نتائج البحث عن (البوادي)
1-معجم متن اللغة (بلاد العرب)
بلاد العرب:هي الجزيرة العربية، وإنما هي شبه جزيرة: يحدها شمالًا فلسطين وبعض سورية وما بين النهرين وما يليها إلى خليج العجم وبحر الهند، وجنوبًا بحر الهند، وغربًا البحر الأحمر وبرزخ السويس وبعض سورية.
طولها ألف وأربعمائة ميل، ومعظم عرضها ألف ومائة وخمسون ميلًا، ومعدله ثمانمائة ميل؛ فتكون مساحة الجزيرة مليونًا ومائة وعشرين ألف ميل مربع.
هكذا حددها التاريخ القديم، ولكن الديار العربية اليوم أفسح رقعة وأعم إطلاقًا، وهي تشمل سورية وفلسطين والعراق ومصر وبلاد المغربين وما إليها من الصحاري والبوادي حتى يعم السودان المصري، وكلها عربية الوجه واليد واللسان.
كانت الجزيرة العربية معروفة عند الرومان بأقسام ثلاثة:
1 - العربية السعيدة، ويراد بها بلاد اليمن.
2 - العربية الصخرية، وهي شبه جزيرة سينا وجانب من سواحل البحر الأحمر وعرب الشمال إلى حدود فلسطين.
وهذان القسمان متمدنان.
3 - العربية الصحراوية وأهلها أهل بادية.
أما مؤرخو العرب فقد قسموها إلى ستة أقسام:
1 - بلاد اليمن: وهي بلاد حضرموت والشحر ومهرة وعمان ونجران.
2 - تهامة: وهي ساحل البحر من اليمن حتى الحجاز.
3 - الحجاز: وهي ما علا ارض تهامة إلى نجد شرقًا، وخليج العقبة وأرض التية غربًا، وفلسطين والشام شمالًا.
4 - نجد: وهو ما ارتفع عن الحجاز إلى الشرق، واتصل بالعراق شمالًا وشرقًا، وباليمامة جنوبًا.
5 - اليمامة: وهي ما بين نجد واليمن.
6 - أرض التية: وهي العربية الصخرية المعروفة ببرية سينا.
هذه هي بلاد العرب.
وهي، كما ترى، تغلب على كثير من أقسامها الصحراء، وما زال أهلها في عز ومنعة، يأبون أن يذلوا لسلطة قاهرة تحكم في أعشارهم وأبشارهم، اللهم إلا ما كانت تتألقهم به الدول المجاورة لهم لتتزود من نصرتهم وقت الحاجة: كالمناذرة مع الفرس، والغساسنة مع الرومان.
موطن اللغة العربية الأول:
يستنتج من أقوال الباحثين أن اللغة السامية الأم كانت منتشرة في منطقة واسعة الأطراف، قبل أن تلد بناتها وتتشعب إلى فروعها.
فأين كانت هذه المنطقة؟"
يقول بعضهم: إنها أرض أرمينية من حدود كردستان.
ولم نقف على دليلهم وما استندوا إليه في هذا المذهب، ولعلهم يرجعون به إلى زمن نوح يوم استقرت سفينته على الجودي بعد الطوفان.
وذهب العلامة جويدي Guide إلى أن المهد الأصلي للأمم السامية كان جنوبي العراق على نهر الفرات.
ونقل بعضهم أن أقدم هجرة سامية اتجهت نحو بابل كانت من نواحي الجزيرة، وقد أسست ملكًا عظيمًا في منطقة الفرات وكان لها حول وطول في عصور شتى، وأن الهجرة الكنعانية والآرامية والعبرانية كلها صدرت عن جزيرة العرب، وانتشرت في العراق وسورية وفلسطين، بل جاوزتها إل
وجاء في آداب اللغة الآرامية للعلامة شابو Shabot أن منبت الساميين هو الأقطار الواقعة جنوبي قزوين، رحلوا من هناك إلى بابل وانتشروا في الأقطار.
وقال بهذا القول فون كريمير Von Kremer، ووافقه في بعض هذا الرأي هومل Hommel.
ويقول سايس Says: إنهم من بادية العرب.
وقال بقوله جماعة.
وسواء أكان أصلهم من الجزيرة العربية أو جنوبي بحر قزوين، فقد استقروا في منطقة الفرات ودجلة، وكان لهمك دولة وصولة، وكانوا الغالبين على البلاد، حتى إن بعض ملوكهم نقش فيما نقش من الآثار: أنه ملك اللغات الأربع، يعني ملك أصحابها، لأن هذه الأرض سكنها الكوشيون والآريون والسوريون، والكلدان.
إن هذه المملكة قد أسست قبل أن اختلفت أجناس البشر ولغاتها كثيرًا.
وقد كانت اللغة الرسمية في الدولة لغة الساميين المالكين، وهي لغة الدواوين التي كتبت بها سجلات الدولة، ودامت ألفي عام وهي حافظة رونقها، ويحفظ النبلاء والمتعلمون جدتها.
قال العلامة م.
مسبيرو M.
Mespero: إن اللهجة المصقولة التي كان كاتبه نينوى وبابل يستعملونها في عهد هيرودتس لإنشاء الكتابات الرسمية، كانت قد أضحت، منذ زمن طويل، ما"
يشبه لغة نبيلة يفهمها نخبة القوم يجهلها العامة.
وكان العامة وسكان المدن والقرويون يتكلمون باللهجة الآرامية التي كانت أثقل من تلك، وأوضح وأكثر تفصيلًا.
لكن هذه اللغة النبيلة بعد أن فتك بها التطور وأبعدها عن ألسنة العامة، لم يقدر نخبة المتعلمين على حفظها في دفاترهم، فأهملتا شيئًا فشيئًا، حتى هجرت واستقر كل فرع لها في بيئته، وانتهى الأمر على ما قيل في القرن الأول للميلاد.
إن الساميين لما احتلوا هذه الأرض وملكوا أمرها، ودانت لهم وانتشرت لغتهم بين سكانها، وهم من أصل صحراوي، كما يقول العلامة "سايس" وغيره، كل منهم طبعًا سكان بادية وسكان حاضرة، ولكن التطور اللغوي إنما ينمو حيث يكثر الاختلاط بين أبناء اللغات المختلفة، كما سلف القول في ذلك، وذلك متوفر في الحاضرة أكثر منه في البادية، فكانت على هذا لغة البادية، أكثر سلامة وأقرب إلى لغة الساميين الأولى.
وكما أطلق على سكان الحاضرة منهم اسم الآراميين، أطلق على أهل البادية منهم اسم بدو الآراميين.
وبحكم العادة والاستقراء نقول: إن البداوة سابقة على الحضارة، فبدو الآراميين أي العرب كانوا في البادية قبل أن يتحضر قسم منهم، فكانت معهم في بواديهم لغتهم الأولى قبل أن تفسدها الحاضرة ويأخذ التطور منها مأخذه.
لذلك أراني كثير الميل إلى القول بأن لغة بدو الآراميين هذه هي الفصحى التي بقيت وسلمت، أو سلم أكثرها في سجلات الدولة، وعند نخبة المتعلمين، لأنهم حملوها وهم منغمسون غفي البوادي، فلمي فعل التطور في لهجتهم فعله في اللهجات الأخرى، بضعف أسبابه، إلا الذين كانو
وربما كان ذلك منهم تشبهًا بسكان المدن في اللهجة وتقليدًا كما نرى لعهدنا هذا.
فكان بالطبع يسري عنهم سريانًا بطيئًا في داخل البادية.
ويؤيد صدر هذا الكلام ما قاله جماعة من العلماء مثل سايس وسبرنجر Sprenger من ان أصل الساميين من بادية العرب، وقول ابن خلدون عند كلامه على الطبقة الأولى منن العرب: "أنهم انتقوا إلى جزيرة العرب مخيمين، ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وآطام. على أن التاريخ نفسه يسمي أهل البادية العربية: بدو الآراميين.
فإذا كانت لغتهم أبعد بنات السامية عن التحريف، كانت اقرب بناتها إليها إن لمتكن هي الأم نفسها..
وبدو الآراميين هم العرب، واللغة العربية هي لغتهم، فتكون اللغة العربية هي الأم وأقرب بناتها غليها.
نزل العرب (بدو الآراميين) هذي البوادي، وانتشروا في نجد والحجاز وتهامة واليمامة وبوادي الشام، وبلغوا اليمن، وزاحموا الكوشيين أبناء حام هناك.
وقال جلازر ومولر: "إن المعينيين أول دول العرب في اليمن، أصلهم من عمالقة العراق الذين كانوا في الجزيرة قبل ظهور حمورابي بقرون من السنين، فلما ذهبت دولة العمالقة من العراق نزحوا إلى اليمن، واستقروا وتوطنوا الجوف، وشادوا القصور والمحافد على مثل ما عرفوا في بابل..
ضرب العرب في طول الجزيرة وعرضها، وأصبحت البادية من اليمن إلى أقصى الجزيرة شمالًا مسرحًا للقبائل الأخرى الذين سموا عرب الشمال، وأطلق عليهم بعد هذا اسم العدنانيين، وهم أشد الناس حرصًا على لغتهم.
وهكذا كانت الجزيرة كلها عربية، وموطنًا أول للعرب وللغتهم الفصحى.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
2-معجم متن اللغة (زمن ظهور العرب)
زمن ظهور العرب:قدر العالم نولدكى في كتابه "اللغات السامية": "أن العربية الحميرية قد عرفت منها نقوش وآثار يرجع عهدها وتاريخها إلى القرن الثامن قبل المسيح، وأن العربية العدنانية، لغة النثر والشعر الجاهليين، قد ظهرت في القرن الخامس قبل المسيح..
إن الآثار التي ظهرت من القرن الثامن ق.
م كانت بالطبع لقوم وجدوا قبل هذا التاريخ، وهم ذووا آثار تصلح لأن تخلد، وربما كان لهم قبلها آثار لم تظهر بعد.
ولذلك لا نقدر أن نستنتج من هذا القول زمن ظهور العرب، والذي يمكن أن نقوله إنهم وجدوا قبل هذا التاريخ طبعًا.
والدولة المعينية عرفت قبل المسيح بنحو خمسة عشر قرنًا، ولا يخالف أحد من المؤرخين في عدها من العرب.
يقول نولدكى: "إن العربية العدنانية ظهرت في القرن الخامس ق.
م، وهي التي وصلت إلينا والتي نزل بها القرآن، وتلقاها أئمة اللغة عن عرب البوادي بعد المسيح بستة قرون. فإن أراد أنها هي بلا تغيير ولا تبديل ولا تطور فهو محل نظر.
وأستبعد أن يكون هذا مراده، لأن معناه أنها عصمت من التغيير والتبديل أحد عشر قرنًا انتهت بظهور الإسلام.
وهذا ليس من المستطاع إثباته.
ولا يعترض معترض بأن لغة القرآن ما زالت ثابتة لدينا أربعة عشر قرنًا، لم تتغير ولم تتطور في دفاتر الكتاب وعلى ألسنة الشعراء، لأنها تغيرت حيث يجري التغيير، وذلك في ألسنة العامة وتعابيرهم حتى بعدت العامية عن الفصحى بعدًا ظاهرًا لا جدال فيه.
أما الذي لم يتغير ولم يتبدل ولم يتطور منها فهو ما حفظه الكتاب والسنة، وحرص عليه الشعراء والخطباء والعلماء.
وليس للعرب العدنانيين قبل الإسلام مثل ذلك، فالقياس إذًا قياس مع"
الفارق، إن حفظ لغة القرآن والحديث من الأمور اللازمة، في الشرع الإسلامي؛ وهذا اللزوم يقوم سدًا دون إهمالها، فتبقى حية ما بقي هذا اللزوم.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
3-معجم متن اللغة (خضوع العرب لناموس التطور)
خضوع العرب لناموس التطور:قال في المزهر عن ابن وجدة: إن العرب أقسام:
1 - عاربة عرباء: وهم الخلص.
وهؤلاء تسع قبائل من ولد إرم بن سام: عاد، وثمود، وأميم، وعبيل، وسطم، وجديس، وجرهم، وعمليق، ودبار.
وقال ابن دريد: وقد انقرض أكثرهم إلا بقايا متفرقين في القبائل؛ وسمي أبو الفداء هذا القسم بالعرب البائدة.
2 - متعربة: وهم الذين ليسوا بخلص، وهم بنو قحطان، وسماهم أبو الفداء بالعرب العاربة، ومن قبائلهم: كهلان وأبناؤها القبائل من ذوي يمن: كعاملة وهمدان وطيء ولخم ومذحج وجذام، ومثل حمير وأبنائها من قضاعة، وزيد الجمهور والسكاسك وأفخاذها وعشائرها.
3 - مستعربة: قال ابن دقية: وهم بنو إسماعيل، وهم العدنانيون وأبناؤهم من ربيعة ومصر وأنمار وإياد.
وهذا التقسيم يشمل العرب كلهم جنوبيين وشماليين.
وسواء أكانت هذه الأسماء كلا أو بعضًا، حقائق، كما هو الواقع، أو أساطير، كما يزعمه البعض؛ فهل كانت لغة هذه القبائل وغيرها، منذ وجد العرب، ذات لهجة واحدة أو لهجات مختلفة؟"
وقد روي عن عاد وثمود بعض أبيات من الشعر لا تطمئن النفس إلى صحة نسبتها إليهم.
وليس في كلام علماء العرب ما يصح الاستناد إليه في هذا الأمر.
فلم يبق أمامنا، من طرق الاستنتاج المبني على الأشباه والنظائر، غير ما اكتشفه الباحثون في آثارهم من النقوش الأثرية.
تقدم لنا القول في بحث تغيير اللغات وتطورها، أن التغيير والتطور سنة ثابتة وناموس مطرد، وأنه اشمل لكل اللغات فيما يشمل ويعم.
وقد تقادم العهد على قبائل العرب المتفرقة بما يعد بمئات السنين قبل تدوين اللغة العدنانية.
وليس للغة من لغاتهم تقليد يصونها من التغيير والتطور، ويحفظ لها صورتها الأصلية الأولى، كمنا هو الحال في اللغة العدنانية.
وقد عرفنا أن لغتنا الفصحى هذه مع مزيد عناية العلماء بها، خلفًا على سلف، ومع شدة حرصهم عليها، لم تصف في ألسنة العامة، فانحرفت عنها لغة التخاطب، ومشت في انحرافها هذا إلى أن بلغت مبلغها اليوم من البعد، فكيف بتلك التي لم تسعد بما يوجب حفظها وصونها؟ فلا ريب
الاستدلال بالآثار والنقوش:
أما ما عرف من هذه الآثار فأشهرها: النقش الذي عثر عليه في خرائب أنمارة في حوران على قبر امرئ القيس بن عمرو بن عدي اللخمي، من ملوك العرب، منقوشًا بخط نبطي ولفظ عربي.
جاء به العالم ديسو Diessoud إلى متحف اللوفر Louvre في باريس، وهو خمسة أسطر هذا نصها بالحروف العربية: "
1 - تي نفس القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج.
2 - وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا.
3 - برجى في حبج نجرن مدينة شمرو ملك معدو ونزل بنيه.
4 - الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه.
5 - عكدي هلك سنة 223 يوم 7 بكسول بلسعد ذو ولده.
وهذا شرحها:
(تي): اسم إشارة للمؤنثة ومثلها ذي.
(نفس): روعي بالإشارة إليها جانب اللفظ والمراد بها الذات.
يقال: هو نفس الشيء أي ذاته وشخصه، وكني بها عن القبر أي هذا قبر.
(سر القيس): الهمزة في امرئ القيس تلفظ ولا تكتب لأن الخط النبطي ليس فيه لحرف اللين، ولا للهمزة، صورة.
وهمزة امرئ وصلية كما لا يخفى، فحذفت الوصلية، والهمزة الأخيرة خطًا.
وقد ورث ذلك منه الخط العربي فنزعت منه وجوبًا ألف الرحمن وألف هذا وهؤلاء.
وفي رسم المصحف توسع في الحذف أكثر من ذلك.
(بر عمرو): بر بمعنى ابن وهي نبطية، ولم يستعملها العرب، وربما استعملها بعض، محاكاة للنبطية، وفي بضع النقوش بالخط الثمودي، والمؤرخة سنة 262 لمدينة بصرى أي سنة 374 ب.
م اسم القيض بنت عبد مناة، وفي بعضها: برت عبد مناة.
(ملك العرب كله): أي كلهم، وأفرد الضمير على إرادة الشعب العربي.
(ذو أسر التج): ذو:؛ بمعنى الذي، وهي لغة طيء يستوي فيها الإفراد والجمع والتذكير والتأنيث.
وأسر: بمعنى شد وعصب التاج.
وفي مجاز الأساس للزمخشري: ما أحسن ما أسر قتبه: أي شده؛ وإنما حذفت ألف التاج لأنها من حروف اللين.
(وملك الأسدين): بمعنى أخضع.
كما يقال: ملك رقابهم.
(ونزرو) أي بني نزار، أسقط ألفها لأنها حرف لين، وألحقت بها الواو محاكاة لإلحاقها الأعلام في النبطية.
(وملوكهم وهرب مذحجو) أي جعل قبيلة مذحج تهرب منه، يريد أنه هزمهم.
(عكدي) أي غلابًا وقوة.
قال العالم لدزبورسكي Lidzborski: إن عكدي تدل على القوة ولعلها من النبطية.
(وجاء برجى) وفي بعض النسخ نزجى؛ قال بعضهم: إنها اسم مكان.
وربما كانت من برج برجًا الشيء إذا ظهر وارتفع؛ قال في لسان العرب: وإنما قبل للبروج بروج لارتفاعها وبيانها وظهورها؛ وتبرجت المرأة: أظهرت وجهها.
(في حبج نجرن) والحبج في العربية مجتمع الحي ومعظمه.
أو هو الحبج أيضًا، ومعناه في العربية الظهور بغتة، مصدر حبج يحبج، ويكون المراد: جاء ظاهرًا مهاجمًا لمجتمع هذا الحي من نجران مدينة شمر.
(وملك معدو) أي قبيلة معد.
(ونزل بنية الشعوب) أي القبائل العظيمة.
والشعب: القبيلة العظيمة والحي العظيم تتفرع منه القبيلة، أي: استعمل بنيه على القبائل.
(ووكلهن فرسو لروم) أي كان ذلك لهم وكالة للفرس والروم.
وأقام النون للجمع مكان الميم كما في الآرامية السريانية، لأن لغة النبط، التي تأثرت بها هذه القبرية، كانت متأثرة بالآرامية فسري ذلك إلى عربية هذا النقش.
(فلم يبلغ ملك مبلغه عكدى) أي لم يبلغ ملك مبلغه قوة.
هلك سنة 223 يوم 7 بكسول: أي سنة 328 ب.م.
(بلسعد ذو ولده) أي دام بالسعد الذي ولده.
وبعبارة مفسرة أوضح: هلك هو فالبقاء والسعد لولده.
وقد كشف أثر منقوش فوق كنيسة بحر أن اللجا، في المنطقة الشمالية من جبل الدروز، مكتوبًا بالعربية واليونانية - سنة 568 ب.م.
ونصه العربي: "تاشرحيل بن ظلمو بنيت دا المرطول سنة... بعد مفسد خيبر بعم" "أي بعام" وترجمة نصه اليوناني: "
أسس شراحيل بن ظالم سيد القبيلة مرطول ما يوحنا سنة 463 من الأندقطية الأولى ليذكر الكاتب.
منه هذين النصين يعلم الباحث أن البحث العربي في هذا الأثر ليس فيه خروج عن العربية الفصحى، بل هو منها ومن لبابها لفظًا وأسلوبًا.
ولا يدع ولا غرابة في ذلك لأن زمنه كان قبل ولادة"
النبي بعامين أو ثلاثة، وذلك في زمن زهرة الجاهلية.
وأما حذف حرف اللين من عام وظالم وإلحاق الواو بظالم فهو اصطلاح خطي كما عرفت.
وقد كان رسم هذا الأثر بعد اثر أنمارة بنحو مائتين وأربعين عامًا، فانظر مدى التطور في عبارة هذين الأثرين في هذه المدة من الزمن، وربما كان أثر أنمارة متأثرًا بمحاكاة اللغة النبطية ذات السلطان في وقته في العبارة والأسلوب، واستعارة كلمات لا وجود لها في العر
أما (مفسد خيبر) في نقش كنيسة حران فهو من ملوك غسان، قيل: إنه الحرث بن أبي شمر الغساني، كما في المعارف لابن قتيبة، وقيل: هو أبو جبيلة من ملوك غسان، غزا اليهود في الحجاز واستباحهم، كما في تاريخ ابن خلدون.
ويتصل بحوران مما وراءها منطقة الصفا وسكانها عرب؛ قال العالم ليتمان: إنه ليس بينهم وبين قبائل العرب في الجزيرة فروق كبرى.
وكانت في عصر هذا النقش مركزًا للرمان ترد عن الحاضرة غارات العرب المجاورين، ولذلك أثرت فيهم مدنية الرومان كما أنهم تأثروا قبل ذلك بمدنية الآراميين، ولكن حياتهم لم تزل صحراوية، كما يقول ليتمان.
وقد كشفت لهم آثار في هذه المنطقة ونقوش، يرجح الأستاذ ليتمان أنها ترجع غلى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد، أكثر ألفاظها عربية بحتة أفعالًا وأسماء مثل: شتى أي أقام في الشتاء، وشنأه: بمعنى كرهه، ورعى الضأن، ووجد أثر أخيه فنقم، ورحض بمعني غسل، وذبح ذبيحة.
ومثل: أسد، وليث، ولبأة، وغزال، وإبل، وجمل، وبكر، ومهر، وحمار، وضأن، وماعز، وبقر، ووعل، وضبع، وضب، وقنفذ، وغير ذلك.
وقد استعملوا الهاء أداة للتعريف.
وكذلك وجدت في النقوش والآثار الثمودية التي هي أيضًا عربية، من العرب البائدة، وأسلوبها قريب من العربية الفصحى.
ونذكر مثالًا منها في أحد نقوشهم وهي: (هـ ل هـ ي) يا إلهي، (أسعد) ساعد، (سعدت) سعدة، (عل) علي، (دورت) دورة.
ونقش آخر وهو شطر بيت من الشعر:
ل ت م... ي غ ث ب ن ج ش م... هـ وع ل
(لتيم يغوث بن جشم الوعل) أي: هذا الوعل هو لتيم يغوث بن جشيم.
فقدم الظرف وهو خبر المبتدأ على المبتدأ، كما يقال: لزيد المال.
أثر التطور في اللغة العربية
الحميرية لغة عربية: بعد أن كانت الجزيرة العربية قسمين: جنوبية، وهي اليمن، باديتها
وحاضرتها، وشمالية موزعة بين الحجاز ونجد وما إليهما من البوادي والحواضر؛ وبعد أن كان لليمن قسطها من التمدن وكان لها دول وحكومات معروفة، تنوعت أسماؤها واختلفت ثقافاتها من معينيين وسبئيين وحميريين، ومضت على ذلك السنون، وتعاقبت الأجيال والقرون.
بعد هذا اختلفت اللهجات وتنوعت اللغات القومية، حتى قال بعض الباحثين بتغاير الحميرية والعربية الشمالية ونقلوا أن أبي عمرو بن العلاء قوله: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا. ويمكن الاعتذار لأبي عمرو عن قوله هذا، أنه يريد باللسان واللغة، في قوله هذ
وقد جعل ابن دريد الهسع والهميسع من أسماء الحميريين طارئتين على اللغة من العبرانية أو الآرامية، لأنه لا يعرف لها اشتقاقًا في العربية.
ويقول الصاغاني في رده عليه: "إن ابن دريد قد أبعد في المرام وأبعد في السوم.
ولو علم من أين تؤكل الكتف ومن أي الفصول يقتطف لتنصل من ارتكاب التكلف، وهذه الأسماء عربية حميرية.
واشتقاقها من هسع إذا أسرع.
فتأمل ذلك. هذا كلام الصاغاني، وهو صريح في أن الحميرية من صلب العربية.
ومع ذلك كله، فالاختلاف بين الحميرية والعدنانية مما لا ريب فيه.
وذلك ليس بغريب عند من يؤمن بتطور اللغات واختلاف اللهجات، بل وبعض المفردات، باختلاف البيئة والأحوال.
ولو لم يكن من المتفق عليه بين أهل الجنوب والشمال اشتراكهم في العربية، وأنهم جميعًا أبناؤها البررة، وأنها أصلهم الذي إليه يرجعون وجامعتهم التي عليها يجتمعون، لما عملوا في توحيد لهجاتهم ولغاتهم، ولما جاهدوا لتقريب ما بينهم، ولما كانوا يقولون في متون اللغ
ولا يستطيع منكر أن ينكر أن هذه القبائل كانت تجتمع من جنوبيين وشماليين في أسواقها، وتتفاهم دون أدنى كلفة.
يساعدهم على ذلك أن لغاتهم أو لهجاتهم على ما كانت عليه، كانت متحدة في صميمها، وأن هذا الاختلاف لمي عد كونها لهجات للغة واحدة.
كيف توحدت اللغة؟
لم يكن بين قسمي الجزيرة تقاطع ولا تهاجر، بل دلت الآثار والأخبار على انه كان بينهما اتصال دائم كما سيأتي.
لما حمل عمالقة العراق، أيام هجرتهم إلى جنوبي الجزيرة، لغتهم، وانتشرت بين سكان
اليمن الذين تديروها قبلهم، وتولوا السلطة فيها، غلبت أر ذوي السلطان على من سواهم في دولتهم، ولعب فيها التطور فتشعبت كما تشعبت الشماليين العدنانية.
وكانت الدولة الحميرية في الجنوب عندما تميزت لغة العمالقة عن لغة الشمال، فسميت لغة الجنوب بالغة الحميرية، وصارت إليها أكثر لهجات اليمن تقليدًا، ولكن العربية السعيدة لم تبق لها سعادتها، فطوحت بها الطوائح، وتفرقت قبائلها بالسيل العرم، فضربوا في أقطار الجز
وكثر الامتزاج والاختلاط، وضعفت السلطة وبادت، فضعف شأن الحميرية وحلت محلها اللغة العدنانية، لغة الشعر والخطابة، حيث كانوا الشماليون، وأكثرهم أهل وبر ليس لهم من المدر سوى مدن قليلة حضرية في استيطانها، بدوية في أخلاقها وعاداتها.
كانوا لا تشغلهم زخارف المدنية التي تتوسع معها الحاجات كما استبحرت لأنهم ما عرفوها أو لم يريدوا أن يعرفوها، فاقتصر همهم على ما لديهم من وسائل العيش، وهي عندهم قليلة النفقة.
وإنما يقوى الانصراف إلى المادة إذا كثرت الحاجة إليها، وتقوى الروح إذا قل الانصراف إلى المادة.
كانوا بحكم الطبع يشتغلون بالكماليات، ويزيدهم بها عناية، وإليها انصرافًا مباهاتهم ومفاخراتهم بالأحساب والأنساب والكرم وحفظ الذمام.
وتلك شيمة أهل الوبر، فأصبحوا بذلك أعم الأمم بأنسابهم حتى بأنساب خيلهم وإبلهم.
والمنافرات والتحدث بالغزوات يجلب بالطبع العناية بالبيان وبطرقه، وبتخير الألفاظ العذبة لتأخذ في السامع أثرها.
بهذا وبأمثاله كان للبيان والفصاحة عندهم المحل الأول.
تخيروا عذب الكلام، وهم أصفى الأمم أذهانًا مما تبعثه فيهم بيئتهم النقية وسماؤهم الصافية، فكانوا في تخيرهم من أبعد الأمم غورًا في هذا السبيل.
وكانت اللغة المهذبة تدعو إلى حظيرتها سائر اللهجات الغربية مهما بعدت عنها، ولو كانت أجنبية عنها لعصت عليها ولم تنقد.
ودام ذلك إلى أن اتحدت بها أو فنيت بجانبها حتى الحميرية وبقاياها، ولم يبق للحميرية غير مفردات مذكورة في تضاعيف كتب الأئمة.
وبقي من هذه اللهجات أو اللغات إلى زمن العصر الإسلامي مخلفات يسيرة، كالطمطمانية والشنشنة والوشم وغير ذلك.
وبعد أن نزل القرآن بأحسن اللغات العربية، وظهرت بها السنة النبوية، وكان أتباع القرآن والسنة هو الدين الغالب في الأقطار العربي جمعاء، وكان لهذا الملأ من قريش، الدولة
والسلطان والناس على دين ملوكهم، اتجهت إلى المضرية سائر اللهجات الأخرى وفنيت في جنبها، ثم جاء عصر التدوين فكانت هي المدونة.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
4-معجم متن اللغة (عناية العرب بلغتهم 1)
عناية العرب بلغتهم:تقدم القول أن العرب كانوا أهل بادية وحاضرة؛ فالبادية من مشارف الشام إلى حدود اليمن يدخل فيها الحجاز ونجد وتهامة واليمامة وأرض عمان؛ وفيها مدن قليلة كمكة ويثرب والطائف، على أن مكة لم تنتقل من الوبر إلى المدر إلا بعد أن بنى قصي بن كلاب دار الندوة؛ وأما الحاضرة
فهي اليمن وما إليها من أرض حضر موت والشحر وفيها بواد فسيحة؛ وفي جنوبي فلسطين بدوي حضري؛ وفي أرض حوران عمرت بصرى، وكان من مدنهم في الشمال البتراء.
كانوا على عزلتهم في ديارهم هذه وعزة نفوسهم التي لم تستذلها الدول العظمة المكتنفة أرضهم، كانوا يرون أنفسهم في غبطة وسرور من حال ألفوها، وشاعرهم ينشد في باديته القفراء مفتخرًا بنعيم عيشه فيقول:
«إذا ما شربنا كل يوم مذيقة، *** وخمس تميرات صغار حوامز»
«فنحن ملوك الناس شرقًا ومغربًا، *** ونحن أسود الغاب وقت الهزاهز»
«وكم ممتن عيشة لا ينالها، *** ولو نالها أضحى بها جد فائز! »
كانوا وهم في هذه الحال في حرز حريز من أن يتطرق إلى لغتهم الصافية ما يكدرها، ويحرصون عليها حرص الشحيح على ماله، حتى أصبح ذلك خلة راسخة في نفوسهم وملكة ثابتة في طباعهم.
وتعدى ذلك إلى أتباعهم وحواشيهم.
قال الجاحظ: "رأيت عبدًا أسود لبني أسد، قدم علينا من اليمامة فبعثوه ناطورًا في البساتين.
وكان وحشًا لطول تغربه في اليمامة ورعي الإبل، فأصبح بعد أن صار ناطورًا لا يجتمع إلا بالأكراد وفلاحي النبط الفاسدي اللغة، فكان لا يفهم منهم ولا يفهمون منه؛ فلقيته يومًا فأنس بي، وكان مما قال لي: أبا عثمان، لعن الله بلادًا ليس فيها عرب! أبا عثمان، إن هذه العرب في جميع الناس كمقدار القرحة في جلد الفرس، فلولا أن الله رق عليهم، فجعلهم في حاشية الأرض، لطمست هذه العجمان آثارهم..
أنف هذا العبد الأسود الزنجي العرق السكني في بلاد ليس فيها عرب، ولعن البلاد الخالية منهم.
ويقول: إن من نعمة الله عليهم أن عزلهم في ناحية من الأرض لتبقى لغتهم سليمة من التحريف.
ويدلنا كلامه على تغير عظيم في اللغة وتباعد بين لغة عرب اليمامة ومستعربي الأمصار حتى عسر التفاهم بينهم.
رأى العرب، وهم في هذه العزلة بل هذه العزة، أنهم فوق الأمم مجدًا وشرف محتد وطيب عنصر وعزة نفس وإباء ضيم.
وهذه امرأة بدوية، وهي ليلى بنت لكيز، لم ترض أن تكون في نساء كسرى ملك العجم، لما حملت إليه مكرهة، فتقول: "
«يكذب الأعجم ما يقربني، *** وعمي بعض حساسات الحيا»
«غللوني قيدوني ضربوا *** ملمس العفة مني بالعصا! »
تنبز كسرى، ملك الملوك، بالأعجم احتقارًا لسلطانه لأنه غير عربي.
وتفر من النعمة السابغة"
والعيش الهني في حرم كسرى، مفضلة عليها سكنى الوبر وعيشه الخشن وطعامه الجشب في ظل الحرية والانطلاق، وحرصًا على الدم العربي أن يشاب بدم غيره، فلا يقربها الأعجم ما دام معها بعض حساسات الحياة، ولو كان له ملك كسرى! وإذا عرض الشك في صحة هذه القصة فإن النعمان، عامل كسرى، قد امتنع أن يزوج إحدى بناته من كسرى، لا جهلًا بمقام كسرى، ولا اعتقادًا منه بأنه أعلى منه شرفًا ومنزلة، ولكنه امتنع خوفًا من العار الذي يلحقه بين العرب من أنه زوج ابنته من غير عربي، وإن كان ملك الملوك، فيحط بذلك منزلة بناته بزواجهن من غير الأكفاء، ولا كفؤ للعربي إلا العربي.
امتنع النعمان فأثار حفيظة كسرى، فقتله بين أرجل الفيلة؛ ولكن أمته العربية الأبية ثارت له لأنه قتل في سبيل الشرف العربي؛ فكانت وقعة ذي قار.
بهذه الخلة قل امتزاجهم بالأمم، فقل التحريف والتبديل في لغتهم؛ وليس هذا وحده، بل انصرفوا بجهودهم كلهم إلى العناية بتحسين اللغة وصقلها، ما شاءت لهم قرائحهم وعلومهم.
لذلك بلغت لغتهم هذا المبلغ من السلعة في المادة وفي مراعاة مقتضى الحال بإيجاز الكلام أو إطنابه، وفي الرواء والعذوبة.
عناية الأئمة بحفظ لغة القرآن والسنة وتدوينها
جاء القرآن بأفصح لغات العرب.
ودان العرب بالإسلام دين القرآن.
وجرت السنة النبوية هذا المجرى؛ فكانت لغة القرآن والسنة أولى بالتدوين والحفظ، لما آن أوانها وأخذت سنة التطور طريقها في اللغة الفصحى، منذ خرج العرب من عزلتهم واختلطوا بالأعاجم، ودخل الأعاجم في سلطانهم.
وكان لهم ما للمسلمين العرب، وعليهم ما عليهم من حرية وإخاء ومساواة.
وبعد أن كثر تسريبهم بالأعجميات لكثرة السبي في أيديهم، يوم اتسعت فتوحاتهم، وشعر أبو الأسود الدؤلي، أقدم أئمة العربية، ببادرة من التغير بدرت على لسان ابنته إذ قالت لأبيها متعجبة وقد نظرت إلى السماء ونجومها في لسلة صافية: "ما أحسن السماء" فرفعت أحسن، وح
فأدركت خطأها وقالت: أنا متعجبة ولست بمستفهمة.
فهب أبو الأسود إلى إمام المسلمين والعرب في العلم والعمل، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، وأخذ منه أصول النحو.
فعكف القوم بعد هذا على تقرير قواعد اللغة والنحو واختيار الفصيح من الكلام.
وعمل الأئمة على التقاط فرائد اللغة من البوادي البعيدة عن الأمصار، لبعدها عن مجاورة الأعاجم وفاسدي اللغة.
فكانت رحلة الأئمة إلى بوادي الحجاز وتهامة ونجد واليمامة.
قال الفارابي في أول كتابه المسمى "الألفاظ والحروف": "كانت قريش أجود العرب لأفصح الألفاظ، وأسهلها على اللسان، وأحسنها مسموعًا، وأبينها إبانة عما في النفس.
والذين نقلت عنهم العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين القبائل العربية هم: قيس وتميم وأسد.
فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه.
وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف.
ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين؛ ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر القبائل.
وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البوادي ممن كان يسكن أطراف البلاد المجاورة لسائر الأمم حولهم.
فلم يؤخذ عن لخم ولا عن جذام لمجاوراتهم أهل فارس، ولا عن قضاعة وغسان لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرأون بالعبرانية، ولا عن تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا عن بكر لمجاورتهم للفرس، ولا عن عبد القيس وأزد عمان لأنهم كانوا بالبحر
كان الباحث عن اللغة في بوادي العرب يقامر بنفسه، غير مبالٍ بحرها ولا ببردها ولا بخشونة عيشها ورتق مشربها، السنين الطوال ليكتب عن فضائحهم شيئًا من كلامهم.
وروي أن الكسائي أنفذ خمس عشرة قنينة من الحبر في الكتابة عنهم.
وكان الإمام منهم يفضل استفادة كلمة واحدة على حمر النعم.
ويروي عن أبي عمرو ابن العلاء قال: "إني كنت هاربًا من الحجاج بن يوسف، وكان يشتبه علي "فرجة" هل بالفتح أو بالضم، فسمعت قائلًا يقول: "
«ربما تجزع النفوس من الأمر *** له فرجة كحل العقال»
فحرك الفاء بالفتح، ثم قال: ألا إنه مات الحجاج؛ قال أبو عمرو: فما أدري بأيهما كنت اشد فرحًا: أبقوله فرجة، بفتح الفاء، أو بقوله مات الحجاج! "
وكان من مزيد عناية القوم باللغة أن ميزان التفاضل بين الأئمة وحملة اللغة كان سعة معرفة الرجل بكلام العرب ولغاتها وغريبها.
وكان الأمراء والملوك والخلفاء وأعيان الأمة يتسابقون إلى تأديب أبنائهم، أي تعليمهم الأدب العربي من اللغة والنحو والشعر وأخبار العرب ومفاخراتهم"
ومنافراتهم، ليحفظوا كلامهم ويقووا به ملكاتهم اللغوية.
وكان أكبر عيب في الشريف العربي أن يلحن في كلامه، فلا يأتي بالحركات الإعرابية أو الحركات اللغوية على وجهها؛ كل ذلك كان في سبيل حفظ اللغة ورونقها وجدتها، وتقوية ملكة الفصاحة في النفوس.
بدء انحراف العامية عن الفصحى
قلنا: إن أبا الأسود الدؤلي رأى بادرة التغير في كلام ابنته، فلجأ إلى أمير المؤمنين علي ووضع أصول النحو.
والظاهر أن بدء الانحراف كان قبل ذلك، وعلى كل حال لم يكن قبل عصر الراشدين.
وأول ما سمع ذلك في الحركات الإعرابية زمن خلافة أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، على ما جاء في طبقات الأدباء لابن الانباري؛ وذلك أنه قدم أعرابي في زمن خلافته فقال: "من يقرئني شيئًا مما أنزل على محمد؟ " فأقرأه رجل سورة براءة وقال: "إن الله برئ من المشركين ورسوله "بالجر، فقال الأعرابي: "أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ منه فأنا أبرأ منه! " فبلغ ذلك عمر فدعاه وقال له: أتبرأ من رسول الله يا أعرابي؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت: "من يقرئني؟ " فأقرأني هذا سورة براءة فقال: "إن الله يبرئ من المشركين ورسوله" فقلت: "أوفد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ منه فأنا أبرأ منه! " فقال عمر: "ليس هذا يا أعرابي".
فقال: "كيف يا أمير المؤمنين؟ " قال عمر: "إن الله برئ من المشركين ورسوله" ورفع رسوله، فقال الإعرابي: وأنا أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم.
فأمر عمر أن لا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة.
وكان أهل الحاضرة يومئٍذ، كيثرب، فيهم العلماء باللغة وغير العلماء، ولهذا خصص عمر أمره بالعالم باللغة.
وروى عاصم قال: جاء أبو الأسود الدؤلي إلى زياد، وهو أمير البصرة، فقال: إنني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم، وفسدت ألسنتها، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم؟ فقال زياد: لا تفعل؛ قال: وجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير! توفي أبانا وترك بنون؛ فقال زياد يرجع كلامه: توفي أبانا وترك بنون؟ ادع لي أبا الأسود؛ فلما جاءه قال: "ضع للناس ما كنت نهيتك عنه.
وسئل أبو الأسود: من أين لك هذا النحو؟ فقال: لفقت حدوده من علي بن أبي طالب.
وأما اللحن في بناء الكلمة فكان بعد ذلك العهد.
ويظهر أنه كان في سكان الحاضرة أيضًا، ولم يأتِ زمن الحجاج حتى فشا اللحن في كلمات اللغة، وحتى صار يستهجن الفصيح في كلمات العامة.
قال في الطبقات: "قال محمد بن سلام: أخبرني أبي أن يزيد بن الملهب كتب إلى الحجاج: إنا لقينا العدو ففعلنا وفعلنا واضطررناه إلى عرعرة الجبل.
فقال الحجاج: ما لابن المهلب وهذا الكلام؟ فقيل له: إن يحيي بن المعمر عنده.
فقال: ذاك إذًا.
ويحيي بن المعمر هذا هو من حملة اللغة وأئمتها."
سارت العامة على خطها المنحرف، وامتد سيرها هذا لما كثر توغل العرب الفاتحين في بلاد الأعاجم، وكلما امتد السير زادت بعيدًا عن الفصحى؛ إلا أن هذا الطريق لم يكن ممهدًا بل كانت تعترضه عقبات من عناية العلماء بالفصحى، لما رأوا ما منيت به من التحريف، فأخذوا في محاربة هذا الداء، وصنفوا في تقويم العامية وردها إلى الفصحى وتطهيرها، أو تطهير أقلام الكتبة على الأقل، من اللحن.
ونجد كثيرًا من هذه الجهود في مثل: "أدب الكاتب" لابن القتيبة، و "درة الغواص" للحريري.
فلم يكن، والحال هذه، سير العامية في خطتها الملتوي، شديد الاندفاع كما هو الحال في غير العربية من اللغات.
وإن اللغات الراقية اليوم، التي دونت فصحاها بعد تدوين فصحى العربية بقرون، ترى فصحاها بعيدة عن عاميتها أكثر من بعد فصحى العربية عن عاميتها.
يقول جبر ضومط، أستاذ اللغة العربي في الجامعة الأميركية في بيروت، بعد أن أثبت أن للإنكليزية والفرنسية والألمانية- وهي في مقدمة اللغات الراقية في هذا العصر- لغة فصحى مكتبية، ولغة عامية دارجة: " فالمكتبية في أعلى درجات الفصاحة، والدارجة في أحط الدرجات في بعض أقسام لوندرة وباريس وبرلين، عواصم هذه اللغات الثلاث. ثم ذكر أنه تعرف بمستشرق اسوجي جاء بيروت لدرس اللغة العربية الدارجة، وكان عارفًا خبيرًا، فأخبره أن عندهم لغتين: فصحى ودارجة، وأن الدارجة الأجنبية أكثر من الدارجة العربية بعدًا عن الفصحى.
وأنا لا أرتاب في أن اللغة التي حملها الفرنسيس، أيام الحملات الصليبية إلى سورية، لم تكن كاللغة التي حملها حُفَداؤهم إليها في هذه الأيام؛ وأن اللغة التي نظم بها شكسبير قصائده لا يفهمها العامي الإنكليزي اليوم أكثر مما يفهم العربي قصائد المتنبي وأبي العلاء المعري.
ولكن لغة موليير الفرنسية، فيما أحسب، بعيدة عن لغة أميل زولا بعد لغة ملتون الإنكليزية عن لغة دوسكن.
بينما لم تتغير لغة المتنبي عن لغة شوقي وبينهما ألف عام.
إلا أن لغة المتنبي وابن الأحنف والطائيين تخالف لغة الزاجل في شعره اليوم، بل إن لغة الزاجل اليوم تخالف لغة الزاجل في عصر ابن خلدون.
الحركات الإعرابية
في اللغة العربية
من البديهي أن مفردات اللغة مؤلفة من الألفاظ، وأن مادة اللفظ لا تتعدى حروف الهجاء، ولكن للحروف هيئات في اللفظ من حركات وسكون يطلق عليها، على سبيل التغليب، اسم الحركات؛ وهذه الحركات إما عارضة لمادة الكلمة ومبناها، أو عارضة لآخرها.
وتسمى الأولى حركات المباني كما ترى في حركات: غَمر، وغِمر، وغُمر، وغَمِر، وغُمَر، وغَمَر؛ فهذه كلمات ست، وهي مع اتفاقها في الحروف وفي ترتيبها مختلفة المعاني باختلاف حركاتها اختلافًا من أصل الوضع.
وتسمى الثانية حركات الإعراب أو علامات الإعراب لأنها تعرب عن مراد المتكلم بموقع الكلمة من الجملة، ولكنها لا تؤثر بمعنى الكلمة الوضعي شيئًا.
فسعيد في قولك "رأى سعيد أحمد" وهو سعيد نفسه إذا رفعته فاعلًا أو نصبته مفعولًا به، ولكن حاله واقعًا منه الفعل، غير حاله واقعًا عليه؛ وإنما يعرف اختلاف حاليه من اختلاف حركات الإعراب.
فائدتها
لهذه الحركات أثرها في المعنى التركيبي، خاصة وهي تعطي الجملة إيجازًا بديعًا لا مثيل له، فيما أحسب، في غير العربية.
والإيجاز في اللفظ مع الوفاء بالدلالة على المراد من أعظم ميزات اللغة.
انظر إلى قولنا: "ما أحسن زيد" فإنك تجد لهذه الجملة ثلاثة معان تختلف باختلاف الحركات في أواخر كلمتها، مع بقاء مبانيها وتركيبها اللفظي كما هي، فنقول:
1 - " ما أحسن زيدًا! " تنصبها، وأنت تريد التعجب فيكون ذلك قائمًا مقام قولك: "أعجب كثيرًا لحسن زيد".
2 - "ما أحسن ويد؟ " ترفع أحسن وتخفض زيدًا، وأنت تريد الاستفهام، وهي قائمة مقام قولك: "استفهم واسأل عن أحسن شيء في زيد".
3 - " ما أحسن زيد؟ " تفتح أحسن وترفع زيدًا، وأنت تريد الاستفهام أيضًا، وهي قائمة
مقام قولك: "أي شيء من الإحسان فعله زيد".
ثم انظر إلى قولنا: "هذا كريم أحسن منه عالم" فإذا رفعت كريمًا وعالمًا كان المراد شخصين اثنين أحدهما عالم والآخر كريم، ولكن العالم أحسن منه الكريم؛ وإذا نصبتهما كانا شخصًا واحدًا عالمًا وكريمًا، ولكنه في كرمه أحسن منه في علمه.
وانظر إلى قولنا: "كم كتاب قرأت" فإذا جررت كتابًا كنت تريد الإخبار بكثرة ما قرأت من الكتب، وإذا نصبت كنت تريد الاستفهام عن عدد الكتب التي قرأتها.
قال ابن قتيبة في "مشكلات القرآن" ما نصه: "وللعرب الإعراب الذي جعله الله وشيًا لكلامها، وحلية لنظامها، وفارقًا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين: كالفاعل والمفعول، لا يفرق بينهما، إذا تساوت حالاهما في إمكان أن يكون الفعل لكل واحد منهما، إلا بالإعراب, ولو أن قائلًا قال: هذا قاتل أخي، بالتنوين، وقال آخر: هذا قاتل أخي، بالإضافة، لدل بالتنوين على أنه لم يقتله، وبحذف التنوين على أنه قتله.
ولو أن قارئًا قرأ: "فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون" وترك طريق الابتداء بإنّا، واعمل القول فيها بالنصب، على مذهب من ينصب أن بالقول كما ينصبها بالظن، لقلب المعنى على جهته، وأزاله عن طريقته، وجعل النبي محزونًا لقولهم " إن الله يعلم ما يسر
وقال رسول الله، صلوات الله عليه: "لا يقتل قرشي صبرًا بعد اليوم" فمن رواه جزمًا أوجب ظاهر الكلام أن لا يقتل إن أرتد، ولا يقتص منه وإن قتل؛ ومن رواه رفعًا انصرف التأويل إلى الخبر عن قريش أنه لا يرتد أحد منهم عن الإسلام فيستحق القتل.
أفما ترى الإعراب كيف فرق بينهما؟ ثم قال: "وقد تكتنف الشيء معان فيشتق لكل معنى منها اسم من ذلك الشيء كاشتقاقهم من البطن الخميص "مبطان" وللمنهوم "بطن" وللعليل البطن "مبطون".
انتهى كلام ابن قتيبة.
وإنما اختلف المراد فيما ذكر باختلاف الحركات الإعرابية، مع أن الجمل المذكورة لم يتغير شئ من تركيبها وتنسيقها غير علامات الإعراب.
ولكن المعنى التركيبي قد تغير معها تغيرًا لا يستهان به، كما سمعت من كلام ابن قتيبة.
وكذلك إذا قلت: "علم زيد خالد الكتاب" لا تعلم أيهما المعلم وأيهما المتعلم: فإذا رفعت ونصبت علمت أن المرفوع هو المعلم وأن المنصوب هو المتعلم، تقدم أو تأخر لا فرق، وبقي للتقديم والتأخير فائدة خاصة من البيان، كما شرحه علماء الفصاحة والبلاغة، وإذا طرحت الحركات جانبًا وجعلت الدلالة على الفاعل تقدمه، وعلى المفعول تأخره بأن يكون الفاعل واجب التقديم مطلقًا،
كما إذا كان مقصورين لا تظهر عليهما علامات الإعراب، فاتتك النكات البيانية من المعاني التي يفيدها تقديم ما حقه التأخير أو العكس، وهي إفادات تأتيك من ترتيب الجملة دون زيادة في لفظها؛ وهذا من خصائص العربية فيما أحتسب.
وإني قد أسهبت القول في فوائد الإعراب في اللغة، ليعلم أن القول بتفضيل إهمال الحركات على استعمالها، بحجة أن المعنى لا يفسد بإهمالها، ولأن كل أبناء العربية يفهمون من قولنا "زيد مسافر" بالتسكين، كما يفهمون "زيد مسافر" بالتحريك هو قول باطل.
إنه عجيب حقًا، ولاسيما إذا كان من علامة مدقق ذي علم وغيرةٍ على الفصحى، كصاحب المقتطف الدكتور يعقوب صروف.
وقد ظهر لك مما تقدم أن كثيرًا من الجمل إذا أهمل فيها الإعراب اشتبه على السامع فهمها، لاحتمالها معاني لا يميزها إلا الإعراب، أو إطالتها بكلام مفصل يدل على المعنى المراد.
من أين جاءت؟
من الحقائق التي لا أحسب فيها جدالًا، وإذا كان فهو غير معتمد به، أن العرب الذين تبدوا وقل اختلاطهم بغيرهم من الأمم، كانوا أحفظ للغة وأصون لقديمها من غيرهم، لأن الاختلاط بغير أهل اللغة من أكبر الأسباب في تطورها.
وهذا القديم الذي حفظوه وصانوه بانعزالهم وببداوتهم، إن لم يكن هو نفسه اللغة الأم، أي التي تفرعت عنها اللغات السامية، فهو أقرب اللهجات المتفرعة عنها إليها، لأن المفروض أنه مصون ومحفوظ كل الصون والحفظ أو بعضهما، فلم يكن فيه من التطور ما كان في غيره من الف
وهذه الحقيقة ليست بغريبة عن استنتاج العلماء؛ فقد ذكرها كثير من الباحثين كمسألة لا تحتمل الجدال.
ثم أنه جاء في التاريخ القديم أن اللغة التي انتشرت في المملكة البابلية، قبل زمن حمو رابي بعشرين قرنًا أو أكثر، وهي أم اللغات السامية، كانت ذات حركات للإعراب؛ وأنها قضت أكثر من ألفي عامٍ وهي ذات حياة في سجلات الحكومة ودواوينها وعلى ألسنة العلية من القوم.
وإن كلام العلامة مسبيرو، ظاهر في أن لهجة العامة من سكان المدن والقرى أي أهل الحاضرة، كانت الآرامية.
أما لهجة سكان البوادي، وهم بدو الآراميين، فلم تكن اللغة الآرامية.
إن أهل الحاضرة هم الذين اختلطوا بغيرهم من الأمم، فاستعجمت لغتهم التي كانت فصحى بهذا الامتزاج، وكانت منه اللهجة الآرامية "العامية البابلية"، كما امتزج بعد الإسلام أهل الحاضرة من العرب بغيرهم من الأمم، فاستعجمت لغتهم وكانت منها اللهجة العامية.
هذه اللغة التي ثبتت ألفي عام فأكثر في السجلات الرسمية والدواوين العالية، وعلى ألسنة العلية من القوم، هي ولا ريب اللغة الأم.
وقد كان لها حركات إعرابية، ثم استعجمت في ألسنة العامة من"
أهل الحواضر.
وكان أول ما أضاعته هو حركات الإعراب.
فكانت السريانية القديمة، اللغة المستعجمة المتطورة منها، وهي ليست بذات إعراب؛ لأن ما لا يوجد في الأصل لا يوجد في الفرع.
أما سكان البادية وهم بدو الآراميين أو العرب فلم يفقدوها، فبقيت هذه الحركات ثابتة في لهجاتهم.
وقد حدث مثل ذلك لأهل الحواضر العربية، فأضاعوا حركات الإعراب التي كانت في لغة أهل البوادي منهم باستعجام لغتهم.
وكان أول ما أضاعوه منها هذه الحركات، كما سمعت ما سلف من قضية الأعرابي الذي جاء المدينة في خلافة عمر ليتعلم القرآن، فسمع اللحن في حركات الإعراب وأدى ذلك، بحكم الطبع في ذلك الأعرابي، إلى فهمه غير المراد فأنكره؛ وكما سمعت من قصة ابنة أبي الأسود مع أبيها ا
كان نصيب سكان البوادي الأولين كنصيب سكان البوادي الآخرين في حفظ اللغة بحركاتها الإعرابية ما استطاعوا إليه سبيلًا، وبقدر ما بعدوا عن الأمم الأخرى.
وهكذا نقيس بقياس التمثيل بين العصرين، ونعلم حال القديم الذي لم نره ولا تحققنا خبره، بحال الحديث الذي عرفناه وتحققناه.
ونطمئن إلى القول بأن حركات الإعراب التي كانت في اللغة الأم الأولى قد حفظتها لها البداوة حتى ظهرت في عربيتهم الأخيرة؛ وذلك باستصحاب القهقرى كما يسميه علماء الأصول.
وقد خلت منها اللغات الأخرى الأخوات إلا أثارًا في لغة بطراء ولغة تدمر وأهلها من بقايا العمالقة.
ثم نقول: لكن بدو الآراميين الذين سكنوا البادية العربية، والذين سموا عربًا، لم تذهب منهم هذه الحركات أو أشباهها، بدليل وجودها عند أعقابهم وحفدائهم يوم أخذنا اللغة عنهم، وبدليل أن الذين أخذوها وجدوها راسخة فيهم رسوخ الملكة الطبيعية في النفس، تجري على ألسنتهم في مواقعها دون أدنى قصد أو تعمل ولا كلفة، مما يدل على طول عهدهم بها حتى أصحبت جارية مجرى الطبع.
إن هذه الحركات إذًا متصلة بنا من ميراث اللغة الأولى، أم لغتنا العربية، حفظتها لنا البداوة وحفظها بعد حامليها عن فساد اللسان بالعزلة، وعدم امتزاجهم بالأمم الأخرى.
قلنا: إن هذه الحركات كانت في العرب، واتصلت في الأعقاب على مدى الأحقاب حتى وصلت إلينا.
وسواء أكانت هي كما رأيناها أو اعتراها بعض التحرير، فهي إن لم تكن عينها فليست بعيدة عنها؛ ففي واديها ربيت، وعلى غرارها طبعت، وفي حجرها نشأت، وبدرها غذيت.
والقول بأن العرب عرفوا هذا بمعرفتهم النحو وأنهم احتذوا فيه مثال اليونانيين، فلا أراني كثير الحاجة لدفعه، لأن الإلمام بأحوال العرب قبل الإسلام فضلًا عن الاضطلاع به يكفينا أمره.
وأنى لسكان البادية بمعرفة قواعد النحو كعلم من العلوم؟ وقد سئل أعرابي: أتجر فلسطين؟ فقال: إنني إذًا لقوي، فقيل له: أتهمز إسرائيل؟ فقال: إنني إذًا لرجل سوء! ففهم هذا البدوي، وهو ممن يوثق بعربيته ويتخذ أئمة اللغة كلامه حجة في النحو واللغة، فهو الجر والهمز بمعناهما اللغوي، ولم يكن للمعنى الاصطلاحي أقل مساس بفهمه وعلمه.
إن الإعرابي القادم من البادية إلى الحاضرة ليتعلم القرآن، وهو بعد لم يبل بفساد اللسان، قد عرف تغير المعنى بتغير حركة "ورسوله" لا من حيث أنه رفع وخفض، بل من حيث أن إفادتها مرفوعة غيرها إذا كانت مخفوضة؛ هكذا فطر طبعه ونمت غريزته.
كيف وضعت الحركات؟
إن الذي اتفق عليه المحققون أن وضع اللغات لم يكن بالتنصيص على لفظ خاص لمعنى خاص، وإنما كان الوضع بالتوسع في الاستعمال على قدر الحاجة وتنوعها بامتداد الزمن وتطاول المدة، وعلى حسب ما هو معروف من سنن التطور.
ويبعد في مثل هذه الحال أن توضع الحركات الإعرابية بمثل هذا النحو من الوضع، وأن تكون على هذه الطريقة، لأن الحركات الإعرابية على ما هو الظاهر ليست مما تدعو إليه الحاجة الماسة بأن تكون ركنًا من أركان التفاهم، فلا يتم بدونها، حتى يقال: إنها جاءت على قدر الح
فكيف كانت إذا هذه الحركات الإعرابية؟ هل هي بقايا كلماتٍ كانت تدل على ما تدل عليه علامات الإعراب، ثم اختزلت بتطاول المدة وصقلت بالاستعمال فصارت كما نراها؟"
يقول بهذا القول كثير من العلماء؛ وقد جاء في المقتطف ما نصه: "يستدل علماء اللغات على أن أصل هذه الحركات كلمات اختصرت على تمادي الزمن، وبقيت الحركات دلالة عليها" هذا قوله.
ولكن هل كانت هذه الكلمات، والتي هي أصل هذه الحركات، خاصة بأم اللغة العربية المعربة، وفي حيزها اختصرت هذا الاختصار؟ أو أنها في أمها الأولى ثم جاءت إليها بالإرث؟ وعلى تقدير أنها كانت في أصل الفرع الأسيوي الأول الذي منه كانت اللغات السامية والآرية والمغولية، فهل أصابها هذا الاختصار كله أو بعضه قبل انفصال السامية (أم العربية) عنه، أو أنه كان من صيغ اللغة السامية؟
ربما يعرف ذلك، ويكشف هذه الغوامض ويحل هذا الإشكال، الباحثون في مقابلة اللغات وتحليلها، إذا تيسر لهم ذلك، وكان في أخوات اللغة العربية وخالاتها ما ينير لهم الطريق بأن كان لهذه الكلمات الإعرابية ما يدل عليها، أو يشير إليها في هذه اللغات.
أما إذا كان مجرد حدسٍ وتخمين، فللحدس والتخمين أيضًا مجال آخر.
وحينئٍذ يجوز لذاهب أن يذهب إلى أن الحركات الإعرابية ربما كانت وضعت بوضع خاص، وذلك بأن يقال: إن أبناء اللغة الأولى كانوا في تمدنهم وعلومهم بمنزلٍة صالحة تدل عليها آثارهم، وقد دلت الآثار أنه كان للبابليين مدارس منظمة يعلمون فيها الحكمة والطب والفلك، وظهر
وأخبرنا التاريخ عن مزيد عنايتهم بلغتهم الفصحى والتي حفظوها واتخذوها لغة رسمية لهم، وكانت مصقولة مهذبة، كما تقدم القول عن العلامة مسبيرو، فلا يبعد، والحال هذه، عن الذين صقلوا لغتهم وهذبوها، أن يكون في جملة ما عملوه في صقلها وتهذيبها وتحريهم البلاغة فيها
ومن ضروب هذا الاختصار وضع العلامات الإعرابية على شكل حركات لا تطول بها الجملة، ولا يتغير بها وضع الكلمة من موقعها فيها، فدلوا بهذه الحركات على مرادهم بها في جملتها، فاعلة أو مفعولة أو غير ذلك، مقدمة أو مؤخرة، لتدل في التقدم والتأخير على معان مراده، وأن
ويكون ذلك منهم حيث قل انتشار الفساد في اللغة، وسرى ذلك في سكان البوادي فحفظوه وجروا عليه.
ولنفرض لذلك مثلًا فنقول: استعمل أبناء اللغة "ما" الاستفهامية بدلًا من "أي شيء" اختصارًا، فاشتبهت "بما" التعجبية ووقعت أفعل بعدها كأحسن في قولك: "ما أحسن زيد"، واشتبه على السامع أي المعنيين يريد المتكلم: ما الاستفهام أو التعجب؟ ونصب القرينة اللفظية تطويل، والمفروض أننا فررنا منه، فحركوا حينئِذ ما وقع بعد التعجب بالنصبـ، وما بعد ما الاستفهامية بالرفع؛ وليس في هذا مشقة ولا إطالة.
وكذلك يتميز الفاعل بالرفع والمفعول به بالنصب، وفي هذا لا يشتبه الفاعل بالمفعول به سواء تقدم أو تأخر.
وتبقى اعتبارات التقدم والتأخر وفوائدها البيانية صحيحة سليمة؛ ولكن هذا إنما يجري حيث يكون الفاعل صالحًا لأن يكون مفعولًا به، أما إذا لم يكن صالحًا لذلك في مثل: "كسر الزجاج الحجر" و "قال الشاعر قصيدة" فإنه يستغنى عن ذلك؛ لكن القسم الأول أكثر في الكلا
ولعل مثل هذا احتجاج إلى مدة متطاولة، وبعد اختلافات كثيرة بين الأصقاع والقبائل في الاستعمال، حتى استقر وثبت منه الأحسن والأصح في الاستعمال، فعم وشاع وذهب ما عداه.
والقول "بالكلمات المختصرة إلى الحركات" تعترضه صعوبات كبيرة في تعليل هذا الاختصار، وتطبيقه على الحركات الإعرابية التي لا يمكن تذليلها إلا بتكلف كثير.
وإذا رأينا أنه من السهل مثلًا أن نقول: إن علامة الرفع (الضمة) قد اختصرت من الكلمة الدالة عليها إلى الواو، الذي هو علامة للرفع أيضًا، ثم اختزل الواو إلى الضمة، فلسنا نرى من السهل تطبيق ذلك على غير هاتين من علامات الرفع، كالألف في المثنى، وثبوت النون في
ويعترض الحدس المفروض للوضع الخاص أن هذه العلامات نراها أول ما يذهب من اللغة عند امتزاج أهلها بغيرهم، وأن صيرورتها إلى الملكة أمر لا يقبله العقل بسهولةٍ وبدون مشقة.
وكيفما كان أحال فقد اتصل إلينا أن أم اللغة العربية أورثت ابنتها هذه نظام الإعراب بالعلامات، فتقف عند هذا القدر المحقق من البحث، ونترك ما عداه إلى المحققين في اللغات، حتى يظهر البحث ما تطمئن إليه النفوس.
والذي تحقق من ذلك أن العرب، وهم بدو الآراميين، قد اتخذوا هذا الميراث، وجرى فيهم مجرى الملكة، وهم في عزلتهم، فلم يتسرب إليهم الإهمال، وحفظته لهم البادية فلم يتأثروا بما تأثر به إخوانهم، وأصبح ملكة راسخة فيهم.
وليس معنى قولنا إنه أصبح ملكة راسخة، أنهم لا يقدرون على اللحن ولا يمكن أن تجري عليه ألسنتهم، كما كنا نتلقاه من مشايخنا زمن الدراسة، بل معناه أن ألسنتهم تجري بلا تعمل ولا كلفة على هذا النظام، شأن من يتمرن عليه في هذه الأيام، فينطلق به لسانه دون تعمل أيضًا؛ وإذا كان لا يسلم متمرن اليوم من الخطأ والغلط الذي يكثر ويقل بحسب مرانه، فلأن مرانه كان ناقصًا من حيث أنه يتمرن في بيئة ملؤها الخطأ والغلط.
وعلى العكس متمرن ذلك الزمن الذي ببيئته ملؤها صواب وصحة.
إن سكان هذه الجزيرة اتخذوا حفظ اللغة على هذا النحو تقليدًا لهم، في التجاوز عنه كل العيب والعار.
ولا ترسخ عادة في قوم ما لم تتخذ تقليدًا عامًا مستحبًا يعاب تاركه على تركه أو تجاوزه.
فكان التمرن عليها راسخًا يشب عليه الصغير ولا يشذ عنه الكبير، فيكون عامًا شاملًا شائعًا بين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وتجاهلهم.
ولم يحجم نقله اللغة من الأئمة، الآخذون اللغة عن الإعراب، أن يعتدوا بلغة الصبيان والمجانين لأنهم آمنون على ملكتهم من الخطأ، فكان بعضهم يحتج لمذهبه بكلام أمثال هؤلاء ولا ينكره عليه منكر.
قال ابن دريد في "أماليه" عن الأصمعي: "سمعت صبية بحمى ضرية يتراجزون، فوقفت وصدوني عن حاجتي وأقبلت أكتب ما أسمع، وإذا بشيخ أقبل فقال: أتكتب عن هؤلاء الأقزاع الأدناع؟ "
لم يحجم الأصمعي، وهو إمام اللغة، عن أن يكتب عن هؤلاء الأقزاع الأدناع أي صغار الناس وأراذلهم، لأنه يرى في كلامهم حجة لا تنكر عليه.
وأما قول الشيخ: "أتكتب": مستنكرًا، فما هو إلا استصغار لأمرهم واحتقار لأمرهم واحتقار لشأنهم من حيث أنهم أقزاع أدناع، لا من حيث أنه مخطئ أو مصيب بالأخذ عنهم.
فهو نظير أن تختار لأمرك حاذقًا فيه، ولكنه صغير المنزلة دنئ الحسب مستقذر العيش، مع أنك لا تعدم حاذقًا مثله يكون كريم الحسب رفيع المنزلة ظاهر المروءة.
ويصح لمن يغار عليك أن يلومك على هذا الاختيار، وليس معنى لومه أنه يطعن في حذقه بل كان الطعن عليه من حيث نفسه وحاله.
آخر عهد البادية بها
إن هذه الملكة الراسخة في هؤلاء الأعراب قد أهملت أولًا في القبائل المجاورة للأعاجم بالاختلاط بهم، ولم يسمع عن أحد من العرب الجاهليين أن الأئمة تحرزوا عن الاحتجاج بلغته قبل عد بن زيد العبادي، الذي نشأ بين الفرس وفي خدمة الأكاسرة.
ولما فسدت لغة الأمصار كان ذلك يسري منها إلى البادية بقوة الاختلاط وضعفها، وكانت السلامة تتقهقر أمام هذه القوة، وبقى هذا الغزو مستمرًا إلى أخريات القرن الثالث للهجرة وما بعده بقليل، حتى ذهبت هذه الملكة أو كادت.
وعم اللحن أقطار العربية، باديها وحاضرها، وصينت الفصحى المعربة في دفاتر العلماء والأدباء، وفي المجامع العلمية، وعلى ألسنة الخطباء والشعراء والكتاب.
ولم تزل للعامة في أزجالهم وأغانيهم مكانة باختلاف الأقطار العربية.
والعامية في بلاد المغاربة أصبحت كأنها لغة أخرى غير عامية المشارقة؛ وتختلف عامية الشام، وعن عامية نجد والعراق.
الفصيح والعامي من حيث الاستعمال
لم تخرج العامية في تحريفها وعدم ضبط قواعدها عن كونها لغة عربية.
والتحريف كان معروفًا في الفصحى باختلاف لغات العرب، كما سبق الكلام عليه، وإن كان في الفصيح أشد وأقوى وأبعد مرمى، فهو في العامي أظهر وأكثر، وبه ألصق.
فالعامية بالنسبة إلى الفصحى، وهذه بالنسبة إلى المتقدمين والمحدثين على ضروب: "
1 - ألفاظ انفرد بها المتقدمون من العرب وتركها المحدثون، إما لاستعمالهم مرادفها: كمبشور في الناقة الشديدة السريعة، استعملوا كأنها: علنداة؛ أو لأنها من الحواشي البعيد عن الطبع كقولهم: مخر نبق لينباع؛ قال ابن فارس: وكذلك يعلمون معنى ما تستغربه اليوم من
قولنا: "عبسور" في الناقة و "عيسجور" و "امرأة خناثى" و "فرس أشق أمق خبق.
ذهب هذا كله بذهاب أهله ولم يبق عندنا إلا الرسم الذي تراه، أو تركها المحدثون لأنها غير مأنوسة عندهم، وإن كانت غير حوشيه كأجبى في الحديث الشريف: "من أجبى فقد أربى.
2 - ألفاظ استعملها المتقدمون وخواص المحدثين ولم تعرفها العامة كقولهم: "طخية عمياء، ومرة سوداء.
3 - ألفاظ استعملها العرب وعرفتها العامة وقل استعمال الخاصة لها، فلم تشع بينها، وهو ما يسمى بالغريب الفصيح في العامي.
4 - ألفاظ للعرب فيها لغتان أو أكثر، أخذت العامة ببعضها والخاصة ببعض آخر "كفز" عند العامة و "قفز" عند الخاصة، و "ما فيها دومري أو تومري" عند العامة و "ما فيها ديار" عند الخاصة.
5 - ألفاظ استعملها العرب قديمهم وحديثهم، وقل استعمال العامة لها، فكانت من أجل ذلك مصونة لم تتبذل.
والفرق بين هذا الضرب والضرب الثاني أن ذاك لم تعرفه العامة أو لم تكد تعرفه، وهذا عرفته ولكنها لم تألفه كـ "أمررت الحبل وأحصدته" أي فتلته.
و "حبل ممر ومحصد" أي مفتول، وقد عرفت العامة منه قولهم "عقدة مرة" أي محكمة العقد.
6 - ألفاظ مثل ذلك ولكنها ابتذلت مد عركتها العامة بألسنتها وامتهنتها بتحريفها، فاجتنبتها الخاصة وأعرضت عنها مثل قول العام: "اصطفل في الأمر" أي افعل ما تشاء، محرفة عن "افتصل" وهو افتصال من الفصل أي اتخذ الفصل الذي تريده من عملك.
7- ألفاظ مثل ذلك كثيرة الدوران في الكلام لا يستغني عنها، فلم يضرها كثرة الاستعمال لمكان الحاجة، كقولك: "شربت ماء، وأكلت طعامًا، وقرأت كتابًا" وهذا أكثر الكلام العربي.
8 - ألفاظ حرفتها العامة باستعمالها إلى مستنكره، فتركت الخاصة استعمالها الأول لمكان الاستكراه في المعنى الثاني كـ "الصرم" بمعنى القطيعة و "الغائط" للمنخفض من الأرض؛ حرفت العامة الكلمة الأولى لمعنى "السرم" والثانية لمعنى "الخرء".
وإذا أردت مزيد تعمقٍ في هذا البحث وفي الفروق بين الفصيح وتحريفه العامي، فعليك بمراجعة كتابنا "رد العامي إلى الفصيح" ففيه ما يقوم بوفاء حاجتك فيه، إن شاء الله.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
5-معجم متن اللغة (القرنان)
القرنان: الديوث الذي يشارك في امرأته "ويكسر القاف عربي صحيح عن كراع، وأنكره الأزهري قال: وهو من كلامالحاضرة ولم أر البوادي لفظوا به ولا عرفوه.
وأورده الخفاجي مع الدخيل".
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
6-معجم متن اللغة (وأهل الوبر)
وأهل الوبر: أهل البوادي والخيم.يقال: أخذ الشيء بوبره أي أخذه كله (ز).
وقالوا: ما في الدار وابر أي أحد "لا يكون إلا في النفي".
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
7-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الحسيسة)
الحسيّسةهي بقرية خاربة بإزاء بور، في سفح الجبل الجنوبيّ المعروف بشعب مخدّم.
وكانت قرية معمورة، ثمّ خربت، فبناها عليّ بن عمر الكثيريّ في سنة (821 ه)، ثمّ أخربها عقيل بن عيسى الصّبراتيّ سنة (839 ه)، كذا في «تاريخ ابن حميد»، وهو إنّما ينقل عن «شنبل»، والّذي رأيته فيه: أنّ عقيلا هذا أخربها في سنة (889 ه).
وفي رحلة المهاجر إلى الله السّيّد أحمد بن عيسى أنّه: لمّا وصل حضرموت.. دخل الهجرين، وأقام بها مديدة، واشترى مالا، فلم تطب له، فوهب المال لعتيقه شويّه.
وانتقل منها إلى قارة جشيب، فلم يأنس بها.
فانتقل إلى الحسيّسة ـ بضمّ الحاء وفتح السّين المكرّرة بينهما ياء مشدّدة مكسورة، قرية على نصف مرحلة من تريم ـ فاستوطنها إلى أن توفّي بها سنة (345 ه)، ودفن بحضن الجبل المذكور.
قال السّيّد عمر بن عبد الرّحمن صاحب الحمراء في ترجمته للعيدروس: (توفّي الشّيخ أحمد بن عيسى بالحسيّسة، ودفن في شعبها، ولم يعرف الآن موضع قبره، بل إنّ الشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس كان يزوره في الشّعب المذكور، وقال: إنّ الشّيخ عبد الرّحمن كان يزوره) اه
وهو ظاهر في أنّهما كانا يزوران الجبل بدون تعيين موضع، أمّا الآن.. فقد عيّنوه: إمّا بالقرائن، وإمّا بالكشف، على ارتفاع يزيد عن مئة ذراع في الجبل، وههنا مباحث:
"المبحث الأوّل:
زعم قوم أنّ سيّدنا المهاجر، وابنه عبيد الله، وأولادهم الثّلاثة: بصريّ وجديد وعلويّ، كانوا شافعيّة أشعريّة، وقد فنّدت ذلك متوكّئا على ما يغني ويقني من الأدلّة والأمارات في «الأصل»، وتشكّكت في وقت دخول المذهب الشّافعيّ إلى حضرموت، وقرّرت كثرة العلماء بحضرموت لعهد المهاجر وما قبله، ولو شئت أن أجمع ما أنجبتهم تلك العصور من رجالات العلم والحديث.. لاستدعى مجلّدا ضخما؛ إذ لا يخلو «تهذيب التّهذيب» في حرف منه عن العدد الكثير منهم.
«وإذا استطال الشّيء قام بنفسه *** وصفات ضوء الشّمس تذهب باطلا »
ومعاذ الله أن تحصل منهم تلك الثّروة الضّخمة في الآفاق، ويملؤون زوايا الشّام والحجاز ومصر والعراق، بدون نظيره أو أقلّ منه في مساقط رؤوسهم.
ويتأكّد بما سيأتي عن «المشرع» في تريم من تردّد السّادة من بيت جبير إلى تريم في سبيل العلم.
وفي ترجمة عبد الله بن أحمد: أنّه أخذ عن أبيه وعن غيره من علماء عصره، مع ذكرهم لاجتماعه بأبي طالب وقراءته لكتابه «القوت» عليه.
ومرّ في شبام ما يكثّر علماء الإباضيّة من شعر إبراهيم بن قيس، وهو من أهل القرن الخامس، وذكر من نجع من الأزد إليها في أيّام الحجّاج.
وسبق في الشّحر ما يدلّ على حالتها العلميّة حوالي سنة (280 ه)، وفي صوران ونقعة وغيرها ما يؤكّد ذلك، وحسبك أنّ أكثر مشايخ الفقيه المقدّم من غير العلويّين، قال سيّدي الأبرّ في «عقده»: (وتفقّه ـ يعني: الفقيه المقدّم ـ على الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن باعبيد، وعلى القاضي أحمد بن محمّد باعيسى، وأخذ الأصول والعلوم العقليّة عن الإمام العلّامة عليّ بن أحمد بامروان، والإمام محمّد بن أحمد بن أبي الحبّ، وأخذ علم التّفسير والحديث عن الحافظ المجتهد السّيد عليّ بن محمد باجديد، وأخذ التّصوف والحقائق عن عمّه الشّيخ علويّ بن محمد صاحب مرباط، وعن الإمام سالم بن بصريّ، والشّيخ محمّد بن عليّ الخطيب) اه
وأكبر من هذا ما تضمّه الغنّاء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ودعاته إلى الإسلام حتّى لهذا أنكر الشّيخ عبد الله باعلويّ على من استبعد وجود ربع أهل بدر فيها كما سيأتي في تريم، وقال: إنّه يتلقّاه الخلف عن السّلف، فانطمس منارهم، واندرست آثارهم، وهم نجوم الهدى، ومصابيح الدّجى، وشفاء الكلوم، وينابيع العلوم، كلّا، ولكنّها الأقدام تزلّ، والأفهام تضل، والأهواء تتغلّب، والأوهام تتألّب، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
ولا يلزم ـ على كثرة العلماء بها ـ أن يتمذهبوا بشيء من المذاهب المشهورة؛ فقد اشتهروا بالعلوم في عصر التّابعين فمن بعدهم قبل ظهور المذاهب، وإن كان البدويّ الجافي ليأتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيقيم أيّاما لا يقرأ كتابا، فيعود وفي يده سراج الإسلام يرشد قومه ويدعوهم إلى الله؛ ففي (ص 492 ج 1) من «إمتاع الأسماع» للمقريزي: (أنّ عثمان بن أبي العاصي كان أصغر وفد ثقيف، فكانوا يخلفونه في رحالهم وكان إذا ناموا بالهاجرة.. عمد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فسأله عن الدّين واستقرأه القرآن، وأسلم سرّا وفقه، وقرأ من القرآن سورا) اه
والشّاهد: في فقهه مع أنّه لم يتلقّ إلّا أوقاتا يسيرة، وكذلك أحوال كثير من الوافدين.
وقد توفّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن مئة وعشرين ألفا من الصّحابة، وفيهم من الأجلاف من لا يعرف إلّا الفاتحة أو إلّا البسملة، كما في «معاهد التّنصيص» في قسمة أنفال القادسيّة، وهم يصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون بدون تمذهب، وكذلك كان أهل حضرموت فيما أظنّ وفيما يقضي الاستصحاب، حتّى غزتهم المذاهب بسبب الاختلاط الواقع أكثره بالحجاز واليمن.
وقد جاء في «المشرع»: (أنّ فتاوى السّيّد سالم بن بصريّ على أساليب أولي الاجتهاد) وفي (ص 5 ج 2) منه: (أنّ أهل حضرموت يشتغلون بالعلوم الفقهيّة، وجمع الأحاديث النّبويّة) اه
ويؤيّده ما جاء في موضع آخر منه: (أنّ كثيرا من الصّلحاء والعلماء لا يعرفون عين قبره، بل ولا جهته؛ لأنّ المتقدّمين كانوا يجتنبون البناء والكتابة على القبور) اه
فإنّه أنصع الأدلّة على تمسّكهم بالسّنّة. وفي (ص 144 ج 6) من «تاريخ ابن
خلّكان» (عن ابن حزم: مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرّئاسة والسّلطان؛ مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك بن أنس) اه مختصرا.
وفي (ص 233 ج 5): (أنّ المعزّ ابن باديس حمل أهل المغرب على مذهب مالك بعدما كان مذهب أبي حنيفة أظهر المذاهب به). وكانت وفاة المعزّ المذكور سنة (454 ه).
وفي «مذكراتي»: (أنّ عبد الرّحيم بن خالد بن يزيد بن يحيى بن مولى جمح وصل إلى مصر في أيّام اللّيث بن سعد، فأخذ عنه اللّيث وابن وهب ورشيد بن سعد، وانتشر به مذهب مالك، وتوفّي بالإسكندريّة سنة «163 ه»، وخلفه ـ في نشر مذهب مالك بمصر ـ عبد الرّحمن بن القاسم، وما زال مشهورا حتّى قدمها الشّافعيّ في سنة «198 ه» فصحبه جماعة من أعيانها كابن الحكم والرّبيع بن سليمان والمزنيّ والبويطيّ وعملوا بمذهبه، ولم يكن أهل مصر يعرفون مذهب أبي حنيفة معرفتهم بمذهب مالك والشّافعيّ.
ويعلّل المقريزيّ ذلك بأنّ إسماعيل بن الرّبيع الكوفيّ ـ الّذي تولّى قضاء مصر بعد ابن لهيعة ـ كان يبطل الأحباس، فثقل على المصريّين مذهبه في ذلك، وسئموه.
أمّا الإمام أحمد.. فكان في القرن الثّالث، ولم يخرج مذهبه عن العراق إلّا في القرن الرّابع، وفي هذا القرن ملك الفاطميّون مصر، وجاؤوا بمذهبهم على يد جوهر الصّقلّي) اه
ولا بدع أن يغزو المذهب الشّافعيّ حضرموت؛ إمّا من أصحاب الشّافعيّ الأدنين، أو من أمّ القرى، أو من زبيد بواسطة الحجّاج والتّجّار وطلّاب العلم؛ فالمواصلات متواترة بين حضرموت وبين هذه الأطراف، على أنّ الحضارمة من أبعد النّاس عن التّمذهب.
وفي «نسيم حاجر» وفي المبحث الثّالث نسبة الاجتهاد لكثير من اللّاحقين فضلا عن السّابقين. قال الشّيخ إبراهيم بن يحيى بافضل، المتوفّى سنة (684 ه) [من الوافر]
«إذا لم أفتكم بصريح علم *** فلا من بعدها تستفتئوني »
«بما في محكم القرآن أفتي *** وإلّا بعد هذا كذّبوني »
أو ليس من أصرح الصّريح في دعوى الاجتهاد؟
وذكر العلّامة ابن حجر في «فتاويه» عن علماء المتأخّرين من الحضارم: أنّهم لا يتقيّدون بكلام الرّافعيّ والنّوويّ، وهما عمدة المذهب، ولا يحضرني نصّ صريح في تعيين وقت التّمذهب، وكانت العرب إذ ذاك متّصلة، والأسواق جالبة، والمشاهد جامعة، والبلاد بما ألفوه من التّرحّل واستقراب البعيد متقاربة.
وممّا يشهد لهذا: أنّ كلّ مرحلة يأتي ذكرها عند الهمدانيّ وأمثاله تزيد عن مرحلتين بسير أهل العصور المتأخّرة.
ومرّ في الكسر أنّ يونس بن عبد الأعلى كان منه، وهو أحد أصحاب الشّافعيّ، وغير خاف أن حرملة بن عبيد الله صاحب الإمام الشّافعيّ وأحد رواة مذهبه.. كان من تجيب، ومثله أبو نعيم التّجيبيّ المتوفّى سنة (204 ه).
ومثرى تجيب بالكسر، ثمّ نجع منهم الكثير إلى مصر، ولا بدّ بطبيعة الحال أن يكونوا على اتّصال بأهل وطنهم أدبيّا ومادّيّا كما هي العادة بين العشائر، ومعاذ الله أن تقطع رجالات العلم صلاتها بأوطانها وقراباتها وهم أحقّ النّاس بصلة الأرحام والحنين إلى الأوطان والقيام بحقوقها الّتي تفضل حقوق الأمّهات على الأولاد كما فصّلت في غير قصيدة من «الدّيوان».
ومرّت الإشارة في هذا المبحث لبعض العلماء الحضرميّين، وأنّ آل باذيب نجعوا من العراق إلى حضرموت في أيّام الحجّاج، وكان فيهم مفتون وقضاة.
وقال الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان في «جواهر الأنفاس»: (نقل الشّيخ عليّ بن أبي بكر عن بعض علماء آل عبّاد أنّه كان في تريم ثلاث مئة مفت، والصّفّ الأوّل من جامعها كلّه فقهاء، يعني: مجتهدين في المذهب.
وفي شبام ستّون مفتيا، وقاض شافعيّ، وقاض حنفيّ، وفي الهجرين مثل ذلك) اه
وفي موضع آخر منه عن الشّيخ محمّد بن عمر جمال: (أنّه يقول: عمّت البلوى في جهة حضرموت بكثرة الجهل، والجهّال أشبه بالشّياطين في أحوالهم، وأقرب من البهائم في طبائعهم، وقد كانت هذه الجهة معمورة بالعلم، حكى المؤرّخون أنّه كان ببلد تريم ثلاث مئة مفت، وفي شبام ستّون مفت، وقاض شافعيّ، وقاض حنفيّ، وفي الهجرين قريب من ذلك) اه
وما نقله عن الشّيخ عليّ بن أبي بكر موجود في آخر الصّفحة (117) من «البرقة» ونصّه: (وقد صحّ بالنّقل الصّحيح عن الثّقات أنّه اجتمع في تريم في زمن واحد ثلاث مئة مفت، وبلغ الصّفّ الأوّل في صلاة الجمعة كلّه فقهاء) اه
وسيعاد هذا بأبسط ممّا هنا في تريم.
وفي الصّفحة التي قبلها: أنّ الإمام عليّ بن محمّد حاتم هنّأ شيخه المحقّق قاضي القضاة وسيّد القرّاء في عصره أبا بكر بن يحيى بن سالم أكدر بأبيات على شفائه من مرض ألمّ به؛ منها:
«قد حنّ مسجدنا لفقدك واشتكى *** خللا وإن كثرت به الأقوام »
وفي الحاشية: أنّ مسجدهم هو المعروف بمسجد عاشق، يجلس على دكته منهم من أهل العلم والفتوى (45) رجلا.
وفي «سموم ناجر»: أنّ وفاة الشّيخ أبي بكر بن يحيى هذا كانت سنة (575 ه) شهيدا، ويأتي في تريم عن «جوهر الخطيب» ما يوهم أنّ كثرة المفتين بتريم يعود إلى ما بذله الشّيخ سالم بافضل من نشر العلم، والله أعلم.
وكانت وفاة الشّيخ بافضل في سنة (581 ه) أي: بعد الشّيخ أبي بكر أكدر بنحو ستّ سنين، ومن البعيد أن يكون تفقّهه عليه.. فليتأمّل.
أمّا اشتهار مذهب الشّافعيّ في اليمن.. فقد قال السّخاويّ: إنّه كان في المئة الثّالثة، ونقله عن الجنديّ.
وقال اليافعيّ: إنّ ممّن أظهر مذهب الشّافعيّ باليمن موسى بن عمران المعافريّ، قال: وممّن نشره بزبيد بنو عقامة.
ومن كتاب «المسالك اليمنيّة» للسّيّد محمّد بن إسماعيل الكبسيّ: أنّ المأمون ولّى محمّد بن هارون التّغلبيّ قضاء التّهائم في سنة (203 ه).
ومحمّد بن هارون هذا هو جدّ بني عقامة.
وفي «طبقات ابن السّبكيّ» [7 / 130]: (عن ابن سمرة: أنّ فضائل بني عقامة مشهورة، وهم الّذين نشر الله بهم مذهب الشّافعيّ في تهامة، وقدماؤهم جهروا بالبسملة في الجمعة والجماعات) اه
وقوله: (وهم الّذين... إلخ) صيغة حصر، وكأنّ المذهب الشّافعيّ أتاهم قبل أن يعرفوا المذاهب، فوافق ما عندهم فتمكّن ونشره الله بهم.
يعجبني ما ذكره ياقوت [4 / 108] لبعض قضاتهم يرثي هلكاه المدفونين بالعرق وهو موضع بزبيد [من الكامل]:
«يا صاح قف بالعرق وقفة معول *** وانزل هناك فثمّ أكرم منزل »
«نزلت به الشّمّ البواذخ بعدما *** لحظتهم الجوزاء لحظة أسفل »
«أخواي والولد العزيز ووالدي *** يا حطم رمحي عند ذاك ومنصل »
«هل كان في اليمن المبارك بعدنا *** أحد يقيم صغا الكلام الأميل »
«حتّى أنار الله سدفة أهله *** ببني عقامة بعد ليل أليل »
«لا خير في قول امرىء مستمدح *** لكن طغى قلمي وأفرط مقولي »
وذكر اليافعيّ أيضا: (أنّ القاسم بن محمّد بن عبد الله القرشيّ المتوفّى سنة «438 ه» نشر مذهب الشّافعيّ في نواحي الجند وصنعاء والمعافر والسّحول وعدن ولحج وأبين) اه
ولئن تأخّر وصول المذهب الشّافعيّ إلى حضرموت عمّا مرّ.. فلن يخطئها فيما حوالي هذا التّاريخ.
وقال بعض الزّيديّة: إنّ العترة الطّيّبة قد تفرّقت في البلاد، وملأت الأغوار والأنجاد، وكلّ من كان منهم في إقليم.. فإنّما هو على مذهب جهته وإقليمه في غالب الأمر، لم يتواصوا كلّهم بمذهب واحد في مهمّات الأصول، فضلا عن نوادر الفروع، فهؤلاء الأئمّة المعروفون في اليمن وعدد قليل من الجبل شاعت أقوالهم، وسارت الرّكبان بمذاهبهم كالنّاصر.
وفي الكثير منهم ـ وهم أهل الكوفة وما والاها ـ ذكر بعض العلماء جماعة كثيرة زيديّة من دعاتهم، وأهل اليمن لا يعرفونهم ولا يعرفون مقالتهم، وكذلك الإدريسيّون في المغرب فيهم كثرة، وظاهرهم على مذهب مالك، ثمّ من هذه الذّرّيّة شافعيّة أو حنفيّة في الفروع، أشعريّة في الأصول، متظاهرون بذلك؛ كالمحقّق السّيّد الشّريف الجرجانيّ وغيره.
وفي المحدثين الكثير الطّيّب علماء مجتهدون منتسبون إلى المذاهب الأربعة، مصنّفون فيها، إذا طالعت كتب الرّجال.. عرفت ما يصفونهم به.
وبه نعرف أنّ الّذي في الزّيديّة لا يزيدون عليهم وصفا ولا عددا، وكلّ يدّعي أنّه المقتفي لآبائه القدماء من أهل البيت عليّ والحسنين ونحوهم رضي الله عنهم... إلخ كلامه.
وكتب عليه القاضي إسماعيل بن مزاحم المجاهد بما حاصله: حصر الحقّ على السّادة الزّيديّة باليمن؛ لأنّهم هم الّذين بقوا مع القرآن في قرن متبوعين لا تابعين.
وقال: ألا ترى لو أنّ أحد أهل البيت المقلّدين لمالك قال: إنّ الكلب طاهر.. لأنكر عليه الكلّ أن تكون هذه المقالة لأهل البيت. اه مختصرا بالمعنى
وأنا لا أرضى هذا الجواب؛ لما فيه من تحجّر، وليس الزّيديّة بفرقة واحدة، وإنّما هم ـ كغيرهم ـ فيهم المغالون والمعتدلون، وما أحسن ما فسّر به الشّوكانيّ الفرقة النّاجية من أنّها: من كانت على هديه صلّى الله عليه وآله وسلّم في إيثار الحقّ على ما سواه. أو ما يقرب هذا من معناه.
والوسط هو المحمود، وعنده يلتقي شأو المنصفين من كلّ فرقة، وقبلتنا من أمّها.. لا يكفّر.
وفي غير هذا الموضع أنّه كان للعلويّين اتّصال بالسّادة الزّيديّة إلّا أنّه تلاشى بعد التّمذهب حتّى جدّده الله باتّصالي بأمير المؤمنين المتوكّل على الله يحيى بن محمّد حفظه الله.
"المبحث الثّاني:
لا نزاع فيما يؤثر عن سابقي العلويّين من الشّهامة والفتوّة والكرم، والمروءة والجاه والشّرف والسّيادة، والحلم والصّبر والعبادة، والنّجدة والتّواضع والورع والتّقوى، والأخذ من مكارم الأخلاق بالغايات القصوى، بل كلّ ثناء مقصّر عنهم في هذه النّواحي.
وجاء في مواضع من كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد أنّ المشايخ استنكروا العلويّين؛ لأنّ المقام مقامهم، وفي كلام غيره: أنّ النّاس أقبلوا عليهم من بدء الأمر، وتجتمع أطراف الكلام بما انتصبت عليه القرائن من استنكار أهل المذاهب للتّخالف المنضمّ إلى الحسد، ولكنّ العامّة ـ بسلامة قلوبهم ونشأتهم على الفطرة وانقيادهم بسوق الطّبيعة ـ أقبلوا عليهم إقبالا عظيما، وكيف لا.. وهم أوّل من عرفوا من العترة الطّاهرة، وقد قيل:
«يقولون ما بال النّصارى تحبّهم *** وأهل النّهى من أعرب وأعاجم »
«فقلت لهم: إنّي لأحسب حبّهم *** سرى في قلوب الخلق حتّى البهائم »
لا سيّما وقد انضمّ إلى ذلك ما يستجهر الأبصار والبصائر من الشّرف الفخم والسّؤدد الضّخم؛ فقد كان الأمر أعظم ممّا يتصوّر، وإن كان سيّدنا محمّد بن عليّ ـ صاحب مرباط ـ ليخفر القوافل من بيت جبير إلى ظفار، بما له من ضخامة الجاه، كما ذكره الشّيخ سالم بن حميد عن الشّيخ عبد الله بن عمر الكثيريّ.
وكانت القوافل ترحل من حضرموت إلى صنعاء في خفارة مسبحة سيّدنا الشّيخ عبد الله باعلويّ كما رواه والدي عن الأستاذ الأبرّ فيما جمعه من كلامه.
ولا شاهد بشيء من ذلك على التّوسّع في العلم بأمارة المشاهدة؛ فأولو الجاه عند البوادي والعامّة وغيرهم من مناصب حضرموت قديما وحديثا لا ينتسب منهم إلى العلم إلّا القليل، فأرى أنّه مبالغ فيما ينسب منه إلى الأسلاف الطّيّبين.
فقد نقلوا عن «الياقوت الثّمين»: (أنّ عبيد الله بن أحمد من أكابر العلماء)، مع أنّهم لم يذكروا أثرا لعلمه إلّا قراءته ل «قوت القلوب» على مؤلّفه، وطنطنوا على ذلك بما دلّنا على أنّه لو كان هناك أثر أكبر منه.. لذكروه وكبّروه، على أنّ الّذي في «المشرع» أنّه: (حجّ في سنة «377 ه»، وفي ذلك العام حجّ أبو طالب المكيّ، فأخذ عنه مؤلّفاته، وسمع منه مرويّاته) اه
ولم يذكر أنّه قرأ عليه «قوت القلوب».. ومعلوم أنّ وقت الحجّ لا يتّسع لغير مجرّد الأخذ، فأمّا قراءة «قوت القلوب» بحذافيره.. فلا بدّ لها من زمان طويل، ثمّ إنّ مجرّد قراءة «القوت» ـ بتسليمها ـ لا تستدعي التّوسّع في العلم الشّرعيّ، بل ولا الاتّسام بسمته؛ إذ لا يعطى من حفظ «قوت القلوب» وتعقّله ـ فضلا عمّن قرأه فقط ـ ممّا يوصى به للعلماء أو يوقف عليهم.
وممّا يدلّك على تسامحهم في الثّناء بالعلم: أنّ الشّلّيّ وغيره ترجم للسّيّد عبد الله بن محمّد صاحب مرباط، ووصفوه بالحفظ، ثمّ لم يذكروا له أثرا من ذلك سوى إجازة له من القلعيّ في رواية «جامع التّرمذيّ»، مع أنّ البخاريّ ـ كما رواه غير واحد ـ يقول: (اعلم أنّ الرّجل لا يصير محدّثا كاملا في الحديث.. إلّا أن يكتب أربعا مع أربع، كأربع مثل أربع، في أربع عند أربع، بأربع على أربع، عن أربع لأربع. وكلّ هذه الرّباعيّات لا تتمّ إلّا بأربع مع أربع..) إلى آخره، ممّا ينبغي أن يكشف من [ص 284] «فتاوى حديثية» لابن حجر الهيتمي.
وأخرى، وهي أنّ بين أيدينا «البرقة» و «عقد» سيّدي الأستاذ الأبرّ، وقد ذكروا عمود النّسب فلم يطنبوا في الثّناء بالعلم إلّا على الفقيه المقدّم وصاحب مرباط، ولم يصفوا والد الفقيه المقدّم إلّا بأنّه عالم صوفيّ.
واقتصروا في الإمام أحمد بن عيسى على: (ذي العقل الكبير، والقلب المستنير، والعلم الغزير) لأجل السّجع، ولو كان واسع العلم.. لبسطوا القول فيه، كما لم يذكروا ولده عبيد الله ولا محمّدا صاحب الصّومعة، ولا عليّا العريضيّ، ولا عليّا خالع قسم بعلم أصلا.
وأضجعوا القول في وصف علويّ بن محمّد وعيسى بن محمّد بالعلم، مع إطنابهم في فضلهم وعبادتهم، على أنّنا لا ننسى ما نقله والدي عن سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر: أنّه زار المهاجر مع العلّامة الحبيب عبد الله بن عمر، فقال لولد له صغير ـ يدعى محمّد الطّاهر ـ: تدري من هذا ـ يعني المهاجر ـ يا ولدي؟ فقال له: هذا المهاجر، أفضل من في الوادي علما وعملا وقربا من النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لأنّ مثل ذلك قد لا يراد به كلّ ظاهره في تبصير الأولاد وحثّهم على الاجتهاد.
وسيأتي في تريم أنّ الطّيّب بامخرمة لم يذكر فقيها من العلويّين إلّا الفقيه المقدّم.
وفي ترجمة عليّ بن الجديد من «تاريخ الجنديّ»: أنّه من أشراف هناك يعرفون بآل أبي علويّ، بيت عبادة وصلاح، على طريق التّصوّف، وفيهم فقهاء يأتي ذكر من أتحقّق منهم إن شاء الله تعالى.
ومن مجموع ما سقناه مع ما سبق من مبالغة «العقد الثّمين».. تعرف أنّ تلك المبالغات ـ من غير شهادة الآثار ـ مبنيّة على ممادح العناوين الّتي لا يراد من أكثرها إلّا مجرّد الثّناء، وهو شيء معروف بين النّاس.
والثالثة: هي: أنّ قريشا ـ ومن على شاكلتهم من العرب ـ انصرفوا لتلك العصور عن طلب العلم؛ لما في طريقه من الذّلّ الّذي يمنعهم الشّرف ـ بعد الطّفوليّة ـ عن امتهان أنفسهم فيه، ولذا قلّ ما يوجد العلم فيهم إلّا في النّدرى؛ كالباقر وأخيه، والصّادق وابنه، والإمام أحمد بن عيسى بن زيد ثمّ المرتضى وأخيه والنّاصر للحقّ من بعدهم.
وهناك دسيس آخر، وهو: أنّ الملوك لا ينصفون العلماء منهم، ولا ينعمونهم به عيونا؛ لأنّ للعلم سلطانا فوق كلّ سلطانهم، فلا بدّ للمستبدّ أن يستحقر نفسه ـ ولو في سرّه ـ كلّما وقعت عينه على من هو أرفع منه سلطانا، فإن اضطرّ إلى العلم.. اختار المتصاغر المتملّق.
وإذا كان الأمويّون والعبّاسيّون يطاردون العلويّين لمجرّد بسوقهم في الشّرف.. أفتراهم يسكتون عنهم لو جمعوا إليه عزّة العلم وسلطان المعرفة؟ هذا ما لا يتصوّر بحال.
وقد أخرج ابن الصّلاح في «رحلته» عن الزّهريّ، قال: (قدمت على عبد الملك ابن مروان. فقال: من أين أقبلت؟ قلت: من مكّة. قال: من يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: من العرب هو؟ قلت: لا، بل من الموالي. قال: بم سادهم؟ قلت: بالدّيانة والرّواية. قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت:
طاووس بن كيسان. فقال مثل قوله الأوّل.. فأجبته بمثل قولي في عطاء. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن يسود أهل دمشق؟ قلت: مكحول، وهو عبد نوبيّ أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضّحّاك بن مزاحم. قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن. وهو في كلّ ذلك يسألني مثل سؤاله عن عطاء، وأجيبه بمثل جوابي فيه، حتّى قال: من يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النّخعيّ.
قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: بل من العرب. قال: ويلك يا زهريّ! فرّجت عنّي، والله لتسودنّ الموالي حتّى يخطب لها على المنابر والعرب من تحتها. قلت: إنّما هو أمر الله ودينه، من حفظه.. ساد، ومن ضيّعه.. سقط) اه مختصرا.
وما كان ابن مروان ليجهل حال أولئك، وإنّما هو من سوق المعلوم مساق المجهول؛ لنكتة هي ـ فيما أرجّح ـ قرّة عينه بانصراف العرب عن العلم؛ لئلّا يستحقر نفسه في جانبهم، خلاف ما يتظاهر به من قوله: (فرّجت عنّي)؛ إذ لو كان أولئك من قريش فضلا عن أن يكونوا هاشميّين.. لاستشاط غضبا، وتأجّج حسدا، لا سيّما وأشدّ النّاس حسدا هم الملوك كما قيل.
وما كانت قريش إذ ذاك خالية من العلم، ولكنّهم ضيّقوا عليهم الأنفاس، وأخذوا منهم بالمخنق، وقد أشرت إلى شيء من انصرافهم عن العلم أوائل «النّجم المضي في نقد عبقرية الرّضي».
وفي آخر الجزء الأوّل من «البيان والتّبيين» للجاحظ: أنّ رجلا من بني العبّاس قال: ليس ينبغي للقرشيّ أن يستغرق في شيء من العلم إلّا علم الأخبار، فأمّا غير ذلك.. فالنّتف والشّدو من القول.
وفيه أيضا: (أنّ رجلا من قريش مرّ بفتى من ولد عتّاب بن أسيد يقرأ «كتاب سيبويه»، فقال: إنّ لكم علم المؤدّبين وهمّة المحتاجين).
وفيه: (قال ابن عتّاب: يكون الرّجل نحويّا عروضيّا، قسّاما فرضيّا، حسن الكتابة جيّد الحساب، حافظا للقرآن، راوية للأشعار، يرضى أن يعلّم أولادنا بستّين درهما).
ومتى تقرّر انحراف قريش عن العلم لما يجلبه لها من تهضّم الملوك، ولأنّها تسود قبل أن تتفقّه.. فما كان العلويّون المهاجرون إلى حضرموت ليخرقوا عادتهم إلّا بعد أن تؤثّر فيهم الظّروف، وينطبعوا بطابع الزّمان والمكان، وتقهرهم العوائد وتنتفي الموانع، وربّما كان ذلك أواسط القرن السّابع، مع استثناء القليل فيما قبل ذلك.
وإنّما بقي العلم في السّادة الزّيديّة لبعدهم عن المدنيّة الشّومى، وتصديقا لوعد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولاشتراطه للخلافة، وهي لا تزال فيهم، والنّاس على دين ملوكهم، والسّلطان سوق يجلب إليه ما يناسبه، ولهذا فلا بدّ أن تتفاوت أزمنتهم بحسب رغبات خلفائهم فيه كثرة وقلّة. ولهذا المبحث تكميل ـ إن شاء الله ـ يأتي في تريم.
"أمّا المبحث الثّالث:
فقد اتّسع فيه القول، وتفتّحت شآبيب الكلام، وسالت فيه عزالي البراهين والأدّلة، حتّى صار رسالة فضفاضة تستحقّ أن تسمّى: «سموم ناجر لمن يعترض نسيم حاجر»، ولا بأس أن نزيد هنا ما يتأكّد به بعض ما فيها وما في «النّسيم» مع الاعتذار عمّا لا بدّ منه للفائدة من التّكرار.
قال سيّدي الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ في كتابه «المسلك السّويّ»: (ومن ثمّ لمّا ذهبت عنهم الخلافة الظّاهرة ـ لكونها صارت ملكا عضوضا ـ ولذا لم تتمّ للحسن.. عوّضوا عنها بالخلافة الباطنة حتّى ذهب كثير من القوم إلى أنّ قطب الأولياء في كلّ زمان لا يكون إلّا منهم) اه
ثمّ رأيت هذه العبارة عند الحفظيّ آخر كلام نقل عن «صواعق ابن حجر» [2 / 426] والله أعلم.
وقال في «المسلك السّويّ» أيضا: (ولمبالغة الشّافعيّ في تعظيمهم.. صرّح بأنّه من شيعتهم حتّى نسبه الخوارج إلى الرفض) اه
وذكر الذّهبيّ: أنّ والي اليمن كتب إلى العراق: إن كنتم لطاعة أهل اليمن أرسلتم الشّافعيّ.. فإنّه يعمل مع الطّالبيّين للخروج، فأرسلوا به إلى العراق مكبّلا بالحديد، وممّا قال حين اتّهم بالرّفض [من الكامل]:
«إن كان رفضا حبّ آل محمّد *** فليشهد الثّقلان أنّي رافضي »
وفي «المسلك» أيضا عن الأستاذ الحدّاد أنّه قال: (جاءني جماعة من علماء مكّة يسألونني عن مذهبي، فأردت أن أقول لهم: مذهبي الكتاب والسّنّة، لكن حصلت محاذرة؛ خوفا عليهم من الإنكار.
وهذه إشارة إلى أنّه مجتهد لا مقلّد، وكثيرا ما أسمعه يقول عند المذاكرة في المسائل: وعندنا فيها رأي آخر، لكنّ التّمسّك بمذهب الشّافعيّ كافي) اه
ونقل عن الأستاذ أيضا أنّه قال: (أريت أصول أهل الأصول، لكن يغلب علينا الرّجاء حتّى للمخالفين من الفرق. وهذه المسألة متّصلة بالذّوق، ولا يمكن التّعبير عنها؛ لخفاء الحقّ فيها، فلا يعلم إلّا في الدّار الآخرة.
وادّعى أناس أنّهم حقّقوها، ولم يظهر لنا ذلك؛ لأنّ التّدقيق لا تحيط به العبارة، ولا بدّ أن يقع في الغلط من يعبّر عنها؛ كقول الغزاليّ: ما في الإمكان أبدع ممّا كان) اه
وقوله: (حتى للمخالفين من الفرق) أي: الإسلامية؛ لإجماعهم على تكفير من لم يدن بدين الإسلام ـ كما فصّلناه في «السّيف الحاد» ـ وكلّ من يعتقد بنجاة ملّة غير الإسلام.. فهو كافر، وقد حاول البهائيّون ـ الّذين ذكرهم فريد وجديّ ـ أن يوحّدوا بين الأديان، فوقعوا في شرّ من كفر اليهود قاتلهم الله أنّى يؤفكون. ومنهم القائلون بالإباحة من أهل الوحدة المطلقة الّذين يعتقدون بأنّ الباري عزّ شأنه هذا الوجود السّاري في الموجودات الظّاهر فيها على اختلاف صورها وأنواعها بحسبها.. فهو في الماء ماء، وفي النّار نار، وهو حقيقة كلّ شيء وماهيّته، ووجود كلّ موجود صغير
أو كبير، خسيس أو شريف. (تَعالى) الله (عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا).
وليس منها كما قال سعد الدّين التّفتازانيّ في «شرح المقاصد» أن يستغرق السّالك عند انتهاء سلوكه في بحر التّوحيد والعرفان بحيث تضمحلّ ذاته في ذاته، وصفاته في صفاته، ويغيب عن كلّ ما سواه، ولا يرى في الوجود إلّا الله، وهذا ما يسمّونه: الفناء في التّوحيد، ويسمّونه: الجمع أيضا.
وغاية سير السّالكين.. فناء المريد عن نفسه، ومنه يرجع إلى عالم الملك، وهو الفرق الثّاني، والصّحو بعد المحو، ويعبّر عنه أيضا: بانصداع الجمع، وبالفرق بعد الجمع، وبظهور الكثرة في الوحدة، ويعبر عنه أيضا: بمحو المحو، وبشهود الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة، وصاحب هذا المقام عندهم لا يحجبه الحقّ عن الخلق، ولا الخلق عن الحقّ، وهو مقام إرشاد المريدين.
"المبحث الرّابع:
جاء في (ص 33 ج 1) من «المشرع»: (أنّه كان للمهاجر في الوعظ لسان فصيح، ثمّ لمّا استولى أخوه محمّد بن عيسى على أقاليم العراق.. أتى إليه ووعظه موعظة بليغة، بألفاظ فصيحة جسيمة، ولم يزل به حتّى ترك ذلك، وزهد فيما هنالك) اه
وفي (ص 139) من «البرقة»: (أنّ محمّد بن عيسى استولى على جهة من العراق، وتبعه خلق كثير، وجمّ غفير، ثمّ ترك الولاية زاهدا) اه
وبين الرّوايتين فرق ليس باليسير، وقد راجعت «كامل ابن الأثير» و «تاريخ ابن خلدون».. فلم أر لخروج محمّد بن عيسى ذكرا، ولو كان كما يقول صاحب «المشرع» في شمول استيلائه للعراق.. لذكراه، وإذا لم يذكراه.. كان ذلك قادحا فيه؛ لأنّ الخبر الّذي تتوافر الدّواعي على تواتره ثمّ لا ينقله إلّا الآحاد.. يكون مردودا كما قرّره أهل الأثر؛ فإن وجد له ذكر في التّاريخ، وإلّا.. فما هو إلّا انتقال نظر إليه من زيد بن موسى الكاظم.
وقد كان زيد هذا ـ كما عند ابن خلدون ـ من قوّاد أبي السّرايا مدبّر أمر محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ زين العابدين، وكان أبو السّرايا وجّه زيد بن موسى هذا إلى البصرة، فعاث وأحرق خلقا كثيرا حتّى سمّوه: زيد النّار.
وفي (ص 271 ج 3) من «تاريخ ابن خلّكان»: (وكان زيد بن موسى الكاظم خرج بالبصرة وفتك بأهلها، فأرسل إليه المأمون أخاه عليّا الرّضا يردّه عن ذلك، وقال له: ويلك يا زيد؛ فعلت بالمسلمين بالبصرة ما فعلت وتزعم أنّك ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ والله لأشدّ النّاس عليك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يا زيد، ينبغي لمن أخذ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يعطي به.
فبلغ كلامه المأمون، فبكى وقال: هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قلت: وآخر هذا الكلام مأخوذ من كلام عليّ زين العابدين؛ فقد قيل: إنّه إذا سافر.. كتم نفسه، فقيل له في ذلك؟ فقال له: أنا أكره أن آخذ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما لا أعطي به) اه كلام ابن خلّكان
أقول: ومثله موجود في خطبة عليّ الرّضا يوم بويع له، فقد قال: أيّها النّاس؛ إنّ لنا عليكم حقّا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولكم علينا حقّ به، فإذا أدّيتم لنا ذلك.. وجب لكم علينا الحقّ، والسّلام.
