نتائج البحث عن (انْقَشَعَتْ)

1-العربية المعاصرة (رب)

رَبَّ رَبَيْتُ، يَرُبّ، ارْبُبْ/رُبَّ، ربًّا، فهو رابّ، والمفعول مَرْبوب ورَبيب.

* ربَّ الأبُ ولدَه: وَلِيَه وتعهَّده بما يغذِّيه وينمِّيه ويؤدّبُه.

* ربَّ البيضَ: خفَقه وقلّبَه بشِدَّة.

* ربَّ قومَه: سادَهم وكان فوقهم.

رابّ [مفرد]: جمعه رَبَبَة، والمؤنث رابَّة، والجمع المؤنث روابُّ:

1 - اسم فاعل من رَبَّ.

2 - زَوج الأمّ يربّي ابنَها من غيره.

رَبَاب [جمع]: مفرده ربابة: سحابٌ أبيض متوسِّط الارتفاع، يكون رقيقًا وقد يغلظ حتَّى يحجب الشمس أو القمر (انقشعت الغيومُ وتزيَّنت السَّماءُ بالرَّباب).

رَبَابة [مفرد]: جمعه رَبَاب:

1 - واحدة الرّباب: السَّحاب الأبيض.

2 - [في الموسيقى] آلة طرب شعبية ذات وتر واحد، تُشبه الكمنجة في شكلها (قصَّ لنا الراوي السيرةَ الهلاليّة على الرَّبابَة).

رَبّ [مفرد]: جمعه أرباب (لغير المصدر {ورُبوب} [قرآن] لغير المصدر {، والمؤنث ربَّة} [قرآن] لغير المصدر {، والجمع المؤنث ربّات} [قرآن] لغير المصدر) ورِباب (لغير المصدر):

1 - مصدر رَبَّ.

2 - سيِّد، مالك الشّيء (إذا كان ربُّ البيت بالدُّفِّ ضاربًا.. فشيمة أهل البيت كُلِّهم الرَّقصُ- {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} [قرآن]) (*) أرباب الحلّ والرَّبط: أصحاب السلطة وأولياؤها- ربَّات الشِّعر: العبقريَّة أو المقدرات الكبرى التي يتَّصف بها فنَّان أدبيّ- ربُّ العمل: صاحبه الذي له مكاسبه وعليه مخاطره- ربُّ المال/ربُّ النِّعمة: صاحبه/وليّه- ربَّة المنزل: التي تدبر حاجاته وتصرِّف أمره- مِنْ أرباب الدّيون: ممَّن يُكثر الاستدانة- مِنْ أرباب السَّوابق: ممَّن سبق عليه الحكم في قضيَّة ما- مِنْ أرباب المعاشات: ممَّن تقاعدوا عن العمل ويتقاضون راتبًا.

3 - إله {ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [قرآن].

* الرَّبُّ: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: السَّيِّد، المالِك المتصرِّف في مخلوقاته بإرادته، والمُبلِغ كُلّ ما أبدع حدَّ كماله الذي قدَّره له، ولا يقال لغيره تعالى: الربّ بالإطلاق، بل بالإضافة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [قرآن] - {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [قرآن] (*) ربُّ الأرباب: الله تعالى- ربَّاه: نداء بتضرُّع وتذلُّل- لَقِي ربَّه: مات، توفّي- يا ربِّي: أسلوب نداء للتعجُّب.

رُبَّ [كلمة وظيفيَّة]: حرف جرّ شبيه بالزّائد يجرّ النّكرة، وغالبًا ما يكون المجرور موصوفًا، ويعرب ما بعده مبتدأ، وشرطه أن يكون في صدر الكلام، ومعناه التقليل وقد يفيد التكثير أحيانًا (رُبَّ أخٍ لك لم تَلِدْه أُمُّك [مثل]: يُضرب في الصَّديق الوفيّ- رُبَّ ضارةٍ نافعة [مثل] - رُبَّ رمية من غير رامٍ [مثل]: يضرب لمن يصيب وعادته أن يخطئ).

رُبَّان [مفرد]: جمعه رَبابينُ ورَبابِنة: (انظر: ر ب ن - رُبَّان).

ربَّانيّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى رَبّ: على غير قياس (إلهام ربَّانيّ- حكمة ربَّانيّة) (*) الحقّ الرَّبّانيّ: المبدأ القائل بأن الملوك يستمدون الحقَّ في الحكم مباشرة من الله، وأنهم عرضة للمحاسبة من الله وحده.

2 - مَنْ يعبد الله تعالى بعلمٍ وعملٍ كامِلَيْن {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [قرآن].

ربَّانيَّة [مفرد]:

1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى رَبّ: على غير قياس.

2 - مصدر صناعيّ من رَبّ: تألُّه وحُسْنُ عبادة لله، معرفة بالله (فيه ربَّانيَّة).

رِبِّيّ [مفرد]: عالم تقيّ، الذي يعبد الرَّب {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [قرآن].

رُبوبيّة [مفرد]: ألوهيَّة؛ عبادة (توحيد ربوبيَّة- لله الرُّبوبيَّة الكاملة).

رَبيب [مفرد]: جمعه أَرِبَّاءُ وأَرِبَّة، والمؤنث ربيبة، والجمع المؤنث ربيبات وربائِبُ:

1 - صفة ثابتة للمفعول من رَبَّ.

2 - ابن امرأة الزّوج من غيره (*) ربيب الأمَّة: يتيمٌ فقد أباه في الحرب فرعته الدّولة.

رَبيبة [مفرد]: جمعه ربيبات وربائِبُ:

1 - صفة ثابتة للمفعول من رَبَّ: للمؤنث، بنت زوجة الرجل من غيره {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [قرآن].

2 - حاضنة تربِّي الولد وتعتني به.

مُرَبَّى [مفرد]: جمعه مُرَبَّيات: ما يُعقد بالعسل أو السُّكر من الفواكه ونحوها، أصلها مُرَبَّب فخفِّفَت (انظر: ر ب و - مُرَبَّى) (تناول بعض المُربَّيات: - مُربَّى التِّين/الجزر/المشمش).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-العربية المعاصرة (غام)

غامَ يَغيم، غِمْ، غَيْمًا، فهو غائم.

* غامتِ السَّماءُ: غطّاها الغيْمُ أو السَّحاب (غامتِ السَّماءُ، ولكنَّها لم تُمطر- غام اليومُ: ظهر فيه الغَيْمُ، غطّاه السّحابُ).

أغيمَ يُغِيم، إغيامًا، فهو مُغْيِم.

* أغيمتِ السَّماءُ: غامت؛ غطَّاها الغَيْمُ أو السَّحاب.

تغيَّمَ يتغيَّم، تغيُّمًا، فهو متغيِّم.

* تغيَّمتِ السَّماءُ: غامت؛ غَطّاها الغَيْمُ أو السَّحاب.

غيَّمَ يغيِّم، تغييمًا، فهو مغيِّم.

* غيَّمتِ السماءُ: غامَت؛ غطّاها الغيمُ أو السَّحاب (*) غيَّم الطَّائرُ: إذا رفرف فوق رأسك ولم يبعد- غيّم اللَّيلُ: أظلم.

غائِم [مفرد]: اسم فاعل من غامَ (*) كلامٌ غائم: غير واضح، غير مُحدَّد، مُبهم.

غَيْم [مفرد]: مصدر غامَ.

غَيْم [جمع]: وجمع الجمع غُيوم وغِيام، ومفرده غَيْمة:

1 - سحاب (تلبّدتِ السماءُ بالغيوم- انقشعتِ الغيومُ وصفتِ السماءُ) (*) في الأفق غيوم سوداء- مستقبل مُثقَل بالغُيُوم: ينذر بالشرِّ أو يُلقي ظِلالًا من الشكّ.

2 - [في الجغرافيا] مجموعة ذرّات من الماء دقيقة جدًّا سائلة أو جامدة، تبقى عالقة في الفضاء بفضل تحرّكات الهواء العموديّة (الشمس تُبدّد الغيوم).

* نقطة الغَيْم: [في الكيمياء والصيدلة] درجة الحرارة التي يبدأ عندها انفصال مادّة صلبة، مثل انفصال الشَّمع من زيت التشحيم عند تبريده.

غيميَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى غَيْم.

* حجرة غيميَّة: [في الكيمياء والصيدلة] أداة مليئة بالغاز، يمكن الكشفُ عن مسار الجسيمات دون الذرية المشحونة فيها بتكوين سلسلة من القطرات الصغيرة على الأيونات والتي تتولّد بمرور الجسيمات وتستعمل لدراسة بعض التفاعلات النوويّة.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


3-العربية المعاصرة (قشع)

قشَعَ يَقشَع، قَشْعًا، فهو قاشِع، والمفعول مَقْشوع.

* قشَع القوْمَ: فَرّقَهُمْ وأذهبهم (قشَع الزِّلزالُ أبناءَ القرية).

* قشَع النورُ الظلامَ: أزاله.

* قشَعتِ الرِّيحُ السحابَ: كشفته (قشَعت الرِّيحُ الغيمَ فسطعت الشّمسُ).

أقشعَ يُقشع، إقْشاعًا، فهو مُقشِع، والمفعول مُقشَع (للمتعدِّي).

* أقشع القومُ: تفرَّقُوا.

* أقشعتِ السَّماءُ: انكشفَتْ (كان الجوّ غائمًا ثم أقشَعت السّماءُ وسطعت الشمسُ).

* أقشعتِ الرِّيحُ السَّحابَ: قَشَعَته؛ بدّدته وذهبت به بعيدًا.

انقشعَ/انقشعَ عن ينقشِع، انْقِشاعًا، فهو مُنْقشِع، والمفعول مُنْقَشَع عنه.

* انقشعَ السَّحابُ: مُطاوع قشَعَ: انكشف، تفرّق، زال شيئًا فشيئًا (انقشَع اللَّيلُ/القومُ/البردُ/الظَّلامُ/الضَّبابُ).

* انقشعَ الهَمُّ عن القلب: زال عنه وانكشف (انقشَعَ البلاءُ عن البلاد- انقشعتْ عن نفسه غيُومُ الاضطِراب).

تقشَّعَ/تقشَّعَ عن يتقشَّع، تقشُّعًا، فهو مُتقشِّع، والمفعول مُتقَشَّع عنه.

* تقشَّع السَّحابُ: انقشع، زال شَيْئًا فشيئًا.

* تقشَّعَ القومُ: أقشعُوا، تفرّقوا عن المكان في مُهْلَة (تقشَّع المتظاهرون بعد تدخُّل الشرطة).

* تقشَّع عنه الشَّيءُ: زال عنه (تقشَّع الظّلامُ عن الصُّبح- تقشَّع السّحابُ عن الجوّ- تقشّع الهمُّ عن القلب- تقشَّع البلاءُ عن البلاد).

قَشْع [مفرد]: مصدر قشَعَ.

قَشْعَة [مفرد]: جمعه قَشَعات وقَشْعات وقِشاع: قِطعة من السَّحاب تبقى في أفق السَّماء إذا انقشع الغيمُ.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


4-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (شبام)

شبام

قال ياقوت: (وشبام حضرموت: إحدى مدينتيها، والأخرى تريم.

قال عمارة اليمنيّ: وكان حسين بن سلامة ـ وهو عبد نوبيّ وزر لأبي الجيش بن زياد صاحب اليمن ـ أنشأ الجوامع الكبار، والمنائر الطّوال من حضرموت إلى مكّة، وطول المسافة الّتي بنى فيها ستّون يوما، وحفر الآبار المروية، والقلب العاديّة، فأوّلها شبام وتريم مدينتا حضرموت، واتّصلت عمارة الجوامع منها إلى عدن عشرون مرحلة، في كلّ مرحلة جامع ومئذنة وبئر) اه

وقد سبق في شبوة ما لاحظناه على ابن الحائك في تسميتها، وفي «روضة الألباب» للشّريف أبي علامة اليمانيّ: أنّ تريما وشباما وسنا.. هم بنو السّكون بن الأشرس بن كندة. وفيها ـ أيضا ـ: أنّ تريما والأسنى بحضرموت.

وأكثر النّاس على أنّ شباما لقب عبد الله بن أسعد بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيران بن نوف بن همدان، وبهذه القبيلة سمّيت المدينة اليمانيّة الواقعة في قضاء كوكبان، وبها أيضا سمّيت القلعة الواقعة بقمّة الجبل الخشام، المسمّى باسمها أيضا، وهو واقع في قضاء حراز ما بين الحديدة وصنعاء، وقد نزل بعض تلك القبيلة بحضرموت، وسكنوا شباما فسمّيت بهم أيضا، وبه يتأكّد أنّ أهل شبام وأهل قارة آل عبد العزيز من نهد همدان، لا من نهد قضاعة.

أمّا حنظلة بن عبد الله الشّباميّ الّذي قتل مع الحسين عليه السّلام.. فيحتمل أنّه من شبام حضرموت، ويحتمل أنّه من شبام اليمن.

ومن العجب أنّ صاحب «التّاج» قال في مادّة (كثر): (وآل باكثير ـ كأمير ـ: قبيلة بحضرموت، فيهم محدّثون، منهم: الإمام المحدّث المعمّر عبد المعطي بن حسن بن عبد الله باكثير الحضرميّ، المتوفّى ب (أحمدآباد)، ولد سنة (905 ه‍) وتوفّي سنة (989 ه‍)، أجازه شيخ الإسلام زكريّا، وعنه أخذ عبد القادر بن شيخ بالإجازة.

ومنهم: عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عمر باكثير الشّباميّ، ممّن أخذ عن البخاريّ) اه

ووجود اسم عمر في عمود هذا النّسب ممّا يتأكّد به ما قرّرته في قول شيخنا المشهور، وشيخه أحمد الجنيد ـ: إنّ العلويّين كانوا يجتنبون اسم أبي بكر وعمر؛ لأنّ أهل حضرموت شيعة ـ من تخصيص التّشيّع بالعلويّين ومن على شاكلتهم.

