نتائج البحث عن (أَنْهَارُهَا)
1-معجم ما استعجم (سيلحين)
سيلحين: بفتح أوّله، وإسكان ثانيه، وفتح اللام، وكسر الحاء المهملة، على وزن فيعلين، وإعرابه فى النون. ومن العرب من يقول سيلحون، وإعرابه إعراب الجمع المسلم، ونونه أبدا مفتوحة. وهو موضع بالحيرة، وقيل هو رستاق من رساتيق العراق، وقد تقدّم ذكره فى رسم براقش، وقال الأعشى:«وتجبى إليه السّيلحون ودونها *** صريفون فى أنهارها والخورنق»
ورواه أبو عبيدة: «وتجبى إليه السّيلحان وعند صريفين»، وصريفون:
من رزاديق العراق أيضا. وقال أبو داود الإيادىّ:
«لمن الديار بهضب ذى الأسناد *** فالسيّلحين فبرقة الأثماد»
ويدلّك أنّها تلقاء الحيرة قول قيس بن عاصم:
«لولا دفاعى عنكم أعبدا *** مسكنها الحيرة والسّيلحون»
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م
2-معجم متن اللغة (الكوثر)
الكوثر: الكثير من كل شئ.و-: الكثير الملتف من الغبار إذا سطع وكثر "هذلية".
و-: الرجل الخير المعطاء، وهو الكيثر.
و-: السيد: النهر: نهر في الجنة تتشعب منه جميع أنهارها.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
3-معجم متن اللغة (هند مند)
هند مند: نهر بسجستان وهو أعظم أنهارها.معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
4-العباب الزاخر (صرف)
صرفالصَّرْفُ في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: المدينة حرمٌ ما بين عائر -ويُروى: عَيْرِ- إلى كذا من احدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ، وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقْبَلٌ منه صَرْفُ ولا عدلٌ ومن تولى قومًا بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عدلٌ: التوبة؛ وقيل: النافلة. وقال قومٌ: الصَّرْفُ: الوزن؛ والعدل: الكيل. وقال يونس: الصرف: الحيلة، قال الله تعالى: (فما تَستطيعون صَرْفًا ولا نصرًا). وقال غيره: أي ما يستطيعون أن يَصْرِفُوا عن أنفسهم العذاب ولا أن يَنْصُروا أنفسهم.
وصَرْفُ الدهر: حَدَثانه ونوائبه.
والصَّرْفانِ: الليل والنهار، وابن عبّاد كَسَرَ الصّاد.
وقوله تعالى: (سَأصْرِفُ عن آياتي) أي أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي.
وفي حديث أبي إدريس الخولاني: من طلب صَرْفَ الحديث ليبتغي به إقبال وجوه الناس إليه لم يَرَحْ رائحة الجنة. هو أن يزيد فيه ويُحَسنه، من الصَّرْفِ في الدراهم وهو فضل الدرهم على الدرهم في القيمة.
ويقال: فلان لا يعرف صَرْفَ الكلام: أي فضل بعضه على بعضٍ. ولهذا على هذا صرف: أي شِفٌّ وفضلٌ. وهو من: صَرَفَه يَصْرِفُه، لأنه إذا فُضِّلَ صُرِفَ عن أشكاله ونظائره.
والصَّرْفَةُ: منزل من منازل القمر، وهو نجم واحد نير يتلو الزُّبْرَةَ؛ يقال إنه قلب الأسد، وسميت الصَّرْفَةَ لانصراف البرد وإقبال الحر بطلوعها، قال السّاجع، إذا طلعت الصَّرْفَة؛ بكرت الخُرْفَة؛ وكثرت الطّرْفَة؛ وهانت للضيف الكلفة، وقال أيضًا: إذا طَلَعَت الصَّرْفَة؛ احتال كل ذي حرفة.
والصَّرْفَةُ -أيضًا-: خرزة من الخَرز الذي تذكر في الأُخَذِ.
وقال ابن عبّاد: الصَّرْفَةُ: ناب الدهر الذي يفتر.
وحلبت النّاقة صَرْفَةً: وهي أن تحلبها غدوة ثم تتركها إلى مثل وقتها من أمس.
والصَّرْفَةُ من القِسِيِّ: التي فيها شامة سوداء لا تُصِيْبُ سِهامها إذا رميت.
وصَرَفَ الله عنه الأذى.
وكلبةٌ صارِفٌ: إذا اشتهت الفحل، وقد صَرَفَتْ تَصْرِفُ صُرُوْفًا وصِرَافًا.
وصَرْفُ الكلمة: إجراؤها بالتنوين.
وقال ابن عبّاد: صَرَفْتُ الشراب: إذا لم تمزجها، وشراب مَصْرُوْفٌ.
وصَريْفُ البكرة: صوتها عند الاسْتِقاء، وقد صَرَفَتْ تَصْرِفُ -بالكسر-. وكذلك صَرِيْفُ الباب وصَرِيْفُ ناب البعير، قال النابغة الذبياني يصف ناقةً:
«مقذوفة بدخيسِ النَّحضِ بازلـهـا *** له صَرِيْفٌ صَرِيْفَ القعو بالمسد»
يقال منه: ناقة صَرُوْفٌ.
وقال ابن السكيت: الصَّرِيْفُ: الفضة، وأنشد:
«بني غُدَانَةَ ما إن أنتم ذهـبـًا *** ولا صَرِيْفًا ولكن أنتم خَزَفُ»
والصَّرِيْفُ: اللبن ينصرف به عن الضرع حارًا إذا حُلِبَ، قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه:
«لكن غذاها اللبـن الـخـريف *** المحض والقارص والصَّرِيْفُ»
وقد ذكر الرجز بتمامه والقصة في تركيب ق ر ص.
والصَّرِيْفُ: موضع على عشرة أميال من النباج، وهو بلد لبني أُسَيِّد بن عمرو بن تميم، قال جرير:
«أجنَّ الهوى ما أنْـسَ مـوقـفـًا *** عشية جرعاء الصَّرِيْفِ ومنظرا»
وقال الدينوري: زعم بعض الرواة أن الصَّرِيْفَ ما يبس من الشجر، وهو الذي يقال له بالفارسية: الخَذْخُوَشْ، وهو القفلة أيضًا.
وصَرِيْفُوْنَ: في سواد العراق في موضعين: أحدهما قرية كبيرة غناء شجراء قرب عكبراء وأوانى على ضفة نهر دجيل، وصَرِيْفًوْنَ -أيضًا- من قرى واسط.
وأما قول الأعشى:
«وتجبى إليه السَّيْلَحُـوْنَ ودونـهـا *** صَرِيْفُوْنَ في أنهارها والخورنق»
فإنها هي الأولى التي ذكرتها، والخمر الصَّرِيْفِيَّةُ-أيضًا-منسوبة إليها، قال الأعشى أيضًا:
«تُعاطي الضجيع إذا أقبلت *** بُعَيْدَ الرقاد وعند الوسن»
«صَرِيْفِيَّةً طيبًا طعمـهـا *** لها زبد بين كوبٍ ودَنْ»
وقيل: جعلها صَرِيْفِيَّةً لأنها أخذت من الدن ساعتئذٍ كاللبن الصَّرِيْفِ.
وقال ابن الأعرابي: الصَّرَفانُ اسم للموت.
وقال ابن عبّاد: الصَّرَفانُ: النحاس.
والصَّرَفَانُ -بالتحريك-: الرصاص.
والصَّرَفَانُ: جنس من التمر، قالت الزَّبّاء:
«ما للجمال مشيها وئيدا *** أجندلا يحملن أم حديدا»
«أم صَرَفَانًا باردا شديدا *** أم الرجال جثمًا قعودا»
وقال الدينوري: أخبرني بعض العرب قال: الصَّرَفَانَةُ تمرة حمراء نحو البرنية إلا أنها صُلْبَة الممضغة علكة، وهي أرزن التمر كله، يعدها ذوو العيالات وذوو العبيد والأجراء لجزاءتها وعظم موقعها، والناس يدخرونها. ومن أمثالهم: صَرَفَانَةٌ ربعية تُصْرَمُ بالصيف وتؤكل بالشتية. قال: وأخبرني النُّوْشَجَاني قال: الصَّرَفَانَةُ هي الصَّيْحَانِيَّةُ بالحجاز نخلتها كنخلتها، قال النجاشي:
«حسبتم قتال الأشعرين ومذحجٍ *** وكندة أكل الزُّبْدِ بالصَّرَفَانِ»
والصِّرْفُ -بالكسر-: صبغ أحمر تصبغ به شرك النعال، قال الكلْحَبَةُ:
«كميت غير مُحْلِـفَةٍ ولـكـن *** كلون الصِّرْفُ عُلَّ به الأديم»
وقال عبدة بن الطبيب العبشمي:
«عَيْهَمَةُ ينتحي في الأرض منسمهـا *** كما انتحى في أديم الصَّرْفِ إزميلُ»
وشراب صِرْفٌ: أي بَحْتٌ غير ممزوج.
والصَّيْرَفُ: المحتال في الأمور، قال أمية بن أبي عائذٍ الهذلي:
«قد كنت خرّاجًا ولوجًا صَـيْرَفـًا *** لم تلتحصني حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ»
وكذلك الصَّيْرَفيُّ، قال سويد بن أبي كاهلٍ اليشكري:
«ولسانًا صَيْرَفِـيًّا صـارمـًا *** كحسام السيف ما مَسَّ قطع»
والصَّيْرَفيُّ: الصَّرّافُ؛ من المُصَارَفَةِ؛ وقومٌ صَيَارِفَةٌ؛ والهاء للنسبة، وقد جاء فس الشعر: الصَّيَارِيْفُ، قال-وليس للفرزدق كما أنشده سيبويه-:
«تنفي يداها الحصى في كل هاجرة *** نفي الدارهيم تنقاد الصَّـيَارِيْفِ»
لما احتاج إلى إتمام الوزن أشبع الحركة ضرورة حتى صارت حرفًا.
وصَرَفْتُ الصبيان: أي قلبتهم.
وصارِفٌ: من الأعلام.
وقال الليث: الصَّرَفيُّ من النجائب؛ هو منسوب، ويقال: هو الصَّدَفيُّ.
وقال ابن الأعرابي: أصْرَفَ الشاعر شِعره: إذا أقوى فيه، وقيل: الإصراف إقواءٌ بالنصب، ذكره المفضل بن محمد الضَّبِّي الكوفي، ولم يعرف البغداديون الإصراف، والخليل وأصحابه لا يجيزون الإقواء بالنصب، وقد جاء في أشعار العرب كقوله:
«أطعمت جابان حتى أستد مغْرِضُهُ *** وكاد يَنقَـدُّ لـولا أنـه طـافـا»
«فقل لجابان يتركـنـا لـطـيتـه *** نوم الضحى بعد نوم الليل إسرافُ»
وبعض الناس يزعم أن قول امرئ القيس:
«فخر لروقيه وأمضيت مقـدمـًا *** طوال القرا والروق أخنَسَ ذيّالِ»
من الإقواء بالنصب؛ لأنه وصل الفعل إلى أخْنَسَ وقال الأزهري: تَصْرِيْفُ الآيات: تبيينها، وقوله تعالى: (وصَرَّفْنَا الآيات) أي بيناها.
وصَرَّفْتُ الرجل في أمري تَصْرِيْفًا.
وتَصْرِيْفُ الدراهم في البياعات كلها: إنفاقها.
والتَّصْرِيْفُ: اشتقاق بعض الكلام من بعض.
وتَصْرِيْفُ الرياح: تحويلها من حالٍ إلى حالٍ ومن وجه إلى وجه.
وطلحة بن سنان بن مُصَرِّفٍ الإيامي: من أصحاب الحديث.
والتَّصَرُّفُ: مطاوع التَّصْرِيْفِ، يقال: صَرَّفْتُه فَتَصَرَّفَ.
وتَصْرِيْفُ الخمر: شربها صِرْفًا.
واصْطَرَفَ: أي تصرف في طلب الكسب، قال العجاج:
«من غير لا عَصْفٍ ولا اصْطِرَافِ»
واسْتَصْرَفْتُ الله المكاره: أي سألته صَرْفَها عني.
والانصراف: الانكفاء.
والاسم على ضربين: مُنْصَرِفٌ وغير مُنْصَرِفٍ. قال جار الله العلامة الزمخشيري -رحمه الله-: الاسم يمتنع من الصَّرْفِ متى اجتمع فيه اثنان من أسباب تسعة أو تكرر واحد؛ وهي العلمية، والتأنيث اللازم لفظًا أو معنى نحو سُعَادَ وطَلْحَةَ، ووزن الفعل الذي يغلبه في نحو أفْعَلَ فإنه فيه أكثر منه في الاسم أو يخصه في نحو ضُرِبَ إن سُمي به، والوصيفة في نحو أحمر، والعدل عن صيغة إلى أخرى في نحو عمر وثلاث، وأن يكون جمعًا ليس على زنته واحد كمَسَاجِدَ ومَصَابِيْحَ إلا ما اعتل آخره نحو جَوَارٍ فإنه في الرفع والجر كقاضٍ وفي النصب كضَوَارِبَ وحَضَاجِرُ وسَرَاوِيْلُ في التقدير؛ جمع حِضَجْرٍ وسِرْوَالَةٍ، والتركيب في نحو مَعْدِيْ كَرِبَ وبعلبك، والعجمة في الأعلام خاصة، والألف والنون المُضَارِعتان لألفي التأنيث في نحو عثمان وسكران إلا إذا اضطر الشاعر فَصَرفَ. وأما السبب الواحد فغير مانع أبدًا، وما تعلق به الكوفيون في إجازة منعه في الشِّعْرِ ليس بثبتٍ، وما أحد سببيه أو أسبابه العلمية فحكمه حكم الصَّرْفِ عند التنكير كقولك رب سُعَادٍ وقَطَامٍ؛ لبقائه بلا سببٍ أو على سببٍ واحدٍ؛ إلا نحو أحمر فإن فيه خِلافًا بين الأخفش وصاحب الكتاب. وما فيه سببان من الثلاثي السّاكن الحشو كنوحٍ ولوطٍ مُنْصَرِفٌ في اللغة الفصيحة التي عليها التنزيل؛ لمقاومة السُّكُوْنِ أحد السببين، وقوم يجرونه على القياس فلا يصرفونه، وقد جمعهما الشاعر في قوله:
«لم تتلفعْ بفضـل مـئزرهـا *** دَعْدٌ ولم تُسْقِ دَعْدُ في العلب»
وأما ما فيه سبب زائد ك"مَاهَ" و"جُوْرَ" فإن فيهما ما في نوح مع زيادة التأنيث فلا مقال في امتناع صَرْفِه. والتكرر في نحو بُشْرى وصحراء ومساجد ومصابيح، نُزُّلَ البناء على حَرْفِ تأنيث لا يقع منفصلا بحالٍ؛ والزِّنَةُ التي لا واحد عليها؛ منزلة تأنيث ثانٍ وجمع ثانٍ. انتهى كلامه.
والتركيب معظمه يدل على رجع الشيء، وقد شَذَّ عنه الصِّرْفُ للصبغ.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
5-القاموس المحيط (المد)
المَدُّ: السَّيْلُ، وارْتفاعُ النَّهارِ، والاستِمْدادُ منَ الدَّواةِ، وكثْرَةُ الماءِ، والبَسْط، وطُموحُ البَصَرِ إلى الشيءِ، والإِمْهالُ،كالإِمْدادِ، والجَذْبُ، والمَطْلُ. مَدَّهُ،
وـ به، فامْتَدَّ، ومَدَّدَهُ، وتَمَدَّدَهُ، ومادَدَهُ مُمادَّةً ومِدادًا فَتَمَدَّدَ.
ومَدَّ النَّهارُ: ارْتَفَعَ،
وـ زَيْدٌ القومَ: صارَ لهم مَدَدًا. وقَدْرُ مَدِّ البَصَرِ، أي: مَداهُ.
والمَديدُ: المَمْدودُ، والطَّويلُ،
ج: مُدُدٌ، والبَحْرُ الثَّانِي من العَروضِ، وما ذُرَّ عليه دَقيقٌ أو سِمْسِمٌ أو شَعيرٌ لِيُسْقى الإِبِلَ.
ومَدَّها: سَقاها إيَّاهُ،
وع قُرْبَ مَكَّةَ، والعَلَفُ.
والمَديدانِ: جَبَلانِ ظَهْرَ عارِضِ اليَمامَةِ.
والمِدادُ: النِّقْسُ، والسِّرْقينُ، وقد مَدَّ الأرضَ، وما مَدَدْتَ به السِّرَاجَ من زَيْتٍ ونحوِهِ، والمِثالُ، والطَّريقَةُ.
ومِدادُ قَيْسٍ: لُعْبَةٌ.
و" في الحَوْضِ مِيزابانِ مِدادُهُما الجَنَّةُ"، أي: تَمُدُّهُما أنهارُها.
والمَدْمَدُ: النَّهْرُ، والحَبْلُ.
والمُدُّ، بالضم: مِكْيالٌ، وهو رِطْلانِ، أو رِطْلٌ وثُلُثٌ، أو مِلْءُ كَفَّيِ الإِنسانِ المُعْتَدِلِ إذا مَلأَهُما وَمَدَّ يَدَهُ بهما، وبه سُمِّيَ مُدًّا، وقد جَرَّبْتُ ذلك فَوَجَدْتُهُ صحيحًا، ج: أمدادٌ ومِدَدَةٌ، كعِنَبَةٍ، ومِدادٌ، قِيلَ: ومنه: سُبْحانَ اللهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ.
والمُدَّةُ، بالضم: الغايَةُ من الزَّمانِ والمَكانِ، والبُرْهَةُ منَ الدَّهْرِ، واسْمُ ما اسْتَمْدَدْتَ به منَ المِدادِ على القَلَمِ، وبالكسر:
القَيْحُ.
والأُمْدُودُ، بالضم: العادَةُ.
والأَمِدَّةُ، كالأَسِنَّةِ: سَدى الغَزْلِ، والمِساكُ في جانِبَيِ الثَّوبِ إذا ابْتُدِئَ بِعَمَلِهِ.
والإِمِدَّان، بكَسْرَتَيْنِ: الماءُ المِلْحُ،
كالمِدَّان، بالكسر، والنَّزُّ، وقد تُشَدَّدُ الميمُ وتُخَفَّفُ الدالُ.
وسُبْحانَ اللهِ مِدَادَ السَّماواتِ، أي: عَدَدها وكَثْرَتَها.
والإِمْدادُ: تأخيرُ الأَجَلِ، وأَن تَنْصُرَ الأَجْنادَ بِجَماعَةٍ غيرَكَ، والإِعْطاءُ، والإِغاثَةُ،
أو في الشَّرِّ: مَدَدْتُهُ،
وفي الخيرِ: أمْدَدْتُهُ، وأن تُعْطِي الكاتبَ مَدَّةَ قَلَمٍ،
وـ في الجُرْحِ: أن تَحْصُل فيه مِدَّةٌ،
وـ في العَرْفَج: أن يَجْرِيَ الماءُ في عُودِهِ.
والمادَّةُ: الزيادَةُ المُتَّصِلَةُ.
والمُمادَّةُ: المُماطَلَةُ.
والاسْتِمْداد: طَلَبُ المَدَدِ.
ومَدْمَدَ: هَرَبَ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
6-القاموس المحيط (الكثرة)
الكَثْرَةُ، ويكسرُ: نَقيضُ القِلَّةِ،كالكُثْرِ، بالضم، وهو مُعْظَمُ الشيءِ وأكثَرُهُ. كثُرَ، ككَرُمَ، فهو كَثْرٌ، كعَدْلٍ وأميرٍ وغُرابٍ وصاحبٍ وصيْقَلٍ، وكثَّرَهُ تكثيرًا، وأكْثَرَهُ.
ورجُلٌ مُكْثِرٌ: ذو مالٍ.
ومِكْثارٌ ومِكْثيرٌ، بكسرهما: كثيرُ الكلامِ.
وأكثَرَ: أتَى بكثيرٍ،
وـ النَّخْلُ: أطْلَعَ، وكثُرَ مالُهُ.
والكُثَارُ، كغُرابٍ وكِتابٍ: الجَماعاتُ.
وكاثَرُوهُم فكَثَرُوهُم: غالَبُوهُم فَغَلَبوهُم.
وكاثَرَهُ الماءَ،
واسْتَكْثَرَهُ إِياهُ: أرادَ لِنَفْسِهِ منه كثيرًا ليَشْرَبَ منه.
واسْتَكْثَرَ من الشيءِ: رَغِبَ في الكثيرِ منه.
والكَوْثَرُ: الكثيرُ من كلِّ شيء، والكثيرُ المُلْتَفُّ من الغُبارِ، والإِسلامُ، والنُّبُوَّةُ،
وة بالطائِفِ كانَ الحجَّاجُ مُعَلِّمًا بها، والرجُلُ الخَيِّرُ المِعْطاءُ،
كالكَيْثَرِ، كصَيْقَلٍ، والسَّيِّدُ، والنَّهْرُ، ونَهْرٌ في الجَنَّةِ تَتَفَجَّرُ منه جميعُ أنْهارِها.
والكَثْرُ، ويُحَرَّكُ: جُمَّارُ النخلِ أو طَلْعُها. وكأميرٍ: اسمٌ، وبالتَّصْغيرِ: صاحِبُ عَزَّةَ، وسَمَّوْا: كَثيرةَ ومُكَثِّرًا، كمحدِّثٍ.
وكَثْرَى، كسَكْرَى: صَنَمٌ لجَديسٍ وطَسْمٍ، كَسَرَهُ نَهْشَلُ بنُ الرُّبَيْسِ، ولَحِقَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأَسْلَمَ.
والكَثِيْرَاءُ: رُطُوبَةٌ تَخْرُجُ من أصْلِ شَجَرَةٍ، تكونُ بِجِبالِ بَيْروتَ ولُبْنَانَ.
والكُثْرَى، كبُشْرَى، من النَّبِيذِ: الاسْتِكْثارُ منه.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
7-معجم البلدان (الخورنق)
الخَوَرْنَقُ:بفتح أوله وثانيه، وراء ساكنة، ونون مفتوحة، وآخره قاف: بلد بالمغرب، قرأت في كتاب النوادر الممتعة لأبي الفتح بن جنّي: أخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي قال: قال الأصمعي سألت الخليل ابن أحمد عن الخورنق فقال ينبغي أن يكون مشتقّا من الخرنق الصغير من الأرانب، قال الأصمعي:
ولم يصنع شيئا إنما هو من الخورنقاه، بضم الخاء وسكون الواو وفتح الراء وسكون النون والقاف، يعني موضع الأكل والشرب بالفارسية، فعرّبته العرب فقالت الخورنق ردّته إلى وزن السّفرجل، قال ابن جنّي: ولم يؤت الخليل من قبل الصنعة لأنه أجاب على أن الخورنق كلمة عربية، ولو كان عربيّا لوجب أن تكون الواو فيه زائدة كما ذكر لأن الواو لا تجيء أصلا في ذوات الخمسة على هذا الحدّ فجرى مجرى الواو كذلك، وإنما أتي من قبل السماع، ولو تحقق ما تحققه الأصمعي لما صرف الكلمة، أنّى وسيبويه إحدى حسناته؟
والخورنق أيضا: قرية على نصف فرسخ من بلخ، يقال لها خبنك، وهو فارسيّ معرب من خرنكاه، تفسيره موضع الشرب، ينسب إليها أبو الفتح محمد ابن محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي الخورنقي، وهو أخو عمر البسطامي الخورنقي، كان يسكن الخورنق فنسب إليها، سمع أباه أبا الحسن بن أبي محمد وأبا هريرة عبد الرحمن بن عبد الملك بن يحيى ابن أحمد القلانسي وأبا حامد أحمد بن محمد الشجاعي السرخسي وأبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، وكانت له إجازة من أبي علي السرخسي، كتب عنه أبو سعد، وكانت ولادته في العشر الأخير من شهر رمضان سنة 468 ببلخ، ووفاته بالخورنق في السابع عشر من رمضان سنة 551، وأما الخورنق الذي ذكرته العرب في أشعارها وضربت به الأمثال في أخبارها فليس بأحد هذين إنما هو موضع بالكوفة، قال أبو منصور: هو نهر، وأنشد:
«وتجبى إليه السّيلحون ودونها *** صريفون في أنهارها والخورنق»
قال: وهكذا قال ابن السكّيت في الخورنق، والذي عليه أهل الأثر والأخبار أن الخورنق قصر كان بظهر الحيرة، وقد اختلفوا في بانيه فقال الهيثم بن عدي:
الذي أمر ببناء الخورنق النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن الحارث بن عمرو بن لخم ابن عدي بن مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن يعرب بن قحطان، ملك ثمانين سنة وبنى الخورنق في ستين سنة، بناه له رجل من الروم يقال له سنمّار، فكان يبني السنتين والثلاث ويغيث الخمس سنين وأكثر من ذلك وأقل، فيطلب فلا يوجد، ثم يأتي فيحتجّ، فلم يزل يفعل هذا الفعل ستين سنة حتى فرغ من بنائه، فصعد النعمان على رأسه ونظر إلى البحر تجاهه والبرّ خلفه فرأى الحوت والضبّ والضبّي والنخل فقال: ما رأيت مثل هذا البناء قط! فقال له سنمّار: إني أعلم موضع آجرّة لو زالت لسقط القصر كله، فقال النعمان: أيعرفها أحد غيرك؟ قال:
لا، قال: لا جرم لأدعنّها وما يعرفها أحد! ثم أمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطع، فضربت العرب به المثل، فقال شاعر:
«جزاني، جزاه الله شرّ جزائه، *** جزاء سنمّار، وما كان ذا ذنب»
«سوى رمّه البنيان، ستين حجّة، *** يعلّ عليه بالقراميد والسكب»
«فلما رأى البنيان ثمّ سحوقه، *** وآض كمثل الطّود والشامخ الصّعب»
«فظنّ سنمّار به كلّ حبوة، *** وفاز لديه بالمودّة والقرب»
«فقال: اقذفوا بالعلج من فوق رأسه! *** فهذا، لعمر الله، من أعجب الخطب»
وقد ذكرها كثير منهم وضربوا سنمّار مثلا، وكان النعمان هذا قد غزا الشام مرارا وكان من أشدّ الملوك بأسا، فبينما هو ذات يوم جالس في مجلسه في الخورنق فأشرف على النّجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المغرب وعلى الفرات مما يلي المشرق والخورنق مقابل الفرات يدور عليه على عاقول كالخندق فأعجبه ما رأى من الحضرة والنور والأنهار فقال لوزيره: أرأيت مثل هذا المنظر وحسنه؟
فقال: لا والله أيها الملك ما رأيت مثله لو كان يدوم! قال: فما الذي يدوم؟ قال: ما عند الله في الآخرة، قال: فبم ينال ذلك؟ قال: بترك هذه الدنيا وعبادة الله والتماس ما عنده، فترك ملكه في ليلته ولبس المسوح وخرج مختفيا هاربا، ولا يعلم به أحد ولم يقف الناس على خبره إلى الآن، فجاؤوا بابه بالغداة على رسمهم فلم يؤذن لهم عليه كما جرت العادة، فلما أبطأ الإذن أنكروا ذلك وسألوا عن الأمر فأشكل الأمر عليهم أياما ثم ظهر تخلّيه من الملك ولحاقه بالنّسك في الجبال والفلوات، فما رؤي بعد ذلك، ويقال: إن وزيره صحبه ومضى معه، وفي ذلك يقول عدي بن زيد:
«وتبيّن ربّ الخورنق، إذ *** أشرف يوما، وللهدى تفكير»
«سرّه ما رأى وكثرة ما يم *** لك والبحر، معرضا، والسدير»
«فارعوى قلبه وقال: فما غب *** طة حيّ إلى الممات يصير! »
«ثم بعد الفلاح والملك والإم *** مة وارتهم هناك القبور»
«ثم صاروا كأنهم ورق جف *** ف، فألوت به الصّبا والدّبور»
وقال عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة عند غلبة خالد ابن الوليد على الحيرة في خلافة أبي بكر، رضي الله عنه:
«أبعد المنذرين أرى سواما *** تروّح بالخورنق والسدير»
«تحاماه فوارس كلّ حيّ، *** مخافة ضيغم عالي الزّئير»
«فصرنا، بعد هلك أبي قبيس، *** كمثل الشاء في اليوم المطير»
«تقسّمنا القبائل من معدّ *** كأنّا بعض أجزاء الجزور»
وقال ابن الكلبي: صاحب الخورنق والذي أمر ببنائه بهرام جور بن يزدجرد بن سابور ذي الأكتاف، وذلك أن يزدجرد كان لا يبقى له ولد وكان قد لحق ابنه بهرام جور في صغره علّة تشبه الاستسقاء فسأل عن منزل مريء صحيح من الأدواء والأسقام ليبعث بهرام إليه خوفا عليه من العلّة، فأشار عليه أطبّاؤه أن يخرجه من بلده إلى أرض العرب ويسقى أبوال الإبل وألبانها، فأنفذه إلى النعمان وأمره أن يبني له قصرا مثّله على شكل بناء الخورنق، فبناه له وأنزله إياه وعالجه حتى برأ من مرضه، ثم استأذن أباه في
المقام عند النعمان فأذن له، فلم يزل عنده نازلا قصره الخورنق حتى صار رجلا ومات أبوه فكان من أمره في طلب الملك حتى ظفر به ما هو متعارف مشهور، وقال الهيثم بن عدي: لم يقدم أحد من الولاة الكوفة إلا وأحدث في قصرها المعروف بالخورنق شيئا من الأبنية، فلما قدم ا
يا أبا أميّة أرأيت بناء أحسن من هذا؟ قال: نعم، السماء وما بناها! قال: ما سألتك عن السماء، أقسم لتسبّن أبا تراب، قال: لا أفعل، قال: ولم؟
قال: لأنا نعظم أحياء قريش ولا نسب موتاهم، قال: جزاك الله خيرا! وقال علي بن محمد العلوي الكوفي المعروف بالحمّاني:
«سقيا لمنزلة وطيب، *** بين الخورنق والكثيب»
«بمدافع الجرعات من *** أكناف قصر أبي الخصيب»
«دار تخيّرها الملو *** ك، فهتّكت رأي اللبيب»
«أيام كنت، من الغواني، *** في السواد من القلوب»
«لو يستطعن خبأنني *** بين المخانق والجيوب»
«أيام كنت، وكنّ لا *** متحرّجين من الذنوب»
«غرّين يشتكيان ما *** يجدان بالدمع السّروب»
«لم يعرفا نكدا سوى *** صدّ الحبيب عن الحبيب»
وقال علي بن محمد الكوفي أيضا:
«كم وقفة لك بالخور *** نق ما توازى بالمواقف»
«بين الغدير إلى السدي *** ر إلى ديارات الأساقف»
«فمدارج الرهبان في *** أطمار خائفة وخائف»
«دمن كأن رياضها *** يكسين أعلام المطارف»
«وكأنما غدرانها *** فيها عشور في مصاحف»
«وكأنما أغصانها *** تهتزّ بالريح العواصف»
«طرر الوصائف يلتقين *** بها إلى طرر المصاحف»
«تلقى أواخرها أوا *** ئلها بألوان الرّفارف»
«بحريّة شتواتها، *** برّيّة منها المصائف»
«درّيّة الصهباء كا *** فوريّة منها المشارف»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
8-معجم البلدان (ساباط كسرى)
سَاباطُ كِسْرَى:بالمدائن موضع معروف، وبالعجمية بلاس أباذ، وبلاس: اسم رجل، وقد ذكر في الباء، وقال أبو المنذر: إنّما سمّي ساباط الذي بالمدائن بساباط بن باطا كان ينزله فسمّي به، وهو أخو النخيرجان بن باطا الذي لقي العرب في جمع من أهل المدائن. والساباط عند العرب: سقيفة بين دارين من تحتها طريق نافذ، والجمع سوابيط وساباطات، وقيل فيه: أفرغ من حجّام ساباط، عن الأصمعي، وكان فيه حجام يحجم الناس بنسيئة فإن لم يجئه أحد حجم أمّه حتى قتلها، فضربه العرب مثلا، وإيّاه أراد الأعشى بقوله يذكر النعمان بن المنذر وكان أبرويز الملك قد حبسه بساباط ثمّ ألقاه تحت أرجل الفيلة:
«ولا الملك النّعمان يوم لقيته *** بإمّته يعطي القطوط ويأفق»
«وتجبى إليه السّيلحون، ودونها *** صريفون في أنهارها، والخورنق»
«ويقسم أمر النّاس أمرا وليلة *** وهم ساكتون، والمنيّة تنطق»
«ويأمر لليحموم كلّ عشيّة *** بقتّ وتعليق فقد كاد يسنق»
«يعالى عليه الجلّ كلّ عشيّة، *** ويرفع نقلا بالضحى ويعرّق»
«فذاك، وما أنجى من الموت ربّه *** بساباط، حتى مات وهو محرزق»
وقال عبيد الله بن الحرّ:
«دعاني بشر دعوة فأجبته *** بساباط، إذ سيقت إليه حتوف»
«فلم أخلف الظّنّ الذي كان يرتجي، *** وبعض أخلّاء الرّجال خلوف»
«فإن تك خيلي يوم ساباط أحجمت *** وأفزعها من ذي العدوّ زحوف»
«فما جبنت خيلي، ولكن بدت لها *** ألوف أتت من بعدهنّ ألوف»
وقال أبو سعد: وساباط بليدة معروفة بما وراء النهر
قرب أشروسنة على عشرة فراسخ من خجند وعلى عشرين فرسخا من سمرقند، ينسب إليها طائفة من أهل العلم والرواية، منهم: أبو الحسن بكر بن أحمد الفقيه الساباطي الأشروسني، حدث عن الفتح بن عبيد السمرقندي، وروى عنه أبو ذرّ عثمان بن محمد بن مخلّد التيمي البغدادي، وقال أبو سعد: ظني أن منها أبا العباس أحمد بن عبد الله بن المفضل الحميري الساباطي، حدث عن علي بن عاصم ويزيد بن هارون وغيرهما.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
9-معجم البلدان (سابور)
سابورُ:بلفظ اسم سابور أحد الأكاسرة، وأصله شاه بور أي ملك بور، وبور: الابن بلسان الفرس، قاله الأزهري، وقال الأعشى:
«وساق له شاه بور الجنو *** د عامين يضرب فيه القدم»
ومن سابور إلى شيراز خمسة وعشرون فرسخا، وسابور في الإقليم الثالث، وطولها ثمان وسبعون درجة وربع، وعرضها إحدى وثلاثون درجة: كورة مشهورة بأرض فارس ومدينتها النّوبندجان في قول ابن الفقيه، وقال البشّاري: مدينتها شهرستان، وقال الإصطخري: مدينتها سابور، وبهذه الكورة مدن أكبر منها مثل النوبندجان وكازرون، ولكن هذه كورة تنسب إلى سابور الملك لأنّه هو الذي بنى مدينة سابور، وهي في السعة نحو إصطخر إلّا
أنّها أعمر وأجمع للبناء وأيسر أهلا، وبناؤها بالطين والحجارة والجصّ، ومن مدن هذه الكورة: كازرون وجره ودشت بارين وخمايجان السفلى والعليا وكندران والنوبندجان وتوّز ورموم الأكراد وجنبذ وخشت وغير ذلك، وبسابور الأدهان الكثيرة، ومن دخلها لم يزل يشم روائح طيبة
سابور كورة نزهة قد اجتمع في بساتينها النخل والزيتون والأترج والخرّوب والجوز واللوز والتين والعنب والسدر وقصب السكر والبنفسج والياسمين، أنهارها جارية وثمارها دانية والقرى متصلة تمشي أياما تحت ظل الأشجار مثل صغد سمرقند، وعلى كلّ فرسخ بقّال وخبّاز، وهي قريبة من الجبال، وقال العمراني: سابور نهر، وأنشد:
«أبيت بجسر سابور مقيما *** يؤرّقني أنينك يا معين»
وقد نسبوا إلى سابور فارس جماعة من العلماء، منهم: محمد بن عبد الواحد بن محمد بن الحسن بن حمدان الفقيه أبو عبد الله السابوري، حدث بشيراز عن أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الملك، روى عنه أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وغيره، وكان للمهلّب وقائع بسابور مع قطريّ ابن الفجاءة والخوارج طويلة ذكرها الشعراء، قال كعب الأشقري:
«تساقوا بكأس الموت يوما وليلة *** بسابور حتى كادت الشمس تطلع»
«بمعترك رضراضه من رحالهم، *** وعفر يرى فيه القنا المتجزّع»
وسابور أيضا: موضع بالبحرين فتح على يد العلاء بن الحضرمي في أيّام أبي بكر، رضي الله عنه، عنوة في سنة 12، وقال البلاذري: فتح في أيّام عمر، رضي الله عنه.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
10-معجم البلدان (السواد)
السَّوَادُ:موضعان: أحدهما نواحي قرب البلقاء سميت بذلك لسواد حجارتها فيما أحسب، والثاني يراد به رستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنّه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمونه سوادا كما إذا رأيت شيئا من بعد قلت ما ذلك السواد، وهم يسمون الأخضر سوادا والسواد أخضر، كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب وكان أسود فقال:
«وأنا الأخضر من يعرفني؟ *** أخضر الجلدة من نسل العرب»
فسموه سوادا لخضرته بالزروع والأشجار، وحدّ السواد من حديثة الموصل طولا إلى عبّادان ومن العذيب بالقادسيّة إلى حلوان عرضا فيكون طوله مائة وستين فرسخا، وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد وعرضه مستوعب لعرض السواد لأنّ أوّل العراق في شرقي دجلة العلث على حدّ طسوج بزرجسابور، وهي قرية تناوح حربى موقوفة على العلوية، وفي غربي دجلة حربى ثمّ تمتد إلى آخر أعمال البصرة من جزيرة عبّادان، وكانت تعرف بميان روذان معناه بين الأنهر، وهي من كورة بهمن أردشير، فيكون طوله مائة وخمسة وعشرين فرسخا، يقصر عن طول السواد بخمسة وثلاثين فرسخا، وعرضه كالسواد ثمانون فرسخا، قال قدامة: يكون ذلك منكسرا عشرة آلاف فرسخ وطول الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة ويكون بذراع المسافة وهي الذراع الهاشمية تسعة آلاف ذراع، فيكون الفرسخ إذا ضرب في مثله اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة جريب، فإذا ضربت في عشرة آلاف بلغت مائتي ألف ألف وعشرين ألف جريب يسقط منها بالتخمين آكامها وآجامها وسباخها ومجاري أنهارها ومواضع مدنها وقراها ومدى ما بين طرقها الثلث فيبقى مائة ألف ألف وخمسون ألف ألف جريب، يراح منها النصف على ما فيها من الكرم والنخل والشجر والعمارة الدائمة المتصلة مع التخمين بالتقريب على كلّ جريب قيمة ما يلزمه للخراج درهمان وذلك أقلّ من العشر على أن
يضرب بعض ما يؤخذ منها من أصناف الغلّات ببعض فيبلغ ذلك مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، هذا سوى خراج أهل الذمّة وسوى الصدقة، فإن ذلك لا مدخل له في الخراج، وكانت غلّات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك فارس إلى ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه و
وإنّما شبهوه بذلك لأن الآراء تشعّبت عن أهله بصحة الفكر والرويّة كما تتشعّب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام، فأمّا من حولها فأهلها يستعملون أطرافهم بمباشرة العلاج، وخصب بلاد إيرانشهر بسهولة لا عوائق فيها ولا شواهق تشينها ولا مفاوز موحشة ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة والأنهار المطردة من رساتيقها وبين قراها مع قلّة جبالها وآكامها وتكاثف عمارتها وكثرة أنواع غلّاتها وثمارها والتفاف أشجارها وعذوبة مائها وصفاء هوائها وطيب تربتها مع اعتدال طينتها وتوسط مزاجها وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال شجرها من طائر بجناح وماش على ظلف وسابح في بحر، قد أمنت ممّا تخافه البلدان من غارات الأعداء وبواثق المخالفين مع ما خصّت به من الرافدين دجلة والفرات إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاء ولا صيفا على بعد منافعهما في غيرها فإنّه لا ينتفع منهما بكثر فائدة حتى يدخلاها فتسيح مياههما في جنباتها وتنبطح في رساتيقها فيأخذون صفوه هنيئا ويرسلون كدره وأجنه إلى البحر لأنّهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمرّان بها ولا ينتفع بهما في غير السواد إلّا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء، وكانت غلات السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك الفرس والأكاسرة وغيرهم إلى أن ملك قباذ بن فيروز فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج، وكان السبب في ذلك أنّه خرج يوما متصيّدا فانفرد عن أصحابه بصيد طرده حتى وغل في شجر ملتفّ وغاب الصيد الذي اتبعه عن بصره فقصد رابية يتشوّفه فإذا تحت الرابية قرية كبيرة، ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمّان
وغير ذلك من أصناف الشجر وإذا امرأة واقفة على تنّور تخبز ومعها صبيّ لها كلّما غفلت عنه مضى الصبي إلى شجرة رمّان مثمرة ليتناول من رمّانها فتعدو خلفه وتمنعه من ذلك ولا تمكّنه من أخذ شيء منه، فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها والملك يشاهد ذلك كلّه، فلمّا لحق
فقال بعض وزرائه: نعم، يأمر الملك بالمساحة عليهم ويأمر أن يلزم كلّ جريب من كل صنف بقدر ما يحصّ الملك من الغلّة فيؤدّى ذلك إليه وتطلق أيديهم في غلاتهم ويكون ذلك على قرب مخارج المير وبعدها من الممتارين، فأمر قباذ بمساحة السواد وإلزام الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة والمؤونة على العمارة والنفقة على كري الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البريدات وجعل جميع ذلك على بيت المال فبلغ خراج السواد في السنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، فحسنت أحوال الناس ودعوا للملك بطول البقاء لما نالهم من العدل والرفاهية، وقد ذكرنا المشهور من كور السواد في المواضع التي قضى بها الترتيب حسب وضع الكتاب، وقد وقع اختلاف مفرط بين مساحة قباذ ومساحة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ذكرته كما وجدته من غير أن أحقّق العلة في هذا التفاوت الكبير: أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بمسح السواد الذي تقدّم حدّه لم يختلف صاحب هذه الرواية فيه فكان بعد أن أخرج عنه الجبال والأودية والأنهار ومواضع المدن والقرى ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم والشجر ستة دراهم وحتم الجزية على ستمائة ألف إنسان وجعلها طبقات، الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهما والوسطى أربعة وعشرون درهما والسّفلى اثنا عشر درهما، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وقال عمر بن عبد العزيز: لعن الله الحجّاج! فإنّه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة، فإن عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، جبى العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وجباه زياد مائة ألف ألف وخمسة وعشرين ألف ألف درهم، وجباه ابنه عبيد الله أكثر منه بعشرة آلاف ألف درهم، ثمّ جباه الحجاج مع عسفه وظلمه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط وأسلف الفلاحين للعمارة ألفي ألف فحصل له ستة عشر ألف ألف، قال عمر بن عبد العزيز: وها أنا قد رجع إليّ على خرابه فجبيته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة وإن عشت له لأزيدنّ على جباية عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وكان أهل السواد قد شكوا إلى الحجاج خراب بلدهم فمنعهم من ذبح البقر لتكثر العمارة، فقال شاعر:
«شكونا إليه خراب السّواد، *** فحرّم جهلا لحوم البقر»
وقال عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان: مال السواد ألف ألف ألف درهم، فما نقص ممّا في يد السلطان منه فهو في يد الرعية، وما نقص من يد الرعية فهو في بيت مال السلطان، قالوا: وليس لأهل السواد عهد إلّا الحيرة وأليس وبانقيا فلذلك يقال لا يصحّ بيع أرض السواد دون ال
دعهم يكونوا مادّة للمسلمين، فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري فمسح الأرض ووضع الخراج ووضع على رؤوسهم ما بين ثمانية وأربعين درهما وأربعة وعشرين درهما واثني عشر درهما، وشرط عليهم ضيافة المسلمين وشيئا من برّ وعسل، ووجد السواد ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهما وقفيزا، قال أبو عبيد: بلغني أن ذلك القفيز كان مكوّكا لهم يدعى السابرقان، وقال يحيى بن آدم: وهو المحتوم الحجاجيّ، وقال محمد ابن عبد الله الثقفي: وضع عمر، رضي الله عنه، على كلّ جريب من السواد، عامرا كان أو غامرا يبلغه الماء، درهما وقفيزا وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعشرة أقفزة، ولم يذكر النخل، وعلى رؤوس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر درهما، وحتم عثمان بن حنيف على رقاب خمسمائة ألف وخمسين ألف علج بأخذ الجزية، وبلغ الخراج في ولايته مائة ألف ألف درهم، ومسح حذيفة بن اليمان سقي الفرات، ومات بالمدائن، والقناطر المعروفة بقناطر حذيفة منسوبة إليه، وذلك لأنّه نزل عندها، وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاما ممدودة.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
11-معجم البلدان (سيلحون)
سَيْلَحُونَ:بفتح أوّله، وسكون ثانيه، وفتح لامه ثمّ حاء مهملة، وواو ساكنة، ونون، وقد يعرب إعراب جمع السلامة فيقال: هذه سيلحون ورأيت سيلحين ومررت بسيلحين، ومنهم من يجعله اسما واحدا يعربه إعراب ما لا ينصرف فيقول: هذه سيلحين ورأيت سيلحين ومررت بسيلحين، وذكر سيلحين في الفتوح وغيرها من الشعر يدلّ على أنّها قرب الحيرة ضاربة في البر قرب القادسية، ولذلك ذكرها الشعراء أيّام القادسية مع الحيرة والقادسية، فقال سليمان بن ثمامة حين سيّر امرأته من اليمامة إلى الكوفة:
«فمرّت بباب القادسيّة غدوة *** وراحتها بالسيلحين العبائر»
«فلمّا انتهت دون الخورنق عادها *** وقصر بني النعمان حيث الأواخر»
«إلى أهل مصر أصلح الله حاله *** به المسلمون والجهود الأكابر»
«فصارت إلى أرض الجهاد وبلدة *** مباركة والأرض فيها مصائر»
«فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى *** كما قرّ عينا بالإياب المسافر»
فهذا يدلّ على أن السيلحون بين الكوفة والقادسيّة، وقال الأشعث بن عبد الحجر بن عوف بن الأحوص ابن جعفر بن كلاب وكان شهد الحيرة والقادسية وتلك المشاهد فعقرت ناقته فقال:
«وما عقرت بالسّيلحين مطيّتي *** وبالقصر إلّا خشية أن أعيّرا»
«فباست امرئ يبأى عليّ برهطه، *** وقد ساد أشياخي معدّا وحميرا»
وقال عمرو بن الأهتم:
«ما في بني الأهتم من طائل *** يرجى ولا خير به يصلحون»
«لولا دفاعي كنتم أعبدا *** مسكنها الحيرة والسيلحون»
«جاءت بكم عفرة من أرضها *** حيريّة ليس كما تزعمون»
«في ظاهر الكفّ وفي بطنها *** وشم من الدّاء الذي تكتمون»
وقال الجعدي:
«وإذا رأيت السّيلحين وبارقا *** أغنين عن عمرو وأمّ قبال»
«ملك الخورنق والسّدير ودانها *** ما بين حمير أهلها وأوال»
وممّا يقوي أن السيلحين قرب الحيرة قول هانئ بن مسعود يرثي النعمان بن المنذر ويذكر قتل كسرى إيّاه، قال:
«إنّ ذا التاج، لا أبا لك، أضحى *** وذرى بيته نحور الفيول»
«إنّ كسرى عدا على الملك النّع *** مان حتى سقاه أمّ البليل»
