نتائج البحث عن (الشواب)
1-المعجم الوسيط (جَمَعَ)
[جَمَعَ] المُتفَرِّقَ-َ جَمْعًا: ضَمَّ بعضَهُ إِلى بعضٍ، وفي المثل: "تَجمَعينَ خِلابَةً وصُدُودًا ": يُضْرَبُ لمن يجمعُ بين خَصْلَتَيْ شَرٌ.و- اللهُ القُلوبَ: أَلَّفهَا، فهو جامِعٌ، وجَمُوعٌ أَيضًا، و مِجْمَعٌ، وجَمَّاع.
والمفعول: مَجْمُوعٌ، وجَميعٌ.
ويقال: جمع القومُ لأَعدائهم: حَشَدُوا لِقِتَالهم.
وفي التنزيل العزيز: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173].
و- أَمْرَهُ: عَزَمَ عليه.
و- عليه ثِيَابَهُ: لَبِسَها.
والجاريَةُ الثِّيَابَ: شبَّتْ فلبِستْ ملابسَ الشَّوَابّ.
ويقال: ما جَمَعْتُ بامرأَةٍ، وما جَمَعْتُ عَن امرأَةٍ: ما بَنَيْتُ.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
2-شمس العلوم (إِيَّاك)
الكلمة: إِيَّاك. الجذر: ءيك. الوزن: فِعْلَى.[إِيَّاك] وإِيَّاه: كلمة تخصيص تستعمل مقدمة على الفعل، كقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
ولا تستعمل مؤخرة عن الفعل إِلا أن يفصل بينها وبين الفعل، كقولك: لا نعبد إِلا إِياك.
وإِيّا: من أَوى يأوي، وأصلها: إِوْيَا، فانقلبت الواو ياء ثم أدغمت.
قال الخليل وسيبويه: إِيّا: اسم مضاف إِلى الكاف.
قال الخليل: وهو اسم مضمر مضاف إِلى الكاف، وهي في موضع خفض.
وحكى عن العرب.
إِذا بلغ الرجلُ السّتين فإِيّاه وإِيِّا الشَّوَابِّ.
وقال محمد بن يزيد: هذا خطأ، لا يضاف المضمر، ولكنه مبهم مثل «كُلّ» أضيف إِلى ما بعده.
وقال الأخفش: لا موضع للكاف في إِيّاك، وهي كلمة واحدة، لأن المضاف لا يكون إِلا نكرة، وإِيّاك في غاية التعريف.
وقال الكوفيون: إِيّاك: ضمير منفصل بكمالها.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
3-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (قلص)
(قلص) - في حديثِ عائشةَ - رضي الله عنها -: "أنها رَأت على سَعْدٍ - رضي الله عنه - دِرْعًا مُقَلَّصَةً "يقال: قَلَّصَت الدِّرعُ، وتقلَّصَت: تَضامَّت. وأَكثَر ذلك فيما يكون إلى فَوْق، كالشِّفَةِ العُلْيَا، ونحوها.
وأَصلُه التَّخفِيفُ، فَهو قَالِصٌ، والتَّثْقِيل للمبالغة.
- ومنه حديثُ عائشة - رضي الله عنها -: "فَقَلصَ دَمْعِي "
: أي ارْتَفَع وذَهَبَ.
- في حديث ابنِ مَسعُودٍ - رضىَ الله عنه -: "قال للضَّرْع: اقْلِصْ - بالكسر -، فقَلَصَ"
وقد يَكُون قَلَصَ مُتعَديًا. يُقالُ: قَلَصَنَا البَردُ يَقْلِصُنَا.
: أي قَبضَنا، فإذَا أردتَ أظْعَنَنَا قلت: أَقْلصَنا.
- في حديث عمر - رضي الله عنه -: "قَلَائِصَنَا "
بالنَّصبِ: أي تَدَراكْهنَّ. كَنَى بها عن النِّسَاءِ. وأَصلُهَا الشَّوابُّ من النُّوقِ، الواحدة قَلُوصٌ.
- ومنه حَدِيثُ علىٍّ - رضي الله عنه -: "عَلَى قُلُص نَواجٍ"
وقيل: القَلُوصُ: الأُنثى من النَّعام والِإبلِ.
وقيل: لا تَزالُ قَلُوصًا حتى تَبْزُل؛ وجَمعُها: قِلَاصٌ وقُلُصٌ وقَلائِصُ.
وقيل: هي النَّاقَةُ البَاقِيةُ على السَّيْر. وقيل: الطويلَةُ القَوائِم.
- في حديثِ مَكْحُول: "أَنَّه سُئِلَ عَن القَلُوص، أَيُتَوضَّأُ منه؟ فقال: ما لم يَتَغَيَّر."
قال أبو عُبَيْد: القَلُوصُ: نَهرٌ قَذِرٌ، إلَّا أَنَّه جارٍ.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
4-معجم النحو (التحذير)
التّحذير:1 ـ تعريفه:
هو تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه.
2 ـ قسماه:
(1) ما يكون بلفظ «إيّاك» وفروعه وهذا عامله محذوف وجوبا، سواء أكان معطوفا عليه أم موصولا ب «من» أو متكرّرا نحو «إيّاك والتّواني» ونحو «إيّاك من التواني» وأما نحو قوله:
«فإيّاك إيّاك المراء فإنّه ***إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب »
فعلى تقدير «من» محذوفة للضرورة، أي «من المراء» ولا خلاف في جواز «إيّاك أن تفعل كذا» لصلاحيته لتقدير «من»
ولا تكون «إيّا» في هذا الباب لمتكلم، وشذ قول عمر (رض) «لتذكّ لكم الأسل والرماح والسّهام، و «إيّاي» وأن يحذف أحدكم الأرنب».
ولا تكون لغائب، وشذّ قول بعض العرب: «إذا بلغ الرجل السّتّين فإيّاه وإيّا الشّوابّ».
(ب) أن يذكر «المحذّر» بغير لفظ «إيّا» أو يقتصر على ذكر «المحذر منه» وإنّما يجب الحذف إن كررت أو عطفت، فالأوّل نحو «نفسك نفسك، و «الأسد الأسد»، والثاني نحو {ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها} وفي غير ذلك يجوز إظهار العامل كقول جرير يهجو عمر بن لجأ التميمي:
«خلّ الطريق لمن يبني المنار به ***وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر »
معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م
5-المعجم المفصل في النحو العربي (إيا)
إيّااختلف النحويّون حول «إيّا» التي هي جزء من «إيّاك» حول هل الضّمير فيها هو «الكاف» أو «إيّا». وأدلى البصريّون برأيهم وكذلك الكوفيون.
ونوجز فيما يلي أهم آرائهم:
1 ـ ذهب الكوفيّون أن «الكاف» في «إيّاك»، «والهاء» في «إيّاه»، و «الياء» في «إياي» هي الضمائر المنصوبة وأن «إيّا» زائدة، حسب رأي ابن كيسان. وحجتهم أن «الهاء» و «الكاف» و «الياء» هي الضمائر لأنها هي نفسها الضمائر المتصلة بالأسماء والأفعال، فلما انفصلت عن العامل وبقيت على حرف واحد جيء بـ «إيّا» لتعتمد هذه الأحرف عليها فصارت بمنزلة حرف زائد، يدلّ على ذلك إلحاق التّثنية والجمع في ما بعد «إيّا» ولزومها لفظا واحدا. وضعّف لأن «الهاء» و «الكاف» و «الياء» وإن كانت مثل تلك المتصلة بالأسماء والأفعال فهي مثلها في اللّفظ وتخالفها في المعنى، لأنها مع «إيا» حروف، ومع الأسماء أسماء ضمائر، وهي مع «إيّا» كالتاء في «أنت»، وهي مع العامل كالتاء في «قمت»، فكما أنّ «التاء» في «أنت» ليست كالتاء في «قمت» فكذلك هنا مع «إيّا»، و «التّاء» في «أنت» لمجرّد الخطاب وليست عمادا وكذلك «إيّا» هي الضّمير وحدها.
2 ـ وذهب البصريّون أن «إيّا» هي الضّمير والملحقات بها هي حروف لا محلّ لها من الإعراب، واحتجوا بأن قالوا: لا بدّ أن يكون أحدهما ضميرا منفصلا، والضمائر المنفصلة لا تكون على حرف واحد لأنه لا نظير له في كلامهم، فوجب أن تكون «إيّا» هي الضّمير وما بعدها لا محل له من الإعراب، ولو لا ذلك لكانت في محل جرّ بالإضافة ولا سبيل للإضافة هنا؛ لأن الضمائر المنفصلة لا تضاف إلى ما بعدها، والمراد بالإضافة التّعريف والضّمائر في أعلى مراتب التعريف فلا حاجة لها للإضافة، فوجب أن تكون هذه الحروف لا محلّ لها من الإعراب.
3 ـ ذهب الخليل أن «إيّا» ضمير أضيف إلى «الكاف» و «الهاء» و «الياء» لأنه لا يفيد معنى بانفراده ولا يقع معرفة بخلاف غيره من المضمرات فخصّ الإضافة عوضا عمّا منعه ولا يعلم ضمير أضيف غيره. فهذا القول باطل لأن
الضّمير ما وقع قط نكرة وهو دائما معرفة والذي يدلّ على ذلك أنّ علامات التّنكر لا يحسن دخولها عليه، بل فيها إبهام تبيّنه هذه الحروف، كالتاء في «أنت» فإن الضّمير هو «أن» وهو مبهم و «التاء» تبيّنه فإن كانت مفتوحة دلّت على أنّه للمذكّر وإن كانت مكسورة دلّت على أنه للمؤنث.. وكذلك في «إياك» إذ جعلت هذه الأحرف مبيّنة لذلك الإبهام، وكما لا يجوز أن يكون «أن» مضافا إلى «التاء» في «أنت» فكذلك لا يجوز أن يقال: إن «إيّا» مضاف إلى لواحقه.
4 ـ وذهب المبرّد إلى أنّ «إيّا» اسم مبهم أضيف للتّخصيص ولا يعلم اسم مبهم أضيف غيره. فالجواب عن ذلك أن الاسم المبهم معرفة والمعرفة لا تضاف.
5 ـ وذهب الزّجاج إلى أنّه اسم ظاهر خصّ بالإضافة إلى سائر المضمرات التي تقع في محل جرّ. فذلك باطل أيضا، لأنه لو كان كذلك لما اقتصر على لفظ واحد ولا على نوع واحد من الإعراب وهو النّصب، وباقتصاره على النّصب دلّ على أنه ضمير، إذ لا يعرف اسم ظاهر اقتصر على ضرب واحد من الإعراب إلا ما اقتصر فيه على الظّرفيّة، مثل: «ذات مرة، وبعيدات، وبين» وعلى المصدريّة، مثل: «سبحان، ومعاذ» وليس «إيا» ظرفا ولا مصدرا فيلحق بهذه الأسماء.
6 ـ وحكي عن الخليل أنّ العرب قالوا بإضافته إلى الظّاهر في مثل: «إذا بلغ الرّجل السّتين فإيّاه وإيّا الشّواب». فقد ذكر سيبويه في «الكتاب» أنه لم يسمع ذلك من الخليل إنّما قال: حدّثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول: «إذا بلغ الرجل السّتّين فإياه وإيّا الشّواب» وهي رواية شاذّة لا يعتدّ بها، وكأنه لما رأى آخره يتغيّر كتغيّر المضاف والمضاف إليه أجراه مجراه.
7 ـ ثم إنّ هذه الرّواية هي حجّة على من يزعم أنه اسم ظاهر خصّ بالإضافة إلى سائر المضمرات التي تقع في محل جرّ، وهو ما ذهب إليه الزّجاج، فما ذهب إليه باطل، لأن «إيّا» أضيف إلى الظّاهر وهو «الشّواب». والذّي يدلّ على أنه ليس باسم ظاهر أنّه لو كان كذلك لجاز أن يقال: «ضربت إيّاك»، كما يقال: ضربت زيدا فلما لم يجز ذلك دلّ على أنه ليس باسم مظهر. وأما قول الشاعر:
«بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ***إيّاهم الأرض في دهر الدّهارير»
ففيه «إيّا» ضمير منفصل عن الفعل للضّرورة الشعريّة والقياس هو القول: ضمنتهم الأرض.
ومثل ذلك قول الشاعر:
«أتتك عنس تقطع الأراكا***إليك حتى بلغت إياكا»
وفيه جاء الضّمير منفصلا للضّرورة الشّعرية أيضا والقياس القول: بلغتك، ويقول الزّجاج إن «إيّاك» ليست مفعولا به إنّما هي توكيد لضمير متّصل محذوف يقع مفعولا به لبلغت، والتقدير: بلغتك إيّاك وما هذا إلا للتخلص من ضرورة والوقوع بضرورة أخرى، لأن حذف المؤكّد وبقاء التّوكيد مما لا يجوز.
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
6-معجم القواعد العربية (التحذير)
التحذير:1 ـ تعريفه:
هو تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليجتنبه.
2 ـ قسماه:
(1) ما يكون بلفظ «إيّاك» وفروعه وهذا عامله محذوف وجوبا سواء أكان معطوفا عليه أم موصولا ب «من» أو متكرّرا نحو «إيّاك والتّواني». ونحو «إيّاك من التواني».
وأمّا نحو قوله:
«فإيّاك إيّاك المراء فإنّه *** إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب »
فعلى تقدير «من» محذوفة للضّرورة. أي «من المراء» ويجوز في هذا أن تقول: «إيّاك أن تفعل كذا» لصلاحيّته لتقدير «من». ولا تكون «إيّا» في هذا الباب لمتكلّم، وشذّ قول عمر (رض) «لتذكّ لكم الأسل والرّماح والسّهام، و «إيّاي» وأن يحذف أحدكم الأرنب».
ولا تكون لغائب، وشذّ قول بعض العرب «إذا بلغ الرجل السّتّين فإيّاه وإيّا الشّواب».
(2) أن يذكر «المحذّر» بغير لفظ «إيّا» أو يقتصر على ذكر «المحذّر منه» وإنّما يجب الحذف إن كرّرت أو عطفت، فالأول نحو «نفسك نفسك» و «الأسد الأسد» والثاني نحو: {ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها}. وفي غير ذلك يجوز إظهار العامل كقول جرير يهجو عمر بن لجأ التميمي:
«خلّ الطريق لمن يبني المنار به *** وأبرز ببرزة حيث اضطّرك القدر »
التّحضيض: الحثّ على أمر بشدّة وأدواته: «هلّا، وألّا، ولو لا وألا» إن دخلت على مضارع، وإن دخلت على الماضي فهي للتّنديم (انظر في أحرفها وأن المصدريّة).
معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه/1984م
7-موسوعة الفقه الكويتية (برزة)
بَرْزَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْبَرْزَةُ هِيَ: الْمَرْأَةُ الْبَارِزَةُ الْمَحَاسِنِ، أَوِ الْمُتَجَاهِرَةُ الْكَهْلَةُ الْوَقُورَةُ، الَّتِي تَبْرُزُ لِلْقَوْمِ يَجْلِسُونَ إِلَيْهَا وَيَتَحَدَّثُونَ، وَهِيَ عَفِيفَةٌ.
وَيُقَالُ: امْرَأَةٌ بَرْزَةٌ إِذَا كَانَتْ كَهْلَةً لَا تَحْتَجِبُ احْتِجَابَ الشَّوَابِّ، وَهِيَ مَعَ هَذَا عَفِيفَةٌ عَاقِلَةٌ، تَجْلِسُ لِلنَّاسِ وَتُحَدِّثُهُمْ، مِنَ الْبُرُوزِ وَالْخُرُوجِ.وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأُلَفَاءُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْمُخَدَّرَةُ:
2- الْمُخَدَّرَةُ لُغَةً: مَنْ لَزِمَتِ الْخِدْرَ، وَالْخِدْرُ: السِّتْرُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمُلَازِمَةُ لِلْخِدْرِ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَلَا يَرَاهَا غَيْرُ الْمَحَارِمِ مِنَ الرِّجَالِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ.وَعَلَى هَذَا: فَالْمُخَدَّرَةُ ضِدُّ الْبَرْزَةِ.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
3- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وُجُوبَ حُضُورِ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، إِذَا تَحَمَّلَتْ شَهَادَةً مِمَّا يَجُوزُ شَهَادَتُهَا بِهِ، وَتَوَقَّفَتِ الدَّعْوَى عَلَى حُضُورِهَا، وَلَا يُقْبَلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهَا، إِلاَّ إِذَا وُجِدَ مَانِعٌ مِنَ الْحُضُورِ، كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ، فَيُرْسِلُ لَهَا الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُ شَهَادَتَهَا، وَتَفْصِيلُهُ فِي أَبْحَاثِ الشَّهَادَةِ.أَمَّا الْمُخَدَّرَةُ فَلَا يَجِبُ إِحْضَارُهَا إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ لَا يُفَرِّقُونَ فِي أَدَاءِ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الْبَرْزَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْحُكْمُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا تُنْقَلُ الشَّهَادَةُ عَنْهَا؛ لِمَا يَنَالُهَا مِنَ الْكَشْفِ وَالْمَشَقَّةِ.
هَذَا فِي الشَّهَادَةِ، أَمَّا فِي التَّقَاضِي فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِنِ ادُّعِيَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ أَحْضَرَهَا الْقَاضِي، لِعَدَمِ الْعُذْرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ لِإِحْضَارِهَا فِي سَفَرِهَا هَذَا مَحْرَمٌ، لِتَعَيُّنِ السَّفَرِ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ، أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا مُخَدَّرَةً فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ، وَلَا يَجِبُ إِحْضَارُهَا، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ، فَإِنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ بَعَثَ الْقَاضِي أَمِينًا- مَعَهُ شَاهِدَانِ- يَسْتَحْلِفُهَا بِحَضْرَتِهِمَا.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
4- تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ أَدَاءِ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ لِلشَّهَادَةِ، فِيمَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَشْهَدَ بِهِ عَلَى النَّحْوِ الْمُبَيَّنِ فِي مَوَاطِنِهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
8-الغريبين في القرآن والحديث (ب ر ز)
(ب ر ز)قوله تعالى: {ولما برزوا لجالوت وجنوده} أي ظهروا، ومنه يقال للمكان الواسع الظاهر: براز.
ومنه قوله تعالى: {وترى الأرض بارزة} أي ظاهرة، ليس فيها مستظل ولا متفيأ.
وقوله تعالى: {وبرزت الجحيم} أظهرت.
وقوله تعالى: {وبرزوا لله جميعًا} أي ظهروا، والخلق على اختلاف أحوالهم بارزون له- جل جلاله-، وإنما أخبر عن حالهم يومئذ.
وفي حديث أم معبد: (وكانت برزة تختبئ بفناء القبة) يقال: امرأة برزة: إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب. وهي مع ذلك عفيفة، ورجل برز: إذا كان منكشف الشأن. قال العجاج:
برز وذو العفافة البزري
وفي الحديث: (ومنه ما يخرج كالذهب إلابريز) قال شمر: هو الخالص، وهو الإبرزي.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
9-تاج العروس (شب شبب شبشب)
[شبب]: الشَّبَابُ: الفَتَاءُ والحَدَاثَةُ كالشَّبِيبَة. وقد شَبَّ الغُلامُ يَشِبُّ شَبَابًا، وشُبُوبًا، وشَبِيبًا، وأَشَبَّهُ اللهُ، وأَشَبَّ الله قَرْنَه بمَعْنىً، والأَخِيرُ مَجَازٌ، والقَرْنُ زِيَادَةٌ في الكَلَامِ.وقال مُحَمَّد بنُ حَبِيب: زَمَنُ الغُلُومِيَّة سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً مُنْذُ يُولَدُ إلى أن يَسْتَكْمِلَها، ثم زَمَنُ الشَّبَابِيَّة مِنْهَا إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ إحْدَى وخَمْسِينَ سنة، ثم هُوَ شَيْخٌ إلَى أَنْ يَمُوتَ.
وقيل: الشَّابُّ: البَالِغُ إلَى أَنْ يُكَمِّل ثَلَاثِين. وقيل: ابنُ سِتَّ عَشَرَةَ إلى اثْنَتَيْن وثَلَاثِين، ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ. انتهى.
والشَّبَاب جمع شَابّ، قَالُوا: ولا نَظِير لَه كالشُّبَّان بالضَّمِّ كفَارِس وفُرْسَانِ. وقال سِيبَوَيْه: أُجْرِي مُجْرَى الاسْم نحو حَاجِر وحُجْرَان. والشَّبَابُ: اسمٌ للجَمْع. قال:
ولقد غَدَوْتُ بسَابِح مَرِحٍ *** وَمَعِي شَبَابٌ كُلُّهمْ أَخْيَلْ
وزَعَم الخَلِيلُ أَنَّه سَمِعَ أَعْرَابِيًّا فَصِيحًا يَقُولُ: إذَا بَلَغ الرجلُ سِتِّين فإيّاه وإيَّا الشَّوَابِّ. ومن جُمُوعِه شَبَبَةٌ ككَتَبَةٍ.
تَقُولُ: مررْتُ بِرِجَالٍ شَبَبَة أَي شُبَّان. وفي حَدِيث بَدْرٍ: «لَمَّا بَرَزَ عُتْبَةُ وشَيْبَةُ والوَلِيدُ بَرَزَ إلَيْهِم شَبَبَةٌ من الأنْصَارِ» أَي شُبَّانٌ وَاحِدُهم شَابٌ.. وفي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ: «كُنْتُ أَنَا وابْنُ الزُّبَيْرِ في شَبَبَةٍ مَعَنَا».
والشَّبَابُ والشَّبِيبَةُ: أَوَّلُ الشيءِ. يقال: فَعَلَ ذَلِكَ في شَبِيبَةِ. وسَقَى اللهُ عَصْرَ الشَّبِيبَة وعُصُورَ الشَّبَائِبِ. ومنَ المَجَاز: لَقِيتُ فُلَانًا في شَبَابِ النَّهَار، وقَدِم في شَبَاب الشَّهْر؛ أَي في أَوَّلِه. وجِئتُك في شَبَابِ النَّهَارِ وبِشَبَاب نَهَارِ، عَنِ اللِّحْيِانِيّ. أَي أَوَّلِهِ.
والشِّبَابُ بالكَسْرِ: ما شُبَّ بِهِ أَي أُوقد، كالشَّبُوبِ بالفَتْح.
قَالَ الجَوْهَرِيُّ: الشَّبُوب «بالفتح»: ما يُوقَدُ به النَّارُ وشَبَّ النَّارَ والحَرْبَ: أَوقدها يَشُبُّها شَبًّا وشُبُوبًا. وشَبَيْتُها.
وشَبَّةُ النَّار: اشْتِعَالها. ومِنَ المَجَازِ والكِنَايَة شَبَّتِ الحَرْبُ بَيْنَهُم. وتَقُولُ ـ عِنْدَ إحْيَاءِ النَّار ـ:
تَشَبَّبي تَشَبُّبَ النَّمِيمَه *** جَاءَتْ بها تَمْرًا إلَى تَمِيمَه
وهو كَقَوْلهم: أَوقَدَ بِالنَمِيمَة نَارًا. وقال أبُو حَنِيفَة: حُكِي عَنْ أَبي عَمْرو بْنِ العَلَاءِ أَنَّه قَالَ: شَبَّت النارُ وشُبَّتْ هي نَفْسُها شَبًّا وشُبُوبًا، لازَمٌ ومُتَعَدٌ. والمَصْدَرُ الأَوَّل للمُتَعدِّي والثَّانِي لِلَّازِم. قَالَ: ولا يُقَالُ شَابَّة بَلْ مَشْبُوبَة.
وشَبَّ الفَرَسُ يَشِبُّ بالكَسْرِ ويَشُبُّ بالضَّمِّ شِبَابًا بالكَسر وشَبِيبًا وشُبُوبًا بالضم: رَفَعَ يَدَيْهِ جَميعًا كأَنَّها تَنْزُو نَزَوَانا، ولَعِبَ وقَمَّصَ، وكَذَلك إذا حَرَن. تقول: بَرِئْتُ إلَيْك مِنْ شِبَابه وشَبِيبِه وعِضَاضِه وعَضِيضه قال ذو الرُّمَّة:
بِذِي لَجَبٍ تُعَارِضُهُ بُرُوقٌ *** شُبُوبَ البُلْق تَشْتَعِلُ اشْتِعَالًا
بذي لجب يَعْني الرَّعْد؛ أَي كما تَشِبُّ الخَيْلُ فيَسْتَبِينُ بَيَاضُ بَطْنِهَا.
ومن المجاز: شَبَّ الخِمَارُ والشَّعَرُ لونَها أَي زَادَا في حُسْنِها وبَصِيصِها أَظْهَرَا جَمَالَهَا. ويقال: شَبَّ لونَ المَرأَة خِمَارٌ أَسْوَةُ لَبِسَتْه أَي زَادَ في بياضِها ولَوْنِهَا فحَسَّنَها لأَن الضِّدَّ يَزِيدُ في ضِدِّه ويُبْدِي ما خَفِي مِنْه، ولِذلِك قَالُوا: وبِضِدّهَا تَتَمَيَّز الأَشْيَاءُ وقال رَجُلٌ جَاهِلِيٌّ مِنْ طَيِّئ:
مُعْلَنْكِسٌ شَبَّ لَهَا لَوْنَها *** كما يَشُبُّ البَدْرَ لَوْنُ الظَّلام
يقُول: كما يَظْهَرُ لَوْنُ البَدْرِ في اللَّيلَةِ المُظْلِمَة.
ومِنَ المَجَازِ: أَشَبَّ الرجلُ بَنِينَ إذَا شَبَّ وَلَدُه ويُقَالُ: أَشَبَّتْ فُلانَةُ أَوْلادًا إذا شَبَّ لهَا أَوْلَادٌ.
ومن المَجَازِ: الشَّبُوبُ بالفَتْح المُحَسِّن للشَّيْءِ. يُقَالُ: هذا شَبُوبٌ لِهذَا أَي يَزِيدُ فِيهِ ويُحَسِّنُه. وفي الحِدِيث «أَنَّ النبيَّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ ائْتَزَرَ بِبُرْدَةٍ سَوْدَاء، فجعل سَوَادُهَا يَشَبُّ بَياضَه، وجَعَلَ بياضُه يَشُبُّ سَوَادَهَا». قال شَمر: يَشُبّ أَيْ يَزْهَاه ويُحَسِّنُه ويُوقِدُه.
وفي رواية أَنَّه لَبِسَ مِدْرَعَةً سَوْدَاء، فقالت عَائِشَةُ: «ما أحْسَنَهَا عَلَيْكَ، يَشُبُّ سَوَادُهَا بَيَاضَك، وبَيَاضُك سَوَادَهَا».
أَي تُحَسِّنُه ويُحَسِّنُها.
وفي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «إنَّه يَشُبُّ الوَجْهَ» أَي يُلونَّه ويُحَسِّنُه؛ أَي الصَّبِر.
وفي حَدِيثِ عُمَر ـ رضي الله عنه ـ في الجَوَاهِر الَّتي جَاءَته مِن فَتْح نَهَاوَنْد: «يَشُبّ بَعْضُهَا بَعْضًا».
والشَّبُوبُ: الفرسُ تَجُوزُ رِجلاه يَدَيْه، وهو عَيْبٌ. وقال ثعلب: هو الشَّبِيبُ.
والشَّبُوبُ: ما تُوقَدُ بِهِ النَّارُ وقد تَقَدَّم هذا، فهو تكرار.
والشَّابُّ من الثِّيرَانِ والغَنَم كالمِشَبِّ. قَالَ الشَّاعِرُ:
بمَوْرِكَتَيْن من صَلَوَىْ مِشَبَّ *** مِنَ الثيرَانِ عَقْدُهُمَا جَمِيلُ
أَو الشَّابُّ: المُسِنُّ، كالشَّبَب مُحَرَّكَةً. وعِبَارَة الجوهريّ: الشَّبَبُ: المُسِنُّ من ثيرانِ الوَحشِ الَّذي انْتَهى أَسْنَانُه. وقال أَبُو عُبَيْدَة: الشَّبَبُ: الثَّورُ الَّذي انْتَهَى شَبَابًا، وَقِيلَ: هُوَ الَّذي انْتَهى تَمَامُه وذَكَاؤُه مِنْهَا، وكَذَلك الشَّبُوبُ، والأُنْثَى شَبُوبٌ أَيْضًا والمشَبُّ بالكَسْرِ ربما قَالُوا بِه. وقَال أَبُو عَمْرو: القَرْهَبُ: المُسِنُّ مِن الثِّيرَان، والشَّبُوبُ: الشَّابُّ. قَالَ أَبُو حَاتم وابن شُمَيْلٍ: إذَا أَحَالَ وفُصِلَ فهو دَبَبٌ، والأُنْثَى دَبَبَةٌ [والجمع دِبَابٌ]، ثم شَبَبٌ والأُنْثَى شَبَبَةٌ.
والشَّبُّ: الإيقَادُ كالشُّبُوبِ بالضَّمّ شَبَّ النَّارَ والحَرْبَ. وقَدْ تَقَدَّم.
والشَّبُّ: ارْتفَاعُ كُلِّ شَيْء. يُقَالُ: شَبَّ، إذا رَفَعَ، وشَبَّ، إذا أَلْهَبَ، حَكَاهُ أَبُو عَمْرو.
والشَّبُّ: حِجَارَةٌ يُتَّخَذ مِنْهَا الزَّاجُ وما أَشْبَهَه. وأجْوَدُه ما جُلِبَ مِنَ اليَمَنِ، وهو شَبٌّ أبْيَضُ له بَصِيصٌ شَدِيدٌ. قَالَ:
أَلَا لَيْتَ عَمِّي يَوْمَ فُرِّقَ بَيْنَنَا *** سُقَي السَّمّ مَمْزُوجًا بِشَبِّ يَمَانِي
ويروى بِشَبِّ يَمَاني.
وقيل الشَّبُّ: دَوَاءٌم. ويُوجَدُ في بَعْضِ النُّسَخ دَاءٌ مَعْرُوفٌ وَهُو خَطَأٌ. «وفى حِدِيث أَسْمَاءَ أَنَّها دَعَتْ بِمِرْكَن وشَبِّ يَمَانٍ». الشَّبُّ: حَجَر مَعْرُوفٌ يُشْبِه الزَّاجَ يُدْبَغُ بِهِ. الجُلُودُ.
وشَبُّ: موضع باليَمَن وهو شَقُّ في أَعْلَى جَبَل جُهَيْنَة بَها، قَاله الصَّاغَانِيَّ.
ومحمدُ بنُ هِلَالِ بْنِ بِلالٍ ثقَةٌ عَنْ أَبِي قُمَامَة جَبَلَة بن مُحَمَّد أَورَدَه عَبد الغَنِيّ. وأَحْمَدُ بن القاسِم عن الحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسامة وعَنْه المُعَافى بْنِ زَكَرِيَّا الجَرِيرِيّ. والحَسَنُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبي ذَرَّ البَصري عن مسبح بن حاتِم الشَّبِّيُّون: مُحَدِّثُونَ.
وحَكَى ابنُ الأَعْرَابِيّ: رَجُلٌ شَبٌّ وامرأَة شَبَّةٌ أَي شَابَّةٌ.
ومن المجاز: أُشِبّ لي* الرجلُ إشْبَابًا، إذَا رَفَعْتَ طَرْفَك فَرَأَيْتَهُ من غَيْر أَنْ تَرْجُوهَ أَو تَحْتَسِبَه. قاله أَبو زَيْد. وقال المَيْدَانيّ: أَصْلُه مِن شَبَّ الغُلَامُ إذَا تَرَعْرَع. قال الهُذَلِيُّ:
حَتّى أُشِبَّ لَهَا رَامٍ بمُحْدَلَةٍ *** نَبْعٍ وَبِيضٍ نَوَاحِيهنّ كالسَّجم
ومن المَجَازِ أَيضًا: أُشِبَّ لِي كَذَا أُتِيح لِي كشُبّ بالضَّمِّ أي عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُه فِيهما أَي في المَعْنَيَيْن.
وفي المَثَل: «أَعْيَيْتنِي من شُبَّ إلى دُبَّ بضَمِّهما ويُنَوَّنَان؛ أَي مِنْ أَنْ شَبَبْتُ إلَى أَنْ دَبَبْتُ عَلَى العَصَا.
يَجْعَل ذَلِك بمَنْزِلَةِ الاسْمِ بإدْخَالِ مِنْ عَلَيْهِ وإن كَان في الأصل فِعلًا. يُقَالُ ذلِكَ للرَّجُل والمَرْأَة كَمَا قِيل: نَهَى النَّبِي صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ عن قِيلَ وقَالَ. ومَا زَال على خُلُق وَاحِدٍ من شُبٍّ إلَى دُبٍّ. قَالَ:
قَالَتْ لَهَا أُخْتٌ لها نَصَحت: *** رُدِّي فُؤادَ الهائِم الصَّبِّ
قَالَتْ: ولِم؟ قَالَت: أَذَاكَ وَقَد *** عُلِّقْتُكُم شُبًّا إلَى دُبِّ
وقد تَقَدَّم ما يَتَعَلَّقُ بِهِ في بلد ب ب.
ومن المَجَازِ: التَّشْبِيبُ وهُوَ في الأَصْلِ ذِكْرُ أَيَّام الشَّبابِ واللهْوِ والغَزَل وَيَكُونُ في ابتداء القَصَائد، سُمِّي ابتداؤُها مُطْلَقًا وإن لَمْ يَكُن فِيه ذكرُ الشَّبَاب.
وفي لسان العرب: تَشْبِيبُ الشِّعْر: تَرْقِيقُ أَوله بِذكْر النِّسَاءِ وهو من تَشْبِيبِ النَّار وتأرِيثِها. وشَبَّب بالمَرأَة: قَالَ فِيهَا الغَزَلَ والنَّسِيبَ. ويَتَشَبَّبُ بِهَا: يَنْسُبُ بِهَا.
والتَّشْبِيبُ: النَّسِيبُ بالنِّسَاء أَي بِذِكْرِهِن. وفي حَدِيثِ عبْدِ الرحمن بْنِ أبِي بَكْر «أنَّه كَانَ يُشَبِّبُ بِلَيْلَى بِنتِ الجُوديِّ في شِعْرِهِ».
وفي الأساس في بَاب المَجَاز: قَصِيدةٌ حَسَنة الشَّبابِ أَي التَّشبِيب. وكان جريرٌ أَرَقَّ الناس شَبَابا. قال الأَخْفَش: الشَّبَابُ: قَطِيعَةٌ لِجَرِير دونَ الشُّعَرَاء. وشَبَّب قصيدتَه بِفُلَانَةَ انْتَهى. وفي حَدِيث أمِّ مَعبد: «فَلَمَّا سَمِع حَسّان شِعْرَ الهَاتِف شَبَّبَ يُجَاوِبه» أَي ابتدأ في جَوَابِه، من تَشْبِيب الكُتُب، وَهُو الابْتِدَاء بها والأَخْذُ فِيهَا ولَيْسَ من تَشْبِيبٍ بالنِّسَاءِ في الشّعْرِ.
والشِّبَابُ بالكسر: النِّشَاط أَي نَشَاطُ الفَرَسِ ورَفْعُ اليَديْنِ منه جميعًا. وأشْبَبْتُه أَنَا أَي الفرس إذا هيَّجْتُه.
وأَشبّ الثورُ: أَسَنَّ، فهو مُشِبُّ بالضم، ومثله في التهذيب. ورُبَّمَا قَالُوا: إنه مِشَبُّ بكَسْرِ المِيم، وهذَا هُوَ الصَّوَابُ... وضُبِط في بَعْضِ النُّسَخ بِضَمِّ. وناقَةٌ مُشِبَّة، وقد أَشَبَّت. وقال أسَامَةُ الهُذَلِيّ:
أَقَامُوا صُدُورَ مُشِبَّاتِها *** بَوَاذِخَ يَقْتَسِرُونَ الصِّعَابَا
أَي أَقَامُوا هذِه الإبِل على القَصْدِ. والمُشِبّ بالضَّم: الأَسَدُ الكَبِيرُ. ونِسْوَةٌ شَوَابُّ. وقال أبُو زَيْدٍ: نِسْوَةٌ شبائِبُ في معنى شَوَابَّ. وأنشد:
عَجَائِزًا يَطْلُبْنَ شَيْئًا ذَاهِبا *** يَخْضِبْنَ بالحِنَّاءِ شَيْبًا شَائِبَا
يَقُلْنَ كُنَّا مَرَّة شَبَائِبَا
وقال الأَزْهَرِيّ: شَبَائِبُ جَمْعُ شَبَّة لا جَمْعُ شَابَّة مثل ضَرّة وضَرَائِر.
وعن أَبي عمرو: شَبْشَبَ الرجلُ إذا تَمَّمَ.
وعن ابن الأَعْرَابِيّ: الشَّوْشَبُ من أَسْمَاءِ العَقْرَب وسَيَأْتي. والشَّوْشَبُ: القَمْلُ والأُنْثَى شَوْشَبَة.
وشَبَّذَا زَيْد أَي حَبَّذَا، حكاه ثَعْلَب.
وشبَّان كَرُمَّان سَيَأْتي ذِكْرُهُ في ش ب ن بِنَاءً على أَنَّ نُونَه أَصْلِيّة وهو لَقَبُ جَعْفَرِ بن حسن بن فَرْقَد، هكذا في النسخ، والصَّوَاب جَعفَر بْن جِسْرِ بْنِ فَرْقَد البَصْرِيّ، سمِعَ أَبَاه. وفَاتَه أَبُو جَعْفَر أحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ البَغْدَادِيّ المُؤَذِّن، يُعْرَف بِشُبَّان، شَيْخٌ لمُخَلد الباقرجيّ، هكذا ضَبَطَه الحَافِظ. والشَّبَّانُ بِالفَتْح لَقَبُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّد بن جَعْفَر بن المُؤْمِن، ويُعْرَفُ بابْنِ شَبَّان العَطَّار، رَوَى عن النجّاد. وشَبَّةُ، وشَبَّابٌ كَكَتَّانٍ وشَبِيبٌ كأَمِيرٍ: أَسْمَاءُ رِجَال. وشَبَابَةٌ بنُ المُعْتَمِر: شَيْخٌ كُوفِيٌ عن قَتَادَة.