وإنّي بتمعّني العموم، وأكثر أهل حضرموت إذ ذاك إباضيّة، وقد راجعت «تهذيب التّهذيب» للحافظ ابن حجر فلم أر لعبد الله بن أحمد هذا ذكرا، ولكن.. من حفظ حجّة على من لم يحفظ.

ولكنّي تبيّنت بعد ـ كما يأتي في تريس ـ أنّ البخاريّ في «التّاج» ليس إلّا محرّفا تحريفا مطبعيا عن السّخاوي، فقد جاء في «الضّوء اللّامع» له ذكر: عبد الله بن أحمد هذا وأنّه أخذ عنه، ويتأكّد بتأخير «التّاج» له عن عبد المعطي، ولو كان قديما.. لقدّمه عليه.

أمّا عبد الجبّار بن العبّاس الهمدانيّ الشّباميّ، المحتمل النّسبة إلى شبام هذه وإلى غيرها.. فقد أخرج له التّرمذيّ وأبو داود في (القدر)، والبخاريّ في «الأدب المفرد»

وفي شبام جماعة كثيرة من آل باكثير، منهم: الشّيخ عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن سلمة باكثير، ترجم له السّيّد محمّد بن زين بن سميط في كتابه: «غاية القصد والمراد»، وكان من خواصّ القطب الحدّاد، وله منه مكاتبات كثيرة، توجد في «مجموعها»، توفّي بشبام.

ومن «تاريخ باشراحيل» أنّه: (وقع وباء شديد في سنة «784 ه‍»، مات منه خلق كثير بشبام، كان منهم: الشّيخ محمّد بن عبد الله باجمّال، والشّيخ عبد الرّحمن ابن عبد الله باعبّاد، والشّيخ عبد الله ابن الفقيه محمّد بن أبي بكر عبّاد، والفقيه عمر بن عبد الله بامهرة، والفقيه أحمد بن أبي بكر حفص، والفقيه ابن مزروع، ودام ذلك الوباء نحوا من أربعة أشهر.. ثمّ زال) اه

ومن هذه السّياقة.. تعرف ما كانت عليه شبام من الثّروة العلميّة.

ومن فقهاء شبام وعلمائها: الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد، كان الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف يقصده من تريم إلى شبام للقراءة عليه.

وفي الحكاية (308) من «الجوهر» [2 / 58]: عن محمّد بن أبي سلمة باكثير قال: (صعدت مع بعض آل باوزير إلى شبام، فبينما نحن عند العارف بالله محمّد بن أبي بكر عبّاد ـ وهو في آخر عمره ـ إذ جاء الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف، فأجلّه واحترمه، وأخذا يتذاكران من الضّحى إلى الاصفرار، لا يرفعان مجلسهما إلّا للضّروريّات، وكان الفقيه باعبّاد شيخ السّقّاف، ولكنّه يحترمه) اه بمعناه.

وفي سنة (752 ه‍) قدم الشّيخ يحيى بن أبي بكر بن عبد القويّ التّونسيّ إلى شبام في رجب، وسافر في رمضان من تلك السّنة، وقد ترجمه الطّيّب بامخرمة، وذكرت في «الأصل» أنّ قدومه إلى حضرموت كان في سنة (772 ه‍) بناء على ما وجد بخطّ سيّدنا الأستاذ الأبرّ، لكنّ الّذي في «سفينة البضائع» للحبيب عليّ بن حسن العطّاس و «عقود اللآل» لسيّدي الأستاذ الأبر: أنّ قدومه لم يكن إلّا سنة (752 ه‍)، وتكرّر عنه أخذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد.

ونقل الطّيّب أنّه وقع موت كثير بحضرموت أوائل سنة (930 ه‍)، وفيها توفّي الفقيه شجاع الدّين عمر بن عقيل بلربيعة، وعبد الله بن عمر باعقبة، وأخوه أحمد بن عمر باعقبة، وعمر بن أبي بكر باذيب في نحو أربع مئة جنازة من شبام وحدها.

وكان الشّيخ أبو بكر بن سالم يتردّد إلى شبام للأخذ عن الشّيخ معروف باجمّال، وكذلك السّيّد أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس المتوفّى سنة (968 ه‍) يتردّد على الشّيخ معروف، والسّيّد أحمد بن حسين هذا من كمّل الرّجال، قال الشّيخ عمر بن زيد الدّوعنيّ: (خرجت من بلدي أطلب مربّيا، فلمّا دخلت إلى تريم.. دلّوني على الشّيخ أحمد بن حسين، فخدمته ولازمته، وفتح عليّ من الفضل والخير ما لم يبق فيّ اتّساعا للغير).

والشّيخ معروف أوحد صوفيّة شبام في زمانه، ولقيته محن شديدة.. فزال عن شبام ثلاث مرّات:

ـ الأولى: سنة (944 ه‍) إلى السّور، وكان معه في هذه المرّة عشرة من تلاميذه وفقرائه؛ منهم: محمّد بن عمر جمّال، وعمر بن محمّد جمّال، ومحمّد بن شعيب، وأحمد معدان، وأحمد مصفّر، وحيدرة بن عمر، ومحمّد باكحيل، وعمر قعيطيّ، وامبارك بازياد. وأقام بالسّور نحو سنة، ثمّ عاد إلى شبام سنة (945 ه‍).

ـ ثمّ خرج إلى عندل بالكسر أواخر عمد سنة (945 ه‍)، وعاد بعد سنة.

ـ ولمّا استولى بدر بوطويرق على شبام.. أهانه إهانة بالغة، حتّى لقد طافوا به في شوارع شبام وفي جيده حبل من مسد، فخرج إلى بضه في سنة (957 ه‍)، وبقي بها في ضيافة أمير دوعن الشّيخ الجليل عثمان بن أحمد العموديّ إلى أن توفّي بها سنة (969 ه‍) عن ستّ وسبعين عاما.

وكان محلّ دعوة الشّيخ معروف بشبام.. هو مسجد الخوقة.

ثمّ في سنة (932 ه‍) أمر بعمارة مسجد المقدشيّ، وكان بناؤه في سنة (936 ه‍)، ولكنّه اندثر، ولم يبق له أثر، حتّى جدّده الشّيخ معروف.

وكان الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ يذهب إلى شبام كلّ خميس وكلّ إثنين ماشيا؛ للقراءة على الشّيخ الأنور: أحمد بن عبد الله باشراحيل، وكان يثني عليه، ويسند كثيرا من مرويّاته إليه، والشّيخ أحمد هذا من الآخذين عن الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس، ثمّ عن تلميذه القطب الحدّاد، وله أخذ أيضا عن الحبيب عبد الله بن أحمد بلفقيه.

ومن الصّالحين المشار إليهم بالولاية في شبام: الشّيخ أبو بكر بن عبد الله باصهي. والشّيخ المجذوب أحمد بن جبير شراحيل.

ومن أكابر علماء شبام: العلّامة الفقيه عمر بن عبد الله الشّباميّ، مؤلّف كتاب «قوارع القلوب»، وهو إمام جليل، من أكابر أعيان القرن العاشر، معاصر للفقيه عبد الله بلحاج وابن مزروع. قاله أحمد مؤذن، ونقله عنه جدّنا طه بن عمر في «مجموعه».

"ومن علماء شبام:

الشّيخ عمر بن سالم باذيب. والشّيخ سالم بن عليّ عبّاد. والشّيخ عمر باشراحيل، له ذكر في «مجموع الأجداد».

ونقل المناويّ في «طبقاته» عن الشّيخ أحمد بن عقبة الشّباميّ الحضرميّ أنّه قال: (ارتفعت التّربية بالاصطلاح من سنة (824 ه‍) ولم يبق إلّا الإفادة).

وآل عقبة الشّباميّون من كندة، وهم غير آل عقبة الخولانيّين السّابق ذكر شاعرهم بالهجرين.

ومنهم: العلّامة الفقيه عليّ بن عمر عقبة تلميذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عباد.

ومن «رحلة السّيّد يوسف بن عابد الحسني» [ص 105 ـ 106] أنّ الشّيخ أحمد بن عبد القادر بن عقبة انتفع بالشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس، وهو الّذي أشار عليه بالسّفر من شبام إلى الحجاز، ثمّ جاء إلى مصر واستوطنها، وفيها اتّفق بالشّيخ زرّوق، وكان من أمرهما ما اشتهر في رسائل زرّوق و «مناقب الشّيخ أحمد عقبة».

وممّن سكن شباما: السّادة آل سميط، وأوّلهم: العلّامة الجليل محمّد بن زين بن علويّ بن سميط، وصلها لغرض السّفر منها إلى القبلة، فأبطأت عليه القوافل، فأشار عليه الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ أن يتديّرها للإرشاد والتّعليم، وقال له: إنّ آل شبام أهل اعتقاد وانتقاد، فامتثل وبقي بها إلى أن توفّي بها سنة (1172 ه‍)، ترجمه الشّيخ معروف بن محمّد باجمال بكتاب كامل سمّاه: «مجمع البحرين».

وكان الشّيخ عليّ بن محمّد لعجم يسير إلى حذية عند الشّيخ عمر باهرمز، فإذا أنشد قول القائل [من الوافر]:

«سألت النّاس عن خلّ وفيّ *** فقالوا ما إلى هذا سبيل »

«تمسّك إن ظفرت بودّ حرّ *** فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل »

.. يقول باهرمز: تدري من الحرّ اليوم يا عليّ؟ فيقول باهرمز: إنّه محمّد بن زين بن سميط. وخلّف ولدين: أحدهما: عبد الرّحمن، وقد تزوّج بابنة سيّدنا عليّ بن عبد الله السّقّاف، وأخذ عنه، وانتفع به. والثّاني: زين، وكان من الصّالحين. وأعقبه بها أخوه الفاضل البدل عمر بن زين، المتوفّى سنة (1207 ه‍) عن تسعين عاما قضاها في الخير ونشر الدّعوة إلى الله، وكانت سكناه بشبام لمّا توفّي أخوه محمّد، وترك ـ أعني الحبيب عمر ـ ستّة أولاد ذكورا، وهم: عليّ وعبد الرّحمن وحسين وأبو بكر وأحمد ومحمّد، ومن كلامه ـ كما يرويه ابنه العلّامة أحمد بن عمر ـ: أن تسعة أعشار أهل حضرموت كانوا لا يصلّون، والعشر الّذي يصلّي لا أدري ما صلاته.

قال سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر: إنّ الحبيب عمر بن زين مكث سبعة عشر عاما لا يضع جنبه على الأرض؛ اجتهادا في العلم والعبادة، وكان ولده أحمد بن عمر أكثر من يقرأ عليه الكتب، وإذا غلبه النّوم.. أعطاه شيئا من اللّوز والزّبيب؛ ليطرد به النّعاس وينشط للقراءة.

وممّن أثنى عليه العلّامة السّيّد عبد الله بن حسين بن طاهر من آل سميط: الفاضل الجليل عبد الرّحمن بن محمّد بن سميط، وابنه العبّاد الإمام عليّ بن عبد الرّحمن.

ومنهم: القطب المجدّد الدّاعي إلى الله ابنه أحمد بن عمر بن زين بن سميط، لقد كان علم هدى، ونبراس دجى، ونور إسلام، وفرد أعلام، أردت أن أتمثّل له بما يناسب، ولكن رأيت مقاما عظيم الشّأن حيّرني، فلم يحضرني إلّا قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» 2 / 298 ـ 299 من الرّمل]:

«إرث آباء علوا، فاقتعدوا *** عجز المجد، وأعطوه السّناما»

«شغلوا قدما عن النّاس العلا *** ورموا عن ثغر المجد الأناما»

«لم يعش من عاش مذموما ولا *** مات أقوام إذا ماتوا كراما»

«يعظم النّاس، فإن جئنا بكم *** كنتم الرّاعين، والنّاس السّواما»

وهو الّذي اهتمّ بإقامة دولة ل (حضرموت)، واشتدّ لذلك أسفه، وتوالى لهفه، ولئن مات بحسرة على ذلك.. فقد كلّل الله أعماله بالنّجاح في نشر الدّعوة إلى الله، حتّى انقشعت الجهالة، واندفعت الضّلالة، وانتبه الجمّاء من النّوم، وتقيّل آثاره أراكين القوم؛ كسادتي: حسن بن صالح البحر، وجدّي المحسن، والحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر وغيرهم، حتّى لقد مرّ بعضهم وإحدى بنات آل همّام بحصن تريم تقول: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتكرّر حديث الدّين، فقال: (ما كان جبريل ليدخل دار آل همّام لو لا أحمد بن عمر). توفّي بشبام سنة (1257 ه‍).

وخلفه على منهاجه العلّامة الجليل، الصّادع بالحقّ، النّاطق بالصّدق، عمر بن محمّد ابن سميط.

«القائل الحقّ فيه ما يضرّ به *** والواحد الحالتين السّرّ والعلن »

فكان يغلظ القول للسّلطان عوض بن عمر وهو إلى جانب منبر شبام في جامعها، ويقول: إنّ العدنيّ يقول من قصيدة [في «ديوانه» 188]:

«نرميه باسهمنا ولا يرانا ***...»

ونحن نرميه بأسهمنا وهو يرانا، والسّلطان عوض يحتمل ذاك؛ لأنّه يعظّم أهل الدّين، والعلماء إذ ذاك يكرّمون أنفسهم، ويصونون العلم، ومقامه كبير في العيون، جليل في الصّدور، ولم يزل ناشر الدّعوة، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، حتّى توفّي بشبام سنة (1285 ه‍)، ووقع رداؤه على ابنه ـ الخليفة القانت الأوّاب، الّذي لا يداهن ولا يهاب ـ: عبد الله بن عمر، المتوفّى بها سنة (1312 ه‍).