"المبحث الخامس:
اشتبه عليّ وقت انهيار سدّ سنا، وقد رأيت في مناقب الحبيب عليّ بن عبد الله السّقّاف ـ تأليف الحبيب عمر بن سقّاف بن محمّد الصّافي، السّابق ذكره في السّوم ـ: (أنّ الحبيب عليّا المذكور اجتمع بالسّيّد الجليل حسن بن عبد الله بن علويّ الحدّاد، فسأله عن ارتفاع قبر المهاجر، فقال: لعلّه خشية السّيول السّابقة الهائلة مع عدم الخدّ في الأرض، لأنّه لم يحدث إلّا بعد زمان الفقيه المقدّم بسيل قاحش، الّذي أخبر عنه في غيبته، قال الحبيب عليّ: هذا هو الّذي أراه) اه بمعناه وفيه إشكالات وفائدة:
فمن الإشكالات: أنّ الحسيّسة ـ وهي محلّ السّكنى ـ لم تكن بذلك الارتفاع ولا بقريب منه، وإنّما كانت بسفح الجبل وحضيضه، وآثارها ظاهرة به إلى اليوم.. فكيف يخافون على الميت في قبره ما لا يخافونه على الأحياء في دورهم؟!
ومنها: أنّه لو كان ماء السّيل الرّاجع عن سدّ سنا يصل ولو إلى ربع ارتفاع الموجود.. لأغرق شباما فضلا عمّا دونها، حسبما قلنا في الكسر.
ومنها: أنّ تريم، وبور، وتنعه، والعجز، وثوبه، كانت موجودة من قبل انهيار سدّ سنا، ولو كان رجع الماء عنه يضرّها.. لما أمكن بقاؤها.
وأمّا الفائدة الّتي لم نسمع بها إلّا من هذا الكلام.. فهي: أنّ الخدّ بالأرض لم يكن إلّا من بعد الفقيه المقدّم، المتوفّى سنة (652 ه)، ومعلوم أنّه لن يكون دفعة، بل بالتّدريج، في الّذي يلي السّدّ، ثمّ في الّذي يليه، وهكذا كما يشهد له الحسّ، فمسيال سرّ الواقع الآن بين الحسيّسة وبور لا ينخفض الآن عن سطح الأرض بأكثر من نحو ستّة أذرع.. إن لم يكن بأقلّ.
وجاء في «النّور السّافر» [ص 118] عن تريم أنّها كانت في قديم الزّمان عامرة جدّا، وأمّا الآن.. فهي ضعيفة إلى الغاية، إلى أن قال: (والظّاهر أنّ سبب خرابها سيل العرم الّذي أرسله الله على سبأ، فانقطعت عنها المياه الّتي كانت تزرع عليها، فسبحان من يقلّب الأمور) اه
وهذا أيضا فيه فائدة وإشكال:
أمّا الفائدة فهي: الإشارة إلى أنّ حضرموت كانت تشرب من المياه المخزونة بسدّ مأرب، وهو موافق لما ذكرته في «الأصل» عن الخزرجيّ و «شرح الأمثال» للميدانيّ، إلّا أنّه قد يغبّر عليه ما جاء في «إكليل الهمدانيّ» (ص 46 ج 8) من قوله [من البسيط]:
«وجنّتا مأرب من بعد ذا مثل *** والعرش فيها وسدّ وسط واديها»
«تسقى به جنّتاها ثمّ بعدهما *** مسافة الخمس موصولا لياليها»
ولكن يجاب بأنّ المسافة من مأرب إلى الكسر إنّما هي أربع مراحل، وهي لا تستوفي الخمسة الأيّام، وإذا بقي للّيالي مثلها.. بلغ سدّ سنا أو جاوزها، فالأمر قريب من بعضه.
وأمّا الإشكال: فإنّه لا يمكن أن تصل حضرموت من الضّعف إلى حيث ذكر ما دام الماء ينبسط على الأرض كلّها فتئثّ زروعها، وتؤتي أكلها كما كانت أيّام ملوك كندة وملوك حضرموت، وإنّما تناهى بها الجدب والقحط من حين ظهور الأخدود، وانقباض الماء عن أكثر الأرض ولم يكن ذلك إلّا بعد الفقيه المقدّم بزمان طويل، حتّى إنّه ـ مع تفارط الأيّام ـ لم يصل إلى المسحرة بعد؛ فهي لا تزال سالمة منه، والماء ينبسط فيها من الشّمال إلى الجنوب.
وقد كان الإشكال في سدّ سنا أثقل عليّ من الطّود العظيم، وكلّما التأم لي الكلام عنه من جانب.. انتشر من الآخر، حتّى أخبرني الأخ الفاضل عبد الرّحمن بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن محمّد بن شهاب عن مشاهدة أنّ سدّ سنا طبيعيّ من حجارة رخوة، يمازجها طين صلب، شبه القارة الصّغيرة، يدفع الماء عن جانبيها المرتفعين عن مستوى الأرض بنحو من ستّة أذرع تقريبا، ثمّ إنّ السيول جرفت تلك القارة وحفرتها فصار الماء يجري في مكانها الّذي خدّه سيل قاحش وما بعده، وارتفع جانباها اللّذان كان عليهما يجري السّيل ـ كما سنرسم صورته الّتي دفعها لي في موضعه إن شاء الله ـ فلم يكن رجع السّيول عن ذلك السّدّ الطّبيعيّ بالفاحش حتّى يكتسح البلاد، ولكنّه صغير يصدّ تيّار الماء فقط، فينبسط في كلّ ناحية، ويسقي النّاس منه أراضيهم بدون أن يجرف في الأرض؛ لأنّ انبساطه يقلّل من قوّة جريه فلا يخدّ في الأرض، وهذا هو المعقول؛ فقد كانت الحصاة الّتي يصلّي عليها سيّدنا عمر المحضار بحافّة نهر هود عليه السلام بارزة لعهده، وما به بعد عن عهد الفقيه، وليس ارتفاعها عن النّهر اليوم بالفاحش، مع تناهي الخدّ، ولكنّه قريب. ولهذا السّبب أنكر بعض السّيّاح الأجانب وجود هذا السّدّ رأسا؛ لأنّ الوهم يذهب بهم إلى ارتفاعه، فيتأمّلون ولا يجدون له أثرا، فأنكروه. والحال أنّه كما وصفه لي الأخ عبد الرّحمن ابن شهاب.
وفي حدود سنة (1339 ه) اشتد النّزاع بين آل بور وآل تاربه بشأن جبل الحسيّسة، وكلّ ادّعى أنّه في حدّه، فله قنص صيده وإدارة القهوة والعود في حفلاته العامّة، حتّى عطّلت مرارا، ثمّ تواضعوا على أن لا يدار شيء خوف الفتنة.
وما زالوا كذلك حتّى أقيمت جمعيّة ببتاوي لآل العيدروس، كان من أغراضها: الالتفات إلى إصلاح ذات بينهم.
وفي سنة (1341 ه) وافق آل العيدروس بحضرموت، وصار الإصلاح بين آل بور وآل تاربه على أنّ لكلّ منهم قنص الجبل، وعلى أنّ خدّامهم يشتركون فيما يدار فيه.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
8-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الرملة)
الرّملةهي قرية في أرباض تريم في شمال حصن العزّ إلى الشّرق، تبعد عن سورها بنحو ميل، يسكنها الآن بعض السّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس، وهم: آل زين بن محمّد بن جعفر بن عبد الله بن شيخ ـ صاحب الشّحر ـ ابن عبد الله بن شيخ الشّهير، صاحب القبّة بتريم.
كانت مصيفا لهم، ثمّ استوطنها بعض متأخّريهم مع بقاء صلتهم بتريم، فيها يصلّون الجمعة، ويشهدون الجنائز، ويحضرون بعض الدّروس.
وهذه الرّملة منسوبة للإمام الجليل محمّد بن جعفر بن عبد الله، المتوفّى بتريم سنة (1193 ه)، كانت له أحوال عجيبة، ومناقب كريمة؛ منها ـ كما في «شرح قصيدة مدهر» للسّيّد أحمد بن عليّ الجنيد ـ:
(أنّ ولديه ـ زينا السّابق الذّكر وجعفرا ـ لم يرغبا في حفظ القرآن، فآلى على نفسه أن يذهب من الرّملة إلى تريم، ثمّ لا يرجع إلّا بعد أن يحفظ ابناه القرآن وربع «الإرشاد»، وأبرّ قسمه).
وذكر العلّامة الإمام عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر في كتابه «مرآة الشّموس»: أنّ السّيّد محمّد بن جعفر ـ هذا ـ هو الّذي أمّ النّاس في الصّلاة على والده مصطفى بن شيخ، المتوفّى بتريم سنة (1164 ه)، وعلى عمّه أحمد، المتوفّى بتريم سنة (1164 ه) أيضا.
ولزين بن محمّد بن جعفر أولاد؛ منهم: صادق، المتوفّى بتريم سنة (1281 ه)، وهو والد السّيّد زين بن صادق، كان شهما مهابا، وليثا وثّابا، لا يحسب للدّولة الكثيريّة ولا غيرها حسابا، وقد اختلف مع آل تريم في كثير من المسائل فاز فيها قدحه، ونفذ أمره، إلّا أنّه كان فقيرا، حتّى إنّ العلّامة ابن شهاب يقول: من نعم الله على آل تريم: فقر زين بن صادق، وبخل شيخ الكاف.
وكان السّيّد زين بن صادق ـ على فقره ـ مبسوط الكفّ، وهو طويل القامة، كبير الهامة، مشبوح الذّراع، طويل الباع، توفّي ليلة الثّلاثاء (23) رمضان من سنة (1328 ه)، فامتهن بعده السّرح، وأصيب إثره الشّرف بالكمد البرح، وجاء هنا موضع قول الرّضيّ [في «ديوانه» 1 / 627 من البسيط]:
«منابت العشب لا حام ولا راعي *** أودى الرّدى بطويل الرّمح والباع »
وللرّملة ذكر كثير في شعر العلّامة الجليل عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر، منه قوله:
«يقول الهاشمي آه على ازمان *** تقضّت في ربا الغنّا بلادي »
«ورملتنا الّتي فاقت بغزلان *** سبت باللّحظ ظبيات البوادي »
«فكم في (الرّملة) الفيحا من اعوان *** على النّافع لهم يوم المعادي »
«وكم فيها غرف زانت ببنيان *** على بنيان بالرّاحه تهادي »
«وكم طفنا بها ليما ورمّان *** وشمّينا بها عبهر وجادي »
«وكم بستان فيها إثر بستان *** من النّخل الّتي سرّت فؤادي »
وقوله:
«آه من ذكراي (حوطتنا) *** و (السّحيل) الفايق الخصب »
«آه شوقا نحو (رملتنا) *** وظباها الخرّد العرب »
وقوله [من الطّويل]:
«وفي (الرّملة) الغرّا غزال غزى الحشا *** أغنّ إذا غنّى بدا مضمر الوجد»
وعن السّيّد عبد الباري بن شيخ بن عيدروس، عن والده: أنّه ضاع كبش لبعض أهلها ولم يجده إلّا بعد شهر؛ إذ بقي طيلة المدّة يرعى في مراعيها الخصبة، ويشرب من مياه الغدران العذبة الموجودة بها لكثرة السّيول.
وفي شمال هذه القرية إلى شرق: آثار قرية يقال لها: الرّملة القديمة، لعلّها كانت مصيف السّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس قبل أن يختطّوا هذه.
وبالقرب منها بئر تسمّى الآن: بير عبد الله بن مصطفى بن زين العابدين، يعنون الملقّب بالباهر، المتوفّى سنة (1128 ه)، وقد ترجمه السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى في كتابه: «مرآة الشّموس»، وأطال بل أفرده بالتّرجمة في كتاب سمّاه: «حديقة الصّفا».
ونقل في «المرآة» عن السّيّد أبي بكر بن عبد الله بن شيخ أنّه قال لمّا مات الباهر: (وددت أن نفديه بسبعة من كبار آل العيدروس، ولكن.. كان ذلك في الكتاب مسطورا) وعند هذا ذكرت قول متمّم [من الطّويل]:
«فلو أخذت منّي المنيّة فدية *** فديناك منها بالسّوام وبالأهل »
وقول إبراهيم بن إسماعيل [من الطّويل]:
«أجاري لو نفس فدت نفس ميّت *** فديتك ـ مسرورا ـ بأهلي وماليا»
وموضع الرّملة بالحقيقة بعد حصن العزّ، ولكن طغى القلم، ولم أتنبّه له إلّا وقد خاضها، والأمر قريب.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
9-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (في نجود حضرموت من أعلاها إلى أسفلها)
في نجود حضرموت من أعلاها إلى أسفلهااعلم: أنّ ما سبق في القسمين الأوّل والثّاني كلّه غور، إلّا ما كان من نحو الضّليعة وبعض ما قبلها في الثّاني؛ فإنّها من السّوط؛ فإنّه نجد في رأس جبل، فيه مضارب آل بلعبيد، وهم قبيلة لا تزال لها خشونتها إلى اليوم ـ كما سبق ـ لا يبالون بعسكر القعيطيّ، بل كلّما لاقوهم.. قتلوهم. وهم عدّة ديار: آل مزعب، وآل باكرش، والجهمة، وسلم، وبلّحول، يقدّر مجموعهم بثلاثة آلاف رام.
وفي «سبائك الذّهب»: (أنّ بني العبيد ـ بضمّ العين ـ: بطن من سليح من قضاعة، وهم من أشراف العرب، وإليهم يشير الأعشى بقوله [في «ديوانه» 135 من الوافر]:
«... *** ولست من الكرام بني العبيد»
والنّسبة إليهم: عبدي؛ كما قالوا في هذيل: هذلي).
وقال في «العبر»: (كان لهم ملك يتوارثونه بالحصن الحصين الباقية آثاره في برّيّة سنجار من الجزيرة الفراتيّة، إلى أن كان آخرهم الضّيزن بن معاوية بن العبيد) اه
والعبيد هو ابن الأبصر بن عمرو بن أشجع بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.
وممّا يتأكّد به كون آل بلعبيد أهل السّوط هم من هؤلاء.. وجودهم في نواحي قضاعة، وقربهم من يبعث، وقد سبق فيه أنّ سكّانه الّذين كتب إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أبناء ضمعج، وهو قريب من ضعجم، وأنّ ضعجم هو ابن سعد بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.
ولسليح القضاعيّ خبر مع غسّان استوفاه ابن شريّة، وسبق ذرو منه في يبعث.
وأمّا نجود حضرموت.. فقسمان:
أحدهما: الجنوبيّ؛ وفي أعلاه: كور سيبان، والحالكة، والعكابرة، والخربة، وبحسن.
ومنها تكون الطّريق من السّاحل إلى وادي حمم، ثمّ الخريبة، ودوعن.
ووادي حمم، هو واد طويل كثير النّخيل والأشجار والعيون، يسكنه آل باهبريّ، من قديم الزّمان، ولهم ذكر كثير ولا سيّما في حروب القرن العاشر، وفيه ناس من السّادة آل العطّاس وغيرهم.
ثم: حويرة.
ومنها تنشعب الطّرق إلى وادي العين، وإلى وادي بن عليّ.
وفي شمال حويرة إلى الشّرق: ريدة المعارّة وريدة الجوهيّين، ومنهما تشرع الطّرق إلى حضرموت، وإلى عقبة الفقره، وعقبة العرشه، وعقبة عبد الله غريب، وعقبة عثه، تنزل هذه كلّها إلى السّاحل، وقد أصلحت في الأخير طريق للسّيّارات في هذا الجبل.
والمسافة بمشي السّيّارة بالتّقريب من الغرف إلى أوّله ـ عقبة الغزّ ـ نحو ثلاث ساعات، ومنها إلى ريدة الجوهيّين والمعارّة ثلاث ساعات.
ومن الرّيدتين إلى عقبة الفقره يكثر الازورار والانعطاف؛ لكثرة القور والشّناخيب بذلك الطّرف، فبطن ذلك الجبل الّذي يلي حضرموت أشبه بظهر الضّبّ، وأمّا ما يلي عقبة الفقره في شمالها.. فأشبه بذنبه، والسّيّارات فيه يحيط بها خطر السّقوط إذا لم يمهر السّائقون.
والمسافة إلى الفقره نحو ثلاث ساعات.
ومنها إلى الشّحر نحو ساعتين.
وفي هذا النّجد جول عبول، وهو الّذي توفّي به سيّدنا العيدروس الأكبر مرجعه من الشّحر إلى تريم، على ثلاث مراحل من تريم ومرحلتين من الشّحر.
وفيه أيضا: مقد العبيد، سمّي بذلك لسبب يتعالم به الحضارمة ولا ندري ما نصيبه من الصّحّة، إلّا أنّ آثار القبول ظاهرة عليه؛ وهو: أنّ أحد سلاطين حضرموت بات به مع عبيده في ليلة شاتية، وهو ممّا ينطبق عليه قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» 1 / 18 من الكامل]:
«وعقاب لبنان وكيف بقطعها *** وهو الشّتاء وصيفهنّ شتاء»
فجمعوا عليه الرّحال والفراش، وباتوا هم في نقل الحجارة من مكان إلى آخر.. فاندفع عنهم البرد بحرارة الأعمال، وأصبح السّلطان ميتا من شدّته.
وفي أواخر هذا النّجد: غيل بن يمين، ولسويد بن يمين ذكر كثير في شعر إمام الإباضيّة إبراهيم بن قيس، وقلت في «الأصل»: يحتمل أن يكون سويد صاحب هذا الغيل، ويحتمل أن يكون المراد من شعر إبراهيم إنّما هو جدّ آل يمين النّهديّين الموجودين اليوم بالسّور، وسفولة اليمنة، على مقربة من طريق حريضة.
وقد سبق في حجر: أنّ طائفة من آل دغّار يقال لها: آل ابن يمين لا تزال بقاياها بقرية في حجر يقال لها: الحسين، فلا يبعد أن تكون هي، لا سيّما وأنّ القرائن المتوفّرة في شعر إبراهيم بن قيس تؤكّد ذلك.
ويقال للغيل المذكور: غيل الشّناظير أيضا؛ نسبة ليافع الّذين استولوا عليه وقت اقتسامهم لحضرموت.
وفي حوادث سنة (936 ه) استولى السّلطان بدر بوطويرق على غيل ابن يمين، ونهب أولاد يمين وطردهم، فلجؤوا إلى الحموم، وما كاد يتّصل هذا الخبر بالسّلطان محمّد أخي بدر بوطويرق.. إلّا وتكدّر واغتاظ وأظهر أنّه محشوم، واتّسع الخلاف بينه وبين أخيه، إلى أن سفر المصلحون، وأرجع بدر أمر الغيل إلى أخيه محمّد فردّه لأولاد يمين.
وفي رحلة السّلطان عمر بن صالح هرهرة أنّ جعفر بن يمين قتل مع السّلطان عمر بن جعفر الكثيريّ في المعركة الّتي كانت بين يافع وآل كثير في بحران سنة (1117 ه).
وللغيل هذا ذكر كثير في أخبارهم وحروبهم، ثمّ استولت عليه طائفة من يافع يقال لهم الشّناظير، ولذا ينسبه بعضهم إليهم كما سبق في تريم.
وسيول هذا الغيل تدفع إلى وادي سنا، وأمّا ماؤه الجاري.. فالغالب عليه الإهمال.
وهو من النّقاط المعيّنة لسلاطين آل عبد الله الكثيريّ في المعاهدة ذات الإحدى عشرة مادّة، ولم يذكر في وثيقة اقتسام الممالك بين السّلطانين منصور ومحسن ابني غالب بن محسن، المحرّرة فاتحة رجب سنة (1336 ه)، فهو باق بينهم على الشّركة الشّائعة، وأكثر معوّل الدّولة الكثيريّة في حمايته على الحموم إزاء امتيازات لهم فيه، وهم الّذين طردوا عنه الشّناظير من يافع سنة (1275 ه).
وفيه جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن أحمد بن قطبان، وبالبادية حواليه جماعة من بادية العلويّين كبيت سهل، وبيت حمودة، وبيت قرموص، وبيت عقيل، وبيت الحنشش، وبيت محسن، وبيت الأخسف، وبيت كدحوم.
منهم جماعة اشتهروا بالنّجدة والشّجاعة الخارقة؛ كالسّيّد حسن بالحنشش، والسّيّد عميّر؛ فقد كانا مضرب المثل في ذلك.
«... *** إنسا إذا نزلوا، جنّا إذا ركبوا»
لا، بل كانوا جنّا وشياطين دائما، حتّى إنّ الأمّهات ليروّعن بهم الصّبيان ليسكتوا عن البكاء؛ لأنّهم من أكثر النّاس شرّا وقيادة للغارات.
ومنها غارة سنة (1318 ه)؛ فقد نهبوا قافلة الحجيج الصّادرة من المكلّا إلى حضرموت، وفيها السّيّد سالم بن محمّد بن عليّ بن محمّد السّقّاف، والسّيّد عبد الرّحمن بن عبد القادر البحر، وكان السّيّد حسن بالحنشش هو القائد العامّ لتلك الغزوة، غير أنّهم بعد ما نهبوا الحاجّ.. هاجمتهم سيبان والعوابثة وهم غارّون فقتلت منهم نحوا من خمسين، وأخذت ما استولوا عليها من أموال الحجّاج على نيّة إرجاعه لهم، ثمّ خاسوا بتلك النّيّة، وبيناهم يقتسمون.. عطف عليهم السّيّد حسن بالحنشش بقومه وكثرت القتلى من الجانبين، ولم يحجز بينهم إلّا حرّ النّهار، وكان الوقت خريفا.
وهذه من كبريات حوادث بادية حضرموت إن لم تكن أكبرها على الإطلاق؛ فلقد أنتنت من جيفهم الجبال وسنقت الوحوش من لحومهم.
وفي النّاحية الغربيّة من هذا النّجد طريق أخرى للسّيّارات، تخرج من المكلّا، وتمرّ في أعلى وادي حمم إلى جبال دوعن، ثمّ تنزل بجحي الخنابشة، ومنه إلى الكسر، ثمّ إلى شبام.
وهناك تتّصل الطّريقان، وتدخل في كلّ واحد من النّجدين أودية كثيرة كعمد ووادي دوعن ووادي العين ووادي بن عليّ وشحوح ووادي تاربه وبايوت والقرى الّتي في جنوب الغرف إلى عقبة الغزّ.
فهذه كلّها داخلة في النّجد الجنوبيّ، وكوادي سر ويبهوض وجعيمه ووادي مدر ووادي الذّهب والخون وغيرها، فكلّها داخلة في النّجد الشّماليّ كما سنذكره بعد أسطر.
وأمّا الثّاني: فالنّجد الشّماليّ؛ وهو جبل ينقاد من قرب سيحوت شرقا إلى محاذات العبر غربا، إلّا أنّه يستدقّ في طرفيه، وتعقبه في الغرب آكام وقور. وعرضه تارة ينبسط إلى مسافة ثمانية أيّام، وأخرى ينقبض إلى خمسة أيّام فقط، ومنه تنشعب الأودية إلى وادي الجابية، ووادي سور، ووادي هينن، وأودية سر، وجعيمه، ومدر، وثبي، ووادي الغبيرا الّذي ينهر إلى دمّون، ووادي الخون، وسويدف، ووادي عرده، ووادي طبوقم من أودية الظّنّيّ، وبعدهنّ وادي عشارهم، وهو من أودية المهريّ وغيرها.
وارتفاعه من جهة الشّمال إلى الرّمال أقلّ من ارتفاعه في جهة جنوبه إلى حضرموت بكثير، حتّى لقد تختلط أطرافه برمال الدّهناء، كما سيأتي عن بير ثمود.
وفي أوّل هذا النّجد غربا: ريدة الصّيعر، قال الهمدانيّ في عداد قرى حضرموت: (وريدة العباد وريدة الحرميّة).
وقال عمرو بن معديكرب الزّبيديّ [من الوافر]:
«أولئك معشري وهم خيالي *** وجدّي في كتيبتهم ومجدي »
«هم قتلوا عزيزا يوم لحج *** وعلقمة ابن سعد يوم نجد»
وما أظنّه يعني إلا هذا النّجد؛ لأنّه أقام طويلا على مقربة منه بالكسر.
والصّيعر ـ كما عند الهمدانيّ وأجمع عليه مؤرّخو حضرموت ـ: قبيلة من الصّدف تنسب إليها ريدة؛ ليفرّق بينها وبين ريدة أرضين.
وقال في موضع آخر: (وكان الصّدف بحضرموت من يوم هم، ثمّ فاءت إليهم كندة بعد مقتل ابن الجون يوم شعب جبلة لمّا انصرفوا عن غمر ذي كندة، وفيهم الصّدف، وتجيب، والعباد من كندة، وبنو معاوية بن كندة، ويزيد بن معاوية، وبنو وهب، وبنو بدّا بن الحارث، وبنو الرّائش بن الحارث، وبنو عمر بن الحارث، وبنو ذهل بن معاوية، وبنو الحارث بن معاوية، ومن السّكون فرقة، وفرقة من همدان يقال لهم: المحاتل، وفرقة من بلحارث بن كعب بريدة الصّيعر، وإليها تنسب الإبل الصّيعريّة، والأشلّة الصّيعريّة، وفيها يقول طرفة [في «ديوانه» 202 من الطّويل]:
«وبالسّفح آيات كأنّ رسومها *** يمان وشته ريدة وسحول) اه »
وقد ناقشته في «الأصل» إذ زعم أنّ فيئة كندة إلى الصّدف بحضرموت أوّل عهدهم بها؛ إذ لا يتّفق مع وجود السّبعين ملكا منهم بها متوّجين؛ آخرهم الأشعث بن قيس.
وقد صرّح بأنّ العباد من كندة، وفي «التّاج» [8 / 338] و «أصله»: (أنّ العباد من القبائل الشّتى الّتي اجتمعت على النّصرانيّة، مع احتمال أن يكون جدّ العباد الكنديّين أحد أولئك؛ فإنّه لا مانع منه).
وفي [8 / 78] من «خزانة الأدب» للبغدادي: (أنّ الصّدف بطن من كندة ينسبون اليوم إلى حضرموت) اه
وقد تفرّع كثير من قبائل حضرموت عن الصّيعر كما تكرّر مثله في هذا المجموع كآل باجمّال، وآل باصهي، وآل بابقي، وآل باحنين، وآل باكثير، وآل الجرو، وآل باحلوان، وآل باغانم، وكانوا ببور، وآل بامطرف، وآل بامزروع.
وبقي أهل الرّيدة على حالهم لم يتغيّر اسمهم ولا اسم بلادهم، وقد سبق في الغرفة وغيرها أنّ آل باحلوان من قضاعة.
والصّيعر قبيلتان: آل مسلّم، وآل حاتم، وكلّ قبيلة تنقسم إلى بطون كثيرة، ورئيس الصّيعر كلّهم الآن: سعد بن طنّاف بن رميدان، ورئيس آل عليّ بلّيث منهم، يقال له: عليّ بن عيضة، ومقدّم آل يربوع منهم، يسلم بن محمّد، ومقدّم آل عبيدون: سعيد بالحاشدي.
وكثير منهم من ينتجع وبار، وبالأخصّ آل عبد الله بن عون؛ ففيها منهم نحو مئتي رام.
ووبار: هي الرّمال الّتي من وراء جبلهم، إلّا أنّ كلّا من أهل النّجد يسمّي ما يجاور نجده باسم غير الّذي يسمّيه الآخر، فالصّيعر يسمّون ما يلي نجدهم من الغرب إلى الشّرق: (عيوه) بكسر العين وسكون الياء وفتح الواو.
وفي الأخير رعاها آل معروف منهم، ثمّ نجعوا إلى مقربة من نجران بسبب الجدب، وأذن لهم أمير نجران وهو رجل شهم، وعربيّ قحّ من صميم تميم، له مروءة وشمم، يقال له: تركيّ بن محمّد بن ماضي ـ أن يضربوا خيامهم في أطرافها، كما أذنت الفرس لحاجب بن زرارة.
ثمّ وفد منهم أربعون على أربعين نجيبة، يرأسهم اثنان ـ يقال لأحدهم: قنيبر، والآخر هو: عبد الله بن سالم بن معيقل ـ حتّى وصلوا الرّياض، فتركوهم أربعة أيّام، وفي الخامس أو السّابع اجتمعوا بملك الحجاز ونجد ورأوا من بشره وإكرامه أكثر ممّا يؤمّلون، وقدّموا له مطيّة على سبيل الهديّة اشتروها عمّا يقولون بثلاث مئة ريال، لكنّه بعيد؛ لأنّ إبلهم لا تبلغ ذلك ولا نصيفه، وبعد اجتماعهم به أجروا عليهم حكم الضّيافة، وطلبوا منه أن يديم الإذن لهم بالإقامة في مشارف نجران، فأحالهم على ما يرى فيه المصلحة أميرها، ودفع لكلّ من الرّئيسين أربعين ريالا، ولكلّ واحد ممّن سواهم عشرين، مع ما يلزم من الزّاد، ولمّا عادوا إلى نجران.. أبقاهم أميرها مدّة، ثمّ طردهم، فعادوا إلى عيوه، هكذا أخبرني عنهم امبارك بن يسلم بن زيمة بن امبارك العوينيّ.
وكما رفعوا ثمن ناقتهم إلى ما لا يقبله العقل.. كتموا ـ فيما أرى ـ بعض ما أعطاهم الملك؛ لأنّ ذلك النّزر لا يتّفق مع ما سارت به من سماحته الرّكبان وضربت الأمثال؛ فهو الّذي:
«يهمي النّدى والرّدى في راحتيه فلا *** عاصيه ناج ولا راجيه محروم »
وعدد الصّيعر لا يزيد عن ألفي رام، وقد عاهدهم الضّابط السّياسيّ الإنكليزيّ انجرامس منذ أحد عشر عاما معاهدة اعترف لهم باستقلالهم، وأنّهم ليسوا تبعا لأحد من سلاطين حضرموت، وعلى أن لا رسوم عليهم في بلادهم، وعلى أنّ العبر من حدودهم، كذا أخبرني من اطّلع على المعاهدة.
والجاهليّة عندهم جهلاء، وشأنهم شأن العرب في السّلب والنّهب، وكثيرا ما يتناهبون هم والعوامر وآل كثير النّعم بأنواعها، ولكنّ أولاء لا يقدرون على الانتصاف منهم، إلّا إذا انضمّوا إلى المهرة والمناهيل، وتجمّعوا من كلّ صوب، وأمّا هم؛ أعني الصّيعر والمناهيل، والمهرة، ويام، ودهم، والكرب.. فلا يتناهبون إلّا الإبل؛ لبعد الشّقّة.
وفي الشّتاء من هذه السّنة غزت آل حاتم إلى بعض البوادي الدّاخلة في الحدود السّعوديّة، فغنموا إبلا كثيرا، فاحتجّت عليهم حكومة عدن، فقيل: إنّهم أرجعوها كلّها أو بعضها، وقيل: لم يردّوا شيئا.
وفي جمادى الآخرة من هذه السّنة غزت طائفة من قبيلة يقال لهم: (القحطانيّون) مكانا في شرقيّ العبر وشماله، يقال له: (شمال)، وفيه أخبية لكثير من الصّيعر والكرب ونهد، فالتحم القتال ودام نحو ثلاث ساعات، وأنجدهم عسكر البادية المحافظ على الأمن بطرف حضرموت من جهة الحكومة الإنكليزيّة، ولكنّه قليل جدّا، فلم ينجه مع ألفافه إلّا الهرب بعد أن قتل منهم ثمانية عشر، ونهبت إبلهم وسائر ما معهم، وبيان القتلى: سبعة من الكرب، وسبعة من الصّيعر، واثنان من نهد، واثنان من العسكر، ويزعم المنهوبون أنّهم ومن لفّهم قتلوا ثلاثة من القحطانيّين، ولكنّه زعم بدون تعيّن، وعلى هذه.. فقس ما سواها.
وعن امبارك بن يسلم العوينيّ عن صالح بالخليس الصّيعريّ الكسيليّ قال: غزوت على ظهر الجبل من نجدنا إلى نجد المهرة، فلمّا قارب الجبل الانتهاء.. استدقّ حتّى صار مثل السّيف، فنزلنا عنه ونحن ستّة على ستّ من المطايا، فلاقانا سوماليّ على جمل في طلب اللّبان، فهابنا، فآمنّاه، وسألناه: من أين أقبلت؟
قال: من عيان، وهو موضع قريب من سيحوت، يجري فيه غيل، تقام فيه الأسواق.
قلنا له: من هناك؟ قال: تجّار ببضائعهم يتأهّبون لقيام السّوق.
فأبقيناه مع أحدنا عند المطايا، ولمّا قاربناهم.. ألفينا عندهم مهريا يحلب ناقة له، فأرديناه وانتهبنا ستّين مطيّة مع ما قدرنا عليه من خفيف البضائع، وضربنا آباط الإبل مساءها واليوم الثّاني وردهة من اللّيلة الثّانية، فكلّ أصحابي وأرادوا التّعريس، فنهيتهم فلم يسمعوا، فأكلوا وأغفوا، ولم يكد يطرقني النّوم من الذّعر حتّى انتبهت فقمت أعسّ فشممت رائحة الوزيف من عرق جمال النّجدة؛ لأنّها تأكل منه، فأقبلت على أصحابي فسبقتني إليهم البنادق، واعتصمت بأكمة، وناديت القوم في أن يعود كلّ بحلاله، فأجابني الشّوص أحد آل عليّ بن كثير وكان معهم فقال: انتظر حتّى نتشاور، ولمّا ناديته مرّة أخرى.. قال: إنّ الّذين قتلتم أخاهم بالأمس وهو يحلب ناقته أبوا؛ فجاء موضع قول أبي مكعب [من البسيط]:
«إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم *** لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما»
ولهذا البيت قصّة جاءت في (ج 10 ص 250) من «خزانة الأدب».
وأمر جماعة أن يكمنوا لي على الطّريق، وكان أحد أصحابي نجا براحلتين من النّهب، فاقتعدناهما، فلم يقدر علينا الكمين؛ لأنّهما كما قال القطاميّ [من البسيط]:
«يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة *** ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل »
وكانت هذه القضيّة في حدود سنة (1350 ه)، وآثار الصّدق لائحة عليها.
وفيها فوائد كثيرة؛ أهمّها: أنّ الجبل لا ينتهي إلّا على قرب سيحوت حسبما قدّمنا، وقد نقلنا في شرح البيت (36) في الجزء الأوّل من «الأصل» عن أبي شكيل: (أنّ مدينة تريم في شمال لسعا، وجبالها اثنان ممتدّان من الشّرق إلى الغرب، فيها قوم من المهرة كالوحوش، يتكلّمون بلغة عاد، وإليهم تنسب الإبل المهريّة) اه وما كان الخليسيّ مع أصحابه في المراجعة إلّا كدريد بن الصّمّة في الحادثة الّتي غزا فيها بني كعب بن الحارث بنجران فتبعوهم وقتلوا أخاه عبد الله في حبونن واستردّوا منهم ما أخذوا، وفي ذلك يقول قصيدته الّتي منها [من الطّويل]:
«بذلت لهم نصحي بمنعرج اللّوى *** فلم يستبينوا النّصح إلّا ضحى الغد»
«وما أنا إلّا من غزيّة إن غوت *** غويت، وإن ترشد غزيّة أرشد»
«تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا *** فقلت أعبد الله ذلكم الرّدي؟! »
«لئن كان عبد الله خلّى مكانه *** فلا طائشا خلو الجنان ولا اليد»
وفي أرض الصّيعر بئر يقال لها: منوخ، فيها ماء، إلّا أنّه ينضب عند قلّة الأمطار، وهذه البئر في منطقة يقال لها: منوخ.
وقد بنت فيه الحكومة مركزا على أكمة صخريّة عالية، وهي في الجنوب الشّرقيّ لوادي عيوه.
وفي غربيّ هذه المنطقة على بعد خمسة وخمسين ميلا: منطقة زمخ، وفيها بئر مهمّة يستقي منها الغزاة القادمون من بوادي نجران، ويحملون ما يكفيهم من الماء في غزوهم للصّيعر، وآل كثير والعوامر والمناهيل والمهرة، وكذلك هؤلاء يتزوّدون منها لغزو يام والقبائل السّعوديّة وغيرهم.
ومركز زمخ يبعد عن مركز العبر بسبعة وثلاثين ميلا.
وعن قرية الحجر بريدة الصّيعر نحوا من أربعين ميلا.
وفي شمالها: رمال الدّهناء، أو الرّبع الخالي.
وموقع زمخ بمكان كبير من الأهمّيّة، ولذا بنت فيه الحكومة الإنكليزيّة على حساب الحكومة القعيطيّة مركزا لصدّ عوادي الغزاة أو تخفيفها.
وأمّا بير ثمود ـ الآتي ذكرها ـ فتبعد عن منطقة زمخ بمئتين وثلاثة وسبعين ميلا في جهة الشّرق.
وسكّان منطقة زمخ: آل عبد الله بن عون من الصّيعر، وهم بدو رحّل.
وفي وادي دهر مكان يسمّى: زمخا، وبئر تسمّى: ببئر زمخ، ولكنّها أقلّ شهرة من المكان الّذي نحن بسبيله.
وسكّان منطقة منوخ: آل عليّ بلّيث من الصّيعر، وسيأتي في وبار أنّها تمتّعت بالثّروة زمانا طويلا، وأنّها كانت طريق التّجارة الأهمّ بين الشّرق والغرب. وقد كانت كلّ من منطقة ثمود ومنوخ وزمخ مدنا عظيمة للتّجارة؛ ولكن أفناها ما أفنى القرون الماضية، ولا شكّ أنّ آثارها مطمورة بالرّمال.
ومنذ أربعين يوما غزت يام وقتلت ثلاثة من الكرب، وغنمت مئة راحلة، ولم يقتل منها إلّا واحد، ولم يصب إلّا اثنان.
وفي مكان المحارقة من أرض الصّيعر شيء من النّخل، ولا نخل في سواها من
أرضهم، والطّرق من ريدة الصّيعر مفتوحة إلى كلّ مكان، ومن أقربها طريق وادي هينن، ومن سرّ إلى مكان آل عليّ بلّيث في الرّيدة مسير يوم ونصف.
ومنذ ثمان سنوات تقريبا أمطرت الطّائرات الإنكليزيّة نارها على حصن يسلم بن يربوع ملهيّ، وحصن عبد الله بن عون فهدمتهما، ثمّ سوّيت القضيّة على ما تريد الحكومة من الموافقة على الحلف السّابق ذكره عمّا قريب.
وبلغني أنّ الحكومة جعلتهم بالآخرة تبعا للقعيطيّ برغم الاستقلال الّتي اعترفت لهم به في ذلك الحلف.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
10-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (توج)
(توج) - في الحَدِيث: "العَمائِمُ تِيجانُ العَرَب ".قيل - أَراد أَنَّها لهم بمنزلة التَّاج للمُلُوك، لأنهم لا يَلبَسُون التِّيجانَ ولا القَلانِسَ، وأَكثَرُ ما يَكُونُون في البَوادِى مَكْشُوفِى الرّأْس.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
11-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (حبو)
(حبو) -في الحديث: "لو يَعْلَمون ما فِي العِشاءِ والفَجْر، لأَتوْهُما ولو حَبْوًا على الرُّكَبِ".الحَبْو: أن يَمشِي على يَدَيْه. يقال: حَبَا البَعِير يَحبُو: إذا
مَشَى مَعْقولا. واشْتِقاقه: من حَبَت السَّفِينَة، إذا جَرَت، ومن الحَابِي؛ وهو السَّهم الذي يَزحَفُ إلى الهَدَف بَعْد ما يَقَع على الأرض.
ويقال: حَبَا الصَّبِيُّ: إذا زَحَفَ على إسْتِه، وحَبَا البَعِيرُ: إذا بَرَك، ثم زَحَفَ من الِإعياءِ، وأَصلُه الدُّنُوُّ.
- في الحَدِيثِ قال للعَبَّاس، رضي الله عنه، في صَلاة التسْبِيح: "ألَا أَحْبُوكَ"؟
يقال: حَباه كَذَا وبِكَذَا. يَحْبُوه حَبْوًا وحُبْوَةً: أَعطاه، والحِباءُ: العَطِيَّة الخَاصَّة.
- في الحَدِيث: "نَهَى عن الاحْتِباء في ثَوبٍ وَاحدٍ".
الاحْتِباء: جِلسةُ الأَعراب، وكذلك الحِبْوة والحِبْيَة، وهو ضَمُّ السَّاقَيْن إلى البَطْن بثَوْب يَلُفُّونه عليهما، يَعنِي إذا لم يَكُن عليه إلَّا ثَوبٌ واحِدٌ، رُبَّما تَحرَّك، أو زَالَ الثَّوبُ فتَبدُو عَورتُه.
- ومنه الحَدِيثُ: "الاحْتِباء حِيطانُ العَرَب".
: أي لَيْسَ في البَوادِي حِيطَان، فإذا أَرادُوا أن يَسْتَنِدُوا احْتَبَوْا، لأن الثوبَ يمنَعُهم من السُّقُوط.
- في حدِيث عَمْرو: "نَبَطِيٌّ في حَبْوَته".
من ذلك، ويُروَى بالجِيم.
- وفي حَدِيثِ مُعاذِ بنِ أَنَس عن أَبِيه: "نُهِي عن الحَبْوة يَومَ الجُمُعَةِ والإمامُ يَخْطُب".
إنَّما نَهَى عَنْها في ذَلِك الوَقْتِ، لأنه يَجلِب النَّومَ، ويُعرِّض طَهارتَه للانْتِقاضِ.
وفيه دَلِيل على أَنَّ الاسْتِناد يَومَ الجُمُعَة في ذَلِك الوَقْتِ مَكْروهٌ، لأنه مِثلُ الاحْتِباء إذا كَثُر، وأَمر بالاستِيفَاز في القُعُود لاسْتِماع الخُطْبة والذِّكر. قِيلَ: الاحْتِباء في ثَوْبٍ وَاحدٍ، هو أن يَقعُد على أَلْيَتَيه وقد نصب ساقَيْه وهو غَيرُ مُتَّزِرٍ، ثم يحْتَبِي بثَوبٍ يَجَمَعُ بين طَرفَيه ويَشُدُّهُما على رُكبَتَيه، فإذا فَعَل ذَلِك بَقِيت فُرجَةٌ بينَه وَبيْنَ الهَواء تنكَشِف منها عَورتُه.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
12-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (حجر)
(حجر) - قَولُه تَعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}.الحِجْر: هو اسمٌ لدِيارِ ثَمود؛ قَوم صَالِح النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يَجِيء ذِكُره في أَحادِيث حِينَ وَصَل إليه النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - والصَّحَابة، رضي الله عنهم.
- في حَدِيثِ سَعْدِ بنِ مُعاذ: "أَنَّه لَمَّا تَحَجَّر جُرحُه للبُرءِ انْفَجَر".
قوله: تَحَجَّر: أي اجْتَمَع وقَرُبَ بَعْضُه من بَعْض والْتَأَم، وقد يَجِيء تَحَجَّر مُتَعدِّيا.
- في الحَدِيثِ الآخَر: "لقد تَحجَّرتَ واسِعًا".
كما جاء حَجَّر لازِمًا ومُتَعَدِّيًا.
يقال: حَجَّر القَمرُ: أي دخل في الدَّارَة التي حَولَه، وحَجَّرتُ عَينَ البَعِيرِ: أي وَسمتُ حَولَها بمِيسَم مُستَدِير.
- في حديث الجَسَّاسَة: "تَبِعه أَهلُ الحَجَر والمَدَر".
: أي أَهلُ البَوادِي الذين يَسكنونَ مواضع الحِجَارة والجِبال، وأَهلُ المَدَر: أَهلُ البِلاد.
- في الحديث: "كان له حَصِير يَبسُطُه بالنَّهار ويَحْتَجِرُه بالليل".
: أي يَجْعَلُه لنَفْسِه دُونَ غيرهِ.
ومنه يقال: احْتَجَرتُ الأَرضَ، إذا ضَربتَ عليها مَنارًا تَمنَعُها به عن غيرِك.
ومنه حَجْر القَاضِي على المُفلِس وغيره، وأَصلُ الحَجْر: المَنْع.
- وفي الحديث: "وللعَاهِر الحَجَر".
يَظُنّ بَعضُ النَّاس، أَنَّه يُرِيد به الرَّجمَ، وليس كذلك، فإنَّه ليس كُلُّ زانٍ يُرجَم، إنما يُرجَم الذي استَكمَل شَرائِطَ الِإحْصانِ، ولكن مَعنَى الحَجَر ها هُنَا: الخَيْبَة.
: أي الوَلَد لصاحِب الفراش من الزَّوج أو المَولَى، وللزَّاني الخَيْبَة والحِرمان كقولِك: إذا خَيَّبتَ رجلًا من شيء: مَا لَك غَيرُ التُّراب، وما بيدك غَيرُ الحَجَر.
ومنه الحَدِيثُ: "إذا جَاءَك صاحبُ الكَلْب يَطلُب ثَمَنه، فامْلأْ كَفُّه تُرابًا".
: أي أَنَّ الكَلبَ لا ثَمَن له، فضَرَب المَثَلَ بالتُّراب، قال الشّاعِر:
« تُرابٌ لأَهلِي لا ولا نِعْمَة لهم »
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
13-المعجم الاشتقاقي المؤصل (عود عيد)
(عود عيد): {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]العُودُ -بالضم: خَشَبة كل شجرة دق أو غلُظ، وقيل هو ما جرى فيه الماء من الشجر. يقال هو من عُود صدق كقولهم من شجرة صالحة. ومَيْتُ البوادي يُحْمَل على الأعواد التي تُضَمُّ عودًا إلى عود. والعِيد -بالكسر: شجر جَبَلى يَنْبُت عِيدانًا نحو الذراع لا ورق له.. والعَيْدَان -بالفتح: الطُوَال من النخل. عاد إليه يعود: رجع.
° المعنى المحوري
استمرار الشيء امتداد أو تكررًا وتجددًا. كأعواد الشجر إمَّا لطولها، وإمَّا لأنها التي يتجدد بها وجود الشجرة بأن يُؤخذ العود المقطوع من شجرة فيُغرس في الأرض، فينبُت شجرةً أخرى مستقلة. والعَوْد: الرجوع تجدد وتكرر لوجود الشيء في المكان أو لوجود الحال.
ومن الامتداد: "العَوْد -بالفتح: الجمَل المُسِنّ وفيه بقية: مضت له ثلاث سنين أو أربعٌ بعدَ بُزُوله (يبزل نابُه في السنة التاسعة)، وكذلك الشاة المُسِن (امتداد زمني مع تماسك). وعاد الجمل وعوّد البعيرُ والشاةُ والرجلُ - ض: أسَنّ، وكذلك الطَّريق القديم العادي، (وكل ذلك من الامتداد الزمني في الأوَّل والمادّي في الأخير) ولا يفسر بالرجوع إلَّا بتكلف. ومنه "هو يمت برحم عَوْدة: قديمة بعيدة النسب ".
ومن المعنوى "العَوَاد - كسحاب: البِرّ واللُطْف. والعائدة: المعروف والصلة " (الوصل إمداد كما يقال أمده بمدد). ومنه كذلك "المتعيِّد - كمتفضل: الظلوم المتجني " (تطاول).
هذا، والعَوْد بمعنى رجوع الذّات نفسها إلى المكان ولو بحال مختلفة جاء في آيات قليلة. مثل {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى} [الإسراء: 69] ومثلها ما في [طه: 55، الحج: 22، السجدة: 20، نوح: 18] وسائر ذلك العود إلى حال كانت [ينظر بحر 7/ 132]. {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه: 21]، {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] أو الإنشاء الجديد {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] و "العَود: الرجوع مطلقًا من ذلك (للتثنية) ومعاد الرجل: بلدُه "، لأنَّه يتصرف ثم يعود إليه {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}
[القصص: 85] بشارة برده إلى مكّة قاهرًا لاعدائه [قر 13/ 321] ونكّره للتعظيم: معادٍ أيِّ معاد [بحر 7/ 132]. وسائر ما في القرآن من التركيب عدا ما سنعرض له الآن هو من العود إلى حال: معصية أو ملة أو عقوبة أو العود إلى الحياة، والإعادة إلى الأرض أو البحر أو الحياة أو الملة أو النَّار. والسياقات واضحة.
ويأتي من الأصل عاد بمعنى صار لأنَّ العَوْد إلى المكان تحوّل تؤخذ منه الصيرورة "عاد رَهْبًا: كالًّا. {وعادَ بعدَ أعظُمِ أعوادًا}: أي مثلها " {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] صار {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] الحق هو القرآن والوحي، فبطل ما سواه من الأديان. فلم يبق لغير الإسلام ثبات في بدء ولا في عاقبة، وقيل الباطل الشيطان أو الأصنام أو ضد الحق وقد هلكت بمجيء الحق. والهالك لا يبقى له إبداء ولا إعادة. قولهم لا يبدئ ولا يعيد مثَلٌ في الهلاك [بحر 7/ 270]. {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] فسّر العود هنا بتكرار لفظ الظهار، وبالعود لوطء امرأته أو إمساكها [ينظر قر 17/ 280، بحر 8/ 232] وكأن المعنى على التفسير الأخير يرجعون عما قالوا أي عما عَنَوه بقولهم.
والعِيد: ما اعتاد -كذا- من حزن وشوق. ولعل حقيقته ما يَعُود، على أساس أن العَوْد والرجوع تكرار واستمرار. وفي العيد واحد الأعياد في نحو {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة: 114] علل في [قر 6/ 368] للتسمية بتعليلات كثيرة لأخذها من العَود -بالفتح أو من العيد اسم فحل! ! وللخليل كلام صَدْرُه: "العيد كل يوم يَجْمع النَّاس.. "فهذا هو التعليل الصَّحيح من حيث إن عَوْدَهم إلى التجمع تكرار وهو صورة من الاستمرار {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا
الْأُولَى} [النجم: 50] عاد قبيلة وهم قوم هود، وعاد الأخرى إرم [بحر 8/ 166 وفيه أقوال أخرى].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
14-المعجم الجغرافي للسعودية (موقق)
موقق: ـ قال ياقوت في «معجم البلدان»: لا أدري ما أصله ـ قال قال أبو عبيد الله السّكونىّ: قرية ذات نخل وزرع لجرم، فى أجا وقيل: موقق: ماء لبنى عمرو بن الغوث، صار لبني شمجى إلى اليوم، قال زيد الخيل:«ونحن ملأنا جوّ موقق بعدكم ***بنى شمجى خطّيّة وحوافرا»
«وكلّ كميت كالقناة طمرّة***وكلّ طمّر يحسب الغوط حاجرا»
فأجابه جبلة بن مالك بن كلثوم بن شيماء من بني شمجى بن جرم:
«ما إن ملأتم جوّ موقق بعدنا***ولا جبأها إلّا غريبا مجاورا»
«مجاور جيران أسأت جوارهم ***فألفوك مشؤوم النّقيبة فاجرا»
«ورثت من اللّخناء قوشة عذرة***ومهبلها قد كان قبلك خادرا»
قوشة: أمّ زيد الخيلي ومهبلها: فم رحمها. انتهى.
ويصف موزل قرية موقق ـ حينما زارها سنة 1915 ـ بأنها تقع في وادي البيض الصغير، وكان أكثر بيوت القرية مهدما، وفي القسم الشمالي منها ثلاثون بيتا قائمة، وفي هذا القسم نخيل مزدهرة، وفي القسم الجنوبي تبدو الخرائب ومجموعات من أشجار الأثل، وعمق الآبار في الجزء الشماليّ يتراوح بين 6 وعشرة أبوادع (12 ـ 20 مترا) وفي الجزء الجنوبي يبلغ العمق 25 باعا (50 مترا) وطعم الماء في الجهة الشمالية كرية. وفي الجنوب منعش، وسكان البلدة منهم من ينتمى إلى الحفيلات من سنجارة، ومنهم من ينتسب إلى بني تميم وأمير القرية يدعى غالب بن مشير. وترتفع هضبة الروية (ARRWEJJE) فى جنوب القرية. انتهى.
وذكر ابن بشر في «عنوان المجد » أن حسين بك ظاهر سار إلى جبل شمر في سنة 1237 فذكر لهم أنه ما يريد إلا الزكاة، فأمسك الحصون، واستقر في البلدان، فطلب منهم الزكاة من رحيل الباشا من نجد إلى يومه، فلما قبضها سار على أناس من البوادي فأخذ إبلهم، فألزمها أهل الجبل بزيادة النصف وأخذها، ثم ضرب عليها ضربات بالأريل ثم سار على أهل موقق المعروفة شمال الجبل فحاصرهم حصارا شديدا، حتى ظفر بهم وقتلهم، وهم نحو ستين رجلا. انتهى.
وقرية موقق الآن من أكبر قرى المنطقة، فيها مركز حكومي ومدرسة ابتدائية طلابها نحو 150 ومدرسة للبنات، وتقع في سفح أجا من الناحية الغربية، غرب قفار، بينهما سلسلة جبال أجا وتبعد عن حايل 75 كيلا غربا. وبقرب موقق عدد من القرى.
قال الشيخ على الصالح: يتحدث عن حايل ـ فى جهتها الغربية العليا قرية جبّة، في وسط النفود، وقريتا قنا وأمّ القلبان، وشمالا عنهما الرّطّاي هجرة فرج بن مكيمل وجماعة آل رمال. ثم قرية موقق قرية كبيرة، وشمالا عنها بينها وبين القريتين المذكورتين هجرة الحفير فيها درزي بن عردان وجماعته آل سلمان من شمر هجرة كبيرة.
ثم هجرة الصّنينا هجرة سعدون بن عباس وجماعته من آل سويد، وفوقها قرية جفيفا الداثرة، وجنوبا منها هجرة الشقيق: لآل عمود من شمر، ثم قبلة عن ـ الشقيق من ناحية الجنوب نحو مطلع سهيل قرية ضرغد، وقبلة جنوبا عن ضرعد ضريغد، هجرة البراك من بني رشيد، وقبلة منهم هجرة النّبوان لهم أيضا، وله ذكر في أشعار العرب وأنه ماء لبني أسد
وقال والان: وإلى الشمال الغربى من أجا تقع بلدة موقق إحدى أكبر بلدان المقاطعة وعدد سكانها 220 عائلة ونيف ـ وريتر أخطأ فلم يفرق بينها وبين قفار في كتابه «تاريخ الارض» ج 13 ص 356 وموقق في سفح قمة عالية تتشعب من سلسلة أجا الرئيسية تقريبا، في طرف واد يقطع السلسلة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي في مسيرة تقرب من عشر ساعات.
المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م
15-المعجم العربي لأسماء الملابس (الوبر)
الوَبَر: الوَبَر بالتحريك: صوف الإبل والأرانب والسَّمُّور والثعالب والفنك، والواحدة: وَبَرة، والجمع: أوبار، وتُطلق مجازًا على كل ثوب اتُخذ من الوَبَر، فيقال: فلان يلبس الوَبَر، كما يُقال يَلْبس الكتان، أى الثوب المتخذ منه.وفى الحديث: "أحبُّ إلىَّ من أهل الوَبَر والمَدَر"؛ أى أهل البوادى وأهل المدن والقرى، وهو من وبر الإبل لأن بيوتهم يتخذونها منه، والمَدَر جمع مَدَرة؛ وهى البِنْيَة.
ويحدثنا ابن جبير الرحالة الأندلسى أنه رأى الخليفة أبا العباس أحمد بن الناصر لدين اللَّه بن المستضئ بنور اللَّه، الذى يتصل نسبه إلى أبى الفضل جعفر المقتدر باللَّه لابسا ثوبًا أبيض شبه القباء برسوم ذهب فيه، وعلى رأسه قلنسوة مذهبة، مطوَّقة
بوَبَر أسود من الأوبار الغالية القيمة، المتخذة لِلنّاس مما هو كالفنك وأشرف، متعمدًا بذلك زى الأتراك، تعمية لشأنه، لكن الشمس لا تخفى وإن سُتِرت.
والوَبَر أيضًا زَغَب الثوب، ومن المجاز: وبر رأل النعام توبيرا ازغبَّ، والثوب المُوبَّر، أى الذى عليه زَغَب وله أهداب أو خمل.
ويحدثنا mayer أنه في العصر المملوكى جرت العادة أن يرتدى علماء الدين من الطبقتين الرفيعة والدنيا عباءات من قماش سميك له وَبَر، يطلق عليها اسم الجوخة.
المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م
16-معجم الأفعال المتعدية بحرف (خرت)
(خرت) الريح في القصب وخر العقاب يخر ويخر خريرا سمع لهما حفيف وخر يخر خرا وخريرا لوجهه وقع وخررت من يديك سقطتا من مكروه يصيبهما من قطع أو وجع ويكون كناية عن الخجل وأخر يده بالسيف أسقطها وخر من السقف(فكأنما خر من السماء) وعصفت الريح فخرت الأشجار للأذقان والأعراب يخرون من البوادي إلى القرى أي يسقطون إليها ويطرأون وخر لله ساجدا يخر بالكسر خرورا أي سقط.
معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م
17-معجم البلدان (جيحون)
جَيْحُونُ:بالفتح، وهو اسم أعجميّ، وقد تعسّف بعضهم فقال: هو من جاحه إذا استأصله، ومنه الخطوب الجوائح، سمي بذلك لاجتياحه الأرضين، قال حمزة: أصل اسم جيحون بالفارسية هرون، وهو اسم وادي خراسان على وسط مدينة يقال لها جيهان فنسبه الناس إليها وقالوا جيحون على عادتهم في قلب الألفاظ، وقال ابن الفقيه: يجيء جيحون من موضع يقال له ريوساران، وهو جبل يتصل بناحية السند والهند وكابل، ومنه عين تخرج من موضع يقال له عندميس، وقال الإصطخري: فأما جيحون فإن عموده نهر يعرف بجرياب يخرج من بلاد وخّاب من حدود بذخشان وينضم إليه أنهار في حدود الختل ووخش فيصير من تلك الأنهار هذا النهر العظيم وينضم إليه نهر يلي جرياب يسمى بأخش، وهو نهر هلبك مدينة الختّل، ويليه نهر بربان والثالث نهر فارعي والرابع نهر أنديخارع والخامس نهر وخشاب، وهو أغزر هذه الأنهار، فتجتمع هذه الأنهار قبل أن تجتمع مع وخشاب وقبل القواديان ثم ترتفع إليه بعد ذلك أنهار البتّم وغيره، ومنها أنهار الصغانيان وأنهار القواديان فتجتمع كلها وتقع إلى جيحون بقرب القواديان، وماء وخشاب يخرج من بلاد الترك حتى
يظهر في أرض وخش ويسير في جبل هناك حتى يعبر قنطرة، ولا يعلم ماء في كثرته يضيق مثل ضيقه في هذا الموضع، وهذه القنطرة هي الحد بين الختّل وواشجرد، ثم يجري هذا الوادي في حدود بلخ إلى التّرمذ ثم يمرّ على كألف ثم على زمّ ثم آمل ثم درغان، وهي أول أرض خوارزم، ثم الكاث ثم الجرجانية مدينة خوارزم، ولا ينتفع بهذا النهر من هذه البلاد التي يمرّ بها إلّا خوارزم لأنه يستقبل عنها، ثم ينحدر من خوارزم حتى ينصب في بحيرة تعرف ببحيرة خوارزم، وهي بحيرة بينها وبين خوارزم ستة أيام، وهو في موضع أعرض من دجلة، وقد شاهدته وركبت فيه ورأيته جامدا، وكيفية جموده أنه إذا اشتدّ البرد وقوي كلبه جمد أوّلا قطعا ثم تسري تلك القطع على وجه الماء فكلما ماسّت واحدة الأخرى التصقت بها ولا تزال تعظم حتى يعود جيحون كله قطعة واحدة، ولا يزال ذلك الجامد يثخن حتى يصير ثخنه نحو خمسة أشبار وباقي الماء تحته جار، فيحفر أهل خوارزم فيه آبارا بالمعاول حتى يخرقوه إلى الماء الجاري ثم يستقوا منه الماء لشربهم ويحملوه في الجرار إلى منازلهم فلا يصل إلى المنزل إلّا وقد جمد نصفه في بواطن الجرّة، فإذا استحكم جمود هذا النهر عبرت عليه القوافل والعجل بالبقر، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق حتى رأيت الغبار يتطاير عليه كما يكون في البوادي، ويبقى على ذلك نحو شهرين فإذا انكسرت سورة البرد تقطّع قطعا كما بدأ في أول مرة إلى أن يعود إلى حالته الأولى، وتظلّ السفن في مدة جماده ناشبة فيه لا حيلة لهم في اقتلاعها منه إلى أن يذوب، وأكثر الناس يبادرون برفعها إلى البر قبل الجماد، وهو يسمى نهر بلخ مجازا لأنه يمر بأعمالها، فأما مدينة بلخ فإن أقرب موضع منه إليها مسيرة اثني عشر فرسخا.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
18-معجم البلدان (عرينة)
عُرَيْنَةُ:بلفظ تصغير عرنة، قال أبو عمرو الشيباني:
الظّمخ واحدته ظمخة، وهو العرن واحدته عرنة:
شجرة على صورة الدّلب يقطع منه خشب القصّارين ويدبغ به أيضا، وعرينة: موضع ببلاد فزارة، وقيل: قرى بالمدينة، وعرينة: قبيلة من العرب، وقرأت بخط العبدري في فتوح الشام لأبي حذيفة ابن معاذ بن جبل قال في كلام له طويل: واجتمع رأي الملإ الأكابر منّا أن يأكلوا قرى عرينة ويعبدوا الله حتى يأتيهم اليقين، وقال في موضع آخر في بعثة أبي بكر عمرو بن العاص إلى الشام ممدّا لأبي عبيدة: وجعل عمرو بن العاص يستنفر من مرّ به من البوادي وقرى عربية، ضبط في الموضعين بفتح العين والراء والباء الموحدة وياء شديدة.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
19-معجم البلدان (الكلاب)
الكُلابُ:بالضم، وآخره باء موحدة، علم مرتجل غير منقول، وقال أبو زياد: الكلاب واد يسلك بين ظهري ثهلان، وثهلان: جبل في ديار بني نمير لاسم موضعين أحدهما اسم ماء بين الكوفة والبصرة، وقيل:
ماء بين جبلة وشمام على سبع ليال من اليمامة وفيه كان الكلاب الأوّل والكلاب الثاني من أيّامهم المشهورة، واسم الماء قدة، وقيل قدّة، بالتخفيف والتشديد، وإنّما سمي الكلاب لما لقوا فيه من الشرّ، قال أبو عبيدة: والكلاب عن يمين شمام وجبلة، وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم، وكان أعلاه وأخوفه لأنّه يلي اليمين من اليمن، وقال آخر: بل الذي يلي العراق كان أخوفه من أجل ربيعة والملك الذي عمل بهم ما عمل، فأما الكلاب الأوّل فإن الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار وهو جدّ امرئ القيس الشاعر كان قد ملك الحيرة في أيّام قباذ الملك لدخوله في دين المزدكية الذي دعا إليه قباذ ونفى النعمان عنها واشتغل بالحيرة عمّا كان يراعيه من أمور البوادي فتفاسدت القبائل من نزار فأتاه أشرافهم وشكوا إليه ما نزل بهم ففرّق أولاده في قبائل العرب فملّك حجرا على بني أسد وغطفان، وملّك ابنه شرحبيل على بكر بن وائل بأسرها وعلى بني حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم، وملّك ابنه معدي كرب المسمّى بغلفاء على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد ابن زيد مناة بن تميم، وملّك ابنه سلمة على قيس جميعا، وبقوا على ذلك إلى أن مات أبوهم فتداعت القبائل وتخزّبت فوقعت حرب بين شرحبيل وأصحابه وأخيه سلمة بن الحارث بالكلاب ومع كل واحد ممن تقدّم ذكره من قبائل نزار فقتل شرحبيل وانهزم
أصحابه، وقال امرؤ القيس:
«أرانا موضعين لأمر غيب *** ونسحر بالطّعام وبالشراب»
«عصافير وذبّان ودود *** وأجرأ من مجلّحة الذّئاب»
«فبعض اللّوم عاذلتي فإنّي *** ستكفيني التّجارب وانتسابي»
«إلى عرق الثرى وشجت عروقي، *** وهذا الموت يسلبني شبابي»
«ونفسي سوف يسلبها وجرمي *** فيلحقني وشيكا بالتراب»
«ألم أنض المطيّ بكلّ خرق *** أمقّ الطّول لمّاع السّراب»
«وأركب في اللهام المجر حتى *** أنال مآكل القحم الرّغاب»
«وكلّ مكارم الأخلاق صارت *** إليه همّتي وبه اكتسابي»
«فقد طوّفت في الآفاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالإياب»
«أبعد الحارث الملك بن عمرو *** وبعد الخير حجر ذي القباب»
«أرجّي من صروف الدّهر لينا *** ولم تغفل عن الصّمّ الهضاب»
«وأعلم أنّني عمّا قليل *** سأنشب في شبا ظفر وناب»
«كما لاقى أبي حجر وجدّي، *** ولا أنسى قتيلا بالكلاب»
وفيه قتل أخوهما السفّاح، ظمّأ خيله حتى وردن جبّ الكلاب، والسفاح: هو مسلمة بن خالد بن كعب من بني حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، وفي ذلك اليوم سمي السفّاح لأنّه كان يسفح ما في أسقية أصحابه، وقال: لا ماء لكم دون الكلاب فقاتلوا عنه وإلّا فموتوا حرارا، فكان ذلك سبب الظفر، وقال جابر بن حنيّ التغلبي:
«وقد زعمت بهراء أنّ رماحنا *** رماح نصارى لا تخوض إلى الدم»
«فيوم الكلاب قد أزالت رماحنا *** شرحبيل إذ آلى أليّة مقسم»
«لينتزعن أرماحنا، فأزاله *** أبو حنش عن ظهر شقّاء صلدم»
«تناوله بالرّمح ثمّ انثنى له *** فخرّ صريعا لليدين وللفم»
وزعموا أن أبا حنش عصم بن النعمان هو الذي قتل شرحبيل، وإيّاه عنى الأخطل بقوله:
«أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا *** قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا»
وأمّا الكلاب الثاني فكان بين بني سعد والرباب، والرياسة من بني سعد لمقاعس ومن الرباب لتيم، وكان رأس الناس في آخر ذلك اليوم قيس بن عاصم، وبين بني الحارث بن كعب وقبائل اليمن، قتل فيه عبد يغوث بن صلاءة الحارثي بعد أن أسر، فقال وهو مأسور القصيدة المشهورة، فمنها:
«أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن *** نداماي من نجران أن لا تلاقيا»
«أبا كرب والأيهمين كليهما *** وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا»
«وتضحك مني شيخة عبشميّة *** كأن لم تر قبلي أسيرا يمانيا»
«أقول وقد شدّوا لساني بنسعة: *** معاشر تيم أطلقوا عن لسانيا»
والكلاب أيضا: اسم واد بثهلان لبني العرجاء من بني نمير فيه نخل ومياه.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
20-معجم البلدان (مكة)
مَكَّةُ:بيت الله الحرام، قال بطليموس: طولها من جهة المغرب ثمان وسبعون درجة، وعرضها ثلاث وعشرون درجة، وقيل إحدى وعشرون، تحت نقطة السرطان، طالعها الثريّا، بيت حياتها الثور، وهي في الإقليم الثاني، أما اشتقاقها ففيه أقوال، قال أبو بكر بن الأنباري: سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين أي تذهب نخوتهم، ويقال إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا مصه مصّا شديدا، وسميت بكة لازدحام الناس بها، قاله أبو عبيدة وأنشد:
«إذا الشريب أخذته أكّه *** فخلّه حتى يبكّ بكّه»
ويقال: مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت، وقال آخرون: مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا:
ما هذا بضربة لازب ولازم، وقال أبو القاسم: هذا الذي ذكره أبو بكر في مكة وفيها أقوال أخر نذكرها لك، قال الشرقيّ بن القطاميّ: إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول لا يتم حجّنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمكّ فيه أي نصفر صفير المكّاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها، والمكّاء، بتشديد الكاف: طائر يأوي الرياض، قال أعرابيّ ورد الحضر فرأى مكّاء يصيح فحنّ إلى بلاده فقال:
«ألا أيّها المكّاء ما لك ههنا *** ألاء ولا شيح فأين تبيض»
«فاصعد إلى أرض المكاكي واجتنب *** قرى الشام لا تصبح وأنت مريض»
والمكاء، بتخفيف الكاف والمد: الصفير، فكأنهم كانوا يحكون صوت المكّاء، ولو كان الصفير هو الغرض لم يكن مخفّفا، وقال قوم: سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكّوك، والمكوك عربيّ أو معرب قد تكلمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء، قال
«والمكاكيّ والصّحاف من الف *** ضّة والضامرات تحت الرحال»
قال وأما قولهم: إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ما في ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا فغلط في التأويل لا يشبّه مص الفصيل الناقة بازدحام الناس وإنما هما قولان: يقال سميت مكة لازدحام الناس فيها، ويقال أيضا: سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم: امتكّ الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبا شديدا فلم يبق فيها شيئا، وهذا قول أهل اللغة، وقال آخرون: سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه، وقال الشرقيّ: روي أن بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مرّ من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى، وقال آخرون: بكة موضع البيت وما حول البيت مكة، قال: وهذه خمسة أقوال في مكة غير ما ذكره ابن الأنباري، وقال عبيد الله الفقير إليه: ووجدت أنا أنها سمّيت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه، وقيل: إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئا، وقيل: سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه، وينشد قول بعضهم:
«يا مكة الفاجر مكي مكّا، *** ولا تمكّي مذحجا وعكّا»
وروي عن مغيرة بن إبراهيم قال: بكة موضع البيت وموضع القرية مكة، وقيل: إنما سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضا، وعن يحيى بن أبي أنيسة قال: بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله، وقال زيد بن أسلم: بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى وهو بطن الوادي الذي ذكره الله تعالى في سورة الفتح، ولها أسماء غير ذلك، وهي: مكة وبكة والنسّاسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة لأنها تحطم من استخفّ بها، وسمّي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة، والرأس لأنها مثل رأس الإنسان، والحرم وصلاح والبلد الأمين والعرش والقادس لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر، والمقدسة والناسّة والباسّة، بالباء الموحدة، لأنها تبسّ أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم، وكوثى باسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار، والمذهب في قول بشر بن أبي خازم:
وما ضمّ جياد المصلّى ومذهب
وسماها الله تعالى أم القرى فقال: لتنذر أم القرى ومن حولها، وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، وقال تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ بهذا البلد، وقال تعالى: وليطّوّفوا بالبيت العتيق، وقال تعالى: جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِيامًا لِلنَّاسِ، 5: 97 وقال تعالى على لسان إبراهيم، عليه السّلام:
رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، 14: 35 وقال تعالى أيضا على لسان إبراهيم، عليه السلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي
زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ 14: 37 (الآية)، ولما خرج رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من مكة وقف على الحزورة قال: إني لأعلم أنك أحبّ البلاد إليّ وأنك أحب أرض الله إلى الله ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت، وقالت عائشة، رضي الله عنها: لولا
«يا حبّذا مكة من وادي، *** أرض بها أهلي وعوّادي»
«أرض بها ترسخ أوتادي، *** أرض بها أمشي بلا هادي»
ولما قدم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
«كلّ امرئ مصبّح في أهله، *** والموت أدنى من شراك نعله»
وكان بلال إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال:
«ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة *** بفخّ وعندي إذخر وجليل؟»
«وهل أردن يوما مياه مجنّة، *** وهل يبدون لي شامة وطفيل؟»
اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة! ووقف رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عام الفتح على جمرة العقبة وقال:
والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إليّ ولو لم أخرج ما خرجت، إنها لم تحلّ لأحد كان قبلي ولا تحلّ لأحد كان بعدي وما أحلّت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ولا يحتش خلالها ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد، فقال رجل:
يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال، صلّى الله عليه وسلّم: إلا الإذخر، وقال، صلى الله عليه وسلم: من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام، ووجد على حجر فيها كتاب فيه: أنا الله رب بكة الحرام وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزال أخشابها مبارك لأهلها في الحمإ والماء، ومن فضائله أنه من دخله كان آمنا ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله فإذا خرج منه أقيمت عليه الحدود، ومن أحدث فيه حدثا أخذ بحدثه، وقوله تعالى: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا، وقوله: لتنذر أم القرى ومن حولها، دليل على فضلها على سائر البلاد، ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ولم يؤدّ أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما، وكان أهله آمنين يغزون الناس ولا يغزون ويسبون ولا يسبون ولم تسب قرشيّة قط فتوطأ قهرا ولا يجال عليها السّهام، وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم:
«أبوا دين الملوك فهم لقاح *** إذا هيجوا إلى حرب أجابوا»
وقال الزّبر قان بن بدر لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل وتناول قريشا:
«أتدري من هجوت أبا حبيب *** سليل خضارم سكنوا البطاحا»
«أزاد الركب تذكر أم هشاما *** وبيت الله والبلد اللّقاحا؟»
وقال حرب بن أميّة ودعا الحضرميّ إلى نزول مكة وكان الحضرمي قد حالف بني نفاثة وهم حلفاء حرب ابن أميّة وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم وكان يكنّى أبا مطر فقال حرب:
«أبا مطر هلمّ إلى الصلاح *** فيكفيك الندامى من قريش»
«وتنزل بلدة عزّت قديما، *** وتأمن أن يزورك ربّ جيش»
«فتأمن وسطهم وتعيش فيهم، *** أبا مطر هديت، بخير عيش»
ألا ترى كيف يؤمّنه إذا كان بمكة؟ ومما زاد في فضلها وفضل أهلها ومباينتهم العرب أنهم كانوا حلفاء متألفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم، عليه السلام، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف ولا كمن لا يوقره دين ولا يزينه أدب، وكانوا يختنون أولادهم ويحجون البيت ويقيمون المناسك ويكفنون موتاهم ويغتسلون من الجنابة، وتبرأوا من الهربذة وتباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت غيرة وبعدا من المجوسية، ونزل القرآن بتوكيد صنيعهم وحسن اختيارهم، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلّقون ثلاثا ولذلك قال عبد الله بن عباس وقد سأله رجل عن طلاق العرب فقال: كان الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم هو أحق بها فإن طلّقها ثنتين فهو أحق بها أيضا فإن طلقها ثلاثا فلا سبيل له إليها، ولذلك قال الأعشى:
«أيا جارتي بيني فإنك طالقه، *** كذاك أمور الناس غاد وطارقه»
«وبيني فقد فارقت غير ذميمة، *** وموموقة منّا كما أنت وامقه»
«وبيني فإنّ البين خير من العصا *** وأن لا تري لي فوق رأسك بارقه»
ومما زاد في شرفهم أنهم كانوا يتزوجون في أي القبائل شاءوا ولا شرط عليهم في ذلك ولا يزوجون أحدا حتى يشرطوا عليه بأن يكون متحمسا على دينهم يرون أن ذلك لا يحلّ لهم ولا يجوز لشرفهم حتى يدين لهم وينتقل إليهم، والتّحمّس: التشدّد في الدين، ورجل أحمس أي شجاع، فحمّسوا خزاعة ودانت لهم إذ كانت في الحرم وحمّسوا كنانة وجديلة قيس وهم فهم وعدوان ابنا عمرو بن قيس بن عيلان وثقيفا لأنهم سكنوا الحرم وعامر بن صعصعة وإن لم يكونوا من ساكني الحرم فإن أمّهم قرشية وهي مجد بنت تيم بن مرّة، وكان من سنّة الحمس أن لا يخرجوا أيام الموسم إلى عرفات إنما يقفون بالمزدلفة، وكانوا لا يسلأون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة ولا يغزلون صوفا ولا وبرا ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم وأن يخلّوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم إما شرى وإما عارية وإما هبة فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك إلا أن المرأة كانت تطوف في درع مفرّج المقاديم والمآخير، قالت امرأة وهي تطوف بالبيت:
«اليوم يبدو بعضه أو كلّه، *** وما بدا منه فلا أحلّه»
«أخثم مثل القعب باد ظلّه *** كأنّ حمّى خيبر تملّه»
وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة وصدرا من أيام قريش، فلولا أنهم أمنع حيّ من العرب لما أقرّتهم العرب على هذا العزّ والإمارة مع نخوة العرب في إبائها كما أجلى قصيّ خزاعة وخزاعة جرهما، فلم تكن عيشتهم عيشة العرب، يهتبدون الهبيد ويأكلون الحشرات وهم الذين هشموا الثريد حتى قال فيهم الشاعر:
«عمرو العلى هشم الثريد لقومه، *** ورجال مكة مسنتون عجاف»
حتى سمي هاشما، وهذا عبد الله بن جدعان التيمي يطعم الرّغو والعسل والسمن ولبّ البرّ حتى قال فيه أمية بن أبي الصّلت:
«له داع بمكة مشمعلّ، *** وآخر فوق دارته ينادي»
«إلى ردح من الشّيزى ملاء *** لباب البرّ يلبك بالشّهاد»
وأول من عمل الحريرة سويد بن هرميّ، ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم:
«وعلمتم أكل الحرير وأنتم *** أعلى عداة الدهر جدّ صلاب»
والحريرة: أن تنصب القدر بلحم يقطّع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق فإن لم يكن لحم فهو عصيدة وقيل غير ذلك، وفضائل قريش كثيرة وليس كتابي بصددها، ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويطوفون فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت فيحفى به في طريقه ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلّون له تشبيها له بأصنام البيت، وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفا منهم بأصنام الحرم، وقد ذكرت كثيرا من فضائلها في ترجمة الحرم والكعبة فأغنى عن الإعادة، وأما رؤساء مكة فقد ذكرناهم في كتابنا المبدإ والمآل وأعيد ذكرهم ههنا لأن هذا الموضع مفتقر إلى ذلك، قال أهل الإتقان من أهل السير: إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه إسماعيل، عليهما السلام، إلى مكة، كما ذكرنا في باب الكعبة من هذا الكتاب، جاءت جرهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عمّ وهما جرهم بن عامر بن سبإ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السّلام، وقطوراء، فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ونكح إسماعيل في جرهم، فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض ابن عمرو، وخرجت قطوراء من أجياد وهي أسفل مكة وعليهم السّميدع، فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا لأن قطوراء افتضحت فيه، وسميت أجياد أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل، وسميت فعيقعان لقعقعة السلاح، ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور فسمي المطابخ، قالوا: ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلا ظهروا عليهم بدينهم، ثم إن جرهما
بغوا بمكة فاستحلّوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى النّسّاسة لا تقرّ ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته فكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن غسان وخزاعة حلولا حول مكة فآذنوهم بالقتال فاقتتلوا فجعل الحار
«لا همّ إنّ جرهما عبادك، *** الناس طرف وهم تلادك»
فغلبتهم خزاعة على مكة ونفتهم عنها، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر:
«كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر»
«ولم يتربّع واسطا فجنوبه *** إلى السرّ من وادي الأراكة حاضر»
«بلى، نحن كنّا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي والجدود العواثر»
«وأبدلنا ربي بها دار غربة *** بها الجوع باد والعدوّ المحاصر»
«وكنّا ولاة البيت من بعد نابت *** نطوف بباب البيت والخير ظاهر»
«فأخرجنا منها المليك بقدرة، *** كذلك ما بالناس تجري المقادر»
«فصرنا أحاديثا وكنا بغبطة، *** كذلك عضّتنا السنون الغوابر»
«وبدّلنا كعب بها دار غربة *** بها الذئب يعوي والعدوّ المكاثر»
«فسحّت دموع العين تجري لبلدة *** بها حرم أمن وفيها المشاعر»
ثم وليت خزاعة البيت ثلاثمائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء الخزاعي وقريش إذ ذاك هم صريح ولد إسماعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة حوالي الحرم إلى أن أدرك قصيّ بن كلاب بن مرّة وتزوّج حبّى بنت حليل بن حبشية وولدت بنيه الأربعة وكثر ولده وعظم شرفه ثم هلك حليل بن حبشيّة وأوصى إلى ابنه المحترش أن يكون خازنا للبيت وأشرك معه غبشان الملكاني وكان إذا غاب أحجب هذا حتى هلك الملكاني، فيقال إن قصيّا سقى المحترش الخمر وخدعه حتى اشترى البيت منه بدنّ خمر وأشهد عليه وأخرجه من البيت وتملّك حجابته وصار ربّ الحكم فيه، فقصيّ أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل وذلك في أيام المنذر ابن النعمان على الحيرة والملك لبهرام جور في الفرس، فجعل قصي مكة أرباعا وبنى بها دار النّدوة فلا تزوّج امرأة إلا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرّع جارية إلا فيها، وسميت الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها للخير والشر فكانت قريش تؤدّي الرفادة إلى قصي وهو خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فيصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم، وكانت قبيلة من جرهم اسمها صوفة بقيت بمكة تلي الإجازة بالناس من عرفة مدة، وفيهم يقول الشاعر:
«ولا يريمون في التعريف موقعهم *** حتى يقال أجيزوا آل صوفانا»
ثم أخذتها منهم خزاعة وأجازوا مدة ثم غلبهم عليها بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيّارة أحد بني سعد بن وابش ابن زيد بن عدوان، وله يقول الراجز:
«خلّوا السبيل عن أبي سيّاره *** وعن مواليه بني فزاره»
«حتى يجيز سالما حماره *** مستقبل الكعبة يدعو جاره»
وكانت صورة الإجازة أن يتقدمّهم أبو سيّارة على حماره ثم يخطبهم فيقول: اللهمّ أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا، وأوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم، ثم يقول: أشرق ثبير كيما نغير، ثم ينفذ ويتبعه الناس، فلما قوي أمر قصيّ أتى أبا سيّارة وقومه فمنعه من الإجازة وقاتلهم عليها فهزمهم فصار إلى قصيّ البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء، فلما كبر قصيّ ورقّ عظمه جعل الأمر في ذلك كله إلى ابنه عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصيّ وبقيت قريش على ذلك زمانا، ثم إن عبد مناف رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلّهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر، فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم وهمّوا بالقتال فمشى الأكابر بينهم وتداعوا إلى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكّدا لا ينقضونه ما بلّ بحر صوفة، فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر وأسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة جفنة مملوءة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيبين، وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم مخزوم بن يقظة وجمح وسهم وعدي بن كعب جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسمّوا الأحلاف ولعقة الدم ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، والباقون من المطيّبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك حتى فتح النبي، صلّى الله عليه وسلّم، مكة في سنة ثمان للهجرة فأقرّ المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار وكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أخذ المفاتيح منه عام الفتح فأنزلت: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، فاستدعاه ورد المفاتيح إليه وأقر السقاية في يد العباس فهي في أيديهم إلى الآن، وهذا هو كاف من هذا البحث، وأما صفتها، يعني مكة، فهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جميع النواحي محيطة حول الكعبة، وبناؤها من حجارة سود وبيض ملس وعلوها آجرّ كثيرة الأجنحة من خشب الساج وهي طبقات لطيفة مبيّضة، حارّة في الصيف إلا أن ليلها طيّب وقد رفع الله عن أهلها مؤونة الاستدفاء وأراحهم من كلف الاصطلاء، وكل ما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة وما ارتفع عنه يسمونه المعلاة، وعرضها سعة الوادي، والمسجد في ثلثي البلد إلى المسفلة والكعبة في وسط المسجد، وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء، وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها، وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة، وأما المسافات فمن الكوفة إلى مكة سبع وعشرون مرحلة وكذلك من البصرة إليها ونقصان يومين، ومن دمشق إلى مكة شهر، ومن عدن إلى مكة شهر، وله طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد والآخر يأخذ على طريق صنعاء وصعدة ونجران والطائف حتى ينتهي إلى مكة، ولها طريق آخر على البوادي وتهامة وهو أقرب من الطريقين المذكورين أولا على أنها على أحياء
العرب في بواديها ومخالفها لا يسلكها إلا الخواصّ منهم، وأما أهل حضرموت ومهرة فإنهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادّة التي بين عدن ومكة، والمسافة بينهم إلى الأمصار بهذه الجادة من نحو الشهر إلى الخمسين يوما، وأما طريق عمان إلى مكة فهو مثل طريق دمشق صعب السلوك من البوادي والبراري القفر القليلة السكان وإنما طريقهم في البحر إلى جدّة فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلى عدن بعد عليهم وقلّ ما يسلكونه، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاقّ يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم فيه.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
21-موسوعة الفقه الكويتية (أطعمة 2)
أَطْعِمَةٌ -2النَّوْعُ السَّادِسُ: الطَّائِرُ الَّذِي لَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجِيَفَ غَالِبًا:
33- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْغُرَابِ الْأَسْوَدِ الْكَبِيرِ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ.وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَنْعُ الشَّارِعِ الْأَكْلَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَلِيلَ الْمَنْعِ لَيْسَ قَطْعِيًّا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ.وَكِلَا النَّوْعَيْنِ لَا يَأْكُلُ غَالِبًا إِلاَّ الْجِيَفَ، فَهُمَا مُسْتَخْبَثَانِ عِنْدَ ذَوِي الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ النَّسْرُ، لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ سِوَى اللَّحْمِ مِنْ جِيَفٍ وَسِوَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا مِخْلَبٍ صَائِدٍ.
34- وَيَحِلُّ غُرَابُ الزَّرْعِ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الزَّاغُ وَهُوَ غُرَابٌ أَسْوَدُ صَغِيرٌ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ.
وَثَانِيهِمَا: الْغُدَافُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ غُرَابٌ صَغِيرٌ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ، وَكِلَاهُمَا يَأْكُلُ الزَّرْعَ وَالْحَبَّ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ.وَبِحِلِّهِمَا أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
35- وَأَمَّا الْعَقْعَقُ، وَهُوَ غُرَابٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ حَجْمًا، طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِلُّهُ، لِأَنَّهُ يُخْلَطُ فَيَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالْحَبَّ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَخْبَثًا.
36- وَلَيْسَتِ الْعِبْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْأَسْمَاءِ، وَلَا بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَلَا بِالْأَلْوَانِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِنَوْعِ غِذَائِهِ: فَاَلَّذِي لَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجِيَفَ غَالِبًا مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَاَلَّذِي يَخْلِطُ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَاَلَّذِي لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ حَلَالٌ اتِّفَاقًا، هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
37- وَالْمَالِكِيَّةِ أَبَاحُوا الْغِرْبَانَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَدَمُ جَوَازِ آكِلَةِ الْجِيَفِ.
38- وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ الْغِرْبَانِ أَوْ كَرَاهَتِهَا التَّحْرِيمِيَّةِ (إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ) حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَمْسُ فَوَاسِقَ تُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا».وَحَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ».
فَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ أُبِيحَ قَتْلُهُ، وَكَذَا سَائِرُ الْغِرْبَانِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا عُمُومُ لَفْظِ «الْغُرَابِ» فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى.
وَمَا أُبِيحَ قَتْلُهُ فَلَا ذَكَاةَ لَهُ، لِأَنَّ كَلِمَةَ الْقَتْلِ مَتَى أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إِلَى إِزْهَاقِ الرُّوحِ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ اسْتَطَاعَهَا الْإِنْسَانُ، فَلَوْ حَلَّ بِالذَّكَاةِ لَكَانَ إِزْهَاقُ رُوحِهِ بِغَيْرِهَا إِضَاعَةً لِلْمَالِ، وَقَدْ نَهَى- عليه الصلاة والسلام- عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَاسِقًا؟ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَرِهَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الْحِدَاءِ وَالْغُرَابِ حَيْثُ سَمَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَوَاسِقِ الدَّوَابِّ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ.
39- وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ إِبَاحَةَ الْقَتْلِ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} الْآيَةَ.وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُرَابَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ، فَيَكُونُ مُبَاحَ الْأَكْلِ.
40- وَحُجَّةُ مَنِ اسْتَثْنَى إِبَاحَةَ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ مِنَ الْغِرْبَانِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا وَصْفُ الْغُرَابِ بِالْأَبْقَعِ أَشْعَرَتْ أَنَّ الْغُرَابَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِصِفَةٍ تُوجِبُ خُبْثَهُ، وَقَدْ لُوحِظَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ كَوْنُهُ لَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجِيفَةَ غَالِبًا، فَحُمِلَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِالْأَبْقَعِ مَا مَاثَلَهُ وَهُوَ الْغُدَافُ الْكَبِيرُ.وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَقْعَقِ تَبَعًا لِاخْتِلَافِ أَنْظَارِهِمْ فِي كَوْنِهِ يُكْثِرُ مِنْ أَكْلِ الْجِيفَةِ أَوْ لَا يُكْثِرُ.
النَّوْعُ السَّابِعُ: كُلُّ طَائِرٍ ذِي دَمٍ سَائِلٍ، وَلَيْسَ لَهُ مِخْلَبٌ صَائِدٌ، وَلَيْسَ أَغْلَبُ أَكْلِهِ الْجِيَفَ:
41- وَذَلِكَ كَالدَّجَاجِ، وَالْبَطِّ، وَالْإِوَزِّ، وَالْحَمَامِ مُسْتَأْنَسًا وَمُتَوَحِّشًا، وَالْفَوَاخِتِ، وَالْعَصَافِيرِ، وَالْقَبَجِ، وَالْكُرْكِيِّ، وَالْخُطَّافِ، وَالْبُومِ، وَالدُّبْسِيِّ، وَالصُّلْصُلِ، وَاللَّقْلَقِ، وَاللِّحَامِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ، وَالْخُفَّاشِ (الْوَطْوَاطِ).
فَكُلُّ هَذَا مَأْكُولٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
42- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِبَاحَةِ هَذَا النَّوْعِ كُلِّهِ وَلَوْ جَلاَّلَةً فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ، إِلاَّ الْخُفَّاشُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ فِيهِ الْكَرَاهَةُ، وَقِيلَ بِكَرَاهَةِ الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ».وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْخُطَّافِ أَيْضًا، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْكَرَاهَةَ فِيهِ بِمَا يُعَشِّشُ فِي الْبُيُوتِ احْتِرَامًا لِمَنْ عُشِّشَ عِنْدَهُ.
43- وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي فِي هَذَا النَّوْعِ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِقَتْلِهِ، وَمَا نَهَى عَنْ قَتْلِهِ، وَمَا اسْتُخْبِثَ، وَيَحِلُّ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّطْبِيقِ: فَالرَّخَمَةُ وَالْخُفَّاشُ وَاللَّقْلَقُ وَالْخُطَّافُ وَالسِّنُونُو تَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالْبُغَاثَةُ تَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْبَبَّغَاءُ وَالطَّاوُوسُ يَحْرُمَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِخُبْثِ غِذَائِهِمَا، وَيَحِلاَّنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالْأَخْيَلُ، وَيُسَمَّى: الشَّقْرَاقَ يَحْرُمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِخُبْثِهِ، وَيَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَأَبُو زُرَيْقٍ، وَيُسَمَّى: الدِّرْبَابَ أَوِ الْقَيْقَ، نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِخُبْثِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَحِلُّ.
وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ يَحْرُمَانِ فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمَا.
وَيَحْرُمُ الْعَقْعَقُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ (ر: ف 33).
وَالنَّعَامَةُ، وَالْكُرْكِيُّ، وَالْحُبَارَى، وَالدَّجَاجُ، وَالْبَطُّ، وَالْإِوَزُّ، وَالْغَرَنِيقُ، وَسَائِرُ طُيُورِ الْمَاءِ- سِوَى اللَّقْلَقِ- كُلُّهَا مِمَّا يُؤْكَلُ عَلَى الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا الْحَمَامُ، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ كَالْقَمَرِيِّ، وَالدُّبْسِيِّ، وَالْيَمَامِ، وَالْفَوَاخِتِ، وَالْقَطَا، وَالْحَجَلِ.وَكَذَلِكَ الْعُصْفُورُ
وَكُلُّ مَا عَلَى شَكْلِهِ، كَالْعَنْدَلِيبِ الْمُسَمَّى بِالْهَزَارِ، وَالصَّعْوَةِ، وَالزُّرْزُورِ، حَلَالٌ فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، (كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ فِي بَعْضٍ مِنْهَا عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ).
النَّوْعُ الثَّامِنُ: الْخَيْلُ:
44- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى إِبَاحَةِ الْخَيْلِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عِرَابًا أَمْ بَرَاذِينَ.
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما-، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ».وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنهما- قَالَتْ: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، إِلَى حِلِّ أَكْلِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ.
وَحُجَّتُهُمْ هِيَ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي الْبَابِ وَاخْتِلَافِ السَّلَفِ، فَذَهَبُوا إِلَى كَرَاهَةِ الْخَيْلِ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ فِي أَكْلِهَا تَقْلِيلَ آلَةِ الْجِهَادِ.
45- وَبِنَاءً عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ يُقَرِّرُ الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ سُؤْرَ الْفَرَسِ وَلَبَنَهَا طَاهِرَانِ، لِأَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِ الْخَيْلِ لَيْسَتْ لِنَجَاسَتِهَا، بَلْ لِاحْتِرَامِهَا، لِأَنَّهَا آلَةُ الْجِهَادِ، وَفِي تَوْفِيرِهَا إِرْهَابُ الْعَدُوِّ، كَمَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ إِلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَنَحْوُهُ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ بِالتَّحْرِيمِ، وَبِهِ جَزَمَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْكُولَةً، إِذْ لَوْ كَانَتْ مَأْكُولَةً لَقَالَ: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، كَمَا قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ».
وَلَمَّا كَانَتْ دَلَالَةُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى التَّحْرِيمِ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَتِهَا (تَحْرِيمًا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ الْمَنْعُ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِمَا كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا.
النَّوْعُ التَّاسِعُ: الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ:
46- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ لِلْمَالِكِيَّةِ- إِلَى حُرْمَةِ أَكْلِهِ.وَنَحْوُهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَسَوَاءٌ أَبَقِيَ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ أَمْ تَوَحَّشَ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ، فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ».
وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمْرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ».
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ نَقَلَ تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ طَرِيقِ تِسْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ كَالشَّمْسِ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَيِ التَّنْزِيهِيَّةِ.
47- وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ: إِنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَرِهُوا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ، وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ فِي تَحْرِيمِهَا، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَانَا يَقُولَانِ بِظَاهِرِ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}.تَلَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: مَا خَلَا هَذَا فَهُوَ حَلَالٌ، وَأَنَّ عِكْرِمَةَ وَأَبَا وَائِلٍ لَمْ يَرَيَا بِأَكْلِ الْحُمُرِ بَأْسًا.
وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّ بِشْرًا الْمَرِيسِيَّ قَالَ بِإِبَاحَتِهَا.
وَصَفْوَةُ الْقَوْلِ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ:
(الْأَوَّلُ) التَّحْرِيمُ أَوِ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ.
(وَالثَّانِي) الْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ.
(وَالثَّالِثُ) الْإِبَاحَةُ.
النَّوْعُ الْعَاشِرُ: الْخِنْزِيرُ:
48- الْخِنْزِيرُ حَرَامٌ لَحْمُهُ وَشَحْمُهُ وَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ، لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}.
49- قَالَ الْأَلُوسِيُّ: «خَصَّ اللَّحْمَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ بَقِيَّةَ أَجْزَائِهِ أَيْضًا حَرَامٌ، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَا يُؤْكَلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ كَالتَّابِعِ لَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ الْأَلُوسِيُّ أَنَّهُ خَصَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ بِالذِّكْرِ، مَعَ أَنَّ بَقِيَّةَ أَجْزَائِهِ حَرَامٌ، لِإِظْهَارِ حُرْمَةِ مَا اسْتَطَابُوهُ وَفَضَّلُوهُ عَلَى سَائِرِ اللُّحُومِ وَاسْتَعْظَمُوا وُقُوعَ تَحْرِيمِهِ».
50- وَالضَّمِيرُ فِي قوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}، فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ رَاجِعٌ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إِلَيْهِ وَهُوَ الْخِنْزِيرُ نَفْسُهُ، فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ بِعَيْنِهِ رِجْسٌ، فَهُوَ كُلُّهُ رِجْسٌ وَبَعْضُ الرِّجْسِ رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، فَالْخِنْزِيرُ كُلُّهُ حَرَامٌ، لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ شَعْرُهُ وَلَا غَيْرُهُ.
النَّوْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ: الْحَشَرَاتُ:
51- الْحَشَرَاتُ قَدْ تُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْهَوَامِّ فَقَطْ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى صِغَارِ الدَّوَابِّ كَافَّةً مِمَّا يَطِيرُ أَوْ لَا يَطِيرُ.وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الثَّانِي الْأَعَمُّ.وَالْحَشَرَاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
(أ) مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ (ذَاتِيٌّ) وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: الْحَيَّةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْخُلْدُ، وَالضَّبُّ، وَالْيَرْبُوعُ، وَابْنُ عُرْسٍ، وَالْقُنْفُذُ.
(بِ) مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ (ذَاتِيٌّ) وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: الْوَزَغُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْعَظَاءَةُ، وَالْحَلَزُونُ الْبَرِّيُّ، وَالْعَنْكَبُوتُ، وَالْقُرَادُ، وَالْخُنْفُسَاءُ، وَالنَّمْلُ، وَالْبُرْغُوثُ، وَالْجَرَادُ، وَالزُّنْبُورُ، وَالذُّبَابُ وَالْبَعُوضُ.
52- وَهَذَا التَّقْسِيمُ فِي الْحَشَرَاتِ إِلَى ذَوَاتِ دَمٍ سَائِلٍ وَغَيْرِ سَائِلٍ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي كَوْنِهَا مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ فِي مَوْضُوعِ الْأَطْعِمَةِ هُنَا، وَلَكِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ هُوَ نَجَاسَتُهَا وَطَهَارَتُهَا، فَذَاتُ الدَّمِ السَّائِلِ تَنْجُسُ مَيْتَتُهَا.وَتَتَنَجَّسُ بِهَا الْمَائِعَاتُ الْقَلِيلَةُ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ، وَلِذَلِكَ جُمِعَ النَّوْعَانِ فِي مَوْضُوعِ الْأَطْعِمَةِ هُنَا لِوَحْدَةِ الْحُكْمِ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ جَوَازُ الْأَكْلِ أَوْ عَدَمِهِ.
وَلَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنَ الْجَرَادِ وَالضَّبِّ وَالدُّودِ حُكْمٌ خَاصٌّ بِكُلٍّ مِنْهَا حَسُنَ إِفْرَادُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ.
الْجَرَادُ:
53- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى حِلِّ الْجَرَادِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حِلِّهِ الْحَدِيثُ الْقَائِلُ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالطِّحَالُ وَالْكَبِدُ».
- وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَذْكِيَةِ الْجَرَادِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا بُدَّ مِنْ تَذْكِيَتِهِ بِأَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهُ بِتَسْمِيَةٍ وَنِيَّةٍ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ كَرِهُوا ذَبْحَ الْجَرَادِ وَقَطْعَهُ حَيًّا.وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ قَلْيِهِ مَيْتًا دُونَ إِخْرَاجِ مَا فِي جَوْفِهِ، وَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الدُّهْنُ.
وَيَحْرُمُ عِنْدَهُمْ قَلْيُهُ وَشَيُّهُ حَيًّا عَلَى الرَّاجِحِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ التَّعْذِيبِ، وَقِيلَ: يَحِلُّ ذَلِكَ فِيهِ كَمَا يَحِلُّ فِي السَّمَكِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ حَيَاةَ الْجَرَادِ مُسْتَقِرَّةٌ لَيْسَتْ كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ، بِخِلَافِ السَّمَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنَّ حَيَاتَهُ كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ.
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَلْيِهِ وَشَيِّهِ حَيًّا، فَذَهَبُوا إِلَى مِثْلِ الْقَوْلِ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ إِبَاحَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا تَعْذِيبٌ، لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَاجَةِ، فَإِنَّ حَيَاتَهُ قَدْ تَطُولُ فَيَشُقُّ انْتِظَارُ مَوْتِهِ.
الضَّبُّ:
54- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الضَّبِّ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ.قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَنْظُرُ».
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى تَحْرِيمِهِ، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ: أَنَّهُمْ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ فِي إِحْدَى الْغَزَوَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ الصَّحَابَةُ ضِبَابًا فَحَرَشُوهَا وَطَبَخُوهَا، فَبَيْنَمَا كَانَتِ الْقُدُورُ، تَغْلِي بِهَا عَلِمَ بِذَلِكَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَهُمْ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ فَأَلْقُوا بِهَا».
وَاعْتَبَرَ الْجُمْهُورُ مَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِهِ مَنْسُوخًا، لِأَنَّ حَدِيثَ الْإِبَاحَةِ مُتَأَخِّرٌ، لِأَنَّهُ حَضَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ.
وَمِمَّنْ كَرِهَ الضَّبَّ مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُمَا تَحْرِيمِيَّةً، وَهَذَا عِنْدَئِذٍ يَتَّفِقُ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا تَعَارُضُ أَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا احْتِيَاطًا.
الدُّودُ:
55- تَنَاوَلَتْ كُتُبُ الْفِقْهِ تَفْصِيلَاتٍ عَنِ الدُّودِ إِيجَازُهَا فِيمَا يَلِي: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ دُودَ الزُّنْبُورِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ أَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ، فَإِنْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ.وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْجُبْنِ أَوِ الْخَلِّ أَوِ الثِّمَارِ بِدُودِهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ مَاتَ الدُّودُ وَنَحْوُهُ فِي طَعَامٍ وَتَمَيَّزَ عَنِ الطَّعَامِ أُخْرِجَ مِنْهُ وُجُوبًا، فَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ، وَلَا يُطْرَحُ الطَّعَامُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْهُ، لِأَنَّ مَيْتَتَهُ طَاهِرَةٌ.
وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِأَنِ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ وَتَهَرَّى طُرِحَ الطَّعَامُ، لِعَدَمِ إِبَاحَةِ نَحْوِ الدُّودِ الْمَيِّتِ بِهِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا، فَيُلْقَى لِكَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ دَابَّةٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الدُّودُ غَيْرَ الْمُتَمَيِّزِ قَلِيلًا.
وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فِي الطَّعَامِ جَازَ أَكْلُهُ مَعَهُ.
هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الدُّودُ وَنَحْوُهُ تَوَلَّدَ فِي الطَّعَامِ (أَيْ عَاشَ وَتَرَبَّى فِيهِ)، سَوَاءٌ أَكَانَ فَاكِهَةً أَمْ حُبُوبًا أَمْ تَمْرًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَكْلُهُ مَعَهُ عِنْدَهُمْ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، مَاتَ فِيهِ أَوْ لَا، تَمَيَّزَ أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَلْحَظُونَ فِيهِ حِينَئِذٍ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَحِلُّ أَكْلُ الدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ فِي طَعَامٍ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ:
الْأُولَى: - أَنْ يُؤْكَلَ مَعَ الطَّعَامِ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، فَإِنْ أُكِلَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَحِلَّ.
الثَّانِيَةُ: - أَلاَّ يُنْقَلَ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ نُقِلَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ.وَهَاتَانِ الشَّرِيطَتَانِ مَنْظُورٌ فِيهِمَا أَيْضًا إِلَى مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ.
الثَّالِثَةُ: - أَلاَّ يُغَيِّرَ طَعْمَ الطَّعَامِ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ إِنْ كَانَ مَائِعًا، فَإِنْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ، لِنَجَاسَتِهِ حِينَئِذٍ.
وَيُقَاسُ عَلَى الدُّودِ السُّوسُ الْمُتَوَلِّدُ فِي نَحْوِ التَّمْرِ وَالْبَاقِلَاءِ إِذَا طُبِخَا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا لَمْ يُغَيِّرِ الْمَاءَ.
وَكَذَا النَّمْلُ إِذَا وَقَعَ فِي الْعَسَلِ وَنَحْوِهِ فَطُبِخَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْبَاقِلَاءِ الْمُدَوَّدِ: تَجَنُّبُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْ فَأَرْجُو.وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ: لَا بَأْسَ بِهِ.وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ أُتِيَ بِتَمْرٍ عَتِيقٍ فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ».قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهُوَ أَحْسَنُ.
بَقِيَّةُ الْحَشَرَاتِ:
56- لِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ بَقِيَّةِ الْحَشَرَاتِ، مَا عَدَا الْجَرَادَ وَالضَّبَّ، وَالدُّودَ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ:
الْأَوَّلُ: - حُرْمَةُ أَصْنَافِ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا، لِأَنَّهَا تُعَدُّ مِنَ الْخَبَائِثِ لِنُفُورِ الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ مِنْهَا.وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ.
الثَّانِي: - حِلُّ أَصْنَافِهَا كُلِّهَا لِمَنْ لَا تَضُرُّهُ.وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، لَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْحِلِّ تَذْكِيَتَهَا: فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ذُكِّيَتْ كَمَا يُذَكَّى الْجَرَادُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ذُكِّيَتْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ أَمَامِ الْعُنُقِ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْفَأْرِ إِذَا عُلِمَ وُصُولُهُ إِلَى النَّجَاسَةِ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وُصُولُهُ إِلَيْهَا فَهُوَ مُبَاحٌ.
الثَّالِثُ: - التَّفْصِيلُ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ أَصْنَافِهَا دُونَ بَعْضٍ: فَالشَّافِعِيَّةُ: قَالُوا بِإِبَاحَةِ الْوَبَرِ، وَأُمِّ حُبَيْنٍ، وَالْيَرْبُوعِ، وَابْنِ عُرْسٍ، وَالْقُنْفُذِ.أَمَّا أُمُّ حُبَيْنٍ فَلِشَبَهِهَا بِالضَّبِّ، وَأَمَّا الْبَقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَخْبَثَةٍ.
وَالْحَنَابِلَةُ خَالَفُوا الشَّافِعِيَّةَ فِي الْقُنْفُذِ وَابْنِ عُرْسٍ، فَقَالُوا بِحُرْمَتِهِمَا، وَلَهُمْ رِوَايَتَانِ فِي الْوَبَرِ وَالْيَرْبُوعِ أَصَحُّهُمَا الْإِبَاحَةُ.
النَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ: الْمُتَوَلِّدَاتُ، وَمِنْهَا: الْبِغَالُ:
57- يُقْصَدُ بِالْمُتَوَلِّدَاتِ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ.وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ حَلَالَيْنِ.وَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مُحَرَّمَيْنِ أَوْ مَكْرُوهَيْنِ تَحْرِيمًا.وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا بِلَا خِلَافٍ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَالثَّانِي حَلَالٌ مَعَ الْإِبَاحَةِ أَوْ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ.وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الصِّنْفِ: الْبِغَالُ.وَفِي حُكْمِهَا تَفْصِيلٌ:
58- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْبَغْلَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُتَوَلِّدَاتِ يَتْبَعُ أَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ.وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ هَذِهِ التَّبِيعَةَ إِنَّمَا هِيَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّوَلُّدِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ.وَعَلَى هَذَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ كَلْبَةً دُونَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا نَزَا عَلَيْهَا كَلْبٌ فَإِنَّهَا تَحِلُّ، لِعَدَمِ الْيَقِينِ بِتَوَلُّدِهَا مِنْ كَلْبٍ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْخِلْقَةُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ تَرْكَهَا.
وَحُجَّتُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ يَتْبَعُ أَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ، أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُمَا فَيَجْتَمِعُ فِيهِ حِلٌّ وَحُرْمَةٌ، فَيُغَلَّبُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا.وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي، أَوِ الْحَاظِرُ وَالْمُبِيحُ، غُلِّبَ جَانِبُ الْمَانِعِ الْحَاظِرِ احْتِيَاطًا.
59- وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْبِغَالُ تَابِعَةٌ لِلْأُمِّ، فَالْبَغْلُ الَّذِي أُمُّهُ أَتَانٌ (حِمَارَةٌ) يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِهِ تَحْرِيمًا تَبَعًا لأُِمِّهِ، وَاَلَّذِي أُمُّهُ فَرَسٌ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيهِ الْخَيْلُ: فَيَكُونُ مَكْرُوهًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُبَاحًا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ.فَلَوْ فُرِضَ تَوَلُّدُهُ بَيْنَ حِمَارٍ وَبَقَرَةٍ، أَوْ بَيْنَ حِصَانٍ وَبَقَرَةٍ فَهُوَ مُبَاحٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْحَنَفِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، تَبَعًا لأُِمِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمَا يُقَالُ فِي الْبِغَالِ يُقَالُ فِي كُلِّ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَالتَّبَعِيَّةُ لِلْأُمِّ هِيَ الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَيُعْرَفُ مِنَ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَاشِيَتِهِ لِابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ وَلَوْ وَلَدَتِ الْمَأْكُولَةُ مَا صُورَتُهُ صُورَةُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ ذِئْبًا فَإِنَّهُ يَحِلُّ.
60- وَالْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا يَقُولُونَ بِقَاعِدَةِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ فِي الْحُكْمِ مَعَ بَعْضِ اخْتِلَافٍ: فَهُمْ يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِأَلاَّ يَأْتِيَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ عَلَى صُورَةِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنَّهُ عِنْدَئِذٍ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُمُّ مُبَاحَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ خِنْزِيرًا.وَكَذَلِكَ لَا يُجَوِّزُونَ أَكْلَ مُبَاحٍ وَلَدَتْهُ مُحَرَّمَةٌ، كَشَاةٍ مِنْ أَتَانٍ (وَفْقًا لِلْقَاعِدَةِ) وَلَا عَكْسُهُ أَيْضًا، كَأَتَانٍ مِنْ شَاةٍ (عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ) وَلَكِنَّ هَذَا الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى صُورَةِ الْمُبَاحِ إِذَا نَسَلَ يُؤْكَلُ نَسْلُهُ عِنْدَهُمْ حَيْثُ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمُبَاحِ، لِبُعْدِهِ عَنْ أُمِّهِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْبَغْلِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّحْرِيمُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.وَثَانِيهِمَا: الْكَرَاهَةُ دُونَ تَفْرِيقٍ أَيْضًا بَيْنَ كَوْنِ أُمِّهِ فَرَسًا أَوْ أَتَانًا، اعْتِمَادًا عَلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى فِي خُصُوصِ الْبَغْلِ غَيْرِ قَاعِدَةِ التَّوَلُّدِ.
61- وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْبَغْلَ يَتْبَعُ أُمَّهُ أَنَّهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا: حِلًّا، وَحُرْمَةً، وَكَرَاهَةً، فَيَبْقَى هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَ خُرُوجِهِ اسْتِصْحَابًا.
وَحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ أَوِ الْكَرَاهَةَ التَّحْرِيمِيَّةَ.مِنَ الْكِتَابِ قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}.فَقَدْ بَيَّنَتِ الْآيَةُ مَزَايَاهَا أَنَّهَا رَكَائِبُ وَزِينَةٌ، وَسَكَتَتْ عَنِ الْأَكْلِ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ.
وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَعْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ- لُحُومَ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَلُحُومَ الْبِغَالِ، وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ».
وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ».
وَحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ هِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَبَيْنَ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} فَقَالُوا: إِنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةٌ، عَمَلًا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَيْسَتْ وَاضِحَةَ الْإِبَاحَةِ لِلْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْأَحَادِيثِ، فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}.
وَقَالَ أَيْضًا: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا فَصْلَ تَحْرِيمَ الْبَغْلِ، فَهُوَ حَلَالٌ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْحِمَارِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ قَوْلٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مُنْذُ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ هُوَ مُغَايِرٌ لِلْحِمَارِ، وَلَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ.
النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: كُلُّ حَيَوَانٍ لَمْ يَعْرِفْهُ الْعَرَبُ فِي أَمْصَارِهِمْ:
62- الْمُرَادُ بِهَذَا النَّوْعِ مَا كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ مِنْ قَبْلُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي أَمْصَارِهِمْ وَأَشْبَهَ مَا اسْتَطَابُوهُ أَوِ اسْتَخْبَثُوهُ.
فَمَا كَانَ مُشَبَّهًا لِمَا اسْتَطَابُوهُ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ.وَمَا كَانَ مُشَبَّهًا لِمَا اسْتَخْبَثُوهُ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} أَيْ مَا اسْتَطَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، لِأَنَّهُ هُمُ السَّائِلُونَ الَّذِينَ وُجِّهَ إِلَيْهِمُ الْجَوَابُ.وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} أَيْ مَا اسْتَخْبَثُوهُ، فَاَلَّذِينَ تُعْتَبَرُ اسْتِطَابَتُهُمْ وَاسْتِخْبَاثُهُمْ إِنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَخُوطِبُوا بِهِ أَوَّلًا.وَالْمُعْتَبَرُ مِنْهُمْ أَهْلُ الْأَمْصَارِ لَا أَهْلُ الْبَوَادِي، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْكُلُونَ لِلضَّرُورَةِ مَا يَجِدُونَ مَهْمَا كَانَ.
فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَيَوَانِ فِي أَمْصَارِ الْحِجَازِ يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ مَا يُشْبِهُهُ فِي بِلَادِهِمْ.فَإِنْ أَشْبَهَ مَا اسْتَطَابُوهُ حَلَّ، وَإِنْ أَشْبَهَ مَا اسْتَخْبَثُوهُ حَرُمَ.وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا مِمَّا عِنْدَهُمْ حَلَّ، لِدُخُولِهِ تَحْتَ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الْآيَةَ.
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.وَصَرَّحَ بِنَحْوِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ اخْتِلَافَاتٍ يَسِيرَةٍ تُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كُتُبِهِمْ.
63- وَالْمَالِكِيَّةُ يُحِلُّونَ كُلَّ مَا لَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
فَالْمَالِكِيَّةُ لَا يَعْتَبِرُونَ اسْتِطَابَةَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَلَا اسْتِخْبَاثَهُمْ وَلَا الْمُشَابَهَةَ أَسَاسًا فِي تَفْسِيرِ الطَّيِّبَاتِ.
وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مَجْمُوعُ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ التَّالِيَةِ، هِيَ قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، وَقَوْلُهُ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَمِنْهَا يُعْرَفُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ الْأُولَى، فَيَبْقَى مَا سِوَاهُ دَاخِلًا فِي عُمُومِهَا الْمُبِيحِ.
مَا يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لِسَبَبٍ عَارِضٍ:
64- هُنَاكَ حَالَاتٌ عَارِضَةٌ تَجْعَلُ بَعْضَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا أَكْلُهَا شَرْعًا، وَلَوْ ذُكِّيَتِ التَّذْكِيَةَ الْمَقْبُولَةَ شَرْعًا.فَإِذَا زَالَتْ أَسْبَابُ الْحُرْمَةِ أَوِ الْكَرَاهَةِ الْعَارِضَةِ عَادَ الْحَيَوَانُ حَلَالًا دُونَ حَرَجٍ.
هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ مِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ، وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ نَفْسِهِ، وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِهِمَا مَعًا.وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:
أَسْبَابُ التَّحْرِيمِ الْعَارِضَةِ:
أ- الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ:
65- هَذَا سَبَبٌ يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ، فَحَالَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ تُجْعَلُ مِنَ الْمَحْظُورِ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدُ حَيَوَانِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ، مَا دَامَ الشَّخْصُ مُحْرِمًا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إِحْرَامِهِ.فَإِذَا قَتَلَ حَيَوَانًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ صَيْدًا، أَوْ أَمْسَكَهُ فَذَبَحَهُ، كَانَ كَالْمَيْتَةِ حَرَامُ اللَّحْمِ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُحْرِمِ نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ اصْطَادَهُ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ أَوْ خَارِجَهُ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الْآيَةَ.
66- وَالْمُرَادُ بِحَيَوَانِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْحَيَوَانُ الْمُتَوَحِّشُ الْمُمْتَنِعُ، أَيْ غَيْرُ الْآهِلِ كَالظِّبَاءِ وَالْحَمَامِ.
أَمَّا الْآهِلُ كَالدَّوَاجِنِ مِنَ الطُّيُورِ، وَالْأَنْعَامِ مِنَ الدَّوَابِّ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ.وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الْمَائِيُّ حَلَالٌ مُطْلَقًا، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}.وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ.
ب- وُجُودُ حَيَوَانِ الصَّيْدِ فِي نِطَاقِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ:
67- وَيَشْمَلُ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَالْأَرْضَ الْمُحِيطَةَ بِهَا إِلَى الْحُدُودِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَحْكَامِ الْحَجِّ، وَالْمَعْرُوفَةَ بِحُدُودِ الْحَرَمِ.وَهَذَا سَبَبٌ يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ فِي حِمَايَةِ الْحَرَمِ الْآمِنِ.فَكُلُّ حَيَوَانٍ مِنْ حَيَوَانِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْمَأْكُولِ يَقْطُنُ فِي نِطَاقِ الْحَرَمِ، أَوْ يَدْخُلُ فِيهِ دُونَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ امْتِلَاكٌ سَابِقٌ، فَإِنَّهُ إِذَا قُتِلَ أَوْ ذُبِحَ أَوْ عُقِرَ كَانَ لَحْمُهُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ، وَلَوْ كَانَ قَاتِلُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْمَكَانِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}،
وَبِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ».
هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
22-موسوعة الفقه الكويتية (الجحفة)
الْجُحْفَةُالتَّعْرِيفُ:
1- الْجُحْفَةُ مَوْضِعٌ عَلَى الطَّرِيقِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَكَانَ اسْمُهَا مَهْيَعَةَ، أَوْ مَهِيعَةَ، فَأَجْحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا فَسُمِّيَتْ جُحْفَةً، وَبِمَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِهَا الْآنَ إِلاَّ رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا إِلاَّ سُكَّانُ الْبَوَادِي، فَلِذَا اخْتَارَ النَّاسُ الْإِحْرَامَ احْتِيَاطًا مِنَ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِرَابِغٍ الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مَكَّةَ وَقَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ.وَهِيَ أَحَدُ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهَا لِقَاصِدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ مُحْرِمًا، وَقَدْ جُمِعَتْ فِي قَوْلِهِ:
عِرْقُ الْعِرَاقِ يَلَمْلَمُ الْيَمَنِ
وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ يُحْرِمُ الْمَدَنِي
لِلشَّامِ جُحْفَةٌ إِنْ مَرَرْتَ بِهَا
وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ فَاسْتَبِنِ
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ وَمَوْطِنُ الْبَحْثِ:
2- أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْجُحْفَةَ مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ ((((لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ»
وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ الْكَلَامَ حَوْلَ تَجَاوُزِهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الْمَوَاقِيتِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
23-موسوعة الفقه الكويتية (ديات 2)
دِيَاتٌ -2د- الْقَتْلُ بِالتَّسَبُّبِ:
27- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالسَّبَبِ مُطْلَقًا، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ فَيُقْتَصُّ مِنَ الْقَاتِلِ فِي بَعْضِ حَالَاتِ التَّسَبُّبِ عِنْدَهُمْ.
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِالْقِصَاصِ فِي حَالَاتٍ أُخْرَى بَلْ قَالُوا بِوُجُوبِ الدِّيَةِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قَتْلٌ بِالتَّسَبُّبِ).
مَا تَجِبُ مِنْهُ الدِّيَةُ: (أُصُولُ الدِّيَةِ):
28- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ، فَتُقْبَلُ إِذَا أُدِّيَتْ مِنْهَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى الْإِبِلِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ أُصُولَ الدِّيَةِ أَيْ مَا تُقْضَى مِنْهُ الدِّيَةُ مِنَ الْأَمْوَالِ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ: الْإِبِلُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ» وَقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ».
فَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ (الْفِضَّةِ) اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ» وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا»
قَالَ النَّفْرَاوِيُّ الْمَالِكِيُّ: صَرْفُ دِينَارِ الدِّيَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، كَدِينَارِ السَّرِقَةِ وَالنِّكَاحِ، بِخِلَافِ دِينَارِ الْجِزْيَةِ وَالزَّكَاةِ فَصَرْفُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا دِينَارُ الصَّرْفِ فَلَا يَنْضَبِطُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الدِّيَةُ مِنَ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه-: (الدِّيَةُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ)، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَكُونُ إِجْمَاعًا مَعَ أَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إِلاَّ سَمَاعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ»
وَلِأَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَنِصَابَ الذَّهَبِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ، وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ، وَهَكَذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى زَمَانِ عُمَرَ- رضي الله عنه- فَاسْتَوَيَا.وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ يَرْجِعُ إِلَى سِعْرِ صَرْفِ الدِّينَارِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ أُصُولَ الدِّيَةِ خَمْسَةٌ: الْإِبِلُ وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.وَزَادَ عَلَيْهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ- وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ- الْحُلَلَ، فَتَكُونُ أُصُولُ الدِّيَةِ سِتَّةَ أَجْنَاسٍ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُمَرَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ.فَفَرَضَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مَائِتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَأَيُّ شَيْءٍ أَحْضَرَهُ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مِنَ الْجَانِي أَوِ الْعَاقِلَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ لَزِمَ الْوَلِيَّ أَوِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهَا أُصُولٌ فِي قَضَاءِ الْوَاجِبِ يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْهَا، فَكَانَتِ الْخِيَرَةُ إِلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلُ طَاوُسٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ: إِنَّ الْأَصْلَ فِي الدِّيَةِ الْإِبِلُ لَا غَيْرُ؛ لِقَوْلِهِ: «أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ».
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَرَّقَ بَيْنَ دِيَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَغَلَّظَ بَعْضَهَا وَخَفَّفَ بَعْضَهَا، وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فِي غَيْرِ الْإِبِلِ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ (وَجَبَ) حَقًّا لآِدَمِيٍّ، فَكَانَ مُتَعَيِّنًا كَعِوَضِ الْأَمْوَالِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَهُ إِبِلٌ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْهَا سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ، وَأَيُّهُمَا أَرَادَ الْمَعْدُولُ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَلَا يَعْدِلُ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ أَوْ قِيمَتِهِ إِلاَّ بِتَرَاضٍ مِنَ الْمُودِي وَالْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَيِّنٌ فِي الْإِبِلِ فَاسْتُحِقَّتْ كَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتْلَفَةِ.
وَلَوْ عَدِمَتْ إِبِلُ الدِّيَةِ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا مِنْهُ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا، فَالْوَاجِبُ أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الدَّنَانِيرِ أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِضَّةً عَلَى أَهْلِ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ لِحَدِيثِ: «عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ» وَفِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ تَجِبُ قِيمَتُهَا وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا بِنَقْدِ بَلَدِهِ الْغَالِبِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَيَرْجِعُ إِلَى قِيمَتِهَا عِنْدَ إِعْوَازِ الْأَصْلِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: أَهْلُ الْبَوَادِي مِنْ كُلِّ إِقْلِيمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ إِلاَّ الْخَيْلُ وَالْبَقَرُ فَلَا نَصَّ، وَالظَّاهِرُ تَكْلِيفُهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرَتِهِمْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَقِيلَ: يُكَلَّفُونَ قِيمَةَ الْإِبِلِ.
مِقْدَارُ الدِّيَةِ:
أَوَّلًا: مِقْدَارُ الدِّيَةِ فِي النَّفْسِ:
أ- دِيَةُ الذَّكَرِ الْحُرِّ:
29- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ دِيَةَ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ هِيَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْحُلَلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهَا.
دِيَةُ الْأُنْثَى
30- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ دِيَةَ الْأُنْثَى الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ هِيَ نِصْفُ دِيَةِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ- رضي الله عنهم-.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ؛ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ».وَلِأَنَّهَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْمِيرَاثِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُلِ فَكَذَلِكَ فِي الدِّيَةِ.
وَهَذَا فِي دِيَةِ النَّفْسِ، أَمَّا فِي دِيَةِ الْأَطْرَافِ وَالْجُرُوحِ فَاخْتَلَفُوا: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ أَطْرَافِ وَجِرَاحِ الرَّجُلِ أَيْضًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- قَالَ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا.وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ تَخْتَلِفُ دِيَتُهُمَا فِي النَّفْسِ فَاخْتَلَفَتْ فِي الْأَطْرَافِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تُسَاوِي الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِي دِيَةِ الْأَطْرَافِ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ.فَإِذَا بَلَغَتِ الثُّلُثَ رَجَعَتْ إِلَى عَقْلِهَا، فَإِذَا قَطَعَ لَهَا ثَلَاثَ أَصَابِعَ فَلَهَا ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ كَالرَّجُلِ، وَإِذَا قَطَعَ لَهَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ نِصْفَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ: أَيْ تَأْخُذُ عِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ- رضي الله عنهم-، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا».وَهُوَ نَصٌّ يُقَدَّمُ عَلَى مَا سِوَاهُ.
دِيَةُ الْخُنْثَى
31- إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ وَنِصْفُ دِيَةِ أُنْثَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الذُّكُورِيَّةَ وَالْأُنُوثِيَّةَ، وَقَدْ يَئِسْنَا مِنِ انْكِشَافِ حَالِهِ فَيَجِبُ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا بِكِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قُتِلَ خَطَأً وَجَبَتْ دِيَةُ الْمَرْأَةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إِلَى التَّبَيُّنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى فِي الدِّيَةِ فَيَجِبُ فِي قَتْلِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهَا.
دِيَةُ الْكَافِرِ
32- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا دِيَةَ لِلْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا عِصْمَةَ لَهُ.
أَمَّا الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الدِّيَةِ فِيهِمَا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ دِيَةَ الْكِتَابِيِّ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ»، وَفِي لَفْظٍ: «دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ».
وَوَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ».وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنهم-، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَهَذَا فِي دِيَةِ النَّفْسِ.قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَدِيَةُ جِرَاحِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَذَلِكَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ جِرَاحِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: جِرَاحَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَاتِهِمْ كَجِرَاحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَاتِهِمْ.وَتُغَلَّظُ دِيَاتُهُمْ بِاجْتِمَاعِ الْحُرُمَاتِ عِنْدَ مَنْ يَرَى تَغْلِيظَ دِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّ- كِتَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ- وَالْمُسْتَأْمَنَ وَالْمُسْلِمَ فِي الدِّيَةِ سَوَاءٌ وَهَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ- رضي الله عنهم-.
فَلَا يَخْتَلِفُ قَدْرُ الدِّيَةِ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِتَكَافُؤِ الدِّمَاءِ، وَذَلِكَ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}.أَطْلَقَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْقَوْلَ بِالدِّيَةِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ.
وَرُوِيَ «أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ قَتَلَ مُسْتَأْمَنَيْنِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِيهِمَا بِدِيَةِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ».وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما- قَضَيَا فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ بِمِثْلِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ كَمَالِ الدِّيَةِ يَعْتَمِدُ عَلَى كَمَالِ حَالِ الْقَتْلِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهِيَ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِصْمَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: دِيَةُ كُلٍّ مِنَ الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ إِذَا كَانَ لَهُ أَمَانٌ وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ نَفْسًا وَغَيْرَهَا، وَدِيَةُ الْوَثَنِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ إِذَا كَانَ لَهُمَا أَمَانٌ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَمِثْلُ الْمَجُوسِيِّ عَابِدُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالزِّنْدِيقُ مِمَّنْ لَهُ أَمَانٌ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُفْعَلُ بِلَا تَوْقِيفٍ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ فَدَمُهُ هَدَرٌ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الذُّكُورِ، أَمَّا الْإِنَاثُ مِنَ الْكُفَّارِ اللَّوَاتِي لَهُمْ أَمَانٌ فَدِيَتُهُنَّ نِصْفُ دِيَةِ الذُّكُورِ مِنْهُمُ اتِّفَاقًا.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ.
دِيَةُ الْجَنِينِ
33- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا انْفِصَالُ الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ مَيِّتًا هُوَ غُرَّةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ بِالضَّرْبِ أَمْ بِالتَّخْوِيفِ أَمِ الصِّيَاحِ أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً، وَلَوْ مِنَ الْحَامِلِ نَفْسِهَا أَوْ مِنْ زَوْجِهَا.لِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ».
وَالْغُرَّةُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا، وَلَا تَخْتَلِفُ الْغُرَّةُ بِذُكُورَةِ الْجَنِينِ وَأُنُوثَتِهِ، فَهِيَ فِي كِلَيْهِمَا سَوَاءٌ (ر: غُرَّة).
وَأَمَّا جَنِينُ الْكِتَابِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ مِمَّنْ لَهُنَّ أَمَانٌ إِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ جَنِينَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مَضْمُونٌ بِعُشْرِ دِيَةِ أُمِّهِ فَكَذَلِكَ جَنِينُ الْكَافِرَةِ.
وَهَذَا إِذَا أَلْقَتْهُ نَتِيجَةً لِلْجِنَايَةِ مَيِّتًا فِي حَيَاتِهَا.
أَمَّا إِذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً ثُمَّ مَاتَ نَتِيجَةً لِلْجِنَايَةِ: كَأَنْ مَاتَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مُبَاشَرَةً أَوْ دَامَ أَلَمُهُ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ قَتْلُ إِنْسَانٍ حَيٍّ.
وَإِذَا أَلْقَتْهُ نَتِيجَةً؛ لِلْجِنَايَةِ عَلَيْهَا مَيِّتًا بَعْدَ مَوْتِهَا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: فِي الْأُمِّ الدِّيَةُ، وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهَا سَبَبٌ لِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَنِقُ بِمَوْتِهَا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَتَنَفَّسُ بِنَفَسِهَا، وَاحْتُمِلَ مَوْتُهُ بِالضَّرْبَةِ فَلَا تَجِبُ الْغُرَّةُ بِالشَّكِّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَنِينٌ تَلِفَ بِحِنَايَةٍ، وَعُلِمَ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي حَيَاتِهَا، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَوْرُوثٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ أُمِّهِ كَمَا لَوْ خَرَجَ حَيًّا.وَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ مَيِّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ غُرَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ آدَمِيٍّ فَتَتَعَدَّدُ الْغُرَّةُ بِتَعَدُّدِهِ كَالدِّيَاتِ.
وَإِنْ أَلْقَتْهُمْ أَحْيَاءَ ثُمَّ مَاتُوا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ حَيًّا فَمَاتَ، وَبَعْضُهُمْ مَيِّتًا، فَفِي الْحَيِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي الْمَيِّتِ غُرَّةٌ.
وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَلَمْ يَخْرُجْ بَاقِيهِ فَفِيهِ غُرَّةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ حَتَّى تُلْقِيَهُ كَامِلًا.
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ أَلْقَتْ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَمَاتَتْ فَتَجِبُ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ بِوُجُودِ الْجَنِينِ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْيَدَ بَانَتْ بِالْجِنَايَةِ، وَلَوْ عَاشَتْ وَلَمْ تُلْقِ جَنِينًا فَلَا يَجِبُ إِلاَّ نِصْفُ غُرَّةٍ، كَمَا أَنَّ يَدَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ فِيهَا إِلاَّ نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يُضْمَنُ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الزَّائِدِ حُكُومَةٌ، وَلَوْ أَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ جَنِينًا مَيِّتًا بِلَا يَدٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ مِنَ الْأُمِّ فَغُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَدَ مُبَانَةٌ مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ، أَوْ حَيًّا فَمَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ فَدِيَةٌ وَدَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْيَدِ، فَإِنْ عَاشَ وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ فَنِصْفُ دِيَةٍ لِلْيَدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدِ الْقَوَابِلُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ فَنِصْفُ غُرَّةٍ لِلْيَدِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ، أَوْ أَلْقَتْهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ أُهْدِرَ الْجَنِينُ لِزَوَالِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ، وَوَجَبَ لِلْيَدِ الْمُلْقَاةِ قَبْلَهُ إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا نِصْفُ غُرَّةٍ، أَوْ حَيًّا وَمَاتَ أَوْ عَاشَ فَنِصْفُ دِيَةٍ إِنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ، وَإِنِ انْفَصَلَ بَعْدَ إِلْقَاءِ الْيَدِ مَيِّتًا كَامِلَ الْأَطْرَافِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَفِي الْيَدِ حُكُومَةٌ، أَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ مَيِّتًا فَغُرَّةٌ فَقَطْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْيَدَ الَّتِي أَلْقَتْهَا كَانَتْ زَائِدَةً لِهَذَا الْجَنِينِ وَانْمَحَقَ أَثَرُهَا، أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ لَا غُرَّةٌ، وَإِنْ عَاشَ فَحُكُومَةٌ، وَتَأَخُّرُ الْيَدِ عَنِ الْجَنِينِ إِلْقَاءٌ كَتَقَدُّمٍ؛ لِذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ، وَكَذَا لَحْمٌ أَلْقَتْهُ امْرَأَةٌ بِحِنَايَةٍ عَلَيْهَا يَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ إِذَا قَالَ الْقَوَابِلُ وَهُنَّ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِنَّ فَلَا يَعْرِفُهَا سِوَاهُنَّ لِحِذْقِهِنَّ، وَنَحْوُهُ لِلْحَنَابِلَةِ.
ثَانِيًا- الِاعْتِدَاءُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ
مُوجِبَاتُ الدِّيَةِ فِي الِاعْتِدَاءِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، وَهِيَ إِبَانَةُ الْأَطْرَافِ، وَإِتْلَافُ الْمَعَانِي، وَالشِّجَاجُ وَالْجُرُوحُ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: إِبَانَةُ الْأَطْرَافِ: (قَطْعُ الْأَعْضَاءِ):
34- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ فِي قَطْعِ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ كَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ وَالصُّلْبِ إِذَا انْقَطَعَ الْمَنِيُّ، وَمَسْلَكِ الْبَوْلِ، وَمَسْلَكِ الْغَائِطِ دِيَةً كَامِلَةً.
وَمَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْبَدَنِ مِنْهُ شَيْئَانِ كَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِيَيْنِ إِذَا ذَهَبَ شَعْرُهُمَا نِهَائِيًّا وَلَمْ يَنْبُتْ، وَالثَّدْيَيْنِ، وَالْحَلَمَتَيْنِ، وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَالشُّفْرَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَالْأَلْيَتَيْنِ إِذَا تَلِفَتَا مَعًا فَفِيهِمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ: وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَمَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، كَأَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ وَالْأَجْفَانِ فَفِيهَا الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ، وَمَا فِيهِ مِنْهُ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ، كَأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فَفِي جَمِيعِهَا الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ، وَمَا فِي الْأَصَابِعِ مِنَ الْمَفَاصِلِ (السَّلَامِيَّاتِ) فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ، وَنِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ فِيمَا فِيهَا مَفْصِلَانِ وَهِيَ الْإِبْهَامُ خَاصَّةً، وَفِي جَمِيعِ الْأَسْنَانِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ.وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا وَرَدَ فِي «الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةَ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةَ»
فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْبَاقِي دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ.
وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ إِذَا فُوِّتَ جِنْسُ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِتْلَافَ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ، إِذِ النَّفْسُ لَا تَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَإِتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْآدَمِيِّ تَعْظِيمًا لَهُ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ.
وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
أَوَّلًا- دِيَةُ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ مِنَ الْأَعْضَاءِ.
أ- دِيَةُ الْأَنْفِ:
35- الْأَنْفُ إِذَا قُطِعَ كُلُّهُ أَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مِنْهُ (وَهُوَ مَا لَانَ مِنَ الْأَنْفِ وَخَلَا مِنَ الْعَظْمِ) فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: «وَإِنَّ فِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةَ».وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً زَالَتَا بِالْقَطْعِ فَوَجَبَتِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ.
ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: فِي قَطْعِ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيِ الْمَارِنِ الْمُسَمَّيَيْنِ بِالْمَنْخِرَيْنِ، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ تَوْزِيعًا لِلدِّيَةِ عَلَيْهَا.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْحَاجِزِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَفِيهِمَا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ وَكَمَالَ الْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا دُونَ الْحَاجِزِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَا نَقَصَ مِنَ الْأَنْفِ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ مِنَ الدِّيَةِ، وَالنَّقْصُ يُقَاسُ مِنَ الْمَارِنِ، لَا مِنَ الْأَصْلِ.
ب- دِيَةُ اللِّسَانِ:
36- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ فِي قَطْعِ اللِّسَانِ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ إِذَا اسْتُوعِبَ قَطْعًا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهم-.وَوَرَدَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً.أَمَّا الْجَمَالُ فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الْجَمَالِ فَقَالَ: فِي اللِّسَانِ» وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَإِنَّ بِهِ تُبَلَّغُ الْأَغْرَاضُ وَتُسْتَخْلَصُ الْحُقُوقُ وَتُقْضَى الْحَاجَاتُ وَتَتِمُّ الْعِبَادَاتُ، وَالنُّطْقُ يَمْتَازُ بِهِ الْآدَمِيُّ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَبِهِ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِامْتِنَاعِ عَنِ الْكَلَامِ.
وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَلَامِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ بَعْضٍ، تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، فَمَا نَقَصَ مِنَ الْحُرُوفِ وَجَبَ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ، وَقِيلَ: تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ دُونَ الشَّفَةِ وَالْحَلْقِ، فَتُسْتَثْنَى مِنْهَا الْحُرُوفُ الشَّفَوِيَّةُ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْبَاءُ، وَالْمِيمُ، وَالْفَاءُ، وَالْوَاوُ، وَحُرُوفُ الْحَلْقِ وَهِيَ سِتَّةٌ هِيَ: الْهَمْزَةُ، وَالْهَاءُ، وَالْعَيْنُ، وَالْحَاءُ، وَالْغَيْنُ، وَالْخَاءُ، فَتَبْقَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا تَنْقَسِمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ فَإِنْ مَنَعَ جُمْلَةَ الْكَلَامِ فَفِيهِ الدِّيَةُ.وَقَالُوا أَيْضًا: الدِّيَةُ فِي الْكَلَامِ لَا فِي اللِّسَانِ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْ لِسَانِهِ مَا يَنْقُصُ مِنْ حُرُوفِهِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْتَسَبُ فِي الْكَلَامِ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، فَرُبَّ حَرْفٍ أَثْقَلُ مِنْ حَرْفٍ فِي النُّطْقِ، وَلَكِنْ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا نَقَصَ مِنَ الْكَلَامِ. قَطْعُ لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالصَّغِيرِ:
37- لَا دِيَةَ فِي قَطْعِ لِسَانِ الْأَخْرَسِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بَلْ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْكَلَامُ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ فَصَارَ كَالْيَدِ الشَّلاَّءِ.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِقَطْعِهِ الذَّوْقُ، وَإِلاَّ تَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ إِزَالَةِ الْمَنَافِعِ، أَمَّا إِذَا قُطِعَ لِسَانَ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ لِصِغَرِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ السَّلَامَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْكَلَامَ، فَوَجَبَتْ بِهِ الدِّيَةُ كَالْكَبِيرِ وَيُخَالِفُ الْأَخْرَسَ، فَإِنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ أَشَلُّ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي سَائِرِ أَعْضَاءِ الصَّغِيرِ فَكَذَلِكَ فِي قَطْعِ لِسَانِهِ، وَإِنْ بَلَغَ حَدًّا يَتَكَلَّمُ مِثْلُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَقُطِعَ لِسَانُهُ لَمْ تَجِبِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي لِسَانِ الصَّغِيرِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ لِبُكَاءٍ وَمَصِّ ثَدْيٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهَا أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى سَلَامَةِ اللِّسَانِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ سَلَامَتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.
وَلَمْ نَعْثُرْ لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى نَصٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ج- دِيَةُ الذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ:
38- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ فِي قَطْعِ تَمَامِ الْحَشَفَةِ (رَأْسِ الذَّكَرِ) كَمَا تَجِبُ فِي قَطْعِ الذَّكَرِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِ الذَّكَرِ مِنْ لَذَّةِ الْمُبَاشَرَةِ، وَأَحْكَامِ الْوَطْءِ، وَالْإِيلَادِ، وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهَا تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَالْحَشَفَةُ أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقِ، وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهَا.
وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ الْحَشَفَةِ فَفِيهِ بِحِسَابِهِ مِنَ الدِّيَةِ، وَيُقَاسُ مِنَ الْحَشَفَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الذَّكَرِ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجِبُ بِقِسْطِهِ مِنْ كُلِّ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ.قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يَخْتَلَّ مَجْرَى الْبَوْلِ، فَإِنِ اخْتَلَّ وَلَمْ يَنْقَطِعِ الْبَوْلُ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِسْطِ الدِّيَةِ وَحُكُومَةِ فَسَادِ الْمَجْرَى.أَمَّا إِذَا انْقَطَعَ الْبَوْلُ وَفَسَدَ مَسْلَكُهُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي ذَكَرِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالشَّيْخِ وَالشَّابِّ عَلَى السَّوَاءِ، سَوَاءٌ أَقَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ أَمْ لَمْ يَقْدِرْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِعُمُومِ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِأَهْلِ الْيَمَنِ «وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ» وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّغِيرِ: إِنْ عُلِمَتْ صِحَّتُهُ بِحَرَكَةٍ لِلْبَوْلِ وَنَحْوِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ صِحَّتُهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
أَمَّا ذَكَرُ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ تَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ ذَكَرَ الْخَصِيِّ سَلِيمٌ قَادِرٌ عَلَى الْإِيلَاجِ وَإِنَّمَا الْفَائِتُ الْإِيلَادُ، وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْقَلْبِ وَالْمَنِيَّ فِي الصُّلْبِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا تَكْمُلُ دِيَتُهُمَا لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ الْإِنْزَالُ وَالْإِحْبَالُ وَالْجِمَاعُ وَقَدْ عُدِمَ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهُمَا، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ تَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ فَقَالُوا: إِذَا كَانَ مُعْتَرِضًا عَنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: لُزُومُ الدِّيَةِ، وَقِيلَ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَرِضًا عَنْ بَعْضِ النِّسَاءِ فَفِيهِ الدِّيَةُ اتِّفَاقًا عِنْدَهُمْ.
د- دِيَةُ الصُّلْبِ:
39- صُلْبُ الرَّجُلِ إِذَا انْكَسَرَ وَذَهَبَ مَشْيُهُ أَوْ جِمَاعُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.وَكَذَلِكَ إِذَا انْكَسَرَ وَاحْدَوْدَبَ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ، فَلَمْ يَنْجَبِرْ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ جِمَاعُهُ وَلَا مَشْيُهُ؛ لِمَا وَرَدَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: «مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ فِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ»؛ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهُ، وَفِيهِ جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ، فَوَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَالْأَنْفِ.
وَأَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي كَسْرِ الصُّلْبِ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ مَنَافِعُهُ مِنَ الْمَشْيِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ، وَلَمْ يَنْقَطِعِ الْمَاءُ.
هـ- دِيَةُ إِتْلَافِ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَمَسْلَكِ الْغَائِطِ:
40- تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ فِي إِتْلَافِ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَمَسْلَكِ الْغَائِطِ، وَفِي إِفْضَاءِ الْمَرْأَةِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ، فَيَصِيرُ مَسْلَكُ جِمَاعِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدًا.وَقِيلَ: الْإِفْضَاءُ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَمَخْرَجِ بَوْلٍ، فَيَصِيرُ سَبِيلُ جِمَاعِهَا وَبَوْلِهَا وَاحِدًا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِذْ بِهِ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنَ اللَّذَّةِ، وَلَا تُمْسِكُ الْوَلَدَ وَلَا الْبَوْلَ إِلَى الْخَلَاءِ؛ وَلِأَنَّ مُصِيبَتَهَا أَعْظَمُ مِنَ الْمُصَابَةِ بِالشُّفْرَيْنِ، كَمَا عَلَّلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِفْضَاءِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: فِي الْإِفْضَاءِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَضَى فِيهِ بِذَلِكَ،
وَقَالُوا: إِنِ اسْتَطْلَقَ بَوْلُهَا مَعَ الْإِفْضَاءِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
ثَانِيًا- الْأَعْضَاءُ الَّتِي فِي الْبَدَنِ مِنْهَا اثْنَانِ:
الْأُذُنَانِ:
41- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) إِلَى أَنَّ فِي اسْتِيصَالِ الْأُذُنَيْنِ قَلْعًا أَوْ قَطْعًا كَمَالَ الدِّيَةِ، وَفِي قَلْعِ أَوْ قَطْعِ إِحْدَاهُمَا نِصْفَهَا
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهما-، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «فِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِيهِمَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ، وَفِي قَلْعِهِمَا أَوْ قَطْعِهِمَا تَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ،
وَسَوَاءٌ أَذْهَبَ السَّمْعَ أَمْ لَمْ يُذْهِبْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ سَمِيعًا أَمْ أَصَمَّ؛ لِأَنَّ الصَّمَمَ نَقْصٌ فِي غَيْرِ الْأُذُنِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي دِيَتِهِمَا.
وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ مُخَرَّجٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَجِبُ فِي الْأُذُنَيْنِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إِلاَّ إِذَا ذَهَبَ السَّمْعُ فَفِيهِ دِيَةٌ اتِّفَاقًا.وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: هُوَ أَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ حُكُومَةً مُطْلَقًا.قَالَ الْمَوَّاقُ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
24-موسوعة الفقه الكويتية (صلاة التطوع)
صَلَاةُ التَّطَوُّعِالتَّعْرِيفُ:
1- التَّطَوُّعُ لُغَةً: التَّبَرُّعُ، يُقَالُ: تَطَوَّعَ بِالشَّيْءِ، تَبَرَّعَ بِهِ، وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي الِاصْطِلَاحِ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا شُرِعَ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ.أَوْ مَا كَانَ مَخْصُوصًا بِطَاعَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، أَوْ هُوَ الْفِعْلُ الْمَطْلُوبُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ.وَتَفْصِيلُ الِاصْطِلَاحَاتِ الْفِقْهِيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَطَوُّع).
وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ هِيَ مَا زَادَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ.«لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ السَّائِلِ عَنِ الْإِسْلَامِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقِيلَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ: لَا، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ».
أَنْوَاعُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
2- الْأَصْلُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنْ تُؤَدَّى عَلَى انْفِرَادٍ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ:
مِنْهَا: السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ، وَهِيَ السُّنَنُ التَّابِعَةُ لِلْفَرَائِضِ، وَهِيَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: «وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» وَآكَدُ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ».
حَيْثُ قَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدُّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ».
وَمِنْ هَذِهِ السُّنَنِ مَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَمِنْهَا مَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا، وَفِي ذَلِكَ مَعْنًى لَطِيفٌ مُنَاسِبٌ:
أَمَّا فِي التَّقْدِيمِ فَلِأَنَّ النُّفُوسَ- لِاشْتِغَالِهَا بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا- بَعِيدَةٌ عَنْ حَالِ الْخُشُوعِ وَالْحُضُورِ الَّتِي هِيَ رَوْحُ الْعِبَادَةِ، فَإِذَا قُدِّمَتِ النَّوَافِلُ عَلَى الْفَرَائِضِ أَنِسَتِ النَّفْسُ بِالْعِبَادَةِ.
وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا عَنْهَا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّوَافِلَ جَابِرَةٌ لِنَقْصِ الْفَرَائِضِ، فَإِذَا وَقَعَ الْفَرْضُ نَاسَبَ أَنْ يَقَعَ بَعْدَهُ مَا يُجْبِرُ الْخَلَلَ الَّذِي قَدْ يَقَعُ فِيهِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ: (رَاتِب، وَسُنَن رَوَاتِب).
وَمِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ صَلَوَاتٌ مُعَيَّنَةٌ غَيْرُ السُّنَنِ مَعَ الْفَرَائِضِ وَالتَّطَوُّعَاتِ الْمُطْلَقَةِ وَمِنْهَا:
3- صَلَاةُ الضُّحَى: وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي- صلى الله عليه وسلم- بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ».
انْظُرْ (صَلَاةُ الضُّحَى؛ وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ).
4- صَلَاةُ التَّسْبِيحِ: لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- دَعَاهُ إِلَى صَلَاتِهَا مَرَّةً كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ جُمُعَةٍ، أَوْ كُلَّ شَهْرٍ، أَوْ كُلَّ سَنَةٍ، أَوْ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً».
وَقَالَ أَحْمَدُ عَنْهَا: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَصِحُّ، وَلَمْ يَرَهَا مُسْتَحَبَّةً، وَإِنْ فَعَلَهَا إِنْسَانٌ فَلَا بَأْسَ، فَإِنَّ النَّوَافِلَ وَالْفَضَائِلَ لَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ فِيهَا.
وَأَمْثِلَةُ الصَّلَاةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا كَثِيرَةٌ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ، وَصَلَاةِ الْحَاجَةِ، وَصَلَاةِ التَّوْبَةِ، وَصَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَيِ السَّفَرِ وَغَيْرِهَا فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحَاتِهَا الْخَاصَّةِ.
الْفَرْقُ بَيْنَ أَحْكَامِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَأَحْكَامِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ:
5- صَلَاةُ التَّطَوُّعِ تُفَارِقُ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا:
الصَّلَاةِ جُلُوسًا: يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ خَيْرٌ دَائِمٌ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْقِيَامَ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إِدَامَةُ هَذَا الْخَيْرِ.
أَمَّا الْفَرْضُ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَلَا يَكُونُ فِي إِلْزَامِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَرَجٌ.
الْقِرَاءَةِ: الْقِرَاءَةُ فِي التَّطَوُّعِ تَكُونُ فِيمَا سِوَى الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ مِنَ الْمَكْتُوبَاتِ فَهِيَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِرَاءَة).
الْجُلُوسِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ: الْجُلُوسُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلَاثِيَّةِ فِي الْفَرَائِضِ لَيْسَ بِفَرْضٍ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يَفْسُدُ الْفَرْضُ بِتَرْكِهِ، وَفِي التَّطَوُّعِ اخْتِلَافٌ.انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (صَلَاة).
الْجَمَاعَةُ فِي التَّطَوُّعِ: الْجَمَاعَةُ فِي التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ إِلاَّ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ، وَفِي الْفَرْضِ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ».
انْظُرْ: (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ).
الْوَقْتُ وَالْمِقْدَارُ: التَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ خَاصٍّ، وَلَا مُقَدَّرٍ بِمِقْدَارٍ خَاصٍّ، فَيَجُوزُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ عَلَى أَيِّ مِقْدَارٍ كَانَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَعَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ.
وَالْفَرْضُ مُقَدَّرٌ بِمِقْدَارٍ خَاصٍّ، مُوَقَّتٌ بِأَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِهِ.انْظُرْ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).
النِّيَّةِ: يَتَأَدَّى التَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَلَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ إِلاَّ بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ، انْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي: (نِيَّة).
الصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا: يَجُوزُ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ، أَمَّا أَدَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلَافٍ يُنْظَرُ فِي: (الصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ).
الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا: لَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لقوله تعالى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَالْمُصَلِّي فِيهَا أَوْ عَلَى ظَهْرِهَا غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لَهَا؛ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَقْبِلٌ لِجُزْءٍ مِنْهَا.
وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ إِلاَّ فِي النَّفْلِ لِلْمُسَافِرِ السَّائِرِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا فَيُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلاَّ لِلرَّاكِبِ.
وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ؛ وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِصَلَاةِ النَّفْلِ، فَكَانَ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ كَخَارِجِهَا.وَلَكِنْ النَّافِلَةُ مَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ وَالْمُسَامَحَةِ بِدَلِيلِ صَلَاتِهَا قَاعِدًا وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَفِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَقَدْ «صَلَّى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ».
مَا يُكْرَهُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
6- الْمَكْرُوهُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ نَوْعَانِ.
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْقَدْرِ.
تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي النَّهَارِ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَلِلْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ سِتًّا وَثَمَانِيًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّوَافِلَ شُرِعَتْ تَبَعًا لِلْفَرَائِضِ، وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَلَوْ زِيدَتْ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ لَخَالَفَتِ الْفَرَائِضَ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي اللَّيْلِ، إِلاَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ إِلَى الثَّمَانِي أَوْ إِلَى السِّتِّ مَعْرُوفٌ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنِ «النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، سَبْعَ رَكَعَاتٍ، تِسْعَ رَكَعَاتٍ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً».
وَالثَّلَاثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سُنَّةُ الْفَجْرِ، فَيَبْقَى رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ وَسِتٌّ وَثَمَانٌ، فَيَجُوزُ إِلَى هَذَا الْقَدْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
7- وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ:
قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَلَى هَذَا لَمْ تُرْوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُكْرَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ.قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ وَصْلَ الْعِبَادَةِ بِالْعِبَادَةِ فَلَا يُكْرَهُ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ أَنَّ مُنْتَهَى صَلَاةِ الضُّحَى- عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ- ثَمَانٍ، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَأَوْسَطُهَا سِتٌّ، فَمَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ يُكْرَهُ.
النَّوْعُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْوَقْتِ.
8- فَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ، بَعْضُهَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِيهَا لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ، وَبَعْضُهَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِيهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ: فَأَمَّا الَّذِي يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِيهَا لِمَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى الْوَقْتِ فَهِيَ: مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ وَتَبْيَضَّ.عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَزُولَ.عِنْدَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَهُوَ احْمِرَارُهَا وَاصْفِرَارُهَا إِلَى أَنْ تَغْرُبَ. وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).
9- وَمِنَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا التَّطَوُّعُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ.
وَمِنْهَا مَا بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَبْلَ شُرُوعِهِ بَعْدَمَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ؛ قَضَاءً لِحَقِّ الْجَمَاعَةِ.
وَمِنْهَا وَقْتُ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِتَرْكِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ.
وَمِنْهَا مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهَا وَمَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا انْظُرْ: (تَحِيَّة).
وَمِنْهَا مَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَتَطَوَّعْ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ»، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَنْهَيَانِ النَّاسَ عَنِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ مَسْنُونَةٌ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِالتَّطَوُّعِ تَأْخِيرُهَا، وَلَوِ اشْتَغَلَ بِأَدَاءِ التَّطَوُّعِ فِي بَيْتِهِ يَقَعُ فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكِلَاهُمَا مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ إِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْمُصَلَّى كَيْ لَا يَشْتَبِهَ عَلَى النَّاسِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَأَمَّا فِي بَيْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَطَوَّعُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، لَا فِي الْمُصَلَّى وَلَا فِي بَيْتِهِ، فَأَوَّلُ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ صَلَاةُ الْعِيدِ.
الْأَوْقَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ لِلنَّفْلِ:
10- النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ تُشْرَعُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ وَفِي النَّهَارِ فِيمَا سِوَى أَوْقَاتِ النَّهْيِ، وَتَطَوُّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ التَّهَجُّدِ جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ» وَلِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ».
وَيُسْتَحَبُّ الْوِتْرُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ.وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الْوِتْرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيَفْعَلْهُ فِي أَوَّلِهِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» انْظُرْ: (صَلَاةُ الْوِتْرِ).
الشُّرُوعُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
11- يَلْزَمُ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ- لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وَلِأَنَّ مَا أَدَّاهُ صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ بِلُزُومِ الْبَاقِي.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيمَا لَمْ يَفْعَلْ بَعْدُ، فَلَهُ إِبْطَالُ مَا أَدَّاهُ تَبَعًا.
12- وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ الْمُتَطَوِّعُ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ قِيلَ: لَا يَلْزَمُ بِالِافْتِتَاحِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِعَارِضِ الِاقْتِدَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ:
الْأُولَى- أَنَّ مَنِ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ يَنْوِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ أَرْبَعًا. الثَّانِيَةُ- أَنَّ مَنِ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ يَنْوِي عَدَدًا يَلْزَمُهُ بِالِافْتِتَاحِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلُّزُومِ كَالنَّذْرِ، ثُمَّ يَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ جَمِيعُ مَا تَنَاوَلَهُ كَذَا بِالشُّرُوعِ.
الثَّالِثَةُ- أَنَّ مَنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَزِمَهُ، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ.وَكَذَا فِي السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا إِلاَّ رَكْعَتَانِ، حَتَّى لَوْ قَطَعَهَا قَضَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ نَفْلٌ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ قَضَى أَرْبَعًا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ بِالشُّرُوعِ فَفَرَغَ مِنْهُمَا وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ عَلَى قَصْدِ الْأَدَاءِ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ وَيَبْنِيهِمَا عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمُؤَدَّى صَارَ عِبَادَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُ الرَّكْعَتَيْنِ صِيَانَةً لَهُ عَنِ الْبُطْلَانِ.
الْأَفْضَلُ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
13- أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ فِي النَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ صَلَّى ابْنُ عُمَرَ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّهَارِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ، تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» وَلِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» أَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ رُبَاعِيَّةٌ جَوَازًا لَا تَفْضِيلًا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: النَّوَافِلُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْأَفْضَلُ لِلْمُتَنَفِّلِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، لِخَبَرِ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى».
وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: إِنَّهَا مَثْنَى.مَثْنَى.
وَصَلَاةُ اللَّيْلِ- عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- أَرْبَعٌ، احْتِجَاجًا بِمَا وَرَدَ عَنْ «عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا» وَكَلِمَةُ: (كَانَ) عِبَارَةٌ عَنِ الْعَادَةِ وَالْمُوَاظَبَةِ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُوَاظِبُ إِلاَّ عَلَى أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَأَحَبَّهَا إِلَى اللَّهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ لَا تَجُوزُ إِلاَّ مَثْنَى مَثْنَى، وَالْأَفْضَلُ فِي تَطَوُّعِ النَّهَارِ كَذَلِكَ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ تَطَوَّعَ بِأَرْبَعٍ فِي النَّهَارِ فَلَا بَأْسَ.
مَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
لَيْسَ هُنَاكَ مَا يُفِيدُ تَوْقِيفًا فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَلَكِنْ هُنَاكَ مَا يُفِيدُ نَدْبَ آيَاتٍ أَوْ سُوَرٍ مُعَيَّنَةٍ فِي صَلَوَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ:
الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ:
14- يُسْتَحَبُّ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ التَّخْفِيفُ، وَمِنْ صُوَرِ التَّخْفِيفِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ «النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ عَلَى مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ قَالَتْ: حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؟».
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ مَعَ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ السُّورَتَيْنِ هُمَا: (الْكَافِرُونَ) وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
«وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَمَقْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- شَهْرًا، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ».
وَوَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ مِنْهُمَا: {آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ».
وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أَوْ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} »، فَسُنَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِيَتَحَقَّقَ الْإِتْيَانُ بِالْوَارِدِ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ اخْتِلَافُ قِرَاءَتِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي تَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَوْقِيفَ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ يُسْتَحَبُّ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا الْمَرْءُ حِزْبَهُ مِنَ اللَّيْلِ.
الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ:
15- يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ».
رَكَعَاتُ الْوِتْرِ الثَّلَاثُ:
16- عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُوتِرُ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ».
وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ، وَقَالَتْ: «فِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ».
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الشَّفْعِ: لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ: يُقْرَأُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ؟ قَالَ: وَلِمَ لَا يُقْرَأُ؟، وَذَلِكَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ». التَّحَوُّلُ مِنَ الْمَكَانِ لِلتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَرْضِ:
17- مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ، فَإِنْ كَانَ إِمَامًا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إِمَامٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ تَحَوَّلَ، وَإِنْ شَاءَ تَطَوَّعَ فِي مَكَانِهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّحَوُّلِ بَعْدَ الْفَرْضِ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ بِالْكَلَامِ يَقُومُ مَقَامَ التَّحَوُّلِ.
وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ «السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَنَا بِذَلِكَ».
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا كَانَ يُعْجِبُهُمَا إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَنْ يَتَقَدَّمَ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَإِسْحَاقَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِلْمَأْمُومِ- أَيْضًا- التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ.
وَقَدْ رَوَى عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُصَلِّ الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ».
الْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
18- الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِتَطَوُّعٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. (ر: صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ).
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ سُنَّةٌ فِي الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ، وَكَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ إِلاَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا جَمَاعَةَ فِيهَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ فِيهَا.
وَالْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَالْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ سُنَّةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا مَا عَدَا مَا ذُكِرَ مِمَّا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُصَلَّى عَلَى انْفِرَادٍ لَكِنْ لَوْ صَلَّى جَمَاعَةً جَازَ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا وَكَانَ أَكْثَرُ تَطَوُّعِهِ مُنْفَرِدًا وَصَلَّى بِأَنَسٍ وَأُمِّهِ وَالْيَتِيمِ.
الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
19- يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالنَّوَافِلِ لَيْلًا مَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى مُصَلٍّ آخَرَ، وَالْإِسْرَارُ نَهَارًا.وَإِنَّمَا جَهَرَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِحُضُورِ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى كَيْ يَسْمَعُوهُ فَيَتَعَلَّمُوهُ وَيَتَّعِظُوا بِهِ.وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي: (جَهْرٌ ف 18).
الْوُقُوفُ وَالْقُعُودُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
20- يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ خَيْرٌ دَائِمٌ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْقِيَامَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِدَامَةُ هَذَا الْخَيْرِ.
وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِ طُولُ الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ.
وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً، قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ».
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مَا يُفِيدُ التَّخْيِيرَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، حَيْثُ فَعَلَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- الْأَمْرَيْنِ، كَمَا زَادَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ». وَعَنْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَاعِدٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ».
وَلَوِ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا بَعْدَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ أَيْضًا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَكَذَا إِذَا شَرَعَ قَائِمًا.
وَلَوِ افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا فَأَدَّى بَعْضَهَا قَاعِدًا، وَبَعْضَهَا قَائِمًا أَجْزَأَهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ، فَقَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الْقِيَامِ، وَمِنَ الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ جَوَازِ صَلَاةِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالتَّرَاوِيحِ قَاعِدًا، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَإِذَا لَمْ يُرْوَ خِلَافٌ فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، فَقَدْ رُوِيَ تَفْضِيلُ الْقِيَامِ حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ».وَفِي رِوَايَةٍ «صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ».
الصَّلَاةُ مُضْطَجِعًا:
21- وَأَمَّا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا فَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ الْجَوَازِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ عَلَى افْتِرَاضِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ عَنْهُمَا.
وَقَوْلُ الْجَوَازِ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ: إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ صَلَّى صَلَاةَ التَّطَوُّعِ قَائِمًا أَوْ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: التَّطَوُّعُ مُضْطَجِعًا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يُجَوِّزْهُ إِلاَّ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ صَلَّى مُضْطَجِعًا بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لَفَعَلُوهُ.
حُكْمُ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ:
22- قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ السَّهْوَ فِي التَّطَوُّعِ كَالسَّهْوِ فِي الْفَرِيضَةِ يُشْرَعُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي النَّوَافِلِ كَسَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِي الْمَكْتُوبَةِ.وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ.انْظُرْ: (سُجُودُ السَّهْوِ).
حُكْمُ قَضَاءِ السُّنَنِ:
23- يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ النَّوَافِلِ بَعْدَ وَقْتِهَا الْمُحَدَّدِ لَهَا عَلَى خِلَافٍ لِلْفُقَهَاءِ وَتَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ الْجُوَيْنِيُّ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ: إِنَّ مَا لَا يَجُوزُ التَّقَرُّبُ بِهِ ابْتِدَاءً لَا يُقْضَى كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ وُجُودِ سَبَبِهِمَا، وَمَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِهِ ابْتِدَاءً كَنَافِلَةِ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا، هَلْ تُقْضَى؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي: (قَضَاء).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
25-موسوعة الفقه الكويتية (قائد)
قَائِدٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْقَائِدُ فِي اللُّغَةِ: نَقِيضُ السَّائِقِ، وَقَادَ الرَّجُلُ الْفَرَسَ قَوْدًا مِنْ بَابِ قَالَ، وَقِيَادًا بِالْكَسْرِ وَقِيَادَةً، وَالْقَوْدُ: أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ أَمَامَ الدَّابَّةِ آخِذًا بِقِيَادِهَا أَوْ مِقْوَدِهَا، وَيُقَالُ: قَادَ الْجَيْشَ أَيْ: رَأْسَهُ وَدَبَّرَ أَمْرَهُ، وَالْقَائِدُ: مَنْ يَقُودُ الْجَيْشَ، وَجَمْعُهُ: قَادَةٌ وَقُوَّادٌ، وَالْمَصْدَرُ الْقِيَادَةُ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
السَّائِقُ:
2- السَّوْقُ فِي اللُّغَةِ: أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ خَلْفَ الدَّابَّةِ، يُقَالُ: سُقْتُ الدَّابَّةَ أَسُوقُهَا سَوْقًا، وَسَوْقُ الْإِبِلِ: جَلْبُهَا وَطَرْدُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: سَاقَ الصَّدَاقَ إلَى امْرَأَتِهِ أَيْ حَمَلَهُ إلَيْهَا.
وَمِنْهُ قوله تعالى فِي التَّنْزِيلِ: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} وَالْجَمْعُ سَاقَةٌ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَوَجَّهُ بِالشَّيْءِ إلَى الْأَمَامِ، إلاَّ أَنَّ الْقَائِدَ يَكُونُ فِي الْأَمَامِ وَالسَّائِقَ فِي الْخَلْفِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَائِدِ:
أَوَّلًا: قَائِدُ الْجَيْشِ:
أ- حُكْمُ تَوْلِيَتِهِ وَصِفَاتُهُ:
3- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْجَيْشِ قَائِدًا، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَائِدُ رَجُلًا ثِقَةً فِي دِينِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ شُجَاعًا فِي نَفْسِهِ يَثْبُتُ عِنْدَ الْهَرَبِ، وَيَتَقَدَّمُ عِنْدَ الطَّلَبِ، حَسَنَ الْإِنَابَةِ، ذَا رَأْيٍ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، لِيَسُوسَ الْجَيْشَ عَلَى اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ فِي الطَّاعَةِ، وَتَدْبِيرِ الْحَرْبِ فِي انْتِهَازِ الْفُرَصِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ، وَمَكَائِدِ الْحَرْبِ، وَإِدَارَةِ الْمَعَارِكِ، وَأَنْ يَكُونَ عَادِلًا فِي تَعَامُلِهِ مَعَ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجَيْشِ، لَا يُمَالِئُ مَنْ نَاسَبَهُ، أَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَوْ مَذْهَبَهُ عَلَى مَنْ بَايَنَهُ فِي نَسَبٍ، أَوْ خَالَفَهُ فِي رَأْيٍ، أَوْ مَذْهَبٍ، فَيَظْهَرُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُبَايَنَةِ مَا تَتَفَرَّقُ بِهِ الْكَلِمَةُ الْجَامِعَةُ تَشَاغُلًا بِالتَّقَاطُعِ وَالِاخْتِلَافِ.
ب- مَهَامُّهُ:
4- مَا يُسْنَدُ إلَى قَائِدِ الْجَيْشِ مِنَ الْأَعْمَالِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الْجِهَادِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجَيْشِ، وَتَسْيِيرِهِ وَتَدْبِيرِ الْحَرْبِ، وَتَقْسِيمِ الْغَنَائِمِ وَعَقْدِ الصُّلْحِ، وَإِعْلَانِ الْهُدْنَةِ، وَبَعْثِ السَّرَايَا وَالطَّلَائِعِ، وَعَقْدِ الرَّايَاتِ، وَفَكِّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُئُونِ الْجِهَادِ وَالْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ.
وَإِنْ قَصَرَ تَفْوِيضَهُ بِسِيَاسَةِ الْجَيْشِ وَتَسْيِيرِهِ اقْتَصَرَ عَمَلُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَتَوَلَّى تَسْيِيرَ الطَّلَائِعِ، وَإِرْسَالَ الْجَوَاسِيسِ لِنَقْلِ أَخْبَارِ الْكُفَّارِ إلَيْنَا، كَمَا يَتَوَلَّى بَعْثَ السَّرَايَا، وَعَقْدِ الرَّايَاتِ وَتَعْيِينِ الْأُمَرَاءِ عَلَيْهِمْ، وَأَخْذِ الْبَيْعَةِ لَهُمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْجِهَادِ، وَعَدَمِ الْفِرَارِ وَالطَّاعَةِ.
كَمَا أَنَّ مَنْ حَقِّ الْقَائِدِ أَنْ يُصْدِرَ أَوَامِرَهُ إلَى جَيْشِهِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْجُنُودِ طَاعَةُ أَوَامِرِهِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، إلاَّ مَا كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ لِحَدِيثِ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ».
ج- آدَابُهُ:
5- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ آدَابًا كَثِيرَةً يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا قَائِدُ الْجَيْشِ نُلَخِّصُهَا فِيمَا يَأْتِي:
(1) الرِّفْقُ بِالْجُنُودِ فِي السَّيْرِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَضْعَفُهُمْ وَيَحْفَظُ بِهِ قُوَّةَ أَقْوَاهُمْ، وَلَا يَجِدُّ فِي السَّيْرِ فَيُهْلِكَ الضَّعِيفَ، وَيَسْتَفْرِغَ جَلَدَ الْقَوِيِّ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ.- صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى».
لَكِنْ إنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إلَى الْجَدِّ فِي السَّيْرِ جَازَ لَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- جَدَّ فِي السَّيْرِ جَدًّا شَدِيدًا حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، لِيُشْغِلَ النَّاسَ عَنِ الْخَوْضِ فِي كَلَامِ ابْنِ أُبَيٍّ.
(2) أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهُمْ وَأَحْوَالَ مَا يَمْتَطُونَهُ مِنْ دَوَابَّ وَمَرْكَبَاتٍ، فَيُخْرِجَ مِنْهَا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى السَّيْرِ، وَيَمْنَعَ مَنْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَا يَزِيدُ عَنْ طَاقَتِهَا، كَمَا يَمْنَعُ مَا يُظْهِرُ الْجَيْشَ الْإِسْلَامِيَّ بِمَظْهَرِ الضَّعْفِ وَالْوَهَنِ، لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
(3) أَنْ يُرَاعِيَ أَحْوَالَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، وَهُمْ صِنْفَانِ:
(أ) أَصْحَابُ الدِّيوَانِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَالْجِهَادِ: (الْجُنُودُ النِّظَامِيُّونَ) الَّذِينَ يُفْرَضُ لَهُمُ الْعَطَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
(ب) الْمُتَطَوِّعَةُ، وَهُمُ الْخَارِجُونَ عَنِ الدِّيوَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَعْرَابِ وَسُكَّانِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ، اتِّبَاعًا لقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
(4) أَنْ يُعَرِّفَ عَلَى الْجُنُودِ الْعُرَفَاءَ، وَيُنَقِّبَ عَلَيْهِمُ النُّقَبَاءَ، لِيَعْرِفَ مِنْ عُرَفَائِهِمْ وَنُقَبَائِهِمْ أَحْوَالَهُمْ، وَيَقْرَبُونَ عَلَيْهِ إذَا دَعَاهُمْ، لِفِعْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي مَغَازِيهِ.
(5) أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ إلَيْهِ، لِيَصِيرُوا مُتَمَيِّزِينَ بِهِ، وَبِالِاجْتِمَاعِ فِيهِ مُتَظَافِرِينَ، لِمَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهما- عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ- يَوْمَ بَدْرٍ- يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، وَشِعَارَ الْأَوْسِ يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَمَّى خَيْلَهُ خَيْلَ اللَّهِ».
(6) أَنْ يَتَصَفَّحَ الْجَيْشَ وَمَنْ فِيهِ لِيُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ فِيهِ تَخْذِيلٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِرْجَافٌ لِلْمُجَاهِدَيْنِ، أَوْ عَيْنًا عَلَيْهِمْ لِلْمُشْرِكِينَ.
(7) أَنْ يَحْرُسَ جُنُودَهُ مِنْ غِرَّةٍ وَخُدْعَةٍ يَظْفَرُ بِهَا الْعَدُوُّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَتَبَّعَ الْمَكَامِنَ فَيَحْفَظَهَا عَلَيْهِمْ، وَيُحَوِّطَ أَسْوَارَهُمْ بِحَرَسٍ يَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَرِحَالِهِمْ، لِيَسْكُنُوا فِي وَقْتِ الدَّعَةِ، وَيَأْمَنُوا مَا وَرَاءَهُمْ فِي وَقْتِ الْمُحَارَبَةِ.
(8) أَنْ يَتَخَيَّرَ لِجُنُودِهِ الْمَنَازِلَ لِمُحَارَبَةِ عَدُوِّهِمْ لِيَكُونَ أَعْوَنَ لَهُمْ عَلَى الْمُنَازَلَةِ.
(9) أَنْ يُعِدَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَيْشُ مِنْ زَادٍ وَعَلَفٍ، وَوُقُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِيُوَزَّعَ عَلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتِ الْحَاجَةِ حَتَّى تَسْكُنَ نُفُوسُهُمْ إلَى مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ عَنِ الطَّلَبِ، لِيَكُونُوا عَلَى الْحَرْبِ أَوْفَرَ، وَعَلَى مُنَازَلَةِ الْعَدُوِّ أَقْدَر.
(10) أَنْ يَعْرِفَ أَخْبَارَ عَدُوِّهِ حَتَّى يَقِفَ عَلَيْهِمْ وَيَتَصَفَّحَ أَحْوَالَهُمْ، فَيَأْمَنَ مَكْرَهُمْ، وَيَلْتَمِسَ الْغِرَّةَ فِي الْهُجُومِ عَلَيْهِمْ.
(11) أَنْ يُرَتَّبَ الْجَيْشَ فِي مَصَافِّ الْحَرْبِ، وَأَنْ يُعَوِّلَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَلَى مَنْ يَرَاهُ كُفْئًا لَهَا، وَيُرَاعِيَ كُلَّ جِهَةٍ يَمِيلُ الْعَدُوُّ عَلَيْهَا بِمَدَدٍ يَكُونُ عَوْنًا لَهَا.
(12) أَنْ يُقَوِّيَ نُفُوسَهُمْ بِمَا يُشْعِرُهُمُ الظَّفَرَ، وَيُخَيِّلَ لَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ لِيَقِلَّ الْعَدُوُّ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَيَكُونُوا عَلَيْهِ أَجْرَأ، قَالَ تَعَالَى: {إذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ}.
(13) أَنْ يَعِدَ أَهْلَ الصَّبْرِ وَالْبَلَاءِ مِنْهُمْ بِثَوَابٍ فِي الْآخِرَةِ، وَالنَّفَلِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}.
(14) أَنْ يُشَاوِرَ ذَوِي الرَّأْيِ مِنَ الْجَيْشِ فِيمَا أَعْضَلَ مِنَ الْأُمُورِ، وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِ الْحَزْمِ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ، لِيَأْمَنَ مِنَ الْخَطَأِ، وَيَسْلَمَ مِنَ الزَّلَلِ، فَيَكُونَ مِنَ الظَّفَرِ أَقْرَبَ، لقوله تعالى لِنَبِيِّهِ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} فَقَدْ أَمَرَهُ بِالْمُشَاوَرَةِ مَعَ مَا أَمَدَّهُ مِنَ التَّوْفِيقِ وَأَعَانَهُ مِنَ التَّأْيِيدِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْآخَرُونَ.
(15) أَنْ يَأْخُذَ جَيْشَهُ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهُمْ تَجَوُّزٌ فِي الدِّينِ.
(16) أَنْ لَا يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ جَيْشِهِ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِتِجَارَةٍ، أَوْ زِرَاعَةٍ يَصْرِفُهُ الِاهْتِمَامُ بِهَا عَنْ مُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ.
(17) أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَرْهَبُ، وَلِيَكُونَ قُدْوَةً لِجُنُودِهِ.
(18) أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ: عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
(19) أَنْ يَسْتَنْصِرَ بِضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ». (20) أَنْ يُكَبِّرَ- أَثْنَاءَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ- بِلَا إسْرَافٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ.
(21) أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوَّلَ النَّهَارِ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ.
(22) أَنْ يَعْرِضَ الْإِسْلَامَ عَلَى الْكُفَّارِ قَبْلَ بَدْءِ الْقِتَالِ مَعَهُمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ الدَّعْوَةَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ».
ثَانِيًا: قَائِدُ الدَّابَّةِ:
6- الْأَصْلُ فِي جِنَايَةِ الدَّابَّةِ أَنَّهَا هَدَرٌ، إلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ قَائِدَ الدَّابَّةِ وَرَاكِبَهَا وَسَائِقَهَا إذَا حَصَلَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ أَوْ تَعَدٍّ فِي اسْتِعْمَالِهَا، وَنَتَجَ عَنْ ذَلِكَ جِنَايَةٌ أَوْ إتْلَافٌ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ بِالتَّسْبِيبِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي أَسْوَاقِهِمْ، فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ».
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (ضَمَانٌ ف 104 وَمَا بَعْدَهَا).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
26-إكمال الإعلام بتثليث الكلام (السواد)
السوَاد: الشَّخْص، واللون الْمَعْرُوف، وَمَا حول الْبَلَد من الْبَوَادِي، وَالْجَمَاعَة من النَّاس، وَدم الْقلب، وَعبر بِهِ عَن التَّمْر، وبالبياض عَن اللَّبن فِي قَوْلهم: إِذا كثر السوَاد قل الْبيَاض.والسواد: مصدر ساوده: إِذا فاخره فِي السِّيَادَة.
والسواد (بِالْكَسْرِ وَالضَّم): الْمُنَاجَاة، (وبالضم وَحده): دَاء يُصِيب من أكل التَّمْر، وداء أَيْضا يسود لُحُوم الْغنم، وَأَصله الْهَمْز، والمصاب بِهِ مسؤود.
إكمال الإعلام بتثليث الكلام-محمد بن عبدالله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبدالله، جمال الدين-توفي: 672هـ/1273م
27-المغرب في ترتيب المعرب (قرن-القرن)
(قرن) (الْقَرْنُ) قَرْنُ الْبَقَرَةِ وَغَيْرهَا (وَشَاةٌ قَرْنَاءُ) خِلَاف جَمَّاءَ (وَقَرْنُ الشَّمْسِ) أَوَّلُ مَا يَطْلُعَ مِنْهَا (وَقَرْنَا الرَّأْسِ) فَوْدَاهُ أَيْ نَاحِيَتَاهُ (وَمِنْهُ) قَوْلُهُ مَا بَيْنَ (قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ) وَفِي الْحَدِيثِ [الشَّمْسُ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ] قِيلَ إنَّهُ يُقَابِلُ الشَّمْسَ حِينَ طُلُوعهَا فَيَنْتَصِبَ حَتَّى يَكُونَ طُلُوعُهَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ فَيَنْقَلِبُ سُجُودُ الْكُفَّارِ لِلشَّمْسِ عِبَادَةً لَهُ وَقِيلَ هُوَ مَثَلٌ وَعَنْ الصُّنَابِحِيِّ إنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا (قَرْنُ) الشَّيْطَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا الْحَدِيث قِيلَ هُوَ حِزْبُهُ وَهُمْ عَبَدَةُ الشَّمْسِ فَإِنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لَهَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ (وَالْقَرْنُ) شَعْرُ الْمَرْأَةِ خَاصَّةً وَالْجَمْعُ قُرُونٌ وَمِنْهُ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءَ بِالْقُرُونِ (وَالْقَرْنُ) فِي الْفَرْجِ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ سُلُوكِ الذَّكَرِ فِيهِ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لَحْمَةٌ مُرْتَتِقَةٌ أَوْ عَظْمٌ (وَامْرَأَةٌ قَرْنَاءُ) بِهَا ذَلِكَ (وَالْقَرْنُ) مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى عَرَفَاتٍ قَالَ أَلَمْ تَسْأَلْ الرَّبْعَ أَنْ يَنْطِقَا بِقَرْنِ الْمَنَازِلِ قَدْ أَخَلْقَا وَفِي الصِّحَاحِ بِالتَّحْرِيكِ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَالْقَرَنُ) بِفَتْحَتَيْنِ حَيٌّ مِنْ الْيَمَنِ إلَيْهِمْ يُنْسَبُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ (وَالْقَرَن) الْجَعْبَةُ الصَّغِيرَةُ تُضَمُّ إلَى الْكَبِيرَةِ (وَمِنْهَا) فَاحْتَلَّ قَرَنًا لَهُ وَرُوِيَ فَنَثَلَ أَيْ أَخْرَجَ مَا فِيهِ مِنْ السِّهَامِ (وَالْقَرَنُ) الْحَبْلُ (يُقْرَنُ) بِهِ بَعِيرَانِ (وَالْقَرَنُ) مَصْدَر الْأَقْرَن وَهُوَ الْمَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ (وَالْقِرَانُ) مَصْدَرُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَارِنٌ (وَالْقَرْنَانُ) نَعْتُ سَوْءٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ عَنْ اللَّيْثِ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ أَرَ الْبَوَادِي لَفَظُوا بِهِ وَلَا عَرَفُوهُ (وَمِنْهُ) مَا فِي قَذْفِ الْأَجْنَاس يَا كشخان يَا قَرْنَانِ.
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
28-المعجم الغني (مَطْمُورَةٌ)
مَطْمُورَةٌ- الجمع: (مَطْمُورَاتٌ ). مَطَامِيرُ. [طمر]:1- "مَطْمُورَةُ الحُبُوبِ": حَفِيرَةٌ أَسْفَلُهَا مُوَسَّعٌ تُخْزَنُ فِيهَا الحُبُوبُ.
2- "مَطْمُورَةُ الْمَاءِ": حَفِيرَةٌ تَحْتَ الأَرْضِ، أَسْفَلُهَا مُوَسَّعٌ، تُخْزَنُ فِيهَا مِيَاهُ الأَمْطَارِ فِي البَوَادِي.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
29-معجم الرائد (جمل)
جمل:1- حيوان مجتر يكون ب «سنام»، أي حدبة، أو بسنامين، يتخذ للركوب وللحمه ولبنه وجلده وصوفه.
يكثر وجوده في البوادي.
2- حبل السفينة الغليظ.
الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
30-التعريفات الفقهية (أهل السهل)
أهل السهل: سكان البوادي، وأهلُ المَدَر سكان المدن والقرى.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
31-التعريفات الفقهية (البَيْت)
البَيْت: اسم لمسقَّف واحد له دهليز بخلاف خانه، فإنه اسم لكل مَسْكن صغيرًا كان أو كبيرًا، والبيت من الأبنية ومن الشعر يعني يقع على بيوت المدر وهي لأهل الأمصار وعلى بيوت الشَعر والوبَر وهي لأهل البوادي.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
32-التعريفات الفقهية (المَدَر)
المَدَر: المُدُن والقُرى، لأن بنيانها غالبًا من المَدَر، الحَضَرُ، وخلافه الوبر: أي البدو، وأهلُ المدن أهل البلاد من أهلُ المدن والقرى، وأهلُ السهل: سكانُ البوادي.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
33-لغة الفقهاء (المدر)
المدر: بالتحريك من مدر، الطين اللزج الذي لا يخالطه رمل.[*] المدن والقرى، وأهل المدر: سكان المدن والقرى، أما أهل الوبر فهم سكان البوادي... Cities and villages
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
34-لغة الفقهاء (الوبر)
الوبر: بفتح الواو والباء من دبر (بكسر الباء)، الجمع: أوبار، شعر الجمال والأرانب، وهو كالصوف للغنم.[*] أهل الوبر: أهل البوادي الذين يسكنون الخيام... Nomads
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
35-طِلبة الطلبة (بيت)
(بيت):وَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ أَوْ خَادِمٍ فَلَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ الْبَيْتُ مِنْ الْأَبْنِيَةِ وَمِنْ الشَّعْرِ يَعْنِي يَقَعُ عَلَى بُيُوتِ الْمَدَرِ وَهِيَ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ وَعَلَى بُيُوتِ الشَّعْرِ وَهِيَ لِأَهْلِ الْبَوَادِي وَقَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ الْخَادِمُ وَاحِدُ الْخَدَمِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ النَّعْتُ مِنْ فِعْلِ الْخِدْمَةِ وَلَوْ جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ لَكِنْ جُعِلَ اسْمًا فَلَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ.
طلبة الطلبة-أبوحفص النسفي-توفي: 537هـ/1142م
36-تاج العروس (سرقب)
[سرقب]: ومما يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه: السُّرقُوبُ «بالضَّمِّ»: شَيْءٌ تَسْتَعْمِله النِّسَاء فَوْقَ البَرَاقِعِ في البَوَادِي والقُرَى، عَامِّيَّة.تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
37-تاج العروس (توج)
[توج]: تَوَّجُ، كبَقَّمٍ، وفي مُعَرَّبِ الجَوَالِيقيّ في التاءِ الفَوقِيّة: ولبعضهم: لم تَأْتِ أَسماءٌ بوزن فَعَّل للعرب غير: شَمَّر، وبَقَّم، وعَثَّر، وبَذَّر، وتَوَّج، وخَوَّد، وشَلَّم، وخَضَّم. قال شيخنا: وصَرَّح ابن القطّاع وغيره بأَنّه ليس لهم اسم على فَعَّل غير هذه الأَسماءِ الثّمانية، لا تاسعَ لها؛ لأَنَّ هذا الوَزْنَ من أَوزان الأَفعال دون الأَسماءِ: مَأْسَدَةٌ، ذكره مُلَيحٌ الهُذَلِيّ:ومن دُونِه أَثْبَاجُ فَلْجٍ وتَوَّجُ
وفي التّهذيب في ترجمة «بقم» تَوَّجُ على فَعَّل: موضِعٌ قال جَرِير:
أَعطُوا البَعِيثَ حَفَّةً ومِنْسَجَا *** وافْتَحِلُوه بَقَرًا بِتَوَّجَا
وتَوَّجُ: قرية، بفارِسَ وفي نسخة، إِشارة الدَّال، بدل الهاءِ.
ومن سجعات الأَساس: خَرَجَ تحْتَه الأَعوَجِيّ، وعلى يَدِه التَّوَّجِيُّ؛ أَي الصَّقْرُ المنسوب إِلى تَوَّجَ من قُرَى فارِسَ.
والتّاجُ: الإِكْلِيلُ، والقُصَّةُ والعِمَامَةُ، والأَخيرُ على التّشبِيه، الجمع: تِيجَانٌ وأَتْوَاجٌ، والعرب تُسَمّي العَمَائِمَ التَّاجَ، وفي الحديث «العَمَائِمُ تِيجَانُ العَرَبِ» جمعُ تاجٍ، وهو ما يُصَاغُ للمُلُوك من الذَّهَبِ والجَوْهَرِ، أَراد أَن العَمَائِمَ للعربِ بمنزلة التِّيجَانِ للمُلُوكِ؛ لأَنّهم أَكثرُ ما يكونُون في البَوادِي مكشوفي الرُّءُوسِ أَو بالقَلانِس، والعَمَائمُ فيهم قليلةٌ، والأَكالِيلُ: تِيجانُ مُلُوكِ العَجَمِ.
وتَوَّجَهُ أَي سَوَّدَهُ، وعَمَّمَهُ فتَتَوَّجَ: أَلْبَسَه إِيّاهُ فَلَبِسَ.
ومَلِكٌ مُتَوَّجٌ.
والتَّاجُ: دارٌ للمُعْتَضِدِ بالله العَبّاسيّ ببَغْدَادَ، أَتَمَّهُ ابنُه المُكْتَفِي بالله، وقَصْرٌ بمِصْرَ للفاطِمِيّين يُعرَف بالتّاجِ والوُجُوهِ السَّبْعِ.
وتَاجَتْ إِصْبَعِي فيهِ لُغَة في ثَاخَتْ، بالثَّاءِ والخَاءِ، وسيأْتي في موضعه.
وتَاجَةُ اسم امرأَةٍ قال:
يا ويحَ تاجَةَ ما هذا الّذِي زَعَمَتْ *** أَ شَمَّهَا سَبُعٌ أَم مَسَّها لَمَمُ
وسيأْتي في ش ف ر.
والتَّاجِيَّةُ: مقْبَرَةٌ ببَغْدَادَ، نُسِبَتْ إِلى مَدْرَسِةَ تاجِ المُلْكِ أَبِي الغَنَائِمِ.
والتَّاجِيَّةُ: نَهْرٌ بالكُوفَةِ.
وذُو التّاجِ: لقبُ جماعَةٍ، منهم: أَبُو أَحَيْحَةَ سَعيدُ بنُ العَاصِ، ومَعْبَدُ بنُ عامِرٍ، وحارِثَةُ بنُ عَمْرٍو، ولَقِيطُ بنُ مَالكٍ، وهَوْذَةُ بنُ عَلِيّ، ومالِكُ بنُ خَالد.
وإِمام تائِجٌ؛ أَي ذو تاجٍ، على النَّسَب؛ لأَنّا لم نَسمَعْ له بفعل غيرِ متعدّ، قال هِمْيَانُ بنُ قُحَافَةَ:
تَقَدُّمَ النّاسِ الإِمامَ التَّائِجا
أَرادَ تقَدَّمَ الإِمامُ التَّائِجُ النَّاسَ، فقلب. وهذا كما يُقَال: رجلٌ دَارِعٌ: ذو دِرْعٍ.
والمُتَوَّجُ: المُسَوَّدُ، وكذلك المُعَمَّمُ.
والمَتاوِجُ بالفَتْح في فول جَنْدَلٍ الرّاعي.
بِقَردٍ مُخْرَنْطِمِ المَتاوِجِ
أَي حَيْثُ يَتَتَوَّجُ بالعِمَامَةِ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
التَّاجُ للفِضَّة، ويقال: للصَّلِيجَةِ من الفِضّةِ تَاجَةٌ، وأَصلُها تَازَه، بالفارِسِيّة للدِّرْهم المَضْرُوبِ حديثًا.
وبَنُو تاجٍ، قبيلةٌ من عَدْوانَ، مصروف، قال:
أَبَعْدَ بني تَاجٍ وسَعْيِكَ بيْنَهُمْ *** فلا تُتْبِعَنْ عَيْنَيْكَ ما كَانَ هَالِكَا
وتَاجٌ، وتُوَيجٌ، ومُتَوَّجٌ: أَسماءٌ.
وتاجٌ: «موضعٌ معرُوفٌ بمِصرَ، وهو المُرَاد في قول القَائِل:
رِياضٌ كالعَرَائِسِ حينَ تُجْلَى *** يُزَيِّنُ وَجْهَها تاجٌ وقُرْطُ
قالوا: والقُرْطُ بالضمّ: نَبَاتٌ مشهورٌ وهذا الأَخيرُ استدركه شيخُنا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
38-تاج العروس (عود)
[عود]: العَوْدُ: الرُّجُوعُ، كالعَوْدَةِ، عاد إِليه يَعُود عَوْدَةً وعَوْدًا: رَجَعَ. وقالوا: عادَ إِلى الشيْءِ وعادَ لَهُ وعادَ فيه، بمعنًى. وبعضُهُم فَرَّقَ بين استعماله بفي وغيرِها. قاله شيخُنا.وفي المَثَلِ: «العَوْدُ أَحْمَدُ» وأَنشد الجوهَرِيُّ لمالِك بن نُوَيْرةَ:
جَزَيْنَا بني شَيْبَانَ أَمْسِ بقَرْضِهِمْ *** وجِئنَا بِمِثْلِ البَدْءِ والعَوْدُ أَحْمَدُ
قال ابنْ بَرِّيٍّ صواب إِنشاده: وعُدْنا بمِثْلِ البَدْءِ. قال: وكذلك هو في شِعْرِهِ، أَلا تَرَى إِلى قولِه في آخر البيت: والعَوْدُ أَحْمَدُ. وقد عاد له بعدَ ما كان أَعرضَ. قال الأَزهريُّ: قال بعضهم: العَوْدُ تَثْنِيةُ الأَمرِ عَوْدًا بعدَ بَدْءٍ، يقال: بَدَأَ ثُمَّ عادَ، والعَوْدَةُ عَوْدَةُ مَرَّةٍ واحدةٍ.
قال شيخُنَا: وحَقَّق الرَّاغِبُ. والزَّمَخْشَرِيُّ، وغيرُ واحدٍ من أَهلِ تَحْقيقاتِ الأَلفاظِ، أَنه يُطْلَق العَوْدُ، ويُراد به الابتداءُ، في نحو قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} أَي عُدْنَا في مِلَّتِكُم أَي دَخَلْنا. وأَشار إِليه الجارَ برديّ، وغيرُه، وأَنشدُوا قول الشاعر:
وعاد الرأْسُ مِنّي كالثَّغَامِ
قال: ويُحْتَمل أَنَّه يُراد من العَوْد هُنا الصَّيْرُورَةُ، كما صرَّحَ به في المصباح، وأَشار إِليه ابنُ مالِكٍ وغيرُه من النُّحَاةِ، واستَدَلُّوا بقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} قيل: أَي صارُوا، كما للفيُّومِيِّ وشِيخِه أَبي حَيَّان.
قلْت: ومنهحديثُ مُعَاذٍ، قال له النّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُدْتَ فَتَّانًا يا مُعَادُ»؛ أَي صِرْتَ.
ومنهحديثُ خُزَيْمَة. «عادَ لها النِّقَادُ مُجْرَنْثِمًا»؛ أَي صارَ.
وفي حديثِ كَعْبٍ «وَدِدْتُ أَنَّ هذا اللَّبَنَ يَعُودُ قَطِرَانًا» أَي يَصِير. «فقِيل له: لِمَ ذلِك: قال: تتَبَّعَتْ قُرَيْشٌ أَذنابَ الإِبِلِ، وتركوا الجَمَاعَاتِ» وسيأْتي.
وتقول عَاد الشيءُ يعودُ عَوْدًا، مثل المَعَادِ، وهو مصدرٌ مِيمِيٌّ، ومنه قولهم: اللهُمَّ ارزُقْنا إِلى البيتِ مَعادًا وعَوْدَةً.
والعَوْدُ: الصَّرْفُ، يقال: عادَنِي أَن أَجِيئك؛ أَي صَرَفنِي، مقلوبٌ من عَدَانِي، حكاه يَعقُوبُ.
والعَوْدُ: الرَّدُّ، يقال: عادَ، إِذا رَدَّ ونَقَضَ لِمَا فَعَل.
والعَوْدُ: زِيَارَةُ المريضِ، كالعِيَادِ والعِيَادَةِ، بكسرهما.
والعُوَادَةِ، بالضّمّ وهذه عن اللِّحْيَانِيِّ. وقد عَادَه يَعُوده: زَارَه، قال أَبو ذُؤَيْب:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هل تَنَظَّرَ خالِدٌ *** عِيَادِي على الهِجْرانِ أَمْ هو يائِسُ
قال ابنُ جِنِّي: وقد يَجُوز أَن يكون أَرادَ عِيَادَتِي، فحذَف الهاءَ لأَجل الإِضافَةِ. وقال اللِّحْيَانِيُّ: العُوَادةُ من عيادةِ المَرِيضِ، لم يَزِد على ذلك.
وذكر شيخُنَا هنا قول السّراج الوَرّاق، وهو في غايةٍ من اللُّطْفِ:
مَرِضْتُ، للهِ قَومًا *** ما فِيهُمُ مَنْ جَفَانِي
عادُوا وعادُوا وعَادُوا *** على اخْتِلافِ المَعَانِي
والعَوْدُ جمْعُ العائِدِ استُعمل اسم جمْع، كصاحِبٍ وصَحْبٍ، كالعُوَّادِ. قال الفَرَّاءُ: يقال هؤلاءِ عَوْدُ فلانٍ وعُوَّادُه، مثل زَوْرِه وزُوَّارِه، وهم الّذِين يَعودُونَه إِذا اعْتَلَّ.
وفي حديثِ فاطمةَ بنت قَيْسٍ «فإِنها امرأَةٌ يَكْثُر عُوَّادُها»؛ أَي زُوَّارُهَا»، وكلُّ مَن أَتاكَ مرَّةً بعدَ أُخرَى فهو عائِدٌ، وإِن اشتَهر ذلك في عِيَادَةِ المَرِيضِ، حتَّى صار كأَنَّه مُخْتَصٌّ به.
وأَمَّا العُوَّد فالصَّحِيح أَنه جمْعٌ للإِناثِ، يقال: نِسْوَةٌ عَوَائِدُ وعُوَّدٌ، وهُنَّ اللَّاتي يَعُدْنَ المَرِيضَ، الواحدة: عائِدَةٌ.
كذا في اللسان والمصباح.
والمَرِيضُ: مَعُودٌ ومَعْوُودٌ، الأَخيرةُ شاذَّةٌ وهي تَمِيميَّةٌ.
والعَوْدُ: انْتِيابُ الشيْءِ، كالاعْتِيَادِ يقال عادَني الشيْءُ عَوْدًا واعتادَنِي: انتَابَنِي، واعتادَني هَمٌّ وحَزَنٌ.
قال الأَزهَرِيُّ: والاعتيادُ في معنى التَّعَوُّد، وهو من العَادَة، يقال: عَوَّدتُه فاعتادَ وتَعَوَّد.
والعَوْدُ ثانِي البَدْءِ قال:
بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُم فأَثْنَيْتُ جاهِدًا *** فإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ والعَوْدُ أَحْمَدُ
كالعِيَادِ بالكسر، وقد عاد إِليه، وعليه، عَوْدًا وعِيَادًا، وأَعَادَه هو، واللهُ يُبْدِئُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعيده، من ذلك.
والعَوْدُ: المُسِنُّ من الإِبِلِ والشَّاءِ، وفي حَديث حَسَّان «قد آن لكم أَن تَبْعَثُوا إِلى هذا العَوْدِ»، وهو الجَمَل الكبيرُ المُسِنُّ المُدرَّب، فَشَبَّهَ نفْسَه به. وفي الحديث: «أَنَّه عليهالسلام دَخَلَ على جابِرِ بنِ عبدِ الله مَنْزِلَه، قال: فعَمَدت إِلى عَنْزٍ لي لأَذبَحَهَا فَثَغَتْ، فقال عليهالسلام: يا جابِرُ، لا تَقْطَعْ دَرًّا ولا نَسْلًا. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إِنَّمَا هي عَوْدَةٌ عَلَفْناها البَلَحَ، والرُّطَبَ فَسَمِنَتْ» حكاه الهَرَوِيُّ، في «الغَريبين». قال ابنُ الأَثيرِ: وعَوَّدَ البَعِيرُ والشّاةُ، إِذا أَسَنَّا، وبَعِيرٌ عَوْدٌ، وشاةٌ عَوْدَةٌ، وفي اللسان: العَوْد: الجَمَلُ المُسِنُّ وفيه بَقِيَّةٌ. وقال الجَوْهَرِيُّ: هو الذي جَاوَزَ في السِّنِّ البازِلَ والمُخْلِفَ. وفي المثَل: «إِنْ جَرْجَرَ العَوْدُ فزِدْه وِقْرًا» الجمع: عِيَدَةٌ، كعِنَبةٍ، وهو جمْع العَوْد من الإِبل. كذا في النوادر، قال الصاغانيُّ: وهو جمعٌ نادِرٌ وعِوَدَةٍ، كَفِيلَةٍ، فيهِما، قال الأَزهريُّ: ويقال في لُغَةٍ: عِيَدَة، وهي قَبِيحَةٌ.
قال الأَزهريُّ: وقد عَوَّدَ البَعِيرُ تَعْوِيدًا، إِذا مَضَتْ له ثَلاثُ سِنِينَ بعْدَ بُزولِهِ أَو أَربعٌ، قال: ولا يُقَال للنّاقَةِ عَوْدَةٌ، ولا عوَّدَتْ. وقال في مَحَلٍّ آخَرَ من كِتَابِه: ولا يقال عَوْدٌ [إِلّا] لِبَعيرٍ أَو شاةٍ، ويقالُ للشاةِ: عَوْدَةٌ، ولا يقال للنَّعْجةِ: عَوْدَةٌ. قال وناقَةٌ مُعَوِّد. وقال الأَصمعيُّ: جَمَل عَوْدٌ، وناقَةٌ عَوْدَةٌ، وناقتانِ عَوْدَتانِ، ثمّ عِوَدٌ في جَمْع العَوْدَةِ، مثل هِرَّةٍ وهِرَرٍ، [وعَوْدٌ] وعِوَدَة مثْل هِرٍّ وهِرَرة.
والعَوْدُ: الطَّرِيقُ القَدِيمُ العاديُّ، قال بَشِير بن النِّكْث:
عَوْدٌ عَلى عَوْدٍ لأَقْوامٍ أُوَلْ *** يموتُ بالتَّرْكِ ويَحْيَا بالعَمَلْ
يُرِيد بالعَوْدِ الأَوّل: الجَمَلَ المُسِنَّ، وبالثَّاني: الطَّرِيقَ؛ أَي على طريقٍ قَدِيمٍ، وهكذا الطَّرِيقُ يموت إِذا تُرِكَ ويَحْيَا إِذَا سُلِكَ.
ومن المجاز: العَوْدُ اسم فَرَس أُبَيِّ بنِ خَلَفٍ، واسم فَرَس أَبي رَبِيعَةَ بنِ ذُهْلٍ.
قال الأَزهَرِيُّ: عَوَّد البَعِيرُ ولا يُقَال للنّاقَة: عَوْدةٌ.
وسَمِعْتُ بعضَ العَرَب يقول لفَرَسٍ له أُنثَى: عَوْدةٌ.
ومن المجاز: العَوْدُ القَدِيمُ من السُّودَدِ قال الطِّرِمَّاحُ:
هَل المَجْدُ إِلّا السُّودَدُ العَوْدُ والنَّدَى *** وَرَأْبُ الثَّأَى والصَّبْرُ عند المَواطِنِ
وفي الأَسَاس: ويقال له: الكَرَمُ العِدُّ، والسؤدَد العَوْدُ. والعُودُ، بالضَّمِّ: الخَشَبُ، وقال الليثُ: هو كلُّ خَشَبَةٍ دَقَّتْ وقيل: العُودُ خَشَبَةُ كُلِّ شَجرَةٍ، دَقَّ أَو غَلُظُ، وقيل: هو ما جَرَى فيه الماءُ من الشَّجَرِ، وهو يكونُ للرَّطْبِ واليابِسِ ج: عِيدانٌ وأَعوادٌ، قال الأَعشى:
فجَرَوْا على ما عُوِّدُوا *** ولِكُلِّ عِيدَانٍ عُصَارَهْ
والعُودُ أَيضًا: آلةٌ من المَعَازِفِ، ذو الأَوتارِ، مشهورةٌ وضارِبُهَا: عَوَّادٌ، أَو هو مُتَّخِذُ العِيدَانِ.
والعُودُ الّذِي للبُخُورِ، وفي الحديث «عَليكم بالعُودِ الهِنْدِيّ»، وقيل هو القُسْطُ البَحْرِيّ.
وفي اللسان: العُودُ: الخشَبةُ المُطَرَّاة يُدَخَّن بها، ويُستَجْمر بها، غَلبَ عليها الاسمُ لكَرَمِهِ.
ومما اتّفَق لَفْظُه واختلَفَ مَعناه فلم يكن إِيطاءً، قولُ بعضِ المُولَّدِين:
يا طِيبَ لَذَّةِ أَيَّامٍ لنا سَلَفَتْ *** وحُسْنَ بَهْجةِ أَيامِ الصِّبَا عُودِي
أَيامَ أَسحَبُ ذَيْلًا في مَفارِقِها *** إِذَا تَرَنَّمَ صَوتُ النَّايِ والعُودِ
وقَهْوَةٍ من سُلافِ الدَّنِّ صافِيَةٍ *** كالمِسْكِ والعَنْبَرِ الهِنْدِيّ والعُودِ
تَسْتَلُّ رُوحَكَ في بِرٍّ وفي لَطَفٍ *** إِذا جَرَتْ منكَ مَجْرَى الماءِ في العُودِ
كذا في المحكم.
والعُودُ أَيضًا: العَظْمُ في أَصلِ اللِّسَانِ، وقال شَمِرٌ في قول الفَرَزدَقِ يَمدَح هِشَامَ بنَ عبدِ الملك:
ومَن وَرِثَ العُودَيْنِ والخَاتِمَ الّذِي *** لَه المُلْكُ والأَرْضَ الفَضَاءَ رَحِيبُها
قال: العُودَانِ: مِنْبَرُ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم وعَصَاهُ، وقد وَرَدَ ذِكْرُ العُودَيْنِ وفُسِّرا بذلك.
وأُمُّ العُودِ: القِبَةُ، وهي الفَحِثُ، والجمْع: أُمَّهاتُ العُودِ. وعَادَ كذا: فِعْلٌ بمنزلةِ صارَ، وقول ساعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ:
فقام تَرْعُدُ كَفَّاهُ بمِيبَلَةٍ *** قد عادَ رَهْبًا رَذِيًّا طائِشَ القَدَمِ
لا يكون عَادَ هنا إِلّا بمعنَى صارَ، وليس يريد أَنَّه عاوَدَ حالًا كان عليها قَبْلُ، وقد جاءَ عنهم هذا مجيئًا واسِعًا، أَنشد أَبو عليٍّ للعجّاج:
وقَصَبًا حُنِّيَ حتَّى كادَا *** يَعُودُ بَعْدَ أَعْظُمٍ أَعوَادَا
أَي يصير.
وعَادٌ: قَبِيلةٌ، وهم قَوْمُ هُودٍ، عليهالسلام، قال ابن سيده: قضَيْنَا على أَلِفها أَنَّهَا واوٌ للكثرة، وأَنَّه ليس في الكلام: موضع ى د. وأما عِيدٌ وأَعيادٌ فبدَلٌ لازِمٌ، وأَنشد سيبويه:
تَمُدُّ عليهِ مِن يَمِينِ وأَشْمُلٍ *** بُحُورٌ له من عَهْدِ عادٍ وتُبَّعَا
ويُمْنَعُ من الصرف. قال اللَّيْثُ وعادٌ الأُولى هم: عادُ بن عاديَا بنِ سامِ بن نُوحٍ، الّذِين أَهلكَهم اللهُ، قال زُهَيْر:
وأَهْلَكَ لُقْمَانَ بنَ عادٍ وعادِيَا
وأَمّا عادٌ الأَخيرة فهم بَنُو تميم، يَنزِلون رِمالَ عالِجٍ، عَصَوُا الله فَمُسِخُوا نَسْنَاسًا، لكلّ إِنسانٍ منهم يَدٌ ورِجْل من شقٍّ.
وفي كتب الأَنساب: عادٌ هو ابن إِرَمَ بن سام بن نُوح، كان يَعْبُد القَمَر. ويقال: إِنه رأَى من صُلْبه وأَولاد أَولاد أَولاده أَربعة آلاف، وإِنه نكَحَ أَلْفَ جاريةٍ، وكانت بلادُهُم إِرم المذكورة في القرآن، وهي من عُمَانَ إِلى حَضْرَمَوْت.
ومن أَولاده شَدَّادُ بنُ عادٍ، صاحبُ المدينةِ المذكورة.
وبئرٌ عادِيَّة، والعاديُّ: الشيْءُ القَدِيمُ نُسب إِلى عادٍ، قال كُثَير:
وما سَالَ وادٍ من تِهامةَ طَيِّبٌ *** بِهِ قُلُبٌ عادِيَّةٌ وكُرُورُ
وفي الأَساس: مَجْدٌ عادِيٌّ وبِئْرٌ عادِيٌّ: قديمانِ. وفي المصباح: يقال للمُلْك القَدِيم: عادِيٌّ، كأَنه نِسْبة لعَادٍ، لتقدُّمه، وعادِيُّ الأَرضِ: ما تقادَمَ مِلْكُه. والعَرَب تنسُبُ البِنَاءَ الوَثِيقَ، والبِئرَ المُحْكَمَةَ الطَّيِّ، الكثيرة الماءِ إِلى عادٍ.
وما أَدرِي أَيُّ عادٍ هُوَ غَيْرَ مَصْرُوف، أَيْ أَيُّ خَلْقٍ، هو.
والعِيدُ، بالكسر: ما اعتادَكَ مِنْ هَمٍّ أَو مَرَضٍ أَو حُزْن ونحْوِه من نَوْبٍ وشَوْقٍ، قال الشاعر:
والقَلْبُ يَعتادُه من حُبِّها عِيدُ
وقال يَزِيدُ بنُ الحَكَم الثَّقَفِيّ، يمدَح سُليَمانَ بنَ عبدِ المَلِك:
أَمسَى بأَسْماءَ هذا القَلْبُ مَعْمُودَا *** إِذا أَقولُ: صَحَا يَعْتادُه عِيدَا
وقال تأَبَّط شَراًّ:
يا عِيدُ مالَكَ مِن شَوْقٍ وإِيراقِ *** ومَرِّ طَيْفٍ على الأَهوالِ طَرَّاقِ
قال ابنُ الأَنباريِّ، في قوله: يا عِيدُ مالك: العيد: ما يَعْتَادُه من الحُزْنِ والشِّوْقِ. وقوله: مالَكَ مِن شَوْقٍ؛ أَي أَعْظَمَكَ مِن شَوْقٍ، ويُرْوَى: يا هَيْدَ مالَكَ. ومعنى يا هَيْدَ مالَكَ: ما حالُك وما شأْنُك. أَرادَ يا أَيُّهَا المُعْتَادِي مالَكَ مِن شَوْق، كقولك: مالك من فارسٍ، وأَنت تَتعجَّبُ من فُرُوسِيَّتِهِ وتَمْدَحُه، ومنه: قاتَلَه اللهُ من شاعِر.
والعِيدُ: كُلُّ يَوْمٍ فِيه جَمْعٌ، واشتِقَاقُه من عادَ يَعودُ، كأَنَّهم عادُوا إِليه. وقيل: اشتقاقُه من العادَةِ لأَنَّهُم اعتادُوه، والجَمْع: أَعيادٌ، لزمَ البَدَلَ، ولو لم يلزم لَقِيل: أَعوادٌ كرِيحٍ وأَرواحٍ، لأَنه من عَادَ يَعُود.
وعَيَّدُوا إِذا شَهِدُوه أَي العِيدَ، قال العَجَّاجُ، يصف ثَوْرًا وَحْشِياًّ:
واعتادَ أَرْباضًا لها آرِيُّ *** كما يَعُودُ العِيدَ نَصْرانِيُّ
فجَعَل العِيدَ من عادَ يَعُود.
قال: وتَحوَّلَت الواوُ في العيدِ ياءً لكسرةِ العَيْنِ.
وتصغير عيد: عُيَيْدٌ، تَرَكُوه على التَّغْيِيرِ، كما أَنَّهُم جَمَعُوه أعيادًا، ولم يقولوا: أَعوادًا. قال الأَزهريُّ: والعيِد عندَ العَرب: الوقْتُ الّذِي يَعُود فيه الفَرَحُ والحُزْنُ. وكان في الأَصل: العِوْد، فلمَّا سَكنت الواوُ، وانْكَسَر ما قَبلَها صارت ياءً وقال قُلِبَت الواوُ ياءً ليُفرِّقوا بينَ الاسم الحَقِيقِيّ، وبينَ المَصْدَريّ. قال الجوهريُّ: إِنَّما جُمِعَ أَعيادٌ بالياءِ [وأَصله الواو]، لِلزُومِهَا في الواحِدِ. ويُقَالُ للفَرْقِ بينَه وبينَ أَعوادِ الخَشَبِ.
وقال ابنُ الأَعرابِيِّ: سُمِّيَ العِيدُ عِيدًا، لأَنَّه يَعُودُ كلَّ سَنَةٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّدٍ.
والعِيدُ: شَجَرٌ جَبَلِيٌّ يُنْبِتُ عِيدَانًا، نحو الذِّرَاعِ، أَغبَرُ لا ورَقَ له ولا نَوْر، كَثِير اللِّحَاءِ والعُقَدِ، يُضَمَّد بلِحَائِهِ الجُرْحُ الطَّرِيُّ فَيَلْتَئِمُ.
وعِيدُ: اسم فَحْل م؛ أَي معروف، مُنْجِب [كأَنَّه]، ضَرَبَ في الإِبِلِ مَرَّاتٍ، ومنه النَّجَائِبُ العِيدِيَّةُ، قال ابن سيده: وهذا ليس بِقَوِيٍّ. وأَنشد الجوهَرِيُّ لرذاذ الكلبيّ:
ظَلَّتْ تَجوبُ بها البُلْدَانَ ناجِيةٌ *** عِيدِيَّةٌ أُرْهِنَتْ فيها الدَّنانِيرُ
وقال: هي نُوقٌ من كِرَامِ النَّجَائِبِ، منسوبةٌ إِلى فَحْلٍ مُنْجِبِ. أَو نِسْبَةٌ إِلى العِيدِيِّ ابن النَّدَغِيَّ، محرَّكَةً، ابنِ مَهْرَةَ بنِ حَيْدَانَ وعلَيْهِ اقتصرَ صاحِبُ الكِفَايَة»، أَو إِلى عادِ بن عادٍ، أَو إِلى عادِيِّ بنِ عاد، إِلَّا أَنَّه على هذَيْنِ الأُخِيرَينِ نَسَبٌ شاذٌ، أَو إِلى بَنِي عِيدِ بْنِ الآمِرِي، كعَامِرِيٍّ.
قال شيخُنَا: ولا يُعْرَفُ لهم عَجْل، كما قَالُوه.
وفي اللسان: قال شَمِرٌ: والعِيدِيَّةُ: ضَرْبٌ من الغَنَمِ، وهي الأُنثَى من البُرْقَان، قال: والذَّكَرُ خَرُوفٌ، فلا يَزال اسمَه حتى يُعَقَّ عَقِيقَتُه.
قال الأَزهريُّ: لا أَعرِف العِيدِيَّةَ في الغَنَمِ، وأَعرِف جِنْسًا من الإِبِل العُقَيْلِيَّةِ، يقال لها: العِيدِيَّةُ. قال: ولا أَدري إِلى أَيِّ شيْءٍ نُسِبَتْ.
وفي الصّحاح: العَيْدَانُ، بالفتح: الطِّوالُ من النّخْلِ، وَاحِدَتُها عَيْدَانَةٌ، بِهَاءٍ، هذا إِن كان فَعْلان فهو من هذا الباب، وإِن كان فَيْعَالًا فهو من باب النُّون. وسيُذْكَر في موضِعِهِ.
وحكَى الأَزهَرِيُّ عن الأَصمعيّ: العَيْدَانةُ: النَّخلَةُ الطَّوِيلةُ، والجمْع العَيْدَان قال لَبِيد:
وأَبيضُ العَيْدَانِ والجَبَّارُ
قال أَبو عُدنان: يُقَال: عَيْدَنَت [النخلةُ] إِذا صارَت عَيْدانةً، وقال المسيّب بن عَلَسٍ:
والأُدْمُ كالعَيْدانِ آزَرَهَا *** تَحْتَ الأَشاءِ مُكَمَّمٌ جَعْلُ
قال الأَزهريُّ: مَنْ جَعَل العَيْدَانَ فَيْعَالًا جَعَلَ النُّونَ أَصْلِيَّةً، والياءَ زائِدةً ودَلِيلُه على ذلك قولُهم: عَيْدَنَت النُّخْلَةُ. ومَنْ جَعَلَه فَعْلَانَ مثْل: سَيْحَان، مِن ساحَ يَسِيحُ، جعلَها أَصْلِيَّةً، والنونَ زائدَةً، قال الأَصمَعِيُّ: العَيْدَانَةُ: شَجَرَةٌ صُلْبَةٌ قَدِيمةٌ، لها عُرُوقٌ نافِذَةٌ إِلى الماءِ، قال: ومنه هَيْمَان وعَيْلان، وأَنْشَد:
تَجَاوَبْنَ في عَيْدَانَةٍ مُرْجَحِنَّةٍ *** من السِّدْرِ رَوَّاهَا المَصِيفَ مَسِيلُ
وقال:
بَواسِق النَّخْلِ أَبْكارًا وعَيْدَانَا
ومِنْها كانَ قَدَحٌ يَبُولُ فِيهِ النَّبيُّ، صلى الله عليه وسلم باللَّيْلِ، كما رَوَاه أَهْلُ الحديثِ، وهو في سُنَنِ الإِمامِ أَبي دَاوُودَ، وضَبَطُوه بالفَتْح، ومنهم من يُرجِّح الكسْرَ.
وعَيْدانُ، موضع، من العَوْد، كرَيْحَان من الرَّوْح وعَيْدَانُ: عَلَمٌ، وهو عَيْدَانُ بن حُجْر بن ذي رُعَيْنٍ، جاهلُّي، واسمه: جَيْشانُ، وابن أَخيه عَبْدُ كَلَال هو الّذي بعثه تُبَّعٌ على مُقدِّمته إِلى طَسْم وجَدِيس، ونقل ابنُ ماكولا، عن خطِّ ابن سعيد، بالغين المعجمة. وأَبو بكر محمّد بن عليّ بن عَيْدان، العَيْدانِيّ الأَهوازِيُّ، سمِعَ الحاكمَ.
وفي المحكم: المَعَادُ: الآخِرَةُ: والمَعادُ: الحَجُّ، وقيل: المَعَاد: مَكَّةُ زِيدَت شَرَفًا، عِدَةً للنَّبيِّ، صلى الله عليه وسلم أَن يفْتَحَها له. وقالت طائفة ـ وعليه العملُ ـ {إِلى مَعادٍ} أَي إِلى الجَنَّةِ. وفي الحدِيث: «وأَصْلِح لي آخِرَتِي التي فيها مَعَادِي».
أَي ما يَعُود إِليه يَوم القِيَامَةِ. وبِكِلَيْهِمَا فُسِّرَ قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ وقال الفرَّاءُ: إِلى مَعَادٍ حيثُ وُلِدت. وقال ثعلبٌ: معناه: يَرُدُّك إِلى وَطَنِكَ وَبَلَدِك.
وذَكَرُوا أَنَّ جِبْرِيلَ قَال «يا مُحَمَّدُ: اشتقْتَ إِلى مَوْلدكَ ووَطِنكَ؟ قال: نعم. فقال له: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ}.
قال: والمَعَادُ هنا: إِلى عادَتِك، حيثُ وُلِدْتَ، وليس من العَوْدِ. وقال مُجَاهِدٌ: يُحْيِيه يوْمَ البَعْثِ. وقال ابنُ عَبَّاس: أَي إِلى مَعْدِنِكَ من الجَنَّة.
وأَكثر التفسير في قوله {لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ} لَبَاعِثُك، وعلى هذا كلامُ النّاسِ: اذكُر المَعادَ؛ أَي اذكُرْ مَبْعَثَك في الآخِرِةَ. قاله الزجَّاج. وقال بعضهم: إِلى أَصْلِكَ من بَنِي هاشِمٍ.
والمَعَادُ: المَرْجِعُ والمَصِيرُ وفي حديثِ عليٍّ: «والحَكَمُ اللهُ والمَعْوَدُ إِليه يَومَ القِيَامَةِ» أَي المَعَادُ. قال ابنُ الأَثِير: هكذا جاءَ المَعْوَدُ على الأَصل، وهو مَفْعَلٌ من عادَ يَعُودُ، ومن حَقِّ أَمثالِه أَن يُقلَب واوُه أَلِفًا كالمَقَام والمَرَاحِ، ولكِنَّه استَعْمَلَه على الأَصْلِ، تقول عادَ الشيءُ يَعودُ عَوْدًا ومَعَادًا؛ أَي رَجَعَ. وقد يَرِدُ بمعنى صَارَ، كما تقدَّم.