وشَبابَةُ بْنُ سَوَّار، معروف معروف من رِجَالِ الصَّحِيحَيْن.
وشَبَابَةٌ: بطْنٌ من بني فَهْم بْنِ مَالِك نَزَلُوا السَّرَاةَ أَو الطَّائِفَ سَمَّاهم أَبُو حَنِيفة في كِتَابِ النَّبات. وفي الصَّحاح: بَنُو شَبَابَة: قَوْمٌ بالطَّائِف. قُلْتُ: ومِنْهُم هَانِئ بنُ المُتَوَكَّل مَوْلَى ابْنِ شَبَابة وغَيْره.
ومن سَجَعَات الأَسَاس: «كَانَ عَصْرُ شَبَابِي أَحْلَى مِنَ العَسَلِ الشَّبَابِي. نِسْبَةً إلَى شَبَابَةَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ.
وشَبَابٌ كَسَحابٍ: لقبُ خَلِيفَةَ بْنِ الخَيَّاط الحَافِظِ العُصْفُرِيّ حَدَّث عَنِ الحُسِينِ العَطَّار المَصِيصِيّ وغيره.
وابْنُ شَبَابٍ: جَمَاعَةً منهم الحَارِثُ بْنُ شَبَاب جَدُّ ذِي الإصْبَع حُرْثَان بن مُحَرِّثٍ العَدْوَانِيّ الشَّاعر. وشَبُّوبَةُ: اسم جَمَاعَة. ومُحَمَّد بن عمر بن شَبُّوبَة الشَّبُّوبيّ نِسْبَة إلى الجَدِّ، وهو رَاوِي الجَامع الصَّحِيح عَن الإمَام مُحَمَّد بْنِ مَطَر الفرَبْرِيّ، وعنه سَعِيد بْنِ أَبِي سَعِيد الصُّوفِيّ وغَيْره.
وفَاتَه عبد الخَالق بْنُ أَبِي القَاسِم بْنِ مُحَمَّد بْن شَبُّوبَة الشَّبُّوبِيّ من شُيُوخ ابن السَّمْعَانيّ. ومُعَلَّى بْنُ سَعيد الشَّبِيبيّ: مُحَدِّث، وهو رَاوي حكاية الهِمْيان.
وشُبيْب كزُبَيْرٍ بْنُ الحَكَم بْنِ مينَاءَ، فَرْدٌ. قُلْتُ: وهو خَطَأُ، والصواب شُبَيْبٌ آخره ثاءُ مُثَلَّثَة، وقد ذَكَرَه على الصَّوَاب في الثَّاءِ المُثَلَّثَة كما سَيَأْتِي. ولَيْتَ شِعْرِي إذَا كان بِالمُوَحَّدة كَما وَهِم كيف يَكُونُ فَرْدًا فاعْرِفْ ذَلِكَ.
وشَبُّ بلا لام: موضع، باليمن وقد تَقَدَّم، فهو تكرار مَعَ مَا قَبْلَه.
* ومما يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه: مَا جَاءَ في حَدِيث شُرَيْح: «تَجُوزُ شهَادَةُ الصِّبْيَان عَلَى الكِبَار يُستشبُّون» أَي يُسْتَشْهَدُ من شَبَّ وكبِرَ منهم إذا بَلَغَ.
كأَنَّه يَقُولُ: إذَا تَحَمَّلُوهَا في الصِّبَا وأَدَّوْها في الكِبَرِ جَازَ.
ومن المَجَازِ: رَجُلٌ مَشْبُوبٌ: جَمِيلٌ حَسَنُ الوَجْه كَأَنَّه أَوقِدَ. قَال ذُو الرُّمَّة:
إذا الأَرْوَعُ المَشْبُوبُ أَضْحَى كَأَنَّه *** على الرَّحْلِ مِمَّا مَنَّه السيرُ أَحْمَقُ
وقال العَجَّاج:
ومِنْ قُرَيْشٍ كُلُّ مَشْبُوبٍ أَغَرُّ
ورجل مَشْبُوبٌ: إذَا كَانَ ذَكِيَّ الفُؤَادِ شَهْمًا.
ومن المجاز: طَلَعَت المَشْبُوبَتَان: الزُّهَرَتَان، وهما الزُّهَرَةُ والمُشْتَرِي لحُسْنِهما وإشْرَاقهما، أَنْشَد ثَعْلَب:
وعَنْسٍ كألْوَاح الإرَانِ نَسَأْتُهَا *** إذَا قِيلَ للمَشْبُوبَتَيْنِ هُمَا هُمَا
وفي كِتَابِه صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهَ وَآلِهِ وَسَلَّمْ لِوَائِل بْن حُجْر: «إلَى الأَقْيَالِ العَبَاهِلَة والأَرْوَاعِ المَشَابِيب» أَي السَّادَة الرُّءُوسِ الزُّهْرِ الأَلْوَان، الحِسَانِ المَنَاظِر، وَاحِدُهُم مَشْبُوبٌ، كأَنَّمَا أُوقِدَتْ أَلْوَانُهم بِالنَّارِ. وفي حَدِيثِ سُرَاقَة: «اسْتَشِبُّوا عَلَى أَسْوُقِكِم في البَوْل». يَقُول: استَوْفِزُوا عَلَيْهَا، ولا تُسِفُّوا من الأَرض؛ أَي ولا تَسْتَقِرُّوا بِجَمَيع أَبْدَانِكم وتَدْنوا منها. هُوَ مِنْ شَبَّ الفَرَسُ إِذَا رَفَع يَدَيْهِ جَميعًا من الأرضِ.
وفي الأساس، مِنَ المَجَازِ: وهُوَ مُشَبَّب الأظَافِر: مُحَدَّدُها كَأَنَّها تَلْتَهِب لحِدَّتِها.
وعبدُ اللهِ بْنُ الشَّبَّاب، ككَتَّان: صَحَابِيُّ. وكغُرَاب أَبو شُباب خَدِيجُ بنُ سلامة عَقَبِيّ، وابنه شُبَاب وُلِد لَيْلَة العَقَبَة، وأُمُّه أُمُّ شُبَاب لَهَا صُحْبَةٌ أَيْضًا. وعُمَرُ بْنُ شَبَّة بْنِ عُبَيْدَةَ النُّميريّ: مُحَدِّثٌ أَخْبَارِيُّ مَشْهُور. وشَبَابَةُ أَيضًا: بَطْنٌ مِنْ قَيْسٍ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
10-تاج العروس (ولد)
[ولد]: الوَلَدُ، محركةً، والوُلْد، بالضمّ، واحِدٌ، مِثْل العَرَبِ والعُرْب والعَجَمِ والعُجْم ونحو ذلك قاله الزّجَّاج، وأَنْشَدَ الفَرَّاءُ:وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعَاشِرًا *** قَدْ ثَمَّرُوا مَالًا وَوُلْدَا
والوِلْد، ب الكَسْرِ لُغَة، وكذا الفتح مع السكون، واحدٌ وجَمعٌ، قاله ابنُ سِيده: وهو يَقَع على الوَاحِد والجَمِيع والذَّكرِ والأُنْثَى وقد يُجْمَع أَي الوَلَدُ، محركةً كما صَرَّح به غيرُ واحد، على أَوْلَادٍ، كسَبَبٍ وأَسْبَابٍ، ووِلْدَةٍ، بالكسر، وإِلْدَةٍ*، بِقَلْب الواوِ هَمزةً، ووُلْدٍ، بالضَّم، وهذَا الأَخيرُ نَقَلَهُ ابنُ سِيدَه بِصيغَةِ التَّمْرِيض فقال: وقد يَجُوز أَن يَكُون الوُلْد جَمْعَ وَلَدٍ كوُثْنٍ ووَثَنٍ، فإِن هذَا مما يُكَسَّرُ على هذا المِثَال، لاعْتِقاب المِثَالَيْنِ عَلَى الكَلَمةِ، ثم قَال: والوِلْدُ بالكَسْر كالوُلْدِ لُغَةٌ وليس بِجَمْعٍ، لأَن فَعَلًا ليس مما يُكَسَّر على فِعْلٍ. وفي اللسان: والوِلْدَةُ جَمْعُ الأَوْلَادِ. قال رُؤْبَة:
سِمْطًا يُرَبِّي وِلْدَةً زَعَابِلَا
قال الفَرَّاءُ: قرأَ إِبراهِيمُ مَالُه ووُلْدُه وهو اخْتِيَار أَبي عَمْرٍو وكذلك قَرأَ ابنُ كَثِير وحَمْزَةُ، وروى خارِجةُ عن نافِعٍ: وَوُلْدُه. أَيضًا. وقرأً ابنُ إِسحاقَ: مالُه ووِلْدُه، وقال: هما لغتانِ، وُلْد ووِلْد، وفي التهذيب: ومن أَمثال العرب، وفي الصحاح: من أَمثالِ بني أَسَدٍ «وُلْدُكِ مَنْ دَمَّى عَقِيبَيْكِ» هكذا مُحَرَكَّة وكسر الكاف فيهما بناءً عَلَى أَنه خِطابٌ للأُنثى؛ أَي مَنْ نُفِسْتِ به وصَيَّر عَقِيبَيْكِ مُلَطَّخَيْنِ بالدَّمِ فهو ابنُكِ حَقِيقةً لا مَن اتَّخَذْتِه وَتَبَنَّيْتِه وهو مِن غَيرِك، كذا في سائر النُّسخ، والمَضبوطِ في نُسخ الصحاح وُلْدُكَ، بالضّمّ وفَتح الكافِ، قال شَيْخُنا: والتَّدْمِيَةُ للذَّكَر. على المَجَاز، ثم أَنشدَ الجَوْهَرِيّ:
فَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ *** وَلَيْتَ فُلانًا كَانَ وُلْدَ حِمَارِ
ثم قال: فهذا واحِدٌ. قال: وقَيْسٌ تَجْعَل الوُلْدَ جَمْعًا والوَلَدَ وَاحِدًا. وقال ابنُ السِّكّيت: يقال في الوَلَدِ الوِلْدُ والوُلْدُ، قال: ويكون الوُلْدُ واحِدًا وجَمْعًا، قال: وقد يكون الوُلْدُ جمْعَ الوَلَدِ مثْل أَسَدٍ وأُسْدٍ.
والوَلِيدُ: المَوْلُود حِين يُولَد، فهو فَعِيلٌ بمعنى المفْعُولِ. وصَرِيحُ كَلَامِه أَنه لا يُؤَنَّث، وقال بَعْضُهم بل هو للذَّكَر دُونَ الأُنْثَى. والوَلِيدُ: الصَّبِيُّ ما دَامَ صَغِيرًا، لِقُرْبِ عَهْدِه مِن الوِلَادَة، ولا يقال ذلك للكَبِيرِ، لِبُعْدِ عَهْدِه مِنها، وهذا كما يقال: لَبَنٌ حَلِيبٌ وجُبْنٌ طَرِيٌّ، للطَّرِيّ منهما دون الذي بَعُدَ عن الطَّرَاوَةِ، كذا في المِصْبَاح: والوَلِيد: العبْدُ، وَقَيَّدَه بعضُهم بمن يُولَدُ في الرِّقّ وأُنْثاهما بهاءٍ وَلِيدَة الجمع: الوَلائِدُ مَقِيسٌ مَشهور، والوِلْدَانُ بالكَسْر جَمْع وَلِيدةٍ، كما أَن الأَول جمْع وَليد كما في الأَساس. وفي التهذيب: والوَلِيد: المَوْلُود والجَمْع وِلْدَانٌ، والاسمُ الوِلَادَة والوُلُودِيَّة، عن ابن الأَعرابيّ. قال ثعلبٌ: الأَصل الوَلِيدِيَّة، كأَنَّه بَنَاهُ على لَفْظِ الوَلِيد، وهي من المصادر التي لا أَفْعَالَ لها، والأُنْثَى وَلِيدَة، والجَمْعُ وِلْدَانٌ ووَلائدُ. وفي الحَدِيث: «وَاقِيَةً كوَاقِيَةِ الوَلِيدِ» هو الطِّفل؛ أَي كِلَاءَةً وحِفْظًا كما يُحْفَظ الطِّفْل، وقيل: أَرادَ بالوَليد مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنا وعَلَيْه الصَّلَاةُ والسلامُ. وفي الحديث: «الوَلِيدُ في الجَنَّةِ»؛ أَي الذي ماتَ وهو طِفْلٌ أَو سِقْطٌ، قال: وقد تُطْلَقُ الوَلِيدَةُ على الجارِيَةِ والأَمَة وإِن كانَتْ كَبيرةً، وفي الحديث: «تَصَدَّقَتْ أُمِّي عَلَيَّ بِوَلِيدَةٍ» يعني جَارِيَةً. وفي الأساس: من المَجازِ: رأَيْتُ وَلِيدًا ووَلِيدَةً، غلامًا وجَارِيَةً اسْتُوصِفَا قَبْلَ أَن يَحْتَلِمَا، وفي النِّهَايَة والمُحكم والتهذيب: الوَلِيدَةُ: المَوْلُودَة بين العَرَبِ، وغُلامٌ وَلِيدٌ، كذلك، والوَلِيد: الغُلَامُ حين يُسْتَوْصَف قَبل أَنْ يَحْتَلِم، والجَمْعُ وِلْدَانٌ ووِلْدَة، ويقال للأَمةِ وَلِيدَةٌ وإِن كانَتْ مُسِنَّة، قال أَبو الهَيْثَم: الوَلِيد: الشَّابُّ. والوَلائِدُ: الشَّوَابُّ منِ الجَوَارِي، والولِيد: الخادِمُ الشابُّ، يُسَمَّى وَلِيدًا مِن حِينِ يُولَد إِلى أَنْ يَبْلُغ، قال: والخَادِمُ إِذا كَان شابًّا وَصِيفٌ، والوَصِيفَةُ وَلِيدَةٌ، وأَمْلَحُ الخَدَمِ الوُصَفَاءُ والوَصَائِفُ، وخادِمُ أَهْلِ الجَنَّةِ وَلِيدٌ أَبَدًا، لا يَتَغَيَّر عن سِنِّه، كذا في اللسان.
وأُمُّ الوَلِيد كُنْيةَ الدَّجَاجَة، عن الصاغانيّ.
ويقال في المثَل: أَمْرٌ، وفي كتب الأَمْثَال: «هُمْ في أَمْرٍ لا يُنَادَى وَلِيدُه»، يُضْرَب في الخَيْرِ والشَّرِّ؛ أَي اشْتَغَلُوا به حتَّى لَوْ مَدَّ الوَلِيد يَدَه إِلى أَعَزِّ الأَشْيَاءِ لا يُنَادَى عليهِ زَجْرًا؛ أَي لَم يُزْجَر عَنْه لِكَثْرَةِ الشيْءِ عِنْدهم. قلت: فهو في مَوْضِعِ الكَثْرَةِ والسَّعَةِ، وقال ابنُ السِّكّيت في قول مزَرِّدٍ الثَّعلَبِيّ:
تَبَرَّأْتُ مِنْ شَتْمِ الرِّجَالِ بِتَوْبَةٍ *** إِلَى اللهِ مِنِّي لَا يُنَادَى وَلِيدُهَا
قال: هذا مَثَلٌ ضَرَبَه، مَعْنَاه؛ أَي لَا أُرَاجَعُ ولا أُكَلَّم فيها، كما لا يُكَلَّم الوِلِيدُ في الشيْءِ الذي يُضْرَب له فيه المَثَلُ، وقال الأَصمعيّ وأَبو عُبَيْدَةَ في قولهم: هو أَمْرٌ لا يُنَادَى وَلِيدُه. قال أَحدُهما: أَيْ هو أَمْرٌ جَلِيلٌ شدِيدٌ لا يُنَادَى فيه الوَلِيدُ، ولكن يُنَادَى فيه الجلَّةُ، وقال آخرُ: أَصلُه من الغَارَة؛ أَي تَذْهَلُ الأُمُّ عنِ ابْنِها أَنْ تُنَادِيَه وتَضُمَّه، ولكِنَّهَا تَهْرُبُ عنه، ويقال: أَصْلُه مِن جَرْيِ الخَيْلِ، لأَن الفَرَس إِذَا كانَ جَوَادًا أَعْطَى مِنْ غَيْرِ أَن يُصاحَ به لِاسْتِزَادَتِه، كما قال النَّابِغَةُ الجَعْدِيُّ يَصِفُ فَرسًا:
وَأَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ العَجَاجَةِ صَدْرَهُ *** وَهَزَّ اللِّجَامَ رَأْسُه فَتَصَلْصَلَا
أَمَامَ هَوِيٍّ لا يُنَادَى وَلِيدُه *** وشَدٍّ وَأَمْرٍ بِالعِنَانِ لِيُرْسَلَا
ثم قِيل ذلك لكُلّ أَمرٍ عظيمٍ ولكُلِّ شَيْءٍ كثيرٍ، قال ابنُ السّكّيت: ويقال: جاءُوا بطعامٍ لا يُنَادَى وَليدُه. وفي الأَرْض عُشْبٌ لا يُنَادَى وَلِيدُه؛ أَي إِن كان الوَلِيدُ في ماشِيَةٍ لم يَضُرَّه أَيْنَ صَرَفَهَا لأَنها في عُشْب، فلا يُقَالُ له: اصْرِفْهَا إِلى مَوْضِعِ كذا، لأَن الأَرْضَ كُلَّهَا مُخْصِبَةٌ، وإِن كان طَعَامٌ أَو لَبَنٌ فمعناه أَنه لا يُبَالَي كيْف أَفْسَدَ فيه، ولا مَتَى شَرِبَ، ولا في أَيِّ نَوَاحِيه أَهْوَى.
ووَلَدَت المرأَةُ تَلِدُ وِلَادًا ووِلَادَةً، بكسْرِهما، وإِنما أَطْلقَهما اعتمادًا على الشُّهْرةِ، ولكن في المِصْباح أَن كَسْرَهما أَفْصَحُ مِن فَتْحِهما، وهذا يَدُلُّ على أَن الفتحَ قَوْلٌ فيهما، وإِلَادَةً، أُبدِلتِ الواوُ همزةً، وهو قِيَاسٌ عند جَمَاعَةٍ في الهَمْزَةِ المَكْسُورة، كإِشَاحٍ وإِكافٍ، قاله شيخُنَا. ولِدَةً ومَوْلِدًا كعِدَةً ومَوْعِدٍ، أَمَّا الأَوَّل فهو القياسُ في كُلِّ مِثَالٍ، كما سبق، وأَما الثاني فهو أَيضًا مَقِيسٌ في بابِ المِثَال، وما جاءَ بالفَتْح فهو على خِلافِ القِياسِ كمَوْحَدٍ، وقد سبق البَحْثُ فيه. وفي المحكم: وَلَدَتْه أُمُّه وِلَادَةً وإِلادَةً، على البَدَلِ، ف هي والِدٌ، على النَّسب، ووَالِدَةٌ، على الفِعْل، حكاه ثَعْلَبٌ في المرْأَةِ، وكُلّ حامِلٍ تَلِدُ، ويقال لِأُمِّ الرجُلِ: هذه والِدَةٌ، وفي الحديث: «فأَعْطَى شَاةً وَالِدًا»، قال الليث: شَاةٌ وَالِدٌ هي الحامِلُ، وإِنها لَبَيِّنَةُ الوِلَادِ.
ومعنَى الحديثِ؛ أَي عُرِفَ منها كَثْرَةُ النِّتَاجِ، كما في النهاية. ومثل ذلك في الصحاح نَقْلًا عن ابنِ السِّكّيت، وزاد في المصباح: والوِلَادُ، بغير هاءٍ، يُسْتَعْمَل في الحَمْلِ، وفي اللسان: وشاةٌ وَالِدَةٌ ووَلُودٌ، الأَخير كصَبُورٍ، والجمع: وُلَّدٌ، بضَمّ فتشديد، كسُكَّر، وهو المَقِيس في فاعِلٍ كرَاكعٍ ورُكَّع، وهكذا هو مضبوط عندنا في سائرِ النُّسخ، ووْجِد في نُسخ الصحاح واللسان بضمّ فَسُكونٍ، ومثلُه في أَكثر الدَّواوين، قال شيخُنَا: وكلاهما ثابِتٌ. وقد وَلَّدْتَها تَوْلِيدًا فأَوْلَدَتْ هي وهي مُولِدٌ كمُحْسِن من غَنمٍ مَوَالِيدَ وَمَوَالِدَ، ويقال: وَلَّدَ الرجُلُ غَنَمَهُ تَوْلِيدًا، كما يقال: نَتَّجَ إِبلَه. وفي حديثِ لقيطٍ: «ما وَلَّدْتَ يا رَاعي»، يقال: وَلَّدْت الشَّاةَ تَوْلِيدًا. إِذ حَضَرْت وِلادَتَها فَعَالَجْتها حَتَّى يَبِينَ الوَلَدُ مِنها، وأَصحابُ الحَدِيث يقولون: مَا وَلَدَتْ؟ يَعْنُونَ الشَّاةَ، والمحفوظُ بِتَشْدِيد اللام علَى الخِطَابِ للرَّاعِي، ومنهحديثُ الأَبرص والأَقْرَع: «فَأَنْتِجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا» وقال الأُمويّ: إِذا وَلَدَتِ الغَنَمُ بَعْضُها بعد بَعْضٍ قيل: قد وَلَّدْتُها الرُّجَيْلَاءَ، ممدودٌ، ووَلَّدْتُها طَبَقًا وطَبَقَةً، وقول الشاعر:
إِذَا مَا وَلَّدُوا شَاةً تَنَادَوْا *** أَجَدْيٌ تَحْتَ شَاتِك أَمْ غُلَامُ
قال ابنُ الأَعْرَابيّ في قولِه وَلَّدُوا شاةً: رَمَاهُم بأَنَّهُم يَأْتُونَ البَهَائمَ، قال أَبو منصور: والعَرب تَقول: نَتَّج فلانٌ ناقَتَه إِذا وَلَدَت وَلَدَها، وهو يَلِي ذلك مِنْهَا، فهي مَنْتُوجَة، والناتِج للإِبل بمنزلة القابِلَة للمرْأَةِ إِذا وَلَدتْ، ويقال في الشاءِ: وَلَّدْنَاها؛ أَي وَلِينا وِلَادَتَها، ويقال لِذَواتِ الأَظلاف والشاءِ والبقرِ: وُلِّدت الشَّاةُ والبَقَرَةُ، مضمومة الواوِ مَكْسُورة اللام مشدَّدَة، ويقال أَيضًا: وَضَعَتْ، في موضع وُلِّدَت، كذا في اللسان، وبعضٌ من ذلك في البصائر والمِصباح والأَفعالِ لابن القَطَّاع.
واللِّدَةُ، بالكسر: التِّرْبُ، وهو الذي يُولَد مَعَك في وَقْتٍ واحِد، الجمع: لِدَاتٌ، وهو القياس في كُلّ كَلمة فيها هاءُ تأْنيثٍ، كما جزم به النُّحَاةُ، وحكَى الشاطِبيُّ عليه الإِجماعَ، قاله شيخُنَا، ولِدُونَ، نقله الجوهريُّ وغيرُه، قال أَبو حَيّان وغيرُه من شُرَّاح التَّسهيل: إِن مثْل هذه الأَلفاظِ إِذا صارَتْ عَلَمًا صحَّ جَمْعُهَا بالواو والنُّونِ، وزعمَ بعضٌ أَن لِدَةً مِن لدى لا من ولد، وسيأْتي الكلامُ عليه في المُعْتلّ إِن شاءَ الله تعالى، قال الفرزدق:
رَأَيْنَ شُرُوخَهُنَّ مُؤَزَّرَاتِ *** وَشَرْخَ لِدِيَّ أسْنَانَ الهِرَامِ
وفي الصحاح: ولِدَةُ الرَّجُلِ: تِرْبُه، والهاءُ عِوَضٌ من الواو الذاهِبةِ من أَوَّلِه، لأَنَّه من الوِلَادَة، وهما لِدَانِ، والتَّصغيرُ وُلَيْدَاتٌ ووُلَيْدُونَ، لأَنهم قالوا: إِن التصغيرَ والتَّكْسِيرَ يَرُدَّانِ الأَشياءَ إِلى أُصولِها، لا لُدَيَّاتٌ ولُدَيُّونَ، نظرًا إِلى ظاهِرِ اللفْظِ كما غَلِطَ فيه بعضُ العَربِ. وهذا الذي غلَّطه هو الذي مَشى عليه الجوهريُّ وأَكثرُ أَئمَّةِ الصَّرْف، وقالوا: مُرَاعَاةُ الأَصلِ ورَدُّه إِليه يُخْرِجه عن مَعْنَاه المُراد، لأَن لِدَة إِذا صُغّر وُلَيْد يَبْقَى لا فَرْقَ بينه وبين تصغير وَلَدٍ، كما لا يَخْفَي، ووَجَّه سَعْدِي جلْبِي في حاشِيتِه أَنه شاذٌّ مُخَالِف للقِيَاسِ، ومثلُه لا يُعَدُّ غَلَطًا، وسيأْتي البحث في آخر الكتاب إِن شاءَ الله تعالى.
واللَّدَة: وَقْتُ الوِلَادَةِ، كالمَوْلِد والمِيلادِ، أَما المَوْلد والمِيلاد فقد ذَكرَهما غيرُ واحدٍ من أَئمّةِ اللُّغَة، وأَما اللِّدَة بمعناهما لا يَكَاد يُوجَد في الدواوينِ، ولا نَقَلَه أَحَدٌ غيرُ المُصَنّف فينبغِي التَّحَرِّي والمُرَاجَعَة حَتَّى يَظْهَرَ مِن أَيْنَ مَأْخَذُه. ففي اللسانِ والمُحْكَم والتهذيبِ والأَساس: مَوْلِدُ الرَّجُلِ: وَقْتُ وِلَادَتِه. ومَوْلِده: المَوْضِع الذي وُلِدَ فيه، ومِيلادُ الرَّجُل: اسمُ الوَقْتِ الذي وُلِدَ فيه، ومثله في الصحاح. وفي المِصْباح: المَوْلِد: المَوْضِع والوَقْتُ، والمِيلادُ الوَقْتُ لا غَيْرُ.
والمُوَلَّدَةُ: الجارية المَولُودةُ بين العرب، كالوَلِيدة، ومثله في المحكم، وقال غيرُه: عَرَبِيَّةٌ مُوَلَّدَة، ورجُلٌ مُوَلَّد، إِذا كان عَرَبِياًّ غيرَ مَحْضٍ، وقال ابنُ شُمَيل: المُوَلَّدَة: التي وُلِدَتْ بأَرْضٍ وليس بها إِلَّا أَبُوها أَو أُمُّها. والتَّلِيدَةُ: التي أَبوهَا وأَهْلُ بَيْتِها وجَمِيعُ مَن هو بِسَبِيل منها بِأَرْضٍ وهي بأَرْضٍ أُخْرَى. قال: والقِنُّ مِن العَبيد التَّلِيدُ: الذي وُلِدَ عندَك. وجارِيَةٌ مُوَلَّدَةٌ: تُولَد بين العَرَبِ وتَنْشَأُ مع أَولادِهم ويَغْذُونَها غِذَاءَ الوَلَدِ ويُعَلِّمونَها مِن الأَدَب مثْل ما يُعَلِّمون أَوْلادَهم، وكذلك المُوَلَّد من العَبِيدِ. والوَلِيدة: المَوْلُودَة بين العَرَبِ، ومثلُه في الأَساس.
والمُوَلَّدَة: المُحْدَثَة مِن كُلِّ شيْءٍ، ومنه المُوَلَّدُون من الشُّعراءِ، وإِنما سُمُّوا بذلك لِحُدوثِهِم وقُرْبِ زَمَانِهم، وهو مَجازٌ.
والمولِّدة بِكَسرِ اللامِ: القابِلَةُ وفي حَدِيث مُسافِعٍ: «حَدَّثَتْنِي امرأَةٌ مِنْ سُلَيْم: أَنَا وَلَّدْتُ عَامَّةَ أَهْلِ دِيارِنَا» أَي كُنْتُ لهم قابِلَةً.
والوُلُودِيَّةُ، بالضَّم: الصِّغَرُ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ، ويُفْتَح، قال ثعلبٌ الأَصْل الوَلِيدِيَّة، كأَنَّه بَنَاه على لفْظِ الوَلِيدِ، وهي من المصادِر التي لا أَفْعَال لَها. وفي البصائر: يقال فعَل ذلك فِي وُلُودِيَّتِه ووَلُودِيَّتِه؛ أَي في صِغَره، وفي اللّسَان: فَعلَ ذلك في وَلِيدِيَّتِه؛ أَي في الحالة التي كان فيها وَلِيدًا، وقال ابن بُزُرْج: الوُلُودِيَّة، أَيضًا: الجَفَاءُ، وقِلَّةُ الرِّفْقِ والعِلْمِ بالأُمورِ، وهي الأُمِّيَّة.
والتَّوْلِيدُ: التَّرْبِيَةُ، ومنه قولُ الله عَزَّ وجَلَّ لعيسى صلَّى الله عليه وعلى نَبِيِّنَا وسَلَّم: «أَنْتَ نَبِيِّي وأَنَا وَلَّدْتكُ»؛ أَي رَبَّيْتُك، فقالت النَّصارى وقد حَرَّفَتْهُ في الإِنجيل: أَنت بُنَيِّي وأَنَا وَلدْتُك، وخَفَّفُوه وجَعَلُوه له وَلَدًا، تَعالَى الله عن ذلك عُلُواًّ كَبِيرًا، هكذا حكاه أَبو عمرٍو عن ثَعْلَبٍ، وأَورده المصَنِّف في البصائر.
وبنو وِلَادَةَ، ككِتَابَة: بَطْنٌ من العَرَب.
وسَمَّوْا وَلِيدًا ووَلَّادًا، الأَخير ككَتَّانٍ، والمُسَمَّون بالوَلِيدِ، من الصحابَة أَحَد عَشَرَ رَجُلًا، راجِعْه في التَّجْرِيد، ومن التابِعِين ثَلَاثَةٌ وعِشْرُونَ رَجُلًا، راجِعْه في الثِّقَات لابنِ حبَّان.
ويقال: هذه بَيِّنَةٌ مُوَلَّدَةٌ. إذا كانتْ غَيْر مُحَقَّقةٍ، وكذلك قَوْلُهم: كِتَابٌ مُوَلَّد؛ أَي مُفْتَعَلٌ، وهو مَجازٌ، وكذا قولُهم: كَلَامٌ مُوَلَّدُ، وحَدِيث مُوَلَّد؛ أَي ليس من أَصْلِ لُغَتِهِم. وفي اللسان: إِذا اسْتَحْدَثُوه ولم يَكُنْ مِن كلامِهم فيما مَضَى. وقال ابنُ السِّكّيت: ويقال: ما أَدْرِي أَيّ وَلَدِ الرَّجُلِ هُوَ، أَيْ أَيّ الناسِ هو، وأَورده الجَوْهَرِيّ في الصحاح، والمُصنف أَيضًا في البصائر هكذا.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الوالد: الأَبُ، والوَالِدَة: الأُمُّ، وهما الوَالِدَانِ؛ أَي تَغليبًا، كما هو رَأْيُ الجوهرِيّ وغيرِه، وكلامُ المُصَنِّف فيما تقَدَّم صَرِيحٌ في أَن الأُمّ يقال لها الوَالِدُ، بغيرِ هَاءٍ، على خِلافِ الأَصْل، ووالِدَةٌ، بالهاءِ على الأَصْل، فعَلَى قولِ المُصَنّف، الوَالِدَانِ تحقيقًا ووَلَدُ الرَّجُل وَلَدُه في مَعْنًى، ووَلَدُه رَهْطُه في مَعْنًى، وبه فُسِّر قوله تَعالى: {مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلّا خَسارًا}.
وتَوَالَدُوا؛ أَي كَثُرُوا ووَلَدَ بَعْضُهُم بَعْضًا، وكذا اتَّلَدُوا، واسْتَوْلَد جَارِيَةً. وفي حديثِ الاستِعَاذَة: «ومِن شَرِّ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ» يَعْنِي إِبْلِيسَ والشَّيَاطِينَ، هكذا فُسِّر، وفي البصائرِ: يعْنِي آدَمَ وما وَلَدَ من صِدِّيقٍ ونَبِيٍّ وشَهِيدٍ ومُؤْمِن، وتَوَلُّدُ الشَّيْءِ من الشيْءِ: حُصُوله بِسَببٍ من الأَسباب.
ورجُلٌ مُوَلَّد، إِذا كان عَرَبِياًّ غيرَ مَحْضٍ.
والتَّلِيدُ مِن العَبِيد: الذي وُلِد عِنْدَك.
والتَّلِيدَةُ مِن الجَوَارِي: هي التي تُولَد في مِلْكِ قَوْمٍ وعِنْدَهُم أَبَوَاهَا.
وفي الأَفعال لابن القطاع: أَوْلَد القَوْمُ: صارُوا في زَمَنِ الأَوْلَاد. وأَوْلَدَت الماشِيَةُ: حان أَن تَلِدَ.
ومن المَجاز: تَوَلَّدَتِ العَصَبِيَّةُ بَيْنَهم.
وأَرْضُ البَلْقاءِ تَلِدُ الزَّعْفَرَانَ.
واللَّيَالِي حُبَالَى لَيْس يُدْرَى ما يَلِدْنَ.
وصُحْبَةُ فُلانٍ وِلَادَةٌ للخيرِ.
واستدرك شيخُنَا: وَلَّادَة بِنْت المُسْتَكْفِي الأَدِيبة الشاعِرَ.
قلت: والوَلِيدُ جَدُّ الحافِظ أَبي الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن محمّد بن داوود بن الوَلِيد بن عبدِ الله البَزَّار البُخَارِيّ، روَى عن أَبي العَبّاس المُسْتَغْفِرِيّ، وعنه قُتَيْبة بن محمّد العُثْمَانيّ وغيرُه.
ووَلِيدُ أَبَاد: من قُرَى هَمَذَانَ، نُسِب إِليها جَماعةٌ من المُحَدِّثِينَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
11-تاج العروس (برز)
[برز]: بَرَزَ يَبْرُزُ بُرُوزًا: خَرَجَ إِلى البَرازِ لحاجَةٍ، وفي التكملة: للغائطِ؛ أَي الفَضَاءِ الواسِعِ من الأَرْضِ والبَعِيدِ. والبَرَازُ أَيضًا: المَوْضِعُ الذي لَيْس به خَمَرٌ من شَجَرٍ ولا غَيْرِه، فكَنَوْا به عن فَضاءِ الغَائِطِ، كما كَنَوْا عنه بالخَلَاءِ لأَنّهُمْ كانوا يبَرَّزُون في الأَمْكِنَةِ الخالِيَة عن الناس. قُلْتُ: وهو من إِطْلاقِ المَحَلِّ وإِرَادَة الحالّ، كغَيْرِه من المَجَازاتِ المُرْسَلَة، وسيأْتي الكلامُ عليه في آخر المادَّة، كتَبَرَّزَ قال الجوهريُّ: تَبَرَّزَ الرجلُ: خَرجَ إِلى البَرَاز للحَاجَةِ. قلْتُ وهو كِنايةٌ. وبَرَزَ الرَّجُلُ. إِذا ظَهَر بعْدَ الخَفَاءِ. وقال الصاغانيّ: بعْدَ خُمُولٍ. وفي عبارة الفَرّاءِ: وكلّ ما ظَهر بعد خَفاءِ فقد بَرزَ، كبَرِزَ، بالكَسْر، لغةٌ في المَعْنَييْن، نقله الصاغَانيّ: وبارَزَ القِرْنَ مُبَارَزَةً وبِرَازًا، بالكَسْرِ، إِذا بَرَزَ إِلَيْه في الحَرْب، وهُما يَتَبَارَزَانِ، سُمِّيَ بذلك لأَنّ كلاهما يَخْرُجانِ إِلى بَرازٍ من الأَرْض، وبَرَزَ إِلَيْه وأَبْرَزَه غَيْرُه.وأَبْرَزَ الكِتَابَ: أَخْرَجَه، فهو مَبْرُوزٌ. وأَبْرَزَهُ: نَشَرَهُ فهو مُبْرَزٌ كمُكْرَمِ، ومَبْرُوزٌ، الأَخِير شاذٌّ على غير قيَاس، جاءَ على وَزْن الزَّائد، قال لَبِيدٌ:
أَوْ مُذْهَبٌ جُدَدٌ على أَلْواحِهِ *** النّاطِقُ المبْرُوزُ والمخْتُومُ
قال ابنُ جِنِّي: أَراد: المَبْرُوزُ به، ثم حُذِفَ حرفُ الجَرّ فارْتَفَع الضَّمِير واسْتَتَرَ في اسم المَفْعُول به، وأَنشده بعضُهم، المُبْرَز، على احْتِمَال الخَزْل في مُتَفَاعِلُنْ. قال أَبو حاتمٍ في قَوْل لَبِيدٍ: إِنّمَا هو:
أَلنّاطِقُ المُبْرزُ والمخْتُومُ
مُزَاحَفٌ. فغَيَّرَه الرُّواةُ فِرَارًا من الزِّحاف. وفي الصحاح: أَلناطِقُ بقَطْع الأَلِ وإِنْ كان وَصْلًا، قال: وذلك جائزٌ في ابْتِدَاءِ الأَنْصَافِ لأَنّ التقديرَ الوَقْفُ على النِّصْفِ من الصَّدْرِ، قال: وأَنْكَرَ أَبو حاتِمٍ: المَبْرُوز، وقال: ولَعَلَّه المَزْبُورُ، وهو المَكْتُوب. وقال لَبِيدٌ في كلمة أُخْرَى:
كما لاحَ عُنْوانُ مَبْرُوزَةٍ *** يَلُوحُ مَعَ الكَفِّ عُنْوانُهَا
قال: فهذا يدُلُّ على أَنَّهُ لُغَةٌ. قال: والرُّوَاة كُلُّهُم على هذا، فلا مَعْنَى لإِنْكَارِ مَن أَنْكَرَه. وقد أَعْطَوْه كِتَابًا مَبْرُوزًا، وهو المَنْشُور. قال الفَرّاءُ: وإِنّمَا أَجازُوا المَبْرُوزَ، وهو من أَبْرَزْتُ، لأَنّ يُبْرِزُ لفظُه واحدٌ من الفِعْلَيْن. قال الصاغَانيّ: وهكذا نَسَبَه الجوهَرِيّ للَبِيدِ. ولم أَجِدْه في دِيوانِه.
