نتائج البحث عن (أبو بصير)

1-القاموس المحيط (العشا)

و: العَشَا، مَقْصورَةً: سوءُ البَصَرِ باللَّيْلِ والنَّهارِ،

كالعَشاوةِ، أو العَمَى. عَشِيَ، كَرَضِيَ ودَعا، عَشًى، وهو عَشٍ وأعْشَى، وهي عَشْواءُ.

وعَشَّى الطَّيْرَ تَعْشِيَةً: أوْقَدَ لَها نارًا لتَعْشَى، فَتُصادَ.

وتَعاشَى: تَجَاهَلَ.

وخَبَطَهُ خَبْطَ عَشْواءَ: رَكِبَه على غيرِ بَصيرةٍ.

والعَشْواءُ: الناقةُ لا تُبْصِرُ أمامَها.

وعَشا النارَ،

وـ إليها عَشْوًا وعُشُوًّا: رآها لَيْلًا من بعيدٍ، فَقَصَدَها مُسْتَضِيئًا،

كاعْتَشاها،

وـ بها.

والعُشْوَةُ، بالضم والكسر: تلك النارُ، ورُكوبُ الأمرِ على غيرِ بيانٍ، ويُثَلَّثُ، وبالفتح: الظُّلْمَةُ،

كالعَشْواءِ، أو ما بين أوَّلِ الليلِ إلى رُبْعِهِ.

والعِشاءُ: أوَّلُ الظَّلامِ، أو من المَغْرِبِ إلى العَتَمَةِ، أو من زَوالِ الشمسِ إلى طُلُوعِ الفجرِ.

والعَشِيُّ والعَشِيَّةُ: آخِرُ النَّهارِ

ج: عَشايا وعَشِيَّاتٌ، والسَّحابُ. ولَقِيتُهُ عُشَيْشَةً وعُشَيْشانًا وعُشَّانًا وعُشَيْشِيَةً وعُشَيْشِياتٍ وعُشَيْشِياناتٍ.

والعِشْيُ، بالكسر،

والعَشاءُ، كسَماءٍ: طَعامُ العَشِيِّ

ج: أعْشِيَةٌ.

وَعَشِيَ وتَعَشَّى: أَكَلَه، وهو عَشْيانُ ومُتَعَشٍّ.

وعَشاهُ عَشْوًا وعَشْيانًا: أطْعَمَه

إيَّاهُ،

كعَشَّاهُ وأعْشاهُ.

والعَواشِي: الإِبِلُ والغَنَمُ التي تَرْعَى لَيْلًا،

وبعيرٌ عَشِيٌّ: يُطيلُ العَشاءَ، وهي: بهاءٍ.

وعَشا الإِبِلَ،

وعَشَّاها: رَعاها لَيْلًا.

وعَشِيَ عليه عَشًا، كَرَضِيَ: ظَلَمَهُ،

وـ الإِبِلُ: تَعَشَّتْ، فهي عاشِيَةٌ.

وعَشَّى عنه تَعْشِيَةً: رَفَقَ به.

والعُشْوانُ، بالضم: تَمْرٌ، أو نَخْلٌ،

كالعَشْواءِ.

وصلاتا العَشِيِّ: الظُّهْرُ والعَصْرُ.

والعِشاآنِ: المَغْرِبُ والعَتَمَةُ.

وأعْشَى: أعْطَى.

واسْتَعْشاهُ: وجدَهُ حائرًا،

وـ نارًا: اهْتَدَى بها.

والعِشْوُ، بالكسر: قَدَحُ لَبَن يُشْرَبُ ساعَةَ تَرُوحُ الغَنَمُ أو بعدَها.

وعَشا: فَعَلَ فِعْلَ الأعْشَى.

واعْتَشَى: سارَ وقْتَ العِشاءِ.

وأعْشَى باهِلَةَ: (عامِرٌ).

وأعْشَى بني نَهْشَلٍ: (أسْودُ بنُ يَعْفُرَ)، وهَمْدَانَ (عبد الرحمنِ)، وبني أبي رَبيعَةَ، وطِرْوَدٍ، وبني الحِرْمازِ، وبني أسَدٍ وعُكْلٍ، (كَهْمَسٌ)، وابنُ مَعْرُوفٍ (خَيْثَمَةُ)، وبني عُقَيْلٍ، وبني مالِكٍ، وبني عَوْفٍ (ضابِئٌ)، وبني ضَوْزَةَ (عبدُ اللهِ)، وبنِي جِلاَّنَ (سَلَمَةُ)، وبني قَيْسٍ (أبو بَصيرٍ)،

والأعْشَى التَّغْلَبِيُّ (النُّعْمانُ): شُعَراءُ. وغيرُهم من العُشْيِ: جماعَةٌ.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


2-موسوعة الفقه الكويتية (هدنة 1)

هُدْنَة -1

التَّعْرِيف:

1- الْهُدْنَةُ فِي اللُّغَةِ: السُّكُونُ: مَأْخُوذٌ مِنْ هَدَنَ الْأَمْرُ، أَوِ الشَّخْصُ يَهْدِنُ هُدُونًا.سَكَنَ بَعْدَ الْهَيْجِ، وَيُقَالُ: هَادَنَهُ مُهَادَنَةً: صَالَحَهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهَا الْفُقَهَاءُ بِتَعَارِيفَ مُتَقَارِبَةٍ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ الصُّلْحُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ إِذَا رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: هِيَ عَقْدُ الْمُسْلِمِ مَعَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسَالَمَةِ مُدَّةً لَيْسَ هُوَ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهَا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً بَعِوَضٍ أَوْ غَيْرِ عِوَضٍ، سَوَاءٌ مَنْ يُقَرُّ بِدِينِهِ وَمَنْ لَا يُقَرُّ بِهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هِيَ: عَقْدُ إِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِقَدْرِ الْحَاجَّةِ.

وَتُسَمَّى الْهُدْنَةُ مُوَادَعَةً، وَمُعَاهَدَةً، وَمُسَالَمَةً وَمُصَالَحَةً.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْأَمَانُ:

2- الْأَمَانُ فِي اللُّغَةِ: عَدَمُ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الزَّمَنِ الْآتِي.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: رَفْعُ اسْتِبَاحَةِ دَمِ الْحَرْبِيِّ وَرِقِّهِ وَمَالِهِ حِينَ قِتَالِهِ، أَوِ الْعَزْمُ عَلَيْهِ مَعَ اسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ مُدَّةً مَا.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهُدْنَةِ وَالْأَمَانِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَأْمِينَ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ.

ب- عَقْدُ الذِّمَّةِ:

3- عَقْدُ الذِّمَّةِ هُوَ الْتِزَامُنَا لِلْكُفَّارِ صِيَانَةَ أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ نَشْتَرِطُهَا عَلَيْهِمْ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهُدْنَةِ وَعَقْدِ الذِّمَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ الْأَمَانَ إِلاَّ أَنَّ الْهُدْنَةَ أَمَانٌ مُؤَقَّتٌ، وَعَقْدَ الذِّمَّةِ أَمَانٌ مُؤَبَّدٌ.

مَشْرُوعِيَّةُ الْهُدْنَةِ:

4- لَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْهُدْنَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ.

فَمِنَ الْكِتَابِ قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}.

وَمِنَ السُّنَّةِ: مُهَادَنَتُهُ- صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرَ سِنِينَ.

أَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدَ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُوَادَعَةِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجُمْلَةِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ، وَقَدْ تَجِبُ لِضَرُورَةٍ كَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا إِلْحَاقُ ضَرَرٍ بِالْمُسْلِمِينَ لَا يُتَدَارَكُ.

شُرُوطُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ:

يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ شُرُوطٌ وَهِيَ:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ:

5- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ لَهُ وِلَايَةُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ عَلَى رَأْيَيْنِ:

الرَّأْيُ الْأَوَّلُ: يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ لِلْهُدْنَةِ هُوَ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ.فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَطَرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- هَادَنَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِنَفْسِهِ وَهَادَنَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ بِنَفْسِهِ وَأَمَّنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ عَامَ الْفَتْحِ بِنَفْسِهِ.

وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لِإِشْرَافِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَعْرَفُ بِمَصَالِحِهَا مِنْ أَشْتَاتِ النَّاسِ، وَلِأَنَّ تَجْوِيزَهُ لِغَيْرِهِ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ، وَفِيهِ افْتِيَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ.

وَلِأَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بِصِفَةِ الْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم- كَالتَّبْلِيغِ، وَالْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِصِفَةِ الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إِلاَّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ- صلى الله عليه وسلم-؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْإِمَامِ بِالْوِلَايَةِ أَنْفَذَ، وَهُوَ عَلَى التَّدْبِيرِ وَالْحِرَاسَةِ أَقْدَرُ، فَإِنِ اسْتَنَابَ فِي عَقْدِهَا مِنْ أَمْرِهِ صَحَّ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ عَنْ رَأْيِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُبَاشِرَهَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ عَامُّ النَّظَرِ، فَلَمْ يَفْرُغْ لِمُبَاشَرَةِ كُلِّ عَمَلٍ، فَإِنِ اسْتَنَابَ فِيهَا مَنْ فَوَّضَ عَقْدَهَا إِلَى رَأْيِهِ جَازَ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ، وَكَانَ عَقْدُهَا مَنْسُوبًا إِلَى الْمُسْتَنَابِ الْمُبَاشِرِ، وَمِنْ قَبْلِهِ مَنْسُوبًا إِلَى الْمُسْتَنِيبِ الْآمِرِ، وَهُمَا فِي اللُّزُومِ سَوَاءٌ، وَلِخَبَرِ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ الْعَهْدَ وَالْهُدْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا وَهَادَنَهُمْ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجِيزُوا أَمَانَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: أَمَّا وُلَاةُ الثُّغُورِ فَإِنْ كَانَ تَقْلِيدُهُمْ يَتَضَمَّنُ الْجِهَادَ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْقِدَ هُدْنَةً إِلاَّ قَدْرَ الِاسْتِرَاحَةِ فِي السَّنَةِ: وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَنَةً؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ فِي كُلِّ سَنَةٍ.

وَفِيمَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَسَنَةٍ قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ عَنِ الْجِهَادِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ هُدْنَةٍ فَكَانَ مَعَ الْهُدْنَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.

وَإِنْ تَضَمَّنْ تَقْلِيدُ وَالِي الثُّغُورِ الْعَمَلَ بِرَأْيِهِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُوَادَعَةِ جَازَ أَنْ يَعْقِدَ الْهُدْنَةَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا لِدُخُولِهَا فِي وِلَايَتِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنِ انْعَقَدَتْ.

هَذَا فِي مُهَادَنَةِ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا أَوْ أَهْلِ إِقْلِيمٍ كَبِيرٍ، وَيَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ الْمُهَادَنَةُ مَعَ أَهْلِ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فِي إِقْلِيمِهِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَكَأَنَّهُ مَأْذُونٌ.

فِيهِ بِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إِلَيْهِ.

الرَّأْيُ الثَّانِي- لِلْحَنَفِيَّةِ-: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْإِمَامِ لِلْمُوَادَعَةِ، فَيَجُوزُ عَقْدُ الْمُوَادَعَةِ لِفَرِيقٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ فِي عَقْدِهَا؛ فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَتْ، وَلِأَنَّ مُوَادَعَةَ الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ الْحَرْبِ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَإِعْطَاءِ الْأَمَانِ مَثَلًا وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمُوَادَعَةِ.

وَفَرَّعُوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَقَالُوا: لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا وَادَعَ أَهْلَ حَرْبٍ سَنَةً عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ جَازَتْ مُوَادَعَتُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْزُوهُمْ، وَإِنْ قَتَلُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ غَرِمُوا دِيَتَهُ لِأَنَّ مُوَادَعَةَ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ مُوَادِعَتِهِمْ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْإِمَامُ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ أَمْضَى مُوَادَعَتَهُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمُسْلِمِينَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي إِمْضَاءِ الْمُوَادَعَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ خَوْفَ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا وَاحِدٍ مِنْهُمْ، لِهَذَا يَأْخُذُ الْإِمَامُ الْمَالَ مِنَ الْعَاقِدِ فَيَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ مُوَادَعَتَهُ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي إِمْضَاءِ تِلْكَ الْمُوَادَعَةِ أَمْضَاهَا وَأَخَذَ الْمَالَ فَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُنْشِئَ الْمُوَادَعَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا؛ فَلأَنْ يُمْضِيَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ أَوْلَى.فَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إِبْطَالِهَا رَدَّ الْمَالَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ نَبَذَ إِلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَقَاتَلَهُمْ؛ لِأَنَّ أَمَانَ الْمُسْلِمِ كَانَ صَحِيحًا وَالتَّحَرُّزَ عَنِ الْغَدْرِ وَاجِبٌ.فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى نِصْفُ السَّنَةِ فَفِي الْقِيَاسِ: يَرُدُّ نِصْفَ الْمَالِ وَيُمْسِكُ النِّصْفَ الْآخَرَ لِلْمُسْلِمِينَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَقِيَاسًا بِالْمُوَادَعَةِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ.فَهُنَاكَ إِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ سَقَطَ مِنَ الْأُجْرَةِ مَا بَقَّى وَيَتَقَرَّرُ بِحِسَابِ مَا مَضَى.وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرُدُّ الْمَالَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا الْمَالَ إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ تُسَلَّمَ الْمُوَادَعَةُ لَهُمْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَالْجَزَاءُ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ جُمْلَةً وَلَا يَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَكَلِمَةُ «عَلَى» لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً، وَالْمُوَادَعَةُ فِي الْأَصْلِ لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، قَالُوا: فَجَعَلْنَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِيهَا عَامِلَةً بِحَقِيقَتِهَا.فَإِذَا لَمْ تُسَلَّمْ لَهُمُ الْمُوَادَعَةُ سَنَةً كَامِلَةً وَجَبَ رَدُّ الْمَالِ كُلِّهِ إِلَيْهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا يَكُونُ خَوْفُهُمْ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ دُونَ بَعْضٍ، قَدْ يَأْمَنُونَ مَثَلًا الشِّتَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَدُوُّ دُونَ الصَّيْفِ وَيَخَافُونَ ذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَإِذَا نَبَذَ الْعَهْدَ إِلَيْهِمْ فِي وَقْتِ خَوْفِهِمْ وَمَنَعَ مِنْهُمْ بَعْضَ الْمَالِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ مَقْصُودِهِمْ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْغُرُورِ فَيَرُدُّ الْمَالَ كُلَّهُ إِنْ نَبَذَ إِلَيْهِمُ الْعَهْدَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ.

وَإِنْ كَانُوا وَادَعُوهُ ثَلَاثَ سِنِينَ كُلَّ سَنَةٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَقُبِضَ الْمَالُ كُلُّهُ، ثُمَّ أَرَادَ الْإِمَامُ نَقْضَ الْمُوَادَعَةِ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمُ الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ كَانَتْ هُنَا بِحَرْفِ «الْبَاءِ» وَهُوَ يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ فَيَكُونُ الْمَالُ عِوَضًا فَيَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْمَصْلَحَةُ:

6- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَكْفِي انْتِفَاءُ الْمَفْسَدَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَادَعَتِهِمْ بِلَا مَصْلَحَةٍ وَلَا حَاجَةَ، لقوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.

وَالْمَصْلَحَةُ الْمُبِيحَةُ عَقْدَ الْمُوَادَعَةِ هِيَ كُلُّ مَا يُحَقِّقُ لِلْمُسْلِمِينَ غَرَضًا مَقْصُودًا شَرْعًا، بِأَنْ يَكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ مِنْ قِلَّةِ عَدَدٍ أَوْ عُدَّةٍ أَوْ مَالٍ، وَالْعَدُوُّ قَوِيٌّ، أَوْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ وَفِي الْمُوَادَعَةِ مَصْلَحَةٌ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ: بِأَنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُمْ بِالْمُوَادَعَةِ بِاخْتِلَاطِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُطْمَعَ فِي قَبُولِهِمْ بَذْلَ الْجِزْيَةِ، أَوْ يَكُفُّوا عَنْ مَعُونَةِ عَدُوٍّ ذِي شَوْكَةٍ، أَوْ يُعِينُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ، فَإِنْ لَمْ تَدْعُ إِلَى عَقْدِهَا حَاجَةٌ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا بِالِاتِّفَاقِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: تَعْيِينُ مُدَّةِ الْهُدْنَةِ:

7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِصِحَّةِ الْهُدْنَةِ:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ مُطْلَقَةً؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَهَا بِلَا تَحْدِيدِ مُدَّتِهَا يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ الْجِهَادِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ: فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا حَدَّ وَاجِبٌ لِمُدَّةِ الْهُدْنَةِ بَلْ هِيَ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَرَأْيِهِ؛ إِذْ شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ فِي مُدَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَلَا عَلَى الْإِبْهَامِ، ثُمَّ تِلْكَ الْمُدَّةُ لَا حَدَّ لَهَا بَلْ يُعَيِّنُهَا الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ.

لَكِنْ يُنْدَبُ أَنْ لَا تَزِيدَ الْمُدَّةُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ قُوَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إِذَا اسْتَوَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهَا وَإِلاَّ تَعَيَّنَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ، فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ بِقُوَّةٍ وَكَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي عَقْدِهَا رَجَاءَ إِسْلَامِهِمْ أَوْ بَذْلِهِمُ الْجِزْيَةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ، غَيْرَ ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ.

وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ وَمَا دُونَهَا إِنْ كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- هَادَنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَامَ الْفَتْحِ رَجَاءَ إِسْلَامِهِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي قُوَّةٍ، وَهَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَكَانَ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ.

وَقَالُوا: إِنْ زَادَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَلَى الْعَشْرِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ عَنْ حَظْرٍ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُدَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مُدَّةُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَمُدَّةُ الْعَشْرِ سِنِينَ، لِمُصَالَحَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَقُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ، وَفِيمَا زَادَ يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ.فَعَلَيْهِ إِنْ زَادَ الْإِمَامُ الْمُدَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، وَعَلَى الْعَشْرِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الزَّائِدِ، وَفِي بُطْلَانِهَا عَلَى الْجَائِزِ قَوْلًا: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي عَقْدِهَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، أَظْهَرُهُمَا الْمَنْصُوصُ: يَبْطُلُ بِالزَّائِدِ فَقَطْ، تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ كُلُّهُ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى رَأَى الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ الْمَصْلَحَةَ فِي عَقْدِهَا لِضَعْفٍ فِي الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْقِتَالِ، أَوْ لِمَشَقَّةِ الْغَزْوِ أَوْ لِطَمَعِهِ فِي إِسْلَامِهِمْ، أَوْ فِي أَدَائِهِمُ الْجِزْيَةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ جَازَ لَهُ عَقْدُهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ تَقْدِيرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَوْ فَوْقَ عَشْرِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا تَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ، فَجَازَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا كَمُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ عَقْدُهَا لِلْمَصْلَحَةِ فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَتْ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ.وَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقًا بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي التَّأْيِيدَ وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الْمُوَادَعَةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنِ الْمُدَّةِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الصُّلْحِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَكِنْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَقْيِيدِهَا بِرُؤْيَةِ مَصْلَحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ بِآيَةٍ أُخْرَى هِيَ قوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} وَوَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَا يَقْتَصِرَ جَوَازُ الْمُوَادَعَةِ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى- وَهُوَ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ- أَوْ ثُبُوتِ مَصْلَحَتِهِمْ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ إِلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْمُوَادَعَةِ تَدُورُ مَعَ الْمَصْلَحَةِ، وَهِيَ قَدْ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: خُلُوُّ عَقْدِ الْهُدْنَةِ عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ:

8- لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَ الْهُدْنَةَ عَلَى شُرُوطٍ مَحْظُورَةٍ قَدْ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهَا: كَأَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى خَرَاجٍ يَضْرِبُونَهُ عَلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى مَالٍ يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ أَوْ عَلَى رَدِّ مَا غَنِمَ مِنْ سَبِّيِ ذَرَارِيهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مَغْنُومَةٌ، أَوْ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ أَوِ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ، أَوْ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ أَبَدًا.أَوْ عَلَى أَلاَّ يَسْتَنْقِذَ أَسْرَانَا مِنْهُمْ، فَهَذِهِ وَمَا شَاكَلَهَا شُرُوطٌ مَحْظُورَةٌ قَدْ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ، فَإِنْ شَرَطَ بَطَلَتِ الشُّرُوطُ وَعَلَى الْإِمَامِ نَقْضُهَا لقوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} وَلِقَوْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه-: تُرَدُّ النَّاسُ مِنَ الْجَهَالَاتِ إِلَى السُّنَّةِ.

9- مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ اشْتِرَاطُ رَدِّ مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا مِنَ الْكُفَّارِ.

فَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ الرَّدِّ أَوْ أَطْلَقَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي عِقْدِ الْهُدْنَةِ رَدًّا وَلَا عَدَمَهُ أَوْ خَصَّ بِالنِّسَاءِ فَلَا رَدَّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ خَصَّ الرَّدَّ بِالرِّجَالِ، أَوْ ذَكَرَ الرَّدَّ وَلَمْ يُخَصَّصْ بِنَوْعٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الرَّدِّ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ رَدَّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} هُوَ دَلِيلُ النَّسْخِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَيْضًا، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ، بَلْ مَفْسَدَةُ رَدِّ الْمُسْلِمِ إِلَيْهِمْ أَكْبَرُ، وَلَا يَغْرَمُ لِأَزْوَاجِ الْمُسْلِمَاتِ مَا أَنْفَقُوا مِنْ مُهُورِهِنَّ، وَحِينَ شَرَعَ الرَّدَّ كَانَ فِي قَوْمٍ لَا يُبَالِغُونَ فِي تَعْذِيبِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ لَا تَتَعَرَّضُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلَةٍ أُخْرَى؛ وَإِنَّمَا تَتَوَلَّى رَدْعَهُ عَشِيرَتُهُ وَهُمْ لَا يَبْلُغُونَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنَ الْقَيْدِ وَالسَّبِّ وَالْإِهَانَةِ.

وَكَانَ بِمَكَّةَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- جَمَاعَةٌ أَسْلَمُوا مِثْلُ أَبِي جَنْدَلٍ وَأَبِي بَصِيرٍ إِلَى سَبْعِينَ رَجُلًا وَلَمْ يَبْلُغْ فِيهِمُ الْمُشْرِكُونَ النِّكَايَةَ لِعَشِيرَتِهِمْ، وَالْأَمْرُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَطْلُبُهُ- إِلَى أَنَّهُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِالشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا عَلَيْهِمْ، فَجَاءَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ أَنْ تَرُدَّهُ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِأَبِي جَنْدَلٍ: يَا أَبَا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّا لَا نَغْدِرُ، وَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا».ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَرَدَّهُ.ثُمَّ جَاءَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ فَجَاءَ أَخَوَاهَا فِي طَلَبِهَا: عُمَارَةُ وَوَلِيدٌ ابْنَا عُقْبَةَ وَجَاءَتْ سَعِيدَةُ زَوْجَةُ الصَّيْفِيِّ الرَّاهِبِ الْمُشْرِكِ مَسْلَمَةً فَجَاءَ فِي طَلَبِهَا زَوْجُهَا، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ قَدْ شَرَطْتَ لَنَا رَدَّ النِّسَاءِ وَطِينُ الْكِتَابِ لَمْ يَجِفَّ بَعْدُ فَارْدُدْ عَلَيْنَا نِسَاءَنَا فَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ رَدِّهِنَّ تَوَقُّعًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِنَّ حَتَّى نَزَلَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

فَامْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حِينَئِذٍ مِنْ رَدِّهِنَّ، وَمِنْ رَدِّ النِّسَاءِ كُلِّهِنَّ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ بِالنِّسَاءِ».

وَتُفَارِقُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِي ثَلَاثِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَا تَأْمَنُ أَنْ تَتَزَوَّجَ كَافِرًا يَسْتَحِلُّهَا، أَوْ يُكْرِهُهَا مَنْ يَنَالُ مِنْهَا.

الثَّانِي: إِنَّهَا رُبَّمَا فُتِنَتْ عَنْ دِينِهَا؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ قَلْبًا وَأَقَلُّ مَعْرِفَةً مِنَ الرَّجُلِ.

الثَّالِثُ: إِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُمْكِنُهَا عَادَةً الْهَرَبُ وَالتَّخَلُّصُ، وَإِنَّ النِّسَاءَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ يُحَرَّمْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ بِالْإِسْلَامِ وَلَا يَقْدِرْنَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ، فَلِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ فِي الرَّدِّ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.فَإِنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ الشَّرْطُ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَ لَهَا عَشِيرَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا.وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَجْهٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَصِحُّ الْعَقْدُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ جَوَازَ اشْتِرَاطِ رَدِّ مَنْ جَاءَ مِنَ الرِّجَالِ مُسْلِمًا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ يُعْتَبَرُ بِأَحْوَالِهِمْ عِنْدَ قَوْمِهِمْ وَفِي عَشَائِرِهِمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ أَوْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى قَهْرِ طَالِبِيهِمْ وَالْهَرَبِ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانُوا مُسْتَذَلِّينَ فِيهِمْ لَيْسَ لَهُمْ عَشِيرَةٌ تَكُفُّ عَنْهُمُ الْأَذَى وَطَلَبُوهُمْ لِيُعَذِّبُوهُمْ وَيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، لَمْ يَجُزْ رَدُّهُمْ إِلَيْهِمْ.وَكَانَ الشَّرْطُ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِرَدِّهِمْ بَاطِلًا كَمَا بَطَلَ فِي رَدِّ النِّسَاءِ، حَقْنًا لِلدِّمَاءِ وَكَفًّا عَنْ تَعْذِيبِهِمْ وَاسْتِذْلَالِهِمْ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ» وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ فَكُّ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ عَوْنًا عَلَى أَسْرِ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ قَدْ أَمِنَ أَنْ يُفْتَنَ عَنْ دِينِهِ أَوْ يَسْتَذِلَّهُ مُسْتَطِيلٌ عَلَيْهِ فَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَصَحَّتِ الْهُدْنَةُ بِاشْتِرَاطِ رَدِّهِ، فَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ، وَرَدَّ أَبَا بَصِيرٍ عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَ ذَوِي عَشِيرَةٍ، وَطَلَبَهُمَا أَهْلُوهُمَا إِشْفَاقًا عَلَيْهِمَا فِي زَعْمِهِمْ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الصِّبْيَانَ وَالْمَجَانِينَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِشَرْطِ رَدِّهِمْ وَلَا يُرَدُّونَ لِضَعْفِهِمْ وَلَا غُرْمَ فِي تَرْكِ رَدِّهِمْ، فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَإِنْ وَصَفَا الْإِسْلَامَ رُدَّا إِنْ كَانَا مُمْتَنِعَيْنِ بِعَشِيرَةٍ وَأَهْلٍ، وَإِنْ كَانَا مُسْتَضْعَفَيْنِ لَمْ يُرَدَّا، وَإِنْ وَصَفَا كُفْرًا لَا يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمَا وَإِمَّا أَنْ يُرَدَّا إِلَى مَأْمَنِهِمَا، وَإِنْ وَصَفَا كُفْرًا يُقَرُّ أَهْلُهُ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمَا وَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَا الْجِزْيَةَ، وَإِمَّا أَنْ يُرَدَّا إِلَى مَأْمَنِهِمَا.

وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ فِي صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ أَسْلَمَ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ يَضْعُفُ عَنِ التَّخَلُّصِ مِنَ الْكُفَّارِ؛ أَمَّا شَرْطُ رَدِّ الطِّفْلِ مِنْهُمْ لَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ كَكَوْنِهِ دُونَ التَّمْيِيزِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ شَرْعًا وَلَا يَصْحُّ مِنْهُ الْإِسْلَامُ لَوْ أَتَى بِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ.

دَفْعُ مَهْرِ مَنْ جِئْنَ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ لِأَزْوَاجِهِنَّ:

10- إِذَا شَرَطَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ رَدَّ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا مِنْهُمْ، أَوْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَذْكُرْ رَدًّا وَلَا عَدَمَهُ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَمْ يَجِبْ دَفْعُ مَهْرٍ لِزَوْجِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ- الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةِ- قَالُوا: لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى يَشْمَلَهُ الْأَمَانُ وَلِارْتِفَاعِ نِكَاحِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ بِالْإِسْلَامِ، أَمَّا غُرْمُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْمَهْرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِيعِ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلَ مَنْعِ رَدِّهِنَّ وَدُخُولِهِنَّ فِي عُمُومِ: «مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا مِنْكُمْ رَدَدْنَاهُ».

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْهُ مُسْلِمَةً ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ الشَّرْطِ بِهِ نَصًّا، أَوْ دُخُولَهُنَّ فِي عُمُوم «مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا».

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ: إِذَا أُمْسِكَتِ الْمُسْلِمَةُ وَلَمْ يَرُدَّهَا رَدَّ عَلَى زَوْجِهَا مَا أَنْفَقَهُ؛ لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَهْرُ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَقَالُوا: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا أُمْسِكَتِ الزَّوْجَةُ الْمُسْلِمَةُ أَنْ يُرَدَّ عَلَى زَوْجِهَا مَا أَنْفَقَ وَفَاءً بِالْعَهْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ أَهْلِهِ بِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ أُمِرَ بِرَدِّ الْمَالِ إِلَيْهِ؛ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيْهِ خُسْرَانٌ فِي الْوَجْهَيْنِ: الزَّوْجَةِ وَالْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْعَهْدَ قَدْ أَوْجَبَ الْأَمَانَ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَبُضْعُ الزَّوْجَةِ فِي حُكْمِ الْمَالِ لِصِحَّةِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهِ نِكَاحًا وَخُلْعًا؛ فَاقْتَضَى أَنْ يَجِبَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الْمَهْرُ.

شَرْطُ رَدِّ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِمْ مُرْتَدًّا:

11- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ أَتَى إِلَيْهِمْ مُرْتَدًّا لَزِمَهُمُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، عَبْدًا كَانَ أَمْ حُرًّا، ذَكَرًا كَانَ أَمْ أُنْثَى، عَمَلًا بِالْتِزَامِهِمْ فَإِنْ أَبَوْا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ لِمُخَالَفَتِهِمُ الشَّرْطَ.