وحَكَى بعضُهم رَجَعَ عَوْدًا على بَدْءٍ، من غير إِضافةٍ.
والذي قاله سيبويه: تقول رجعَ عَوْدُهُ على بَدْئِهِ؛ أَي أَنه لم يَقْطَع ذَهابَهُ حتى وَصَلَهُ برجوعِه، إِنما أَردتَ أَنَّه رَجَع في حافِرَتِه؛ أَي نَقَضَ مَجِيئُه برُجوعه، وقد يكونُ أَن يقطعَ مَجِيئَه، ثم يَرْجِعَ فيقول: عَوْدِي على بَدئِي؛ أَي رَجَعْتُ كما جِئتُ، فالمَجئُ موصولٌ به الرجوعُ فهو بدءٌ، والرُجُوعُ عَوْدٌ. انتهى كلامُ سيبويه.
قلت: وقد مَرَّ إِيماءٌ إِلى ذلك في: باب الهمزة.
ولَكَ العَوْدُ والعُوَادَةُ بالضّمّ، والعَوْدَةُ، كلُّ هذه الثلاثةِ عن اللِّحْيَانِيِّ؛ أَي لك أَن تَعودَ في هذا الأَمرِ.
والعائِدَةُ: المَعْرُوفُ، والصِّلَة، والعَطْفُ، والمَنْفَعَةُ يُعادُ به على الإِنسان، قاله ابنُ سيده. وقال غيره: العائِدةُ: اسم ما عادَ بِه عليكَ المُفْضِلُ من صِلَةٍ، أَو فَضْلٍ، وجَمْعه: العَوَائِدُ. وفي المصباح: عادَ فلانٌ بمعروِفِه عَوْدًا، كقال؛ أَي أَفْضَلَ.
وقال اللَّيْثُ: تقول هذا الأَمْرُ أَعْوَدُ عليكِ؛ أَي أَرْفَقُ بِكَ من غَيْرِه وأَنْفَعُ، لأَنَّهُ يَعُودُ عليكَ برِفْقٍ ويُسْرٍ.
والعُوَادَةُ بالضّمّ: ما أُعِيدَ على الرَّجُلِ مِن طَعَامِ يُخَصُّ بِهِ بَعْدَ ما يَفْرُغُ القَوْمُ: قال الأَزهريُّ: إِذا حَذفْتَ الهاءَ قلت: عُوَادٌ، كما قالوا أَكامٌ ولَمَاظٌ وقَضَامٌ. وقال الجوهَرِيُّ: والعُوَاد، بالضّمّ: ما أُعِيدَ من الطَّعَامِ بعدَ ما أُكِلَ منه مَرَّةً، ويقال: عَوَّدَ، إِذا أَكَلَهُ، نقله الصاغانيُّ.
والعادةُ: الدَّيْدَنُ يُعاد إِليه، معروفَةٌ، وهو نصّ عبارة المُحْكَم. وفي الصباح: سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّ صاحِبَها يُعَاوِدُهَا؛ أَي يرجِع إِليها، مرَّةً بعدَ أُخْرَى ج: عَادٌ، بغير هاءٍ، فهو اسمُ جِنْسٍ جَمْعِيّ. وقالوا: عاداتٌ، وهو جمْع المؤنّثِ السالم. وعِيدٌ بالكسر، الأَخيرة عن كُرَاعِ، وليس بقويٍّ إِنَّمَا العِيدُ: ما عَاد إِليكَ من الشَّوْقِ والمَرَضِ ونَحْوِه، كذا في اللسان. ولا وَجْهَ لإِنكار شيخِنا له. ومن جُموع العادة: عَوَائِدُ، ذَكَرَه في المصباح وغيرِه، وهو نَظِيرُ حوائِجَ، في جمْعِ حاجةٍ، نقله شيخُنا.
قلتُ: الذي صَرَّحَ به الزَّمْخَشَرِيُّ وغيرُه أَنَّ العَوَائِدَ جمعُ عائدةٍ لا عادةٍ. وقال جماعةٌ: العادةُ تكريرُ الشيْءِ دائِمًا أَو غالِبًا على نَهْجٍ واحِدٍ بلا علاقةٍ عَقْلِيّة. وقيل: ما يستَقِرُّ في النُّفوسِ من الأُمور المتكرِّرَة المَعْقُولةِ عند الطِّباع السَّلِيمة.
ونقلَ شيخُنَا عن جماعةٍ أَنَّ العادَةَ والعُرفَ بمعنىً. وقال قوم: وقد تَخْتَصُّ العادةُ بالأَفعال، والعُرْفُ بالأَقوال، كما أَشار إِليه في «التلويح» أَثناء الكلامِ على مسأَلةِ: لابُدَّ للمجازِ من قَرينة.
وتَعَوَّدَهُ، وعادَه، وعَاوَدَهُ مُعاوَدَةً وعِوَادًا، بالكسر، واعْتَادَهُ، وأَعادَهُ، واسْتَعَادَهُ، كلُّ ذلك بمعنَى: جَعَلَهُ مِن عَادتِهِ، وفي اللسان: أَي صار عادةً له، أَنشد ابنُ الأَعرابيِّ:
لم تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِندِي *** والفَتَى آلِفٌ لِمَا يَسْتَعِيدُ
وقال:
تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخلاقِ إِنِّي *** رأَيتُ المرْءَ يأْلَفُ ما استَعادَا
وقال أَبو كَبيرٍ الهُذَليُّ، يصف الذِّئابَ:
إِلّا عواسِلُ كالمِرَاطِ مُعِيدَةٌ *** باللَّيْلِ مَوْرَدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ
أَي وَرَدَتْ مَرَّاتٍ، فليس تُنْكِر الوُرُودَ.
وفي الحديث: «تَعوَّدُوا الخَيْرَ فإِن الخَيْرَ عادةٌ، والشَّرَّ لَجَاجَةٌ».
أَي دُرْبَةٌ، وهو أَن يُعوِّدَ نفْسَه عليه حتى يَصيرَ سَجِيَّةً له.
وعَوَّدَهُ إِيَّاهُ جَعَلَهُ يَعْتَادُهُ، وفي المصباح: عوَّدته كذا فاعتادَه، [وتعوّده] أَي صَيَّرْتُه له عادةً. وفي اللسان: عوَّدَ كلْبَه الصَّيْدَ فتعوَّدَه. والمُعَاوِدُ: المُواظِبُ، وهو منه، قال الليث: يقال للرجُل المُوَاظِبِ على أَمْرٍ: مُعَاوِدٌ. ويقال: عاوَدَ فُلانٌ ما كانَ فِيه، فهو مُعَاوِدٌ وعَاوَدَتْهُ الحُمَّى، وعَاوَدَه بالمَسأَلَةِ؛ أَي سأَلَه مرَّةً بعد أُخْرَى.
وفي الأَساس: ويقال للماهِر في عَمَلِه: مُعاوِدٌ.
والمُعَاوَدَةُ: الرُّجوعُ إِلى الأَمر الأَوَّلِ، ويقال للشُّجَاع: البَطَلُ المُعَاوِدُ، لأَنه لا يَمَلُّ المِرَاسَ.
وفي كلامِ بعْضِهم: الْزَمُوا تُقَى اللهِ، واستَعِيدُوها؛ أَي تَعوَّدُوهَا.
واستَعَادَهُ الشيْءَ فأَعَادَه، إِذا سَأَلَه أَن يَفْعَلَه ثانِيًا واستعاده، إِذا سأَلَهُ أَن يَعُودَ.
وأَعَادَهُ إِلى مَكَانِهِ، إِذا رَجعَهُ.
وأَعَادَ الكلامَ: كَرَّرَهُ، قال شيخُنَا هو المشهورُ عند الجمهور. ووقَع في «فُروقِ» أَبي هلالٍ العَسْكَرِيّ: أَنَّ التكرار يقع على إِعادة الشيْءِ مرَّةً، وعلى إِعادتِهِ مَرَّاتٍ، والإِعادة للمرَّةِ الواحِدَةِ، فكرَّرت كذا، يَحْتَمِل مَرَّةً أَو أَكثَر، بخلافِ أَعَدْت، فلا يُقال: أَعادَهُ مرّاتٍ، إِلَّا من العامَّةِ.
والمُعِيد: المُطيقُ للشيْءِ يُعَاوِدُه، قال:
لا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الغوامِضُ *** إِلّا المُعِيدَاتُ به النَّواهِضُ
وحكَى الأَزهريُّ في تفسيره قال: يَعنِي النُّوقَ الّتي استعادَت للنَّهْض بالدَّلْو، ويقال: هو مُعِيدٌ لهذا الشيْءِ؛ أَي مُطِيقٌ له، ولأَنّه قد اعتادَه.
وأَمَّا قَوْلُ الأَخطل:
يَشُول ابنُ اللَّبُونِ إِذَا رآنِي *** ويَخشانِي الضُّوَاضِيَةُ المُعِيدُ
قال: أَصلُ المُعِيدِ الجَملُ الّذِي ليس بعَيَاءٍ وهو الّذِي لا يَضْرِب حتّى يُخْلَطَ له، والمُعِيد: الذي لا يَحتاج إِلى ذلك. قال ابنُ سيده: والمُعِيد الفَحْلُ الذي قد ضَرَبَ في الإِبلِ مَرَّاتٍ، كأَنَّهُ أَعادَ ذلك مَرَّةً بعدَ أُخرى.
والمُعِيدُ: الأَسَدُ لإِعادتِهِ إِلى الفَرِيسَة مرّةً بعدَ أُخْرَى.
وقال شَمِرٌ: المُعِيد من الرِّجَال: العالِمُ بالأُمُورِ الذي ليس بِغُمْرٍ، وأَنشد:
كما يَتْبَع العَوْدَ المُعِيدَ السَّلائبُ
وقال أَيضًا: المُعِيدُ هو الحاذِقُ المجرِّب، قال كُثَيّر:
عَوْدُ المُعِيدِ إِلى الرَّجَا قَذَفَتْ بِهِ *** في اللُّجِّ داوِيَةُ المَكَانِ جَمُومُ
والمُتَعَيِّد. الظَّلُومُ، قاله شَمِرٌ، وأَنشد ابنُ الأَعرابِيِّ لِطَرفةَ:
فقالَ: أَلَا ماذَا تَرَوْنَ لِشَارِبٍ *** شَدِيدٍ عَلَيْنَا سُخْطُهُ مُتَعَيِّدِ
أَي ظَلومٍ، كأَنَّه قَلْب مُتَعَدٍّ.
وقال رَبِيعَةُ بن مَقْروم:
يَرَى المُتَعَيِّدونَ عَلَيَّ دُونِي *** أُسُودَ خَفِيَّةَ الغُلْبَ الرِّقَابَا
وقال رَبِيعةُ بنُ مَقرومٍ أَيضًا:
وأَرسَى أَصْلَهَا عِزٌّ أَبِيٌّ *** علَى الجُهَّالِ والمُتَعَيِّدِينا
قال: المُتَعَيِّدُ: الغَضْبَانُ، وقال أَبو عبدِ الرحمن: المُتعيِّد: المُتَجَنِّي، في بيتِ ربيعةَ.
والمُتَعَيِّد: الذي يُوعِدُ؛ أَي يُتَعيَّد عليه بِوَعْدِه، نقلَه شَمِرٌ عن غير ابن الأَعرابيِّ.
وذو الأَعوادِ: الّذِي قُرِعَتْ له العَصَا: غُوَيُّ بنُ سَلامَةَ الأُسَيْدِيُّ أَو هو رَبِيعَةُ بنُ مُخاشِنٍ الأُسَيِّدِيُّ، نقَلها الصاغانيُّ. أَو هو سَلَامَةُ بنُ غُوَيٍّ، على اختلافٍ في ذلك. قيل: كانَ لَهُ خَرْجٌ على مُضَرَ يُؤَدُّونَهُ إِليه كُلَّ عامٍ، فشاخَ حتّى كان يُحْمَلُ على سَرِيرٍ يُطافُ بِهِ في مِيَاهِ العَرَبِ فيَجْبيها. وفي اللسان: قيل: هو رَجلٌ أَسَنَّ فكان يُحْمَلُ على مِحَفَّةٍ من عُودٍ. أَو هو جَدٌّ لأَكْثَمَ بنِ صَيْفِيٍّ المُختلَفِ في صُحْبَته، وهو من بني أُسَيِّد بنِ عَمْرِو بن تَمِيم، وكان من أَعَزِّ أَهْلِ زَمانِهِ فاتُّخِذتْ له قُبَّةٌ على سَرِير، ولم يَكُنْ يَأْتِي سَريرَهُ خائفٌ إِلَّا أَمِنَ، ولا ذَلِيلٌ إِلَّا عَزَّ، ولا جائِعٌ إِلا شَبِعَ وهو قولُ أَبي عُبيدةَ، وبه فُسِّر قولُ الأَسوَدِ بن يَعْفُرَ النَّهْشِليّ:
ولقد عَلِمْتُ سِوَى الّذِي نَبَّأْتِنِي *** أَنَّ السَّبيلَ سَبيلُ ذِي الأَعْوادِ
يقول: لو أَغفَلَ المَوتُ أَحدًا لأَغْفَلَ ذا الأَعوادِ، وأَنا ميِّت إِذا مَاتَ مِثلُه.
وعادِيَاءُ: رَجلٌ، وهو جَدُّ السَّمَوْأَل بن جيار المضروب به المَثَل في الوفاءِ، قال النَّمِرُ بن تَوْلب:
هَلَّا سأَلْتِ بِعَادِيَاءَ وَبَيْتِهِ *** والخَلِّ والخَمْرِ الذي لم يُمْنَعِ
واختُلف في وَزْنه، قال الجوهريُّ: وإِن كان تقديرُه فاعلاءَ فهو من باب المعتَلّ، يُذكَر في موضعِه.
وجِرَانُ العَوْدِ: شاعِرٌ عُقَيْلِيٌّ، سُمِّيَ بقوله:
فإِنَّ جِرَانَ العَوْدِ قد كادَ يَصلُحُ
أَو لقوله:
عَمَدْتُ لِعَوْدٍ فالْتحَيْتُ جِرَانَه
كما في «المزهر». واختُلِف في اسمه، فقيل المستورِد، وقيل غيرُ ذلك. والصَّحِيحُ أَن اسمَه عامِر بن الحارث.
وعَوَادِ، كقَطَامِ، بمعنى: عُدْ، ومَثَّله في اللسان بنَزَالِ وتَرَاكِ.
ويقال تَعَاوَدُوا في الحَرْبِ وغيرِهَا، إِذا عادَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلى صاحِبِه.
ويقال أَيضًا: عُدْ إِلينا فَلَكَ عندنا عُوَادٌ حَسَنٌ، مُثَلَّثَةَ العين؛ أَي لكَ ما تُحِبُّ، وقيل أَي البِرُّ واللُّطْف.
ولُقِّبَ مُعَاوِيةُ بنُ مالِكِ بن جَعْفَر بن كِلَابٍ. مُعَوِّدَ الحُكَمَاءِ، جمع حَكيمٍ، كذا في غالب النُّسْخ، ومُعوِّد كمُحَدِّث، وفي بعضها: الحُلَمَاءِ، جمع حَليم باللام، وفي «المزهر» نقلًا عن ابن دُريد أَنّه مُعوِّد الحُكَّامِ، جمع حاكِم، وكذلك أَنشد البيت ومثله في «طبقات الشعراءِ» قاله شيخُنا لقوله أَي معاويةَ بن مالِك.
أُعَوِّدُ مِثْلَها الحُكَمَاءَ بَعْدِي *** إِذا ما الحَقُّ في الأَشياعِ نابَا
هكذا بالنون والموحدة، من نابَه الأَمرُ، إِذا عَرَاهُ، وفي بعض النسخ: بانَا، بتقديم الموحّدة على النون؛ أَي ظهرَ، وفي أُخرى: إِذا ما الأَمر، بدلَ: الحقّ: وهكذا في «التوشيح».
وفي بعض الروايات:
إِذا ما مُعْضِلُ الحَدَثَانِ نَابَا
وأَنشدَ ابنُ بَرِّيٍّ هذا البيْتَ هكذا وقال فيه: معوِّذ، بالذال المعجمة، كذا نقله عنه ابنُ منظورٍ في: ك س د، فلينظر.
وإِنما لُقِّب ناجِيَةُ الجَرْمِيّ مُعَوِّدَ الفِتْيَانِ، لأَنّه ضَرَبَ مُصَدِّقَ نَجْدَةَ الخارِجِيِّ فَخَرقَ بناجِيَةَ، فضرَبَهُ بالسيْفِ وقَتَلَهُ، وقال في أَبياتٍ:
أُعَوِّدُهَا الفِتْيَانَ بَعْدِي لِيَفْعَلُوا *** كفِعْلِي إِذا ما جَارَ في الحُكْمِ تَابعُ
نقله الصاغانيُّ.
قال شيخُنا: وقصّتُه مشهورةٌ. وفي كلام المصنِّف إِيهامٌ ظاهِرٌ. فتأْملْه.
ويقال: فَرَسٌ مُبْدِيءٌ مُعِيدٌ، وهو الّذي قد رِيضَ وذُلِّلَ وأُدِّبَ فهو طَوْعُ راكِبه وفارِسِه، يُصرِّفه كيف شاءَ لطوَاعِيَتِه وذُلِّه، وإِنه لا يَستصعِب عليه لا يَمْنَعُه رِكَابَه، ولا يَجْمَعُ به.
والمُبْدِئُ المُعِيدُ مِنَّا: مَنْ غَزا مرّةً بعدَ مَرَّةٍ وبه فُسِّرَ الحَدِيث: «إِنَّ الله يُحِبُّ النَّكَلَ على النَّكَلِ. قِيلَ: وما النَّكَلُ على النَّكَلِ؟ قال: الرَّجُلُ القَوِيُّ المُجَرِّب المُبدِئُ المُعِيدُ على الفَرَسِ القَويِّ المُجَرَّب المُبْدِئِ المُعِيد» قال أَبو عُبَيْدٍ: والمُبْدِئُ المُعِيدُ: هو الذي قد أَبدأَ غَزْوَه وأَعادَه؛ أَي غَزا مَرَّةً بعد مرَّةٍ، وجَرَّب الأُمورَ طَوْرًا بعدَ طَوْرٍ، ومثلُه للزّمخشريِّ، وابنِ الأَثيرِ. وقيل: الفرس المُبدِئُ المُعِيد الذي قد غَزَا عليه صاحِبُه مَرَّةً بعد أُخرَى، وهذا كقولهم: ليلٌ نائمٌ إِذا نِيمَ فيه، وسِرٌّ كاتِمٌ، قد كَتَمُوهُ.
وقال أَبو سعيد تَعَيَّدَ العائِنُ ـ مِن عانَهُ، إِذا أَصابَه بالعَيْن ـ على المَعْيُونِ، وفي بعض الأُصول: على ما يَتَعَيَّن، وهو نصُّ عبارة ابن الأَعرابيِّ، إِذا تَشَهَّقَ عليه وتَشَدَّدَ ليُبَالِغَ في إِصَابَتِه بِعَيْنِه، وحُكِيَ عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ هو لا يُتَعَيَّنُ عَلَيْه ولا يُتَعَيَّدُ.
وتَعَيَّدَت المرأَةُ: اندَرَأَتْ بِلسانِها على ضَرَّاتِها وحَرَّكَتْ يَدَيْهَا، وأَنشد ابنُ السِّكِّيت:
كأَنَّهَا وفَوْقَها المُجَلَّدُ *** وقِرْبَةٌ غَرْفِيَّةٌ ومِزْوَدُ
غَيْرَى على جاراتِهَا تَعَيَّدُ
قال: المُجَلَّدُ: حِمْل ثَقِيلٌ، فكأَنَّها وفَوقَها هذا الحِمْلُ وقِرْبَةٌ ومِزْوَدٌ: امرأَةٌ غَيْرَى تَعَيّدُ أَيْ تَنْدَرِئُ بلسانِها على ضَرَّاتِها وتُحَرِّك يَدَيْهَا.
وعِيدَانُ السَّقَّاء، بالكسر: لَقَبُ وَالِدِ الإِمامِ أَبي الطَّيّب أَحمَد بنِ الحُسَيْنِ بن عبد الصَّمَدِ المُتَنَبِّئِ الكوفيِّ الشاعرِ المشهورِ، هكذا ضبطَه الصاغَانيُّ. وقال: كان أَبوه يُعرَفُ بعِيدَان السَّقّاءِ، بالكسر، قال الحافِظُ: وهكذا ضَبطه ابنُ ماكولا أَيضًا. وقال أَبو القاسم بن برمانَ هو أَحْمَدُ بن عَيْدَان، بالفتح، وأَخْطَأَ من قال بالكسر، فتأَمَّلْ.
وفي التهذيب: قد عَوَّدَ البَعِيرُ تَعْويدًا: صَار عَوْدًا وذلك إِذا مَضَتْ له ثَلاثُ سِنينَ بعْدَ بُزولِه، أَو أَربعٌ. قال: ولا يقال للنّاقة [عَوْدَةٌ ولا] عَوَّدَتْ.
وفي حديث حسَّان: «قَد آنَ لَكُم أَن تَبْعَثُوا إِلى هذا العَوْدِ» هو الجَمَلُ الكَبِيرُ المُسِنُّ المُدَرَّب، فشبَّه نفْسَه به. وفي المَثَل: «زاحِمْ بِعَوْدٍ أَوْ دَعْ» أَي استَعِنْ على حَرْبِكَ بالمشايخِ الكُمَّلِ، وهم أَهْلُ السِّنِّ والمَعْرفة. فإِنَّ رأيَ الشيخِ خيرٌ من مَشْهَد الغُلَام.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
المُبْدِئُ المُعِيدُ: من صِفاتِ الله تعالَى؛ أَي يُعيد الخَلْقَ بعدَ الحياةِ إِلى المَمَاتِ في الدُّنْيا، وبعد المَمَاتِ إِلى الحياةِ يومَ القِيَامَة.
ويقال للطَّرِيقِ الّذِي أَعادَ فيه السّفر وأَبدأَ: مُعِيدٌ، ومنه قولُ ابنِ مُقبلٍ، يصف الإِبلَ السائرة:
يُصْبِحْنَ بالخَبْتِ يَجْتَبْنَ النِّعافَ عَلَى *** أَصْلابِ هادٍ مُعِيدٍ لابِسِ القَتَمِ
أَراد بالهادِي: الطَّرِيقَ الذي يُهْتَدَى إِليه، وبالمُعِيد: الذي لُحِبَ.
وقال الليث: المَعَاد والمَعَادة: المأْتَم يُعَاد إِليه، تقول: لآلِ فُلانٍ مَعَادَةٌ؛ أَي مُصِيبَةٌ يَغْشَاهم الناسُ في مَنَاوِحَ أَو غيرِهَا، تَتَكَلَّم به النِّساءُ.
وفي الأَساس: المَعَادَة: المَنَاحةُ والمُعَزَّى.
وأَعادَ فلانٌ الصّلاةَ يُعِيدُهَا.
وقال اللّيث: رأَيتُ فلانًا ما يُبْدِئُ وما يُعِيد؛ أَي ما يَتَكَلَّم ببادِئةٍ ولا عائدةٍ، وفلانٌ ما يُعِيدُ وما يُبْدِئُ، إِذا لم تَكن له حِيلةٌ، عن ابن الأَعرابِيِّ وأَنشد:
وكنتُ امرَأً بالغَوْرِ مِنِّي ضَمَانَةٌ *** وأُخرَى بِنَجْدٍ ما تُعِيدُ وما تُبْدِي
يقول: ليس لِما أَنا فيه من الوَجْد حِيلةٌ ولا جِهَةٌ.
وقال المفضَّل: عادَني عِيدِي؛ أَي عادَتِي، وأَنشد:
عادَ قَلبي من الطَّوِيلةِ عِيدُ
أَراد بالطَّوِيلة: رَوْضَةً بالصَّمَّانِ، تكون ثلاثةَ أَميالٍ في مِثْلها.
ويقال: هو من عُودِ صِدْقٍ وسَوْءٍ، على المَثل، كقولهم: من شَجرةٍ صالحةٍ.
وفي حديثِ حُذيفةَ. «تُعْرَضُ الفِتَنُ على القُلوب عَرْضَ الحَصيرِ عَوْدًا عَوْدًا».
قال ابنُ الأَثير هكذا الرِّوَايَةُ، بالفَتْح؛ أَي مرَّة بعد مرَّة، ويُرْوَى بالضّمّ، وهو واحِد العِيدانِ يعني ما يُنْسَجُ به الحصِيرُ من طاقَاته، ويُروَى بالفتْح مع ذال معجمة، كَأَنَّه استعاذَ من الفِتَن.
والعُودُ، بالضّمّ: ذو الأَوتار الأَربعةِ الّذِي يُضْرَب به، غَلَب عليه الاسم لكَرَمِه، قال ابن جِنِّي: والجمع عِيدانٌ.
وفي حديث شُريح: «إِنَّما القَضاءُ جَمْرٌ فادْفَع الجَمْرَ عنك بِعُودَيْنِ»، أَراد بالعُودَيْن: الشَّاهِدَيْنِ، يريد اتَّقِ النارَ بِهِما واجعَلْهما جُنَّتَكَ، كما يَدْفَع المُصطلِي الجَمْرَ، عن مكانه بُعودٍ أَو غيرِه، لئلّا يَحْتَرِق، فمثَّلَ الشاهِدَينِ بهما، لأَنه يَدفَع بهما الإِثمَ والوَبَالَ عنه، وقيل: أَراد تَثَبَّتْ في الحُكْمِ واجْتَهِدْ فيما يَدْفعُ عنكَ النّارَ ما استطعْتَ.
وقال الأَسْوَدُ بن يَعْفُرَ:
ولقَد عَلِمْتُ سِوَى الّذِي نَبَّأْتِنِي *** أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ ذي الأَعواد
قال المفضِّل. سَبِيلُ ذِي الأَعوادِ، يريد المَوْتَ، وعَنَى بالأَعْوَادِ: ما يُحْمَل عليه المَيتُ. قال الأَزهَرِيُّ: وذلك أَن البَوادِيَ لا جَنَائِزَ لهم، فهم يَضُمُّون عُودًا إِلى عُودٍ، ويَحْمِلُون المَيتَ عليها إِلى القَبْر.
وقال أَبو عدنان: هذا أَمرٌ يُعوِّدُ النّاسَ عليَّ؛ أَي يُضَرِّيهم بِظُلْمي. وقال: أَكرَهُ تَعوُّدَ النَّاسِ عليَّ فيَضْرُوا بِظُلْمِي. أَي يَعْتَادُوه.
وفي حديثِ معاوِيَةَ: «سَأَله رجلٌ، فقالَ: إِنَّكَ لَتَمُتُّ بِرَحِمٍ عَودةٍ، فقال: بُلَّهَا بِعَطَائِك حتَّى تَقْرُبَ» أَي بِرَحِمٍ قديمةٍ بعيدِة النَّسبِ. وعوَّدَ الرَّجلُ تَعويدًا إِذا أَسَنَّ، قاله ابن الأَعرابيّ، وأَنشد:
فقُلْنَ قد أَقْصَرَ أَو قَدْ عَوَّدَا
أَي صار عَوْدًا [كبيرًا]. قال الأَزهريُّ: ولا يقال: عَوْد لِبعيرٍ أَو شاةٍ. وقد تقدَّم.
وقال أَبو النّجْم:
حتَّى إِذا اللَّيْلُ تَجَلَّى أَصحَمُهْ *** وانْجَابَ عن وَجْهٍ أَغَرَّ أَدْهَمُهْ
وتَبِعَ الأَحمَرَ عَوْدٌ يَرْجُمُهْ
أَراد بالأَحْمَرِ الصُّبْحَ، وأَراد بالعَوْد: الشَّمْسَ.
قال ابن بَرِّيّ: وقول الشّاعِر:
عَوْدٌ على عَوْدٍ على عَوْدٍ خَلَقْ
العَوْد الأَوّل: رَجُلٌ مُسِنٌّ، والثاني: جَمَلٌ مُسِنٌّ، والثالِث: طَرِيقٌ قَدِيم.
والعَوْد: اسم فَرَسِ مالِك بنِ جُشَم.
وفي الأَساس: عادَ عليهم الدّهْرُ: أَتى. [عليهم] وعادت الرَّياحُ والأَمطارُ على الدَّارِ حتى دَرَسَتْ.
ويقال: ركب الله عودا على عود، إِذا هاجَت الفتنةُ، ورَكِبَ السهمُ القَوسَ للرَّمْيِ.
وفي شرح شيخنا: وبَقِي عليه من مَباحِث عاد: له ستّةُ أَمكنةٍ، فيكون اسمًا، وفعلًا [تامًّا و] ناقصًا [وحرفًا] بمعنى إِنَّ، وحرفا بمنزلَة هل وجواب الجملةِ المتضمّنَةِ معنى النَّفْيِ، مَبْنِيًّا على الكسر، متصلًا بالمضمَرات.
الأول: يكون هذا اللفظ اسمًا متمكِّنًا جاريًا بتصاريف الإِعراب، نحو: وعادًا وثمودًا.
الثاني: فِعْلًا تاماًّ بمعنَى: رَجَعَ أَو زارَ.
الثالث: فعْلًا ناقصًا مفتقرًا إِلى الخَبرِ، بمنزلةِ كانَ، بشَرْط أَن يَتَقَدَّمها حَرْفُ عَطْفٍ. وعليه قولُ حَسَّان:
ولقد صَبَرْت بها وعادَ شَبابُها *** غَضًّا وعَادَ زَمانُها مُسْتَطْرَفَا
أَي وكان شبابُها.
الرابع: حرفًا عامِلًا نصبًا بمنزلة إِنَّ، مبنيًّا على أَصْلِ الحَرْفِيَّة، محرّكًا لالتقاءِ الساكِنَيْنِ مكسورًا على الأَصل فيه، بشرط أَن يتقدَّمها جملةٌ فعليةٌ وحرفُ عطف، كقَولك: رَقَدْت وعادِ أَبَاكَ ساهِرٌ؛ أَي وإِنّ أَباك، ومنه مَشْطُور حَسَّان:
عُلِّقْتُها وعادِ في قَلبي لَهَا *** وعادِ أَيّامَ الصِّبا مستقبَلَه
وقال آخَرُ:
أَنْ تَعْلُوَنْ زيدًا فعادِ عَمْروًا *** وعَادِ أَمْرًا بَعْدَه وأَمْرَا
أَي، فإِنَّ عَمْروًا موجودٌ.
الخامس: أَن يكونَ حرفَ استفهامٍ بمنزلة هَلْ مبنياًّ على الكَسْر للعِلَّة المذكورة آنفًا، مفتقرًا إِلى الجوابِ، كقولك: عادِ أَبُوك مُقيمٌ؟ مثل: هَلْ أَبوك مُقِيمٌ.
السادس: أَن يكونَ جوابًا بمعنى الجملةِ المُتَضَمِّنَة لمعنَى النَّفْيِ بِلَم، أَو بما فقط، مبنياًّ على الكسرِ أَيضًا وهذا إِن اتّصلت بالمُضمَرات، يقول المستفهمُ. هل صَلَّيت؟ فيقول: عادِني؛ أَي إِنّي لم أُصَلِّ أَو إِنّني ما صَلَّيتُ.
وبعضُ الحجازيّين يحذفُ نُونَ الوقايةِ، واللغتان فصيحتانِ، إِذا كان عاد بمعنَى إِنّ، ولا يمتنع أَن تقول إِني وإِنني. هذا إِذا اتَّصلت عاد بياءِ النَّفْس خاصةً، فإِن اتَّصَلت بغيرِها من المضمَرات كقول المجيب لمن سأَله عن شيْءٍ.
عادِه أَو عادِنا. وكذا باقي المضمَرات، فإِثباتُ نونِ الوقاية مُمْتَنِعٌ تَشبيهًا بإِن، ورُبّمَا فاهَ بها المستفهِمُ والمُجِيب، يقول المستفهم: عادِ، خَرَجَ زيدٌ؟ فيقول المُجِيب له: عادْ أَي إِنَّه لم يخرج أُو إِنه ما خَرَج. قال وهذه فائدة غريبة لم يُوردْها أَحدٌ من أَئمّةِ العَرَبيّة من المطوِّلين والمختصِرين.
والمصنِّف أَجمعُ المتأَخِّرين في الغَرَائِبِ، ومع ذلك فلم يتعرَّض لهذه المعاني، ولا عَدَّها في هذِه المبانِي. انتهى.
والعَوَّاد: الّذي يَتَّخِذُ ذا الأَوتارِ.
وعِيدُو، بالكسر: قَلْعَة بنواحِي حَلَب، وعَيْدان: موضع.
وله عندنا عُوَادٌ حَسَنٌ، وعَوَاد، بالضمّ والكسر، كلاهما عن الفرَّاءِ، لُغَتَان في عَواد، بالفَتْح، ولم يَذْكُر الفرَّاءُ الفَتْحَ، واقتصر الجوهَرِيُّ على الفتح.
وعائِدُ الكَلْبِ، لقبُ عبد الله بن مُصعَب بن ثابتِ بن عبد الله بن الزُّبير، ذكره المبرِّد في «الكامل».
وبنو عائِدٍ، وآلُ عائِدٍ: قَبِيلتَانِ.
وهِشَام بن أَحمدَ بنِ العَوَّاد الفَقِيه القُرْطُبِيُّ، عن أَبي عليٍّ الغَسّانِيّ.
والجَلال محمّد بنُ أَحمدَ بنِ عُمَرَ البُخَارِيّ العِيدِيّ، في آبائه من وُلِدَ في العِيدِ، فنُسِب إِليه، من شيوخ أَبي العَلاءِ الفرضِيّ، مات سنة 668. وأَبو الحُسَيْن يَحيى بن عليّ بن القاسم العِيدِيّ من مشايخ السِّلَفِيّ، وذَهْبَن بن قِرْضِمٍ القُضاعيّ العِيديّ، صحابِيٌّ.
وعَيَّاد بن كَرمٍ الحَربيّ الغَزَّال، وعَرِيب بن حاتم بن عيَّاد البَعْلَبكيّ، وسَلمان بن محمّد بن عَيّاد بن خَفاجةَ، وسعود بن عيّاد بن عُمر الرّصافيّ، وعليّ بن عيَّاد بن يُوسفَ الدِّيباجِيّ: محدّثون.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
39-تاج العروس (خر خرر خرخر)
[خرر]: الخَرِيرُ: صَوْتُ المَاءِ، نقلَه الجَوْهَرِيّ، والرِّيحِ، نقله الصَّاغانِيّ، والعُقَابِ إِذَا حَفَّتْ، قال اللَّيْث: خَرِيرُ العُقَاب: حَفِيفُه، كالخَرْخَرِ، قال: وقد يُضَاعَف إِذا تُوُهِّمَ سُرْعَة الخرِير في القَصَب ونَحْوِه فيُحْمَل على الخَرْخَرَة. وأَمَّا في الماءِ فلا يُقَال إِلَّا خَرْخَرَة، يَخِرُّ، بالكَسْر، ويَخُرُّ، بالضَّمّ، فهو خَارٌّ، هكَذَا في المُحْكَم.فقَولُ شَيْخنا: الوَجْهَانِ إِنِّمَا ذَكَرهُما أَئِمَّةُ الصَّرْف في خَرَّ بمعنَى سَقَطَ، وأَمَّا في الصَّوتِ وغَيْرِه فلا، غيرُ جَيِّد، كما لا يَخْفَى.
وفي التَّهْذِيب: ويُقَال للماءِ الّذِي جَرَى جَرْيًا شَدِيدًا خَرَّ يَخِرّ. وقال ابن الأَعرابِيّ: خَرَّ الماءُ يَخِرّ، بالكسر، خَرًّا، إِذا اشْتَدَّ جَرْيُه. وفي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاس: «مَنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَيْه في أُذُنَيْه سَمعَ خَرِير الكَوْثَر». خَرِيرُ الماءِ: صَوْتُه، أَرادَ مِثْلَ صَوْت خَرِيرِ الكَوْثر. والخَرِيرُ: غَطِيطُ النَّائِمِ، وقد خَرَّ الرَّجلُ في نَوْمِه: غَطَّ، وكذلك الهِرَّةُ والنَّمِرُ كالخَرْخَرَةِ، يُقَال: خَرَّ وخَرْخَرَ.
والخَرْخَرَة أَيضًا: صَوتُ المُخْتَنِق، وسُرْعَةُ الخَرِيرِ في القَصَب.
والخَرِيرُ: المَكَان المُطْمَئِنّ بَيْن الرَّبْوَتَيْن يَنْقَادُ، الجمع: أَخِرَّةٌ. قال لَبِيد:
بأَخِرَّة الثَّلَبُوتِ يَرْبَأْ فَوْقَها *** قَفْرَ المَراقِبِ خَوْفَها آرامُها
والعامّة تَقُول: بأَحِزَّة، بالحَاءِ المهملة والزَّاي، وهو مَذْكُور في موضعه، وإِنَّما هو بالخاءِ.
والخَرِيرُ: موضع باليَمَامَةِ من نَوَاحِي الوَشْم، يَسْكُنه عُكْلٌ.
والخَّرُّ: السُّقُوطُ، وأَصلُه سُقُوطٌ يُسمَع معه صَوْتٌ، كما قَالَهُ أَرْبَاب الاشْتِقَاق، ثم كَثُرَ حَتَّى استُعمِل في مُطْلَق السُّقُوط، يقال: خَرَّ البِنَاءُ، إِذا سَقَطَ، كالخُرُورِ، بالضَّمِّ.
وفي حَدِيثِ الوُضُوءِ: «إِلَّا خَرَّت خَطَايَاه»؛ أَي سَقَطَتْ وذَهَبَتْ. وخَرَّ للهِ ساجِدًا يَخِرُّ خُرُورًا؛ أَي سَقَط، أَو الخَرُّ هو الهُوِيُّ مِنْ عُلْو إِلَى سُفْل، ومنه قولُه تَعالى: {فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ} يَخِرّ، بالكَسْر على القياس، ويَخُرُّ، بالضَّمّ على الشُّذُوُذِ. الضَّمُّ عن ابنِ الأَعرابِيّ، وخَرَّ الحَجَرُ يَخُرُّ، بالضَّمّ: صَوَّتَ في انحِدَارِه. وخَرَّ الرَّجُلُ وغيرُه من الجَبَل خُرُورًا. وخَرَّ الحَجَرُ إِذا تَدَهْدَى من الجَبَلِ، وبالكَسْرِ والضَّمّ إِذا سَقَط من عُلْوٍ، كذا في التَّهْذِيب.
والخَرُّ: الشَّقُّ، يقال: خَرَّ الماءُ الأَرْضَ خَرًّا، إِذا شَقَّها.
والخَرُّ: الهُجُومُ مِنْ مَكَانٍ لا يُعرَفُ. يقال: خَرَّ علينا نَاسٌ مِنْ بَنِي فُلان، وهم خَارُّونَ.
والخَرُّ: المَوْتُ، وذلِكَ لأَنّ الرَّجُلَ إِذَا ماتَ فقدْ خَرَّ وسَقَطَ. وفي الحَدِيث: «بَايَعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَن لا أَخِرَّ إِلَّا قائِمًا» معناه أَنْ لا أَمُوتَ إِلَّا ثابِتًا على الإِسلام. وسُئِل إِبراهِيمُ الحَرْبِيّ عَنْ هَذا فَقال: إِنَّمَا أَرادَ أَن لا أَقَعَ في شَيْءٍ من تِجَارَتِي وأُمُوري إِلَّا قُمتُ بِها مُنْتَصِبًا لها.
قُلْتُ: والحَدِيث مَرْوِيٌّ عن حَكِيم بنِ حِزَام وفيه زِيَادَة، «فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمّا مِنْ قِبَلِنَا فلَسْتَ تَخِرّ إِلّا قَائِمًا» وقال الفَرَّاءُ: مَعْنَى قَوْلِ حَكِيم بنِ حِزَام: أَن لا أَغْبِنَ ولا أُغْبَنَ.
وخَرَّ المَيتُ يَخِرّ خَرِيرًا فهو خَارٌّ، وقوله تعالى: {فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ}: يجوز أَن يكون بمَعْنَى وَقَعَ، وبمعنَى مَاتَ.
والخُرُّ، بالضَّمِّ: اللهْوَةُ، وهو فَمُ الرَّحَى حَيْثُ تُلْقِي فيه الحِنْطَةَ بيَدِك، كالخُرِّيِّ، بِيَاءٍ مُشَدَّدَة. قال الراجز:
وخُذْ بقَعْسَرِيِّهَا *** وأَلْهِ في خُرِّيِّها
تُطعِمْك من نَفِيِّهَا
النَّفِيُّ، بالفاءِ: الطَّحِين. وعنى بالقَعْسَرِيّ الخَشَبَةَ الَّتي تُدَارُ بها الرَّحَى. وهذا قَوْلُ الجَوْهَرِيّ قد رَدَّه الصَّاغانِيّ فقال: هو غَلَطٌ، إِنَّمَا اللهْوة ما يُلقِيه الطَّاحِنُ في فَمِ الرَّحَى، وسَيَأْتِي في المُعْتَلّ.
والخُرُّ: حَبَّةٌ مُدَوَّرَةٌ صُفَيْراءُ فيها عُلَيْقِمَةٌ يَسيرةٌ. قال أَبو حَنِيفَة: هي فارسيّة.
والخُرُّ: أَصْلُ الأُذُنِ، في بَعْضِ اللُّغات. يقال: ضَرَبَه على خُرِّ أُذُنِه، نَقَله ابنُ دُرَيد.
والخُرُّ: اسمُ ما خَدَّه السَّيْلُ مِنَ الأَرْضِ وشَقَّه، الجمع: خِرَرَةٌ، مثَال عِنَبَة.
وبهَاءٍ، يَعْقُوبُ بْنُ خُرَّةَ الدَّبَّاغُ الخُرِّيّ، من أَهْل فارِسَ، وهو ضَعِيفٌ. وقال الدَّارقُطْنيّ: لم يَكُن بالقَوِيّ في الحَدِيث، حَدَّثَنا عنه أَبُو بَكْر البَرْبَهارِيّ، ومُحَمَّدُ بنُ مُوسَى بْنِ سَهْل، وهو يَرْوِي عن أَزْهَرَ بن سَعْدٍ السّمَّان، وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة. وأَبُو نَصْر أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ عُمَرَ بْنِ خُرَّةَ، مُحَدِّثٌ، حَدَّث عن أَبي بَكْرٍ الحِيرِيّ وغَيْره، والأَمِيرُ أَبو نَصْرٍ ضِياءُ المِلَّة وبَهاءُ الدَّوْلَة خُرَّةُ فَيْرُوزُ بْنُ عَضُدِ الدَّوْلَة البُوَيْهِيّ الدَّيْلَمِيّ.
والخَرَّارَةُ، مُشَدَّدَةً: عُوَيْدٌ نحو نصْف النَّعْل يُوثَقُ بخَيْط ويُحَرَّك، والّذِي في الأُصول: فيُحَرَّك الخَيْط وتُجَرُّ الخَشَبَةُ فيُصَوِّتُ، هكذا بالياءِ التَّحْتِيَّة؛ أَي ذلِك العُوَيْد، وفي بَعْضِ النُّسَخ بالمُثَنّاة الفَوْقِيَّة؛ أَي تلْك الخَرَّارةُ، كما وقعَ مُصَرَّحًا في بَعْضِ الأُصُول.
والخَرَّارةُ: طائِرٌ أَعْظَمُ من الصُّرَدِ وأَغْلَظُ، على التَّشْبِيه بِذلك الصَّوْت، الجمع: خَرَّارٌ، وقيل الخَرَّارُ واحِدٌ، وإِلَيْه ذَهَب كُراع.
والخَرَّارَةُ: موضع بالكوفة قُرْبَ السَّيْلَحِين، وفي عِدَّةِ مَواضِعَ عَربِيَّة وعَجَمِيَّة.
والخَرَّار، بلا هاءٍ: موضع قُرْبَ الجُحْفَةِ، بَعَث إِليه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بنَ أَبي وَقَّاصٍ في سَرِيَّةٍ.
والخِرِّيَانُ، كصِلِّيَان؛ أَي بتَشْدِيد الرَّاءِ المَكْسُورة: الجَبَانُ، فِعْلِيَانٌ من خَرَّ، إِذا عَثَرَ بعد اسْتِقامة، عن أَبِي عَلِيّ.
والخَرْخَارُ، بالفَتح: المَاءُ الجارِي جَرْيًا شَدِيدًا.
والخُرْخُورُ، بالضَّمّ: النَّاقَةُ الغَزِيرَةُ اللَّبَنِ، كالخِرْخِرِ، بالكَسْرِ، والجمع خَرَاخِرُ. قال الرَّاعي:
خَرَاخِرُ تُحْسِبُ الصَّقَعِيَّ حَتَّى *** يَظَلَّ يَقُرُّه الرَّاعِي السِّجَالا
والخُرْخُورُ أَيضًا: الرَّجُلُ النَّاعِمُ في طَعَامِه وشَرَابِه ولِباسِه وفِرَاشِه، وقد خَرَّ الرَّجُلُ يَخُرُّ، إِذا تَنَعَّمَ، عن ابنِ الأَعرابِيّ، كالخِرْخِرِ، بالكَسْرِ، ولا يَخفَى أَنَّه لَوْ قال كالخِرْخِرِ فِيهِما بالكَسْر كان أَحْسَن.
والخَرُورُ، كصَبُورُ: المَرْأَةُ الكَثِيرَةُ مَاءِ القُبُلِ، وهو مَعِيبٌ، ومن النَّاس من يَسْتَحْسِنه.
والخَرُورُ: قرية بخُوارَزْمَ، بنواحي سَادَكَان منها أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّد بنُ الحُسَيْن الخَرُورِيّ الخُوَارَزْمِيّ.
وسَاقٌ خِرْخِرِيٌّ وخِرْخِرِيَّةٌ، بالكَسْر فِيهما: ضَعِيفَةٌ، من خَرَّ البِنَاءُ، إِذا انْهَدَّ وسَقَطَ. والّذِي في التَّكْملة: سَاقٌ خِرْخِريّ وخِرْخِرَى: ضَعِيفٌ.
والخَرْخَرَةُ: صَوْتُ النَّمِرِ في نَوْمِه. يُخَرْخِر خَرْخَرَةً، ويَخِرُّ خَرِيرًا. ويقال لصَوْتِه: الخَرِيرُ والهَرِيرُ والغَطِيط.
والخَرْخَرَةُ: صَوْتُ السِّنَّوْرِ في نَوْمِه، وقد خَرَّتِ الهِرّة تَخِرُّ خَرِيرًا، كالخَرُورِ، هكذا هو عِنْدَنَا على وَزْن صَبُور. وفي التَّكْمِلة بالضَّمِّ، وعَلَى الأَوَّلِ جَاءَ وَصْفًا ومصْدَرًا، يقال: هِرَّة خَرُورٌ، إِذا كانت كَثِيرَة الخَرِير في نَوْمِها ويقال: للهِرَّة خَرُورٌ في نَوْمِهَا.
وتَخَرْخَرَ بَطْنُه، إِذا اضْطَرَبَ معَ العِظَمِ، وقيل: هو اضْطِرَابُه مِن الهُزَالِ. وقال الجَعْدِيّ:
فَأَصْبح صِفْرًا بَطْنُه قد تَخَرْخَرَا
والانْخِرَارُ. الاسْتِرْخَاءُ، وهو مُطَاوِعُ خَرَّه فانْخَرَّ.
والخُرَيْرِيُّ، كزُبَيْرِيّ، مَنْهَلٌ بأَجَإِ لبَنِي طَيِّئ، وهو من المَنَاهِل العِظَامِ في وَادِي الحَسَنَيْن. ويقال: ضَرَبَ يَدَه بالسَّيْف فأَخَرَّه؛ أَي أَسْقَطَه، هكَذا في النُّسخ والذي في التَّهْذِيب وغَيْرِه: وضَرب يَدَه بالسَّيْف فأَخَرَّهَا؛ أَي أَسْقطَها، عن يَعْقُوب.
* ومما يُسْتَدْرَك عليه:
لَهُ عَيْنٌ خَرَّارَة في أَرْضٍ خَوَّارَة. أَوْرَدَه في الأَساسِ، وفَسَّره ابْنُ الأَعْرَابِيّ فقال: الخَرَّارَةُ: عَيْنُ المَاءِ الجارِيَة، سُمِّيَتْ لخَرِيرِ مَائِهَا وهو صَوْتُه. وفي حَدِيث قُسّ: «وإِذا أَنَا بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ»؛ أَي كَثِيرةِ الجَرَيَانِ.
قلت: وقد استَعْمَلَتْه العامَّة للبَلالِيع التي تَجْتَمِع فيها النَّجَاسَات من الحَمَّامَاتِ والمَسَاجِد وغَيْرِهَا وتَجْرِي تَحْتَ الأَرْضِ في مَنافِذَ إِلى البَحْرِ وغَيْره.
ولَعِبَ الصِّبيانُ بالخَرَّارَة، وهي الدَّوّامَة.
وفي اللِّسان: ويقال لخُذْرُوفِ الصَّبِيّ التي يُدِيرُهَا: خَرَّارَةٌ، وهُو حِكَايَةُ صَوْتِهَا: خَرْخَرْ.
ومن المَجاز: خَرَّ النّاسُ مِنَ البادِيَةِ في الجَدْب، إِذا أَتَوْا. والأَعرابُ يَخِرُّون من البَوَادِي إِلى القُرَى؛ أَي يَسْقُطُون. وخَرَّ القَوْمُ: جَاءُوا من بَلَد إِلى آخَرَ، وهم الخَرَّارُ والخرَّارَةُ. وخَرُّوا أَيضًا: مَرُّوا، وهم الخَرَّارَةُ لِذلِك.
وجاءَنا خَرَّارٌ من النّاس وفَرّارٌ، وهو مَجَازٌ، وكذا قَوْلهم: عَصَفَت رِيحٌ فخَرَّت الأَشْجَارُ للأَذْقَان. وخَرِرْتُ عن يَدِي: خَجِلْتُ، وهو كنَايَة. وبه فُسِّر حَدِيثُ عُمرَ. قال الحارِثُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: «خَرِرْتَ من يَدَيْك». والخَرَّارَة: القومُ المَارَّة.
وخُرَّ، بالضَّم مَبْنِيًّا للمَجْهُول، إِذا أُجْرِيَ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ.
ورَجل خَارٌّ: عاثِرٌ بعد اسْتِقَامَة.
وخُرْخُرُ، كهُدْهُد: ناحِيَةٌ بالرُّوم.
والخُرُّ، بالضّمّ: ماءٌ بالشَّام لكَلْب، بالقُرب من عَاسِم.
وابن خُرِّينَ، بضَمِّ الخَاءِ فتَشْدِيد الراءِ المكسورة، هو يُونُس بنُ الحُسَيْنِ بنِ دَاوود الشَّاعِرُ تُوفِّيَ سنة 596، ترجمه ابنُ النَّجَّار في تاريخه.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
40-تاج العروس (وبر)
[وبر]: الوَبَرُ، محرّكةً؛ صُوفُ الإِبل والأَرانبِ ونَحوِهَا. ج: أَوْبَارٌ، قال أَبو منصور: وكذلك وَبَرُ السَّمُّورِ والثَّعَالبِ والفَنَكِ، الواحد وَبَرَةُ. وقد وَبِرَ البَعيرُ، بالكَسْر، وهو وَبرٌ وأَوْبَرُ: كثيرُ الوَبَرِ، وهي وَبِرَةٌ ووَبْرَاءُ، وفي الحديث: «أَحَبُّ إِلَيَّ من أَهْل الوَبَر والمَدَر»؛ أَي أَهل البَوَادِي والمُدُنِ والقُرَى، وهو من وَبَرِ الإِبلِ لأَنّ بُيُوتَهُم يَتَّخِذونَهَا منه.وبَنَاتُ أَوْبَرَ: ضَرْبٌ من الكَمْأَةِ مُزْغِبٌ. وقال أَبو حنيفة: بَنَاتُ أَوْبَرَ: كَمْأَةٌ كَأَمْثَال الحَصَى صِغَارٌ، وهي رَدِيئةُ الطَّعْم، وهي أَوَّل الكَمْأَةِ. وقال مرّةً: هي مثلُ الكَمأةِ وليستْ بكمأَة. وقال الأصمعيّ: يقال للمُزْغِبَة من الكَمْأَةِ: بَنَاتُ أَوْبَرَ، وَاحدُها ابن أَوْبَرَ، وهي الصِّغار. وقال أَبو زيد: بَنَاتُ الأَوْبَرِ كَمَأَةٌ صِغارٌ مُزَغَّبَةٌ بلَوْنِ التُّرَابِ، وأَنشد:
ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وَعسَاقِلًا *** ولقدْ نَهيْتُكَ عن بَنَاتِ الأَوْبَرِ
ويقال: لَقِيتُ منه بَنَاتِ أَوْبَرَ، أَى الدَّاهِيَة، نقلَه الصاغانيّ.
ومن المَجاز: وَبَّرَ رَأْلُ النَّعَامِ تَوْبِيرًا: ازْلَغَبَّ، نقله الصّاغَانيّ والزَّمخشريّ.
ومن المَجَاز: وَبَّرَ الرّجلُ تَوْبِيرًا: تَشَرَّدَ وتَوَحَّشَ فصار مع الوَبْر في التَّوَحُّشِ، قال جَرِيرٌ:
فما فارَقْتَ كِنْدَةَ عن تَرَاضٍ *** ومَا وَبَّرْتَ في شُعَبَى ارْتِعابا
أَو وَبَّرَ تَوْبيرًا، أَقامَ في مَنْزِله حِينًا لَا يَبْرَحُ، وفي التَّهْذِيب فلمْ يَبْرَحْ، ووَبَّرَ الأَيِّلُ ـ بفَتْح الهمزة وتَشْدِيد التّحْتِيَّة المكسورَة ـ أَو الثَّعْلبُ في عَدْوِه تَوْبِيرًا، إِذا مَشَى على وَبَرِ قَوَائِمه في الحُزُونَة، ضِدّ السُّهولة من الأَرض، لِيَخْفَى أَثَرُهُ فلا يَتَبَيَّن، وقال الزمخشريّ: لئلا يُقْتَصَّ أَثَرُهُ؛ ويقال: وَبَّرَت الأَرْنبُ في عَدْوِهَا، إِذا جَمعَت برَاثِنَها لتُعَفِّيَ أَثَرَهَا، قال أَبو منصور: والتَّوْبير: أَنْ تَتْبَع المَكانَ الذي لا يَستبِين أَثَرُهَا فيه لصَلابَته. وذلك أَنها إِذا طُلِبَتْ نَظَرتْ إِلى صَلَابةٍ من الأَرض وحَزْنٍ فَوَثَبتْ عليه لئلّا يَستَبينَ أَثَرُها لصَلَابَته، قيل: وإِنمّا يُوَبِّرُ من الدَّوابِّ الأَرْنَبُ وعَنَاقُ الأَرض أَو الوَبْرةُ. قلْت: وهو قَول أَبي زيدٍ، ونَصّه: إِنّما يُوَبِّرُ من الدّوابّ الأَرنَبُ وشيءٌ آخَرُ لم نَحفظْه. وفي التهذيب: إِنّمَا يُوَبِّرُ من الدَّوَابّ التُّفَه وعَنَاقُ الأَرضِ والأَرنبُ. والوَبْرةُ التي ذَكرَها المصنّف يحْتَمل أَن تكون هي التُّفَه الذي ذَكرَه الأَزهريّ، أَو غيرَه، وسَيُبَيِّنه قريبًا في كلامه.
والوَبْرُ، بالفتح: يَومٌ من أَيّام العَجُوزِ السَّبعةِ التي تكون في آخِرِ الشتاءِ، وقيل: إِنّما هو وَبْرٌ، بلا لام، تقول العرب: صِنٌّ وصِنَّبْرٌ وأُخَيُّهما وَبْر. وقد يَجوز أَن يكونوا قالوا ذلك للسّجع لأَنّهم قد يَتْركون للسَّجع أَشياءَ يُوجِبُها ـ القِيَاس.
والوَبْرُ، بالفتح دُوَيْبَةٌ كالسِّنَّوْر غَبْرَاءُ أَو بَيضاءُ من دَوابِّ الصّحراءِ حَسَنةُ العيْنَيْن شَديدةُ الحَياءِ تكون بالغَوْر. وقال الجوهريّ: هي طَحْلاءُ اللَّوْنِ ليس لها ذَنَبٌ، تَدْجُن في البيوتِ، وهي بهاءٍ، قال: وبه سُمِّيَ الرَّجُلُ وَبْرَةَ، وفي حديثِ مُجَاهدٍ: «في الوَبْر شاةٌ» يعني إِذا قَتلها المُحْرمُ لأَنّ لها كَرِشًا وهي تَجْتَرُّ. وقال ابنُ الأَعرابيّ: يقال: فُلانٌ أَسْمَجُ من مُخَّةِ الوَبْرِ. قال: والعرب تقول: قالت الأَرْنبُ للوَبْر: وَبْر وَبْر، عَجُزٌ وصَدْر، وسائرُك حَقْرٌ نَقْر. فقال لها الوَبْر: أَرَان أَرانْ، عَجُزٌ وكَتفانْ، وسائرُك أُكْلَتَان. الجمع: وُبُورٌ ووِبَارٌ ووِبَارَةٌ وإِبَارَةٌ، بقلب الواو همزة. ويقالُ: فُلانٌ أَذَمُّ من الوِبَارَة.
وأُمُّ الوَبْر: امرأَةٌ، قال الرّاعي:
بأَعْلامِ مَرْكُوزٍ فعَنْزٍ فغُرَّبٍ *** مَغانِيَ أُمِّ الوَبْرِ إِذْ هِيَ ماهِيَا
والوَبْرَاءُ: نَبَاتٌ مُزْغِبٌ. وقال الصّاغانيّ: عُشْبَةٌ غَبْرَاءُ مُزْغِبَة ذاتُ قَصَبٍ ووَرَقٍ.
ووَبَارِ كقَطَامِ، وقد يُصْرَفُ جاءَ ذلك في شِعر الأَعْشَى كما أَنشدَه سيبويه:
ومَرَّ دَهْرٌ على وَبَارٍ *** فهَلَكَتْ جَهْرَةً وَبَارُ
قال الأَزهريّ: والقَوَافي مرفوعةٌ. قال اللّيثُ: وَبَارِ: أَرضٌ كانت من مَحالّ عاد، بين اليَمَن ورِمَال يَبْرينَ، سُمِّيَتْ بوَبَار بن إِرَمَ بن سام بن نُوح. وقال ابنُ الكَلْبيّ: وَبَار بنُ أُميم بن لاوذ بن سام. ومَذْهَب شَيْخ الشّرف النّسّابة أَنّ وَبَارًا وجُرْهُمًا ابنَا فالغ بن عابر، ثم قال الليث: لَمَّا أَهْلَكَ الله تَعالَى أَهْلَها عادًا وَرَّثَ مَحَلَّتَهم ودِيَارَهم الجِنَّ فلا يَنْزِلُها، ونصّ الليث: فلا يَتَقَارَبُها أَحدٌ منّا؛ أَي النّاس.
وقال محمّد بنُ إِسحاقَ بن يَسار: وَبار: بلدة يَسكُنها النَّسْنَاسُ. وقيل: هي ما بين الشِّحْر إِلى صَنْعَاءَ، أَرضٌ وَاسعةٌ زُهَاءَ ثلاثمائة فرْسخ في مِثْلها؛ وقيل: هي بين حَضْرَموت والسَّبُوب. وفي كتاب أَحمد بن محمّد الهَمْدَانيّ: وباليَمَن أَرضُ وَبَار، وهي فيما بين نَجْرَانَ وحَضْرَموتَ، وما بين بلادِ مَهْرَةَ والشِّحْرِ. والأَقوالُ متقاربَةٌ. وهي الأَرْضُ المَذْكُورةُ في القرآن في قوله تَعَالَى: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنّاتٍ وَعُيُونٍ. قال الهَمْدانيّ: وكانت وَبَار أَكثرَ الأَرَضينَ خَيرًا وأَخصَبهَا ضِيَاعًا وأَكثرَها مِياهًا وشجرًا وتمرًا، فكثرتْ بها القبائلُ حتى شُحِنتْ بها أَرضُوهم، وعَظمتْ أَموالُهم، فأَشِروا وبَطِروا وطَغَوْا؛ وكانوا قومًا جَبابرَة ذَوِي أَجسامٍ فلم يَعْرفوا حقَّ نِعَم اللهِ تعالى، فبدّل الله خَلْقهم وصيَّرَهم نِسْناسًا، للرَّجل والمرأَة منْهم نِصْف رأْسٍ ونِصْف وَجْهٍ، وعينٌ واحِدةٌ، ويَدٌ واحدة، ورِجلٌ واحدةٌ، فخَرجوا على وُجُوهم يَهيمون ويَرْعَوْن في تلك الغِيَاضِ إِلى شاطئِ البحرِ كما تَرْعَى البَهائم، وصار في أَرضِهم كلُّ نَمْلة كالكَلْب العَظيم، تَسْتلِب الوَاحدَةُ منها الفارسَ عن فَرِسه فتُمزِّقه. ويُرْوَى عن أَبي المُنْذر هِشَام بن محمّد أَنّه قال: قَرْية وَبَار كانت لبَنِي وَبار، وهم من الأُمم الأُوَل، مُنْقطِعة بين رمَالِ بني سعْد وبين الشِّحْر ومَهْرةَ، ويَزعم مَنْ أَتاها أَنّهم يَهجُمون على أَرضٍ ذاتِ قُصور مُشيَّدَة ونَخْل ومِياه مطَّردة ليس بها أَحد. ويقال إِنّ سكّانها الجِنُّ ولا يَدخْلها إِنْسيٌّ إِلَّا ضَلَّ.
ويقال: مَا به وَابِرٌ؛ أَي أَحدٌ. قال ابن سِيده: لا يُسْتَعْمل إِلّا في النّفْيِ، وأَنشد غيره:
فأُبْتُ إِلى الحَيِّ الّذين وَرَاءَهمْ *** جَريضًا ولم يُفْلِتْ من الجَيْشِ وَابِرُ
والوِبَار ككتابِ: شجَرةٌ حامِضةٌ شَاكَةٌ تكون بتَبَالَةَ، نقله الصّاغانيّ ولكن لم يَقلْ: شَاكَة، وكأَنَّ المصنّف زادَه لبَيَان التَّسْميَة، كأَنّ شَوْكهَا الصّغير مثْل الوَبَر، وتَبالة: أَرضٌ معروفةٌ.
ووَبَرَ يَبِرُ، كوَعَد يَعِدُ: أَقامَ، كوَبَّرَ تَوْبيرًا، نقله الصّاغانيّ، وهو بعينه مرَّ في كلام المصنّف قريبًا، وَبَّرَ تَوْبيرًا: أَقامَ في مَنزلِه لا يَبرحُ، فلو قال هناك: كوَبَرَ وَبْرًا، كان أَحسنَ، ولكن مثْل هذا يَرْتكبه كثيرًا في كتابه، فيظنّ الظّانّ أَنَّهما متغايِرانِ.
ووَبَرَةُ، محرَّكةً: قرية باليمامَة، وهو وَادٍ فيه نَخلٌ بها. قاله الحفصيّ.
ووَبَرةُ بن مُشَهَّر، كمعظَّم، ويقال: وَبَر له وِفَادةٌ من جهَة مُسَيْلِمةَ الكذَّابِ. ووَبَرَةُ بنُ مِحْصنِ، أَو هو وَبَرةُ بن يُحَنِّس الخُزَاعيّ وهو بضَمّ التّحتيّة وفتْح الحاءِ المهملة وتشْديد النّون المكسورة، روَى عنه النُّعْمَانُ بنُ بزُرْج، صحابيّان. ووَبَرُ بن أَبي دُليْلَةَ، بالفتْح، شيخٌ للبخاريّ ويُسَكَّن، وهو المعروف عندهم.
ووُبِّرَت النَّخلةُ وأُبِّرَت وأُبِرَتْ، ثَلاثُ لغات عن أَبي عمْرِو بن العَلاءِ؛ أَي لُقِّحَتْ وأَصْلِحت، فمن قال: أُبِّرت فهي مُؤَبَّرَة، ومن قال وُبِّرَت فهي مُوَبَّرة، ومَنْ قال أُبِرَت فهي مَأْبُورَة، كذا نقله الأَزهَريّ، في التّهْذيب، في أَبَر، وقد تقدّم.
ووُبَيْر كزُبَيْر: وَادٍ باليَمامَة، نقلَه الحَفصيّ.
وزُمَيْلُ بنُ وُبَيْرٍ: شاعرٌ من فَزَارةَ ويُقال: أُبَيْر، أَيضًا، كما نقلَه الصاغانيّ، وهو قاتلُ سالِمِ بن دَارَةَ المشْهُور، وقد مرَّ ذِكرُه، وأَخْبارُهُما مُسْتَوفاةٌ في كتاب البَلاذُريّ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
وَبَّرَ فُلانٌ على فُلان أَمْرَه تَوْبيرًا: عَمّاه عليه. والتَّوْبير: التَّعْفِيَةُ ومَحْوُ الأَثَرِ. وهو مَجاز، مأْخوذ من تَوْبِير الأَرنبِ، ومنهحَديثُ الشُّورَى، رواه الرِّيَاشيُّ: «أَنّ السِّتَّة لمَّا اجتمَعُوا تَكلّموا فقال قائل منهم في خُطْبَته: لا تُوَبِّروا آثارَكم فتُولِتُوا دِيَنكم» وفي حديث عبد الرحمن يوم الشُّورَى «لا تَغْمِدُوا سُيُوفَكم عن أَعدائكم فتُوَبِّروا آثارَكم».
قال الزمخشريّ: كأَنّه نَهَاهم عن الأَخْذ في الأَمر بالهُوَيْنَى، ورواه شَمِر بالتّاءِ، وهو مذكور في مَحلّه.
وأَهل الوَبَر: أَهل المُدن والقُرَى. وقال أَبو حَنيفة: يقال: إِنّ بني فُلان مثْلُ بَناتِ أَوْبَرَ: يُظَنُّ أَنّ فيهم خَيْرًا.
وحَرّةُ الوَبْرَةِ، بالفتح: ناحية من أَعراض المَدينة المشرَّفة. قد جاءَ ذِكْرُها في حديث أُهْبَان الأَسْلميّ، وهو مُكَلِّمُ الذّئبِ «بينما هو يَرْعَى بحَرَّةِ الوَبْرَةِ إِذا عَدَا الذِّئبُ..» إِلى آخرِه. وقيل: هي قرْية ذاتُ نَخيل، على عينِ ماءٍ تَجرِي من جَبَل آرَةَ.
ووَبْرَة: لِصُّ معروف، عن ابن الأَعْرَابيّ.
ووُبْرَة العَجْلانُ، والدُ مُلَيْلٍ الصحابيّ.
ووُبَيْرةٌ الحُسَيْنيّ، كزُبَيْر، من أُمراءِ اليَنْبُع، ذكرَه الحافظ في التبصير. ووَبْر بن الأَضْبَط، بَطْن، وهو بالفتْح، ذَكرَه الرُّشاطيّ وقال: أَنشدَ سيبَوَيْه:
كِلَابيَّةً وَبْرِيَّةً حَبْتَرِيَّةً *** نَأَتْكَ وخانَتْ بالمَوَاعِيدِ والذِّمَمْ
ويقال: أَخذَ الشيءَ بوَبَره وزِئْبِرِه وزَوْبَرِه؛ أَي كلّه، وهو مَجاز، كذا في الأَساس.
والعِمَاد يوسفُ بن الوَبَّار، كشدّاد، من شيوخ الذّهبيّ.
وعبد الخالق بن محَمَّد بن ناصر الأَنصاريُّ الشُّروطيّ المَعْروف بابن الوَبَّار سَمعَ من السِّلَفيّ.
وحُوشِيَّةُ وَبَار، قد يَتكررّ ذكرها كثيرًا، والمُراد الخيْلُ التي كانت لعادٍ لمّا هَلَكوا صارَت وَحْشيّة لا تُرَام. ومن نَسْلها أَعْوَجُ بني هِلال، على الصحيح، كما حقَّقه أَبو عُبيد في كتاب أَنساب الخيْل.
والوِبَار ككِتَاب: مَوضع في قول بشْر بن أَبي خازم:
وأَدْنَى عامِرٍ حَيًّا إِليْنَا *** عُقَيْل بالمَرَانَةِ أَو وِبَارِ
وقيل هو اسم قبيلة.
ووَبَر محرّكةً من قرَى اليَمَامَة بها أَخلاطٌ من البادية، تَمِيم وغيرُهم.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
41-تاج العروس (هجر)
[هجر]: هَجَرَه يَهْجُره هَجْرًا، بالفَتْح، وهِجْرانًا، بالكسر: صَرَمهُ وقَطَعَه. والهَجْرُ: ضِدّ الوَصْل. وهَجَر الشَّيْءَ يَهْجُره هجْرًا. تَركَه وأَغْفَلَه وأَعرَضَ عنه، ومنهحَديثُ أَبي الدَّرْدَاءِ: «ولا يسْمَعُون القُرْآنَ إِلَّا هجْرًا» يريد التَّرْكَ له والإِعراضَ عنه، ورَواه ابنُ قُتَيْبَة في كتَابه: إِلَّا هُجْرًا، بالضّمّ، وقال، هو الخَنَا والقَبِيح من القَوْل، وقد غَلَّطَه الخَطّابيّ في الرِّوَاية والمَعْنَى، راجِع النِّهَايةَ لابن الأَثير، كَأَهْجَرَهُ، وهذه هُذَليَّة، قال أُسامَةُ:كَأَنِّي أُصَادِيها على غُبْرِ مانعٍ *** مُقلَّصَةً قد أَهْجَرتْهَا فُحُولُهَا
وهَجَرَ الرَّجلُ هَجْرًا، إِذا تَباعَدَ ونَأَى. وقال اللَّيْث: الهَجْرُ من الهِجْرَان، وهو تَرْكُ ما لا يَلْزمُكَ تَعَاهُدُه. وهَجَر في الصَّوْم يَهْجُر هِجْرَانًا: اعتَزَلَ فيه عن النِّكَاح. ولو قال اعتزلَ فيه النِّكاح كانَ أَخْضَر.
ويقال: هُمَا يَهْتَجِرَان ويَتَهَاجَرانِ: [يَتَقاطعان] * والاسْمُ الهِجْرَةُ، بالكَسْر، وفي الحديث «لا هِجْرَةَ بعدَ ثَلاثٍ»، يريد به الهَجْرَ ضِدّ الوَصْلِ، يَعْنِي فيما يَكُون بَيْن المُسْلمين من عَتْب ومَوْجِدَة أَو تَقْصير يَقَع في حُقُوقِ العِشْرَةِ والصُّحْبَة، دونَ ما كانَ من ذلك في جانِبِ الدِّين، فإِنّ هِجْرَةَ أَهْلِ الأَهواءِ والبِدَع دَائمَةٌ على مَمَرِّ الأَوْقَات، ما لم تَظْهَر منهم التَّوْبةُ والرّجوعُ إِلى الحقّ.
وهَجَرَ فُلانٌ. الشِّرْكَ هَجْرًا، بالفتح، وهِجْرَانًا، بالكِسْر، وهِجْرَةً حَسَنَةً، بالكَسْر أَيضًا، حكاه الخَطَّابيّ عن اللِّحْيَانيّ.
والهُجْرَةُ، بالكَسْر والضّمّ: الخُرُوجُ من أَرْض إِلى أُخْرَى، وقد هَاجر. قال الأَزهريّ: وأَصلُ المُهَاجَرَة عند العرب: خُروجُ البَدَوِيِّ من بَادِيَته إِلى المُدُن، يقال: هاجَرَ الرجلُ، إِذا فعل ذلك، وكذلك كلّ مُخْلٍ بمَسْكَنِه مُنْتَقِلٍ إِلى قومٍ آخَرين بسُكْنَاه فقد هاجَرَ قَومَه. وسُمِّيَ المُهَاجِرُون مُهاجِرين لأَنَّهُم تَرَكُوا دِيَارَهُم ومَساكِنَهُم التي نشأُوا بها لله، ولَحِقُوا بدَارٍ ليس لهم بها أَهْلٌ ولا مالٌ حينَ هاجَروا إِلى المَدينَة: فكُلُّ مَنْ فارَقَ بَلَدَه من بَدَويٍّ أَو حَضَريّ، أَو سَكَنَ بَلدًا آخَرَ، فهو مُهَاجِرٌ، والاسْمُ منه الهِجْرَة، قال الله عزّ وجلّ: {وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} وكلّ من أَقامَ من البَواديِ بمَبَادِيهم ومَحَاضِرهِم في القَيْظ ولم يَلْحَقُوا بالنَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يتَحَوَّلُوا إِلى أَمصار المُسْلمين التي أُحدِثَتْ في الإِسلام وإِنْ كانُوا مُسْلِمين فهم غيرُ مُهَاجِرين، وليس لهم في الفَىْءِ نَصيبٌ، ويُسَمَّوْن الأَعْرَابَ.
وفي البصائر للمصنّف: والهِجْرَانُ يكون بالبَدَن وباللّسَان وبالقَلْب، وقولُه تعالى {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ} أَي بالأَبْدان وقوله: {هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} أَي باللّسَان أَو بالقَلْب وقولَه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} محتمل للثلاثة، وقوله {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} حَثٌّ على المفارَقة بالوُجوه كلّها. والمُهاجَرَة في الأَصْل مُصَارَمةُ الغَيْرِ ومُتَارَكَتُهُ. وفي قَوْله تَعَالَى: (وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا) الخُروجُ من دارِ الكُفر إِلى دارِ الإِيمان. والهجْرَتانِ: هِجْرَةٌ إِلى الحبَشَة وهِجْرَةٌ إِلى المدينَة، وهذا هو المُرَاد من الهِجْرتَيْن إِذا أُطْلقَ ذِكرُهُما، قاله ابنُ الأَثير. والمُهَاجَرَة من أَرض: تَرْكُ الأَولَى للثانية، وذُو الهِجْرتَيْن من الصَّحابة: مَنْ هَاجَر إِلَيْهمَا. وفي الحديث: «لا هِجْرَةَ بعدَ الفَتْح ولكنْ جِهَادٌ ونِيَّة».
وفي حديثٍ آخَرَ: «لا تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حتى تَنْقَطِع التَّوْبَةُ».
انظر الجمع بينهما في النَّهَاية.
والهجرّ، كِفلِزٍّ: المُهاجَرَةُ إِلى القُرَى، عن ثَعْلَب وأَنشدَ:
شَمْطَاءُ جاءَتْ من بِلادِ الحَرِّ *** قدْ تَرَكَتْ حَيَّهْ وقالت حَرِّ
ثمَّ أَمالَتْ جانِبَ الخِمِرِّ *** عَمْدًا على جانِبِهَا الأَيْسَرِّ
تَحْسَبُ أَنَّا قُرُبَ الهِجِرِّ
ولَقيتُه عن هَجْر بالفَتْح؛ أَي بعد حَوْلٍ ونَحوِه، وقيل: الهَجْرُ: السَّنَةُ فصَاعِدًا، أَو بعدَ سِتَّةِ أَيّامِ فصَاعِدًا، أَو بعد مَغِيب أَيًّا كان، أَنشدَ ابنُ الأَعرابيّ:
لَمَّا أَتاهُمْ بعد طُولِ هَجْرِهِ *** يَسْعَى غُلامُ أَهْلِهِ ببِشْرِهِ
وقال أَبو زيد: لَقِيتُ فلانًا عن عُفْرٍ: بعد شَهْر ونَحْوه، وعن هَجْرٍ: بعدَ الحَوْل ونَحوه. وعنْ أَبي زيد: يقال للنَّخْلة الطَّويلة: ذَهَبَت الشَّجَرَةُ هَجْرًا؛ أَي طُولًا وعِظَمًا.
ونَخْلَةٌ مُهْجرٌ ومُهْجرَةٌ: طويلةٌ عظيمَةٌ. وقال أَبو حَنيفَة: هي المُفْرطة الطُولِ والعِظَمِ، وهذا أَهْجَرُ منه؛ أَي أَطْوَلُ منه، أَو أَضْخَمُ، هكذا في النُّسَخ، وهو نَصُّ التَّكْملَة. وفي بعض الأَصول: وأَعظَم. وناقَةٌ مُهْجرَةٌ: فائقَةٌ في الشَّحْم والسَّيْرِ. وفي التَّهْذيب: في الشَّحْم والسِّمَن، وقيل: ناقَةٌ مُهْجِرَةٌ، إِذا وُصِفَت بنَجابَةٍ أَو حُسْن.
والمُهْجرُ، كمُحْسِن: النَّجيبُ، الحَسَن الجَميلُ يَهْجُرُون بذِكره؛ أَي يَتَنَاعَتُونَه، يقال: بَعِيرٌ مُهْجِرٌ، من ذلك، قال الشّاعر:
عَرَكْرَكٌ مُهْجِرُ الضُّوبَانِ أَوَّمَهُ *** رَوْضُ القِذَافِ رَبِيعًا أَيَّ تَأْوِيمِ
والمُهْجِرُ: الجَيِّدُ الجَميل من كُلِّ شَيْءٍ، وقيل: الفَائقُ الفَاضلُ على غَيْره، قال:
لَمّا دَنَا مِنْ ذَات حُسْنٍ مُهْجِرِ
وقال أَبو زَيْد: يُقَال لكُلِّ شَيْءٍ أَفرَطَ في طُولٍ أَو تَمَامٍ وحُسْنٍ: إِنّه لمُهْجِرٌ. قال: وسَمعْت العربَ تَقُولُ في نَعْتِ كُلِّ شَيْءٍ جَاوزَ حَدَّه في التُّمَام: مُهْجِرٌ. قُلتُ: وإِنّما قيلَ ذلك في كُلّ ممّا ذُكِرَ لأَنّ وَاصِفَه يَخْرُج من حَدّ المُقَارِبِ الشَّكْلِ للمَوصوف إِلى صِفَة كَأَنَّه يَهْجُرُ فيها؛ أَي يَهْذِي.
كالهَجِر، ككَتفِ، هكذا في سائر النُّسَخ، وهو غَلَط، وصَوابُه: كالهَجِيرِ، كأَمير، ففي اللّسَان وغيرِه: والهَجِيرُ كالمُهْجِر، ومنه قَولُ الأَعْرَابيّة لمُعاويةَ حين قال لها: هلْ من غَدَاءٍ؟ فقالت: نَعمْ، خُبْزٌ خَمِيرٌ، ولَبَنٌ هَجيرٌ، وماءٌ نَمير. أَي فائقٌ فاضِل. والهاجِرِ، يقال: بعير هاجِرٌ، وناقَةٌ هاجِرةٌ؛ أَي فائقةٌ فاضِلة، والجَمْع الهَاجِرَات. قال أَبو وَجْزَةَ:
تُبَارِى بأَجْيادِ العَقيق غُدَيَّةً *** على هَاجِرَات حان منها نُزُولُهَا
وأَهْجَرَت النَّاقَةُ، هكذا في سائر النُّسَخ، ونَصُّ ابنِ دُرَيْد، على مَا في التكملة واللِّسان: أَهْجَرَت الجارِيَةُ، إِذا شَسَّتْ شَبَابًا حَسَنًا. وقال غَيْرُه: جاريةٌ مُهْجِرَةٌ، إِذا وُصفَت بالفَرَاهَةِ والحُسْن.
والهَجْرُ، بالفَتْح: الحَسَنُ الكَريمُ الجَيِّدُ، يقال: جَملٌ هَجْرٌ، وكَبْشٌ هَجْرٌ؛ أَي حَسَنٌ كَريمٌ، وقال الشاعر:
وماءٍ يَمَان دُونَه طَلَقٌ هَجْرُ
يقول: طَلَقٌ لا طَلَقَ مثله، كالهَاجِريّ، وهو الجَيِّدُ الحَسَنُ من كلّ شيءٍ. والهَجْرُ أَيضًا: الخِطَامُ، نقله الصاغانيّ. والهُجْرُ، بالضَّمِّ: القَبيح من الكَلام، والفُحْشُ في المَنْطق، والخَنَا، نقله الكسائيّ والأَصْمَعيُّ، كالهَجْرَاءِ، ممدودًا، نقله الصاغانيّ.
والهِجْرُ، بالكسر: الفائقَةُ والفَائِقُ في الشَّحْم والسَّيْر، من النُّوقِ والجِمالِ، نقله الصاغانيّ، يقال: ناقَةٌ هِجْرٌ مثْل مُهْجِرَةٍ.
وأَهْجَرَ في مَنْطقة إِهْجارًا وهُجْرًا، بالضّمّ، عن كُرَاع واللِّحْيَانيّ، والصحيح أَنْ الهُجْر بالضّمّ الاسْم من الإِهْجَار، وأَنّ الإِهْجَار المَصْدَر. وأَهْجَرَ به إِهْجَارًا:
اسْتَهْزَأَ به وقال فيه قولًا قَبيحًا، وقال هَجْرًا وبَجْرًا، وهُجْرًا وبُجْرًا، إِذا فَتَحَ فهو المَصْدر، وإِذَا ضَمَّ فهو الاسم. وتَكَلَّم بالمَهَاجِر؛ أَي الهُجْرِ من القَوْل، ورَمَاهُ بهَاجِرَاتٍ ومُهْجِرَات؛ أَي بفَضَائحَ، كذا في التَّهْذيب، وفي الأَساس: أَي بفَوَاحشَ، قال: والهَاجِرَاتُ: هي الكَلمَاتُ التي فيها فُحْشٌ، فهي من بابِ لَابِنٍ وتَامِرٍ.
والهُجْرُ أَيضًا: الهَذَيَانُ وإِكثارُ الكَلام فيما لا يَنْبغي.
يقال: هَجَرَ في نَوْمه ومَرَضِه يَهْجُرُ هُجْرًا، بالضمّ، وهِجِّيرَى، وإِهْجِيرَى، كلاهُمَا بالكَسْر: هَذَى. قال سيبويه: الهِجِّيرَى: كَثْرةُ الكَلَامِ والقَول السَّيِّئ، وقال اللَّيْثُ: الهِجِّيرَى: اسمٌ من هَجَرَ، إِذا هَذَى، وهَجَرَ المريضُ هَجْرًا فهو هاجِرٌ، وهَجَرَ به في النَّوم هَجْرًا: حَلَمَ وهَذَى، وفي التَّنْزيل {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ} قال الأَزهريّ: قرأَ ابنُ عَبّاس: تُهْجِرُون، من أَهْجَرْتُ، من الهُجْر وهو الإِفْحَاش، وقال الفرّاءُ: وإِنْ قُرئَ تَهْجُرُونَ، جُعِل من قَوْلك: هَجَرَ الرّجلُ في مَنَامه، إِذا هَذَى، وقال أَبو عُبَيْد: هو مِثْل كَلامِ المَحْمُوم والمُبَرْسَمِ؛ والكَلامُ مَهْجُورٌ، وقد هَجَرَ المَريضُ. ورُوِيَ عن إِبراهيمَ في قوله عَزّ وجلّ: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} قال: قالوا فيه غَيْرَ الحقّ. أَلم تَرَ إِلى المَريض إِذا هَجَرَ قال غَيْرَ الحقِّ. وعن مُجَاهِدٍ نَحوُه.
ويُقَال: هذا هِجِّيراهُ وإِهْجِيرَاهُ وإِهْجِيرَاؤُه، بالمد والقَصْر، وهِجِّيرُه، كسِكِّيتٍ، وأُهْجُورَتُه، بالضمّ، وهِجْرِيّاهُ وإِجْرِيّاه؛ أَي دَأْبُه ودَيْدنُه وشَأْنُه وعادَتُه. وفي التَّهْذِيب: هِجِّيرَى الرّجلِ: كلامُه ودَأْبُه وشأْنُه. قال ذو الرُّمَّة:
رَمَى فأَخْطَأَ والأَقْدَارُ غالِبَةٌ *** فانْصَعْنَ والوَيْلُ هِجِّيرَاهُ والحَرَبُ
وفي الصّحاح: الهِجِّيرُ مِثَالُ الفِسِّيق: الدَّأْبُ والعَادَة، وكذلك الهِجِّيرَى والإِهْجِيرَى، وفي حديث عُمر رضي الله عنه: «ما لَهُ هِجِّيرَى غَيرُها» هي الدَّأْبُ والعَادةُ والدَّيْدَن.
ويقال: ما عنْدَه غَناءُ ذلك ولا هَجْرَاؤُهُ، بمعنًى واحدٍ.
والهَجِيرُ، كأَمِيرٍ: والهَجِيرَةُ بزيادة الهاءِ، والهَجْرُ، بالفتْح، والهاجِرَةُ: نِصْفُ النَّهارِ عندَ زَوالِ الشَّمْسِ مع الظُّهْر، أَو من عند زَوَالِهَا إِلى العَصْر، سُمِّيَ بذلك لأَن الناسَ يَسْتَكِنُّون في بُيوتِهم كأَنَّهم قد تَهَاجَرُوا، وحَكَى ابنُ السِّكِّيت عن النَّضْر أَنّه قال: الهَاجرَةُ إِنّمَا تكون في القَيْظ وهي قَبْلَ الظُّهرِ بقَليل وبَعْدَه بقَليل، وقال أَبو سَعِيد: الهَاجِرَةُ من حين تَزولُ الشّمْسُ، والهُوَيْجرَةُ بعدها بقليل.
أَو شِدَّةُ الحَرّ في كُلّ ذلك. وفي الصّحاح: هو نِصْف النَّهار عندَ اشْتدادِ الحَرِّ. قال ذُو الرُّمَّة:
وبَيْداءَ مِقْفَارٍ يَكادُ ارْتكاضُها *** بآلِ الضُحَى والهَجْرُ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ
وهَجَّرْنَا تَهْجيرًا، وأَهْجرْنَا، وتَهَجَّرْنَا: سِرْنَا في الهاجرَة. الأَخيرَةُ عن ابن الأَعْرَابيّ وأَنْشَد:
بأَطْلاحِ مَيْسٍ قد أَضَرَّ بطِرْقِهَا *** تَهَجُّرُ رَكْبٍ واعتِسَافُ خُرُوق
وفي حديث زَيْدِ بن عَمْرو: «وهل مُهَجِّرٌ كمَن قَالَ؟»؛ أَي هَلْ مَنْ سارَ في الهَاجِرَة كمَنْ أَقامَ في القائلة؟ وتقول منه: هَجَّرَ النّهَارُ، قال امرؤُ القَيْس:
فدَعْهَا وسَلِّ الهَمَّ عنكَ بجَسْرَةٍ *** ذَمُولٍ إِذا صام النّهارُ وهَجَّرَا
وتقول: أَتينَا أَهلَنَا مُهْجِرين، كما يُقَال: مُوصِلين أَي في وَقتِ الهَاجِرة والأَصِيل. وقال الصّاغَانيّ تبعًا للأَزهريّ: التَّهْجِيرُ في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مرفوع: «المُهَجِّرُ إِلى الجُمُعَة كالمُهْدِي بَدَنَةً» قال الأَزْهَريّ: يَذْهب كثيرٌ من الناس إِلى أَنّ التَّهجِير في هذه الأَحاديثِ، من المُهاجَرَة وَقتَ الزَّوالِ، قال: وهو غَلطٌ، والصّواب فيه ما رَوَى أَبو دَاوُودَ المَصاحفيّ عن النَّضر بن شُمَيلْ أَنّه قال: التَّهْجير إِلى الجُمُعة وغيرِها: التَّبْكيرُ والمُبادرةُ إِلى كلّ شيْءٍ، قال: سَمعتُ الخَلِيل يقول ذلك، قال الأَزهريّ: وهذا صحيحٌ، وهي لُغَةٌ أَهلِ الحجَاز ومَنْ جاوَرَهم من قَيْس، قال لَبيد:
رَاحَ القَطِينُ بهَجْرٍ بعدَ ما ابْتَكَرُوا
فَقَرَنَ الهَجْرَ بالابْتكَار، والرَّوَاحُ عندهم الذَّهَابُ والمُضِيُّ، يقال: راحَ القَوْمُ؛ أَي خَفُّوا وَمَرُّوا أَيَّ وَقْتٍ كان.
وقَوْله صلى الله عليه وسلم: «ولوْ يَعْلَمُونَ، وفي روايَة: لو يَعْلَمُ النّاسُ، مَا في التَّهْجير لاسْتَبْقُوا إِليه» بمَعْنَى التَّبْكير إِلى جميع الصَّلَوَات، وهو المُضِيُّ إِليها في أَوَائلِ أَوْقَاتِهَا. قال الأَزهريّ: وسائرُ العَرَب يَقُولُون: هَجَّرَ الرّجلُ، إِذا خَرَجَ بالهاجِرة، وهي نِصْفُ النَّهَارِ، ويقال: أَتيتُه بالهَجير وبالهَجْر، وأَنْشدَ الأَزهريُّ عن ابن الأَعْرابيّ في نَوَادِره قال: قال جِعْثِنَةُ بنُ جَوّاس الرَّبَعيّ يُخَاطِب نَاقَتَه:
وتَصْحَبِي أَيَانِقًا في سَفْرِ *** يُهَجِّرُون بهَجِيرِ الفَجْرِ
أَي يُبَكِّرون بوَقْتِ الفَجْر. زاد الصاغانيّ: ولَيْسَ التّهجيرُ في هذين الحَديثَين من الهاجِرَة في شيءٍ.
والهَجِيرُ، كأَمير: الحَوْضُ العَظيمُ، وقال:
يَفْرِي الفَرِيَّ بالهَجِيهر الواسعِ
الجمع: هُجُرٌ، بضمَّتَيْن، وعَمّ به ابنُ الأَعرابيّ فقال:
الهَجِيرُ: الحَوضُ، وفي التَّهْذيب: الحَوضُ المَبْنَيّ، قالت خَنْسَاءُ تَصِف فرسًا:
فمَالَ في الشَدِّ حَثِيثًا كمَا *** مَالَ هَجِيرُ الرَّجُلِ الأَعْسَرِ
تَعِني بالأَعْسَر الذي أَساءَ بِنَاءَ حَوْضِه فمَالَ فانْهدَم، شَبّهت الفرسَ حينَ مالَ في عَدْوِه وجَدّ في حُضْرِه بحَوضٍ مُلِيءَ فانْثَلَمَ فسالَ ماؤُه.
والهَجِيرُ: ما يَبِسَ من الحَمْض، وفي الصّحاح: يَبِيسُ الحمْضِ الذي كَسَرتْه المَاشِيَةُ وهُجِرَ؛ أَي تُرِك. قال ذُو الرُّمّة:
ولم يَبْقَ بالخَلْصاءِ ممّا عَنَتْ به *** من الرُّطْب إِلّا يَبْسُهَا وهَجيرُهَا
والهَجِيرُ: الغَليظُ الضَّخْمُ من حُمُر الوَحْشِ، والهَجِير: القَدَحُ الضَّخْمُ، نقله الصّاغَانيّ. والهَجيرُ: ماءٌ، وفي التكملة: ماءَةٌ لبنِي عِجْل، بن لُجَيْم، بينَ الكُوفَةِ والبَصْرَة، نقله الصّاغانيُّ، وقيل: مَوضعٌ.
ومن المَجاز: الهَجيرُ: الفَحْلُ الفادِرُ السَّمين الجَافِرُ من الضِّرَاب، يقال: هَجَرَ الفَحْلُ، إِذا تَرَك الضِّرَابَ، كقَوْلهم: عَدَلَ الفَحْلُ، كما في الأَساس. والهَجِيرُ: اللَّبَنُ الخَاثِرُ، هكذا في سائر النُّسخ، والصَّواب فيه: اللَّبَن الفائقُ الجَيِّدُ، وفي الكِفَايَة: الهَجِير: اللَّبَنُ الجَيِّدُ، وقد تقدَّم في شرْح قَولِ الأَعرابيّة لمعاويَةَ. ولم يَذكُر أَحدٌ من الأَئمَّة أَنَّ الهَجِير هو الخاثِرُ من اللّبن، وما عَلِمْت للمُصنِّف في ذلك قُدْوَة، فتأَمّلْ.
ومن المَجاز: قَوْسٌ قَوِيَّة الهِجَار، ككِتَابٍ؛ أَي الوَتَر، قاله الزّمخشري. والهِجَار: خاتَمٌ كانَت الفُرْسُ تتَّخذه غَرَضًا؛ أَي هَدَفًا، عن ابن الأَعْرَابيّ، وأَنشد للأَغْلَب العِجْليّ:
ما إِنْ عَلمْنَا مَلِكًا أَغارَا *** أَكْثَرَ منه قِرَةً وَقَارَا
وفارِسًا يَسْتَلِبُ الهِجَارَا
قال: يَصِفه بالحِذْق.
والهِجَارُ: الطَّوْقُ، والتَّاجُ. والهِجَارُ: حَبْلٌ يُشَدُّ في رُسْغِ رِجْلِ البَعِير ثمّ يُشَدُّ إِلى حَقْوِه إِنْ كان عُرْيانًا، وإِنْ كان مَوْصُولًا، هكذا في النُّسخ وهو غَلَطٌ وصَوابُه. وإِنْ كان مَرْحولًا شُدَّ إِلى الحَقَب. وقيل: هو حَبْلٌ يُعْقَد في يَدِه ورِجْله في أَحَدِ الشِّقَّيْن وربّمَا عُقِدَ في وَظِيف اليَدِ، ثمّ حُقِبَ بالطّرَف الآخَر، وهَجَرَ بَعِيرَ هـ يَهْجُره هَجْرًا، بالفَتْح، وهُجُورًا، بالضّمّ: شَدَّه به. وقال الجَوْهريّ: المَهْجُورُ: الفَحْلُ يُشَدُّ رَأْسُه إِلى رِجْله. وقال اللَّيْثُ: تُشَدُّيَدُ الفَحْل إِلى إِحْدَى رِجْلَيْه، يقال؛ فَحْلٌ مَهْجُورٌ. قال: والهِجَارُ مُخالِفُ الشِّكالِ. قال الأَزهريّ: وهذا الذي حَكاه اللَّيْثُ في الهِجَار مُقَارِبٌ لمَا حَكَيْتُه عن العَرَب سَمَاعًا، وهو صَحِيحٌ إِلّا أَنّه يُهْجَرُ بالهِجَار الفَحْلُ وغيرُه.
وقال أَبو الهَيْثَم: قال نُصَيْرٌ: هَجَرْتُ البَكْرَ، إِذا رَبَطْت في ذِرَاعِه حَبْلًا إِلى حَقْوِه وقَصَّرْته لئلّا يَقْدِرَ على العَدْوِ.
وقال الأَزهريّ: والذي سَمِعتُ من العَرب في الهِجَار أَن يُؤخَذ فَحْلٌ ويُسَوَّى له عُرْوتَان في طَرَفَيه وزِرّانِ، ثمّ تُشَدّ إِحدَى العُرْوَتَيْن في رُسْغِ رِجْلِ الفَرَسِ وتُزَرُّ، وكذلك العُرْوة الأُخْرَى في اليَدِ وتُزَرّ، قال: وسَمِعتُهم يقولون: هَجِّرُوا خَيْلَكم، وقد هجَّرَ فُلانٌ فَرَسَه.
والهَجِرُ، ككَتِف، الذي يَمْشِي مُثْقَلًا ضَعِيفًا مُتقارِبَ الخَطْوِ، قاله ابن الأَعْرابيّ، وأَنشدَ قَولَ العَجّاج:
وغِلْمَتى منهم سَحِيرٌ وبحِرْ *** وآبِقٌ مِن جَذْب دَلْوَيْهَا هَجِرْ
قال: كأَنّه قد شُدَّ بهِجَار لا يَنْبَسِط ممّا به من الشّرّ والبَلاءِ، وفي المحكم: وذلك من شِدَّة السَّقْي.
وهَجَر، محرَّكَةً: د، باليَمن بينه وبينَ عَثَّرَ يَومٌ ولَيْلةٌ من جهة اليَمن، مُذكّر مَصروفٌ وقد يؤنّث ويُمْنع، قال سِيبَوَيْه: قد سَمعْنا من العَرَب مَنْ يقول: كجالب التَّمْر إِلى هَجَرٍ يا فَتَى، فقَوله: يا فَتى، من كلام العَرَبيّ، وإِنّما قال يا فَتى لَئلّا يَقِفَ على التَّنْوين، وذلك لأَنه لو لَمْ يَقُل له يا فَتَى لَلَزمه أَن يقول: كجالب التَّمْر إِلى هَجَر، فلم يكن سيبوَيْه يَعرف من هذا أَنّه مَصْروف أَو غَيْرُ مصروف، والنِّسْبَةُ هَجريٌّ، على القيَاس، وهاجِريٌّ، على غَيْر قياسٍ، كما قيل: حارِيّ بالنِّسبة إِلى الحِيرَة، قال الشاعر:
ورُبَّتَ غارَةٍ أَوْضعْتُ فيهَا *** كسَحِّ الهَاجِرِيّ جَرِيمَ تَمْرِ
وقال عَوْفُ بنُ الخَرعِ:
يَشُقّ الأَحِزّةَ سُلَّافُنَا *** كمَا شَقَّقَ الهاجِريُّ الدِّبَارَا
وهَجَرُ: اسمٌ لجميع أَرْض البَحْرَيْن. وقال ابن الأَثير:
بَلدٌ مَعروفْ بالبَحْرَيْن، وقال غَيرُه: هو قَصَبةُ بلادِ البَحْرَيْن، منه إِلى يَبْرِينَ سبعةُ أَيَّام، ومنه المَثَلُ: «كمُبْضِعِ تَمْرِ إِلى هجرَ»: ذكره الجوهريّ، وهو كقولهم: «كجَالِبِ الدُّرّ إِلى البَحْر» ومنه أَيضًا قولُ عُمَرَ رضي الله [تعالى] * عنه: «عجبْتُ لتاجِرِ هَجَرَ، وراكِبِ البَحر» كأَنّه أَراد لكَثرةِ وَبَائه أَو لرُكُوب البَحْر، وقال ابن الأَثير: وإِنّمَا خَصَّها لكثْرة وَبَائَها؛ أَي تَاجِرُها وراكِبُ البَحْرِ سَواءٌ في الخَطَر. وكلامُ المُصنّف غَيْرُ مُحرّرٍ هنا.
وهَجُر: قرية، كانَتْ قُرْبَ المَدِينَة المُشرّفة، إِليها تُنْسَبُ القِلَالُ الهَجَرِيَّة وقد جاءَ ذِكْرَها في حَديثِ المِعْراجِ، أَو أَنّهَا تُنْسَب إِلى هَجَرِ اليَمَنِ وفيه اختلافٌ. وهَجَرُ: حِصَّةٌ، هكذا في سائر النُّسخ، والصّواب كما في المعجم وغيرِه: هَجَرُ: حِصْنَةٌ، بكَسَر فسُكُونٍ فنون مفتوحة، من مِخْلافِ مَازِنٍ، والهَجَر بلُغة حِمْير: القَرْيَة.
والهَجَرَانِ: قَرْيَتَانِ مُتقابلَتان في رأْسِ جَبَلٍ حَصينٍ قُرْبَ حَضْرَمَوْتَ تَطلُع إِليه في مَنْعَة من كُلّ جانب. يُقَال لإِحداهُمَا: خَيْدُونُ وخَوْدُونُ، وللأُخْرَى: دَمُّونُ، قال الحَسَنُ بن أَحمدَ بن يَعْقُوب اليَمَنيّ: وساكن خَوْدُونَ الصَّدِفُ، وساكن دَمُّونَ بنو الحارث بن عَمْرٍو المقْصُورِ بن حُجْرٍ آكلِ المُرَار، وفيها يَقُولُ المرؤُ القَيْس:
كأَنِّيَ لمْ آلَهْ بدَمُّونَ مَرَّةً *** ولمْ أَشْهَدِ الغاراتِ يَومًا بعَنْدَل
وكُلُّ رَجُلٍ مِن هاتَيْن القَرْيَتَيْن مُطِلٌّ على قَلْعته، ولهم غيل يصُبُّ من سفْح الجَبَل يَشْرَبُونه وزُروعُ هذه القرى النَّخْل والذُرَة والبُرُّ، وفيهما يَقُولُ المُتَمَثِّل: الهَجَران كفّة بكفّة، بها الدَّبْر مُحتَفّه. الدَّبْرُ عندهم: الزَّرْعُ. ويقال: مَا بَلَدُه إِلَّا هَجَرٌ من الأَهْجَار؛ أَي خِصْبٌ، نقله الصاغانيّ.
وهاجِرُ بكسر الجيم: قَبيلَةٌ من ضَبَّة، أَنشد ابن الأَعرابيّ:
إِذا تَرَكَتْ شُرْبَ الرَّثِيئةِ هاجرٌ *** وهكَّ الخَلايَا لم تَرِقَّ عُيُونُهَا
وأَمَّا هاجَرُ، بفَتْح الجيم، فإِنها أُمُّ إِسماعيلَ صلَّى الله على نَبيّنا وعليه وسلَّم، ويقالُ لها: آجَرُ أَيضًا، وقد تَقدّم في مَوضعه. وفي اللسان: هاجَرُ: أَوَّلُ امرأَةٍ جَرَّت ذَيْلها وثَقَبَت أُذُنَيْهَا، وأَوّل من خُفِضَ. قال: وذلك أَنّ سارَّةَ غَضِبَت عَلَيْهَا فحلَفت أَن تَقطعَ ثلاثةَ أَعضاءٍ مِن أَعْضائها، فأَمرَها إِبراهيمُ عليهالسلام أَنْ تَبَرَّ قَسَمَهَا بثَقْب أُذُنَيْهَا وخَفْضِها، فصارَت سُنَّةً في النساءِ.
والهَجْرُ، بالفَتْح، جاءَ ذِكْرُه في شِعر، قاله الحازميّ.
والهُجَيْرُ كزُبَيْر. موضعَان.
والهاجِريُّ: البَنّاءُ، كأَنّه مَنْسُوبٌ إِلى هَجَر، مأْخُوذٌ من قَوْل الشَّاعر الذي تقدّم ذِكْره عند ذِكْرِ هاجِريّ.
والهاجِرِيُّ أَيضًا: مَنْ لَزِمَ الحَضَرَ، وهذا على حَقيقَته، فإِنّ الهِجْرَة عندهم هي الانتقَال من البَدْوِ إِلى القُرَى، كما تقدّم.
والهَجُورِيّ، بالفَتْح: اسمُ الطَّعَام الذي يُؤْكَلُ نِصْفَ النَّهَارِ، قال الأَزْهَريّ: سَمِعْتُ غيرَ واحدٍ من العَرَب يقول هكَذَا.
والتَّهَجُّرُ، التَّشَبُّه بالمُهَاجِرين، ومنهقَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه: «هاجِرُوا ولا تَهَجَّرُوا» قال أَبو عُبيْد: يقول: أَخْلِصُوا الْهجْرَة للهِ تعالَى ولا تَشَبَّهُوا بالمُهَاجِرين على غيرِ صِحَّةٍ منكم، فهذا هو التَّهَجُّر، وهو كقولك: فُلانٌ يَتَحلَّم وليس بحليم؛ أَي أَنّه يُظْهر ذلك وليس فيه.
وهجْرَةُ البُحَيْحِ، كزُبيْر: قُرْبَ صَنْعَاءِ اليمَنِ، نقله ياقُوت في المُعْجَم، وهَجْرَةُ ذي غَبَبٍ، مُحَرَّكةً وضَبَطه الصّاغَانيّ كصُرَد، قُرْبَ ذَمَارِ باليمَن، نقله ياقُوت. ثم إِنّ مُقْتَضَى سِياق المصنِّف أَنهما بالفتح، ورأَيْتُ الصّاغَانيّ قد ضَبطهما بالكَسْر بخطّه مُجَوّدًا، وهو المشهور على الأَلْسنة.
وذو هَجَرَانَ، الحِمْيَريّ، مُحَرّكةً، هو ابنُ نُسْمَى، بضَمّ النّون وسكون السِّين المهملة مقصور، من بَنِي مِيتَمٍ بن سَعْدٍ، كمِنْبر، من الأَذواءِ، وهو من الأَقْيَال.
ويقال: عَدَدٌ مُهْجِرٌ، كمُحْسِن؛ أَي كَثيرٌ، قال أَبو نُخَيْلَةَ السّعديّ:
هذَاكَ إِسحاقُ وقِبْصٌ مُهْجِرُ
قال الصاغَانيّ: هكذا أَنشدَه الأَزْهَريّ، وفي رَجزه: مُجْهِر، على القَلْب. وإِسحاق هو ابن مُسْلِم العُقَيْليُّ.
والمُتَهجِّرُ: فَرسُ عَبْدِ يَغُوثَ بن عَمْرِو بن مُرَّةَ بن هَمّام.
والهُجَيْرَةُ: تصغير الهَجْرَة بالفَتْح: وهي السَّنَةُ التامَّةُ، قاله ابن الأَعرابيّ. هكذا نَقلَه الصّاغانيّ عنه، كما رأَيتُه في التّكْملَة، وتَبِعَه المُصَنِّف، وهو تَصحيفٌ قَبيحٌ، وصَوَابُه على ما هو في التَّهْذيب للأَزْهَريّ نَقلًا عن ابن الأَعْرَابيّ.
والهُجَيْرَة: تصغير الهَجْرَة وهي السَّمينَةُ التامّة.
* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:
الهَجْرُ: تَرْكُ ما يَلزَمُك تَعَاهُدُه، قاله اللَّيْث. والمُهَاجَرَة في الذِّكْر: تَرْكُ الإِخلاص فيه، فكأَنّ قَلبه مُهَاجِرٌ للسَانِه، ومنهالحديث: «ومِنَ الناس مَنْ لا يَذْكُر اللهَ إِلَّا مُهاجِرًا»، يريد هِجْرَانَ القلْبِ.
وهَجَرَه: أَغْفَلَه.
ومُهَاجَرُ إِبراهيمَ، بفَتْح الجيم: الشَّامُ. ومنهالحَديثُ: «سيَكُون هِجْرةٌ بعد هِجْرَةٍ، فخِيَار أَهلِ الأَرضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبراهيمَ» وإِنما أُضِيف إِليه لأَنه عليهالسلام لمَّا خَرَجَ من أَرضِ العراقِ مَضَى إِلى الشّامِ وأَقام به. وهذا المكانُ أَهْجَرُ من هذا؛ أَي أَحْسَنُ، حكاه ثَعْلَب.
وأَنشد:
تَبدَّلْتُ دارًا مِن دِيَارِك أَهْجَرا
قال ابنُ سيده: ولم نَسمع له بفِعْل، فعسَى أَن يكون من بابِ أَحْنَكِ الشّاتَيْن، وأَحْنَكِ البَعيرَيْن.
وقال هُجْرًا وبُجْرًا؛ أَي فُحْشًا.
وهَجَرَ به في النّوْم يَهْجُرُ هَجْرًا: حَلَمَ.
والهَوَاجِرُ: جمْع هُجْر بمعنى الفُحْش، على غير قياس، وهو من الجموع الشّاذّة، كأَنّ وَاحدَهَا هاجِرةٌ، كما قالوا في جَمْع حاجَةٍ، حَوَائجُ، كأَنَّ وَاحدَها حائجَة، قالَه ابنُ جنّي وأَنشد:
وإِنَّكَ يا عَامِ ابنَ فارِسِ قُرْزُلٍ *** مُعِيدٌ على قِيلِ الخَنَا والهَوَاجِرِ
قال ابنُ بَرِّيّ: البَيْتُ لسلَمَةَ بن الخُرْشُب الأَنْماريّ يُخَاطِبَ عامِرَ بن الطُّفَيْل. وقُرْزُل: اسم فرسٍ للطُّفَيْل.
والمُعيدُ: الذي يُعَاوِدُ الشّيءَ مرّةً بعد مرَّةٍ. قال: والصَّحيح في الهَوَاجِر أَنَّهَا جمْع هاجِرَةٍ بمعْنَى الهُجْرِ، ويَكُون من المَصَادر التي جَاءَت على فاعِلَة، مثل العَاقِبَة والكاذِبَة والعافِيَةِ، قال: وشاهِد هاجِرَة بمعنَى الهُجْرِ قَوْلُ الشّاعر، أَنشده المفضّل:
إِذا مَا شِئْتَ نالَكَ هَاجِرَاتِي *** ولَمْ أُعْمِلْ بِهنَّ إِليكَ ساقِي
فكما جُمِعَ هاجرَةٌ على هَاجِراتٍ جمْعًا مُسَلَّمًا كذلك يُجْمَع هاجِرَةٌ على هَوَاجِرَ جمْعًا مُكَسَّرًا.
وهِجِّيرَى الرَّجُلِ: كَلامُه، قاله الأَزهريّ.
وصَلاةُ الهَجِيرِ، كأَمير: صَلاةُ الظُّهْرِ، وفي الحَديث: «أَنّه كان يُصَلِّي الهَجِير حينَ تَدْحَضُ الشَّمسُ» على حَذْف مُضَاف، وقد هَجَّرَ النَّهارُ فهو مُهَجِّر. وقال اللَّيْثُ أَهْجَرَ القومُ، إِذا صاروا في ذلك الوَقت، وهجَّرُوا، إِذا سارُوا في ذلك الوَقْت.
والهُوَيْجرَةُ، بعد الهاجرةِ بقليل، قاله السُّكَّريّ.
والهجِير، كأَمير: المَتْرُوكُ، وقد هُجِرَ إِذا تُرِكَ، نقلَه ابنُ القَطّاع.
والهَجْرُ، بالفَتْح، والهَجِير، كأَمير: مَوضِعان، وهما غيرُ المَوْضِعَين اللَّذَيْن ذَكَرهُمَا المُصَنّف.
والهَجَرُ، محرّكةً: مَوضعٌ، عن ابن دُريد، قال الصّاغانيّ: وهو غيرُ هَجَر الذي لا تدخله الأَلفُ واللامُ.
وأَهْجَرَت الحامِلُ: عَظُمَ بطْنُها، نقلَه ابنُ القطّاع.