وامْرَأَةٌ بَرْزَةٌ، بالفَتْحِ: بارِزَةُ المَحَاسِنِ ظاهِرَتُهَا، أَو امرأَةٌ بَرْزَةٌ: مُتَجاهِرَةٌ. وفي بعض الأُصُول الصَّحِيحَة: مُتجَالَّةٌ، وقيل: كَهْلَةٌ لا تَحْتَجِب احْتِجَابَ الشَّوابِّ. وقال أَبو عُبَيْدَة: امرأَةٌ بَرْزَةٌ جَلِيلَةٌ، وقيل: امرأَةٌ بَرْزَةٌ تَبْرُزُ للْقَوْم يَجْلِسُونَ إِليها ويَتَحَدَّثُون عنها، وهي مع ذلك عفِيفَةٌ عاقِلَةٌ.
ويقال: امرأَةٌ بَرْزَةٌ: مَوْثُوقٌ برَأْيِهَا وعَفَافِها، وفي حديث أُمّ معْبَدٍ: «كانت امرأَةً بَرْزَةً تَخْتَبِي بفِنَاءِ قُبَّتِهَا». ونقل ابنُ الأَعْرَابِيّ عن ابنِ الزُّبَيْريّ قال: البَرْزَةُ من النّسَاءِ: التي لَيْسَت بالمُتَزايِلَة التي تُزايِلُكُ بوَجْهِها تَسْتُرُهُ عَنْكَ وتَنْكَبّ إِلى الأَرْض، والمُخْرَمِّقَةُ: التي لا تَتَكَلَّم إِنْ كُلِّمَت.
والبَرْزَةُ: العَقَبَةُ مِنْ عِقَابِ الجَبَلِ، نقله الصاغانيّ.
وبَرْزَةُ، فَرَسُ العَبّاسِ بن مرْداسٍ السُّلَمِيّ رَضِيَ الله عنه.
وبَرْزَةُ: قرية بِدَمَشْق في غُوطَتِهَا، وإِيّاهَا عَنَى عَلِيُّ بن مُنِير بقوله:
سَقّاهَا ورَوَّى مِنَ النَّيِّربينِ *** إِلى الغَيْضَتَيْن وحمُّورِيَهْ
إِلى بَيْتِ لِهْيَا إِلى بَرْزَةٍ *** دِلَاحٌ مُكَفكفَةُ الأَوْدِيهْ
وذكرَ بعضُهم أَنّ بها مَوْلِدَ سيِّدِنا الخَلِيلِ عليهالسلام، وهو غَلَط. منها أَبو القاسِم عَبْد العَزِيز بن مُحَمّد بن أَحْمَد ابن إِسماعيلَ بن عليّ المَعْتُوقيّ المُقْرِي المُحَدّث البرْزِيّ، عن ابْنِ أَبِي نَصْرٍ، وعنه أَبو الفِتْيَانِ الرّواسيّ، مات سنة 462. وذكر ابن نُقْطَة جماعةً من أَصحاب ابن عَساكر مِنْ هذِه القَرْيَة، قال الحافظ. قُلْتُ منهم: أَبو عَبْدِ الله محمّد بن محْمُود بن أَحْمَدَ البَرزيّ.
وبَرْزَةُ اسمُ أُمّ عَمْرِو بن الأَشْعَث، هكذا في النُّسخ بزيادة واو بعد عمر، وصوابُه عُمَر بن الأَشْعَثِ بن لَجَأً التَّيْمِيّ، وفيها يقول جَرِيرُ:
خَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ يَبْنِي المَنَارَ به *** وابْرُزْ بِبَرْزَةَ حَيْثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ
وبَرْزَةُ تابِعِيَّةُ، وهي مَوْلَاةُ دَجَاجَةَ بِنْت أَسْمَاءَ بنِ الصَّلْت، وَالدةُ عبد اللهِ بن عامِر بن كُرَيْز.
وبَرْزه، بالهاءِ الصحِيحَة، كما قاله ياقوت. قُلْتُ: فعلَى هذا مَحَلُّ ذِكْرِهَا في الهاءِ، كما لا يَخْفَى: قرية ببَيْهَق، من نَوَاحِي نَيْسَابُور، ولكن النِّسْبَة إِليها بَرْزَهِيّ، بزيادة الهاءِ، هكذا قالوه، والصواب أَنّ الهَاءَ من نَفْسِ الكلمة، كما ذَكَرناه، منها أَبو القاسم حَمْزَةُ بن الحُسَيْن البَرْزَهيّ البَيْهَقِيّ، له تصانيفُ، منها: كتاب مَحَامِد مَنْ يُقال له محمّد؛ وكتاب: محاسن من يقال له أَبو الحَسَن، وذَكَره البَاخَرْزِيّ في دُمْيَة القَصْر، مات سنة 488 قاله عبد الغافر.
وأَبُو بَرْزَةَ جماعةٌ. منهم نَضْلَةُ بن عُيَيْنَة، على الصّحِيح، وقيل: نَضْلَةُ بنُ عائذ، وقيل: ابْنُ عُبَيْد الله، الأَسْلَمِيّ الصحابيّ تُوُفِّيَ سنة سِتِّين.
ورجُلٌ بَرْزٌ، وامرأَةٌ بَرْزَةٌ، يُوصَفان بالجَهَارَة والعَقْل، وقيل: بَرْزٌ: مُتَكَشِّفُ الشَّأْنِ ظاهِرٌ، وقيل: بَرْزٌ: ظاهِرُ الخُلُقِ عَفِيفٌ، وقيل بَرْزٌ وبَرْزِيٌّ: [عَفيفٌ] * مَوْثُوقُ بعَقْله، وفي بعض النُّسَخ: بفَضْله ورَأْيِه، وكأنّه تَحْرِيف، وقال بعضهُم: بعَفَافِه وَرَأْيه. وَقَدْ بَرُزَ بَرَازَةً، ككرُمَ، قال العجّاج.
بَرْزٌ وذُو العَفَافَةِ البَرْزِيُّ
وبَرَّزَ تَبْرِيزًا؛ فاقَ على أَصْحَابِه فَضْلًا أَو شَجَاعَةً، يقال. مَيِّزِ الخَبيثَ من الإِبْرِيز والناكِصِينَ من أُولِي التَّبْرِيز.
وبَرَّزَ الفَرَسُ على الخَيْل تَبْرِيزًا: سَبَقَها. وقيل: كُلّ سابقٍ مُبَرِّزٌ. وإِذا تَسَابَقَت الخَيْلُ قِيل لسابقها: قد بَرَّزَ عليها، وإِذَا قِيل: بَرَزَ، مُخَفّف، فمَعْناه ظَهَرَ بعد الخَفاءِ.
وبَرَّزَ الفَرسُ راكِبَه: نَجّاه، قال رُؤْبَة:
لَوْ لَمْ يُبَرِّزْهُ جَوادٌ مِرْأَسُ
وذَهَبٌ إِبْرِيزٌ، وإِبْرِيزِيُّ، بكَسْرِهما: خالصٌ، هكذا في النُّسَخ، والصَّواب إِبْرِيزٌ، وإِبْرِزِيٌّ من غَيْرِ تَحْتِيّة في الثانِية، قال ابنُ جِنِّي: هو إِفْعِيلٌ من بَرَزَ، والهمزة والياءُ زائدتانِ.
وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: الإِبْريزُ: الحَلْيُ الصافي من الذَّهَبِ، وهو الإِبرزيّ قال النّابِغَة:
مُزَيَّنَة بالإِبْرِزِيّ وحَشْوَهَا *** رَضِيعُ النَّدَى والمُرْشِقَاتِ الحَواصِنِ
وقال شَمِرٌ: الإِبْرِيزُ من الذَّهَبِ: الخالصُ، وهو الإِبْرِزِيُّ والعِقْيَانُ والعَسْجَدُ.
وبَرَازُ الزُّورِ، بالفَتْح، وهو مستدركٌ، والزُّور هكذا بتَقْدِيم الزاي المفتوحة في سائر النسخ، والصَّوَابُ كما في التَّكْمِلَة: بَرَازُ الرُّوزِ، بتقديم الراء المضمومة على الزاي بينهما واوٌ: طَسُّوجٌ ببغْدَادَ، وقال الصاغانيّ من طَسَاسِيجِ السَّوادِ. وقال ياقوت: بِالجَانِبِ الشَّرْقِيّ من بَغْدَادَ، كان للمُعْتَضِد به أَبْنِيَةٌ جَليلةٌ.
والبارزُ: فَرَسُ بَيْهَسٍ الجَرْمِيّ، نقله الصاغانيّ.
وبارِزٌ: بلد بقُرْبِ كِرْمانَ، به جِبَالٌ. وبه فُسِّر الحَديث المَرْوِيّ عن أَبي هُرَيْرَة: «لَا تَقُوم الساعةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُون الشَّعرَ وهُمُ البارِزُ»، قال ابن الأَثير: وقال بعضُهم: هم الأَكْرَاد، فإِن كانَ مِنْ هذا فكأَنَّه أَراد أَهلَ البارِز، أَو يكون سُمُّوا باسم بلادِهِمْ، قال: هكذا أَخْرَجه أَبو مُوسَى في كِتَابِه وشَرَحَه، قال: والذِي رَوَيْنَاه في كِتَابِ البُخَارِيّ عن أَبي هُرَيْرَة: سمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بَيْنَ يَدَيِ الساعَةِ تُقَاتِلُون قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعرُ، وهو هذا البَارِزُ» وقال سُفْيَانُ، مَرَّةً: هم أَهلُ البارِزِ، يعنِي بأَهْلِ البارِزِ أَهلَ فارِسَ، هكذا هو بُلَغَتِهم، وهكذا جاءَ في لَفْظِ الحَدِيث، كأَنَّه أَبدل السّينَ زايًا، فيكون من بابِ الباءِ والراءِ، وهو هذا البابُ لا من باب الباءِ والزاي. قال: وقد اخْتُلِفَ في فَتْح الراءِ وكَسْرِهَا، وكذلك اخْتُلِفَ مع تَقْدِيم الزايّ، وقد ذُكِرَ أَيضًا في حَرْف الراءِ.
وبُرْزٌ، بالضَّمّ: قرية بمَرْوَ، منها سُلَيْمانُ بن عامِرٍ الكِنْدِيُّ المُحَدِّثُ المَرْوَزِيّ، شيخٌ لإِسْحَاقَ بنِ رَاهَوَيْه، رَوَى عن الرَّبِيع بن أَنَسٍ.
وبُرْزَةُ، بِهَاءٍ: شُعْبَةٌ تَدْفَعُ في بِئْرِ الرُّوَيْثَةِ أَو هُمَا شُعْبَتَانِ قَرِيبتَانِ من الرُّوَيْثَة، تَصُبّانِ في دَرَجِ المَضِيقِ من يَلْيَلَ وادِي الصَّفْرَاءِ، يُقَالُ لكُلٍّ مِنْهُمَا: بُرْزَة.
ويَوْمُ بُرْزَةَ من أَيّامِهم، نقَلَه الصاغانيّ. قُلْتُ وفيه يَقُول ابنُ جِذْلِ الطّعَانِ:
فِدًى لَهُمُ نَفْسِي وأُمِّي فِدًى لَهُم *** بِبُرْزَةَ إِذْ يَخْبِطْنَهُمْ بالسَّنَابِكِ
وفي هذا اليوم قُتِلَ ذُو التاجِ مالِكُ بن خالِدٍ. قاله ياقُوت.
وبُرْزَةُ جَدُّ عَبْدِ الجَبّار بن عَبْد الله المُحَدّث المَشْهُور، كَتَب عنه ابنُ ماكُولَا. قلتُ: وفَاتَهُ: عبدُ الله بن محمّد بن بُرْزَةَ، سَمِعَ ابنَ أَبي حاتِمٍ وغَيْرَه، قال ابنُ نُقْطَة: نَقَلْتُهُ من خط يَحْيَى بن مَنْدَه مُجَوّدًا.
وبُرْزِيّ، بكسر الزّايِ: لَقَبُ أَبِي حاتِمٍ مُحَمّدِ بنِ الفَضْلِ المَرْوَزِيّ، وعبارة الصاغانيّ في التكملة هكذا: ومحمّد بن الفَضْل البُرْزِيّ من أَصحابِ الحَدِيث.
وبُرْزَى، كبُشْرَى، وقال ياقوت: هي بُرْزَة، ونَسَبَ الإِمالَةَ للعامَّة: قرية بوَاسِطَ، منها الإِمام رَضِيّ الدّين إِبراهِيم ابن عُمَرَ بن البُرْهَانِ الواسِطِيّ التاجر رَاوِي صَحِيح مُسْلِمٍ، عن منصورٍ الفَرَاويّ. وبُرْزَى: قرية أُخْرَى من عَمَل بَغْدَادَ، من نَوَاحِي طريقِ خُرَاسَانَ.
وَأَبْرَزَ الرجُلُ: أَخَذَ الإِبْرِيزَ، هكذا في سائر النُّسخ، ونَصُّ ابنِ الأَعرَابِيّ، على ما نَقَلَه صاحبُ اللّسَان والصاغانيّ: اتَّخَذَ الإِبْرِيزَ.
وأَبْرَزَ الرجُلُ، إِذا عَزَمَ على السَّفَرِ، عن ابن الأَعرابيّ.
والعامَّةُ تقول: بَرَزَ.
وأَبْرَزَ الشَّيْءَ: أَخْرَجَه، كاسْتَبْرَزَه، وليست السِّين للطَّلَب.
وتَبْرِيزُ: بالفَتْح، وقد تُكْسَرُ: قاعِدَةُ أَذْرَبِيجَانَ، والعَامَّةُ تقلِب الباءَ وَاوًا، وهي من أَشْهَرِ مُدُنِ فارِسَ وقد نُسِبَ إِليها جماعَةٌ من المُحَدِّثِين والعلماءِ في كُلِّ فَنّ.
وتَبَارَزَا: انْفَرَدَ كُلٌّ منْهُما عن جَمَاعَتِه إِلى صاحِبِه.
وبَرَّزَهُ تَبْرِيزًا: أَظْهَرَه وبَيَّنَه، ومنه قوله تعالى: {وَ} بُرِّزَتِ {الْجَحِيمُ} أَي كُشِفَ غِطَاؤُهَا.
وكِتَابٌ مَبْرُوزٌ: مَنْشُورٌ، وقد تَقَدَّم البحثُ فيه أَوّلًا، فأَغْنَانَا عن إِعادته ثانِيًا.
وبَرَازٌ، كسَحَابٍ، اسمٌ.
والبِرَازُ، ككِتَابٍ: الغائطُ، وهو كِنَايَةٌ. اخْتَلَفُوا في البِرَازِ بهذا المَعْنَى، ففي الحديث: «كان إِذا أَرادَ البِرَازَ أَبْعَدَ» قال الخَطّابي في مَعَالِم السُّنَن: المُحَدِّثون يَرْوُونَه بالكَسْر، وهو خَطَأٌ، لأَنّه بالكَسْر مَصْدَرٌ من المُبَارَزَة في الحَرْب. وقال الجوهريّ بخِلاف هذا، ونَصُّه: البِرَازُ: المُبَارَزَة في الحَرْب، والبِرَاز أَيْضًا: كِنَايَةٌ عن ثُفْلِ الغِذَاءِ، وهو الغائطُ، ثم قال: والبَرَازُ، بالفَتْح: الفَضَاءُ الوَاسِعُ، وَتَبَرَّز: خَرَجَ إِلى البَرَازِ للحَاجَةِ. انتهى. فكأَنّ المُصَنِّف قَلَّده في ذلِك؛ وهكذا صَرَّحَ به النَّوَوِيّ في تَهْذيبه، وابنُ دُرَيْد، وقد تَكَرَّرَ المَكْسُور في الحَدِيث. ومن المَفْتُوح حديثُ عَلِيٍّ كَرّم الله وَجْهَهُ: «أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بالبَرَازِ» يريدُ المَوْضِع المُتَكَشّف بغيرِ سُتْرَةٍ.
وبَرْزَوَيْهِ كعَمْرَوَيْه: جَدُّ مُوسَى بن الحَسَن الأَنْمَاطِيّ المُحَدِّث، عن عبد الأَعْلَى بن حَمّاد، وعنه مَخْلَد بن جَعْفَرٍ الباقَرْحِيّ وغيره.
وأَبْرَوَيْزُ، بفتح الواوِ وكَسْرِهَا، وباؤه فارسيّة، ويقال: أَبْرَوَازُ، والأَول أَشْهرُ: مَلِكٌ من مُلُوك الفُرْسِ. قال السُّهَيْليّ: هو كِسْرَى الذي كَتَب إِليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ومَعْنَى أَبْرَوَيْز عندهم: المُظَفَّر.
* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:
المَبْرَزُ: كمَقْعَدٍ: المُتَوَضَّأُ.
والبَارِزُ: الظَاهِرُ الظُّهُورَ الكُلِّيّ.
وقولُه تَعَالَى: {وَتَرَى الْأَرْضَ} بارِزَةً أَي ظاهِرَةً بلا تَلٍّ ولا جَبَل ولا رَمْلٍ.
وبَرْزَةُ، بالفَتْح كُورَةٌ بِأَذْرَبِيجَانَ، بأَيْدي الأَزْدِيِّين، نقله البَلَاذُريّ وياقوت.
وذَكرَ بَرَازًا، كسَحَابٍ، وَأَنَّهُ اسمٌ ولم يُعَيِّنه. وهو أَشْعَثُ بن بَرَازٍ، قال الحافِظ: فَرْدٌ.
وبابُ إِبْرِيز: إِحْدَى مَحَالِّ بَغْدَادَ، وإِلَيْه نُسِبَ البارِزِيُّونَ المُحَدِّثُون، ومنهم قاضِي القُضَاةِ هِبةُ الله بن عبد الرَّحِيم بن إِبراهِيمَ بن هِبَة الله المُسلم الجُهَنِيّ الحَمَوِيّ الفقيهُ الشافعيّ أَبو القَاسِم، عُرِفَ بابنِ البَارِزِيّ، من شُيُوخ التَّقِيّ السُبْكِيّ، وكذا آلُ بَيْته.
وبَرْزُوَيْه، بالفَتْح وضمّ الزّاي، والعامة تقول بَرْزَيْه: حِصْنٌ قُرْبَ السّوَاحِل الشامِيَّةِ على سِنّ جَبَلٍ شاهِق يُضْرَبُ بها المَثَلُ في بلادِ الإِفْرنج بالحَصانَة، يُحِيط بها أَوْدِيةٌ من جميع جَوانبها وذَرْعُ عُلُوّ قَلْعَتها خَمْسُمِائة وسَبْعُون ذِرَاعًا، كانت بِيَدِ الفِرِنجِ حتّى فَتَحَهَا المَلِك النَاصِر صلَاح الدّين يوسُف بن أَيّوب في سنة 584.
والشَّرَفُ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمّد بن مُبَارِزٍ الشافِعيّ الزّبيديّ، حدَّثَ عن النَّفِيس العَلَوِيّ وغَيْرِه، رَوَى عنه سِبْطُه الوَجِيهُ عبدُ الرّحْمن بن عليّ بن الرَّبِيع الشَّيْبَانِيّ، والجَمَال أَبو مُحَمّد عبد الله بن عبد الوهّاب الكازَرُونيّ المَدَنِيّ وغيرهما.
وتِبْرِز، كزِبْرِج: مَوضعٌ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
12-تاج العروس (أي)
[أَيّ]: أَيُّ كَتَبَه بالحُمْرةِ، وهو في الصِّحاحِ، فالأَوْلى كتبه بالسَّوادِ: حَرْفُ اسْتِفْهامٍ عمَّا يَعْقِلُ وما لا يَعْقِلُ.هكذا هو في المحْكَم.
وقالَ شيْخُنا: لا قَائِل بحَرْفِيَّتها بَلْ هي اسمٌ تُسْتَعْملُ في كلامِ العَرَبِ على وُجُوهٍ مَبْسوطَةٍ في المُغْني وشُرُوحِه، وكَلامُ المصنِّفِ فيها كُلّه غَيْر مُحَرَّر.
ثم قالَ ابنُ سِيدَه: وقَوْلُ الشاعِرِ:
وأَسْماءُ ما أَسْماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ *** إليَّ وأَصْحابي بأَيِّ وأَيْنَما
فإنَّه جعَلَ أَيَّ اسْمًا للجهَةِ، فلمَّا اجْتَمَعَ فيه التَّعْريفُ والتأْنِيثُ مَنَعَه الصَّرْف.
وقالوا: لأَضْرِبَنَّ أَيُّهم أَفْضَلُ؛ أَيِّ مَبْنِيَّةٌ عنْدَ سِيْبَوَيْه، فلذلِكَ لم يَعمل فيها الفِعْلُ؛ كما في المُحْكَم وفي الصِّحاحِ.
وقالَ الكِسائيّ: تقولُ: لأَضْرِبَنَّ أَيَّهم في الدارِ، ولا يَجوزُ أَن تقولَ ضَرَبْت أَيُّهم في الدارِ، ففرق بينَ الوَاقِعِ والمُنْتَظَرِ.
وقالَ شَيْخُنا: أَيّ لا تُبْنى إلَّا في حالَةٍ مِن أَحْوالِ المَوْصولِ، أَو إذا كانتْ مُنادَاة، وفي أَحْوالِ الاسْتِفهامِ كُلّها مُعْرَبَة، وكَذلِكَ حالُ الشَّرْطِيَّة وغَيْر ذلِكَ، ولا يعتمد على شيءٍ مِن كَلامِ المصنِّف انتَهَى.
* قُلْتُ: وقد عَرَفْت أنَّه قَوْلُ سِيْبَوَيْه على ما نَقَلَه ابنُ سِيدَه. فقوْل شيْخنا أَنَّه لا يُعْتَمد إلى آخِرِه مَحلُّ نَظَرٍ.
ثم قالَ بعضٌ: لعلَّ قَوْله مَبْنِيَّة مُحَرَّفَة عن مُبَيِّنَةَ بتقْدِيم التّحْتِيَّة على النونِ مِن البَيَانِ؛ أَي مُعْرَبَة، وقيلَ: أرادَ بالبِناءِ التَّشْديد وكُلّه خِلافُ الظاهِرِ، انتَهى.
* قُلْتُ: وهو مِثْل ما ذكرَ وحيثُ ثبتَ أنه قَوْلُ سِيْبَوَيْه فلا يحتاجُ إلى هذه التَّكْلِفاتِ البَعِيدَةِ ومن حفظ حجَّة على مَنْ لم يَحْفظ.
وقد تُخَفَّفُ لضَرُورَةِ الشِّعْرِ، كقَوْلِه؛ أَي الفَرَزْدَق:
تَنَظَّرْتُ نَسْرًا والسِّماكَيْنِ أَيْهُما *** عليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
إنما أَرادَ أَيُّهما، فاضْطَرَّ فحذَفَ.
ووَقَعَ في كتابِ المُحْتَسب لابنِ جنِّي تَنَظَّرْتُ نَصْرًا، وقالَ: اضْطَرَّ إلى تَخْفِيفِ الحَرْفِ فحذَفَ الياءَ الثانِيَة وكانَ يَنْبَغِي أن يردَّ الياء الأُولى إلى الواوِ لأنَّ أَصْلَها الواو.
وقد تَدْخُلُه الكافُ فيُنْقَلُ إلى تكْثيرِ العددِ بمعْنَى كمِ الخَبَرِيَّةِ ويُكْتَبُ تَنْوِينه نونًا، وفيها؛ كذا في النسخ، والأَوْلى وفيه، لُغاتٌ يقالُ: كأَيِّنْ، مِثَالُ كعَيِّن، وكَيْيِنْ، بفتحِ الكافِ وسكونِ الياءِ، الأُوْلى وكسْرِ الياءِ الثانِيَةِ، وكائِنْ، مثَالُ كَاعِنٍ، وكأَيَ بوزْنِ رَمَي، وكَاءٍ، مثلُ كَاعٍ، كذا في النسخ والصَّوابُ بوزْنِ عَمٍ.
قالَ ابنُ جنِّي: حَكَى ذلِكَ ثَعْلَب. اقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ منها على الأُوْلى والثالثَةِ؛ وما عَدَاهُما عن ابنِ جنِّي، قالَ: تَصَرَّفتِ العَرَبُ في هذه الكَلِمَةِ لكثْرَةِ اسْتِعْمالِها إيَّاها فقَّدَّمَتِ الياءَ المُشَدَّدَة وأَخَّرَتِ الهَمْزَةَ، كما فَعَلَتْ ذلِكَ في عدَّةِ مَوَاضِع، فصارَ التَّقديرُ كَيِّئٌ، ثم إنَّهم حَذَفُوا الياءَ الثانِيَةَ تَخْفِيفًا كما حَذَفُوها في مَيِّت وهَيِّن، فصارَ التَّقْدير كَيْئٌ، ثم إنَّهم قَلَبُوا الياءَ أَلِفًا لانْفِتاحِ ما قَبْلها، فصارَتْ كائِنْ: فمَنْ قالَ: كأَيِّنْ فهي أَيُّ أُدْخِلَتْ عليها الكافُ، ومَنْ قالَ: كائِنْ فقد بيَّنَّا أَمْرَه، ومَنْ قالَ: كأْي بوزْنِ رَمْي فأَشْبَه ما فيه أنَّه لما أَصارَه التَّغَير على ما ذَكَرْنا إلى كَيْئٍ قدَّمَ الهَمْزَةَ وأَخّر الياءَ ولم يَقْلبِ الياءَ أَلِفًا، ومَنْ قالَ: كيءٍ بوزْنِ عَمٍ فإنَّه حذَفَ الياءَ مِن كَيْئٍ تَخْفِيفًا أَيضًا.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: تقولُ كأَيِّنْ رجُلًا لَقِيتَ، تَنْصبُ ما بَعْد كأَيِّنْ على التَّمْييزِ؛ وتقولُ أَيْضًا كأَيِّنْ من رجُلٍ لَقِيتَ، وإدْخال مِن بَعْد كأَيِّنْ أَكْثَر مِنَ النَّصْبِ بها وأَجْوَد؛ وتقولُ: بكأَيِّنْ تَبِيعُ هذا الثَّوْبَ؟ أَي بكَم تَبِيع؛ قالَ ذو الرُّمَّة:
وكائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهَاةٍ ورامِحٍ *** بِلادُ العِدَا لَيْسَتْ له ببِلادِ
هذا نَصُّ الجَوْهرِيِّ.
قالَ سِيْبَوَيْه: وقالوا كأَيِّنْ رجُلًا قد رأَيت، زَعَمَ ذلِكَ يونُس، وكأَيِّنْ قد أَتاني رجُلًا، إلَّا أَنَّ أَكْثَر العَرَبِ إنَّما يتَكَّلمُونَ مع مِنْ قالَ: ومعْنَى كأَيِّنْ رُبَّ.
وقالَ الخَلِيلُ: إن جَرَّها أَحدٌ مِنَ العَرَبِ فَعَسى أَن يجرَّها بإضْمارِ مِن، كما جازَ ذلِكَ في كَمْ؛ وقالَ أَيْضًا: كأَيِّنْ عَمِلَتْ فيمَا بَعْدَها كعَمَلِ أَفْضَلَ في رجُلٍ فصارَ أَيّ بمنْزِلَةِ التَّنْوين، كما كانَ هم مِنَ قَوْلِهم أَفْضَلهم بمنْزِلَةِ التَّنْوين. قالَ: وإنَّما يَجِيءُ الكافُ للتَّشبيهِ فتَصيِر هي وما بَعْدَها بمنْزِلَةِ شيء واحِدٍ.
وأَيٌّ أَيْضًا اسمٌ صِيغَ ليُتَوَصَّلُ بها؛ كذا في النسخ والصَّوابُ به؛ إلى نداءِ ما دَخَلَتْه أَلْ كَيَا أَيُّها الرَّجُلُ ويا أَيُّها الرَّجُلانِ ويا أَيُّها الرِّجال، ويا أَيَّتُها المَرْأَةُ ويا أَيَّتُها المَرْأَتانِ ويا أَيَّتُها النِّسْوَةُ، ويا أَيُّها المَرْأَة ويا أَيُّها المَرْأَتانِ ويا أَيُّها النِّسْوة. وأَمَّا قَوْلُه، عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ}، فقد يكونُ على قَوْلِكَ يا أَيّها المَرْأَة ويا أَيّها النِّسْوة. وأَمَّا ثَعْلَب فقالَ: إنَّما خاطَبَ النَّمْلَ بيا أَيّها لأنَّه جَعَلَهم كالنَّاسِ، ولم يَقُل ادْخُلي لأنَّها كالناسِ في المُخاطَبَةِ، وأَمَّا قَوْلُه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فيأتي بنِداءٍ مُفْردٍ مُبْهِمِ، والذين في مَوْضِع رَفْعِ صفَةٍ لأيّها، هذا مَذْهَبُ الخَلِيلِ وسِيْبَوَيْه وأَمَّا مَذْهَبُ الأَخْفَش: فالذين صفَةٌ لأيّ، ومَوْضِعُ الذين رَفْع بإضْمارِ الذَّكَرِ العائِدِ على أَيَّ، كأَنَّه على مَذْهَبِ الأَخْفَش بمنْزِلَةِ قَوْلِكَ: يا مَنْ الذين أَي يا من هم الذين، وها لازِمَةٌ لأيِّ عِوَضًا ممَّا حُذِفَ منها للإِضافَةِ وزِيادَةً في التَّنْبِيهِ.
وفي الصِّحاح، وإذا نادَيْتَ اسْمًا فيه الأَلِفُ والَّلامُ أَدْخَلْتَ بَيْنه وبينَ حَرْفِ النِّداءِ أَيّها فتَقولُ: يا أَيّها الرَّجُلُ ويا أَيَّتُها المَرْأَة، فأَيّ اسمٌ مُفْردٌ مُبْهم مَعْرِفَة بالنِّداءِ مَبْنِيٌّ على الضمِّ، وها حَرْفُ تَنْبيهٍ، وهي عِوَض ممَّا كانتْ أَيّ تُضَافُ إليه، وتَرْفَع الرَّجُل لأنَّه صفَةٌ أَيّ؛ انتَهَى.
وقالَ ابنُ بَرِّي: أَيّ وُصْلَة إلى نداء ما فيه الألِف واللام في قَوْلِكَ يا أَيُّها الرَّجُل، كما كانتْ إِيًّا وُصْلَةَ المُضْمَرِ في إيّاه وإيّاك في قَوْلِ مَنْ جَعَل إِيَّا اسْمًا ظاهِرًا مضافًا على نَحْو ما سمعَ مِنْ قَوْلِ العَرَبِ: إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّيْن فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ، انتَهَى.
وقالَ الزجَّاجُ: أَيّ اسمٌ مُبْهمٌ مَبْنِيٌّ على الضمِّ مِن أَيُّها الرَّجُل، لأنَّه مُنادَى مُفْرَد، والرَّجُل صِفَة لأَيّ لازِمَه، تقولُ: أَيّها الرَّجُل أَقْبِل، ولا يجوزُ يا الرَّجُل؛ لأنَّ يا تَنْبِيهٌ بمنْزِلَةِ التَّعْريفِ في الرَّجُل فلا يجمعُ بينَ يا وبينَ الأَلفِ واللامِ، وها لازِمَةٌ لأيّ للتَّنْبيهِ، وهي عِوَضٌ مِن الإِضافَةِ في أَيّ، لأنَّ أَصْلَ أَيّ أن تكونَ مُضافَةً إلى الاسْتِفْهامِ والخَبَرِ، والمُنادَى في الحَقيقَةِ الرَّجُلُ، وأَيّ وُصْلَة إليه؛ وقالَ الكُوفِيّون: إذا قُلْتَ يا أَيّها الرَّجُل، فيا نِدَاء، وأَيّ اسمٌ مُنادَى، وها تَنْبيه، والرَّجُل صِفَة، قالوا: ووُصِلَتْ أَيّ بالتَّنْبِيه فصارَ اسْمًا تامًّا لأنَّ أَيا وما ومن والذي أَسْماءٌ ناقِصَةٌ لا تتمُّ إلَّا بالصِّلاتِ، ويقالُ: الرَّجُل تَفْسِير لمَنْ نُودِي.
وأُجِيزَ نَصْبُ صِفَةِ أَيِّ فتَقولُ: يا أَيُّها الرَّجُلَ أَقْبِلْ؛ أَجازَهُ المازِنيُّ وهو غَيْرُ مَعْروفٍ.
وأَيْ، كَكَيْ: حَرْفٌ لنداءِ القرِيبِ دونَ البَعِيدِ، تقولُ: أَيْ زيدُ أَقْبِلْ. وهي أَيْضًا كَلمةٌ تتقدَّمُ التَّفْسيرَ بمعْنَى العبارَةِ، تقولُ: أَي كذا، بمعْنَى يُريدُ كذا؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.
وقالَ أَبو عَمْروٍ: سَأَلْتُ المبرِّدَ عن أَيْ مَفْتُوحَة ساكِنَة الآخرِ ما يكونُ بَعْدَها فقالَ: يكونُ الذي بَعْدها بَدَلًا، ويكونُ مُسْتأْنفًا، ويكونُ مَنْصوبًا؛ قالَ: وسَأَلْتُ أَحمدَ بن يَحْيَى فقالَ: يكونُ ما بَعْدَها مُتَرْجِمًا، ويكونُ نصبًا بفعْلٍ مُضْمَرٍ، تقولُ: جاءَني أَخُوكَ أَي زيدٌ، ورأَيْتُ أَخَاكَ أَي زيدًا، ومَرَرْتُ بأَخِيكَ أَي زيدٍ، وتقولُ: جاءَني أَخُوكَ فيجوزُ فيه أَي زيدٌ وأَي زيدًا، ومَرَرْتُ بأَخِيكَ فيجوزُ فيه أَي زيدٍ؛ أَي زيدًا؛ أَي زيدٌ، ويقالُ: رأَيْتُ أَخَاك أَي زيدًا، ويَجوزُ أَي زيدٌ.
وإِيْ، بالكسْرِ، بمعْنَى نَعَم، وتُوصَلُ باليَمِينَ. فيُقالُ: إي والله، وتُبْدَلُ منها هاءٌ فيُقالُ هِي، كما في المُحْكَم.
وفي الصِّحاحِ: إيْ كلمةٌ تتقدَّمُ القَسَمَ مَعْناها بلى، تقُولُ: إي ورَبِّي، وإي والله.
وقالَ اللّيْثُ: إيْ يمينٌ؛ ومنه قَوْلُه تعالى {قُلْ إِي وَرَبِّي}، والمعْنَى إي والله.
وقالَ الزجَّاجُ: المعْنَى نَعْم ورَبِّي.
وقالَ الأزْهرِيُّ: وهذا هو القَوْلُ الصَّحِيحُ، وقد تكرَّرَ في الحدِيثِ إي واللهِ وهي بمعْنَى نَعَم، إلَّا أَنَّها تَخْتصُّ بالمجيءِ مع القَسَم إِيجابًا لمَا سَبَقَه مِنَ الاسْتِعْلامِ.
وابنُ أَيَّا، كَرَيَّا مُحدِّثٌ.
* قُلْتُ: الصَّوابُ فيه التَّخْفيفُ كما ضَبَطَه الحافِظُ قالَ: وهو عليُّ بنُ محمدِ بنِ الحُسَيْن بنِ عَبْدوس بنِ إِسْماعيل بنِ أَيَّا بنِ سَيْبُخت، شيخٌ ليَحْيَى الحَضْرميّ.
وأَيَا، مُخَفَّفًا: حَرْفُ نداءٍ للقَرِيبِ والبَعِيدِ؛ تقولُ: أَيا زيْد أَقْبِلْ، كما في الصِّحاحِ؛ كَهَيَا بقَلْبِ الهَمْزَةِ هاء، قالَ الشاعِرُ:
فانْصَرَفَتْ وهي حَصانٌ مُغْضَيَهْ *** ورَفَعَتْ بصوتِها هَيَا أَيَهْ
قالَ ابنُ السِّكِّيت: أَرادَ أَيا أَيَهْ، ثم أَبْدَلَ الهَمْزَة هاءً، قالَ: وهذا صَحيحٌ لأنَّ أَيا في النداءِ أَكْثَر مِن هَيَا.