وَيَجُوزُ شَرْطُ أَنْ لَا يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: «أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقَالَ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا» وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُهُمُ الرَّدُّ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ فَلَا يَلْزَمُهُمُ الرَّدُّ، وَلَكِنْ يُغَرَّمُونَ مَهْرَ الْمُرْتَدَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا عَلَيْنَا الِاسْتِتَابَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْنَا؛ وَكَذَلِكَ يُغَرَّمُونَ قِيمَةَ الرَّقِيقِ الْمُرْتَدِّ.

عَقْدُ الْهُدْنَةِ بِشَرْطٍ مَحْظُورٍ لِلضَّرُورَةِ:

12- يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ عَقْدُ الْهُدْنَةِ بِشَرْطٍ مَحْظُورٍ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ بَذْلِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ.

فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ عَلَى مَالٍ يَبْذُلُهُ الْمُسْلِمُونَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ مَا لَمْ تَدْعُ إِلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَأَظْهَرَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا وَجَعَلَ لَهُمُ الْجَنَّةَ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} فَلَمْ يَجُزْ مَعَ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ وَعِزِّ الْإِسْلَامِ أَنْ يَدْخُلُوا فِي ذُلِّ الْبَذْلِ وَصَغَارِ الدَّفْعِ، أَمَّا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ فَيَجُوزُ.

وَمِنْ صُوَرِ الضَّرُورَةِ:

أ- أَنْ يُحَاطَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالٍ أَوْ وَطْءٍ يَخَافُونَ مَعَهُ الِاصْطِلَامَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْذُلُوا فِي الدَّفْعِ عَنِ اصْطِلَامِهِمْ مَالًا يَحْقِنُونَ بِهِ دِمَاءَهُمْ، فَقَدَ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْخَنْدَقِ أَنْ يُصَالِحَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ وَشَاوَرَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَا: إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لِأَمْرِ اللَّهِ، بِأَمْرِ اللَّهِ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ نَقْبَلْهُ.

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو الْغَطَفَانِيَّ رَئِيسَ غَطَفَانَ قَالَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: يَا مُحَمَّدُ، شَاطِرْنَا تَمْرَ الْمَدِينَةِ.فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ السُّعُودَ، فَبَعَثَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَسَعْدِ بْنِ خَيْثَمٍ وَسَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ.فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّ الْحَارِثَ سَأَلَكُمْ تُشَاطِرُوهُ تَمْرَ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَامَكُمْ هَذَا فِي أَمْرِكُمْ بَعْدُ.فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَحْيٌ مِنَ السَّمَاءِ فَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ، أَوْ عَنْ رَأْيِكَ وَهَوَاكَ فَرَأَيْنَا نَتَّبِعُ هَوَاكَ وَرَأْيَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ الْإِبْقَاءَ عَلَيْنَا فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتَنَا وَإِيَّاهُمْ عَلَى سَوَاءٍ، مَا يَنَالُونَ مِنَّا تَمْرَةً إِلاَّ شِرَاءً أَوْ قِرًى.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: هُوَ ذَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُونَ» هُوَ- وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِمْ- فَقَدْ نَبَّهَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْأَنْصَارِ عَلَى جَوَازِ إِعْطَائِهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلِأَنَّ مَا يَنَالُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نِكَايَةِ الِاصْطِلَامِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ ذِلَّةِ الْبَذْلِ، فَافْتَدَى بِهِ أَعْظَمَ الضَّرَرَيْنِ.

ب- افْتِدَاءُ مَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَسْرَى إِذَا خِيفَ عَلَى نُفُوسِهِمْ وَكَانُوا يَسْتَذِلُّونَهُمْ بِعَذَابٍ أَوِ امْتِهَانٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ لَهُمُ الْإِمَامُ فِي افْتِكَاكِهِمْ مَالًا لِيَسْتَنْقِذَهُمْ بِهِ مِنَ الذُّلِّ، وَإِنِ افْتَدَاهُمْ بِأَسْرَى كَانَ أَوْلَى.

وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَادَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ».

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


3-تاج العروس (كرد)

[كرد]: الكَرْدُ: العُنُقُ، لُغَة في القَرْدِ، فارِسِيّ مُعَرَّب، قال الشاعر:

فَطَارَ بِمَشْحُوذِ الحَدِيدَةِ صَارِمٍ *** فَطَبَّقَ مَا بَيْنَ الذُّؤَابَةِ والكَرْدِ

وقال آخر:

وكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه *** ضَرَبْنَاهُ دُون الأُنْثَيَيْنِ عَلَى الكَرْدِ

أَوْ أَصْلُها، وهو مَجْثَمُ الرّأْسِ على العُنق، وتأْنيثُ الضَّمير على لُغةِ بعضِ أَهلِ الحِجاز، فإِنهم يُؤنِّثون العُنُقَ، وهي مَرجُوحةٌ، قاله شيخُنَا. وفي اللسان: والحَقيقة في الكَرْد أَنه أَصْلُ العُنُقِ.

والكَرْدُ: السَّوْقُ وطَرْدُ العَدُوِّ كَرَدَهم يَكْرُدُهم كَرْدًا: ساقَهم وطَرَدَهم ودَفَعَهم، وخَصَّ بعضُهم بالكَرْدِ سَوْقَ العَدُوِّ في الحَمْلَةِ. وفي حديثِ عُثْمَانَ رَضي اللهُ عنه لمَّا أَرادوا الدُّخول عليه لقتله: «جَعَلَ المُغِيرَةُ بنُ الأَخْنَسِ يَحْمِل عَلَيْهِم وَيَكْرُدُهم بِسَيْفِه» أَي يَكُفُّهم ويَطْرُدُهم.

والكَرْدُ: القَطْعُ، ومنه: شَارِبٌ مَكْرُودٌ؛ أَي مقطوع.

والكَرْدُ: بالضمِّ: جِيلٌ معروف معروف وقبائلُ شَتَّى، الجمع: أَكْرَادٌ كقُفل وأَقْفَالٍ، واختُلِف في نَسبهم، فقيل: جَدُّهم كُرْدُ بن عَمْرٍ ومُزَيْقَاءَ وهو لَقَبٌ لِعَمْرٍ و، لأنه كان كلَّ يوم يَلْبَس حُلَّةً، فإِذا كان آخر النهار مَزَّقها لئلا تُلْبَس بعدَه، ابنِ عامِرِ بنِ ماءِ السَّماءِ، هكذا في سائر النُّسخ والصواب أَنّ ماءَ السماءِ لَقَبٌ لعامر، ويَدُلُّ له قولُ الشاعِرِ:

أَنَا ابنُ مُزَيْقِيَا عَمْرٍو وجَدِّي *** أَبوه عامِرٌ ماءُ السَّماءِ

هكذا رواه أَهلُ الأَنْسَاب، كابن حَزْمٍ وابن رَشِيق والسُّهَيليّ، ويرويه النحويّون أَبُوه مُنْذِرٌ، بدل «عامر» وهو غَلَطٌ، قاله شيخُنا، وإِنما لُقِّب به لأَنه كان إِذا أَجْدَب القَوْمُ وحَلَّ بهم المَحْلُ مَانَهم وقامَ بِطَعَامِهِم وشرابهِم حتى يَأْتِيَهم المَطَرُ، فقالوا له: ماءُ السماءِ. قلت: وعامرٌ ماءُ السماءِ أَعْقَب عِمْرَانَ بن عامِر وعَمْروًا مُزَيْقِياءَ، فهما ابنا عامرٍ ماءِ السماءِ بن حارِثةَ الغِطْرِيفِ بنِ امرِئ القيس الغِطريفِ بن ثَعْلَبة البُهْلول بن مازن السِّراج بن الأَزد، والعَقِب من عمرٍ ومُزيقياءَ في سِتِّ أَبْطُنٍ: ثَعْلَبَة العَنْقَاء، وحارِثَة، وجَفْنَة، وعِمْرَان، ومُحَرِّق، وكَعْب. أَولاد عَمْرو، ومن ثَعلبةَ العنقاءِ: الأَوْسُ والخَزْرَجُ، كما حَقّقناه في مُؤلّفاتنا في هذا الفن، وهذا الذي ذهب إِليه المُصنّف هو الذي جَزم به ابنُ خِلِّكان في وَفَيات الأَعيان، في ترجمة المُهلَّب بن أَبي صُفْرة. قال: إِن الأَكْرَاد من نَسْل عَمْرٍو مُزيقياءَ، وَقَعوا إِلى أَرْض العَجَم فتَنَاسَلُوا بها وكَثُر وَلَدُهم، فَسُمُّوا الأَكرادَ، قال بعضُ الشعراءِ:

لَعَمْرُكَ مَا الأَكْرَادُ أَبْنَاءُ فَارِسٍ *** ولكِنَّهُ كُرْدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَامِرِ

هكذا زَعَمَ النسّابون. وقال ابنُ قُتَيبة في كتابِ المَعَارِف: تَذْكُر العَجَمُ أَنَّ الأَكْرَادَ فَضْلُ طعام بِيورَاسفَ.

وذلك أَنه كان يَأْمُر أَن يُذْبَح له كُلَّ يوم إِنسانانِ ويتّخذ طعامَه من لُحومِهما، وكان له وزيرٌ يقال له أَرياييل، فكان يذبَح واحدًا ويُبْقِي واحدًا يَسْتَحْيِيه ويَبعثُ بهِ إِلى جبَلِ فَارِس، فتوالَدوا في الجِبال وكَثُروا. قال شيخنا: وقد ضَعَّفَ هذا القولَ كثيرٌ من أَهلِ الأَنسابِ. قلت: وبيوراسف هذا هو الضَحَّاك المارِي، مَلَكَ العَجَمَ بعدَ جم بن سُلَيْمان أَلفَ سَنَةٍ، وفي مفاتيحِ العُلومِ هو مُعَرَّب دَهْ آك؛ أَي ذو عَشْرِ آفاتٍ، وقيل معرَّب أَزدها؛ أَي التّنِّينُ، للسَّلَعَتَيْنِ اللَّتينِ كانَتَا له، وقال أَبو اليقظان: هو كُرْدُ بن عمرِو بن عامِرِ بن رَبِيعَةَ [بن عامر] بن صَعْصَعَةَ، وقد أَلَّفَ في نَسَب الأَكْرَادِ فاضلُ عصرِه العلَّامَةُ محمّد أَفندي الكُرْدِيّ، وذكر فيه أَقولًا مختلِفَةً بعضُها مُصادِمٌ للبَعْضِ، وخَبَطَ فيه خَبْطَ عَشْوَاءَ، ورَجَّح فيه أَنه كُرْد بن كَنْعَانَ بن كوش بن حام بن نوح، وهم قبائلُ كثيرةٌ، ولكنهم يَرجِعُون إِلى أَربعةِ قبائلَ، السوران والكوران والكلهر واللرّ. ثم أَنّهم يتشَعَّبون إِلى شُعوبٍ وبُطونٍ وقَبَائلَ كثيرةٍ لا تُحْصَى، مُتغايِرَةٌ أَلسِنتهم وأَحوالُهم.

ثم نَقَلَ عن مناهج الفكر ومباهج العبر للكُتْبِيّ ما نَصُّه: أَمَّا الأَكرادُ فقال ابنُ دُرَيدٍ في الجمهرة: الكُرْدُ أَبو هذا الجِيلِ الذين يُسمَّوْنَ بِالأَكراد، فزعمَ أَبو اليَقظانِ أَنَّه كُرْدُ بن عمرِو بن عامر [بن: ربيعةَ بنِ عامر] بن صَعْصَعَةَ. وقال [ابن] الكلبِيِّ: هو كُرْد بن عمرو مزيقياءَ. وقعوا في نَاحِيَةِ الشَّمَال لَمَّا كان سَيْلُ العَرِم، وتَفَرَّقَ أَهلُ اليَمن أَيْدِي سَبَا.

وقال المسعوديُّ: ومن الناس مَن يَزعم أَن الأَكراد من ولَد رَبيعةَ بنِ نِزارٍ، ومنهم مَن يزعم أَنهم من وَلَدِ مُضَرَ بن نِزارٍ، ومنهم من زعم أَنهم من ولد كُرْدِ بن كَنْعَانَ بن كُوش بن حام. والظاهر أَن يكونوا من نَسْلِ سامٍ، كالفُرْسِ، لما مَرَّ من الأَصْل، وهم طوائف شَتَّى، والمعروف منهم السورانية والكورانية والعمادية والحكارية والمحمودية والبختية والبشوية والجوبية والزرزائية والمهرانية والجاوانية والرضائية والسروجية والهارونية واللرية، إِلى غير ذلك من القبائل التي لا تُحْصَى كَثْرَةً، وبلادهم أَرضُ الفارِس وعراقُ العَجَم والأَذربيجان والإِربل والمَوْصِل، انتهى كلامُ المسعوديّ ونقله هكذا العلامة محمد أَفندي الكُرديّ في كتابه. قلت: والذي نقل البُلبيسيّ عن المسعوديّ نصّ عبارته: هكذا تنازعَ الناس في بدءِ الأَكراد، فمنهم من رأَى أَنهم من ربيعة بن نزار بن بكر بن وائل، انفردوا في الجبال قديمًا لحالٍ دعتهم إِلى ذلك، فجاوروا الفُرس فحالت لغتهم إِلى العُجمة، وولدَ كلّ نوع منهم لغة لهم كُردية، ومنهم من رأَى أَنهم من ولد مضر بن نزار، وأَنهم من ولد كُرد بن مرد بن صعصعة [بن هوازن] انفردوا قديمًا لدماءٍ كانت بينهم وبين غسّانَ، ومنهم من رأَى أَنهم من ولد ربيعة بن مضر اعتصموا بالجبال طلبًا للمياه والمرعى، فحالوا عن العربية لمن جاورهم من الأُمم، وهم عند الفُرس من ولد كرد بن إِسفنديار بن منوجهر، ومنهم من أَلحقهم بإِماءِ سليمان عليه‌السلام حين وقع الشيطانُ المعروف بالجَسد على المنافقات فعلِقن منه وعُصِمَ منهن المؤمنات، فلما وضعْن قال: اكردوهن إِلى الجبال. منهم ميمون بن جابان أَبو بصير الكردي قاله الرشاطي عن أَبيه، انتهى ثم قال محمد أَفندي المذكور: وقيل أَصل الكرد من الجنّ، وكل كرديّ على وجه الأَرض يكون رُبعه جِنيًّا، وذلك لأَنهم من نسل بِلْقيس، وبلقيس بالاتفاق أُمها جِنيّة، وقيل: عصى قوم من العرب سليمانَ عليه‌السلام وهربوا إِلى العجم، فوقعوا في جَوَارٍ كان اشتراها رجل لسليمان عليه‌السلام، فتناسلت منها الأَكراد، وقال أَبو المعين النسفيّ في بحر الكلام: ما قيل إِن الجنّيّ وصل إِلى حرم سليمان عليه‌السلام وتصرف فيها وحصل منها الأَكراد باطلٌ لا أَصل له، انتهى. قلت: وذكر ابن الجواني النسّابة في آخر المقدمة الفاضليّة عند ذِكر ولد شالخ بن أَرفخشذ ما نصُّه: والعقب من فارسان بن أَهلو بن أَرم بن أَرفخشذ أَكراد بن فارسان جد القبيلة المعروفة بالأَكراد، هذا على أَحد الأَقوال، وأَكثر من يَنسبهم إِلى قيس، فيقول كُرد بن مرد بن عمرو بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هَوَازن بن منصور بن عِكرمة بن خَصَفة بن قيس عَيلان بن مُضر بن نِزار بن معدّ بن عدنان، ويُجرِي عَمْرًا مُجرَى باسل بن ضبّة جدّ الدَّيلم في خروجه إِلى بلاد العجم مغاضِبًا لأَهله، فأَوْلد فيها ما أَوْلد. قال: وعليه اعتمد الأَرقطيَّ النسابة في شجرته. ومن أَراد الزيادة على ذلك فعليه بكتاب الجوهر المكنون في القبائل والبطون لابن الجواني المذكور، وفيما ذكرنا كفاية، والله أَعلم.

والكُرْدُ: الدَّبْرَةُ مِن المَزَارعِ معرب، وهي المَشَارات؛ أَي سَواقيها، الواحدةُ بهاءٍ والجمع كُرُودٌ، قال الصاغانيّ: وهو مما وافق كلامَ العرب من كلام العجم، كالدَّشْتِ والسَّخْت.

والكُرْدُ: قرية بالبيضاءِ بفارسَ، منها أَبو الحسن عليّ بن الحسن بن عبد الله الكُرْدِيّ.

وكُرْدُ بنُ القاسِم، وأَظُّن هذا تصحيفًا من كُرْدِين بن القاسم مُحَدِّثٌ، وكذا محمّد بن كُرْدِ الإِسْفَرَايِنِيُّ.

ومُحَمد بن عَقيل المعروف بابن الكُرَيْدِيِّ بالتّصغير.

وكُرْدِينُ لقب واسمه عبدُ الله بنُ القاسِمِ مُحَدّث، هكذا ساق هذه الأَسماءَ الصاغانيُّ في تَكملته، وقلَّده المصنف، والذي في التبصير للحافظ أَن المُسَمَّى بعبد الله بن القاسم يعرف بكُورِين، ويكنى أَبا عبيدة، وأَما ابن كُرْدِين فاسمه مِسْمع، فتنبَّهْ لذلك.

والكِرْدِيدَةُ، بالكسر: القطْعَةُ العَظِيمةُ من التَّمْرِ، وهي أَيضًا جُلَّتُه؛ أَي التَّمرِ، عن السيرافيّ، قال الشاعر:

أَفْلَحَ مَنْ كانَتْ له كِرْدِيدَهْ *** يأْكُلُ مِنْهَا وهْوَ ثَانٍ جِيدَهْ

أَنشد أَبو الهيثم:

قَدْ أَصْلَحَتْ قِدْرًا لَهَا بِأُطْرَهْ *** وأَبْلَغَتْ كِرْدِيدَةً وفِدْرَهْ

أَو الكِرْدِيدَةُ: ما يَبْقَى في أَسْفَلِها أَي الجُلَّةِ مِنْ جَانِبَيْهَا مِن التَّمْرِ، كذا في الصحاح، الجمع: كَرَادِيدُ وكِرَادٌ، الأَخير بالكسر، قال الشاعر:

للقاعِدَات فلا يَنْفَعْنَ ضَيْفَكُمُ *** والآكِلَات بَقِيَّاتِ الكَرَادِيدِ

كالكِرْدِيَةِ، بالكسر، عن الصاغانيّ. وعبدُ الحَمِيدِ بنُ كَرْدِيدٍ مُحَدِّثٌ ثِقَةٌ، وهو صاحب الزِّيَادِيّ.

وكارَدَهُ: طَارَدَهُ ودَافَعَه، قيل: ومنه اشتقاق الكُرْدِ الطائِفَةِ المشهورة.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

يقال: خُذْ بِقَرْدَنِه وكَرْدَنِه؛ أَي بقَفَاه، أَورده الأَزهري في رباعيّ التهذيب.

وأَبو عليّ أحمد بن محمد الكَرْدِيّ، بفتح الكاف، هكذا ضبطه حمزة بن يوسف السهميّ، مُحدّث، روَى عن أَبي بكر الإِسماعيليّ.

وجابر بن كُرْدِيّ الواسِطيّ، بالضّم، ثِقَةٌ، عن يَزيدَ بن هارونَ.

والكَرْد، بالفتح: ماءٌ لبني كِلاب في وَضحِ حَمِى ضَرِيَّة.

ومحمّد بن أَحمد بن كردان، محدِّث.

وعُمر بن الخليل أَبو كِرْدِينِ، بالكسر، وَليَ قضاءَ أَصبهانَ، وحدّث عن حمّاد بن مَسْعَدة، ذكره أَبو نُعيم في تاريخه.

وأَبو الفضل أَحمد بن عبد المنعم بن الكِرْدِيديّ، وأَبو بكر أَحمد بن بدران الكِرْدِيدِيّ، وعُمر بن عبد الله بن إِسحاق الكِرْدِيديّ، مُحَدّثون.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


4-تاج العروس (عور)

[عور]: العَوَرُ ـ أَطْلَقَهُ المصنّفِ، فأَوْهَم أَنّه بالفتح، وهو مُحرَّك، وكأَنَّه اعتمد على الشُّهْرَة؛ قاله شَيْخُنا ـ: ذَهابُ حِسِّ إِحْدَى العَيْنَيْنِ.

وقد عَوِرَ، كفرِحَ، عَوَرًا، وإِنّمَا صَحَّت العَيْنُ في «عَوِر» لأَنّه في معنَى ما لا بُدَّ من صِحَّتِه. وعارَ يَعارُ وعَارَتْ هي تَعَارُ وتِعَارُ، الأَخِيرُ ذَكَرَه ابنُ القَطاع، واعْوَرَّ واعْوارَّ، كاحْمَرَّ واحْمارَّ، الأَخيرَةُ نَقَلَها الصاغانيّ، فهو أَعْوَرُ بَيِّن العَوَرِ. وفي الصّحاح عَوِرَتْ عَيْنُه واعْوَرَّت، إِذا ذَهَبَ بَصَرُها، وإِنّمَا صَحَّت الواو فيه لِصِحَّتها في أَصْله، وهو اعْوَرَّت لِسُكُون ما قَبْلَهَا ثم حُذِفَت الزَّوَائِدُ: الأَلِفُ والتَّشْدِيد، فبَقِيَ عَوِرَ يَدُلّ على أَنّ ذلك أَصلُه مَجي‌ءُ أَخواتِه على هذا: اسْوَدَّ يَسْوَدّ، واحْمَرَّ يَحْمَرّ، ولا يقال في الأَلْوَان غَيْرُه. قال: وكذلك قِياسُه في العُيُوب: اعْرَجَّ واعْمَيَّ، في عَرِجَ وعَمِيَ، وإِنْ لم يُسْمَعْ، الجمع: عُورٌ وعِيرَان وعُورَانٌ.

وقال الأَزهريّ: عَارَتْ عَيْنُه تَعارُ، وعَوِرَتْ تَعْوَرُ، واعْوَرَّت تَعْوَرّ، واعْوَارّت تَعْوَارّ: بمعنًى واحد.

وعارَهُ يَعُورُهُ، وأَعْوَرَهُ إِعْوَارًا وعَوَّرَهُ تَعْوِيرًا: صَيَّرَهُ أَعْوَرَ. وفي المحكم: وأَعْوَرَ الله عَيْنَ فُلان وعَوَّرها. ورُبّمَا قالوا: عُرْتُ عَينَه. وفي تَهْذِيبِ ابن القَطّاع: وعَارَ عَيْنَ الرَّجُلِ عَوْرًا، وأَعْوَرَهَا: فَقَأَها، وعَارَتْ هي، وعَوَّرتُها أَنا، وعَوِرَتْ هي عَوَرًا، وأَعْوَرَتْ: يَبِسَتْ. وفي الخَبرَ: «الهَدِيَّةُ تَعُورُ عَيْنَ السُّلْطَانِ». ثمّ قال: وأَعْوَرْتُ عينَه لغة، انتَهى.

وأَنشد الأَزهريّ قولَ الشاعر:

فجاءَ إِلَيْهَا كاسِرًا جَفْنَ عَيْنِه *** فقُلْتُ له: مَنْ عارَ عَيْنَكَ عَنْتَرَهْ؟

يقولُ: مَنْ أَصابَها بعُوّار؟

ويقال: عُرْتُ عَيْنَه أَعُورها، وأَعارُها، من العائر.

والأَعْوَرُ: الغُرابُ، على التَّشاؤُم به، لأَنَّ الأَعْوَر عندهم مَشْؤُومٌ. وقِيل: لِخِلافِ حالِه، لأَنّهم يقولونَ: أَبْصَرُ من غُراب. وقالُوا: إِنّما سُمِّيَ الغُرابُ أَعْوَرَ لِحدَّةِ بَصَرِه كما يُقَال للأَعْمَى أَبو بَصِيرٍ وللحَبَشِيّ أَبو البَيْضَاءِ ويُقَال للأَعْمَى: بَصيرٌ، وللأَعْوَرِ: الأَحْولُ وفي التكملةِ ويُقال سُمِّيَ الغُرَاب أَعْوَرَ لأَنّه إِذا أَرادَ أَنْ يَصيحَ يُغمِّضُ عَيْنَيْه، كالعُوَيْرِ، على تَرْخِيم التَّصْغِير. قال الأَزهريّ: سُمِّيَ الغُرَابُ أَعْوَر، ويُصاحُ به فيُقَال: عُوَيْرُ، وأَنشد:

وصِحاحُ العُيُونِ يُدْعَوْنَ عُورَا

وقِيلَ: الأَعْوَرُ: الرَّدِي‌ءُ مِنْ كلِّ شَيْ‌ءٍ من الأُمورِ والأَخْلاقِ، وهي عَوْرَاءُ. والأَعْوَر أَيضًا: الضَّعِيفُ الجَبَانُ البَلِيدُ الَّذي لا يَدُلّ على الخَيْرِ ولا يَنْدَلُّ ولا خَيْرَ فيه، قاله ابنُ الأَعرابيّ، وأَنْشد:

إِذا هَابَ جُثْمَانَه الأَعْوَرُ

يَعْنِي بالجُثْمَان سَوادَ الليل ومُنْتَصَفَه. وقيل: هو الدَّلِيلُ السَّيِئُ الدَّلالةِ الذي لا يُحْسِنُ يَدُلّ ولا يَنْدَلّ؛ قاله ابنُ الأَعْرَابِيّ أَيضًا، وأَنْشَد:

ما لَكَ يا أَعْوَرُ لا تَنْدَلُّ *** وكَيْفَ يَنْدَلُّ امْرُؤُ عِثْوَلُّ

والأَعْوَرُ من الكُتُبِ: الدارِسُ، كأَنَّه من العَوَر، وهو الخَلَلُ والعَيْبُ. ومن المَجَاز: الأَعْوَرُ: مَنْ لا سَوْطَ مَعَهُ، والجَمْع عُورٌ؛ قاله الصاغانيّ. والأَعْوَرُ: مَنْ لَيْسَ له أَخٌ من أَبَوَيْه وبه فُسِّر ما جاءَ في الحَدِيث لَمَّا اعْتَرَضَ أَبو لَهَب على النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم عند إِظهارِ الدَّعْوَةِ، قال له أَبو طالِب: «يا أَعْوَرُ، ما أَنتَ وهذا؟» لم يَكُنْ أَبو لَهَب أَعْوَرَ، ولكنّ العَرَب تقولُ لِلَّذِي لَيْسَ له أَخٌ من أُمّه وأَبِيه: أَعْوَرُ. ومن المَجَاز: الأَعْوَرُ: الَّذِي عُوِّرَ؛ أَي قُبِّحَ أَمْرُه ورُدَّ ولم تُقْضَ حاجَتُه ولم يُصِبْ ما طَلَب، ولَيْسَ مِنْ عَوَرِ العَيْن؛ قاله ابن الأَعرابيّ، وأَنْشَد للعَجّاج:

وعَوَّرَ الرَّحْمنُ مَنْ وَلَّى العَوَرْ

ويُقَال: معناه: أَفْسَدَ من وَلَّاه وجَعَلَه وَليًّا لِلْعَوَر، وهو قُبْحُ الأَمْرِ وفَسَادُه. والأَعْوَرُ: الصُّؤابُ في الرَأْس، الجمع: أَعاوِرُ، نقله الصاغانيّ. وفي الأَساس: رأْسه يَنْتَغِشُ أَعاوِرَ؛ أَي صِئْبانًا، الواحِدُ أَعْوَرُ. ومن المَجَازِ: الأَعْوَرُ، من الطَّرِيق: الَّذِي لا عَلَمَ فيه، يقال: طَرِيقٌ أَعْوَرُ، كأَنَّ ذلك العَلَم عَيْنُه، وهو مَثَلٌ. وفي بعض النُّسخ: من الّطُرق.

والعائِر: كلُّ ما أَعَلَّ العَيْنَ فعَقَرَ، سُمِّيَ بذلك لأَنَّ العَيْنَ تُغْمَضُ له ولا يَتَمَكَّنُ صاحبُها من النَّظَر، لأَنَّ العَيْن كأَنّها تَعْوَرُ، وقيل: العَائِرُ: الرَّمَدُ. وقيل: هو القَذَى في العَيْنِ، اسمٌ كالكاهِل والغارِب، كالعُوّارِ، كرُمّانٍ، وهو الرَّمَصُ الَّذِي في الحَدَقَةِ. ويقالُ: بِعَيْنِه عُوّارٌ؛ أَي قَذًى. وجَمْعُ العُوّارِ عَوَاوِيرُ، وقد جاءَ في قَوْل الشاعِرِ بَحذْفِ الياءِ ضَرُورَةً:

وكَحَّلَ العْنَيْنِ بالعَوَاوِرِ

ورَوَى الأَزهرِيُّ عن اليَزِيدِيّ: بَعِيْنِه ساهِكٌ وعائِرٌ، وهُمَا من الرَّمَدِ. وقال اللَّيْث: العائرُ: غَمَصَة تَمُضُّ العَيْنَ كأَنَّمَا وَقَع فيها قَذًى، وهو العُوّارُ. قال: وعَيْنٌ عائِرَةٌ: ذاتُ عُوّارٍ، ولا يُقَال في هذا المعنَى: عارَتْ، إِنّمَا يُقَال: عارَتْ إِذا عَوِرَتْ وقِيل: العائرُ: بَثْرٌ يكون في الجَفْنِ الأَسْفَلِ من العَيْنِ، وهو اسمٌ لا مَصْدَر، بمَنْزِلَة الفالِج والناعر والباطِل، وليس اسمَ فاعلِ ولا جارِيًا على مُعْتَلٍّ، وهو كما تِاه مُعْتَلّ. والعائِرُ من السِّهام: ما لا يُدْرَى رامِيهِ وكذا من الحَجَارَة. ومن ذلك الحدِيث: «أَنَّ رَجُلًا أصابَهُ سَهْمٌ عائِرٌ فقَتَلَه» والجمع العَوَائِرُ، وأَنشد أبو عُبَيْدٍ:

أَخْشَى عَلَى وَجْهِكَ يا أَمِيرُ *** عَوائِرًا من جَنْدَلٍ تَعِيرُ

وفي التَّهْذِيب في ترجمة «نسأ»: وأَنشد لمالِكِ بن زُغْبَةَ الباهِلِيّ:

إِذا انْتَسَؤُوا فَوْتَ الرَّمَاحِ أَتَتْهُمُ *** عَوَائِرُ نَبْلٍ كالجَرادِ نُطِيرُها

قال ابنُ برّيّ: عَوائرُ نَبْلٍ؛ أَي جَماعَةُ سِهامٍ مُتَفَرِّقَة لا يُدْرَى من أَيْنَ أَتَتْ.