«قد عمرنا وقد رأينا لدى الحي *** رة في السيلحين خير قتيل»
وهذه غير سيلحون التي باليمن، وقد تقدم ذكرها، وقد ذكر شعراء الجاهلية كالأعشى وغيره هذا الموضع، وكتّاب الخراج يجعلون السيلحين طسّوجا برأسه من كورة بهقباذ الأسفل من الجانب الغربي، قال الأعشى:
«فذاك وما أنجى من الموت ربّه *** بساباط حتى مات وهو محرزق»
«وتجبى إليه السيلحون ودونها *** صريفون في أنهارها والخورنق»
وبين هذه الناحية وبغداد ثلاثة فراسخ، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم، وقيل: إنّها سميت سيلحون لأنّها كانت بها مسالح لكسرى، وهم قوم بسلاح يرتّبون في الثغور والمخافات، واحدهم مسلحيّ، والعامة تقول مصلحيّ، وهو خطأ.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
12-معجم البلدان (ماوشان)
ماوَشَان:بفتح الواو، والشين معجمة، وآخره نون:
ناحية وقرى في واد في سفح جبل أروند من همذان، وهو موضع نزه فرح ذكره القاضي عين القضاة في رسالته فقال: وكأني بالركب العراقي يوافون همذان، ويحطون رحالهم في محاني ماوشان، وقد اخضرّت منها التلاع والوهاد، وألبسها الربيع حبرة تحسدها عليها البلاد، وهي تفوح كالمسك أزهارها، وتجري بالماء الزّلال أنهارها، فنزلوا منها في رياض مونقة، واستظلوا بظلال أشجار مورقة، فجعلوا يكررون إنشاد هذا البيت وهم يتنغمون بنوح الحمام وتغريد الهزار:
«حيّاك يا همذان الغيث من بلد، *** سقاك يا ماوشان القطر من وادي»
وقد وصفه القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن عليّ الميانجي في قطعة ذكرها في درب الزعفران، وقال أبو المظفر الأبيوردي:
«سقى همذان حيا مزنة *** يفيد الطّلاقة منها الزمان»
«برعد كما جرجر الأرحبيّ، *** وبرق كما بصبص الأفعوان»
«فسفح المقطّم بئس البديل *** نبيها وأروند نعم المكان»
«هي الجنّة المشتهى طيبها، *** ولكنّ فردوسها ماوشان»
«فألواح أمواهها كالعبير، *** ترى أرضها وحصاها الجمان»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
13-معجم البلدان (مرو الشاهجان)
مَرْوُ الشاهِجَان:هذه مرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها، نصّ عليه الحاكم أبو عبد الله في
تاريخ نيسابور مع كونه ألّف كتابه في فضائل نيسابور إلا أنه لم يقدر على دفع فضل هذه المدينة، والنسبة إليها مروزيّ على غير قياس، والثوب مرويّ على القياس، وبين مرو ونيسابور سبعون فرسخا ومنها إلى سرخس ثلاثون فرسخا وإلى بلخ مائة واثنان وعشرون فرسخا اثنان وعش
يا بريدة إنه سيبعث من بعدي بعوث فإذا بعثت فكن في بعث المشرق ثم كن في بعث خراسان ثم كن في بعث أرض يقال لها مرو إذا أتيتها فانزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين وصلّى فيها عزيز، أنهارها تجري بالبركة، على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة، فقدمها بريدة غازيا وأقام بها إلى أن مات وقبره بها إلى الآن معروف عليه راية رأيتها، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة مرو الرقة، كذا قال، طولها سبع وستون درجة، وعرضها أربعون درجة، في الإقليم الخامس، طالعها العقرب تحت ثماني عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها في الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، كذا قال بطليموس، وقد تقدم ذكرها عند ذكر الأقاليم أنها في الإقليم الرابع، قال أبو عون إسحاق بن علي في زيجه: مرو في الإقليم الرابع، طولها أربع وثمانون درجة وثلث، وعرضها سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وشنّع على أهل خراسان وادّعي عليهم البخل كما زعم ثمامة أن الديك في كل بلد يلفظ ما يأكله من فيه للدجاجة بعد أن حصل إلا ديكة مرو فإنها تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحبّ، وهذا كذب بيّن ظاهر للعيان لا يقدم على مثله إلا الوقّاع البهّات الذي لا يتوقّى الفضوح والعار وما ديكة مرو إلا كالدّيكة في جميع الأرض، قالوا:
ولما ملك طهمورث بنى قهندز مرو وبنى مدينة بابل وبنى مدينة ابرايين بأرض قوم موسى ومدينة بالهند في رأس جبل يقال له أوق، قال: وأمرت حماي بنت أردشير بن إسفنديار لما ملكت ببناء الحائط الذي حول مرو، وقال: إن طهمورث لما بنى قهندز مرو بناه بألف رجل وأقام لهم سوقا فيها الطعام والشراب فكان إذا أمسى الرجل أعطي درهما فاشترى به طعامه وجميع ما يحتاج إليه فتعود الألف درهم إلى أصحابه، فلم يخرج له في البناء إلا ألف درهم، وقال بعضهم:
«مياسير مرو من يجود لضيفه *** بكرش فقد أمسى نظيرا لحاتم»
«ومن رسّ باب الدار منكم بقرعة *** فقد كملت فيه خصال المكارم»
«يسمّون بطن الشاة طاووس عرسهم، *** وعند طبيخ اللحم ضرب الجماجم»
«فلا قدّس الرحمن أرضا وبلدة *** طواويسهم فيها بطون البهائم»
وكان المأمون يقول: يستوي الشريف والوضيع من مرو في ثلاثة أشياء: الطّبيخ النارنك والماء البارد لكثرة الثلج بها والقطن اللين، وبمرو الرّزيق،
بتقديم الراء على الزاي، والماجان: وهما نهران كبيران حسنان يخترقان شوارعها ومنهما سقي أكثر ضياعها، وقال إبراهيم بن شمّاس الطالقاني: قدمت على عبد الله بن المبارك من سمرقند إلى مرو فأخذ بيدي فطاف بي حول سور مدينة مرو ثم قال لي:
يا إبراهيم من بنى هذه المدينة؟ قلت: لا أدري يا أبا عبد الرحمن، قال: مدينة مثل هذه لا يعرف من بناها! وقد أخرجت مرو من الأعيان وعلماء الدين والأركان ما لم تخرج مدينة مثلهم، منهم:
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام وسفيان بن سعيد الثوري، مات وليس له كفن واسمه حيّ إلى يوم القيامة، وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك وغيرهم، وكان السلطان سنجر بن ملك شاه السّلجوقي مع سعة ملكه قد اختارها على سائر بلاده وما زال مقيما بها إلى أن مات وقبره بها في قبّة عظيمة لها شباك إلى الجامع وقبتها زرقاء تظهر من مسيرة يوم، بلغني أن بعض خدمه بناها له بعد موته ووقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن ويكسو الموضع، وتركتها أنا في سنة 616 على أحسن ما يكون، وبمرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور، وأقمت بها ثلاثة أعوام فلم أجد بها عيبا إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم منه في شدة عظيمة قلّ من ينجو منه في كل عام، ولولا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات لما في أهلها من الرّفد ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها، فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني أو عتيق بن أبي بكر وكان فقّاعيّا للسلطان سنجر وكان في أول أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو ثم صار شرابيّا له وكان ذا مكانة منه، وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب، وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته، ومات المستوفي هذا في سنة 494، وكان حنفيّ المذهب، وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته وخزانتان للسمعانيين وخزانة أخرى في المدرسة العميدية وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها والخزائن الخاتونية في مدرستها والضميرية في خانكاه هناك، وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلّد وأكثر بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن، وكثيرا ما كنت أترنّم عند كوني بمرو بقول بعض الأعراب:
«أقمريّة الوادي التي خان إلفها *** من الدهر أحداث أتت وخطوب»
«تعالي أطارحك البكاء فإننا *** كلانا بمرو الشاهجان غريب»
ثم أضفت إليها قول أبي الحسين مسعود بن الحسن الدمشقي الحافظ وكان قدم مرو فمات بها في سنة 543:
«أخلّاي إن أصبحتم في دياركم *** فإني بمرو الشاهجان غريب»
«أموت اشتياقا ثم أحيا تذكّرا، *** وبين التراقي والضلوع لهيب»
«فما عجب موت الغريب صبابة، *** ولكن بقاه في الحياة عجيب»
إلى أن خرجت عنها مفارقا وإلى تلك المواطن ملتفتا وامقا فجعلت أترنم بقول بعضهم:
«ولما تزايلنا عن الشعب وانثنى *** مشرّق ركب مصعد عن مغرّب»
«تيقّنت أن لا دار من بعد عالج *** تسرّ، وأن لا خلّة بعد زينب»
ويقول الآخر:
«ليال بمرو الشاهجان وشملنا *** جميع سقاك الله صوب عهاد»
«سرقناك من ريب الزمان وصرفه، *** وعين النوى مكحولة برقاد»
«تنبّه صرف الدهر فاستحدث النوى، *** وصيّرنا شتّى بكل بلاد»
ولن تعدم الحسناء ذامّا، فقد قال بعض من قدمها من أهل العراق فحنّ إلى وطنه:
«وأرى بمرو الشاهجان تنكّرت *** أرض تتابع ثلجها المذرور»
«إذ لا ترى ذا بزّة مشهورة *** إلّا تخال بأنه مقرور»
«كلتا يديه لا تزايل ثوبه *** كلّ الشتاء كأنه مأسور»
«أسفا على برّ العراق وبحره! *** إنّ الفؤاد بشجوه معذور»
وكنّا كتبنا قصيدة مالك بن الريب متفرّقة وأحلنا في كل موضع على ما يليه ولم يبق منها إلا ذكر مرو وبها تتمّ فإنه قال بعد ما ذكر في السّمينة:
«ولما تراءت عند مرو منيتي، *** وحلّ بها سقمي وحانت وفاتيا»
«أقول لأصحابي: ارفعوني فإنني *** يقرّ بعيني إن سهيل بدا ليا»
«فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا *** برابية إني مقيم لياليا»
«أقيما عليّ اليوم أو بعض ليلة، *** ولا تعجلاني قد تبيّن شانيا»
«وقوما إذا ما استلّ روحي فهيّئا *** لي السدر والأكفان ثمّ ابكيانيا»
«وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي، *** وردّا على عينيّ فضل ردائيا»
«ولا تحسداني، بارك الله فيكما، *** من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا»
«خذاني فجرّاني ببردي إليكما، *** فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا»
«وقد كنت عطّافا إذا الخيل أحجمت *** سريعا لدى الهيجا إلى من دعانيا»
«وقد كنت محمودا لدى الزاد والقرى *** وعن شتم ابن العمّ والجار وانيا»
«وقد كنت صبّارا على القرن في الوغى، *** ثقيلا على الأعداء عضبا لسانيا»
«وطورا تراني في رحى مستديرة *** تخرّق أطراف الرماح ثيابيا»
وما بعد هذه الأبيات ذكر في الشبيك، وبمرو قبور أربعة من الصحابة، منهم: بريدة بن الحصيب والحكم بن عمرو الغفاري وسليمان بن بريدة في قرية من قراها يقال لها فني ويقال لها فنين وعليه علم، رأيت ذلك كله والآخر نسيته، فأما رستاق مرو فهو أجلّ من المدن وكثيرا ما سمعتهم يقولون رجال مرو من قراها، وقال بعض الظرفاء يهجو أهل مرو:
لأهل مرو أياد مشهورة ومروّة *** لكنها في نساء صغارهنّ الصّبوّة
يبذلن كل مصون على طريق الفتوّة *** فلا يسافر إليها إلا فتى فيه قوّة
وإليها ينسب عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو بكر القفّال المروزي وحيد زمانه فقها وعلما، رحل إلى الناس وصنف وظهرت بركته وهو أحد أركان مذهب الشافعي وتخرّج به جماعة وانتشر علمه في الآفاق، وكان ابتداء اشتغاله بالفقه على كبر السن، حدثني بعض فقهاء مرو بفنين من قراها أن القفّال الشاشي صنع قفلا ومفتاحا وزنه دانق واحد فأعجب الناس به جدّا وسار ذكره وبلغ خبره إلى القفّال هذا فصنع قفلا مع مفتاحه وزنه طسّوج وأراه الناس فاستحسنوه ولم يشع له ذكر فقال يوما لبعض من يأنس إليه: ألا ترى كلّ شيء يفتقر إلى الحظ؟ عمل الشاشي قفلا وزنه دانق وطنّت به البلاد، وعملت أنا قفلا بمقدار ربعه ما ذكرني أحد! فقال له: إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال، فرغب في العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعين سنة وجاء إلى شيخ من أهل مرو وعرّفه رغبته فيما رغب فيه فلقّنه أول كتاب المزني، وهو: هذا كتاب اختصرته، فرقي إلى سطحه وكرّر عليه هذه الثلاثة ألفاظ من العشاء إلى أن طلع الفجر فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها فضاق صدره وقال: أيش أقول للشيخ؟
وخرج من بيته فقالت له امرأة من جيرانه: يا أبا بكر لقد أسهرتنا البارحة في قولك هذا كتاب اختصرته، فتلقنها منها وعاد إلى شيخه وأخبره بما كان منه، فقال له: لا يصدّنّك هذا عن الاشتغال فإنك إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة، فجدّ ولازم الاشتغال حتى كان منه ما كان فعاش ثمانين سنة أربعين جاهلا وأربعين عالما، وقال أبو المظفّر السمعاني: عاش تسعين سنة ومات سنة 417، ورأيت قبره بمرو وزرته، رحمه الله تعالى، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي أحد أئمة الفقهاء الشافعية ومقدّم عصره في الفتوى والتدريس، رحل إلى أبي العباس بن شريح وأقام عنده وحصل الفقه عليه وشرح مختصر المزني شرحين وصنف في أصول الفقه والشروط وانتهت إليه رياسة هذا المذهب بالعراق بعد ابن شريح ثم انتقل في آخر عمره إلى مصر وتوفي بها لسبع خلون من رجب سنة 340 ودفن عند قبر الشافعي، رضي الله عنه.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
14-معجم البلدان (واسط)
واسِطٌ:في عدة مواضع: نبدأ أولا بواسط الحجاج لأنه أعظمها وأشهرها ثم نتبعها الباقي، فأوّل ما نذكر لم سميت واسطا ولم صرفت: فأما تسميتها فلأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحدة منهما خمسين فرسخا، لا قول فيه غير ذلك إلا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هناك موضع يسمّى واسط قصب، فلما عمّر الحجاج مدينته سمّاها باسمها، والله أعلم، قال المنجمون: طول واسط إحدى وسبعون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلث، وهي في الإقليم الثالث، قال أبو حاتم:
واسط التي بنجد والجزيرة يصرف ولا يصرف، وأما واسط البلد المعروف فمذكّر لأنهم أرادوا بلدا واسطا أو مكانا واسطا فهو منصرف على كل حال والدليل على ذلك قولهم واسطا بالتذكير ولو ذهب به إلى التأنيث لقالوا واسط، قالوا: وقد يذهب به مذهب البقعة والمدينة فيترك صرفه، وأنشد سيبويه في ترك الصرف:
«منهنّ أيام صدق قد عرفت بها *** أيام واسط والأيام من هجرا»
ولقائل أن يقول: إنه لم يرد واسط هذه، فيرجع إلى
ما قاله أبو حاتم، قال الأسود: وأخبرني أبو النّدى قال: إن للعرب سبعة أواسط: واسط نجد، وهو الذي ذكره خداش بن زهير حيث قال:
«عفا واسط كلّاؤه فمحاضره *** إلى حيث نهيا سيله فصدائره»
وواسط الحجاز، وهو الذي ذكره كثيّر فقال:
«أجدّوا فأما أهل عزّة غدوة *** فبانوا وأما واسط فمقيم»
وواسط الجزيرة، قال الأخطل:
«كذبتك عينك أم رأيت بواسط *** غلس الظلام من الرّباب خيالا؟»
وقال أيضا:
«عفا واسط من أهل رضوى فنبتل *** فمجتمع الحرّين فالصبر أجمل»
وواسط اليمامة، وهو الذي ذكره الأعشى، وواسط العراق، قال: وقد نسيت اثنين، وأول أعمال واسط من شرقي دجلة فم الصلح ومن الجانب الغربي زرفامية، وآخر أعمالها من ناحية الجنوب البطائح وعرضها الخيثمية المتصلة بأعمال باروسما وعرضها من ناحية الجانب الشرقي عند أعمال الطيب، وقال يحيى بن مهدي بن كلال: شرع الحجاج في عمارة واسط في سنة 84 وفرغ منها في سنة 86 فكان عمارتها في عامين في العام الذي مات فيه عبد الملك بن مروان، ولما فرغ منها كتب إلى عبد الملك: إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسمّيتها واسطا، فلذلك سمّي أهل واسط الكرشيّين، وقال الأصمعي: وجّه الحجاج الأطبّاء ليختاروا له موضعا حتى يبني فيه مدينة فذهبوا يطلبون ما بين عين التمر إلى البحر وجوّلوا العراق ورجعوا وقالوا: ما أصبنا مكانا أوفق من موضعك هذا في خفوف الريح وأنف البرّيّة، وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر وحفر بها نهر الصين وجمع له الفعلة ثم بدا له فعمّر واسطا ثم نزل واحتفر النيل والزاب وسمّاه زابا لأخذه من الزاب القديم وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين ومصر مدينة النيل، وقال قوم: إن الحجاج لما فرغ من حروبه استوطن الكوفة فآنس منهم الملال والبغض له، فقال لرجل ممن يثق بعقله:
امض وابتغ لي موضعا في كرش من الأرض أبني فيه مدينة وليكن على نهر جار، فأقبل ملتمسا ذلك حتى سار إلى قرية فوق واسط بيسير يقال لها واسط القصب فبات بها واستطاب ليلها واستعذب أنهارها واستمرأ طعامها وشرابها فقال: كم بين هذا الموضع والكوفة؟ فقيل له: أربعون فرسخا، قال: فإلى المدائن؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فإلى الأهواز؟ قالوا: أربعون فرسخا، قال: فللبصرة؟
قالوا: أربعون فرسخا، قال: هذا موضع متوسط، فكتب إلى الحجاج بالخبر ومدح له الموضع، فكتب إليه: اشتر لي موضعا ابني فيه مدينة، وكان موضع واسط لرجل من الدهاقين يقال له داوردان فساومه بالموضع فقال له الدهقان: ما يصلح هذا الموضع للأمير، فقال: لم؟ فقال: أخبرك عنه بثلاث خصال تخبره بها ثم الأمر إليه، قال: وما هي؟ قال: هذه بلاد سبخة البناء لا يثبت فيها، وهي شديدة الحرّ والسموم وإن الطائر لا يطير في الجوّ إلا ويسقط لشدّة الحر ميتا، وهي بلاد أعمار أهلها قليلة، قال: فكتب بذلك إلى الحجاج، فقال: هذا رجل يكره مجاورتنا فأعلمه أنّا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها ومن الزرع حتى تعذو وتطيب، وأما
قوله إنها سبخة وإن البناء لا يثبت فيها فسنحكمه ثم نرحل عنه فيصير لغيرنا، وأما قلة أعمار أهلها فهذا شيء إلى الله تعالى لا إلينا، وأعلمه أننا نحسن مجاورتنا له ونقضي ذمامه بإحساننا إليه، قال: فابتاع الموضع من الدهقان وابتدأ في البناء في أول سنة 83 واستتمه
وحدّث عليّ بن حرب الموصلي عن أبي البختري وهب عن عمرو بن كعب بن الحارث الحارثي قال:
سمعت خالي يحيى بن الموفق يحدث عن مسعدة بن صدقة العبدي قال: أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا سماك بن حرب قال: استعملني الحجاج بن يوسف على ناحية بادوريا، فبينما أنا يوما على شاطئ دجلة ومعي صاحب لي إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي، فقلت: ما تشاء؟ فقال: الويل لأهل مدينة تبنى ههنا، ليقتلنّ فيها ظلما سبعون ألفا! كرّر ذلك ثلاث مرّات ثم أقحم فرسه في دجلة حتى غاب في الماء، فلما كان من قابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل على فرس فصاح بي كما صاح في المرّة الأولى وقال كما قال وزاد: سيقتل من حولها ما يستقلّ الحصى لعددهم، ثم أقحم فرسه في الماء حتى غاب، قال: وكانوا يرون أنها واسط وما قتل الحجاج فيها، وقيل إنه أحصي في محبس الحجاج ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا تبعة ولا دين وأحصي من قتله صبرا فبلغوا مائة وعشرين ألفا، ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع أبوابا من الزند ورد والدّوقرة ودير ماسرجيس وسرابيط فضجّ أهل هذه المدن وقالوا:
قد غصبتنا على مدائننا وأموالنا، فلم يلتفت إلى قولهم، قالوا: وأنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم، فقال له كاتبه صالح بن عبد الرحمن: هذه نفقة كثيرة وإن احتسبها لك أمير المؤمنين وجد في نفسه، قال: فما نصنع؟
قال: الحروب لها أجمل، فاحتسب منها في الحروب بأربعة وثلاثين ألف ألف درهم واحتسب في البناء تسعة آلاف ألف درهم، قال: ولما فرغ منه وسكنه أعجبه إعجابا شديدا، فبينما هم ذات يوم في مجلسه إذ أتاه بعض خدمه فأخبره أن جارية من جواريه وقد كان مائلا إليها قد أصابها لمم فغمّه ذلك ووجّه إلى الكوفة في إشخاص عبد الله بن هلال الذي يقال له صديق إبليس، فلما قدم عليه أخبره بذلك فقال: أنا أحل السحر عنها، فقال له: افعل، فلما زال ما كان بها قال الحجاج: ويحك إني أخاف أن يكون هذا القصر محتضرا! فقال له: أنا أصنع فيه شيئا فلا ترى ما تكرهه، فلما كان بعد ثلاثة أيام جاء عبد الله بن هلال يخطر بين الصفين وفي يده قلّة مختومة فقال: أيها الأمير تأمر بالقصر أن يمسح ثم تدفن هذه القلة في وسطه فلا ترى فيه ما تكرهه أبدا، فقال الحجاج له: يا ابن هلال وما علامة ذلك؟ قال:
أن يأمر الأمير برجل من أصحابه بعد آخر من أشداء أصحابه حتى يأتي على عشرة منهم فليجهدوا أن يستقلوا بها من الأرض فإنهم لا يقدرون، فأمر الحجاج محضره بذلك فكان كما قال ابن هلال، وكان بين يدي الحجاج مخصرة فوضعها في عروة القلة ثم قال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم، إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، ثم شال القلة فارتفعت على المخصرة فوضعها ثم فكّر منكّسا رأسه ساعة ثم التفت إلى عبد الله بن هلال فقال له: خذ قلتك والحق بأهلك، قال: ولم؟ قال:
إن هذا القصر سيخرب بعدي وينزله غيري ويختفر محتفر فيجد هذه القلة فيقول لعن الله الحجاج إنما كان
يبدأ أمره بالسحر، قال: فأخذها ولحق بأهله، قالوا: وكان ذرع قصره أربعمائة في مثلها وذرع مسجد الجامع مائتين في مائتين وصف الرحبة التي تلي صفّ الحدّادين ثلاثمائة في ثلاثمائة وذرع الرحبة التي تلي الجزّارين والحوض ثلاثمائة في مائة والرحبة التي تلي الإضمار ما
لبيك لبيك! وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند واستنقذ المرأة وأحسن إليها واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخّن أهل قزوين دخّنت المناظر إن كان نهارا، وإن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرّد الخيل إليهم فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط فكانت قزوين ثغرا حينئذ. وأما قولهم تغافل واسطيّ قال المبرّد: سألت الثوري عنه فقال: إن الحجاج لما بناها قال: بنيت مدينة في كرش من الأرض، كما قدمنا، فسمي أهلها الكرشيّين، فكان إذا مر أحدهم بالبصرة نادوا يا كرشيّ فتغافل عن ذلك ويري أنه لا يسمع أو أن الخطاب ليس معه، ولقد جاءني بخوارزم أحد أعيان أدبائها وسألني عن هذا المثل وقال لي:
قد أطلت السؤال عنه والتفتيش عن معنى قولهم: تغافل واسطي، فلم أظفر به، ولم يكن لي في ذلك الوقت به علم حتى وجدته بعد ذلك فأخبرته ثم وضعته أنا ههنا، ورأيت أنا واسطا مرارا فوجدتها بلدة عظيمة ذات رساتيق وقرى كثيرة وبساتين ونخيل يفوت الحصر، وكان الرخص موجودا فيها من جميع الأشياء ما لا يوصف بحيث أني رأيت فيها كوز زبد بدرهمين واثنتي عشرة دجاجة بدرهم وأربعة وعشرين فروجا بدرهم والسمن اثنا عشر رطلا بدرهم والخبز أربعون رطلا بدرهم واللبن مائة وخمسون رطلا بدرهم والسمك مائة رطل بدرهم وجميع ما فيها بهذه النسبة، وممن ينسب إليها خلف بن محمد بن علي ابن حمدون أبو محمد الواسطي الحافظ صاحب كتاب أطراف أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، حدث عن أحمد بن جعفر القطيعي والحسين بن أحمد المديني وأبي بكر الإسماعيلي وغيرهم، روى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وأنشدني التنوخي للفضل الرقاشي يقول:
«تركت عيادتي ونسيت برّي، *** وقدما كنت بي برّا حفيّا»
«فما هذا التغافل يا ابن عيسى؟ *** أظنّك صرت بعدي واسطيّا»
وأنشدني أحمد بن عبد الرحمن الواسطي التاجر قال:
أنشدني أبو شجاع بن دوّاس القنا لنفسه:
«يا ربّ يوم مرّ بي في واسط *** جمع المسرة ليله ونهاره»
«مع أغيد خنث الدلال مهفهف *** قد كاد يقطع خصره زنّاره»
«وقميص دجلة بالنسيم مفرّك *** كسر تجرّ ذيوله أقطاره»
وأنشدني أيضا لأبي الفتح المانداني الواسطي:
«عرّج على غربيّ واسط إنني *** دائي الدويّ بها وفرط سقامي»
«وطني وما قضّيت فيه لبانتي، *** ورحلت عنه وما قضيت مرامي»
وقال بشار بن برد يهجو واسطا:
«على واسط من ربها ألف لعنة، *** وتسعة آلاف على أهل واسط»
«أيلتمس المعروف من أهل واسط *** وواسط مأوى كلّ علج وساقط؟»
«نبيط وأعلاج وخوز تجمّعوا *** شرار عباد الله من كل غائط»
«وإني لأرجو أن أنال بشتمهم *** من الله أجرا مثل أجر المرابط»
وقال غيره يهجوهم:
«يا واسطيين اعلموا أنني *** بذمّكم دون الورى مولع»
«ما فيكم كلكم واحد *** يعطي ولا واحدة تمنع»
وقال محمد بن الأجلّ هبة الله بن محمد بن الوزير أبي المعالي بن المطلب يلقب بالجرد يذكر واسطا:
«لله واسط ما أشهى المقام بها *** إلى فؤادي وأحلاه إذا ذكرا! »
«لا عيب فيها، ولله الكمال، سوى *** أنّ النسيم بها يفسو إذا خطر! »
وواسط أيضا: قرية متوسطة بين بطن مرّ ووادي نخلة ذات نخيل، قال لي صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجار: كنت ببطن مرّ فرأيت نخلا عن بعد فسألت عنه فقيل لي هذه قرية يقال لها واسط، وقال بعض شعراء الأعراب يذكر واسطا في بلادهم:
«ألا أيها الصّمد الذي كان مرّة *** تحلّل سقّيت الأهاضيب من صمد»
«ومن وطن لم تسكن النفس بعده *** إلى وطن في قرب عهد ولا بعد»
«ومنزلتي دلقاء من بطن واسط *** ومن ذي سليل كيف حالكما بعدي»
«تتابع أمطار الربيع عليكما، *** أما لكما بالمالكية من عهد؟»
وواسط أيضا: قرية مشهورة ببلخ، قال إبراهيم ابن أحمد السراج: حدثنا محمد بن إبراهيم المستملي بحديث ذكره محمد بن محمد بن إبراهيم الواسطي واسط بلخ، قال أبو إسحاق المستملي في تاريخ بلخ:
نور بن محمد بن علي الواسطي واسط بلخ وبشير بن ميمون أبو صيفي من واسط بلخ عن عبيد المكتب وغيره حدث عنه قتيبة، وقال أبو عبيدة في شرح قول الأعشى:
«في مجدل شيّد بنيانه *** يزلّ عنه ظفر الطائر»
مجدل: حصن لبني السّمين من بني حنيفة يقال له واسط.
واسط أيضا: قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها الكوفة.
وواسط أيضا: قرية بالخابور قرب قرقيسيا، وإياها عنى الأخطل فيما أحسب لأن الجزيرة منازل تغلب:
عفا واسط من أهل رضوى فنبتل وواسط أيضا: بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، قال الحافظ أبو موسى: سمعت أبا عبد الله يحيى بن
أبي علي البنّاء ببغداد، حدثني القاضي أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن شاده الأصبهاني ثم الواسطي، واسط دجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد، ومحمد بن عمر بن علي العطار الحربي ثم الواسطي واسط دجيل، روى عن محمد بن ناصر السلامي، روى عنه جماعة، منهم:
محمد بن عبد الغني بن نقطة.
واسط الرّقّة: كان أول من استحدثها هشام بن عبد الملك لما حفر الهنيّ والمريّ، قال أبو الفضل قال أبو علي صاحب تاريخ الرقة: سعيد بن أبي سعيد الواسطي واسم أبيه مسلمة بن ثابت خراسانيّ سكن واسط الرقة وكان شيخا صالحا، حدث أبوه مسلمة عن شريك وغيره، قال أبو علي:
سمعت الميمون يقول ذكروا أن الزهري لما قدم واسط الرقة عبر إليه سبعة من أهل الرقة، وذكر قصة، وواسط هذه: قرية غربي الفرات مقابل الرقة، وقال أبو حاتم: واسط بالجزيرة فهي هذه أو التي بقرقيسيا أو غيرها، قال كثيّر عزة:
«سألت حكيما أين شطّت بها النوى، *** فخبّرني ما لا أحبّ حكيم»
«أجدّوا، فأما آل عزّة غدوة *** فبانوا وأما واسط فمقيم»
«فما للنوى؟ لا بارك الله في النوى! *** وعهد النوى عند الفراق ذميم»
«شهدت لئن كان الفؤاد من النوى *** معنّى سقيما إنني لسقيم»
«فإمّا تريني اليوم أبدي جلادة *** فإني لعمري تحت ذاك كليم»
«وما ظعنت طوعا ولكن أزالها *** زمان بنا بالصالحين غشوم»
«فوا حزني لمّا تفرّق واسط *** وأهل التي أهذي بها وأحوم! »
قال محمد بن حبيب: واسط هذه بناحية الرقة، قاله في شرح ديوان كثير، وأنا أرى أنه أراد واسط التي بالحجاز أو بنجد بلا شك ولكن علينا أن ننقل عن الأئمة ما يقولونه، والله أعلم، وقال ابن السكيت في قول كثير أيضا:
«فإذا غشيت لها ببرقة واسط *** فلوى لبينة منزلا أبكاني»
قال واسط بين العذيبة والصفراء.
وواسط أيضا: من منازل بني قشير لبني أسيدة وهم بنو مالك بن سلمة بن قشير وأسيدة وحيدة من بني سعد بن زيد مناة، وبنو أسيدة يقولون هي عربية.
وواسط أيضا: بمكة، وذكر محمد بن إسحاق الفاكهي في كتاب مكة قال: واسط قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين فضرب حتى ذهب، قال: ويقال له واسط لأنه بين الجبلين اللذين دون العقبة، قال:
وقال بعض المكيين بل تلك الناحية من بركة القسري إلى العقبة تسمى واسط المقيم، ووقف عبد المجيد بن أبي روّاد بأحمد بن ميسرة على واسط في طريق منى فقال له: هذا واسط الذي يقول فيه كثير عزّة:
... وأما واسط فمقيم وقد ذكر، وقال ابن إدريس قال الحميدي: واسط الجبل الذي يجلس عنده المساكين إذا ذهبت إلى منى، قاله في شرح قول عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي في قصيدته التي أولها:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
«ولم يتربّع واسطا وجنوبه *** إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر»
«وأبدلنا ربي بها دار غربة *** بها الجوع باد والعدوّ محاصر»
قال السهيلي في شرح السيرة قال الفاكهي: يقال إن أول من شهده وضرب فيه قبّة خالصة مولاة الخيزران.
وواسط أيضا: بالأندلس بليدة من أعمال قبرة، قال ابن بشكوال: أحمد بن ثابت بن أبي الجهم الواسطي ينسب إلى واسط قبرة، سكن قرطبة، يكنى أبا عمر، روى عن أبي محمد الأصيلي وكان يتولى القراءة عليه، حدث عنه أبو عبد الله بن ديباج ووصفه بالخير والصلاح، قال ابن حبّان: توفي الواسطي في جمادي الآخرة سنة 437 وكفّ بصره.
وواسط أيضا: قرية كانت قبل واسط في موضعها خرّبها الحجاج، وكانت واسط هذه تسمى واسط القصب، وقد ذكرتها مع واسط الحجاج، قال ابن الكلبي:
كان بالقرب من واسط موضع يسمى واسط القصب هي التي بناها الحجاج أولا قبل أن يبني واسط هذه التي تدعى اليوم واسطا ثم بنى هذه فسماها واسطا بها.
وواسط أيضا: قرية قرب مطيراباذ قرب حلّة بني مزيد يقال لها واسط مرزاباذ، قال أبو الفضل: أنشدنا أبو عبد الله أحمد الواسطي، واسط هذه القرية، قال:
أنشدنا أبو النجم عيسى بن فاتك الواسطي من هذه القرية لنفسه من قصيدة يمدح بعض العمّال:
«وما على قدره شكرت له، *** لكنّ شكري له على قدري»
«لأن شكري السّهى وأنعمه ال *** بدر، وأين السهى من البدر! »
وواسط أيضا قال العمراني: واسط مواضع في بلاد بني تميم، وهي التي أرادها ذو الرمة بقوله:
«غربيّ واسط نها *** ومجّت في الكثيب الأباطح »
وقال ابن دريد: واسط مواضع بنجد، ولعلها التي قبلها، والله أعلم.
وواسط أيضا: قرية في شرقي دجلة الموصل بينهما ميلان ذات بساتين كثيرة.
وواسط أيضا: قرية بالفرج من نواحي الموصل بين مرق وعين الرّصد أو بين مرق والمجاهدية، فإني نسيت هذا المقدار.
وواسط أيضا: باليمن بسواحل زبيد قرب العنبرة التي خرج منها علي بن مهدي المستولي على اليمن.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
15-موسوعة الفقه الكويتية (إجارة 3)
إِجَارَة -3خَامِسًا- انْفِسَاخُ الْإِجَارَةِ بِالْمَوْتِ:
72- سَبَقَ ذِكْرُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْقَضِي بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يَعْقِدَانِ لِنَفْسَيْهِمَا، كَمَا تَنْقَضِي بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدِ الْمُؤَجِّرَيْنِ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ.
وَقَالَ زُفَرُ: تَبْطُلُ فِي نَصِيبِ الْحَيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ ابْتِدَاءً، فَأَعْطَاهُ حُكْمَهُ.
وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الرَّأْيَ الْأَوَّلَ وَقَالَ: لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ. وَعَلَّلَ لِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ: لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَالْمَنَافِعُ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ هِيَ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَمْ يَكُنْ هُوَ عَاقِدًا وَلَا رَاضِيًا بِهَا. وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُورَثُ.
وَلَا يَظْهَرُ الِانْفِسَاخُ إِلاَّ بِالطَّلَبِ، فَلَوْ بَقِيَ الْمُسْتَأْجِرُ سَاكِنًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ غَرَّمَهُ الْأَجْرَ لِمُضِيِّهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَا يَظْهَرُ الِانْفِسَاخُ إِلاَّ إِذَا طَالَبَهُ الْوَارِثُ بِالْإِخْلَاءِ. وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ، وَالدَّابَّةُ أَوْ مَا يُشْبِهُهَا فِي الطَّرِيقِ، تَبْقَى الْإِجَارَةُ حَتَّى يَصِلَ الْمُسْتَأْجِرُ إِلَى مَأْمَنِهِ. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَالزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ بَقِيَ الْعَقْدُ بِالْأَجْرِ الْمُسَمَّى حَتَّى يُدْرِكَ.
وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ- الشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ- إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْقَوْلِ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ بَطَلَ مِلْكُهُ بِمَوْتِهِ، فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ. كَمَا أَنَّ وَرَثَةَ الْمُسْتَأْجِرِ لَا عَقْدَ لَهُمْ مَعَ الْمُؤَجِّرِ، وَالْمَنَافِعُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِمْ لَمْ تَكُنْ ضِمْنَ تَرِكَتِهِ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فِي إِجَارَةِ الْوَقْفِ.
وَسَبَقَ الْقَوْلُ: إِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ لَا نَقْضِي بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا مَا دَامَ مَا تُسْتَوْفَى بِهِ الْمَنْفَعَةُ بَاقِيًا. وَقَدْ كَانَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ ابْنَ سِيرِينَ قَالَ فِيمَنِ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَمَاتَ الْمُؤَجِّرُ: لَيْسَ لِأَهْلِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى تَمَامِ الْأَجَلِ. وَقَالَ بِذَلِكَ الْحَسَنُ وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «إِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَعْطَى خَيْبَرَ لِأَهْلِهَا لِيَعْمَلُوا فِيهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا»، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ جَدَّدَا الْإِجَارَةَ.
سَادِسًا: أَثَرُ بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ:
73- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ اتِّهَامٌ، إِلَى أَنَّهُ لَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْبَيْعِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ تُهْمَةٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ الْأَظْهَرِ، إِلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِالْبَيْعِ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ هُوَ الْعَيْنُ، وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ هُوَ الْمَنَافِعُ، فَلَا تَعَارُضَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاتِّجَاهِ الثَّانِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْنَعُ مِنَ التَّسْلِيمِ، فَتَنَاقَضَا.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَعْتَبِرُونَ الْإِجَارَةَ عَيْبًا يَثْبُتُ بِهِ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ.
وَإِنْ كَانَ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ نَفْسِهِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِالْأَوْلَى عِنْدَ غَيْرِهِمْ، أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ.
وَلَا أَثَرَ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِنْ رَهْنِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ هِبَتِهَا اتِّفَاقًا. وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فَتْوَاهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ.
سَابِعًا- فَسْخُ الْإِجَارَةِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ:
74- لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّهُ إِذَا حَدَثَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْبٌ فِي مُدَّةِ الْعَقْدِ، وَكَانَ هَذَا الْعَيْبُ يُخِلُّ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَيُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، كَانْجِرَاحِ ظَهْرِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلرُّكُوبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَثِّرُ عَلَى الْعَقْدِ اتِّفَاقًا، وَيَجْعَلُهُ غَيْرَ لَازِمٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ أَضَرَّ بِهِ وُجُودُ الْعَيْبِ. فَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَآجَرَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ، يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ، وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ، فَحَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَكُونُ عُذْرًا يُخَوِّلُ لَهُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ سَبَقَ لَهُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَتَجَدَّدُ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ أَصَابَ إِبِلَ الْمُؤَجِّرِ مَرَضٌ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إِذَا كَانَتِ الْإِبِلُ مُسْتَأْجَرَةً بِعَيْنِهَا.
وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرُدَّ بِمَا يَحْدُثُ فِي يَدِهِ مِنَ الْعَيْبِ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِذَا جَازَ رَدُّ الْبَيْعِ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ عَيْبٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ جَازَ بِمَا يَحْدُثُ مِنَ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ.