* تَذْنيب* وفي هذا الحَرْفِ فَوائِدُ أَخل عنها المصنِّف ولا بأْسَ أن نَلُمَّ ببعضِها: قالَ سَيْبَوَيْه: سَأَلْتُ الخَلِيلَ عن قَوْلِهم: أَيِّي وأَيُّك كانَ شرًّا فأَخْزاهُ اللهُ، فقالَ: هذا كقَوْلِكَ أخزَى اللهُ الكاذِبَ منِّي ومنْكَ، إنَّما يُريدُ منَّا، فإنَّما أَرادَ أَيُّنا كانَ شرًّا، إِلَّا أنَّهما لم يَشْتركَا في أَيِّ، ولكنَّهما أَخْلَصاهُ لكلِّ واحد منهما. وفي التهْذِيبِ: قالَ سِيْبَوَيْه: سألْتُ الخَليلَ عن قوْله:
فأَيِّي ما وأَيُّكَ كانَ شرًّا *** فسِيقَ إلى المقامَةِ لا يَراها
فقالَ: هذا بمنْزِلَةِ قَوْل: الرَّجلُ: الكاذِبُ منِّي ومنْكَ فَعَلَ اللهُ به.
وقالَ غيرُهُ: إنَّما يُريدُ أنَّك شرٌّ ولكنَّه دَعا عليه بلَفْظٍ هو أَحْسَن من التَّصْريحِ كما قالَ اللهُ تعالى: {وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
وقَوْلُه: فأيّي ما، أَيّ مَوْضِعُ رَفْع لأنَّه اسمُ كان، وأيك نسق عليه، وشرًّا خَبَرُهما.
وقالَ أَبو زَيْدٍ: يقالُ: صَحِبَه اللهُ أَيَّامَّا تَوَجَّه، يُريدُ أَيْنَما تَوَجَّه.
وفي الصِّحاحِ: وأَيٌّ اسمٌ مُعْرَبٌ يُسْتَفْهمُ بها ويُجازَى فيمنْ يَعْقِل وفيمَا لا يَعْقِل، تقولُ: أَيُّهم أَخُوك، وأَيُّهم يكْرِمْني أُكْرِمْه، وهو مَعْرفَة للإِضافَةِ، وقد تترك الإِضَافَة وفيه مَعْناها، وقد تكونُ بمنْزِلَةِ الذي فتَحْتاج إلى صِلَةٍ تقولُ: أَيُّهم في الدارِ أَخُوك؛ وقد تكونُ نَعْتًا للنّكِرَةِ تقولُ: مَرَرْتُ برَجُلٍ أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، ومَرَرْتُ بامْرأَةٍ أَيَّةِ امْرأَةٍ وبامْرأَتَيْن أَيَّتُما امْرَأَتَيْن، وهذه امْرأَةٌ أَيَّةُ امْرأَةٍ وامْرَأَتانِ أَيَّتُما امْرَأَتَيْنِ، وما زَائِدَة. وتقولُ في المَعْرفَةِ: هذا زَيْدٌ أَيَّما رجلٍ، فتَنْصب أَيًّا على الحالِ، وهذه أَمَةُ اللهِ أَيَّتُما جارِيَةٍ، وتقولُ: أَيُّ امْرأَةٍ جاءَك، وأَيَّةُ امْرأَةٍ جاءَتْكَ، ومَرَرْت بجارِيَةٍ أَيِّ جارِيَةٍ، وجِئْتُك بمُلأَةٍ أَيِّ مُلأَةٍ وأَيَّةِ مُلأَةٍ، كُلُّ جائِزٌ. قالَ اللهُ تعالى: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}، وأَيُّ قَدْ يُتَعَجَّبُ بها، قالَ جميلٌ:
بُثَيْنَ الْزَمِي لا إنَّ لا إِنْ لَزِمْتِهِ *** على كَثْرَةِ الواشِينَ أَيُّ مَعُونِ
وقالَ الفرَّاءُ: أَيُّ يعْمَلُ فيه ما بَعْده ولا يَعْمَلُ فيه ما قَبْله، كقَوْلِه تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}، فرَفَعَ، ومنه أَيْضًا: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} فَنَصَبَه بما بَعْدِه؛ وأَمَّا قَوْلُ الشاعِر:
تَصِيحُ بنا حَنِيفَةُ إِذْ رأَتْنَا *** وأَيَّ الأَرْضِ نَذْهَبُ للصِّياحِ
فإنَّما نَصَبَه لنَزْعِ الخافِضِ، يُريدُ إلى أَيِّ الأَرْضِ، انتَهَى نَصُّ الجَوْهرِيّ.
وفي التَّهْذِيبِ: رُوِي عن أَحمدِ بنِ يَحْيَى والمبرِّدِ قالا: لأَيّ ثلاثَةُ أَحْوالٍ: تكونُ اسْتِفْهامًا، وتكونُ تعجُّبًا، وتكونُ شَرْطًا: وإذا كانتِ اسْتِفْهامًا لم يَعْمَل فيها الفِعْلُ الذي قَبْلها، وإنَّما يَرْفَعها أَو يَنْصِبُها ما بَعْدَها، كقَوْلِ اللهِ تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}، قالا: عَمِلَ الفِعْلُ في المعْنَى لا في اللّفْظِ كأَنَّه قالَ: لنَعْلَم أَيًّا مِن أَيِّ، وسيعلم أَحَد هذين، قالا: وأَمَّا المَنْصوبَةُ بما بَعْدها فكقَوْله تعالى: {سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} وقالَ الفرَّاءُ: أَيُّ إذا أَوْقَعْتَ الفِعْلَ المُتَقَدِّم عليها خَرَجَتْ مِن مَعْنى الاسْتِفهامِ، وذلكَ إن أَرَدْته جائِز، يقولونَ: لأَضْرِبَنّ أَيُّهم يقولُ ذلكَ. وقالَ الفرَّاءُ: وأَيّ إِذا كانتْ جَزاءً فهو على مَذْهبِ الذي قالَ: وإذا كانتْ تعجُّبًا لم يُجازَ بها، لأنَّ التَّعجُّبَ لا يُجازَى به، وهو كقَوْلِكَ: أَيُّ رجلٍ زيدٌ وأَيُّ جارِيَةٍ زينبُ، قالَ: والعَرَبُ تقولُ: أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إذا أَفْرَدُوا أَيًّا ثَنُّوْها وجَمَعُوها وأَنَّثُوها فقالوا أَيَّة وأَيَّتان وأَيَّاتٌ، وإذا أَضافُوا إلى ظاهِرٍ أَفْرَدُوها وذكَّرُوها فقالوا أَيّ الرَّجُلَيْن وأَيُّ المَرْأَتَيْن. وأَيّ الرِّجال وأَيّ النِّساءِ، وإذا أَضافُوا إلى المَكْنِيِّ المُوءَنَّثِ ذكَّرُوا وأَنَّثُوا فقالوا أَيّهما وأَيَّتهما للمرْأَتَيْن؛ وقالَ زهيرٌ في لُغَةِ مَنْ أَنَّثَ:
وزَوَّدُوكَ اشْتِياقًا أَيَّةً سَلَكوا
أَرادَ أَيَّةَ وُجْهَةٍ سَلَكُوا، فأنَّثها حينَ لم يصفْها.
وفي الصِّحاحِ: وقد يُحْكَى بأَيِّ النكراتُ ما يَعْقِلُ وما لا يَعْقِلُ، ويُسْتَفْهمُ بها، وإذا اسْتَفْهَمتَ بها عن نَكِرَةٍ أَعْرَبْتها بإعْرابِ الاسم الذي هو اسْتِثْباتٌ عنه، فإذا قيلَ لكَ: مَرَّ بي رجُلٌ، قُلْتَ: أَيٌّ يا فتى؟ تَعْربها في الوَصْل وتُشِيرُ إلى الإعْرابِ في الوقْفِ، فإن قالَ: رأَيْت رجلًا، قلْتَ: أَيًّا يا فتى؟ تعربُ وتنوِّنُ إذا وَصَلْتَ وتَقِفُ على الألفِ فتقولُ أَيًّا، وإذا قالَ: مَرَرْتُ برجُلٍ قلْتَ: أَيِّ يا فتى؟ تحكِي كَلامَه في الرفْعِ والنَّصْبِ والجرِّ في حالِ الوَصْلِ والوَقْف، وتقولُ في التَّثْنيةِ والجَمْعِ والتأْنِيثِ كما قُلْناه في من، إذا قالَ: جاءَني رِجالٌ، قلْتَ: أيُّونْ، ساكِنَةَ النونِ، وأَيَّيِّن في النصْبِ والجرِّ، وأَيَّة للمُؤَنَّثِ: فإنْ وَصَلْتَ وقلْتَ: أَيَّة يا هذا، وآيَّات يا هذا نؤَّنْتَ، فإن كانَ الاسْتِثْباتُ عن مَعْرِفَةٍ رَفَعْتَ أَيًّا لا غَيْر على كلِّ حالٍ، ولا تحكي في المَعْرفَة فليسَ في أَيِّ مع المَعْرفَةِ إلَّا الرَّفْعُ، انتَهَى.
قالَ ابنُ بَرِّي عنْدَ قَوْل الجَوْهرِيّ في حالِ الوَصْلِ والوَقْفِ: صَوابُه في الوَصْلِ فقط، فأمَّا في الوَقْفِ فإنَّه يُوقَفُ عليه في الرَّفْعِ والجرِّ بالسكونِ لا غَيْر، وإنَّما يَتْبَعُه في الوَصْلِ والوَقْفِ إذا ثَنَّاه وجَمَعَه؛ وقالَ أَيْضًا عنْدَ قَوْلِه: ساكِنَة النونِ الخ: صَوابُه أَيُّونَ بفتْحِ النونِ، وأَيَّينَ بفتْحِ النونِ أَيْضًا، ولا يَجوزُ سكون النونِ إلَّا في الوَقْفِ خاصَّة، وإنَّما يَجوزُ ذلِكَ في مَنْ خاصّةً، تقولُ: مَنُونُ ومَنِينْ بالإِسْكانِ لا غَيْر، انتَهَى.
وقالَ اللَّيْثُ: أَيَّان هي بمنْزِلَةِ مَتَى، ويُخْتَلَفُ في نونِها فيُقالُ أَصْلِيَّةٌ، ويقالُ زائِدَةٌ.
وقالَ ابنُ جنِّي في المُحْتسب، يَنْبَغي أَنْ يكونَ أَيَّان من لَفْظِ أَيّ لا مِن لَفْظِ أَيْنَ لوَجْهَيْن: أَحَدُهما: إِنَّ أَيْن مَكانٌ وأَيَّان زَمان، والآخر قلَّةُ فعال في الأسْماءِ مع كَثْرَةِ فعلان، فلو سَمَّيْتَ رجُلًا بأيّان لم تَصْرفْه لأنَّه كحمدان؛ ثم قالَ: ومعْنَى أَيّ أَنّها بعضٌ مِن كلِّ، فهي تَصْلحُ للأَزْمِنَةِ صَلاحها لغَيْرِها إذا كانَ التَّبْعيضُ شامِلًا لذلِكَ كُلِّه؛ قالَ أُمَيَّة:
والناسُ راثَ عليهم أَمْرُ يَومَهم *** فَكُلُّهم قائلٌ للدينِ أَيَّانا
فإن سَمّيت بأَيَّان سَقَطَ الكَلامُ في حسنِ تَصْرِيفها للحاقِها بالتّسْمِيةِ ببَقِيَّةِ الأَسْماءِ المُتَصَرِّفَةِ، انتَهَى.
وقالَ الفرَّاءُ: أَصْلُ أَيَّان أَيَّ أَوانٍ، حَكَاه عن الكِسائي، وقد ذُكِرَ في أَين بأَبْسطَ من هذا.
وقالَ ابنُ بَرِّي: ويقالُ لا يَعْرِفُ أَيًّا مِن أَيِّ إذا كانَ أَحْمَقَ.
وفي حدِيثِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ: «فتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثَّلاثَة»، هذه اللَّفْظَةُ تُقالُ في الاخْتِصاصِ وتَخْتصُّ بالمُخْبرِ عن نَفْسِه وبالمُخَاطَبِ، تقولُ: أَمَّا أَنَا فأَفْعَل كذا أَيُّها الرَّجُلُ يَعْنِي نَفْسَه، فمعْنَى قَوْلِ كَعْب أَيَّتُها الثَّلاثَة؛ أَي المَخْصُوصِين بالتَّخلّفِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
13-تاج العروس (أيا)
[أَيَا]: أَيَا، بالفتح والتَّخْفيفِ: حَرْفٌ لنِداءِ البَعِيدِ لا القَريبِ؛ ووَهِمَ الجَوْهرِي، لم أرَه في الصِّحاح فليُنْظَر ذلكَ؛ وتُبْدَلُ هَمْزَتُه هاءً فيقالُ: هَيَا، وقد تقدَّمَ في موضِعِه.قال ابنُ الحاجِبِ في الكفايةِ في بيانِ حُروفِ النِّداءِ ما نَصّه يا أَعَمّ الحُرُوفِ تُسْتَعْمل في القَرِيبِ والبَعِيدِ والمُتَوسِط، وَيَا وهَيَا للبَعِيدِ، وأي والهَمْزةُ للقَرِيبِ.
وقال الفخْرُ الجاربردي مُوافِقًا لصاحِبِ المُفَصّل: أنَّ أَيَا وهَيَا للبَعِيدِ، أَو مَنْ هو بمنْزِلَتِه من نائِمٍ وسَاهٍ، وإذا نُودِي بهذه الحُروفِ الثَّلاثةِ من عَدا البَعِيد والنَّائِم والسَّاهِي فلحرْصِ المُنادَى على إقْبالِ المَدْعوِّ عليه.
وإيًّا، بالكسر مع تشْديدِ الياءِ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِي؛ والفَتْح، رَواهُ قُطْرب عن بعضِهم ومنه قَراءَةُ الفَضْل الرّقاشي: أَياكَ نَعْبُدُ وأَياكَ نَسْتَعِين بفَتْح الهَمْزتَيْن نقلَهُ الصَّاغاني؛ زادَ قُطْرب ثم تُبَدْلُ الهَمْزةُ هاءً مَفْتوحةً أَيْضًا فيقولون هَيَّاكَ.
قال الجَوْهري: اسْمٌ مُبْهَمٌ تَتَّصِلُ به جَميعُ المُضْمَراتِ المُتَّصِلَةِ التي للنَّصْبِ، تقولُ: إيَّاكَ وإيَّاهُ وإيَّايَ وإيَّانا، وجُعِلت الكافُ والهاءُ والياءُ والنونُ بَيانًا عن المَقْصودِ ليُعْلَم المُخاطَب مِن الغائِبِ، ولا مَوْضِعَ لها مِن الإعْرابِ، فهي كالكافِ في ذلكَ وأَرَأَيْتَكَ، وكالألفِ والنونِ التي في أَنْتَ، فتكونُ إيَّا الاسْم وما بعْدَها للخطابِ، وقد صارَا كالشيءِ الواحِدِ لأنَّ الأسْماءَ المُبْهمَةَ وسائِرَ المَكْنِيَّات لا تُضَافُ لأنَّها مَعارِفُ.
وقال بعضُ النّحويِّين: إنَّ إيَّا مُضافٌ إلى ما بعَده، واستدلَّ على ذلكَ بقولِهم: إذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّين فإيَّاهُ وإيَّا الشَّوابِّ، فأضافُوها إلى الشَّوابِّ وخَفَضُوها.
وقال ابنُ كَيْسان: الكافُ والهاءُ والياءُ والنونُ هي الأسْماءُ، وإيَّا عِمادٌ لها، لأنَّها لا تقومُ بأَنْفُسِها كالكافِ والهاءِ والياءِ في التَّأْخيرِ في يَضْرِبُكَ ويَضْرِبُه ويَضْرِبُني، فلمَّا قُدِّمَتِ الكافُ والهاءُ والياءُ عُمِدَتْ بإيَّا، فصارَ كُلّه كالشيءِ الواحِدِ، ولكَ أن تقولُ ضَرَبْتُ إيَّايَ لأنَّه يصح أن تقولَ ضَرَبْتُني ولا يجوزُ أن تقولَ ضَرَبْتُ إيَّاكَ، لأنَّك إنّما تَحْتاجُ إلى إيَّاكَ إذا لم يمكنك اللّفْظ بالكافِ، فإذا وَصَلْت إلى الكافِ تَرَكْتها، ويجوزُ أَنْ تقولَ ضَرَبْتُك إيَّاك لأنَّ الكافَ اعْتُمِدَ بها على الفِعْل، فإذا أَعَدْتَها احْتَجْتَ إلى إيَّا؛ وأَمَّا قولُ الشاعرِ، وهو ذو الأصْبَع العَدْواني:
كأنَّا يومَ قُرَّى إنَّما نَقْتُلُ إيَّانا *** قَتَلْنا منهُم كُلَّ فَتًى أَبْيَضَ حُسَّانا
فإنَّه إنَّما فَصلَها مِن الفِعْلِ لأنَّ العَرَبَ. لا تُوقع فِعْلَ الفاعِلِ على نَفْسِه باتِّصالِ الكِنايَةِ، لا تقولُ قَتَلْتُني، إنَّما تقولُ قَتَلْتُ نَفْسِي، كما تقولُ {ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}، ولم تَقُلْ ظَلَمْتُني، فأجْرى إيَّانا مُجْرَى أَنْفُسِنا، انتَهَى كَلامُ الجَوْهري.
قال ابنُ برِّي عنْدَ قولِ الجَوْهرِي: ولَكَ أن تقولَ ضَرَبْتُ إيَّاي إلى آخرِه؛ صَوابُه أنْ تقولَ ضَرَبْتُ إيَّايَ لأنَّه لا يجوزُ أنْ يقالَ ضَرَبْتُني. وتُبْدَلُ هَمْزَتُه هاءً كأَراقَ وهَرَاقَ تقولُ هِيَّاكَ، قال الجَوْهرِي؛ وأَنْشَدَ الأخْفَش:
فهِيَّاكَ والأَمْرَ الذي إنْ تَوسَّعَتْ *** مَورِادُ ضاقَتْ عَلَيْكَ مَصادِرُه
وفي المُحْكم: ضاقَتْ عَلَيْكَ المَصادِرُ، والبَيْتُ لمُضَرِّس.
وقال آخَرُ:
يا خالِ هَلَّا قُلْتُ إذْ أَعْطَيْتَني *** هِيَّاكَ هِيَّاكَ وحَنْواءَ العُنُقْ
وتُبْدَلُ تارَةً واوًا، تقولُ وِيَّاكَ.
وقد اخْتَلَفَ النَّحويّون في إيَّاكَ، فقالَ الخليلُ بنُ أَحمدَ: أَيًّا اسْمٌ مُضْمَرٌ مُضافٌ إلى الكافِ. وحُكَي عن المازِني مِثْل ذلكَ.
قال أبو عليٍّ: وحَكَى أَبو بكْرٍ عن أَبي العبَّاس عن أَبي الحَسَنِ الأَخْفَشِ أنَّه: اسْمٌ مُفْرَدٌ مُضْمَرٌ يَتَغَيَّرُ آخرُه كما يَتَغَيَّرُ آخَرُ المُضْمَراتِ لاخْتِلافِ أَعْدادِ المُضْمَرِينَ، وأنَّ الكافَ في إيَّاكَ كالتي في ذَلِكَ في أنَّه دَلالةٌ على الخِطابِ فقط مُجَرَّدَةٌ مِن كوْنِها عَلامَةَ المُضْمَر.
وحَكَى سيبويه عن الخليلِ أنَّه قالَ: لو قالَ قائِلٌ إيَّاكَ نَفْسك لم أُعَنِّفْه لأنَّ هذه الكَلمةَ مَجْرورَةٌ. وقالَ بعضُهم: إيَّا اسْمٌ مُبْهمٌ يُكْنَى به عن المَنْصوبِ، وجُعِلَت الكافُ والهاءُ والياءُ بيَانًا عن المَقْصودِ ليُعْلَم المُخاطَبُ مِن الغائِبِ، ولا مَوْضِع لها مِن الإعْرابِ وهذا بعَيْنِه مَذْهَبُ الأخْفَش.
قال الأزْهري: وقولهُ اسْمٌ مُبْهمٌ يُكْنى به عن المَنْصوبِ يدلُّ على أنَّه لا اشْتِقاقَ له.
وقال أَبو إسْحق: الكافُ في إيَّاكَ في مَوْضِعِ جرٍّ بإضافَةِ إيَّا إليها، إلَّا أنَّه ظاهِرٌ يُضافُ إلى سائِرِ المُضْمَراتِ، ولَوْ قلْت إيَّا زَيْدٍ حدَّثْت لكانَ قَبِيحًا، لأنَّه خُصَّ بالمُضْمَرِ.
قال ابنُ جنِّي: وتأَمَّلْنا هذه الأقْوالَ على اخْتِلافِها والاعْتِلالَ لكلِّ قولٍ منها فلم نجِدْ فيها ما يصحُّ مع الفَحْصِ والتَّنْقِير غَيْرَ قولِ الأخْفَش، أَمَّا قولُ الخليلِ إنَّ إيَّا اسْمٌ مُضْمَر مُضافٌ فظاهِرُ الفَسادِ وذلكَ أنَّه إذا ثَبَتَ أنَّه مُضْمَر لم تجزْ إضافَتَه على وَجْهٍ من الوُجُوهِ لأنَّ الغَرضَ مِنَ الإضافَةِ إنَّما هو التَّعْريفُ والتَّخْصيصُ، والمُضْمَر على نهايَةِ الاخْتِصاصِ فلا حاجَةَ به إلى الإضافَةِ؛ وأَمَّا قولُ مَنْ قالَ إنَّ إيَّا بكَمالِها اسْمٌ فليسَ بقَوِيٍّ، وذلكَ أنَّ إيَّاكَ في أنَّ فَتْحةَ الكافِ تُفيدُ للخطابِ المُذكَّرِ وكَسْرةَ الكافِ تُفيدُ للخطابِ المُؤنَّثِ بمنْزلَةِ أَنتَ في أَنَّ الاسْمَ وهو الهَمْزةُ والنون والتّاء المَفْتوحَة تُفيدُ للخطابِ المُذكّر والتاء المَكْسُورَة تُفيدُ للخطابِ المُؤنّث، فكما أنَّ ما قَبْل التاءِ في أَنْتَ هو الاسْمُ، والتاءُ هو الخطابُ، فكذا إيَّا اسْمٌ والكافُ بعَدْها حَرْفُ خطابٍ؛ وأَمَّا مَنْ قالَ إنَّ الكافَ والهاءَ والياءَ في إيَّاكَ وإيَّاهُ وإيَّايَ هي الأسْماءُ وأَنَّ إيَّا إنَّما عُمِدَتْ بها هذه الأسْماء لقلّتِها، فغَيْر مَرْضِيٍّ أَيْضًا، وذلكَ أنَّ إيَّا في أنَّها ضَمِيرٌ مُنْفصلٌ بمنْزلَةِ أَنا وأَنتَ ونحنُ وهو وهي في أنَّ هذه مُضْمَرات مُنْفصِلَة، فكما أنَّ أَنا وأَنتَ ونَحْوهما يُخالِفُ لَفْظَ المَرْفوع المُتِّصل نَحْو التاء في قُمْت والنّون والألِف في قُمْنا والألِف في قامَا والواو في قامُوا، بل هي أَلْفاظٌ أُخَر غَيْر أَلْفاظِ الضَّمِير المُتَّصِل، وليسَ شيءٌ منها مَعْمودًا له غَيْرُه، وكما أنَّ التاءَ في أَنْتَ، وإن كانتْ بلَفْظِ التاءِ في قُمْت وليسَتْ اسْمًا مَثْلَها بل الاسْمُ قَبْلَها هو أنْ والتاء بعْدَها للمُخاطبِ وليسَتْ أَنْ عِمادًا للتاءِ، فكَذلك، إيَّا هي الاسْمُ وما بعْدَها يُفيدُ الخِطابَ والغيبَةَ تارَةً أُخْرى، والتَّكَلُّم أخْرى، وهو حَرْفُ خِطابٍ كما أنَّ التاءَ في أَنتَ غَيْر مَعْمودٍ بالهَمْزة، والنون مِن قَبْله، بل ما قَبْلَها هو الاسْمُ وهي حَرْفُ خِطابٍ، فكذلكَ ما قَبْل الكافِ في إيَّاك اسْمٌ والكافُ حَرْفُ خِطابٍ، فهذا هو مَحْضُ القِياسِ؛ وأَمَّا قولُ أَبي إسْحق إنَّ إيَّا اسْمٌ مُظْهرٌ خُصَّ بالإضافَةِ إلى المُضْمر، ففاسِدٌ أَيْضًا، وليسَ إيَّا بمظْهرٍ، كما زَعَمَ، والدَّليلُ على أنَّ إيَّا ليسَ باسمٍ مظْهرٍ اقْتِصارُهم به على ضَرْبٍ واحِدٍ مِن الإعْرابِ وهو النَّصْبُ؛ ولم نَعْلَم اسْمًا مُظْهرًا اقْتُصِرَ به على النَّصْبِ البتَّة إلَّا ما اقْتُصِرَ به مِنَ الأسْماءِ على الظَّرْفيَّةِ، وذلكَ نَحْو ذاتَ مَرَّةٍ وبُعَيْداتِ بَيْنٍ وذا صَباحٍ وما جَرَى مَجْراهُنَّ، وشيئًا مِنَ المَصادِرِ نَحْو {سُبْحانَ اللهِ} و {مَعاذَ اللهِ} ولَبَّيْكَ، وليس إيَّا ظَرْفًا ولا مَصْدرًا فيُلْحَقُ بهذه الأسْماءِ، فقد صحَّ إذَنْ بهذا الإيراد سُقُوطُ هذه الأقْوالِ، ولم يَبْقَ هنا قولٌ يجبُ اعْتِقادُه ويلزمُ الدُّخول تَحْته إلَّا قَوْل أَبي الحَسَنِ الأخْفَش من أنَّ إيَّا اسْمٌ مُضْمرٌ، وأنَّ الكافَ بعْدَه ليسَتْ باسم، وإنّما هي للخِطابِ بمنْزِلَةِ كافِ ذَلِكَ وأَرَأَيْتُكَ وأبْصِرْكَ زَيْدًا والنَّجاكَ؛ قالَ: وسُئِلَ أَبو إسْحق عن مَعْنى قوْلِه، عزّ وجلّ: {إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ}، ما تأْوِيلُه؟ فقالَ: تأْوِيلُه حَقِيقَتَكَ نَعْبُدُ، قال: واشْتِقاقُه من الآيةِ التي هي العَلامَةُ. قالَ ابنُ جنِّي وهذا غَيْرُ مَرْضِيٍّ وذلكَ أنَّ جميعَ الأسْماءِ المُضْمَرةِ مَبْنيٌّ غَيْر مُشْتَقّ نَحْو أَنا وهي وهو، وقد قامَتِ الدَّلالةُ على كَوْنهِ اسْمًا مُضْمرًا فيجِبُ أَنْ لا يكون مُشْتقًّا.
وإيَا الشَّمسِ، بالكسْرِ والقَصْرِ؛ أَي مع التّخْفيفِ، وبالفَتْح والمدِّ أَيْضًا، وإِياتُها، بالكسْرِ والفَتْح، فهي أَرْبَعُ لُغاتٍ؛ نُورُها وحُسْنُها وضَوْءُها؛ ويقالُ: الإياةُ للشَّمسِ كالهَالَةِ للقَمَرِ؛ وشاهِدُ إياة قولُ طرفَةَ:
سَقَتْه إياةُ الشمسِ إلَّا لِثاتِه *** أُسِفَّ ولم تَكْدِمْ عليه بإثْمِدِ
وشاهِدُ إيَا بالكسْرِ مَقْصورًا ومَمْدودًا قولُ مَعْنِ بنِ أوْسٍ أَنْشَدَه ابنُ برِّي:
رَفَّعْنَ رَقْمًا على أيْلِيَّةٍ جُدُدٍ *** لاقَى إيَاها أياءَ الشمسِ فَائتَلَقا
فجمَعَ اللُّغَتَيْن في بَيْتٍ.
وكذا الإياءُ مِن النَّباتِ: حُسْنُه وبَهْجتُه في اخْضِرارِهِ ونُموِّه.
وإيَّايَا ويَايَا ويَايَهْ: كُلُّ ذلكَ زَجْرٌ للإِبِلِ؛ واقْتَصَرَ الجَوْهرِي على الأُولى، وقد أَيَّا بِها؛ وأَنْشَدَ لذي الرُّمّة:
إذا قالَ حادِيهِمْ أيَايَا اتَّقَيْتُه *** بميل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ
قال ابنُ برِّي: والمَشْهورُ في البَيْتِ:
إذا قال حادِينا أيا عَجَسَتْ بِنا *** خِفافُ الخُطَا، الخ
ثم إنَّ ذِكْرَه يَايَهْ هنا كأنَّه اسْتِطْرادٌ، وإلَّا فمَوْضِع ذِكْرِه الهاء، وتقدَّمَ هناك يَهْ يَهْ ويَايَهْ وقد يَهْيَه بها، فتأَمَّل.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
وقد تكونُ إيَّا للتّحْذيرِ، تقولُ: إيَّاكَ والأَسَدَ، وهو بدلٌ مِن فِعْلٍ كأنَّك قُلْتَ باعِدْ؛ ويقالُ هَيَّاكَ بالهاءِ، وأَنْشَدَ الأخْفَش لمضَرِّسٍ:
فهِيَّاكَ والأَمْرَ الذي إنْ تَوسَّعَتْ
وقد تقدَّم.
وتقولُ: إيَّاكَ وأنْ تَفْعَلَ كذا، ولا تَقُلْ إيَّاكَ أنْ تَفْعَلَ، بِلا واوٍ؛ وكذا في الصِّحاح.
وقال ابنُ كَيْسان: إذا قُلْتَ إيَّاك وزَيْدًا، فأنْتَ مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبُه مِن زَيْدٍ، والفِعْلُ الناصِبُ لا يَظْهَرُ، والمَعْنى أُحَذِّرُكَ زَيْدًا، كأنَّه قالَ أُحَذِّرُكَ إيَّاكَ وَزَيْدًا، فإيَّاكَ مُحَذِّر كأنَّه قالَ باعِدْ نَفْسَك عن زَيْدٍ باعِدْ زيْدًا عنْك، فقد صارَ الفِعْلُ عامِلًا في المُحَذَّرِ منه، انتَهَى.
وقد تحذفُ الواوُ كما في قولِ الشاعرِ:
فإيَّاك إيَّاكَ المِراءَ فإنّه *** إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشَّرِّ جالِبُ
يريدُ إيَّاكَ والمِراءَ، فحذَفَ الواوَ لأنَّه بتأْوِيلِ إيَّاك وأَنْ تُمارِيَ، فاسْتَحْسَن حذْفَها مع المِراءِ. وقال الشَّريشي عنْدَ قولِ الحَرِيرِي فإذا هو إِيَّاه ما نَصّه: اسْتَعْمل إيَّاهُ وهو ضَمِيرٌ مَنْصوبٌ في مَوْضِع الرَّفْعِ.
وهو غَيْرُ جائِزٍ عنْدَ سيبويه، وجَوَّزَه الكِسائي في مسأَلَةٍ مَشْهورةٍ جَرَتْ بَيْنهما، وقد بَيَّنها الفنجديهي في شرْحِه على المَقامَاتِ عن شيْخةِ ابنِ برِّي بما لا مَزِيدَ عليه فراجِعْه في الشرْحِ المذكورِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
14-لسان العرب (شبب)
شبب: الشَّباب: الفَتاء والحداثةُ.شبَّ يشِبُّ شَبَابًا وَشَبِيبَةً.
وَفِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ: «تجوزُ شهادةُ الصِّبيان عَلَى الْكِبَارِ يُسْتشَبُّون»أَي يُسْتشْهَدُ مَنْ شبَّ مِنْهُمْ وكَبر إِذا بَلَغ، كأَنه يَقُولُ: إِذا تحمَّلوها فِي الصِّبا، وأَدَّوْها فِي الكِبر، جَازَ.
وَالِاسْمُ الشَّبيبةُ، وَهُوَ خِلافُ الشَّيبِ.
وَالشَّبَابُ: جَمْعُ شابٍّ، وَكَذَلِكَ الشُّبان.
الأَصمعي: شَبَّ الغلامُ يَشِبُّ شَبابًا وشُبوبًا وشَبِيبًا، وأَشَبَّه اللهُ وأَشَبَّ اللَّهُ قَرْنَه، بِمَعْنَى؛ والقَرْنُ زِيَادَةٌ فِي الْكَلَامِ؛ وَرَجُلٌ شابٌّ، وَالْجَمْعُ شُبَّانٌ؛ سِيبَوَيْهِ: أُجري مَجْرَى الِاسْمِ، نَحْوَ حاجِرٍ وحُجْرانٍ؛ والشَّبابُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ قَالَ:
وَلَقَدْ غَدَوْتُ بسابِحٍ مَرِحٍ، ***ومَعِي شَبابٌ، كُلُّهُمْ أَخْيَل
وامرأَة شابَّةٌ مِن نِسوةٍ شَوابَّ.
زَعَمَ الْخَلِيلِ أَنه سَمِعَ أَعرابيًّا فَصيحًا يَقُولُ: إِذا بَلَغَ الرَّجل سِتِّينَ، فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ.
وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: رَجُل شَبٌّ، وامرأَةٌ شَبَّةٌ، يَعْنِي مِنَ الشَّبابِ.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يَجُوزُ نِسوةٌ شَبائِبُ، فِي مَعْنَى شَوابَّ؛ وأَنشد:
عَجائِزًا يَطْلُبْنَ شَيْئًا ذَاهِبَا، ***يَخْضِبْنَ، بالحنَّاءِ، شَيْبًا شائِبا،
يَقُلْنَ كُنَّا، مَرَّةً، شَبائِبا قَالَ الأَزهري: شَبائِبُ جَمْعُ شبَّةٍ، لَا جَمْعُ شابَّةٍ، مِثْلُ ضَرَّةٍ وضَرائِرَ.
وأَشَبَّ الرَّجُل بَنِينَ إِذا شَبَّ ولَده.
وَيُقَالُ: أَشَبَّتْ فُلانةُ أَولادًا إِذا شَبَّ لَهَا أَولادٌ.
ومرَرْت بِرِجَالِ شَبَبةٍ أَي شُبَّانٍ.
وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ: «لَمَّا بَرَز عُتْبةُ وشَيْبةُ والولِيدُ بَرَزَ إِليهم شَبَبةٌ مِنَ الأَنصار»؛ أي شُبَّانٌ، وَاحِدُهُمْ شابٌّ، وَقَدْ صَحَّفه بَعْضُهُمْ سِتّة، وَلَيْسَ بشيءٍ.
وَمِنْهُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كنتُ أَنا وابنُ الزُّبَيْر فِي شَبَبةٍ معَنا.
وقِدْحٌ شابٌّ: شديدٌ، كَمَا قَالُوا فِي ضِدِّهِ: قِدْحٌ هَرِمٌ.
وَفِي الْمَثَلِ: أَعْيَيْتَنِي مِن شُبَّ إِلى دُبَّ، وَمِنْ شُبٍّ إِلى دُبٍّ؛ أَي مِنْ لَدُنْ شَبَبْتُ إِلى أَن دَبَبْتُ عَلَى العَصا؛ يُجعَل ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ، بإِدخال مِن عَلَيْهِ، وإِن كَانَ فِي الأَصل فِعْلًا.
يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ والمرأَة، كَمَا قِيلَ:
نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِيلَ وقالَ، وما زالَ عَلَى خُلُقٍ واحدٍ مِنْ شُبٍّ إِلى دُبٍ؛ قَالَ:
قَالَتْ لَها أُخْتٌ لَها نَصَحَتْ: ***رُدِّي فُؤَادَ الهائمِ الصَّبِ
قَالَتْ: ولِمْ؟ قَالَتْ: أَذَاكَ وقَدْ ***عُلِّقْتُكُمْ شُبًّا إِلى دُبِ
وَيُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ فِي شَبِيبَتِه، ولَقِيتُ فُلَانًا فِي شَبابِ النَّهَارِ أَي فِي أَوَّله؛ وجِئتُك فِي شَبابِ النهارِ، وبِشَبابِ نَهارٍ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي أَوَّله.
والشَّبَبُ والشَّبُوبُ والمِشَبُّ: كُلُّهُ الشَّابُّ مِنَ الثِّيرانِ والغَنَمِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بِمَورِكَتَيْن مِنْ صَلَوَيْ مِشَبٍّ، ***مِنَ الثِّيران، عَقْدُهما جَمِيلُ
الْجَوْهَرِيُّ: الشَّبَبُ المُسِنُّ مِنْ ثِيرانِ الوحشِ، الَّذِي انْتَهَى أَسنانه؛ وقال أَبو عبيدة: الشَّبَبُ الثَّوْرُ الَّذِي انْتَهَى شَبابًا؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي انْتَهَى تمامُه وذَكاؤُه، مِنْهَا؛ وَكَذَلِكَ الشَّبُوبُ، والأُنثى شَبُوبٌ، بِغَيْرِ هاءٍ؛ تَقُولُ مِنْهُ: أَشَبَّ الثَّوْرُ، فَهُوَ مُشِبٌّ، وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنه لَمِشَبٌّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ.
التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ للثَّوْرِ إِذا كَانَ مُسِنًّا: شَبَبٌ، وشَبُوبٌ، ومُشِبٌّ؛ وَنَاقَةٌ مُشِبَّةٌ، وَقَدْ أَشَبَّت؛ وَقَالَ أُسامة الْهُذَلِيُّ:
أَقامُوا صُدُورَ مُشِبَّاتِها ***بَواذِخَ، يَقْتَسِرُونَ الصِّعابا
أَي أَقاموا هَذِهِ الإِبل عَلَى القَصْدِ.
أَبو عَمْرٍو: القَرْهَبُ المُسِنُّ مِنَ الثيرانِ، والشَّبوبُ: الشابُّ.