ومنهم: السّمح الكريم، الرّاوية لأخبار السّلف الطّيّب: حسن بن أحمد بن زين بن سميط، المتوفّى بها سنة (1323 ه‍)، وقد رثيته بقصيدة توجد بمحلّها من «الدّيوان».

ومنهم: السّيّد الواعظ الفقيه: طاهر بن عبد الله بن عبد الرّحمن، المتوفّى بها سنة (1331 ه‍).

ومنهم: السّيّد الجليل المقدار: أحمد بن حامد بن عمر بن زين، المتوفّى بها سنة (1331 ه‍).

ومنهم:

«علّامة العلماء واللّجّ الّذي *** لا ينتهي ولكلّ لجّ ساحل »

الفاضل الجليل العلّامة المحقّق المتفنّن: أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن محمّد بن زين، ولد بأنزيجة من السّواحل الأفريقيّة، وبها تعلّم، وأخذ العلوم عن أبيه وعن غيره، وقدم حضرموت عدّة مرّات، منها: سنة (1298 ه‍)، ومنها: سنة (1316 ه‍)، وآخر مرّة قدمها سنة (1325 ه‍) وشهد زيارة هود عليه السّلام، وكان له بوالدي اتّصال عظيم، وارتباط وثيق، وأخذ تامّ، وله مؤلّفات كثيرة، وأشعار جزلة:

«من كلّ قافية فيها إذا اجتنيت *** من كلّ ما يشتهيه المدنف الوصب »

«حسيبة في صميم المدح منصبها *** إذ أكثر الشّعر ملقى ما له حسب »

توفّي في زنجبار سنة (1343 ه‍).

ومن اللّطائف: أنّني عملت احتفالا لتأبينه والتّعزية به في مسجد طه، وأعددت كلمة في نفسي، وإذا بمؤبّر نخلي يكرّر ويتغنّى بقوله: (لا حلّ للموت) فقط، فبقيت على أحرّ من الجمر في انتظار الباقي، حتّى قال:

«لا حلّ للموت ما *** خلّى كبد ساليه »

«شلّ الوجيه الرضي *** يّه واللّحى الغاليه »

فذهب ما في نفسي، وأخذني شأن عظيم درّ به كلام أحسن وأبلغ وأنجع ممّا كنت أعددته؛ لأنّ ذلك الوصف منطبق عليه.

«ولم ينس سعي العلم خلف سريره *** بأكسف بال يستقيم ويظلع »

«وتكبيره خمسا عليه معالنا *** على أنّ تكبير المصلّين أربع »

فعظمت بموته الرّزيّة، ولكن كان ولده عمر بقيّة.

«فإنّه نحوه في حسن سيرته *** منذ الشّبيبة وهو الآن مكتهل »

«أضحى لنا بدلا عن فقد والده *** والشّبل من ليثه إمّا مضى بدل »

فخلاه اللّوم؛ إذ سدّ مسدّ القوم، لم ينقطع رشاه، ولا قالوا: فلان رشاه.

وما رأيت أحدا بعد أستاذي الأبرّ عيدروس بن عمر، وسيّدي عبد الله بن حسن البحر يستجهر النّاس بفرط الوسام، وبسطة الأجسام؛ كالسّادة آل سميط، لا يراهم النّاظر.. إلّا تذكّر قول جرير [في «ديوانه»: 456 من الطّويل]:

«تعالوا ففاتونا ففي الحقّ مقنع *** إلى الغرّ من أهل البطاح الأكارم »

«فإنّي أرضي عبد شمس وما قضت *** وأرضي الطّوال البيض من آل هاشم »

فأولئك البيض الطّوال، وثمّة الهمم العوال.

«آراؤهم ووجوههم وعلومهم *** في الحادثات إذا دجون نجوم »

«فيها معالم للهدى ومصابح *** تجلو الدّجى والأخريات رجوم »

فأحوالهم جليلة، وأخلاقهم جميلة، وأخبارهم عريضة طويلة، ينطبق عليهم قول المسيّب بن علس [من المتقارب]:

«وكالشّهد بالرّاح أخلاقهم *** وأحلامهم منهما أعذب »

«وكالمسك ترب مقاماتهم *** وترب قبورهم أطيب »

ومن متأخّري علماء شبام: الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باصهي، أحد تلاميذ والدي، وشيخ العلّامة الجليل الأمير محمّد بن عليّ الإدريسيّ، وكان هو همزة الوصل بيني وبينه في المعرفة الّتي كان أوّلها تعزية منه لي بواسطته في والدي، ثمّ استمرّت المواصلات والمراسلات بما آثارها من القصائد موجودة بمواضعها من «الدّيوان» [371 و 384].

ومن علماء شبام ـ فيما رأينا بأبصارنا ـ أربعة إخوان، كلّهم علماء؛ وهم: أحمد، ومحمّد، وعمر، وعبد الرّحمن أبناء أبي بكر باذيب.

ومن كبار علمائهم ومصاقع شعرائهم: الشّيخ أحمد بن محمّد باذيب، المتوفّى بسنغافورة في حدود سنة (1279 ه‍).

وعن الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان وغيره: أنّ سبب سفره من شبام هو أنّ خطيب الجمعة تأخّر مرّة، فأشار عليه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط أن يقوم بأداء الواجب من أركان الخطبة، فارتجل ما ملأ الأسماع إعجابا، والنّفوس إطرابا، فخشي عليه العين، فأمره بمغادرة البلاد وكان آخر العهد به وكان أهل شبام معروفين بالإصابة بالعين. ومن أواخرهم المتّهمين بذلك: الشّيخ معروف باذيب، والشّيخ سالم بن هادي التّويّ.

ومن عيون صلحائها وأفاضلها الشّيخ عوض بن محمّد باذيب، وأولاده عليّ وأحمد ومحمّد، لهم مروءة حيّة، واعتبار تامّ، ودين ثابت، وكانت الأعيان تزور الشّيخ عوض وتتبّرك برؤيته ودعائه.

ومن متأخّري علمائها: الشّيخ عبد الرّحمن حميد، وولده عبد الله.

ومن آل شبام: آل جبر، وآل التّويّ، وآل باعبيد، وهم أربعة إخوة: محمّد وعمر وعوض وأحمد بنو سالم باعبيد، إليهم الآن أزمّة التّجارة بشبام، ولهم مراكز في عدن وغيرها، وقد مات عمّا قريب أحبّهم إليّ، وهو أحمد، فرحمه الله وأخلفه بخلف صالح.

وممّن تديّر شباما الحبيب علويّ بن أحمد بن زين الحبشيّ، وبها توفي.

وفي «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط»: أنّ والده لمّا مات.. قال: مات من يستحيا منه، وإنّ آل شبام كانوا يهابونه، وكان آل أحمد بن زين يزورونه في محرّم من كلّ سنة، ومتى قاربوا شبام.. تنابز غوغاؤهم مع آل شبام بالألقاب، وقالوا: (الهر لعل القعيطي يفر) فأوقفهم منصّر بن عبد الله طائفة من النّهار في الشّمس، فتركوا الزّيارة، ولمّا زال منصّر وشيكا.. كتب لهم صلاح بن محمّد بالاعتذار، فأعادوها.

ومن أدبائهم وأكابر أولي المروءة منهم: الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان.

وفي مبحث صلاة الجمعة من «مجموع الأجداد»: (أنّ شباما من كراسي حضرموت، بل لا مدينة في حضرموت إلّا هي وتريم، هاتان المدينتان المذكورتان في التّواريخ فقط، ويكاد أن يكون ما يتعلّق بشبام ومن سكنها من المشايخ والعلماء، ومن له فيها أثر من مسجد وغيره من دائم النّفع، يكوّن نبذة صالحة) اه

ولأهلها مناقب كثيرة، ومحاسن شهيرة، ولا سيّما في الورع وصدق المعاملة مع الله، وحمل الكلّ، وفعل المعروف، والإعانة على نوائب الحقّ، أخبرني المكرّم الشّيخ كرامة بن أحمد بن عبد الله بركات قال: كنت بمقدشوه في سنة (1334 ه‍) فأرسلت بثلاث مئة وخمسين ربّية برعما ـ وهو نوى القطن ـ إلى عدن عند الشّيخ أحمد بن عمر بلفقيه، فباعه لي وأربحني النّصف، وأبرق إليّ: أن خذ كلّ ما تقدر عليه منه وحوّل لي بالثّمن، فاشتريت أوّلا بنحو من ألف ربّية، وثانيا بمثله، وقدّمت له حسابا في ثمنه وسائر مصاريفه، وخدمته ولم يبق لي عنده بحسب ما قرّرته في دفتري إلّا أربعون ربّية فقط، ولمّا وصلت عدن بعد خمس سنوات.. أعطاني كاتبه ـ وهو الشّيخ محمّد بن سالم باعبيد ـ تحويلا إلى شبام في ألفين ونحو خمس مئة ربّية، فشككت فيها، وتوهّمته غالطا، ولمّا قدمت شباما.. أخبرت الوالد أحمد بن عمر بلفقيه، فأخذ بأذني وقال: إذا لم نربّك نحن.. فمن يربّيكم؟ وقد ربّانا ناس على مثل هذا، فنحن مدينون به.

وإذا به قيّد لي أرباح البرعم بأسرها، فرحمة الله على هذا الإنسان وعلى جميع أهل الإحسان.

وبلغني أنّ الشّيخ عوض بن عبد الله باذيب اشترى خرابة من الأمير عليّ بن صلاح، قيل: إنّ بعض أهلها معروف في غيبته الطّويلة، وأنفق على بنائها سبعة آلاف ريال، ولمّا احتاج ورثته لبيعها.. لم تنفق إلّا على واحد من آل باهرمز بألفين من الرّيالات فقط؛ لأنّ آل شبام ـ بما بقي في قلوبهم من هيبة الدّين والورع ـ تحاموها، وإلى الآن وهم يتحامون عن شراء التّمر الّذي يجمعه من المكس صاحب السّدّة؛ مع أنّه أرخص من غيره بثلث القيمة.

وبلغني أنّ لبعضهم رسائل في سير آل شبام وأخبارهم الشّاهدة بالتّقوى والورع، وهي من أنفع ما يكون لهم لو تدارسوها على عادتهم في درس يوم الثّلاثاء الّذي رتّبه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط، ـ متنقلا في ديارهم؛ سياسة في حضورهم؛ إذ هي خير حافز للأحفاد على ترسّم آثار الأجداد، ومن كلامه المنثور: إنّ شباما كانت بلاد المنقود، وأنّ أحد أهل شبام أخذ دراهم من أحمد ناصر اليافعيّ، فهجروه حتّى ردّها.

وأنّ ثمانين حملا من الحوير وردت شباما، وفيها حمل لأحد آل كثير بن سلامة، فاشتروها بأسرها إلّا ذلك الحمل لم يأخذه أحد وعاد به صاحبه.

وفي كلامه ثناء كثير على محمّد بن عوض باذيب، وعلى أخيه عبود، وأنّه حصل عليهما خلل فشاورا الحبيب عبد الله الحدّاد فقال لهما: بيعا جميع ما معكما ولو لم يخلف لكم إلّا حليّ نسائكم، فباعاه وقضيا ما عليهما من الدّيون، وبقيت ثلاث مئة ريال، فذهبا إلى الحاوي، ولمّا وصلا.. قال محمد لعبود: إن وافقتني.. أعطينا الحبيب عبد الله مئة واقتنعنا بالمئتين، فوافقه، فقبلها الحبيب وأشار على محمّد بالسّفر إلى الشّحر، وبقي يتردّد إليها، ويقيم بها شهرين أيّام الموسم، ويمرّ في ذهابه وإيابه بالحاوي.

ولمّا علم الحبيب عمر البارّ بقصّة المئة.. قال لمن حضره: أيصحّ أنّ أحدا يتصدّق بثلث ماله؟! وكان عنده دلّال من آل باخيضر. فقال: إن كان من آل شبام.. فنعم.

ومنه: أنّ محمّد لعجم من السّابقين؛ لأنّه سبق سلفه.

ومنه: أنه لمّا توفّي أحمد بكار لعجم.. قال والدي: توفّي وهو خير من بالبلد.

ولمّا توفّي عبد الله بن عمر لعجم.. قال الحبيب أحمد بن عمر بن سميط: إنّه من الأخيار الّذين يدفع الله بهم البلاء، ومن الّذين يحييهم ويميتهم الله في عافية، وكانت وفاته بسبب الوباء الّذي وقع بشبام وسيئون وبور في سنة (1250 ه‍).

ومنه: أنّ الحبيب محمّد بن زين بن سميط قال: ما تحقّقت أنّ أحدا يحبّ للمسلمين ما يحبّ لنفسه إلّا عبد الله بن زين الحبشيّ صاحب ثبيّ، وبكّار بن عوض لعجم؛ فإنّ هذا يقوم إليّ في الدّرس ويقول: تكلّم في كذا؛ فإنّ النّاس واقعون فيه.

ومنه: أنّ الشّيخ أحمد صلعان ممّن ترجم له الحبيب محمّد بن سميط، وأن محمّد صلعان كثيرا ما يستشهد بحكم ابن عطاء الله يكاد يحفظها، وأنّ القرآن معجون بمحمّد بن عقبة سديس.

ومنه: أنّ المرحوم محمّد بن أحمد بايوسف ـ جدّ آل بايوسف ـ من الصّالحين، وكذلك ولده أحمد.

ومنه: أخبرني عبد الله باسعود عن الحبيب جعفر بن أحمد بن زين قال: أدركنا أهل شبام ثلاث طبقات: أوّل طبقة لباسهم كوافي بيض وأردية شمال، وثاني طبقة كوافي سوسي وملاحف بيض، وثالث طبقة كوافي صنعانيات من نصف ريال وملاحف سود.

قال: ومن بعد توسّعوا مصانف وكوافي صنعانيّات من ريالين.