وَفِي الْمُغْنِي: إِذَا اكْتَرَى عَيْنًا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ فَلَهُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
75- أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَيْبُ لَا يُفَوِّتُ الْمَنَافِعَ الْمَقْصُودَةَ مِنَ الْعَقْدِ، كَانْهِدَامِ بَعْضِ مَحَالِّ الْحُجُرَاتِ، بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ بَرْدٌ وَلَا مَطَرٌ، وَكَانْقِطَاعِ ذَيْلِ الدَّابَّةِ، وَكَانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنِ الْأَرْضِ مَعَ إِمْكَانِ الزَّرْعِ بِدُونِ مَاءٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَأَمْثَالَهُ لَا يَكُونُ مُقْتَضِيًا الْفَسْخَ.
وَالْعِبْرَةُ فِيمَا يَسْتَوْجِبُ الْفَسْخَ أَوْ عَدَمَهُ مِنَ الْعُيُوبِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ.
وَإِذَا وُجِدَ عَيْبٌ وَزَالَ سَرِيعًا بِلَا ضَرَرٍ فَلَا فَسْخَ.
76- وَقَبْضُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ طَلَبِ الْفَسْخِ لِحُدُوثِ عَيْبٍ بِالْعَيْنِ، إِذْ الْإِجَارَةُ تَخْتَلِفُ عَنِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ، وَالْمَنَافِعُ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنَافِعِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ عَقْدًا مُبْتَدَأً. فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بِالْمُسْتَأْجَرِ كَانَ هَذَا عَيْبًا حَدَثَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا يُوجِبُ الْخِيَارَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ، فَلَا فَرْقَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَفُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ يُجْمِعُونَ عَلَى هَذَا، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمَذَاهِبِ تَرَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ تَسْلِيمُهَا عِنْدَ التَّعَاقُدِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ، بَلْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ. يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا حَصَلَ الْعَيْبُ أَثْنَاءَ الِانْتِفَاعِ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إِلاَّ شَيْئًا فَشَيْئًا. إِلَخْ.
وَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْفَسْخِ- بِأَنْ زَالَ الْعَرَجُ عَنِ الدَّابَّةِ أَوْ بَادَرَ الْمُكْرِي إِلَى إِصْلَاحِ الدَّارِ- لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الرَّدِّ وَبَطَلَ حَقُّهُ فِي طَلَبِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ.
الْفَصْلُ الْخَامِسُ
الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ
77- قَدْ يَقَعُ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي بَعْضِ أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِالْإِجَارَةِ، كَالْمُدَّةِ وَالْعِوَضِ وَالتَّعَدِّي، وَالرَّدِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَلِمَنْ يَكُونُ الْقَوْلُ عِنْدَ انْعِدَامِ الْبَيِّنَةِ؟
وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ (عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ) صُوَرًا شَتَّى فِي هَذَا الْأَمْرِ. وَتَرْجِعُ آرَاؤُهُمْ كُلُّهَا إِلَى تَحْدِيدِ كُلٍّ مِنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَالْقَوْلُ مَعَ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَلِلظَّاهِرِ مَدْخَلٌ فِي تَحْدِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا. فَمَنْ شَهِدَ لَهُ الظَّاهِرُ فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا عَلَى الْآخَرِ فَهُوَ الْمُدَّعِي.
وَالْفُرُوعُ الَّتِي سِيقَتْ فِي هَذَا الْبَابِ (مَعَ كَثْرَتِهَا) تَرْجِعُ إِلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دَعْوَى).
الْفَصْلُ السَّادِسُ
كَيْفِيَّةُ اسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ الْمَأْجُورَةِ
79- الْإِجَارَةُ قَدْ تَكُونُ عَلَى مَنْقُولٍ- حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ- وَقَدْ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ مَنْقُولٍ. كَمَا قَدْ تَكُونُ إِجَارَةَ أَشْخَاصٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَجِيرُ خَاصًّا أَمْ مُشْتَرَكًا. وَقَدْ تَتَمَيَّزُ بَعْضُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بِأَحْكَامٍ خَاصَّةٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا بِحَسَبِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا.
وَعَالَجَ الْفُقَهَاءُ مَا كَانَ فِي الْعُهُودِ السَّابِقَةِ مِنْ إِجَارَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُرُوضِ فَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ حَيْثُ كَيْفِيَّةُ اسْتِعْمَالِهَا. وَبِالنَّظَرِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ آرَاءَهُمْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأُسُسِ الْآتِيَةِ:
أ- إِذَا كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا وَجَبَ الِالْتِزَامُ بِهِ.
ب- إِذَا كَانَتْ طَبِيعَةُ الْمَأْجُورِ مِمَّا يَتَأَثَّرُ بِاخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ وَجَبَ أَلاَّ تُسْتَعْمَلَ عَلَى وَجْهٍ ضَارٍ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهٍ أَخَفَّ.
ج- مُرَاعَاةُ الْعُرْفِ فِي الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا.
وَمَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ فُرُوعٍ تَطْبِيقِيَّةٍ يُوهِمُ ظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْأُسُسِ.
الْفَصْلُ السَّابِعُ
أَنْوَاعُ الْإِجَارَةِ بِحَسَبِ مَا يُؤَجَّرُ
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ
إِجَارَةُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ
الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِيمَا يَجُوزُ إِجَارَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَجُوزُ إِجَارَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنَافِعَ، بِشَرْطِ أَلاَّ تُسْتَهْلَكَ الْعَيْنُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَضْلاً عَنْ جَوَازِ إِجَارَةِ بَعْضِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَإِجَارَةِ الْحُرِّ وَإِجَارَةِ الْوَقْفِ وَإِجَارَةِ الْمُصْحَفِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ بَيْعَهُ.
كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ. وَمَا وَرَدَ مِنْ خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَمَرْجِعُهُ إِلَى اخْتِلَافِ الْعُرْفِ. الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ
إِجَارَةُ الْأَرَاضِي
80- إِجَارَةُ الْأَرَاضِي مُطْلَقًا لِذَاتِهَا جَائِزَةٌ. وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ جَوَازَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ بِبَيَانِ الْغَرَضِ مِنِ اسْتِئْجَارِهَا، وَذَلِكَ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ وَاخْتِلَافِ أَثَرِهَا. فَإِذَا كَانَتْ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ مَاءٍ أَوْ مَرْعَى أَوْ زَرْعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا:
أ- إِجَارَةُ الْأَرْضِ مَعَ الْمَاءِ أَوِ الْمَرْعَى:
81- يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ اتِّفَاقًا، لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يُجِيزُونَ إِجَارَةَ الْآجَامِ وَالْأَنْهَارِ لِلسَّمَكِ، وَلَا الْمَرْعَى لِلْكَلأَِ، قَصْدًا، وَإِنَّمَا يُؤَجِّرُ لَهُ الْأَرْضَ فَقَطْ، ثُمَّ يُبِيحُ الْمَالِكُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الِانْتِفَاعَ بِالْكَلأَِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْكَلأَِ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ. أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْأَرْضِ وَالْكَلأَِ مَعًا، وَيَدْخُلُ الْكَلأَُ تَبَعًا.
وَبَيْنَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ اخْتِلَافٌ فِي اسْتِئْجَارِ طَرِيقٍ خَاصٍّ يَمُرُّ فِيهِ، أَوْ يَمُرُّ النَّاسُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ.
ب- إِجَارَةُ الْأَرَاضِي الزِّرَاعِيَّةِ:
82- فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ يُجِيزُونَ إِجَارَةَ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وُجُوبِ تَعْيِينِ الْأَرْضِ وَبَيَانِ قَدْرِهَا، فَلَا تَجُوزُ إِجَارَةُ الْأَرَاضِي إِلاَّ عَيْنًا، لَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ. بَلِ اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَعْرِفَةِ الْأَرْضِ رُؤْيَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَعْدِنِ الْأَرْضِ وَمَوْقِعِهَا وَقُرْبِهَا مِنَ الْمَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ الرُّؤْيَةَ، فَأَجَازُوا إِجَارَةَ الْأَرْضِ بِقَوْلِهِ: أَكَرِيكَ فَدَّانَيْنِ مِنْ أَرْضِي الَّتِي بِحَوْضِ كَذَا، أَوْ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ، إِذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا ذَلِكَ الْقَدْرُ، كَأَنْ يَقُولَ: مِنَ الْجِهَةِ الْبَحْرِيَّةِ، أَوْ لَمْ يُعَيِّنِ الْجِهَةَ، لَكِنْ تَسَاوَتِ الْأَرْضُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ. فَإِنْ لَمْ تُعَيَّنِ الْجِهَةُ، وَاخْتَلَفَتِ الْأَرْضُ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، فَلَا يَجُوزُ إِلاَّ بِالتَّعْيِينِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ يُؤَجِّرُ لَهُ قَدْرًا شَائِعًا مِنْهَا كَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُونَ تَعْيِينِ الْجِهَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْجُزْءُ.
وَاشْتَرَطَ الْجُمْهُورُ لِجَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ مَأْمُونٌ دَائِمٌ لِلزِّرَاعَةِ، يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ إِلاَّ عَلَى عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا، فَتَصِحُّ إِجَارَةُ الْأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ، مَا دَامَتْ تُسْقَى مِنْ نَهْرٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ وَقْتَ طَلَبِ السَّقْيِ، أَوْ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِرْكَةٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ أَمْطَارٍ تَقُومُ بِكِفَايَتِهَا، أَوْ بِهَا نَبَاتٌ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ مَاءٍ قَرِيبٍ تَحْتَ سَطْحِ الْأَرْضِ. وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ كُلٌّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا اشْتَرَطَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مَقْدُورَةً حَقِيقَةً وَشَرْعًا.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا كِرَاءَ أَرْضِ الْمَطَرِ لِلزِّرَاعَةِ، وَلَوْ لِسِنِينَ طَوِيلَةٍ، إِنْ لَمْ يُشْتَرَطِ النَّقْدُ، سَوَاءٌ حَصَلَ نَقْدٌ بِالْفِعْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْعَقْدِ أَمْ لَا. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ مَأْمُونَةً لِتَحَقُّقِ رَيِّهَا مِنْ مَطَرٍ مُعْتَادٍ، أَوْ مِنْ نَهْرٍ لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهُ، أَوْ عَيْنٍ لَا يَنْضُبُ مَاؤُهَا، فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالنَّقْدِ وَلَوْ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. وَقَالُوا: إِنَّهُ يَجِبُ النَّقْدُ فِي الْأَرْضِ الْمَأْمُونَةِ بِالرَّيِّ بِالْفِعْلِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا.
وَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةِ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ، وَسَكَتَ عَنِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ وَعَدَمِهِ، أَوِ اشْتَرَطَ عَدَمَهُ حِينَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي تُسْقَى بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الدَّائِمَةِ إِذَا رُوِيَتْ وَتَمَكَّنَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِكَشْفِ الْمَاءِ عَنْهَا، وَأَمَّا الْأَرْضُ الَّتِي تُسْقَى بِالْمَطَرِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فَلَا يُقْضَى بِالنَّقْدِ فِيهَا.
لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مَأْمُونًا كَمَاءِ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ، إِلاَّ إِذَا تَمَّ زَرْعُهَا وَاسْتَغْنَى عَنِ الْمَاءِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ بِالْأَرْضِ إِلاَّ بِهِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ يَدْخُلُ تَبَعًا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ.
إِجَارَةُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا:
83- إِذَا كَانَتْ أُجْرَتُهَا مِمَّا تُنْبِتُهُ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، فَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَجَازُوا إِجَارَتَهَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مَعْهُودَةٌ فِيهَا، وَمَنَعَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِجَارَتَهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَيَّدُوا جَوَازَ تَأْجِيرِهَا لِلزِّرَاعَةِ بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ تُسْقَى بِهِ، وَلَوْ مَاءُ الْمَطَرِ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَاشْتَرَطُوا أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةَ الرَّيِّ.
الْمُدَّةُ فِي الْأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ:
84- يَجُوزُ إِيجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَسَنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ، اتِّفَاقًا، حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَصِحُّ إِجَارَةُ الْأَرْضِ لِمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ وَقْفًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ يَصِحُّ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ إِلَيْهَا. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: لَا تُزَادُ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ تَغَيُّرُ الْأَشْيَاءِ بَعْدَهَا. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ أَيْضًا: لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهَا. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ مَوْقُوفَةً فَأَجَّرَهَا الْمُتَوَلِّي إِلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَإِنْ كَانَ السِّعْرُ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَلاَّ يُؤَجِّرَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ إِيجَارُهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ.
اقْتِرَانُ صِيغَةِ الْإِجَارَةِ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ:
85- عَقْدُ الْإِجَارَةِ يَقْبَلُ الِاقْتِرَانَ بِالشَّرْطِ اتِّفَاقًا. لَكِنْ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَبْقَى أَثَرُهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُنْتِجُ تَحْقِيقَ مَصْلَحَةٍ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ. فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَذِكْرُهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَاشْتِرَاطِ الْكِرَابِ وَالسَّقْيِ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ لَا تَتَأَتَّى إِلاَّ بِهِ.
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَثْنِيَهَا- أَيْ يَحْرُثَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً- وَيُكْرِيَ أَنْهَارَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا تَبْقَى فَائِدَتُهُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ عِنْدَهُمْ، لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَجَازُوا اشْتِرَاطَ أَنْ يُسَمِّدَهَا بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ السَّمَادِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ تَبْقَى فِي الْأَرْضِ، فَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الْأُجْرَةِ.
أَمَّا إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ، أَوْ أَنْ يَزْرَعَ قَمْحًا فَقَطْ، فَإِنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ قَمْحًا أَوْ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ ضَرَرًا بِالْأَرْضِ، لَا مَا هُوَ أَكْثَرُ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُؤَجِّرِ، فَأُلْغِيَ، وَبَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى مُقْتَضَاهُ. وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهَا مَا يُنَافِي مُوجِبَهَا. وَفِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ مِنْ جِهَةِ الْمُؤَجِّرِ، فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ.
86- وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَ مَا يَسْتَأْجِرُ لَهُ الْأَرْضَ، زِرَاعَةً أَوْ غِرَاسًا، دُونَ حَاجَةٍ لِبَيَانِ نَوْعِ مَا يَزْرَعُ أَوْ يَغْرِسُ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْغِرَاسَ قَدْ يَكُونُ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ مِنَ الزَّرْعِ، وَتَأْثِيرُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ يَخْتَلِفُ. أَمَّا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الزَّرْعَيْنِ فَقَلِيلٌ لَا يَضُرُّ.
وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ، فَلَا يَجُوزُ، لِلْجَهَالَةِ، خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي أَجَازَ، وَقَالَ: يُمْنَعُ الْمُكْتَرِي مِنْ فِعْلِ مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ.
أَمَّا إِذَا قَالَ لَهُ: آجَرْتُكَهَا لِتَزْرَعَهَا أَوْ تَغْرِسَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمَا، فَوُجِدَتْ جَهَالَةٌ.
وَإِذَا قَالَ لَهُ: آجَرْتُكَ لِتَزْرَعَهَا وَتَغْرِسَهَا، صَحَّ الْعَقْدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا كُلَّهَا مَا شَاءَ، أَوْ أَنْ يَغْرِسَهَا كُلَّهَا مَا شَاءَ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَصِحُّ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ النِّصْفَ، وَيَغْرِسَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ. وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنِ الْمِقْدَارَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
أَمَّا إِنْ أَطْلَقَ، وَقَالَ: آجَرْتُكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا مَا شِئْتَ، فَلَهُ الزَّرْعُ وَالْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لِلْإِطْلَاقِ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَكْتَرِيهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْأَرْضَ عَادَةً تُكْتَرَى لِلزِّرَاعَةِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِلزِّرَاعَةِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ عَالِيَةً لَا يَطْمَعُ فِي سَقْيِهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتَرِهَا لِلزِّرَاعَةِ. وَإِنْ كَانَتْ مُنْخَفِضَةً يَطْمَعُ فِي سَقْيِهَا بِسَوْقِ الْمَاءِ إِلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِلزِّرَاعَةِ مَعَ تَعَذُّرِ الزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِمْكَانِ لَا يَكْفِي، إِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ الْمَاءِ إِلَيْهَا عَلَى الْأَرْجَحِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ: لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا تُسْتَأْجَرُ لَهُ الْأَرْضُ مِنْ زِرَاعَةٍ أَوْ غِرَاسٍ. وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ بَيَانِ نَوْعِ مَا يُزْرَعُ أَوْ يُغْرَسُ، وَإِلاَّ فَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا، وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا، مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالْأَرْضِ وَمَا لَا يَضُرُّ، فَلَمْ يَكُنِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا. وَلِذَا وَجَبَ الْبَيَانُ، أَوْ يَجْعَلُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مَا شَاءَ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يُبَيِّنَ الزَّرْعَ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَخْتَلِفُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ زَرَعَهَا مَعَ ذَلِكَ الْفَسَادِ وَمَضَى الْأَجَلُ، فَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى، اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ فَاسِدًا، فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ.
أَحْكَامُ إِجَارَةِ الْأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ:
الْتِزَامَاتُ الْمُؤَجِّرِ:
87- يَجِبُ تَسْلِيمُ الْأَرْضِ خَالِيَةً إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لآِخَرَ، أَوْ مَا يَمْنَعُ الزِّرَاعَةَ، لَمْ تَجُزِ الْإِجَارَةُ، لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَلَعَ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأَرْضِ جَازَ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ كَانَتْ مَشْغُولَةً، وَخَلَتْ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِيمَا خَلَتْ فِيهِ مِنَ الْمُدَّةِ بِقِسْطِهِ مِنَ الْأُجْرَةِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ رُجِعَ فِي تَقْوِيمِهِ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ.
الْتِزَامَاتُ الْمُسْتَأْجِرِ:
88- أَوَّلاً: يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَدْفَعَ الْأُجْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْعَقْدِ حَسَبَ الِاشْتِرَاطِ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى لُزُومِ الْكِرَاءِ بِالتَّمْكِينِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي اكْتَرَاهَا وَإِنْ لَمْ تُسْتَعْمَلْ. وَقَدِ اتَّجَهَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِنِ انْقَطَعَ عَنْهَا الْمَاءُ، أَوْ غَرِقَتْ وَلَمْ يَنْكَشِفْ عَنْهَا الْمَاءُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ تَمَكُّنَهُ مِنْ زِرَاعَتِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ. لَكِنْ لَهُمْ تَفْصِيلَاتٌ يَنْبَغِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا.
فَالْحَنَفِيَّةُ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ انْقِطَاعَ الْمَاءِ عَنِ الْأَرْضِ الَّتِي تُسْقَى بِمَاءِ النَّهْرِ أَوْ مَاءِ الْمَطَرِ يُسْقِطُ الْأَجْرَ. وَكَذَا إِنْ غَرِقَتِ الْأَرْضُ قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَهَا وَمَضَتِ الْمُدَّةُ. وَكَذَا لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ. أَمَّا إِنْ زَرَعَهَا فَأَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَهَلَكَ الزَّرْعُ، أَوْ غَرِقَتْ بَعْدَ الزَّرْعِ وَلَمْ يَنْبُتْ، فَفِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ: يَكُونُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلاً وَالْمُخْتَارُ فِي الْفَتْوَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَجْرٌ لِمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ بَعْدَ هَلَاكِ الزَّرْعِ.
وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، إِذْ قَالُوا: إِنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنِ الْأَرْضِ، أَوْ إِغْرَاقِهِ لَهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَزْرَعَهَا وَحَتَّى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. أَمَّا إِنْ تَمَكَّنَ ثُمَّ فَسَدَ الزَّرْعُ لِجَائِحَةٍ لَا دَخْلَ لِلْأَرْضِ فِيهَا، فَيَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا انْعَدَمَ الْبَذْرُ عُمُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مِلْكًا أَوْ تَسْلِيفًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ، وَكَذَا إِذَا سُجِنَ الْمُكْتَرِي بِقَصْدِ تَفْوِيتِ الزَّرْعِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْكِرَاءُ عَلَى سَاجِنِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنِ اكْتَرَى أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا، فَالْمُكْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ قَدْ فَاتَتْ، وَبَيْنَ إِبْقَائِهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَإِنَّمَا نَقَصَتْ مَنْفَعَتُهَا، فَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ.
وَقَالُوا: إِذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الَّتِي اكْتَرَاهَا ثُمَّ هَلَكَ الزَّرْعُ بِزِيَادَةِ الْمَطَرِ أَوْ شِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ أَكْلِ الْجَرَادِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ حَدَثَتْ عَلَى مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَقَالُوا: إِنِ اكْتَرَى أَرْضًا غَرِقَتْ بِالْمَاءِ لِزِرَاعَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمَاءِ، كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَاءِ مَغِيضٌ إِذَا فُتِحَ انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنِ الْأَرْضِ، وَقَدَرَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِلاَّ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ يَنْحَسِرُ وَتُنَشِّفُهُ الرِّيحُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْحَالِ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ إِمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِهِ.
89- ثَانِيًا: يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْأَرْضِ فِي حُدُودِ الْمَعْرُوفِ وَالْمَشْرُوطِ، لَا بِمَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا، وَهَذَا مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ. وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ الزَّرْعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ، أَوْ مُسَاوِيهِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ ضَرَرًا.
غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: مَنِ اكْتَرَى أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا قُطْنًا. وَإِذَا زَرَعَهَا ضَمِنَ قِيمَةَ مَا أَحْدَثَهُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ مِنْ نُقْصَانٍ، وَاعْتُبِرَ غَاصِبًا لِلْأَرْضِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ تَعْيِينَ نَوْعِ مَا يُزْرَعُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ: يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى، وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، وَتُفْضِي إِلَى مُنَازَعَةٍ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُمْ: يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى وَأَجْرُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ. وَفِي قَوْلٍ: إِنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَمَّى وَأَجْرَ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، أَوْ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرَ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَوِ اشْتَرَطَ نَوْعًا مُعَيَّنًا مِنَ الزَّرْعِ كَالْقَمْحِ فَلَهُمْ رَأْيَانِ، قِيلَ: لَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْقَمْحُ لِتُقَدَّرَ بِهِ الْمَنْفَعَةُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِهَذَا الشَّرْطِ حَسَبَ الِاتِّفَاقِ، فَيَكُونُ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي مِنْ عُلَمَائِهِمْ.
انْقِضَاءُ إِجَارَةِ الْأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ:
90- إِذَا كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ، وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ، انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ اتِّفَاقًا. وَيَبْقَى الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ إِذَا كَانَ لَمْ يَحِنْ حَصَادُهُ. وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى عَنِ الْمُدَّةِ، زَائِدًا أَجْرَ الْمِثْلِ عَنِ الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ.
وَلِفُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ بَعْضُ تَفْصِيلَاتٍ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ اسْتَأْجَرَهَا لِلْغِرَاسِ لَا لِلزَّرْعِ:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَغْرِسَ بِهَا شَجَرًا وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ، لَزِمَهُ أَنْ يَقْلَعَ الشَّجَرَ وَيُسَلِّمَ الْأَرْضَ فَارِغَةً. وَقِيلَ: يَتْرُكُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، إِلاَّ أَنْ يَخْتَارَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ يَغْرَمَ قِيمَةَ ذَلِكَ مَقْلُوعًا إِنْ كَانَ فِي قَلْعِهَا ضَرَرٌ فَاحِشٌ بِالْأَرْضِ. وَإِلاَّ قَلَعَهَا مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ لَهُ. لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي التَّفْرِيغَ عِنْدَ انْقِضَائِهَا، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ.
وَلَا يَبْعُدُ الْمَالِكِيَّةُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَيَّدَ بَقَاءَ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِلْحَصَادِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ بِمَا إِذَا كَانَ الْمُكْتَرِي يَعْلَمُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّ الزَّرْعَ يَتِمُّ حَصَادُهُ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلاَّ جَازَ لِلْمُؤَجِّرِ أَمْرُهُ بِالْقَلْعِ.
91- أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا، وَقَالُوا: إِنِ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعٍ مُعَيَّنٍ لَا يُسْتَحْصَدُ فِي الْمُدَّةِ، وَاشْتَرَطَ التَّبْقِيَةَ، فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ. فَإِنْ بَادَرَ وَزَرَعَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْقَلْعِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ شَرَطَ الْقَلْعَ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: يُجْبَرُ عَلَى الْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى مُدَّةٍ، وَقَدِ انْقَضَتْ. وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ مَعْلُومٌ. وَلَزِمَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ.
وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ، فَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى قَلْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ إِلاَّ عَلَى الْمُدَّةِ. وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ، فَقِيلَ: يُجْبَرُ أَيْضًا. وَقِيلَ: لَا يُجْبَرُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ. وَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى إِلَى نِهَايَةِ الْمُدَّةِ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ.
وَفِي الْغِرَاسِ قَالُوا: إِنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهِ. وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ أُخِذَ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَلْعُ، إِذِ الْعَادَةُ فِي الْغِرَاسِ التَّبْقِيَةُ إِلَى أَنْ يَجِفَّ وَيُسْتَقْلَعَ. وَإِنِ اخْتَارَ الْقَلْعَ وَكَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ قَلَعَ الْغِرَاسَ مِنْ أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ قَلْعَ الْغِرَاسِ مِنْ أَرْضٍ لَهُ عَلَيْهَا يَدٌ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنِ اخْتَارَ الْمُكْتَرِي التَّبْقِيَةَ فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ دَفْعَ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَتَمَلُّكَهُ أُجْبِرَ الْمُكْتَرِي عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْلَعَهُ، وَكَانَتْ قِيمَةُ الْغِرَاسِ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ، أُجْبِرَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْقَلْعِ.
وَلَا يَبْعُدُ رَأْيُ الْحَنَابِلَةِ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي جُمْلَتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا كَانَ تَأْخِيرُ الزَّرْعِ لِتَفْرِيطٍ مِنْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعِ الْغَاصِبِ. وَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَعْدَ الْمُدَّةِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ، أَوْ تَرْكِهِ بِالْأَجْرِ لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ. وَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَأْجِرُ قَطْعَ زَرْعِهِ فِي الْحَالِ فَلَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي: إِنَّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ذَلِكَ. وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِهِ بِعِوَضٍ جَازَ. وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَزِمَ الْمُؤَجِّرَ تَرْكُهُ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، وَلَهُ الْمُسَمَّى، وَأَجْرُ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ.
وَإِذَا اسْتُؤْجِرَتِ الْأَرْضُ مُدَّةً لِلزِّرَاعَةِ، وَمَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوِ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ وَرَثَتِهِ بَقَاءُ الْأَرْضِ حَتَّى حَصَادِ الزَّرْعِ، وَذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ دُونَ مَالِ الْمَيِّتِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ وَفَاةَ الْمُؤَجِّرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ، مِمَّا يُنْهِي عَقْدَ الْإِجَارَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلَافًا لِلْمَذَاهِبِ الْأُخَرِ.
الْمَبْحَثُ الثَّانِي
إِجَارَةُ الدُّورِ وَالْمَبَانِي
بِمَ تُعَيَّنُ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا؟
92- لَا يُعْلَمُ خِلَافٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي ضَرُورَةِ تَعْيِينِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهَا الْأُولَى الَّتِي رَآهَا عَلَيْهَا بِمَا يَضُرُّ بِالسَّكَنِ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ. وَإِذَا كَانَ اسْتَأْجَرَ دَارًا قَدْ تَعَيَّنَتْ بِالْوَصْفِ، وَلَمْ يَرَهَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَا وَقْتَهُ، ثَبَتَ لَهُ حَقُّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُونَ بِهِ.
وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ أَيْضًا فِي أَنَّ إِجَارَةَ الدُّورِ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَادَةً، فَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الدَّارِ أَوِ الْحَانُوتِ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ مَا يَسْتَأْجِرُهَا لَهُ؛ لِأَنَّ الدُّورَ إِنَّمَا تَكُونُ لِلسَّكَنِ عَادَةً، وَالْحَانُوتَ لِلتِّجَارَةِ أَوِ الصِّنَاعَةِ. وَيُرْجَعُ إِلَى الْعُرْفِ أَيْضًا فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي السَّكَنِ يَسِيرٌ فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَى ضَبْطِهِ.
93- إِذَا شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَلاَّ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ، فَالْحَنَفِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الشَّرْطَ لَاغٍ وَالْعَقْدَ صَحِيحٌ، فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اعْتِبَارِ الشَّرْطِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ، إِلاَّ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى فَسَادِ الشَّرْطِ وَالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُؤَجِّرِ، فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا، وَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَرْطٌ فَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِعَدَمِ الضَّرَرِ أَوَّلاً، وَالرُّجُوعِ لِلْعُرْفِ ثَانِيًا.
وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ وَالْحَانُوتِ كَيْفَ شَاءَ فِي حُدُودِ الْمُتَعَارَفِ، بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَزِيدُ ضَرَرُهُ عَنْهُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ كَالْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ.
وَتَدْخُلُ فِي إِجَارَةِ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ تَوَابِعُهَا، وَلَوْ بِدُونِ ذِكْرِهَا فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِهَا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
16-موسوعة الفقه الكويتية (خلو 2)
خُلُوٌّ -2بَيْعُ صَاحِبِ الْخُلُوِّ خُلُوَّهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ:
20- إِذَا أَنْشَأَ الْمُسْتَأْجِرُ خُلُوَّهُ بِمَالٍ دَفَعَهُ إِلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ بِشُرُوطِهِ الْمُبَيَّنَةِ سَابِقًا صَارَ الْخُلُوُّ مِلْكًا لَهُ، وَأَصْبَحَ مِنْ حَقِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالْهِبَةِ، وَالْعَارِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي كَلَامِ مَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَوَاضِحٌ أَنَّهُ إِذَا بَاعَ صَاحِبُ الْخُلُوِّ خُلُوَّهُ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ بِالْوَجْهِ الصَّحِيحِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَوْصَى بِهِ فَلِمَنْ صَارَ إِلَيْهِ الْخُلُوُّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا كَانَ لِمَنْ قَبْلَهُ.
وَصَرَّحَ الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْخُلُوَّاتِ إِذَا اشْتُرِيَتْ بِالْمَالِ مِنَ الْمَالِكِ تَكُونُ مَمْلُوكَةً لِمُشْتَرِيهَا مُشَاعًا لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدِ اشْتَرَى نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ مَثَلًا وَعَلَى هَذَا لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الْخُلُوِّ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ نَجِدِ التَّصْرِيحَ عِنْدَهُمْ فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْخُلُوِّ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِهِ قَاضٍ يَرَاهُ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ أَخْرَجَ النَّاظِرُ الْمُسْتَأْجِرَ مِنَ الْمَكَانِ أَوْ آجَرَهُ لِغَيْرِهِ فَفِي فَتْوَى الْعِمَادِيِّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَبْلَغَ الْمَرْقُومَ.
شُفْعَةُ صَاحِبِ الْخُلُوِّ:
21- مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْعَدَوِيُّ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَرْضًا بِثَلَاثِينَ دِينَارًا فِي كُلِّ عَامٍ مَثَلًا وَبَنَوْا عَلَيْهَا دَارًا وَلَكِنَّ الدَّارَ تُكْرَى بِسِتِّينَ، فَحَقُّهُمْ يُقَالُ لَهُ الْخُلُوُّ، فَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ فِي الْبِنَاءِ فَلِشُرَكَائِهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ.
وَمِنْ صُوَرِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَهُ خُلُوٌّ فِي أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ وَكَانَ خُلُوُّهُ عِبَارَةً عَنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ.وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ.
وَقْفُ الْخُلُوِّ:
22- رَجَّحَ جُمْهُورُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخُلُوَّ يَجُوزُ وَقْفُهُ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ بَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَهَذَا الْبَعْضُ الثَّانِي هُوَ الْخُلُوُّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَقْفُ.وَبِمِثْلِهِ قَالَ الرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ خَرَّجَهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَاءِ إِنْ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوهُ.ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَجِدْهُ مَسْطُورًا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ لَا يَأْبَاهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ: عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخُلُوُّ لِكِتَابِيٍّ فِي وَقْفِ مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَى كَنِيسَةٍ مَثَلًا.
وَالرَّأْيُ الْآخَرُ لَدَى كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الشِّرْوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ الْخُلُوَّاتِ لَا يَجُوزُ وَقْفُهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةُ وَقْفٍ، وَمَا تَعَلَّقَ الْوَقْفُ بِهِ لَا يُوقَفُ.
وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ وَعَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: مَحَلُّ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةَ حَبْسٍ، لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحَبْسُ لَا يُحْبَسُ، وَلَوْ صَحَّ وَقْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَصَحَّ وَقْفُ الْوَقْفِ، وَاللاَّزِمُ بَاطِلٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ ذَاتٍ وُقِفَتْ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوَقْفُ بِمَنْفَعَتِهَا وَأَنَّ ذَاتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْوَاقِفِ.قَالَ: وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلَانَ تَحْبِيسِ الْخُلُوِّ.وَوَافَقَ الْأُجْهُورِيُّ عَلَى فُتْيَاهُ هَذِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي، ثُمَّ لَمَّا رُوجِعَ بِفَتْوَى اللَّقَانِيِّ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَإِرْثِهَا أَفْتَى بِجَوَازِ وَقْفِهَا قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْفَتْوَى بِجَوَازِ وَقْفِ الْخُلُوِّ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَلَمْ يُخَالِفِ الْأُجْهُورِيُّ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ تَعَرُّضًا لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ.وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوْ غَرْسِهِ فِيهَا.مِمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً أَوْ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَفْتَى بِذَلِكَ الْعَلاَّمَةُ قَاسِمٌ، وَعَزَاهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِلَى هِلَالٍ وَالْخَصَّافِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَحَيْثُ تُعُورِفَ وَقْفُهُ جَازَ.وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: إِنَّ النَّاسَ مُنْذُ زَمَنٍ قَدِيمٍ نَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ عَلَى جَوَازِهِ، وَالْأَحْكَامُ بِهِ مِنَ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ ا.هـ.وَأَمَّا إِذَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتِ الْبُقْعَةُ وَقْفًا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقًا تَبَعًا لِلْبُقْعَةِ، وَحَرَّرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَابِدِينَ.قَالَ: لِأَنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، وَالْأَرْضُ إِذَا كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا وَأَمْرُهُ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ، فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا.قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ مُعَدَّةً لِلِاحْتِكَارِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَبْقَى فِيهَا كَمَا إِذَا كَانَ وَقْفُ الْبِنَاءِ عَلَى جِهَةِ وَقْفِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا مُطَالِبَ لِنَقْضِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ جَوَازِ وَقْفِهِ إِذَا كَانَ مُتَعَارَفًا.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الدُّرِّ أَنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ سُئِلَ عَنِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ؟ فَأَجَابَ: نَعَمْ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَوَقْفُ الشَّجَرِ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ.أَمَّا مُجَرَّدُ الْكَبْسِ بِالتُّرَابِ أَيْ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مُسْتَهْلَكٌ كَالسَّمَادِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ، وَنُقِلَ عَنِ الْإِسْعَافِ فِي أَحْكَامِ الْأَوْقَافِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُ مَا بُنِيَ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَا لَمْ تَكُنْ مُتَقَرِّرَةً لِلِاحْتِكَارِ.وَمَا يُسَمَّى الْكَدَكَ أَوِ الْجَدَكَ فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ بِخِلَافِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ.
إِرْثُ الْخُلُوَّاتِ:
23- الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْخُلُوَّ يُمْلَكُ وَيُبَاعُ وَيُرْهَنُ ذَهَبُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يُورَثُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ فُتْيَا اللَّقَانِيِّ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ مَنْ وَافَقُوهُ عَلَيْهَا. (ف 16).
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخُلُوَّ فِي الْأَوْقَافِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ يُمْلَكُ، يُورَثُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
تَكَالِيفُ الْإِصْلَاحَاتِ:
24- عَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ أَوْ أَصْحَابِهِ مَا يَقُومُونَ بِهِ مِنَ الْإِصْلَاحَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكُوا فِي بِنَاءٍ فِي أَرْضِ وَقْفٍ اكْتَرَوْهُ مِنْ نَاظِرِهِ لِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاظِرِ بِالنِّسْبَةِ، كَمَا لَوْ عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ حَانُوتَ الْوَقْفِ إِذَا تَخَرَّبَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خُلُوًّا.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَحْوَالِ نُشُوءِ حَقِّ الْخُلُوِّ فِي عَقَارَاتِ الْأَوْقَافِ:
25- أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ حَقُّ الْقَرَارِ بِسَبَبِ مَا يُنْشِئُهُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ إِذَا أَنْشَأَهُ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ، وَخُلُوًّا يَنْتَفِعُ بِهِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (الْكِرْدَارَ) أَوْ مَا يُنْشِئُهُ كَذَلِكَ فِي مَبْنَى الْوَقْفِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مُتَّصِلٍ اتِّصَالَ قَرَارٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (الْجَدَكَ) قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، فَتَبْقَى فِي يَدِهِ.وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الْقُنْيَةِ وَالزَّاهِدِيِّ، قَالَ الزَّاهِدِيُّ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ.ا.هـ.
لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي الْبَقَاءِ ضَرَرٌ لَمْ يَجِبِ الِاسْتِبْقَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ وَارِثُهُ مُفَلِّسًا، أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى مِنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَصْلُ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ: « حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ، وَهُوَ لَا يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ »، قَالُوا: « إِنْ كَانَتِ الْعِمَارَةُ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يَسْتَأْجِرُ الْأَصْلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ وَيُؤَجِّرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الْأَجْرِ ».
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ إِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ فَالنَّاظِرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُجَدِّدَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا يُجَدِّدَهُ بَلْ تَنْتَهِي الْإِجَارَةُ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ.قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ.لَكِنَّ اسْتِبْقَاءَ الْأَرْضِ الْوَقْفِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ إِنْ بَنَى عَلَيْهَا مُسْتَأْجِرُهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَوْلَوِيٌّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، لَا سِيَّمَا مَعَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ النَّاسُ كَثِيرًا.
وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ أَفْتَى بِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ أَنْ لَا تُجَدَّدَ الْإِجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَنْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْوَقْفِ، كَمَا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِبْقَاءِ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ لَوْ طُولِبَ بِرَفْعِ جَدَكَةٍ أَوْ كِرْدَارَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ إِيجَارُ الْوَقْفِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ زَادَ أَجْرُهُ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ زِيَادَةً فَاحِشَةً، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بِالْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَبُولُ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ. وَالْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ أُجْرَةُ الْوَقْفِ فِي نَفْسِهِ لِزِيَادَةِ الرَّغْبَةِ، لَا زِيَادَةَ مُتَعَنِّتٍ، وَلَا بِمَا يَزِيدُ بِعِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ.فَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ الْمُسَوِّغُ لِلْفَسْخِ فَلَا يَكُونُ لَهُ دَاعٍ.فَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْمُسْتَأْجِرُ الِالْتِزَامَ بِالزِّيَادَةِ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُ الْإِجَارَةِ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَسَخَهَا الْقَاضِي، وَيُؤَجِّرُهَا الْمُتَوَلِّي مِنْ غَيْرِهِ.
وَهَذَا إِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ، فَبَعْدَ انْتِهَائِهَا أَوْلَى.
هَذَا وَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقَرَارِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَا صَنَعَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ وَضْعِ غِرَاسِهِ، أَوْ بِنَائِهِ، أَوْ جَدَكَةٍ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لِيَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِلْكًا وَخُلُوًّا، فَإِنْ وَضَعَهُ دُونَ إِذْنٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْإِجَارَةِ لَهُ.
أَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مَحَلِّ الْإِجَارَةِ جَدَكٌ وَلَا كِرْدَارٌ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْقَرَارِ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِالِاسْتِئْجَارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ اسْتِئْجَارِهِ، سَوَاءٌ أَزَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ قَبِلَ الزِّيَادَةَ أَمْ لَا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ إِنَّ قَبْلَ الزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ، وَشُرُوحٍ، وَحَوَاشٍ، وَفِيهِ الْفَسَادُ وَضَيَاعُ الْأَوْقَافِ، حَيْثُ إِنَّ بَقَاءَ أَرْضِ الْوَقْفِ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَاحِدٍ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ يُؤَدِّي بِهِ إِلَى دَعْوَى تَمَلُّكِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ تَطْوِيلِ الْإِجَارَةِ فِي الْوَقْفِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ.ا.هـ إِذِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِلْبِنَاءِ، وَثَلَاثَ سِنِينَ لِلْأَرْضِ.
وَلَوْ كَانَ لِإِنْسَانٍ حَقُّ الْقَرَارِ فِي عَقَارٍ وُقِفَ بِسَبَبِ كِرْدَارَهِ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْكِرْدَارُ زَالَ حَقُّهُ فِي الْقَرَارِ.قَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي أَرْضٍ فَنِيَتْ أَشْجَارُهَا، وَذَهَبَ كِرْدَارُهَا وَيُرِيدُ مُحْتَكِرُهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ تَحْتَ يَدِهِ بِالْحَكْرِ السَّابِقِ وَهُوَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ: قَالَ: لَا يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، بَلِ النَّاظِرُ يَتَصَرَّفُ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ لِجَانِبِ الْوَقْفِ مِنْ دَفْعِهَا بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ، أَوْ إِجَارَتِهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْحَكْرُ لَا يُوجِبُ لِلْمُسْتَحْكِرِ اسْتِبْقَاءَ الْأَرْضِ فِي يَدِهِ أَبَدًا عَلَى مَا يُرِيدُ وَيَشْتَهِي.
ثُمَّ قَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا الْجَدَكَ الْمُتَّصِلَ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْمَوْضُوعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبِينِ قَالَ فِيهِ أَبُو السُّعُودِ: إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خُلُوٌّ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ كَالْخُلُوِّ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ وَقَالَ: إِنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ لَا يَثْبُتُ إِلاَّ إِذَا بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ فِعْلًا، أَوْ غَرَسَ فِعْلًا، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ وَفَاتَ الْوَرَثَةَ ذَلِكَ الْحَقُّ.
بَيْعُ الْخُلُوِّ الثَّابِتِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ:
26- إِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، أَوْ حَوَانِيتِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ سَابِقًا وَوَضَعَ أَبْنِيَةً أَوْ جَدَكًا ثَابِتًا، أَوْ أَشْجَارًا فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ مَا يَضَعُهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَيْعُ مَا أَحْدَثَهُ مِنَ الْأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ أَجْرِ الْأَرْضِ خَالِيَةً عَمَّا أَحْدَثَهُ فِيهَا، وَكَذَا الْحَانُوتُ.
أَمَّا الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ إِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ كَانَ اسْتِئْجَارُهَا عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ لَكِنْ لَمْ يَبْنِ فِعْلًا، أَوْ بَنَى شَيْئًا فَفَنِيَ وَزَالَ فَلَا يُبَاعُ ذَلِكَ الْحَقُّ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدٌ.وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ لِلْفَرَاغِ عَنْ ذَلِكَ مُقَابِلَ عِوَضٍ مَالِيٍّ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْبَيْعِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّنَازُلِ عَنِ الْحَقِّ الْمُجَرَّدِ بِمَالٍ.فَفِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَصْلًا، وَنُقِلَ فِي وَاقِعَةٍ: حَكَمَ بِصِحَّتِهِ قَاضٍ حَنْبَلِيٌّ نَفَذَ لَوْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، لَكِنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ (لَا يَصِحُّ الْفَرَاغُ فِي الْأَوْقَافِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَوْقَافِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ أَذِنَ فِي ذَلِكَ النَّاظِرُ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ، بَلْ لِلنَّاظِرِ إِيجَارُهَا وَصَرْفُ أُجْرَتِهَا فِي جِهَاتِ الْوَقْفِ، وَلَا يَصِحُّ الْفَرَاغُ إِلاَّ فِي مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ وَضُرِبَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ يُؤْخَذُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ).