قَالَ أَبو حاتم وابن شُمَيْلٍ: إِذا أَحالَ وفُصِلَ، فَهُوَ دَبَبٌ، والأُنثَى دَبَبَةٌ، وَالْجَمْعُ دِبابٌ؛ ثُمَّ شَبَبٌ، والأُنثى شَبَبةٌ.
وتَشْبِيبُ الشِّعْر: تَرْقِيقُ أَوَّله بِذِكْرِ النساءِ، وَهُوَ مِنْ تَشْبِيبِ النَّارِ، وتأْرِيثِها.
وشَبَّبَ بالمرأَة: قَالَ فِيهَا الغَزَل والنَّسِيبَ؛ وَهُوَ يُشَبِّبُ بِهَا أَي يَنْسُبُ بِهَا.
والتَّشْبِيبُ: النَّسِيبُ بالنساءِ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنه كَانَ يُشَبِّبُ بلَيْلَى بنتِ الجُودِيّ فِي شِعْرِه».
تَشْبِيبُ الشِّعْر: تَرْقِيقُه بِذِكْرِ النساءِ.
وشَبَّ النارَ والحَرْبَ: أَوقَدَها، يَشُبُّها شَبًّا، وشُبُوبًا، وأَشَبَّهَا، وشَبَّتْ هِيَ تَشِبُّ شَبًّا وشُبُوبًا.
وشَبَّةُ النارِ: اشْتِعالُها.
والشِّبابُ والشَّبُوبُ: مَا شُبَّ بِهِ.
الْجَوْهَرِيُّ: الشَّبوبُ، بِالْفَتْحِ: مَا يُوقَدُ بِهِ النارُ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: حُكِيَ عَنْ أَبي عَمْرِو بْنِ العلاءِ، أَنه قَالَ: شُبَّتِ النارُ وشَبَّتْ هِيَ نفسُها؛ قَالَ وَلَا يُقَالُ: شابَّةٌ، وَلَكِنْ مَشْبُوبةٌ.
وَتَقُولُ: هَذَا شَبُوبٌ لِكَذَا أَي يَزيدُ فِيهِ ويُقَوّيهِ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ: «فَلَمَّا سَمِعَ حَسَّانُ شِعْر الهاتِفِ»، شَبَّبَ يُجاوِبُه أَي ابتدأَ فِي جَوابِه، مِنْ تَشْبِيبِ الكُتُبِ، وَهُوَ الابتداءُ بِهَا، والأَخْذُ فِيهَا، وَلَيْسَ مِنْ تَشْبِيبٍ بالنساءِ فِي الشِّعْرِ، وَيُرْوَى نَشِبَ بِالنُّونِ أَي أَخذ فِي الشِّعْر، وعَلِقَ فِيهِ.
وَرَجُلٌ مَشْبوبٌ: جميلٌ، حسنُ الوَجْهِ، كأَنه أُوقِد؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذا الأَرْوَعُ المَشْبوبُ أَضحَى كأَنه، ***عَلَى الرَّحْلِ مِمَّا مَنَّه السيرُ، أَحْمَقُ
وَقَالَ الْعَجَّاجُ: مِنْ قرَيْشٍ كلِّ مَشْبوبٍ أَغرّ.
ورجلٌ مَشْبُوبٌ إِذا كَانَ ذَكِيَّ الفؤَادِ، شَهْمًا؛ وأَورد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ.
تَقُولُ: شَعَرُها يَشُبّ لوْنَها أَي يُظْهِرُه ويُحَسِّنُه، ويُظْهِرُ حُسْنَه وبَصِيصَه.
والمَشْبوبَتانِ: الشِّعْرَيانِ، لاتِّقادِهِما؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وعَنْسٍ كأَلْواحِ الإِرانِ نَسَأْتُها، ***إِذا قيلَ للمَشْبُوبَتَيْنِ، هُما هُما
وشَبَّ لَوْنَ المرأَةِ خِمارٌ أَسْوَدُ لَبِسَتْهُ أَي زَادَ فِي بياضِها وَلَوْنِهَا، فحَسَّنَها، لأَنَّ الضِّدَّ يَزِيدُ فِي ضِدِّهِ، ويُبْدي مَا خَفِيَ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: وبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأَشْياءُ قَالَ رَجُلٌ جَاهِلِيٌّ مِنْ طيئٍ:
مُعْلَنْكِسٌ، شَبَّ لَها لَوْنَها، ***كَمَا يَشُبُّ البَدْرَ لَوْنُ الظَّلامِ
يَقُولُ: كَمَا يَظْهَرُ لَوْنُ البدرِ فِي الليلةِ المظلمةِ.
وَهَذَا شَبُوبٌ لِهَذَا أَي يَزِيدُ فِيهِ، ويُحَسِّنُه.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ مُطَرِّف: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ائْتَزَرَ ببُرْدَةٍ سَوْداءَ، فجعلَ سَوادُها يَشُبُّ بياضَه، وَجَعَلَ بياضُه يَشُبُّ سَوادَها؛ قَالَ شَمِرٌ: يَشُبُّ أَي يَزْهاه ويُحَسِّنُه وَيُوقِدُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ:
أَنه لَبِسَ مِدْرَعةً سوداءَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا أَحْسَنَها عَلَيْكَ يَشُبُّ سوادُها بياضَك، وبياضُك سوادَها أَي تُحَسِّنُه ويُحَسِّنُها.
وَرَجُلٌ مَشْبُوبٌ إِذا كَانَ أَبْيضَ الوَجْهِ أَسْوَدَ الشَّعَرِ، وأَصْلُه مَنْ شَبَّ النارَ إِذا أَوْقَدَها، فتَلأْلأَتْ ضِياءً ونُورًا.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حِينَ تُوفِّيَ أَبو سَلَمَةَ، قَالَتْ: «جعَلْتُ عَلَى وَجْهِي صَبِرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: إِنه يَشُبُّ الوجهَ، فَلَا تَفْعَلِيه»؛ أي يُلَوِّنُه ويُحَسِّنُه.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْجَوَاهِرِ الَّتِي جَاءَتْهُ مِنْ فَتْحِ نَهاوَنْدَ: «يَشُبُّ بعضُها بَعْضًا».
وَفِي كتابِه لوائِل بْنِ حُجْرٍ: إِلى الأَقيالِ العَباهِلةِ، والأَرْواعِ المَشابِيبِ أَي السادةِ الرُّؤُوسِ، الزُّهْرِ الأَلْوانِ، الحِسانِ المَناظِرِ، واحدُهم مشبوبٌ، كأَنما أُوقِدَتْ أَلوانُهم بِالنَّارِ؛ وَيُرْوَى: الأَشِبَّاءُ، جَمْعُ شَبِيبٍ، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
والشِّبابُ، بِالْكَسْرِ: نَشاطُ الفرَس، ورَفْعُ يَدَيْه جَمِيعًا.
وشَبَّ الفرسُ، يَشِبُّ ويَشُبُّ شِبابًا، وشَبِيبًا وشُبوبًا: رَفَعَ يَديه جَمِيعًا، كأَنه يَنْزُو نَزَوانًا، ولَعِبَ وقَمَّصَ.
وأَشْبَيْتُه إِذا هَيَّجْتَه؛ وَكَذَلِكَ إِذا حَرَنَ تَقُولُ: بَرِئْتُ إِليك مِنَ شِبابِه وشَبِيبه، وعِضاضِه وعَضِيضِه وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الشَّبِيبُ الَّذِي تجوزُ رِجْلاه يَدَيْهِ، وَهُوَ عَيْبٌ، والصحيحُ الشَّئيتُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِه.
وَفِي حَدِيثِ سُراقةَ: «اسْتَشِبُّوا عَلَى أَسْوُقِكُم فِي البَوْلِ»، يَقُولُ: اسْتَوفِزُوا عَلَيْهَا، وَلَا تَسْتَقِرُّوا عَلَى الأَرضِ بجَميعِ أَقْدامِكُم، وتَدْنُو مِنْهَا، هُوَ مِنْ شَبَّ الفَرسُ إِذا رَفَع يَدَيْهِ جَمِيعًا مِنَ الأَرض.
وأُشِبَّ لِيَ الرَّجُلُ إِشْبابًا إِذا رَفَعْتَ طَرْفَكَ، فرأَيتَه مِنْ غَيْرِ أَن تَرْجُوَه، أَو تَحْتَسِبَه؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
حتَّى أُشِبَّ لَها رامٍ بِمُحْدَلةٍ، ***نَبْعٍ وبِيضٍ، نَواحيهنَّ كالسَّجَمِ
السَّجَمُ: ضَرْبٌ مِنَ الْوَرَقِ شَبَّه النِّعالَ بِهَا.
والسَّجَمُ: الماءُ أَيضًا.
وأُشِبَّ لِي كَذَا أَي أُتِيحَ لِي، وشُبَّ أَيضًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه فِيهِمَا.
والشَّبُّ: ارْتِفاعُ كلِّ شيءٍ.
أَبو عَمْرٍو: شَبْشَبَ الرَّجل إِذا تَمَّمَ، وشُبَّ إِذا رُفِعَ، وشَبَّ إِذا أَلْهَبَ.
ابْنُ الأَعرابي: مِنْ أَسْماءِ العَقْرب الشَّوْشَبُ.
وَيُقَالُ لِلْقَمْلَةِ: الشَّوشَبةُ.
وشَبَّذَا زَيْدٌ أَي حَبَّذا، حَكَاهُ ثَعْلَبٌ.
والشَّبُّ: حِجارةٌ يُتَّخذ مِنْهَا الزَّاجُ وَمَا أَشْبَهَه، وأَجْوَدُه مَا جُلِبَ مِنَ اليَمَن، وَهُوَ شَبٌّ أَبيضُ، لَهُ بَصِيصٌ شَديدٌ؛ قَالَ:
أَلا لَيْتَ عَمِّي، يَوْمَ فَرَّقَ بَيْنَنا، ***سَقَى السُّمَّ مَمْزوجًا بِشَبٍّ يَمَانِي
وَيُرْوَى: بِشَبٍّ يَمانِي؛ وَقِيلَ: الشَّبُّ دواءٌ مَعْرُوفٌ؛ وَقِيلَ: الشَّبُّ شيءٌ يُشْبِهُ الزَّاجَ.
وَفِي حَدِيثِ أَسماء، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنها دَعَتْ بِمِرْكَنٍ، وشَبٍّ يَمانٍ»؛ الشَّبُّ: حَجَر مَعْرُوفٌ يُشْبِهُ الزَّاجَ، يُدْبَغُ بِهِ الجُلُود.
وعَسَلٌ شَبابِيٌّ: يُنْسَبُ إِلى بَنِي شَبابةَ، قَوْمٌ بالطَّائفِ مِنْ بَني مَالِكِ بْنِ كِنانةَ، يَنْزِلُونَ الْيَمَنَ.
وشَبَّةُ وشَبِيبٌ: اسْمَا رَجُلَيْنِ.
وبنُو شَبابةَ: قَوْم مِن فَهْم بْنِ مَالِكٍ، سَمَّاهم أَبو حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: بَنُو شَبابةَ قَوْمٌ بالطَّائفِ، وَاللَّهُ أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
15-لسان العرب (ولد)
وَلَد: الوَلِيدُ: الصَّبِيُّ حِينَ يُولَدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُدْعَى الصَّبِيَّةُ أَيضًا وَلِيدًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ لِلذَّكَرِ دُونَ الأُنثى، وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ غلامٌ مَوْلُودٌ وَجَارِيَةٌ مَوْلودةٌ أَي حِينَ وَلَدَتْهُ أُمُّه، وَالْوَلَدُ اسْمٌ يَجْمَعُ الْوَاحِدَ وَالْكَثِيرَ وَالذَّكَرُ والأُنثى.ابْنُ سِيدَهْ: ولَدَتْهُ أُمُّهُ وِلَادَةً وإِلادةً عَلَى الْبَدَلِ، فَهِيَ والِدةٌ عَلَى الْفِعْلِ، ووالِدٌ عَلَى النَّسَبِ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ فِي المرأَة.
وَكُلُّ حَامِلٍ تَلِدُ، وَيُقَالُ لأُم الرَّجُلِ: هَذِهِ وَالِدَةٌ.
وَوَلَدَتِ المرأَةُ وِلادًا ووِلادة وأَوْلَدَتْ: حَانَ وِلادُها.
والوالدُ: الأَب.
والوالدةُ: الأُم، وَهُمَا الْوَلَدَانِ؛ والوَلدُ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا.
ابْنُ سِيدَهْ: الوَلَدُ والوُلْدُ، بِالضَّمِّ: مَا وُلِدَ أَيًّا كَانَ، وَهُوَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذَّكَرِ والأُنثى، وَقَدْ جَمَعُوا فَقَالُوا أَولادٌ ووِلْدةٌ وإِلْدةٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الوُلْدُ جَمْعَ وَلَد كَوُثْن ووَثَنٍ، فإِن هَذَا مِمَّا يُكَسَّرُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ لاعتِقاب المِثالين عَلَى الْكَلِمَةِ.
والوِلْد، بِالْكَسْرِ: كالوُلْد لُغَةٌ وَلَيْسَ بِجَمْعٍ لأَنَّ فَعَلًا لَيْسَ مِمَّا يُكَسَّر عَلَى فِعْل.
والوَلَد أَيضًا: الرَّهْطُ عَلَى التَّشْبِيهِ بِوَلَدِ الظَّهْرِ.
ووَلَدُ الرَّجُلِ: وَلَدَهُ فِي معْنًى.
ووَلَدُه: رَهْطُهُ فِي مَعْنَى.
وتَوالَدُوا أَي كَثُرُوا، ووَلَد بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَيُقَالُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى: {مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسارًا}؛ أَي رهْطُه.
وَيُقَالُ: وُلْدُه، والوِلْدَةُ جَمْعُ الأَولاد؛ قَالَ رؤْبة: " سَمْطًا يُرَبِّي وِلْدةً زَعابِلا قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ إِبراهيم: مالُه ووُلْدُه، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبي عَمْرٍو، وَكَذَلِكَ قرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ، وَرَوَى خَارِجَةُ عَنْ نَافِعٍ ووُلْدُه أَيضًا، وقرأَ ابْنُ إِسحاق مالُه وَوِلْدُه، وَقَالَ هُمَا لُغَتَانِ: وُلْد ووِلْد.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الوَلَدُ والوُلْدُ وَاحِدٌ، مثل العَرَب "والعُرْب، والعَجَم والعُجْم وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ وأَنشد:
وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعاشِرًا ***قَدْ ثَمَّرُوا مَالًا ووُلْدا
قَالَ: وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ، وَفِي الصِّحَاحِ: مِنْ أَمثال بَنِي أَسَد: وُلْدُكَ مَنْ دَمَّى.
عَقِبَيْكَ؛ وأَنشد:
فَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّه، ***ولَيْتَ فُلَانًا كانَ وُلْدَ حِمارِ
فَهَذَا وَاحِدٌ.
قَالَ: وقَيْس تَجْعَلُ الوُلدْ جُمَعًا والوَلَد وَاحِدًا.
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ فِي الوَلَد الوِلْدُ والوُلْدُ.
قَالَ: وَيَكُونُ الوُلْدُ وَاحِدًا وَجَمْعًا.
قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الوُلْدُ جَمْعَ الوَلَد مِثْلَ أَسَد وأُسْد، وَيُقَالُ: مَا أَدْري أَيُ وَلَدِ الرجل هُوَ أَيْ أَيُّ الناسِ هُوَ.
والوَليدُ: الْمَوْلُودُ حِينَ يُولَدُ، وَالْجَمْعُ وِلْدانٌ وَالِاسْمُ الوِلادةُ والوُلُودِيَةُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
قَالَ ثَعْلَبٌ: الأَصل الوَلِيدِيَّةُ كأَنه بَنَاهُ عَلَى لَفْظِ الوَلِيد، وَهِيَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي لَا أَفعالَ لَهَا، والأُنثى وَلِيدَةٌ، وَالْجَمْعُ وِلْدانٌ وولائِدُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «واقِيةً كَواقِيَةِ الْوَلِيدِ»؛ هُوَ الطِّفْل فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُول، أَي كَلاءَةً وحِفْظًا كَمَا يُكْلأُ الطِّفْلُ؛ وَقِيلَ: أَراد بِالْوَلِيدِ مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِقَوْلِهِ تعالى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيدًا}؛ أَي كَمَا وَقَيْتَ مُوسَى شَرَّ فِرْعَوْنٍ وَهُوَ في حِجْرِه [حَجْرِه] فُقْنِي شَرَّ قَوْمِي وأَنا بَيْنَ أَظهرهم.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الوليدُ فِي الْجَنَّةِ»؛ أَي الَّذِي مَاتَ وَهُوَ طفل أَو سقْطٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا يَعْنِي فِي الغَزْو».
قَالَ: وَقَدْ تُطْلَقُ الوليدةُ عَلَى الْجَارِيَةِ والأَمة، وإِن كَانَتْ كَبِيرَةً.
وَفِي الْحَدِيثِ: «تَصَدَّقَتْ أُمِّي عَلَيَّ بِوَليدة يَعْنِي جَارِيَةً».
ومَوْلِدُ الرَّجُلِ: وقتُ وِلادِه.
ومَوْلِدُه: الْمَوْضِعُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ.
وولَدته الأُم تَلِدُه مَوْلِدًا.
ومِيلادُ الرَّجُلِ: اسْمُ الْوَقْتِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِعَاذَةِ: «وَمِنْ شرِّ والِدٍ وَمَا وَلَد»؛ يَعْنِي إِبليس وَالشَّيَاطِينَ، هَكَذَا فُسِّرَ.
وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: هُمْ فِي أَمرٍ لَا يُنادَى وَلِيدُه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: نُرَى أَصله كأَنَّ شِدَّةً أَصابتهم حَتَّى كَانَتِ الأُمُّ تَنْسَى ولِيدَها فَلَا تُنَادِيهِ وَلَا تذْكُره مِمَّا هُمْ فِيهِ، ثُمَّ صَارَ مَثَلًا لِكُلِّ شِدّة، وَقِيلَ: هُوَ أَمر عَظِيمٌ لَا يُنَادَى فِيهِ الصِّغار بَلِ الجِلَّةُ، وَقَدْ يُقَالُ فِي مَوْضِعِ الْكَثْرَةِ والسَّعة أَي مَتَى أَهوى الْوَلِيدُ بِيَدِهِ إِلى شَيْءٍ لَمْ يُزْجَرْ عَنْهُ لِكَثْرَةِ الشَّيْءِ عِنْدَهُمْ؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِ مُزَرِّدٍ الثَعْلَبِيِّ:
تَبَرَّأْتُ مِن شَتْمِ الرِّجالِ بِتَوْبةٍ ***إِلى اللَّهِ مِنِّي، لَا يُنادَى ولِيدُها
قَالَ: هَذَا مَثْلٌ ضَرَبَهُ مَعْنَاهُ أَي لَا أَرْجِعُ وَلَا أُكَلَّمُ فِيهَا كَمَا لَا يُكَلَّمُ الولِيدُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يُضْرَبُ لَهُ فِيهِ المَثلُ.
وَقَالَ الأَصمعي وأَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِمْ: هُوَ أَمرٌ لَا يُنادَى وَلِيدُه، قَالَ أَحدهما: أَي هُوَ أَمرٌ جليلٌ شديدٌ لَا يُنادَى فِيهِ الوَليدُ وَلَكِنْ تَنَادَى فِيهِ الجِلَّةُ، وَقَالَ آخَرُ: أَصله مِنَ الْغَارَةِ أَي تَذْهَلُ الأُمُّ عَنِ ابْنِهَا أَن تُنادِيَه وتَضُمَّه وَلَكِنَّهَا تَهْرُبُ عَنْهُ، وَيُقَالُ: أَصله مِنْ جَرْيِ الْخَيْلِ لأَن الْفَرَسَ إِذا كَانَ جَوَادًا أَعْطَى مِنْ غَيْرِ أَن يُصاحَ بِهِ لَاسْتَزَادَتِهِ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ يَصِفُ فَرَسًا:
وأَخْرَجَ مِنْ تحتِ العَجاجةِ صَدْرَه، ***وهَزَّ اللِّجامَ رأْسُه فَتَصَلْصَلا
أَمامَ هَوِيٍّ لَا يُنادَى وَلِيدُه، ***وشَدٍّ وأَمرٍ بالعِنانِ لِيُرْسَلا
ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ أَمر عَظِيمٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ كَثِيرٍ.
وَقَوْلُهُ: أَمامَ يُرِيدُ قُدّام، والهَوِيُّ: شِدَّةُ السُّرْعَةِ.
ابْنُ السِّكِّيتِ: ويقال جاؤوا بطَعامٍ لَا يُنادَى وليدُه، وَفِي الأَرض عشبٌ لَا يُنادى وليدُه أَي إِن كَانَ الْوَلِيدُ فِي مَاشِيَةٍ لَمْ يضُرَّه أَين صَرَفها لأَنها فِي عُشْب، فَلَا يُقَالُ لَهُ: اصْرِفْهَا إِلى مَوْضِعِ كَذَا لأَن الأَرض كُلَّهَا مُخْصِبة، وإِن كَانَ طعامٌ أَو لَبَنٌ فَمَعْنَاهُ أَنه لَا يُبَالِي كَيْفَ أَفسَدَ فِيهِ، وَلَا مَتَى أَكَل، وَلَا مَتَى شرِب، وَفِي أَيِّ نواحيهِ أَهْوَى.
وَرَجُلٌ فِيهِ وُلُودِيَّةٌ؛ والولوديَّة: الْجَفَاءُ وَقِلَّةُ الرّفْق وَالْعِلْمِ بالأُمور، وَهِيَ الأُمّية.
وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي وَلِيدِيَّتِه أَي فِي الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا وَلِيدًا.
وشاةٌ والدةٌ ووَلُودٌ: بَيِّنةُ الوِلادِ، ووالدٌ، وَالْجَمْعُ وُلْدٌ.
وَقَدْ وَلَّدْتُها وأَوْلَدَتْ هِيَ، وَهِيَ مُولِدٌ، مِنْ غَنم مَوالِيدَ ومَوالِدَ.
وَيُقَالُ: ولَّد الرَّجُلُ غَنَمه تَوْلِيدًا كَمَا يُقَالُ: نَتَّجَ إِبله.
وَفِي حَدِيثِ لَقِيطٍ: «مَا وَلَّدْتَ يَا رَاعِيَ؟»يُقَالُ: وَلَّدْت الشاةَ تولِيدًا إِذا حضَرْت وِلادتها فعالَجْتها حِينَ يُبَيَّنُ الْوَلَدُ مِنْهَا.
وأَصحاب الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: مَا ولَدَت؟ يَعْنُونَ الشَّاةَ؛ وَالْمَحْفُوظُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ عَلَى الْخِطَابِ لِلرَّاعِي؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الأَبْرصِ والأَقْرَعِ: " فأَنتج هَذَا ووَلَّد هَذَا.
اللَّيْثُ: شَاةٌ والِدٌ وَهِيَ الْحَامِلُ وإِنها لَبَيِّنَةُ الوِلادِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فأَعطَى شَاةً وَالِدًا»أَي عُرِف مِنْهَا كثرةُ النِّتاجِ.
وأَما الوِلادَةُ، فَهِيَ وَضْعُ الوالِدة ولَدها.
والمُوَلِّدَة: القابلةُ؛ وَفِي حَدِيثِ مُسافِعٍ: «حَدَّثَتْنِي امرأَة مِنْ بَنِي سُلَيْم قَالَتْ: أَنا وَلَّدْت عامّةَ أَهل دِيارِنا»أَي كُنْتُ لَهُمْ قَابِلَةً؛ وتَوَلَّدَ الشَّيْءُ مِنَ الشَّيْءِ.
واللِّدةُ: التِّرْبُ، وَالْجَمْعُ لِداتٌ ولِدُون؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
رأَيْنَ شُرُوخَهُنَّ مُؤزَّراتٍ، ***وشَرْخَ لِدِيَّ أَسنانَ الهِرامِ
الْجَوْهَرِيُّ: وَلِدَةُ الرَّجُلِ تِرْبُه، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ أَوله لأَنه مِنَ الولادة، وهما لِدان.
ابْنُ سِيدَهْ: والولِيدةُ والمُوَلَّدَةُ الْجَارِيَةُ المولودةُ بَيْنَ الْعَرَبِ؛ غَيْرُهُ: وَعَرَبِيَّةٌ مُولَّدَةٌ، وَرَجُلٌ مُوَلَّدٌ إِذا كَانَ عَرَبِيًّا غَيْرُ مَحْضٍ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: المُوَلَّدة الَّتِي وُلِدَتْ بأَرض وَلَيْسَ بِهَا إِلا أَبوها أَو أُمها.
والتَّلِيدَةُ: الَّتِي أَبوها وأَهلُ بيتِها وَجَمِيعُ مَنْ هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْهَا بأَرْض وَهِيَ بأَرْض أُخرى.
قَالَ: والقِنّ مِنَ الْعَبِيدِ التَّلِيدُ الَّذِي وُلِدَ عِنْدَكَ.
وَجَارِيَةٌ مُوَلَّدةٌ: تُولَدُ بَيْنَ الْعَرَبِ وتَنْشَأُ مَعَ أَولادِهم ويَغْذونها غِذَاءَ الوَلَد ويُعلّمُونها مِنَ الأَدب مِثْلَ مَا يُعَلِّمون أَولادَهم؛ وَكَذَلِكَ المُوَلَّد مِنَ الْعَبِيدِ؛ وإِن سُمِّي المُوَلَّد مِنَ الْكَلَامِ مُوَلَّدًا إِذا اسْتَحْدَثُوهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا مَضَى.
وَفِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ: «أَن رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً وَشَرَطُوا أَنها مُوَلَّدَةٌ فَوَجَدَهَا تَلِيدةً»؛ الْمُوَلَّدَةُ: الَّتِي وُلِدَتْ بَيْنَ الْعَرَبِ ونشأَت مَعَ أَولادهم وتأَدّبت بآدابهم.
والتليد: الَّتِي وُلِدَتْ بِبِلَادِ الْعَجَمِ وَحَمَلَتْ فنشأَت بِبِلَادِ الْعَرَبِ.
والتَّليدةُ مِنَ الْجَوَارِي: هِيَ الَّتِي تُولَدُ فِي مِلْكِ قُومٍ وَعِنْدَهُمْ أَبواها.
والوَلِيدةُ: الْمَوْلُودَةُ بَيْنَ الْعَرَبِ، وَغُلَامٌ وَلِيدٌ كَذَلِكَ.
وَالْوَلِيدُ: الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ.
وَالْوَلِيدُ: الْغُلَامُ حِينَ يُسْتَوصَف قَبْلَ أَن يَحْتَلِمَ، الجمعُ ولْدانٌ وَوِلْدَةٌ؛ وَجَارِيَةٌ وَلِيدةٌ.
وَجَاءَنَا بِبيِّنة مُوَلَّدة: لَيْسَتْ بِمُحَقَّقَةٍ.
وَجَاءَنَا بِكِتَابٍمُوَلَّد أَي مُفْتَعَل.
والمُوَلَّد: المُحْدَثُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنْهُ المُوَلَّدُونَ مِنَ الشُّعَرَاءِ إِنما سُمُّوا بِذَلِكَ لِحُدُوثِهِمْ.
والوَليدةُ: الأَمَةُ والصَّبيَّةُ بينةُ الولادةِ؛ والوَلِيدِيَّة، وَالْجَمْعُ الولائِدُ.
وَيُقَالُ للأَمَة: وَلِيدَةٌ، وإِن كَانَتْ مُسِنَّة.
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الوَلِيدُ الشابُّ، والولائِدُ الشوابُّ مِنَ الْجَوَارِي، والوَلِيدُ الْخَادِمُ الشَّابُّ يُسَمَّى ولِيدًا مِنْ حِينِ يُولَدُ إِلى أَن يَبْلُغَ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيدًا}.
قَالَ: وَالْخَادِمُ إِذا كَانَ شَابًّا وَصيفٌ.
والوَصِيفةُ: وَلِيدَةٌ؛ وأَمْلَحُ الخَدمِ الوُصَفاءُ والوَصائِفُ.
وخادِمُ أَهلِ الْجَنَّةِ: وَلِيدٌ أَبدًا لَا يَتَغَيَّرُ عَنْ سِنِّهِ.
وَحَكَى أَبو عَمْرٍو عَنْ ثَعْلَبٍ قَالَ: وَمِمَّا حَرَّفَتْهُ النَّصَارَى أَن فِي الإِنجيل يَقُولُ اللَّهُ تعالى مخاطبًا لعيسى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنت نَبيِّي وأَنا وَلَدْتُك أَيْ ربَّيْتُك، فَقَالَ النَّصارَى: أَنْتَ بُنَيِّي وأَنا وَلَدْتُك، وخَفَّفوه وَجَعَلُوا لَهُ وَلَدًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًَّا كَبِيرًا.
الأُمويُّ: إِذا وَلَدَتِ الغَنَمُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ قِيلَ: قَدْ وَلَّدْتُها الرُّجَيْلاءَ، مَمْدُودٌ، ووَلَّدْتُها طَبَقًا وطَبَقَةً؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا مَا وَلَّدُوا شَاةً تَنَادَوْا: ***أَجَدْيٌ تَحْتَ شاتِك أَمْ غُلامُ؟
قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ: وَلَّدوا شَاةً رَمَاهُمْ بأَنهم يأْتون الْبَهَائِمَ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: نَتَّجَ فُلَانٌ ناقتَه إِذا ولدَت ولَدَها وَهُوَ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا، فَهِيَ مَنتُوجَةٌ، وَالنَّاتِجُ للإِبل بِمَنْزِلَةِ الْقَابِلَةِ للمرأَة إِذا وَلَدَتْ، وَيُقَالُ فِي الشاءِ: وَلَّدْناها أَي وَلِينا وِلادَتها، وَيُقَالُ لِذَوَاتِ الأَظْلاف والشَّاءِ وَالْبَقَرِ: وُلِّدتِ الشاةُ والبقَرة، مَضْمُومَةُ الْوَاوِ مَكْسُورَةُ اللَّامِ مُشَدَّدَةٌ.
وَيُقَالُ أَيضًا: وضَعَت في موضع وُلِّدَتْ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
16-لسان العرب (برز)
برز: البَرازُ، بِالْفَتْحِ: الْمَكَانُ الفَضاء مِنَ الأَرض البعيدُ الواسعُ.وإِذا خَرَجَ الإِنسان إِلى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قِيلَ: قَدْ بَرَزَ يَبْرُزُ بُرُوزًا أَي خَرَجَ إِلى البَرازِ.
والبَرازُ، بِالْفَتْحِ أَيضًا: الْمَوْضِعُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ خَمَر مِنْ شَجَرٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ إِذا أَراد البَراز أَبْعَدَ»؛ الْبَرَازُ، بِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ فَكَنَوْا بِهِ عَنْ قَضَاءِ الْغَائِطِ كَمَا كَنَوْا عَنْهُ بِالْخَلَاءِ لأَنهم كَانُوا يَتَبَرَّزُون فِي الأَمكنة الْخَالِيَةِ مِنَ النَّاسِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ خطأٌ لأَنه بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ مِنَ المُبارَزَةِ فِي الْحَرْبِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ بِخِلَافِهِ: وَهَذَا لَفْظُهُ البِرازُ المُبارَزَةُ فِي الْحَرْبِ، والبِرازُ أَيضًا كِنَايَةٌ عَنْ ثُفْلِ الْغِذَاءِ، وَهُوَ الْغَائِطُ، ثُمَّ قَالَ: والبَرازُ، بِالْفَتْحِ، الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ.
وتَبَرَّزَ الرجلُ: خَرَجَ إِلى البَراز لِلْحَاجَةِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ الْمَكْسُورُ فِي الْحَدِيثِ، وَمِنَ المَفْتُوحِ حَدِيثُ" عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بالبَرازِ "، يُرِيدُ الْمَوْضِعَ الْمُنْكَشِفَ بِغَيْرِ سُتْرَةٍ.
والمَبْرَزُ: المُتَوَضَّأُ.
وبَرَزَ إِليه وأَبْرَزَهُ غَيْرُهُ وأَبْرَزَ الكتابَ: أَخرجه، فَهُوَ مَبْرُوزٌ.
وأَبْرَزَهُ: نَشَرَه، فَهُوَ مُبْرَزٌ، ومَبْرُوزٌ شَاذٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ جَاءَ عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
أَوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ عَلَى أَلواحِهِ ***أَلنَّاطِقُ المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَراد المَبْرُوزَ بِهِ ثُمَّ حَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَارْتَفَعَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ فِي اسْمِ الْمَفْعُولِ بِهِ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْآخَرِ: " إِلى غيرِ مَوْثُوقٍ مِنَ الأَرض يَذْهَبُ "أَراد مَوْثُوقٍ بِهِ؛ وأَنشد بَعْضُهُمُ المُبْرَزُ عَلَى احْتِمَالِ الخَزْلِ فِي مُتَفَاعِلُنْ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ إِنما هُوَ: " أَلنَّاطقُ المُبْرَزُ والمَخْتُومُ "مُزَاحَفٌ فَغَيَّرَهُ الرُّوَاةُ فِرَارًا مِنَ الزِّحَافِ.
الصِّحَاحِ: أَلناطق بِقَطْعِ الأَلف وإِن كَانَ وَصْلًا، قَالَ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي ابْتِدَاءِ الأَنصاف لأَن التَّقْدِيرَ الْوَقْفُ عَلَى النِّصْفِ من الصدر، قال: وأَنكر أَبو حَاتِمٍ الْمَبْرُوزَ قَالَ: وَلَعَلَّهُ المَزْبُورُ وَهُوَ الْمَكْتُوبُ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ أَيضًا فِي كَلِمَةٍ لَهُ أُخرى:
كَمَا لاحَ عُنْوانُ مَبْرُوزَةٍ ***يَلُوحُ مَعَ الكَفِّ عُنْوانُها
قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنه لُغَتُهُ، قَالَ: وَالرُّوَاةُ كُلُّهُمْ عَلَى هَذَا، قَالَ: فَلَا مَعْنَى لإِنكار مَنْ أَنكره، وَقَدْ أَعطوه كِتَابًا مَبْرُوزًا، وَهُوَ الْمَنْشُورُ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وإِنما أَجازوا الْمَبْرُوزَ وَهُوَ مَنْ أَبرزت لأَن يُبْرِزُ لَفْظُهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفِعْلَيْنِ.
وكلُّ مَا ظَهَرَ بَعْدَ خَفَاءٍ، فَقَدْ بَرَزَ.
وبَرَّزَ الرجلُ: فَاقَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ إِذا سَبَقَ.
وبارَزَ القِرْنَ مُبارَزَةً وبِرازًا: بَرَزَ إِليه، وَهُمَا يَتَبارَزانِ.
وامرأَة بَرْزَةٌ: بارِزَةُ المَحاسِنِ.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: قَالَ الزُّبَيْرِيُّ: البَرْزَة مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لَيْسَتْ بالمُتَزايِلَةِ الَّتِي تُزايِلُك بِوَجْهِهَا تَسْتُرُهُ عَنْكَ وتَنْكَبُّ إِلى الأَرض، والمُخْرَمِّقَةُ الَّتِي لَا تَتَكَلَّمُ إِن كُلِّمَتْ، وَقِيلَ: امرأَة بَرْزَةٌ مُتَجالَّةٌ تَبْرُزُ لِلْقَوْمِ يَجْلِسُونَ إِليها ويتحدَّثون عَنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ أُم مَعْبَدٍ: «وَكَانَتِ امرأَةً بَرْزَةً تَخْتَبِئُ بِفِناءِ قُبَّتِها»؛ أَبو عُبَيْدَةَ: البَرْزَةُ مِنَ النساءِ الْجَلِيلَةُ الَّتِي تَظْهَرُ لِلنَّاسِ وَيَجْلِسُ إِليها الْقَوْمُ.
وامرأَة بَرْزَة: مَوْثُوقٌ برأْيها وَعَفَافِهَا.
وَيُقَالُ: امرأَة بَرْزَة إِذا كَانَتْ كَهْلَةً لَا تَحْتَجِبُ احتجابَ الشَّوابِّ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ عَفِيفَةٌ عَاقِلَةٌ تَجْلِسُ لِلنَّاسِ وتحدِّثهم، مِنَ البُروزِ وَهُوَ الظُّهُورُ وَالْخُرُوجُ.
ورجلٌ بَرْزٌ: ظَاهِرُ الخلقِ عَفِيفٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " بَرْزٌ وَذُو العَفَافَةِ البَرْزِيُ "وَقَالَ غَيْرُهُ: بَرْزٌ أَراد أَنه مُتَكَشِّفُ الشأْن ظَاهِرٌ.
وَرَجُلٌ بَرْزٌ وامرأَة بَرْزَةٌ: يُوصَفَانِ بالجَهارَة وَالْعَقْلِ؛ وأَما قَوْلُ جَرِيرٍ:
خَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ يَبْنِي المَنارَ بِهِ ***وابْرُزْ ببَرْزَةَ حيثُ اضْطَرَّكَ القَدَرُ
فَهُوَ اسْمُ أُم عُمَرَ بْنَ لَجَإٍ التَّيْمِيِّ.
وَرَجُلٌ بَرْزٌ وبَرْزِيٌّ: مَوثوق بِفَضْلِهِ ورأْيه، وَقَدْ بَرُزَ بَرازَةً.
وبَرَّزَ الفرسُ عَلَى الْخَيْلِ: سَبَقها، وَقِيلَ كلُّ سَابِقٍ مُبَرِّزٌ.
