نتائج البحث عن (بُعِثَتْ)

1-العربية المعاصرة (خلق)

خلَقَ يَخلُق، خُلوقًا، فهو خَلَق وأَخْلَق.

* خلَق الثَّوبُ: بَلِي ورَثَّ (إن خلَق الثوبُ فلن ترفع من شأنه أزراره الذهبيَّة- ثوب/متاع خَلَق).

خلَقَ يَخلُق، خَلْقًا، فهو خالِق، والمفعول مَخْلوق.

* خلَق الشَّيءَ: أبدعه على غير مثالٍ سابقٍ، وأوجده من العدَم، اخترعه (خلقَ الله الكونَ- أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ [حديث] - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [قرآن]).

* خلَق الشَُّخص الإفكَ: افتراه، اختلقه {إِنْ هَذَا إلاَّ خَلْقُ الأَوَّلِينَ} [قرآن] - {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [قرآن].

* خلَق الكلامَ: صنعه (يحاول خلق شيء من لا شيء) (*) قصيدة مخلوقة: منحولة ومنسوبة إلى غير قائلها.

* خلَق اللهُ فلانًا على كذا: جبَله وفطَره عليه {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [قرآن].

خلُقَ/خلُقَ ب/خلُقَ ل يَخلُق، خَلاقَةً، فهو خليق، والمفعول مَخْلُوق به.

* خلُق الغلامُ: حسُن خُلُقه (شابٌ خليق).

* خلُق الثَّوبُ ونحوُه: بَلِي (ثوبٌ خَلَق).

* خَلُق الرَّجلُ بكذا/خلُق الرَّجلُ لكذا: صار جديرًا به (يخلُق بك أن تسمو إلى أعلى المراتب- خليق بالأبناء أن يبرّوا والديهم) (*) ما أخلقه/أخلقْ به: ما أجدره وأوْلاه.

خلُقَ يَخلُق، خلاقةً، فهو خلَق.

* خلُقَ الثَّوبُ ونحوُه: خَلَق1، بلِي ورثَّ (ثوبٌ خلَق).

خلِقَ يَخلَق، خَلَقًا، فهو أخلقُ.

* خلِقَ الثَّوبُ ونحوُه: خلَق1، بَلِي ورَثَّ (ثوبٌ أخلقُ).

أخلقَ يُخلق، إخلاقًا، فهو مُخلِق، والمفعول مُخلَق (للمتعدِّي).

* أخلق الثَّوبُ ونحوه: بَلِي (*) أخلق العهدُ بينهما: رثَّ وقدم كما يبلى الثوبُ- أخلق شبابُه: ولّى.

* أَخْلق الشَّخصُ: صارت ملابسه بالية.

* أخلق فلانٌ ثوبَه: أبلاه، لبسه حتى بلِي (أخلق متاعه بالإهمال).

اختلقَ يختلق، اختلاقًا، فهو مختلِق، والمفعول مختلَق.

* اختلق القولَ: ادّعاه وافتراه (هذا خبر مختلَق ولا أساس له من الصحة- إنه يختلق الأكاذيب- {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إلاَّ اخْتِلاَقٌ} [قرآن]) (*) يختلق الأعذار.

* اختلق الرِّوايةَ: أتمَّ خَلْقها وإبداعها.

اخلولقَ يخلولق، اخلولاقًا، فهو مُخلولِق.

* اخلولقت السَّحابةُ أن تمطر: قاربت، وهو من أفعال المقاربة التي تفيد الرَّجاء، يرفع الاسم وينصب الخبر بشرط أن يكون جملة فعلية.

تخلَّقَ/تخلَّقَ ب/تخلَّقَ على/تخلَّقَ في يتخلَّق، تخلُّقًا، فهو مُتخلِّق، والمفعول مُتخلَّق.

* تخلَّق الكلامَ: اختلقه، افتراه، ادَّعاه (إنه يتخلَّق الأخبار وينشرها بين الناس- {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخَلَّقُونَ إِفْكًا} [قرآن]).

* تخلَّق بأخلاق العلماء: حمل نفسه على التَّطبُّع بها، وجعلها خُلُقًا له (تخلَّق بالشِّيم الحميدة).

* تخلَّق فلانٌ علينا: تسخّط علينا، استشاط غضبًا (تخلّق على أخته وخاصمها).

* تخلَّق الجنينُ في بطن أمه: تشكَّل وتكوَّن.

خالقَ يُخالق، مخالَقَةً، فهو مُخالِق، والمفعول مُخالَق.

* خالق فلانًا: عاشره على أخلاقه، عاشره بخلق حسَن (خالق الناس، ولا تخالِفهم- خالِص المؤمنَ وخالق الفاجِر- وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ [حديث]: أحسِنْ معاشرتهم).

خلَّقَ يُخلِّق، تخليقًا، فهو مُخلِّق، والمفعول مُخلَّق.

* خلَّق الشَّيءَ: أكمله، أتمَّ خَلْقه (خلَّق الفنانُ تمثالًا لأحد الأبطال الوطنيين- {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [قرآن]).

* خلَّق الأمرَ: افتراه وادّعاه {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتُخَلِّقُونَ إِفْكًا} [قرآن]).

أخلاق [جمع]: مفرده خُلُق: مجموعة صفات نفسية وأعمال الإنسان التي توصف بالحُسْن أو القُبْح (سمو/كرم الأخلاق- فلان دمِث الأخلاق- الحلْمُ سيد الأخلاق- إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ) [حديث] (*) أخلاق اجتماعيّة: عادات أو قيم اجتماعية تختلف باختلاف الظروف- تدنّي الأخلاق: انحطاطها- جريمة أخلاقيّة: جريمة تَمَسّ العرض والشرف، كُلُّ جُرْم أو ذنب يقترفه الموظف في أثناء القيام بأعمال وظيفته- دماثة الأخلاق: سهولة الطبع ولينه- شرطة الأخلاق: شرطة الآداب- مكارم الأخلاق: الأخلاق الحميدة.

* علم الأخلاق: [في الفلسفة والتصوُّف] أحد أقسام الفلسفة وهو علم نظريّ يحدِّد مبادئ عمل الإنسان في العالم، وغرضه تحديد الغاية العليا للإنسان، أو هو علم بالفضائل وكيفية التحلِّي بها، والرذائل وكيفيّة تجنّبها.

أخلاقيّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى أخلاق: على غير قياس.

2 - [في الفلسفة والتصوُّف] ما يتَّفق وقواعد الأخلاق أو قواعد السُّلوك المقرَّرة في المجتمع، عكسه لا أخلاقيّ (جُرْم/سلوك/عمل/مشهد أخلاقيّ) (*) لا أخلاقيّ: ما لا يدخل تحت طائلة الحكم الأخلاقي.

أخلاقيَّة [مفرد]:

1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى أخلاق.

2 - مصدر صناعيّ من أخلاق: (يخضع العالم اليوم لعقليَّة جديدة وأخلاقيَّة جديدة) (*) أخلاقيّات العمل: ما يتعلَّق بالعمل من مبادئ ومُثل خُلقيّة- لا أخلاقيّة: القول بإنكار الأخلاق والاعتداد بالأحكام الواقعيّة فقط.

* اللاَّأخلاقيَّة:

1 - مذهب ينكر وجود الأخلاق، ويرفض كلّ وجهة نظر أخلاقيّة (وقف ضدّ اللاّأخلاقيّة الصهيونيّة).

2 - حالة من الانحلال وغياب الأخلاق (مازالت أمريكا تعامل الآخرين بالازدواجيّة واللاّأخلاقيّة).

أَخْلَقُ [مفرد]: جمعه خُلْق، والمؤنث خَلْقاء، والجمع المؤنث خلقاوات وخُلْق: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خلِقَ وخلَقَ.

تخلُّق [مفرد]:

1 - مصدر تخلَّقَ/تخلَّقَ ب/تخلَّقَ على/تخلَّقَ في.

2 - [في البيئة والجيولوجيا] تكوّن معادن جديدة في الصخور بعد تصلبها نتيجة إحلال عناصر جديدة فيها، تتسرب إليها من المياه الجوفية التي تتخلَّلها.

تخليق [مفرد]:

1 - مصدر خلَّقَ.

2 - [في الكيمياء والصيدلة] تفاعل كيميائيّ بين عنصرين أو أكثر يؤدّي إلى تكوين مركَّب، وكذلك سلسلة من التفاعلات ينتج عنها مركّب.

* التَّخليق الحيويّ: [في الكيمياء والصيدلة] تشكُّل مُركَّب كيميائيّ عن طريق كائن حيّ.

* التَّخليق الضَّوئيّ: [في النبات] تكوين السُّكَّر في خلايا النبات، باتّحاد ثاني أكسيد الكربون مع الماء في وجود الضَّوء واليخضور (الكلوروفيل).

خالِق [مفرد]: اسم فاعل من خلَقَ.

* الخالق: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الذي يُخرج من العدم إلى الوجود، ويصنِّف المُبدَعات، ويجعل لكلّ صنفٍ منها قدرًا {هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [قرآن].

خَلاق [مفرد]: حظّ ونصيب وافر من الخير والصلاح {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [قرآن] (*) لا خَلاق له: لا رغبة له في الخير، ولا صلاح في الدين.

خَلاقَة [مفرد]: مصدر خلُقَ/خلُقَ ب/خلُقَ ل وخلُقَ.

خَلْق [مفرد]:

1 - مصدر خلَقَ.

2 - مخلوق {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [قرآن].

3 - خِلْقة، بِنْيَة (فلانٌ متين الخَلْق) (*) تامّ الخَلْق: مُكتمِلُ التكوين، لا نقصَ في بنيته.

4 - إبداع فنِّيّ (تميّز بقدرته على الخلق والابتكار).

خَلْق [جمع]: ناس كثيرون، ورَى، بريّة، أنام (حضر الحفل خَلْقٌ كثيرون).

خَلَق [مفرد]: جمعه أخلاق (لغير المصدر {وخُلْقان} [قرآن] لغير المصدر)، جج خَلاقين (لغير المصدر):

1 - مصدر خلِقَ.

2 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خلَقَ وخلُقَ (*) لا جَديد لمن لا خَلَق له: الدعوة إلى الإبقاء على القديم وعدم التفريط فيه.

خُلُق [مفرد]: جمعه أخلاق:

1 - حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شرّ من غير حاجة إلى فكر ورويَّة، طبع وسجيّة، عادة، مروءة، دين (وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ [حديث] - {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [قرآن]) (*) حِدَّة الخُلُق: نزعة الغضب والانفعال بسرعة- سَيِّئ الخُلُق/ضيِّق الخُلُق: صاحب خلق رديء منحطّ- وَدَاعةُ الخُلُق: لينُه ودماثتُه.

2 - [في علوم النفس] تنظيم متكامل لسمات الشخصية أو الميول السلوكية يمكن الفرد من الاستجابة للعرف وآداب السلوك.

خِلْقة [مفرد]: جمعه خِلْقات وخِلَق:

1 - فِطْرة وطبيعة (فلانٌ كريمٌ خِلْقَةً).

2 - هيئة، شكْل (جميل الخِلْقَة- دميم الخِلْقَة: قبيح المنظر، بَشِع الهيئة).

3 - منذ الولادة (أعمى خِلْقَةً).

خُلْقِيّ [مفرد]: سريع الغضب، غضوب، محتد (إنسان خُلْقِيّ).

خُلُقيّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى خُلُق: (جريمة خُلُقيّة- عمل خُلُقيّ) (*) تحلُّل خُلُقيّ: تخلُّص من القيم الخلقيَّة السَّائدة.

2 - أدبيّ وروحيّ ومعنويّ، نقيض مادِّيّ وجُسمانيّ (قيم خُلُقيَّة) (*) العلوم الخُلُقيَّة: هي العلوم التي تشمل عِلْم الأخلاق.

3 - [في علوم النفس] سلوك يفرق فيه الإنسان بين الخير والشَّرِّ (حِسٌّ خُلُقيّ).

* اليقين الخُلُقيّ: اليقين العمليّ المبنيّ على الميول والعواطف، وهو خلاف اليقين المنطقيّ أو العلميّ المبنيّ على العقل والتَّجربة.

خِلْقيّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى خِلْقة: (يعاني من عيب خِلْقيّ في ذراعه- عنده ميل خِلْقيّ للكرم) (*) الصِّفات الخِلْقيَّة: الصفات الفطريّة التي يتصف بها الفرد عند ولادته، ونقيضها الصفات المكتسبة- عاهة خِلْقِيّة: شذوذ وظيفيّ أو بنيويّ يتطور عند الولادة، أو قبلها؛ كنتيجة للنمو الخاطئ أو العدوى أو الوراثة.

2 - [في الأحياء] سمة يولد بها الوليد منذ ولادته كالمرض، أو التشوّه.

خلاّق [مفرد]: صيغة مبالغة من خلَقَ2: كثير الإبداع والابتكار (عقل/خيال خلاَّق- {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} [قرآن]).

* الخلاَّق: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الخالق خَلْقًا بعد خَلْق، أو الذي من شأنه أن يَخلُق إلى آخر الدَّهر {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} [قرآن].

خُلُوق [مفرد]: مصدر خلَقَ.

خَليق [مفرد]: جمعه خليقون وخُلَقاءُ، والمؤنث خليقة وخَليق، والجمع المؤنث خليقات وخُلَقاءُ:

1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خلُقَ/خلُقَ ب/خلُقَ ل: جدير، حقيق، أهل.

2 - تامّ الخلق معتدل (هو خليقٌ في طفولته وفي شبابه).

خَليقة [مفرد]: جمعه خلائقُ وخَليق:

1 - كل مخلوق، ناس، كُلّ خَلْق (اللهُ ربُّ الخليقة والخلائق- {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيقَةً} [قرآن]).

2 - طبيعة وسجيَّة (ومهما تكُن عند امرئ من خليقة.. وإن خالها تَخْفَى على الناس تُعْلَمِ).

مخلوقات [جمع]: مفرده مخلوق: كل ما في الكون (كل المخلوقات تسبِّح لله- إنه من عجائب المخلوقات).

* المخلوقات البشريَّة: أبناء آدم- عليه السلام- الذين يعيشون على وجه الكرة الأرضيَّة، الجنس البشريّ.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-العربية المعاصرة (ذكر)

ذكَرَ يَذكُر، ذِكْرًا وذُكْرًا وذِكْرى وتَذكارًا وتِذكارًا، فهو ذاكِر، والمفعول مَذْكور.

* ذكَر الطَّالبُ القصيدةَ: حفظها في ذهنه واستحضرها (ذكَر الماضي- أذكر أنَّني كتبت إليه رسالة- ذكرناك في غيابك- {خُذُوا مَا ءَاتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} [قرآن]) (*) حقّق تقدُّمًا يُذكر: نجح نجاحًا مَلْحوظًا- قيمته لا تُذكر: تافه القيمة، غير ذي بال.

* ذكَر حقَّه: حفظه، ولم يضيّعه (ذكر العهدَ الذي بينه وبَيْن والده).

* ذكَر الشَّيءَ: استحضره واستعاده في ذهنه بعد نسيانٍ (ذكر الأيّامَ الغابرة- {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} [قرآن]: خبرًا أو قصّة- {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [قرآن]) - إذا ذكرت الذِّئبَ فأعِدّ له العصا [مثل]: يُضرب للحثّ على الاستعداد للأمور وعدم الغفلة- اذكر الصَّديقَ وهيِّئ له وسادة [مثل]: يُضرب للرّجل الصالح يُذكر في مجلس فإذا به يحضر على غير ميعاد.

* ذكَر اللهَ:

1 - أثنى عليه، وحمده وسبّحه، ومجّده، واستحضرَه في قلبه فأطاعه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} [قرآن].

2 - دعاه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [قرآن].

3 - صلّى {وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلًا} [قرآن].

* ذكَر النِّعمةَ: شكرها {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ} [قرآن].

* ذكَر شرْطًا:

1 - أورد (ذكر ملاحظاته/واقعة- ذكرته في مَعْرِض حديثي- {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ} [قرآن]) (*) ذكرته آنفًا: أي منذ ساعة من أوّل وقت يقرب مِنّا.

2 - دوَّن (ذكر في محضر- ذكر زميلًا له في وصيَّته).

* ذكَر شخصًا: عابه (ذكر الناس: اغتابهم- ذكره بالشرِّ: ذمّه- {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ} [قرآن]: يعيبهم ويذمّهم) (*) ذكره بالخير: مدحه، أثنى عليه.

* ذكَر فلانةَ:

1 - خطبها (إِنَّ عَلِيًّا يَذْكُرُ فَاطِمَةَ [حديث] - {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [قرآن]).

2 - عرَّض بخِطبتها.

* ذكَر اسمَ الله على الذَّبيحة: نطق به {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [قرآن] (*) ذكرته بلساني وبقلبي.

* ذكَر فلانٌ الشَّيءَ لفلانٍ: أعلمه به وذكَّره إيّاه.

أذكرَ يُذْكِر، إذكارًا، فهو مُذكِر، والمفعول مُذكَر (للمتعدِّي).

* أذكرتِ الأنثى: ولدت ذكرًا (*) أذكرتِ، وأيسرتِ: من أدعية العرب للحبلى، أي ولدتِ ذكرًا، ويُسِّر عليك.

* أذكرتِ الفتاةُ: تشبَّهت في أخلاقها بالرَّجل.

* أذكره حقَّه: نبّهه، جعله يستحضره ويسترجعه في ذهنه (أذكر صديقَه أيّام الصبا- {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذْكِرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [قرآن]).

* أذكر الحقَّ عليه: أظهره وأعلنه.

ادَّكرَ يدّكِر، ادِّكارًا، فهو مُدَّكِر، والمفعول مُدَّكَر.

* ادَّكرَ الشَّخصُ الموعدَ: اذَّكره، استحضره في ذهنه واسترجعه بعد نسيان {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [قرآن]: مُستحضِر مُتدبِّر، مُتّعظ حافظ- {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [قرآن].

اذَّكَرَ يذّكِر، اذِّكارًا، فهو مُذّكِر، والمفعول مُذَّكَر.

* اذَّكرَ الشَّخصُ الموعدَ: ادّكره، استحضره في ذهنه واسترجعه بعد نسيان {وَاذَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} [قرآن] - {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا ءَايَةً فَهَلْ مِنْ مُذَّكِر} [قرآن]: مُتّعظ حافظ).

اذَّكَّرَ يذَّكَّر، فهو مُذَّكِّر، والمفعول مُذَّكَّر (للمتعدِّي).

* اذَّكّر الشَّخصُ: اتّعظ واعتبر {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [قرآن].

* اذَّكَّر الشَّيءَ: استحضره، واسترجعه في ذهنه {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا} [قرآن].

استذكرَ يستذكر، استذكارًا، فهو مُستذكِر، والمفعول مُستذكَر.

* استذكر الطَّالبُ الدَّرسَ: حفظه ودرسه (استذكر كتابًا/قصيدةً).

* استذكر الشَّيءَ: استحضره، تذكَّره، واسترجعه في ذهنه (استذكر الماضي/المحاضرات).

تذاكرَ/تذاكرَ في يتذاكر، تذاكُرًا، فهو مُتذاكِر، والمفعول مُتذاكَر.

* تذاكروا الشَّيءَ: استحضروه في أذهانهم وذكرَهُ بعضُهم لبعض (تذاكروا أحداثَ الماضي- تذاكروا أيّامَ الشباب).

* تذاكر الكتابَ: درسه للحفظ.

* تذاكروا الأمرَ/تذاكروا في الأمر: تفاوضوا فيه، وتشاوروا، وتبادلوا الرأي (تذاكر القضاةُ حيثيّات القضيّة- تذاكر التجّارُ في أمور البيع والشِّراء).

تذكَّرَ يتذكَّر، تذكُّرًا، فهو مُتذكِّر، والمفعول مُتذكَّر (للمتعدِّي).

* تذكَّرتِ المرأةُ: تشبَّهت في أخلاقها بالرَّجل.

* تذكَّر الشَّيءَ: مُطاوع ذكَّرَ1: ذكره، استحضره بعد نسيان، وفطِن له (تذكَّر حادثةً/واقِعَةً: جرت على لسانه بعد نسيان- كلَّنا ننسى أكثر ممَّا نتذكّر- {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَاب} [قرآن]: يتّعظ ويعتبر- {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [قرآن]).

ذاكرَ يُذاكر، مُذاكرةً، فهو مُذاكِر، والمفعول مُذاكَر.

* ذاكر فلانًا في أمرٍ:

1 - كالمه فيه، وخاض معه في حديثه (جرت بينهم مذاكرة قصيرة- ذاكرني والدي في موضوع الامتحان).

2 - نبَّهه {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَاكِرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [قرآن]).

* ذاكر الطَّالبُ دَرْسَه: فهمه وحفظه (ذاكَر دُروسَه/المحاضرات).

ذكَّرَ يُذكِّر، تذكيرًا وتذكِرةً، فهو مُذكِّر، والمفعول مُذكَّر.

* ذكَّر الخطيبُ النَّاسَ: وعظهم وخوّفهم {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [قرآن].

* ذكَّر فلانًا: حدَّثه عن الماضي.

* ذكَّرتُ صديقي دَينَه/ذكَّرتُ صديقي بدينه: جعلته يستحضره ويسترجعه، ويعيده إلى ذهنه، نبّهته (ذكّره وعْدَه/بوعْده- ذكّرته بتصرُّفاتِه- ذكَّرتني الطعن وكنت ناسيًا [مثل]: تنبيه الغافل الذي أنسته المفاجأة أن لديه ما يُنفِّذه- {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [قرآن]).

ذكَّرَ يُذكِّر، تذكيرًا، فهو مُذكِّر، والمفعول مُذكَّر.

* ذكَّر الفلاَّحُ النَّخلَ: نثَر مقدارًا من لقاح فحل النخل على أعذاق الأنثى ليلقحَها.

* ذكَّر الكلمةَ: [في النحو والصرف] عاملها معاملة المذكَّر، عكسه أنّث.

تَذْكار/تِذْكار [مفرد]:

1 - مصدر ذكَرَ.

2 - شيء يُحمل، أو يُكتب، أو يُحفظ للذِّكرَى (قدم له هديَّة على سبيل التِّذكار/التَّذكار- أهداه ساعة تِذكارًا/تَذكارًا لصداقتهما).

3 - استرجاع الذِّهن صورة شيء أو حدثٍ ما (على سبيل التّذكار).

تَذْكاريّ/تِذْكاريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى تَذْكار/تِذْكار: (طابع/كتاب تذكاري- لوحة تذكاريَّة) (*) صورة تذكاريّة: صورة تُلتقط لمجموعة من الأشخاص تسجيلًا لحدث معيّن.

* نُصُب تذكاريّ: بناء يُقام لتخليد ذكرى شهداء حرب أو تخليد ذكرى تاريخيّة.

تَذْكِرة [مفرد]: جمعه تذكرات (لغير المصدر) وتذاكر (لغير المصدر):

1 - مصدر ذكَّرَ.

2 - ما تستحضر به الحاجة في الذهن، وما يدعو إلى الاسترجاع في الذِّهن.

3 - ما يدعو إلى الذِّكرى والعبرة ويبعث على الذكر {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [قرآن].

4 - بطاقة يثبت فيها أجر الركوب أو الدخول لمكان ما في (طائرة- قطار- مسرح- سينما- متحف..) (تذكرة هويّة/اشتراك/مرور/ذهاب وإياب- مراقب التذاكر- صندوق التذاكر: كشك بيع التذاكر) (*) تذكرة إثبات الشَّخصيَّة/تذكرة إثبات الهُويَّة: وثيقة رسميَّة تحمل اسم الشخص ورسمَه وسماتِه وتثبت شخصيَّته، تصدر من الحكومة، بطاقة- تذكرة انتخابيَّة: بطاقة تثبت حقّ الشّخص في الانتخاب- تذكرة طبِّيَّة: بطاقة يسجِّل فيها الطبيبُ علاجَ المريض والأدوية التي يحتاج إليها- تذكرة مرور: وثيقة تسمح بحرِّيَّة المرور والتنقُّل بدلًا عن جواز السفر.

5 - جواز سفر.

تذكُّر [مفرد]:

1 - مصدر تذكَّرَ.

2 - [في علوم النفس] استعادة الصور، والمعاني الذهنيَّة الماضية عفوًا، أو عن قصد.

تذكير [مفرد]:

1 - مصدر ذكَّرَ وذكَّرَ.

2 - وعظ {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ} [قرآن].

3 - [في النحو والصرف] عدم إلحاق الفعل أو الاسم علامة التأنيث.

ذاكِرة [مفرد]:

1 - صيغة المؤنَّث لفاعل ذكَرَ.

2 - [في علوم النفس] قدرة النفس على الاحتفاظ بالتجارب، والمعلومات السابقة في الذِّهن واستعادتها (لديه ذاكرة حادّة- بقي في ذاكِرة الناس) (*) إن لم تخُنِّي الذَّاكرةُ: إذا لم أنسَ- خلل في الذَّاكرة/قُصور في الذَّاكرة: ضعف ونقص فيها- ذاكِرة بصريّة: قوّة عقليَّة، يحفظ بها الإنسانُ في ذهنه كلّ ما يُبصِر- ذاكِرة حافِظة: قدرة على استبقاء الأشياء في الذِّهن- مطبوعٌ في الذَّاكرة: لا يمكن نسيانُه.

* فقدان الذَّاكرة: [في علوم النفس] ضياع كلِّيّ للذَّاكرة لفترة من الزمن بسبب حوادث مُعيَّنة، فهو حالة يكون فيها المريض واعيًا ولكنَّه لا يستطيع التذكُّر.

* ذاكرة مُؤقَّتة: [في الحاسبات والمعلومات] أداة أو منطقة تُستخدم لتخزين المعلومات بشكل مؤقَّت وتسليمها بسرعة تختلف عن التي أُدخلت بها.

* ذاكرة إضافيَّة: [في الحاسبات والمعلومات] وحدة تخزين خارجيّة تُستخدم امتدادًا للذّاكرة الداخليّة لاستكمال تخزين برنامج أو بيانات لا تسعها الذاكرة الداخليّة.

* ذاكرة مستديمة: [في الحاسبات والمعلومات] وسط تخزين يمكنه الاحتفاظ بالبيانات المخزونة عليه كما هي في حالة انقطاع التيّار الكهربائيّ المغذِّي له بمعنى إمكانيَّة الحصول على البيانات المخزونة في حالة انقطاع التيّار وعودته مرَّة أخرى.

* طبع محتوى الذَّاكرة: [في الحاسبات والمعلومات] نسخة من المعلومات تحفظ في ذاكرة الحلقات الممغنطة، وعادة ما تحفظ على جهاز للحفظ الخارجيّ.

* قرص ذاكرة للقراءة فقط: [في الحاسبات والمعلومات] قرص مُدمج يعمل كأداة قراءة فقط.

ذَكَر [مفرد]: جمعه ذِكار وذِكارة وذُكْران وذُكُور وذُكُورة:

1 - جنس لا يلد، وهو جنس يمتلك قدرةَ الإخصاب، عكْسه أنثى (ولد/ضفدعٌ ذكرٌ- {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} [قرآن]).

2 - آدم عليه السّلام {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا} [قرآن].

ذَكَر [مفرد]: جمعه ذِكَرة وذُكُور ومذاكيرُ: صفة تُطلَق على كلِّ قطعة في آلة تدخل في قطعة أخرى، تسمى أنثى (ذكر أنبوب).

* الذَّكَر من الإنسان وغيره: عضو التَّناسل.

* الذَّكَر من الحديد: أجوده، وهو خلاف الأنيث.

* الذَّكَر من النُّحاس: الصّلب الذي لا يُطرق جيِّدًا.

* رجل ذكر: قويّ، شجاع، شهم، أبيّ.

ذُكْر [مفرد]: مصدر ذكَرَ.

ذِكْر [مفرد]: جمعه أذكار (لغير المصدر):

1 - مصدر ذكَرَ.

2 - صيت حسن، أو سيئ، يتركه الإنسانُ بعد موته، وقيل الصِّيت والشرف (خالِد الذِّكْر- طيِّب الذكْر: حسن السُّمعة- *فالذِكر للإنسان عمرٌ ثانٍ*- {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [قرآن]) (*) آنِف الذِّكر: معلوم سابقًا- أشاد بذِكره: رفع من قدره، أثنى عليه، عظَّمه- خصَّه بالذِّكْر: أفرده بالإشارة، ذكره بصورة خاصَّة- سابِق الذِّكر/سالف الذِّكر: معلوم سابقًا- ما زال منِّي على ذِكْر: لم أنْسَه- ممّا هو جدير بالذِّكر: ممّا يستحقّ الإشارةَ إليه.

3 - دُعاء، وتعبُّد بطريقة جماعيَّة (حلقة ذِكْر: حفل يردِّد فيه عددٌ من الأشخاص (من الدراويش عادة) لا إله إلاّ الله، وباقي أسماء الله الحسنى وأدعية وترانيم).

* الذِّكْر:

1 - القرآن الكريم، لما فيه من تذكرة النَّاس بآخرتهم ومصالح دنياهم (اقرأ ما تيسّر من آي الذِّكر الحكيم- {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [قرآن]) (*) الذِّكْر الحكيم: القرآن الكريم.

2 - كتاب من كتب الأوَّلين {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ} [قرآن].

3 - اللَّوح المحفوظ {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [قرآن].

4 - الصَّلاة والدُّعاء {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [قرآن] - {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [قرآن].

ذِكْرى [مفرد]:

1 - مصدر ذكَرَ.

2 - عِبرة وعِظة وتوبة {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [قرآن].

3 - ذِكر، صِيت حسن أو سيئ يتركه الإنسانُ بعد موته.

4 - ما ينطبع في الذاكِرة، ويبقى فيها (لطفولتنا ذكريات سعيدة- ذكرى عذبة/مؤلمة/حيَّة- ذكريات كاتب- أعاد ذكريات الماضي) (*) ذكريات الدِّراسة.

5 - تذكُّر {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [قرآن].

6 - تسبيح وطاعة {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [قرآن].

7 - دليل وحجّة {وَمَا هِيَ إلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [قرآن].

8 - عيد سنويّ ليوم تميَّز بحدث هامّ، أو حدوث أمر معيَّن، احتفال بمرور فترة على حادث مهمّ (ذِكرى ميلاد- ذكرى انتصار السادس من أكتوبر- احتفال بذكرى المولد النبوي الشريف- ذكرى الإسراء والمعراج) (*) إحياءً لذِكْرى: أقام احتفالًا تكريمًا لشخص، أو حدث- الذِّكرى الألفيّة: الاحتفال بمرور ألف عام على بناء مسجد أو إنشاء مدينة. إلخ- الذِّكرى السَّنويّة: الاحتفال بمرور عام على زواج أو وفاة شخص. إلخ، أو ما يُذكِّر بما حدث في اليوم ذاته لسنة أو لسنوات خلت- الذِّكرى المئويّة: الاحتفال بمرور مائة عام- تخليد الذِّكرى/تمجيد الذِّكرى.

* يوم الذِّكرى: يوم يقيمه المستوطنون الصهاينة قبل يوم 5 مايو (آيار) وهو اليوم الذي يحتفلون فيه بعيد الاستقلال، ويُكرَّس هذا اليوم لذكرى الجنود الذين سقطوا في حرب 1948 أو الحروب التي تلتها.

ذَكُور [مفرد]: صيغة مبالغة من ذكَرَ: كثير الحفظ في ذهنه، قويّ الذاكرة (شابٌّ ذَكور- إذا كُنت كذوبًا فكُن ذَكُورًا).

ذُكُورة [مفرد]: مجموع الصفات الخاصّة بجنس الذكور، عكسها أنوثة (نسبة الذكورة في المواليد تتساوى في الغالب مع نسبة الأنوثة).

ذُكُوريَّة [مفرد]: مصدر صناعيّ من ذُكُورة: رجوليَّة (ذكوريَّةُ الرّأي/الجَسَد).

مُذَاكرة [مفرد]: مصدر ذاكرَ: معاودة فهم الدروس وحفظها (مذاكرة جهريَّة- حريص على المذاكرة).

مِذْكار [مفرد]: جمعه مذاكيرُ، والمذكر مِذْكار: مَن اعتادت ولادة الذُّكور، وقد يطلق كذلك على الرجل الذي يتوارد أبناؤه ذكورًا (*) أَرْضٌ مِذكارٌ: تنبت ذكور العُشب- فلاةٌ مِذكارٌ: صحراء ذات أهوال لا يسلكها إلاّ الذكور من الرِّجال.

مِذْكارة [مفرد]: مِذْكار، من اعتادت ولادة الذكور (امرأة مِذْكارة).

مُذْكِر [مفرد]: اسم فاعل من أذكرَ (*) داهية مُذْكِر: شديدة لا يُقدَر عليها- طريق مُذْكِر: مَخُوف- يَوْمٌ مُذْكِر: شديد صعب.

مُذكَّر [مفرد]:

1 - اسم مفعول من ذكَّرَ وذكَّرَ.

2 - [في النحو والصرف] اسم لا توجد فيه علامة تأنيث، وهو خلاف مؤنَّث فيكون مذكّرًا حقيقيًّا، أي له أنثى من جنسه كالرَّجل، والجمل، أو مذكَّرًا غير حقيقي كالكتاب، والباب.

* المُذكَّر من الإنسان والحيوان: من له صفات الذَّكر، عكسه مؤنَّث (امرأة مذكَّرة: متشبِّهة في أخلاقها بالرِّجال) (*) سيف مُذَكّر: ذو رونق وحسن وصفاء- طريق مذكَّر: مَخُوف- يَوْمٌ مُذكَّر: شديد صعب.

* جَمع المذكَّر السالم: [في النحو والصرف] ما دلّ على أكثر من اثنين بزيادة واو ونون أو ياء ونون على مفرده وأغنى عن المتعاطفين، فكان له مفرد من جنسه، ومفرده إمّا اسم وإمّا صفة.

* المُلحق بجمع المذكَّر: [في النحو والصرف] ما دلّ على أكثر من اثنين وعُومل معاملة جمع المذكَّر السَّالم في الرَّفع بالواو وفي النَّصب والجرّ بالياء.

مُذكِّرة [مفرد]:

1 - صيغة المؤنَّث لفاعل ذكَّرَ وذكَّرَ.

2 - دفترٌ صغيرٌ يدوَّن فيه ما يراد استرجاعه واستحضاره في الذِّهن من أمور، أو أعمال، أو مواعيد، مفكِّرة، دفتر ملاحظات (هذا مدوَّن في مذكِّرتي- سجل في مذكِّرته موعد قيام الطائرة- مذكِّرات سياسيّ: ما يرويه شخص خطِّيًّا من أحداث شهدها بنفسه أو تتعلق بسيرته، وحياته العامَة أو الخاصّة).

3 - بيان مجمل أو مفصّل تُشرح فيه بعض المسائل (مذكِّرة موجَّهة إلى رئيس الدولة- مذكِّرة بطرح الثِّقة- بعثت الحكومةُ بمذكِّرة دبلوماسيّة تفصيليّة- سُلمت مذكِّرة احتجاج إلى السفارة) (*) مذكِّرة إحضار/مذكِّرة استدعاء: ورقة دعوة وجلب إلى المحكمة- مذكِّرة اتِّهام: بيان يحمل مُسوِّغات الاتِّهام في قضيَّة من القضايا- مذكِّرة احتجاج: تقرير موجز يعترض على خطأ، أو انتهاك للقانون الدوليّ- مذكِّرة توقيف: أمرٌ يُصدره قاضي التَّحقيق يقضي بتوقيف شخص وسجنه- مذكِّرة دعوَى: مذكِّرة تتعدَّى عرض الدعوى ويُدخِل فيها أحدُ الأطراف المتنازعة طُعونًا.

4 - إشعار مكتوب صادر عن الإدارة يحمل ملاحظات على سير العمل أو التنبيه إلى تدبير جديد.

* مذكِّرة قضائيّة: [في القانون] أمر قضائيّ يُصرِّح لشرطيّ القيام بالتَفتيش أو الحيازة أو إلقاء القبض.

* المذكِّرة التَّفسيريَّة: [في القانون] بيان يُصدَّر به كلّ قانون لبيان الدَّواعي إلى سَنِّه.

* مذكِّرة شفويّة: [في القانون] إبلاغ يُقال شفهيًّا ويُدوَّن في مذكِّرة مكتوبة غير موقَّعة.

مذكُور [مفرد]:

1 - اسم مفعول من ذكَرَ: سابق الذّكر (*) المذكور أعلاه/المذكور آنفًا/المذكور سلفًا: المشار إليه سابقًا.

2 - ذو قيمة، وغالبًا ما تستعمل في أسلوب النّفي (لم يكن مذكورًا بينهم: لم يكن ذا قيمة بينهم- {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [قرآن]).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


3-العربية المعاصرة (طلب)

طلَبَ يَطلُب، طَلَبًا وطِلابًا وطِلابةً، فهو طالب، والمفعول مَطْلوب.

* طلَب المجدَ: سعى للحصول عليه، توخَّاه، نشَده (طلب النجاحَ/الوظيفةَ- جاء لطلب/في طَلَب الدَّين- *من طلَبَ العُلا سهرَ الليالي*- {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} [قرآن]) (*) طلبه في التلفون: هاتفه، كالمه تليفونيًّا- طلَب يدَها: تقدَّم للزواج منها، خطبها.

* طلَب إليه الغُفرانَ/طلَب منه الغُفرانَ: سأله إيَّاه، التمسه منه (طلَب إليه عونًا- طلَب منه مساعدةً- {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [قرآن]: والطّالب هنا عابد الصَّنم والمطلوب كُلُّ معبود بغير حقّ).

* طلَب فلانًا بدم فلان: حاول الأخذ بثأره.

* طلَب الليلُ النهارَ: أعقبه وأتى بعده {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [قرآن].

تطلَّبَ يَتطلّب، تطلُّبًا، فهو مُتطلِّب، والمفعول مُتطلَّب.

* تطلَّب الأمرُ تفكيرًا: استدعى، احتاج واستلزم (تطلّب الدرسُ انتباهًا- يتطلب الوضعُ عملًا سريعًا).

* تطلَّب العطاءَ: طلبه مرّةً بعد مرَّة مع تكلُّف (تطلّب خدمةً/الطعامَ).

طالبَ يُطالِب، مطالبةً وطِلابًا، فهو مُطالِب، والمفعول مُطالَب.

* طالبه بالشّيء: سأل بإلحاح ما يعتبره حقًّا له (طالبه بحصّته/بوفاء دينه/بإرثه/بحقِّه).

طالِب [مفرد]: جمعه طالبون وطَلَبة وطُلاّب، والمؤنث طالبة، والجمع المؤنث طالبات:

1 - اسم فاعل من طلَبَ.

2 - تلميذ يطلب العلم في مرحلتي التعليم الثانوية والجامعيّة (كان طالبًا بجامعة الملك سعود- في الجامعة كثير من الطُلاّب الأجانب) (*) اتّحاد الطَّلَبَة: تنظيم في جامعة أو كلِّيَّة يُوَفِّر التَّسهيلات والمرافق للتَّرويح، مبنى يشتمل على تلك المرافق.

* الطَّالب: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: المتتبِّع غير المُهمِل (أقسم بالله الغالِب الطالِب).

طِلاب [مفرد]: مصدر طلَبَ.

طِلابة [مفرد]: مصدر طلَبَ.

طَلَب [مفرد]: جمعه طلبات (لغير المصدر):

1 - مصدر طلَبَ (*) تحت الطَّلب: طُلِب ولم يصل بعد، يُلبِّي بمجرد طلبه- حسَب الطَّلَب: مصنوع حسب مواصفات طالبها- طَلَب تجاريّ: أمر تسليم بضائع أو بيعها أو شرائها.

2 - التماس يتقدّم به صاحب حاجة (قدَّم طلبًا للحصول على وظيفة- وافق على الترقية بناءً على طلب المدير) (*) طلب استعارة: نموذج مطبوع يقوم باستيفائه الفرد الذي يتقدَّم للمكتبة للحصول على الاستعارة حيث يسجّل عليه معلومات.

3 - [في الاقتصاد] كميَّة يقبلُ الأفرادُ شراءها من سلعةٍ ما بثمن معيّن (*) العَرْضُ والطَّلَبُ: ما يُعْرَض من بضائع للبيع وما يُطلَب شراؤه منها.

4 - [في القانون] ما يتقدَّم به الخصم إلى المحكمة ملتمسًا الحكم به في الدعوى.

* سعر الطَّلب: [في الاقتصاد] أقلّ سِعْر بيع مطلوب لورقةٍ ماليّةٍ ما في سوق الأوراق الماليّة، أو هو السِّعر الذي يمكن للمستثمر أن يشتري به ورقة ماليَّة من السوق كما هي معروضة، ويسمّى أيضًا السِّعر المعروض أو سعر العرض.

طَلِبة [مفرد]: جمعه طَلِبات: بُغية، حقّ يُطالَب به (جعل ذلك طريقًا إلى طَلِبته).

طِلْبَة [مفرد]: جمعه طِلْبات وطِلَب: ما يُطْلب (ما طِلْبَتُك؟).

طَلَبيَّة [مفرد]: مصدر صناعيّ من طلَبَ: شيء مطلوب توريده (سلّمَ طلبيّة إلى المُتعهِّد- وصلت طلبيَّة القماش).

طُلاّبيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى طُلاّب: على غير قياس: خاص بالطلاب (اتحاد طلابيّ- مركز الأنشطة الطلابيّة).

مُتَطلَّب [مفرد]: جمعه متطلَّبات:

1 - اسم مفعول من تطلَّبَ.

2 - أمر أو عمل يُطلَب تحقيقه، شيء أساسيّ لا غنى عنه (مُتطلّبات الإنسان/التعيين/الزواج) (*) مُتطلّب جامعيّ: مُقَرّرٌ يجب على جميع طلاب الجامعة دراسته قبل التخرُّج.

مطالبة [مفرد]: جمعه مطالَبات:

1 - مصدر طالبَ.

2 - مراسلة بُعثت إلى مورّد لاستعجال موادّ متأخّرة.

مَطلَب [مفرد]: جمعه مَطَالب:

1 - مصدر ميميّ من طلَبَ.

2 - مقصد، ما يُطلب من حق وغيره (لي عندك مطلب واحد- قدَّم/لبَّى مَطلبًا).

3 - هدف يُسعى إلى تحقيقه (الحريَّة مطلبُ الناس جميعهم- وما نيل المطالب بالتمنِّي.. ولكن تُؤخذ الدُّنيا غِلابا).

4 - مسألة من مسائل العلم (قضى ليلته يفكر في مطلب فيزيائيّ).

مَطْلُوب [مفرد]:

1 - اسم مفعول من طلَبَ (*) وهو المطلوب إثباته: تعبير يكتب غالبًا في نهاية برهان للدلالة على أنّه تمّ التّوصُّل إلى الاستنتاج المطلوب.

2 - رائج (هذه العطور مطلوبة في السُّوق).

3 - [في القانون] طلب، حاصل ما يتقدّم به الخصم إلى المحكمة مُلتمسًا الحكم به في الدَّعوى.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


4-العربية المعاصرة (كرم)

كرُمَ يَكرُم، كَرَمًا وكرامةً، فهو كريم.

* كرُم الرّجلُ:

1 - أعطى عن طِيب خاطر وجاد دون انتظار مقابل، عكسُه بخِل (كرُم السّحابُ: جاد بالغيث النافع- كرُمتِ الأرضُ: زكا نباتُها).

2 - نبُل وعزَّ، عكسه لؤم (الكريم إذا وعد وفى- إذا أنت أكرمت الكريم ملكتهُ.. وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا).

* كرُمت هديَّتُه: نفُست وعزَّت (كرُمت خيولُ السِّباق- أحجار كريمة: نفيسة، كالماس مثلًا).

أكرمَ يُكرم، إكرامًا، فهو مُكرِم، والمفعول مُكرَم.

* أكرم الشَّخصَ: شرَّفه ونزَّهه، رفَع شأنَه وفضّله، أحسن معاملتَه (أكرم والديه/ضيفَه- ما أكرمه لي: ما أشدَّ تكريمه لي- عند الامتحان يكرم المرءُ أو يهان- {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [قرآن] - {كَلاَّ بَل لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [قرآن]) (*) أكرم مَثْواه: أنزله مُنزلًا كريمًا- أكرم نفسَه عن التَّبذّل: صانها- أكرم وفادَتَه: أكرمه وقام بما يجب القيام به تجاهه.

تكرَّمَ/تكرَّمَ على يتكرَّم، تكرُّمًا، فهو مُتكَرِّم، والمفعول مُتكَرَّم عليه.

* تكرَّم الشَّخصُ:

1 - تكلَّف الكرَمَ.

2 - تلطَّف وتفضَّل وتعامل بِنُبْل (لو تكرَّمتَ بالجواب).

* تكرَّم على غيره: عامله بكَرَم وسخاء (تكرَّم على تلميذه بهديّة ثمينة).

كرَّمَ يُكرِّم، تَكريمًا وتَكْرِمَةً، فهو مُكرِّم، والمفعول مُكرَّم.

* كرَّمت أسرةُ التعليم مُديرَها: قدّمت له التكريمَ أو التقدير لنبوغه (*) حَفْلة التَّكريم: حفلة تقام تقديرًا لشخص واعترافًا بفضله وخدماته.

* كرَّم فُلانًا: أكرمه؛ فضَّله وشرَّفه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ} [قرآن] - كرَّم اللهُ وَجْهَه: شرَّفه.

إكرام [مفرد]:

1 - مصدر أكرمَ: عكسه إهانة (*) إكرامًا له: من أجله.

2 - عطاء ورزق.

* ذو الجلال والإكرام: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: المُستحِقّ للتعظيم والإكرام فلا يُجحَد ولا يُكفَر به، الذي يُكرم أهلَ ولايته ويرفع درجاتهم بالتوفيق لطاعته في الدُّنيا وبقبوله أعمالَهم في الآخرة.

إكراميَّة [مفرد]: مصدر صناعيّ من إكرام: عَطيّة تُعطى للعامل زيادة على أجره.

أكرمُ [مفرد]: اسم تفضيل من كرُمَ.

* الأكرم: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الكريم الذي لا يوازيه كريم ولا يعادله نظير.

أكرمان [مثنى]: مف أكرم.

* الأكرمان:

1 - الدِّين والعِرْض.

2 - القلب والكبد.

3 - الرُّكن والحجر الأسود في الكعبة الشَّريفة.

تكرِمة [مفرد]:

1 - مصدر كرَّمَ.

2 - وسادة الرَّجل التي يقعد عليها (وَلاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلاَ يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ) [حديث].

كرامة [مفرد]:

1 - مصدر كرُمَ (*) حُبًّا وكرامة: بكلّ سرور وطيب خاطر- له عليّ كرامة: عِزّة.

2 - احترام المرء ذاته، وهو شعور بالشّرف والقيمة الشخصيّة يجعله يتأثّر ويتألّم إذا ما انتقص قَدْره.

* كرامة الإنسان:

1 - [في الفلسفة والتصوُّف] مبدأ أخلاقيّ يُقرِّر أنّ الإنسان ينبغي أن يعامل على أنّه غاية في ذاته لا وسيلة، وكرامته من حيث هو إنسان فوق كلِّ اعتبار.

2 - [في الفلسفة والتصوُّف] أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدِّي ودعوى النبوّة، يُظهره الله على أيدي أوليائه (وليٌّ صاحب كرامات).

كَرْم [جمع]: وجمع الجمع كُروم، ومفرده كَرْمَة:

1 - عِنَب (*) ابنة الكَرْم: الخَمْر.

2 - [في النبات] شجر متسلِّق يحمل ثمارَ العنب ويُصنع منه النبيذ.

3 - [في النبات] نبات عشبيّ طبِّيّ مُعترش ذو ساق ضعيفة، يحصل على قوَّته من التزحلق أو الزحف على السطح.

كَرَم [مفرد]: مصدر كرُمَ.

* بقلة الكَرَم: [في النبات] أحد أنواع النباتات كثيرة العُصارة ذات عناقيد من الأزهار الأرجوانيّة.

كَرْميّات [جمع]: [في النبات] فصيلة نباتات من ذوات الفلقتين، عديدة التّويجيّات سُفليَّة الأسديّة تشمل الكرم والكَرْميَّة.

كَرْميّة [جمع]: [في النبات] نباتات مُعترشات فيها أنواع تصلح للتزيين.

كُرُوم [مفرد]: (انظر: ك ر و م - كُرُوم).

كَرِيم [مفرد]: جمعه كِرام وكُرَماءُ، والمؤنث كريمة، والجمع المؤنث كِريمات وكرائمُ:

1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من كرُمَ (*) حَجَر كريم: نفيس- مرَّ مرور الكِرام: لم يعرِّج، لم يهتمّ بالأمر ولم يقف عنده طويلًا.

2 - صفة لكلّ ما يُرضي ويُحمَد في بابه (وصلني خطابُك الكريم- وجه كريم: مُرضٍ في محاسنه- خُلُق كريم: نبيل سامٍ- قول كريم: مُرضٍ في معانيه وجزالة ألفاظه) (*) رزق كريم: كثير- كريم الأصل/كريم السلالة/كريم العنصر/كريم المحتد: شريف.

3 - صفة للقرآن العظيم {إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ} [قرآن].

* الكريم: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الشّريف الطّاهر الرّفيع المنزلة، الذي لا يمنُّ إذا أعطى، والذي تكثر منافعه وفوائده، والصّفوح عن الذّنوب {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [قرآن].

كَريمة [مفرد]: جمعه كِريمات وكرائمُ: مؤنَّث كَريم: (كرائمُ الأموال: نفائسها وخيارها).

* كريمة الرّجل: ابنته، وهي تستعمل في المواقف الرسميَّة (عقد الأبُ قِرانَ كريمته).

* الكريمتان: العينان (إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمتَيْ عَبْدِي فَصَبَرَ عَوَّضتُّهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ [حديث قدسيّ]).

مُكرَّمة [مفرد]: صيغة المؤنَّث لمفعول كرَّمَ: (بُقعة مُكرَّمة- {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} [قرآن]) (*) مُكرَّمات الحرب: امتياز يُمنح للجيش المهزوم، وذلك بإبقائه حاملًا سلاحه.

* المُكَرَّمة: صفة ل (مكّة) المدينة المقدَّسة في المملكة العربيَّة السعوديَّة، التي يحجّ إليها المسلمون من كافّة أرجاء الأرض.

مَكرَمة/مَكْرُمة [مفرد]: جمعه مكرَمات/مكرُمات ومكارِمُ:

1 - فعل الكَرَم والخير (على قَدْر أهل العزم تأتي العزائم.. وتأتي على قَدْر الكرام المَكارمُ- إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ [حديث]: لأتمِّم الأخلاقَ الكريمة المحمودة).

2 - سبب الكَرَم والتكريم (فعل الخير مكرُمة).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


5-المعجم الوسيط (المَظْرُوفُ)

[المَظْرُوفُ]: ما اشتمل عليه الظرفُ.

يقال: بعثتُ بالرسائل مظروفةً.

(وهي كلمة محدثة).

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


6-المعجم الوسيط (المَكْرُمَةُ)

[المَكْرُمَةُ]: فِعْلُ الخَيْر.

(والجمع): مكارِمُ وفي الأَثر: «بُعِثتُ لأُتمِّمَ مكارِمَ الأَخلاق» [حديث نبوي].

وأَرضٌ مَكْرُمَةٌ: كريمةٌ طيِّبةٌ جيدةُ النبات.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


7-شمس العلوم (جَبَّ يَجُبُّ)

الكلمة: جَبَّ يَجُبُّ. الجذر: جبب. الوزن: فَعَلَ/يَفْعُلُ.

[جَبَ] الجَبُ: القطع.

وجَبَّه: أي خصاه.

وخَصِيٌ مَجْبوب بيِّن الجِباب.

ويقال: جَبَّه: إِذا غلبه.

وجبَّت المرأة النساء: إِذا غلبتهن بالحسن، وأنشد ثعلب:

*جَبَّت نِسَاءَ العَالَمِينَ بالسَّبَبْ*

قيل: معناه أنها قدرت عجيزتها بالسبب ـ وهو الحبل ـ ثم بعثت به إِليهن فلم يكن لهن مثل عجيزتها.

ويقال: جبَ الناسُ النخلَ: إِذا لقَّحوه.

وقيل: جبَ الناس النخل: إِذا فرغوا من تلقيحه، يقال: جاء زمن الجِباب: أي زمن الفراغ من تلقيحه.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


8-شمس العلوم (الجُحْد)

الكلمة: الجُحْد. الجذر: جحد. الوزن: فُعْل.

[الجُحْد]: لغة في الجَحْد، وهو قلة الخير، قال:

لَئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الحُمَيْدَيْنِ مائرًا *** لَقَدْ غَنِيَتْ في غَيْرِ بُوْسٍ ولا جُحْدِ

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


9-شمس العلوم (المَرْغَمَةُ)

الكلمة: المَرْغَمَةُ. الجذر: رغم. الوزن: مَفْعَلَة.

[المَرْغَمَةُ]: الرُّغم، وفي الحديث: «بُعِثْتُ مَرْغَمَةً».

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


10-شمس العلوم (السَّرْوَلَةُ)

الكلمة: السَّرْوَلَةُ. الجذر: سرل. الوزن: الْفَعْوَلَة.

[السَّرْوَلَةُ]: سَرْوَلَهُ: أي ألبسه السراويل.

والسراويل: أعجمية، والجميع: سراويلات.

قال قيس بن سعد الأنصاري:

أردت لكيما يعلمَ الناسُ أنها *** سراويل قيس والوفود شهود

وألّا يقولوا غاب قيس وهذه *** سراويل عاديٍّ نمته ثمود

وذلك أن ملك الروم كتب إِلى معاوية أن يبعث إِليه بسراويلِ أطولِ رجل عنده.

فقال لقيس: إِذا انصرفت فابعث إِليَّ بسراويلك؛ فخلعها ورمى بها.

قال معاوية: ألا بعثت بها.

فقال هذين البيتين.

وحمامة مسرولة: تشبيهًا.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


11-شمس العلوم (المِعْزَف)

الكلمة: المِعْزَف. الجذر: عزف. الوزن: مِفْعَل.

[المِعْزَف]: واحد المعازف، وهي الملاهي كالدف والطنبور ونحوهما.

وفي الحديث عن النبي عليه‌ السلام: «بعثت بكسر المعازف والمزامير».

قال أبو يوسف ومحمد والشافعي: يجوز كسرها، وإن أمكن الانتفاع بها في المباح.

وعند أبي حنيفة: إذا حُلَّ نظامها وبقي منها ما يصلح للمباح لم يجز كسرها.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


12-شمس العلوم (القادسيّة)

الكلمة: القادسيّة. الجذر: قدس. الوزن: فَاعِلَة.

[القادسيّة]: موضع بالعراق كانت فيه وقعة للعرب على الفُرْس أيام عمر بن الخطاب: أمَّر على العرب سعد بن أبي وقاص، فكتب إليه سعد أن يمده، فبعث عمر إليه عمرو بن مَعْدِيْكَرِب في جماعة من زُبَيْد، وكتب إليه: إني قد بعثتُ إليك ألف فارس، وهو عمرو بن مَعْدِيْكَرِب الزبيدي يقوم مقامها، فادفع إليه أعنَّة الخيل، وشاورْه في أمور الحرب، فإنه شجاع مجرِّب ولا تولِّه شيئا من أحكام المسلمين، فإنه حديث عهدٍ بالجاهلية.

فلما وصل عمرو إلى سعد سُرَّ به وسائر المسلمين سرورا عظيما، فقتل عمرو بهرام، قائد يزدجر ملك الفرس.

وجماعةً من الأساورة، وفُتحت القادسية، وكان أول من دخلها عمرو بن مَعْدِيْكَرِب، ويقال: إنه قام في ركابي فرسه، ثم ضرب بيده في أعلى بابها فبقي أثر يده من دماء القتلى في الباب، فقال كلٌّ من العرب: نحن أول من دخلها، فقال عمرو: أنا أحكم بأن أول من دخلها صاحب أثر اليد التي في الباب، فليقم كل فارسٍ منكم في ركابي فرسه، وليضرب بيده على الأثر، فمن وافقه منكم فهو أول من دخلها ففعلوا فلم يبلغ أحدٌ منهم الأثر ففعل عمرو ما أمرهم به فوقعت يده على الأثر؛ ويقال: إن سعدا وجد عليه في ذلك.

قال عمرو:

أكرُّ بباب القادسية مُعْلَما *** وسعد بن وقاص عليَّ أميرُ

تذكَّر، هداك الله وَقْع جيادنا *** بباب قديس والمكرُّ عسير

عشية ودَّ القوم لو أن بعضهم *** يُعار جناحي طائر فيطيرُ

وكان الفُرْسُ قد أعدوا صفارات تُنَفِّرُ خيل العرب وأكثروا الجرح بالنشاب، فأمر عمرو أن تسدَّ آذان الخيل بقطن، وأن تبلَّ الخفاتين بماء فلا يقطع فيها النشاب، ففعل المسلمون ذلك ففتح الله القادسية على يدي عمرو.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


13-شمس العلوم (النَّسَم)

الكلمة: النَّسَم. الجذر: نسم. الوزن: فَعَل.

[النَّسَم]: جمع نسمة، وهي النفس.

قال أسعد تُبَّع.

شهدت على أحمدٍ أنه *** رسولٌ من الله باري النَّسَم

وفي حديث النبي عليه‌ السلام: «بُعثت في نَسَم الساعة» أي في ابتداء أوائلها، مأخوذ من نسم الريح، وهو أولها قبل أن تشتد.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


14-مرافعات قضائية (اختصاص)

اختصاص: اختصاص- قاضي التحقيق- مكان ارتكاب جريمة القذف بواسطة رسالة- مكان استلام و قراءة الرسالة.

"من المقرر أن مكان ارتكاب جريمة القذف بواسطة رسالة خاصة، مبعوثة من مكان إلى آخر إلى الشخص المعني بالقذف، هو المكان الذي استلمت و قرئت فيه هذه الرسالة من طرف الشخص الذي بعثت إليه، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون.

و لما كان الثابت في قضية الحال، أن قرار غرفة الاتهام المؤيد لأمر قاضي التحقيق لمحكمة ميلة الذي تمسك باختصاصه على أساس أن هذه الجريمة وقعت بدائرة اختصاصه حيث أرسلت منها الرسالة في حين أن استلامها من الذي بعثت إليه كان بمدينة قسنطينة، حيث فتحت و قرئت هناك، فإن هذا القرار قد تضمن إعطاء تأويل مخطئ للقانون حول قواعد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق.

و متى كان الأمر كذلك، استوجب نقض و إبطال القرار.

مرافعات قضائية


15-معجم ما استعجم (أحجار المراء)

أحجار المراء: موضع بمكّة، على لفظ جمع حجر، كانت قريش تتمارى عندها، وهى صفىّ السّباب. روى زرّ عن أبىّ قال: «لقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال: إنّى بعثت إلى أمّة أمّيّة، فيهم الغلام والعجوز والشيخ العاسى. فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف».

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م


16-معجم ما استعجم (يأجج)

يأجج: بفتح أوّله، وإسكان ثانيه، بعده جيمان، الأولى مفتوحه، وقد تكسر. قال أبو عبيد: يأجج: واد ينصبّ من مطلع الشمس إلى مكة، قريب منها، وقد تقدم ذكره فى رسم أجأ. ويوم يأجج هو يوم الرّقم؛ وقد تقدّم ذكره، لأنّ الموضعين متّصلان، قال الشّمّاخ.

من اللّائى ما بين الصّراد فيأجج فدلّك أنه قبل الصّراد. وقول عمر بن أبى ربيعة يدلّ أنّه قبل مغرب:

«وموعدك البطحاء من بطن يأجج *** أو الشّعب بالممروخ من بطن مغرب»

وذكر أبو داود فى كتاب الجهاد من حديث ابن إسحاق، عن يحيى بن عبّاد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزّبير، عن عائشة، قالت: لمّا بعث أهل مكة فى فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فداء أبى العاصى

ابن الربيع بمال. وذكر الحديث. وفيه: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، وقال: كونا ببطن يأجج حتّى تمرّ بكما زينب، فتصحباها، حتى تأتيا بها. وجمعه أرطاة بن سهيّة وما حوله فقال:

«ونحن قتلنا باليآجيج عامرا *** بكلّ شراعىّ كقادمة النّسر»

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م


17-جمهرة اللغة (دقن دنق قدن قند ندق نقد)

الدّانق: معروف معرّب، بكسر النون - وهو الأفصح الأعلى - وفتحها، وكان الأصمعي يأبى إلا الفتح.

قال الشاعر:

«يا قومِ من يَعْذِرُ من عَجْرَدٍ***القاتلِ المرءَ على الدّانِقِ»

«لمّا رأى ميزانَـه شـائلًا***وَجاهُ بين الجِيد والعاتِـقِ»

قال أبو بكر: أُخبرت عن أبي عبيدة قال: كان رجل من بني قيس بن ثعلبة بالبصرة وكان جَلْدًا فجاء الى بقّال ليشتريَ منه شيئًا بدانق فاستربح البقّال في الوزن فوجأه بين جيده وعاتقه وَجْأةً فقتله فحُملت دِيَةُ الرجل على عاقلته، فقال رجل منهم هذا الشعر، وفيه زيادة وهي:

«فَخَرَّ من وَجأتـه مَـيِّتـًا***كأنما دُهْدِهَ من حـالـقِ»

«فبعضَ هذا الوَجْأ يا عجردٌ***ما ذا على قومك بالرّافقِ»

ودَنَّقَتْ عينُ الرجل تدنِّق تدنيقًا، إذا غارت، وكذلك الدابّة.

ويقال: قَدْني، في معنى حَسْبي، وكذلك قَدي.

والقَنْد: فارسيّ معرَّب قد جاء في الشعر الفصيح.

وقد استعملته العرب فقالوا: سَويق مقنود ومقنَّد.

قال الشاعر:

«أهاجَكَ أظعانٌ رَحَلْنَ ونسـوةٌ***بكَرْمان يُغْبَقْنَ السَّويقَ المقنَّدا»

والنَّقَد من الغنم: الصّغار الأجرام منها، والجمع نِقاد.

وراعي النَّقَد نَقّاد.

قال أبو زُبيد يصف أسدًا:

«كأنّ أثواب نَقّادٍ قُدِرْنَ له***يعلو بخَمْلته كَهْباءَ هُدّابا»

ونَقِدَ القرنُ والسنّ ينقَد نَقَدًا، إذا وقع فيه الفساد.

قال الهُذلي:

«تَيْسُ تُيوسٍ إذا يناطحُها***يَألَمُ قَرْنًا أرُومُه نَقِـدُ»

ونَقَدَتْه الحيّةُ، إذا لدغته؛ عربي صحيح.

وفي بعض الأخبار: أنا النقّاد ذو الرَّقَبَة بُعثت الى صاحب هذا القصر.

وناقد الدّنانير: الذي يعرف جيّدها من مدخولها.

والنَّقْد: خلاف النَّسيئة.

وأنْقَدُ: اسم من أسماء القُنْفُذ؛ يقال في مثل: بات فلان بليلِ أنْقَدَ، وبليلِ ابنِ أنقدَ، إذا بات ساهرًا لأن القنفذ لا ينام الليل.

والنُّقْد: ضرب من النبت.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


18-جمهرة اللغة (السين في الهمز)

سَأبتُ الرجلَ أسأَبه سَأْبًا وسَأدتُه سَأْدًا، إذا خنقته خَنِقًا.

قال أبو بكر: لم يجىء في الكلام فَعَلَ فَعِلًا إلا حرفان: خَنَقَ خَنِقًا وضَرَطَ ضَرِطًا.

وتقول العرب: سَئبتُ من الشراب أَسأب سَأَبًا، إذا شربت منه، وتقول للزِّقّ العظيم: السَّأْب، وجمعه السُّؤوب، والمِسْأب أيضًا.

قال الشاعر:

«إذا ذُقْتَ فاها قلتَ عِلْقٌ مدمَّسٌ*** أريدَ به قَيْلٌ فغُودرَ في سَأْبِ»

المدمَّس: المخبوء.

وسَبَأتُ الخَمر أسبَؤها سَبأً، إذا اشتريتها.

قال الأخطل:

«بَعَثْتُ إلى حانوتها فاستـبـأتُـهـا*** بغير مِكاسٍ في السِّوام ولا غَصْبِ»

والخمر سبيئة ومسبوءة، أي مشتراة.

قال الشاعر:

«وسبيئةٍ ممّا تعتِّق بـابـلٌ*** كَدمَِ الذبيحِ سلَبْتُها جِرْيالَها»

وسَبَأتُه بالنار أسبَؤه سَبْأً، إذا أحرقته بها.

وقال قوم: سَبَأتُه مائةَ سوطٍ، إذا ضربته.

وتقول: سَرَأَتِ الجرادةُ سَرْءًا، إذا ألقت بَيضها، والبيض السَّرْء، ورزَّته رَزًّا كذلك، والرَّزّ: أن تُدخلِ ذَنَبَها في الأرض فتُلقي رَزَّها، وهو بَيضها.

وتقول: سَرَأتِ المرأةُ، إذا كثر ولدُها، فهي تسرَأ سَرْءًا، وسَرُوَت، إذا كانت سَرِيّة.

وتقول: سُؤتُ الرجلَ أسوءه، إذا لاقيته بما يكره، سُوءًا ومساءةً.

وتقول: سَلَأتُ السمنَ أسلَؤه سَلْأ، والاسم السِّلاء، ممدود.

قال الشاعر:

«ونحن منعناكم تـمـيمـًا وأنـتـمُ*** سَوالىء إلاّ تُحْسِنوا السَّلْءَ تُضربوا»

وقال النَّمِر بن تَوْلَب:

«لَعَمْرُ أبيك ما لحمي بُربِّ*** ولا لَبَني عليّ ولا سِلائي»

وسَلأتُه مائة سَوط، وسَلَأته مائةَ درهم.

وتقول: سئمتُ الشيءَ أسأمه سآمةً وسَأْمًا وسَأَمًا، إذا مللته.

وتقول: سأسأتُ بالحمار، إذا قلت له: سَأْ سَأْ.

وساءني الأمرُ يَسوءني مَساءةً.

قال الشاعر:

«إن لم يكن ساكَ فقد ساءني*** تَرْكُ أُبَيْنِيك إلى غير راعْ»

وسَأَوْتُ الثوبَ سَأْوًا وسَأَيْتُه سَأْيًا، إذا مددته إليك فانشقّ، وتساءى القومُ الثوبَ، إذا تمادُّوه بينهم.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


19-العباب الزاخر (عجس)

عجس

العَجْسُ والعِجْسُ والعُجْسُ: مَقْبِضُ القوس، وكذلك المَعْجِسُ -مثال المَجْلِس-، قال أوس بن حَجَر يَصِفُ قوسًا:

«كَتُومٌ طِلاعُ الكَـفِّ لا دُوْنَ مِـلْـئهـا *** ولا عجْسُها عن موضع الكَفِّ أفْضَلا»

الكَتوم: القوس التي لا شَقَّ فيها ولا صَدْع. وقال مُهَلْهِل:

«أنْبَضُوا مَعْجِسَ القِسِيِّ وأبْرَقْ *** نا كما تُوْعِدُ الفُحولُ فُحولا»

والعَجْس: طائفة من وَسَطِ الليل، كأنَّه مأخوذ من عَجْسِ القَوْس، قال مَنظور بن حَبَّة:

«وفِتْيَةٍ نَبَّهْتُهُـم بـعَـجْـسِ *** وَهْنًا وما نَبَّهْتُهُم لِـبَـأسِ»

«إلاّ لِسَيْرٍ بالـفـلاةِ مَـلْـسِ *** على قِلاصٍ كَقِسِيِّ الفُرْسِ»

يقال: مَضى عَجْسٌ من الليل. وقال الليث: العَجْس: آخِر الليل، قال حُرَيْث بن عَنّاب:

«وأصحاب صِدْقٍ قد بَعَثْتُ بجَوْشَـنٍ *** من الليل لولا حُبُّ ظمياء عَرَّسوا»

«فقاموا يَجُرّونَ الثِّياب وخَلْـفَـهـم *** من الليل عَجْسٌ كالنعامة أقْعَـسُ»

ومَطَرٌ عَجُوْس: أي منهمر، قال رؤبة:

«أُسْقِيْنَ نَضّاخَ الصَّبا بَجِـيسـا *** أوْطَفَ يَهْدي مُسْبِلًا عَجُوْسا»

والعَجُوْس: السحاب الثقيل الذي لا يَبْرَح.

وعَجَسَني عن حاجَتي يَعْجِسُني -بالكسر- عَجْسًا: أي حَبَسَني.

والعَجْس -أيضًا-: القَبْض.

وعَجَسَت به الناقة: إذا تنَكّبَت به عن الطريق من نشاطها، قال ذو الرمّة:

«إذا قال حادِيْنا أيا عَجَسَـتْ بِـنـا *** صُهَابِيَّةُ الأعْراف عُوْجُ السَّوَالِفِ»

والأعْجَسُ: الشديد العَجْس أي الوَسَط.

والعَجَاساء: القِطْعَة الَظِيمة من الإبل، قال الراعي:

«ولإن بَرَكَتْ منها عَجَاسَاء جِلَّة *** بِمَحْنِيَةٍ أشْلى العِفَاسَ وبَرْوَعا»

والعَجَاسى، وانكرها أبو الهيثم، قال:

«وطاف بالحوض عَجاسى حُوْسُ»

والعَجَاساءُ -أيضًا-: الظُّلْمَة، وقال شَمِر: عَجاساءُ الليل: ظُلْمَتُه المُتَراكِمَة، وقال ابن دريد: العَجاساءُ: القِطْعَة العَظيمة من الليل، وقال أبو عمرو: الواحِدة عَجاساءُ والجَمعُ عَجاساءُ أيضًا؛ ولا يقال جَمَل عَجاسَاء، قال العجّاج يَصِف ليلة هادئة شديدة:

«إذا رَجَوْتَ أنْ تُضِيْء اسْوَدَّتِ *** دونَ قُدامى الصُّبْحِ فارْجَحَنَّتِ»

«منها عَجَاساءُ إذا ما الْتَـجَّـتِ *** حَسِبْتُها ولم تُـكَـرَّ كُـرَّتِ»

وعَجَاساءُ: رَمْلَة عظيمة بِعَيْنِها.

وقال أبو عُبَيدة: يقال عَجَسَتْني عَجاساءُ الأمور عنكَ: أي مَنَعَتْني مَوانِعُها. وما مَنَعَكَ فهو العَجاساءُ.

وقال ثعلب: العُجُوس: مَشْيُ العَجاساءِ من الإبل.

والعَجُسُ: العَجُزُ، والأْعَجاس: الأعْجَازُ، قال رؤبة:

«وعُنُق تَمَّ وجَوْزٌ مِهْرَاسْ *** ومَنْكِبا عِزٍّ لنا وأعْجَاسْ»

والعُجْسَة -بالضم-: الساعة من الليل.

وقال ابن عبّاد: العِجَّوْس -مثال عِلَّوْص-: العِجَّوْلُ.

وفَحْلٌ عَجِيْس وعَجِيْزٌ: لا يُلْقِح.

والعِجِّيْسي -مِثال خِطِّيْبي-: اسم مِشْيَةٍ بَطِيْئةٍ. وقال أبو بكر بن السرّاج: هي عَجِيْسَاءُ -مثال قَرِيْثاءَ-.

ويقال: لا آتيك سَجِيْسَ عَجِيْسَ وسَجِيْسَ عَجِيْسٍ وسَجِيْسَ عُجَيْسٍ: أي أبدًا، قال:

«فأقْسَمْتُ لا آتي ابْنَ ضَمْرَةَ طائعًا *** سَجِيْسَ عُجَيْسٍ ما أبانَ لسانـي»

وتعجَّسْتُ أمْرَ فلانٍ: إذا تَعَقَّبْتَهُ وتَتَبَّعْتَه.

ويقال: تَعَجِّسْتُ الأرْضَ غُيُوْثٌ: إذا أصابها غَيْثٌ بعد غَيْثٍ.

وتَعَجَّسَ الرجل: خَرَجَ بعُجْسَةٍ من الليل أي بسُحْرَةٍ، قال المَرّار بن سعيد الفَقْعَسِيُّ يَصِفُ رُفْقَتَه:

«وإذا هُمُ ارْتَحَلُوا بِلَيْلٍ حـابِـسٍ *** أُخْرى النُّجُوْمِ بِعُجْسَةِ المُتَعَجِّسِ»

المُتَعَجِّس: المُتَسَحِّر.

وتَعَجَّسَ: تأخَّرَ. وقال شَمِر: تَعَجَّسَ فلان بالقوم: إذا حَبَسَهُم وأبْطَأ بهم.

وتَعَجَّسه عِرْقُ سَوْءٍ وتَعَقَّلَه وتَثَقَّلَه: إذا قَصَّرَ به عن المكارم.

وقال ابن دريد: تَعَجَّسْتُ الرجل: إذا أمَرَ أمرًا فَغَيَّرْتَه عليه.

ورَوى النَّضْرُ بن شُمَيل في حديث: يَتَعَجَّسُكُم عند أهل مكة. وقال: معناه يُضَعِّفُ رأيَكُم عندهم.

والتركيب يدل على تأخير الشيء كالعَجُزِ في عِظَمٍ وتَجَمُّعٍ وغِلَظٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


20-العباب الزاخر (معس)

معس

المَعْسُ والمَعْكُ: الدَّلْكُ، يقال: مَعَسْتُ المَنِيْئةَ في الدِّباغ: إذا دَلَكْتَها دَلْكًا شَدِيدًا. وفي حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: أنَّه مَرَّ بأسْماءَ بنتِ عُمَيْسٍ -رضي الله عنهما- وهي تَمْعَسُ إهابًا لها. وقال الأصمعي: بَعَثَتِ امْرأةٌ من العَرَبِ بِنتًا إلى جارَتِها فقالتْ: تقولُ لَكِ أُمِّي أعْطيني نَفْسًا أو نَفْسَيْن أمْعَسُ به مَنِيْئتي؛ فإنِّي أفِدَةٌ: أي مُسْتَعْجِلَة، قال عمر بن الأشعث بن لَجَإٍ.

«حتى إذا ما الغَيْثُ قال رَجْسًا *** يَمْعَسُ بالماءِ الجِوَاءَ مَعْسا»

وأنشد ابن الأعرابي في صفةِ فَحْلٍ:

«يُخْرِجُ بَيْنَ النّابِ والضُّروْسِ *** حَمْراءَ كالمَنِيْئةِ المَعُـوسِ»

أرادَ شِقْشِقَةً حمراءَ شَبَّهَهَا بالمَنِيَّة المُحَرَّكَة في الدِّبَاغ.

وربَّما كُنِيَ بالمَعْسِ عن الجِماع.

وقال ابن دريد: المَعْسُ: الطَّعن بالرَّمْح، يقال: مَعَسَه مَعْسًا.

ورجُلٌ مَعّاسٌ في الحَرْب: مِقْدام.

ومَعَسَه: أي أهانَه.

وما في النّاقَةِ مَعْسٌ: أي لَبَنٌ.

والامْتِعاسُ في قَوْلِه:

«وصاحِبٍ يَمْتَعِسُ امْتِعاسـا *** كأنَّ في جالِ اسْتِهِ أحْلاسا»

أي يُمَكِّن اسْتَه من الأرض ويُحَرِّكُها عليها كما يُمْعَسُ الأدِيْمُ.

والتركيب يدل على دَلْكِ شَيْءٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


21-العباب الزاخر (نفس)

نفس

النَّفْسُ: الرُّوْحُ، يقال: خَرَجَتْ نَفْسُه، قال:

«نَجَا سالِمٌ والنَّفْسُ منه بِشِـدْقِـهِ *** ولم يَنْجُ إلاّ جَفْنَ سَيْفٍ ومِئْزَرا»

أي بِجِفْنِ سَيْفٍ وبِمِئْزَرِ.

والنَّفْسُ -أيضًا-: الجَسَدُ، قال أوس بن حَجَر:

«نُبِّئْتُ أنَّ بَني سُحَيْمٍ أدْخَلُوا *** أبْيَاتَهم تامُوْرَ نَفْسِ المُنْذِرِ»

والتّامُور: الدّم.

وأمّا قَوْلُهم: ثلاثَةُ أَنْفُسٍ فَيُذَكِّرُوْنَه، لأنَّهُم يُرِيْدونَ بِهِ الإنْسَانَ.

والنَّفْسُ: العَيْنُ، يقال: أصابَتُ فلان نَفْسٌ. ونَفَسْتُكَ بنَفْسٍ: أي أصَبْتُكَ بِعَيْنٍ. والنّافِس: العائنُ. وفي حديث محمّد بن سِيْرِين أنَّه قال: نُهِيَ عن الرُّقى إلاّ في ثَلاثٍ: النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنَّفْسِ. ومنه حديث ابنِ عبّاس -رضي الله عنهما-: الكِلابُ مِنَ الجِنِّ، فإذا غَشِيَتْكُم عِنْدَ طَعامشكم فألْقُوا لَهُنَّ، فإنَّ لَهُنَّ أنْفُسًا. ومنه قول النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- حِيْنَ مَسَحَ بَطْنَ رافِع -رضي الله عنه-: فألقى شَحْمَةً خَضْرَاءَ كانَ فيها أنْفُسُ سَبْعَةٍ. يَرِيْدُ عَيَوْنَهم.

وقوله تعالى: (ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهم خَيْرًا)، قال ابنُ عَرَفَة: أي بأهْلِ الإيمان وأهْلِ شَرِيْعَتِهم.

وقوله تعالى: (ما خَلْقُكُم ولا بَعْثُكُمُ إلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) أي كَخَلْقِ نَفْسٍ واحِدَة، فَتُرِكَ ذِكْرُ الخَلْقِ وأُضِيْفَ إلى النَّفْسِ، وهذا كما قالَ النابِغة الذُبْيَاني:

«وقد خِفْتُ حتى ما تَزِيْدَ مَخافَـتـي *** على وَعِلٍ في ذي المَطَارَةِ عاقِلِ»

أي على مَخَافَةِ وَعِلٍ.

والنَّفْسُ -أيضًا-: العِنْدُ، قال الله تعالى: (تَعْلَمُ ما في نَفْسي ولا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ) أي تَعْلَمُ ما عِندِي ولا أعْلَمُ ما عِنْدَك، وقال ابن الأنباريّ: أي تَعْلَمُ ما في نَفْسي ولا أعْلَمُ ما في غَيْبكَ، وقيل: تَعْلَمُ حَقيقَتي ولا أعْلَمُ حَقِيْقَتَك.

ونَفْسُ الشيء: عَيْنُه، يُوَكَّدُ به، يقال: رأيْتَ فلان نَفْسَه وجاءني بِنَفْسِه.

والنَّفْسُ -أيضًا-: دَبْغَةٍ مِمّا يُدْبَغُ به الأدِيْمُ من القَرَظ وغيرِه، يقال هَبْ لي نَفْسًا من دِباغٍ. قال الأصمَعيّ: بَعَثَتِ امرأةٌ مِنَ العَرَبِ بِنْتًا لها إلى جارَتِها فقالَت: تقولُ لَكِ أُمِّي: أعْطِيْني نَفْسًا أو نَفَسَيْنِ أمْعَسُ به مَنِيْئتي فإنّي أفِدَةٌ؛ أي مُسْتَعْجِلَةٌ؛ لا أتَفَرَّغُ لاتِّخاذِ الدِّباغِ من السُّرْعَةِ.

وقال ابن الأعرابيّ: النَّفْسُ: العَظَمَة. والنَّفْسُ: الكِبْرُ. والنَّفْسُ: العِزَّة. والنَّفْسُ: الهِمَّة. والنَّفْسُ: الأنَفَة.

والنّافِسُ: الخامِسُ من سِهَامِ المَيْسَر، ويقال: هو الرَّابِع.

والنَّفَسُ -بالتحريك-: واحِدُ الأنْفاسِ، وفي حديث النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسَلَّم-: أجِدُ نَفَسَ رَبِّكُم من قِبَلِ اليَمَن. هو مُسْتَعار من نَفَسِ الهَوَاءِ الذي يَرُدُّه المُتَنَفِّسُ إلى جَوْفِهِ فَيُبَرِّد مِن حَرَارَتِه ويُعَدِّلُها، أو مِن نَفَسِ الرِّيح الذي يَتَنَسَّمُه فَيَسْتَرْوِح إليه ويُنَفِّسُ عنه، أو مِن نَفَسِ الرَوْضَةِ وهو طِيْبُ رَوائحِها الذي يَتَشَمَّمْه فَيَتَفَرَّج به، لِمَا أنْعَمَ به رَبُّ العِزَّة مِنَ التَّنْفيسِ والفَرَجِ وإزالَة الكُرْبَة. ومنه قولُه -صلى الله عليه وسلّم-: لا تَسُبُّوا الرِيْحَ فإنَّها من نَفَسِ الرحمن. يُريدُ بها أنَّها تُفَرِّجُ الكُرَبَ وتَنْشُرُ الغَيْثَ وتُنْشِئُ السَّحَابَ وتُذْهِبُ الجَدْبَ. وقولُه: "من قِبَلِ اليَمَنِ" أرادَ به ما تَيَسَّرَ له من أهل المَدينَة -على ساكِنيها السّلام- من النُّصْرَة والإيْواءِ، ونَفَّسَ اللهُ الكُرَبَ عن المؤمِنينَ بأهْلِها، وهم يَمَانُوْنَ.

ويقال: أنتَ في نَفَسٍ من أمْرِكَ: أي في سَعَةٍ. واعْمَلْ وأنْتَ في نَفَسٍ من عُمُرِكَ: أي في فُسْحَةٍ قَبْلَ الهَرَمِ والمَرَضِ وَنَحوِهما. وقال الأزهَريّ: النَّفَسُ في هذَين الحَدِيْثَيْنِ: اسمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَر الحقيقيّ، من نَفَّسَ يُنَفِسُّ تَنْفِيْسًا ونَفَسًا، كما يقال: فَرَّجَ يُفَرِّجُ تَفْرِيْجًا وفَرَجًا، كأنَّه قال: أجِدُ تَنْفِيْسَ رَبِّكم من قِبَلِ اليَمَنِ، وكذلك قولُه -صلى اله عليه وسلّم-: فإنَّها من نَفَسِ الرَّحمن، أي من تَنْفِيْسِ الله بها عن المَكْرُوْبِيْنَ.

وقَوْلُه:

«عَيْنَيَّ جُوْدا عَبْرَةً أنْفاسا»

أي ساعَةً بَعْدَ ساعَةٍ.

وقال أبو زَيد: كَتَبْتُ كِتَابًا نَفَسًا: أي طَويلًا.

والنَّفَسُ -أيضًا-: الجُرْعَةُ، يقال: اكْرَعْ في الإناءِ نَفَسًا أو نَفَسَيْنِ ولا تَزِدْ عليه. والشُّرْبُ في ثَلاثَةِ أنْفاسٍ سُنَّة. ومثال نَفَسٍ وأنْفاسٍ: سَبَبٌ وأسْبابٌ، قال جَرير:

«تُعَلِّلُ وهي ساغِبَةُ بَنِيهـا *** بأنْفاسٍ مِنَ الشَّبِمِ القَرَاحِ»

ويقال: شَرَابٌ غَيرُ ذي نَفَسٍ: إذا كانَ كَرِيْهَ الطّعْمِ آجِنًا إذا ذاقَه ذائقٌ لم يَتَنَفَّسْ فيه، وإنَّما هي الشَّرْبَةُ الأولى قَدْرُ ما يُمْسِك رَمَقَه ثمَّ لا يَعُودُ له لأجُوْنَتِه، قال الراعي:

«وشَرْبَةٍ من شَرَابِ غَيرِ ذي نَفَـسٍ *** في كَوْكَبٍ من نجومِ القَيْظِ وهّاجِ»

«سَقَيْتَها صادِيًا تَهْوِي مَسـامِـعَـه *** قد ظَنَّ أنْ لَيْسَ من أصْحَابِهِ ناجِ»

ويُروى: "غَيرِ ذي قَنَعٍ" أي ذي كَثْرَةٍ؛ أي هِيَ أقَلُّ من أنْ تَشْرَبَ منها ثَمَّ تَتَنَفَّسَ.

وقال ابن الأعرابيّ: شَرَابٌ ذو نَفَسٍ: أي فيه سَعَةٌ ورِيٌّ.

وشَيْءٌ نَفِيْسٌ ومَنْفوسٌ: يُتَنَافَسُ فيه ويُرْغَبُ، قال جَرير:

«لو لم تُرِد قَتْلَنا جادَتْ بِمُطَّرَفٍ *** مِمّا يُخالِط حَبَّ القَلْبِ مَنْفُوْسِ»

المُطَّرَفُ: المُسْتَطْرَفُ.

ولفلان نَفِيْس: أي مال كثير. وما يَسُرُّني بهذا الأمْرِ نَفِيْسٌ.

وهذا أنْفَسُ مالي: أي أحَبُّه وأكْرَمُه عندي.

ونَفِسَ به -بالكسر-: أي ضَنَّ به.

ونَفِسْتُ عليه الشَّيْء نَفَاسَة: إذا لم تَرَهُ أهْلًا له.

ونَفِسْتَ عَلَيَّ بِخَيْرٍ قَليل: أي حَسَدْتَ. وقال أبو بكر -رضي الله عنه- يومَ سَقِيْفَة بَني ساعِدَة: مِنّا الأُمَراءُ ومنكم الوُزَراءُ، والأمرُ بَيْنَنا وبَيْنَكُم كَقَدِّ الأُبْلُمَةِ، فقال الحُبَابُ بن المُنْذِر -رضي الله عنه-: أمَا واللهِ لا نَنْفَسُ أنْ يكونَ لكم هذا الأمْرُ، ولكنّا نَكْرَهُ أنْ يَلِيَنا بَعْدَكم قَوْمٌ قَتَلْنا آباءهم وأبْناءهم. قال أبو النَّجْمِ:

«يَرُوْحُ في سِرْبٍ إذا راحَ انْبَهَرْ *** لم يَنْفَسِ اللهُ عَلَيْهِنَّ الصُّـوَرْ»

أي لم يَبْخَلْ عليهنَّ بتَحْسِيْنِ صُوَرِهِنَّ. يقال: نَفِسْتُ عليكَ الشَّيْء: إذا لم تَطِبْ نَفْسُكَ له به. ونَفِسْتُ به عن فلان: كقَوْلهم: بَخِلْتُ به عليك وعنه، ومنه قوله تعالى: (ومَنْ يَبْخَلْ فإنَّما يَبْخَلُ عن نَفْسِه).

ونَفُسَ الشَّيْءُ -بالضم- نَفَاسَةً: أي صارَ مَرْغُوبًا فيه.

والنِّفَاسُ: وِلادُ المَرْأةِ، قال أوْس بن حَجَرٍ:

«لنا صَرْخَةٌ ثُمَّ إسْـكـاتَةٌ *** كما طَرَّقَتْ بِنِفاسٍ بِكِرْ»

فإذا وَضَعَتْ فهي نُفَسَاءُ ونَفْسَاءُ -مثال حَسْنَاءَ- ونَفَسَاءُ -بالتحريك-. وجمع النُّفَسَاءِ: نِفَاسٌ -بالكسر-، وليس في الكلام فُعَلاَءُ يُجْمَعُ على فِعَالٍ غيرِ نُفَسَاءَ وعُشَرَاءَ، وتُجْمَعَانِ -أيضًا- نُفَسَاواتٍ وعُشَراواتٍ. وامْرَأَتانِ نُفَسَاوانِ؛ أبْدَلُوا من همزة التَّأنيثِ واوًا. وقد نَفِسَت المَرْأَةُ بالكسر-، ويقال أيضًا: نُفِسَت المرأة غُلامًا على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه-، والوَلَدُ مَنْفُوْسٌ. وفي حديث النَّبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: ما مِن نَفْسٍ مَنْفُوْسَة إلاّ وقد كُتِبَ مكانُها من الجَنَّة والنّار. وفي حديث سعيد بن المُسَيَّب: لا يَرِثُ المَنْفوسَ حتى يَسْتَهِلُ صارِخًا. ومنه قولُهم: وَرِثَ فلان هذا قَبْلَ أنْ يُنْفَسَ فلان: أي قَبْلَ أن يُوْلَدَ.

ونَفِسَت المَرْأةُ -بالكسر-: أي حاضَت، وقال أبو حاتِم: ويقال: نُفِسَت -على ما لَم يُسَمّ فاعِلُه-. ومنه حديث أُمُّ سَلَمَة -رضي الله عنها- أنَّها قالت: كُنتُ مع النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- في الفِرَاشِ، فَحِضْتُ فانْسَلَلْتُ، وأخْذْتُ ثِيابَ حِيْضَتي ثُمَّ رَجَعْتُ، فقال: أنَفِسْتٍ؟؛ أي أحِضْتِ؟. وفي حديثٍ آخَرَ: أنَّ أسْماء بِنْت عُمَيْس -رضي الله عنها -نَفِسَتْ بالشَّجَرة، فأمَرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلّم- أبا بَكْرٍ -رضي الله عنه- أنْ يَأْمُرَها بأنْ تَغْتَسِلَ وتُهِلَّ.

ونَفِيْسٌ: من الأعْلام.

وقَصْرُ نَفِيْسٍ: على مِيْلَيْنِ من المّدينَة -على ساكنيها السلام-، يُنْسَبُ إلى نَفِيْسٍ بن محمد من مَوالي الأنْصَارِ.

ولكَ في هذا الأمر نُفْسَةٌ -بالضم-: أي مُهْلَةٌ.

ونَفُوْسَةُ: جِبال بالمَغْرِب بَعْدَ إفْرِيْقِيَة.

وأنْفَسَني فلان في كذا: أي رَغَّبَني فيه. وأنْفَسَه كذا: أي أعْجَبَه بنَفْسِه ورَغَّبَه فيها. وفي حديث سعيد بن سالِم القَدّاح وذَكَرَ قِصَّة إسماعيل وما كانَ من إبراهيم -صلوات الله عليهما- في شأنِهِ حينَ تَرَكَه بِمَكَّةَ مع أُمِّه، وأنَّ جُرْهُمَ زَوَّجُوه لَمّا شَبَّ، وتَعَلّمَ العَرَبِيّة، وأنْفَسَهُم، ثمَّ إنَّ إبراهيم -صلوات الله عليه- جاءَ يُطالِع تَرْكَتَه. ومنه يقال: مالٌ مُنْفِسٌ ومُنْفَسٌ أيضًا، قال النَّمِرُ بن تَوْلَبٍ رضي الله عنه:

«لا تَجْزَعي إنْ مُنْفِسًا أهْلَكْـتَـهُ *** وإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذلكَ فاجْزَعي»

ويقال: ما يَسُرُّني بهذا الأمرِ مُنْفِسٌ: أي نَفِيْسٌ. ولفلانٍ مُنْفِس: أي مالٌ كثيرٌ.

ونَفَّسْتُ فيه تَنْفِيْسًا: أي رَفَّهْتُ، يقال: نَفَّسَ الهُ عنه كُرْبَتَه: أي فَرَّجَها، قال رؤبة:

«ذاكَ وأشْفي الكَلِبَ المَسْلُوْسا *** كَيًّا بِوَسْمِ النّارِ أو تَخْيِيْسـًا»

«بِمِخْنَقِ لا يُرْسِلُ التَّنْفِيْسـا»

وفي حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: مَنْ نَفَّسَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً من كُرَبِ الدُنْيا نَفَّسَ اللهُ عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القِيامَة.

وتَنَفَّسَ الرَّجُل. ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التَّنَفُّسِ في الإناء. وفي حديث آخَر إنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- كانَ يَتَنَفَّسُ في الإناءِ ثلاثًا. والحَديثانِ ثابِتان، والتَّنَفُّس له مَعْنَيَان: أحَدُهما أن يَشْرَبَ ويَتَنَفَّسَ في الإناء من غيرِ أن يُبِيْنَه عن فيه؛ وهو مَكروه؛ والتَّنَفُّس الآخَر أن يَشْرَب الماءَ وغيره مِنَ الإناء بثلاثَةِ أنْفاسٍ فَيُبِيْنَ فاهُ عن الإناءِ في كُلِّ نَفَسٍ.

وتَنَفَّسَ الصُّبْحُ: إذا تَبَلَّجَ، قال الله تعالى: (والصُّبْحِ إذا تَنَفَسَّ)، قال العجّاج يَصِفُ ثورًا:

«حتى إذا ما صُبْحُهُ تَنَفَّـسـا *** غَدا يُباري خَرَصًا واسْتَأْنَسا»

وتَنَفَّسَتِ القَوْسُ: تَصَدَّعَت.

ويقال للنَهارِ إذا زادَ: تَنَفَّسَ، وكذلك المَوجُ إذا نضخ الماءَ.

وتَنَفَّسَتْ دِجْلَةُ: إذا زادَ ماؤها.

ونافَسْتُ في شَيْءٍ: إذا رَغِبْتَ فيه على وَجْهِ المُباراةِ في الكَرَم.

وتَنَافَسوا فيه: أي رَغِبوا فيه، ومنه قوله تعالى: (وفي ذلك فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنافِسُونَ).

والتركيب يدل على خُروج النَّسِيم كيفَ كانَ من ريحٍ أو غَيْرِها، وإلَيْهِ تَرْجِعُ فُرُوعُه.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


22-العباب الزاخر (حنف)

حنف

الحنف: الاعوجاج في الرجل؛ وهو أن تقبل إحدى إبهامي رجليه على الأخرى. وقال أبن الأعرابي: هو الذي يمشي على ظهر قدمه من شقها الذي يلي خنصرها. وقال الليث: الحنف: ميل في صدر القدم. والرجل أحنف والرجل حنفاء.

والأحنف بن قيس بن معاوية: أبو بحر، والأحنف لقب، واسمه صخر، من العلماء الحلماء، أسلم على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يدركه، وهو معدود في أكابر التابعين، ولقب الأحنف لحنف كان به، قالت حاضنته وهي ترقصه:

«واللهِ لولا حَنَفٌ بِـرِجْـلِـهِ *** ما كانَ في صِبْيَانِكُمْ كَمِثْلِهِ»

وقال الليث: السيوف الألحنفية تنسب غليه، لأنه أول من أمر باتخاذها والقياس أحنفي، قال:

«مُحِبٌّ لِصُغْراها بَصِيْرٌ بِنَسْلِهـا *** حَفُوْظ لأُ خْراها أجَيْدِفُ أحْنَفُ»

وقيل: الحنف الاستقامة؛ قاله أبن عرفة، قال: وإنما قيل للمائل الرجل أحنف تفاؤلًا بالاستقامة.

والحنفاء: القوس.

والحنفاء: الموسى.

والحنفاء: أسم فرس حذيفة بن بدر الفزاري.

والحنفاء: أسم ماءٍ لبني معاوية بن عامر بن ربيعة، قال الضحاك بن عقيل:

«ألا حَبَّذا الحَنْفَاءُ والحاضِرُ الذي *** به مَحْضَرٌ من أهْلِها ومُقَـامُ»

وقال ابن الأعرابي: الحنفاء: شجرة.

والحنفاء: الأمة المتلونة تكسل مرة وتنشط أخرى.

والحنفاء: الحرباءة. والسلحفاة. والأطوم؛ وه سمكة في البحر كالملكة.

والحنيف: الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه. وقال أبو عبيد: هو عند العرب من كان على دين إبراهيم صلوات الله عليه-. وقال الأصمعي: كل من حج فهو حنيف، وهذا قول أبن عباس -رضي الله عنهما- والحسن الصري والسدي.

وحسب حنيف: أي حديث إسلامي لا قديم له، قال المعيرة بن حبناء:

«وماذا غَيْرَ أنَّكَ في سِبَـالٍ *** تُنَسِّجُها وذو حَسَبٍ حَنِيْفِ»

والحنيف: القصير.

والحنيف: الحذاء.

وحنيف: وادٍ.

وأبو العباس حنيف بن أحمد الدينوري: شيخ أبن درستويه.

وأبو موسى عيسى بن حنيف بن بهلول الق [ال1] يرواني: عاصر الخطابي وروى عن ابن داسة.

وقال الضَّحّاك والسُّدِّيُّ في قوله تعالى: (حُنَفَاءَ لشلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِيْنَ به) قالا: حجاجًا.

وفي حديث النبي -صلى اله عليه وسلم-: بعثت بالحنيفية السمحة السهلة. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما: - سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الأديان أحب إليك؟ قال: الحنيفية السمحة، يعني شريعة إبراهيم صلوات الله عليه- لأنه تحنف عن الأديان ومال إلى الحق. وقال عمر -رضي الله عنه-:

«حَمِدْتُ اللهَ حِيْنَ هَدى فُؤادي *** إلى الإسْلامِ والدِّيْنِ الحَنيفِ»

وحنيفة: أبو حي من العرب، وهو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وحنيفة لقبه، وأسمه أثال، ولقب حنيفة بقول جذيمة وهو الأحوى بن عوف لقي أثالا فضربه فحنفه؛ فلقب حنيفة، وضربه أثال فجذمه فلقب جذيمة، فقال جذيمة:

«فإنْ تَكُ خِنصِري بنَتْ فإنّي *** بها حَنَّفْتُ حامِلَتَيْ أُثَـالِ»

وأما محمد أبن الحنفية -رحمه الله- فالحنفية أمه، وهي خولة بنت جعفر بن قيس؛ من مسلمة؛ من بني حنيفة.

وحنيف -مصغرًا-: هو حنيف بن رئاب الأنصاري.

وسهل وعثمان أبنا حنيف -رضي الله عنهم-: لهم صحبة.

وحنفه تحنيفًا: جعله أحنف، وقد مر الشاهد من شعر جذيمة.

وتحنف الرجل: أي عمل الحنفية، وقيل: أختتن، وقيل: اعتزل عبادة الأصنام، قال جران العود:

«ولَمّا رَأيْنَ الصُّبْحَ بادَرْنَ ضَـوْءهُ *** دَبِيْبَ قَطا البَطْحاءِ أو هُنَّ أقُطَفُ»

«وأدءرَكْنَ أعْجَازًا من اللَّيْلِ بَعْدَ ما *** أقامَ الصَّلاةَ العابِد المُتَـحَـنِّـفُ»

وتحنف فلان إلى الشيء: إذا مال إليه.

والتركيب يدل على الميل.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


23-القاموس المحيط (الشفر)

الشُّفْرُ، بالضم: أصلُ مَنْبِتِ الشَّعَرِ في الجَفْنِ، مُذَكَّرٌ ويفتحُ، وناحِيَةُ كلِّ شيءٍ،

كالشَّفيرِ فيهمَا، وحَرْفُ الفَرْجِ،

كالشَّافِرِ.

والشَّفِرَةُ والشَّفيرَةُ: امرأةٌ تَجِدُ شَهْوَتها في شُفْرِها فَتُنْزِلُ سَريعًا، أو القانِعَةُ من النِّكاحِ بأيْسَرِه.

وشَفَرَها: ضَرَبَ شُفْرَها.

وشَفِرَتْ، كفَرِحَ، شَفارَةً: قَرُبَتْ شَهْوَتُها.

وما بالدَّارِ شَفْرَةٌ وشَفْرٌ وشُفْرٌ: أحَدٌ.

والمِشْفَرُ للبعيرِ: كالشَّفَةِ لَكَ، ويفتحُ

ج: مَشافِرُ، وقد يُسْتَعْمَلُ في الناسِ، والمَنَعَةُ، والشِّدَّةُ، والقِطْعَةُ من الأرضِ، ومن الرَّمْلِ.

و"أراكَ بَشَرٌ ما أحارَ مِشْفَرٌ"، أي: أغناكَ الظَّاهِرُ عن سُؤالِ الباطِنِ، لأَنَّكَ إِذا رأيتَ بَشَرَهُ، سَمينًا كان أو هَزيلًا، اسْتَدْلَلْتَ به على كَيْفِيَّةِ أكْلِه.

والشَّفيرُ: حَدُّ مِشْفَرِ البَعيرِ، وناحِيَةُ الوادِي من أعلاهُ،

كشُفْرِهِ.

وشَفَّرَ المالُ تَشْفيرًا: قَلَّ وذَهَبَ،

وـ الشمسُ: دَنَتْ للغُرُوبِ،

وـ الرجلُ على الأَمْرِ: أشْفَى.

والشَّفْرَةُ: السكِّين العَظيمُ، وما عُرِّضَ من الحَديدِ وحُدِّدَ

ج: شِفارٌ، وجانِبُ النَّصْلِ، وحَدُّ السَّيْفِ، وإِزْمِيلُ الإِسْكافِ.

وعَيْشٌ مُشَفِّرٌ، كمحدِّثٍ: ضَيِّقٌ قَليلٌ.

وأُذُنٌ شُفارِيَّةٌ، بالضم: عَظيمةٌ.

ويَرْبوعٌ شُفارِيٌّ: ضَخْمُ الأُذُنَيْنِ، أو طَويلُهُما، العارِي البَراثِنِ ولا يُلْحَقُ سَريعًا، أو الطويلُ القَوائِمِ الرِّخْوُ اللَّحْمِ الدَّسِمُ.

وشَفِرَ، كَفَرِحَ: نَقَصَ. وكغُرابٍ: جَزيرةٌ بين أوَالَ وقَطَرَ.

وذو الشُّفْرِ، بالضم: ابنُ أبي سَرْحٍ خُزاعِيٌّ، ووالدُ تاجَةَ. قال ابنُ هِشامٍ: حَفَرَ السَّيْلُ عن قَبْرٍ باليَمنِ، فيه امرأةٌ في عُنُقها سَبْعُ مَخانِقَ من دُرٍّ، وفي يَدَيْها ورِجْلَيْها من الأَسْوِرَةِ والخَلاخِيلِ والدَّمالِيجِ سَبْعَةٌ سَبْعَةٌ، وفي كُلِّ إِصْبَعٍ خاتَمٌ فيه جَوْهَرَةٌ مُثْمِنَةٌ، وعِنْدَ رَأسِها تابوتٌ مَمْلُوءٌ مالًا، ولَوْحٌ فيه مَكْتُوبٌ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ اِله حِمْيَرَ، أنا تاجَةُ بنتُ ذي شُفْرٍ، بَعَثْتُ مائِرَنَا إلى يُوسُفَ، فأَبْطَأ عَلينَا، فَبَعَثْتُ لاذَتِي بمُدٍّ من وَرِقٍ لتَأتِيني بِمُدٍّ من طَحينٍ، فَلَمْ تَجِدْهُ، فَبَعَثْتُ بِمُدٍّ من ذَهَبٍ، فلم تَجِدْهُ، فَبَعَثْتُ بِمُدٍّ من بَحْرِيٌّ، فلم تَجِدْه، فَأَمَرْتُ به، فَطُحِنَ، فلم أنْتَفِعْ به، فاقْتُفِلْتُ، فمن سَمِعَ بي، فَلْيَرْحَمْنِي، وأيَّةُ امرأةٍ لَبِسَتْ حَلْيًا من حُلِيِّي، فلا ماتَتْ إلا مِيتَتيِ. وكزُفَرَ: جَبَلٌ بِمكةَ.

وشَفَّرَها تَشْفيرًا: جامَعَها على شُفْر فَرْجِها.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


24-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (حمر)

(حمر) - في حَدِيثِ عَلِىٍّ، رَضِى الله عنه: "يُقطَع السَّارِق من حِمارَّة القَدَم".

حِمارَّة القَدَم: ما أَشرَف بين مَفْصِلِها وأَصابِعِها من فَوْق.

- وفي حَدِيث جَابِرٍ، رضي الله عنه: "على حِمارَةٍ من جَرِيد".

وهي ثَلاثَةُ أَعوادٍ تُشَدُّ أَطرافُها بَعضُها إلى بَعْض، ويُخالَف بين أَرجُلِها تُعَلَّق عليها الِإدَاوةُ.

وكذا حِمارةُ الصَّيْقَل، وحِمَارَة السَّرجِ، وحِمارَة الحَلَّاج: ما يُنْصَب لهم يُعمَلون عليها، ويَضَعُون عليها أمتِعَتَهم.

- في حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَة، رَضِى الله عنها: "كانت لنا دَاجِنٌ فَحَمِرت من عَجِين فماتَت".

الحَمَر: دَاءٌ يَعْتَرى الدَّابَّة من أَكلِ الشَّعِير. يقال: حَمِر حَمَرًا. كُلُّ حَمِرٍ أَبخَر.

- في حَدِيثِ عَبدِ الله، رضي الله عنه: "فنزَلْنا مع رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مَنزِلًا فجاءت حُمَّرَة".

والحُمَّرة: جِنْس من الطيّر بَقدْر العُصفور تَكُون كَدْرَاءَ ورَقْشَاء ودَهْسَاء، وقد تُخَفَّف مِيمُه.

- في الحَدِيث: "ما تَعْلَمون ما في هذه الأُمَّة من المَوْت الأَحْمَر".

يَعنِى: القَتْلَ، سُمِّى بذلك لِمَا فيه من حُمْرة الدَّم.

وفي حَدِيث عَلِىٍّ رَضِى الله عنه: "في حَمارَّة القَيْظِ".

القَيْظُ: الصَّيفُ، وحَمَارَّته، بتَشْدِيد الرَّاء، اشتِدادُ حَرِّه واحْتِدامُه، وهذا الوَزْن قد جَاءَ في أَحرُف منها: صَبَارَّةُ الشِّتاء، وهي وَسَطه، وفي خُلُقه زَعَارّة، وأَلقَى عَلَىَّ عَبَالَّتَه، وجاء على حَبالَّة ذلك: أي أَثَرِه، وجَاءُوا بَزَرَافَّتِهم،: أي جُمْلَتِهم. ومنهم مَنْ يُخَفَّف بعضَ ذلك، ويجوز أن تُسَمَّى حَمارَّة، لأنها تُحمِّر الوُجوهَ من الحَرِّ، أو تَحْمُرها،: أي تَقْشِرُها.

- وفي حَديثِه - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْت إلى الأَحمَر والأَسْودِ".

سُئِل ثَعْلَب: لِمَ خَصَّ الأحمرَ دون الأَبْيضِ؟ قال: لأنَّ العَربَ لا تقول: رَجلٌ أبيضُ، من بَياض اللَّون، إنما الأبيضُ عندهم الطَّاهِرُ النَّقِىُّ من العُيُوب.

وقد يُسمِّى الأَحمرُ الأَبيضَ، لأن الحُمرةَ تبدو في البَياضِ، ولا تَبدُو في السَّواد.

والأَحَامِرة من الفُرسِ بالكُوفَة، كالأَسَاوِرَة بالبَصْرة، والأَبْنَاء باليَمَن.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


25-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (كتب)

(كتب) - قوله تبارك وتعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}

: أي يَعلمُون. قال ابن الأعْرابِىِّ: الكاتب: العَاِلم عندهم.

- ومنه كِتابُه إلى اليَمَن: "قد بَعثْتُ إليكم كاتِبًا من أصْحَابى"

: أي عَاِلمًا.

- وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ}.

قيل: أي حَكَمَ.

- وقوله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}.

: أي أحْكَامٌ.

- وقوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا}

: أي أَجمعُها.

ومنه قولهم: كَتبتُ البَغْلَة؛ إذَا جَمَعتَ بين شَفرَيها؛ ومنه سُمِّيَتْ

الكَتِيبَةُ لاجْتِماعها، وتقع على مائة فارسِ إلى ألفٍ، وكتَبْتُ الكتائِبَ: جَمَعتُها. والكِتاب سمِّىَ به لاجَتماع الحُرُوف بَعْضِها إلى بَعْضٍ.

ومنه حديَثُ المُغِيرة - رضي الله عنه -: "قد تكتَّبَ ".

: أي تحزَّمَ وجمَعَ عليه ثِيابَه.

- وفي حديث الزُّهرِىّ: "الكُتَيْبَةُ أكْثرها عَنوَة وفيها صُلْحٌ"

وهي اسمٌ لبَعْض قُرَى خَيْبَر.

ومنها الوَطِيحُ، والشَقّ والنَّطاة والسُّلَالِم. منها ما فُتِحت عَنْوَة، ومنها ما كانت فَيئًا خاصًّا لرسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -.

ولهذا رُوِىَ عن سَهلٍ بن أبي حَثْمَة - رضي الله عنه - قال: "قَسَمَ رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - خيْبر نِصفين نصفًا لِنوائِبه، ونِصْفًا للمُسلمين على ثمانية عَشر سَهْمًا؛ لأنّهم كانوا ألفًا وثمانمائة.

- في حديث أَنَس بن النَّضْرِ - رضي الله عنه -: "كِتابُ الله القِصَاصُ"

: أي فَرْضُ الله على لِسانِ نَبيّهِ عليه الصلاة والسّلام.

وقيل: هو إشَارةٌ إلى قوله عزَّ وجلَّ: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}، وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} الآية.

- وفي حديث بَرِيرَةَ: "مَن اشتَرطَ شرْطًا ليس في كتابِ الله عزَّ وجّل"

: أي لَيْسَ على حُكْم الله عزَّ وجلَّ، ولا على مُوجِبِ قَضايا كِتابِه.

والكتابُ أَمَرَ بطاعَة الرَّسُول عليه الصلاة والسّلام، وأَعْلَم أنّ سُنَّتَه بَيانٌ له، وجعَل الرسولُ - عليه الصلاةُ والسلامُ - الوَلاءَ لمن أعْتقَ، لا أنّ الوَلاء مَذكُور في الكتاب نصًّا.

- وقولُه تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ}.

قيل: سُمَّيَتْ كِتابةً؛ لَأنَّه يَكتُبُه على نَفسِه، أو يكتُب ذلك عليه، والكِتابُ والكِتابَة بمعنى الكَتْب، ويُسمَّى المكتُوب فيه كتابًا.

- وفي الحديث: "مَن نظَر في كِتابِ أخيِهِ بِغير إذْنِه فكأنَّما يَنظُر في النّارِ".

قيل: إنّما هو تَمثِيلٌ: أي كما يَحذَرُ النارَ فَلْيَحْذَرْ هذا الصَّنِيعَ؛

إذ كان مَعْلومًا أنَّ النَّظَر في النار يَضُرُّ بالبَصَر.

ويُحتَملُ أن يُريدَ بالنَّظر فيها: الدّنوَّ منها والصَّلىَّ بها؛ لأنَّ النظَرَ إلى الشّيء إنَّما يتحقَّقُ عند قُرْب المَسافةِ بينَه وبَيْنَه.

وقيل: معناه: كأنَّما يَنظُر إلى مَا يُوجِب عليه النَّار فأضْمَرَه.

وقيل: إنّه أرادَ به: الكِتابَ الذي فيه أمَانةٌ أو سِرٌّ يَكرَه صَاحِبُه أن يُطَّلَعَ عليه، دُون كُتُب العِلْم فإنَّه لا يَحِلُ مَنعُها

وقيل: إنّه عامٌّ لأن صاحبَ الشيء أولَى بمالِه وأحقُّ، وإنَّما يَأثَم بكِتْمان العِلْم الذي يُسأَل عنه، فأمّا أن يَأثم في مَنعِ كِتابٍ عندَه وحَبسِه عن غيره فَلَا.

ويُحتَمل أن يُريدَ عُقوبةَ البَصَر كما يُعَاقَبُ السَّمعُ إذا اسْتَمِع إلى حَديثِ قَومٍ وهم له كارِهون؛ بأن يُصَبَّ فيه الآنُك، فعَلى هذا لا يكون إلّا الأمانةَ والسِّرَّ الذي لا يُرِيد أن يُطَّلعَ عليه

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


26-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (لحم)

(لحم) - في الحديث قال سعد: "اليَومَ يومُ المَلْحَمَةِ"

- وفي حديث آخر: "ويَجْمَعُون لِلْمَلْحَمةِ"

: أي للمَقْتلَةِ؛ وهي حَربٌ فيها قَتْلٌ، والجمَعُ: الملاَحِمُ، كأَنّه مأخوذٌ من اللَّحم لكَثْرةِ القَتْلَى فيها، وألحَمتُهم: قَتَلْتُهم

فَصارُوا لحمًا، ولَحمتُهم أيضًا، واللَّحِيمُ: الَقتِيلُ.

من أسمائه عليه الصلاة والسلام: "نَبِىُّ المَلْحَمَةِ"

وفيه قولان:

أحدهما نبِىُّ القِتالِ، وهو كقَولِه الآخرِ: بُعِثْتُ بالسَّيْفِ.

والثاني "نَبِىُّ الصَّلِاح وتأليفِ النَّاس" كان يُؤلِّف أَمرَ الأُمَّة وقد لَحَمَ الأمرَ، إذا أحكمه وأصْلحَه.

- في حديث سَهْلِ بن سَعْدٍ - رضي الله عنه -: "لَا يُرَدُّ الدُّعاءُ عند البَأْسِ حِين يُلْحِمُ بَعضهِم بعضًا"

: أي يَشْتَبِكُ الحرْبُ بينَهم، فيلزَمُ بعضُهم بَعضًا.

ويقالُ: ألحَمَهُ القِتالُ ولَحَمهُ: لَزَّبه وغَشِيَه، وكذا إذاَ نشِبَ فيه فلم يَبْرح.

- في حديث أُسامَة - رضي الله عنه -: "فاستَلحَمنَا رَجلٌ من العَدُوِّ"

: أي تَبِعَنَا. يقالُ: استَلحَمَ الطَّريدَةَ والطريقَ: تَبعَ.

- في حديث عمر - رضي الله عنه -: "قال لِرجُل: لم طَلَّقتَ امرأَتَك؟ قال: كانت مُتَلاحِمَةً، قال إنَّ ذلك منهنَّ لَمُسْتَرادٌ"

قال أبو نَصْرٍ عن الأصمعيُّ: إنَّها التي بها رَتَقٌ. وقيل هي الضَّيِّقَةُ المَلاقِى.

- في حديث عائشة - رضي الله عنها -: " سَابَقتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم فسَبَقْتُه فلمَّا علِقْتُ الَّلحْمَ سَبَقَنى"

: أي عَلِقَنى الَّلحْمُ وأخَذْتُه، وكَثُر عَلىَّ وسَمِنتُ وثَقُلْتُ.

- في حديث الحَجَّاج والمَطَر: "صار الصِّغارُ لُحمةً لِلكِبار"

: أي أنَّ القَطْر انتَسج لِتَتابُعهِ فَقَوِى بَعضُه ببعضٍ واتَّصَل.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


27-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (نفس)

(نفس) - في الحديث: "بُعِثْتُ في نَفَسِ السَّاعَةِ"

قيل: فيه مَعْنَيان؛ أحدُهما أن يكُون المُراد به بُعِثْتُ في قُرْب الساعة، كقِوْله علَيه الصلاة والسَّلام: "مَن نَفَّس عن غَرِيمِه"

: أي بُعِثْتُ وقد حانَ قِيامُ السَّاعَةِ، إلَّا أنَّ الله عزّ وجلّ أخَّرهَا قلِيلًا، فبَعَثَنى في ذلك النَّفَسِ.

والآخر: أنَّهَ جَعَلَ للسّاعَة نفَسًا كنَفَس الإنسانِ، وأرَادَ إنّي بُعِثْتُ فىِ وَقْتِ أحُسُّ بنَفَسِها وقُربها، كما يُحَسُّ بنَفَس الإنسَان إذا قَرُبت منه: أي في وقتٍ بَانَ أشراطُها، وظهرت عَلاَمَاتُ قِيَامِها.

- وفي رِوَاية: "بُعِثْتُ في نَسَمِ السَّاعَةِ"

- في حديث عمرَ - رضي الله عنه -: "كُنَّا عنده فَتَنَفَّسَ رَجُلٌ"

يعنى أفاخَ، وخَرَج من تَحْتِه رِيح، شَبَّه خُروجَ الرِّيح مِن الدُّبُر بِخُروج النَّفَس مِن الفَم.

- وفي حديث أبى هُريرة - رضي الله عنه -: "أنّه [صلى الله عليه وسلم] صَلَّى على مَنْفُوسٍ"

: أي طِفْلٍ، يُقِالُ للَوَلَدِ حِين يُولَدُ: مَنْفوسٌ.

والمُراد من هذا: أَنّه صَلَّى عليه ولم يَعْمَل ذَنْبًا.

- ومنه حديث عُمَر - رضي الله عنه -: "أنّه أجبرَ بَنى عَمٍّ على مَنْفُوس"

: أي على إرْضَاعِه وتَرْبيَتِه.

- وفي الحديث: "ثم يَمشِىَ أنفَسَ منه"

: أي أَبْعَدَ قليلًا.

يُقَال أنت فِىِ نفَسٍ من أَمْرك: أي سَعَةٍ، وبينَ الفريقَين نفَسٌ، وفي الأمر نَفَسٌ؛ أي مُهْلةٌ، وهو أَنْفَسُ المنزِلَين.

: أي أبعَدهُمَا، وغائِطٌ مُتَنَفِّسٌ: أي بَعِيد بَطِين

- وقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}

: أي من غَسَقِ اللّيل، كِالمتَنفِّسِ من الكَرْبِ.

وتَنَفَّسَ الِإناءُ والقَوْسُ: انشَقَّا وانصَدَعَا.

- في حديث المغيرة: "سَقِيمُ النِّفاس"

: أي أسقَمَتْه المُنافَسةُ، والحسد.

- ومنه في حديث السَّقِيفة: "لم نَنْفَسْ عليك".

يقال: نفَس عليه بالشىء؛ إذا لم يَرَه أملَا له، وبَخِل به عليه

قال الخليل: نَفِسْت به عنه كبَخِلْت عليه وعنه.

- قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


28-المعجم العربي لأسماء الملابس (القرق)

القُرْق: في شفاء الغليل: القُرْق: بضم فسكون: عند عوام المغرب والأندلس بمعنى النعل؛ قال ابن قزمان:

«بعثت قُرْقى إلى القَرَّاق يصلحه *** وقد تعذر قيراط من الثمن»

«فامنن على شاعر خفت مؤنته *** قدر السؤال بقدر الناس والزمن »

وعند ابن هشام اللخمى: فأما القُرْق فليس من كلام العرب، وإنما تعرف العرب النعال والخفاف؛ وهي التساخين والواحد تسخان، والتساخين أيضًا المراجل ولا واحد لها من

لفظها.

وعند دوزى: القُرْق كلمة أسبانية تسللت إلى عربية الأندلس، وأصلها في الأسبانية: Alcorque؛ وهي تشير لدى عرب الأندلس إلى مداس للقدمين صُنع نعله من خشب الفِلِّين.

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


29-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (المهدية-جماعات متأثرة بالصوفية)

المهدية

التعريف:

المهدية واحدة من الحركات الثورية التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي، وهي ذات مضمون ديني سياسي شابته بعض الانحرافات العقائدية والفكرية، وما يزال أحفاد المهدي وأنصاره يسعون لأن يكون لهم دور في الحياة الدينية والسياسية في السودان.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

المؤسس:

محمد أحمد المهدي بن عبد الله 1260 ـ 1302هـ (1845 ـ 1885م)، وُلد في جزيرة لبب جنوب مدينة دنقلة، يقال بأن نسبه ينتهي إلى الأشراف. حفظ القرآن وهو صغير ونشأ نشأة دينية متتلمذًا على الشيخ محمود الشنقيطي، سالكًا الطريقة السمَّانية القادرية الصوفية، متلقيًا عن شيخها محمد شريف نور الدائم.

ـ فارق محمدٌ شيخه لِما لاحظه عليه من تهاون في بعض الأمور وانتقل إلى الشيخ القرشيِّ وَدْ الزين في الجزيرة وجدد البيعة على يديه. ويلاحظ أن شيخيه الأول والثاني من أشهر مشايخ الطرق الصُّوفية آنذاك.

ـ في عام 1870م استقر في جزيرة أبا حيث يقيم أهله والتزم أحد الكهوف مستغرقًا في التأمل والتفكير.

ـ وفي عام 1297هـ/1880م توفي شيخه القرشي حيث قام المهدي بتشييد ضريحه وتجصيصه وبناء القبة عليه، وصار خليفته من بعده حيث توافد عليه المبايعون مجددين الولاء للطريقة في شخصه.

ـ في عام 1881م أصدر فتواه بإعلان الجهاد ضد الكفار والمستعمرين الإنجليز، وأخذ يعمل على بسط نفوذه في جميع أنحاء غرب السودان.

ـ اعتكف أربعين يومًا في غاره بجزيرة أبا وفي غرة شعبان 1298هـ/29 يونيو 1881م أعلن للفقهاء والمشايخ والأعيان أنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا.

ـ قابل قوة الحكومة التي أرسلت لإخماد حركته في 16رمضان 1298هـ/أغسطس 1881م وأحرز عليها انتصارًا دعم موقفه ودعواه.

ـ هاجر إلى جبل ماسة ورفع رايته هناك، وعين له أربعة من الخلفاء هم:

1 ـ عبد الله التعايشي. صاحب الراية الزرقاء ولقبه بأبي بكر.

2 ـ علي وَدْ حلو: صاحب الراية الخضراء ولقبه بعمر بن الخطاب.

3 ـ محمد المهدي السنوسي، رئيس الطريقة السنوسية ذات النفوذ الكبير في ليبيا، فقد عرض عليه المهدي منصب الخليفة عثمان بن عفان، لكن السنوسيَّ تجاهله ولم يرد عليه.

4 ـ محمد شريف: وهو ابن عم المهدي الذي جعل له الراية الحمراء ولقبه بعلي بن أبي طالب.

ـ في عام 1882م قابل الشلالي الذي أراد أن ينفذ إرادة جيجلر نائب الحكمدار عبد القادر حلمي، وقد لاقى الشلالي حتفه في هذه المعركة.

ـ في نوفمبر 1883م التقى مع هكس الذي لاقى حتفه أيضًا بعد يومين من بداية المعركة.

ـ التقى جيش المهدي بجيش غوردون في الخرطوم، وفي 26 يناير 1885م اشتدت المعركة وقُتِل غوردون الذي جُزَّ رأسُه وبُعِثَ به إلى المهدي الذي كان يأمل إلقاء القبض عليه حيًّا ليبادل به أحمد عرابي الذي أُجبر على مغادرة مصر إلى المنفى. وكان سقوط الخرطوم بين يدي المهدي آنذاك إيذانًا بانتهاء العهد العثماني على السودان.

ـ من يومها لم يبق للمهدي منافس حيث قام بتأسيس دولته مبتدئًا ببناء مسجده الخاص الذي تم إنهاءُ بنائه في 17جمادى الأولى 1305هـ.

ـ قلَّد القضاءَ للشيخ محمد أحمد جبارة ولقبه بقاضي الإسلام.

ـ وفي يوم 9 رمضان 1302هـ/22 يونيو 1885م توفي المهدي بعد أن أسس أركان دولته الوليدة، ودفن في المكان الذي قبض فيه. وجدير بالذكر أن هذه الدولة لم تدم طويلًا ففي عام 1896م قضى اللورد كتشنر الذي كان سردارًا لمصر على هذه الدولة ونسف قبة المهدي ونبش قبره وبعث هيكله وبعث بجمجمته إلى المتحف البريطاني انتقامًا لمقتل غوردون.

شخصيات أخرى:

عبد الله التعايشي: ولد في دار التعايشة في دارفور، وجاء المهدي في الحلاويين بالجزيرة وهو يشيد قبة على شيخه القرشي وبايعه، وهو الذي قوَّى في نفس المهدي ادعاءه المهدية، وقد احتل عبد الله المكانة الأولى في حياة المهدي إذ كان رجل التطبيق والإدارة والتنفيذ.

ـ بعد موت المهدي صار عبد الله الخليفة الأول وذلك بناء على وصية من المهدي ذاته إذ كان يقول عنه: "هو مني وأنا منه".

ـ عندما استلم منصب الخلافة تفرَّغ لبث الدعوة وجعل أخاه الأمير يعقوب مكانه الذي كان قد بوَّأه إيَّاه المهدي.

ـ كتب إلى السلطان عبد الحميد وتطلع إلى بسط نفوذ المهدية إلى نجد والحجاز وغربي السودان.

ـ عبد الرحمن النجومي: من القادة العسكريين، وقد سار على رأس جيش كبير في 3 رمضان 1306هـ/3 مايو 1889م متقدمًا نحو الشمال لملاقاة الجيش المصري لكنه رجع دون أن يحقق تقدمًا أو نصرًا.

الشاعر الصوفي الحسين الزهراء 1833 ـ 1895م: من رجال المهدية، حاول أن يربط بين فلسفة ابن سينا الإشراقية وبين العقيدة المهدية.