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ فِي أَرْضِ وَقْفٍ دَفَعَهَا النَّاظِرُ لِمُزَارِعٍ يَزْرَعُهَا بِالْحِصَّةِ هَلْ يَمْلِكُ الْمُزَارِعُ دَفْعَهَا لِمُزَارِعٍ آخَرَ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فِي مُقَابِلِهَا، أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا فَرَاغُهُ، وَيَرْجِعُ الْمُزَارِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ مَالٍ؟
فَأَجَابَ: أَرْضُ الْوَقْفِ لَا يَمْلِكُهَا الْمُزَارِعُ وَلَا تَصَرُّفَ لَهُ فِيهَا بِالْفَرَاغِ عَنْ مَنْفَعَتِهَا بِمَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُ مُزَارِعٌ آخَرُ لِيَزْرَعَهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاعَ الْأَوَّلِ بِهَا مُجَرَّدُ حَقٍّ، لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِمَالٍ، فَإِذَا أَخَذَ مَالًا فِي مُقَابَلَةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ شَرْعًا.وَالْوَقْفُ مُحَرَّمٌ بِحُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ.وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَابِدِينَ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ (تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ) وَقَالَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِسْقَاطُ حَقِّهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ يَأْخُذُهُ، ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ الْمُسْقَطَ لَهُ مِنَ النَّاظِرِ إِذْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِهِ إِلَى بَاقِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ إِلَى نِهَايَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَهُ بَيْعُهَا بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَلَمْ نَجِدِ التَّصْرِيحَ مِنْهُمْ بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ أَنَّ الشَّيْخَ عُلَيْشًا ذَكَرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنَ إِنْ آجَرَ الْوَقْفَ وَأَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْبِنَاءِ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَالْبِنَاءُ مِلْكٌ لِلْبَانِي فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يَدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا يَحْتَاجُ لِمَا بَنَاهُ وَإِلاَّ فَيُوَفَّى لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ قَطْعًا.قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: أَفَادَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْخَرَشِيُّ - رحمه الله-.
وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا فِيهِ النَّصُّ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْإِجَارَةِ تَقْتَضِي إِنْهَاءَ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ.قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: غِرَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يُقْلِعْهُ الْمَالِكُ، فَلِلْمُؤَجِّرِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِدُونِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ مَالِكَ الْأَصْلِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ قَهْرًا.وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ مِنْ صَاحِبِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْفَرَاغُ مُقَابِلَ مَالٍ فِي الْأَوْقَافِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي:
الْخُلُوُّ فِي أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ:
26 م- الْأَرَاضِي الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأُبْقِيَتْ بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالْخَرَاجِ هِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِلْكٌ لِأَهْلِهَا يَجْرِي فِيهَا الْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ، وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
أَمَّا أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ وَهِيَ الَّتِي آلَتْ إِلَيْهِ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا، أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَبْقَاهَا الْإِمَامُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى (أَرْضَ الْحَوْزِ) فَإِذَا دَفَعَهَا الْإِمَامُ إِلَى الرَّعِيَّةِ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ بَيْعُهَا، وَلَا اسْتِبْدَالُهَا إِلاَّ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَلَا تَكُونُ مِلْكًا لِأَحَدٍ إِلاَّ بِتَمْلِيكِ السُّلْطَانِ لَهُ.ثُمَّ إِنَّ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ مِنَ الرَّعَايَا إِنْ تَسَلَّمَهَا بِوَجْهِ حَقٍّ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ مَا دَامَ يَدْفَعُ أَجْرَ الْمِثْلِ، فَيَكُونُ لَهُ فِيهَا (مِشَدُّ مَسْكَةٍ) يَتَمَسَّكُ بِهَا مَا دَامَ حَيًّا فِي الْحَرْثِ وَغَيْرِهِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا لَا تُقَوَّمُ، وَلَا تُمَلَّكُ، وَلَا تُبَاعُ. وَكَذَا إِنْ أَجْرَى فِيهَا كِرَابًا أَيْ حَرْثًا، أَوْ كَرَى أَنْهَارَهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَا بِمَعْنَى الْمَالِ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْفِلَاحَةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْوَصْفِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبَاعُ حَتَّى يَزُولَ وُجُودُهُ مِنَ الْأَرْضِ فَتَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ.أَمَّا إِنْ كَانَ لَهُ كِرْدَارٌ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ أَشْجَارٍ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُورَثُ دُونَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُسَمُّوهُ خُلُوًّا.وَإِنْ كَانَ الْمَالِكِيَّةُ سَمَّوْهُ خُلُوًّا أَوْ أَلْحَقُوهُ بِالْخُلُوِّ كَمَا يَأْتِي، عَلَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مِشَدُّ مَسْكَةٍ- وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ كِرْدَارٌ- فَلِصَاحِبِهَا تَفْوِيضُهَا لِغَيْرِهِ وَتَكُونُ فِي يَدِ الْمُفَوَّضِ إِلَيْهِ عَارِيَّةً وَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا، وَلَهُ إِجَارَتُهَا، وَلَهُ أَيْضًا الْفَرَاغُ عَنْهَا لِغَيْرِهِ بِمَالٍ، جَاءَ فِي الْوَلْوَالِجِيَّة: عِمَارَةٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ بِيعَتْ فَإِنْ بِنَاءً أَوْ أَشْجَارًا جَازَ، وَإِنْ كِرَابًا أَوْ كَرْيَ أَنْهَارٍ لَمْ يَجُزْ، قَالُوا: وَمُفَادُهُ أَنَّ بَيْعَ الْمَسْكَةِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا رَهْنُهَا، وَلِذَا جَعَلُوهُ الْآنَ (فَرَاغًا) أَيْ كَالنُّزُولِ عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ.فَإِذَا فَرَغَ عَنْهَا لِأَحَدٍ لَمْ يَنْتَقِلِ الْحَقُّ فِيهَا إِلاَّ إِذَا اقْتَرَنَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ.عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مَالًا مُقَابِلَ الْفَرَاغِ ثُمَّ لَمْ يَأْذَنِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ بِنَقْلِهَا يَكُونُ لِدَافِعِ الْمَالِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِيهِ.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: فَإِنَّ الْأَرْضَ الصَّالِحَةَ لِلزَّرْعِ، وَأَرْضَ الدُّورِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً فِي الشَّامِ وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ، هِيَ وَقْفٌ وُقِفَتْ بِمُجَرَّدِ فَتْحِهَا عَنْوَةً، وَيَقْطَعُهَا الْإِمَامُ أَوْ يُكْرِيهَا لِمَنْ شَاءَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَيَنْتَهِي إِقْطَاعُهَا بِمَوْتِ الْمُقْطِعِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى وَقْفِيَّتِهَا، فَلَا تُبَاعُ، وَلَا تُرْهَنُ وَلَا تُورَثُ.
لَكِنْ قَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: قَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ، فَإِنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْخُلُوَّاتِ وَالْخَرَاجِ كَالْكِرَاءِ.قَالَ: وَإِنَّمَا يُلْحَقُ بِهَا إِنْ حَصَلَ مِنْ وَاضِعِ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ أَثَرٌ فِيهَا كَإِصْلَاحٍ: بِإِزَالَةِ شَوْكِهَا، أَوْ حَرْثِهَا، أَوْ نَصْبِ جِسْرٍ عَلَيْهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْحَقُ بِالْبِنَاءِ فِي الْأَوْقَافِ، فَيَكُونُ الْأَثَرُ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْأَرْضِ خُلُوًّا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيُمْلَكُ.فَكَأَنَّ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِذَلِكَ نَظَرُوا إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ الْأَمْرُ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، أَوْ مِنْ دَفْعِ مَغَارِمَ لِلْمُلْتَزِمِ (وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْأَرَاضِيَ مِنَ السُّلْطَانِ مُقَابِلَ مَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُ، وَيَأْخُذُ الْمُلْتَزِمُ الْمَالَ مِنَ الْفَلاَّحِينَ لِتَمْكِينِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ) قَالَ: فَالَّذِي يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الْإِفْتَاءُ بِالْإِرْثِ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلنِّزَاعِ وَالْفِتَنِ بَيْنَ الْفَلاَّحِينَ، وَلِلْمُلْتَزِمِ الْخَرَاجُ عَلَى الْأَرْضِ لَا أَكْثَرَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَزْلُ الْفَلَاحِ عَنْ أَثَرٍ لَهُ فِي الْأَرْضِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ الدَّرْدِيرُ إِلَى أَنَّ الْفَتْوَى السَّابِقَ بَيَانُهَا.مَكْذُوبَةٌ عَلَى مَنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ.
قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: مُرَاعَاةُ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي عَدَمَ التَّوْرِيثِ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً بَلْ يَفْعَلُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، وَلَا تُورَثُ، بَلِ الْحَقُّ لِمَنْ يُقَرِّرُهُ فِيهَا نَائِبُ السُّلْطَانِ لِأَنَّهَا مُكْتَرَاةٌ، وَالْخَرَاجُ كِرَاؤُهَا وَلَا حَقَّ لِلْمُكْتَرِي فِي مِثْلِ هَذَا ثُمَّ إِنَّهُ إِذَا تَنَازَلَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ مُقَابِلَ عِوَضٍ مَالِيٍّ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْقَطِ لَهُ، فَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ عُلَيْشٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ قُسِمَتْ عَلَى الْغَانِمِينَ ثُمَّ طَلَبَهَا عُمَرُ مِنْهُمْ فَبَذَلُوهَا فَوَقَفَهَا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَآجَرَهَا لِأَهْلِهَا إِجَارَةً مُؤَبَّدَةً بِالْخَرَاجِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهَا وَقْفًا بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا، وَلَهُمْ إِجَارَتُهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا مُؤَبَّدَةً.وَهَذَا حُكْمُ الْأَرْضِ نَفْسِهَا، أَمَّا الْبِنَاءُ وَالْأَشْجَارُ الَّتِي يُحْدِثُهَا فِي الْأَرْضِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنَ الرَّعَايَا فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَقِفَهُ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِيمَا يَبْنِيهِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَيُرْهَنُ وَيُبَاعُ.
أَمَّا النُّزُولُ عَنِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ إِلَى غَيْرِهِ مُقَابِلَ عِوَضٍ مَالِيٍّ فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَعَرُّضًا لَهُ.
وَلَكِنَّهُمْ فِي الْمُتَحَجِّرِ قَالُوا إِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِمَا تَحَجَّرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَصِحُّ، وَكَأَنَّهُ يَبِيعُ حَقَّ الِاخْتِصَاصِ.قَالَ الْمَحَلِّيُّ: كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَفِي الْمُحَرَّرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الْحَقَّ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَمَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُسَمُّوا مِثْلَ هَذَا الْحَقِّ خُلُوًّا فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ مَنَافِعَ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ يَجُوزُ نَقْلُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَمَنْ نَزَلَ عَنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ لَهُ أَحَقُّ بِهَا، فَيَجُوزُ نَقْلُهَا بِلَا عِوَضٍ، وَأَجَازَ أَحْمَدُ دَفْعَهَا عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجَةُ مِنَ الْمَهْرِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَدْ كَرِهَهُ أَحْمَدُ وَنَهَى عَنْهُ.وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي فِيهَا لِئَلاَّ تُتَّخَذَ طَرِيقًا إِلَى بَيْعِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ، بَلْ هِيَ إِمَّا وَقْفٌ، وَإِمَّا فَيْءٌ.
وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ آلَاتِ عِمَارَتِهِ بِمَا تُسَاوِي أَيْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَكَرِهَ أَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ هَانِئٍ: يُقَوَّمُ دُكَّانُهُ وَمَا فِيهِ وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْدِثُهُ فِيهِ فَيُعْطَى ذَلِكَ، وَلَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ سُكْنَى دَارٍ وَلَا دُكَّانٍ.وَبَيَّنَ ابْنُ رَجَبٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَحْمَدَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ إِلَى بَيْعِ الْأَرْضِ نَفْسِهَا بِدَعْوَى بَيْعِ مَا فِيهَا مِنَ الْعِمَارَةِ.قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ أَحْمَدَ إِنَّمَا أَرَادَ النَّهْيَ عَنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ رَقَبَةِ الْأَرْضِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، وَبِهَذَا قَالَ: هَذَا خِدَاعٌ.وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ آلَاتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا.وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ تَجْوِيزُ بَيْعِهَا فَتَنْتَقِلُ بِخَرَاجِهَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ الْبَطْنِ الثَّانِي.ا.هـ
وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ: إِنْ آثَرَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ بِهَا أَحَدًا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا.وَمَعْنَى الْبَيْعِ هُنَا بَذْلُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجٍ إِنْ مَنَعْنَا بَيْعَهَا الْحَقِيقِيَّ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ عُمَرَ وَقَفَهَا وَالْوَقْفُ لَا يُبَاعُ.
كَيْفِيَّةُ تَوَارُثِ الْخُلُوِّ فِي أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ:
27- إِذَا مَاتَ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةِ فَإِنَّهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تُورَثُ عَنْهُ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ انْتِقَالُهَا إِلَى وَرَثَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ إِلاَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ.وَهَذَا بِخِلَافِ مَا عَلَيْهَا مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ فَإِنَّهُ يُورَثُ طِبْقًا لِلْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ.أَمَّا مِشَدُّ الْمَسْكَةِ نَفْسُهُ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ أَصْلًا لِأَنَّهُ حَقٌّ مُجَرَّدٌ.لَكِنْ جَرَتْ فَتْوَى مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ انْتِقَالًا لَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَيَنْتَقِلُ مَجَّانًا.وَجَرَى الرَّسْمُ عَلَى ذَلِكَ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ عِنْدَهُمْ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الْخُلُوِّ فِيهَا، وَأَنَّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا لَا تُورَثُ وَذَلِكَ مُقْتَضَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهَا وَقْفٌ، وَأَنَّ السُّلْطَانَ أَحَقُّ بِتَوْجِيهِهَا مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ، وَمِنْ وَرَثَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِأَنَّهَا تُورَثُ، وَأَنَّ الْإِرْثَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لِرَقَبَتِهَا بَلْ لِمَنْفَعَتِهَا مَا دَامَ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهَا مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ كَالْأُجْرَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَئُولُ إِلَيْهِ الْأَرْضُ إِذَا مَاتَ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ، فَالَّذِينَ قَالُوا بِعَدَمِ التَّوْرِيثِ قَالُوا: السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِتَوْجِيهِهَا إِلَى مَنْ شَاءَ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِنَقْلِهَا إِلَى وَرَثَتِهِ جَمِيعًا، أَوْ لِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ يَعْمَلُ بِذَلِكَ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي بَعْضِ قُرَى الصَّعِيدِ أَنْ يَخْتَصَّ الذُّكُورُ بِالْأَرْضِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَيَجِبُ إِجْرَاؤُهُمْ عَلَى عَادَتِهِمْ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَادَةَ وَالْعُرْفَ صَارَتْ كَالْإِذْنِ مِنَ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ.
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ مَنْفَعَةَ الْخُلُوِّ فِيهَا تُورَثُ قَالُوا: إِنَّهَا تُورَثُ طِبْقًا لِمَا تُوجِبُهُ أَحْكَامُ التَّوْرِيثِ فَهِيَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ مِنَ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ وَالْعَصَبَاتِ وَالْأَوْلَادِ الذُّكُورُ مِنْهُمْ وَالْإِنَاثُ طِبْقًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: الْحَقُّ فِيهَا يُورَثُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الذُّكُورِ لِأَنَّهَا خَصْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ لَا تَحِلُّ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنِ اسْتَظْهَرَ ذَلِكَ الدَّرْدِيرُ.وَقَالَ أَيْضًا: تَوْرِيثُ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ عُرْفٌ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ.وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ قَالَ الدَّرْدِيرُ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَرَثَةَ مِنْ وَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا لِمَنْ شَاءَ.ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَتْحِ بَابٍ يُؤَدِّي إِلَى الْهَرَجِ وَالْفَسَادِ، وَأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ نَوْعَ اسْتِحْقَاقٍ، وَأَيْضًا الْعَادَةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حُكْمِ السَّلَاطِينِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ بِيَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَصْلَحَةِ.نَعَمْ إِذَا مَاتَ شَخْصٌ وَتَحْتَ يَدِهِ أَرْضٌ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ فَالْأَمْرُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ، أَيْ يُقَرِّرُ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَشَاءُ، وَلَا تُورَثُ عَنِ الْمَيِّتِ.
قَالَ الدُّسُوقِيُّ: نَعَمْ وَارِثُهُ أَوْلَى وَأَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.وَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ.أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَالْوَرَثَةُ أَحَقُّ بِالتَّمَسُّكِ بِالْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَتَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ بِوَفَاةِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَزْعُهَا مِنْهُمْ مَا دَامُوا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَتَرِثُهَا وَرَثَتُهُ كَذَلِكَ فَيَمْلِكُونَ مَنَافِعَهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَبْذُلُونَهُ.وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ تَوَارُثَ هَذَا الْحَقِّ يُسْتَحَقُّ طِبْقًا لِأَنْصِبَةِ الْمِيرَاثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَقُّ الْمَوْرُوثُ مَالًا.
وَقْفُ مَا يُنْشِئُهُ فِي أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ:
28- نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَصَّافِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ وَقْفَ حَوَانِيتِ الْأَسْوَاقِ يَجُوزُ إِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ بِأَيْدِي الَّذِينَ بَنَوْهَا بِإِجَارَةٍ لَا يُخْرِجُهُمُ السُّلْطَانُ عَنْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّا رَأَيْنَاهَا فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْبِنَاءِ تَوَارَثُوهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمُ السُّلْطَانُ فِيهَا وَلَا يُزْعِجُهُمْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ غَلَّةٌ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَتَدَاوَلَهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَمَضَى عَلَيْهَا الدُّهُورُ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمْ يَتَبَايَعُونَهَا، وَيُؤَجِّرُونَهَا، وَتَجُوزُ فِي وَصَايَاهُمْ، وَيَهْدِمُونَ بِنَاءَهَا، وَيُعِيدُونَهُ، وَيَبْنُونَ غَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ الْوَقْفُ جَائِزٌ.ا.هـ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَوَجْهُهُ بَقَاءُ التَّأْبِيدِ.
وَإِنْ كَانَ مَا جَعَلَهُ فِي الْأَرْضِ غِرَاسًا فَالْحُكْمُ فِي وَقْفِهَا حُكْمُ الْبِنَاءِ.أَمَّا إِنْ كَانَ مَا عَمِلَهُ فِي الْأَرْضِ مُجَرَّدَ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ أَوِ السَّمَادِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ.
وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى كَلَامٍ لِغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
17-موسوعة الفقه الكويتية (فراغ)
فَرَاغالتَّعْرِيفُ:
1- الْفَرَاغُ فِي اللُّغَةِ: الْخَلَاءُ، وَالْخُلُوُّ، يُقَالُ: فَرَغَ الْمَكَانُ يَفْرَغُ فَرَغًا، وَفَرَغَ يَفْرُغُ فُرُوغًا: إِذَا خَلَا، وَالِاسْمُ الْفَرَاغُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: النُّزُولُ عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ كَالْوَظِيفَةِ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَرَاغِ:
2- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْفَرَاغِ- وَهُوَ أَنْ يَتَنَازَلَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ عَنْ وَظِيفَتِهِ لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ- فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْفَرَاغِ، وَأَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارٌ شَرْعِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ إِذَا عَزَلَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ نَفْسَهُ وَفَرَغَ لِغَيْرِهِ عَنْ وَظِيفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ غَيْرَ أَهْلٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَقْرِيرُهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْرِيرُهُ، وَلَهُ تَقْرِيرُ غَيْرِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفَرَاغِ سَبَبٌ ضَعِيفٌ فَلَا يُثْبِتُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ حَقًّا، إِلاَّ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ تَقْرِيرُ نَاظِرِ الْوَقْفِ، أَوِ الْقَاضِي، جَاءَ فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ: وَلَوْ مَاتَ ذُو وَظِيفَةٍ، فَقَرَّرَ النَّاظِرُ آخَرَ، فَبَانَ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْهَا لآِخَرَ، لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيرِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النُّزُولِ سَبَبٌ ضَعِيفٌ إِذْ لَا بُدَّ مِنَ انْضِمَامِ تَقْرِيرِ النَّاظِرِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَقُدِّمَ الْمُقَرَّرُ، وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِي مِصْرَ بِالْفَرَاغِ عَنِ الْوَظِيفَةِ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَيَنْبَغِي الْإِبْرَاءُ الْعَامُّ بَعْدَهُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ، وَنَقَلَ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِتَعْلِيلِ عَدَمِ الْجَوَازِ: إِنَّهُ حَقٌّ مُجَرَّدٌ، لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، فَلَا طَرِيقَ لِجَوَازِهِ.
وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ، وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا، وَإِتْلَافُهَا لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنِ الْوَظَائِفِ الْعَامَّةِ مِنْ إِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ، وَأَذَانٍ، وَفِرَاشَةٍ وَبِوَابَةٍ، وَعَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَقِّ الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ، وَسُئِلَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ عَمَّا إِذَا قَرَّرَ السُّلْطَانُ رَجُلًا فِي وَظِيفَةٍ كَانَتْ لِرَجُلٍ فَرَغَ لِغَيْرِهِ عَنْهَا بِمَالٍ، أَجَابَ بِأَنَّهَا لِمَنْ قَرَّرَهُ السُّلْطَانُ، لَا لِلْمَفْرُوغِ لَهُ، إِذِ الْفَرَاغُ لَا يَمْنَعُ التَّقْرِيرَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا أَوْ بِعَدَمِهَا الْمُوَافِقِ لِلْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلاَّمَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَأَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ عَنِ الْوَظِيفَةِ بِمَالٍ فَلِلْمَفْرُوغِ لَهُ الرُّجُوعُ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقٍّ مُجَرَّدٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ: صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً، وَمَنْ أَفْتَى عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ أَفْتَى بِخِلَافِ الْمَذْهَبِ، لِبِنَائِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ.
وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَيْهِ فَيُفْتَى بِجَوَازِ النُّزُولِ عَنِ الْوَظَائِفِ بِمَالٍ، وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ الْعَيْنِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: لَيْسَ لِلنُّزُولِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ وَالْحُكَّامَ مَشَوْا عَلَى ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ، وَاشْتَرَطُوا إِمْضَاءَ النَّاظِرِ لِئَلاَّ يَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ.
وَمَا يُقَالُ فِي الْفَرَاغِ عَنِ الْوَظِيفَةِ، يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْفَرَاغِ عَنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مِشَدِّ مَسْكَةِ الْأَرَاضِيِ- وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كِرَابِ الْأَرْضِ، وَكَرْيِ أَنْهَارِهَا- سُمِّيَتْ مَسْكَةً، لِأَنَّ صَاحِبَهَا صَارَ لَهُ مَسْكَةٌ بِهَا بِحَيْثُ لَا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِسَبَبِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا مِشَدَّ مَسْكَةٍ، لِأَنَّ الْمِشَدَّ مِنَ الشِّدَّةِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، أَيْ قُوَّةُ التَّمَسُّكِ، وَكَذَا فِي فَرَاغِ الزَّعِيمِ عَنْ تَيْمَارِهِ، ثُمَّ إذَا فَرَغَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُوَجِّهْهُ السُّلْطَانُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ، بَلْ أَبْقَاهُ عَلَى الْفَارِغِ، أَوْ وَجَّهَهُ لِغَيْرِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الرُّجُوعُ لِلْمَفْرُوغِ لَهُ عَلَى الْفَارِغِ بِبَدَلِ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ إِلاَّ بِمُقَابَلَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهُ، لَا بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ، وَإِنْ حَصَلَ لِغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَبِهَذَا أَفْتَى فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَالْحَامِدِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بَعْضُهُمْ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ، لِأَنَّ الْفَارِغَ فَعَلَ مَا فِي وُسْعِهِ وَقُدْرَتِهِ، إِذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَبْقَى السُّلْطَانُ أَوِ الْقَاضِي التَّيْمَارَ أَوِ الْوَظِيفَةَ عَلَى الْفَارِغِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
18-الغريبين في القرآن والحديث (مدد)
(مدد)قوله تعالى: {ويمدهم في طغيانهم يعمهون} أي: يمهل لهم ويطيل.
وقوله: {كيف مد الظل} أي: بسط.
وقوله تعالى: {فليمدد له الرحمن مدا} لفظ أمر معناه الخبر، ومعناه أن الله جعل جزاء ضلالته أن يمده فيها وإذا جاء الخبر في لفظ الأمر كان أوكد وألزم.
وقوله تعالى: {ولو جئنا بمثله مددا} أي: زيادة.
وفي دعائه - صلى الله عليه وسلم - (مدام كلماته) أي: مثلها، وعددها وقيل: المدام مصدر كالهدد، يقال: مددت الشيء مدا ومدادا، ويقال: بنو بيوتهم على غرار واحد ومداد واحد أي مثال واحد.
وفي حديث آخر: (ينبعث فيه ميزابان من الجنة مدادهم أنهار الجنة) أي تمدهما أنهارها.
في حديث عثمان رضي الله عنه: قال لبعض عماله (بلغني أنك تزوجت
امرأة مديدة) قال أبو العباس: رجل مديد أي طويل وامرأة مديدة والمد ربع الصاع.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
19-المعجم الغني (بَادِيَةٌ)
بَادِيَةٌ- الجمع: بَوَادٍ، بَادِيَاتٌ. "سافَرَ إِلَى الباديَة": مِسَاحَةٌ شَاسِعَةٌ تُحِيطُ بِهَا حُقُولٌ يَعِيشُ فِيهَا أَهْلُ القُرَى الْمُتَقَارِبَةِ أَحْيَانًا، وَالْمُتَبَاعِدَةِ فِي أَحْيَانٍ أُخْرَى. "يُلَائِمُنِي هَوَاءُ الْبَادِيَةِ، أنْهَارُها وَحُقُولُهَا، وَفَضَاؤُهَا الوَاسِعُ".الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
20-تاج العروس (أب أبب أبأب)
[أبب] الأبُّ: الكَلأُ، وهو العُشْبُ رَطْبُه ويَابسُه، وقد مَرَّ أَو المَرُعَى كما قاله ابن اليَزِيدِيِّ، ونقله الهَرَوِيُّ في غَرِيبه، وعليه اقْتَصَرَ البَيْضَاوِيُّ والزمخشريُّ، وقال الزَّجَّاجُ: الأَبُّ: جميعُ الكَلإِ الذي تَعْتَلِفُهُ المَاشِيَةُ، وفي التنزيل العزيزِ {وَفاكِهَةً وَأَبًّا} قال أَبو حَنِيفَةَ: سَمَّى اللهُ تعالى المَرْعَى كُلَّه أَبًّا، قال الفَرَّاءُ: الأَبُّ ما تأْكُلُه الأَنْعَامُ، وقال مُجَاهِدٌ: الفَاكِهَة: ما أَكلَهُ الناسُ، والأَبُّ: ما أَكَلَتِ الأَنْعَامُ، فالأَبُّ مِن المَرْعَى للدوابِّ كالفاكهة للإِنْسَانِ، قال الشاعر:جَذْمُنَا قَيْسٌ ونَجْدٌ دَارُنَا *** ولَنَا الأَبُّ بِهِ والمَكْرَعُ
أَو كُلُّ مَا أَنْبَتَتِ الأَرْضُ أي ما أَخرجته من النبات، قاله ثعلب، وقال عطاء: كل شيءٍ ينبتُ على وجهِ الأَرضِ فهو الأَبُّ والخَضِرُ من النبات، وقيل التِّبْنُ، قاله الجَلَالُ؛ أَي لأَنه تأْكله البهائم، هكذا في النسخ، والخَضِرُ كَكَتِف، وعليه شرح شيخنا، وهو غَلَطٌ، والصواب: الخَصِرُ، بالصاد المُهْمَلَةِ الساكنة، كما قَيَّدهُ الصاغانيّ، ونسبه لهُذَيْلِ، وفي حديث أَنس، أَن عُمَرَ بنَ الخطابِ، رضي الله عنهما، قرأَ قوله عزّ وجلّ {وَفاكِهَةً وَأَبًّا} وقال: فما الأَبُّ: ثمَّ قال: ما كُلِّفْنَا أَو مَا أُمِرْنَا بهذا. والأَبُّ: المَرْعَى المُتَهَيِّئُ للرَّعْي والقَطْعِ، ومنهحديث قُسِّ بنِ ساعدةَ «فَجَعَلَ يَرْتَعُ أَبًّا وأَصيدُ ضَبًّا» وفي الأَساس: وتقول: فُلَانٌ رَاعَ لَهُ الحَبُّ وَطَاعَ لَهُ الأَبُّ. أَي زَكَا زَرْعُه واتَّسَع مَرْعَاهُ.
والأَبُّ، بالتشديد: لُغَةٌ في الأَبِ، بالتخفيف بمعنى الوَالِد، نقله شيخنا عن ابن مالك في التسهيل. وحكاه الأَزهريّ في التهذيب وغيرهما، وقالوا: اسْتَأْبَبْتُ فلانًا، ببائَيْنِ، أَيِ اتَّخَذْتُه أَبًا. نَبَّه على ذلك شيخُنا مُسْتَدْرِكًا على المُصَنِّفِ.
قُلْتُ: إِنَّمَا لم يذكرْه لنُدْرَتِهِ ومخالفتِه للقياس، قال ابنُ الأَعرابيّ: اسْتَئِبَّ أَبًا: اتَّخِذْهُ، نَادِرٌ، وإِنما قِيَاسُه اسْتَأْبِ.
وأَبُّ: بلد باليَمنِ قال أَبُو سَعْدٍ: بُلَيْدَةٌ باليَمَنِ يُنْسب إِليها أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ الله بنُ الحَسَن بنِ الفَيَّاضِ الهاشِمِيُّ، وقال أَبو طاهر السِّلفيّ: هي بكسر الهمزة، قال: سمعت أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ العَزِيز بنَ موسى بنِ مُحَسّن القَلْعِيَّ يقول: سمعت عُمَرَ بنَ عبدِ الخَالِقِ الإِبِّيّ يقول: بَنَاتِي كُلُّهُنَّ حِضْنَ لتِسْعِ سِنِينَ، كَذَا في المُعْجَمِ.
قُلْتُ: ونُسِبَ إليها أَيضًا الفَقيهُ المُحَدِّث أَبو العباس أَحمد بن سلمان بن أَحمد بن صبرة الحميريّ، مات سنة 728 ولي قضاء مدينة أَبّ، تَرْجَمَه الجنديّ وغيره.
وإِبُّ بالكَسْرَة: باليمن من قُرَى ذِي جَبَلَةَ؛ قال أَبو طاهر؛ وكذا يقوله أَهلُ اليمن بالكسر، ولا يعرفون الفتح، كذا في المعجم، وقال الصاغانيّ: هي من مِخْلافِ جعْفَر.
وَأَبَّ للسَّيْرِ يَئِبّ، بالكَسْرِ على القياس في المُضَعَّفِ اللازم، ويَؤُبّ، بالضَّمِّ على خلاف القياس، واقتصر عليه الجوهريّ وتبعه على ذلك ابنُ مالك في لامية الأَفعال، واستدركه شيخنا في حواشي ابن الناظم على أَبيه أَنه جاء بالوجهين، فالأَوْلى ذكره في قسم ما وَرَدَ بالوَجْهَيْنِ، أَبًّا وأَبِيبًا على فَعِيلٍ وَأَبَابًا كَسَحَاب وأَبَابَةً كَسَحَابة: تَهَيَّأَ للذّهاب وتَجَهَّز، قال الأَعشى:
صَرَمْتُ وَلَمْ أَصْرِمْكُمُ وكَصَارِمٍ *** أَخٌ قَدْ طَوَى كَشحًا وأَبَّ لِيَذْهَبَا
أَيْ صَرَمْتُكُم في تَهَيُّئِي لمفارقتكم، ومَنْ تَهَيَّأَ للمُفَارَقَةِ فهو كَمَنْ صَرَمَ، قال أَبو عبيد: أَبَبْتُ أَؤُبُّ أَبًّا، إِذا عَزَمْتَ على المَسِيرِ وتَهَيَّأْتَ كائْتَبَّ من بَابَ الافْتِعالَ.
وأَبَّ إِلَى وَطَنِه يَؤُبُّ أَبَّا وإِبَابَةً، ككِتَابَة، وأَبَابَةً، كسَحابة وأَبَابًا كسحَابٍ أَيضًا: اشْتاقَ.
والأَبُّ: النِّزَاعُ إِلى الوَطَنِ، عن أَبي عمرو، قاله الجوهريّ، والمعروف عند ابن دريد يَئِبُّ، بالكسر، وأَنشد لهِشَامٍ أَخِي ذِي الرُّمَّة:
وأَبَّ ذُو المَحْضَرِ البَادِي أَبَابَتهُ *** وقَوَّضَتْ نِيَّةٌ أَطْنَابَ تَخْيِيمِ
وأَبَّ يَدَهُ إِلَى سَيْفِهِ: رَدَّهَا ليَسُلَّه، وفي بعض النُّسَخ: لِيَسْتَلَّه، وذكره الزمخشريّ في آبَ بالمَدِّ، وقال الصاغانيّ، وليس بِثَبتٍ.
وهُوَ في أَبَابِهِ بالفَتْح، وأَبَابَتِهِ؛ أَي في جِهَازه بفتح الجيم وكسرها.
وأَبَّ أَبَّه أَي قَصَدَ قَصْدَهُ، نقله الصاغاني وأَبَّتْ أَبَابَتُه بالفتح ويُكسر أَيِ اسْتَقَامَتْ طَرِيقَتُه فالأَبَابَةُ بمَعْنَى الطَّرِيقَة.
والأَبَابُ بالفتح: المَاءُ، والسَّرَابُ عن ابن الأَعرابيّ، وأَنشد:
قَوَّمْنَ سَاجًا مُسْتخَفَّ الحَمْل *** تَشُقُّ أَعْرَافَ الأَبَابِ الحَفْل
أَخْبَرَ أَنَّهَا سُفُنُ البَرِّ.
والأُبَابُ بالضَّمِّ: مُعْظَمُ السَّيْلِ، والمَوْجُ كالعُبَابِ قال:
أُبَابُ بَحْرٍ ضاحِكٍ هزوُقٍ
قال شيخُنا: صَرَّح أَبو حَيَّانَ، وتلميذُه ابنُ أُمِّ قاسِمٍ أَن همزتها بَدَلٌ من العَيْنِ، وأَنها ليست بلُغَةٍ مستقلّة انتهى، وأَنكره ابنُ جنّي، فقال: ليست الهمزة فيه بَدَلًا من عين عُبَاب وإِن كُنَّا قد سَمِعْنَاهُ، وإِنَّمَا هُوَ فُعَالٌ من أَبَّ، إِذا تَهَيَّأَ.
قُلْتُ: ومن الأَمثال: وقَالُوا للظِّبَاء: «إِنْ أَصابَت المَاءَ فَلَا عَبَاب وإِنْ لَمْ تُصِبِ المَاءَ [فلا] أَبَاب» أَي لم تَأْتَبَّ له ولا تَتَهَيَّأْ لطلبه، راجعه في «مجمع الأَمثال».
وفي التهذيب، الوَبُّ: التَّهَيُّؤُ للحَمْلَةِ في الحَرْبِ، يقال: هَبَّ، وَوَبَّ، إذا تَهَيَّأَ للحَمْلَة، قال أَبو منصور: الأَصل فيه أَبّ، فقلبت الهمزة واوًا.
وعن ابن الأَعرابيّ أَبَّ إِذا هَزَم بحَمْلَةٍ، وفي بعض النسخ: بجُمْلَة، بالجيم، وهو خطأٌ لا مَكْذُوبَةَ بالنصْبِ، وهو مصدر كَذَبَ كما يأْتي، فِيهَا أَيِ الحَمْلَةِ.
والشيءَ: حَرَّكَهُ.
وأَبَّةُ: اسْمٌ أَي عَلَمٌ لِرَجُل، كما هو صَنِيعُه في الكِتَاب، فإِنه يريد بالاسمِ العَلَمَ وبِهِ سُمِّيَت أَبَّةُ العُلْيَا وأَبَّةُ السُّفْلَى وهما قَرْيَتَان بلَحْجٍ، بفتح فسكون، بَلْدَةٌ بعَدَنِ أَبْيَنَ من اليَمَنِ؛ أَي كما سُمِّيَت أَبْيَنُ بأَبْيَنَ بنِ زُهَيْرٍ.
وأَبَّةُ بالضم: بلد بإِفْرِيقيَّة بينها وبين القَيْرَوَان ثلاثةُ أَيام، وهي من ناحية الأَرْبُسِ موصوفةٌ بكثرة الفَوَاكه وإِنباتِ الزعفرانِ، ينسب إِليها أَبو القاسم عبد الرحمن بن عبد المُعْطِى بن أَحمدَ الأَنصاريُّ، روى عن أَبي حَفْص عُمَر بنِ إِسماعيلَ الرِّقّي، كتب عنه أَبو جعفر أَحمد بن يحي الجَارُودِيّ بمصر، وأَبو العباس أَحمد بن محمد الأُّبِّيُّ، أَديب شاعر، سافر إِلى اليمن، ولقي الوَزِيرَ العَبْدِيَّ، ورجع إِلى مصْرَ فأَقَام بها إِلى أَن مات في سنة 598، كذا في المعجم.
قُلْتُ: أَما عبد الرحمن بن عبد المعطي المذكورُ فالصواب في نِسْبَتِه الأُبَيِّي منسوب إِلى جَدِّه أُبَيّ، نبَّه على ذلك الحافظُ ابنُ حَجر.
وممن نسب إِليها من المتأَخرين، الإِمام أَبو عبد الله محمدُ بن خليفةَ التونسيُّ الأُّبِّيُّ شارح مُسْلِم تلميذُ الإِمام ابن عَرَفَةَ، ذكره شيخنا.
وأَبَّبَ، إِذا صاحَ، والعَامَّةُ تقول هَبَّبَ.
وتَأَبَّبَ بِهِ أَي تَعَجَّبَ وتَبَجَّحَ، نقله الصاغانيّ.
وأَبَّى بفتح الهمزة وتشديد الباء والقَصْرِ كَحَتَّى: نَهْرٌ بين الكُوفَة وبين قَصْرِ ابنِ هُبَيْرَةَ بَنِي مُقَاتِل، هكذا في النُّسَخِ، وصوابُه «ابْن مُقَاتِل» وهو ابنُ حسَّانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ أَوْسِ بنِ إِبراهِيَم بن أَيّوبَ التَّيْمِيّ، مِنْ زَيْدِ مَنَاةَ، وسيأْتي ذكرهُ يُنْسَبُ إِلى أبَّي بنِ الصَّامَغَانِ من مُلُوكِ النَّبَطِ ذَكَره الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ. ونَهْرٌ من أَنهار البَطِيحَةِ بِوَاسِطِ العرَاقِ وهو من أَنهارها الكبار، ووَرَدَ في الحديث عن محمد بن إِسْحَاقَ، عن معبد بنِ كعبِ بنِ مالكٍ قال: لَمَّا أَتَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ، ونزل على بِئرٍ من أَبْيَارِهِم في ناحية من أَموالهم، يقال لها بِئرُ أَبَّى وهي بِئرٌ بالمَدِينَةِ قال الحَازِمِيُّ: كذا وجدتُه مضبوطًا مُجَوَّدًا بخط أَبِي الحَسَنِ بنِ فُرَات أَو هِيَ وفي نُسْخَةٍ هُوَ أَنَا بالنُّونِ مُخَفَّفَةً كَهُنا قال الحَازِميّ: كذا سمعته من بعض المُحَصِّلِين، كذا في المعجم، وسيأْتي ذكرُه في مَحَلِّه، إِن شاءَ الله تعالى.
* ومِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:
أَبَّ إِذَا حَرَّكَ، عَن ابن الأَعْرَابيّ، وائْتَبَّ إِذا اشْتَاقَ.
وأَبَّى بنُ جَعْفَر النَّجِيرَمي مُحَدِّثٌ ضعيف.
وسَالِمُ بنُ عبدِ الله بنِ أَبَّى أَندلسِيٌّ، روى عن ابن مُزَينِ، وسيأْتي في آخر الكتاب.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
21-تاج العروس (مد مدد مدمد)
[مدد]: المَدّ: السَّيْلُ، يقال مَدّ النَّهْرُ ومَدَّه نَهْرٌ آخَرُ، قال العجّاج:سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدَّهُ أَتِيُّ *** غِبَّ سَماءٍ فَهْوَ رَقْرَاقِيُّ
ومن المَجاز: المَدُّ: ارْتفَاعُ النَّهارِ والظِّلّ، وقد مَدَّ وامتَدَّ، ويقال: جِئْتُك مَدَّ النَّهَارِ وفي مَدِّ النهارِ، وكذلك مَدَّ الضُّحى، يَضعون المَصْدَر في كُلِّ ذلك موضعَ الظَّرْف.
والمَدُّ الاسْتِمْدَادُ مِن الدَّوَاةِ، ومعنى الاستمدادِ منها أَن يَسْتَمِدَّ منها مَدَّةً واحِدةً.
والمَدُّ: كَثْرَةُ الماءِ أَيّامَ المُدُودِ، وجمعه مُدُودٌ، وقد مَدَّ الماءُ يَمُدُّ مَدًّا وامْتَدَّ.
والمَدُّ: البَسْطُ. قال اللِّحيانيُّ: مَدَّ اللهُ الأَرْضَ مَدًّا: بَسطَها وسَوَّاها. وقوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أَي بُسِطَتْ وسُوِّيت.
والمَدُّ: طُموحُ البَصَرِ إِلى الشيءِ، يقال: مدَّ بصرَه إِلى الشيءِ، إِذا طَمَح به إِليه. وفي البصائر والأَفعالِ: مَدَدْت عَيني إِلى كذا: نَظَرْتُه رَاغِبًا فيه، ومنه قولُه تعالَى {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ} والمَدُّ: الإِمْهَالُ، كالإِمْدَادِ يقال: مَدَّه في الغَيِّ والضَّلالِ يَمُدُّه مَدًّا، ومَدَّ له: أَمْلَى له وتَرَكه، وقوله تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أَي يُمْلِي لهم ويُلِجُّهم ويُطِيل لهم المُهْلَة، وكذلك، مَدَّ اللهُ له في العَذَابِ مَدًّا، وهو مَجاز. وأَمَدَّه في الغَيِّ، لغةٌ قليلةٌ، وقوله تعالى: {وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ} قراءَة أَهل الكوفة والبَصْرة يَمُدُّونَهم، وقرأَ أَهلُ المَدينة يُمِدُّونَهم.
والمَدُّ: الجَذْبُ، ومَدَدْت الشيءَ مَدَّا: جَذَبْتُه، قاله ابنُ القَطَّاع.
والمَدُّ: المَطْلُ وقال المُصنّف في البصائر: أَصْلُ المَدّ جَرُّ شيءٍ في طُولٍ، واتِّصالُ شيءٍ بشيءٍ في استطالَة، مَدَّهُ يَمُدُّه مَدًّا، ومَدَّ به، فامْتَدَّ، ومَدَّدَه فتَمَدَّدَ وتَمَدَّدَه كتَمَدُّدِ السِّقَاءِ، وكذلك كلُّ شيءٍ يَبْقَى فيه سَعَةُ المَدِّ.