وعائِرُ العَيْنِ: ما يَمْلَؤُها من المالِ حتَّى يَكادَ يَعُورُها.

يُقَال: عَلَيْه من المالِ عائِرَةُ عَيْنِيْنِ، وعَيِّرةُ عَيْنَيْن، بتَشْدِيدِ.

الياءِ المَكْسُورة، كِلاهُما عن اللّحْيَانيّ؛ أَي كَثْرةٌ تَمْلَأُ بَصَرَهُ. قال مرّة: أَي ما يَكادُ مِنْ كَثْرَتِه يَفْقأُ عَيْنَيْهِ. وقال الزمخشريّ: أَي بما يَملَؤُهما ويَكادُ يُعَوَّرهُما. وقال أَبو عُبَيْد: يُقَال للرَّجُل إِذا كَثُرَ مالُه: تَرِدُ على فُلان عائِرَةُ عَيْنٍ، وعائِرَةُ عَيْنَيْن؛ أَي تَرِد عليه إِبِلٌ كثيرةٌ كأَنّهَا من كثْرتها تَمْلأُ العَيْنَيْن حتَّى تكادَ تَعُورُها؛ أَي تَفْقَؤُها. وقال أَبو العبّاس: معناه أَنّه مِنْ كَثْرَتها تَعِير فيها العَيْن. وقال الأَصمعيّ: أَصْلُ ذلك أَنّ الرَّجلَ من العَرَبِ في الجاهلية كان إِذا بَلَغ إِبلُه أَلْفًا عارَ عَيْنَ بَعِير منها، فأَرادُوا بعائرَةِ العَيْنِ أَلْفًا من الإِبِل تُعَوَّرُ عَيْنُ واحِدٍ منها. قال الجَوْهَرِيّ: وعنده من المالِ عائِرَةُ عَيْنٍ؛ أَي يَحارُ فيه البَصَر من كَثْرِتِه كأَنّه يَمْلأُ العَيْن فيَعُورُها. وفي الأَساسِ مِثْلُ ما قاله الأَصمعيّ.

والعُوَارُ، مُثلَّثَةً، الفَتْحُ والضَّمُّ ذَكَرَهُما ابنُ الأَثير: العَيْبُ يقال سِلْعَةٌ ذاتُ عَوَار؛ أَي عَيْبٍ، وبه فُسِّر حَدِيثُ الزَّكاة: «لا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ ولا ذاتُ عَوَارٍ».

والعَوَار أَيضًا: الخَرْقُ والشَّقُّ في الثَّوْبِ والبَيْتِ ونَحْوِهما. وقيل: هو عَيْبٌ فِيهِ ـ فلم يُعَيِّنْ ذلك ـ قال ذو الرُّمةِ:

تُبَيِّنُ نِسْبَةَ المَرَئِيّ لُؤْمًا *** كما بَيَّنْتَ في الأَدَمِ العَوَارَا

والعُوّارُ، كرُمّانٍ: ضَرْبٌ من الخَطاطِيفِ أَسْوَدُ طَوِيلُ الجَنَاحَيْن. وعَمَّ الجَوْهَرِيُّ فقال: هو الخُطّافُ، ويُنْشَد:

كما انْقَضَّ تَحْتَ الصِّيقِ عُوّارُ

الصِّيقُ: الغُبَار.

والعُوّار: اللَّحْم الذي يُنْزَع من العَيْنِ بَعدَ ما يُذَرّ عَلَيْه الذَّرُور، وهُوَ من العُوّار، بمَعْنَى الرَّمَصِ الّذِي في الحَدَقَةِ كالعَائِر، والجَمْعُ عَوَاوِيرُ، وقد تَقَدّم. والعُوّار: الَّذِي لا بَصَرَ لَهُ في الطَرِيقِ ولا هِدايَةَ، وهو لا يَدُلُّ ولا يَنْدَلّ، كالأَعْوَر؛ قاله الصاغانيّ. وفي بعض النُّسخ: «بالطّرِيق»، ومِثْلُه في التّكْمِلَة. ولو قال عِنْدَ ذِكْر معانِي الأَعْوَرِ: «والدَّلِيل السَيِّئُ الدَّلالَة كالعُوّار» كان أَخْصَرَ. والعُوّارُ: الضَّعِيفُ الجَبَانُ السَّرِيعُ الفِرَارِ، كالأَعْوَرِ بعد قوله:

«الضَّعِيفُ الجَبَانُ» فقال: «كالعُوَّار» كان أَخْصَرَ. الجمع: عَواوِيرُ قال الأَعْشَى:

غَيْرُ مِيلٍ ولا عَواوِيرَ في الهَيْ *** جا ولا عُزَّلٍ ولا أَكْفَالِ

قال سيبويه: ولم يُكْتَفَ فيه بالواو والنون، لأَنّهُم قَلَّمَا يَصِفُون به المُؤَنّث، فصار كمِفْعالٍ ومِفْعِيل، ولم يَصِر كفَعّال، وأَجْرَوْه مُجْرَى الصِّفَة، فجَمَعُوه بالواو والنُّون، كما فَعلُوا ذلك في حُسّان وكُرّام. وقال الجوهَرِيّ: جَمْع العُوّارِ الجَبَانِ العَوَاوِيرُ. قال: وإِنْ شِئتَ لم تُعَوِّضْ في الشّعر فقُلْتَ: العَوَاوِرُ. وأَنشد لِلَبِيدٍ يُخَاطِبُ عَمَّه ويُعاتِبُه:

وفي كُلِّ يَوْمٍ ذِي حِفاظٍ بَلَوْتَنِي *** فقُمْتُ مَقامًا لم تَقُمْهُ العَوَاوِرُ

وقال أَبو عليّ النحويّ: إِنَّمَا صَحّت فيه الوَاوُ مع قُرْبِها من الطَّرَفِ لأَنّ الياءَ المحذوفةَ للضرورة مُرادَةٌ، فهي في حُكْمِ ما في اللَّفْظ، فلمّا بَعُدَتْ في الحُكْم من الطَّرَف لم تُقْلَبْ همزةً. والّذِين حاجاتُهم في أَدْبارِهم: العُوَّارَى، هكذا في سائر النُّسخ. والصَّوابُ أَن هذه الجملةَ معطوفَةٌ على ما قَبْلَها، والمُرَاد: والعُوّارُ أَيضًا: الَّذِين.. إِلى آخره، وهكذا نقله صاحب اللسان عن كُرَاع. وشَجَرَةٌ، هكذا في النّسخ، وهُوَ بناءً على أَنَّه مَعْطُوفٌ على ما قَبْلَه. والصواب كما في التكملة واللسان: والعُوّارَى: شَجَرَةٌ يُؤْخَذ هكذا، بالياءِ التحتيّة والصواب: تُؤْخَذ جِراؤُهَا فتُشْدَخُ ثم تُبَيَّسُ ثم تُذَرَّى ثم تُحْمَل في الأَوْعِيَة فتُبَاع، وتُتَّخذ منها مَخانِقُ بمَكَّةَ حَرَسها الله تَعالى؛ هكذا فَسَّرَه ابنُ الأَعْرَابِيّ. وقال ابنُ سِيدَه في المُحْكَم والعُوّارُ: شَجَرَةٌ تَنْبُتُ نِبْتَةَ الشَّرْيَةِ، ولا تَشِبُّ، وهي خَضْراءُ، ولا تَنْبُت إِلّا في أَجْوَافِ الشَّجَرِ الكِبَار. فَلْيُنْظَر هَلْ هي الشَّجَرَةُ المذكُورةُ أَو غَيْرُها؟

ومن المَجَاز قولُهم: عجِبْتُ مِمَّنْ يُؤْثِرُ العَوْرَاء على العَيْنَاءِ؛ أَي الكَلِمَة القَبِيحَةَ على الحَسَنَةِ؛ كذا في الأساس. أَو العَوْرَاءُ: الفَعْلَةُ القَبِيحَةُ، وكِلاهُمَا من عَوَرِ العَيْن، لأَنّ الكَلِمَة أَو الفَعْلة كأَنَّهَا تَعُورُ العَيْنَ فيَمْنَعُهَا ذلك من الطُّمُوحِ وحِدَّة النَّظَر، ثم حَوَّلُوها إِلى الكَلِمَة أَو الفَعْلَة، على المَثَل، وإِنّمَا يُرِيدُون في الحَقِيقَة صاحِبَها. قال ابنُ عَنْقَاءَ الفَزَارِيُّ يَمْدح ابنَ عَمِّه عُمَيْلَةَ، وكان عُمَيْلَةُ هذا قد جَبَرَه من فَقْرٍ:

إِذا قِيلَتِ العَوْراءُ أَغْضَى كَأَنَّه *** ذَلِيلٌ بِلا ذُلٍّ ولو شاءَ لانْتَصَرْ

وقال أَبو الهَيْثَم: يُقَال لِلْكَلِمَة القَبِيحَةِ: عَوْرَاءُ، ولِلْكَلِمَة الحَسْنَاءِ عَيْنَاءُ. وأَنشد قَولَ الشاعر:

وعَوْراءَ جاءَت من أَخ فردَدْتُها *** بسالِمَةِ العَيْنَيْنِ طالِبَةً عُذْرَا

أَي بكَلِمَةِ حَسْنَاءَ لم تَكُنْ عَوْرَاءَ. وقال اللّيْث: العَوْرَاءُ: الكَلِمَة التي تَهْوِي في غَيْرِ عَقْلٍ ولا رُشْد. وقال الجوهريّ: الكَلِمَةُ العَوْرَاءُ: القَبِيحَة، وهي السَّقْطَةُ، قال حاتِمُ طَيّئ.

وأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخارَهُ *** وأَعْرِض عن شَتْمِ اللَّئِيمم تَكرُّمَا

أَي لادِّخارِه. وفي حَدِيثِ عائشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «يَتَوَضَّأُ أَحَدُكم من الطَّعام الطَّيِّبِ ولا يَتَوَضّأُ من العَوْرَاءِ يَقُولُها».

أَي الكَلِمَة القَبِيحَة الزّائغَة عن الرُّشْد. وعُورَانُ الكَلام: ما تَنْفِيه الأُذنُ، وهو منه، الواحِدَة عَوْرَاءُ؛ عن أَبي زَيْد، وأَنشد:

وعَوْرَاءَ قد قِيلَتْ فلَمْ أَسْتَمِعْ لها *** وما الكَلِمُ العُورَانُ لي بقَتُولِ

وَصَفَ الكَلِمَ بالعُورَانِ لأَنّه جَمْعٌ، وأَخْبَرَ عنه بالقَتُول ـ وهو واحد ـ لأَن الكَلِمَ يُذكَّر ويُؤَنَّث، وكذلك كلُّ جمع لا يُفَارِق واحِدَه إِلّا بالهاءِ، ولك فيه كُلّ ذلك؛ كَذا في اللّسان. قال الأَزْهَريّ: والعَرَبُ تقولُ للأَحْوَلِ العَيْنِ: أَعْوَرُ، وللمَرْأَة الحَوْلاء؛ هي عَوْراءُ، ورأَيْتُ في البادِيَة امْرَأَةً عَوْرَاءَ يُقَال لها حَوْلاءُ.

والعَوَائِرُ من الجَرَادِ: الجَمَاعَاتُ المُتَفَرِّقَة، منه، وكذا من السِّهام، كالعِيرَانِ، بالكَسْر، وهي أَوائلُه الذاهِبَةُ المُتَفَرِّقَةُ في قِلَّة.

والعَوْرَةُ، بالفَتْح: الخَلَلُ في الثَّغْرِ وغَيْرِه، كالحَرْبِ.

قال الأَزْهَرِيّ: العَوْرَةُ في الثُّغُور والحُرُوبِ: خَلَلٌ يُتَخَوَّفُ منه القَتْلُ. وقال الجَوْهَرِيّ: العَوْرَةُ: كلُّ خَلَلٍ يُتَخَوَّفُ منه من ثَغْرٍ أَو حَرْبٍ. والعَوْرَة: كُلّ مَكْمَنٍ للسَّتْرِ. والعَوْرَةُ: السَّوْأَةُ من الرَّجُل والمَرْأَةِ. قال المصَنِّف في البصائر: وأَصْلُها من العَار، كأكنّه يَلْحَقُ بظُهُورِها عارٌ؛ أَي مَذَمَّة، ولذلك سُمِّيَت المَرْأَةُ عَوْرَةً. انتهى. والجَمْعُ عَوْرَاتٌ. وقال الجَوْهَرِيّ: إِنّمَا يُحَرَّك الثاني من فَعْلَةٍ في جَمْعِ الأَسماءِ إِذا لم يَكُنْ ياءً أَوْ وَاوًا وقَرَأَ بَعْضُهُم: عَوَرَاتِ النِّسَاءِ «بالتَّحْرِيك». والعَوْرَةُ: الساعَةُ الّتي هي قَمَنٌ؛ أَي حَقِيقٌ مِنْ ظُهُورِ العَوْرَةِ فِيها، وهي ثَلاث ساعاتٍ: ساعَةٌ قبلَ صَلاةِ الفَجْرِ، وساعَةٌ عندَ نِصْفِ النَّهَارِ، وساعةٌ بعدَ العِشَاءِ الآخِرَة. وفي التَّنْزِيل: {ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ} أَمْرَ الله تَعالى الوِلْدانَ والخَدَمَ أَلّا يَدْخُلُوا في هذه الساعات إِلَّا بِتَسْلِيم منهم واسْتِئذان. وكُلُّ أَمْرٍ يُسْتَحْيَا منه إِذا ظَهَر: عَوْرَةٌ، ومنه‌الحَديث: «يا رَسُولَ الله، عَوْرَاتُنا ما نَأْتِي منها وما نَذَر؟» وهي من الرَّجُل ما بَيْنَ السُّرَّة والرُّكْبَة، ومن المَرْأَة الحُرَّةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إِلّا الوَجْهَ واليَدَيْنِ إِلى الكُوعَيْن، وفي أَخْمَصِها خِلافٌ، ومن الأَمَةِ مِثْلُ الرَّجُل، وما يَبْدُو منها في حَالِ الخِدْمَةِ كالرَّأْس والرَّقَبَة والساعِدِ فلَيْسَ بعَوْرة. وسَتْرُ العَوْرَةِ في الصَّلاة وغَيْرِ الصَّلاةِ واجِبٌ، وفيه عند الخَلْوَة خِلافٌ. وفي الحديث: «المَرْأَةُ عَوْرَة» جَعَلَهَا نَفْسَهَا عَوْرَةً لأَنّهَا إِذا ظَهَرَتْ يُسْتَحْيَا منها كما يُسْتَحْيَا من العَوْرَةِ إِذا ظَهَرَتْ؛ كذا في اللسان. والعَوْرَة من الجِبَال: شُهُوقُها والجَمْعُ العَوْراتُ. والعَوْرَةُ من الشَّمْسِ: مَشْرِقُهَا ومَغْرِبُها، وهو مَجَازٌ. وفي الأَساس: عَوْرَتَا الشَّمْسِ: خافِقَاها. وقال الشاعر:

تَجَاوَبَ يُومُها في عَوْرتَيْهَا *** إِذا الحِرْبَاءُ أَوْفَى للتَّنَاجِي

هكذا فسّره ابنُ الأَعرابيّ، وهكذا أَنشدَه الجوهريّ في الصحاح. وقال الصاغَاني: الصواب «غَوْرَتَيْها» بالغَيْن معجَمَة، وهما جانِبَاها. وفي البَيْت تَحْرِيفٌ، والرَّواية: أَوْفَى للبَرَاحِ، والقَصِيدَة حائيّة، والبَيْتُ لبِشْرِ بن أَبي خازِم.

ومن المَجَاز: أَعْوَرَ الشَّيْ‌ءُ، إِذا ظَهَرَ وأَمْكَنَ، عن ابن الأَعْرَابيّ، وأَنْشَدَ لكُثَيِّر:

كَذاكَ أَذُودُ النَّفْسَ يا عَزُّ عنكمُ *** وقد أَعْوَرَتْ أَسْرَابُ مَنْ لا يَذُودُهَا

أَعْوَرَت: أَمكنتْ؛ أَي مَنْ لَمْ يَذُدْ نَفْسَه عن هَواهَا فَحُشَ إِعْوَارُهَا وفَشَت أَسْرَارُهَا والمُعْوِرُ: المُمْكِنُ البَيِّنُ الوَاضِحُ.

وقولُهُم: ما يُعْوِرُ لَهُ شَي‌ءٌ إِلَّا أَخَذَه؛ أَي ما يَظْهَر. والعَرَبُ تقول: أَعْوَرَ مَنْزِلُك، إِذا بَدَتْ منه عَوْرَةٌ. وأَعْوَرَ الفَارِسُ: بَدَا فيه مَوْضِعُ خَلَلٍ لِلضَّرْبِ والطَّعْنِ، وهُو ممّا اشْتُقَّ من المُسْتَعَار؛ قاله الزمخشريّ. وقال ابنُ القَطّاع: وأَعْوَرَ البَيْتُ كذلك بانْهِدامِ حائِطه. ومنه‌حديث عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه: «لا تُجْهِزُوا على جَرِيحٍ ولا تُصِيبُوا مُعْوِرًا»، هو من أَعْوَرَ الفارِسُ. وقال الشاعِرُ يصف الأَسَد:

له الشَّدَّةُ الأَولَى إِذا القِرْنُ أَعْوَرَا

والعَارِيَّة، مُشَدَّدةً، فعْليَّة من العارِ، كما حَقَّقه المصنّف في البَصَائر. قال الأَزهريّ: وهو قُوَيْلٌ ضَعِيفٌ، وإِنّمَا غَرَّهم قولُهم: يَتَعَيَّرُون العَوارِيَّ، ولَيْسَ على وَضْعِه، إِنّما هي مُعاقَبَةٌ من الواوِ إِلى الياءِ. وفي الصّحاح: العارِيَّة، بالتَّشْدِيد، كأَنّها منسوبةٌ إِلى العارِ لأَنّ طَلَبَها عارٌ وعَيْبٌ.

وقال ابنُ مُقْبِل:

فأَخْلِفْ وأَتْلِفْ إِنّمَا المالُ عارَةٌ *** وكُلْهُ مع الدَّهْرِ الذي هُوَ آكِلُهْ

قلتُ: ومثلُه قولُ اللَّيْث. وقد تُخَفَّف. وكذا العَارَةُ: ما تَدَاوَلُوه بَيْنَهُم، وفي حديث صَفْوَانَ بنِ أُمَيّة: «عَارِيَّة مَضْمُونَة مُؤَدّاة» العَارِيّة يجب رَدُّها إِجماعًا، مهما كانت عينُها باقية. فإِنْ تَلِفَتْ وَجَبَ ضَمانُ قِيمَتِها عند الشافعيّ، ولا ضَمانَ فيها عند أَبي حَنِيفَةَ. وقال المصنِّف في البصائر: قِيلَ للعارِيَّة: أَيْنَ تَذْهَبينَ؟ فقالت: أَجْلُبُ إِلى أَهْلي مَذَمَّةً وعارًا. الجمع: عَوَارِيُّ، مُشَدَّدةً ومُخَفَّفةً قال الشاعر:

إِنَّمَا أَنفُسُنا عاريَّةٌ *** والعَوَارِيُّ قُصَارَى أَنْ تُرَدّ

وقد أَعارَهُ الشي‌ءَ وأَعارَه مِنْهُ وعاوَرَه إِيّاهُ. والمُعَاوَرَةُ والتَّعاوُر: شِبْهُ المُداوَلَة. والتَّدَاوُلُ في الشي‌ءِ يكونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ. ومنه قولُ ذِي الرُّمَّة:

وسِقْطِ كعَيْنِ الدِّيكِ عاوَرْتُ صاحِبِي *** أَبَاهَا وهَيَّأْنا لِمَوْقِعها وَكْرَا

يَعْنِي الزَّنْدَ وما يَسْقُطُ من نارِها. وأَنشد اللَّيْث:

إِذا رَدَّ المُعَاوِرُ مَا اسْتَعَارَا

وتَعَوَّرَ وَاسْتَعَارَ: طَلَبَهَا نحو تَعَجَّبَ واسْتَعْجَبَ، وفي حديثِ ابنِ عَبّاس وقِصّةِ العِجْل: «مِنْ حُلِيٍّ تَعَوَّرَهُ بَنُو إِسْرَائِيل»؛ أَي اسْتَعَارُوه.

واسْتَعَارَه الشَّيْ‌ءَ واسْتَعَارَه منه: طَلَبَ منه إِعَارَتَه، أَيْ أَنْ يُعِيرَه إِيّاه؛ وهذه عن اللِّحْيَانيّ. قال الأَزهريّ: وأَما العارِيَّة فإِنَّهَا منسوبةٌ إِلى العَارَةِ، وهو اسمٌ من الإِعارَة، تقول: أَعَرْتُه الشي‌ءَ أُعيرُه إِعارَةً وعارَةٌ، كما قالوا: أَطَعْتُه إِطاعَةً وطَاعَةً، وأَجَبْتُه إِجابَةً وجَابَةً. قال: وهذا كثيرٌ في ذَوات الثَّلاثِ، منها الغارَةُ والدَّارَةُ والطَّاقَةُ وما أَشْبَهَهَا. ويُقَالُ: اسْتَعَرْتُ منه عارِيَّةً فأَعَارَنِيها.

واعْتَوَرُوا الشَّيْ‌ءَ، وتَعَوَّرُوه، وتَعَاوَرُوه: تَدَاوَلُوه فيما بَيْنَهُم. قال أَبو كَبِيرٍ:

وإِذا الكُمَاةُ تَعَاوَرُوا طَعْنَ الكُلَى *** نَدْرَ البِكَارَةِ في الجَزَاءِ المُضْعَفِ

قال الجَوْهَرِيّ: إِنّمَا ظَهَرَت الواوُ في «اعْتَوَرُوا» لأَنَّه في معنى تَعَاوَرُوا فَبُنِيَ عليه، كما ذَكَرْنا في تَجَاوَرُوا.

وفي الحديث: «يَتعاوَرُون على مِنْبَرِي» أَي يَخْتَلِفُون ويَتَنَاوَبُون، كلّما مَضَى واحدٌ خَلَفَه آخَرُ. يقال: تَعَاوَرَ القومُ فُلانًا، إِذا تَعَاوَنُوا عليه بالضَّرْب وَاحدًا بعدَ وَاحدٍ. قال الأَزهريّ: وأَما العارِيَّة والإِعَارَةُ والاسْتِعَارَةُ فإِنّ قولَ العَرَب فيها: هُمْ يَتعاوَرُون العَوَارِيّ ويَتَعَوَّرُونَهَا، بالواو، كأَنَّهم تَفْرِقَةً بين ما يَتَرَدَّدُ من ذاتِ نَفْسِه وبين ما يُرَدَّدُ. وقال أَبو زَيْد: تَعَاوَرْنا العَوَارِيَّ تَعَاوُرًا، إِذا أَعارَ بعضُكم بَعْضًا.

وتَعَوَّرْنَا تَعَوُّرًا، إِذا كُنْتَ أَنْت المُسْتَعِيرَ. وتَعَاوَرْنا فُلانًا ضَرْبًا، إِذا ضَرَبْتَه مَرّة ثمّ صاحبُك ثمّ الآخَر. وقال ابنُ الأَعرابيّ: التَّعَاوُر والاعْتِوَارُ: أَنْ يَكُونَ هذا مَكانَ هذا، وهذَا مَكانَ هذا. يُقَال: اعْتَوَراهُ وابْتَدّاهُ، هذا مَرَّةً وهذا مَرّة، ولا يُقَال: ابْتَدَّ زيدٌ عَمْرًا، ولا اعْتَوَرَ زيدٌ عَمْرًا.

وعارَه، قِيل: لا مُسْتَقْبَلَ له. قال يَعْقُوبُ: وقالَ بعضُهُم: يَعُورُه، وقال أَبو شِبْل: يَعِيرُه، وسيذكر في الياءِ أَيضًا؛ أَي أَخَذَهُ وذَهَبَ به، وما أَدْرِي أَيُّ الجَرادِ عارَه، أَيْ أَيُّ الناس أَخَذَه، لا يُسْتَعْمَل إِلّا في الجَحْد. وقِيلَ: مَعْنَاه ما أَدْرِي أَيُّ الناسِ ذَهَبَ به، وحَكَى اللِّحْيَانيّ: أَراكَ عُرْتَه وعِرْتَه؛ أَي ذَهَبْتَ به، قال ابنُ جِنّي؛ كأَنّهم إِنّمَا لَمْ يَكَادُوا يَسْتَعْمِلُونَ مُضَارِعَ هذا الفِعْل لَمّا كانَ مَثَلًا جارِيًا في الأَمْرِ المُنْقَضي الفائت، وإِذا كانَ كذلك فلا وَجْهَ لذِكْر المضارع هاهنَا [لأَنه] ليس بمُنْقَضٍ ولا يَنْطِقُون فيه بيَفْعَل. أَو مَعْنَى عارَهُ أَتْلَفَهَ وأَهْلَكَه؛ قاله بعضُهم.

وعَاوَرَ المَكَايِيلَ وعَوَّرَها: قَدَّرَها، كعَايَرَها، بالياءِ لُغَة فيه، وسيُذْكَر في «عير».

وعَيَّرَ المِيزَانَ والمِكْيالَ، وعاوَرَهُما، وعايَرَهُمَا، وعايَرَ بَيْنَهُمَا مُعَايَرَةً وعِيَارًا، بالكَسْر: قَدَّرَهُما ونَظَرَ ما بَيْنَهُمَا.

ذكر ذلك أَبو الجَرّاح في بابِ ما خالَفَتِ العامّةُ فيه لُغَةَ العَرَب. وقال اللَّيث: العِيَارُ: ما عايَرْتَ به المَكَايِيلَ، فالعِيَارُ صَحِيحٌ تامّ وَافٍ. تَقُول: عايَرْتُ به؛ أَي سَوَّيْتُه، وهو العِيَارُ والمِعْيَارُ. وحقّ هذه أَنْ تُذْكَر في الياءِ كما سيأْتي.

والمُعَارُ، بالضَّمّ: الفَرَسُ المُضَمَّرُ المُقدَّحُ، وإِنّمَا قِيل له المُعَارُ لأَنّ طَرِيقَةَ مَتْنِه نَبَتْ فصارَ لها عَيْرٌ ناتئٌ، أَو المَنْتُوفُ الذَّنَبِ، من قولهم: أَعَرْتُ الفَرَسَ وأَعْرَيْتُه: هَلَبْتُ ذَنَبَه؛ قاله ابنُ القَطّاع. أَو السَّمِينُ، ويُقَال له: المُسْتَعِير أَيضًا، من قولهم: أَعَرْتُ الفَرَسَ، إِذا أَسْمَنْته. وبالأَقوالِ الثلاثة فُسِّر بيتُ بِشْرِ بنِ أَبِي خازِم الآتِي ذِكْرُه في «ع ى ر».

وعَوَّرَ الرّاعِي الغَنَمَ تَعْوِيرًا: عَرَّضَهَا للضَّياعِ، نقله الصاغانيّ.

وعَوَرْتَا، بفَتْح العَيْن والواوِ وسُكُون الرّاءِ: د، بُلَيْدَة قُرْبَ نابُلُس الشَّأْمِ، قِيلَ بها قَبْرُ سَبْعِينَ نَبِيًّا من أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، منهم سَيّدُنَا عُزَيرٌ في مَغَارَةٍ، ويُوشَعُ فَتَى مُوسَى، عليهم الصَّلاة والسَّلام؛ ذكره الصاغانيّ.

واسْتَعْوَرَ عن أَهْلِه: انْفَرَدَ عنهم؛ نقله الصاغانيّ عن الفرّاءِ.

وعُوَيْرٌ، كزُبَيْرٍ، مَوْضِعانِ أَحدُهُما على قِبْلَة الأَعْوَرِيَّة، وهي قَرْيَةُ بَنِي مِحْجَن المالِكِيِّين. قال القُّطاميّ:

حَتَّى وَرَدْنَ رَكِيّاتِ العُوَيْرِ وقَدْ *** كادَ المُلَاءُ من الكَتّانِ يَشْتَعِلُ

وعُوَيْرٌ، والعُوَيْرُ: اسم رَجُل قال امرُؤ القَيْسِ:

عُوَيْرٌ ومَنْ مِثْلُ العُوَيْرِ ورَهْطِه *** وأَسْعَدَ في لَيْلِ البَلابِلِ صَفْوانُ

ويُقالُ: رَكِيّةٌ عُورانٌ، بالضَّمّ: أَي مُتَهَدِّمةٌ، للواحِدِ والجَمْع، هكذا نَقَلَه الصاغانيّ.

وقال ابنُ دُرَيْد: عُورانُ قَيْس: خَمْسَةٌ شُعَراءُ عُورٌ: تَمِيمُ بنُ أُبَيّ بنِ مُقْبِل، وهو من بَنِي العَجْلانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ رَبِيعَةَ، والرّاعي، واسمُه عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ، من بَنِي نُمَيْرِ بنِ عامِرٍ، والشَّمّاخُ، واسْمُه مَعْقِلُ بنُ ضِرارٍ، من بَنِي جِحَاشِ بنِ بَجَالَة بنِ مازِنِ بن ثَعْلَبَةَ بنِ سَعْدِ بنِ ذُبْيَانَ، وعَمْرُو بنُ أَحْمَرَ الباهِلِيُّ، وسيأْتي بَقِيَّةُ نَسَبِه في «ف ر ص» وحُمَيْدُ بنُ ثَوْر، من بَنِي هِلالِ بن عامِر، فارِسُ الضَّحْيَاءِ.

وفي اللسان ذَكَر الأَعْوَرَ الشَّنِّيّ بَدَلَ الراعِي.