حمدان أبو عنجة: كان قائد جيش المهدي أمام هكس الذي التقى به خارج الأبيض.

ثالثًا: أبناء المهدي وأحفاده:

عبد الرحمن بن محمد أحمد المهدي 1885 ـ 1956م وُلد في أم درمان وتلقى تعليمًا دينيًّا، وعندما شبَّ سعى لتنظيم المهدية بعد أن انفرط عقدها، وصار في عام 1914م زعيمًا روحيًّا للأنصار. وفي عام 1919م بعثت به الحكومة لتهنئة ملك بريطانيا بانتصار الحلفاء، حيث قام بتقديم سيف والده هدية للملك الذي قبله ثم أعاده إلى عبد الرحمن طالبًا منه أن يحتفظ به لديه نيابة عن الملك وليدافع به عن الإمبراطورية. وقد شكَّل هذا اعترافًا ضمنيًّا بالطائفة واعترافًا بزعامته لها. وقد أنشأ عبد الرحمن أيام الاستعمار الإنجليزي على السودان (حزب الأمة) وهو حزب المهدية السياسي.

الصديق بن عبد الرحمن: توفي عام 1961م.

الهادي بن عبد الرحمن: قتل في عام 1971م.

وقد انقسم حزب الأمة إلى ثلاثة أقسام:

ـ قسم برئاسة الصادق بن الصديق بن عبد الرحمن وهو أقوى الأقسام حاليًّا في السودان.

ـ قسم برئاسة أحمد بن عبد الرحمن.

ـ قسم برئاسة ولي الدين عبد الهادي.

المؤتمر العالمي لتاريخ المهدية أقيم في بيت المهدي بالخرطوم في الفترة من 29 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 1981م، وقد ألقى أحمد بن عبد الرحمن المهدي كلمة في هذا الحقل.

الأفكار والمعتقدات:

إن شخصية المهدي القوية، والمعتقد الديني الذي يدعو إليه، والسخط العام الذي كان سائدًا ضد الولاة الذين كانوا يفرضون الضرائب الباهظة على الناس، وتفشي الرشوة والمظالم، وسيطرة الأتراك والإنجليز، كان ذلك كله دور مهم في تجمع الناس حول هذه الدعوة بهدف التخلص من الوضع المزري الذي هم فيه إذ وجدوا في المهدي المنفذَ والمخلِّصَ.

دعا المهدي إلى ضرورة العودةِ مباشرة إلى الكتاب والسُّنة دون غيرهما من الكتب التي يرى أنها تبعد بخلافاتها وشرورها عن فهم المسلم البسيط العادي.

أوقف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة، وحرم الاشتغال بعلم الكلام، وفتح باب الاجتهاد في الدين، وأقر كذلك كتاب كشف الغمة للشعراني، والسيرة الحلبية، وتفسير روح البيان للبيضاوي، وتفسير الجلالين! !

ألغى جميع الطرق الصوفية وأبطل جميع الأوراد داعيًّا الجميع إلى نبذ الخلافات والالتفاف حول طريقته المهدية مؤلفًا لهم وردًا يقرءونه يوميًّا، ومن هذا الباب دخلت مرة أخرى في بوتقة الصوفية وانصهرت فيها، وداخلتها الأخطاء العقدية كقول المهدي بأنه معصوم وأنه المهدي المنتظر.

لما تحركت الحكومة لضرب المهدية في جزيرة أبا كتب المهدي خمس رايات رفع عليها شعار (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وعلى أربعة منها كتب على كل واحدة منها اسم واحد من الأقطاب الأربعة المتصوفة وهم: الجيلاني، والرفاعي، والدسوقي، والبدوي. أما الخامسة فقد كتب عليها "محمد المهدي خليفة رسول الله" وعلى ذلك فهو يزعم أنه الإمام، والمهدي، وخليفة رسول الله.

أبرز ما في دعوته إلحاحه الشديد على موضوع الجهاد والقوة والفتوة.

يزعم المهدي بأن مهديته قد جاءته بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وقد جاءني في اليقظة ومعه الخلفاء الراشدون والأقطاب والخضر ـ عليه السلام ـ وأمسك بيدي صلى الله عليه وسلم وأجلسني على كرسيه وقال لي: أنت المهدي المنتظر ومن شك في مهديتك فقد كفر "! !

نسب إلى نفسه العصمة وذكر بأنه معصوم نظرًا لامتداد النور الأعظم فيه من قبل خالق الكون إلى يوم القيامة! !.

كان يلح على ضرورة التواضع وعدم البطر وتشديد النكير على الانغماس في الملاذ والبذخ والنعمة، ويعمل على التقريب بين طبقات المجتمع، وقد عاش حياته يلبس الجبة المرقعة هو وأتباعه، لكن أحفاده من بعده عاشوا في ترف ونعيم.

حرَّم الاحتفال بالأعراس والختان احتفالًا يدعو إلى النفقة والإسراف.

يَسَّرَ الزواج بتخفيف المهور وبساطة الولائم وتحريم الرقص والغناء وضرب الدفوف.

منع البكاء على الأموات، وحرَّم الاشتغال بالرُّقى والتمائم، وحارب شرب الدخان وزراعته والاتجار به، وشدد في تحريمه.

أقام حدود الشريعة في أتباعه كالقصاص وحيازة خمس الغنائم ومصادرته أموال السارقين والخمارين، وصك العملة باسمه ابتداء من فبراير 1885م جمادى الأولى 1302هـ.

ـ أقام في المنطقة التي امتد إليها نفوذه نظامًا إسلاميًّا، ونظم الشؤون المالية وعين الجباة لجمع الزكاة، وكانت مالية الدولة التي أقامها مكونة مما يجبى من زكاة وجبايات.

في العاشر من ربيع الأول عام 1300هـ تطلع المهدي إلى عالمية الدعوة حيث أعلن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشَّره بأنه سيصلي في الأبيض ثم في بربر ثم في المسجد الحرام بمكة المكرمة فمسجد المدينة فمسجد القاهرة وبيت المقدس وبغداد والكوفة.

بعض انحرافات المهدي:

ـ لقد كفَّر المهدي من خالفه أو شك في مهديته ولم يؤمن به.

ـ سمّى الزمان الذي قبله زمان الجاهلية أو الفترة.

ـ جعل المتهاون في الصلاة كالتارك لها جزاؤه أن يقتل حدًّا.

ـ أفتى بأن من يشرب التنباك يؤدب حتى يتوب أو يموت.

ـ جعل المذاهب الفقهية والطرق الصوفية مجرد قنوات تصب في بحره العظيم! !.

ـ منع حيازة الأرض لأنها لا تملك إذ أنها محجوزة لبيت المال.

ـ نهى عن زواج البالغة بلا ولي ولا مهر.

الجذور الفكرية والعقائدية:

تأثر المهدي بالشيعة في ادعائه المهدية المعصومة التي ستملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، وفي التأكيد على أهمية نسبه الممتد إلى الحسن بن علي، وفي فكرة العصمة والإمام المعصوم (1).

ـ قيل بأنه أخذ عن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قوله بضرورة الأخذ عن الكتاب والسُّنَّة مباشرة، وفتح باب الاجتهاد، ومحاربته لبناء القبور، مع أنه بنى قبة لشيخه! ! (انظر للرد على هذا الوهم رسالة " الانحرافات العقدية والعلمية في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري " للشيخ علي بخيت الزهراني، ص 1001-997).

كان للفكر الصوفي دور مهم في رسم شخصية المهدي وطريقته.

أخذ عن جمال الدين الأفغاني، وعن محمد عبده ـ الذي كان على صلة بأفكارهما ـ أفكاره الثورية.

كان المهدي قريبًا من الأحداث الجارية في مصر وبالذات حركة أحمد عرابي الداعي إلى الثورة.

الانتشار ومواقع النفوذ:

ابتدأ المهدي دعوته من جزيرة أبا التي ما تزال مركزًا قويًّا للمهدية إلى الآن، وقد وثق صلته بالقبائل في مختلف أنحاء السودان.

تطلع المهدي وخليفته التعايشي لنقل المهدية إلى خارج السودان لكن هذا الأمل تلاشى بسقوط طوكر عام 1891م.

ما يزال للمهدية أنصار كثيرون يجمعهم حزب الأمة الذي يسهم في الأحداث السياسية الحالية في السودان. كما أن لهم تجمعًا وأنصارًا في أمريكا وبريطانيا يعملون على نشر أفكارهم ومعتقداتهم بين أبناء الجاليات الإسلامية بعامة والسودانيين بخاصة.

ويتضح مما سبق:

أن الثورة المهدية استطاعت أن تصهر السودانيين في بوتقة واحدة، وجعلت منهم شعبًا واحدًا جاهد مع قائده وزعيمه الروحي وحقق انتصارات باهرة على أعدائه، وقد أسقطت المهدية المذهبية وألغت الطرق الصوفية إلا طريقتها! وادعت أنها سلفية تدعو إلى عقيدة السلف في التوحيد والاجتهاد وفق المصالح المتجددة، وقد اعتبرت الجهاد ضد الكفار مقدم على الفرائض الأخرى. وهي تعتبر - على انحرافها - من حركات اليقظة في العالم الإسلامي. وقد شابتها بعض الانحرافات العقدية، وكساها المهديُّ بمسحة من الصُّوفية بهدف تحريك ضمائر أتباعه وربط ولاء شعبه بألوان من الرياضات لا سيما وقد كان للطرق الصوفية في عهده جذور ضاربة في نفوس شعبه لا يمكن إغفالها.

مراجع للتوسع:

ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبدالرحمن عبدالخالق.

ـ محمد أحمد المهدي: توفيق أحمد البكري ـ لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية ـ دار إحياء الكتب العربية ـ 1944م.

ـ المهدي والمهدية، د. أحمد أمين بك ـ إصدار دار المعارف بمصر.

ـ دراسات في تاريخ المهدية، مطبوعات قسم التاريخ ـ جامعة الخرطوم ـ أعده للنشر الدكتور عمر عبد الرازق النقر ـ 1982م.

ـ سعادة المستهدي بسير الإمام المهدي، إسماعيل عبد القادر الكردفاني ـ تحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم ـ ط 2 ـ دار الجبل، بيروت، 1402هـ/1982م.

ـ الموسوعة الحركة "جزءان"، فتحي يكن ـ ط 2 ـ دار البشير ـ الأردن 1403هـ/1983م.

ـ الفكر الصوفي، د. عبد القادر محمود ـ ط 1 ـ مطبعة المعرفة ـ القاهرة ـ 1968م.

ـ الإسلام في القرن العشرين ـ عباس محمود العقاد.

ـ السودان عبر القرون ـ د. مكي شبيكة ـ دار الثقافة ـ بيروت ـ لبنان بدون تاريخ.

ـ تاريخ السودان وجغرافيته، تأليف نعوم شقير.

ـ دائر معارف القرن العشرين، د. محمد فريد وجدي.

ـ منشورات المهدي، موجودة في الإدارة المركزية في وزارة الداخلية بالخرطوم بأصولها. وقد نشرتها الداخلية السودانية مصوّرة عن أصل مطبوع بمطبعة الحجر في أم درمان سنة 1382هـ/1963م في جزأين كبيرين بعنوان منشورات الإمام المهدي عليه السلام.

ـ يسألونك عن المهدية، الصادق المهدي.

ـ حركة المهدي السوداني ـ شريط كاسيت الدكتور محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم.

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م


30-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (المهاريشية-الأديان الشرقية)

المهاريشية

التعريف:

المهاريشية نحلة هندوسية دهرية ملحدة، انتقلت إلى أمريكا وأوروبا متخذة ثوبًا عصريًّا من الأفكار التي لم تخف حقيقتها الأصلية، وهي تدعو إلى طقوس كهنوتية من التأمل التصاعدي (التجاوزي) بغية تحصيل السعادة الروحية، وهناك دلائل تشير إلى صلتها بالماسونية والصهيونية التي تسعى إلى تحطيم القيم والمثل الدينية وإشاعة الفوضى الفكرية والعقائدية والأخلاقية بين الناس.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

مؤسسها فقير هندوسي لمع نجمه في الستينات واسمه مهاريشي – ماهيش – يوجي انتقل من الهند ليعيش في أمريكا ناشرًا أفكاره بين الشباب الضائع الذي يبحث عن المتعة الروحية بعد أن أنهكته الحياة المادية الصاخبة.

بقي في أمريكا مدة 13 سنة حيث التحق بركب نحلته الكثيرون، ومن ثم رحل لينشر فكرته في أوروبا وفي مختلف بلدان العالم.

في عام 1981م انتسب إلى هذه الفرقة ابن روكفلر عمدة نيويورك السابق وخصص لها جزءً من أمواله يدفعها سنويًّا لهذه الحركة، ومعروف انتماء هذه الأسرة اليهودية إلى الحركة الصهيونية والمؤسسات الماسونية.

الأفكار والمعتقدات:

لا يؤمن أفراد هذه النحلة بالله سبحانه وتعالى، ولا يعرفون إلا المهاريشي إلهًا وسيدًا للعالم.

لا يؤمنون بدين من الأديان السماوية، ويكفرون بجميع العقائد والمذاهب، ولا يعرفون التزامًا بعقيدة إلا بالمهاريشية التي تمنحهم الطاقة الروحية – على حد زعمهم – وهم يرددون: لا رب.. لا دين.

لا يؤمنون بشيء اسمه الآخرة أو الجنة أو النار أو الحساب.. ولا يهمهم أن يعرفوا مصيرهم بعد الموت لأنهم يقفون عند حدود متع الحياة الدنيا لا غير.

حقيقتهم الإلحاد، لكنهم يظهرون للناس أهدافًا براقة لتكون ستارًا يخفون بها تلك الحقيقة. فمن ذلك أنهم يدعون إلى التحالف من أجل المعرفة أو علم الذكاء الخلاق ويفسرون ذلك على النحو التالي:

علم: من حيث دعوتهم إلى البحث المنهجي التجريبي.

الذكاء: من حيث الصفة الأساسية للوجود متمثلًا في هدف ونظام للتغيير.

الخلاق: من حيث الوسائل القوية القادرة على إحداث التغييرات في كل زمان ومكان.

وهم يصلون إلى ذلك عن طريق (التأمل التجاوزي) الذي يأخذ بأيديهم – كما يعتقدون- إلى إدراك غير محدود.

(التأملات التجاوزية) تتحقق عن طريق الاسترخاء، وإطلاق عنان الفكر والضمير والوجدان حتى يشعر الإنسان منهم براحة عميقة تنساب داخله، ويستمر في حالته الصامتة تلك حتى يجد حلاًّ للعقبات والمشكلات التي تعترض طريقه، وليحقق بذلك السعادة المنشودة.

يخضع المنتسب للتدريب على هذه التأملات التصاعدية خلال أربع جلسات موزعًا على أربعة أيام، وكل جلسة مدتها نصف ساعة.

ينطلق الشخص بعد ذلك ليمارس تأملاته بمفرده على أن لا تقل كل جلسة عن عشرين دقيقة صباحًا ومثلها مساءً كل يوم وبانتظام.

من الممكن أن يقوموا بذلك بشكل جماعي، ومن الممكن أن يقوم به عمال في مصنع رغبةً في تجاوز إرهاقات العمل وزيادة الإنتاج.

يحيطون تأملاتهم بجو من الطقوس الكهنوتية مما يجعلها جذابة للشباب الغربي الغارق في المادة والذي يبحث عما يلبي له أشواقه الروحية.

ينطلقون في الشوارع يقرعون الطبول، وينشدون، دون إحساس بشيء اسمه الخجل أو العيب أو القيم، ويرسلون شعورهم ولحاهم، ولعل بعضهم يكون حليق الرأس على نحو شاذ، وهيئتهم رثة، كل ذلك جذبًا للأنظار، وتعبيرًا عن تحللهم من كل القيود.

استعاض المهاريشية عن النبوة والوحي بتأملاتهم الذاتية، واستعاضوا عن الله بالراحة النفسية التي يجدونها، وبذلك أسقطوا عن اعتبارهم مدلولات النبوة والوحي والألوهية.

يطلقون العنان لشبابهم وشاباتهم لممارسة كل أنواع الميول الجنسية الشاذة والمنحرفة، إذ إن ذلك- كما يعتقدون – يحقق لهم أعلى مستوى من السعادة. وقد وجد بينهم ما يسمى بالبانكرز وما يسمى بالجنس الثالث.

يدعون شبابهم إلى عدم العمل، وإلى ترك الدراسة، وإلى التخلي عن الارتباط بأرض أو وطن، فلا يوجد لديهم إلا عقيدة المهاريشي، فهي العمل وهي الدراسة وهي الأرض وهي الوطن.

عدم إلزام النفس بأي قيد يحول بينها وبين ممارسة نوازعها الحيوانية الطبيعية.

يحثون شبابهم على استخدام المخدرات كالماريجوانا والأفيون حتى تنطلق نفوسهم من عقالها سابحة في بحر من السعادة الموهومة.

يلزمون أتباعهم بالطاعة العمياء للمهاريشي وعدم الخضوع إلاّ له إذ إنه هو الوحيد الذي يمكنه أن يفعل أي شيء.

يلخصون أهدافهم ومجالات عملهم بسبع نقاط براقة تضفي على حركتهم جوًّا من الروح العلمية الإنسانية العالمية وهي أهداف لا يكاد يكون لها وجود في أرض الواقع وهي:

1- تطوير كل إمكانات الفرد.

2- تحسين الإنجازات الحكومية.

3- تحقيق أعلى مستوى تعليمي.

4- التخلص من كل المشكلات القديمة للجريمة والشر، ومن كل سلوك يؤدي إلى تعاسة الإنسانية.

5- زيادة الاستغلال الذكي للبيئة.

6- تحقيق الطموحات الاقتصادية للفرد والمجتمع.

7- إحراز هدف روحي للإنسانية.

أما وسائلهم المعتمدة لتحقيق هذه الأفكار فهي:

1- افتتاح الجامعات في الأرياف والمدن.

2- نشر دراسات عن علم الذكاء الخلاق والدعوة إلى تطبيقها على المستوى الفردي والحكومي والتعليمي والاجتماعي وفي مختلف البيئات.

3- إيجاد تلفزيون ملون عالمي لبث التعاليم من عدة مراكز في العالم.

الجذور الفكرية والعقائدية:

إنها ديانة هندوسية مصبوغة بصبغة عصرية جديدة من الحرية والانطلاق.

إنها مزيج من اليوغا ومن الرياضات المعروفة عند الهندوس.

خالطت معتقداتها طقوس صوفية بوذية هندية.

تأثر مذهبهم بنظرية أفلوطين الإسكندري في الفلسفة الإشراقية.

إن استشراف الحق عن طريق التأمل الذاتي نظرية قديمة في الفلسفة اليونانية وقد بعثت هذه النظرية من جديد على يد ماكس ميلر، وهربرت سبنسر، وبرجسون، وديكارت، وجيفونس، وأوجست، وغيرهم.

كان لفلسفة فرويد ونظريته في التحليل النفسي ولآرائه في الكبت وطرق التخلص منه النصيب الوافر في معتقدات هذه النحلة التي راحت تبحث عن سعادتها عن طريق الإرواء الجنسي بشتى صوره.

الانتشار ومواقع النفوذ:

مؤسسها هندوسي لم يجد له مكانًا في الهند لمضايقة الهندوس له لخوفهم من استقطابه الأتباع بسبب إتباعه سياسة الانفتاح الجنسي.

انتقل إلى أمريكا وأنشأ جامعة في كاليفورنيا، ومن ثم انتقل إلى أوروبا وصار له أتباع فيها، ورحل بحركته إلى أفريقيا ليقيم لها أرضية في ساليسبورغ، ووصلت دعوته إلى الخليج العربي ومصر حيث يزرع الأتباع هنا وهناك ويتحرك فوق ثروة مالية هائلة.

وتملك المهاريشية إمكانيات مادية رهيبة تدعو إلى التساؤل والاستغراب، وتشير إلى الأيدي الصهيونية والماسونية التي تقف وراءها مستفيدة من تدميرها لأخلاق وقيم الأمم.

في عام 1971م أنشأ زعيمهم جامعة كبيرة في كاليفورنيا سماها (جامعة المهاريش العالمية) ويقول بأنه فعل ذلك بعد أن أحس بتقبل مذهبه في أكثر من 600 كلية وجامعة في أنحاء العالم.

وفي عام 1974م أُعلن عن قيام الحكومة العالمية لعصر الانبثاق برئاسة مهاريشي – ماهيشي – يوجي ومقرها سويسرا كما أن لهذه الدولة دستورًا ووزراءً وأتباعًا وثروة طائلة واستثمارات في مختلف أنحاء العالم.

في كانون الأول 1978م ادعوا بأن حكومتهم المهاريشية قد أرسلت إلى إسرائيل بعثة من 400 محافظ ليقيموا دورة هناك لثلاثمائة رجل حتى تجعل الشعب أكثر اجتماعية وأقل حدةً وتوترًا.

يعتبر عام 1978م عام السلام لديهم حيث إنهم قد أعلنوا أنه لن تقهر أمة في العالم بعد ذلك. وقد دعوا في ذلك العام إلى عقد مؤتمر في ساليسبورغ لتكوين نظام عدم القهر لأية أمة، كما أسس فيه المجلس النيابي لعصر الانبثاق.

كتبهم ومطبوعاتهم تكتب بماء الذهب، وهم يمتلكون أكبر المصانع والعقارات في أوروبا، وقد اشتروا قصر برج مونتمور في بريطانيا لتأسيس عاصمتهم الجديدة هناك.

يحرصون دائمًا على اعتبار مؤسستهم مؤسسة خيرية معفاة من الضرائب على الرغم من غناهم الفاحش.

يخدم مع المهاريشي سبعة آلاف خبير، ويشتري هذا المهاريشي، الفقير أصلًا، عشرات القصور الفارهة فمن أين له ذلك؟

إن اليهودية قد وجدت فيها خير وسيلة لنشر الانحلال والفوضى بين البشر فتبنتها ووقفت وراءها مسخرة لها الأموال والصحافة وعقدت لها المناقشات لطرح نظريتها والدعوة إليها.

وصل بعضهم إلى دبي وعقدوا اجتماعًا في فندق حياة ريجنسي يدعون فيها علانية لمذهبهم وقد ألقي القبض على هؤلاء الأشخاص الأربعة الذين قدموا إليها بتأشيرة سياحية ثم أُبعدوا عن البلاد.

وصل بعضهم إلى الكويت وتقدموا بطلب للحصول على ترخيص لهم باعتبارهم مؤسسة خيرية غير تجارية، وقد نشروا في الصحافة الكويتية أكثر من مقال وبث لهم التلفزيون الكويتي بعض المقابلات قبل أن تتضح أهدافهم الحقيقية.

نظموا دورة لموظفي وزارة المواصلات في الكويت في فندق هيلتون وقد دعوا الموظفين أثناء الدورة إلى مراجعة مواريثهم العقائدية والفكرية.

طُرد المهاريشي من ألمانيا بعد أن ظهر أثره السيئ على الشباب.

نشرت رابطة العالم الإسلامي في مكة بيانًا أوضحت فيه خطر هذا المذهب على الإسلام والمسلمين مؤكدة ارتباطه بالدوائر الماسونية والصهيونية.

ويتضح مما سبق:

أن المهاريشية دين هندوسي وضعي دهري ملحد، لا يعترف بالآخرة، ويدعو إلى إلغاء كافة العقائد والأديان السابقة، ويطالب التخلي عن كل القيود والتعاليم الخلقية، ويسعى لاستقطاب الشباب وإغراقه في متاهات التأمل التجاوزي والانحلال الجنسي والسقوط فريسة سهل للمخدرات.

والحقيقة أن المهاريشية ما هي إلا ضلالة جديدة انتهزت فرصة إخفاق النصرانية في احتواء الشباب، وظهور صرعات الهيبيز والخنافس وأبناء الزهور، فتقدمت لتملأ الفراغ، تحت وهم جلب الراحة النفسية ومطاردة موجات القلق والاضطراب، عن طريق الرياضات الروحية، بعيدًا عن طريق الوحي والنبوات.

ولا يستبعد أن تكون ذراعًا جديدًا للماسونية، ويرى الكثيرون في ماهيش يوغي مؤسس المهاريشية أنه راسبوتين العصر، لطابع الدجل والاستغلال والانحراف الذي يتحلى به.

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م


31-معجم الأفعال المتعدية بحرف (بعثه)

(بعثه) يبعثه بعثا أرسله وحده وبعث به أرسله مع غيره قال صاحب المصباح (كل

شيء لا ينبعث بنفسه كالكتاب والهدية فإن الفعل يتعدى إليه بالباء فيقال بعثت به) وبعثه بعثا على الشيء حمله على فعله وبعثه من نومه أيقظه وبعث الله على الخلق البلاء أحله وانبعث في السير وغيره اندفع أسرع وانبعث فلان لشأنه ثار ومضى ذاهبا لقضاء حاجته وتباعثوا على الخير تواصوا به وحمل بعضهم بعضا على صنيعه.

معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م


32-معجم البلدان (أكتال)

أَكْتَالُ:

بالتاء فوقها نقطتان: موضع في قول وعلة الجرمي:

«كأنّ الخيل، بالأكتال هجرا *** وبالخفّين، رجل من جراد»

«تكرّ عليهم وتعود فيهم *** فسادا، بل أجلّ من الفساد»

«عليها كلّ أروع من نمير، *** أغرّ كغرّة الفرس الجواد»

«كهيج الريح، إذ بعثت عقيما *** مدمّرة على إرم وعاد»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


33-معجم البلدان (البربر)

البَرْبَرُ:

هو اسم يشتمل قبائل كثيرة في جبال المغرب، أولها برقة ثم إلى آخر المغرب والبحر المحيط وفي الجنوب إلى بلاد السودان، وهم أمم وقبائل لا تحصى، ينسب كل موضع إلى القبيلة التي تنزله، ويقال لمجموع بلادهم بلاد البربر، وقد اختلف في أصل نسبهم، فأكثر البربر تزعم أن أصلهم من العرب، وهو بهتان منهم وكذب، وأما أبو المنذر فإنه قال:

البربر من ولد فاران بن عمليق، وقال الشرقي: هو عمليق بن يلمع بن عامر بن اشليخ بن لاوذ بن سام ابن نوح، وقال غيره: عمليق بن لاوذ بن سام ابن نوح، وقال غيره: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، عليه السلام، والأكثر والأشهر في نسبهم أنهم بقية قوم جالوت لما قتله طالوت هربوا إلى المغرب فتحصنوا في جبالها وقاتلوا أهل بلادها ثم صالحوهم على شيء يأخذونه من أهل البلاد وأقاموا هم في الجبال الحصينة، وقال أحمد بن يحيى بن جابر: حدثني بكر ابن الهيثم قال: سألت عبد الله بن صالح عن البربر فقال: هم يزعمون أنهم من ولد برّ بن قيس بن عيلان، وما جعل الله لقيس من ولد اسمه برّ وإنما هم من الجبّارين الذين قاتلهم داود وطالوت، وكانت منازلهم على الدهر ناحية فلسطين، وهم أهل عمود، فلما أخرجوا من أرض فلسطين أتوا المغرب فتناسلوا به وأقاموا في جباله، وهذه من أسماء قبائلهم التي سميت بهم الأماكن التي نزلوا بها، وهي: هوّارة. أمتاهة.

ضريسة. مغيلة. ورفجومة. ولطية. مطماطة.

صنهاجة. نفزة. كتامة. لواتة. مزاتة.

ربوحة. نفوسة. لمطة. صدينة. مصمودة.

غمارة. مكناسة. قالمة. وارية. أتينة. كومية.

سخور. أمكنة. ضرزبانة. قططة. حبير.

يراثن واكلان. قصدران. زرنجى. برغواطة.

لواطة. زواوة. كزولة. وذكر هشام بن محمد أن جميع هؤلاء عمالقة إلّا صنهاجة وكتامة، فإنهم بنو افريقس بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر كانوا معه لما قدم المغرب وبنى إفريقية فلما رجع إلى بلاده تخلّفوا عنه عمّالا له على تلك البلاد فبقوا إلى الآن

وتناسلوا. والبربر أجفى خلق الله وأكثرهم طيشا وأسرعهم إلى الفتنة وأطوعهم لداعية الضلالة وأصغاهم لنمق الجهالة، ولم تخل جبالهم من الفتن وسفك الدماء قط، ولهم أحوال عجيبة واصطلاحات غريبة، وقد حسّن لهم الشيطان الغوايات وزيّن لهم الضلالات حتى صارت طبائعهم إلى

وذكر محمد بن أحمد الهمذاني في كتابه مرفوعا إلى أنس بن مالك قال: جئت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ومعي وصيف بربريّ، فقال: يا أنس ما جنس هذا الغلام؟ فقلت: بربريّ يا رسول الله، فقال: يا أنس بعه ولو بدينار، فقلت له: ولم يا رسول الله؟ قال: إنهم أمة بعث الله إليهم نبيّا فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه وبعثوا من المرق إلى النساء فلم يتحسوه، فقال الله تعالى: لا اتخذت منكم نبيّا ولا بعثت فيكم رسولا، وكان يقال: تزوجوا في نسائهم ولا تؤاخوا رجالهم، ويقال: إن الحدّة والطيش عشرة أجزاء تسعة في البربر وجزء في سائر الخلق. ويروى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ما تحت أديم السماء ولا على الأرض خلق شرّ من البربر، ولئن أتصدق بعلاقة سوطي في سبيل الله أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة بربري، قلت: هكذا وردت هذه الآثار ولا أدري ما المراد بها السود أم البيض، أنشدني أبو القاسم النحوي الأندلسي الملقب بالعلم لبعض المغاربة يهجو البربر فقال:

«رأيت آدم في نومي فقلت له: *** أبا البرية! إن الناس قد حكموا: »

«أن البرابر نسل منك، قال: أنا؟ *** حوّاء طالقة إن كان ما زعموا»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


34-معجم البلدان (كسكر)

كَسْكَرُ:

بالفتح ثم السكون، وكاف أخرى، وراء، معناه عامل الزرع: كورة واسعة ينسب إليها الفراريج الكسكرية لأنها تكثر بها جدّا، رأيتها أنا، تباع فيها أربعة وعشرون فرّوجا كبارا بدرهم واحد، قال ابن الحجاج:

«ما كان قطّ غذاءها *** إلا الدجاج المصدر»

والبط يجلب إليها لكن يجلب من بعض أعمال كسكر، وقصبتها اليوم واسط القصبة التي بين الكوفة والبصرة، وكانت قصبتها قبل أن يمصّر الحجاج واسطا خسرو سابور، ويقال إن حدّ كورة كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقي النهروان إلى أن تصبّ دجلة في البحر كله من كسكر فتدخل فيه على هذا البصرة ونواحيها، فمن مشهور نواحيها: المبارك، وعبدسي، والمذار، ونغيا، وميسان، ودستميسان، وآجام البريد، فلما مصّرت العرب الأمصار فرّقتها، ومن كسكر أيضا في بعض الروايات: إسكاف العليا، وإسكاف السفلى، ونفّر، وسمّر، وبهندف، وقرقوب، وقال الهيثم بن عدي: لم يكن بفارس كورة أهلها أقوى من كورتين كورة سهلية وكورة جبلية، أما السهلية فكسكر وأما الجبلية فأصبهان، وكان خراج كل واحدة منهما اثني عشر ألف ألف مثقال، قالوا: وسميت كسكر بكسكر بن طهمورث الملك الذي هو أصل الفرس، وقد ذكر في فارس، وقال آخرون: معنى كسكر بلد الشعير بلغة أهل هراة، وقال عبيد الله بن الحرّ:

«أنا الذي أجليتكم عن كسكر *** ثم هزمت جمعكم بتستر»

«ثم انقضضت بالخيول الضّمّر *** حتى حللت بين وادي حمير»

وسمع عمران بن حطّان قوما من أهل البصرة أو الكوفة يقولون: ما لنا وللخروج وأرزاقنا دارّة وأعطياتنا جارية وفقرنا نائم، فقال عمران بن حطّان:

«فلو بعثت بعض اليهود عليهم *** تؤمّهم أو بعض من قد تنصّرا»

«لقالوا: رضينا إن أقمت عطاءنا *** وأجريت ما قد سنّ من برّ كسكرا»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


35-معجم البلدان (مرو الشاهجان)

مَرْوُ الشاهِجَان:

هذه مرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها، نصّ عليه الحاكم أبو عبد الله في

تاريخ نيسابور مع كونه ألّف كتابه في فضائل نيسابور إلا أنه لم يقدر على دفع فضل هذه المدينة، والنسبة إليها مروزيّ على غير قياس، والثوب مرويّ على القياس، وبين مرو ونيسابور سبعون فرسخا ومنها إلى سرخس ثلاثون فرسخا وإلى بلخ مائة واثنان وعشرون فرسخا اثنان وعش

يا بريدة إنه سيبعث من بعدي بعوث فإذا بعثت فكن في بعث المشرق ثم كن في بعث خراسان ثم كن في بعث أرض يقال لها مرو إذا أتيتها فانزل مدينتها فإنه بناها ذو القرنين وصلّى فيها عزيز، أنهارها تجري بالبركة، على كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوء إلى يوم القيامة، فقدمها بريدة غازيا وأقام بها إلى أن مات وقبره بها إلى الآن معروف عليه راية رأيتها، قال بطليموس في كتاب الملحمة: مدينة مرو الرقة، كذا قال، طولها سبع وستون درجة، وعرضها أربعون درجة، في الإقليم الخامس، طالعها العقرب تحت ثماني عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها في الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، كذا قال بطليموس، وقد تقدم ذكرها عند ذكر الأقاليم أنها في الإقليم الرابع، قال أبو عون إسحاق بن علي في زيجه: مرو في الإقليم الرابع، طولها أربع وثمانون درجة وثلث، وعرضها سبع وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وشنّع على أهل خراسان وادّعي عليهم البخل كما زعم ثمامة أن الديك في كل بلد يلفظ ما يأكله من فيه للدجاجة بعد أن حصل إلا ديكة مرو فإنها تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحبّ، وهذا كذب بيّن ظاهر للعيان لا يقدم على مثله إلا الوقّاع البهّات الذي لا يتوقّى الفضوح والعار وما ديكة مرو إلا كالدّيكة في جميع الأرض، قالوا:

ولما ملك طهمورث بنى قهندز مرو وبنى مدينة بابل وبنى مدينة ابرايين بأرض قوم موسى ومدينة بالهند في رأس جبل يقال له أوق، قال: وأمرت حماي بنت أردشير بن إسفنديار لما ملكت ببناء الحائط الذي حول مرو، وقال: إن طهمورث لما بنى قهندز مرو بناه بألف رجل وأقام لهم سوقا فيها الطعام والشراب فكان إذا أمسى الرجل أعطي درهما فاشترى به طعامه وجميع ما يحتاج إليه فتعود الألف درهم إلى أصحابه، فلم يخرج له في البناء إلا ألف درهم، وقال بعضهم:

«مياسير مرو من يجود لضيفه *** بكرش فقد أمسى نظيرا لحاتم»

«ومن رسّ باب الدار منكم بقرعة *** فقد كملت فيه خصال المكارم»

«يسمّون بطن الشاة طاووس عرسهم، *** وعند طبيخ اللحم ضرب الجماجم»

«فلا قدّس الرحمن أرضا وبلدة *** طواويسهم فيها بطون البهائم»

وكان المأمون يقول: يستوي الشريف والوضيع من مرو في ثلاثة أشياء: الطّبيخ النارنك والماء البارد لكثرة الثلج بها والقطن اللين، وبمرو الرّزيق،

بتقديم الراء على الزاي، والماجان: وهما نهران كبيران حسنان يخترقان شوارعها ومنهما سقي أكثر ضياعها، وقال إبراهيم بن شمّاس الطالقاني: قدمت على عبد الله بن المبارك من سمرقند إلى مرو فأخذ بيدي فطاف بي حول سور مدينة مرو ثم قال لي:

يا إبراهيم من بنى هذه المدينة؟ قلت: لا أدري يا أبا عبد الرحمن، قال: مدينة مثل هذه لا يعرف من بناها! وقد أخرجت مرو من الأعيان وعلماء الدين والأركان ما لم تخرج مدينة مثلهم، منهم:

أحمد بن محمد بن حنبل الإمام وسفيان بن سعيد الثوري، مات وليس له كفن واسمه حيّ إلى يوم القيامة، وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك وغيرهم، وكان السلطان سنجر بن ملك شاه السّلجوقي مع سعة ملكه قد اختارها على سائر بلاده وما زال مقيما بها إلى أن مات وقبره بها في قبّة عظيمة لها شباك إلى الجامع وقبتها زرقاء تظهر من مسيرة يوم، بلغني أن بعض خدمه بناها له بعد موته ووقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن ويكسو الموضع، وتركتها أنا في سنة 616 على أحسن ما يكون، وبمرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور، وأقمت بها ثلاثة أعوام فلم أجد بها عيبا إلا ما يعتري أهلها من العرق المديني فإنهم منه في شدة عظيمة قلّ من ينجو منه في كل عام، ولولا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات لما في أهلها من الرّفد ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها، فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودة، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزنجاني أو عتيق بن أبي بكر وكان فقّاعيّا للسلطان سنجر وكان في أول أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو ثم صار شرابيّا له وكان ذا مكانة منه، وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب، وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته، ومات المستوفي هذا في سنة 494، وكان حنفيّ المذهب، وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته وخزانتان للسمعانيين وخزانة أخرى في المدرسة العميدية وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها والخزائن الخاتونية في مدرستها والضميرية في خانكاه هناك، وكانت سهلة التناول لا يفارق منزلي منها مائتا مجلّد وأكثر بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد وألهاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن، وكثيرا ما كنت أترنّم عند كوني بمرو بقول بعض الأعراب:

«أقمريّة الوادي التي خان إلفها *** من الدهر أحداث أتت وخطوب»

«تعالي أطارحك البكاء فإننا *** كلانا بمرو الشاهجان غريب»

ثم أضفت إليها قول أبي الحسين مسعود بن الحسن الدمشقي الحافظ وكان قدم مرو فمات بها في سنة 543:

«أخلّاي إن أصبحتم في دياركم *** فإني بمرو الشاهجان غريب»

«أموت اشتياقا ثم أحيا تذكّرا، *** وبين التراقي والضلوع لهيب»

«فما عجب موت الغريب صبابة، *** ولكن بقاه في الحياة عجيب»

إلى أن خرجت عنها مفارقا وإلى تلك المواطن ملتفتا وامقا فجعلت أترنم بقول بعضهم:

«ولما تزايلنا عن الشعب وانثنى *** مشرّق ركب مصعد عن مغرّب»

«تيقّنت أن لا دار من بعد عالج *** تسرّ، وأن لا خلّة بعد زينب»

ويقول الآخر:

«ليال بمرو الشاهجان وشملنا *** جميع سقاك الله صوب عهاد»

«سرقناك من ريب الزمان وصرفه، *** وعين النوى مكحولة برقاد»

«تنبّه صرف الدهر فاستحدث النوى، *** وصيّرنا شتّى بكل بلاد»

ولن تعدم الحسناء ذامّا، فقد قال بعض من قدمها من أهل العراق فحنّ إلى وطنه:

«وأرى بمرو الشاهجان تنكّرت *** أرض تتابع ثلجها المذرور»

«إذ لا ترى ذا بزّة مشهورة *** إلّا تخال بأنه مقرور»

«كلتا يديه لا تزايل ثوبه *** كلّ الشتاء كأنه مأسور»

«أسفا على برّ العراق وبحره! *** إنّ الفؤاد بشجوه معذور»

وكنّا كتبنا قصيدة مالك بن الريب متفرّقة وأحلنا في كل موضع على ما يليه ولم يبق منها إلا ذكر مرو وبها تتمّ فإنه قال بعد ما ذكر في السّمينة:

«ولما تراءت عند مرو منيتي، *** وحلّ بها سقمي وحانت وفاتيا»

«أقول لأصحابي: ارفعوني فإنني *** يقرّ بعيني إن سهيل بدا ليا»

«فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا *** برابية إني مقيم لياليا»

«أقيما عليّ اليوم أو بعض ليلة، *** ولا تعجلاني قد تبيّن شانيا»

«وقوما إذا ما استلّ روحي فهيّئا *** لي السدر والأكفان ثمّ ابكيانيا»

«وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي، *** وردّا على عينيّ فضل ردائيا»

«ولا تحسداني، بارك الله فيكما، *** من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا»

«خذاني فجرّاني ببردي إليكما، *** فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا»

«وقد كنت عطّافا إذا الخيل أحجمت *** سريعا لدى الهيجا إلى من دعانيا»

«وقد كنت محمودا لدى الزاد والقرى *** وعن شتم ابن العمّ والجار وانيا»

«وقد كنت صبّارا على القرن في الوغى، *** ثقيلا على الأعداء عضبا لسانيا»

«وطورا تراني في رحى مستديرة *** تخرّق أطراف الرماح ثيابيا»

وما بعد هذه الأبيات ذكر في الشبيك، وبمرو قبور أربعة من الصحابة، منهم: بريدة بن الحصيب والحكم بن عمرو الغفاري وسليمان بن بريدة في قرية من قراها يقال لها فني ويقال لها فنين وعليه علم، رأيت ذلك كله والآخر نسيته، فأما رستاق مرو فهو أجلّ من المدن وكثيرا ما سمعتهم يقولون رجال مرو من قراها، وقال بعض الظرفاء يهجو أهل مرو:

لأهل مرو أياد مشهورة ومروّة *** لكنها في نساء صغارهنّ الصّبوّة

يبذلن كل مصون على طريق الفتوّة *** فلا يسافر إليها إلا فتى فيه قوّة

وإليها ينسب عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو بكر القفّال المروزي وحيد زمانه فقها وعلما، رحل إلى الناس وصنف وظهرت بركته وهو أحد أركان مذهب الشافعي وتخرّج به جماعة وانتشر علمه في الآفاق، وكان ابتداء اشتغاله بالفقه على كبر السن، حدثني بعض فقهاء مرو بفنين من قراها أن القفّال الشاشي صنع قفلا ومفتاحا وزنه دانق واحد فأعجب الناس به جدّا وسار ذكره وبلغ خبره إلى القفّال هذا فصنع قفلا مع مفتاحه وزنه طسّوج وأراه الناس فاستحسنوه ولم يشع له ذكر فقال يوما لبعض من يأنس إليه: ألا ترى كلّ شيء يفتقر إلى الحظ؟ عمل الشاشي قفلا وزنه دانق وطنّت به البلاد، وعملت أنا قفلا بمقدار ربعه ما ذكرني أحد! فقال له: إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال، فرغب في العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعين سنة وجاء إلى شيخ من أهل مرو وعرّفه رغبته فيما رغب فيه فلقّنه أول كتاب المزني، وهو: هذا كتاب اختصرته، فرقي إلى سطحه وكرّر عليه هذه الثلاثة ألفاظ من العشاء إلى أن طلع الفجر فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها فضاق صدره وقال: أيش أقول للشيخ؟

وخرج من بيته فقالت له امرأة من جيرانه: يا أبا بكر لقد أسهرتنا البارحة في قولك هذا كتاب اختصرته، فتلقنها منها وعاد إلى شيخه وأخبره بما كان منه، فقال له: لا يصدّنّك هذا عن الاشتغال فإنك إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة، فجدّ ولازم الاشتغال حتى كان منه ما كان فعاش ثمانين سنة أربعين جاهلا وأربعين عالما، وقال أبو المظفّر السمعاني: عاش تسعين سنة ومات سنة 417، ورأيت قبره بمرو وزرته، رحمه الله تعالى، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي أحد أئمة الفقهاء الشافعية ومقدّم عصره في الفتوى والتدريس، رحل إلى أبي العباس بن شريح وأقام عنده وحصل الفقه عليه وشرح مختصر المزني شرحين وصنف في أصول الفقه والشروط وانتهت إليه رياسة هذا المذهب بالعراق بعد ابن شريح ثم انتقل في آخر عمره إلى مصر وتوفي بها لسبع خلون من رجب سنة 340 ودفن عند قبر الشافعي، رضي الله عنه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


36-معجم البلدان (النيل)

النِّيلُ:

بكسر أوله، بلفظ النيل الذي تصبغ به الثياب، في مواضع: أحدها بليدة في سواد الكوفة قرب حلّة بني مزيد يخترقها خليج كبير يتخلج من الفرات الكبير حفره الحجاج بن يوسف وسماه بنيل مصر، وقيل:

إنّ النيل هذا يستمد من صراة جاماسب، ينسب إليه خالد بن دينار النيلي أبو الوليد الشيباني، كان يسكن النيل، حدث عن الحسن العكلي وسالم بن عبد الله ومعاوية بن قرّة، روى عنه الثوري وغيره، وقال محمد بن خليفة السّنبسي شاعر بني مزيد يمدح دبيسا بقصيدة مطلعها:

«قالوا هجرت بلاد النيل وانقطعت *** حبال وصلك عنها بعد إعلاق»

«فقلت: إني وقد أقوت منازلها *** بعد ابن مزيد من وفد وطرّاق»

«فمن يكن تائقا يهوى زيارتها *** على البعاد فإني غير مشتاق»

«وكيف أشتاق أرضا لا صديق بها *** إلا رسوم عظام تحت أطباق؟»

وإياه عنى أيضا مرجا بن نباه بقوله:

«قصدتكم أرجو نوال أكفّكم، *** فعدت وكفّي من نوالكم صفر»

«فلما أتيت النيل أيقنت بالغنى *** ونيل المنى منكم فلاحقني الفقر»

والنيل أيضا: نهر من أنهار الرّقة حفره الرشيد على ضفّة نيل الرّقة، والبليخ: نهر دير زكّى، ولذلك قال الصّنوبري:

«كأنّ عناق نهري دير زكّى، *** إذا اعتنقا، عناق متيّمين»

«وقت ذاك البليخ يد الليالي *** وذاك النيل من متجاورين»

وأما نيل مصر فقال حمزة: هو تعريب نيلوس من الرومية، قال القضاعي: ومن عجائب مصر النيل جعله الله لها سقيا يزرع عليه ويستغنى به عن مياه المطر في أيام القيظ إذا نضبت المياه من سائر الأنهار فيبعث الله في أيام المدّ الريح الشمال فيغلب عليه البحر الملح فيصير كالسّكر له حتى يربو ويعم الرّبى والعوالي ويجري في الخلج والمساقي فإذا بلغ الحدّ الذي هو تمام الريّ وحضر زمان الحرث والزراعة بعث الله الريح الجنوب فكبسته وأخرجته إلى البحر الملح وانتفع الناس بالزراعة مما يروى من الأرض، وأجمع أهل العلم أنه ليس في الدنيا نهر أطول من النيل لأن مسيرته شهر في الإسلام وشهران في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب حيث لا عمارة فيها إلى أن يخرج في بلاد القمر خلف خطّ الاستواء، وليس في الدنيا نهر يصبّ من الجنوب إلى الشمال إلا هو، ويمتد في أشدّ ما يكون من الحرّ حين تنقص أنهار الدنيا، ويزيد بترتيب وينقص بترتيب بخلاف سائر الأنهار، فإذا زادت الأنهار في سائر الدنيا نقص وإذا نقصت زاد نهاية وزيادة، وزيادته في أيام نقص غيره، وليس في الدنيا نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل ولا يجيء من خراج نهر ما يجيء من خراج ما يسقيه النيل، وقد روي عن عمرو بن العاص أنه قال: إن نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كلّ نهر بين المشرق والمغرب أن يمدّ له وذلّله له فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله تعالى كلّ نهر أن يمدّه بمائه وفجّر الله تعالى له الأرض عيونا وانتهى جريه إلى ما أراد

الله تعالى، فإذا بلغ النيل نهايته أمر الله تعالى كلّ ماء أن يرجع إلى عنصره ولذلك جميع مياه الأرض تقلّ أيام زيادته، وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: لما فتح المسلمون مصر جاء أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونه من شهور القبط فقالوا: أيها ا

قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي هذا، وإذا في كتابه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الواحد القّهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، قال: فألقى عمرو بن العاص البطاقة في النيل وذلك قبل عيد الصليب بيوم وكان أهل مصر قد تأهبوا للخروج منها والجلاء لأنهم لا تقوم مصلحتهم إلا بالنيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد جرى النيل بقدرة الله تعالى وزاد ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة وانقطعت تلك السنّة السيئة عن أهل مصر، وكان للنيل سبعة خلجان: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج المنهي، وخليج الفيوم، وخليج عرشي، وخليج سردوس، وهي متصلة الجريان لا ينقطع منها شيء، والزروع بين هذه الخلجان متّصلة من أول مصر إلى آخرها، وزروع مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا بما قدّروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها، فإذا استوى الماء كما ذكرناه في المقياس من هذا الكتاب أطلق حتى يملأ أرض مصر فتبقى تلك الأراضي كالبحر الذي لم يفارقه الماء قط والقرى بينه يمشى إليها على سكور مهيأة والسفن تخترق ذلك، فإذا استوفت المياه ورويت الأرضون أخذ ينقص في أول الخريف وقد برد الهواء وانكسر الحرّ فكلما نقص الماء عن أرض زرعت أصناف الزروع واكتفت بتلك الشربة لأنه كلما تأخّر الوقت برد الجوّ فلا تنشف الأرض إلى أن يستكمل الزرع فإذا استكمل عاد الوقت يأخذ في الحرّ والصيف حتى ينضج الزروع وينشفها ويكمّلها، فلا يأتي الصيف إلا وقد استقام أمرها فأخذوا في حصادها، وفي ذلك عبرة وآية ودليل على قدرة العزيز الحكيم الذي خلق الأشياء في أحسن تقويم، وقد قال عزّ من قائل:

ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، وفي النيل عجائب كثيرة وله خصائص لا توجد في غيره من الأنهار، وأما أصل مجراه فيذكر أنه يأتي من بلاد الزنج فيمر بأرض الحبشة مسامتا لبحر اليمن من جهة أرض الحبشة حتى ينتهي إلى بلاد النوبة من جانبها الغربي والبجه من جانبها الشرقي فلا يزال جاريا بين جبلين بينهما قرى وبلدان والراكب فيه يرى الجبلين عن يمينه وشماله وهو بينهما بإزاء الصعيد حتى يصب في البحر، وأما سبب زيادته في الصيف فإن المطر يكثر بأرض الزنجبار وتلك البلاد في هذه الأوقات بحيث ينزل الغيث عندهم كأفواه القرب وتنصبّ المدود إلى هذا النهر من سائر الجهات فإلى أن يصل إلى مصر ويقطع تلك المفاوز يكون القيظ ووجه

الحاجة إليه كما دبره الخالق عز وجل، وقد ذكر الليث بن سعد وغيره قصة رجل من ولد العيص بن إسحاق النبي، عليه السّلام، وتطلّبه مجراه أذكرها بعد إن شاء الله تعالى، قال أميّة: نيل مصر ينبوعه من وراء خط الاستواء من جبل هناك يقال له جبل القمر فإنه يبتدئ في التز

«أما ترى الرعد بكى واشتك *** والبرق قد أومض واستضحكا؟»

«فاشرب على غيم كصبغ الدُّجى *** أضحك وجه الأرض لما بكى»

«وانظر لماء النيل في مدّه *** كأنه صندل أو مسّكا»

أو كما قال أمية بن أبي الصلت المغربي:

«ولله مجرى النيل منها إذا الصّبا *** أرتنا به في مرّها عسكرا مجرا»

«بشطّ يهزّ السّمهريّة ذبّلا، *** وموج يهزّ البيض هنديّة بترا»

ولتميم بن المعز أيضا:

«يوم لنا بالنيل مختصر، *** ولكل وقت مسرة قصر»

«والسّفن تصعد كالخيول بنا *** فيه وجيش الماء منحدر»

«فكأنما أمواجه عكن، *** وكأنما داراته سرر»

وقال الحافظ أبو الحسين محمد بن الوزير في تدرج زيادة النيل إصبعا إصبعا وعظم منفعة ذلك التدرج:

«أرى أبدا كثيرا من قليل، *** وبدرا في الحقيقة من هلال»

«فلا تعجب فكلّ خليج ماء *** بمصر مسبّب لخليج مال»

«زيادة إصبع في كل يوم *** زيادة أذرع في حسن حال»

فإذا بلغ الماء خمسة عشر ذراعا وزاد من السادس عشر إصبعا واحدا كسر الخليج ولكسره يوم معهود فيجتمع الخاصّ والعامّ بحضرة القاضي وإذا كسر فتحت التّرع وهي فوهات الخلجان ففاض الماء وساح وعمّ الغيطان والبطاح وانضمّ أهل القرى إلى أعلى مساكنهم من الضياع والمنازل بحيث لا ينتهي إليهم الماء فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحرا عامّا غامر الماء بين جبليها المكتنفين لها وتثبت على هذه الحال حسبما تبلغ الحدّ المحدود في مشيئة الله، وأكثر ذلك يحول حول ثمانية عشر ذراعا ثم يأخذ عائدا في صبّه إلى مجرى النيل ومشربه فينقص عما كان مشرفا عاليا من الأراضي ويستقر في المنخفض منها فيترك كل قرارة كالدرهم ويعمّ الرّبى بالزهر المؤنق والروض المشرق، وفي هذا الوقت تكون أرض مصر أحسن شيء منظرا وأبهاها مخبرا، وقد جوّد أبو الحسن عليّ بن أبي بشر الكاتب فقال:

«شربنا مع غروب الشمس شَمْسًا *** مشعشعة إلى وقت الطلوع»

«وضوء الشمس فوق النيل باد *** كأطراف الأسنّة في الدروع»

ومن عجائب النيل السمكة الرعّادة وهي سمكة لطيفة مسيّرة من مسّها بيده أو بعود يتصل بيده إليها أو بشبكة هي فيها اعترته رعدة وانتفاض ما دامت في يده أو في شبكته، وهذا أمر مستفيض رأيت جماعة من أهل التحصيل يذكرونه، ويقال إن بمصر بقلة من مسّها ومسّ الرعّادة لم

«أضمرت للنيل هجرانا ومقلية *** مذ قيل لي إنما التمساح في النيل»

«فمن رأى النيل رأي العين من كشب *** فما رأى النيل إلا في البواقيل»

والبواقيل: كيزان يشرب منها أهل مصر، وقال عمرو بن معدي كرب:

«فالنيل أصبح زاخرا بمدوده، *** وجرت له ريح الصّبا فجرى لها»

«عوّدت كندة عادة فاصبر لها، *** اغفر لجانبها وردّ سجالها»

وحدّث الليث بن سعد قال: زعموا، والله أعلم،

أن رجلا من ولد العيص يقال له حائذ بن شالوم بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، عليهما السلام، خرج هاربا من ملك من ملوكهم إلى أرض مصر فأقام بها سنين، فلما رأى عجائب نيلها وما يأتي به جعل الله نذرا أن لا يفارق ساحله حتى يرى منتهاه أو ينظر من أين مخرجه أو يموت

أردت علم أمر النيل، فما الذي جاء بك أنت؟ قال:

جاء بي الذي جاء بك، فلما انتهيت إلى هذا الموضع أوحى الله تعالى إليّ أن قف بمكانك حتى يأتيك أمري، قال: فأخبرني يا عمران أي شيء انتهى إليك من أمر هذا النيل وهل بلغك أن أحدا من بني آدم يبلغه؟ قال: نعم بلغني أن رجلا من بني العيص يبلغه ولا أظنه غيرك يا حائذ، فقال له: يا عمران كيف الطريق إليه؟ قال له عمران: لست أخبرك بشيء حتى تجعل بيننا ما أسألك، قال: وما ذاك؟ قال: إذا رجعت وأنا حيّ أقمت عندي حتى يأتي ما أوحى الله لي أن يتوفاني فتدفني وتمضي، قال: لك ذلك عليّ، قال: سر كما أنت سائر فإنه ستأتي دابة ترى أولها ولا ترى آخرها فلا يهولنّك أمرها فإنها دابة معادية للشمس إذا طلعت أهوت إليها لتلتقمها فاركبها فإنها تذهب بك إلى ذلك الجانب من البحر فسر عليه فإنك ستبلغ أرضا من حديد جبالها وشجرها وجميع ما فيها حديد، فإذا جزتها وقعت في أرض من فضة جبالها وشجرها وجميع ما فيها فضة، فإذا تجاوزتها وقعت في أرض من ذهب جميع ما فيها ذهب ففيها ينتهي إليك علم النيل، قال: فودعه ومضى وجرى الأمر على ما ذكر له حتى انتهى إلى أرض الذهب فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب وعليه قبّة لها أربعة أبواب وإذا ماء كالفضة ينحدر من فوق ذلك السور حتى يستقرّ في القبة ثم يتفرق في الأبواب وينصبّ إلى الأرض، فأما ثلثاه فيغيض وأما واحد فيجري على وجه الأرض وهو النيل، فشرب منه واستراح ثم حاول أن يصعد السور فأتاه ملك وقال: يا حائذ قف مكانك فقد انتهى إليك علم ما أردته من علم النيل وهذا الماء الذي تراه ينزل من الجنة وهذه القبة بابها، فقال:

أريد أن أنظر إلى ما في الجنة، فقال: إنك لن تستطيع دخولها اليوم يا حائذ، قال: فأي شيء هذا الذي أرى؟ قال: هذا الفلك الذي تدور فيه الشمس والقمر وهو شبه الرحا، قال: أريد أن أركبه فأدور فيه، فقال له الملك: إنك لن تستطيع اليوم ذلك، ثم قال: إنه سيأتيك رزق من الجنة فلا تؤثر عليه شيئا من الدنيا فإنه لا ينبغي لشيء من الجنة أن يؤثر عليه شيء من الدنيا، فبينما هو واقف إذ أنزل عليه عنقود من عنب فيه ثلاثة أصناف: صنف كالزبرجد الأخضر وصنف كالياقوت الأحمر وصنف كاللؤلؤ الأبيض، ثم قال: يا حائذ هذا من حصرم الجنة ليس من يانع عنبها فارجع فقد انتهى إليك علم النيل، فرجع حتى انتهى إلى الدابة فركبها فلما أهوت الشمس إلى الغروب أهوت إليها لتلتقمها فقذفت به إلى جانب البحر الآخر فأقبل حتى انتهى إلى عمران فوجده قد مات في يومه ذلك فدفنه وأقام

على قبره، فلما كان في اليوم الثالث أقبل شيخ كبير كأنه بعض العبّاد فبكى على عمران طويلا وصلى على قبره وترحم عليه ثم قال: يا حائذ ما الذي انتهى إليك من علم النيل؟ فأخبره، فقال: هكذا نجده في الكتاب، ثم التفت إلى شجرة تفاح هناك فأقبل يحدّثه ويطري تفاحها في

قال: لا! قيل: هذا الذي أخرج أباك آدم من الجنة، أما إنك لو سلمت بهذا الذي معك لأكل منه أهل الدنيا فلم ينفد، فلما وقف حائذ على ذلك وعلم أنه إبليس أقبل حتى دخل مصر فأخبرهم بخبر النيل ومات بعد ذلك بمصر، قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف الكتاب: هذا خبر شبيه بالخرافة وهو مستفيض ووجوده في كتب الناس كثير، والله أعلم بصحته، وإنما كتبت ما وجدت.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


37-معجم البلدان (وبار)

وَبَارِ:

مبني مثل قطام وحذام، يجوز أن يكون من الوبر وهو صوف الإبل والأرانب وما أشبهها، أو من التوبير وهو محو الأثر، والنسبة إليها أباريّ على غير قياس، عن السهيلي، وقال أهل السير: هي مسمّاة بوبار بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، انتقل إليها وقت تبلبلت الألسن فابتنى بها منزلا وأقام به وهي ما بين الشّحر إلى صنعاء أرض واسعة زهاء ثلاثمائة فرسخ في مثلها، وقال الليث: وبار أرض كانت من محالّ عاد بين رمال يبرين واليمن فلما هلكت عاد أورث الله ديارهم الجنّ فلم يبق بها أحد من الناس، وقال محمد بن إسحاق: وبار أرض يسكنها النسناس، وقيل: هي بين حضرموت والسبوب، وفي كتاب أحمد بن محمد الهمذاني: وفي اليمن أرض وبار وهي فيما بين نجران وحضرموت وما بين بلاد مهرة والشّحر، وكان وبار وصحار وجاسم بني إرم، فكانت وبار تنزل وبار وجاسم الحجاز، ووبار بلادهم المنسوبة إليهم وهي ما بين الشحر إلى تخوم صنعاء، وكانت أرض وبار أكثر الأرضين خيرا وأخصبها ضياعا وأكثرها مياها وشجرا وثمرا فكثرت بها القبائل حتى شحنت بها أرضهم وعظمت أموالهم فأشروا وبطروا وطغوا وكانوا قوما جبابرة ذوي أجسام فلم يعرفوا حقّ نعم الله تعالى

فبدّل الله خلقهم وجعلهم نسناسا للرجل والمرأة منهم نصف رأس ونصف وجه وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فخرجوا على وجوههم يهيمون في تلك الغياض إلى شاطئ البحر يرعون كما ترعى البهائم وصار في أرضهم كل نملة كالكلب العظيم تستلب الواحدة منها الفارس عن فرسه فتمزقه

«ولقد ضللت أباك تطلب دارما *** كضلال ملتمس طريق وبار»

«لا تهتدي أبدا ولو بعثت به *** بسبيل واردة ولا آثار»

ويزعم علماء العرب أن الله تعالى لما أهلك عادا وثمود أسكن الجن في منازلهم وهي أرض وبار فحمتها من كل من يريدها، وأنها أخصب بلاد الله وأكثرها شجرا ونخلا وخيرا وأعذبها عنبا وتمرا وموزا فإن دنا رجل منها عامدا أو غالطا حثا الجن في وجهه التراب وإن أبى إلا الدخول خبّلوه وربما قتلوه، وعندهم الإبل الحوشيّة وهي فيما يزعم العرب التي ضربت فيها إبل الجنّ، وقال شاعر:

«كأني على حوشية أو نعامة *** لها نسب في الطير أو هي طائر»

وفي كتاب أخبار العرب أن رجلا من أهل اليمن رأى في إبله ذات يوم فحلا كأنه كوكب بياضا وحسنا فأقرّه فيها حتى ضربها فلما ألقحها ذهب ولم يره حتى كان في العام المقبل فإنه جاء وقد نتج الرجل إبله وتحركت أولاده فيها فلم يزل فيها حتى ألقحها ثم انصرف، وفعل ذلك ثلاث سنين، فلما كان في الثالثة وأراد الانصراف هدر فتبعه سائر ولده ومضى فتبعه الرجل حتى وصل إلى وبار وصار إلى عين عظيمة وصادف حولها إبلا حوشية وحميرا وبقرا وظباء وغير ذلك من الحيوانات التي لا تحصى كثرة وبعضه أنس ببعض ورأى نخلا كثيرا حاملا وغير حامل والتمر ملقى حول النخل قديما وحديثا بعضه على بعض ولم ير أحدا، فبينما هو واقف يفكر إذ أتاه رجل من الجن فقال له: ما وقوفك ههنا؟ فقصّ عليه قصة الإبل، فقال له: لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك ولكن اذهب وإياك والمعاودة فإنّ هذا جمل من إبلنا عمد إلى أولاده فجاء بها، ثم أعطاه جملا وقال له: انج بنفسك وهذا الجمل لك، فيقال إن النجائب المهرية من نسل ذلك الجمل، ثم جاء الرجل وحدث بعض ملوك كندة بذلك فسار يطلب الموضع فأقام مدة فلم يقدر عليه وكانت العين عين وبار، قال أبو زيد الأنصاري: يقال تركته ببلد اصمت وتركته بملاحس البقر وتركته بمحارض الثعالب وتركته بهور ذابر وتركته بوحش إضم وتركته بعين وبار وتركته بمطارح البزاة، وهذه كلّها أماكن لا يدرى أين هي، وقول النابغة:

«فتحمّلوا رحلا كأن حمولهم *** دوم ببيشة أو نخيل وبار»

يدلّ على أنها بلاد مسكونة معروفة ذات نخيل، وكان لدعيميص الرّمل العبدي صرمة من الإبل، فبينما هو ذات ليلة إذا أتاه بعير أزهر كأنه قرطاس

فضرب في إبله فنتجت قلاصا زهرا كالنجوم فلم يذلل منها إلا ناقة واحدة فاقتعدها، فلما مضت عليه ثلاثة أحوال إذا هو ليلة بالفحل يهدر في إبله ثم انكفأ مرتدّا في الوجه الذي أقبل منه فلم يبق من نجله شيء إلا تبعه إلا النّويقة التي اقتعدها فأسف فقال: لأموتنّ أو ل

وبوبار النسناس يقال إنهم من ولد النسناس بن أميم ابن عمليق بن يلمع بن لاوذ بن سام وهم فيما بين وبار وأرض الشحر وأطراف أرض اليمن يفسدون الزرع فيصيدهم أهل تلك الأرض بالكلاب وينفرونهم عن زروعهم وحدائقهم، وعن محمد بن إسحاق أن النسناس خلق في اليمن لأحدهم يد واحدة ورجل واحدة وكذلك العين وسائر ما في الجسد وهو يقفز برجله قفزا شديدا ويعدو عدوا منكرا، ومن أحاديث أهل اليمن أن قوما خرجوا لاقتناص النسناس فرأوا ثلاثة منهم فأدركوا واحدا فأخذوه وذبحوه وتوارى اثنان في الشجر فلم يقفوا لهما على خبر، فقال الذي ذبحه: والله إن هذا لسمين أحمر الدم، فقال أحد المستترين في الشجر: إنه قد أكل حبّ الضّرو وهو البطم وسمن، فلما سمعوا صوته تبادروا إليه وأخذوه فقال الذي ذبح الأول:

والله ما أحسن الصمت هذا لو لم يتكلم ما عرفنا مكانه، فقال الثالث: فها أنا صامت لم أتكلم، فلما سمعوا صوته أخذوه وذبحوه وأكلوا لحومهم، وقال دغفل: أخبرني بعض العرب أنه كان في رفقة يسير في رمل عالج، قال: فأضللنا الطريق ووقفنا إلى غيضة عظيمة على شاطئ البحر فإذا نحن بشيخ طويل له نصف رأس وعين واحدة وكذلك جميع أعضائه، فلما نظر إلينا مرّ يركض كالفرس الجواد وهو يقول:

«فررت من جور الشّراة شدّا *** إذ لم أجد من الفرار بدّا»

«قد كنت دهرا في شبابي جلدا، *** فها أنا اليوم ضعيف جدّا»

وروى الحسام بن قدامة عن أبيه عن جدّه قال:

كان لي أخ فقلّ ما بيده وأنفض حتى لم يبق له شيء فكان لنا بنو عمّ بالشحر فخرج إليهم يلتمس برّهم فأحسنوا قراه وأكثروا برّه وقالوا له يوما: لو خرجت معنا إلى متصيّد لنا لتفرّجت، قال: ذاك إليكم، وخرج معهم فلما أصحروا ساروا إلى غيضة عظيمة فأوقفوه على موضع منها ودخلوها يطلبون الصيد، قال: فبينما أنا واقف إذ خرج من الغيضة شخص في صورة الإنسان له يد واحدة ورجل واحدة ونصف لحية وفرد عين وهو يقول: الغوث الغوث الطريق الطريق عافاك الله! ففزعت منه وولّيت هاربا ولم أدر أنه الصيد الذي يذكرونه، قال: فلما جازني سمعته يقول وهو يعدو:

«غدا القنيص فابتكر *** بأكلب وقت السّحر»

«لك النجا وقت الذكر *** ووزر ولا وزر»

«أين من الموت المفرّ؟ *** حذرت لو يغني الحذر»

«هيهات لن يخطي القدر، *** من القضا أين المفرّ؟»

فلما مضى إذا أنا بأصحابي قد جاءوا فقالوا: ما فعل الصيد الذي احتشناه إليك؟ فقلت لهم: أما الصيد فلم أره، ووصفت لهم صفة الذي مرّ بي، فضحكوا وقالوا: ذهبت بصيدنا! فقلت: يا سبحان الله! أتأكلون الناس؟ هذا إنسان ينطق ويقول الشعر! فقالوا: وهل أطعمناك منذ جئتنا إلا من لحمه قديدا وشواء؟ فقلت: ويحكم أيحلّ هذا؟ قالوا: نعم إن له كرشا وهو يجتر فلهذا يحل لنا، قلت: ولهذه الأخبار أشباه ونظائر في أخبارهم والله أعلم بحق ذلك من باطله.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


38-موسوعة الفقه الكويتية (تزوير)

تَزْوِيرٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّزْوِيرُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ زَوَّرَ، وَهُوَ مِنَ الزُّورِ، وَالزُّورُ: الْكَذِبُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} وَزَوَّرَ كَلَامَهُ: أَيْ زَخْرَفَهُ، وَهُوَ أَيْضًا: تَزْيِينُ الْكَذِبِ.وَزَوَّرْتُ الْكَلَامَ فِي نَفْسِي: هَيَّأْتُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ- رضي الله عنه-: مَا زَوَّرْتُ كَلَامًا لِأَقُولَهُ إِلاَّ سَبَقَنِي إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ.أَيْ: هَيَّأْتُهُ وَأَتْقَنَتْهُ.

وَلَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ أُخْرَى.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَحْسِينُ الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ، حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ.فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ

أ- الْكَذِبُ:

2- الْكَذِبُ هُوَ: الْإِخْبَارُ بِمَا لَيْسَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ.وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّزْوِيرِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، فَالتَّزْوِيرُ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الْقَوْلِ.

وَالْكَذِبُ قَدْ يَكُونُ مُزَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُزَيَّنٍ، وَالتَّزْوِيرُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الْكَذِبِ الْمُمَوَّهِ.

ب- الْخِلَابَةُ:

3- الْخِلَابَةُ هِيَ: الْمُخَادَعَةُ، وَتَكُونُ بِسَتْرِ الْعَيْبِ، وَتَكُونُ بِالْكَذِبِ وَغَيْرِهِ.

ج- التَّلْبِيسُ:

4- التَّلْبِيسُ مِنَ اللَّبْسِ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَمْرِ، وَهُوَ سَتْرُ الْحَقِيقَةِ وَإِظْهَارُهَا بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهَا.

د- التَّغْرِيرُ:

5- التَّغْرِيرُ هُوَ: الْخَدِيعَةُ وَالْإِيقَاعُ فِي الْبَاطِلِ وَفِيمَا انْطَوَتْ عَاقِبَتُهُ.

هـ- الْغِشُّ:

6- الْغِشُّ مَصْدَرُ غَشَّهُ إِذَا لَمْ يُمَحِّضْهُ النُّصْحَ، بَلْ خَدَعَهُ.

وَالْغِشُّ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَالتَّزْوِيرُ وَالْغِشُّ لَفْظَانِ مُتَقَارِبَانِ.

و- التَّدْلِيسُ:

7- التَّدْلِيسُ: كِتْمَانُ الْعَيْبِ، وَهُوَ فِي الْبَيْعِ كِتْمَانُ عَيْبِ السِّلْعَةِ عَنِ الْمُشْتَرِي.

وَالتَّدْلِيسُ أَخَصُّ مِنَ التَّزْوِيرِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِكِتْمَانِ الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ، أَمَّا التَّزْوِيرُ فَهُوَ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَفِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ وَغَيْرِهَا.

ز- التَّحْرِيفُ:

8- التَّحْرِيفُ: تَغْيِيرُ الْكَلَامِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَالْعُدُولُ بِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ.

ج- التَّصْحِيفُ:

9- وَالتَّصْحِيفُ: هُوَ تَغْيِيرُ اللَّفْظِ حَتَّى ي تَغَيَّرَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ (تَدْلِيسٌ) (وَتَحْرِيفٌ).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

10- الْأَصْلُ فِي التَّزْوِيرِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ شَرْعًا فِي الشَّهَادَةِ لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ إِثْبَاتِ بَاطِلٍ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَتِهِ قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}

وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ.فَمَا يَزَالُ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ».

11- وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنْ حُرْمَةِ التَّزْوِيرِ أُمُورٌ:

مِنْهَا الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَتَطْيِيبُ خَاطِرِ زَوْجَتِهِ لِيُرْضِيَهَا، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلَاثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ» وَمِنْهُ: الْكَذِبُ لِدَفْعِ ظَالِمٍ عَلَى مَالٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عِرْضٍ، وَفِي سَتْرِ مَعْصِيَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.وَقَدْ نُقِلَ عَنِ النَّوَوِيِّ: الظَّاهِرُ إِبَاحَةُ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ أَوْلَى.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ هُوَ مِنَ الْمُسْتَثْنَى الْجَائِزِ بِالنَّصِّ.

قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ»،، وَفِيهِ: الْأَمْرُ بِاسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ فِي الْحَرْبِ مَهْمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ.وَفِيهِ: التَّحْرِيضُ عَلَى أَخْذِ الْحَذَرِ فِي الْحَرْبِ، وَالنَّدْبُ إِلَى خِدَاعِ الْكُفَّارِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كَيْفَمَا أَمْكَنَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ، فَلَا يَجُوزُ.وَأَصْلُ الْخُدَعِ إِظْهَارُ أَمْرٍ وَإِضْمَارُ خِلَافِهِ.

وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: فَأَتَاهُ، فَقَالَ: هَذَا- يَعْنِي النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ.قَالَ: وَأَيْضًا وَاَللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ: فَإِنَّا اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ.قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ».

فَقَوْلُهُ: عَنَّانَا أَيْ: كَلَّفَنَا بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَوْلُهُ: سَأَلَنَا الصَّدَقَةَ أَيْ: طَلَبَهَا مِنَّا لِيَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا، وَقَوْلُهُ: نَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ أَيْ نَكْرَهُ فِرَاقَهُ.فَقَوْلُهُ لَهُ مِنْ قَبِيلِ التَّعْرِيضِ وَالتَّمْوِيهِ وَالتَّزْوِيرِ، حَتَّى يَأْمَنَهُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهِ.

وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: «ائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ.قَالَ: قُلْ» فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَذِبُ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا

وَفِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: «أَتَى نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، وَإِنَّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا إِنِ اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ.فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ- الْأَحْزَابِ- حَتَّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمَّدًا، حَتَّى تُنَاجِزُوهُ، فَقَالُوا لَهُ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ.

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمْ وُدِّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمَّدًا، وَأَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْتُ عَلَيَّ حَقًّا أَنْ أُبَلِّغَكُمُوهُ، نُصْحًا لَكُمْ.تَعْلَمُوا أَنَّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ: إِنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا، فَهَلْ يُرْضِيكَ أَنْ نَأْخُذَ لَكَ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ، مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ، رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ، فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، ثُمَّ نَكُونَ مَعَكَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُمْ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: أَنْ نَعَمْ.فَإِنْ بَعَثَتْ إِلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا.

ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى غَطَفَانَ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ، وَحَذَّرَهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ

وَأَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: فَاغْدُوا لِلْقِتَالِ حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا وَنَفْرُغَ مِمَّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ: وَلَسْنَا بِاَلَّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ، يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا، حَتَّى نُنَاجِزَ مُحَمَّدًا، فَإِنَّا نَخْشَى إِنْ ضَرَّسَتْكُمُ الْحَرْبُ وَاشْتَدَّ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَنْ تَنْشَمِرُوا إِلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا، وَالرَّجُلُ فِي بَلَدِنَا، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْهُ.فَلَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ بِمَا قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ: وَاَللَّهِ إِنَّ الَّذِي حَدَّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ.فَأَرْسَلُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: إِنَّا وَاَللَّهِ لَا نَدْفَعُ إِلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا.فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، حِينَ انْتَهَتِ الرُّسُلُ إِلَيْهِمْ بِهَذَا: إِنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقٌّ مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ، فَأَرْسَلُوا إِلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ: إِنَّا وَاَللَّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمَّدًا حَتَّى تُعْطُونَا رَهْنًا.فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَخَذَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ، وَتَطْرَحُ أَبْنِيَتَهُمْ».

ثَانِيًا: الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ:

12- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَى أَنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، وَلَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ الْعُقُودُ مِنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَالْفُسُوخِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأَمْلَاكُ الْمُرْسَلَةُ (أَيِ الَّتِي لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُ مِلْكِهَا مِنْ إِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ) وَغَيْرُ الْمُرْسَلَةِ.وَاسْتَدَلُّوا: بِخَبَرِ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ، حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا، وَالْقَاضِي غَيْرُ عَالِمٍ.لِقَوْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- لِامْرَأَةٍ أَقَامَ عَلَيْهَا رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَنْكَرَتْ، فَقَضَى لَهُ عَلِيٌّ.فَقَالَتْ لَهُ: لَمْ يَتَزَوَّجْنِي، فَأَمَّا وَقَدْ قَضَيْتَ عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي، فَقَالَ: لَا أُجَدِّدُ نِكَاحَكِ، الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكِ.

وَمَحَلُّ تَفْصِيلِ هَذَا فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ) (وَشَهَادَةٌ).

التَّزْوِيرُ فِي الْأَيْمَانِ

13- الْأَصْلُ أَنَّ التَّزْوِيرَ فِي الْيَمِينِ حَرَامٌ، وَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ: وَهِيَ الَّتِي يَكْذِبُ فِيهَا الْحَالِفُ عَامِدًا عَالِمًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي يَكْذِبُ فِيهَا الْحَالِفُ عَمْدًا، أَوْ يَشُكُّ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ يَظُنُّ مِنْهُ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ.

وَقَدْ يَكُونُ تَزْوِيرُ الْيَمِينِ جَائِزًا أَوْ وَاجِبًا- عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ- فِيمَا إِذَا تَعَيَّنَ تَزْوِيرُ الْيَمِينِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهَا أَوِ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا، لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مَظْلُومٍ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ أَحْكَامِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ فِي مُصْطَلَحِ: (أَيْمَانٌ)

تَضْمِينُ شُهُودِ الزُّورِ:

14- يَضْمَنُ شُهُودُ الزُّورِ مَا تَرَتَّبَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مِنْ ضَمَانٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ مَالًا رُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ إِتْلَافًا فَعَلَى الشُّهُودِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُمْ سَبَبُ إِتْلَافِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ، إِذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، كَأَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ، أَوْ بِرِدَّةٍ، أَوْ بِزِنًى وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَا، وَأَقَرَّا بِتَعَمُّدِ قَتْلِهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ؛ لِعِلْمِهِمَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِهِمَا.فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا لِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ بِتَزْوِيرِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا سَبَبُ الْقَتْلِ، وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِنَفْسِ التَّزْوِيرِ وَالْكَذِبِ.

وَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ إِذَا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْهَا بَدَلَ الْقِصَاصِ.وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا شَهِدَا زُورًا بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ قِصَاصًا فَقُطِعَ، أَوْ فِي سَرِقَةٍ لَزِمَهُمَا الْقَطْعُ، وَإِذَا سَرَى أَثَرُ الْقَطْعِ إِلَى النَّفْسِ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ.كَمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاضِي إِذَا قَضَى زُورًا بِالْقِصَاصِ، وَكَانَ يَعْلَمُ بِكَذِبِ الشُّهُودِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ.لِأَنَّ الْقَتْلَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ قَتْلٌ بِالسَّبَبِ، وَالْقَتْلُ تَسَبُّبًا لَا يُسَاوِي الْقَتْلَ مُبَاشَرَةً، وَلِذَا قَصَرَ أَثَرُهُ فَوَجَبَتْ بِهِ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ.وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ إِذَا تَبَيَّنَ كَذِبُ الشُّهُودِ، أَوْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ.أَمَّا إِذَا رَجَعُوا قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْحُكْمِ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ، بَلْ يُعَزَّرُونَ.

وَيَجِبُ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى شُهُودِ الزُّورِ إِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَى، وَيُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، إِلاَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ مَعَ حَدِّ الْقَذْفِ إِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَى عَلَى مُحْصَنٍ، فَرُجِمَ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِمْ.وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَحْكَامِ الْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (جِنَايَةٌ، حُدُودٌ، قِصَاصٌ) وَكَذَلِكَ (شَهَادَةٌ) (وَقَضَاءٌ).

التَّزْوِيرُ بِالْأَفْعَالِ:

15- يَقَعُ التَّزْوِيرُ فِي الْبُيُوعِ بِإِخْفَاءِ عُيُوبِ السِّلْعَةِ وَتَزْيِينِهَا وَتَحْسِينِهَا؛ لِإِظْهَارِهَا بِشَكْلٍ مَقْبُولٍ تَرْغِيبًا فِيهَا، كَتَصْرِيَةِ الْحَيَوَانِ لِيَظُنَّ الْمُشْتَرِي كَثْرَةَ اللَّبَنِ، أَوْ صَبْغِ الْمَبِيعِ بِلَوْنٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَكَالْكَذِبِ فِي سِعْرِ السِّلْعَةِ فِي بُيُوعِ الْأَمَانَاتِ وَهِيَ: الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْحَطِيطَةُ.

وَيَقَعُ التَّزْوِيرُ كَذَلِكَ بِمُحَاكَاةِ خَطِّ الْقَاضِي أَوْ تَزْوِيرِ تَوْقِيعِهِ أَوْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي سِجِلاَّتِ الْقَضَاءِ بِمَا يَسْلُبُ الْحُقُوقَ مِنْ أَصْحَابِهَا.كَمَا يَقَعُ التَّزْوِيرُ فِي النِّكَاحِ بِأَنْ يَكْتُمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَيْبًا فِيهِ عَنِ الْآخَرِ.

وَقَدْ يَقَعُ التَّزْوِيرُ بِتَسْوِيدِ الشَّعْرِ بِقَصْدِ التَّغْرِيرِ وَالْكَذِبِ.

وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنَ التَّزْوِيرِ هِيَ مِنَ التَّزْوِيرِ الْمُحَرَّمِ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَدْلِيسٌ، تَسْوِيدٌ، بَيْعٌ، نِكَاحٌ، شَهَادَةٌ، قَضَاءٌ وَعَيْبٌ).

التَّزْوِيرُ فِي النُّقُودِ وَالْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ:

16- التَّزْوِيرُ فِيهَا يَكُونُ بِالنَّقْصِ مِنْ مَقَادِيرِهَا، بِغِشِّهَا أَوْ تَغْيِيرِ أَوْزَانِهَا أَوْ أَحْجَامِهَا، كَأَنْ تُخْلَطَ دَنَانِيرُ الذَّهَبِ أَوْ دَرَاهِمُ الْفِضَّةِ بِمَعَادِنَ أُخْرَى كَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، رَغْبَةً فِي نَقْصِ مِقْدَارِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ، أَوْ بِالنَّقْصِ مِنْ حَجْمِ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ.

أَوْ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ وَزْنِ الصَّنْجِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا فِي الْمَوَازِينِ، أَوْ حَجْمِ الْمِكْيَالِ، رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَتَقْلِيلِ الْمَبِيعِ الْمَوْزُونِ أَوِ الْمَكِيلِ.

وَالتَّزْوِيرُ فِي النُّقُودِ وَالْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ مُحَرَّمٌ دَاخِلٌ فِي قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}.

وَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» كَمَا أَنَّ فِيهِ إِفْسَادًا لِلنُّقُودِ، وَإِضْرَارًا بِذَوِي الْحُقُوقِ، وَإِغْلَاءَ الْأَسْعَارِ، وَالنَّقْصَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَانْقِطَاعَ مَا يُجْلَبُ إِلَى الْبِلَادِ مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ.

وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَفَقَّدَ عِيَارَ الْمَثَاقِيلِ وَالصَّنْجِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّرَ أَوْزَانَهَا وَيَخْتِمَهَا بِخَتْمِهِ، حَتَّى يَأْمَنَ تَزْوِيرَهَا وَتَغْيِيرَ مَقَادِيرِهَا.

كَمَا تَدْخُلُ فِي وَظِيفَتِهِ مُرَاقَبَةُ مَقَادِيرِ دَنَانِيرِ الذَّهَبِ وَدَرَاهِمِ الْفِضَّةِ وَزْنًا وَحَجْمًا.وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ، وَحُرْمَتُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ أَشَدُّ، لِأَنَّ الْغِشَّ فِيهَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ فَيَكُونُ الْغَرَرُ بِهَا أَكْبَرَ.بِخِلَافِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا يَضْرِبُهُ مِنْ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ يُشْهَرُ وَيُعْرَفُ مِقْدَارُهُ.

كَمَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ غَيْرِ الْمَغْشُوشَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا الْغِشُّ وَالْفَسَادُ.

صُوَرُ التَّزْوِيرِ فِي الْمُسْتَنَدَاتِ وَطُرُقُ التَّحَرُّزِ مِنْهَا:

17- جَاءَ فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: وَمِثْلُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: يَنْبَغِي لِلْمُوَثِّقِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْأَسْمَاءَ الَّتِي تَنْقَلِبُ بِإِصْلَاحٍ يَسِيرٍ، فَيَتَحَفَّظُ فِي تَغْيِيرِهَا، نَحْوُ مُظْفِرٍ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى مُظْهِرٍ، وَنَحْوُ بَكْرٍ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى بُكَيْرٍ، وَنَحْوُ عَائِشَة فَإِنَّهُ يَصْلُحُ عَاتِكَةَ.وَقَدْ يَكُونُ آخِرُ السَّطْرِ بَيَاضًا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ.وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذَرَ مِنْ أَنْ يُتَمِّمَ عَلَيْهِ زِيَادَةَ حَرْفٍ مِنَ الْكِتَابِ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْوَثِيقَةِ: أَقَرَّ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عَقِبَ الْعَدَدِ بَيَانَ نِصْفِهِ بِأَنْ يَقُولَ: (الَّذِي نِصْفُهُ خَمْسُمِائَةٍ مَثَلًا) أَمْكَنَ زِيَادَةُ أَلْفٍ فَتَصِيرُ (أَلْفَا دِرْهَمٍ).

وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْصَبَ لِكِتَابَةِ الْوَثَائِقِ إِلاَّ الْعُلَمَاءُ الْعُدُولُ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ- رضي الله عنه-: لَا يَكْتُبُ الْكُتُبَ بَيْنَ النَّاسِ إِلاَّ عَارِفٌ بِهَا، عَدْلٌ فِي نَفْسِهِ، مَأْمُونٌ عَلَى مَا يَكْتُبُهُ لقوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} وَأَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُ وُجُوهَ الْكِتَابَةِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى فِقْهِ الْوَثِيقَةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنَ الِانْتِصَابِ لِذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يُفْسِدَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِهِمْ.وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْكِتَابَةِ إِلاَّ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ، فَلَا يَنْبَغِي تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَضَعُ اسْمَهُ بِشَهَادَةٍ فِيمَا يَكْتُبُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَلِّمُ النَّاسَ وُجُوهَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَيُلْهِمُهُمْ تَحْرِيفَ الْمَسَائِلِ لِتَوَجُّهِ الْإِشْهَادِ، فَكَثِيرًا مَا يَأْتِي النَّاسُ الْيَوْمَ يَسْتَفْتُونَ فِي نَوَازِلَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ وَالْمُشَارَكَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَنْكِحَةِ الْمَفْسُوخَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ، فَإِذَا صَرَفَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الدِّيَانَةِ أَتَوْا إِلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ، فَحَرَّفُوا أَلْفَاظَهَا، وَتَحَيَّلُوا لَهَا بِالْعِبَارَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صَرِيحِ الْفَسَادِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.وَتَمَالأَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى التَّهَاوُنِ بِحُدُودِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّلَاعُبِ فِي طَرِيقِ الْحَرَامِ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.

وَجَاءَ فِي «تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ» أَيْضًا، وَفِي «الْعَالِي الرُّتْبَةِ فِي أَحْكَامِ الْحِسْبَةِ» لِأَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ

النَّحْوِيِّ الدِّمَشْقِيِّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَثِّقِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ مَالِكٍ- رضي الله عنه-، قَالَ: فَإِذَا فَرَغَ الْكَاتِبُ مِنْ كِتَابَتِهِ اسْتَوْعَبَهُ (أَيْ كِتَابَتَهُ) وَقَرَأَهُ وَتَمَيَّزَ أَلْفَاظُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُمَيِّزَ فِي خَطِّهِ بَيْنَ السَّبْعَةِ وَالتِّسْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَتَبَ بَعْدَهَا (وَاحِدَةً) وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ نِصْفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ (أَيِ الدَّرَاهِمُ) أَلْفًا كَتَبَ وَاحِدًا وَذَكَرَ نِصْفَهُ رَفْعًا لِلَّبْسِ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ آلَافٍ زَادَ فِيهَا لَا مَا تُصَيِّرُهَا (آلَافَ) لِئَلاَّ تُصَلَّحَ الْخَمْسَةُ فَتَصِيرُ خَمْسِينَ أَلْفًا وَيُحْتَرَزُ بِذِكْرِ التَّنْصِيفِ مِمَّا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ فِيهِ كَالْخَمْسَةَ عَشَرَ تَصِيرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَالسَّبْعِينَ تِسْعِينَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْكَاتِبُ النِّصْفَ مِنَ الْمَبْلَغِ فَيَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَذْكُرُوا الْمَبْلَغَ فِي شَهَادَتِهِمْ لِئَلاَّ يَدْخُلَ عَلَيْهِمُ الشَّكُّ لَوْ طَرَأَ فِي الْكِتَابِ تَغْيِيرٌ وَتَبْدِيلٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْكِتَابِ إِصْلَاحٌ وَإِلْحَاقٌ نُبِّهَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَحَلِّهِ فِي الْكِتَابِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْمِلَ أَسْطُرَ الْمَكْتُوبِ جَمِيعَهَا لِئَلاَّ يُلْحَقَ فِي آخِرِ السَّطْرِ مَا يُفْسِدُ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمَكْتُوبِ أَوْ يُفْسِدُهُ كُلَّهُ، فَلَوْ كَانَ آخِرُ سَطْرٍ مَثَلًا. (وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ) وَفِي أَوَّلِ السَّطْرِ الَّذِي يَلِيهِ (لِزَيْدٍ) وَكَانَ فِي آخِرِ السَّطْرِ فُرْجَةٌ أَمْكَنَ أَنْ يُلْحِقَ فِيهَا (لِنَفْسِهِ) ثُمَّ لِزَيْدٍ، فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنَّهُ بَقِيَ فِي آخِرِ السَّطْرِ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ الْكَلِمَةَ الَّتِي يُرِيدُ كِتَابَتَهَا لِطُولِهَا وَكَثْرَةِ حُرُوفِهَا، فَإِنَّهُ يَسُدُّ تِلْكَ الْفُرْجَةَ بِتَكْرَارِهِ تِلْكَ الْكَلِمَةَ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا أَوْ كَتَبَ فِيهَا صَحَّ، أَوْ صَادًا مَمْدُودَةً، أَوْ دَائِرَةً مَفْتُوحَةً، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ بِهِ تِلْكَ الْفُرْجَةَ، وَلَا يُمْكِنُ إِصْلَاحُهَا بِمَا يُخَالِفُ الْمَكْتُوبَ.وَإِنْ تَرَكَ فُرْجَةً فِي السَّطْرِ الْأَخِيرِ كَتَبَ فِيهَا حَسْبِي اللَّهُ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، مُسْتَحْضِرًا لِذِكْرِ اللَّهِ نَاوِيًا لَهُ، أَوْ يَأْمُرُ أَوَّلَ شَاهِدٍ يَضَعُ خَطَّهُ فِي الْمَكْتُوبِ أَنْ يَكْتُبَ فِي تِلْكَ الْفُرْجَةِ.وَإِنْ كَتَبَ فِي وَرَقَةٍ ذَاتِ أَوْصَالٍ كَتَبَ عَلَامَتَهُ عَلَى كُلِّ وَصْلٍ، وَكَتَبَ عَدَدَ الْأَوْصَالِ فِي آخِرِ الْمَكْتُوبِ، وَبَعْضُهُمْ يَكْتُبُ عَدَدَ أَسْطُرِ الْمَكْتُوبِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَكْتُوبِ نُسَخٌ ذَكَرَهَا وَذَكَرَ عُدَّتَهَا، وَأَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ، وَهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا.

وَمِثْلُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ أَيْضًا وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رضي الله عنه-.

وَجَاءَ فِي مَجَلَّةِ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ (الْمَادَّةُ 1814) وَنَصُّهَا:

يَضَعُ الْقَاضِي فِي الْمَحْكَمَةِ دَفْتَرًا لِلسِّجِلاَّتِ، وَيُقَيِّدُ وَيُحَرِّرُ فِي ذَلِكَ الدَّفْتَرِ الْإِعْلَامَاتِ وَالسَّنَدَاتِ الَّتِي يُعْطِيهَا بِصُورَةٍ مُنْتَظِمَةٍ سَالِمَةٍ عَنِ الْحِيلَةِ وَالْفَسَادِ، وَيَعْتَنِي بِالدِّقَّةِ بِحِفْظِ ذَلِكَ الدَّفْتَرِ، وَإِذَا عُزِلَ سَلَّمَ السِّجِلاَّتِ الْمَذْكُورَةَ إِلَى خَلَفِهِ، إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ.

إِثْبَاتُ التَّزْوِيرِ:

18- يَثْبُتُ التَّزْوِيرُ بِإِقْرَارِ الْمُزَوِّرِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ ظُهُورِ الْكَذِبِ يَقِينًا، كَأَنْ يَشْهَدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَهُوَ حَيٌّ، أَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَهُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

19- أَمَّا التَّزْوِيرُ فِي الْوَثَائِقِ، فَذَهَبَ اللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبُو اللَّيْثِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَجَحَدَهُ، فَأَخْرَجَ الْمُدَّعِي صَحِيفَةً مَكْتُوبَةً بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ، وَيُقَابِلَ مَا كَتَبَهُ بِمَا أَظْهَرَهُ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَعَلَى أَنْ يُطَوِّلَ فِيمَا يَكْتُبُ تَطْوِيلًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ خَطًّا غَيْرَ خَطِّهِ، فَإِنْ ظَهَرَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ تَشَابُهٌ ظَاهِرٌ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ يَقْضِي بِهَا.

وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ قَالَ أَئِمَّةُ بُخَارَى.وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى إِحْضَارِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ.

وَفَرَّقَ اللَّخْمِيُّ بَيْنَ إِلْزَامِهِ بِالْكِتَابَةِ وَعَدَمِ إِلْزَامِهِ بِإِحْضَارِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقْطَعُ بِتَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى فِي أَمْرٍ يَقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ، أَمَّا خَطُّهُ فَإِنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْعُدُولُ يُقَابِلُونَ بِمَا يَكْتُبُهُ الْآنَ بِمَا أَحْضَرَهُ الْمُدَّعِي، وَيَشْهَدُونَ بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ.

كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ نَصَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَعْلَى حَالًا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ فَقَالَ: هَذَا خَطِّي، وَأَنَا كَتَبْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

عُقُوبَةُ التَّزْوِيرِ

20- عُقُوبَةُ التَّزْوِيرِ: التَّعْزِيرُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ.كَأَيِّ جَرِيمَةٍ لَيْسَ لَهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ، إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ التَّزْوِيرَ، فَيُعَزَّرُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ تَشْهِيرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ، أَوْ كَشْفِ رَأْسِهِ وَإِهَانَتِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (شَهَادَةٌ، تَعْزِيرٌ، تَشْهِيرٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


39-موسوعة الفقه الكويتية (تيسير 1)

تَيْسِيرٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- التَّيْسِيرُ لُغَةً مَصْدَرُ يَسَّرَ، يُقَالُ: يَسَّرَ الْأَمْرَ إِذَا سَهَّلَهُ وَلَمْ يُعَسِّرْهُ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ نَفْسِهِ فِيهِ.وَفِي التَّنْزِيلِ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَيْ سَهَّلْنَاهُ وَجَعَلْنَا الِاتِّعَاظَ بِهِ مَيْسُورًا.

وَفِي الْحَدِيثِ «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» وَهُوَ مِنَ الْيُسْرِ، وَالْيُسْرُ فِي اللُّغَةِ اللِّينُ وَالِانْقِيَادُ، وَيُقَالُ: يَاسَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا لَايَنَهُ، وَتَيَسَّرَتِ الْبِلَادُ إِذَا أَخْصَبَتْ، وَالْيُسْرُ وَالْمَيْسَرَةُ الْغِنَى، وَكَذَلِكَ الْيَسَارُ وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}.

وَمِنْ مَعَانِي التَّيْسِيرِ فِي اللُّغَةِ التَّهْيِئَةُ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أَيْ نُهَيِّئُهُ لِلْعَوْدِ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ.وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «تَيَسَّرُوا لِلْقِتَالِ» أَيْ تَهَيَّئُوا لَهُ وَتَأَهَّبُوا.

وَمَعْنَى التَّيْسِيرِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ مُوَافِقٌ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّخْفِيفُ:

2- التَّخْفِيفُ لُغَةً ضِدُّ التَّثْقِيلِ، سَوَاءٌ أَكَانَ حِسِّيًّا أَمْ مَعْنَوِيًّا، وَالْخِفَّةُ ضِدُّ الثِّقَلِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} أَيْ: قَلَّتْ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ حَتَّى رَجَحَتْ عَلَيْهَا سَيِّئَاتُهُ.وَالْخِفَّةُ خِفَّةُ الْوَزْنِ وَخِفَّةُ الْحَالِ.

وَالتَّكْلِيفُ الْخَفِيفُ هُوَ الَّذِي يَسْهُلُ أَدَاؤُهُ، وَالثَّقِيلُ هُوَ الَّذِي يَشُقُّ أَدَاؤُهُ، كَالْجِهَادِ.

وَالتَّخْفِيفُ فِي الِاصْطِلَاحِ رَفْعُ مَشَقَّةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِنَسْخٍ، أَوْ تَسْهِيلٍ، أَوْ إِزَالَةِ بَعْضِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَيْ إِنْ كَانَ فِيهِ فِي الْأَصْلِ حَرَجٌ أَوْ مَشَقَّةٌ.

فَالتَّخْفِيفُ أَخَصُّ مِنَ التَّيْسِيرِ إِذْ هُوَ تَيْسِيرُ مَا كَانَ فِيهِ عُسْرٌ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ فِي الْأَصْلِ مُيَسَّرًا.

ب- التَّرْخِيصُ:

3- التَّرْخِيصُ لُغَةً التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ.وَالِاسْمُ الرُّخْصَةُ.وَيُقَالُ: رَخَّصَ لَهُ فِي الْأَمْرِ، وَأَرْخَصَ لَهُ فِيهِ: إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «وَأَرْخَصَ فِي السَّلَمِ» أَيْ أَذِنَ فِيهِ.وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الرَّخَاصَةِ، وَهِيَ فِي النَّبَاتِ هَشَاشَتُهُ وَلِينُهُ، وَفِي الْمَرْأَةِ نُعُومَةُ بَشَرَتِهَا وَلُيُونَتُهَا.وَمِنْهُ الرُّخْصُ لِانْخِفَاضِ السِّعْرِ، ضِدُّ الْغَلَاءِ؛ لِمَا فِي الرُّخْصِ مِنَ السُّهُولَةِ، وَفِي الْغَلَاءِ مِنَ الشِّدَّةِ.

وَالتَّرْخِيصُ فِي الِاصْطِلَاحِ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْأَمْرَ سُهُولَةً.وَالرُّخْصَةُ تُسْتَعْمَلُ بِاصْطِلَاحَيْنِ:

الْأَوَّلِ: الْحُكْمِ النَّازِلِ بِالْيُسْرِ بَعْدَ الْعُسْرِ لِعُذْرٍ مِنَ الْأَعْذَارِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْأَوَّلِ: مَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ.فَالْإِذْنُ فِي السَّلَمِ مَعَ انْعِدَامِ الْمَبِيعِ رُخْصَةٌ مِنْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ عَلَى التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ رُخْصَةً عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا.وَكَذَا مَا نُسِخَ عَنَّا مِنَ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا رُخْصَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ، لَا عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْنَا.

ج- التَّوْسِعَةُ:

4- التَّوْسِعَةُ مَصْدَرُ وَسَّعَ، أَيْ صَيَّرَ الشَّيْءَ وَاسِعًا، وَالسِّعَةُ ضِدُّ الضِّيقِ، وَالسِّعَةُ الْغِنَى وَالرَّفَاهِيَةُ.وَوَسَّعَ اللَّهُ عَلَى فُلَانٍ: أَغْنَاهُ وَرَفَّهَهُ، وَوَسَّعَ فُلَانٌ عَلَى أَهْلِهِ: أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَنْ سِعَةٍ، أَيْ بِمَا يَزِيدُ عَنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ.

فَالتَّوْسِعَةُ مِنَ التَّيْسِيرِ، بَلْ هِيَ أَعْلَى التَّيْسِيرِ.

د- رَفْعُ الْحَرَجِ:

5- الْحَرَجُ لُغَةً: الضِّيقُ وَمَا لَا مَخْرَجَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَضْيَقُ الضِّيقِ.سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْحَرَجِ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ فَقَالَ لَهُ: مَا الْحَرَجُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ: الْحَرِجَةُ مِنَ الشَّجَرِ مَا لَا مَخْرَجَ لَهُ.فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ ذَلِكَ.الْحَرَجُ مَا لَا مَخْرَجَ لَهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْحَرَجُ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ فَوْقَ الْمُعْتَادِ.

وَرَفْعُ الْحَرَجِ: إِزَالَةُ مَا فِي التَّكْلِيفِ الشَّاقِّ مِنَ الْمَشَقَّةِ بِرَفْعِ التَّكْلِيفِ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ بِتَخْفِيفِهِ، أَوِ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ، أَوْ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ مَخْرَجٌ، كَرَفْعِ الْحَرَجِ فِي الْيَمِينِ بِإِبَاحَةِ الْحِنْثِ فِيهَا مَعَ التَّكْفِيرِ عَنْهَا أَوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْوَسَائِلِ، فَرَفْعُ الْحَرَجِ لَا يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الشِّدَّةِ، خِلَافًا لِلتَّيْسِيرِ.

هـ- التَّوَسُّطُ:

6- التَّوَسُّطُ فِي الْأَمْرِ أَنْ لَا يَذْهَبَ فِيهِ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيْهِ.وَالتَّوَسُّطُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ.فَلَا غُلُوَّ فِيهَا وَلَا تَقْصِيرَ، وَلَكِنْ هِيَ وَسَطٌ بَيْنَهُمَا.وَالتَّوَسُّطُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَمِيلُ إِلَى جَانِبِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى الْعِبَادِ، وَلَا إِلَى جَانِبِ التَّيْسِيرِ الشَّدِيدِ الَّذِي يَصِلُ إِلَى حَدِّ التَّحَلُّلِ مِنَ الْأَحْكَامِ.وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ.فَالتَّوَسُّطُ نَوْعٌ مِنَ التَّيْسِيرِ، وَلَيْسَ مُقَابِلًا لَهُ؛ إِذْ الَّذِي يُقَابِلُ التَّيْسِيرَ التَّعْسِيرُ وَالتَّشْدِيدُ، أَمَّا التَّوَسُّطُ فَفِيهِ الْيُسْرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَمِثَالُهُ يُسْرُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ إِذْ فِيهِمَا مَشَقَّةٌ، وَلَكِنَّهَا مُعْتَادَةٌ.

و- التَّشْدِيدُ وَالتَّثْقِيلُ:

7- التَّشْدِيدُ وَالتَّثْقِيلُ ضِدُّ التَّخْفِيفِ، وَأَصْلُ التَّشْدِيدِ فِي اللُّغَةِ مِنْ شَدِّ الْحَبْلِ، وَالشِّدَّةُ الصَّلَابَةُ وَالْقُوَّةُ.

حُكْمُ التَّيْسِيرِ:

8- الْيُسْرُ وَانْتِفَاءُ الْحَرَجِ صِفَتَانِ أَسَاسِيَّتَانِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ وَشَرِيعَتِهِ، وَالتَّيْسِيرُ مَقْصِدٌ أَسَاسِيٌّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ:

فَمِنَ الْقُرْآنِ قوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا ذَلِكَ سِعَةُ الْإِسْلَامِ وَمَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ.وَمِنْهُ قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وَقَوْلُهُ {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.

وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» أَيِ السَّهْلَةِ اللَّيِّنَةِ، وَقَوْلُهُ «إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ» وَقَوْلُهُ «إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ».

وَقَوْلُهُ «: إِنَّ اللَّهَ شَرَعَ هَذَا الدِّينَ فَجَعَلَهُ سَمْحًا سَهْلًا وَاسِعًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ ضَيِّقًا».

وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ، قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ، إِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ أَيْ: الْأَمْرِ الْقَدِيمِ، أَيْ: الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ.

وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ: «إِذَا تَخَالَجَكَ أَمْرَانِ فَظُنَّ أَنَّ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللَّهِ أَيْسَرُهُمَا».

أَنْوَاعُ الْيُسْرِ فِي الشَّرِيعَةِ:

9- يُسْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: 1- تَيْسِيرُ مَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ وَالْعِلْمِ بِهَا وَسُهُولَةِ إِدْرَاكِ أَحْكَامِهَا وَمَرَامِيهَا.

2- تَيْسِيرُ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ سُهُولَةُ تَنْفِيذِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا.

3- أَمْرُ الشَّرِيعَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بِالتَّيْسِيرِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: تَيْسِيرُ الْعِلْمِ بِالشَّرِيعَةِ:

10- اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ حَمَلَ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ- أَوَّلَ مَا حَمَلَهَا- قَوْمٌ أُمِّيُّونَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَعْرِفَةٌ بِكُتُبِ الْأَقْدَمِينَ وَلَا بِعُلُومِهِمْ، مِنَ الْعُلُومِ الْكَوْنِيَّةِ، وَالْمَنْطِقِ، وَالرِّيَاضِيَّاتِ، وَغَيْرِهَا، وَلَا مِنَ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، بَلْ كَانُوا بَاقِينَ قَرِيبًا مِنَ الْفِطْرَةِ.وَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا أُمِّيًّا لَمْ يَكْتُبْ كِتَابًا، وَلَمْ يَخُطَّهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا عَرَفَ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِمَّا كَتَبَهُ الْكَاتِبُونَ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وَقَالَ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُبَارَكَةُ خَاتِمَةَ الشَّرَائِعِ، فَهِيَ لِمَنْ عَاصَرَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَلِمَنْ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ عَامَّةٌ لِلْبَشَرِ جَمِيعًا، لَيْسَتْ لِلْعَرَبِ وَحْدَهُمْ، بَلْ لَهُمْ وَلِمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأُمَمِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَفِيهِمِ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ، وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَالْقَارِئُ وَالْأُمِّيُّ، وَالذَّكِيُّ وَالْبَلِيدُ.فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ تَعَالَى أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الشَّرِيعَةُ الْعَامَّةُ الْخَاتِمَةُ مَيْسُورًا فَهْمُهَا وَتَعَقُّلُهَا وَالْعِلْمُ بِهَا لِتَسَعَ الْجَمِيعَ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِهَا عَسِيرًا، أَوْ مُتَوَقِّفًا عَلَى وَسَائِلَ عِلْمِيَّةٍ تَدُقُّ عَلَى الْأَفْهَامِ لَكَانَ مِنَ الْعَسِيرِ عَلَى جُمْهُورِ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا أَخْذُهَا وَمَعْرِفَتُهَا أَوَّلًا، وَالِامْتِثَالُ لِأَوَامِرِهَا وَنَوَاهِيهَا ثَانِيًا.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَلِي:

أ- تَيْسِيرُ الْقُرْآنِ:

11- جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ مُيَسَّرَ التِّلَاوَةِ وَالْفَهْمِ عَلَى الْجُمْهُورِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} وَقَالَ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.وَمِنْ تَيْسِيرِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مُرَاعَاةً لِحَالِ النَّاسِ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةُ عَلَى النُّطْقِ.وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أُبَيٌّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: «لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- جِبْرِيلَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ إِنِّي أُرْسِلْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، إِلَى الشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ، وَالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ، وَالشَّيْخِ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ.فَقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ».

وَيَرْجِعُ تَيْسِيرُ الْقُرْآنِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلِ: أَنَّهُ مُيَسَّرٌ لِلتِّلَاوَةِ لِسَلَاسَتِهِ وَخُلُوِّهِ مِنَ التَّعْقِيدِ اللَّفْظِيِّ.

الثَّانِي: أَنَّهُ مُيَسَّرٌ لِلْحِفْظِ، فَيُمْكِنُ حِفْظُهُ وَيَسْهُلُ.قَالَ الرَّازِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى يُحْفَظُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَيْرَ الْقُرْآنِ.

الثَّالِثِ: سُهُولَةُ الِاتِّعَاظِ بِهِ لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ فِي الْقُلُوبِ؛ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْقَصَصِ وَالْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ، وَتَصْرِيفُ آيَاتِهِ عَلَى أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثَ لَهُمْ ذِكْرًا}.

الرَّابِعِ: أَنَّهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ يَعْلَقُ بِالْقُلُوبِ، وَيُسْتَلَذُّ سَمَاعُهُ، وَلَا يُسْأَمُ مِنْ سَمَاعِهِ وَفَهْمِهِ، وَلَا يَقُولُ سَامِعُهُ: قَدْ عَلِمْتُ وَفَهِمْتُ فَلَا أَسْمَعُهُ، بَلْ كُلُّ سَاعَةٍ يَجِدُ مِنْهُ لَذَّةً وَعِلْمًا.

وَهَذَا التَّيْسِيرُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إِنَّمَا هُوَ فِي الْغَالِبِ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى جُمْهُورِ النَّاسِ.وَفِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَسْرَارِ، وَالْمَوَاعِظِ، وَالْعِبَرِ، مَا يَدُقُّ عَنْ فَهْمِ الْجُمْهُورِ، وَيَتَنَاوَلُ بَعْضَ الْخَوَاصِّ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَسَبِ مَا يُيَسِّرُهُ اللَّهُ لَهُمْ وَيُلْهِمُهُمْ إِيَّاهُ، يَفْتَحُ عَلَى هَذَا بِشَيْءٍ لَمْ يَفْتَحْ بِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَإِذَا عُرِضَ عَلَى الْآخَرِ أَقَرَّهُ.

ب- التَّيْسِيرُ فِي عِلْمِ الْأَحْكَامِ الِاعْتِقَادِيَّةِ:

12- التَّكَالِيفُ الِاعْتِقَادِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ مُيَسَّرٌ تَعَقُّلُهَا وَفَهْمُهَا، يَشْتَرِكُ فِي فَهْمِهَا الْجُمْهُورُ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ثَاقِبَ الْفَهْمِ وَمَنْ كَانَ بَلِيدًا، وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ إِلاَّ الْخَوَاصُّ لَمَا كَانَتِ الشَّرِيعَةُ عَامَّةً؛ وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْمَعَانِي الْمَطْلُوبُ عِلْمُهَا وَاعْتِقَادُهَا سَهْلَةَ الْمَأْخَذِ.فَعَرَّفَتِ الشَّرِيعَةُ الْأُمُورَ الْإِلَهِيَّةَ بِمَا يَسَعُ الْجُمْهُورَ فَهْمُهُ، وَحَضَّتْ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، وَالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ، وَالِاعْتِبَارِ بِآثَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَأَحَالَتْ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ مِنَ الْأُمُورِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَسَكَتَتْ عَنْ أَشْيَاءَ لَا تَهْتَدِي الْعُقُولُ إِلَيْهَا.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الصَّحَابَةَ- رضي الله عنهم- لَمْ يَبْلُغْنَا عَنْهُمْ مِنَ الْخَوْضِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَكُونُ أَصْلًا لِلْبَاحِثِينَ، وَالْمُتَكَلَّفِينَ، كَمَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ لَمْ يَكُونُوا إِلاَّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ.وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَعَنْ تَكَلُّفِ مَا لَا يَعْنِي، عَامًّا فِي الِاعْتِقَادِيَّات وَالْعَمَلِيَّاتِ.

ج- التَّيْسِيرُ فِي عِلْمِ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ:

13- رَاعَى الشَّارِعُ الْحَكِيمُ أُمَيَّةَ الْمَدْعُوِّينَ وَتَنَوُّعَ أَحْوَالِهِمْ فِي الْفَهْمِ، فَجَعَلَ الْأَحْكَامَ الْعَمَلِيَّةَ مِمَّا يَسْهُلُ تَعَقُّلُهَا وَتَعَلُّمُهَا وَفَهْمُهَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَلَّفَهُمْ بِجَلَائِلِ الْأَعْمَالِ الْعِبَادِيَّةِ، وَقَرَّبَ الْمَنَاطَ فِيهَا بِحَيْثُ يُدْرِكُهَا الْجُمْهُورُ، وَجَعَلَهُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا، كَتَعْرِيفِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِالظِّلَالِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَزَوَالِ الشَّمْسِ، وَغُرُوبِهَا، وَغُرُوبِ الشَّفَقِ، وَكَذَلِكَ فِي الصِّيَامِ فِي قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ: الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» وَقَالَ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَلَمْ يُطَالِبْنَا بِجَعْلِ ذَلِكَ مُرْتَبِطًا بِحِسَابِ مَسِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الدِّقَّةِ وَالْخَفَاءِ.

وَلَا يَعْنِي ذَلِكَ خُلُوُّ الشَّرِيعَةِ مِمَّا يَسْتَقِلُّ الْخَاصَّةُ بِإِدْرَاكِهِ، وَهِيَ الْأُمُورُ الِاجْتِهَادِيَّةُ، الَّتِي تَخْفَى عَلَى الْجُمْهُورِ، غَيْرَ أَنَّ عَامَّةَ الْأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُكَلَّفُ، وَتَقُومُ مَقَامَ الْأُسُسِ مِنَ الدِّينِ، ظَاهِرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْجُمْهُورِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ فِي تَطَلُّبِهِ إِلَى بَذْلِ جَهْدٍ، إِلاَّ أَنَّهُ يَتَيَسَّرُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ الْوُصُولُ إِلَيْهِ بِاتِّبَاعِ مَا بَيَّنَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِنْ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ.

النَّوْعُ الثَّانِي: يُسْرُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ:

14- يُسْرُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ يَتَشَعَّبُ فِيهِ النَّظَرُ شُعْبَتَيْنِ:

1- الْيُسْرُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الْيُسْرُ فِي مَا شُرِعَ مِنَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَصْلِهِ مُيَسَّرًا لَا عَنَتَ فِيهِ.

2- الْيُسْرُ التَّخْفِيفِيُّ، وَهُوَ مَا وُضِعَ فِي الْأَصْلِ مُيَسَّرًا، غَيْرَ أَنَّهُ طَرَأَ فِيهِ الثِّقَلُ بِسَبَبِ ظُرُوفٍ اسْتِثْنَائِيَّةٍ، وَأَحْوَالٍ تَخُصُّ بَعْضَ الْمُكَلَّفِينَ، فَيُخَفِّفُ الشَّرْعُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ.

الشُّعْبَةُ الْأُولَى: الْيُسْرُ الْأَصْلِيُّ:

15- التَّيْسِيرُ الْأَصْلِيُّ صِفَةٌ عَامَّةٌ لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي أَحْكَامِهَا الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمُكَلَّفِينَ.قَالَ الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى التَّكْلِيفِ بِالشَّاقِّ وَالْإِعْنَاتِ فِيهِ.

وَيُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِأُمُورٍ، مِنْهَا:

16- أ- النُّصُوصُ الَّتِي تُبَيِّنُ ذَلِكَ صَرَاحَةً، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} وَمِنْهَا مَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي سِيَاقِ بَيَانِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.

وَمِنَ الْيُسْرِ الْأَصْلِيِّ إِعْفَاءُ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ، مِنْ سَرَيَانِ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ عَلَيْهِمَا، وَإِعْفَاءِ النِّسَاءِ مِنْ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَمِنْ تَأَكُّدِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ وُجُوبِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ.وَهَذَا مَعْنَى كَثِيرٍ مِنَ الِاشْتِرَاطَاتِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَالْحُدُودِ، وَبَعْضِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَحَقِّ الْقِصَاصِ، وَحَقِّ حَدِّ الْقَذْفِ، فَقَدِ اشْتُرِطَ فِيهَا جَمِيعًا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَاشْتُرِطَ فِي حَدِّ الزِّنَى أَرْبَعَةُ شُهُودٍ تَقْلِيلًا لِحَالَاتِ وُجُوبِ الْحَدِّ، تَخْفِيفًا وَتَيْسِيرًا، وَاشْتُرِطَ لِلرَّجْمِ لِشِدَّتِهِ الْإِحْصَانُ تَخْفِيفًا عَنْ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَاسْتُثْنِيَ الْوَلِيُّ الْفَقِيرُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ تَخْفِيفًا عَنْهُ، فَقَدْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ.

17- ب- وَمِنْهَا مَا عُهِدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَثْنِي مِنْ نُصُوصِ التَّكْلِيفِ الصُّوَرَ الَّتِي فِيهَا عُسْرٌ فَيُيَسِّرُهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لِلْوَلِيِّ فِي مُخَالَطَةِ الْيَتِيمِ فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ أَنْ نَهَى عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمَرَ بِإِصْلَاحِهَا فَقَالَ: {وَيَسْأَلُونَك عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} فَأَذِنَ فِي الْمُخَالَطَةِ، لِأَنَّ فِي عَزْلِ نَفَقَةِ الْيَتِيمِ وَحْدَهُ عُسْرًا عَلَى الْوَلِيِّ.وَالْمُخَالَطَةُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ كَافِيهِ، بِالتَّحَرِّي، فَيَجْعَلُهَا مَعَ نَفَقَةِ أَهْلِهِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ يَأْكُلُ أَكْثَر مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِصْلَاحًا.ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} أَيْ بِإِيجَابِ عَزْلِ نَفَقَةِ الْيَتِيمِ وَحْدَهَا لِيَأْمَنَ الْوَلِيُّ مِنْ أَكْلِهِ أَوْ أَهْلِهِ شَيْئًا مِنْهَا.

وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ لَيْسَتْ مُرَادَةً لِلَّهِ تَعَالَى.

18- ج- وَمِنْهَا مَا عُلِمَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَفَادَى مَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَكَالِيفَ قَدْ تَشُقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَتَجَنَّبُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا يَكُونُ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى أَصْحَابِهِ إِذَا اقْتَدَوْا بِهِ فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}

فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَحُثُّ أَصْحَابَهُ عَلَى تَرْكِ السُّؤَالِ لِئَلاَّ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَرَائِضُ بِسَبَبِ سُؤَالِهِمْ.فَقَدْ «سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْحَجِّ.أَفِي كُلِّ عَامٍ هُوَ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ» وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ».وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُحِبُّ الْيُسْرَ عَلَى النَّاسِ».

«وَقَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ عِنْدِي وَهُوَ مَسْرُورٌ طَيِّبُ النَّفْسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ وَهُوَ كَئِيبٌ، فَقَالَ: إِنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ دَخَلْتُهَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ أَتْعَبْتُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي» وَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ قَطُّ».

19- د- وَمِنْهَا الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمَشَقَّةِ وَالْعَنَتِ فِي التَّكْلِيفِ، وَأَنَّهَا وُضِعَتْ عَلَى قَصْدِ الرِّفْقِ وَالتَّيْسِيرِ، وَعَلَى هَذَا لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِي الْأُمَّةِ عَلَى طَلَبِ الْيُسْرِ عَلَى النَّاسِ.

دَرَجَاتُ الْمَشَاقِّ، وَالتَّكْلِيفُ بِهَا:

20- لَيْسَ مَعْنَى يُسْرِ الشَّرِيعَةِ خُلُوُّ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ أَصْلًا، بَلْ إِنَّ التَّكْلِيفَ، مَا سُمِّيَ بِهَذَا إِلاَّ لِأَنَّهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ، فَلَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنَ التَّكَالِيفِ عَنِ الْمَشَقَّةِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ عَلَى دَرَجَاتٍ:

الدَّرَجَةِ الْأُولَى:

21- الْمَشَقَّةُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى حَمْلِهَا أَصْلًا، فَهَذَا النَّوْعُ لَمْ يَرِدْ التَّكْلِيفُ بِهِ فِي الشَّرْعِ أَصْلًا؛ إِذْ لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ، فَلَا يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِهِ شَرْعًا، وَإِنْ جَازَ عَقْلًا، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِهِ شَرْعًا وَعَقْلًا.فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مِثْلُ تَكْلِيفِ الْإِنْسَانِ بِحَمْلِ جَبَلٍ، وَلَا كَتَكْلِيفِ مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ الْقِيَامَ أَوِ الْمَشْيَ.

وَهَذَا التَّكْلِيفُ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ السَّابِقَةِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ.وَيُعَبِّرُ الْأُصُولِيُّونَ عَنْ هَذَا بِمَنْعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ.

الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ:

22- أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، لَكِنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، كَمَشَقَّةِ الْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِ الْأَطْرَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَالتَّكْلِيفُ بِهَذَا النَّوْعِ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فِيمَا قَبْلَهَا مِنَ الشَّرَائِعِ.وَدَلِيلُ ذَلِكَ قوله تعالى فِي بَيَانِ الْمِنَّةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِإِرْسَالِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمِ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} وَالْإِصْرُ الْعَهْدُ الثَّقِيلُ، وَالتَّكَالِيفُ الثَّقِيلَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مَشَقَّتُهَا عَنِ الْمُعْتَادِ.أَيْ مَا عُهِدَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَهْدٍ ثَقِيلٍ.

وَفِي خَاتِمَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ فَعَلْتُ» أَيْ: أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِينَ.

وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} وَمِنْ تِلْكَ التَّكَالِيفِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي شَدَّدَ بِهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَتَوْا بِخَطِيئَةٍ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّعَامِ بَعْضُ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَالَ تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}.

الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ:

23- الْمَشَقَّةُ الَّتِي تُطَاقُ وَيُمْكِنُ احْتِمَالُهَا لَكِنْ فِيهَا شِدَّةٌ بِحَيْثُ تُشَوِّشُ عَلَى النُّفُوسِ فِي تَصَرُّفِهَا، وَتُقْلِقُهَا فِي الْقِيَامِ بِمَا فِيهِ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ.

وَيَكُونُ الْإِنْسَانُ مَعَهَا فِي ضِيقٍ وَحَرَجٍ، فَلَا يَشْعُرُ بِالرَّاحَةِ لِخُرُوجِ الْمَشَقَّةِ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ.

وَهَذَا النَّوْعُ قَدْ يَكُونُ فِي الْأَصْلِ مِنَ الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فُعِلَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ لِلْإِنْسَانِ الضِّيقُ وَالْحَرَجُ، وَلَكِنْ إِذَا تَكَرَّرَ وَدَامَ جَاءَ الْحَرَجُ بِسَبَبِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ.قَالَ الشَّاطِبِيُّ: وَيُوجَدُ هَذَا فِي النَّوَافِلِ وَحْدَهَا إِذَا تَحَمَّلَ الْإِنْسَانُ مِنْهَا فَوْقَ مَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى وَجْهٍ مَا، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الدَّوَامِ يُتْعِبُهُ حَتَّى يَحْصُلَ لِلنَّفْسِ بِسَبَبِهِ مَا يَحْصُلُ لَهَا بِالْعَمَلِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي غَيْرِهِ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي شُرِعَ لَهُ الرِّفْقُ وَالْأَخْذُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا لَا يُحَصِّلُ مَلَلًا، حَسْبَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِي نَهْيِهِ عَنِ الْوِصَالِ، وَعَنِ التَّنَطُّعِ وَالتَّكَلُّفِ.

وَقَالَ: «خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَمَلَّ حَتَّى تَمَلُّوا» وَقَالَ: «الْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا» وَقَالَ: «إِنَّ الْمَنْبَتَ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى».

الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ:

24- الْمَشَقَّةُ الَّتِي فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَعَبِ النَّفْسِ خُرُوجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ، وَلَكِنْ نَفْسُ التَّكْلِيفِ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَاتُ قَبْلَ التَّكْلِيفِ.فَفِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ؛ وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ «التَّكْلِيفِ» وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَقْتَضِي مَعْنَى الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ «كَلَّفْتُهُ تَكْلِيفًا» إِذَا حَمَّلْتُهُ أَمْرًا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَمَرْتُهُ بِهِ، وَتَقُولُ: «تَكَلَّفْتُ الشَّيْءَ» إِذَا تَحَمَّلْتُهُ عَلَى مَشَقَّةٍ.فَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى مَشَقَّةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ دُخُولٌ فِي أَعْمَالٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.وَأَقَلُّ مَا فِيهِ فِي الْأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ إِخْرَاجُ الْمُكَلَّفِ عَمَّا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ، وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى فِيهِ مَشَقَّةٌ مَا.