وتَمَدَّدْنَاه بيننا: مَدَدْنَاهُ.
ومادَدَه وفي بعض النسخ: مَادَّه مُمَادَّةً ومِدَادًا فَتَمَدَّدَ، وقال اللِّحْيَانيُّ: مَدَدْتُه ومَدَّني، وفلانٌ يُمَادُّ فُلانًا؛ أَي يُمَاطِلُه ويُجَاذِبُه.
وتَمَدَّد الرَّجُلُ؛ أَي تَمَطَّى.
ومَدَّ النَّهَارُ إِذا ارْتَفعَ، وهو مَجاز، وقال شَمِرٌ: كلُّ شيْءٍ امتلأَ وارْتَفعَ فقد مَدَّ، وقد أَمْدَدْته أَنا.
وعن أَبي زيدٍ: مَدَّ زَيْدٌ القَوْمَ أَي صارَ لَهُمْ مَدَدًا، وأَمَدَّه بغيره.
ويقال: هناك قطعةٌ من الأَرض قَدْرُ مَدِّ البَصَرِ؛ أَي مَدَاهُ وقد يأْتي له في المعتلّ أَنه لا يقال مَدُّ البَصَرِ، مُضَعَّفًا وإِنما يقال مَدَاه، معتلًّا، وأَصله للحريريِّ في دُرَّة الغواصِ وانتقدوه بأَنه وَرد في الحديثِ مَدُّ صَوْتِ المُؤَذِّن، كَمَدَاه، كما حَقَّقه شيخُنَا، قلت: والحديث المُشَار إِليه «أَنَّ المُؤَذِّن يُغْفَر له مَدَّ صَوْتِه»، يريد به قَدْرَ الذُّنُوبِ؛ أَي يُغْفَر له ذلك إِلى مُنْتَهَى مَدِّ صَوْتِه، وهو تَمثيلٌ لِسَعَةِ المَغْفِرَة، ويُروَى «مَدَى صَوْتِهِ».
والمَدِيدُ: المَمْدُودُ، والمَدِيد: الطَّوِيلُ، ورجُلُ مَدِيدُ الجِسْمِ: طَوِيل، وأَصله في القِيَامِ. وَقَدٌّ مَدِيدٌ، وهو من أَجْمَلِ الناسِ وأَمَدِّهِم قَامَةً، وهو مَجاز، كما في الأَساس، الجمع: مُدُدٌ. قال سيبويهِ: جاءَ على الأَصْل، لأَنه لم يُشْبِه الفِعْلَ. والأُنثى مَديدَةٌ. وفي حديث عُثْمَانَ قال لبعض عُمَّاله: «بَلَغَنِي أَنك تَزَوَّجْتَ امرأَةً مَدِيدةً». أَي طَوِيلة.
ورَجُلٌ مَدِيدُ القامةِ: طَوِيلُهَا.
والمَديد: البَحْرُ الثاني من العَرُوض، والأَوَّلُ الطويلُ، سُمِّيَ بذلك لامتداد أَسْبَابِه وأَوْتَاده وقال أَبو إِسحاق: سُمِّيَ مَدِيدًا لأَنه امتد سَبَباهُ فصارَ سَبَبٌ في أَوَّله وسَبَبٌ بعد الوَتِد، ووزنه فاعلَاتُنْ فاعلُنْ.
وقوله تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} فسّره ثعلب فقال: معناه في عَمَدٍ طِوَالٍ.
والمَدِيد: ما ذُرَّ عليه دَقِيقٌ أَو سِمْسِمٌ أَو سَوِيقٌ أَو شَعِيرٌ جَشٌ، قال ابنُ الأَعرابيّ: هو الذي ليس بِحَارٍّ، أَو خَبَطٌ كما قاله ابن القطاع. لِيُسْقَى الإِبِلَ، وقد مَدَّهَا يَمُدُّهَا مَدًّا، إِذا سَقَاهَا إِيَّاه، وقال أَبو زيد: مَدَدْتُ الإِبِلَ أَمُدُّهَا مَدًّا، وهو أَن تَسْقِيَهَا المَاءَ بالبِزْرِ أَو الدَّقِيقِ أَو السِّمْسِم. وقال في موضع آخَرَ: المَدِيدُ: شَعِيرٌ يُجَشُّ ثُمَّ يُبَلّ فَيُضْفَرُ البَعِيرُ: ومَدَدْتُ الإِبل وأَمْدَدْتُهَا بِمَعْنًى، وهو أَن يَنْثُر لها على الماءِ شيئًا من الدَّقيقِ ونحوِه فَيَسْقِيَهَا، والاسم المَدِيدُ.
والمَديد: موضع قُرْبَ مَكَّةَ شَرّفها اللهُ تعالى، عن الصاغانيّ.
وقيل: المَدِيد: العَلَفُ، وقد مَدَّهُ به يَمُدُّه مَدًّا.
والمَدِيدَانِ: جَبَلَانِ في ظَهْرِ الخَالِ وهو ظَهْر عَارِضِ اليَمَامَةِ، عن الصاغانيّ.
والمِدَادُ، بالكسر: النِّقْسُ، بكسر النون وسكون القاف وسين مهملة، هكذا عَبَّروا به في كُتب اللغة، وهو مِن شَرْحِ المَعْلُومِ المَشْهُور بالغَرِيب الذي فيه خَفَاءٌ، وهو الذي يُكْتَب به. قال ابنُ الأَنبارِيّ: سُمِّيَ المِدَادُ مِدَادًا لإِمْدَادِه الكاتِبَ، من قولِهِم أَمْدَدْتُ الجَيْشَ بِمَدَد.
والمِدَادُ: السِّرْقِينُ الذي يُصْلَح به الزَّرْعُ، وقد مَدَّ الأَرْضَ مَدًّا، إِذَا زَاد فيها تُرَابًا أَو سَمَادًا من غيرِهَا ليكون أَعْمَرَ لها وأَكْثَرَ رَيْعًا لِزَرْعِهَا، وكذلك الرِّمَال، والسَّمَادُ مِدَادٌ لها.
والمِدَادُ: ما مَدَدْتَ به السِّرَاجَ مِنَ زَيْتٍ ونَحْوِه، كالسَّلِيطِ، قال الأَخطل:
رَأَوْا بَارِقَاتٍ بِالأَكُفِّ كَأَنَّهَا *** مَصَابِيحُ سُرْجٌ أُوقِدَتْ بِمِدَادِ
أَي بِزَيْتٍ يُمِدُّهَا. ونقل شيخُنَا عن قُدَمَاءِ أَئمَّةِ اللغةِ أَنَّ المِدَادَ، بالكسر: هو كلُّ ما يُمَدُّ به الشيءُ أَي يُزَادُ فيه لِمَدِّه والانتفاعِ بهِ كحِبْرِ الدَّواةِ وسَلِيطِ السِّراجِ وما يُوقَد به من دُهْنٍ ونَحْوِه، لأَن وضْعَ فِعَالٍ، بالكسر، لما يُفْعَل به كالآلةِ، ثم خُصَّ المِدَادُ في عُرْفِ اللغةِ بالحِبْرِ.
والمِداد: المِثَالُ، يقال: جاءَ هذا على مِدَادٍ واحدٍ؛ أَي على مِثَالٍ واحدٍ، وقال جَنْدَلٌ:
لَمْ أُقْوِ فِيهِنَّ وَلَمْ أُسَانِدِ *** ولَمْ أَرِشْهُنَّ بِرِمٍّ هَامِدِ
عَلَى مِدَادٍ وَرَوِيٍّ وَاحِدِ
والمِدَاد: الطَّرِيقَةُ، يقال: بَنَوْا بُيُوتَهم على مِدَادٍ واحدٍ؛ أَي على طَرِيقَةٍ واحِدَة.
وفي التهذيب: مِدَادُ قَيْسٍ: لُعْبَةٌ لهم أَي لِصبيانِ العَرب.
ويقال: وادِي كذا يَمُدُّ في نهر كذا؛ أَي يَزِيد فيه. ويقال منه: قَلَّ ماءُ رَكِيَّتِنا فَمَدَّتْهَا رَكِيَّةٌ أُخْرَى فهي تَمُدُّهَا مَدًّا.
ومَدَّ النَّهْرُ النَّهْرَ إِذا جَرَى فيه. وقال اللِّحيانيّ: يقال لكلّ شيْءٍ دَخَل فيه مِثْلُه فَكثَّرَهُ مَدَّه يَمُدُّه مَدًّا. وفي التنزيل العزيز: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} أَي يَزِيد فيه ماء مِن خَلْفِه تَجُرُّه إِليه وَتُكَثِّرهُ. وفي حديث الحَوْض يَنْبَعِث فيه مِيزَابَانِ مِدَادُهُما أَنهارُ الجَنّة؛ أَي تَمُدُّهما أَنْهَارُها. وقال الفَرَّاءُ في قوله تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} قال: يكون مِدَادًا كالمِدَادِ الذي يُكْتَبُ به، والشيءُ إِذَا مَدَّ الشيءَ فكان زِيَادَةً فيه فهو يَمُدُّه. تقول: دِجْلَة تَمُدُّ [بِثارَنَا وأَنْهَارَنَا، والله يَمُدُّنَا بها.
والمَدْمَدُ كجَعْفَر: النَّهْرُ، والمَدْمَدُ: الحَبْلُ، قاله الأَصمعيّ، وفي بعض النُّسخ الجَبَلُ، والأَوَّل الصوابُ.
ونَصُّ عِبَارَة الأَصمعيّ: والمَدُّ: مَدُّ النَّهْرِ، والمَدُّ: مَدُّ الحَبْلِ والمَدّ أَن يَمُدَّ الرَّجُلُ [الرَّجُلَ] في غَيِّه. قلت: فهي تَدُلُّ صَرِيحًا أَنّ المَدَّ هُنا ثُلاثيٌّ لا رُبَاعيٌّ مُضَاعَفٌ كما توهَّمَه المصنِّف.
والمُدُّ، بالضمّ: مِكْيَالٌ، وهو رِطْلانِ عند أَهل العِرَاق وأَبي حَنيفةَ أَو رِطْلٌ وثُلُثٌ عند أَهلِ الحِجَازِ والشافعيِّ، وقيل: هو رُبْعُ صَاعٍ، وهو قَدْرُ مُدِّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، والصَّاعُ خَمْسَةُ أَرطَالٍ وأَرْبَعَةُ أمْدَادٍ قال:
لَمْ يَغْذُهَا مُدٌّ وَلَا نَصِيفُ *** وَلَا تُمَيْرَاتٌ وَلَا تَعْجِيفُ
وفي حديثِ فَضْلِ الصَّحَابَةِ: «مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم ولَا نَصِيفَهُ» وإِنّمَا قَدَّرَه به لأَنّه أَقَلُّ ما كانُوا يَتَصَدَّقُون به في العَادَة. أَو مِلْءُ كَفَّيِ الإِنسانِ المُعْتَدِلِ إِذا مَلأَهُمَا ومَدَّ يَدَه بهما، وبه سُمِّيَ مُدًّا، هكذا قَدَّرُوه، وأَشار له في اللِّسَان.
وقد جَرَّبْتُ ذلِكَ فَوَجَدْتُه صَحِيحًا، الجمع: أَمْدَادٌ، كَقُفْلٍ وأَقْفَالٍ، ومِدَدَةٌ ومِدَدٌ، كعِنَبةٍ وعِنَبٍ، في القليل، ومِدَادٌ، بالكسر في الكثير، قال:
كَأَنَّمَا يَبْرُدْنَ بِالغَبُوقِ *** كَيْلَ مِدَادٍ مِنْ فَحًا مَدْقُوقِ
قِيل: ومنه: سُبْحَانَ الله مدَادَ كَلِمَاتِه، ومِدَادَ السَّمواتِ ومَدَدَها؛ أَي قَدْرَ ما يُوازِيها في الكَثْرَة عِيَارَ كَيْلٍ أَو وَزْنٍ أَو عَدَدٍ أَو ما أَشْبَهه مِن وُجُوه الحَصْرِ والتقديرِ، قال ابنُ الأَثير: وهذا تَمْثِيلٌ يُرَادُ به التقديرُ، لأَن الكلام لا يَدْخُل في الكَيْلِ والوَزْنِ، وإِنما يَدْخُل في العَددِ، والمِدَاد مَصْدَرٌ كالمَدَدِ، يقال: مَددْت الشيءَ مَدًّا ومِدَادًا، وهو ما يُكْثَّر به ويُزَاد.
والمُدَّةُ، بالضَّم: الغايَةُ من الزَّمانِ والمَكَانِ، ويقال: لهذه الأُمَّةِ مُدَّةٌ أَي غايَةٌ في بَقَائِها، والمُدَّة: البُرْهَةُ من الدَّهْرِ. وفي الحديثِ «المُدَّة التي مَادَّ فيها أَبا سُفْيَانَ» قال ابن الأَثير: المُدَّة: طائفةٌ مِن الزَّمَانِ تَقَعُ على القَليلِ والكَثِير. ومَادَّ فيها أَي أَطَالَها.
والمُدَّة: اسْمُ ما استَمْدَدْتَ بِه مِن المِدَاد عَلَى القَلَمِ، والعَامَّة تقول بالفتح والكسر، ويقال مُدَّني يا غُلامُ مُدَّةً منِ الدَّوَاة. وإِن قلتَ: أَمْدِدْني مُدَّةً، كان جائزًا، وخُرِّج على مَجْرَى المَدَد بها والزِّيادة.
والمِدَّةُ بالكسر: القَيْحُ المُجْتَمِع في الجُرْح.
والأُمْدُودُ، بالضمّ: العَادَة.
والأَمِدَّةُ، كالأَسِنَّةِ جَمْعِ مِدَاد، كسِنَانٍ، وضبطه الصاغانيُّ بكسر الهمزةِ بِخَطِّه، فليس تَنظيرُه بالأَسِنَّة بصحيح: سدَى الغَزْلِ، وهي أَيضًا المِسَاكُ في جَانِبَيِ الثَّوْبِ إِذا ابتُدِئَ بِعَمَلِه، كذا في اللسان.
والإِمِدَّانُ بِكسرتينِ، وفي بعض النسخ: كعِفِتَّانٍ: الماءُ المِلْحُ، كالمِدَّانِ، بالكسر، وهذه عن الصاغانيّ، وقيل: هو الشديدُ المُلُوحَةِ، وقيل: مِيَاهُ السِّبَاخِ، قال: وهو إِفْعِلَانٌ، بكسر الهمزة، وقال زيدُ الخَيْلِ، وقيل: هو لأَبي الطَّمَحَانِ.
فَأَصْبَحْنَ قَدْ أَقْهَيْنَ عَنِّي كَمَا أَبَتْ *** حِيَاضَ الإِمِدَّانِ الظِّبَاءُ القَوامِحُ
والإِمِدَّانُ: النَّزُّ، وقد تُشَدَّد المِيمُ وتُخَفَّف الدالُ، وهو قولٌ آخرُ أَوردَه صاحبُ اللسان، وموضعه أَم د.
ومن المَجاز قولهم: سُبحَانَ الله مِدَادَ السَّموَاتِ ومِدَادَ كلماتِه ومَدَدَهَا أَي عَدَدَهَا وكَثْرَتَها ذكره ابنُ الأَثير في النّهايَة.
والإِمْدَادُ: تأْخِير الأَجَلِ والإِمهالُ، وقد أَمَدَّ له فيه: أَنْسَأَه.
والإِمداد: أَنْ تَنْصُرَ الأَجْنَادَ بِجَمَاعةٍ غَيْرَكَ، والمَدَدُ: أَن تصير لهم ناصِرًا بنفْسِك.
والإِمدادُ: الإِعطاءُ والإِغاثَةُ، يقال: مَدَّه مِدَادًا وأَمَدَّه: أَعطاه، وحكى اللِّحْيَانيُّ: أَمَدَّ الأَميرُ جُنْدَه بالخيلِ والرِّجالِ وأَعانهم وأَمَدَّهم بمالٍ كثيرٍ وأَغَاثَهُم، قال: وقال بعضهم: أَعْطَاهم، والأَوّل أَكْثَرُ، وفي التنزيل العزيز {وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ} أَو ما كان في الشَّرِّ فإِنك تقول مَدَدْتُه، وما كان في الخَيْرِ تقول أَمْدَدْتُه بالأَلف، قاله يُونُس، قال شيخُنا: هو على العَكْس في وَعَدَ وأَوْعَدَ، ونقَلَ الزمخشريُّ عن الأَخفش: كُلُّ ما كان من خَيْرٍ يقال فيه: مَدَدْتُ، وما كان مِن شَرٍّ يقال فيه: أَمْدَدْت، بالأَلف. قلت: فهو عكس ما قاله يُونُس. وقال المُصَنّف في البصائر: وأَكثَرُ ما جاءَ الإِمداد في المَحْبُوب، والمَدَد في المَكْرُوه، نحو قوله تعالى: {وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمّا يَشْتَهُونَ}.
{وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا}.
والإِمداد: أَن تُعُطِيَ الكاتِبَ مَدَّةَ قَلَمٍ أَو مُدَّةً بقلم، كما في بعض الأُمَّهاتِ، يقال: مُدَّني يا غلامُ وأَمْدِدْنِي، كما تقدّم.
والإِمداد في الجُرْحِ: أَن تَحْصُلَ فيه مِدَّةٌ، وهي غَثِيثَتُه الغَلِيظَة، والرَّقيقةُ: صَدِيدٌ، كما في الأَساس، قال الزمخشريّ: أَمَدَّ الجُرْحُ. رُبَاعِيًّا لا غيرُ، ونقلَه غير واحدٍ.
والإِمدادُ في العَرْفَجِ: أَن يَجْرِيَ الماءُ في عُودِهِ، وكذا الصِّلِّيَان والطَّرِيفة.
والمَادَّةُ: الزِّيادَةُ المُتَّصِلَةُ. وَمَادَّةُ الشيْءِ: ما يَمُدُّه، دَخلتْ فيه الهاءُ للمبالغة. والمَادَّةُ: كُلُّ شَيْءٍ يكونُ مَدَدًا لغيرِهِ، ويقال: دَعْ في الضَّرْع مَادَّةَ اللَّبنِ. فالمَتْرُوك في الضَّرْع هو الدَّاعِيَةُ، وما اجتمع إِليه فهو المَادَّة.
والمُمَادَّةُ: المُمَاطَلَةُ وفُلانٌ يُمَادُّ فُلانًا؛ أَي يُمَاطِله ويُجَاذِبه. وفي الحديث «إِن شَاؤُوا مَادَدْنَاهُم».
والاسْتِمْدادُ: طَلَبُ المَدَدِ والمُدَّةِ.
وفي التهذيب في ترجمة دمم: دَمْدَمَ إِذا عَذَّبَ عَذَابًا شَدِيدًا، ومَدْمَدَ إِذا هَرَبَ، عن ابنِ الأَعرابيّ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
مَدَّ الحَرْفَ يَمُدُّه مَدًّا: طَوَّلَه. قال ثعلب: كُلُّ شيْءٍ مَدَّه غَيْرُه فهو بأَلفٍ، يقال مَدَّ البَحْرُ وامْتَدَّ الحَبْلُ، قال الليث: هكذا تقول العرب.
وفي الحديث «فَأَمَدُّها خَوَاصِرَ» أَي أَوْسَعُها وأَتَمُّها.
والأَعرابُ أَصْلُ العَربِ ومَادَّةُ الإِسلامِ، وهو مَجَازٌ؛ أَي لِكَوْنِهم يُعِينُونَ ويُكَثِّرُونَ الجُيُوشَ ويُتَقَوَّى بِزكاةِ أَمْوَالِهم.
وقد جاءَ ذلك في حديث سيّدنا عُمَر رضي الله عنه.
والمَدَدُ: العساكر التي تَلْحَق بالمَغَازِي في سَبِيلِ الله، قال سيبويهِ: والجَمْع أَمْدَادٌ، قال: ولم يُجَاوِزُوا به هذا البِنَاءَ، ومن ذلك الحَديثُ: «كان عُمَرُ رضي الله عنه إِذا أَتى أَمْدَادُ أَهْلِ اليَمَنِ سأَلَهم: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ». وفي حديث عَوْفِ بن مالكٍ: «وَرافَقَني مَدَدِيّ من اليَمَنٍ» هو مَنْسوبٌ إِلى المَدَدِ.
وكُلُّ ما أَعَنْتَ به قَوْمًا في حَرْبٍ أَو غيرِه فهو مادَّة لَهم.
وفي حَدِيثِ الرَّمْيِ: «مُنْبِلُه والمُمِدُّ به» أَي الذي يَقُوم عند الرَّامِي فيُنَاوِلُه سَهْمًا بعد سَهْم أَو يَرُدُّ عَلَيْه النَّبْلَ من الهَدَفِ، يقال: أَمَدَّه يُمِدُّه فهو مُمِدٌّ.
وفي حديث عليٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه: «قائلُ كَلِمَةِ الزُّورِ والذي يَمُدُّ بِحَبْلِهَا في الإِثْمِ سَوَاءٌ» مَثَّلَ قائِلَها بالمَائحِ الذي يَمْلأُ الدَّلْوَ في أَسْفَلِ البِئرِ، وحاكِيَهَا بالماتِح الذي يَجْذِب الحَبْلَ على رَأْسِ البِئرِ ويَمُدُّه، ولهذا يقال: الرَّاوِيَةُ أَحَدُ الكَاذِبَيْنِ.
ومَدَّ الدَّوَاةَ، وأَمَدَّها: زاد في مائِها ونِقْسِهَا، ومَدَّهَا وأَمَدَّها: جَعَلَ فيها مِدَادًا، وكذلك مَدَّ القَلَمَ وأَمَدَّه، واسْتَمَدَّ مِن الدَّواة: أَخَذَ منها مِدَادًا. والمَدَّة، بالفتحِ، الوَاحِدَةُ، مِن قَوْلِك مَدَدْتُ الشيْءَ.
ومن المَجاز: مَدَّ اللهُ في عُمرِك؛ أَي جعَل لِعُمْرِك مُدَّةً طَوِيلَةً، ومَدَّ في عُمْرِه بشيْءٍ وامْتَدَّ عُمرُه، ومَدَّ اللهُ الظِّلَّ، وامْتَدَّ الظِّلُّ والنَّهارُ، وظِلٌّ مَمْدُودٌ. وامْتَدَّتِ العِلَّة. وأَقمْتُ [عنده] مُدَّةً مَدِيدَةً. كل ذلك في الأَساس.
وقال ابنُ القطاع في الأَفعال: مَدَّ اللهُ تعالى في العُمْرِ: أَطالَه، وفي الرِّزْقِ: وَسَّعَه. والبَحْرُ والنَّهْرُ: زَادَ، ومَدَّهُمَا غَيْرُهما. وفي اللسان امْتَدَّ النهارُ: تَنَفَّس، وامْتَدَّ بهم السَّيْرُ: طَالَ، ومَدَّ في السَّيْرِ: مَضَى.
وفي الأَفعال لابن القَطَّاع: وأَمَدَّ اللهُ تعالى في الخَيْرِ: أَكْثَرَه.
ومَدَّ الرَّجُلُ في مِشْيتِه: تَبَخْتَر.
ومُدَّ الإِنسانُ مَدًّا: حَبِنَ بَطْنُه.
وفي الأَساس: وهذا مَمَدُّ الحَبْلِ. وطِرَازٌ مُمَدَّد.
قلت: أَي مَمدود بالأَطْنَاب، شُدِّد للمبالَغة. ومادَّهُ الثَّوبَ وتَمَادَّاهُ، ومن المَجازِ: مَدَّ فُلانٌ فِي وُجُوهِ المَجْدِ غُرَرًا، وله مالٌ مَمْدودٌ: كثير.
واستدرك شيخنا هنا نَقْلًا عن بعض أَربابِ الحواشي: تَمَادى به الأَمْر أَصلُه تَمادَدَ، بدالَيْنِ مُضَعَّفًا، ووقَع الإِبدال، كتَقَضَّى ونَحْوِه، وقيل، من المَدَى، وعليه الأَكْثَر، فلا إِبدالَ، وموضِعه المعتلُّ. قلت: وفي اللسان، قال الفرزدق:
رَأَتْ كَمَرًا مِثْلَ الجَلَامِيدِ فَتَّحَتْ *** أَحَالِيلَها لَمَّا اتْمَأَدَّتْ جُذُورُها
قيل في تفسيره: اتمأَدَّتْ، قال ابنُ سِيده: ولا أَدرِي كيف هذا، اللهُمَّ إِلّا أَن يريد تَمَادَّتْ فسَكَّنَ التَّاءَ واجْتَلَب للساكِن أَلِفَ الوَصْلِ كما قالوا: {ادَّكَرَ} وادارأتم {فَادّارَأْتُمْ} فِيها) وهَمَز الأَلف الزائدة كما هَمز بعضُهم أَلِف دَابَّة فقال دَأَبَّة.
ومُدٌّ، بالضمّ، اسمُ رجُلٍ من دارِمٍ، قال خالدُ بن عَلْقَمَة الدَّارِمِيّ يَهجو خُنْشُوشَ بن مُدٍّ:
جَزَى اللهُ خُنْشُوشَ بنَ مُدٍّ مَلَامَةً *** إِذَا زَيَّنَ الفَحْشَاءَ للنَّاسِ مُوقُها
وأَرْضٌ مَمْدُودَةٌ أُصْلِحَتْ بالمِدَادِ. والمَدَادِينُ جَمْع مِدَّانٍ، للمِيَاه المِلْحَةِ.
والمَدَّادُ، ككَتَّانٍ: الحَبَّارُ، وهو المَدَّادِيُّ أَيضًا، والولِيدُ بن مُسْلِم المَدَّادِيّ من شُعَرَاءِ الأَندلس في الدَّولَةِ العامِرِيّة.
وقد سَمَّوْا مَمْدُودًا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
22-تاج العروس (كثر)
[كثر]: الكَثْرَةُ، ويُكْسَر: نَقِيضُ القِلَّةِ، وفي الصّحاح: الكَسْرُ لغةٌ رديئة، قال شيخُنَا: وهو الذي صَرَّح به في الفَصِيح، وجَزَمَ شُرَاحُه بأَنّ الأَفصحَ هو الفتح. وحَكَى ابنُ علّان في شرح الاقتراح أَنَّ الكثْرة مُثَلَّثة الكاف، والفتْحُ أَشْهَر، ونَقَلَه غَيْرُه، وأَنكر الضَّمَّ جماعةٌ، وصَوَّب جماعةٌ الكَسْرَ إِذا كان مقرونًا مع القِلَّةِ للازْدِوَاج. كالكُثْرِ، بالضَّمِّ، يُقَال: الحَمْدُ لله على القُلِّ والكُثْرِ والقِلّ والكِثْرِ، وفي الحَدِيث: «نِعْمَ المَالُ أَرْبَعُون، والكُثْرُ سِتُّون»، الكُثْر بالضّمّ: الكثر، كالقُلِّ في القَلِيل. والكُثْرُ هُوَ: مُعْظَمُ الشَّيْءِ وأَكْثَرُه. وقال اللَّيْث: الكَثْرَةُ: نَمَاءُ العَدَدِ، يُقَال: كَثُرَ الشيءُ، ككَرُمَ، يَكْثُرُ كَثْرَةً وكَثَارَةً، فهو كَثْرٌ وكَثِيرٌ وكُثَارٌ وكاثِرٌ وكَيْثَرٌ، كعَدْل وأَمِير وغُرَاب وصاحِب وصَيْقَل الأَخير نَقَلَه الصاغانيّ، وأَنشد أَبُو تُراب:هَلِ العِزُّ إِلّا اللُّهَى والثَّرَا *** ءُ والعَدَدُ الكَيْثَرُ الأَعْظَمُ
وَكَثَّرَهُ تَكْثِيرًا: جَعَلَه كَثِيرًا، وأَكْثَرَهُ كذلك. ورَجُلٌ مُكْثِرٌ، كمُحْسِن: ذُو مال كثير، أَو ذو كُثْر من المال، ومِكْثَارٌ ومِكْثِيرٌ بكسرِهما: كثيرُ الكَلَامِ، يستَوِي فيه الرجلُ والمَرْأَةُ.
وأَكْثَرَ الرجلُ: أَتَى بكَثِير. وأَكْثَرَ النَّخْلُ: أَطْلَعَ، من الكَثَر محرَّكة وهو طَلْع النَّخْلِ، كما سيأْتي. وأَكثَرَ الرجلُ: كَثُرَ مالُه، كأَثْرَى.
والكُثَارُ، كغُرابٍ: الكَثِير. والكِثَار، مثل كِتَاب: الجَمَاعَاتُ. يُقَال: في الدَّارِ كُثَارٌ من النّاس وكِثَارٌ. ولا يكون إِلَّا من الحيوانات.
وكَاثَرُوهم: فكَثرُوهم: غَالَبُوهُم فغَلَبُوهُمْ بالكَثْرة، أَو كانُوا أَكثرَ منهم، ومنهالحَدِيثُ: «إِنَّكُم لَمَع خليقَتَيْن ما كَانَتَا مع شيءٍ إِلَّا كَثَّرتاه»؛ أَي غَلَبتاه بالكَثْرة وكانَتَا أَكثرَ منه، وكَاثَره الماءَ، واسْتَكْثَرَه إِيَّاهُ، إِذا أَرادَ لِنَفْسِهِ منه كَثِيرًا لِيَشْرَبَ منه وان كان الماءُ قليلًا.
واسْتَكْثَرَ من الشَّيْءِ: رَغِبَ في الكَثِيرِ مِنْهُ، وأَكْثَرَ منه أَيضًا.
والكَوْثَرُ، كجوْهر: الكَثِيرُ من كُلِّ شيْءٍ. والكَوْثَرُ: الكَثِيرُ المُلْتَفّ من الغُبَارِ إِذا سَطَعَ وكَثُر. هُذَلِيَّةٌ، قال أُميَّةُ يصف حِمارًا وعانَتَه:
بِحامِي الحَقِيقِ إِذا ما احْتَدَمْنَ *** وحَمْحَمْنَ في كَوْثَرٍ كالجِلَالِ
أَراد في: غُبَارٍ كأَنّه جِلالُ السَّفينة.
وجاءَ في بعضِ التفاسِيرِ أَنَّ المُرادَ بالكَوْثَرِ في الآيَة الإِسْلامُ والنَّبُوَّةُ، وقِيل: القرآنُ، وقيل الشَّفَاعَةُ العُظْمَى لأُمَّتِه، وقيل: الخَيْرُ الكَثِير الّذي يُعْطِيه الله أُمَّتَه يومَ القيامة.
وكَوْثَر: قرية: بالطَّائِفِ كانَ الحَجَّاجُ مُعَلِّمًا بها، هكذا نقله الصاغانيّ، وفي مختصر البُلْدَان أَنَّه: جبَلٌ بين المَدِينة والشامِ.
والكَوْثَرُ: الرَّجُلُ الخَيِّرُ المِعْطَاءُ، كثير العَطاءِ والخَيْر، كالكَيْثَرِ، كصَيْقَلِ: وهو السَّخيُّ الجَيِّد، قال الكُمَيْتُ:
وأَنْتَ كَثِيرٌ يا ابْنَ مَرْوَانَ طَيِّبٌ *** وكَانَ أَبوكَ ابنُ العَقَائِلِ كَوْثَرَا
وقِيل: الكَوْثَرُ هو: السيِّدُ الكَثِيرُ الخَيْرِ. والكَوْثَر: النَّهْرُ، عن كُراع، وفي حديث مُجاهِد: «أُعْطِيتُ الكَوْثَر» وهو نَهْرٌ في الجَنّةِ، وهو فَوْعَلٌ من الكَثْرَةِ والواو زائدة، ومعناه الخَير الكَثِير يَتَفَجَّر منه جَمِيعُ أَنهارِهَا، وهو للنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خاصَّة، وبه فُسِّرت الآيةُ، وجاءَ في صِفَتهِ أَنَّه أَشدُّ بياضًا من الَّلبَنِ وأَحْلَى من العَسَل، حافَتُه قِبَاب الدُّرِّ المجَوَّف.
والكَثْر، بالفَتْح، عن ابن درَيْد، ويحَرَّكُ: جُمَّارُ النَّخْلِ عامَّةً أَنصارِيَّة، وهو شَحْمُه الذي في وَسَط النَّخْلَة، وهو الجَذَب أَيضًا أَوْ طَلْعُهَا، ومنهالحَدِيثُ: «لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ» ومنه قولُهم: أَكْثَرَ النخلُ، إِذا أَطْلَعَ. وقد تَقَدَّم في كلام المصنِّف.
وكَثِيرٌ، كأَمِير، اسمٌ، وكُثَيِّرٌ، بالتَّصْغِيرِ مع التَّشْدِيد: صاحِب عَزَّة، مشهور، وهو أَبو صَخْرٍ كُثَيِّرُ بنُ عبدِ الرَّحْمنِ الشاعِرُ. وقد سَمَّوْا كَثِيرَةَ، وهو اسمُ امرَأَةٍ، وكُثَيْرًا، كزُبَير، ومُكَثِّرًا، كمُحَدِّث، ومُكْثِرًا كمُحْسِن، وكُثْرةَ، بالضَّمّ، فمن الأَوّل: كَثِيرَةُ مولاةُ عائشَةَ، حدَّثَ عنها فَضَالَة بن حُصَين، وكَثِيرَةُ بنتُ جُبَيْر، عن أَبِيهَا، وعنها حُمَيْدٌ الطَّوِيل، وأَبو كَثِيرةَ اسمه رُفَيْعٌ، رَوَى عن عَلِيّ، وعنه عُمَرُ بن حُدَيْر؛ وكَثِيرَةُ بنتُ أَبي سُفْيَانَ الخُزَاعِيّةُ، لها صُحْبَة، ذكرها ابنُ مَنْدَه وأَبُو نُعَيم، وذكرها ابنُ ماكُولَا بموَحّدَة. قلتُ: رَوَى عنها مولاها أَبو وَرَقة في فَضْلِ الأُضْحِيَّة. وأَبو كَثِير مَوْلَى عبدِ الله بن جَحْش، كأَمير، جعله بعضُهم صَحابِيًّا، وهو وَهَمٌ وبالتَّصْغِير مع التَّشْدِيد كُثَيِّر بن عَمْرٍو الهِلاليّ شاعر.
وإِبراهِيم بن عبد الرَّحمن بن محمّد بن عبد الله بن كَثِيرِ بنِ الصَّلْت الكَثِيريّ، بالفتح، روى عنه الزُّبيرُ بنُ بَكّار، وولده محمّد بنُ إِبراهيمَ الكَثِيريّ، روى عنه الطَّحَاوِيّ. وجَعْفَر ابن الحَسَن الكَثِيرِيّ، شيخٌ للسَّمْعَاني، وأَحمدُ بنُ جَوادِ بن قَطَنِ بن كُثَيْر، كزُبَيْر، سمعَ القَعْنَبِيّ، ذكره المالِينيّ.
وبالضّمِّ: كُثَيْرَة بنتُ مالكِ بن عبدِ الله بن محمَّد التَّيميّ، حَدَّثَت.
وكَثْرَى، كسَكْرَى: صَنَمٌ كان لجَدِيسٍ وطَسْمٍ، كَسَرَهُ نَهْشَلُ بنُ الرُّبَيْسِ بن عَرْعَرَةَ، ولَحِقَ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فأَسْلَمَ، وكتب له كِتابًا: قال عَمْرُو بن صَخْرِ بن أَشْنَع:
حَلَفْتُ بكَثْرَى حَلْفَةً غَيرَ بَرَّةٍ *** لتُسْتَلَبَنْ أَثْوَابُ قُسِّ بنِ عازِبِ
والكَثِيراءُ، عِقِّيرٌ معرُوفٌ، وهو رُطُوبَةٌ تَخْرُج من أَصْلِ شَجَرَةٍ تكونُ بجِبَالِ بَيْرُوتَ ولُبْنَانَ في ساحِلِ الشّام، وله منافعُ وخَواصّ مذكورةٌ في كتب الطِّبّ.
والكُثْرَى، كبُشْرَى، من النَّبِيذِ: الاسْتِكْثَارُ منه، نقله الصاغانيّ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
قَوْلُهُم: أَكْثَرَ الله فِينَا مِثْلَك: أَدْخَلَ، حكاه سِيبَوَيْه.
وفي حَدِيثِ الإِفْك: «ولهَا ضَرائرُ كَثَّرْن فيها» أَي كَثَّرْنَ القَوْلَ فيها والعَنَت لها. وفيه أَيضًا: «وكان حَسَّان مِمَّنْ كَثَّرَ عليها»، ورُوِيَ بالموحَّدة أَيضًا.
وعَدَدٌ كاثِرٌ: كثيرٌ، قال الأَعْشَى:
ولَسْتَ بالأَكْثَرِ منهم حَصىً *** وإِنَّمَا العِزَّةُ للكاثِرِ
ورَجُلٌ كَثْر يُعنَى به كَثْرَةُ آبَائِه وضُروبُ عَلْيَائِه. وروى ابنُ شُمَيْل عن يُونُسَ: رَجُلٌ كَثِيرٌ ورِجَالٌ كَثِيرَةٌ، ونساءٌ كَثِيرَةٌ.
والتَّكَاثُر: المكَاثَرَة.
ورَجلٌ مَكْثُورٌ عليه، إِذا كَثُرَ عليه مَن يَطلُب منه المعروفَ. وفي الصحاح: إِذا نَفِذَ ما عِنْدَه وكَثُرَتْ عليه الحُقُوقُ والمطَالَبَاتُ. والمَكْثُور: المَغْلُوب، وهو الَّذِي تَكَاثَرَ عليه النّاس فقَهَروه.
وَتَكَوْثَرَ الغُبار، إِذا كَثُرَ، قال حَسّانُ بنُ نُشْبَةُ:
أَبَوْا أَنْ يُبِيحُوا جَارَهم لِعَدوِّهِمْ *** وقد ثارَ نَقْعُ المَوْتِ حَتَّى تَكَوْثَرَا
وكَثرَةُ، محرَّكةً: وَاد في دِيَار الأَزْدِ. وكَوْثَرُ بنُ حَكِيم، عن نافع وآلُ بَاكَثِير، كأَمِير: قَبِيلَةٌ بحَضْرَمَوْت، فيهم محَدِّثُون، منهم: الإِمام المحدِّثُ المعَمَّر عبد المعْطِي بنُ حَسنِ بنِ عَبْدِ الله بَاكَثِير الحَضْرَمِيّ المَتَوَفَّى بأَحْمَد آباد، ولد سنة 905 وتُوفِّي سنة 989 أَجازه شيخُ الإسلام زَكَرِيَّا، وعنه أَخَذ عبد القَادِر بنُ شَيْخ العَيْدَروس بالإِجازة. وعبد اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ محَمّدِ بنِ عُمَرَ باكَثِير الشَّبَاميّ، ممّن أَخَذَ عن البخاريّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
23-تاج العروس (دكص)
[دكص]: دَكَنْكَصٌ، كسَفَرْجَلٍ، أَهْمَلَه الجَوْهَريُّ وصاحِبُ اللِّسَان، وهو اسْمٌ نَهْر بالهِنْدِ، قالَهُ ابنُ عَبّادٍ في المُحيط، نقْلًا عن الخَلِيلِ.وقَالَ ابنُ عُزَيْزٍ، كزُبَيْرٍ، في كتَابه دِيوَانِ الأَدَبِ ومَيْدَانِ العَرَبِ: دَكَنْكصوصٌ، وفي بعضِ النُّسَخ: دَكَنْكُوصٌ، وكَأَنَّه وَهَمٌ مِنْهُمَا، ونصُّ الصّاغَانِيِّ في العُبَابِ: فِي هذا الكَلَامِ نَظَرٌ من وُجُوهٍ، أَوّلًا: أَنَّ الخليلَ لَمْ يَذْكُرْه، وثانِيًا: لِأَنّ الصادَ لَيْس في لُغَةِ غَيْرِ العَرَبِ، واصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَقُولوا لِلمِائةِ صدْ كقَدْ، وكَذلِكَ إِلى التِّسْعِمائةِ أَيْ نَهْصَدْ، وثالِثًا: أَنّي شَرَّقْتُ وغَرَّبْتُ في الهِنْدِ والسِّنْدِ نَيِّفًا وأَرْبَعِين سَنَةً، وشاهَدْتُ أَكْثَرَ أَنْهارِهَا، وبَلَغْنِي أَسماءُ ما لم أُشاهِدْ مِنْهَا، وهِيَ تُرْبِي عَلَى تِسْعِمِائةِ نَهْرٍ فَلَمْ أَرَ هذا النّهْرَ، ولَمْ أَسْمَعْ بهِ، غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ نَهْرًا عظيمًا إِذا زادَ الماءُ يَكُونُ عَرْضُه فَرْسَخًا، وإِذا نَقَصَ يَكُونُ مِثْلَيْ عَرْضِ دِجْلَةَ في زِيَادَةِ الماءِ. وكُفّارُ الهِنْدِ يَحُجُّونَ إِلَيْهِ مِن أَقْطَارِ الْهِنْدِ فيَتَبَرَّكُونَ به، ويَحْلِقُونَ عندَهُ رُؤُوسَهم ولِحَاهُم، ويُسَرِّحُونَ فيه مَوْتَاهُم عَلَى السُّرُرِ، رَجاءَ تَمْحِيصِ ذُنُوبِهِم، عَلَى زَعْمِهِم، ومَنْ أَحْرَقُوه مِنْ مَوْتَاهُم يَذْرُونَ حُمَمَهُ ورَمَادَه فِيه، وهُوَ مِنْ أَشْهَرِ أَنْهَارِهِم، واسْمُه كِنْك، فإِنْ كَانَ وَقَعَ فِيهِ التَّحْرِيفُ، وإِلاَّ فَلَيْسَ في الهِنْدِ نَهْرٌ اسمُه دَكَنْكَصُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
24-تاج العروس (صرف)
[صرف]: الصَّرْفُ في الحَدِيثِ: «الْمدِينَةُ حَرَمٌ ما بينَ عائِرٍ ـ ويُرْوَى عَيْرٍ ـ إلى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا، أَو آوَى مُحْدِثًا، فعليه {لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ}، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ولا عَدْلٌ»: التَّوْبَةُ، والعَدْلُ: الفِدْيَةُ، قاله مَكْحُولٌ.أَو: هو النافِلَةُ، والعَدْلُ: الفَرِيضَةُ قاله أبو عُبَيْدٍ.
أَو بالعَكْسِ أي: لا يُقْبَلُ منه فَرْضٌ ولا تَطَوُّعٌ، نقله ابنُ دُرَيْدٍ عن بعضِ أَهْلِ اللُّغَةِ.
أَو هو الوَزْنُ، والعَدْلُ: الكَيْلُ أو هو الاكْتِسابُ، وَالعَدْلُ: الفِدْيَةُ.
أَو الصَّرْفُ: الحِيلَةُ، وهو قولُ يُونُسَ ومنه قيل: فُلانٌ يَتَصَرَّفُ: أي يَحْتالُ، وهو مجازٌ، وقال الله تعالى: فما يسْتَطِيعُونَ صَرْفًا ولا نَصرًا وقال غيرُه في مَعْنَى الآيةِ: أي ما يَسْتَطِيعُونَ أَن يَصْرِفُوا عن أَنْفُسِهِمُ العَذابَ ولا أَن يَنْصُرُوا أَنْفُسَهُم.
وَفي سِياقِ المصنِّفِ نَظَرٌ ظاهر.