والعَوِرُ، ككَتِفٍ: الرَّدِئُ السَّرِيرَةِ قَبِيحُها، كالمُعْوِر، من العَوَرِ، وهو الشَّيْنُ والقُبْحُ.

والعَوْرَةُ: الخَلَلُ في الثَّغْرِ وغَيْرِه، وقد يُوصَف به مَنْكُورًا فيكونُ للواحِدِ والجَمِيع بلَفْظٍ وَاحدٍ. وفي التَّنْزِيل: {إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ} فأَفْرَدَ الوَصْفَ، والمَوْصُوفُ جَمْعٌ. وأَجْمَع القُرّاءُ على تَسْكِين الواو من عَوْرَةٌ، وقَرَأَ ابنُ عَبّاس رضي ‌الله‌ عنهما وجَمَاعَةٌ من القُرّاءِ إِنَّ بُيوتَنا عَوِرَةٌ، على فَعِلَة، وهي من شَواذّ القِرَاءات؛ أَي ذاتُ عَوْرَة؛ أَي لَيْسَت بحَرِيزَة، بل مُمْكِنَة للسُّرّاقِ لخُلُوِّهَا من الرِّجال. وقِيلَ: أَي مُعْوِرَة؛ أَي بُيُوتنا مِمّا يَلِي العَدُوَّ ونحْنُ نُسْرَقُ منها.

فأَكْذَبَهُمُ اللهُ تعالَى فقال: {وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ} ولَكِنْ يُرِيدُون الفِرارَ عَنْ نُصْرَة النَّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم. فمَنْ قَرَأَ «عوِرَةٌ» ذَكَّرَ وأَنَّثَ، ومن قَرَأَ «عَوْرَةٌ» قال في التَّذْكِيرِ والتَّأْنِيث عَوْرَة، كالمَصْدَر.

ومُسْتَعِير الحُسْنِ: طائِرٌ، نقله الصاغَانيّ.

* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:

قولُهُمْ: «كُسَيْرٌ وعُوَيْرٌ، وكُلٌّ غَيْرُ خَيْر». قال الجوهَرِيّ: يُقَال ذلك في الخَصْلَتَيْن المَكْرُوهَتَيْن، وهو تَصْغِيرُ أَعْوَرَ مُرَخَّمًا. ومثلُه في الأَساس.

وعارَ الدَّمْعُ يَعِيرُ عَيَرَانًا: سالَ؛ قاله ابنُ بُزُرْج، وأَنشد:

ورُبَّتَ سائل عَنّي حَفِيٍّ *** أَعارَتْ عَيْنُه أَمْ لَمْ تَعَارَا

أَي أَدَمَعَتْ عَيْنُه؟ والبيت لِعَمْرِو بن أَحْمَر الباهليّ.

وقالُوا: «بَدَلٌ أَعْوَرُ»، مَثَلٌ يُضْرَبُ للمذموم يَخْلُف بَعْدَ الرَّجُلِ المَحْمُود. وفي حَدِيث أُمّ زَرْع: «فاسْتَبْدَلْتُ بَعْدَه، وكُلُّ بَدَلٍ أَعْوَرُ». وهو من ذلك، قال عبدُ الله بن هَمّامٍ السَّلُوليّ لقُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِم، ووُلِّيَ خُرَاسَانَ بَعْدَ يَزِيدَ بنِ المُهلَّب:

أَقُتَيْبَ قد قُلْنَا غَدَاةَ أَتَيْتَنَا *** بَدَلٌ لَعَمْرُكَ من يَزِيدٍ أَعْوَرُ

ورُبَّمَا قالُوا «خَلَفٌ أَعْوَرُ». قال أَبو ذُؤَيْب:

فأَصْبَحْتُ أَمشِي في دِيَارٍ كأَنَّهَا *** خِلافَ دِيَارِ الكاهِلِيَّةِ عُورُ

كأَنَّه جَمَع خَلَفًا على خِلَافٍ مِثْل جَبَل وجِبَال.

وبَنُو الأَعْوَر: قَبيلَةٌ، سُمُّوا بذلك لِعَوَرِ أَبِيهِم.

فَأَمَّا قَوْلُه:

في بلادِ الأَعْوَرِينَا

فعَلى الإِضافَةِ كالأَعْجَمِينَ، وليس بجَمْعِ أَعْوَر، لأَنّ مِثْلَ هذا لا يُسَلَّم عند سيبويه.

وقد يكون العَوَر في غَيْر الإِنسان، فيُقَال: بَعِيرٌ أَعوَرُ. والأَعْوَرُ أَيضًا: الأَحْوَل.

وقال شَمِر: عَوَّرتُ عُيُونَ المِيَاهِ، إِذا دَفَنْتَهَا وسَدَدْتَها. وعَوَّرْتُ الرَّكِيَّة، إِذا كَبَسْتَها بالتُّراب حَتَّى تَنْسَدّ عُيُونُها. وفي الأَساس: وأَفْسَدَهَا حَتَّى نَضَب الماءُ، وهو مَجازٌ وكذا أَعَرْتُهَا. وقد عارَتْ هِي تَعُورُ.

وفَلاةٌ عَوْرَاءُ: لا ماءَ بها.

وفي حديث عُمَر وذَكَرَ امرَأَ القَيْس، فقال: «افْتَقَرَ عن مَعانٍ عُورٍ». أَراد به المَعَانِيَ الغامِضَةَ الدَّقِيقَة.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: العُوّارُ: البِئْرُ التي لا يُسْتَقَى منها.

قال: وعَوَّرْتُ الرجلَ، إِذا اسْتَسْقاكَ فلم تَسْقِه. قال الجَوْهَرِيّ: ويقال للمُسْتَجِيزِ الذِي يَطْلُب المَاءَ إِذا لم تَسْقِه: قد عَوَّرْتَ شُرْبَه. قال الفَرَزْدَق:

مَتَى ما تَرِدْ يَوْمًا سَفَارِ تَجِدْ بِهَا *** أُدَيْهِمَ يَرْمِي المُسْتَجِيزَ المُعَوَّرَا

سَفَارِ: اسمُ ماءٍ، والمُسْتَجِيز: الَّذي يَطْلبُ الماءَ.

ويقال عَوَّرتُه عن المَاءِ تَعْوِيرًا؛ أَي حَلأْتُه. وقال أَبو عُبَيْدَةَ: التَّعْوِيرُ: الرَّدُّ. عَوَّرْتُهُ عن حاجَتِه: رَدَدْته عَنْهَا. وهو مَجاز.

ويقال: ما رَأَيْتُ عائرَ عَيْن؛ أَي أَحَدًا يَطْرِفُ العَيْنَ فيَعُورها.

ومن أَمْثَالِ العَرَبِ السَائِرَةِ: «أَعْوَرُ عَيْنَكَ والحَجَرَ».

والإِعْوار: الرِّيبَةُ.

ورَجُلٌ مُعْوِرٌ: قَبِيحُ السَّرِيرةِ. ومكَانٌ مُعْوِرٌ: مَخُوفٌ. وهذا مكانٌ مُعْوِرٌ؛ أَي يُخَافُ فيه القَطْعُ، وكذا مَكَانٌ عَوْرَةٌ، وهو من مَجَاز المَجَاز، كما في الأَساس. وفي حديث أَبي بَكْر رضي ‌الله‌ عنه «قال مَسْعُودُ بنُ هُنَيْدَةَ: رأَيتُه وقَدْ طَلَعَ في طَرِيق مُعْوِرة» أَي ذات عَوْرَة يُخَافُ فيها الضَّلالُ والانْقِطَاع، وكُلُّ عَيْبٍ وخَلَل في شيْ‌ءٍ فهُوَ عَوْرَة. وشَيْ‌ءٌ مُعْوِرٌ وعَوِرٌ: لا حافِظَ له. والمُعْوِرُ: المُمْكِنُ البَيِّنُ الوَاضِحُ. وأَعْوَرَ لك الصَّيْدُ، وأَعْوَرَكَ: أَمْكَنَك، وهو مَجاز.

وعن ابن الأَعْرَابِي: يُقَال: تَعَوَّرَ الكِتَابُ، إِذا دَرَسَ، وهو مَجاز.

وحكَى اللِّحْيَانيّ: أَرَى ذا الدَهْرَ يَسْتعِيرُنِي ثِيابِي. قال: يَقُولُه الرَّجُلُ إِذا كَبِرَ وخَشيَ المَوْتَ. وفَسَّره الزمخشريّ فقال: أَي يَأْخُذُه مِنّي، وهو مَجَازُ المَجَازِ كما في الأَسَاس. وذكره الصاغانيّ أَيضًا.

وقولُ الشَّاعِرِ:

كأَنَّ حَفِيفَ مِنْخَرِه إِذا مَا *** كَتَمْنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُسْتَعَارُ

كِيرٌ مُسْتَعَارٌ: أَي مُتعاوَرٌ أَو اسْتُعِيرَ من صاحِبِه.

وتَعَاوَرَتِ الرِّيَاحُ رَسْمَ الدّارِ حَتَّى عَفَتْه؛ أَي تَواظَبَتْ عليه؛ قالَه اللَّيْثُ. وهو من مَجَازِ المجاز. قال الأَزْهَرِيّ: وهذا غَلَط، ومعنى تَعَاوَرَتِ الرِّيَاحُ رَسْمَ الدَّارِ؛ أَي تَدَاوَلَتْه، فمَرَّةً تَهُبّ جَنُوبًا، ومَرّةً شَمَالًا، ومرَّة قَبُولًا، ومَرّة دَبُورًا. ومنه قولُ الأَعشَى:

دِمْنَةٌ قَفْرَةٌ تَعاوَرَها الصَّيْ *** فُ برِيحَيْنِ من صَبًا وشَمَالِ

وعَوَّرْتُ عليه أَمْرَه تَعْوِيرًا: قَبَّحْتُه، وهو مَجاز.

والعَوَرُ، مُحَرَّكة: تَرْكُ الحَقّ.

ويُقَال: إِنَّهَا لَعَوْراءُ القُرِّ: يَعْنُونَ سَنَةً أَو غَدَاةً أَو لَيْلَةً؛ حُكِي ذلك عن ثَعْلَب. قلتُ: فيُقَال: لَيْلَةٌ عَوْراءُ القُرِّ؛ أَي ليس فيها بَرْدٌ، وكذلك الغَداةُ والسَّنَةُ، ونقله الصاغانيّ أَيضًا.

ومن مَجازِ المَجَاز قَوْلُهم: الاسْمُ تَعْتَوِرُه حَرَكَاتُ الإِعْرَابِ، وكذا قَوْلُهم: تَعَاوَرْنَا العَوارِيَّ، وكذا قولهم: اسْتَعارَ سَهْمًا من كِنانَتِه، وكذا قولُهم: سَيْفٌ أُعِيرَتْهُ المَنِيَّةُ.

قال النابِغَةُ:

وأَنْتَ رَبِيعٌ يَنْعَشُ الناسَ سَيْبُهُ *** وسَيْفٌ أُعِيرَتْهُ المَنِيَّةُ قاطعُ

وقال اللَّيْث: ودِجْلَةُ العَوْرَاءُ بالعِرَاق بمَيْسَانَ؛ ذكرَهُ صاحبُ اللسان، وعَزاه الصاغانيّ.

والأَعاوِرُ: بَطْنٌ من العَرب، يقالُ لهم: بَنُو الأَعْوَر. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: بنو عُوَار، كغُرَابٍ: قَبِيلَةٌ.

وأَعارَتِ الدابَّةُ حافِرَها: قَلَبَتْه؛ نقله الصاغانيّ.

وعاوَرْتُ الشمسَ: راقَبْتُهَا؛ نقله الصاغانيّ.

والإِعَارَةُ: اعْتِسَارُ الفَحْلِ النَاقَةَ؛ نقله الصاغانيُّ أَيضًا.

وفي بَنِي سُلَيم أَبُو الأَعْوَر عُمَرُ بنُ سُفْيَانَ، صاحِبُ مُعَاوِيَة، ذكره ابنُ الكَلْبِيّ. قلتُ: قال أَبو حاتِمٍ: لا تَصِحُّ له صُحْبَةٌ، وكانَ عَلِيٌّ يَدْعُو عليه في القُنُوتِ. وأَبو الأَعْوَرِ الحارِث بن ظالِمٍ الخَزْرَجِيّ بَدْرِيّ، قِيلَ: اسْمُه كَعْبٌ، وقِيلَ: اسْمُه كُنْيَتُه.

والعَوْرَاءُ بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ: هي الَّتِي خَطَبَهَا عَلِيٌّ، وقيل: اسْمُها جُوَيْرِيَةُ، والعَوْرَاءُ لَقَبُها.

وابْنَا عُوَارٍ جَبَلانِ، قال الرّاعِي:

بَلْ ما تَذكَّرُ من هِنْدٍ إِذَا احْتَجبَتْ *** بِابْنَيْ عُوَارٍ وأَمْسَى دُونَهَا بُلَعُ

وقال أَبو عُبَيْدَةَ: هما نَقَوَا رَمْل.

وأَعْوَرَ الرَّجُلُ: أَرابَ؛ قاله ابنُ القَطّاع.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


5-تاج العروس (برسم)

[برسم]: البِرْسامُ، بالكسْرِ: عِلَّةٌ يُهْذَى فيها، نَعُوذُ باللهِ منها، وهو وَرَمٌ حارُّ يعرضُ للحِجابِ الذي بين الكَبِدِ والامْعاء ثم يَتَّصلُ إلى الدِّماغِ، وقد بُرْسِم الرجُلُ، بالضمِ، فهو مُبَرْسَمٌ، وكذلك بُلْسِمَ فهو مُبَلْسَمٌ، وكأنَّه مُعَرَّبٌ مُرَكَّبٌ مِن برٍ وسامٍ، وبِر بالفارِسِيَّةِ: الصَّدْر، وسَام: هو المَوْتُ، نَقَلَه الَأزْهرِيُّ.

ويقالُ لهذه العِلَّةِ المومَ وقد ميم الرجُلُ.

والإبْريسَمُ، بفتحِ السِّينِ وضمِّها، قالَ ابنُ بَرِّي: ومنهم مَن يقولُ أَبْرَيْسَم، بفتحِ الهَمْزةِ والرَّاءِ، ومنهم مَن يكْسِرُ الهَمْزة ويفْتَح السِّيْن: الحَريرُ، وخَصَّه بعضُهم بالخامِ، أَو مُعَرَّبُ ابريشم.

وفي الصِّحاحِ: وقالَ ابنُ السِّكِّيت: ليسَ في كَلامِ العَرَبِ إفْعِيلِل بالكَسْر، ولكنَّ إفْعِيلَل مِثْل إهْلِيلَج وإبْريسَم.

* قلْتُ: هذا القَوْلُ أَوْرَدَه الجوْهرِيُّ عن ابنِ الأعْرَابِيِّ في «ه ل ج»، وذكر الكَسْر عن ابنِ السَّكِّيت، وهو بالضّدِّ هنا. وقد رَدَّ أَبو زَكرِيا عليه هناك كيفَ قَطَع عن ابنِ السِّكِّيت بالكسْرِ. قالَ ابنُ السِّكِّيت كما ذَكَرَ ههنا وقد يُكْسَرُ، فتأَمَّل.

ثم قالَ: وهو يَنْصرِفُ، وكذلِكَ إن سَمَّيْت به على جهَةِ التَّلْقِيب انْصَرَفَ في المعْرِفَةِ والنّكِرَةِ لأنَّ العَرَبَ أَعْرَبَتْه في نَكِرَتِه وأَدْخَلَت عليه الَألِفَ واللامَ وأَجْرته مجْرَى ما أَصْل بنائِهِ لهم، وكذلِكَ الفِرِنْدُ والدِّيباجُ والرَّاقُودُ والشِّهْريزُ والآجُرُّ والنَّيْرُوزُ والزَّنْجَبِيل، وليسَ كذلِكَ إسْحق ويَعْقوب وإِبْراهيم، لأنَّ العَرَبَ ما أَعْرَبتها إلَّا في حالِ تَعْرِيفِها ولم تنطِقْ بها إلَّا مَعارِف ولم تنقُلْها مِن تَنْكيرٍ إلى تَعْريفٍ.

والإِبْريسَمُ: مُفَرِّحٌ مُسَخّنٌ للبَدَنِ مُعْتَدِلٌ مُقَوٍّ للبَصَرِ إذا اكْتُحِلَ به.

والبِرْسِيمُ بالكَسْرِ: حَبُّ القُرْطِ.

وقالَ أَبو حَنيفَةَ: القُرْطُ شَبيهٌ بالرَّطْبَةِ أَو أَجَلُّ منها.

ونَصُّ كتابِ اللُّبابِ: وهو أَجَلُّ منها وأَعْظَم وَرَقًا، قالَ: وهو الذي يُسَمَّى بالفارِسِيَّةِ شَبْذَرَ.

* قلْت: وهو مِن أَحْسَن المَرَاعي للدَّوابِّ تَسْمَنُ عليه، وفَتْح الباءِ مِن لُغَةِ العامَّةِ.

وبِرْسِيمٌ: زُقاقٌ بمِصْرَ، وضَبَطَه ياقوتُ بالفتْحِ، ومنه أَبو زَيْدٍ عبدُ العَزيزِ بنُ قيسِ بنِ حفص البِرْسيمِيُّ المِصْريُّ: مُحَدِّثٌ عن يزيدِ بنِ سِنان وبكَّارٍ بنِ قتيبَةَ، تُوفي سَنَة ثلثمائة واثْنَيْن وثَلاثِيْن.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

أَبو بصيرٍ أَحمدُ بنُ محمدِ بنِ أَحمدَ بنِ الحَسَنِ الإبْريسميّ، نُسِبَ إلى عَمَلِ الإبْريسَمِ مُحَدِّثٌ نيْسابورِيُّ مَاتَ ببَغْدادَ سَنَة ثلثمائة واحد وسَبْعِين.

وبراسم: اسمٌ سِرْيانيٌّ.

وبُرْسُومٌ، بالضمِ، عَلَمٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


6-تاج العروس (عشو)

[عشو]: والعَشا، مَقْصورَةً: سُوءُ البَصَرِ باللَّيْلِ والنَّهارِ يكونُ في الناسِ والدّوابِّ والإِبلِ والطَّيْرِ، كما في المُحْكم.

وقال الراغبُ: ظُلْمةٌ تَعْتَرِضُ العَيْنَ.

وفي الصِّحاح: هو مَصْدرُ الأَعْشى لمَنْ لا يُبْصِرُ باللّيْلِ ويُبْصِرُ بالنّهارِ؛ كالعَشاوَةِ.

أَو هو العَمَى؛ أَي ذهابُ البَصَرِ مُطْلقًا؛ وقد عَشِيَ، كرَضِيَ ودعا، يَعْشَى ويَعْشُو عَشًى، مَقْصورٌ مَصْدَرُ عشى، وهو عَشٍ، مَنْقُوصٌ، وأَعْشَى وهي عَشْواءُ، ورجُلانِ أَعْشَيانِ وامْرأَتانِ عَشْواوانِ.

وقد أَعْشاهُ اللهُ، فعَشِيَ، وهما يَعْشَيانِ، ولم يقولوا يَعْشَوَانِ، لأنَّ الواوَ لمَّا صارَتْ في الواحِدِ ياءً لكَسْرَةِ ما قَبْلها تُرِكَتْ في التَّثْنِيَةِ على حالِها؛ كما في الصِّحاح.

وقولُه تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ}؛ أَي يَعْمَ.

وعَشَّى الطَّيْرَ تَعْشِيةً: أَوْقَدَ لها نارًا لتَعْشَى منها فتُصادَ، كذا في المُحْكم.

وتَعاشَى عن كذا: تَجاهَلَ، كأنَّه لم يَرَه كتَعامَى على المَثَلِ.

ومن المجازِ: خَبَطَهُ خَبْطَ عَشْواءَ: لم يَتَعَمَّدْهُ، كما في المُحْكم.

وفي الصِّحاح: ركِبَ فلانٌ العَشْواءَ إذا خَبَطَ أَمْرَه ورَكِبَه على غيرِ بَصِيرَةٍ وبَيانٍ؛ وقيلَ: حَمَلَه على أَمْرٍ غَيْر مُسْتَبينِ الرشدِ فرُبَّما كان فيه ضلالُه، وأَصْلُه مِن العَشْواءِ، وهي النَّاقَةُ التي لا تُبْصِرُ أَمامَها، فهي تخْبِطُ بيَدَيْها كلَّ شي‌ءٍ ولا تَتَعَهَّدُ مَواضِعَ أَخْفَافِها؛ وقيلَ: أَصْلُه مِن عَشْواءِ الليْل أَي ظلْمائِهِ؛ ويُضْرَبُ هذا مَثَلًا للشارِدِ الذي يَرْكَبُ رأْسَه ولا يَهْتَمُّ لعاقِبَتِه.

وعَشا النَّارَ وعَشا إليها عَشْوًا، بالفَتْح، وعُشُوًّا، كعُلُوِّ: رآها لَيْلًا من بعيدٍ فقَصَدَها مُسْتَضِيئًا، بها يَرْجُو بها هُدًى وخَيْرًا.

قال الجوهريُّ: وهذا هو الأصْلُ ثم صارَ كلُّ قاصِدٍ عاشِيًا.

وقيلَ: عَشَوْتُ إلى النارِ عَشْوًا إِذا اسْتَدْلَلْتُ عليها ببَصَرٍ ضَعِيفٍ؛ قالَ الحُطَيْئة:

مَتَى تأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ *** تَجِدْ خَيرَ نارٍ عندَها خَيْرُ مُوقِدِ

والمَعْنى: مَتَى تَأْتِهِ عاشِيًا.

كاعْتَشَاها واعْتَشَى بها.

والعُشْوَةُ، بالضَّم والكسر: تلكَ النَّارُ التي يُسْتَضاءُ بها؛ أَو ما أُخِذَ من نارٍ لتقْتبسَ.

وقالَ الجوهريُّ: شُعْلَةُ النارِ؛ وأَنْشَدَ:

كعُشْوةِ القابِسِ تَرْمِي بالشَّرر

والعُشْوَةُ: رُكوبُ الأمْرِ على غيرِ بَيانٍ وبَصِيرَةٍ، ويُثَلَّثُ. يقالُ: أَوطأْنَنِي عَشْوَةً وعِشْوةً وعُشْوَةً؛ أَي أَمْرًا مُلْتَبِسًا، وذلكَ إذا أَخْبَرْتَه بما أَوْقَعْتَه به في حِيْرَةٍ أَو بَلِيَّةٍ؛ كما في الصِّحاحِ.

والعَشْوةُ، بالفَتْح: الظُّلْمَةُ تكونُ باللّيْلِ وبالسَّحرِ؛ كالعَشْواءِ.

أَو العَشْوَةُ: ما بينَ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلى رُبْعِه؛ ومنه قوْلُهم: مَضَى مِن اللّيْلِ عَشْوَةُ.

والعِشاءُ، ككِساءٍ: أَوَّلُ الظَّلامِ؛ أَو مِن صَلاةِ المَغْربِ إلى العَتَمَةِ؛ أَو مِن زَوالِ الشَّمْسِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ.

قالَ الجوهريُّ: زَعَمَهُ قوْمٌ، وأَنْشَدُوا:

غَدَوْنا غَدْوَةً سَحَرًا بليْلٍ *** عِشاءً بعدَ ما انْتَصَف النَّهارُ

والعَشِيُّ، كغَنِيِّ، والعَشِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: آخِرُ النَّهارِ.

وفي الصِّحاح: مِن صَلاةِ المَغْربِ إلى العَتَمَةِ؛ تقولُ أَتَيْته عَشِيّ أَمْسٍ وعَشِيَّةَ أَمْسٍ انتَهَى، وقيلَ العَشِيُّ بلا هاءٍ آخِرُ النّهارِ، فإذا قُلْتَ عَشِيَّة فهو ليَوْمٍ واحِدٍ ويُقالُ جِئْتُه عَشِيَّةً وأَتَيْتُه العَشِيَّةَ ليَوْمِك وأَتَيْته عَشِيَّ غدٍ، بِلا هاءٍ، إِذا كانَ للمُسْتَقْبلٍ، وأَتَيْتك عَشِيًّا غَيْر مُضافٍ، وأَتَيْته بالعَشِيِّ والغَدِ: أَي كلِّ عَشِيَّةٍ وغَدَاةٍ.

{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، إنَّما هو في مِقْدارِ ما بينَ الغَدَاةِ والعَشِيِّ.

وقالَ الراغِبُ: العَشِيُّ مِن زَوالِ الشَّمْسِ إلى الصَّباح؛ قالَ، عزّ وجلّ: {عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}.

وقالَ الأزْهري: صَلاةُ العِشاءِ هي التي بعدَ صَلاةِ المَغْربِ، وإذا زَالَتِ الشمْسُ دُعِيَ ذلكَ الوَقْتُ العَشِيّ، ويَقَعُ العَشِيُّ على ما بينَ الزَّوالِ والغُروبِ؛ كلُّ ذلكَ عَشِيٌّ، فإذا غابَتْ فهو العِشاءُ.

وقولُه تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}؛ إنْ قُلْتَ هل للعَشِيَّةِ ضُحًى؟ قيلَ: هذا جَيِّد من كَلامِهم، يُقالُ آتِيكَ العَشِيَّةَ أَو غداتها والغَدَاةَ أَو عَشِيَّتَها فالمعْنَى: لم يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّة أَو ضُحى العَشِيَّة، أَضافَ الضُّحَى إلى العَشِيَّة.

* قُلْت: وقد يُرادُ بالعَشِيِّ اللّيْلُ لمَكانِ العِشاءِ، وهي الظُّلْمةُ؛ وبه فُسِّر قولُ الشاعِرِ:

هَيْفاءُ عَجْزاءُ خَرِيدٌ بالعَشِيِّ *** تُضْحَكُ عن ذِي أُشُرٍ عَذْبٍ نَقِي

أَرادَ المُبالَغَة في اسْتِحْيائِها، لأنَّ اللَّيْل قد يُعْدَمُ فيه الرُّقباءُ؛ أَي إذا كانَ ذلكَ مع عَدَم هَؤُلاء فما ظنُّك بتَجَرّدِها نَهارًا؛ ويجوزُ أَن يُرِيدَ اسْتِحياءَها عندَ المُباعَلَةِ لأَنَّها أَكْثَرُ ما تكونُ لَيْلًا.

الجمع: عَشايا وعَشِيَّاتٌ؛ شاهِدُ عَشِيَّات قولُ الشَّاعِرِ:

أَلا لَيْتَ حَظِّي من زِيارَةِ أُمِّيَهْ *** غَدِيَّات قَيْظٍ أَو عَشِيَّات أَشْتِيَهْ

وأصْلُ عَشايا عشايو قُلِبَت الواوُ ياءً لتَطرّفِها بعدَ الكَسْرةِ ثم قُلِبَتِ الياءُ الأُولى هَمْزةً ثم أُبْدِلَتِ الكَسْرةُ فَتْحةً، ثم الياءُ أَلِفًا، ثم الهَمْزَةُ ياءً، فصارَ عَشايا بعدَ خَمْسَة أَعْمالٍ، كذا في شُرُوحِ الشافِيَةِ والألْفِيّة.

والعَشِيُّ: السَّحابُ يَأْتِي عَشِيًّا.

وحُكِيَ: لَقِيتُهُ عُشَيْشَةً وعُشَيْشانًا وعُشَّانًا، بالتَّشديدِ؛ كذا في النُّسخِ والصَّوابُ عُشَيّانًا؛ وعُشَيْشِيَةً، كجُوَيْرِيَةٍ، وعُشَيْشِياتٍ وعُشَيْشِياناتٍ وعُشَيَّانات، كُلُّه نادِرٌ.

وفي الصِّحاح: تَصْغيرُ العَشِيِّ عُشَيَّانٌ، على غيرِ قِياسِ مُكَبَّره، كأَنَّهم صَغَّروا عَشْيانًا، والجمْعُ عُشَيَّاناتٍ، وقيلَ أَيْضًا في تصْغِيرِه عُشَيْشِيانٌ والجمْعُ عُشَيشِياناتٍ وتَصْغيرُ العَشِيَّةِ عُشَيْشِيَةٌ والجمْعُ عُشَيْشِيات، انتَهَى.

وقال الأزْهريُّ: ولم أَسْمَعْ عُشَيَّة في تَصْغيرِ عَشِيَّة لأنَّه تَصْغِيرُ عَشْوَةٍ، أَوَّل ظُلْمةِ اللّيْلِ، فأَرادُوا أَنْ يَفْرِّقوا بَيْنَهما.

والعِشْيُ، بالكسْرِ، والعَشاءُ، كسَماءٍ: طَعامُ العَشِيِّ.

قالَ الجوهريُّ: العَشاءُ، بالفَتْح والمدِّ، الطَّعامُ بعَيْنِه، وهو خِلافُ الغَداءِ، الجمع: أَعْشِيَةٌ وعُشِيّ؛ هكذا في النسخِ بضمِّ العَيْن وكَسْر الشِّين وتَشْديدِ الياءِ وهو غَلَطٌ والصَّوابُ أنَّ الكَلامَ تمَّ عنْدَ قوْلِه أَعْشِيَة، ثم ابْتَدَأَ في مَعْنًى آخَر فقالَ: وعَشِيَ؛ أَي كرَضِيَ، وعَشَى كدَعَا وهذا قد أَهْمَلَهُ؛ وتَعَشَّى كُلّه أَكَلَهُ؛ أَي العَشاءَ.

وهو عاشٍ وعَشْيانُ؛ وأَصْلُه عَشْوانٌ، وكذا غَدْيانٌ وأَصْلُه غَدْوان؛ ومِن كَلامِهم: لا يَعْشَى إلَّا بعدَ ما يَعْشُو أَي بعدَ ما يَتَعَشَّى؛ ومُتَعَشِّ. يقالُ إذا قيلَ، تَعَشَّ، قُلْت:

ما بي من تَعَشِّ، ولا تَقُلْ: ما بي من عَشاءٍ.

وعَشاهُ يَعْشُوه عَشْوًا ويَعْشيه عَشْيانًا؛ كذا في النسخِ والصَّوابُ عَشْيًا، كما في المُحْكم؛ أَطْعَمَه إِيَّاهُ؛ أَي العَشاءَ؛ كعَشَّاهُ، بالتَّشْديدِ، وأَعْشاهُ.

والعَواشِي: الإبِلُ والغَنَمُ التي تَرْعَى لَيْلًا، صفَةٌ غالبَةٌ.