وَلَكِنِ الشَّرِيعَةُ جَاءَتْ لِإِخْرَاجِ الْمُكَلَّفِ مِنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ اخْتِيَارًا كَمَا هُوَ عَبْدٌ لِلَّهِ اضْطِرَارًا.

وَهَذَا النَّوْعُ لَازِمٌ لِكُلِّ تَكْلِيفٍ؛ إِذْ لَا تَخْلُو مِنْهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ.وَالْمَشَقَّةُ الَّتِي فِيهِ- وَإِنْ سُمِّيَتْ مَشَقَّةً مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ- إِلاَّ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى فِي الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ مَشَقَّةً، كَمَا لَا يُسَمَّى فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً طَلَبُ الْمَعَاشِ بِالْحِرَفِ وَسَائِرِ الصَّنَائِعِ، بَلْ أَهْلُ الْعُقُولِ، وَأَصْحَابُ الْعَادَاتِ يَعُدُّونَ الْمُنْقَطِعَ عَنْهُ كَسْلَانَ، وَيَذُمُّونَهُ بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْمُعْتَادُ فِي التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ.

فَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الدَّرَجَةَ الْأُولَى لَا تَكْلِيفَ بِهَا أَصْلًا، فَالشَّرِيعَةُ لَا تُكَلِّفُ الْعِبَادَ بِمَا لَيْسَ مَقْدُورًا لَهُمْ أَصْلًا، وَكَذَلِكَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ، فَالْمَشَقَّاتُ الْفَادِحَةُ كَقَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا تَكْلِيفَ بِهَا فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ حَصَلَ التَّكْلِيفُ بِهَا فِيمَا قَبْلَهَا مِنَ الشَّرَائِعِ.

وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ مَوْضِعُ النَّظَرِ، وَتَفْصِيلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِأَدْنَاهَا، أَوْ أَوْسَطِهَا دُونَ أَعْلَاهَا، وَإِنَّهُ إِنْ حَصَلَ التَّكْلِيفُ بِمَا مَشَقَّتُهُ مُعْتَادَةٌ، فَحَصَلَ فِيهِ خُرُوجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، جَاءَ فِيهِ التَّخْفِيفُ، كَمَا يَأْتِي.

وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الرَّابِعَةُ، مِنَ الْمَشَقَّاتِ الْمُعْتَادَةِ فِي الْأَعْمَالِ فَلَا تَمْنَعُ التَّكْلِيفَ،

غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الِاعْتِيَادِ فِيهِ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ فِي التَّكْلِيفِ شِدَّةٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي حَيِّزِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

مَوَاضِعُ الْمَشَقَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ:

الْيُسْرُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الصِّبْغَةُ الْعَامَّةُ لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي أَحْكَامِهَا، إِلاَّ أَنَّ فِيهَا أَحْكَامًا فِيهَا نَوْعٌ مِنَ الْمَشَقَّةِ لِدَوَاعٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ، مِنْهَا:

25- أَوَّلًا: أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي تُرْجَى مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمَحْكُومِ فِيهِ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا إِلاَّ بِتَعَرُّضِ الْبَعْضِ لِلْمَشَاقِّ، كَإِنْقَاذِ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَالْهَدْمَى، فَإِنَّ الَّذِي يَتَصَدَّى لِذَلِكَ قَدْ يَتَعَرَّضُ لِأَخْطَارٍ جَسِيمَةٍ، وَكَذَلِكَ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ دَرْؤُهَا إِلاَّ بِتَعَرُّضِ الْبَعْضِ لِلْمَشَاقِّ، كَالْجِهَادِ لِدَفْعِ الْمُعْتَدِينَ عَلَى الدِّيَارِ، وَالْأَعْرَاضِ، وَالْحُقُوقِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعَرِّضُ حَيَاةَ الْقَائِمِ بِهِ لِلْأَخْطَارِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَطْلُوبٌ شَرْعًا لقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَقَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وَمَا وَرَدَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا، وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا».

26- ثَانِيًا: حَالَاتٌ مِنَ الِاحْتِيَاطِ فِيهَا نَوْعٌ مِنَ الْعُسْرِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ غَالِبًا اطْمِئْنَانُ الْمُكَلَّفِ إِلَى خُرُوجِهِ مِنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَدْرِي، أَيِّ الْخَمْسِ هِيَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ، أَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ لَا يَدْرِي أَهِيَ الظُّهْرُ أَمِ الْعَصْرُ، فَيَقْضِيهِمَا، وَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْآخَرُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ، يَغْلِبُ التَّحْرِيمُ مَعَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ أَيْسَرُ، وَلَوْ اشْتَبَهَتْ مَحْرَمٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ مَحْصُورَاتٍ لَمْ تَحِلَّ أَيُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، أَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ لَمْ يَجُزْ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهُمَا.

لَكِنْ إِنْ وَصَلَ الْأَمْرُ بِالِاحْتِيَاطِ إِلَى الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَغْلِيبِ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ، فَلَوْ كَانَ النِّسْوَةُ اللاَّتِي اخْتَلَطَتْ بِهِنَّ مَحْرَمُهُ غَيْرَ مَحْصُورَاتٍ بِأَنِ اخْتَلَطَتْ بِنِسَاءِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ، فَلَهُ النِّكَاحُ مِنْهُنَّ، وَلَوِ اخْتَلَطَ حَمَامٌ مَمْلُوكٌ بِحَمَامٍ مُبَاحٍ لَا يَنْحَصِرُ جَازَ لَهُ الصَّيْدُ.وَلَوِ اخْتَلَطَ فِي الْبَلَدِ حَرَامٌ لَا يَنْحَصِرُ لَمْ يَحْرُمِ الشِّرَاءُ مِنْهُ، بَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ، إِلاَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْحَرَامِ.

وَرُبَّمَا غَلَّبَ الْبَعْضُ قَاعِدَةَ الِاحْتِيَاطِ عَلَى قَاعِدَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ.

مَنْ شُرِعَ لَهُ التَّيْسِيرُ:

27- التَّيْسِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ.

أَمَّا الْكَافِرُ فَلَهُ التَّشْدِيدُ وَالتَّضْيِيقُ وَالتَّغْلِيظُ بِسَبَبِ كُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَجَحْدِهِ لِنِعْمَتِهِ وَحَقِّهِ؛ وَلِرَفْضِهِ الدُّخُولَ تَحْتَ أَحْكَامِ اللَّهِ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

وَلِذَلِكَ شُرِعَ قِتَالُ الْكُفَّارِ وَإِدْخَالُهُمْ تَحْتَ الْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ.فَإِنْ دَخَلَ الْكَافِرُ فِي الذِّمَّةِ وَتَرَكَ الْمُحَارَبَةَ، أَوْ دَخَلَ مُسْتَأْمَنًا، حَصَلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْوَاعٌ مِنَ التَّيْسِيرِ، كَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، وَمَنْعِ ظُلْمِهِ فِي النَّفْسِ أَوِ الْمَالِ، وَإِقْرَارِهِ عَلَى مَا يَجُوزُ فِي دِينِهِ.وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) (وَجِهَادٌ).وَأَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمُعْتَدِي وَالظَّالِمُ مِنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَهُ مِنَ التَّشْدِيدِ بِحَسَبِ فِسْقِهِ وَعُدْوَانِهِ وَظُلْمِهِ بِقَدْرِ الذَّنْبِ الَّذِي جَنَاهُ، وَلَهُ مِنَ التَّيْسِيرِ بِحَسَبِ إِسْلَامِهِ وَإِيمَانِهِ.فَمِنَ التَّشْدِيدِ عَلَى الْفَاسِقِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي بِرَجْمِهِ حَتَّى الْمَوْتِ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَهِيَ مِنْ أَعْسَرِ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ وَأَشَدِّهَا، وَبِجِلْدِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا.وَمِنْهَا قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ، وَقَتْلُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، أَوْ صَلْبُهُ، أَوْ تَقْطِيعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلَافٍ، أَوْ نَفْيُهُ مِنَ الْأَرْضِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي الْحُدُودِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


40-موسوعة الفقه الكويتية (حسبة 5)

حِسْبَةٌ -5

خَامِسًا- الِاحْتِسَابُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ:

40- أَهْلُ الذِّمَّةِ عَاهَدُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إِذْ هُمْ مُقِيمُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ فَإِنَّهُمْ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يَكُونُوا فِي دَارِهِمْ، وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَبِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فَإِنَّ إِقَامَتَهُمْ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ اسْتِيطَانٍ لَهَا، وَلِذَلِكَ كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُمْ دُونَ هَؤُلَاءِ.

وَمِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُمْ إِنْ أَقَامُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَا يُحْتَسَبُ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيمَا لَا يُظْهِرُونَهُ فِي كُلِّ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهُ فِي دِينِهِمْ مِمَّا لَا أَذَى لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَاِتِّخَاذِهِ، وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَلَا تَعَرُّضَ لَهُمْ فِيمَا الْتَزَمْنَا تَرْكَهُ، وَمَا أَظْهَرُوهُ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ إِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَإِذَا انْفَرَدُوا فِي مِصْرِهِمْ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي الْقُرَى، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَيْنِ سُكَّانِهَا مُسْلِمُونَ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ إِعْلَامِ الدِّينِ مِنْ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ.وَإِذَا أَظْهَرُوا شَيْئًا مِنَ الْفِسْقِ فِي قُرَاهُمْ مِمَّا لَمْ يُصَالِحُوا عَلَيْهِ مِثْلَ الزِّنَى وَإِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ مُنِعُوا مِنْهُ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدِيَانَةٍ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ فِسْقٌ فِي الدِّيَانَةِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ حُرْمَةَ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُسْلِمُونَ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ «أَهْلُ الذِّمَّةِ».

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: فِي الِاحْتِسَابِ وَمَرَاتِبِهِ:

41- الْقِيَامُ بِالْحِسْبَةِ- وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ- مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ وَأَهَمِّ الْمُحْتَسَبَاتِ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً وَامْتَدَحَهُ فِيهِ بِأَسَالِيبَ عَدِيدَةٍ، وَكَانَ حَظُّهُ مَعَ ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ أَوْفَرَ وَذِكْرُهُ فِيهَا أَكْثَرَ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَصَالِحَ، وَمَا يُدْرَأُ بِهِ مِنْ مَفَاسِدَ، وَذَلِكَ أَسَاسُ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الدِّينُ، وَحِكْمَةُ كُلِّ مَا نَهَى عَنْهُ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ هُوَ رُجْحَانُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إِذْ لَا يَخْلُو كُلُّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ مِنْ مَصْلَحَةٍ يُحَقِّقُهَا وَمَفْسَدَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجَحَتْ الْمَصْلَحَةُ أَمَرَ بِهِ، وَإِذَا رَجَحَتِ الْمَفْسَدَةُ نَهَى عَنْهُ.كَانَ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مَشْرُوعًا وَطَاعَةً مَطْلُوبَةً، وَكَانَ تَرْكُهَا، أَوْ وَضْعُ أَحَدِهِمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ عِصْيَانًا وَأَمْرًا مُحَرَّمًا مَطْلُوبًا تَرْكُهُ، لِأَنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ الْفَسَادُ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.

مَرَاتِبُ الِاحْتِسَابِ:

ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي مَرَاتِبِ التَّغْيِيرِ مَا يُمْكِنُ إِيجَازُهُ فِيمَا يَلِي:

42- النَّوْعُ الْأَوَّلُ: التَّنْبِيهُ وَالتَّذْكِيرُ وَذَلِكَ فِيمَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُزِيلُ فَسَادَ مَا وَقَعَ لِصُدُورِ ذَلِكَ عَلَى غِرَّةٍ وَجَهَالَةٍ، كَمَا يَقَعُ مِنَ الْجَاهِلِ بِدَقَائِقِ الْفَسَادِ فِي الْبُيُوعِ، وَمُسَالِكِ الرِّبَا الَّتِي يُعْلَمُ خَفَاؤُهَا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَا يَصْدُرُ مِنْ عَدَمِ الْقِيَامِ بِأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِ الْعِبَادَاتِ فَيُنَبَّهُونَ بِطَرِيقِ.التَّلَطُّفِ وَالرِّفْقِ وَالِاسْتِمَالَةِ.

43- النَّوْعُ الثَّانِي: الْوَعْظُ وَالتَّخْوِيفُ مِنَ اللَّهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَفَ الْمُنْكَرَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ فَيَتَعَاهَدُهُ الْمُحْتَسِبُ بِالْعِظَةِ وَالْإِخَافَةِ مِنْ رَبِّهِ.

44- النَّوْعُ الثَّالِثُ: الزَّجْرُ وَالتَّأْنِيبُ وَالْإِغْلَاظُ بِالْقَوْلِ وَالتَّقْرِيعِ بِاللِّسَانِ وَالشِّدَّةِ فِي التَّهْدِيدِ وَالْإِنْكَارِ، وَذَلِكَ فِيمَنْ لَا يَنْفَعُ فِيهِ وَعْظٌ، وَلَا يَنْجَحُ فِي شَأْنِهِ تَحْذِيرٌ بِرِفْقٍ، بَلْ يَظْهَرُ عَلَيْهِ مَبَادِئُ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالْعِظَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَا لَا يُعَدُّ فُحْشًا فِي الْقَوْلِ وَلَا إِسْرَافًا فِيهِ خَالِيًا مِنَ الْكَذِبِ، وَمِنْ أَنْ يَنْسُبَ إِلَى مَنْ نَصَحَهُ مَا لَيْسَ فِيهِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ نَتِيجَتِهِ إِصْرَارٌ وَاسْتِكْبَارٌ.

45- النَّوْعُ الرَّابِعُ: التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ بِإِزَالَةِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ وَذَلِكَ فِيمَنْ كَانَ حَامِلًا الْخَمْرَ، أَوْ مَاسِكًا لِمَالٍ مَغْصُوبٍ، وَعَيْنُهُ قَائِمَةٌ بِيَدِهِ، وَرَبُّهُ مُتَظَلِّمٌ مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِهِ، طَالِبٌ رَفْعَ الْمُنْكَرِ فِي بَقَائِهِ تَحْتَ حَوْزِهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَأَمْثَالُ هَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الزَّجْرِ وَالْإِغْلَاظِ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ لِلْإِزَالَةِ بِالْيَدِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْيَدِ كَأَمْرِ الْأَعْوَانِ الْمُمْتَثِلِينَ أَمْرَ الْمُغَيِّرِ فِي إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ.

46- النَّوْعُ الْخَامِسُ: إِيقَاعُ الْعُقُوبَةِ بِالنَّكَالِ وَالضَّرْبِ.وَذَلِكَ فِيمَنْ تَجَاهَرَ بِالْمُنْكَرِ وَتَلَبَّسَ بِإِظْهَارِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إِلاَّ بِذَلِكَ.

47- النَّوْعُ السَّادِسُ: الِاسْتِعْدَاءُ وَرَفْعُ الْأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ وَالْإِمَامِ لِمَا لَهُ مِنْ عُمُومِ النَّظَرِ وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ، مَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ لِتَرْكِ النُّصْرَةِ بِهِ لِمَا يُخْشَى مِنْ فَوَاتِ التَّغْيِيرِ، فَيَجِبُ قِيَامُ الْمُحْتَسِبِ بِمَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ فِي الْحَالِ.

48- وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَّخِذَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أُمُورِ الْحِسْبَةِ بِمَا يَرَى فِيهِ صَلَاحَ الرَّعِيَّةِ، وَزَجْرَ الْمُفْسِدِينَ، وَلَهُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ- بِوَجْهٍ خَاصٍّ- التَّعْزِيرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، مِمَّا لَا يَدْخُلُ فِي اخْتِصَاصِ الْقَاضِي، وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ، أَوِ الْحَبْسِ، أَوِ الْإِتْلَافِ، أَوِ الْقَتْلِ أَوِ النَّفْيِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ «تَعْزِيرٌ».

خَطَأُ الْمُحْتَسِبِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّمَانِ «ضَمَانُ الْوُلَاةِ»:

49- الْمُحْتَسِبُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، فَلَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ عَلَى كُلِّ مَنِ اقْتَرَفَ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي وَأَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَيْهَا بِمَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا، وَقَدْ يَحْدُثُ أَثْنَاءَ ذَلِكَ تَجَاوُزٌ فِي الْعُقُوبَةِ، فَيَتَسَبَّبُ عَنْهُ تَلَفٌ فِي الْمَالِ أَوْ فِي الْبَدَنِ فَهَلْ يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّجَاوُزِ فِي إِتْلَافِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ إِلَى عَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ:

لَا ضَمَانَ فِي إِتْلَافِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ صَلِيبًا أَوْ مِزْمَارًا أَوْ طُنْبُورًا أَوْ صَنَمًا.لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ.وَلِحَدِيثِ: «بُعِثْتُ بِمَحْقِ الْقَيْنَاتِ وَالْمَعَازِفِ» وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَفِي كَسْرِ آنِيَةِ الْخَمْرِ رِوَايَتَانِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى الضَّمَانِ إِذَا تَجَاوَزَ الْمُحْتَسِبُ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ.

قَالَ صَاحِبُ تُحْفَةِ النَّاظِرِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا لَمْ يَقَعِ التَّمَكُّنُ مِنْ إِرَاقَةِ الْخَمْرِ إِلاَّ بِكَسْرِ أَنَابِيبِهَا وَتَحْرِيقِ وِعَائِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَإِنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عَيْنِهَا مَعَ بَقَاءِ الْوِعَاءِ سَلِيمًا وَلَمْ يَخَفِ الْفَاعِلُ مُضَايَقَةً فِي الزَّمَانِ وَلَا فِي الْمَكَانِ بِتَغَلُّبِ فَاعِلِهِ مَعَ انْتِفَاءِ هَذِهِ الْمَوَانِعِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، إِنْ كَانَ لِأَمْثَالِهِ قِيمَةٌ وَهُوَ يُنْتَفَعُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَفِي إِرَاقَةِ الْخُمُورِ يَتَوَقَّى كَسْرَ الْأَوَانِي إِنْ وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَحَيْثُ كَانَتِ الْإِرَاقَةُ مُتَيَسِّرَةً بِلَا كَسْرٍ، فَكَسَرَهَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ.

وَقَالَ أَيْضًا: الْوَالِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِكَسْرِ الظُّرُوفِ الَّتِي فِيهَا الْخَمْرُ زَجْرًا، وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَأْكِيدًا لِلزَّجْرِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ، وَلَكِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الزَّجْرِ وَالْفِطَامِ شَدِيدَةً، فَإِذَا رَأَى الْوَالِي بِاجْتِهَادِهِ مِثْلَ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَنُوطًا بِنَوْعِ اجْتِهَادٍ دَقِيقٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لآِحَادِ الرَّعِيَّةِ.

50- أَمَّا الشِّقُّ الْآخَرُ وَهُوَ الضَّمَانُ فِي تَلَفِ النُّفُوسِ بِسَبَبِ مَا يَقُومُ بِهِ الْمُحْتَسِبُ، فَإِنَّ لِلْفُقَهَاءِ أَقْوَالًا فِي ذَلِكَ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنَ التَّعْزِيرِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ، فَلَمْ يُضْمَنْ مَنْ تَلِفَ بِهَا كَالْحَدِّ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ، فَصَارَ كَأَنَّ اللَّهَ أَمَاتَهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: فَإِنْ عَزَّرَ الْحَاكِمُ أَحَدًا فَمَاتَ أَوْ سَرَى ذَلِكَ إِلَى النَّفْسِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَلِكَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ، وَفِي عُيُونِ الْمَجَالِسِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ إِذَا عَزَّرَ الْإِمَامُ إِنْسَانًا فَمَاتَ فِي التَّعْزِيرِ لَمْ يَضْمَنَ الْإِمَامُ شَيْئًا لَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً.

وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ فُقَهَائِهِمْ إِلَى أَنَّ عَدَمَ الضَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِيهَا ضَمِنَ مَا سَرَى عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ السَّلَامَةِ فَالْقِصَاصُ.

وَالشَّافِعِيُّ يَرَى التَّضْمِينَ فِي التَّعْزِيرِ إِذَا حَصَلَ بِهِ هَلَاكٌ، لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلَا يُعْفَى مِنَ التَّعْزِيرِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بِنَحْوِ تَوْبِيخٍ بِكَلَامٍ وَصَفْعٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ عَزَّرَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ، وَلَا عَلَى مَنْ عَزَّرَهُ مُمْتَنِعًا مِنْ أَدَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّى إِلَى قَتْلِهِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ بَعْدَ طَلَبِ مُسْتَحِقِّهِ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ وَإِنْ زَادَ عَلَى التَّعْزِيرِ بَلْ وَإِنْ أَدَّى إِلَى مَوْتِهِ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ.وَلَا يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ قَصَدَ قَتْلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (تَعْزِيرٌ، حُدُودٌ، ضَمَانٌ).

مِقْدَارُ الضَّمَانِ وَعَلَى مَنْ يَجِبُ:

51- وَحَيْثُ قِيلَ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ:

الْأَوَّلُ: لُزُومُ كَامِلِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَعُدْوَانِ الضَّارِبِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْعَادِي، كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا سَوْطًا فَمَاتَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ تَلَفٌ بِعُدْوَانٍ وَغَيْرِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَى عَلَى سَفِينَةٍ مُوقَرَةٍ حَجَرًا فَغَرَّقَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَالثَّانِي: عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ تَلَفٌ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: يَجِبُ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى بِهِ.

عَلَى مَنْ يَجِبُ الضَّمَانُ:

52- فِي غَيْرِ حَالَاتِ التَّعَمُّدِ وَالتَّعَدِّي إِذَا قُلْنَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ فَهَلْ يَلْزَمُ عَاقِلَتَهُ أَوْ بَيْتَ الْمَالِ؟ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: هُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ خَطَأَهُ يَكْثُرُ فَلَوْ وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَجْحَفَ بِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَالثَّانِيَةُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِخَطَئِهِ فَكَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَقَتَلَ آدَمِيًّا.وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


41-موسوعة الفقه الكويتية (رشوة)

رِشْوَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.

قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ- بِالْكَسْرِ-: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ

- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ

- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا- وَتَرَشَّاهُ: لَايَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ

- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً

- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.

- وَالْمُرْتَشِي: الْآخِذُ

- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.

وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.

قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لَا؟.

وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الْأَبَاطِيلَ.

وَالرِّشْوَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يُعْطَى لِإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لِإِحْقَاقِ بَاطِلٍ.

وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لِإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْمُصَانَعَةُ:

2- الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.

ب- السُّحْتُ- بِضَمِّ السِّينِ:

3- أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ- بِفَتْحِ السِّينِ- وَهُوَ الْإِهْلَاكُ وَالِاسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.

وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا.وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ.

لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لِأَنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ.

ج- الْهَدِيَّةُ:

4- مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى- وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ-

يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ}.

قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.

وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.

د- الْهِبَةُ:

5- الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلَا عِوَضٍ.

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الْأَعْوَاضِ وَالْأَغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.

وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.

وَاصْطِلَاحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلَا عِوَضٍ.وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالًا لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.

و- الصَّدَقَةُ:

6- مَا يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الْأَصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.

أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:

7- الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».

وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ- عِنْدَ الْجُمْهُورِ- أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الْإِثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.

وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالْأَجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلَا تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ- لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ- عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.

فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْأَثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ.وَقَالَ: إِنَّ الْإِثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.

وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.

أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:

8- قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:

أ- الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي.

ب- ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.

ج- أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ فَقَطْ.

د- إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالًا لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الْإِنْسَانِ لِلْآخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:

أ- الْإِمَامُ وَالْوُلَاةُ:

9- قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الْأَكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الْأَمْوَالِ- وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ-.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.

«وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ» وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لَا لِوِلَايَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلَايَتِنَا.

يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).

ب- الْعُمَّالُ:

10- وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلَاةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الْإِمَامِ- كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ».وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعَزُّزَ الْأَمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لَا بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلَافِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؛ لِأَنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لَا بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لَا لِلْمُسْلِمِينَ.

ج- الْقَاضِي:

11- وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.

وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).

د- الْمُفْتِي:

12- يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لَا، فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.

هـ- الْمُدَرِّسُ:

13- إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلَاحِهِ فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالْأَوْلَى عَدَمُ الْأَخْذِ.

و- الشَّاهِدُ:

14- وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ.وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:

أ- الْحَاجُّ:

15- لَا يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ.قَالَ الْإِمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.

ب- صَاحِبُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:

16- يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.

ج- الْقَاضِي:

17- مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ- رحمه الله-: لَوْ بَذَلَ مَالًا لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْأَوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ.

حُكْمُ الْقَاضِي:

18- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.

وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.

قَالَ مُنْلَا خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

1- فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لَا يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلَايَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.

2- وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالِاسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.

3- وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا.وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.

انْعِزَالُ الْقَاضِي:

19- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ- فِي الْمُعْتَمَدِ- وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمَذْهَبُ الْآخَرِينَ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.

أَثَرُ الرِّشْوَةِ:

أ- فِي التَّعْزِيرِ:

20- هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.

انْظُرْ: تَعْزِير.

ب- دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:

21- لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.

ج- فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:

22- صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلَاحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.

د- الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:

23- إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


42-موسوعة الفقه الكويتية (رفع الحرج)

رَفْعُ الْحَرَجِ

التَّعْرِيفُ-

رَفْعُ الْحَرَجِ: مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ، تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ لَفْظِيَّةٍ، فَالرَّفْعُ لُغَةً: نَقِيضُ الْخَفْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالتَّبْلِيغُ، وَالْحَمْلُ، وَتَقْرِيبُكَ الشَّيْءَ، وَالْأَصْلُ فِي مَادَّةِ الرَّفْعِ الْعُلُوُّ، يُقَالُ: ارْتَفَعَ الشَّيْءُ ارْتِفَاعًا إِذَا عَلَا، وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْإِزَالَةِ.يُقَالُ: رُفِعَ الشَّيْءُ: إِذَا أُزِيلَ عَنْ مَوْضِعِهِ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: الرَّفْعُ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ، وَفِي الْمَعَانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» وَالْقَلَمُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا تَكْلِيفَ، فَلَا مُؤَاخَذَةَ.

وَالْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ: الْمَكَانُ الضَّيِّقُ الْكَثِيرُ الشَّجَرِ، وَالضِّيقُ وَالْإِثْمُ، وَالْحَرَامُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الضِّيقُ.قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْحَرَجُ فِي الْأَصْلِ: الضِّيقُ، وَيَقَعُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْحَرَامِ.

تَقُولُ رَجُلٌ حَرِجٌ وَحَرَجٌ إِذَا كَانَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ.وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ أَضْيَقُ الضِّيقِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ضَيِّقٌ جِدًّا.

فَرَفْعُ الْحَرَجِ فِي اللُّغَةِ: إِزَالَةُ الضِّيقِ، وَنَفْيُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ.ثُمَّ إِنَّ مَعْنَى الرَّفْعِ فِي الِاصْطِلَاحِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.

وَالْحَرَجُ فِي الِاصْطِلَاحِ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضِيقٌ فَوْقَ الْمُعْتَادِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.وَرَفْعُ الْحَرَجِ: إِزَالَةُ مَا فِي التَّكْلِيفِ الشَّاقِّ مِنَ الْمَشَقَّةِ بِرَفْعِ التَّكْلِيفِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ بِتَخْفِيفِهِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ، أَوْ بِأَنْ يُجْعَلَ لَهُ مَخْرَجٌ، كَمَا سَبَقَ فِي الْمَوْسُوعَةِ فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِير).

فَالْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ مُتَرَادِفَانِ، وَرَفْعُ الْحَرَجِ لَا يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الشِّدَّةِ خِلَافًا لِلتَّيْسِيرِ.وَالْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ قَدْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا «دَفْعَ الْحَرَجِ» «وَنَفْيَ الْحَرَجِ».

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّيْسِيرُ:

2- التَّيْسِيرُ: السُّهُولَةُ وَالسِّعَةُ، وَهُوَ مَصْدَرُ يَسَّرَ، وَالْيُسْرُ ضِدُّ الْعُسْرِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ» أَيْ أَنَّهُ سَهْلٌ سَمْحٌ قَلِيلُ التَّشْدِيدِ، وَالتَّيْسِيرُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ قَوْلُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}.وَقَوْلُهُ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.

وَلَا يَخْرُجُ مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ التَّيْسِيرِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ أَنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ لَا يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ شِدَّةٍ.

ب- الرُّخْصَةُ:

3- الرُّخْصَةُ: التَّسْهِيلُ فِي الْأَمْرِ وَالتَّيْسِيرُ، يُقَالُ: رَخَّصَ الشَّرْعُ لَنَا فِي كَذَا تَرْخِيصًا وَأَرْخَصَ إِرْخَاصًا إِذَا يَسَّرَهُ وَسَهَّلَهُ.وَرَخَّصَ لَهُ فِي الْأَمْرِ: أَذِنَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَتَرْخِيصُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي أَشْيَاءَ: تَخْفِيفُهَا عَنْهُ، وَالرُّخْصَةُ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ خِلَافُ التَّشْدِيدِ.

فَالرُّخْصَةُ فُسْحَةٌ فِي مُقَابَلَةِ التَّضْيِيقِ وَالْحَرَجِ.

ج- الضَّرَرُ:

4- الضَّرَرُ فِي اللُّغَةِ ضِدُّ النَّفْعِ، وَهُوَ النُّقْصَانُ يَدْخُلُ فِي الشَّيْءِ فَالضَّرَرُ قَدْ يَكُونُ أَثَرًا مِنْ آثَارِ عَدَمِ رَفْعِ الْحَرَجِ.

رَفْعُ الْحَرَجِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ:

5- رَفْعُ الْحَرَجِ مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَأَصْلٌ مِنْ أُصُولِهَا، فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى التَّكْلِيفِ بِالشَّاقِّ وَالْإِعْنَاتِ فِيهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ.

فَمِنَ الْكِتَابِ قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وقوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.

وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ».وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا».

وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الْحَرَجِ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ وَاقِعًا لَحَصَلَ فِي الشَّرِيعَةِ التَّنَاقُضُ وَالِاخْتِلَافُ، وَذَلِكَ مَنْفِيٌّ عَنْهَا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ وَضْعُ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَصْدِ الْإِعْنَاتِ وَالْمَشَقَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى قَصْدِ الرِّفْقِ وَالتَّيْسِيرِ، كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضًا وَاخْتِلَافًا، وَهِيَ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ مَا ثَبَتَ أَيْضًا مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الرُّخَصِ، وَهُوَ أَمْرٌ مُتَطَوَّعٌ بِهِ، وَمِمَّا عُلِمَ مِنْ دِينِ الْأُمَّةِ بِالضَّرُورَةِ، كَرُخَصِ الْقَصْرِ، وَالْفِطْرِ، وَالْجَمْعِ، وَتَنَاوُلِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الِاضْطِرَارِ.فَإِنَّ هَذَا نَمَطٌ يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى مُطْلَقِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ.

وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ فِي الِانْقِطَاعِ عَنْ دَوَامِ الْأَعْمَالِ.وَلَوْ كَانَ الشَّارِعُ قَاصِدًا لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّكْلِيفِ لَمَا كَانَ ثَمَّ تَرْخِيصٌ وَلَا تَخْفِيفٌ؛

وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِقُصُورِ الْبَدَنِ، أَوْ لِقُصُورِهِ وَقُصُورِ الْعَقْلِ، وَلَا عَلَى الْمَعْتُوهِ الْبَالِغِ لِقُصُورِ الْعَقْلِ.وَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّلَاةِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَانْتَفَى الْإِثْمُ فِي خَطَأِ الْمُجْتَهِدِ، وَكَذَا فِي النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ.

قَالَ الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَلَغَتْ مَبْلَغَ الْقَطْعِ.

أَقْسَامُ الْحَرَجِ:

يَنْقَسِمُ الْحَرَجُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

6- الْأَوَّلِ: حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ مَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ مُعَيَّنٌ وَاقِعٌ، أَوْ مَا تَحَقَّقَ بِوُجُودِهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ كَحَرَجِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ.

الثَّانِي: تَوَهُّمِيٌّ، وَهُوَ مَا لَمْ يُوجَدِ السَّبَبُ الْمُرَخِّصُ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ تَكُنْ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ عَلَى وَجْهٍ مُحَقَّقٍ.

وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ بِالرَّفْعِ وَالتَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تُبْنَى عَلَى الْأَوْهَامِ، وَالْحَرَجُ الْحَقِيقِيُّ يَنْقَسِمُ مِنْ حَيْثُ وَقْتِ تَحَقُّقِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الْأَوَّلُ: الْحَرَجُ الْحَالِيُّ: وَهُوَ مَا كَانَتْ مَشَقَّتُهُ مُتَحَقِّقَةً فِي الْحَالِ، كَالشُّرُوعِ فِي عِبَادَةٍ شَاقَّةٍ فِي نَفْسِهَا، وَكَالْحَرَجِ الْحَاصِلِ لِلْمَرِيضِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، أَوِ الْحَاصِلِ لِغَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ عَلَى الْحَجِّ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ بِنَفْسِهِ إِنْ مَنَعْنَاهُ مِنَ الِاسْتِنَابَةِ.

الثَّانِي: الْحَرَجُ الْمَالِيُّ: وَهُوَ مَا يَلْحَقُ الْمُكَلَّفَ بِسَبَبِ الدَّوَامِ عَلَى فِعْلٍ لَا حَرَجَ مِنْهُ.كَمَا كَانَ مِنْ شَأْنِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ: كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ، وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَإِمَّا ذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ، قَالَ: فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.قَالَ: فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا.قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا.قَالَ: وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ.قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا.قَالَ: فَشَدَّدْتُ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمُرٌ.قَالَ: فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لِيَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-.فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ».

قَالَ الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ دُخُولَ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمَهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الدَّوَامِ أَوْ غَيْرِهِ لَيْسَ أَمْرًا مُنْضَبِطًا بَلْ هُوَ إِضَافِيٌّ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي قُوَّةِ أَجْسَامِهِمْ أَوْ فِي قُوَّةِ عَزَائِمِهِمْ، أَوْ فِي قُوَّةِ يَقِينِهِمْ.

وَيَنْقَسِمُ الْحَرَجُ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةُ عَلَى الِانْفِكَاكِ وَعَدَمِهِ إِلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ.

فَالْحَرَجُ الْعَامُّ هُوَ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ فِي الِانْفِكَاكِ عَنْهُ غَالِبًا كَالتَّغَيُّرِ اللاَّحِقِ لِلْمَاءِ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، كَالتُّرَابِ وَالطُّحْلُبِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.

وَالْحَرَجُ الْخَاصُّ هُوَ مَا كَانَ فِي قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ غَالِبًا، كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالْخَلِّ وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ.

7- هَذَا تَقْسِيمُ الشَّاطِبِيِّ، وَهُنَاكَ مَنْ يُقَسِّمُ الْحَرَجَ إِلَى عَامٍّ وَخَاصٍّ مِنْ حَيْثُ شُمُولِ الْحَرَجِ وَعَدَمِهِ.فَالْعَامُّ مَا كَانَ عَامًّا لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، وَالْخَاصُّ مَا كَانَ بِبَعْضِ الْأَقْطَارِ، أَوْ بَعْضِ الْأَزْمَانِ، أَوْ بَعْضِ النَّاسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا كَانَ الْحَرَجُ فِي نَازِلَةٍ عَامَّةٍ فِي النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَإِذَا كَانَ خَاصًّا لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَنَا، وَفِي بَعْضِ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ.

كَمَا يُمْكِنُ تَقْسِيمُ الْحَرَجِ إِلَى بَدَنِيٍّ وَنَفْسِيٍّ.

فَالْبَدَنِيُّ: مَا كَانَ أَثَرُهُ وَاقِعًا عَلَى الْبَدَنِ كَوُضُوءِ الْمَرِيضِ الَّذِي يَضُرُّهُ الْمَاءُ، وَصَوْمِ الْمَرِيضِ، وَكَبِيرِ السِّنِّ، وَتَرْكِ الْمُضْطَرِّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ.

وَالنَّفْسِيُّ: مَا كَانَ أَثَرُهُ وَاقِعًا عَلَى النَّفْسِ، كَالْأَلَمِ وَالضِّيقِ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ أَوْ ذَنْبٍ صَدَرَ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} إِنَّمَا ذَلِكَ سِعَةُ الْإِسْلَامِ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ.

شُرُوطُ الْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ:

8- لَيْسَ كُلُّ حَرَجٍ مَرْفُوعًا.بَلْ هُنَاكَ شُرُوطٌ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا لِاعْتِبَارِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَهِيَ:

(1) أَنْ يَكُونَ الْحَرَجُ حَقِيقِيًّا، وَهُوَ مَا لَهُ سَبَبٌ مُعَيَّنٌ وَاقِعٌ، كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، أَوْ مَا تَحَقَّقَ بِوُجُودِهِ مَشَقَّةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ.وَمِنْ ثَمَّ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْحَرَجِ التَّوَهُّمِيِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُوجَدِ السَّبَبُ الْمُرَخِّصُ لِأَجْلِهِ، إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُبْنَى حُكْمٌ عَلَى سَبَبٍ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، كَمَا أَنَّ الظُّنُونَ وَالتَّقْدِيرَاتِ غَيْرِ الْمُحَقَّقَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى قِسْمِ التَّوَهُّمَاتِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ.وَكَذَلِكَ أَهْوَاءُ النَّاسِ، فَإِنَّهَا تُقَدِّرُ أَشْيَاءَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا.فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ حِينَئِذٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوَهُّمَ غَيْرُ صَادِقٍ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.

(2) أَنْ لَا يُعَارِضَ نَصًّا.فَالْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ، وَأَمَّا فِي حَالِ مُخَالَفَةِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِمَا.

وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يَأْتِي فِي تَعَارُضِ رَفْعِ الْحَرَجِ مَعَ النَّصِّ.

(3) أَنْ يَكُونَ عَامًّا.قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا كَانَ الْحَرَجُ فِي نَازِلَةٍ عَامَّةٍ فِي النَّاسِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَإِذَا كَانَ خَاصًّا لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَنَا، وَفِي بَعْضِ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ، وَذَلِكَ يُعْرَضُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

وَقَدْ فَسَّرَ الشَّاطِبِيُّ الْحَرَجَ الْعَامَّ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ، كَالتَّغَيُّرِ اللاَّحِقِ لِلْمَاءِ بِالتُّرَابِ وَالطُّحْلُبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، وَالْخَاصُّ هُوَ مَا يَطَّرِدُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ كَتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِالْخَلِّ وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ.

أَسْبَابُ رَفْعِ الْحَرَجِ:

9- أَسْبَابُ رَفْعِ الْحَرَجِ هِيَ السَّفَرُ، وَالْمَرَضُ، وَالْإِكْرَاهُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالْجَهْلُ، وَالْعُسْرُ، وَعُمُومُ الْبَلْوَى، وَالنَّقْصُ، وَتَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِير).

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُخَصُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ:

مِنْهَا: مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ قَطْعًا وَهُوَ الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ، وَالْمَسْحُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

وَمِنْهَا: مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ قَطْعًا، وَهُوَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ.

وَمِنْهَا: مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَهُوَ الْجَمْعُ.

وَمِنْهَا: مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَهُوَ التَّنَفُّلُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ.

وَاسْتَدْرَكَ ابْنُ الْوَكِيلِ رُخْصَةً تَاسِعَةً، صَرَّحَ بِهَا الْغَزَالِيُّ وَهِيَ:

مَا إِذَا كَانَ لَهُ نِسْوَةٌ وَأَرَادَ السَّفَرَ، فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ، وَيَأْخُذُ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِضَرَّاتِهَا إِذَا رَجَعَ. (ر: تَيْسِير).

كَيْفِيَّةُ رَفْعِ الْحَرَجِ:

رَفْعُ الْحَرَجِ ابْتِدَاءً:

10- لَا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِمَا فِيهِ الْحَرَجُ ابْتِدَاءً فَضْلًا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَلَا عَلَى الْمَعْتُوهِ الْبَالِغِ، وَلَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّلَاةِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.كَمَا أَنَّ هُنَاكَ الْكَثِيرَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالتَّشْرِيعَاتِ الَّتِي جَاءَتْ ابْتِدَاءً لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَنِ النَّاسِ، وَلَوْلَاهَا لَوَقَعَ النَّاسُ فِيهِمَا.وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ الْخِيَارِ، إِذْ إِنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ تَرَوٍّ وَيَحْصُلُ فِيهِ النَّدَمُ فَيَشُقُّ عَلَى الْعَاقِدِ، فَسَهَّلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِجَوَازِ الْفَسْخِ فِي مَجْلِسِهِ وَمِنْهَا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالتَّحَالُفُ وَالْإِقَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ وَالْإِبْرَاءُ وَالْقَرْضُ وَالشَّرِكَةُ وَالصُّلْحُ وَالْحَجْرُ وَالْوَكَالَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَنْتَفِعُ إِلاَّ بِمَا هُوَ مِلْكُهُ، وَلَا يَسْتَوْفِي إِلاَّ مِمَّنْ عَلَيْهِ حَقُّهُ، وَلَا يَأْخُذُهُ إِلاَّ بِكَمَالِهِ، وَلَا يَتَعَاطَى أُمُورَهُ إِلاَّ بِنَفْسِهِ، فَسَهُلَ الْأَمْرُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ، وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَكَالَةً وَإِيدَاعًا وَشَرِكَةً وَمُضَارَبَةً وَمُسَاقَاةً، وَبِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ حَوَالَةً، وَبِالتَّوْثِيقِ عَلَى الدَّيْنِ بِرَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَضَمَانٍ وَحَجْرٍ، وَبِإِسْقَاطِ بَعْضِ الدَّيْنِ صُلْحًا أَوْ كُلِّهِ إِبْرَاءً.

وَمِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الَّتِي جَاءَتْ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ أَيْضًا جَوَازُ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ؛ لِأَنَّ لُزُومَهَا شَاقٌّ فَتَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ تَعَاطِيهَا، وَمِنْهَا لُزُومُ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، وَإِلاَّ لَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْعٌ وَلَا غَيْرُهُ.

وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ الطَّلَاقِ لِمَا فِي الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ عِنْدَ التَّنَافُرِ، وَكَذَا مَشْرُوعِيَّةُ الْخُلْعِ وَالِافْتِدَاءِ وَالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يُشْرَعْ دَائِمًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ.

رَفْعُ الْحَرَجِ عِنْدَ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ:

11- قَدْ يَأْتِي الْحَرَجُ وَالْمَشَقَّةُ فِي التَّكَالِيفِ مِنْ أَسْبَابٍ خَارِجِيَّةٍ، إِذْ إِنَّ نَفْسَ التَّكْلِيفِ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ بَلْ فِيهِ كُلْفَةٌ أَيْ مَشَقَّةٌ مُعْتَادَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِي الْحَرَجُ بِسَبَبِ اقْتِرَانِ التَّكْلِيفِ بِأُمُورٍ أُخْرَى كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَلِلشَّارِعِ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنَ التَّخْفِيفَاتِ تُنَاسِبُ تِلْكَ الْمَشَاقَّ وَتَكُونُ تِلْكَ التَّخْفِيفَاتُ بِالْإِسْقَاطِ أَوِ التَّنْقِيصِ أَوِ الْإِبْدَالِ أَوِ التَّقْدِيمِ أَوِ التَّأْخِيرِ أَوِ التَّرْخِيصِ أَوِ التَّغْيِيرِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (رُخْصَة) وَمُصْطَلَحِ (تَيْسِير).

تَعَارُضُ رَفْعِ الْحَرَجِ مَعَ النَّصِّ:

12- النَّصُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا، وَالظَّنِّيُّ إِمَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ أَصْلٌ قَطْعِيٌّ أَوْ لَا.وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَرَجِ الْمُعَارِضِ لِلنَّصِّ الْقَطْعِيِّ، وَكَذَا الظَّنِّيُّ الرَّاجِعُ إِلَى أَصْلٍ قَطْعِيٍّ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ الْأَخْذُ بِالنَّصِّ وَتَرْكُ الْحَرَجِ.

ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الظَّنِّيِّ الْمُعَارِضِ لِأَصْلٍ قَطْعِيٍّ كَرَفْعِ الْحَرَجِ، وَلَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ قَطْعِيٌّ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بِالنَّصِّ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَرَجِ، قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْأَشْبَاهِ: الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ، وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ فَلَا، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: بِحُرْمَةِ رَعْيِ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعِهِ إِلاَّ الْإِذْخِرَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ..

لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا».

قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْبَلْوَى فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ بِخِلَافِهِ، فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالرَّعْيِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْحَرَمَ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ يَكُونُونَ عَلَى الدَّوَابِّ وَلَا يُمْكِنُهُمْ مَنْعُ الدَّوَابِّ مِنْ رَعْيِ الْحَشِيشِ فَفِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى فَيُرَخَّصُ فِيهِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ.

وَنَقَلَ الشَّاطِبِيُّ عَنِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَوْلَهُ: إِذَا جَاءَ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُعَارِضًا لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ هَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ، وَتَرَدَّدَ مَالِكٌ فِي الْمَسْأَلَةِ.قَالَ: وَمَشْهُورُ قَوْلِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنْ عَضَّدَتْهُ قَاعِدَةٌ أُخْرَى قَالَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ تَرَكَهُ.قَالَ الشَّاطِبِيُّ: وَلَقَدِ اعْتَمَدَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لِصِحَّتِهِ فِي الِاعْتِبَارِ، كَإِنْكَارِهِ لِحَدِيثِ إِكْفَاءِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَتْ مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، تَعْوِيلًا عَلَى أَصْلِ رَفْعِ الْحَرَجِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، فَأَجَازَ أَكْلَ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَسْمِ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا يَرْجِعُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ.

حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ: وَلَيْسَ لِهَذَا عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْرُوفٌ وَلَا أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ مَجْهُولُ الْمُدَّةِ، وَلَوْ شَرَطَ أَحَدٌ الْخِيَارَ مُدَّةً مَجْهُولَةً لَبَطَلَ إِجْمَاعًا، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ حُكْمٌ لَا يَجُوزُ شَرْطًا بِالشَّرْعِ؟ فَقَدْ رَجَعَ إِلَى أَصْلٍ إِجْمَاعِيٍّ، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَاعِدَةَ الضَّرَرِ وَالْجَهَالَةِ قَطْعِيَّةٌ، وَهِيَ تُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ الظَّنِّيَّ.

قَوَاعِدُ الْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُرَاعَى فِيهَا رَفْعُ الْحَرَجِ:

13- لَمَّا كَانَ رَفْعُ الْحَرَجِ مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَأَصْلًا مِنْ أُصُولِهَا، فَقَدْ ظَهَرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ.

فَمِنَ الْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ الْمُرَاعَى فِيهَا رَفْعُ الْحَرَجِ الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ.قَالَ الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ حَاصِلَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ يَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ، وَرَفْعِ حَرَجٍ لَازِمٍ فِي الدِّينِ.

وَكَذَا الِاسْتِحْسَانُ، قَالَ السَّرْخَسِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ: الِاسْتِحْسَانُ تَرْكُ الْقِيَاسِ وَالْأَخْذُ بِمَا هُوَ أَوْفَقُ لِلنَّاسِ، وَقِيلَ: الِاسْتِحْسَانُ طَلَبُ السُّهُولَةِ فِي الْأَحْكَامِ فِيمَا يُبْتَلَى فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَقِيلَ: الْأَخْذُ بِالسِّعَةِ وَابْتِغَاءُ الدَّعَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُ تَرْكُ الْعُسْرِ لِلْيُسْرِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.«وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ- رضي الله عنهما- حِينَ وَجَّهَهُمَا إِلَى الْيَمَنِ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا».

وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَاعِدَةُ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ.وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ.وَبِمَعْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ.قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: وُضِعَتِ الْأَشْيَاءُ فِي الْأُصُولِ عَلَى أَنَّهَا إِذَا ضَاقَتِ اتَّسَعَتْ، وَإِذَا اتَّسَعَتْ ضَاقَتْ.

وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الرُّخَصُ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَنَفْيِهِ عَنِ الْأُمَّةِ.

وَكَذَا قَاعِدَةُ الضَّرَرُ يُزَالُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ قَوَاعِدَ، كَالضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَالْحَاجَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ.

وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَنْفِي الْحَرَجَ النَّفْسِيَّ لَدَى الْمُذْنِبِ التَّوْبَةُ، وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالْكَفَّارَاتُ بِأَنْوَاعِهَا الْمُخْتَلِفَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- فِي قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} إِنَّمَا ذَلِكَ سِعَةُ الْإِسْلَامِ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَالْكَفَّارَاتِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


43-موسوعة الفقه الكويتية (زكاة 9)

زَكَاة -9

مَا يَنْبَغِي لِمُخْرِجِ الزَّكَاةِ مُرَاعَاتُهُ فِي الْإِخْرَاجِ:

133- أ- يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَكِّي إِخْرَاجُ الْجَيِّدِ مِنْ مَالِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّهِ الْوَسَطُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَاتَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} وَقَوْلِهِ: {لَنْتَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}.

134- ب- إِظْهَارُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَإِعْلَانُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ صَدَقَةَ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفْضُلُ عَلَانِيَتَهَا، يُقَالُ: بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَجَعَلَ صَدَقَةَ الْفَرِيضَةِ عَلَانِيَتَهَا أَفْضَلَ مِنْ سِرِّهَا، يُقَالُ: بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ إِظْهَارَ الْوَاجِبِ أَفْضَلُ.ا هـ.وَأَمَّا قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُواالصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} فَهُوَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، نَظِيرُهَا الصَّلَاةُ، تَطَوُّعُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ، وَفَرِيضَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ.

135- ج- الْحَذَرُ مِنَ الْمَنِّ وَالرِّيَاءِ وَالْأَذَى، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُحَرَّمَةٌ فِي كُلِّ مَا يُخْرَجُ مِنَ الْمَالِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُحْبِطُ الْأَجْرَ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُواصَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}.وَمِنْ هُنَا اسْتَحَبَّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْمُزَكِّي أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يُخْرِجُهَا خَوْفَ قَصْدِ الْمَحْمَدَةِ.

ج- اخْتِيَارُ الْمُزَكِّي مَنْ يُعْطِيهِ الزَّكَاةَ:

136- إِعْطَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ الزَّكَاةَ لَيْسَ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْفَضْلِ، بَلْ يَتَمَايَزُ.

فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُزَكِّي إِيثَارُ الْمُضْطَرِّ أَيِ الْمُحْتَاجِ، عَلَى غَيْرِهِ، بِأَنْ يُزَادَ فِي إِعْطَائِهِ مِنْهَا دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ.

د- أَنْ لَا يُخْبِرَ الْمُزَكِّي الْفَقِيرَ أَنَّهَا زَكَاةٌ:

137- قِيلَ لِأَحْمَدَ: يَدْفَعُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ إِلَى الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: هَذَا مِنَ الزَّكَاةِ، أَوْ يَسْكُتُ؟ قَالَ: وَلِمَ يُبَكِّتْهُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ، مَا حَاجَتُهُ إِلَى أَنْ يُقَرِّعَهُ؟ وَهَذَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَبِهِ صَرَّحَ اللَّقَانِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ الْفَقِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ شَيْئًا، كَالْهِبَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إِذَا دَفَعَهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ زَكَاةٌ، وَلَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ أَصْلًا فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ وَتَقَعُ زَكَاةً.لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ أَعْطَاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ فَبَانَ الْآخِذُ غَنِيًّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.

التَّوْكِيلُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ:

138- يَجُوزُ لِلْمُزَكِّي أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ، سَوَاءٌ فِي إِيصَالِهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، أَوْ فِي أَدَائِهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّ، سَوَاءٌ عَيَّنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِقَّ أَوْ فَوَّضَ تَعْيِينَهُ إِلَى الْوَكِيلِ.

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ إِخْرَاجَ الْمُزَكِّي الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْثَقُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: التَّوْكِيلُ أَفْضَلُ خَشْيَةَ قَصْدِ الْمَحْمَدَةِ، وَيَجِبُ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ الْقَصْدَ، أَوْ يَجْهَلُ الْمُسْتَحِقِّينَ.قَالُوا: وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ صَرْفُهَا لِقَرِيبِ الْمُزَكِّي الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ كُرِهَ.

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْوَكِيلُ بَالِغًا عَاقِلًا، جَازَ التَّفْوِيضُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ، إِلاَّ إِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَعَيَّنَ لَهُ مَنْ يُعْطِيهِ الْمَالَ.

تَلَفُ الْمَالِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ:

139- مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يُخْرِجْهَا ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، أَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُزَكِّي فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ تَلِفَ الْمَالُ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنَ النِّصَابِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ هَلَاكُهُ بَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي فَقِيلَ: يَضْمَنُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ.

قَالُوا: وَإِذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَالِ يَسْقُطُ مِنَ الزَّكَاةِ بِقَدْرِهِ أَيْ بِنِسْبَةِ مَا هَلَكَ.

وَقَالُوا: إِنْ تَلِفَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ مَا كَانَ بِهِ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ قَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ بِلَا تَفْرِيطٍ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْأَدَاءُ وَفَرَّطَ ضَمِنَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ ضَيَاعُهُ بِتَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ كُلِّ الْمَالِ، وَكَذَا إِنْ فَرَّطَ فِي الْإِخْرَاجِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ، بِأَنْ وَجَدَ الْمُسْتَحِقَّ، سَوَاءٌ طَلَبَ الزَّكَاةَ أَمْ لَمْ يَطْلُبْهَا، لِتَقْصِيرِهِ بِحَبْسِ الْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ.ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَّطَ زَكَّى الْبَاقِيَ فَقَطْ بِقِسْطِهِ، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ، فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ فَتَلِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي الْبَاقِي 5/ 4 شَاةٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ كُلِّ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ ضَاعَ كُلُّهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَسْقُطُ إِلاَّ بِالْأَدَاءِ، لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَمَنْ مَعَهُمْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ.

تَلَفُ الزَّكَاةِ بَعْدَ عَزْلِهَا:

140- لَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ وَنَوَى أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ فَتَلِفَتْ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ صُورَةَ مَا لَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ الْمَالُ وَبَقِيَتِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: جَمْعُ الْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ لِلزَّكَاةِ:

141- لِلْإِمَامِ حَقُّ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ (عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ يَأْتِي بَيَانُهُ).وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْخَلِيفَتَانِ بَعْدَهُ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ مِنْ كُلِّ الْأَمْوَالِ، إِلَى أَنْ فَوَّضَ عُثْمَانُ- رضي الله عنه- فِي خِلَافَتِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إِلَى مُلاَّكِهَا، كَمَا يَأْتِي.

وَدَلِيلُ ذَلِكَ قوله تعالى لِنَبِيِّهِ- صلى الله عليه وسلم-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه-: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ.

وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ، وَلِأَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَمْلِكُ الْمَالَ وَلَا يَعْرِفُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْخَلُ.وَالْوُجُوبُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْمَالِكِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}.

وَاَلَّذِينَ رَخَّصُوا لِلْإِمَامِ فِي عَدَمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ أَوْ مِنْ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، إِنَّمَا هُوَ إِذَا عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ أَخْرَجُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّ إِنْسَانًا مِنَ النَّاسِ أَوْ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لَا يُخْرِجُونَ الزَّكَاةَ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُمْ وَلَوْ قَهْرًا، كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لِحِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ هَدْمٌ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ.

حُكْمُ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ:

142- الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ هُنَا مَنْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ بِحَقِّهَا، وَيُعْطِيهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، وَلَوْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ.

وَمَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ جَازَ، وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ اتِّفَاقًا.

وَلَوْ كَانَ بِإِمْكَانِهِ دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ وَتَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ الزُّرُوعُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْمَعَادِنِ، وَنَحْوِهَا، وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالتِّجَارَاتُ.

فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَيَجِبُ دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ طَالَبَهُمْ بِالزَّكَاةِ وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهَا، وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى هَذَا، فَلَيْسَ لِلْمُزَكِّي إِخْرَاجُهَا بِنَفْسِهِ، حَتَّى لَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا كَذَلِكَ لَمْ تُجْزِئْهُ.

وَلِأَنَّ مَا لِلْإِمَامِ قَبْضُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ.

وَأَمَّا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لِلْإِمَامِ طَلَبُهَا، وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِلْآيَةِ.وَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ- رضي الله عنه- أَنَّهُ فَوَّضَ إِلَى الْمُلاَّكِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ، فَهُمْ نُوَّابُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الْإِمَامِ أَصْلًا، وَلِهَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا.فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَطْلُبْهَا لَمْ يَجِبِ الدَّفْعُ إِلَيْهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ مُفَوَّضَةٌ لِأَرْبَابِهَا، فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُوصِلَهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ وَسَائِرِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِنَفْسِهِ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْجَدِيدُ الْمُعْتَمَدُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: إِلَى أَنَّ الدَّفْعَ إِلَى الْإِمَامِ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَلَى السَّوَاءِ، فَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ صَرْفُهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مُبَاشَرَةً، قِيَاسًا لِلظَّاهِرَةِ عَلَى الْبَاطِنَةِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِيصَالَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ الْجَائِزِ تَصَرُّفُهُ، فَيُجْزِئُهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إِلَى غَرِيمِهِ مُبَاشَرَةً، وَأَخْذُ الْإِمَامِ لَهَا إِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ.

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ: الصَّرْفُ إِلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحِقِّينَ، وَأَقْدَرُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ، وَبِهِ يَبْرَأُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

ثُمَّ قَالَ الْحَنَابِلَةُ: تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ، أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ إِيصَالٌ لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَيَسْلَمُ عَنْ خَطَرِ الْخِيَانَةِ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ عُمَّالِهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ مُبَاشَرَةَ تَفْرِيجِ كُرْبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَفِيهِ تَوْفِيرٌ لِأَجْرِ الْعِمَالَةِ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إِعْطَاءِ مَحَاوِيجِ أَقْرِبَائِهِ، وَذَوِي رَحِمِهِ، وَصِلَتِهِمْ بِهَا، إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي، لِئَلاَّ يَمْنَعَهُ الشُّحُّ مِنْ إِخْرَاجِهَا.

أَمَّا لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ الْعَادِلُ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، وَالْخِلَافُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ جَمْعَ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ لَا يُبِيحُ مَعْصِيَتَهُ فِي ذَلِكَ إِنْ طَلَبَهُ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ، وَأَمْرُ الْإِمَامِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَحُكْمِ الْقَاضِي، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ إِنْ طَلَبَهَا فَادَّعَى الْمَالِكُ إِخْرَاجَهَا لَمْ يُصَدَّقْ.

دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى الْأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ، وَإِلَى الْبُغَاةِ:

143- إِنْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْجَائِرُ الزَّكَاةَ قَهْرًا أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا.

وَكَذَا إِنْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ الْمُزَكِّيَ فَخَافَ الضَّرَرَ إِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَيْهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ، أَوْ عَلَى إِخْفَاءِ مَالِهِ، أَوْ إِنْكَارِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ:

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ حِينَئِذٍ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ دَافِعِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ وَالسَّلَاطِينُ الْجَائِرُونَ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَزَكَاةِ السَّوَائِمِ وَالزُّرُوعِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ، فَإِنْ صَرَفُوهُ فِي مَصَارِفِهِ الْمَشْرُوعَةِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْمُزَكِّي، وَإِلاَّ فَعَلَى الْمُزَكِّي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِعَادَةُ إِخْرَاجِهَا.وَفِي حَالَةِ كَوْنِ الْآخِذِ لَهَا الْبُغَاةَ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِهِمْ مِنَ الْبُغَاةِ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَيُفْتَى الْبُغَاةُ بِأَنْ يُعِيدُوا مَا أَخَذُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ.

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهَا إِلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ دَفَعَهَا إِلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ اخْتِيَارًا، فَدَفَعَهَا السُّلْطَانُ لِمُسْتَحِقِّهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَإِلاَّ لَمْ تُجْزِئْهُ.فَإِنْ طَلَبَهَا الْجَائِرُ فَعَلَى رَبِّهَا جَحْدُهَا وَالْهَرَبُ بِهَا مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ أَكْرَهَهُ جَازَ.

وَهَذَا إِنْ كَانَ جَائِرًا فِي أَخْذِهَا أَوْ صَرْفِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوِ الْبَاطِنَةِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ عَادِلًا فِيهَا وَجَائِرًا فِي غَيْرِهَا، فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِنْ طَلَبَ الْإِمَامُ الْجَائِرُ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ، فَصَرْفُهَا إِلَيْهِ أَفْضَلُ، وَكَذَا زَكَاةُ الْمَالِ الظَّاهِرِ سَوَاءٌ لَمْ يَطْلُبْهَا أَوْ طَلَبَهَا، وَفِي التُّحْفَةِ إِنْ طَلَبَهَا وَجَبَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ وَالْبُغَاةِ وَالْخَوَارِجِ إِذَا غَلَبُوا عَلَى الْبَلَدِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوِ الْبَاطِنَةِ.

وَيَبْرَأُ الْمُزَكِّي بِدَفْعِهَا إِلَيْهِمْ، سَوَاءٌ صَرَفَهَا الْإِمَامُ فِي مَصَارِفِهَا أَوْ لَا.وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ.

إِرْسَالُ الْجُبَاةِ وَالسُّعَاةِ لِجَمْعِ الزَّكَاةِ وَصَرْفِهَا:

144- يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَ السُّعَاةَ لِقَبْضِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا، وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يُوَلِّي الْعُمَّالَ ذَلِكَ وَيَبْعَثُهُمْ إِلَى أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ، فَقَدِ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- عَلَيْهَا»، وَوَرَدَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ.

وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يُرْسِلُونَ سُعَاتِهِمْ لِقَبْضِهَا.

وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاعِي مَا يَلِي:

1- أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، فَلَا يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهَا كَافِرًا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَفِيهَا تَعْظِيمٌ لِلْوَالِي.

2- وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا، أَيْ ثِقَةً مَأْمُونًا، لَا يَخُونُ وَلَا يَجُورُ فِي الْجَمْعِ، وَلَا يُحَابِي فِي الْقِسْمَةِ.

3- وَأَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي أُمُورِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يُؤْخَذُ وَمَا لَا يُؤْخَذُ، وَمُحْتَاجٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ وَقَائِعِ الزَّكَاةِ.

4- وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ الْكِفَايَةُ، وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْعَمَلِ وَضَبْطِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ.

5- وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ آلِ الْبَيْتِ، وَفِي هَذَا الشَّرْطِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

وَمَعْنَى اشْتِرَاطِهِ هُنَا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْأَخْذِ مِنْهَا مُقَابِلَ عَمَلِهِ فِيهَا، فَلَوْ عَمِلَ بِلَا أَجْرٍ أَوْ أُعْطِيَ أَجْرَهُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ، وَ (ر: آل، جِبَايَة).

وَالسُّعَاةُ عَلَى الزَّكَاةِ أَنْوَاعٌ فَمِنْهُمُ الْجَابِي: وَهُوَ الْقَابِضُ لِلزَّكَاةِ، وَالْمُفَرِّقُ: وَهُوَ الْقَاسِمُ، وَالْحَاشِرُ: وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ لِتُؤْخَذَ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ، وَالْكَاتِبُ لَهَا.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَامٌ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يُرْسِلُ السُّعَاةَ لِجَبْيِ الزَّكَاةِ فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ إِخْرَاجُهَا وَتَفْرِيقُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ فِيهَا وَالْإِمَامُ نَائِبٌ.

مَوْعِدُ إِرْسَالِ السُّعَاةِ:

145- الْأَمْوَالُ قِسْمَانِ: فَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يُشْتَرَطُ لِزَكَاتِهِ الْحَوْلُ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالْمَعَادِنِ، فَهَذَا يُرْسِلُ الْإِمَامُ سُعَاتَهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا، فَفِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ عِنْدَ إِدْرَاكِهَا بِحَيْثُ يَصِلُهُمْ وَقْتَ الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ.

وَهَذَا فِي غَيْرِ الْخَرْصِ، أَمَّا الْخَارِصُ فَيُرْسَلُ عِنْدَ بَدْءِ ظُهُورِ الصَّلَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: خَرْص).

وَمَا كَانَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالْمَوَاشِي: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ شَهْرًا مُعَيَّنًا مِنَ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فِيهِ السَّاعِيَ كُلَّ عَامٍ.

حُقُوقُ الْعَامِلِينَ عَلَى الزَّكَاةِ:

146- الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ حَقَّهُ مِنَ الزَّكَاةِ نَفْسِهَا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي السَّاعِي.

وَيَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، كَأَنْ يَكُونَ مِنْ آلِ الْبَيْتِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ، أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ غَالِبًا كَالرَّاعِي وَالْحَارِسِ وَالسَّائِقِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُعْطَى الرَّاعِي وَالْحَارِسُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الزَّكَاةِ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَامِلِينَ.

وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا غَيْرَ الْأَجْرِ الَّذِي يُعْطِيهِ إِيَّاهُ الْإِمَامُ، لِمَا فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ بِاسْمِ الْهَدِيَّةِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهُ وَيَسْتَأْثِرَ بِهِ، لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي.قَالَ: فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ- أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ- ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ- اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، ثَلَاثًا».

دُعَاءُ السَّاعِي لِلْمُزَكِّي:

147- إِذَا أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَالِكِ، لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاوَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وَلِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى- رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى».وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: يَجِبُ ذَلِكَ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ.وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ.وَإِنْ شَاءَ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ.وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: لَا يَدْعُو بِالصَّلَاةِ عَلَى آلِ الْمُزَكِّي، بَلْ يَدْعُو بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَاصَّةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ.

مَا يَصْنَعُ السَّاعِي بِالْمُمْتَنِعِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ:

148- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ السَّاعِي جَائِرًا فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ أَوْ صَرْفِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُ مَنِ امْتَنَعَ أَوْ أَخْفَى مَالَهُ أَوْ غَلَبَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ أَوِ الْمُخْفِيَ يَكُونُ بِذَلِكَ مَعْذُورًا.أَمَّا إِنْ كَانَ السَّاعِي عَادِلًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنَ الْمُمْتَنِعِ أَوِ الْمُخْفِي، وَيُعَزِّرُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا فَعَلَهُ شُبْهَةٌ مُعْتَبَرَةٌ.

وَلَوْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ قَوْمٌ فَلَمْ يَقْدِرِ السَّاعِي عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُمْ حَتَّى مَضَتْ أَعْوَامٌ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ، يُؤْخَذُونَ بِزَكَاةِ مَا وُجِدَ مَعَهُمْ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ وَلِعَامِ الْقُدْرَةِ، وَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهَا يُصَدَّقُونَ، لَكِنْ إِنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ لِمَنْعِهَا لَا يُصَدَّقُونَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ.

مَا يَصْنَعُ السَّاعِي عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَوْلِ عَلَى الْمُلاَّكِ:

149- قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا وَصَلَ السَّاعِي إِلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ كَانَ حَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ قَدْ تَمَّ أَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ كَانَ حَوْلُ بَعْضِهِمْ لَمْ يَتِمَّ سَأَلَهُ السَّاعِي تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَالِكِ إِجَابَتُهُ، فَإِنْ عَجَّلَهَا بِرِضَاهُ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَجْبُرْهُ، ثُمَّ إِنْ رَأَى السَّاعِي الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَأْخُذُهَا عِنْدَ حُلُولِهَا وَيُفَرِّقُهَا عَلَى أَهْلِهَا فَعَلَ.وَإِنْ رَأَى أَنْ يُؤَخِّرَهَا لِيَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَعَلَ، وَيَكْتُبُهَا كَيْ لَا يَنْسَاهَا أَوْ يَمُوتَ فَلَا يَعْلَمَهَا السَّاعِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَرْجِعَ فِي وَقْتِ حُلُولِهَا لِيَأْخُذَهَا فَعَلَ، وَإِنْ وَثِقَ بِصَاحِبِ الْمَالِ جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إِلَيْهِ تَفْرِيقَهَا.

وَتَقَدَّمَ أَنَّ وُصُولَ السَّاعِي شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ، فَهُوَ يُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا يَمْلِكُونَهُ يَوْمَ وُصُولِهِ إِلَيْهِمْ.

حِفْظُ الزَّكَاةِ:

150- عَلَى السَّاعِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ.وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَى مُسْتَحَقِّيهِ، أَوْ يُوصِلَهُ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ أَنْ يَتَّخِذَ حَارِسًا أَوْ رَاعِيًا وَنَحْوَهُمَا.

وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ وَسَائِلِ الْحِفْظِ وَسْمُ بَهَائِمِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا؛ وَلِئَلاَّ تَضِيعَ، وَيَسِمُهَا بِالنَّارِ بِعَلَامَةٍ خَاصَّةٍ، كَأَنْ تَكُونَ عَلَامَةُ الْوَسْمِ (لِلَّهِ) لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «وَافَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَبِيَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ» وَلآِثَارٍ وَرَدَتْ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ( (.

بَيْتُ مَالِ الزَّكَاةِ:

151- عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْتًا لِأَمْوَالِ الزَّكَاةِ تُحْفَظُ فِيهِ وَتُضْبَطُ إِلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ صَرْفِهَا لِأَهْلِهَا.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: «بَيْتُ الْمَالِ».

تَصَرُّفَاتُ السَّاعِي فِي الزَّكَاةِ:

152- إِذَا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ يُفَرِّقُهَا عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّتِي جَمَعَهَا فِيهَا إِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ فِي تَفْرِيقِهَا، فَلَا يَنْقُلُهَا إِلَى أَبْعَدَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا فُقَرَاءُ الْبَلَدِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مُعَاذًا- رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ جَابِيًا وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ فَتَرُدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ.فَقَالَ مُعَاذٌ: أَنَا مَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِشَيْءٍ وَأَنَا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنِّي.فَلَوْ نَقَلَهَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي.

وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ لِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ أَحَدُ أَصْنَافِ أَهْلِ الزَّكَاةِ، كَمَا لَوْ كَانَ غَارِمًا أَوْ فَقِيرًا.وَلَا يَأْخُذُ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْسِمُ فَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ.

153- وَإِذَا تَلِفَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ شَيْءٌ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوِ السَّاعِي ضَمِنَهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ بِأَنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ، وَكَذَا لَوْ عَرَفَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَمْكَنَهُ التَّفْرِيقُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَكُلِّ مَنْ يُفَوَّضُ إِلَيْهِ أَمْرُ تَفْرِيقِ الصَّدَقَاتِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَمَعْرِفَةِ أَعْدَادِهِمْ، وَأَقْدَارِ حَاجَاتِهِمْ، بِحَيْثُ يَقَعُ الْفَرَاغُ مِنْ جَمْعِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ أَوْ مَعَهَا، لِيُعَجِّلَ حُقُوقَهُمْ، وَلِيَأْمَنَ هَلَاكَ الْمَالِ عِنْدَهُ.

وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلاَّ لِمَنْ جَمَعَ شُرُوطَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ.

154- وَإِذَا أَخَذَ الْإِمَامُ أَوِ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَاحْتَاجَ إِلَى بَيْعِهَا لِمَصْلَحَةٍ، مِنْ كُلْفَةٍ فِي نَقْلِهَا، أَوْ مَرَضِ الْبَهِيمَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ جَازَ، أَمَّا إِذَا بَاعَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إِنْ تَلِفَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَالِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ.

وَفِي احْتِمَالٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ، لِمَا وَرَدَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رَأَى فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالَ الْمُصَدِّقُ: إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِإِبِلٍ، فَسَكَتَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرَّجْعَةُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مِثْلَهَا أَوْ غَيْرَهَا.

نَصْبُ الْعَشَّارِينَ:

155- يَنْصِبُ الْإِمَامُ عَلَى الْمَعَابِرِ فِي طُرُقِ الْأَسْفَارِ عَشَّارِينَ لِلْجِبَايَةِ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِمْ بِالْمَالِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا أَتَوْا بِأَمْوَالِهِمْ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَيَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةٍ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ.وَاَلَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فَيْءٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجِزْيَةِ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الْفَيْءِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (عُشْر).

أَمَّا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ زَكَاةٌ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ وَيُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَالًا بَاطِنًا لَكِنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ صَاحِبُهُ بِهِ فِي الْبِلَادِ أَصْبَحَ فِي حُكْمِ الْمَالِ الظَّاهِرِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَابِدِينَ، وَلِذَا كَانَتْ وِلَايَةُ قَبْضِ زَكَاتِهِ إِلَى الْإِمَامِ، كَالسَّوَائِمِ وَالزُّرُوعِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِتَحْلِيفِ مَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ إِنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوْلِ عَلَى مَا بِيَدِهِ، أَوِ ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، فَإِنْ حَلَفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا إِنْ قَالَ أَدَّيْتُهَا إِلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَأَخْرَجَ بَرَاءَةً (إيصَالًا رَسْمِيًّا بِهَا)، وَكَذَا إِنْ قَالَ أَدَّيْتُهَا بِنَفْسِي إِلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا مَعَهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ حَتَّى يَجِبَ الْأَخْذُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَلَهُ فِي الْمِصْرِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ فَلَا وِلَايَةَ لِلْعَاشِرِ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى الظَّاهِرِ فَقَطْ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَاشِرِ مَا يُشْتَرَطُ فِي السَّاعِي كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنْ يَأْمَنَ الْمُسَافِرُونَ بِحِمَايَتِهِ مِنَ اللُّصُوصِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


44-موسوعة الفقه الكويتية (زكاة 12)

زَكَاة -12

دَفْعُ الزَّوْجِ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى زَوْجَتِهِ وَعَكْسُهُ:

178- لَا يُجْزِئُ الرَّجُلَ إِعْطَاءُ زَكَاةِ مَالِهِ إِلَى زَوْجَتِهِ.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: هُوَ إِجْمَاعٌ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مُشْتَرَكَةٌ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ، فَيَكُونُ كَالدَّافِعِ إِلَى نَفْسِهِ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إِعْطَاؤُهَا الزَّكَاةَ لِتُنْفِقَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَأَمَّا لَوْ أَعْطَاهَا مَا تَدْفَعُهُ فِي دَيْنِهَا، أَوْ لِتُنْفِقَهُ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَلَا بَأْسَ، عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْمَمْنُوعَ إِعْطَاؤُهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ، أَمَّا مِنْ سَهْمٍ آخَرَ هِيَ مُسْتَحِقَّةٌ لَهُ فَلَا بَأْسَ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.

وَأَمَّا إِعْطَاءُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا زَكَاةَ مَالِهَا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ، إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِحَدِيثِ «زَيْنَبَ زَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنهما-، وَفِيهِ أَنَّهَا هِيَ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى سَأَلَتَا النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: هَلْ تُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حِجْرِهِمَا؟ فَقَالَ: لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ».

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلِأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الزَّوْجِ، وَلِعُمُومِ آيَةِ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، إِذْ لَيْسَ فِي الزَّوْجِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ يَمْنَعُ إِعْطَاءَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: لَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُعْطِيَ زَوْجَهَا زَكَاتَهَا وَلَوْ كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِهِ الْبَائِنِ وَلَوْ بِثَلَاثِ طَلَقَاتٍ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ مُشْتَرَكَةٌ، فَهِيَ تَنْتَفِعُ بِتِلْكَ الزَّكَاةِ الَّتِي تُعْطِيهَا لِزَوْجِهَا؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ امْرَأَتِهِ، وَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ لَهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا زَكَاةَ مَالِهَا.وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي مَعْنَى كَلَامِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّ مُرَادَهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَقَالَ آخَرُونَ: بِإِجْزَائِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.

6- الْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ:

179- ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ: «تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى كَافِرٍ» أَنَّ فِي إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِلْعَاصِي خِلَافًا، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُعْطَى لِأَهْلِ الْمَعَاصِي إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُعْطِي أَنَّهُمْ يَصْرِفُونَهَا فِي الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ أَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُجْزِئْهُ عَنِ الزَّكَاةِ، وَفِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ تَجُوزُ، وَتُجْزِئُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّى بِزَكَاتِهِ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الْمُتَّبِعِينَ لِلشَّرِيعَةِ، فَمَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةً أَوْ فُجُورًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالْهَجْرِ وَغَيْرِهِ وَالِاسْتِتَابَةَ فَكَيْفَ يُعَانُ عَلَى ذَلِكَ؟، وَقَالَ: مَنْ كَانَ لَا يُصَلِّي يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُصَلِّي، أُعْطِيَ، وَإِلاَّ لَمْ يُعْطَ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يُعْطَى مَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِالنِّفَاقِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِلْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ إِنْ كَانُوا مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، مَا لَمْ تَكُنْ بِدْعَتُهُمْ مُكَفِّرَةً مُخْرِجَةً لَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ.عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَهْلِ الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِينَ عَلَيْهِ فِي الِاعْتِقَادِ، وَالْعَمَلِ عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ مِنَ الزَّكَاةِ، لِحَدِيثِ: «لَا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ».

7- الْمَيِّتُ:

180- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَالنَّخَعِيُّ: إِلَى أَنَّهُ لَا تُعْطَى الزَّكَاةُ فِي تَجْهِيزِ مَيِّتٍ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ رُكْنَ الزَّكَاةِ تَمْلِيكُهَا لِمَصْرِفِهَا، فَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الزَّكَاةِ التَّمْلِيكُ، قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى بِهَا دَيْنُ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِهَا لَا يَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ إِيَّاهَا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُقْضَى مِنَ الزَّكَاةِ دَيْنُ الْمَيِّتِ، وَيُقْضَى مِنْهَا دَيْنُ الْحَيِّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، وَعَنِ اخْتِيَارِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَأَنَّ فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقْضَى مِنَ الزَّكَاةِ دَيْنُ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً إِنْ تَمَّتْ فِيهِ شُرُوطُ الْغَارِمِ، قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ دَيْنِ الْحَيِّ فِي أَخْذِهِ مِنَ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْحَيِّ، وَاحْتَجَّ النَّوَوِيُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِعُمُومِ الْغَارِمِينَ فِي آيَةِ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، وَبِأَنَّهُ يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ كَدَيْنِ الْحَيِّ.

8- جِهَاتُ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ:

181- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ فِي جِهَاتِ الْخَيْرِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، فَلَا تُنْشَأُ بِهَا طَرِيقٌ، وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلَا قَنْطَرَةٌ، وَلَا تُشَقُّ بِهَا تُرْعَةٌ، وَلَا يُعْمَلُ بِهَا سِقَايَةٌ، وَلَا يُوَسَّعُ بِهَا عَلَى الْأَصْنَافِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَقْلُ خِلَافٍ عَنْ مُعَيَّنٍ يُعْتَدُّ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ، وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ وَنَحْوَهُ لَا يُمْلَكُ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الزَّكَاةِ التَّمْلِيكَ.

وَالثَّانِي:

الْحَصْرُ الَّذِي فِي الْآيَةِ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ وَنَحْوَهَا لَيْسَتْ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي فِيهِ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الزَّكَاةَ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ».

وَلَا يَثْبُتُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ سِيرِينَ خِلَافُ ذَلِكَ.

مَا يُرَاعَى فِي قِسْمَةِ الزَّكَاةِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ:

أ- تَعْمِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الْأَصْنَافِ:

182- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ) إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْمِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الْأَصْنَافِ، سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي يُؤَدِّيهَا إِلَيْهَا رَبَّ الْمَالِ أَوِ السَّاعِيَ أَوِ الْإِمَامَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُعْطَى لِصِنْفٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى لِشَخْصٍ وَاحِدٍ إِنْ لَمْ تَزِدْ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي أَيِّ صِنْفٍ وَضَعْتَهُ أَجْزَأَكَ.

183- وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» قَالُوا: وَالْفُقَرَاءُ صِنْفٌ وَاحِدٌ مِنْ أَصْنَافِ أَهْلِ الزَّكَاةِ الثَّمَانِيَةِ، وَبِوَقَائِعَ أَعْطَى فِيهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الزَّكَاةَ لِفَرْدٍ وَاحِدٍ أَوْ أَفْرَادٍ، مِنْهَا: «أَنَّهُ أَعْطَى سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ الْبَيَاضِيَّ صَدَقَةَ قَوْمِهِ».وَقَالَ لِقَبِيصَةَ: «أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا».قَالُوا: وَاللاَّمُ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ بِمَعْنَى «أَوْ»، أَوْ هِيَ لِبَيَانِ الْمَصَارِفِ، أَوْ هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ عَدَمُ خُرُوجِهَا عَنْهُمْ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ التَّعْمِيمَ لَا يُنْدَبُ إِلاَّ أَنْ يُقْصَدَ الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلَافِ، وَكَذَا اسْتَحَبَّ الْحَنَابِلَةُ التَّعْمِيمَ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ عِكْرِمَةَ، إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمُ الثُّمُنَ مِنَ الزَّكَاةِ الْمُتَجَمِّعَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِآيَةِ الصَّدَقَاتِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ الزَّكَاةَ إِلَيْهِمْ فَاللاَّمُ لِلتَّمْلِيكِ، وَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: هَذَا الْمَالُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ وَوَجَبَتِ التَّسْوِيَةُ، فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ أَوْصَى لَهُمْ وَجَبَ التَّعْمِيمُ وَالتَّسْوِيَةُ.

وَتَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الْقَسْمِ إِنْ قَسَمَ الْإِمَامُ وَهُنَاكَ عَامِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامِلٌ بِأَنْ قَسَمَ الْمَالِكُ، أَوْ حَمَلَ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ زَكَاتَهُمْ إِلَى الْإِمَامِ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةِ أَصْنَافٍ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ، وَيَسْتَوْعِبُ الْإِمَامُ مِنَ الزَّكَوَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ وُجُوبًا، إِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ، وَوَفَى بِهِمُ الْمَالُ.وَإِلاَّ فَيَجِبُ إِعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ ذَكَرَتِ الْأَصْنَافَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.

قَالُوا: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَوِ السَّاعِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَمَعْرِفَةِ أَعْدَادِهِمْ، وَقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ، وَاسْتِحْقَاقِهِمْ، بِحَيْثُ يَقَعُ الْفَرَاغُ مِنْ جَمْعِ الزَّكَوَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَوْ مَعَهُ لِيَتَعَجَّلَ وُصُولَ حَقِّهِمْ إِلَيْهِمْ.

قَالُوا: وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ، وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ إِنْ قَسَمَ الْمَالِكُ، بَلْ يَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، أَمَّا إِنْ قَسَمَ الْإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ، فَإِنْ فَقَدَ بَعْضَ الْأَصْنَافِ أَعْطَى سَهْمَهُ لِلْأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ، وَكَذَا إِنِ اكْتَفَى بَعْضُ الْأَصْنَافِ وَفَضَلَ شَيْءٌ، فَإِنِ اكْتَفَى جَمِيعُ أَفْرَادِ الْأَصْنَافِ جَمِيعًا بِالْبَلَدِ، جَازَ النَّقْلُ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِنْ كَانَتِ الزَّكَاةُ قَلِيلَةً جَازَ صَرْفُهَا إِلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِلاَّ وَجَبَ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ، وَقَالَا أَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ: إِنْ أَخْرَجَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَالِكُ جَازَ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ.

التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَصَارِفِ:

184- صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْعَامِلَ عَلَى الزَّكَاةِ يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ فِي الْإِعْطَاءِ مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ عَمَلِهِ، وَغَيْرُهُ يَأْخُذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: فَإِنْ كَانَ سَهْمُ الْعَامِلِينَ وَهُوَ ثُمُنُ الزَّكَاةِ قَدْرَ حَقِّهِ أَخَذَهُ، وَإِنْ زَادَ عَنْ حَقِّهِ رُدَّ الْفَاضِلُ عَلَى سَائِرِ السِّهَامِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ تُمِّمَ لَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، وَقِيلَ: مِنْ بَاقِي السِّهَامِ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْعَامِلَ يُقَدَّمُ بِأُجْرَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَصْنَافِ، أَيْ مِنْ مَجْمُوعِ الزَّكَاةِ.

أَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُقْسَمُ بَيْنَ بَاقِي الْأَصْنَافِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَنَظَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْحَاجَةِ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُقَدَّمُ الْمَدِينُ عَلَى الْفَقِيرِ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمَدِينِ أَشَدُّ، وَرَاعَى الْحَنَفِيَّةُ أُمُورًا أُخْرَى تَأْتِي فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ إِيثَارُ الْمُضْطَرِّ عَلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يُزَادَ فِي إِعْطَائِهِ مِنْهَا.

وَنَظَرَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ مَعَ الْقَرَابَةِ فَقَالُوا: يُقَدَّمُ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ تَسَاوَوْا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ فِي الْجِوَارِ وَأَكْثَرَ دِينًا، وَكَيْفَ فَرَّقَهَا جَازَ، بَعْدَ أَنْ يَضَعَهَا فِي الْأَصْنَافِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.

نَقْلُ الزَّكَاةِ:

185- إِذَا فَاضَتِ الزَّكَاةُ فِي بَلَدٍ عَنْ حَاجَةِ أَهْلِهَا جَازَ نَقْلُهَا اتِّفَاقًا، بَلْ يَجِبُ، وَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَإِنَّمَا تُفَرَّقُ صَدَقَةُ كُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ فِيهِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ، وَالْمُعْتَبَرُ بَلَدُ الْمَالِ، لَا بَلَدُ الْمُزَكِّي.

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَنْقُلَهَا الْمُزَكِّي إِلَى قَرَابَتِهِ، لِمَا فِي إيصَالِ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ.قَالُوا: وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ.

وَاسْتَثْنَوْا أَيْضًا أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَكَذَا لِأَصْلَحَ، أَوْ أَوْرَعَ، أَوْ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ إِلَى طَالِبِ عِلْمٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إِلَى مَا يَزِيدُ عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاذٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَقَالَ: لَمْ أَبْعَثْكَ جَابِيًا وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ، وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ فَتَرُدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِشَيْءٍ وَأَنَا أَجِدُ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنِّي.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِزَكَاةٍ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الشَّامِ فَرَدَّهَا إِلَى خُرَاسَانَ.

قَالُوا: وَالْمُعْتَبَرُ بَلَدُ الْمَالِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ، وَفِي النَّقْدِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ الْمَالِكُ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يُوجَدَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِمَّنْ هُوَ فِي الْبَلَدِ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ النَّقْلُ مِنْهَا وَلَوْ نُقِلَ أَكْثَرُهَا.

186- ثُمَّ إِنْ نُقِلَتِ الزَّكَاةُ حَيْثُ لَا مُسَوِّغَ لِنَقْلِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، إِلَى أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ نَقَلَهَا لِمِثْلِ مَنْ فِي بَلَدِهِ فِي الْحَاجَةِ فَتُجْزِئُهُ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَإِنْ نَقَلَهَا لِأَدْوَنَ مِنْهُمْ فِي الْحَاجَةِ لَمْ تُجْزِئْهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ خَلِيلٌ وَالدَّرْدِيرُ، وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: نَقَلَ الْمَوَّاقُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِجْزَاءُ بِكُلِّ حَالٍ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: لَا تُجْزِئُهُ بِكُلِّ حَالٍ.

وَحَيْثُ نُقِلَتِ الزَّكَاةُ فَأُجْرَةُ النَّقْلِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا مِنَ الزَّكَاةِ نَفْسِهَا.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: تَكُونُ عَلَى الْمُزَكِّي.

حُكْمُ مَنْ أُعْطِيَ مِنَ الزَّكَاةِ لِوَصْفٍ فَزَالَ الْوَصْفُ وَهِيَ فِي يَدِهِ:

187- مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ مَنْ يَأْخُذُ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ شَيْءٌ إِنْ كَانَ فِيهِ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ بِشُرُوطِهِ عِنْدَ الْأَخْذِ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الْمِسْكِينُ، وَالْفَقِيرُ، وَالْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ قَلْبُهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ أَخْذًا مُرَاعًى، فَيُسْتَرَدُّ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُنْفِقْهُ فِي وَجْهِهِ، أَوْ تَأَدَّى الْغَرَضُ مِنْ بَابٍ آخَرَ، أَوْ زَالَ الْوَصْفُ وَالزَّكَاةُ فِي يَدِهِ، وَهُمْ أَيْضًا أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ، عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا:

1- الْمُكَاتَبُ، فَيُسْتَرَدُّ مِنَ الْمُعْطَى مَا أَخَذَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ، أَوْ عَجَزَ عَنِ الْوَفَاءِ فَلَمْ يَعْتِقْ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَكُونُ مَا أَخَذَهُ لِسَيِّدِهِ وَيَحِلُّ لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يُسْتَرَدُّ، وَلَا يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، بَلْ يُنْفِقُ فِي الْمُكَاتَبِينَ.

وَلَا تَرِدُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ صَرْفَ الزَّكَاةِ لِلْمُكَاتَبِينَ كَمَا تَقَدَّمَ.

2- الْغَارِمُ: فَإِنِ اسْتَغْنَى الْمَدِينُ الَّذِي أَخَذَ الزَّكَاةَ قَبْلَ دَفْعِهَا فِي دَيْنِهِ تُنْزَعُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ أُبْرِئَ مِنَ الدَّيْنِ، أَوْ قَضَاهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، أَوْ قَضَاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ.وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا.

3- الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ: وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ إِنْ أَخَذَ الزَّكَاةَ لِلْغَزْوِ ثُمَّ جَلَسَ فَلَمْ يَخْرُجْ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَيْضًا: لَوْ خَرَجَ لِلْغَزْوِ وَعَادَ دُونَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ قُرْبِ الْعَدُوِّ تُؤْخَذُ مِنْهُ كَذَلِكَ.

وَحَيْثُ وَجَبَ الرَّدُّ تُنْزَعُ مِنْهُ إِنْ كَانَ بَاقِيهِ فِي يَدِهِ، وَإِنْ أَنْفَقَهَا أُتْبِعَ بِهَا، أَيْ طُولِبَ بِبَدَلِهَا إِنْ كَانَ غَنِيًّا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ.

4- ابْنُ السَّبِيلِ: وَيُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَخْرُجْ، مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا بِبَلَدِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيُعْتَبَرُ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِي قَوْلٍ: تَمَامُ السَّنَةِ.قَالُوا: وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ لَوْ سَافَرَ ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَصْرِفْ مَا أَخَذَهُ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّمَا تُنْزَعُ مِنْهُ إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، فَإِنْ كَانَ أَنْفَقَهَا لَمْ يُطَالَبْ بِبَدَلِهَا.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ.

حُكْمُ مَنْ أَخَذَ الزَّكَاةَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا:

188- لَا يَحِلُّ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَخْذُهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا زَكَاةٌ، إِجْمَاعًا.فَإِنْ أَخَذَهَا فَلَمْ تُسْتَرَدَّ مِنْهُ فَلَا تَطِيبُ لَهُ، بَلْ يَرُدُّهَا أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَعَلَى دَافِعِ الزَّكَاةِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَعَرُّفِ مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ، فَإِنْ دَفَعَهَا بِغَيْرِ اجْتِهَادِهِ، أَوْ كَانَ اجْتِهَادُهُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَأَعْطَاهُ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ، إِنْ تَبَيَّنَ الْآخِذُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِالِاجْتِهَادِ النَّظَرُ فِي أَمَارَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَلَوْ شَكَّ فِي كَوْنِ الْآخِذِ فَقِيرًا فَعَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ كَذَلِكَ.

189- أَمَّا إِنِ اجْتَهَدَ فَدَفَعَ لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَتَبَيَّنَ عَدَمُ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُجْزِئُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تُجْزِئُهُ، عَلَى تَفْصِيلٍ يَخْتَلِفُ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ.

فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: إِنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ، أَوْ دَفَعَ فِي ظُلْمَةٍ، فَبَانَ أَنَّ الْآخِذَ أَبُوهُ، أَوِ ابْنُهُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ».

وَلِأَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ أَفْضَى إِلَى الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَكَرَّرَ خَطَؤُهُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْآخِذُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ أَصْلًا، نَحْوُ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْآخِذَ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ، فَلَا تُجْزِئُ فِي هَذَا الْحَالِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُجْزِئُهُ إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآخِذَ لَيْسَ مِنَ الْمَصَارِفِ، لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ مَعَ إِمْكَانِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ تَحَرَّى فِي ثِيَابٍ فَبَانَ أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ.

وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ حَالَيْنِ:

الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ الْإِمَامَ أَوْ مُقَدَّمَ الْقَاضِي أَوِ الْوَصِيَّ، فَيَجِبُ اسْتِرْدَادُهَا، لَكِنْ إِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا، أَجْزَأَتْ، لِأَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ حُكْمٌ لَا يَتَعَقَّبُ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ رَبَّ الْمَالِ فَلَا تُجْزِئُهُ، فَإِنِ اسْتَرَدَّهَا وَأَعْطَاهَا فِي وَجْهِهَا، وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ مَرَّةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اسْتِرْدَادَهَا إِنْ فَوَّتَهَا الْآخِذُ بِفِعْلِهِ، بِأَنْ أَكَلَهَا، أَوْ بَاعَهَا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

أَمَّا إِنْ فَاتَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بِأَنْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، فَإِنْ كَانَ غَرَّ الدَّافِعَ بِأَنْ أَظْهَرَ لَهُ الْفَقْرَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا أَيْضًا، أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ الِاسْتِرْدَادُ، وَعَلَى الْآخِذِ الرَّدُّ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَمْ لَا، فَإِنِ اسْتُرِدَّتْ صُرِفَتْ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الِاسْتِرْدَادُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ، وَهَذَا هُوَ الْمُقَدَّمُ عِنْدَهُمْ، وَفِي بَعْضِ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمْ أَقْوَالٌ أُخْرَى.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ بَانَ الْآخِذُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا، أَوْ قَرَابَةً لِلْمُعْطِي مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، فَلَا تُجْزِئُ الزَّكَاةُ عَنْ دَافِعِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ، وَلَا تَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا، فَلَمْ يَجْزِهِ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ.

أَمَّا إِنْ كَانَ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا فَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْأُخْرَى يُجْزِئُهُ، لِحَدِيثِ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ الْمُتَقَدِّمِ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ....الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ، لَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ».وَلِأَنَّ حَالَهُ تَخْفَى غَالِبًا.

مَنْ لَهُ حَقُّ طَلَبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا:

190- فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ مِنَ الْفُقَرَاءِ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ طَلَبِهِمُ الزَّكَاةَ بِالرَّغْمِ مِنَ اسْتِحْقَاقِهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ طَلَبُ الزَّكَاةِ هُوَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ لِيَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ فَيَحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ لِقُوتِهِ، أَوْ مَا يُوَارِي بَدَنَهُ، وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِهِمُ الْمُسَمَّى مِسْكِينًا، وَكَذَا لَا يَحِلُّ السُّؤَالُ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ، أَمَّا الْفَقِيرُ وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِهِمْ مَنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ لِيَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ سُؤَالُ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِخَمْسِينَ دِرْهَمًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ: مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ أُبِيحَ لَهُ طَلَبُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: يَحْرُمُ طَلَبُهَا عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُعْطِيهِ أُبِيحَ لَهُ السُّؤَالُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


45-موسوعة الفقه الكويتية (عموم البلوى)

عُمُومُ الْبَلْوَى

التَّعْرِيفُ:

1- مِنْ مَعَانِي الْعُمُومِ فِي اللُّغَةِ: الشُّمُولُ وَالتَّنَاوُلُ، يُقَالُ: عَمَّ الْمَطَرُ الْبِلَادَ، شَمَلَهَا، فَهُوَ عَامٌّ

وَالْبَلْوَى فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ بِمَعْنَى الِاخْتِبَارِ وَالِامْتِحَانِ، يُقَالُ: بَلَوْتُ الرَّجُلَ بَلْوًا وَبَلَاءً وَابْتَلَيْتُهُ: اخْتَبَرْتُهُ، وَيُقَالُ: بَلَى فُلَانٌ وَابْتَلَى إِذَا امْتَحَنَ.

أَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِعُمُومِ الْبَلْوَى: الْحَالَةُ أَوِ الْحَادِثَةُ الَّتِي تَشْمَلُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ وَيَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالضَّرُورَةِ الْعَامَّةِ وَبَعْضُهُمْ بِالضَّرُورَةِ الْمَاسَّةِ، أَوْ حَاجَةِ النَّاسِ.

وَفَسَّرَهُ الْأُصُولِيُّونَ بِمَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعُمُومِ الْبَلْوَى:

بَنَى الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى أَحْكَامًا فِقْهِيَّةً وَأُصُولِيَّةً فِي مُخْتَلَفِ الْأَبْوَابِ وَالْمَسَائِلِ مِنْهَا مَا يَلِي:

أَوَّلًا: الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ:

2- مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ فِي الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَإِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»

وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتُهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ مِنَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَالْعُسْرِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى وَنَحْوِهَا، وَبَيَّنُوا أَثَرَهَا فِي مُخْتَلَفِ الْأَحْكَامِ وَالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ.

وَمِنَ الرُّخَصِ الَّتِي شُرِعَتْ بِسَبَبِ الْعُسْرِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا، كَدَمِ الْقُرُوحِ وَالدَّمَامِلِ وَالْبَرَاغِيثِ، وَطِينِ الشَّارِعِ وَذَرْقِ الطُّيُورِ إِذَا عَمَّ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَطَافِ، وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، وَأَثَرِ نَجَاسَةٍ عَسُرَ زَوَالُهُ، وَالْعَفْوُ عَنْ غُبَارِ السِّرْقِينِ وَقَلِيلِ الدُّخَانِ النَّجَسِ وَأَمْثَالِهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ مُفَصَّلَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْعَفْوِ عَنْ بَوْلِ الشَّخْصِ أَوْ بَوْلِ غَيْرِهِ الَّذِي انْتَضَحَ عَلَى ثِيَابِهِ كَرُءُوسِ إِبَرٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالْعِلَّةُ الضَّرُورَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِمَّا عَلَى أَرْجُلِ الذُّبَابِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَى الثِّيَابِ وَمِثْلُهُ الدَّمُ عَلَى ثِيَابِ الْقَصَّابِ، فَإِنَّ فِي التَّحَرُّزِ عَنْهُ حَرَجًا ظَاهِرًا.

3- وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى طَهَارَةُ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ بِالدَّلْكِ عَلَى الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَيَطْهُرُ خُفٌّ وَنَحْوُهُ، كَنَعْلٍ تَنَجَّسَ بِذِي جُرْمٍ بِدَلْكٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنْ كَانَ رَطْبًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى.

وَلِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا».

4- وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ: جَوَازُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَمَالِ الْغَيْرِ مَعَ ضَمَانِ الضَّرَرِ إِذَا اُضْطُرَّ.وَأَكْلِ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الرَّدِّ بِالْخِيَارَاتِ فِي الْبَيْعِ.

وَكَذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ (غَيْرِ اللاَّزِمَةِ) لِأَنَّ لُزُومَهَا يَشُقُّ، كَمَا ذَكَرَ مِنْهَا إِبَاحَةَ النَّظَرِ لِلْخُطْبَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْإِشْهَادِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَالَجَةِ وَنَحْوِهَا.

وَلِتَفْصِيلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَأَمْثَالِهَا يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (تَيْسِير ف 48 وَمَا بَعْدَهَا، وَحَاجَة ف 24 وَمَا بَعْدَهَا).

5- وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ جَوَازِ عَقْدِ الِاسْتِصْنَاعِ- وَهُوَ عَقْدُ مُقَاوَلَةٍ مَعَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا- مَعَ أَنَّهُ يُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْمَعْدُومِ؛ إِلاَّ أَنَّهُ أُجِيزَ لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إِلَيْهِ وَفِي مَنْعِهِ مَشَقَّةٌ وَإِحْرَاجٌ.

وَمِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي بَنَاهَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عُمُومِ الْبَلْوَى جَوَازُ إِجَارَةِ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ مَعَ الْمَاءِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: جَازَ إِجَارَةُ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ مَعَ الْمَاءِ تَبَعًا، بِهِ يُفْتَى لِعُمُومِ الْبَلْوَى.

لَكِنَّ الْمَشَقَّةَ وَالْحَرَجَ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْبَلْوَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ، قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: لَا اعْتِبَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ النَّصِّ، كَمَا فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ.

ثَانِيًا: الْمَسَائِلُ الْأُصُولِيَّةُ:

ذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَثَرَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِي مَسَائِلَ مِنْهَا:

أ- خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى:

6- اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى، هَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا صَحَّ سَنَدُهُ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم-، فَإِنَّهُمْ عَمِلُوا بِهِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، مِثْلُ رُجُوعِهِمْ إِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَبِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي هَذَا الْبَابِ ظَنِّيُّ الصِّدْقِ، فَيَجِبُ قَبُولُهُ، كَمَا إِذَا لَمْ تَعُمَّ بِهِ الْبَلْوَى، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ يُقْبَلُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنَ الْخَبَرِ.فَإِذَا قُبِلَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.مَا هُوَ دُونَ الْخَبَرِ- أَيِ الْقِيَاسِ- فَلأَنْ يُقْبَلَ فِيهِ الْخَبَرُ أَوْلَى.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وُقُوعُهُ وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- فِي مَسِّ الذَّكَرِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لَا يُثْبِتُ الْوُجُوبَ دُونَ اشْتِهَارٍ أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ.لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ احْتِيَاجُ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَتَقْضِي الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا، لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَا يُعْمَلُ بِالْآحَادِ فِيهِ، قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ: إِنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي اسْتِفَاضَةَ نَقْلِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، كَمَسِّ الذَّكَرِ لَوْ كَانَ مِمَّا تُنْتَقَضُ بِهِ الطَّهَارَةُ لأَشَاعَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْآحَادِ، بَلْ يُلْقِيهِ إِلَى عَدَدٍ يَحْصُلُ بِهِ التَّوَاتُرُ أَوِ الشُّهْرَةُ مُبَالَغَةً فِي إِشَاعَتِهِ؛ لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ.وَلِهَذَا تَوَاتَرَ نَقْلُ الْقُرْآنِ وَاشْتُهِرَتْ أَخْبَارُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهَا، وَلَمَّا لَمْ يُشْتَهَرْ عَلِمْنَا أَنَّهُ سَهْوٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَمِنْ أَحَادِيثِ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ يَأْخُذْ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ لِمُخَالَفَةِ عُمُومِ الْبَلْوَى حَدِيثُ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ خِلَافَ ذَلِكَ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُمْ، وَمِنَ الْبَيِّنِ أَنَّ شَأْنَهُمْ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا السُّنَّةَ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ.

ب- قَوْلُ الصَّحَابَةِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى:

7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ مُلْحَقٌ بِالسُّنَّةِ لِغَيْرِ الصَّحَابِيِّ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ وَتَرْكُ رَأْيِهِ، لَا فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ آخَرَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ وَقَوْلَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ سَوَاءٌ فَلَا يُلْحَقُ بِالسُّنَّةِ.

وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَمْ تَعُمَّ بَلْوَاهُ.وَأَمَّا فِيمَا عَمَّتِ الْبَلْوَى بِهِ وَوَرَدَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مُخَالِفًا لِعَمَلِ الْمُبْتَلِينَ فَلَا يَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ.

وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


46-موسوعة الفقه الكويتية (فتوة)

فُتُوَّة

التَّعْرِيفُ:

1- مِنْ مَعَانِي الْفُتُوَّةِ فِي اللُّغَةِ: الْحُرِّيَّةُ وَالْكَرَمُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْفَتَى السَّخِيُّ الْكَرِيمُ، يُقَالُ هُوَ فَتًى بَيِّنُ الْفُتُوَّةِ.

وَجَاءَ فِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ: الْفُتُوَّةُ: الشَّبَابُ بَيْنَ طَوْرَيِ الْمُرَاهَقَةِ وَالرُّجُولَةِ وَالنَّجْدَةِ، وَمَسْلَكٌ أَوْ نِظَامٌ يُنَمِّي خُلُقَ الشُّجَاعَةِ وَالنَّجْدَةِ فِي الْفَتَى.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ عَرَّفَهَا ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ بِأَنَّهَا اسْتِعْمَالُ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ مَعَ الْخَلْقِ.

وَقِيلَ: الْفُتُوَّةُ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَاسْتِعْجَالُ الْمَكَارِمِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ حَسَنٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ يَعُمُّ بِالْمَعْنَى جَمِيعَ مَا قِيلَ فِي الْفُتُوَّةِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْمُرُوءَةُ:

2- الْمُرُوءَةُ هِيَ: اسْتِعْمَالُ مَا يُجَمِّلُ الْعَبْدَ وَيُزَيِّنُهُ وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفُتُوَّةِ وَالْمُرُوءَةِ أَنَّ الْمُرُوءَةَ أَعَمُّ مِنْهَا.

فَالْفُتُوَّةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُرُوءَةِ.

ب- الشَّجَاعَةُ:

3- حَقِيقَةُ الشَّجَاعَةِ: ثَبَاتُ الْجَأْشِ وَذَهَابُ الرُّعْبِ وَزَوَالُ هَيْبَةِ الْخَصْمِ أَوِ اسْتِصْغَارُهُ عِنْدَ لِقَائِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ هَذَا رَأْيٌ ثَاقِبٌ، وَنَظَرٌ صَائِبٌ، وَحِيلَةٌ فِي التَّدْبِيرِ، وَخِدَاعٌ فِي الْمُمَارَسَةِ، فَقَدْ قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ».

وَالْفُتُوَّةُ مَسْلَكٌ يُؤَدِّي إِلَى الشَّجَاعَةِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

4- الْفُتُوَّةُ- كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ- اسْتِعْمَالُ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ مَعَ الْخَلْقِ، وَالْخُلُقُ الْحَسَنُ صِفَةُ الْمُرْسَلِينَ، وَأَفْضَلُ أَعْمَالِ الصِّدِّيقِينَ وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ شَطْرُ الدِّينِ، وَثَمَرَةُ مُجَاهَدَةِ الْمُتَّقِينَ، وَرِيَاضَةُ الْمُتَعَبِّدِينَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَحَبِيبِهِ مُثْنِيًا عَلَيْهِ وَمُظْهِرًا نِعْمَتَهُ لَدَيْهِ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ».وَقَدْ أَتَمَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَحَثَّ عَلَى الرُّسُوخِ فِيهَا.وَقَالَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

دَرَجَاتُ الْفُتُوَّةِ:

5- مِنْ دَرَجَاتِ الْفُتُوَّةِ: تَرْكُ الْخُصُومَةِ، وَالتَّغَافُلُ عَنِ الزَّلَّةِ وَنِسْيَانُ الْأَذِيَّةِ.أَمَّا تَرْكُ الْخُصُومَةِ فَهُوَ: أَلاَّ يُخَاصِمَ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَنْوِيَ الْخُصُومَةَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَخْطِرَهَا عَلَى بَالِهِ، هَذَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ رَبِّهِ: فَالْفُتُوَّةُ أَنْ يُخَاصِمَ بِاللَّهِ وَفِي اللَّهِ، وَيُحَاكِمَ إِلَى اللَّهِ، وَأَمَّا التَّغَافُلُ عَنِ الزَّلَّةِ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مِنْ أَحَدٍ زَلَّةً أَظْهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهَا، لِئَلاَّ يُعَرِّضَ صَاحِبَهَا لِلْوَحْشَةِ، وَيُرِيحَهُ مِنْ تَحَمُّلِ الْعُذْرِ.

وَأَمَّا نِسْيَانُ الْأَذِيَّةِ فَهُوَ بِأَنْ تَنْسَى أَذِيَّةَ مَنْ نَالَكَ بِأَذًى لِيَصْفُوَ قَلْبُكَ لَهُ وَلَا تَسْتَوْحِشَ مِنْهُ.

قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَهُنَا نِسْيَانٌ آخَرُ أَيْضًا وَهُوَ مِنَ الْفُتُوَّةِ، وَهُوَ نِسْيَانُ إِحْسَانِكَ إِلَى مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْكَ، وَهَذَا النِّسْيَانُ أَكْمَلُ مِنَ الْأَوَّلِ.

وَمِنْ دَرَجَاتِهَا كَذَلِكَ: أَنْ تُقَرِّبَ مَنْ يُقْصِيكَ، وَتُكْرِمَ مَنْ يُؤْذِيكَ، وَتَعْتَذِرَ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ، سَمَاحَةً لَا كَظْمًا، وَمَوَدَّةً لَا مُصَابَرَةً.

وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَهَا وَأَصْعَبُ، فَإِنَّ الْأُولَى تَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّغَافُلَ، وَهَذِهِ تَتَضَمَّنُ الْإِحْسَانَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَمُعَامَلَتَهُ بِضِدِّ مَا عَامَلَكَ بِهِ، فَيَكُونُ الْإِحْسَانُ وَالْإِسَاءَةُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ خُطَّتَيْنِ: فَخُطَّتُكَ الْإِحْسَانُ، وَخُطَّتُهُ الْإِسَاءَةُ.

وَمَعْنَى الِاعْتِذَارِ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تُنَزِّلُ نَفْسَكَ مَنْزِلَةَ الْجَانِي لَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْجَانِي خَلِيقٌ بِالْعُذْرِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: مُرُوءَة).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


47-موسوعة الفقه الكويتية (قسم بين الزوجات 2)

قَسْمٌ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ -2

الْخُرُوجُ فِي نَوْبَةِ زَوْجَةٍ وَالدُّخُولُ عَلَى غَيْرِهَا:

20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ عَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَسْمَهَا دُونَ نَقْصٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُنَّ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِ الزَّوْجِ فِي نَوْبَةِ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ- لَيْلًا أَوْ نَهَارًا- وَدُخُولِهِ عَلَى غَيْرِهَا كَذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ خَرَجَ الزَّوْجُ الَّذِي عِمَادُ قَسْمِهِ اللَّيْلُ مِنْ عِنْدِ بَعْضِ نِسَائِهِ فِي زَمَانِهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ أَوْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالِانْتِشَارِ فِيهِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ جَازَ، وَإِنْ خَرَجَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اللَّيْلِ وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ عَادَ لَمْ يَقْضِ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا هَذَا الْوَقْتَ لِلْمُسَامَحَةِ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَضَائِهِ لِقِصَرِهِ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُ خُرُوجِهِ قَضَاهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِعُذْرٍ أَمْ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ لَا يُسْمَحُ بِهِ عَادَةً، فَيَكُونُ حَقُّهَا قَدْ فَاتَ بِغَيْبَتِهِ عَنْهَا، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ وَلَوْ بِعُذْرٍ إِلاَّ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ..فَوَجَبَ الْقَضَاءُ.

وَلَيْسَ لِهَذَا الزَّوْجِ دُخُولٌ فِي نَوْبَةِ زَوْجَةٍ عَلَى غَيْرِهَا لَيْلًا، لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ، إِلاَّ لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ وَشِدَّةِ الطَّلْقِ وَخَوْفِ النَّهْبِ وَالْحَرْقِ، وَحِينَئِذٍ إِنْ طَالَ مُكْثُهُ عُرْفًا قَضَى لِصَاحِبَةِ النَّوْبَةِ مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا مِثْلَ مُكْثِهِ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ فَلَا يَقْضِي، وَإِذَا تَعَدَّى بِالدُّخُولِ قَضَى إِنْ طَالَ مُكْثُهُ وَإِلاَّ فَلَا قَضَاءَ، وَأَثِمَ.

وَإِنْ دَخَلَ الزَّوْجُ فِي نَوْبَةِ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ عَلَى غَيْرِهَا نَهَارًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِيهِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي اللَّيْلِ، فَيَدْخُلُ لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ كَتَسْلِيمِ نَفَقَةٍ وَتَعَرُّفِ خَبَرٍ وَعِيَادَةٍ.لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَلَّ يَوْمٌ إِلاَّ وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا» فَإِذَا دَخَلَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ عَنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَمْ يُجَامِعْ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ، أَيْ يَجُوزُ لَهُ تَطْوِيلُ الْمُكْثِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ عَدَمِ تَطْوِيلِ الْمُكْثِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْحَاجَةِ كَابْتِدَاءِ دُخُولٍ لِغَيْرِهَا وَهُوَ حَرَامٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إِذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ.

وَفِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ يَجِبُ قَضَاءُ الْمُدَّةِ- إِنْ طَالَتْ- دُونَ الْجِمَاعِ، وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إِذَا طَالَتْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إِذَا طَالَتْ فَوْقَ الْحَاجَةِ.

وَالصَّحِيحُ- عِنْدَهُمْ- أَيْضًا أَنَّ لَهُ مَا سِوَى الْوَطْءِ مِنِ اسْتِمْتَاعٍ.لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْوَطْءُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ لَيْلًا أَمْ نَهَارًا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَطَالَ الْمَقَامَ عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ قَضَاهُ، وَإِنِ اسْتَمْتَعَ بِهَا بِمَا دُونَ الْفَرْجِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا بِهِ السَّكَنُ، وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَجَامَعَهَا فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ- لَيْلًا أَوْ نَهَارًا- فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُسْتَحَقُّ فِي الْقَسْمِ، وَالزَّمَنُ الْيَسِيرُ لَا يُقْضَى.وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهُ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمَظْلُومَةِ فِي لَيْلَةِ الْمُجَامَعَةِ فَيُجَامِعَهَا فَيَعْدِلَ بَيْنَهُمَا.وَلِأَنَّ الْيَسِيرَ مَعَ الْجِمَاعِ يَحْصُلُ بِهِ السَّكَنُ فَأَشْبَهَ الْكَثِيرَ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَلْزَمُ الزَّوْجَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي اللَّيْلِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ لِلْأُولَى بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلِلثَّانِيَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَقَدْ تَرَكَ الْقَسْمَ، وَلَا يُجَامِعُهَا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إِلاَّ لِعِيَادَتِهَا، وَلَوِ اشْتَدَّ مَرَضُهَا- فَفِي الْجَوْهَرَةِ- لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ، يَعْنِي إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يُؤْنِسُهَا.

وَالنَّوْبَةُ لَا تَمْنَعُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْأُخْرَى لِيَنْظُرَ فِي حَاجَتِهَا وَيُمَهِّدَ أُمُورَهَا، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِرِضَاءِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ إِذْ قَدْ تَتَضِيقُ لِذَلِكَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَدْخُلُ الزَّوْجُ فِي يَوْمِ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ عَلَى ضَرَّتِهَا، أَيْ يُمْنَعُ، إِلاَّ لِحَاجَةٍ غَيْرِ الِاسْتِمْتَاعِ كَمُنَاوَلَةِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ لَهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِيهَا عَلَى الْأَشْبَهِ بِالْمَذْهَبِ.وَلِمَالِكٍ لَا بُدَّ مِنْ عُسْرِ الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا، وَعَمَّمَ ابْنُ نَاجِي دُخُولَهُ لِحَاجَةٍ فِي النَّهَارِ وَاللَّيْلِ مُخَالِفًا لِشَيْخِهِ فِي تَخْصِيصِ الْجَوَازِ بِالنَّهَارِ، وَلِلزَّوْجِ وَضْعُ ثِيَابِهِ عِنْدَ وَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى لِغَيْرِ مَيْلٍ وَلَا إِضْرَارٍ، وَلَا يُقِيمُ عِنْدَ مَنْ دَخَلَ عِنْدَهَا إِلاَّ لِعُذْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَجَازَ فِي يَوْمِهَا وَطْءُ ضَرَّتِهَا بِإِذْنِهَا، وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ السَّلَامُ بِالْبَابِ مِنْ خَارِجِهِ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا، وَتَفَقُّدُ شَأْنِهَا مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ إِلَيْهَا وَلَا جُلُوسٍ عِنْدَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا بَعَثَتْ إِلَيْهِ بِالْبَابِ لَا فِي بَيْتِ الْأُخْرَى لِمَا فِيهِ مِنْ أَذِيَّتِهَا.

ذَهَابُ الزَّوْجِ إِلَى زَوْجَاتِهِ وَدَعْوَتُهُنَّ إِلَيْهِ:

21- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ- فِي الْجُمْلَةِ- عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى فِي حَالَةِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ مَسْكَنٌ يَأْتِيهَا الزَّوْجُ فِيهِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ كَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ فِي بُيُوتِهِنَّ؛ وَلِأَنَّهُ أَصْوَنُ وَأَسْتَرُ حَتَّى لَا تَخْرُجَ النِّسَاءُ مِنْ بُيُوتِهِنَّ، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ- إِنِ انْفَرَدَ بِمَسْكَنٍ- أَنْ يَدْعُوَ إِلَيْهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَاتِهِ فِي لَيْلَتِهَا لِيُوفِيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ.

لَكِنَّ لِلْفُقَهَاءِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ تَفْصِيلًا يَحْسُنُ عَرْضُهُ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ مَرِضَ الزَّوْجُ فِي بَيْتِهِ دَعَا كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي نَوْبَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا وَأَرَادَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: جَازَ لِلزَّوْجِ بِرِضَاءِ زَوْجَاتِهِ طَلَبُهُ مِنْهُنَّ الْإِتْيَانَ لِلْبَيَاتِ مَعَهُ بِمَحَلِّهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ هَذَا إِذِ السُّنَّةُ دَوَرَانُهُ هُوَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ لِفِعْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-، فَإِنْ رَضِيَ بَعْضُهُنَّ لَمْ يَلْزَمْ بَاقِيَهُنَّ، بَلْ نَصَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَدُورَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَأْتِينَهُ إِلاَّ أَنْ يَرْضَيْنَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَنْفَرِدِ الزَّوْجُ بِمَسْكَنٍ وَأَرَادَ الْقَسْمَ دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ تَوْفِيَةً لِحَقِّهِنَّ، وَإِنِ انْفَرَدَ بِمَسْكَنٍ فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ إِلَيْهِنَّ صَوْنًا لَهُنَّ، وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ بِمَسْكَنِهِ، وَعَلَيْهِنَّ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُ، فَمَنِ امْتَنَعَتْ وَقَدْ لَاقَ مَسْكَنُهُ بِهَا فِيمَا يَظْهَرُ فَهِيَ نَاشِزَةٌ إِلاَّ ذَاتُ خَفَرٍ- قَالَ الشَّبْرَامِلْسِيُّ: أَيْ شَرَفٍ- لَمْ تَعْتَدِ الْبُرُوزَ فَيَذْهَبُ لَهَا كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِلاَّ نَحْوُ مَعْذُورَةٍ بِمَرَضٍ فَيَذْهَبُ أَوْ يُرْسِلُ لَهَا مَرْكَبًا إِنْ أَطَاقَتْ مَعَ مَا يَقِيهَا مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ.

وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إِلَى بَعْضِهِنَّ وَدُعَاءُ غَيْرِهِنَّ إِلَى مَسْكَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيحَاشِ، وَلِمَا فِي تَفْضِيلِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، مِنْ تَرْكِ الْعَدْلِ، إِلاَّ لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إِلَيْهَا، أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا لِنَحْوِ شَبَابٍ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يَحْرُمُ.وَالضَّابِطُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ التَّفْضِيلُ وَالتَّخْصِيصُ، وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ وَيَدْعُوَ الْبَاقِيَاتِ إِلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هِيَ فِيهِ حَالَ دُعَائِهِنَّ، فَإِنْ أَجَبْنَ فَلَهَا الْمَنْعُ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مِلْكَ الزَّوْجِ لِأَنَّ حَقَّ السُّكْنَى فِيهِ لَهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اتَّخَذَ الزَّوْجُ لِنَفْسِهِ مَسْكَنًا غَيْرَ مَسَاكِنِ زَوْجَاتِهِ يَدْعُو إِلَيْهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي لَيْلَتِهَا وَيَوْمِهَا وَيُخْلِيهِ مِنْ ضَرَّتِهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ زَوْجَتِهِ حَيْثُ شَاءَ بِمَسْكَنٍ يَلِيقُ بِهَا، وَلَهُ دُعَاءُ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ إِلَى مَسْكَنِهِ وَالذَّهَابُ إِلَى مَسْكَنِ غَيْرِهِنَّ مِنَ الزَّوْجَاتِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنِ امْتَنَعَتْ مَنْ دَعَاهَا عَنْ إِجَابَتِهِ وَكَانَ مَا دَعَاهَا إِلَيْهِ مَسْكَنَ مِثْلِهَا سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْقَسْمِ لِنُشُوزِهَا، وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ وَدَعَا الْبَاقِيَاتِ إِلَى بَيْتِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِنَّ الْإِجَابَةُ لِمَا بَيْنَهُنَّ مِنْ غَيْرَةٍ وَالِاجْتِمَاعُ يُزِيدُهَا.

الْقُرْعَةُ لِلسَّفَرِ:

22- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ السَّفَرَ بِإِحْدَى زَوْجَاتِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا سَائِرِ الزَّوْجَاتِ أَوِ الْقُرْعَةِ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ السَّفَرَ بِمَنْ شَاءَ مِنْ زَوْجَاتِهِ دُونَ قُرْعَةٍ أَوْ رِضَا سَائِرِ الزَّوْجَاتِ، لَكِنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ تَفْصِيلًا: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا حَقَّ لِلزَّوْجَاتِ فِي الْقَسْمِ حَالَةَ السَّفَرِ، فَيُسَافِرُ الزَّوْجُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ.

وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَيُسَافِرَ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا، تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَثِقُ بِإِحْدَى الزَّوْجَاتِ فِي السَّفَرِ وَبِالْأُخْرَى فِي الْحَضَرِ وَالْقَرَارُ فِي الْمَنْزِلِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَقَدْ يَمْنَعُ مِنْ سَفَرِ إِحْدَاهُنَّ كَثْرَةُ سِمَنِهَا مَثَلًا، فَتَعْيِينُ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا فِي السَّفَرِ لِلسَّفَرِ لِخُرُوجِ قُرْعَتِهَا إِلْزَامٌ لِلضَّرَرِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالنَّافِي لِلْحَرَجِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسَافِرَ بِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ اخْتَارَ مَنْ تَصْلُحُ لِإِطَاقَتِهَا السَّفَرَ أَوْ لِخِفَّةِ جِسْمِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا لِمَيْلِهِ إِلَيْهَا، إِلاَّ فِي سَفَرِ الْحَجِّ وَالْغَزْوِ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُنَّ لِأَنَّ الْمُشَاحَّةَ تَعْظُمُ فِي سَفَرِ الْقُرُبَاتِ، وَشَرْطُ الْإِقْرَاعِ صَلَاحُ جَمِيعِهِنَّ لِلسَّفَرِ، وَمَنِ اخْتَارَ سَفَرَهَا أَوْ تَعَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ أُجْبِرَتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهَا أَوْ يَكُونُ سَفَرُهَا مَعَرَّةً عَلَيْهَا، وَمَنْ أَبَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا.

وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِبَعْضِ زَوْجَاتِهِ- وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ- إِلاَّ بِرِضَاءِ سَائِرِهِنَّ أَوْ بِالْقُرْعَةِ، وَذَلِكَ فِي الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ الْمُبِيحَةِ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا فِي الْأَسْفَارِ الْقَصِيرَةِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَالُوا: لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَ زَوْجَاتِهِ بِالْقُرْعَةِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُقِيمِ تَخْصِيصُ بَعْضِهِنَّ بِالْقُرْعَةِ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى لِلْبَوَاقِي.

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى وُجُوبِ الْقُرْعَةِ لِتَعْيِينِ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ لِلسَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ بِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ»، كَمَا اسْتَدَلُّوا عَلَى الْقُرْعَةِ لِتَعْيِينِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لِلسَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ» وَقَالُوا: إِنَّ الْمُسَافَرَةَ بِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ تَفْضِيلٌ لِمَنْ سَافَرَ بِهَا فَلَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ.

وَقَالُوا: إِذَا سَافَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ سَوَّى بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ فِي السَّفَرِ كَمَا يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْحَضَرِ.

وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَى الزَّوْجَاتِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الزَّوْجِ السَّفَرُ بِهَا، وَلَهُ تَرْكُهَا وَالسَّفَرُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُوجِبُ وَإِنَّمَا تُعَيِّنُ مَنْ تَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ، وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِغَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالْقُرْعَةِ فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ سَقَطَ حَقُّهَا إِذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِامْتِنَاعِهَا فَلَهُ إِكْرَاهُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إِجَابَتُهُ، فَإِنْ رَضِيَ بِامْتِنَاعِهَا اسْتَأْنَفَ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الْبَوَاقِي لِتَعْيِينِ مَنْ تُسَافِرُ مَعَهُ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ إِنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا مِنَ الزَّوْجَاتِ جَازَ إِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فَصَحَّتْ هِبَتُهَا لَهُ كَمَا لَوْ وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا فِي الْحَضَرِ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَسْقُطُ إِلاَّ بِرِضَاهُ، وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ أَوْ لِسَائِرِ الزَّوْجَاتِ جَازَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ رَضِيَتِ الزَّوْجَاتُ كُلُّهُنَّ بِسَفَرِ وَاحِدَةٍ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ إِلاَّ أَنْ لَا يَرْضَى الزَّوْجُ بِهَا فَيُصَارُ إِلَى الْقُرْعَةِ، وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَاتِ إِنْ رَضِينَ بِوَاحِدَةٍ فَلَهُنَّ الرُّجُوعُ قَبْلَ سَفَرِهَا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا بَعْدَهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، أَيْ يَصِلُ إِلَيْهَا.

وَقَالُوا: لَوْ أَقْرَعَ الزَّوْجُ بَيْنَ نِسَائِهِ عَلَى سَفَرٍ فَخَرَجَ سَهْمُ وَاحِدَةٍ فَخَرَجَ بِهَا، ثُمَّ أَرَادَ سَفَرًا آخَرَ قَبْلَ رُجُوعِهِ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالسَّفَرِ الْوَاحِدِ، مَا لَمْ يَرْجِعْ، فَإِذَا رَجَعَ فَأَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ.

وَقَالُوا: لَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَوْ أَكْثَرَ بِقُرْعَةٍ أَوْ بِرِضَاهُنَّ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِلْحَاضِرَاتِ، سَوَاءٌ طَالَ سَفَرُهُ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّ الَّتِي سَافَرَ بِهَا يَلْحَقُهَا مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهَا مِنَ السَّكَنِ، وَلَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ السَّكَنِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِمَنْ فِي الْحَضَرِ، أَيْ أَنَّ الْمُقِيمَةَ فِي الْحَضَرِ الَّتِي لَمْ تُسَافِرْ مَعَ زَوْجِهَا وَإِنْ فَاتَهَا حَظُّهَا مِنْ زَوْجِهَا أَثْنَاءَ سَفَرِهِ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الزَّوْجَاتِ، فَقَدْ تَرَفَّهَتْ بِالدَّعَةِ وَالْإِقَامَةِ فَتَقَابَلَ الْأَمْرَانِ فَاسْتَوَيَا، وَلَوْ سَافَرَ الزَّوْجُ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ زَوْجَاتِهِ دُونَ رِضَاهُنَّ أَوِ الْقُرْعَةِ أَثِمَ، وَقَضَى لِلْأُخْرَيَاتِ مُدَّةَ السَّفَرِ.

وَقَالُوا: إِنْ خَرَجَ بِإِحْدَاهُنَّ بِقُرْعَةٍ ثُمَّ أَقَامَ قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ، وَذَلِكَ إِذَا سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ، أَمَّا إِذَا اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي.

وَقَالُوا: مَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ، بَلْ يَنْقُلَهُنَّ أَوْ يُطَلِّقَهُنَّ، وَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ بِنِسَائِهِ فَأَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُهُنَّ كُلُّهُنَّ فِي سَفَرِهِ فَعَلَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِفْرَادُ إِحْدَاهُنَّ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدَةٍ بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلِ جَمِيعِهِنَّ، فَإِنْ خَصَّ إِحْدَاهُنَّ بِالسَّفَرِ مَعَهُ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ صُحْبَةُ جَمِيعِهِنَّ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَبَعَثَ بِهِنَّ جَمِيعًا مَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مَحْرَمٌ لَهُنَّ جَازَ، وَلَا يَقْضِي لِأَحَدٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى قُرْعَةٍ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُنَّ، وَإِنْ أَرَادَ إِفْرَادَ بَعْضِهِنَّ بِالسَّفَرِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ إِلاَّ بِقُرْعَةٍ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ فَأَقَامَتْ مَعَهُ فِيهِ قَضَى لِلْبَاقِيَاتِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ السَّفَرَ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ هُوَ السَّفَرُ الْمُبَاحُ، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ فِيهِ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، فَإِنْ فَعَلَ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلزَّوْجَاتِ الْبَاقِيَاتِ.

قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنَ الْقَسْمِ:

23- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ جَارَ الزَّوْجُ وَفَوَّتَ عَلَى إِحْدَاهُنَّ قَسْمَهَا فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَضَاءِ مَا فَاتَ مِنَ الْقَسْمِ: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَا يَقْضِي الزَّوْجُ الْمَبِيتَ الَّذِي كَانَ مُسْتَحَقًّا لِإِحْدَى زَوْجَاتِهِ وَلَمْ يُوفِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْمَبِيتِ دَفْعُ الضَّرَرِ وَتَحْصِينُ الْمَرْأَةِ وَإِذْهَابُ الْوَحْشَةِ، وَهَذَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ زَمَنِهِ، فَلَا يُجْعَلُ لِمَنْ فَاتَتْ لَيْلَتُهَا لَيْلَةً عِوَضًا عَنْهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَظْلِمُ صَاحِبَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي جَعَلَهَا عِوَضًا؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيتَ لَا يَزِيدُ عَلَى النَّفَقَةِ وَهِيَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَ مِنَ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ جَانِبِهَا كَنُشُوزِهَا أَوْ إِغْلَاقِهَا بَابَهَا دُونَهُ وَمَنْعِهَا إِيَّاهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي نَوْبَتِهَا.

وَأَسْبَابُ فَوَاتِ الْقَسْمِ مُتَعَدِّدَةٌ: فَقَدْ يُسَافِرُ الزَّوْجُ بِإِحْدَى الزَّوْجَاتِ فَيَفُوتُ الْقَسْمُ لِسَائِرِهِنَّ.وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ الْقَضَاءِ لَهُنَّ تَفْصِيلًا.

وَقَدْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ أَثْنَاءَ دَوْرَةِ الْقَسْمِ لِزَوْجَاتِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُوفِيَ نَوْبَاتِ الْقَسْمِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُنَّ، فَيَقْطَعَ الدَّوْرَةَ لِيَخْتَصَّ الزَّوْجَةَ الْجَدِيدَةَ بِقَسْمِ النِّكَاحِ، مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَاتُ نَوْبَةِ مَنْ لَمْ يَأْتِ دَوْرُهَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ لَهَا.وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ.

وَقَدْ يَفُوتُ قَسْمُ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ بِسَفَرِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: قَالُوا: إِنْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِحَاجَتِهَا أَوْ حَاجَتِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا قَسْمَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ لِلْأُنْسِ وَقَدِ امْتَنَعَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا فَسَقَطَ، وَإِنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ أَوْ حَاجَتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهَا مَا فَاتَهَا بِحَسَبِ مَا أَقَامَ عِنْدَ ضَرَّتِهَا لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ وَلِغَرَضِهِ، فَهِيَ كَمَنْ عِنْدَهُ وَفِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ نَفْسَهُ بِإِرْسَالِهَا، وَإِنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ لِغَرَضِهَا أَوْ حَاجَتِهَا لَا يَقْضِي لَهَا (عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي الْجَدِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ حَقَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَلَمْ تَكُنْ فِي قَبْضَتِهِ، وَإِذْنُهُ لَهَا بِالسَّفَرِ رَافِعٌ لِلْإِثْمِ خَاصَّةً.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ سَافَرَتْ لِحَاجَةِ ثَالِثٍ- غَيْرِهَا وَغَيْرِ الزَّوْجِ- قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَحَاجَةِ نَفْسِهَا، وَهُوَ- كَمَا قَالَ غَيْرُهُ- ظَاهِرٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهَا بِسُؤَالِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ، وَإِلاَّ فَيُلْحَقُ بِخُرُوجِهَا لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ، وَلَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا مَعًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ وَمِثْلُهَا الْقَسْمُ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنَ السُّقُوطِ

وَقَدْ يَفُوتُ قَسْمُ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ بِتَخَلُّفِ الزَّوْجِ عَنِ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا فِي نَوْبَتِهَا أَوْ بِخُرُوجِهِ أَثْنَاءَ نَوْبَتِهَا، فَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ لِلنَّوْبَةِ بِكَامِلِهَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا كَامِلَةً، وَإِنْ كَانَ الْفَوَاتُ لِبَعْضِ النَّوْبَةِ كَأَنْ خَرَجَ لَيْلًا- فِيمَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ اللَّيْلُ- وَطَالَ زَمَنُ خُرُوجِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ بَيْتِ الضَّرَّةِ.فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ.

تَنَازُلُ الزَّوْجَةِ عَنْ قَسْمِهَا:

24- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِإِحْدَى زَوْجَاتِ الرَّجُلِ أَنْ تَتَنَازَلَ عَنْ قَسْمِهَا، أَوْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ لِزَوْجِهَا أَوْ لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا أَوْ لَهُنَّ جَمِيعًا، وَذَلِكَ بِرِضَا الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَا يَسْقُطُ إِلاَّ بِرِضَاهُ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إِسْقَاطَ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُمَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، فَإِنْ أَبَتِ الْمَوْهُوبَةُ قَبُولَ الْهِبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا مَنَعَتْهُ الْمُزَاحَمَةُ بِحَقِّ صَاحِبَتِهَا، فَإِنْ زَالَتِ الْمُزَاحَمَةُ بِهِبَتِهَا ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَإِنْ كَرِهَتْ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ- رضي الله عنها- وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ- رضي الله عنها-، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ».

وَيُعَلِّقُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْهِبَةِ بِقَوْلِهِمْ: هَذِهِ الْهِبَةُ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَوْهُوبِ لَهَا أَوْ رِضَاهَا، بَلْ يَكْفِي رِضَا الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاهِبَةِ وَبَيْنِهِ، إِذْ لَيْسَ لَنَا هِبَةٌ يُقْبَلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ إِلاَّ هَذِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا لِجَمِيعِ ضَرَائِرِهَا، وَوَافَقَ الزَّوْجُ، صَارَ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْوَاهِبَةَ، وَإِنْ وَهَبَتْهَا لِلزَّوْجِ فَلَهُ جَعْلُهَا لِمَنْ شَاءَ: إِنْ أَرَادَ جَعْلَهَا لِلْجَمِيعِ، أَوْ خَصَّ بِهَا وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، أَوْ جَعَلَ لِبَعْضِهِنَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ.

وَقِيلَ- عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّيْلَةَ الْمَوْهُوبَةَ لَهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ بَقِيَّةِ الزَّوْجَاتِ، بَلْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ وَلَا يُخَصِّصُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يُورِثُ الْوَحْشَةَ وَالْحِقْدَ، فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ كَالْمَعْدُومَةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ أَنَّ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ لَوْ وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا لِلزَّوْجِ وَلِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ، أَوْ لَهُ وَلِلْجَمِيعِ، فَإِنَّ حَقَّهَا يُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ، كَمَا لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ عَيْنًا لِجَمَاعَةٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ وَهَبَتْ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ لَيْلَتَهَا لِوَاحِدَةٍ جَازَ، ثُمَّ إِنْ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ تَلِي لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ وَالَى بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلِيهَا لَمْ يَجُزِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِرِضَاءِ الْبَاقِيَاتِ، وَيَجْعَلُهَا لَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ لِلْوَاهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْوَاهِبَةِ فِي لَيْلَتِهَا فَلَمْ يَجُزْ تَغْيِيرُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً لِلْوَاهِبَةِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْخِيرَ حَقِّ غَيْرِهَا وَتَغْيِيرًا لِلَيْلَتِهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا وَهَبَتْهَا لِلزَّوْجِ فَآثَرَ بِهَا امْرَأَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّفْرِيقِ.

وَلِلزَّوْجَةِ الْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ فَإِذَا رَجَعَتِ انْصَرَفَ الرُّجُوعُ مِنْ حِينِهِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ فِيمَا مَضَى لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ، وَلَوْ رَجَعَتْ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَتَمَّ اللَّيْلَةَ لَمْ يَقْضِ لَهَا شَيْئًا لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهَا.

وَنَصَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا يُوَافِقُ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ.

الْعِوَضُ لِلتَّنَازُلِ عَنِ الْقَسْمِ:

25- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَخْذِ الزَّوْجَةِ الْمُتَنَازِلَةِ عَنْ قَسْمِهَا عِوَضًا عَلَى ذَلِكَ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، لَا مِنَ الزَّوْجِ وَلَا مِنَ الضَّرَائِرِ، فَإِنْ أَخَذَتْ لَزِمَهَا رَدُّهُ وَاسْتَحَقَّتِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ قَسْمِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ؛ وَلِأَنَّ مَقَامَ الزَّوْجِ عِنْدَهَا لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَلَكَتْهَا.

وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ الْمَالِ مِثْلَ إِرْضَاءِ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ عَنْهَا جَازَ فَإِنَّ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَرْضَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَفِيَّةَ- رضي الله عنها- وَأَخَذَتْ يَوْمَهَا، وَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يُنْكِرْهُ.

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ سَائِرِ حُقُوقِهَا مِنَ الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَلَى ذَلِكَ جَائِزٌ، فَقَالُوا: جَازَ لِلزَّوْجِ إِيثَارُ إِحْدَى الضَّرَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى بِرِضَاهَا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ ضَرَّتِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، أَوْ لَا، بَلْ رَضِيَتْ مَجَّانًا، وَجَازَ لِلزَّوْجِ أَوِ الضَّرَّةِ شِرَاءُ يَوْمِهَا مِنْهَا بِعِوَضٍ، وَتَخْتَصُّ الضَّرَّةُ بِمَا اشْتَرَتْ، وَيَخُصُّ الزَّوْجُ مَنْ شَاءَ بِمَا اشْتَرَى، وَعَقَّبَ الدُّسُوقِيُّ بِقَوْلِهِ: وَتَسْمِيَةُ هَذَا شِرَاءً مُسَامَحَةٌ، بَلْ هَذَا إِسْقَاطُ حَقٍّ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَمَوَّلًا.

مَا يَسْقُطُ بِهِ الْقَسْمُ:

26- يَسْقُطُ حَقُّ الزَّوْجَةِ فِي الْقَسْمِ بِإِسْقَاطِهَا وَيَسْقُطُ بِالنُّشُوزِ كَمَا تَسْقُطُ بِهِ النَّفَقَةُ.وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَمِنَ النُّشُوزِ أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوْ تَمْنَعَهُ مِنَ التَّمَتُّعِ بِهَا.قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ بِنَحْوِ قُبْلَةٍ وَإِنْ مَكَّنَتْهُ مِنَ الْجِمَاعِ حَيْثُ لَا عُذْرَ فِي امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، فَإِنْ عُذِرَتْ كَأَنْ كَانَ بِهِ صُنَانٌ مُسْتَحْكِمٌ- مَثَلًا- وَتَأَذَّتْ بِهِ تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لَمْ تُعَدَّ نَاشِزَةً، وَتُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إِنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى كَذِبِهَا.وَسُقُوطُ حَقِّ النَّاشِزَةِ فِي الْقَسْمِ لِأَنَّهَا بِخُرُوجِهَا عَلَى طَاعَةِ زَوْجِهَا وَامْتِنَاعِهَا مِنْهُ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا فِي الْقَسْمِ.

وَلَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ زَوْجَةٌ صَغِيرَةٌ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، وَكَذَا الْمَجْنُونَةُ غَيْرُ الْمَأْمُونَةِ، وَالْمَحْبُوسَةُ؛ لِأَنَّ فِي إِلْزَامِ زَوْجِهَا بِالْقَسْمِ لَهَا إِضْرَارًا بِهِ حَيْثُ يَدْخُلُ الْحَبْسَ مَعَهَا لِيُوفِيَهَا قَسْمَهَا، وَالزَّوْجَةُ الْمُسَافِرَةُ لِحَاجَتِهَا وَحْدَهَا بِإِذْنِ زَوْجِهَا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


48-موسوعة الفقه الكويتية (كذب)

كَذِب

التَّعْرِيفُ:

1- الْكَذِبُ لُغَةً: الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ، سَوَاءٌ فِيهِ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ.

وَلَا يَخْرُجُ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّزْوِيرُ:

2- التَّزْوِيرُ فِي اللُّغَةِ: تَزْيِينُ الْكَذِبِ، وَزَوَّرْتُ الْكَلَامَ فِي نَفْسِي: هَيَّأْتُهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَحْسِينُ الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ.

وَبَيْنَ الْكَذِبِ وَالتَّزْوِيرِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، فَالتَّزْوِيرُ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الْقَوْلِ.

(ر: تَزْوِيرٌ ف 1).

وَالْكَذِبُ قَدْ يَكُونُ مُزَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُزَيَّنٍ، وَالتَّزْوِيرُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الْكَذِبِ الْمُمَوَّهِ.

ب- الِافْتِرَاءُ:

3- الِافْتِرَاءُ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ: الْكَذِبُ وَالِاخْتِلَاقُ، قَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أَيِ اخْتَلَقَهُ وَكَذَبَ بِهِ عَلَى اللَّهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْسَادِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْلَاحِ، كَالْكَذِبِ لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، أَمَّا الِافْتِرَاءُ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الْإِفْسَادِ (ر: افْتِرَاءٌ ف 1).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

4- الْأَصْلُ فِي الْكَذِبِ أَنَّهُ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ الذُّنُوبِ وَفَوَاحِشِ الْعُيُوبِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}.

وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا».

وَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: «كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ بِهِ كَاذِبٌ».

وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعَ النُّصُوصِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَلَى ذَلِكَ.

5- وَقَدْ يَكُونُ الْكَذِبُ مُبَاحًا أَوْ وَاجِبًا، فَالْكَلَامُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْمَقَاصِدِ، وَكُلُّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِ الْكَذِبِ يَحْرُمُ الْكَذِبُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ إِلاَّ بِالْكَذِبِ جَازَ الْكَذِبُ فِيهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْقَصْدِ مُبَاحًا كَانَ الْكَذِبُ مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا كَانَ الْكَذِبُ وَاجِبًا، كَمَا أَنَّ عِصْمَةَ دَمِ الْمُسْلِمِ وَاجِبَةٌ، فَإِذَا كَانَ فِي الصِّدْقِ سَفْكُ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قَدِ اخْتَفَى مِنْ ظَالِمٍ فَالْكَذِبُ فِيهِ وَاجِبٌ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ مَا لَمْ يَخْشَ التَّبَيُّنَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ شَدِيدٌ لَا يُحْتَمَلُ.

وَإِذَا كَانَ لَا يَتِمُّ مَقْصُودُ الْحَرْبِ أَوْ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَوِ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلاَّ بِكَذِبٍ فَالْكَذِبُ فِيهِ مُبَاحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فَتَحَ بَابَ الْكَذِبِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُخْشَى أَنْ يَتَدَاعَى إِلَى مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِلَى مَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ، فَيَكُونُ الْكَذِبُ حَرَامًا إِلاَّ لِضَرُورَةٍ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ- رضي الله عنها-: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا»، وَوَرَدَ عَنْهَا: «لَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبِ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا»، فَهَذِهِ الثَّلَاثُ وَرَدَ فِيهَا صَرِيحُ الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي مَعْنَاهَا مَا عَدَاهَا إِذَا ارْتَبَطَ بِهِ مَقْصُودٌ صَحِيحٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.

فَأَمَّا مَا هُوَ صَحِيحٌ لَهُ فَمِثْلُ أَنْ يَأْخُذَهُ ظَالِمٌ وَيَسْأَلَهُ عَنْ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يُنْكِرَهُ، أَوْ يَأْخُذَهُ سُلْطَانٌ فَيَسْأَلَهُ عَنْ فَاحِشَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ارْتَكَبَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ، فَيَقُولَ: مَا زَنَيْتُ، مَا سَرَقْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وَذَلِكَ أَنَّ إِظْهَارَ الْفَاحِشَةِ فَاحِشَةٌ أُخْرَى، فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَحْفَظَ دَمَهُ وَمَالَهُ الَّذِي يُؤْخَذُ ظُلْمًا وَعِرْضَهُ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا.

وَأَمَّا عِرْضُ غَيْرِهِ فَبِأَنْ يُسْأَلَ عَنْ سِرِّ أَخِيهِ فَلَهُ أَنْ يُنْكِرَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْحَدَّ فِيهِ أَنَّ الْكَذِبَ مَحْذُورٌ، وَلَوْ صَدَقَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَوَلَّدَ مِنْهُ مَحْذُورٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَيَزِنَ بِالْمِيزَانِ الْقِسْطِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمَحْذُورَ الَّذِي يَحْصُلُ بِالصِّدْقِ أَشَدُّ وَقْعًا فِي الشَّرْعِ مِنَ الْكَذِبِ فَلَهُ أَنْ يَكْذِبَ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ أَهْوَنَ مِنْ مَقْصُودِ الصِّدْقِ فَيَجِبُ الصِّدْقُ، وَقَدْ يَتَقَابَلُ الْأَمْرَانِ بِحَيْثُ يَتَرَدَّدُ فِيهِمَا، وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَيْلُ إِلَى الصِّدْقِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ يُبَاحُ لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ، فَإِنْ شَكَّ فِي كَوْنِ الْحَاجَةِ مُهِمَّةً، فَالْأَصْلُ التَّحْرِيمُ، فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ.

وَلِأَجْلِ غُمُوضِ إِدْرَاكِ مَرَاتِبِ الْمَقَاصِدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْكَذِبِ مَا أَمْكَنَهُ، وَكَذَلِكَ مَهْمَا كَانَتِ الْحَاجَةُ لَهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ أَغْرَاضَهُ وَيَهْجُرَ الْكَذِبَ، فَأَمَّا إِذَا تَعَلَّقَ الْغَرَضُ بِغَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَامَحَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَالْإِضْرَارُ بِهِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي شَيْءٍ مُطْلَقًا، وَحَمَلُوا الْكَذِبَ الْمُرَادَ فِي حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ عَلَى التَّوْرِيَةِ وَالتَّعْرِيضِ، كَمَنْ يَقُولُ لِلظَّالِمِ: دَعَوْتُ لَكَ أَمْسِ، وَهُوَ يُرِيدُ قَوْلَهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَعِدُ امْرَأَتَهُ بِعَطِيَّةِ شَيْءٍ، وَيُرِيدُ إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَذِبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَسْقُطُ حَقًّا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ أَخْذُ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا.

تَغْلِيطُ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم-:

6- الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي لَا يُقَاوِمُهَا شَيْءٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ هُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: إِنَّ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كُفْرٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَدْ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ يُخْرِجُ عَنِ الْمِلَّةِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِمَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكَمَا يَحْرُمُ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّهُ يَحْرُمُ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رُوَاتِهِ وَوَضْعَهُ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ مُنْدَرِجٌ فِي جُمْلَةِ الْكَذَّابِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ».

وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ أَوْ ذِكْرَهُ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَذَا، أَوْ فَعَلَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يَقُلْ: قَالَ أَوْ فَعَلَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى وَشَبَهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ، بَلْ يَقُولُ: رُوِيَ عَنْهُ كَذَا أَوْ جَاءَ عَنْهُ كَذَا أَوْ يُرْوَى أَوْ يُذْكَرُ أَوْ يُحْكَى أَوْ يُقَالُ أَوْ بَلَغَنَا وَمَا أَشْبَهَهُ.وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ:

7- الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ وَتُسَمَّى الْغَمُوسَ وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُهَا الْإِنْسَانُ عَامِدًا عَالِمًا أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِيُحِقَّ بِهَا بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ حَقًّا.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (أَيْمَان ف 102- 114).

شَهَادَةُ الزُّورِ:

8- شَهَادَةُ الزُّورِ: هِيَ الشَّهَادَةُ بِالْكَذِبِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْبَاطِلِ مِنْ إِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَةُ الزُّورِ ف 1- 2).

الْكَذِبُ فِي الْمُزَاحِ:

9- الْكَذِبُ فِي الْمُزَاحِ حَرَامٌ كَالْكَذِبِ فِي غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ مِنَ الْمُزَاحَةِ، وَيَتْرُكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا»، وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي لأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا».

الْكَذِبُ فِي مُلَاعَبَةِ الصِّبْيَانِ:

10- يَنْبَغِي الْحَذَرُ مِنَ الْكَذِبِ فِي مُلَاعَبَةِ الصِّبْيَانِ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: وَمَا أَرَدْتَ أَنْ تُعْطِيَهُ؟ قَالَتْ: أُعْطِيَهُ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَمَّا إِنَّكَ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكَ كِذْبَةٌ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَالَ لِصَبِيٍّ تَعَالَ هَاكَ ثُمَّ لَمْ يُعْطِهِ فَهِيَ كِذْبَةٌ». الْكَذِبُ فِي الرُّؤْيَا:

11- حَذَّرَ الشَّارِعُ مِنَ الْكَذِبِ فِي الرُّؤْيَا وَنَهَى عَنْهُ، فَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مَا لَمْ يَقُلْ»، وَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ تَحَلَّمَ كَاذِبًا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعْرَتَيْنِ وَلَنْ يَعْقِدَ بَيْنَهُمَا»

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا اشْتَدَّ فِيهِ الْوَعِيدُ مَعَ أَنَّ الْكَذِبَ فِي الْيَقِظَةِ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مَفْسَدَةً مِنْهُ؛ إِذْ قَدْ تَكُونُ شَهَادَةً فِي قَتْلٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ أَخْذِ مَالٍ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي الْمَنَامِ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ أَرَاهُ مَا لَمْ يَرَهُ، وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ أَشَدُّ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ لقوله تعالى: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وَإِنَّمَا كَانَ الْكَذِبُ فِي الْمَنَامِ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ لِحَدِيثِ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»، وَمَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فَهُوَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنْ قِيلَ مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْيَاهُ فَفَسَّرَهَا الْعَابِرُ لَهُ أَيَلْزَمُهُ حُكْمُهَا؟ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي يُوسُفَ- عليه السلام- عِنْدَمَا قَالَ لِلسَّاقِي: إِنَّكَ تُرَدُّ عَلَى عَمَلِكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ سَقْيِ الْمَلِكِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ لِلْآخَرِ وَكَانَ خَبَّازًا: وَأَمَّا أَنْتَ فَتُدْعَى إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَتُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ، قَالَ الْخَبَّازُ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، قَالَ: رَأَيْتَ أَوْ لَمْ تَرَ {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}.

لِأَنَّهُ نَبِيٌّ وَتَعْبِيرُ النَّبِيِّ حُكْمٌ، وَقَدْ قَالَ: إِنَّهُ يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَأَوْجَدَ اللَّهُ مَا أَخْبَرَ كَمَا قَالَ تَحْقِيقًا لِنُبُوَّتِهِ.

مَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ:

12- إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي حَذَّرَ مِنْهَا الشَّارِعُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ وَتَغْيِيرِ مَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْتَسِبَ الْمَرْءُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يَدَّعِيَ ابْنًا لَيْسَ ابْنَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَاهُ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ»، وَالْكُفْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ لَهُ تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِلِّ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ أَبِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُفْرُ الَّذِي يُخْرِجُ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِمَنْ يَنْفِي نَسَبَ ابْنِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ كَذِبَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَسَبٌ، اسْتِلْحَاقٌ ف 2). الْكَذِبُ فِي الْبَيْعِ وَالْغِشُّ فِيهِ:

13- مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ فِي الْأَسْوَاقِ الْكَذِبُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَإِخْفَاءُ الْعَيْبِ فَمَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِعَشَرَةٍ وَأَرْبَحُ فِيهَا كَذَا، وَكَانَ كَاذِبًا فَهُوَ فَاسِقٌ، وَعَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يُخْبِرَ الْمُشْتَرِيَ بِكَذِبِهِ، فَإِنْ سَكَتَ مُرَاعَاةً لِقَلْبِ الْبَائِعِ كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِي الْإِثْمِ وَعَصَى بِسُكُوتِهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (غِشٌّ ف 5).

غِشُّ الْوَالِي رَعِيَّتَهُ وَكَذِبُهُ عَلَيْهِمْ:

14- غِشُّ الْوَالِي رَعِيَّتَهُ وَكَذِبُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَمَنْ قَلَّدَهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَرْعَاهُ عَلَيْهِمْ وَنَصَبَهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصَحَ لَهُمْ وَأَلاَّ يَغُشَّهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ صَادِقًا مَعَهُمْ، وَإِلاَّ اسْتَحَقَّ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»، وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا يَسْتَرْعِي اللَّهُ عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». وَعَنْهُ- رضي الله عنه- سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ»، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إِذَا خَانَ الْأَمِيرُ فِيمَا أُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَنْصَحْ فِيمَا قَلَّدَهُ إِمَّا بِتَضْيِيعِهِ تَعْرِيفَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ دِينِهِمْ، وَأَخْذِهِمْ بِهِ، وَإِمَّا بِالْقِيَامِ بِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ شَرَائِعِهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهَا لِكُلِّ مُتَصَدٍّ بِإِدْخَالِ دَاخِلَةٍ فِيهَا، أَوْ تَحْرِيفٍ لِمَعَانِيهَا أَوْ إِهْمَالِ حُدُودِهِمْ، أَوْ تَضْيِيعِ حُقُوقِهِمْ، أَوْ تَرْكِ حِمَايَةِ حَوْزَتِهِمْ وَمُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِمْ أَوْ تَرْكِ سِيرَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ فَقَدْ غَشَّهُمْ، وَقَدْ نَبَّهَ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَةِ الْمُبْعِدَةِ عَنِ الْجَنَّةِ.وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

التَّحَدُّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ:

15- نَهَى الشَّارِعُ أَنْ يُحَدِّثَ الْمَرْءُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَفِي هَذَا الزَّجْرُ عَنِ التَّحَدُّثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ الْإِنْسَانُ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لِإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْكَذِبَ: الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ، لَكِنَّ التَّعَمُّدَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ إِثْمًا.

الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْكَذِبِ بِالْمَعَارِيضِ:

16- نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ، قَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُلَ عَنِ الْكَذِبِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِذَلِكَ إِذَا اضْطُرَّ الْإِنْسَانُ إِلَى الْكَذِبِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ وَلَا التَّصْرِيحُ جَمِيعًا، وَلَكِنَّ التَّعْرِيضَ أَهْوَنُ.

وَمِثَالُ التَّعْرِيضِ: مَا رُوِيَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ- رضي الله عنه- كَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ- رضي الله عنه- فَلَمَّا رَجَعَ قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا جِئْتَ بِهِ مِمَّا أَتَى بِهِ الْعُمَّالُ إِلَى أَهْلِهِمْ؟ وَمَا كَانَ قَدْ أَتَاهَا بِشَيْءٍ، فَقَالَ: كَانَ عِنْدِي ضَاغِطٌ، قَالَتْ: كُنْتَ أَمِينًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه-، فَبَعَثَ عُمَرُ مَعَكَ ضَاغِطًا.وَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيْنَ نِسَائِهَا، وَاشْتَكَتْ عُمَرَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ دَعَا مُعَاذًا وَقَالَ: بَعَثْتُ مَعَكَ ضَاغِطًا؟ قَالَ: لَمْ أَجِدْ مَا أَعْتَذِرُ بِهِ إِلَيْهَا إِلاَّ ذَلِكَ، فَضَحِكَ عُمَرُ- رضي الله عنه- وَأَعْطَاهُ شَيْئًا، فَقَالَ: أَرْضِهَا بِهِ،

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (ضَاغِطًا) يَعْنِي رَقِيبًا، وَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَكَانَ النَّخَعِيُّ لَا يَقُولُ لِابْنَتِهِ: أَشْتَرِي لَكِ سُكَّرًا، بَلْ يَقُولُ: أَرَأَيْتِ لَوِ اشْتَرَيْتُ لَكِ سُكَّرًا؟ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَتَّفِقُ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا طَلَبَهُ مَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الدَّارِ قَالَ لِلْجَارِيَةِ: قَوْلِي لَهُ: اطْلُبْهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا تَقُولِي: لَيْسَ هُنَا كَيْ لَا يَكُونَ كَذِبًا.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فَلَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْهِيمٌ لِلْكَذِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ كَذِبًا فَهُوَ مَكْرُوهٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- رحمه الله- (، فَخَرَجْتُ وَعَلَيَّ ثَوْبٌ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا كَسَاكَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَكُنْتُ أَقُولُ: جَزَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا، فَقَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ اتَّقِ الْكَذِبَ وَمَا أَشْبَهَهُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى ظَنٍّ كَاذِبٍ لِأَجْلِ غَرَضِ الْمُفَاخَرَةِ، وَهَذَا غَرَضٌ بَاطِلٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

وَتُبَاحُ الْمَعَارِيضُ لِغَرَضٍ خَفِيفٍ كَتَطْيِيبِ قَلْبِ الْغَيْرِ بِالْمُزَاحِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «أَتَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهَا- صلى الله عليه وسلم-: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ، فَبَكَتْ فَقَالَ: إِنَّكِ لَسْتِ بِعَجُوزٍ يَوْمِئِذٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} » وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: «إِنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ أَيْمَنَ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي يَدْعُوكَ، قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ أَهُوَ الَّذِي بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ، فَقَالَ: بَلَى، إِنَّ بِعَيْنِهِ بَيَاضًا، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَبِعَيْنِهِ بَيَاضٌ» وَأَرَادَ بِهِ الْبَيَاضَ الْمُحِيطَ بِالْحَدَقَةِ.

وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَجُلًا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلاَّ النُّوقُ؟ وَكَانَ يَمْزَحُ بِهِ».

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


49-موسوعة الفقه الكويتية (مشقة)

مَشَقَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَشَقَّةُ فِي اللُّغَةِ: بِمَعْنَى الْجُهْدِ وَالْعَنَاءِ وَالشِّدَّةِ وَالثِّقَلِ، يُقَالُ: شَقَّ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَشُقُّ شَقًّا وَمَشَقَّةً إِذَا أَتْعَبَهُ وَمِنْهُ قوله تعالى: {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} مَعْنَاهُ: إِلاَّ بِجُهْدِ الْأَنْفُسِ، وَالشِّقُّ: الْمَشَقَّةُ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: وَشَقَّ الْأَمْرُ عَلَيْنَا يَشُقُّ مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْضًا فَهُوَ شَاقٌّ، وَشَقَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ يَشُقُّ شَقًّا وَمَشَقَّةً أَيْ ثَقُلَ عَلَيَّ وَالْمَشَقَّةُ اسْمٌ مِنْهُ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْحَرَجُ:

2- الْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ: بِمَعْنَى الضِّيقِ، وَحَرِجَ صَدْرُهُ حَرَجًا مِنْ بَابِ تَعِبَ: ضَاقَ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْحَرَجُ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ فَوْقَ الْمُعْتَادِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ هِيَ: أَنَّ الْحَرَجَ أَخَصُّ مِنَ الْمَشَقَّةِ.

ب- الرُّخْصَةُ:

3- الرُّخْصَةُ فِي اللُّغَةِ: الْيُسْرُ وَالسُّهُولَةُ يُقَالُ: رَخُصَ السِّعْرُ إِذَا تَرَاجَعَ وَسَهُلَ الشِّرَاءُ.

وَاصْطِلَاحًا: عِبَارَةٌ عَمَّا وُسِّعَ لِلْمُكَلَّفِ فِي فِعْلِهِ لِعُذْرٍ وَعَجْزٍ عَنْهُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ: كَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، وَجَوَازِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَالرُّخْصَةِ: هِيَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ سَبَبٌ لِلرُّخْصَةِ.

ج- الضَّرُورَةُ:

4- الضَّرُورَةُ اسْمٌ مِنَ الِاضْطِرَارِ.

وَفِي الشَّرْعِ: بُلُوغُ الْإِنْسَانِ حَدًّا إِنْ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْمَمْنُوعَ هَلَكَ أَوْ قَارَبَ.

وَالصِّلَةُ هِيَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ أَعَمُّ مِنَ الضَّرُورَةِ.

د- الْحَاجَةُ

5- الْحَاجَةُ تُطْلَقُ عَلَى الِافْتِقَارِ، وَعَلَى مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ مَعَ مَحَبَّتِهِ.

وَاصْطِلَاحًا: مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّوْسِعَةُ وَرَفْعُ الضِّيقِ الْمُؤَدِّي فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ اللاَّحِقَةِ بِفَوْتِ الْمَطْلُوبِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَاجَةِ أَنَّ الْحَاجَةَ وَإِنْ كَانَتْ حَالَةَ جُهْدٍ فَهِيَ دُونَ الْمَشَقَّةِ وَمَرْتَبَتُهَا أَدْنَى مِنْهَا.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَشَقَّةِ:

أَوَّلًا: أَوْجُهُ الْمَشَقَّةِ

6- يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَرُخَصٌ مُتَعَدِّدَةٌ، تَعْتَمِدُ عَلَى نَوْعِ الْمَشَقَّةِ وَدَرَجَتِهَا.

وَلَا تَخْلُو جَمِيعُ التَّكَالِيفِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ أَصْلًا، بَلْ إِنَّ التَّكْلِيفَ مَا سُمِّيَ بِهَذَا إِلاَّ لِأَنَّهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ، فَلَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنَ التَّكَالِيفِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي أَنَّ أَوْجُهَ الْمَشَقَّةِ أَرْبَعَةٌ.

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَشَقَّةُ مَا لَا يُطَاقُ

7- وَهِيَ الْمَشَقَّةُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى حَمْلِهَا أَصْلًا، فَهَذَا النَّوْعُ لَمْ يَرِدِ التَّكْلِيفُ بِهِ فِي الشَّرْعِ أَصْلًا، إِذْ لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِهِ شَرْعًا، وَإِنْ جَازَ عَقْلًا، فَتَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ يُسَمَّى مَشَقَّةً مِنْ حَيْثُ كَانَ تَكَلُّفُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِحَمْلِهِ مُوقِعًا فِي عَنَاءٍ وَتَعَبٍ لَا يُجْدِي، كَالْمُقْعَدِ إِذَا تَكَلَّفَ الْقِيَامَ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا تَكَلَّفَ الطَّيَرَانَ فِي الْهَوَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَحِينَ اجْتَمَعَ مَعَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الشَّاقُّ الْحَمْلُ إِذَا تَحَمَّلَ فِي نَفْسِ الْمَشَقَّةِ سُمِّيَ الْعَمَلُ شَاقًّا وَالتَّعَبُ فِي تَكَلُّفِ حَمْلِهِ مَشَقَّةٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: الْمَشَقَّةُ الَّتِي تُطَاقُ لَكِنْ فِيهَا شِدَّةٌ:

8- الْمَشَقَّةُ الَّتِي تُطَاقُ وَيُمْكِنُ احْتِمَالُهَا، لَكِنْ فِيهَا شِدَّةٌ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَكُونُ خَاصًّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَةِ، بِحَيْثُ يُشَوِّشُ عَلَى النَّفُوسِ فِي تَصَرُّفِهَا وَيُقْلِقُهَا فِي الْقِيَامِ بِمَا فِيهِ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ.

إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ مُخْتَصَّةً بِأَعْيَانِ الْأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ بِهَا، بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً لَوُجِدَتْ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ الرُّخَصُ الْمَشْهُورَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، كَالصَّوْمِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَكُونَ مُخْتَصَّةً وَلَكِنْ إِذَا نَظَرَ إِلَى كُلِّيَّاتِ الْأَعْمَالِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهَا صَارَتْ شَاقَّةً وَلَحِقَتِ الْمَشَقَّةُ الْعَامِلَ بِهَا، وَيُوجَدُ هَذَا فِي النَّوَافِلِ وَحْدَهَا إِذَا تَحَمَّلَ الْإِنْسَانُ مِنْهَا فَوْقَ مَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى وَجْهٍ مَا إِلاَّ أَنَّهُ فِي الدَّوَامِ يُتْعِبُهُ.

وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى التَّكْلِيفِ بِالشَّاقِّ وَالْإِعْنَاتِ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» وَإِنَّمَا قَالَتْ: «مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» لِأَنَّ تَرْكَ الْإِثْمِ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ مُجَرَّدَ تَرْكٍ إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ قَاصِدًا لِلْمَشَقَّةِ لَمَا كَانَ مُرِيدًا لِلْيُسْرِ وَلَا لِلتَّخْفِيفِ وَلَكَانَ مُرِيدًا لِلْحَرَجِ وَالْعُسْرِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.

كَمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ أَيْضًا مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الرُّخَصِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَمِمَّا عُلِمَ مِنْهُ دِينُ الْأُمَّةِ بِالضَّرُورَةِ: كَرُخَصِ السَّفَرِ، وَالْفِطْرِ، وَالْجَمْعِ، وَتَنَاوُلِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الِاضْطِرَارِ فَإِنَّ هَذَا نَمَطٌ يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى مُطْلَقِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَكَذَلِكَ بِمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ وَالتَّسَبُّبِ فِي الِانْقِطَاعِ عَنْ دَوَامِ الْأَعْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الشَّارِعُ قَاصِدًا لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّكْلِيفِ لَمَا كَانَ ثَمَّ تَرْخِيصٌ وَلَا تَخْفِيفٌ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُنَازَعُ فِي أَنَّ الشَّارِعَ قَاصِدٌ لِلتَّكْلِيفِ بِمَا يَلْزَمُ فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ مَا، وَلَكِنْ لَا تُسَمَّى فِي الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ مَشَقَّةً كَمَا لَا يُسَمَّى فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً طَلَبُ الْمَعَاشِ بِالتَّحَرُّفِ وَسَائِرِ الصَّنَائِعِ، لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مُعْتَادٌ لَا يَقْطَعُ مَا فِيهِ مِنَ الْكُلْفَةِ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُعَدُّ مَشَقَّةً عَادَةً، وَالَّتِي تُعَدُّ مَشَقَّةً، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْعَمَلُ يُؤَدِّي الدَّوَامُ عَلَيْهِ إِلَى الِانْقِطَاعِ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ وَإِلَى وُقُوعِ خَلَلٍ فِي صَاحِبِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ، أَوْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فَالْمَشَقَّةُ هُنَا خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ فَلَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً وَإِنْ سُمِّيَتْ كُلْفَةً.

فَمَا تَضَمَّنَ التَّكْلِيفَ الثَّابِتَ عَلَى الْعِبَادِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْمُعْتَادَةِ أَيْضًا لَيْسَ بِمَقْصُودِ الطَّلَبِ لِلشَّارِعِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ الْمَشَقَّةِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَائِدَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الزِّيَادَةُ فِي الْفِعْلِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ:

9- وَهُوَ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ خَاصًّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَعَبِ النَّفْسِ خُرُوجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ، وَلَكِنَّ نَفْسَ التَّكْلِيفِ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَاتُ قَبْلَ التَّكْلِيفِ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَقْتَضِي مَعْنَى الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَلَّفْتُهُ تَكْلِيفًا إِذَا حَمَّلْتَهُ أَمْرًا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَمَرْتُهُ بِهِ، وَتَكَلَّفْتُ الشَّيْءَ: إِذَا تَحَمَّلْتَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ، وَحَمَلْتُ الشَّيْءَ تَكَلَّفْتُهُ: إِذَا لَمْ تُطِقْهُ إِلاَّ تَكَلُّفًا، فَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى مَشَقَّةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لِأَنَّهُ إِلْقَاءٌ بِالْمَقَالِيدِ وَدُخُولُ أَعْمَالٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا بِمَا قَبْلَهُ:

10- وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ خَاصًّا بِمَا يَلْزَمُ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ إِخْرَاجُ الْمُكَلَّفِ عَنْ هَوَى نَفْسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى شَاقَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الْهَوَى مُطْلَقًا، وَيَلْحَقُ الْإِنْسَانَ بِسَبَبِهَا تَعَبٌ وَعَنَاءٌ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ فِي الْخَلْقِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ شَاقٌّ عَلَيْهَا، وَالشَّارِعُ إِنَّمَا قَصَدَ بِوَضْعِ شَرِيعَةٍ إِخْرَاجَ الْمُكَلَّفِ عَنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ، فَإِذًا مُخَالَفَةُ الْهَوَى لَيْسَتْ مِنَ الْمَشَقَّاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّكْلِيفِ.

ثَانِيًا: الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُنَظِّمَةُ لِأَحْكَامِ الْمَشَقَّةِ:

11- وَضَعَ الْفُقَهَاءُ مَجْمُوعَةً مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لِضَبْطِ أَحْكَامِ الْمَشَقَّةِ، وَمِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ (الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ) يَعْنِي أَنَّ الصُّعُوبَةَ تَصِيرُ سَبَبًا لِلتَّسْهِيلِ، وَيَلْزَمُ التَّوْسِيعُ فِي وَقْتِ الْمُضَايَقَةِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ كَالْقَرْضِ وَالْحَوَالَةِ وَالْحَجْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا جَوَّزَهُ الْفُقَهَاءُ مِنَ الرُّخَصِ وَالتَّخْفِيفَاتِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ:

وَتُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ سَبَبًا هَامًّا مِنْ أَسْبَابِ الرُّخَصِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، وَبِحَسَبِ قُوَّةِ الْعَزَائِمِ وَضَعْفِهَا، وَبِحَسَبِ الْأَعْمَالِ، فَلَيْسَ لِلْمَشَقَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّخْفِيفَاتِ ضَابِطٌ مَخْصُوصٌ، وَلَا حَدٌّ مَحْدُودٌ يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ أَقَامَ الشَّرْعُ السَّبَبَ مَقَامَ الْعِلَّةِ وَاعْتَبَرَ السَّفَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَظَانِّ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ.وَلَيْسَتْ أَسْبَابُ الرُّخَصِ بِدَاخِلَةٍ تَحْتَ قَانُونٍ أَصْلِيٍّ، وَلَا ضَابِطٍ مَأْخُوذٍ بِالْيَدِ، بَلْ هِيَ إِضَافِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مُخَاطَبٍ فِي نَفْسِهِ.

وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ»،، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «أَحَبُّ الْأَدْيَانِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ».

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- وَغَيْرُهُ قَوْلَهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».

وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا».

وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ.

هَذَا وَقَدْ خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا نُصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَعَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى، قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ فَلَا.

وَبِمَعْنَى قَاعِدَةِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ- رحمه الله-: «إِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ» وَمَعْنَاهَا: إِذَا ظَهَرَتْ مَشَقَّةٌ فِي أَمْرٍ يُرَخَّصُ فِيهِ وَيُوَسَّعُ، فَعَكْسُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ «إِذَا اتَّسَعَ الْأَمْرُ ضَاقَ»، وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ دَفْعًا لِحَرَجِ ضَيَاعِ الْحُقُوقِ.

وَمِنْهَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ

الْمَشَاقُّ الْمُوجِبَةُ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَشَاقُّ ضَرْبَانِ:

12- أَحَدُهُمَا: مَشَقَّةٌ لَا تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا كَمَشَقَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَكَمَشَقَّةِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا سِيَّمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَكَمَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَطُولِ النَّهَارِ، وَكَمَشَقَّةِ السَّفَرِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ الَّتِي لَا انْفِكَاكَ عَنْهَا غَالِبًا، وَكَمَشَقَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْمَشَقَّةُ فِي رَجْمِ الزُّنَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْجُنَاةِ وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً عَظِيمَةً عَلَى مُقِيمِ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ بِمَا يَجِدُهُ مِنَ الرِّقَّةِ وَالْمَرْحَمَةِ بِهَا لِلسُّرَّاقِ وَالزُّنَاةِ وَالْجُنَاةِ مِنَ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَلِمِثْلِ هَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» وَهُوَ- صلى الله عليه وسلم- أَوْلَى بِتَحَمُّلِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصَفَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فَهَذِهِ الْمَشَاقُّ كُلُّهَا لَا أَثَرَ لَهَا فِي إِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ.

13- الضَّرْبُ الثَّانِي: مَشَقَّةٌ تَنْفَكُّ عَنْهَا الْعِبَادَاتُ غَالِبًا وَهِيَ أَنْوَاعٌ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فَادِحَةٌ كَمَشَقَّةِ الْخَوْفِ عَلَى النَّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَمَنَافِعِ الْأَطْرَافِ، فَهَذِهِ مَشَقَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّرْخِيصِ لِأَنَّ حِفْظَ الْمُهَجِ وَالْأَطْرَافِ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيضِهَا لِلْفَوَاتِ فِي عِبَادَةٍ أَوْ عِبَادَاتٍ ثُمَّ تَفُوتُ أَمْثَالُهَا.

النَّوْعُ الثَّانِي: مَشَقَّةٌ خَفِيفَةٌ كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي إِصْبَعٍ أَوْ أَدْنَى صُدَاعٍ أَوْ سُوءِ مِزَاجٍ خَفِيفٍ، فَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصَالِحِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا أَثَرَ لَهَا.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَشَاقُّ وَاقِعَةٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَشَقَّتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْخِفَّةِ وَالشِّدَّةِ فَمَا دَنَا مِنْهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ، وَمَا دَنَا مِنْهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبِ التَّخْفِيفَ.

كَمَرِيضٍ فِي رَمَضَانَ يَخَافُ مِنَ الصَّوْمِ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ بُطْءَ الْبُرْءِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهَكَذَا فِي الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ وَوَجَعِ الضُّرُوسِ الْيَسِيرِ وَمَا وَقَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرُّتْبَتَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِالْعُلْيَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِالدُّنْيَا، وَتُضْبَطُ مَشَقَّةُ كُلِّ عِبَادَةٍ بِأَدْنَى الْمَشَاقِّ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تَخْفِيفِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَزْيَدَ ثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ وَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ فِي مَشَقَّةِ الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ كَزِيَادَةِ مَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ.

وَكَذَلِكَ الْمَشَاقُّ فِي الْحَجِّ وَفِي إِبَاحَةِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: أَنْ يَحْصُلَ بِتَرْكِهَا مِثْلُ مَشَقَّةِ الْقُمَّلِ الْوَارِدِ فِيهِ الرُّخْصَةُ، وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجِّ فَلَا يُكْتَفَى بِتَرْكِهِ بِذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَشَقَّةٍ لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهَا كَالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَفِي إِبَاحَةِ تَرْكِ الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ: أَنْ يَحْصُلَ بِهِ مَا يُشَوِّشُ الْخُشُوعَ وَإِلَى الِاضْطِجَاعِ أَشَقُّ، لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِتَعْظِيمِ الْعِبَادَاتِ.

وَالْمَشَاقُّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يَعْظُمُ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا يَخِفُّ وَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، وَمِنْهَا مَا يَتَوَسَّطُ فَيُرَدَّدُ فِيهِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ إِلَى الْمَشَقَّةِ الْعُلْيَا كَانَ أَوْلَى بِمَنْعِ الْوُجُوبِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ إِلَى الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَا كَانَ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَمْنَعَ الْوُجُوبَ.

وَتَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافِ الْعِبَادَاتِ فِي اهْتِمَامِ الشَّرْعِ، فَمَا اشْتَدَّ اهْتِمَامُهُ بِهِ شَرَطَ فِي تَخْفِيفِهِ الْمَشَاقَّ الشَّدِيدَةَ أَوِ الْعَامَّةَ، وَمَا لَمْ يَهْتَمَّ بِهِ خَفَّفَهُ بِالْمَشَاقِّ الْخَفِيفَةِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ مَشَاقُّهُ مَعَ شَرَفِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ لِتَكَرُّرِ مَشَاقِّهِ، كَيْلَا يُؤَدِّيَ إِلَى الْمَشَاقِّ الْعَامَّةِ الْكَثِيرَةِ الْوُقُوعِ.

مِثَالُهُ: تَرْخِيصُ الشَّرْعِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ تُقَامُ مَعَ الْخَبَثِ الَّذِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَمَعَ الْحَدَثِ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَمَنْ كَانَ عُذْرُهُ كَعُذْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ.

أَمَّا الصَّلَاةُ فَيَنْتَقِلُ فِيهَا الْقَائِمُ إِلَى الْقُعُودِ بِالْمَرَضِ الَّذِي يُشَوِّشُ عَلَيْهِ الْخُشُوعَ وَالْأَذْكَارَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الضَّرُورَةُ وَلَا الْعَجْزُ عَنْ تَصْوِيرِ الْقِيَامِ اتِّفَاقًا، وَيُشْتَرَطُ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الِاضْطِجَاعِ عُذْرًا أَشَقَّ مِنْ عُذْرِ الِانْتِقَالِ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ، لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ مُنَافٍ لِتَعْظِيمِ الْعِبَادَاتِ وَلَا سِيَّمَا وَالْمُصَلِّي مُنَاجٍ رَبَّهُ.

وَأَمَّا الْأَعْذَارُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمُعَاتِ فَخَفِيفَةٌ، لِأَنَّ الْجَمَاعَاتِ سُنَّةٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَالْجُمُعَاتِ بَدَلٌ.

وَأَمَّا الصَّوْمُ فَالْأَعْذَارُ فِيهِ خَفِيفَةٌ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ الَّذِي يَشُقُّ الصَّوْمُ مَعَهُ لِمَشَقَّةِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَهَذَانِ عُذْرَانِ خَفِيفَانِ، وَمَا كَانَ أَشَدَّ مِنْهُمَا كَالْخَوْفِ عَلَى الْأَطْرَافِ وَالْأَرْوَاحِ كَانَ أَوْلَى بِجَوَازِ الْفِطْرِ.

وَأَمَّا التَّيَمُّمُ: فَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ- رحمه الله- تَارَةً بِأَعْذَارٍ خَفِيفَةٍ، وَمَنَعَهُ تَارَةً عَلَى قَوْلٍ بِأَعْذَارٍ أَثْقَلَ مِنْهَا، وَالْأَعْذَارُ عِنْدَهُ رُتَبٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْمَشَقَّةِ.

الرُّتْبَةُ الْأُولَى: مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ كَالْخَوْفِ عَلَى النَّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ، وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ فَيُبَاحُ بِهَا التَّيَمُّمُ.

الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ: مَشَقَّةٌ دُونَ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ فِي الرُّتْبَةِ كَالْخَوْفِ مِنْ حُدُوثِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ فَهَذَا مُلْحَقٌ بِالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا عَلَى الْأَصَحِّ.

الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ: خَوْفُ إِبْطَاءِ الْبُرْءِ وَشِدَّةُ الضَّنَى فَفِي إِلْحَاقِهِ بِالرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْإِلْحَاقُ.

الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ: خَوْفُ الشَّيْنِ إِنْ كَانَ بَاطِنًا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ التَّيَمُّمَ بِمَشَاقَّ خَفِيفَةٍ دُونَ هَذِهِ الْمَشَاقِّ.

14- وَلَا تَخْتَصُّ الْمَشَاقُّ بِالْعِبَادَاتِ بَلْ تَجْرِي فِي الْمُعَامَلَاتِ مِثَالُهُ: الْغَرَرُ فِي الْبُيُوعِ وَهُوَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَعْسُرُ اجْتِنَابُهُ كَبَيْعِ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ فِي قُشُورِهَا فَيُعْفَى عَنْهُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَعْسُرُ اجْتِنَابُهُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَقَعُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، مِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِمَا عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ لِارْتِفَاعِهِ عَمَّا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِمَا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ لِانْحِطَاطِهِ عَمَّا عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ تَارَةً يَعْظُمُ الْغَرَرُ فِيهِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْجَوْزِ الْأَخْضَرِ فِي قِشْرَتِهِ.

15- وَإِذَا كَانَتِ الْمَشَاقُّ تَنْقَسِمُ إِلَى مَا هُوَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الشِّدَّةِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي أَدْنَاهَا، وَإِلَى مَا يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا، فَكَيْفَ تُعْرَفُ الْمَشَاقُّ الْمُتَوَسِّطَةُ الْمُبِيحَةُ الَّتِي لَا ضَابِطَ لَهَا، مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ رَبَطَ التَّخْفِيفَاتِ بِالشَّدِيدِ وَالْأَشَدِّ وَالشَّاقِّ وَالْأَشَقِّ، مَعَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الشَّدِيدِ وَالشَّاقِّ مُتَعَذِّرَةٌ لِعَدَمِ الضَّابِطِ؟ وَأَجَابَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ: لَا وَجْهَ لِضَبْطِ هَذَا وَأَمْثَالِهِ إِلاَّ بِالتَّقْرِيبِ، فَإِنَّ مَا لَا يُحَدُّ ضَابِطُهُ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَيَجِبُ تَقْرِيبُهُ، فَالْأَوْلَى فِي ضَابِطِ مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ أَنْ تُضْبَطَ مَشَقَّةُ كُلِّ عِبَادَةٍ بِأَدْنَى الْمَشَاقِّ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَزْيَدَ ثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ بِهَا، وَلَنْ يُعْلَمَ التَّمَاثُلُ إِلاَّ بِالزِّيَادَةِ، إِذْ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْبَشَرِ الْوُقُوفُ عَلَى تَسَاوِي الْمَشَاقِّ، فَإِذَا زَادَتْ إِحْدَى الْمَشَقَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى عُلِمَا أَنَّهُمَا قَدِ اسْتَوَتَا، فَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةُ الدُّنْيَا مِنْهُمَا كَانَ ثُبُوتُ التَّخْفِيفِ وَالتَّرْخِيصِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ أَنَّ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ فِي حَقِّ النَّاسِكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ تَأَذِّيهِ بِالْأَمْرَاضِ بِمِثْلِ مَشَقَّةِ الْقَمْلِ.

كَذَلِكَ سَائِرُ الْمَشَاقِّ الْمُبِيحَةِ لِلُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تُقَرَّبَ الْمَشَاقُّ الْمُبِيحَةُ لِلتَّيَمُّمِ بِأَدْنَى مَشَقَّةٍ أُبِيحَ بِمِثْلِهَا التَّيَمُّمُ، وَفِي هَذَا إِشْكَالٌ، فَإِنَّ مَشَقَّةَ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ وَمَشَقَّةَ الِانْقِطَاعِ مِنْ سَفَرِ النُّزْهَةِ خَفِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا الْأَمْرَاضُ، وَأَمَّا الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَرَّبَ مَشَقَّتُهُ بِمَشَقَّةِ الصِّيَامِ فِي الْحَضَرِ، فَإِذَا شَقَّ الصَّوْمُ مَشَقَّةً تُرْبِي عَلَى مَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ فَلْيَجُزِ الْإِفْطَارُ بِذَلِكَ.

وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَقَادِيرُ الْإِغْرَارِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَمِنْهَا تَوَقَانُ الْجَائِعِ إِلَى الطَّعَامِ وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَمِنْهَا التَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، كَذَلِكَ التَّأَذِّي بِالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ.

ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ

16- يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ عَامَّةً، وَوُقُوعُهَا كَثِيرًا، فَلَوْ كَانَ وُقُوعُهَا نَادِرًا لَمْ تُرَاعَ الْمَشَقَّةُ، وَالْمَشَقَّةُ يَخْتَلِفُ ضَابِطُهَا بِاخْتِلَافِ أَعْذَارِهَا، كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، إِذْ يُعْدَلُ عَنِ الْمَاءِ إِذَا خِيفَ إِتْلَافُ عُضْوٍ أَوْ بُطْءُ الْبُرْءِ أَوْ شَيْنٌ فَاحِشٌ.

قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِنْ قِيلَ مَا ضَابِطُ الْفِعْلِ الشَّاقِّ الَّذِي يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَفِيفِ؟ قُلْتُ: إِذَا اتَّحَدَ الْفِعْلَانِ فِي الشَّرَفِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ وَالْأَرْكَانِ- وَكَانَ أَحَدُهُمَا- شَاقًّا فَقَدِ اسْتَوَيَا فِي أَجْرِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْوَظَائِفِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَأُثِيبَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ لَا عَلَى عَيْنِ الْمَشَاقِّ، إِذْ لَا يَصِحُّ التَّقَرُّبُ بِالْمَشَاقِّ لِأَنَّ الْقُرَبَ كُلَّهَا تَعْظِيمٌ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَيْسَ عَيْنُ الْمَشَاقِّ تَعْظِيمًا وَلَا تَوْقِيرًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَحَمَّلَ مَشَقَّةً فِي خِدْمَةِ إِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَرَى ذَلِكَ لَهُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ شَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرَاهُ لَهُ بِسَبَبِ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْخِدْمَةِ لِأَجْلِهِ.

وَيَخْتَلِفُ أَجْرُ تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ بِشِدَّةِ الْمَشَاقِّ وَخِفَّتِهَا.

وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ: كَمَا أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَكُونُ دُنْيَوِيَّةً، كَذَلِكَ تَكُونُ أُخْرَوِيَّةً، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ إِذَا كَانَ الدُّخُولُ فِيهَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيلِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ فَهُوَ أَشَدُّ مَشَقَّةً- بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ- مِنَ الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِدِينٍ، وَاعْتِبَارُ الدِّينِ مُقَدَّمٌ عَلَى اعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ وَغَيْرِهَا فِي نَظَرِ الشَّارِعِ، فَالْمَشَقَّةُ الدِّينِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ فِي الِاعْتِبَارِ عَلَى الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ فِي إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

فَالْمَشَقَّةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ تَكُونُ غَيْرَ مَطْلُوبَةٍ وَلَا الْعَمَلُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَشَقَّةِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْمُعْتَادِ مَطْلُوبًا، فَقَدْ نَشَأَ هُنَا نَظَرٌ فِي تَعَارُضِ مَشَقَّتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إِنْ لَزِمَ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِنَفْسِهِ فَسَادٌ وَمَشَقَّةٌ لِغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ أَيْضًا مِنَ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ فَسَادٌ وَمَشَقَّةٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَصَدَّى النَّظَرُ فِي وَجْهِ اجْتِمَاعِ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشَقَّتَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّةُ الْعَامَّةُ أَعْظَمَ اعْتُبِرَ جَانِبُهَا وَأُهْمِلَ جَانِبُ الْخَاصَّةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْأَعْمَالِ الْمُعْتَادَةِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَتِ الْمَشَقَّةُ فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ كَالْمَشَقَّةِ فِي رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ، وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي الصَّلَاةِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الصِّيَامِ وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي الصِّيَامِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الْحَجِّ، وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الْجِهَادِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ التَّكْلِيفِ وَلَكِنْ كُلُّ عَمَلٍ فِي نَفْسِهِ لَهُ مَشَقَّةٌ مُعْتَادَةٌ فِيهِ، تُوَازِي مَشَقَّةَ مِثْلِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ.

الْمَوَاطِنُ الَّتِي تُظَنُّ فِيهَا الْمَشَقَّةُ وَالْأَحْكَامُ الْمَنُوطَةُ بِهَا:

17- شَرَعَ الْإِسْلَامُ أَنْوَاعًا مِنَ الرُّخَصِ لِظُرُوفٍ تُوجِدُ لِلْمُكَلَّفِ نَوْعًا مِنَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تُثْقِلُ كَاهِلَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى الْأَعْذَارِ وَقَدْ رَخَّصَ الشَّارِعُ لِأَصْحَابِهَا بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، فَكُلُّ مَا تَعَسَّرَ أَمْرُهُ وَشَقَّ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَضْعُهُ خَفَّفَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْأَعْذَارِ الَّتِي جُعِلَتْ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْعِبَادِ وَالْمَوَاطِنِ الَّتِي تُظَنُّ فِيهَا الْمَشَقَّةُ هِيَ: السَّفَرُ- الْمَرَضُ- الْحَمْلُ- الْإِرْضَاعُ- الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ- الْإِكْرَاهُ- النِّسْيَانُ- الْجَهْلُ- الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى- النَّقْصُ.

أ- السَّفَرُ:

18- السَّفَرُ سَبَبٌ لِلتَّخْفِيفِ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَشَقَّةٍ، وَلِحَاجَةِ الْمُسَافِرِ إِلَى التَّقَلُّبِ فِي حَاجَاتِهِ، وَيُعْتَبَرُ السَّفَرُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَشَقَّةِ فِي الْغَالِبِ فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ نَفْسُ السَّفَرِ سَبَبًا لِلرُّخَصِ وَأُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَرٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا)، وَمُصْطَلَحَاتِ: (صَلَاةُ الْمُسَافِرِ، وَصَوْمٌ، وَتَطَوُّعٌ، وَتَيَمُّمٌ).

ب- الْمَرَضُ:

19- قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَرِيضُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ بَدَنُهُ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ وَالِاعْتِيَادِ فَيَضْعُفُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْمَطْلُوبِ.

وَقَدْ خَصَّتِ الشَّرِيعَةُ الْمَرِيضَ بِحَظِّ وَافِرٍ مِنَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ الْمَرَضَ مَظِنَّةٌ لِلْعَجْزِ فَخَفَّفَ عَنْهُ الشَّارِعُ.

وَلِلْمَرِيضِ رُخَصٌ كَثِيرَةٌ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِيرٌ ف 32).

ج- الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ:

20- لَقَدْ خَفَّفَ الشَّارِعُ عَنِ الشَّيْخِ الْهَرَمِ، فَخَصَّهُ بِجَوَازِ إِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ بَدَلًا عَنِ الصِّيَامِ الَّذِي عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِذَا كَانَ الصَّوْمُ يُجْهِدُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً.

5- جَوَازُ الْفِطْرِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فِي رَمَضَانَ

21- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوِ الضَّرَرَ أَوِ الْهَلَاكَ وَالْمَشَقَّةَ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا كَالْمَرِيضِ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْحَمْلَ مَرَضٌ حَقِيقَةً، وَالرَّضَاعُ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ وَلَيْسَ مَرَضًا حَقِيقَةً.

هـ- الْإِكْرَاهُ:

22- الْإِكْرَاهُ هُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ لَا يَرْضَاهُ، وَذَلِكَ بِتَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ أَوْ بِقَطْعِ طَرَفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ.

وَقَدْ عَدَّ الشَّارِعُ الْإِكْرَاهَ بِغَيْرِ حَقٍّ عُذْرًا مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُخَفَّفَةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَتُخَفِّفُ عَنِ الْمُكْرَهِ مَا يُنْتَجُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ آثَارٍ دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ بِحُدُودِهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاهٌ ف 6 و 12).

وَنَصَّ السُّيُوطِيُّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مُبَاحٌ بِالْإِكْرَاهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ.

و- النِّسْيَانُ:

23- النِّسْيَانُ هُوَ جَهْلٌ ضَرُورِيٌّ بِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ، لَا بِآفَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ.

وَقَدْ جَعَلَتْهُ الشَّرِيعَةُ عُذْرًا وَسَبَبًا مُخَفَّفًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَ عَنَّا إِثْمَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ، فَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ يُعْذَرُ النَّاسُ وَيُرْفَعُ عَنْهُمُ الْإِثْمُ مُطْلَقًا فَالنِّسْيَانُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ السُّيُوطِيُّ: مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيَقُولُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم-: «تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

أَمَّا النِّسْيَانُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يُعَدُّ عُذْرًا مُخَفَّفًا، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَحُقُوقَ الْعِبَادِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالْمُطَالَبَةِ، فَلَا يَكُونُ النِّسْيَانُ عُذْرًا فِيهَا.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (نِسْيَانٌ).

ز- الْجَهْلُ:

24- الْجَهْلُ هُوَ: عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ بِأَسْبَابِهَا.

وَيُعْتَبَرُ الْجَهْلُ عُذْرًا مُخَفَّفًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، فَلَا إِثْمَ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ أَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ جَاهِلًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَهْلٌ ف 5) ح- الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى:

25- يَدْخُلُ فِي الْعُسْرِ الْأَعْذَارُ الْغَالِبَةُ الَّتِي تَكْثُرُ الْبَلْوَى بِهَا وَتَعُمُّ فِي النَّاسِ دُونَ مَا كَانَ مِنْهَا نَادِرًا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِيرٌ ف 38).

ط- النَّقْصُ:

26- النَّقْصُ نَوْعٌ مِنَ الْمَشَقَّةِ، إِذِ النَّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْكَمَالِ وَيُنَاسِبُ النَّقْصَ التَّخْفِيفُ فِي التَّكْلِيفَاتِ، فَمَنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَفُوِّضَ أَمْرُ أَحْوَالِهِمَا إِلَى الْوَلِيِّ وَتَرْبِيَتِهِ، وَحَضَانَتِهِ إِلَى النِّسَاءِ رَحْمَةً بِهِ وَلَمْ يُجْبِرُهُنَّ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَمِنْهُ عَدَمُ تَكْلِيفِ النِّسَاءِ بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ كَالْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْجِزْيَةِ وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ وَإِبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَحُلِيِّ الذَّهَبِ، وَعَدَمِ تَكْلِيفِ الْعَبِيدِ بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الْأَحْرَارِ لِكَوْنِهِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرِّ فِي الْحُدُودِ وَالْعَدَدِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


50-موسوعة الفقه الكويتية (معازف 1)

مَعَازِفُ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَعَازِفُ فِي اللُّغَةِ: الْمَلَاهِي، وَاحِدُهَا مِعْزَفٌ وَمِعْزَفَةٌ، وَالْمَعَازِفُ كَذَلِكَ: الْمَلَاعِبُ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا، فَإِذَا أُفْرِدَ الْمِعْزَفُ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الطَّنَابِيرِ يَتَّخِذُهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، وَغَيْرُهُمْ يُجْعَلُ الْعُودُ مِعْزَفًا، وَالْمِعْزَفُ آلَةُ الطَّرَبِ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- اللَّهْوُ:

2- اللَّهْوُ فِي اللُّغَةِ: مَا لَعِبْتَ بِهِ وَشَغَلَكَ مِنْ هَوًى وَطَرَبٍ وَنَحْوِهِمَا، وَنَقَلَ الْفَيُّومِيُّ عَنِ الطُّرْطُوشِيِّ قَوْلَهُ: أَصْلُ اللَّهْوِ التَّرْوِيحُ عَنِ النَّفْسِ بِمَا لَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ.

وَأَلْهَاهُ اللَّعِبُ عَنْ كَذَا: شَغَلَهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَتَلَذَّذُ بِهِ الْإِنْسَانُ فَيُلْهِيهِ ثُمَّ يَنْقَضِي، وَفِي الْمَدَارِكِ: اللَّهْوُ كُلُّ بَاطِلٍ أَلْهَى عَنِ الْخَيْرِ وَعَمَّا يُعْنَى وَالصِّلَةُ أَنَّ الْمَعَازِفَ قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً أَوْ أَدَاةً لِلَّهْوِ.

ب- الْمُوسِيقَى:

3- الْمُوسِيقَى لَفْظٌ يُونَانِيٌّ يُطْلَقُ عَلَى فُنُونِ الْعَزْفِ عَلَى آلَاتِ الطَّرَبِ.

وَعِلْمُ الْمُوسِيقَى يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أُصُولِ النَّغَمِ مِنْ حَيْثُ تَأْتَلِفُ أَوْ تَتَنَافَرُ وَأَحْوَالِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَهَا لِيُعْلَمَ كَيْفَ يُؤَلَّفُ اللَّحْنُ.

وَالْمُوسِيقِيُّ: الْمَنْسُوبُ إِلَى الْمُوسِيقَى، وَالْمُوسِيقَارُ: مَنْ حِرْفَتُهُ الْمُوسِيقَى.

وَالْمُوسِيقَى فِي الِاصْطِلَاحِ: عِلْمٌ يُعْرَفُ مِنْهُ أَحْوَالُ النَّغَمِ وَالْإِيقَاعَاتِ وَكَيْفِيَّةِ تَأْلِيفِ اللُّحُونِ وَإِيجَادِ الْآلَاتِ.

وَالصِّلَةُ: أَنَّ الْمَعَازِفَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُوسِيقَى.ج- الْغِنَاءُ:

4- الْغِنَاءُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ مِثْلُ كِتَابٍ فِي اللُّغَةِ: الصَّوْتُ، وَقِيَاسُهُ ضَمُّ الْغَيْنِ: إِذَا صُوِّتَ، وَهُوَ التَّطْرِيبُ وَالتَّرَنُّمُ بِالْكَلَامِ الْمَوْزُونِ وَغَيْرِهِ، يَكُونُ مَصْحُوبًا بِالْمُوسِيقَى- أَيْ آلَاتِ الطَّرَبِ- وَغَيْرَ مَصْحُوبٍ بِهَا.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: يُطْلَقُ الْغِنَاءُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ وَمَا قَارَبَهُ مِنَ الرِّجْزِ عَلَى نَحْوٍ مَخْصُوصٍ.

ر: مُصْطَلَحُ (غِنَاءٌ ف 1).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

5- الْمَعَازِفُ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ كَذَاتِ الْأَوْتَارِ وَالنَّايَاتِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ وَالرَّبَابِ، نَحْوُهَا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ وَعَدَّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْهَا: وَاتَّخَذَتِ الْقَيْنَاتِ وَالْمَعَازِفَ» وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ وَالْكِنَّارَاتِ يَعْنِي الْبَرَابِطَ وَالْمَعَازِفَ».

وَمِنَ الْمَعَازِفِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ، كَالدُّفِّ الْمُصَنَّجِ لِلرِّجَالِ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.

وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مُبَاحًا كَطُبُولِ غَيْرِ اللَّهْوِ مِثْلُ طُبُولِ الْغَزْوِ أَوِ الْقَافِلَةِ.عِنْدَ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

وَمِنْهَا مَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ مَنْدُوبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا كَضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ لِإِعْلَانِهِ.عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَفِي غَيْرِ النِّكَاحِ مِنْ مُنَاسَبَاتِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ.

عِلَّةُ تَحْرِيمِ بَعْضِ الْمَعَازِفِ:

6- نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَا حَرُمَ مِنَ الْمَعَازِفِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ لَمْ يَحْرُمْ لَعَيْنِهِ وَإِنَّمَا لِعِلَّةٍ أُخْرَى:

فَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: آلَةُ اللَّهْوِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لَعَيْنِهَا بَلْ لِقَصْدِ اللَّهْوِ مِنْهَا، إِمَّا مِنْ سَامِعِهَا أَوْ مِنَ الْمُشْتَغِلِ بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرْبَ تِلْكَ الْآلَةِ حَلَّ تَارَةً وَحَرُمَ أُخْرَى بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ؟

وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا.

وَقَالَ الْحَصْكَفِيُّ: وَمِنْ ذَلِكَ- أَيِ الْحَرَامِ- ضَرْبُ النَّوْبَةِ لِلتَّفَاخُرِ، فَلَوْ لِلتَّنْبِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْمُلْتَقَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بُوقُ الْحَمَامِ يَجُوزُ كَضَرْبِ النَّوْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَبْلُ الْمُسَحِّرِ فِي رَمَضَانَ لِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ لِلسُّحُورِ كَبُوقِ الْحَمَامِ.

مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ مِنَ الْمَعَازِفِ

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ آلَاتِ الْمَعَازِفِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي:

أ- الدُّفُّ:

7- الدُّفُّ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ وَقَدْ عَرَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالطَّارِ أَوِ الْغِرْبَالِ وَهُوَ الْمُغَشَّى بِجِلْدٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَدْفِيفِ الْأَصَابِعِ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: الدُّفُّ هُوَ الْمُغَشَّى مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَوْتَارٌ وَلَا جَرَسٌ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِ أَوْتَارٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُهَا بِالْقَرْعِ بِالْأَصَابِعِ.وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الدُّفِّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيُعْلَنَ النِّكَاحُ، وَعَنِ السَّرَّاجِيَّةِ: أَنَّ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَلَاجِلُ وَلَمْ يُضْرَبْ عَلَى هَيْئَةِ التَّطَرُّبِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ.احْتِرَازًا عَنِ الْمُصَنَّجِ، فَفِي النِّهَايَةِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا.

وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنِ الدُّفِّ: أَتَكْرَهُهُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ بِأَنْ تَضْرِبَ الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ فِسْقٍ لِلصَّبِيِّ؟ قَالَ: لَا أَكْرَهُهُ، وَلَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ يَوْمَ الْعِيدِ، كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُكْرَهُ الْغِرْبَالُ أَيِ الطَّبْلُ بِهِ فِي الْعُرْسِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إِجَازَةِ الدُّفِّ وَهُوَ الْغِرْبَالُ فِي الْعُرْسِ، وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: يُسْتَحَبُّ فِي الْعُرْسِ لِقَوْلِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ».

وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْعُرْسِ كَالْخِتَانِ وَالْوِلَادَةِ فَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ ضَرْبِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ جَوَازُهُ فِي كُلِّ فَرَحٍ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ الْحَطَّابُ: كَالْعِيدِ وَقُدُومِ الْغَائِبِ وَكُلِّ سُرُورٍ حَادِثٍ، وَقَالَ الْآبِيُّ: وَلَا يُنْكَرُ لَعِبُ الصِّبْيَانِ فِيهَا- أَيِ الْأَعْيَادِ- وَضَرْبُ الدُّفِّ، فَقَدْ وَرَدَ إِقْرَارُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-، وَنَقَلَ الْحَطَّابُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ، إِلاَّ لِلْجَوَارِي الْعَوَاتِقِ فِي بُيُوتِهِنَّ وَمَا أَشْبَهَهُنَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَيَجْرِي لَهُنَّ مَجْرَى الْعُرْسِ إِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ.

وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الدُّفِّ ذِي الصَّرَاصِرِ أَيِ الْجَلَاجِلِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ الضَّرْبِ بِهِ فِي الْعُرْسِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صَرَاصِرُ أَوْ جَرَسٌ وَإِلاَّ حَرُمَ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا فِي الْجَلَاجِلِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِطْرَابِ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ ضَرْبِ الرِّجَالِ بِالدُّفِّ فَقَالُوا: لَا يُكْرَهُ الطَّبْلُ بِهِ وَلَوْ كَانَ صَادِرًا مِنْ رَجُلٍ، خِلَافًا لِأَصْبَغَ الْقَائِلِ: لَا يَكُونُ الدُّفُّ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَكُونُ عِنْدَ الرِّجَالِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ ضَرْبُ دُفٍّ وَاسْتِمَاعُهُ لِعُرْسٍ لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَقَرَّ جُوَيْرَاتٍ ضَرَبْنَ بِهِ حِينَ بَنَى عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ وَقَالَ لِمَنْ قَالَتْ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ: «دَعِي هَذَا وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ» أَيْ مِنْ مَدْحِ بَعْضِ الْمَقْتُولِينَ بِبَدْرٍ، وَيَجُوزُ لِخِتَانٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتًا أَوْ دُفًّا بَعَثَ قَالَ: مَا هُوَ؟ فَإِذَا قَالُوا عُرْسٌ أَوْ خِتَانٌ، صَمَتَ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِإِظْهَارِ السُّرُورِ كَوِلَادَةِ وَعِيدٍ وَقُدُومِ غَائِبٍ وَشِفَاءِ مَرِيضٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَهَذَا فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا رَجَعَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ قَالَتْ لَهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهَا: إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلاَّ فَلَا» وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَنْعُ لِأَثَرِ عُمَرَ- رضي الله عنه- السَّابِقِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ ضَرْبَ الدُّفِّ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ مِنْ قُدُومِ عَالِمٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ الدُّفَّ يُسْتَحَبُّ فِي الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ.

أَمَّا مَتَى يُضْرَبُ الدُّفُّ فِي الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ، فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمَعْهُودُ عُرْفًا أَنَّهُ يُضْرَبُ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَوَقْتَ الزِّفَافِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلِ، وَعَبَّرَ الْبَغَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِوَقْتِ الْعَقْدِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ، وَيُحْتَمَلُ ضَبْطُهُ بِأَيَّامِ الزِّفَافِ الَّتِي يُؤْثَرُ بِهَا الْعُرْسُ، وَأَمَّا الْخِتَانُ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُفْعَلُ مِنْ حِينِ الْأَخْذِ فِي أَسْبَابِهِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ.

وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْحَلِيمِيِّ- وَلَمْ يُخَالِفْهُ- أَنَّا إِذْ أَبَحْنَا الدُّفَّ فَإِنَّمَا نُبِيحُهُ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَعْمَالِهِنَّ، وَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ»، وَنَازَعَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَصْلُ اشْتِرَاكُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي الْأَحْكَامِ إِلاَّ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالْفُرْقَةِ وَلَمْ يَرِدْ هُنَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ حَتَّى يُقَالَ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهِ.

وَنَقَلَ الْهَيْتَمِيُّ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ قَوْلَهُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلْ ضَرْبُ الدُّفِّ عَلَى النِّكَاحِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْبُلْدَانِ الَّتِي لَا يَتَنَاكَرُهُ أَهْلُهَا فِي الْمَنَاكِحِ كَالْقُرَى وَالْبَوَادِي فَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا، وَبِغَيْرِ زَمَانِنَا، قَالَ: فَيُكْرَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ إِلَى السَّخْفِ وَالسَّفَاهَةِ.

وَقَالَ الْهَيْتَمِيُّ: ظَاهِرُ إِطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الضَّرْبِ بِالدُّفِّ بَيْنَ هَيْئَةٍ وَهَيْئَةٍ، وَخَالَفَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيِّ فَقَالَ: إِنَّمَا يُبَاحُ الدُّفُّ الَّذِي تَضْرِبُ بِهِ الْعَرَبُ مِنْ غَيْرِ زَفَنٍ- أَيْ رَقْصٍ- فَأَمَّا الَّذِي يُزْفَنُ بِهِ وَيُنْقَرُ- أَيْ بِرُءُوسِ الْأَنَامِلِ وَنَحْوِهَا- عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْأَنْغَامِ فَلَا يَحِلُّ الضَّرْبُ بِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِطْرَابِ مِنْ طَبْلِ اللَّهْوِ الَّذِي جَزَمَ الْعِرَاقِيُّونَ بِتَحْرِيمِهِ، وَتَابَعَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَاطَاهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْفُسُوقِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ إِعْلَانُ النِّكَاحِ وَالضَّرْبُ فِيهِ بِالدُّفِّ، قَالَ أَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُظْهَرَ النِّكَاحُ وَيُضْرَبَ فِيهِ بِالدُّفِّ حَتَّى يَشْتَهِرَ وَيُعْرَفَ وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي الْإِمْلَاكِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ وَيَتَحَدَّثُ وَيَظْهَرُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا زَوَّجَتْ يَتِيمَةً كَانَتْ فِي حِجْرِهَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ فِيمَنْ أَهْدَاهَا إِلَى زَوْجِهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعْنَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «مَا قُلْتُمْ يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: سَلَّمْنَا وَدَعَوْنَا اللَّهَ بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ انْصَرَفْنَا، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: فَهَلْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا جَارِيَةً تَضْرِبُ بِالدُّفِّ وَتُغَنِّي: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ».

وَيُسَنُّ عِنْدَهُمْ ضَرْبٌ بِدُفِّ مُبَاحٍ فِي خِتَانٍ وَقُدُومِ غَائِبٍ وَوِلَادَةٍ كَنِكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنَ السُّرُورِ، وَالدُّفُّ الْمُبَاحُ هُوَ مَا لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي ضَرْبِ الرِّجَالِ الدُّفَّ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَظَاهِرُهُ- أَيْ نَدْبُ إِعْلَانِ النِّكَاحِ وَضَرْبٌ عَلَيْهِ بِدُفِّ مُبَاحٍ- سَوَاءٌ كَانَ الضَّارِبُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ أَحْمَدَ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: ضَرْبُ الدُّفِّ مَخْصُوصٌ بِالنِّسَاءِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: يُكْرَهُ لِلرِّجَالِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الدُّفِّ بَعَثَ فَنَظَرَ فَإِنْ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ سَكَتَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا عَمَدَ بِالدِّرَّةِ.

ب- الْكُوبَةُ:

8- الْكُوبَةُ طَبْلٌ طَوِيلٌ ضَيِّقُ الْوَسَطِ وَاسِعُ الطَّرَفَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَرَفَاهَا مَسْدُودَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اتِّسَاعُهُمَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَوْسَعَ.وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِهَا.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ ضَرْبُ الْكُوبَةِ وَالِاسْتِمَاعُ إِلَيْهَا لِقَوْلِ الرَّسُول- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ»، وَلِأَنَّ فِي ضَرْبِهَا تَشَبُّهًا بِالْمُخَنَّثِينَ إِذْ لَا يَعْتَادُهَا غَيْرُهُمْ، وَنَقَلَ أَبُو الْفَتْحِ الرَّازِيُّ- كَمَا حَكَى الْهَيْتَمِيُّ- الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَتِهَا.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كُرِهَ الطَّبْلُ وَهُوَ الْمُنْكَرُ وَهُوَ الْكُوبَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-.

ج- الْكَبَرُ وَالْمِزْهَرُ

9- الْكَبَرُ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ جَبَلٍ، هُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ.وَالْمِزْهَرُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ الْعُودُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: هُوَ الدُّفُّ الْمُرَبَّعُ الْمَغْلُوفُ.قَالَ الْحَطَّابُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمِزْهَرَ أَلْهَى، وَكُلَّمَا كَانَ أَلْهَى كَانَ أَغْفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَكَانَ مِنَ الْبَاطِلِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْكَبَرِ وَالْمِزْهَرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُمَا يُحْمَلَانِ مَحْمَلَ الْغِرْبَالِ، وَيَدْخُلَانِ مَدْخَلَهُ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِمَا فِي الْعُرْسِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَحْمَلَهُ وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي عُرْسٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْمَلُ مَحْمَلَهُ وَيَدْخُلُ مَدْخَلَهُ فِي الْكَبَرِ وَحْدَهُ دُونَ الْمِزْهَرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.

د- الْأَنْوَاعُ الْأُخْرَى مِنَ الطُّبُولِ

10- لِلْفُقَهَاءِ فِي الْأَنْوَاعِ الْأُخْرَى مِنَ الطُّبُولِ تَفْصِيلٌ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الطَّبْلُ لِغَيْرِ اللَّهْوِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَالْعُرْسِ وَالْقَافِلَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَبْلُ الْمُسَحِّرِ فِي رَمَضَانَ لِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ لِلسُّحُورِ كَبُوقِ الْحَمَامِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى اسْتِثْنَاءِ طُبُولِ الْحَرْبِ مِنْ سَائِرِ الطُّبُولِ.

وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَالطُّبُولُ الَّتِي تُهَيَّأُ لِمَلَاعِبِ الصِّبْيَانِ إِنْ لَمْ تُلْحَقْ بِالطُّبُولِ الْكِبَارِ فَهِيَ كَالدُّفِّ وَلَيْسَتْ كَالْكُوبَةِ بِحَالِ، قَالَ الْهَيْتَمِيُّ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يُصْنَعُ فِي الْأَعْيَادِ مِنَ الطُّبُولِ الصِّغَارِ الَّتِي هِيَ عَلَى هَيْئَةِ الْكُوبَةِ وَغَيْرِهَا لَا حُرْمَةَ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِطْرَابٌ غَالِبًا، وَمَا عَلَى صُورَةِ الْكُوبَةِ مِنْهَا انْتَفَى فِيهِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمُ لِلْكُوبَةِ، لِأَنَّ لِلْفُسَّاقِ فِيهَا كَيْفِيَّاتٌ فِي ضَرْبِهَا، وَغَيْرُهُ لَا يُوجَدُ فِي تِلْكَ الَّتِي تُهَيِّئُ لِلَعِبِ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: ضَرْبُ الطُّبُولِ إِنْ كَانَ طَبْلَ لَهْوٍ فَلَا يَجُوزُ، وَاسْتَثْنَى الْحَلِيمِيُّ مِنَ الطُّبُولِ طَبْلَ الْحَرْبِ وَالْعِيدِ، وَأَطْلَقَ تَحْرِيمَ سَائِرِ الطُّبُولِ وَخَصَّ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْعِيدِ بِالرِّجَالِ خَاصَّةً، وَطَبْلُ الْحَجِيجِ مُبَاحٌ كَطَبْلِ الْحَرْبِ.

وَكَرِهَ أَحَمْدُ الطَّبْلَ لِغَيْرِ حَرْبٍ وَنَحْوِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ: لِتَنْهِيضِ طِبَاعِ الْأَوْلِيَاءِ وَكَشْفِ صُدُورِ الْأَعْدَاءِ.

هـ- الْيَرَاعُ

11- الْيَرَاعُ هُوَ الزَّمَّارَةُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الشَّبَّابَةُ، وَهِيَ مَا لَيْسَ لَهَا بُوقٌ وَمِنْهَا الْمَأْصُولُ الْمَشْهُورُ وَالسَّفَّارَةُ وَنَحْوُهَا، وَسُمِّيَ الْيَرَاعُ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ جَوْفِهِ، وَيُخَالِفُ الْمِزْمَارَ الْعِرَاقِيَّ فِي أَنَّهُ لَهُ بُوقٌ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يُوجَدُ مَعَ الْأَوْتَارِ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِمَاعُ إِلَى الْمَزَامِيرِ وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الزَّمَّارَةِ وَالْبُوقِ، وَقِيلَ: يُكْرَهَانِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهَذَا فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيَحْرُمُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْيَرَاعِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: فِي الْيَرَاعِ وَجْهَانِ، صَحَّحَ الْبَغَوِيُّ التَّحْرِيمَ، وَالْغَزَالِيُّ الْجَوَازَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ، قَالُوا: لِأَنَّهُ يُنَشِّطُ عَلَى السَّيْرِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْيَرَاعِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ مُطْرِبٌ بِانْفِرَادِهِ، بَلْ قِيلَ إِنَّهُ آلَةٌ كَامِلَةٌ لِجَمِيعِ النَّغَمَاتِ إِلاَّ يَسِيرًا فَحُرِّمَ كَسَائِرِ الْمَزَامِيرِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ آلَاتِ الْمَعَازِفِ تَحْرُمُ سِوَى الدُّفِّ، كَمِزْمَارٍ وَنَايٍ وَزَمَّارَةِ الرَّاعِي سَوَاءٌ اسْتُعْمِلَتْ لِحُزْنٍ أَوْ سُرُورٍ، وَسَأَلَ ابْنُ الْحَكَمِ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنِ النَّفْخِ فِي الْقَصَبَةِ كَالْمِزْمَارِ فَقَالَ: أَكْرَهُهُ.

و- الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ

12- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الضَّرْبِ عَلَى الْقَضِيبِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ ضَرْبَ الْقَضِيبِ حَرَامٌ لِقَوْلِه- صلى الله عليه وسلم-: «الِاسْتِمَاعُ إِلَى الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ» وَالْمَقْصُودُ بِالْكُفْرِ كُفْرُ النِّعْمَةِ.

وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ عَلَى الْوَسَائِدِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، لِأَنَّهُ لَا يُفْرَدُ عَنِ الْغِنَاءِ وَلَا يُطْرِبُ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا يَزِيدُ الْغِنَاءَ طَرَبًا، فَهُوَ تَابِعٌ لِلْغِنَاءِ الْمَكْرُوهِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا.

وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ حَرَامٌ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيُّ وَالْخُرَاسَانِيُونَ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ مَكْرُوهٌ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَالتَّصْفِيقِ وَالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ، وَإِنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآلَةِ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يُسْمَعُ مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ الْمَلَاهِي.

وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فِي تَحْرِيمِ الضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ وَجْهَانِ، وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدُوسٍ بِالتَّحْرِيمِ.

ز- الْعُودُ:

13- مِنْ مَعَانِي الْعُودِ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ خَشَبَةٍ دَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ غَلِيظَةً، وَضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ يُتَبَخَّرُ بِهِ، وَآلَةٌ مُوسِيقِيَّةٌ وَتَرِيَّةٌ يُضْرَبُ عَلَيْهَا بِرِيشَةٍ وَنَحْوِهَا، وَالْجَمْعُ أَعْوَادٌ وَعِيدَانٌ، وَالْعَوَّادُ: صَانِعُ الْعِيدَانِ وَالضَّارِبُ عَلَيْهَا.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْعُودِ وَاسْتِمَاعِهِ لِأَنَّ الْعُودَ مِنَ الْمَعَازِفِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ.

وَقَالَ الصَّاوِيُّ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى جَوَازِهِ، وَنُقِلَ سَمَاعَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَغَيْرِهِمْ، - رضي الله عنهما-، وَعَنْ جُمْلَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى تَحْرِيمِهِ، فَقِيلَ: كَبِيرَةٌ، وَقِيلَ: صَغِيرَةٌ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ فَلَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةٌ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا كَانَ يَخُصُّ الْعُودَ بِالْإِبَاحَةِ مِنْ بَيْنِ الْأَوْتَارِ.

ح- الصَّفَّاقَتَانِ

14- الصَّفَّاقَتَانِ دَائِرَتَانِ مِنْ صُفْرٍ- أَيْ نُحَاسٍ- تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَتُسَمَّيَانِ بِالصَّنْجِ أَيْضًا، وَهُمَا مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي.

وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا وَاسْتِمَاعَهُمَا حَرَامٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْمُخَنَّثِينَ وَالْفَسَقَةِ، وَشَارِبِي الْخَمْرِ، وَفِي الضَّرْبِ بِهِمَا تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ اللَّذَّةَ الْحَاصِلَةَ مِنْهُمَا تَدْعُو إِلَى فَسَادٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا سِيَّمَا مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِهَا، وَالِاسْتِمَاعُ هُوَ الْمُحَرَّمُ.

أَمَّا السَّمَاعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَحْرُمُ.

ط- بَاقِي الْمَعَازِفِ الْوَتَرِيَّةُ.

15- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الْمَعَازِفِ الْوَتَرِيَّةِ كَالطُّنْبُورِ وَالرَّبَابِ وَالْكَمَنْجَةِ وَالْقَانُونِ وَسَائِرِ الْمَعَازِفِ الْوَتَرِيَّةِ، وَاسْتِعْمَالُهَا هُوَ الضَّرْبُ بِهَا.

تَعَلُّمُ الْمُوسِيقَى

16- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى تَحْرِيمِ تَعَلُّمِ الْمَعَازِفِ وَالْمُوسِيقَى وَالْإِجَارَةِ عَلَى تَعَلُّمِهَا لِقَوْلِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ وَالْكَنَّارَاتِ- يَعْنِي الْبَرَابِطَ- وَالْمَعَازِفَ وَالْأَوْثَانَ..لَا يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَلَا تَعْلِيمُهُنَّ».

اتِّخَاذُ الْمَعَازِفِ

17- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُ آلَةِ اللَّهْوِ (الْمَعَازِفِ) الْمُحَرَّمَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا يَجُرُّ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا، وَقَالُوا: يَحْرُمُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مِنْ شِعَارِ الشَّرْبَةِ كَطُنْبُورِ وَعُودٍ وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

الِاكْتِسَابُ بِالْمَعَازِفِ

18- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الِاكْتِسَابَ بِالْمَعَازِفِ لَا يَطِيبُ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ الْمُكْتَسِبُ وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْغِنَاءُ حِرْفَتَهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا الْمَالَ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّغَنِّيَ لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فِي الْمُنْتَقَى: امْرَأَةٌ نَائِحَةٌ أَوْ صَاحِبَةُ طَبْلٍ أَوْ زَمْرٍ اكْتَسَبَتْ مَالًا رَدَّتْهُ عَلَى أَرْبَابِهِ إِنْ عَلِمُوا وَإِلاَّ تَتَصَدَّقُ بِهِ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ لَهَا.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُمْنَعُ- أَيِ الْمُحْتَسِبُ- مِنَ التَّكَسُّبِ بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْوِ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ الْآخِذُ وَالْمُعْطِي.

الْغِنَاءُ مَعَ الْمَعَازِفِ

19- الْغِنَاءُ إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِآلَةِ مُحَرَّمَةٍ مِنْ آلَاتِ الْعَزْفِ أَوْ لَا يَقْتَرِنَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِأَيِّ آلَةٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِمَاعٌ ف 16- 22).

وَإِنِ اقْتَرَنَ الْغِنَاءُ بِآلَةِ مُحَرَّمَةٍ مِنْ آلَاتِ الْعَزْفِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى حُرْمَتِهِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى حُرْمَةِ آلَةِ الْعَزْفِ وَبَقَاءِ الْغِنَاءِ عَلَى الْكَرَاهَةِ.

الِاسْتِمَاعُ إِلَى الْمَعَازِفِ

20- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الِاسْتِمَاعَ إِلَى الْمَعَازِفِ الْمُحَرَّمَةِ حَرَامٌ، وَالْجُلُوسُ فِي مَجْلِسِهَا حَرَامٌ، قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنَ الْمَجْلِسِ الَّذِي يُضْرَبُ فِيهِ الْكَبَرُ وَالْمِزْمَارُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ اللَّهْوِ وَقَالَ أَصْبَغُ: دَعَا رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- إِلَى وَلِيمَةٍ، فَلَمَّا جَاءَ سَمِعَ لَهْوًا فَلَمْ يَدْخُلْ فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ رَضِيَ عَمَلَ قَوْمٍ كَانَ شَرِيكًا لِمَنْ عَمِلَهُ».

بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ يَسْتَمِعُ الْمَعَازِفَ الْمُحَرَّمَةَ فَاسِقٌ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ:

الْعُودُ وَالطُّنْبُورُ وَسَائِرُ الْمَلَاهِي حَرَامٌ، وَمُسْتَمِعُهَا فَاسِقٌ.

شَهَادَةُ الْعَازِفِ وَالْمُسْتَمِعِ لِلْمَعَازِفِ

21- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَازِفِ أَوِ الْمُسْتَمِعِ لِلْمَعَازِفِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ وَالصَّنْجِ وَغَيْرِهَا.

التَّدَاوِي بِاسْتِمَاعِ الْمَعَازِفِ

22- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ التَّدَاوِي بِاسْتِمَاعِ الْمَعَازِفِ الْمُحَرَّمَةِ لِلضَّرُورَةِ.

قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَوْ أَخْبَرَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَنْفَعُهُ لِمَرَضِهِ إِلاَّ الْعُودُ عُمِلَ بِخَبَرِهِمَا، وَحَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، كَالتَّدَاوِي بِنَجِسِ فِيهِ الْخَمْرُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْحَلِيمِيَّ: يُبَاحُ اسْتِمَاعُ آلَةِ اللَّهْوِ إِذَا نَفَعَتْ مِنْ مَرَضٍ، أَيْ لِمَنْ بِهِ ذَلِكَ الْمَرَضُ وَتَعَيَّنَ الشِّفَاءُ فِي سَمَاعِهِ.

وَقَالَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ: آلَةُ اللَّهْوِ قَدْ يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهَا بِأَنْ أَخْبَرَ طَبِيبٌ عَدْلٌ مَرِيضًا بِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ مَرَضَهُ إِلاَّ سَمَاعُ الْآلَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِلاَّ الْآلَةُ الْمُحَرَّمَةُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِصَوْتِ مَلْهَاةٍ وَغَيْرِهِ كَسَمَاعِ الْغِنَاءِ وَالْمُحَرَّمِ لِعُمُومِ قَوْلِه- صلى الله عليه وسلم-: «وَلَا تَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ».

الْوَصِيَّةُ بِالطَّبْلِ

23- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ، وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ لَا يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ، وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، كَطَبْلِ حَرْبٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّهْوِيلُ، أَوْ طَبْلُ حَجِيجٍ يُقْصَدُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِالنُّزُولِ وَالرَّحِيلِ، أَوْ غَيْرُهُمَا، - غَيْرَ الْكُوبَةِ الْمُحَرَّمَةِ- حُمِلَتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِتَصِحَّ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لِلثَّوَابِ، وَهُوَ فِيمَا تَصِحُّ بِهِ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ صَلَحَ لِمُبَاحٍ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ طُبُولٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لَغَتْ، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتِ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ- إِلاَّ إِنْ صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ، لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهَا، وَسَوَاءٌ صَلَحَ عَلَى هَيْئَتِهِ أَمْ بَعْدَ تَغَيُّرٍ يَبْقَى مَعَهُ اسْمُ الطَّبْلِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ إِلاَّ بِزَوَالِ اسْمِ الطَّبْلِ لَغَتِ الْوَصِيَّةُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ وَصَّى بِدُفٍّ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ»، وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمِزْمَارٍ وَلَا طُنْبُورٍ وَلَا عُودٍ مِنْ عِيدَانِ اللَّهْوِ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ الْأَوْتَارُ أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّهُ مُهَيَّأٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ أَوْتَارٌ.

بَيْعُ الْمَعَازِفِ

24- لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- بَيْعُ الْمَعَازِفِ الْمُحَرَّمَةِ كَالطُّنْبُورِ وَالصَّنْجِ وَالْمِزْمَارِ وَالرَّبَابِ وَالْعُودِ، لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ وَالْكَفَّارَاتِ- يَعْنِي الْبَرَابِطَ- وَالْمَعَازِفَ..، لَا يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ وَلَا تَعْلِيمُهُنَّ وَلَا التِّجَارَةُ فِيهِنَّ، وَأَثْمَانُهُنَّ حَرَامٌ لِلْمُغَنِّيَاتِ».

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَصِحُّ بَيْعُ آلَاتِ الْعَزْفِ الْمُحَرَّمَةِ إِنْ عُدَّ رُضَاضُهَا- أَيْ مُكَسَّرُهَا- مَالًا، لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُتَوَقَّعًا، أَيْ مِنْ هَذَا الرُّضَاضِ الْمُتَقَوِّمِ، كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَحْشِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا نَفْعَ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْعُ الْمَعَازِفِ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ، لِصَلَاحِيَّتِهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهْوِ، كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ، حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهَا غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذَا الْأَمْرِ.

أَمَّا الْمَعَازِفُ الْمُبَاحَةُ كَالنَّفِيرِ وَالطُّبُولِ غَيْرِ الدَّرَبُكَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا.

إِجَارَةُ الْمَعَازِفِ

25- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ اسْتِئْجَارَ آلَةِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ (الْمَعَازِفِ الْمُحَرَّمَةِ) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ غَيْرُ مُبَاحَةٍ وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ كِرَاؤُهَا فِي النِّكَاحِ وَالرَّاجِحُ الْحُرْمَةُ.

أَمَّا الْمَعَازِفُ غَيْرُ الْمُحَرَّمَةِ فَيَجُوزُ كِرَاؤُهَا.

إِعَارَةُ الْمَعَازِفِ

26- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا، فَلَا يَجُوزُ إِعَارَةُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُبَاحًا شَرْعًا كَالْمَعَازِفِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ.

إِبْطَالُ الْمَعَازِفِ

27- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ وَالْمَعَازِفَ الْمُبَاحَةَ لَا يَجُوزُ إِبْطَالُهَا أَوْ كَسْرُهَا بَلْ يَحْرُمُ.

أَمَّا آلَاتُ الْعَزْفِ وَالْمَلَاهِي الْمُحَرَّمَةُ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا وَلَا لِمَنْفَعَتِهَا، وَأَنَّهُ يَجِبُ إِبْطَالُهَا لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «بُعِثْتُ بِهَدْمِ الْمِزْمَارِ وَالطَّبْلِ»، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَمَرَنِي اللَّهُ بِمَحْقِ الْقَيْنَاتِ وَالْمَعَازِفِ».

وَفَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ كَيْفِيَّةَ إِبْطَالِ الْمَعَازِفِ الْمُحَرَّمَةِ فَقَالُوا: الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ لِإِمْكَانِ إِزَالَةِ الْهَيْئَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ، نَعَمْ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا، وَإِنَّمَا تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ لِزَوَالِ اسْمِهَا وَهَيْئَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ بِذَلِكَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي- مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ- أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْصِيلُ الْجَمِيعِ بَلْ بِقَدْرِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِعْمَالِ، فَلَا تَكْفِي إِزَالَةُ الْأَوْتَارِ فَقَطْ لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا.

وَالثَّالِثُ: تُكْسَرُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَعَازِفَ وَآلَاتِ اللَّهْوِ الْمَمْلُوكَةَ لِذِمِّيِّ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِمِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَسْمَعَهَا مَنْ لَيْسَ بِدَارِهِمْ أَيْ مَحَلَّتِهِمْ، حَيْثُ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَإِنِ انْفَرَدُوا بِمَحَلَّةِ مِنَ الْبَلَدِ، فَإِنِ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ أَيْ بِأَنْ لَمْ يُخَالِطْهُمْ مُسْلِمٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ.

ضَمَانُ الْمَعَازِفِ

28- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ (الْمَعَازِفَ) الْمُبَاحَةَ كَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَالدُّفِّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ وَاسْتِمَاعُهُ فِي الْعُرْسِ يَحْرُمُ كَسْرُهَا، وَتُضْمَنُ إِنْ كُسِرَتْ أَوْ أُتْلِفَتْ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الْمَعَازِفَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يَجِبُ فِي إِبْطَالِهَا شَيْءٌ، لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ وَالْمُحَرَّمُ لَا يُقَابَلُ بِشَيْءِ، مَعَ وُجُوبِ إِبْطَالِهَا عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلَافٌ ف 12 وَضَمَانٌ ف 140).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


51-موسوعة الفقه الكويتية (هبة 1)

هِبَةٌ-1

التَّعْرِيفُ:

1- الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ: إِعْطَاءُ الشَّيْءِ إِلَى الْغَيْرِ بِلَا عِوَضٍ، سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ، فَيُقَالُ: وَهَبَ لَهُ مَالًا وَهْبًا وَهِبَةً، كَمَا يُقَالُ: وَهَبَ اللَّهُ فُلَانًا وَلَدًا صَالِحًا، وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي}.وَيُقَالُ: وَهَبَهُ مَالًا، وَلَا يُقَالُ: وَهَبَ مِنْهُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى: وَهَبَ لَهُ، مُتَعَدِّيَةٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ.وَالِاسْمُ مِنَ الْهِبَةِ: الْمَوْهِبُ وَالْمَوْهِبَةُ.وَالِاتِّهَابُ: قَبُولُ الْهِبَةِ.وَالِاسْتِيهَابُ: سُؤَالُ الْهِبَةِ.وَتَوَاهَبَ الْقَوْمُ: وَهَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَرَجُلٌ وَهَّابٌ وَوَهَّابَةٌ: أَيْ كَثِيرُ الْهِبَةِ لِأَمْوَالِهِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ عَرَّفَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهَا: تَمْلِيكُ الْمَالِ بِلَا عِوَضٍ فِي الْحَالِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْعَطِيَّةُ:

2- الْعَطِيَّةُ لُغَةً: كُلُّ مَا يُعْطَى، وَالْجَمْعُ عَطَايَا.

وَالْعَطِيَّةُ اصْطِلَاحًا كَالْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ، وَتُطْلَقُ الْعَطِيَّةُ عَلَى الْمَهْرِ أَيْضًا.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَالْهِبَةُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْعَطَايَا.

ب- الْهَدِيَّةُ:

3- الْهَدِيَّةُ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ هَدَى، يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لِلرَّجُلِ كَذَا بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْهِ إِكْرَامًا.

وَاصْطِلَاحًا: هِيَ الْمَالُ الَّذِي أُتْحِفَ بِهِ وَأُهْدِيَ لِأَحَدٍ إِكْرَامًا لَهُ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِلَا عِوَضٍ، غَيْرَ أَنَّ الْهِبَةَ يَلْزَمُ فِيهَا الْقَبُولُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْهَدِيَّةِ.

ب- الصَّدَقَةُ:

4- الصَّدَقَةُ لُغَةً: الْعَطِيَّةُ.يُقَالُ: تَصَدَّقْتُ بِكَذَا أَيْ أَعْطَيْتُهُ صَدَقَةً.

وَاصْطِلَاحًا: تَمْلِيكُ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَكُونُ طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ، بَيْنَمَا الْهِبَةُ تَكُونُ لِلتَّوَدُّدِ وَالْمَحَبَّةِ غَالِبًا، وَأَنَّ الْهِبَةَ يَلْزَمُ فِيهَا الْقَبُولُ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا الْقَبُولُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

مَشْرُوعِيَّةُ الْهِبَةِ:

5- الْهِبَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

فَمِنَ الْكِتَابِ قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «تَهَادُوا تَحَابُّوا» وَالْهَدِيَّةُ هِيَ الْهِبَةُ، وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» وَالْفِرْسِنُ: الظِّلْفُ.

وَقَبُولُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ وَهُوَ كَافِرٌ كَمَا قَبِلَ هَدِيَّةَ النَّجَاشِيِّ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَتَصَرَّفَ بِهَا وَهَدَاهُ أَيْضًا.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدِ انْعَقَدَ عَلَى جَوَازِهَا وَمَشْرُوعِيَّتِهَا، بَلْ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا، لِمَا فِيهَا مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَإِشَاعَةِ الْحُبِّ وَالتَّوَادِّ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ تَتَبَيَّنُ الْحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6- الْهِبَةُ مَنْدُوبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهَا مَا يَجْعَلُهَا مُحَرَّمَةً إِذَا قُصِدَ بِهَا مَعْصِيَةٌ أَوْ إِعَانَةٌ عَلَى ظُلْمٍ، أَوْ قُصِدَ بِهَا رِشْوَةُ أَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ وَالْعُمَّالِ.

وَقَدْ تَكُونُ الْهِبَةُ مَكْرُوهَةً إِذَا قَصَدَ الْوَاهِبُ بِهَا الرِّيَاءَ وَالْمُبَاهَاةَ وَالسُّمْعَةَ.

أَرْكَانُ الْهِبَةِ وَشُرُوطُهَا:

7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ الْهِبَةِ هِيَ: الْعَاقِدَانِ (الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ)، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ (الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ) وَالصِّيغَةُ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ هُوَ صِيغَتُهَا.

وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ كَمَا يَلِي: أَوَّلًا: الْعَاقِدَانِ:

الْعَاقِدَانِ هُمَا الْوَاهِبُ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا شُرُوطٌ:

شُرُوطُ الْوَاهِبِ:

8- اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاهِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا رَشِيدًا، وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ.

وَبِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِمَّنْ حُجِرَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ بِوَجْهٍ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا لَا تَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ بِالدِّينِ أَوِ السَّفَهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ هَذَا الْحَجْرِ، وَهُمْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.

وَمَنْعُ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ مِنَ الْهِبَةِ بِسَبَبِ كَوْنِهَا ضَرَرًا مَحْضًا لِأَنَّهَا نَقْلُ الْمِلْكِ إِلَى الْغَيْرِ بِدُونِ عِوَضٍ.

9- أَمَّا الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَإِنَّ حُكْمَ هِبَتِهِ حُكْمُ وَصِيَّتِهِ، فَلَهُ هِبَةُ ثُلُثِ أَمْوَالِهِ، وَفِيمَا زَادَ لَا يَجُوزُ إِلاَّ بِمُوَافَقَةِ الْوَرَثَةِ.

وَأَلْحَقَ الْحَنَابِلَةُ بِالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمُقَاتِلَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَكَوْنَ الشَّخْصِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَوْ فِي بَلَدٍ وَقَعَ الطَّاعُونُ فِيهِ وَالْحَامِلَ فِي الْمَخَاضِ وَمَنْ قُدِّمَ لِلْقِصَاصِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْعَدَوِيَّ قَالَ: أَفَادَ بَعْضُ مَشَائِخِنَا أَنَّ الرَّاجِحَ بُطْلَانُهُ فِي الْمَرِيضِ.وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ الْوَقْفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.

كَمَا أَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ الزَّوْجَةَ فِي حَجْرِهَا عَنِ الْهِبَةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، وَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ زَوْجِهَا.

كَمَا أَنَّ هِبَةَ الْمَحْجُورِ بِدَيْنٍ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِذْنِ الْغَارِمِينَ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ لِمَصْلَحَتِهِمْ.

10- وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْأَبِ أَمْوَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِدُونِ عِوَضٍ.

أَمَّا إِذَا وَهَبَهَا الْأَبُ مُقَابِلَ عِوَضٍ مَشْرُوطٍ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي صِحَّتِهِ رَأْيَانِ:

الْأَوَّلُ: عَدَمُ الْجَوَازِ.وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ تَقَعُ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً، ثُمَّ تَصِيرُ بَيْعًا فِي الِانْتِهَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَيْعًا مِنْ حِينِ وُجُودِهَا لَمَا تَوَقَّفَ الْمِلْكُ فِيهَا عَلَى الْقَبْضِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا وَقَعَتْ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً، وَتَبَرُّعُ هَؤُلَاءِ مَمْنُوعٌ فَلَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ حِينَ وُجُودِهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ بَيْعًا، فَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ.

الثَّانِي: تَجُوزُ هِبَةُ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ مَعَ شَرْطِ الْعِوَضِ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ.

وَذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ: أَنَّ مَنْ يَمْلِكُ الْبَيْعَ يَمْلِكُ الْهِبَةَ بَعِوَضٍ.فَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهَا الْعِوَضَ كَانَتْ تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْبَيْعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى كَلَفْظِ الْبَيْعِ وَلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ هِبَةِ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ.

هِبَةُ الْفُضُولِيِّ:

11- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هِبَةِ الْفُضُولِيِّ:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ هِبَةَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلَةٌ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ- وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْعَدَوِيُّ- إِلَى أَنَّ هِبَةَ الْفُضُولِيِّ تَنْعَقِدُ مَوْقُوفَةً، إِنْ أَجَازَهَا الْمَالِكُ نَفَذَتْ وَإِلاَّ بَطَلَتْ فَقَدْ جَاءَ فِي مِنْحَةِ الْخَالِقِ: كُلُّ تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنَ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ هِبَةٍ، وَكَذَا كُلُّ مَا صَحَّ بِهِ التَّوْكِيلُ.

هِبَةُ السَّكْرَانِ:

12- السُّكْرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمُبَاحٍ أَوْ بِحَرَامٍ.

فَإِنْ سَكِرَ بِمُبَاحٍ أَوْ بِمَا يُعْذَرُ فِيهِ، كَمَا لَوْ سَكِرَ بِالْبِنْجِ أَوْ أُوجِرَ خَمْرًا: فَإِنَّ جَمِيعَ تَصَرُّفَاتِهِ الصَّادِرَةِ عَنْهُ لَا تَنْفُذُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُبَاحًا جُعِلَ عُذْرًا.

وَأَمَّا إِنْ سَكِرَ بِمُحَرَّمٍ، كَمَا لَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا بِاخْتِيَارِهِ (مُتَعَدِّيًا) فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَفَاذِ تَصَرُّفَاتِهِ:

فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ وَأَقَارِيرُهُ جَمِيعُهَا.

وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ السُّكْرَ بِالْإِجْمَاعِ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} وَإِنْ كَانَ خِطَابًا فِي حَالِ السُّكْرِ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الصَّحْوِ فَكَذَلِكَ....، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ ثَبَتَ أَنَّ السُّكْرَ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنَ الْأَهْلِيَّةِ، فَيَلْزَمُهُ أَحْكَامُ الشَّرْعِ كُلُّهَا وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ كُلُّهَا بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَقَارِيرِ، وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ بِالسُّكْرِ الْقَصْدُ دُونَ الْعِبَارَةِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ مِنْ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَحَبْسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ وَأَقَارِيرَهُ لَا تَنْفُذُ، وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ السَّكْرَانَ مَفْقُودَ الْإِرَادَةِ أَشْبَهَ الْمُكْرَهَ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ زَوَالِ الشَّرْطِ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.

شُرُوطُ الْمَوْهُوبِ لَهُ:

13- يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِمِلْكِ مَا يُوهَبُ لَهُ.

فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَاقِلًا بَالِغًا فَإِنَّهُ يَقْبِضُ الْهِبَةَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْهِبَةَ لَهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ يَقْبِضُ عَنْهُ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَبْضُ مِنْ وَلِيٍّ وَغَيْرِهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْض ف 25- 21).

عَطِيَّةُ الْأَبِ لِأَوْلَادِهِ:

14- يَتَّفِقُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأَبَ إِذَا أَعْطَى لِأَوْلَادِهِ صَحَّتْ عَطَايَاهُ.

وَاسْتُحِبَّتِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمْ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَسْوِيَة ف 11).

ثَانِيًا: شُرُوطُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ:

15- الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا صَحَّ بَيْعُهُ صَحَّتْ هِبَتُهُ مَعَ اسْتِثْنَاءَاتٍ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ.

أَمَّا شُرُوطُهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ فَهِيَ مَا يَأْتِي:

أ- أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مَوْجُودًا.

ب- أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَمْلُوكًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُبَاحٍ، مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ.

ج- أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوَّمًا.

د- أَنْ يَكُونَ مَحُوزًا.

هـ- أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ- أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مَوْجُودًا:

16- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَ الْهِبَةِ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ هِبَةُ مَا لَيْسَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ مَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ هَذَا الْعَامَ، أَوْ مَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ هَذِهِ السَّنَةَ وَنَحْوُهُ.وَمِثْلُهُ: لَوْ وَهَبَهُ مَا فِي بَطْنِ هَذَا الْحَيَوَانِ حَتَّى وَإِنْ سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ.وَمِثْلُهُ: لَوْ وَهَبَهُ زُبْدًا فِي لَبَنٍ أَوْ دُهْنًا فِي سِمْسِمٍ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا وَهَبَهُ صُوفًا عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ وَجَزَّهُ وَسَلَّمَهُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ مَوْجُودٌ وَمَمْلُوكٌ فِي الْحَالِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفُذْ حَالًا لِمَانِعٍ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَوْهُوبِ مَشْغُولًا بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ، فَإِذَا جَزَّهُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ عِنْدَ وُجُودِ الْقَبْضِ، وَصَارَ كَمَا لَوْ وَهَبَ شَخْصًا مُشَاعًا ثُمَّ قَسَمَهُ وَسَلَّمَهُ.

وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ هِبَةَ الْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ، لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَتَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ فَيَقَعُ الْعَقْدُ بَاطِلًا، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ هِبَةِ كُلِّ مَمْلُوكٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْمَجْهُولِ، وَالثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَالْمَغْصُوبِ، إِذِ الْأَصْلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَصِحُّ هِبَةُ كُلِّ مَا يَقْبَلُ النَّقْلَ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا.

كَمَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِهِبَةِ الْمَعْدُومِ بِأَنَّ الَّذِي يَهَبُ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ لِرَجُلٍ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مَجْهُولًا فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ عِلْمُهُ أَوْ لَا.

فَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ كَزَيْتٍ اخْتَلَطَ بِزَيْتٍ أَوْ شَيْرَجٍ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْهِبَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى مَجْهُولٍ لِلْحَاجَةِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلْجَهَالَةِ وَتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ

ب- أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ:

17- مِنَ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ هِبَةُ الْمُبَاحَاتِ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ، وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَتَمْلِيكُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُحَالٌ.

كَمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ مَالِ الْغَيْرِ مَمْنُوعٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ لِلْوَاهِبِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا:

أَمَّا هِبَةُ الْعَيْنِ فَظَاهِرٌ الْجَوَازُ لِإِمْكَانِيَّةِ قَبْضِهِ بِعَيْنِهِ.

أَمَّا هِبَةُ الدَّيْنِ: فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ قَدْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ بِمَثَابَةِ إِبْرَاءٍ لِلْمَدِينِ أَوْ إِسْقَاطِ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَلَا حَاجَةَ لِقَبْضٍ جَدِيدٍ.

أَمَّا هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْأَوَّلُ: الْجَوَازُ.وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ فِي الْمَنْهَجِ.

وَبُنِيَ الْجَوَازُ عَلَى أَنَّهُ إِنَابَةٌ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ يُجْبِرُ الْمَدْيُونَ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إِلاَّ أَنَّ قَبْضَهُ بِقَبْضِ عَيْنِهِ؟ فَإِذَا قَبَضَ الْعَيْنَ قَامَ قَبْضُهَا مَقَامَ قَبْضِ عَيْنِ مَا فِي الذِّمَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَبْضِ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ بِخِلَافِ هِبَةِ الْعَيْنِ.وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

الثَّانِي: عَدَمُ الْجَوَازِ.وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ الْمُعْتَمَدِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَوَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الْهِبَةِ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَحْتَمِلُ الْقَبْضَ، وَهُوَ بِخِلَافِ مَا لَوْ وُهِبَ لِلْمَدِينِ، لأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ، وَذِمَّتُهُ فِي قَبْضِهِ، فَكَانَ الدَّيْنُ فِي قَبْضِهِ بِوَاسِطَةِ قَبْضِ الذِّمَّةِ.

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَيْهِ: بِأَنَّ الْهِبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَقْدُورَةِ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّ مَا يُقْبَضُ مِنَ الدُّيُونِ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ، وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ.

ج- أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مُتَقَوَّمًا:

18- الْمَالُ الْمُتَقَوَّمُ هُوَ مَا كَانَ مَالًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَهُ قِيمَةٌ يُضْمَنُ بِهَا عِنْدَ الْإِتْلَافِ.

وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ هِبَةُ مَا لَيْسَ مَالًا أَصْلًا كَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالدَّمِ، وَلَا هِبَةُ مَا لَيْسَ مُتَقَوَّمًا كَالْخَمْرِ وَالْمُسْكِرَاتِ، وَلَا هِبَةُ كُلِّ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا.

وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ فِي صِحَّةِ هِبَةِ الْحَبَّةِ أَوِ الْحَبَّتَيْنِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرَةِ، مِمَّا لَيْسَ مُتَمَوَّلًا.

فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْجَوَازَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الصَّدَقَةِ بِالتَّمْرَةِ، وَالصَّدَقَةُ هِبَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْمَنْعَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ التَّمَوُّلِ.

د- أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَحُوزًا:

19- وَالْكَلَامُ هُنَا عَنْ هِبَةِ الشَّيْءِ الْمُشَاعِ.وَلِلْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ كَالْبَيْعِ، فَيُسَلِّمُ الْوَاهِبُ جَمِيعَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَقَّهُ، وَيَكُونُ حَقُّ الشَّرِيكِ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً، وَقِيلَ: إِنْ قَبَضَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فَإِعَارَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَحُجَّتُهُمْ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ الْقَبْضَ فِي هِبَةِ الْمُشَاعِ غَيْرِ الْمَقْسُومِ يَصِحُّ كَالْقَبْضِ فِي بَيْعِ الْمُشَاعِ غَيْرِ الْمَقْسُومِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي قَبْضِ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْض ف30).