وبَرَّزَه فرسُه: نَجَّاه؛ قَالَ رؤْبة: " لَوْ لَمْ يُبَرِّزْهُ جَوادٌ مِرْأَسُ وإِذا تَسَابَقَتِ الْخَيْلُ قِيلَ لِسَابِقِهَا: قَدْ بَرَّزَ عَلَيْهَا، وإِذا قِيلَ بَرَزَ، مخففٌ، فَمَعْنَاهُ ظَهَرَ بَعْدَ الْخَفَاءِ، وإِنما قِيلَ فِي التَّغَوُّطِ تَبَرَّزَ فُلَانٌ كِنَايَةً أَي خَرَجَ إِلى بَرازٍ مِنَ الأَرض لِلْحَاجَةِ.
والمُبارَزَةُ فِي الْحَرْبِ والبِرازُ مِنْ هَذَا أُخذ، وَقَدْ تَبارَزَ القِرْنانِ.
وأَبْرَزَ الرجلُ إِذا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ، وبَرَزَ إِذا ظَهَرَ بَعْدَ خُمول، وبَرَزَ إِذا خَرَجَ إِلى البرازِ، وَهُوَ الْغَائِطُ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً}، أَي ظَاهِرَةً بِلَا جَبَلٍ وَلَا تَلٍّ وَلَا رَمْلٍ.
وذَهَبٌ إِبْرِيزٌ: خَالِصٌ؛ عَرَبِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ إِفْعِيلٌ مَنْ بَرَزَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «وَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الإِبْرِيزِ»أَي الْخَالِصِ، وَهُوَ الإِبْرِزِيُّ أَيضًا، وَالْهَمْزَةُ وَالْيَاءُ زَائِدَتَانِ.
ابْنُ الأَعرابي: الإِبْريزُ الحَلْيُ الصَّافِي مِنَ الذَّهَبِ.
وَقَدْ أَبْرَزَ الرجلُ إِذا اتَّخَذَ الإِبْرِيزَ وَهُوَ الإِبْرِزِيُّ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
مُزَيَّنَةٌ بالإِبْرِزِيِّ وجشْوُها ***رَضِيعُ النَّدَى، والمُرْشِفاتِ الحَوَاضِنِ
وَرَوَى أَبو أُمامة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُجَرِّبُ أَحدَكم بالبلاءِ كَمَا يُجَرِّبُ أَحدُكم ذهبَه بِالنَّارِ، فَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الإِبْرِيزِ، فَذَلِكَ الَّذِي نَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ السيِّئات، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الذَّهَبِ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي يَشُكُّ بَعْضَ النَّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الأَسود وَذَلِكَ الَّذِي أُفْتِن "؛ قَالَ شَمِرٌ: الإِبْرِيزُ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَهُوَ الإِبْرِزيُّ والعِقْيانُ والعَسْجَدُ.
النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثير: فِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ وهم البازَرُ»؛ قيل: بازَرُ ناحية قريبة مِنْ كِرْمانَ بِهَا جِبَالٌ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هُمُ الأَكراد، فإِن كَانَ مِنْ هَذَا فكأَنه أَراد أَهل الْبَازِرِ أَو يَكُونُ سُمُّوا بِاسْمِ بِلَادِهِمْ، قَالَ: هَكَذَا أَخرجه أَبو مُوسَى فِي حَرْفِ الْبَاءِ وَالزَّايِ مِنْ كِتَابِهِ وشَرَحَه، قَالَ: وَالَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ عَنْ" أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقاتِلُون قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرَ وَهُوَ هَذَا الْبَازَرُ "؛ وَقَالَ سفيانُ مَرَّةً: هُمْ أَهلُ البارِز، يَعْنِي بأَهل البارز أَهل فارس، هكذا هُوَ بِلُغَتِهِمْ وَهَكَذَا جاءَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ كأَنه أَبدل السِّينَ زَايًا، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَهُوَ هَذَا الْبَابُ لَا مِنْ بَابِ الْبَاءِ وَالزَّايِ؛ قَالَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي فَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَكَذَلِكَ اختلف مع تقديم الزاي، وَقَدْ ذُكِرَ أَيضًا فِي مَوْضِعِهِ مُتَقَدِّمًا، وَاللَّهُ أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
17-لسان العرب (أتم)
أتم: الأَتْمُ مِنَ الخُرَز: أَن تُفْتَق خُرْزَتان فتَصِيرا وَاحِدَةً، والأَتُومُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي التَقى مَسْلَكاها عِنْدَ الافْتِضاض، وَهِيَ المُفْضاة، وأَصلُه أَتَمَ يأْتِمُ إِذا جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَمِنْهُ سُمِّي المَأْتَمُ لِاجْتِمَاعِ النِّسَاءِ فِيهِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَصله فِي السِّقاء تَنْفَتِق خُرْزَتان فَتَصيران وَاحِدَةً؛ وَقَالَ: " أَيا ابنَ نخّاسِيَّة أَتُومِ "وَقِيلَ الأَتُومُ الصَّغِيرَةُ الفَرْج؛ والمَأْتم كُلُّ مُجْتَمَعٍ مِنْ رِجَالٍ أَو نِسَاءٍ فِي حُزْن أَو فَرَحٍ؛ قَالَ:حَتَّى تَراهُنَّ لَدَيْه قُيّما، ***كَمَا تَرى حَوْلَ الأَمِير المَأْتَما
فالمَأْتَمُ هُنَا رِجالٌ لَا مَحالةَ، وخصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ النِّسَاءَ يَجْتَمِعْنَ فِي حُزْن أَو فرَح.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فأَقاموا عَلَيْهِ مَأْتَمًا»؛ المَأْتَمُ فِي الأَصل: مُجْتَمَعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الغَمِّ والفَرَح، ثُمَّ خصَّ بِهِ اجْتِمَاعَ النِّسَاءِ لِلْمَوْتِ، وَقِيلَ: هُوَ الشَّوابُّ منهنَّ لَا غَيْرَ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
الْجَوْهَرِيُّ: المَأْتم عِنْدَ الْعَرَبِ النِّساء يَجْتَمِعْنَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ؛ وَقَالَ أَبو حَيَّة النُّمَيْرِيّ:
رِمَتْهُ أَناةٌ مِنْ رَبِيعةِ عامِرٍ، ***نَؤُومُ الضُّحى فِي مَأْتَمٍ أَيّ مأْتَمِ
فَهَذَا لَا مَحالة مَقام فَرَح؛ وَقَالَ أَبو عطاء السِّنْدي:
عَشِيَّة قام النائحاتُ، وشُقِّقت ***جُيوبٌ بأَيْدي مَأْتَمٍ وخُدُودُ
أَي بأَيدي نِساءٍ فَهَذَا لَا مَحالة مَقام حُزْن ونَوْح.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وخصَّ بَعْضُهُمْ بالمَأْتَم الشوابَّ مِنَ "النِّساء لَا غَيْرَ، قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ فِي الفَرَح:
ومَأْتَمٍ كالدُّمى حُورُ مَدامِعها، ***لَمْ تَيْأَس العَيْشَ أَبكارًا وَلَا عُونا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَامَّةُ تَغْلَط فتظنُّ أَن المأْتم النَّوْح وَالنِّيَاحَةُ، وإِنما المَأْتَمُ النِّسَاءُ المجتَمِعات فِي فَرَح أَو حُزْن؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي عَطاء السِّنْدي:
عَشِيَّة قَامَ النائحاتُ، وشُقِّقت ***جُيوبٌ بأَيْدي مَأْتَمٍ وخُدُودُ
فَجَعَلَ المأْتم النِّسَاءَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ النِّياحة؛ قَالَ: وَكَانَ أَبو عَطَاءٍ فَصِيحًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَيْتَ ابْنِ مُقْبِلٍ:
ومَأْتمٍ كالدُّمى حُورُ مَدامِعها، ***لَمْ تيْأَس العَيْشَ أَبكارًا وَلَا عُونا
وَقَالَ: أَراد ونِساء كالدُّمى؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ بَيْتَ أَبي حَيَّة النُّمَيْرِيِّ:
رَمَتْهُ أَناةٌ مِنْ رَبيعةِ عامِرٍ، ***نَؤُومُ الضُّحى فِي مَأْتَمٍ أَيّ مَأْتَمِ
يُرِيدُ فِي نِساء أَي نِساء، وَالْجَمْعُ المَآتِم، وَهُوَ عِنْدَ العامَّة المُصيبة؛ يَقُولُونَ: كُنَّا فِي مَأْتَمِ فُلَانٍ وَالصَّوَابُ أَن يُقَالَ: كُنّا فِي مَناحة فُلَانٍ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا يَمْتَنِعُ أَن يقَع المَأْتَم بِمَعْنَى المَناحةِ والحزْن والنَّوْحِ والبُكاءِ لأَن النِّسَاءَ لِذَلِكَ اجْتَمَعْنَ، والحُزْن هُوَ السَّبَبُ الْجَامِعُ؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ التَّيْمِيِّ فِي مَنْصُورِ بْنِ زِياد:
والناسُ مَأْتَمُهُم عَلَيْهِ واحدٌ، ***فِي كُلِّ دَارٍ رَنَّةٌ وزَفِيرُ
وَقَالَ زَيْدُ الْخَيْلِ:
أَفي كلِّ عامٍ مَأْتَمٌ تَبْعَثُونَه ***عَلَى مِحْمَرٍ، ثَوَّبْتُموه وَمَا رضَا
وَقَالَ آخَرُ:
أَضْحى بَناتُ النَّبِّي، إِذْ قُتلوا، ***فِي مَأْتَمٍ، والسِّباعُ فِي عُرُسِ
أَي هُنَّ فِي حُزْن والسِّباع فِي سُرورٍ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
فَما ابْنُكِ إِلا ابنٌ مِنَ النَّاسِ، فاصْبِري ***فَلن يُرْجِع المَوْتَى حَنِينُ المَآتِمِ
فَهَذَا كُلُّهُ فِي الشَّرِّ والحُزْن، وَبَيْتُ أَبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ فِي الْخَيْرِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَن المأْتَم مشتقٌّ مِنَ الأَتْمِ فِي الخُرْزَتَيْنِ، وَمِنَ المرأَة الأَتُوم، وَالْتِقَاؤُهُمَا أَنَّ المَأْتَم النِّسَاءُ يَجْتَمِعْنَ ويَتقابلن فِي الْخَيْرِ والشرِّ.
وَمَا فِي سَيْرِهِ أَتَمٌ ويَتَمٌ أَي إِبطاء.
وَخَطَبَ فَمَا زَالَ عَلَى... شَيْءٌ وَاحِدٌ.
والأُتُم: شَجَرٌ يُشْبِهُ شَجَرَ الزيْتون يَنْبُتُ بالسَّراة فِي الْجِبِالِ، وَهُوَ عِظام لَا يُحْمَلُ، وَاحِدَتُهُ أُتُمة، قَالَ: حَكَاهَا أَبو حَنِيفَةَ.
والأَتْم: مَوْضِعٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
فأَوْرَدَهُنَّ بَطْنَ الأَتْمِ، شُعْثًا، ***يَصُنَّ المَشْيَ كالحِدَإِ التُّؤامِ
وَقِيلَ: اسْمُ وَادٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أُكَلَّفُ، أَن تَحُلَّ بَنُو سُلَيم ***بطونَ الأَتْمِ؛ ظُلْم عَبْقَريّ
قَالَ: وَقِيلَ الأَتْمُ اسْمُ جَبَلٍ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ خُفاف بْنِ نُدْبة يَصِفُ غَيثًا:
عَلا الأَتْمَ مِنْهُ وابلٌ بَعْدَ وابِلٍ، ***فَقَدْ أُرْهقَتْ قِيعانُه كل مُرْهَق
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
18-لسان العرب (أيا)
أيا: أَيّ: حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ عَمَّا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، وَقَوْلُهُ:وأَسماء، مَا أَسْماءُ ليلةَ أَدْلَجَتْ ***إِليَّ، وأَصْحابي بأَيَّ وأَيْنَما
فإِنه جَعَلَ أَيّ اسْمًا لِلْجِهَةِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ التَّعْرِيفُ والتأْنيث مَنَعَهُ الصَّرْفَ، وأَما أَينما فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
تَنَظَّرْتُ نَصْرًا والسِّماكَيْنِ أَيْهُما ***عَليَّ مِنَ الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
إِنما أَراد أَيُّهما، فَاضْطَرَّ فَحَذَفَ كَمَا حَذَفَ الْآخَرُ فِي قَوْلِهِ:
بَكى، بعَيْنَيك، واكفُ القَطْرِ ***ابنَ الحَواري العاليَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد: ابْنُ الْحَوَارِيِّ، فَحَذَفَ الأَخيرة مِنْ يَاءَيِ النَّسَبِ اضْطِرَارًا.
وَقَالُوا: لأَضربن أَيُّهم أَفضلُ؛ أَيُّ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا الفعلُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الْخَلِيلَ عَنْ أَيِّي وأَيُّك كَانَ شَرًّا فأَخزاه اللَّهُ فَقَالَ: هَذَا كَقَوْلِكَ أَخزى اللَّهُ الكاذبَ مِنِّي وَمِنْكَ، إِنما يُرِيدُ منَّا فإِنما أَراد أَيُّنا كَانَ شَرًّا، إِلا أَنهما لَمْ يَشْتَرِكَا فِي أَيٍّ، وَلَكِنَّهُمَا أَخْلَصاهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ التَّهْذِيبُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ سأَلت الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِهِ:
فأَيِّي مَا وأَيُّكَ كَانَ شَرًّا، ***فسِيقَ إِلى المقامَةِ لَا يَراها
فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الرَّجُلِ الكاذبُ مِنِّي وَمِنْكَ فِعْلُ اللَّهِ بِهِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما يُرِيدُ أَنك شرٌّ وَلَكِنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِلَفْظٍ هُوَ أَحسن مِنَ التَّصْرِيحِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}؛ وأَنشد المُفَضَّلُ:
لَقَدْ عَلِم الأَقوامُ أَيِّي وأَيُّكُمْ ***بَني عامِرٍ، أَوْفى وَفاءً وأَظْلَمُ
مَعْنَاهُ: عَلِمُوا أَني أَوْفى وَفاءً وأَنتم أَظلم، قَالَ: وَقَوْلُهُ فأَيي مَا وأَيك، أَيّ مَوْضِعُ رفع لأَنه اسم مكان، وأَيك نُسِّقَ عَلَيْهِ، وَشَرًّا خَبَرُهَا، قَالَ: وَقَوْلُهُ: فَسِيقَ إِلى الْمَقَامَةِ لَا يَرَاهَا أَي عَمِيَ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ أَنه قَالَ لِفُلَانٍ: « أَشهد أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِني أَو إِياك فرعونُ هَذِهِ الأُمة »؛ يُرِيدُ أَنك فرعونُ هَذِهِ الأُمة، وَلَكِنَّهُ أَلقاه إِليه تَعْرِيضًا لَا تَصَرِيحًا، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ أَحدُنا كاذبٌ وأَنت تَعْلَمُ أَنك صَادِقٌ وَلَكِنَّكَ تُعَرِّضُ بِهِ.
أَبو زَيْدٍ: صَحِبه اللَّهُ أَيَّا مَا تَوَجَّهَ؛ يُرِيدُ أَينما تَوَجَّهَ.
التَّهْذِيبُ: رُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى وَالْمُبَرِّدِ قَالَا: لأَيّ ثَلَاثَةُ أُصول: تَكُونُ اسْتِفْهَامًا، وَتَكُونُ تَعَجُّبًا، وَتَكُونُ شَرْطًا؛ وأَنشد:
أَيًّا فَعَلْتَ، فإِنني لَكَ كاشِحٌ، ***وَعَلَى انْتِقاصِك فِي الحَياةِ وأَزْدَدِ
قَالَا جزَمَ قَوْلَهُ: وأَزْدَد عَلَى النَّسَقِ عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ الَّتِي فِي فإِنني، كأَنه قَالَ: أَيًّا تفعلْ أُبْغِضْكَ وأَزْدَدْ؛ قَالَا: وَهُوَ مِثْلُ مَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ، فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ إِن تُؤَخِّرْنِي أَصَّدَّق وأَكن، قَالَا: وإِذا كَانَتْ أَيٌّ اسْتِفْهَامًا لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا" الْفِعْلُ الَّذِي قَبْلَهَا، وإِنما يَرْفَعُهَا أَو يَنْصِبُهَا مَا بَعْدَهَا.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَدًا}؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: فأَيٌّ رُفِعَ، وأَحصى رُفِعَ بِخَبَرِ الِابْتِدَاءِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَيٌّ رافعهُ أَحصى، وَقَالَا: عَمِلَ الْفِعْلُ فِي الْمَعْنَى لَا فِي اللَّفْظِ كأَنه قَالَ لِنَعْلَمَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ، ولنَعْلم أَحَدَ هَذَيْنِ، قَالَا: وأَما الْمَنْصُوبَةُ بِمَا بَعْدَهَا فَقَوْلُهُ: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ؛ نَصَبَ أَيًّا بِيَنْقَلِبُونَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيٌّ إِذا أَوْقَعْتَ الْفِعْلَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَذَلِكَ إِن أَردته جَائِزٌ، يَقُولُونَ لأَضْربنَّ أَيُّهم يَقُولُ ذَلِكَ، لأَن الضَّرْبَ عَلَى اسْمٍ يأْتي بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِفْهَامٌ، وَذَلِكَ أَن الضرب لا يقع اننين.
قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا}؛ مَنْ نَصَبَ أَيًّا أَوقع عَلَيْهَا النَّزْعَ وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ كأَنه قَالَ لَنَسْتَخْرِجَنَّ الْعَاتِي الَّذِي هُوَ أَشدّ، ثُمَّ فَسَّرَ الْفَرَّاءُ وَجْهَ الرَّفْعِ وَعَلَيْهِ الْقُرَّاءُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ثَعْلَبٍ وَالْمُبَرِّدِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وأَيّ إِذا كَانَتْ جَزَاءً فَهِيَ عَلَى مَذْهَبِ الَّذِي قَالَ وإِذا كَانَ أَيّ تَعَجُّبًا لَمْ يُجَازَ بِهَا لأَن التَّعَجُّبَ لَا يُجَازَى بِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ أَيُّ رَجُلٍ زيدٌ وأَيُّ جاريةٍ زينبُ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إِذا أَفردوا أَيًّا ثَنَّوْها وَجَمَعُوهَا وأَنثوها فَقَالُوا أَيّة وأَيَّتَان وأَيّاتٌ، وإِذا أَضافوها إِلى ظاهرٍ أَفردوها وذكَّروها فَقَالُوا أَيّ الرَّجُلَيْنِ وأَيّ المرأَتين وأَيّ الرِّجَالِ وأَيّ النِّسَاءِ، وإِذا أَضافوا إِلَى المَكْنِيّ الْمُؤَنَّثِ ذكَّروا وأَنَّثوا فَقَالُوا أَيُّهما وأَيَّتهما للمرأَتين، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا}؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي لُغَةِ مَنْ أَنَّث: " وزَوَّدُوك اشْتياقًا أَيَّةً سَلَكوا "أَراد: أَيَّةَ وُجْهةٍ سَلَكُوا، فأَنثها حِينَ لَمْ يُضِفْهَا، قَالَ: وَلَوْ قُلْتَ أَيًّا سَلَكُوا بِمَعْنَى أَيَّ وَجْه سَلَكُوا كَانَ جَائِزًا.
وَيَقُولُ لَكَ قَائِلٌ: رأَيتُ ظَبْيًا، فَتُجِيبُهُ: أَيًّا، وَيَقُولُ: رأَيت ظَبْيَيْنِ، فَتَقُولُ: أَيَّين، وَيَقُولُ: رأَيت ظِباءً، فَتَقُولُ: أَيَّات، وَيَقُولُ: رأَيت ظَبْيَةً، فَتَقُولُ: أَيَّةً.
قَالَ: وإِذا سأَلت الرَّجُلَ عَنْ قَبِيلَتِهِ قُلْتَ المَيِّيُّ، وإِذا سأَلته عَنْ كَوْرَتِهِ قُلْتَ الأَيِّيُّ، وَتَقُولُ مَيِّيٌّ أَنت وأَيِّيٌّ أَنت، بِيَاءَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ.
وَحَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ الْعَرَبِ فِي لُغَيَّة لَهُمْ: أَيُّهم مَا أَدرك يَرْكَبُ عَلَى أَيّهم يُرِيدُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: أَيَّانَ هِيَ بِمَنْزِلَةِ مَتَى، قَالَ: ويُخْتَلَف فِي نُونِهَا فَيُقَالُ أَصلية، وَيُقَالُ زَائِدَةٌ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصل أَيَّانَ أَيَّ أَوانٍ، فَخَفَّفُوا الْيَاءَ مِنْ أَيّ وَتَرَكُوا هَمْزَةَ أَوان، فَالْتَقَتْ يَاءٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا وَاوٌ، فأُدغمت الْوَاوُ فِي الْيَاءِ؛ حَكَاهُ عَنِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُمْ فِي النِّدَاءِ أَيُّها الرَّجُلُ وأَيَّتُها المرأَة وأَيُّها النَّاسُ فإِن الزَّجَّاجَ قَالَ: أَيُّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ مِنْ أَيها الرَّجُلُ لأَنه مُنَادَى مُفْرَدٌ، وَالرَّجُلُ صِفَةٌ لأَيّ لَازِمَةٌ، تَقُولُ يَا أَيها الرَّجُلُ أَقبل، وَلَا يَجُوزُ يَا الرَّجُلُ، لأَن يَا تَنْبِيهٌ بِمَنْزِلَةِ التَّعْرِيفِ فِي الرَّجُلِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ يَا وَبَيْنَ الأَلف وَاللَّامِ فَتَصِلُ إِلى الأَلف وَاللَّامِ بأَيّ، وَهَا لَازِمَةٌ لأَيّ لِلتَّنْبِيهِ، وَهِيَ عِوَضٌ مِنَ الإِضافة فِي أَيّ، لأَن أَصل أَيّ أَن تَكُونَ مُضَافَةً إِلى الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، والمُنادى فِي الْحَقِيقَةِ الرجلُ، وأَيّ وُصْلَة إِليه، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذا قُلْتَ يَا أَيُّها الرَّجُلُ، فَيَا نِدَاءٌ، وأَيّ اسْمُ مُنَادَى، وَهَا تَنْبِيهٌ، وَالرَّجُلُ صِفَةٌ، قَالُوا ووُصِلَتْ أَيّ بِالتَّنْبِيهِ فَصَارَا اسْمًا تَامًّا لأَن أَيًّا وَمَا وَمَنْ وَالَّذِي أَسماء نَاقِصَةٌ لَا تَتِمُّ إِلا بِالصِّلَاتِ، وَيُقَالُ الرَّجُلُ تَفْسِيرٌ لِمَنْ نُودِيَ.
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: سأَلت الْمُبَرِّدَ عن أَيْ مفتوحةسَاكِنَةً مَا يَكُونُ بَعْدَهَا فَقَالَ: يَكُونُ الَّذِي بَعْدَهَا بَدَلًا، وَيَكُونُ مستأْنفًا وَيَكُونُ مَنْصُوبًا؛ قَالَ: وسأَلت أَحمد بْنَ يَحْيَى فَقَالَ: يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُتَرْجِمًا، وَيَكُونُ نَصْبًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، تَقُولُ: جَاءَنِي أَخوك أَي زَيْدٌ ورأَيت أَخاك أَي زَيْدًا وَمَرَرْتُ بأَخيك أَي زَيْدٍ.
وَيُقَالُ: جَاءَنِي أَخوك فَيَجُوزُ فِيهِ أَيْ زيدٌ وأَيْ زيدًا، ومررت بأَخيك فَيَجُوزُ فِيهِ أَي زيدٍ أَي زيدًا أَي زيدٌ.
وَيُقَالُ: رأَيت أَخاك أَي زَيْدًا، وَيَجُوزُ أَي زيدٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِيْ يمينٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ}؛ وَالْمَعْنَى إِي وَاللَّهِ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ"، الْمَعْنَى نَعَمْ وَرَبِّي، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ إِي واللهِ وَهِيَ بِمَعْنَى نَعَمْ، إِلا أَنها تَخْتَصُّ بِالْمَجِيءِ مَعَ الْقَسَمِ إِيجابًا لِمَا سَبَقَهُ مِنَ الِاسْتِعْلَامِ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا كَأَيِّنْ رَجُلًا قَدْ رأَيت، زَعَمَ ذَلِكَ يُونُسُ، وكأَيِّنْ قَدْ أَتاني رَجُلًا، إِلا أَن أَكثر الْعَرَبِ إِنما يَتَكَلَّمُونَ مَعَ مِنْ، قَالَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ}، قَالَ: وَمَعْنَى كأَيِّن رُبَّ، وقال: وإِن حُذِفَتْ مِنْ فَهُوَ عَرَبِيٌّ؛ وَقَالَ الْخَلِيلُ: إِن جَرَّها أَحدٌ مِنَ الْعَرَبِ فَعَسَى أَن يَجُرَّهَا بإِضمار مِنْ، كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي كَمْ، قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيلُ كَأَيِّنْ عَمِلَتْ فِيمَا بَعْدَهَا كَعَمَلِ أَفضلهم فِي رَجُلٍ فَصَارَ أَيّ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ، كَمَا كَانَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ أَفضلهم بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ، قَالَ: وإِنما تَجِيءُ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ فَتَصِيرُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وكَائِنْ بِزِنَةٍ كاعِنْ مُغَيَّرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ كأَيِّنْ.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِن سأَل سَائِلٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي كائِنْ هَذِهِ وَكَيْفَ حَالُهَا وَهَلْ هِيَ مُرَكَّبَةٌ أَو بَسِيطَةٌ؟ فَالْجَوَابُ إِنها مُرَكَّبَةٌ، قَالَ: وَالَّذِي عَلَّقْتُه عَنْ أَبي عَلِيٍّ أَن أَصلها كأَيِّنْ كَقَوْلِهِ تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ}؛ ثُمَّ إِن الْعَرَبَ تَصَرَّفَتْ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا إِياها، فَقَدَّمَتِ الْيَاءَ الْمُشَدَّدَةَ وأَخرت الْهَمْزَةَ كَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي عِدّة مَوَاضِعَ نَحْوَ قِسِيّ وأَشْياء فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ، وشاكٍ ولاثٍ وَنَحْوُهُمَا فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وجاءٍ وَبَابِهِ فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ أَيضًا وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ فِيمَا بَعْدُ كَيِّئٌ، ثُمَّ إِنهم حذفوا الياء التانية تَخْفِيفًا كَمَا حَذَفُوهَا فِي نَحْوِ مَيِّت وهَيِّن ولَيِّن فَقَالُوا مَيْت وهَيْن ولَيْن، فَصَارَ التَّقْدِيرُ كَيْئٌ، ثُمَّ إِنهم قَلَبُوا الْيَاءَ أَلفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا كَمَا قَلَبُوا فِي طَائِيٍّ وحارِيٍّ وآيةٍ فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ أَيضًا، فَصَارَتْ كَائِنْ.
وَفِيَ كَأَيِّنْ لُغَاتٌ: يُقَالُ كأَيِّنْ وكَائِنْ وكَأْيٌ، بِوَزْنِ رَميٍ، وكإٍ بِوَزْنِ عَمٍ؛ حَكَى ذَلِكَ أَحمد بْنُ يَحْيَى، فَمَنْ قَالَ كأَيِّنْ فَهِيَ أَيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْكَافُ، وَمَنْ قَالَ كَائِنْ فَقَدْ بيَّنَّا أَمره، وَمَنْ قَالَ كَأْيٌ بِوَزْنِ رَمْي فأَشبه مَا فِيهِ أَنه لَمَّا أَصاره التَّغْيِيرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِلى كَيْءٍ قَدَّمَ الْهَمْزَةَ وأَخر الْيَاءَ وَلَمْ يَقْلِبِ الياءَ أَلفًا، وحَسَّنَ ذَلِكَ ضَعْف هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَمَا اعْتَوَرَها مِنَ الْحَذْفِ وَالتَّغْيِيرِ، وَمَنْ قَالَ كَإٍ بِوَزْنِ عَمٍ فَإِنَّهُ حَذَفَ الْيَاءَ مِنْ كَيْءٍ تَخْفِيفًا أَيضًا، فإِن قُلْتَ: إِن هذا إِجحاب بِالْكَلِمَةِ لأَنه حَذْفٌ بَعْدَ حَذْفٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بأَكثر مِنْ مَصِيرِهِمْ بأَيْمُن اللَّهِ إِلى مُنُ اللهِ ومِ اللَّهِ، فإِذا كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْحَذْفِ حَسُنَ فِيهِ مَا لَا يَحْسُنُ فِي غَيْرِهِ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالْحَذْفِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ}؛ فَالْكَافُ زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي كَذَا وَكَذَا، وإِذا كَانَتْ زَائِدَةً فَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بفعل ولا بمعنى فِعْلٍ.
وَتَكُونُ أَيٌّ جَزَاءً، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي، والأُنثى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَيَّة، وَرُبَّمَا قِيلَ أَيُّهن منطلقةٌ، يُرِيدُ أَيَّتهن؛ وأَيّ: اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَحَالًا لِلْمَعْرِفَةِ نَحْوَ مَا أَنشده" سِيبَوَيْهِ لِلرَّاعِي:
فأَوْمَأْتُ إِيمَاءً خَفيًّا لحَبْتَرٍ، ***وَلِلَّهِ عَيْنا حَبْتَرٍ أَيَّما فَتى
أَي أَيَّما فَتىً هُوَ، يَتَعَجَّبُ مِنِ اكْتِفَائِهِ وَشِدَّةِ غَنائه.
وأَيّ: اسْمٌ صِيغَ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلى نِدَاءِ مَا دَخَلَتْهُ الأَلف وَاللَّامُ كَقَوْلِكَ يَا أَيُّها الرَّجُلُ وَيَا أَيُّها الرَّجُلَانِ وَيَا أَيُّها الرِّجَالُ، وَيَا أَيَّتها المرأَة وَيَا أَيَّتها المرأَتان وَيَا أَيَّتها النِّسْوَةُ وَيَا أَيُّها المرأَة وَيَا أَيُّها المرأَتان وَيَا أَيُّها النِّسْوَةُ.
وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ}؛ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى قَوْلِكَ يَا أَيها المرأَة وَيَا أَيها النِّسْوَةُ، وأَما ثَعْلَبٌ فَقَالَ: إِنما خَاطَبَ النَّمْلَ بِيَا أَيها لأَنه جَعَلَهُمْ كَالنَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ" كَمَا تَقُولُ لِلنَّاسِ يَا أَيها النَّاسُ، وَلَمْ يَقُلِ ادْخُلِي لأَنها كَالنَّاسِ فِي الْمُخَاطَبَةِ، وأَما قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فَيَا أَيُّ نِدَاءٌ مُفْرَدٌ مُبْهَمٌ وَالَّذِينَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لأَيها، هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وأَما مَذْهَبُ الأَخفش فَالَّذِينَ صِلَةٌ لأَيّ، وَمَوْضِعُ الَّذِينَ رَفْعٌ بإِضمار الذِّكْرِ الْعَائِدِ عَلَى أَيّ، كأَنه عَلَى مَذْهَبِ الأَخفش بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ يَا مَنِ الذين أَي يَا مَنْ هُمُ الَّذِينَ وَهَا لَازِمَةٌ لأَيّ عِوَضًا مِمَّا حُذِفَ مِنْهَا للإِضافة وَزِيَادَةً فِي التَّنْبِيهِ، وأَجاز الْمَازِنِيُّ نَصْبَ صِفَةِ أَيّ فِي قَوْلِكَ يَا أَيها الرجلَ أَقبل، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وأَيّ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ لَا يَكُونُ فِيهَا هَا، وَيُحْذَفُ مَعَهَا الذِّكْرُ الْعَائِدُ عَلَيْهَا، تَقُولُ: اضْرِبْ أَيُّهم أَفضل وأَيَّهم أَفضل، تُرِيدُ اضْرِبْ أَيَّهم هُوَ أَفضلُ.
الْجَوْهَرِيُّ: أَيٌّ اسْمٌ مُعْرَبٌ يُسْتَفْهَمُ بِهَا ويُجازَى بِهَا فِيمَنْ يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، تَقُولُ أَيُّهم أَخوك، وأَيُّهم يكْرمني أُكْرِمْه، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ للإِضافة، وَقَدْ تُتْرَكُ الإِضافة وَفِيهِ مَعْنَاهَا، وَقَدْ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي فَتَحْتَاجُ إِلى صِلَةٍ، تَقُولُ أَيُّهم فِي الدَّارِ أَخوك؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا مَا أَتيتَ بَنِي مالكٍ، ***فَسَلِّمْ عَلَى أَيُّهم أَفضلُ
قَالَ: وَيُقَالُ لَا يَعْرِفُ أَيًّا مِنْ أَيٍّ إِذا كَانَ أَحمق؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا مَا قيلَ أَيُّهمُ لأَيٍّ، ***تَشابَهَتِ العِبِدَّى والصَّمِيمُ
فَتَقْدِيرُهُ: إِذا قِيلَ أَيُّهم لأَيٍّ يَنْتَسِبُ، فَحَذَفَ الْفِعْلَ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَقَدْ يَكُونُ نَعْتًا، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، وَمَرَرْتُ بامرأَة أَيَّةِ امرأَة وبامرأَتين أَيَّتِما امرأَتين، وَهَذِهِ امرأَةٌ أَيَّةُ امرأَةٍ وأَيَّتُما امرأَتين، وَمَا زَائِدَةٌ.
وَتَقُولُ: هَذَا زَيْدٌ أَيَّما رَجُلٍ، فَتَنْصِبُ أَيًّا عَلَى الْحَالِ، وَهَذِهِ أَمةُ اللَّهِ أَيَّتَما جاريةٍ.
وَتَقُولُ: أَيُّ امرأَة جَاءَتْكَ وَجَاءَكَ، وأَيَّةُ امرأَةٍ جَاءَتْكَ، وَمَرَرْتُ بِجَارِيَةٍ أَيِّ جاريةٍ، وَجِئْتُكَ بمُلاءةٍ أَيِّ مُلاءَةٍ وأَيَّةِ مُلاءَةٍ، كُلٌّ جَائِزٌ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.
وأَيٌّ: قَدْ يُتَعَجَّبُ بِهَا؛ قَالَ جَمِيلٌ:
بُثَيْنَ، الْزَمِي لَا، إِنَّ لَا، إِنْ لَزِمْتِهِ ***عَلَى كَثْرَةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيٌّ يَعْمَلُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلُهُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}؛ فَرُفِعَ، وَفِيهِ أَيضًا: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ؛ فَنَصَبَهُ بِمَا بَعْدَهُ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَصِيحُ بِنَا حَنِيفَةُ، إِذْ رأَتْنا، ***وأَيَّ الأَرْضِ تَذْهَبُ للصِّياحِ
فإِنما نَصَبَهُ لِنَزْعِ الْخَافِضِ، يُرِيدُ إِلَى أَيِّ الأَرض.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ لأَضْرِبَنّ أَيُّهم فِي الدَّارِ، وَلَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ أَيُّهم فِي الدَّارِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاقِعِ والمُنْتَظَرِ، قَالَ: وإِذا نادَيت اسْمًا فِيهِ الأَلف "وَاللَّامُ أَدخلت بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ أَيُّها، فَتَقُولُ يَا أَيها الرَّجُلُ وَيَا أَيتها المرأَة، فأَيّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مُفْرَدٌ مَعْرِفَةٌ بِالنِّدَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ، وَهَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ، وَهِيَ عِوَضٌ مِمَّا كَانَتْ أَيّ تُضَافُ إِليه، وَتَرْفَعُ الرَّجُلَ لأَنه صِفَةُ أَيّ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وإِذا نَادَيْتَ اسْمًا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ أَدخلت بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ أَيها، قَالَ: أَيُّ وُصْلة إِلى نِدَاءِ مَا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ فِي قَوْلِكَ يَا أَيها الرَّجُلُ، كَمَا كَانَتْ إِيَّا وُصْلَة الْمُضْمَرِ فِي إِيَّاهُ وَإِيَّاكَ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ إيَّا اسْمًا ظَاهِرًا مُضَافًا، عَلَى نَحْوِ مَا سُمِعَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ: إِذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قَالَ: وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي عُيَيْنَة:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ، ***لأُقَطِّعَنَّ عُرَى نِياطِهْ
وَقَالَ أَيضًا:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ بعدَ ساعةٍ، ***سَيَحْمِلُه شِعْرِي عَلَى الأَشْقَرِ الأَغَرّ
وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: « فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثَّلَاثَةُ »؛ يُرِيدُ تَخَلُّفَهم عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وتأَخُّر تَوْبَتِهِمْ.
قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تُقَالُ فِي الِاخْتِصَاصِ وَتَخْتَصُّ بالمُخْبر عَنْ نَفْسِهِ والمُخاطَب، تَقُولُ أَما أَنا فأَفعل كَذَا أَيُّها الرجلُ، يَعْنِي نَفْسَهُ، فَمَعْنَى قَوْلِ كَعْبٍ أَيَّتُها الثَّلَاثَةُ أَي الْمَخْصُوصِينَ بِالتَّخَلُّفِ.