وفي الصِّحاح: العَواشِي: هي التي تَرْعَى لَيْلا؛ قالَ:

تَرَى المِصَكَّ يَطْرُدُ العَواشِيَا *** جِلَّتَها والأُخَرَ الحَواشِيَا

وبعيرٌ عَشِيٌّ، كغَنِيٍّ: يُطيلُ العَشاءَ، وهي بهاءٍ.

وعَشا الإِبِلَ، كدَعا، وعَشَّاها، بالتَّشديدِ، رَعاها لَيْلًا.

وعَشِيَ عليه عَشًا، كرَضِيَ: ظَلَمَهُ؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه.

وابنُ السِّكِّيت: عَشِيَتِ الإِبِلُ تَعْشَى عَشًا: إذا تَعَشَّتْ فهي عاشِيَةٌ؛ نقلَهُ الجوهريُّ.

ومِن المجازِ: عَشَّى عنه تَعْشِيةً: إذا رَفَقَ به، وكَذلكَ ضَحَّى عنه.

وفي الأساس: عشِّ رُويدًا وضحِّ رُويدًا: أَمر برَعْي الإِبِل عَشِيًّا وضُحًى على سَبِيلِ الأَناةِ والرِّفْقِ، ثم صارَ مَثَلًا في الأَمْرِ بالرِّفْقِ في كلِّ شي‌ءٍ، انتَهَى؛ وكَذلكَ عَشِّ ولا تَغْتَرَّ والعُشْوانُ، بالضَّمِّ: تَمْرٌ أَوْ نَخْلٌ؛ أَي ضَرْبٌ منهما؛ الأُوْلى عن ابنِ دُرَيْدٍ.

كالعَشْواءِ، وهو ضَرْبٌ من متأَخِّر النَّخْلِ حَمْلًا. وصلاتا العَشِيِّ: الظُّهْرُ والعَصْرُ؛ نقلَهُ الأزْهري لكَوْنِهما في آخِرِ النَّهارِ بعدَ الزَّوالِ.

والعِشاءانِ: المَغْرِبُ والعَتَمَة؛ نقلَهُ الجوهريُّ وابنُ فارِسَ، وهو على قولِ مَنْ قالَ: إنَّ العَشِيَّ والعِشاءَ مِن صَلاةِ المَغْربِ إلى العَتَمَةِ؛ كما في المِصْباحِ.

وأَعْشَى: أَعطَى.

واسْتَعْشاهُ: وَجَدَهُ عاشِيًا؛ أَي جائِرًا في حقِّ أَصْحابِه.

واسْتَعْشَى نارًا: اهْتَدَى بها.

والعِشْوُ، بالكسْرِ: قَدَحُ لَبَنٍ يُشْرَبُ ساعَةَ تَرُوحُ الغَنَمُ أَو بعدَها.

وعَشَا الرَّجُلُ: فَعَلَ فِعْلَ الأَعْشَى.

واعْتَشَى: سارَ وقْتَ العِشاءِ، كاهْتَجَرَ سارَ في الهاجِرَةِ.

والمُسَمَّى بالأَعْشى عدَّةُ شُعَراءٍ في الجاهِلِيَّةِ والإِسْلام، منهمْ: أَعْشَى باهِلَةَ، جاهِلِيٌّ واسْمُه عامِرٌ يكنَى أبا قحْفان وأَعْشَى بَني نَهْشَلِ بنِ دارِمٍ، هو الأَسْودُ بنُ يَعْفُرَ النَّهْشَليُّ جاهِلِيٌّ، وتقدَّمَ الاخْتِلافُ في ضَبْطِ اسْمِ والِدِ في «ع ف ر». وأَعْشَى هَمْدانَ، هو عبدُ الرحمنِ بنِ الحارِثِ من بَني مالِكِ بنِ جشمِ ابنِ حاشدٍ. وأَعْشَى بَني أَبي ربِيعَةَ، كذا في النسخِ، وفي التكْمِلَةِ: أَعْشَى بَني ربيعَةَ بنِ ذُهْلِ بنِ شَيْبان بنِ ثَعْلَبَةُ، واسْمُه عبدُ اللهِ بنُ خارِجَةَ مِن بَني قَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبي ربيعَةَ المَذْكُور. وأَعْشَى طِرْوَدٍ، كدِرْهَمٍ، وبَنُو طِرْوَدٍ مِن بَني فهمِ بنِ عَمْرِو بنِ قيْسِ بنِ فهمٍ.

وأَعْشَى بَني الحِرْمازِ بنِ مالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ، ويُعْرفُ أَيْضًا بأَعْشَى بَني مازِنٍ، ومازِنُ وحِرْمازُ أَخَوان.

وقالَ الآمديُّ: أَهْلُ الحديثِ يقولونَ: أَعْشَى بَني مازِنٍ، والثَّبْتُ أَنَّه أَعْشَى بَني الحِرْمازِ؛ وصَوّبَه الصَّاغاني.

وأَعْشَى بَني أَسدٍ. وأَعْشَى بَني عُكلٍ مِن تيم الرّبابِ، اسْمُه كهَمْسٌ وأَعْشَى ابن، كذا في النُّسخِ ومِثْلُه في التكْملَةِ، مَعْرُوفٌ اسْمُه خَيْثَمةُ. وأَعْشَى بَنِي عُقَيْلٍ، واسْمُه مُعاذُ. وأَعْشَى بَنِي مالِكِ بنِ سعْدٍ. وأَعْشَى بَني عَوْفٍ اسْمُه ضابِئٌ من بني عَوْفِ بنِ همام. وأَعْشى بَنِي ضَوْرَة اسْمُه عبدُ اللهِ. وأَعْشَى بَني جِلّانَ مِن بَني عنْزَةَ اسْمُه سَلَمَةُ. وأَعْشَى بَني قَيْسٍ أَبو بَصِيرٍ جاهِلِيٌّ.

والأعْشَى التَّغْلَبِيُّ هو النُّعْمانُ، ويقالُ له: ابنُ جاوَانَ، وهو مِن الأَراقِمِ مِن بَني معاوِيَةَ بنِ بكْرِ بنِ حبيبِ بنِ عَمْرِو بنِ غنمِ بنِ تَغْلب؛ شُعراءُ وغيرُهم من العُشْي، جَمْعُ الأَعْشَى كَأَحْمَر وحُمْرٍ؛ جماعَةٌ؛ ذكَرَ المصنِّفُ منهم سِتَّةَ عَشَرَ رجُلًا تبْعًا للصَّاغاني في تكْمِلَتِه. وابنُ سِيدَه اقْتَصَرَ على السَّبْعةِ المَشاهِير؛ وأَوْصَلَها أَرْبابُ النَّظائِرِ إلى عِشْرِين.

وقد وَجَدْت أَنا واحِدًا مِن بَني سعْدِ بنِ ضبيعَةَ بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَة الأَعْشى الشَّاعِر واسْمُه مَيْمونُ بنُ قَيْسٍ.

وقرَأْتُ في كتابِ الحماسَةِ ما نَصُّه: ودَخَلَ أَعْشَى ربيعَةَ، وهو مِن شَيْبان مِن بَطْنٍ منهم، يقالُ لهم بَنُو أَمامَةَ، على عبدِ الملِكِ بنِ مَرْوان فقالَ له: يا أَبا المُغِيرَةَ ما بَقِيَ مِن شِعْرِك إلى آخِرِ ما قالَ فلا أَدْرِي هو أَعْشَى بَنِي أَبي ربيعَةَ الذي ذَكَرَه المصنِّفُ أَوَّلَا أَمْ غَيْره، فليُنْظر.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

عَشَا عن الشي‌ءِ يَعْشُو: ضَعُفَ بَصَرَه عنه.

وتَعَاشَى: أَظْهَرَ العَشا وليسَ به.

وفي الصِّحاح: أَرى من نَفْسِه أَنَّه أَعْشَى.

والعاشِيَةُ: كلُّ شي‌ءٍ يَعْشُو باللَّيْلِ إلى ضَوْءِ نارٍ مِن أَصْنافِ الخَلْقِ.

والعاشِي: القاصِدُ.

وأَعْشاهُ اللهُ: جَعَلَه أَعْشَى.

وجاءَ عَشْوةً: أَي عِشاءً، لا يتمكَّن؛ لا تقولُ: مضَتْ عَشْوَةٌ.

وعَشا يَعْشُو: تَعَشَّى.

والعَشْوَةُ العَشاءُ، كالغَدْوَةِ فِي الغَداءِ عاميَّةٌ.

وعِشْيُ الإِبِلِ، بالكسْر: ما تَتَعَشَّاهُ؛ وأَصْلُه الواوُ.

وفي المَثَلِ: العاشِيَةُ تَهِيجُ الآبِيَةَ؛ أَي إذا رَأَتِ التي تأْبَى العَشاءَ التي تَتَعَشَّى تَبِعَتْها فتَعَشَّتْ معها.

وبعيرٌ عَشٍ وناقَةٌ عَشِيَةٌ، كفَرحَةٍ: يَزِيدَان على الإِبِلِ في العَشا، كِلاهُما على النَّسَبِ دُونَ الفِعْل.

والعُقابُ العَشْواءُ: التي لا تُبالِي كيفَ خَبَطَتْ وأَيْنَ ضَرَبَتْ بمخالِبِها.

وعَشا عن كذا: صَدَرَ عنه؛ قيلَ: ومنه قولُه تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ}.

وعَشا عن النارِ: أَعْرَضَ ومَضَى عن ضَوْئِها.

وعَشِيَ عن حَقِّه، كعَمِي زِنَةً ومَعْنًى.

وإنَّهم لفي عشوى أَمْرهم: أَي في حَيْرةٍ وقِلَّة هِدَايةٍ.

والعَشْواءُ: فَرَسُ حسَّان بن مسلمَةَ بنِ خرزِ بنِ لوذان.

وتَعشاهُ: أَعْطاهُ عشْوَةً.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


7-المصباح المنير (بصر)

الْبَصْرَةُ وِزَانُ تَمْرَةٍ الْحِجَارَةُ الرِّخْوَةُ وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَاءُ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِهَا سُمِّيَتْ الْبَلْدَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَأَنْكَرَ الزَّجَّاجُ فَتْحَ الْبَاءِ مَعَ الْحَذْفِ وَيُقَالُ فِي النِّسْبَةِ بَصْرِيٌ بِالْوَجْهَيْنِ وَهِيَ مُحْدَثَةٌ إسْلَامِيَّةٌ بُنِيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ وَقْفِ السَّوَادِ وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي حَدِّهِ دُونَ حُكْمِهِ وَالْبَصَرُ النُّورُ الَّذِي تُدْرِكُ بِهِ الْجَارِحَةُ الْمُبْصَرَاتِ وَالْجَمْعُ أَبْصَارٌ مِثْلُ: سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ يُقَالُ أَبْصَرْتُهُ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ إبْصَارًا.

وَبَصُرْتُ بِالشَّيْءِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ بَصَرًا بِفَتْحَتَيْنِ عَلِمْتُ فَأَنَا بَصِيرٌ بِهِ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَقَدْ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَهُوَ ذُو بَصَرٍ.

وَبَصِيرَةٍ أَيْ عِلْمٍ وَخِبْرَةٍ وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ إلَى ثَانٍ فَيُقَالُ بَصَّرْته بِهِ تَبْصِيرًا وَالِاسْتِبْصَارُ بِمَعْنَى الْبَصِيرَةِ وَأَبُو بَصِيرٍ مِثَالُ كَرِيمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْكَلْبِ وَبِهِ كُنِيَ الرَّجُلُ وَمِنْهُ أَبُو بَصِيرٍ الَّذِي سَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِطَالِبِيهِ عَلَى شَرْطِ الْهُدْنَةِ وَاسْمُهُ عُتْبَةُ بْنُ أَسِيدٍ الثَّقَفِيُّ وَأَسِيدٌ مِثْلُ: كَرِيمٍ.

وَالْبِنْصِرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّادِ الْإِصْبَعُ الَّتِي بَيْنَ الْوُسْطَى وَالْخِنْصِرِ وَالْجَمْعُ الْبَنَاصِرُ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


8-لسان العرب (عور)

عور: العَوَرُ: ذهابُ حِسِّ إِحدى الْعَيْنَيْنِ، وَقَدْ عَوِرَ عَوَرًا وعارَ يَعارُ واعْوَرَّ، وَهُوَ أَعْوَرُ، صحَّت الْعَيْنُ فِي عَوِر لأَنه فِي مَعْنَى مَا لَا بُدَّ مِنْ صِحَّتِهِ، وَهُوَ أَعْوَرُ بَيِّنُ العَوَرِ، وَالْجَمْعُ عُورٌ وعُوران؛ وأَعْوَرَ اللهُ عينَ فُلَانٍ وعَوَّرَها، وَرُبَّمَا قَالُوا: عُرْتُ عينَه.

وعَوِرَت عينُه واعْوَرَّت إِذا ذَهَبَ بَصَرُهَا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنما صَحَّتِ الْوَاوُ فِي عَوِرَت عينُه لِصِحَّتِهَا فِي أَصله، وَهُوَ اعْوَرَّت، لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ حُذِفت الزَّوَائِدُ الأَلفُ والتشديدُ فَبَقِيَ عَوِرَ، يَدُلُّ عَلَى أَن ذَلِكَ أَصله مجيءُ أَخواته عَلَى هَذَا: اسْوَدَّ يَسْوَدُّ واحْمَرَّ يَحْمَرّ، وَلَا يُقَالُ فِي الأَلوان غَيْرُهُ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ قِيَاسُهُ فِي الْعُيُوبِ اعْرَجَّ واعْمَيَّ فِي عَرِج وعَمِيَ، وإِن لَمْ يُسْمَعْ، وَالْعَرَبُ تُصَغِّر الأَعْوَر عُوَيْرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ كُسَيْرٌ وعُوَيْر وكلٌّ غَيْرُ خَيْر.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ فِي الْخَصْلَتَيْنِ الْمَكْرُوهَتَيْنِ: كُسَيْرٌ وعُوَيْر وكلٌّ غيرُ خَيْر، وَهُوَ تَصْغِيرُ أَعور مُرَخَّمًا.

قَالَ الأَزهري: عارَت عينُه تَعارُ وعَوِرَت تَعْورُ واعْوَرَّت تَعْوَرُّ واعْوَارَّت تَعْوارُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَيُقَالُ: عارَ عينَه يَعُورُها إِذا عَوَّرها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فَجَاءَ إِليها كاسِرًا جَفْنَ عَيْنه، ***فقلتُ لَهُ: مَنْ عارَ عَيْنَك عَنْتَرهْ؟

يَقُولُ: مَنْ أَصابها بعُوّار؟ وَيُقَالُ: عُرْتُ عَيْنَهُ أَعُورُها وأَعارُها مِنَ العائِر.

قَالَ ابْنُ بُزُرْجٍ: يُقَالُ عارَ الدمعُ يَعِيرُ عَيَرانًا إِذا سَالَ؛ وأَنشد:

ورُبَّتَ سائلٍ عنِّي حَفِيٍّ: ***أَعارَتْ عينُه أَم لَمْ تَعارا؟

أَي أَدْمَعَت عينُه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ عارَت عينُه" تَعار، وأَورد هَذَا الْبَيْتَ:

وَسَائِلَةٍ بظَهْرِ الْغَيْبِ عَنّي: ***أَعارَتْ عينُه أَم لَمْ تَعارا؟

قَالَ: أَراد تعارَنْ، فَوَقَفَ بالأَلف؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَورد هَذَا الْبَيْتَ عَلَى عَارَتْ أَي عَوِرت، قَالَ: وَالْبَيْتُ لِعَمْرِو بْنِ أَحمر الْبَاهِلِيِّ؛ قَالَ: والأَلف فِي آخِرِ تَعَارَا بَدَلٌ مِنَ النُّونِ الْخَفِيفَةِ، أَبدل مِنْهَا أَلفًا لَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا سَلِمَتِ الأَلف الَّتِي بَعْدَ الْعَيْنِ إِذ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا نُونُ التَّوْكِيدِ لَانْحَذَفَتْ، وَكُنْتَ تَقُولُ لَمْ تَعَرْ كَمَا تَقُولُ لَمْ تَخَفْ، وإِذا أُلحقت النُّونُ ثَبَتَتِ الأَلف فَقُلْتَ: لَمْ تَخَافَنْ لأَن الْفِعْلَ مَعَ نُونِ التَّوْكِيدِ مَبْنِيٌّ فَلَا يَلْحَقُهُ جَزْمٌ.

وَقَوْلُهُمْ: بَدَلٌ أَعْوَر؛ مَثَلٌ يُضْرَبُ لِلْمَذْمُومِ يُخْلِفُ بَعْدَ الرَّجُلِ الْمَحْمُودِ.

وَفِي حَدِيثِ أُمّ زَرْع: «فاسْتَبْدَلت بعدَه وكلُّ بَدَلٍ أَعْوَر»؛ هُوَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمّام السّلُولي لقُتَيْبَة بْنِ مُسْلِمٍ ووَليَ خُرَاسَانَ بَعْدَ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ:

أَقُتَيْبَ، قَدْ قُلْنا غداةَ أَتَيْتَنا: ***بَدَلٌ لَعَمْرُك مِنْ يَزيدٍ أَعْوَرُ

وَرُبَّمَا قَالُوا: خَلَفٌ أَعْوَرُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فأَصْبَحْتُ أَمْشِي فِي دِيارٍ، كأَنها ***خِلافُ دِيار الكامِليّة عُورُ

كأَنه جَمَعَ خَلَفًا عَلَى خِلافٍ مِثْلُ جَبَل وجِبال.

قَالَ: وَالِاسْمُ العَوْرة.

وعُورانُ قَيْسٍ: خَمْسَةُ شُعَراء عُورٌ، وَهُمُ الأَعْور الشَّنِّي.

والشمَّاخ وَتَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِل وابن أَحمر وحُمَيْد بْنُ ثَوْرٍ الْهِلَالِيُّ.

وَبَنُو الأَعْور: قَبِيلَةٌ، سُمُّوا بِذَلِكَ لعَوَرِ أَبيهم؛ فأَما قَوْلُهُ: فِي بِلاد الأَعْورِينا؛ فَعَلَى الإِضافة كالأَعْجَمِينَ وَلَيْسَ بِجَمْعِ أَعْوَر لأَن مِثْلَ هَذَا لَا يُسَلّم عِنْدَ سِيبَوَيْهِ.

وعارَه وأَعْوَرَه وعَوَّرَه: صيَّره كَذَلِكَ؛ فأَما قَوْلُ جَبَلة: " وبِعْتُ لَهَا العينَ الصحيحةَ بالعَوَرْ "فإِنه أَراد العَوْراء فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الصِّفَةِ، وَلَوْ أَراد العَوَر الَّذِي هُوَ العرَض لقابَل الصَّحِيحَةَ وَهِيَ جَوْهَرٌ بالعَوَر وَهُوَ عرَضٌ، وَهَذَا قَبِيحٌ فِي الصنْعة وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ الْعَيْنَ الصَّحِيحَةَ بِذَاتِ العَوَرِ فَحَذَفَ، وَكُلُّ هَذَا لِيُقَابَلَ الجوهرُ بِالْجَوْهَرِ لأَن مُقَابَلَةَ الشَّيْءِ بِنَظِيرِهِ أَذهبُ في الصُّنْع وأَشْرَف فِي الْوَضْعِ؛ فأَما قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

فالعينُ بعدهمُ كأَن حِداقَها ***سُمِلَت بِشَوْكٍ، فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ

فَعَلَى أَنه جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْحَدَقَةِ أَعْوَرَ أَو كلَّ قِطْعَةٍ مِنْهَا عَوْراء، وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ، وإِنما آثَرَ أَبو ذُؤَيْبٍ هَذَا لأَنه لَوْ قَالَ: فَهِيَ عَوْرا تَدْمَعُ، لَقَصَرَ الْمَمْدُودَ فرأَى مَا عَمِله أَسهلَ عَلَيْهِ وأَخفَّ.

وَقَدْ يَكُونُ العَوَرُ فِي غَيْرِ الإِنسان؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: حَدَّثَنَا بَعْضُ الْعَرَبِ أَن رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسد قَالَ يَوْمَ جَبَلة: وَاسْتَقْبَلَهُ بَعِيرٌ أَعْور فَتَطيّر، فَقَالَ: يَا بَنِيّ أَعْوَرَ وَذَا نابٍ، فَاسْتَعْمَلَ الأَعْورَ لِلْبَعِيرِ، وَوَجْهُ نَصْبِهِ أَنه لَمْ يُرِدْ أَن يَسْتَرْشِدَهُمْ لِيُخْبِرُوهُ عَنْ عَورِه وصحَّته، وَلَكِنَّهُ نَبَّهَهُمْ كأَنه قَالَ: أَتستقبلون أَعْوَرَ وَذَا نَابٍ؟ فالاستقبالُ فِي حَالِ تَنْبِيهِهِ إِيّاهم كَانَ وَاقِعًا كَمَا كَانَ التلَوُّن وَالتَّنَقُّلُ عِنْدَكَ ثَابِتَيْنِ فِي الْحَالِ الأَول، وأَراد أَن يُثْبِتَ الأَعْوَرَ ليَحْذَرُوه، فأَما قَوْلُ سِيبَوَيْهِ فِي تَمْثِيلِ النَّصْبِ أَتَعَوَّرون فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، إِنما أَراد أَن يُرِينَا الْبَدَلَ مِنَ اللَّفْظِ بِهِ بِالْفِعْلِ فَصَاغَ فِعْلًا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الأَعْيار" مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَفي السِّلْم أَعْيارًا جَفاءً وغِلْظةً، ***وَفِي الحَرْب أَشباهَ النِّساء العَوارِك؟

أَتَعَيَّرون، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنما هُوَ لِيَصُوغَ الْفِعْلَ مِمَّا لَا يَجْرِي عَلَى الفعْل أَو مِمَّا يَقِلُّ جَرْيُهُ عَلَيْهِ.

والأَعْوَرُ: الْغُرَابُ، عَلَى التَّشَاؤُمِ بِهِ، لأَن الأَعْورَ عندهم مشؤوم، وَقِيلَ: لِخِلَافِ حَالِهِ لأَنهم يَقُولُونَ أَبْصَرُ مِنْ غُرَابٍ، قَالُوا: وإِنما سُمِّيَ الْغُرَابُ أَعْوَر لِحِدَّةِ بَصَرِهِ، كَمَا يُقَالُ للأَعمى أَبو بَصِير وللحبَشِيّ أَبو البَيْضاء، وَيُقَالُ للأَعمى بَصِير وللأَعْوَر الأَحْوَل.

قَالَ الأَزهري: رأَيت فِي الْبَادِيَةِ امرأَة عَوْراء يُقَالُ لَهَا حَوْلاء؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ للأَحْوَل الْعَيْنِ أَعْوَر، وللمرأَة الحَوْلاء هِيَ عَوْراء، وَيُسَمَّى الْغُرَابُ عُوَيْرًا عَلَى تَرْخِيمِ التَّصْغِيرِ؛ قَالَ: سُمِّيَ الْغُرَابُ أَعْوَرَ ويُصاح بِهِ فَيُقَالُ عُوَيْر عُوَيْر؛ وأَنشد: " وصِحَاحُ العُيونِ يُدْعَوْن عُورا وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

ومَنْهل أَعْوَر إِحْدى العَيْنَيْن، ***بَصِير أُخرى وأَصَمّ الأُذُنَيْن

فَسَّرَهُ فَقَالَ: مَعْنَى أَعْوَر إِحدى الْعَيْنَيْنِ أَي فِيهِ بِئْرَانِ فَذَهَبَتْ وَاحِدَةٌ فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَعْوَر إِحدى الْعَيْنَيْنِ، وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ بَصِير أُخرى، وَقَوْلُهُ أَصَمّ الأُذنين أَي لَيْسَ يُسْمَع فِيهِ صَدًى.

قَالَ شِمْرٌ: عَوَّرْت عُيونَ الْمِيَاهِ إِذا دَفَنْتها وسدَدْتها، وعَوَّرْت الرَّكِيَّةَ إِذا كَبَسْتها بِالتُّرَابِ حَتَّى تَنْسَدَّ عُيُونُهَا.

وَفَلَاةٌ عَوْراء: لَا مَاءَ بِهَا.

وعَوَّرَ عَيْنَ الرَّكِيَّةِ: أَفسدها حَتَّى نَضَبَ الماءُ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَر وذكَرَ إمرأَ الْقَيْسِ فَقَالَ: «افْتَقَر عَنْ معانٍ عُورٍ»؛ العُورُ جَمْعُ أَعْوَر وعَوْراء وأَراد بِهِ الْمَعَانِيَ الْغَامِضَةَ الدَّقِيقَةَ، وَهُوَ مِنْ عَوَّرْت الرَّكِيَّةَ وأَعَرْتُها وعُرْتُها إِذا طَمَمْتها وَسَدَدْتَ أَعينها الَّتِي ينبَع مِنْهَا الْمَاءِ.

وَفِي حَدِيثِ عليٍّ: «أَمرَه أَن يُعَوِّرَ آبارَ بَدْرٍ»أَي يَدْفِنها ويَطُمّها؛ وَقَدْ عارَت الركيةُ تَعُور.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: العُوَارُ الْبِئْرُ الَّتِي لَا يُسْتَقَى مِنْهَا.

قَالَ: وعَوَّرْت الرَّجُلَ إِذا اسْتَسْقاك فَلَمْ تَسْقِه.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ لِلْمُسْتَجِيزِ الَّذِي يَطْلُبُ الْمَاءَ إِذا لَمْ تُسْقِهِ: قَدْ عَوَّرْت شُرْبَه؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

مَتَّى مَا تَرِدْ يَوْمًا سَفارِ، تَجِدْ بِهِ ***أُدَيْهم، يَرْمي المُسْتَجِيز المُعَوَّرا

سفارِ: اسْمُ مَاءٍ.

وَالْمُسْتَجِيزُ: الَّذِي يَطْلُبُ الْمَاءَ.

وَيُقَالُ: عَوَّرْته عَنِ الْمَاءِ تَعْوِيرًا أَي حَلَّأْته.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: التَّعْوِيرُ الرَّدُّ.

عَوَّرْته عَنْ حَاجَتِهِ: رَدَدْتُهُ عَنْهَا.

وَطَرِيقٌ أَعْوَرُ: لَا عَلَم فِيهِ كأَنّ ذَلِكَ العَلَم عَيْنُه، وَهُوَ مَثَلٌ.

والعائرُ: كُلُّ مَا أَعَلَّ العينَ فعقَر، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن الْعَيْنَ تُغْمَضُ لَهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهَا مِنَ النَّظَرِ لأَن الْعَيْنَ كأَنها تَعُور.

وَمَا رأَيت عائرَ عَيْنٍ أَي أَحدًا يَطْرِف الْعَيْنَ فيَعُورها.

وعائرُ الْعَيْنِ: مَا يملؤُها مِنَ الْمَالِ حَتَّى يَكَادَ يَعُورُها.

وَعَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ عائرةُ عَيْنَيْن وعَيِّرَةُ عَيْنَيْنِ؛ كِلَاهُمَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي مَا يَكَادُ مِنْ كَثْرَتِهِ يَفْقأُ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ مَرَّةً: يُرِيدُ الْكَثْرَةَ كأَنه يملأُ بَصَرَهُ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَثُرَ مالُه: تَرِدُ عَلَى فُلَانٍ عائرةُ عَيْنٍ وعائرةُ عَيْنَيْنِ أَي تَرِدُ عَلَيْهِ إِبلٌ كَثِيرَةٌ كأَنها مِنْ كَثْرَتِهَا تملأُ الْعَيْنَيْنِ حَتَّى تَكَادَ تَعُورهما أَي تَفْقَؤُهما.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: مَعْنَاهُ أَنه مِنْ كَثْرَتِهَا تَعِيرُ فِيهَا الْعَيْنُ؛ قَالَ الأَصمعي: أَصل ذَلِكَ أَن الرَّجُلَ مِنَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِذا بَلَغَإِبلُه أَلفًا عارَ عَينَ بَعِير مِنْهَا، فأَرادوا بعَائرة الْعَيْنِ أَلفًا مِنَ الإِبل تَعُورُ عينُ وَاحِدٍ مِنْهَا.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَعِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ عائرةُ عينٍ أَي يَحارُ فِيهِ الْبَصَرُ مِنْ كَثْرَتِهِ كأَنه يملأُ الْعَيْنَ فيَعُورُها.

والعائرُ كالظَّعْنِ أَو القذَى فِي الْعَيْنِ: اسْمٌ كالكاهِل والغارِب، وَقِيلَ: العائرُ الرَّمَد، وَقِيلَ: العائرُ بَثْرٌ يَكُونُ فِي جَفْن الْعَيْنِ الأَسفل، وَهُوَ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ بِمَنْزِلَةِ النالِج والناعِر والباطِل، وَلَيْسَ اسْمَ فَاعِلٍ وَلَا جَارِيًا عَلَى مُعْتَلٍّ، وَهُوَ كَمَا تَرَاهُ مُعْتَلٌّ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: العائرُ غَمَصة تمَضُّ الْعَيْنَ كأَنما وَقَعَ فِيهَا قَذًى، وَهُوَ العُوّار.

قَالَ: وَعَيْنٌ عائرةٌ ذَاتُ عُوّار؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي هَذَا الْمَعْنَى عارَت، إِنما يُقَالُ عارَت إِذا عَوِرَت، والعُوّار، بِالتَّشْدِيدِ، كَالْعَائِرِ، وَالْجَمْعُ عَواوِير: الْقَذَى فِي الْعَيْنِ؛ يُقَالُ: بِعَيْنِهِ عُوّار أَي قَذًى؛ فأَما قَوْلُهُ: " وكَحَّلَ العَيْنَيْنِ بالعَواوِر "فإِنما حَذَفَ الْيَاءَ لِلضَّرُورَةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَهْمِزْ لأَن الْيَاءَ فِي نِيَّةِ الثَّبَاتِ، فَكَمَا كَانَ لَا يَهْمِزُهَا وَالْيَاءُ ثَابِتَةٌ كَذَلِكَ لَمْ يَهْمِزْهَا وَالْيَاءُ فِي نِيَّةِ الثَّبَاتِ.