وهِجْرةُ القِيرِيّ: من أَعمالِ كَوْكَبَانَ، وقد تقدّم ذِكرها في ق ي ر.
وهاجِرُ بن عبد مَنَاف الخُزَاعيّ، بكسر الجيم، وبنْتُه لُبْنَى بنت هاجِرِ أُمُّ أَبي لَهَب، ذكره السُّهَيْليّ في الروض، ونقله الشّاميّ في السِّيْرة. وهاجِرُ بن عُرَيْبَة في نَسبِ عبد الرحمن بن رُمَاحِس الكِنَانيّ، بكَسْر الجيم أَيضًا. وهذا نَقَلَه الحافظُ في التَّبصير.
وهِجَارُ بنُ وَبَيْر بن أَبي دُعيْج، ككِتَاب، بطْنٌ من بني الحَسَن بن عليّ رضي الله عنه.
والإِمَام أَبو الحسن عليّ الهُجْويريّ بالضَّمّ، مُؤَلفّ «كشف المَحْجُوب» والمَدْفُونُ بلاهورَ، من قُدَماءِ المَشَايخ، كأَنّه إِلى هُجْويرة قَريةٌ من مُضَافَات غَزْنِينَ. فليُنظرْ.
والهَجَرَانِ، محرّكَة: اسمٌ للمُشَقَّر وعَطَالَةَ، حِصْنَانِ باليَمامة، وهما غير اللَّذَيْن ذكرَهما المُصنّف.
ومَهْجُورٌ: اسمُ مَاءٍ في نوَاحِي المَدينة.
ومَهْجَرَةُ: بَلدةٌ في أَوَّلِ أَعمالِ اليَمَن، بينَها وبين صَعْدَةَ عِشْرون فَرسَخًا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
42-تاج العروس (قس قسس قسقس)
[قسس]: القسّ، مُثلَّثةً: تَتَبُّعُ الشَّيْءِ وطَلَبُه، والصاد لغةٌ فيه كالتَّقَسُّسِ.والقسُّ: النَّمِيمَةُ، ونَشْرُ الحَدِيث، وذِكْرُ النّاسِ بالغِيبَةِ، قال اللِّحْيَانيُّ: يقَالُ للنَّمّام: قَسّاسٌ وقَتّاتٌ وهَمّازٌ وغَمّازٌ ودَرّاجٌ.
ويقَال: فُلانٌ قَسُّ إِبلٍ، بالفَتْح؛ أَي عَالِمٌ بهَا، قال أَبو حَنِيفَةَ رحمَه الله تَعَالَى: هو الّذِي يَلِي الإِبلَ لا يفَارِقُهَا. وقال أَبو عُبَيْدٍ وأَبو عَمْرٍو؛ هو صاحِبُ الإِبل الّذِي لا يُفارقُها، وأَنشَدَ لأَبي محَمَّدٍ الفَقْعَسيّ:
يَتْبَعُهَا تِرْعِيَّةٌ قَسٌّ وَرَعْ *** تَرَى برِجْلَيْه شُقُوقًا في كَلَعْ
لم تَرْتَمِي الوَحْشُ إِلى أَيْدِي الذَّرَعْ
والقَسُّ: رَئيسُ النَّصَارَى في الدِّين والعِلْم، وقيلَ: هو الكَبيرُ العالِمُ، قالَ الراجزُ:
لَوْ عَرَضَتْ لِأَيْبليٍّ قَسِّ *** أَشْعَثَ في هَيْكَلِهِ مُنْدَسِّ
حَنَّ إِلَيْهَا كحَنِينِ الطَّسِّ
كالقِسِّيس، كسِكِّيتٍ، ومَصْدَره القُسُوسَةُ، بالضّمِّ، والقِسِّيسَةُ بالكسر، هكذا في سائر النُّسَخ والصَّواب: القِسِّيسِيَّة، وهو هكذا في نَصِّ اللَّيْث. الجمع: القَسِّ قُسُوسٌ، بالضَّمِّ.
وجَمْع القِسِّيس قِسِّيسُونَ، ونَقَلَه الفَرّاءُ في كتاب «الجَمْع والتَّفْريق»، قال: يُجْمَع القِّسِيسُ أَيضًا على قَسَاوِسَة، على غير قِياسٍ، كمَهَالِبَةٍ في جَمْع المُهَلَّب.
كَثُرَت السِّيناتُ فأَبْدَلُوا مَن إِحداهنَّ وَاوًا فقالُوا: قَسَاوِسَةٌ، كما هو. هكذا في بَعْض النُّسَخ، ومِثْلُه في التَّكْملَة، قال الفَرّاءُ: وربّما شُدِّدَ الجَمْعُ ولم يُشَدَّد وَاحدُه، وقد جَمَعَت العَرَبُ الأَتُّونَ أَتَاتِينَ، وأَنْشَدَ لأُمَيَّةَ بن أَبي الصَّلْت:
لَوْ كَانَ مُنْفَلِتٌ كَانَتْ قَسَاقِسَةً *** يُحْيِيهمُ الله في أَيْدِيهمُ الزُّبُرُ
هكذا رَوَاه الأَزْهَريُّ، ورواه الصّاغَانيُّ: «قَسَاوِسَة».
والقَسُّ: الصَّقِيعُ، قيل: وإِليه نُسِبَت الثِّيَابُ القَسِّيَّةُ، لبَياضِه.
والقَسُّ: لَقَب عَبْد الرَّحْمن بن عَبْد الله. ويقَال: عبد الله بنُ عَبْد الرّحْمن بن أَبي عَمّارٍ المَكِّيِّ العابِد التّابِعيِّ الَّذِي كانَ هَوِيَ سَلاَّمَةَ المُغَنِّيَةَ ثم أَنابَ، ولُقِّبَ به لعِبَادَتِه.
والقَسُّ: إِحْسَانُ رَعْيِ الإِبلِ، كالتَّقْسِيس، ويقَالُ هو قَسٌّ بهَا، للعَالِم بها، كما تَقدَّم.
والقَسُّ: السَّوْقُ، عن أَبي عُبَيْدَةَ، كالقَسْقَسَة، يقَال: قَسَّ الإِبلَ يَقُسُّها قَسًّا، وقَسْقَسَهَا: سَاقَهَا، وقيلَ: همَا لِشِدَّةِ السَّوقِ.
والقَسُّ؛ موضع، بَيْنَ العَرِيشِ والفَرَماءِ، مِن أَرْضِ مِصْرَ بينَهَا وبَيْنَ الفرَماءِ سِتَّةُ بُرُدٍ في البَرِّ تَقْرِيبًا، وقالَ بَعْضُهُم: دونَ ثلاثِينَ مِيلًا، وهوَ على ساحِلِ بحرِ الْمِلْحِ، فيما بين السَّوَادَةِ والوَارِدَةِ، وقد خَرِبَ مِن زمَانٍ، وآثارُه باقِيَةٌ إِلى اليَوْمِ، وهناك تَلٌّ عَظِيمٌ من رَمْلٍ خارِجٍ في البَحْر الشامِيّ، وبالقُرْب مِن التَّلِّ سِبَاخٌ يَنْبُتُ فيه الْمِلحُ تَحْمِله العُرْبَانُ إِلى غَزَّةَ والرَّمْلَةِ، وبِقُرْبِ هذا السِّبَاخِ آبارٌ تَزْرَع عِنْدَها العُربانُ مَقَاثِئ تِلْكَ البَوَادِي. كذا في تاريخِ دِمْيَاطَ.
ومنه الثِّيَابُ القَسِّيَّةُ، وهي ثِيَابٌ مِن كَتَّانٍ مَخْلوطٍ من حَرِيرٍ كانَتْ تُجْلَب مِن هُناكَ، وقد وَرَدَ النَّهْيُ عن لُبْسِهَا، وقد يُكسَرُ القَافُ، وهكذا يَنْطِق به المُحَدِّثون، وأَهلُ مِصْرَ يَقُولُونه بالفَتْحِ، وقال أَبو عُبَيْدٍ: هو القَسِّيُّ، مَنسوبٌ إِلى بلادٍ يُقَال لها: القَسُّ، قال: وقد رَأَيْتُهَا، ولم يَعْرِفْها الأَصْمَعِيُّ. أَو هي القَزِّيَّةُ، مَنسوبٌ إِلى القَزِّ، وهو ضَرْبٌ مِن الإِبْرِيَسم فأُبْدِلت الزّايُ سِينا، عن شَمِرٍ، قال رِبيعَةُ بنُ مَقْرُوم:
جَعَلْنَ عَتِيقَ أَنْمَاطٍ خُدُورًا *** وأَظْهَرْنَ الكَرَادِيَ والعُهُونَا
عَلَى الأَحْدَاجِ واسْتَشْعَرْنَ رَيْطًا *** عِرَاقِيًّا وقَسِّيًّا مَصُونَا
وقِيلَ: هو مَنْسُوبٌ إِلى القَسِّ، وهو الصَّقِيعُ، لِنُصُوعِ بَيَاضِه، وقد تَقَدَّم. والقَسُّ: سَاحِلٌ بأَرْضِ الهِنْدِ، وهو مُعَرَّبُ كَشّ، أَو قَصّ، كما يأْتِي في الصّادِ.
ودَيْرُ القَسِّ: بِدِمَشْقَ.
ودِرْهَمٌ قَسِّيٌّ، وتُخَفَّفُ سِينُه؛ أَي رَدِيءٌ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
والقَسَّةُ: القَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ، وفي بعضِ النُّسَخِ: القِرْبَةُ، بكسر القافِ وبالمُوَحَّدة.
وقَسَّهُم: آذَاهُم بِكَلامٍ قَبِيحٍ، كأَنَّهُ تَتَبَّعَ أَذَاهُم وتَبَغَّاه.
وقَسَّ ما عَلَى العَظْمِ يَقُسّه قَسًّا: أَكَلَ لَحْمَه وامْتَخَخَهُ، عن ابنِ دُرَيْدٍ، كقَسْقَسَه، وهذِه لغةٌ يَمانِيَةٌ.
والقَسُوسُ، كصَبُورٍ: ناقَةٌ تَرْعَى وَحْدَها، مِثْلُ العَسُوسِ، وقد قَسَّتْ تَقُسُّ قسًّا: رَعَتْ وَحْدَهَا، والجَمْع: القُسُّ.
والقَسُوسُ أَيضًا: الَّتي ضَجِرَتْ وسَاءَ خُلُقُها عنْدَ الحَلبِ كالعَسُوس والضَّرُوسِ، وهذا عن ابن السِّكِّيت.
أَو القَسُوسُ: الَّتي وَلَّى لَبَنُهَا فلا تَدُرُّ حَتَّى تَنْتَبِذَ.
وقُسُّ بنُ سَاعِدَةَ بنِ عَمْرو بنِ عَديِّ بن مالك بن أَيدعان بن النّمِر بن وَائلة بن الطَّمَثان الإِيَاديُّ، بالضَّمِّ: بَلِيغٌ مَشْهُورٌ، وهو حَكِيم العرَبِ، وهو أَسْقُفُّ نَجْرَانَ، كما في اللِّسَان، وإِيادٌ: هو ابنُ نِزار بن مَعَدّ. ومنه الحَديثُ: «يَرْحَمُ الله قُسًّا، إِنِّي لأَرْجو يَوْمَ القِيَامَة أَنْ يُبْعَث أُمَّةً وَحْدَه». ونصُّ الحَديث: «لمَا قَدِم وَفْدُ إِيادٍ عَلى رَسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أَيُّكُم يَعْرِفُ قُسًّا؟ قالُوا: كُلُّنا نَعْرفُه، قال: فما فَعَل؟ قالُوا: ماتَ، قال: يَرْحَمُ الله قُسًّا، إِنِّي لأَرْجو أَنْ يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَه».
وقُسُّ النَّاطِفِ: موضع، قُرْبَ الكُوفة، على شاطئِ الفُرَات، كانتْ عِنْدَه وَقْعَةٌ بَيْن الفُرْس وبين المُسْلمين، وذلك في خِلافَة سيِّدِنا عُمَرَ، رضي الله تعَالى عنه، قُتِل فيه أَبو عبَيْدِ بنُ مَسْعودٍ الثَّقفيّ.
وقُسَيْسٌ، كزُبَيْرٍ: موضع، قال امْرؤُ القيْس:
أَجادَ قُسَيْسًا فالصُّهَاءَ فمِسْطَحًا *** وجَوًّا ورَوَّى نَخْل قَيْسِ بنِ شَمَّرَا
وقُسَيسٌ: جَدُّ عبد الله بن ياقُوت بن عبدِ الله المحَدِّث، ويُعْرَف بالقُسَيْس، سَمع ابن الأَخْضر.
وكسَحَابٍ قَسَاسُ بنُ أَبي شِمْر بن مَعْدِي كَرِبَ، شاعِرٌ.
وكغُرَابٍ: قُسَاسٌ: اسمُ جَبَلٍ فيه مَعْدِنُ الحَديد بإِرْمِينِيَّة، منه* السُّيوفُ القُسَاسيَّةُ. وفي المحْكم: القُسَاسِيُّ: ضَرْبٌ من السّيوفِ، وقال الأَصْمَعيّ: لا أَدْرِي إِلى أَيِّ شيْءٍ نُسِبَ، وقال الشّاعر:
إِنّ القُسَاسِيَّ الَّذي يَعْصى به *** يَخْتَصِمُ الدَّارِعَ في أَثْوَابه
قلتُ: وقال أَبو عُبَيْدة مثْلَ قَولِ الأَصْمَعيّ، كما نَقَله السُّهَيْليُّ: في الرَّوض.
وقُسَاسٌ: جَبَلٌ بدِيَار بَني نُمَيْرٍ، وقيل: بَني أَسَدٍ، فيه مَعْدِنُ حَديدٍ، الأَخيرُ نقله السّهَيْليُّ في الرَّوْض، قال: ويقالُ فيه أَيضًا: ذو قُسَاسٍ، كما يقال: ذو زَيْدٍ، وأَنشدَ قولَ الرّاجز يَصف فَأْسًا.
أَخْضَرُ منْ مَعْدِنِ ذي قُسَاسِ *** كَأَنَّهُ في الحَيْد ذِي الأَضْراسِ
تَرْمِي به في البَلَدِ الدَّهَاسِ
والقَسْقَاس، بالفَتْح: السَّريعُ، ويقَال: صَوَابُه: قِسْقِيسٌ، يقال: خِمْسٌ قَسْقَاسٌ؛ أَي سرِيعٌ لا فُتُورَ فيه، وقَرَبٌ قَسْقاسٌ: سَرِيعٌ شَديدٌ ليسَ فيه فُتُورٌ ولا وَتِيرَةٌ، قالَه الأَصْمَعيُّ: وقيل: صَعْبٌ بَعيدٌ. وفي كلام المصنِّف، رحمه الله، قُصورٌ.
والقَسْقَاس: الدَّليلُ الهَادِي المُتَفَقِّد الذي لا يَغْفُلُ، إِنَّمَا هو تَلَفُّتًا وتَنَظُّرًا. والقَسْقَاس: شِدَّةُ البَرْدِ والجُوعِ، قال أَبو جُهَيْمَةَ الذُّهْليّ:
أَتَانَا به القَسْقاسُ لَيْلًا ودُونَه *** جَرَاثِيمُ رَمْلٍ بَيْنَهُنَّ قِفَافُ
فأَطْعَمْتُه حَتَّى غَدَا وكَأَنَّه *** أَسِيرٌ يُدَانِي مَنْكِبَيْهِ كِتَافُ
وَصَفَ طارِقًا أَتاهُ به البَرْدُ والجُوعُ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ قبلَ وُصُولِه إِليه جَرَاثِيمَ رَمْلٍ، فأَطْعَمه وأَشْبَعَه، حتّى إِنّه إِذا مَشَى تَظُنُّ أَنّه في مَنْكِبَيْهِ كِتَافٌ، وهو حَبْلٌ تُشَدُّ فيه يَدُ الرَّجلِ إِلى خَلْفِه.
والقَسْقَاس: الجَيِّدُ مِنَ الرِّشاءِ.
والقَسْقَاس: الكَهَامُ مِنَ السُّيُوفِ، هنا ذَكَره الأَزْهَرِيُّ وغيرُه من الأَئِمَّةِ، كالصّاغَانِيِّ، وقد تَقدَّم للمصَنِّف في «ف س ف س» أَيضًا، ولم يَذْكُرْه هناك أَحَدٌ إِلاَّ الصّاغَانِيّ، وكَأَنَّه تَصَحَّف عليه.
والقَسْقَاس: المُظْلِمُ مِن اللَّيَالِي. ولَيْلَةٌ قَسْقَاسَةُ: شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ. قال رؤْبَةُ:
كَمْ جُبْنَ مِنْ بِيدٍ ولَيْلٍ قَسْقَاسْ
أَو القَسْقَاس مِن اللَّيَالِي: ما اشْتَدَّ السَّيْرُ فِيه إِلى الماءِ، ولَيْسَتْ مِن الظُّلْمَةِ في شيْءٍ. قالَه الأَزْهَرِيَّ.
والقَسْقَاس: نَبْتٌ أَخْضَرُ خَبِيثُ الرّائحَةِ، يَنْبُتُ في مَسِيلِ الماءِ، له زَهْرَةٌ بَيْضَاءُ، قالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَه الله: ذَكَرُوا أَنَّهَا بَقْلَةٌ كالكَرَفْسِ، قال رُؤْبَةُ:
وكُنْتَ مِن دَائِكَ ذا أَقْلاسِ *** فاسْتَقِئَنْ بثَمَرِ القَسْقَاسِ
قالَ الصَّاغانِيُّ: وليس لرُؤْبةَ على هذَا الرَّوَيِّ شيْءٌ.
والقَسْقَاسُ: الأَسَدُ، كالقَسْقَسِ والقُسَاقِسِ، الأَخِيرُ بالضّمِّ، نقله الصّاغَانِيُّ.
والقَسْقَسَةُ: بمعنَى الإِسْراع والحَرَكةِ في الشيْءِ.
وقال أَبو زَيْد: القَسْقَاسَةُ والنَّسْنَاسَةُ: العَصَا، ومنه قَولَه صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بنتِ قَيْسٍ، حِينَ خَطَبَهَا أَبو جَهْمٍ ومُعَاوِيَةُ: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فأَخَافُ عَلَيْكِ قَسْقَاسَتَه» أَي العَصَا.
أَو قَسْقَاسَةُ العَصَا، وقَسْقَسَتُه: تَحْرِيكُه إِيّاها، فعَلَى هذا، العَصَا مَفْعُولٌ بهِ، وعلى الأَوَّلِ بَدَلٌ. وقِيلَ: أَرادَ بذلِكَ كَثْرَةَ الأَسْفَارِ، يُقَال: رَفَع عَصَاهُ على عاتِقِهِ، إِذا سافَرَ.
وأَلقَى عَصَاهُ مِن عاتِقِه، إِذا أَقامَ؛ أَي لا حَظَّ لكِ في صُحْبَتهِ؛ لأَنَّه كثيرُ السَّفَرِ قَلِيلُ المُقَامِ. قاله ابنُ الأَثِير.
وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: القُسُسُ، بضَمَّتيْن: العُقَلاءُ.
والقُسُسُ: السَّاقَةُ الحُذَّاقُ.
وقالَ غيرُه: تَقَسْقَسَ الصَّوْتَ باللَّيْلِ: تَسَمَّعَه.
وقَسْقَسَ في السَّيْرِ: أَسْرَعَ فيه.
وقَسْقَسَ بالكَلْبِ: صاحَ بِه فقالَ له: قُوسْ قُوسْ.
وقَسْقَسَ الشَّيْءَ: حَرَّكَه، ومنه قَسْقَسَ العَصَا، إِذا حَرَّكَهَا، عن ابنِ دُرَيْدٍ.
وقَسْقَسَ اللَّيْلَ أَجْمَعَ: أَدْأَبَ السَّيْرَ فيهِ ولم يَنَمْ.
* ومِمَّا يُسْتَدْرَك عليه:
اقْتَسَّ الأَسَدُ: طَلَب ما يَأْكُلُ.
والقَسْقَسَةُ: السُّؤَالُ عن أَمْر النّاسِ. ورَجُلٌ قَسْقَاسٌ: يَسأَلُ عن أُمُورِ النّاسِ.
والقَسْقَاسُ: الخَفيفُ من كُلِّ شَيْءٍ.
وقَسْقَسَ مَا عَلَى المائدَةِ: أَكَلَه.
واقْتَسَّتِ النَّاقَةُ: رَعَتْ وَحْدَهَا، كقَسَّتْ.
وقَسَّها الرّاعِي: أَفْرَدها من القَطِيعِ، وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: سُئِل المُهَاصِرُ بنُ المُحِلِّ عن لَيْلَةِ الأَقْساسِ من قولِه:
عَدَدْتُ ذُنُوبِي كُلَّها فوَجَدْتُها *** سِوَى لَيْلَةِ الأَقْسَاسِ حِمْلَ بَعِيرِ
فقِيلَ؛ ومَا لَيْلَةُ الأَقْسَاسِ؟ قال: لَيْلَةٌ زَنَيْتُ فيها وشَرِبْتُ الخَمْرَ وسرَقْتُ.
وقالَ لَنَا أَبو المُحَيَّا الأَعْرَابِيُّ يَحْكِيهِ عن أَعْرَابِيٍّ حِجَازِيٍّ فَصِيحٍ: إِنَّ القُسَاسَ غُثَاءُ السَّيْلِ، وأَنْشدَنا عنه:
وأَنْتَ نفِيٌّ مِن صَنَادِيدِ عامِرٍ *** كما قدْ نَفَى السَّيْلُ القُسَاسَ المُطَرَّحَا
وسَمَّوْا قُسَاسًا.
والقَسْقَسُ: المُتَفَقِّدُ الَّذِي لا يَغْفُل، كالقَسْقَاسِ.
والقَرَبُ القَسِّيُّ: البَعِيدُ والشَّدِيدُ، قاله أَبو عَمرو، وقالَ الأَزْهَرِيُّ: أَحسَبُه القِسْيَنُّ.
وقال أَبُو عَمْرُوٍ أَيضًا: قَرَبٌ قِسْقِيسٌ، وأَنشد:
إِذا حَدَاهُنَّ النَّجَاءُ القِسْقِيسْ
ورجُلٌ قَسْقاسٌ: يسُوقُ الإِبِلَ، وقد قَسَّ السَّيْرَ قسًّا: أَسْرَعَ فيه.
والقَسْقَسَةُ: دَلَجُ اللَّيْلِ الدَّائبُ، يقال: سَيْرٌ قِسْقيس: أَي دائِبٌ.
والقَسَّةُ: القِرْبةُ، بلُغَةِ السَّوَاد، نقلَه اللَّيْثُ رَحِمَهُ الله تعالى.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
43-تاج العروس (تسع)
[تسع]: تِسْعَةُ رِجَالٍ، في العَدَد المُذَكَّر، وتِسْعُ نِسْوَةٍ، في العَدَدِ المُؤَنَّثِ، مَعْرُوفٌ. وقَوْلُه تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ} آياتٍ {بَيِّناتٍ} هي: أخْذُ آلِ فِرْعَوْنَ بالسِّنِينَ، وإخْرَاجُ مُوسَى عَلَيْه السّلامُ يَدَهُ بَيْضَاءَ والعَصَا، والطُّوفانُ، والجَرَادُ، والقُمَّلُ، والضَّفَادِعُ، والدَّمُ، وانْفِلاقُ البَحْرِ. وقَدْ جَمَعَ ذلِكَ المُصَنِّفُ في بَيْتٍ واحدٍ فقال:عَصًا، سَنَةٌ، بَحْرٌ، جَرَادٌ، وقُمَّلٌ *** دَمٌ، ويَدٌ، بَعْدَ الضَّفادِعِ، طُوفانُ
وقَدْ ضَمَّنْتُه بِبَيْتٍ، آخَرَ، فقُلْتُ:
آياتُ مُوسَى الكَلِيمِ التِّسْعُ يَجْمَعُهَا *** بَيْتٌ فَرِيدٌ لَهُ في السَّبْك عُنْوَانُ
عَصًا سَنَة..
إلى آخِرِه.
أمَّا العَصَا فَفِي قَوْلِه تَعَالَى: {فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ} وأمَّا السَّنَةُ ففي قَوْلِه تَعالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}، وهو الجَدْبُ حَتَّى ذَهَبَت ثِمَارُهُمْ وذَهَبَ من أهْلِ البَوَادِي مَوَاشِيهِم، وكَذا بَقِيَّةُ الآيَاتِ، وكُلُّهَا مَذْكُورَةٌ في القُرْآنِ. قال شَيْخُنَا: وقَدْ نَظَمَها البَدْرُ بن جَمَاعَةَ أيْضًا فِي قَوْلِه:
آيَات مُوسَى الكَلِيمِ التّسعُ يَجْمَعُهَا *** بَيْتٌ عَلَى إثْرِ هذَا البَيْتِ مَسْطُورُ
عَصًا يَدٌ وَجرادٌ قُمَّلٌ ودَمٌ *** ضَفَادِعٌ حَجَرٌ والبَحْرُ والطُّورُ
وقَالَ: وبَيْنَهُ مع بَيْتِ المُصَنِّف اتّفَاقٌ واخْتِلافٌ، وجَعَلَهَا الزَّمَخْشَرِيّ إحْدَى عَشْرَةَ آيَةً،: فزاد الطَّمْسَةَ، والنُّقْصَانَ في مَزَارِعِهِم، وعِبَارَتُه: لِقَائِلٍ أنْ يَقُولَ: كانَتِ الآيَاتُ إحْدَى عَشرَةَ: ثِنْتَانِ منها اليَدُ والعَصَا، والتِّسْعُ: الفَلقُ، والطُّوفانُ، والجَرَادُ، والقُمَّلُ، والضّفادِعُ، والدَّمُ، والطَّمْسُ، والجَدْبُ في بَوادِيهِمْ، والنَّقْصُ من مَزَارِعِهِم.
انْتَهَى، ولَمْ يَذْكُرِ الجَوَابَ. وقَوْلُه في النَّظْمِ: وحَجَرٌ، يُرِيدُ به انْفِجَارَهُ، وقد ذَكَرَهُ صاحِبُ اللِّسَانِ أيْضًا.
قال شَيْخُنَا: ثُمَّ إنَّ المُصَنِّف أطْلَق في التِّسْعِ اعْتِمَادًا على الشُّهْرَة بالكَسْرِ، فَلَمْ يَحْتَج إلَى ضَبْطِهَا، وفي سُورَةِ ص: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ} بفَتْح التَّاءِ، وكَأَنَّهُم لَمَّا جاوَرَ التِّسْعُ الثَّمانَ والعَشْرَ قَصَدُوا مُنَاسَبتَه لِمَا فَوْقَه ولِمَا تَحْتَهُ فتَأَمَّلْ.
وِالتِّسْع أيْضًا، أي بالكَسْرِ: ظِمْءٌ من أظْمَاءِ الإِبِلِ، وهو أنْ تَرِدَ إلَى تِسْعَةِ أيّامٍ، والإِبِلُ تَوَاسِعُ.
وِالتُّسْعُ، بالضَّمِّ: جُزْءٌ من تِسْعَةٍ، كالتَّسِيعِ، كأَمِيرٍ، يَطَّرِدُ في جَمِيعِ هذِه الكُسُورِ عنْدَ بَعْضِهِم. قَالَ شَمِرٌ: ولَمْ أسْمَعْ: التَّسِيع إلَّا لِأَبِي زَيْدٍ. قُلْتُ: إلَّا الثَّلِيث، فإِنَّهُ لَمْ يُسْمَع كما نَقَلَه الشَّرَفُ الدِّمْيَاطِيّ في المُعْجَمِ، عن ابنِ الأَنْبَارِيّ، قَالَ: فَمَنْ تَكَلَّم به أخْطَأَ، وقد تَقَدَّمَت الإِشَارَةُ إلَيْه في «ث ل ث».
وِالتُّسَعُ، كصُرَدٍ: اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ والثامِنَةُ والتّاسِعَةُ من الشَّهْرِ وهي بَعْدَ النُّفَلَ، لأَنَّ آخِرَ لَيْلَةٍ منها هي التاسعة، وقيل: هي اللَّيَالِي الثَّلاثُ مِنْ أوَّلِ الشَّهْرِ، والأَوَّلُ أقْيَسُ.
وقال الأَزْهَرِيّ: العَرَبُ تَقُول في لَيالِي الشَّهْرِ: ثَلاثٌ غُرَرٌ، وبَعْدَهَا ثَلاثٌ نُفَلٌ، وبَعْدَهَا ثَلاثٌ تُسَعٌ، سُمِّينَ تُسَعًا لِأَنَّ آخِرَتَهُنَّ اللَّيْلَةُ التاسِعَةُ، كما قِيلَ لِثَلاثٍ بَعْدَهَا: ثَلاثٌ عُشَرٌ، لأَنَّ بَادِئَتَها اللَّيْلَةُ العاشِرَةُ.
وِالتّاسُوعاءُ: اليَوْمُ التاسِعُ من المُحَرَّمِ، وفي الصّحاح: قَبْلَ يَوْم عَاشُوراءَ، مُوَلَّدٌ، ونَصُّ الصّحاح: وأظُنُّه مُوَلَّدًا.
وقالَ غَيْرُه: هو يَوْمُ عاشُورَاءَ. وقال الأَزْهَرِيُّ في قَوْله صلى الله عليه وسلم فِيما رَواهُ عَنْهُ ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» يَعْنِي يَوْمَ عاشُوراءَ، كأَنَّهُ تَأَوَّلَ فيه عِشْرَ الوِرْدِ، أنَّهَا تِسْعَةُ أيّامٍ، والعَرَبُ تَقُولُ: وَرَدْتُ الماءَ عِشْرًا، يَعْنُونُ يوْمَ التَّاسِعِ، ومِنْ ها هُنا قالُوا: عِشْرِين، ولم يَقُولُوا عِشْرَيْنِ، لأَنَّهم جَعَلُوا ثَمانِيةَ عَشَرَ يَوْمًا عِشْرَين، واليَوْمَ التَّاسِعَ عَشَرَ والمُكَمِّلَ عِشْرِينَ طائفةً من الوِرْدِ الثّالِثِ، فَجَمَعُوهُ بِذلِكَ.
وقال ابنُ بَرِّيّ: لا أحْسَبُهُم سَمَّوْا عَاشُوراء تاسُوعاءَ إلَّا عَلَى الأَظْماءِ نَحْوُ العِشْر، لِأَنَّ الإِبِلَ تَشْرَبُ في اليَوْمِ التّاسِعِ، وكَذلِكَ الخِمْسُ تَشْرَبُ في اليَوْمِ التّاسِعِ، وكَذلِكَ الخِمْسُ تَشْرَبُ في اليَوْمِ الرّابعِ. وقالَ ابْنُ الأَثِيرِ: إنَّمَا قالَ ذلِكَ صلى الله عليه وسلم كَرَاهَةً لِمُوَافَقَةِ اليَهُودِ، فإنَّهُمْ كانُوا يَصُومُونَ عاشُوراءَ، وهو العَاشِرُ، فأَرَادَ أنْ يُخَالِفَهُمْ ويَصُومَ التّاسِعَ، قال: وظاهِرُ الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى خِلافِ ما ذَكَرَهُ الأَزْهَرِيّ.
قُلتُ: وقد صَحَّحَ الصّاغَانِيُّ هذا القَوْلَ: والمُرَادُ بظَاهِرِ الحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ ابنِ عَبّاسٍ المَذْكُورَ، أنَّهُ قالَ حِينَ صامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عاشُورَاءَ، وأمَرَ بصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولُ الله إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُه اليَهُودُ والنَّصَارَى، فَقَالَ: فإِذا كانَ العام القابلُ صُمْنا اليَوْمَ التاسِعَ، وفِي رِوَايَةٍ: «إنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ تاسُوعاءَ» أي فكَيْفَ يَعِدُ بصَوْمِ يَوْمٍ قد كَانَ يَصُومُه. فَتَأَمَّلْ.
وقَوْلُ الجَوْهَرِيِّ وغَيْرِه: إنَّه مُولَّدٌ، فيه نَظَرٌ، فإِنّ المُوَلَّدَ هو اللَّفْظُ الَّذِي يَنْطِقُ به غَيْرُ العَرَبِ من المُحْدَثِينَ، وهذِه لَفْظَةٌ وَرَدَتْ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وقالَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هو أفْصَحُ الخَلْقِ وأعْرَفُهُمْ بِأَنْوَاعِ الكَلامِ بوَحْيٍ مِن الله الحَقِّ، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ فِيها التَّوْلِيدُ، أوْ يَلْحَقُهَا التَّفْنِيدُ؟ كما حَقّقَه شَيْخُنَا، وأشَرْنَا إلَيْه في مُقَدّمة الكِتَابِ.
وِتَسَعَهُمْ، كمَنَع وضَرَبَ، الأَخِيرَةُ عن يُونُسَ، وعلَى الأُولَى اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ: أخَذَ تُسْعَ أمْوَالِهِمْ، أوْ كان تاسِعَهُمْ. ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ المَعْنَيَيْن، أوْ تَقُولُ: كانَ القَوْمٌ ثَمَانِيَةً فَتَسَعَهُمْ، أيْ صَيَّرَهُمْ تِسْعَةً بنَفْسهِ، أوْ كَانَ تَاسِعَهُمْ، فَهُوَ تاسِعُ تِسْعَةٍ، وتَاسِعُ ثَمَانِيَةٍ، ولا يَجُوزُ أنْ يُقَالَ: هو تاسِعٌ تِسْعَةً، ولا رَابعٌ أرْبَعَةً، إنَّمَا يُقَال: رَابعُ أرْبَعَةٍ على الإِضَافَةِ، ولكِنَّكَ تَقُولُ: رَابعٌ ثَلاثةً، هذا قَوْلُ الفَرّاءِ وغَيْرِهِ من الحُذَّاقِ.
وِأتْسَعُوا: كانُوا ثَمَانِيَةً، ف صارُوا تِسْعَةً، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وأيْضًا: وَرَدَتْ إبِلُهُمْ تِسْعًا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ أيْضًا، أيْ وَرَدَتْ لتِسْعَةِ أيّامٍ وثَمَانِي لَيَالٍ، فهم مُتْسِعُونَ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
قَوْلُهم: تِسْعَ عَشَرَةَ، مَفْتُوحَانِ عَلَى كُلِّ حال، لأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا، فأُعْطِيَا إعْرَابًا وَاحِدًا، غَيْرَ أنَّكَ تَقُولُ: تِسْع عَشَرَةَ امْرَأةً، وتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا: قال الله تَعَالَى: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} أي تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا، وأكْثَرُ القُرَّاءِ عَلَى هذِه القِراءَةِ، وقَدْ قُرِئَ: تِسْعْةَ عَشَرَ، «بسُكُونِ العَيْنِ»، وإنّما أسْكَنَهَا مَنْ أسْكَنَهَا لِكَثْرَةِ الحَرَكاتِ.
وقَوْلُهم: تِسْعَهُ أكْثَرُ مِنْ ثَمَانِيَةَ، فَلا تُصْرَفُ إلَّا إذا أرَدْتَ قَدْرَ العَدَدِ لا نَفْسَ المَعْدُودِ، فإِنَّما ذلِكَ لِأَنَّهَا تُصَيِّرُ هذا اللَّفْظَ عَلَمًا لهذا المَعْنَى.
وحَبْلٌ مَتْسُوعٌ: عَلَى تِسْعِ قُوىً.
ونَقَلَ الأَزْهَرِيُّ عن اللَّيْثِ: رَجُلٌ مُتَّسِعٌ، وهو المُنْكَمِشُ الماضِي في أمْرِهِ. قال الأَزْهَرِيّ: ولا أعْرِفُ ما قَالَ، إلَّا أنْ يَكُون مُفْتَعِلًا من السَّعَةِ، وإذا كانَ كَذلِكَ فَلَيْسَ مِنْ هذا البابِ قالَ الصّاغَانِيّ: لَمْ يَقُل اللَّيْثُ شَيْئًا في هذا التَّرْكِيبِ، وإنَّمَا ذَكَرَهُ في تَرْكِيبِ «س ت ع»: رَجُلٌ مِسْتَعٌ: لُغَةٌ في مِسْدَع، فانْقَلَبَ علَى الأَزْهَرِيّ.
قُلْتُ: وهذا الَّذِي رَدَّ به علَى الأَزْهَرِيّ فإِنَّهُ ذَكَرَهُ في كتابِهِ فِيما بَعْدُ، فإِنَّهُ قالَ: وفي نُسْخَةٍ من كتَابِ اللَّيْثِ: مِسْتَعٌ ويُقَالُ: مِسْدَعٌ، لُغَةٌ، وهُوَ المُنْكَمِشُ الماضِي في أمْرِهِ. ورَجُلٌ مِسْتعٌ: سَرِيعٌ. فتَأَمَّلْ ذلِكَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
44-تاج العروس (بهم)
[بهم]: البَهيمةُ كسَفينَةٍ: كلُّ ذاتِ أَرْبَعِ قَوائِمَ ولو في الماءِ، كذا في المُحْكَمِ، وهو قَوْلُ الأَخْفَش، أَو كُلُّ حيٍّ لا يُمَيِّزُ فهو بَهِيمةٌ، نَقَلَه الزَّجَّاجُ في تَفْسِيرِ قوْلِهِ تعالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ}، الجمع: بهائِمُ.والبَهْمَةُ، بالفتحِ: الصَّغيرُ مِن أَوْلادِ الغَنَمِ الضَّأْنِ والمَعَزِ والبَقَرِ مِن الوَحْشِ وغيرِها، الذَّكَرُ والأنْثَى في ذلِكَ سَواء، وقيلَ: هو بَهْمَةٌ إذا شَبَّ.
وفي سِياقِ المصنِّفِ نَظَرٌ لأَنَّ البَهْمَةَ مُفْردٌ، فالأَوْلى وَلَدُ الضَّأْنِ، وبمَا ذَكَرْنا يَزُولُ الإشْكالُ.
وقالَ ثَعْلَب في نوادِرِهِ: البَهْمُ صِغارُ المَعَزِ، وبه فسّرَ قَوْلَ الشاعِرِ:
عَداني أَنْ أَزُورَكَ أَنَّ بَهْمي *** عَجايَا كلُّها إلَّا قَلِيلا
وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: يقالُ لأَوْلادِ الغَنَمِ ساعَةَ تَضَعُها مِن الضَّأْنِ والمَعَزِ جَمِيعًا، ذَكَرًا كان أَو أُنْثَى، سَخْلَةٌ وجَمْعُها سِخالٌ، ثم هي البَهْمَة للذَّكَرِ والأُنْثَى، الجمع: بَهْمٌ، بحذْفِ الهاءِ، ويُحَرَّكُ، وبِهامٌ بالكسْرِ، وجج أَي جَمْعُ الجَمْعِ بِهاماتٌ بالكسْر أَيْضًا.
وقالَ ابنُ السِّكِّيت: وإذا اجْتَمَعَتِ البِهامُ والسِّخالُ قلْت لها جَمِيعًا بهامٌ.
وفي الصِّحاحِ: البِهامُ جَمْعُ بَهْم والبَهْمُ جَمْعُ بَهْمَة.
قلْتُ: فإذَن البِهامُ جَمْعُ الجَمْعِ.
ثم قالَ: وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ لأَفْنون التَّغْلبيّ:
لو أَنَّني كنتُ من عادٍ ومِن إِرَمٍ *** غَذِيَّ بَهْمٍ ولُقْمانًا وذا جَدَنِ
لأنَّ الغَذِيَّ السَّخْلة.
قالَ: وقد جَعَلَ لَبيدٌ أَوْلادَ البَقَرِ بِهامًا بقَوْلِهِ:
والعِينُ ساكنةٌ على أَطلائِها *** عُوذًا تأَجَّل بالفَضاءِ بِهامُها
وقالَ ابنُ بَرِّي: قَوْلُ الجوْهَرِيّ: لأَنَّ الغَذِيَّ السَّخْلة وَهَمٌ، قالَ: وإنَّما غَذِيُّ بَهْمٍ أَحَدُ أَمْلاكِ حِمْيَر كان يُغَذَّى بلُحُومِ البَهْمِ، قالَ: وعليه قَوْلُ سَلْمى بنِ ربيعَةَ الضَّبِّيّ:
أَهْلَك طَسْمًا وبَعْدَهم *** غَذِيَّ بَهْمٍ وذا جَدَنِ
قالَ: ويدلُّ على ذلِكَ أَنَّه عَطَفَ لُقْمانًا على غَذِيَّ بَهْمٍ، وكَذلِكَ في بيْتِ سَلْمى الضَّبِّيّ، انتَهَى.
وفي الحَدِيْث: أَنَّه قالَ للرَّاعي: ما ولَّدْت؟ قالَ: بَهْمَةٌ، قالَ: اذْبَحْ مَكانَها شاةً.
قالَ ابنُ الأَثيرِ: فهذا يدلُّ على أَنَّ البَهْمَةَ اسمٌ للأُنْثَى لأَنَّه إنّما سَأَلَه ليَعْلَم أَذَكَرًا ولَّدَ أَمْ أُنْثى، وإلَّا فقد كان يَعْلم أَنَّه إنَّما ولَّد أَحَدَهُما.
وفي حَدِيْث الإيْمان: «تَرَى الحُفاةَ العُراةَ رِعاءَ الإِبِلِ والبَهْم يَتَطاوَلُون في البُنْيانِ».
قالَ الخَطابيُّ: أَرادَ الأَعْرابَ وأَصْحابَ البَوادِي الذي يَنْتَجِعُونَ مَواقعَ الغَيْثِ، تُفْتَح لهم البِلادُ فيَسْكنونَها ويَتَطاوَلُونَ في البُنْيان.
والأَبْهَمُ: مِثْلُ الأَعْجَمِ.
واسْتَبْهَمَ عليه الكَلام أَي اسْتَعْجَمَ فلم يَقْدِرْ على الكَلامِ.
ويقالُ: اسْتَبْهَمَ عليه الأَمْرُ أَي أُرْتِجَ عليه، وهو مجازٌ. والبُهْمَةُ، بالضَّمِّ: الخُطَّةُ الشَّديدَةُ والمُعْضلةُ، يقالُ: وَقَعَ في بُهْمَةٍ لا يتَّجهُ لها، جَمْعُه بُهَمٌ كصُرَدٍ.
والبُهْمَةُ: الشُّجَاعُ، وفي الصِّحاحِ: هو الفارِسُ، الذي لا يُهْتَدَى، وفي الصِّحاحِ: لا يُدْرَى، من أَيْن يُؤْتَى مِن شِدَّةِ بأْسِه، عن أَبي عُبَيْدَة، والجَمْعُ بُهَم.
وفي التّهْذِيبِ: لا يَدْرِي مُقاتِله مِن أَيْن يَدْخُلُ عليه.
في النّوادِرِ: رجُلٌ بُهْمَةٌ إذا كانَ لا يُثْنَى عن شيءٍ أَرادَهُ.
وفي الأساسِ: هو بُهْمَةٌ مِن البُهَمِ للشُّجَاعِ الذي يَسْتَبْهِمُ على أَقْرانِهِ مَأْتَاه. وقيلَ: سُمِّي بالبُهْمَةِ التي هي الصَّخْرةُ المُصْمَتَة.
والبُهْمَةُ: الجَيْشُ.
قالَ الجوْهَرِيُّ: ومنه قوْلُهم: فلانٌ فارِسُ بُهْمَةٍ ولَيْثُ غابَةٍ، قالَ مُتَمِّمُ:
ولِلشرْب فابْكِي مالِكًا ولِبُهْمَةٍ *** شديدٍ نَواحِيها على مَن تَشَجَّعا
وهمُ الكُماةُ، قيلَ لهم بُهْمةٌ لأَنَّه لا يُهْتَدى لِقِتالِهم، وقيلَ: هم جماعَةُ الفُرْسانِ.
وقالَ ابنُ جنيِّ: البُهْمَةُ في الأَصْلِ مَصْدرٌ وُصِفَ به يدلُّ على ذلِكَ قَوْلُهم: هو فارِسُ بُهْمَةٍ، كما قالَ اللهُ تعالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فجاءَ على الأصْلِ ثم وُصِف به فقيلَ: رجُلُ عَدْلٍ، ولا فِعْل له، ولا تُوصَفُ النِّساءُ بالبُهْمَةِ، الجمع: بُهَمٌ كصُرَدٍ.
وقالَ ابنُ السِّكِّيت: بَهَّموا البَهْمَ تِبْهِيمًا إذا أَفْرَدُوهُ عن أُمَّهاتِهِ فَرَعَوْه وحْدَه. وبَهَّموا بالمَكانِ تَبْهِيمًا أَي أَقاموا به ولم يَبْرحُوه.
وأَبْهَمَ الأَمْرُ إبْهامًا: اشتبه فلم يُدْرَ كيفَ يُؤْتَى له، كاسْتَبْهَمَ.
قالَ شيْخُنا: والنُّحاةُ يقُولُون في أَبوابِ الحالِ والتَّمْييز المفسر ما لما انْبَهَم، ولم يُسْمَعْ في كَلامِ العَرَبِ انْبَهَمَ بل الصَّوابُ اسْتَبْهَمَ، وتوقفت مرة لاشْتِهارِه في جَميعِ مصنَّفات النَّحْو أُمَّهاتها وشُرُوحها، ثم رأَيْت الرَّاغِبَ تَعَرَّض له ونَقَلَه عن شيْخِه العلَّامَة أَبي الحَسَنِ عليّ بن سمْعان الغِرْناطيّ وقالَ: إنَّ انْبَهَمَ غيرُ مَسْموعٍ، وإنَّ الصَّوابَ اسْتَبْهَمَ كما قلْت، ثم زادَ لأَنَّ انْبَهَمَ انْفَعَل وهو خاصٌّ بما فيه عِلاجٌ وتأْثِيرٌ، فلمَّا رأَيْتُه حَمَدْتُ اللهَ لذلِكَ وشَكَرْته. انتَهَى.
وأَبْهَمَ فلانًا عن الأَمْرِ إذا نَحَّاه.
وأَبْهَمَتِ الْأَرْضُ، فهي مُبْهةٌ: أَنْبَتَتِ البُهْمَى، بالضمِ مَقْصُورًا، اسمٌ لنَبْتٍ معروف مَعْروف.
قالَ أَبو حَنيفَةَ: البُهْمَى مِن أَحْرارِ البُقُولِ رَطْبًا ويابِسًا، وهي تَنْبُت أَوَّل شيءٍ بارِضًا، حينَ تَخْرُجُ مِن الأَرْضِ تَنْبُت كما يَنْبُت الحَبُّ، ثم تَبْلُغ إلى أَنْ تَصِيرَ مِثْل الحَبّ، ويَخْرُجُ لها شَوْكٌ مِثْل شَوْكِ السُّنْبُل، وإذا وَقَعَ في أُنُوفِ الغَنَمِ والإِبِلِ أَنِفَت عنه حتى تَنْزعه الناسُ مِن أَفْواهِها وأُنُوفِها فإذا عَظُمَت البُهْمَى ويَبِسَتْ كانتْ كَلأً يُرْعَى حتى يُصِيبَه المَطَرُ مِن عامٍ مُقْبِل فيَنْبُت مِن تحْتِه حِبُّه الذي سَقَطَ مِن سُنْبُلِه.
وقالَ اللَّيْثُ: البُهْمَى نَبْتٌ تَجِد به الغَنَم وَجْدًا شَدِيدًا ما دامَ أَخْضَر، فإذا يَبِسَ هَرَّ شَوْكُهُ وامْتَنَع، يُطْلَقُ للواحِدِ والجَمِيع.
قالَ سِيْبَوَيْه: البُهْمَى يكونُ واحِدًا وجَمْعًا وأَلِفها للتَّأْنِيثِ، أَو واحِدَتُه بُهْماةٌ، وأَلِفُها للإِلْحاقِ.
وقالَ المبرِّدُ: هذا لا يُعْرَفُ ولا تكونُ أَلِف فُعْلى، بالضمِ، لغيرِ التَّأْنِيثِ، وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت:
رَعَتْ بارِضَ البُهْمَى جَمِيعًا وبُسْرةً *** وصَمْعاءَ حتى آنَفَتْها نِصالُها
وأَرْضٌ بَهِمَةٌ، كفَرِحَةٍ؛ أَي كثيرَتُهُ على النَّسَبِ، حَكَاه أَبو حَنيفَةَ.
والمُبْهَمُ، كمُكْرَمٍ: المُغْلَقُ من الأَبْوابِ لا يُهْتَدى لفَتْحِه، وقد أَبْهَمَه أَي أَغْلَقَه وسَدَّهُ. والمُبْهَمُ: المُصْمَتُ* كالأَبْهَمِ، قالَ:
فَهَزَمَتْ ظَهْر السِّلامِ الأَبْهَم
أَي الذي لا صَدْع فيه، وأَمَّا قَوْلُه:
لكافرٍ تاهَ ضَلالًا أَبْهَمُه
قيلَ: أَرادَ أَنَّ قلبَ الكافِرِ مُصْمَتٌ لا يَتَخَلَّله وعْظٌ ولا إنْذارٌ.
والمُبْهَمُ من المُحَرَّماتِ: ما لا يَحِلُّ بوجهٍ ولا سَبَبٍ كتَحْرِيمِ الأُمِّ والأُخْتِ وما أَشْبَهَه.
وسُئِلَ ابنُ عَبَّاس عن قَوْلِهِ، عزّ وجلّ {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} ولم يُبَيّن أَدَخَل بها الابنُ أَمْ لا؟ فقالَ ابنُ عبَّاس: أَبْهِموا ما أَبْهَمَ اللهُ.
قالَ الأَزْهرِيُّ: رأَيْت كَثِيرًا مِن أَهْلِ العِلْم يَذْهَبون بهذا الى إِبْهامِ الأَمْرِ واسْتِبْهامِه، وهو إِشْكالُه وهو غَلَطٌ، قالَ: وكثيرٌ مِن ذَوِي المَعْرفةِ لا يميِّزونَ بينَ المُبْهَم وغيرِ المُبْهَم تَمْييزًا مُقْنِعًا، قالَ: وأَنَا أُبيِّنه بعَوْن اللهِ تعالَى، فقوْلُه، عزّ وجلّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ} هذا كلُّه يُسمَّى التَّحْريمَ المُبْهَم لأنَّه لا يحلُّ بوجْهٍ مِن الوُجُوهِ ولا بسببٍ مِن الأَسْبابِ، كالبَهِيم مِن أَلْوانِ الخَيْلِ الذي لا شِيَةَ فيه تُخالِفُ مُعْظم لونِه.
قالَ: ولمَّا سُئِل ابنُ عَبَّاس عن قوْلِه تعالَى: {وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ} ولم يُبَيِّن اللهُ الدُّخولَ بِهنَّ أَجابَ فقالَ: هذا مِن مُبْهَم التَّحْريمِ الذي لا وجْهَ فيه غَيْر التَّحْريمِ، سَواء دَخَلْتم بالنِّساءِ أَو لم تَدْخُلوا بهنَّ، فأُمَّهاتُ نِسائِكم حُرِّمْنَ عليكم مِن جميعِ الجِهاتِ، وأَمَّا قوْلُه: {وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}، فالرَّبائبُ هنا لسْنَ مِن المُبْهَمات لأَنَّ لهنَّ وَجْهَيْن مُبَيَّنَيْن أُحْلِلْن في أَحدِهِما وحُرِّمْن في الآخَرِ، فإذا دُخِل بأُمَّهاتِ الرَّبائبِ حَرُمَتِ الرَّبائِبُ، وإن لم يُدْخَل بأُمَّهاتِ الرَّبائِبِ لم يَحْرُمْن، فهذا تفْسِيرُ المُبْهَم الذي أرادَ ابنُ عَبَّاسٍ، فافْهَمْه.
قالَ ابنُ الأَثيرِ: وهذا التَّفْسير مِن الأَزْهرِيّ إنَّما هو للرَّبائِبِ والأُمَّهات لا للحَلائِل، وهو في الحَدِيْث إنَّما جَعَل سُؤالَ ابنِ عَبَّاس عن الحَلائِلِ لا عن الرَّبائبِ.
الجمع: بُهْمٌ بالضَّمِّ وبضمَّتَيْن، هكذا في النُّسخِ، ولعلَّ في العِبارَة سَقْطًا أَو تَقْديمًا وتأْخِيرًا، فإنَّ هذا الجَمْع إنَّما ذَكَرُوه للبَهِيمِ بمعْنَى النَّعْجةِ السَّوْداء، فتأمَّلْ ذلِكَ.
والبَهِيمُ، كأَميرٍ: الأَسْودُ جَمْعُه بُهُمٌ، كرَغِيفٍ ورُغُفٌ، ويُرْوَى حَدِيْثُ الإيْمان والقَدَرِ: «الحُفَاة العُرَاة رِعاء الإِبِلِ البُهُم على نَعْتِ الرِّعاءِ وهم السُّودُ.
والبَهِيمُ: فَرَسٌ لبَنِي كلابِ بنِ رَبيعَةَ.
والبَهيمُ: ما لا شِيَةَ فيه تُخالِفُ مُعْظم لَوْنِه من الخَيْلِ يكونُ للذَّكَرِ والأُنْثَى، يقالُ: هذا فَرَسٌ جَوَادٌ وبَهِيمٌ، وهذه فَرَسٌ جَوادٌ وبَهِيمٌ، بغيرِ هاءٍ، والجَمْعُ بُهُمٌ.
وقالَ الجوْهَرِيُّ: وهذا فَرَسٌ بَهِيمٌ أَي مُصْمَتٌ.
وفي حَدِيْث عياش بنِ أَبي رَبيعَةَ: «والأَسْودُ البَهِيمُ كأَنَّه مِن ساسَمٍ» كأَنَّه المُصْمَتُ الذي لا يُخالِطُ لونَه لَوْن غيرُه».
والبَهِيمُ: النّعْجةُ السَّوداءُ التي لا بيَاض فيها، جَمْعُه بُهْمٌ وبُهُمٌ.
والبَهِيمُ: صَوْتٌ لا تَرْجيعَ فيه، وهو مجازٌ.
وقالَ أَبو عَمْرو: البَهِيمُ الخالِصُ الذي لم يَشُبْهُ غيرُهُ مِن لَوْنٍ سِواه سَوادًا كانَ أَو غيرَه.
قالَ الزَّمَخْشَريُّ: إلَّا الشُّهْبَةَ.
وفي الحَدِيْث: «يُحْشَرُ النَّاسُ يومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا بُهْمًا»، بالضَّمِ؛ أَي ليسَ بِهِم شيءٌ ممَّا كان في الدُّنْيا مِن الأمْراضِ والعَاهاتِ نَحْو العَمَى والجُذَامِ والبَرَصِ والعَوَرِ والعَرَجِ وغيرِ ذلِكَ مِن صُنوفِ الأَمْراضِ والبَلاءِ، ولكنها أَجْسادٌ مُبْهَمَة مُصَحَّحَة لِخُلودِ الأَبدِ، قالَهُ أَبو عُبَيْدٍ. أَو عُراةٌ ليسَ معهم مِن أَعْراضِ الدُّنْيا ولا مِن متاعِها شيءٌ.
والبَهائِمُ: جِبالٌ بالحِمَى على لَوْنٍ واحِدٍ، وماؤُها يقالُ له المُنْبَجِسُ، وقد أَهْمَلَه المصنِّفُ في «ب الجمع: س».
وقيلَ: اسمُ أَرْضٍ، قالَ الرَّاعِي:
بَكَى خَشْرَمٌ لمَّا رأَى ذا مَعارِكٍ *** أَتى دونه والهَضْبَ هَضْبَ البَهائِم
وذو الأَباهيمِ: زَيْدُ القُطَعِيُّ مِن بنِي قُطَيْعَة، شاعِرٌ.
والأَباهِيمُ جَمْعُ الإبْهامِ كما يقالُ ذو الأصابعِ.
والإبْهامُ، بالكسْرِ، مِن الأَصابِعِ: العُظْمَى مَعْروفَة مُؤَنَّثَة.
قالَ ابنُ سِيْدَه: وقد تكونُ في اليدِ والقَدَمِ أَكْبَرُ الأَصابعِ.
وحَكَى اللحْيانيُّ: أَنَّها قد تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ.
وقالَ الأزْهرِيُّ: الإِبْهامُ الإصْبَعُ الكُبْرَى التي تلِي المُسَبِّحَةَ، ولها مَفْصِلان سُمِّيَت لأنَّها تُبْهِم الكَفّ أَي تُطْبِقُ عليها، الجمع: أَباهِيمُ، قالَ الشَّاعِرُ:
إذا رأَوْني أَطالَ اللهُ غَيْظَهُمُ *** عَضُّوا من الغَيظِ أَطْرافَ الأَباهِيمِ
ويقالُ: أَباهِمُ لضَرُورَةِ الشِّعْرِ كقَوْلِ الفَرَزْدقِ:
فقد شَهِدَت قَيْسٌ فما كان نَصْرُها *** قُتَيبةَ إِلَّا عَضَّها بالأَباهِمِ
قالَ ابنُ سِيْدَه: فإنَّه إنَّما أَرادَ الأَباهِيم غَيْر أَنَّه حَذَفَ لأَنَّ القَصِيدَةَ ليْسَتْ مُرْدَفَة، وهي قَصِيدَةٌ مَعْروفَةٌ.
وسَعْدُ البِهامِ، ككِتابٍ، من المَنازِل القَمَرِيَّة.
والأَسْماءُ المُبْهَمَةُ: أَسْماءُ الإشاراتِ عندَ النُّحاة، نَحْو قوْلِكَ: هذا وهؤلاء وذاك وأولئك، كما في الصِّحاحِ.
وقالَ الأَزْهريُّ: الحُرُوفُ المُبْهَمَةُ التي لا اشْتِقاقَ لها، ولا تعْرَفُ لها أُصولٌ مِثْل الذي والذين وما ومن وعن وما أَشْبَهها.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
البَهِيمُ، كأَميرٍ: اسمٌ للإِبْهامِ التي هي الإصْبَعُ، نَقَلَه الأَزْهرِيُّ، قالَ: ولا يقالُ لها بِهامٌ.
وقد أَنْكَرَ شيْخُنا على ابنِ أَبي زَيْدٍ القَيْر وانّي حينَ ذَكَرَ البَهِيمَ في رِسالَتِه بمعْنَى الإبْهامِ ونَدَّدَ عليه وقالَ: لا وَجْه له مع أنَّه مَوْجودٌ في التّهْذِيبِ وغيرِه مِن كُتُبِ اللّغَةِ.
وقالَ نَفْطَوَيْه: البَهْمةُ مُسْتَبْهِمَةُ عن الكَلامِ أَي مُنْغَلِق ذلك عنها.
وتَبَهَّم إذا أُرْتِجَ عليه.
ويقالُ: لا أَغَرَّ ولا بَهِيم، يُضْرَبُ مَثَلًا للأَمْرِ إذا أَشْكَلَ ولم تَتَّضِحْ جِهَتُه واسْتِقامَتُه ومَعْرِفَتُه.
وطَريقٌ مُبْهَمٌ إذا كان خَفِيًّا لا يَسْتَبين.
ويقالُ: ضَرَبَه فوَقَعَ مُبْهَمًا أَي مَغْشِيًّا عليه لا يَنْطِق ولا يُميِّز.
وأَمْرٌ مُبْهَمٌ: لا مَأْتَى له.
والمُبْهَماتُ: المُعْضِلاتُ الشاقَّةُ.
والبُهَمُ، كصُرَدٍ: مُشْكلاتُ الأُمورِ.
وكَلامٌ مُبْهَمٌ: لا يُعْرَفُ له وَجْه يُؤْتَى منه.
وحائِطٌ مُبْهَمٌ: لم يكنْ فيه بابٌ.
وأَبْهَمَ الأمْرَ إبْهامًا: لم يَجْعل له وَجْهًا يَعْرفُه.
وليلٌ بَهِيمٌ: لا ضَوء فيه إلى الصَّبَاحِ.
وصَنادِيقُ مُبْهَمة: لا أَقْفالَ لها، عن ابنِ الأنْبارِي.
وغَذِيُّ بَهْمٍ: أَحَدُ مُلوكِ اليَمَنِ، عن ابنِ بَرِّي، وقد تقدَّمَ.
والبَهِيمُ: المَجْهولُ الذي لا يُعْرَفُ، عن الخَطَابيّ.
والبُهْمَةُ: السَّوادُ.
ويقالُ للَّيالي الثَّلاث التي لا يَطْلُع فيها القَمَر البُهَمُ، كصُرَدٍ.
وعبدُ الرحمنِ بنُ بهمان، يأْتي ذِكْرُه في النُّون.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
45-تاج العروس (رهم)
[رهم]: الرِّهْمَةُ، بالكسرِ: المَطَرُ الضَّعيفُ الدَّائمُ الصَّغيرُ القَطْرِ.وقالَ أَبو زيْدٍ: مِن الدِّيمةِ الرِّهْمَةُ، وهي أَشَدّ وقْعًا مِن الدِّيمةِ وأَسْرَع ذِهابًا، الجمع: كعِنَبٍ وجِبالٍ؛ ومنه حديْثُ طهفَةَ: ونَسْتَحِيلُ الرِّهامَ.
ويُفْهَمُ مِن سِياقِ الآمديّ: أَنَّ الرِّهامَ جَمْعُ رَهَمَةٍ محرَّكةً، فإنَّه شبَّهَهُ بأَكَمَةٍ وآكَامٍ، وهو مُخالِفٌ لمَا عليه أَئِمَّةُ اللغَةِ.
وأَرْهَمَتِ السَّماءُ: أَتَتْ به؛ أَي بالمَطَرِ الضَّعيفِ.
ورَوْضَةٌ مَرْهومةٌ، كما في الصِّحاحِ، ولا يقُولُونَ: مُرْهَمَةٌ؛ قالَ ذو الرُّمَّةِ:
أَو نَفْحَة عن أَعالي حَنْوَةٍ مَعَجَتْ *** فيها الصَّبا مَوْهِنًا والرَّوْضُ مَرْهومُ
والمَرْهَمُ، كمَقْعَدٍ: طِلاءٌ لَيِّنٌ يُطْلَى به الجُرْحُ، وهو أَلْيَنُ ما يكون مِن الدِّواءِ، مُشْتَقٌّ من الرِّهْمَةِ، بالكسْرِ، لِلِينِهِ.
وقالَ الجوْهَرِيُّ: المَرْهَمُ مُعَرَّبٌ.
وبنُو رُهْمٍ، بالضمِّ: بطن مِن العَرَبِ.
والرُّهَامُ، كغُرابٍ: ما لا يَصيدُ من الطَّيرِ.
وأَيْضًا: العَدَدُ الكثيرُ.
والرَّهامُ، كسَحابٍ: المَهْزولَةُ من الغَنَمِ.
وشاةٌ رَهُومٌ: مَهْزولَةٌ.
ورجُلٌ رَهُومٌ: ضَعيفٌ الطَّلَبِ يَرْكَبُ الظَّنَّ.
والرَّهَمانُ، محرَّكةً في سَيْرِ الإِبِلِ: تَحامُلٌ وتَمايُلٌ وهو مِن الضَّعْفِ والهُزالِ.
ورَهْمانُ، كسَكْرانَ: موضع.
ورُهَيْمَةُ، كجُهَيْنَةَ: عَيْنٌ بينَ الشأمِ والكوفةِ. وأَبو رُهمٍ الْأَنْمارِيُّ، بالضمِّ، رَوَى عنه خالِدُ بنُ معدان. وأَبو رُهمٍ السِّمْعِيُّ ذَكَرَه ابنُ أَبي خَيْثَمَةَ في الصَّحابَةِ، وهو تابِعِيٌّ اسْمُه أحزابُ بنُ أسيدٍ وقد ذُكِرَ في س معروف موضع وفي ح ز ب.
وأَبو رُهْمٍ كلثومُ بنُ الحُصَيْن الغِفارِيُّ شَهِدَ أُحَدًا وبايَعَ تحْتَ الشَّجَرَةِ، رَوَى الزُّهْريُّ عن ابنِ أَخيهِ عنه.
وأَبو رُهْمٍ بنُ قَيْس الأشْعَريُّ أَخُو أَبي موسَى.
وأَبو رُهمِ بنُ مُطْعِمٍ الأَرْحَبِيُّ شاعِرٌ له وِفادَةٌ. وأَبو رُهْمَةَ السماعيُّ، وقيلَ: أَبو رُهَيْمَةَ بالتَّصْغيرِ، أَو هُما واحِدٌ وهو الصَّوابُ، وهو أَبو رُهْمٍ السِّمْعِيُّ الذي ذُكِرَ، صَحابيُّونَ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهم.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
رُهِمَتِ الأَرضُ، كعُنِيَ: أَمْطَرَتْ، نَقَلَه الزَّمَخْشرِيُّ.
وتقولُ: نَزِلْنا بفُلانٍ فكنَّا في أَرْهَمِ جانِبَيْه: أَي أَخْصَبهما، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.
وتقولُ: مَراهِمُ الغَوادِي مَراهِمُ البَوادِي، وهو مِن سَجَعاتِ الأساسِ. ومحمدُ بنُ مرهمٍ الشروانيُّ أَخَذَ عن الشَّريف الجرجانيّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
46-تاج العروس (قرن)
والقَرِينُ: الصاحِبُ المُقارِنُ، كالقُرانَى، كحُبَارَى؛ قالَ رُؤْبة.يَمْطُو قُراناهُ بهادٍ مَرَّاد
وج قُرَناءُ، ككُرَماء.
والقَرِينُ: المُصاحِبُ؛ والجَمْعُ كالجَمْع.
والقَرِينُ: الشَّيْطانُ المَقْرُونُ بالإِنْسانِ لا يُفارِقُهُ.
وفي الحدِيثِ: «ما مِن أَحَدٍ إلَّا وُكِّلَ به قَرِينُه»؛ أَي مُصاحِبُه مِن المَلائِكَةِ والشَّياطِين وكلِّ إنْسانٍ، فإنَّ معه قَرِينًا منهما، فقَرِينُه مِن الملائِكَةِ يأْمرُه بالخيْرِ، ويَحُثُّه عليه. ومنه الحدِيثُ الآخَرُ: «فقاتِلْه فإنَّ معه القَرِينَ»، والقَرِينُ يكونُ في الخيْرِ وفي الشرِّ.
والقَرِينُ: سَيْفُ زَيْدِ الخَيْلِ الطَّائيِّ.
وقَرِينُ بنُ سُهَيْلِ بنِ قَرِينٍ؛ كذا في النُّسخِ، وفي التبْصيرِ: سَهْل بن قَرِينٍ، ووُجِدَ في ديوانِ الذهبيِّ بالوَجْهَيْن؛ هو وأَبُوه مُحدِّثانِ، أَمَّا هو فحدَّثَ عن تمْتامٍ وغيرِهِ، وأمَّا أَبوه فَعنْ ابنِ أَبي ذُؤَيْبٍ واهٍ، قالَ الأَزّدِيُّ: هو كذَّابٌ.
وعليُّ بنُ قَرِينِ بنِ بيهس عن هشيمٍ، ضَعِيفٌ. وقالَ الذَّهبيُّ: رُوِي عن عبدِ الوَارِثِ كَذَّاب.
وفاتَهُ:
عليُّ بنُ حَسَنِ بنِ كنائب البَصْرِيُّ المُؤَدِّبُ لَقَبُه القَرِين، عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَر بنِ سليحٍ.
والقَرِينَةُ، بها: رَوضَةٌ بالصَّمَّانِ؛ قالَ ذُو الرُّمَّة:
نحُلُّ اللِّوَى أَو جُدَّةَ الرَّمْلِ كلما *** جَرَى الرِّمْثُ في ماءِ القَرِينَةِ والسِّدْرُ
والقَرِينَةُ: النَّفْسُ، كالقَرُونَةِ والقَرُونِ والقَرِينِ. يقالُ: أَسْمَحَتْ قَرُونَتُه وقَرِينَتُه وقَرُونُهُ وقَرِينُه؛ أَي ذَلَّتْ نفْسُه وتابَعَتْه على الأمْرِ؛ قالَ أَوْس:
فَلاقَى امرأً من مَيْدَعانَ وأَسْمَعَتْ *** قَرُونَتُهُ باليَأْسِ منها فعَجَّلا
أَي طابَتْ نَفْسُه بتَرْكِها.
قالَ ابنُ بَرِّي: وشاهِدُ قَرُون قَوْلُ الشاعِرِ:
فإنِّي مِثْلُ ما بِكَ كان ما بِي *** ولكنْ أَسْمَحَتْ عنهم قَرْونِي
وقولُ ابن كُلْثوم:
مَتى نَعْقِدْ قَرِينَتَنا بِحَبْلٍ *** نَجُذُّ الحبْلَ أَو نَقِصُ القَرِينا
قَرِينَتُه: نَفْسُه هنا. يقولُ: إذا أَقْرَنَّا أَقرن علينا.
والقَرِينانِ: أَبو بكْرٍ وطَلْحَةُ، رضي اللهُ تعالى عنهما، لأنَّ عثمانَ بن عُبَيدِ اللهِ أَخا طَلْحَةَ أَخَذَهُما وقَرَنَهُما بحَبْلٍ، فلذلِكَ سُمِّيا القَرِينَيْنِ، ووَرَدَ في الحدِيث: إنَّ أَبا بكْرٍ وعُمَرَ يقالُ لهما القَرِينانِ.
والقِرانُ، ككِتابٍ: الجَمْعُ بين التَّمْرَتَيْنِ في الأَكْلِ.
ومنه الحدِيثُ: نَهَى عن القِرانِ إلَّا أَنْ يَسْتأْذِنَ أَحدُكم صاحِبَه، وإنَّما نَهَى عنه لأنَّ فيه شَرهًا يُزْري بصاحِبِه، ولأنَّ فيه غَبْنًا برَفِيقِه.
والقِرانُ: النَّبْلُ المُسْتوِيَةُ من عَمَل رجلِ واحِدٍ. ويقالُ للقَوْمِ إذا تَناضَلُوا: اذْكُروا القِرانَ؛ أَي والُوا بَيْنَ سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ.
والقِرانُ: المُصاحَبَةُ كالمُقارَنةِ.
قارَنَ الشيءَ مُقارَنَةً وقِرانًا: اقْتَرَنَ به وصاحَبَه.
وقارَنْتُه قِرانًا: صاحَبْتُه.
والقَرْنانُ: الدَّيُّوثُ المُشارَكُ في قَرِينتِه لزَوْجتِه، وإنَّما سُمِّيت الزَّوجةُ قَرِينةً لمُقارَنَةِ الرَّجلِ، إيَّاها؛ وإنَّما سُمِّي القَرْنانُ لأنَّه يَقْرُنُ بها غيرَهُ: عَرَبيٌّ صَحِيحٌ حكَاهُ كُراعٌ.
وقالَ الأَزْهرِيُّ: هو نَعْتُ سوءٍ في الرَّجُلِ الذي لا غَيْرَةَ له، وهو مِن كَلامِ الحاضِرَةِ، ولم أَرَ البَوادِيَ لَفظُوا به ولا عَرَفُوه.
قالَ شيْخُنا، رحِمَه اللهُ تعالى: وهو مِنَ الأَلفاظِ البالِغَةِ في العاميَّةِ والابْتِذالِ، وظاهِرُه أَنَّه بالفتْحِ، وضَبَطَه شرَّاحُ المُخْتصرِ الخَلِيليِّ بالكسْرِ، وهل هو فَعْلانُ أَو فَعْلانُ، يَجوزُ الوَجْهان.
وأَوْرَدَه الخفاجيُّ في شفاءِ الغليلِ على أنَّه مِن الدَّخيلِ.
والقَرُونُ، كصَبُورٍ: دابَّةٌ يَعْرَقُ سَرِيعًا إذا جَرَى، أَو تَقَعُ حوافِرُ رِجْلَيْهِ مَواقِعَ يَديهِ.
في الخَيْلِ وفي الناقَةِ: التي تَضَعُ خُفَّ رِجْلِها موضعَ خُفَّ يدِها.
والقَرُونُ: ناقَةٌ تَقْرُنُ رُكْبَتَيْها إذا بَرَكَتْ؛ عن الأَصْمعيِّ. وقالَ غيرُهُ: هي التي يَجْتَمِعُ خِلْفاها القادِمانِ والآخِرانِ فيَتَدانَيانِ.
والقَرُونُ: الجامِعُ بينَ تَمْرَتَيْنِ تَمْرَتَيْنِ، أَو لُقْمَتَيْنِ لُقْمَتَيْنِ، وهو القِرانُ في الأَكْلِ.
وقالتِ امْرَأَةٌ لبَعْلِها ورأَتْهُ يأْكلُ كذلكَ: أَبرَمًا قَرُونًا؟.
وأَقْرَنَ الرَّجُلُ: رَمَى بسَهْمَيْنِ.
وأَقْرَنَ: رَكِبَ ناقَةً حَسَنَةَ المَشْيِ.
وأَقْرَنَ: حَلَبَ النَّاقَةَ القَرُونَ، وهي التي تَجْمَع بينَ المِحْلَبَيْنِ في حَلْبَةٍ.
وأَقْرَنَ: ضَحَّى بكَبْشٍ أَقْرَنَ، وهو الكبيرُ القرنِ أَو المُجْتمِعُ القَرْنَيْن.
وأَقْرَنَ للأَمْرِ: أَطَاقَهُ وقَوِيَ عليه، فهو مُقْرِنٌ؛ وكذلكَ أَقْرَنَ عليه؛ ومنه قوْلُه تعالى: {وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ}، أي مُطِيقَيْنَ، وهو مِن قوْلِهم: أَقْرَنَ فُلانًا: صارَ له قِرْنًا.
وفي حدِيثِ سُلَيْمان بن يَسارٍ: «أمَّا أَنا فإنِّي لهذه مُقْرِنٌ»، أي مُطِيقٌ قادِرٌ عليها، يعْنِي ناقَتَه. كاسْتَقْرَنَ.
وأَقْرَنَ عن الأَمْرِ: ضَعُفَ؛ حكَاهُ ثَعْلَب؛ وأَنْشَدَ:
تَرَى القَوْمَ منها مُقْرِنينَ كأَنَّما *** تَساقُوْا عُقَارًا لا يَبِلُّ سَليمُها
فهو ضِدٌّ.
وقالَ ابنُ هانئٍ: المُقْرِنُ: المُطِيقُ الضَّعيفُ؛ وأَنْشَدَ لأبي الأَحْوَصِ الرِّياحي:
ولو أَدْرَكَتْه الخيلُ والخيلُ تُدَّعَى *** بذِي نَجَبٍ ما أَقْرَنَتْ وأَجَلَّت
أَي ما ضَعُفَتْ.
وأَقْرَنَ عن الطَّريقِ: عَدَلَ عنها.
قالَ ابنُ سِيدَه: أُراهُ لضَعْفِه عن سلوكِها.
وأَقْرَنَ: عَجَزَ عن أَمْرِ ضَيْعتهِ، وهو الذي يكونُ له إبِلٌ وغَنَمٌ ولا مُعِينَ له عليها، أَو يكونُ يَسْقِي إبلَه ولا ذائِدَ له يَذُودُها يَوْم وُرودِها.
وأقْرَنَ: أَطاقَ أَمْرَها؛ وهو أَيْضًا ضِدٌّ.
وأقْرَنَ: جَمَعَ بين رُطَبَتَيْنِ.
وأقْرَنَ الدَّمُ في العِرْق: كَثُرَ، كاسْتَقَرْنَ.
وأقْرَنَ الدُّمَّلُ: حانَ تَفَقُّؤُهُ.
وأقْرَنَ فلانٌ: رَفَعَ رأْسَ رُمْحِه لئَلَّا يُصيبَ مَن أَمامَهُ؛ عن الأصْمعيِّ.
وقيلَ: أَقْرَنَ الرُّمْح إليه: رَفَعَه.
وأقْرَنَ: باعَ القَرَنَ، وهي الجَعْبَةُ.
وأَيْضًا: باعَ القَرْنَ؛ أَي الحَبْل.
وأقْرَنَ: جاءَ بأَسِيرَيْنِ مَقْرُونَيْنِ في حَبْلٍ.
وأقْرَنَ: اكْتَحَلَ كلَّ ليلةٍ مِيلًا.
وأقْرَنَتِ السَّماءُ؛ دامَتْ تُمْطِرُ أيَّامًا فلم تُقْلِع، وكذلكَ أغْضَنَتْ وأغْيَنَتْ؛ عن أبي زيْدٍ.
وأقْرَنَتِ الثُّرَيَّا: ارْتَفَعَتْ في كَبِدِ السَّماءِ.
والقارونُ: الوَجُّ وهو عِرْقُ الأير.
وقارونُ، بِلا لامٍ: عَتِيٌّ من العُتاةِ يُضْرَبُ به المَثَلُ في الغِنَى، وهو اسمٌ أعْجَمِيٌّ لا يَنْصرِفُ للعجمة والتَّعْريفِ، وهو رَجُلٌ كانَ من قوْمِ موسَى، عليهالسلام، وكان كافِرًا فخسَفَ اللهُ {بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ}.
والقَرِينَيْنِ، مثنَّى قَرِينٍ، جَبَلانِ بنَواحِي اليمامَةِ بَيْنه وبينَ الطَّرَفِ الآخَرِ مَسيرَةُ شَهْرٍ وضَبَطَه نَصْر بضمِّ القافِ وسكونِ الياءِ وفتْح النونِ ومثنَّاة فوْقيَّة.
وأيْضًا: موضع ببادِيةِ الشَّأم.
وأيْضًا: قرية بمَرْوَ الشاهِجانِ لأنَّه قرنَ بَيْنها وبينَ مَرْوَ الرّوذ، منها أبو المُظَفَّرِ محمدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ إسْحقَ المَرْوزيّ الفَقيهُ الشافِعِيُّ، رحِمَه اللهُ تعالى، القَرِينَيْنِيُّ عن أبي طاهِرٍ المخلص، وعنه أبو بكْرٍ الخَطِيبُ، ماتَ بشهر زور سَنَة 432.
وذُو القَرْنين: عَصَبَةُ باطِنِ الفَخِذِ.
قالَ شيْخُنا، رحِمَه اللهُ تعالى: والصَّوابُ: ذاتُ القَرينَتَيْنِ لأن ج: ذَواتُ القَرائِنِ ولتَأْنيثِ العَصَبَةِ.
والقُرْنَتانِ، بالضمِّ مُثَنَّى قُرْنَةٍ، جَبَلٌ بساحِلِ بَحْرِ الهِنْدِ في جهةِ اليَمَنِ.
والقَرِينَةُ، كسَفِينَةٍ: موضع في دِيارِ تميمٍ؛ قالَ الشاعِرُ:
ألا ليْتَني بين القَرِينَة والحَبْلِ *** على ظَهْرِ حُرْجُوجٍ يُبَلِّغُني أهْلِي
وقُرَيْنُ، كزُبَيْرٍ: بالطَّائِفِ.
وقُرَيْنُ بنُ عُمَرَ، أو هو قُرَيْنُ بنُ إبراهيمَ عن أبي سَلَمَة، وعنه ابنُ أبي ذُؤَيْبٍ وابنُ إسْحق؛ أو ابنُ عامِرِ، صوابُه: وقُرَيْنُ بنُ عامِرِ بنِ سعْدِ بنِ أبي وقَّاصِ؛ وأبو الحَسَنِ موسَى بنُ جَعْفَرِ بنِ قُرَيْنٍ العُثْمانيُّ رَوَى عنه الدَّارْقطْنيُّ، مُحدِّثُونَ.
وقُرُونُ البَقَرِ: موضع بدِيارِ بَني عامِرٍ.
والقَرَّانُ، كشَدَّادٍ: القارُورَةُ، بلُغَةِ الحجازِ، وأهْلُ اليمامَةِ يُسَمُّونَها الحُنْجُورَة؛ عن ابنِ شُمَيْل.
وقُرَّانُ، كرُمَّانٍ: قرية باليَمامَةِ، وهي مَاء لبَني سحيمٍ من بَني حَنيفَةَ.
وقُرَّانُ، اسمٌ رجُلٍ، وهو ابنُ تمامٍ الأَسدِيُّ الكُوفيُّ عن سهيلِ بنِ أبي صالحٍ.
ودِهْشَمُ بنُ قُرَّانٍ عن نمران بن خارِجَةَ.
وأبو قُرَّانٍ طُفَيْل الغَنَويُّ شاعِرٌ.
وغالِبُ بنُ قُرَّانِ له ذِكْرٌ.
والمُقَرَّنَةُ، كمُعَظَّمَةٍ: الجِبالُ الصِّغارُ يَدْنُو بعضُها من بَعْضٍ سُمِّيت بذلكَ لتَقارُبِها؛ قالَ الهُذَليُّ:
دَلَجِي إذا ما الليلُ جَنَّ على المُقَرَّنَةِ الحَباحِبْ
أرادَ بالمُقَرَّنَةِ إكامًا صِغارًا مُقْتَرِنَةً.
وعبدُ اللهُ وعبدُ الرحمنِ وعَقيلٌ ومَعْقِلٌ والنُّعْمانُ وسُوَيْدٌ وسِنَانٌ: أوْلادُ مُقَرِّنِ بنِ عائِذٍ المزنيُّ كمُحَدِّثِ صِحَابِيُّونَ، وليسَ في الصَّحابَةِ سَبْعَة أُخْوة سِواهُم؛ أمَّا عبْدُ اللهِ فرَوَى عن ابنِ سِيرِيْن وعَبْد المَلِكِ بنِ عُمَيْر؛ وأخُوه عَبْدُ الرَّحمن ذَكَرَه ابنُ سَعْدٍ، وأخُوه عَقِيلٌ يُكَنى أبا حكيم له وِفادَةٌ؛ وأخوه مَعْقِلٌ يُكَنى أبا عمْرَةَ وكان صالِحًا نَقَلَهُ الوَاقِديُّ؛ وأخُوه النُّعْمانُ كان معه لواءُ مزينةَ يَوْم الفتْحِ؛ وأخُوه سُوَيْدٌ يُكَنى أبا عدِيٍّ رَوَى عنه هِلالُ ابنُ يَساف؛ وأخُوه سِنَانٌ له ذِكْرٌ في المَغازِي ولم يَرْوِ.
ودُورٌ قَرائِنُ: يَسْتَقْبِلُ بعضُها بعضًا.
والقَرْنُوَةُ: نَباتٌ عَرِيضُ الوَرَقِ ينبتُ في ألْوِيَةِ الرَّمْل ودَكادِكِه، وَرَقُه أغْبَرُ يُشْبِه وَرَقَ الحَنْدَقُوق، وقيلَ: هي الهَرْنُوَةُ أو عُشْبَةٌ أُخْرَى خَضْراءُ غَبْراءُ على ساقٍ، ولها ثَمَرةٌ كالسُّنْبلةِ، وهي مُرَّةٌ تُدْبَغُ بها الأَساقِي، ولا نَظِيرَ لهما سِوَى عَرْقُوَةِ وعَنْصُوَةَ وتَرْقُوَةِ وثَنْدُوَةِ.
قالَ أبو حَنيفَةَ: الواوُ فيها زائِدَةٌ للتَّكْثيرِ والصِّيغَة لا للمعْنَى ولا للإِلْحاقِ، ألا تَرَى أنَّه ليسَ في الكَلامِ مِثْل فَرَزْدُقَة؟.
وسِقَاءٌ قَرْنَوِيٌّ ومُقَرْنيَ: مَدْبُوغٌ بها، الأَخيرَةُ بغيرِ هَمْزٍ، وهَمَزَها ابنُ الأَعْرابيِّ؛ وقد قَرْنَيْتُه، أثْبَتُوا الواوَ، كما أثْبَتُوا بقِيَّةَ حُرُوفِ الأَصْلِ والراءِ والنّونِ ثم قَلَبُوها ياءً للمُجاوَرَةِ. وحَيَّةٌ قَرْناءُ: لها كَلَحْمَتَيْنِ في رأْسِها، كأَنَّهما قَرْنانِ، وأكْثَرُ ما يكونُ في الأَفاعِي.
وقالَ الأَصْمعيُّ: القَرْناءُ: الحيَّةُ لأنَّ لها قَرْنًا؛ قالَ الأَعْشى:
تَحْكِي له القَرْناءُ في عِرْزَالِها *** أُمَّ الرَّحَى تَجْرِي على ثِفالِها
والقَيْرَوانُ: الجَماعَةُ من الخَيْلِ، والقُفْلُ، بالضَّمِّ، جَمْعُ قافِلَةٍ وهو مُعَرَّبُ كارْوان، وقد تَكَلَّمَتْ به العَرَبُ.
وقالَ أبو عُبَيْدَةَ: كُلُّ قافِلَةٍ قَيْرَوان.
وأيْضًا: مُعَظَمُ الكَتِيبَةِ؛ عن ابنِ السِّكِّيت؛ قالَ امْرؤُ القَيْسِ:
وغارةٍ ذاتِ قَيْرَوانٍ *** كأَنَّ أسْرَابَها الرِّعالُ
وقَيْرَوانُ: بلد بالمَغْرِبِ افْتَتَحَه عقبةُ بنُ نافِعٍ الفهْرِيُّ زَمَنَ مُعاوِيَةَ سَنَة خَمْسِين؛ يُرْوَى أنَّه لمَّا دَخَلَه أمَرَ الحَشَرَات والسِّبَاع فرَحَلُوا عنه، ومنه سُلَيْمانُ بنُ دَاود بنِ سلمون الفَقِيهُ؛ وسَيَأْتي ذِكْرُ القَيْروانِ في قَرَوَ.
وأقْرُنُ، بضمِّ الرَّاءِ: موضع بالرُّومِ، ولم يُقَيّده ياقوتُ بالرُّوم؛ وأنْشَدَ لامْرِئِ القَيْس:
لما سما من بين أقرن *** فالاجبال قلت: فداؤه أهلي
والقُرَيْناءُ، كحُمَيْراءَ: اللُّوبِيَاءُ.
وقالَ أبو حَنيفَةَ: هي عشْبَةٌ نحْو الذِّراعِ لها أفْنانٌ وسِنْفَة كسِنْفَةِ الجُلْبانِ ولحبِّها مَرارَةٌ.
ومِن المجازِ: المَقْرونُ من أَسْبابِ الشِّعْر.
وفي المُحْكَم: ما اقْتَرَنَتْ فيه ثَلاثُ حركاتٍ بَعْدَها ساكِنٌ كمُتَفَا مِنْ مُتَفاعِلُنْ، وعَلَتن من مُفاعَلَتُنْ، فمُتَفا قَدْ قَرَنَتْ السَّبَبَيْن بالحركةِ، وقد يجوزُ إسْقاطها في الشِّعْرِ حتى يَصيرَ السَّبَبان مَفْرُوقَيْن نحْوَ عِيْلُنْ مِن مَفَاعِيْلُنْ؛ وأَمَّا المَفْرُوقُ فقد ذُكِرَ في موْضِعِه.
والقُرْناءُ من السُّوَرِ: ما يُقْرَأُ بِهِنَّ في كلِّ ركعةٍ، جَمْعُ قَرِينَةٍ.
والقَرانِيا: شَجَرٌ جَبَلِيٌّ ثَمَرُه كالزَّيْتُون قابِضٌ مُجَفِّفٌ مُدْمِلٌ للجِراحاتِ الكِبارِ مُضادَّةٌ للجِراحاتِ الصِّغارِ.
والمِقْرَنُ: الخَشَبَةُ التي تُشَدُّ على رأْسِ الثَّوْرَيْنِ، وضَبَطَه بعضٌ كمِنْبَرٍ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
كَبْشٌ أَقْرَنُ: كبيرُ القَرْنِ؛ وكذلِكَ التَّيْسُ؛ وقد قَرِنَ كُلِّ ذي قرن كفَرِحَ.
ورُمْحٌ مَقْرُون: سِنانُه من قَرْن؛ وذلكَ أَنَّهم رُبَّما جَعَلُوا أَسِنَّةَ رِماحِهم من قُرُونِ الظِّباءِ والبَقَرِ الوَحْشِيِّ؛ قالَ الشاعِرُ:
ورامِحٍ قد رَفَعْتُ هادِيَهُ *** من فوقِ رُمْحٍ فظَلَّ مَقْرُونا
والقَرْنُ: البَكَرَةُ؛ والجَمْعُ أَقْرُنٌ وقُرُونٌ.
وشابَ قَرْناها: عَلَمُ رجُلٍ، كتَأَبَّطَ شَرًّا، وذرّى حبًّا.
وأَصابَ قَرْنَ الكَلإِ: إذا أَصابَ مالًا وافِرًا.
ويقالُ: تَجدني في قَرْنِ الكَلإِ: أَي في الغايَةِ ممَّا تَطْلُبُ منِّي.
ويقالُ للرُّومِ ذواتُ القُرُونِ لتَوارثِهم المُلْكَ قَرْنًا بعْدَ قَرْنٍ، وقيلَ: لتوافرِ شُعُورِهم وأَنَّهم لا يَجُزُّونَها؛ قالَ المُرَقِّشُ: لاتَ هَنَّا وليْتَني طَرَفَ الزُّجِّ وأَهْلِي بالشامِ ذاتُ القُرونِ وقالَ أبو الهَيْثمِ: القُرُونُ: حَبائِلُ الصيَّادِ يُجْعَلُ فيها قُرُونٌ يُصْطادُ بها الصِّعَاءُ والحمامُ؛ وبه فسِّرَ قَوْلُ الأَخْطَلِ يَصِفُ نِساءً:
وإذا نَصَبْنَ قُرونَهنَّ لغَدْرةٍ *** فكأَنَّما حَلَّت لهنَّ نُذُورُ
والقُرَانَى، كحُبارَى: وَتَرٌ فُتِلَ مِن جلْدِ البَعيرِ؛ ومنه قوْلُ ذي الرُّمَّة:
وشِعْبٍ أَبَى أَنْ يَسْلُكَ الغُفْرُ بينه *** سَلَكْتُ قُرانَى من قَياسِرةٍ سُمْرا
وأَرادَ بالشِّعْبِ فُوقَ السَّهْمِ.
وإبِلٌ قُرانَى: أَي ذاتُ قَرائِنٍ.
والقَرِينُ: العَيْنُ الكَحِيلُ.
والقَرْناءُ: العَفْلاءُ.
وقالَ الأصْمعيُّ: القَرَنُ في المرْأَةِ كالأُدْرةِ في الرَّجُل، وهو عَيْبٌ.
وقالَ الأَزْهرِيُّ: القَرْناءُ مِن النِّساءِ: التي في فَرْجِها مانِعٌ يَمْنَعُ من سُلوكِ الذَّكَرِ فيه، إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ، أَو لحمةٌ مُرْتَتِقة، أَو عَظْمٌ.
وقالَ اللَّيْثُ: القَرْنُ: حَدُّ رابيةٍ مُشْرِفَةٍ على وَهْدَةٍ صَغيرَةٍ.
وقَرَّنَ إلى الشيءِ تَقْرِينًا: شَدَّه إليه؛ ومنه قوْلُه تعالى: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ} شُدِّدَ للكَثْرَةِ.
والقَرِينُ: الأَسيرُ.
وقَرَنَهُ: وَصَلَهُ؛ وأَيْضًا شَدَّهُ بالحَبْلِ.
والقِرانُ، بالكسْرِ: الحَبْلُ الذي يُشَدُّ به الأَسيرُ.
وأَيْضًا: الذي يُقَلَّدُ به البَعيرُ ويُقادُ به؛ جَمْعُه قُرُنٌ، ككُتُبٍ.
واقْتَرَنا وتَقارَنا وجاؤُوا قُرانَى: أَي مُقْتَرِنِين، وهو ضِدُّ فُرادَى.
وقِرانُ الكَواكبِ: اتِّصالُها ببعضٍ؛ ومنه قِران السعدين ويُسَمّونَ صاحِبَ الخُرُوج مِن المُلُوكِ: صاحِب القِرَانِ مِن ذلِكَ.
والقَرِينانِ: أَبو بكْرٍ وعُمَرُ، رضِيَ اللهُ تعالى عنهما.
والقَرينانِ: الجَملانِ المَشْدُودُ أَحَدُهما إلى الآخَر.
والقَرِينَةُ: الناقَةُ تُشَدُّ بأُخْرى.
والقَرْنُ: الحِصْنُ، جَمْعُه قُرُونٌ. وهذا كتَسْمِيتِهم للحُصُونِ الصَّياصِي.
وقالَ أَبو عبيدٍ: اسْتَقْرَنَ فلانٌ لفلانٍ: إذا عازَّهُ وصارَ عنْدَ نَفْسِه مِن أَقْرانِه.
وفي الأَساسِ: اسْتَقْرَنَ: غَضِبَ؛ واسْتَقْرَنَ: لَانَ.
والقَرَنُ: اقْتِرانُ الرّكْبَتَيْنِ.
وقيلَ: تَباعُدُ ما بينَ رأْسِ الثَّنِيَّتَيْنِ وإن تَدَانَتْ أُصُولُهما.
والإِقْرانُ: أَنْ يَقْرُنَ بينَ الثَّمرتَيْنِ في الأَكْلِ،؛ وبه رُوَي الحدِيثُ أَيْضًا؛ كالمُقارَنَةِ، ومنه حدِيثُ ابنِ عُمَرَ، رضِيَ اللهُ تعالى عنهما: «لا تُقارِنُوا إلَّا أَنْ يَسْتأْذِنَ الرَّجُلُ أَخاهُ».
والقَرُون مِن الإِبِلِ: التي تَجْمَعُ بينَ مِحْلَبَيْنِ في حَلْبَةٍ.
وقيلَ: هي التي إذا بَعَرَتْ قارَنَتْ بينَ بَعَرِها. والقَرَّانُ، كشَدَّادٍ: لُغَةٌ عاميَّةٌ في القَرْنانِ، بمعْنَى الدَّيُّوثِ.
وفي حدِيثِ عائِشَةَ، رضِيَ اللهُ تعالى عنها: «يَوْمُ الجَمْع يَوْمُ تَبَعُّلٍ وقِرانٍ»؛ كِنايَة عن التَّزْوِيجِ.
ويقالُ: فلانٌ إذا جاذَبَتْه قَرِنَتُه وقَرِينُه قَهَرَها؛ أَي إذا قُرِنَتْ به الشَّديدَةُ أَطاقَها وغَلَبَها.
وأَخَذْتُ قَرُونِي مِن الأَمْرِ: أَي حاجَتِي.
ورجُلٌ قارِنٌ: ذُو سَيْفٍ ونَبْلٍ؛ أَو ذُو سَيْفٍ ورُمْحٍ وجُعْبَةٍ قد قَرِنَا.
والقَرائِنُ: جِبالٌ مَعْروفَةٌ مُقْترِنَةٌ؛ قالَ تأَبَّطَ شرًّا:
وحَثْحَثْتُ مَشْعُوفَ النَّجاءِ ورَاعَنِي *** أُناسٌ بفَيْفانٍ فَمِزْتُ القَرائِنَا
وقَرَنَتِ السَّماءُ: دامَ مَطَرُها؛ كأَقْرَنَتْ.
والقُرَانُ، كغُرابٍ، من لم يَهْمُز لُغَةً في القُرْآنِ.
وأَقْرَنَ: ضيَّقَ على غَرِيمِه.
وقالَ أَبو حنيفَةَ: قُرُونَةٌ: بالضمِّ، نَبْتةٌ تُشْبِه اللُّوبِياء، وهي فَرِيكُ أَهْلِ البادِيَةِ لكَثْرتِها.
وحكَى يَعْقوبُ: أَدِيمٌ مَقْرونٌ: دُبغَ بالقَرْنُوَةِ، وهو على طَرْحِ الزائِدِ.
ويَوْمُ أَقْرَنَ، كأَمْلَسَ: يَوْمٌ لغَطَفَانَ على بَني عامِرٍ، وهو غيرُ الذي ذَكَرَه المصنِّفُ، رحِمَه اللهُ تعالى.
وقَرْنُ الثعالِبِ: موْضِعٌ قُرْبَ مكَّةَ وأَنتَ ذاهِبٌ إلى عَرَفاتٍ، قيلَ: هو قَرْنُ المَنازِلِ.
ومِن أَمْثالِهم: تَرَكْناهُ على مَقَصِّ قَرْنٍ، ومَقَطِّ قَرْنٍ لمَنْ يُسْتَأْصَلُ ويُصْطَلَمُ، والقَرْنُ إذا قُصَّ أَو قُطَّ بَقيَ ذلكَ الموْضِعُ أَمْلَسُ.
وأَقْرَنَ: أَعْطاهُ بَعيرَيْنِ في قَرنٍ ونازَعَهُ فتَرَكَهُ قَرْنًا لا يتكلَّمُ: أَي قائِمًا مائِلًا مَبْهوتًا.
وأَقْرَنَتْ أَفاطِيرُ وَجْهِ الغُلامِ: بثَرتْ مَخارجُ لحْيَتِه ومَوَاضِعُ تَفَطُّر الشَّعَرِ.
والقَرِينَةُ في العَرُوضِ: الفَقْرَةُ الأَخيرَةُ.
وقرنٌ: بينَ عرضِ اليَمامَةِ ومَطْلع الشمْسِ، ليسَ وَرَاءَه مِن قُرَى اليَمامَةِ ولا مِياهِها شيءٌ، هو لبَني قشيرِ بنِ كعْبٍ.
وقَرْنُ الحبالَى: جَبَلٌ لغَنِيِّ.
آخَرُ في دِيارِ خَثْعَم.
وقَرِينانِ في دِيارِ مُضَرَ لبَني سُلَيْم يفرقُ بَيْنهما وادٍ عَظِيمٌ.
وترعَةُ القَرِينَيْنِ: إحْدَى الأَنْهارِ المُتَشعِّبَةِ مِن النِّيل، سُمِّيت بالقَرِينَيْنِ قَرْيتانِ بمِصْر.
والمقرونةُ: نوعٌ من الطَّعام يُعْمَلُ مِن عَجِينٍ وسَمْنٍ ولوْزٍ.
وقَرِينَةُ بنُ سُوَيْد النَّسفيُّ، كسَفِينَةٍ، جَدُّ أَبي طَلْحَةَ مَنْصور بنِ محمدِ بنِ عليٍّ، رَوَى عن البُخاري صَحِيحَهُ، ماتَ سَنَة 329، ثِقَةٌ.
وقَرْنُ بنُ مالِكِ بنِ كعْبٍ، بالفتْحِ، بَطْنٌ من مَذْحِج منهم عافيةُ بنُ يَزِيد القاضِي، عن هِشَامِ بنِ عرْوَةَ وغيرِهِ.
وقَرْنانُ، بالفتْحِ والضمِّ: بَطْنٌ مِن تجيب منهم: شريكُ ابنُ سُوَيْدٍ شَهِدَ فتْحَ مِصْرَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
47-تاج العروس (بدو)
[بدو]: وبَدَا الأَمْرُ يَبْدُو بَدْوًا، بالفتْحِ، وبُدُوًّا كقُعُودٍ، وعليه اقْتَصَر الجَوْهرِيُّ؛ وبَداءً، كسَحابٍ، وبَداءَةً كسَحابَةٍ، وبُدُوًّا، هكذا في النسخِ كقُعُود وفيه تكْرارٌ والصَّوابُ بَدًا كما في المُحْكَم وعَزَاهُ إلى سِيْبَوَيْه: أَي ظَهَرَ.وأَبْدَيْتُه: أَظْهَرْتُه؛ كما في الصِّحاحِ، وفيه إشارَةٌ إلى أنَّه يَتَعدَّى بالهَمْزَةِ وهو مَشْهورٌ.
قالَ شيْخُنا: وقد قيلَ إنَّ الرّباعي يَتَعدَّى بعنْ، فيكونُ لازِمًا أَيْضًا كما قالَهُ ابنُ السيِّدِ في شرْحِ أَدَبِ الكَاتِبِ، انتَهَى.
وفي الحدِيثِ: «مَنْ يُبْدِ لنا صَفْحَتَه نُقِمْ عليه كتابَ اللهِ»؛ أَي مَنْ يُظْهِر لنا فِعْلَه الذي كانَ يخْفِيه أَقَمْنا عليه الحَدَّ.
وبَداوَةُ الشَّيءِ: أَوَّلُ ما يَبْدُو منه؛ هذه عن اللَّحْيانّي.
وبادِي الرَّأْيِ: ظاهِرُهُ، عن ثَعْلَب.
وأَنْتَ بادِيَ الرَّأْي تَفْعَلُ كذا؛ حَكَاهُ اللَّحْيانيُّ بغيْرِ هَمْزٍ، مَعْناه أَنْتَ فيمَا بَدَا من الرَّأْي وظَهَرَ.
وقَوْلُه تعالى: {هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ}؛ أَي في ظاهِرِ الرَّأْي؛ كما في الصِّحاحُ؛ قَرَأَ أَبو عَمْرو وَحْدُه: بادِيءَ الرَّأْي بالهَمْزِ، وسائِرُ القرَّاءِ قرأوا بادِيَ بغَيْرِ هَمْزٍ.
وقالَ الفرَّاءُ: لا يُهْمَز {بادِيَ الرَّأْيِ} لأنَّ المعْنَى فيمَا يَظْهرُ لنا ويَبْدُو.
وقالَ ابنُ سِيدَه: ولو أَرادَ ابْتِداءَ الرَّأْي فهَمَز كانَ صَوابًا.
وقالَ الزَّجَّاجُ: نصبَ {بادِيَ الرَّأْيِ} على اتَّبَعُوك في ظاهِرِ الرَّأْي وباطِنُهم على خِلافِ ذلِكَ، ويَجوزُ أَنْ يكونَ اتَّبَعُوكَ في ظاهِرِ الرَّأْي ولم يَتَدَبَّروا ما قلتَ ولم يَتَدَبَّروا فيه.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: مَنْ هَمَزَه جَعَلَهُ مِن بَدَأْتُ مَعْناه أَوَّلَ الرَّأْي.
وبَدَا له في هذا الأَمْرِ بَدْوًا، بالفتْحِ، وبَدَاءَ، كسَحابٍ، وبَداةً، كحَصَاةٍ؛ وفي المُحْكَم: بَدَا له في الأَمْرِ بَدْوًا وبَدْأً وبَدَاءً؛ وفي الصِّحاحِ: بَداءٌ مَمْدود؛ أي نَشَأَ له فيه رَأْيٌ.
قالَ ابنُ بَرِّي: بَداءٌ، بالرَّفْعِ، لأنَّه الفاعِلُ وتَفْسِيره بنَشَأَ له فيه رَأْيٌ يدلّك على ذلِكَ؛ ومنه قَوْلُ الشاعِرِ، وهو الشَّماخُ، أَنْشَدَه ابنُ سِيدَه:
لَعَلَّك والمَوْعُودُ حقٌّ وفاؤُه *** بَدا لكَ في تلْكَ القَلُوص بَداءُ
وقالَ سِيْبَوَيْه في قَوْلِه، عزّ وجلّ: {ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ}؛ أَرادَ بَدَا لهُم بَداءٌ، وقالوا ليَسْجُنَنَّه، ذَهَبَ إلى أنَّ مَوْضِعَ ليَسْجُنُنَّه لا يكونُ فاعِلَ بَدَا لأنَّه جُمْلةٌ والفاعِلُ لا يكونُ جُمْلة.
وقالَ الأزْهرِيُّ: يقالُ بَدَا لي بَدَا أَي تَغَيَّر رَأْيي عمَّا كانَ عليه.
وقالَ الفرَّاءُ: بَدَا لي بَداءٌ ظَهَرَ لي رَأْيٌ آخَرُ، وأَنْشَدَ:
لَو على العَهْدِ لم يَخُنه لَدُمْنا *** ثم لم يَبْدُ لي سواه بَدَاءُ
وهو ذُو بَدَواتِ، كما في الصِّحاحِ.
قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: وكانتِ العَرَبُ تَمدَح بهذه اللفْظَةِ فيقولونَ للرَّجُلِ الحازِمِ: ذُو بَدَواتٍ؛ أَي ذُو آراءٍ تَظْهرُ له فيختارُ بعضًا ويُسْقطُ بعضًا؛ أَنْشَدَ الفرَّاءُ:
من أَمْرِ ذِي بَدَواتٍ مَا يَزالُ له *** بَزْلاءُ يَعْيا بها الجَثَّامَةُ اللُّبَدُ
قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: قَوْلُهم أَبو البَدَواتِ، مَعْناه أَبو الآراءِ التي تَظْهَرُ له، واحِدُها بَدَاةٌ، كقَطاةٍ وقَطَواتٍ.
وفَعَلَه بادِيَ بَدِيِّ، كغَنِيِّ، غَيْر مَهْمُوز، وبادِيَ بَدِّ؛ وحَكَى سِيْبَوَيْه: بادِيَ بَدًا، وقالَ: لا ينوَّنُ ولا يَمْنَعُ القياسُ تَنْوينَه. وقالَ الفرَّاءُ: يقالُ: افْعَلْ ذلِكَ بادِيَ بَدِيِّ، كقَوْلِكَ أَوَّل شيءٍ، وكَذلِكَ بَدْأَةَ ذِي بَدِيِّ، قالَ: ومِنْ كَلامِ العَرَبِ بادِيَ بَدِيٍّ بهذا المَعْنى إلَّا أَنَّه لم يهمزْ، وأَنْشَدَ:
أَضْحَى لِخالي شَبَهِي بادِي بَدِي *** وصارَ للفَحْلِ لِساني ويَدِي
أَرادَ به: ظاهِري في الشَّبَه لِخالي.
وقالَ الزَّجاجُ: معْنَى البَيْتِ خَرَجْتُ عن شرْخِ الشَّبابِ إلى حدِّ الكُهُولةِ التي مَعَها الرَّأْيُ والحِجَا، فصرْتُ كالفُحُولةِ التي بها يَقَعُ الاخْتِيارُ ولها بالفضْلِ تُكْثَر الأوْصافُ.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: افْعَلْ ذلِكَ بادِيَ بَدٍ وبادِيَ بَدِيٍّ؛ أَي أَوَّلًا، وأَصْلُها الهَمْزُ، وإنَّما ترك لكثْرَةِ الاسْتِعْمالِ؛ وقد ذُكِرَتْ بِلُغاتِها هناك.
ويَحْيَى بنُ أَيُّوبَ بنُ بادِي التَّجِيبيُّ العَلَّافُ عن سعيدِ بنِ أَبي مَرْيَم؛ وأَحمدُ بنُ عليِّ بنِ البادِي عن دعلج، وعنه الخَطِيبُ، وقد سُئِل منه عن هذا النَّسَبِ فقالَ: وُلدْتُ أَنا وأَخي تَوأَمًا وخَرَجْتُ أَوَّلًا فسُمِّيت البادِي؛ هكذا ذَكَرَه الأميرُ قالَ: ووَجَدْتُ خطَّه وقد نَسَبَ نَفْسَه فقالَ: البادِي بالياءِ، وهذا يدلُّ على صحَّةِ الحِكَايَةِ وثبتني فيه الأَنْصارِي، فعلى هذا لا يُقالُ فيه ابنُ البادِي، فالأَوْلى حَذْف لَفْظِ الابن.
ولا تَقُل البادَا، نبَّه عليه الذهبيُّ. وقالَ الأميرُ: العامَّةُ تَقَولُ فيه: ابنُ البادِ؛ مُحدِّثانِ.
* وفاتَهُ:
أَبو البَرَكاتِ طلحةُ بنُ أَحْمدَ بنِ بَادِي العاقُولي تَفَقَّه على الفرَّاء، ذَكَرَه ابنُ نُقْطَةَ، اسْتَدْركَه الحافِظُ على الذهبيِّ.
والبَدْوُ والبادِيَةُ والباداةُ؛ هكذا في النسخِ والصَّوابُ والبَداةُ كما في المُحْكَم؛ والبَداوةُ: خِلافُ الحَضَر.
قيلَ: سُمِّيَت البادِيَة بادِيَةً لبرُوزِها وظُهورِها، وقيلَ للبَرِّيَّةِ بادِيَةٌ لكونِها ظَاهِرَةً بارِزَةً.
وشاهِدُ البَدْوِ قَوْلُه تعالى: {وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} أَي البادِيَة.
قالَ شيْخُنا: البَدْوُ ممَّا أُطْلِقَ على المَصْدَر ومَكانِ البَدْوِ والمُتَّصِفِينَ بالبَدَاوَةِ، انتَهَى.
وقالَ اللَّيْثُ: البادِيَةُ اسمٌ للأَرْضِ التي لا حَضَرَ فيها، وإذا خَرَجَ الناسُ مِن الحَضَرِ إلى المَراعِي في الصَّحارِي قيلَ: بَدَوْا، والاسمُ البَدْوُ.
وقالَ الأَزْهرِيُّ: البادِيَةُ خِلافُ الحاضِرَةِ، والحاضِرَةُ القوْمُ الذينَ يَحْضُرونَ المِياهَ ويَنْزلونَ عليها في حَمْراءِ القَيْظِ، فإذا بَرَدَ الزَّمانُ ظَعَنُوا عن أَعْدادِ المِياهِ وبَدَوْا طَلَبًا للقُرْبِ مِن الكَلإِ، فالقَوْم حينَئِذٍ بادِيَةٌ بَعْدَ ما كانوا حاضِرَةً. ويقالُ لهذه المَواضِعِ التي يَبْتَدِي إليها البادُونَ بادِيَةٌ أَيْضًا، وهي البَوادِي، والقَوْم أَيْضًا بَوادِي.
وفي الصِّحاحِ: البَدَاوَةُ الإقامَةُ في البادِيَةِ، يُفْتَحُ ويُكْسَرُ، وهو خِلافُ الحضارَةِ.
قالَ ثَعْلَبْ: لا أَعْرِفُ البَدَاوَة بالفتْحِ، إلَّا عن أَبي زيْدٍ وَحْدِه، انتَهَى.
وقالَ الأَصْمعيُّ: هي البِدَاوَةُ والحَضارَة، بكسْرِ الباءِ وفتْحِ الحاءِ؛ وأَنْشَدَ:
فمَنْ تَكُنِ الحَضارَةُ أَعْجَبَتْه *** فأَيّ رجالِ بادِيَةٍ تَرانا؟
وقالَ أَبو زيْدٍ: بعكْسِ ذلِكَ.