ومنه: أنّه لمّا توفّي عمر بن أحمد معاشر.. قال: إنّه من الّذين يمشون على الأرض هونا، وقال مثل ذلك لمّا مات أحمد بن محمّد جبر.

ونقل الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم بن قاضي في ترجمته لنفسه: أنّ والده تولّى القضاء بشبام أكثر من سنتين، وأنّه يثني على أهلها بالتّناصف والتّعاون على الحقّ، وأنّه كان يزورهم ويأتي إليهم من تريم لحسن حالهم. اه

ولو أرسلنا القلم ملء فروجه في مكارم الشّيخ عبد الرّحمن باصهي، الملقّب بالطّويل.. لاندقّت عنقه قبل أن نبلغ منه ما نريد، وهي مشهورة، وآخرها: وصيّته بأن تبقى يده مكشوفة مع تشييعه في الجنازة؛ لاستخراج الاعتبار بأنّه مع ما كان من ثروته الطّائلة لم يخرج من الدّنيا إلّا صفر اليد وقد نفّذوها على ما فيها من الاختلاف بين الرّمليّ وابن حجر؛ لما في ذلك من المصلحة والعظة البالغة.

وكان سيّدي حسن بن أحمد بن سميط يتفتّح عن ثبج بحر عندما يفيض فيها، إلّا أنّ تلك المكارم انطوى نشرها، ولم يبق إلّا ذكرها.

«ونذكر تلك المكرمات وحسنها *** وآخر ما يبقى من الذّاهب الذّكر »

ولآل شبام عامّة وآل باصهي خاصّة، نجوع إلى صنعاء وإلى البيضاء من أرض الظّاهر، وقد وقفت على وثيقة من الإمام المهديّ لدين الله، هذا نصّها:

الخطّ الكريم والرّسم العالي الفخيم الإماميّ المهدويّ أعزّه الله، وأقرّ عين المتمسّكين به وأرضاه، وأنفذه في جميع الأقطار الإماميّة وأسماه، إن شاء الله، بيد الحاجّ الأكرم جمال الدين سالم بن عبد الله باصهي وكافّة إخوته وبني عمّه، قاض لهم بالإجلال والإكرام، والرّعاية والاحترام، والإعزاز والإعظام، فيجرون على أجمل العوائد وأتمّ القواعد، ليس عليهم حال يخشونه، ولا أمر يتوقّونه، وأنّهم منّا وإلينا، وممّن تحوطه شفقتنا، وأنّ واجباتهم الشّرعيّة يسلّمونها بالأمانة، ليس على أموالهم حيث كانت حرص ولا اعتراض بمحروس البيضاء وحضرموت.

وأنّهم يخرجون ما دخل فيه غيرهم من الفرق والمطالب والسّوائب والنّوائب.

وليس عليهم إلّا الحقّ الواجب وزكاة الأموال وزكاة التّجارة والفطرة، يسلّمونها إلى العمّال بالأمانة من غير واسطة.

وليس عليهم مجبى أينما توجّهوا في البلاد الإماميّة، في جميع الأسواق والمراسي والطّرقات والبنادر، فلا يعترضوا بشيء من ذلك، وذلك لما هم عليه من المحبّة والنّصيحة لهم ولسلفهم، فيجرون على ذلك وتقرّ أعينهم بما هنالك، وعليهم التّوقّف على أمرنا، والكون عند رأينا، وموالاة الموالي، ومعاداة المعادي، فليثقوا بذلك، وبالله الثّقة، وبه الحول والقوّة، وهو حسبنا وكفى، ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النّصير.

حرّر في محرّم الحرام عام سبعة وثمانين وألف (1087 ه‍)، وكان الشّيخ عبد الرّحمن باصهي معاصرا للحبيب أحمد بن زين الحبشيّ، وعرض عليه أن يحجّ هو ومن معه على نفقته، فلم يقبل، كما في «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط».

ولم يبق بأيدي آل شبام اليوم من المناقب الشّريفة السّابقة لأهلهم.. إلّا حسن التّأسّي فيما بينهم، ومساعدة الضّعيف، وقضاء الحاجة، وجبر المنكوب، حتّى لقلّما ترفع من أولي مروءتهم دعوى إلى القاضي، وإنّما يسوّون أمورهم فيما بينهم بالإصلاح، وهذا ليس بالقليل مع تراذل الزّمان.

وذكر ابن الحائك: (أنّ مصبّ مياه الأودية الغربيّة كلّها كان في شمال شبام، بينها وبين القارة).

وهو صادق في ذلك؛ لأنّه الواقع فيما قبل.. حتّى كان السّيل العظيم الهائل في سنة (699 ه‍) فأخرب الأحجاز، وأخذ كثيرا من البشر ومن المواشي، وانتقل بقوّته من شمال شبام واتّخذ له أخدودا بجنوبها؛ إذ قد اجتاح كثيرا من الخبّة الّتي كانت متّصلة بشبام، ثمّ عمّرت شيئا فشيئا، وما زالت معمورة حتّى اجتاحها سيل الإكليل الجارف في سنة (1049 ه‍).

ثمّ أحبّ آل شبام التّنزّه.. فعمّروها واحدا واحدا، حتّى صارت قرية، وعند ذلك ابتنى السّيّد عقيل بن عليّ السّقّاف مسجدا في حدود سنة (1063 ه‍)، وأحبّ أن يجمّع فيه، فاختلف عليه العلماء ـ حسبما فصّلناه ب «الأصل» ـ فامتنعت الجمعة

وما يفهمه قول ياقوت السّابق: (إنّ الحسين بن سلامة ابتنى جامع شبام) محمول على التّجديد أو التّرميم، وإلّا.. فقد كان جامعها مبنيّا قبل ذلك بزمان؛ ففي تاريخ القاضي محمّد بن عبد الرّحمن باشراحيل أنّه (بني في سنة «215 ه‍»، وأنّه كالقطب الّذي تدور عليه غالب شعائر الدّين بشبام).

وله أوقاف تنسب إلى هارون الرّشيد، وهو شاهد بأنّ بناءه كان متقدّما على هذا التّاريخ الّذي ذكره باشراحيل؛ لأنّ وفاة الرّشيد كانت في سنة (193 ه‍).

وممّا يدلّ لتقدّمه: ما نقله الشّيخ العلّامة عبد الله بلحاج، عن العلّامة الشّيخ محمّد بن سعيد باشكيل: (أنّ آل باذيب من الأزد، وأصلهم من البصرة، ثمّ استوطنوا شباما.

قال: وذكر عمر بن عبد الله باجمّال الشّباميّ: أنّ آل باذيب خرجوا من البصرة إلى حضرموت في أيّام الحجّاج، وبقيت طائفة منهم بالبصرة، ولهم حافّة عظيمة بالبصرة، يقال لها: حافّة الأسد ـ بالسّين، لغة في الأزد، بالزّاي ـ ولمّا وصلوا حضرموت.. آواهم أمير شبام وأجلّهم، وكان فيهم قضاة الدّين وقضاة الدّولة بشبام، وقد اجتمع منهم في زمن واحد سبعة مفتون، وقاضيان: شافعيّ وحنفيّ) اه

وهذه فائدة نفيسة، ونقل عزيز نحتاجه في كثير من المواضع، ونضرب عليها بنغمات متعدّدة، وبعيد أن ينتشر فيها الإسلام والمسلمون ثمّ لا يبنى بها جامع إلّا في آخر القرن الثّاني، هذا ما لا يتمعنى بحال، لا سيّما وأنّها كانت دار إقامة زياد بن لبيد الصّحابيّ المشهور، كما في «مفتاح السّعادة والخير» لمؤلّف «القلائد»، وغيره.

وفي سنة (532 ه‍) عمّر مقدّم جامع شبام، وجدّد منبره بأمر الملك المنصور الرّسوليّ، وذلك المنبر هو الّذي يخطب عليه إلى اليوم. وكانت هذه العمارة على يد عبد الرّحمن بن راشد في ولاية نصّار بن جميل السعديّ.

وفي موضع من «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك [ص 169] يقول: (وأمّا شبام: فهي مدينة الجميع الكبيرة، ويسكنها حضرموت، وبها ثلاثون مسجدا، ونصفها خراب، أخربته كندة، وهي أوّل بلد حمير ثمّ. وساكن شبام: بنو فهد من حمير) اه

وأقول: أمّا فهد.. فهو ابن القيل بن يعفر بن مرّة بن حضرموت بن أحمد بن قحطان بن العوم بن عبد الله بن محمّد بن فهد بن القيل.. إلى آخر النّسب.

وسيأتي بيت نشوان مع ما يتعلّق به عمّا قليل.

أمّا مسجدهم الباقي بين منازلهم الخاصّة في جانب خبّة شبام الغربيّ المسمّى الآن: مسجد الطّيّب.. فقد بقي بأيديهم، والظّاهر أنّه وقع فيما اجتاحه سيل سنة (699 ه‍) الآتي ذكره، وإلّا.. لما طمع السّيّد عقيل ـ حسبما يأتي ـ في التّجميع بمسجده الّذي بناه بجانب خبّة شبام الشّرقيّ، إلّا أن يكون اختلاف المذهب داخلا تحت عسر الاجتماع، المسوّغ للتّعدّد.. فللبحث مجال، وبين العلماء اختلاف حتّى بين المتأخّرين من الحضارم؛ كابن يحيى، وبلفقيه، والسّيّد عثمان بن يحيى، وبعض علماء الحجاز، وهو معمور إلى الآن.

وأمّا كثرة المساجد بها.. فإنّما كانت قبل أن تجتاح أطرافها السّيول، ويكون مجراها في جنوبها. وكان مسجد الخوقة بشبام هو مسجد الإباضيّة إلى أن غلبهم الأشاعرة عليه في سنة (591 ه‍).

ومن أشعار إمام الإباضيّة بحضرموت في القرن الخامس إبراهيم بن قيس قوله [من الطّويل]:

«فقلت: وما يبكيك يا خود؟ لا بكت *** لك العين ما هبّت رياح زعازع »

«فقالت: بكيت الدّين إذ رثّ حبله *** وللعلما لمّا حوتهم بلاقع »

«فأين الألى إن خوطبوا عن دقائق *** من العلم.. أفتوا سائليهم وسارعوا؟!»

«فقلت لها: هم في شبام ومنهم *** بميفعة قوم حوتهم ميافع »

«وفي هينن منهم أناس ومنهم *** بذي أصبح حيث الرّضا والصّمادع »

«ومنهم بوادي حضرموت جماعة *** وأرض عمان سيلهم ثمّ دافع »

وفي أوائل القرن التّاسع كان قضاء شبام للشّيخ عبد الرّحمن باصهي، وله قصّة مع عليّ بن سعيد باصليب، الملقّب بالرّخيلة، مذكورة في الحكاية (457) من «الجوهر الشّفّاف».

ومن قضاة شبام في القرن الثّاني عشر: السّيّد عليّ بن علويّ عيديد.

وكان بشبام جماعة من آل بامهرة فيهم العلماء والقضاة، وجماعة من آل شعيب مشهورون بالعلم؛ منهم:

الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله شعيب. والشّيخ أبو بكر بن شعيب، له شرح على «المنهاج». ولا اتّصال لهؤلاء بآل باشعيب الآتي ذكرهم في الواسط.

وذكر الطّيّب بامخرمة في «تاريخ عدن»: (أنّ العلماء آل الشّمّاخ أصل جدّهم من حضرموت، تفقّه بزبيد، ولمّا أراد الرّجوع.. رغّبه السّلطان عمر بن المظفّر فأقام هناك إلى أن مات، فآل الشّمّاخ من ذرّيّته) اه

وقريب جدّا أن يكون آل شمّاخ الموجودون بشبام إلى اليوم متفرّعين عن ذلك الأصل الّذي نجع منه جدّ آل الشّمّاخ إلى زبيد.

ولمّا ذكر علّامة اليمن السّيّد عبد الرّحمن بن سليمان الأهدل عادة آل زبيد في قراءة «البخاريّ» بشهر رجب.. قال: إنّها ـ فيما أحسب ـ من أيّام الشّيخين: أحمد بن أبي الخير منصور الشّمّاخيّ، ووالده الفقيه أبي الخير منصور الشّمّاخيّ السّعديّ نسبا، الحضرميّ أصلا، الزّبيديّ مهاجرا، الآخذ عن جماعة من أصحاب الحافظ السّلفيّ، توفّي بمدينة زبيد سنة (680 ه‍).

ولآل شبام نوادر، لو لم يكن إلّا ما يروى عن السّيّد زين بن أحمد بن سميط.. لكفى، فمن ذلك:

أنّ لآل الشّحر اعتقادا فيه، حتّى إنّهم ببساطتهم يمكّنون نساءهم من مصافحته، مع أنّه لا يتورّع بعض الأحيان من غمز إحداهنّ، فدخل عليه الشّيخ أبو بكر بن سعيد الزّبيديّ وعنده فتاة جميلة، فعلقتها نفسه، وتبعها هواه، فتوسّل إليه أن يخطبها له، فقال له: يمنعك عنها بخلك. فقال له: اطلب لها ما تريد. فخرج، ثمّ عاد، وقال: إنّ أهلها يطلبون ثلاث مئة ريال. فنجع بها طيّبة نفسه، فواعده أن يجيء إلى ذلك المكان من آخر ليلته، وعقد له بعجوز قد تغضّن وجهها، وانتثرت أسنانها، وانطبق عليها قول البحتريّ [في «ديوانه»: 2 / 272 من المنسرح]:

«والسّنّ قد بيّنت فناءك في *** شدق على الماضغين منخسف »

ودفع لتلك العجوز عشرة ريالات، وهرب هو بالباقي إلى شبام حضرموت، وكانت سفرة طيّبة، ووقع الشّيخ في الشّبكة.