وَرَوَى الأَزهري عَنِ الْيَزِيدِيِّ: بعَيْنِه ساهِكٌ وعائرٌ، وَهُمَا مِنَ الرَّمَدِ.

والعُوّار: الرَّمَدُ.

والعُوّار: الرَّمَصُ الَّذِي فِي الْحَدَقَةِ.

والعُوّارُ: اللَّحْمُ الَّذِي يُنْزَعُ مِنَ الْعَيْنِ بعد ما يُذَرّ عَلَيْهِ الذَّرُورُ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

والعَوْراء: الْكَلِمَةُ الْقَبِيحَةُ أَو الفَعْلة القَبيحة، وَهُوَ مِنْ هَذَا لأَن الْكَلِمَةَ أَو الْفَعْلَةَ كأَنها تَعُور الْعَيْنَ فَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنَ الطُّمْوحِ وحِدّةِ النَّظَرِ، ثُمَّ حَوّلوها إِلى الْكَلِمَةِ والفعلةِ عَلَى المَثَل، وإِنما يُرِيدُونَ فِي الْحَقِيقَةِ صَاحِبَهَا؛ قَالَ ابْنُ عَنْقَاءَ الْفَزَارِيُّ يَمْدَحُ ابْنَ عَمِّهِ عُمَيْلة وَكَانَ عُمَيْلَةُ هَذَا قَدْ جَبَرَهُ مِنْ فَقْرٍ:

إِذا قِيلَت العَوْراءُ أَغْضَى، كأَنه ***ذليلٌ بِلَا ذُلٍّ، وَلَوْ شَاءَ لانْتَصَرْ

وَقَالَ آخَرُ:

حُمِّلْت مِنْهُ عَلَى عَوْراءَ طائِشةٍ، ***لَمْ أَسْهُ عَنْهَا وَلَمْ أَكْسِرْ لَهَا فَزَعا

قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ لِلْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ عَوْراء، وَلِلْكَلِمَةِ الحسْناء: عَيْناء؛ وأَنشد قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وعَوْراء جَاءَتْ مِنْ أَخٍ، فرَدَدْتُها ***بِسالمةِ العَيْنَيْنِ، طَالِبَةً عُذْرا

أَي بِكَلِمَةٍ حسَنَة لَمْ تَكُنْ عَوْراء.

وَقَالَ اللَّيْثُ: العَوْراء الْكَلِمَةُ الَّتِي تَهْوِي فِي غَيْرِ عَقْلٍ وَلَا رُشْد.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْكَلِمَةُ العَوْراء الْقَبِيحَةُ، وَهِيَ السَّقْطة؛ قَالَ حَاتِمُ طَيِّءٍ:

وأَغْفِرُ عَوْراءَ الْكَرِيمِ ادِّخارَه، ***وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيم تَكَرُّما

أَي لِادِّخَارِهِ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «يَتَوَضَّأُ أَحدكم مِنَ الطَّعام الطيّبِ وَلَا يَتَوَضَّأُ مِنَ العَوْراء يقولُها»أَي الْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ الزَّائِغَةِ عَنِ الرُّشد.

وعُورانُ الكلامِ: مَا تَنْفِيه الأُذُن، وَهُوَ مِنْهُ، الْوَاحِدَةُ عَوْراء؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، وأَنشد:

وعَوْراء قَدْ قِيلَتْ، فَلَمْ أَسْتَمِعْ لَهَا، ***وَمَا الكَلِمُ العُورانُ لِي بِقَتُولِ

وَصَفَ الكَلِمَ بالعُورانِ لأَنه جَمْعٌ وأَخبر عَنْهُ بالقَتُول، وَهُوَ وَاحِدٌ لأَن الْكَلِمَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جَمْعٍ لَا يُفارِق وَاحِدَهُ إِلا بِالْهَاءِ وَلَكَ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ.

والعَوَرُ: شَيْنٌ وقُبْحٌ.

والأَعْوَرُ: الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

في الْحَدِيثِ: «لَمَّا اعْتَرَضَ أَبو لَهَبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ إِظهار الدَّعْوة قَالَ لَهُ أَبو طَالِبٍ: يَا أَعْوَرُ، مَا أَنتَ وَهَذَا؟»لَمْ يَكُنْ أَبو لَهَبٍ أَعْوَرَ وَلَكِنَّ العرب تقول للذي لَيْسَ لَهُ أَخٌ مِنْ أُمّه وأَبيه أَعْوَر، وَقِيلَ: إِنهم يَقُولُونَ لِلرَّدِيءِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الأُمور والأَخلاق أَعْوَر، وَلِلْمُؤَنَّثِ مِنْهُ عَوْراء.

والأَعْوَرُ: الضَّعِيفُ الْجَبَانُ البَلِيد الَّذِي لَا يَدُلّ وَلَا يَنْدَلّ وَلَا خَيْرَ فِيهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وأَنشد لِلرَّاعِي: " إِذا هابَ جُثْمانَه الأَعْوَرُ "يَعْنِي بالجُثْمان سوادَ اللَّيْلِ ومُنْتَصَفه، وَقِيلَ: هُوَ الدَّلِيلُ السيِء الدَّلَالَةِ.

والعُوّار أَيضًا: الضَّعِيفُ الْجَبَانُ السَّرِيعُ الْفِرَارِ كالأَعْور، وَجَمْعُهُ عَوَاوِيرُ؛ قَالَ الأَعشى:

غَيْرَ مِيلٍ وَلَا عَواوِير فِي الهيجا، ***وَلَا عُزّلٍ وَلَا أَكْفالِ

قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُكْتَفَ فِيهِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لأَنهم قَلَّمَا يَصِفُونَ بِهِ الْمُؤَنَّثَ فَصَارَ كمِفْعال ومِفْعِيل وَلَمْ يَصِرْ كفَعّال، وأَجْرَوْه مُجْرَى الصِّفَةِ فَجَمَعُوهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي حَسَّانٍ وكَرّام.

والعُوّار أَيضًا: الَّذِينَ حَاجَاتُهُمْ فِي أَدْبارِهم؛ عَنْ كُرَاعٍ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمْعُ العُوّار الْجَبَانِ العَواوِيرُ، قَالَ: وإِن شِئْتَ لَمْ تُعَوِّضْ فِي الشِّعْرِ فَقُلْتَ الْعَوَاوِرُ؛ وأَنشد عَجُزَ بَيْتٍ لِلَبِيدٍ يُخَاطِبُ عَمَّهُ ويُعاتِبه:

وَفِي كلِّ يَوْمٍ ذِي حِفاظٍ بَلَوْتَنِي، ***فقُمْتُ مَقامًا لَمْ تَقُمْه العَواوِرُ

وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ النَّحْوِيُّ: إِنما صَحَّتْ فِيهِ الْوَاوُ مَعَ قُرْبِهَا مِنَ الطَّرَفِ لأَن الْيَاءَ الْمَحْذُوفَةَ لِلضَّرُورَةِ مُرَادَةٌ فَهِيَ فِي حُكْمِ مَا فِي اللَّفْظِ، فَلَمَّا بَعُدَتْ فِي الْحُكْمِ مِنَ الطَّرف لَمْ تُقْلَبْ هَمْزَةً.

وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ السَّائِرَةِ: أَعْوَرُ عَيْنَك والحَجَر.

والإِعْوَار: الرِّيبةُ.

وَرَجُلٌ مُعْوِرٌ: قَبِيحُ السَّرِيرَةِ.

وَمَكَانٌ مُعْوِر: مُخَوِّفٌ.

وَهَذَا مَكَانٌ مُعْوِر أَي يُخاف فِيهِ الْقَطْعُ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «قَالَ مَسْعُودُ بْنُ هُنَيْدة: رأَيته وَقَدْ طلَع فِي طريقٍ مُعْوِرة»أَي ذَاتُ عَوْرة يُخاف فِيهَا الضَّلَالُ وَالِانْقِطَاعُ.

وَكُلُّ عَيْبٍ وَخَلَلٍ فِي شَيْءٍ، فَهُوَ عَوْرة وَشَيْءٌ مُعْوِر وعَوِرٌ: لَا حَافِظَ لَهُ.

والعَوَارُ والعُوار، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا: خَرْقٌ أَو شَقٌّ فِي الثَّوْبِ، وَقِيلَ: هُوَ عَيْبٌ فِيهِ فَلَمْ يُعَيَّنْ ذَلِكَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

تُبَيِّنُ نِسْبةَ المُزَنِيِّ لُؤْمًا، ***كَمَا بَيَّنْتَ فِي الأُدُم العُوارا

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «لَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمةٌ وَلَا ذاتُ عَوار»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَوارُ، بِالْفَتْحِ، الْعَيْبُ، وَقَدْ يُضَمُّ.

والعَوْرةُ: الخَلَلُ فِي الثَّغْر وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ مَنْكُورًا فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ}؛ فأَفرد الْوَصْفَ والموصوفُ جَمْعٌ، وأَجمع القُرّاء عَلَى تَسْكِينِ الْوَاوِ مِنْ عَوْرة، وَلَكِنْ فِي شَوَاذِّ الْقِرَاءَاتِ عَوِرة عَلَى فَعِلة، وإِنما أَرادوا: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ" أَي مُمْكِنة للسرَّاق لخلُوِّها مِنَ الرِّجَالِ فأَكْذَبَهم اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ "وَلَكِنْ يُرِيدون الفِرار؛ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِن بُيُوتَنَا عَوْرة أَي مُعْوِرة أَي بُيُوتُنَا مِمَّا يَلِي العَدُوَّ وَنَحْنُ نُسْرَق مِنْهَا فأَعْلَم اللهُ أَنَّ قصدَهم الهربُ.

قَالَ: وَمَنْ قرأَها" عَوِرة "فَمَعْنَاهَا ذَاتُ عَوْرة.

إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرارًا؛ الْمَعْنَى: مَا يُرِيدُونَ تحرُّزًا مِن سَرَقٍ وَلَكِنْ يُرِيدُونَ الفِرارَ عَنْ نُصْرة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌأَي لَيْسَتْ بِحَرِيزة، وَمَنْ قرأَ عَوِرة ذَكَّر وأَنَّث، وَمَنْ قرأَ عَوْرَةٌ قَالَ فِي التَّذْكِيرِ والتأْنيث وَالْجَمْعِ عَوْرة كَالْمَصْدَرِ.

قَالَ الأَزهري: العَوْرة فِي الثُّغُور وَفِي الحُروبِ خَلَلٌ يُتَخَوَّف مِنْهُ الْقَتْلُ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَوْرة كُلُّ خَلَل يُتَخَوَّف مِنْهُ مِنْ ثَغْرٍ أَو حَرْب.

والعَوْرة: كُلُّ مَكْمَنٍ للسَّتْر.

وعَوْرةُ الرَّجُلِ والمرأَة: سوْأَتُهما، وَالْجَمْعُ عَوْرات، بِالتَّسْكِينِ، وَالنِّسَاءُ عَوْرة؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنما يُحَرَّكُ الثَّانِي مِنْ فَعْلة فِي جَمْعِ الأَسماء إِذا لم يكن باءً أَو وَاوًا، وقرأَ بَعْضُهُمْ: " عَوَرات النِّسَاءِ، بِالتَّحْرِيكِ.

والعَوْرةُ: السَّاعَةُ الَّتِي هِيَ قَمِنٌ مِنْ ظُهُورِ العَوْرة فِيهَا، وَهِيَ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ: سَاعَةٌ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَسَاعَةٌ عِنْدَ نِصْفِ النَّهَارِ، وَسَاعَةٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ}؛ أَمر اللَّهُ تَعَالَى الوِلْدانَ والخَدَمَ أَن لَا يَدْخُلُوا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ إِلا بِتَسْلِيمٍ مِنْهُمْ وَاسْتِئْذَانٍ.

وكلُّ أَمر يُسْتَحَيَا مِنْهُ: عَوْرة.

وَفِي الْحَدِيثِ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْراتُنا مَا نأْتي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ العَوْرات: جَمْعُ عَوْرة، وَهِيَ كُلِّ مَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ إِذا ظَهَرَ، وَهِيَ مِنَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمِنَ المرأَة الْحُرَّةِ جميعُ جَسَدِهَا إِلا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إِلى الْكُوعَيْنِ، وَفِي أَخْمَصِها خِلَافٌ، وَمِنَ الأَمَة مثلُ الرَّجُلِ، وَمَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَالِ الْخِدْمَةِ كالرأْس وَالرَّقَبَةِ وَالسَّاعِدِ فَلَيْسَ بِعَوْرة».

وسترُ العَوْرة فِي الصَّلَاةِ وغيرِ الصَّلَاةِ واجبٌ، وَفِيهِ عِنْدَ الْخَلْوَةِ خِلَافٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «المرأَة عَوْرة»؛ جَعَلَهَا نفسَها عَوْرة لأَنها إِذا ظَهَرَتْ يُسْتَحْيَا مِنْهَا كَمَا يُسْتَحْيَا مِنَ العَوْرة إِذا ظَهَرَتْ.

والمُعْوِرُ: المُمْكِن البيِّن الْوَاضِحُ.

وأَعْوَرَ لَكَ الصَّيْدُ أَي أَمْكَنك.

وأَعْوَرَ الشيءُ: ظَهَرَ وأَمكن؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لكُثَيّر:

كَذَاكَ أَذُودُ النَّفْسَ، يَا عَزَّ، عنكمُ، ***وَقَدْ أَعْوَرَت أَسْرارُ مَن لَا يَذُودُها

أَعْوَرَتْ: أَمكنت، أَي مَنْ لَمْ يَذُد نفسَه عَنْ هَوَاهَا فحُشَ إِعْوارُها وفشَتْ أَسرارُها.

وَمَا يُعْوِرُ لَهُ شَيْءٌ إِلا أَخذه أَي يَظْهَرُ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَعْوَرَ منزلُك إِذا بَدَتْ مِنْهُ عَوْرةٌ، وأَعْوَرَ الفارِسُ إِذا كَانَ فِيهِ مَوْضِعُ خَلَلٍ لِلضَّرْبِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الأَسد: " لَهُ الشَّدّةُ الأُولى إِذا القِرْن أَعْورَا وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ الله عنه: «لَا تُجْهِزوا عَلَى جَريح وَلَا تُصِيبُوا مُعْوِرًا»؛ هُوَ مِنْ أَعْوَر الفارسُ إِذا بَدَا فِيهِ مَوْضِعُ خللٍ لِلضَّرْبِ.

وعارَه يَعُوره أَي أَخذه وَذَهَبَ بِهِ.

وَمَا أَدْرِي أَيُّ الجرادِ عارَه أَي أَيّ النَّاسِ أَخذه؛ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلا فِي الْجَحْدِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَمَا أَدري أَيّ النَّاسِ ذَهَبَ بِهِ وَلَا مُسْتَقْبَل لَهُ.

قَالَ يَعْقُوبُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعُوره، وَقَالَ أَبو شِبْلٍ: يَعِيره، وَسَيُذْكَرُ فِي الْيَاءِ أَيضًا.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَراك عُرْته وعِرْته أَي ذَهَبْتَ بِهِ.

قَالَ ابْنُ جِنِّي: كأَنهم إِنما لَمْ يَكَادُوا يَسْتَعْمِلُونَ مُضَارِعَ هَذَا الْفِعْلِ لَمَّا كَانَ مَثَلًا جَارِيًا فِي الأَمر الْمُنْقَضِي الْفَائِتِ، وإِذا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ الْمُضَارِعِ هَاهُنَا لأَنه لَيْسَ بمُنْقَضٍ وَلَا يَنْطِقُونَ فِيهِ بِيَفْعَلَ، وَيُقَالُ: مَعْنَى عارَه أَي أَهلكه.

ابْنُ الأَعرابي: تَعَوّرَ الكتابُ إِذا دَرَسَ.

وَكِتَابٌ أَعْوَرُ: دارِسٌ.

قَالَ: والأَعْور الدَّلِيلُ السَّيِّءُ الدَّلَالَةِ لَا يُحْسِنُ أَن يَدُلّ وَلَا يَنْدَلّ، وأَنشد:

مَا لَكَ، يَا أَعْوَرُ، لَا تَنْدَلّ، ***وَكَيْفَ يَنْدَلّ امْرؤٌ عِتْوَلّ؟

وَيُقَالُ: جَاءَهُ سَهْمٌ عائرٌ فقَتَله، وَهُوَ الَّذِي لَا يُدْرَى مَن رَمَاهُ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

أَخْشَى عَلَى وَجْهِك يَا أَمير، ***عَوائِرًا مِنْ جَنْدَل تَعِير

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا أَصابه سَهْمٌ عائِرٌ فقَتَله»؛ أَي لَا يُدْرَى مَنْ رماه.

والعائِرُ مِنَ السِّهَامِ والحجارةِ: الَّذِي لَا يُدْرَى مَن رَمَاهُ؛ وَفِي تَرْجَمَةِ نسأَ: وأَنشد لِمَالِكِ بْنِ زُغْبَةَ الْبَاهِلِيُّ:

إِذا انْتَسَأُوا فَوْتَ الرِّماح، أَتَتْهُمُ ***عَوائِرُ نَبْلٍ، كالجَرادِ نُطِيرُها

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: عَوائِرُ نَبْلٍ أَي جَمَاعَةُ سِهَامٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا يُدْرَى مِنْ أَين أَتت.

وعاوَرَ الْمَكَايِيلَ وعَوَّرَها: قدَّرَها، وَسَيُذْكَرُ فِي الْيَاءِ لُغَةٌ فِي عايَرَها.

والعُوّارُ: ضَرْبٌ مِنَ الخَطاطِيف أَسود طَوِيلُ الْجَنَاحَيْنِ، وعَمَّ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: العُوّار، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ، الخُطّاف؛ وَيُنْشِدُ: " كَمَا انْقَضَّ تَحْتَ الصِّيقِ عُوّارُ "الصِّيق: الْغُبَارُ.

والعُوّارَى: شَجَرَةٌ يُؤْخَذُ جِراؤُها فتُشْدَخ ثُمَّ تُيَبَّس ثُمَّ تُذَرَّى ثُمَّ تُحْمَلُ فِي الأَوعية إِلى مَكَّةَ فَتُبَاعُ وَيُتَّخَذُ مِنْهَا مَخانِقُ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعُوَّار شَجَرَةٌ تَنْبُتُ نِبْتة الشَّرْية وَلَا تشِبُّ، وَهِيَ خَضْرَاءُ، وَلَا تَنْبُتُ إِلا فِي أَجواف الشَّجَرِ الْكِبَارِ.

ورِجْلة العَوْراء: بِالْعِرَاقِ بِمَيْسان.

والعارِيّة والعارةُ: مَا تداوَلُوه بَيْنَهُمْ؛ وَقَدْ أَعارَه الشيءَ وأَعارَه مِنْهُ وعاوَرَه إِيَّاه.

والمُعاوَرة والتَّعاوُر: شِبْهُ المُدَاوَلة والتّداوُل فِي الشَّيْءِ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

وسَقْطٍ كعَيْنِ الدِّيك عاوَرْتُ صَاحِبِي ***أَباها، وهَيَّأْنا لِمَوْقِعها وكْرا

يَعْنِي الزَّنْدَ وَمَا يَسْقُطُ مِنْ نَارِهَا؛ وأَنشد ابْنُ الْمُظَفَّرِ: " إِذا رَدَّ المُعاوِرُ مَا استْعَارا وَفِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمية: «عارِيّة مَضْمُونَةٌ»؛ مُؤدّاة العارِيّة يَجِبُ ردُّها إِجماعًا مَهْمَا كَانَتْ عينُها بَاقِيَةً، فإِن تَلِفَت وجبَ ضمانُ قِيمَتِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا ضَمَانَ فِيهَا عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ.

وتَعَوّرَ واسْتَعار: طَلَبَ العارِيّة.

واسْتَعارَه الشيءَ واسْتَعارَه مِنْهُ: طَلَبَ مِنْهُ أَن يُعِيرَه إِيّاه؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقِصَّةِ الْعِجْلِ: «مِنْ حُلِيٍّ تَعَوَّرَه بَنُو إِسرائيل»أَي اسْتَعارُوه.

يُقَالُ: تعوَّر واسْتَعار نَحْوَ تَعَجَّبَ واسْتَعْجَب.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَرى ذَا الدهرَ يَسْتَعِيرُني ثِيَابِي، قَالَ: يَقُولُهُ الرَّجُلُ إِذا كَبِر وخَشِيَ الْمَوْتَ.

واعْتَوَروا الشيءَ وتَعوَّرُوه وتَعاوَرُوه: تداوَلُوه فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:

وإِذا الكُماةُ تَعاوَرُوا طَعْنَ الكُلى، ***نَذَرُ البِكَارَة فِي الجَزاءِ المُضْعَفِ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنما ظَهَرَتِ الْوَاوُ فِي اعْتَوَرُوا لأَنه فِي مَعْنَى تَعاوَرُوا فبُنِيَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي تجاوَرُوا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «يَتَعَاوَرُون عَلَى مِنْبَرِي» أَي يَخْتَلِفُونَ وَيَتَنَاوَبُونَ كُلَّمَا مَضَى وَاحِدٌ خَلَفَه آخَرُ.

يُقَالُ: تَعاوَرَ القومُ فُلَانًا إِذا تَعاوَنْوا عَلَيْهِ بِالضَّرْبِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.

قَالَ الأَزهري: وأَما العارِيّة والإِعارةُ والاسْتِعارة فإِن قَوْلَ الْعَرَبِ فِيهَا: هُمْ يَتَعاوَرُون العَوَارِيَّ ويَتَعَوَّرُونها، بِالْوَاوِ، كأَنهم أَرادوا تَفْرِقَةً بَيْنَ مَا يَتَرَدَّدُ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا يُرَدَّد.

قَالَ: والعارِيّة مَنْسُوبَةٌ إِلى العارَة، وَهُوَ اسْمٌ مِنَ الإِعارة.

تَقُولُ: أَعَرْتُه الشَّيْءَ أُعِيره إِعارة وعَارةً، كَمَا قَالُوا: أَطَعْتُه إِطاعة وَطَاعَةً وأَجَبْتُه إِجابة وَجَابَةً؛ قَالَ: وَهَذَا كَثِيرٌ فِي ذَوَاتِ الثَّلَاثَةِ، مِنْهَا الْعَارَةُ والدَّارة وَالطَّاقَةُ وَمَا أَشبهها.

وَيُقَالُ: اسْتَعَرْت مِنْهُ عارِيّةً فأَعارَنِيها؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العارِيّة، بِالتَّشْدِيدِ، كأَنها مَنْسُوبَةٌ إِلى العارِ لأَن طلَبَها عارٌ وعيْبٌ؛ وَيُنْشِدُ:

إِنما أَنْفُسُنا عَارِيَّةٌ، ***والعَواريّ قصارٌ أَن تُرَدّ

العارةُ: مِثْلُ العارِيّة؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

فأَخْلِفْ وأَتْلِفْ، إِنما المالُ عارةٌ، ***وكُلْه مَعَ الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ آكِلُهْ

واستعارَه ثَوْبًا فأَعَارَه أَباه، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: كِيرٌ مُسْتعار؛ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:

كأَن حَفِيفَ مَنْخِره، إِذا مَا ***كَتَمْنَ الرَّبْوَ، كِيرٌ مُسْتَعارُ

قِيلَ: فِي قَوْلِهِ مُسْتَعَارٌ قَوْلَانِ: أَحدهما أَنه اسْتُعِير فأُشْرِع العملُ بِهِ مُبَادَرَةً لِارْتِجَاعِ صَاحِبِهِ إِيَّاه، وَالثَّانِي أَن تَجْعَلَهُ مِنَ التَّعاوُرِ.

يُقَالُ: اسْتَعَرْنا الشَّيْءَ واعْتَوَرْناه وتَعاوَرْنَاه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ: مُسْتَعار بِمَعْنَى مُتعاوَر أَي مُتداوَل.

وَيُقَالُ: تَعاوَرَ القومُ فُلَانًا واعْتَوَرُوه ضَرْبًا إِذا تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ فَكُلَّمَا أَمْسَكَ وَاحِدٌ ضربَ واحدٌ، والتعاوُر عامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

وتَعاوَرت الرياحُ رَسْمَ الدَّارِ حَتَّى عَفَّتْه أَي تَواظَبت عَلَيْهِ؛ قَالَ ذَلِكَ اللَّيْثُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا غَلَطٌ، وَمَعْنَى تعاوَرت الرياحُ رَسْمَ الدَّارِ أَي تَداوَلَتْه، فمرَّةً تَهُبُّ جَنوبًا وَمَرَّةً شَمالًا ومرَّة قَبُولًا وَمَرَّةً دَبُورًا؛ وَمِنْهُ قول الأَعشى:

دِمْنة قَفْزة، تاوَرها الصَّيْفُ ***برِيحَيْنِ مِنْ صَبًا وشَمالِ

قَالَ أَبو زَيْدٍ: تعاوَرْنا العَوارِيَّ تعاوُرًا إِذا أَعارَ بعضُكم بَعْضًا، وتَعَوَّرْنا تَعوُّرًا إِذا كُنْتَ أَنت المُسْتَعِيرَ، وتَعاوَرْنا فُلَانًا ضَرْبًا إِذا ضَرَبْتَهُ مَرَّةً ثُمَّ صاحبُك ثُمَّ الآخرُ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: التَّعاوُرُ والاعْتِوَارُ أَن يَكُونَ هَذَا مَكَانَ هَذَا، وَهَذَا مَكَانَ هَذَا.

يُقَالُ: اعْتَوَراه وابْتدّاه هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً، وَلَا يُقَالُ ابْتَدّ زَيْدٌ عَمْرًا وَلَا اعْتَوَرَ زيدٌ عَمْرًا.

أَبو زَيْدٍ: عَوَّرْت عَنْ فُلَانٍ مَا قِيلَ لَهُ تَعْوِيرًا وعَوَّيْت عَنْهُ تَعْوِيةً أَي كَذَّبْتُ عَنْهُ مَا قِيلَ لَهُ تَكْذِيبًا ورَدَدْت.

وعَوّرْته عَنِ الأَمر: صرَفته عَنْهُ.

والأَعْوَرُ: الَّذِي قَدْ عُوِّرَ وَلَمْ تُقْضَ حاجتُه وَلَمْ يُصِبْ مَا طَلَبَ وَلَيْسَ مِنْ عَوَر الْعَيْنِ؛ وأَنشد لِلْعَجَّاجِ: " وعَوَّرَ الرحمنُ مَن وَلّى العَوَرْ "وَيُقَالُ: مَعْنَاهُ أَفسد مَنْ وَلَّاه وَجَعَلَهُ وَليًَّا للعَوَر، وَهُوَ قُبْحُ الأَمر وفسادُه.

تَقُولُ: عَوَّرْت عَلَيْهِ أَمَره تَعْوِيرًا أَي قَبَّحْته عَلَيْهِ.

والعَوَرُ: تَرْكُ الْحَقِّ.

وَيُقَالُ: عَاوَرَه الشيءَ أَي فعلَ بِهِ مثلَ مَا فَعَلَ صاحبُه بِهِ.

وعوراتُ الْجِبَالِ: شُقُوقُهَا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَجاوَبَ بُومُها فِي عَوْرَتَيْها، ***إِذا الحِرْباء أَوْفى للتَّناجي

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَراد عَوْرَتي الشَّمْسِ وَهُمَا مَشْرِقُهَا وَمَغْرِبُهَا.

وإِنها لَعَوْراء القُرِّ: يَعْنون سَنَة أَو غَدَاةً أَو لَيْلَةً؛ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ثَعْلَبٍ.

وعَوائرُ مِنَ الْجَرَادِ: جَمَاعَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ.

والعَوارُ: العَيْب؛ يُقَالُ: سِلْعَة ذَاتُ عَوارٍ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَقَدْ تُضَمُّ.

وعُوَيْرٌ والعُوَيْرُ: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

عُوَيْرٌ، ومَن مِثْلُ العُوَيْرِ ورَهْطِه؟ ***وأَسْعَدُ فِي لَيلِ البَلابِل صَفْوانُ

وعُوَيرْ: اسْمُ مَوْضِعٍ.

والعُوَيْر: مَوْضِعٌ عَلَى قبْلة الأَعْوريَّة، هِيَ قَرْيَةُ بَنِي محجنٍ الْمَالِكِيِّينَ؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:

حَتَّى وَرَدْنَ رَكيّات العُوَيْرِ، وَقَدْ ***كادَ المُلاءُ مِنَ الْكَتَّانِ يَشْتَعِلُ

وَابْنَا عُوارٍ: جَبَلَانِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِن هِنْدٍ إِذا احْتَجَبَتْ، ***يَا ابْنَيْ عُوَارٍ، وأَمْسى دُونها بُلَعُ

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: ابْنَا عُوارٍ نَقَوَا رمْلٍ.

وتِعار: جَبَلٌ بِنَجْدٍ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

وَمَا هَبَّتِ الأَرْواحُ تَجْري، وَمَا ثَوى ***مُقِيمًا بِنَجْدٍ عَوْفُها وتِعارُها

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يُحْتَمَلُ أَن تَكُونَ فِي الثُّلَاثِيِّ الصَّحِيحِ وَالثُّلَاثِيِّ الْمُعْتَلِّ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


9-لسان العرب (عشا)

عشا: العَشَا، مقصورٌ: سوءُ البَصَرِ بالليلِ والنهارِ، يكونُ فِي الناسِ والدَّوابِّ والإِبلِ والطَّيرِ، وَقِيلَ: هُوَ ذَهابُ البَصَرِ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَا يصحُّ إِذَا تأَمَّلته، وَقِيلَ: هُوَ أَن لَا يُبْصِر بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ: العَشَا يكونُ سُوءَ البصَرِ مِنْ غيرِ عَمًى، ويكونُ الَّذِي لَا يُبْصِرُ باللَّيْلِ ويُبْصِرُ بالنَّهارِ، وَقَدْ عَشا يَعْشُو عَشْوًا، وَهُوَ أَدْنَى بَصَرِه وَإِنَّمَا يَعْشُو بعدَ ما يَعْشَى.