وَقَدْ يُحْكَى بأَيٍّ النكراتُ مَا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، وَيُسْتَفْهَمُ بِهَا، وإِذا اسْتَفْهَمْتَ بِهَا عَنْ نَكِرَةٍ أَعربتها بإِعراب الِاسْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِثبات عَنْهُ، فإِذا قِيلَ لَكَ: مرَّ بِي رَجُلٌ، قلتَ أَيٌّ يا فتى؟ تُعْرِبُهَا فِي الْوَصْلِ وَتُشِيرُ إِلى الإِعراب فِي الْوَقْفِ، فإِن قَالَ: رأَيت رَجُلًا، قُلْتَ: أَيًّا يَا فَتَى؟ تُعْرِبُ وَتُنَوِّنُ إِذا وَصَلْتَ وَتَقِفُ عَلَى الأَلف فَتَقُولُ أَيَّا، وإِذا قَالَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ، قلتَ: أَيٍّ يَا فَتَى؟ تُعْرِبُ وَتُنَوِّنُ، تَحْكِي كَلَامَهُ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فِي حَالِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فِي الْوَصْلِ فَقَطْ، فأَما فِي الْوَقْفِ فإِنه يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرَ، وإِنما يَتْبَعُهُ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ إِذا ثَنَاهُ وَجَمَعَهُ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ والتأْنيث كَمَا قِيلَ فِي مَنْ، إِذا قَالَ: جَاءَنِي رِجَالٌ، قلتَ: أَيُّونْ، سَاكِنَةُ النُّونِ، وأَيِّينْ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وأَيَّهْ لِلْمُؤَنَّثِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَيُّونَ بِفَتْحِ النُّونِ، وأَيِّينَ بِفَتْحِ النُّونِ أَيضًا، وَلَا يَجُوزُ سُكُونُ النُّونِ إِلا فِي الْوَقْفِ خَاصَّةً، وإِنما يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَنْ خَاصَّةً، تَقُولُ مَنُونْ ومَنِينْ، بالإِسكان لَا غَيْرَ.
قَالَ: فإِن وَصَلْتَ قلتَ أَيَّة يَا هَذَا وأَيَّات يَا هَذَا، نوَّنتَ، فإِن كَانَ الاستثباتُ عَنْ مَعْرِفَةٍ رفعتَ أَيًّا لَا غَيْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُحْكَى فِي الْمَعْرِفَةِ لَيْسَ فِي أَيٍّ مَعَ الْمَعْرِفَةِ إِلا الرَّفْعُ، وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَى أَيّ الْكَافُ فَتُنْقَلُ إِلى تَكْثِيرِ الْعَدَدِ بِمَعْنَى كَمْ فِي الْخَبَرِ وَيُكْتَبُ تَنْوِينُهُ نُونًا، وَفِيهِ لُغَتَانِ: كَائِنْ مِثْلَ كاعِنْ، وكَأَيِّنْ مِثْلَ كعَيِّنْ، تَقُولُ: كَأَيِّنْ رَجُلًا لَقَيْتُ، تَنْصِبُ مَا بَعْدَ كأَيِّنْ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَتَقُولُ أَيضًا: كَأَيِّنْ مِنْ رَجُلٍ لَقَيْتُ، وإِدخال مِنْ بَعْدَ كأَيِّنْ أَكثر مِنَ النَّصْبِ بِهَا وأَجود، وبكأَيِّنْ تَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ؟ أَي بِكُمْ تَبِيعُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وكَائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامِحٍ، ***بِلادُ الوَرَى لَيْسَتْ لَهُ بِبلادِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا شَاهِدًا عَلَى كَائِنْ بِمَعْنَى كَمْ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جِنِّي قَالَ لَا تُسْتَعْمَلُ الوَرَى إِلا فِي النَّفْيِ، قَالَ: وإِنما حَسُنَ لِذِي الرُّمَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَ مَنْفِيًّا فِي الْمَعْنَى لأَن ضَمِيرَهُ مَنْفِيٌّ، فكأَنه قَالَ: لَيْسَتْ لَهُ بِلَادُ الْوَرَى بِبِلَادٍ.
وأَيَا: مِنْ حُرُوفِ النِّدَاءِ يُنادَى بِهَا الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، تَقُولُ أَيَا زيدُ أَقْبِل.
وأَيْ، مِثَالُ كَيْ: حرفٌ يُنادَى بِهَا الْقَرِيبُ دُونَ الْبَعِيدِ، تَقُولُ أَيْ زيدُ أَقبل، وَهِيَ أَيضًا كَلِمَةٌ تَتَقَدَّمُ التَّفْسِيرَ، تَقُولُ أَيْ كَذَا بِمَعْنَى يُرِيدُ كَذَا، كَمَا أَن إِي بِالْكَسْرِ كَلِمَةٌ تَتَقَدَّمُ الْقَسَمَ، مَعْنَاهَا بَلَى، تَقُولُ إِي وَرَبِّي وإِي وَاللَّهِ.
غَيْرُهُ أَيَا حَرْفُ نِدَاءٍ، وَتُبْدَلُ الْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: هَيَا؛ قَالَ:
فانْصَرَفَتْ، وَهِيَ حَصانٌ مُغْضَبَهْ، ***ورَفَعَتْ بصوتِها: هَيَا أَبَهْ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُرِيدُ أَيَا أَبَهْ، ثُمَّ أَبدل الْهَمْزَةَ هَاءً، قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ لأَن أَيَا فِي النِّدَاءِ أَكثر مِنْ هَيَا، قَالَ: وَمِنْ خَفِيفِهِ أَيْ مَعْنَاهُ العبارةُ، وَيَكُونُ حَرْفَ نِدَاءٍ.
وإِيْ: بِمَعْنَى نَعَمْ وَتُوصَلُ بِالْيَمِينِ، فَيُقَالُ إِي وَاللَّهِ، وَتُبْدَلُ مِنْهَا هَاءٌ فَيُقَالُ هِي.
والآيَةُ: العَلامَةُ، وَزْنُهَا فَعَلَةٌ فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلى أَن أَصلها أَيَّةٌ فَعْلَةٌ فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا قَلْبٌ شَاذٌّ كَمَا قَلَبُوهَا فِي حارِيّ وطائِيٍّ إِلا أَن ذَلِكَ قَلِيلٌ غَيْرُ مَقِيسٍ عَلَيْهِ، وَالْجُمَعُ آيَاتٌ وآيٌ، وآياءٌ جمعُ الْجَمْعِ نادرٌ؛ قَالَ:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْر، مِنْ آيَائِه، ***غيرَ أَثافِيهِ وأَرْمِدائِه
وأَصل آيَة أَوَيَةٌ، بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَمَوْضِعُ الْعَيْنِ وَاوٌ، وَالنِّسْبَةُ إِليه أَوَوِيّ، وَقِيلَ: أَصلها فَاعِلَةٌ فَذَهَبَتْ مِنْهَا اللَّامُ أَو الْعَيْنُ تَخْفِيفًا، وَلَوْ جَاءَتْ تَامَّةً لَكَانَتْ آيِيَةً.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ}؛ قَالَ الزَّجَاجُ: مَعْنَاهُ نُرِيهِمُ الآيَات الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ فِي الْآفَاقِ أَي آثارَ مَنْ مَضَى قَبْلَهُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَفِي أَنفسهم مِنْ أَنهم كَانُوا نُطَفًا ثُمَّ عَلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ عِظَامًا كُسِيَتْ لَحْمًا، ثُمَّ نُقِلُوا إِلى التَّمْيِيزِ وَالْعَقْلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَن الَّذِي فَعَلَهُ وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، تَبَارَكَ وَتَقَدَّسَ.
وتَأَيَّا الشيءَ: تَعَمَّد آيَتَهُ أَي شَخْصَه.
وآيَة الرَّجُلِ: شَخْصُه.
ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ: يُقَالُ تآيَيْتُه، عَلَى تَفاعَلْتُه، وتَأَيَّيْتُه إِذا تَعَمَّدَتْ آيَته أَي شَخْصَهُ وَقَصَدْتَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
الحُصْنُ أَدْنَى، لَوْ تَأَيَّيْتِهِ، ***مِنْ حَثْيِكِ التُّرْبَ عَلَى الراكبِ
يُرْوَى بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْبَيْتُ لامرأَة تُخَاطِبُ ابْنَتَهَا وَقَدْ قَالَتْ لَهَا:
يَا أُمَّتي، أَبْصَرَني راكبٌ ***يَسيرُ فِي مُسْحَنْفِرٍ لاحِبِ
مَا زِلْتُ أَحْثُو التُّرْبَ فِي وَجْهِه ***عَمْدًا، وأَحْمِي حَوزةَ الغائِبِ
فَقَالَتْ لَهَا أُمها:
الحُصْنُ أَدنى، لَوْ تَأَيَّيْته، ***مِنْ حَثْيِك التُّرْبَ عَلَى الراكبِ
قَالَ: وَشَاهِدُ تَآيَيْتُه قَوْلُ لَقيط بْنِ مَعْمَر الإِياديّ:
أَبْناء قَوْمٍ تَآيَوْكُمْ عَلَى حَنَقٍ، ***لَا يَشْعُرونَ أَضرَّ اللهُ أَم نَفَعَا
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَتَآيَا، بطَرِيرٍ مُرْهَفٍ، ***حُفْرَةَ المَحْزِمِ مِنْهُ، فَسَعَلْ
وَقَوْلُهُ تعالى: {يُخْرجون الرَّسُولَ وإِيَّاكم}؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ أَسمع فِي تَفْسِيرِ إِيَّا وَاشْتِقَاقِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَالَّذِي أَظنه، وَلَا أَحقُّه، أَنه مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِ تَآيَيْته عَلَى تَفَاعَلْتُهُ أَي تَعَمَّدْتُ آيَتَهُ وَشَخْصَهُ، وكأَنَّ إِيَّا اسْمٌمِنْهُ عَلَى فِعْلى، مِثْلَ الذِّكْرى مِنْ ذَكَرْتُ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِيَّاك أَردتُ أَي قَصَدْتُ قَصْدَكَ وَشَخْصَكَ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَن الأَمر مبهم يكنى به عن الْمَنْصُوبِ.
وأَيَّا آيَةً: وَضَعَ عَلَامَةً.
وَخَرَجَ الْقَوْمُ بآيَتهم أَي بجماعتهم لم يَدععوا وَرَاءَهُمْ شَيْئًا؛ قَالَ بُرْج بْنُ مُسْهِر الطَّائِيُّ:
خَرَجْنا مِنَ النَّقْبَين، لَا حَيَّ مِثْلُنا، ***بآيَتنا نُزْجِي اللِّقاحَ المَطافِلا
والآيَةُ: مِنَ التَّنْزِيلِ وَمِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: سُمِّيَتِ الآيَة مِنَ الْقُرْآنِ آيَةً لأَنها عَلَامَةٌ لِانْقِطَاعِ كَلَامٍ مِنْ كَلَامٍ.
وَيُقَالُ: سُمِّيَتِ الآيَة آيَةً لأَنها جَمَاعَةٌ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ.
وَآيَاتُ اللَّهِ: عَجَائِبُهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: الآيَة مِنَ الْقُرْآنِ كأَنها الْعَلَامَةُ الَّتِي يُفْضَى مِنْهَا إِلى غَيْرِهَا كأَعلام الطَّرِيقِ الْمَنْصُوبَةِ لِلْهِدَايَةِ كَمَا قَالَ: " إِذا مَضَى عَلَمٌ مِنْهَا بَدَا عَلَم والآيَة: الْعَلَامَةُ.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: « أَحَلَّتْهما آيَةٌ وَحرَّمَتْهُما آيَة »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الآيَة المُحِلَّةُ قَوْلُهُ تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ}؛ والآيَة الْمُحَرِّمَةُ قَوْلُهُ تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}؛ والآيَة: العِبْرَة، وَجَمْعُهَا آيٌ.
الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِ الْمَصَادِرِ: الآيَة مِنَ الآيَات والعبَر، سُمِّيَتْ آيَةٌ كَمَا قَالَ تعالى: {لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ}؛ أَي أُمور وعِبَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، وإِنما تَرَكَتِ الْعَرَبُ هَمْزَتَهَا كَمَا يَهْمِزُونَ كُلَّ مَا جَاءَتْ بَعْدَ أَلف سَاكِنَةٍ لأَنها كَانَتْ فِيمَا يُرَى فِي الأَصل أَيَّة، فَثَقُلَ عَلَيْهِمُ التَّشْدِيدُ فأَبدلوه أَلفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَ التَّشْدِيدِ، كَمَا قَالُوا أَيْما لِمَعْنَى أَمَّا، قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ إِنه فَاعِلَةٌ مَنْقُوصَةٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا صَغَّرَهَا إِيَيَّة، بِكَسْرِ الأَلف؛ قَالَ: وسأَلته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صغَّروا عَاتِكَةَ وَفَاطِمَةَ عُتَيْكة وفُطَيْمة، فَالْآيَةُ مِثْلُهُمَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَيْسَ كَذَلِكَ لأَن الْعَرَبَ لَا تُصَغِّرُ فَاعِلَةَ عَلَى فُعَيْلة إِلا أَن يَكُونَ اسْمًا فِي مَذْهَبِ فُلانَة فَيَقُولُونَ هَذِهِ فُطَيْمة قَدْ جَاءَتْ إِذا كَانَ اسْمًا، فإِذا قُلْتَ هَذِهِ فُطَيْمة ابْنِها يَعْنِي فاطِمتَه مِنَ الرِّضَاعِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ صُلَيْح تَصْغِيرًا لِرَجُلٍ اسْمُهُ صَالِحٌ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَيْفَ بِنْتُك قَالَ صُوَيْلِح وَلَمْ يجِز صُلَيْح لأَنه لَيْسَ بِاسْمٍ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ آيَة فَاعِلَةٌ صُيِّرَتْ يَاؤُهَا الأُولى أَلفًا كَمَا فُعِلَ بِحَاجَةٍ وقامَة، والأَصل حَائِجَةٌ وَقَائِمَةٌ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَذَلِكَ خطأٌ لأَن هَذَا يَكُونُ فِي أَولاد الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقِيلَ فِي نَواة وحَياة نايَة وحايَة، قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}، وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْن لأَن الْمَعْنَى فِيهِمَا مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لأَن قصتهما واحدة، وقال أَبو مَنْصُورٍ: لأَن الآيَة فِيهِمَا مَعًا آيةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْوِلَادَةُ دُونَ الْفَحْلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَوْ قِيلَ آيَتَيْنِ لَجَازَ لأَنه قَدْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَكَرٍ وَلَا أُنثى مِنْ أَنها ولَدَتْ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، ولأَن عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، رُوحُ اللَّهِ أَلقاه فِي مَرْيَمَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي وَلدٍ قَطُّ، وَقَالُوا: افْعَلْهُ بآيَة كَذَا كَمَا تَقُولُ بِعَلَامَةِ كَذَا وأَمارته؛ وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْمُضَافَةِ إِلى الأَفعال كَقَوْلِهِ:
بآيَة تُقْدِمُون الخَيْلَ شُعْثًا، ***كأَنَّ، عَلَى سَنابِكِها، مُداما
وَعَيْنُ الآيَة يَاءٌ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: لَمْ يُبْقِ هَذَا الدهرُ مِنْ آيَائِه فَظُهُورُ الْعَيْنِ فِي آيَائِهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَيْنِ يَاءً، وَذَلِكَ أَن وَزْنَ آيَاء أَفعال، وَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ وَاوًا لَقَالَ آوَائِهِ، "إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ ظُهُورِ الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ مَوْضِعُ الْعَيْنِ مِنَ الآيَة وَاوٌ لأَن مَا كَانَ مَوْضعَ الْعَيْنِ مِنْهُ واوٌ وَاللَّامُ يَاءٌ أَكثر مِمَّا مَوْضِعُ الْعَيْنِ وَاللَّامِ مِنْهُ ياءَان، مِثْلَ شَوَيْتُ أَكثر مِنْ حَيِيت، قَالَ: وَتَكُونُ النِّسْبَةُ إِلَيْهِ أوَوِيٌّ؛ قال الفراء: هي من الْفِعْلِ فَاعِلَةٌ، وَإِنَّمَا ذَهَبَتْ مِنْهُ اللَّامُ، وَلَوْ جَاءَتْ تَامَّةً لَجَاءَتْ آييَة، وَلَكِنَّهَا خُففت، وَجَمْعُ الآيَة آيٌ وآيَايٌ وآيَاتٌ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ: " لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ مِنْ آيَايه "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يذكر سِيبَوَيْهِ أَن عَيْنَ آيَةٍ وَاوٌ كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصلها أَيّة، فأُبدلت الْيَاءُ السَّاكِنَةُ أَلفا؛ وَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ أَن وَزْنَهَا فَعَلة، وأَجاز فِي النَّسَبِ إِلَى آيَةٍ آييٌ وآئِيٌّ وآوِيٌّ، قَالَ: فأَما أَوَوِيٌّ فَلَمْ يَقُلْهُ أَحد عَلِمْتُهُ غَيْرُ الْجَوْهَرِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضا عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فِي جَمْعِ الْآيَةِ آيَاي، قَالَ: صَوَابُهُ آيَاء، بِالْهَمْزِ، لأَن الْيَاءَ إِذَا وَقَعَتْ طَرَفًا بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ قُلِبَتْ هَمْزَةً، وَهُوَ جَمْعُ آيٍ لَا آيةٍ.
وتَأَيَّا أَي توقَّف وتَمَكَّث، تَقْدِيرُهُ تَعَيَّا.
وَيُقَالُ: قَدْ تَأَيَّيْت عَلَى تَفَعَّلت أَي تَلَبَّثت وتَحَبَّست.
وَيُقَالُ: لَيْسَ مَنْزِلُكُمْ بِدَارٍ تَئِيَّةٍ أَي بِمَنْزِلَةِ تَلَبُّثٍ وتَحَبُّس؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
قِفْ بالدِّيارِ وُقوفَ زائرْ، ***وتَأَيَّ، إنَّك غَيْرُ صاغرْ
وَقَالَ الحُويْدِرة:
ومُناخِ غَيْرِ تَئِيَّةٍ عَرَّسْتُه، ***قَمِنٍ مِنَ الحِدْثانِ نَابِي المَضْجَع
والتَّأَيِّي: التَّنَظُّر والتُّؤَدة.
يُقَالُ: تَأَيَّا الرجلُ يَتَأَيَّا تَأَيِّيًا إِذَا تأَنى فِي الأَمر؛ قَالَ لَبِيدُ:
وتأيَّيْتُ عَلَيْهِ ثَانِيًا، ***يَتَّقِيني بتَلِيلٍ ذِي خُصَل
أَي انْصَرَفَتْ عَلَى تُؤَدةٍ مُتَأَنيَّا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ وتَأَيَّيْت عَلَيْهِ أَي تَثَبَّتُّ وتمكَّثت، وأَنا عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى فَرَسِهِ.
وتَأَيَّا عَلَيْهِ: انْصَرَفَ فِي تُؤَدَةٍ.
وَمَوْضِعٌ مَأْيِيُّ الكلإِ أَي وَخِيمه.
وإِيَا الشَّمْسِ وأَيَاؤها: نُورُهَا وَضَوْءُهَا وَحُسْنُهَا، وَكَذَلِكَ إيَاتها وأَيَاتُها، وَجَمْعُهَا آيَاء وإِيَاء كأكَمة وَإِكَامٌ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ لِشَاعِرٍ:
سَقَتْه إيَاةُ الشَّمْسِ، إلَّا لثاتِهِ ***أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمِد
قَالَ الأَزهري: يُقَالُ الأَيَاء، مَفْتُوحُ الأَول بِالْمَدِّ، والإِيَا، مَكْسُورُ الأَول بِالْقَصْرِ، وإيَاةٌ، كُلُّهُ واحدٌ: شُعَاعُ الشَّمْسِ وَضَوْءُهَا؛ قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهَا فِعْلًا، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الأَلف اللَّيِّنَةِ أَيضًا.
وإِيَا النَّبَاتِ وأَيَاؤه: حُسْنُهُ وزَهْره، عَلَى التَّشْبِيهِ.
وأَيَايَا وأَيَايَهْ ويَايَهْ، الأَخيرة عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ: زَجْرٌ للإِبل، وَقَدْ أَيَّا بِهَا.
اللَّيْثُ: يُقَالُ أَيَّيْتُ بالإِبل أُأَيِّي بِهَا تَأْيِيةً إِذَا زَجَرْتُهَا تَقُولُ لَهَا أَيَا أَيَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا قَالَ حادِينا، ***أَيَا يَا اتَّقَيْنهُ بمثْلِ الذُّرى مُطْلَنْفِئات العَرائِك
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
19-لسان العرب (غنا)
غنا: فِي أَسْماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الغَنِيُّ}.ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي لَا يَحْتاجُ إِلَى أَحدٍ فِي شيءٍ وكلُّ أَحَدٍ مُحْتاجٌ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الغِنى المُطْلَق وَلَا يُشارِك "اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ غيرُهُ.
وَمِنْ أَسمائه المُغْنِي، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي يُغني مَنْ يشاءُ مِنْ عِباده.
ابْنُ سِيدَهْ: الغِنَى، مقصورٌ، ضدُّ الفَقْر، فَإِذَا فُتِح مُدَّ؛ فأَما قَوْلُهُ:
سَيُغْنِيني الَّذِي أَغْنَاكَ عَنِّي، ***فَلَا فَقْرٌ يدُومُ وَلَا غِناءٌ
فَإِنَّهُ: يُروى بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، فَمَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ أَراد مصدَرَ غَانَيْت، وَمَنْ رَوَاهُ بِالْفَتْحِ أَراد الغِنى نَفْسه؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: إِنَّمَا وَجْهُه وَلَا غَناء لأَن الغَناء غيرُ خارجٍ عَنْ مَعْنَى الغِنى؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَنشده مَنْ يُوثَقُ بعِلْمِه.
وَفِي الْحَدِيثِ: « خيرُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى، وَفِي رِوَايَةٍ: مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى »أَي مَا فَضَل عَنْ قُوت الْعِيَالِ وكِفايتِهِمْ، فَإِذَا أَعْطَيْتَها غَيْرَك أَبْقَيْتَ بعدَها لكَ ولهُم غِنًى، وَكَانَتْ عَنِ اسْتِغْناءٍ منكَ، ومِنْهُم عَنْها، وَقِيلَ: خيرُ الصَّدَقَة مَا أَغْنَيْتَ بِهِ مَن أَعْطَيْته عَنِ المسأَلة؛ قَالَ: ظَاهِرُ هَذَا الكلامِ أَنه مَا أَغْنى عَنِ المَسْأَلة فِي وقْتِه أَو يَوْمِه، وأَما أَخْذُه عَلَى الإِطلاق فَفِيهِ مَشقَّة للعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ: « رجلٌ رَبَطها تَغَنِّيًا وتَعَفُّفًا»؛ أي اسْتَغْناءً بِهَا عَنِ الطَّلب مِنَ النَّاسِ.
وَفِي حَدِيثِ الجُمعة: « مَن اسْتَغْنَى بلَهْوٍ أَو تِجارةٍ اسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ»، واللهُ غَنِيٌّ حَمِيد، أَي اطَّرَحَه اللهُ ورَمَى بِهِ مِنْ عَيْنه فِعْلَ مَنِ اسْتَغْنَى عَنِ الشَّيْءِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: جَزاهُ جَزاءَ اسْتِغْنائه عَنْهَا كَقَوْلِهِ تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}.
وَقَدْ غَنِيَ بِهِ عَنْهُ غُنْيَة وأَغْناه اللَّهُ.
وَقَدْ غَنِيَ غِنىً واسْتَغْنَى واغْتَنَى وتَغَانَى وتَغَنَّى فَهُوَ غَنِيٌّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقرآنِ »؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَانَ سفيانُ بنُ عُيَيْنة يَقُولُ ليسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَسْتَغنِ بِالْقُرْآنِ عَنْ غيرِه وَلَمْ يَذْهَبْ بِهِ إِلَى الصَّوْتِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا جائزٌ فَاشٍ فِي كلام العرب، ويقول: تَغَنَّيْت تَغَنِّيًا بِمَعْنَى اسْتَغْنَيْت وتَغانَيْتُ تَغانِيًا أَيضًا؛ قَالَ الأَعشى:
وكُنْتُ امْرَأً زَمَنًا بالعِراق، ***عَفِيفَ المُناخِ طَويلَ التَّغَنْ
يُرِيدُ الاسْتِغْناءَ، وَقِيلَ: أَرادَ مَنْ لَمْ يَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ.
قَالَ الأَزهري: وأَما الْحَدِيثُ الْآخَرُ مَا أَذِنَ اللَّهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآنِ يَجْهَرُ بِهِ، قَالَ: فإنَّ عبدَ الملِك أَخْبرني عَنِ الرَّبِيعِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنه قَالَ مَعْنَاهُ تَحْسِينُ القِراءةِ وتَرْقِيقُها، قَالَ: وَمِمَّا يُحَقّقُ ذَلِكَ الحديثُ الآخرُ زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ "، قَالَ: ونحوَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ؛ وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الَّذِي حَصَّلْناه مِنْ حُفَّاظ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كأَذَنِه لِنَبيٍّ يَتَغَنَّى بالقرآنِ "، أَنه عَلَى مَعْنَيَيْنِ: عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ، وَعَلَى التَّطْرِيبِ؛ قَالَ الأَزهري: فَمَنْ ذهَب بِهِ إِلَى الِاسْتِغْنَاءِ فَهُوَ مِنَ الغِنَى، مقصورٌ، وَمَنْ ذهَب بِهِ إِلَى التَّطْرِيبِ فَهُوَ مِنَ الغِنَاء الصَّوْتِ، ممدودٌ.
الأَصمعي فِي الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ: الغِنَى مِنَ الْمَالِ مقصورٌ، وَمِنَ السَّماعِ مَمْدُودٌ، وكلُّ مَنْ رَفَع صوتَه ووَالاهُ فصَوْتُه عِنْدَ الْعَرَبِ غِناءٌ.
والغَنَاءُ، بالفتح: النَّفْعُ.
والغِناء، بِالْكَسْرِ: مِنَ السَّماع.
والغِنَى، مقصورٌ: اليَسارُ.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَانَتِ الْعَرَبُ تتَغَنَّى بالرُّكْبانيِّ، إِذَا رَكِبَت الإِبلَ، وَإِذَا جَلَست فِي الأَفْنِية وَعَلَى أَكثر أَحوالها، فلمَّا نَزَلَ القرآنُ أَحبَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَكُونَ هِجِّيرَاهُم بِالْقُرْآنِ" مكانَ التَّغَنِّي بالرُّكْبانيِّ، وأَوَّلُ مَن قرَأَ بالأَلحانِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرة، فَوَرِثَه عَنْهُ عَبَيْدُ اللَّهِ بنُ عُمر، وَلِذَلِكَ يُقَالُ قرأْتُ العُمَرِيَّ، وأَخَذ ذَلِكَ عَنْهُ سعيدٌ العَلَّافُ الإِباضيُّ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: « وَعِنْدِي جارِيتان تُغَنِّيانِ بغِناءِ بُعاثَ» أَي تُنْشِدانِ الأَشعارَ الَّتِي قيلَتْ يومَ بُعاث، وَهُوَ حربٌ كَانَتْ بَيْنَ الأَنصار، وَلَمْ تُرِدِ الغِناء المعروفَ بَيْنَ أَهلِ اللَّهْوِ واللَّعِبِ، وَقَدْ رَخَّصَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي غناءِ الأَعرابِ وَهُوَ صوتٌ كالحُداءِ.
واسْتَغْنَى اللهَ: سأَله أَن يُغْنِيهَ؛ عَنِ الهَجَري، قَالَ: وَفِي الدُّعَاءِ" اللهمَّ إِنِّي أَسْتَغْنِيكَ عَنْ كلِّ حازِمٍ، وأَسْتَعِينُك عَلَى كلِّ ظالِمٍ.
وأَغْناهُ اللهُ وغَنَّاه، وَقِيلَ: غَنَّاه فِي الدُّعَاءِ وأَغْناه فِي الْخَبَرِ، وَالِاسْمُ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الشَّيْءِ الغُنْيَة والغُنْوة والغِنْية والغُنْيانُ.
وتَغانُوا أَي اسْتَغْنَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ قَالَ المُغيرة بْنُ حَبْناء التَّميمي.
كِلانا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيه حَياتَه، ***ونَحْنُ إِذَا مُتْنا أَشَدُّ تَغَانِيَا
واسْتَغْنَى الرجلُ: أَصابَ غِنًى.
أَبو عُبَيْدٍ: أَغْنَى اللهُ الرجلَ حَتَّى غَنِيَ غِنًى أَي صَارَ لَهُ مالٌ، وأَقناه اللهُ حَتَّى قَنِيَ قِنًى وَهُوَ أَن يَصيرَ لَهُ قِنيةٌ مِنَ الْمَالِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى}.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ غُلامًا لأُناسٍ فُقَراء قَطَع أُذُنَ غُلامٍ لأَغْنِياءَ، فأَتَى أَهلُه النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يَجْعَلْ عليه شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الخطَّابي كانَ الغلامُ الْجَانِي حُرًّا وَكَانَتْ جِنايتُه خَطَأً وَكَانَتْ عاقِلَتُه فقراءَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ لفَقْرِهم.
قَالَ: ويُشْبِه أَن يَكُونَ الغلامُ المَجْنيّ عَلَيْهِ حُرًّا أَيضًا، لأَنه لَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَكُنْ لاعتذارِ أَهلِ الْجَانِي بالفَقْرِ مَعْنًى، لأَن الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَبْدًا كَمَا لَا تحْمِلُ عَمْدًا وَلَا اعْتِرَافًا، فَأَمَّا المَمْلوك إِذَا جنَى عَلَى عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ فجنايَتُه فِي رَقَبَتِه، وللفُقهاء فِي اسْتِيفائها مِنْهُ خلافٌ؛ وَقَوْلُ أَبِي المُثَلّم:
لَعَمْرُكَ والمَنايا غالِياتٌ، ***وَمَا تُغْنِي التَّمِيماتُ الحِمامَا»
أَرَادَ مِنَ الحِمامِ، فحذَفَ وعَدَّى.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما مَا أُثِرَ مِنْ أَنه قيلَ لابْنةِ الخُسِّ مَا مِائةٌ مِنَ الضأْنِ فَقَالَتْ غِنَى، فرُوِي لِي أَن بعضَهم قَالَ: الغِنَى اسمُ المِائةِ مِنَ الغَنمِ، قَالَ: وَهَذَا غيرُ معروفٍ فِي موضوعِ اللغةِ، وَإِنَّمَا أَرادَتْ أَن ذَلِكَ العدَدَ غِنًى لمالِكِه كَمَا قِيلَ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَمَا مِائةٌ مِنَ الإِبلِ فَقَالَتْ مُنى، فَقِيلَ لَهَا: وَمَا مِائة مِنَ الْخَيْلِ؟ فَقَالَتْ: لَا تُرَى؛ فمُنى وَلَا تُرَى لَيْسَا باسمَين لِلْمِائَةِ مِنَ الإِبلِ والمِائةِ مِنَ الخَيْلِ، وكتَسْمِية أَبِي النَّجْم فِي بعضِ شعْره الحِرْباء بالشقِيِّ، وَلَيْسَ الشَّقِيُّ باسمٍ للحِرْباء، وَإِنَّمَا سمَّاه بِهِ لمكابَدَتِه للشمسِ واستِقبالِه لَهَا، وَهَذَا النحوُ كثيرٌ.
والغَنِيُّ والغَانِي: ذُو الوَفْرِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي لعَقِيل بْنِ عُلَّفة قَالَ:
أَرى المالَ يَغْشَى ذَا الوُصُومِ فَلَا تُرى، ***ويُدْعى مِنَ الأَشرافِ مَن كَانَ غَانِيا
وقال طَرَفَةُ: وَإِنْ كنتَ عَنْهَا غَانِيًا فاغْنَ وازْدَدِ وَرَجُلٌ غانٍ عَنْ كَذَا أَي مُسْتَغْنٍ، وَقَدْ غَنِيَ عَنْهُ.
وَمَا لَك عَنْهُ غِنًى وَلَا غُنْيَةٌ وَلَا غُنْيانٌ وَلَا مَغْنًى أَي مَا لَكَ عنهُ بُدٌّ.
وَيُقَالُ: مَا يُغْنِي عَنْكَ هَذَا أي "مَا يُجْزِئُ عَنْكَ وَمَا يَنْفَعُك.
وَقَالَ فِي مُعْتَلِّ الأَلف: لِي عَنْهُ غُنْوَةٌ أَي غِنًى؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَالْمَعْرُوفِ غُنْيَة.
والغانِيَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي غَنِيَتْ بالزَّوْج؛ وَقَالَ جَمِيلٌ:
أُحبُّ الأَيامى: إذْ بُثَيْنَةُ أَيِّمٌ، ***وأَحْبَبْتُ لمَّا أَن غَنِيتِ الغَوَانِيَا
وغَنِيَت المرأةُ بزَوْجِها غُنْيَانًا أَي اسْتَغْنَتْ، قَالَ قَيْسُ بنُ الخَطيم:
أَجَدَّ بعَمْرة غُنْيَانُها، ***فتَهْجُرَ أَمْ شانُنا شانُها؟
والغَانِيَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الشابَّة المُتَزَوّجة، وجمعُها غَوَانٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لنُصَيْب: فهَل تَعُودَنْ لَيالينا بِذِي سَلمٍ، كَمَا بَدَأْنَ، وأَيّامي بِهَا الأُوَلُ أَيّامُ لَيلى كعابٌ غيرُ غانِيَةٍ، وأَنتَ أَمْرَدُ معروفٌ لَك الغَزَلُ والغَانِيَة: الَّتِي غَنِيَتْ بحُسْنِها وَجَمَالِهَا عَنِ الحَلْي، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُطْلَب وَلَا تَطْلُب، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي غَنِيَتْ ببَيْتِ أَبَويْها وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا سِباءٌ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ أَعْزَبُها؛ وَهِيَ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَقِيلَ: هِيَ الشابَّة العَفيفة، كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَو لَمْ يكُنْ.
الْفَرَّاءُ: الأَغْنَاءُ إملاكاتُ العَرائسِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الغِنَى التَّزْويجُ، والعَرَبُ تَقُولُ: الغِنَى حِصْنُ العَزَب أَي التَّزْويجُ.
أَبو عُبَيْدَةَ: الغَوَانِي ذواتُ الأَزْواج؛ وأَنشد: " أَزْمانُ لَيْلَى كعابٌ غيرُ غَانِيَةٍ "وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ عَنْ عِمَارَةَ: الغَوَانِي الشَّوابُّ اللَّواتي يُعْجِبْنَ الرجالَ ويُعْجِبُهُنَّ الشُّبَّانُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الغَانِيَة الجاريَةُ الحَسْناءُ، ذاتَ زوْج كَانَتْ أَو غيرَ ذاتِ زَوْج، سميِّتْ غانِيَة لأَنها غَنِيَتْ بحُسْنِها عَنِ الزينَة.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: كلُّ امْرأَة غَانِيَةٌ، وَجَمْعُهَا الغَوَانِي؛ وأَما قَوْلُ ابنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:
لَا بارَكَ اللهُ فِي الغَوَانِي، هَلْ ***يُصْبِحْنَ إلَّا لَهُنَّ مُطَّلَب؟
فَإِنَّمَا حرَّك الياءَ بالكَسْرة للضَّرُورة ورَدَّه إِلَى أَصْله، وجائزٌ فِي الشِّعْرِ أَن يُرَدَّ الشيءُ إِلَى أَصْله؛ وَقَوْلُهُ:
وأَخُو الغَوَانِ مَتَى يَشأْ يَصْرِمْنَهُ، ***ويَعُدْنَ أَعْداءً بُعَيْدَ ودادِ
إِنَّمَا أَراد الغَوَانِي، فحذَف الْيَاءَ تَشْبِيهَا لِلام المَعْرفة بِالتَّنْوِينِ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الأَشياءُ مِنْ خَواصِّ الأَسماء، فحذَفَ الياءَ لأَجل اللَّامِ كَمَا تحذِفها لأَجل التَّنْوِينِ؛ وَقَوْلُ المثَقّب العَبْدي:
هَلْ عندَ غانٍ لفُؤادٍ صَدِ، ***مِنْ نَهْلَةٍ فِي اليَوْمِ أَوْ فِي غَدِ؟
إِنَّمَا أَراد غانِيَةٍ فذَكّرَ عَلَى إِرَادَةِ الشَّخْصِ، وَقَدْ غَنِيَتْ غِنًى.
وأَغْنَى عَنْهُ غَنَاء فلانٍ ومَغْناه ومَغْنَاتَه ومُغْناهُ ومُغْنَاتَه: نابَ عَنْهُ وأَجْزَأَ عَنْهُ مُجْزَأَه.
والغَنَاءُ، بالفتح: النَّفْعُ.
والغَنَاءُ، بِفَتْحِ الْغَيْنِ ممدودٌ: الإِجْزاءُ والكفايَة.
يُقَالُ: رَجُلٌ مُغْنٍ أَي مُجْزئٌ كافٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الغَنَاءُ مصدرُ أَغْنَى عنْكَ أَي كَفاكَ عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ مِثْلُ قَوْلِهِ: " وبعْدَ عَطائِك المائَةَ الرِّتاعا وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: « أَنّ عَلِيًّا»، رَضِيَ اللَّهُ عنهُما، بَعث إِلَيْهِ بصَحيفة فَقَالَ لِلرَّسُولِ أَغْنِها عَنَّا أَي اصْرفْها وكُفَّها، كَقَوْلِهِ تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}؛ أَي يَكُفُّه ويَكْفِيه.