ومنها: أنّ الجمعدار عبد الله كان يأنس به، ويتسلّى بأحاديثه عن أنكاد حوادث صداع، ومعه السّيّد حسين بن حامد المحضار، وكان لا يصبر لهم إلّا إذا سلّموا له إمامة الصّلاة، فأذعنوا له بها، حتّى جاءهم أحد العلماء.. فاستحيوا أن يقدّموا عليه زينا؛ مع ما عرف به من التّهاون في الطّهارة ونواقض الوضوء، فصلّى بهم الشّيخ العشاء، وقرأ في الأولى (الضّحى) فلم يجد إليه زين سبيلا، ولمّا قرأ في الثّانية ب (الزّلزلة).. سنحت له الفرصة، فقطع الصّلاة، وقال له: زلزل الله بوالديك يا شرّ المشايخ! وهل للزّلزلة مكان بعد ما نحن فيه؟ الجمعدار مزلزل، والمحضار مبهذل، وأنا مسفّل، ثمّ تأتي لنا فوق ذلك بالزّلزلة.

وهكذا سمعتها، ولكنّ وجود السّيّد حسين بن حامد لذلك العهد بصفة النّديم أو نحوه للجمعدار عبد الله.. لا يخلو من البعد.. فلعلّ النّظر انتقل عن أبيه أو غيره إليه.

ومنها: أنّه مرّ بشباميّ ويهوديّ يتلاطمان في عدن، فلمّا أراد أن يبطش بالّذي هو عدوّ لهما.. انسلّ الشّباميّ، وترك زينا مع اليهوديّ، حتّى حجز بينهما الشّرط، وساقوهما إلى السّجن، فسأل زين عن المقرّبين لدى الحكومة، فقيل له: صالح جعفر، فأرسل إليه.. فوصل، فاستخفّ روحه، فضمن عليه وأخذه إلى داره وأكرم مثواه، فرأى عنده من النّعمة ما لا يعرف شيئا منه في بيوت آل شبام بعدن، فانقطع عنهم، وما زالوا يبحثون عنه حتّى ظفروا به، فسبّهم وقال: لقد خرجت من النّار إلى الجنّة. قالوا: لكنّك لا تدري ما حال صالح جعفر. قال: وما حاله؟ قالوا: يبغض الشّيخين أبا بكر وعمر. فاستعظمها، وقال: إذا كان يبغض هذين.. فأيّ دين له، ومن يحبّ؟ قالوا: لا يحبّ إلّا فاطمة وزوجها وأولادها رضي الله عنهم. فازدهر وجهه بعد العبوس، وقال: أمّا إذا كان يحبّ أهلي.. فليبغض من شاء، وأنا كبدي محترقة من بو بكر لعجم وعمر بن بو بكر باذيب، فسألعنهما جبرا لخاطره.

ثمّ نهض من فوره ودخل على صالح جعفر فأوهم أنّه عثر.. فقال: لعنة الله على أبي بكر وعمر.

وللشّيخ أحمد بركات من هذا القبيل ما ليس بالقليل، إلا أنّه لم يكن كالسّيّد زين في خفّة الظّلّ؛ لأنّ عنده شيئا من الكلفة؛ من نوادره:

أنّ شيخنا الشّهير أحمد بن حسن العطّاس مرّ بداره فناداه: أعندك رطوبة نطلع لها؟

قال له: احذف الطّاء واطلع. يعني أنّ عنده روبة.

وبها ذكرت أنّ ابن عمّار قال للدّاني: اجلس يا داني بلا (ألف)، فقال: نعم يا ابن عمار بلا (ميم).

وكان سنة (1318 ه‍) بدوعن في منزل استأجره، فاتّفق أنّ بنتا لأهل المنزل استعارت ثوبا من أمها لتلبسه في وليمة زواج، ففقد لهم عقد من الفضّة يسمّونه (مريّة)، فاتّهموا بها الشّيخ أحمد، فقال لهم: كم ثمنها؟ فقالوا: ستّة ريال. فدفعها لهم، ولمّا عادت البنت بالثّوب.. ألفوا المريّة معها؛ لأنها كانت بين طيّات الثّوب، فردّوا ريالات الشّيخ أحمد واعتذروا له، ولمّا انتهى الخبر إلى باصرّة.. عاتب الشّيخ أحمد وقال: لو رضيت برفعهم أمرك إليّ.. لما ألزمتك بشيء، فقال: من يدفع التّهمة بعد الرّفع؛ إذ لا بدّ من علوقها على أيّ حال، فاخترت السّتر احتفاظا بالمروءة، لا سيّما والمبلغ زهيد.

ودخل أحد أهل شبام على صديق له بها وهو يتغدّى، فقال له: أما عندك ثمانية وسبعون؟ يعني لحم.

قال: لا، ولكن عندي مئة وخمسون. وأحضر له عكّة السّمن، وكلّ ذلك على الرّويّة من دون تفكير.

وكان لهم ـ كما سبق عن الحبيب أحمد بن عمر ـ في نقد الرّجال الفهم الوقّاد، وعندهم من الإزكان والتّخمين ما لا يحصره التّعداد. من ذلك:

أنّ امرأة لأحدهم كثيرا ما تأكل اللّحم وتعتذر بالهرّة، فلم يكن منه إلّا أن وزن الهرّة عند السّاعة الّتي يتّهمها فيها بأكل اللّحم، وخرج من الدّار، ثمّ عاد وقال لها: أين اللّحم؟ فقالت: أكلته الهرّة. فوزنها ثانيا، فلم يزد فيها شيء، فانكشف الخيم، وانهتك الحريم.

وآل شبام يغضبون من وزن الهرّة إلى اليوم لذلك السّبب، بل يكرهون من غيرهم لفظ الوزن وإن لم يذكر معه الهرّ.

حدّثني المرحوم الوالد أحمد بن عمر بن يحيى قال: كتب إليّ بعض أهل التّيمور يطلب كميّة من البقر فأخذتها، وفي العشيّ كنت أنا والشّيخ الفاضل سالم بن عبد الرّحمن باسويدان بمنزل أمير الإحسان، السّيّد محمّد بن أحمد السّقّاف بسنغافورة، فذكرت شراء البقر، فقالوا: كيف كان شراؤك لها؟

فقلت لهم: بالوزن. فغضب الشّيخ سالم، وظنّ أنّ فيه تنكيتا عليه، وأنا لم أتعمّد شيئا من ذلك، وإنّما أرسلتها بحسب السّجيّة، وبقي على غضبه مدّة ليست باليسيرة.

ولسماسرة شبام اليد الطّولى في سنّ الفاتر، وتعيير العائب، إلّا أنّهم لا يسلمون من التّحريش بين النّاس؛ بينما أحد شعرائهم بالسّوق ـ واسمه عليّ ـ.. إذ ظهر قرنه الّذي يهاجيه ـ وهو بازياد ـ فأشلوه عليه، فتفطّن لها بازياد وقال:

«يا علي خذ لك نصيحه *** من رفيقك بازياد»

«الشّتم بيني وبينك *** والضّحك لاهل البلاد»

فارعوى عليّ، وكان ذلك سبب الصّلح بينهما.

ولشبام ذكر عند الطّيّب بامخرمة ولكنّه قليل؛ إذ لم يزد على قوله: (شبام مدينة عظيمة بحضرموت، بينها وبين تريم سبعة فراسخ، إليها ينسب جمع كثير، وخرج منها جماعة من الفضلاء والعلماء والصّالحين، منهم: الفقهاء بنو شراحيل، والفقيه أبو بكر بامهرة، والفقيه الإمام محمّد بن أبي بكر عبّاد، والفقيه الصّالح برهان الدّين إبراهيم بن محمّد الشّباميّون. ومنهم: الفقيه وجيه الدّين عبد الرّحمن بن مزروع، والفقيه الصّالح محمّد بن عبد الرّحمن باصهي) اه أمّا أحوال شبام السّياسيّة: فقد تقلّبت كسائر بلاد حضرموت؛ إذ كانت أوّلا لحمير، ثمّ تجاذبت فيها الحبال قبيلتا كندة وحضرموت، وقد ذكرنا من ملوكهم ما انتهى إليه العلم في «الأصل»، على ما في تلك الأخبار من الاضطراب والتّناقض.

ونزيد هنا ما جاء في «النّفحة الملوكيّة» (ص 84): (أنّ مدّة ملوك كندة بالحجاز كانت من سنة (450) إلى سنة (530) ميلاديّة، وأوّل من ملك منهم: حجر بن عمرو آكل المرار.

وكانت كندة ـ قبل أن يملّك عليهم ـ فوضى، يأكل قويّهم ضعيفهم، فلمّا تملّك حجر عليهم.. سدّد أمورهم، وانتزع ما كان بأيدي اللّخميّين من أرض بكر بن وائل.

وكان ابتداء ملكه ـ حسبما مرّ ـ من سنة (450) ميلاديّة، ولمّا مات.. تملّك بعده ابنه عمرو بن حجر، الملقّب بالمقصور؛ لأنّه اقتصر على ملك أبيه فلم يتجاوزه.

وأقام ما شاء الله في الملك، إلى أن ق

إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه‍/1956م


5-معجم البلدان (مكة)

مَكَّةُ:

بيت الله الحرام، قال بطليموس: طولها من جهة المغرب ثمان وسبعون درجة، وعرضها ثلاث وعشرون درجة، وقيل إحدى وعشرون، تحت نقطة السرطان، طالعها الثريّا، بيت حياتها الثور، وهي في الإقليم الثاني، أما اشتقاقها ففيه أقوال، قال أبو بكر بن الأنباري: سميت مكة لأنها تمكّ الجبّارين أي تذهب نخوتهم، ويقال إنما سميت مكة لازدحام الناس بها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا مصه مصّا شديدا، وسميت بكة لازدحام الناس بها، قاله أبو عبيدة وأنشد:

«إذا الشريب أخذته أكّه *** فخلّه حتى يبكّ بكّه»

ويقال: مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت، وقال آخرون: مكة هي بكة والميم بدل من الباء كما قالوا:

ما هذا بضربة لازب ولازم، وقال أبو القاسم: هذا الذي ذكره أبو بكر في مكة وفيها أقوال أخر نذكرها لك، قال الشرقيّ بن القطاميّ: إنما سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول لا يتم حجّنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمكّ فيه أي نصفر صفير المكّاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها، والمكّاء، بتشديد الكاف: طائر يأوي الرياض، قال أعرابيّ ورد الحضر فرأى مكّاء يصيح فحنّ إلى بلاده فقال:

«ألا أيّها المكّاء ما لك ههنا *** ألاء ولا شيح فأين تبيض»

«فاصعد إلى أرض المكاكي واجتنب *** قرى الشام لا تصبح وأنت مريض»

والمكاء، بتخفيف الكاف والمد: الصفير، فكأنهم كانوا يحكون صوت المكّاء، ولو كان الصفير هو الغرض لم يكن مخفّفا، وقال قوم: سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكّوك، والمكوك عربيّ أو معرب قد تكلمت به العرب وجاء في أشعار الفصحاء، قال

«والمكاكيّ والصّحاف من الف *** ضّة والضامرات تحت الرحال»

قال وأما قولهم: إنما سميت مكة لازدحام الناس فيها من قولهم: قد امتكّ الفصيل ما في ضرع أمه إذا مصّه مصّا شديدا فغلط في التأويل لا يشبّه مص الفصيل الناقة بازدحام الناس وإنما هما قولان: يقال سميت مكة لازدحام الناس فيها، ويقال أيضا: سميت مكة لأنها عبّدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم: امتكّ الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبا شديدا فلم يبق فيها شيئا، وهذا قول أهل اللغة، وقال آخرون: سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكّت عنقه فكان يصبح وقد التوت عنقه، وقال الشرقيّ: روي أن بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مرّ من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى، وقال آخرون: بكة موضع البيت وما حول البيت مكة، قال: وهذه خمسة أقوال في مكة غير ما ذكره ابن الأنباري، وقال عبيد الله الفقير إليه: ووجدت أنا أنها سمّيت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه، وقيل: إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقي فيه شيئا، وقيل: سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه، وينشد قول بعضهم:

«يا مكة الفاجر مكي مكّا، *** ولا تمكّي مذحجا وعكّا»

وروي عن مغيرة بن إبراهيم قال: بكة موضع البيت وموضع القرية مكة، وقيل: إنما سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضا، وعن يحيى بن أبي أنيسة قال: بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله، وقال زيد بن أسلم: بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى وهو بطن الوادي الذي ذكره الله تعالى في سورة الفتح، ولها أسماء غير ذلك، وهي: مكة وبكة والنسّاسة وأم رحم وأم القرى ومعاد والحاطمة لأنها تحطم من استخفّ بها، وسمّي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة، والرأس لأنها مثل رأس الإنسان، والحرم وصلاح والبلد الأمين والعرش والقادس لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر، والمقدسة والناسّة والباسّة، بالباء الموحدة، لأنها تبسّ أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم، وكوثى باسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار، والمذهب في قول بشر بن أبي خازم:

وما ضمّ جياد المصلّى ومذهب

وسماها الله تعالى أم القرى فقال: لتنذر أم القرى ومن حولها، وسماها الله تعالى البلد الأمين في قوله تعالى: والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، وقال تعالى: لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ بهذا البلد، وقال تعالى: وليطّوّفوا بالبيت العتيق، وقال تعالى: جَعَلَ الله الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِيامًا لِلنَّاسِ، 5: 97 وقال تعالى على لسان إبراهيم، عليه السّلام:

رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، 14: 35 وقال تعالى أيضا على لسان إبراهيم، عليه السلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي

زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ 14: 37 (الآية)، ولما خرج رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، من مكة وقف على الحزورة قال: إني لأعلم أنك أحبّ البلاد إليّ وأنك أحب أرض الله إلى الله ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت، وقالت عائشة، رضي الله عنها: لولا

«يا حبّذا مكة من وادي، *** أرض بها أهلي وعوّادي»