الْقَوْلُ الثَّانِي: جَوَازُ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَعَدَمُ جَوَازِ هِبَةِ الْمُشَاعِ الَّذِي يُقْسَمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هِبَةِ الْمُشَاعِ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِلشَّرِيكِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَحُجَّتُهُمْ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهم-، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ، وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَبْضِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَقْبُوضِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي النِّصْفِ الشَّائِعِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُشَاعِ الَّذِي لَا يُقْسَمُ أَيْضًا، لَكِنْ جَوَّزْنَا هِبَتَهُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إِلَى هِبَةِ بَعْضِهِ، وَلَا حُكْمَ لِلْهِبَةِ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالشُّيُوعُ مَانِعٌ مِنَ الْقَبْضِ، وَلَا سَبِيلَ لِإِزَالَةِ الْمَانِعِ بِالْقِسْمَةِ لِتَعَذُّرِ قِسْمَتِهِ- كَالدَّابَّةِ- فَمَسَّتِ الضَّرُورَةُ إِلَى الْجَوَازِ وَإِقَامَةِ صُورَةِ التَّخْلِيَةِ مَقَامَ الْقَبْضِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ لِإِمْكَانِ إِزَالَةِ الْمَانِعِ.

وَلِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَلَوْ صَحَّتْ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَصَارَ عَقْدَ ضَمَانٍ، لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ الْوَاهِبِ بِالْقِسْمَةِ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْقِسْمَةِ فَيُؤَدِّي إِلَى تَغْيِيرِ الثَّابِتِ بِالشَّرْعِ، بِخِلَافِ مُشَاعٍ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إِيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، لِأَنَّ الضَّمَانَ ضَمَانُ الْقِسْمَةِ، وَالْمَحَلُّ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ.

هـ- أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مُتَمَيِّزًا عَنْ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ وَغَيْرَ مُتَّصِلٍ بِهِ:

20- يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ لِصِحَّةِ الْقَبْضِ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ اتِّصَالَ الْأَجْزَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَبْضَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ وَحْدَهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ فِيمَا لَوْ وَهَبَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ دُونَ الزَّرْعِ، أَوْ شَجَرًا دُونَ ثَمَرِهِ، أَوْ وَهَبَ الزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ، أَوِ الثَّمَرَ دُونَ الشَّجَرِ، ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ وَهَبَ الْأَرْضَ ثُمَّ الزَّرْعَ وَسَلَّمَهَا جَمِيعًا جَازَ.

هِبَةُ الْمَنَافِعِ:

21- تُتَصَوَّرُ هِبَةُ الْمَنَافِعِ غَالِبًا فِي الْعَارِيَةِ، فَقَدْ عَرَّفَ الْفُقَهَاءُ الْعَارِيَةَ بِأَنَّهَا هِبَةُ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ.

وَتَدْخُلُ فِيهَا الْعُمْرَى عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْعُمْرَى تَمْلِيكَ مَنْفَعَةٍ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: إِعَارَة، عُمْرَى ف 6).

و- اشْتِرَاطُ قَبْضِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ:

22- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِتَمَامِ الْهِبَةِ، أَيْ أَنَّ الْهِبَةَ حِينَ تَصْدُرُ صِيغَتُهَا فَهَلْ تُعْتَبَرُ عَقْدًا تَامًّا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ؟ لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَرِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَثْبُتُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ قَبْضِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، وَلَيْسَ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَقَطْ قُوَّةُ إِلْزَامٍ لِلْوَاهِبِ لِإِقْبَاضِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، بَلْ لَهُ الْخِيَارُ بِالْإِذْنِ بِالْقَبْضِ أَوِ الرُّجُوعِ عَنِ الْهِبَةِ.

وَإِذَا مَاتَ أَيٌّ مِنَ الْوَاهِبِ أَوِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَامَ وَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَقَامَهُ، أَيْ أَنَّ وَارِثَ الْوَاهِبِ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاهِبِ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ، وَيَقُومُ وَارِثُ الْمُتَّهَبِ مَقَامَ الْمُتَّهَبِ فِي الْقَبْضِ.

وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ كَالشَّرِكَةِ وَالْوِكَالَةِ.

وَلَوْ أَذِنَ الْوَاهِبُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَ الْإِذْنُ.

وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ صَحِيحَةً غَيْرَ ضِمْنِيَّةٍ وَغَيْرَ ذَاتِ ثَوَابٍ.

وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم- أَجْمَعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إِلاَّ مَقْبُوضَةً مَحُوزَةً، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لأُِمِّ سَلَمَةَ: إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقِيَّ مِنْ مِسْكٍ، وَلَا أَرَى النَّجَاشِيَّ إِلاَّ قَدْ مَاتَ، وَلَا أَرَى هَدِيَّتِي إِلاَّ مَرْدُودَةً عَلَيَّ، فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ فَهِيَ لَكِ».وَكَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَلَوْ صَحَّتْ بِلَا قَبْضٍ لَثَبَتَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وِلَايَةُ مُطَالَبَةِ الْوَاهِبِ بِالتَّسْلِيمِ، فَتَصِيرُ عَقْدَ ضَمَانٍ بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا تَغْيِيرٌ لِمَا تَقَرَّرَ شَرْعًا فِي الْهِبَةِ مِنْ أَنَّهَا تَبَرُّعٌ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ وَتُمْلَكُ بِعَقْدٍ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَتَلْزَمُ الْهِبَةُ بِقَبْضِهَا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، وَلَا تَلْزَمُ قَبْلَهُمَا وَلَوْ كَانَتِ الْهِبَةُ فِي غَيْرِ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ- رضي الله عنه- نَحَلَهَا جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ، فَلَمَّا مَرِضَ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا وَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ أَوْ قَبَضْتِيهِ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى».

وَعَنِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْهِبَةِ يَقَعُ مُرَاعًى: فَإِنْ وُجِدَ الْقَبْضُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ بِقَوْلِهِ، وَإِلاَّ فَهُوَ لِلْوَاهِبِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ.

وَقَالَ الْمَرْدَاوِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخَرَقِيِّ وَطَائِفَةٌ أَنَّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ لَا يَصِحُّ إِلاَّ مَقْبُوضًا.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ.وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ، بَلْ إِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَمَامِهَا فَإِنْ عُدِمَ لَمْ تَلْزَمْ مَعَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً.

وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ إِلَى لُزُومِ الْهِبَةِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَزِمَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ.

وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ إِجْبَارُ الْوَاهِبِ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنَ الْقَبْضِ حَيْثُ طَلَبَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَهُ طَلَبُهَا مِنْهُ حَيْثُ امْتَنَعَ الْوَاهِبُ وَلَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ لِيُجْبِرَهُ عَلَى تَمْكِينِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَبُولُ وَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَانِ، إِلاَّ أَنَّ الْقَبُولَ رُكْنٌ وَالْحِيَازَةَ شَرْطٌ، وَتَبْطُلُ الْهِبَةُ إِنْ تَأَخَّرَ حَوْزُهَا لِدَيْنٍ مُحِيطٍ بِمَالِ الْوَاهِبِ وَلَوْ بَعْدَ عَقْدِهَا، أَوْ وَهْبِهَا لِشَخْصٍ ثَانٍ، وَحَازَ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ، فَالْهِبَةُ لِلثَّانِي لِتَقَوِّي الْهِبَةِ بِالْحِيَازَةِ، وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْوَاهِبِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي الْحَوْزِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْأَوَّلُ وَفَرَّطَ أَمْ لَا، مَضَى مِنَ الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الْقَبْضُ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْهِبَةُ إِذَا أَعْتَقَ الْوَاهِبُ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ.

شَرَائِطُ صِحَّةِ الْقَبْضِ:

اشْتِرَاطُ إِذْنِ الْوَاهِبِ:

23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الْوَاهِبِ فِي الْقَبْضِ إِلَى قَوْلَيْنِ:

الْأَوَّلُ: يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَبْضِ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ الْإِذْنَ بِالْقَبْضِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي بِدُونِ إِذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ، فَلأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ بِدُونِ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ.

وَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ يُشْبِهُ الرُّكْنَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُكْنًا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيُشْبِهُ الْقَبُولَ فِي الْبَيْعِ.

وَالْإِذْنُ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً:

فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ: اقْبِضْ أَوْ أَذِنْتُ لَكَ بِقَبْضِهِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ.

فَيَجُوزُ قَبْضُهُ اسْتِحْسَانًا سَوَاءٌ قَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ أَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ.

وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَدْ حُمِلَ إِلَيْهِ سِتُّ بَدَنَاتٍ فَجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَنَحَرَهُنَّ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ، وَقَالَ: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» وَانْصَرَفَ.

وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّه- عليه الصلاة والسلام- قَدْ أَذِنَ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ حِينَ أَذِنَ لَهُمْ بِالْقَطْعِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْقَبْضِ وَاعْتِبَارِهِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ.

أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ زُفَرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَبْضُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ الْقِيَاسُ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَبْضَ عِنْدَهُ رُكْنٌ بِمَنْزِلَةِ الْقَبُولِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَالْقَبُولِ فِي بَابِ الْبَيْعِ.

أَمَّا الْقَبْضُ دَلَالَةً: فَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَيْنَ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَنْهَاهُ الْوَاهِبُ، فَإِنَّ قَبْضَهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ إِيجَابَ الْهِبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً، وَالثَّابِتُ دَلَالَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا.

وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْقَبْضُ بِدُونِ إِذْنٍ صَرِيحٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.

وَالثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْقَبْضِ عِنْدَهُمْ، بَلْ إِنَّ الْقَبْضَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْهِبَةِ، بَلْ إِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَعَلَى الْوَاهِبِ التَّسْلِيمُ.وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ.

أَنْ لَا يَكُونَ الْمَوْهُوبُ مَشْغُولًا بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ:

24- يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ لِصِحَّةِ الْقَبْضِ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مَشْغُولًا بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ لِصِحَّةِ الْقَبْضِ.

وَهَذَا الشَّرْطُ يَأْتِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْقَبْضِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَقْبُوضِ فَإِذَا كَانَ مَشْغُولًا لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إِذَا وَهَبَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الدَّارَ إِلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ الدَّارَ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْفَرَاغَ شَرْطُ صِحَّةِ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ فَقَطْ دُونَ الدَّارِ وَخَلَّى بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَبَيْنَ الْمَتَاعِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ الْمَتَاعَ لَيْسَ مَشْغُولًا بِالدَّارِ بَلِ الدَّارُ مَشْغُولَةٌ بِالْمَتَاعِ.

كَيْفِيَّةُ تَحَقُّقِ الْقَبْضِ:.

25- الْأَصْلُ أَنَّ الْمُنَاوَلَةَ وَالْأَخْذَ إِقْبَاضٌ وَقَبْضٌ، كَذَلِكَ تَكُونُ التَّخْلِيَةُ قَبْضًا إِذَا خَلَّى الْوَاهِبُ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ.

أَمَّا لَوْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مَقْبُوضًا قَبْلَ الْهِبَةِ، كَمَا لَوْ وَهَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ لِلْوَدِيعِ وَالْمُعِيرُ الْعَارِيَةَ لِلْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْض ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).

ثَالِثًا: صِيغَةُ الْهِبَةِ:

26- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رُكْنِ صِيغَةِ الْهِبَةِ إِلَى قَوْلَيْنِ:

الْأَوَّلُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ رُكْنَ صِيغَةِ الْهِبَةِ يَتَكَوَّنُ مِنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي قَوْلٍ لِزُفَرَ أَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ أَيْضًا.

وَاخْتَارَ ابْنُ نُجَيْمٍ أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ فِي الْهِبَةِ كَالْإِيجَابِ فِي غَيْرِهَا، وَكَلَامُ الْخَرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْهِبَةَ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ، وَوُجُودُ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ هُوَ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا وَهُوَ انْعِقَادُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ (التَّمْلِيكِ) وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْإِيجَابِ فَلَا يَكُونُ ذَاتُ الْإِيجَابِ هِبَةً شَرْعًا بِدُونِ قَبُولٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنِ الْإِيجَابُ بِدُونِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ بَيْعًا، كَذَلِكَ هُنَا.

الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ رُكْنًا فِي صِيغَةِ الْهِبَةِ وَإِنَّمَا رُكْنُهَا الْإِيجَابُ فَقَطْ اسْتِحْسَانًا.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ مَعْنَى الْهِبَةِ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مُجَرَّدِ إِيجَابِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَبُولِ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ لِثُبُوتِ حُكْمِهَا لَا لِوُجُودِهَا بِنَفْسِهَا، فَإِذَا أَوْجَبَ فَقَدْ أَتَى بِالْهِبَةِ فَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ وُقُوعَ التَّصَرُّفِ هِبَةً لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ هُوَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إِلاَّ مَقْبُوضَةً مَحُوزَةً» وَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ أَنَّهُ أَطْلَقَ اسْمَ الْهِبَةِ بِدُونِ الْقَبْضِ وَالْحِيَازَةِ.

وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ أَنَّ «الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- حِمَارَ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ» فَقَدْ أَطْلَقَ الرَّاوِي اسْمَ الْإِهْدَاءِ بِدُونِ الْقَبُولِ، وَالْإِهْدَاءُ مِنْ أَلْفَاظِ الْهِبَةِ.

كَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ- رضي الله عنه- دَعَا عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَقَالَ لَهَا: إِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ- أَعْطَيْتُكِ- جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْعَالِيَةِ، وَإِنَّكِ لَمْ تَكُونِي قَبَضْتِيهِ وَلَا حَرَزْتِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ.

وَالدَّلِيلُ فِيهِ: أَنَّ الصِّدِّيقَ- رضي الله عنه- أَطْلَقَ اسْمَ النُّحْلَى بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالنُّحْلَى مِنْ أَلْفَاظِ الْهِبَةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


52-موسوعة الفقه الكويتية (هدية)

هَدِيَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْهَدِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الْمَالُ الَّذِي أُتْحِفَ وَأُهْدِيَ لِأَحَدٍ إِكْرَامًا لَهُ، يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لِلرَّجُلِ كَذَا: بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْهِ إِكْرَامًا، فَالْمَالُ هَدِيَّةٌ.

وَاصْطِلَاحًا عَرَّفَهَا الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا: تَمْلِيكُ عَيْنٍ مَجَّانًا.

وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا: تَمْلِيكُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ ذَاتًا تُنْقَلُ شَرْعًا بِلَا عِوَضٍ لِأَهْلٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ.

وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا: تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ مَعَ النَّقْلِ إِلَى مَكَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إِكْرَامًا.

وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا: تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْهِبَةُ:

2- الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنَ الْفِعْلِ وَهَبَ، يُقَالُ: وَهَبْتُ لِزَيْدٍ مَالًا أَهَبُهُ لَهُ هِبَةً: أَعْطَيْتُهُ بِلَا عِوَضٍ.

وَهِيَ فِي الِاصْطِلَاحِ: تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ.

فَالْهِبَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ أَنْوَاعٌ مِنَ الْبِرِّ يَجْمَعُهَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ، فَإِنْ مَلَّكَ مُحْتَاجًا لِطَلَبِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ، وَإِنْ نَقَلَهَا إِلَى مَكَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إِكْرَامًا لَهُ فَهَدِيَّةٌ، وَإِنْ مَلَّكَهُ بِدُونِ طَلَبِ الثَّوَابِ وَلَمْ يَنْقُلْ إِلَى مَكَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَهِبَةٌ مَحْضَةٌ.

وَالصِّلَةُ أَنَّ الْهِبَةَ أَعَمُّ مِنَ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ، فَكُلٌّ مِنَ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ هِبَةٌ وَلَا عَكْسَ.

ب- الْوَصِيَّةُ:

3- الْوَصِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: الْإِيصَالُ: مِنْ وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا: وَصَلَهُ بِهِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبَرُّعٌ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِلَا عِوَضٍ، إِلاَّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُضَافُ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْهَدِيَّةَ تُنَفَّذُ حَالًا.

ج- الْوَقْفُ:

4- الْوَقْفُ فِي اللُّغَةِ: الْحَبْسُ.يُقَالُ: وَقَفْتُ الدَّارَ وَقْفًا: حَبَسْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَاصْطِلَاحًا: هُوَ حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرِفٍ مُبَاحٍ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالْوَقْفِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ، وَأَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ.

د- الْعَارِيَّةُ:

5- الْعَارِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: مِنَ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّدَاوُلُ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الشَّيْءِ الْمُعَارِ.

وَاصْطِلَاحًا: هِيَ إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالْعَارِيَّةِ: أَنَّ الْهَدِيَّةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ، وَالْعَارِيَّةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِلَا عِوَضٍ.

هـ- الرُّقْبَى:

6- الرُّقْبَى فِي اللُّغَةِ: مِنَ الْمُرَاقَبَةِ يُقَالُ: رَقَبْتُهُ: انْتَظَرْتُهُ، وَالرُّقْبَى: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَرَقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ هِيَ لَكَ رُقْبَى مُدَّةَ حَيَاتِكَ.

وَاصْطِلَاحًا: هِيَ جَعْلُ الْمَالِكِ شَيْئًا يَمْلِكُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ مُدَّةَ حَيَاتِهِمَا بِشَرْطِ الِاسْتِرْدَادِ إِذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ الْوَاهِبِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالرُّقْبَى أَنَّ الْهَدِيَّةَ تَمْلِيكٌ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالرُّقْبَى تَمْلِيكٌ مُدَّةَ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا.

و- الْعُمْرَى:

7- الْعُمْرَى فِي اللُّغَةِ: مِنْ أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ: جَعَلْتُ لَهُ سُكْنَاهَا، وَمَا تَجْعَلُهُ لِلرَّجُلِ طُولَ عُمْرِكَ أَوْ عُمْرِهِ.

وَاصْطِلَاحًا هِيَ: جَعْلُ شَخْصٍ دَارَهُ لِشَخْصٍ مُدَّةَ عُمْرِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، بِشَرْطِ رُجُوعِ الدَّارِ إِلَى الْمُعْمِرِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ الْمُعْمِرُ وَالشَّخْصُ الْمُعْمَرُ لَهُ.وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعُمْرَى وَالْهَدِيَّةِ أَنَّهُمَا تَمْلِيكُ شَيْءٍ بِلَا عِوَضٍ لَكِنَّ الْهَدِيَّةَ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ بِزَمَنٍ مَا، وَالْعُمْرَى تَتَوَقَّتُ بِحَيَاةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.

مَشْرُوعِيَّةُ الْهَدِيَّةِ:

8- لَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْهَدِيَّةِ، بَلْ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهَا فِي الْأَصْلِ إِلاَّ لِعَارِضٍ، وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ.

فَمِنَ الْكِتَابِ قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} وَقَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} الْآيَةَ.وَمِنَ السُّنَّةِ الْقَوْلِيَّةِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» وَخَبَرُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «تَهَادُوا تَحَابُّوا».

وَمِنَ السُّنَّةِ الْعَمَلِيَّةِ: «قَبُولُهُ- صلى الله عليه وسلم- هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ الْكَافِرِ» «وَقَبُولُهُ- صلى الله عليه وسلم- هَدِيَّةَ النَّجَاشِيِّ الْمُسْلِمِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهَا وَمُهَادَاتُهُ».

وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا وَاسْتِحْبَابِهَا.وَصَرْفُهَا إِلَى الْجِيرَانِ وَالْأَقَارِبِ أَفْضَلُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِمْ.

وَلَا يَحْتَقِرُ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إِلَيْهِ الْقَلِيلَ، فَيَمْتَنِعُ الْأَوَّلُ مِنْ إِهْدَائِهِ، وَالثَّانِي مِنْ قَبُولِهِ؟ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ.

شُرُوطُ الْهَدِيَّةِ:

9- الْهَدِيَّةُ إِحْدَى أَنْوَاعِ الْهِبَةِ فَتَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُهَا وَشُرُوطُهَا وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (هِبَة).

10- وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْهَدِيَّةِ: صِيغَةٌ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنَ الْمُهْدِي وَقَبْضُ الْمُهْدَى إِلَيْهِ، فَيَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، كَمَا جَرَتْ أَعْرَافُ النَّاسِ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَزْمَانِ.

وَقَدْ أَهْدَى الْمُلُوكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْكِسْوَةَ وَالدَّوَابَّ وَالْجَوَارِيَ، وَلَمْ يُنْقَلْ إِيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ.

11- وَلَا يَمْلِكُ الْمُهْدَى إِلَيْهِ الْهَدِيَّةَ إِلاَّ بِالْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمُهْدِي أَوْ وَارِثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (هِبَة ف 27- 30).

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْهَدِيَّةِ:

تَتَعَلَّقُ بِالْهَدِيَّةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أ- الرُّجُوعُ فِي الْهَدِيَّةِ:

12- لِلْمُهْدِي الرُّجُوعُ فِي الْهَدِيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (هِبَة ف 21).

ب- وِعَاءُ الْهَدِيَّةِ:

13- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: رَجُلٌ بُعِثَ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ فِي إِنَاءٍ أَوْ ظَرْفٍ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ إِنْ كَانَ ثَرِيدًا أَوْ نَحْوَهُ؟ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَعَلَهُ فِي إِنَاءٍ آخَرَ ذَهَبَتْ لَذَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنَ الْفَوَاكِهِ أَوْ نَحْوِهَا إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا وَإِلاَّ فَلَا، وَيُقَالُ: إِذَا بُعِثَ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ فِي ظَرْفٍ أَوْ إِنَاءٍ وَمِنَ الْعَادَةِ رَدُّ الظَّرْفِ وَالْإِنَاءِ لَمْ يَمْلِكِ الظَّرْفَ وَالْإِنَاءَ، وَذَلِكَ كَالْقِصَاعِ وَالْجِرَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَادَةِ أَنْ لَا يَرُدَّ الظَّرْفَ كَقَوَاصِرِ التَّمْرِ فَالظَّرْفُ هَدِيَّةٌ أَيْضًا لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ.

ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنِ الظَّرْفُ هَدِيَّةً كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُهْدَى إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي غَيْرِ الْهَدِيَّةِ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْهَدِيَّةَ فِيهِ إِذَا لَمْ تَقْتَضِ الْعَادَةُ تَفْرِيغَهُ فَإِنِ اقْتَضَتْ تَفْرِيغَهُ وَتَحْوِيلَهُ عَنْهُ لَزِمَهُ تَفْرِيغُهُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ وِعَاءَ الْهَدِيَّةِ يُرَدُّ إِلَى الْمُهْدِي.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا بَعَثَ شَخْصٌ لآِخَرَ هَدِيَّةً فِي وِعَاءٍ فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَةِ التَّمْرِ فَالْوِعَاءُ هَدِيَّةٌ أَيْضًا كَالَّذِي فِي الظَّرْفِ تَحْكِيمًا لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ، وَإِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ أَوِ اضْطَرَبَتِ الْعَادَةُ فَلَا يَكُونُ هَدِيَّةً، بَلْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إِلاَّ فِي أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ، إِنِ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ عَمَلًا بِهَا وَتَكُونُ عَارِيَةً حِينَئِذٍ.

ج- هَدَايَا الْخِتَانِ وَالزِّفَافِ:

14- إِذَا عَمِلَ أَحَدٌ دَعْوَةً لِخِتَانِ وَلَدِهِ فَأَهْدَى الْمَدْعُوُّونَ هَدَايَا وَوَضَعُوهَا بَيْنَ يَدَيْهِ: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلصِّبْيَانِ مِثْلَ ثِيَابِ الصِّبْيَانِ، أَوْ شَيْئًا يَسْتَعْمِلُهُ الصِّبْيَانُ فَهِيَ لِلصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَكُونُ هَدِيَّةً لِلصَّبِيِّ عَادَةً، وَإِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى الْمُهْدِي، فَإِنْ قَالَ: هِيَ لِلصَّغِيرِ كَانَتْ لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ: يُنْظَرُ إِنْ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَقَارِبِ الْأَبِ أَوْ مَعَارِفِهِ فَهِيَ لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقَارِبِ الْأُمِّ أَوْ مَعَارِفِهَا فَهِيَ لِلْأُمِّ.

15- وَكَذَلِكَ إِنِ اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ لِزِفَافِ بِنْتِهِ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا فَأَهْدَى النَّاسَ هَدَايَا فَهِيَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَرَابَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ.وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ مَعَارِفِ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ مِنْ مَعَارِفِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ أَقَارِبِهَا، إِلاَّ إِذَا بَيَّنَ الْمُهْدِي وَقَالَ: أَهْدَيْتُ لِهَذَا أَوْ لِهَذَا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا تَكُونُ الْهَدِيَّةُ لِلْوَالِدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ لِلْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَالِدَ اتَّخَذَ الْوَلِيمَةَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُهْدِي عِنْدَ الْإِهْدَاءِ: أَهْدَيْتُ لِلْوَالِدِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ أَوْ صَاحِبَ الْوَلِيمَةِ إِذَا كَانَ رَجُلًا عَظِيمًا مُحْتَرَمًا يَقُولُ الْمُهْدِي عَادَةً: هَذَا لِخِدْمَتِكُمْ.

قَالَ النَّابُلُسِيُّ: وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قُلْنَا أَوَّلًا.وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ إِنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَجَاءَ بِالتُّحَفِ إِلَى مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ وَقَالَ: اقْسِمْ هَذَا بَيْنَ أَوْلَادِكَ وَامْرَأَتِكَ وَنَفْسِكَ، فَإِنْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ إِلَى بَيَانِ الْمُهْدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ فَمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فَلَهُ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلزَّوْجَةِ وَمَا يَصْلُحُ لِلصِّغَارِ مِنَ الْإِنَاثِ فَهُوَ لَهُنَّ وَمَا يَصْلُحُ لِلصِّغَارِ مِنَ الذُّكُورِ فَهُوَ لَهُمْ، وَمَا يَصْلُحُ لِكِلَيْهِمَا يُنْظَرُ إِلَى الْمُهْدِي: فَإِنْ كَانَ مِنْ أَقَارِبِ الرَّجُلِ أَوْ مَعَارِفِهِ فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقَارِبِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِنْ مَعَارِفِهَا فَلَهَا، فَإِذَنِ التَّعْوِيلُ عَلَى الْعَادَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْهَدَايَا الْمَحْمُولَةُ عِنْدَ الْخِتَانِ مِلْكٌ لِلْأَبِ.وَقَالَ جَمْعٌ: هِيَ لِلِابْنِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَقْبَلُ لَهُ الْأَبُ وُجُوبًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَبُولِهِ مَحْذُورٌ، وَمِنَ الْمَحْذُورِ أَنْ يَقْصِدَ الْمُهْدِي التَّقَرُّبَ لِلْأَبِ وَهُوَ قَاضٍ وَنَحْوُهُ مِنْ أَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ وَالْعُمَّالِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبُولُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِلِابْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا أَطْلَقَ الْمُهْدِي فَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَإِنْ عَيَّنَهُ فَهِيَ لِمَنْ قَصَدَهُ اتِّفَاقًا.

د- الْهَدَايَا أَثْنَاءَ الْخِطْبَةِ:

16- إِذَا أَهْدَى الْخَاطِبُ إِلَى مَخْطُوبَتِهِ أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ لَمْ يَتِمَّ الزَّوَاجُ، فَفِي الرُّجُوعِ بِالْهَدِيَّةِ وَالنَّفَقَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (خُطْبَة ف 39).

هـ- أَقْسَامُ الْهَدِيَّةِ:

17- الْهَدِيَّةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ كَمَا جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَقْلًا عَنْ أَقْضِيَةِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ:

أ- حَلَالٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِهْدَاءِ لِلتَّوَدُّدِ.

ب- وَحَرَامٌ مِنْهُمَا كَالْإِهْدَاءِ لِيُعِينَهُ عَلَى ظُلْمٍ.

ج- وَحَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ فَقَطْ وَهِيَ أَنْ يُهْدِيَهُ لِيَكُفَّ عَنْهُ الظُّلْمَ.

د- أَنْ يَدْفَعَهُ لِدَفْعِ الْخَوْفِ مِنَ الْمُهْدِي إِلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عِيَالِهِ أَوْ عِرْضِهِ، فَهَذِهِ حَلَالٌ لِلدَّافِعِ حَرَامٌ عَلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنِ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ لِيَفْعَلَ الْوَاجِبَ.

18- وَمِنَ الْهَدَايَا الْمُحَرَّمَةِ: هَدَايَا الْعُمَّالِ وَأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ مِنْ قَاضٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ وَظَائِفَ عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً أَمْ تَمَّتْ فِي صُورَةِ مُحَابَاةٍ.

وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي وَنَحْوِهِ قَبُولُ هَدِيَّةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا، وَإِنْ تَأَذَّى الْمُهْدِي بِالرَّدِّ يُعْطَى قِيمَتَهَا.وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ أَوْ بُعْدِ مَكَانِهِ وُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ صَاحِبُهَا فَيُدْفَعَ إِلَيْهِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ، هَذَا إِذَا أَهْدَاهُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ، أَوْ مَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُهْدَى إِلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ وُجُودِ الْخُصُومَةِ تَدْعُو إِلَى الْمَيْلِ، وَفِي حَالَةِ عَدَمِهَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ سَبَبَ الْإِهْدَاءِ الْعَمَلُ. (ر: قَضَاء ف 35).

وَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ صَدِيقٍ كَانَ يُهْدَى لَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ حَاضِرَةٌ أَوْ مُرْتَقَبَةٌ، وَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ بِالْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يُهْدِيهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَوِ التَّرْشِيحِ، لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِهَا بَعْدَ التَّرْشِيحِ أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ، فَيَحْرُمُ الْكُلُّ إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ بِالْوَصْفِ، كَأَنْ كَانَ يُهْدَى أَثْوَابًا مِنَ الْكَتَّانِ، فَأُهْدِيَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْوِلَايَةِ الْحَرِيرُ.

وَسَائِرُ الْعُمَّالِ مِمَّنْ يَتَوَلَّوْنَ وِلَايَةً عَامَّةً كَالْقَاضِي فِي حُرْمَةِ الْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا عَلَيْهِمْ وَمِنْهُمْ مَشَائِخُ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ وَالْقُرَى وَمُبَاشِرُو الْأَوْقَافِ وَكُلُّ مَنْ يَعْمَلُ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي.

وَالْأَصْلُ فِي حُرْمَةِ قَبُولِ هَؤُلَاءِ الْهَدَايَا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» وَفِي لَفْظٍ: «هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ» وَوَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي.فَقَامَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي؟ أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عَفْرَتَيْ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ».

و- خِلَعُ الْمُلُوكِ عَلَى مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْهَدِيَّةُ:

19- بَحَثَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ أَنَّ خِلَعَ الْمُلُوكِ الَّتِي مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَيْسَتْ كَالْهَدِيَّةِ، فَيَجُوزُ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ أَنْ يَقْبَلَهَا بِشَرْطِ اعْتِيَادِهَا لِمْثِلِهِ، وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ قَلْبُهُ عَنِ التَّصْمِيمِ عَلَى الْحَقِّ.

وَجَاءَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إِلاَّ مِنْ أَرْبَعٍ: السُّلْطَانِ، وَالْبَاشَا وَهُوَ حَاكِمُ بَلَدِهِ، وَقَرِيبِهِ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ، وَمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ بِقَدْرِ عَادَتِهِ وَلَا خُصُومَةَ لَهُمَا.

وَسَائِرُ الْعُمَّالِ فِي ذَلِكَ كَالْقَاضِي.

ز- قَبُولُ الْإِمَامِ الْهَدِيَّةَ:

20- لَيْسَ لِلْإِمَامِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ: وَمِنْهَا خَبَرُ: «هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ»؛ وَلِأَنَّ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنْ أُجِيزَ لِلْإِمَامِ لَمْ تَكُنْ خُصُوصِيَّتَهُ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (الْإِمَامَة الْكُبْرَى ف 28، وَرِشْوَة ف9).

ح- هَدِيَّةُ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظِ وَمُعَلِّمِ الْقُرَآنِ وَالْعِلْمِ:

21- ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْوَاعِظِ وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الْهَدِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ؛ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ إِنْ كَانَ سَبَبُ الْهَدِيَّةِ مُقَابِلَ مَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ مِنَ الْإِفْتَاءِ، وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ لِيَكُونَ عَمَلُهُمْ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِمْ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ فَالْأَوْلَى الْقَبُولُ.

أَمَّا إِذَا أَخَذَ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ لِيُرَخِّصَ فِي الْفَتْوَى، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ يُبَدِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً.انْظُرْ مُصْطَلَحَ (فَتْوَى ف 35).

ط- هَدَايَا الرَّعَايَا بَعْضِهِمْ بَعْضًا:

22- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْهَدَايَا بَيْنَ الرَّعَايَا بَعْضِهِمْ بَعْضًا إِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِطَلَبٍ آجِلٍ أَوْ عَاجِلٍ هُوَ مَالٌ أَوْ مَوَدَّةٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي بَعْضِ الصُّوَرِ مُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْلِ شَفَاعَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ فِي مَحْظُورٍ لِطَلَبِ الْمَحْظُورِ، أَوْ إِسْقَاطِ حَقٍّ، أَوْ مَعُونَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَقَبُولُهَا حَرَامٌ.

وَإِنْ كَانَتْ فِي مُبَاحٍ لَا يَلْزَمُهُ، فَإِنْ شَرَطَا هَدِيَّةً عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ الْمُهْدِي: هَذِهِ الْهَدِيَّةُ جَزَاءُ شَفَاعَتِكَ فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ أَيْضًا.وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الشَّافِعُ وَأَمْسَكَ الْمُهْدِي عَنْ ذِكْرِ الْجَزَاءِ فَإِنْ كَانَ مُهْدِيًا لَهُ قَبْلَ الشَّفَاعَةِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْقَبُولُ، وَإِلاَّ كُرِهَ لَهُ الْقَبُولُ إِنْ لَمْ يُكَافِئْهُ، وَإِنْ كَافَأَهُ لَمْ يُكْرَهْ.

ي- الْهَدِيَّةُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ:

23- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِهْدَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ كَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْإِهْدَاءِ: هَذَا هَدِيَّةُ النَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ، وَمِثْلُ الْقَوْلِ النِّيَّةُ، وَالنَّيْرُوزُ أَوَّلُ الرَّبِيعِ وَالْمَهْرَجَانُ أَوَّلُ الْخَرِيفِ، وَهُمَا يَوْمَانِ يُعَظِّمُهُمَا بَعْضُ الْكُفَّارِ وَيَتَهَادُونَ فِيهِمَا.

وَإِنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُمَا كَمَا يُعَظِّمُهُمَا الْكَفَرَةُ كَفَرَ.

ك- قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ:

24- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ إِلاَّ مَا عَلِمَ حُرْمَتَهُ بِعَيْنِهِ.

ل- هَدَايَا الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ:

25- إِنْ أَهْدَى الْكُفَّارُ لِمُسْلِمٍ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، أَمَّا مَا أَهْدَوْهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ، بَلْ هُوَ لِمَنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ.

م- الْهَدِيَّةُ لِخَوْفٍ أَوْ حَيَاءٍ:

26- يَحْرُمُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ إِذَا كَانَتْ لِخَوْفٍ أَوْ حَيَاءٍ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْغَصْبِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


53-الأضداد لابن الأنباري (السامد)

17 - والسَّامِد من الأَضْداد. فالسَّامِد في كلام أَهل اليمن: الَّلاهي، والسَّامِد في كلام طَيِّئٍ: الحزين، قال الله عزَ وجلّ: وَلاَ تَبْكُونَ وأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فقال: معناه لاَهُونَ. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: السَّامِد: الَّلاهي في الأَمر الثابت فيه، وأَنشدنا عن ابن الأَعْرَابِيّ:

«لوْ صاحَبَتْنَا ذاتُ خَلْقٍ فَوْهَدِ *** ورَابَعَتْنا واتَّخَذَتْنَا باليَدِ»

«إِذًا لقالَتْ ليتَنِي لَمْ أُولَدِ *** ولَمْ أُصاحِبْ رُفَقَ ابنِ مَعْبَدِ»

ولا الطَّويلَ سَامِدًا في السُّمَّدِ

ويروى: ثوهد بالثَّاء، الثَّوْهد: التامُّ الخَلْق.

وأَخبرنا أَبو محمد جعفر بن أَحمد بن عاصم، قال: حدَّثنا هشام بن عمار، قال: حدَّثنا أَبو عبد الرحمن عثمان بن عبد الرحمن الجزريّ، قال: حدَّثنا عبيد الله بن أَبي العبَّاس، عن جويبِر، عن الضّحّاك، قال: سأَل نافع بن الأَزرق عبد الله بن العبَّاس عن قول الله عزَ وجلّ: وأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فقال: معناه لاهون، فقال نافع: وهل كانت العربُ تعرف هذا في الجاهليَّة؟ قال: نعم، أَما سمعت قول هُزَيْلة بنت بكر، وهي تبكي عادًا حيث تقول:

«بَعَثَتْ عَادٌ لُقَيْمًا *** وأَبَا سَعْد مريدَا»

«وأَبا جُلْهُمَة الخَيْـ *** ـرَ فَتَى الحيِّ العَنُودا»

«قيلَ قُمْ فانْظُرْ إِليهمْ *** ثمَّ دَعْ عنك السُّمودَا»

وقالَ عِكْرِمة: سَامِدون من السُّمود، والسُّمود: الغناء بالحِمْيَرِيَّة؛ يقولون: يا جارِية اسْمُدي لنا، أَي غَنِّي لنا. وقالَ أَبو عُبيدة: السُّمود: اللهو واللعب، قال أَبو زُبَيد:

«وكأَنَّ العَزيفَ فيها غِناءٌ *** لِنَدَامَى من شاربٍ مَسْمُودِ»

أَي ملهًى. وقالَ رُؤْبَةُ:

«ما زالَ إِسْآدُ المَطايَا سَمْدَا *** تَسْتَلِبُ السَّيْرَ اسْتِلابًا مَسْدَا»

وقالَ ذو الرُّمَّة:

«يُصْبِحْنَ بَعْدَ الطَّلَقِ التَّجْريدِ *** وبَعْدَ سَمْدِ القَرَبِ المَسْمُودِ»

وقالَ بعض أَهل اللغة: السُّمود: الحزن والتحيُّر، وأَنشد:

«رَمَى الحِدْثَانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ *** بمقدارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا»

«فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بيضا *** ورَدَّ وُجوهَهُنَّ البيضَ سُودَا»

وقالَ مجاهد: سَامِدون مبرطِمُون. قال أَبو بَكْر: البرطمة الانتفاخ من الغضب وقال بعض المفسرين سَامِدون: متكبِّرون شامخون، ويقال: سَامِدون غافلون. والسُّمُود في غير هذا قيام النَّاس في الصَّفّ والمؤذِّن يقيم الصَّلاة. قال أَبو خالد الوالبيّ: أُقيمت الصَّلاة، فدخل علينا عليّ بن أَبي طالب رضوان الله عليه ونحن قيام، فقال: ما لي أَراكم سُمُودا! أَي قياما.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


54-الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي (أعجميا)

1427 - قوله: (أعجميًا)، الأعجمي: ضِدّ العَرَبي، قال الله عز وجل: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ}.

والأعْجَميُّ: نِسْبَةٌ إلى العَجَم. قال الزركشي: "الأعْجَمِيُّ الذي لا يَفْصَح"، وفي الحديث: "بُعثت إِلى العَرب والعَجَم".

وأما العَجْم - بسكون "الجيم" -: فَحَبُّ الثَمر، واحِدها: عَجْمَة.

الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي-جمال الدين أبو المحاسن الحنبلي الدمشقي الصالحي المعروف بـ «ابن المبرد»-توفي: 909هـ/1503م


55-الغريبين في القرآن والحديث (أمم)

(أمم)

قوله تعالى: {وعنده أم الكتاب} أي أصل الكتاب، وهو الذي عند الله عز وجل.

وقوله: {فأمه هاوية} أي مسكنة النار، وسميت جهنم أمًا؛ لأن الكافر يأوى إليها فهي له كالأم، أي كالأصل. قال الشاعر:

«خوت نجوم بني شكس لقد علقت *** أظفارها بعقاب أمها أجد»

أي تأوى إليها.

خوت تعني سقطت، يدعو عليهم؛ لأن أفول النجوم كناية عن زوال الإقبال لقد علقت أظفارها، يقول قد طمعوا في غير مطمع لأن العقاب يصيد ولا يصاد، والأم: المأوى. والأجد: محكمة الخلق وأحد بالحاء أي كأنهم يعاندون من مثله مثل العقاب الممتنع بجبل أحد.

وسميت فاتحة الكتاب أم الكتاب؛ لأنها أوله وأصله، وبه سميت مكة أم القرى؛ لأنها أول الأرض وأصلها، ومنها دحيت.

ومنه قوله تعالى: {حتى يبعث في أمها رسولًا} أي في أعظمها.

وقوله: {لتنذر أم القرى ومن حولها} يعني: أهل أم القرى. كما قال: {واسأل القرية}، يعني أهل القرية.

وقوله: {آيات محكمات هن أم الكتاب}: أي معظمه ويقال لمعظم الطريق: أم الطريق وأم الرمح لواؤه الذي عليه العلم وهو رأسه. قال الشاعر:

«وسلبنا الرمح فيه أمه *** من يد العاصي وما طال الطيل»

قال ابن عرفة: سميت فاتحة الكتاب أم الكتاب؛ لأنه إليها تضاف السور، ولا تضاف هي إلى شيء من السور.

في الحديث: (اتقوا الخمر فإنها أم الخبائث) قال شمر: أي التي تجمع كل خبيث قال: وقال بعض أعراب بني قيس: إذا قيل: أم الشر، فهي تجمع كل شر، وإذا قيل: أم الخير، فهي تجمع كل خير.

وقوله تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله} قال ابن الأعرابي: يقال للرجل الجامع للخير أمة. وقال الأزهري: الأمة: معلم الخير.

وقوله: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} أي على دين ومذهب.

ومثله قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة} أي على دين [واحد]

وقوله: {وإن هذه أمتكم} قال الضحاك: دينكم.

وكذلك قوله تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} والأمة: كل جماعة في زمانها

قال الله تعالى: {تلك أمة قد خلت} أي صنف قد مضى.

وكذلك قوله: {أمم أمثالكم} أي أصناف أمثالكم في الخلق والموت والبعث.

وقوله: {أسباطًا أممًا} أي فرقًا.

وقوله: {كنتم خير أمة} أي جماعة.

وقوله: {وجد عليه أمة من الناس يسقون} أي عصبة. قاله ابن عباس والأمة: أتباع الأنبياء. ومنه يقال: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. والأمة: الرجل المنفرد بدين.

ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في قس بن ساعدة: (إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده) والأمة: المدة من الزمان، ومنه قوله تعالى: {إلى أمة معدودة}.

وقوله: {وادكر بعد أمة} أي بعد حين.

وقوله: {من أهل الكتاب أمة قائمة} قيل: الأمة هاهنا: الطريقة المستقيمة. يعني: ذو أمة مستقيمة. قال الذبياني:

«حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *** وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع»

ويقال لكل جيل أمة أي أما تركت لنفسك موضع ريبة وهل يأثمن ذو طريقة: مستقيمة تقول: من سلك الطريقة المستقيمة طائعًا لم يأثم وقوله هل يأثمن أي هل يكتسب الإثم ويقال لكل جيل أمة أي جنس من الناس.

ومنه الحديث: (لولا أن الكلاب أمة تسبح لأمرت بقتلها).

وفي الحديث: (وإن يهود بني عوف أمة من المؤمنين (يريد أنهم بالصلح الذي وقع بينهم وبين المؤمنين كأمة من المؤمنين، كلمتهم وأيديهم واحدة.

وفي الحديث: (إن أطاعوهما- يعني أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- فقد رشدوا ورشدت أمهم) أردا بالأم فيها: الأمة. وقيل: هو نقيض قولهم: هوت أمة.

وفي الحديث: (في الأمة ثلث الدية) وفي حديث آخر (في المأمومة) وهما الشجة التي بلغت أم الرأس، يقال: رجل مأموم، وأميم، والأميمة: الحجارة التي يشدخ بها الرأس.

وقوله تعالى: {بعث في الأميين رسولا منهم} هم مشركوا العرب، نسبوا إلى ما عليه أمة العرب، وكانوا لا يكتبون.

ومنه قوله تعالى: {النبي الأمي} وهو الذي على خلقة الأمة الأمية.

ومنه الحديث: (بعثت إلى أمة أمية) وقيل: هي التي على أصل ودأب أمهاتها، لم تتعلم الكتاب. فهو على جبلته التي ولد عليها نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -. نسب إلى ما ولدته عليه أمة، معجزة له؛ - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله تعالى: {وأمهاتكم} يقال: أم، وأمة. وهذه أم زيد، وأمة زيد.

وقوله تعالى: {إني جاعلك للناس إمامًا} أي يأتمون بك ويتبعونك وبه سمي الإمام؛ لأن الناس يؤمون أفعاله، أي يقصدونها ويتبعونها.

وقوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} أي رؤساؤه.

وقوله: {وإنهما لبإمام مبين} يعني قرية قوم لوط، وأصحاب الأيكة والمعنى فيه: وإن القريتين المهلكتين لبطريق واضح، يراهما من اعتبر. وإنما قيل للطريق إمام؛ لأنه يؤم فيه للمسالك، أي يقصد.

وقوله: {واجعلنا للمتقين إمامًا} معنى الإمام هاهنا: الأئمة. أي يأتم بنا من بعدنا.

وقوله: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أي بنبيهم، وقيل: بكتابهم. وقيل: بإمامهم الذي اقتدوا به.

وقوله: {أحصيناه في إمام مبين} قال مجاهد: أم الكتاب، الإمام: الكتاب.

وقوله: {ولا آمين البيت الحرام} أي قاصدين: أي لا تستحلوا قتلهم.

يقال: أم، تأمم، وتيمم، ويم ويمم، بمعنى واحد واقع كله.

وفي حديث بعضهم: (كانوا يتأممون شرار ثمارهم في الصدقة).

ويروي: (يتيممون) أي يتعمدون.

وفي قراءة عبد الله: {ولا تأمموا الخبيث منه تنفقون}.

وفي حديث كعب: (ثم يؤمر بأم الباب على أهل النار فلا يخرج منهم غم أبدًا).

قال الحربي: أظنه يقصد إليه فيسد عليهم وإلا فلا أعرف وجهه.

وفي الحديث: (لم تضره أم الصبيان) يعني: الريح التي تعرض لهم، فربما يغشى عليهم.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


56-الغريبين في القرآن والحديث (حمر)

(حمر)

في الحديث: (كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يقول: إذا اشتد الحرب استقبلنا العدو به، وهم يقولون: موت أحمر أي: شديد، حمراء، أي شديدة، وحمراء القيظ شدة حرها، ويقولون: الحسم أحمر أي: شاق فمن أحب الحسن احتمل المشقة.

وفي الحديث: (بعثت إلى الأحمر والأسود) قال شمر: يعني العرب: والعجم، والغالب على ألوان العرب الأدمة والسمرة وعلى ألوان العجم البياض والحمرة، وكان مجاهد يقول: الأحمر والأسود الجن والإنس، وفي بعض الروايات (بعثت إلى الأحمر والأبيض) وروى عمرو عن أبيه: (الأحمر الأبيض) واحتج بالرواية الأولى، والعرب تقول: امرأة حمراء أي: بيضاء. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعائشة: (يا حميراء).

وفي حديث علي: (إن العرب قالت له: غلبتنا عليك الحمراء) يعنون العجم والروم.

وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي وعن سلمة عن الفراء قال: العرب تسمى الموالي الحمراء.

ومنه قول علي رضي الله عنه: (وقد عارضه رجل من الموالي فقال: اسكت يا ابن حمراء العجان) يا ابن الأمة: قلت: العجان ما بين القبل والدبر.

وفي الحديث: (أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) قال: بعضهم: هي كنوز كذا من الذهب والفضة أفاءها الله على أمته، وقيل: أراد العرب والعجم جمعهم الله على دينه ودعوته.

وفي الحديث: (أهلكهن الاحمران الذهب والزعفران) قال: أبو بكر قال أهل اللغة: الأحمران اللحم والشراب فإذا قيل: الأحافرة فمن اللحم [174 أ] والشراب والخلوق قالوا: والأصفران الذهب والزعفران، والأبيضان الماء واللبن، والأسودان التمر والماء، يقول: أهلك النساء حب الحلي والطيب.

وفي الحديث: (فأصابتنا سنة حمراء) العرب تصف عام الجدب بالحمرة وتقول إن أفاق السماء تحمر أعوام القحط. قال الشاعر:

«لا يبرمون إذا ما الأفق جللة *** ضر الشتاء من الأمحال كالأدم»

وفي حديث شريح: (أنه كان يرد الحمارة من الخيل) أراد بالحمارة أصحاب الحمير لم يلحقهم بأصحاب الخيل من السهام، ويقال لأصحاب البغال

بغالة ولأصحاب الجمال جماله، ورجل حامر وحمار حمار كما في حديث أنس.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


57-الغريبين في القرآن والحديث (رثى)

(رثى)

في الحديث: (إن فلانة بعثت إليه عند فطره بقدح لبن وقالت: يا رسول الله، إنما بعثت إليك مرثية لك، من طول النهار، وشدة الحر) أي: توجعا لك، والجيد: مرثأة لك، يقال: رثيت للحي مرثاة، وللميت مرثية.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


58-الغريبين في القرآن والحديث (نسم)

(نسم)

في الحديث (م أعتق نسمة) قال شمر: النسمة الفس فكل دابة فيها روح فهي نسمة والنسم الروح ومعناه من اعتق ذا روح وكان علي رضي الله عنه (إذا اجتهد في اليمين) قال (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة).

وفي الحديث (تنكبوا الغبار، فإن فيه تكون النسمة).

قيل النسمة ها هنا الربو ولا يزال صاحب العلة يتنفس نفسا ضعيفا وسميت العلة نسمة لاستراحة صاحبها إلى تنفسه.

وفي الحديث (بعثت في نسم الساعة) في تفسيره قولان أحدهما بعثت في ضعف هبوبها وأول أشراطها فهذا قول ابن الأعرابي: قال والنسم أول هبوب الريح وقال غيره: بعثت في ذوي أرواح خلقهم الله قبل اقتراب الساعة كأنه قال في آخر النشيء من بني آدم عليه السلام. في حديث عمرو بن العاص (من استقام المسنم، وإ الرجل لنبي) معناه: تبين الطريق، يقال رأيت منسما من الأمر أعرف به وجهه والأصل فيه من المنسم وهو خف البعير بهما يستبان أثر البعير الطالب.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


59-الفروق اللغوية للعسكري (الفرق بين البعث والإنفاذ)

الْفرق بَين الْبَعْث والإنفاذ

أَن الانفاذ يكون حملا وَغير حمل والبعث لَا يكون حملا وَيسْتَعْمل فِي مَا يعقل مَا لَا يعقل فَتَقول بعثت فلَانا بكتابي وَلَا يجوز أَن تَقول بعثت كتابي إِلَيْك كَمَا تَقول انفذت كتابي اليك وَتقول أنفذت اليك جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا تَقول فِي ذَلِك بعثت وَلَكِن تَقول بعثت إِلَيْك بِجَمِيعِ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فَيكون الْمَعْنى بعثت فلَانا بذلك.

الفروق اللغوية-أبو هلال الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري-توفي:نحو: 395هـ/1005م


60-المعجم الغني (أخْلاقٌ)

أخْلاقٌ- الجمع: خُلُق. [خلق]. "لَهُ أَخْلَاقٌ حَسَنَةٌ": الآدَابُ والسُّلوكُ الحَسَنُ. إِنَّمَا بُعِثْتُ لأتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ. (حديث)

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


61-المعجم الغني (بَعَثَ)

بَعَثَ- [بعث]، (فعل: ثلاثي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، بَعَثْتُ، أَبْعَثُ، اِبْعَثْ، المصدر: بَعْثٌ.

1- "بَعَثَهُ في مُهِمَّةٍ": أَرْسَلَهُ وَحْدَهُ.

2- "بَعَثَ إِلَيْهِ رِسالَةً": أَرْسَلَها مَعَ غَيْرِهِ.

3- "بَعَثَ بِالكُتُبِ": أَرْسَلَهَا مَعَ الرَّسُولِ.

4- "بَعَثَتِ ابْنَها مِنْ نَوْمِهِ": أَيْقَظَتْهُ.

5- "يَبْعَثُ اللَّهُ الخَلْقَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ": يُحْيِيهِمْ، يَنْشُرُهُمْ. "بَعَثَ رُوحَ الحَياةِ فيهِ": أَحْياهُ.

6- "بَعَثَ السُّرُورَ": أَشَاعَهُ. "يُهَدِّئ الأعْصابَ وَيَبْعَثُ الطُّمَأْنِينَةَ". (أحمد أَمين):

7- "بَعَثَهُ على الأمْرِ": حَمَلَهُ على فِعْلِهِ.

8- "بَعَثَ عَلَيْهِ المُصيبَةَ": أَنْزَلَها بِهِ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


62-المعجم الغني (مَكْرُمَةٌ)

مَكْرُمَةٌ- الجمع: مَكَارِمُ. [كرم]. "قَامَ بِمَكْرُمَةٍ": بِفِعْلِ الْخَيْرِ. بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ. (حديث)

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


63-تاج العروس (سبأ)

[سبأ]: سَبَأ الخَمْرَ كجَعَل يَسْبَؤُها سبْأً وَسِبَاءً ككتاب ومَسْبَأً: شَرَاهَا الأَكثر استعمالُ شَرى في مَعنى البَيْعِ والإِخراج، نحو قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أَي باعوه، ولذا فَسَّره في الصحاح والعباب باشتراها، لأَنه المعروف في معنى الأَخذ والإِدخال، نحو: {إِنَّ اللهَ اشْتَرى}، وإِن كان كلٌّ مِنْ شَرَى وباعَ يُستعمل في المعنيينِ، وكذا فَسَّره ابنُ الأَثير أَيضًا، وزاد الجوهريُّ والصغانيُّ قَيْدًا آخَرَ، وهو لِيَشْربَها، قال إِبراهيمُ بنُ عليِّ بن مُحمّد بن سَلَمة بن عامرِ بن هرْمَةَ:

خَوْدٌ تُعاطِيكَ بَعْدَ رَقْدَتِها *** إِذَا يُلَاقي العُيُونَ مَهْدَؤُهَا

كَأْسًا بِفيِها صَهْبَاءَ مُعْرَقَةً *** يَغْلُو بِأَيْدِي التِّجَارِ مَسْبَؤُهَا

قوله مُعْرَقَةً أَي قَليلَة المِزاجِ؛ أَي أَنها مِن جَوْدَتِها يَغْلُو اشْتِراؤُهَا، قال الكِسائيُّ: وإِذا اشْتَرَيْتَ الخمرَ لتَحْمِلها إِلى بَلَدٍ آخَر قُلت: سَبَيْتُهَا، بلا هَمْزٍ، وعلى هذه التفرقةِ مَشاهيرُ اللُّغوِيِّين إِلّا الفَيُّومِيَّ صاحبَ المِصباح فإِنه قال: ويُقال في الخمرِ خَاصَّةً سَبَأْتُها، بالهمز إِذا جَلَبْتَها من أَرْضٍ إِلى أَرْضٍ، فهي سَبِيئَةٌ، قاله شيخُنا كاسْتَبَأهَا، ولا يقال ذلك إِلّا في الخَمْرِ خَاصَّةً، قال مالكُ بنُ أَبِي كَعْبٍ:

بَعَثْتُ إِلى حانُوتِها فَاسْتَبَأْتُهَا

وَبيَّاعُها السَّبَّاءُ كعَطَّارٍ، وقال خالدُ بنُ عبد الله لِعُمَر بنِ يُوسُفَ الثقفيِّ: يا ابْنَ السَّبَّاءِ، حكى ذلك أَبو حنيفة.

* ومما أَغفله المؤَّلف: سَبَأَ الشَّرابَ، إِذا جَمَعها وَجَبَاها، قاله أَبو موسى في معنى حَدِيثِ عُمرَ رضي ‌الله‌ عنه، أَنه دَعَا بِالجِفَانِ فَسَبأَ الشَّرابَ فيها.

وسَبَأَ الجِلْد بالنارِ سَبْأً: أَحْرَقَه قاله أَبو زيد، وسَبَأَ الرجلُ سَبْأً: جَلَدَ، وسَبَأَ سَلَخَ فيه قَلَقٌ، لأَنه قول في سَبَأَ الجِلْدَ: أَحرقه، وقيل: سَلَخَه، فالمناسبُ ذِكْرُه تحتَ أَحرقه وانْسَبَأَ الجِلْدُ انْسَلَخ، وانسبأْ جِلْدُه إِذا تَقَشَّر، قال الشاعر:

وَقَدْ نَصَلَ الأَظفارُ وانْسَبَأَ الجِلْدُ

وسبأَ: صَافَحَ قال شيخنا: هو معنى غَرِيبٌ خَلَت عنه زُبُرُ الأَوَّلين. قلت: وهو في العُباب، فلا معنى لإنكاره وسَبَأَتِ النَّارُ وكذا السِّيَاطُ، كذا في المحكم الجِلْدَ سَبْأً: لَذَعَتْه بالذال المعجمة والعين المهملة وقيل غَيَّرَتْه ولَوَّحَتْه، وكذلك الشمسُ والسَّيْرُ والحُمَّى، كُلُّهنَّ يَسْبَأْنَ الإِنسانَ؛ أَي يُغَيِّرْنَه.

وسَبَأٌ كَجَبَلٍ يُصرَف على إِرادة الحي قال الشاعر:

أَضْحَتْ يُنَفِّرُها الوِلْدَانُ مِنْ سَبَإٍ *** كَأَنَّهُمْ تَحْتَ دَفَّيْهَا دَحَارِيجُ

ويُمْنَعُ من الصرف لأَنه اسم بَلْدَة بَلْقِيسَ باليمن، كانت تَسكُنها، كذا ورد في الحديث قال الشاعر:

مِنْ سَبَأَ الحَاضِرِينَ مَأْرِبَ إِذ *** يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهَا العَرِمَا

وقال تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} قال الزجاج: سَبَأَ هي مدينة تُعرَف بمَأْرِب، من صَنْعاءَ على مَسيرِة ثلاثِ ليالٍ، ونقل شيخنا عن زَهر الأَكَمْ في الأَمثال والحِكم ما نصه: وكانَتْ أَخصَبَ بِلادِ الله، كما قال تعالى: {جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ} قيل: كانت مسافة شهرٍ للراكب المُجِدّ، يسير الماشي في الجِنانِ من أَوّلها إِلى آخرها لا يُفارِقه الظِّلُّ مع تدفُّقِ الماءِ وصفَاءِ الأَنهار واتِّساع الفَضاءِ، فَمَكَثُوا مُدَّة في أَمْنٍ، لا يُعَانِدُهم أَحدٌ إِلّا قَصَموه، وكانت في بَدْءِ الأَمرِ تَركَبُها السُّيول فجَمعَ لذلك حِمْيَرٌ أَهْلَ مملكتِه، وشاوَرَهم، فاتَّخذوا سَدًّا في بَدْءِ جَرَيَانِ الماءِ، وَرَصفوه بالحجارة والحَديد، وجعلوا فيه مَخَارِقَ للماءِ، فإِذا جاءَت السُّيولُ انقسمت على وَجْهٍ يَعُمُّهم نَفْعُه في الجَنَّاتِ والمُزْدَرَعَاتِ، فلما كَفروا نِعَمَ اللهِ تعالى ورأَوْا أَنَّ مُلْكَهم لا يُبِيدُه شي‌ءٌ، وعَبدُوا الشَّمْسَ، سَلَّط الله على سَدِّهم فَأْرةً فخَرقَتْه، وأَرْسَلَ عليهم السَّيْلَ فمزّقهم اللهُ كلَّ مُمَزَّقٍ، وأَباد خَضْرَاءَهم.

وقال ابنُ دُريدٍ في كتاب الاشتقاق: سَبَأٌ لَقَبُ ابْنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بن قَحْطانَ، كذا في النسخ، وفي بعضها: ولَقَبُ يَشْجُب، وهو خطأٌ واسمُه عَبْدُ شَمْس، يَجْمَعُ قبائلَ اليَمَن عامةً يُمَدُّ ولا يُمَدُّ، وقول شيخنا: وزاد بعضٌ فيه المَدَّ أَيضًا، وهو غريبٌ غريبٌ، لأَنه إِذا ثبت في الأُمهات فلا غرابةَ، مع أَنه موجود في الصحاح، وأَما الحديث المُشار إِليه الذي وَقَع فيه ذِكْرُ سَبإٍ فأَخرجه التّرمذيُّ في التفسير، عن فَرْوَةَ بنِ مُسَيْكٍ المُرادِيُّ قال: أَتيْنَا رَسولَ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، فقلتُ: يا رسول الله، أَلَا أُقاتِلُ مَنْ أَدبَر مِن قَوْمِي بِمَن أَقْبلَ منهم؟ فأَذِنَ لي في قِتَالِهم، وأَمَّرني، فلما خَرجْتُ من عنده سأَل عني: «مَا فَعَلَ الغُطَيْفِيُّ؟» فأُخْبِر أَني قدْ سِرْتُ، قال: فأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرَدَّني، فَأَتَيْتُه، وهو في نَفَرٍ من أَصحابِه، فقال «ادْعُ القَوْمَ، فَمَنْ أَسلَم منهم فاقْبَلْ مِنْه، ومن لَمْ يُسْلِمْ فلا تَعْجَل حتى أُحْدِثَ إِليك، قال: وأُنْزِل في سَبَإٍ ما أُنْزِلَ، فقال رَجلٌ: يا رسول الله، وما سَبَأٌ؟ أَرْضٌ أَو امرأَةٌ؟ قال: لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ ولكنّه رَجُلٌ وَلدَ عَشْرَةً مِن اليمن فَتَيَامَنَ منهم ستّةٌ، وتشاءَم منهم أَربعةٌ، فأَما الذين تشاءَموا فَلَخْمٌ وجُذَامٌ وغَسَّانُ وعَاملة، وأَما الذين تَيَامَنُوا فالأَزْدُ والأَشْعَرِيُّونَ وحِمْيَر وكِنْدَة ومَذْحِج وأَنمار فقال رجل: يا رسولَ الله، وما أَنمار؟ قال: «الذين منهم خَثْعَمُ وَبجِيلَةُ» قال أَبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ [غَرِيب].

وسبَأٌ والدُ عَبْدِ الله المَنسوبِ إِليه الطائفةُ السَّبَائِيَّةُ بالمد، كذا في نسختنا، وصحَّح شيخُنا السَّبَئيَّة بالقصر، كالعَرَبِيَّة، وكلاهما صحيح مِنَ الغُلاةِ جمع غَالٍ وهو المُتعصِّبُ الخارج عن الحَدِّ في الغُلُوِّ من المبتدعة، وهذه الطائفةُ من غُلاةِ الشِّيعة، وهم يتفرَّقون على ثَمانِي عَشْرَةَ فِرْقَةً.

والسِّبَاءُ كَكِتابٍ والسَّبَأُ كجَبَلٍ، قال ابنُ الأَنباريّ: حكى الكِسائيُّ: السَّبأَ: الخَمْرُ، واللَّطَأُ: الشَّرُّ الثقيلُ، حكاهما مهموزَيْنِ مَقصورَيْنِ، قال: ولم يَحْكِهما غيرُه، قال والمعروف في الخمر السِّبَاءُ بكسر السين والمدّ. والسَّبِيئَة، كَكَرِيمَةِ: الخَمْرُ أَي مطلقًا، وفي الصحاح والمحكم وغيرهما: سَبَأَ الخَمْرَ واسْتَبأَها: اشتراها، وقد تقدّم الاستشهادُ ببيتَيْ إِبراهيم بن هَرْمَة ومالكِ بن أَبي كَعْبٍ، والاسمُ السِّباءُ، على فِعَالٍ بكسر الفاءِ، ومنه سُمِّيَت الخمرُ سَبِيئَةً، قال حسان بن ثابت:

كَأَنَّ سَبِيئَةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ *** يَكُون مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ

عَلَى أَنْيَابِها أَوْ طَعْمُ غَضٍّ *** مِنَ التُّفَّاحِ هَصَّرَه اجْتِنَاءُ

وهذا البيت في الصحاح:

كأَنَّ سَبِيئَةً فِي بَيْتِ رأْس

قال ابن بَرّيّ: وصوابُه «مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ، وهو موضعٌ بالشأْم.

ويقال: أَسْبَأَ لأَمْر الله وذلك إِذا أَخْبَتَ له قَلْبُه. كذا في لسان العرب وأَسبأ على الشَّي‌ءِ: خَبَتَ أَي انْخَضَع له قَلْبُهُ والمَسْبَأُ كَمَقْعَدِ: الطَّرِيقُ في الجَبَل.

وسَبِي‌ءُ كأَمير الحَيَّةِ وسَبِيُّها يُهمز ولا يهمز: سِلْخُها بكسر السين المهملة، كذا في نُسختنا، وفي بعضها على صيغة الفِعْلِ، سَبَأَ الحَيَّةَ كمنع: سَلَخَها، وصحَّحها شيخُنا، وفيه تأَمُّلٌ ومخالفةٌ للأُصول.

وقالوا في المثل: تَفَرَّقُوا، كذا في المحكم، وفي التهذيب: ذَهَبُوا، وبهما أَورده الميادنيُّ في مَجمع الأَمثال أَيْدي سَبَا وأيادِي سَبَا يُكتب بالأَلف لأَن أَصله الهمز، قاله أَبو عليٍّ القالي في الممدود والمقصور، وقال الأَزهريُّ: العربُ لا تهمز سَبَا في هذا الموضع، لأَنه كَثُر في كلامهم فاستثقلوا فيه الهمْزَ، وإِن كان أَصلُه مهموزًا، ومثلَه قال أَبو بكر بن الأَنباريّ وغيرُه، وفي زهر الأَكم: الذَّهَابُ مَعلومٌ، والأَيادي جَمْعُ أَيْدٍ، والأَيْدِي بمعنى الجَارِحة وبمعنى النِّعْمة وبمعنى الطَّرِيق: تَبَدَّدُوا قال ابنُ مالك: إِنه مُركَّب تَركيب خَمْسَةَ عَشَرَ، بَنَوْهُ على السُّكُونِ أَي تكلَّموا به مبنيًّا على السكون كخمسةَ عشرَ، فلم يجمعوا بين ثِقَلِ البناءِ وثِقَلِ الهَمزة، وكان الظاهر بَنَوْهُما أَو بنَوْهَا؛ أَي الأَلفاظ الأَربعة، قاله شيخُنا وليس بتَخفيف عن سَبَإٍ لأَن صورةَ تخفيفه ليست على ذلك وإِنما هو بدلٌ وذلك لكثرته في كلامهم، قال العجَّاج:

مِنْ صادِرٍ أَوْ وارِدٍ أَيْدِي سبا

وقال كُثيِّر:

أَيَادِي سَبَا يَا عزَّ ما كُنْتُ بَعْدَكُمْ *** فَلَمْ يحْلَ للْعيْنَيْنِ بَعْدَكِ مَنْزِلُ

ضُرِبَ المَثَلُ بهم لأَنه لمَّا غَرِقَ مَكَانُهم وذَهبَتْ جَنَّاتُهم أَي لما أشرف مَكَانُهم على الغَرق وقَرُبَ ذهابُ جَنَّاتِهم قَبْلَ أَن يَدْهَمهم السَّيْلُ، وأَنهم توجهوا إِلى مكة ثم إِلى كل جِهَةٍ برأْيِ الكاهِنةِ أَو الكاهِن، وإِنما بَقِيَ هناك طائفةٌ منهم فقط تَبَدَّدُوا في البِلادِ فلحق الأَزدُ بِعُمَان، وخُزَاعةُ بِبَطن مَرّ، والأوْسُ والخَزرجُ بيثرِبَ، وآلُ جَفْنَةَ بأَرض الشأْمِ، وآلُ جَذِيمَةَ الأَبَرشِ بالعراق:

وفي التهذيب: قولُهم ذَهَبُوا أَيادِي سَبَا؛ أَي مُتفرِّقِينَ، شُبِّهوا بأَهْل سَبَإٍ لمَّا مَزَّقَهم الله في الأَرضِ كُلَّ مُمَزَّق فأَخذَ كُلُّ طائفةٍ منهم طَرِيقًا على حِدَة، واليَدُ: الطَّرِيقُ، يقال: أَخذ القَوْمُ يَدَ بَحْرٍ، فقيلَ للقومِ إِذا تفرَّقوا في جِهاتٍ مُختلِفةٍ: ذَهبوا أَيدِي سَبَا؛ أَي فَرَّقَتْهم طُرقُهم التي سَلَكُوها كما تَفرَّق أَهلُ سَبإٍ في مَذاهِبَ شَتَّى.

وقال ابنُ الأَعرابيّ: يقال: إِنك تُرِيدُ سُبْأَةً، بالضَّمِّ أَي إِنك تريد سَفَرًا بَعيدًا يُغيِّرُك، وفي التهذيب: السُّبْأَةُ: السَّفَر البَعِيد، سُمِّي سُبْأَةً، لأَن الإِنسانَ إِذا طالَ سفَرُه سَبَأَتْه الشمسُ ولَوَّحَتْه، وإِذا كان السفرُ قَرِيبًا قيل: تُرِيدُ سَرْبَةً.

* ومما بقي على المؤلف من هذه المادة: سبَأَ عَلَى يَمينٍ كَاذبةٍ يَسْبَأُ سَبْأً: حَلَفَ، وقيل: سَبَأَ عَلَى يمِين يَسْبَأُ سَبْأً: مَرَّ عَلَيْهَا كاذِبًا غير مُكْتَرِثٍ بها، وقد ذَكرهما صاحبُ المحكم والصحاح والعُباب.

وصالح بن خَيْوَان السَّبَائِي، الأَصحّ أَنه تابعي، وأَحمد بن إِبراهيم بن محمد بن سَبَإ الفقيهُ اليمنيُّ من المتأَخرين.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


64-تاج العروس (كتب)

[كتب]: كَتَبهُ، يَكْتُبُ، كَتْبًا بالفَتْح المَصْدَرُ المَقِيسُ، وكِتَابًا بالكسر على خِلاف القِياس. وقيل: هو اسْمٌ كاللَّباس، عن اللِّحْيانيّ. وقِيل: أَصلُه المصدرُ، ثمّ استُعمِلَ فيما سيأْتي من معانيه. قاله شيخُنا. وكذا: كِتابَةً، وكِتْبَةً، بالكسر فيهما؛ خَطَّهُ، قال أَبو النَّجْمِ:

أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَاد كالخَرِفْ *** تَخُطُّ رِجْلايَ بخَطٍّ مُخْتلفْ

تُكَتِّبانِ في الطَّرِيقِ لَامَ الِفْ

وفي لسان العرب، قال: ورأَيتُ في بعض النُّسَخ «تِكِتِّبانِ» بكسر التّاءِ، وهي لُغَةُ بَهْراءَ، يَكْسِرُونَ التَّاءَ، فيقولونَ: تِعْلَمُونَ. ثمّ أَتْبَع الكافَ كسرةَ التّاءِ، ككَتَّبَهُ مُضَعَّفًا، وعن ابن سِيدَهْ: اكْتَتَبَه كَكَتَبَه، أَو كَتَّبَهُ: إِذا خَطَّهُ. واكْتَتَبَهُ: إِذا اسْتَمْلاهُ، كاسْتَكْتَبَهُ.

واكْتَتَبَ فلانٌ كِتَابًا: أَي سأَلَ أَنْ يُكْتَبَ له.

واسْتَكْتَبَهُ الشَّيْ‌ءَ: أَي سَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَه له. وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز: {اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أَي: استَكْتَبَها.

والكِتَابُ: ما يُكْتَبُ فِيهِ، وفي الحديثِ: «مَنْ نَظَرَ إِلى كِتَابِ أَخيهِ بغَيرِ إِذْنِه، فكَأَنَّما يَنْظُرُ في النَّارِ». وهو محمولٌ على الكِتَابِ الذي فيه سِرٌّ وأَمانةٌ يَكرَهُ صاحِبُهُ أَنْ يُطَّلَعَ عليه. وقِيلَ: هو عامٌّ في كلِّ كِتاب. ويُؤَنَّثُ على نيّةِ الصَّحيفةِ. وحكى الأَصْمَعِيُّ عن أَبِي عَمْرِو بْن العَلَاءِ: أَنَّهُ سَمِعَ بعضَ العربِ يقولُ، وذَكَرَ إِنْسَانًا، فقال: فُلانٌ لَغُوبٌ، جاءَتْه كِتابي فاحْتَقَرَهَا. اللَّغُوبُ: الأَحْمَقُ.

والكِتَابُ: الدَّوَاةُ يُكْتَبُ منها.

والكِتَابُ: التَّوْرَاةُ، قال الزَّجَّاجُ في قوله تعالَى: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ}، وقَولُهُ {كِتابَ اللهِ}: جائزٌ أَنْ يكونَ التَّوْراةَ، وأَن يكونَ القُرآنَ.

والكِتَابُ: الصَّحِيفَةُ يُكْتَبُ فيها.

والكِتَابُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الفَرْضِ، قال اللهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ}، وقال، عَزّ وجَلَّ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} مَعْنَاهُ: فُرِضَ. قال: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها}، أَي: فَرَضْنا.

ومِنْ هذا: الكِتَابُ يأْتِي بمعنى الحُكْمِ، وفي الحديثِ: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابَ اللهِ» أَي: بحُكْمِ اللهِ الّذِي أَنزَلَ في كِتابه، وكَتَبَه على عِبَاده، ولم يُرِدِ القُرْآنَ؛ لأَنَّ النَّفْيَ والرَّجْمَ لا ذِكْرَ لهما فيه؛ قال الجَعْدِيُّ:

يا بِنتَ عَمِّي، كِتَابُ اللهِ أَخْرَجَنِي *** عَنْكُمْ، وهَلْ أَمْنَعَنَّ الله مَا فَعَلا

وفي حَدِيثِ بَرِيرَةَ: «من اشْتَرَطَ شَرْطًا ليس في كِتَابِ اللهِ»، أَي: ليس في حُكْمِهِ.

وفي الأَساس: ومِن المجاز: كُتِبَ عليه كذا: قُضِيَ.

وكِتَابُ اللهِ قَدَرُهُ، قال: وسَأَلَنِي بعضُ المَغَارِبةِ، ونحنُ بالطَّوافِ، عن القَدَر، فقلت: هو في السَّمَاءِ مَكتوبٌ، وفي الأَرْضِ مكسوبٌ.

ومن المَجَاز أَيضًا، عن اللِّحْيَانيّ الكُتْبَةُ، بالضَّمِّ: السَّيْرُ الّذِي يُخْزَرُ بِه المَزَادَةُ والقِرْبَة، وجَمْعُهَا كُتَبٌ. قال ذُو الرُّمَّةِ:

وَفْرَاءَ غَرْفِيَّةٍ، أَثْأَى خَوَارِزَهَا *** مُشَلْشَلٌ، ضَيَّعَتْهُ بَيْنَها الكُتَبُ

الوفْرَاءُ: الوافِرَةُ. والغَرْفِيَّةُ: المَدْبُوغة بالغَرْفِ، شَجرةٍ.

وأَثأَى: أَفسدَ. [و] الخَوَارِزُ: جَمْعُ خارِزَةٍ.

والكَتْب: الجَمْعُ تقولُ منه: كَتَبْتُ البَغْلَةَ. إِذا جَمَعْتَ بيْن شُفْرَيْها بحَلْقَة، أَو سَيْرٍ. وفي الأَساس: وكَذَا: كَتَبْتُ عليها، وبَغْلَةٌ مكتوبةٌ، ومكتوبٌ عليها.

والكُتْبَةُ: ما يُكْتَبُ به أَي: يُشَدّ حَياءُ البَغلةِ، أَو النَّاقَةِ، لَئِلا، يُنْزَى عليها والجَمْعُ كالجَمْعِ. وعن اللَّيْثِ: الكُتْبَةُ: الخُرْزَةُ المضمومةُ بالسَّيْرِ. وقال ابْنُ سِيدَهْ: هي الَّتِي ضَمَّ السَّيْرُ كِلَا وَجْهَيْهَا والكِتْبَةُ بالكسرِ: اكْتِتَابُكَ كِتَابًا تَنْسَخُهُ.

والكِتْبَةُ أَيضًا: الحالَةُ.

والكِتْبَةُ أَيضًا: الاكْتِتابُ في الفَرْضِ والرِّزْقِ.

وكَتَبَ السَّقاءَ والمَزَادَةَ والقِرْبَةَ، يَكْتُبُه، كَتْبًا: خَرَزَهُ بسَيْرَيْنِ، فهو كَتِيبٌ. وقيلَ هو أَن يَشُدَّ فَمَهُ حتَّى لا يَقْطُرَ منه شَيْ‌ءٌ، كَاكْتَتَبَهُ: إِذا شَدَّه بالوِكاءِ، فهو مُكْتَتبٌ. وعن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يقول: أَكْتَبْتُ فَمَ السِّقاءِ فلَمْ يَسْتَكْتِبْ. أَي: لَمْ يَسْتَوْكِ، لجفائِه وغِلَظِه. وقال اللِّحْيَانِيّ: اكْتُبْ قِرْبَتَك: اخْرُزْهَا. وأَكْتِبْهَا: أَوْكِها، يعني: شُدَّ رَأْسَها. وكَتَبَ النَّاقَةَ، يَكْتِبُهَا، ويَكْتُبُها بالكَسْرِ والضَّمّ، كَتْبًا، وكَتَبَ عليها: خَتَمَ حَيَاءَهَا وخَزَمَ عليه، أَو خَزَمَ بحَلْقَةٍ منْ حَدِيدٍ، ونَحْوِه كالصُّفْرِ، يَضُمّ شُفْرَيْ حَيائِها، لئلَّا يُنْزَى عليها. قال:

لا تَأْمننَّ فَزارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ *** على بَعِيرِك واكْتُبْها بِأَسْيارِ

وذلِك لأَنَّ بَنِي فَزَارَةَ [كانوا] يُرْمَوْنَ بِغِشْيَانِ الإِبِل.

وكَتَبَ النَّاقَةَ، يكْتُبُهَا: ظَأَرَهَا، فَخَزَم مَنْخَرَيْهَا بِشَيْ‌ءٍ، لئلَّا تَشَمَّ البَوْلَ. هكذا في نُسْخَتِنَا، وهو خَطَأٌ، وصوابُهُ «البَوَّ» أَيْ: فلا تَرْأَمُهُ.

والكاتِبُ، عندَهُمُ: العَالِمُ، نقلَه الجَوْهَرِيُّ عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ، قال الله تَعَالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} وفي كِتَابِهِ إِلى أَهْلِ اليَمَنِ «قد بَعَثْتُ إِلَيْكُم كاتِبًا من أَصحابِي» أَرَاد: عالِمًا، سُمِّيَ به لأَنَّ الغالِبَ على مَنْ كان يَعْرِفُ الكِتابةَ أَنَّ عندَهُ العِلمَ والمعرفة وكان الكاتب عندهم عَزيزًا وفيهم قليلًا.

والإِكْتابُ: تَعْلِيمُ الكِتَابِ، والكِتَابَةِ، كالتَّكْتِيبِ.

والمُكْتِبُ: المُعَلِّمُ، وقال اللِّحْيَانيّ: هو المكَتِّبُ الَّذِي يُعَلِّمُ الكِتَابَةَ. قال الحَسنُ: وكان الحَجَّاجُ مُكْتِبًا بالطّائِفِ، يعني مُعَلِّمًا، ومنه قيل: عُبَيْدٌ المُكْتِبُ، لأَنَّه كانَ مُعَلِّمًا.

ونصُّ الصَّاغانيِّ: كَتَّبْتُ الغُلامَ تَكْتِيبًا: إِذا عَلَّمتَهُ الكِتَابةَ، مثل اكْتَتَبْتُه: والإِكْتابُ: الإِمْلاءُ، تَقُولُ: أَكْتِبْني هذهِ القصيدةَ، أَي: أَمْلِها عليَّ.

والإِكْتابُ: شَدُّ رَأْسِ القِرْبَةِ يقَال: أَكْتَبَ سِقَاءَهُ إِذا أَوْكأهُ، وهو مَجَاز، وقد تقدَّمَ.

ورَجُلٌ كاتِبٌ، والكُتَّابُ كرُمَّانٍ: الكاتِبُون، وهم الكَتَبَةُ، وحرْفَتُهُم: الكِتَابَةُ، قاله ابْنُ الأَعْرَابيّ.

ويقال: سَلَّمَ وَلَدَهُ إِلى المَكْتَبِ كَمقعَدٍ، أَي: مَوْضِعُ الكِتَابِ والتَّعْلِيمِ أَي: تعليمهِ الكِتَابة.

والمُكْتِبُ: المُعَلِّمُ، والكُتَّابُ: الصِّبيان، قاله المُبَرِّدُ.

وقَوْلُ اللَّيْثِ، وتَبِعَهُ الجَوْهَرِيّ: إِنّ الكُتَّابَ بوزن رُمَّان، والمَكْتَبَ كمَقْعَدٍ، واحِدٌ، وهما مَوضعُ تعليمِ الكِتابِ، غَلَطٌ: وهو قولُ المُبَرِّدِ، لأَنّه قال: ومَن جعَلَ الموضِعَ الكُتّابَ، فقد أَخْطَأَ. وفي الأَساس: وقيل الكُتَّابُ: الصِّبْيانُ، لا المَكَانُ. ونقل شيخُنا عن الشِّهابِ في شرح الشِّفاءِ أَنَّ الكُتَّابَ للمَكْتَبِ وارِدٌ في كلامِهم كما في الأَساس وغيرِهِ، ولا عِبرة بمن قالَ إِنه مُوَلَّدٌ. وفي العِنَايَة: أَنَّه أَثْبَته الجوهريّ، واستفاضَ استعمالُه بهذا المعنى، كقوله:

وأَتَى بكُتَّابٍ لَو انْبَسَطَتْ يَدِي *** فيهِمْ رَدَدْتُهُمُ إِلى الكُتَّابِ

وأَوّلُهُ:

تَبًّا لِدَهْرٍ قد أَتَى بِعُجابِ *** ومَحَا فُنونَ العِلْمِ والآداب

والأَبيات في تاريخ ابْنِ خِلِّكان. وأَصلُه جمع كاتِبٍ، مثل كَتَبَة، فأَطْلِقَ على مَحَلِّه مَجَازًا للمجاورة، وليس موضوعًا ابتداءً كما قال. وقال الأَزْهَرِيُّ، عن اللَّيْثِ: إِنّه لُغَةٌ. وفي الكَشْف: الاعتمادُ على قول الليث، ونَقَلَهُ الصّاغانيّ أَيضًا، وسَلَّمَه؛ ونقلَه ابْنُ حَجَرٍ في شرح المِنْهَاجِ عن الإِمامِ الشّافِعيّ، وصَحَّحَهُ البَيْهَقِيُّ وغيرُهُ، ووافقه الجماهيرُ، كصاحب التَّهْذِيب والمُغْرِبِ والعُبَابِ. انتهى الحاصِلُ من عبارته. ولكنّ عَزْوَهُ إِلى الأَساس ولسان العرب وغيرِهِما، مَحَلُّ نَظَرٍ، فإِنّهما نَقَلا عِبَارَةَ المُبَرِّدِ، ولم يُرَجِّحَا قَولَ اللَّيْثِ، حتى يُسْتَدَلّ بمرجوحيّة قولِ المُبَرِّدِ، كما لا يَخْفَى.

ج* كتَاتِيبُ، ومَكَاتِيبُ. وهذا من تَتِمَّة عِبارة الجَوْهَرِيّ، فالأَوّل جَمْعُ كُتّابٍ، والثّاني جَمْعُ مَكْتَبٍ. وقد أَخلّ المُصَنِّفُ بذكر الثّاني، وذَكَرَه غيرُ واحدٍ، قال شيخنا: وفي عبارة المُصَنِّفِ قَلَقٌ.

قلت: وذلك لأَنّ كتاتَيبَ إِنّمَا هو جَمْعُ كُتَّابٍ، على رأْي الجَوْهَرِيّ واللَّيْثِ، وهو قد جعله خطأً، فما معنى ذِكْرِه فيما بَعْدُ؟ نَعَم، لو قَدَّمَ ذِكْرَهُ قبل قوله «خطأ»، لَسَلِمَ من ذلك، فتأَمّلْ.

والكُتَّابُ: سَهْمٌ صَغِيرٌ، مُدَوَّرُ الرَّأْسِ، يَتَعَلَّمُ بهِ الصَّبِيُّ الرَّمْيَ وبالثاءِ أَيضًا، والثّاءُ المُثَلَّثة في هذا الحرفِ أَعلَى من التّاءِ الفَوْقِيْة، كما سيأْتي. وفي عبارةِ شيخِنا هنا قَلقٌ عجيبٌ.

والكُتّابُ أَيضًا: جَمْعُ كاتِبٍ، مثل كَتَبة، وقد تقدّمتِ الإِشارة إِليه.

واكْتَتَبَ الرَّجُلُ: إِذا كَتَبَ نَفْسَهُ في دِيوانِ السُّلْطَانِ، وفي الحَدِيثِ «قالَ له رَجُلٌ: إِنّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حاجَّةً، وإِنِّي اكْتَتَبْتُ في غَزْوَةِ كذا وكذا»، أَي: كَتَبْتُ اسْمِي في جُمْلَةِ الغُزَاةِ. وفي حديث ابْنِ عُمَرَ: «من اكْتَتَبَ زَمِنًا، بَعَثَهُ اللهُ زَمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ».

ومن المجاز: اكْتَتَبَ هو: أُسِرَ. واكْتَتَبَ بَطْنُهُ: حُصِرَ، وأَمْسَكَ، فهو مُكْتَتِبٌ ومُكْتَتَبٌ عليه ومكتوبٌ عليه نَقله الصاغانيُّ.

والمُكْتَوْتِبُ: المُنْتَفِخُ المُمْتَلِئُ ممّا كان: نقله الصّاغانيّ.

ومن المجازِ: كَتَّبَ الكَتِيبَةَ جَمَعَهَا، وهي الجَيْشُ.

وَتَكَتَّبَ الجَيْشُ: تَجمَّعَ.

وكَتَّبَ الجَيْشَ: جَعَلَهُ كَتائِبَ.

أَو هِي الجَمَاعَةُ المُسْتَحِيزَةُ مِن الخَيْلِ، أَوْ هي جَمَاعَةُ الخَيْلِ إِذَا أَغارَتْ على العَدُوِّ، من المِائَةِ إِلَى الأَلْفِ.

وكَتَّبَها تَكْتِيبًا، وكَتَبَها: هَيَأَهَا، قال ساعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:

لا يُكْتَبُونَ ولا يُكَتُّ عَدِيدهُم *** حَفَلَتْ بِساحَتِهِمْ كَتَائِبُ أَوْعَبُوا

أَي: لا يُهَيَّؤُونَ.

وتَكَتَّبُوا: تَجَمَّعُوا، ومنه: تَكَتَّبَ الرَّجُلُ: تَحَزَّمَ، وجَمَعَ عليه ثِيَابَه. وهو مجاز.

وبَنُو كَتْبٍ، بالفَتْح: بَطْنَ من العرب.

والمُكَتَّبُ، كمُعَظَّم: العُنْقُودُ من العِنَبِ ونحوِهِ، أُكِلَ بعضُ ما فِيهِ وتُرِكَ بعضُهُ.

والمُكَاتَبَةُ بمعنى التَّكاتُب، يُقَال: كاتَبَ صدِيقَهُ، وتَكاتَبا.

ومن المجاز المُكَاتَبَة، وهو أَنْ يُكَاتِبَكَ عَبْدُكَ على نَفْسِه بثَمَنِه. فإِذا سَعَى. وأَدَّاهُ، عَتَقَ. وهي لَفْظَةٌ إِسْلاميّة، صرّح به الدَّمِيرِيّ. والسَّيِّدُ مُكَاتِبٌ، والعَبْدُ مُكَاتَبٌ إِذا عقَدَ عليه ما فارَقَه عليه من أَداءِ المالِ سُمِّيَتْ مُكَاتَبَةً، لِمَا يَكْتُبُ العَبْدُ على السَّيِّد من العِتْقِ إِذا أَدَّى ما فُورِقَ عليه، ولِمَا يَكْتُبُ السَّيِّدُ على العَبْدِ من النُّجُومِ الَّتي يُؤَدِّيهَا في مَحلِّها، وأَنَّ له تَعجيزَهُ إِذا عَجَزَ عن أَداءِ نَجْم يَحِلُّ عليه. وأَحكامُ المُكَاتَبَة، مُصَرَّحَةٌ في فُروع الفِقْه.

* ومِمّا لم يذكُرْهُ المُؤَلِّفُ: الكُتَيْبَةُ، مصغَّرةً، اسمٌ لبعضِ قُرَى خَيْبَرَ. ومنه‌حديثُ الزُّهْرِيِّ: «الكُتَيْبَةُ أَكثرُهَا عَنْوَةٌ» يعني: أَنّه فَتَحَهَا قَهْرًا، لا عن صُلْحٍ.

والمَكْتَبُ: من قُرَى ابْنِ جِبْلَةَ في اليَمَن، نقلْتُهُ عن المُعْجَم.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


65-تاج العروس (رفد)

[رفد]: الرِّفْدُ، بالكسر: العَطَاءُ والصِّلَةُ ومنه‌الحديث: «من اقْتراب السَّاعَةِ أَن يكونَ الفَي‌ءُ رِفْدًا» أَي صِلَةً وعَطيَّةً، يُريدُ أَن الخَرَاجَ والفَيْ‌ءَ الذي يَحْصُل وهو لجماعَةِ المسلمينَ أَهْل الفَيْ‌ءِ يصير صِلَاتٍ وعَطَايا، ويُخَصُّ به قَوْمٌ دُونَ قَوْم على قَدْر الهَوَى، لا بالاستحقاق، ولا يُوضَعُ مَوَاضعَه.

والرَّفْد، بالفتح، العُسُّ، وهو القَدَحُ الضَّخْمُ يُرْوِي الثّلاثةَ والأَربعةَ، والعِدَّةَ وهو أَكبَرُ من الغُمَر، والرَّفْد أَكبرُ منه، وعَمّ بعضُهم به القَدَحَ أَيَّ قَدْرٍ كان، ويُكسر.

والرَّفْد بالفتح مَصدرُ رَفَدَه يَرْفِدُهُ رَفْدًا، من حَدّ ضَرَب: أَعْطَاهُ. والإِرْفَادُ: الإِعَانَةُ والإِعْطَاءُ، وقد رَفَده وأَرْفَدَه: أَعانَهُ، والاسم منهما الرِّفْد.

والإِرفاد: أَن تَجْعَلَ للدَّابَة رِفَادَةً، قاله الزّجّاج، كالرَّفْد، بالفتح، قاله أَبو زيد، رَفَدْتُ على البعير أَرْفِد عليه رَفْدًا، إِذا جَعَلْت له رِفادَةً، وهي دِعَامَة السَّرْجِ والرَّحْل، وغيرهما.

وقال الأَزهَريّ: هي مِثْل جَدْيَةٍ، السَّرْج وقال الليْث: رَفَدْت فلانًا مَرْفَدًا، ومن هذا، أُخذتْ رِفادَة السَّرْج مِن تحته حتى يَرتفع.

والرِّفَادة أَيضًا: خِرْقةٌ يُرْفَدُ بها الجُرْحُ وغيرُه.

والرِّفادَة: شيْ‌ءٌ كانت تَترَافدُ به قُرَيْشٌ في الجَاهليّة ف تُخْرِجُ فيما بينَها كُلُّ إِنسان مالًا بقَدر طاقَته وتَشترِي به للحَاجِّ طَعامًا وزَبيبًا للنَّبيذ، فلا يَزالون يُطْعِمون النَّاسَ حَتَّى تَنقضِيَ أَيَّامُ مَوْسِم الحَجِّ. وكانت الرِّفادةُ والسِّقايةُ لبني هاشمٍ، والسِّدانةُ واللِّوَاءُ لبنِي عبد الدَّار، وكان أَوّل قائم بالرِّفادة هاشم بن عبد مَناف، وسُمِّيَ هاشمًا لهَشْمه الثَّريدَ.

ومن المجاز: نَهْرٌ له رَافدانِ: نَهْرَانِ يَمُدّانه والرّافدانِ: دِجْلة والفُراتُ، لذلك، قال الفرزدق يُعاتب يَزيدَ بن عبد المَلك في تقديم أَبي المُثَنَّى عُمَرَ بن هُبَيْرَة الفزاريّ على العراق، ويَهْجُوه:

بَعَثْتَ إِلى العِرَاق ورافِدَيْه *** فَزَارِيًّا أَحذَّ يَدِ القَمِيصِ

أَراد أَنه خَفيفٌ، نَسبَه إِلى الخِيانة.

والارْتفادُ: الكَسْبُ وارتفدَ المالَ: اكتسَبَه، قال الطِّرِمَّاح:

عَجَبًا ما عَجِبتُ مِن واهِبِ الما *** لِ يُبَاهِي به ويَرْتَفِدُهْ

ويُضِيعُ الّذِي قَدَ اوجَبَهُ اللهُ *** عَليْهِ فليسَ يَعْتمِدُهْ

وفي الأَساس: ارتَفدْت منه: أَصَبْت من رِفْده.

والاسْتِرْفاد: الاسْتعَانة يقال اسْتَرْفدْته فأَرفدَنِي.

والتَّرَافُدُ: التَّعاوُن والمُرَافَدة: المُعَاوَنة.

ومن المجاز: رَفَّدُوا فلانًا ورَفَّلُوه، التَّرْفِيد والتَّرْفيل: التَّسْويدُ والتَّعْظيم ورُفِّد فلانٌ، سُوِّدَ وعُظِّم، ورَفَّدُوه: مَلَّكُوه أَمرَهم.

والتَّرفِيد: شِبْهُ الهَرْوَلَةِ، وفي بعض الأُمَّهات: شِبْهُ الهَمْلَجةِ، وقال أُمَيَّة بن أَبي عائِذٍ الهُذَلِيّ:

وإِنْ غُضَّ من غَرْبَها رَفَّدَتْ *** وَشِيجًا وأَلْوَتْ بجَلْسٍ طُوَالِ

أَراد بالجَلْسِ أَصْلَ ذَنَبها.

والمِرْفَدُ، كَمِنْبَرٍ: العُظَّامَةُ تَتعظَّم بها المَرأَةُ الرّسحاءُ.

ومَلأَ رِفْدَه ومِرْفَدَه، تقدّم ذِكْرُ الرَّفْدِ هو والمِرْفَد: القَدَحُ الضَّخْمُ الذي يُقْرَى فيه الضَّيفُ، ولو قال عند ذكر الرَّفْد: كمِرْفَدٍ، كمِنْبَرٍ، لسَلِمَ من التّكْرَار.

والمَرافِيدُ: الشَّاءُ لا يَنْقَطِعُ لَبَنُها صيفًا ولا شِتاءً.

والرَّفُود كصَبورٍ: ناقةٌ تَمْلأُ الرَّفْدَ، بالكسر والفتح؛ أَي القَدَحَ بحَلْبةٍ واحدةٍ، وقيل: هي الدائمةُ على مِحْلَبِها، عن ابن الأَعرابِيّ. وقال مَرَّةً: هي الّتي تُتَابِع الحَلَبَ، والجمْع رُفُدٌ، وفي حديثِ حَفْرِ زَمْزَمَ:

أَلَمْ نَسْقِ الحَجِيجَ ونَنْ *** حَرِ المِذْلَاقَةَ الرُّفُدَا

وفي الحديث: «أَنه قال لِلْحَبَشَة: دُونَكُمْ يا بني أَرْفدَةَ» بَنُو أَرْفَدَةَ كأَزْفَلَةَ مقتضاه أَن يكون بفتح الفاءِ وهو مَرْجُوح، والكسر هو الأَكثر كما في «النهاية»، و«شرح الكِرْماني» على البخاريّ: جِنْسٌ من الحَبَشَةِ كما في «توشيح الجلال»، أَو لَقَبٌ لهم، أَو اسمُ أَبِيهم الأَكبرِ، يُعْرَفُون به.

والرَّفْدَة، بفتح فسكون: مَاءَةٌ بالسَّوارِقِيَّة في سَبَخَةٍ.

ورُفَيْدَةُ مُصغَّرًا: أَبو حَيٍّ من العرب، ويقال لهم الرُّفَيْدَاتُ، كما يقال لآل هُبَيْرَةَ: الهُبَيْرَات.

وسَمَّوْا، رافِدًا، ورُفَيْدًا ومُرْفِدًا كَزُبَيْر ومُظْهرٍ.

ومن المَجَاز: هُرِيقَ رِفْدُهُ، إِذا ماتَ أَو قُتِل، كما يقال: صَفِرَتْ وطَابُه، وكُفِئَتْ جَفْنَتُه.

والرَّوافِدُ: خَشَبُ السَّقْفِ، وأَنشد الأَحمر:

رَوَافِدُهُ أَكرَمُ الرَّافِداتِ *** بَخٍ لكَ بَخٍّ لِبَحْرٍ خِضَمّ

* وممّا يستدرك عليه:

الرَّافِدُ هو الذِي يَلِي المَلِكَ ويَقُوم مَقَامَه إِذا غَابَ، أَورَدَه ابنُ بَرّيّ في حَواشِيه، وأَنشد قول دُكَيْن:

خيرُ امرئٍ جاءَ من مَعَدِّهِ *** مِنْ قَبْلِهِ أَو رافدًا مِن بَعْدِهِ

والرَّافِدةُ: فاعِلة من الرَّفْد، وهو الإِعانة، يقال: رَفَدْته: أَعَنْتُه. و [منه حديث عُبادة: أَلا تَرونَ أَني] «لا أَقومُ إِلّا رِفْدًا؛ أَي إِلّا أَن أُعانَ على القِيَام.

وفي حديث وَفْد مَذْحِجٍ: «حَيٌّ حُشَّدٌ رُفَّدٌ»، جمع حاشِدٍ وَرافِدٍ، والرَّفْد: النَّصِيب. وقال الزَّجَّاج: كَلُّ شيْ‌ءٍ جعلتَه عَوْنًا لشيْ‌ءٍ أَو استَمْدَدْتَ به شيئًا فقد رَفَدْتَه، يقال عَمَدْتُ الحائِطَ وأَسْنَدْته، ورَفَدْتُه، بمعنًى واحدٍ، وهو مَجَاز.

وفُلانٌ نِعْمَ الرافِدُ، إِذا حَلَّ به الوافِدُ.

والرَّافِدة: العُصْبَة من النّاس.

والتَّرْفيد: العَجِيزة، اسمٌ كالتَّمْتِينِ، والتَّنْبِيتِ، عن ابن الأَعرابيّ، وأَنشد:

تَقُولُ خَوْدٌ سَلِسٌ عُقُودُها *** ذَاتُ وِشَاحٍ حَسَنٌ تَرْفِيدُهَا

متَى تَرَانَا قائمٌ عَمُودُهَا

أَي نُقيم فلا نَظْعَن، وإِذا قامُوا قَامَتْ عُمُدُ أَخبِيَتِهِم، فكأَنَّ هذه الخَوْدَ مَلَّتِ الرِّحْلَةَ لِنَعْمَتِهَا، فسأَلْت متى تكون الإِقامَةُ والخَفْضُ.

وفُلانٌ يَمُدُّ البَرِيَّةَ رَافِدَاه: يداه وهو مجاز.

وهو رِفَادَةُ صِدْقٍ لي، ورَفِيدَةُ صِدْقٍ: عَوْنٌ.

ومَدَّ فُلانٌ بأَرْفادي: نَصَرَنِي وأَعانَنِي. وكل ذلك مَجاز.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


66-تاج العروس (نجد)

[نجد]: النَّجْدُ: ما أَشْرَفَ من الأَرضِ وارتَفَعَ واسْتَوَى وصَلُب وغَلُظَ، الجمع: أَنْجُدٌ جمع قِلّة كفَلْسٍ وأَفْلُسٍ، وأَنْجَادٌ، قال شيخنا: وقد أَسْلَفْنا غيرَ مَرَّةٍ أَن فَعْلًا بالفتح لا يُجْمَع على أَفْعَالٍ إِلَّا في ثلاثةِ أَفْعَالٍ مَرَّت ليس هذا منها، ونِجَادٌ بالكسر، ونُجُود ونُجُدٌ بضمهما، الأَخيرة عن ابن الأَعرابيّ وأَنشد:

لَمَّا رَأَيْتُ فِجَاجَ البِيدِ قَدْ وَضَحَتْ *** وَلَاحَ مِنْ نُجُدٍ عَادِيَّةٌ حُصُرُ

ولا يكون النِّجَادُ إِلَّا قُفًّا أَوْ صَلَابَةً من الأَرضِ في ارتِفاعٍ مثل الجَبلِ مُعْتَرِضًا بين يَدَيْكَ يَرُدُّ طَرْفَك عَمَّا وراءَه، ويقال: اعْلُ هاتِيكَ النِّجادَ وهاذاك النِّجادَ، يُوَحّد وأَنشد:

رَمَيْنَ بِالطَّرْفِ النِّجَادَ الأَبْعَدَا

قال: وليس بالشدِيدِ الارتفاع، وجَمْعُ النُّجُودِ، بالضم، أَنْجِدَةٌ أَي أَنه جَمْعُ الجَمْعِ، وهكذا قول الجوهريّ، وقال ابن بَرِّيّ: وهو وَهَمٌ، وصوابه أَن يقول: جَمْع نِجَادٍ، لأَن فِعَالًا يُجمع على أَفْعِلة، نحو حِمَار وأَحْمِرَة، قال: ولا يُجْمَع فُعُول على أَفْعِلَة، وقال: هو من الجموع الشاذَّة ومثله نَدًى وأَنْدِيَة ورَحًا وأَرْحِيَة، وقياسهما نِدَاءٌ ورِحَاءٌ، وكذلك أَنْجِدَة قياسُها نِجَادٌ.

والنَّجْدُ: الطَّرِيقُ الواضِحُ البَيِّنُ المُرْتَفِعُ من الأَرْض.

والنَّجْدُ: ما خَالَف الغَوْرَ؛ أَي تِهَامَةَ.

ونَجْدٌ من بِلاد العربِ ما كان فوق نَجْدٍ إِلى أَرض تِهَامَةَ إِلى ما وَرَاءَ مَكَّةَ فما دُونَ ذلك إِلى أَرْضِ العِرَاقِ فهو نَجْدٌ، وتُضَمُّ جِيمُه قال أَبو ذُؤَيْب:

فِي عَانَةٍ بِجُنُوبِ السِّيِّ مَشْرَبُهَا *** غَوْرٌ ومَصْدَرُهَا عَنْ مَائِهَا نُجُدُ

قال الأَخفش: نُجُدٌ، لغة هُذَيْل خاصَّة، يريد نَجْدًا، ويروى نُجُدٍ بضمّتين، جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْه نَجْدًا، قال: هذا إِذا عَنَى نَجْدًا العَلَمي، وإِن عَنَى نَجْدًا مِن الأَنْجَاد فَغَوْرُ نَجْدٍ أَيضًا، وهو مُذَكَّرٌ. أَنشد ثعلب:

ذَرَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فَإِنَّ سِنِينَهُ *** لَعِبنَ بِنَا شِيبًا وشَيَّبْنَنَا مُرْدَا

وقيل: حَدُّ نَجْدٍ هو اسمٌ للأَرض الأَرِيضة التي أَعْلَاهُ تِهَامَةُ واليَمَنُ، وأَسفَلَهُ العِرَاقُ والشَّامُ، والغَوْرُ هو تِهَامَة، وما ارتَفَعَ عن تِهَامَةَ إِلى أَرْضِ العِرَاق فهو نَجْدٌ وتَشْرَبُ بِتِهامَة، وأَوَّلُه أَي النَّجْد مِنْ جِهَةِ الحِجَاز ذَاتُ عِرْقٍ.

وروى الأَزهريُّ بسنده عن الأَصمعيِّ قال: سمِعتُ الأَعراب يقولون: إِذا خَلَّفْتَ عَجْلزًا مُصْعِدًا ـ وعَجْلَزٌ فوق القَرْيَتَيْنِ ـ فقد أَنْجَدْتَ. فإِذا أَنْجَدْتَ عن ثَنَايا ذاتِ عِرْقٍ فقد أَتْهَمْتَ، فإِذا عَرَضَتْ لك الحِرَارُ بِنَجْدٍ قيل: ذلك الحِجَازُ. ورُويَ عن ابنِ السِّكّيت قال: ما ارتفَعَ مِن بَطْنِ الرُّمَّة ـ [والرُّمَّةُّ وادٍ معلوم] ـ فهو نَجْدٌ إِلى ثَنَايَا ذاتِ عِرْق، قال: وسمعتُ الباهِلِيّ يقول: كُلُّ ما وراءَ الخَنْدَقِ الذي خَنْدَقَه كِسْرَى على سَوَادِ العِرَاقِ فهو نَجْدٌ إِلى أَن تَمِيلَ إِلى الحَرَّةِ، فإِذا مِلْتَ إِليها فأَنْتَ بالحِجَازِ.

وعن ابن الأَعرابيّ نَجْدٌ ما بَيْنَ العُذَيْبِ إِلى ذاتِ عِرْقٍ، وإِلى اليَمَامَةِ وإِلى اليَمَنِ، وإِلى جَبَلَيْ طَيِّئٍ، ومن المِرْبَدِ إِلى وَجْرَةَ، وذاتُ عِرْقٍ أَوْلُ تِهَامَةَ إِلى البَحْرِ وجُدَّةَ.

والمدينةُ لا تِهَامِيَّةٌ ولا نَجْدِيَّة. وإِنها حِجَازٌ فوقَ الغَوْرِ ودُونَ نَجْد، وإِنها جَلْسٌ لارْتِفَاعِها عن الغَوْرِ. وقال الباهليُّ: كُلُّ ما وَرَاءَ الخَنْدَقِ عَلى سَوادِ العِرَاقِ فَهو نَجْدٌ، والغَوْرُ: كُلُّ ما انْحَدَرَ سَيْلُه مَغْرِبِيًّا، وما أَسْفَل منها مَشْرِقِيًّا فهو نَجْدٌ، وتِهَامَةُ: ما بَيْنَ ذاتِ عِرْقٍ إِلى مَرْحَلَتَيْنِ مِن وَرَاءِ مَكَّةَ، وما وَراءَ ذلك مِن المَغْرِب فهو غَوْرٌ، وما وراءَ ذلك من مَهَبِّ الجَنُوبِ فهو السَّرَاةُ إِلى تُخُومِ اليَمَنِ. وفي المَثَل «أَنْجَدَ مَنْ رَأَى حَضَنًا» وذلك إِذا عَلَا مِن الغَوْرِ، وحَضَنٌ اسمُ جَبَلٍ.

والنَّجْدُ ما يُنَجَّدُ؛ أَي يُزَيَّن به البَيْتُ، وفي اللسان ما يُنَضَّدُ به البَيْتُ مِن بُسْطٍ وفُرُشٍ ووَسَائدَ، الجمع: نُجودٌ، بالضم، ونِجَادٌ، بالكسر، الأَوّل عن أَبي عُبَيْدٍ، وقال أَبو الهَيْثَم: النَّجَّادُ: الذي يُنَجِّدُ البُيُوتَ والفُرُشَ والبُسُطَ. وفي الصحاح: النُّجُود: هي الثِّيابُ التي يُنَجَّدُ بها البُيُوتُ فتُلْبَسُ حِيطَانُها وتُبْسَط، قال: ونَجَّدْت البيْتَ، بَسَطْتُه بِثيابٍ مَوْشِيَّةٍ، وفي الأَسَاس والمحكم: بَيْتٌ مُنَجَّدٌ، إِذا كان مُزَيَّنًا بالثّيابِ والفُرُشِ ونُجُودُه: سُتُورُه التي تَعْلُو على حِيطَانِه يُزَيَّنُ بها.

والنَّجْدُ: الدَّلِيلُ الماهِرُ يقال: دَلِيلٌ نَجْدٌ: هَادٍ ماهِرٌ.

والنَّجْدُ المَكَانُ لا شَجَرَ فيهِ، والنَّجْدُ: العُلْبَةُ.

والنَّجْدُ: شَجَرٌ كالشُّبْرُمِ في لَوْنِه ونَبْتِه وشَوْكِه. والنَّجْدُ أَرْضٌ بِبلادِ مَهْرَةَ في أَقْصَى اليَمَنِ، وهو صُقْعٌ واسِعٌ مِن وَراءِ عُمَانَ، عن أَبي مُوسَى، كذا في مُعْجَم ياقوت.

والنَّجْدُ: الشُّجَاعُ الماضِي فيما يَعْجَزُ عنه غَيْرُه وقيل: هو الشديدُ البأْسِ، وقيل: هو السَّرِيعُ الإِجابَةِ إِلى ما دُعِيَ إِليه، خَيْرًا كان أَو شَرًّا، كالنَّجِدِ، والنَّجُدِ، ككَتِفٍ ورَجُلٍ، والنَّجِيدِ، والجمع أَنْجَادٌ، قال ابنُ سِيدَه: ولا يُتَوَهَّمَنَّ أَنْجَادٌ جَمْعُ نَجِيدٍ، كنَصِيرٍ وأَنْصَارٍ قِياسًا على أَنّ فَعْلًا وفِعَالًا لا يُكَسَّرَانِ لِقلَّتهما في الصِّفة، وإِنما قِيَاسُهما الواو والنون، فلا تَحْسَبَنَّ ذلك، لأَن سيبويهِ قد نَصَّ على أَنّ أَنْجَادًا جَمْعُ نَجُدٍ ونَجِدٍ. وقد نَجُدَ، ككَرُمَ، نَجَادَةً ونَجْدَةً، بالفتح فيهما، وجَمْعُ نَجِيدٍ نُجُدٌ ونُجَدَاءُ.

والنَّجْدُ: الكَرْبُ والغَمُّ، وقد نُجِدَ، كعُنِيَ، نَجْدًا فهو مَنْجُودٌ ونَجِيدٌ: كُرِبَ، والمَنْجُود: المَكْرُوب، قال أَبو زُبَيْد يرثِي ابنَ أُخْتِه وكان ماتَ عَطَشًا في طريقِ مكَّةَ:

صَادِيًا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ *** وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ

يُريد المَغْلُوب المُعْيَا، والمَنْجُود: الهالِك. وفي الأَساس: وتقول: عِنْده نُصْرَةُ المَجْهُودِ وعُصْرَةُ المَنْجُود.

ونُجِدَ البَدَنُ عَرَقًا إِذا سَالَ يَنْجَدُ ويَنْجُدُ الأَخيرةُ نادِرَةٌ، إِذا عَرِق من عَمَلٍ أَو كَرْبٍ فهو مَنجود ونَجِيد ونَجِدٌ، ككِتفٍ: عَرِقٌ، فأَمّا قوله:

إِذا نَضَخَتْ بِالماءِ وَازْدَادَ فَوْرُهَا *** نَجَا وهْوَ مَكْرُوبٌ مِنَ الغَمِّ نَاجِدُ

فإِنه أَشْبَعَ الفَتْحَةَ اضطرارًا، كقوله:

فَأَنْتَ مِنَ الغَوَائلِ حِينَ تَرْمِي *** ومنْ ذَمِّ الرِّجالِ بِمُنْتَزَاحِ

وقيل: هو على فَعِلٍ كعَمِلٍ فهو عامِلٌ، وفي شِعر حُميد بن ثَور:

ونَجِدَ المَاءُ الذي تَوَرَّدَا

أَي سَالَ العَرَقُ، وتَوَرُّدُه: تَلَوُّنُه.

والنَّجْدُ: الثَّدْيُ والبَطْنُ تَحْتَه كالغَوْرِ، وبه فُسِّر قولُه تعالى: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} أَي الثَّدْيَيْنِ، وقيل: أَي طَرِيقَ الخَيْرِ وطَرِيقَ الشَّرِّ، وقيل: النَّجْدَيْنِ: الطَّرِيقَيْنِ الواضِحَينِ، والنَّجْدُ: المُرْتَفع من الأَرْضِ، والمعنَى أَلَمْ نُعَرِّفْه طَرِيقَيِ الخَيْرِ والشَّرِّ بَيِّنَيْنِ كبَيَانِ الطَّرِيقَيْنِ العَالِيَيْنِ.

وتقول: ذِفْرَاهُ تَنْضَخُ النَّجَدَ بالتَّحْرِيك: العَرَق من عَمَلٍ أَو كَرْبٍ أَو غيرِه، قال النابغةُ:

يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ المَلَّاحُ مُعْتَصِمًا *** بِالخَيْزُرانةِ بَعْدَ الأَيْنِ والنَّجَدِ

وهو أَيضًا البَلَادَةُ والإِعياءُ وقد نَجِدَ، كفَرِحَ، يَنْجَد، إِذا بَلُد وأَعْيَا، فهو ناجِدٌ ومَنْجُود.

ومن المَجاز قولهم: هو طَلَّاعُ أَنْجُدٍ وطَلَّاعُ أَنْجِدَةٍ وطَلَّاعُ نِجَادٍ، وطَلَّاع النِّجادِ [أَي] ضابِطٌ للأُمورِ غالبٌ لها، وفي الأَساس: رَكَّابٌ لِصِعَابِ الأُمورِ. قال الجوهريُّ يقال: طَلَّاعُ أَنْجُدٍ: وطَلَّاعُ الثَّنَايَا، إِذا كان سامِيًا لمَعَالِي الأُمُورِ، وأَنْشَدَ بَيْتَ حُمَيْدِ بنِ أَبي شِحَاذٍ الضَّبِّيّ، وقيل هو لِخَالِدِ بن عَلْقَمَةَ الدّارِمِيّ:

فَقَدْ يَقْصُرُ الفَقْرُ الفَتَى دُونَ هَمِّهِ *** وقَدْ كَانَ لَوْلَا القُلُّ طَلَّاعَ أَنْجُدِ

يقول: قد يَقْصُر الفَقْرُ الفَتَى عن سَجِيَّتِه من السَّخَاءِ فلا يَجِدُ ما يَسْخُو به، ولو لا فَقْرُه لَسَمَا وارْتَفَعَ. وطَلَّاعُ أَنْجِدَةٍ، جَمْع نِجَادٍ، الذي هو جَمْعُ نَجْدٍ، قال زِيَادُ بن مُنْقِذٍ في معنَى أَنْجِدَةٍ [بمعنى أَنْجُدٍ] يَصِفُ أَصحابًا له كان يَصْحَبُهُم مَسْرُورًا:

كَمْ فِيهِمُ مِنْ فَتًى حُلْوٍ شَمَائِلُهُ *** جَمِّ الرَّمَادِ إِذا مَا أَخْمَدَ البَرِمُ

غَمْرِ النَّدَى لَا يَبِيتُ الحَقُّ يَثْمُدُهُ *** إِلَّا غَدَا وَهْوَ سَامِي الطَّرْفِ مُبْتَسِمُ

يَغْدُو أَمَامَهُمُ فِي كُلِّ مَرْبَأَةٍ *** طَلَّاعِ أَنْجِدَةٍ فِي كَشْحِةِ هَضَمُ

ومعنى يَثْمُدُه يُلِحُّ عليه فيُبْرِزُه، قال ابن بَرِّيّ: وأَنْجِدَة من الجُمُوع الشّاذَّة، كما تقدَّم.

وأَنْجَدَ الرَّجلُ: أَتَى نَجْدًا، أَو أَخَذَ في بلاد نَجْدٍ، وفي المثل «أَنْجَدَ مَنْ رَأَى حَضَنًا» وقد تَقَدَّم.

وأَنْجَدَ القَوْمُ من تِهَامَةَ إِلى نَجْد: ذَهَبُوا، قال جَرِيرٌ:

يَا أُمَّ حَزْرَةَ مَا رَأَيْنَا مِثْلَكُمْ *** فِي المُنْجِدِينَ ولا بِغَوْرِ الغَائِرِ

أَو أَنجَدَ: خَرَجَ إِليه، رواها ابنُ سِيدَه عن اللِّحْيَانيّ.

وأَنجَدَ الرجلُ: عَرِقَ، كنَجِدَ، مثل فَرِحَ.

وأَنْجَدَ: أَعَانَ، يقال: استَنْجَدَه فأَنْجَدَه: استَعانه فأَعَانَه، وكذلك اسْتَغَاثه فأَغاثَه، وأَنْجَدَه عليه، كذلك.

وأَنْجَدَ الشيْ‌ءُ: ارْتَفَعَ، قال ابنُ سِيدَه: وعليه وَجَّهَ الفارِسِيُّ رِوايةَ مَنْ رَوَى قولَ الأَعشى:

نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَذِكْرُهُ *** أَغَارَ لَعَمْرِي في البِلادِ وأَنْجَدَا

فقال: أَغَارَ: ذَهَبَ في الأَرْض، وأَنْجَدَ: ارْتَفَعَ. قال: ولا يكون أَنْجَدَ في هذه الرِّواية أَخَذَ في نَجْدٍ، لأَن الأَخْذ في نَجْدٍ إِنما يُعادَلُ بالأَخْذ في الغَوْرِ، وذلك لتقابُلهِمَا، وليستْ أَغَارَ من الغَوْرِ، لأَن ذلك إِنما يُقَال فيه غَارَ؛ أَي أَتَى الغَوْرَ، قال: وإِنما يكون التقابل في قَوْلِ جَرير:

في المُنْجِدِينَ وَلَا بِغَوْرِ الغَائِرِ

وأَنْجَدَت السماءُ: أَصْحَتْ، حكَاها الصاغانيُّ.

وأَنْجَدَ الرجُلُ: قَرُبَ من أَهْلِه، حَكَاهَا ابنُ سِيدَه عن اللِّحْيَانيِّ.

وأَنْجَدَ فُلانٌ الدَّعْوَةَ: أَجَابَها، كذا في المحكم.

والنَّجُودُ، كصبور، من الإِبل والأُتُنِ: الطَّويلةُ العُنُقِ، أَو هي من الأُتُن خاصَّةً: التي لا تَحْمِلُ قال شَمِرٌ: هذا مُنْكَر، والصواب ما رُوِيَ في الأجناس: النَّجُودُ: الطويلةُ من الحُمُرِ، ورُويَ عن الأَصمعيّ: أُخِذَت النَّجُودُ من النَّجْدِ؛ أَي هي مُرْتَفعة عظيمةٌ، ويقال: هي النَّاقَةُ الماضيَةُ، قال أَبو ذُؤَيْب:

فَرَمَى فَأَنْفَذَ مِنْ نَجُودٍ عَائِطٍ

قال شَمِرٌ: وهذا التفسيرُ في النَّجودِ صَحِيحٌ. والذي رُوِيَ في باب حُمُرِ الوَحْشِ وَهَمٌ، وقيل: النَّجُود: المُتَقَدِّمةُ، وفي الرَّوْض: النَّجُودُ من الإِبل: القَوِيَّةُ، نقلَه شيخُنَا، وقيل: هي الطَّويلة المُشْرِفَة، والجمع نُجُدٌ. والنَّجُود من الإِبل: المِغْزَارُ، وقيل: هي الشَّدِيدَة النَّفْسِ، وقيل: النَّجُود من الإِبل: التي لا تَبْرُكُ إِلَّا على المَكَانِ المُرْتَفِعِ، نقله الصاغانيُّ. والنَّجْدُ: الطريقُ المرتفِعُ، وقيل: النَّجُود: التي تُنَاجِدُ الإِبِلَ فتَغْزُرُ إِذا غَزُرْنَ، وقد نَاجَدَتْ، إِذا غَزُرَتْ وكَثُرَ لَبنُها، والإِبل حينئذٍ بِكَاءٌ غَوَارِزُ وعبَّر الفارسيُّ عنها فقال: هي نحو المُمَانِح. والنَّجُودُ: المرأَةُ العَاقِلَةُ النَّبِيلة، قال: شَمِرٌ: أَغربُ ما جاءَ في النَّجُود ما جاءَ في حَدِيث الشُّورَى «وكانَت امْرَأَةً نَجُودًا» يريد: ذَاتَ رَأْي كأَنَّهَا التي تَجْهَد رَأْيَها في الأُمورِ، يقال نَجَدَ نَجْدًا؛ أَي جَهَدَ جَهْدًا. وزاد السُّهيليّ في الرَّوض: وهي المَكْرُوبة، الجمع: نُجُدٌ، ككُتُب.

وأَبو بكر عاصِمُ بنُ أَبِي النَّجُودِ ابنُ بَهْدَلَةَ وهي أَي بَهدَلَة اسم أُمّه، وقيل: إِنه لَقَبُ أَبيه، وقد أَعادَه المُصنِّف في اللام قارِي‌ءٌ صَدُوقٌ، له أَوْهَامٌ، حُجَّةٌ في القِرَاءَة، وحَديثه في الصَّحيحينِ، وهو من موالِي بني أَسَدٍ، مات سنة 128.

والنَّجْدَة، بالفتح: القِتَالُ والشَّجَاعَةُ، قال شيخُنَا: قَضِيَّتُه تَرَادُفُ النَّجْدَةِ والشَّجَاعَةِ، وأَنهما بمعنىً واحدٍ، وهو الذي صَرَّح به الجوهريُّ والفيُّوميُّ وغيرُهما من أَهْلِ الغَرِيبِ، ومَشَى عليه أَكثرُ شُرَّاحِ الشَّفاءِ، وجزمَ الشهابُ في شرْحه بالفَرْقِ بَيْنَهما وقال: الفَرْقُ مثلُ الصُّبْحِ ظاهِرٌ، فإِن الشجاعة جَرَاءَةٌ وإِقدَامٌ يَخوض به المَهَالِكَ، والنَّجْدَة: ثَبَاتُه على ذلك مُطْمَئِنًّا من غير خَوْفِ أَنْ يَقَع على مَوْتٍ أَو يَقَع المَوْتُ عليه حتى يُقْضَى له بِإِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ: الظَّفْرِ أَو الشَّهادَةِ فيَحْيَا سَعِيدًا أَو يَموت شَهِيدًا، فتلكَ مُقَدِّمة وهذه نَتِيجَتُها. ثم قال شيخُنَا: ويبقى النَّظَرُ في تفسِيرِهَا بالقِتَال، وهل هو مُرَادِفٌ للشَّجَاعةِ ولها، فتأَمل. وفي بعض الكتب اللغوية: النِّجْدَة، بالكسر: البلاءُ في الحُرُوبِ، ونقله الشِّهاب في العِناية أَثناءَ النَّمْلِ، تقول منه: نَجُدَ الرجُلُ بالضمّ فهو نَجِدٌ ونَجُدٌ ونَجِيدٌ، وجمْع نَجُدٍ أَنْجَاد مثل يَقُظٍ وأَيْقَاظ، وجمع نَجِيد نُجُدٌ ونُجَدَاءُ.

والنَّجْدَة: الشِّدَّةُ والثِّقَلُ، لا يُعْنَى بهِ شِدَّة النَّفْسِ، إِنما يَعنى به شِدَّة الأَمْرِ عليه، قال طَرَفَةُ:

تَحْسَبُ الطَّرْفَ عَلَيْهَا نَجْدَةً

ويقال رَجُلٌ ذو نَجْدَةٍ؛ أَي ذو بَأْسٍ، ولاقى فُلَانٌ نَجْدَةً؛ أَي شِدَّة. وفي حديثِ عَلِيٍّ رضي ‌الله‌ عنه: «أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ فأَنْجَادٌ أَمْجَادٌ» أَي أَشِدَّاءُ شُجْعَانٌ، وقيل أَنْجَادٌ جَمْعُ الجَمْعِ، كأَنَّه جَمعَ نَجُدًا على نِجَادٍ أَو نُجُودٍ ثم نُجُدٍ ثم أَنْجَادٍ. قاله أَبو موسى. وقال ابن الأَثير: ولا حاجةَ إِلى ذلك، لأَنّ أَفْعَالًا في فَعُلٍ وفَعِلٍ مُطَّرِدٌ نحو عَضُدٍ وأَعْضَاد وكَتِفٍ وأَكْتَافٍ، ومنه‌حديثُ خَيْفَان «وأَمَّا هذا الحَيُّ من هَمْدَانَ فأَنْجَادٌ بُسْلٌ»، وفي حديث عَلِيٍّ «مَحَاسِنُ الأُمور التي تَفَاضَلَ فيها المُجَدَاءُ والنُّجَدَاءُ»، جمع مَجِيدٍ، ونَجِيدٍ، والمَجِيدُ: الشَّرِيفُ. والنَّجِيد: الشُّجَاع. فَعِيلٌ بمعنى فاعِلٍ.