قال سيبويه: أَمالوا العَشَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَواتِ الواوِ، تَشْبيهًا بذَوات الواوِ مِنَ الأَفعال كغَزا وَنَحْوِهَا، قَالَ: وَلَيْسَ يطَّرِدُ فِي الأَسْماء إِنَّمَا يَطَّرِدُ فِي الأَفْعالِ، وَقَدْ عَشِيَ يَعْشَى عَشًى، وَهُوَ عَشٍ وأَعْشَى، والأُنثى عَشْوَاء، والعُشْوُ جَمعُ الأَعْشَى؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: العُشْوُ مِنَ الشُّعراء سَبْعة: أَعْشَى بَنِي قَيْسٍ أَبو بَصِير، وأَعْشَى باهلَةَ أَبو قُحافة وأَعْشَى بَني نَهْشَلٍ الأَسْودُ بنُ يَعْفُرَ، وَفِي الإِسلام أَعْشَى بَني رَبيعة مِنْ بَنِي شَيْبانَ، وأَعْشَى هَمْدان، وأَعْشَى تَغْلِب بنُ جاوانَ، وأَعْشَى طِرْوَدٍ مِنْ سُلَيْم، وَقَالَ غَيْرُهُ: وأَعْشَى بَني مازِنٍ مِنْ تَمِيم.

ورَجُلان أَعْشَيَانِ، وامرأتانِ عَشْوَاوَانِ، وَرِجَالٌ عُشْوٌ وأَعْشَوْنَ.

وعَشَّى الطَّيْرَ: أَوْقَد لَهَا نَارًا لتعَشى مِنْهَا فَيَصِيدُهَا.

وعَشا يَعْشُو إِذَا ضَعُفَ بَصَرُه، وأَعْشَاهُ اللَّهُ.

وَفِي حَدِيثِ ابنِ المُسَيَّب: « أَنه ذَهَبَتْ إحدْى عَينَيْه وَهُوَ يَعْشُو بالأُخْرى »أَي يُبْصِر بِهَا بَصَرًا ضَعِيفًا.

وعَشا عَنِ الشَّيْءِ يَعْشُو: ضَعُفَ بَصَرُه عَنْهُ، وخَبَطَه خَبْطَ عَشْواء: لَمْ يَتَعَمَّدْه.

وفلانٌ خابطٌ خَبْطَ عَشْوَاء، وأَصْلُه مِنَ الناقةِ العَشْواءِ لأَنها لَا تُبْصِر مَا أَمامَها فَهِيَ تَخْبِطُ بِيَدَيْها، وَذَلِكَ أَنها تَرْفَع رَأْسها فَلَا تَتَعَهَّدُ مَواضِعَ أَخْفافِها؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

رأَيْتُ المَنايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ، مَنْ تَصِبْ ***تُمِتْهُ، ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ

وَمِنْ أَمثالهم السَّائرة: وهو يَخْبِط خَبْطَ عَشْوَاء، يضرَبُ مَثَلًا للسَّادِرِ الَّذِي يَرْكَبُ رَأْسَهُ وَلَا يَهْتَمُّ لِعاقِبَتِهِ كالنَّاقَة العَشْوَاء الَّتِي لَا تُبْصِرُ، فَهِيَ تَخْبِطُ بيَدَيْها كلَّ مَا مَرَّت بِهِ، وشَبَّه زُهَيرٌ الْمَنَايَا بخَبْطِ عَشْواءَ لأَنَّها تَعُمُّ الكُلَّ وَلَا تَخُصُّ.

ابْنُ الأَعرابي: العُقابُ العَشْواءُ الَّتِي لَا تُبالي كيْفَ خَبَطَتْ وأَيْنَ ضَرَبَتْ بمخالِبها كالنَّاقة العَشْوَاء لَا تَدْرِي كَيْفَ تَضَع يَدَها.

وتَعَاشَى: أَظْهَرَ العَشا، وأَرى مِنْ نَفْسِه أَنه أَعْشَى وَلَيْسَ بِهِ.

وتَعَاشَى الرجلُ فِي أَمْرِه إِذَا تَجَاهَلَ، عَلَى المَثَل.

وعَشَا يَعْشُو إِذَا أَتى نَارًا للضِّيافَة وعَشَا إِلَى النَّارِ، وعَشَاها عَشْوًا وعُشُوًّا واعْتَشَاها واعْتَشَى بِهَا، كلُّه: رَآهَا لَيْلًا عَلَى بُعْدٍ فقَصَدَها مُسْتَضِيئًا بِهَا؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

مَتَى تأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْء نارِهِ، ***تَجِدْ خَيرَ نارٍ، عندَها خَيرُ مُوقِدِ

أَي مَتَى تأْتِهِ لَا تَتَبَيَّن نارَهُ مِنْ ضَعْف بَصَرِك؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وُجُوهًا لَوْ أنَّ المُدْلِجِينَ اعْتَشَوْا بِهَا، ***صَدَعْنَ الدُّجى حتَّى تَرى اللّيْلَ يَنْجَلي

وعَشَوْتُه: قَصَدْتُه لَيْلًا، هَذَا هُوَ الأَصْلُ ثُمَّ صَارَ كلُّ قاصِدٍ عاشِيًا.

وعَشَوْت إِلى النارِ أَعْشُو إِليها عَشْوًا إِذا اسْتَدْلَلْتَ عَلَيْهَا بِبَصَرٍ ضَعيفٍ، ويُنْشد بَيْتُ الحُطيئة أَيضًا، وفسَّره فَقَالَ: الْمَعْنَى مَتَى تَأْتِه عَاشِيًا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ بَيْنَ مَجْزُومَيْن لأَن الفعلَ المُسْتَقْبَل إِذا وَقَع مَوقِعَ الْحَالِ يَرْتَفِع، كَقَوْلِكَ: إِن تأْتِ زَيْدًا تُكْرِمُه يَأْتِكَ، جَزَمْتَ تأْتِ بأَنْ، وجَزَمْتَ يأْتِكَ بِالْجَوَابِ، ورفَعْتَ تُكْرِمُه بَيْنَهُمَا وجَعَلْتَه حَالًا، وإِن صَدَرْت عَنْهُ إِلى غَيْرِهِ قُلْتَ عَشَوْتُ عَنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}؛ " قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ مَنْ يُعْرضْ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: وَمَنْ قرأَ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ فَمَعْنَاهُ مَن يَعْمَ عَنْهُ، وَقَالَ القُتَيبي: مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ "أَي يُظْلِمْ بَصَرُه، قَالَ: وَهَذَا قولُ أَبي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَرُدُّ قولَ الْفَرَّاءِ وَيَقُولُ: لَمْ أَرَ أَحدًا يُجيزُ عَشَوْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَعْرَضْتُ عَنْهُ، إِنما يُقَالُ تَعَاشَيْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَي تَغافَلْت عَنْهُ كأَني لَمْ أَرَهُ، وَكَذَلِكَ تعامَيْت، قَالَ: وعَشَوْتُ إِلى النَّارِ أَي اسْتَدْلَلْت عَلَيْهَا ببَصَرٍ ضَعِيفٍ.

قَالَ الأَزهري: أَغْفَل القُتَيْبي موضعَ الصوابِ واعْتَرَض مَعَ غَفْلَتِه عَلَى الْفَرَّاءِ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لأَبَيِّن عُوارَه فَلَا يَغْتَرَّ بِهِ الناظرُ فِي كِتَابِهِ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَشَوْتُ إِلى النَّارِ أَعْشُو عَشْوًا أَي قَصَدتُها مُهْتَدِيًا بِهَا، وعَشَوْتُ عَنْهَا أَي أَعْرَضْت عَنْهَا، فيُفرِّقون بَيْنَ إِلى وعَنْ موصولَيْن بِالْفِعْلِ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ عَشَا فلانٌ إِلى النَّارِ يَعْشُو عَشْوًا إِذا رأَى نَارًا فِي أَوَّل اللَّيْلِ فيَعْشُو إِليها يَسْتضِيءُ بضَوْئها.

وعَشَا الرجلُ إِلى أَهلِه يَعْشُو: وَذَلِكَ مِنْ أَوَّل اللَّيْلِ إِذا عَلِمَ مكانَ أَهلِه فقَصدَ إِليهم.

وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: عَشِيَ الرجلُ يَعْشَى إِذا صَارَ أَعْشَى لَا يُبْصِرُ لَيْلًا؛ وَقَالَ مُزاحِمٌ العُقَيْلي فجعَل الاعْتِشَاء بِالْوُجُوهِ كَالِاعْتِشَاءِ بِالنَّارِ يَمْدَحُ قَوْمًا بِالْجَمَالِ:

يَزينُ سَنا الماوِيِّ كلَّ عَشِيَّةٍ، ***عَلَى غَفلات الزَّيْنِ والمُتَجَمَّلِ،

وُجُوهٌ لوَانَّ المُدْلِجينَ اعْتَشَوْا بِهَا، ***سَطَعْنَ الدُّجى حَتَّى ترَى الليْلَ يَنْجَلي

وعَشَا عَنْ كَذَا وَكَذَا يَعْشُو عَنْهُ إِذا مَضى عَنْهُ.

وعَشَا إِلى كَذَا وَكَذَا يَعْشُو إِليه عَشْوًا وعُشُوًّا إِذا قَصَد إِليه مُهْتَدِيًا بضَوْء نارِه.

وَيُقَالُ: اسْتَعْشَى فلانٌ نَارًا إِذا اهْتَدى بِهَا؛ وأَنشد:

يَتْبعن حُرُوبًا إِذا هِبْنَ قَدَمْ، ***كأَنه باللَّيْلِ يَسْتَعْشِي ضَرَم

يَقُولُ: هُوَ نَشِيطٌ صادِقُ الطَّرْفِ جَرِيءٌ عَلَى الليلِ كأَنه مُسْتَعْشٍ ضَرَمةً، وَهِيَ النارُ، وَهُوَ الرجلُ الَّذِي قَدْ ساقَ الخارِبُ إِبله فطَرَدَها فَعَمَد إِلى ثَوْبٍ فشَقَّه وفَتَلَه فَتْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ غَمَره فِي زَيْتٍ أَو دُهْن فرَوَّاهُ، ثُمَّ أَشْعل فِي طَرَفِه النَّارَ فاهْتَدى بِهَا واقْتَصَّ أَثَرَ الخارِبِ ليَسْتَنْقِذَ إِبلَه؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ، وإِنما أَتى القُتَيْبيَّ فِي وَهْمِهِ الخَطَأُ مِنْ جِهَةِ أَنه لَمْ يَفْرُق بَيْنَ عَشَا إِلى النَّارِ وعَشَا عَنْهَا، وَلَمْ يَعْلَم أَن كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا ضِدُّ الْآخَرِ مِنْ بَابِ المَيْلِ إِلى الشيءِ والمَيْل عَنْهُ، كَقَوْلِكَ: عَدَلْت إِلى بَنِي فلانٍ إِذا قَصدتَهم، وعَدَلْتُ عَنْهُمْ إِذا مَضَيْتَ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ مِلْتُ إِليهم ومِلْت عَنْهُمْ، ومَضيْت إِليهم ومضيْت عَنْهُمْ، وَهَكَذَا قَالَ أَبو إِسحق الزجَّاج فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِأَي يُعْرِض عَنْهُ كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ}؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَعرض عَنِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنِ الْحِكْمَةِ إِلى أَباطِيل المضلِّين نُعاقِبْه بشيطانٍ نُقَيِّضُه لَهُ حَتَّى يُضِلَّه وَيُلَازِمَهُ قَرِينًا لَهُ فَلَا يَهْتدي مُجازاةً لَهُ حِينَ آثرَ الباطلَ عَلَى الْحَقِّ البيِّن؛ قَالَ الأَزهري: وأَبو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ مَعْرِفَةٍ بِالْغَرِيبِ وأَيام الْعَرَبِ، وَهُوَ بَليدُ النَّظَرِ فِي بَابِ النَّحْوِ ومقَاييسه.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « أَنَّ رَجُلًا أَتاه فَقَالَ لَهُ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ عَمَلٌ هَلْ يَضُرُّ مَعَ الإِيمان ذَنْبٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عَشِ وَلَا تَغْتَرَّ، ثُمَّ سأَل ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ مثلَ ذَلِكَ »؛ هَذَا مَثَلٌ لِلْعَرَبِ تَضْربُه فِي التَّوْصِية بالاحتِياط والأَخْذِ بالحَزْم، وأَصلُه أَن رَجُلًا أَراد أَن يَقْطَع مَفازَة بإبلِه وَلَمْ يُعَشِّها، ثِقَةً عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الكَلإِ، فَقِيلَ لَهُ: عَشِّ إِبلَك قَبْلَ أَن تُفَوِّزَ وخُذْ بِالِاحْتِيَاطِ، فإِن كَانَ فِيهَا كلأٌ لَمْ يَضُرَّك مَا صنَعْتَ، وإِن لَمْ يَكُنْ فِيهَا شيءٌ كنتَ قَدْ أَخَذْت بالثِّقة والحَزْم، فأَراد ابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ هَذَا اجتَنِبِ الذنوبَ وَلَا تَرْكبْها اتِّكالًا عَلَى الإِسلام، وخُذْ فِي ذَلِكَ بالثِّقة وَالِاحْتِيَاطِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَعْنَاهُ تَعَشَّ إِذا كنتَ فِي سَفَرٍ وَلَا تَتَوانَ ثِقةً مِنْكَ أَنْ تتَعَشَّى عِنْدَ أَهلِكَ، فلَعَلَّك لَا تَجِدُ عِنْدَهُمْ شَيْئًا.

وَقَالَ اللَّيْثُ: العَشْوُ إِتْيانُكَ نَارًا تَرْجُو عِنْدَهَا هُدًى أَو خَيْرًا، تَقُولُ: عَشَوْتُها أَعْشُوها عَشْوًا وعُشُوًّا، والعَاشِيَة: كُلُّ شيءٍ يعشُو بالليلِ إِلى ضَوءِ نارٍ مِنْ أَصنافِ الخَلقِ الفَراشِ وغيرِه، وَكَذَلِكَ الإِبل العَوَاشِي تَعْشُو إِلى ضَوءِ نارٍ؛ وأَنشد:

وعَاشِيَةٍ حُوشٍ بِطانٍ ذَعَرْتُها ***بضَرْبِ قَتِيلٍ، وَسْطَها، يَتَسَيَّفُ

قَالَ الأَزهري: غَلِطَ فِي تَفْسِيرِ الإِبلِ العَوَاشِي أَنها الَّتِي تَعْشُو إِلى ضَوْءِ النارِ، والعَوَاشِي جمعُ العَاشِيَة، وَهِيَ الَّتِي تَرْعى لَيْلًا وتتَعَشَّى، وَسَنَذْكُرُهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ: والعُشْوَة والعِشْوَة: النارُ يُسْتَضاءُ بِهَا.

والعَاشِي: القاصِدُ، وأَصلُه مِنْ ذَلِكَ لأَنه يَعْشُو إِليه كَمَا يَعْشُو إِلى النَّارِ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:

شِهابي الَّذِي أَعْشُو الطريقَ بضَوْئِه ***ودِرْعي، فَلَيلُ الناسِ بَعْدَك أَسْوَدُ

والعُشْوَة: مَا أُخِذَ مِنْ نارٍ ليُقْتَبس أَو يُسْتَضاءَ بِهِ.

أَبو عَمْرٍو: العُشْوَة كالشُّعْلة مِنَ النارِ؛ وأَنشد:

حَتَّى إِذا اشْتالَ سُهَيْلٌ بسَحَرْ، ***كعُشْوَةِ القابِسِ تَرْمي بالشَّرر

قَالَ أَبو زَيْدٍ: ابْغُونا عُشْوَةً أَي نَارًا نَسْتَضيءُ بِهَا.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: عَشِيَ الرجلُ عَنْ حَقِّ أَصحابِه يَعْشَى عَشًى شَدِيدًا إِذا ظَلَمَهم، وَهُوَ كَقَوْلِكَ عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ، وأَصله مِنَ العَشَا؛ وأَنشد:

أَلا رُبَّ أَعْشَى ظالِمٍ مُتَخَمِّطٍ، ***جَعَلْتُ بعَيْنَيْهِ ضِياءً، فأَبْصَرا

وَقَالَ: عَشِيَ عليَّ فلانٌ يَعْشَى عَشًى، مَنْقُوصٌ، ظَلَمَني.

وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلرِّجَالِ يَعْشَوْنَ، وهُما يَعْشَيَانِ، وَفِي النِّسَاءِ هُنَّ يَعْشَيْن، قَالَ: لمَّا صَارَتِ الْوَاوُ فِي عَشِيَ يَاءً لكَسْرة الشِّينِ تُرِكَتْ فِي يَعْشَيَانِ يَاءً عَلَى حالِها، وَكَانَ قِياسُه يَعْشَوَانِ فتَرَكوا الْقِيَاسَ، وَفِي تَثْنِيَةِ الأَعْشَى هُمَا يَعْشَيانِ، وَلَمْ يَقُولُوا يَعْشَوانِ لأَنَّ الْوَاوَ لمَّا صَارَتْ فِي الْوَاحِدِ يَاءً لكَسْرة مَا قَبْلَها تُرِكَت فِي التَّثْنية عَلَى حَالِهَا، والنِّسْبة إِلى أَعْشَى أَعْشَوِيٌّ، وإِلى العَشِيَّةِ عَشَوِيٌّ.

والعَشْوَةُ والعُشْوَةُ والعِشْوَةُ: رُكوبُ الأَمْر عَلَى غَيْرِ بيانٍ.

وأَوْطأَني عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشْوَة: لبَسَ عليَّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنه حَمَله عَلَى أَن يَرْكَب أَمرًا غيرَ مُسْتَبينِ الرُّشْدِ فرُبَّما كَانَ فِيهِ عَطَبُه، وأَصله مِنْ عَشْوَاءِ اللَّيْلِ وعُشْوَتِه مثلُ ظَلْماءِ اللَّيْلِ وظُلْمَته، تَقُولُ: أَوْطَأْتَني عَشْوَةً أَي أَمْرًا مُلْتَبِسًا، وَذَلِكَ إِذا أَخْبَرْتَه بِمَا أَوْقَعْتَه بِهِ فِي حَيْرَةٍ أَو بَلِيَّة.

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ: أَوطَأْته عَشْوَة أَي غَرَرْته وحَمَلْته على أَن يَطَأَ مَا لَا يُبْصِرُه فرُبَّما وَقَعَ فِي بِئْرٍ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: « خَبَّاط عَشَوَات»؛ أي يَخْبِطُ فِي الظَّلامِ والأَمر المُلْتَبِس فيَتَحَيَّر.

وَفِي الْحَدِيثِ: « يَا مَعْشَرَ العَرَب احْمَدُوا اللهَ الَّذِي رَفَعَ عنكمُ العُشْوَةَ »؛ يُرِيدُ ظُلْمة الكُفْرِ كُلَّما ركِبَ الإِنسانُ أَمرًا بجَهْلٍ لَا يُبْصرُ وجْهَه، فَهُوَ عُشْوَة مِنْ عُشْوَة اللَّيْلِ، وَهُوَ ظُلْمة أَوَّله.

يُقَالُ: مَضى مِنَ اللَّيْلِ عَشْوَة، بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ أَوَّلِه إِلى رُبْعه.

وَفِي الْحَدِيثِ: « حَتَّى ذَهَبَ عَشْوَةٌ مِنَ اللَّيْلِ».

وَيُقَالُ: أَخَذْتُ عَلَيْهم بالعَشْوَة أَي بالسَّوادِ مِنَ اللَّيل.

والعُشْوَة، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الأَمْرُ المُلْتَبس.

وَرَكِبَ فلانٌ العَشْوَاءَ إِذا خَبَطَ أَمرَه عَلَى غيرِ بَصِيرة.

وعَشْوَةُ اللَّيْلِ والسَّحَر وعَشْوَاؤه: ظُلْمَتُه.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الأَكوع: « فأَخَذَ عَلَيْهِمْ بالعَشْوَةِ» أَي بالسَّوادِ مِنَ اللَّيْلِ، ويُجْمَع عَلَى عَشَواتٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ فِي سَفَر فاعْتَشَى فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ »أَي سَارَ وقتَ العِشاء كَمَا يُقَالُ اسْتَحَر وابْتَكَر.

والعِشاءُ: أَوَّلُ الظَّلامِ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ صلاةِ المَغْرِب إِلى العَتَمة.

والعِشَاءَانِ: المَغْرِب والعَتَمة؛ قَالَ الأَزهري: يُقَالُ لِصَلَاتَيِ المَغْرِب والعِشاءِ العِشَاءَانِ، والأَصلُ العِشاءُ فغُلِّبَ عَلَى المَغْرِب، كَمَا قَالُوا الأَبَوان وَهُمَا الأَبُ والأُمُّ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العِشَاءُ حينَ يُصَلّي الناسُ العَتَمة؛ وأَنشد:

وَمُحَوَّلٌ مَلَثَ العِشَاءِ دَعَوْتُه، ***والليلُ مُنْتَشِرُ السَّقِيط بَهِيمُ

قَالَ الأَزهري: صَلاةُ العِشاءِ هِيَ الَّتِي بعدَ صلاةِ المَغْرِب، ووَقْتُها حينَ يَغِيبُ الشَّفَق، وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ}.

وأَما العَشِيُّ فَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا زَالَتِ الشَّمْسُ دُعِي ذَلِكَ الوقتُ العَشِيَّ، فَتَحَوَّلَ الظلُّ شَرْقِيًّا وتحوَّلت الشمْسُ غَرْبيَّة؛ قَالَ الأَزهري: وَصَلَاتَا العَشِيِّ هُمَا الظُّهْر والعَصْر.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « صَلَّى بِنَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدى صلاتَي العَشِيِّ، وأَكْبَرُ ظَني أَنها العَصْر، وَسَاقَهُ ابْنُ الأَثير فَقَالَ: صَلى بِنَا إحْدى صَلَاتَيِ العَشِيِّ فسَلَّم مِنَ اثْنَتَيْن »، يريدُ صلاةَ الظُّهْر أَو العَصْر؛ وَقَالَ الأَزهري: يَقَع العَشِيُّ عَلَى مَا بَيْنَ زَوالِ الشمْسِ إِلَى وَقْت غُروبها، كُلُّ ذَلِكَ عَشِيٌّ، فَإِذَا غابَتِ الشَّمْسُ فَهُوَ العِشَاءُ، وَقِيلَ: العَشِيُّ منْ زَوالِ الشَّمْس إِلى الصَّباح، وَيُقَالُ لِما بَيْنَ المَغْرِب والعَتَمة: عِشاءٌ؛ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ العِشَاء مِنْ زَوال الشَّمْسِ إِلى طُلوع الفَجْر، وأَنشدوا فِي ذَلِكَ:

غَدَوْنا غَدْوَةً سَحَرًا بليْلٍ ***عِشاءً، بعدَ ما انْتَصف النَّهارُ

وَجَاءَ عَشْوَةَ أَي عِشاءً، لَا يتمكَّن؛ لَا تَقُولُ مضتْ عَشْوَةٌ.

والعَشِيُّ والعَشِيَّةُ: آخرُ النَّهَارِ، يُقَالُ: جئتُه عَشِيَّةً وعَشِيَّةَ؛ حَكَى الأَخيرةَ سِيبَوَيْهِ.

وأَتَيْتُه العَشِيَّةَ: ليوْمِكَ، وَآتِيهِ عَشِيَّ غدٍ، بِغَيْرِ هاءٍ، إِذا كَانَ للمُسْتَقبل، وأَتَيتك عَشِيًّا غَيْرُ مضافٍ، وآتِيه بالعَشِيِّ وَالْغَدِ أَي كلَّ عَشيَّة وغَداةٍ، وإِني لَآتِيهِ بالعَشَايا والغَدايا.

وَقَالَ اللَّيْثُ: العَشِيُّ، بِغَيْرِ هاءٍ، آخِرُ النهارِ، فإِذا قُلْتَ عَشِيَّة فَهُوَ لِيوْم واحدٍ، يُقَالُ: لَقِيته عَشِيَّةَ يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، ولَقِيته عَشِيَّةً مِنَ العَشِيّات، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}، يَقُولُ القائلُ: وَهَلْ للعَشِيَّة ضُحًى؟ قَالَ: وَهَذَا جَيِّد مِنْ "كَلَامِ الْعَرَبِ، يُقَالُ: آتِيك العَشِيَّةَ أَو غداتَها، وَآتِيكَ الغَداةَ أَو عَشِيَّتَها، فَالْمَعْنَى لَمْ يَلْبثوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضُحى العَشِيَّة، فأَضاف الضُّحى إِلى العَشِيَّة؛ وأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

أَلا لَيتَ حَظِّي مِنْ زِيارَةِ أُمِّيَهْ ***غَدِيَّات قَيْظٍ، أَو عَشِيَّات أَشْتِيَهْ

فإِنه قَالَ: الغَدَوات فِي القَيْظ أَطْوَلُ وأَطْيَبُ، والعَشِيَّاتُ فِي الشِّتاءِ أَطولُ وأَطيبُ، وَقَالَ: غَدِيَّةٌ وغَدِيَّات مثلُ عَشِيَّةٍ وعَشِيَّات، وَقِيلَ: العَشِيُّ والعَشِيَّة مِنْ صلاةِ المَغْرِب إِلَى العَتمة، وَتَقُولُ: أَتَيْتُه عَشِيَّ أَمْسِ وعَشِيَّة أَمْسِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، وليسَ هُناك بُكْرَةٌ وَلَا عَشِيٌّ وَإِنَّمَا أَراد لهُم رزْقُهُم فِي مِقْدار، بَيْنَ الغَداةِ والعَشِيِّ، وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِير: أَنَّ معْناه ولهُمْ رِزْقُهُم كلَّ ساعةٍ، وتصٌغِيرُ العَشِيِّ عُشَيْشِيانٌ، عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ عِنْدَ شَفىً وَهُوَ آخِرُ ساعةٍ مِنَ النَّهار، وَقِيلَ: تَصْغِيرُ العَشِيِّ عُشَيَّانٌ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ مُكَبَّره، كَأَنَّهُمْ صَغَّروا عَشيْانًا، وَالْجَمْعُ عُشَيَّانات.

ولَقِيتُه عُشَيْشِيَةً وعُشَيْشِيَاتٍ وعُشَيْشِياناتٍ وعُشَيَّانات، كلُّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَلَقِيتُهُ مُغَيْرِبانَ الشَّمْسِ ومُغَيْرِباناتِ الشَّمْسِ.

وَفِي حَدِيثِ جُنْدَب الجُهَني: « فأَتَيْنا بَطْنَ الكَديد فنَزَلْنا عُشَيْشِيَةً »، قَالَ: هِيَ تَصْغِيرُ عَشِيَّة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، أُبْدلَ مِنَ الْيَاءِ الوُسْطى شِينٌ كأَنّ أَصلَه عُشَيِّيةً.

وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: أَتَيْتُه عُشَيْشَةً وعُشَيْشِيانًا وعُشيَّانًا، قَالَ: وَيَجُوزُ فِي تَصْغيرِ عَشِيَّةٍ عُشَيَّة وعُشَيْشِيَةٌ.

قَالَ الأَزهري: كَلَامُ الْعَرَبِ فِي تَصْغِيرِ عَشِيَّة عُشَيْشِيَةٌ، جَاءَ نَادِرًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَلَمْ أَسْمَع عُشَيَّة فِي تَصْغِيرِ عَشِيَّة، وَذَلِكَ أَنَّ عُشَيَّة تصْغِيرُ العَشْوَة، وَهُوَ أَولُ ظُلْمة اللَّيْلِ، فأَرادوا أَن يَفْرُقوا بَيْنَ تَصْغِيرِ العَشِيَّة وَبَيْنَ تَصغير العَشْوَة؛ وأَمَّا مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنَ قَوْلِهِ:

هَيْفاءُ عَجْزاءُ خَرِيدٌ بالعَشِي، ***تَضْحَكُ عَنْ ذِي أُشُرٍ عَذْبٍ نَقِي

فَإِنَّهُ أَراد باللَّيل، فإمَّا أَن يَكُونَ سَمَّى الليلَ عَشِيًا لمَكانِ العِشاء الَّذِي هُوَ الظُّلْمَةُ، وإمَّا أَن يَكُونَ وَضَعَ العَشِيَّ موضِعَ اللَّيْلِ لقُرْبِه مِنْهُ مِنْ حَيْثُ كانَ العَشِيُّ آخِرَ النَّهار، وآخرُ النَّهارِ مُتَّصِلٌ بأَوَّل اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا أَرادَ الشاعرُ أَنْ يُبالغَ بتَخَرُّدِها واسْتِحيائِها لأَنَّ الليلَ قَدْ يُعْدَمُ فِيهِ الرُّقَباءُ والجُلَساءُ، وأَكثرُ مَنْ يُسْتَحْيا مِنْهُ، يَقُولُ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ هَؤُلاء فَمَا ظَنُّكَ بتَخَرُّدِها نَهارًا إِذَا حَضَرُوا؟ وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنَى بِهِ اسْتِحياؤها عِنْدَ المُباعَلَة لأَنَّ المُباعَلَة أَكثرُ مَا تَكُونُ لَيْلًا.

والعِشْيُ: طَعامُ العَشيّ والعِشاءِ، قُلِبَتْ فِيهِ الواوُ يَاءً لقُرْب الْكَسْرَةِ.

والعَشاءُ: كالعِشْيِ، وجَمعه أَعْشِيَة.

وعَشِيَ الرجلُ يَعْشَى وعَشَا وتَعَشَّى، كلُّه: أَكلَ العَشاء فَهُوَ عاشٍ.

وعَشَّيْت الرجلَ إِذَا أَطْعَمته العَشَاءَ، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤكَلُ بَعْدَ العِشاء.

وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَضَر العَشَاءُ والعِشَاءُ فابْدَؤوا بالعَشَاءِ "؛ العَشَاء، بِالْفَتْحِ والمدِّ: الطعامُ الَّذِي يؤكَلُ عِنْدَ العِشَاء، وَهُوَ خِلاف الغَداءِ وأَراد بالعِشاءِ صلاةَ الْمَغْرِبِ، وَإِنَّمَا قدَّم العَشاء لئلَّا يَشْتَغِل قلْبُه بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ إِنَّهَا الْمَغْرِبُ لأَنها وقتُ الإِفطارِ ولِضِيقِ وقتِها.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي الْمَثَلِ سَقَطَ العَشَاءُ بِهِ عَلَى سِرْحان؛ يُضْرَبُ للرجُلِ يَطْلُب الأَمر التَّافِه" فيقَع فِي هَلَكةٍ، وأَصله أَنَّ دابَّة طَلبَت العَشاءَ فَهَجَمَتْ عَلَى أَسَدٍ.