«أرض بها ترسخ أوتادي، *** أرض بها أمشي بلا هادي»

ولما قدم رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، المدينة هو وأبو بكر وبلال فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:

«كلّ امرئ مصبّح في أهله، *** والموت أدنى من شراك نعله»

وكان بلال إذا انقشعت عنه رفع عقيرته وقال:

«ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة *** بفخّ وعندي إذخر وجليل؟»

«وهل أردن يوما مياه مجنّة، *** وهل يبدون لي شامة وطفيل؟»

اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة! ووقف رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عام الفتح على جمرة العقبة وقال:

والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إليّ ولو لم أخرج ما خرجت، إنها لم تحلّ لأحد كان قبلي ولا تحلّ لأحد كان بعدي وما أحلّت لي إلا ساعة من نهار ثم هي حرام لا يعضد شجرها ولا يحتش خلالها ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد، فقال رجل:

يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا، فقال، صلّى الله عليه وسلّم: إلا الإذخر، وقال، صلى الله عليه وسلم: من صبر على حرّ مكة ساعة تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائتي عام، ووجد على حجر فيها كتاب فيه: أنا الله رب بكة الحرام وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزال أخشابها مبارك لأهلها في الحمإ والماء، ومن فضائله أنه من دخله كان آمنا ومن أحدث في غيره من البلدان حدثا ثم لجأ إليه فهو آمن إذا دخله فإذا خرج منه أقيمت عليه الحدود، ومن أحدث فيه حدثا أخذ بحدثه، وقوله تعالى: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا، وقوله: لتنذر أم القرى ومن حولها، دليل على فضلها على سائر البلاد، ومن شرفها أنها كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك ولم يؤدّ أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما، وكان أهله آمنين يغزون الناس ولا يغزون ويسبون ولا يسبون ولم تسب قرشيّة قط فتوطأ قهرا ولا يجال عليها السّهام، وقد ذكر عزهم وفضلهم الشعراء فقال بعضهم:

«أبوا دين الملوك فهم لقاح *** إذا هيجوا إلى حرب أجابوا»

وقال الزّبر قان بن بدر لرجل من بني عوف كان قد هجا أبا جهل وتناول قريشا:

«أتدري من هجوت أبا حبيب *** سليل خضارم سكنوا البطاحا»

«أزاد الركب تذكر أم هشاما *** وبيت الله والبلد اللّقاحا؟»

وقال حرب بن أميّة ودعا الحضرميّ إلى نزول مكة وكان الحضرمي قد حالف بني نفاثة وهم حلفاء حرب ابن أميّة وأراد الحضرمي أن ينزل خارجا من الحرم وكان يكنّى أبا مطر فقال حرب:

«أبا مطر هلمّ إلى الصلاح *** فيكفيك الندامى من قريش»

«وتنزل بلدة عزّت قديما، *** وتأمن أن يزورك ربّ جيش»

«فتأمن وسطهم وتعيش فيهم، *** أبا مطر هديت، بخير عيش»

ألا ترى كيف يؤمّنه إذا كان بمكة؟ ومما زاد في فضلها وفضل أهلها ومباينتهم العرب أنهم كانوا حلفاء متألفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم، عليه السلام، ولم يكونوا كالأعراب الأجلاف ولا كمن لا يوقره دين ولا يزينه أدب، وكانوا يختنون أولادهم ويحجون البيت ويقيمون المناسك ويكفنون موتاهم ويغتسلون من الجنابة، وتبرأوا من الهربذة وتباعدوا في المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت غيرة وبعدا من المجوسية، ونزل القرآن بتوكيد صنيعهم وحسن اختيارهم، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلّقون ثلاثا ولذلك قال عبد الله بن عباس وقد سأله رجل عن طلاق العرب فقال: كان الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم هو أحق بها فإن طلّقها ثنتين فهو أحق بها أيضا فإن طلقها ثلاثا فلا سبيل له إليها، ولذلك قال الأعشى:

«أيا جارتي بيني فإنك طالقه، *** كذاك أمور الناس غاد وطارقه»

«وبيني فقد فارقت غير ذميمة، *** وموموقة منّا كما أنت وامقه»

«وبيني فإنّ البين خير من العصا *** وأن لا تري لي فوق رأسك بارقه»

ومما زاد في شرفهم أنهم كانوا يتزوجون في أي القبائل شاءوا ولا شرط عليهم في ذلك ولا يزوجون أحدا حتى يشرطوا عليه بأن يكون متحمسا على دينهم يرون أن ذلك لا يحلّ لهم ولا يجوز لشرفهم حتى يدين لهم وينتقل إليهم، والتّحمّس: التشدّد في الدين، ورجل أحمس أي شجاع، فحمّسوا خزاعة ودانت لهم إذ كانت في الحرم وحمّسوا كنانة وجديلة قيس وهم فهم وعدوان ابنا عمرو بن قيس بن عيلان وثقيفا لأنهم سكنوا الحرم وعامر بن صعصعة وإن لم يكونوا من ساكني الحرم فإن أمّهم قرشية وهي مجد بنت تيم بن مرّة، وكان من سنّة الحمس أن لا يخرجوا أيام الموسم إلى عرفات إنما يقفون بالمزدلفة، وكانوا لا يسلأون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة ولا يغزلون صوفا ولا وبرا ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحلّ إذا دخلوا الحرم وأن يخلّوا ثياب الحل ويستبدلوها بثياب الحرم إما شرى وإما عارية وإما هبة فإن وجدوا ذلك وإلا طافوا بالبيت عرايا وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك إلا أن المرأة كانت تطوف في درع مفرّج المقاديم والمآخير، قالت امرأة وهي تطوف بالبيت:

«اليوم يبدو بعضه أو كلّه، *** وما بدا منه فلا أحلّه»

«أخثم مثل القعب باد ظلّه *** كأنّ حمّى خيبر تملّه»

وكلفوا العرب أن تفيض من مزدلفة وقد كانت تفيض من عرفة أيام كان الملك في جرهم وخزاعة وصدرا من أيام قريش، فلولا أنهم أمنع حيّ من العرب لما أقرّتهم العرب على هذا العزّ والإمارة مع نخوة العرب في إبائها كما أجلى قصيّ خزاعة وخزاعة جرهما، فلم تكن عيشتهم عيشة العرب، يهتبدون الهبيد ويأكلون الحشرات وهم الذين هشموا الثريد حتى قال فيهم الشاعر:

«عمرو العلى هشم الثريد لقومه، *** ورجال مكة مسنتون عجاف»

حتى سمي هاشما، وهذا عبد الله بن جدعان التيمي يطعم الرّغو والعسل والسمن ولبّ البرّ حتى قال فيه أمية بن أبي الصّلت:

«له داع بمكة مشمعلّ، *** وآخر فوق دارته ينادي»

«إلى ردح من الشّيزى ملاء *** لباب البرّ يلبك بالشّهاد»

وأول من عمل الحريرة سويد بن هرميّ، ولذلك قال الشاعر لبني مخزوم:

«وعلمتم أكل الحرير وأنتم *** أعلى عداة الدهر جدّ صلاب»

والحريرة: أن تنصب القدر بلحم يقطّع صغارا على ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق فإن لم يكن لحم فهو عصيدة وقيل غير ذلك، وفضائل قريش كثيرة وليس كتابي بصددها، ولقد بلغ من تعظيم العرب لمكة أنهم كانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويطوفون فإذا أرادوا الانصراف أخذ الرجل منهم حجرا من حجارة الحرم فنحته على صورة أصنام البيت فيحفى به في طريقه ويجعله قبلة ويطوفون حوله ويتمسحون به ويصلّون له تشبيها له بأصنام البيت، وأفضى بهم الأمر بعد طول المدة أنهم كانوا يأخذون الحجر من الحرم فيعبدونه فذلك كان أصل عبادة العرب للحجارة في منازلهم شغفا منهم بأصنام الحرم، وقد ذكرت كثيرا من فضائلها في ترجمة الحرم والكعبة فأغنى عن الإعادة، وأما رؤساء مكة فقد ذكرناهم في كتابنا المبدإ والمآل وأعيد ذكرهم ههنا لأن هذا الموضع مفتقر إلى ذلك، قال أهل الإتقان من أهل السير: إن إبراهيم الخليل لما حمل ابنه إسماعيل، عليهما السلام، إلى مكة، كما ذكرنا في باب الكعبة من هذا الكتاب، جاءت جرهم وقطوراء وهما قبيلتان من اليمن وهما ابنا عمّ وهما جرهم بن عامر بن سبإ بن يقطن بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، عليه السّلام، وقطوراء، فرأيا بلدا ذا ماء وشجر فنزلا ونكح إسماعيل في جرهم، فلما توفي ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل وهو أكبر ولده ثم ولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل ما شاء الله أن يليه ثم تنافست جرهم وقطوراء في الملك وتداعوا للحرب فخرجت جرهم من قعيقعان وهي أعلى مكة وعليهم مضاض ابن عمرو، وخرجت قطوراء من أجياد وهي أسفل مكة وعليهم السّميدع، فالتقوا بفاضح واقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وانهزمت قطوراء فسمي الموضع فاضحا لأن قطوراء افتضحت فيه، وسميت أجياد أجيادا لما كان معهم من جياد الخيل، وسميت فعيقعان لقعقعة السلاح، ثم تداعوا إلى الصلح واجتمعوا في الشعب وطبخوا القدور فسمي المطابخ، قالوا: ونشر الله ولد إسماعيل فكثروا وربلوا ثم انتشروا في البلاد لا يناوئون قوما إلا ظهروا عليهم بدينهم، ثم إن جرهما

بغوا بمكة فاستحلّوا حراما من الحرمة فظلموا من دخلها وأكلوا مال الكعبة وكانت مكة تسمى النّسّاسة لا تقرّ ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته فكان بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة بن غسان وخزاعة حلولا حول مكة فآذنوهم بالقتال فاقتتلوا فجعل الحار

«لا همّ إنّ جرهما عبادك، *** الناس طرف وهم تلادك»

فغلبتهم خزاعة على مكة ونفتهم عنها، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر:

«كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر»

«ولم يتربّع واسطا فجنوبه *** إلى السرّ من وادي الأراكة حاضر»

«بلى، نحن كنّا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي والجدود العواثر»

«وأبدلنا ربي بها دار غربة *** بها الجوع باد والعدوّ المحاصر»

«وكنّا ولاة البيت من بعد نابت *** نطوف بباب البيت والخير ظاهر»

«فأخرجنا منها المليك بقدرة، *** كذلك ما بالناس تجري المقادر»

«فصرنا أحاديثا وكنا بغبطة، *** كذلك عضّتنا السنون الغوابر»

«وبدّلنا كعب بها دار غربة *** بها الذئب يعوي والعدوّ المكاثر»

«فسحّت دموع العين تجري لبلدة *** بها حرم أمن وفيها المشاعر»

ثم وليت خزاعة البيت ثلاثمائة سنة يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشيّة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء الخزاعي وقريش إذ ذاك هم صريح ولد إسماعيل حلول وصرم وبيوتات متفرقة حوالي الحرم إلى أن أدرك قصيّ بن كلاب بن مرّة وتزوّج حبّى بنت حليل بن حبشية وولدت بنيه الأربعة وكثر ولده وعظم شرفه ثم هلك حليل بن حبشيّة وأوصى إلى ابنه المحترش أن يكون خازنا للبيت وأشرك معه غبشان الملكاني وكان إذا غاب أحجب هذا حتى هلك الملكاني، فيقال إن قصيّا سقى المحترش الخمر وخدعه حتى اشترى البيت منه بدنّ خمر وأشهد عليه وأخرجه من البيت وتملّك حجابته وصار ربّ الحكم فيه، فقصيّ أول من أصاب الملك من قريش بعد ولد إسماعيل وذلك في أيام المنذر ابن النعمان على الحيرة والملك لبهرام جور في الفرس، فجعل قصي مكة أرباعا وبنى بها دار النّدوة فلا تزوّج امرأة إلا في دار الندوة ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرّع جارية إلا فيها، وسميت الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها للخير والشر فكانت قريش تؤدّي الرفادة إلى قصي وهو خرج يخرجونه من أموالهم يترافدون فيه فيصنع طعاما وشرابا للحاج أيام الموسم، وكانت قبيلة من جرهم اسمها صوفة بقيت بمكة تلي الإجازة بالناس من عرفة مدة، وفيهم يقول الشاعر:

«ولا يريمون في التعريف موقعهم *** حتى يقال أجيزوا آل صوفانا»

ثم أخذتها منهم خزاعة وأجازوا مدة ثم غلبهم عليها بنو عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيّارة أحد بني سعد بن وابش ابن زيد بن عدوان، وله يقول الراجز:

«خلّوا السبيل عن أبي سيّاره *** وعن مواليه بني فزاره»

«حتى يجيز سالما حماره *** مستقبل الكعبة يدعو جاره»