والنَّجْدَةُ: الهَوْلُ والفَزَعُ، وقد نَجُدَ.

والنَّجِيدُ: الأَسَدُ، لشجاعته وَجَرَاءَتِه، فَعِيل بمعنى فاعلٍ.

والمَنْجُود: الهالِكُ والمَغْلُوب، وأَنشدوا قولَ أَبي زُبَيْدٍ المتقدِّم.

والنِّجَاد، ككِتَابٍ: ما وَقَعَ على العاتِق مِن حَمَائِل السَّيْفِ، وفي الصّحاح: حَمَائِلُ السَّيْفِ، ولم يُخَصِّصْ، وفي حديث أُمِّ زَرْعٍ: «زَوْجِي طَوِيلُ النِّجادِ» تُريد طُول قَامَتِه، فإِنها إِذا طَالَتْ طالَ نِجَادُه، وهو من أَحسن الكنايات.

والنَّجَّادُ ككَتَّانِ: مَنْ يُعَالِج الفُرُشَ والوَسائدَ ويَخيطُهما، وعبارَة الصّحاح: والوِسَاد ويَخِيطُهما، وقال أَبو الهيثم: النَّجَّاد: الذي يُنَجِّد البُيُوتَ والفُرُشَ والبُسُطَ، ومثلُه في شَرْحِ ابنِ أَبي الحَدِيد في نَهْجِ البَلاغة.

وقال الأَصمعيُّ: النَّاجُودُ: أَوَّلُ ما يَخْرُجُ من الخَمْر إِذا بُزِلَ عَنْها الدَّنُّ، واحتَجَّ بقول الأَخْطَل:

كَأَنَّمَا المِسْكُ نُهْبَى بَيْنَ أَرْحُلِنَا *** مِمَّا تَضَوَّعَ مِنْ نَاجُودِهَا الجَارِي

وقيل: الخَمْرُ الجَيِّد، وهو مُذَكَّر. والنَّاجُود أَيضًا: إِنَاؤُهَا وهي البَاطِيَةُ، وقيل: كُلُّ إِناءٍ يُجْعَل فيه الخَمْرُ من بَاطِيَة أَو جَفْنَة أَو غيرِها، وقيل: هي الكَأْسُ بِعَيْنِهَا، وعن أَبي عُبَيْد: النَّاجُود: كُلُّ إِناءٍ يُجْعَل فيه الشَّرابُ مِن جَفْنَةٍ أَو غيرِهَا، وعن الليثِ: النَّاجُود: هو الرَّاوُوقُ نَفْسُه، وفي حديث الشَّعْبِيِّ: «وبَيْنَ أَيْدِيهِم نَاجُودُ خَمْرٍ»، أَيْ رَاوُوقٌ، واحْتَجَّ على الأَصمعيِّ بقولِ عَلْقَمَةَ:

ظَلَّتْ تَرَقْرَقُ في النَّاجُودِ يُصْفِقُهَا *** وَلِيدُ أَعْجَمَ بِالكَتَّانِ مَلْثُومُ

يُصْفِقُها: يُحَوِّلُها من إِنَاءٍ إِلى إِناءٍ لتَصْفُوَ. قلت: والقولُ الأَخير هو الأَكثر، وفي بعض النُّسخ: أَو إِناؤُهَا، بلفظ «أَو» الدالَّة على تَنَوُّعِ الخِلافِ، وعن الأَصمعيّ: النَّاجُودُ: الزَّعْفَرَانُ، والنَّاجُود الدَّمُ.

والمِنْجَدَةُ كمِكْنَسَةٍ: عَصًا خَفِيفَةٌ تُساق وتُحَثُّ بها الدَّابَّةُ عَلَى السَّيْرِ، واسم عُود يُنْفَش به الصُّوفّ ويُحْشَى به حَقِيبَةُ الرَّحْلِ وبكُلٍّ منهما فُسِّرَ الحديث «أَذِنَ النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم في قَطْعِ المَسَدِ والقائمتَيْنِ والمِنْجَدَةِ يعني مِن شَجَرِ الحَرَمِ لما فيها من الرِّفْق ولا تَضُرُّ بأُصولِ الشَّجر. والمِنْجَدُ، كمِنْبَرٍ: الجُبَيْلُ الصغيرُ المُشْرِف على الوادِي، هُذَلِيَّة، والمِنْجَدُ حَلْيٌ مُكَلَّلٌ بالفُصُوصِ، وأَصْلُه من تَنْجِيد البَيْتِ وهو قِلَادَةٌ من لُؤْلُؤٍ وذَهَبٍ أَو قَرَنْفُلٍ في عَرْضِ شِبْرٍ يأْخُذُ من العُنُقِ إِلى أَسْفَلِ الثَّدْيَيْنِ يَقَعُ عَلَى مَوْضِع النِّجَادِ أي نِجَادِ السَّيْفِ من الرجُلِ وهي حَمَائِلُه، الجمع: مَنَاجِدُ، قاله أَبو سعيدٍ الضَّريرُ.

وفي الحديث: «أَنّه رَأَى امرَأَةً تَطُوف بالبيتِ عليها مَنَاجِدُ مِن ذَهَب فَنَهَاها عن ذلك». وفسَّرَه أَبو عُبَيْد بما ذكرْنا.

والمُنَجَّدُ، كمُعَظَّمٍ: المُجَرَّبُ؛ أَي الذي جَرَّبَ الأُمورَ وقاسَهَا فعَقَلَها، لُغَة في المُنَجَّذِ، ونَجَّدَه الدَّهْرُ: عَجَمَهُ وعَلَّمَه، قال أَبو منصور: والذالُ المُعجمة أَعْلَى. ورَجُلٌ مُنَجَّدٌ، بالدالِ والذالِ جَمِيعًا؛ أَي مُجَرَّبٌ، وقد نَجَّدَه الدهْرُ إِذا جَرَّبَ وعَرَفَ، وقد نَجَّدَتْه بَعدِي أُمورٌ.

واسْتَنْجَدَ الرجلُ: استَعَانَ واستَغَاثَ، فأَنْجَدَ: أَعَانَ وأَغَاثَ.

واستنجَدَ الرجلُ إِذا قَويَ بَعْدَ ضَعْفٍ أَو مَرَضٍ.

واستَنْجَدَ عَلَيْهِ: اجْتَرَأَ بعْدَ هَيْبَةٍ وضَرِيَ به، كاسْتَنْجَدَ به.

ونَجْدُ مَرِيعٍ، كأَمِيرٍ، ونَجْدُ خَالٍ، ونَجْدُ عَفْرٍ، بفتح فسكون، ونَجْدُ كَبْكَبٍ: مَواضِعُ، قال الأَصمعيُّ، هي نُجُودٌ عِدَّةٌ، وذكرَ منها الثلاثةَ ما عدا نَجْدَ عَفْرٍ، قال: ونَجْدُ كَبْكَبٍ: طَرِيقٌ بِكَبْكَبٍ، وهو الجَبَلُ الأَحْمَرُ الذي تَجْعَلُه في ظَهْرِك إِذا وَقَفْتَ بِعَرَفَةَ، قال: امرؤ القَيْسِ:

فَرِيقَانِ مِنْهُمْ قَاطِعٌ بَطْنَ نَخْلَةٍ *** وآخَرُ مِنْهُمْ جَازِعٌ نَجْدَ كَبْكَبِ

ونقل شيخُنا عن التوشيحِ للجَلال: نَجْدٌ اسمُ عَشَرَةِ مَواضِعَ. وقال ابنُ مُقْبِل في نَجْدِ مَرِيعٍ:

أَمْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ دَهْمَاءَ قَدْ طَلَعَتْ *** نَجْدَيْ مَرِيعٍ وقَدْ شَابَ المَقَادِيمُ

قلت: وسيأْتِي في المُسْتدرَكَات. وأَنشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ في كِتاب المُجْتَنَى:

سَأَلْتُ فَقَالُوا قَدْ أَصَابَتْ ظَعَائِنِي *** مَرِيعًا وأَيْنَ النَّجْدُ نَجْدُ مَرِيعِ

ظَعَائِنُ أَمَّا مِنْ هِلَالٍ فَمَا دَرَى ال *** مُخَبِّرُ أَوْ مِنْ عامِرِ بن رَبِيعِ

وفي مُعْجَم ياقوت: قال الأَخطَل في نَجْد العُقَابِ وهو موضع بِدِمَشْقَ:

ويَامَنَّ عَن نَجْدِ العُقَابِ ويَاسَرَتْ *** بِنَا العِيسُ عن عَذْرَاءَ دَارِ بني الشَّجْبِ

قالوا: أَراد ثَنِيَّةَ العُقَابِ المُطِلَّة على دِمَشْق وعَذْرَاء للقَرْيَة التي تَحْت العَقَبَةِ. ونَجْدُ الوُدِّ ببلادِ هُذَيْلٍ في خبر أَبي جُنْدَب الهُذليّ.

ونَجْدُ بَرْقٍ، بفتح فسكون، وادٍ بِاليَمَامَةِ بين سَعْد ومَهَبِّ الجَنُوبِ.

ونَجْدُ أَجَأَ: جَبَلٌ أَسوَدُ لِطَيِّئٍ بأَجأَ أَحدِ جَبْلَيْ طَيِّئٍ.

ونَجْدُ الشَّرَى: موضع في شِعْرِ ساعِدَةَ بنِ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيّ:

مُيَمِّمَةً نَجْدَ الشَّرَى لا تَرِيمُهُ *** وكَانَتْ طَرِيقًا لا تَزَالُ تَسِيرُهَا

وقال أَبو زيد: ونَجْدُ اليَمن غيرُ نَجْدِ الحِجَاز، غيرَ أَنَّ جَنُوبِيَّ نَجْدِ الحِجاز مُتَّصِلٌ بِشَمالِيِّ نَجْدِ اليَمَنِ، وبَيْن النَّجْدَيْنِ وعُمَانَ بَرِّيَّةٌ مُمْتَنِعَةَ، وإِياه أَرادَ عَمْرُو بن مَعْدِ يكَرِبَ بقولِه:

هُمُ قَتَلُوا عَزِيزًا يَوْمَ لَحْجٍ *** وعَلْقمَةَ بْنَ سَعْدٍ يَوْمَ نَجْدِ

ونَجَدَ الأَمْرُ يَنْجُد نُجُودًا وهو نَجْدٌ ونَاجِدٌ: وَضَحَ واسْتَبَانَ وقال أُمَيَّةُ:

تَرَى فيهِ أَنْبَاءَ القُرُونِ التي مَضَتْ *** وأَخْبَارَ غَيْبٍ بالقِيَامَةِ تَنْجُدُ

ونَجَدَ الطريقُ يَنْجُدُ نُجُودًا، كذلك.

وأَبو نَجْدٍ: عُرْوَةُ بنُ الوَرْدِ، شاعِرٌ معروف.

ونَجْدَةُ بنُ عامِرٍ الحَرُورِيّ الحَنَفِيُّ من بني حَنِيفَة خَارِجِيُّ من اليَمَامَة وأَصحابُه النَّجَدَاتُ، مُحَرَّكَةً، وهم قَوْمُ من الحَرُورِيَّة، ويقال لهم أَيضًا النَّجَدِيَّةُ.

والمُنَاجِدُ: المُقَاتِل، ويقال: ناجَدْتُ فُلانًا إِذا بارَزْتَه لِقتَالٍ. وفي الأَسَاسِ: رجل نَجُدٌ ونَجِدٌ ونَجِيدٌ ومُنَاجِدٌ.

والمُنَاجِدُ: المُعِينُ، وقد نَجَدَه وأَنْجَدَه ونَاجَدَه، إِذا أَعانَه، و‌في حديث أَبي هُريرَةَ رضي ‌الله‌ عنه في زكاة الإِبلِ: «ما مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لا يُؤَدِّي حَقَّها إِلا بُعِثَتْ له يَوْمَ القِيَامَةِ أَسْمَنَ ما كَانَتْ، على أَكْتَافِها أَمْثَالُ النَّوَاجِد شَحْمًا تَدْعُونَه أَنتم الرَّوَادِفَ»، هي طَرَائِق الشَّحْم، واحِدتها نَاجِدَةٌ، سُمِّيَتْ بذلك لارتفاعِهَا.

والتَّنْجِيد: العَدْوُ، وقد نَجَّدَ، نقلَه الصاغانيّ.

والتَّنْجِيدُ: التَّزْيِينُ، قال ذو الرُّمَّة:

حَتَّى كَأَنَّ رِيَاضَ القُفِّ أَلْبَسَهَا *** مِنْ وَشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وتَنْجِيدُ

وفي حديث قُسٍّ «زُخْرِفَ ونُجِّدَ» أَي زُيِّنِ.

والتَّنْجِيدُ: التَّحْنِيكُ والتَّجْرِيب في الأُمور، وقد نَجَّدَه الدهْرُ إِذا حَنَّكَه وجَرَّبَه.

والتَّنَجُّدُ: الارتفاعُ في مِثْلِ الجَبَلِ، كالإِنجاد.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

كَانَ جَبَانًا فاسْتَنْجَدَ: صار نَجِيدًا شُجَاعًا.

وغَارَ وأَنْجَدَ: سارَ ذِكْرُه في الأَغْوَارِ والأَنْجَادِ.

ونَجْدَانِ، مَوْضِعٌ في قول الشماخ:

أَقُولُ وأَهْلِي بِالجَنَابِ وأَهْلُها *** بِنَجْدَيْنِ لا تَبْعَدْ نَوَى أُمِّ حَشْرَجِ

ويقال له: نَجْدَا مَرِيعٍ.

وأَعْطاه الأَرْضَ بما نَجَدَ منها؛ أَي بما خَرَجَ، وفي حديث عبد الملك أَنّه بَعَثَ إِلى أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ من عِنْده، وهو جَمْع نَجَدٍ، بالتحرِيك، لمتَاعِ البَيْت من فُرُشٍ ونَمارِقَ وسُتُورٍ.

وفي المحكم: النَّجُود؛ أَي كصَبور، الذي يعالج النُّجُود بالنَّفْضِ والبَسْطِ والتَّنْضِيد.

والنَّجْدَة، بالفتح السِّمَن، وبه فُسِّر حديثُ الزكاة حينَ ذكَر الإِبلَ: «إِلَّا مَنْ أَعْطَى فِي نَجْدَتِها ورِسْلِها» قال أَبو عبيد: نَجْدَتُها: أَن تَكْثُر شُحومُها حتى يَمْنَع ذلك صاحِبَها أَن يَنْحَرَهَا نَفَاسَةً [بها]، فذلك بمنزلِة السِّلاحِ لها مِن رَبِّها تَمْتَنع به، قال: ورِسْلُها: أَن لا يَكون لها سِمَنٌ فَيَهُونَ عليه إِعطاؤُها، فهو يُعْطِيها على رِسْلِه أَي مُسْتَهِينًا بها، وقال المَرَّار يَصِف الإِبل، وفَسَّرَه أَبو عَمْرو:

لَهُمْ إِبِلٌ لَا مِنْ دِيَاتٍ ولَمْ تَكُنْ *** مُهُورًا ولا مِنْ مَكْسَبٍ غيرِ طَائِل

مُخَيَّسَةٌ فِي كُلِّ رِسْلٍ ونَجْدَةٍ *** وقَدْ عُرِفَتْ أَلْوَانُها في المَعَاقِلِ

قال: الرِّسْل: الخِصْب. والنَّجْدَة: الشِّدَّة، وقال أَبو سعيد في قوله: «في نَجْدَتِهَا»: ما يَنُوبُ أَهْلَهَا مِمّا يَشُقُّ عليهم من المَغارِم والدِّياتِ، فَهذِه نَجْدَةٌ على صَاحِبها، والرِّسْل: مادُونَ ذلكَ من النَّجْدَةِ، وهو أَن يعْقِرَ هذا وَيَمْنَح هذا وما أَشْبَهَه [دُونَ النَّجْدَة] وأَنشدَ لِطَرَفَةَ يصف جارِيَةً:

تَحْسَبُ الطَّرْفَ عَلَيْهَا نَجْدَةً *** يَا لَقَوْمِي لِلشَّبَابِ المُسْبَكِرّ

يقول: شَقَّ عليها النَّظَرُ لِنَعْمَتِها فهي سَاجِيَةُ الطَّرْفِ، وقال صَخْرُ الغَيِّ:

لَوْ أَنَّ قَوْمِي مِنْ قُرَيْمٍ رَجْلَا *** لَمَنَعُونِي نَجْدةً أَوْ رِسْلَا

أَي بأَمْر شَديدٍ أَو بِأَمْرٍ هَيِّنٍ.

ورجُلٌ مِنْجَادٌ: نَصُورٌ، هذه عن اللّحيانيَّ.

والنَّجْدَة الثِّقَلُ، ونَجَدَ الرَّجُلَ يَنْجُده نَجْدًا: غَلَبَه.

وتَنَجَّدَ: حَلَفَ يَمِينًا غَلِيظةً، قال مُهَلْهِل:

تَنَجَّدَ حِلْفًا آمِنًا فأَمِنْتُهُ *** وإِنَّ جَدِيرًا أَنْ يَكُونَ ويَكْذِبَا

واستدرك شيخُنا: أَمَا ونَجْدَيْهَا ما فَعَلْتُ ذلك، من جُمْلَة أَيْمَانِ العَرَب وأَقْسَامِهَا، قالوا: النَّجْدُ: الثَّدْيُ، والبَطْنُ تَحْتَه كالغَوْرِ، قاله في العِنَايَة في سُورَة البَلَد.

وفي الأَساس: ومن المَجاز: هو مُحْتَبٍ بِنِجَادِ الحِلْم.

ويقال، هو ابنُ نَجْدَتِهَا؛ أَي الجَاهِلُ بها، بخلاف قولِهِم: هو ابنُ بَجْدَتِهَا، ذَهَابًا إِلى ابْنِ نَجْدَة الحَرُورِيّ.

وناجِدُ ونُجَيد ومُنَاجِدٌ ونَجْدَةُ أَسماءٌ.

والشَّيخ النَّجْدِيُّ يُكْنَي به عن الشَّيطانِ.

وأَبو بكر أَحمد بن سُلَيْمَان بن الحَسَن النَّجَّاد فَقِيه حَنْبَليٌّ مُكْثِرٌ، عن أَبي داوود وعبد الله بن أَحمد بن حنبل وغيرِهما، ونَجَّادٌ جَدُّ أَبي طالبٍ عُمَيْر بن إِبراهيم بن سَعد بن إِبراهيم بن نَجَّاد النَّجَّادِيّ الزُّهْرِيّ، فقيهٌ شافعيٌّ بَغداديٌّ، روَى عنه الخَطِيب. وبالتخفيف عَبَّاس بن نَجَادٍ الطَّرَسُوسِيّ، ويونس بن يزيد بن أَبي النَّجَادِ الأَيْلِيّ، ومحمد بن غَسَّان بن عَاقل بن نَجَادٍ الحِمْصِيّ، ونَجَاد بن السائبِ المَخْزوميُّ، يقال له صُحْبة، ودَاوود بن عبد الوهاب بن نَجَادٍ الفقيه، سَمِع من أَصحابِ أَبي البَطيّ ببغداد، وَرَبِيعَةُ بنُ ناجِدٍ، رَوَى أَبوه عن عَلِيٍّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


67-تاج العروس (نمرد)

[نمرد]: نُمْرُودُ، بالضمّ وإِهمال الدالِ وإِعجامها، وفي المزهر بالوَجهينِ، وصَرَّح العِصَامُ وغيرُه بأَنَّه بالمُعْجَمة، قال شيخُنَا: ويُؤَيّده ما أَنشده الخفاجِيُّ في المجلس الثاني مِن الطِّرَازِ لابنِ رَشِيقٍ من قَوْلِه:

يَا رَبِّ لَا أَقْوَى عَلَى دَفْعِ الأَذَى *** وَبِكَ اسْتَعَنْتُ عَلَى الزَّمَانِ المُوذِي

مَا لِي بَعَثْتَ إِلَيَّ أَلْفَ بَعُوضَةٍ *** وَبَعَثْتَ وَاحِدَةً عَلَى نُمْرُوذِ

قال: وهو الموافِق للضَّابطِ الذي نَظَمَه الفَارَابيُّ فَرْقًا بين الدَّالِ والذالِ في لُغَةِ الفُرْس حيث قال:

احْفَظِ الفَرْقَ بَيْنَ دَالٍ وذَالٍ *** فَهْوَ رُكْنٌ في الفارِسِيَّةِ مُعْظَمْ

كُلُّ ما قَبْلَه سُكُونٌ بِلَا وَا *** وٍ فَدَالٌ وما سِوَاهُ فَمُعْجَمْ

وفي أَمالي ثَعْلَبٍ: نُمْروذُ، بالذال المُعجمة، وأَهل البصرة يقولون نُمْرود، بالدال المهملة، وعلى هذا عَوَّلَ كَثيرونَ فجَوَّزُوا الوَجهينِ، اسمُ مَلِكٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ، معروف معروفٌ، قالَه ابنُ سِيده في المحكم: وكأَنَّ ثَعْلَبًا ذَهَبَ إِلى اشتقاقِه من التَّمَرُّدِ، فهو على هذا ثُلاثِيٌّ، قال شيخُنا: وهو نُمرود بن كَنْعَان بن سِنْجَارِيب بن نُمْرُود الأَكبر بن كُوش بن حَام بن نُوح، قالَهُ ابنُ دِحْيَةَ في التنوير.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


68-تاج العروس (حمر)

[حمر]: الأَحْمَر: ما لَوْنُه الحُمْرَةُ، يَكونُ في الحَيَوانِ والثِّيَاب وغَيْرِ ذلك مما يَقْبَلُها. ومن المَجاز: الأَحمَرُ: مَنْ لا سِلَاحَ مَعَه في الحَرْبِ، نقلَه الصَّاغانِيّ، جَمْعُهُمَا حُمْرٌ وحُمْرَانٌ، بضمّ أَوَّلِهِمَا يقال: ثِيابٌ حُمْرٌ وحُمْرانٌ، ورِجَالٌ حُمْرٌ.

والأَحْمر: تَمْرٌ، لِلَوْنِه. والأَحْمَرُ: الأَبْيَضُ، ضِدّ. وبه فَسَّر بَعْضٌ الحَدِيث: «بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَر والأَسْوَدِ».

والعَربُ تَقُولُ امرأَةٌ حَمْرَاءُ؛ أَي بيضاءُ. وسُئل ثَعْلَب: لِمَ خَصَّ الأَحمر دُونَ الأَبْيض، فَقَالَ: لأَنَّ العرب لا تَقولُ: رجُلٌ أَبيضُ من بَيَاضِ اللَّوْنِ، إِنَّمَا الأَبيضُ عِنْدَهم الطّاهِرُ النَّقِيُّ من العُيُوبِ، فإِذا أَرادُوا الأَبيضَ مِنَ اللَّوْن قالوا أَحْمر. قال ابنُ الأَثِير: وفي هذا القَوْل نَظَر، فإِنَّهم قد استَعْمَلُوا الأَبيضَ فِي أَلْوانِ النَّاس وغَيْرِهم. ومِنْهُ الحَدِيث «قال عَلِيٌّ لعائِشَةَ رَضِي الله عَنْهُمَا: إِيّاكِ أَن تَكُوِنيها يا حُمَيْراءُ» أَي يا بيضاءُ. وفي حَدِيثٍ آخَر «خُذُوا شَطْر دِينِكم مِن الحُمَيْرَاءِ» يَعْنَي عائِشَة. كانَ يَقُولُ لهَا أَحْيَانًا ذلِك، وهو تَصْغِير الحَمْرَاءِ، يُرِيد البَيْضَاءَ. قال الأَزْهَرِيّ: والقَولُ في الأَسْوَدِ والأَحْمَر إِنَّهما الأَسودُ والأَبيضُ، لأَنَّ هذَين النَّعْتَيْن يَعُمَّانِ الآدمِيِّين أَجْمَعِين. هذا

كَقَوْلِه: بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً. وقَولُ الشَّاعر:

جَمَعْتُمْ فَأَوْعَيْتُمْ وجِئْتُمْ بمَعْشَرٍ *** تَوافَتْ به حُمْرانُ عَبْدٍ وسُودُها

يرِيد بعَبْدٍ عَبْدَ بْنَ أَبِي بَكْر بْنِ كِلَاب.

وقولُه أَنْشَدَه ثَعْلَب:

نَضْخ العُلُوجِ الحُمْرِ في حَمَّامِها

إِنَّمَا عَنَى البِيضَ.

وحُكِيَ عنِ الأَصْمَعِيّ: يُقَال: أَتَانِي كُلُّ أَسْوَدَ منْهم وأَحْمَر، ولا يُقَالُ أَبْيَض. مَعْنَاه جَمِيعُ النَّاسِ عربهم وعجمهم.

وقال شَمِرٌ: الأَحْمَر: الأَبيضُ تَطَيُّرًا بالأَبْرص، يَحْكِيه عن أَبي عمْرِو بْنِ العَلاءِ.

وقال الأَزهَرِيُّ في قَوْلهم: أَهْلَك النِّسَاءَ الأَحْمرانِ، يعْنُونَ الذَّهب والزَّعفَران؛ أَي أَهلكهُنَّ حُبُّ الحَلْى والطِّيب. وقال الجَوْهَرِيّ: أَهلك الرِّجَالَ الأَحْمَرانِ: اللَّحْمُ والخَمْرُ. وقال غَيْرُه: يُقَال للذَّهَب والزَّعْفَرانِ: الأَصْفَرانِ. ولِلْمَاءِ واللَّبنِ: الأَبْيضَانِ، وللتَّمر والماءِ: الأَسوَدَانِ. وفي الحديث: «أُعطِيتُ الكَنْزَينِ الأَحْمَرَ والأَبْيَضَ». والأَحمرُ: الذَّهَبُ. والأَبيَضُ: الفِضَّة. والذَّهب كُنُوزُ الرُّوم لأَنَّهَا الغالِبُ على نُقُودِهم. وقيل: أَرادَ العَرَبَ والعجَم جَمَعَهُم الله على دِينهِ ومِلَّتهِ.

والأَحامِرَةُ: قومٌ مِنَ العَجَم نَزَلُوا بالبَصرةِ وتَبَنَّكُوا بالكُوفَة.

وقال اللَّيْثُ: الأَحَامِرَةُ: اللَّحْمُ والخَمْرُ والخَلُوقُ. وقال ابن سِيدَه: الأَحْمَرانِ: الذَّهَبُ والزَّعفَرانُ، فإِذا قُلْت الأَحامِرة فَفِيها الخَلُوقُ. قال الأَعشى:

إِنَّ الأَحامِرَةَ الثَّلَاثَةَ أَهْلَكَتْ *** مالِي وكُنْتُ بِهَا قَدِيمًا مُولَعَا

الخَمْرَ واللَّحْمَ السَّمِينَ وأَطَّلِي *** بالزَّعْفَرانِ فلَنْ أَزالَ مُبَقَّعَا

وقال أَبو عُبَيْدة: الأَصفَرانِ: الذَّهَبُ والزَّعْفَرانُ. وقال ابْنُ الأَعرابِيّ: الأَحْمَرانِ: النَّبِيذُ واللَّحْم. وأَنْشَدَ:

الأَحْمَرَيْنِ الرَّاحَ والمُحَبَّرَا

قال شَمِر: أَرادَ الخَمْرَ والبُرُودَ.

وفي الأَساسِ: ونَحْنُ مِن أَهْل الأَسْوَدَيْن؛ أَي التَّمْر والمَاءِ لا الأَحْمَرَين؛ أَي اللَّحْم والخَمْر.

وفي الحَدِيث «لو تَعْلَمُون ما فِي هذه الأُمّة من المَوْت الأَحْمَر» يعني القَتْل، وذلكَ لما يَحْدُث عن القَتْل مِنَ الدَّم، أَو هُوَ الموتُ الشَّديدُ، وهو مَجَازٌ، كنَوْا به عنه كأَنَّه يُلْقَى منه ما يُلْقَى مِنَ الحَرْب. قال أَبو زُبَيْد الطّائيّ يَصفُ الأَسَد:

إِذا عَلَّقَت قِرْنًا خَطاطِيفُ كَفِّه *** رَأَى المَوْتَ رَأْيَ العَيْن أَسْودَ أَحْمَرَا

وقال أَبو عُبَيْد في مَعْنَى قَوْلهم: هو المَوْتُ الأَحْمَرُ، يَسْمَدِرُّ بَصَرُ الرّجل من الهَوْل فيَرى الدُّنْيَا في عَيْنيه حَمْراءَ وسَوْداءَ. وأَنْشَد بَيْتَ أَبي زُبَيْد. قال الأَصمَعِيّ: يَجُوزُ أَن يكونَ من قَوْل العَرَب: وَطْأَةٌ حَمْرَاءُ، إِذا كانَت طَرِيَّة لم تَدْرُس، فمعنَى قَوْلهمْ: المَوْتُ الأَحْمَر: الجَديد الطَّريّ.

قال الأَزهَريّ: ويُرْوَى عن عَبْد الله بن الصّامِت أَنّه قال: أَسرَعُ الأَرض خَرابًا البَصْرةُ، قيل: وما يُخَرِّبُها؟ قال: القَتْل الأَحمَرُ، والجُوعُ الأَغبَرُ.

وقَوْلُهُم: وهو مِنْ حَدِيث عبد الملك «أَراك أَحمرَ قَرِفًا».

قال: الحُسْن أَحْمَرُ؛ أَي الحسْن في الحُمْرة. وقال ابن الأَثير أَي شَاقٌّ؛ أَي مَنْ أَحَبَّ الحُسْنَ احْتَملَ المَشَقَّة. وقال ابنُ سيده: أَي أَنَّه يَلْقى العَاشِقُ منه ما يَلْقَى صاحِبُ الحَرْب مِنَ الحَرْب. وروَى الأَزهريُّ عن ابْن الأَعرابيّ في قَوْلهم: الحُسْن أَحمرُ، يُريدُون: إِن تَكَلَّفْت الحُسْن والجَمَالَ فاصْبر فيه على الأَذَى والمَشَقَّة. وقال ابنُ الأَعْرَابيّ أَيضًا: يقال ذلك للرَّجُل يَمِيل إِلى هَواه وَيَخْتَصُّ بمَنْ يُحِبّ، كما يُقَالُ: الهَوَى غَالِبٌ، وكما يقال: إِنَّ الهَوَى يَمِيل بِاسْتِ الرَّاكب، إِذا آثَرَ مَنْ يَهْواه على غَيْره.

والحَمْرَاءُ: العَجَمُ، لبَيَاضهم، ولأَنَّ الشُّقْرةَ أَغلَبُ الأَلوانِ عَلَيْهم. وكانَت العربُ تقول للعَجَم الّذين يَكُونُ البياضُ غالبًا على أَلوانهم، مِثْلِ الرُّومِ والفُرسِ ومَن صاقَبَهم: إِنَّهُم الحَمْراءُ. ومنْ ذلك

حَديث عَليّ رَضيَ اللهُ عَنْه حينَ قَالَ له سَرَاةٌ من أَصْحَابه العَربِ: «غَلَبَتْنَا عَلَيك هذه الحَمْراءُ. فقال: ليَضْرِبَنَّكُمْ على الدِّين عَوْدًا كما ضَرَبْتُمُوهم عليه بَدْأً» أَراد بالحَمْراءِ الفُرْسَ والرُّومَ. والعَرَبُ إِذا قَالُوا: فُلَانٌ أَبيضُ وفُلانَةُ بيضاءُ فمَعْنَاه الكَرَمُ في الأَخْلاق لا لَوْنُ الخِلْقة، وإِذَا قَالُوا: فُلانٌ أَحمرُ، وفلانَةُ حمراءُ عَنَتْ بياضَ اللَّوْنِ.

ومن المَجاز: السَّنَةُ الحَمْرَاءُ: الشَّدِيدَةُ، لأَنَّهَا واسِطَةٌ بَيْن السَّوداءِ والبَيْضَاءِ. قال أَبُو حَنِيفَة: إِذا أَخْلَفَت الجَبْهَةُ فهي السَّنَة الحَمْرَاءُ. وفي حَدِيث طَهْفَةَ: «أَصابَتْنَا سَنَةٌ حَمْراءُ»؛ أَي شَدِيدَةُ الجَدْبِ؛ لأَنَّ آفَاقَ السَّمَاءِ تَحْمَرُّ في سِنِي الجَدْبِ والقَحْطِ. وأَنْشَد الأَزْهَرِيُّ:

أَشْكُو إِلَيْكَ سَنَوَاتٍ حُمْرَا

قال: أَخرجَ نَعْتَه على الأَعْوَامِ فذَكَّر، ولو أَخْرَجَه على السَّنَوَاتِ لقال حَمْرَاوات. وقال غيره: قيل لِسِنِي القَحْطِ حَمْراوَات لاحْمِرارِ الآفَاقِ فيها.

ومن المَجاز: الحَمْرَاءُ: شِدَّةُ الظَّهِيرَة وشِدَّةُ القَيْظ. قال الأُموِيُّ: وسَمِعْتُ العَربَ تَقولُ: كُنَّا في حَمْراءِ القَيْظِ على ماءِ شُفَيَّةَ، وهي رَكِيَّةٌ عَذْبَةٌ.

والحَمراءُ: اسمُ مَدِينَة لَبْلَةَ بالمَغْرِب. والحَمْرَاءُ: موضع بفُسْطَاط مِصْر. كان بالقُرْبِ منه دَارُ اللَّيْث بْنِ سَعْد، ذكَره ابنُ الأَثِير. ومِمّن كان يَنْزِلُه الياسُ بنُ الفرجِ بْنِ المَيْمُون مَوْلَى لَخْم، وأَبو جُوَين رَيَّانُ بنُ قائِد الحَمْرَاوِيّ آخرُ مَنْ وَلِيَ بِمِصْرَ لبَنِي أُمَيَّةَ. وأَبُو الرَّبِيع سَلْمَانُ بنُ أَبي دَاوود الأَفْطَس الحَمْرَاوِيُّ الفَقِيهُ. ومَوْضِعٌ آخَرُ بالقُدْسِ وهي قَلْعَةٌ، جاءَ ذِكْره في فُتُوحات السُّلْطان المُجاهد صَلَاحِ الدِّين يوسُف، رَحِمه الله تَعَالى.

والحَمْرَاءُ: قرية، باليَمَن ذكرها الهَجَرِيّ.

وحَمْرَاءُ الأَسَد: موضع على ثَمانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَة، على ساكنها أَفضَلُ الصَّلاة والسَّلام، وقيل: عَشْرة فَراسِخَ، إِلَيْه انْتَهَى رَسُولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم ثَانِيَ يَوْمِ أُحُدٍ.

والحَمْرَاءُ: ثَلاثُ قُرىً بمِصْر بل هي قَرْيَتَان فِي الشَّرْقِيَّة، وقَرْيَتَان بالغَرْبِيّة، تُعْرفان بالغَرْبِيّة والشَّرْقِية فِيهِمَا، وقَرْيَة أُخْرَى في حوْفِ رَمْسيس تُعرَفُ بالحَمْرَاءِ. والحِمارُ، بالكَسْر: النَّهَّاقُ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبعِ، م؛ أَي معروف ويَكُونُ أَهْلِيًّا ووَحْشِيًّا.

وقال الأَزهَرِيّ: الحِمَار: العَيْرُ الأَهْلِيُّ والوَحشيّ. الجمع: أَحْمِرَةٌ، وحُمْرٌ، بضم فسكون، وحُمُرٌ، بضَمَّتَيْن وحَمِيرٌ، على وَزن أَمِير، وحُمُورٌ، بالضَّمّ، وحُمُرَاتٌ، بضَمَّتَيْن، جَمْع الجَمْع. كجُزُرات وطُرُقَات. وفي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاس «قَدِمْنَا رَسُولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم ليلَةَ جَمْعٍ على حُمُراتٍ» قالوا: هي جمعِ صِحّة لِحُمُرٍ، وحُمُرٌ جَمْع حِمارٍ، ومَحْمُورَاءُ. وسَبَق عَن السُّهَيْليّ في «علج» أَنَّ مَفْعُولاءَ جَمْعٌ قَلِيل جِدًّا لا يُعرَفُ إِلَّا في مَعْلُوجَاءَ ولَفْظَيْنِ مَعَه، وقد تَقَدَّم الكَلام عليه في «شَاحَ» و«شاخَ» و«ع ب د» ويأْتي أَيضًا إِن شَاءَ اللهُ تعَالى في «عير» و«سلم».

والحِمَارُ: خَشَبَةٌ في مُقَدَّمِ الرَّحْلِ تَقْبِض عليها المَرْأَةُ، وهي في مُقَدَّم الإِكَاف. قال الأَعْشَى:

وَقَيَّدَنِي الشِّعْرُ في بَيْتِه *** كما قَيَّدَ الآسِرَاتُ الحِمارَا

قال أَبُو سَعِيد: الحِمَارُ: العُودُ الّذِي يُحْمَل عليه الأَقْتاب. والآسِرَاتُ: النِّسَاءُ اللّواتي يُؤَكِّدْنَ الرِّحالَ بالقِدِّ ويُوثِقْنَها.

والحِمَارُ: خَشَبَةٌ* يَعْمَلُ عَلَيْهَا الصَّيْقَلُ.

وقال اللَّيْثُ: حِمَارُ الصَّيْقَلِ: خَشَبَتُه الَّتي يَصْقُلُ عليها الحَدِيدَ.

وفي التَّهْذِيب: الحِمَارُ: ثَلاثُ خَشَباتٍ أَو أَربعٌ تُعَرَّضُ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ وتُؤْسَرُ بِهَا.

والحِمَارُ: وَادٍ باليَمَن، نقله الصَّاغانِيّ.

والحِمَارَةُ، بِهَاءٍ: الأَتانُ، ونَصُّ عِبَارَةِ الصّحاحِ: ورُبّما قالوا حِمَارَة، بالهَاءِ، للأَتان.

والحِمَارَةُ: حَجَرٌ عَرِيضٌ يُنْصَبُ حَوْلَ الحَوْض لئَلَّا يَسِيلَ مَاؤُه، وحول بَيْت الصَّائِد أَيضًا، كذا في الصّحاح.

وفي نَصّ الأَصْمَعِيّ: حَوْل قُتْرَةِ الصَّائِد. والحِمَارَةُ: الصَّخْرَةُ العَظِيمَةُ العَرِيضَة. والحِمَارَةُ: خَشَبَةٌ تَكُونُ في الهَوْدَجِ. والحِمَارَة: حَجَرٌ عَرِيضٌ يُوضَعُ على اللَّحْد؛ أَي القَبْرِ، الجمع: حَمَائِرُ. قال ابنُ بَرِّيّ: والصّوابُ في عِبارة الجَوْهَرِي أَنْ يَقُولَ: الحَمَائِرُ حِجَارَةٌ، الوَاحِدُ حِمَارَةِ، وهُوَ كُلُّ حَجَر عَريض. والحَمَائِرُ: حِجارَةٌ تُجعَلُ حَولَ الحَوْضِ تَرُدُّ المَاءَ إِذَا طَغَى، وأَنشد:

كأَنَّمَا الشَّحْطُ في أَعْلَى حَمائِرِه *** سَبائِبُ القَزِّ من رَيْطٍ وَكتّانِ

والحِمَارَةُ: حَرَّةٌ مَعْرُوفَةٌ.

والحِمَارَةُ من القَدَمِ: المُشْرِفَةُ فوقَ أَصابعِهَا ومَفَاصلِها. ومنه‌حَدِيثُ عَلِيٍّ: «ويُقْطَعُ السارق من حِمَارَّة القَدَم» وفي حَديثه الآخر «أَنَّه كان يَغْسل رِجْلَيْه من حِمَارَّة القَدَم» وقال ابنُ الأَثِير: وهي بتَشْديد الرَّاءِ.

وتُسَمَّى الفَريضة المُشَرَّكَةُ الحِمَاريَّة، سُمِّيَت بذلك لأَنَّهم قَالُوا: هَبْ أَبانَا كان حِمَارًا. وحِمَارُ قَبَّانَ: دُوَيْبةٌ صَغيرَة لازِقَة بالأَرْض ذَاتُ قوائمَ كَثيرةٍ، قال:

يا عَجَبًا لقدْ رَأَيْتُ العَجَبَا *** حِمَارَ قَبَّانٍ يَسُوقُ الأَرْنَبَا

وقد تَقَدَّم بَيانُه في «ق ب ب».

والحِمَارَان: حَجَرَانِ يُنْصَبَان، يُطْرَحُ عَلَيْهمَا حَجَرٌ آخَرُ رَقِيق يُسَمَّى العَلَاةَ يُجَفَّفُ عَلَيْه الأَقِطُ. قال مُبَشِّر بْنُ هُذَيْل بْن فَزارَةَ الشَّمْخيّ يَصِف جَدْبَ الزَّمَان:

لا يَنْفَعُ الشَّاوِيَّ فيها شَاتُةُ *** ولا حِمارَاه ولا عَلَاتُهُ

يقُول: إِنّ صاحبَ الشّاءِ لا يَنْتَفِعُ بها لقلَّةِ لَبَنها، ولا يَنْفَعُه حِمَارَاه ولا عَلَاتُه، لِأَنَّه لَيْسَ لها لبن فيُتَّخَذ منه أَقِطٌ.

ومن أَمْثَالِهم: «هو أَكفَرُ مِنْ حِمَار» هو حِمَار بْن مَالك، أَو حِمَارُ بنُ مُوَيْلع. وعلى الثَّاني اقْتَصَر الثَّعَالبيّ في المُضَاف والمَنْسُوب. وقد ساق قِصَّةَ أَهْل الأَمثال. قالوا: هُوَ رَجُلٌ مِن عَادٍ وقيل: من العَمَالِقَة. ويأْتي في «ج وف» أَنَّ الجَوْفَ وَادٍ بأَرْض عادٍ حَمَاه رَجُلٌ اسْمُه حِمارٌ. وبَسَطَه المَيْدَانيُّ في مَجْمَع الأَمْثَال بما لا مَزيد عليه، قيل: كان مُسْلِمًا أَربعين سَنةً في كَرَم وجُودٍ، فخَرجَ بنُوه عَشَرَةً للصَّيْد، فأَصابَتْهُمْ صَاعِقَةٌ فَهَلكُوا فكَفَرَ كُفْرًا عَظيمًا، وقال: لا أَعْبُدُ مَنْ فَعَل ببَنِيَّ هذَا، وكان لا يَمُرُّ بأَرْضه أَحَدٌ إِلّا دَعَاه إِلَى الكُفْر، فإِن أَجابَه وإِلَّا قَتَلَه فأَهْلَكَه الله تَعَالى وأَخْرَبَ وَادِيَه، وهو الجَوْف، فضُرب بكُفْره المَثَل وأَنْشَدُوا:

فَبِشُؤْمِ الجَوْرِ والبَغْيِ قَديمًا *** ما خَلا جَوْفٌ ولم يَبْقَ حِمَارُ

قال شَيْخُنَا: ومنهم مَنْ زَعَم أَنَّ الحِمَار الحَيوانُ المَعْرُوف، وبَيَّنَ وَجْهَ كُفْرانِه نِعَمَ مَواليه.

وذُو الحِمَار هو الأَسْوَدُ العَنْسِيُّ الكَذَّابُ، واسمه عَبْهَلَة.

وقيل له الأَسْوَدُ لعِلَاطٍ أَسودَ كان في عُنقه، وهو المُتَنَبِّئُ الذي ظَهَر باليَمَن. كَانَ لَه حِمَارٌ أَسْوَدُ مُعَلَّم، يَقُولُ له اسْجُدْ لرَبِّك فيَسْجُد لَهُ ويَقُولُ لَه أَبْرُكْ فيَبْرُكُ وأُذُنُ الحِمَار: نَبْتٌ عَريضُ الوَرَقِ كأَنَّه شُبِّه بأُذُن الحِمار، كما في اللِّسَان.

والحُمَرُ، كصُرَدٍ: التَّمْرُ الهِنْديُّ، وهو بالسّراة كَثير، وكذلك ببلاد عُمَان، ووَرَقُه مِثْلُ وَرَق الخِلَاف الَّذي يقال له البَلْخيّ. قال أَبُو حَنيفة: وقد رأَيتُه فيما بَيْن المَسْجدَيْنِ، ويَطْبُخ به النَّاسُ، وشَجَرُه عِظَامٌ مِثْلُ شَجَر الجَوْر، وثَمَرُه قُرُونٌ مِثْلُ ثَمَر القَرَظ. قال شيخُنَا: والتَّخْفِيف فيه كَمَا قَالَ هو الأَعْرفُ، ووَهِمَ مَن شَدَّدَه من الأَطِبَّاءِ وغَيْرهم. قلت: وشَاهِدُ التَّخْفِيف قَولُ حَسَّان بْن ثَابت يَهْجُو بَني سَهْم بْن عَمْرٍو:

أَزَبَّ أَصْلَعَ سِفْسِيرًا له ذَأَبٌ *** كالقِرْد يَعْجُمُ وَسْطَ المَجْلسِ الحُمَرَا

وفي المُثَلَّث لابن السّيد: الصُّبار بالضَّمّ: التَّمْر الهنْديّ، عن المطرّز، كالحَوْمَر، كجَوْهر، وهو لُغَة أَهل عُمَانَ كما سَمِعْته منهم، والأَوَّلُ أَعْلَى. وإِنكار شَيْخِنَا له مَحَلُّ تَأَمُّل.

والحُمَر: طَائِرٌ من العَصَافِير، وتُشَدَّدُ المِيمُ، وهو أَعْلَى، واحدَتُهُما حُمَرَةٌ وحُمَّرة، بهَاءٍ. قال أَبو المُهَوَّش الأَسَديّ يَهْجُو تَمِيمًا:

قَدْ كُنتُ أَحْسَبُكُم أُسُودَ خَفِيَّةٍ *** فإِذَا لَصَافِ تَبيضُ فيه الحُمَّرُ

يَقُولُ: كُنتُ أَحْسبُكُم شُجْعَانًا فإِذا أَنْتُم جُبَنَاءُ. وخَفِيَّة: مَوْضعٌ تُنْسَب إِلَيْه الأُسْد. ولَصَافِ: مَوْضعٌ منْ منازل بَني تَمِيم، فجَعَلَهم في لَصَاف بمَنْزلة الحُمَّر، لخَوْفِهَا على نَفْسِهَا وجُبْنِها.

وقال عَمْرُو بْنُ أَحْمَر يُخَاطب يَحْيى بْنَ الحَكَم بْن أَبي العَاص، ويَشْكُو إِلَيْه ظُلْم السُّعَاة:

إِنْ لا تُدَارِكْهُمُ تُصْبِحْ مَنَازِلُهُم *** قَفْرًا تَبِيضُ على أَرْجائِها الحُمَرُ

فخَفَّفَها ضَرُورَة.

وقيل الحُمَّرَةُ: القُبَّرَة، وحُمَّراتٌ جَمْع. وأَنْشَدَ الهِلَاليُّ بَيْتَ الرَّاجز:

عَلَّقَ حَوْضِي نُغَرٌ مُكِبُّ *** إِذَا غَفِلْتُ غَفْلَةً يَغُبُّ

وحُمَّراتٌ شُرْبُهُنَّ غِبُّ

وابنُ لسَان الحُمَّرَةِ، كسُكَّرة: خَطيبٌ بَلِيغٌ نَسَّابَةٌ، له ذِكْر، اسمُهُ عَبْدُ الله بْنُ حُصَيْن بْن رَبيعَةَ بْن جَعْفَرِ بْن كلابٍ التَّيْمِيّ، أَو وَرْقَاءُ بْنُ الأَشْعَر، وهو أَحَدُ خُطَبَاءِ العَرَب.

وفي أَمْثالهم: «أَنْسَبُ مِن ابْنِ لِسَانِ الحُمَّرَة». أَورَدَه المَيْدَانِيّ في أَمْثاله.

واليَحْمُورُ: الأَحْمَرُ. ودَابَّةٌ تُشْبِه العَنْزَ. واليَحْمُورُ: طَائِرٌ عن ابن دُرَيْد، وقِيلَ هُوَ حِمَارُ الوَحْشِ. والحَمَّارَةُ، كجَبَّانَةٍ: الفَرَسُ الهَجِينُ، كالمُحَمَّرِ، كمُعَظَّم، هكَذَا ضَبَطَه غَيْرُ وَاحدٍ وَهُوَ خَطأٌ والصَّواب كمِنْبرٍ فارِسِيَّتُه پالانِى، وجَمْعُه مَحامِرُ ومَحَامِيرُ.

وفي التهذيب: الخَيلُ الحَمَّارةُ مثل المَحَامِرِ سواءٌ. وبه فَسَّر الزَّمَخْشَرِيّ حدِيثَ شُرَيْحٍ «أَنه كان يَرُدُّ الحَمَّارَةَ من الخَيْل»، وهي التي تَعْدُو عَدْوَ الحَمِير.

وفَرَسٌ مِحْمَرٌ: لَئيمٌ يُشْبِه الحِمَارَ في جَرْيِه من بُطْئه.

ويقال لمَطِيَّة السّوءِ: مِحْمَرٌ. ورجلٌ مِحْمَرٌ: لَئيمٌ.

والحَمَّارَةُ: أَصْحَابُ الحَمِير في السَّفَر، ومنه حَديثُ شُرَيْحٍ السَّابق ذِكْرُه؛ أَي لم يُلْحِقْهُم بأَصحاب الخَيْل في السِّهام من الغَنِيمَة. ويقال لأَصحاب الجِمَال جَمَّالةٌ، ولأَصحاب البِغَال بَغَّالَةٌ. ومنه قَوْلُ ابْن أَحْمَر:

شَلًّا كما تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا

كالحامِرَة. ورجلٌ حامِرٌ وحَمَّارٌ ذو حِمَار، كما يُقَال: فارسٌ لذي الفَرَسِ. ومنه مَسْجِدُ الحَامِرَة.

والحَمَارَّةُ: بتَخْفِيف المِيم وتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وقَدْ تُخَفَّف الرَّاءُ مُطْلقًا في الشِّعْر وغَيره، كما صَرَّحَ به غيرُ واحد، وحكاه اللّحْيَانيّ. وقد حُكِيَ في الشِّتَاءِ، وهي قَليلَةٌ: شدَّةُ الحَرِّ، كالحِمِرِّ كفلِزٍّ، كما سيأْتي قريبًا، والجَمْعُ حَمَارٌّ.

ورَوَى الأَزهَريّ عن اللَّيْث حَمَارَّةُ الصَّيْف: شِدَّةُ وَقْتِ حَرِّه. قال: ولم أَسمَعْ كَلِمَةً على [تقدير] الفَعَالَّة غير الحَمَارَّة والزَّعَارَّة، قال: هكذا قال الخَلِيلُ. قال اللَّيْثُ: وسَمِعْت ذلك بخُراسانَ: سَبَارَّةُ الشِّتاءِ [وسَمِعْت إِنّ وراءَك لَقُرًّا حِمِرًّا] قال الأَزهَرِيّ: وقد جَاءَت أَحْرُف أُخَرُ على وَزْن فَعَالَّة. وروي أَبُو عُبَيْد عن الكِسائيّ: أَتيتُه في حَمَارَّةِ القَيْظِ وفي صَبَارَّةِ الشِّتاءِ، بالصاد، وهما شِدَّةُ الحَرِّ والبَرْد، قال: وقال الأُمَويّ: أَتَيتُه على حَبَالَّةِ ذلك؛ أَي على حِينِ ذلِك. وأَلقَى فُلانٌ عَلَيَّ عَبَالَّتَه؛ أَي ثِقْلَه، قاله اليَزيدِيُّ والأَحمَرُ. وقال القَنَانِيّ: أَتْوني بِزَرَافَّتِهِم؛ أَي جَماعَتهم.

وأَحْمَرُ أَبو عَسِيبٍ مَوْلَى رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، رَوَى عَنْه أَبو نُصَيْرة مُسْلِم بن عُبَيْد في الحُمَّى والطاعُون. وحازِمُ بنُ القاسم وحَدِيثُه في مُعْجَم الطَّبَرانيّ، أَورده الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في بَذْل الماعون. وأَحْمَرُ مَوْلىً لأُمِّ سَلَمَةَ، رضي ‌الله‌ عنها، يَروي عنه عِمْرانُ النّخليّ، وقيل هو سَفِينَةُ. والأَحمَرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُلَيْم أَبو شَعْبَل التميميّ له وِفَادةٌ من وَجْهٍ غريبٍ وكأَنه مُرْسَلٌ. والأَحْمَرُ بْنُ سَوَاءِ بْنِ عَدِيٍّ السَّدُوسِيُّ، رَوَىَ عنه إِيَادُ بنُ لَقِيطٍ من وَجْهٍ غريب. والأَحْمَرُ بْنُ قَطَنٍ الهَمْدانِيُّ شَهدَ فَتْحَ مصر، ذَكَره ابنُ يُونُس. والأَحْمَريُّ المَدَنِيُّ، يُعَدّ في المدَنِيِّين، ذكرَه ابنُ مَنْدَه وأَبو نُعَيْم: صَحَابِيُّونَ، رَضِي الله عَنْهُم.

وبَقِيَ عليه منهم أَحْمَرُ بنُ جَزْءِ بنِ شِهَابٍ السّدُوسِيّ، سمع منه الحَسَنُ البَصْرِيّ حديثًا في السُّجود. وأَحمَر بنُ سُلَيم وقيل سُلَيْم بن أَحمر، له رُؤْية.

والحَمِيرُ والحَمِيرَةُ: الأُشْكُزُّ، اسمٌ لِسَيْرٍ أَبْيَضَ مَقْشُورٍ ظاهِرُه في السَّرْجِ يُؤَكَّدُ بِهِ.

قال الأَزهَرِيّ: الأَشْكُزّ مُعَرَّب وليس بعَرَبِيّ. قال: وسُمِّيَ حَمِيرًا لأَنّه يُحْمَرُ أَي يُقْشَر. وكُلُّ شَيْ‌ءٍ قشَرْته فقد حَمَرْتَه، فهو مَحْمُورٌ وحَمِيرٌ.

وحَمَرَ الخارِزُ السَّيْرَ: سَحَا قِشْرَه؛ أَي بَطْنَه بحَدِيدةٍ، ثم لَيَّنَه بالدُّهْن، ثم خَرَزَ به فَسَهُلَ. يَحْمُره، بالضمّ، حَمْرًا.

وحَمَرَت المَرْأَةُ جِلْدَها تَحْمُره. والحَمْرُ في الوَبَرِ والصُّوف، وقد انْحَمَرَ مَا عَلَى الجِلْد.

والحَمْرُ: النَّتْقُ، وقد حَمَرَ الشَّاةَ يَحمُرها حَمْرًا: نَتَقَهَا؛ أَي سَلَخَهَا: وحَمَرَ الرَّأْسَ: حَلَقَه. والحَمْر بمعنَى القَشْرِ يَكُون باللِّسَانِ والسَّوْطِ والحَدِيد.

وغَيْثٌ حِمِرٌّ، كفِلِزٍّ: شَدِيدٌ يَقْشِرُ وَجْهَ الأَرْض. وأَتاهم الله بغَيْث حِمِرٍّ: يَحْمُر الأَرضَ حَمْرًا. وحِمِرُّ الغَيْث: مُعْظَمُه وشِدَّتُه.

والحِمِرُّ مِنْ حَرِّ القَيْظِ: أَشَدُّه، كالحَمَارَّة، وقد تَقَدَّم. والحِمِرُّ مِنَ الرَّجُلِ: شَرُّهُ. قال الفَرّاءُ: إِنّ فُلانًا لَفِي حِمِرِّهِ؛ أَي في شَرِّه وشِدَّته. وحِمَّرةُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وحِمِرُّه: شِدَّتُه.

وبنو حِمِرَّى كزِمِكَّى: قَبيلَةٌ، عن ابْن دُرَيْد، ورُبما قالوا: بَنُو حِمْيَرِيّ.

والمِحْمَرُ، كمِنْبَرٍ: المِحْلَأُ، وهو الحَدِيدُ والحَجَرُ الّذِي يُحْلأُ به، يُحْلأُ الإِهَابُ ويُنْتَقُ به.

والمِحْمَرُ: الرّجلُ الَّذِي لا يُعْطِي إِلَّا علَى الكَدِّ والإِلْحاحِ عليه.

والمِحْمَرُ: اللَّئِيمُ. يقال: فَرَسٌ مِحْمَرٌ؛ أَي لَئِيمٌ، يُشبِه الحِمَارَ في جَرْيِه من بُطْئه.

ويقال لمَطِيَّةِ السَّوْءِ مِحْمَرٌ، والجمع مَحامِرُ. ورَجلٌ مِحْمَرٌ: لَئِيمٌ. قال الشاعر:

نَدْبٌ إِذَ نَكَّسَ الفُحْجُ المَحَامِيرُ

أَرادَ جَمْعَ مِحْمَرٍ فاضْطُرَّ.

وحَمِرَ الفَرسُ، كفَرِحَ، حَمَرًا فهو حَمِرٌ: سَنِق منْ أَكْل الشَّعِير أَو تَغَيَّرَتْ رَائحَةُ فِيه منه. وقال اللَّيْثُ: الحَمَرُ: دَاءٌ يَعْتَرِي الدّابّة، من كثْرَةِ الشَّعيرِ فيُنْتِنُ فُوه، وقد حَمِرَ البِرْذَوْن يَحْمَرُ حَمَرًا. وقال امْرؤُ القَيْس:

لَعَمْرِي لَسعْدُ بنُ الضِّبَابِ إِذَا غَدَا *** أَحَبُّ إِلينا مِنكَ فَافَرَسٍ حَمِرْ

يُعيِّره بالبَخَر، أَراد يا فافَرَسٍ حَمِرٍ، لقَّبَه بفِي فَرَسٍ حَمِرٍ لِنَتْن فيه.

وفي حديث أُمِّ سَلمَة. «كانَت لنا داجِنٌ فحَمِرَتْ من عَجينٍ». هو من حَمَرِ الدَّابَّة.

وقال شَمِرٌ: يقال: حَمِرَ الرَّجُلُ عَلَيَّ يَحْمَرُ حَمَرًا، إِذا تَحَرَّق عليك غَضَبًا وغَيْظًا، وهو رجُلٌ حَمِرٌ، من قوم حَمِرينَ.

وحَمِرَت الدَّابَّةُ تَحْمَر حَمَرًا: صَارَتْ مِن السِّمَن كالحِمَار بَلَادَةً، عن الزّجّاج.

وأُحامِرُ، بالضَّمِّ: جَبَلٌ من جبال حِمَى ضَرِيَّةَ. و: موضع بالمَدِينة المُشَرَّفة يُضَافُ إِلَى البُغَيْبِغَة. وجَبَلٌ لبنِي أَبي بَكْرِ بن كلَابٍ يقال له أُحامِرُ قُرَى، ولا نَظيرَ له من الأَسماءِ إِلّا أُجَارِدٌ وهو موضع أَيضًا وقد تقدم.

والأُحامِرَة بَهاءٍ: رَدْهَةٌ هُنَاك مَعْرُوفَة، وقيل بفتْح الهَمْزَة بَلْدَة لبَني شاش.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


69-تاج العروس (شفر)

[شفر]: الشُّفْرُ، بالضَّمِّ، شُفْرُ العَيْنِ، وهو أَصْلُ مَنْبِتِ الشَّعرِ في الجَفْنِ، وليس الشُّفْرُ من الشَّعر في شيْ‌ءٍ، وهو مُذَكَّر، صرَّح به اللِّحْيانيّ، والجمع أَشْفارٌ، قال سِيبَوَيْه: لا يُكَسَّر على غير ذلك، ويُفْتَحُ، لغة عن كُراع.

وقال شَمِرٌ: أَشْفارُ العَيْنِ: مَغْرِزُ الشَّعرِ، والشَّعرُ: الهُدْبُ.

وقال أَبو مَنْصُور: شُفْرُ العَيْنِ: مَنابِتُ الأَهْدَابِ من الجُفُون. وفي الصّحاح: الأَشْفَارُ: حُرُوفُ الأَجْفَانِ التي يَنْبُتُ عليها الشَّعرُ، وهو الهُدْبُ.

قال شيخُنَا: وكان الأَوْلَى ذِكْرُ «ويفتح» عَقِبَ قوله «بالضَّمّ»، على ما هو اصطلاحهُ واصطلاحُ الجماهِيرِ، وقوله: أَصْلُ مَنْبِت الشَّعر، إِلخ مُسْتَدْرَكٌ، ولو قال: مَنْبِتُ الشَّعر، لأَصابَ واختصرَ.

قلت: أَمّا مُخَالَفَتُه لاصطلاحِه في قوله ويُفْتَح فمُسَلَّم، وأَمّا ذِكْره لفظة «أَصْل» فإِنّه تابَع فيها ابنَ سِيدَه في المُحْكَم، والزَّمَخْشَرِيّ في الأَساس، فإِنّه هكذا لفظهما، ثم نَقَلَ عن ابن قُتَيْبَةَ ما نَصُّه: العَامَّةُ تَجْعلُ أَشْفَارَ العَيْنِ الشَّعرَ، وهو غَلَطٌ إِنما الأَشْفَارُ: حُرُوفُ العَيْنِ التي يَنْبُتُ عليها الشَّعرُ، والشَّعرُ: الهُدْبُ، والجَفْنُ: غِطَاءُ العَيْنِ الأَعْلَى والأَسْفَل، فالشُّفْرُ: هو طَرَفُ الجَفْنِ، انتهى.

قلّت: وقد جاءَ الشُّفْر بمعنَى الشَّعرِ في حَدِيثِ الشَّعْبِيّ: «كانُوا لا يُؤَقِّتُونَ في الشُّفْرِ شَيْئًا»؛ أَي لا يُوجِبُون شَيْئًا مقَدّرًا؛ لأَنّ الدِّيَةَ وَاجِبَةٌ في الأَجْفَانِ بالإِجماع، فلا مَحَالَةَ يُرِيدُ بالشُّفْر هنا الشَّعرَ، صَرَّحَ به ابنُ الأَثِير، وذكر فيه خِلافًا.

والشُّفْر: ناحِيَةُ كُلِّ شيْ‌ءٍ، كالشَّفِيرِ فِيهِمَا؛ أَي في النّاحِيَةِ والعَيْنِ، أَما استعمالُ الشَّفِيرِ في الناحيةِ فظاهِرٌ، وأَمّا في العَيْنِ، فقيل: هو لُغَةٌ في شُفْرِ العَيْنِ، وقيل: يُرَادُ بِه ناحيةُ المَاقِ من أَعلاه، وبه فسّر ابنُ سِيدَه ما أَنشده ابنُ الأَعرابِيّ:

بزَرْقاوَيْنِ لم تُحْرَفْ ولَمّا *** يُصِبْها غائِرٌ بشَفِيرِ مَاقِ

والشُّفْر: حَرْفُ الفَرْجِ، كالشّافِرِ، يقال لِنَاحِيَتَيْ فَرْجِ المَرْأَة: الأَسْكَتانِ، ولطَرَفَيْهِمَا: الشُّفْرَانِ. وقال اللَّيْثُ: الشَّافِرَانِ مِنْ هَنِ المرأَةِ.

والشَّفِرَةُ، كفَرِحَةٍ، والشَّفِيرَةُ، كسفِينَة: امْرَأَةٌ تَجِدُ شَهْوَتَها في شُفْرِها؛ أَي طَرَفِ فَرْجِهَا، فتُنْزِل ماءَهَا سَرِيعًا، أَو هي القَانِعَةُ من النّكاحِ بأَيْسَرِه، وهي نَقِيضُ القَعِرَة والقَعِيرَة.

وشَفَرَهَا شَفْرًا: ضَرَبَ شُفْرَها في النّكاحِ.

وشَفِرَت، كفَرِحَ، شَفَارَةً: قَرُبَتْ شَهْوَتُها أَو أَنْزَلَتْ.

ومن المَجاز: يُقَال: ما بالدّارِ شَفْرَةٌ، كحَمْزَة، وشَفْرٌ، بغير هاءٍ، وشُفْرٌ، بالضّمّ؛ أَي أَحَدٌ.

وقال الأَزْهَرِيّ: بفتح الشين، قال شَمِرٌ: ولا يَجُوز شُفْرٌ بضمّها، فالذي في المُحْكَمِ والتَّهْذِيب والأَساسِ وغيرها من الأُمَّهَات: شُفْرٌ وشَفْر، وأَما شَفْرَةٌ فَرَوَاه الفَرّاءُ، ونقله الصّاغانيّ.

وقال اللِّحْيَانيّ: ما بالدّار شُفْرٌ، بالضّمّ، لغة في الفَتْح، وقد جاءَ بغيرِ حَرْفِ النفْي، قال ذو الرُّمَّةِ:

تَمُرّ لنا الأَيّامُ ما لَمَحَتْ لنَا *** بَصِيرَةُ عَيْنٍ مِنْ سَوانَا عَلَى شَفْرِ

أَي تَمُرْ بنا؛ أَي ما نَظَرَتْ عَيْنٌ منّا إِلى إِنسان سِوانا، ويُرْوَى «إِلى سَفْرِ»، يريد المُسَافِرِينَ، وأَنشد شَمِرٌ:

رَأَتْ إِخْوَتِي بَعْدَ الجَمِيع تَفَرَّقُوا *** فَلَمْ يَبْقَ إِلّا واحِدٌ منهم شَفْرُ

والمِشْفَرُ، بالكسر، للبَعِيرِ، كالشَّفَةِ لَكَ، ويفتح، وفي الصّحَاح: والمِشْفَرُ من البَعِيرِ كالجَحْفَلَةِ من الفَرَسِ، الجمع: مَشَافِرُ، وقد يُسْتَعْمَلُ في النّاس على الاستعارة، وكذا في الفَرَسِ، كما صَحّ به الجَوْهَرِيُّ حيث قال: ومَشافِرُ الفَرَسِ مُسْتَعَارَةٌ منه.

وقال اللِّحْيَانِيّ: إِنّه لَعَظِيمُ المَشَافِرِ، يقال ذلك في النّاسِ والإِبِلِ، قال: وهو من الواحِدِ الذي فُرِّق فجُعِلَ كلُّ واحدٍ منه مِشْفَرًا، ثم جُمِعَ، قال الفَرَزْدَقُ:

فلو كُنْتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرابَتِي *** ولكِنَّ زِنْجِيًّا عَظِيمَ المَشَافِرِ

وقال أَبو عُبَيْد: إِنّمَا قيل: مَشَافِرُ الحَبَشِ تَشْبِيهًا بمشافِرِ الإِبِلِ.

والمِشْفَرُ: المَنْعَةُ والقُوَّةُ.

والمِشْفَرُ: الشِّدَّةُ والهَلَاكُ، وبه يُفَسَّر ما قاله المَيْدَانِيّ: «تَرَكْتُه على مِشْفِرِ الأَسَدِ»؛ أَي عُرْضَةً للهَلاكِ، وهذا قد استدركه شيخُنَا.

والمِشْفَرُ: القِطْعَةُ من الأَرْضِ.

والمِشْفَرُ: القِطْعَةُ من الرَّمْلِ، وكلاهما على التّشْبِيه.

ووفي المَثَل: «أَراكَ بَشَرٌ ما أَحَارَ مِشْفَرٌ»؛ أَي أَغْناكَ الظّاهِرُ عن سُؤالِ البَاطِنِ، وأَصلُه في البعيرِ، وذلك لأَنَّكَ إِذا رَأَيْتَ بَشَرَه سَمِينًا كانَ أَو هَزِيلًا اسْتَدْلَلْتَ به على كَيْفِيَّةِ أَكْلِه.

والشَّفِيرُ، كأَمِيرٍ: حَدُّ مِشْفَرِ البَعِيرِ.

والشَّفِيرُ من الوادِي: حَرْفُه وجانِبُه ومنه شَفِيرُ جَهَنّمَ، أَعاذَنَا الله تعالى منها.

وقيل: الشَّفِيرُ: نَاحِيَةُ الوَادِي من أَعْلَاه، كشُفْرِه، بالضَّمّ، وشَفِيرُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ: حَرْفُهُ، وحَرْفُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شُفْرُه، وشَفِيرُه، كالوادِي ونحوِه.

والشَّنْفَرَى:، مفتوحٌ مَقْصُورٌ: اسمُ شاعِرٍ من الأَزْدِ، وهو فَنْعَلَى، وكان من العَدّائِينَ، وفي المَثَلِ: «أَعْدَى مِنَ الشَّنْفَرَى» وسيأْتي للمصَنّف في شنفر، وقد سَقَطَ من بعض النُّسَخِ من قوله «والشَّنْفَرَى» إِلى قوله «فَنْعَلَى».

وشَفَّرَ المَالُ تَشْفِيرًا: قَلَّ وذَهَبَ عن ابن الأَعْرَابيّ، وأَنشدَ لشاعِرٍ يَذكُر نِسْوَةً:

مُولَعاتٌ بَهاتِ هَاتِ فإِنْ شَفَّ *** رَ مالٌ أَرَدْنَ مِنْكَ الخِلَاعَا

قلْت: هو إِسماعِيلُ بن عَمّار؛ ومنه شَفَّرَت الشَّمْسُ تَشْفِيرًا، إِذا دَنَتْ للغُرُوبِ تشْبِيهًا بالذي قَلَّ مالُه وذَهَبَ.

وكذلك قولُهم: شَفَّرَ الرَّجُلُ على الأَمْرِ تَشْفِيرًا: أَشْفَى.

والشَّفْرَةُ، بفتح فسكون، وهو الَّذي صَرَّحَ به غيرُ واحِدٍ من الأَئمّة، ولا يُعْرَف غيرُه، قال شيخُنَا إِلَّا ما ذَكَرَه صاحبُ المُغْرِب فإِنّه قال: الشفْرَةُ، بالفَتْح والكسر: السِّكِّينُ العَظِيمُ، وما عُرِّضَ من الحَدِيدِ وحُدِّدَ، الجمع: شِفَارٌ بالكَسْر.

وشِفْرُ، بكسر فسكون.

والشَّفْرَةُ جانِبُ النَّصْلِ، وقال أَبو حنيفة: شَفْرَتَا النَّصْلِ: جانِبَاهُ، وسَمَّى صاحِبُ المُغْرِبِ النَّصْلَ العَرِيضَ. شَفْرَةً.

والشَّفْرَةُ: حَدُّ السَّيْفِ، وقيل: شَفَرَاتُ السُّيُوفِ: حُرُوف حَدِّهَا، قال الكُمَيْتُ يَصِفُ السّيوفَ:

يَرَى الرّاؤُونَ بالشَّفَراتِ منْها *** وَقُودَ أَبي حُبَاحِبَ والظُّبِينَا

والشَّفْرَة: إِزْمِيلُ الإِسْكافِ الذي يَقْطَعُ به.

والتَّشْفِيرُ: قِلَّةُ النَّفَقَة، قاله ابن السِّكِّيت، ومنه عَيْشٌ مُشَفِّرٌ، كمُحَدِّثٍ: ضَيِّقٌ قَلِيلٌ، قال الشّاعر، وهو إِياسُ بنُ مالِكِ بنِ عبْدِ الله بن خَيْبَرِيّ:

قد شَفَّرَتْ نَفَقَاتُ القَوْمِ بَعْدَكُمُ *** فأَصْبَحُوا لَيْسَ فيهمْ غَيرُ مَلْهُوفِ

ويُقَال: أُذُنٌ شُفَارِيَّةٌ وشُرَافِيَّةٌ، بالضَّمّ: عظيمةٌ، وقيل: ضَخْمة، قاله أَبو عُبَيْدٍ، وقيل: طَوِيلَةٌ، قالَه أَبو زَيْد، وقيل: عَرِيضَة لَيِّنَةُ الفَرْعِ.

ويَرْبُوعٌ شُفَارِيٌّ، بالضّمّ: ضَخْمُ الأُذُنَيْنِ أَو طَوِيلُهُمَا، العارِي البَرَاثِنِ، ولا يُلْحَقُ سَرِيعًا، وهو ضَرْبٌ من اليَرَابِيعِ، ويقال لها: ضَأْنُ اليَرَابِيعِ، وهي أَسْمَنُها وأَفْضَلُها، يكون في آذَانِها طُولٌ. أَو هو الطَّوِيلُ القَوَائِمِ الرِّخْوُ اللَّحْمِ الدَّسِمُ؛ أَي الكثيرُ الدَّسَمِ، قال:

وإِنِّي لأَصْطَادُ اليَرَابِيعَ كُلَّها *** شُفَارِيَّهَا والتَّدْمُرِيَّ المُقَصِّعا

التَّدْمُرِيّ: المكسور البَرَاثِنِ الذي لا يكاد يُلْحَق.

وشَفِرَ، كفَرِحَ: نَقَصَ، عن ابن الأَعْرَابِيّ.

وشُفَارُ، كغُرَاب، هكذا ضبطه نَصْرٌ، وضبطه الصّاغانِيّ بالفَتْح: جَزِيرةٌ بين أُوَالَ وقَطَرَ، ذَكَرَه الصاغانيّ في التَّكْمِلَة، ويأْتي ذِكْرُ أُوَالَ وقَطَرَ في مَحَلِّهِما.

وذُو الشُّفْرِ، بالضّمّ: ابنُ أَبي سَرْح بن مالِكِ بن جَذِيمَةَ وهو المُصْطَلِقُ، خُزاعِيٌّ. وذو الشُّفْرِ، هكذا بالّلام قيَّدَه الصاغانيّ، فقول شيخِنَا: والمعروفُ فيه أَنه ذُو شُفْرٍ، بغير ال، ففيه بَحْثُ سَلعٍ محَلُّ تَأَمُّلٍ: وَالِدُ تَاحَةَ، هكذا بالحاءِ المهملة في نسختنا، وفي بعضها بالجيم وهو الصواب، واسمه هِرُّ بنُ عَمْرِو بنِ عَوْفِ بنِ عَدِيّ، ما ذَكَرَهُ الصّاغانيّ، وهو أَحَدُ أَذواءِ اليَمَن، قال ابنُ هِشَامٍ الكَلْبِيّ، إِمامُ السِّيَرِ: حَفَرَ السَّيْلُ عن قَبْرٍ باليَمَنِ، فيه امْرَأَةٌ في عُنُقِها سَبْعُ مَخَائِقَ، جمع مِخْنَقٍ، وهي المِحْبَس، من دُرٍّ أَبْيَضَ وفي يَدَيْهَا ورِجْلَيْهَا من الأَسْوِرَةِ والخَلاخِيلِ والدَّمالِيجِ سَبْعَةٌ، سَبْعَةٌ وفي كلِّ أَصْبَعٍ خاتَمٌ فيه جَوْهَرَةٌ مُثَمَّنَةُ؛ أَي ذاتُ قِيمةٍ، وعند رأْسِهَا تابُوتٌ مملوءٌ مالًا، ولَوحٌ فيه مَكْتُوبٌ ما نَصُّه: باسْمِكَ اللهُمّ إِلهَ حِمْيَرَ، أَنَا تَاحَةُ بنتُ ذِي شُفْرٍ، بَعَثْتُ مائِرَنا إِلى يُوسُفَ؛ أَي عَزِيزِ مِصْرَ، فأَبْطَأَ علَيْنَا، فبَعَثْتُ لاذَتِي، بالذّال المُعْجَمَة، وهو من يَلُوذُ بها ممّن يَعِزّ عليها من حَشَمِها وحَشَمِ أَبيها بمُدٍّ من وَرِقٍ؛ أَي فِضّةٍ لتَأْتِينِي بمُدٍّ من طَحِينٍ، فلم تَجِدْهُ، فبعَثْتُ بمُدٍّ من ذَهَبٍ، فلم تَجِدْهُ، فبعَثْتُ بمُدٍّ من بَحْرِيٍّ، منسوب إِلى البَحْرِ، وهو اللُّؤْلُؤُ الجَيِّد، وفي بعض النُّسَخِ: من نَحْرِي بالنون والياءُ للإِضافَةِ؛ أَي مِن الحَلْيِ كان في نَحْرِي، وهو أَنْفَسُ شيْ‌ءٍ عندها، والأَوّلُ أَوْلَى، والله أَعلم، ويَدُلّ له قولُهَا: فأَمَرْتُ به فطُحِنَ؛ لأَنّ غيرَه من الحُلِيِّ لا يَقْبَلُ الطَّحْنَ، قاله شيخنا، فلم تَجِدْهُ، فأَمرتُ بِه فَطُحِنَ فلم أَنْتَفِعْ به، فاقْتُفِلْتُ؛ أَي يَبِسْتُ جُوعًا، من اقْتَفَل افْتَعَل من القَفْل، وهو اليُبْسِ، أَو معناه هَلَكْتُ، كما سيأْتي فَمَنْ سَمِعَ بي فَلْيَرْحَمْنِي؛ أَي فَلْيَرِقَّ لي، أَو ليَعْتَبِرْ بي، أَو المراد منه الدُّعاءُ لها بالرَّحْمَةِ، كما هو مطلوب من المتأَخِّر للمُتَقَدِّم، فإِن كانت مُسلمةً فنسأَل الله لها الرحمةَ الواسعة، حتى تَنْسَى جَوْعَتَهَا، قاله شيخنا، وأَيَّةُ امْرَأَةٍ لَبِسَتْ حَلْيًا من حُلِيِّى فلا ماتَتْ إِلّا مِيْتَتِي. إِلى هنا تَمامُ القِصّةِ التي فِيهَا عِبْرَةٌ لأُولى الأَبصارِ، واعتبارٌ لذَوِي الأَفكار.

ويَقْرُبُ من هذه الحكاية ما نقله السّيوطي في حُسْنِ المُحَاضَرَةِ في غَلاءِ سنَةَ ستين وأَربعمائة نَقْلًا عن صاحِب المرآة، أَن امرأَةً خرجَتْ من القَاهِرَةِ ومعَها مُدُّ جَوْهرٍ، فقالت: مَنْ يأْخُذُه بمُدِّ قَمْح؟ فلم يَلْتَفِتْ إِلَيها أَحدٌ، وكان هذا الغَلاءُ لم يُسْمَع بمثْلِهِ في الدُّهُورِ من عَهْدِ سَيِّدنا يُوسُفَ الصِّدّيقِ عليه‌السلام، اشتَدّ القَحْطُ والوَبَاءُ سبْعَ سِنِينَ مُتواليةً، نسأَل الله تعالى العَفْوَ والسَّماحَ.

وفي حديثِ كُرْزٍ الفِهْرِيّ لما أَغار على سَرْحِ المَدِينَةِ: «كان يَرْعَى بشُفَرَ» كزُفَرَ، جَبَل بمَكَّةَ، هكذا في النُّسخ، والصواب: بالمَدِينَة، في الأَصْلِ حِمَى أُمِّ خَالِدٍ، يَهْبِطُ إِلى بَطْنِ العَقِيقِ، والظّاهِر أَنّ هُنَا سَقطَ عِبارة، وصوابُه: وكزُفَرَ: جَبَلٌ بالمدينة، وبالفَتْح: جَبَلٌ بمكَّةَ، ومثْله في التكملة.

وشَفَّرَهَا تَشْفِيرًا: جامَعَها على شُفْرِ فَرْجِها.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

شُفْرُ الرَّحِمِ وشَافِرُها: حُرُوفُها.

وشُفْرَا المَرْأَةِ، وشَافِراها: حَرْفَا رَحِمها.

وعن ابن الأَعرابيّ: شَفَرَ، إِذَا آذَى إِنْسانًا.

والشافِرُ: المُهْلِكُ لمالِه، كذا في التكملة.

وفي المَثَل: «أَصْغَرُ القَوْمِ شَفْرَتُهُم»؛ أَي خادِمُهُم، وهو مَجاز، وفي الحديث: «أَنّ أَنَسًا كان شَفْرَةَ القَوْمِ في السَّفَرِ»، معناه أَنّه كان خادِمَهُم الذي يَكْفِيهِم مَهْنَتَهُم، شُبِّهَ بالشَّفْرَةِ التي تُمْتَهَنُ في قَطْعِ اللَّحْمِ وغيره، كذا في اللسان. وفي المُغْرِب: ويَرْبُوعٌ شُفَارِيّ: على أُذُنِه شَعرٌ، كذا في الصّحاح.

وقيل: لليَرْبُوعِ الشُّفارِيّ ظُفُرٌ في وَسَطِ ساقِه.

والمِشْفَرُ: الفَرْجُ، نقله شيخُنَا عن رَوضِ السُّهَيْلِيّ، واستدركه، وهو غريب.

والشَّفّارُ، ككَتَّانٍ: صاحِبُ الشَّفْرَةِ.

من المَجَازِ قولُهُم: ما تَرَكَت السَّنَةُ شَفْرًا ولا ظَفْرًا أَي شَيْئًا، وقد فَتَحُوا شَفْرًا، وقالوا ظَفْرًا بالفَتْح، على الإِتباع، كذا في الأَساس.

والمِشْفَرُ: أَرْضٌ من بلادِ عَدِيٍّ وتَيْمٍ، قال الرّاعِي:

فَلمَّا هَبَطْنَ المِشْفَرَ العَوْدَ عَرَّسَتْ *** بحَيْثُ الْتَقَتْ أَجْرَاعُه وَمَشَارِقُهْ

ويُرْوَى مِشْفَر العَوْدِ، وهو أَيضًا اسمُ أَرْضٍ.

وقال ابنُ دُرَيْد: شَفَار، كسَحَابٍ وقَطَامِ: موضعٌ.

وشَفَّرْتُ الشْي‌ءَ تَشْفِيرًا: استَأْصَلْتُه.

وأَشْفَرَ البَعِيرُ: اجتهدَ في العَدْوِ، هكذا في التكملة، ولعله أَسْفَرَ، وقد تَقَدّم.

وأَبو مِشْفَرٍ من كُنَى المَوْتَانِ.

وشَفَرَاءُ، محرَّكةً ممدودًا: موضع، وقيل بسكون الفاءِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


70-تاج العروس (نفس)

[نفس]: النَّفْسُ: الرُّوحُ، وسَيَأْتِي الكلامُ عليها قَرِيبًا.

وقال أَبو إِسْحَاقَ: النَّفْسُ في كلام العَرَبِ يَجْرِي على ضَرْبَيْن: أَحَدُهما قولُك: خَرَجَتْ نَفْسُه؛ أَي رُوحُه، والضَّرْبُ الثانِي: مَعْنَى النَّفْسِ فيه جُملةُ الشَيْ‌ءِ وحَقِيقتُه، كما سَيَأْتِي في كَلَامِ المصنِّف، وعلى الأَوَّلِ قالَ أَبو خِراشٍ:

نَجَا سالِمٌ والنفْسُ مِنْهُ بشِدْقِهِ *** ولم يَنْجُ إِلاَّ جَفْنَ سَيْفٍ ومِئْزَرَا

أَي بِجَفْنِ سَيْفٍ ومِئْزَرٍ، كذا في الصّحاحِ، قال الصّاغَانِيُّ: ولم أَجِدْه في شِعْرِ أَبي خِراشٍ. قلتُ: قال ابنُ بَرِّيّ: اعْتَبَرْتُه في أَشْعَارِ هُذَيْلٍ فوَجَدْتُه لحُذَيْفَةَ بنِ أَنَسٍ وليسَ لأَبِي خِراشٍ، والمَعْنَى: لم يَنْجُ سالِمٌ إِلاّ بِجَفْنِ سَيْفه ومِئْزَرِه، وانْتِصَابُ الجَفْنِ على الاسْتِثْنَاءِ المنْقَطِع؛ أَي لم يَنْجُ سالمٌ إِلاّ جَفْنَ سَيْفٍ، وجَفْنُ السَّيْفِ مُنْقَطِعٌ منه.

ومِن المجاز: النَّفْسُ: الدَّمُ، يقال: سالَتْ نَفْسُه، كم في الصّحاحِ، وفي الأَسَاس: دَفَق نَفْسَه؛ أَي دَمَه.

وفي الحَدِيثِ: ما لا نَفْسَ لَهُ‌ وَقَع في أُصُول‌ الصّحاحِ: ما لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ فإِنَّه لا يُنَجِّسُ المَاءَ إِذا مَاتَ فيه». قلت: وهذا الّذِي في الصّحاحِ مُخَالِفٌ لِمَا في كُتُبِ الحَدِيثِ، و‌في رِوَايَةِ أُخْرَى: «مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ» ‌و‌رُوِيَ [عن] النَّخَعِيّ أَنَّه قال: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ له نَفْسٌ سائِلَةٌ فماتَ في الإِنَاءِ فإِنّه يُنَجِّسُه» وفي النِّهَايَةِ عنه: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فإِنه لا يُنَجِّسُ الماءَ إِذا سَقَطَ فيه» ‌أَي دَمٌ سائِلٌ، ولذَا قالَ بعضُ مَن كَتَبَ على الصِّحّاحِ: هذا الحَدِيثُ لم يَثْبُتْ، قالَ ابنُ بَرِّيّ: وإِنَّمَا شاهِدُه قولُ السَّمَوْألِ:

تَسِيلُ عَلى حَدِّ الظُّبَاةِ نُفُوسُنَا *** ولَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّباةِ تَسِيلُ

قال وإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّمُ نَفْسًا، لأَنّ النَّفْسَ تَخْرُج بِخُرُوجِه.

والنَّفْسُ: الجَسَدُ، وهو مَجَازٌ، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ، يُحَرِّضُ عَمْرو بنَ هِنْدٍ عَلى بَنِي حَنِيفَة، وهم قَتَلَهُ أَبيه المُنْذِر بنِ ماءِ السماءِ، يومَ عَيْنِ أَبَاغٍ، ويزْعُم أَن عَمْروَ بن شَمِرَ الحَنَفِيّ قَتَله:

نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلُوا *** أَبْيَاتَهُمْ تامُورَ نَفْسِ المُنْذِرِ

فَلَبِئْسَ ما كَسَبَ ابنُ عَمْرٍو رَهْطَهُ *** شَمِرٌ وكان بِمَسْمَعٍ وَبِمَنْظَرِ

والتامُورُ: الدّمُ؛ أَي حَمَلُوا دَمَه إِلى أَبْيَاتِهِم.

والنَّفْسُ: العَيْنُ التي تُصِيبُ المَعِينَ، وهو مَجَازٌ. يُقَال: نَفَسْتُه بِنَفْسٍ؛ أَي أَصَبْتُه بِعَيْنٍ، وأَصابَتْ فُلانًا نَفْسٌ؛ أَي عَيْنٌ. و‌في الحَدِيث، عن أَنَسٍ رَفَعَهُ: «أَنَّه نَهَى عَنِ الرُّقْيَةِ إِلاّ فِي النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنَّفْسِ» ‌أَي العَيْنِ، والجَمْعُ: أَنْفُسٌ، ومنه‌ الحديث: «أَنه مَسَح بَطْنَ رافِعٍ فأَلْقَى شَحْمَةً خَضْرَاءَ، فقال: إِنه كانَ فِيهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ» يريدِ عُيُونَهُمْ.

ورَجُلٌ نافِسٌ: عائِنٌ، وهو مَنْفُوسٌ: مَعْيُونُ.

والنَّفْسُ: العِنْدُ، وشَاهِدُه قولُه تعالَى، حِكَايَةً عَن عِيسَى عَليه وعلى نِبِيِّنا مُحَمَّدٍ أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ أَي تَعْلَمُ ما عِنْدِي، ولا أَعْلَمُ ما عِنْدَكَ، ولكن يَتَعَيَّن أَنْ تَكُونَ الظَّرْفِيَّةُ حِينَئِذٍ ظرفِيَّةَ مَكَانَةٍ لا مَكَانٍ، أَو حَقِيقَتِي وحَقِيقَتِكَ، قال ابنُ سِيْدَه: أَي لا أَعْلَمُ ما حَقِيقَتُكَ ولا ما عِنْدَكَ عِلْمُه، فالتَّأْوِيلُ: تَعْلَمُ ما أَعْلَمُ، ولا أَعْلَمُ ما تَعْلَمُ، والأَجْوَدُ في ذلِكَ قولُ ابنِ الأَنْبَارِيّ: إِنَّ النَّفْسَ هنا الغَيْبُ؛ أَي تَعْلَمُ غَيْبِي، لأَنَّ النَّفْسَ لمّا كانتْ غَائِبَةً أَوقِعَتْ على الغيْبِ، ويَشْهَدُ بصِحَّتِه قولُه في آخرِ الآيَة {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} كأَنَّه قال: تَعْلمُ غَيْبِي يا عَلاَّم الغُيُوبِ.

وقال أَبو إِسْحَاق: وقدْ يُطْلَقُ ويُرَادُ به جُمْلَةُ الشَّيْ‌ءِ وحَقِيقتُه، يُقال: قَتَلَ فُلانٌ نَفْسَه، وأَهْلَكَ نَفْسَه: أَي أَوْقَعَ الهَلَاكَ بذَاتِهِ كُلِّهَا وحَقِيقَتِه. قُلتُ: ومنه أَيضًا ما حكاهُ سِيبوَيْه، من قَولِهِمْ: نَزَلْتُ بِنَفْسِ الجَبَلِ، ونَفْسُ الجَبَلِ مُقَابِلِي.

والنَّفْسُ: عَيْنُ الشَّيْ‌ءِ وكُنْهُه وجَوْهَرُه، يُؤَكَّدُ به، يُقَالُ: جَاءَنِي المَلِكُ بِنَفْسِه، ورَأَيْتُ فَلانًا نَفْسَه.

وقَوْله تَعَالى: {اللهُ يَتَوَفَّى} الْأَنْفُسَ {حِينَ مَوْتِها} ‌رُوِيَ عنِ ابنِ عَبّاسِ رضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قالَ: لكُلِّ إِنْسَانٍ نَفْسَانٍ: إِحْدَاهُمَا نَفْسُ العَقْلِ الذي يكونُ به التَّمْييزُ، والأُخْرى نَفْسُ الرُّوحِ الَّذِي به الحَيَاةُ.

وقال ابن الأَنباريّ: من اللُّغويِّينَ مَنْ سَوَّى بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وَقَالَ: هما شَيْ‌ءٌ وَاحِدٌ، إِلاّ أَنْ النَفْسَ مؤنثَةٌ والرُّوحَ مُذكَّرَةٌ. وقال غيرُهُ: الرُّوحُ الَّذي به الحَيَاةُ، والنَّفْسُ: التي بها العَقْلُ، فإِذا نامَ النائمُ قَبَضَ الله نَفْسَه، ولم يَقْبِضْ رُوحَه، ولا تُقْبَضُ الرُّوحُ إِلاَّ عِنْدَ المَوْت، قال: وسُمِّيَت النَّفْسُ نَفْسًا لتَوَلُّد النَّفْس منها واتّصَاله بها، كما سَمَّوُا الرُّوحَ رُوحًا، لأَنَّ الرَّوْحَ مَوجُودٌ به.

وقالَ الزَّجَّاجُ: لكُلِّ إِنْسَانٍ: نَفْسَانِ: إِحْدَاهُمَا نَفْسُ التَّمْييز، وهي الّتِي تُفَارِقُه إِذا نامَ، فلا يَعْقِلُ بهَا، يَتَوَفَّاهَا الله تَعَالَى، والأُخْرَى: نَفْسُ الحَيَاة، وإِذَا زَالَت زالَ مَعَهَا النَّفْسُ، والنَّائمَ يَتَنَفَّسُ، قال: وهذا الفَرْقُ بينَ تَوفِّي نَفْسِ النائم في النَّوْم، وتَوَفِّي نَفْسِ الحَيِّ. قال: ونَفْسُ الحَيَاة هي الرُّوحُ وحَرَكَةُ الإِنْسَان ونُمُوُّه [يكون به].

وقال السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْض: كَثُرت الأَقَاويلُ في النَّفْس والرُّوح، هل هُمَا وَاحدٌ؟ أَو النَّفْسُ غيرُ الرُّوح؟ وتَعَلَّقَ قومٌ بظَوَاهَر من الأَحاديثِ، تدُلُّ على أَنَّ الرُّوحَ هي النَّفْسُ، كقول بلالٍ: «أَخَذَ بِنَفْسِك» ‌مع‌ قولِه صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: «إِنّ الله قَبَضَ أَرْوَاحَنا» ‌وقولِه تعالَى: {اللهُ يَتَوَفَّى} الْأَنْفُسَ والمَقْبُوضُ هو الرُّوحُ، ولم يُفَرِّقُوا بَيْنَ القَبْضِ والتَّوَفِّي، وأَلْفَاظُ الحَدِيثِ مُحْتَملَةُ التَّأْوِيلِ، وَمَجَازَاتُ العَرَبِ واتِّسَاعاتُها كَثِيرَةٌ، والحَقُّ أَنَّ بَيْنَهمَا فَرْقًا، ولو كانا اسْمَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كاللَّيْثِ والأَسَدِ، لَصَحَّ وُقُوعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهما مكانَ صاحِبِه، كقوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}، ولم يَقُلْ: مِن نَفْسِي. وقوله: {تَعْلَمُ ما فِي} نَفْسِي ولم يَقُلْ: ما فِي رُوحِي. ولا يَحْسُنُ هذا القَولُ أَيْضًا مِن غيرِ عِيسَى عليه‌السلامُ. {وَيَقُولُونَ فِي} أَنْفُسِهِمْ ولَا يَحْسَن في الكلام: يَقُولُون في أَرْوَاحهم. وقال: (أَنْ تَقُولَ) نَفْسٌ ولم يَقل: أَنْ تَقُولَ رُوحٌ، ولا يَقُولُه أَيْضًا عَرَبِيٌّ، فَأَيْنَ الفَرْقُ إِذا كَانَ النَّفْسُ والرُّوحُ بَمَعْنًى وَاحِدٍ؟ وإِنَّمَا الفَرْقُ بَيْنَهُمَا بالاعْتبَارَات، ويَدُلُّ لذلك ما‌ رَوَاهُ ابنُ عَبْد البَرِّ في التَّمْهيدِ، الحَدِيث: «إِنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وجَعَلَ فِيه نَفْسًا ورُوحًا، فمن الرُّوحِ عَفَافُه وفَهْمُه وحِلْمُه وسَخَاؤُه ووَفَاؤُه، ومِن النَّفْسِ شَهْوَتُه وطَيْشُه وسَفَهُه وغَضَبُهُ» ‌فلا يُقَالُ في النَّفْسِ هي الرُّوحُ عَلى الإِطْلاق حَتَّى يُقَيَّدَ، ولا يُقَال في الرُّوحِ هي النَّفْسُ إِلاَّ كما يُقَالُ في المَنِيِّ هو الإِنْسَانُ، أَو كما يُقَالُ للمَاءِ المُغَذِّي لِلْكَرْمَةِ هو الخَمْرُ، أَوْ الخَلُّ، على معنَى أَنه سَيْضَافُ إِليه أَوْصَافٌ يُسَمَّى بها خَلًّا أَو خَمْرًا، فَتَقَيُّدُ الأَلْفَاظِ هو مَعْنَى الكلامِ، وتَنْزِيلُ كُلِّ لَفْظٍ في مَوْضِعه هو مَعْنَى البَلاغةِ، إِلى آخِر ما ذَكرَه. وهو نَفِيسٌ جدًّا، وقد نَقَلْتُه بالاخْتصَار في هذا المَوْضع، لأَنّ التَّطْويلَ كَلَّتْ منه الهِمَمْ، لا سيَّمَا في زَماننا هذا.

والنَّفْسُ: قَدْرُ دَبْغَةٍ، وعَلَيْه اقتصر الجَوْهَرِيُّ، وزاد غَيرُه: أَو دَبْغَتَيْن. والَّدِبْغَةُ، بكسر الدال وفتحها ممَّا يُدْبَغُ به الأَديمُ من قَرَظٍ وغيره، يُقَال: هَبْ لي نَفْسًا مِن دِبَاغٍ، قال الشَّاعِرُ:

أَتَجْعَلُ النَّفْسَ الَّتِي تُدِيرُ *** فِي جِلْدِ شاةٍ ثُمَّ لا تَسِيرُ

قال الجَوْهَرِيُّ: قال الأَصْمَعِيُّ: بَعَثت امرأَةٌ مِن العربِ بِنْتًا لها إِلى جارَتِهَا، فقالت لها: تقولُ لك أُمِّي: أَعْطِينِي نَفْسًا أَو نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بِه مَنِيئَتِي فإِنِّي أَفِدَةٌ. أَي مُسْتَعْجِلَةٌ، لا أَتفرَّغُ لاتِّخاذِ الدِّباغِ مِن السُّرْعَةِ. انتَهَى. أَرَادَتْ: قَدْرَ دَبْغَة أَو دَبْغَتَيْن من القَرَظ الّذِي يُدْبَغُ به. المَنِيئَةُ: المَدْبَغَةُ، وهي الجُلُودُ الّتِي تُجْعَلُ في الدِّباغ. وقيل: النَّفْسُ مِن الدِّباغِ: مِلْ‌ءُ الكَفِّ، والجَمْعُ: أَنْفُسٌ، أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

وذِي أَنْفُسٍ شَتَّى ثَلاثٍ رَمَتْ بِهِ *** عَلَى المَاءِ إِحْدَى اليَعْمَلاتِ العَرامِسِ

يَعْنِي الوَطْبَ مِن اللبَنِ الذِي طُبِخَ بهذا القَدْرِ مِن الدِّبَاغِ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: النَّفْسُ: العَظَمَةُ والكِبْرُ، والنَّفْسُ: العِزَّةُ. والنَّفْسُ: الأَنْفَسةُ. والنَّفْسُ: العَيْبُ، هكذا في النُّسخِ بالعَيْنِ المُهْمَلَة، وصَوَابُه بالغَيْنِ المُعْجَمَة، وبه فَسَّر ابْنُ الأَنْبَارِيّ قوله تعالَى {تَعْلَمُ ما فِي} نَفْسِي الآيَةَ، وسَبَقَ الكلامُ عليه. والنَّفْسُ: الإِرادَةُ. والنَّفْسُ: العُقُوبَةُ، قيل: ومنه قولُه تَعَالَى وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ أَي عُقُوبَتَه، وقال غيرُه: أَي يُحَذِّرُكُم إِيّاه.

وقد تَحَصَّل مِن كلامِ المصنِّف، رحمَه الله تعالى، خَمْسَةَ عَشَرَ مَعْنًى للنَّفْسِ، وهي: الرُّوح، والدَّمُ، والجَسَدُ، والعَيْنُ، والعِنْدُ، والحَقِيقَةُ، وعَيْنُ الشَّيْ‌ءِ، وقَدْرُ دَبْغَةٍ، والعَظَمَةُ، والعِزَّةُ، والهِمَّةُ، والأَنَفَةُ، والغَيْبُ، والإِرادَةُ، والعُقُوبَةُ. ذَكر منها الجَوْهَرِيُّ: الأَوَّلَ، والثّانِيَ، والثالثَ، والرّابعَ، والسابعَ، والثامَن، وما زدْناه على المُصَنِّف، رحِمَه الله، فسيأْتي ذِكْرُه فيما اسْتُدْرِك عليه. وجَمْعُ الكُلِّ: أَنْفُسٌ ونُفُوسٌ.

والنَّفَسٌ، بالتَّحْرِيك: وَاحِدُ الأَنْفَاسِ، وهو خُرُوجُ الرِّيحِ من الأَنْفِ والفَمِ. ويُرَادُ به السَّعَةُ، يُقَال: أَنْتَ فِي نَفَسٍ مِن أَمْرِك؛ أَي سَعَةٍ، قاله الجَوْهَرِيُّ، وهو مَجازٌ، وقال اللَّحْيَانِيُّ: إِنَّ في الماءِ نَفَسًا لِي ولَكَ؛ أَي مُتَّسَعًا وَفَضْلًا. ويُقَال: بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ نَفَسٌ؛ أَي مُتَّسَعٌ.

والنَّفَسُ أَيضًا: الفُسْحَةُ فِي الأَمْرِ، يقال: اعْمَلْ وأَنْتَ في نَفْسٍ؛ أَي فُسْحَةٍ وسَعَةٍ، قَبْلَ الهَرَمِ والأَمْرَاضِ والحَوَادِثِ والآفاتِ.

وفي الصَّحاح: النَّفسُ: الجَرْعَةُ، يُقَال: اكْرَعْ من الإِناءِ نَفَسًا أَو نَفَسَيْنِ؛ أَي جُرْعَةً أَو جُرْعَتَيْنِ ولا تَزِدْ عليه.

والجَمْع: أَنْفَاسٌ، كَسَببٍ وأَسْبَابٍ، قال جَرِيرٌ:

تُعَلِّلُ وَهْيَ ساغِبَةٌ بَنِيهَا *** بأَنْفَاسٍ مِنَ الشَّبِمِ القَرَاحِ

انتَهَى. قال مُحَمدُ بن المُكَرّم: وفي هذا القَوْل نَظَرٌ.

وذلك لأَن النَّفَسَ الوَاحدَ يَجْرَع فيه الإِنْسَان عِدَّةَ جُرَعٍ، يَزيدُ ويَنْقصُ علَى مقْدَار طُولِ نَفَسِ الشّارب وقِصَره، حتّىً إِنّا نَرَى الإِنْسَانَ يَشربُ الإِنَاءَ الكَبِيرَ في نَفَسٍ وَاحِدٍ على عِدَّةِ جُرَعٍ. ويُقَال: فُلانٌ شَرِبَ الإِنَاءَ كُلَّه عَلَى نَفَسٍ وَاحدٍ. والله تَعَالَى أَعْلَم.

وعن ابن الأَعْرَابيِّ: النَّفَسُ الرِّيّ، وسيأْتي أَيْضًا قريبًا.

والنَّفَسُ: الطَّويلِ من الكَلام، وقد تَنَفَّسَ. ومنه‌ حديث عَمَّارٍ: «لقد أَبْلَغْتَ وأَوْجَزْتَ، فلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ»؛ أَي أَطَلْت. وأَصْله: أَنَّ المُتَكَلِّمَ إِذا تَنَفَّسَ استأْنَفَ القَوْل وسَهُلَت عليه الإِطالَة. وقال أَبُو زَيْدٍ: كَتَبْت كِتَابًا نَفَسًا؛ أَي طِويلًا.

وفي قَوْله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: «ولا تَسُبُّوا الرِّيح»، والوَاو زائدة، وليست في لَفْظ الحَديث، فإِنَّهَا منْ نَفَسِ الرحْمن». وكذا‌ قوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: أَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ، وفي رِواية: «نَفَسَ الرَّحْمن» وفي أُخْرَى: «إِنّي لأَجدُ منْ قِبَل اليَمَن» ‌قَال الأَزْهَريُّ: النَّفَسُ في هذين الحَديثَيْن: اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَرِ الحَقيقيِّ مِن نَفَّسَ يُنَفَّسُ تَنْفيسًا ونفَسًا؛ أَي فَرَّجَ عنه الهَمَّ تَفْريجًا، كأَنَّه قال: تَنْفيسَ رَبِّكم من قِبَل اليَمَنِ. وإِنَّ الرِّيحَ مِن تنفِيسِ الرَّحْمنِ بها عن المَكْرُوبِينَ، فالتَّفْرِيج: مَصْدَرٌ حقيقيٌّ، والفَرَجُ، اسمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ المصدرِ، والمَعْنَى: أَنَّهَا؛ أَي الرِّيحُ تُفَرِّجُ الكَرْبَ، وتُنْشِ‌ءُ السَّحابَ، وتَنْشُرُ الغَيْثَ، وتُذْهِبُ الجَدْبَ، قال القُتَيْبِيُّ: هَجَمْتُ على وَادٍ خَصِيبٍ وأَهْلُه مُصْفَرَّةٌ أَلْوَانُهُم، فسأَلْتُهُم عن ذلك، فقال شيخٌ منهم: ليسَ لنارِيحٌ. وقولُه‌ في الحَدِيثِ: «مِن قِبَل اليَمَن» لمُرَادُ والله أَعْلَمُ: مَا تَيَسَّر له صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم منْ أَهْل المَدينَةِ المُشَرَّفَة وهُم يَمَانُونَ يَعْني الأَنْصَارَ، وهم من الأَزْد، والأَزْدُ من اليَمَن، من النُّصْرَةِ والإِيواءِ له، والتَّأْييد له برِجَالهم وهو مُسْتَعَارٌ من نَفَس الهَوَاءِ الَّذي يُرَدِّدُه المُتَنَفِّسُ إِلى الجَوْف، فيُبَرِّدُ من حَرَارتِه ويُعَدِّلُها، أَو من نَفَسَ الرِّيح الّذي يَتَنَسَّمُه فيَسْتَرْوحُ إِليه، أَو من نَفَس الرَّوْضة، وهو طِيبُ رَوائحها فيَنْفَرجُ به عنه.

ويقال: شَرَابٌ ذُو نَفَسٍ: فيه سَعَةٌ ورِيٌّ، قالَه ابنُ الأَعْرَابيّ، وقد تقدَّم للمصنِّف ذِكْرُ مَعْنَى السَّعَةِ والرِّيِّ، فلو ذَكَرَ هذا القولَ هناك كانَ أَصابَ، ولعلَّه أَعادَه ليُطَابقَ مع الكَلام الّذي يَذْكُرُه بَعْدُ، وهو قوله: ومن المَجازِ: يقال: شَرَابٌ غَيْرُ ذِي نَفَسٍ أَي كَرِيه الطَّعْمِ آجِنٌ مُتَغَيِّرٌ، إِذا ذاقَه ذائق لم يَتَنَفَّسْ فِيه، وإِنَّمَا هي الشَّرْبَة الأولَى قَدْرَ مَا يُمْسِك رَمَقَه، ثُمَّ لا يَعُودُ له، قال الرَّاعِي ويُرْوَى لأبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيّ:

وشَرْبَة مِنْ شَرَابٍ غَيْرِ ذِي نَفَسٍ *** في كَوْكَبٍ مِن نُجُومِ القَيْظِ وهَّاج

سَقَيْتُهَا صَاديَا تَهوي مَسامِعهُ *** قَدْ ظَنَّ أَنْ لَيْسَ مِن أَصْحَابِهِ نَاجِي

أَي في وَقْتِ كَوْكَبٍ، ويُرْوَى: «في صَرَّةٍ».

والنَّافِسُ: الخَامِسُ مِن سِهَام المَيْسِرِ، قال اللحْيَانِيُّ: وفيه خَمْسَةُ فُرُوض، وله غُنْمُ خَمْسَةِ أَنْصِبَاءَ إِن فازَ، وعَلَيْه غُرْمُ خمْسَةِ أَنْصِبَاءَ إِنْ لم يَفُز، ويقَالُ: هُو الرابعُ، وهذا القَوْلُ مَذْكُورٌ في الصّحاح، والعَجَبُ من المُصَنفِ في تَرْكِه.

وشَيْ‌ءٌ نَفِيسٌ ومَنْفوسٌ ومُنْفسٌ كمُخْرجٍ، إِذا كانَ يُتَنَافَس فيه ويُرْغَبُ إِليه لِخَطَرِه، قالَ جَريرٌ:

لَوْ لَمْ تُرِدْ قَتْلَنا جادَتْ بِمُطَّرَفٍ *** مِمَّا يُخَالِطُ حَبَّ القَلْبِ مَنْفوسِ

المُطَّرَف: المُسْتَطْرَف. وقال النَّمِرُ بنُ تَوْلَبٍ، رضي الله تعالَى عنه:

لا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْتُهُ *** فإِذَا هَلَكْتُ فعِنْدَ ذلِك فاجْزَعي

وقد نَفُسَ، ككَرُمَ، نَفَاسَةً، بالفَتْحِ، ونِفَاسا، بالكَسْرِ، ونَفَسًا، بالتَّحْرِيك، ونُفُوسًا، بالضّمّ.

والنَّفِيسُ: المالُ الكَثيرُ الّذِي له قَدْرٌ وخَطَرٌ، كالمُنْفِس، قالَه اللِّحْيَانِيُّ، وفي الصّحاحِ: يُقَال: لفُلانٍ مُنْفِسٌ؛ أَي مالٌ كَثيرٌ. وفي بعض النُّسَخ: مُنْفِسٌ، بغير واو.

ونَفِسَ به، كفَرِحَ، عَن فُلانٍ: ضَنَّ عَلَيْه وبه، ومنه قَوْلَه تَعَالَى {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ} نَفْسِهِ والمَصْدَرُ: النَّفَاسَةُ والنَّفَاسِيَةُ، الأَخِيرَةُ نادرَةٌ.

ونَفِسَ عَلَيْه بِخَيْرٍ قَليلٍ: حَسَدَ، ومنه‌ الحَديثُ: «لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم فما نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ».

ونَفِسَ عَلَيْهِ الشَّي‌ءَ نَفَاسَةً: ضَنَّ به، ولم يَرَهُ يَسْتَأْهِلُه؛ أَي أَهْلًا لَهُ، ولم تَطِبْ نَفْسُه أَنْ يَصِلَ إِليه.

ومِنْ المَجَازِ: النِّفَاسُ، بالكَسْر: وِلَادَةُ المَرْأَةِ وفي الصّحاحِ وِلَادُ المَرْأَةِ، مَأْخُوذٌ مِن النَّفْسِ، بِمَعْنَى الدَّمِ، فإِذا وَضَعَتْ فَهي نُفَسَاءُ، كالثُّؤَبَاءِ، ونَفْسَاءُ، بالفَتْح، مِثَالُ حَسْنَاءَ، ويُحَرَّكُ، وقَال ثَعْلَبٌ: النُّفَساءُ: الوَالِدَةُ والحَامِلُ والحَائِضُ، والجمع: نِفَاسٌ ونُفُسٌ*، كجِيَادٍ ورُخَالٍ نَادِرًا؛ أَي بالضّمّ، ومِثْل كُتُبٍ، بضَمَّتَيْنِ، ومِثْل كُتْبٍ، بضمٍّ فسُكُون. ويُجْمَعُ أَيْضًا على نُفَسَاءَ ونُفَسَاوَاتٍ، وامْرَأَتَانِ نُفَسَاوَانِ، أَبْدَلُوا من هَمْزَة التّأْنِيثِ وَاوًا، قال الجَوْهريُّ: ولَيْسَ في الكَلامِ فُعَلاءُ يُجْمَع على فِعَالٍ، بالكَسْرِ، غَيْرَ نُفَسَاءَ وعُشَرَاءَ. انتهى. وليس لهم فُعَلاءُ يُجْمَع عَلى فُعَالٍ؛ أَي بالضَّمّ غَيْرَهَا؛ أَي غيرَ النُّفَسَاءِ، ولذا حُكِمَ عليه بالنَّدْرَة.

وقد نُفِسَتِ المَرْأَهُ كسَمِعَ وعُنِيَ نَفَسًا ونَفَاسَةً ونِفَاسًا؛ أَي وَلَدَتْ، وقال أَبو حَاتِمٍ: ويُقَال: نُفِسَتْ، على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه. وحَكَى ثَعْلَبٌ: نُفِسَتْ وَلَدًا، على فِعْل المَفْعُول، والوَلَدُ مَنْفُوسٌ، ومنه‌ الحَدِيث: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ» ‌أَي مَوْلُودةٍ، و‌في حَدِيث ابنِ المُسَيِّبِ: «لا يَرثُ المَنْفُوسُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صارِخًا» ‌أَي حَتّى يُسْمَعَ له صَوْتٌ، ومنه قَوْلُهم: وَرِثَ فُلانٌ هذا قبل أَن يُنْفَسَ فُلانٌ؛ أَي قبلَ أَن يُولَدَ.

ونُفِسَتِ المَرْأَةَ، إِذا حَاضَتْ، رُوِيَ بالوَجْهَيْنِ، ولكِن الكَسْرِ فيه أَكْثَرُ، وأَمّا قولُ الأَزْهَرِيّ: فأَمّا الحَيْضُ فلا يُقَال فيه إِلاّ نَفِسَتْ، بالفَتْح: فالمُرَاد به فَتْحُ النُّونِ لا فَتْحُ العَيْنِ في الماضِي.

ونَفِيسُ بنُ مُحَمَّدِ، مِنْ مَوَالِي الأَنْصَارِ، وقَصْرُه علَى مِيلَيْنِ مِن المَدِينَةِ المُشَرَّفَةِ، على ساكِنها أَفْضَلُ الصّلاةِ والسلامِ، وقد قدَّمْنا ذِكْرَه في القُصُور.

ويقال: لَكَ في هذا الأَمْرِ نُفْسَةٌ، بالضّمّ؛ أَي مُهْلَةٌ ومُتَّسَعٌ.

ونَفُوسَةُ، بالفَتْح: جِبَالٌ بالمَغْرِبٍ بَعْدَ إِفريقِيَّةَ، عاليةٌ نَحْوَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ في أَقلَّ من ذلِك، أَهْلُهَا إِباضِيَّةٌ، وطُولُ هذا الجَبَلِ مَسِيرةُ سِتَّةِ أَيامٍ من الشَّرْقِ إِلى الغَرْبِ، وبينَه‌ وبينَ طَرَابُلُسَ ثلاثَةُ أَيّامٍ، وإِلى القَيْروَانِ سِتَّةُ أَيّامٍ، وفي هذا الجبلِ نَخْلٌ وزَيْتُونٌ وفَواكِهُ، وافْتَتَح عَمْرُو بن العاصِ، رضي الله تعالى عنه، نَفُوسَةَ، وكانُوا نَصَارَى.

نَقَلَه ياقُوت.

وأَنْفَسَهُ الشَّيْ‌ءُ: أَعْجَبَهُ بنَفْسِه، ورَغَّبَه فيها، وقال ابنُ القَطّاعِ: صار نَفِيسًا عِنْدَه، ومنه‌ حَدِيثُ إِسماعِيلَ عليه‌السلامُ: «أَنَّهُ تَعَلَّم العَرَبِيَّةَ وأَنْفُسَهُم». وأَنْفَسَه في الأَمْرِ: رَغَّبَهُ فيه ويُقَالُ منه: مالٌ مُنْفِسٌ ومُنْفَسٌ، كمُحْسِنٍ ومُكْرَمٍ، الأَخِيرُ عن الفَرّاءِ: أَي نَفِيسٌ، وقيلَ: كَثِيرٌ، وقيل: خَطيرٌ، وعَمَّه اللَّحْيَانِيُّ، فقال: كُلُّ شيْ‌ءٍ له خَطَرٌ فهو نَفِيسٌ ومُنْفِسٌ.

ومِن المَجَازِ: تَنَفَّسَ الصُّبْحُ أَي تَبَلَّجَ وامتدَّ حتى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا، وقال الفَرّاءُ في قولِه تعالَى {وَالصُّبْحِ إِذا} تَنَفَّسَ قال: إِذا ارْتَفَع النَّهَارُ حتَّى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا.

وقال مُجَاهِدٌ: {إِذا} تَنَفَّسَ، إِذا طَلَع، وقال الأَخْفَشُ: إِذا أَضاءَ، وقال غيرُه: إِذا انْشَقَّ الفَجْرُ وَانْفَلَق حتَّى يَتَبَيَّنَ منه.

ومِن المَجَاز: تَنَفَّسَتِ القَوْسُ: تَصَدَّعَتْ، ونَفَّسَها هُو: صَدَّعَها، عن كُرَاع، وإِنَّمَا يَتَنَفَّسُ مِنْهَا العِيدَانُ الّتِي لم تُغْلَقْ، وهو خَيْرُ القِسِيِّ، وأَمّا الفِلْقَةُ فلا تَنَفَّسُ. يُقَالُ للنَّهَارِ إِذا زاد: تَنَفَّسَ وكذلك المَوْجُ إِذا نَضَحَ الماءَ وهو مَجَازٌ.

وتَنَفَّس في الإِناءِ: شَرِب مِن غيرِ أَنْ يُبِينَه عن فِيهِ، وهو مَكرُوهٌ.

وتَنَفَّسَ أَيْضًا: شَرِبَ من الإِنَاءِ بثَلاثَةِ أَنْفَاس، فأَبَانَهُ عن فِيهِ في كُلِّ نَفَسٍ، فهو، ضِدٌّ، وفي الحَدِيث «أَنَّه صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم كان يَتَنَفَّسُ في الإِناءِ ثَلاثًا» ‌و‌في حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنه نَهَى عَنِ التَّنَفُّسِ في الإِناءِ، قالَ الأَزْهَرِيّ: قال بعضُهُم: الحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، والتَّنفُّسُ له مَعْنَيَانِ، فَذَكَرهما مِثْلَ ما ذَكَرَ المصنِّفُ. ونَافَسَ فيه مُنَافَسَةٌ ونِفَاسًا، إِذا رَغِبَ فيه على وَجْهِ المُباراةِ في الكَرَم، كَتَتَنافَسَ، والمُنَافَسَةُ والتَّنَافُسُ: الرَّغْبَة فِي الشَّيْ‌ءِ والانْفرَادُ به، وهو منَ الشَّيْ‌ءِ النَّفِيس الجَيِّدِ في نَوعه، وقولُه عَزّ وجلّ: {وَفِي ذلِكَ} فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ أَي فلْيَتَراغَب المُتَرَاغبُونَ.

* وممَّا يُسْتَدْرَك عليه:

قال ابنُ خالَوَيْه: النَّفْسُ: الأَخُ، قال ابنُ بَرّيّ: وشاهدُه قولُه تَعَالَى: {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى} أَنْفُسِكُمْ قلتُ: ويَقْرُبُ من ذلكَ ما فَسَّر به ابنُ عَرَفَةَ قولَه تعالَى: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ} بِأَنْفُسِهِمْ {خَيْرًا} أَي بأَهْل الإِيمان وأَهْل شَرِيعَتهم.

والنَّفْسُ: الإِنْسَانُ جَميعُه، رُوحُه وجَسَدُه، كقولهم: عنْدي ثَلَاثَةُ أَنْفُس، وكقوله تَعَالَى: {أَنْ تَقُولَ} نَفْسٌ {يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} قَالَ السُّهَيْليُّ في الرَّوْض: وإِنَّمَا اتُّسِعَ في النَّفْسِ وعُبِّرَ بهَا عن الجُمْلَة، لغَلَبَةِ أَوْصافِ الجَسَد على الرُّوح حَتَّى صارَ يُسَمَّى نَفْسًا، وطَرَأَ عليه هذا الاسْمُ بسَبَبِ الجَسَد، كما يَطْرَأُ على المَاءِ في الشَّجَر أَسْمَاءٌ على حَسَب اخْتِلافِ أَنواع الشَّجَر، من حُلْوٍ وحامضٍ ومُرٍّ وحِرِّيفٍ، وغير ذلك. انتهى.

وقال اللِّحْيَانِيُّ: الغَرَبُ تقولُ: رَأَيْتُ نَفْسًا وَاحِدَةً، فَتُؤنَّثُ، وكذلك رأَيتُ نَفْسَيْن، فإِذا قالوا: رأَيْتُ ثَلاثَةَ أَنْفُسٍ وأَربَعَةَ أَنْفُسٍ، ذَكَّرُوا، وكذلك جميعُ العَدَد، قال: وقد يكونُ التَّذْكِيرُ في الواحِدِ والاثْنَيْنِ، والتَّأْنِيثُ في الجَمْعِ، قال: وحُكِيَ جميعُ ذلِك عن الكِسَائِيّ. وقال سِيبَوَيْه: وقالُوا ثَلاثَةُ أَنْفُسٍ، يُذكِّرُونَه، لأَنّ النَّفْسَ عِنْدَهُمْ يُرِيدُون به الإِنْسَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُم يَقُولُونَ: نَفْسٌ وَاحِدٌ، فلا يُدخِلون الهاءَ، قالَ: وزَعَم يُونُسُ عن رُؤْيَةَ أَنَّه قال: ثَلاثُ أَنْفُسٍ، على تَأْنِيثِ النَّفْسِ، كما تَقُول: ثلاثُ أَعْيُنٍ، للعَيْنِ مِن النّاسِ، وكما قالُوا: ثَلاثُ أَشْخُصٍ في النِّساءِ، وقال الحُطَيْئَةُ:

ثَلَاثَةُ أَنْفُسِ وثَلَاثُ ذَوْدٍ *** لَقَدْ جارَ الزَّمَانُ علَى عِيَالِي

وقَولُه تعالَى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ} نَفْسٍ {واحِدَةٍ} يَعْنِي آدَم، و [ {زَوْجَها} يعني] حَوَّاءَ، عليهِمَا السلام ويقال: ما رأَيْتُ ثُمَّ نَفْسًا؛ أَي أَحَدًا.

ونَفَسُ السَّاعَةِ، بالتَّحْرِيك، آخِرُ الزَّمَانِ، عن كُراع.

والمُتَنَفِّسُ: ذو النَّفَسُ، ورَجُلٌ ذو نَفس؛ أَي خُلُقٍ.

وثَوْبٌ ذو نَفسٍ؛ أَي جَلَدٍ وقُوَّةٍ.

والنَّفُوسُ، كصَبُورٍ، والنَّفْسَانِيُّ: العَيُونُ الحَسُودُ المُتَعَيِّنُ لأَموالِ النَّاسِ ليُصِيبَها، وهو مَجَازٌ، وما أَنْفَسَهُ؛ أَي ما أَشَدَّ عَيْنَه، هذِه عن اللِّحْيَانِيّ، وما هذا النَّفْسُ؟ أَي الحَسَدُ، وهو مَجَازٌ.

والنَّفْسُ: الفَرَجُ مِن الكَرْبِ، ونَفَّسَ عنه: فَرَّج عنه، ووَسَّع عليه، ورَفَّه له، وكُلُّ تَرَوُّحٍ بَيْنَ شَرْبَتَيْن: نَفَسٌ.

والتَّنَفُّسُ: استِمْدادُ النَّفْسِ، وقد تَنَفَّسَ الرجُلُ، وتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ. وكُلُّ ذِي رِئَةٍ مُتَنَفِّسٌ ودَوَابُّ الماءِ لا رِئَاتِ لَهَا.

ودَارُكَ أَنْفَسُ مِنْ دَارِي أَي أَوْسَعُ، وهذا الثَّوبُ أَنْفَسُ مِن هذا؛ أَي أَعْرَضُ وأَطْوَلُ وأَمْثَلُ. وهذا المكانُ أَنْفَسُ مِن هذا؛ أَي أَبْعَدُ وأَوسَعُ.

وتَنَفَّس في الكلامِ: أَطالَ. وتَنَفَّسَتْ دِجْلَةُ: زادَ ماؤُها.

وزِدْنِي نَفَسًا في أَجَلِي أَي طَوَّلِ الأَجَلَ. عن اللِّحْيَانِيّ، وعنه أَيضًا: تَنَفَّسَ النَّهَارُ: انتصَفَ، وتَنَفَّس أَيضًا: بَعُدَ.

وتَنَفَّسَ العُمْرُ، مِنْه، إِمّا تَرَاخَى وتَبَاعَدَ، وإِمّا اتَّسَع.

وجَادَتْ عينُه عَبْرَةً أَنْفَاسًا؛ أَي ساعةً بَعْدَ ساعةٍ.

وشي‌ءٌ نافِسٌ: رَفُعَ وصارَ مَرْغُوبًا فيه وكذلِكَ رجُلٌ نافِسٌ ونَفِيس، والجَمْع: نِفَاس.

وأَنْفَسَ الشَّيْ‌ءُ: صار نَفِيسًا. وهذا أَنْفَسُ مالِي؛ أَي أَحَبُّه وأَكْرَمُه عِنْدِي، وقد أَنْفَسَ المالُ أَنْفَاسًا. ونَفَّسَنِي فيه: رَغَّبَنِي، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ وأَنْشَدَ:

بأَحْسَنَ مِنْه يَوْمَ أَصْبَحَ غادِيًا *** وَنَفَّسَنِي فِيه الحِمَامُ المُعَجَّلُ

قلت: هو لأُحَيْحَةَ بنِ الجَلاحِ، يَرْثِي ابْنَا له، أَو أَخًا له، وقد مَرَّ ذَكْرُه في «هبرز».

ومالٌ نَفِيسٌ: مَضْنُونٌ بهِ.

وَبَلَّغَكَ الله أَنْفَسَ الأَعْمَارِ. وفي عُمُرِه تَنَفُّسٌ ومُتَنَفَّسٌ.