ثم إِنه ذَكَرَ للصَّرْفِ المذكورِ في الحَدِيثِ مع العَدْلِ أَربعةَ مَعانٍ، وفاتَهُ الصَّرْفُ: المَيْلُ، والعَدْلُ: الاسْتِقامةُ، قاله ابنُ الأَعرابِيّ، وقِيلَ: الصَّرْفُ: ما يُتَصَرَّفُ به، وَالعَدْلُ: المَيْلُ، قاله ثَعْلَبٌ، وقيلَ: الصَّرْفُ: الزِّيادةُ وَالفَضْلُ، وليس هذا بشَيءٍ، وقيل: الصَّرْفُ: القِيمة، وَالعَدْلُ: المِثْلُ، وأَصلُه في الفِدْيَةِ، يقال: لم يَقْبَلُوا منهم صَرْفًا ولا عَدْلًا: أي لم يَأْخُذوا منهم دِيَةً، ولم يَقْتُلُوا بقَتِيلهِم رَجُلًا واحِدًا، أي: طَلَبُوا منهم أَكْثَرَ من ذلك، وَكانت العَرَبُ تَقْتُلُ الرجُلَيْنِ والثلاثةَ بالرَّجُلِ الواحدِ، فإِذا قَتَلُوا رَجُلا برَجُلٍ فذلك العَدْلُ فيهم، وإذا أَخَذُوا دِيَةً فقد انْصَرَفُوا عن الدَّمِ إلى غيره، فصَرَفُوا ذلك صَرْفًا، فالقِيمةُ صَرْفٌ؛ لأَنَّ الشيءَ يُقَوَّمُ بغيرِ صِفَتِه، ويُعَدَّلُ بما كانَ في صِفَتِه، ثم جُعِلَ بعدُ في كُلِّ شيءٍ، حتى صارَ مَثَلًا فيمَنْ لم يُؤْخَذْ منه الشَّيْءُ الذي يَجِبُ عَلَيه، وأُلْزِمَ أَكْثَرَ منه، فتأَمَّلْ ذلِك.
والصَّرْفُ من الدَّهْرِ: حِدْثانُهُ ونَوائِبُه وهو اسمٌ له؛ لأَنَّه يَصْرِفُ الأَشْياءَ عن وُجُوهِها.
وقولُ صَخْرِ الغَيِّ:
عاوَدَنِي حُبُّها وقد شَحَطَتْ *** صَرْفُ نَواهَا فإِنَّنِي كَمِدُ
أَنَّثَ الصَّرْفَ لتَعْلِيقِه بالنَّوَى، وجَمْعُه صُرُوفٌ.
والصَّرْفُ: اللَّيْلُ والنَّهارُ، وهما صَرْفانِ بالفَتْحِ ويُكْسَرُ عن ابنِ عَبَّادٍ، وكذلِكَ الصِّرْعانِ، بالكسرِ أَيضًا، وقد ذُكِر في العين.
وصَرْفُ الحَدِيثِ في حديثِ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ: «من طَلَبَ صَرْفَ الحَدِيثِ ليَبْتَغِيَ بِهِ إِقبالَ وُجُوهِ الناسِ إِليه، لم يُرَحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ» هو: أَنْ يُزادَ فيه ويُحَسَّنَ، من الصَّرْفِ في الدَّراهِمِ، وهو فَضْلُ بعضِه على بَعْضٍ في القِيمَةِ قال ابنُ الأَثِيرِ: أرادَ بصَرْفِ الحَدِيثِ: ما يَتَكَلّفَه الإِنسانُ من الزِّيادَةِ فيه على قَدْرِ الحاجَةِ، وإِنَما كُرِهَ ذلك لِما يَدْخُلُه من الرِّياءِ والتَّصَنُّعِ، ولِما يُخَالِطُه من الكَذِبِ والتَّزَيُّدِ، وَالحَدِيثُ مَرْفُوعٌ من روايةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ في سُنَنِ أَبي دَاوُد وكذلك صَرْفُ الكلامِ يُقال: فلانٌ لا يَعْرِفُ صَرْفَ الكَلامِ، أي: فَضْلَ بعضِه على بعْضٍ.
ويُقالُ: لَهُ عَلَيهِ صَرْفٌ: أي شَفٌّ وفَضْلٌ، وهُوَ مِنْ صَرَفَهُ يَصْرِفُه؛ لأَنَّهُ إذا فُضِّلَ صُرِفَ عن أَشْكالِهِ، ونَظائِرِه.
والصَّرْفَةُ: مَنْزِلَةٌ للقَمَرِ، نَجْمٌ واحِدٌ نَيَّرٌ، يتلُو الزُّبْرَةَ خَلْفَ خَراتَيِ الأَسَدِ، يُقال: إِنه قَلْبُ الأَسدِ، إذا طَلَعَ أَمامَ الفَجْرِ فذلِكَ الخَرِيفُ، وإذا غابَ مع طُلوعِ الفَجْرِ فذلِكَ أَوَّلُ الرَّبِيعِ، قال ابن كُناسَةَ: سُمِّيَ هكذا في النُّسَخِ، وَكأَنَّهُ يرجِعُ إلى النَّجْمِ، وفي سائِرِ الأُصُولِ سُمِّيَتْ بذلِكَ لانْصِرافِ البَرْدِ وإِقْبالِ الحَرُّ بطُلُوعِها أيْ: تلك المَنْزِلَة، قال ابنُ بَرِّي: صَوابُه أَنْ يُقال: سُمِّيَتْ بذلِكَ لانْصِرافِ الحَرِّ وإِقبالِ البَرْدِ.
والصَّرْفَةُ: خَرَزَةٌ للتَّأْخِيذ وقال ابنُ سِيدَه: يُسْتَعْطَفُ بها الرِّجالُ يُصْرَفُون بها عن مَذاهِبِهِم ووُجُوهِهِم، عن اللِّحْيانِيّ.
والصَّرْفَةُ: نابُ الدَّهْرِ الذي يَفْتَرُّ هكذا هو نَصُّ المُحِيط، وفي التهْذِيبِ: والعَرَبُ تقولُ: الصَّرْفَةُ نابُ الدّهْرِ؛ لأَنَّها تَفْتَرُّ عن البَرْدِ، أو عن الحَرِّ، في الحالَتَيْنِ، فتَأَمَّلْ ذلِكَ.
والصَّرْفَةُ: القَوْسُ التي فِيها شامَةٌ سَوْداءُ لا تُصِيبُ سِهامُها إذا رُمِيَتْ عن ابنِ عَبَّادٍ.
وقال أَيضًا: الصَّرْفَةُ: أَنْ تَحْلُبَ النّاقةَ غُدْوَةً، فتَتْرُكَها إلى مِثْلِها مِنْ أَمْسِ نقله الصّاغانِيّ.
وصَرَفَهُ عن وَجْهِهِ يَصْرِفُه صَرْفًا: رَدَّهُ فانْصَرَفَ.
وَقولُه تَعالى: {صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} أي: أَضَلَّهُم الله مُجازاةً على فِعْلِهِمْ.
وَقولُه تَعالَى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ} أي أَجْعَلُ جَزاءَهُم الإِضْلالَ عن هِدايَةِ آياتِي.
وصَرَفَتِ الكَلْبَةُ تَصْرِفُ صُرُوفًا بالضمِّ وصِرافًا، بالكَسْرِ: اشْتَهَتِ الفَحْلَ، وهي صارِفٌ قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: السِّباعُ كلُّها تَجْعِلُ وتصْرِفُ: إذا اشْتَهَتِ الفَحْلَ، وقد صَرَفَتْ صِرافًا، وهي صارِفٌ، وأَكْثَرُ ما يُقَالُ ذلك كُلُّه للكَلْبَةِ.
وَقال اللَّيْثُ: الصِّرافُ: حِرْمَةُ الشاءِ والكِلابِ والبَقَرِ.
وصَرَفَ الشرابَ صُرُوفًا: لم يَمْزُجْها هكذا في سائِرِ النُّسَخِ، ومثلُه نَصُّ المُحِيطِ، وهو غَلَطٌ، صوابُه: لم يَمْزُجْهُ وهو أي، الشَّرابُ مَصْرُوفٌ وقولُ المُتَنَخِّلِ الهُذَلِيِّ:
إنْ يُمْسِ نَشْوانَ بمَصْرُوفَةٍ *** مِنْها بِرِيٍّ وعَلَى مِرْجَلِ.
يَعْنِي بكأْسٍ شُرِبَتْ صِرْفًا على مِرْجَلٍ، أي: على لَحْمٍ طُبِخَ، في قِدْرٍ.
وصَرَفَتِ البَكَرَةُ تَصْرِفُ صَرِيفًا: صَوَّتَتْ عندَ الاسْتقاءِ وصَرَفَ الخَمْرَ يَصْرِفُها صَرْفًا: شَرِبَهَا وهي مَصْرُوفَةً خالصةٌ لم تُمْزَجْ.
وصَرَفَ الصِّبْيانَ: قَلَبَهُم من المَكْتَبِ.
وقال ابنُ السِّكِّيتِ: الصَّرِيفُ كأَمِيرٍ: الفِضَّةُ ومثلُه قولُ أَبي عَمْروٍ، وزادَ غيرُهما: الخالِصَةُ وأَنشدَ:
بَنِي غُدانَةَ حَقًّا لَسْتُمُ ذَهَبًا *** وَلا صَرِيفًا ولكن أَنْتُمُ خَزَفُ
وَهذا البيتُ أَورَده الجَوْهَرِيُّ:
بَنِي غُدانَةَ ما إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبًا *** وَلا صَرِيفًا
قال ابنُ بَرِّيّ: صوابُ إِنْشادِه «ما إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ»؛ لأَنَّ زيادَةَ إنْ تُبْطِلُ عملَ ما.
والصَّرِيفُ: صَرِيرُ البابِ، و: صَرِيرُ نابِ البَعِيرِ، ومنه ناقَةٌ صَرُوفٌ بَيِّنَةُ الصَّرِيفِ، وكذا نابُ الإنْسانِ، يقالُ: صَرَفَ الإنسانُ والبَعِيرُ نابَه، وبِنابِهِ يَصْرِفُ صَرِيفًا: حَرَقَه، فسَمِعْتَ له صَوْتًا.
وَقال ابنُ خالَوَيْهِ: صَرِيفُ نابِ الناقَةِ يَدُلُّ على كلالِها، وَنابِ البَعِيرِ على [قَطَمِهِ و] غُلْمَتِه.
وَقولُ النابِغَةِ يصفُ ناقةً:
مَقْذُوفَةٍ بدَخِيسِ النَّحْضِ بازِلُها *** له صَرِيفٌ صَريفَ القَعْوِ بالمَسَدِ
هو وَصْفٌ لها بالكَلالِ، وقال الأَصْمَعِيُّ: إنْ كانَ الصَّرِيفُ من الفُحُولَةِ فهو من النَّشاطِ، وإن كان من الإِناثِ فهو من الإعْياءِ، وبين بابٍ ونابٍ جِناسٌ.
والصَّرِيفُ: اللَّبَنُ ساعَةَ حُلِبَ وصُرِفَ عن الضَّرْعِ، فإذا سَكَنَتْ رَغْوَتُه فهو الصَّرِيحُ، قال سَلَمةُ بنُ الأَكْوَعِ ـ رضي الله عنه ـ:
لكِنْ غَذَاهَا اللَّبَنُ الخَرِيفُ *** أَلْمَخْضُ والقارِصُ والصَّرِيفُ
والصَّريفُ: موضع، قُرْبَ النِّباجِ على عَشْرَةِ أَميالٍ منه مِلْكٌ لبَنِي أُسَيْد بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ قال جَرِيرٌ:
أَجِنَّ الهَوَى ما أَنْسَ لا أَنسَ مَوْقِفًا *** عَشِيَّةَ جَرْعاءِ الصَّرِيفِ ومَنْظَرَا
وقال أَبو حَنِيفَةَ: زَعَم بعضُ الرُّواةِ أنَّ الصَّرِيفَ: ما يَبِسَ من الشَّجَرِ مثل الضَّرِيعِ، وهو الَّذِي فارِسِيَّتُه خُذْخوش وَهو القُفْلُ أَيضًا.
وقال مَرَّةً: الصَّرِيفَةُ، كسَفِينَةٍ: السَّعَفَةُ اليابِسَةُ، والجَمْعُ صَرِيفٌ.
والصَّرِيفَةُ: الرُّقاقَةُ، ج: صُرُفٌ بضَمَّتَيْنِ وصِرافٌ، وَصَرِيفٌ.
وصَرِيفُونَ في سَوادِ العِراقِ في موضِعَيْنِ، أَحَدُهما: قرية، كَبِيرةٌ غَنَّاءُ شَجْرَاءُ قُربَ عُكْبَراءَ وأَوانَى، عَلَى ضَفَّةِ نَهْرِ دُجَيْل.
والآخَرُ: قرية بواسِطَ.
وَقولُه: مِنها الخَمْرُ الصَّرِيفِيَّةُ ظاهِرُه أنَّ الخَمْرَ مَنْسُوبةٌ إلى التي بواسِطَ، وليس كذلك، بل إلى القَرْيَةِ الْأُوْلَى التي عندَ عُكْبَراءَ، وإِليه أَشارَ الأَعْشَى بقوله:
وتُجْبَى إِليه السَّيْلَحُونَ ودُونَها *** صَرِيفُونَ في أَنْهارِها والخَوَرْنَقُ
قال الصاغَانِيُّ: وإليها نُسِبَت الخَمْرُ، وقال الأَعْشى أَيضًا:
تُعاطِي الضَّجِيعِ إذا أَقْبَلَتْ *** بُعَيْدَ الرُّقادِ وعندَ الوَسَنْ
صَرِيفِيّةً طَيِّبٌ طَعْمُها *** لها زَبَدٌ بينَ كُوبٍ ودَنْ
أو قيل لها: صَرِيفيَّةٌ، لأَنَّها أُخِذَتْ منَ الدَّنِّ ساعَتَئِذٍ، كاللَّبَن الصَّرِيفِ.
ويُرْوَى:
مُعَتَّقَةً قَهْوَةً مُرَّةً
وَقال اللَّيْثُ ـ في تَفْسِيرِ قَوْلِ الأَعْشَى ـ: إِنّها الخَمْرُ الطَّيِّبَةُ.
والصَّرْفانُ مُحَرَّكَةً: المَوْتُ عن ابنِ الأَعْرابِيِّ، وقال ابن عبّادٍ هو النّحاسُ وفي اللسانِ الرَّصاصُ القَلَعِيُّ، وبهما فُسِّرَ قَوْلُ الزَّبّاءِ [الملكة]:
ما لِلْجِمالِ مَشْيُها وَئِيدَا *** أَجَنْدَلًا يَحْمِلْنَ أَم حَدِيدَا
أَمْ صَرَفَانًا بارِدًا شَدِيدَا *** أَم الرِّجالُ جُثَّمًا قُعُودَا
وقيل: بل الصَّرَفانُ هنا: تَمْرٌ رَزِينٌ مثلُ البَرْنِيِّ؛ إلّا أَنَّه صُلْبُ المَضاغِ عَلِكٌ يُعِدُّها هكذا في النُّسَخِ، وَالصوابُ: يُعِدُّهُ ذَوُو العِيالاتِ، وذَوُو الأُجَراءِ وذَوُو العَبِيدِ؛ لِجَزائِها هكذا في النُّسَخِ والصوابُ: لجَزائِه وَعِظمِ مَوْقِعِه، والناسُ يَدَّخرُونَه، قاله أَبو حَنِيفَة.
أَو هُوَ الصَّيْحانِيُّ بالحِجَازِ، نَخْلَتُه كنَخْلَتِه، حكاه أبو حَنِيفَةَ عن النُّوشَجانِيِّ، وأَنشَدَ ابنُ بَرِّيٍّ للنَّجاشِيِّ:
حَسِبْتُمْ قِتالَ الأَشْعَرِينَ ومَذْحِجٍ *** وَكِنْدَةَ أَكْلَ الزُّبْدِ بالصَّرفَانِ
وَقال عِمْرانُ الكَلْبِيّ:
أَكُنْتُمْ حَسِبْتُم ضَرْبَنا وجِلادَنَا *** على الحجْرِ أَكْلَ الزُّبْدِ بالصَّرَفانِ؟
قال أَبو عُبَيْدٍ: ولم يكُنْ يُهْدَى للزَّبّاءِ شيءٌ أَحَبَّ إِليها من التَّمْرِ الصَّرَفانِ، وأَنشد:
وَلمّا أَتَتْها العِيرُ قالَتْ: أَبارِدٌ *** من التَّمْرِ أَمْ هذا حَدِيدٌ وجَنْدَلُ؟!
ومن أَمْثالِهِم: «صَرَفانَةٌ رِبْعِيَّةٌ، تُصْرَمُ بالصَّيْفِ، وتُؤْكَلُ بالشَّتِيَّةِ» نقله أَبو حَنِيفَةَ في كتابِ النباتِ. والصِّرْفُ، بالكَسْرِ: صِبْغٌ أَحْمَرُ تُصْبَغُ به شُرُكُ النِّعالِ، نقله الجَوْهَرِيُّ، وأنشدَ لابنِ الكَلْحَبَةِ:
كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفَةٍ ولكِنْ *** كَلُونِ الصَّرْفِ عُلَّ بِهِ الأَدِيمُ
يعني أنها خالِصَةُ الكُمْتَةِ، كَلونِ الصِّرْفِ، وفي المُحْكَمِ: خالِصَةُ اللَّوْنِ، ومنهالحديث: «فاسْتَيْقَظَ مُحْمارًّا وَجْهُه كأَنَّهُ الصِّرْفُ».
والصِّرْفُ: الخالِصُ البَحْتُ من الخَمْرِ وغَيْرِها ولو قال: من كُلِّ شيءٍ، لأَصابَ، ويُقال: شَرابٌ صِرْفٌ، أي: بَحْتٌ لم يُمْزَجْ، وكذلك دَمٌ صِرْفٌ، وبَلْغَمٌ صِرْفٌ.
والصَّيْرَفيُّ: المُحْتَالُ المُتَصَرِّفُ في الْأُمُورِ المُجَرِّبُ لها كالصَّيْرَفِ قاله أَبو الهَيْثَمِ، قال سُوَيْدُ بنُ أَبي كاهِلٍ اليَشْكُرِيُّ:
وَلِسانًا صَيْرَفِيًّا صارِمًا *** كحُسامِ السَّيْفِ ما مَسَّ قَطَعْ
وَقالَ أُمَيَّةُ بنُ أَبِي عائِذِ الهُذَلِيُّ:
قد كُنْتُ خَرّاجًا وَلُوجًا صَيْرَفًا *** لم تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لحاصِ
والصَّيْرَفيُّ، والصَّيْرَفُ، والصَّرّافُ: صَرّافُ الدَّراهِمِ وَنَقَّادُها، من المُصَارَفَةِ، وهو من التَّصَرُّفِ ج: صَيارِفُ، وصَيارِفَةٌ، والهاءُ للنِّسْبَةِ وقد جاءَ في الشِّعْرِ صَيارِيفُ:
تَنْفي يَدَاها الحَصَى في كُلِّ هاجِرَةٍ *** نَفْيَ الدَّراهِيمِ تَنْقَادُ الصيَارِيفِ
لمّا احتاجَ إلى تمامِ الوَزْنِ أَشْبَعَ الحَرَكَةَ ضرورةً حتى صارَتْ حَرْفًا، أَنشده سِيَبَويْه للفَرَزْدَقِ، قال الصّاغانِيُّ: وَليس له.
والصَّرَفيُّ، محرَّكةً، من النَّجائِبِ: مَنْسُوبٌ إلى الصَّرَفِ، قالهُ اللَّيْثُ، أَو الصَّوابُ بالدّالِ وصَحَّحُوه، وقد تقدّم.
وقال ابنُ الأَعرابِيّ: أَصْرَفَ الشاعرُ شِعْرَهُ: إذا أَقْوَى فيه وخالَفَ بين القافَيَتَيْنِ، يُقال: أَصْرَفَ الشاعرُ القافيَةَ، قال ابنُ بَرِّي: ولم يَجِيءْ أَصْرَفَ غيره، أَو هو الإِقْواءُ، بِالنَّصْبِ ذكره المُفَضِّلُ بنُ محمّدٍ الضَّبِّيُّ الكَوفيُّ، ولم يَعْرِف البَغدادِيُونَ الإِصْرافَ، والخَليلُ لا يُجيزُه ـ أي الإِقْواءَ ـ بالنَّصْبِ، وكذا أَصحابُه لا يُجيزُونَه وقَدْ جاءَ في شِعْرِ العربِ، ومنه قَولُه:
أَطْعَمْتُ جابانَ حتَّى اسْتَدَّ مَعْرِضُه *** وَكاد ينْقَدُّ لَوْ لا أَنَّهُ طافَا
وَيَنْقَدُّ، أي: يَنْشَقُّ:
فقُلْ لجابانَ يَتْرُكْنا لطِيَّتِه *** نَوْمُ الضُّحَى بَعْدَ نَوْمِ اللَّيْلِ إِسْرافُ
وَبعضُ الناسِ يَزْعُمُ أنَّ قولَ امْرِئِ القَيْسِ:
فَخَرَّ لرَوْقَيْه وأَمْضَيْتُ مُقْدِمًا *** طُوالَ القَرَا والرَّوْقِ أَخْنَسَ ذَيّالِ
من الإِقْوَاءِ بالنَّصْب، لأَنَه وَصَلَ الفعْلَ إلى أَخْنَسَ.
وتَصْرِيفُ الآيات: تَبْيِينُها ومنه قَوْلُه تَعالَى: {وَصَرَّفْنَا الْآياتِ}.
والتَّصْرِيف في الدَّراهِمِ والبِياعاتِ: إِنْفاقُها هكذا في سائرِ النُّسخ، والصواب: تَصْرِيفُ الدَّراهِمِ في البِياعاتِ كُلِّها إِنْفاقُها، كما هو نَصّ العُباب، وفي اللِّسان: التَّصْرِيفُ في جَميعِ البِياعاتِ: إِنْفاقُ الدَّراهِمِ، فتَأَمَّلْ ذلك.
والتَّصْرِيفُ في الكَلامِ: اشْتِقاقُ بَعْضِه من بَعْض.
والتصريف في الرِّياحِ: تَحْوِيلُها من وَجْهٍ إلى وَجْهٍ ومن حالٍ إلى حالٍ، قال اللَّيْثُ: تَصْرِيفُ الرِّياحِ صَرْفُها من جِهَةٍ إلى جِهَةٍ، وكذلك تَصْرِيفُ السُّيُولِ والخُيُولِ وَالأُمورِ والآياتِ، وقال غيرُه: تَصْرِيفُ الرِّياحِ: جَعْلُها جَنُوبًا وشَمالًا وصَبًا ودَبُورًا، فجَعَلَها ضُرُوبًا في أَجْناسِها.
والتَّصْرِيفُ في الخَمْرِ: شُرْبُها صِرْفًا أي غيرَ ممزوجةٍ: وصَرّفتُهُ في الأَمرِ تصريفًا فتَصَرَّفَ فيهِ أي: قَلَّبْتُه: فَتَقَلَّبَ.
ويُقال: اصطَرَفَ لِعيالِهِ: إذا تَصَرَّفَ في طَلَبِ الكَسْبِ قال العَجّاجُ:
قد يَكْسِبُ المالَ الهِدانُ الجافي *** بغَيْرِ ما عَصْفٍ ولا اصْطِرافِ
هكذا أَنْشَدَه الجَوهرِيُّ، والمَشْطورُ الثانِي للعَجّاج دُونَ الأَول، والرِّوايَةُ فيه: «مِنْ غير لا عَصْفٍ».
وَلرُؤْبَةَ أُرْجُوزةٌ على هذا الرَّوِيِّ، وليسَ المَشْطُورانِ ولا أَحدُهُما فِيها، قاله الصاغانِيّ.
واسْتَصْرَفْتُ الله المَكارِهَ: أي سَأَلْتُه صَرْفَها عَنِّي.
وانْصَرَفَ: انْكَفَّ هكذا في النُّسَخِ، والصوابُ انْكَفَأَ، كما هو نَصُّ العُبابِ، وهو مُطاوِعُ صَرَفَه عن وَجْهِه فانْصَرَفَ، وقوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا} أي: رَجَعُوا عن المَكانِ الذي اسْتَمَعُوا فيه، وقِيلَ: انْصَرَفُوا عن العَمَلِ بشَيءٍ مما سَمِعُوا.
والاسْمُ على ضَرْبَيْنِ: مُنْصَرِفٌ، وغيرُ مُنْصَرِفٍ قال الزَّمَخْشَرِيُّ: الاسمُ يمتَنِعُ من الصَّرْفِ متى اجْتَمَع فيه اثنانِ من أَسْبابِ تِسْعَةٍ، أو تَكَرَّرَ واحِدٌ، وهي: العَلَمِيّة والتّأنِيثُ اللّازِمُ لَفْظًا أو مَعْنًى، نحو: سُعادَ وَطَلْحَةَ.
وَوَزْن الفِعْلِ الذي يَغْلِبُه في نَحْوِ أَفْعَل، فإِنَّه فيه أَكْثَرُ منه في الإِسْمِ، أو يَخُصُّه في نحو: ضَرَبَ، إن سُمِّيَ به.
وَالوَصْفِيّة في نحو: أَحْمَرَ.
والعَدْلُ عن صِيغَةٍ إلى أُخْرَى في نحو: عُمَرَ، وثُلاثَ.
وَأَن يكونَ جَمْعًا ليس على زِنَتِه واحد، كمَساجِدَ وَمَصابِيحَ، إلّا ما اعتَلَّ آخِرُهُ نحو جَوارٍ، فإِنَّه في الجَرِّ وَالرفعِ كقاضٍ، وفي النَّصْبِ كضَوارِبَ، وحَضاجِرُ وَسَراوِيلُ في التقدير جمع حِضَجْرٍ وسِرْوالَة.
وَالتَّرْكِيبُ في نحو: مَعْدِيكَرِبَ وبَعْلَبَكَّ.
وَالعُجْمَةُ في الأَعْلامِ خاصَّةً.
وَالأَلفُ والنونُ المُضارِعَتانِ لأَلفَيِ التَّأْنِيث في نحو: عُثْمانَ وسَكْرَانَ، إلّا إذا اضطَرَّ الشاعِرُ فصَرَفَ.
وَأَما السببُ الواحدُ فغيرُ مانعٍ أَبَدًا، وما تَعَلَّقَ به الكوفيُّونَ في إِجازةِ مَنْعِه في الشِّعْرِ ليس بثَبْتٍ.
وَما أَحَدُ سبَبَيْهِ أو أَسبابه العَلَميّةُ فحكمُه الصَّرْفُ عند التَّنْكيرِ، كقولكَ: رُبَّ سُعادٍ وقَطامٍ؛ لبقائهِ بلا سَبَبٍ، أَو على سَببٍ واحدٍ، إلّا نحو أَحْمَرَ، فإِنَّ فيه خلافًا بين الأَخْفَش وصاحبِ الكتابِ.
وَما فيه سَبَبان من الثُّلاثِيِّ الساكن الحَشْوِ كنُوحٍ ولُوطٍ مُنْصَرفٌ في اللُّغَة الفَصيحة التي عليها التَّنْزيلُ، لمُقاوَمَةِ السُّكونِ أَحَدَ السببينِ، وقومٌ يُجْرُونَه على القياس. فلا يَصْرفُونَه، وقد جَمَعَهُما في قوْله:
لَم تَتَلَفَّعْ بفَضْل مِئْزَرِها *** دَعْدٌ ولم تُسْقَ دَعْدُ في العُلَبِ
وَأَمّا ما فيه سببٌ زائدٌ، كمَاه وجُور فإِنَّ فيهما ما في نُوحٍ مع زيادة التأنيث، فلا مَقال في امْتناعِ صَرْفِه.
وَالتَّكَرُّر في نحو بُشْرَى وصَحْراءَ، ومَساجدَ ومَصابِيحَ نُزِّلَ البناءُ على [حرف] تأنيثٍ لا يَقَعُ مُنْفَصلًا بحالٍ، والزِّنَةُ التي لا واحدَ عليها، مَنْزلَةَ تأْنيثٍ [ثانٍ] وجمعٍ ثانٍ، انتهى كلامُ الزَّمَخْشَرِيّ.
والمُنْصَرِفُ: موضع، بَيْنَ الحَرَمَيْن الشَّرِيفَيْن على أَرْبَعَةِ بُرُدٍ من بَدْرٍ مما يلي مَكَّةَ حَرسَها الله تَعالَى.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
المُنْصَرَفُ، قد يكونُ مكانًا، وقد يكونُ مَصْدَرًا.
وَصَرَفَ الكَلمةَ: أَجْرَاها بالتنْوِينِ.
وَالتَّصْرِيفُ: إِعمالُ الشَّيْءِ في غير وَجْهٍ، كأَنه يَصْرفُه عن وَجْهٍ إلى وَجْهٍ.
وَتَصاريفُ الأُمورِ: تَخالِيفُها. وَالصَّرْفُ: بَيْعُ الذّهَبِ بالفضَّة.
والمَصْرِفُ: المَعْدِلُ، ومنه قولُه تَعالَى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفًا} وقولُ الشاعر:
أَزُهَيْرُ هَلْ عن شَيْبَةٍ من مَصْرِفِ
وَيقال: ما في فَمِه صارِفٌ: أي نابٌ. وَصَرِيفُ الأَقْلامِ: صوتُ جَرَيانِها بما تَكْتُبُه من أَقْضيَة الله تَعالَى ووَحْيِه. وَقَوْلُ أَبِي خِراشٍ:
مُقابَلَتَيْن شَدَّهُما طُفَيْلٌ *** بصَرّافَيْنِ عَقْدُهُما جَمِيلُ
عَنَى بهما شِراكَيْنِ لَهُما صَرِيفٌ. وَصَرَّفَ الشَرابَ تَصْرِيفًا: لم يَمْزُجْه، كأَصْرَفَه، وهذا عن ثَعْلَبٍ.
وَصَرِيفُون: قريةٌ قربَ الكُوفَة، وهي غيرُ التي ذَكَرَها المصَنفُ.
والصَّرِيفُ: كُلُّ شيءٍ لا خِلْطَ فيه.
وَفي حَديث الشُّفعَة: «إِذا صُرِّفَت الطُّرُقُ فلا شُفْعَةَ» أي بُيِّنَتْ مصارِفُها وشَوارِعُها.
وَكمُحَدِّثٍ: طَلْحَةُ بنُ سِنانِ بن مُصَرِّفٍ الإِياميُّ، مُحَدِّث.
وَكأَميرٍ: صَريفُ بنُ ذُؤالِ بن شَبْوَةَ، أبو قَبيلَةٍ من عَكٍّ باليَمَن، منهم فُقَهاءُ بني جَمْعانَ أَهْلُ محَلِّ الأَعْوصَ، لهم رياسَةُ العلْمِ باليَمَن.
وَاصْطَرَفَ لعياله: اكْتَسَبَ، وهو مَجاز.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
25-تاج العروس (خرنق)
[خرنق]: الخِرْنِقُ، كزِبْرِجٍ: الفَتِيُّ من الأَرانِبِ وأَنشدَ اللَّيْثُ:كأَنَّ تَحْتِي قَرِمًا سُوذانِقَا *** وبازِيًا يَخْتَطِفُ الخَرانِقَا
أَو: وَلَدُه قالَه أَبو زَيْدٍ، وأَنشدَ:
لَيِّنَة المَسِّ كمَسِّ الخِرْنِقِ
وقالَ اللَّيْثُ: يكونُ للذَّكَر والأُنْثَى، وأَنشدَ أَبو حَنِيفَةَ:
فبَدِعَتْ أَرْنَبُهُ وخِرْنِقُهْ *** وعَمَلَ الثَّعْلَبُ عَمَلًا شِبْرِقُهْ
وقالَ اللَّيْثُ: الخِرْنِقُ: مَصْنَعَةُ الماءِ والشَّرْج، والقَرَى، والحافِشَةُ، وهذِه مَسايِلُ الماءِ، ومرَّ له في خَرْبَقَ مثلُه.
والخِرْنِقُ: موضع وقالَ اللَّيْثُ: اسمُ حَمَّةٍ، وأَنشدَ:
بَيْنَ عُنَيْزاتٍ وبَيْنَ الخِرْنِقِ
وخِرْنِقُ، غير مَصْرُوفٍ: اسمُ امرأَة شاعِرَة قال أَبُو عُبَيْدَةَ: هي خِرْنِقُ بنتُ بَدْرِ بنِ هِفّانَ، من بني سَعْدِ بنِ ضُبَيْعَةَ، رَهْطِ الأَعْشَى.
والخِرْنِقُ: لقبُ سَعِيدِ بنِ ثابِتِ بن سُوَيْدِ بنِ النُّعْمانِ الأَنْصارِيِّ شاعرٌ، ولجَدِّه سُوَيْدٍ صُحْبَةٌ، قُلْتُ: وهو سُوَيْدُ بنُ النُّعْمانِ بنِ عامِرِ بنِ مَجْدَعَةَ الأَوْسِيُّ الحارِثِيُّ، شَهِدَ أُحُدًا، وحَدِيثُه في صَحيحِ البُخارِيّ.
والخَرانِقُ: جَلَدٌ من الأَرْضِ بينَ المَلا وأَجَأَ، أَو ماءٌ لبَلْعَنْبَرِ من تَمِيم قالَ الفَرَزْدَقُ:
فقُلْتُ ولم أَمْلِك: أَمالِ بنَ حَنْظَلٍ *** متى كانَ مَشْبُورٌ أَميرَ الخَرانقِ؟
والخَوَرْنَقُ، كفَدَوْكَسٍ: قصرٌ بالعِراقِ للنُّعْمانِ الأَكْبَرِ الذي يُقال له: الأَعْوَرُ، وهو الذي لَبِسَ المُسُوحَ، وساحَ في الأَرْضِ، قال عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ:
وتَبَيَّنْ رَبَّ الخَوَرْنَقِ إِذ أَشْ *** رَفَ يَوْمًا وللهُدَى تَفْكِيرُ
سَرَّه مالُه وكَثْرَةُ ما يَمْ *** لِكُ والبَحْرُ مُعْرِضًا والسَّدِيرُ
فارْعَوَى قَلْبُه، وقالَ: وما غِبْ *** طَةُ حَيٍّ إِلى المَماتِ يَصِيرُ؟
وقالَ الأَعْشَى يَذْكُرُ النُّعْمانَ:
ويُجْبى إِليهِ السَّيْلَحُونَ ودُونَها *** صَرِيفُونَ في أَنهارِها والخَوَرْنَقُ
وقالَ عبدُ المَسِيحِ بنُ بُقَيْلَةَ الغَسّانِيُّ:
أَبَعْدَ المُنْذِرَيْنِ أَرَى سَوامًا *** تَرُوحُ إِلى الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ؟
وقال المُنَخَّلُ بنُ الحارِثِ اليَشْكُرِيُّ:
فإِذا انْتَشَيْتُ فإِنَّنِي *** رَبُّ الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ
وإِذا صَحَوْتُ فإِنَّنِي *** رَبُّ الشُّوَيْهَةِ والبَعِيرِ
وفي اللُّبابِ: هذا القَصْرُ بحِيرَةِ الكُوفَة، بناهُ النُّعْمانُ بنُ امْرِئِ القَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ عَدِيِّ بنِ نَصْرٍ اللَّخْمِيُّ، والنُّعْمانُ هو ابنُ الشَّقِيقَةِ، وهي بنتُ أَبِي رَبِيعَةَ بنِ ذُهْلِ بنِ شَيْبانَ، بناهُ سِنِمّارُ الرُّومِيُّ، وقِصَّتُه مَشْهُورَةٌ، وهو مُعَرَّبُ خُورَنْكاه، أَي: مَوْضِع الأَكْلِ والشُّرْبِ.
والخَوَرْنَقُ: نَهْرٌ بالكُوفَةِ.
والخوَرْنَقُ: د، بالمَغْرِبِ كذا في التَّكْمِلَة.
والخَوَرْنَقُ: قرية ببَلْخَ على نصفِ فَرْسَخٍ منها، يُقال لها: خَبَنْك منها: أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ أَبي الحَسَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بن نَصْرٍ البِسْطامِيُّ الخَوَرْنَقِيُّ، سَمع أَبَا هُرَيْرَةَ عبدَ المَلِكِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ القَلانِسِيَّ، وأَبا القاسِمِ الخَلِيلِيَّ، وله إِجازَةٌ عن أَبِي عليٍّ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الوَخْشِيِّ الحافظِ، قال السَّمْعانِيُّ: سَمِعْتُ منه الكثيرَ بالخَوَرْنَقِ، وأَخُوهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُو بنُ مُحَمَّدٍ، رَوَى عنه ابنُ السَّمْعانِيِّ أَيضًا، وابنُه أَبُو القاسِمِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الفَتْحِ الخَوَرْنَقِيّ، سَمِعَ أَبا سَعْدٍ أَسْعَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ ظَهِيرٍ البَلْخِيَّ، سَمِعَ منه ابنُ السَّمْعانِي خَبَرًا ببَلْخَ.
* ومما يُسْتَدرك عليه:
أَرضٌ مُخَرْنِقَةٌ: ذاتُ خَرانِقَ، كما في الصِّحاحِ، وفي اللِّسانِ: كَثِيرةُ الخَرانِق.
وخَرْنَقَتِ النّاقَةُ: إِذا رَأَيْتَ الشَّحْمَ في جانِبَيْ سَنامِها فِدَرًا كالخَرانِقِ.
وخِرْنِقُ، والخِرْنِقُ، جميعًا: اسمُ أُخْتِ طَرَفَةَ بنِ العَبْدِ.
والخَوَرْنَقُ: المَجْلِسُ الَّذِي يَأْكُلُ فيه المَلِكُ ويَشْرَبُ.
والخَوَرْنَقُ: نبتٌ.
وخالِدُ بنُ خَرَنَّق، كَعَمَلَّس: رَأَى عليًّا، ذَكَره أَبو نُعَيْمٍ في تارِيخِ أَصْبَهانَ، قال ابنُ نُقْطَة: نَقَلَه من خَطِّ الخَطِيب.
وخِرْنِيقُ بنتُ الحُصَيْنِ الخُزاعِيَّة: أَسْلَمَت وبايَعَتْ ورَوَتْ، قالَهُ ابنُ سَعِيدٍ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
26-تاج العروس (صقل)
[صقل]: صَقَلَهُ يَصْقُلُه صَقْلًا وصِقَالًا: جَلاهُ فهو مَصْقُولٌ وصَقِيلٌ، والاسمُ الصِقَالُ، ككِتابٍ، وهو صاقِلٌ الجمع: صَقَلَةٌ، ككَتَبَةٍ قال السَّنْدريُّ بنُ يَزِيدِ بنِ شُرَيحِ بنِ عَمْرِو بنِ الأَحْوصِ بنِ جَعْفَر بنِ كِلابٍ وليْسَ ليَزيدِ بنِ عَمْرِو بنِ الصَّعِقِ كما ذَكَرَ السَّيْرافي:نَحْنُ رُؤُوسُ القَوْمِ يومَ جَبَلَه *** يَوْمَ أَتَتْنا أَسَدٌ وحَنْظَلَة
نَعْلُوهُهُم بقُضُبٍ مُنْتَخَلَة *** لم تَعْدُ أَنْ أَفْرَشَ عنها الصَّقَلَة
وصَقَلَ النَّاقَةَ إذا أَضْمَرَها، وكذا صَقَلَها السَّيرُ إذا أَضْمَرَها، قالَهُ أَبُو عَمْرٍو، وأَنْشَدَ لكُثَيِّر:
رَأَيْتُ بها العُوجَ اللهاميمَ تَغْتَلي *** وقد صُقِلَتْ صَقْلًا وشَلَّتْ لُحومُها
قالَ: والصُّقْلُ الخاصِرَةُ أُخِذَ من هذا.
وصَقَلَ به الأَرْضَ وصَقَعَ به أَي ضَرَبَ به الأَرْضَ، رَوَاه أَبُو تُرابٍ عن شُجاع السلميِّ.
وصَقَلَه بالعَصَا وصَقَعَه: ضَرَبَه عن شُجاعٍ، زَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأَدَّبَه، قالَ: وهو مجازٌ.
والمِصْقَلَةُ، كمِكْنَسَةٍ، خَرَزَةٌ يُصْقَلُ بها السَّيْفُ ونَحْوه كالمِرْآة والثَّوْب والوَرَق.
والصَّيْقَلُ، كَحَيْدَرٍ، شَحَّاذُ السُّيُوفِ وجَلَّاؤُها الجمع: صَياقِلُ وصَياقِلَةُ، دَخَلَتْ فيه الهاءُ في هذا الضَّرْبِ من الجَمْعِ على حَدِّ دخُولِها في الملائِكَةِ والقَشَاعِمَةِ.
والصِّقَالُ، ككِتابٍ، البَطْنُ.
ومن المجازِ: صِقالُ الفَرَسِ صَنْعَتُهُ وصِيانَتُهُ.
يقالُ: جَعَلَ فلانٌ فَرَسَه في الصِّقالِ، قالَ أَبُو النَّجْم يَصِفُ فَرَسًا:
حَتَّى إذا أَثْنَى جَعَلْنا نَصْقُلُه
أَي نَصْنَعُهُ بالحِلالِ والعَلَف والقِيَام عليه.
وقالَ شَمِرٌ: أَي نُضَمِّرُه.
والصُّقْلُ: بالضمِ، الجَنْبُ.
وأَيْضًا: الخَفيفُ من الدَّوابِّ، قالَ الأَعْشَى:
نَفَى عنه المَصِيفَ وصارَ صُقْلًا *** وقد كَثُر التَّذَكُّر والفُقُودُ
وأَيْضًا: الخاصِرَةُ كالصُّقْلَةِ، بالهاءِ، قالَ ذو الرُّمَّةِ:
خَلَّى لها سِرْبَ أُولاها وهَيَّجَها *** مِنْ خَلْفِها لاحِقُ الصُّقْلَيْن هِمْهِيمُ
والصَّقِلُ: ككَتِفٍ، المُخْتَلِفُ المَشْيِ من الرِّجالِ عن ابنِ عَبَّادٍ، وقد صَقِلَ كفَرِحَ.
وهو أَيْضًا: القَليلُ اللَّحمِ من الخَيْلِ طَالَ صُقْله أَو قَصُرَ وقلّمَا طالَتْ صُقْلَة فَرَسٍ إلَّا قَصُرَ جَنْباهُ، وذلِكَ عَيْبٌ. ويقالُ: فَرَسٌ صَقِلٌ بَيِّنُ الصَّقَل إذا كان طَوِيلَ الصُّقْلَيْنِ.
وقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَرَسٌ صَقِلٌ إذا طالَتْ صُقْلَتُه وقَصُرَ جَنْبَاهُ، وأَنْشَدَ:
لَيْسَ بأَسْفَى ولا أَقْنَى ولا صَقِلْ
ورَوَاهُ غَيْرُه: ولا سَغِل، والأُنْثَى صَقِلَةٌ، والجَمْعُ صِقَالٌ.
وصُقَلُ: كزُفَرَ سَيْفُ عُرْوَةَ بنِ زَيْدِ الخَيْلِ، وهو القائِلُ فيه:
أَضْربهُم ولا أُبَلْ *** بالسيفِ ذو يُدْعَى صُقَلْ
ضَرْبَ غَريباتِ الإِبِل *** ما خَالَفَ المرءُ الأُجَلْ
ومَصقَلَةُ، كمَسْلَمَةَ، اسمٌ، قالَ الأَخْطَلُ:
دَعِ المُغَمَّرَ ولا تَسْأَلْ بمَصْرَعِه *** واسْأَلْ بمَصْقَلَة البَكْريِّ ما فَعَلا
وهو مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرة من بنِي ثَعْلَبَةَ بنِ شَيْبان ووَلَدُه رقبةُ بنُ مَصْقَلَة من المُحدِّثين.
قلْتُ: ومن ولدِ أَخِيهِ زَكَريا بن مَصْقَلَة الإِمام المُحدِّثُ الصُّوفيُّ أَبُو الحَسَنِ عليُّ بنُ شُجَاعِ بنِ محمدِ بنِ عليِّ بنِ مسْهَرْ بنِ عبدِ العَزيزِ بنِ شليلِ بنِ عبدِ الله بنِ زَكَريا مَاتَ سَنَة 442.