يُقَالُ: أَغْنِ عَني شَرَّكَ أَي اصْرِفْه وكُفَّهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}؛ وَحَدِيثُ" ابْنُ مَسْعُودٍ: وأَنا لَا أُغْنِي لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَة أَي لَوْ كَانَ مَعِي مَنْ يَمْنَعُني لكَفَيْت شَرَّهم وصَرَفْتُهم.
وَمَا فِيهِ غَنَاءُ ذَلِكَ أَي إقامَتُه والاضْطلاعُ بِهِ.
وغَنِيَ بِهِ أَي عَاشَ.
وغَنِيَ القومُ بالدارِ غِنىً: أَقاموا.
وغَنِيَ بِالْمَكَانِ: أَقامَ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَقُولُ غَنِيَ بالمكانِ مَغْنىً وغَنِيَ القومُ فِي دِيارِهم إِذا طالَ مُقامُهم فِيهَا.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}، أَي لَمْ يُقِيموا فِيهَا، وَقَالَ مهَلْهِل:
غَنِيَتْ دارُنا تِهامَةَ فِي الدَّهْر، ***وَفِيهَا بَنو مَعَدّ حُلُولا
وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذا فَنِيَ كأَنْ لَمْ يَغْنَ بالأَمْسِ أَي كأَنْ لَمْ يَكُنْ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: « ورَجلٌ سَمَّاهُ الناسُ عالِمًا وَلَمْ يَغْنَ فِي العِلْمِ يَوْمًا سالِمًا» أَي لَمْ يَلْبَثْ فِي أَخْذ العِلْمِ يَوْمًا تَامًّا، مِنْ قَوْلِكَ غَنِيتُ بالمَكان أَغْنَى إِذا أَقَمْتَ بِهِ.
والمَغَانِي: المنازِلُ الَّتِي كَانَ بِهَا أَهْلُوها، واحِدُها مَغْنىً، وَقِيلَ: المَغْنَى المَنْزِلُ الَّذِي غَنِيَ بِهِ أَهْلُه ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهُ.
وغَنِيتُ لَكَ مِنِّي بالبِرِّ والمَوَدَّة أَي بَقِيتُ.
وغَنِيَتْ دارُنا تِهامَةَ أَي كَانَتْ دارُنا تِهامة، وأَنشد لمُهَلْهِل: غَنِيَتْ دارنُا أَي كَانَتْ، وَقَالَ تَمِيمُ بنُ مُقْبلٍ:
أَأُمَّ تَمِيمٍ، إِنْ تَرَيْني عَدُوَّكُم ***وبَيْتي فَقَدْ أَغْنى الحبيبَ المُصافِيا
أَي أَكونُ الحَبيبَ.
الأَزهري: وسمِعْت رجُلًا مِنَ الْعَرَبِ يُبَكِّتُ خَادِمًا لَهُ يَقُولُ أَغْنِ عَنِّي وجهَكَ بَلْ شَرَّك بِمَعْنَى اكْفِني شَرَّك وكُفَّ عَنِّي شَرَّك، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}، يَقُولُ: يَكْفِيه شُغْلُ نفسِه عَنْ شُغْلِ غَيْرِهِ.
والمَغْنَى: واحدُ المَغَانِي وَهِيَ المواضعُ الَّتِي كَانَ بِهَا أَهْلُوها.
والغِنَاءُ مِنَ الصَّوتِ: مَا طُرِّبَ بِهِ، قَالَ حُمَيْد بْنُ ثَوْرٍ:
عَجِبْتُ لَهَا أَنَّى يكونُ غِنَاؤها ***فَصِيحًا، وَلَمْ تَفْغَرْ بمَنْطِقِها فَما
وَقَدْ غَنَّى بِالشِّعْرِ وتَغَنَّى بِهِ، قَالَ:
تَغَنَّ بالشِّعْرِ، إِمّا كنتَ قائِلَه، ***إِنَّ الغِناءَ بِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمارُ
أَراد إِنَّ التَّغَنِّيَ، فوَضَع الِاسْمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ.
وغَنَّاه بالشِّعْرِ وغَنَّاه إِيَّاه.
وَيُقَالُ: غَنَّى فلانٌ يُغَنِّي أُغْنِيَّة وتَغَنَّى بأُغْنِيَّة حَسَنة، وَجَمْعُهَا الأَغانِي، فأَمَّا مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
ثُمَّ بَدَتْ تَنْبِضُ أَحْرادُها، ***إِنْ مُتَغَنَّاةً وإِنْ حادِيَهْ
فإِنه أَرادَ إِنْ مُتَغَنِّيَةً، فأَبدلَ الياءَ أَلِفًا كَمَا قَالُوا الناصاةُ فِي الناصِية، والقاراةُ فِي القارِيةِ.
وغَنَّى بالمرأَة: تَغَزَّلَ بِهَا.
وغَنَّاهُ بِهَا: ذَكَّرهُ إِيّاها فِي شِعْرٍ، قَالَ:
أَلا غَنِّنا بالزَّاهِريَّة، إِنَّني ***عَلَى النَّأْيِ مِمَّا أَن أُلِمَّ بِهَا ذِكْرَا
وبَيْنَهم أُغنِيَة وإِغْنِيَةٌ يَتَغَنَّون بِهَا أَي نَوعٌ من الغِناء، وَلَيْسَتِ الأُولى بِقَوِيَّةٍ إِذ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ أُفْعُلة إِلا أُسْنُمة، فِيمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ، وَالْجَمْعُ الأَغَانِي.
وغَنَّى وتَغَنَّى بِمَعْنًى.
وغَنَّى بالرجُلِ وتَغَنَّى بِهِ: مَدَحَه أَو هَجاهُ.
وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ بعضَ بَنِي كُلَيْب قَالَ لِجَرِيرٍ هَذَا غَسَّانُ السَّلِيطِي يَتَغَنَّى بِنَا أَي يَهْجُونا، وَقَالَ جَرِيرٌ:
غَضِبْتُم عَلَيْنَا أَمْ تَغَنَّيْتُم بِنَا، ***أَنِ اخْضَرّ مِنْ بَطْنِ التِّلاعِ غَمِيرُها
وغَنَّيْت الرَّكْبَ بِهِ: ذَكَرْتُه لَهُمْ فِي شِعْرٍ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ الغَزَل والمَدْحَ والهِجاءَ إِنما يُقَالُ فِي كلِّ واحدٍ مِنْهَا غَنَّيْت وتَغَنَّيت بَعْدَ أَن يُلَحَّن فيُغنَّى بِهِ.
وغَنَّى الحمامُ وتَغنَّى: صَوّت.
والغَناءُ: رَمْلٌ بعَيْنِه، قَالَ الرَّاعِي:
لَهَا خُصُورٌ وأَعْجازٌ يَنُوءُ بِهَا ***رَمْلُ الغَناءِ، وأَعْلَى متنها رُؤدُ
التَّهْذِيبُ: ورَمْلُ الغَناءِ ممدودٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
تَنَطَّقْنَ مِنْ رمْلِ الغَناءِ وعُلِّقَتْ، ***بأَعْناقِ أُدْمانِ الظِّباءِ، القَلائِدُ
أَي اتَّخَذْن مِنْ رَمْلِ الغَناءِ أَعْجازًا كالكُثْبانِ وكأَنَّ أَعْناقَهُنَّ أَعْناقُ الظِّباء.
وَقَالَ الأَصمعي: الغِناءُ موضِعٌ، واسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الرَّاعِي: رَمْل الغِناء، وأَعْلى مَتْنِها رُؤدُ والمُغَنِّي: الفَصِيلُ الَّذِي يَصْرِفُ بِنابِه، قَالَ: يَا أَيُّها الفُصَيِّلُ المُغَنِّي وغَنِيٌّ: حَيٌّ من غَطَفان.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
20-لسان العرب (إيا)
أيا: إيَّا مِنْ عَلَامَاتِ الْمُضْمَرِ، تَقُولُ: إيَّاك وإيَّاهُ وإيَّاكَ أَنْ تَفْعَل ذَلِكَ وهِيَّاكَ، الْهَاءُ عَلَى الْبَدَلِ مِثْلَ أَراقَ وهَراقَ؛ وأَنشد الأَخفش:فهيّاكَ والأَمْرَ الَّذِي إنْ تَوسَّعَتْ ***مَوارِدُه، ضاقَتْ عَلَيْكَ مَصادِرُهْ
وَفِي المُحكم: ضاقَتْ عليكَ المَصادِرُ؛ وَقَالَ آخَرُ:
يَا خالِ، هَلَّا قُلْتَ، إذْ أَعْطَيْتَني، ***هِيَّاكَ هِيَّاكَ وحَنْواءَ العُنُقْ
وَتَقُولُ: إيَّاكَ وأَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَلَا تَقُلْ إِيَّاك أَنْ تَفْعَل بِلَا وَاوٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمُمْتَنِعُ عِنْدَ النحويين إِياكَ الأَسَدَ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْوَاوِ، فأَمَّا إِيَّاك أَن تَفْعل فَجَائِزٌ عَلَى أَن تَجْعَلَهُ مَفَعُولًا مِنْ أَجله أَي مَخافةَ أَنْ تَفْعَل.
الْجَوْهَرِيُّ: إِيَّا اسْمٌ مُبْهَمٌ ويَتَّصِلُ بِهِ جَمِيعُ الْمُضْمَرَاتِ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي لِلنَّصْبِ، تَقُولُ إِيَّاكَ وإِيَّايَ وإيَّاه وإِيَّانا، وَجُعِلَتِ الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ بَيَانًا عَنِ الْمَقْصُودِ ليُعْلَم المخاطَب مِنَ الْغَائِبِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب، فَهِيَ كَالْكَافِ فِي ذَلِكَ وأَ رَأَيْتَكَ، وكالأَلف وَالنُّونِ الَّتِي فِي أَنت فَتَكُونُ إِيَّا الِاسْمُ وَمَا بَعْدَهَا لِلْخِطَابِ، وَقَدْ صَارَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لأَن الأَسماء الْمُبْهَمَةَ وَسَائِرَ المَكْنِيَّات لَا تُضافُ لأَنها مَعارفُ؛ وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إنَّ إِيَّا مُضاف إِلى مَا بَعْدَهُ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ إِذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِياهُ وإِيَّا الشَّوابِّ، فأَضافوها إِلَى الشَّوابِّ وخَفَضُوها؛ وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ هِيَ الأَسماء، وإِيَّا عِمادٌ لَهَا، لأَنها لَا تَقُومُ بأَنْفُسها كَالْكَافِ وَالْهَاءِ وَالْيَاءِ فِي التأْخير فِي يَضْرِبُكَ ويَضْرِبُه ويَضْرِبُني، فَلَمَّا قُدِّمت الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ عُمِدَتْ بإيَّا، فَصَارَ كُلُّهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلَكَ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ إِيَّايَ لأَنه يَصِحُّ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُني، وَلَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ إِيَّاك، لأَنك إِنَّمَا تحتاجُ إِلَى إِيَّاكَ إِذَا لَمْ يُمكِنْكَ اللَّفْظُ بِالْكَافِ، فإِذا وصَلْتَ إِلَى الْكَافِ ترَكْتَها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَلَكَ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ إِيايَ لأَنه يَصِحُّ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُني وَلَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ إِيَّاكَ، قَالَ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ ضَرَبْتُ إِيَّايَ، لأَنه لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُني، وَيَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُكَ إِيَّاكَ لأَن الْكَافَ اعْتُمِدَ بِهَا عَلَى الفِعل، فَإِذَا أَعَدْتَهااحْتَجْتَ إِلَى إِيَّا؛ وأَما قولُ ذِي الإِصْبَعِ العَدْواني:
كأَنَّا يومَ قُرَّى ***إنَّما نَقْتُلُ إِيَّانا
قَتَلْنا منهُم كُلَّ ***فَتًى أَبْيَضَ حُسَّانا
فإِنه إِنَّمَا فَصلَها مِنَ الْفِعْلِ لأَن الْعَرَبَ لَا تُوقع فِعْلَ الْفَاعِلِ عَلَى نَفْسِهِ بِإِيصَالِ الْكِنَايَةِ، لَا تَقُولُ قَتَلْتُني، إِنَّمَا تَقُولُ قَتَلْتُ نفسِي، كَمَا تَقُولُ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، وَلَمْ تَقُلْ ظَلَمْتُني، فأَجْرى إِيَّانا مُجْرَى أَنْفُسِنا، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْذِيرِ، تَقُولُ: إِيَّاك والأَسدَ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فِعْلٍ كأَنك قُلْتَ باعِدْ، قَالَ ابْنُ حَرِّي: وَرَوَيْنَا عَنْ قُطْرُبٍ أَن بَعْضَهُمْ يَقُولُ أَيَّاك، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، ثُمَّ يُبَدِّلُ الْهَاءَ مِنْهَا مَفْتُوحَةً أَيضًا، فَيَقُولُ هَيَّاكَ، وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي إِيَّاكَ، فَذَهَبَ الْخَلِيلُ إِلَى أَنَّ إِيَّا اسْمٌ مُضْمَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْكَافِ، وَحُكِيَ عَنِ الْمَازِنِيُّ مِثْلُ قَوْلِ الْخَلِيلِ؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَحَكَى أَبو بَكْرٍ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش وأَبو إسحق عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْ مَنْسُوبٍ إِلَى الأَخفش أَنه اسْمٌ مُفْرَدٌ مُضْمر، يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ كَمَا يَتَغَيَّرُ آخَرُ المُضْمَرات لِاخْتِلَافِ أَعداد المُضْمَرِينَ، وأَنَّ الْكَافَ فِي إِيَّاكَ كَالَّتِي فِي ذَلِكَ فِي أَنه دلالةٌ عَلَى الْخِطَابِ فَقَطْ مَجَرَّدَةٌ مِنْ كَوْنِها عَلامةَ الضَّمِيرِ، وَلَا يُجيزُ الأَخفش فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ إِيَّاكَ وإِيّا زَيْدٍ وإِيَّايَ وإِيَّا الباطِل، قَالَ سِيبَوَيْهِ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه سَمِعَ أَعرابيًّا يَقُولُ إِذَا بلَغ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَيضًا عَنِ الْخَلِيلِ أَنه قَالَ: لَوْ أَن قَائِلًا قَالَ إِيَّاك نَفْسِك لَمْ أُعنفه لأَن هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَجْرُورَةٌ، وَحَكَى ابْنُ كَيْسَانَ قَالَ: قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ إِيَّاكَ بِكَمَالِهَا اسْمٌ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْيَاءُ وَالْكَافُ وَالْهَاءُ هِيَ أَسماء وإِيَّا عِمادٌ لَهَا لأَنها لَا تَقُوم بأَنفسها، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِيَّا اسْمٌ مُبْهَم يُكْنَى بِهِ عَنِ الْمَنْصُوبِ، وجُعِلَت الْكَافُ وَالْهَاءُ وَالْيَاءُ بَيَانًا عَنِ الْمَقْصُودِ لِيُعْلَم المُخاطَبُ مِنَ الْغَائِبِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب كَالْكَافِ في ذلك وأَ رَأَيْتَك، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ اسْمٌ مُبهم يُكْنى به عن المنصوب يَدُلُّ عَلَى أَنه لَا اشْتِقَاقَ لَهُ؛ وَقَالَ أَبو إسحق الزَّجاجُ: الكافُ فِي إِيَّاكَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بِإِضَافَةِ إِيَّا إِلَيْهَا، إِلَّا أَنه ظَاهِرٌ يُضاف إِلَى سَائِرِ المُضْمَرات، وَلَوْ قُلْتَ إِيَّا زَيدٍ حدَّثت لَكَانَ قَبِيحًا لأَنه خُصَّ بالمُضْمَر، وَحَكَى مَا رَوَاهُ الْخَلِيلُ مِنْ إِيَّاهُ وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وتأَملنا هَذِهِ الأَقوال عَلَى اخْتِلَافِهَا والاعْتِلالَ لِكُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا فَلَمْ نجِد فِيهَا مَا يَصِحُّ مَعَ الْفَحْصِ وَالتَّنْقِيرِ غَيرَ قَوْلِ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش، أَما قَوْلُ الْخَلِيلِ إِنَّ إِيَّا اسْمٌ مُضْمَرٌ مُضَافٌ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَذَلِكَ أَنه إِذا ثَبَتَ أَنه مُضْمَرٌ لَمْ تَجُزْ إِضافته عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لأَن الغَرَض فِي الإِضافة إِنما هُوَ التَّعْرِيفُ وَالتَّخْصِيصُ وَالْمُضْمَرُ عَلَى نِهَايَةِ الِاخْتِصَاصِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الإِضافة، وأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ إِيَّاك بِكَمَالِهَا اسْمٌ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ إِيَّاكَ فِي أَن فَتْحَةَ الْكَافِ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُذَكَّرِ، وَكَسْرَةَ الْكَافِ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُؤَنَّثِ، بِمَنْزِلَةِ أَنت فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْهَمْزَةُ، وَالنُّونُ وَالتَّاءُ الْمَفْتُوحَةُ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُذَكَّرِ، وَالتَّاءُ الْمَكْسُورَةُ تُفِيدُ الْخِطَابَ الْمُؤَنَّثِ، فَكَمَا أَن مَا قَبْلَ التَّاءِ فِي أَنت هُوَ الِاسْمُ وَالتَّاءُ هُوَ الْخِطَابُ فَكَذَا إِيَّا اسْمٌ وَالْكَافُ بَعْدَهَا حَرْفُ خِطَابٍ، وأَمّا مَن قَالَ إِنَّ الْكَافَ وَالْهَاءَ وَالْيَاءَ فِي إِيَّاكَ وإِيّاه وإِيَّايَ هِيَ الأَسماء، وإِنَّ إِيَّا إِنَّمَا عُمِدَت بِهَا هَذِهِ الأَسماء لِقِلَّتِهَا، فَغَيْرُ مَرْضِيّ أَيضًا، وَذَلِكَ أَنَّ إِيَّا فِي أَنها ضَمِيرٌ مُنْفَصِلٌ بِمَنْزِلَةِ أَنا وأَنت وَنَحْنُ وَهُوَ وَهِيَ فِي أَن هَذِهِ مُضْمَرَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ، فَكَمَا أَنَّ أَنا وأَنت وَنَحْوَهُمَا تُخَالِفُ لَفْظَ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ نَحْوَ التَّاءِ فِي قُمْتُ وَالنُّونِ والأَلف فِي قُمْنَا والأَلف فِي قَامَا وَالْوَاوِ فِي قامُوا، بَلْ هِيَ أَلفاظ أُخر غَيْرُ أَلفاظ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مَعْمُودًا لَهُ غَيْرُه، وَكَمَا أَنَّ التَّاءَ فِي أَنتَ، وَإِنْ كَانَتْ بِلَفْظِ التَّاءِ فِي قمتَ، وَلَيْسَتِ اسْمًا مِثْلَهَا بَلِ الِاسْمُ قَبْلَهَا هُوَ أَن وَالتَّاءُ بَعْدَهُ لِلْمُخَاطَبِ وَلَيْسَتْ أَنْ عِمادًا لِلتَّاءِ، فَكَذَلِكَ إِيَّا هِيَ الِاسْمُ وَمَا بَعْدَهَا يُفِيدُ الْخِطَابَ تَارَةً وَالْغَيْبَةَ تَارَةً أُخرى وَالتَّكَلُّمُ أُخرى، وَهُوَ حَرْفُ خِطَابٍ كَمَا أَن التَّاءَ فِي أَنت حَرْفٌ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْهَمْزَةِ وَالنُّونِ مِنْ قَبْلِهَا، بَلْ مَا قَبْلَهَا هُوَ الِاسْمُ وَهِيَ حَرْفُ خِطَابٍ، فَكَذَلِكَ مَا قَبْلَ الْكَافِ فِي إِيَّاكَ اسْمٌ وَالْكَافُ حَرْفُ خِطَابٍ، فَهَذَا هُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ، وأَما قول أَبي إسحق: إِنَّ إِيَّا اسْمٌ مَظْهَرٌ خَصَّ بالإِضافة إِلَى الْمُضْمَرِ، فَفَاسِدٌ أَيضًا، وَلَيْسَ إِيَّا بِمَظْهَرٍ، كَمَا زَعَمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إِيَّا لَيْسَ بَاسِمٍ مَظْهَرٍ اقْتِصَارُهُمْ بِهِ عَلَى ضَرْبٍ وَاحِدٍ مِنَ الإِعراب وَهُوَ النَّصْبُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ نَعْلَمِ اسْمًا مُظْهَرًا اقْتُصِرَ بِهِ عَلَى النَّصْب الْبَتَّةَ إِلَّا مَا اقْتُصِرَ بِهِ مِنَ الأَسماء عَلَى الظَّرْفِيَّة، وَذَلِكَ نَحْوَ ذاتَ مَرَّةٍ وبُعَيْداتِ بَيْنٍ وَذَا صَباحٍ وَمَا جَرى مَجْراهُنَّ، وَشَيْئًا مِنَ الْمَصَادِرِ نَحْوَ سُبْحانَ اللهِ ومَعاذَ اللهِ ولَبَّيْكَ، وَلَيْسَ إِيَّا ظَرْفًا وَلَا مَصْدَرًا فيُلحق بِهَذِهِ الأَسماء، فَقَدْ صَحَّ إِذًا بِهَذَا الإِيراد سُقُوطُ هَذِهِ الأَقوالِ، وَلَمْ يَبْقَ هُنَا قَوْلٌ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَيَلْزَمُ الدُّخُولُ تَحْتَهُ إِلَّا قَوْلُ أَبي الْحَسَنِ مِنْ أَنَّ إِيَّا اسْمٌ مُضْمَرٌ، وأَن الْكَافَ بَعْدَهُ لَيْسَتْ بِاسْمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْخِطَابِ بِمَنْزِلَةِ كَافِ ذَلِكَ وأَ رَأَيْتَك وأَبْصِرْكَ زَيْدًا ولَيْسَكَ عَمْرًا والنَّجاك.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وسئل أَبو إسحق عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، مَا تأْويله؟ فَقَالَ: تأْويله حَقيقَتَكَ نَعْبُد، قَالَ: وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الآيةِ الَّتِي هِيَ العَلامةُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا القول من أَبي إِسحق غَيْرُ مَرْضِيّ، وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الأَسماء الْمُضْمَرَةِ مَبْنِيٌّ غَيْرُ مُشْتَقٍّ نَحْوَ أَنا وهِيَ وهُوَ، وَقَدْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى كَوْنِهِ اسْمًا مُضْمَرًا فَيَجِبُ أَن لَا يَكُونَ مُشْتَقًّا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِيَّا تُجعل مَكَانَ اسْمٍ مَنْصُوبٍ كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُكَ، فَالْكَافُ اسْمُ الْمَضْرُوبِ، فإِذا أَردت تَقْدِيمَ اسْمِهِ فَقُلْتَ إِيَّاك ضَرَبْت، فَتَكُونُ إِيَّا عِمادًا لِلْكَافِ لأَنها لَا تُفْرَد مِنَ الفِعْل، وَلَا تَكُونُ إِيَّا فِي مَوْضِعِ الرَّفع وَلَا الْجَرِّ مَعَ كَافٍ وَلَا يَاءٍ وَلَا هَاءٍ، وَلَكِنْ يَقُولُ المُحَذِّر إِيّاكَ وزَيْدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجعل التَّحْذِيرَ وَغَيْرَ التَّحْذِيرِ مَكْسُورًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْصِبُ فِي التَّحْذِيرِ وَيَكْسِرُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِلتَّفْرِقَةِ.
قَالَ أَبو إِسحق: مَوْضِع إِيَّاكَ فِي قَوْلِهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُنَصْبٌ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وموضِعُ الْكَافِ فِي إيَّاكَ خَفْضٌ بِإِضَافَةِ إِيّا إِلَيْهَا؛ قَالَ وإِيَّا اسْمٌ لِلْمُضْمَرِ الْمَنْصُوبِ، إِلا أَنه ظَاهِرٌ يُضَافُ إِلَى سَائِرِ الْمُضْمِرَاتِ نَحْوَ قَوْلِكَ إِيَّاك ضَرَبْت وإِيَّاه ضَرَبْت وإِيَّايَ حدَّثت، وَالَّذِي رَوَاهُ الْخَلِيلُ عَنِ الْعَرَبِ إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ إنَّ إِيَّاكَ بِكَمَالِهِ الِاسْمُ، قِيلَ لَهُ: لَمْ نَرَ اسْمًا لِلْمُضْمَرِ وَلَا للمُظْهر، إِنما يَتَغَيَّرُ آخِرُهُ وَيَبْقَى مَا قَبْلَ آخِرِهِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى إِضَافَتِهِ قَوْلُ الْعَرَبِ فَإِيَّاهُ وَإِيَّا الشوابِّ يَا هَذَا، وَإِجْرَاؤُهُمُ الْهَاءَ فِي إِيّاه مُجراها فِي عَصاه، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ هِيَّاك وزَيْدًا إِذَا نَهَوْكَ، قَالَ: وَلَا يَقُولُونَ هِيَّاكَ ضَرَبْت.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِيَّاه لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُضْمَرِ الْمُتَّصِلِ إِنما تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُنْفَصِلِ، كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُك لَا يَجُوزُ أَنيُقَالَ ضَرَبْت إِياك، وَكَذَلِكَ ضَرَبْتهم لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْت إِيَّاكَ وزَيْدًا أَي وضَرَبْتُك، قَالَ: وأَما التَّحْذِيرُ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِيَّاكَ ورُكُوبَ الفاحِشةِ ففِيه إضْمارُ الْفِعْلِ كأَنه يَقُولُ إِيَّاكَ أُحَذِّرُ رُكُوبَ الفاحِشةِ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسانَ: إِذَا قُلْتَ إِيَّاكَ وَزَيْدًا فأَنت مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبهُ مِن زَيد، وَالْفِعْلُ النَّاصِبُ لَهُمَا لَا يَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أُحَذِّرُكَ زَيْدًا كأَنه قَالَ أُحَذِّرُ إِيَّاكَ وزَيْدًا، فإيَّاكَ مُحَذَّر كأَنه قَالَ باعِدْ نَفْسَك عَنْ زَيْدٍ وباعِدْ زَيْدًا عَنْكَ، فَقَدْ صَارَ الْفِعْلُ عَامِلًا فِي المُحَذَّرِ والمُحَذَّرِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذِهِ المسأَلة تُبَيِّنُ لَكَ هَذَا الْمَعْنَى، تَقُولُ: نفسَك وزَيدًا، ورأْسَكَ والسَّيْفَ أَي اتَّقِ رَأْسَك أَن يُصِيبه السَّيْفُ واتَّقِ السَّيْفَ أَن يُصِيبَ رَأْسَك، فرأْسُه مُتَّقٍ لِئَلَّا يُصِيبَه السيفُ، والسَّيْف مُتَّقًى، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمَا الفِعْل؛ وَقَالَ:
فإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِراءَ، فإِنَّه ***إِلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ، وللشَّرِّ جالِبُ
يُرِيدُ: إِيَّاكَ والمِراء، فَحَذَفَ الْوَاوَ لأَنه بتأْويل إِيَّاكَ وأَنْ تُمارِيَ، فَاسْتُحْسِنَ حَذْفُهَا مَعَ المِراء.
وَفِي حَدِيثِ عَطاء: « كَانَ مُعاويةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا رَفَع رأْسَه مِنَ السَّجْدةِ الأَخِيرةِ كانَتْ إِيَّاها »؛ اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ السَّجْدَةِ، وإِيَّاها الْخَبَرُ؛ أي كَانَتْ هِيَ هِيَ؛ أي كَانَ يَرْفَع مِنْهَا ويَنْهَضُ قَائِمًا إِلَى الرَّكْعَةِ الأُخرى مِنْ غَيْرِ أَن يَقْعُد قَعْدةَ الاسْتِراحة.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: « إيايَ وَكَذَا »أَي نَحِّ عنِّي كَذَا ونَحِّني عَنْهُ.
قَالَ: إِيّا اسْمٌ مَبْنِيٌّ، وَهُوَ ضَمِيرُ الْمَنْصُوبِ، وَالضَّمَائِرُ الَّتِي تُضاف إِلَيْهَا مِنَ الْهَاءِ وَالْكَافِ وَالْيَاءِ لَا مَواضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب فِي الْقَوْلِ الْقَوِيِّ؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ إيَّا بِمَعْنَى التَّحْذِيرِ.
وأَيايا: زَجْرٌ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا قَالَ حادِيهِمْ: أَيايا، اتَّقَيْتُه ***بِمِثْل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْبَيْتِ:
إِذَا قَالَ حاديِنا: أَيا، عَجَسَتْ بِنا ***خِفَافُ الخُطى مُطْلَنْفِئاتُ العَرائكِ
وإياةُ الشمسِ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: ضَوْءُها، وَقَدْ تُفْتَحُ؛ وَقَالَ طَرَفةُ:
سَقَتْه إِياةُ الشمْسِ إِلا لِثاتِه ***أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإِثْمِدِ
فَإِنْ أَسقطت الْهَاءَ مَدَدْت وَفَتَحْتَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لمَعْنِ بْنِ أَوْسٍ:
رَفَّعْنَ رَقْمًا علَى أَيْلِيَّةٍ جُدُدٍ، ***لاقَى أَيَاها أَياءَ الشَّمْسِ فَأْتَلَقا
وَيُقَالُ: الأَياةُ لِلشَّمْس كالهالةِ لِلْقَمَرِ، وَهِيَ الدَّارَّةُ حولها.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
21-صحاح العربية (إيا)
[إيا] إيَّا: اسمٌ مبهم، وتتَّصل به جميع المضمرات المتصلة التي للنصب، تقول: إيَّاك وإيَّايَ وإيَّاهُ وإيَّانا.وجعلت الكاف والهاء والياء والنون بيانًا عن المقصود، ليُعلم المخاطَبُ من الغائب ; ولا موضع لها من الاعراب، فهى كالكاف في ذلك وأرأيتك، وكالالف والنون التى في أنت، فيكون إيا الاسم وما بعدها للخطاب وقد صاروا كالشئ الواحد ; لان الاسماء المبهمة وسائر المكنيات لا تضاف، لانها معارف.
وقال بعض النحويين: إن إيا مضاف إلى ما بعده، واستدل على ذلك بقولهم: " إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب "، فأضافوها إلى الشواب وخفضوها.
وقال ابن كيسان: الكاف والهاء والياء والنون هي الاسماء، وإيا عماد لها، لانها لا تقوم
بأنفسها، كالكاف والهاء والياء في التأخير في يضربك ويضربه ويضربنى، فلما قدمت الكاف والهاء والياء عمدت بإيا فصار كله كالشئ الواحد.
ولك أن تقول ضربت إياى، لانه يصح أن تقول ضربتني، ولا يجوز أن تقول ضربت إياك، لانك إنما تحتاج إلى إياك إذا لم يمكنك اللفظ بالكاف، فإذا وصلت إلى الكاف تركتها.
ويجوز أن تقول: ضربتك إياك، لان الكاف اعتمد بها على الفعل، فإذا أعدتها احتجت إلى إيا.
وأما قول الشاعر: كأنا يوم قرى إ *** نما نقتل إيانا فإنه إنما فصلها من الفعل لان العرب لا توقع فعل الفاعل على نفسه باتصال الكناية، لا تقول: قتلتنى، إنما تقول قتلت نفسي، كما تقول: ظلمت نفسي فاغفر لى، ولم تقل ظلمتني، فأجرى إيانا مجرى أنفسنا.
وقد تكون للتحذير، تقول: إياك
والاسد، وهى بدلٌ من فعلٍ، كأنّك قلت باعد.
ويقال هياك، مثل أراق وهراق.
وأنشد الاخفش: فهياك والامر الذى إن توسعت *** موارده ضاقت عليك مصادره وتقول: إياك وأن تفعل كذا.
ولا تقل: إيَّاكَ أن تفعل، بلا واوٍ.
وأيايا: زجرٌ.
وقال: إذا قال حاديهِمْ أَيايا أتقينه *** بمثل الذرى مطلنفئات العرائك وأياة الشمس بكسر الهمزة: ضوؤها، وقد تفتح.
وقال: سَقته إياةُ الشمسِ إلاَّ لِثاتِهِ *** أُسِفَّ فلم تَكْدِمْ عليه بإثْمِدِ فإن أسقطْتَ الهاء مددتَ وفتحْتَ.
ويقال الأَياةُ للشمسُ كالهالة للقمر، وهي الدارة حولها.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
22-تهذيب اللغة (غني)
غني: قال الليث: الْغنَى في المال مَقْصورٌ، واستغنى الرجُلُ: أصاب غِنى، والْغُنْيَةُ: اسمٌ من الاستغناء عن الشيء.وفي الحديث: «ليس مِنَّا من لم يَتَغَنَ بِالقُرْآنِ».
قال أبو عبيد: كان سُفيان بن عُيَيْنةَ يقول: معناه: ليس مِنَّا من لم يَسْتَغنِ بهِ، ولم يذهب به إلى الصَّوتِ.
قال أبو عبيد: وهذا كلام جائزٌ فاشٍ في كلام العرب، يقولون: تَغَنَّيْتُ تغنِّيًا وتَغانَيتُ تغانيًا بمعنى استغنيتُ.
وقال الأعشى:
وكنتُ امرأً زمنًا بالعرا *** ق في عفيف المناخِ طويل التَّغَنّ
يريد: الاستغناء.
وأما الحديث الآخر: «ما أذِن الله لشيء كأذَنِهِ لنبيٍ يتغنَّى بالقرآن» فإِن عبد الملك أخبرني عن الرَّبيع عن الشافعي أنه قال:
معناه: تحزينُ القراءة وترقيقها.
ومما يحقِّق ذلك الحديث الآخر: «زيِّنُوا القرآن بأصواتكم»، ونحو ذلك قال أبو عبيد.
وقال أبو العباس: الذي حصَّلناه من حُفاظ اللغة في قوله صلى الله عليه وسلم: «كأذنه لنبيٍ يتغنى بالقرآن» أنه على معنَيين، على الاستغناء، وعلى التطريب، قلت: فمن ذهب به إلى الاستغناء فهو من الغنى مقصورٌ، ومن ذهب به إلى التطريب فهو من الغناء الصوت ممدود، يقال: غنَّى فلان يُغَنِّي أُغْنِية وتَغنَّى بأغنيةٍ حسنة، وجمعها: الأغانِيُ، وأما الغَنَاءُ بفتح الغين والمدِّ فهو الإجزاء والكفاية، يقال: رجلٌ مُغْنٍ، أي مجزىءٌ كافٍ، يقال: أغْنَيْتُ عنك مَغْنَى فلان ومغْنَاته ومُغني فلان ومُغْناته أجزأْتُ عنك مُجزأَهُ ومُجزأَتهُ.
وسمعت رجلًا من فصحاء العرب يُبَكِّتُ خادمًا له ويقول له: أغْنِ عني وجهك بل شَرَكَ بمعنى اكفني شرَّك وكُفَّ عنِّي شرَّك.
ومنه قول الله جلَّ وعزَّ: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]، يقول: يكفيه شُغُلُ نفسه عن شُغلِ غيره.
الليث: رجل غان عن كذا، أي: مُسْتَغْنٍ عنه، وقد غَنِيَ عنه، ورجلٌ غَنِيٌ: ذو وفرٍ.
وقال طرفة:
وإن كنت عنها غانيًا فاغْنَ وازْدَدِ
ويقال: غَنِيَ القوم في دارِهِم: إذا طال مقامهم فيها.
وقال الله عزوجل: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: 92]، أي: لم يُقيموا فيها.
أبو عبيد عن أبي عبيدة: المغَاني: المنازِلُ التي يَقْطنها أهلها، واحِدُها مغنًى.
وقال الليث: يقال للشيء إذا فني كأن لم يغن بالأمس أي: كأَنْ لم يكن.
قال: والغانيةُ: الشَّابَّةُ المتزوجةُ، وجَمعُها غَوانٍ، وهي التي غَنِيتْ بالزوَّجِ، سلمة عن الفراء قال: الأَغناءُ: إمْلاكَاتُ العَرائسِ.
قال أبو منصور: أراد بها التزويج، قال: والإنغاء: كلام الصبيان.
وقال ابن الأعرابي: الغنَى: التَّزْويجُ، والعرب تقول: الغنَى: حِصْنٌ للعزَبِ، أي: التّزْويجُ.
وقال أبو عبيدة: الغَوَانِي: ذَواتُ الأزْوَاجِ، وأنشد:
أزمان لَيلى كعابٌ غير غانية
وأنشد لجميل:
وأحببت لما أن غنيت الغَوَانِيا
وقال ابن السكيت عن عمارةَ: الغواني: الشّوابُّ اللّواتي يعْجِبْنَ الرّجال ويعْجِبهُنَّ الشبان.
وقال غيره: الغانِيةُ: الجارية الحسناء ذات زوجٍ كانت أو غير ذات زوجٍ، سمِّيت
غانيةً لأنها غَنِيَتْ بحُسنها عن الزينة.
وقال ابن شميل: كل امرأةٍ غانيةٌ، وجمعها الغَواني.
وقال أبو عبيدة: أغْنَى الله الرجل حتى غَنِي غِنًى، أي: صار له مالٌ وأقْناه الله حتى قَنِيَ قِنًى وهو أن يصير له قُنيةٌ من المال.
قال الله جلَّ وعزَّ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى} [النجم: 48]، ورملُ الغَنَاءَ ممدودٌ مفتوحُ الأول ومنه قول ذي الرمة يذكره:
تنطَّقْن من رمل الغَنَاءِ وعُلِّقَتْ *** بأعناق أُدمانِ الظِّبَاءِ القلائدُ
أي: اتَّخذن من رمل الغناء إعجازًا كالكُثبان وكأن أعناقهن أعناق الظِّباء.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