وفي الحدِيثِ: «أَرادَ البَدَاوَةَ مَرَّة» أَي الخُروجَ إلى البادِيَةِ، رُوِي بفتحِ الباءِ وبكَسْرِها.
* قُلْتُ: وحَكَى جماعَةٌ فيه الضمَّ وهو غَيْرُ مَعْروفٍ.
قالَ شيْخُنا: وإن صحَّ كانَ مُثَلَّثًا، وبه تَعْلم ما في سِياقِ المصنِّفِ مِنَ القُصُورِ.
وتَبَدَّى الرَّجُلُ: أَقامَ بها؛ أَي بالبادِيَةِ.
وتَبادَى: تَشَبَّه بأَهْلِها؛ والنِّسْبَةُ إلى البَداوَةِ، بالفتْحِ على رأْيِ أَبي زيْدٍ، بالكَسْرِ على رأْيِ الأصْمعيّ: بَداوِيٌّ، كسَخاويِّ، وبِدَاوِيٌّ، بالكِسْرِ. ولو قالَ: ويُكْسَرُ كانَ أَخْصَر.
وقالَ شيْخُنا: قَوْلُه كسَخَاوِيّ مُسْتدركٌ، فإنَّ قَوْلَه بالكَسْر يُغْنِي عنه. قالَ: ثم إنَّ هذا إنَّما يَتَمَشَّى على رأَي أَبي زيْدٍ الذي ضَبَطَه بالفتْحِ، وأَمَّا على رأْيِ غيرِهِ فإنَّه بالكَسْرِ.
وقالَ ثَعْلَب: وهو الفَصِيحُ فالصَّوابُ أَنْ يقولَ: والنِّسْبَة بِدَاوِيٌّ ويُفْتَحُ انتهَىَ.
قالَ ابنُ سِيدَه: البَداوِيُّ، بالفتْحِ والكَسْرِ، نسْبَتانِ على القِياس إلى البَداوَةِ والبِدَاوَة، فإنْ قُلْت البَداوِيَّ قد يكونُ مَنْسوبًا إلى البَدْوِ والبادِيَةِ فيكونُ نادِرًا، قُلْتُ: إذا أَمْكَن في الشيءِ المَنْسوبِ أَن يكونَ قِياسًا شاذًّا كان حَمْله على القياسِ أَوْلى لأنَّ القِياسَ أَشْيَع وأَوْسَع.
والنِّسْبَةُ إلى البَدْوِ: بَدَوِيٌّ، محرَّكةً، وهي نادِرَةٌ.
قالَ التَّبْريزِي: كأَنَّه على غيرِ قياسٍ، لأنَّ القياسَ سكونُ الدالِ؛ قالَ: والنَّسَبُ يَجِيءُ فيه أَشْياء على هذا النَّحْو مِن ذلِكَ قَوْلهم: فَرَسٌ رضويةٌ مَنْسوبَةٌ إلى رَضويّ والقياسُ رضوية.
* قُلْتُ: وقد جاءَ ذلِكَ في الحدِيثِ: «لا تَجوزُ شهادَةُ بَدَوِيِّ على صاحِبِ قَرْيَةٍ». قالَ ابنُ الأثيرِ: وإنَّما كَرِهَ ذلِكَ لمَا في البَدَوِيِّ مِن الجفَاءِ في الدِّين والجَهالَةِ بأَحْكامِ الشَّرْعِ ولأنَّهم في الغالِبِ لا يَضْبِطُون الشَّهادَةَ على وَجْهِها؛ قالَ: وإليه ذَهَبَ مالِك، والناسُ على خِلافِه.
وبَدَا القَوْمُ بَدًا، كذا في النسخِ والصَّوابُ بَدْوًا، كما هو نصُّ الصِّحاحِ ومثَّلَه يَقْتُلُ قَتْلًا؛ خَرَجُوا إلى البادِيَةِ؛ ومنه الحدِيثُ: مَنْ بَدَا جَفا؛ أَي مَنْ نَزَلَ البادِيَةَ صارَ فيه جَفَاءُ الأعْرابِ، كما في الصِّحاحِ.
وفي حدِيث آخر: «كان إذا اهْتَمَّ لشيءٍ بَدَا»؛ أَي خَرَجَ إلى البَدْوِ.
قالَ ابنُ الأثيرِ: يُشْبِهُ أَنْ يكونَ يَفْعَل ذلِكَ ليَبْعُدَ عن الناسِ ويَخْلُو بنَفْسِه؛ ومنه الحدِيثُ: «كان يَبْدُو إلى هذه التِّلاعِ».
وفي حدِيثِ الدّعاءِ: فإنَّ جارَ البادِي يَتَحَوَّلُ؛ وهو الذي يكونُ في البادِيَةِ ومَسْكَنَهُ المَضارِبُ والخِيامُ، وهو غَيْرُ مُقيِم في مَوْضِعِه بِخلافِ جارِ المُقامِ في المدر؛ ويُرْوى النادِي، بالنونِ.
وفي الحدِيثِ: «لا يَبعْ حاضِرٌ لبادٍ».
وقَوْلُه تعالى: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ} أَي وَدّوا أنَّهم في البادِيَةِ.
قالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: إنَّما يكونُ ذلِكَ في ربِيعِهم، وإلَّا فهُم حُضَّارٌ على مِياهِهم.
وقَوْمٌ بُدىً، كهُدىً، وبُدّى، كغُزّى: بادُونَ؛ أَي هُما جَمْعا بادٍ.
وبَدْوَتَا الوادِي: جانِباهُ؛ عن أَبي حنيفَةَ.
والبَدَا، مَقْصورًا، السَّلْحُ، وهو ما يَخْرجُ مِن دُبرِ الرَّجُلِ.
وبَدَا الرَّجُلُ: أَنْجَى فَظَهَرَ نَجْوُهُ من دُبُرِهِ، كأَبْدَى، فهو مُبْدٍ، لأنَّه إذا أَحْدَثَ بَرَزَ مِن البيوتِ، ولذا قيل له: المُتَبَرِّزُ أَيْضًا، وهو كِنايَةٌ.
وبَدَا الإنْسانُ، مَقْصورًا: مَفْصِلُهُ، الجمع: أَبْداءٌ.
وقالَ أَبو عَمْرو: الأَبْداءُ المَفاصِلُ، واحِدُها بَدًا، وبُدْءٌ، بالضمِّ مَهْموزًا، وجَمْعُه بُدُوءٌ، بالضمِّ كقُعُودٍ.
والبَدِيُّ، كرَضِيِّ، ووادِي البَدِيِّ، كرَضِيِّ أَيْضًا، وبَدْوَةُ وبَدَا ودارَةُ بَدْوَتَيْنِ: مَواضِعُ. أَمَّا الأوَّل: فقَرْيةٌ مِن قُرَى هَجَر بينَ الزَّرائبِ والحَوْضَتَيْنِ؛ قالَ لبيدٌ:
جَعَلْنَ حراجَ القُرْنَتَيْنِ وعالِجًا *** يمينًا ونَكَّبْنَ البَدِيِّ شماليا
وأَمَّا الثَّاني: فوادٍ لبَني عامِرٍ بنَجْدٍ؛ ومنه قَوْلُ امْرئِ القَيْسِ:
فوادِي البَدِيِّ فانتحى لا ريض
وأَمَّا الثَّالِثُ: فجَبَلٌ لبَني العَجْلانِ بنَجْدٍ؛ قالَ عامِرُ بنُ الطّفَيْل:
فلا وأَبِيك لا أَنْسَى خَلِيلي *** ببَدْوَة ما تَحَرَّكتِ الرِّياحُ
وقالَ ابنُ مُقْبِل:
أَلا يا لقومي بالدِّيارِ ببَدْوَة *** وأَنَّى مراحُ المَرْءِ والشَّيْبُ شامِل
وأَمَّا الرابِعُ: فوادٍ قُرْبَ أَيْلَةَ مِن ساحِلِ البَحْرِ؛ وقيلَ: بوادِي القُرَى؛ وقيلَ: بوادِي عُذْرَةَ قُرْبَ الشأمِ، كانَ به مَنْزلُ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبّاسٍ وأَوْلادِه؛ قالَ الشاعِرُ:
وأَنْتِ التي حَبَّبتِ شَغْبًا إلى بَدًا *** إليَّ وأَوْطاني بِلادٌ سِواهُمَا
حَلَلْتِ بهذا حَلَّة ثم حَلَّةً *** بهذا فطَابَ الوَادِيانِ كِلاهُما
وأَمَّا الخامِسُ: فهُما هضْبتان لبَني ربيعَةَ بنِ عقيل بَيْنهما ماءٌ.
وبادَى فُلانٌ بالعداوَةِ: جاهَزَ بها، كتَبادَى؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.
والبَداةُ، كقَطاةٍ: الكَمْأَةُ.
وبَدَأَتْ، وقد بَدِيَتِ الأرضُ فيهما، كرَضِيَتْ: أَنْبَتَتْها أَو كَثُرَتْ فيها.
وبادِيَةُ بنتُ غَيْلانَ الثَّقَفِيَّةُ التي قالَ عنها هيت المُخَنَّث: تُقْبِلُ بأَرْبَعٍ وتُدْبِرُ بثمانٍ، صَحابيَّةٌ تَزَوَّجها عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ، وأَبُوها أسْلَم وتَحْتَه عَشْر نِسْوةٍ؛ أَو هي بادِنَةُ بنونٍ بَعْدَ الدَّالِ، وصَحَّحَه غيرُ واحِدٍ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
البَدَوَاتُ والبَدَاآتُ: الحَوائِجُ التي تَبْدُو لَكَ.
وبَدَاآتُ العَوارِضِ: ما يَبْدُو منها، واحِدُها بَداءَةٌ، كسَحابَةٍ.
وبَدَّى تَبْدِيةً: أَظْهَرَه؛ ومنه حدِيثُ سَلَمَة بن الأَكْوَع: «ومعي فرسُ أَبي طلحَةَ أَبَدِّيه مع الإِبِلِ؛ أَي أُبْرزُه معها إلى مَوْضِعِ الكَلأِ.
وبَادَى الناسَ بأَمْرِهِ: أَظْهَرَه لهُم.
وفي حدِيثِ البُخارِي في قصَّةِ الأقْرعِ والأَبْرصِ والأَعْمى: «بَدَا اللهُ، عزّ وجلّ، أَن يَقْتَلَهم»؛ أَي قَضَى بذلِكَ قالَ ابنُ الأثيرِ: وهو معْنَى البَدَاء، هنا لأنَّ القَضاءَ سابِقٌ.
والبداءُ: اسْتِصْوابُ شيءٍ عُلِمَ بَعَدَ أَن لم يُعْلم، وذلِك على اللهِ غير جائِزٍ.
وقالَ السُّهيليّ في الرَّوضِ: والنَّسْخ للحُكْمِ ليسَ ببدء كما تَوهَّمَه الجَهَلةُ مِن الرَّافضَةِ واليهود وإنَّما هو تَبْديلُ حَكْمٍ بحُكْم يقدّرُ قَدْرَه وعِلْم قد تَمَّ عِلْمَهُ، قالَ: وقد يَجوزُ أَنْ يقالَ: بَدَا له أَنْ يَفْعَلَ كذا، ويكونُ مَعْناه أَرادَ، وبه فسّر حدِيثَ البُخارِي، وهذا مِن المجازِ الذي لا سَبِيلَ إلى إِطْلاقِه إلَّا باذْنٍ مِن صاحِبِ الشَّرْعِ.
وبَدانِي بكذا يَبْدوني: كَبَدَأَني. قالَ الجَوْهرِيُّ: ورُبَّما جَعَلُوا بادِيَ بَدِيِّ اسْمًا للداهِيَةِ؛ كما قالَ أَبو نُخَيْلة:
وقد عَلَتْني ذُرْأَةٌ بادِي بَدِي *** ورَثِيةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ
وصار للفَحْلِ لساني ويدِي
قالَ: وهُما اسْمانِ جُعِلا اسمًا واحدًا مثْلُ مَعْدي كرب، وقالي قَلا.
والبَدِيُّ، كغَنِيِّ: الأوَّلُ؛ ومنه قَوْلُ سعدٍ في يَوْم الشَّوْري: الحمْدُ للهِ بَدِيًّا.
والبَدِيُّ أَيْضًا: البادِيَةُ؛ وبه فُسِّرَ قَوْلُ لبيدٍ:
غُلْبٌ تَشَذَّرَ بالدّخُولِ كأَنَّها *** جن البَدِيِّ رَواسِيا أَقْدامها
والبَدِيُّ أَيْضًا: البِئْرُ التي ليسَتْ بعادِيَةٍ، تُرِكَ فيها الهَمْزُ في أَكْثَرِ كَلامِهم، وقد ذُكِرَ في الهَمْزةِ.
ويقالُ: أَبْدَيْتَ في مَنْطقِكَ: أَي جُرْتَ مثْلَ أَعْدَيْتَ؛ ومنه قَوْلهم: السُّلْطان ذُو بَدَوانٍ، بالتَّحْرِيك فيهما؛ كما في الصِّحاحِ.
* قُلْتُ: وفي الحدِيثِ: السُّلْطانُ ذُو عَدَوان وذُو بَدَوانٍ»؛ أَي لا يزالُ يَبْدُو له رأْيٌ جَديدٌ.
والبادِيَةُ: القومُ البادُونَ خِلافُ الحاضِرَةِ كالبَدْوِ.
والمَبْدَى: خِلافُ المَحْضَر؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ الأزْهرِيُّ: المبَادِي: هي المَناجِعُ خِلافُ المَحاضِرِ.
وقومٌ بُدَّاءُ، كرُمَّانٍ: بادُونَ؛ قالَ الشاعِرُ:
بحَضْرِيِّ شَاقَه بُدَّاؤُه *** لم تُلْهِهِ السُّوقُ ولا كلاؤُه
وقد يكونُ البَدْوُ اسمَ جَمْعٍ لبادٍ كركْبٍ ورَاكِبٍ؛ وبه فُسِّرَ قَوْلُ ابنِ أَحْمر:
جَزَى اللهُ قومي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً *** وبَدْوًا لهم حَوْلَ الفِراضِ وحُضَّرَا
والبَدِيَّةُ، كغَنِيَّة: ماءَةٌ على مَرْحَلَتَيْنِ من حَلَب بَيْنها وبينَ سلمية؛ قالَ المُتَنَبيِّ:
وأَمْسَتْ بالبَدِيَّةِ شَفْرَتاه *** وأَمْسَى خَلْفَ قائِمِهِ الخَبَارُ
والبادِيَةُ: قُرى باليَمامَةِ.
والبِدَاءُ، بالكسْرِ: لُغَةٌ في الفداءِ وتَبدَّى.
تَفَدَّى، هكذا يَنْطقُ به عامَّةُ عَرَبِ اليَمَنِ.
والمبادَاةُ: المُبارَزَةُ والمُكاشَفَةُ.
وبادَى بَيْنهما: قايَسَ؛ كما في الأساسِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
48-تاج العروس (لغو)
[لغو]: واللُّغَةُ، بالضَّمِّ، وإنَّما أَطْلَقَهُ لشُهْرتِه، وإن اغْتَرَّ بعضٌ بالإطْلاقِ فظنَّ الفَتْح لُغَةً فلا يعتدُّ بذلكَ، وأَشَارَ له شيْخُنا.قالَ ابنُ سِيدَه: اللُّغَةُ اللِّسْنُ، وَحَدُّها أنَّها أَصْوَاتٌ يُعَبِّرُ بِها كلُّ قومٍ عن أَغْراضِهم.
وقالَ غيْرُهُ: هو الكَلامُ المُصْطَلحُ عليه بينَ كلِّ قَبِيلٍ، وهي فُعْلَةٌ مِن لَغَوْت، أي تكلَّمْت، أَصْلُها لُغْوة ككُرَةٍ، وقُلةٍ وثُبةٍ، لامَاتُها كُلّها واواتٌ.
وقال الجَوْهرِي: أَصْلُها لُغَيٌّ أَوْ لُغَوٌ، والهاءُ عِوَضٌ.
زادَ أَبو البَقاء: ومَصْدرُه اللَّغْوُ، وهو الطَّرْح، فالكَلامُ لكَثْرَةِ الحاجَةِ إليه يرمي به، وحُذِفَتِ الواوُ تَخْفيفًا.
الجمع: لُغاتٌ؛ قالَ الجَوْهرِي: وقالَ بعضُهم: سَمِعْت لُغاتَهم، بفتح التاءِ، وشبَّهها بالتاءِ التي يُوقَفُ عليها بالهاءِ، انتَهَى.
وفي المُحْكم قالَ أَبو عَمْرٍو لأبي خَيْرة: سمعتُ لُغاتِهم، قالَ: وسمعت لُغاتَهم، فقالَ: يا أَبَا خَيْرَة أُريد أَكْشَفَ منْك جِلدًا جِلدُكَ قد رَقَّ، ولم يَكُنْ أَبو عَمْرو سَمِعَها.
ولُغُونَ، بالضَّمِّ، نقلَهُ القالِي عن ابنِ دُرَيْدٍ، ونقلَهُ الجَوْهرِي وابنُ سِيدَه.
ولَغَا لَغْوًا: تَكَلَّمَ؛ ومنه الحديثُ: «مَنْ قالَ في الجُمعة صَهْ فقد لَغَا»؛ أَي تَكلَّم. ولَغا لَغْوًا: خابَ؛ وبه فَسَّرَ ابنُ شُمَيْل حديثَ الجُمعة: فقد لَغا.
ولَغا ثَريدَتَه لَغْوًا: رَوَّاها بالدَّسَمِ، كلَوَّغَها.
وأَلْغاهُ: خَيَّبَهُ، رَواهُ أَبو داود عن ابن شُمَيْل.
واللَّغْوُ واللَّغَى*، كالفَتَى: السَّقْطُ وما لا يُعْتَدُّ به من كَلامٍ وغيرِهِ ولا يُحْصَلُ منه على فائِدَةٍ ولا نَفْعٍ؛ كذا في المُحْكم. وأَنْشَدَ الجَوْهَرِي للعجَّاج:
عن اللَّغا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ
وقالَ القالِي: اللَّغا واللَّغْوُ صَوْتُ الطائِرِ؛ وكذلكَ كلُّ صَوْتٍ مُخْتَلَط؛ قالَ الجعْدِي:
كأَنَّ قَطا العَيْن الذي خَلف ضارجٍ *** جلاب لَغا أَصْواتها حينَ تَقْرب
قالَ: الذي، لأنَّه أَرادَ الماءَ.
كاللَّغْوَى، كسَكْرَى، وهو ما كانَ من الكَلامِ غَيْر مَعْقودٍ عليه؛ قالَهُ الأزْهرِي.
قالَ ابنُ برِّي: وليسَ في كَلامِ العَرَبِ مِثْل اللَّغْو واللَّغَا إِلَّا قَوْلهم الأَسْوُ والأسَا، أَسَوْتُه أَسْوًا وأَسًا أَصْلَحْته.
* قُلْت: ومثْلُه النَّجْو والنَّجا للجلدِ، كما سيأتِي.
واللَّغْوُ واللَّغا: الشَّاةُ لا يُعْتَدُّ بها في المُعامَلَةِ، وقد أَلْغَى له شَاة، وكلُّ ما أُسْقِط فلم يُعْتَد به مُلْغًى؛ قال ذُو الرُّمّة:
ويَهْلِكُ وَسْطَها المَرئيُّ لَغْوًا *** كما أَلْغَيْتَ في الدِّيَةِ الحُوارَا
وفي الصِّحاح: اللَّغْوُ ما لا يُعَدُّ مِن أَوْلادِ الإِبِلِ في ديَّةٍ أَو غيرِها لصِغَرِها؛ وأَنْشَدَ البَيْتَ المَذْكُور.
قالَ ابنُ سِيدَه: عَمِله له جريرٌ، فلَقِيَ الفَرَزْدقُ ذا الرُّمَّة فقالَ: أَنْشِدني شِعْرَك في المَرَئيِّ، فأَنْشَدَه، فلمَّا بَلَغَ هذا البَيْتَ قالَ لهُ الفَرَزْدقُ: حَسِّ أَعِدْ عليَّ، فأَعادَ، فقالَ: لاكَها والله مَنْ هو أَشدُّ فَكَّين منك.
ومعْنَى قَوْله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ {بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ}. أَي لا يُؤَاخِذُكُم بالإِثْمِ في الحَلِفِ إذا كَفَّرْتُم؛ كما في المُحْكم.
وفي النهايةِ: اللَّغْوُ سُقوطُ الإِثْمِ عن الحالِفِ إذا كفَّرَ يَمِينَه.
وفي الصِّحاح: اللَّغْوُ في الأَيْمانِ ما لا يُعْقَدُ عليه القَلْب كقوْلِ الرَّجُل في كَلامِه: بَلَى واللهِ ولا واللهِ.
وفي التهذيبِ حَكَاه الفرَّاء عن عائِشَةَ، رضِيَ الله تعالى عنها قال: وهو ما يَجْرِي في الكَلامِ على غيرِ عَقْدٍ، قالَ: وهو أَشْبَه ما قيل فيه مِن كلامِ العَرَبِ.
وقالَ الحرالي: اللَّغْوُ ما تسبقُ إليه الألْسِنَة مِن القَوْلِ على غَيْرِ عَزْم قصدَ إليه.
وقال الرَّاغِبُ: اللَّغْوُ مِن الكَلامِ ما لا يُعْتَدُّ به، وهو الذي لا يُورَدُ عن رَوِيَّةٍ وفَكْرٍ، وهو صَوْتُ العَصافِيرِ ونحوِها مِن الطُّيورِ. ولَغا الرَّجُلُ: تكلَّم باللَّغْوِ، وهو اخْتِلاطُ الكَلامِ، ويُسْتَعْملُ اللَّغْوُ فيمَا لا يُعْتدُّ به، ومنه اللّغْوُ في الأَيْمانِ أَي ما لا يَعْقِدُ عليه القَلْب وذلكَ ما يَجْرِي وَصْلًا للكَلامِ بضَرْبٍ مِن العادَةِ كَلا واللهِ وبَلَى واللهِ. قالَ: ومن الفرقِ اللطيفِ قولُ الخليلِ: اللَّغْطُ كَلامٌ بشيءٍ ليسَ من شأْنِك والكذِبُ كَلامٌ بشيءٍ تغرُّ به، والمحالُ كلامٌ بشيءٍ مُسْتَحيلٍ، والمُسْتقيمُ كلامٌ بشيءٍ مُنْتَظمٌ، واللّغْوُ كلامٌ بشيءٍ لم تُرِدْه، انتَهَى.
وفي التهذيبِ: قالَ الأصْمعي: ذلك الشيء لكَ لَغْوًا ولَغًا ولَغْوَى، وهو الشيءُ الذي لا يُعْتَدُّ به.
وقالَ ابنُ الأعْرابي: لَغَا إذا حَلَفَ بيمينٍ بِلا اعْتِقادٍ.
وفي الصِّحاح: لَغَا يَلْغُو لَغْوًا؛ أَي قالَ باطِلًا. يقالُ: لَغَوْتُ باليمينِ.
وقالَ ابنُ الأثير: قيلَ لَغْوُ اليمينِ هي التي يَحْلفُها الإنْسانُ ساهِيًا أو ناسِيًا، أو هو اليَمِينُ في المَعْصِيَةِ، أَو في الغَضَبِ، أَو في المِراءِ، أَو في الهَزْلِ.
ولغَى في قوْلِه، كسَعَى ودَعا ورَضِيَ، يَلْغو لَغْوًا ويَلْغَى، الأُوْلى عن الليْثِ، لَغًا ولاغِيةً ومَلْعْاةً: أَي أَخْطَأَ؛ أَنْشَدَ ابنُ برِّي لعبدِ المسيحِ بنِ عسلة:
باكَرْتُه قَبْلَ أن تَلْغَى عَصافِرُه *** مُسْتَحْفِيًا صاحِبي وغيره الحافِي
قالَ: هكذا رُوِي تَلْغَى، وهو يدلُّ على أنَّ فِعْلَه لَغا إلَّا أن يقالَ فُتِح لحرْف الحَلْق، فيكونُ ماضِيَه لَغا ومُضارِعُه يَلْغُو ويَلْغَى، فاللَّاغِيَةُ هنا مَصْدَرٌ بمعْنَى اللّغْوِ كالعاقِبَةِ، والجَمْعُ اللَّواغِي، كَراغِيَةِ الإِبِلِ ورَواغِيها.
وفي الحديثِ: «والحَمُولَةُ المائِرةُ لهم لاغيةٌ»، المائِرَةُ: الإِبِلُ التي تَحمِل المِيرةَ، ولاغِيةٌ: أَي مُلْغاة لا يُلْزَمون عليها صَدَقَة.
وفي حديثِ سَلْمان: «إيَّاكُم ومَلْغاةَ أَوَّلِ الليلِ»، يريدُ السَّهَر فيه فإنَّه يَمْنَعُ مِن قِيامِ الليلِ؛ مَفْعَلَةٌ من اللَّغْوِ بمعْنَى الباطِلِ.
وقُرِئَ: {وَالْغَوْا فِيهِ}. والغُوا فيه، بالفَتْح والضم.
وكلمةٌ لاغِيَةٌ: أَي فاحِشَةٌ؛ ومنه قوله تعالى: {لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً}: قالَ ابنُ سِيدَه: وأُراهُ على النَّسَبِ؛ أَي ذات لَغْوٍ؛ وإِلَيْه ذَهَب الجَوْهرِي وقالَ: هو مثْلُ تامِرٍ ولابنٍ لصاحِبِ التمْرِ واللَّبَنِ.
وقالَ الأزْهرِي: كلمةٌ لاغيةٌ، أي قَبيحةٌ أَو فاحِشَةٌ.
وقالَ قُتادَةُ في تفْسِيرِ الآيةِ: أَي باطِلًا؛ وقالَ مجاهدٌ: أَي شَتْمًا.
واللَّغْوَى، كسَكْرَى: لَغَطُ القَطَا؛ وأَنْشَدَ ابنُ سِيدَه للرَّاعي:
صُفْرُ المَناخِرِ لَغْواها مُبَيَّنَةٌ *** في لُجَّةِ الليل لمَّا رَاعَها الفَزَعُ
ولَغِيَ به، كرَضِيَ، لَغًا: إذا لَهِجَ به؛ كما في الصِّحاح والمُحْكم؛ زادَ الرَّاغبُ: لَهِجَ العُصْفُورُ بلَغاهُ؛ ومنه قيلَ للكَلام الذي تَلْهَجُ به فرقَةٌ: لُغَةٌ، واشْتِقاقُه مِن ذلكَ.
وفي كتابِ الجيم: لَغِيَ به لَغًا: أُولِعَ به.
ولَغِيَ بالماءِ؛ وفي الصِّحاح بالشَّرابِ، إذا أَكْثَرَ منه؛ زادَ ابنُ سِيدَه: وهو لا يَرْوَى مع ذلكَ.
وقالَ أَبو سعيدٍ: إِذا أَرَدْتَ أَنْ تَنْتَفِعَ بالإعْرابِ.
فاسْتَلْغِ العَرَبَ؛ أَي اسْتَمِعْ لُغاتِهِم من غيرِ مَسْأَلَة.
وفي الأساسِ: وإذا أَرَدْتَ أَن تَسْمَعَ مِن الأعْرابِ فاسْتَلْغِهم أَي اسْتَنْطِقْهم، فعلى هذا القَوْل السِّيْن للطَّلب.
وقولُ الجَوْهرِي لنُباح الكَلْبِ: لَغْوٌ، واسْتِشْهَادُهُ بالبَيْتِ باطِلٌ. وكِلابٌ في البَيْتِ هو ابنُ ربيعَةَ بنِ عامِرٍ بنِ صَعْصَعة، لا جَمْعُ كَلْبٍ.
* قُلْت: نَصّه في الصِّحاح: ونُباحُ الكَلْبِ لَغْوٌ أَيْضًا، وقالَ:
فلا تَلْغَى لغَيْرِهِمِ كِلابُ
أَي لا تُقْتَنَى كِلاب غَيْرِهم؛ كذا وُجِدَ بخطِّه، وفي بعضِ النسخِ: أَي لا تُعْتَنَى كِلابُ غيرِهم.
قال شيْخُنا: والبَيْتُ نَسَبُوه لناهِضٍ الكِلابي وصَدْرُه:
وقُلْنا للدَّلِيلِ: أَقِمْ إليهم
ورَواهُ السِّيرافي عن أَبيهِ مِثْل روايَةِ الجَوْهرِي، قالَ: وقد غَلَّطُوه وقالوا: الرِّوايَة تَلْغَى بفَتْح التاءِ ومَعْناه تُولَعُ.
* قُلْت: وهكذا هو في نسخِ الصِّحاح بفَتْح التاءِ، ويُرْوَى بغَيْرِهم؛ وأَمَّا قولُ المصنِّف لا جَمْع كَلْب فهو غَرِيبٌ. وقال ابن القطَّاع: ولَغِيتُ بالشيءِ لَهِجْتُ به؛ قالَ:
فلا تَلْغَى بغَيْرِهِم الرِّكابُ
فتَأَمَّل.
وقَرَأْتُ في كتابِ الأغاني لأَبي الفَرَج الأصْبَهاني في ترْجمةِ ناهِضٍ ما نَصّه: هو ابنُ ثومَةَ بنِ نصيحِ بنِ نَهِيكِ بنِ إبامِ بنِ جهضَمِ بنِ شهابِ بنِ أنسِ بنِ ربيعَةَ ابنِ كَعْبِ بنِ أَبي بكْرٍ بنِ كِلابٍ، شاعِرٌ بَدَوِيٌّ فصيحُ اللِّسانِ مِن شُعَراءِ الدَّولةِ العبَّاسيَّةِ، وكان يقدمُ البَصْرَة فيُكْتَبُ عنه شِعْره وتُؤْخَذُ عنه اللُّغَةُ. رَوَى ذلكَ عنه الرِّياشي وغيرُهُ مِن البَصْرِيِّين، ثم قالَ: أَخْبَرني جَعْفرُ بنُ قدامَةَ الكاتِبُ: حدَّثَني أَبو هفَّان: حدَّثَني غديرُ بنُ ناهِضِ بن ثومَةَ الكِلابي قالَ: كانَ شاعِرٌ من بَني نُمَيْر يقالُ له رأْسُ الكبشِ قد هَجَا عُمارَةَ بنَ عقيلِ بنِ بِلالِ بنِ جريرٍ زمانًا فلمَّا وَقَعَتِ الحرْبُ بَيْنَنا وبينَ نُمَيْر قالَ عمارَةُ يحرِّضُ كَعْبًا وكِلابًا ابْنَيْ ربيعَةَ على بَني نميرٍ:
رأيتكما يا ابنَيْ ربيعة خُرْتُما *** وغرّدتما والحربُ ذات هدير
في أَبياتٍ أخر. قالَ: فارْتَحَلَتْ كِلابُ حينَ أَتاها هذا الشِّعْر حتى أَتوا نميرًا، وهي بهَضَباتٍ يقالُ لهنَّ واردات، فقَتَلُوا واجْتَاحُوا وفَضَحُوا نميرًا ثم انْصَرَفُوا، فقالَ ناهضُ ابنِ ثومَةَ يُجيبُ عمارَةَ عن قوله:
يُحضضنا عُمارة في نميرٍ *** لشغلهم بنا وبه أرابوا
سلوا عنا نميرًا هل وقعنا *** ببرزتها التي كانت تَهابُ
ألم تخضع لهم أَسَدٌ ودانت *** لهم سعد وضبة والربابُ
ونحن نكرُّها شُعْثًا عليهم *** عليها الشِّيبُ منا والشبابُ
رعينا من دماء بني قُرَيعٍ *** إلى القَلْعين أيهما اللبابُ
صبحناهم بأرعن مكفهّرٍ *** يدب كأن رايته عقابُ
أخش من الصواهل ذي دويِّ *** تلوح البيض فيه والحرابُ
فأشعلَ حين حلّ بواردات *** وثارَ لنقعه ثَمَّ انتصابُ
صبحناهم بها شُعْث النواصي *** ولم يُفتقْ من الصبح الحجابُ
فلم تُغمد سيوف الهند حتى *** تعيلت الحليلةُ والكِعابُ
انتَهَى. والبَيْتُ الذي ذَكَرَه الجَوْهرِي مِن هذه القصيدَةِ إلَّا أنِّي لم أَجِدْه فيها في نسخةِ الأغاني وسِياقُه دالٌّ على أنَّ المُرادَ بكِلابٍ في قوْله القَبيلَة لا جَمْع كَلْب، وهو ظاهِرٌ، واللهُ أَعْلَم.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
لغى بشيءٍ: لَزِمَهُ فلم يُفارِقُه.
والطَّيْرُ تَلْغَى بأَصْواتِها: أَي تَنْغَم.
واللَّغْوُ: الباطِلُ؛ عن الإمام البُخارِي وبه فَسَّر الآيَةَ: {وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} وألْغَى هذه الكَلِمَة: رآها باطلًا وفضْلًا، وكذا ما يُلْغَى مِن الحِسابِ.
وأَلْغاهُ: أَبْطَلَه وأَسْقَطَه وأَلْقَاهُ. ورُوِي عن ابنِ عبَّاس: أنَّه أَلْغَى طَلاقَ المُكْرَه.
واسْتَلغاهُ: أَرادَهُ على اللّغْوِ؛ ومنه قولُ الشاعرِ:
وإني إذا اسْتَلْغانيَ القَوْمُ في السُّرَى *** بَرِمْتُ فأَلْفَوْني على السرِّ أَعْجَما
ويقالُ: إنَّ فَرَسَكَ لمُلاغِي الجَرْيِ: إذا كانَ جَرْيُه غَيْرَ جَرْيٍ جِدِّ، قالَ:
جَدَّ فلا يَلْهو ولا يُلاغِي
وفي الأساسِ: المُلاغَاةُ: المُهازَلَةُ. وهو يُلاغِي صاحِبَه؛ وما هذه المُلاغَاة؟ واللّغَى: الصَّوْتُ، مثْلُ الوَغَى؛ نقلَهُ الجَوْهرِي؛ وزادَ في كتابِ الجيمِ: هو بلُغَةِ الحِجازِ.
ولَغَى عن الطَّريقِ وعن الصَّوابِ: مالَ، وهو مجازٌ.
واللّغَى: الإلْغاءُ، كما في كتابِ الجيمِ، يريدُ أنَّه بمعْنَى المُلْغَى. يقالُ: أَلْغَيْته فهو لَغًى.
والنِّسْبَةُ إلى اللّغَةِ لُغَوِيٌّ، بضم ففتح، ولا تَقُلْ لَغَوِيٌّ، كما في الصِّحاح.
واللُّغَى، بضم مَقْصور، جَمْعُ لُغَةٍ كبُرةٍ وبُرًى؛ نقلَهُ الجَوْهرِي في جُموع اللُّغَةِ.
والعَجَبُ من المصنِّفِ كيفَ أَهْملَهُ هنا وذَكَرَه في أَوَّل الخُطْبةِ فقالَ: مَنْطقُ البُلَغاءِ باللّغَى في البَوادِي فَتَنبَّه.
واللَّغاةُ، بالفتح: الصَّوْتُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
49-المصباح المنير (كتم)
كَتَمْتُ زَيْدًا الْحَدِيثَ كَتْمًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَكِتْمَانًا بِالْكَسْرِ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ وَيَجُوزُ زِيَادَةُ مِنْ فِي الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ فَيُقَالُ كَتَمْتُ مِنْ زَيْدٍ الْحَدِيثَ مِثْلُ بِعْتُهُ الدَّارَ وَبِعْتُ مِنْهُ الدَّارَ وَمِنْهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: 28] وَهُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْأَصْلُ يَكْتُمُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ إيمَانَهُ وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ لَيْسَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ وَحَدِيثٌ مَكْتُومٌ وَبِهِ كُنِيَتْ الْمَرْأَةُ فَقِيلَ أُمُّ مَكْتُومٍ.وَالْكَتَمُ بِفَتْحَتَيْنِ نَبْتٌ فِيهِ حُمْرَةٌ يُخْلَطُ بِالْوَسْمَةِ وَيُخْتَضَبُ بِهِ لِلسَّوَادِ.
وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ الْكَتَمُ مِنْ نَبَاتِ الْجِبَالِ وَرَقُهُ كَوَرَقِ الْآسِ يُخْضَبُ بِهِ مَدْقُوقًا وَلَهُ ثَمَرٌ كَقَدْرِ الْفُلْفُلِ وَيَسْوَدُّ إذَا نَضِجَ وَقَدْ يُعْتَصَرُ مِنْهُ دُهْنٌ يُسْتَصْبَحُ بِهِ فِي الْبَوَادِي.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
50-المصباح المنير (لعب)
لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِبًا بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي التَّخْفِيفِ فَتْحُ اللَّامِ مَعَ السُّكُونِ وَاللُّعْبَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ اسْمٌ مِنْهُ يُقَالُ لِمَنْ اللُّعْبَةُ وَفَرَغَ مِنْ لُعْبَتِهِ وَكُلُّ مَا يُلْعَبُ بِهِ فَهُوَ لُعْبَةٌ مِثْلُ الشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَهُوَ حَسَنُ اللِّعْبَةِ بِالْكَسْرِ لِلْحَالِ وَالْهَيْئَةِ الَّتِي يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا.وَاللُّعْبَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَلَعَبَ يَلْعَبُ بِفَتْحَتَيْنِ سَالَ لُعَابُهُ مِنْ فَمِهِ.
وَلُعَابُ النَّحْلِ الْعَسَلُ وَلَاعَبْتُهُ مُلَاعَبَةً وَالْفَاعِلُ مُلَاعِبٌ بِالْكَسْرِ وَمِنْهُ قِيلَ لِطَائِرٍ مِنْ طُيُورِ الْبَوَادِي مُلَاعِبُ ظِلِّهِ وَيُقَالُ أَيْضًا خَاطِفُ ظِلِّهِ لِسُرْعَةِ انْقِضَاضِهِ وَهُوَ أَخْضَرُ الظَّهْرِ أَبْيَضُ الْبَطْنِ طَوِيلُ الْجَنَاحَيْنِ قَصِيرُ الْعُنُقِ.
المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
51-لسان العرب (توج)
توج: التَّاجُ، مَعْرُوفٌ، والجمعُ أَتواجٌ وتِيجانٌ، وَالْفِعْلُ التَّتْويجُ.وَقَدْ تَوَّجَهُ إِذا عَمَّمَهُ؛ وَيَكُونُ تَوَّجَهُ: سَوَّدَهُ.
والمُتَوَّجُ: المُسَوَّدُ، وَكَذَلِكَ المُعَمَّمُ.
وَيُقَالُ: تَوَّجَهُ فتَتَوَّجَ أَي أَلبسه التاجَ فَلَبِسَهُ.
والإِكْلِيلُ والقُصَّةُ والعِمامةُ: تاجٌ عَلَى التَّشْبِيهِ.
والعربُ تُسَمِّي العمائمَ التاجَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «العمائمُ تِيجانُ العربِ»، جَمْعُ تَاجٍ، وَهُوَ مَا يُصَاغُ لِلْمُلُوكِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ؛ أَراد أَن الْعَمَائِمَ لِلْعَرَبِ بِمَنْزِلَةِ التِّيجَانِ لِلْمُلُوكِ لأَنهم أَكثر مَا يَكُونُونَ فِي الْبَوَادِي مَكْشُوفِي الرؤوس أَو بِالْقَلَانِسِ، والعمائمُ فِيهِمْ قليلةٌ.
والأَكاليلُ: تِيجَانُ مُلُوكِ الْعَجَمِ.
والتاجُ: الإِكليلُ.
ابْنُ سِيدَهْ: ورجلٌ تائجٌ ذُو تَاجٍ، عَلَى النَّسَبِ، لأَنا لَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِفِعْلٍ غَيْرِ متعدٍّ؛ قَالَ هِمْيان بْنُ قُحَافَةَ:
تَقَدُّمَ النَّاسِ الإِمامَ التَّائِجا
أَرادَ تَقَدَّمَ الإِمامُ التائجُ الناسَ.
فَقَلَبَ.
والتاجُ: الْفِضَّةُ.
وَيُقَالُ للصَّلِيجَةِ مِنَ الْفِضَّةِ: تاجةٌ، وأَصله تَازَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لِلدِّرْهَمِ الْمَضْرُوبِ حَدِيثًا؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ هِمْيَانُ:
تَنَصُّفَ الناسِ الهُمامَ التَّائجا
أَراد مَلِكًا ذَا تَاجٍ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ دارِعٌ ذُو دِرْعٍ.
وتاجٌ وتُوَيْجٌ ومُتَوَّجٌ: أَسماء.
وتاجٌ وَبَنُو تاجٍ.
قبيلةٌ مِنْ عَدْوانَ، مَصْرُوفٌ؛ قَالَ:
أَبَعْدَ بَني تاجٍ وسَعْيِكَ بَيْنَهُمْ؟ ***فَلَا تُتْبِعَنْ عَيْنَيْكَ مَا كَانَ هالِكا
وتاجةُ: اسمُ امرأَة؛ قَالَ:
يَا وَيْحَ تاجَةَ، مَا هَذَا الَّذِي زَعَمَتْ؟ ***أَشَمَّها سَبُعٌ أَمْ مَسَّها لَمَمُ؟
وتَوَّجُ: اسمُ مَوْضِعٍ، وَهُوَ مأْسدة ذَكَرَهُ مُلَيْحٌ الهُذَليُّ: ومِن دونِهِ أَثْباجُ فَلْجٍ وتَوَّجُ
وَفِي تَرْجَمَةِ بَقَّمَ: تَوَّجُ عَلَى فَعَّل موضعٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أَعْطُوا البَعِيثَ حَفَّةً ومِنْسَجا، ***وافْتَحِلُوهُ بَقَرًا بِتَوَّجا
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
52-لسان العرب (عود)
عود: فِي صِفَاتِ اللَّهِ تعالى: {المبدِئُ المعِيدُ}؛ قَالَ الأَزهري: بَدَأَ اللَّهُ الخلقَ إِحياءً ثُمَّ يميتُهم ثُمَّ يعيدُهم أَحياءً كَمَا كَانُوا.قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}.
وَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى الَّذِي يُعِيدُ الْخَلْقَ بَعْدَ الْحَيَاةِ إِلى المماتِ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ المماتِ إِلى الحياةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ النَّكَلَ عَلَى النَّكَلِ، قِيلَ: وَمَا النَّكَلُ عَلَى النَّكَلِ؟ قَالَ: الرَّجُلُ القَوِيُّ المُجَرِّبُ المبدئُ المعيدُ عَلَى الْفَرَسِ القَوِيِّ المُجَرّبِ المبدِئ المعيدِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُهُ الْمُبْدِئُ المعِيدُ هُوَ الَّذِي قَدْ أَبْدَأَ فِي غَزْوِهِ وأَعاد أَي غَزَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وجرَّب الأُمور طَوْرًا بَعْدَ طَوْر، وأَعاد فِيهَا وأَبْدَأَ، والفرسُ المبدئُ المعِيدُ هُوَ الَّذِي قَدْ رِيضَ وأُدِّبَ وذُلِّلَ، فَهُوَ طَوْعُ راكبِهِ وفارِسِه، يُصَرِّفه كَيْفَ شَاءَ لِطَواعِيَتِه وذُلِّه، وأَنه لَا يَسْتَصْعِبُ عَلَيْهِ وَلَا يمْنَعُه رِكابَه وَلَا يَجْمَحُ بِهِ؛ وَقِيلَ: الْفَرَسُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الَّذِي قَدْ غَزَا عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ لَيْلٌ نائِمٌ إِذا نِيمَ فِيهِ وسِرٌّ كَاتِمٌ قَدْ كَتَمُوهُ.
وَقَالَ شِمْرٌ: رَجُلٌ مُعِيدٌ أَي حَاذِقٌ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
عَوْمُ المُعِيدِ إِلى الرَّجا قَذَفَتْ بِهِ ***فِي اللُّجِّ داوِيَةُ المَكانِ، جَمُومُ
والمُعِيدُ مِنَ الرجالِ: العالِمُ بالأُمور الَّذِي لَيْسَ بغُمْرٍ؛ وأَنشد:
كَمَا يَتْبَعُ العَوْد المُعِيد السَّلائِب
وَالْعَوْدُ ثَانِي الْبَدْءِ؛ قَالَ:
بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُمْ فأَثْنَيْتُ جاهِدًا، ***فإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ، والعَوْدُ أَحْمَدُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَعَادَ إِليه يَعُودُ عَوْدَةً وعَوْدًا: رَجَعَ.
وَفِي الْمَثَلِ: العَوْدُ أَحمدُ؛ وأَنشد لِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ:
جَزَيْنا بَنِي شَيْبانَ أَمْسِ بِقَرْضِهِمْ، ***وجِئْنا بِمِثْلِ البَدْءِ، والعَوْدُ أَحمدُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: وعُدْنا بِمِثْلِ البَدْءِ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ هُوَ فِي شِعْرِهِ، أَلا تَرَى إِلى قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْبَيْتِ: وَالْعَوْدُ أَحمد؟ وَقَدْ عَادَ لَهُ بعد ما كَانَ أَعرَضَ عَنْهُ؛ وَعَادَ إِليه وَعَلَيْهِ عَوْدًا وعِيادًا وأَعاده هُوَ، وَاللَّهُ يبدِئُ الْخَلْقَ ثُمَّ يعيدُه، مِنْ ذَلِكَ.
وَاسْتَعَادَهُ إِياه: سأَله إِعادَتَه.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَتَقُولُ رَجَعَ عَوْدُه عَلَى بَدْئِه؛ تُرِيدُ أَنه لَمْ يَقْطَعْ ذَهابَه حَتَّى وَصَلَهُ بِرُجُوعِهِ، إِنما أَردْتَ أَنه رَجَعَ فِي حافِرَتِه أَي نَقَضَ مَجِيئَه بِرُجُوعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَن يَقْطَعَ مَجِيئَهُ ثُمَّ يرجع فتقول: رجَعْتُ عَوْدي عَلَى بَدْئي أَي رجَعْتُ كَمَاجِئْتُ، فالمَجِيءُ مَوْصُولٌ بِهِ الرجوعُ، فَهُوَ بَدْءٌ والرجوعُ عَوْدٌ؛ انْتَهَى كَلَامُ سِيبَوَيْهِ.
وَحَكَى بَعْضُهُمْ: رَجَعَ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ مِنْ غَيْرِ إِضافة.
وَلَكَ العَوْدُ والعَوْدَةُ والعُوادَةُ أَي لَكَ أَن تعودَ فِي هَذَا الأَمر؛ كُلُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
قَالَ الأَزهري: قَالَ بَعْضُهُمْ: العَوْد تَثْنِيَةُ الأَمر عَوْدًا بَعْدَ بَدْءٍ.
يُقَالُ: بَدَأَ ثُمَّ عَادَ، والعَوْدَةُ عَوْدَةُ مرةٍ واحدةٍ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ}؛ يَقُولُ: لَيْسَ بَعْثُكم بأَشَدَّ مِنَ ابتِدائِكم، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَعُودون أَشقِياءَ وسُعداءَ كَمَا ابْتَدأَ فِطْرَتَكُم فِي سَابِقِ عِلْمِهِ، وَحِينَ أَمَرَ بنفْخِ الرُّوحِ فِيهِمْ وَهُمْ فِي أَرحام أُمهاتهم.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يَصْلُحُ فِيهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ يَعُودُونَ إِلى مَا قَالُوا وَفِيمَا قَالُوا، يُرِيدُ النِّكَاحَ وكلٌّ صوابٌ؛ يُرِيدُ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا، وَفِي نَقْض مَا قَالُوا قَالَ: وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَن تَقُولَ: إِن عَادَ لِمَا فَعَلَ، تُرِيدُ إِن فَعَلَهُ مَرَّةً أُخرى.
وَيَجُوزُ: إِن عَادَ لِمَا فَعَلَ، إِن نَقَضَ مَا فَعَلَ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: حَلَفَ أَن يَضْرِبَكَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: حَلَفَ لَا يَضْرِبُكَ وَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّكَ؛ وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا إِنا لَا نَفْعَلُهُ فَيَفْعَلُونَهُ يَعْنِي الظِّهَارَ، فإِذا أَعتق رَقَبَةً عَادَ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ إِنه عَلَيَّ حَرَامٌ فَفَعَلَهُ.
وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: يَعُودُونَ لِما قالُوا، لِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمُوا فَقَدْ عَادُوا فِيهِ.
وَرَوَى الزَّجَّاجُ عَنِ الأَخفش أَنه جَعَلَ لِمَا قَالُوا مِنْ صِلَةِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ ثُمَّ يَعُودُونَ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِمَا قَالُوا، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، يَقُولُ: إِذا ظَاهَرَ مِنْهَا فَهُوَ تَحْرِيمٌ كَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ وَحُرِّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَحْرِيمَ النِّسَاءِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فإِن أَتْبَعَ المُظاهِرُ الظِّهارَ طَلَاقًا، فَهُوَ تَحْرِيمُ أَهل الإِسلام وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وإِن لَمْ يُتْبِع الظِّهَارَ طَلَاقًا فَقَدْ عَادَ لِمَا حَرَّمَ وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ عُقُوبَةً لِمَا قَالَ؛ قَالَ: وَكَانَ تَحْرِيمُهُ إِياها بِالظِّهَارِ قَوْلًا فإِذا لَمْ يُطَلِّقْهَا فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ مِنَ التَّحْرِيمِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذا أَراد الْعَوْدَ إِليها والإِقامة عَلَيْهَا، مَسَّ أَو لَمْ يَمَسَّ، كَفَّر.
قَالَ اللَّيْثُ: يَقُولُ هَذَا الأَمر أَعْوَدُ عَلَيْكَ أَي أَرفق بِكَ وأَنفع لأَنه يَعُودُ عَلَيْكَ بِرِفْقٍ وَيُسْرٍ.
والعائدَةُ: اسْمُ مَا عادَ بِهِ عَلَيْكَ الْمُفْضِلُ مِنْ صِلَةٍ أَو فَضْلٍ، وَجَمْعُهُ الْعَوَائِدُ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْعَائِدَةُ المعروفُ والصِّلةُ يُعَادُ بِهِ عَلَى الإِنسان والعَطْفُ والمنْفَعَةُ.
والعُوادَةُ، بِالضَّمِّ: مَا أُعيد عَلَى الرَّجُلِ مِنْ طَعَامٍ يُخَصُّ بِهِ بَعْدَمَا يفرُغُ الْقَوْمُ؛ قَالَ الأَزهري: إِذا حَذَفْتَ الْهَاءَ قُلْتَ عَوادٌ كَمَا قَالُوا أَكامٌ ولمَاظٌ وقَضامٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العُوادُ، بِالضَّمِّ، مَا أُعيد مِنَ الطعام بعد ما أُكِلَ مِنْهُ مَرَّةً.
وعَوادِ: بِمَعْنَى عُدْ مِثْلُ نَزالِ وتَراكِ.
وَيُقَالُ أَيضًا: عُدْ إِلينا فإِن لَكَ عِنْدَنَا عَوادًا حَسَنًا، بِالْفَتْحِ، أَي مَا تُحِبُّ، وَقِيلَ: أَي بِرًّا وَلُطْفًا.
وَفُلَانٌ ذُو صَفْحٍ وَعَائِدَةٍ أَي ذُو عَفْوٍ وَتَعَطُّفٍ.
والعَوادُ: البِرُّ واللُّطْف.
وَيُقَالُ لِلطَّرِيقِ الَّذِي أَعاد فِيهِ السَّفَرَ وأَبدأَ: مُعِيدٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ يَصِفُ الإِبل السَّائِرَةَ:
يُصْبِحْنَ بالخَبْتِ، يَجْتَبْنَ النِّعافَ عَلَى ***أَصْلابِ هادٍ مُعِيدٍ، لابِسِ القَتَمِ
أَراد بِالْهَادِي الطريقَ الَّذِي يُهْتَدى إِليه، وبالمُعِيدِ الَّذِي لُحِبَ.
والعادَةُ: الدَّيْدَنُ يُعادُ إِليه، مَعْرُوفَةٌ وَجَمْعُهَا عادٌ وعاداتٌ وعِيدٌ؛ الأَخيرةُ عَنْ كُرَاعٍ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، إِنما العِيدُ مَا عَادَ إِليك مِنَ الشَّوْقِوَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ وَسَنَذْكُرُهُ.
وتَعَوَّدَ الشيءَ وعادَه وعاوَدَه مُعاوَدَةً وعِوادًا واعتادَه وَاسْتَعَادَهُ وأَعادَه أَي صَارَ عادَةً لَهُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
لَمْ تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِنْدي، ***والفَتى آلِفٌ لِما يَسْتَعِيدُ
وَقَالَ:
تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخْلاقِ، إِني ***رأَيتُ المَرْءَ يَأْلَفُ مَا اسْتَعادا
وَقَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ الذِّئَابَ:
إِلَّا عَواسِلَ، كالمِراطِ، مُعِيدَةً ***باللَّيْلِ مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ
أَي وَرَدَتْ مَرَّاتٍ فَلَيْسَ تُنْكِرُ الْوُرُودَ.
وعاوَدَ فلانٌ مَا كَانَ فِيهِ، فَهُوَ مُعاوِدٌ.
وعاوَدَتْه الحُمَّى وعاوَدَهُ بالمسأَلة أَي سأَله مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، وعَوَّدَ كَلْبَهُ الصيْدَ فَتَعَوّده؛ وَعَوَّدَهُ الشيءَ: جَعَلَهُ يَعْتَادُهُ.
والمُعاوِدُ: المُواظِبُ، وَهُوَ مِنْهُ.
قَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ المواظبِ عَلَى أَمْرٍ: معاوِدٌ.
وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: الْزَمُوا تُقى اللَّهِ واسْتَعِيدُوها أَي تَعَوَّدُوها.
واسْتَعَدْتُه الشَّيْءَ فأَعادَه إِذا سأَلتَه أَن يَفْعَلَهُ ثَانِيًا.
والمُعاوَدَةُ: الرُّجُوعُ إِلى الأَمر الأَول؛ يُقَالُ لِلشُّجَاعِ: بطَلٌ مُعاوِدٌ لأَنه لَا يَمَلُّ المِراسَ.
وتعاوَدَ القومُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا إِذا عَادَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلى صَاحِبِهِ.
وَبَطَلٌ مُعاوِد: عَائِدٌ.
والمَعادُ: المَصِيرُ والمَرْجِعُ، وَالْآخِرَةُ: مَعادُ الخلقِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمَعَادُ الآخرةُ وَالْحَجُّ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ}؛ يَعْنِي إِلى مَكَّةَ، عِدَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَفْتَحَهَا لَهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِلى مَعَادٍ حَيْثُ وُلِدْتَ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ يَرُدُّكَ إِلى وَطَنِكَ وَبَلَدِكَ؛ وَذَكَرُوا أَن جِبْرِيلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَقْتَ إِلى مَوْلِدِكَ وَوَطَنِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ؛ قَالَ: والمَعادُ هَاهُنَا إِلى عادَتِك حَيْثُ وُلِدْتَ وَلَيْسَ مِنَ العَوْدِ، وَقَدْ يَكُونُ أَن يُجْعَلَ قَوْلُهُ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍلَمُصَيِّرُكَ إِلى أَن تَعُودَ إِلى مَكَّةَ مَفْتُوحَةً لَكَ، فَيَكُونُ المَعادُ تَعَجُّبًا إِلى معادٍ أَيِّ معادٍ لِمَا وَعَدَهُ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: معادٍ الآخرةُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُحْييه يَوْمَ الْبَعْثِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَي إِلى مَعْدِنِك مِنَ الْجَنَّةِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: المَعادَةُ والمَعاد كَقَوْلِكَ لِآلِ فُلَانٍ مَعادَةٌ أَي مُصِيبَةٌ يَغْشَاهُمُ النَّاسُ فِي مَناوِحَ أَو غَيْرِهَا يَتَكَلَّمُ بِهِ النِّسَاءُ؛ يُقَالُ: خَرَجْتُ إِلى المَعادةِ والمَعادِ والمأْتم.
والمَعادُ: كُلُّ شَيْءٍ إِليه الْمَصِيرُ.
قَالَ: وَالْآخِرَةُ مَعَادٌ لِلنَّاسِ، وأَكثر التَّفْسِيرِ فِي قوله [لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ] لَبَاعِثُكَ.
وَعَلَى هَذَا كَلَامُ النَّاسِ: اذْكُرِ المَعادَ أَي اذْكُرْ مَبْعَثَكَ فِي الْآخِرَةِ؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْمَعَادُ الْمَوْلِدُ.
قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلى أَصلك مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ: إِلى مَعَادٍ أَي إِلى الْجَنَّةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «وأَصْلِحْ لِي آخِرتي الَّتِي فِيهَا مَعادي» أَي مَا يعودُ إِليه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ إِمّا مَصْدَرٌ وإِمّا ظَرْفٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «والحَكَمُ اللَّهُ والمَعْوَدُ إِليه يومَ الْقِيَامَةِ»أَي المَعادُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ المَعْوَدُ عَلَى الأَصل، وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ عَادَ يَعُودُ، وَمِنْ حَقِّ أَمثاله أَن تُقْلَبَ وَاوُهُ أَلفًا كالمَقام والمَراح، وَلَكِنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الأَصل.
تَقُولُ: عَادَ الشيءُ يعودُ عَوْدًا ومَعادًا أَي رَجَعَ، وَقَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى صَارَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاذٍ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَعُدْتَ فَتَّانًا يَا مُعاذُ
أَي صِرتَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ: عادَ لَهَا النِّقادُ مُجْرَنْثِمًا أَي
صَارَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ: وَدِدْتُ أَن هَذَا اللَّبَنَ يعودُ قَطِرانًا أَي يَصِيرُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ ذَلِكَ قَالَ: تَتَبَّعَتْ قُرَيشٌ أَذْنابَ الإِبلِ وتَرَكُوا الجماعاتِ.
والمَعادُ والمَعادة: المأْتَمُ يُعادُ إِليه؛ وأَعاد فُلَانٌ الصلاةَ يُعِيدها.
وَقَالَ اللَّيْثُ: رأَيت فُلَانًا ما يُبْدِيءُ وَمَا يُعِيدُ أَي مَا يَتَكَلَّمُ ببادئَة وَلَا عائِدَة.
وَفُلَانٌ مَا يُعِيدُ وَمَا يُبدئ إِذا لَمْ تَكُنْ لَهُ حِيلَةٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وكنتُ امْرَأً بالغَورِ مِنِّي ضَمانَةٌ، ***وأُخْرى بِنَجْد مَا تُعِيدُ وَمَا تُبْدي
يَقُولُ: لَيْسَ لِما أَنا فِيهِ مِنَ الْوَجْدِ حِيلَةٌ وَلَا جِهَةٌ.
والمُعِيدُ: المُطِيقُ للشيءِ يُعاوِدُه؛ قَالَ:
لَا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الغَوامِضُ ***إِلا المُعِيداتُ بِهِ النَّواهِضُ
وَحَكَى الأَزهري فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: يَعْنِي النُّوقَ الَّتِي اسْتَعَادَتِ النَّهْضَ بالدَّلْوِ.
وَيُقَالُ: هُوَ مُعِيدٌ لِهَذَا الشَّيْءِ أَي مُطِيقٌ لَهُ لأَنه قَدِ اعْتادَه؛ وأَما قَوْلُ الأَخطل:
يَشُولُ ابنُ اللَّبونِ إِذا رَآنِي، ***ويَخْشاني الضُّواضِيَةُ المُعِيدُ
قَالَ: أَصل المُعيدِ الْجَمَلُ الَّذِي لَيْسَ بِعَياياءٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَضْرِبُ حَتَّى يَخْلِطَ لَهُ، والمعِيدُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلى ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمُعِيدُ الْجَمَلُ الَّذِي قَدْ ضَرَبَ فِي الإِبل مَرَّاتٍ كأَنه أَعاد ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخرى.
وَعَادَنِي الشيءُ عَوْدًا وَاعْتَادَنِي، انْتابَني.
وَاعْتَادَنِي هَمٌّ وحُزْنٌ؛ قَالَ: والاعتِيادُ فِي مَعْنَى التَّعوُّدِ، وَهُوَ مِنَ الْعَادَةِ.
يُقَالُ: عَوَّدْتُه فاعتادَ وتَعَوَّدَ.
والعِيدُ: مَا يَعتادُ مِنْ نَوْبٍ وشَوْقٍ وهَمٍّ وَنَحْوِهِ.
وَمَا اعتادَكَ مِنَ الهمِّ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ عِيدٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
والقَلْبُ يَعْتادُه مِنْ حُبِّها عِيدُ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْحَكَمِ الثَّقَفِيُّ يَمْدَحُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ:
أَمْسَى بأَسْماءَ هَذَا القلبُ مَعْمُودَا، ***إِذا أَقولُ: صَحا، يَعْتادُه عِيدا
كأَنَّني، يومَ أُمْسِي مَا تُكَلِّمُني، ***ذُو بُغْيَةٍ يَبْتَغي مَا ليسَ مَوْجُودًا
كأَنَّ أَحْوَرَ مِنْ غِزْلانِ ذِي بَقَرٍ، ***أَهْدَى لَنَا سُنَّةَ العَيْنَيْنِ والجِيدَا
وَكَانَ أَبو عَلِيٍّ يَرْوِيهِ شِبْهَ الْعَيْنَيْنِ وَالْجِيدَا، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا، أَراد وَشِبْهَ الْجِيدِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وأَقام الْمُضَافَ إِليه مُقامه؛ وَقَدْ قِيلَ إِن أَبا عَلِيٍّ صَحَّفَهُ يَقُولُ في مدحها:
سُمِّيتَ باسمِ نَبِيٍّ أَنتَ تُشْبِهُه ***حِلْمًا وعِلْمًا، سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَا
أَحْمِدْ بِهِ فِي الْوَرَى الماضِين مِنْ مَلِكٍ، ***وأَنتَ أَصْبَحتَ فِي الباقِينَ مَوْجُودًا
لَا يُعذَلُ الناسُ فِي أَن يَشكُروا مَلِكًا ***أَوْلاهُمُ، فِي الأُمُورِ، الحَزْمَ والجُودا
وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: عَادَنِي عِيدي أَي عَادَتِي؛ وأَنشد:
عادَ قَلْبي مِنَ الطويلةِ عِيدُ
أَراد بِالطَّوِيلَةِ رَوْضَةً بالصَّمَّانِ تَكُونُ ثَلَاثَةَ أَميال فِي مِثْلِهَا؛ وأَما قَوْلُ تأَبَّطَ شَرًّا:
يَا عيدُ مَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ وإِيراقِ، ***ومَرِّ طَيْفٍ، عَلَى الأَهوالِ طَرَّاقِ
قَالَ ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ يَا عِيدُ مَا لَكَ: العِيدُ مَا يَعْتادُه مِنَ الْحُزْنِ والشَّوْق، وَقَوْلُهُ مَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ أَي مَا أَعظمك مِنْ شَوْقٍ، وَيُرْوَى: يَا هَيْدَ مَا لكَ، وَالْمَعْنَى: يَا هَيْدَ مَا حالُك وَمَا شأْنُك.
يُقَالُ: أَتى
فُلَانٌ القومَ فَمَا قَالُوا لَهُ: هَيْدَ مَا لَك أَي مَا سأَلوه عَنْ حَالِهِ؛ أَراد: يَا أَيها المعتادُني مَا لَك مِنْ شَوْقٍ كَقَوْلِكَ مَا لَكَ مِنْ فَارِسٍ وأَنت تتعجَّب مِنْ فُروسيَّته وَتَمْدَحُهُ؛ وَمِنْهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ مِنْ شَاعِرٍ.
والعِيدُ: كلُّ يَوْمٍ فِيهِ جَمْعٌ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ عَادَ يَعُود كأَنهم عَادُوا إِليه؛ وَقِيلَ: اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَادَةِ لأَنهم اعْتَادُوهُ، وَالْجَمْعُ أَعياد لَزِمَ الْبَدَلَ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ لَقِيلَ: أَعواد كرِيحٍ وأَرواحٍ لأَنه مِنْ عَادَ يَعُودُ.
وعَيَّدَ الْمُسْلِمُونَ: شَهِدوا عِيدَهم؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ الثَّوْرَ الْوَحْشِيَّ:
واعْتادَ أَرْباضًا لَها آرِيُّ، ***كَمَا يَعُودُ العِيدَ نَصْرانيُ
فَجَعَلَ الْعِيدَ مِنْ عَادَ يَعُودُ؛ قَالَ: وتحوَّلت الْوَاوُ فِي الْعِيدِ يَاءً لِكَسْرَةِ الْعَيْنِ، وَتَصْغِيرُ عِيد عُيَيْدٌ تَرَكُوهُ عَلَى التَّغْيِيرِ كَمَا أَنهم جَمَعُوهُ أَعيادًا وَلَمْ يَقُولُوا أَعوادًا؛ قَالَ الأَزهري: والعِيدُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْوَقْتُ الَّذِي يَعُودُ فِيهِ الفَرَح وَالْحُزْنُ، وَكَانَ فِي الأَصل العِوْد فَلَمَّا سُكِّنَتِ الْوَاوُ وَانْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ يَاءً، وَقِيلَ: قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً ليَفْرُقوا بَيْنَ الِاسْمِ الْحَقِيقِيِّ وَبَيْنَ الْمَصْدَرِيِّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنما جُمِعَ أَعيادٌ بِالْيَاءِ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَيُقَالُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعوادِ الْخَشَبِ.
ابْنُ الأَعرابي: سُمِّيَ العِيدُ عِيدًا لأَنه يَعُودُ كُلَّ سَنَةٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّد.
وعادَ العَلِيلَ يَعُودُه عَوْدًا وعِيادة وعِيادًا: زَارَهُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَلا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ تَنَظَّرَ خالدٌ ***عِيادي عَلَى الهِجْرانِ، أَم هوَ يائِسُ؟
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد عِيَادَتِي فَحَذَفَ الْهَاءَ لأَجل الإِضافة، كَمَا قَالُوا: لَيْتَ شِعْرِي؛ وَرَجُلٌ عائدٌ مِنْ قَوْم عَوْدٍ وعُوَّادٍ، ورجلٌ مَعُودٌ ومَعْوُود، الأَخيرة شَاذَّةٌ، وَهِيَ تَمِيمِيَّةٌ.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: العُوادَةُ مِنْ عِيادةِ الْمَرِيضِ، لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.
وقَوْمٌ عُوَّادٌ وعَوْدٌ؛ الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ.
ونِسوةٌ عوائِدُ وعُوَّدٌ: وهنَّ اللَّاتِي يَعُدْنَ الْمَرِيضَ، الْوَاحِدَةُ عائِدةٌ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هَؤُلَاءِ عَودُ فُلَانٍ وعُوَّادُه مِثْلَ زَوْرِه وزُوَّاره، وَهُمُ الَّذِينَ يَعُودُونه إِذا اعْتَلَّ.
وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «فإِنها امرأَة يكثُرُ عُوَّادُها»أَي زُوَّارُها.
وَكُلٌّ مَنْ أَتاك مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، فَهُوَ عَائِدٌ، وإِن اشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ حَتَّى صَارَ كأَنه مُخْتَصٌّ بِهِ.
قَالَ اللَّيْثُ: العُودُ كُلُّ خَشَبَةٍ دَقَّتْ؛ وَقِيلَ: العُودُ خَشَبَةُ كلِّ شجرةٍ، دَقَّ أَو غَلُظ، وَقِيلَ: هُوَ مَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ مِنَ الشَّجَرِ وَهُوَ يَكُونُ للرطْب وَالْيَابِسِ، وَالْجَمْعُ أَعوادٌ وعِيدانٌ؛ قَالَ الأَعشى:
فَجَرَوْا عَلَى مَا عُوِّدوا، ***ولكلِّ عِيدانٍ عُصارَهْ
وَهُوَ مِنْ عُودِ صِدْقٍ أَو سَوْءٍ، عَلَى الْمَثَلِ، كَقَوْلِهِمْ مِنْ شجرةٍ صالحةٍ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة: «تُعْرَضُ الفِتَنُ عَلَى القلوبِ عَرْضَ الحُصْرِ عَوْدًا عَوْدًا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا الرِّوَايَةُ، بِالْفَتْحِ؛ أي مَرَّةً بَعْدَ مرةٍ، وَيُرْوَى بِالضَّمِّ، وَهُوَ وَاحِدُ العِيدان يَعْنِي مَا يُنْسَجُ بِهِ الحُصْرُ مِنْ طَاقَاتِهِ، وَيُرْوَى بِالْفَتْحِ مَعَ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ، كأَنه اسْتَعَاذَ مِنَ الْفِتَنِ.
والعُودُ: الْخَشَبَةُ المُطَرَّاةُ يدخَّن بِهَا ويُسْتَجْمَرُ بِهَا، غَلَبَ عَلَيْهَا الِاسْمُ لِكَرَمِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بالعُودِ الهِندِيّ»؛ قِيلَ: هُوَ القُسْطُ البَحْرِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ العودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ.
والعُودُ ذُو الأَوْتارِ الأَربعة: الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ أَيضًا؛ كَذَلِكَقَالَ ابْنُ جِنِّي، وَالْجَمْعُ عِيدانٌ؛ وَمِمَّا اتَّفَقَ لَفْظُهُ وَاخْتَلَفَ مَعْنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ إِيطاءً قولُ بَعْضِ الْمُوَلَّدِينَ:
يَا طِيبَ لَذَّةِ أَيامٍ لَنَا سَلَفَتْ، ***وحُسْنَ بَهْجَةِ أَيامِ الصِّبا عُودِي
أَيامَ أَسْحَبُ ذَيْلًا فِي مَفارِقِها، ***إِذا تَرَنَّمَ صَوْتُ النَّايِ والعُودِ
وقهْوَةٍ مِنْ سُلافِ الدَّنِّ صافِيَةٍ، ***كالمِسْكِ والعَنبَرِ الهِندِيِّ والعُودِ
تستَلُّ رُوحَكَ فِي بِرٍّ وَفِي لَطَفٍ، ***إِذا جَرَتْ منكَ مَجْرَى الماءِ فِي العُودِ
قَوْلُهُ أَوَّلَ وهْلَةٍ عُودي: طَلَبٌ لَهَا فِي العَوْدَةِ، والعُودُ الثَّانِي: عُودُ الغِناء، والعُودُ الثَّالِثُ: المَنْدَلُ وَهُوَ العُودُ الَّذِي يُتَطَيَّبُ بِهِ، والعُودُ الرَّابِعُ: الشَّجَرَةُ، وَهَذَا مِنْ قَعاقعِ ابْنِ سِيدَهْ؛ والأَمر فِيهِ أَهون مِنَ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَو تَفْسِيرِ مَعَانِيهِ وإِنما ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا وَجَدْنَاهُ.
والعَوَّادُ: مُتَّخِذُ العِيدانِ.
وأَما مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ: «إِنما الْقَضَاءُ جَمْرٌ فادفعِ الجمرَ عَنْكَ بعُودَيْنِ»؛ فإِنه أَراد بِالْعُودَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ، يُرِيدُ اتَّقِ النَّارَ بِهِمَا وَاجْعَلْهُمَا جُنَّتَك كَمَا يَدْفَعُ المُصْطَلي الجمرَ عَنْ مَكَانِهِ بِعُودٍ أَو غَيْرِهِ لِئَلَّا يَحْتَرِقَ، فمثَّل الشَّاهِدَيْنِ بِهِمَا لأَنه يَدْفَعُ بِهِمَا الإِثم وَالْوَبَالَ عَنْهُ، وَقِيلَ: أَراد تَثَبَّتْ فِي الْحُكْمِ وَاجْتَهِدْ فِيمَا يَدْفَعُ عَنْكَ النَّارَ مَا اسْتَطَعْتَ؛ وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
ومَنْ وَرِثَ العُودَيْنِ والخاتَمَ الَّذِي ***لَهُ المُلْكُ، والأَرضُ الفَضاءُ رَحْيبُها
قَالَ: العودانِ مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعَصاه؛ وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الْعُودَيْنِ فِي الْحَدِيثِ وفُسِّرا بِذَلِكَ؛ وَقَوْلُ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:
وَلَقَدْ عَلِمْت سوَى الَّذِي نَبَّأْتني: ***أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ ذِي الأَعْوادِ
قَالَ الْمُفَضَّلُ: سَبِيلُ ذِي الأَعواد يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَعَنَى بالأَعواد مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ؛ قَالَ الأَزهري: وَذَلِكَ أَن الْبَوَادِيَ لَا جَنَائِزَ لَهُمْ فَهُمْ يَضُمُّونَ عُودًا إِلى عُودٍ وَيَحْمِلُونَ الْمَيِّتَ عَلَيْهَا إِلى الْقَبْرِ.
وَذُو الأَعْواد: الَّذِي قُرِعَتْ لَهُ العَصا، وَقِيلَ: هُوَ رَجُلٌ أَسَنَّ فَكَانَ يُحمل فِي مِحَفَّةٍ مِنْ عُودٍ.
أَبو عَدْنَانَ: هَذَا أَمر يُعَوِّدُ الناسَ عليَّ أَي يُضَرِّيهم بِظُلْمي.
وَقَالَ: أَكْرَهُ تَعَوُّدَ الناسِ عليَّ فَيَضْرَوْا بِظُلْمي أَي يَعْتادُوه.
وَقَالَ شِمْرٌ: المُتَعَيِّدُ الظَّلُومُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِطَرَفَةَ:
فَقَالَ: أَلا مَاذَا تَرَوْنَ لِشارِبٍ ***شَدِيدٍ عَلَيْنَا سُخطُه مُتَعَيِّدِ؟
أَي ظَلُومٍ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
يَرَى المُتَعَيِّدُونَ عليَّ دُوني ***أُسُودَ خَفِيَّةَ الغُلْبَ الرِّقابا
وَقَالَ غَيْرُهُ: المُتَعَيِّدُ الَّذِي يُتَعَيَّدُ عَلَيْهِ بِوَعْدِهِ.
وَقَالَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: المُتَعَيِّدُ المُتجَنِّي فِي بَيْتِ جَرِيرٍ؛ وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ:
عَلَى الجُهَّالِ والمُتَعَيِّدِينا
قَالَ: والمُتَعَيِّدُ الغَضْبانُ.
وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: تَعَيِّدَ العائنُ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ إِذا تَشَهَّقَ عَلَيْهِ وتَشَدَّدَ لِيُبَالِغَ فِي إِصابته بِعَيْنِهِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَعرابي: هُوَ لَا يُتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَلَا يُتَعَيَّدُ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
كأَنها وفَوْقَها المُجَلَّدُ، ***وقِرْبَةٌ غَرْفِيَّةٌ ومِزْوَدُ،
غَيْرَى عَلَى جاراتِها تَعَيَّدُ
قَالَ: المُجَلَّدُ حِمْل ثَقِيلٌ فكأَنها، وَفَوْقَهَا هَذَا الْحِمْلُ وَقِرْبَةٌ وَمِزْوَدٌ، امرأَة غَيْرَى.
تُعِيدُ أَي تَنْدَرِئُ بِلِسَانِهَا عَلَى ضَرَّاتها وَتُحَرِّكُ يَدَيْهَا.
والعَوْدُ: الْجَمَلُ المُسِنُّ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الَّذِي جاوَزَ فِي السنِّ البازِلَ والمُخْلِفَ، وَالْجَمْعُ عِوَدَةٌ، قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ عِيَدَةَ وَهِيَ قَبِيحَةٌ.
وَفِي الْمَثَلِ: إنْ جَرْجَرَ العَوْدُ فَزِدْه وقْرًا، وَفِي الْمَثَلِ: زاحِمْ بعَوْد أَو دَعْ أَي اسْتَعِنْ عَلَى حَرْبِكَ بأَهل السِّنِّ وَالْمَعْرِفَةِ، فإِنَّ رأْي الشَّيْخِ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِ الْغُلَامِ، والأُنثى عَوْدَةٌ وَالْجَمْعُ عِيادٌ؛ وَقَدْ عادَ عَوْدًا وعَوَّدَ وَهُوَ مُعَوِّد.
قَالَ الأَزهري: وَقَدْ عَوَّدَ البعيرُ تَعْوِيدًا إِذا مَضَتْ لَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ بَعْدَ بُزُولِه أَو أَربعٌ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلنَّاقَةِ عَوْدَةٌ وَلَا عَوَّدَتْ؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ لِفَرَسٍ لَهُ أُنثى عَوْدَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ حَسَّانَ: «قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَبْعَثُوا إِلى هَذَا العَوْدِ»؛ هُوَ الْجَمَلُ الْكَبِيرُ المُسِنُّ المُدَرَّبُ فَشَبَّهَ نَفْسَهُ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «سأَله رَجُلٌ فَقَالَ: إِنك لَتَمُتُّ بِرَحِمٍ عَوْدَة»، فَقَالَ: بُلَّها بعَطائكَ حَتَّى تَقْرُبَ، أَي برَحِمٍ قديمةٍ بَعِيدَةِ النَّسَبِ.
والعَوْد أَيضًا: الشَّاةُ الْمُسِنُّ، والأُنثى كالأُنثى.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ منزلَهُ قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلى عَنْزٍ لِي لأَذْبَحَها فَثَغَتْ، فقال، عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا جَابِرُ لَا تَقْطَعْ دَرًّا وَلَا نَسْلًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنما هِيَ عَوْدَة عَلَفْنَاهَا الْبَلَحَ والرُّطَب فَسَمِنَتْ»؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وعَوَّدَ البعيرُ والشاةُ إِذا أَسَنَّا، وَبَعِيرٌ عَوْد وَشَاةٌ عَوْدَةٌ.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: عَوَّدَ الرجلُ تَعْويدًا إِذا أَسن؛ وأَنشد:
فَقُلْنَ قَدْ أَقْصَرَ أَو قَدْ عَوّدا
أَي صَارَ عَوْدًا كَبِيرًا.
قَالَ الأَزهري: وَلَا يُقَالُ عَوْدٌ لِبَعِيرٍ أَو شَاةٍ، وَيُقَالُ لِلشَّاةِ عَوْدة وَلَا يُقَالُ لِلنَّعْجَةِ عَوْدة.
قَالَ: وَنَاقَةٌ مُعَوِّد.
وَقَالَ الأَصمعي: جَمَلٌ عَوْدٌ وَنَاقَةٌ عَوْدَةٌ وَنَاقَتَانِ عَوْدَتان، ثُمَّ عِوَدٌ فِي جَمْعِ العَوْدة مِثْلَ هِرَّةٍ وهِرَرٍ وعَوْدٌ وعِوَدَةٌ مِثْلَ هِرٍّ وهِرَرَةٍ، وَفِي النَّوَادِرِ: عَوْدٌ وعِيدَة؛ وأَما قَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
حَتَّى إِذا الليلُ تَجَلَّى أَصْحَمُه، ***وانْجابَ عَنْ وجْهٍ أَغَرَّ أَدْهَمُه،
وتَبِعَ الأَحْمَرَ عَوْدٌ يَرْجُمُه
فإِنه أَراد بالأَحمر الصُّبْحَ، وأَراد بِالْعَوْدِ الشَّمْسَ.
والعَوْدُ: الطريقُ القديمُ العادِيُّ؛ قَالَ بُشَيْرُ بْنُ النِّكْثِ:
عَوْدٌ عَلَى عَوْدٍ لأَقْوامٍ أُوَلْ، ***يَمُوتُ بالتَّركِ، ويَحْيا بالعَمَلْ
يُرِيدُ بِالْعَوْدِ الأُول الْجَمَلَ الْمُسِنَّ، وَبِالثَّانِي الطَّرِيقَ أَي عَلَى طَرِيقٍ قَدِيمٍ، وَهَكَذَا الطَّرِيقُ يَمُوتُ إِذا تُرِكَ ويَحْيا إِذا سُلِكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَوْدٌ عَلى عَوْدٍ عَلى عَوْدٍ خَلَقْ
فالعَوْدُ الأَول رَجُلٌ مُسنّ، والعَوْدُ الثَّانِي جَمَلٌ مُسِنٌّ، وَالْعَوْدُ الثَّالِثُ طَرِيقٌ قَدِيمٌ.
وسُودَدٌ عَوْدٌ قديمٌ عَلَى الْمَثَلِ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
هَلِ المَجْدُ إِلا السُّودَدُ العَوْدُ والنَّدى، ***وَرَأْبُ الثَّأَى، والصَّبْرُ عِنْدَ المَواطِنِ؟
وعادَني أَنْ أَجِيئَك أَي صَرَفَني، مَقْلُوبٌ مِنْ عَداني؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ.
وعادَ فِعْلٌ بِمَنْزِلَةِ صَارَ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ:
فَقَامَ تَرْعُدُ كَفَّاه بِمِيبَلَة، ***قَدْ عادَ رَهْبًا رَذِيًّا طائِشَ القَدَمِ
لَا يَكُونُ عَادَ هُنَا إِلا بِمَعْنَى صَارَ، وَلَيْسَ يُرِيدُ أَنه عَاوَدَ حَالًا كَانَ عَلَيْهَا قَبْلُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُمْ هَذَا مَجِيئًا وَاسِعًا؛ أَنشد أَبو عَلِيٍّ لِلْعَجَّاجِ:
وقَصَبًا حُنِّيَ حَتَّى كادَا ***يَعُودُ، بَعْدَ أَعْظُمٍ، أَعْوادَا
أَي يَصِيرُ.
وَعَادٌ: قَبِيلَةٌ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنَا عَلَى أَلفها أَنها وَاوٌ لِلْكَثْرَةِ وأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ [ع ي د] وأَمَّا عِيدٌ وأَعْيادٌ فَبَدَلٌ لَازِمٌ.
وأَما مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ أَهلِ عَادٍ بالإِمالة فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ أَن أَلفها مِنْ يَاءٍ لِمَا قَدَّمْنَا، وإِنما أَمالوا لِكَسْرَةِ الدَّالِ.
قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يدَعُ صَرْفَ عَادٍ؛ وأَنشد:
تَمُدُّ عليهِ، منْ يَمِينٍ وأَشْمُلٍ، ***بُحُورٌ لَهُ مِنْ عَهْدِ عَادَ وتُبَّعا
جَعَلَهُمَا اسْمَيْنِ لِلْقَبِيلَتَيْنِ.
وَبِئْرٌ عادِيَّةٌ، والعادِيُّ الشَّيْءُ الْقَدِيمُ نُسِبَ إِلى عَادٍ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
وَمَا سالَ وادٍ مِنْ تِهامَةَ طَيِّبٌ، ***بِهِ قُلُبٌ عادِيَّةٌ وكُرُورُ
وَعَادٌ: قَبِيلَةٌ وَهُمْ قومُ هودٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ اللَّيْثُ: وَعَادٌ الأُولى هُمْ عادُ بْنُ عَادِيَا بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ الَّذِينَ أَهلكهم اللَّهُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
وأُهْلِكَ لُقْمانُ بنُ عادٍ وعادِيا
وأَما عَادٌ الأَخيرة فَهُمْ بَنُو تَمِيمٍ يُنْزِلُونَ رمالَ عالِجٍ عَصَوُا اللَّهَ فَمُسخُوا نَسْناسًا، لِكُلِّ إِنسان مِنْهُمْ يَدٌ وَرِجْلٍ مِنْ شِقّ؛ وَمَا أَدْري أَيُّ عادَ هُوَ، غَيْرُ مَصْرُوفٍ أَي أَيّ خَلْقٍ هُوَ.
والعِيدُ: شَجَرٌ جَبَلِيٌّ يُنْبِتُ عِيدانًا نَحْوَ الذِّرَاعِ أَغبر، لَا وَرَقَ لَهُ وَلَا نَوْر، كَثِيرُ اللِّحَاءِ والعُقَد يُضَمَّدُ بِلِحَائِهِ الْجُرْحُ الطَّرِيُّ فَيَلْتَئِمُ، وإِنما حَمَلْنَا الْعِيدَ عَلَى الْوَاوِ لأَن اشْتِقَاقَ الْعِيدِ الَّذِي هُوَ الْمَوْسِمُ إِنما هُوَ مِنَ الْوَاوِ فَحَمَلْنَا هَذَا عَلَيْهِ.
وَبَنُو العِيدِ: حَيٌّ تُنْسَبُ إِليه النُّوقُ العِيدِيَّةُ، والعيدِيَّة: نَجَائِبُ مَنْسُوبَةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ وَقِيلَ: العِيدية مَنْسُوبَةٌ إِلى عَادِ بْنِ عَادِ، وَقِيلَ: إِلَى عادِيّ بْنِ عَادٍ إِلا أَنه عَلَى هَذَيْنِ الأَخيرين نَسَبٌ شاذٌّ، وَقِيلَ: الْعِيدِيَّةُ تُنْسَبُ إِلى فَحْلٍ مُنْجِب يُقَالُ لَهُ عِيدٌ كأَنه ضَرَبَ فِي الإِبل مَرَّاتٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِرَذَاذٍ الْكَلْبِيِّ:
ظَلَّتْ تَجُوبُ بِهَا البُلْدانَ ناجِيَةٌ ***عِيدِيَّةٌ، أُرْهِنَتْ فِيهَا الدَّنانِيرُ
وَقَالَ: هِيَ نُوق مِنْ كِرام النَّجَائِبِ مَنْسُوبَةٌ إِلى فَحْلٍ مُنْجِبٍ.
قَالَ شِمْرٌ: والعِيدِيَّة ضَرْب مِنَ الْغَنَمِ، وَهِيَ الأُنثى من البُرْقانِ [البِرْقانِ]، قَالَ: وَالذَّكَرُ خَرُوفٌ فَلَا يَزالُ اسمَه حَتَّى يُعَقَّ عَقِيقَتُه؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف العِيدِيَّة فِي الْغَنَمِ وأَعرف جِنْسًا مِنَ الإِبل العُقَيْلِيَّة يُقَالُ لَهَا العِيدِيَّة، قَالَ: وَلَا أَدري إِلى أَي شَيْءٍ نُسِبَتْ.
وَحَكَى الأَزهري عَنِ الأَصمعي: العَيْدانَةُ النَّخْلَةُ الطَّوِيلَةُ، وَالْجَمْعُ العَيْدانُ؛ قال لبيد:
وأَبْيَض العَيْدانِ والجَبَّارِ
قَالَ أَبو عَدْنَانَ: يُقَالُ عَيْدَنَتِ النخلةُ إِذا صَارَتْ عَيْدانَةً؛ وَقَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ عَلَسٍ:
والأُدْمُ كالعَيْدانِ آزَرَها، ***تحتَ الأَشاءِ، مُكَمَّمٌ جَعْلُ
قَالَ الأَزهري: مَنْ جَعَلَ الْعِيدَانَ فَيْعالًا جعل النون
أَصلية وَالْيَاءَ زَائِدَةً، وَدَلِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ عيْدَنَتِ النخلةُ، وَمَنْ جَعَلَهُ فَعْلانَ مِثْلَ سَيْحانَ مِنْ ساحَ يَسِيحُ جَعَلَ الْيَاءَ أَصلية وَالنُّونَ زَائِدَةً.
قَالَ الأَصمعي: العَيْدانَةُ شَجَرَةٌ صُلْبَة قَدِيمَةٌ لَهَا عُرُوقٌ نَافِذَةٌ إِلى الْمَاءِ، قَالَ: وَمِنْهُ هَيْمانُ وعَيْلانُ؛ وأَنشد:
تَجاوَبْنَ فِي عَيْدانَةٍ مُرْجَحِنَّةٍ ***مِنَ السِّدْرِ، رَوَّاها، المَصِيفَ، مَسِيلُ
وَقَالَ: بَواسِق النخلِ أَبكارًا وعَيْدانا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعَيدان، بِالْفَتْحِ، الطِّوالُ مِنَ النَّخْلِ، الْوَاحِدَةُ عيْدانَةٌ، هَذَا إِن كَانَ فَعْلان، فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وإِن كَانَ فَيْعالًا، فَهُوَ مِنْ بَابِ النُّونِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ.
والعَوْدُ: اسْمُ فرَس مَالِكِ بْنِ جُشَم.
والعَوْدُ أَيضًا: فَرَسُ أُبَيّ بْنِ خلَف.
وعادِياءُ: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
هَلَّا سَأَلْت بِعادياءَ وَبَيْتِه ***والخلِّ والخمرِ، الَّذِي لَمْ يُمْنَعِ؟
قَالَ: وإِن كَانَ تَقْدِيرُهُ فَاعِلَاءَ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ، يذكر في موضعه.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
53-لسان العرب (حجر)
حجر: الحَجَرُ: الصَّخْرَةُ، وَالْجَمْعُ فِي الْقِلَّةِ أَحجارٌ، وَفِي الْكَثْرَةِ حِجارٌ وحجارَةٌ؛ وَقَالَ:كأَنها مِنْ حِجارِ الغَيْلِ، أَلبسَها ***مَضارِبُ الْمَاءِ لَوْنَ الطُّحْلُبِ التَّرِبِ
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ}؛ أَلحقوا الْهَاءَ لتأْنيث الْجَمْعِ كَمَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ فِي البُعُولة والفُحولة.
اللَّيْثُ: الحَجَرُ جَمْعُهُ الحِجارَةُ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ لأَن الحَجَرَ وَمَا أَشبهه يُجْمَعُ عَلَى أَحجار وَلَكِنْ يَجُوزُ الِاسْتِحْسَانُ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَمَا أَنه يَجُوزُ فِي الْفِقْهِ وتَرْكُ الْقِيَاسِ لَهُ كَمَا قَالَ الأَعشى يَمْدَحُ قَوْمًا:
لَا نَاقِصِي حَسَبٍ وَلَا ***أَيْدٍ، إِذا مُدَّت، قِصَارَهْ
قَالَ: وَمِثْلُهُ المِهارَةُ والبِكارَةُ لِجَمْعِ المُهْرِ والبَكْرِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: الْعَرَبُ تُدْخِلُ الْهَاءَ فِي كُلِّ جَمْعٍ عَلَى فِعَال أَو فُعُولٍ، وإِنما زَادُوا هَذِهِ الْهَاءَ فِيهَا لأَنه إِذا سُكِتَ عَلَيْهِ اجْتَمَعَ فِيهِ عِنْدَ السَّكْتِ سَاكِنَانِ: أَحدهما الأَلف الَّتِي تَنْحَرُ آخِرَ حَرْفٍ فِي فِعال، وَالثَّانِي آخرُ فِعال المسكوتُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: عِظامٌ وعَظامةٌ ونِفارٌ ونِفارةٌ، وَقَالُوا: فِحالَةٌ وحِبالَةٌ وذِكارَةٌ وذُكُورة وفُحولَةٌ وحُمُولَةٌ.
قَالَ الأَزهري: وَهَذَا هُوَ الْعِلَّةُ الَّتِي عَلَّلَهَا النَّحْوِيُّونَ، فأَما الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي شَبَّهَهُ بِالِاسْتِحْسَانِ فِي الْفِقْهِ فإِنه بَاطِلٌ.
الْجَوْهَرِيُّ: حَجَرٌ وحِجارةٌ كَقَوْلِكَ جَمَلٌ وجِمالَةٌ وذَكَرٌ وذِكارَةٌ؛ قال: وَهُوَ نَادِرٌ.
الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ الحَجَرُ الأُحْجُرُّ عَلَى أُفْعُلٍّ؛ وأَنشد: " يَرْمِينِي الضَّعِيفُ بالأُحْجُرِّ قال: ومثله هو أُكْبُرُّهم وَفَرَسٌ أُطْمُرٌّ وأُتْرُجٌّ، يُشَدِّدُونَ آخِرَ الْحَرْفِ.
وَيُقَالُ: رُمِي فُلانٌ بِحَجَرِ الأَرض إِذا رُمِيَ بِدَاهِيَةٍ مِنَ الرِّجَالِ.
وَفِي حَدِيثِ الأَحنف بْنِ قَيْسٍ أَنه قَالَ لِعَلِيٍّ حِينَ سمَّى معاويةُ أَحَدَ الحَكَمَيْنِ عَمْرَو بْنَ العاصِ: «إِنك قَدْ رُميت بِحَجر الأَرض فَاجْعَلْ مَعَهُ ابْنَ عَبَّاسٍ فإِنه لَا يَعْقِدُ عُقْدَةً إِلَّا حَلَّهَا»؛ أي بِدَاهِيَةٍ عَظِيمَةٍ تَثْبُتُ ثبوتَ الحَجَرِ فِي الأَرض.
وَفِي حَدِيثِ الجَسَّاسَةِ والدَّجالِ: «تَبِعَهُ أَهل الحَجَرِ وأَهل المَدَرِ»؛ يُرِيدُ أَهل البَوادِي الَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَوَاضِعَ الأَحجار وَالرِّمَالِ، وأَهلُ المَدَرِ أَهلُ البادِية.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وللعاهِرِ الحَجَرُ»؛ أَي الخَيْبَةُ؛ يعني أَن الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ مِنَ السَّيِّدِ أَو الزَّوْجِ، وَلِلزَّانِي الخيبةُ وَالْحِرْمَانُ، كَقَوْلِكَ مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ غَيْرَ التُّرَابِ وَمَا بِيَدِكَ غَيْرُ الحَجَرِ؛ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلى أَنه كَنَّى بِالْحَجَرِ عَنِ الرَّجْمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَيْسَ كَذَلِكَ لأَنه لَيْسَ كُلُّ زَانٍ يُرْجَمُ.
والحَجَر الأَسود، كَرَّمَهُ اللَّهُ: هُوَ حَجَر الْبَيْتِ، حَرَسَهُ اللَّهُ، وَرُبَّمَا أَفردوه فَقَالُوا الحَجَر إِعظامًا لَهُ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ إِنك حَجَرٌ، وَلَوْلَا أَني رأَيتُ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَفْعَلُ كَذَا مَا فَعَلْتُ؛ فأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
وإِذا ذكَرْتَ أَبَاكَ أَو أَيَّامَهُ، ***أَخْزاكَ حَيْثُ تُقَبَّلُ الأَحْجارُ
فإِنه جَعَلَ كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنْهُ حَجَرًا، أَلا تَرَى أَنك لَوْ مَسِسْتَ كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنْهُ لَجَازَ أَن تَقُولَ مَسِسْتُ الْحَجَرَ؟ وَقَوْلُهُ: أَمَا كَفَاهَا انْتِياضُ الأَزْدِ حُرْمَتَها، فِي عُقْرِ مَنْزِلها، إِذْ يُنْعَتُ الحَجَرُ؟.
فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: يَعْنِي جَبَلًا لَا يُوصَلُ إِليه.
واسْتَحْجَرَ الطينُ: صَارَ حَجَرًا، كَمَا تَقُولُ: اسْتَنْوَق الجَمَلُ، لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِمَا إِلَّا مَزِيدَيْنِ وَلَهُمَا نَظَائِرُ.
وأَرضٌ حَجِرَةٌ وحَجِيرَةٌ ومُتَحَجِّرة: كَثِيرَةُ الْحِجَارَةِ، وَرُبَّمَا كُنِّيَ بالحَجَر عَنِ الرَّمْلِ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ قَوْلَهُ: " عَشِيَّةَ أَحْجارُ الكِناسِ رَمِيمُ "قَالَ: أَراد عَشِيَّةَ رَمْلِ الْكِنَاسِ، وَرَمْلُ الْكِنَاسِ: مِنْ بِلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِلَابٍ.
والحَجْرُ والحِجْرُ والحُجْرُ والمَحْجِرُ، كُلُّ ذَلِكَ: الحرامُ، وَالْكَسْرُ أَفصح، وَقُرِئَ بِهِنَّ: وحَرْثٌ حَجْرٌ؛ وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ الْهِلَالِيُّ:
فَهَمَمْت أَنْ أَغْشَى إِليها مَحْجِرًا، ***ولَمِثْلُها يُغْشَى إِليه المَحْجِرُ
يَقُولُ: لَمِثْلُها يُؤْتَى إِليه الْحَرَامُ.
وَرَوَى الأَزهري عَنِ الصَّيْداوِي أَنه سَمِعَ عَبْوَيْهِ يَقُولُ: المَحْجَر، بِفَتْحِ الْجِيمِ، الحُرْمةُ؛ وأَنشد: " وهَمَمْتُ أَن أَغشى إِليها مَحْجَرًا وَيُقَالُ: تَحَجَّرَ عَلَى مَا وَسَّعه اللهُ أَي حَرَّمَهُ وضَيَّقَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا»؛ أَي ضَيَّقْتَ مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ وَخَصَّصْتَ بِهِ نَفْسَكَ دُونَ غَيْرِكَ، وَقَدْ حَجَرَهُ وحَجَّرَهُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}؛ أَي حَرَامًا مُحَرَّمًا.
والحاجُور: كالمَحْجر؛ قَالَ:
حَتَّى دَعَوْنا بِأَرْحامٍ لَنَا سَلَفَتْ، ***وقالَ قَائِلُهُمْ: إِنَّي بحاجُورِ
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَتفعل كَذَا وَكَذَا يَا فُلَانُ؟ فَيَقُولُ: حِجْرًا [حُجْرًا] أَي سِتْرًا وَبَرَاءَةً مِنْ هَذَا الأَمر، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلى مَعْنَى التَّحْرِيمِ وَالْحُرْمَةِ.
اللَّيْثُ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْقَى الرَّجُلَ يَخَافُهُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فيقول: حِجْرًا حُجْرًا مَحجُورًا أَي حرام محرم عَلَيْكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَا يَبْدَؤُهُ مِنْهُ شَرٌّ.
قَالَ: فإِذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ورأَى الْمُشْرِكُونَ مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ قَالُوا: حِجْرًا مَحْجُورًا، وَظَنُّوا أَن ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ كَفِعْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا؛ وأَنشد:
حَتَّى دَعَوْنَا بأَرحام لَهَا سَلَفَتْ، ***وَقَالَ قَائِلُهُمْ: إِني بِحَاجُورِ
يَعْنِي بِمَعاذ؛ يَقُولُ: أَنا مُتَمَسِّكٌ بِمَا يُعِيذُنِي مِنْكَ ويَحْجُرك عَنِّي؛ قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ العاثُورُ وَهُوَ المَتْلَفُ.
قَالَ الأَزهري.
أَما مَا قَالَهُ اللَّيْثُ مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}؛ إِنه مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمَلَائِكَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فإِن أَهل التَّفْسِيرِ الَّذِينَ يُعتمدون مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وأَصحابه فَسَّرُوهُ عَلَى غَيْرِ مَا فَسَّرَهُ اللَّيْثُ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا لِلْمُشْرِكِينَ حِجْرًا مَحْجُورًا أَي حُجِرَتْ عَلَيْكُمُ البُشْرَى فَلَا تُبَشَّرُون بِخَيْرٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا} تَمَّ الْكَلَامُ.
قَالَ أَبو الْحَسَنِ: هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُجْرِمِينَ فَقَالَ اللَّهُ مَحْجُوَرًا عَلَيْهِمْ أَن يُعَاذُوا وأَن يُجَارُوا كَمَا كَانُوا يُعَاذُونَ فِي الدُّنْيَا وَيُجَارُونَ، فَحَجَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ وَقَالَ أَحمد اللُّؤْلُؤِيُّ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ.
قَالَ الأَزهري: وَهَذَا أَشبه بِنَظْمِ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وأَحرى أَن يَكُونَ قَوْلُهُ حِجْرًا مَحْجُورًا كَلَامًا وَاحِدًا لَا كَلَامَيْنِ مَعَ إِضمار كَلَامٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حجرا محجورا أَي حراما مُحَرَّمًا، كَمَا تَقُولُ: حَجَرَ التاجرُ عَلَى غُلَامِهِ، وحَجَرَ الرَّجُلُ عَلَى أَهله.
وَقُرِئَتْ حُجْرًا مَحْجُورًا أَي حراما مُحَرَّمًا عَلَيْهِمُ البُشْرَى.
قَالَ: وأَصل الحُجْرِ فِي اللُّغَةِ مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ أَي مَنَعْتَهُ مِنْ أَن يُوصَلَ إِليه.
وَكُلُّ مَا مَنَعْتَ مِنْهُ، فَقَدْ حَجَرْتَ عَلَيْهِ؛ وَكَذَلِكَ حَجْرُ الحُكَّامِ عَلَى الأَيتام: مَنْعُهم؛ وَكَذَلِكَ الحُجْرَةُ الَّتِي يَنْزِلُهَا النَّاسُ، وَهُوَ مَا حَوَّطُوا عَلَيْهِ.
والحَجْرُ، ساكنٌ: مَصْدَرُ حَجَر عَلَيْهِ الْقَاضِي يَحْجُر حَجْرًا إِذا مَنَعَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَن أَحْجُرَ عَلَيْهَا»؛ هُوَ مِنَ الحَجْر المَنْعِ، وَمِنْهُ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ إِذا مَنَعَهُمَا مِنَ التصرف في مالها.
أَبو زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ وَحَرْثٌ حِجْرٌ" حرامٌ وَيَقُولُونَ حِجْرًا حَرَامًا، قَالَ: وَالْحَاءُ فِي الْحَرْفَيْنِ بِالضَّمَّةِ وَالْكَسْرَةِ لُغَتَانِ.
وحَجْرُ الإِنسان وحِجْرُه، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: حِضْنُه.
وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ: فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ "؛ وَاحِدُهَا حَجْرٌ، بِفَتْحِ الْحَاءِ.
يُقَالُ: حَجْرُ المرأَة وحِجْرُها حِضْنُها، وَالْجَمْعُ الحُجُورُ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْر وَلِيِّها»، وَيَجُوزُ مِنْ حِجْرِ [حَجْرِ] الثَّوْبِ وَهُوَ طَرَفُهُ الْمُتَقَدِّمُ لأَن الإِنسان يَرَى وَلَدَهُ فِي حِجْرِه؛ والوليُّ: الْقَائِمُ بأَمر الْيَتِيمِ.
وَالْحِجْرُ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الثَّوْبُ والحِضْنُ، وَالْمَصْدَرُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ.
ابْنُ سِيدَهْ: الحَجْرُ الْمَنْعُ، حَجَرَ عَلَيْهِ يَحْجُرُ حَجْرًا وحُجْرًا وحِجْرًا وحُجْرانًا وحِجْرانًا مَنَعَ مِنْهُ.
وَلَا حُجْرَ عَنْهُ أَي لَا دَفْعَ وَلَا مَنْعَ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ عِنْدَ الأَمر تُنْكِرُهُ: حُجْرًا لَهُ، بِالضَّمِّ، أَي دَفْعًا، وهو استعارة مِنَ الأَمر؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
قالتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وذُعْرُ: ***عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وحُجْرُ
وأَنت في حِجْرَتِي [حَجْرَتِي] أَي مَنَعَتِي.
قَالَ الأَزهري: يُقَالُ هُمْ فِي حِجْرِ [حَجْرِ] فلانٍ أَي فِي كَنَفِه ومَنَعَتِه ومَنْعِهِ، كُلُّهُ وَاحِدٌ؛ قَالَهُ أَبو زَيْدٍ، وأَنشد لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
أُولئك قَوْمٌ، لَوْ لَهُمْ قيلَ: أَنْفِدُوا ***أَمِيرَكُمْ، أَلفَيْتُموهُم أُولي حَجْرِ
أَي أُولي مَنَعَةٍ.
والحُجْرَةُ مِنَ الْبُيُوتِ: مَعْرُوفَةٌ لِمَنْعِهَا الْمَالَ، والحَجارُ: حَائِطُهَا، وَالْجَمْعُ حُجْراتٌ وحُجُراتٌ وحُجَراتٌ، لُغَاتٌ كُلُّهَا.
والحُجْرَةُ: حَظِيرَةُ الإِبل، وَمِنْهُ حُجْرَةُ الدَّارِ.
تَقُولُ: احْتَجَرْتُ حُجْرَةً أَي اتَّخَذْتُهَا، وَالْجَمْعُ حُجَرٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وغُرَفٍ.
وحُجُرات، بِضَمِّ الْجِيمِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه احْتَجَر حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَو حَصِير»؛ الْحُجَيْرَةُ: تَصْغِيرُ الحُجْرَةِ، وَهِيَ الْمَوْضِعُ الْمُنْفَرِدُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ نَامَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجارٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ»؛ الْحِجَارُ جَمْعُ حِجْرٍ، بِالْكَسْرِ، أَو مِنَ الحُجْرَةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الإِبل وحُجْرَةُ الدَّارِ، أَي أَنه يَحْجُر الإِنسان النَّائِمَ وَيَمْنَعُهُ مِنَ الْوُقُوعِ وَالسُّقُوطِ.
وَيُرْوَى حِجاب، بِالْبَاءِ، وَهُوَ كُلُّ مانع من السقوط، ورواه الْخَطَّابِيُّ حِجًى، بِالْيَاءِ، وَسَنَذْكُرُهُ؛ وَمَعْنَى بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهُ لأَنه عَرَّض نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ ولم يحترز لَهَا.
وَفِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: «مَزاهِرُ وعُرْمانٌ ومِحْجَرٌ»؛ مِحجر، بِكَسْرِ الْمِيمِ: قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ هِيَ بِالنُّونِ؛ قَالَ: وَهِيَ حَظَائِرُ حَوْلَ النَّخْلِ، وَقِيلَ حَدَائِقُ.
واستَحجَرَ القومُ واحْتَجَرُوا: اتَّخَذُوا حُجْرة.
والحَجْرَةُ والحَجْرُ، جَمِيعًا: لِلنَّاحِيَةِ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ.
وَقَعَدَ حَجْرَةً وحَجْرًا أَي نَاحِيَةً؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
سَقانا فَلَمْ نَهْجَا مِنَ الجُوع نَقْرَةً ***سَمارًا، كإِبط الذِّئْب سُودٌ حَواجِرُهْ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّرْ ثَعْلَبٌ الْحَوَاجِرَ.
قَالَ: وَعِنْدِي أَنه جَمَعَ الحَجْرَةِ الَّتِي هِيَ النَّاحِيَةُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَلَهُ نَظَائِرُ.
وحُجْرَتا الْعَسْكَرِ: جَانِبَاهُ مِنَ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ؛ وَقَالَ:
إِذا اجْتَمَعُوا فَضَضْنَا حُجْرَتَيْهِمْ، ***ونَجْمَعُهُمْ إِذا كَانُوا بَدَادِ
وَفِي الْحَدِيثِ: «لِلنِّسَاءِ حَجْرتا الطَّرِيقِ»؛ أَي نَاحِيَتَاهُ؛ وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحِ يَصِفُ الْخَمْرَ:
فَلَمَّا فُتَّ عَنْهَا الطِّينُ فاحَتْ، ***وصَرَّحَ أَجْوَدُ الحُجْرانِ صَافِي
اسْتَعَارَ الحُجْرانَ لِلْخَمْرِ لأَنها جَوْهَرٌ سَيَّالٌ كَالْمَاءِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: فِي الْحَدِيثِ حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الْحُكْمُ لِلَّهِ: ودَعْ عَنْكَ نَهْبًا صِيحَ فِي حَجَراتِهِ قَالَ: هُوَ مَثَلٌ لِلْعَرَبِ يُضْرَبُ لِمَنْ ذَهَبَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ ثُمَّ ذَهَبَ بَعْدَهُ مَا هُوَ أَجلُّ مِنْهُ، وَهُوَ صَدْرُ بَيْتٍ لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
فَدَعْ عنكَ نَهْبًا صِيحَ فِي حَجَراتِه، ***ولكِنْ حَدِيثًا مَا حَدِيثُ الرَّواحِلِ
أَي دَعِ النَّهْبَ الَّذِي نَهَبَ مِنْ نَوَاحِيكَ وَحَدِّثْنِي حَدِيثَ الرَّوَاحِلِ وَهِيَ الإِبل الَّتِي ذهبتَ بِهَا مَا فعَلت.
وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ أَمسى المالُ مُحْتَجِرَةً بُطُونُهُ ونَجِرَةً؛ ومالٌ مُتَشدِّدٌ ومُتَحَجِّرٌ.
وَيُقَالُ: احْتَجَرَ البعيرُ احْتِجارًا.
والمُحْتَجِرُ مِنَ الْمَالِ: كلُّ مَا كَرِشَ وَلَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ البِطْنَة وَلَمْ يَبْلُغِ الشِّبَع كُلَّهُ، فإِذا بَلَغَ نِصْفَ الْبِطْنَةِ لَمْ يُقَلْ، فإِذا رَجَعَ بَعْدَ سُوءِ حَالٍ وعَجَفٍ، فَقَدِ اجْرَوَّشَ؛ وَنَاسٌ مُجْرَوِّشُون.
والحُجُرُ: مَا يُحِيطُ بالظُّفر مِنَ اللَّحْمِ.
والمَحْجِرُ: الْحَدِيقَةُ، مِثَالُ الْمَجْلِسِ.
والمَحاجِرُ: الْحَدَائِقُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
بَكَرَتْ بِهِ جُرَشِيَّةٌ مَقْطُورَةٌ، ***تَرْوي المَحاجِرَ بازِلٌ عُلْكُومُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَراد بِقَوْلِهِ جُرَشِيَّةٌ نَاقَةً مَنْسُوبَةً إِلى جُرَش، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ.
وَمَقْطُورَةٌ: مَطْلِيَّةٌ بالقَطِران.
وعُلْكُوم: ضَخْمَةٌ، وَالْهَاءُ فِي بِهِ تَعُودُ عَلَى غَرْب تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.
الأَزهري: المِحْجَرُ المَرْعَى الْمُنْخَفِضُ، قَالَ: وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَيُّ الإِبل أَبقى عَلَى السَّنَةِ؟ فَقَالَ: ابنةُ لَبُونٍ، قِيلَ: لِمَهْ؟ قَالَ: لأَنها تَرْعى مَحْجِرًا وَتَتْرُكُ وَسَطًا؛ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: المَحْجِرُ هَاهُنَا النَّاحِيَةُ.