وصِقِلِّيَةُ، بكَسراتٍ مُشَدَّدَةَ اللَّامِ، هكذا ضَبَطَه الصَّاغانيُّ وغيرُه من العُلَماءِ، وبه جَزَمَ الرشاطيّ، وضَبَطَه ابنُ خَلَّكَان بفتحِ الصَّادِ والقافِ.
قالَ ابنُ السَّمْعانيّ: كذا رَأَيْته بخطِّ عُمَر الرَّواسيّ. وبه جَزَمَ الشَّهابُ في شرحِ الشّفاء قالَ: وكَسْرُ صادِها خَطَأٌ، جَزِيرَةٌ مَشْهورَةٌ بالمَغْربِ بَيْن أَفْرِيقية والأَنْدَلُس.
وقالَ ابنُ خَلَّكَان: هي في بحرِ المَغْربِ قُرْب أَفْرِيقيةَ.
وقالَ الرَّشاطيُّ: بالبَحْرِ الشَّامي موازِيَةً لبعضِ بِلادِ أَفْرِيقية طُولُها سَبْعَة أَيَّامٍ وعَرْضُها خَمْسة.
قلْتُ: وهي مُشْتَمِلَة على قُرًى كَثِيرةٍ وقد ذَكَرَ أَكْثَرها المصنِّفُ في مَوَاضِعِ من كتابِهِ هذا وقد اطَّلَعْت على تاريخ لها خاصَّة للشَّرِيفِ أَبي القاسِمِ الإِدْرِيسِيّ أَلَّفَه لمَلِكِها اجاز الإِفْرَنْجيّ، وكانَ مُحبًّا لأَهْلِ العلمِ مُحْسِنًا إليهم، وقد تَخَرَّجَ منها جماعَةٌ من الأَعْلامِ في كلِّ فنٍّ منهم أَبُو الفَضْل العَبَّاسُ بنُ عَمْرِو بنِ هرُون الكنانيّ الصقلِيُّ خَرَجَ منها إلى القَيْرَوان ثم قَدِمَ الأَنْدَلُس، وكان حَسَن المُحاضَرَةِ خَبِيرًا بالرَّدِّ على أَصْحابِ المَذَاهِب، حَدَّثَ عن أَحْمدَ بنِ سَعِيدٍ الصقليّ وأَبي بَكْرٍ الدَّيْنُورِيّ وتُوفي سَنَة 279، قالَهُ ابنُ الفَرَضِيّ ومنهم أَبُو الحَسَنِ عليُّ بنُ الفَرَجِ بنِ عبدِ الرَّحْمن الصقليُّ قاضِي مَكَّةَ عن أَبي بَكْرٍ محمدُ بنُ سَعْدٍ الاسْفَرَايني صاحِبُ أَبي بَكْرٍ الإِسْمَاعِيليّ وأَبي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ، وعنه الحافِظُ أَبُو القاسِمِ هبَةُ اللهِ بنُ عبدِ الوَارِثِ الشِّيْرَازِيُّ وأَبُو بكْرٍ محمدُ بنُ عَبْدِ البَاقي الأَنْصَارِيُّ، قالَهُ ابنُ الأَثيرِ، ومنهم أَبُو محمدٍ عبدُ الجَبَّارِ بنُ أَبي بكْرٍ بنِ محمدِ بنِ حمديس الصقليُّ الشاعِرُ وله أَبْياتٌ يَتَشوَّقُ فيها إلى بَلَدِه صقلية منها:
ذكرتُ صِقِلّيّة والأسا *** يُجَدَّدُ للنَّفْسِ تذكارَها
فإن أَكُ أُخرجتُ من جنّةٍ *** فإني أُحَدّثُ أَخْبَارَها
ولولا ملوحة ماءِ البِكى *** حسبتُ دُمُوعي أَنْهارَها
تَرْجَمه ابنُ بَسَّام في الذَّخِيْرَةِ، قالَ: ودَخَلَ الأَنْدَلُس ومَدَحَ المُعْتَمِد بن عَبَّاد، وله دِيْوانٌ مَشْهورٌ تُوفي سَنَة 527 نَقَلَه شيْخُنا. وصِقِلِّيانُ أَيْضًا أَي بكَسْراتٍ مُشَدَّد اللَّامِ، موضع بالشامِ كما في العُبَابِ.
والصَّقْلاءُ موضع، عن ابنِ دُرَيْدٍ.
وخَطَيبٌ مِصْقَلٌ أَي مِصْلَقٌ، وهو البَلِيغُ وأَنْشَدَ ثَعْلَب:
إذا هُمُ ثاروا وإِنْ هُمْ أَقْبلوا *** أَقْبَلَ مِمْسَاحٌ أَرِيبٌ مِصْقَلُ
فَسَّرَه فقَالَ: إنَّما أَرَادَ مِصْلَق فقَلَبَ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الصَّقيلُ: السَّيفُ.
والصُّقْلَةُ، بالضمِ، الضمورُ والدِّقَّةُ، ومنه حدِيثُ أُمِّ مَعْبَد الخزَاعِيَّةُ: لم تُزْرِ به صُقْلَةٌ، ولم تُعِبْه ثُجْلَةٌ»؛ أَي دِقَّةٌ ونُحُولٌ. وقالَ بعضُهم: أَرَادَت أَنّه لم يَكُنْ مُنتفِخَ الخاصِرَة جِدًّا ولا ناحِلًا جِدًّا، ويُرْوَى بالسِّيْن على الإبْدالِ، ويُرْوَى صَعْلَة وقد ذُكِرَ.
والصَّقَلُ، محرَّكةً، إنْهِضَامُ الصُّقْل.
ويقولُ أَحَدُهم لصاحِبِه: هل لَكَ في مَصْقُولِ الكِساءِ؟ أَي في لَبَنٍ قد دَوَّى دوايَةً رَقِيقَةً، قالَ الرَّاجِزُ:
فَهْو إذا ما اهْتَافَ أَو تَهَيَّفا *** يُبْقِي الدُّوَاياتِ إذا تَرَشَّفا
عن كُلِّ مَصْقُول الكِساءِ قد صَفَا
اهْتَافَ أَي جَاعَ وعَطِشَ، وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ لعَمْرو بنِ الأَهْتَم المِنْقَرِيّ:
فبَاتَ له دونَ الصَّفَا وهي قَرَّةٌ *** لِحَافٌ ومَصْقُولُ الكِساءِ رَقيقُ
أَي باتَ له لِباسٌ وطعامٌ، هذا قَوْلُ الأَصْمَعِيّ، وأَجْرَاهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ على ظاهِرِه فقالَ: أَرَادَ بمَصْقُول الكِساءِ مِلْحَفَةً تَحْتَ الكِساءِ حَمْرَاء، فقيلَ له: إنَّ الأَصْمَعِيَّ يقولُ أَرَادَ به رَغْوَةَ اللَّبَنِ، فقالَ: إِنَّه لَمَّا قالَهُ اسْتَحَى أَنْ يَرْجعَ عنه.
ورَوَى أَبُو تُرابٍ عن الفرَّاء: أَنْتَ في صُقْعٍ خالٍ وصُقْل خالٍ أَي في ناحِيَة خالِيَة.
وصَقِيلٌ، كأَمِيرٍ، قَرْيةٌ بمِصْرَ نُسِبَ إليها بعضُ المُحدِّثِيْن، والعامَّةُ تقولُ بكسْرِ الصادِ، ومنهم مَن يقُولُ إسْقِيل وقد ذُكِرَتْ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
27-لسان العرب (مدد)
مدد: المَدُّ: الجَذْب والمَطْلُ.مَدَّه يَمُدُّه مَدًّا ومدَّ بِهِ فامتَدّ ومَدَّدَه فَتَمَدَّد، وتَمَدَّدناه بَيْنَنَا: مَدَدْناه.
وَفُلَانٌ يُمادُّ فُلَانًا أَي يُماطِلُه ويُجاذِبه.
والتَّمَدُّد: كَتَمَدُّدِ السِّقاء، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ تَبْقَى فِيهِ سَعَةُ المَدِّ.
والمادَّةُ: الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ.
ومَدَّه فِي غَيِّه أَي أَمهلَه وطَوَّلَ لَهُ.
ومادَدْتُ الرَّجُلَ مُمادَّةً ومِدادًا: مَدَدْتُه ومَدَّني؛ هَذِهِ عن اللِّحْيَانِيِّ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}؛ مَعْنَاهُ يُمْهِلُهم.
وطُغْيانُهم: غُلُوُّهم فِي كُفْرِهِمْ.
وَشَيْءٌ مَدِيد: مَمْدُودٌ.
وَرَجُلٌ مَدِيد الْجِسْمِ: طَوِيلٌ، وأَصله فِي الْقِيَامِ؛ سِيبَوَيْهِ، وَالْجَمْعُ مُدُدٌ، جَاءَ عَلَى الأَصل لأَنه لَمْ يُشْبِهِ الْفِعْلَ، والأُنثى مَدِيدة.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: «قَالَ لِبَعْضِ عُمَّالِهِ: بَلَغَنِي أَنك تَزَوَّجْتَ امرأَة مَدِيدَةً»أَي طَوِيلَةً.
وَرَجُلٌ مَدِيدُ الْقَامَةِ: طَوِيلُ الْقَامَةِ.
وطِرافٌ مُمدَّد أَي ممدودٌ بالأَطناب، وشُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ.
وتَمَدَّد الرَّجُلُ أَي تَمطَّى.
والمَدِيدُ: ضَرْبٌ مِنَ العَرُوض، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِدَادِ أَسبابه وأَوتاده؛ قَالَ أَبو إِسحاق: سُمِّيَ مَدِيدًا لأَنه امتَدَّ سَبَبَاهُ فَصَارَ سَبَب فِي أَوله وَسَبَبٌ بَعْدَ الوَتِدِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}، فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ فِي عَمَد طِوال.
ومَدَّ الْحَرْفَ يَمُدُّه مَدًّا: طَوَّلَه.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مدَّ اللهُ الأَرضَ يَمُدُّها مَدًّا بَسَطَهَا وسَوَّاها.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}؛ وَفِيهِ: وَالْأَرْضَ مَدَدْناها.
وَيُقَالُ: مَدَدْت الأَرض مَدًّا إِذا زِدت فِيهَا تُرَابًا أَو سَمادًا مِنْ غَيْرِهَا لِيَكُونَ أَعمر لَهَا وأَكثر رَيْعًا لِزَرْعِهَا، وَكَذَلِكَ الرِّمَالُ، والسَّمادُ مِداد لَهَا؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقُ:
رَأَتْ كَمَرًا مِثْلَ الجَلاميدِ فَتَّحَتْ ***أَحالِيلَها، لمَّا اتْمَأَدَّتْ جُذورُها
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: اتْمَأَدَّتْ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا، اللَّهُمَّ إِلا أَن يُرِيدَ تَمادَّت فَسَكَّنَ التَّاءَ وَاجْتَلَبَ لِلسَّاكِنِ أَلِفَ الْوَصْلِ، كَمَا قَالُوا: ادَّكَرَ وادّارَأْتُمْ فِيهَا، وَهَمَزَ الأَلف الزَّائِدَةَ كَمَا هَمَزَ بَعْضُهُمْ أَلف دابَّة فَقَالَ دأَبَّة.
ومدَّ بصَرَه إِلى الشَّيْءِ: طَمَح بِهِ إِليه.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا}.
وأَمَدَّ لَهُ فِي الأَجل: أَنسأَه فِيهِ.
ومَدَّه فِي الغَيّ وَالضَّلَالِ يَمُدُّه مَدًّا ومَدَّ لَهُ: أَمْلَى لَهُ وَتَرَكَهُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}؛ أَي يُمْلِي ويُلِجُّهم؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ مدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْعَذَابِ مَدًّا.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا}.
قَالَ: وأَمَدَّه فِي الْغَيِّ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ}؛ قِرَاءَةُ أَهل الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ يَمُدُّونَهم، وقرأَ أَهل الْمَدِينَةِ يُمِدُّونَهم.
والمَدُّ: كَثْرَةُ الْمَاءِ أَيامَ المُدُود وَجَمْعُهُ مُدُود؛ وَقَدْ مَدَّ الماءُ يَمُدُّ مَدًّا، وامْتَدَّ ومَدَّه غَيْرُهُ وأَمَدَّه.
قَالَ ثَعْلَبٌ: كُلُّ شَيْءٍ مَدَّه غَيْرُهُ، فَهُوَ بأَلف؛ يُقَالُ: مَدَّ البحرُ وامتَدَّ الحَبْل؛ قَالَ اللَّيْثُ: هَكَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ.
الأَصمعي: المَدُّ مَدُّ النَّهْرِ.
والمَدُّ: مَدُّ الْحَبْلِ.
والمَدُّ: أَن يَمُدّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي غيِّه.
وَيُقَالُ: وادِي كَذَا يَمُدُّ فِي نَهْرِ كَذَا أَي يَزِيدُ فِيهِ.
وَيُقَالُ مِنْهُ: قلَّ ماءُ رَكِيَّتِنا فَمَدَّتها ركيةٌ أُخرى فَهِيَ تَمُدُّها مَدًّا.
والمَدُّ: السَّيْلُ.
يُقَالُ: مَدَّ النهرُ ومدَّه نَهْرٌ آخَرُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدَّه أَتِيُّ ***غِبَّ سمَاءٍ، فَهُوَ رَقْراقِيُ
ومَدَّ النَّهرُ النهرَ إِذا جَرَى فِيهِ.
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ دَخَلَ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَثَّرَه: مدَّه يَمُدُّه مَدًّا.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}؛ أَي يَزِيدُ فِيهِ مَاءً مِنْ خلْفِه تجرُّه إِليه وتُكثِّرُه.
ومادَّةُ الشَّيْءِ: مَا يمدُّه، دَخَلَتْ فِيهِ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَوْضِ: «يَنْبَعِثُ فِيهِ مِيزابانِ مِدادُهما أَنهار الْجَنَّةِ»؛ أي يَمُدُّهما أَنهارُها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «وأَمَدَّها خَواصِر» أَي أَوسعها وأَتَمَّها.
والمادَّة: كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ مَدَدًا لِغَيْرِهِ.
وَيُقَالُ: دعْ فِي الضَّرْع مادَّة اللَّبَنِ، فَالْمَتْرُوكُ فِي الضَّرْعِ هُوَ الداعِيَةُ، وَمَا اجْتَمَعَ إِليه فَهُوَ المادَّة، والأَعْرابُ مادَّةُ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}؛ قَالَ: تَكُونُ مِدادًا كالمِدادِ الَّذِي يُكتب بِهِ.
وَالشَّيْءُ إِذا مدَّ الشَّيْءَ فَكَانَ زِيَادَةً فِيهِ، فَهُوَ يَمُدُّه؛ تَقُولُ: دِجْلَةُ تَمُدُّ تَيَّارنا وأَنهارنا، وَاللَّهُ يَمُدُّنا بِهَا.
وَتَقُولُ: قَدْ أَمْدَدْتُك بأَلف فَمُدَّ.
وَلَا يُقَاسُ عَلَى هَذَا كُلُّ مَا وَرَدَ.
ومَدَدْنا القومَ: صِرْنا لَهُمْ أَنصارًا ومدَدًَا وأَمْدَدْناهم بِغَيْرِنَا.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَمَدَّ الأَمير جُنْدَهُ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَالِ وأَعانهم، وأَمَدَّهم بِمَالٍ كَثِيرٍ وأَغاثهم.
قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَعطاهم، والأَول أَكثر.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ}.
والمَدَدُ: مَا مدَّهم بِهِ أَو أَمَدَّهم؛ سِيبَوَيْهِ، وَالْجَمْعُ أَمْداد، قَالَ: وَلَمْ يُجَاوِزُوا بِهِ هَذَا الْبِنَاءَ، واستَمدَّه: طلَبَ مِنْهُ مَدَدًا.
والمَدَدُ: العساكرُ الَّتِي تُلحَق بالمَغازي فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
والإِمْدادُ: أَنْ يُرْسِلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ مَدَدًا، تَقُولُ: أَمْدَدْنا فُلَانًا بِجَيْشٍ.
قال الله تعالى: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ}.
وَقَالَ فِي الْمَالِ: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ؛ هَكَذَا قُرِئَ نُمِدُّهُمْ، بِضَمِّ النُّونِ.
وَقَالَ: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ، فالمَدَدُ مَا أَمْدَدْتَ بِهِ قَوْمَكَ فِي حرْب أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ طَعَامٍ أَو أَعوان.
وَفِي حَدِيثِ أُويس: «كَانَ عُمَرَ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذا أَتَى أَمْدادُ أَهل الْيَمَنِ سأَلهم: أَفيكم أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ الأَمداد: جَمْعُ مَدَد وَهُمُ الأَعوان والأَنصار الَّذِينَ كَانُوا يَمُدُّون الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِهَادِ.
وَفِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: «خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَة ورافَقَني مَدَدِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ»؛ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى المدَد.
وَقَالَ يُونُسُ: مَا كَانَ مِنَ الْخَيْرِ فإِنك تَقُولُ أَمْدَدْته، وَمَا كَانَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ مدَدْت.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: «هُمْ أَصلُ الْعَرَبِ ومادَّة الإِسلام»؛ أي الَّذِينَ يُعِينونهم ويَكُثِّرُون جُيُوشَهُمْ ويُتَقَوَّى بزكاةِ أَموالهم.
وَكُلُّ مَا أَعنت بِهِ قَوْمًا فِي حَرْبٍ أَو غَيْرِهِ، فَهُوَ مادَّة لَهُمْ.
وَفِي حَدِيثِ الرَّمْيِ: «مُنْبِلُه والمُمِدُّ بِهِ» أَي الَّذِي يَقُومُ عِنْدَ الرَّامِي فَيُنَاوِلُهُ سَهْمًا بَعْدَ سَهْمٍ، أَو يَرُدُّ عَلَيْهِ النَّبْلَ مِنَ الهَدَف.
يُقَالُ: أَمَدَّه يُمِدُّه، فَهُوَ مُمِدٌّ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «قَائِلُ كلمةِ الزُّورِ وَالَّذِي يَمُدُّ بِحَبْلِهَا فِي الإِثم سواءٌ»؛ مَثَّل قَائِلَهَا بالمائِح الَّذِي يملأُ الدَّلْوَ فِي أَسفل الْبِئْرِ، وحاكِيَها بالماتِحِ الَّذِي يَجْذِبُ الْحَبْلَ عَلَى رأْس الْبِئْرِ ويَمُدُّه؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: الراويةُ أَحد الكاذِبَيْنِ.
والمِدادُ: النِّقْس.
والمِدادُ: الَّذِي يُكتب بِهِ وَهُوَ مِمَّا تَقَدَّمَ.
قَالَ شَمِرٌ: كُلُّ شَيْءٍ امتَلأَ وَارْتَفَعَ فَقَدْ مَدَّ؛ وأَمْدَدْتُه أَنا.
ومَدَّ النهارُ إِذا ارْتَفَعَ.
ومَدَّ الدَّواةَ وأَمَدَّها: زَادَ فِي مائِها ونِقْسِها؛ ومَدَّها وأَمَدَّها: جَعَلَ فِيهَا مِدادًا، وَكَذَلِكَ مَدَّ القَلم وأَمَدَّه.
واسْتَمَدَّ مِنَ الدواةِ: أَخذ مِنْهَا مِدادًا؛ والمَدُّ: الاستمدادُ مِنْهَا، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَسْتَمِدَّ مِنْهَا مَدّة وَاحِدَةً؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: سُمِّيَ المِدادُ مِدادًا لإِمداده الكاتِب، مِنْ قَوْلِهِمْ أَمْدَدْت الْجَيْشَ بمَدد؛ قَالَ الأَخطل:
رَأَوْا بارِقاتٍ بالأَكُفِّ كأَنّها ***مَصابيحُ سُرْجٌ، أُوقِدَتْ بِمِدادِ
أَي بِزَيْتٍ يُمِدُّها.
وأَمَدَّ الجُرْحُ يُمِدُّ إِمْدادًا: صَارَتْ فِيهِ مَدَّة؛ وأَمْدَدْت الرَّجُلَ مُدَّةً.
وَيُقَالُ: مُدَّني يَا غلامُ مُدَّة مِنَ الدَّوَاةِ، وإِن قُلْتَ: أَمْدِدْني مُدّة، كَانَ جَائِزًا، وَخَرَجَ عَلَى مَجْرَى المَدَدِ بِهَا وَالزِّيَادَةِ.
والمُدَّة أَيضًا: اسْمُ مَا اسْتَمْدَدْتَ بِهِ مِنَالمِدادِ عَلَى الْقَلَمِ.
والمَدّة، بِالْفَتْحِ: الْوَاحِدَةُ مِنْ قَوْلِكَ مَدَدْتُ الشيءَ.
والمِدّة، بِالْكَسْرِ: مَا يَجْتَمِعُ فِي الجُرْح مِنَ الْقَيْحِ.
وأَمْدَدْتُ الرَّجُلَ إِذا أَعطيته مُدّة بِقَلَمٍ؛ وأَمْدَدْتُ الْجَيْشَ بِمَدَد.
والاستمدادُ: طلبُ المَدَدِ.
قَالَ أَبو زَيْدٍ: مَدَدْنا الْقَوْمَ أَي صِرنا مَدَدًا لَهُمْ وأَمْدَدْناهم بِغَيْرِنَا وأَمْدَدْناهم بِفَاكِهَةٍ.
وأَمَدّ العَرْفَجُ إِذا جَرَى الماءُ فِي عُودِهِ.
ومَدَّه مِدادًا وأَمَدَّه: أَعطاه؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
نُمِدُّ لهمْ بالماءِ مِن غيرِ هُونِه، ***ولكِنْ إِذا مَا ضاقَ أَمرٌ يُوَسَّعُ
يَعْنِي نَزِيدُ الْمَاءَ لِتَكْثُرَ الْمَرَقَةُ.
وَيُقَالُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مِدادَ السموات ومِدادَ كلماتِه ومَدَدَها أَي مِثْلَ عدَدِها وَكَثْرَتِهَا؛ وَقِيلَ: قَدْرَ مَا يُوازيها فِي الْكَثْرَةِ عِيارَ كَيْلٍ أَو وَزْنٍ أَو عدَد أَو مَا أَشبهه مِنْ وُجُوهِ الْحَصْرِ وَالتَّقْدِيرِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا تَمْثِيلٌ يُرَادُ بِهِ التَّقْدِيرُ لأَن الْكَلَامَ لَا يَدْخُلُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وإِنما يَدْخُلُ فِي الْعَدَدِ.
والمِدادُ: مَصْدَرٌ كالمَدَد.
يُقَالُ: مَدَدْتُ الشيءَ مَدًّا ومِدادًا وَهُوَ مَا يَكْثُرُ بِهِ وَيُزَادُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن المؤَذِّنَ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِه»؛ الْمَدُّ: الْقَدْرُ، يُرِيدُ بِهِ قَدْرَ الذُّنُوبِ أَي يُغْفَرُ لَهُ ذَلِكَ إِلى مُنْتَهَى مَدِّ صَوْتِهِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِسَعَةِ الْمَغْفِرَةِ كقوله الْآخَرِ: وَلَوْ لَقِيتَني بِقُراب [بِقِراب] الأَرض خَطايا لِقيتُك بِهَا مَغْفِرَةً؛ وَيُرْوَى مَدَى صَوْتِهِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَبَنَوْا بُيُوتَهُمْ عَلَى مِدادٍ وَاحِدٍ أَي عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَيُقَالُ: جَاءَ هَذَا عَلَى مِدادٍ وَاحِدٍ أَي عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ؛ وَقَالَ جَنْدَلٌ:
لَمْ أُقْوِ فِيهِنَّ، وَلَمْ أُسانِدِ ***عَلَى مَدادٍ ورويٍّ واحِدِ
والأَمِدّةُ، والواحدةُ مِدادٌ: المِساكُ فِي جَانِبَيِ الثوبِ إِذا ابْتدِئَ بعَملِه.
وأَمَدَّ عُودُ العَرْفَجِ والصِّلِّيانِ والطَّرِيفَةِ: مُطِرَ فَلانَ.
والمُدَّةُ: الْغَايَةُ مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.
وَيُقَالُ: لِهَذِهِ الأُمّةُ مُدَّة أَي غَايَةٌ فِي بَقَائِهَا.
وَيُقَالُ: مَدَّ اللَّهُ فِي عُمُرك أَي جَعَلَ لعُمُرك مُدة طَوِيلَةً.
ومُدَّ فِي عُمُرِهِ: نُسِئَ.
ومَدُّ النهارِ: ارتفاعُه.
يُقَالُ: جِئْتُكَ مَدَّ النَّهَارِ وَفِي مَدِّ النَّهَارِ، وَكَذَلِكَ مَدَّ الضُّحَى، يَضَعُونَ الْمَصْدَرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَوْضِعَ الظَّرْفِ.
وامتدَّ النهارُ: تَنَفَّس.
وامتدَّ بِهِمُ السَّيْرُ: طَالَ.
ومَدَّ فِي السَّيْرِ: مَضَى.
والمَدِيدُ: مَا يُخْلَطُ بِهِ سَوِيقٌ أَو سِمْسمٌ أَو دَقِيقٌ أَو شَعِيرٌ جَشٌّ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ الَّذِي لَيْسَ بحارٍّ ثُمَّ يُسقاه الْبَعِيرُ وَالدَّابَّةُ أَو يُضْفَرُه، وَقِيلَ: المَدِيدُ العَلَفُ، وَقَدْ مَدَّه بِهِ يَمُدُّه مَدًّا.
أَبو زَيْدٍ: مَدَدْتُ الإِبلَ أَمُدُّها مَدًّا، وَهُوَ أَن تَسْقِيَهَا الْمَاءَ بِالْبِزْرِ أَو الدَّقِيقِ أَو السِّمْسِمِ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: المَدِيدُ شَعِيرٌ يُجَشُّ ثُمَّ يُبَلُّ فَيُضْفَرُ البَعِيرَ.
وَيُقَالُ: هُنَاكَ قِطْعَةٌ مِنَ الأَرض قَدْرُ مَدِّ الْبَصَرِ أَي مَدَى الْبَصَرِ.
ومَدَدْتُ الإِبِلَ وأَمْدَدْتُها بِمَعْنًى، وهو أَن تَنْثِرَ [تَنْثُرَ] لَهَا عَلَى الماءِ شَيْئًا مِنَ الدَّقِيقِ وَنَحْوِهِ فَتَسْقِيَها، وَالِاسْمُ المَدِيدُ.
والمِدّانُ والإِمِدّانُ: الْمَاءُ المِلْح، وَقِيلَ: الْمَاءُ الْمِلْحُ الشديدُ المُلُوحة؛ وَقِيلَ: مِياهُ السِّباخِ؛ قَالَ: وَهُوَ إِفِعْلانٌ.
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ؛ قَالَ زَيْدُ الْخَيْلِ، وَقِيلَ هُوَ لأَبي الطَّمَحان:
فأَصْبَحْنَ قَدْ أَقْهَينَ عَنِّي كَمَا أَبَتْ، ***حِياضَ الإِمِدَّانِ، الظِّباءُ القوامِحُ
والإِمِدّانُ أَيضًا: النَّزُّ.
وَقِيلَ: هُوَ الإِمِّدانُ؛ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ.
والمُدُّ: ضَرْبٌ مِنَ المكايِيل وَهُوَ رُبُع صَاعٍ، وَهُوَ قَدْرُ مُدِّ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، والصاعُ: خَمْسَةُ أَرطال؛ قال:
لم يَغْدُها مُدٌّ وَلَا نَصِيفُ، ***وَلَا تُمَيْراتٌ وَلَا تَعْجِيفُ
وَالْجَمْعُ أَمدادٌ ومِدَدٌ ومِدادٌ كَثِيرَةٌ ومَدَدةٌ؛ قَالَ:
كأَنَّما يَبْرُدْنَ بالغَبُوقِ ***كَيْلَ مِدادٍ، مِنْ فَحًا مَدْقوقِ
الْجَوْهَرِيُّ: المُدُّ، بِالضَّمِّ، مِكْيَالٌ وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلْثٌ عِنْدَ أَهل الْحِجَازِ وَالشَّافِعِيِّ، وَرِطْلَانِ عِنْدَ أَهل الْعِرَاقِ وأَبي حَنِيفَةَ، وَالصَّاعُ أَربعة أَمداد.
وَفِي حَدِيثِ فَضْلِ الصَّحَابَةِ: «مَا أَدْرَك مُدَّ أَحدِهم وَلَا نَصِيفَه»؛ وَالْمُدُّ، فِي الأَصل: رُبُعُ صَاعٍ وإِنما قَدَّره بِهِ لأَنه أَقلُّ مَا كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ بِهِ فِي الْعَادَةِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ الْغَايَةُ؛ وَقِيلَ: إِن أَصل الْمُدِّ مقدَّر بأَن يَمُدَّ الرَّجُلُ يَدَيْهِ فيملأَ كَفَّيْهِ طَعَامًا.
ومُدَّةٌ مِنَ الزَّمَانِ: بُرْهَةٌ مِنْهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «المُدَّة الَّتِي مادَّ فِيهَا أَبا سُفْيَانَ»؛ المُدَّةُ: طَائِفَةٌ مِنَ الزَّمَانِ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، ومادَّ فِيهَا أَي أَطالَها، وَهِيَ فاعَلَ مِنَ الْمَدِّ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن شاؤُوا مادَدْناهم».
ولُعْبة لِلصِّبْيَانِ تُسَمَّى: مِدادَ قَيْس؛ التَّهْذِيبِ: ومِدادُ قَيْس لُعْبة لَهُمْ.
التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ دمم: دَمدَمَ إِذا عَذَّبَ عَذَابًا شَدِيدًا، ومَدْمَدَ إِذا هَرَبَ.
ومُدٌّ: رَجُلٌ مِنْ دارِم؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ الدَّارِمِيُّ يَهْجُو خُنْشُوشَ بْنَ مُدّ:
جَزَى اللهُ خُنْشُوشَ بنَ مُدٍّ مَلامةً، ***إِذا زَيَّنَ الفَحْشاءَ للناسِ مُوقُها
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
28-لسان العرب (كثر)
كثر: الكَثْرَةُ والكِثْرَةُ والكُثْرُ: نَقِيضُ الْقِلَّةِ.التَّهْذِيبُ: وَلَا تَقُلِ الكِثْرَةُ، بِالْكَسْرِ، فإِنها لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَقَوْمٌ كَثِيرٌ وَهُمْ كَثِيرُونَ.
اللَّيْثُ: الكَثْرَة نَمَاءُ الْعَدَدِ.
يُقَالُ: كَثُرَ الشيءُ يَكْثُر كَثْرَةً، فَهُوَ كَثِيرٌ.
وكُثْرُ الشَّيْءِ: أَكْثَرُه، وقُلُّه: أَقله.
والكُثْرُ، بِالضَّمِّ، مِنَ الْمَالِ: الكثيرُ؛ يُقَالُ: مَا لَهُ قُلٌّ وَلَا كُثْرٌ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِرَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ:
فإِنَّ الكُثْرَ أَعياني قَدِيمًا، ***وَلَمْ أُقْتِرْ لَدُنْ أَنِّي غُلامُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ لِعَمْرِو بْنُ حَسَّان مِنْ بَنِي الحرث بْنِ هَمَّام؛ يَقُولُ: أَعياني طلبُ الْكَثْرَةِ مِنَ الْمَالِ وإِن كنتُ غيرَ مُقْتِرٍ مِنْ صِغَرِي إِلى كِبَرِي، فَلَسْتُ مِنَ المُكْثِرِين وَلَا المُقْتِرِين؛ قَالَ: وَهَذَا يَقُولُهُ لامرأَته وَكَانَتْ لَامَتَهُ فِي نَابَيْنِ عَقَرَهُمَا لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِ يُقَالُ لَهُ إِساف فَقَالَ:
أَفي نَابَيْنِ نَالَهُمَا إِسافٌ ***تَأَوَّهُ طَلَّتي مَا أَن تَنامُ؟
أَجَدَّكِ هَلْ رأَيتِ أَبا قُبَيْسٍ، ***أَطالَ حَياتَه النَّعَمُ الرُّكامُ؟
بَنى بالغَمْرِ أَرْعَنَ مُشْمَخِرًّا، ***تَغَنَّى فِي طوائقِه الحَمامُ
تَمَخَّضَت المَنُونُ لَهُ بيَوْمٍ ***أَنَى، ولكلِّ حامِلَةٍ تَمامُ
وكِسْرى، إِذ تَقَسَّمَهُ بَنُوهُ ***بأَسيافٍ، كَمَا اقْتُسِمَ اللِّحامُ
قَوْلُهُ: أَبا قُبَيْسٍ يَعْنِي بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ وَكُنْيَتُهُ أَبو قَابُوسَ فَصَغَّرَهُ تَصْغِيرَ التَّرْخِيمِ.
وَالرُّكَامُ: الْكَثِيرُ؛ يَقُولُ: لَوْ كَانَتْ كَثْرَةُ الْمَالِ تُخْلِدُ أَحدًا لأَخْلَدَتْ أَبا قَابُوسَ.
وَالطَّوَائِقُ: الأَبنية الَّتِي تُعْقَدُ بالآجُرِّ.
وَشَيْءٌ كَثِير وكُثارٌ: مِثْلُ طَويل وطُوال.
وَيُقَالُ: الحمد لله عَلَى القُلِّ والكُثْرِ والقِلِّ والكِثْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «نِعْمَ المالُ أَربعون والكُثْرُ سِتُّون»؛ الكُثْرُ، بِالضَّمِّ: الْكَثِيرُ كالقُلِّ فِي الْقَلِيلِ، والكُثْرُ مُعْظَمُ الشَّيْءِ وأَكْثَرُه؛ كَثُرَ الشيءُ كَثارَةً فَهُوَ كَثِير وكُثارٌ وكَثْرٌ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {والْعَنْهم لَعْنًا كَثِيرًا}، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ دُمْ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلى هَذَا لأَنه إِذا دَامَ عَلَيْهِ كَثُرَ.
وكَثَّر الشيءَ: جَعَلَهُ كَثِيرًا.
وأَكْثَر: أَتى بكَثِير، وَقِيلَ: كَثَّرَ الشَّيْءَ وأَكْثَره جَعَلَهُ كَثيرًا.
وأَكْثَر اللهُ فِينَا مِثْلَكَ: أَدْخَلَ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.
وأَكثَر الرجلُ أَي كَثُر مالُه.
وَفِي حَدِيثِ الإِفْك: «... وَلَهَا ضَرائِرُ إِلا كَثَّرْنَ فِيهَا» أَي كَثَّرْنَ القولَ فِيهَا والعَنَتَ لَهَا؛ وَفِيهِ أَيضًا: «وَكَانَ حسانُ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيْهَا»، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَرَجُلٌ مُكْثِرٌ: ذُو كُثْرٍ مِنَ الْمَالِ؛ ومِكْثارٌ ومِكْثير: كَثِيرُ الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُجْمَعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لأَن مُؤَنَّثَهُ لَا تَدْخُلُهُ الْهَاءُ.
والكاثِرُ: الكَثِير.
وعَدَدٌ كاثِرٌ: كَثِير؛ قَالَ الأَعشى:
ولَسْتُ بالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى، ***وإِنما العِزَّةُ للكاثِرِ
الأَكثر هَاهُنَا بِمَعْنَى الْكَثِيرِ، وَلَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ، لأَن الأَلف واللام ومن يَتَعَاقَبَانِ فِي مِثْلِ هَذَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ لِلتَّفْضِيلِ وَتَكُونُ مِنْ غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بالأَكثر، وَلَكِنْ عَلَى قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
فإِنَّا رَأَيْنا العِرْضَ أَحْوَجَ، سَاعَةً، ***إِلى الصِّدْقِ مِنْ رَيْطٍ يَمانٍ مُسَهَّمِ
وَرَجُلٌ كَثِيرٌ: يَعْنِي بِهِ كَثْرَة آبَائِهِ وضُرُوبَ عَلْيائه.
ابْنُ شُمَيْلٍ عَنْ يُونُسَ: رِجالٌ كَثير وَنِسَاءٌ كَثِير وَرِجَالٌ كَثيرة وَنِسَاءٌ كَثِيرة.
والكُثارُ، بِالضَّمِّ: الكَثِيرُ.
وَفِي الدَّارِ كُثار وكِثارٌ مِنَ النَّاسِ أَي جَمَاعَاتٍ، وَلَا يَكُونُ إِلا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ.
وكاثَرْناهم فَكَثَرناهم أَي غَلَبْنَاهُمْ بالكَثْرَةِ.
وكاثَرُوهم فَكَثَرُوهُمْ يَكْثُرونَهُمْ: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الكُمَيْتِ يَصِفُ الثَّوْرَ وَالْكِلَابَ:
وعاثَ فِي غابِرٍ مِنْهَا بعَثْعَثَةٍ ***نَحْرَ المُكافئِ، والمَكْثورُ يَهْتَبِلُ
العَثْعَثَة: اللَّيِّنْ مِنَ الأَرض.
والمُكافئُ: الَّذِي يَذْبَحُ شَاتَيْنِ إِحداهما مُقَابِلَةُ الأُخرى لِلْعَقِيقَةِ.
ويَهْتَبِلُ: يَفْتَرِصُ ويَحْتال.
والتَّكاثُر: المُكاثَرة.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنكم لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ إِلا كَثَّرتاه»؛ أَي غَلَبناه بالكَثْرَةِ وكانَتا أَكْثَر مِنْهُ.
الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ}؛ نَزَلَتْ فِي حَيَّيْنِ تَفاخَرُوا أَيُّهم أَكْثَرُ عَددًا وَهُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وبنو سَهْم فكَثَرَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ بَنِي سَهْمٍ، فَقَالَتْ بَنُو سَهْمٍ: إِن البَغْيَ أَهلكنا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فعادُّونا بالأَحياء والأَموات.
فكَثَرَتْهم بَنُو سَهْم، فأَنزل اللَّهُ تعالى: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ}؛ أَي حَتَّى زُرْتُمُ الأَموات؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: أَلهاكم التَّفَاخُرُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَالْمَالِ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ أَي حَتَّى مُتُّمْ؛ قَالَ جَرِيرٌ للأَخطل:
زَارَ القُبورَ أَبو مالكٍ، ***فأَصْبَحَ أَلأَمَ زُوَّارِها
فَجَعَلَ زيارةَ الْقُبُورِ بِالْمَوْتِ؛ وَفُلَانٌ يَتَكَثَّرُ بِمَالِ غَيْرِهِ.
وكاثَره الماءَ واسْتَكْثَره إِياه إِذا أَراد لِنَفْسِهِ مِنْهُ كَثِيرًا لِيَشْرَبَ مِنْهُ، وإِن كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا.
وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الشَّيْءِ: رَغِبَ فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ وأَكثر مِنْهُ أَيضًا.
وَرَجُلٌ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ إِذا كَثُرَ عَلَيْهِ مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُ المعروفَ، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ وكَثُرَتْ عَلَيْهِ الحُقوقُ مِثْل مَثْمُودٍ ومَشْفوهٍ ومَضْفوفٍ.
وَفِي حَدِيثِ قَزَعَةَ: «أَتيتُ أَبا سَعِيدٍ وَهُوَ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ».
يُقَالُ: رَجُلٌ مَكْثُورٌ عَلَيْهِ إِذا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الحقوقُ والمطالَباتُ؛ أَراد أَنه كَانَ عِنْدَهُ جَمْعٌ مِنَ النَّاسِ يسأَلونه عَنْ أَشياء فكأَنهم كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ فَهُمْ يَطْلُبُونَهَا.
وَفِي حَدِيثِ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا رأَينا مَكْثُورًا أَجْرَأَ مَقْدَمًا مِنْهُ»؛ المَكْثُورُ: الْمَغْلُوبُ، وَهُوَ الَّذِي تَكَاثَرَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَهَرُوهُ؛ أي مَا رأَينا مَقْهُورًا أَجْرَأَ إِقْدامًا مِنْهُ.
والكَوْثَر: الْكَثِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
والكَوْثَر: الْكَثِيرُ الْمُلْتَفُّ مِنَ الْغُبَارِ إِذا سَطَعَ وكَثُرَ، هُذَليةٌ؛ قَالَ أُمَيَّةُ يَصِفُ حِمَارًا وَعَانَتَهُ:
يُحامي الحَقِيقَ إِذا مَا احْتَدَمْن، ***وحَمْحَمْنَ فِي كَوْثَرٍ كالجَلالْ
أَراد: فِي غُبار كأَنه جَلالُ السَّفِينَةِ.
وَقَدْ تَكَوْثَر الغُبار إِذا كَثُرَ؛ قَالَ حَسّان بْنُ نُشْبَة:
أَبَوْا أَن يُبِيحوا جارَهُمْ لعَدُوِّهِمْ، ***وَقَدْ ثارَ نَقْعُ المَوْتِ حَتَّى تَكَوْثَرا
وَقَدْ تَكَوْثَرَ.
وَرَجُلٌ كَوْثَرٌ: كَثِيرُ الْعَطَاءِ وَالْخَيْرِ.
والكَوْثَرُ: السَّيِّدُ الْكَثِيرُ الْخَيِّرِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وأَنتَ كَثِيرٌ، يَا ابنَ مَرْوانَ، طَيِّبٌ، ***وَكَانَ أَبوك ابنُ العقائِل كَوْثَرا
وَقَالَ لَبِيدٌ: وعِنْدَ الرِّداعِ بيتُ آخرَ كَوْثَرُ "والكَوْثَرُ: النَّهْرُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
وَالْكَوْثَرُ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ جَمِيعُ أَنهارها وَهُوَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً.
وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ: «أُعطِيتُ الكَوْثَر»، وَهُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ فَوْعَل مِنَ الْكَثْرَةِ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَمَعْنَاهُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.
وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الكَوْثَرَ الْقُرْآنُ وَالنُّبُوَّةُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}؛ قِيلَ: الكَوْثَرُ هَاهُنَا الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي يُعْطِيهِ اللَّهُ أُمته يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّهُ رَاجِعٌ إِلى مَعْنَى الْكَثْرَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَن الكَوْثَرَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَشد بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وأَحلى مِنَ الْعَسَلِ، فِي حافَتَيه قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ "، وَجَاءَ أَيضًا فِي التَّفْسِيرِ: أَن الكَوْثَرَ الإِسلام وَالنُّبُوَّةُ، وَجَمِيعُ مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْكَوْثَرِ قَدْ أُعطيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعطي النُّبُوَّةَ وإِظهار الدِّينِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ عَلَى كُلِّ دِينٍ وَالنَّصْرَ عَلَى أَعدائه وَالشَّفَاعَةَ لأُمته، وَمَا لَا يُحْصَى مِنَ الْخَيْرِ، وَقَدْ أُعطي مِنَ الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِ عَلَى أَهل الْجَنَّةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبو أُمية: قَدِمَ فلانٌ بكَوْثَرٍ كَثير، وهو فوعل من الكثرة.
أَبو تُرَابٍ: الكَيْثَرُ بِمَعْنَى الكَثِير؛ وأَنشد:
هَلِ العِزُّ إِلا اللُّهى والثَّرَاءُ ***والعَدَدُ الكَيْثَرُ الأَعْظَمُ؟
فالكَيْثَرُ والكَوْثَرُ وَاحِدٌ.
والكَثْرُ والكَثَرُ، بِفَتْحَتَيْنِ: جُمَّار النَّخْلِ، أَنصارية، وَهُوَ شَحْمُهُ الذي "في وسط النَّخْلَةُ؛ فِي كَلَامِ الأَنصار: وَهُوَ الجَذَبُ أَيضًا.