وغائِطٌ مُتَنَفَّسٌ: بَعِيدٌ، وهو مَجَازٌ.

ويُجْمَعُ النُّفَسَاءُ أَيْضًا علَى نُفَّاسٍ ونُفَّسٍ، كرُمّانٍ وسُكَّرٍ، الأَخِيرَةُ عنِ اللِّحْيَانِيّ.

وتَنَفَّسَ الرجُلُ: خَرَجَ مِن تَحْتِه رِيحٌ، وهو على الكِنَايَةِ.

وقال ابنُ شُمَيْلٍ: نَفَّسَ قَوْسَه، إِذا حَطَّ وَتَرَهَا، وتَنَفَّسَ القِدْحُ، كالقَوْسِ، وهو مَجازٌ.

وأَنْفٌ مُتَنَفِّسٌ: أَفْطَسُ، وهو مَجازٌ.

وفُلانٌ يُؤامِرُ نَفْسَيْهِ: إِذا اتَّجَه له رَأْيَانِ، وهو مَجازٌ، قالَه الزَّمَخْشَرِيُّ. قلتُ: وبَيَانُه أَنَّ العَرَبَ قد تَجعَلُ النَّفْسَ الّتِي يكونُ بها التَّمْيِيزُ نَفْسَيْن، وذلِكَ أَنَّ النَّفْسَ قد تَأْمُره بالشَّيْ‌ءِ أَو تَنْهَاه عنه، وذلِكَ عندَ الإِقْدامِ على أَمْرٍ مَكْرُوه، فجَعَلُوا الّتي تَأْمُره نَفْسًا، وجَعَلُوا الّتي تَنْهَاه كأَنَّهَا نَفْسٌ أُخْرَى، وعلى ذلك قولُ الشاعِرِ:

يُؤامِرُ نَفْسَيْه وفِي العَيْشِ فُسْحَةٌ *** أَيَسْتَرْجِعُ الذُّؤْبانَ أَمْ لَا يَطُورُها

وأَبُو زُرْعَةَ محمّدُ بنُ نُفَيْسٍ المَصِيصِيُّ، كزُبَيْرٍ، كتَبَ عنه أَبو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ بحَلَبَ.

وأُمّ القاسِمِ نَفِيسَةُ الحَسَنِيَّةُ، صاحِبهُ المَشْهَدِ بِمِصْرَ، معروفةٌ، وإِليها نُسِبَت الخِطَّةُ.

وبَنُو النَّفِيسِ، كأَمِيرٍ: بَطْنٌ من العَلَويِّينَ بالمَشْهَدِ.

ومُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرّزَّاقِ بنِ نَفيسٍ الدِّمَشْقِىُّ، سَمِع علَى الزَّيْنِ العِراقيّ.

* ومِمّا يُسْتَدْرَك عليه:

نُفْيَاسُ، بالضّمّ: قَرْيَةٌ بشَرْقِيَّةَ مِصْرَ.

ونُفْيُوسُ: أُخْرَى مِن السَّمَنُّودِيَّةِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


71-تاج العروس (أرض)

[أرض]: الْأَرْضُ، الَّتِي عَليْهَا النَّاسُ، مُؤنَّثَةٌ، قال الله تَعَالَى: {وَإِلَى} الْأَرْضِ {كَيْفَ سُطِحَتْ} اسْمُ جِنْسٍ، قاله الجَوْهَرِيُّ، أَوْ جَمْعٌ بِلا وَاحِدٍ، ولم يُسْمَعْ أَرْضَةٌ، وعِبَارَةُ الصّحاح: وكان حَقُّ الوَاحِدَةِ مِنْهَا أَن يُقَال أَرْضَةٌ، ولكنَّهُم لَمْ يَقُولُوا. ج: أَرْضاتٌ هكذا بسُكُونِ الرَّاءِ في سَائِرِ النُّسَخِ، وهو مَضْبُوطٌ في الصّحاح بَفتْحِهَا قال: لأَنَّهُمْ يَجْمَعون المُؤَنَّث الّذِي ليس فيه هَاءُ التَّأْنِيث بالأَلِفِ والتَّاءِ، كَقوْلِهِم: عُرُسات، قال: وقد يُجْمَعُ على أُرُوضٍ، ونَقَلهُ أَبو حَنِيفَةَ عن أَبِي زَيْدٍ. وقال أَبو البَيْدَاءِ: يُقَال: ما أَكْثَرَ أُرُوضَ بَنِي فُلانٍ. وفي الصّحاح: ثُمَّ قالُوا: أَرَضُونَ، فجَمَعُوا بِالْواوِ والنُّونِ، والمُؤَنَّث لا يُجْمَع بالْوَاوِ والنّونِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَنْقُوصًا، كثُبَةٍ وَظُبَةٍ، ولكِنَّهم جَعَلُوا الوَاوَ والنُّونَ عِوَضًا من حَذْفِهِم الأَلِفَ والتَّاءَ، وتَرَكُوا فَتْحَةَ الرَّاءِ على حَالِهَا، ورُبَّمَا سُكِّنَتْ. انْتَهَى.

قُلْتُ: وقال أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَال: أَرْضٌ وأَرْضُونَ بالتَّخْفِيف، وأَرَضُون بالتَّثْقِيل، ذَكَرَ ذلِكَ أَبُو زَيْدٍ. وقال عَمْرُو بنُ شَأْسٍ.

وَلَنا مِنَ الأَرْضِينَ رَابِيَةٌ *** تَعْلُو الإِكَامَ وَقُودُهَا جَزْلُ

وقال آخَرُ:

مِنْ طَيِّ أَرْضِينَ أَمْ مِنْ سُلَّمٍ نزلٍ *** من ظَهْرِ رَيْمَانَ أَو مِنْ عِرْضِ ذِي جَدَنِ

وفي اللِّسَان: الواو في أَرَضُونَ عِوَضٌ من الهَاءِ المَحْذُوفَة المُقَدَّرَة، وفتحوا الرَّاءَ في الجَمْع لِيَدْخُلَ الكَلِمَةَ ضَرْبٌ من التَّكْسِير استِيحَاشًا من أَنْ يُوَفِّرُوا لَفْظَ التَّصْحِيح لِيُعْلِمُوا أَنَّ أَرْضًا مِمَّا كان سَبِيلُه لَوْ جُمِعَ بالتَّاءِ أَنْ تُفْتَحَ رَاؤُهُ فَيُقَالُ أَرَضَاتٌ. وفي الصّحاح: وزَعَمَ أَبُو الخَطّاب أَنَّهُم‌ يقولُونَ: أَرْضٌ آرَاضٌ، كما قالُوا: أَهْلٌ وآهَالٌ. قال ابن بَرّيّ: الصَّحِيحُ عِنْد المُحَقِّقين فيما حُكِيَ عن أَبي الخَطَّاب أَرْضٌ وأَرَاضٍ، وأَهْلٌ وأَهَالٍ، كأَنَّهُ جمع أَرْضَاةٍ وأَهْلاةٍ، كما قَالُوا: ليْلَةٌ ولَيَالٍ، كأَنَّهُ جَمْعُ لَيْلاةٍ، ثم قالَ الجَوْهَرِيُّ: والْأَرَاضِي غيْرُ قِيَاسِي؛ أَي على غَيْرِ قِيَاسٍ، قَالَ كَأَنَّهُمْ جَمَعُوا آرُضًا، هكذا وُجِدَ في سَائِرِ النُّسَخِ مِنَ الصّحاح، وفي بَعْضِها كَذَا وُجِدَ بخَطّه، ووَجَدْتُ في هامِشِ النُّسْخَةِ ما نَصُّهُ: في قَوْلِه: كأَنَّهُم جَمَعُوا آرُضًا نَظَرٌ، وذلِكَ أَنَّه لَوْ كانَ الْأَرَاضِي جَمْعَ الْآرُضِ لَكَان أَآرِض، بوَزْنِ أَعارِض كَقَوْلِهِم أَكْلُبٌ وأَكَالِبُ، هَلاَّ قال إنَّ الْأَرَاضِيَ جَمْعُ وَاحِدٍ مَتْرُوكٍ، كَلَيَالٍ وأَهَالٍ في جَمْعِ لَيْلَةٍ وأَهْلٍ، فكَأَنَّهُ جَمْعُ أَرْضَاةٍ، كَمَا أَنَّ لَيَالٍ جَمْعُ لَيْلَاةٍ، وإِنِ اعْتَذَرَ لَهُ مُعْتَذِرٌ فَقَالَ إِنَّ الْأَرَاضِيَ مَقْلُوبٌ مِنْ أَآرِضِ لم يَكُن مُبْعِدًا، فيَكُونُ وَزْنُه إِذَنْ أَعَالِفُ، كَانَ أَرَاضِئَ، فخُفِّفَتِ الهَمْزَةُ وقُلِبَت ياءً.

انْتَهَى. وقالَ ابنُ بَرّيّ: صوابُه أَنْ يقولَ جَمَعُوا أَرْضَى مِثْل أَرْطَى، وأَمّا آرُض فَقِيَاسُ جَمْعِهِ أَوَارِضُ.

والْأَرْضُ: أَسْفَلُ قَوَائِمِ الدَّابَّةِ، قاله الجَوْهَرِيّ. وأَنْشَدَ لِحُمَيْد يَصِفُ فَرَسًا:

ولَمْ يُقَلِّبْ أَرْضَهَا البَيْطارُ *** ولا لِحَبْلَيْهِ بها حَبَارُ

يعني لم يُقَلِّبْ قَوَائِمَهَا لِعِلَّةٍ بَهَا.

وقال غَيْرُهُ: الْأَرْضُ: سَفِلَةُ البَعِيرِ والدَّابّةِ، وما وَلِيَ الْأَرْضَ منه. يُقَال: بَعِيرٌ شَدِيدُ الْأَرْضِ، إِذا كان شَدِيدَ القَوَائِمِ، قال سُوَيْدُ بنُ كُرَاع:

فرَكِبْنَاهَا على مَجْهُولِهَا *** بصِلَابِ الأَرْضِ فِيهِنَّ شَجَعْ

ونقل شيخُنَا عن ابْنِ السَّيد في الفَرْقِ: زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنّ الْأَرْضَ بالضَّاءِ. المُشالَة: قَوَائِمُ الدَّابَّةِ خَاصَّةً، ومَا عَدَا ذلكَ فهو بالضَّاد، قال: وهذا غيْرُ مَعْرُوف. والمَشْهُور أَنَّ قَوَائِمَ الدَّابَّةِ وغيْرَهَا أَرْضٌ بالضَّاد، سُمِّيَتْ لانْخِفَاضِها عن جِسْمِ الدَّابَّةِ، وأَنَّهَا تَلِي الأَرْضَ. وكُلُّ ما سَفَلَ فهُوَ أَرْضٌ، وبه سُمِّيَ أَسفَلُ الْقَوَائِمِ.

والْأَرْضُ الزُّكَامُ، نَقلَه الجَوْهَرِيُّ وهو مُذَكَّر. وقال كُرَاع: هو مُؤَنَّثٌ، وأَنشد لابن أَحْمَر: وقالوا: أَنَتْ أَرْضٌ به وتَحَيَّلَتْ فأَمْسَى لِمَا في الصَّدْرِ والرَّأَسِ شاكِيَا أَنَتْ: أَدْرَكَتْ. وَرَوَاه أَبُو عُبَيْدٍ أَتَتْ: وقد أُرِضَ أَرْضًا.

والْأَرْضُ: النُّفْضَةُ والرَّعْدَةُ، ومنه قوْلُ ابنِ عَبّاسٍ: أَزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ أَم بِي أَرْضٌ. كما في الصّحاح، يعني الرَّعْدَةَ، وقِيلَ يَعْنِي الدُّوَارَ. وأَنشدَ الجَوْهَرِيّ قَوْلَ ذي الرُّمَّة يَصفُ صائِدا:

إِذا تَوَجَّسَ رِكْزًا مِنْ سَنَابِكِها *** أَوْ كَانَ صاحبَ أَرْض أَو به المُومُ

ويَقُولون: لا أَرْضَ لَكَ. كلَا أُمَّ لَكَ، نقله الجَوْهَرِيّ.

وأَرْضُ نُوحٍ: قرية، بالبَحْرَين، نقله ياقُوتٌ والصَّاغَانِيّ.

ويُقَال: هُوَ ابْنُ أَرْضٍ؛ أَي غَرِيبٌ لا يُعْرَفُ له أَبٌ ولا أُمَّ. قال اللَّعِينُ المِنْقَرِيّ:

دَعانِي ابْنُ أَرْضِ يَبْتَغِي الزَّادَ بَعْدَ مَا *** تَرَامَتْ حُلَيْمَاتٌ بِهِ وأَجارِدُ

ويُرْوَى: أَتَانَا ابنُ أَرْضِ.

وقال أَبو حَنِيفَةَ: ابنُ الْأَرْضِ: نَبْتٌ يَخرُجُ في رُؤُوسِ الْإِكَامِ، لَهُ أَصْلٌ ولا يَطُولُ، وكأَنَّه شَعرُ، وهو يُؤْكَلُ، وهو سَرِيعُ الخُرُوجِ سَرِيعُ الهَيْجِ.

والْمَأْرُوضُ: المَزْكُومُ. وقال الصَّاغَانِيّ: وهو أَحَدُ مَا جَاءَ على: أَفْعَلَهُ فهو مَفْعُولٌ، وقد أُرِضَ كعُنِيَ أَرْضًا، وأَرَضَهُ اللهُ إِيرَاضًا؛ أَي أَزْكَمَهُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ.

والمَأْرُوضُ: مَنْ بِهِ خَبَلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ والجِنّ. قال الجَوْهَرِيُّ: وهو المُحرِّكُ رَأْسَهُ وجَسَدَهُ بلا عَمْدٍ، وفي بعض النُّسَخ بلا عَمَلٍ، وهو غَلَطٌ.

والْأَرْضُ: الخَشَبُ أَكَلَتْهُ الأَرَضَةُ، مُحَرَّكَةً، اسمٌ لِدُوَيْبَّةٍ، فالْأَرْضُ هُنَا بمعنى الْمَأْرُوضِ، وقد أَرِضَتِ الخَشَبَةُ، كَعُنِيَ، تُؤْرَضُ أَرْضًا، بالتَّسْكِينِ، فهي مَأَرُوضَةٌ، إِذا أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ، كما في الصّحاح، وزادَ غيْرُه: وأَرضَتْ أَرْضًا أَيْضًا؛ أَي كسَمِعَ.

والْأَرَضَةُ م، وهي دُودَةٌ بَيْضَاءُ شِبْهُ النَّمْلَةِ تَظْهَرُ في أَيَّامِ الرَّبِيع. وقال أَبو حَنيفَةَ: الْأَرَضَةُ ضَرْبانِ: ضَرْبٌ صِغَارٌ مثْل كِبَارِ الذَّرِّ، وهي آفَةُ الخَشَبِ خَاصَّةً، وضَرْبٌ مثْلُ كِبَارِ النَّمْل، ذَواتُ أَجْنحَةٍ، وهي آفَةُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ من خَشَب ونَبَات، غيْرَ أَنَّهَا لا تَعْرضُ للرّطْبِ، وهي ذَوَاتُ قَوَائمَ، والجَمْعُ أَرَضٌ. وقيلَ الْأَرْضُ اسْمٌ للجَمْع. انْتَهَى. قُلْتُ: وفي تَخْصيصه الضَّرْبَ الأَوَّلَ بالخَشَب نَظَرٌ، بل هي آفَةٌ له ولغَيْره، وهي دُودَةٌ بَيْضَاءُ سَوْدَاءُ الرَّأْسِ، وليْس لها أَجْنِحَةٌ، وهي تَغوصُ في الْأَرْضِ، وتَبْنِي لها كِنّا من الطِّين. قيل: هي الَّتي أَكَلَتْ مِنْسَأَةَ سَيِّدِنَا سُليْمَانَ عَلْيه السَّلامُ، ولِذَا أَعانَتْهَا الجِنُّ بالطّينِ كما قالُوا، وأَنْشَدَنَا بَعْضُ الشيُوخ لبَعْضِهِم:

أَكَلْتُ كُتْبِي كأَنَّنِي أَرَضَهْ

وأَرِضَتِ القَرْحَةُ، كفَرِحَ تَأْرَضُ أَرَضًا: مَجلَتْ وفَسَدَتْ بالمِدَّةِ. نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، وزاد غيْرُه: وتَقَطَّعَتْ، وهو المَنْقُولُ عَن الأَصْمَعِيّ، كاستَأْرَضَت، نقله الصّاغانِيّ.

وأَرُضَتِ الْأَرْضُ، ككَرُمَ، أَرَاضَةً، كَسَحابَة؛ أَي زَكَتْ، فهي أَرْضٌ أَرِيضَةٌ، وكَذلِكَ أَرِضَةٌ؛ أَي زَكيَّةٌ كَرِيمَةٌ، مُخَيِّلَةٌ للنَّبْت والخَيْرِ. وقال أَبو حَنِيفَةَ: هي التي تَرُبُّ الثَّرَى وتَمْرَحُ بالنَّبَات. ويُقال: أَرْضٌ أَرِيضَةٌ بَيِّنَةُ الْأَرَاضَةِ، إِذا كانَتْ لَيِّنَةَ المَوْطِئِ، طَيِّبَةَ المَقْعَدِ، كَرِيمَةً، جَيِّدَةَ النَّبَاتِ. قال الأَخْطَلُ:

وَلَقَدْ شَرِبْتُ الخَمْرَ في حَانُوتِهَا *** وشَرِبْتُهَا بِأَرِيضَةٍ مِحْلالِ

ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، يُقَال: نَزَلْنَا أَرْضًا أَرِيضَةً؛ أَي مُعْجِبَة للعَيْن. وقال غيْرُهُ: أَرْضٌ أَرِيضَةٌ: خَلِيقَةٌ لِلْخَيْرِ وللنَّبَاتِ، وإِنّهَا لَذَاتُ إِرَاضٍ. وقال ابنُ شُمَيْل: الأَرِيضَةُ: السَّهْلَةُ. وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: هي المُخْصِبَةُ الزَّكِيَّةُ النَّباتُ. والأَرْضَة، بالكَسْرِ، والضَمّ، وكَعِنَبَةٍ: الكَلا الكَثِيرُ.

وقيل: الْأَرْضَةُ من النَّبَاتِ: ما يَكْفِي المَالَ سَنَةً. رَوَاه أَبو حَنِيفَةَ عن ابنِ الأَعْرَابِيّ.

وأَرَضَتِ الْأَرْضُ، من حَدِّ نَصَرَ: كَثُرَ فيها الكَلأُ.

وأَرَضْتُهَا: وجَدْتُهَا كَذلِكَ؛ أَي كَثِيرَةَ الكَلإِ.

وقال الأَصْمَعِيُّ: يُقَال: هو آرَضُهُمْ به أَنْ يَفْعَل ذلِكَ؛ أَي أَجْدَرُهُمْ وأَخْلَقُهُم به.

وشَيْ‌ءٌ عَرِيضٌ أَرِيضٌ، إِتباعٌ له، أَو يُفْرَدُ فيُقَالُ: جَدْيٌ أَرِيضٌ؛ أَي سَمِينٌ، هكذا نَقَلَه الجَوْهَرِيّ عن بَعْضِهِم.

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ:

عَرِيضُ أَرِيضٌ بَاتَ يَيْعِرُ حَوْلَهُ *** وبَاتَ يُسَقِّينَا بُطُونَ الثِّعالِبِ

وأَرِيضٌ، كأَمِيرٍ، وعليه اقْتَصَرَ يَاقُوتٌ في المُعْجَم، أَو يَرِيضٌ، باليَاءِ التَّحْتيَّة: د، أَوْ وَادٍ، أَو مَوْضِعٌ في قَوْل امْرئَ القيْس:

أَصابَ قُطَيَّاتٍ فسَالَ اللِّوَى لَه *** فوَادِي البَدِيِّ فانْتَحَى لِأَرِيضِ

يُرْوَى بالوَجْهَيْن، وهُمَا كيَلَمْلَم وأَلَمْلَم، والرَّمْحُ اليَزَنِيّ والأَزَنِيّ.

والْإِرَاضُ ككِتَابٍ: العِرَاضُ، عن أَبي عَمْرٍو، قال أَبو النَّجْم:

بحْرُ هِشَامٍ وهْوَ ذُو فِرَاضِ *** بَيْنَ فُرُوعِ النَّبْعَةِ الغِضَاضِ

وَسْطَ بِطَاحِ مَكَّةَ الْإِرَاضِ *** في كُلّ وَادٍ وَاسعِ المُفَاضِ

وكأَنَّ الهَمْزَةَ بَدَلٌ من العَيْن؛ أَي الوِسَاعُ، يُقَال: أَرْضٌ أَرِيضَةٌ؛ أَي عَرِيضَةٌ.

وقال الجَوْهَرِيُّ: الْإِرَاضُ: بِسَاطٌ ضَخْمٌ مِنْ صُوفٍ أَو وَبَرٍ. وقُلتُ: ونَقَلَه غيْرُه عن الأَصْمَعيّ وعَلَّلَه غيْرُه بقَوْله: لأَنَّهُ يَلِي الْأَرْضَ، وأَطْلَقَه بَعْضُهُم في البِسَاط.

وآرَضَهُ الله: أَرْكَمَهُ، فهو مَأْرُوضٌ، هكَذَا في الصّحاح، وقد سَبَقَ أَيضًا، وكَان القِيَاس فهو مُؤْرَضٌ.

والتَّأْرِيضُ: أَنْ تَرْعَى كَلأ الأَرْضِ، فهو مُؤَرِّض نَقله الأَزْهَرِيّ، وأَنْشَدَ لابْن دالان الطّائيّ:

وهُمُ الحُلُومُ إِذا الرَّبيعُ تَجَنَّبَتْ *** وهُم الربيعُ إِذا الْمُؤَرِّضُ أَجْدَبَا

قُلْتُ: ويُرْوَى:

وَهُم الجِبَالُ إِذا الحُلُومُ تَجَنَّنَت

وقيل: التَّأْرِيضُ في المَنْزل، أَنْ تَرْتَادَهُ وتَتَخيَّرهُ للنُّزول.

يُقَال: تَرَكْتُ الحَيَّ يَتَأَرَّضُونَ للْمَنْزِل؛ أَي يَرْتَادُون بَلَدًا يَنْزِلُونَهُ.

والتَّأْرِيضُ: نِيَّةُ الصَّوْمِ وتَهْيِئَتُهُ من اللَّيْل، كالتَّوْرِيضِ، كما‌ في الحَديث: «لا صيَامَ لمَنْ لم يُؤَرِّضْهُ من الليْلِ» ‌أَي لم يُهَيِّئْهُ، ولم يَنْوِه، وسَيَأْتِي في «ورض».

والتَّأْرِيضُ: تَشْذِيبُ الكَلَامِ وتَهْذِيبُه، وهو في مَعْنَى التَّهْيِئَةِ. يُقَالُ: أَرَّضْتُ الكَلَامَ، إِذا هَيَّأْتَهُ وسَوَّيْتَهُ.

والتَّأْرِيضُ: التَّثْقِيلُ، عن ابن عَبَّادٍ.

والتَّأْرِيضُ: الإِصْلَاحُ، يقال: أَرَّضْتُ بَيْنَهُم، إِذا أَصْلَحْتَ.

والتَّأْرِيضُ: التَّلْبِيثُ، وقد أَرَّضَهُ فتَأَرَّضَ. نَقَلَه ابنُ عَبَّادٍ.

والتَّأْرِيضُ: أَنْ تَجْعَلَ فِي السِّقَاءِ؛ أَي في قَعْرِهِ، لَبَنًا أَو ماءً، أَو سَمْنًا أَوْ رُبًّا. وعبَارَةُ التَّكْملَة: لَبنًا أَو ماءً أَوْ سَمْنًا.

أَو رُبَّا، وكأَنَّه لإِصْلاحه، عن ابْن عَبَّادٍ.

والتَّأَرُّضُ: التَّثَاقُلُ إلى الْأَرْضِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، وهو قولُ ابْن الأَعْرَابيّ، وأَنْشَدَ للرّاجز:

فَقَامَ عَجْلانَ ومَا تَأَرَّضَا

أَي مَا تَثَاقَلَ، وأَوَّلُه:

وصاحبٍ نَبَّهْتُه ليَنْهضَا *** إِذا الكَرَى في عَيْنِه تَمَضْمَضَا

يَمْسَحُ بالْكَفَّيْن وَجْهًا أَبْيَضَا فَقَام إِلخ، وقيل: مَعْنَاه: مَا تَلبَّثَ وأَنْشَدَ غيْرُهُ للجَعْديّ:

مُقيمٌ مع الحَيِّ المُقيمِ وقَلْبُه *** مع الرَّاحلِ الغَادِي الَّذي ما تَأَرَّضَا

والتَّأَرُّضُ: التَّعَرُّضُ والتَّصَدِّي يُقَال: جَاءَ فُلَانٌ يَتَأَرَّضُ لي؛ أَي يَتَصَدَّى ويَتَعَرَّضُ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ:

قَبُحَ الحُطيْئَةُ من مُنَاخِ مَطِيَّةٍ *** عَوْجاءَ سائمَةٍ تَأَرَّضُ للقِرَى

والتَّأَرُّضُ: تَمَكُّنُ النَّبْتِ مِنْ أَنْ يُجَزَّ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ.

وفَسِيلٌ مُسْتَأْرِضٌ: له عِرْقٌ في الأَرْض، فأَمّا إِذا نَبَتَ على جِذْع أُمِّه فهو الرَّاكِبُ، وكَذلِكَ وَدِيَّةٌ مُسْتَأْرِضَةٌ، نَقَلَه الجَوْهَريّ، وقد تَقَدَّم في «ر ك ب».

* وممّا يُسْتَدْرَك عَليْه:

أَرْضُ الإِنْسَان: رُكْبَتَاه فَمَا بَعْدَهُمَا. وأَرْضُ النَّعْلِ: ما أَصَابَ الأَرْضَ منْهَا. ويُقَال: فَرَسٌ بَعيدٌ ما بَيْنَ أَرْضِه وسَمَائِهِ، إذَا كَانَ نَهْدًا، وهو مَجَازٌ. قال خُفَافٌ:

إذ ما استَحَمَّت أَرْضُه منْ سَمَائهِ *** جَرَى وهْوَ مَوْدُوعٌ ووَاعِدُ مَصْدَقِ

وتَأَرَّضَ فُلانٌ بالمَكَان إِذا ثَبَتَ فلم يَبْرَحْ، وقيل: تَأَنَّى وانْتَظَر، وقَامَ على الْأَرْضِ.

وتَأَرَّضَ بالمَكَان، واستَأْرَضَ به: أَقَام ولَبِثَ. وقيل: تَمَكَّنَ.

وتَأَرَّضَ لي: تَضَرَّعَ.

ومن سَجَعَات الأَسَاس: فُلانٌ إِن رَأَى مَطْعَمًا تَأَرَّضَ وإِن مطعمًا أَعرَض.

والأَرْضُ: دُوَارٌ يَأْخُذُ في الرَّأْسِ عَنِ اللَّبَنِ فتُهرَاقُ له الأَنْفُ والعَيْنَانِ.

يُقَال: بي أَرْضٌ فَآرِضُونِي؛ أَي دَاوُونِي.

وشَحْمَةُ الْأَرْضِ: هي الْحُلْكَةُ تَفُوصُ في الرَّمْل، ويُشبَّهُ بها بَنَانُ العَذَارَى.

ومن أَمْثَالهم: «آمَنُ منَ الْأَرْضِ»، و«أَجْمَعُ من الأَرْض»، و«أَشَدُّ من الأَرْضِ». و«أَذَلُّ من الأَرْضِ».

ويُقَال: مَا آرَضَ هذا المَكَانَ؛ أَي مَا أَكْثَرَ عُشْبَهُ. وقيلَ: ما آرَضَ هذه الأَرْضَ: ما أَسْهَلَهَا وأَنْبَتَهَا وأَطْيَبَهَا. حكاهُ أَبُو حَنيفَةَ عن اللِّحْيَانيّ.

ورَجُلٌ أَرِيضٌ بَيِّنُ الْأَرَاضَةِ؛ أَي خَلِيقٌ للخَيْر، مُتَوَاضِعٌ، وقد أَرُضَ، نَقله الجَوْهَرِيُّ، وتركَه المُصَنِّفُ قُصُورًا، وزَادَ الزَّمَخْشَرِيّ وأَرُوضٌ كَذلِك. واسْتَأْرَضَتِ الْأَرْضُ، مثْل أَرُضَتْ؛ أَي زَكَتْ ونَمَت.

وامرأَةٌ عَرِيضَةُ أَرِيضَةٌ: وَلُودٌ كَامِلَةٌ، على التَّشبيه بِالْأَرْضِ.

وأَرْضٌ مَأْرُوضَةٌ: أَرِيضَةٌ، وكَذلِكَ مُؤْرَضَةٌ.

وآرَضَ الرَّجُلُ إِيرَاضًا: أَقَامَ عَلَى الْإِرَاضِ. وبه فَسَّرَ ابنُ عَبَّاس‌

حَديثَ أُمِّ مَعْبَد: «فَشَرِبُوا حَتَّى آرَضُوا» ‌وقالَ غيْرُه أَي شَربوا عَلَلًا بعدَ نَهَلٍ حَتَّى رَوُوا، من: أَرَاضَ الوَادِي إِذا اسْتَنْقَعَ فيه الماءُ. وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: حَتَّى أَرَاضُوا؛ أَي نامُوا على الْإِرَاضِ، وهو البِسَاطُ وقيل: حَتَّى صَبُّوا اللَّبَنَ على الأَرْضِ.

وقَال ابن بَرِّيّ: المُسْتَأْرِضُ: المُتَثاقِلُ إلى الأَرْضِ، وأَنشد لِساعِدَةَ يَصِفُ سَحَابًا:

مُسْتَأْرِضًا بَيْنَ بَطْنِ اللِّيثِ أَيْمَنُهُ *** إِلَى شَمَنْصِيرَ غَيْثًا مُرْسَلًا مَعِجَا

وتَأَرَّضَ المَنْزِلَ: ارْتَادَهُ، وتَخيَّرَهُ للنُّزُول، قال كُثِّيرٌ:

تَأَرَّض أَخْفافُ المُنَاخَةِ مِنْهُمُ *** مَكَانَ الَّتِي قد بُعِّثَتْ فازْلأَمَّتِ

واسْتَأْرَضَ السَّحَابُ: انبَسَطَ، وقيلَ: ثَبَتَ، وتَمَكَّن، وأَرْسَى.

والْأَرَاضَةُ: الخِصْبُ وحُسْنُ الحَالِ.

ويُقَال: مَنْ أَطاعَنِي كُنْتُ له أَرْضًا. يُرَادُ التَّوَاضُعُ، وهو مَجَاز. وفُلانٌ إِنْ ضُرِبَ فَأَرْضٌ؛ أَي لا يُبَالِي بضَرْبٍ، وهو مَجَازٌ أَيْضًا.

ومن أَمثالهم «آكَلُ مِنَ الأَرَضَةِ». «وأَفْسَدُ من الأَرَضَةِ».

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


72-تاج العروس (بضع)

[بضع]: البَضْعُ، كالمَنْعِ: القَطْعُ يُقَالُ: بَضَعْتُ اللَّحْمَ أَبْضَعُهُ بَضْعًا: قَطَعْتُهُ.

كالتَّبْضِيع شُدِّدَ للمُبَالَغَةِ.

وِالبَضْعُ: الشَّقُّ، يُقَالُ: بَضَعْتُ الجُرْحَ؛ أَي شَقَقْتُه، كَما فِي الصّحاح.

وِالبَضْعُ: تَقْطِيعُ اللَّحْمِ وجَعْلُهُ بَضْعَةً بَضْعَةً.

وِمِن المَجَازِ: البَضْعُ: التَّزَوُّجُ.

وِمِنَ المَجَازِ أَيْضًا: البَضْعُ: المُجَامَعَةُ، كالمُبَاضَعَةِ والبِضاعِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «وبَضْعُه أَهْلَهُ صَدَقَةٌ»؛ أَي المُبَاشَرَة، وفي المَثَلٍ: «كمُعَلِّمَةٍ أَهْلَهَا البِضَاعَ».

وِالبَضْعُ التَّبْيِينُ: يُقَالُ: بَضَعَ؛ أَي بَيَّن كالإِبْضاعِ.

وِالبَضْعُ، أَيْضًا التَّبَيُّن، يُقَالُ: بَضَعْتُه فبَضَعَ؛ أَي بَيَّنْهُ، فَتَبَيَّنَ، لازِمٌ مُتَعَدٍّ، ويُقَالُ: بَضَعَهُ الكَلامَ وأَبْضَعَهُ الكَلَامَ، أَيْ بَيَّنَهُ لَهُ، فبَضَعَ

هو بُضُوعًا، بالضّمّ، أَيْ فَهِمَ، وقِيلَ: أَبْضَعَهُ الكَلامَ وبَضَعَهُ به: بَيَّنَ لَهُ ما يُنَازِعُهُ حَتَّى تَبَيَّنَ كائنًا ما كَانَ.

وِالبَضْعُ في الدَّمْعِ: أَنْ يَصِيرَ في الشُّفْرِ ولا يَفِيضَ.

وِالبُضْعُ، بالضَّمِّ: الجِمَاعُ، وهو اسْمٌ مِنْ بَضَعَها بَضْعًا، إذا جامَعَها. وفي الصّحاح: البُضْعُ، «بالضَّمّ»: النِّكَاحُ، عن ابنِ السِّكِّيتِ. وفي الحَدِيثِ «فإِنَّ البُضْعَ يَزِيدُ في السَّمْعِ والبَصَرِ»، أَيْ الجِمَاعَ. وقَالَ سِيبَوَيْه: البَضْعُ مَصْدَرٌ، يقال: بَضَعَهَا بَضْعًا، وقَرَعَهَا قَرْعًا، وذَقَطَها ذَقْطًا، وفُعْل في المصادر غَيْرُ عَزِيزٍ كالشُّكْرِ، والشُّغْلِ، والكُفْرِ.

وفي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تَعَالَى عنها «ولهُ حَصَّنَنِي رَبِّي من كُلِّ بُضْعٍ» تَعْنِي النَّبِيَّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم أَيْ من كُلِّ نِكَاحٍ، وكَان تَزَوَّجَهَا بِكْرًا مِنْ بَيْنِ نِسَائهِ.

أَو البُضْعُ: الفَرْجُ نَفْسُه، نَقَلَهُ الأَزْهَرِيُّ، ومِنْهُ الحَديثُ «عَتَقَ بُضْعُكِ فاخْتَارِي» أَيْ صارَ فَرْجُك بالعِتْقِ حُرًّا فاخْتَارِي الثَّبَاتَ عَلَى زَوْجِكَ أَو مُفَارَقَتْهُ. وقِيلَ: البُضْعُ: المَهْرُ، أَيْ مَهْرُ المَرْأَةِ، وجَمْعُهُ البُضُوعُ. قَالَ عَمْرُو بنُ مَعْدِيَكرِب:

وِفي كَعْبٍ وإخْوَتِها كِلَابٍ *** سَوَامِي الطَّرْفِ غَالِيَةُ البُضُوعِ

سَوَامِي الطَّرْفِ؛ أَي مُعْتَزَّاتٌ. وغالِيَةُ البُضُوعِ، كِنَايَةً عن المُهُورِ اللَّوَاتِي يُوصَلُ بِهَا إلَيْهِنَّ، وقال آخَرُ:

عَلاهُ بِضَربَةٍ بَعَثَتْ إلَيْهِ *** نَوَائِحَهُ وأَرْخَصَتِ البُضُوعَا

وِقِيلَ: البُضْعُ: الطَّلاقُ، نَقَلَهُ الأَزْهَرِيّ. وقالَ قَوْمٌ: هو عَقْدُ النِّكَاح، استُعمِل فيه وفي النِّكاح، كما اسْتُعْمِل النِّكاحُ في المَعْنَيَيْن، وهو مَجَاز، ضِدُّ.

وِالبُضْعُ: موضع.

وِالبِضْعُ، بالكَسْرِ، ويُفْتَحُ: الطَّائفَةُ من اللَّيْلِ. يُقَالُ: مَضَى بِضْعٌ من اللَّيْلِ. وقَالَ اللِّحْيَانيّ: مَرَّ بِضْعٌ من اللَّيْلِ، أَيْ وَقْتٌ منه، وذَكَرَهُ الجَوْهَرِيّ في الصّادِ المُهْمَلَةِ، وفَسَّرَهُ بالجَوْشِ منه، وقَدْ تَقَدَّمَ البِضْعُ بالكَسْرِ في العَدَدِ.

وِقالَ أَبو زَيْدٍ: أَقَمْتُ بَضْعَ سِنينَ، وجَلَسْتُ في بَقْعَةٍ طَيِّبَةٍ، وأَقْمْتُ بَرْهَةً، كُلُّهَا بالفَتْحِ. وهو ما بَيْن الثَّلاثِ إلى التِّسْعِ، تَقولُ: بِضْع سِنِين، وبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا. وبِضْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، وقَدْ رُوِيَ هذا المَعْنَى في حَدِيثٍ عَنْه صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، قال لأَبِي بَكْرٍ في المُنَاحَبَةِ: «هَلَّا احْتَطْتَ فإِنّ البِضْعَ ما بَيْنَ الثَّلاثِ إلى التِّسْعِ» أَو هو ما بَيْنَ الثَّلاثِ إلى الخَمْسِ، رَوَاهُ الأَثْرَمُ عن أَبِي عُبَيْدَةَ أَو البِضْعُ: ما لَمْ يَبْلُغِ العَقْدَ ولا نِصْفَه؛ أَي ما بَيْنَ الواحِدِ إلَى الأَرْبَعَةِ. يُرْوَى ذلِكَ عن أَبِي عُبَيْدَة أَيْضًا، كما في العُبَابِ، أَو مِنْ أَرْبَعٍ إلى تِسْعٍ، نَقَلَهُ ابن سِيدَه، وهو اخْتِيَارُ ثَعْلَبٍ. أَوْ هو سَبْعٌ، هو مِنْ نَصِّ أَبِي عُبَيْدَةَ فإِنَّه قالَ بَعْدَ أَن ذَكَرَ قَوْلَه السابِقَ ـ ويُقَالُ: إنَّ البِضْعَ سَبْعٌ ـ قالَ: وإذا جَاوَزْتَ لَفْظَ العَشْرِ ذَهَبَ البِضْعُ، لا يُقَالُ بِضْعٌ وعِشْرُونَ، ونَقَلَه الجَوْهَرِيّ أَيْضًا هكَذَا. قال الصّاغَانِيّ: أَوْ هُو غَلَطٌ، بل يُقَالُ ذلِكَ. قال أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لَهُ: بِضْعَةٌ وعِشْرُونَ رَجُلًا، وبِضْعٌ وعِشْرُون امْرَأَةً، وهو لكُلِّ جَماعَةٍ تَكُونُ دُون عَقْدَيْنِ. قالَ ابنُ بَرِّيّ: وحُكِيَ عن الفَرَّاءِ في قَوْله: {بِضْعَ سِنِينَ} أَنَّ البِضْعَ لا يُذْكَر إلَّا مع العَشَرَةِ والعِشْرِينَ إلَى التِّسْعِينَ، ولا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَ ذلِك، يَعْنِي أَنَّه يُقَالُ: مِائَةٌ ونَيِّفٌ، ولا يُقَالُ بِضْعٌ ومِائَةٌ، ولا بِضْعٌ وأَلْفٌ. وأَنْشَد أَبُو تَمَّامٍ في بَابِ الهِجَاءِ من الحَمَاسَة لِبَعْضِ العَرَب:

أَقُولُ حِينَ أَرَى كَعْبًا ولِحْيَتَهُ *** لا بارَكَ الله فِي بِضْعٍ وسِتِّينِ

مِنَ السِّنِين تَمَلَّاها بلا حَسَبٍ *** وِلا حَيَاءٍ ولا قَدْرٍ ولا دِينِ

وقد جاءَ في الحَدِيثِ: «بِضْعًا وثَلاثِينَ مَلَكًا». وفِي الحَدِيثِ: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الوَاحِدِ ببِضْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً».

وقَالَ مَبْرَمَانُ وهو لَقَبُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ بنِ إسْمَاعِيلَ اللُّغَوِيّ، أَحد الآخِذِينَ عن الجَرْمِيّ والمازَنِيّ وقَدْ تَقَدَّم ذِكْرُهُ في المُقَدِّمَة: البِضْعُ: ما بَيْنَ العَقْدَيْنِ، من وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ، ومِنْ أَحَدَ عَشَرَ إلَى عِشْرِينَ. وفي إصْلَاحِ المَنْطِقِ: يُذْكَرُ البِضْعُ مع المُذَكَّرِ بهاءٍ، ومَعَها بِغَيْرِ هَاءٍ أَي يُذَكَّرُ مع المُؤَنَّثِ ويُؤَنَّثُ مع المُذَكَّرِ. يُقَالُ: بِضْعَةٌ وعِشْرُون رَجُلًا، وبِضْعٌ وعِشْرُونَ امْرَأَةً، ولا يُعْكَسُ. قال ابنُ سِيدَه: لَمْ نَسْمَع ذلِكَ ولا يَمْتَنِعُ. قُلْتُ: ورَأَيْتُ في بعضِ التَّفاسِيرِ: قَوْلُهُ تَعالَى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} أَيْ خَمْسَةً. ورُوِيَ عن أَبِي عُبَيْدَةَ: البِضْعُ: مَا بَيْنَ الوَاحِدِ إلى الخَمْسَةِ. وقال مُجَاهِدٌ: ما بَيْنَ الثَّلاثَة إلَى السَّبْعَةِ.

وقالَ مُقَاتِلٌ: خَمْسَةٌ أَو سَبْعَةٌ. وقَالَ الضَّحَّاكُ: عَشَرَةٌ، ويُرْوَى عَن الفَرَّاءِ ما بَيْنَ الثَّلاثَةِ إلَى ما دُونَ العَشَرَةِ. وقال شَمِرٌ: البِضْعُ: لا يَكُونُ أَقَلَّ من ثَلاثٍ ولا أَكْثَرَ من عَشَرَةٍ.

أَو البِضْعُ من العَدَدِ: غَيْرُ مَعْدُودِ، كَذا في النُّسَخِ.

والصَّوابُ غَيْرُ مَحْدُودٍ، أَيْ في الأَصْلِ. قال الصّاغَانِيّ: وإنَّمَا صارَ مُبْهَمًا لِأَنَّهُ بمَعْنَى القِطْعَةِ، والقِطْعَةُ، غَيْرُ مَحْدُودَةٍ.

وِالبِضْعَةُ، بالفَتْحِ وقَدْ تُكْسَرُ: القِطْعَةُ اسمُ من بَضَعَ اللَّحْمَ يَبْضَعُهُ بَضْعًا؛ أَي قِطْعَةٌ من اللَّحْمِ المُجْتَمِعَة. قال شَيْخُنا: زَعَمَ الشِّهَابُ أَنَّ الكَسْرَ أَشْهَرُ على الأَلْسِنَةِ.

وفي شَرْحِ المَوَاهِبِ لشَيْخِنَا: بفَتْح المُوَحَّدَة، وحَكَى ضَمَّهَا وكَسْرَها. قُلتُ: الفَتْحُ هو الأَفْصَحُ والأَكْثَرُ، كَما في الفَصِيحِ وشُرُوحِه. انْتَهَى. قُلْتُ: ويَدُلُّ عَلَى أَنَّ الفَتْحَ هو الأَفْصَحُ قَوْلُ الجَوْهَرِيّ: والبَضْعَةُ: القِطْعَةُ من اللَّحْمِ، هذِهِ بالفَتْحِ، وأَخَواتُهَا بالكَسْرِ، مِثْلُ القِطْعَةِ، والفِلْذَة، والفِدْرَة، والكِسْفَةِ والخِرْقَة، وما لا يُحْصَى، ونَقَلَ الصّاغَانِيّ مِثْلَ ذلِكَ، ومِثْلُ البَضْعة الهَبْرَةُ فإِنَّهُ أَيْضًا بالفَتْحِ. ويُقَال: فُلانٌ بَضْعَةٌ مِنْ فُلانٍ يُذْهَبُ به إلَى التَّشْبِيهِ. ومنهُ الحَدِيثُ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي ما رَابَها، ويُؤْذِينِي ما آذاها». ويُرْوَى: «فمَن أَغْضَبَهَا فَقَدْ أَغْضَبَنِي». وفي بَعْضِ الرِّوايات «بُضَيْعَةٌ مِنِّي».

والمَعْنَى أَنَّها جُزْءٌ مِنّي كَما أَنَّ البُضَيْعَةَ من اللَّحْمِ جُزءٌ مِنْه.

ج: بَضْعٌ، بالفَتْح، مِثلُ تَمْرَةٍ وتَمْرٍ. قال زُهَيْرُ بنُ أَبِي سُلْمَى يَصِفُ بَقَرَةً مَسْبُوعةً:

أَضاعَتْ فلَمْ تُغْفَرْ لَهَا غَفَلاتُهَا *** فَلاقَتْ بَيَانًا عِنْدَ آخِرِ مَعْهَدِ

دَمًا عِنْدَ شِلْوٍ تَحْجُلُ الطَّيْرُ حَوْلَهُ *** وِبَضْعَ لِحَامٍ في إهَابٍ مُقَدَّدِ

وِيُجْمَع أَيْضًا على بِضَع، كعِنَبٍ. مِثْلُ بَدْرَةٍ وبِدَرٍ، نَقَلَهُ بَعْضُهم، وأَنْكَرَه عَلِيُّ بن حَمْزَةَ عَلَى أَبي عُبَيْد. وقالَ: المَسْمُوعُ بَضْعٌ لا غَيْر، وأَنْشَدَ:

نُدَهْدِقُ بَضْعَ اللحَّمِ لِلبْاعِ والنَّدَى *** وِبَعْضُهم تَغْلي بِذَمٍّ مَناقِعُه

وِعلى بِضَاعٍ، مِثْلُ صَحْفَةٍ وصِحَاف وجَفَنَةٍ وجِفَانٍ، وأَنْشَد المُفَضّل:

لَمَّا نَزَلْنَا حاضِرَ المَدِينَهْ *** جَاءُوا بعَنْزٍ غَثَّةٍ سَمِينَهْ

بلا بِضَاعٍ وبلا سَدِينَهْ

قال ابنُ الأَعْرَابِيّ: قُلْتُ للمُفَضّل: كَيْفَ تَكُونُ غَثَّة سَمِينَةً؟ قالَ: لَيْسَ ذلِكَ من السِّمَنِ إنَّمَا هو من السَّمْنِ، وذلِكَ أَنَّه إذا كانَ اللَّحْمُ مَهْزُولًا رَوَّوْه بالسَّمْنِ، والسَّدِينَة: الشَّحْم.

وِعَلَى بَضَعَاتٍ، مِثْلُ تَمْرَةٍ وتَمَرَاتٍ.

وِالمِبْضَعُ، كمِنْبَرٍ: المِشْرَطُ، وهو ما يُبْضَعُ به العِرْقُ والأَدِيمُ.

وِالبَاضِعَةُ من الشِّجَاج: الشَّجَّةُ التي تَقْطَعُ الجِلْدَ، وتَشُقُّ اللَّحْمَ، تَبْضَعُهُ بَعْدَ الجِلْدِ شَقًّا خَفِيفًا وتَدْمَى، إلّا أَنَّهَا لا تُسِيلُ الدَّمَ، فإِنْ سَالَ فهي الدَّامِيَةُ، وبَعْدَ الباضِعَةِ المُتَلاحِمَة. ومنه‌قَوْلُ زَيْدِ بنِ ثابِتٍ رضي ‌الله‌ عنه: «في البَاضِعَةِ بَعِيرَانِ».

وِالبَاضِعَةُ أَيْضًا: الفِرْقُ من الغَنَمِ، نَقَلَهُ الصَّاغانيُّ، أَو هي القِطْعَةُ الَّتِي انْقَطَعَتْ عن الغَنَمِ، تَقُولُ: فِرْقٌ بَوَاضِعُ، كما قاله اللَّيْثُ.

وِقال الفَرَّاءُ: البَاضِعُ في الإِبِلِ كالدَّلّالِ في الدُّورِ، كَذا في اللِّسَانِ والعُبَابِ، أَو الباضِعُ: مَنْ يَحْمِلُ بَضَائعَ الحَيِّ ويَجْلُبُها نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ عن ابنِ عَبّادٍ.

وفي الأَسَاسِ: بَاضِعُ الحَيِّ: مَنْ يَحْمِلُ بَضَائعَهُمْ.

وِقالَ الأَصْمَعِيُّ: الباضِعُ: السَّيْفُ القَطَّاعُ إذا مَرَّ بشَيْ‌ءٍ بَضَعَهُ؛ أَي قَطَعَ مِنْهُ بضعَةً وقِيلَ: يَبْضَعُ كُلَّ شَيْ‌ءٍ يَقْطَعُه. قَالَ الرَّاجِزُ:

مِثْلِ قُدَامَى النَّسْرِ ما مَسَّ بَضَعْ

ج: بَضَعَةٌ مُحَرَّكَةً. قالَ الفَرّاءُ: البَضَعَةُ: السُّيُوفُ، والخَضَعَةُ: السِّيَاطُ. وقِيلَ: عَلَى القَلْبِ، كما في العُبَابِ. قُلْتُ: ويُؤَيِّدُ القَوْلُ الأَخِيرَ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُ: «أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا أَقْسَمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ثَلاثِينَ سَوْطًا كُلُّهَا تَبْضَعُ وتَحْدُرُ» أَيْ تَشُقُّ الجِلْدَ وتَقْطَعُ وتَحْدُرُ الدَّمَ، وقيل تَحْدُرُ أَي تُوَرِّمُ.

وِبَاضِعٌ: موضع، بِسَاحِلِ بَحْرِ اليَمَنِ، أَو جَزِيرَةٌ فِيه، سَبَى أَهْلَها عبدُ الله وعُبَيْدُ الله مَرْوَانَ الحِمَارِ آخِرِ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ، كَذَا نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ.

قُلْتُ: أَمّا عُبَيْدُ الله فَقَتَلَتْه الحَبَشَةُ، وأَمّا عَبْدُ الله فكانَ في الحَبْسِ إلَى زَمَنِ الرَّشِيدِ، وَوَلَدُهُ الحَكَمُ كانَ في حَبْسِ السَّفّاح.

وِبَضَعْتُ به، كمَنَعَ، هكَذَا في سائِر النُّسَخِ، ونَصُّ اللَّيْثِ: تَقُول: بَضَعْتُ مِنْ صاحبِي بُضُوعًا: إذا أَمَرْتَهُ بِشَي‌ءٍ فَلَمْ يَفْعَلْه فدَخَلَكَ منْهُ، وهكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ صاحِبُ اللِّسَان والعُبَابِ. وقال غَيْرُ اللَّيْثِ: فلَمْ يَأْتَمِرْ لَهُ، فسَئِمَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشَيْ‌ءٍ أَيْضًا.

وِفي الصّحاح: بَضَعْتُ من الماءِ بَضْعًا، وزادَ غَيْرُه: وبَضَعَ بالماءِ أَيْضًا، وزادَ في المَصَادِر بُضُوعًا بالضَّمِّ، وبَضَاعًا، بالفَتْحِ؛ أَي رَوِيتُ، كَما في الصّحاح، وزادَ غَيْرُهُ: وامْتَلأْتُ. قال الجَوْهَرِيّ: وفي المَثَلِ: «حَتَّى مَتَى تَكْرَعُ ولا تَبْضَعُ».

وِالبَضِيعُ، كأَمِيرٍ: الجَزِيرَةُ في البَحْرِ، عن الأَصْمَعِيّ، وأَنْشَدَ لِأَبِي خِراشٍ الهُذَلِيّ:

سَادٍ تَجَرَّمَ في البَضِيعِ ثَمانِيًا *** يَلْوِي بعَيقَاتِ البِحَارِ ويُجْنَبُ

هكَذَا نَسَبَه الصّاغَانِيّ لِأَبِي خِرَاشٍ، وراجَعْتُ فِي شِعْرِه فلَمْ أَجِدْ لَهُ قافِيَةً على هذَا الرَّوِيّ. وفي اللّسان: قالَ سَاعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيّ، وأَنْشَدَ البَيْتَ. قُلْتُ: ولساعِدَةَ قصيدةٌ مِن هذا الرَّوِيّ، وأَوَّلها:

هَجَرَتْ غَضُوبُ وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ *** وِعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْغَبُ

ولَمْ أَجِدْ هذا البَيْتَ فِيها. وقال الصّاغَانِيُّ، وصاحِبُ اللَّسَان ـ واللَّفْظُ للْأَخِير ـ: سَادٍ، مَقْلُوبٌ من الإِسْآدِ، وهو سَيْرُ اللَّيْلِ. تَجَرَّمَ في البَضِيعِ، أَيْ أَقامَ في الجَزِيرَةِ. وقِيلَ تَجَرَّمَ أَيْ قَطَعَ ثَمَانِي لَيالٍ لا يَبْرَحُ مَكانَهُ. ويقال للَّذِي يُصْبحُ حَيْثُ أَمْسَى ولَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ: سَادٍ، وأَصْلُهُ من السُّدَى، وهو المُهْمَلُ، وهذا الصَّحِيح. ويَلْوِي بِعَيقات، أَيْ يَذْهَبُ بِمَا في سَاحِلِ البَحْرِ. ويُجْنَبُ أَيْ تُصِيبُه الجَنُوب.

وقالَ القُتَيْبِيّ في قَوْلِ أَبِي خِرَاشٍ الهُذَلِيّ:

فَلَمَّا رَأَيْنَ الشَّمْسَ صَارَتْ كَأَنَّهَا *** فُوَيْقَ البَضِيعِ في الشُّعَاعِ خَمِيلُ

قالَ: البَضِيعُ: جَزِيرَةٌ من جَزائِر البَحْرِ يَقُولُ: لَمَّا هَمَّتْ بالمَغيبِ رَأَيْنَ شُعَاعهَا مِثْلَ الخَمِيل، وهو القَطِيفَةُ.

قُلْتُ: والَّذِي فِي الدِّيوانِ:

فَظَلَّتْ تُرَاعِي الشَّمْسَ حَتَّى كَأَنَّهَا

ورَوَى أَبُو عَمْرٍو: «جَمِيلُ» بالجِيمِ قالَ: وهي الإِهالَةُ، شَبَّهَ الشَّمْسَ بِها لِبَيَاضِها.

وقال الجُمَحِيُّ: لَمْ يَصْنَعْ أَبُو عَمْرٍو شَيْئًا إذْ شَبَّهَها بالإِهالَةِ. وقَدْ قَالُوا: صَحَّفَ أَبُو عَمْرٍو، كما في العُبَابِ.

وِالبَضِيعُ: مَرْسًى بعَيْنِهِ دَونَ جُدَّةَ مِمَّا يَلِي اليَمَنَ، غَلَبَ عليْه هذا الاسْمُ.

وِالبَضِيعٌ: العَرَقُ، لِأَنَّه يَبْضَعُ من الجَسَدِ؛ أَي يسيلُ «والصّادُ لُغَةٌ فيه» وقد تَقَدَّمَ.

وِالبَضِيعُ: جَبَلٌ نَجْدِيٌّ. قال لَبِيدٌ رضي ‌الله‌ عنه:

عِشْتُ دَهْرًا وما يَدُومُ عَلَى الأَيّ *** امِ إلّا يَرَمْرَمٌ، وتِعَارُ

وِكُلافٌ، وضَلْفَعٌ، وبَضِيعٌ *** وِالَّذِي فَوْقَ خُبَّةٍ تِيمَارُ

وِالبَضِيعُ: البَحْرُ نَفْسُه. والبَضِيعُ: المَاءُ النَّمِيرُ، كالبَاضِع. يُقَالُ: ماءٌ بَضِيعٌ وبَاضِعٌ.

وِالبَضِيعُ: الشَّرِيكُ. يُقَالُ: هو شَرِيكي وبَضِيعِي.

ج: بُضْعٌ، بالضَّمِّ، هكَذَا هو في سائِرِ النُّسَخِ، والَّذِي في اللِّسَانِ والعُبَابِ: هُمْ شُرَكَائِي وبُضَعائِي.

وِالبَضِيعَةُ، كسَفِينَةٍ: العَلِيقَةُ، وهي الجَنِيبَة تُجْنَبُ مع الإِبِلِ، نَقَلَهُ ابنُ عَبَّادٍ. وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:

احْمِلْ عَلَيْهَا إنَّهَا بَضَائِعُ *** وِما أَضاعَ الله فهْوَ ضائِعُ

وِالبُضَيع، كزُبَيْرٍ: موضع من ناحِيَةِ اليَمَنِ، به وَقْعَةٌ.

وقيل: مكانٌ في البَحْرِ أَو جَبَلٌ بالشَّامِ، وقد جَاءَ ذِكْرُهُ في شِعْر حَسّانَ رضي ‌الله‌ عنه:

أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدّارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ *** بَيْنَ الجَوَابِي فالبُضَيْعِ فحَوْمَلِ

قالَ الأَثْرَمُ: وقِيلَ: هو البُصَيْع، بالصّادِ المُهْمَلَةِ. قال الأَزْهَرِيّ: وقد رَأَيْتُه، وهو جَبَلٌ قَصِيرٌ أَسْوَدُ عَلَى تَلٍّ بأَرْضِ البَثَنِيَّة فِيما بَيْنَ نَشِيل وذاتِ الصَّمَّيْنِ بالشَّأْمِ من كُورَةِ دِمَشْق.

وِهو أَيْضًا: موضع، عَنْ يَسَارِ الجَارِ، بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةَ، قِيلَ: هو مِمّا يَلِي الجُحْفَةَ وظُرَيْبَةَ، أَسْفَلَ من عيْنِ الغِفَارِيِّينَ.

وِبِئْر بُضَاعَةَ، بالضَّمِّ، وقَدْ تُكْسَرُ، حَكَى الوَجْهَيْنِ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيّ، وقالَ غَيْرُهما: المَحْفُوظُ الضَّمُّ. قالَ ابنُ الأَثِيرِ: وحُكِيَ بالصَّادِ المُهْمَلَةِ أَيْضًا، وقَدْ أَشَرْنَا إلَى ذلِكَ، والكَسْرُ، نَقَلَهُ ابْنُ فارِسٍ أَيْضًا: هي بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ بالمَدِينَةِ، كانَ يُطْرَحُ فِيهَا خِرَقُ الحَيْضِ ولُحُومُ الكِلابِ، والمُنْتِن، وقد جاءَ ذِكْرُهَا في حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رضي ‌الله‌ عنه، قُطْرُ رَأْسِهِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ.

قالَ أَبُو دَاوُودَ سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ: قَدَّرْتُ بِئْرَ بُضاعَةَ برِدَائِي، مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا. ثُمَّ ذَرَعْتُهُ، فإِذا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ.

قالَ: وسَأَلْت الَّذِي فَتَحَ لِي بابَ البُسْتَانِ، فَأَدْخَلَنِي إلَيْهِ: هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كانَتْ عَلَيْهِ؟ فقَالَ: لا، ورَأَيْتُ فيها ماءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْن. قال الصّاغَانِيُّ: كُنْتُ سَمِعْتُ هذا الحَدِيْثَ بِمَكَّةَ حَرَسَها الله تَعَالَى وَقْتَ سَمَاعِي سُنَنَ أَبِي دَاوُودَ، فَلَمّا تَشَرَّفْتُ بزِيَارَةِ النَّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم ـ وذلِكَ في سَنَةِ خَمْسٍ وسِتِّمِائة ـ دَخَلْتُ البُسْتَانَ الَّذِي فِيهِ بِئْرُ بُضاعَةَ، وقَدَّرْت قُطْر رَأْس البِئْر بعِمَامَتِي، فكانَ كما قالَ أَبُو دَاوُودَ.

قُلْتُ: ويقَالُ: إنَّ بُضَاعَةَ اسْمُ امْرَأَةٍ نُسِبَتْ إلَيْهَا البئْر.

وِأَبْضَعَةُ، كأَرْنَبَة: مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ وذِكْرُ مُلُوكٍ مُسْتَدْرَكٌ، أَخُو مِخْوَسٍ ومِشْرَحٍ، وجَمْدٍ، والعَمَرَّدَة بَنُو مَعْدِيكَربَ بنِ وَلِيِعَةَ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُم في حَرْف السِّينِ.

وقد دَعا عَلَيْهِم النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم ولَعَنَهُمُ، قالَهُ اللَّيْثُ، ويُرْوَى بالصَّادِ المُهْمَلَةِ، وقد تَقَدَّم.

وِالأَبْضَعُ: المَهْزُولُ من الرِّجَالِ. نَقَلَهُ ابنُ عَبَّادٍ.

قالَ: وأَبْضَعَهَا، أَيْ زَوَّجَها، وهو مِثْلُ أَنْكَحَهَا. وفِي الحَدِيثِ: «تُسْتَأْمِرُ النِّسَاءُ في إبْضاعِهِنَّ»، أَيْ في إنْكَاحِهِنَّ.

وِأَبْضَعَ الشَّيْ‌ءَ: جَعَلَهُ بِضَاعَةً كائنَةً ما كَانَتْ، كاسْتَبْضَعَهُ. ومنه المَثَلُ: «كمُسْتَبْضِعِ التَّمْرِ إلَى هَجَرَ» وذلِكَ أَنَّ هَجَرَ مَعْدِنُ التَّمْرِ. قالَ حَسّان رضي ‌الله‌ عنه، وهو أَوَّلُ شِعْرٍ قاله في الإِسْلامِ:

فإِنَّا ومَنْ يُهْدِي القَصَائِدَ نَحْوَنا *** كمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إلَى أَهْلِ خَيْبَرا

وقال خَارِجَةُ بنُ ضِرَارٍ المُرِّيّ:

فإِنَّكَ واسْتِبْضاعَكَ الشِّعْرَ نَحْوَنَا *** كمُسْتَضِعٍ تَمْرًا إلى أهْلِ خَيْبَرَا

وإنَّمَا عُدِّيَ بإِلَى لِأَنَّه في مَعْنَى حَامِلٍ.

وِأَبْضَعَ المَاءُ فُلانًا: أَرْوَاهُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ وهو مَجَازٌ.

وِأَبْضَعَهُ عن المَسْأَلَةِ: شَفَاهُ، ونَصُّ الجَوْهَرِيّ: ورُبَّما قالُوا: سَأَلَنِي فُلانٌ عن مَسْأَلَةٍ فأَبْضَعْتُه، إذا شَفَيْتَهُ.

وِقالَ اللّيْثُ: أَبْضَعَهُ الكَلامَ إبْضاعًا، إذا بَيَّنَهُ، أَيْ بَيَّنَ لَهُ ما يُنَازِعُهُ بَيَانًا شَافِيًا كَائنًا ما كَانَ.

وِتَبَضَّعَ العَرَقُ، مِثْلُ تَبَصَّعَ أَي سالَ، وبالمُعْجَمَةِ أَصَحُّ.. وهُنَا نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. وقَدْ صَحَّفَه اللَّيْثُ، وتَبِعَهُ ابنُ دُرَيْدٍ وابنُ بَرّيّ، كما تَقَدَّمَ. قال الجَوْهَرِيُّ: ويقالُ: جَبْهَتُهُ تَبَضَّعُ عَرَقًا، أَيْ تَسِيلُ، وأَنْشَدَ لِأَبِي ذُؤَيْبٍ:

تَأْبَى بِدِرَّتِهَا إذا ما اسْتُكْرِهَتْ *** إلَّا الحَمِيمَ فإِنَّهُ يَتَبَضَّعُ

قال الأَصْمَعِيُّ: وكانَ أَبُو ذُؤَيْبٍ لا يُجِيدُ وَصْفَ الخَيْل، وظَنَّ أَنَّ هذا مِمَّا تُوصَفُ بِهِ. انْتَهَى.

قُلْتُ: وقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ أَبِي سَعِيدٍ السُّكَّرِيّ عَلَيْهِ. ومَعْنَى يَتَبَضَّعُ: يَتَفَتَّحُ بالعَرَقِ ويَسِيلُ مُتَقَطِّعًا.

وقال ابنُ بَرِّيّ: ووَقَعَ في نُسْخَةِ ابنِ القَطّاعِ «إذا ما اسْتُضْغِبَتْ» وفَسَّرَهُ بفُزَّعَتْ، لِأَنَّ الضَّاغِبَ هو الَّذِي يَخْتَبِئُ في الخَمَرِ، ليُفَزِّعَ بمِثْلِ صَوْتِ الأَسَد. والضُّغَابُ: صَوْتُ الأَرْنَبِ، وتَقَدَّمَ شَيْ‌ءُ من ذلِكَ في «ب ص ع» قَرِيبًا، فَرَاجِعْهُ.

وِانْبَضَعَ: انْقَطَعَ، هو مُطَاوعُ بَضَعْتُهُ بمَعْنَى قَطَعْتُهُ.

وِابْتَضَعَ: تَبَيَّنَ، وهو مُطَاوعُ بَضَعَهُ بمَعْنَى بَيَّنَهُ، هكَذَا في التَّكْمِلَة.

وفي اللِّسَانِ: بَضَعْتُه فانْبَضَع وبَضَعَ؛ أَي بَيَّنْتَه فَتَبَيَّن.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

ويُجْمَع بَضْعَةُ اللَّحْمِ عَلَى بَضِيعٍ، وهو نَادِرٌ، ونَظِيرُه الرَّهِينُ جَمْع الرَّهْنِ، وَكلِيبٌ ومَعِيزٌ جَمْعُ كَلْبٍ ومَعْزٍ.

وِالبَضِيعُ أَيْضًا: اللَّحْمُ كما في الصِّحاح. قالَ: يُقَالُ: دَابَّةٌ كَثِيرَةُ البَضِيعِ، وهُوَ ما انْمَازَ من لَحْمِ الفَخِذِ. الوَاحِدَةُ بَضِيعَةٌ.

ويقَالُ: رَجلٌ خَاظِي البَضِيعِ، أَيْ سَمِينٌ.

قال ابنُ بَرِّي: يُقَالُ: سَاعِدٌ خاظِي البَضِيع؛ أَي مُمْتَلِئُ اللَّحْمِ. قال الحَادِرَة:

وِمُنَاخِ غَيْرِ تَبيئةٍ عَرَّسْتُهُ *** قَمِنٍ مِنَ الحَدَثانِ نَابِي المَضْجَعِ

عَرَّسْتُهُ ووسَادُ رَأْسِيَ سَاعِدٌ *** خَاظِي البَضِيعِ عُرُوقُه لَمْ تَدْسَعِ

أَي عُرُوقُ سَاعِدِهِ غَيْرُ مُمْتَلِئَةٍ مِنَ الدَّمِ، لِأَنَّ ذلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِلشُّيُوخِ.

ويُقَالُ: إنّ فُلانًا لَشَدِيدُ البَضْعَةِ حَسَنُها، إذَا كان ذا جِسْمٍ وسِمَنٍ.

وقولُهُ:

وِلا عَضِلٍ جَثْلٍ كَأَنَّ بَضِيعَهُ *** يَرابِيعُ فَوْقَ المَنْكِبَيْنِ جُثُومُ

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ بَضْعَةٍ، وهو أَحْسَنُ، لِقَوْلِهِ: يَرَابِيع، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّحْم.

ويقال: سَمِعْتُ للسِّيَاطِ خَضَعَةً، وللسُّيُوفِ بَضَعَةً، بالتَّحْرِيكِ فِيهِمَا، أَيْ صَوْتَ وَقْعٍ، وصَوْتَ قَطْعٍ، كما فِي الأَساسِ.

وِالمَبْضُوعَةُ: القَوْسُ. قَالَ أَوْسُ بنُ حَجَرٍ:

وِمَبْضُوعَةً مِنْ رَأْسِ فَرْعٍ شَظِيَّةً

يَعْنِي قَوْسًا بَضَعَها، أَيْ قَطَعَها.

وِبَضَعْتُ من فُلان: إذا سَئِّمْتَ مِنْهُ، علَى التَّشْبِيهِ، كما في الصّحاح.

وفي الأَساسِ: سَئِمْتَ مِنْ تَكْرِيرِ نُصحهِ فقطعتَه.

وِالبُضْعُ «بالضَّمِّ»: مِلْكُ الوَلِيِّ العَقْدَ لِلْمَرْأَةِ. ويُقَالُ: البُضْع: الكُفْ‌ءُ، ومِنْهُ الحَدِيث: «هذا البُضْعُ لا يُقْرَع أَنْفُهُ» أَرادَ صاحِبَ البُضْعِ، يُريدُ: هذا الكُف‌ءُ لا يُرَدُّ نَكَاحُهُ، ولا يُرْغَبُ عَنْهُ. وقَرْعُ الأَنْفِ عِبَارَةٌ عن الرَّدِّ.

وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: الاسْتِبْضاعُ: نَوْعٌ مِن نِكَاحِ الجاهِلَيَّةِ، وذلِكَ أَنْ تَطْلُبَ المَرْأَةُ جِمَاعَ الرَّجُلِ لِتَنالَ مِنْهُ الوَلَدَ فَقَط، كانَ الرَّجُلُ مِنْهُم يَقُولُ لِأَمَتِهِ أَو امْرَأَتِهِ: أَرْسِلِي إلى فُلانٍ فاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، ويَعْتَزِلُهَا فَلا يَمَسُّها، حَتَّى يَتَبَيَّن حَمْلُها من ذلِكَ الرَّجُلِ، وإنّمَا يَفْعَلُ ذلِكَ رَغْبَةً في نَجَابَةِ الوَلَدِ.

وِالبِضَاعَةُ: «بالكَسْر، والعامَّة تَضُمّها»: السِّلْعَةُ، وهي القِطْعَةُ من مَالٍ يُتَّجَرُ فِيهِ، وأَصْلُهَا من البَضْعِ وهي القَطْعُ، والجَمْعُ البَضَائِعُ. وأَبْضَعَهُ البِضَاعَةَ: أَعْطَاهُ إيّاها. وابْتَضَعَ منه: أَخَذَ، والاسْمُ البِضَاعُ، كالقِرَاضِ. ومِنْه الحَدِيثُ: «المَدِينَةُ كالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وتَبْضَعُ طِيبَها».

أَيْ تُعْطِي طِيبَها سَاكِنِيها، هكَذَا فَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. والمَشْهُورُ في الرّوايَةَ: تَنْصَعُ، بالنُّون والصّادِ المُهْمَلَةِ، ويُرْوَى «بالضّادِ والخَاءِ المُعْجَمَتَيْنِ وبالحاءِ المُهْمَلَةِ» من النَّضْحِ [والنَّضْخُ]، وهو الرَّشّ.

وِبَضَعَتْ جَبْهَتُه: سَالَتْ عَرَقًا.

وقَالَ البُشْتِيُّ: مَرَرْتُ بالقَوْمِ أَجْمَعِينَ أَبْضَعِينَ، وذَكَرَهُ الجَوْهَرِيّ في «ب ص ع» وقالَ: لَيْسَ بالعَالِي. وقال الأَزْهَرِيّ: بَلْ هو تَصْحِيفُ وَاضِحٌ. والَّذِي رُوِيَ عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ وغَيْره. أَبْصَعِين، بالصَّادِ المُهْمَلَة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


73-تاج العروس (جمع)

[جمع]: الجَمْعُ، كالمَنْعِ: تَأْلِيفُ المُتَفَرِّقِ. وفِي المُفْرَدَاتِ للرّاغِب ـ وتَبِعَهُ المُصَنِّفُ في البَصَائِر ـ: الجَمْعُ: ضَمُّ الشَّيْ‌ءِ بتَقْرِيبِ بَعْضِه مِن بَعْضٍ. يُقَالُ: جَمَعْتُه فاجْتَمَعَ.

وِالجَمْعُ أَيْضًا: الدَّقَلُ: يُقَالُ: ما أَكْثَرَ الجَمْعَ فِي أَرْضِ بَنِي فُلانٍ، أَوْ هو صِنْفٌ من التَّمْرِ مُخْتَلِطٌ مِنْ أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة، ولَيْسَ مَرْغُوبًا فيه، وما يُخْلَطُ إِلّا لِرَدَاءَتِهِ. ومِنْهُ الحَدِيثُ: «بِع الجَمْعَ بالدَّراهِمِ، وابْتَعْ بالدَّراهِمِ جَنِيبًا».

أَو هو النَّخْلُ خَرَجَ مِن النَّوَى لا يُعْرَفُ اسْمُه. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: كُلُّ لَوْنٍ مِن النَّخْلِ لا يُعْرَفُ اسْمُهُ فهو جَمْعٌ.

وِقال ابنُ دريدٍ: يوم الجمع يوم القيامة.

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: الجَمْعُ: الصَّمْغُ الأَحْمَرُ. والجَمْعُ: جَماعَةُ النّاسِ، ج: جُمُوعٌ، كبَرْقٍ وبُرُوقٍ، كالجَمِيع، كَما في العُبَابِ. وفي الصّحاحِ: الجَمْعُ قد يَكُونُ مَصْدَرًا، وقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِجَمَاعَةِ النّاسِ، ويُجْمَعُ عَلَى جُمُوع، زادَ في اللِّسَانِ: والجَمَاعَةُ، والجَمِيعُ، والمَجْمَعُ، والمَجْمَعَةُ، كالجَمْعِ، وقد اسْتَعْمَلُوا ذلِكَ في غَيْرِ النّاسِ حَتَّى قالُوا: جَمَاعَةُ الشَّجَرِ، وجَمَاعَةُ النَّبَاتِ.

وِالجَمْعُ: لَبَنُ كُلِّ مَصْرُورَة، والفُوَاقُ: لَبَنُ كُلِّ بَاهِلَةٍ، وَسَيَأْتِي في مَوْضِعِهِ، وإِنّمَا ذُكِرَ هُنَا اسْتِطْرَادًا، كالجَمِيع.

وِجَمْع بِلا لامٍ: المُزْدَلِفَةُ، مَعْرِفَةٌ، كعَرَفَاتٍ، لاجْتِمَاعِ النّاسِ بها، وفي الصّحاح: فيها. وقَالَ غَيْرُه: لِأَنَّ آدَمَ وحَوَّاءَ لمّا أُهْبِطا اجْتَمَعا بها. قالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

فَبَاتَ بِجَمْع، ثُمَّ تَمَّ إِلَى مِنًى *** فَأَصْبَحَ رَادًا يَبْتَغِي المَزْجَ بِالسَّحْلِ

وِقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: يَوْمُ جَمْع: يَوْمُ عَرَفَةَ، وأَيَّامُ جَمْعٍ: أَيَّام مِنًى.

وِالمَجْمُوعُ: ما جُمِعَ مِنْ ها هُنَا وها هُنَا، وإِنْ لَمْ يُجْعَلْ كالشَّيْ‌ءِ الوَاحِدِ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وصَاحِبُ اللِّسَان.

وِالجَمِيعُ: ضِدُّ المُتَفَرِّقِ، قالَ قَيْسُ بنُ ذَرِيحٍ:

فَقَدْتُكِ مِنْ نَفْسٍ شَعَاع، فإِنَّنِي *** نَهَيْتُكِ عَنْ هذَا، وأَنْتِ جَمِيعُ

وِالجَمِيعُ: الجَيْشُ. قالَ لَبِيدٌ رضي ‌الله‌ عنه:

في جَمِيع حَافِظِي عَوْرَاتهِمْ *** لا يَهُمُّونَ بإِدْعاقِ الشَّلَلْ

وِالجميعُ الحَيُّ المُجتَمعُ. قَالَ لَبِيدٌ رضي ‌الله‌ عنه يَصِفُ الدِّيارَ:

عَرِيَتْ، وكان بِهَا الجَمِيعُ فَأَبْكَرُوا *** مِنْهَا، فَغُودِرَ نُؤْيُها وثُمَامُهَا

وِجَمِيعٌ: عَلَمٌ، كجَامِع، وهُمَا كَثِيرَانِ في الأَعْلام.

وِفي الصّحاح والعُبَاب: أَتانٌ جَامِعٌ: إِذا حَمَلَتْ أَوَّلَ ما تَحْمِلُ.

وِقالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: جَمَلٌ جَامِعٌ، ونَاقَةٌ جَامِعَةٌ، إِذا أَخْلَفا بُزُولًا قال: ولا يُقَالُ هذا إِلّا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ. هكَذَا في النُّسَخِ، وصَوَابُهُ عَلَى ما فِي العُبَابِ والتَّكْمِلَةِ: «ولا يُقَالُ هذا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ»، مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الاسْتِثْناءِ.

وِدَابَّةٌ جامِعٌ: إِذا كانَتْ تَصْلُحُ للإِكافِ والسَّرْجِ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ.

وِقِدْرٌ جامِعٌ، وجَامِعَةٌ، وجِمَاعٌ، ككِتَابٍ، أَيْ عَظِيمَة، ذَكَرَ الصّاغَانِيُّ الأُولَى والثّانِيَةَ. واقْتَصَر الجَوْهَرِيُّ على الثّانِيَةِ، ونَسَبَ صاحِبُ اللِّسَانِ الأَخِيرَةَ إِلى الكِسَائِيّ. قالَ الكِسَائيّ: أَكبرُ البِرَامِ الجِمَاعُ، ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا المِئْكَلة.

وقِيلَ: قِدْرٌ جِمَاعٌ وجَامِعَةٌ: هي الَّتِي تَجْمَعُ الجَزُورَ، وفي الأَسَاسِ: الشَّاةَ، ج: جُمْعٌ، بالضَّمِّ.

وِالجَامِعَةُ: الغُلُّ لأَنَّهَا تَجْمَعُ اليَدَيْنِ إِلَى العُنُق، كَمَا في الصّحاح، والجَمْعُ: الجَوَامِع، قال:

وِلَو كُبِّلَتْ في سَاعِدَيَّ الجَوَامِعُ

وِمَسْجِدُ الجَامِعِ، والمَسْجِدُ الجَامِعُ: الَّذِي يَجْمَعُ أَهْلَهُ، نَعْتٌ له، لأَنَّهُ عَلَامَةٌ للاجْتِمَاعِ، لُغَتَانِ، أَيْ مَسْجِدُ اليَوْمِ الجامِعِ، كقَوْلِكَ حَقُّ اليَقِينِ، والحَقُّ اليَقِينُ، بِمَعْنَى حَقّ الشَّيْ‌ءِ اليَقِين، لِأَنَّ إِضَافَةَ الشَّيْ‌ءِ إِلَى نَفْسِهِ لا تَجُوزُ إِلَّا عَلَى هذَا التَّقْدِير. أَو هذِهِ؛ أَي اللُّغَةُ الأُولَى خَطَأٌ، نَقَلَ ذلِكَ الأَزْهَرِيُّ عَنِ اللَّيْث، ثُمَّ قالَ الأَزْهَرِيّ: أَجازُوا جَمِيعًا ما أَنْكَرَهُ اللَّيْثُ، والعَرَبُ تُضِيفُ الشَّيْ‌ءَ إِلَى نَفْسِهِ وإِلَى نَعْتِهِ إِذا اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ، كَما قَالَ تَعَالَى: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، ومَعْنَى الدَّين المِلَّة، كأَنَّهُ قالَ: وذلِكَ دِينُ المِلَّةِ القَيِّمةِ. وكَمَا قَالَ تَعالَى: {وَعْدَ الصِّدْقِ} و {وَعْدَ الْحَقِّ}. قالَ: ومَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ النَّحْوِيِينَ أَبَى إِجَازَتَهُ غَيْرَ اللَّيْثِ. قالَ: وإِنَّمَا هُوَ الوَعْدُ الصِّدقُ والمَسْجِدُ الجامِعُ.

وَجَامِعُ الجَارِ: فُرْضَةٌ لِأَهْلِ المَدِينَةِ، على ساكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، كَمَا أَنَّ جُدَّةَ فُرْضَةُ لأَهْلِ مَكَّةَ حَرَسَهَا الله تَعَالى.

وِالجَامِعُ: قرية، بالغُوطَةِ، بالمَرْجِ.

وِالجَامِعَانِ، بِكَسْرِ النُّونِ: الحِلَّةُ المَزيدِيَّةُ الَّتِي عَلَى الفُرَاتِ بَيْن بَغْدَادَ وبين الكُوفَةِ.

وِمن المَجَازِ: جَمَعَت الجارِيَة الثِّيَابَ: لَبِثسَتِ الدِّرْعَ والمِلْحَفَةَ والخِمَارَ. يُقَالُ ذلِكَ لها إِذا شَبِّتْ يُكنَى به عَنْ سِنِّ الاسْتِوَاءِ.

وِجُمَّاعُ النّاسِ، كرُمّان: أَخْلاطُهُمِ، وهم الاشَابَةُ من قَبائلَ شَتَّى، قال قَيْسُ بنُ الأَسْلَتِ السُّلَمَيّ يَصِفُ الحَرْب:

حَتَّى انْتَهَيْنَا وَلَنَا غَايَةٌ *** مِنْ بَيْنِ جَمْعِ غَيْرِ جُمَّاعِ

وِالجُمَّاعُ مِنْ كُلِّ شَي‌ءِ: مُجْتَمَعُ أَصْلِهِ، قالَ ابنُ عَبَّاس رَضِىَ الله عَنْهُمَا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ} قالَ: الشُّعُوبُ: الجُمَّاع، والقَبَائِلُ: الأَفْخَاذُ: أَرادَ بالجُمّاع مُجْتَمَعَ أَصْلِ كُلِّ شَيْ‌ء، أَرادَ مَنْشَأَ النَّسَبِ، وأَصْلَ المَوْلِدِ. وقِيلَ: أَرادَ بِهِ الفِرَقَ المُخْتَلِفَةَ مِن النّاس، كالأَوْزاعِ والأَوْشَابِ. ومنه‌الحَدِيثُ: «كانَ في جَبَلِ تِهَامَةَ جُمَّاعٌ غَصَبُوا المَارَّةَ» أَيْ جَماعَاتٌ من قَبائلَ شَتَّى مُتَفَرَّقَة.

وِكُلُّ ما تَجَمَّعَ وانْضَمَّ بَعْضُه إِلَى بَعْضٍ جُمَّاعٌ، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ وأَنْشَد:

وِنَهْبٍ كَجُمَّاعِ الثُّرَيّا حَوَيْتُهُ

هكَذَا هُوَ في العُبَابِ، وشَطْرُه الثّاني:

غِشَاشًا بمُجْتابِ الصَّفَاقَيْنِ خَيْفَقِ

وقد أَنْشَدَه ابنُ الأَعْرَابِيّ، وفَسَّرَهُ بالَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى مَطَرِ الثُّرَيَّا، وهو مَطَرُ الوَسْمِيّ، يَنْتَظِرُون خِصبَه وكَلأَهُ، وقال ذُو الرُّمَّة:

وَرَأْسٍ كجُمَّاعِ الصُّرَيّا ومِشْفَرٍ *** كسِبْتِ اليَمَانِيَ قِدُّه لَمْ يُجَرَّدِ

وِالمَجْمع، كمَقْعَدٍ ومَنْزِلِ: مَوْضِعُ الجَمْعِ، الأَخِيرُ نادِرُ كالمَشْرِقِ والمَغْرِب، أَعْنِي أَنَّهُ شَذَّ في بابِ فَعَلَ يَفْعَل، كما شَذَّ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ ونَحْوُهما من الشاذَّ في بابِ فَعَل يَفْعُلُ. وذَكَرَ الصّاغَانِيّ في نَظَائره أَيْضًا: المَشْرِبُ، والمَسْكَنُ، والمَنْسَكُ ومِنْسِجُ الثَّوْبِ، ومَغْسِلُ المَوْتَى، والمَحْشِرُ. فإِنَّ كُلَّا مِنْ ذلِكَ جَاءَ بالوَجْهَيْنِ، والفَتْحُ هو القِيَاسُ. وقَرَأَ عَبْدُ الله بنُ مُسْلِمٍ: حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمِعَ البَحْرَيْن بالكَسْر. وفي الحَدِيثِ: «فضَرَبَ بيَدِهِ مَجْمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وكَتِفِي» أَيْ حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ، وكَذلِكَ مَجْمَع البَحْرَيْنِ، وقالَ الحادِرَةُ:

أَسُمَيَّ، وَيْحَكِ، هَلْ سَمِعْتِ بِغَدْرَةٍ *** رُفِعَ اللَّوَاءُ لَنَا بِهَا في مَجْمَعِ

وِقالَ أَبو عَمْرٍو: المَجْمَعَةُ كَمَقْعَدَةٍ: الأَرْضُ القَفْرُ وأَيْضًا ما اجْتَمَعَ من الرَّمَالِ، جَمْعُه المَجَامِعُ، وأَنْشَدَ:

بَاتَ إِلَى نَيْسَبِ خَلَّ خَادِعِ *** وَعْثِ النَّهَاضِ قَاطِعِ المَجَامِعِ

بالأَمَّ أَحيانًا وبالمُشَايِعِ

وِالمَجْمَعَةُ: موضع، بِبِلادِ هُذَيْلٍ، ولَهُ يَوْمٌ مَعْرُوف.

وِجُمْعُ الكَفِّ، بالضَّمَّ، وهو حِينَ تَقْبِضُها، يُقَالُ: ضَرَبْتُه بجُمْعِ كَفَّي، وجاءَ فُلانٌ بِقُبْضَةٍ مِل‌ءِ جُمْعِهِ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وأَنْشَدَ لِلشّاعِرِ، وهو نُصَيْحُ بنُ مَنْظُورٍ الأَسَدِيّ:

وِمَا فَعَلَتْ بِي ذاكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا *** تُقَلَّب رَأْسًا مِثْلَ جُمْعِي عَارِيَا

وفي الحَدِيثِ: «رَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَأَنَّه جُمْعٌ» يُرِيدُ مثل جُمْعِ الكَفَّ، وهو أَنْ تَجْمَعَ الأَصَابِعَ وتَضُمَّهَا، وتَقُولُ: أَخَذْتُ فُلانًا بجُمْعِ ثِيَابِهِ، وبِجُمْعِ أَرْادَفِهِ.

ج: أَجْمَاعٌ يُقَالُ: ضَرَبُوه بِأَجْمَاعِهِم، إِذا ضَرَبُوا بِأَيْدِيهِم. وقَالَ طَرَفَةُ بنُ العَبْد:

بَطِي‌ءٍ عَنِ الجُلَّى، سَرِيعٍ إِلى الخَنَا *** ذَلُولٍ بِأَجْماعِ الرَّجَالِ مُلَهَّدِ

وِيُقَالُ: أَمْرُهُمْ بجُمْعٍ، أَيْ مَكْتُومٌ مَسْتُورٌ، لَمْ يُفْشُوه، ولَمْ يَعْلَمْ به أَحَدٌ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. وقِيلَ: أَيْ مُجْتَمِعٌ فلا يُفَرَّقُونَهُ، وهو مَجَازٌ.

وِيُقَال: هي من زَوْجِهَا بِجُمعٍ، أَيْ عَذْرَاءُ لَمْ تُقْتَضَّ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ. قَالَتْ دَهْنَاءُ بِنْتُ مِسْحَلٍ ـ امْرَأَةُ العَجّاج ـ للعَامِلِ: «أَصْلَحَ الله الأَمَيرَ، إِنِّي مِنْهُ بِجُمْعٍ ـ أيْ عَذْرَاءُ ـ لَمْ يَقْتَضَّني». نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ. وإِذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرأَتَهُ وهي عَذْرَاءُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ: «طُلّقَتْ بِجُمْعٍ»، أي طُلَّقَت، وهي عَذْراءُ.

وِذَهَبَ الشهر بِجُمْعٍ؛ أَي ذَهَبَ كُلُّهُ، ويُكْسَر فِيهنَّ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِي ما عَدَا جُمْعَ الكَفَّ، عَلَى أَنَّهُ وُجِدَ في بَعْضِ نُسَخِ الصّحاحِ. وجُمْعُ الكَفَّ، بالضَّمّ والكَسْرِ، لُغَتَان، هكَذَا رَأَيْتُه فِي هامِشِ نُسْخَتِي.

وِماتَت المَرْأَةُ بجُمْعٍ، مُثَلَّثَةً، نَقَلَ الجَوْهَرِيُّ الضَّمَّ والكَسْرَ، وكَذا الصّاغَانِيّ. وفي اللِّسَان: الكَسْرُ عن الكِسَائيّ؛ أَي عَذْرَاءَ، أَيْ أَنْ تَمُوتَ ولَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ، ورُوِىَ ذلِكَ في الحَدِيث: «أَيُّمَا أَمَرأَةٍ ماتَتْ بجُمْعٍ لَمْ تُطْمَثْ دَخَلَتِ الجَنَّةَ» هذَا يُريدُ به البِكْرَ أَوْ حَامِلًا أَيْ أَنْ تَمُوتَ وفي بَطْنِهَا وَلَدٌ، كَما نَقَلَهُ الجَوهَرِيّ.

وقالَ أَبُو زَيْدٍ: ماتَتِ النَّسَاءُ بأَجْماعٍ، والوَاحِدَةُ بجُمْعٍ، وذلِكَ إِذا ماتَتْ ووَلَدُها في بَطْنِهَا، ماخِضًا كانَتْ أَوْ غَيْرَ مَاخِضٍ. و* قال غَيْرُهُ: ماتَتِ المَرْأَةُ بجُمْعٍ وجِمْعٍ، أَيْ مُثْقَلَة. وبه فُسَّرَ حَدِيثُ الشُّهَدَاءِ: «ومِنْهُمْ أَنْ تَمُوتَ المَرْأَةُ بجُمْعٍ». قالَ الراغِبُ: لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا. قال الصّاغَانِيّ: وحَقِيقَةُ الجُمْعِ والجِمْعِ أَنَّهُمَا بمَعْنَى المفعولِ كالذُّخَرِ والذَّبْحِ والمعنى أَنَّهَا ماتَتْ مع شَيْ‌ءِ مَجْمُوع فيها، غَيْرَ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا، مِن حَمْلٍ أَو بَكَارَةٍ. وقالَ اللَّيْثُ: ومِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، رضي ‌الله‌ عنه، حِينَ وَجَّههُ رَسُولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌وآله في سَرِيَّةٍ فقال: «إِنَّ امْرَأَتِي بجُمْعِ» قالَ: «فاخْتَرْ لَهَا مَنْ شِئتَ مِنْ نِسَائِي تَكُونُ عِنَدَهَا»، فَاخْتَارَ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنيِنَ، رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهَا، فَوَلَدَتْ عائشَةَ بِنْتَ أَبِي مُوسَى فِي بَيْتِهَا، فسَمَّتْها باسْمِهَا، فَتَزَوَّجَهَا السائبُ ابنُ مالِكٍ الأَشْعَرِيّ. ويُقَالُ: جُمْعَةٌ مِنْ تَمْرٍ، بالضَّمَّ؛ أَي قُبْضَةٌ منه.. والجُمْعَةُ أَيْضًا: المَجْمُوعَةُ ومِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ، رضي ‌الله‌ عنه: «أَنَّهُ صَلَّى المَغْرِبَ فلَمَّا انْصَرَفَ دَرَأَ جُمْعَةً مِنْ حَصَى المَسْجِدِ، وأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ واسْتَلْقَى» أَى سَوَّاهَا بيَدِهِ وبَسَطَهَا.

وِيَوْمُ الجُمْعَةِ، بالضَّمّ، لُغَةُ بَنِي عُقَيْلٍ، وبِضَمَّتَيْنِ، وهي الفُصْحَى، والجُمَعَة كهُمَزَةٍ لُغَةُ بَنِي تَمِيم، وهِي قِرَاءَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رضي ‌الله‌ عنهما والأَعْمَشِ، وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وابْنُ عَوْفٍ، وابْنِ أَبِي عَبْلَةُ، وأَبيِ البَرَهْسَمِ، وأَبِي حَيْوَةَ. وفي اللّسَانِ: قَوْلُه تَعالَى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} خَفَّفَها الأَعْمَشُ، وثَقَّلَهَا عاصمٌ وأَهْلُ الحِجَاز، والأَصل فيها التَّخْفِيفُ. فَمَنْ ثَقَّلَ أَتْبَعَ الضَّمَّةَ، ومَنْ خَفَّفَ فعَلَى الْأَصْلِ، والقُرَّاءُ قَرَأُوهَا بالتَّثْقِيل. والَّذِينَ قالُوا: الجُمَعَةَ ذَهَبُوا بها إِلَى صِفَةِ اليَوْمِ. أَنَّهُ يَجْمَعُ النّاسَ كَثِيرًا كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ هُمَزَةٌ لُمَزَةٌ ضُحَكةٌ: معروف أَيْ مَعْرُوفٌ، سُمَّيَ لأَنّهَا تَجْمَعُ النّاسَ، ثُمّ أَضِيفَ إِلَيْهَا اليَوْمُ كدَارِ الآخِرَةِ. وزَعَمَ ثَعْلَبُ أَنّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّاهُ به كَعْبُ بنُ لُؤَيّ، وكانَ يُقَال لَهَا: العَرُوبَةَ. وذَكَر السُّهَيْلِيّ في الرَّوْضِ: أَنَّ كَعْبَ بنَ لُؤَيّ أَوّلُ مَنْ جَمَّع يَوْمَ العَرُوبَةِ، ولَمْ تُسَمَّ العَرُوبَةُ الجُمُعَةَ إلَّا مُذْ جاءَ الإسلامُ، وهو أَوَّلُ مَنْ سَمّاها الجُمُعَةَ، فكانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ في هذَا اليَوْمِ، فَيَخْطُبُهُمْ ويُذَكَّرُهُم بمَبْعَثِ سَيَّدنا رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌وآله، ويُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ مِن وَلَدِهِ، ويَأمُرُهُمْ باتَّبَاعِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وآله والإيمانِ به، ويُنْشِدُ فِي هذا أَبْيَاتًا منها:

يا لَيْتَنِي شَاهِدُ فَحْوَاءَ دَعْوَتِهِ *** إذا قُرَيْشُ تُبَغَّي الحَقَّ خِذْلانا

قُلْتُ: ورُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَيْضًا: إِنَّمَا سُمَّي يَوْمَ الجُمعَةِ، لأَنَّ قُرَيْشًا كانَتْ تَجْتَمِعُ إلَى قُصَيّ في دارِ النَّدْوَةِ، والجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ هذا والَّذِي تَقَدَّم ظاهِرُ. وقالَ أَقْوَامُ: إِنَّمَا سُمَّيَت الجُمُعَةَ في الإسلام، وذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهم في المَسْجِدِ، وفي حَدِيثِ الكَشَّيّ أَنَّ الأَنْصَارَ سَمَّوْهُ جُمُعَةً لإجْتِمَاعِهِم فيه. ورُوِيَ عَن ابْنِ عَبّاس، رضي ‌الله‌ عنهما، أَنَّهُ قال: «إنّما سُمّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، لأَنّ الله تَعَالَى جَمَعَ فيه خَلْقَ آدَمَ عَلَيْه السَّلامُ» وأَخْرَجَه السُّهَيْلي في الرَّوْضِ مِن طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ.

فائدَةٌ:

قالَ اللَّحْيَانِيّ: كانَ أَبو زِيَادٍ وأَبُو الجَرّاح يَقُولان: مَضتِ الجُمُعَةُ بِمَا فِيها، فَيُوَحَّدانِ ويُؤَنَّثَان، وكانَا يَقُولانِ: مَضَى السَّبْتُ بما فيه، ومَضَى الأحَدُ بِمَا فيه، فيُوَحَّدَانِ ويُذَكَّرَان.

واخْتَلَفا فِيمَا بَعْدَ هذا، فكانَ أَبُو زِيَادٍ يَقُولُ: مَضَى الاثْنانِ بِمَا فيه، ومَضَى الثّلاثاءُ بما فيه، وكَذلِكَ الأَرْبَعَاءُ والخَمِيس. قالَ: وكانَ أَبُو الجَرَّاحِ يَقُول: مَضَى الاثْنَانِ بما فيهما، ومَضَى الثلاثاءُ بما فيهِنَّ، ومَضَى الأَرْبَعَاءُ بما فِيهِنَّ، ومضَى الخَميسُ بما فيهنَّ، فيَجْمَعُ ويُؤَنَّثُ، يُخْرِجُ ذلِك مُخْرَجَ العَدَد.

قَالَ أَبُو حاتِمٍ: مَنْ خَفَّفَ قالَ في ج: جُمَعٌ، كصُرَدٍ وغُرَفٍ، وجُمْعَات، بالضم، وبضمتين كغُرْفات، وَغُرُفات وتُفْتَحُ المِيمُ في جَمْع الجُمَعَة، كهُمَزَةٍ: قَالَ: ولا يَجُوزُ جُمْعٌ في هذا الوَجْه.

وِيُقَالُ: أَدامَ الله جُمْعَةَ مَا بَيْنكُمَا بالضَّمَّ، كما يُقَالُ: أُلْفَةَ ما بَيْنَكُمَا قالَهُ أَبُو سَعِيدٍ.

وِالجَمْعَاءُ: النّاقَة الكَافَّةُ الهَرِمَةُ، عَن ابنِ الأَعْرَابِيّ.

وِالجَمْعَاءُ من البَهَائِم: الَّتِي لَمْ يَذْهَبْ من بَدَنِهَا شَيْ‌ءٌ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ» أَيْ سَلِيمَةً مِن العُيُوبِ، مُجْتَمِعَةَ الأَعْضَاءِ كامِلَتَها، فلَا جَدْعَ ولا كَيَّ.

وِجَمْعَاءُ: تَأْنِيثُ أَجْمَعَ، وهو وَاحِدٌ في مَعْنَى جَمْعٍ، وجَمْعُهُ: أَجْمَعُونَ. في الصّحاح: جُمَع جَمْعُ جُمْعَة، وجَمْعُ جَمْعَاءَ في تَوْكِيدِ المُؤَنَّثِ تَقُولُ: رَأَيْتُ النَّسْوَةَ جُمَعَ، غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وهو مَعْرِفَةٌ بِغَيْر الأَلِفِ والّلامِ، وكَذلِكَ ما يَجْرِي مَجْرَاهُ من التَّوكِيدِ، لأَنَّهُ تَوْكِيدٌ للْمَعْرِفَةِ، وأَخَذْتُ حَقَّي أَجْمَعَ، في تَوْكِيدِ المُذَكَّرِ وهو تَوْكِيدٌ مَحْضُ، وكَذلِكَ أَجْمَعُونَ وجَمْعَاءُ وجُمَعُ، وأَكْتَعُونَ، وأَبْتَعُونَ، وأَبْصَعُونَ، لا يَكُونُ إِلّا تَأْكَيدًا تابِعًا لِما قَبْلَهُ، لا يُبْتَدَأَ ولا يُخْبَرُ به، ولا عَنْهُ، ولا يَكُونُ فاعِلًا ولا مَفْعُولا، كما يَكُونُ غَيْرُهُ مِن التَّوَاكِيدِ اسْمًا مَرَّةً، وتَوْكِيدًا أُخْرَى، مِثْلُ: نَفْسه وعَيْنه وكُلّه. وأَجْمَعُونَ: جَمْعُ أَجْمَعَ، وأَجْمَعُ وَاحِدٌ في مَعْنَى جَمْعٍ، وَلَيْسَ لَهُ مُفرَدٌ مِن لَفْظِهِ، والمُؤَنّثُ جَمْعَاءُ، وكانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعُوا جَمْعَاءَ بالأَلِفُ والتّاءِ، كَمَا جَمَعُوا أَجْمَعَ بالوَاو والنُّونِ، ولكِنَّهُمْ قالُوا فِي جَمْعِهَا: جُمَعُ. انتهى، ونَقَلَهُ الصّاغَانِيّ أَيْضًا هكَذا.

وفي اللَّسَانِ: وجَمِيعٌ يُؤَكَّدُ به، يُقَالُ: جاؤُوا جَمِيعًا: كُلَّهُمْ، وأَجْمَعُ مِنْ الأَلْفَاظِ الدّالَّةِ عَلَى الإحَاطَةِ ولَيْسَتْ بصِفَةٍ، ولكِنَّهُ يُلَمُّ به ما قَبْلَهُ من الأَسْمَاءِ ويُجْرَى عَلَى إِعْرَابِهِ، فلذلِكَ قالَ النَّحْوِيُّون: صِفَة، والدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ قَوْلُهُمْ أَجْمَعُون، فلَوْ كانَ صِفَةً لَمْ يَسْلَمْ جَمْعُه ولَوْ كَانَ مُكَسَّرًا، والأُنْثَى جَمْعَاءُ، وكِلاهُمَا مَعْرِفَةٌ لا يُنكرُ عند سيبويه. وأَمَّا ثعلبُ فحكى فيهمَا التَّنكِيرَ والتَّعْرِيفَ جَمِيعًا، يَقُولُ: أَعْجَبَنِي القَصْرُ أَجْمَعُ وأَجْمَعَ، الرَّفْعُ عَلَى التَّوكِيدِ والنَّصْبُ على الحالِ، والجَمْعُ، «جُمَعُ» مَعْدولٌ عن جَمْعاوَاتٍ، أَو جَمَاعَى، ولا يَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ جُمْعٍ، لأَنَّ أَجْمَعَ لَيْسَ بِوَصْف، فَيَكُونُ كأَحْمَرَ وحُمْرٍ. قالَ أَبُو عَلِيّ: بابُ أَجْمَعَ وجَمْعَاءَ، وأَكْتَعَ وكَتْعَاءَ وما يَتْبَع ذلِكَ مِنْ بَقِيَّته، إِنَّمَا هو اتّفَاقٌ وتَوَارُدٌ وَقَعَ في اللُّغَةِ علَى غَيْرِ ما كَانَ في وَزْنِهِ مِنْهِا، لأَنَّ بَابَ أَفْعَلَ وفَعْلاء إِنّمَا هُوَ للصَّفاتِ، وجَمِيعُهَا يَجِي‌ءُ علَى هذا الوَضْعِ نَكِرَاتٍ نَحْو أَحْمَرَ وحَمْرَاء، وأَصْفَرُ وصَفْرَاء، وهذا ونَحْوُه صِفَاتٌ نَكِرَاتٌ، فأَمَّا أَجْمَعُ وجَمْعَاءُ فاسْمَانِ مَعْرفَتَانِ، لَيْسا بصَفَتَيْنِ، فإنَّمَا ذلِكَ اتَّفَاقٌ وَقَعَ بَيْنَ هذِه الكَلِمَة المُؤَكَّدِ بها، ويُقَالُ: لك هذا المالُ أَجْمَعُ، ولك هذِهِ الحِنْطَةُ جَمْعَاءُ. وتَقَدَّم البَحْثُ في ذلِكَ في بَ ت ع. وفي الصّحاح: يُقَالُ: جاءُوا بأَجْمَعِهِم وتُضَمُّ المِيمُ، كما تَقُولُ: جَاءُوا بأَكْلُبِهِمْ جَمْعُ كَلْبٍ، أَيْ كُلّهم. قَالَ ابنُ بَرَّيّ: وشَاهِدُ الأَخِيرِ قَوْلُ أبِي دَهْبَلٍ.

فَلَيْتَ كَوانِينًا مِنَ اهْلِي وأَهْلِها *** بأَجْمُعِهِمْ في لُجَّةِ البَحْرِ لَجَّجُوا

وِجِمَاعُ الشَّيْ‌ءِ، بالكَسْرِ: جَمْعُهُ، يُقَالُ: جِمَاعُ الخِبَاءِ الأَخْبِيَةُ؛ أَي جَمْعُهَا، لأَنَّ الجِمَاعَ: ما جَمَعَ عَدَدًا. يُقَالُ: «الخَمْرُ جِمَاعُ الإثْم» كَمَا في الصّحاح، أَيْ مَجْمَعُه ومَظِنَّتُهُ. قُلْتُ: وهُوَ حَدِيثٌ، ومِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ الحَسَن البَصْرِيّ رَحِمَةُ الله تَعَالَى: «اتَّقُوا هذِهِ الأَهْوَاءَ فإِنَّ جِمَاعَهَا الضَّلالَةُ، ومَعَادَهَا النار» وكَذلِكَ الجَمِيعُ، إِلّا أَنّهُ اسْمٌ لازِمُ. وفِي الحَدِيثِ: «حَدَّثْنِي بِكَلِمَةٍ تَكُونُ جِمَاعًا، فقالَ: اتَّقِ الله فيما تَعْلَم» أَيْ كَلِمَةٍ تَجْمَعُ كَلِمَاتٍ.

وِفي الحَدِيثِ: «أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ» ويُرْوَى: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ» أَي القُرْآن، جَمَع الله بلُطْفِه له في الألْفَاظِ اليَسِيرَةِ مِنْهُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً، كقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {خُذِ العَفْوَ، وأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ} وكَذلِكَ ما جَاءَ فِي صِفَتِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وآله أنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ.

أَي أنَّهُ كانَ كَثِيرَ المَعَانِي، قَلِيلَ الأَلْفَاظِ، ومِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ: «عَجِبْتُ لِمَنْ لاحَنَ الناسَ كَيْفَ لا يَعْرِفُ جَوَامِعَ الكَلِمِ»، مَعْنَاه: كَيْفَ لا يَقْتَصِرُ عَلَى الإيجازِ وتَرْكِ الفُضُولِ مِن الكَلامِ.

وِسَمَّوْا جَمّاعًا، وجَمَاعَةَ، وجُمَاعَةَ، كشَدّادٍ وقَتَادَةَ وثُمَامَةَ، فمِنَ الثّانِي جَمَاعَةُ بنُ عَلِيَّ بنِ جَمَاعَةَ بنِ حازِمِ بنِ صَخْرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ جَمَاعَةَ، مِنْ وَلَدِ مالِك بنِ كِنَانَةَ، بَطْنٌ، مِنْ وَلَدِهِ: البُرْهَانُ إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدِ الله بنِ أَبِي الفَضْلِ سَعْدِ للهِ بنِ جَمَاعَةَ، وُلِدَ بِحَماةَ سَنَةَ خَمْسِمَائَةٍ وسِتَّةٍ وتِسْعِينَ، وهو أَوَّلُ مَنْ سَكَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سِتّمائةٍ وخَمْسَةٍ وسَبْعِين، ووَلَدَاهُ: أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ الله، وأَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمنِ. فمِن ولَدِ الأَخِيرِ قاضِي القُضَاةِ البَدْرُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، تُوُفِّيَ بمِصْرَ سَنَةَ سَبْعِمِائَة وثَلاثَةٍ وثَلاثِينَ. وحَفِيداهُ: السَّراجُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ مَحَمَّدٍ، والبُرْهَانُ إِبْرَاهِيمُ بنُ عَبْد الرَّحِيمِ بنِ مُحَمَّدِ، مَشْهُورانِ، الأَخِيرُ حَدَّث عَن الذَّهَبِيّ، وتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِمَائَة وتِسْعِينَ، وتُوُفِّيَ السَّرَاجُ عُمَرُ سنة سَبْعِمَائَةِ وسِتَّةٍ وسَبْعِينَ، ووَلَدُهُ المُسْندُ الجَمَالُ عَبْدُ الله بنِ عُمَرَ، أَجازَ لَهُ وَالِدُهُ وجَدُّهُ. ومِنْهُم الحافِظُ المُحَدَّثُ أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الله بن حَمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ عبدِ الرَّحْمنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدِ الله بنِ جَمَاعَةَ، حَدَّثَ عن الحافِظِ بنِ حَجَرٍ. ومِنْ وَلَدِه شَيخُ مَشَايخِنَا أُعْجُوبَةُ العَصْرِ عَبْدُ الغَنِيَّ بن إِسْمَاعِيلَ بن عَبْد الغَنِيَّ بن إِسْمَاعِيلَ، بن أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ إِسْمَاعِيل وُلِدَ سَنَةَ أَلف ومِائَةٍ وثَلاثَةٍ وأَرْبَعِينَ، عَنْ ثَلاثَةٍ وتِسْعِينَ، حَدَّثَ عَنْ وَالِدِهِ، وعَنِ الشَّيْخِ تَقِيَّ الدَّينِ بن عَبْدِ الباقي الأَتْرِبِيّ، وعَنِ النَّجْمِ الغَزِّيّ، والضَّيَاءِ الشَّبْرَاملسِيّ، وغَيْرِهِم، رَوَى عنه عِدَّةٌ مِن مَشَايِخنَا، وبالجُمْلَةِ فَبَيْتُ بَنِي جَمَاعَةُ بن الحَسَن، حدَّثَ عَنْهُ سَعِيدُ بن غُفَيْر. وخَلِيلُ بن جُمَاعَةَ، رَوَى عن رُشْد بن سعد، وعنه يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صالِح، قالَهُ ابنُ يونُس، وضَبَطَهُ ابنُ نُقْطَةَ. وجُشَم بن بِلالِ بن جُمَاعَةَ الضُّبَعِيّ جَدٌّ للمُسَيَّب بنِ عَلَسٍ الشاعِر، ذَكَرَه الرُّشَاطِيّ.

وِقالَ الكِسَائيُّ: يُقَالُ: ما جَمَعْتُ بِامْرَأَةِ قَطُّ، وعَن امْرَأَةٍ، أَيْ ما بَنَيْتُ.

وِالإِجْمَاعَ؛ أَي إِجْمَاعُ الأُمَّةِ: الإِتَّفَاقُ، يقال: هذتا أَمْرُ مُجْمَعٌ عَلَيْه: أَيْ مُتَّفَقٌ عليه. وقالَ الرّاغِبُ: أَي اجْتَمَعَتْ آرَاؤُهُم علَيْه.

وِالإجْمَاعُ: صَرُّ أَخْلافِ النَّاقَةِ جُمَعَ، يُقَالُ: أَجْمَعَ النّاقَةَ، وأَجْمَعَ بها، وكَذلِكَ أَكْمَشَ بِهَا.

وقالَ أَبُو الهَيْثَمِ: الإِجْمَاعُ: جَعْلُ الأَمْرِ جَمِيعًا بَعْدَ تَفَرُّقِهِ. قالَ: وتَفَرُّقُهُ أَنَّهُ جَعَلَ يُدِيرُهُ فَيَقُولُ مَرَّةً أَفْعَلُ كَذَا، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ مُحْكَم أَجْمَعَهُ، أَيْ جَعَلَهُ جَمِيعًا، قالَ: وكذَلِكَ يُقَالُ: أَجْمَعْتُ النَّهْبَ، والنَّهْبُ: إِبلُ القَوْمِ الَّتِي أَغارَ عَلَيْهَا اللُّصُوصُ، فكَانَتْ مُتَفَرَّقَةً في مَرَاعِيهَا، فجَمَعُوها مِن كُلَّ ناحِيَة، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لَهُمْ، ثُمَّ طَرَدُوهَا وسَاقُوها، فإذا اجْتَمَعَتْ قِيلَ: أَجْمَعُوها، وأَنْشَدَ لأَبِي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حُمُرًا:

فَكَأَنَّهَا بالجِزْعِ بَيْنَ نُبَايِعٍ *** وِأَولَاتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبُ مُجْمَعُ

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: الإِجْمَاعُ: الإِعْدَادُ يُقَالُ: أَجْمَعْتُ كَذَا، أَيْ أَعْدَدْتُهُ. قُلْتُ: وهُوَ قَوْلُ الفَرّاءِ.

وِالإِجْمَاعُ أَيْضًا: التَّجْفِيفُ والإِيباسُ ومِنْهُ قَوْلُ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيّ:

وِأَجْمَعَتِ الهَوَاجِرُ كُلَّ رَجْعِ *** مِنَ الأَجْمَادِ والدَّمَثِ البَثَاءِ

أَجْمَعَتْ، أَيْ أَيْبَسَتْ. والرَّجْعُ: الغَدِيرُ. والبَثَاءُ: السَّهْلُ.

وِالإِجْمَاعُ: سَوْقُ الإِبِلِ جَمِيعًا، وبه فُسَّرَ أَيْضًا قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ.

وِقالَ الفَرّاءُ: الإِجْمَاعُ: العَزْمُ علَي الأَمْرِ والإِحْكَامُ عَلَيْه. تَقُولُ: أَجْمَعْتُ الخُرُوجَ، وأَجْمَعْتُ عَلَيْه، وبه فُسَّرَ قَوْلُهُ تَعَالَي: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} قال: ومَنْ قَرَأَ «فاجْمَعُوا» فمَعْنَاه، لا تَدَعُوا شَيْئًا مِن كَيْدِكُمْ إِلّا جِئْتُم به. وفي صَلاةِ المُسَافِرِ: «ما لَمْ أَجْمَعْ مُكْثًا»، أَىْ ما لَمْ أَعْزِمٍ عَلَي الْإِقَامَةِ. وأَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وأَزْمَعْتُه، وعَزَمْتُ عَلَيْه: بمَعْني. ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عَن الكِسَائِيّ، يُقَالُ: أَجْمَعْتُ الأَمْرَ وعَلَيْهِ، إِذا عَزَمْتَ عَلَيْهِ. زادَ غَيرهُ: كَأَنَّهُ جَمَعَ نَفْسَهُ له. والأَمْرُ مُجْمَعُ، زادك الجَوْهَرِي: ويُقَالُ أَيْضًا: أَجْمِعْ أَمْرَكَ ولا تَدَعْهُ مُنْتَشِرًا. قال الشّاعِرُ وهو أَبُو الحَسْحاسِ:

تُهِلُّ وتَسْعَى بالمَصَابِيحِ وَسْطَها *** لَها أَمْرُ حَزْمٍ لا يُفَرَّقُ، مُجْمَعُ

وقالَ آخَرُ:

يا لَيْتَ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَعُ *** هَلْ أَغدُونْ يَوْمًا وأَمْرِي مُجْمَعُ؟

وأَنْشَدَ الصّاغَانِيّ لذِي الإِصْبَع العَدْوَانِيّ:

وِأَنْتُمُ مَعْشَرُ زَيْدُ عَلَى مِائَةٍ *** فأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ طُرَّا فِكيدُونِي

وقَالَ الرّاغِبُ: وأَكْثَرُ ما يُقَالُ فِيما يَكُونُ جَمْعًا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بالنَّكِرَة.

وِقال الكِسَائِيُّ: المُجْمِعُ كمُحْسِنٍ: العَامُ المُجْدِبُ، لاجْتِمَاعِهمْ في مَوْضِعِ الخِصْب. وقَوْلُهُ تَعَالَي: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} قالَ ابنُ عَرَفَةَ: أَيْ اعْزِمُو عَلَيْه. زادَ الفَرّاءُ: وأَعِدُّوا له. وقالَ أَبُو الهَيْثَمِ: أَي اجْعَلُوهُ جَمِيعًا. وأَمَّا قَوْلُه: وَشُرَكاءَكُمْ، فقالَ الجَوْهَرِيُّ: أَيْ: وَادْعُوَ شُرَكَاءَكُمْ، وهو قَوْلُ الفَرّاءِ، وكَذلِكَ، قِرَاءَةُ عَبْدِ الله ونُصِبَ {شُرَكاءَكُمْ} بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ لأَنَّه لا يُقَالُ: أَجْمِعُوا شُرَكَاءَكم ونَصُّ الجَوْهَرِيّ: لِأَنَّهُ لا يُقَالُ: «أَجْمَعْتُ شُرَكَائِي، إِنَّمَا يُقَالُ: جَمَعْتُ». قال الشاعِرُ:

يا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا *** مُتَقَلَّدا سَيْفًا ورُمْحَا

أَيْ وحَامِلًا ورُمْحًا، لأَنَّ الرُّمْحَ لا يُتَقَلَّدُ. أَو المَعْني أَجْمِعُوا مع شُرَكَائِكُمْ علي أَمْرِكُم قالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. قالَ: والواوُ بِمَعْنَي مع، كَمَا يُقَالُ: لَوْ تَرَكْتَ الناقَةَ وفَصِيلَها لرَضَعَها. أَيْ مع فَصِيلِها. قالَ: والَّذِي قالَهُ الفَرّاءُ غَلَطُ، لأَنَّ الكَلامَ لا فَائِدَةَ لَهُ، لأَنَّهُمْ كانُوا يَدْعُونَ شُرَكَاءَهُمْ، لِأَن يُجْمِعُوا أَمْرَهُمْ، وإِذا كانَ الدُّعَاءُ لِغَيْرِ شَيْ‌ءٍ فلا فائِدَةِ فِيهِ.

وِالمُجْمَعَةُ، بِبنَاءِ المَفْعُولِ مُخَفَّفَةً: الخُطْبَة الَّتِي لا يَدْخُلُهَا خَلَلُ، عَن ابنِ عَبّادٍ.

وِأَجْمَعَ: المَطَرُ الأَرْضَ، إِذا سالَ رَغَابُهَا وجَهَادُهَا كُلُّهَا وكَذلِكَ أَجْمَعَتِ الأَرْضُ سائلَةً.

وِالتَّجْمِيع: مُبَالِغَةُ الجَمْعِ. وقالَ الفَرّاء: إِذا أَرَدْتَ جَمْعَ المُتَفَرَّقِ قُلْتَ: جَمَعْتُ القَوْمَ فهم مَجْمُوعُونَ، قالَ الله تَعَالَي: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ} قَالَ: وإِذَا أَرَدْتَ كَسْبَ المالِ قُلْتَ: جَمَّعْتُ المَالَ، كقَوْلِه تَعَالَي: جَمَّعَ مَالًا وَعَدَّدَه وقد يجُوز {جَمَعَ مالًا} بالتَّخْفِيفِ. قال الصَّاغَانِيّ: وبالتَّشْدِيدِ قَرَأَ غَيْرُ المَكِّيّ والبَصْرِيّين ونافِعٍ وعاصِمٍ.

وِالتَّجْمِيعُ: أَنْ تَجْمَعَ الدَّجَاجَةُ بَيْضَهَا فِي بَطْنِها، وقَدْ جَمَّعَتْ.

وِاجْتَمَعَ: ضِدُّ تَفَرَّقَ، وقَدْ جَمَعَهُ يَجْمَعُه جَمْعًا، وجَمَّعَهُ، وأَجْمَعَهُ فاجْتَمَعَ، كالجَدْمَعَ، بالدّالِ، وهي مُضَارَعَةٌ، وكَذلِكَ تَجَمَّع واسْتَجْمَعَ واجْتَمَعَ الرَّجُلُ: إِذا بَلغ أَشُدَّهُ، أَيْ غايَةَ شَبَابِهِ واسْتَوَتْ لِحْيَتُهُ،، فهُو مُجْتَمِعُ، ولا يُقَالُ ذلِكَ للنَّسَاءِ، قالَ سُحَيْمُ بنُ وَثِيلٍ الرَّيَاحِيّ:

أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي *** وِنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ

وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

قَدْ سادَ وهُوَ فَتًي حَتَّي إِذا بَلَغَتْ *** أَشُدُّهُ وَعلا في الأَمْرِ وَاجْتَمَعَا

وِاسْتَجْمَعَ السَّيْلُ: اجْتَمَعَ مِن كُلَّ مَوْضِع. ويُقَالُ: اسْتَجْمَعَ الوَادِي، إِذا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ إِلَّا سالَ.

وِاسْتَجْمَعَت لَهُ أُمُورُهُ: إِذا اجْتَمَعَ لَهُ كُلُّ ما يَسُرُّهُ مِن أُمُورِهِ. قالَهُ اللَّيْثُ، وأَنْشَدَ.

إِذا اسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ فِيهَا أُمُورُهُ *** كَبَا كَبْوَةً لِلْوَجْهِ لا يَسْتَقِيلُهَا

وِاسْتَجْمَعَ الفَرَسُ جَرْيًا: تَكَمَّشَ لَهُ وبالَغَ. قالَ الشاعِرُ يَصِفُ سَرَابَا.

وِمُسْتَجْمِعٍ جَرْيًا ولَيْسَ ببَارِحٍ *** تُبَارِيهِ في ضَاحِي المِتَانِ سَوَاعِدُه.

كَمَا في الصّحاح، يَعْنِي السّرَابَ. وسَوَاعِدُه: مَجَارِي الماءِ.

وِتَجَمَّعُوا، إِذا اجْتَمَعُوا مِنْ هاهُنَا وهاهُنَا.

وِالمُجَامَعَةُ: المُبَاضَعَةُ، جامَعَهَا مُجَامَعَةً وجِمَاعًا: نَكَحَهَا، وهُوَ كِنايَةٌ.

وِجَامَعَهُ عَلَى أَمْرِ كَذا: ما لأَهُ عَلَيْهِ، واجْتَمَعَ مَعَهُ، والمَصْدَرُ كالمَصْدَرِ. و‌في صِفَتِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وآله: «كَانَ إِذا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا أَيْ مُسرِعًا شَدِيدَ الحَرَكَةِ، قَوِىَّ الأَعْضَاءِ، غَيْرَ مُسْتَرْخٍ في مَشْيهِ.

* وممّا يُسْتَدْركُ عَلَيْه:

مُتَجَمَّعُ البَيْدَاءِ: مُعْظَمُهَا ومُحْتَفَلُهَا. قالَ مُحَمَّدُ بنُ شحاذ الضَّبِّيُّ:

فِي فِتْيَةٍ كُلَّمَا تَجَمَّعَتِ البَيْدَاءُ *** لَمْ يَهْلَعُوا ولَمْ يَخِموا

ورَجُلُ مِجْمَعٌ وجَمّاعٌ، كمِنْبَرٍ وشَدّادٍ. وقَوْمٌ جَمِيعٌ: مُجْتَمِعُونَ.

وِالجَمْعُ: يَكُونُ اسْمًا لِلنَّاسِ، وللمَوْضِع الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فيه.

ويُقَالُ: هذَا الكَلامُ أَوْلَجُ في المسامع، وأَجْوَلُ في المَجَامِع.

وأَمْرٌ جَامِعٌ: يَجْمَعُ النّاسَ. قالَ الرَاغِبُ: أَمْرٌ جامِعٌ، أَى أَمْرٌ لَهُ خَطَرٌ اجْتَمَعَ لأَجْلِهِ النَّاسُ، فكَأَنَّ الأَمْرَ نَفْسَهُ جَمَعَهُمْ.

وِالجَوَامِعُ مِن الدُّعَاءِ: الَّتِي تَجْمَعُ الأَغْرَاضَ الصّالِحَةَ، والمَقَاصِدَ الصَّحِيحَةَ، وتَجْمَعُ الثَّناءَ عَلَى الله تَعَالَى وآدَابَ المَسْأَلَةِ.

وفِي أَسْمَاءِ اللهِ تَعالَى الحُسْنَى: الجامِعُ، قالَ ابنُ الأَثِير: هو الَّذِي يَجْمَعُ الخَلائقَ ليَوْمِ الحِسَابِ، وقِيلَ: هو المُؤَلَّفُ بَيْنَ المُتَماثِلاتِ والمُتَضادّاتِ في الوُجُودِ.

وقَوْلُ امْرِي‌ءِ القَيْس:

فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَموتُ جَمِيعَةً *** وِلكِنَّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطَ أَنْفُسَا

إِنَّمَا أَرادَ جَمِيعًا، فبالَغَ بإِلْحاقِ الهاءِ، وحَذَفَ الجَوَابَ للْعِلْمِ بِه، كأَنَّهُ قالَ: لَفَنِيَتْ واسْتَراحَتْ.

ورَجُلٌ جَمِيعُ الَّلْامَة، أَيْ مُجْتَمِعُ السِّلَاح.

وِالجَمْعُ: الجَيْشُ. ومِنْهُ الحَدِيثُ: «لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ» أَيْ كسَهْمِ الجَيْشِ مِنْ الغَنِيمَةِ.

وإِبلٌ جَمَّاعَةٌ، بالفَتْح مُشَدَّدَةً: مُجْتَمِعَةٌ. قال:

لا مَالَ إِلَّا إِبلٌ جَمَّاعَهْ *** مَشْرَبُها الجِيَّةُ أَوْ نُعَاعَه.

وِالمَجْمَعَةُ: مَجْلِسُ الاجْتِمَاعِ. قالَ زُهَيْرٌ:

وِتُوقِدُ نارُكُمْ شَرَرًا ويُرْفَعْ *** لَكُمْ في كُلِّ مَجْمَعَةٍ لِوَاءُ

ويُقَالُ: جَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَه، أَيْ لَبِسَهَا.

وِالجَمَاعَةُ: عَدَدُ كُلَّ شَيْ‌ءٍ وكَثْرَتُهُ.

وفي حَدِيثِ أَبِي ذَرِّ: «ولا جِمَاعَ لَنَا فِيمَا بَعْد» أَيْ اجْتِمَاعَ لنا.