وحَجْرَةُ الْقَوْمِ: نَاحِيَةُ دَارِهِمْ؛ وَمَثَلُ الْعَرَبِ: فُلَانٌ يَرْعَى وَسَطًا: ويَرْبُضُ حَجْرَةً أَي نَاحِيَةً.
والحَجرَةُ: النَّاحِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الحرث بْنِ حلِّزَةَ:
عَنَنًا بَاطِلًا وظُلْمًا، كَمَا تُعْتَرُ ***عَنْ حَجْرَةِ الرَّبِيضِ الظِّباءُ
والجمع جَحْرٌ وحَجَراتٌ مِثْلُ جَمْرَةٍ وجَمْرٍ وجَمَراتٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا مَثَلٌ وَهُوَ أَن يَكُونَ الرَّجُلُ وَسَطَ الْقَوْمِ إِذا كَانُوا فِي خَيْرٍ، وإِذا صَارُوا إِلى شَرٍّ تَرَكَهُمْ وَرَبَضَ نَاحِيَةً؛ قَالَ: وَيُقَالُ إِن هَذَا المَثَلَ لعَيْلانَ بْنِ مُضَرَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي الدَّرْدَاءِ: «رأَيت رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ يَسِيرُ حَجْرَةً»أَي نَاحِيَةً مُنْفَرِدًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ.
ومَحْجِرُ الْعَيْنِ: مَا دَارَ بِهَا وَبَدَا مِنَ البُرْقُعِ مِنْ جَمِيعِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يَظْهَرُ مِنْ نِقاب المرأَة وَعِمَامَةِ الرَّجُلِ إِذا اعْتَمَّ، وَقِيلَ: هُوَ مَا دَارَ بِالْعَيْنِ مِنَ الْعَظْمِ الَّذِي فِي أَسفل الْجَفْنِ؛ كُلُّ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا؛ وَقَوْلُ الأَخطل:
ويُصبِحُ كالخُفَّاشِ يَدْلُكُ عَيْنَهُ، ***فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ لَئيمٍ ومِنْ حَجْرِ
فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: أَراد مَحْجِرَ الْعَيْنِ.
الأَزهري: المَحْجِرُ الْعَيْنُ.
الْجَوْهَرِيُّ: مَحْجِرُ الْعَيْنِ مَا يَبْدُو مِنَ النِّقَابِ.
الأَزهري: المَحْجِرُ مِنَ الْوَجْهِ حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهِ النِّقَابُ، قَالَ: وَمَا بَدَا لَكَ مِنَ النِّقَابِ مَحْجِرٌ وأَنشد: وكَأَنَّ مَحْجِرَها سِراجُ المُوقِدِ "وحَجَّرَ القمرُ: اسْتَدَارَ بِخَطٍّ دَقِيقٍ مِنْ غَيْرِ أَن يَغْلُظ، وَكَذَلِكَ إِذا صَارَتْ حَوْلَهُ دَارَةٌ فِي الغَيْم.
وحَجَّرَ عينَ الدَّابَّةِ وحَوْلَها: حَلَّقَ لِدَاءٍ يُصِيبُهَا.
وَالتَّحْجِيرُ: أَن يَسِم حَوْلَ عَيْنِ الْبَعِيرِ بِميسَمٍ مُسْتَدِيرٍ.
الأَزهري: والحاجِرُ مِنْ مَسَايِلِ الْمِيَاهِ وَمَنَابِتِ العُشْب مَا اسْتَدَارَ بِهِ سَنَدٌ أَو نَهْرٌ مُرْتَفِعٌ، وَالْجَمْعُ حُجْرانٌ مِثْلُ حَائِرٍ وحُوران وشابٍّ وشُبَّانٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " حَتَّى إِذا مَا هاجَ حُجْرانُ الدَّرَقْ "قَالَ الأَزهري: وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِهَذَا الْمَنْزِلِ الَّذِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ: حَاجِرٌ.
ابْنُ سِيدَهْ: الْحَاجِرُ مَا يُمْسِكُ الْمَاءَ مِنْ شَفَة الْوَادِي وَيُحِيطُ بِهِ.
الْجَوْهَرِيُّ: الْحَاجِرُ وَالْحَاجُورُ مَا يُمْسِكُ الْمَاءَ مِنْ شَفَةِ الْوَادِي، وَهُوَ فَاعُولٌ مِنَ الحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ.
ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحاجِرُ كَرْمٌ مِئْنَاثٌ وَهُوَ مُطْمئنٌّ لَهُ حُرُوفٌ مُشْرِفَة تَحْبِسُ عَلَيْهِ الماءَ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ حَاجِرًا، وَالْجَمْعُ حُجْرانٌ.
والحاجِرُ: مَنْبِتُ الرِّمْثِ ومُجْتَمَعُه ومُسْتَدارُه.
والحاجِرُ أَيضًا: الجِدْرُ [الجَدْرُ] الَّذِي يُمسك الْمَاءَ بَيْنَ الدِّيَارِ لِاسْتِدَارَتِهِ أَيضًا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: " وَجَارَةُ الْبَيْتِ لَهَا حُجْرِيُ فَمَعْنَاهُ لَهَا خَاصَّةً.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: «لَمَّا تحَجَّرَ جُرْحُه للبُرْءِ انْفَجَر»؛ أي اجْتَمَعَ والتأَم وَقَرُبَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ.
والحِجْرُ، بِالْكَسْرِ: الْعَقْلُ وَاللُّبُّ لإِمساكه وَمَنْعِهِ وإِحاطته بِالتَّمْيِيزِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْقَبِيلَيْنِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}؛ فأَما قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
فَأَخْفَيْتُ مَا بِي مِنْ صَدِيقي، وإِنَّهُ ***لَذو نَسَب دانٍ إِليَّ وَذُو حِجْرِ
فَقَدْ قِيلَ: الحِجْرُ هَاهُنَا الْعَقْلُ، وَقِيلَ: الْقَرَابَةُ.
والحِجْرُ: الفَرَسُ الأُنثى، لَمْ يُدْخِلُوا فِيهِ الْهَاءَ لأَنه اسْمٌ لَا يُشْرِكُهَا فِيهِ الْمُذَكَّرُ، وَالْجَمْعُ أَحْجارٌ وحُجُورَةٌ وحُجُورٌ.
وأَحْجارُ الْخَيْلِ: مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا لِلنَّسْلِ، لَا يُفْرَدُ لَهَا وَاحِدٌ.
قَالَ الأَزهري: بَلَى يُقَالُ هَذِهِ حِجْرٌ مِنْ أَحْجار خَيْلي؛ يُرِيدُ بالحِجْرِ الفرسَ الأُنثى خَاصَّةً جَعَلُوهَا كالمحرَّمة الرحِمِ إِلَّا عَلَى حِصانٍ كَرِيمٍ.
قَالَ وَقَالَ أَعرابي مِنْ بَنِي مُضَرِّسٍ وأَشار إِلى فَرَسٍ لَهُ أُنثى فَقَالَ: هَذِهِ الحِجْرُ مِنْ جِيَادِ خَيْلِنَا.
وحِجْرُ الإِنسان وحَجْرُه: مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ ثَوْبِهِ.
وحِجْرُ الرَّجُلِ والمرأَة وحَجْرُهما: مَتَاعُهُمَا، وَالْفَتْحُ أَعلى.
ونَشَأَ فُلَانٌ فِي حَجْرِ فُلَانٍ وحِجْرِه أَي حِفْظِهِ وسِتْرِه.
والحِجْرُ: حِجْرُ الْكَعْبَةِ.
قَالَ الأَزهري: الحِجْرُ حَطِيمُ مَكَّةَ، كأَنه حُجْرَةٌ مِمَّا يَلِي المَثْعَبَ مِنَ الْبَيْتِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحِجْرُ حِجْرُ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ مَا حَوَاهُ الْحَطِيمُ الْمُدَارُ بِالْبَيْتِ جانبَ الشَّمالِ؛ وكُلُّ مَا حَجَرْتَهُ مِنْ حائطٍ، فَهُوَ حِجْرٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الحِجْرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ اسْمُ الْحَائِطِ الْمُسْتَدِيرِ إِلى جَانِبِ الْكَعْبَةِ الْغَرْبِيِّ.
والحِجْرُ: دِيَارُ ثَمُودَ نَاحِيَةَ الشَّامِ عِنْدَ، وَادِي القُرَى، وَهُمْ قَوْمُ صَالِحٍ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَجَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}؛ والحِجْرُ أَيضًا: موضعٌ سِوَى ذَلِكَ.
وحَجْرٌ: قَصَبَةُ اليمامَةِ، مَفْتُوحُ الْحَاءِ، مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَنِّثُ وَلَا يَصْرِفُ كامرأَة اسْمُهَا سَهْلُ، وَقِيلَ: هِيَ سُوقُها؛ وَفِي الصِّحَاحِ: والحَجْرُ قَصَبَةُ الْيَمَامَةِ، بِالتَّعْرِيفِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذا نشأَت حَجْرِيَّةً ثُمَّ تَشاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ حَجْرِيَّةٌ»، بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: يَجُوزُ أَن تَكُونَ مَنْسُوبَةً إِلى الحَجْرِ قَصَبَةِ الْيَمَامَةِ أَو إِلى حَجْرَةِ الْقَوْمِ وَهِيَ نَاحِيَتُهُمْ، وَالْجَمْعُ حَجْرٌ كَجَمْرَةٍ وجَمْرٍ.
وإِن كَانَتْ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلى أَرض ثَمُودَ الحِجْرِ؛ وَقَوْلُ الرَّاعِي وَوَصَفَ صَائِدًا:
تَوَخَّى، حيثُ قَالَ القَلْبُ مِنْهُ، ***بِحَجْرِيٍّ تَرى فِيهِ اضْطِمارَا
إِنما عَنَى نَصْلًا مَنْسُوبًا إِلى حَجْرٍ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وحدائدُ حَجْرٍ مُقدَّمة فِي الجَوْدَة؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
حَتَّى إِذا تَوَقَّدَتْ مِنَ الزَّرَقْ ***حَجْرِيَّةٌ، كالجَمْرِ مِنْ سَنِّ الدَّلَقْ
وأَما قَوْلُ زُهَيْرٍ: لِمَنِ الدّيارُ بِقُنَّة الحَجْرِ فإِن أَبا عَمْرٍو لَمْ يَعْرِفْهُ فِي الأَمكنة وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ قَصَبَةَ الْيَمَامَةِ وَلَا سُوقها لأَنها حينئذٍ مَعْرِفَةٌ، إِلَّا أَن تَكُونَ الأَلف وَاللَّامُ زَائِدَتَيْنِ، كَمَا ذَهَبَ إِليه أَبو عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ:
ولَقَد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤًا وعَسَاقِلًا، ***ولَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بناتِ الأَوْبَرِ
وإِنما هِيَ بَنَاتُ أَوبر؛ وَكَمَا رَوَى أَحمد بْنُ يَحْيَى مِنْ قَوْلِهِ: " يَا ليتَ أُمَّ العَمْرِ كانتْ صاحِبي وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
اعْتَدْتُ للأَبْلَجِ ذِي التَّمايُلِ، ***حَجْرِيَّةً خِيضَتْ بِسُمٍّ ماثِلِ
يَعْنِي: قَوْسًا أَو نَبْلًا مَنْسُوبَةً إِلى حَجْرٍ هَذِهِ.
والحَجَرانِ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَثُرَ مَالُهُ وَعَدَدُهُ: قَدِ انْتَشَرَتْ حَجْرَتُه وَقَدِ ارْتَعَجَ مالهُ وارْتَعَجَ عَدَدُه.
والحاجِرُ: مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْحَاجِّ فِي الْبَادِيَةِ.
والحَجُّورة: لُعْبَةٌ يَلْعَبُ بِهَا الصِّبْيَانُ يخطُّون خَطًّا مُسْتَدِيرًا وَيَقِفُ فِيهِ صَبِيٌّ وَهُنَالِكَ الصِّبْيَانُ مَعَهُ.
والمَحْجَرُ، بِالْفَتْحِ: مَا حَوْلَ الْقَرْيَةِ؛ وَمِنْهُ محاجِرُ أَقيال الْيَمَنِ وَهِيَ الأَحْماءُ، كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِمًى لَا يَرْعَاهُ غَيْرُهُ.
الأَزهري؛ مَحْجَرُ القَيْلِ مِنْ أَقيال الْيَمَنِ حَوْزَتُه وَنَاحِيَتُهُ الَّتِي لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهَا غَيْرُهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ ويَحْجُره بِاللَّيْلِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَحْتَجِرُهُ»أَي يَجْعَلُهُ لِنَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ حَجَرْتُ الأَرضَ واحْتَجَرْتُها إِذا ضَرَبْتَ عَلَيْهَا مَنَارًا تَمْنَعُهَا بِهِ عَنْ غَيْرِكَ.
ومُحَجَّرٌ، بِالتَّشْدِيدِ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ.
والأَصمعي يَقُولُهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَغَيْرُهُ يَفْتَحُ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ شَاهِدًا عَلَى هَذَا الْمَكَانِ؛ قَالَ: وَفِي الْحَاشِيَةِ بَيْتٌ شَاهِدٌ عَلَيْهِ لِطُفَيْلٍ الغَنَوِيِّ:
فَذُوقُوا، كَمَا ذُقْنا غَداةَ مُحَجَّرٍ، ***مِنَ الغَيْظِ فِي أَكْبادِنا والتَّحَوُّبِ
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا حِكَايَةً لَطِيفَةً عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبو عَمْرٍو الزَّاهِدُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ عُمَرَ بنِ شَبَّةَ قَالَ: قَالَ الْجَارُودُ، وَهُوَ الْقَارِئُ وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ: غَسَّلْتُ ابْنًا لِلْحَجَّاجِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلى شَيْخٍ كَانَ الْحَجَّاجُ قَتَلَ ابْنَهُ فَقُلْتُ لَهُ: مَاتَ ابْنُ الْحَجَّاجِ فَلَوْ رأَيت جَزَعَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ محجَّر "الْبَيْتَ.
وحَجَّارٌ، بِالتَّشْدِيدِ: اسْمُ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ.
ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ سَمَّوْا حُجْرًا وحَجْرًا وحَجَّارًا وحَجَرًا وحُجَيْرًا.
الْجَوْهَرِيُّ: حَجَرٌ اسْمُ رَجُلٍ، وَمِنْهُ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ الشَّاعِرُ؛ وحُجْرٌ: اسْمُ رَجُلٍ وَهُوَ حُجْرٌ الكِنْديُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ آكِلُ المُرَارِ؛ وحُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الأَدْبَرُ، وَيَجُوزُ حُجُرٌ مِثْلُ عُسْر وعُسُر؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
مَنْ يَغُرُّ الدَّهْرُ أَو يأْمَنُهُ ***مِنْ قَتيلٍ، بَعْدَ عَمْرٍو وحُجُرْ؟
يَعْنِي حُجُرَ بْنَ النُّعْمَانِ بن الْحَرْثَ بْنُ أَبي شَمِرٍ الغَسَّاني.
والأَحجار: بُطُونٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: سُمُّوا بِذَلِكَ لأَن أَسماءهم جَنْدَلٌ وجَرْوَلٌ وصَخْر؛ وإِياهم عَنَى الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ: " وكُلّ أُنثى حَمَلَتْ أَحْجارا "يَعْنِي أُمه، وَقِيلَ: هِيَ الْمَنْجَنِيقُ.
وحَجُورٌ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
لَوْ كنتَ تَدْري مَا بِرمْلِ مُقَيِّدٍ، ***فَقُرى عُمانَ إِلى ذَوات حَجُورِ؟
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ يَلْقَى جِبْرِيلَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، بأَحجار المِرَاءِ»؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ قُبَاءٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْفِتَنِ: «عِنْدَ أَحجار الزَّيْتِ: هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ».
وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ: مَطْمُوسُ الْعَيْنِ لَيْسَتْ بِنَاتِئَةٍ وَلَا حَجْراءَ "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْهَرَوِيُّ إِن كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً فَمَعْنَاهَا لَيْسَتْ بصُلْبَة مُتَحَجِّرَةٍ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَتْ جَحْراءَ، بِتَقْدِيمِ" الْجِيمِ،، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
والحَنْجَرَةُ والحُنْجُور: الحُلْقُوم، بزيادة النون.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
54-لسان العرب (هجر)
هجر: الهَجْرُ: ضِدُّ الْوَصْلِ.هَجَره يَهْجُرُه هَجْرًا وهِجْرانًا: صَرَمَه، وَهُمَا يَهْتَجِرانِ ويَتَهاجَرانِ، وَالْاسْمُ الهِجْرَةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ ثلاثٍ»؛ يُرِيدُ بِهِ الهَجْر ضدَّ الوصلِ، يَعْنِي فِيمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَتْبٍ ومَوْجِدَةٍ أَو تَقْصِيرٍ يَقَعُ فِي حُقُوقِ العِشْرَة والصُّحْبَةِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الدِّين، فإِن هِجْرَة أَهل الأَهواء وَالْبِدَعِ دَائِمَةٌ عَلَى مَرِّ الأَوقات مَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمُ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلى الْحَقِّ، فإِنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا خَافَ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وأَصحابه النِّفَاقَ حِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمر بِهِجْرانهم خَمْسِينَ يَوْمًا، وَقَدْ هَجَر نِسَاءَهُ شَهْرًا، وَهَجَرَتْ عَائِشَةُ ابنَ الزُّبَيْرِ مُدَّةً، وهَجَر جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةً مِنْهُمْ وَمَاتُوا مُتَهَاجِرِينَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَعَلَّ أَحد الأَمرين مَنْسُوخٌ بِالْآخَرِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ إِلا مُهاجِرًا»؛ يُرِيدُ هِجْرانَ الْقَلْبِ وتَرْكَ الإِخلاص فِي الذِّكْرِ فكأَنَّ قَلْبَهُ مُهَاجِرٌ لِلِسَانِهِ غَيْرَ مُواصِلٍ لَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ إِلا هَجْرًا "؛ يُرِيدُ التَّرْكَ لَهُ والإِعراض عَنْهُ.
يُقَالُ: هَجَرْتُ الشَّيْءَ هَجْرًا إِذا تَرَكْتُهُ وأَغفلته؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ: " وَلَا يَسْمَعُونَ الْقَوْلَ إِلا هُجْرًا، بِالضَّمِّ، وَقَالَ: هُوَ الْخَنَا وَالْقَبِيحُ مِنَ الْقَوْلِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا غَلَطٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالْمَعْنَى، فإِن الصَّحِيحَ مِنَ الرِّوَايَةِ وَلَا يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ "، وَمَنْ رَوَاهُ الْقَوْلَ فإِنما أَراد بِهِ الْقُرْآنَ، فَتَوَهَّمَ أَنه أَراد بِهِ قَوْلَ النَّاسِ، والقرآنُ الْعَزِيزُ مُبَرَّأٌ عَنِ الخنا والقبيح من القول.
وهَجَر فُلَانٌ الشِّرْك هَجْرًا وهِجْرانًا وهِجْرَةً حَسَنَةً؛ حَكَاهُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
والهِجْرَةُ والهُجْرَةُ: الْخُرُوجُ مِنْ أَرض إِلى أَرض.
والمُهاجِرُونَ: الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ.
وتَهَجَّرَ فُلَانٌ أَي تَشَبَّهَ بِالْمُهَاجِرِينَ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هاجِرُوا وَلَا تَهَجَّروا "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَقُولُ أَخْلِصُوا الهِجْرَةَ لله وَلَا تَشَبَّهُوا بالمهاجِرِينَ عَلَى غَيْرِ صِحَّةٍ مِنْكُمْ، فَهَذَا هُوَ التَّهَجُّر، وَهُوَ كَقَوْلِكَ فُلَانٌ يَتَحَلَّم وَلَيْسَ بِحَلِيمٍ ويَتَشَجَّع أَي أَنه يُظْهِرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ.
قَالَ الأَزهري: وأَصل المُهاجَرَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ خروجُ البَدَوِيّ مِنْ بَادِيَتِهِ إِلى المُدنِ؛ يُقَالُ: هاجَرَ الرجلُ إِذا فَعَلَ ذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ كَلُّ مُخْلٍ بِمَسْكَنِه مُنْتَقِلٍ إِلى قَوْمٍ آخَرِينَ بِسُكناهُ، فَقَدْ هاجَرَ قومَه.
وَسُمِّيَ الْمُهَاجِرُونَ مُهَاجِرِينَ لأَنهم تَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمُ التي نَشَؤُوا بِهَا لِلَّهِ، ولَحِقُوا بِدَارٍ لَيْسَ لَهُمْ بِهَا أَهل وَلَا مَالٌ حِينَ هَاجَرُوا إِلى الْمَدِينَةِ؛ فَكُلُّ مَنْ فَارَقَ بَلَدَهُ مِنْ بَدَوِيٍّ أَو حَضَرِيٍّ أَو سَكَنَ بَلَدًا آخَرَ، فَهُوَ مُهاجِرٌ، وَالْاسْمُ مِنْهُ الهِجْرة.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}.
وَكُلُّ مَنْ أَقام من البوادي بِمَنادِيهم ومَحاضِرِهم فِي القَيْظِ وَلَمْ يَلْحَقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتَحَوَّلُوا إِلى أَمصار الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أُحدثت فِي الإِسلام وإِن كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَهُمْ غَيْرُ مُهَاجِرِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الفَيْءِ نَصِيبٌ ويُسَمَّوْنَ الأَعراب.
الْجَوْهَرِيُّ: الهِجْرَتانِ هِجْرَةٌ إِلى الْحَبَشَةِ وَهِجْرَةٌ إِلى الْمَدِينَةِ.
والمُهاجَرَةُ مِنْ أَرض إِلى أَرض: تَرْكُ الأُولى لِلثَّانِيَةِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ: إِحداهما الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهَا الجنةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، فَكَانَ الرَّجُلُ يأْتي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويَدَعُ أَهله وَمَالَهُ وَلَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِهِ إِلى مُهاجَرِه، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ أَن يَمُوتَ الرَّجُلُ بالأَرض الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ: لَكِنِ البائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، يَرْثي لَهُ أَن ماتَ بِمَكَّةَ، وَقَالَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ: اللَّهُمَّ لَا تجْعَلْ مَنايانا بِهَا "؛ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ صَارَتْ دَارَ إِسلام كَالْمَدِينَةِ وَانْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ؛ وَالْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الأَعراب وَغَزَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَفْعَلْ كَمَا فَعَلَ أَصحاب الْهِجْرَةِ الأُولى، فَهُوَ مُهَاجِرٌ، وَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي فَضْلِ مَنْ هَاجَرَ تِلْكَ الْهِجْرَةَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وإِذا أَطلق ذِكْرُ الْهِجْرَتَيْنِ فإِنما يُرَادُ بِهِمَا هِجْرَةُ الْحَبَشَةِ وَهِجْرَةُ الْمَدِينَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «سَيَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَة، فَخِيَارُ أَهل الأَرض أَلْزَمُهُمْ مُهاجَرَ إِبراهيمَ»؛ " المُهاجَرُ، بِفَتْحِ الْجِيمِ: مَوْضِعُ المُهاجَرَةِ، وَيُرِيدُ بِهِ الشَّامُ لأَن إِبراهيم، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا خَرَجَ مِنْ أَرض الْعِرَاقِ مَضَى إِلى الشَّامِ وأَقام بِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جهادٌ ونِيَّةٌ».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الهِجْرة فِي الأَصل الْاسْمُ مِنَ الهَجْرِ ضدِّ الوصلِ، وَقَدْ هاجَرَ مُهاجَرَةً، والتَّهاجُرُ التَّقاطُعُ، والهِجِرُّ المُهاجَرَةُ إِلى القُرَى؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد:
شَمْطاءُ جاءتْ مِنْ بِلادِ الحَرِّ، ***قَدْ تَرَكَتْ حَيَّهْ وَقَالَتْ: حَرِّ
ثُمَّ أَمالتْ جانِبَ الخِمِرِّ، ***عَمْدًا عَلَى جانِبِها الأَيْسَرِّ،
تَحْسَبُ أَنَّا قُرُبَ الهِجِرِّ "وهَجَرَ الشيءَ وأَهْجَرَه.
تَرَكَهُ؛ الأَخيرة هُذَلْيِّةٌ؛ قَالَ أُسامة:
كأَني أُصادِيها عَلَى غُبْرِ مانِعٍ ***مُقَلَّصَةً، قَدْ أَهْجَرَتْها فُحُولُها
وهَجَر الرجلُ هَجْرًا إِذا تَبَاعَدَ ونَأَى.
اللِّيْثُ: الهَجْرُ مِنَ الهِجْرانِ، وَهُوَ تَرْكُ مَا يَلْزَمُكَ تَعَاهُدُهُ.
وهَجَر فِي الصَّوْمِ يَهْجُرُ هِجْرانًا: اعْتَزَلَ فِيهِ النِّكَاحَ.
وَلَقِيتُهُ عَنْ هَجْرٍ أَي بَعْدَ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ؛ وَقِيلَ: الهَجْر السَّنَةُ فَصَاعِدًا، وَقِيلَ: بَعْدَ سِتَّةِ أَيام فَصَاعِدًا، وَقِيلَ: الهَجْرُ المَغِيب أَيًّا كَانَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
لمَّا أَتاهمْ، بَعْدَ طُولِ هَجْرِه، ***يَسْعَى غُلامُ أَهْلِه بِبِشْرِه
بِبِشْرِهِ أَي يُبَشِّرُهُمْ بِهِ.
أَبو زَيْدٍ: لَقِيتُ فُلَانًا عَنْ عُفْرٍ: بَعْدَ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَعَنْ هَجْرٍ: بَعْدَ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ.
وَيُقَالُ لِلنَّخْلَةِ الطَّوِيلَةِ: ذَهَبَتِ الشَّجَرَةُ هَجْرًا أَي طُولًا وعِظمًا.
وَهَذَا أَهْجَرُ مِنْ هَذَا أَي أَطول مِنْهُ وأَعظم.
وَنَخْلَةٌ مُهْجِرٌ ومُهْجِرَةٌ: طَوِيلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ المُفْرِطَةُ الطُّولِ والعِظَم.
وَنَاقَةٌ مُهْجِرَةٌ: فَائِقَةٌ فِي الشَّحْمِ والسَّيْرِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: فَائِقَةٌ فِي الشَّحْمِ والسِّمَنِ.
وَبَعِيرٌ مُهْجِرٌ: وَهُوَ الَّذِي يَتَناعَتُه النَّاسُ ويَهْجُرون بِذِكْرِهِ أَي يَنْتَعِتُونه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَرَكْرَكٌ مُهْجِرُ الضُّوبانِ أَوَّمَه ***رَوْضُ القِذافِ رَبيعًا أَيَّ تَأْوِيمِ
قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ أَفْرَطَ فِي طُولٍ أَو تَمَامٍ وحُسْنٍ: إِنه لمُهْجِرٌ.
وَنَخْلَةٌ مُهْجِرَةٌ إِذا أَفْرَطَتْ فِي الطُّولِ؛ وأَنشد:
يُعْلى بأَعلى السَّحْق مِنْهَا ***غِشَاشُ الهُدْهُدِ القُراقر
قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ فِي نَعْتِ كُلِّ شَيْءٍ جَاوَزَ حَدَّه فِي التَّمَامِ: مُهْجِرٌ.
وَنَاقَةٌ مُهْجِرَةٌ إِذا وُصِفَتْ بِنَجابَةٍ أَو حُسْنٍ.
الأَزهري: وَنَاقَةٌ هاجِرَة فَائِقَةٌ؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
تُبارِي بأَجْيادِ العَقِيقِ، غُدَيَّةً، ***عَلَى هاجِراتٍ حانَ مِنْهَا نُزولُها
والمُهْجِرُ: النَّجِيبُ الحَسَنُ الْجَمِيلُ يَتَناعَتُه الناسُ ويَهْجُرون بِذِكْرِهِ أَي يتناعَتُونه.
وَجَارِيَةٌ مُهْجِرَةٌ إِذا وُصِفَتْ بالفَراهَةِ والحُسْنِ، وإِنما قِيلَ ذَلِكَ لأَن وَاصِفَهَا يَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الْمُقَارِبِ الشَّكْلِ لِلْمَوْصُوفِ إِلى صِفَةٍ كأَنه يَهْجُر فِيهَا أَي يَهْذِي.
الأَزهري: والهُجَيرة تَصْغِيرُ الهَجْرة، وَهِيَ السَّمِينَةُ التَّامَّةُ.
وأَهْجَرَتِ الجاريةُ: شَبَّتْ شَبَابًا حَسَنًا.
والمُهْجِر: الْجَيِّدُ الْجَمِيلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: الْفَائِقُ الْفَاضِلُ "عَلَى غَيْرِهِ؛ قَالَ: " لَمَّا دَنا مِنْ ذاتِ حُسْنٍ مُهْجِر "والهَجِيرُ: كالمُهْجِرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" الأَعرابية لِمُعَاوِيَةَ حِينَ قَالَ لَهَا: هَلْ مِنْ غَدَاء؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، خُبْزٌ خَمِير ولَبَنٌ هَجِير وماءٌ نَمِير "أَي فَائِقٌ فَاضِلٌ.
وجَمَلٌ هَجْر وكبشٌ هَجْر: حَسَنٌ كَرِيمٌ.
وَهَذَا الْمَكَانُ أَهْجَر مِنْ هَذَا أَي أَحسن؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ؛ وأَنشد: " تَبَدَّلْتُ دَارًا مِنْ دِيارِكِ أَهْجَرَا "قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِفِعْلٍ فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنْ بَابِ أَحنك الشَّاتَيْنِ وأَحنك الْبَعِيرَيْنِ.
وَهَذَا أَهْجَرُ مِنْ هَذَا أَي أَكرم، يُقَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ وَيُنْشَدُ: " وَمَاءُ يَمانٍ دُونَهُ طَلَقٌ هَجْرُ "يَقُولُ: طَلَقٌ لَا طَلَقَ مِثْلُهُ.
والهَاجِرُ: الجَيِّدُ الحَسَنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
والهُجْرُ: الْقَبِيحُ مِنَ الْكَلَامِ، وَقَدْ أَهْجَرَ فِي مَنْطِقِهِ إِهْجارًا وهُجْرًا؛ عَنْ كُرَاعٍ وَاللِّحْيَانِيِّ، وَالصَّحِيحُ أَن الهُجْر، بِالضَّمِّ، الْاسْمُ مِنَ الإِهْجار وأَن الإِهْجارَ الْمَصْدَرُ.
وأَهْجَرَ بِهِ إِهْجارًا: استهزأَ بِهِ وَقَالَ فِيهِ قَوْلًا قَبِيحًا.
وَقَالَ: هَجْرًا وبَجْرًا وهُجْرًا وبُجْرًا، إِذا فُتِحَ فَهُوَ مَصْدَرٌ، وإِذا ضُمَّ فَهُوَ اسْمٌ.
وَتَكَلَّمَ بالمَهاجِر أَي بالهُجْر، وَرَمَاهُ بِهاجِرات ومُهْجِرات، وَفِي التَّهْذِيبِ: بِمُهَجِّرات أَي فَضَائِحَ.
والهُجْرُ: الهَذيان.
والهُجْر، بِالضَّمِّ: الْاسْمُ مِنَ الإِهْجار، وَهُوَ الإِفحاش، وَكَذَلِكَ إِذا أَكثر الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي.
وهَجَرَ فِي نَوْمِهِ وَمَرَضِهِ يَهْجُرُ هَجْرًا وهِجِّيرَى وإِهْجِيرَى: هَذَى.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الهِجِّيرَى كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ السَّيِّءِ.
اللِّيْثُ: الهِجِّيرَى اسْمٌ مِنْ هَجَر إِذا هَذَى.
وهَجَر المريضُ يَهْجُر هَجْرًا، فَهُوَ هاجِرٌ، وهَجَرَ بِهِ فِي النَّوْمِ يَهْجُر هَجْرًا: حَلَمَ وهَذَى.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ} وتُهْجِرُون؛ فَتُهْجِرُون تَقُولُونَ الْقَبِيحَ، وتَهْجُرُونَ تَهْذُون.
الأَزهري قَالَ: الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ" لِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ تَقُولُونَ نَحْنُ أَهله، وإِذا كَانَ الليلُ سَمَرْتم وهَجَرْتُمُ النبيَّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، والقرآنَ، فَهَذَا مِنَ الهَجْر والرَّفْضِ، قال: وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: تُهْجِرُون "، مِنْ أَهْجَرْتُ، وَهَذَا مِنَ الهُجْر وَهُوَ الفُحْش، وَكَانُوا يسبُّون النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا خَلَوْا حولَ الْبَيْتِ لَيْلًا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وإِن قُرئَ تَهْجُرون، جُعِلَ مِنْ قَوْلِكَ هَجَرَ الرجلُ فِي مَنَامِهِ إِذا هَذَى، أَي أَنكم تَقُولُونَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَمَا لَا يَضُرُّهُ فَهُوَ كالهَذيان.
وَرُوِيَ عَنْ" أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: إِذا طُفْتُمْ بِالْبَيْتِ فَلَا تَلْغُوا وَلَا تهْجُروا "، يُرْوَى بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ، مِنَ الهُجْر الفُحْش وَالتَّخْلِيطِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ وَلَا تَهْذُوا، وَهُوَ مِثْلُ كَلَامِ الْمَحْمُومِ والمُبَرْسَمِ.
يُقَالُ: هَجَر يَهْجُر هَجْرًا، وَالْكَلَامُ مَهْجُور، وَقَدْ هَجَر المريضُ.
وَرُوِيَ عَنْ إِبراهيم أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}، قَالَ: قَالُوا فِيهِ غَيْرَ الْحَقِّ، أَلم ترَ إِلى الْمَرِيضِ إِذا هَجَرَ قَالَ غَيْرَ الْحَقِّ؟ وَعَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوُهُ.
وأَما قَوْلُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِني كُنْتُ نَهَيْتُكم عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا "، فإِنَّ أَبا عُبَيْدٍ ذَكَرَ عَنِ الْكِسَائِيِّ والأَصمعي أَنهما قَالَا: الهُجْرُ الإِفحاش فِي الْمَنْطِقِ وَالْخَنَا، وَهُوَ بِالضَّمِّ، مِنَ الإِهْجار، يُقَالُ مِنْهُ: يُهْجِرُ؛ كَمَا قَالَ الشَّمَّاخُ:
كماجِدَةِ الأَعْراقِ قَالَ ابنُ ضَرَّةٍ ***عَلَيْهَا كَلَامًا، جارَ فِيهِ وأَهْجَرا
وَكَذَلِكَ إِذا أَكثر الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: «لَا تَقُولُوا فُحْشًا».
هَجَر يَهْجُر هَجْرًا، بِالْفَتْحِ، إِذا خَلَّطَ فِي كَلَامِهِ وإِذا هَذَى.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْتِ عِنْدَ أَكثر الرُّوَاةِ: مُبَرَّأَة الأَخلاق عِوَضًا مِنْ قَوْلِهِ: كَمَاجِدَةِ الأَعراق، وَهُوَ صِفَةٌ لِمَخْفُوضٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ:
كأَنَّ ذِرَاعَيْهَا ذِراعَا مُدِلَّةٍ، ***بُعَيْدَ السِّبابِ، حاوَلَتْ أَن تَعَذَّرا
يَقُولُ: كأَنّ ذِرَاعَيْ هَذِهِ النَّاقَةِ فِي حُسْنِهِمَا وَحُسْنِ حَرَكَتِهِمَا ذِرَاعَا امرأَة مُدِلَّة بِحُسْنِ ذِرَاعَيْهَا أَظهرتهما بَعْدَ السِّبَابِ لِمَنْ قَالَ فِيهَا مِنَ الْعَيْبِ مَا لَيْسَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ ضَرَّتِهَا، وَمَعْنَى تعَذَّر أَي تَعتذر مِنْ سوءِ مَا رُمِيَتْ بِهِ؛ قَالَ: ورأَيت فِي الْحَاشِيَةِ بَيْتًا جُمِعَ فِيهِ هُجْر عَلَى هواجِر، وَهُوَ مِنَ الْجُمُوعِ الشَّاذَّةِ عَنِ الْقِيَاسِ كأَنه جَمْعُ هاجِرَةٍ، وَهُوَ:
وإِنَّكَ يَا عامِ بنَ فارِس قُرْزُلٍ ***مُعِيدٌ عَلَى قِيل الْخَنَا والهَواجِرِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْبَيْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الخُرْشُبِ الأَنماري يُخَاطِبُ عَامِرَ بْنَ طُفَيْلٍ.
وقُرْزُلُ: اسْمُ فَرَسٍ لِلطُّفَيْلِ.
وَالْمُعِيدُ: الَّذِي يُعَاوِدُ الشيءَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّي يَذْهَبُ إِلى أَن الْهَوَاجِرَ جَمْعُ هُجْر كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ، وَيَرَى [أَنه مِنَ الْجُمُوعِ الشَّاذَّةِ كأَنَّ وَاحِدَهَا هَاجِرَةٌ]، كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ حَاجَةٍ حَوَائِجَ، كأَنَّ وَاحِدَهَا حَائِجَةٌ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ فِي هَوَاجِرَ أَنها جَمْعُ هَاجِرَةٍ بِمَعْنَى الهُجْر، وَيَكُونُ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي جاءَت عَلَى فَاعِلَةٍ مِثْلَ الْعَاقِبَةِ وَالْكَاذِبَةِ وَالْعَافِيَةِ؛ قَالَ: وَشَاهَدَ هَاجِرَةً بِمَعْنَى الهُجْر قَوْلِ الشَّاعِرِ أَنشده الْمُفَضَّلُ:
إِذا مَا شئتَ نالَكَ هاجِراتِي، ***وَلَمْ أُعْمِلْ بِهِنَّ إِليك ساقِي
فَكَمَا جُمِعَ هاجِرَةٌ عَلَى هاجِرات جَمْعًا مُسَلَّمًا كَذَلِكَ تُجْمَعُ هَاجِرَةٌ عَلَى هَوَاجِرَ جَمْعًا مُكَسَّرًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالُوا مَا شَأْنُه أَهَجَرَ؟»أَي اخْتَلَفَ كَلَامُهُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ عَلَى سَبِيلِ الْاسْتِفْهَامِ، أَي هَلْ تَغَيَّرَ كَلَامُهُ وَاخْتَلَطَ لأَجل مَا بِهِ مِنَ الْمَرَضِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا أَحسن مَا يُقَالُ فِيهِ وَلَا يُجْعَلُ إِخبارًا فَيَكُونُ إِما مِنَ الفُحْشِ أَو الهَذَيانِ، قَالَ: والقائلُ كَانَ عُمَر وَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ.
وَمَا زَالَ ذَلِكَ هِجِّيراه وإِجْرِيَّاه وإِهْجِيراهُ وإِهْجِيراءَه، بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وهِجِّيره وأُهْجُورَتَهُ ودَأْبَه ودَيْدَنَهُ أَي دأْبه وشأْنه وَعَادَتَهُ.
وَمَا عِنْدَهُ غَناءُ ذَلِكَ وَلَا هَجْراؤُه بِمَعْنًى.
التَّهْذِيبُ: هِجِّيرَى الرَّجُلُ كَلَامُهُ ودأْبه وشأْنه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
رَمَى فأَخْطَأَ، والأَقدارُ غالِبةٌ ***فانْصَعْنَ، والويلُ هِجِّيراه والحَرَبُ
الْجَوْهَرِيُّ: الهِجِّير، مِثَالُ الفِسِّيق، الدَّأْبُ وَالْعَادَةُ، وَكَذَلِكَ الهِجِّيرى والإِهْجِيرَى.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا لَهُ هِجِّيرى غَيْرُهَا»؛ هِيَ الدَّأْبُ والعادةُ والدَّيْدَنُ.
والهَجِير والهَجِيرة والهَجْر والهاجِرَةُ: نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلى الْعَصْرِ، وَقِيلَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: إِنه شِدَّةُ الْحَرِّ؛ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وبَيْداءَ مِقْفارٍ، يكَادُ ارتِكاضُها ***بآلِ الضُّحى، والهَجْرُ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ
والتَّهْجِير والتَّهَجُّر والإِهْجارُ: السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الهَجِيرَ حِينَ تَدْحَضُ الشمسُ»؛ أَراد صَلَاةَ الهَجِير يَعْنِي الظُّهْرَ فَحَذَفَ الْمُضَافَ.
وَقَدْ هَجَّرَ النهارُ وهَجَّرَ" الراكبُ، فَهُوَ مُهَجِّرٌ.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو: «وَهَلْ مُهَجِّر»كَمَنْ قالَ؛ أي هَلْ مَنْ سَارَ فِي الْهَاجِرَةِ كَمَنْ أَقام فِي الْقَائِلَةِ.
وهَجَّرَ القومُ وأَهْجَرُوا وتَهَجَّرُوا: سَارُوا فِي الْهَاجِرَةِ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
بأَطْلاحِ مَيْسٍ قَدْ أَضَرَّ بِطِرْقِها ***تَهَجُّرُ رَكْبٍ، واعْتِسافُ خُرُوقِ
وَتَقُولُ مِنْهُ: هَجَّرَ النهارُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَدَعْ ذَا، وسَلِّ الهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ***ذَمُولٍ، إِذا صامَ النهارُ وهَجَّرا
وَتَقُولُ: أَتَيْنا أَهْلَنا مُهْجِرين كَمَا يقالُ مُوصِلين.
أَي فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ والأَصِيل.
الأَزهري عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ يَعْلَمُ الناسُ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إِليه.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ: المُهَجِّرُ إِلى الْجُمُعَةِ كالمُهْدي بَدَنَةً.
قَالَ الأَزهري: يَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلى أَن التَّهْجِيرَ فِي هَذِهِ الأَحاديث مِنَ المُهاجَرَة وَقْتَ الزَّوَالِ، قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ فِيهِ مَا رَوَى أَبو دَاوُدَ المَصاحِفي عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ أَنه قَالَ: التَّهجير إِلى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا التَّبْكِيرُ وَالْمُبَادَرَةُ إِلى كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْخَلِيلَ يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
يُقَالُ: هَجَّرَ يُهَجِّرُ تَهْجِيرًا، فَهُوَ مُهَجِّر، قَالَ الأَزهري: وَهَذَا صَحِيحٌ وَهِيَ لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنْ قَيْسٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ: " رَاحَ القَطِينُ بهَجْرٍ بَعْدَ ما ابْتَكَرُوا فَقَرَنَ الهَجْرَ بِالْابْتِكَارِ.
والرواحُ عِنْدَهُمُ: الذهابُ والمُضيُّ.
يُقَالُ: رَاحَ الْقَوْمُ أَي خَفُّوا ومَرُّوا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ.
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي التَّهْجِير لاسْتَبَقُوا إِليه "، أَراد التَّبْكِيرَ إِلى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ الْمُضِيُّ إِليها فِي أَوَّل أَوقاتها.
قَالَ الأَزهري: وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: هَجَّر الرَّجُلُ إِذا خَرَجَ بِالْهَاجِرَةِ، وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ.
وَيُقَالُ: أَتيته بالهَجِير وبالهَجْرِ؛ وأَنشد الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي فِي نَوَادِرِهِ قَالَ: قَالَ جِعْثِنَةُ بْنُ جَوَّاسٍ الرَّبَعِيّ فِي نَاقَتِهِ:
هلْ تَذْكُرين قَسَمِي ونَذْري، ***أَزْمانَ أَنت بِعَرُوضِ الجَفْرِ،
إِذ أَنتِ مِضْرارٌ جَوادُ الحُضْرِ، ***عَلَيَّ، إِن لَمْ تَنْهَضي بِوِقْري،
بأَربعين قُدِّرَتْ بِقَدْرِ، ***بِالْخَالِدِيِّ لَا بصاعِ حَجْرِ،
وتُصْبِحي أَيانِقًا فِي سَفْرِ، ***يُهَجِّرُونَ بَهَجِيرِ الفَجْرِ،
ثُمَّتَ تَمْشي لَيْلَهُمْ فَتَسْري، ***يَطْوُونَ أَعْراضَ الفِجاج الغُبْرِ،
طَيَّ أَخي التَّجْرِ بُرُودَ التَّجْرِ "قَالَ: المِضْرارُ الَّتِي تَنِدُّ وتَرْكَبُ شِقَّها مِنَ النَّشَاطِ.
قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُ يُهَجِّرُون بِهَجِيرِ الْفَجْرِ أَي يُبَكِّرُونَ بِوَقْتِ الْفَجْرِ.
وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ عَنِ النَّضْرِ أَنه قَالَ: الهاجِرَة إِنما تَكُونُ فِي الْقَيْظِ، وَهِيَ قَبْلَ الظُّهْرِ بِقَلِيلٍ وَبَعْدَهَا بِقَلِيلٍ؛ قَالَ: الظَّهِيرَةُ نِصْفُ النَّهَارِ فِي الْقَيْظِ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ بِحِيال رأْسك كأَنها لَا تُرِيدُ أَن تَبْرَحَ.
وَقَالَ اللِّيْثُ: أَهْجَرَ القومُ إِذا صَارُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وهَجَّرَ القومُ إِذا سَارُوا فِي وقته.
قال أَبو سيعد: الْهَاجِرَةُ مِنْ حِينَ نُزُولِ الشَّمْسِ، والهُوَيْجِرَةُ بَعْدَهَا بِقَلِيلٍ.
قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: الطَّعَامُ الَّذِي يؤْكل نِصْفَ النَّهَارِ الهَجُورِيُّ.
والهَجير: الْحَوْضُ الْعَظِيمُ؛ وأَنشد القَناني: " يَفْري الفَريَّ بالهَجِير الواسِع "وَجَمْعُهُ هُجُرٌ، وعَمَّ بِهِ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: الهَجِير الْحَوْضُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الْحَوْضُ المَبْنِيّ؛ قَالَتْ خَنْساء تَصِفُ فَرَسًا:
فَمَالَ فِي الشَّدِّ حثِيثًا، كَمَا ***مَالَ هَجِيرُ الرجُل الأَعْسَرِ
تَعْنِي بالأَعسر الَّذِي أَساء بِنَاءَ حَوْضِهِ فَمَالَ فَانْهَدَمَ؛ شَبَّهَتِ الْفَرَسَ حِينَ مَالَ فِي عَدْوِهِ وجَدَّ فِي حُضْرِه بِحَوْضٍ مُلِئَ فانْثَلَم فَسَالَ مَاؤُهُ.
والهَجِيرُ: مَا يَبِس مِنَ الحَمْضِ.
والهَجِيرُ: الْمَتْرُوكُ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والهَجِيرُ يَبِيسُ الحَمْضِ الَّذِي كَسَرَتْهُ الْمَاشِيَةُ وهُجِرَ أَي تُرِكَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَلَمْ يَبْقَ بالخَلْصاءِ، مِمَّا عَنَتْ بِهِ ***مِنَ الرُّطْبِ، إِلَّا يَبْسُها وهَجِيرُها
والهِجارُ: حَبْل يُعْقَدُ فِي يَدِ الْبَعِيرِ وَرِجْلِهِ فِي أَحد الشِّقَّيْنِ، وَرُبَّمَا عُقِدَ فِي وَظِيفِ اليَدِ ثُمَّ حُقِبَ بالطَّرَفِ الْآخَرِ؛ وَقِيلَ: الهِجارُ حَبْلٌ يُشد فِي رُسْغ رِجْلِهِ ثُمَّ يُشَدُّ إِلى حَقْوِه [حِقْوِه] إِن كَانَ عُرْيانًا، وإِن كَانَ مَرْحُولًا شُدَّ إِلى الحَقَبِ.
وهَجَرَ بعيرَه يَهْجُرُه هَجْرًا وهُجُورًا: شَدَّه بالهِجارِ.
الْجَوْهَرِيُّ: المَهْجُورُ الْفَحْلُ يُشَدُّ رأْسه إِلى رِجْلِهِ.
وَقَالَ اللِّيْثُ: تُشَدُّ يَدُ الْفَحْلِ إِلى إِحدى رِجْلَيْهِ، يُقَالُ فَحْلٌ مَهْجُورٌ؛ وأَنشد: " كأَنَّما شُدَّ هِجارًا شاكِلا "اللِّيْثُ: والهِجارُ مُخَالِفُ الشِّكالِ تُشَدُّ بِهِ يَدُ الْفَحْلِ إِلى إِحدى رِجْلَيْهِ؛ وَاسْتُشْهِدَ بِقَوْلِهِ: " كأَنما شُدّ هِجَارًا شَاكِلَا "قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ اللِّيْثُ فِي الهِجار مُقَارِبٌ لِمَا حَكَيْتُهُ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا وَهُوَ صَحِيحٌ، إِلا أَنه يُهْجَرُ بالهِجار الفَحْلُ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: قَالَ نُصَيْرٌ: هَجَرْتُ البَكْرَ إِذا رَبَطْتَ فِي ذِرَاعِهِ حَبْلًا إِلى حَقْوِهِ وقصَّرته لِئَلَّا يَقْدِرَ عَلَى العَدْوِ؛ قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ فِي الهِجار أَن يؤْخذ فَحْلٌ وَيُسَوَّى لَهُ عُرْوتانِ فِي طَرَفَيْهِ وزِرَّانِ ثُمَّ تُشَدَّ إِحدى الْعُرْوَتَيْنِ فِي رُسْغ رِجْلِ الْفَرَسِ وتُزَرَّ، وَكَذَلِكَ العُرْوَة الأُخرى فِي الْيَدِ وتُزَرَّ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: هَجِّرُوا خَيْلَكُمْ.
وَقَدْ هَجَّرَ فُلَانٌ فَرَسَهُ.
وَالْمَهْجُورُ: الْفَحْلُ يُشدّ رأْسه إِلى رِجْلِهِ.
وعَدَدٌ مُهْجِر: كَثِيرٌ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلَةَ: " هَذَّاكَ إِسحاق، وَقِبْصٌ مُهْجِرُ "الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ: ابْنُ السِّكِّيتِ التَّمَهْجُرُ التَّكَبُّر مَعَ الْغِنَى؛ وأَنشد:
تَمَهْجَرُوا، وأَيُّما تَمَهْجُرِ ***وَهُمْ بَنُو العَبْدِ اللَّئِيمِ العُنْصُرِ
والهاجِرِيُّ: البَنَّاءُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
كعَقْرِ الهاجِرِيِّ، إِذا بَناه ***بأَشْباهٍ حُذِينَ عَلَى مِثالِ
وهِجارُ الْقَوْسِ: وَتَرُها.
والهِجارُ: الوَتَرُ؛ قَالَ:
عَلَى كُلِّ ***مِنْ رُكُوضٍ لَهَا ***هِجارًا تُقاسِي طائِفًا مُتَعادِيا
وَالْهِجَارُ: خَاتَمٌ كَانَتْ تَتَّخِذُهُ الفُرْسُ غَرَضًا؛ قَالَ الأَغلب:
مَا إِنْ رَأَيْنا مَلِكًا أَغارَا، ***أَكْثَرَ مِنْهُ قِرَةً وقارَا،
وفارِسًا يَسْتَلِبُ الهِجَارَا "يَصِفُهُ بالحِذْق.
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِلْخَاتَمِ الهِجار وَالزِّينَةُ؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجُ:
وغِلْمَتي مِنْهُمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ، ***وآبِقٌ مِنْ جَذْبِ دَلْوَيْها هَجِرْ
فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: الهَجِر الَّذِي يَمْشِي مُثْقَلًا ضَعِيفًا متقارِبَ الخَطْوِ كأَنه قَدْ شُدَّ بهِجار لَا يَنْبَسِطُ مِمَّا بِهِ مِنَ الشَّرِّ وَالْبَلَاءِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ السَّقْيِ.
وهَجَرٌ: اسْمُ بَلَدٍ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ، وَفِي الْمُحْكَمِ: هَجَرٌ مَدِينَةٌ تُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: سَمِعْنَا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: كَجَالِبِ التَّمْرِ إِلى هَجَرٍ يَا فَتى، فَقَوْلُهُ يَا فَتَى مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِيِّ، وإِنما قَالَ يَا فَتَى لِئَلَّا يَقِفُ عَلَى التَّنْوِينِ وَذَلِكَ لأَنه لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَا فَتَى لَلَزِمَهُ أَن يقول كجالب التمر إِلى هَجَرْ، فَلَمْ يَكُنْ سِيبَوَيْهِ يَعْرِفُ مِنْ هَذَا أَنه مَصْرُوفٌ أَو غَيْرُ مَصْرُوفٍ.
الْجَوْهَرِيُّ: وَفِي الْمَثَلِ: كَمُبْضِع تَمْرٍ إِلى هَجَرَ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «عَجِبْتُ لتاجِر هَجَرَ وَرَاكِبِ الْبَحْرِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَجَرُ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بِالْبَحْرَيْنِ وإِنما خَصَّهَا لِكَثْرَةِ وَبَائِهَا؛ أي تَاجِرُهَا وَرَاكِبُ الْبَحْرِ سَوَاءٌ فِي الخَطَرِ، فأَما هَجَرُ الَّتِي يُنْسَبُ إِليها الْقِلَالُ الهَجَرِيَّة فَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْمَدِينَةِ، وَالنَّسَبُ إِلى هَجَرَ هَجَرِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ، وهاجِرِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ قَالَ:
ورُبَّتَ غارَةٍ أَوْضَعْتُ فِيهَا، ***كَسَحِّ الهاجِرِيِّ جَرِيمَ تمْرِ
وَمِنْهُ قِيلَ للبَنَّاءِ: هاجِرِيٌّ.
والهَجْرُ والهَجِيرُ: مَوْضِعَانِ.
وهاجَرُ: قَبِيلَةٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِذا تَرَكَتْ شُرْبَ الرَّثِيئَةِ هاجَرٌ ***وهَكَّ الخَلايا، لَمْ تَرِقَّ عُيُونُها
وَبَنُو هاجَرَ: بَطْنٌ مِنْ ضَبَّة.
غَيْرُهُ: هاجَرُ أَوَّلُ امرأَة جَرَّتْ ذَيْلَهَا وأَوّل مَنْ ثَقَبَتْ أُذنيها وأَوّل مَنْ خُفِضَ؛ قَالَ: وَذَلِكَ أَن سَارَةَ غَضِبَتْ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ أَن تَقْطَعَ ثَلَاثَةَ أَعضاء مِنْ أَعضائها، فأَمرها إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَن تَبَرَّ قَسَمَها بِثَقْبِ أُذنَيْها وخَفْضِها، فَصَارَتْ سُنَّةً في النساء.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
55-لسان العرب (تسع)
تسع: التِّسْع والتِّسعة مِنَ الْعَدَدِ: مَعْرُوفٌ تَجْرِي وُجُوهُهُ عَلَى التأْنيث وَالتَّذْكِيرِ تِسْعَةُ رِجَالٍ وَتِسْعُ نِسْوَةٍ.يُقَالُ: تِسْعُونَ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ وَتِسْعِينَ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ وَاللَّيْلَةُ التَّاسِعَةُ، وتِسعَ عَشرةَ مَفْتُوحَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لأَنهما اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فأُعْطِيا إِعرابًا وَاحِدًا غَيْرَ أَنك تَقُولُ تِسْعَ عَشرةَ امرأَةً وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، قَالَ اللَّهُ تعالى: {عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ} أَي تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا، وأَكثر الْقُرَّاءِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ قُرِئَ: تسعةَ عْشر، بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وإِنما أَسكنها مَن أَسكنها لِكَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ وَالتَّفْسِيرُ أَنَّ عَلَى سَقَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ ملَكًا، وقولُ الْعَرَبِ تسعةُ أَكثر مِنْ ثمانيةَ فَلَا تُصْرَفُ إِلا إِذا أَردت قَدْر العدَد لَا نَفْسَ الْمَعْدُودِ، فإِنما ذَلِكَ لأَنها تُصيِّر هَذَا اللفظَ عَلَمًا لِهَذَا الْمَعْنَى كَزوبَرَ مِنْ قَوْلِهِ: عُدَّتْ عَلِيَّ بِزَوْبَرا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
والتسعُ فِي الْمُؤَنَّثِ كَالتِّسْعَةِ فِي الْمُذَكَّرِ.
وتَسَعَهم يَتْسَعُهم، بِفَتْحِ السِّينِ: صَارَ تَاسِعَهُمْ.
وتَسَعَهم: كَانُوا ثَمَانِيَةً فأَتَّمَّهم تسْعة.
وأَتْسَعُوا: كَانُوا ثَمَانِيَةً فَصَارُوا تِسْعَةً.
وَيُقَالُ: هُوَ تاسعُ تسعةٍ وتاسعٌ ثَمَانِيَةً وتاسعُ ثمانيةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُقَالَ هُوَ تاسعٌ تِسْعَةً وَلَا رابعٌ أَربعةً إِنما يُقَالُ رابعُ أَربعةٍ عَلَى الإِضافة، وَلَكِنَّكَ تَقُولُ رابعٌ ثَلَاثَةً، هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الحُذّاق.
والتاسُوعاء: الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَقِيلَ هُوَ يَوْمَ العاشُوراء، وأَظنه مُولَّدًا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنّ التَّاسِعَ»يَعْنِي عاشُوراء، كأَنه تأَوّل فِيهِ عِشْرَ الوِرْد أَنها تِسْعَةُ أَيام، وَالْعَرَبُ تَقُولُ ورَدت الْمَاءَ عِشْرًا، يَعْنُونَ يَوْمَ التَّاسِعِ وَمِنْ هاهنا قَالُوا عِشْرِينَ، وَلَمْ يَقُولُوا عِشْرَيْن لأَنهما عِشْرَانِ وبعضُ الثَّالِثِ فجُمع فَقِيلَ عِشْرِين، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا أَحسبهم سَمُّوا عَاشُورَاءَ تَاسُوعَاءَ إِلا عَلَى الأَظْماء نَحْوَ الْعِشْرِ لأَن الإِبل تَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَكَذَلِكَ الخِمْس تَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنما قَالَ ذَلِكَ كَرَاهَةً لِمُوَافَقَةِ الْيَهُودِ فإِنهم كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ الْعَاشِرُ، فأَراد أَن يُخَالِفَهُمْ وَيَصُومَ التَّاسِعَ، قَالَ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكر الأَزهري مِنْ أَنه عَنَى عَاشُورَاءَ كأَنه تأَوّل فِيهِ عِشْر وِرْد الإِبل لأَنه قَدْ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ، ثُمَّ قَالَ: إِن بَقِيت إِلى قَابِلٍ لأَصُومنّ تَاسُوعَاءَ، فَكَيْفَ يَعِدُ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَدْ كَانَ يَصُومُهُ؟ وَالتِّسْعُ مِنْ أَظْماء الإِبل: أَن تَرِد إِلى تِسْعَةِ أَيام، والإِبلُ تَواسِعُ.
وَأَتْسَعَ الْقَوْمُ فَهُمْ مُتسِعون إِذا وَرَدَتْ إِبلهم لِتِسْعَةِ أَيام وَثَمَانِي لَيَالٍ.
وحبْلٌ مَتْسُوع: عَلَى تِسْع قُوىً.
والثَّلاثُ التُّسَعُ مِثَالُ الصُّرَدِ: اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ مِنَ الشَّهْرِ، وَهِيَ بَعْدُ النُّفَل لأَن آخِرَ لَيْلَةٍ مِنْهَا هِيَ التَّاسِعَةُ، وَقِيلَ: هِيَ اللَّيَالِي الثَّلَاثُ مِنْ أَوّل الشَّهْرِ، والأَوّل أَقْيَسُ.
قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ فِي لَيَالِي الشَّهْرِ ثَلَاثٌ غُرَرٌ وَبَعْدَهَا ثَلَاثٌ نُفَلٌ وَبَعْدَهَا ثَلَاثٌ تُسَعٌ، سُمِّينَ تُسعًا لأَن آخِرَتَهُنَّ اللَّيْلَةُ التَّاسِعَةُ كَمَا قِيلَ لِلثَّلَاثِ بَعْدَهَا: ثَلَاثٌ عُشَر لأَن بادِئتَها اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ.
والعَشِيرُ والتَّسِيعُ: بِمَعْنَى العُشْر والتُّسْع.
والتُّسْعُ، بِالضَّمِّ، والتَّسِيعُ: جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ يطَّرِد فِي جَمِيعِ هَذِهِ الكسورِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ قَالَ شَمِرٌ: وَلَمْ أَسمع تَسِيعًا إِلا لأَبي زَيْدٍ.
وتَسَعَ المالَ يَتْسَعُه: أَخذ تُسْعه.
وتَسَعَ القومَ، بِفَتْحِ السِّينِ أَيضًا، يَتْسَعُهم: أَخذ تُسْع أَموالهم.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ}؛ قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إِنها أَخْذُ آلِ فِرعون بالسِّنِينَ، وَهُوَ الجَدْب، حَتَّى ذَهَبَتْ ثِمارُهم وَذَهَبَ مِنْ أَهل الْبَوَادِي مَواشِيهم، وَمِنْهَا إِخراج مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ يدَه بَيْضَاءَ لِلنَّاظِرِينَ، وَمِنْهَا إِلقاؤه عَصَاهُ فإِذا هِيَ ثُعبان مُبِينٌ، وَمِنْهَا إِرسال اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الطُّوفان والجَراد والقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ وانْفِلاقُ الْبَحْرِ وَمِنْ آيَاتِهِ انْفِجَارُ الْحَجَرِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: رَجُلٌ مُتَّسِع وَهُوَ المُنْكَمِشُ الْمَاضِي فِي أَمره؛ قَالَ الأَزهري: وَلَا أَعرف مَا قَالَ إِلا أَن يَكُونَ مُفْتَعِلًا مِنَ السَّعةِ، وإِذا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
قَالَ: وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّيْثِ مِسْتَعٌ، وَهُوَ المُنْكَمِشُ الْمَاضِي فِي أَمره، وَيُقَالُ مِسْدَعٌ لُغَةٌ، قَالَ: وَرَجُلٌ مِسْتَعٌ أَي سريع.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
56-لسان العرب (بهم)
بهم: البَهِيمةُ: كلُّ ذاتِ أَربَعِ قَوائم مِنْ دَوابّ البرِّ وَالْمَاءِ، وَالْجَمْعُ بَهائم.والبَهْمةُ: الصغيرُ مِنْ أَولاد الغَنَم الضأْن والمَعَز والبَقَر مِنَ الْوَحْشِ وَغَيْرِهَا، الذكَرُ والأُنْثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وقل: هُوَ بَهْمةٌ إِذا شبَّ، وَالْجَمْعُ بَهْمٌ وبَهَمٌ وبِهامٌ، وبِهاماتٌ جَمْعُ الجمعِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ فِي نَوادِره: البَهْمُ صِغارُ المعَز؛ وَبِهِ فسِّر قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَداني أَنْ أَزُورَك أَنَّ بَهْمي ***عَجايا كلُّها إِلَّا قَلِيلًا
أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لأَوْلاد الغنَم سَاعَةَ تَضَعها مِنَ الضأْن والمَعَز جَمِيعًا، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى، سَخْلة، وَجَمْعُهَا سِخال، ثُمَّ هِيَ البَهْمَة الذكَرُ والأُنْثى.
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُم يُبَهِّمون البَهْمَ إِذا حَرَمُوه عَنْ أُمَّهاتِه فَرَعَوْه وحدَه، وإِذا اجتَمَعَت البِهامُ والسِّخالُ قُلْتَ لَهَا جَمِيعًا بِهامٌ، قَالَ: وبَهِيمٌ هِيَ الإِبْهامُ للإِصْبَع.
قَالَ: وَلَا يُقَالُ البِهامُ، والأَبْهم كالأَعْجم.
واسْتُبْهِم عَلَيْهِ: اسْتُعْجِم فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ.
وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ: البَهْمةُ مُسْتَبْهِمَةٌ عَنِ الْكَلَامِ أَي مُنْغَلِق ذَلِكَ عَنْهَا.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ}؛ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا بَهِيمَةُ الْأَنْعامِلأَنَّ كلَّ حَيّ لَا يميِّز، فَهُوَ بَهِيمة لأَنه أُبْهِم عَنْ أَن يميِّز.
وَيُقَالُ: أُبْهِم عَنِ الْكَلَامِ.
وطريقٌ مُبْهَمٌ إِذا كَانَ خَفِيّا لَا يَسْتَبين.
وَيُقَالُ: ضرَبه فَوَقَعَ مُبْهَمًا أَي مَغْشيًّا عَلَيْهِ لَا يَنْطِق وَلَا يميِّز.
وَوَقَعَ فِي بُهْمةٍ لَا يتَّجه لَهَا أَي خُطَّة شَدِيدَةٍ.
واستَبْهَم عَلَيْهِمُ الأَمرُ: لَمْ يدْرُوا كَيْفَ يأْتون لَهُ.
واسْتَبْهَم عَلَيْهِ الأَمر أَي استَغْلَق، وتَبَهَّم أَيضًا إِذا أُرْتِجَ عَلَيْهِ؛ وَرَوَى ثَعْلَبٌ أَن ابْنَ الأَعرابي أَنشده:
أَعْيَيْتَني كلَّ العَياءِ، ***فَلَا أَغَرَّ وَلَا بَهِيم
قَالَ: يُضْرَب مَثَلًا للأَمر إِذا أَشكل لَمْ تَتَّضِحْ جِهَته "واستقامَتُه ومعرِفته؛ وأَنشد فِي مِثْلِهِ:
تَفَرَّقَتِ المَخاضُ عَلَى يسارٍ، ***فَمَا يَدْرِي أَيُخْثِرُ أَم يُذِيبُ
وأَمرٌ مُبْهَم: لَا مَأْتَى لَهُ.
واسْتَبْهَم الأَمْرُ إِذا اسْتَغْلَق، فَهُوَ مُسْتَبْهِم.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «كَانَ إِذا نَزَل بِهِ إحْدى المُبْهَمات كَشَفَها»؛ يُريدُ مَسْأَلَةً مُعضِلةً مُشْكِلة شاقَّة، سمِّيت مُبْهَمة لأَنها أُبْهِمت عَنِ الْبَيَانِ فَلَمْ يُجْعل عَلَيْهَا دَلِيلٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِما لَا يَنْطِق بَهِيمة.
وَفِي حَدِيثِ قُسّ: «تَجْلُو دُجُنَّاتِ».
الدَّياجي والبُهَم "؛ البُهَم: جَمْعُ بُهْمَة، بِالضَّمِّ، وَهِيَ مُشكلات الأُمور.
وَكَلَامٌ مُبْهَم: لَا يعرَف لَهُ وَجْه يُؤْتَى مِنْهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حَائِطٌ مُبْهَم إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ بابٌ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: أَبْهَمَ عَلَيَّ الأَمْرَ إِذا لَمْ يَجعل لَهُ وَجْهًا أَعرِفُه.
وإبْهامُ الأَمر: أَن يَشْتَبه فَلَا يعرَف وجهُه، وَقَدْ أَبْهَمه.
وَحَائِطٌ مُبْهَم: لَا بَابَ فِيهِ.
وبابٌ مُبْهَم: مُغلَق لَا يُهْتَدى لفتحِه إِذا أُغْلِق.
وأبْهَمْت البابَ: أَغلَقْته وسَدَدْته.
وليلٌ بَهيم: لَا ضَوء فِيهِ إِلى الصَّباح.
وَرُوِيَ" عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}، قَالَ: فِي تَوابيت مِنْ حديدٍ مُبْهَمةٍ عَلَيْهِمْ "؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: المُبْهَمة الَّتِي لَا أَقْفالَ عَلَيْهَا.
يُقَالُ: أَمرٌ مُبْهَم إِذا كَانَ مُلْتَبِسًا لَا يُعْرَف مَعْنَاهُ وَلَا بَابُهُ.
غَيْرُهُ: البَهْمُ جَمْعُ بَهْمَةٍ وَهِيَ أَولادُ الضأْن.
والبَهْمة: اسْمٌ لِلْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، والسِّخالُ أَولادُ المَعْزَى، فَإِذَا اجْتَمَعَ البهامُ والسِّخالُ قَلْتَ لَهُمَا جَمِيعًا بِهامٌ وبَهْمٌ أَيضًا؛ وأَنشد الأَصمعي:
لَوْ أَنَّني كنتُ، مِنْ عادٍ ومِن إِرَمٍ، ***غَذِيَّ بَهْمٍ ولُقْمانًا وَذَا جَدَنِ
لأَنَّ الغَذِيَّ السَّخلة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ لأَن الغَذِيَّ السَّخْلة وَهَم، قَالَ: وإِنما غَذِيُّ بَهْمٍ أَحدُ أَمْلاك حِمْير كَانَ يُغَذّى بلُحوم البَهْم، قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ سَلْمَى بْنِ رَبِيعَةَ الضَّبِّيِّ:
أَهلَك طَسْمًا، وبَعْدَهم ***غَذِيَّ بَهْمٍ وَذَا جَدَنِ
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنه عَطَفَ لُقْمانًا عَلَى غَذِيَّ بَهْمٍ، وَكَذَلِكَ فِي بَيْتِ سَلْمَى الضَّبِّيِّ، قَالَ: وَالْبَيْتُ الَّذِي أَنشده الأَصمعي لأَفْنون التَّغْلَبِيِّ؛ وَبَعْدَهُ:
لَمَا وَفَوْا بأَخِيهم مِنْ مُهَوّلةٍ ***أَخا السُّكون، وَلَا جَارُوا عَنِ السَّنَنِ
وَقَدْ جَعل لَبيد أَولادَ الْبَقَرِ بِهامًا بِقَوْلِهِ:
والعِينُ ساكنةٌ عَلَى أَطلائِها ***عُوذًا، تأَجَّل بالفَضاء بِهامُها
وَيُقَالُ: هُم يُبَهِّمُون البَهْمَ تَبْهِيمًا إِذا أَفرَدُوه عَنْ أُمَّهاته فَرَعَوْه وحْدَه.
الأَخفش: البُهْمَى لَا تُصْرَف.
وكلُّ ذِي أَربع مِنْ دوابِّ الْبَحْرِ وَالْبَرِّ يسمَّى بَهِيمة.
وَفِي حَدِيثِ الإِيمان والقَدَر: «وَتَرَى الحُفاةَ العُراة رِعاءَ الإِبل والبَهْم يَتطاوَلون فِي البُنْيان»؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَراد بِرِعاءِ الإِبِل والبَهْم الأَعْرابَ وأَصحابَ البَوادي الَّذِينَ يَنْتَجِعون مواقعَ الغَيْث وَلَا تَسْتَقِرُّ بِهِمُ الدَّارُ، يَعْنِي أَن الْبِلَادَ تفتَح" فَيَسْكُنُونَهَا ويَتطاوَلون فِي البُنْيان، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: رُعاة الإِبل البُهُم، "بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْهَاءِ، عَلَى نَعْتِ الرُّعاة وَهُمُ السُّودُ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: البُهُم، بِالضَّمِّ، جَمْعُ البَهِيم وَهُوَ الْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُعْرَف.
وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ: «أَنَّ بَهْمَةً مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يصلِّي، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: أَنه قَالَ لِلرَّاعِي مَا ولَّدت؟ قَالَ: بَهْمة، قَالَ: اذْبَحْ مكانَها شَاةً»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن البَهْمة اسْمٌ للأُنثى لأَنه إِنَّمَا سَأَلَهُ ليعلَم أذَكَرًا ولَّد أَمْ أُنْثى، وإلَّا فَقَدْ كَانَ يَعْلم أَنه إِنَّمَا ولَّد أَحدَهما.
والمُبْهَم والأَبْهَمُ: المُصْمَت؛ قَالَ: " فَهَزَمتْ ظَهْر السِّلامِ الأَبْهَم "أَي الَّذِي لَا صَدْع فِيهِ؛ وأَما قَوْلُهُ: " لكافرٍ تاهَ ضَلالًا أَبْهَمُه "فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَبْهَمُه قلبُه، قَالَ: وأَراه أَراد أَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ مُصْمَت لَا يَتَخَلَّله وعْظ وَلَا إنْذار.
والبُهْمةُ، بِالضَّمِّ الشُّجَاعُ، وَقِيلَ: هُوَ الْفَارِسُ الَّذِي لَا يُدْرَى مِنْ أَين يُؤتى لَهُ مِنْ شدَّة بأْسِه، وَالْجَمْعُ بُهَم؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: لَا يَدْرِي مُقاتِله مِنْ أَين يَدخل عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُمْ جَمَاعَةُ الفُرْسان، وَيُقَالُ لِلْجَيْشِ بُهْمةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ فارِس بُهْمةٍ وليثُ غابةٍ؛ قَالَ مُتَمِّم بْنُ نُوَيْرة:
وللِشرْب فابْكِي مالِكًا، ولِبُهْمةٍ ***شديدٍ نَواحِيها عَلَى مَن تَشَجَّعا
وهُم الكُماة، قِيلَ لَهُمْ بُهْمةٌ لأَنه لَا يُهْتَدى لِقِتالهم؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: البُهْمةُ السوادُ أَيضًا، وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: رَجُلٌ بُهْمَةٌ إِذا كَانَ لَا يُثْنَى عَنْ شَيْءٍ أَراده؛ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: البُهْمةُ فِي الأَصل مَصْدَرٌ وُصف بِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هُوَ فارسُ بُهْمةٍ كَمَا قَالَ تعالى: {وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فَجَاءَ عَلَى الأَصل ثُمَّ وَصَفَ بِهِ فَقِيلَ رَجُلٌ عَدْل، وَلَا فِعْل لَهُ، وَلَا يُوصف النساءُ بالبُهْمةِ.
والبَهِيمُ: مَا كَانَ لَونًا وَاحِدًا لَا يُخالِطه غَيْرُهُ سَوادًا كَانَ أَو بَيَاضًا، وَيُقَالُ للَّيالي الثَّلَاثِ الَّتِي لَا يَطْلُع فِيهَا الْقَمَرُ بُهَمٌ، وَهِيَ جَمْعُ بُهْمةٍ.
والمُبْهَم مِنَ المُحرَّمات: مَا لَا يحلُّ بوجْهٍ وَلَا سَبَبٍ كَتَحْرِيمِ الأُمِّ والأُخْت وَمَا أَشبَهه.
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}، وَلَمْ يُبَيّن أَدَخَل بِهَا الإِبنُ أَمْ لَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبْهِموا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ "؛ قَالَ الأَزهري: رأَيت كَثِيرًا مِنْ أَهل الْعِلْمِ يذهَبون بِهَذَا إِلى إِبهام الأَمر واستِبهامِه، وَهُوَ إشْكالُه وَهُوَ غلَطٌ.
قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ ذَوي الْمَعْرِفَةِ لَا يميِّزون بَيْنَ المُبْهَم وَغَيْرِ المُبْهَم تَمْيِيزًا مُقْنِعًا، قَالَ: وأَنا أُبيّنه بعَوْن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ}، هَذَا كُلُّهُ يُسمَّى التحريمَ المُبْهَم لأَنه لَا يحلُّ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَا سَبَبٍ مِنَ الأَسباب، كالبَهِيم مِنْ أَلوان الْخَيْلِ الَّذِي لَا شِيَةَ فِيهِ تُخالِف مُعْظم لونِه، قَالَ: ولمَّا" سئل ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَلَمْ يُبيِّن اللَّهُ الدُّخولَ بهنَّ أَجاب فَقَالَ: هَذَا مِنْ مُبْهَم التَّحْرِيمِ الَّذِي لَا وَجْهَ فِيهِ غَيْرُ التَّحْرِيمِ، سَوَاءٌ دَخَلْتم بِالنِّسَاءِ أَو لَمْ تَدْخُلوا بِهِنَّ، فأُمَّهات نِسائكم حُرِّمْنَ عَلَيْكُمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وأَما قَوْلُهُ: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فالرَّبائبُ هاهنا لسْنَ مِنَ المُبْهمات لأَنَّ لهنَّ وَجْهَيْنِ مُبيَّنَين أُحْلِلْن فِي أَحدِهما "وحُرِّمْن فِي الْآخَرِ، فَإِذَا دُخِل بأُمَّهات الرَّبائب حَرُمت الرَّبائبُ، وإِن لَمْ يُدخل بأُمَّهات الرَّبَائِبِ لَمْ يَحْرُمن، فَهَذَا تفسيرُ المُبْهَم الَّذِي أَراد ابنُ عَبَّاسٍ، فَافْهَمْهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنَ الأَزهري إِنَّمَا هُوَ للرَّبائب والأُمَّهات لَا للحَلائل، وَهُوَ فِي أَول الْحَدِيثِ إِنَّمَا جَعل سُؤَالَ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ الحَلائل لَا عَنِ الرَّبَائِبِ.
ولَونٌ بَهِيمٌ: لَا يُخالطه غيرُه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ»؛ وَقِيلَ: البَهِيمُ الأَسودُ.
والبَهِيمُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي لَا شِيةَ فِيهِ، الذكَر والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْجَمْعُ بُهُم مِثْلُ رغِيفٍ ورُغُف.
وَيُقَالُ: هَذَا فَرَسٌ جَوَادٌ وبَهِيمٌ وَهَذِهِ فُرْسٌ جَوَادٌ وبَهِيمٌ، بِغَيْرِ هاء، وَهُوَ الَّذِي لَا يُخالط لونَه شَيْءٌ سِوى مُعْظَم لونِه.
الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذَا فَرَسٌ بَهِيمٌ أَي مُصْمَتٌ.
وَفِي حديث" عياش ابن أَبي رَبِيعَةَ: والأَسود البَهيمُ كأَنه مِنْ ساسَمٍ كأَنه المُصْمَتُ.
الَّذِي لَا يُخالِطُ لونَه لَوْنٌ غيرُه.
والبَهيمُ مِنَ النِّعاج: السَّوْداءُ الَّتِي لَا بَيَاضَ فِيهَا، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ بُهْمٌ وبُهُمٌ فأَما قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «يُحْشَر الناسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا بُهْمًا»أَي لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، وَيُقَالُ: أَصِحَّاءَ؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو البُهْمُ وَاحِدُهَا بَهيم وَهُوَ الَّذِي لَا يخالِط لَونَه لونٌ سِواه مِنْ سَوادٍ كَانَ أَو غَيْرُهُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنه أَراد بِقَوْلِهِ بُهْمًا يقولُ: لَيْسَ فِيهِمْ شيءٌ مِنَ الأَعراض وَالْعَاهَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا مِنَ العَمى والعَوَر والعَرَج والجُذام والبَرَص وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنوف الأَمراض والبَلاءِ، وَلَكِنَّهَا أَجسادٌ مُبْهَمَة مُصَحَّحَة لِخُلود الأَبد، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِخُلود الأَبَدِ فِي الْجَنَّةِ أَو النَّارِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير فِي النِّهَايَةِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: الَّذِي ذَكَرَهُ الأَزهري وَغَيْرُهُ أَجْسادٌ مُصَحَّحة لخُلود الأَبد، وَقَوْلُ ابْنِ الأَثير فِي الْجَنَّةِ أَو فِي النَّارِ فِيهِ نَظَر، وَذَلِكَ أَن الْخُلُودَ فِي الْجَنَّةِ إِنَّمَا هُوَ للنَّعيم المحْضِ، فصحَّة أَجْسادِهم مِنْ أَجل التَّنَعُّم، وأَما الْخُلُودُ فِي النَّارِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْعَذَابِ والتأسُّف والحَسرة، وزيادةُ عذابِهم بِعَاهَاتِ الأَجسام أَتمُّ فِي عُقوبتهم، نسأَل اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ ذَلِكَ بِكَرَمِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُوي فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ: «قِيلَ وَمَا البُهْم؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَعراض الدُّنْيَا وَلَا مِنْ متاعِها»، قَالَ: وَهَذَا يُخَالِفُ الأَول مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.
وصَوْتٌ بَهِيم: لَا تَرْجيع فِيهِ.
والإِبْهامُ مِنَ الأَصابع: العُظْمى، مَعْرُوفَةٌ مُؤَنَّثَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ تَكُونُ فِي اليَدِ والقدَم، وَحَكَى اللِّحْيَانِي أَنها تذكَّر وتؤنَّثُ؛ قَالَ:
إِذا رأَوْني، أَطال اللَّهُ غَيْظَهُمُ، ***عَضُّوا مِنَ الغَيظِ أَطرافَ الأَباهيمِ
وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
فَقَدْ شَهدَت قَيْسٌ فَمَا كَانَ نَصْرُها ***قُتَيبةَ، إِلَّا عَضَّها بالأَباهِمِ
فإِنما أَراد الأَباهِيم غَيْرَ أَنه حُذِفَ لأَنَّ القصِيدةَ لَيْسَتْ مُرْدَفَة، وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
قَالَ الأَزهري: وَقِيلَ للإِصْبَع إِبْهامٌ لأَنها تُبْهِم الْكَفَّ أَي تُطْبِقُ عَلَيْهَا.
قَالَ: وبَهِيم هِيَ الإِبْهام للإِصبع، قَالَ: وَلَا يُقَالُ البِهامُ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الإِبْهام الإِصْبَع الكُبْرى الَّتِي تَلِي المُسَبِّحةَ، وَالْجَمْعُ الأَباهِيم، وَلَهَا مَفْصِلان.
الْجَوْهَرِيُّ: وبُهْمى نَبْت، وَفِي الْمُحْكَمِ: والبُهْمى نَبْت؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ خَيْرُ أَحْرار البُقُولِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَهِيَ تَنْبُت أَوَّل شَيْءٍ بارِضًا، وَحِينَ تُخْرِجُ مِنَ الأَرض تَنْبت كَمَا يَنْبُت الحَبُّ، ثُمَّ يبلُغبِهَا النَّبْت إِلى أَن تَصِيرَ مِثْلَ الحَبّ، وَيَخْرُجُ لَهَا إِذا يَبِسَتْ شَوْك مِثْلَ شَوْكِ السُّنْبُل، وإِذا وَقَع فِي أُنوف الغَنَم والإِبل أَنِفَت عَنْهُ حَتَّى يَنْزِعه الناسُ مِنْ أَفواهها وأُنوفِها، فإِذا عَظُمَت البُهْمى ويَبِسَتْ كَانَتْ كَلأً يَرْعاه النَّاسُ حَتَّى يُصِيبه المطَر مِنْ عامٍ مُقْبِل، ويَنْبت مِنْ تحتِه حبُّه الَّذِي سقَط مِنْ سُنْبُله؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: البُهْمى نَبْت تَجِد بِهِ الغنَم وَجْدًا شَدِيدًا مَا دَامَ أَخضر، فإِذا يَبِس هَرّ شَوْكُه وامتَنَع، وَيَقُولُونَ لِلْوَاحِدِ بُهْمى، وَالْجَمْعُ بُهْمى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: البُهْمى تَكُونُ وَاحِدَةً وَجَمْعًا وأَلفها لِلتَّأْنِيثِ؛ وَقَالَ قومٌ: أَلفها للإِلْحاق، وَالْوَاحِدَةُ بُهْماةٌ؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هَذَا لَا يُعَرَفُ وَلَا تَكُونُ أَلف فُعْلى، بِالضَّمِّ، لِغَيْرِ التَّأْنِيثِ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
رَعَتْ بارِضَ البُهْمى جَمِيمًا وبُسْرةً، ***وصَمْعاءَ حَتَّى آنَفَتْها نِصالُها
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: البُهْمى عُقْر الدارِ وعُقارُ الدارِ؛ يُريدون أَنه مِنْ خِيار المَرْتَع فِي جَناب الدَّار؛ وَقَالَ بَعْضُ الرُّواة: البُهْمى ترتفِع نَحْوَ الشِّبْر ونَباتُها أَلْطَف مِنْ نَبات البُرِّ، وَهِيَ أَنْجَعُ المَرْعَى فِي الحافرِ مَا لَمْ تُسْفِ، واحدتُها بُهْماة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قولُ أَهل اللُّغَةِ، وَعِنْدِي أَنّ مَن قَالَ بُهماةٌ فالأَلف مُلْحِقة لَهُ بِجُخْدَب، فإِذا نَزَعَ الْهَاءَ أَحال اعْتِقاده الأَول عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ الأَلف لِلتَّأْنِيثِ فِيمَا بَعْدُ فَيَجْعَلُهَا للإِلْحاق مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَيَجْعَلُهَا لِلتَّأْنِيثِ إِذا فَقَدَ الْهَاءَ.
وأَبْهَمَتِ الأَرض، فَهِيَ مبْهِمة: أَنْبَتَت البُهْمَى وكثُر بُهْماها، قَالَ: كَذَلِكَ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ وَهَذَا عَلَى النَّسَبِ.
وبَهَّم فُلَانٌ بِمَوْضِعِ كَذَا إِذا أَقام بِهِ وَلَمْ يَبْرَحْهُ.
وَالْبَهَائِمُ: اسْمُ أَرض، وَفِي التَّهْذِيبِ: البَهائم أَجْبُل بالحِمَى عَلَى لَون وَاحِدٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
بَكَى خَشْرَمٌ لمَّا رأَى ذَا مَعارِكٍ ***أَتى دُونَهُ، والهَضْبَ هَضْبَ البَهائِم
والأَسماءُ المُبْهَمة عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ: أَسماء الإِشارات نَحْوُ قَوْلِكَ هَذَا وَهَؤُلَاءِ وَذَاكَ وأُولئك، قَالَ الأَزهري: الحُروف المُبْهَمة الَّتِي لَا اشتقاقَ لَهَا وَلَا يُعْرف لَهَا أُصول مِثْلَ الَّذِي وَالَّذِينَ وَمَا ومَن وَعَنْ.
وَمَا أَشبهها، والله أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
57-لسان العرب (قرن)
قرن: القَرْنُ للثَّوْر وَغَيْرِهِ: الرَّوْقُ، وَالْجَمْعُ قُرون، لَا يكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَوْضِعُهُ مِنْ رأْس الإِنسان قَرْنٌ أَيضًا، وَجَمْعُهُ قُرون.وكَبْشٌ أَقْرَنُ: كَبِيرُ القَرْنَين، وَكَذَلِكَ التَّيْسُ، والأُنثى قَرْناء؛ والقَرَنُ مَصْدَرُ.
كَبْشٌ أَقْرَنُ بَيِّنُ القَرَن.
ورُمْح مَقْرُون: سِنانُه مِنْ قَرْن؛ وَذَلِكَ أَنهم رُبَّمَا جَعَلُوا أَسِنَّةَ رِمَاحِهِمْ مِنْ قُرُون الظِّبَاءِ وَالْبَقْرِ الْوَحْشِيِّ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وكنَّا إِذَا جَبَّارُ قومٍ أَرادنا ***بكَيْدٍ، حَمَلْناه عَلَى قَرْنِ أَعْفَرا
وَقَوْلُهُ:
ورامِحٍ قَدْ رَفَعْتُ هادِيَهُ ***مِنْ فوقِ رُمْحٍ، فظَلَّ مَقْرُونا
فَسَّرَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ.
والقَرْنُ: الذُّؤابة، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ ذُؤابة المرأَة وَضَفِيرَتَهَا، وَالْجَمْعُ قُرون.
وقَرْنا الجَرادةِ: شَعرتانِ فِي رأْسها.
وقَرْنُ الرجلِ: حَدُّ رأْسه وجانِبُه.
وقَرْنُ الأَكمة: رأْسها.
وقَرْنُ الْجَبَلِ: أَعلاه، وجمعها قِرانٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
ومِعْزًى هَدِيًا تَعْلُو ***قِرانَ الأَرضِ سُودانا
وَفِي حَدِيثِ قَيْلة: « فأَصابتْ ظُبَتُه طَائِفَةً مِنْ قُرونِ رأْسِيَهْ »أَي بعضَ نَوَاحِي رأْسي.
وحَيَّةٌ قَرْناءُ: لَهَا لَحْمَتَانِ فِي رأْسها كأَنهما قَرْنانِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الأَفاعي.
الأَصمعي: القَرْناء الْحَيَّةُ لأَن لَهَا قَرْنًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الصَّائِدَ وقُتْرتَه:
يُبايِتُه فِيهَا أَحَمُّ، كأَنه ***إباضُ قَلُوصٍ أَسْلَمَتْها حِبالُها
وقَرْناءُ يَدْعُو باسْمِها، وَهُوَ مُظْلِمٌ، ***لَهُ صَوْتُها: إرْنانُها وزَمالُها
يَقُولُ: يُبيِّنُ لِهَذَا الصَّائِدِ صَوْتُها أَنها أَفْعَى، ويُبَيِّنُ لَهُ مَشْيُها وَهُوَ زَمَالها أَنها أَفعى، وَهُوَ مُظْلِمٌ يَعْنِي الصَّائِدَ أَنه فِي ظُلْمَةِ القُتْرَة؛ وَذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عرزل للأَعشى:
تَحْكِي لَهُ القَرْناءُ، فِي عِرْزَالِها، ***أُمَّ الرَّحَى تَجْرِي على ثِفالِها
قَالَ: أَراد بالقَرْناء الْحَيَّةَ.
والقَرْنانِ: مَنارَتانِ تُبْنَيَانِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ تُوضَعُ عَلَيْهِمَا الْخَشَبَةُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا المِحْوَرُ، وتُعَلَّق مِنْهَا البَكَرةُ، وَقِيلَ: هُمَا مِيلانِ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ تُعَلَّقُ بِهِمَا الْبَكَرَةُ، وَإِنَّمَا يُسَمَّيَانِ بِذَلِكَ إِذَا كَانَا مِنْ حِجَارَةٍ، فَإِذَا كَانَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا دِعامتانِ.
وقَرْنا البئرِ: هُمَا مَا بُنِيَ فعُرِّض فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ الخَشَبُ تُعَلَّقُ الْبَكَرَةُ مِنْهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
تَبَيَّنِ القَرْنَيْنِ، فانْظُرْ مَا هُمَا، ***أَمَدَرًا أَم حَجَرًا تَراهُما؟
وَفِي حَدِيثِ أَبي أَيوب: « فَوَجَدَهُ الرسولُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ »؛ هُمَا قَرْنا الْبِئْرِ الْمَبْنِيَّانِ عَلَى جَانِبَيْهَا، فإن كَانَتَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا زُرْنُوقان.
والقَرْنُ أَيضًا: البَكَرَةُ، وَالْجَمْعُ أَقْرُنٌ وقُرُونٌ.
وقَرْنُ الْفَلَاةِ: أَوّلها.
وقَرْنُ الشَّمْسِ: أَوّلها عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وأَعلاها، وَقِيلَ: أَوَّلُ شُعَاعِهَا، وَقِيلَ: ناحيتها.
وفي الحديث حَدِيثِ الشَّمْسَ: تَطْلُع بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطانٍ، فَإِذَا طَلَعَتْ قارَنَها، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا؛ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَقِيلَ: قَرْنا الشَّيْطَانِ نَاحِيَتَا رأْسه، وَقِيلَ: قَرْناه جَمْعاهُ اللَّذَانِ يُغْريهما بِإِضْلَالِ الْبَشَرِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ الأَشِعَّةَ.
الَّتِي تَتَقَضَّبُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ويُتَراءَى للعيون أَنها تُشْرِف عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فَصَبَّحَتْ، والشمسُ لَمْ تُقَضِّبِ، ***عَيْنًا بغَضْيانَ ثَجُوجِ العُنْبُب
قِيلَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ وقَرْنَيْه يُدْحَرُونَ عَنْ مَقامهم مُرَاعِين طلوعَ الشَّمْسِ لَيْلَةَ القَدر، فَلِذَلِكَ تَطْلُع الشمسُ لَا شُعاعَ لَهَا، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ وَذِكْرِهِ آيةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقِيلَ: « القَرْنُ القُوَّة أَيْ حِينَ تَطْلُع يَتَحَرَّكُ الشَّيْطَانُ وَيَتَسَلَّطُ فَيَكُونُ كالمُعِينِ لَهَا»، وَقِيلَ: بَيْنَ قَرْنَيْه أَيْ أُمَّتَيْه الأَوّلين وَالْآخِرَيْنِ، وَكُلُّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِمَنْ يَسْجُدُ لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا، فكأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّل لَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا سَجَدَ لَهَا كَانَ كأَن الشَّيْطَانَ مُقْتَرِنٌ بِهَا.
وَذُو القَرْنَيْنِ الموصوفُ فِي التَّنْزِيلِ: {لَقَبٌ لإِسْكَنْدَرَ الرُّوميّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه قَبَضَ عَلَى قُرون الشَّمْسِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لأَنه دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْعِبَادَةِ فَقَرَنُوه أَي ضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيْ رأْسه، وَقِيلَ: لأَنه كَانَتْ لَهُ ضَفيرتان، وَقِيلَ: لأَنه بَلَغَ قُطْرَي الأَرض مَشْرِقَهَا وَمَغْرِبَهَا، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها}؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: ذُو قَرْنَي الْجَنَّةِ أَي طَرَفَيْهَا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحسبه أَراد هَذَا، وَلَكِنَّهُ أَراد بِقَوْلِهِ ذُو قَرْنَيْهَا أَي ذُو قَرْنَيِ الأُمة، فأَضمر الأُمة وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا، كَمَا قَالَ تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ}؛ أَراد الشَّمْسَ وَلَا ذِكْرَ لَهَا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}؛ وَكَقَوْلِ حَاتِمٍ:
أَماوِيَّ، مَا يُغْني الثَّراءُ عَنِ الفَتَى، ***إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا، وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
يَعْنِي النفْسَ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَنا أَختار هَذَا التَّفْسِيرَ الأَخير عَلَى الأَول لِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنه ذَكَرَ ذَا القَرْنَيْنِ فَقَالَ: دَعَا قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيه ضَرْبَتَيْنِ وَفِيكُمْ مِثْلُه "؛ فنُرَى أَنه أَراد نَفْسه، يَعْنِي أَدعو إِلَى الْحَقِّ حَتَّى يُضرب رأْسي ضَرْبَتَيْنِ يكون" فِيهِمَا قَتْلِي، لأَنه ضُرِبَ عَلَى رأْسه ضَرْبَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا يَوْمَ الخَنْدَقِ، والأُخرى ضَرْبَةُ ابن مُلْجَمٍ.
وذو الْقَرْنَيْنِ: هُوَ الإِسكندرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه مَلَكَ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ، وَقِيلَ: لأَنه كَانَ فِي رأْسه شِبْهُ قَرْنَين، وَقِيلَ: رأَى فِي النَّوْمِ أَنه أَخَذَ بقَرْنَيِ الشمسِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها "؛ يَعْنِي جَبَليها، وهما الحسن والحسين؛ وأَنشد:
أَثوْرَ مَا أَصِيدُكم أَم ثورَيْنْ، ***أَم هَذِهِ الجَمّاءَ ذاتَ القَرْنَيْنْ
قال: قَرْناها هاهنا قَرْناها، وكانا قَدْ شَدَنا، فَإِذَا آذَاهَا شَيْءٌ دَفَعا عَنْهَا.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِهِ الْجَمَّاءُ ذَاتُ الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: كَانَ قَرْنَاهَا صَغِيرَيْنِ فَشَبَّهَهَا بالجَمّاءِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْها؛ أَيْ إِنَّكَ ذُو قَرنَيْ أُمَّتي كَمَا أَن ذَا الْقَرْنَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَانَ ذَا قَرْنيْ أُمَّته الَّتِي كَانَ فِيهِمْ.
وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَدري ذُو الْقَرْنَيْنِ أَنبيًّا كَانَ أَم لَا.
وذو القَرْنينِ: المُنْذِرُ الأَكبرُ بنُ ماءِ السَّمَاءِ جَدُّ النُّعمان بْنِ الْمُنْذِرِ، قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لأَنه كَانَتْ لَهُ ذُؤَابَتَانِ يَضْفِرُهما فِي قَرْنيْ رأْسه فيُرْسِلُهما، وَلَيْسَ هُوَ الْمَوْصُوفُ فِي التَّنْزِيلِ، وَبِهِ فَسَرَّ ابْنُ دُرَيْدٍ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَشَذَّ نَشاصَ ذِي القَرْنينِ، حَتَّى ***توَلَّى عارِضُ المَلِكِ الهُمامِ
وقَرْنُ الْقَوْمِ: سيدُهم.
وَيُقَالُ: لِلرَّجُلِ قَرْنانِ أَي ضَفِيرَتَانِ؛ وَقَالَ الأَسَدِيُّ:
كَذَبْتُم، وبيتِ اللهِ، لَا تَنْكِحونها ***بَنِي شابَ قَرْناها تُصَرُّ وتُحْلَبُ
أَراد يَا بَنِي الَّتِي شابَ قَرْناها، فأَضمره.
وقَرْنُ الكلإِ: أَنفه الَّذِي لَمْ يوطأْ، وَقِيلَ: خَيْرُهُ، وَقِيلَ: آخِرُهُ.
وأَصاب قَرْنَ الكلإِ إِذَا أَصاب مَالًا وَافِرًا.
والقَرْنُ: حَلْبَة مِنْ عَرَق.
يُقَالُ: حَلَبنا الفرسَ قَرْنًا أَو قَرْنينِ أَيْ عَرَّقناه.
والقَرْنُ: الدُّفعة مِنَ العَرَق.
يُقَالُ: عَصَرْنا الفرسَ قَرْنًا أَوْ قَرْنين، وَالْجَمْعُ قُرون؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
تُضَمَّرُ بالأَصائِل كلَّ يوْمٍ، ***تُسَنُّ عَلَى سَنابِكِها القُرُونُ
وَكَذَلِكَ عَدَا الفرسُ قَرْنًا أَو قَرْنَيْنِ.
أَبو عَمْرٍو: القُرونُ العَرَقُ.
قَالَ الأَزهري: كأَنه جَمْعُ قَرْن.
والقَرُونُ: الَّذِي يَعْرَقُ سَرِيعًا، وَقِيلَ: الَّذِي يَعْرَق سَرِيعًا إِذَا جَرَى، وَقِيلَ: الْفَرَسُ الَّذِي يَعْرَقُ سَرِيعًا، فَخُصَّ.
والقَرْنُ: الطَّلَقُ مِنَ الجَرْي.
وقُروُنُ الْمَطَرِ: دُفَعُه المُتَفرِّقة.
والقَرْنُ: الأُمَّةُ تأْتي بَعْدَ الأُمَّة، قِيلَ: مُدَّتُه عَشْرُ سِنِينَ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ: سِتُّونَ، وَقِيلَ: سَبْعُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ وَهُوَ مِقْدَارُ التَّوَسُّطِ فِي أَعمار أَهْلِ الزَّمَانِ، وَفِي النِّهَايَةِ: أَهل كلِّ زَمَانٍ، مأْخوذ مِنَ الاقْتِران، فكأَنه الْمِقْدَارُ الَّذِي يَقْترِنُ فِيهِ أهلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي أَعمارهم وأَحوالهم.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن رَجُلًا أَتاه فَقَالَ عَلِّمْني دُعاءً، ثُمَّ أَتاه عِنْدَ قَرْنِ الحَوْلِ »أَي عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ الأَول وأَول الثَّانِي.
والقَرْنُ فِي قَوْمِ نُوحٍ: عَلَى مِقْدَارِ أَعمارهم؛ وَقِيلَ: القَرْنُ أَربعون سَنَةً بِدَلِيلِ قَوْلِ الجَعْدِي:
ثَلاثةَ أَهْلِينَ أَفْنَيْتُهُم، ***وكانَ الإِلَهُ هُوَ المُسْتَآسا
وَقَالَ هَذَا وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: القَرْن مِائَةُ سَنَةٍ، وَجَمْعُهُ قُرُون.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه مَسَحَ رأْس غُلَامٍ وَقَالَ عِشْ قَرْنًا، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ».
والقَرْنُ مِنَ النَّاسِ: أَهلُ زَمَانٍ وَاحِدٌ؛ وَقَالَ:
إِذَا ذَهَبَ القَرْنُ الَّذِي أَنتَ فيهمُ، ***وخُلِّفْتَ فِي قَرْنٍ، فأَنتَ غَرِيبُ
ابْنُ الأَعرابي: القَرْنُ الْوَقْتُ مِنَ الزَّمَانِ يُقَالُ هُوَ أَربعون سَنَةً، وَقَالُوا: هُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقَالُوا: مِائَةُ سَنَةٍ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِمَا تقدَّم مِنَ الْحَدِيثِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ}؛ قَالَ أَبو إِسْحَقَ: القَرْنُ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: سَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: هُوَ مُطْلَقٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَنَ يَقْرُنُ؛ قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي يَقَعُ عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعلم، أَنَّ القَرْنَ أَهل كُلِّ مُدَّةٍ كَانَ فِيهَا نَبِيٌّ أَو كَانَ فِيهَا طَبَقَةٌ مِنْ أَهل الْعِلْمِ، قَلَّتْ السِّنُون أَو كَثُرَتْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكم قَرْنِي، يَعْنِي أَصحابي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم، يَعْنِي التابعين، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم، يَعْنِي الَّذِينَ أَخذوا عَنِ التَّابِعِينَ، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ القَرْنُ لِجُمْلَةِ الأُمة وَهَؤُلَاءِ قُرُون فِيهَا، وَإِنَّمَا اشْتِقَاقُ القَرْن مِنَ الاقْتِران، فتأَويله أَن القَرْنَ الَّذِينَ كَانُوا مُقْتَرِنين فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالَّذِينَ يأْتون مِنْ بَعْدِهِمْ ذَوُو اقْتِرانٍ آخَرَ.
وَفِي حَدِيثِ خَبّابٍ: « هَذَا قَرْنٌ قَدْ طَلَعَ »؛ أَراد قَوْمًا أَحداثًا نَبَغُوا بَعْدَ أَن لَمْ يَكُونُوا، يَعْنِي القُصّاص، وَقِيلَ: أَراد بِدْعَةً حَدثت لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ حِينَ رأَى الْمُسْلِمِينَ وَطَاعَتَهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباعَهم إِيَّاهُ حِينَ صلَّى بِهِمْ: مَا رأَيت كَالْيَوْمِ طاعةَ قومٍ، وَلَا فارِسَ الأَكارِمَ، وَلَا الرومَ ذاتَ القُرُون؛ قِيلَ لَهُمْ ذاتُ القُرُون لِتَوَارُثِهِمُ الْمُلْكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لقُرُونِ شُعُورهم وَتَوْفِيرِهِمْ إِيَّاهَا وأَنهم لَا يَجُزُّونها.
وَكُلُّ ضَفِيرَةٍ مِنْ ضَفَائِرِ الشَّعْرِ قَرْنٌ؛ قَالَ المُرَقِّشُ:
لاتَ هَنَّا، وليْتَني طَرَفَ الزُّجِّ، ***وأَهلي بالشأْم ذاتُ القُرونِ
أَراد الرُّومَ، وَكَانُوا يَنْزِلُونَ الشَّامَ.
والقَرْنُ: الجُبَيْلُ الْمُنْفَرِدُ، وَقِيلَ: هُوَ قِطْعَةٌ تَنْفَرِدُ مِنَ الجَبَل، وَقِيلَ: هُوَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ: الْجُبَيْلُ الصَّغِيرُ الْمُنْفَرِدُ، وَالْجَمْعُ قُرُونٌ وقِرانٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
تَوَقَّى بأَطْرافِ القِرانِ، وطَرْفُها ***كطَرْفِ الحُبَارَى أَخطأَتْها الأَجادِلُ
والقَرْنُ: شَيْءٌ مِنْ لِحَاء شَجر يُفْتَلُ مِنْهُ حَبْل.
والقَرْن: الحَبْل مِنَ اللِّحاءِ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.
والقَرْنُ أَيضًا: الخُصْلة الْمَفْتُولَةُ مِنَ العِهْن.
والقَرْنُ: الخُصْلة مِنَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ، جمعُ كُلِّ ذَلِكَ قُروُنٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي سُفْيَانَ فِي الرُّومِ: ذاتِ القُرُون؛ قَالَ الأَصمعي: أَراد قُرون شعُورهم، وَكَانُوا يُطوِّلون ذَلِكَ يُعْرَفُون بِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ غُسْلِ الْمَيِّتِ: " ومَشَطناها ثلاثَ قُرون.
وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ: « قَالَ لأَسماءَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبعَثنَّ إليكِ مَنْ يسَحبُك بقرونكِ».
وَفِي الْحَدِيثِ: « فارِسُ نَطْحةً أَو نَطْحتَين».
ثُمَّ لَا فَارِسَ بَعْدَهَا أَبدًا.
والرُّوم ذاتُ القُرون كُلَّمَا هلَك قَرْنٌ خَلَفه قَرْنٌ، فالقُرون جَمْعُ قَرْنٍ؛ وَقَوْلُ الأَخطل يَصِفُ النِّسَاءَ:
وَإِذَا نَصَبْنَ قُرونَهنَّ لغَدْرةٍ، ***فكأَنما حَلَّت لهنَّ نُذُورُ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: القُرون هَاهُنَا حبائلُ الصَّيّاد يُجْعَل فيها "قُرونٌ يَصْطَادُ بِهَا، وَهِيَ هَذِهِ الفُخوخ الَّتِي يُصْطَادُ بِهَا الصِّعاءُ والحمامُ، يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ النِّسَاءُ إِذا صِرْنا فِي قُرونهنَّ فاصْطَدْننا فكأَنهن كَانَتْ عَلَيْهِنَّ نُذُور أَن يَقْتُلننا فحَلَّتْ؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ فِي لُغْزِيَّتِهِ:
وشِعْبٍ أَبى أَن يَسْلُكَ الغُفْرُ بَيْنَهُ، ***سَلَكْتُ قُرانى مِنْ قَياسِرةٍ سُمْرا
قِيلَ: أَراد بالشِّعْب شِعْب الْجَبَلِ، وَقِيلَ: أَراد بِالشِّعْبِ فُوقَ السَّهْمِ، وبالقُرانى وَترًا فُتِل مِنْ جِلْدِ إِبل قَياسرةٍ.
وإِبلٌ قُرانى أَي ذَاتُ قَرَائِنَ؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ يَذْكُرُ شَعرَه حِينَ صَلِعَ:
أَفناه قولُ اللهِ للشمسِ: اطلُعِي ***قَرْنًا أَشِيبِيه، وقَرْنًا فانزِعي
أَي أَفنى شَعْرِي غروبُ الشَّمْسِ وَطُلُوعُهَا، وَهُوَ مَرُّ الدَّهْرِ.
والقَرينُ: الْعَيْنُ الكَحِيل.
والقَرْنُ: شبيةٌ بالعَفَلة، وَقِيلَ: هُوَ كالنُّتوء فِي الرَّحِمِ، يَكُونُ فِي النَّاسِ وَالشَّاءِ وَالْبَقَرِ.
والقَرْناء: العَفْلاء.
وقُرْنةُ الرَّحِم: مَا نتأَ مِنْهُ، وَقِيلَ: القُرْنتان رأْس الرَّحِمِ، وَقِيلَ: زَاوِيَتَاهُ، وَقِيلَ: شُعْبَتاه، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُرْنةٌ، وَكَذَلِكَ هُمَا مِنْ رَحِم الضَّبَّة.
والقَرْنُ: العَفَلة الصَّغِيرَةُ؛ عَنِ الأَصمعي.
واخْتُصِم إِلى شُرَيْح فِي جَارِيَةٍ بِهَا قَرَنٌ فَقَالَ: أَقعِدوها، فإِن أَصابَ الأَرض فَهُوَ عَيبٌ، وإِن لَمْ يُصِبِ الأَرض فَلَيْسَ بِعَيْبٍ.
الأَصمعي: القَرَنُ فِي المرأَة كالأُدْرة فِي الرَّجُلِ.
التَّهْذِيبُ: القَرْناءُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي فِي فَرْجِهَا مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ سُلوك الذَّكَرِ فِيهِ، إِما غُدَّة غَلِيظَةٌ أَو لَحْمَةٌ مُرْتَتِقة أَو عَظْمٌ، يُقَالُ لِذَلِكَ كُلِّهِ القَرَنُ؛ وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لِلرَّجُلِ إِذا وَجَدَ امرأَته قَرْناءَ الخيارَ فِي مُفَارَقَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَن يُوجِبَ عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ القَزّاز قَالَ: واختُصِم إِلى شُريح فِي قَرَن، فَجَعَلَ القَرَن هُوَ الْعَيْبُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ امرأَة قَرْناءُ بَيِّنة القَرَن، فأَما القَرْنُ، بِالسُّكُونِ، فَاسْمُ العَفَلة، والقَرَنُ، بِالْفَتْحِ، فَاسْمُ الْعَيْبِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهه: « إِذا تَزَوَّجَ المرأَة وَبِهَا قَرْنٌ، فإِن شاءَ أَمسك، وإِن شاءَ طَلَّقَ »؛ القَرْنُ، بِسُكُونِ الرَّاءِ: شَيْءٌ يَكُونُ فِي فَرْجِ المرأَة كالسنِّ يَمْنَعُ مِنَ الوطءِ، وَيُقَالُ لَهُ العَفَلةُ.
وقُرْنةُ السَّيْفِ والسِّنان وقَرْنهما: حدُّهما.
وقُرْنةُ النَّصْلِ: طرَفه، وَقِيلَ: قُرْنتاه نَاحِيَتَاهُ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.
والقُرْنة، بِالضَّمِّ: الطرَف الشَّاخِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ يُقَالُ: قُرْنة الجبَل وقُرْنة النَّصْلِ وقُرْنة الرَّحِمِ لإِحدى شُعْبتَيه.
التَّهْذِيبُ: والقُرْنة حَدُّ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ، وَجَمْعُ القُرْنة قُرَنٌ.