وكانت صورة الإجازة أن يتقدمّهم أبو سيّارة على حماره ثم يخطبهم فيقول: اللهمّ أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا، وأوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم واقروا ضيفكم، ثم يقول: أشرق ثبير كيما نغير، ثم ينفذ ويتبعه الناس، فلما قوي أمر قصيّ أتى أبا سيّارة وقومه فمنعه من الإجازة وقاتلهم عليها فهزمهم فصار إلى قصيّ البيت والرفادة والسقاية والندوة واللواء، فلما كبر قصيّ ورقّ عظمه جعل الأمر في ذلك كله إلى ابنه عبد الدار لأنه أكبر ولده وهلك قصيّ وبقيت قريش على ذلك زمانا، ثم إن عبد مناف رأى في نفسه وولده من النباهة والفضل ما دلّهم على أنهم أحق من عبد الدار بالأمر، فأجمعوا على أخذ ما بأيديهم وهمّوا بالقتال فمشى الأكابر بينهم وتداعوا إلى الصلح على أن يكون لعبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، وتعاقدوا على ذلك حلفا مؤكّدا لا ينقضونه ما بلّ بحر صوفة، فأخرجت بنو عبد مناف ومن تابعهم من قريش وهم بنو الحارث بن فهر وأسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة جفنة مملوءة طيبا وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة توكيدا على أنفسهم فسمّوا المطيبين، وأخرجت بنو عبد الدار ومن تابعهم وهم مخزوم بن يقظة وجمح وسهم وعدي بن كعب جفنة مملوءة دما وغمسوا فيها أيديهم ومسحوا بها الكعبة فسمّوا الأحلاف ولعقة الدم ولم يل الخلافة منهم غير عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، والباقون من المطيّبين فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الإسلام وقريش على ذلك حتى فتح النبي، صلّى الله عليه وسلّم، مكة في سنة ثمان للهجرة فأقرّ المفتاح في يد عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الدار وكان النبي، صلّى الله عليه وسلّم، أخذ المفاتيح منه عام الفتح فأنزلت: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، فاستدعاه ورد المفاتيح إليه وأقر السقاية في يد العباس فهي في أيديهم إلى الآن، وهذا هو كاف من هذا البحث، وأما صفتها، يعني مكة، فهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جميع النواحي محيطة حول الكعبة، وبناؤها من حجارة سود وبيض ملس وعلوها آجرّ كثيرة الأجنحة من خشب الساج وهي طبقات لطيفة مبيّضة، حارّة في الصيف إلا أن ليلها طيّب وقد رفع الله عن أهلها مؤونة الاستدفاء وأراحهم من كلف الاصطلاء، وكل ما نزل عن المسجد الحرام يسمونه المسفلة وما ارتفع عنه يسمونه المعلاة، وعرضها سعة الوادي، والمسجد في ثلثي البلد إلى المسفلة والكعبة في وسط المسجد، وليس بمكة ماء جار ومياهها من السماء، وليست لهم آبار يشربون منها وأطيبها بئر زمزم ولا يمكن الإدمان على شربها، وليس بجميع مكة شجر مثمر إلا شجر البادية فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأودية ذات خضر ومزارع ونخيل وأما الحرم فليس به شجر مثمر إلا نخيل يسيرة متفرقة، وأما المسافات فمن الكوفة إلى مكة سبع وعشرون مرحلة وكذلك من البصرة إليها ونقصان يومين، ومن دمشق إلى مكة شهر، ومن عدن إلى مكة شهر، وله طريقان أحدهما على ساحل البحر وهو أبعد والآخر يأخذ على طريق صنعاء وصعدة ونجران والطائف حتى ينتهي إلى مكة، ولها طريق آخر على البوادي وتهامة وهو أقرب من الطريقين المذكورين أولا على أنها على أحياء

العرب في بواديها ومخالفها لا يسلكها إلا الخواصّ منهم، وأما أهل حضرموت ومهرة فإنهم يقطعون عرض بلادهم حتى يتصلوا بالجادّة التي بين عدن ومكة، والمسافة بينهم إلى الأمصار بهذه الجادة من نحو الشهر إلى الخمسين يوما، وأما طريق عمان إلى مكة فهو مثل طريق دمشق صعب السلوك من البوادي والبراري القفر القليلة السكان وإنما طريقهم في البحر إلى جدّة فإن سلكوا على السواحل من مهرة وحضرموت إلى عدن بعد عليهم وقلّ ما يسلكونه، وكذلك ما بين عمان والبحرين فطريق شاقّ يصعب سلوكه لتمانع العرب فيما بينهم فيه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


6-معجم البلدان (المناظر)

المَنَاظِرُ:

جمع منظرة، وهو الموضع الذي ينظر منه، وقد يغلب هذا على المواضع العالية التي يشرف منها على الطريق وغيره، وقال أبو منصور: المنظرة في رأس جبل فيه رقيب ينظر العدو ويحرسه منه:

وهو موضع في البريّة الشامية قرب عرض وقرب هيت أيضا، وقال عدي بن الرقاع:

«وكأنّ مضطجع امرئ أغفى به *** لقرار عين بعد طول كراها»

«حتى إذا انقشعت ضبابة نومه *** عنه وكانت حاجة فقضاها»

«ثم اتلأبّ إلى زمام مناخة *** كبداء شدّ بنسعتيه حشاها»

«وغدت تنازعه الحديد كأنها *** بيدانة أكل السباع طلاها»

«حتى إذا يبست وأسحق ضرعها، *** ورأت بقيّة شلوه فشجاها»

«قلقت وعارضها حصان خائض *** صهل الصهيل وأدبرت فتلاها»

«يتعاوران من الغبار ملاءة *** بيضاء محدثة هما نسجاها»

«تطوى إذا علوا مكانا جاسيا، *** وإذا السنابك أسهلت نشراها»

«حتى اصطلى وهج المقيظ وخانه *** أبقى مشاربه وشاب عثاها»

«وثوى القيام على الصوى وتذاكرا *** ماء المناظر قلبها وأضاها»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


7-المعجم الغني (اِنْبِهارٌ)

اِنْبِهارٌ- [بهر]، (مصدر: اِنْبَهَرَ):

1- "اِنْقَشَعَتِ الأنْوارُ، فَعاشَ لَحْظَةَ انْبِهارٍ شَديدٍ": اِخْتِطافُ بَصَرِهِ. "اِنْبِهارُ البَصَرِ".

2- "يَتَأَثَّرُ بِانْبِهارِ النَّاسِ": سَريعُ التَّأَثُّرِ بانْدِهاشِهِمْ وَإِعْجابِهِمْ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


8-المعجم الغني (اِنْقَشَعَ)

اِنْقَشَعَ- [قشع]، (فعل: خماسي. لازم، مزيد بحرف)، اِنْقَشَعَ، يَنْقَشِعُ، المصدر: اِنْقِشَاعٌ.

1- "اِنْقَشَعَتِ السًّحُبُ بَعْدَ نُزُولِ أمْطَارٍ غزِيرَةٍ": اِنْكَشَفَتْ، زَالَتْ.

2- "اِنْقَشَعَ البَلاءُ عَنِ البِلَادِ": جَلَا. "اِنْقَشَعُوا عَنْ أمَاكِنِهِمْ".

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


9-المعجم الغني (تَسَلَّى)

تَسَلَّى- [سلو]، (فعل: خماسي. لازم، مزيد بحرف)، تَسَلَّيْتُ، أَتَسَلَّى، تَسَلَّ، المصدر: تَسَلٍّ.

1- "يَتَسَلَّى فِي أَوْقَاتِ الفَرَاغِ": يَتَلَهَّى.

2- "تَسَلَّتْ عَنْهُ الأَحْزَانُ": اِنْقَشَعَتْ، زَالَتْ، اِنْكَشَفَتْ عَنْهُ.

3- "سَلاَّهُ فَتَسَلَّى": تَكَلَّفَ السُّلْوَانَ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


10-المعجم الغني (دُجْمَةٌ)

دُجْمَةٌ- الجمع: دُجَمٌ. [دجم]، (مصدر: دَجَمَ):

1- "هُوَ عَلَى تِلْكَ الدُّجْمَةِ": عَلَى تِلْكَ العَادَةِ وَالطَّريقةِ.

2- "اِنْقَشَعَتْ دُجَمُ الأَبَاطِيلِ": غَمَرَاتُهُ وَظُلُمَاتُهُ. "إنَّهُ لَفِي دُجَمِ الهَوَى".

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


11-تاج العروس (دجم)

[دجم]: دَجِمَ، كسَمِعَ وعُنِيَ، دَجْمًا ودُجْمًا: أَهْمَلَه الجوْهَرِيُّ.

وقالَ ابنُ بَرِّي وابنُ سِيْدَه: أَي حَزِنَ.

قالَ ابنُ بَرِّي: ودَجَمَ اللّيْلُ، كنَصَرَ، دُجْمَةً ودَجْمًا: أَظْلَمَ.

والدَّجْمُ من الشَّي‌ءِ: الضَّرْبُ منه. تقولُ العَرَبُ: أَمِن هذا الدَّجْمِ أَنْت أَي مِن هذا الضَرْب.

وكصُرَدٍ: دُجَمُ العِشْقِ: غَمَراتُهُ وظُلَمُهُ، وكَذلِكَ دُجَمُ الباطِلِ. يقالُ: انْقَشَعَتْ دُجَمُ الأَباطِيل؛ وإنَّه لفِي دُجَمِ الهَوَى أَي في غَمَراتِهِ وظُلَمِهِ؛ جَمْعُ دُجْمَة، بالضمِّ.

والدِّجَمُ، كعِنَبٍ: الأَخْدانُ والأَصْحابُ، وبه فسِّرَ قوْلُ رُؤْبَة:

وكَلَّ من طُولِ النِّضالِ أَسْهُمُه *** واعْتَلَّ أَدْيانُ الصِّبا ودِجَمُهْ

وقيلَ: هي العاداتُ، نقله الأَزْهَرِيُّ؛ الواحِدُ دِجْمَةٌ، بالكسْرِ، كقِرْبَةٍ وقِرَبٍ.

وقالَ بعضُهم: بل الواحِدُ دِجْمٌ.

قالَ ابنُ سِيْدَه: وهذا خَطَأٌ لأنَّ فِعْلًا لا يُجْمَعُ على فِعَلٍ إلَّا أَن يكونَ اسْمًا للجَمْعِ.

وما سَمِعْتُ له دَجْمَةً، بالفتحِ والضمِّ؛ أَي كَلِمَةً.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الدِّجْمُ، بالكسْرِ: الخُلُقُ كالدجْمَلِ. يقالُ: إنَّك على دِجْمٍ كَريمٍ أَي خُلُق، ودجملٌ مِثْلُه.

ودِجْمُ الرجُلِ: صاحِبُه.

وقالَ ابنُ الأعْرابي: الدُّجُومُ واحِدُهُم دِجْمٌ، وهُم خاصَّة الخاصَّةِ، ومِثْلُه الخُزانَةُ والصَّاغِيَةُ.

وهو مُداجِمٌ لفلانٍ ومُدامِجٌ له بمعْنًى.

وقالَ أَبو زَيْدٍ: هو على تِلك الدُّجْمَةِ والدُّمْجَةِ أَي الطَّرِيقَة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


12-لسان العرب (دجم)

دجم: دُجَمُ العِشْقِ وَالْبَاطِلِ: غَمَراتُه؛ يُقَالُ: انْقَشَعَتْ دُجمُ الأَباطيل.

وإِنه لَفِي دُجَمِ الهَوى أَي فِي غَمَراتِهِ وظُلَمِهِ، الْوَاحِدَةُ دُجْمَةٌ.

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ قِيلَ دِجْمَةٌ ودِجَمٌ لِلْعَادَاتِ.

ابْنُ بَرِّيٍّ: دَجَمَ الليلُ دُجْمَةً ودَجْمًا أَظلم.

والدِّجْمُ: الخُلُق.

وَيُقَالُ: إِنك عَلَى دِجْمٍ كَرِيمٍ أَي خُلُقٍ، ودجملٌ كَرِيمٌ مِثْلُهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " واعْتَلَّ أَدْيانُ الصِّبا ودِجَمُهْ "ودِجْمُ الرَّجُلِ: صَاحِبُهُ.

ودَجِمَ الرجلُ ودُجِمَ: حَزِنَ، والدَّجْمُ مِنَ الشَّيْءِ: الضَّرْبُ مِنْهُ؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:

وكَلَّ مِنْ طُولِ النِّضالِ أَسْهُمُهْ، ***واعْتَلَّ أَدْيانُ الصِّبا ودِجَمُهْ

قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: دِجَمُهُ أَخْدانُه وأَصحابه، الْوَاحِدُ دِجْمٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا خطأٌ لأَن فِعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فِعَلٍ إِلا أَن يَكُونَ إِسمًا لِلْجَمْعِ، وَالْمَعْنَى أَن الَّذِي كَانَ يُتَابِعُنِي فِي الصِّبا اعْتَلّ عَلَيَّ.

وَتَقُولُ الْعَرَبُ: أَمِنْ هَذَا الدَّجْمِ أَنت أَي مِنْ هَذَا الضَّرْبِ.

ابْنُ الأَعرابي: الدُّجُومُ وَاحِدُهُمْ دِجْمٌ، وَهُمْ خَاصَّةُ" الْخَاصَّةِ، وَمِثْلُهُ قِدْرٌ وقُدور، والصَّاغِيَةُ والحُزانة والحُزابة مِثْلُهُ، والحُزانة: مَنْ حَزَنَهُ أَمْرُهُ، والحُزابة: مَنْ حَزَبَهُ، وَفُلَانٌ مُداجِمٌ لِفُلَانٍ ومُدامِجٌ لَهُ، وَمَا سَمِعْتُ لَهُ دَجْمَةً وَلَا دُجْمَةً أَي كَلِمَةً.

أَبو زَيْدٍ: هُوَ عَلَى تِلك الدُّجْمَةِ والدُّمْجَةِ أَي الطريق.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


13-المحيط في اللغة (دجم)

دجم: انْقَشَعَتْ دُجَمُ الأباطِيْلِ والغَسَقِ: أي غَمَراتُه وظُلْمَتُه.

والدَّجْمُ: النَّجَارُ.

والشَّكْلُ.

والصَّدِيْقُ.

وتُفْتَحُ الدالُ.

والمُدَاجَمَةُ: المُدَاجاةُ.

وما سَمِعَتُ له دَجْمَةً: في مَعْنى زَجْمَة.

وقد دَجِمَ: حَزِنَ.

ولَيْلَةٌ داجِمَةٌ: مُظْلِمَةٌ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


14-تهذيب اللغة (دجم)

دجم: (ثعلب عن ابن الأعرابي): الدُّجُومُ واحدهُمْ: دِجْمٌ، وهم خاصةُ الخاصةِ، ومثلهُ: قِدرٌ وقدورٌ.