وَفِي حَدِيثِ الْجَمْعِ بعَرفة: « صلَّى الصَّلاتَيْن كلُّ صلاةٍ وحْدها والعَشَاءُ بَيْنَهُمَا »أَي أَنه تَعَشَّى بَيْنَ الصَّلاتَيْن.

قَالَ الأَصمعي: وَمِنْ كَلَامِهِمْ لَا يَعْشَى إلا بعد ما يَعْشُو أَي لَا يَعْشَى إلا بعد ما يَتَعَشَّى.

وَإِذَا قِيلَ: تَعَشَّ، قلتَ: مَا بِي مِنْ تَعَشٍّ أَي احْتِيَاجٍ إِلَى العَشاءِ، وَلَا تقُلْ مَا بِي عَشاءٌ.

وعَشَوْتُ أَي تَعَشَّيْتُ.

ورجلٌ عَشْيَانٌ: مُتَعَشٍّ، والأَصل عَشْوانٌ، وَهُوَ مِنْ بَابِ أَشاوَى فِي الشُّذُوذِ وطَلَب الخِفَّة.

قَالَ الأَزهري: رجلٌ عَشْيَان وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الواوِ لأَنه يُقَالُ عَشَيته وعَشَوته فأَنا أَعْشُوه أَي عَشَّيْته، وَقَدْ عشِيَ يَعْشَى إِذَا تَعشَّى.

وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: يُقَالُ مِنَ الغَداء والعَشاء رجلٌ غَدْيان وعَشْيان، والأَصل غَدْوان وعَشْوان لأَنَّ أَصْلَهُما الواوُ، وَلَكِنَّ الواوُ تُقْلَب إِلَى الْيَاءِ كَثِيرًا لأَن الْيَاءَ أَخفُّ مِنَ الواوِ.

وعَشاه عَشْوًا وعَشْيًا فتَعَشَّى: أَطْعَمَهُ العَشاءَ، الأَخيرةُ نادرةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

قَصَرْنا عَلَيْه بالمَقِيظِ لِقاحَنَا، ***فَعَيَّلْنَه مِنْ بَينِ عَشْيٍ وتَقْييلِ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لقُرْط بْنِ التُّؤام الْيَشْكُرِيُّ:

كانَ ابنُ أَسْماءَ يَعْشُوه ويَصْبَحُه ***مِنْ هَجْمَةٍ، كفَسِيلِ النَّخلِ دُرَّارِ

وعَشَّاهُ تَعْشِية وأَعْشاه: كَعَشاه قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فأَعْشَيْتُه، مِنْ بَعدِ مَا راثَ عِشْيُهُ، ***بسَهْمٍ كسَيْرِ التَّابِرِيَّةِ لَهْوَقِ

عدّاه بالباء فِي مَعْنَى غَذَّيْتُه.

وعَشَّيْتُ الرجُل: أَطْعَمْتُهُ العَشاءَ.

وَيُقَالُ: عَشِّ إِبِلَكَ وَلَا تَغْتَرَّ؛ وَقَوْلُهُ:

باتَ يُعَشِّيها بِعَضْبٍ باتِرِ، ***يَقْصِدُ فِي أَسْؤُقِها، وجائِرِ

أَي أَقامَ لهَا السَّيْفَ مُقامَ العَشاءِ.

الأَزهري: العِشْيُ مَا يُتَعَشَّى بِهِ، وجَمْعه أَعْشَاء؛ قَالَ الحُطَيْئة:

وقَدْ نَظَرْتُكُمُ أَعْشَاءَ صادِرَةٍ ***للْخِمْسِ، طالَ بِهَا حَوْزي وتَنْساسِي

قَالَ شَمِرٌ: يقولُ انْتَظَرْتُكُمُ انْتِظارَ إبِلٍ خَوامِسَ لأَنَّها إِذَا صَدَرَتْ تَعَشَّت طَويلًا، وَفِي بُطونِها ماءٌ كثيرٌ، فَهِيَ تَحْتاجُ إِلَى بَقْلٍ كَثِيرٍ، وواحدُ الأَعْشَاء عِشْيٌ.

وعِشْيُ الإِبلِ: مَا تَتَعشَّاه، وأَصلُه الْوَاوُ.

والعَوَاشِي: الإِبل والغَنم الَّتِي تَرْعَى بالليلِ، صِفَةٌ غالبَةٌ والفِعْلُ كالفِعْل؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

يَعْشَى، إِذَا أَظْلَم، عَنْ عَشائِه، ***ثُمَّ غَدَا يَجْمَع مِنْ غَدائِهِ

يَقُولُ: يَتَعَشَّى فِي وَقْتِ الظُّلْمة.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ عَشِيَ بِمَعْنَى تَعَشَّى.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « مَا مِنْ عاشِيَةٍ أَشَدَّ أَنَقًا وَلَا أَطْولَ شِبَعًا مِنْ عالِمٍ مِن عِلْمٍ »؛ الْعَاشِيَةُ: الَّتِي تَرْعَى بالعَشِيِّ مِنَ المَواشِي وغيرِها.

يُقَالُ: عَشِيَت الإِبلُ وتَعَشَّتْ؛ الْمَعْنَى: أَنَّ طالِبَ العِلْمِ لَا يكادُ يَشْبَعُ مِنْهُ، كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ: " مَنْهُومانِ لَا يَشْبَعانِ: طالِبُ عِلْمٍ وطالِبُ دُنْيا.

وَفِي كِتَابِ أَبي مُوسَى: مَا مِنْ عاشِيَة أَدوَمُ أَنقًا وَلَا أَبْعَدُ مَلالًا مِنْ عَاشِيَةِ عِلْمٍ.

وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: العَشْوُ إتْيانُكَ نَارًا تَرْجُو عندَها خَيْرًا.

يُقَالُ: عَشَوْتُه أَعْشُوه، فأَنا عاشٍ "مِنْ قَوْمٍ عاشِيَة، وَأَرَادَ بالعَاشِيَة هَاهُنا طَالِبِي العِلْمِ الرَّاجينَ خيرَه ونَفْعَه.

وَفِي الْمَثَلِ: العَاشِيَةُ تَهِيجُ الآبِيَةَ أَي إِذَا رَأتِ الَّتِي تأبَى الرَّعْيَ الَّتِي تَتَعَشَّى هاجَتْها للرَّعْي فرَعَتْ مَعَهَا؛ وَأَنْشَدَ:

تَرَى المِصَكَّ يَطْرُدُ العَواشِيَا: ***جِلَّتَها والأُخرَ الحَواشِيَا

وبَعِيرٌ عَشِيٌّ: يُطِيلُ العَشاءَ؛ قَالَ أَعْرابيٌّ وَوَصَفَ بَعيرَه: " عريضٌ عَروُضٌ عَشِيٌّ عَطُوّ "وعَشَا الإِبلَ وعَشَّاها: أَرْعاها لَيْلًا.

وعَشَّيْتُ الإِبلَ إِذَا رَعَيْتَها بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وعَشِيَت الإِبلُ تَعْشَى عَشًى إِذَا تَعشَّت، فَهِيَ عَاشِيَة.

وجَمَلٌ عَشٍ وَنَاقَةٌ عَشِيَة: يَزيدان عَلَى الإِبلِ فِي العَشاء، كلاهُما عَلَى النَّسَب دُونَ الْفِعْلِ؛ وَقَوْلُ كُثَيِّر يَصِفُ سَحَابًا:

خَفِيٌّ تَعَشَّى فِي الْبِحَارِ ودُونَه، ***مِنَ اللُّجِّ، خُضْرٌ مُظْلِماتٌ وسُدَّفُ

إِنَّمَا أَراد أَنَّ السحابَ تَعَشَّى مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ، جَعَلَه كالعَشاءِ لَهُ؛ وَقَوْلُ أُحَيْحَةَ بنِ الجُلاح:

تَعَشَّى أَسافِلُها بالجَبُوب، ***وتأْتي حَلُوبَتُها مِنْ عَل

يَعْنِي بِهَا النَّخْلَ، يَعْنِي أَنها تَتَعَشَّى مِنْ أَسفل أَي تَشْرَبُ الماءَ ويأْتي حَمْلُها مِنْ فَوْقُ، وعَنى بِحَلُوبَتِها حَمْلَها كأَنه وَضَعَ الحَلُوبة موضعَ المَحْلُوب.

وعَشِيَ عَلَيْهِ عَشًى: ظَلَمه.

وعَشَّى عَنِ الشَّيْءِ: رَفَقَ بِهِ كَضَحَّى عَنْهُ.

والعُشْوان: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَو النَّخْلِ.

والعَشْواءُ، مَمْدودٌ: ضربٌ مِنْ متأخِّر النخلِ حَمْلًا.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


10-تهذيب اللغة (عشا)

عشا: أخبرنا أبو الفضل بن أبي جعفر عن أبي الحسن الطوسيّ عن الخزاز قال: سمعت ابن الأعرابيّ يقول: العُشْو من الشعراء سبعة: أعشى بني قيس أبو بصير، وَأعشى باهلة أبو قحافة، وَأعشى بني نَهْشل الأسود بن يَعْفر، وَفي الإسلام أعشى بني ربيعة من بني شيبان، وَأعشى هَمْدان، وَأعشى تغلب بن جاوَان، وَأعشى طِرْوَد من سُلَيم.

وَقال غيره: وَأعشى بني مازن من تميم.

قلت: وَالعُشْو جمع الأعشى، وقد عَشِي الرجل يعشى عشًا فهو أَعشى وَامرأة عشواء، وَرجلان أعشيان وَامرأتان عشواوَان وَرجال عُشْو وَأَعشون.

وقال الليث: العشا يكون سوء البصر من غير عمى، ويكون الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار.

وقال أبو زيد: الأعشى هو السيّء البصر بالنهار وبالليل، وقد عشا يعشو عَشْوًا، وهو أدنى بصره، وإنما يعشو بعد ما يَعْشَى.

أبو العباس عن ابن الأعرابي: عشا يعشو إذا أتى نارًا للضيافة، وعشا يعشو إذا ضعف بصره.

وقال أبو زيد: عشَي الرجل عن حقّ أصحابه يَعْشَى عَشًا شديدًا إذا ظلمهم، وهو كقولك: عمى عن حقه، وأصله من العشا، وأنشد:

ألا رُبَ أعشى ظالمٍ متخمّط *** جعلتُ لعينيه ضياءً فأبصرا

أبو عبيد عن أبي زيد: عَشِيَ عليَّ فلان يَعْشَى عشًا منقوص: ظلمني.

وقال الليث: يقال للرجال: يعشَوْن، وهما يعشيان، وفي النساء هن يعشَيْن، قال: ولمَّا صارت الواو في عشي ياء لكسرة الشين تركت في يعشَيَانِ ياء على حالها، وكان قياسه يعشَوَانِ، فتركوا القياس، قال: وتعاشى الرجُل في أمري إذا تجاهل.

الحراني عن ابن السكيت: عَشِي فلان يعشى إذا تعشّى فهو عاشٍ.

ويقال في مثل: العاشقةِ تَهِيج الآبية، أي إذا رأت

التي تأبى الرَعْي التي تتعشّى هاجتها للرعي فرعت.

والعِشْيُ: ما يُتعشّى به، وجمعه أَعْشاء.

قال الحطيئة:

وقد نظرتكم أعشاء صادرةٍ *** للخِمْس طال بها حَوْزِي وَتَنْسَاسي

قال شمر أراد انتظرتكم طويلًا قدر ما تَعَشَى إبل صدرت عن الماء لخمس وطال عشاؤُها.

يقول انتظرتكم انتظار إبل خوامِسَ؛ لأنها إذا صدرت تعشَّت طويلًا وفي بطونها ماء كثير فهي تحتاج إلى ثَقَل كثير.

قال: وواحد الأعشاء عِشْي.

وقال الليث: العَشْواء من النوق: التي لا تبصر ما أمامها، وذلك لأنها ترفع رأسها فلا تتعاهد موضع أخفافها.

وقال زهير

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب *** تُمِته ومن تخطىء يُعمَّر فيهرَم

ومن أمثالهم السائرة: هو يخبِط خَبْط عشواء، يُضرب مثلًا للسادر الذي يركب رأسه ولا يهتم لعاقبته، كالناقة العشواء التي لا تبصر، فهي تخبط بيديها كل ما مرَّت به، وشَبَّه زهير المنايا بخبط عشواء لأنها تعمّ الكلّ ولا تخصّ.

وقال ابن الأعرابي: العُقَاب العشواء: التي لا تبالي كيف خَبَطت وأين ضربت بمخالبها كالناقة العشواء لا تدري كيف تضع يدها.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: عشا يعشو: إذا أتى نارًا للضيافة، وعشا يعشو: إذا ضعف بصره.

وقال الليث: العَشْو: إتيانك نارًا ترجو عندها هدى أو خيرًا.

تقول: عشوتها أعشوها عَشْوًا وعُشُوًّا.

قال: والعاشية: كل شيء يعشو بالليل إلى ضوء نار من أصناف الْخَلْق؛ كالفَرَاش وغيره، وكذلك الإبل العواشي تعشو إلى ضوء نار.

وأنشد:

وعاشية حُوشٍ يِطانٍ ذعرتُها *** بضربِ قتيلٍ وسطَها يتسيَّفُ

قلت: غلط في تفسير الإبل العواشي أنها التي تعشو إلى ضوء النار.

والإبل العواشي جمع العاشية وهي التي ترعى ليلًا وتتعشّى، ومنه قولهم: العاشية تهيج الآبية.

وقول الله جل وعزّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزّخرُف: 36].

قال الفراء في كتابه في المعاني ولم أسمع هذا الفصل من المنذري لأن بعض هذه السورة كان فات أبا الفضل معناه: من يعرض عن ذكر الرحمن، قال ومن قرأ {ومن يَعْشَ عن ذكر الرحمن} فمعناه من يَعْمَ عنه.

وقال القتيبي معنى قوله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ} أي يُظلم بصرُه، قال: وهذا قول أبي عبيدة ثم ذهب يردّ قول الفراء ويقول: لم أر أحدًا يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه، إنما يقال: تعاشيت عن الشيء: تغافلت عنه، كأني لم أره وكذلك تعاميت.

قال: وعشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف.

قلت: أغفل القتيبي موضع الصواب، واعترض مع غفلته على الفراء يردّ عليه فذكرت قوله لأبين عواره فلا يغتر به الناظر في كتابه، والعرب تقول: عَشَوت إلى النار أعشو عَشْوًا أي قصدتها مهتديًا بها، وعشوت عنها أي أعرضت عنها، فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل.

وقال أبو زيد: يقال: عشا فلان إلى النار يعشو عَشْوًا إذا رأى نارًا في أوَّل الليل فيعشو إليها يستضيء بضوئها، وعشا الرجل إلى أهله يعشو، وذلك من أول الليل إذا علم مكان أهله فقصد إليهم.

وأخبرن المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: عَشِي الرجل يَعْشَى إذا صار أعشى لا يبصر ليلًا، عَشَا عن كذا وكذا يعشو عنه إذا مضى عنه، وعَشَا إلى كذا وكذا يعشوا إليه عَشْوًا وعُشوًّا إذا قصد إليه مهتديًا بضوء ناره، وأنشد قول الحطيئة:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خيرُ موقد

قال: ويقال: استعشى فلان نارًا إذا اهتدى بها، وأنشد:

يتبعن جِرْوَيًا إذا هِبْن قَدَمْ *** كأنه بالليل مُسْتَعْشِى ضَرَم

يقول: هو نشيط صادق الطَرْف جريء على الليل، كأنه مستعشٍ ضَرَمَةً وهي النار.

وهو الرجل الذي قد ساق الخارب إبله فطردها فعَمَد إلى ثوب فشقّه وفتله فتْلًا شديدًا ثم غمسه في زيت أو دهن فروّاه ثم أَشْعَل في طَرَفه النار فاهتدى بها، واقتصّ أثر الخارب ليستنقذ إبله.

قلت: وهذا كله صحيح وإنما أَتَى القتيبي في وهمه الخطأُ من جهة أنه لم يفرق بين عشا إلى النار وعشا عنها، ولم يعلم أن كل واحد منهما ضدّ الآخر في باب الميل إلى الشيء والميل عنه، كقولك: عدلت إلى بني فلان إذا قصدتهم، وعدلت عنهم إذا مضيتَ عنهم، وكذلك ملت إليهم وملت عنهم، ومضيت إليهم ومضيت عنهم وهكذا.

قال أبو إسحاق الزّجاج في قوله جلّ وعزّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ} [الزّخرُف: 36] أي يُعرض عنه كما قال الفراء.

قال أبو إسحاق: ومعنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلّين فعقابُه بشيطان نقيّضه له حتى يضلّه ويلازمه قرينًا له فلا يهتدي؛ مجازاة له حين آثر الباطل على الحقّ البيّن.

قلت: وأبو عُبيدة صاحب معرفة بالغريب وأيّام العرب، وهو بليد النظر في باب النحو ومقاييسه.

وفي حديث ابن عمر أن رجلًا أتاه فقال له: كما لا ينفع مع الشرك عمل هل يضرّ مع الإيمان ذنب؟ فقال ابن عمر: عَشِ ولا تَغْتَرَّ.

قال أبو عبيد: هذا مثل، وأصله فيما يقال أن رجلًا أراد أن يقطع مفازة بإبله فاتّكل على ما فيها من الكلأ، فقيل له عشِ إبلك قبل أن تفوِّز، وخذ

بالاحتياط، فإن كان فيها كلأ لم يضرك ما صنعت، وإن لم يكن فيها شيء كنت قد أخَذت بالثقة، فأَراد ابن عمر بقوله هذا اجتنب الذنوب ولا تركبها اتّكالًا على الإسلام، وخذ في ذلك بالثقة والاحتياط.

يقال عشّيت الإبل إذا رعيتها بعد غروب الشمس إلى ثلث الليل، وعشيتها أيضًا إذا رعيتها بعد الزوال إلى غروب الشمس، وعشّيت الرجل إذا أطعمته العشاء، وهو الطعام الذي يؤكل بعد العِشاء، ومنه قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «إذا قُرِّب العَشَاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعَشَاء، فالعَشَاء: الطعام وقت العِشاء».

وقال ابن السكيت: إذا قيل لك تَعشَ قلت: ما بي تَعشِ يا هذا.

ولا تقل: ما بي عَشاء، قال: ورجل عَشْيان وهو من ذوات الواو لأنه يقال عَشَيْتُه وعَشَوْتُه فأنا أعشوه أي عشَّيته، وقد عَشِي يَعْشَى إذا تَعَشَّى، فهو عاش.

وقال أبو حاتم: يقال من الغَدَاء والعشاء: رجل غَدْيان وعَشْيان، قال: والأصل غدوان وعشوان؛ لأن أصلهما الواو، ولكن الواو تقلب إلى الياء كثيرًا؛ لأن الياء أخفّ من الواو.

أبو عبيد عن أبي زيد: ضَحَيْتُ عن الشيء وعَشَيْتُ عنه معناهما: رَفَقْت به.

وصلاة العِشَاء، هي التي بعد صلاة المغرب، ووقتها حين يغيب الشفق، وهو قول الله جلّ وعزّ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ} [النُّور: 58].

وأمّا العَشِيُ فإن المنذري أخبرني عن أبي الهيثم أنه قال: إذا زالت الشمس دُعي ذلك الوقت العشيّ، فتحول الظل شرقيًا وتحولت الشمس غريبة.

قلت: وصلاتا العشِيّ هما الظهر والعصر، وحدَّثنا السعديّ عن عمر بن شَبَّة عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم إحدى صلاتي العشيّ، وأكبر ظني أنها الظهر، ثم ذكر الحديث.

قلت: ويقع العِشِيّ على ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها، كل ذلك عِشيّ، فإذا غابت الشمس فهو العِشاء.

وقال الليث: العَشِيّ بغير هاء: آخرُ النهار.

فإذا قلت: عشيّة فهو ليوم واحد، يقال لقيته عشية يوم كذا وكذا، ولقيته عشيَّة من العشيَّات.

قال أبو عبيد: يقال لصلاتي المغرب والعشاء العشاءان، والأصل العِشاء فغُلّب على المغرب، كما قالوا: الأبوان وهما الأب والأم.

ومثله كثير.

قال النضر: العِشاء: حين يصلي الناس لعتمة وأنشد:

ومجوّل مَلَث العشاء دعَوتُه *** والليل منتشر السقيط بهيم

قال: وإذا صغّروا العشيّ قالوا: عُشَيْشيَان، وذلك عند شفًى وهو آخر ساعة من النهار.

قال: ويجوز في تصغير عشِيَّة عُشَيَّة وعُشَيشية.

قلت: كلام العرب في تصغير عشية: عُشَيشية، جاء نادرًا على غير قياس.

ولم أسمع عُشَيَّة في تصغير عشِيّة، وذلك أن عُشية تصغير العَشْوة وهي أوَّل ظلمة الليل، فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير

العَشِيَّة وتصغير العَشْوة.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} [النَّازعَات: 46] يقول القائل: وهل للعشية ضحى؟

قال: وهذا جيّد من كلام العرب.

يقال: آتيك العشِيّة أو غداتَها، وآتيك الغداة عشِيّتها، فالمعنى لم يلبثوا إلّا عشية أو ضحى العشية، فأضاف الضحى إلى العشية.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشده:

ألَا ليت حظّي من زيارة أُمِّيَهْ *** غِديَّاتُ قيظ أو عَشِياتُ أشتيه

وقال: الغَدَوات في القيظ أطول وأطيب، والعشِيَّات في الشتاء أطول وأطيب، وقال: غَدِية وغدِيات؛ مثل عَشِية وعَشِيَّات.

الحراني عن ابن السكيت: يقال: لقيته عُشَيشية وعشيشِيات وعشيشيانات وعُشَيَّانَات، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس.

وذكر ابن السكيت عن أبي عبيدة وابن الأعرابي أنهما قالا: يقال: أوطأته عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشوة.

والمعنى فيه: أنه حمله على أن يركب أمرًا غير مستبين الرشد، فربما كان فيه عطَبُه، وأصله من عَشْواء الليل وعُشوته مثل ظلماء الليل وظلمته، فأمّا العِشاء فهو أول ظلام الليل.

ورَوَى شمر حديثًا بإسناد له عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: يا معشر العرب احمدوا الله الذي رفع عنكم العُشوة.

وقال شمر: أراد بالعُشْوة ظلمة الكفر، كلَّما ركب الإنسان أمرًا بجهل لا يبصر وجهه فهو عُشوة، مأخوذ من عُشوة.

وقال شمر: قال أبو عمرو: العُشْوة أيضًا في غير هذا: الشعلة من النار.

وأنشد:

حتى إذا اشتال سُهَيل بسحر *** كعُشوة القابس تَرْمِي بالشرر

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


11-تهذيب اللغة (شهباء)

شهباء: مِعْبَلَة.

والهاء في مستعيرها لها وَالبصير: طريقة الدم.

وقال بشر بن أبي خازم:

كأن خفيف منخره إذا ما *** كَتَمن الرَبْو كِير مستعار

قيل في قوله: مستعار قولان: أحدهما: أنه استعير فأُسرع العملُ به مبادرة لارتجاع صاحبه إيّاه.

وَالثاني: أن تجعله من التعاور، يقال: استعرنا الشيء وَاعتورناه وَتعاوَرناه بمعنى وَاحد عَارَ عَيْنَه وَيقال: عارت عينه تعار، وعوِرت تَعْوَر، وَاعورَّت تعورّ، وَاعوارَّت تعوارّ بمعنى وَاحد.

ويقال: يَعُورها إذا عوَّرها.

وَمنه قول الشاعر:

فجاء إليها كاسرًا جفن عينه *** فقلت له من عار عينك عنترة

يقول: من أصابها بعُوَّار، وأعارها من العائر.

وقال ابن بزرج: يقال: عار الدمعُ يعير عَيَرانًا إذا سال.

وأنشد: وربت سائل عني حفِيّ

أعارت عينه أم لم تعارا

أي: أدمعت عينه.

وقال الليث: عارت عينه في هذا البيت بمعنى عورت وليس بمعنى دمعت؛ لأنهم يقولون عار يعير بمعنى دمع.

أبو عبيد عن اليزيدي: بعينه ساهِك وعائر وهما من الرَمَد.

قال: والعُوَّار مثل القذى بالتشديد: سلمة عن الفراء قال: العُوَّار: الرمد.

العُوَّار الرمَد الذي في الحَدَقة.

أبو عبيد عن الفراء: العَوَار: العيب بفتح العين في الثوب.

وقال ذو الرمَّة:

تُبَيِّنُ نسبة المَرَئيّ لو ما *** كما بيَّنت في الأدَم العَوارا

وقال الليث: العائر غَمَصة تَمُضّ العين، كأنما وقع فيها قذًى وهو العُوّار.

قال: وعين عائرة: ذات عُوّار.

قال: ولا يقال في هذا المعنى عارت، إنما يقال عارت العين تعار عَوَارًا إذا عوَّرت.

وأنشد: أعارت عينه أم لم تعارا قال وأَعْور الله عين فلان، وعوّرها.

وربما قالوا: عُرْت عينه.

قال: وعَوِرت عينه واعورَّت إذا ذهب بصرها.

أبو عبيد عن الأصمعي: من أمثالهم: كلب عائر خير من كلب رابض.

فالعائر المتردّد، وبه سمي العَيْر لأنه يعِير فيتردّد في الفلاة.

ويقال: جاءه سهم عائر فقتله وهو الذي لا يُدرى من رماه.

وأنشد أبو عبيد: أخشى على وجهك يا أمير

عوائرًا من جندل تعير

أبو عبيد عن أبي عمرو قال: العُوَّار: الرجل الجبان.

وجمعه العواوير.

أبو العباس عن ابن الأعرابي: العواوير: الخطاطيف.

وهي الأقذاء في العين، والواحد منها عُوَّار.

وقال الليث: العُوَّار: ضرب من الخطاطيف أسود طويل الجناحين.

قال: والعُوَّار: الجبان السريع الفرار والجماعة العواوير.

ومن أمثال العرب السائرة: أعْوَرُ عَيْنَك والحَجَر.

قال الليث: يسمى الغراب أعور، ويصاح به فيقال: عُوَير.

وأنشد: وصحاحُ العيون يُدعَون عُورا

وإنما سمي الغراب أعور لحدّة بصره، كما يقولون للأعمى: أبو بصير، وللحبشي: أبو البيضاء.

وقال أبو الهيثم: يقال للكلمة القبيحة: عوراء، وللكلمة الحَسَنة عَيْناء.

وأنشد قول الشاعر:

وعوراء جاءت من أخ فرددتها *** بسالمة العينين طالبةٍ عذرًا

أي: بكلمة حسنة لم تكن عوراء والعَوَر شين وقبح.

وقال الليث العوراء: الكلمة التي تهوِي في غير عقل ولا رُشْد.

قال: ودجلة العوراء بالعراق بمَيْسان ويقال للأعمى بصير، وللأعور أحول.

قلت رأيت بالبادية امرأة عوراء، كان يقال لها الحولاء، وقد يقولون للأحول أعور قال والعَوَر: خَرْق أو شَقّ يكون في الثوب.

قال: والعَوَر: ترك الحق.

وقال العجاج:

وعوّر الرحمنُ من ولّى العَوَر

أراد من ولاه العور.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَوَر: الرداءة في كل شيء.

قال: والعرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه: أعور.

وقال أبو عبيد: يقال للرجل إذا كثر ماله: ترِد على فلان عائرةُ عين، وعائرة عينين أي ترد عليه إبل كثيرة، كأنها من كثرتها تملأ العينين، حتى تكاد تَعُورها أي تفقؤها.

يقال: عار عينَه وعوَّرها.

وقال أبو العباس: معناه أنها من كثرتها تعِير فيها العين.

وقال الأصمعي: أصل ذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا بلغ أبلُه ألفًا عار عين بعير منها، فأرادوا بعائرة العين ألفًا من الإبل تعُور عينُ واحد منها.

وقال شمر: عورت عيون المياه إذا دفنتها وسددتها، وعوَّرت الركية إذا كبستها بالتراب حتى تنسد عيونها.

وقال ابن الأعرابي: العُوَّار: البئر التي لا يُستقى منها.

قال: وعوَّرْت الرجل إذا استسقاك فلم تسقه وقال الفرزدق:

متى ما ترد يومًا سفارِ تجد به *** أديهم يرمي المستجيز المعوَّرا

سَفَارِ: اسم ماء، والمستجيز الذي يطلب الماء؛ والعرب تصغر الأعور عُوَيرا، ومنه قولهم كُسَير وعوير، وكل غيرُ خير.

وقال الفراء في قوله جلّ وعزّ: {إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب: 13] القراء أجمعوا على تسكين الواو من عورة، وذكر عن بعضهم في شواذّ القراءات أنه قرأ {عَوِرة} على فَعِلة.

والعرب تقول: قد أعور منزلُك إذا بدت منه عورة، وأعور الفارسُ إذا كان فيه موضع خللٍ للضرب.

وقال الشاعر يصف الأسد:

له الشَّدَّة الأولى إذا القِرْن أعورا

قال وإنما أرادوا بقولهم (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) أي ممكِنة للسُرّاق؛ لخلوتها من الرجال، فأكذبهم الله جلّ وعزّ وقال: (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) ولكن يريدون الفرار.

وقال أبو إسحاق في قوله {إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ} أي مُعورة أي بيوتنا ممّا يلي العدوّ ونحن نُسرق منها، فأعلم الله أن قصدهم الهرب.

قال: ومن قرأ {عَوِرة} فمعناها: ذات عورة {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرارًا} [الأحزَاب: 13] المعنى: ما يريدون تحرّزًا من سَرَق، ولكن يريدون الفرار عن نصرة النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم.

ويقال: ليس كل عورة تصاب.

وما يُعور لفلان الشيء إلّا أخذه.

وقال أبو زيد: ما يُعْوِز بالزاي.

قال الأصمعي: الزاي تصحيف، وفسّر يُعور: ليس يرى شيئًا لا حافظ له إلَّا أخذه لا يتحرَّج.

وفي المثل: ليس كل عورة تصاب أي ليس كل خال من الحفاظ يؤخذ.

ابن الأعرابي: المُعْور: الممكن البيّن الواضح.

وأنشد لكثيّر:

كذاك أذود النفس يا عَزَّ عنكم *** وقد أعورت أسرابُ من لا يذودها

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com