اللَّيْثُ: القَرْنُ حَدُّ رَابِيَةٍ مُشْرِفة عَلَى وَهْدَةٍ صَغِيرَةٍ، والمُقَرَّنة الْجِبَالُ الصِّغَارُ يَدْنُو بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لتَقارُبها؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
دَلَجِي، إِذا مَا الليلُ جَنَّ، ***عَلَى المُقَرَّنةِ الحَباحِبْ
أَراد بالمُقَرَّنة إِكامًا صِغَارًا مُقْترِنة.
وأَقرَنَ الرُّمحَ إِليه: رَفَعَهُ.
الأَصمعي: الإِقْرانُ رَفْعُ الرَّجُلِ رأْس رُمحِه لئلَّا يُصِيبَ مَنْ قُدّامه.
يُقَالُ: أَقرِنْ رُمْحَكَ.
وأَقرَن الرجلُ إِذا رَفَعَ رأْسَ رمحِهِ لِئَلَّا يُصِيبَ مَنْ قدَّامه.
وقَرَن الشيءَ بالشيءِ وقَرَنَه إِليه يَقْرِنه قَرْنًا: شَدَّه إِليه.
وقُرِّنتِ الأُسارَى بِالْحِبَالِ، شُدِّد لِلْكَثْرَةِ.
والقَرينُ: الأَسير.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَرَّ برَجلين مُقترنين فَقَالَ: مَا بالُ القِران؟ قَالَا: نذَرْنا، » أَي مَشْدُودَيْنِ أَحدهما إِلى الْآخَرِ بِحَبْلٍ.
والقَرَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْحَبْلُ الَّذِي يُشدّان بِهِ، وَالْجَمْعُ نَفْسُهُ قَرَنٌ أَيضًا.
والقِرانُ: الْمَصْدَرُ وَالْحَبْلُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الحياءُ والإِيمانُ فِي قَرَنٍ أَي مَجْمُوعَانِ فِي حَبْلٍ أَو قِرانٍ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ}، إِما أَن يَكُونَ أَراد بِهِ مَا أَراد بِقَوْلِهِ مَقرُونين، وإِما أَن يَكُونَ شُدِّد لِلتَّكْثِيرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ السَّابِقُ إِلينا مِنْ أَول وَهْلة.
والقِرانُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وقَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ والعمْرة قِرانًا، بِالْكَسْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه قَرَن بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» أَي جَمَعَ بَيْنَهُمَا بنيَّة وَاحِدَةٍ وَتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ وإِحرام وَاحِدٍ وَطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَهُوَ عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ أَفضل مِنَ الإِفراد وَالتَّمَتُّعِ.
وقَرَنَ الحجَّ بِالْعُمْرَةِ قِرانًا: وَصَلها.
وَجَاءَ فُلَانٌ قارِنًا، وَهُوَ القِرانُ.
والقَرْنُ: مِثْلُكَ فِي السنِّ، تَقُولُ: هُوَ عَلَى قَرْني أَي عَلَى سِنِّي.
الأَصمعي: هُوَ قَرْنُه فِي السِّنِّ، بِالْفَتْحِ، وَهُوَ قِرْنه، بِالْكَسْرِ، إِذا كَانَ مِثْلَهُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالشِّدَّةِ.
وَفِي حَدِيثِ كَرْدَم: « وبِقَرْنِ أَيِّ النِّسَاءِ هِيَ»؛ أي بسنِّ أَيهنَّ.
وَفِي حَدِيثِ الضَّالَّةِ: « إِذا كتَمها آخِذُها فَفِيهَا قَرينتها مِثْلَهَا »أَي إِذا وَجَدَ الرجلُ ضَالَّةً مِنَ الْحَيَوَانِ وَكَتَمَهَا وَلَمْ يُنْشِدْها ثُمَّ تُوجَدُ عِنْدَهُ فإِن صَاحِبَهَا يأْخذها وَمِثْلَهَا مَعَهَا مِنْ كَاتِمِهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَعَلَّ هَذَا فِي صَدْرِ الإِسلام ثُمَّ نُسِخَ، أَو هُوَ عَلَى جِهَةِ التأَديب حَيْثُ لَمْ يُعَرِّفها، وَقِيلَ: هُوَ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً كَالْعُقُوبَةِ لَهُ، وَهُوَ كَحَدِيثِ مانع الزكاة: " إِنا آخدُوها وشطرَ مَالِهِ.
والقَرينةُ: فَعِيلة بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنَ الاقتِران، وَقَدِ اقْتَرَنَ الشَّيْئَانِ وتَقارَنا.
وجاؤُوا قُرانى أَي مُقْتَرِنِين.
التَّهْذِيبُ: والقُرانى تَثْنِيَةُ فُرادى، يُقَالُ: جاؤُوا قُرانى وجاؤوا فُرادى.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي أَكل التَّمْرِ: لَا قِران وَلَا تَفْتِيشَ أَي لَا تَقْرُنْ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ تأْكلهما مَعًا.
وقارَنَ الشيءُ الشيءَ مُقارَنة وقِرانًا: اقْتَرَن بِهِ وصاحَبَه.
واقْتَرَن الشيءُ بِغَيْرِهِ وقارَنْتُه قِرانًا: صاحَبْته، وَمِنْهُ قِرانُ الْكَوْكَبِ.
وقَرَنْتُ الشيءَ بالشيءِ: وَصَلْتُهُ.
والقَرِينُ: المُصاحِبُ.
والقَرينانِ: أَبو بكر وطلحة، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لأَن عُثْمَانَ بْنَ عَبَيْد اللَّهِ، أَخا طَلْحَةَ، أَخذهما فَقَرَنَهما بِحَبْلٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَا القَرِينَينِ.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: « إِنَّ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ يقال لهما القَرينانِ».
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَا مِنْ أَحدٍ إِلا وكِّلَ بِهِ قَرِينُه» أَي مُصَاحِبُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ والشَّياطين وكُلِّ إِنسان، فإِن مَعَهُ قَرِينًا مِنْهُمَا، فَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يأْمره بِالْخَيْرِ ويَحُثه عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: فقاتِلْه فإِنَّ مَعَهُ القَرِينَ، والقَرِينُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وفي الحديث: « أَنه قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِسرافيلُ ثلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ »، أَي كَانَ يأْتيه بِالْوَحْيِ وَغَيْرِهِ.
والقَرَنُ: الْحَبْلُ يُقْرَنُ بِهِ البعيرانِ، وَالْجَمْعُ أَقْرانٌ، وَهُوَ القِرَانُ وَجَمْعُهُ قُرُنٌ؛ وَقَالَ:
أَبْلِغْ أَبا مُسْمِعٍ، إِنْ كنْتَ لاقِيَهُ، ***إِنِّي، لَدَى البابِ، كالمَشْدُودِ فِي قَرَنِ
وأَورد الْجَوْهَرِيُّ عَجُزَهُ.
وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده أَنِّي، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.
وقَرَنْتُ الْبَعِيرَيْنِ أَقْرُنُهما قَرْنًا: جَمَعَتْهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ.
والأَقْرانُ: الحِبَالُ.
الأَصمعي: القَرْنُ جَمْعُكَ بَيْنَ دَابَّتَيْنِ فِي حَبْل، وَالْحَبْلُ الَّذِي يُلَزَّان بِهِ يُدْعَى قَرَنًا.
ابْنُ شُمَيْل: قَرَنْتُ بَيْنَ الْبَعِيرَيْنِ وقَرَنْتهما إِذا جَمَعْتُ بَيْنَهُمَا فِي حَبْلٍ قَرْنًا.
قَالَ الأَزهري: الْحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ بَعِيرَانِ يُقَالُ لَهُ القَرَن، وأَما القِرانُ فَهُوَ حَبْلٌ يُقَلَّدُ الْبَعِيرُ ويُقادُ بِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ قَتَادة صَاحِبَ الحَمَالَةِ تَحَمَّل بحَمَالة، فَطَافَ فِي الْعَرَبِ يسأَلُ فِيهَا، فَانْتَهَى إِلى أَعرابي قَدْ أَوْرَدَ إِبلَه فسأَله فَقَالَ: أَمعك قُرُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْني قِرَانًا، فَقَرَنَ لَهُ بَعِيرًا، ثُمَّ قَالَ: نَاوِلْنِي قِرانًا، فَقَرَنَ لَهُ بَعِيرًا آخَرَ حَتَّى قَرَنَ لَهُ سَبْعِينَ بَعِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هاتِ قِرانًا، فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي، فَقَالَ: أَوْلى لَكَ لَوْ كَانَتْ مَعَكَ قُرُنٌ لقَرَنْتُ لَكَ مِنْهَا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا بَعِيرٌ، وَهُوَ إِياس بْنُ قَتَادَةَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: « فَلَمَّا أَتيت رَسُولَ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ أَي الْجَمَلَيْنِ الْمَشْدُودَيْنِ أَحدهما إِلى الْآخَرِ.
والقَرَنُ والقَرِينُ: الْبَعِيرُ المَقْرُون بِآخَرَ.
والقَرينة: النَّاقَةُ تُشَدُّ إِلى أُخْرى، وَقَالَ الأَعور النَّبْهَانِيُّ يَهْجُو جَرِيرًا وَيَمْدَحُ غَسَّانَ السَّلِيطِي:
أَقُولُ لَهَا أُمِّي سَليطًا بأَرْضِها، ***فَبِئْسَ مُناخُ النَّازِلِينَ جَريرُ
وَلَوْ عِنْدَ غسَّان السَّليطيِّ عَرَّسَتْ، ***رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقيرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ الأَعور النَّبْهانِي فَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: اسْمُهُ سُحْمَةُ بْنُ نُعَيم بْنِ الأَخْنس بْنِ هَوْذَة، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي النَّقَائِضِ: يُقَالُ لَهُ العَنَّاب، وَاسْمُهُ سُحَيْم بْنُ شَريك؛ قَالَ: وَيُقَوِّي قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ فِي العَنَّاب قَوْلُ جَرِيرٍ فِي هِجَائِهِ:
مَا أَنتَ، يَا عَنَّابُ، مِنْ رَهْطِ حاتِمٍ، ***وَلَا مِنْ رَوابي عُرْوَةَ بْنِ شَبيبِ
رأَينا قُرُومًا مِنْ جَدِيلةَ أَنْجَبُوا، ***وفحلُ بنِي نَبْهان غيرُ نَجيبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنكر عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ أَن يَكُونَ القَرَنُ البعيرَ المَقْرونَ بِآخَرَ، وَقَالَ: إِنما القَرَنُ الْحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ الْبَعِيرَانِ؛ وأَما قَوْلُ الأَعْور: " رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقِيرُ "فإِنه عَلَى حذف مضاف، مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.
والقَرِينُ: صاحبُك الَّذِي يُقارِنُك، وقَرِينُك: الَّذِي يُقارنُك، وَالْجَمْعُ قُرَناءُ، وقُرانى الشَّيْءِ: كقَرِينه؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَمْطُو قُراناهُ بهادٍ مَرَّاد وقِرْنُك: المُقاوِمُ لَكَ فِي أَي شَيْءٍ كَانَ، وَقِيلَ: هُوَ المُقاوم لَكَ فِي شِدَّةِ البأْس فَقَطْ.
والقِرْنُ، بِالْكَسْرِ: كُفْؤك فِي الشَّجَاعَةِ.
وَفِي حديث عُمَر والأَسْقُفّ قَالَ: أَجِدُكَ قَرْنًا، قَالَ: قَرْنَ مَهْ؟ قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ "؛ القَرْنُ، بِفَتْحِ القافِ: الحِصْنُ، وَجَمْعُهُ قُرُون، وَكَذَلِكَ قِيلَ لَهَا الصَّياصِي؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
إِذا يُساوِرُ قِرْنًا، لَا يَحِلُّ لَهُ ***أَن يَتْرُك القِرن إِلا وَهْوَ مَجْدول
القِرْنُ، بِالْكَسْرِ: الكُفْء وَالنَّظِيرُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْحَرْبِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقران.
وَفِي حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ قَيس: « بِئْسَمَا عَوَّدْتم أَقْرانَكم» أَي نُظَراءَكم وأَكْفاءَكم فِي الْقِتَالِ، وَالْجَمْعُ أَقران، وامرأَة قِرنٌ وقَرْنٌ كَذَلِكَ.
أَبو سَعِيدٍ: اسْتَقْرَنَ فلانٌ لِفُلَانٍ إِذا عازَّهُ وَصَارَ عِنْدَ نَفْسِهِ مِنْ أَقرانه.
والقَرَنُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ رَجُلٌ أَقْرَنُ بَيِّنُ القَرَنِ، وَهُوَ المَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ.
والقَرَنُ: الْتِقَاءُ طَرَفَيِ الْحَاجِبَيْنِ وَقَدْ قَرِنَ وَهُوَ أَقْرَنُ، ومَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ، وَحَاجِبٌ مَقْرُون: كأَنه قُرِن بِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقَالُ أَقْرَنُ وَلَا قَرْناء حَتَّى يُضَافَ إِلى الْحَاجِبَيْنِ.
وَفِي صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَوابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ "؛ القَرَن، بِالتَّحْرِيكِ: الْتِقَاءُ الْحَاجِبَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَتْهُ" أُم معبد فإِنها قَالَتْ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَزَجُّ أَقْرَنُ أَي مَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ، قَالَ: والأَول الصَّحِيحُ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَابِغَ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ، وَهُوَ الْحَوَاجِبُ، أَي أَنها دَقَّتْ فِي حَالِ سُبُوغِهَا، وَوَضَعَ الْحَوَاجِبَ موضع الحاجبين لأَن الثنية جَمْعٌ.
والقَرَنُ: اقْتِرانُ الرُّكْبَتَيْنِ، وَرَجُلٌ أَقْرَنُ.
والقَرَنُ: تَباعُدُ مَا بَيْنَ رأْسَي الثَّنِيَّتَيْن وإِن تَدَانَتْ أُصولهما.
والقِران: أَن يَقْرُن بينَ تَمْرَتَيْنِ يأْكلهما.
والقَرُون: الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ فِي الأَكل، يُقَالُ: أَبَرَمًا قَرُونًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه نَهَى عن القِران إِلا أَن يستأْذن أَحدُكم صاحبَه، ويُرْوى الإِقْران، والأَول أَصح، وَهُوَ أَن يَقْرِن بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ فِي الأَكل، وإِنما نَهَى عَنْهُ لأَن فِيهِ شَرَهًا، وَذَلِكَ يُزْري بِفَاعِلِهِ، أَو لأَن فِيهِ غَبْنًا بِرَفِيقِهِ، وَقِيلَ: إِنما نَهَى عَنْهُ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ، وَكَانُوا مَعَ هَذَا يُواسُونَ مِنَ الْقَلِيلِ، فإِذا اجْتَمَعُوا عَلَى الأَكل آثَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ مِنْ قَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ، فَرُبَّمَا قَرَنَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ أَو عظَّم اللُّقْمة فأَرشدهم إِلى الإِذن فِيهِ لِتَطِيبَ بِهِ أَنْفُسُ الْبَاقِينَ».
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَبَلَة قَالَ: كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ فِي بَعْثِ الْعِرَاقِ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنا التَّمْرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ فَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا إِلا أَن يستأْذن الرجلُ أَخاه "، هَذَا لأَجل مَا فِيهِ مِنَ الغَبْنِ ولأَن مِلْكَهم فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَرُوِيَ نَحْوُهُعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ فِي أَصحاب الصُّفَّةِ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: « قارِنُوا بَيْنَ أَبنائكم» أَي سَوُّوا بَيْنَهُمْ وَلَا تُفَضلوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْمُقَارَبَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ.
والقَرُونُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يأْكل لُقْمَتَيْنِ لُقْمَتَيْنِ أَو تَمْرَتَيْنِ تَمْرَتَيْنِ، وَهُوَ القِرانُ.
وَقَالَتِ امرأَة لِبَعْلِهَا ورأَته يأْكل كَذَلِكَ: أَبَرَمًا قَرُونًا؟ والقَرُون مِنَ الإِبل: الَّتِي تَجْمَع بَيْنَ مِحلَبَيْنِ فِي حَلْبَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ المُقْتَرِنَة القادِمَيْن والآخِرَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي إِذا بَعَرَتْ قَارَنَتْ بَيْنَ بَعَرِها، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَضَعُ خُفَّ رِجْلِهَا مَوْضِعَ خُفِّ يَدِهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الْخَيْلِ.
وقَرَنَ الفرسُ يَقْرُنُ، بِالضَّمِّ، إِذا وَقَعَتْ حَوَافِرُ رِجْلَيْهِ مواقعَ حَوَافِرِ يَدَيْهِ.
والقَرُون: النَّاقَةُ الَّتِي تَقْرُنُ رُكْبَتَيْهَا إِذا بَرَكَتْ؛ عَنِ الأَصمعي.
والقَرُون: الَّتِي يَجْتَمِعُ خِلْفاها القادِمان والآخِرانِ فيَتَدانَيانِ.
والقَرون: الَّذِي يَضَعُ حَوافرَ رِجْلَيْهِ مَواقعَ حَوافر يَدَيْهِ.
والمَقْرُونُ مِنْ أَسباب الشِّعْر: مَا اقْتَرنت فِيهِ ثلاثُ حَرَكَاتٍ بَعْدَهَا سَاكِنٌ كمُتَفا مِنْ مُتَفَاعِلُنْ وَعَلَتُنْ مِنْ مُفَاعَلَتُنْ، فَمُتَفَا قَدْ قَرَنَتِ السَّبَبَيْنِ بِالْحَرَكَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ إِسقاطها فِي الشِّعْرِ حَتَّى يَصِيرَ السَّبَبَانِ مَفْرُوقَيْنِ نَحْوَ عِيلُنْ مِنْ مَفَاعِيلُنْ، وَقَدْ ذُكِرَ الْمَفْرُوقَانِ فِي مَوْضِعِهِ.
والمِقْرَنُ: الْخَشَبَةُ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى رأْسَي الثَّوْرَيْنِ.
والقِران والقَرَنُ: خَيْطٌ مِنْ سَلَب، وَهُوَ قِشْرٌ يُفتل يُوثَقُ عَلَى عُنُق كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّوْرَيْنِ، ثُمَّ يُوُثَقُ فِي وَسَطِهِمَا اللُّوَمَةُ.
والقَرْنانُ: الَّذِي يُشارك فِي امرأَته كأَنه يَقْرُن بِهِ غيرَه، عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ حَكَاهُ كُرَاعٌ.
التَّهْذِيبُ: القَرْنانُ نَعْتُ سَوْءٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا غَيْرَة لَهُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ أَرَ البَوادِيَ لَفَظُوا بِهِ وَلَا عَرَفُوهُ.
والقَرُون والقَرُونة والقَرينة والقَرينُ: النَّفْسُ.
وَيُقَالُ: أَسْمَحَتْ قَرُونُه وقَرِينُه وقَرُونَتُه وقَرِينَتُه أَي ذَلَّتْ نَفْسُهُ وتابَعَتْه عَلَى الأَمر؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَر:
فَلاقى امْرَأً مِنْ مَيْدَعانَ، وأَسْمَحَتْ ***قَرُونَتُه باليَأْسِ مِنْهَا فعجَّلا
أَي طَابَتْ نَفْسُه بِتَرْكِهَا، وَقِيلَ: سامَحَتْ؛ قَرُونُه وقَرُونَتُه وقَرينَتُه كُلُّه واحدٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَرُونه قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فإِنِّي مِثْلُ مَا بِكَ كَانَ مَا بِي، ***ولكنْ أَسْمَحَتْ عَنْهُمْ قَرُونِي
وَقَوْلُ ابْنِ كُلْثوم:
مَتى نَعْقِدْ قَرِينَتَنا بِحَبْلٍ، ***نَجُذُّ الحبلَ أَو نَقِصُ القَرينا
قَرِينته: نَفْسُه هَاهُنَا.
يَقُولُ: إِذا أَقْرَنَّا لِقرْنٍ غَلَبْنَاهُ.
وقَرِينة الرَّجُلِ: امرأَته لمُقارنته إِياها.
وَرَوَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا أَتى يومُ الْجُمُعَةَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ اليَوْمُ يَوْمُ تَبَعُّلٍ وقِرانٍ "؛ قِيلَ: عَنى بالمُقارنة التَّزْوِيجَ.
وَفُلَانٌ إِذا جاذَبَتْه قَرِينَتُه وقَرِينُه قَهَرَهَا أَي إِذا قُرِنَتْ بِهِ الشَّدِيدَةُ أَطاقها وَغَلَبَهَا، وَفِي الْمُحْكَمِ: إِذا ضُمَّ إِليه أَمر أَطاقه.
وأَخَذْتُ قَرُونِي مِنَ الأَمر أَي حَاجَتِي.
والقَرَنُ: السَّيف والنَّبْلُ، وَجَمْعُهُ قِرانٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " عَلَيْهِ وُرْقانُ القِرانِ النُّصَّلِ "والقَرَن، بِالتَّحْرِيكِ: الجَعْبة مِنْ جُلود تَكُونُ مَشْقُوقَةً ثُمَّ تُخْرَزُ، وإِنما تُشَقُّ لِتَصِلَ الرِّيحُ إِلى الرِّيشِ فَلَا يَفْسُد؛ وَقَالَ:
يَا ابنَ هِشامٍ، أَهْلَكَ الناسَ اللَّبَنْ، ***فكُلُّهم يَغْدُو بقَوْسٍ وقَرَنْ
وَقِيلَ: هِيَ الجَعْبَةُ مَا كَانَتْ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الأَكْوَعِ: « سأَلت رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلَاةِ فِي القَوْسِ والقَرَن، فَقَالَ: صَلِّ فِي الْقَوْسِ واطْرَحِ القَرَنَ »؛ القَرَنُ: الجَعْبَةُ، وإِنما أَمره بِنَزْعِهِ لأَنه قَدْ كَانَ مِنْ جِلْدٍ غَيْرِ ذَكِيّ وَلَا مَدْبُوغٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كالنَّبْلِ فِي القَرَنِ» أَي مُجْتَمِعُونَ مِثْلَهَا.
وَفِي حَدِيثِ عُميَر بْنِ الحُمام: « فأَخرج تَمْرًا مِنْ قَرَنِهِ» أَي جَعْبَتِه، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرُن وأَقْرانٍ كجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وأَجْبالٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « تَعَاهَدُوا أَقْرانَكم »أَي انْظُرُوا هَلْ هِيَ مِنْ ذَكِيَّة أَو مَيْتَةٍ لأَجل حَمْلِهَا فِي الصَّلَاةِ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: القَرَنُ مِنْ خَشَبٍ وَعَلَيْهِ أَديم قَدْ غُرِّي بِهِ، وَفِي أَعلاه وعَرْضِ مُقدَّمِه فَرْجٌ فِيهِ وَشْجٌ قَدْ وُشِجَ بَيْنَهُ قِلاتٌ، وَهِيَ خَشَبات مَعْروضات عَلَى فَمِ الجَفير جُعِلْنَ قِوامًا لَهُ أَن يَرْتَطِمَ يُشْرَج ويُفْتَح.
وَرَجُلٌ قَارِنٌ: ذُو سَيْفٍ ونَبْل أَو ذُو سَيْفٍ وَرُمْحٍ وجَعْبَة قَدْ قَرَنها.
والقِران: النَّبْلُ الْمُسْتَوِيَةُ مِنْ عَمَلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذا تَنَاضلوا اذْكُروا القِرانَ أَي والُوا بَيْنَ سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ.
وبُسْرٌ قارِنٌ: قَرَنَ الإِبْسارَ بالإِرْطاب، أَزدية.
والقَرائن: جِبَالٌ مَعْرُوفَةٌ مُقْتَرِنَةٌ؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
وحَثْحَثْتُ مَشْعوفَ النَّجاءِ، وراعَني ***أُناسٌ بفَيْفانٍ، فَمِزْتُ القَرائِنَا
ودُورٌ قَرائنُ إِذا كَانَتْ يَسْتَقْبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
أَبو زَيْدٍ: أَقْرَنَتِ السَّمَاءُ أَيامًا تُمْطِرُ وَلَا تُقْلِع، وأَغْضَنَتْ وأَغْيَنَتْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ "بَجَّدَتْ ورَثَّمَتْ.
وقَرَنَتِ السماءُ وأَقْرَنَتْ: دَامَ مَطَرُهَا؛ والقُرْآنُ مَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ جَعَلَهُ مِنْ هَذَا لاقترانِ آيِهِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزِ.
وأَقْرَنَ لَهُ وَعَلَيْهِ: أَطاق وقوِيَ عَلَيْهِ واعْتَلى.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}؛ أَي مُطِيقينَ؛ قَالَ: وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ قَوْلِكَ أَنا لِفُلَانٍ مُقْرِن؛ أَي مُطيق.
وأَقْرَنْتُ فُلَانًا أَي قَدْ صِرْت لَهُ قِرْنًا.
وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسار: « أَما أَنا فإِني لِهَذِهِ مُقْرِن »أَي مُطِيق قَادِرٌ عَلَيْهَا، يَعْنِي نَاقَتَهُ.
يُقَالُ: أَقْرَنْتُ لِلشَّيْءِ فأَنا مُقْرِن إِذا أَطاقه وَقَوِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ هَانِئٍ: المُقْرِن المُطِيقُ والمُقْرِنُ الضَّعِيفُ؛ وأَنشد:
وداهِيَةٍ داهَى بِهَا القومَ مُفْلِقٌ ***بَصِيرٌ بعَوْراتِ الخُصومِ لَزُومُها
أَصَخْتُ لَهَا، حَتَّى إِذا ما وَعَيْتُها، ***رُمِيتُ بأُخرى يَستَدِيمُ خَصيمُها
تَرَى القومَ مِنْهَا مُقْرِنينَ، كأَنما ***تَساقَوْا عُقَارًا لَا يَبِلُّ سَليمُها
فَلَمْ تُلْفِني فَهًّا، وَلَمْ تُلْفِ حُجَّتي ***مُلَجْلَجَةً أَبْغي لَهَا مَنْ يُقيمُها
قَالَ: وَقَالَ أَبو الأَحْوَصِ الرِّياحي:
وَلَوْ أَدْرَكَتْه الخيلُ، والخيلُ تُدَّعَى، ***بذِي نَجَبٍ، مَا أَقْرَنَتْ وأَجَلَّت
أَي مَا ضَعُفتْ.
والإِقْرانُ: قُوَّة الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ.
يُقَالُ: أَقْرَنَ لَهُ إِذا قَوِيَ عَلَيْهِ.
وأَقْرَنَ عَنِ الشَّيْءِ: ضَعُفَ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ؛ وأَنشد:
تَرَى الْقَوْمَ مِنْهَا مُقْرِنِينَ، كأَنما ***تَسَاقَوْا عُقارًا لَا يَبِلُّ سَلِيمُهَا
وأَقْرَنَ عَنِ الطَّرِيقِ: عَدَلَ عَنْهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه لِضَعْفِهِ عَنْ سُلُوكِهَا.
وأَقْرَنَ الرجلُ: غَلَبَتْهُ ضَيْعتُه، وَهُوَ مُقْرِنٌ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ إِبل وَغَنَمٌ وَلَا مُعِينَ لَهُ عَلَيْهَا، أَو يَكُونُ يَسْقي إِبلَه وَلَا ذَائِدَ لَهُ يَذُودُها يَوْمَ وُرُودِهَا.
وأَقْرَنَ الرَّجُلُ إِذا أَطاق أَمرَ ضَيْعته، مِنَ الأَضداد.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: « قِيلَ لِرَجُلٍ مَا مالُك؟ قَالَ: أَقْرُنٌ لِي وآدِمةٌ فِي المَنِيئة»، فَقَالَ: قَوِّمْها وزَكِّها.
وأَقْرَنَ إِذا ضَيَّقَ عَلَى غَرِيمِهِ.
وأَقْرَنَ الدُّمَّلُ: حَانَ أَن يتفَقَّأَ.
وأَقْرَنَ الدمُ فِي العِرْق واستقْرَنَ: كَثُرَ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
58-لسان العرب (بدا)
بدا: بَدا الشيءُ يَبْدُو بَدْوًا وبُدُوًّا وبَداءً وبَدًا؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ: ظَهَرَ.وأَبْدَيْته أَنا: أَظهرته.
وبُدَاوَةُ الأَمر: أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ، وَقَدْ ذُكِرَ عامةُ ذَلِكَ فِي الْهَمْزَةِ.
وبَادِي الرأْي: ظاهرُه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ.
وأَنت بَادِيَ الرأْي تَفْعَلُ كَذَا، حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمَعْنَاهُ أَنت فِيمَا بَدَا مِنَ الرأْي وَظَهَرَ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ}؛ أَي فِي ظَاهِرِ الرأْي، قرأَ أَبو عَمْرٍو وحده بَادِىءَ الرأْي، بِالْهَمْزِ، وَسَائِرُ الْقُرَّاءِ قرؤوا بادِيَ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يُهْمَزُ بادِيَ الرأْي لأَن الْمَعْنَى فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا ويَبْدُو، وَلَوْ أَراد ابْتِدَاءَ الرأْي فهَمَز كَانَ صَوَابًا؛ وأَنشد:
أَضْحَى لِخالي شَبَهِي بادِي بَدِي، ***وَصَارَ للفَحْلِ لِساني ويَدِي
أَراد بِهِ: ظَاهِرِي فِي الشَّبَهِ لِخَالِي.
قَالَ الزَّجَّاجُ: نَصَبَ بَادِيَ الرأْي عَلَى اتَّبَعُوكَ فِي ظَاهِرِ الرأْي وباطنُهم عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ اتَّبَعُوكَ فِي ظَاهِرِ الرأْي وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا مَا قلتَ وَلَمْ يُفَكِّرُوا فِيهِ؛ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ: " أَضحى لِخَالِي شَبَهِي بَادِي بَدِي "مَعْنَاهُ: خَرَجْتُ عَنْ شَرْخ الشَّبَابِ إِلَى حَدِّ الكُهُولة الَّتِي مَعَهَا الرأْيُ والحِجا، فَصِرْتُ كَالْفُحُولَةِ الَّتِي بِهَا يَقَعُ الِاخْتِيَارُ وَلَهَا بِالْفَضْلِ تَكْثُرُ الأَوصاف؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ مِنْ بَدَأْتُ مَعْنَاهُ أَوَّلَ الرَّأْيِ.
وبَادَى فلانٌ بِالْعَدَاوَةِ أَي جَاهَرَ بِهَا، وتَبَادَوْا بِالْعَدَاوَةِ أَي جاهَرُوا بِهَا.
وبَدَا لَهُ فِي الأَمر بَدْوًا وبَدًا وبَدَاءً؛ قَالَ الشَّمَّاخ:
لَعَلَّك، والمَوْعُودُ حقٌّ لِقَاؤُهُ، ***بَدَا لكَ فِي تِلْكَ القَلُوص بَداءُ
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ}؛ أَراد بَدَا لَهُمْ بَداءٌ وَقَالُوا لَيَسْجُنُنَّهُ، ذَهَبَ إِلَى أَن مَوْضِعَ لَيَسْجُنُنَّهُ لَا يَكُونُ فاعلَ بَدَا لأَنه جُمْلَةٌ وَالْفَاعِلُ لَا يَكُونُ جُمْلَةً.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِنْ هَذَا أَخذ مَا يَكْتُبُهُ الْكَاتِبُ فِي أَعقاب الكُتُب.
وبَداءَاتُ عَوارِضك، عَلَى فَعَالاتٍ، وَاحِدَتُهَا بَدَاءَةٌ بِوَزْنِ فَعَالَة: تَأْنِيثُ بَدَاءٍ أَي مَا يَبْدُو مِنْ عَوَارِضِكَ؛ قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ السَّمَاءة لِمَا سَمَا وعَلاك مِنْ سَقْفٍ أَو غَيْرِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سَمَاوَةٌ، قَالَ: وَلَوْ قِيلَ بَدَوَاتٌ فِي بَدَآت الحَوائج كَانَ جَائِزًا.
وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ أَبو البَدَوَاتِ، قَالَ: مَعْنَاهُ أَبو الْآرَاءِ الَّتِي تَظْهَرُ لَهُ، قَالَ: وَوَاحِدَةُ البَدَوَات بَدَاةٌ، يُقَالُ بَدَاة وبَدَوات كَمَا يُقَالُ قَطاة وقَطَوات، قَالَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَمْدَحُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الْحَازِمِ ذُو بَدَوَات أَي ذُو آرَاءٍ تَظْهَرُ لَهُ فَيَخْتَارُ بَعْضًا ويُسْقطُ بَعْضًا؛ أَنشد الْفَرَّاءُ:
مِنْ أَمْرِ ذِي بَدَوَاتٍ مَا يَزالُ لَهُ ***بَزْلاءُ، يَعْيا بِهَا الجَثَّامةُ اللُّبَدُ
قَالَ: وبَدا لِي بَدَاءٌ أَي تَغَيَّر رأْيي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَيُقَالُ: بَدَا لِي مِنْ أَمرك بَداءٌ أَي ظَهَرَ لِي.
وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَع: « خَرَجْتُ أَنا وربَاحٌ مَوْلَى رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعِي فرسُ أَبي طَلْحَةَ أُبَدِّيه مَعَ الإِبل »أَي أُبْرزُه مَعَهَا إِلَى مَوْضِعِ الكَلإِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ أَظهرته فَقَدْ أَبْدَيْته وبَدَّيته؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « أَنه أَمر أَن يُبَادِيَ الناسَ بأَمره »أَي يُظْهِرَهُ لَهُمْ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كتابَ اللَّهِ أَي مَنْ يُظْهِرُ لَنَا فِعْلَهُ الَّذِي كَانَ يُخْفِيهِ أَقمنا عَلَيْهِ الْحَدَّ.
وَفِي حَدِيثِ الأَقْرع والأَبْرص والأَعمى: « بَدَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَن يَبْتَلِيَهُمْ »أَي قَضَى بِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ مَعْنَى البَداء هَاهُنَا لأَن الْقَضَاءَ سَابِقٌ، والبَدَاءُ اسْتِصْوَابُ شَيْءٍ عُلم بَعْدَ أَن لَمْ يُعْلم، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: بَدَا لِي بَدَاءٌ أَي ظَهَرَ لِي رأْيٌ آخَرُ؛ وأَنشد:
لَوْ عَلَى العَهْدِ لَمْ يَخُنه لَدُمْنا، ***ثُمَّ لَمْ يَبْدُ لِي سِوَاهُ بَدَاءُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَبَدَا لَهُ فِي الأَمر بَدَاءً، مَمْدُودَةً، أَي نشأَ لَهُ فِيهِ رأْيٌ، وَهُوَ ذُو بَدَواتٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بَداءٌ، بِالرَّفْعِ، لأَنه الْفَاعِلُ وَتَفْسِيرُهُ بنَشَأَ لَهُ فِيهِ رأْيٌ يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
لعَلَّكَ، والموعودُ حَقٌّ لِقاؤه، ***بَدَا لَكَ فِي تِلْكَ القَلُوصِ بَدَاءُ
وبَدَاني بِكَذَا يَبْدوني: كَبَدأَني.
وافعَل ذَلِكَ بادِيَ بَدٍ وبَادِيَ بَدِيّ، غَيْرَ مَهْمُوزٍ؛ قَالَ: " وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِي وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزَةِ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: بادِيَ بَدَا، وَقَالَ: لَا يُنَوَّنُ وَلَا يَمْنَعُ القياسُ تنوينَه.
وقال "الْفَرَّاءُ: يُقَالُ افعلْ هَذَا بَادِيَ بَدِيّ كَقَوْلِكَ أَوَّل شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ بَدْأَةَ ذِي بَدِيّ، قَالَ: وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ بادِيَ بَدِيّ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا أَنه لَمْ يُهْمَزْ، الْجَوْهَرِيُّ: افعلْ ذَلِكَ بادِيَ بَدٍ وبَادِيَ بَدِيٍّ أَي أَوَّلًا، قَالَ: وأَصله الْهَمْزُ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ؛ وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ اسْمًا لِلدَّاهِيَةِ كَمَا قَالَ أَبو نُخَيلة:
وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِي، ***ورَيْثَةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ،
وَصَارَ للفَحْلِ لِسَانِي ويدِي قَالَ: وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا مِثْلَ معديكرب وَقَالِي قَلا.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبي وقاص: « قَالَ يَوْمَ الشُّورَى الْحَمْدُ لِلَّهِ بَدِيًّا »؛ البَدِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ: الأَول؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: افْعَلْ هَذَا بَادِيَ بَدِيّ؛ أي أَوَّل كُلِّ شَيْءٍ.
وبَدِئْتُ بِالشَّيْءِ وبَدِيتُ: ابْتَدَأْتُ، وَهِيَ لُغَةُ الأَنصار؛ قَالَ ابْنُ رواحَةَ:
باسمِ الإِله وَبِهِ بَدِينَا، ***وَلَوْ عَبَدْنا غيرَه شَقِينا،
وحَبَّذا رَبًّا وحُبَّ دِينا "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ لَيْسَ أَحد يَقُولُ بَدِيتُ بِمَعْنَى بَدَأْتُ إِلَّا الأَنصار، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ بَدَيْتُ وبَدَأْتُ، لَمَّا خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ كُسِرَتِ الدَّالُ فَانْقَلَبَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ.
وَيُقَالُ: أَبْدَيْتَ فِي مَنْطِقِكَ أَي جُرْتَ مِثْلَ أَعْدَيْت؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْحَدِيثِ: « السُّلْطانُ ذُو عَدَوان وَذُو بَدَوانٍ، بِالتَّحْرِيكِ فِيهِمَا، » أَي لَا يَزَالُ يَبْدُو لَهُ رأْيٌ جَدِيدٌ، وأَهل الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ بَدَيْنَا بِمَعْنَى بَدأْنا.
والبَدْوُ والبَادِيَةُ والبَدَاةُ والبَدَاوَة والبِدَاوَةُ: خِلَافُ الحَضَرِ، وَالنَّسَبُ إِلَيْهِ بَدَوِيٌّ، نَادِرٌ، وبَدَاوِيّ وبِدَاوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ لأَنه حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إِلَى البَدَاوَة والبِدَاوَة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ....
لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ بَدَوِيّ، فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ البَدَاوِيّ قَدْ يَكُونُ مَنْسُوبًا إِلَى البَدْوِ والبَادِيَةِ فَيَكُونُ نَادِرًا، قِيلَ: إِذَا أَمكن فِي الشَّيْءِ الْمَنْسُوبِ أَن يَكُونَ قِيَاسًا وَشَاذَّا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ أَولى لأَن الْقِيَاسَ أَشيع وأَوسع.
وبَدَا القومُ بَدْوًا أَي خَرَجُوا إِلَى بَادِيَتِهِمْ مِثْلَ قَتَلَ قَتْلًا.
ابْنُ سِيدَهْ: وبَدَا القومُ بَدَاءً خَرَجُوا إِلَى الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ لِلْبَادِيَةِ بَادِيَةٌ لِبُرُوزِهَا وَظُهُورِهَا؛ وَقِيلَ للبَرِّيَّة بَادِيَة لأَنها ظَاهِرَةٌ بَارِزَةٌ، وَقَدْ بَدَوْتُ أَنا وأَبْدَيْتُ غَيْرِي.
وَكُلُّ شَيْءٍ أَظهرته فَقَدْ أَبْدَيْتَه.
وَيُقَالُ: بَدَا لِي شيءٌ أَي ظَهَرَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الْبَادِيَةُ اسْمٌ للأَرض الَّتِي لَا حَضَر فِيهَا، وَإِذَا خَرَجَ الناسُ مِنَ الحَضَر إِلَى الْمَرَاعِي فِي الصَّحارِي قِيلَ: قَدْ بَدَوْا، والإِسم البَدْوُ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: البَادِيَة خِلَافُ الْحَاضِرَةِ، وَالْحَاضِرَةُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَحْضُرون المياهَ وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهَا فِي حَمْراء الْقَيْظِ، فَإِذَا بَرَدَ الزَّمَانُ ظَعَنُوا عَنْ أَعْدادِ الْمِيَاهِ وبَدَوْا طَلَبًا للقُرْب مِنَ الكَلإِ، فَالْقَوْمُ حينئذ بَادِيَةٌ بعد ما كَانُوا حَاضِرَةً، وَهِيَ مَبَادِيهِم جَمْعُ مَبْدًى، وَهِيَ المَناجِع ضِدُّ المَحاضر، وَيُقَالُ لِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَبْتَدِي إِلَيْهَا البادُونَ بَادِيَة أَيضًا، وَهِيَ البَوَادِي، وَالْقَوْمُ أَيضًا بَوَادٍ جَمْعُ بَادِيَةٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَدَا جَفَا» أَي مَنْ نَزَلَ الْبَادِيَةَ صَارَ فِيهِ جَفاءُ الأَعرابِ.
وتَبَدَّى الرجلُ: أَقام بِالْبَادِيَةِ.
وتَبَادَى: تَشَبَّه بأَهل الْبَادِيَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا تَجُوزُ شهادةُ بَدَوِيّ عَلَى صَاحِبِ قَرْية »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنَّمَا كُرِهَ شَهَادَةُ البَدَوِيّ لِمَا فِيهِ مِنَ الجَفاء فِي الدِّينِ والجَهالة بأَحكام الشَّرْعِ، ولأَنهم فِي الْغَالِبِ لَا يَضْبِطُون الشهادةَ عَلَى وَجْهِها، قال: وإليه"" ذَهَبَ مَالِكٌ، والناسُ عَلَى خِلَافِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « كَانَ إِذَا اهْتَمَّ لشيءٍ بَدَا »أَي خَرَجَ إِلَى البَدْوِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ يَفْعَل ذَلِكَ ليَبْعُدَ عن الناس ويَخْلُوا بِنَفْسِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « أَنه كَانَ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلاع».
والمَبْدَى: خِلَافُ المَحْضر.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه أَراد البَدَاوَةَ مَرَّةً» أَي الخروجَ إِلَى الْبَادِيَةِ، وَتُفْتَحُ بَاؤُهَا وَتُكْسَرُ.
وَقَوْلُهُ فِي الدُّعَاءِ: فإنَّ جارَ البَادِي يَتَحَوَّلُ "؛ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ ومَسْكنه المَضارِبُ وَالْخِيَامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُقِيمٍ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ جارِ المُقامِ فِي المُدُن، وَيُرْوَى النادِي بِالنُّونِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا يَبِعْ حاضِرٌ لبَادٍ، وَهُوَ مَذْكُورٌ مُسْتَوْفى فِي حَضَرَ».
وَقَوْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ}؛ أَي إِذَا جاءَت الْجُنُودُ والأَحْزاب وَدُّوا أَنهم فِي الْبَادِيَةِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي رَبِيعِهِمْ، وإلَّا فَهُمْ حُضَّارٌ عَلَى مِيَاهِهِمْ.
وقوم بُدَّا وبُدَّاءٌ: بادونَ؛ قَالَ:
بحَضَرِيّ شاقَه بُدَّاؤُه، ***لَمْ تُلْهه السُّوقُ وَلَا كلاؤُه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ ابْنِ أَحمر:
جَزَى اللهُ قَوْمِي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً، ***وبَدْوًا لَهُمْ حَوْلَ الفِراضِ وحُضَّرَا
فَقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِجَمْعِ بَادٍ كَرَاكِبٍ ورَكْبٍ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنى بِهِ البَدَاوَة الَّتِي هِيَ خِلَافُ الحَضارة كأَنه قَالَ وأَهْلَ بَدْوٍ.
قَالَ الأَصمعي: هِيَ البِدَاوة والحَضارة بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ؛ وأَنشد:
فمَن تكُنِ الحَضارةُ أَعْجَبَتْه، ***فأَيَّ رجالِ بَادِيَةٍ تَرانا؟
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هِيَ البَدَاوَة والحِضارة، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ.
وَالْبَدَاوَةُ: الإِقامة فِي الْبَادِيَةِ، تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ، وَهِيَ خِلَافُ الحِضارة.
قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا أَعرف البَدَاوَة، بِالْفَتْحِ، إِلَّا عَنْ أَبي زَيْدٍ وَحْدَهُ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا بَدَاوِيّ.
أَبو حَنِيفَةَ: بَدْوَتا الْوَادِي جَانِبَاهُ.
وَالْبِئْرُ البَدِيُّ: الَّتِي حَفَرَهَا فَحُفِرَتْ حَديثَةً وَلَيْسَتْ بعاديَّة، وَتُرِكَ فِيهَا الْهَمْزُ فِي أَكثر كَلَامِهِمْ.
والبَدَا، مَقْصُورٌ: مَا يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِ الرَّجُلِ؛ وبَدَا الرجلُ: أَنْجَى فَظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا تغَوَّط وأَحدث: قَدْ أَبْدَى، فَهُوَ مُبْدٍ، لأَنه إِذَا أَحدث بَرَزَ مِنَ الْبُيُوتِ وَهُوَ مُتَبَرِّز أَيضًا.
والبَدَا مَفْصِلُ الإِنسان، وَجَمْعُهُ أَبْدَاءٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ.
أَبو عَمْرٍو: الأَبْدَاءُ المَفاصِل، وَاحِدُهَا بَدًا، مَقْصُورٌ، وَهُوَ أَيضًا بِدْءٌ، مهموز، تقديره بِدْعٌ، وَجَمْعُهُ بُدُوءٌ عَلَى وَزْنِ بُدُوع.
والبَدَا: السَّيِّدُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ.
والبَدِيُّ ووادِي البَدِيِّ: مَوْضِعَانِ.
غَيْرُهُ: والبَدِيُّ اسْمُ وَادٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
جَعَلْنَ جراجَ القُرْنَتَيْن وَعَالِجًا ***يَمِينًا، ونَكَّبْنَ البَدِيَّ شَمائلا
وبَدْوَةُ: ماءٌ لَبَنِي العَجْلانِ.
قَالَ: وَبَدَا اسْمُ مَوْضِعٍ.
يُقَالُ: بَيْنَ شَغْبٍ وبَدًا، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالأَلف؛ قَالَ كثيِّر:
وأَنْتِ الَّتِي حَبَّبتِ شَغبًا إِلَى ***بَدًا إليَّ، وأَوطاني بلادٌ سِوَاهُمَا
وَيُرْوَى: بَدَا، غَيْرَ مُنَوَّنٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ بَدَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ: مَوْضِعٌ بِالشَّامِ قُرْبَ وَادِي القُرَى، كَانَ بِهِ مَنْزِلُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ "وأَولاده، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
والبَدِيُّ: الْعَجَبُ؛ وأَنشد:
عَجِبَتْ جارَتي لشَيْبٍ عَلاني، ***عَمْرَكِ اللهُ هَلْ رأَيتِ بَدِيَّا؟
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
59-أساس البلاغة (خرر)
خررخرّ من السقف، «فكأنما خرّ من السماء» «وخرّ ساجدًا» وخروا لأذقاهم خرورًا. وخر الماء خريرًا وخرخر، وكذلك الريح والقصب. وقال العجاج:
لوذ العصافير ولوذ الدخل *** تحت العضاه من خرير الأجدل
من حفيفه، وله عير خرارة، في أرض خوارة. ولعب الصبيان بالخرارة وهي الدوامة والخذروف.
ومن المجاز: عصفت ريح فخرت الأشجار للأذقان. والأعراب يخرون من البوادي إلى القرى أي يسقطون إليها ويطرءون. وجاءنا خرار من الناس وفرار.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
60-أساس البلاغة (رهم)
رهمأرهمت السماء: جاءت بالرهام والرهم، ووقعت رهمة: مطرة ليّنة صغيرة القطر. وروضة مرهومة. قال ذو الرمة:
أو نفحة من أعالي حنوة معجت *** فيها الصبا موهنًا والروض مرهوم
وقد رهمت الأرض. وتقول: مراهم الغوادي مراهم البوادي. ونزلنا بفلان فكنا في أرهم جانبيه: في أخصبهما.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
61-المحيط في اللغة (خر)
خر الخرير صوت الماء والريح.وخرير العقاب حفيفها، وجمعه أخرة.
والخرخرة صوت القصب ونحوه.
وصوت النمر في نومها.
وفي الشرب كذلك.
والخرور السقوط للوجه.
وخر الماء المكان جعل يه أخاديد.
والخرارة طراز الماء لأنه يخر بالماء.
والخر ما خره السيل، وجمعه خررة.
والخرخور الناقة الواسعة الإحليل، والخراخر جمعها.
وهي الكرام العزاز.
والخرخر الغزيرة الكريمة من النوق، وتجمع خراخر.
والخرخار الماء الجاري الكثير.
وساق خرخري ضعيف، وخرخرى.
وسنام مخرور مسترخ إن خر استرخى.
وإذا اضطرب بطن الإنسان مع عظمه قيل تخرخر بطنه.
والأخرة أماكن مطمئنة بي ربوتين تنقاد، واحدها خرير.
وجاءنا خرار الناس وهو من يسق إليك من البوادي والأعراب، وخرارة مثله.
وهم اللصوص أيضًا.
والخر أصل الأذن، وضربه على خر أذنه.
والخرور من النساء الكثيرة ماء القبل.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
62-تهذيب اللغة (عود)
عود: قال شمر قال محارب: العَوْد: الجَمَل المسنّ الذي فيه بقية قوة، والجميع عِوَدة.ويقال في لغة: عِيَدة وهي قبيحة وقد عوّد البعيرُ تعويدًا إذا مضت له ثلاث سنين بعد بُزُوله أو أربعٌ.
وسُودَد عَوْد إذا وُصف بالقدم.
قال: ولا يقال للناقة: عَوْدة، ولا عَوَّدت.
قلت: وقد سمعت بعض العرب يقول لفرس له: أنثى عَوْدة.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على جابر بن عبد الله منزله.
قال جابر: فعَمَدت إلى عَنْزٍ لي لأذبحها، فثغت، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَغْوتها، فقال: يا جابر: لا تقطع دَرًّا ولا نسلا.
فقلت: يا رسول الله إنما هي عَوْدة علفناها البَلَح والرُطَب فسمنت.
وقال ابن الأعرابي: عوّد الرجل تعويدًا إذا أسنّ.
وأنشد:
* فقلن قد أقصر أو قد عوّدا*
أي: صار عَوْدًا كبيرًا.
قال: ولا يقال: عَوْدٌ إلا لبعير أو لشاة.
ويقال للشاة: عَوْدة.
ولا يقال للنعجة: عَوْدة قال وناقة معوِّد.
أبو عبيد عن الأصمعي: جمل عَوْد، وناقة عَوْدة، وناقتان عَوْدتان، ثم عِوَدة في جَمْع العَوْدة مثل هِرَّة وهِرَر وعَوْد وعِوَدة مثل هِرّ وهِرَرةَ.
وفي «النوادر»: عَوْد وعِيَدة، وجمل غَلْق وغِلَقة إذا هُزل وكبِر.
وأما قول أبي النجم:
حتى إذا تجلَّى أصحمه *** وانجاب عن وجه أغرَّا دَهمُه
وتبع الأحمر عَوْد يزحمُه
فإنه أراد بالأحمر الصبح، وأراد بالعَوْد الشمس.
وطريق عود إذا كان عاديًا.
وقال:
* عَوْد على عَوْد من القُدْم الأول*
أراد بالعَوْد الأول: الجمل المسنّ، على عَوْد أي عن طريق قديم.
وقال الليث تقول: هذا الأمر أعْود عليك
أي: أرفق بك؛ لأنه يعود عليك برفق ويُسْر.
والعائدة: اسم ما عاد به عليك المُفْضِل من صلة أو فضل، وجمعها العوائد.
وعادٌ: قبيلة.
ويقال للشيء القديم: عادِيّ وبئر عاديّة.
وقال الفرّاء: يقال هؤلاء عَوْد فلان وعُوَّاده مثل زَوره وزُوَّاره، وهم الذين يعودونه إذا اعتلَّ والعوائد: النساء اللواتي يَعُدن المريض، الواحدة عائدة.
وقال الليث: العُود: كل خشبة دَقَّت.
قال: وخشبة كل شجرة غلظ أورقّ يسمى عُودًا.
قال: والعود: الذي يستَجْمرُ به معروف.
وقول الأسود بن يعْفُر:
ولقد علمت سوى الذي ينتابني *** أن السبيل سبيل ذي الأعواد
قال المفضل: سبيل ذي الأعواد يريد الموت، عنى بالأعواد ما يحمل عليه الميت.
قلت: وذلك أن البوادي لا جنائز لهم؛ فهم يضمّون عودًا إلى عود ويحملون الميت عليها إلى القبر.
قال ويقال للرجال الذين يعودون المريض: عُوَّاد؛ وللنساء عُوَّد؛ هكذا كلام العرب.
قال: والعُود: ذو الأوتار الذي يضرب به، ويجمع عيدانًا والعَوّاد الذي يتخذها.
وقال شمر في قول الفرزدق:
ومن ورث العُودين والخاتم الذي *** له المُلك والأرض الفضاء رحيبُها
قال العودان: منبر النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه.
وقال بعضهم: العَوْد تثنية الأمر عودًا بعد بَدْء.
يقال: بدأ ثم عاد.
والعَوْدة: عوده مرة واحدة.
وقال الله جلّ وعزّ: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف: 29، 30] يقول: ليس بعثكم بأشدّ من ابتدائكم.
وقيل: معناه: تعودون أشقياء وسعداء كما ابتدأ فطرتكم في سابق علمه، وحين أمر بنفخ الروح فيهم وهم في أرحام أمّهاتهم.
وقوله جلّ وعزّ: {وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَ يَعُودُونَ لِما قالُوا} [المجَادلة: 3].
قال الفراء: يصحّ فيها في العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا وفيما قالوا يريد النكاح، وكلٌّ صواب.
يريد: يرجعون عما قالوا وفي نقض ما قالوا.
قال: وقد يجوز في العربية أن تقول: إن عاد لما فعل، تريد إن فعله مرة أخرى ويجوز إن عاد لما فعل إن نقض ما فعل.
وهو كما تقول حلف أن يضربك فيكون معناه حلف لا يضربك.
وحلف ليضربنّك.
وقال الأخفش في قوله: (ثُمَ يَعُودُونَ لِما قالُوا) إنا لا نفعله فيفعلونه يعني الظهار.
فإذا أعتق رقبة عاد لهذا الذي قال إنه علَيّ حرام ففعله.
وقال أبو العباس: المعنى في قوله يَعُودُونَ
(لِما قالُوا) لتحليل ما حرَّموا، فقد عادوا فيه.
وروى الزجاج عن الأخفش أنه جعل (لِما قالُوا) من صلة (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فالمعنى عنده: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا.
قال: وهذا مذهب حسن.
وقال الشافعي في قوله: (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) يقول: إذا ظاهر منها فهو تحريم، كان أهل الجاهلية يفعلونه، وحُرّم على المسلمين تحريمُ النساء بهذا اللفظ.
فإن اتبع المظاهر الظهار طلاقًا فهو تحريم أهل الإسلام، وسقطت عنه الكفَّارة.
وإن لم يُتبع الظهار طلاقًا فقد عاد لما حَرَّم ولزمته الكفّارة عقوبة لما قال.
قال: وكان تحريمه إيّاها بالظهار قولًا، فإذا لم يطلِّقها فقد عاد لما قال من التحريم.
وقال بعضهم: معناه: و (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) أي كانوا يظاهرون قبل نزول الآية (ثُمَ يَعُودُونَ) للظهار في الإسلام فعليه الكفارة، فأوجب عليه الكفّارة بالظهار.
وقال بعضهم: إذا أراد العود إليها والإقامة عليها مَسّ أو لم يمسّ كفّر.
وقال الله جلّ وعزّ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ} [القَصَص: 85].
قال الحسن: معاده الآخرة.
وقال مجاهد: يُحييه يوم البعث.
وقال ابن عباس: (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) إلى مَعدِنك من الجنّة.
وقال بعضهم: (إِلى مَعادٍ) إلى مكة.
وقال الفراء: (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) حيث وُلدت.
قال: وذكروا أن جبريل قال: يا محمد أَشْتَقْتَ إلى مولدك ووطنك؟ قال: نعم.
فقال: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ).
قال والمَعَاد ههنا: إلى عادتك حيث ولدت وليس من العود.
وقد يكون أن تجعل قوله: (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) لمُصَيِّرُكَ إلى أن تعود إلى مكة مفتوحة لك فيكون المعاد تعجبًا إلى معاد أَيَّما معاد لما وعده من فتح مكّة.
وقال الليث: المَعَادة والمَعَاد كقولك لآل فلان معادة أي مصيبة يغشاهم الناس في مناوح أو غيرها يتكلم بها النساء.
يقال: خرجت إلى المعادة والمعاود: المآتم.
والمعاد.
كل شيء إليه المصير.
قال: والآخرة قال: والآخرة مَعَاد للناس.
وأكثر التفسير في قوله (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) لباعثك، وعلى هذا كلام الناس: اذكر المعاد أي اذكر مبعثك في الآخرة قاله الزجاج.
وقال ثعلب: المعاد: الموعد.
قال: وقال بعضهم: إلى أصلك من بني هاشم.
وقالت طائفة ـ وعليه العمل ـ معاد أي إلى الجنة.
ومن صفات الله سبحانه وتعالى: المبدىء المعيد: بدأ الله الخلق أحياء ثم يميتهم ثم يحييهم كما كانوا.
قال الله جلّ وعزّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَ يُعِيدُهُ} [الرُّوم: 27].
وقال: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج: 13] بدأ وأبدأ بمعنى واحد.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يحبّ النَكَل على النَكَل.
قيل: وما النَكَل على النَكَل.
قال: الرجل القويّ المجرب المبدىء المعيد على الفرس المجرب المبدىء المعيد.
وقوله المبدىء المعيد قال أبو عبيد: هو الذي قد أبدأ في غزوه وأعاد، أي غزا مرة بعد مرة، وجرَّب الأمور وأعاد فيها وأبدأ.
قلت: والفرس المبدىء المعيد: الذي قد رِيض وذُلّل وأُدِّب، ففارسه يصرفه كيف شاء لطواعيته وذِلِّه، وأنه لا يستصعب عليه ولا يمنعه رِكَابه ولا يجمح به.
ويقال: معنى الفرس المبدىء المعيد: الذي قد غزا عليه صاحبه مرَّة بعد أخرى وهذا كقولهم: ليل نائم إذا نيم فيه، وسر كاتم قد كتموه.
وقال شمر: رجل معيد أي حاذق.
وقال كثَيِّر:
عوم المعيد إلى الرَجا قذفت به *** في اللجّ داوية المكان جَموم
قال.
وأما قول الأخطل:
يشول إن اللبون إذا رآني *** ويخشاني الضُواضيَةُ المُعيد
قال أصل المعيد الجمل الذي ليس بعياياء وهو الذي لا يضرب حتى يُخلَط له.
والمعيد: الذي لا يحتاج إلى ذلك.
قال والمعيد من الرجال: العالم بالأمور الذي ليس بغُمْر.
وأنشد:
* كما يَتبع العَوْد المعيدَ السلائب*
أبو عبيد عن الأصمعي: المعيد: الفحل: الذي ضَرَب في الإبل مرات.
وقال أبو كبير الهذلي يصف الذئاب:
إلّا عواسر كالمِراط مُعيدة *** بالليل موردَ أيّم متعضَّف
أي: وردت مرارًا فليس تنكر الورود.
وقال الليث: يقال رأيت فلانًا ما يبدىء وما يعيد، أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة.
وأعاد فلان الصلاة فهو يعيدها.
وعاود فلان ما كان فيه فهو معاوِد.
واعتادني هم وحزن.
قال والاعتياد في معنى التعوّد، وهو من العادة.
يقال: عوَّدته فاعتاد وتعوَّد.
وقال الليث: يقال للرجل المواظب على أمره: مُعاوِد.
قال وفي كلام بعضهم: الزموا تقى الله واستعيدوها، أي تعوَّدها.
وقال في قوله:
* إلّا المعيداتُ به النواهضُ*
يعني النوق التي استعادت النهْض بالدَلْو.
ويقال للشجاع: بطل العاوِد.
ويقال: هو ميعبد لهذا الشيء أي مطيق له لأنه قد اعتاده.
شمر عن أبي عدنان: هذا أمر يعوّد الناس على أي يُضرِّيهم بظلمي وقال: أكره أن يعوّد على الناسَ فيضرَوْا بظلمي أي يعتادوه.
وقال غيره العَوَادُ: البِرّ واللطف.
يقال: عُدْ إلينا، فإن لك عندنا عَوَدًا، أي برًّا ولَطَفا.
أبو عبيد عن الأموي: العُوادة، ما أُعيد على الرجل من الطعام بعدما يفرغ.
قلت: إذا حذفت الهاء.
قلت: عَوَاد، كما
قالوا: أكال، ولَمَاظ، وقَضَام.
ويقال للطريق الذي أَعاد فيه السَّفْر وأبدءوا: مُعيد.
ومنه قول ابن مقبل يصف الإبل السائرة:
يُصبحن بالخَبْت يجتَبْن النِّعاف على *** أصَلاب هادٍ معبد لابسِ القَتَم
أراد بالهادي الطريق الذي يُهتَدى به، والمُعيد الذي لُحِب.
وقال الليث: وعادٌ الأولى هم عاد ابن عادِياء بن سام بن نوح الذين أهلكهم الله وقال زهير:
* واهلك لقمان بن عاد وعاديا*
وأما عاد الآخرة فهو بنو أُمَيم ينزلون رمال عالِج، عَصوا الله فمُسخوا نَسناسًا لكل إنسان منهم يد ورجل من شِقّ.
أبو عبيد عن الأصمعي: العَيْدانة، النحلة الطويلة، والجمع العَيْدان.
وقال لبيد:
* وأبيضَ العَيْدَانِ والجبّارِ*
وقال الليث: العِيد: كل يومِ مَجْمع، وسُمّي عيدًا لأنهم قد اعتادوه.
قال: واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه.
وقال العجاج يصف الثور الوحشي:
واعتاد أرباضًا لها آرِيّ *** كما يعود العيد نصرانيّ
فجعل العيد من عاد يعود.
قال: وتحوّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين.
وتصغير عيد عُييد، تركوه على التغيير؛ كما أنهم جمعوه أعيادًا ولم يقولوا: أعوادًا.
قال: والعِيدية: نجائب منسوبة معروفة.
وقال غيره: ما اعتادك من الهم فهو عيد.
وقال المفضل: عادني عيدِي أي عادتي.
وأنشد:
* عاد قلبي من الطويلة عِيد*
أراد بالطويلة روضة بالصَّمّان تكون ثلاثة أميال في مثلها.
وأمَّا قول تأبَّط شرًا.
يا عيدُ ما لك من شوق وإيراق *** ومَرَّ طيف من الأهوال طرَّاق
قال أراد يا أيها المعتادي.
وقوله: ما لك من شوق كقولك: ما لك من فارس، وأنت تتعجّب من فروسيته وتمدَحه.
ومثله: قاتله الله من شاعر.
ابن الأنباري في قوله: يا عيد مالكُ العيد: ما يعتاده من الحزن والشوق.
وقوله: ما لك من شوق أي ما أعظمك من شوق.
ويروى: يا هَيَد ما لك.
ومعنى يا هَيْد: ما حالك وما شأنك، ويقال: أتى فلان القوم فما قالوا له: هَيْد ما لك أي ما سألوه عن حاله.
قال: والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العِوْد فلمَّا سكنت الواو وانكسر ما قبلها صارت ياء.
وقال أبو عدنان يقال عَيْدنت النخلةُ إذا صارت عَيْدانة.
وقال المسيَّب بن عَلَس:
والأُدْم كالعَيْدان آزرها *** تحت الأَشَاء مكمّم جَعْلُ
قلت أنا: من جعل العيدان فيعالًا جعل النون أصلية والياء زائدة.
ودليله على ذلك قولهم: عيدنت النخلة.
ومن جعله فعلان مثل سيحان من ساح يسيح جعل الياء أصلية والنون زائدة.
ومثله هَيْمان
وعَيْلان.
الأصمعي: العَيْدانة: شجرة صُلبة قديمة لها عروق نافذة إلى الماء.
وأنشد:
تجاوبن في عَيْدانة مُرْجحِنَّة *** من السّدر رَوَّاها المصيفَ مَسِيلُ
وقال آخر: بَوَاسِق النخلَ أبكارًا وعُونًا ثعلب عن ابن الأعرابي: سُمِّي العِيد عِيدًا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدَّد.
قال ثعلب: وأصل العيد عِوْد فقلبت الواو ياء ليفرقوا بين الاسم الحقيقيّ وبين المصدر.
وقال شمر العِيديَّة: ضرب من الغنم وهي الأنثى من البُرقان، والذكر خروف، فلا يزال اسمَه حنى تُعَقّ عقيقته.
قلت: لا أعرف العيديَّة في العنم.
اعراف جنسًا من الإبل العُقَيليَّة يقال لها العِيديَّة ولا أدري إلى أيّ شيء نسبت.
وقال شمر: المتعيد: الظلوم.
وأنشد ابن الأعرابي لطَرَفة:
فقال ألا ماذا ترون لشارب *** شديدٍ علينا سُخْطُه متعيّد
أي: ظلوم.
وقال جرير:
يرى المتعيّدون عليّ دوني *** أُسودَ خفِيَّة الغُلْب الرقابا
قال وقال غيره: المتعيّد: الذي يتعيَّد عليه يُوعده.
وقال أبو عبد الرحمن: المتعيّد المتجنّي في بيت جرير.
وقال ربيعة بن مقروم: على الجهّال والمتعيّدينا
قال والمتعيَّد: الغضبان.
وقال أبو سعيد: يقال تعيّد العائن على من يتعيَّن له إذا تشهَّق عليه، وتشدَّد ليبالغ في إصابته بعينه.
وحكي عن أعرابيّ: هو لا يُتعيَّن عليه ولا يُتعيَّد.
وأنشد ابن السكيت:
كأنها وفوقها المجلَّد *** وقِربة غَرْفية ومِزود
غيري على جاراتها تَعَيَّد
قال: المجلَّد: حمل ثقيل، فكأنها وفوقها هذا الحِمْل وقربة ومزدود امرأة غيري تَعَيَّد أي تندرىء بلسانها على ضَرَّاتها وتحرك يديها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
63-تهذيب اللغة (هجر)
هجر: قال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] قال: الهاء في قوله {بِهِ} للبيت العتيق، يقولون: نحن أهلُه وقُطّانه وإذا كان اللّيل وسَمَرْتُم هَجَرْتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم والقرآن، فهذا من الهَجْر والرَّفْض.قال: وقرأ ابن عباس: (تُهْجِرُون) من أَهْجَرْتُ، وهذا من الهُجْر وهو الفُحْش، وكانوا يَسُبّون النبي صلى الله عليه وسلم إذا خَلَوا حولَ البيت ليلًا.
وقال الفرّاء: وإنْ قُرىء (تَهْجُرُونَ)، فجُعل من قولك: هَجَر الرجُل في منامه إذا هَذَى، أي أنكم تقولون فيه ما ليس فيه وما لا يضرُّه فهو كالهَذَيان.
ورُوي عن أبي سعيد الخُدْريّ أنه كان يقول لبنيه: إذا طُفْتم بالليل فلا تَلْغَوْا ولا تَهْجُروا.
قال أبو عُبَيد: معناه: لا تَهذُوا، وهو مِثلُ كلام المُبَرْسَمِ والمَحْموم، يقال: هَجَرَ يَهجُرُ هَجْرًا، والكلام مَهجور، ورُوي عن إبراهيم أنه قال في قول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفُرقان: 30]: قالوا فيه غيرَ الحقّ، ألم تر إلى المريض إذا هَجَر قال غير الحقّ؟!
وأما قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «إني كنت نهيتُكم عن زيارة القبور فزُوروها ولا تقولوا هُجْرًا» فإنّ أبا عُبَيد ذَكر عن الكسائيّ والأصمعيّ أنهما قالا: الهُجْر: الإفحاش في المَنطِق والخَنا.
يقال منه: أَهجرَ الرجلُ يَهجِرُ، وقال الشّمَّاخ:
كما جِدَةِ الأعراقِ قال ابنُ ضَرَّة *** عليها كلامًا جارَ فيه وأهجَرَا
وقال أبو زيد: يقال: أهجرتُ بالرّجل إهجارًا: إذا استهزأتَ به وقلتَ له قولًا قبيحًا، وهَجَر الرجلُ هَجْرًا، إذا تباعَد ونَأَى، وهَجَرَ في الصَّوْم هَجْرًا وهِجْرانًا.
ورُوي عن عمر أنه قال: هاجِروا ولا تَهجَّرُوا.
وقال أبو عبيد: يقول: أَخلِصوا الهِجْرةَ ولا تَشبَّهوا بالمهاجرين على غير صِحة منكم، فهذا هو التَّهجُّر، وهو كقولك: فلانٌ يتحلّم وليس بحليم، ويتشجَّع وليس بشجاع: أي أنه يُظهِر ذلك وليس فيه.
قلت: وأصل المُهاجَرة عند العرب: خروجُ البدويّ من بادِيتِه إلى المُدُن.
يقال: هاجَر الرجُل، إذا فَعل ذلك، وكذلك كلّ مُخْلٍ بمسكنه منتقِل إلى دارِ قومٍ آخرين؛ لأنهم تَركوا ديارَهم ومساكنَهم التي بها نشؤوا بها لله ولحقوا بدار قوم ليس لهم بها أهلٌ ولا مالٌ حينَ هاجروا إلى المدينة، وكذلك الذين هاجروا إلى أرض الحَبشة.
فكلُّ من فارقَ رِباعَه من بدويّ أو حَضَرّي وسكن بلدًا آخر فهو مُهاجر، والاسم منه الهِجْرة.
قال الله جلّ وعزّ: {وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النِّساء: 100] وكُلُّ من أقام من البَوادي بمَبادِيهِمْ ومَحاضرهم ولم يلحقوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يتحولوا إلى أمصار المسلمين التي أُحدِثَتْ في الإسلام وإن كانوا مسلمين فإنهم غير مُهاجرين وليس لهم في الفَيْء نصيبٌ، ويسمَّوْن الأعراب.
أبو عُبَيد عن الأصمعيّ: هجرتُ البعيرَ أهجُره هجْرًا، وهو أن يُشَدّ حبلٌ في رُسْغ رِجْله ثم يُشَدّ إلى حَقْوه.
وقال أبو الهَيْثم: قال نصير: هجَرتُ البَكْرَ، إذا رَبطْتَ في ذراعِه حَبْلًا إلى حَقْوه وقصْرتَه لئلا يقدر على العَدْو.
قلتُ: والذي حفِظْتُه عن العرب في تفسير الهِجار أن يؤخَذ حبلٌ ويسوَّى له عُروَتان في طَرَفيه بزرَّيْن، ثم تُشَدّ إحدى العُرْوَتين في رُسْغ رجل الفَرَس وتُزَرّ وكذلك العُروة الأخرى في اليد، وتُزَرّ، وسمعتُهم يقولون: هجِّروا خيلَكم، وقد هجَر فلان فرسه هجْرًا.
وقال أبو زيد: يقال لكلّ شيء أفرط في طول أو تَمام وحُسْن: إنه لمُهْجِر.
ونَخْلةٌ مُهجرة: إذا أفرطت في الطول، وأنشد:
يعلى بأعلى السُّحُق المُهاجرِ *** منها عِشاشُ الهُدهُد القُراقِر
وسمعتُ العرب تقول في نَعْتِ كلّ شيء جاوزَ حدَّه في تمامه: إنه لمُهجِر، وناقةٌ مُهجرة: إذا وُصفت بالفَراهة والحُسن، وإنما سُمي ذلك إهجارًا؛ لأنّ ناعِتَه يَخرج في نَعتِه عن الحدّ المقارِب المُشاكل
للمنعوت إلى نعت يُفرط فيه، فكأنه يَهذي ويَهجُر.
وقال أبو عُبَيد: قال أبو زيد وغيره: هِجِّيرَى الرجل: كلامُه ودَأْبُه، وشأنُه.
وقال ذو الرّمّة:
رَمَى فأَخطأَ والأقدارُ غالبة *** فانْصَعْنَ والويلُ هِجِّيراهُ والحَرَبُ
وقال الأمويّ: يقال: ما زال ذلك إهْجيراه وهِجِّيراه ودَأَبه ودَيْدَنَه.
ورَوى مالكُ بنُ أنس عن سُمَيّ عن أبي صالح عن أبي هُريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لو يَعلمُ الناسُ ما في التَّهجير لاستبقوا إليه؛ وفي حديث آخر: «المُهجِّرُ إلى الجُمُعة كالمُهْدي بَدنَه» يذهبُ كثيرٌ من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث تَفعيل من الهاجرة وقتَ الزوال، وهو غَلَط، والصواب ما رواه أبو داودَ المصاحِفي عن النضر بن شُمَيل أنه قال: التهجير إلى الجُمُعة وغيرها: التَبكير.
قال: سمعتُ الخليلَ بن أحمد يقول ذلك في تفسير هذا الحديث.
قلت: وهذا صحيح، وهي لغةُ أهل الحجاز ومن جاوَرَهم من قَيْس.
وقال لبيد:
راحَ القطِينُ بِهَجْرٍ بعد ما ابتَكَرُوا*
فقَرنَ الهجْر بالابتكار، والرَّواح عندهم: الذَّهاب والمُضيّ، يقال، راحَ القومُ: أي خَفُّوا ومَرُّوا أيّ وقتٍ كان.
ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يَعلَم الناسُ ما في التهجير لاستبقوا إليه»، أراد به التّبكيرَ إلى جميع الصَّلوات: وهو الذَّهاب إليها في أوَّل أوقاتها.
قلتُ: وسائرُ العَرَب تقول: هجّر الرجل: إذا خرج وقتَ الهاجرة رواه أبو عُبيد عن أبي زيد.
هَجّر الرجُل: إذا خرج بالهاجرة.
قال: وهي نصفُ النهار، قال: ويقال أتيتُه بالهجير وبالهَجْر.
ذكر ابن السكيت عن النضر أنه قال: الهاجرة إنما تكون في القَيْظ، وهي قبل الظُّهر بقليل، وبعدَها بقليل.
قال: والظهيرة: نصفُ النهار في القَيْظ حين تكونُ الشمسُ بحيال رأسِك كأنها لا تريد أن تبرح.
أنشد المنذريّ فيما روى لثعلب عن ابن الأعرابي في «نوادره» قال: قال جِعْثِنَة بنُ جَوَّاس الربَعيَّ في ناقته:
هلْ تَذْكرِينَ قَسَمي ونَذْرِي *** أزمانَ أنتِ بعُرُوضِ الجَفْر
إذْ أنتِ مِضْرَارٌ جوادُ الحُضْرِ *** فيُهجِرُون بهجِير الفجْر
قلت: قوله بهجِير الفجر، أي يُبكِّرون بوقت السّحَر.
وقال الليث: أَهْجَر القومُ: إذا صاروا في ذلك الوقت، وهَجَّر القومُ: إذا ساروا في وَقْته.
قال: والهِجِّيرَى: اسمٌ من هَجَر إذا هَذَى.
قال: والهَجْر من الهجْران: وهو تَرْكُ ما يَلزَمُك تَعاهُدُه.
قال: والهِجار: مُخالِف للشِّكال تشَدّ به يَدُ الفَحْل إلى إحدى رجليه، وأنشد:
كأنما شُدَّ هِجَارًا شاكِلا*
قلتُ: وهذا الذي ذكره الليث في تفسير الهِجار مُقارِب لما حكيتُه عن العرب سَماعًا وهو صحيح، إلا أنهُ يَهْجَر بالهجار الفَحْلُ وغيرُه.
وقال أبو عَمْرو: هِجار القَوس: وترُهَا.
وقال أبو سعيد: الهاجرة من حِين تزُولُ الشمس، والهُوَيْجِرَة بَعدَها بقليل.
والهاجِرِيّ: البَنَّاء.
وقال لبيد:
كعَقْر الهاجِرِيّ إذا ابتَناه *** بأشياء حُذِينَ على مِثالِ
والهجير: الحَوْض المبنيّ.
وقالت خنساءُ تصف فَرسًا:
فَمَالَ في الشَّدِّ حَثيثًا كما *** مالَ هَجِيرُ الرجل الأعسَرِ
شبّهتِ الفرسَ حين مال في حُضْره بحَوْض مُلىءَ فانثَلَم ومالَ ماؤه سائلًا.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: الهَجِير: ما يَبِس من الحَمْض.
وقال ذو الرمة:
وَلَمْ يَبقَ بالخَلْصاء ممَّا عَنَتْ به *** مِن الرُّطب إلَّا يَبْسُها وهَجِيرُها
أبو عُبيد عن الفرَّاء: ناقة مُهجِرة: فائقة في الشَّحْم والسِّمَن.
قال: ويقال: رمَاه بهَاجراتٍ ومُهجِرات: أي بفضائحَ، وناقَة هاجِرة فائقة.
قال أبو وَجْزة:
تُبَارِي بأجْوازِ العَقيق غُدَيَّةً *** على هاجِرَاتٍ حانَ منها نُزُولها
وقال أبو عُبيد: قال أبو زيد: يقال للنَّخلة الطويلة: ذهبتْ هَجْرًا، أي طُولًا وعِظَمًا.
أبو عُبيد، عن أبي زيد يقال لقيتُ فلانًا عن غُفْر: بعدَ شهْر ونحوِه، وعن هَجْر بعدَ الحول ونحوه.
وعَدَدَ مُهْتجِر: كثير.
وقال أبو نخيلة:
هذاك إسحاقُ وقَبْضٌ مُهْجِرُ*
أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال للخاتَم: الهِجار والزينة، وأنشد:
وفارسًا يَستلِب الهِجارا*
قال: يصفة بالحِذْق إذا رَمَى.
قال: والهُجَيرة: تصغير الهَجْرَة: وهي السَّنَة التامّة.
قلتُ: ومنه قولهم: لقيتُه عن هَجْر، أي بعد حَوْل.
وأنشد ابن الأعرابي:
وغِلْمَتي منهمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ *** وَأَبِقٌ مِنْ جَذْبِ دَلْوَيْها هَجِرْ
قال: هَجِر: يمشي مُثقلا متقارِبَ الخَطْو كأنّ به هِجارًا لا ينبَسِط ممّا به من الشَّرّ والبَلاء.
وسمعت واحدُ من غير البَحرانِيين يقولون للطعام الّذي يؤكل نصفَ النهَار: الهَجُورِيّ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
64-تهذيب اللغة (قرن)
قرن: أبو داود عن ابن شُميل قال: أهل الحجاز يسمُّون القارورة القَرَّان، الراء شديدة.وأهل اليمامة يسمُّونها الحُنْجورة.
الحَرّاني عن ابن السكّيت، قال: القَرْن: الجُبيلِ الصغير.
والقَرْن: قَرْن الشاة والبقر وغيرهما.
والقَرْن من الناس.
قال الله جلّ وعزَّ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} [الأنعام: 6].
قال أبو إسحاق: قيل: القَرْن ثمانون سنة، وقيل: سبعون.
قال: والذي يقع عندي والله أعلم أنَ القَرْن أهلُ كلِّ مدّة كان فيها نَبِيٌّ أو كان فيها طبقةٌ مِن أهل العِلم قَلَّت السِّنُونَ أو كثرت.
والدليل على هذا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم قَرْني ـ بمعنى أصحابي ـ ثم الذين يلونهم ـ يعني التابعين ـ ثم الذين يَلُونَهم» يعني الذين أخذوا عن التابعين.
قال: وجائز أن يكون القَرْن لجملة الأمة، وهؤلاء قُرونٌ فيها.
وإنما اشتقاق القَرْن مِن الاقتران، فتأويله أنَ القَرْن: الذين كانوا مقتَرِنين في ذلك الوقت، والذين يأتون مِن بَعدهم ذَوُو اقترانٍ آخر.
وقال ابن السكّيت: يقال هو على قَرْنه، أي: على سِنِّه.
وقال الأصمعيّ: هو قَرْنُه في السِّنّ بالفتح، وهو قِرْنه بكسرٍ، إذا كان مثله في الشدّة والشجاعة.
وقال ابن السكيت: القَرْن كالعَفَلة.
وقال الأصمعي: هي في المرأة كالأدْرَة في الرجل.
وقال: هي العَفَلة الصغيرة.
وقال ابن السكيت: القَرْنُ: الدُّفْعة مِن العَرَق، يقال: عَصرْنا الفَرَسَ قَرْنًا أو قرنين.
أبو عبيد عن ابن عمرٍو، قال: القُرون: العَرَق.
قلتُ: كأنه جمعُ قَرْن.
قال: والقَرُون: الفَرس الذي يَعرَق سريعًا: إذا جَرَى.
وقال ابن السكيت: القَرْن: الخُصلة من الشعر، وجمعه قُرون.
قال الأخطل يصف النساء:
وإِذا نصَبنَ قُرونهنَ لغَدرةٍ *** فكأنما حلّتْ لهن نُذورُ
وقال أبو الهيثم: القرون هاهنا: حبائل الصَّياد يجعل فيها قُرون يَصطاد بها، وهي هذه الفخوخ التي يصطاد بها الصِّعاءُ والحمام.
يقول: فهؤلاء النساء إذا صرنا في قرونهنَ فاصطدنَا فكأَنهنّ كانت عليهنّ نذور أن يقتلننا فحلّت.
وقال الأصمعيّ: القَرْن: جَمْعُك بين دابَّتين في حَبْل.
والحَبْل الذي يُلَزّان به يُدعَى قَرَنًا.
قال: وقَرْنا البئر، هما ما بُنِي فعُرِّض، فيُجعَل عليه خَشبٌ تُعَلَّق البكرة منه.
وقال الراجز:
تَبَيَّن القَرْنين فانظر ما هما *** أمَدَرًا أم حَجَرًا تراهما
وقال أبو سفيان بن حرب للعباس بن عبد المطلب حين رأَى المسلمين وطاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واتِّباعَهم إيّاه حينَ صلَّى بهم: «ما رأيتُ كاليوم طاعةَ قَوْم، ولا فارسَ الأكارِم، ولا الرُّوم ذاتَ القُرون».
قيل في تفسيره: إنَّهم قيل لهم ذات القرون لتَوارثهم المُلْكَ قَرْنًا بعد قَرْن؛ وقيل: سُمُّوا بذلك لقُرون شعورهم وتوفيرِهم إيَّاها، وأنَّهم لا يَجُزّونها.
وقال المرقَش:
لاتَ هَنَّا وليتَني طَرَفَ الزُّ *** جِّ وأهلِي بالشامِ ذاتِ القُرون
أراد الرومَ، وكانوا ينزلون الشام.
ومن أمثال العَرَب: «تَرَحك فلانٌ فلانًا على مثْل مَقَصِ قَرْن»، و «مَقَطّ قَرْن».
قال الأصمعيّ: القَرْن: جبلٌ مُطِلّ على عَرفات.
وأنشد:
وأصبَحَ عَهدُه كَمَقصِ قَرْنٍ *** فلا عَيْنٌ تُحَسّ ولا أثَارُ
ويقال: القَرْن هاهنا الحَجَر الأملس النقيُّ الذي لا أثَرَ فيه.
يُضرب هذا المَثل لمن يستأصل ويُصْطَلَم.
والقَرْن: إذا قُصَّ أو قُطُّ بَقيَ ذلك الموضعُ أَملَسَ.
وفي الحديث: «الشمس تَطلُع بين قَرنَيْ شيطان، فإذا طلَعَتْ قارنَها، فإذا ارتفعَتْ فارقَها».
ونَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذا الوقت.
وقيل: قَرْنا الشيطان: ناحيتا رأسه، وقيل: قَرْناه: جَمعاه اللذان يُغْريهما بالبَشَر ويفرِّقهما فيهم مُضِلِّين.
ويقال: إن الأشعّة التي تتقَضَّب عند طُلوع الشمس وتتراءى لمن استَقبَلها أنَّها تُشرق عليهما، ومنه قوله:
فصبّحتْ والشمسُ لم تَقَضَّبِ *** عَيْنًا بَغَضْيانَ ثجوجِ العُنْبُبِ
ويقال: إنّ الشيطانَ وقرنيه مَدْحُورون ليلةَ القَدْر عن مَراتبهم، مُزالون عَنْ مَقاماتهم،
مُراعِين طُلوعَ الشمس، ولذلك تَطلعُ الشمسُ لا شُعاع لها مِن غَدِ تلك الليلة، وهذا بيِّنٌ في حديث أُبيّ بن كعب وذكرِه الآية ليلة القدر.
وفي حديث آخر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: «إنَّ لك بيتًا في الجنة، وإنَّك لذو قَرنَيها».
قال أبو عبيد: كان بعض أهل العِلم يتأوَّل هذا الحديث أنَّه ذو قَرْنَي الجنَّة، أي: ذو طَرَفَيها.
قال أبو عبيد: ولا أحسِبه أراد هذا، ولكنه أراد بقوله: ذو قَرنَيْها، أي: ذو قَرْنَيْ هذه الأمّة، فأَضمَرَ الأمّة، وكنَى عن غيرِ مذكورٍ، كما قال الله جلَّ وعزَّ: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} [ص: 32] أراد الشمسَ ولا ذِكر لها.
وقال حاتم:
أماويَّ ما يُغْنِي الثَّراء عن الفتى *** إذا حشرَجَتْ يومًا وضاقَ بها الصَّدْرُ
يعني: النفس، ولم يذكرها.
قال: ومما يحقّق ما قلنا أنَّه عَنى الأُمّةَ حديثٌ
يُرْوَى عن علي رضياللهعنه، أنَّه ذَكَر ذا القَرْنين، فقال: «دعا قومَه إلى عبادة الله فضَرَبوه على قَرْنَيه ضربتين، وفيكم مِثلُه» فنُرَى أنه إنَّما عَنى نفسه، يعني أدعو إلى الحقِّ حتَّى أُضْرَب على رأسي ضربتين يكون فيهما قَتْلي.
وروَى أبو عُمَر عن أحمد بن يحيى أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ: «وإنَّك لَذو قَرْنَيْها»: يعني جَبَلَيها وهما الْحَسن والحسَين.
وأنشد:
أثَوْرَ ما أَصِيدُكم أم ثوررَيْن *** أم هذه الجَمّاءَ ذاتَ القرنينْ
قال: قَرناها هاهنا فزّاها، وكانا قد شَدَنا فإِذا آذاها شيءٌ دَفَعا عنها.
قال: وقال المبرّد في قوله الجمّاء: ذات القرنين؛ قال: كان قرناها صغيرين فشبَّهها بالجُمِّ.
ومعنى قوله: «إنك لذو قرنيها»، أي: إنك ذو قرنَيْ أمّتي كما أنَّ ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن كانَ ذا قرنَيْ أمَّته التي كان فيهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أدري ذو القرنين كان نبيًّا أم لا؟».
وأمَّا القَرَن فإِنّ الحرانيّ رَوَى عن ابن السكيت أنه قال: القَرَن: السّيف والنَبْل؛ يقال: رجل قارِنٌ: إذا كان معه سيف ونَبْل.
أبو عبيد عن الأصمعي قال: القَرَن: جعْبة من جلود تكون مشقوقةً ثم تُخرَزُ، وإنما تُشَقّ كي تَصِل الرِيحُ إلى الريش فلا يَفْسُد.
وقال ابن شُميل: القَرَن من خَشَب وعليه أديمٌ قد غُرِّيَ به، وفي أعلاه وعُرْض مقدَّمه فَرْجٌ فيه وشجٌ قد وُشِجَ بينه قِلاتٌ،
وهي خَشَبات معروضات على فَم الْجَفير جُعِلن قِوامًا له أن يَرْتَطِم، يُشرَج ويُفتَح.
وقال ابن السكيت: القَرَن: الجَعْبة، وأنشد:
يا بنَ هِشامِ أهلَكَ الناسَ اللبَن *** فكلّهم يَسعَى بقَوْسٍ وقَرَنْ
قال: والقَرَن: الحبْل يُقرَن فيه البعيران؛ والأقران: الحبال.
قال: والقَرَن أيضًا: الجَمَل المَقْرون بآخر.
وقال جريرُ بنُ الخَطَفَى:
ولو عندَ غَسّانَ السَّليطيّ عَرّسَتْ *** رَغا قَرَنٌ منها وكاسَ عقيرُ
وقال أبو نصر: القَرْن: حَبْل يُفتل من لحاء الشَّجَر.
وقال ابن السكيت: القَرَن: مصدر كبشٍ أقرَن بيِّن القرَن.
والقرَن: أن يلتقي طرفُ الحاجبين، يقال: رجلٌ أقرنُ ومقرون الحاجبين.
الأصمعي: القَرون: الناقة التي تجمع بين مِحلبين.
والقَرون: الناقة التي تُدانِي بين رُكْبتيها إذا بَرَكتْ.
والقَرون: التي تضع خُفَّ رِجليها على خُفّ يَدِها.
أبو عبيد عن الأصمعي يقال: سامحَتْ قَرُونُه، وهي النَّفس.
وقال غيره: سامحت قَرونُه وقَرونته وقَرينته، كلُّه واحد، وذلك إذا ذَلَّت نفسُه وتابَعْته؛ وقال أوْس:
فلافَى امرأً مِنْ مَيْدعانَ وأسمحَتْ *** قَرونَته باليأس منها فَعجَّلا
أي: طابت نفسُه بتركها.
ودُورٌ قَرائن: إذا كانت يَسْتقبِل بعضُها بعضًا.
والقَرون: الفَرَس الذي يَعْرق سريعًا.
أبو يزيد: أقرنَت السماءُ أيامًا تُمطِر ولا تُقْلع، وأغضَنَتْ وأَغينَتْ بمعنى واحد، وكذلك بَجَّدَتْ ورَيَّمَتْ.
ثعلب عن ابن الأعرابي: أقرَنَ الرجل: إذا أطاقَ أمر ضَيْعَته، وأقْرَن: إذا لم يُطِقْ أمرَ ضَيْعيه من الأضداد.
قال: وأَقْرَنَ: إذا ضَيَّقَ على غريمه.
وقال الله تعالى: {وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13]، أي: ما كنا له مُطيقين، واشتقاقه من قولك: أنا لفلانٍ مُقْرِن، أي: مُطيق، أي: قد صِرْت له قِرْنًا.
وقال ابن هانئ: المُقرِن: المطيق، والمقرن: الضعيف، وأنشد:
وداهيةٍ دَاهَى بها القومَ مَفْلِقُ *** بصيرٌ بعَوْرات الْخُصُوم لَزومُها
أَصَخْتُ لها حتّى إذا ما وَعيتُها *** رُميتُ بأخرى يَستديمُ خَصِيمُها
تَرَى القَوم منها مُقرِنين كأنما *** تَساقَوا عُقارًا لا يُبِلّ نَديمُها
فلم تلْغِني فَهًّا ولم تُلفِ حجتي *** ملجلَجةً أَبغِي لها مَنْ يُقيمها
وقال أبو الأحوص الرياحيّ:
ولو أدركته الخيلُ تدَّعى *** بذي نَجَبٍ ما أقرنت وأجلّتِ
أي: ما ضَعفَتْ.
وقال الأصمعي: الإقران: رَفْع الرجُل رأس رُمْحِه يصيب مَن قُدَّامه، يقال: أقرِن رُمْحَك.
والإقران: قوة الرجل على الرجل، يقال: أَقرَنَ له: إذا قَوِي عليه.
وقال غيره: المُقرِن: الذي قد غَلبتْه ضَيعتُه، يكون له إبلٌ أو غَنَم ولا مُعينَ له عليها ولا مُذِيد لها يذودُها يومَ ورْدِها، فهو رجل مُقْرِن.
الأصمعي: القران: النبل المستوية مِن عملِ رجلٍ واحد.
ويقال للقوم: إذا تَناضَلُوا: اذكروا القِران، أي: وَالُوا بِسَهْمين سهمين.
وقال ابن المظفّر: القِران: الحبْل الذي يُقرَن به البعيران، وهو القَرَن أيضًا.
قلت: الحبل الذي يُقرَن به بعيران يقال له القَرَن، وأما القِرن، وأما القِران فهو حَبلٌ يُقلَّده البعيرُ ويقادُ به.
ورُوِي أن ابن قتادة صاحب الحمالة تحمّل بحمالة، فطافَ في العرب يَسأل فيها، فانتهى إلى أعرابي قد أورَدَ إبِله، فسأله فيها، فقال له: أمعَك قُرُنٌ.
قال: نعم، قال: ناولني قِرانًا، فقَرَن له بعيرًا، ثم قال له: ناولني قِرانًا؛ فقَرَن له بعيرًا آخر، حتّى قَرَن له سبعين بعيرًا.
ثم قال: هات قِرانًا؛ قال: ليس معي؛ قال: أولى لو كانت معك قُرُنٌ لقَرَنْتُ لك منها حتى لا يَبقَى منها بعير.
وهو إياس بن قتادة.
والقِران: أن يَجمَع الرجل بين الحجّ والعُمْرة.
وجاء فلان قارِنًا.
والقَرْناء من النساء: التي في فَرْجها مانع يمنع مِن سُلوك الذَكَر فيه، إمّا غُدَّة غليظة، أو لحمةٌ مُرْتَتِقة، أو عَظْم، يقال لذلك كله القرَن.
وكان عمرُ يجعل للرجل إذا وجد امرأته قرناء؛ الخيار في مفارقتها من غير أن يوجب عليه مهْرًا.
وقال الأصمعي: القرنتان: شُعبتا الرَحِم كلُّ واحدة منها قَرْنة.
والقرنة: حد السكين والرمح والسَّهم؛ وجمعُ القرنة قُرَن.
وقال الليث: القَرْن: حدُّ رابيةٍ مشرفة على وهدة صغيرة.
والقُرانى: تثنية فُرادى، يقال: جاءوا قرانى وجاءوا فرادى.
وفي الحديث في أكل التمر: «لا قِرَانَ ولا تفتيش»، أي: لا يقرن بين تمرتين بأكلهما معًا.
والقرون: الناقة التي إذا بَعَرتْ قارنَتْ بعرها.
والقرين: صاحبك الذي يُقارنُك، وقال ابن كلثوم:
مَتى نعقِد قَرينتنا بحبلٍ *** نجذُّ الحبل أو نَقِصُ القرينا
قرنيته: نفسه هاهنا.
يقول: إذا أقرَنَّا القِرن غلبناه.
وقال أبو عبيد وغيره: قرينة الرجل: امرأته.
وقال الليث: القرنانُ: نعتُ سَوءٍ في الرجل الذي لا غيرة له.
قلت: هذا من كلام حاضرة أهل العراق ولَم أَر البوادِيَ لفَظُوا به ولا عرفوه.
وقارون: كان رجلًا من قوم موسى فبغَى على قومه، فخسف الله (بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ).
والقَيُّرَوان معرب، وهو بالفارسية كاروان وقد تكلمت به العرب قديمًا، قال امرؤ القيس:
وغارةٍ ذاتِ قَيْرَوانٍ *** كأنّ أسرابها الرعالُ
أبو عبيد عن الأصمعي: القَرنُوَة: نبت.
قلت: ورأيتُ العرب يدبغون بورقه الأُهُبَ، يقال: إهابٌ مُقرنى بغير همز وقد هَمَزَه ابنُ الأعرابي.
وقال ابن السكيت: سقاء قرنَوِي: دبغ بالقَرْنُوَة.
ويقال: ما جعلتُ في عيني قَرْنًا من كُحْل، أي: ميلًا واحدًا، من قولهم: أتيتُه قَرنًا أو قَرنين، أي: مرةً أو مرّتين.
والمقَرَّنة: الجبال الصغار يَدْنو بعضُها من بعض، سُمِّيَتْ بذلك لتَقارُنِها.
قال الهُذَلِيّ:
وَلَجِيءٍ إذا ما الليلُ جَنّ *** على المقرَّنة الحَباحِبْ
وقال أبو سعيد: استَقرَن فلانٌ لفلانٍ: إذا عازَّه وصار عند نفسِه من أقرانه.
وقال أبو عبيد: أقرَنَ الدُّمَّل: إذا حانَ أن يتَفَقَّأ.
وأَقرَنَ الدَّمُ واستقرَن، أي: كثر.
وإِبلٌ قُرانَى، أي: قَرائن.
وقال ذو الرمة:
وشِعْبٍ أبَى أن يَسلُكَ الغُفْرَ بينَه *** سَلَكْتُ قَرانَى من قيَاسِرَةٍ سُمْرَا
قيل: أراد بالشِّعب شِعَب الجبَل.
وقيل: أراد بالشِّعب فُوقَ السَّهْم.
وبالقُرانَى وَتَرًا فَتِل مِن جِلْد إبلٍ قَياسرة.
والقَرينة: اسم روضة بالصَّمّان.
ومنه قول الشاعر:
جَرَى الرِّمْثُ في ماءِ القَرينة والسّدْرُ
وقال أبو النجم يَذكر شَعْرَه حين صَلِع:
أفناه قولُ الله للشمسِ اطلُعي *** قرْنًا أَشِيبيهِ وقرْنًا فانزِعي
أي: أفنَى شَعرِي غروبُ الشمس وطلوعُها وهو مَرُّ الدهر.
قال: والقَرَن: تَباعُد ما بين رأسَيِ الثَّنِيَّتَيْنِ وإن تدانت أصولهما.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: القَرْن: الوقت من الزمان، فقال قومٌ: هو أربعون سنة، وقالوا: ثمانون سنة، وقالوا: مائة سنة.
قال أبو العباس: وهو الاختيار، لأنَّه جاء
في الخبر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مَسَح رأْسَ غلام.
وقال: «عِشْ قَرْنًا» فعاش مائة سنة.
عمرو عن أبيه: القَرين: الأسير.
والقَرين: العَيْن الكَحِيلُ.
شمر عن الأصمعي: القَرناء: الحيَّة، لأنَّ لها قَرْنًا.
وقال ذو الرمّة يصف الصائد وقُتْرَتَه:
يُبايتُه فيها أحَمُّ كأنه *** إباضُ قَلوصٍ أسلمتْها حِبالُها
وقرْناءُ يدعو باسمها وهو مُظْلمٌ *** له صوتُها إرْنانُها وزَمالُها
يقول: يُبيِّن لهذا الصائد صوتُها أنَّها أفْعَى، ويُبيّن لها مَشْيُها ـ وهو زَمالُها ـ أنها أفْعَى، وهو مُظلم، يعني الصائد أنّه في ظُلمة القُتْرَة.
ابن شميل: قرَنْتُ بين البعيرين وقَرَنتهما: إذا جمعتَ بينهما في حَبْل قَرْنًا.
والحَبْل الذي يُقْرَن به بينهما قَرَن.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
65-تهذيب اللغة (بدا)
بدا: قال الليث: بدا الشيءُ يَبدو بدُوّا إذا ظهر وبدا له في هذا الأمر بَدَاءٌ.قلت: ومن هذا أخذ ما يكتبه الكتاب في أعقاب الكتب: وَبَدَاءات عَوارضتك على فَعَالات واحدتها بداءة بِوَزْن فَعالة تأنيث بَدَاءٍ أي ما يبدو بُدُوّا من عوارضك وهذا مِثل السماء: لما سَما وعَلاك من سَقْفٍ أو غيره.
وبعضهم يقول: سَماوَةٌ، ولو قيل: بَدوَات في بَدَاءاتِ الحوائج كان جائزا، وقال الليث: الباديةُ اسمٌ للأرض التي لا حَضَر فيها وإذا خرج الناس من الحضر إلى المراعي في الصحارى قيل: قد بَدَوْا، والاسم: البَدْوُ.
قلت: الباديةُ خِلاف الحاضرة والحاضرةُ القومُ الذين يحضرون المياه وينزلون عليها في حَمْراء القَيظ فإذا بَرَد الزمانُ ظَعَنُوا
عن أَعْدَادِ المياه، وبَدَوْا طَلبا لِلْقُرْبِ من الكَلإِ فالقوم حينئذٍ باديةٌ، بعد ما كانوا حاضِرةً وبادُون بعد ما كانوا حاضرين: وهي مَباديهم جمع مَبْدًى، وهي المناجِعُ ضِد المحاضر، ويقال لهذه المواضع التي يَتَبَدَّى إليها، البَادون: باديةٌ أيضا وهي البوادِي والقوم أيضا بَوَادٍ، جمع باديةٍ، ويقال للرجل إذا تَغَوَّطَ وأحدثَ: قد أبدى فهو مُبْدٍ، وقيل له: مبدٍ لأنه إذا أحدث بَرَزَ من البيوت وهو مُتَبَرِّزٌ أيضا.
ابن السكيت عن الأصمعيّ: هي البِداوة والحَضارة بكسر الباء وفتح الحاء.
وأنشد:
فَمَنْ تكُنْ الحضَارَةُ أَعْجَبتْه *** فأَيَّ رجالِ باديةٍ تَرانا
قال وقال أبو زيد: البَداوة والحِضارة بفتح الباء وكسر الحاء.
وقال الله جلّ وعزّ: {وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] قرأ أبو عمرو وحده: {بادىءَ الرأي} بالهمز وسائر القراء قرءُوا {بادِيَ} بغير همز.
وقال الفراء: لا يهمز (بادِيَ الرَّأْيِ) لأن المعنى: فيما يظهر لنا ويبدو، وقال: ولو أراد ابْتَداء الرأي فَهَمَز كان صوابا.
وأنشد فقال:
* أَضْحَى لِخَالِي شَبَهي بَادي بَدِي *
أراد بهِ ظاهرِي في الشَّبَهِ لخَالي.
وقال الزجاج: نصب بادِيَ، على (اتَّبَعَكَ) في ظاهرِ الرأي وباطنهم على خلاف ذلك، ويجوز أن يكون اتبعوك في ظاهر الرأي ولم يتدبّروا ما قلتَ، ولم يفكروا فيه، وقيل للبَرِّية: باديَةٌ لأنها ظاهرةٌ بارزةٌ، وقد بَدَوْتُ أنا، وأبْدَيْتُ غيري، وكلُّ شيء أظهرتَه فقد أبْدَيتَه، وأما قِراءةُ أبي عمرو: بادىء الرأي فمعناه أوّلَ الرأي، أي اتَّبعوك ابتداءَ الرأي حينَ ابتدأوا ينظرون، وإذا فَكَّروا لم يتَّبعوك.
وقال ابن الأنباري: بادىءَ من بَدَأَ إذا ابتدأ.
قال: وانتصابُ مَن هَمز ومن لم يهمز بالاتباع على مذهب المصدر، أي اتبعوك اتباعا ظاهرا واتباعا مُبتدَأ.
قال: ويجوز أن يكون المعنى، ما نراك اتَّبَعَك إلا الذين هم أراذِلنا في ظَاهِر ما ترى منهم، وطَوِيّاتُهم على خِلافِك وعلى مُوافَقَتِنَا وهو مِن بَدا يَبْدُو إذا ظهر.
وقال في تفسير قوله:
أَضْحَى لخَالي شَبَهِي بادي بَدي *** وصَارَ الفحلُ لِساني وَيَدِي
قال: معناه: خرجتُ عن شَرْخ الشباب إلى حَدِّ الكهولة التي معها الرأيُ والحِجَى، فصِرتُ كالفحُولة التي بها يقع الأخيَارُ ولها بالفضل تكْثُر الأوصاف.
وقال أبو عبيد: يقال: أفعل ذلك بادىءَ بَدْءٍ مثل فاعلَ فَعْلٍ وبَادىءَ بَدِىءٍ على فعيل وبادي بَدِيٍ غير مهموز.
وقال الفراء: يقال: أفْعَل هذا باديَ بَدْءٍ كقولك: أولُ شيء وكذلك بَدْأة ذِي بَدْءٍ كقولك أول شيء.
قال: ومن كلام العرب، بادي بَدِيٍ بهذا المعنى إلا أنه لا يهمز.
أبو عبيد عن أبي عمرو: البَدْءُ السَّيِّدُ.
وأنشد:
ترى ثنْيانا إذ ما جاء بَدْؤُهم *** وبَدأَهُمْ إن أَتَانَا كان ثِنْيَانَا
وبَدَأَ اللهُ الخلق وأَبدأَهم.
قال الله جلّ وعزّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27].
وقال: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج: 13] فالأول مِن الْمَبَادِئ والثاني من المُبْدِئ وكلاهما صفةٌ لله عزوجل جليلة.
أبو عبيد عن الأموي: جاء بأمر بديءٍ على فَعيل أي عَجيب، قال: وبديءٍ من بدأنَهُ.
قال وقال أبو عمرو: الأَبْداءُ المفاصل واحدها بَدًى مقصور وهو أيضا بدءٌ مهموز تقديره بدْعٌ وجمعه بدوء على وزن بُدُوعٍ.
وقال غيره: البدءُ: البئْرُ البديء التي ابتُدئ حَفْرُها فحفِرتْ حديثةً وليست بِعاديَّةٍ وتُرك فيها الهمز في أكثر كلامهم.
ويقال: فعلتُ ذلك عَوْدا وبدءَا.
وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ في البدأَة الرُّبْعَ، وفي الرَّجعة الثُّلُثَ، أراد بالبدأة ابتداء سفر الغَزْو، إذا نَهضتْ سَرِيَّةٌ من جُملة العسكر فَأَوْقَعتْ بطائفة من العدوّ فما غنموا كان لهم الرّبع، ويَشْرَكُهم سائرُ العسكر في ثلاثة أرباع ما غَنِموا، فإن قَفَلوا من الغَزاةِ، ثم نهضتْ سَرِيَّة كان لهم من جميع ما غنموا الثُّلُثُ، لأن نهوضَهم سَرِيةً بعد القَفْل أشقُّ والخطرُ فيه أعظم.
الأصمعي: بُدِئَ الرجلُ فهو مَبدوءٌ إذا جُدرَ فهو مَجْدور، والبدءُ خير نصيب في الجزور وجمعه أَبداءٍ، ومنه قول طرفة:
وهُمْ أَيْسارُ لُقمانَ إذا *** أَغْلَتِ الشَّتْوَةُ أَبداء الجُزُرْ
ويقال: أَهْدَاهُ بدأَةَ الجزُورِ أي خَيْرَ الأنْصِبَاءِ.
وأنشد ابن السكيت:
* على أَيِّ بَدْءٍ مَقْسمُ اللَّحْمِ يُجْعَلُ*
وقال أبو زيد: أبدأتُ من أرضٍ إلى أرضٍ أخرى، إذا خرجتَ منها إلى غيرها إِبداء، وبدئ فلانٌ فهو مَبدوء إذا أخذه الجُدَرِيُّ أو الحَصْبةُ، وبدأتُ بالأمر بَدْءا.
وفي الحديث: «حَرِيمُ البئر البديءِ خَمْسٌ
وعِشرون ذراعا».
قال أبو عبيدة: يقال للرَّكِيَّةِ: بَدِيءٌ وبَديعٌ إذا حَفَرْتَها أَنْتَ، فإن أَصَبْتَها قد حُفِرت قَبْلك فهي خَفِيَّةٌ، قال: وَزَمْزَم خَفِيَّةٌ لأنها كانت لإسمَاعيلَ فانْدَفَنَتْ وأنشد:
فَصَبَّحَتْ قبلَ أَذَانِ الفُرْقَانْ *** تَعْصِبُ أَعْقارَ حياضِ البُودانْ
قال: البُودانُ القُلْبانُ، وهي الرّكايا واحدها بَدِيءٌ قلت: هذا مَقْلوبٌ، والأصل البُدْيَانُ فَقَدَّمَ الياء وجعلها وَاوا، والفُرْقَانُ الصُّبْحُ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
66-معجم العين (مد)
مد: المَدُّ: الجَذْبُ، والمَدُّ: كَثرةُ الماء أيّامَ المُدودِ.ومَدَّ النَّهرُ، وامتَدَّ الحَبْلُ، هكذا قالته العَرَب.
والمَدَدُ: ما أمدَدْتَ به قومًا في الحربِ وغيره من الطعام والأعوان.
والمادّةُ: كُلُّ شيءٍ يكون مَدَدًا لغيره، ويقال: دَعُوا في الضَّرْعِ مادَّةَ اللَّبَنِ، والمتروكُ في الضَّرْعِ هو الدّاعية، وما اجتَمَعَ إليه هو المادّةُ.
والمادَّةُ: أَعرابُ الإِسلام، وأصل العرب وهم الذين نَزَلوا البَوادي.
والمِدادُ: ما يُكتَبُ به، يقال: مُدَّني يا غلامُ، أي أَعطِني مُدَّةً من الدَّواةِ، وأمدِدْني جائز، فإِن قُلتَ: أَمِدَّني خُرِّجَ على مجرى المَدَد بها والزِّيادة ويكون في معنى المَدَد.
والمَديدُ: شَعيرٌ يُجَشُّ ثم يُبَلُّ فتَضفَره الاِبِل.
والمُدَّة: الغاية، وتقول: هذه مُدَّة عن غَيْبَته، وله مُدَّة أي غاية في بقاء عَيشِه.
ومَدَّ اللهُ عُمْرَكَ أي جَعَلَ لعُمْرِكَ مُدَّةً طويلة.
والمُدُّ نصف صاعٍ، والصّاعُ خمسةُ أرطالٍ وثُلْث، ويقال: إنّه مِثلُ القَفيزِ السناني (كذا).
ولعبة للصِّبيان يقال لها: مِداد قيس.
والتَمَدُّد كتَمَدُّدِ السِّقاء، وكذلك كلُّ شيءٍ يبقى فيه شِبْهُ المَدِّ.
والامتِدادُ في الطول، وامتَدَّ بهم السَّيْرُ أي طالَ.
وأمَدَّ الجُرْحُ أي: اجتمعت فيه المِدَّة.
وسُبحانَ اللهِ مدادَ كلماتِه من المَدِّ لا من المداد الذي يُكتَبُ (به)، ولكنَّ معناه على قَدْر كَثرتها وعَدَدها.
والأَمِدّةُ: المِساك في جانِبَي الثوب إذا ابتُدِىءَ في عَمَلِه، والتثنيةُ أَمِدّانِ بوزن أفعِلانِ.
والمدَيد: بَحرٌ من العَروض نحوُ قوله:
يا لَبَكرٍ انشروا لي كُلَيبًا *** يا لَبَكْرٍ أينَ أين الفِرارُ
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م