قال الليث: ويقالُ: انْقَشَعَتْ دُجَمُ الأباطيلِ، وإنهُ لَفِي دُجَمِ الهوَى أي في غمراتهِ وظُلَمِهِ، الواحدةُ: دُجْمَةٌ.

(قلت): وقال غيرُهُ: دِجْمَةٌ ودِجَمٌ، وهي العاداتُ.

ودِجْمُ الرجُلِ: صاحِبُهُ وخليلهُ.

وفلانٌ مُداجِمٌ لفلانٍ، ومُدَامِجٌ لهُ، وقال رؤبة:

وكَلَّ مِنْ طُولِ النِّضَال أسْهُمُه *** واعْتَلَّ إِذْ بَانَ الصِّبَا ودِجَمُهْ

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


15-معجم العين (دجم)

دجم: يقال انقشعت دُجَمُ الأباطيل، وأنّه لقي دُجَمِ العشقٌ والهوى أي في غمراتِه وظلمِه.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


16-الحضارة (بيا)

بيا: pia.

أول ملوك مملكة كوش (مادة) بنبتة (مادة) العاصمة بجنوب أسوان بمصر.

وضع علي العرش بعدة إنتخابه من الكهنة ووافق الشعب الكوشي علي تنصيبه.

وهذا كان متبعا مع الملوك الكوشيين من بعده.

ويقول بيَّا فى هذا الخصوص: "الآلهة تصنع الملك، والناس يصنعون الملك، إلا أن امون قد جعلني ملكًا".

وقال "وهبني امون النبتى حق حكم جميع البلدان، فمن أقل له كن ملكًا يكن ملكًا، ومن أقل له لا تكن ملكًا لا يكون، ووهبني امون فى طيبة حكم مصر، فمن أقل له فلتصعد متوجًا يتوج، ومن أقل له لا تصعد متوجًا لا يتوج، وكل من منحته حمايتي لا يخشى على مدينته، ولن أقوم بحال باحتلالها".

قال هذا بعدما أخضع الزعماء المحليين بمصر وكوش.

بعد السلام والإستقرار الذي تحقق في مملكته بيا: تفرغ للنشاط المعماري وبدأ فى تزيين العاصمة نبتة وقام بتشييد المعبد الرائع فى جبل البركل بديلًا عن المعبد القديم الأصغر حجمًا، كما استكمل بناء المعبد الذى كان قد بدأ فى تشييده كاشتا.

وفي حوالي 730 ق.

م.، قاد بيَّا بنجاح حملة الى مصر خلد انتصاره فيها بحولياته التى كتبت بلغة مصرية رصينة بالخط الهيروغليفي.

وكانت سياسة بيَّا التى اتبعها فى مستعمرته المصرية إكتفاءه بما حققه من نجاح سابق وما ناله من هدايا وغنائم وما فرضه من جزية، فجعل الإشراف على إدارة الدلتا لمدينة طيبة البعيدة الى الجنوب وعاد لعاصمته نبتة تاركًا الدلتا تحت سيطرة حاكمها تف نحت الذي استغل عودة بيَّا الى كوش فبدأ فى تهديد أمن الممتلكات الكوشية فى مصر العليا، متحالفًا مع ملوك وأمراء الشمال، ولم يصدر عن بيَّا أى رد فعلٍ بل تركهم يزحفون الى الجنوب حتى استولوا على هيراكليوبولس، عندها أمر الحامية الكوشية فى منطقة طيبة بالتصدى لهم عند الإقليم الخامس عشر كما أرسل التعزيزات العسكرية.

فاستدعى جلالته القادة العسكريين والضباط الموجودين فى مصر، وهم باروما و ليميرسكنى وسائر ضباطه فى مصر، وقال لهم: اتخذوا وضع الاستعداد، وخوضوا المعركة، والتفوا حول العدو وحاصروه.

وأأسروا رجاله ومواشيه وسفنه النهريَّة وامنعوا المزارعين من التوجه الى الحقول، والفلاحين من حرث الأرض.

اضربوا الحصار حول إقليم الأرنب وقاتلوا العدو كل يوم بلا هوادة.

وهذا ما فعلوه: وأرسل جيشًا الى مصر، وأوصاهم مشددًا قائلا: لا تنقضوا على العدو ليلًا وكأنكم تلعبون وتلهون، ولا تحاربوا إلا وأنتم مبصرون، وخوضوا ضده المعركة دون الاقتراب منه.

واذا قال لكم: انتظروا المشاة وسلاح المركبات القادمة من مناطق أخرى.

فتريثوا لحين وصول جيشه، ولا تبدأوا المعركة إلا عندما يطلب ذلك، واذا كان حلفاؤه فى مدينة أخرى فاصدروا الأوامر بالإنتظار حتى يصلوا، وحاربوا فى المقام الأول القادة العسكريين المصاحبين له كحلفاء، وحرسه الخاص من الليبيين، وعند استعراض الجيش لا ندرى لمن نوجه الحديث، فنقول: أيا أنت أسرج أفضل ما فى إسطبلك من جياد وهئ نفسك للمعركة عندئذ سوف تعرف اننا رسل امون" وينصح بيَّا قواته قائلًا: "اذا بلغتم طيبة و وقفتم أمام ابت سوت اغمروا فى الماء وتطهروا فى النهر وارتدوا الكتان النقي، وحطوا الأقواس والقوا السهام جانبًا، لا تتباهوا بأنكم أصحاب سلطة فى حضرة الذى بدون رضاه ليس للشجاع قدرة، فيجعل الضعيف قويًا، والجموع تتراجع أمام القلة وتعود أدراجها ويتغلب الفرد على ألف وتبللوا بماء هياكله، وقبلوا الأرض بين يديه وقولوا له: أرشدنا الى الطريق، فلنحارب فى ظل قوتكولتكن معارك المجندين الذين بعثت بهم مظفرة، وليستولى الرعب على الجموع عندما تواجههم.

ويبدو أن القوات الكوشية حاصرت القوات المصرية المتحالفة وأجبرتها على خوض المعركة، فارضة عليها الاحتماء بمدينة هرموبولس التى تمَّ ضرب الحصار عليها, فقط حينها توجه بيَّا بنفسه الى مسرح العمليات متوقفًا فى طريقه للاحتفال بالعام الجديد فى الكرنك، وكان غرض بيَّا من ذلك مزدوجًا، فمن جانب أراد أن يعلن للملأ اعتراف امون به ملكًا، ومن جانب ثانٍ استهدف إضعاف القوات المصرية المُحاصرة بإطالة أمد الحصار تدميرًا لروحها المعنوية.

وأثناء ذلك اجتاحت قواته مصر الوسطى، ووصل الى هرموبولس فأخضع ملكها نمرود كما استسلمت مدينة هيراكليوبولس دون أن تنتظر استيلاء بيَّا عليها واعترف حاكمها بولاية بيَّا فى خطاب مشحون بالعبارات الأدبية جاء فيه: "تحية لك أيَّا حورس، أيها الملك القوى، إنك الثور الذى يقاتل الثيران! لقد استحوذت الدات (أى العالم السفلى) علىَّ وغمرتني الظلمات، فهل لي أن أمنح وجهًا كوجهك المشرق! لم أجد من يناصرنى وقت الشدة، ولكن بفضلك أنت وحدك أيها الملك القوى انقشعت الظلمات من حولي! فأنا وجميع ممتلكاتي فى خدمتك، وتدفع مدينة ننى سوت الضرائب لجهازك الإداري، فأنت بالتأكيد خوراختى، حور الأفقين الواقف على رأس الخالدين، وبقدر بقائه تبقى أنتَّ ملكًا، وكما أنه خالد لا يموت فأنت أيضًا خالد لا تموت، أيا بيَّا يا ملك الوجهين القبلي والبحري، لك الحياة الى الأبد".

بعدها توجه بيَّا الى الشمال واستولى دون مقاومة على القلعة التى شيدها اوسركون الأول لمراقبة مدخل الفيوم، ثم زار مدينة هليوبولس لأداء الشعائر التقليدية التى تقام للإله امون وقدم القرابين فوق تل الرمال، ويسرد النص أن بيَّا اتجه الى "مقر رع فى موكب رهيب، فدخل المعبد وسط تهليل الحاضرين والكاهن المرتل يتعبد للإله لإبعاد أعداء الملك، ثم اقيمت شعائر بردوات وربط العصابة الملكية، وتطهر جلالته بالبخور والماء.

ووقف الملك بمفرده، وكسر ختم المزلاج وفتح مصراعى الباب وشاهد والده رع فى قصر البن بن المقدس ومركب النهار المخصصة لرع ومركب المساء المخصصة لأتوم، ثم أغلق مصراعي الباب ووضع الطين وختم الملك بخاتمه الخاص، وأصدر تعليماته للكهنة قائلًا: لقد قمت أنا شخصيًا بوضع الختم، لن يدخل المكان أحد سواى ممن يدعون أنهم ملوك، وانبطحوا على بطونهم فوق الأرض قائلين: ثابت أنت ودائم، فليحي حورس محبوب رع، الى الأبد! دخولًا الى مسكن أتوم".

أما تف نخت قائد المتمردين فقد أرسل الى الملك المنتصر بيَّا رسولًا ليتفاوض نيابة عنه وحملَّه رسالة الى بيَّا جاء فيها: "ألم يهدأ قلب جلالتك بعد كل ما ألمَّ بى بسببك؟ أجل انى بائس، ولكن لا تعاقبنى بقدر الجرم الذى ارتكبته، أنت تزن بالميزان وتحكم طبقًا للوزنات! وفى إمكانك مضاعفة جرمي أضعافًا مضاعفة، ولكن ابق على هذه الحبَّة، وسوف تعطيك حصادًا وفيرًا فى الوقت المناسب، لا تقتلع الشجرة من جذورها! إن كاءك (روحك) تثير الرعب فى أحشائي وترتعد أوصالي من شدة الخوف! ومنذ أن علمت باسمي لم أجلس فى بيت الجعة (إندايَّة) ولم أستمع الى عزف الجنك، لقد أكلت وشربت ما يكفى فقط لرد جوعى وإطفاء ظمئى.

وصل الألم الى عظامي، وأسير عارى الرأس مرتديًا الأسمال حتى تعفو الآلهة نيت عنى.

لقد فرضت على السير مسيرات طويلة، أنت تلاحقنى على الدوام، فهل أسترد حريتى ذات يوم؟ طهر خادمك من ذنوبه، ولتنتقل ممتلكاتي الى الخزينة العامة، وكافة ما أملك أيضًا من ذهب وأحجار كريمة وأفضل جيادي وكافة تجهيزاتى، أرسل رسولك ليطرد الخوف من قلبى وأذهب فى صحبته الى المعبد ليطهرني القسم الالهى".

وأرسل له بيَّا بالفعل كبير الكهنة المرتلين يرافقه القائد العكسرى الكوشي باورما حيث أقسم تف نخت أمامها فى المعبد القسم الالهى التالي: "لن انتهك المرسوم الملكى ولن أتهاون فى أوامر صاحب الجلالة، ولن أسلك سلوكًا مذمومًا فى حق قائد عسكري فى غيابه وسوف أتصرف فى حدود الأوامر الصادرة من الملك دون أن اخرق ما أصدره من مراسيم، عندئذ أعلن صاحب الجلالة موافقته".

بعد تلك الانتصارات ثبت بيَّا حكام الدلتا المصريين كل فى إقليمه متجنبًا إعطاء الكثير للذرية الليبية لفراعنة مصر القدماء مستثنيًا واحدًا منهم فقط هو نمرود بوصفه متحدثًا نيابة عنهم.

ويصف النص وصول أولئك الحكام لأداء فروض الطاعة والولاء: "لَّما أضاءَّ الأرض نهار جديد، حضر عاهلا الجنوب وعاهلا الشمال والصل على جبينهم وقبلوا تراب الأرض أمام قوة صاحب الجلالة.

وهكذا جاء ملوك وقادة الشمال ليشاهدوا بهاءَ جلالته، وكانت سيقانهم ترتعش وكأنها سيقان نسوة، ولكنهم لم يدخلوا الى مسكن الملك حتى لا يدنسوه بالنظر الى أنهم لم يختنوا ولأنهم يأكلون السمك.

أما الملك نمرود فقد دخل مسكن الملك إذ كان طاهرًا ولا يأكل السمك".

ومن ثم قرر بيَّا العودة الى نبتة وكان أن: "حُملت السفن بالفضة والذهب والأقمشة وسائر خيرات الشمال وكل ثمين وسائر كنوز سوريا وعطور بلاد العرب، وأقلعت سفن صاحب الجلالة صوب الجنوب وكان جلالته منشرح القلب، وعلى الجانبين كان الأهالي على شاطئ النهر يهللون من نشوة الفرح، وأخذ الجميع -شرقًا وغربًا- كلما بلغهم النبأ ينشدون عند عبور صاحب الجلالة أنشودة فرح وابتهاج، تقول الأنشودة: أيها الأمير القوى، أيها الأمير القوى، أيا بيَّا، أيها الأمير القوى! ها أنت تتقدم بعد أن فرضت سيطرتك على الشمال، إنك تحول الثيران الى إناث! طوبى لقلب المرأة التى أنجبتك! وطوبى لقلب الرجل الذى من صلبك! وأهل الوادي يحيونه فلتحي الى الأبد، فقوتك خالدة أيهُّا الأمير المحبوب من طيبة".

فضلَّ الملك الكوشي بيا ألا يحكم مصر شخصيًا بصورة مباشرة، فلجأ الى إتباع سياسة منح الحكم الذاتي للمصريين تاركًا السلطات الإدارية بأيدي الحكام المحليين الذين أدوا له قسم الطاعة والولاء، مكتفيًا بالإشراف الفعلي على منطقة طيبة والطرق الغربية حتى الواحة الداخلة.

(انظر: كوش.

نبتة).

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com