وَيُقَالُ: الكَثْرُ طَلْعُ النَّخْلِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ»، وَقِيلَ: الكَثَرُ الجُمَّارُ عامَّةً، وَاحِدَتُهُ كَثَرَةٌ.
وَقَدْ أَكْثَرَ النخلُ أَي أَطْلَعَ.
وكَثِير: اسْمُ رَجُلٍ؛ وَمِنْهُ كُثَيِّرُ بْنُ أَبي جُمْعَةَ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ لَفْظُ التصغير.
وكَثِيرَةُ: اسْمُ امرأَة.
والكَثِيراءُ: عِقِّيرٌ معروف.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
29-لسان العرب (صرف)
صرف: الصَّرْفُ: رَدُّ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ، صَرَفَه يَصْرِفُه صَرْفًا فانْصَرَفَ.وصَارَفَ نفْسَه عَنِ الشَّيْءِ: صَرَفَها عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا}؛ أَي رَجَعوا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي استمعُوا فِيهِ، وَقِيلَ: انْصَرَفُوا عَنِ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعُوا.
صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْأَي أَضلَّهُم اللَّهُ مُجازاةً عَلَى فِعْلِهِمْ؛ وصَرفْتُ الرَّجُلَ عَنِّي فانْصَرَفَ، والمُنْصَرَفُ: قَدْ يَكُونُ مَكَانًا وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرًا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ}؛ أَي أَجْعَلُ جَزاءهم الإِضْلالَ عَنْ هِدَايَةِ آيَاتِي.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًاأَي مَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يَصْرِفُوا عَنْ أَنفسهم العَذابَ وَلَا أَن يَنْصُروا أَنفسَهم}.
قَالَ يُونُسُ: الصَّرْفُ الحِيلةُ، وصَرَفْتُ الصِّبْيان: قَلَبْتُهم.
وصَرَفَ اللَّهُ عَنْكَ الأَذى، واسْتَصْرَفْتُ اللَّهَ المَكارِهَ.
والصَّريفُ: اللَّبَنُ الَّذِي يُنْصَرَفُ بِهِ عَنِ الضَّرْعِ حَارًّا.
والصَّرْفانِ: الليلُ والنهارُ.
والصَّرْفَةُ: مَنْزِل مِنْ مَنازِلِ الْقَمَرِ نَجْمٌ وَاحِدٌ نَيِّرٌ تِلْقاء الزُّبْرةِ، خلْفَ خراتَي الأَسَد.
يُقَالُ: إِنَّهُ قَلْبُ الأَسد إِذَا طَلَعَ أَمام الْفَجْرِ فَذَلِكَ الخَريفُ، وإِذا غابَ مَعَ طُلُوع الْفَجْرِ فَذَلِكَ أَول الرَّبِيعِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الصَّرْفَةُ نابُ الدَّهْرِ لأَنها تفْتَرُّ عَنِ الْبَرْدِ أَو عَنِ الحَرّ فِي الْحَالَتَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ كُناسةَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لانْصراف الْبَرْدِ وَإِقْبَالِ الْحَرِّ، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن يُقَالَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لانْصراف الحرِّ وَإِقْبَالِ الْبَرْدِ.
والصَّرْفةُ: خرَزةٌ من الخرَز التي تُذْكر فِي الأُخَذِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يُسْتَعْطَفُ بِهَا الرِّجَالُ يُصْرَفون بِهَا عَنْ مَذاهِبهم وَوُجُوهِهِمْ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وقولُ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ: مَا تَأْتينا فتُحَدِّثَنا، تَنْصِبُ الجوابَ عَلَى الصَّرْف، كَلَامٌ فِيهِ إِجْمَالٌ بَعْضُهُ صَحِيحٌ وَبَعْضُهُ فَاسِدٌ، أَما الصَّحِيحُ فَقَوْلُهُمُ الصَّرْفُ أَن يُصْرَف الفِعْلُ الثَّانِي عَنْ مَعْنَى الْفِعْلِ الأَول، قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا إِنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ يُخَالِفُ الأَوّل، وأَما انْتِصَابُهُ بالصَّرْف فخطأٌ لأَنه لَا بُدَّ لَهُ مِنَ نَاصِبٍ مُقْتَض لَهُ لأَن الْمَعَانِيَ لَا تَنْصِبُ الأَفعال وَإِنَّمَا تَرْفَعُهَا، قَالَ: وَالْمَعْنَى الَّذِي يَرْفَعُ الْفِعْلَ هُوَ وُقُوعُ الِاسْمِ، وَجَازَ فِي الأَفعال أَن يَرْفَعَهَا الْمَعْنَى كَمَا جَازَ فِي الأَسماء أَن يَرْفَعَهَا الْمَعْنَى لمُضارعَة الْفِعْلِ لِلِاسْمِ، وصَرْفُ الْكَلِمَةِ إجْراؤها بِالتَّنْوِينِ.
وَصَرَّفْنَا الْآياتِ" أَي بيَّنَّاها.
وتَصْريفُ الْآيَاتِ تَبْيينُها.
والصَّرْفُ: أَن تَصْرِفَ إِنْسَانًا عَنْ وجْهٍ يُرِيدُهُ إِلَى مَصْرِفٍ غَيْرِ ذَلِكَ.
وصَرَّفَ الشيءَ: أَعْمله فِي غَيْرِ وَجْهٍ كأَنه يَصرِفُه عَنْ وَجْهٍ إِلَى وَجْهٍ، وتَصَرَّفَ هُوَ.
وتَصارِيفُ الأُمورِ: تَخالِيفُها، وَمِنْهُ تَصارِيفُ الرِّياحِ والسَّحابِ.
اللَّيْثُ: تَصْرِيفُ الرِّياحِ صَرْفُها مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ، وَكَذَلِكَ تَصْرِيفُ السُّيُولِ والخُيولِ والأُمور وَالْآيَاتِ، وتَصْرِيفُ الرياحِ: جعلُها جَنُوبًا وشَمالًا وصَبًا ودَبُورًا فَجَعَلَهَا ضُروبًا فِي أَجْناسِها.
وصَرْفُ الدَّهْرِ: "حِدْثانُه ونَوائبُه.
والصَّرْفُ: حِدْثان الدَّهْرِ، اسْمٌ لَهُ لأَنه يَصْرِفُ الأَشياء عَنْ وجُوهها؛ وَقَوْلُ صَخْرِ الغَيّ:
عاوَدَني حُبُّها، وَقَدْ شَحِطَتْ ***صَرْفُ نَواها، فإنَّني كَمِدُ
أَنَّث الصَّرْف لتَعْلِيقه بالنَّوى، وَجَمْعُهُ صُرُوفٌ.
أَبو عَمْرٍو: الصَّرِيف الفضّةُ؛ وأَنشد:
بَني غُدانةَ، حَقًّا لَسْتُمُ ذَهَبًا ***وَلَا صَرِيفًا، وَلَكِنْ أَنْتُمُ خَزَفُ
وَهَذَا البيتُ أَورَدَه الْجَوْهَرِيُّ:
بَنِي غُدانَةَ، مَا إِنْ أَنتُمُ ذَهَبًا ***وَلَا صَرِيفًا، وَلَكِنْ أَنتُمُ خزَفُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إنشاده: مَا إِن أَنْتُمُ ذَهبٌ، لأَن زِيَادَةَ إنْ تُبْطِل عَمَلَ مَا.
والصَّرْفُ: فَضْلُ الدِرهم عَلَى الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ عَلَى الدِّينار لأَنَّ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصْرَفُ عَنْ قِيمةِ صاحِبه.
والصَّرْفُ: بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنه يُنْصَرَفُ بِهِ عَنْ جَوْهر إِلَى جَوْهر.
والتَّصْرِيفُ فِي جَمِيعِ البِياعاتِ: إنْفاق الدَّراهم.
والصَّرَّافُ والصَّيْرَفُ والصَّيْرَفِيُّ: النقّادُ مِنَ المُصارفةِ وَهُوَ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَالْجَمْعُ صَيارِفُ وصَيارِفةٌ.
وَالْهَاءُ لِلنِّسْبَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الصَّيَارِفُ؛ فأَما قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
تَنْفِي يَداها الحَصى فِي كلِّ هاجِرَةٍ، ***نَفْيَ الدَّراهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيارِيفِ
فَعَلَى الضَّرُورَةِ لَمَّا احْتَاجَ إِلَى تَمَامِ الْوَزْنِ أَشْبع الْحَرَكَةَ ضَرُورَةً حَتَّى صَارَتْ حَرْفًا؛ وَبِعَكْسِهِ: " والبَكَراتِ الفُسَّجَ العطامِسا "وَيُقَالُ: صَرَفْتُ الدَّراهِمَ بالدَّنانِير.
وَبَيْنَ الدِّرهمين صَرْفٌ أَي فَضْلٌ لجَوْدةِ فِضَّةِ أَحدهما.
وَرَجُلٌ صَيْرَفٌ: مُتَصَرِّفٌ فِي الأُمور؛ قَالَ أُمَيَّة بْنُ أَبي عَائِذٍ الْهُذَلِيِّ:
قَدْ كُنْتُ خَرَّاجًا وَلُوجًا صَيْرَفًا، ***لَمْ تَلْتَحِصْني حَيْصَ بَيْصَ لَحاصِ
أَبو الْهَيْثَمِ: الصَّيْرَفُ والصَّيْرَفِيُّ الْمُحْتَالُ المُتقلب فِي أُموره المُتَصَرِّفُ فِي الأُمور المُجَرّب لَهَا؛ قَالَ سُوِيدُ بْنُ أَبي كَاهِلٍ اليَشْكُرِيّ:
ولِسانًا صَيْرَفِيًّا صارِمًا، ***كحُسامِ السَّيْفِ مَا مَسَّ قَطَعْ
والصَّرْفُ: التَّقَلُّبُ والحِيلةُ.
يُقَالُ: فُلَانٌ يَصْرِفُ ويَتَصَرَّفُ ويَصْطَرِفُ لِعِيَالِهِ أَي يَكتسب لَهُمْ.
وَقَوْلُهُمْ: لَا يُقبل لَهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ؛ الصَّرْفُ: الحِيلة، وَمِنْهُ التَّصَرُّفُ فِي الأَمور.
يُقَالُ: إِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي الأُمور.
وصَرَّفْتُ الرَّجُلَ فِي أَمْري تَصْرِيفًا فتَصَرَّفَ فِيهِ واصْطَرَفَ فِي طلَبِ الكسْب؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
قَدْ يَكْسِبُ المالَ الهِدانُ الْجَافِي، ***بغَيْرِ مَا عَصْفٍ وَلَا اصْطِرافِ
والعَدْلُ: الفِداء؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ}، وَقِيلَ: الصَّرْفُ التَّطَوُّعُ والعَدْلُ الفَرْضُ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ التوبةُ وَالْعَدْلُ الفِدْيةُ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ الوَزْنُ والعَدْلُ الكَيْلُ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ القيمةُ والعَدلُ المِثْلُ، وأَصلُه فِي الفِدية، يُقَالُ: لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدلًا أَي لَمْ يأْخذوامِنْهُمْ دِيَةً وَلَمْ يَقْتُلُوا بقَتيلهم رَجُلًا وَاحِدًا أَي طَلَبُوا مِنْهُمْ أَكثر مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقْتُلُ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، فَإِذَا قَتَلُوا رَجُلًا بِرَجُلٍ فَذَلِكَ الْعَدْلُ فِيهِمْ، وَإِذَا أَخذوا دِيَةً فَقَدِ انْصَرَفُوا عَنِ الدَّمِ إِلَى غَيْرِهِ فَصَرَفوا ذَلِكَ صرْفًا، فَالْقِيمَةُ صَرْف لأَن الشَّيْءَ يُقَوّم بِغَيْرِ صِفته ويُعَدَّل بِمَا كَانَ فِي صِفَتِهِ، قَالُوا: ثُمَّ جُعِل بعدُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى صَارَ مَثَلًا فِيمَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الشَّيْءُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ، وأُلزِمَ أَكثر مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفًا}، أَي مَعْدِلًا؛ قَالَ: " أَزُهَيْرُ، هلْ عَنْ شَيْبةٍ مِنْ مَصْرِفِ؟ "أَي مَعْدِل؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الصَّرْف المَيْلُ، والعَدْلُ الاسْتِقامةُ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الصَّرْفُ مَا يُتَصَرَّفُ بِهِ والعَدْل الْمَيْلُ، وَقِيلَ الصَّرْف الزِّيادةُ وَالْفَضْلُ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: مَنْ أَحْدثَ فِيهَا حَدَثًا أَو آوَى مُحْدِثًا لَا يُقبل مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ»؛ قَالَ مَكْحُولٌ: الصَّرْفُ التوبةُ والعدْلُ الفِدية.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَقِيلَ الصَّرْف النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ.
وَقَالَ يُونُسُ: الصَّرْف الحِيلة، وَمِنْهُ قِيلَ: فُلَانٌ يَتَصَرَّفُ أَي يَحْتالُ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا}.
وصَرْفُ الْحَدِيثِ: «تَزْيِينُه والزيادةُ فِيهِ».
وَفِي حَدِيثِ أَبي إدْرِيسَ الخَوْلاني أَنه قَالَ: «مَنْ طَلَبَ صَرْفَ الحديثِ يَبْتَغِي بِهِ إقبالَ وجوهِ الناسِ إليه»؛ أُخِذَ مِنْ صَرفِ الدراهمِ؛ والصَّرْفُ: الْفَضْلُ، يُقَالُ: لِهَذَا صَرْفٌ عَلَى هَذَا؛ أي فضلٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد بصَرْفِ الْحَدِيثِ مَا يَتَكَلَّفُهُ الإِنسان مِنَ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنَ الرِّياء والتَّصَنُّع، وَلِمَا يُخالِطُه مِنَ الْكَذِبِ والتَّزَيُّدِ، والحديثُ مَرْفُوعٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُحْسنُ صَرْفَ الْكَلَامِ أَي فضْلَ بعضِه عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مِنْ صَرْفِ الدّراهمِ، وَقِيلَ لِمَنْ يُمَيِّز: صَيْرَفٌ وصَيْرَفِيٌّ.
وصَرَفَ لأَهله يَصْرِفُ واصْطَرَفَ: كَسَبَ وطَلَبَ واخْتالَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
والصِّرَافُ: حِرْمةُ كلِّ ذاتِ ظِلْفٍ ومِخْلَبٍ، صَرَفَتْ تَصْرِفُ صُرُوفًا وصِرَافًا، وَهِيَ صَارِفٌ.
وكلبةٌ صَارِفٌ بيِّنة الصِّرَافِ إِذَا اشْتَهَتِ الْفَحْلَ.
ابْنُ الأَعرابي: السباعُ كُلُّهَا تُجْعِلُ وتَصْرِفُ إِذَا اشْتَهَتِ الْفَحْلَ، وَقَدْ صَرَفَت صِرَافًا، وَهِيَ صَارِفٌ، وأَكثر مَا يُقَالُ ذَلِكَ كلُّه للكلْبَةِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الصِّرَافُ حِرْمةُ الشَّاءِ وَالْكِلَابِ والبقَرِ.
والصَّرِيفُ: صَوْتُ الأَنيابِ والأَبوابِ.
وصَرَفَ الإِنسانُ والبعيرُ نابَه وبنابِه يَصْرِفُ صَرِيفًا: حَرَقَه فَسَمِعْتَ لَهُ صَوْتًا، وَنَاقَةٌ صَرُوفٌ بَيِّنَةُ الصَّرِيفِ.
وصَرِيفُ الْفَحْلِ: تَهَدُّرُه.
وَمَا فِي فَمِهِ صَارِفٌ أَي نابٌ.
وصَرِيفُ القَعْوِ: صَوْتُهُ.
وصَريفُ البكرةِ: صوتها عند الِاسْتِقَاءِ.
وصَرِيفُ الْقَلَمِ وَالْبَابِ وَنَحْوِهِمَا: صَرِيرُهُمَا.
ابْنُ خَالَوَيْهِ: صَرِيفُ نابِ الناقةِ يَدُلُّ عَلَى كلالِها ونابِ الْبَعِيرِ عَلَى قَطَمِه وغُلْمَتِه؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:
مَقْذُوفَةٍ بِدَخِيسِ النَّحْضِ بازِلُها، ***لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ القَعْوِ بالمَسَدِ
هُوَ وَصْفٌ لَهَا بالكَلالِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه دَخَلَ حَائِطًا مِنْ حَوائطِ المدينةِ فَإِذَا فِيهِ جَمَلانِ يَصْرِفَان ويوعِدانِ فَدَنا مِنْهُمَا فَوَضَعَا جُرُنَهما»؛ قَالَ الأَصمعي: إِذَا كَانَ الصَّرِيفُ مِنَ الفُحولةِ، فَهُوَ مِنَ النَّشاطِ، " وَإِذَا كَانَ مِنَ الإِناث، فَهُوَ مِنَ الإِعْياء.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «لَا يَرُوعُه مِنْهَا إِلَّا صَرِيفُ أَنيابِ الحِدْثان».
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقلامِ» أَي صوتَ جَرَيانِها بِمَا تكتُبه مِنْ أَقْضِيةِ اللَّهِ ووَحْيِه، وَمَا يَنْسَخُونه مِنَ اللوحِ الْمَحْفُوظِ.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنه كَانَ يَسْمَعُ صَرِيف القَلم حِينَ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ التَّوْرَاةَ»؛ وَقَوْلُ أَبي خِراشٍ:
مُقابَلَتَيْنِ شَدَّهما طُفَيْلٌ ***بِصَرَّافَينِ، عَقْدُهما جَمِيلُ
عَنَى بالصَّرَّافَيْنِ شراكَيْنِ لَهُمَا صَرِيفٌ.
والصِّرْفُ: الخالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وشَرابٌ صِرْفٌ أَي بَحْتٌ لَمْ يُمْزَجْ، وَقَدْ صَرَفَه صُرُوفًا؛ قَالَ الهذَلي:
إِنْ يُمْسِ نَشْوانَ بِمَصْرُوفَةٍ ***مِنْهَا بريٍّ وَعَلَى مِرْجَلِ
وصَرَّفَه وأَصْرَفَه: كَصَرفَه؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ.
وصَرِيفون: مَوْضِعٌ بِالْعِرَاقِ؛ قَالَ الأَعشى:
وَتُجْبَى إِلَيْهِ السَّيْلَحُونَ، ودونَها ***صَرِيفُونَ فِي أَنهارِها والخَوَرْنَقُ
قَالَ: والصَّرِيفِيَّةُ مِنَ الْخَمْرِ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِ.
والصَّرِيفُ: الْخَمْرُ الطيبةُ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ الأَعشى:
صَرِيفِيّةٌ طَيِّبٌ طَعْمُها، ***لَهَا زبدٌ بَيْنَ كُوبٍ ودَنّ
قَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَهَا صَرِيفِيّةً لأَنها أُخِذت مِنَ الدَّنِّ ساعَتئذٍ كَاللَّبَنِ الصَّرِيف، وَقِيلَ: نُسِبَ إِلَى صَرِيفَين وَهُوَ نَهْرٌ يتخلَّجُ مِنَ الفُراتِ.
والصَّرِيفُ: الْخَمْرُ الَّتِي لَمْ تُمْزَجْ بِالْمَاءِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شئ لَا خِلْطَ فِيهِ؛ وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ فِي قَوْلِ الْمُتَنَخِّلِ: " إنْ يُمْسِ نَشْوانَ بِمصْرُوفةٍ "قَالَ: بمَصْرُوفَة أَي بكأْس شُرِبَتْ صِرْفًا، عَلَى مِرْجَلٍ أَي عَلَى لحمٍ طُبخ فِي مِرجل، وَهِيَ القِدْر.
وتَصْرِيفُ الْخَمْرِ: شُرْبُها صِرْفًا.
والصَّرِيفُ: اللبن الذي ينصرف عَنِ الضَّرْع حَارًّا إِذَا حُلِبَ، فإِذا سَكَنَتْ رَغْوَتُه، فَهُوَ الصَّريحُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الغارِ: " ويَبيتانِ فِي رِسْلِها وصَرِيفِها "؛ الصَّرِيفُ: اللَّبَنُ سَاعَةَ يُصْرَفُ عَنِ الضرْع؛ وَفِي حَدِيثِ سَلمَة بْنِ الأَكوع:
«لَكِنْ غَذاها اللبَنُ الخَريفُ: ***ألمَحْضُ والقارِصُ والصَّرِيفُ»
وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ معديكَرِبَ: أَشْرَبُ التِّبْنَ مِنَ اللَّبَنِ رَثِيئةً أَو صَرِيفًا.
والصِّرْفُ، بِالْكَسْرِ: شَيْءٌ يُدْبَغُ بِهِ الأَديمُ، وَفِي الصِّحَاحِ: صِبْغ أَحمر تُصْبَغُ بِهِ شُرُكُ النِّعالِ؛ قَالَ ابْنُ كَلْحَبَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، وَاسْمُهُ هُبَيْرَةُ بْنُ عَبْدِ مَناف، وَيُقَالُ سَلَمة بْنُ خُرْشُبٍ الأَنْماري، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّحِيحُ أَنه هُبيرة بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَلَحْبَةُ اسْمُ أُمه، فَهُوَ ابْنُ كَلَحْبَةَ أَحدُ بَنِي عُرَيْن بْنِ ثَعْلبة بْنِ يَرْبُوعٍ، وَيُقَالُ لَهُ الْكَلْحَبَةُ، وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ، فَعَلَى هَذَا يُقَالُ؛ وَقَالَ الْكَلْحَبَةُ الْيَرْبُوعِيُّ:
كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفةٍ، ولكنْ ***كلَوْنِ الصِّرفِ عُلَّ بِهِ الأَدِيمُ
يَعْنِي أَنها خَالِصَةُ الكُمْتةِ كلونِ الصِّرْفِ، وفي المحكم: خالصةُ اللونِ لَا يُحلف عَلَيْهَا أَنها لَيْسَتْ كَذَلِكَ.
قَالَ: والكُمَيْتُ المُحْلِفُ الأَحَمّ والأَحْوَى، وَهُمَا يَشْتَبِهَانِ حَتَّى يَحْلِفَ إِنْسَانٌ أَنه كَمَيْتٌ أَحمُّ، وَيَحْلِفَ الْآخَرُ أَنه كُميت أَحْوَى.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ فِي ظلِّ الكَعبة فاسْتَيْقَظ مُحْمارًّا وجْهُه كأَنه الصِّرْفُ»؛ هُوَ بِالْكَسْرِ، شَجَرٌ أَحمر.
وَيُسَمَّى الدمُ والشرابُ إِذَا لَمْ يُمْزَجا صِرْفًا.
والصِّرْفُ: الخالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «تَغَيَّر وجْهُه حَتَّى صارَ كالصِّرْف».
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كرَّم اللَّهُ وَجْهَهُ: «لتَعْرُكَنَّكُمْ عَرْكَ الأَديمِ الصِّرْفِ»أَي الأَحمر.
والصَّرِيفُ: السَّعَفُ اليابِسُ، الْوَاحِدَةُ صَرِيفَةٌ، حَكَى ذَلِكَ أَبو حَنِيفَةَ؛ وَقَالَ مُرَّةُ: هُوَ مَا يَبِسَ مِنَ الشَّجَرِ مِثْلَ الضَّريع، وَقَدْ تقدَّم.
ابْنُ الأَعرابي: أَصْرف الشاعرُ شِعْرَهُ يُصْرِفُه إصرَافًا إِذَا أَقوى فِيهِ وَخَالَفَ بَيْنَ القافِيَتَين؛ يُقَالُ: أَصْرَفَ الشاعرُ القافيةَ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَمْ يَجِئْ أَصْرَفَ غَيْرَهُ؛ وأَنشد: " بِغَيْرِ مُصْرِفَة القَوافي ابْنُ بُزُرْجَ: أَكْفأْتُ الشعرَ إِذَا رَفَعْتَ قافِيةً وَخَفَضْتَ أُخرى أَو نَصَبْتَهَا، وَقَالَ: أَصْرَفْتُ فِي الشِّعْرِ مِثْلَ الإِكفاء، وَيُقَالُ: صَرَفْت فُلَانًا وَلَا يُقَالُ أَصْرَفْته.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الشُفعة: «إِذَا صُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعةَ»أَي بُيِّنَتْ مَصارِفُها وشوارِعُها كأَنه مِنَ التَّصَرُّفِ والتَّصْريفِ.
والصَّرَفَانُ: ضربٌ مِنَ التَّمْرِ، وَاحِدَتُهُ صَرَفَانَةٌ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الصَّرَفَانَةُ تَمْرَةٌ حَمْرَاءُ مِثْلُ البَرْنِيّةِ إِلَّا أَنها صُلْبةُ المَمْضَغَةِ عَلِكةٌ، قَالَ: وَهِيَ أَرْزَن التَّمْرِ كُلِّهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للنّجاشِيّ:
حَسِبْتُمْ قِتالَ الأَشْعَرينَ ومَذْحِجٍ ***وكِنْدَةَ أَكْلَ الزُّبْدِ بالصَّرَفانِ
وَقَالَ عِمْران الْكَلْبِيُّ:
أَكُنْتُمْ حَسِبْتُمْ ضَرْبَنا وجِلادَنا ***عَلَى الحجْرِ أَكْلَ الزُّبْدِ بالصَّرَفَانِ
وَفِي حَدِيثِ وفْد عَبْدِ الْقَيْسِ: «أَتُسَمُّون هَذَا الصَّرفان؟»هُوَ ضَرْبٌ مِنْ أَجود التَّمْرِ وأَوْزَنه.
والصَّرَفَانُ: الرَّصاصُ القَلَعِيُّ؛ والصَّرَفَانُ: الموتُ؛ وَمِنْهُمَا قَوْلُ الزَّبّاء الملِكة:
مَا لِلْجِمالِ مَشْيُها وَئِيدًا؟ ***أَجَنْدَلًا يَحْمِلْنَ أَم حَديدا؟
أَمْ صَرَفَانًا بارِدًا شَديدا؟ ***أَم الرِّجال جُثَّمًا قُعُودا؟
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ يَكُنْ يُهْدَى لَهَا شَيْءٌ أَحَبّ إِلَيْهَا مِنَ التَّمْرِ الصَّرَفَان؛ وأَنشد:
وَلَمَّا أَتَتْها العِيرُ قَالَتْ: أَبارِدٌ ***مِنَ التمرِ أَمْ هَذَا حَديدٌ وجَنْدَلُ؟
والصَّرَفِيُّ: ضَرْب مِنَ النَّجائب مَنْسُوبَةٌ، وَقِيلَ بِالدَّالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
30-لسان العرب (خرنق)
خرنق: الخِرْنِق: وَلَدُ الأَرنب، يَكُونُ لِلذَّكَرِ والأُنثى؛ وأَنشد اللَّيْثُ: " ليَّنةِ المَسِّ كَمَسِّ الخِرْنِقِ "وَقِيلَ: هُوَ الفَتِيّ مِنَ الأَرانب؛ وأَنشد اللَّيْثُ:كأنَّ تَحتي قَرِمًا سُوذانِقا، ***وبازِيًا يَخْتَطِفُ الخَرانِقا
وأَرض مُخَرْنِقةٌ: كَثِيرَةُ الخَرانِق، وخَرْنَقتِ الناقةُ إِذَا رأَيتَ الشحمَ فِي جَانِبَيْ سنَامِها فِدَرًا كالخَرانِق.
اللَّيْثُ: الخِرْنِقُ اسْمُ حَمَّةٍ؛ وأَنشد: " بينَ عُنَيْزاتٍ وَبَيْنَ الخِرْنِق والخِرْنِقُ: مَصْنَعةُ الْمَاءِ.
والخِرنق: اسْمُ حَوْض.
وخِرْنِقُ والخِرنقُ، جَمِيعًا: اسْمُ أُخت طَرفة بْنِ الْعَبْدِ، وَقِيلَ: هِيَ امرأَة شَاعِرَةٌ، وَهِيَ خِرنق بِنْتُ هَفَّانَ [هِفَّانَ] مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعة رهطِ الأَعشى.
والخَوَرْنَقُ: نَهْرٌ، والخَوَرْنق: الْمَجْلِسُ الَّذِي يَأْكُلُ فِيهِ الْمَلِكُ وَيَشْرَبُ، فَارِسِيٌّ مُعرب، أَصله، خُرَنْكاه، وَقِيلَ: خُرَنْقاه مُعَرَّبٌ؛ قَالَ الأَعشى:
ويُجْبَى إِلَيْهِ السَّيْلحون، ودُونها ***صَريفُونَ فِي أَنْهارِها، والخَوَرْنَق
والخَورْنقُ: نَبْتٌ.
والخَورْنق: اسْمُ قَصْرٍ بِالْعِرَاقِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، بِنَاهُ النُّعْمَانُ الأَكبر الَّذِي يُقَالُ لَهُ الأَعور، وَهُوَ الَّذِي لَبِس المُسُوح فساحَ فِي الأَرض؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَذْكُرُهُ:
وتَبَيَّنْ رَبَّ الخَوَرْنَقِ، إذ أَشرفَ ***يَوْمًا، وللهُدَى تَفْكِيرُ
سَرَّه حالُه، وكثرةُ مَا يَمْلِكُ، ***والبحرُ مُعْرِضًا والسَّدِيرُ
فارْعَوى قلْبُه فقال: وما غِبْطةُ ***حَيٍّ إِلَى المماتِ يَصيرُ؟
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
31-صحاح العربية (صرف)
[صرف] الصَرفُ: التوبةُ.يقال: لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ.
قال يونس: فالصَرْفُ الحيلةُ.
ومنه قولهم إنه ليَتَصَرَّفَ في الأمور.
وقال تعالى: فما يستطيعون صَرْفًا ولا نَصْرًا}.
وصَرْفُ الدهرِ: حَدَثانُهُ ونوائبُهُ.
والصَرْفانِ: الليلُ والنهارُ.
والصَرْفَةُ: منزِلٌ من منازل القمر، وهو نجم واحدنير بتلقاء الزبرة يقال: إنه قلب الاسد، وسمى صرفة لا نصراف البرد وإقبال الحر.
والصرفة أيضًا: خرزةٌ من الخَرَز الذي يُذْكَرُ في الأُخَذ.
والصِرْفُ بالكسر: صِبْغٌ أحمرُ يُصْبَغُ به شرَكُ النعالِ، ومنه قول الشاعر: كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفَةٍ ولكنْ كلَوْنِ الصَرْفِ عُلَّ به الأديمُ وشرابٌ صِرفٌ، أي بحت غير ممزوجٍ.
وصَريفُ البَكَرَةِ: صوتُها عند الاستقاء.
وقد صَرَفَتْ تَصْرِفُ صَريفًا.
وكذلك صَريفُ البابِ، وصَريفُ نابُ البعير.
يقال: ناقة صروف، بينة الصريف.
وقال ابن السكيت: الضريف: الفضة.
وأنشد: بَني غُدانَةَ ما إنْ أنتم ذَهَبًا ولا صَريفًا ولكن أنتم الخَزَفُ والصَريفُ: اللبنُ يُنْصَرَفُ به عن الضَرع حارًّا إذا حُلِبَ.
وصريفون: موضع بالعراق.
قال الاعشى: وتجبى إليه السيلحون ودونها صريفون في أنهارها والخورنق والصريفية من الخمر، منسوبة إليه.
والصَرَفانُ: الرصاصُ.
والصَرَفانُ أيضًا: جنسٌ من التمر.
قالت الزباء: ما للجمال مشيها وئيدا أجند لا يحملن أم حديدا أم صرفانا باردا شديدا أم الرجال جثما قعودا قال أبو عبيدة: لم يكن يهدى لها شئ كان أحب إليها من التمر الصرفان.
وأنشد
ولما أتتها الغير قالت أبارد من التمر أم هذا حديد وجندل والصيرف: المحتال المتصرف في الامور.
قال: قد كنت خراجا ولوجا صيرفا لم تلتحصنى حيص بيص لحاص وكذلك الصيرفى.
قال سُوَيد بن أبي كاهل اليشكرى: ولسانًا صَيْرَفيًّا صارمًا كحسامِ السَيفِ ما مَسَّ قَطَعْ والصَيْرَفيُّ: الصَرَّافُ، من المُصارَفَةِ.
وقومٌ صَيارِفَةٌ، والهاء للنسبة.
وقد جاء في الشعر الصياريف.
وقال: تنفى يداها الحصى في كل هاجِرَةٍ نَفْيَ الدَراهيمِ تنقاد الصياريف لما احتاج إلى إتمام الوزن أشبع الحركة ضرورة حتى صارت حرفا.
يقال: صرفت الدراهم بالد نانير.
وبين الدرهمين صرف، أي فَضْلٌ لجودة فضّة أحدهما.
وفي الحديث: " من طلب صرف الحديث "، قال أبو عبيد: صَرْفُ الحديث: تزيينه بالزيادة فيه.
وصرفت الرجل عني فانْصَرَفَ.
والمُنْصَرَفُ، قد يكون مكانًا وقد يكون مصدرًا.
وصَرَفْتُ الصبيان: قَلَبْتهم.
وصَرَفَ الله عنك الأذى.
وكلبةٌ صارفٌ، إذا اشتهت الفحل.
وقد صَرَفَتْ تَصْرِفُ صُروفًا وصِرافًا.
وتَصْريفُ الخمر: شُرْبُها صِرْفًا.
وصَرَّفْتُ الرجل في أمري تَصْريفًا، فتصَرَّفَ فيه.
واصْطَرَفَ في طلب الكسب.
وقال: قد يَكْسَبُ المالَ الهِدانُ الجافي بغيرِ ما عَصْفٍ ولا اصطراف واستصرفت الله المكاره.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
32-تهذيب اللغة (خرنق)
خرنق: أبو عبيد: أرضٌ مُخَرْنِقَةٌ: كثيرة الْخَرانِقِ.وقال الليث: الْخِرْنِقُ: الفَتِيُّ من الأرانب، وأنشد:
كَأَنَّ تَحْتي قَرِمًا سُوذَانِقًا *** أَوْ بَازِيًا يَخْتَطِفُ الْخَرانِقَا
وقال الليث: الْخِرْنِقُ: ولد الأرنب.
وأنشد:
لَيِّنَة الْمسِّ كمَسِ الْخِرْنِقِ
وقال الليث: الْخِرْنِقُ: اسمُ حَمَّةٍ.
.
وأنشد:
بَيْنَ عُنَيْزَاتٍ وَبَيْنَ الْخِرْنِق
الْحَمَّةُ: العَيْنُ الحارَّة التي يُتَدَاوَى بها.
قال: والْخَوَرْنَقُ نَهْرٌ ـ وهو بالفارسية: «خُرَنْكَاهُ».
.
فَعُرِّبَ.
وأنشد:
وَتُجْبَى إلَيْهِ السَّيْلَحُونَ وَدُونَها *** صَرِيفُونَ في أَنْهَارِهَا وَالْخَوَرْنَقُ
وهكذا قال ابن السِّكِّيت في «الْخَوَرْنَقِ».
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
33-معجم العين (خرنق)
خرنق: الخِرْنِقُ: الفتي من الأرانب.والخِرْنِقُ: مصنعة الماء والخِرْنِقُ: اسم حمةٍ أي حوضٍ، قال:
ما شربت بعدٍ طويٍّ الخِرْنِقِ *** بينَ عنيزاتٍ وبين الخِرْنِقِ
والخَوَرْنَقُ: نهرٌ، وهو بالفارسية خُرَنْكاه، فعرب الخَوَرْنَق، قال الأعشى:
صَرِيفُونَ في أنهارها والخَوَرْنّقُ
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م
34-الحضارة (جنوب أفريقيا)
جنوب أفريقيا: south Africa.حاليا دولة جنوب أفريقيا يحدها بالشمال ناميبيا Namibia وبوستوانا Botswana وزيمبابوي وموزنبيق Mozambique وسوازيلاند Swaziland.
وبالشرق والجنوب يوجد المحيط الهندي وبالغرب يوجد المحيط الأطلنطي.
وأهم انهارها أورانج Orange وفال Vaal وليمبوبو Limpopo.
وأطولها نهر اورانج طوله 2100 كم ويصب بالأطلنطي.
وكانت جنوب أفريقيا قد إستوطنهالصيادون وجامعو الثمار.
وأخذت قبائل الخوخو Khoikhoi منذ 2000سنة في تربية المواشي التي حصلوا عليها من قبيلة البنتو.
وبدأ الرجل الأبيض من الهولانديين المزارعين عام 1652 م.
في إستيطان المنطقة داخل مستوطنات معزولة وانتشروا بها وكانت لهم لغتهم الخاصة التي كان يطلق عليها لغة أفريكانز Afrikaans, وانفصلوا عن البانتو الذين عاشوا بالداخل.
ووفد المستوطمزم الفرنسيون والألمان وعاشوا وسط هذه المجتمعات فيما بعد وعرفوا بالأفريكانرز Afrikaners.
ومنذ مطلع سنة 1800 م وصل المستوطنون البريطانيون وجاء الهنود كعمال في زراعة قصب السكر في اواخر القرن 19وأوائل القرن العشرين.
وفي أثناء هذا القرن جاءت أقلية برتغالية.
وكان البيض قداحضروا معهم لجنوب أفريقيا ثقافاتهم ولغاتهم من أوربا ولاسيما البريطانيين.
وجاء الآسيويون ولاسيما الهنود بثقافاتهمم.
وفي جنوب أفريقيا 3000 موقع أثري لفن الصخور (انظر: فن أفريقيا) ترجع للعصر الحجري حيث رسمت الحيوانات وأشياء أخري.
ويرجع تاريخ جنوب افريقيا قديما إلي إنسان أوستالو بيثكس أفريكانس Australopithicus africanus وهو نوع من أسلاف البشر.
والشواهد الأثرية تدل علي ان شعبي بوش Bush (سان San) وخوخو قد عاشا في جنوب أفريقيا منذ آلاف السنين.
وكان شعب بوش كان يعيش علي الصيد وجمع الثمار بينما كان شعب خوخو رعوي يرعي قطعان الماشية منذ عدة قرون قبل مجيء الرجل الأبيض.
وكانت جماعات من قبائل البانتو قد هاجرت من وسط أفريقيا واستقرت في المنطقة الخصبة بين جبال دراكنزبرج Drakensberg والمحيط الهندي.
وهؤلاء هم أجداد قبائل الزولو Zulu واكسهوزا Xhosa وسوازي Swazi, وغيرها من المجموعات.
(انظر: فن أفريقي.
أفريقيا).
موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م
35-الحضارة (نبتة) سوريا)
نبتة) سوريا: syria.كانت أرض سورية مملكة (خانا) القديمة التي ازدهرت في الألف الثانية ق.
م.
قرب التقاء نهري الفرات و الخابورحيث بدأت الزراعة منذ أكثر من عشرة آلاف عام.
و اكتشف النحاس و ابتدع خلطة البرونز في تل حلف (مادة) على ضفاف الخابور منذ الالف الثالثة ق.
م.
ففي مملكة ماري (تل الحريري) (مادة) على الفرات كانت قصور و رسوم وشهدازدهارا ثقافيا و تجاريا.
وفي مملكة أوغاريت (رأس الشمرة) على الساحل السوري قدمت للانسانية ابتكارها للابجدية الاولى في العالم.
أما في مملكة ايبلا (تل مرديخ) فقد اكتشف في قصرها الملكي أروع و أضخم مكتبة وثائقية تنظم أمور الادارة و التجارة و الدبلوماسية و الصناعة و علاقات الحرب و السلم مع الاقطار الاخرى.
هذه الممالك السورية القديمة.
وكانت ممالك ماري, أوغاريت, ايبلا, خانا كانت عربية الروح و الوجه و اللسان و كلها كانت تتكلم لغة ذات أصل عربي واحد و لكن بلهجات.
فأهل هذه الممالك كانوا من سلالة العرب الذين جاؤوا منذ القرون الاولى من الجنوب من شبه الجزيرة العربية و كانوا يعرفون بالعموريين (الالف الثالثة قبل الميلاد) و بالكنعانيين و الفنيقيين (سكان الساحل) و بالآراميين (سكان المناطق العليا) و بالغساسنة و الانباط (سكان الجنوب).
فهذه الهجرات المتتالية حفظت الطابع العربي لسكان سورية منذ فجر التاريخ.
وتعرضت سوريا لغزوات الحثيين و الفرس و اليونان و الرومان.
و حين أتى الفتح العربي الاسلامي عام 636م.
أكد هوية سورية العربية.
و عبر أراضيها كان يمر طريق الحرير القادم من الصين وكانت محطته السورية الاولى دورا أوروبوس (الصالحية) ثم تدمر و حمص الى أن يصل الى مرافيء البحر الابيض.
و تقع سوريا قي جنوب غرب آسيا يحدها من الشمال تركيا وبالشرق العراق والجنوب الأردن وفلسطين وبالغرب لبنان والبحر الأبيض المتوسط والعاصمة مدينة دمشق.
ويعتبر نهر الفرات أطول أنهارها وينلع منأعالي الفرات بتركيا.
وفي مطلع عام 1800ق.
م.
اسس الملك الآشوري شمشي آد الأول مملكته وعاصمتها شبات إنليل Shubat Enlil (حاليا: تل ليلان Tell Leilan) في أقصي شمال شرق سوريا.
غزا حمورابي ملك بابل المملكة التي كانت قد تأثرت ببابل ومصر وقتها.
وقد قام المصريون ولحيثيين بغزو اجزاء منها.
وفي القرن 8قزم.
غزاها الآشوريون.
وفي القرن 6ق م.
إستولي عليها الكلدانيون ثم الفرس عام 538ق.
م.
والإسكندر عام 332ق.
م.
وخلفه عليها أحد قواده سلوكس الأول الذي أسس مدبنة انطاكيا وجعلها العاصمة.
وخلال القرن الثالث ق.
م.
تنازع البطالمة والسلوكسيون علي السيطرة علي جزء من سوريا السفلي وفلسطين.
لكن المنطقتين ومعظم غرب آسيا آلت للسلوكسينين وأسسوا مملكة سوريا.
وفي سنة 64 ق.
م.
أصبحت سوريا إقليما تابعا للرومان.
وفي سنة 395.
م.
إنقسمت الإمبراطورية الرومانية للإمبراطورية الرومانية الغربية وعاصمتها روما.
والإمبراطورية الشرقية (البيزنطية) وعاصمتها القسطنطينية (حاليا: إستانبول).
وظلت سوريا بيزنطية لمدة 240 سنة.
حتي فتحها العرب عام 636 م.
وأصبحت دمشق عاصة الخلافة الأموية عام 661م.
واستولي الصليبيون عام 1099 م.
علي أجزاء منها وأصبحت تابعة للملكة اورشليم (مادة) المسيحية.
حتي جاء صلاح الدين سلطان مصر وأسقط هذه المملكة عام 1187م.
وقام المغول عام 1260م.
بتخريب سوريا.
واستول عليهالسلطان ليم الأول العثماني عام 1516 / وظلت لأربعة قرون تابعة للسلطنة العثمانية بالآستانة (حاليا: إستانبول).
إلا أنها في الحرب العالمية الأولي وعدت بريطانيا عام 1916 القوميين العرب بالإستقلال عن تركيا لو وقفوا مع الحلفاء ضد ها.
لكن بريطانيا وفرنسا سرا في إتفاقية سيك – بيكو قسما نفوذهما علي الولايات العربية العثمانية.
فأصبحت سوريا ولبنان تحت الإنتداب الفرنسي1918م.
والأردن وفلسطين تحت الإنتداب البريطاني.
وفي عام 1938 بعد عدة إنتفاضات ضد الفرنسيين.
سلمت فرنسا لواء الإسكندرونة لتركيا وبه مدينة أنطاكيا التاريخية وعاصمة سوريا القديمة.
وانسحبت القوات الفرنسية وحلت محلها القوات البريطانية أثناي الحرب العالمية الثانية.
لكنها إنسحبت عام 1946م.
بعدما نالت سوريا إستقلالها عام 1945م.
سومر: انظر: آسيا.
موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م