ورَجُلٌ جَمِيعٌ، كَأَمِير: مُجْتَمعُ الخَلْقِ قَوِيُّ لَمْ يَهْرِمْ ولَمْ يَضْعُفْ. ورَجُلٌ جَمِيعُ الرَّأْيِ ومُجْتَمِعُهُ: شَدِيدُهُ لَيْسَ بمُنْتَشِرِه.

وِجُمَّاعُ جَسَدِ الإِنْسَانِ، كرُمَّانٍ: رَأْسُهُ.

وِجُمّاعُ الثَّمَرِ: تَجَمُّعُ بَرَاعِيمِه في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَلَى حَمْلِهِ.

وامْرَأَةٌ جُمَّاعُ: قَصِيرَةٌ.

ونَاقَةٌ جُمْعٌ، بالضَّمّ: في بَطْنِهَا وَلَدٌ. قال الشّاعِرُ:

وَرَدْنَاهُ في مَجْرَى سُهَيْلٍ يَمَانِيًا *** بصُعْرِ البُرَى ما بَيْنَ جُمْعِ وخَادِجِ

والخادِجُ: الَّتِى أَلْقَتْ وَلَدَهَا. وقالَ الصّاغَانِيّ: هو بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ أَيْ منْ بَيْن ذِي جُمْعٍ وَخَادِجٍ.

وامْرَأَةٌ جَامِعٌ: في بَطْنِهَا وَلَدٌ.

ويُقَالُ: فُلانٌ جِمَاعٌ: فى بَطنِهَا وَلَدٌ.

ويُقَالُ: جِمَاعٌ لِبَنِي فُلانٍ، ككِتَابٍ، إِذا كانُوا يَأْوُونَ إِلَى رَأْيِهِ وسُؤْدُدِه، كَمَا يُقَال: مَرَبُّ لَهُمْ.

وِاسْتَجْمَعَ البَقْلُ: إِذا يَبِسَ كُلُّهُ. واسْتَجْمَعَ الوَادِي، إِذا لَمْ يَبْقَ منه مَوْضِعٌ إلَّا سَالَ. واسْتَجْمَع القَوْمُ، إِذا ذَهَبُوا كُلُّهُم لَمْ يَبْقَ منهم أَحَدٌ. كَمَا يَسْتَجْمِعُ الوَادِي بالسَّيْلِ.

ويُقَالُ للمُسْتَجِيشِ: اسْتَجْمَعَ كُلَّ مَجْمَعٍ، نقله الجَوْهَرِيّ.

وفي الأسَاسِ: وجَمَعُوا لِبَنِي فُلان: إِذا حَشَدُوا لِقِتَالِهِمْ، ومنه {إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}.

وَجَمَعَ أَمْرَهُ: عَزَمَ عَلَيْه، كَأَنَّهُ جَمَعَ نَفْسَهُ لَهُ. ومِنْهُ الحَدِيثُ: «مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيامَ مِن اللَّيلِ فَلا صِيَامَ لَهُ». والإجْمَاعُ: أَنْ تَجْمَعَ الشَّيْ‌ءَ المُتْفَرِّقَ جَمِيعًا، فإذا جَعَلْتَهُ جَمِيعًا بَقِيَ جَمِيعًا، ولَمْ يَكَدْ يَتَفَرَّقْ، كالرَّأْيِ المَعْزُومِ عَلَيْهِ المُمْضَى.

وِأَجْمَعَت الأَرْضُ سائلَةً: سَالَ رَغَابُهَا.

وفَلَاةُ مُجْمِعَةٌ ومُجَمِّعَةٌ، كمُحْسِنَةٍ ومُحَدِّثَةٍ: يَجْتَمِعُ فيها القَوْمُ ولا يَتَفَرَّقُونَ خَوْفَ الضَّلَالِ ونَحْوِه، كأَنَّهَا هي الَّتِي تَجْمَعُهُمْ.

وِجَمَّعَ النَّاسُ تَجْمِيعًا: شَهِدُوا الجُمْعَة، وقَضَوا الصَّلاةَ فيها. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، ومنه: «أَوّلُ جُمْعة جُمِّعَتْ في الإسْلامِ بَعْد المَدِينَةِ بجُؤَاثَى». واسْتَأْجَرَ الأَجِيرَ مُجَامَعَة، وجِمَاعًا، عن اللِّحْيَانِيّ: كُلَّ: جُمْعَةٍ بكِرَاءٍ.

وحَكَى ثَعْلَبٌ عَن ابْنِ الأَعْرَابِيّ: «لَاتكُ جُمَعِيًّا» بفَتْحِ المِيمِ، أَيْ مِمَّنْ يَصُومُ الجُمُعَةَ وَحْدَهُ.

وأَرْضٌ مُجْمِعَةٌ، كمُحْسِنَةٍ: جَدْبٌ لا تتَفَرَّقُ فِيها الرِّكَابُ لرَعْيٍ.

وِالجَامِعُ: البَطْنُ، يَمَانِيَةٌ.

وِأَجْمَعَتِ القِدْرُ: غَلَتْ، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيّ.

وِمُجَمِّعٌ، كمُحَدِّثٍ: لَقَبُ قُصَيِّ بنِ كِلَابٍ، لأَنَّه كانَ جَمَّعَ قَبائلَ قُرَيْشٍ، وأَنْزَلَها مَكَّةَ، وبَنَى دارَ النَّدْوَة، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. وفيه يَقُولُ حُذَافَةُ ابنُ غانِمٍ لأبِي لَهَبٍ:

أبُوكُمْ قُصَيُّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا *** بِهِ جَمَّعَ الله القبائلَ مِنْ فِهْرِ

وِالجُمَيْعَى كسُمَيْهَى: مَوْضعٌ. وقَدْ سَمَّوْا جُمُعَةَ، بضَمَّتَيْن، وجُمَيْعًا، وجُمَيْعَةَ، وجُمَيْعانَ: مُصَغَّرِاتٍ، وجِمَاعًا، ككِتَابٍ، وجَمْعَانَ، كسَحْبَانَ.

وابْنُ جُمَيْعٍ العِنَانِيّ، كزُبَيْرٍ، صاحِبُ المُعْجَمِ: مُحَدِّثٌ مَشْهُورٌ.

وِجُمَيْعُ بن ثَوْبٍ الحَمْصِيّ [رَوَى] عَنْ خالِدِ بنِ مَعْدان، رُوِيَ كزُبَيْرٍ، وكَأَمِيرٍ، وكَذلِكَ الحَكَمُ بنُ جُمَيْعٍ، شَيْخٌ لأَبِي كُرَيْبٍ، رُوِيَ بالوَجْهَيْنِ.

وبَنُو جُمَاعَةَ، بالضَّمِّ: بَطْنٌ مِنْ خَوْلانَ، مِنْهُمْ عُمْرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيّ بن إِسْمَاعِيلَ بنِ يُوسُفَ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ الجُمَاعِيّ الخَوْلانيّ، أَخَذَ عَنْهُ العِمْرَانِيّ ـ صاحِبُ البَيَانِ ـ عِلْمَ النَّحْوِ، ومات سَنَةَ خَمْسَمَائَةٍ وإِحْدَى وخَمْسِينَ، كَذَا في تَارِيخ اليَمَنِ لِلجَنَدِيّ. قُلْتُ: ومنهم صاحِبُنَا المُفِيدُ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ الجُمَاعِيّ، صاحِبُ الدُّرَيْهِمِيّ، لِقَرْيَةٍ باليَمَنِ لَقِيتُهُ ببَلَدِهِ، وأَخَذْتُ مِنْهُ، وأَخَذَ مِنِّي، وأبُو جُمُعَةَ سَعِيدُ بنُ مَسْعُودٍ الماغُوسِيّ الصّنْهاجِيّ المَرَّاكُشِيّ وُلِدَ بَعْدَ الخَمْسِينَ وتِسْعِمائَةٍ، وجالَ في البِلادِ، وأخَذَ بمِصْرَ عَنْ عَلِيِّ بنِ غَانِمٍ، والنَّاصِرِ الطَّبْلاوِيّ، ولَقِيَهُ المَقَّرِيُّ وأَجازَهُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


74-تاج العروس (حنف)

[حنف]: الحَنَفُ، مُحَرَّكَةً: الاسْتِقَامَةُ، نَقَلَهُ ابنُ عَرَفَةَ، في تفسيرِ قَوْلِه تعالَى: {بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا}، قال: وَإِنَّما قِيل للْمَائلِ الرِّجْلِ: أَحْنَفُ، تَفَاؤُلًا بالاسْتِقَامَةِ.

قلتُ: وهو معنًى صَحِيحٌ، وسيأْتِي ما يُقَوِّيهِ مِن قَوْلِ أَبي زَيْد، والجَوْهَرِيِّ، وقال الرَّاغِبُ: هو مَيْلٌ مِن الضَّلالِ إِلَى الاسْتِقَامِة، وهذا أَحْسَنُ.

والْحَنَفُ: الاعْوِجَاجُ في الرِّجْلِ. أَو أَنْ، وَفي الصِّحاحِ والعُبَابِ: وهو أن يُقْبِلَ إحْدَى إِبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ علَى الْأُخْرَى، أَوْ: هو أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ عَلَى ظَهْر قَدَمَيْهِ، وَفي الصِّحاحِ: قَدَمِهِ، مِن شِقِّ الْخِنْصَرِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ عن ابنِ الأَعْرَابِيّ.

أَو: هو مَيْلٌ في صَدْرِ الْقَدَمِ، قَالَهُ اللَّيْثُ.

أَو: هو انْقِلَابُ القَدَمِ حتى يَصِيرَ ظَهْرُهَا بَطْنَها.

وقد حَنِفَ، كفَرِحَ، وكَرُمَ، فهو أَحْنَفُ، ورِجْلٌ، بالكَسْرِ حَنْفَاءُ: مَائِلَةٌ وحَنَفَ، كضَرَبَ: مَالَ عن الشَّيْ‌ءِ.

وصَخْرٌ أَبو بَحْرٍ الْأَحْنَفُ بنُ قَيْسِ بنِ مُعَاوِيَةَ التَّمِيمِيُّ البَصْرِيُّ: تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ من العُلَمَاءِ الحُكَمَاءِ، وُلِدَ في عَهْدِه صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم ولم يُدْرِكْهُ، والْأَحْنَفُ لَقَبٌ له، وإِنَّمَا لُقِّبَ بِهِ لِحَنَفٍ كان به، قالتْ حَاضِنَتُه وهي تُرَقِّصُهُ:

والله لَوْ لَا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ *** مَا كَانَ في صِبْيَانِكُمْ كَمِثْلِهِ

وَيُقَال: إِنَّهُ وُلِدَ مَلْزُوقَ الأَلْيَتَيْنِ حتى شُقَّ ما بَيْنَهُمَا، وَكان أَعْوَرَ مُخَضْرَمًا، وهو الذي افْتَتَحَ الرَّوْزناتِ سنة 67 بالكُوفَةِ، ويُقَال: سنة 73.

قال اللَّيْثُ: والسُّيُوفُ الحَنِيفِيَّةُ تُنْسَبُ لَهُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَن أَمَرَ بِاتِّخَاذِهَا قال: والْقِياسُ أَحْنَفيٌّ.

والْحَنْفَاءُ: الْقَوْسُ لِاعْوِجَاجِها، والحَنْفَاءُ: المُوسَى كذلِك أَيضا. والحَنْفَاءُ: فَرَسُ حُذَيْفَةَ بنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، قال ابنُ بَرِّيّ: هي أُخْتُ دَاحِسٍ، مِن وَلَدِ العُقَّالِ، والغَبْرَاءُ خَالَةُ دَاحِسٍ، وأُخْتُهُ لأَبِيهِ.

والحَنْفَاءُ: مَاءٌ لِبَنِي مُعَاوِيَةَ بنِ عَامِرِ بنِ ربيعَةَ، قال الضَّحَّاكُ بنُ عُقَيْلٍ:

أَلا حَبَّذَا الحَنْفاءُ والحاضِرُ الذي *** به مَحْضَرٌ مِن أَهْلِهَا ومُقَامُ

وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الحَنْفَاءُ: شَجَرَةٌ.

قال: والحَنْفَاءُ: الْأَمَةُ الْمُتَلَوِّنَةُ تَكْسَلُ مَرَّةً، وتَنْشَطُ أُخْرَى، وَهو مَجازٌ.

والحَنْفاءُ: الْحِرْبَاءُ.

والحَنْفَاءُ: السُّلَحَفْاةُ.

والحَنْفَاءُ: الأَطُومُ: اسْمٌ لِسَمَكَةٍ بَحَرِيَّةٍ كالمَلِكَةِ.

والحْنَيِفُ، كأَمِيرِ: الصَّحِيحُ الْمَيْلِ إلى الْإسْلَامِ، الثَّابتُ عَلَيْهِ، وَقال الرَّاغِبُ: هو المائلُ إلى الاسْتِقَامةِ. وقال الأَخْفَشُ: الحَنِيفُ: المُسْلِمُ، قال الجَوْهَرِيُّ: وقد سُمِّيَ المُسْتَقِيمُ بذلِك، كما سُمِّي الغُرابُ أَعْوَرَ، وقيل: الحَنِيفُ هو المُخْلِصُ، وقيل: مَن أَسْلَمَ لأَمْرِ الله، ولم يَلْتَوِ في شَيْ‌ءٍ.

وَقال أَبو زَيْدٍ: الحَنِيفُ: المُسْتَقِيمُ، وأَنْشَدَ:

تَعَلَّمْ أَنْ سَيَهْدِيكُمْ إِلَيْنَا *** طَرِيقٌ لَا يَجُورُ بِكُمْ حَنِيفٌ

وقال الأَصْمَعِيُّ: كُلُّ مَن حَجَّ فهو حَنِيفٌ، وهذا قَوْلُ ابن عَبَّاس، والحسنِ، والسُّدِّيِّ، ورَوَاهُ الأَزْهَرِيَّ عن الضَّحَّاكِ مثلَ ذلك.

أو الحَنِيفُ: مَن كَانَ علَى دِينِ إبْراهِيمَ صَلَّى الله عَلَيْهِ، وعلى نَبِيِّنا وسَلَّمَ في اسْتِقْبَالِ قِبْلَةِ البَيْتِ الحَرَامِ، وسُنَّةِ الْاختِتَانِ. قال أَبو عُبَيْدَةَ: وكانَ عَبَدَةُ الأَوْثانِ في الجاهِليَّةِ يقولون: نحنُ حُنَفَاءُ على دِينِ إِبْراهِيمَ، فلَمَّا جاءَ الإسلامُ سَمَّوُا المُسْلِمَ حَنِيفًا، وقال الأَخْفَشُ: وكان في الجاهِلِيَّةِ يُقَال: مَن اخْتَتَنَ. وحَجَّ البيتَ، قيل له: حَنِيفٌ؛ لأَنَّ العربَ لم تتَمَسَّكْ في الجاهِلِيَّةِ بشَيْ‌ءٍ مِن دِينِ إبْراهِيمَ غير الخِتانِ، وحَجِّ البيتِ، وقال الزَّجَّاجي: الحَنِيفُ في الجاهِلِيَّة مَنْ كان يحُجُّ البيتَ، ويَغْتَسِلُ مِن الجَنابَةِ، وَيَخْتَتِنُ، فلمَّا جاءَ الإِسْلَامُ كان الحَنِيفُ: المُسْلِمَ، لِعُدُولِه عن الشِّرْكِ، وقال [الزَّجَّاجِي] * في قَوْلِه تعالَى: {بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا} نَصَبَ: حَنِيفًا، علَى الحالِ، والمَعْنَى: بل نَتَّبعُ مِلَّةَ إِبراهِيمَ في حالِ حَنِيفِيَّتِهِ، ومعنى الحَنِيفِيَّةِ في اللُّغَةِ: المَيْلُ، والمعنى أنَّ إِبْرَاهِيمَ حَنَفَ إلى دِينِ اللهِ، وَدِينِ الإِسْلامِ.

والحَنِيفُ: الْقَصِيرُ.

والحَنِيفُ: الْحَذَّاءُ.

وحَنِيفٌ: اسمُ وَادٍ.

وحَنِيفُ: بنُ أَحْمَدَ أَبو العَبَّاسِ الدِّينَوَرِيُّ، شَيْخُ ابْنِ دَرَسْتَوَيْهِ هكذا في العُبَاب، والصَّوابُ أَنه تِلْمِيذُه قال الحافظُ: [روى] عن جَعْفَرِ بنِ دَرَسْتَوَيْهِ.

وحَنِيفٌ أَيضًا: وَالِدُ أَبي مُوسَى عِيسَى بن حَنِيفِ بنِ بُهْلُولٍ القَيْرَوانِيِّ، عاصَرَ الخَطَّابِيِّ، ورَوَى عن ابْنِ دَاسَةَ.

قلتُ: ومحمدُ بنُ مُهاجِرٍ، المعروفُ بأَخِي حَنِيفٍ، فيه مَقَالٌ، رَوَى عن وَكِيعٍ، وأَبي مُعَاوِيةَ.

وحَنِيفَةُ، كسَفِينَةٍ: لَقَبُ أُثَالٍ كغُرَابٍ بنِ لُجَيْمِ بنِ صَعْبِ بنِ عَلِيٍّ بنِ بكرِ بنِ وَائِل: أبِي حَيٍّ، وَهم قومُ مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ، وإِنَّمَا لُقِّبَ بقَوْلِ جَذِيمَةَ، وهو الأَحْوَى بنُ عَوْفٍ، لَقِيَ أُثالًا فضَرَبَهُ فحَنَفَهُ، فلُقِّبَ حَنِيفَةَ، وَضَرَبَهُ أُثَالٌ فَجَذَمَهُ، فلُقِّبَ جَذِيمَةَ، فقَالَ جَذِيمَةُ:

فإِنْ تَكُ خِنْصَرِي بَانَتْ فَإِنِّي *** بها حَنَّفْتُ حَامِلَتَيْ أُثَالِ

مِنْهُمْ: خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرِ بنِ قَيْسِ بنِ مَسْلَمَةَ بنِ عبدِ الله بن ثَعْلَبَةَ بن يَرْبُوعِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الزُّمَيْلِ بنِ حَنِيفَةَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهي أُمُّ محمدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رحمَهُ الله تعالى، ولذا يُعْرَفُ بابنِ الحَنَفِيَّةِ، وكُنْيَتُه أَبو القاسم، وُلِدَ سنةٌ 26، وتُوُفِّيَ بالمدينَةِ في المُحَرَّمِ سنة 81، وهو ابنُ خَمْسٍ وسِتِّين سنة، ودُفِنَ بالبَقِيعِ، وقال بإِمامَتِه جميعُ الكَيْسَانِيَّةِ، وقد أَعْقَبَ أَرْبَعَةَ عشرَ ولدًا ذَكَرًا.

قال الشيخُ تاجُ الدِّين بنُ مُعَيَّةَ النِّسَّابَةُ: وهم قَلِيلُون.

وكزُبَيْرٍ: حُنَيْفُ بنُ رِئَابِ بنِ الحارِثِ بنِ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ، شهِد أُحُدًا، وقُتِلَ يومَ مُؤْتَةَ.

وسَهْلٌ، وعُثْمَانُ، ابْنَا حُنَيْفِ بنِ وَاهِبٍ الأَوْسِيّ، أَمَّا سَهْلٌ فشهِد بَدْرًا، وأَبْلَى يومَ أُحُدٍ، وثَبَتَ فيه، وأَمَّا عُثْمَانُ فإِنَّهُ شهِد أُحُدًا أَيْضًا وما بَعْدَها، ومَسَحَ سَوَادَ العِرَاقِ، وَقَسَّطَ خَرَاجَهُ لِعُمَرَ، ووَلِيَ البَصْرةَ لعليٍّ، وعاشَ إلى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ: صَحَابِيُّونَ، رضي ‌الله‌ عنهم.

وحَنَّفَهُ تَحْنِيفًا: جَعَلَهُ أَحْنَفَ، نَفَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وتَقَدَّم شاهِدُه من شِعْرِ جَذِيمَةَ.

وأَبو حَنِيفَةَ: كُنيَةُ عِشْرِينَ رجلًا مِن الْفُقَهَاءِ، أَشْهَرُهُمْ إِمامُ الْفُقَهَاءِ، وفَقِيهُ العُلَمَاءِ، النُّعْمَانُ بنُ ثابِتِ بنِ زُوطَى الكُوفيُّ، صاحِبُ المَذْهَبِ، رَضِيَ الله تعالَى عنه وأَرْضَاهُ عَنَّا، ومنهم أبو حَنِيفَةَ العَمِيدُ: أَمِيرٌ، كاتبُ ابن العَمِيدِ عُمَرَ بن الأَمِيرِ غَازِي الفَارَابِيُّ الإِتْقَانِيُّ، شارِحُ الهِداية، دَرَّس بالْمَاردَانِيّ، وبالصَّرْغَتْمَشِيَّة، وأَبو حَنِيفَةَ محمدُ بنُ عُبَيْدِ الله الخَطِيبِيُّ، يَرْوِي عن أَبي مُطِيعٍ، تقدَّم ذِكْرُه في «خطب».

وتَحَنَّفَ: عَمِلَ عَمَلَ الْحَنِيفيَّةِ، نَقَلَهُ الجَوهَرِي، يعني شَرِيعةَ إبراهِيمَ عليه‌السلام، وهي مِلَّةُ الإسْلامِ، ويُوصَفُ بها فيُقَال: مِلَّةٌ حَنِيفِيَّةٌ، وقال ثَعْلَبٌ: الحَنِيفِيَّةُ: المَيْلُ إلى الشَّيْ‌ءِ، قال ابنُ سيدَه: وهذا ليس بشَيْ‌ءٍ، وفي الحديثِ: «بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ»، وفي حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ: «سُئِلَ رسولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: أيُّ الأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قال: الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ».

يعني شَرِيعَةَ إبراهيمَ عليه‌السلام، لِأَنَّهُ تَحَنَّفَ عن الأَدْيانِ، ومَالَ إِلَى الحَقِّ، وقال عمرُ رضي ‌الله‌ عنه ـ:

حَمَدْتُ الله حين هَدَى فُؤَادِي *** إِلَى الإِسْلامِ والدِّينِ الحَنِيفِ

أَو تحنَّف: اخْتَتَنَ، أو اعْتَزَلَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ، وَتَعَبَّدَ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لجِرَانِ العَوْدِ:

وَلَمَّا رَأَيْنَ الصُّبْحَ بَادَرْنَ ضَوْءَهُ *** رَسِيمَ قَطَا الْبَطْحَاءِ أو هُنَّ أَقْطَفُ

وَأَدْرَكْنَ أعْجَازًا مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ مَا *** أَقَامَ الصَّلَاةَ الْعَابِدُ الْمُتَحَنِّفُ

وتَحَنَّفَ فُلانٌ إِلَيْهِ: إذا مَالَ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

المُتَحَنِّفُ: المُتَعَبِّدُ المُتَدَيِّنُ.

وَحَسَبٌ حَنِيفٌ، أي: حَدِيثٌ إسْلامِيٌّ لا قَدِيمَ له، قال ابنُ حَبْنَاءَ:

وَمَا ذَا غَيْرَ أَنَّكَ ذُو سِبَالٍ *** تُمَسِّحُهَا وذُو حَسَبٍ حَنِيفِ

وَحَنِيفَةُ: وَالِدُ جَذِيمه، الرَّقَاشِيِّ، صَحَابِيَّانِ.

وَالحَنْفَاءُ: عَصًا مُعْوَجَّةٌ، شَامِيَّةٌ.

وَالحَنْفَاءُ: فرسُ حُجْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ.

وَالحَنَفِيَّةُ: المَنْسُوبُون إلى الإمامِ أَبِي حَنِيفَةَ، ويقال لهم أَيضًا: الأَحْنَافُ.

وَتسْمِيةُ المِيضَأَةِ بالحَنَفِيَّةِ: مُوَلَّدَةٌ.

وَعبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ العَزِيزِ بنِ عبدِ الله بنِ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفِ الأَنْصَارِي الحُنَيْفيُّ، بالضَّمِّ، نُسِبَ إلى جَدِّهِ، وقد تَقدَّم ذِكْرُ جَدِّه، كان ضَرِيرًا عَالِمًا بالسِّيرَةِ، ذكَره ابنُ سَعْد في الطَّبَقات، تُوُفِّيَ سنة 162 [وهو ابن بضع وسبعين سنة].

وَأبو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ: مُؤَلِّفُ كتابِ النَّبَاتِ، مَشْهُورٌ. وعبدُ الوارِث بنُ أَبي حَنِيفَةَ، رَوَى عن شُعبَةَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


75-تاج العروس (خلق)

[خلق]: الخَلْقُ في كَلامِ العَرَبِ على وَجْهَيْنِ: الإِنشاءُ على مِثالٍ أَبْدَعَه، والآخَرُ: التَّقْدِيرُ. وكُلُّ شَيْ‌ءٍ خَلَقه اللهُ فهو مُبْتَدِئُه عَلَى غيرِ مِثالٍ سُبِقَ إِليه: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} و {فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} قالَ ابْنُ الأَنْبارِيّ: مَعْناه أَحْسَنُ المُقَدِّرِينَ، وقولُه تَعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} أَي: تُقَدِّرُونَ كَذِبًا، وقولُه تعالى: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ} خَلَقُه: تَقْدِيرُه، ولم يُرِدْ أَنَّه يُحْدِثُ مَعْدُومًا.

والخالِقُ في صِفاتِه تَعالَى وعَزَّ: المُبْدِعُ للشَّيْ‌ءِ، المُخْتَرِعُ على غَيْرِ مِثالٍ سَبَقَ وقالَ الأَزْهَرِيُّ: هو الّذِي أَوْجَدَ الأشْياءَ جَمِيعَها بعدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وأَصْلُ الخَلْق: التَّقْدِيرُ، فهُوَ باعْتِبارِ ما منه وُجُودُها مقدِّرٌ وبالإعتبار للإِيجادِ على وَفْقِ التَّقْدِيرِ خالِقٌ.

ويُسَمُّونَ صانعَ الأَدِيمِ ونَحْوِه الخالِقَ؛ لأَنّه يُقَدِّرُ أَولًا، ثُمَّ يَفْرِي.

ومن المَجازِ: خَلَقَ الإِفْكَ خَلْقًا: إِذا افْتَراهُ، كاخْتَلَقَه وتَخَلَّقَه، ومنه قولُه تَعالَى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} وقُرِئَ: إِنْ هَذا إِلّا خَلْقُ الأَوَّلِينَ أَي: كَذِبُهُمْ واخْتِلاقُهُمْ، وقَوْلُه تعالى: {إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ} أَي: تَخَرُّصٌ وكَذِبٌ.

وخَلَقَ الشَّيْ‌ءَ خَلْقًا: مَلَّسَه ولَيَّنَه.

ومن المَجازِ: خَلَقَ الكَلامَ وغَيْرَه: إِذا صَنَعَه اخْتِلاقًا.

وتَقُولُ العَرَبُ: حَدَّثَنا فُلانٌ بأَحادِيثِ الخَلْقِ، وهي الخُرافاتُ من الأَحادِيثِ المُفْتَعَلَة.

وخَلَقَ النِّطْعَ والأَدِيمَ، خَلْقًا، وخَلْقَةً، بفَتْحِهما: إِذا قَدَّرَه وحَزَرَه، أَو قَدَّرَه لما يُرِيدُ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَه وقاسَه لِيَقْطَعَ مِنْهُ مَزادَةً، أَو قِرْبَةً، أَو خُفًّا فإِذا قَطَعَه قِيلَ: فَراهُ.

قالَ زُهَيْرٌ يمدَحُ هَرِمَ بنَ سِنانٍ:

ولأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْ *** ضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي

أَي: أَنْتَ إِذا قَدَّرْتَ أَمرًا قَطَعْتَه وأَمْضَيْتُه، وغَيْرُك يُقَدِّرُ ما لا يَقْطَعُه؛ لأَنَّه ليس بماضِي العَزْمِ، وأَنْتَ مَضّاءٌ على ما عَزَمْتَ عليه.

وقالَ اللَّيْثُ: وهُنَّ الخالِقاتُ، ومنه قَوْلُ الكُمَيْتِ:

أَرادُوا أَنْ تُزايِلَ خالِقاتٌ *** أَدِيمَهُمُ يَقِسْنَ ويَفْتَرِينَا

يَصِفُ ابْنَيْ نِزارِ بنِ مَعَدٍّ، وهُما رَبِيعَةُ ومُضَرُ، أَرادَ أَنَّ نَسَبَهم وأَدِيمَهُم واحِدٌ، فإِذا أَرادَ خالِقاتُ الأَدِيمِ التَّفْرِيقَ بينَ نَسَبِهم تَبَيَّنَ لهم أَنّه أَدِيمٌ واحِدٌ لا يَجُوزُ خَلْقُه للقَطْعِ، وضَرَب النِّساءَ الخالِقاتِ مَثَلًا للنَّسّابِينَ الَّذِينَ أَرادُوا التَّفْرِيقَ بينَ ابْنَيْ نِزارٍ، وفي حَدِيثِ أُخْتِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ: «قالَتْ: فدَخَلَ عليَّ وأَنا أَخْلُقُ أَدِيمًا» أَي: أُقَدِّرُه لأَقْطَعَه، وقالَ الحَجّاجُ: «ما خَلَقْتُ إِلَّا فَرَيْتُ، وما وَعَدْتُ إِلَّا وَفَيْتُ».

وخَلَقَ العُودَ: سَوّاه، كخَلَّقَه تَخْلِيقًا، ومنه قِدْحٌ مُخَلَّقٌ؛ أَي مُسْتَوٍ أَمْلَسُ مُلَيَّنٌ، وقيل: كُلُّ ما لُيِّنَ ومُلِّسَ فقد خُلِّقَ، وأَنْشَد الجَوْهَرِيُّ للشاعِرِ يَصِفُ القِدْحَ:

فخَلَّقْتُه حَتَّى إِذا تَمَّ واسْتَوَى *** كَمُخَّةِ ساقٍ أَو كمَتْنِ إِمامِ

قَرَنْتُ بحِقْوَيْهِ ثَلاثًا فلَمْ يَزُغْ *** عَن القَصْدِ حَتّى بُصِّرَتْ بدِمامِ

وخَلِقَ الشّيْ‌ءُ كَفَرِحَ، وكَرُمَ: امْلاسَّ ولانَ واسْتَوى، وقد خَلَّقَهُ هو، يُقال: حَجَرٌ أَخْلَقُ أَي: لَيِّنٌ أَمْلَسُ مُصْمَتٌ، لا يُؤَثِّرُ فيهِ شَيْ‌ءٌ. وصَخْرَةٌ خَلْقاءُ: مُصْمَتَةٌ مَلْساءُ، وكذلِكَ هَضْبَةٌ خَلْقاءُ، أَي: لا نَباتَ بها، وقِيلَ: صَخْرَةٌ خَلْقاءُ بَيِّنَةُ الخَلَقِ: ليسَ فِيها وَصْمٌ ولا كَسْرٌ، وفي الحَدِيثِ: «لَيْسَ الفَقِيرُ فَقِيرَ المالِ إِنَّما الفَقِيرُ الأَخْلَقُ الكَسْبِ» يَعْنِي الأَمْلَسَ من الحَسَناتِ، أَرادَ أَنَّ الفَقْرَ الأَكْبَرَ هو فَقْرُ الآخِرِة.

ويُقال: رَجُلٌ أَخْلَقُ من المالِ، أَي: عارٍ منه، وقالَ الأَعْشَى:

قَدْ يَتْرُكُ الدَّهْرُ في خَلْقاءَ راسِيَةٍ *** وَهْيًا ويُنْزِلُ مِنْها الأَعْصَمَ الصَّدَعَا

وخَلُقَ الرَّجُلُ، كَكَرُمَ: صارَ خَلِيقًا، أَي: جَدِيرًا يُقال: فُلانٌ خَلِيقٌ بكَذا، أَي: جَدِيرٌ به، وقد خَلُقَ لذلِكَ، كأَنَّه مِمَّنْ يُقَدَّرُ فيه ذاك، وتُرَى فيه مَخايِلُه.

وقالَ اللِّحْيانِيُّ: إِنَّه لخَلِيقٌ أَن يَفْعَلَ ذلِكَ، وبأَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ، ولأَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ، ومِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذلِك، قالَ: والعَرَبُ تَقُولُ: يا خَلِيقُ ذلِكَ، فتَرفَعُ، ويا خَلِيقَ بذلِكَ فتَنْصِب، قالَ ابنُ سِيدَه: ولا أَعْرِفُ وَجْهَ ذلِك.

ويُقالُ: إِنَّه لخَلِيقٌ، أَيْ: لحَرِيٌّ، يُقالُ ذلك للشَّيْ‌ءِ الَّذِي قَد قَرُبَ أَن يَقَعَ، وصَحَّ عندَ من سَمِعَ بوُقُوعِه كَوْنُه وتَحْقِيقُه، واشْتِقاق خَلِيقٍ من الخَلاقَةِ، وهو التَّمْرِينُ، من ذلِكَ أَن يَقُولَ للَّذِي قد أَلِفَ شَيئًا: صارَ ذلِكَ له خُلُقًا، أَي: مَرَنَ عليه، ومن ذلِكَ الخُلُق الحَسَنُ.

والخَلاقَةُ، والخُلُوقَةُ: المَلاسَة.

وخَلُقَت المَرْأَةُ خَلاقَةً: حَسُنَ خُلُقُها.

ويُقالُ: هذِه قَصِيدَةٌ مَخْلُوقَةٌ أَي: مَنْحُولَةٌ إِلى غَيْرِ قائِلِها، نَقَلَه الجوهريُّ، وهو مَجازٌ.

وخوالِقُها في قَوْلِ لَبِيدٍ رضي ‌الله‌ عنه:

والأَرْضُ تَحْتَهُمُ مِهادًا راسِيًا *** ثَبَتَتْ خَوالِقُها بصُمِّ الجَنْدَلِ

أَي: جِبالُها المُلْسُ.

والخَلِيقَةِ: الطَّبِيعَةُ يُخْلَقُ بها الإِنْسانُ، وقالَ اللِّحْيانِيُّ: هذه خَلِيقَتُه الَّتِي خُلِقَ عَلَيْها، وخُلِقَها، والَّتِي خُلِقَ: أَرادَ الّتِي خُلِقَ صاحِبُها، وقال أَبو زَيْدٍ: إِنَّه لكَرِيمُ الطَّبِيعَةِ والخَلِيقَةِ والسَّلِيقَةِ، بمعنىً واحِدٍ، والجَمْعُ خَلائِقُ، قال لَبِيدٌ:

فاقْنَعْ بما قَسَمَ المَلِيكُ فإِنَّما *** قَسَمَ الخَلائِقَ بَيْنَنا عَلّامُها

نَقَله الجَوْهَرِيٌّ.

والخَلِيقَةُ: النّاسُ، كالخَلْقِ يُقال: هم خَلِيقَةُ اللهِ، وخَلْقُ اللهِ، وهُوَ في الأَصْلِ مَصْدرٌ، كما في الصِّحاح.

وقولُهُم في الخَوارِج: «هُمْ شَرٌّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ»، قالَ النَّضْرُ: الخَلِيقَةُ: البَهائِمُ.

وقالَ أَبو عَمْرٍو: الخَلِيقَةُ: البِئْرُ ساعَةَ تُحْفَرُ وقالَ غَيرُه: هي الحَفِيرَةُ المَخْلُوقَةُ في الأَرْضِ، وقِيلَ: هي البِئْرُ الَّتِي لا ماءَ فِيها، وقِيلَ: هي النُّقْرَةُ فِي الجَبَلِ يَسْتَنْقِعُ فيها الماءُ، وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ: الخُلُقُ: الآبارُ الحَدِيثاتُ الحَفْرِ.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ: الخَلائِقُ: قِلاتٌ بذِرْوَةِ الصَّمّانِ تُمْسِكُ ماءَ السَّماءِ في صفاةٍ مَلْساءَ، خَلَقَها اللهُ تَعالَى فِيها، وقد رَأَيْتُه.

وخَلِيقَةٌ، كسَفِينَةٍ: موضع بالحِجازِ على اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا من المَدِينَةِ، على ساكِنِها أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلام، بينَها وبينَ دِيارِ بَنِي سُلَيْمٍ.

وخَلِيقَةُ أَيْضًا: ماءٌ على الجادَّةِ بينَ مَكَّةَ واليَمامَةِ لبَنِي العَجْلانِ.

وخَلِيقَةُ: اسمُ امْرَأَةِ الحَجّاج بنِ مِقْلاصٍ، مُحَدِّثَة عن أُمِّها، رَوَى عنها زَوْجُها، ذَكَرها الأَمِيرُ.

وخَلَقَ الثَّوْبُ، كنَصَرَ، وكَرُمَ، وسَمِعَ خُلُوقًا، وخُلُوقَةً، وخَلَقًا، مُحَرَّكَةً وخَلاقَةً، أَي: بَلِيَ، قالَ ابنُ بَرِّيّ: شاهِدُ خَلُقَ قولُ الأَعْشَى:

أَلا يا قَتْلُ قد خَلُقَ الجَدِيدُ *** وحُبُّكِ ما يَمُحُّ ولا يَبيدُ

ويُقالُ: هُو مَخْلَقَةٌ بذلِك، كمَرْحَلَةٍ وكذا الأَمْرُ مَخْلَقَةٌ لكَ، وإِنَّه مَخْلَقَةٌ من ذلِك، مثل مَجْدَرَة ومَحْراةٌ، ومَقْمَنَةٌ، وكذلِكَ الاثْنانِ والجَمِيعُ، والمُؤَنَّثُ، قاله اللِّحْيانِيُّ.

وسَحابَةٌ خَلِقَةٌ وخَلِيقَةٌ كَفرِحَةٍ، وسَفِينَةٍ أَي: فيها أَثَرُ المَطَرِ كما في الصِّحاح، وأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي دُوادٍ الآتِي فيما بعدُ.

والخَلَقُ، مُحَرَّكَةً: البالِي يُقال: ثَوْبٌ خَلَقٌ، ومِلْحَفَةٌ خَلَقٌ، ودارٌ خَلَقٌ، للمُذَكَّرِ والمُؤَنَثِ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: لأَنّه في الأَصْلِ مَصْدَرُ الأَخْلَقِ، وهو الأَمْلَسُ، وفي اللِّسان: قالَ اللِّحْيانِيُّ: قال الكِسائِيُّ: لم نَسْمَعْهُم قالُوا: خَلَقَةٌ في شَيْ‌ءٍ من الكَلام، وجِسْمٌ خَلَقٌ، ورِمَّةٌ خَلَقٌ، قال لَبِيدٌ:

والنَّيبُ إِنْ تَعْرُ مِنِّي رِمَّةً خَلَقا *** بَعْدَ المَماتِ فإِنِّي كُنْتُ أتَّئِرُ

هكذا أنْشَدَه الصّاغانِيُّ، قلتُ: وقد أَنْشَدَتْهُ السَّيِّدَةُ عائِشَةُ ـ رضي ‌الله‌ عنها ـ أَيضًا، وفيه:

ارْقَعْ جَدِيدَكَ إِنّي راقِعٌ خَلَقِي *** ولا جَدِيدَ لِمَنْ لا يَرْقَعُ الخَلَقا

كذا قَرَأْتُه في كتاب «لبس المُرَقَّعَةِ» لأَبي المَنْصُورِ السَّرنَجِيِّ النَّصِيبِيِّ، شيخ أَبِي طاهِرٍ السِّلَفِيِّ ج: خُلْقانٌ بالضَّمِّ، وأَخْلاقٌ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ في التَّثْنِيَة لشاعِرٍ:

كأَنَّهُما والآلُ يَجْرِي عَلَيْهِما *** من البُعْدِ عَيْنا بُرْقُعٍ خَلَقانِ

وقالَ الفَرّاءُ: وإِنّما قِيلَ له [خَلَقٌ] بغيرِ هاءٍ؛ لأَنَّه كانَ يُسْتَعْمَلُ في الأَصْلِ مُضافًا، فُيقال: أَعْطِنِي خَلَقَ جُبَّتِكَ، وخَلَق عِمامَتِك، ثُمَّ اسْتُعْملَ في الإِفْرادِ كَذلِكَ بغيرِ هاءٍ، قال الزَّجّاجِيُّ في شرح رسالَةِ أَدَب الكاتِبِ: ليسَ ما قالَهُ الفَرّاءُ بشَيْ‌ءٍ؛ لأَنّه يُقالُ له: فلِمَ وَجَبَ سقُوُطُ الهاءِ في الإِضافَةِ حَتّى حُملَ الإِفْرادُ عليها؟ أَلا تَرَى أَنَّ إِضافَةَ المُؤَنَّثِ إِلى المُؤَنَّثِ لا تُوجِبُ إِسْقاطَ العَلامَةِ منه كقولهِ؛ مِخَدَّةُ هِنْد، ومِسْوَرَةُ زَيْنَبَ، وما أَشْبَهَ ذلك، وحَكَى الكِسائِيُّ: أَصْبَحَتْ ثِيابُهُم خُلْقانًا، وخَلَقُهُم جُدُدًا، فوضَعَ الواحِدَ في مَوْضِعِ الجَمْع الَّذِي هو خُلْقان.

ويُقالُ: مِلْحَفَةٌ خُلَيْقٌ، كزُبَيْر صَغَّرُوه بلا هاءٍ؛ لأَنَّ هـ صِفَةٌ، وإِنَّ الهاءَ لا تَلْحَقُ تَصْغِيرَ الصِّفاتِ وهذا كنُصَيْفٍ في تَصْغِيرِ امْرَأَة نَصَفٍ.

وقد يُقال: ثَوْبٌ أَخْلاقٌ يَصِفُونَ به الواحِدَ: إِذا كانَت الخُلُوقَةُ فيه كُلِّه كما قالُوا: بُرْمَةٌ أَعْشارٌ، وأَرْضٌ سَباسِبُ، كما في الصِّحاح، وكذا ثَوْبٌ أَكياشٌ، وحَبْلٌ أَرْمامٌ، وهذا النَّحْوُ كَثِيرٌ، وكذلِك مُلاءَةٌ أَخْلاقٌ، عن ابنِ الأَعْرابِيِّ، وفي التَّهْذِيبِ: يُقال: ثَوْبٌ أَخْلاقٌ، يُجْمَعُ بما حَوْلَه، وقالَ الرّاجِزُ:

جاءَ الشِّتاءُ وقَمِيصِي أَخْلاقْ *** شَراذِمٌ يَضْحَكُ منه التَّوّاقْ

وقالَ الفَرّاءُ: إِنّما قِيلَ: ثَوْبٌ أَخْلاقٌ؛ لأَنَّ الخُلُوقَةَ تَتَفَشَّى فِيه، فتَكْثُرُ، فيَصِيرُ كُلُّ قِطْعَةٍ منها خَلَقًا.

والخَلُوقُ، والخِلاقُ، كصَبُورٍ وكِتابٍ: ضَرْبٌ من الطِّيبِ يُتَّخَذُ من الزَّعْفَرانِ وغيرِه، وتَغْلِبُ عليه الحُمْرَةُ والصُّفْرَةُ، وإِنَّما نُهِي عَنْه لأَنَّهُ من طِيبِ النِّساءِ، وهُنَّ أَكْثَرُ اسْتِعْمالًا له منهم، وشاهِدُ الخَلُوقِ ما أَنْشَدَ أَبو بَكْرٍ:

قَدْ عَلِمَتْ إِنْ لَمْ أَجِدْ مُعِينَا *** لتَخْلِطَنَّ بالخَلُوقِ طِينَا

يَعْنِي امْرَأَتَه، يقولُ: إِنْ لَمْ أَجِدْ مَنْ يُعِينُنِي عَلَى سَقْيِ الإِبِلِ قامَتْ فاسْتَقَتْ مَعِي، فوَقَعَ الطِّينُ على خَلُوقِ يَدَيْها، فاكْتَفَى بالمُسَبَّبِ عن السَّبَبِ، وأَنْشَدَ اللِّحْيانِيُّ:

ومُنْسَدِلًا كقُرُونِ العَرُو *** سِ تُوسِعُه زَنْبَقًا أَو خِلاقَا

والخَلَاقُ كسَحاب: الحَظُّ، والنَّصِيبُ الوافِرُ من الخَيْرِ والصَّلاحُ، يقال: لا خَلاقَ لَهُ، أَي: لا رَغْبَةَ لَه في الخَيْرِ، ولا صَلاحَ في الدِّينِ، ومنه قولُه تَعالى: {أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} وكَذا قولُه تَعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} أَي: انْتَفَعُوا بهِ، وفي حَدِيثِ أُبَيٍّ: «إِنَّما تَأْكُل مِنْهُ بخَلاقِكَ» أَي: بحَظِّكَ ونَصِيبِكَ من الدِّينِ، قالَ له ذلك في حَقِّ إِطْعامِ من أَقْرأَهُ القُرْآنَ.

والخُلُقُ، بالضَّمِّ، وبضَمَّتَيْنِ: السَّجِيَّةُ، وهُو ما خُلِقَ عليهِ من الطَّبْع، ومنه حَدِيثُ عائِشَةَ ـ رضي ‌الله‌ عنها ـ: «كانَ خُلُقُه القُرْآنَ»: أَي كانَ مُتَمَسِّكًا بهِ، وبِآدابِهِ وأَوامِرِه ونَواهِيه، وما يَشْتَمِلُ عليه من المَكارِمِ والمَحاسِنِ والأَلْطافِ.

وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ: الخُلُقُ: المُرُوءَة، والخُلُقُ: الدِّينُ وفِي التنزيل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} والجَمْعُ أَخْلاقٌ، لا يُكَسَّرُ على غَيْرِ ذلِك، وفي الحَدِيثِ: «لَيْسَ شَيْ‌ءٌ في المِيزانِ أَثْقَلُ من حُسْنِ الخُلُقِ»، وحَقِيقَتُه أَنَّه لصُورَةِ الإِنْسانِ الباطِنَةِ، وهي نَفْسُه وأَوْصافُها ومَعانِيها المُخْتَصَّة بها بمَنْزِلَةِ الخَلْقِ لصُورَتهِ الظَّاهِرَةِ وأَوْصافِها ومَعانِيها، ولهما أَوصافٌ حَسَنَةٌ وقَبِيحَةٌ، والثَّوابُ والعقابُ يَتَعَلَّقانِ بأَوْصافِ الصُّورَةِ الباطِنَةِ أَكْثَرَ مِمّا يَتَعَلَّقانِ بأَوْصافِ الصُّورَةِ الظّاهِرَةِ، ولهذا تَكَرَّرتِ الأَحادِيثُ في مَدْح حُسْنِ الخُلُقِ في غَيْرِ مَوْضعٍ، كقَولِه: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمانًا أَحْسَنُهم خُلُقًا»، وقولِه: «إِنَّ العَبْدَ ليُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِم القائِمِ»، وقولِهِ: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ» وكذلِكَ جاءَت في ذَمِّ سُوءِ الخُلُقِ أَيْضًا أَحادِيثُ كَثِيرَة.

والأَخْلَقُ: الأَمْلَسُ المُصْمَتُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ، قالَ رُؤْبَةُ:

وَبَطَّنَتْهُ بَعْدَ ما تَشَبْرَقَا *** من مَزْقِ مَصْقُولِ الحَواشِي أَخْلَقَا

وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:

أَخَا تَنائِفَ أَغْفَى عندَ ساهِمَةٍ *** بأَخْلَقِ الدَّفِّ مِنْ تَصْدِيرِها جُلَبُ

وفِي حَدِيثِ عُمَرَ ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ: «لَيْسَ الفَقِيرُ الَّذِي لا مَالَ لَه، إِنَّما الفَقِيرُ الأَخْلَقُ الكَسْبِ»، أَرادَ أَنَّ الفَقْرَ الأَكبَرَ إِنَّما هو فَقْرُ الآخِرَةِ لمَنْ لم يُقَدِّمْ من مالِه شَيْئًا يُثابُ عليه هُنالِكَ. وفي حَدِيثٍ آخَر: «أَمّا مُعاوِيَةُ فرَجُلٌ أَخْلَقُ من المالِ».

والخِلْقَةُ، بالكسرِ: الفِطْرَةُ التي فُطِرَ عليها الإِنْسانُ كالخَلْقِ. والخُلْقُ، بالضمِّ: المَلاسَةُ، والنُّعُومَةُ، كالخلُوقَةِ والخَلاقَةِ بفَتْحِهما على مُقْتَضَى إِطْلاقِهم، والصَّحِيحُ أَنَّ الخُلُوقَةَ بمَعْنَى المَلاسَةِ بالضَّمِّ، مَصْدَرُ خَلُقَ كَكَرُمَ.

وقالَ أَبو سَعِيدٍ: الخَلَقَةُ بالتَّحْرِيكِ: السَّحابَةُ المُسْتَوِيَةُ المُخِيلَةُ للمَطَرِ، وأَنْشَدَ لأَبِي دُوادٍ الإِيادِيِّ:

ما رَعَدَتْ رَعْدَةٌ ولا بَرَقَتْ *** لكِنّها أُنْشِئَتْ لنا خَلَقَهْ

فالماءُ يَجْرِي ولا نِظامَ لَهُ *** لو يَجِدُ الماءُ مَخْرَجًا خَرَقَهْ

وأَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ على «خَلِقَهْ» كفَرِحَة.

والخَلْقاءُ من الفَراسِنِ: الّتِي لا شَقَّ فِيها عن ابْنِ عَبّادٍ.

وفي حَدِيثِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ كُتِبَ له في امْرأَةٍ خَلْقاءَ تَزَوَّجَها رَجُلٌ، فكَتَب إِليه: «إِنْ كانُوا عَلِمُوا بذلِكَ يَعْنِي أَولِياءَها، فأَغْرِمْهُمْ صَداقَها لزَوْجِها».

الخَلْقاءُ هي: الرَّتْقاءُ لأَنَّها مُصْمَتَةٌ كالصَّفاةِ الخَلْقاءِ؛ قال ابنُ سِيدَه: هو مَثَلٌ بالهَضْبَةِ الخَلْقاءِ؛ لأَنَّها مُصْمَتَةٌ مِثْلُها.

كالخُلَّقِ؛ كرُكَّعٍ وهذه عن ابْنِ عَبّادٍ.

والخَلْقاءُ: الصَّخْرَةُ ليسَ فِيها وَصْمٌ، ولا كَسْرٌ قالَ ابنُ أَحْمَرَ الباهِلِيُّ:

في رَأْسِ خَلْقاءَ مِنْ عَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ *** لا يُبْتَغَى دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلُ

وهي بَيِّنَةُ الخَلَقِ، مُحَرَّكَةً.

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الخَلْقاءُ من البَعِيرِ وغَيْرِه. جَنْبُه، ويُقالُ: ضَرَبْتُ علَى خَلْقاءِ جَنْبِه أَيضًا أَي: صَفْحَةِ جَنْبِه.

والخَلْقاءُ من الغارِ الأَعْلَى: باطِنُه وما امْلَاسَّ منه، قالَه اللَّيْثُ.

والخَلْقاءُ من الجَبْهَةِ: مُسْتَواها وما امْلاسَّ منها.

كالخُلَيْقاءِ بالتَّصْغِير فِيهما أَي: في الغارِ والجَبْهَةِ، وقِيلَ: هُما ما ظَهَر من الغارِ، وقد غَلَب عليه لَفْظُ التَّصْغِيرِ.

ويُقال: سُحِبُوا على خَلْقاواتِ جِباهِهِم، وهو مَجازٌ.

والخُلَيْقاءُ من الفَرَسِ: حَيْثُ لَقِيَتْ جَبْهَتُه قَصَبَةَ أَنْفِه من مُسْتَدَقِّها، وهي كالعِرْنِينِ مِنّا، قالَ أَبو عُبَيْدَةَ: في وَجْهِ الفَرَسِ خُلَيْقاوانِ، وهُما حَيْثُ لَقِيَتْ جَبْهَتُه قَصَبَةَ أَنْفِه، قالَ: والخَلِيقَانِ عَنْ يَمِينِ الخُلَيْقاءِ وشِمالِها، يَنْحَدِرُ إِلى العَيْنِ، قالَ: والخُلَيْقاءُ بينَ العَيْنَيْنِ، وبَعْضُهم يَقُول: الخَلْقاءُ.

وأَخْلَقَه: كَساهُ ثَوْبًا خَلَقًا كما في الصِّحاحِ، وقِيلَ: أَخْلَقَه خَلَقًا: أَعْطاهُ إِيّاها.

ومُضْغَةٌ مُخَلَّقَةٌ، كمُعَظَّمَةٍ: تامَّةُ الخَلْقِ وغَيْرُ مُخَلَّقَةٍ: هو السّقْطُ، قالَه الفَرّاءُ، وسُئِلَ أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى عن قَوْلِه تَعالَى: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} فقَال: النّاسُ خُلِقُوا على ضَرْبَيْنِ: منهم تامُّ الخَلْقِ، ومِنْهُم خَدِيجٌ: ناقِصٌ غَيْرُ تامٍّ، يَدُلُّكَ على ذلِكَ قولُه تَعالَى: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ} وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ: مُخَلَّقَةٍ: قد بَدا خَلْقُها، {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}: لم تُصَوَّرْ.

والمُخَلَّقُ كمُعَظَّمٍ: القِدْحُ إِذا لُيِّنَ نَقَله الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للشاعِرِ يَصِفُه:

فخَلَّقْتُهُ حَتَّى إِذا تَمَّ واسْتَوَى *** كمُخَّةِ ساقٍ أَو كَمَتْنِ إِمامِ

وقد تَقَدَّم ذلِكَ.

وخَلَّقَهُ بخَلُوقٍ تَخْلِيقًا أَي: طَيَّبَه به فتَخَلَّقَ به: إِذا تَطَيَّبَ به، وخَلَّقَت المَرْأَةُ جِسْمَها: إِذا طَلَتْه بالخَلُوق، وأَنْشَدَ اللِّحْيانِيُّ:

يا لَيْتَ شِعْرِي عَنْكِ يا غَلابِ *** تَحْمِلُ مَعَها أَحْسَنَ الأَرْكابِ

أَصْفَرَ قَدْ خُلِّقَ بالمَلابِ

والمُخْتَلَقُ للمَفْعُولِ: الرَّجُلُ التّامُّ الخَلْقِ، المُعْتَدِلُه، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيٍّ ـ للبُرْجِ بنِ مُسْهِرٍ ـ.

فلَمَّا أَنْ تَنَشَّى قامَ خِرْقٌ *** من الفِتْيانِ مُخْتَلَقٌ هَضِيمُ

وفي الأَساسِ: رَجُلٌ مُخْتَلَقٌ: حَسَنُ الخِلْقَةِ، وامْرَأَةٌ مُخْتَلَقَةٌ: ذاتُ خَلْقٍ وجِسْمٍ، وهو مَجازٌ.

وقالَ ابنُ فارِسٍ: يُقال: المُخْتَلَقُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ: ما اعْتَدَلَ منه، قال رُؤْبَةُ:

في غِيلِ قَصْباءَ وخِيسٍ مُخْتَلَقْ

ومن المَجازِ: تَخَلَّقَ بغَيْرِ خُلُقِه: إِذا تَكَلَّفَه، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «مَنْ تَخَلَّقَ للنّاسِ بما يَعْلَمُ اللهُ أَنَّه لَيْسَ من نَفْسِه شانَهُ الله تَعالَى»، قالَ المُبَرِّدُ: أَي: أَظْهَرَ في خُلُقِه خِلافَ نِيَّتِه، وقالَ غَيْرُه: أَي: تَكَلَّفَ أَنْ يُظْهِرَ من خُلُقِه خِلافَ ما يَنْطَوِي عليه، مثل تَصَنَّعَ وتَجَمَّلَ: إِذا أَظْهَر الصَّنِيعَ والجَمِيلَ.

وتَخَلَّقَ بكَذا: اسْتَعْمَلَه من غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا في فِطْرَتِه.

وقولُه: تَخَلَّقَ مثل تَجَمَّلَ، إِنَّما تَأْوِيلُه الإِظْهارُ، قال سالِمُ بنُ وابِصَةَ:

عليكَ بالقَصْدِ فيما أَنْتَ فاعِلُهُ *** إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَه الخُلُقُ

أَراد بغَيْرِ شِيمَتِه، فحَذَفَ وأَوْصَلَ.

واخْلَوْلَقَ السَّحابُ: اسْتَوى وارْتَتَقَتْ جوانِبُه، وقِيل: امْلاسَّ ولانَ.

وقالَ الجَوْهَرِيُّ: يُقال: صارَ خَلِيقًا أَي: جَدِيرًا للمَطَرِ كأَنّه مُلِّسَ تَمْلِيسًا، وفي حَدِيثِ صِفَةِ السَّحابِ: «واخْلَوْلَقَ بعدَ تَفَرُّقٍ» أَي: اجْتَمَع وتَهَيَّأَ للمَطَرِ، وهذا البناءُ للمُبالَغَةِ، وهو افْعَوْعَلَ، كاغْدَوْدَنَ، واعْشَوْشَبَ.

واخْلَوْلَقَ الرَّسْمُ: اسْتَوَى بالأَرْضِ نَقَله الجَوْهَرِيُّ، ومنه قَولُ المُرَقِّشِ:

ماذَا وُقُوفِي عَلَى رَبْعٍ عَفا *** مُخْلَوْلِقٍ دارِسٍ مُسْتَعْجِمِ

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيٍّ للشّاعِر:

هاجَ الهَوَى رَسْمٌ بذَاتِ الغَضَا *** مُخْلَوْلِقٌ مُسْتَعْجِمٌ مُحْوِلُ

واخْلَوْلَقَ مَتْنُ الفَرَسِ: إِذَا امَّلَسَ.

ويُقال: خالَقَهُم مُخالَقَةً: إِذا عاشَرَهُم على أَخْلاقِهِم، ومنه الحَدِيثُ: «اتَّقِ الله حَيْثُ كُنْتَ، وأَتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُها، وخالِقِ النّاسَ بخُلُقٍ حَسَن».

ويُقال: خالِصِ المُؤْمِنَ، وخالِقِ الكافِرَ، وقالَ الشاعِر:

خالِقِ النّاسَ بخُلْقٍ حَسَنٍ *** لا تَكُنْ كَلْبًا على النّاسِ يَهِرّ

* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

من صِفاتِ الله تَعالَى ـ جَلَّ وَعَزّ ـ: الخَلّاقُ، ففي كِتابِه العَزِيز: {بَلى وَهُوَ الْخَلّاقُ الْعَلِيمُ} ومَعْناه ومَعْنَى الخالِقِ سواءٌ.

وخَلَقَ اللهُ الشَّيْ‌ءَ خَلْقًا: أَحْدَثَه بعدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.

والخَلْقُ: يَكُونُ المَصْدَرَ، ويَكُون المَخْلُوقَ.

وفي الأَساسِ: ومن المَجازِ: خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ: أَوْجَدَهُ على تَقْدِيرٍ أَوْجَبَتْهُ الحِكْمَةُ.

وقولُه عَزَّ وجَلَّ: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} قيل: مَعْناهُ دِينُ اللهِ، قالَه الحَسَنُ ومُجاهِدٌ؛ لأَنَّ الله فَطَرَ الخَلْقَ على الإِسْلامِ، وخَلَقَهُم من ظَهْرِ آدَمَ عليه‌السلام كالذَّرِّ، وأَشْهَدَهُم أَنَّه رَبُّهُم، وآمَنُوا، فمَنْ كَفَرَ فقَدْ غَيَّرَ خَلْقَ اللهِ، وقِيلَ: المُرادُ به هُنا الخِصَاءُ، قال ابنُ عَرَفَة: ذَهَبَ قومٌ إِلى أَنَّ قَوْلَهُما حُجَّةٌ لمن قال: الإِيمانُ مَخْلُوقٌ، ولا حُجَّةَ له، لأَنَّ قَوْلَهُما: دِينُ اللهِ أَرادَا حُكْمَ اللهِ، وكَذَا قَولُه تَعالَى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} قالَ قَتادَةُ: أَي: لدِينِ اللهِ. وحَكَى اللَّحْيانِيُّ عن بَعْضِهم: لا والَّذِي خَلَقَ الخُلُوقَ ما فَعَلْتُ ذلِك، يريدُ جَمِيعَ الخَلْقَ.

ورَجُلٌ خَلِيقٌ، كأَمِيرٍ، بَيِّنُ الخَلْقِ، أَي: تامُّ الخَلْقِ مُعْتَدِلٌ، وهي خَلِيقَةٌ، وقِيلَ: خَلِيقٌ: تَمَّ خَلْقُه، وقِيلَ: حَسُنَ خَلْقُه، وقالَ اللَّيْثُ: امْرأَةٌ خَلِيقَةٌ: ذاتُ جِسْمٍ وخَلْقٍ، ولا يُنْعَتُ به الرَّجُل.

وفي حَديثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وقَتْلِه أَبا جَهْلٍ: «وهو كالجَمَلِ المُخَلَّقِ» أَي: التامِّ الخَلْقِ. والخَلِيقُ كالخَلِيقَةِ، عن اللِّحْيانِيِّ، قالَ: وقالَ القَنانِيُّ في الكِسائِيِّ:

وما لِي صَدِيقٌ ناصِحٌ أَغْتَدِي لَهُ *** ببَغْدادَ إِلّا أَنْتَ بَرٌّ مُوافِقُ

يَزِينُ الكِسائِيَّ الأَغَرَّ خَلِيقُهُ *** إِذا فَضَحَتْ بعضَ الرِّجالِ الخَلائِقُ

وقد يَجُوز أَنْ يَكُونَ الخَلِيقُ جَمْعَ خَلِيقَةٍ، كشَعِيرٍ وشَعِيرَةٍ، قالَ: وهُو السّابِقُ إِليَّ.

والخَلِيقَةُ: الأَرْضُ المَحْفُورَةُ.

والخُلُقُ: العادَةُ، ومنه قَوْلُه تعالى: {إِنْ هذا إِلّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}.

وخَلَقَ الثَّوْبُ: بَلِيَ، وأَنْشَد ابنُ بَرِّيٍّ للشّاعِرِ:

مَضَوْا وكأَنْ لَمْ تَغْنَ بالأَمْسِ أَهْلُهُم *** وكُلُّ جَدِيدٍ صائِرٌ لِخُلُوقِ

وقد أَخْلَقَ الثَّوْبُ إِخْلاقًا، واخْلَوْلَقَ: إِذا بلِيَ، وأَخْلَقْتُه أَنَا: أَبْلَيْتُه، يَتَعَدَّى ولا يَتَعدَّى.

ويُقال: أَخْلَقَ فَهُو مُخْلِقٌ: صارَ ذا إِخْلاقٍ، وأَنْشَد ابنُ بَرِّيٍّ لابن هَرْمَةَ:

عَجِبَتْ أُثَيْلَةُ أَنْ رَأَتْنِي مُخْلِقًا *** ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ، أَيُّ ذاكِ يَرُوعُ؟

قد يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى ورِداؤُه *** خَلَقٌ وجَيْبُ قَمِيصِه مَرْقُوعُ

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ شاهِدًا على أَخْلَقَ الثَّوبُ لأَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤلِيِّ:

نَظَرْتُ إِلى عُنْوانِه فنَبَذْتُهُ *** كنَبْذِكَ نَعْلًا أَخْلَقَتْ من نِعالِكَا

وفي حَدِيثِ أُمِّ خالِدٍ: «قالَ لها: أَبْلِي وأَخْلِقِي» يُرْوَى بالقافِ وبالفاءِ، فالقاف من إِخْلاقِ الثَّوْبِ وتَقْطِيعِه، والفاءُ بمعنَى العِوَضِ والبَدَلِ، وهو الأَشْبَهُ، وقد تَقَدَّم.

وحَكَى ابنُ الأَعْرابِيِّ: باعَهُ بَيْعَ الخَلَقِ، ولم يُفَسِّرْهُ، وأَنْشَدَ:

أَبْلغْ فَزارَةَ أَنِّي قد شَرَيْتُ لَها *** مَجْدَ الحَياةِ بسَيْفِي بَيْعَ ذِي الخَلَقِ

والخَلْقُ، بالفَتْحِ: كُلُّ شَيْ‌ءٍ مُمَلَّسٍ.

والخَلائِقُ: حَمائِرُ الماءِ، وهي: صُخُورٌ أَرْبَعٌ عِظامٌ مُلْسٌ، تَكُونُ على رَأْسِ الرَّكِيَّةِ، يَقُوم عليها النّازِعُ والماتِحُ، قالَ الرّاعِي:

فغادَرْنَ مَرْكُوًّا أَكَسَّ عَشِيَّةً *** لَدَى نَزَحٍ رَيّانَ بادٍ خَلائِقُهْ

وقالَ ابنُ عَبّادٍ: حَوْضٌ بادِي الخَلائِقِ، أَي: النَّصائِب.

وسَحابَةٌ خَلْقاءُ، مثلُ خَلَقَةٍ، عن ابْنِ الأَعْرابِيِّ.

والخَلْقاءُ: السَّماءُ، لمَلاسَتِها واسْتِوائِها.

وحُكِيَ عن الكِسائيِّ: إِنَّ أَخْلَقَ بكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذا، قالَ: أَرادُوا إِنَّ أَخْلَقَ الأَشْياءِ بكَ أَن تَفْعَلَ ذلك.

وهو خَلِيقٌ له، أَي: شَبِيهٌ، وما أَخْلَقَه، أَي: ما أَشْبَهَهُ.

ويُقال: أَخْلِقْ بهِ، أَي: أَجْدِرْ بهِ، وأَحْرِ بهِ، واشْتِقاقُه من الخَلاقَةِ، وهو التَّمْرِينُ.

والخِلاقَى: من مِياه الجَبَلَيْنِ، قالَ زَيْدُ الخَيْلِ الطّائِيُّ ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ:

نَزَلْنا بَيْنَ فَتْكٍ والخِلاقَى *** بحَيٍّ ذِي مُداراةٍ شَدِيدِ

وقول ذِي الرُّمَّةِ:

ومُخْتَلَقٌ للمُلْكِ أَبْيَضُ فَدْغَمٌ *** أَشَمُّ أَبَجُّ العَيْنِ كالقَمَرِ البَدْرِ

عَنَى بهِ أَنَّه خُلِقَ خِلْقَةً تَصْلُحُ للمُلْكِ، وكذا قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ:

مُسْتَبْشِرُ الوَجْهِ للأَصْحابِ مُخْتَلَقٌ *** لا هَيِّبانٌ ولا في أَمْرِه زَلَلُ

والمُخْتَلَقُ: المُمَلَّسُ، قال رُؤْبَةُ:

فارْتازَ عَيْرَيْ سَنْدَرِيٍّ مُخْتَلَقْ

واخْلَوْلَقَتِ السَّماءُ أَنْ تُمْطِرَ، أَي: قارَبَتْ وشابَهَتْ.

والخَلاقُ، كسَحابٍ: الدِّينُ، أَو الحَظُّ مِنْهُ.

وأَخْلَقَ الدَّهْرُ الشَّيْ‌ءَ: أَبْلاهُ وأَخْلَقَ شَبابُه: وَلَّى.

ويُقالُ للسّائِلِ: أَخْلَقْتَ وَجْهَك، وهو مَجازٌ.

والخُلْقانِيُّ، بالضَّمِّ: نِسْبَةُ من يَبِيعُ الخَلَقَ من الثِّيابِ وغيرِها، وقد انْتَسَبَ هكَذا بعضُ المُحَدِّثِينَ، منهم: الرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمٍ الأَزْدِيُّ، وأَبُو زِيادٍ إِسْماعِيلُ بنُ زَكَرِيّا، وأَبُو سَعِيدٍ الحَسَنُ بنُ خَلَفٍ الأَسْتَراباذِيُّ، وأَبُو عَبْدِ اللهِ مُوسَى بنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ، الخُلْقانِيُّونَ.

وخَلُوق، كصَبُورٍ، أَو خَلُوقَة: بَطْنٌ من العَرَبِ، منهم أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ الخَلُوقِيُّ، وله ابْنانِ: عبدُ الرَّحْمنِ، وعَبْدُ الواحِدِ، حَدَّثُوا.

وأَبُو مَرْوانَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ هُذَيْل بن إِسْماعِيلَ التَّمِيميُّ الخَلَقيُّ، مُحَرَّكَةً الفَقِيهُ المُحَدِّثُ الزاهِدُ، كانَ يَلْبَسُ خَلَقَ الثِّيابِ، ذَكَرَه القاضِي عِياضٌ فِي المُدارَك، توفِّيَ سنة 359.

وخُلَّيْقَى، كسُمَّيْهَى: هَضْبَةٌ ببلادِ بَنِي عُقَيْلٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


76-تاج العروس (فرق)

[فرق]: فَرَق بيْنَهُما أَي: الشّيْئَين، كما في الصِّحاح، رَجُلين كانا أَو كَلامَين، وقِيلَ: بل مطاوع الأَول التَّفَرُّق، ومُطاوع الثاني الافْتِراق، كما سيأْتي يَفْرُق فَرْقًا وفُرْقَانًا، بالضَّمِّ: فَصَل.

وقال الأَصبهانيّ: الفَرْقُ يُقارِبُ الفَلْقَ، لكن الفَلْقُ يُقالُ باعْتِبارِ الانْشِقاق، والفَرْق يُقال باعْتِبار الانْفِصال، ثم الفَرْقُ بينَ الشيئين سَواءٌ كانَ بما يُدْرِكُه البَصَر، أَو بما تُدْرِكُه البَصِيرة، ولِكُلٍّ منهما أَمثِلة يَأْتِي ذِكرُها.

قال: والفُرْقانُ أَبلَغُ من الفَرْقِ؛ لأَنه يُسْتَعْمَلُ في الفَرْق بينَ الحَقِّ والباطلِ، والحُجَّةِ والشُّبْهة، كما سَيَأْتِي بيانُها.

وظاهرُ المُصَنِّفِ كالجوهرِي والصاغانِيّ الاقْتِصار فيه على أَنَّه من حَدِّ نَصَر. ونقلَ صاحبُ المِصباح فَرَق كضَرَب، وقال: وبه قُرِئَ: فافْرِقْ بَيْنَنَا وبَيْن القَوْمِ الفاسِقين قُلتُ: وهذه قد ذَكَرَها اللِّحْياني نَقْلا عن عُبَيدِ بنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيّ أَنَّه قرأَ «فافْرِق بَيْنَنا» بكسرِ الرّاءِ.

وقَولُه تَعَالى: {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}. قالَ قَتادةُ أَي: يُقْضَى وقِيلَ: أَي يُفصَلُ، ونَقَلَه اللَّيْثُ.

وقَولُه تَعالَى: وَقُرْآنًا فَرَقْناهُ أَي: فَصَّلْناه وأَحْكَمْناه وبَينَّا فيه الأَحكامَ، هذا على قِراءَةِ من خَفَّفَ.

ومن شَدَّد قالَ: معناهُ أَنْزَلْنَاه مُفرَّقًا في أَيَّامٍ، ورُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ بالوَجْهين.

وقَولُه تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ أَي: فَلَقْناه.

وقد تقدَّم الفَرْق بين الفَلْق والفَرْق.

وقوله تعالى: فَالْفارِقاتِ فَرْقًا قالَ الفرّاءُ: هم المَلائِكَةُ تَنْزِلُ بالفَرْقِ بينَ الحَقِّ والباطِلِ وقالَ ثَعْلبٌ: تُزَيِّلُ بين الحَلالِ والحَرامِ. وفي المُفْرداتِ: الَّذِينَ يَفْصِلون بَيْنَ الأَشياءِ حَسَب ما أَمَرَهُم الله تَعالى.

والفَرْقُ: الطَّرِيقُ في شَعَرِ الرَّأْس. ومنه الحَدِيثُ عن عائِشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «كُنتُ إِذا أَرَدْتُ أَنْ أَفْرُقَ رَسولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم صَدَمْتُ الفَرْق على يافُوخِه، وأَرْسَلْتُ ناصِيَتَه بين عَيْنَيه». وقد فَرَق الشَّعرَ بالمُشْطِ يَفْرِقُهُ ـ من حَدَّيْ نَصَر وضَرَب ـ فَرْقًا: سَرَّحه. ويُقالُ: الفَرْقُ من الرَّأْس: ما بينَ الجَبِينِ إِلى الدَّائرةِ. قال أَبو ذُؤَيْب:

ومَتْلَفٍ مثلِ فَرْقِ الرَّأْسِ تَخْلِجُه *** مَطارِبٌ زَقَبٌ أَميالُها فِيحُ

شَبَّهه بفَرْقِ الرأْسِ في ضِيقِه ومَفْرَقه. ومَفْرِقُه كذلك: وَسْط رَأْسه.

والفَرْق: طائِرٌ ولم يذكُره أَبو حاتِم في كِتابِ الطَّير.

والفَرْق: الكَتَّان. ومنه قَولُ الشاعِرِ:

وأَعلاطُ النُّجومِ مُعَلَّقاتٌ *** كحَبْل الفَرْقِ ليسَ له انتِصابُ

والفَرْقُ: مِكْيالٌ ضَخْمٌ بالمَدِينة، اختُلِف فيه. فقيل: يَسَعُ سِتَّة عَشَرَ مُدًّا، وذلِك ثَلاثَة آصُعٍ. وفي حَدِيثِ عائشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «كنتُ أَغْتَسِلُ من إِناءٍ يقال له الفَرْق». قال الأَزهريّ: يقولُه المحدِّثون بالتَّسكينِ ويُحَرَّك، وهو كَلام العَرَب، أَو هُوَ أَفْصَحُ. قال ذلك أَحمدُ بنُ يحيى، وخالِدُ بنُ يَزِيدَ أَو يَسَع سِتَّةَ عَشَر رِطْلًا وهي اثْنا عَشَرَ مُدًّا وثلاثة آصُعٍ عندَ أَهلِ الحِجازِ، نَقَلَهُ ابنُ الأَثير، وهو قَولُ أَبي الهَيْثم. أَو هو أَرْبَعة أَرْباعٍ وهو قَولُ أَبي حاتِمٍ. قال ابنُ الأَثِير: وقِيلَ: الفَرَق: خمْسةُ أَقْساط، والقِسْطُ: نِصفُ صاع فأَما الفَرْق بالسُّكُون فمِائَة وعِشْرون. رُطْلًا. ومنه الحَدِيثُ: «ما أَسْكَرَ منه الفَرْقُ فالحَسْوَةُ منه حَرامٌ». وقالَ خِدَاشُ بنُ زُهَيْر:

يأْخُذُونَ الأَرْشَ في إِخْوَتِهم *** فَرَقَ السَّمْنِ وشَاةً في الغَنَمْ

ج: فُرْقَانٌ، وهو قَدْ يكونُ للسَّاكنِ، والمُتَحَرِّك جَمِيعًا كبُطْنَانٍ وبَطْن، وحُمْلان وحَمَل. وأَنشَدَ أَبو زَيْدٍ:

تَرفِدُ بعدَ الصَّفِّ في فُرْقان

كما في الصحاح. وسِياقُ المصنف يَقْتَضِي أَنه جَمْع للسَّاكنِ فقط، وفيه قُصور، وقد تقَدَّمَ مَعْنى الصَّفِّ في موضِعِه.

والفَارُوقُ: ما فَرَق بين الشَّيئَيْن.

ورجلٌ فارُوقٌ: يُفرِّقُ بينَ الحَقِّ والباطِلِ.

والفَارُوقُ: اسمُ سَيِّدِنا أَميرِ المؤمنين ثانِي الخُلَفاءِ عُمَر بن الخَطَّابِ رَضِي الله تَعالى عنه؛ لأَنَّه فَرَقَ بَيْن الحَقّ والبَاطِل. وقالَ إِبراهيمُ الحَرْبيُّ: لأَنه فَرَقَ به بينَ الحقِّ والباطِلِ. وأَنْشَد لعُويْفِ القَوافِي:

يا عُمَرَ الخَيْرِ المُلَقَّى وَفْقَه *** سُمِّيت بالفَارُوق فافرُق فَرْقَه

أَو لأَنَّه أَظْهَر الإِسلامَ بمَكَّةَ، ففَرَق بَيْن الإِيمانِ والكُفْر قاله ابنُ دريدٍ. وقالَ اللَّيْثُ: لأَنه ضَرَبَ بالحق على لسانِه في حَدِيثٍ طَوِيل ذَكَره، فيه أَن الله تعالَى سمّاه الفارُوقَ، وقيل: جِبْرِيلُ عليه‌السلام، وهذا يوُمئُ إِليه كلامُ الكَشّافِ، أَو النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وصَحَّحُوه، أَو أَهلُ الكِتاب. قالَ شَيْخُنا: وقد يُقالُ لا مُنافاةَ. وقالَ الفَرَزْدَقُ يمدَحُ عُمَر بنَ عبدِ العَزِيزِ:

أَشْبَهْتَ مِن عُمَر الفَاروقِ سِيرَتَه *** فاقَ البَريَّةَ وائْتَمَّتْ به الأُمَمُ

وقال عُتبَةُ بنُ شَمَّاس يمدَحُه أَيضًا:

إِنَّ أَوْلَى بالحَقِّ في كلِّ حَقٍّ *** ثُمّ أَحْرَى بأَن يَكون حَقِيقَا

مَنْ أَبوه عبدُ العَزِيز بنُ مَرْوا *** نَ، ومَنْ كان جَدُّه الفَارُوقَا

والتِّرْياقُ الفَارُوقُ. وفي العُبَاب: تِرْياقُ فارُوق: أَحمَدُ التَّرايِيق وأَجَلُّ المُرَكّباتِ لأَنَّه يَفْرِقُ بين المَرَض والصِحَّة وقد مَرَّ تركيبُه في «ت ر ق» والعامة تقول: تِرْيَاقٌ فارُوقِيّ.

وفَرِق الرجلُ منه كفَرِح: جَزِع، وحَكَى سِيبَويهُ. فَرِقَه، على حَذْفِ «مِنْ» قالَ حين مثَّل نَصْبَ قولِهم: أَو فَرَقًا خَيْرًا من حُبٍّ، أَي: أَو أَفرَقَك فَرَقًا.

وفَرِق عليه: فَزع وأَشفَقَ، هذه عن اللِّحْيانِيِّ.

ورجُلٌ وامرأَةٌ فاروقةٌ وفُروقةٌ. قال ابنُ دُرَيدٍ: رجلٌ فَرُوقة، وكذلك المَرْأَةُ أُخْرِجَ مخرَجَ عَلَّامةٍ ونَسَّابةٍ وبَصِيرة، وما أَشْبَهَ ذلك، وأَنْشَدَ:

ولقد حَلَلْتُ ـ وكُنتُ جِدَّ فَرُوقَة *** بَلَدًا يَمُرُّ به الشُّجاعُ فيَفْزَعُ

قال: ولا جمعَ للفَرُوقَةِ. وفي المَثَل: «رُبَّ فَرُوقةٍ يُدْعَى لَيْثا، ورُبَّ عَجَلَةٍ تَهَبُ رَيْثَا، ورُبَّ غَيْثٍ لم يكن غَيْثا في المُحِيط، قالَهُ مالكُ بنُ عَمْروِ بن مُحَلِّم، حينَ شامَ ليثٌ أَخوه الغَيثَ فهَمّ بانْتِجاعِه، فقالَ مالك: لا تَفْعَلْ، فإِنّي أَخْشَى عليكَ بعضَ مَقانِبِ العَرَب، فعَصاه، وسار بأَهْلِه، فلم يَلْبَثْ يَسِيرًا حتى جاءَ وقد أُخِذَ أَهْلُه. ويُشَدَّد أَي: الأَخِيرة، وهذه عن ابنِ عَبَّاد، ونَقَله صاحبُ اللِّسانِ أَيضًا.

أَو رَجُلٌ فَرِقٌ، كَكَتِف، ونَدُسٍ، وصَبُورٍ، ومَلُولَة، وفَرُّوج، وفَارُوق، وفَارُوقَة: فَزِعٌ شَدِيدُ الفَزَع، الهاءُ في كلِّ ذلِك ليست لتأْنِيثِ المَوْصوفِ بما هي فيه، إِنَّما هي إِشْعارٌ بما أُرِيدَ من تأْنِيثِ الغَايَةِ والمُبَالَغَة.

أَو رَجُلٌ فَرُقٌ، كَنَدُس: إِذا كَانَ الفَرَقُ منه جِبِلَّةً وطَبْعًا.

ورَجُلٌ فَرِقٌ، كَكَتِف: إِذا فَزِعَ من الشَّيْ‌ءِ. وقالَ ابنُ بَرِّيّ: شاهِدُ رَجُلٍ فَرُوقةٍ للكَثِير الفزَع قولُ الشاعِر:

بَعَثْتَ غُلامًا من قُرَيْشٍ فَرُوقةً *** وتَترُك ذَا الرأَيِ الأَصِيلِ المُهَلَّبا

قالَ وشاهدُ امرأَة فَرُوق قولُ حُمَيْدِ بنِ ثَوْر:

رأَتْنِي مُجَلِّيها فصَدَّتْ مَخافَةً *** وفي الخيلِ رَوعاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ

والمَفْرِقُ كمَقْعَد ومَجْلِس: وَسَطُ الرَّأْسِ، وهو الذي يُفْرَقُ فيه الشَّعَر. يُقال: الشَّيْبُ في مَفرَقهِ وفَرْقه. ورأَيتُ وَبِيصَ المِسْكِ في مَفارِقِهم.

والمَفْرَقُ من الطَّرِيقِ: المَوْضِعُ الذي يَتَشَعَّبُ منه طَرِيقٌ آخرَ يُرْوَى أَيضًا بالوَجْهَين بفَتْحِ الرّاءِ وبكَسْرِها ج: مَفارِقُ. وقَولُهُم للمَفْرِق مَفارِق كأَنَّهم جَعَلُوا كُلَّ مَوْضِعٍ منه مَفْرِقًا فجَمَعُوه على ذلك. ومِنْ ذلِك حَدِيثُ عائِشَةَ رضي ‌الله‌ عنها: «كأَنِّي أَنْظُر إِلى وَبِيصِ الطِّيبِ في مَفارِقِ رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم وهو مُحرِمٌ». وقال كعبُ بنُ زُهَيرٍ ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ:

يَقَى شَعَرَ الرّأْسِ القَدِيمَ خَوالِقُهْ *** ولاح شَيْبٍ في السَّوادِ مَفارِقُهْ

ومن المَجازِ قولهم: وَقَّفْتُه على مَفارِقِ الحَدِيثِ أَي على وُجُوهِه الواضحة.

وفَرَق له الطَّرِيقُ فُروقًا بالضَّمِّ، أَي: اتَّجَه له طَرِيقان كذا في العُبابِ والصّحاح واللّسان، أَو اتَّجَه له أَمْر فَعَرَفَ وَجْهَه. ومنه حديثُ ابنِ عبّاسٍ: «فَرَقَ لي رَأْيٌ» أَي بَدَا وظَهَر.

وفَرَقت النَّاقَةُ، أَو الأَتانُ تَفرُق فُروقًا بالضمِّ: أَخذَها المَخاضُ، فنَدَّتْ أَي ذَهَبَت نادَّةً في الأَرْضِ، فَهِي فارِقٌ كما في الصّحاحِ، وفارِقَةٌ أَيضًا كما في المُفْردات.

وقِيلَ: الفارِقُ من الإِبل: التي تُفارِق إِلْفَها فتنتج وَحْدَها. وأَنشدَ الأَصْمَعِيُّ لعُمارةَ بنِ طارِقٍ، كما في الصِّحاح. وكذا أَنشدَه الرِّيَاشيُّ له، وقال الزِّيادِيُّ هو عُمارةُ بنُ أَرْطاةَ:

اعْجَلْ بغَرْبٍ مثل غَرْبِ طارِقِ *** ومَنْجَنُونٍ كالأَتانِ الفارِقِ

من أَثْلِ ذاتِ العَرْضِ والمَضايِقِ

وقال ابنُ الأَعرابيِّ: الفارِقُ من الإِبِلِ: التي تَشْتَدُّ ثم تُلْقِي وَلَدَها من شِدَّةِ ما يَمرُّ بها من الوَجَعِ.

ج: فوارقُ، وفُرَّق كَرُكَّع، وفُرُق، مِثْل: كُتُب، وتُشَبَّه بهذِه ونَصّ الجَوْهَري: ورُبَّما شَبَّهوا السَّحابَة المُنْفَرِدَة عن السَّحَابِ بهذه النّاقة، فيقال: فارِقٌ. وأَنشَدَ الصّاغانِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ غَزالًا:

أَو مُزْنةٌ فارِقٌ يَجْلُو غوارِبَها *** تَبَوُّجُ البَرْقِ والظلماءُ عُلجُومُ

والجَمْع كالجَمْعِ. وقالَ غيرُه: الفارِقُ: هي السَّحابةُ المُنْفَردة لا تُخْلِفُ وربّما كان قَبْلها رَعْدٌ وبَرْقٌ. وقال ابنُ سِيدَه: سحابَةٌ فارِقٌ: منقطعة من مُعظَمِ السَّحاب، تُشبَّهُ بالفارِقِ من الإِبِل. قال عبدُ بَنِي الحَسْحاس يَصِف سَحابًا:

له فُرَّقٌ منه يُنَتَّجْنَ حَوْلَه *** يُفَقِّئْنَ بالمِيثِ الدِماثِ السَّوابِيَا

قال الجَوْهَرِيّ: فجَعَل له سَوابِيَ كسَوَابِي الإِبِلِ اتِّساعًا في الكَلام.

والفَرَق، مُحَرَّكةً: الصُّبْحُ نَفْسُه، أَو فَلَقُه. قالَ الشاعرُ ذُو الرُّمَّةِ:

حَتّى إِذا انْشَقَّ عن إِنسانِه فَرَقٌ *** هادِيه في أُخْرَياتِ اللَّيْلِ مُنْتَصِبُ

ويُرْوَى «فَلَق»: ويُرْوَى: «عَنْ أَنْسائِه». وقِيلَ: الفَرَقُ: هو ما انْفَلَقَ من عَمُودِ الصُّبْح، لأَنّه فارقَ سَوادَ اللّيل. وقد انْفَرَقَ، وعلى هذا أَضافُوا فقالوا: أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ الصُّبْحِ، لُغَةٌ في فَلَقِ الصُّبْحِ.

والفَرَق: تَباعُدُ ما بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ يُقالُ: رجلٌ أَفرَقُ: إِذا كانَ في ثَنِيَّتِه انْفِراجٌ، نقله ابنُ خالَوَيْهِ في كتاب «لَيْس».

والفَرَق: تَباعُدُ ما بَيْنَ المَنْسِمَيْنِ. يُقال: بَعِيرٌ أَفرَقُ: بَعِيدُ ما بينَ المَنْسِمَيْنِ، عن يَعْقُوبَ.

والفَرَق في الخَيْلِ: إِشْرافُ إِحْدَى الوَرِكَيْنِ على الأُخْرَى. وقِيلَ: نَقْصُ إِحْدَى فَخِذَيْهِ عن الأُخْرى. وقِيلَ: هو نَقْصُ إِحدَى الوَرِكَيْنِ، وهو مَكْرُوهٌ. يُقالُ من ذلك: فَرَسٌ أَفْرُقُ. وفي التَّهْذِيب: الأَفرَقُ من الدَّوابِّ: الذي إِحدى حُرْقُفَتَيْهِ شاخِصَةٌ، والأُخْرَى مُطْمَئنَّة.

ودِيكٌ أَفرَقُ بَيِّنُ الفَرَقِ: ذُو عُرْفَيْنِ لِلَّذِي عُرفُه مَفْروقٌ، وذلك لانْفِراجِ ما بَيْنَهُما. وقالَ ابنُ خَالَوَيْهِ: ديكٌ أَفْرَقُ: انفرَقَت قُنْزُعَتُه.

ورَجُلٌ أَفْرَقُ: كأَنَّ ناصِيتَه أَو لِحْيَتَه كأَنَّها مَفْرُوقَةٌ بَيِّنُ الفَرَق، نَقَلَه ابنُ سِيدَه.

وأَرْضٌ فَرِقَة، كفَرِحةٍ: في نَبْتِها فَرَقٌ بالتَّحْرِيك على النَّسَبِ، لأَنَّه لا فِعْل له إِذا كانَ النَّبْتُ مُتَفَرِّقًا. ونَصُّ اللِّسانِ: إِذا لم تَكُنْ واصيةً مُتَّصِلَة النَّباتِ.

أَو نَبْتٌ فَرِق، ككَتِف: صَغِيرٌ لم يُغَطّ الأَرْضَ عن أَبي حَنِيفةَ.

والأَفرَقُ: الدِّيكُ الأَبيضُ عن اللَّيْثِ.

والأَفْرقُ من ذُكُور الشَّاءِ: البَعِيدُ ما بَيْن خُصْيَيْه عن اللِّيْثِ ج: فُرْقٌ بالضم. والأَفْرَقُ من الخَيْلِ: ذُو خُصْيَةٍ واحِدَةٍ والجمعُ فُرْقٌ أَيضًا. ومنه قولُ الشاعرِ:

لَيْسَتْ من الفُرْقِ البِطاءِ دَوْسَرُ

والأَفْرقُ: الأَفْلَج. وقال اللّيثُ: شِبْه الأَفْلج، إِلَّا أَن الأَفْلَج زَعَمُوا ما يُفَلَّجُ، والأَفْرقُ خِلْقةً.

والفَرْقَاءُ: الشَّاةُ البَعِيدَةُ ما بَيْن الطُّبْيَيْن، عن اللَّيْثِ.

وفارِقِينُ: أَشهر بَلْدة بدِيَارِ بَكْر، سُمِّيت بمَيّا بنت أُدٍّ؛ لأَنَّها بَنَتْها، قال كُثَيِّرٌ:

فإِن لّا تَكُن بالشّامِ دَارِي مُقِيمةً *** فإِنَّ بأَجْنادِينَ مِنِّي ومَسْكِنِ

مَشاهِدَ لم يَعْفُ التّنائِي قَدِيمَها *** وأُخْرَى بمَيَّا فارِقِينَ فمَوْزَنِ

وقالَ ابنُ عَبّاد: فارِقينَ: اسمُ مَدِينةٍ.

وقالَ ابنُ عَبّاد: فارِقينَ: اسمُ مَدِينةٍ. ويُقالُ: هذه فارِقُون، ودَخَلْتُ فارِقِينَ على هَجائِنَ. وسَيُذْكَرُ في «م ى ى».

والأَفْراقُ: موضع مِن أَمْوالِ المَدِينة على ساكِنها أَفضلُ الصلاة والسلام. قال ياقوت: وضَبَطه بَعضُهم بكَسْرِ الهَمْزة.

وفُرَيْقات، كَجُهَيْنات: موضع بعَقِيقِها نَقَله الصاغانِيُّ.

قال: وفُرَيْق، كَزُبَيْر: موضع بِتِهامة، أَو جبل.

قال غيرُه: وفُرَيِّق كَصُغَيِّر أَي بالتَّصْغِير مشدّدًا: فَلاةٌ قُرْبَ البَحْرَيْنِ.

وفُرُوقٌ، بالضِّمِ وفي التَّهذيب: الفُروق: موضع بِدِيار بَنِي سَعْد. قال: أَنْشَدَني رَجُلٌ منهم، وهو أَبو صَبْرَةَ السَّعْدِيّ:

لا بارَكَ اللهُ عَلَى الفُرُوقِ *** ولا سَقاها صائبُ البُروق

ومَفْرُوقٌ: اسم جَبَلٍ، قال رُؤبةُ:

ورَعْنُ مَفْرُوقٍ تَسامَى أُرَمُهْ

ومَفْروقٌ: أَبو عَبْد المسِيحِ وفي اللِّسانِ: مَفْرُوقٌ: لَقَبُ النُّعمانِ بنِ عَمْروٍ، وهو أَيضًا اسمٌ.

وفَرُوق كَصَبُور: عَقَبَةٌ دُونَ هَجَر إِلى نَجْد، بين هَجَرَ ومَهبِّ الشَّمال.

وفَرُوقُ: لَقَبُ قُسْطَنْطِينِيَّة دارِ مَلِك الرُّومِ.

والفَرُوقُ: موضع آخَرُ في قَوْل عَنْتَرة:

ونحن مَنَعْنا بالفَرُوقِ نساءَكم *** نُطَرِّفُ عنها مُبْسِلاتٍ غَواشِيَا

وقالَ ذُو الرُّمَّةِ أَيضًا:

كأَنَّها أَخْدَرِيُّ بالفَرُوقِ له *** على جَواذِبَ كالأَدْراكِ تَغْرِيدُ

وقالَ شمر: بَلَغَنِي أَنَّ الفَرُوقَةَ بِهاءٍ: الحُرْمَةُ، وأَنْشَدَ:

ما زالَ عنه حُمْقُه ومُوقُهْ *** واللُّؤْمُ حَتّى انْتُهِكَت فَرُوقُهْ

وقالَ أَبو عُبَيْد عن الأموي: الفَرُوقَةُ: شَحْم الكُلْيَتَيْن وأَنْشَدَ:

فبتْنا وباتَتْ قِدْرُهُمْ ذاتَ هِزَّةٍ *** يُضِي‌ءُ لنا شَحْمُ الفَروقَةِ والكُلَى

وأَنْكَرَ شَمِر الفَرُوقَةَ بهذا المَعْنَى ولم يعرِفْه.

ويَومُ الفَرُوقَيْنِ: من أَيَّامِهِم.

والفِرْقُ، بالكَسْرِ: القَطِيعُ من الغَنَمِ العَظِيمُ كما في الصِّحاحِ. ومنه حَدِيثُ أَبي ذَرٍّ رضي ‌الله‌ عنه وقد سُئلَ عن مالِه، فقالَ: «فِرْقٌ لنا وذَوْد».

وقِيلَ: منَ البَقَر، أَو مِنَ الظِّباءِ، أَو مِنَ الغَنَمِ فقط، أَو مِنَ الغَنَمِ الضَّالَّة، كالفَرِيق كأَمِيرٍ، والفَرِيقَة، كسَفِينَةٍ أَو مَا دُونَ المِائَة من الغَنَم. وأَنشدَ الجوهريُّ للرّاعِي يَهْجُو رَجُلًا من بَنِي نُمَيرٍ يُلَقَّبُ بالحَلال، وكان عَيَّره بإِبِلِه، فهَجاه، وعَيَّره بأَنّه صاحِبُ غَنَم:

وعَيَّرني الإِبْلَ الحَلالُ ولم يكن *** ليَجْعَلَها لابْنِ الخَبِيثَةِ خالِقُهْ

ولكِنَّما أَجْدَى وأَمْتَعَ جَدُّه *** بفِرْقٍ يُخَشِّيهِ بِهَجْهَجَ ناعِقُهْ

والفِرْقُ: القِسْمُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ إِذا انْفَرَقَ، والجَمْعُ أَفْراقٌ. قالَ ابنُ جِنِّي: وقِراءَة من قَرَأَ: فرَّقْنا بِكُمُ البَحْرَ بتَشْدِيدِ الرَّاءِ شَاذَّة من ذلِك، أَي: جَعَلْناه فِرَقًا وأَقْسامًا.

والفِرْقُ: الطَّائِفَةُ من الصِّبْيانِ. قال أَعرابيٌّ لصِبيانٍ رآهُم: هؤُلاءِ فِرْقُ سُوءٍ.

والفِرْقُ: قِطْعَةٌ من النَّوَى يُعْلَفُ بها البَعِيرُ.

ويُقال: فَرَق الرجلُ: إِذا مَلَكَه. هكذا في النُّسَخ.

والَّذِي في العُباب. وفَرَقَ: إِذا مَلَكَ الفِرْقَ من الغَنَمِ، وهو الصَّوابُ.

والفِرْقُ: الفِلْقُ من الشَّيْ‌ءِ: المُنْفَلِق. ونَصُّ الصِّحاحِ: الفِلْقُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ: إِذا انْفَلَقَ، ومنه قولُه تَعالَى: {فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} يريدُ الفِرْق من الماءِ.

وقال ابنُ الأَعْرابِيِّ: الفِرْقُ الجَبَل. وأَيضًا الهَضْبَة. وأَيْضًا: المَوْجَة.

ويُقالُ: فَرِقَ الرَّجلُ كفَرِح: إِذا دَخَلَ فِيها وغَاصَ.

وفَرِقَ: شَرِبِ بالفَرَق مُحَرَّكةً وهو المِكْيَالُ. وسياقُ الصّاغاني يَقْتضِي أَنَّه كَنَصَرَ.

قالَ: وفَرَقَ كَنَصَرَ: ذَرَقَ.

وأَفْرَقَه إِفْراقًا أَذْرَقَه.

وذَاتُ فِرْقَيْن، أَو ذَاتُ فِرْقٍ، ويُفْتَحَان: هَضْبَة بِبِلاد تَمِيم، بينَ البَصْرَةِ والكُوفَةِ، ومنه قَوْلُ عَبِيدِ بن الأَبْرَصِ:

فراكِسٌ فثُعَيْلِبَاتٌ *** فذاتُ فِرْقَيْنِ فالقَلِيبُ

والفِرْقَةُ، بالكَسْرِ: السِّقاءُ المُمْتَلِئُ الذي لا يُسْتَطَاعُ أَن يُمْخَضَ حتَّى يُفْرَقَ، أَي: يُذْرَقَ.

والفِرْقة: الطَّائِفَة من النَّاسِ كما في الصِّحاح ج: فِرَقٌ بكَسْر ففتْح: وجُمِعَ في الشِّعْرِ على أَفَارِق بحَذْفِ الياءِ، قالَ:

ما فِيهم نازِعٌ يُرْوِي أَفارِقَهُ *** بذِي رِشاءٍ يُوارِي دَلْوَه لَجَفُ

جج جَمْع الجَمْع أَفراقٌ كعِنَب وأَعْنابٍ. وقِيلَ: هو جَمْع فِرْقَة جمع جمع الجمع: ثم جمع جمع الجمع أَفارِيق ومثلُه: فِيقَه وفِيَق، وأَفْواق وأفاوِيق. وفي حَدِيثِ عُثمانَ رضي ‌الله‌ عنه، قالَ لِخَيْفانَ بنِ عَرانَةَ: «كيفَ تَركْتَ أَفاريقَ العَرَبِ في ذِي اليَمَن» ويجوزُ أَن تكونَ من بابِ الأَباطِيلِ، أَي: جَمْعًا على غيرِ واحِدِه.

والفَرِيقُ، كأَمِيرٍ: أَكثَرُ مِنْها وفي الصحاح: مِنْهُم، وفي المُحْكَمِ «منه» ج: أَفْرِقاءُ، وأَفْرِقَة، وفُروقٌ بالضمِّ.

قال شَيخُنا: كلامُ المصنِّف يَدُل على أَنه يُجْمَع. وفي نَهْرِ أَبي حَيّان ـ أَثناءَ البَقَرة ـ أَنه اسمُ جَمْع ولا واحِدَ له، يُطْلَق على القَلِيلِ والكَثِيرِ. وفي حَواشِي عَبدِ الحَكِيمِ: أَنَّ الفَرِيق يَجِي‌ءُ بمعنى الطائِفَةِ، وبمعنَى الرَّجُلِ الواحد، انتهى. وفي اللِّسانِ. الفِرْقَة، والفِرْقُ، والفَرِيقُ: الطّائِفَةُ من الشي‌ءِ المُتَفرِّق.

وقالَ ابنُ بَرّي: الفَرِيقُ من الناسِ وغَيرِهم: فِرْقَةٌ منه.

والفَرِيقُ: المُفارِق قالَ جَرِير:

أَتَجْمَعُ قَولًا بالعِراق فَرِيقُه *** ومنه بأَطلالِ الأَراكِ فرِيقُ

وقالَ الْأَصْبهانيّ: الفَرِيقُ: الجَماعة المُنْفَردَةُ عن آخَرِينَ. قالَ الله عَزَّ وجَلَّ: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ} {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. {إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ} (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ)، (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ)، (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ).

والفُرْقَانُ، بالضمِّ: القُرْآن، لفَرْقِه بينَ الحَقِّ والباطِلِ، والحَلالِ والحَرامِ كالفُرْقِ بالضَّم كالخُسْرِ، والخُسْرانِ.

قال الراجِزُ:

ومُشركِيٍّ كافِرٍ بالفُرْقِ

وكلُّ ما فُرِقَ به بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ فهو فُرقانٌ، ولهذا قالَ الله تعالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ}.

والفُرْقَانُ: النَّصْرُ عن ابنِ دُرَيْدٍ، وبه فُسِّر {يَوْمَ الْفُرْقانِ}.

والفُرْقَانُ: البُرْهانُ والحُجَّة.

والفُرْقَانُ: الصُّبْح، أَو السَّحَر عن أَبِي عَمْروٍ. ومنه قولُهم: قد سَطَح الفُرْقانُ، وهذا أَبيضُ من الفُرقانِ وقال صالِحٌ:

فيها مَنازِلُها ووَكْرا جَوْزلٍ *** زَجِلِ الغِناءِ يَصِيحُ بالفُرْقَانِ

وكانَ القُدَماءُ يُشْهِدُونَ الفُرْقَانَ، أَي: الصِبْيان ويَقُولونَ: هؤلاءِ يَعِيشُون ويَشْهَدُونَ.

والفُرْقان: التَّوْرَاة ومنه قولُه تعالى: {وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. قال الْأَزْهَرِيُّ: يجوزُ أَن يكونَ الفُرقان الكِتابَ بعَيْنِه، وهو التَّوراةُ، إِلَّا أَنّه أُعِيدَ ذِكرُه باسمٍ غيرِ الأَول، وعَنَى به أَنَّه يَفْرِقُ بين الحَقِّ والباطلِ. وذكرَه اللهُ تَعالى لمُوسى عليه‌السلام في غيرِ هذا المَوْضع، فقال تَعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً} أَرادَ التَّوراة، فسَمَّى جَلَّ ثَناؤُه الكِتابَ المُنَزَّلَ على مُحَمَّدٍ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم فُرْقانًا، وسَمَّى الكتابَ المُنَزَّل على مُوسى صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم فُرقانًا. والمَعْنَى أَنه تَعالَى فَرَق بكُلِّ واحِدٍ منهما بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ.

وقيلَ: الفُرْقانُ: انْفِلاقُ* البَحْرِ قِيلَ: ومنه قولُه تعالى: {وَإِذْ} آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ وقَولُه تعالى: يَوْمَ {الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} قيلَ: إِنَّه أُرِيدَ به يوم بَدْرٍ فإِنه أَوَّل يوم فُرِق [فيه] بينَ الحقِّ والباطِلِ. وقيل: الفُرقان... نَقَلَه الأَصْبَهانِيُّ.

والفَرِيقَة كَكَنِيسَة: تَمْرٌ يُطْبَخ بحُلْبةٍ للنُّفَساءِ. وأَنشدَ الجوهريُّ لأَبي كَبِير الهُذَلِيِّ:

ولَقَدْ وَرَدْتُ الماءَ، لونُ جِمامِهِ *** لَونُ الفَرِيقَة صُفِّيَتْ للمُدنَفِ

أَو حُلْبَةٌ تُطْبَخُ مع الحُبوبِ. كالمَحْلَبِ والبُرِّ وغيرِهما، وهو طَعامٌ يُعمَلُ لَهَا.

وقال ابنُ خالَوَيْهِ: الفَرِيقة: حَساءٌ يُعمَلُ للعَلِيلِ المُدْنَفِ.

وفَرَقَها فَرْقًا: أَطْعَمَها ذلِك، كأَفرَقَها إِفراقًا.

والرِيقةُ: قِطْعَةٌ من الغَنَم شاةٌ أَو شاتان، أَو ثلاثُ شِياهٍ تَتَفَرَّقُ عَنْها. وفي «كتاب ليس»: عن سائِرِها بشي‌ءٍ يَسُدُّ بينَها وبينَ الغَنَمِ بجَبَل أَو رَمْلٍ أَو غير ذلك فتَذْهَبُ. وفي كتاب ليس: فَتَضِلّ تَحْتَ اللَّيْلِ عن جَماعَتِها، فتلكَ المُتَفرِّقَةُ فَرِيقة، ولا تُسَمَّى فَرِيقةً حَتَّى تَضِلَّ، وأَنْشَدَ الجَوْهَريُّ لكُثَيِّرٍ:

بذِفْرَى ككاهِلِ ذِيخِ الخَلِيفِ *** أَصابَ فَرِيقَةَ ليلٍ فَعاثَا

وفي الحَدِيثِ: «ما ذِئْبانِ عادِيَانِ أَصَابا فَرِيقَةَ غَنَم أَضاعَها رَبُّها بأَفسدَ فِيها من حُبِّ المَرْءِ السَّرَفَ لِدِينهِ.

والفَراق كسَحابٍ وكِتابٍ: الفُرْقَة، وأَكثرُ ما تكونُ بالأَبدانِ.

وقُرِئَ قوله تعالى: هذَا فَراقُ بَيْنِي وبَيْنِك بالفَتْح.

قَرأَ بها مُسْلمُ بن بَشّارٍ.

وقولُه تعالى: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ} أَي: غَلَب على قَلْبِه أَنّه حِينَ مُفارَقَة الدُّنْيا بالموتِ.

وإِفرِيقِيَّةُ بالكَسْرِ، وإِنَّما أَهملَه عن الضَّبْطِ لشُهْرَتِه: بلادٌ واسِعَةٌ قُبالَةَ جَزِيرةِ الأَنْدَلُس كذا في العباب. والصَّحِيحُ أَنه قُبالَة جزيرة صِقِلِّيّة ومُنتهَى آخرِها إِلى قُبالَةِ جزيرةِ الأَندَلُس.

والجَزِيرتان في شَمالِيّها، فصِقِلِّيّة منحرفةٌ إِلى الشَّرْقِ، والأَندلُس مُنحرِفةٌ عنها إِلى جهةِ الغَرْب. وسُمِّيت بإِفريِقِش بن أَبْرَهَةَ الرّائِش. وقِيلَ: بإِفْرِيقِش بنِ قَيْس بن صَيْفِيّ بن سَبَأ. وقال القُضاعِيُّ: سُمِّيَتْ بفارِق بن بيصر بن حام. وقِيلَ: لأَنَّها فرَقَت بين مِصْر والمَغْرِبِ، وحَدُّها من طَرابُلُس الغربِ من جهة بَرْقَة الإِسكندرية وإِلى بِجايَةَ.

وقِيلَ: إِلى مِلْيانةَ، فتكونُ مسافةُ طولِها نحو شَهْرينِ ونصف. وقال أَبو عبيد البَكريّ الأَندلسيُّ: حدُّ طولِها من برقة شرقًا إِلى طَنْجَةَ الخضراءِ غربًا، وعرضُها من البحرِ إِلى الرِّمال الَّتِي فِيها أَولُ بلادِ السُّودانِ وهي مُخَفَّفَةُ الياءِ.

وقد جَمَعَها الأَحوصُ على أَفارِيقَ، فقالَ:

أَينَ ابنُ حَرْبٍ ورَهْطٌ لا أَحُسُّهُمُ *** كانُوا عَلَيْنا حَدِيثًا من بَنِي الحَكَمِ

يَجْبُون ما الصِينُ تَحوِيهِ مَقانِبُهُم *** إِلى الأَفارِيقِ من فُصْحٍ ومن عَجَمِ

وقد نُسِبَ إِليها جملةٌ من العُلماءِ والمُحَدِّثِين، منهم أَبو خالد عَبدُ الرحمنِ بنُ زِيادِ بن أَنْعُمْ الإِفْرِيقيّ قاضِيها، وهو أَولُ مولودٍ وُلِدَ في الإِسلامِ بإِفرِيقِيَّةَ رَوَى عنه سُفيانُ الثَّورِيّ، وابن لَهِيعةَ، وقد ضُعِّفَ.

وسُحْنُون بن سعيد الإِفْرِيقِيّ: من أَصْحابِ مالِكٍ، وهو الَّذِي قَدِمَ بمذْهَبِه إِلى إِفْرِيقِيَّةَ، وتُوفِّيَ سنة إِحْدَى وأَربعين ومائتين.

وأَفْرَقَ المريضُ من مَرَضِه والمَحْمومُ من حُمّاه، أَي: أَقْبَلَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الأَصمعيِّ.

وقال الأَزهريُّ: وكُلُّ عَلِيلٍ أَفاقَ من عِلَّتِه فقد أَفْرَقَ، أَو المَطْعُون إِذا بَرِئَ قيلَ: أَفْرَقَ نقله اللّيثُ، زادَ ابنُ خالَوَيْهِ: بسُرعةٍ. قالَ في كِتاب ليس: اعتَلَّ أَبو عُمَرَ الزاهدُ ليلةً واحِدَةً، ثم أَفْرَقَ، فسأَلْناه عن ذلِك، فقالَ: عَرفَ ضَعْفِي فرَفَقَ بي. أَو لا يَكُونُ الإِفْراقُ إِلّا فِيمَا لا يُصِيبُك من الأَمْراضِ غير مَرَّة واحدةٍ كالجُدَرِيِّ والحَصْبةِ، وما أَشْبَههما. وقال اللِّحْيانِيَّ: كل مَفِيقٍ من مَرَضِه مُفرِقٌ، فعَمَّ بذلك.

قال أَعْرابيٌّ لآخَرَ: ما أَمارُ إِفراقِ المَوْرُو؟ فقالَ: الرُّحَضَاءُ. يَقولُ: ما عَلامة بُرْءِ المَحْموم؟ فقالَ: العَرَق.

وأَفرقَتِ النَّاقَةُ: رَجَع إِليها بَعضُ لَبَنِها فهي مُفرِقٌ.

وقال ابنُ الأَعرابيّ: أَفْرَقَ القومُ إِبلَهم: إِذا خَلَّوْها في المَرْعَى والكلإِ لم يُنْتِجُوها ولم يُلْقِحُوها.

وقالَ غيرُه: وناقة مُفْرِق، كمُحْسِن تَمْكُث سنَتَيْنِ أَو ثلاثًا لا تَلْقَحُ.

وقِيلَ: هي الَّتِي فَارَقَها وَلَدُها.

وقِيلَ: فارقَها بمَوْت، نقلَه الجوهريُّ.

والجمعُ: مَفارِيق.

وفَرَّقَه تَفْرِيقًا وتَفْرقَةً كما في الصِّحاح: بَدَّدَه. وقال الأَصْبَهانِيُّ: التّفريقُ: أَصلُه التَّكْثِيرُ. قالَ: ويُقال ذلك في تَشْتِيتِ الشَّمْلِ والكَلِمة، نحو: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وقالَ عزَّ وجَلَّ: {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}. وقَولُه عَزَّ وجَلَّ: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} وإِنَّما جازَ أَنْ يَجْعَلَ التَّفْرِيق مَنْسوبًا إِلى أَحَدٍ من حيثُ إِنّ لفظَ «أَحد» يُفِيد الجَمْع [في النفي] ويُقال: الفَرْق بينَ الفَرْقِ والتَّفْرِيق، أَنَّ الفَرْق للإِصْلاح، والتَّفْريق للإِفْساد.

وقال ابنُ جِنِّى في كتابِ الشَّواذِّ في قوله تَعالَى: {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} أَي: فَرَّقوه وعَضَوْه أَعضاءً، فخالَفُوا بينَ بعضٍ وبعضٍ. وقُرِئَ بالتّخفِيف وهي قراءَة النَّخَعِيّ وابنِ صالِح مولَى أَبي هانِئٍ، وتروى أَيضًا عن الأَعمَش ويَحْيى، وتَأْوِيلُه أَنَّهُم مازُوهُ عن غيرِهِ من سائِرِ الأَدْيانِ.

قالَ: وقد يُحتَمل أَن يكونَ مَعْناه معنى القَراءَةِ بالتَّثْقِيل؛ وذلِك أَنَّ فَعَلَ بالتّخفِيفِ قد يكونُ فيها مَعنَى التّثْقيلِ. ووَجهُ هذا أَنّ الفِعلَ عندنا مَوْضُوعٌ على اغْتِراقِ جِنْسِه [أَلا تَرَى أَنَّ مَعْنَى «قامَ زَيدٌ»: كانَ منه القِيامُ، وقعَدَ: كان منه القُعودُ.

والقيامُ ـ كما نعلم ـ والقعودُ جِنسانِ، فالفعلُ إِذنْ على اغتِراقِ جِنْسِه]، يدُلُّ على ذلك عَملُه عندَنا في جَمِيع أَجزاءِ ذلِك الجِنْسِ من مُفْردِه ومُثَنّاه ومجموعِه ونَكِرته ومَعرِفته، وما كان في مَعْناه، ثم ذَكَر كلامًا طَوِيلًا وقالَ: «وهذا واضح مُتناهٍ في البَيانِ. وإِذا كانَ كذلك عُلِم منه وبه أَنَّ جَمِيعَ الأَفعالِ ماضِيها وحاضِرها ومُتَلَقّاها مجاز لا حقيقة، أَلَا تراك تَقُولُ: قُمتُ قومةً، وقمتُ ـ على ما مَضَى ـ دالٌّ على الجنْس فَوضْعُك القَوْمَةَ الواحِدَةَ موضع جِنْسِ القيامِ، وهو فيما مَضَى، وفيما هو حاضِرٌ، وفيما هو مُتَلَقًّى مُسْتَقْبَل من أَذْهبِ شي‌ءٍ في كونه مَجازًا» ثم قال بعدَ كلامٍ: «وهذا موضِعٌ يسمَعُه الناس مِنّي، ويَتَناقَلُونه دائِمًا عَني، فيُكبِرُونه ويُكْثِرُونَ العَجَب به، فإِذا أَوضحتُه لمَنْ يَسأَلُ عنه استَحَى، وكان يَسْتَغفِرُ اللهَ لاسْتِيحاشِه كانَ مِنّي».

ويُقال: أَخذَ حَقَّه منه بالتَّفارِيقِ كما في الصِّحاح، أَي: مرّات مُتَفَرِّقة.

وقَولُ غَنِيَّةَ الأَعْرابِيَّة لابْنِها:

إِنَّك خَيْرٌ مِنْ تَفارِيقِ العَصَا

يُضرَبُ به المَثَلُ، وإِنَّما قالَتْ ذلِكَ لأَنَّه كانَ عارِمًا، كَثِيرَ الإِساءَةِ إِلى النَّاسِ مع ضَعْفِ بَدَنِه ودِقَّةِ عَظْمِه فواثَبَ يَومًا فتىً، فقَطَع الفَتَى أَنفَه، فأَخَذَتْ أُمُّه دِيَتَه أَي: دِيَةَ أَنْفِه فحَسُنَت حَالُها بعدَ فَقْرِ مُدْقِعٍ، ثُمّ واثَبَ آخرَ فقَطَع أُذُنَه، ثُمَّ وَاثَبَ آخرَ فقَطَع شَفَتَه، فأَخَذَت دِيَتَهما، فلَمَّا رَأَتْ حُسْنَ حَالِها وما صارَ عِنْدَها من إِبِلٍ وغَنَمٍ ومَتاعٍ، حَسُنَ رأْيُها فيه، ومَدَحَتْه وذَكَرَتْهُ في أُرجوزَتِها، فقالَتْ:

أَحلِفُ بالمَرْوةِ حَقًّا والصَّفَا *** إِنَّك خَيرٌ من تَفارِيقِ العَصَا

وقِيلَ الأَعْرابِيٍّ: ما تفارِيقُ العَصَا؟، قالَ: العَصَا تُقْطَعُ ساجُورًا والسَّواجِيرُ تَكُونُ للكِلابِ والأَسْرَى من النّاسِ، ثم تُقْطَع عَصا السّاجُورِ فتَصِيرُ أَوْتادًا، ويُفَرَّقُ الوَتِدُ، ثم تَصِيرُ كُلُّ قِطْعَة شِظاظًا: فإِذا جُعِل لِرَأْسِ الشِّظاظِ، كالفَلْكة، صارَ عِرانًا للبَخاتِيِّ ومِهارًا، وهو العُودُ الذي يُدْخَلُ في أَنْفِ البُخْتِيِّ، ثم إِذا فُرِّقَ المِهارُ يُؤْخَذُ منها تَوادِي وهي الخَشَبةُ التي تُصَرُّ بها الأَخْلافُ، هذا إِذا كانَتْ عَصا. فإِذا كانَتَ العَصَا قَنىً فكُلُّ شِقٍّ منها قَوْسُ بُنْدُقٍ، فإِن فُرِّقَت الشِّقَّة صارَت سِهامًا، ثم إِذا فُرِّقَت السِّهام صارَتْ حِظاءً، ثم صارَت مَغازِلَ، ثم يَشْعَبُ بها الشَّعَّابُ أَقْداحَه المَصْدُوعة، وقِصاعَه المَشْقُوقَة، على أَنَّه لا يَجِدُ لها أَصْلَح منها وأَلْيَق بها، يُضرَبُ فيمن نَفْعُه أَعَمُّ من نَفْعِ غيره.

والتَّفْرِيقُ: التَّخْوِيف. ومنه قَولُ أَبِي بَكْرٍ رضي ‌الله‌ عنه: «أَبالله تُفَرِّقْنِي؟»، أَي: تُخَوِّفني.

ومُفَرِّقُ النَّعَمِ هو الظَّرِبَانُ؛ لأَنَّه إِذا فَسَا بينَها وهي مُجتمِعَة تَفَرَّقَت المالُ.

ويُقال: هو مُفْرِق الجِسْم، كمُحْسِن. وسِياقُ الصاغانيِّ يَقتَضِي أَنه كمُعَظَّم، أَي: قَلِيلُ اللَّحْمِ، أَو سَمِينٌ، وهو ضِدٌّ.

وتَفرَّق القومُ تَفَرُّقًا، وتِفِرَّاقًا بكسرتين. ونَصُّ اللِّحْيانِيِّ في النّوادرِ تَفْرِيقًا: ضِدّ تَجَمَّعَ، كافْتَرَق، وانْفَرَق، وكُلٌّ من الثَّلاثةِ مُطاوع فَرَّقتُه تَفرِيقًا.

ومنهم من يَجْعَلُ التَّفرُّق للأَبْدانِ، والافْتِراق في الكَلامِ.

يُقال: فَرَّقتُ بين الكَلَامَين، فافْتَرقا. وفَرَّقْت بين الرَّجُلَيْن فتَفَرَّقا. وفي حَدِيثِ الزَّكاة: «لا يُفَرَّق بين مُجْتَمِع، ولا يُجمَع بين مُتَفَرِّقٍ» وفي حديثٍ آخر: «البَيِّعان بالخيار ما لم يَتَفرَّقا»، واختُلِفَ فيه فقيل: بالأَبْدانِ، وبه قالَ الشافعيُّ وأَحمدُ. وقالَ أَبو حَنِيفةَ ومالكٌ وغَيرُهما: إِذا تَعاقَدا صَحَّ البَيْعُ وإِن لم يَفْتَرِقا. وظاهرُ الحَدِيثِ يَشْهَدُ للقَوْل الأَوَّل.

ويُقالُ: تفرَّقَت بهم الطُّرُقُ، أَي: ذَهَبَ كُلٌّ منهم إِلى مَذْهَبٍ. وقالَ مُتَمِّم بنُ نَوَيْرةَ رضي ‌الله‌ عنه يَرْثِي أَخاه مالِكًا:

فلمّا تَفَرَّقْنا كأَنِّي ومالِكًا *** لطُولِ اجْتِماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا

وانْفَرَق: انْفَصَل، ومنه قولُه تَعالَى: {فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.

والمُنْفَرَقُ يَكُونُ مَوْضِعًا، ويكونُ مَصْدَرًا. قالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ الحُمُرَ:

تَرْمِي بأَيدِيها ثَنَايَا المُنْفَرَقْ

أَي: حيث يَنْفَرِقُ الطَّرِيقُ، ويُرْوى: «المُنْفَهَقْ».

والتَّركيبُ يدُلُّ على تَميُّزٍ وتَزَيُّلٍ بين شَيْئَينِ، وقد شَذَّ عن هذا التركيب الفَرَقُ للمِكْيال، والفَرِيقة للنُّفَساءِ، والفَروقَةُ للشَّحْم، والفُرُوق: موضعٌ.

* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

الفُرْقَة بالضَّمِّ: مَصْدَرُ الافْتِراقِ. وهو اسمٌ يُوضَعُ موضِعَ المَصْدَرِ الحَقِيقي من الافْتِراقِ.

وفارَقَ الشي‌ءَ مُفارَقةً: بايَنَهُ، والاسمُ: الفُرْقة.

وتَفارَقَ القَوْمُ: فارَقَ بَعضُهم بعضًا.

وفارَقَ فلانٌ امرأَتَه، مُفارَقَةً، وفِراقًا: بايَنَها.

وهو أَسْرَعُ من فَرِيقِ الخَيْلِ لسابِقِها، فَعِيلٌ بمعنى مُفاعِل؛ لأَنَّهُ إِذا سَبَقَها فارَقَها.

ونِيَّةٌ فَرِيقٌ: مُفرِّقَةٌ، قال:

أَحقًّا أَنَّ جِيرَتَنا اسْتقَلُّوا *** فنِيَّتُنا ونِيَّتهُم فَرِيقُ؟

قالَ سِيبَوَيْهٌ: قالَ: فَرِيقٌ، كما يقالُ للجمَاعةِ: صَدِيق.

وفَرَّق رَأْسَه بالمُشْطِ تَفْرِيقًا: سَرَّحَه. وفي صِفَته صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: «إِن انفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَق، وإِلَّا فلا يبلُغُ شَعْرُه شَحمةَ أُذُنِه إِذا هو وَفَّره» أَراد أَنَّه كانَ لا يُفَرِّقُ شعرَه إِلّا أَن يَنْفَرِقَ هو، وهكذا كانَ في أَولِ الأَمرِ ثُم فَرَقَ.

ويُقالُ للماشِطَةِ تَمشُط كذا وكذا فَرْقًا، أَي: كذا وكذا ضَرْبًا.

وفَرَقَ له عن الشَّيْ‌ءِ: بَيَّنه له، عن ابن جِنِّي.

وجَمْع الفَرَق من اللِّحْية، مُحرَّكة: أَفْراقٌ. قالَ الرّاجزُ:

يَنفُض عُثْنونًا كثيرَ الأَفْراقْ *** تَنْتِحُ ذِفْراهُ بمِثْلِ الدِّرْياقْ

والأَفْرَقُ: البَعِيدُ ما بينَ الأَلْيَتَيْن.

وتَيْسٌ أَفرقُ: بَعِيدُ ما بين قَرنَيْه، وهذه عن ابنِ خالَوَيْهِ.

والمَفْرُوقان من الأَسْبابِ: هما اللَّذانِ يَقوم كُلُّ واحدٍ منهُما بنَفْسِه، أَي: يَكُونُ حَرْفٌ مُتَحرِّكٌ وحَرْفٌ ساكن، ويَتْلُوه حرفٌ متحرِّك نحو «مُسْتَفْ» من مُسْتَفْعِلن، و«عِيلُن» من مَفاعِيلن.

وانْفَرَقَ الفَجْرُ: انفَلَقَ.

والفُرَّاقُ، كرُمَّان: جمعُ فارِقٍ، للنّاقَةِ تَشْتَدُّ، ثم تُلْقِي وَلَدَها من شِدَّةِ ما يَمُرّ بها من الوَجَعِ. قالَ الأَعشَى:

أَخْرَجَتْه قَهْبَاءُ مُسْبِلَةُ الوَدْ *** قِ رَجُوسٌ قُدَّامُها فُرَّاقُ

وأَفرقَ فلانٌ غَنَمَه: أَضَلَّها وأَضاعَها.

وقالَ ابنُ خَالَوَيْهِ: أَفْرَقَ زيدٌ: ضاعَتْ قِطْعةٌ من غَنَمه.

وحَكَى اللِّحْيانِيُّ: فَرَقْتُ الصبيَّ: إِذا رُعْتَه وأَفْزَعْتَه، قالَ ابنُ سِيدَه: وأُراها فَرَّقْتُ بتشديدِ الراءِ؛ لأَنَّ مثل هذا يَأْتِي على فَعَّلْتُ كُثِيرًا، كقولِك فَزَّعْت، ورَوَّعتُ، وخَوَّفْتُ. وفارَقَنِي، ففَرَقْتُه أَفْرُقه: كُنتُ أَشدَّ فَرَقًا منه، هذه عن اللِّحْياني، حكاهُ عن الكِسائِيّ.

وأَفْرَقَ الرَّجُلُ، والطائِرُ، والسَّبُعُ، والثَّعلبُ: سَلَحَ، أَنْشَدَ اللِّحْيانيُّ:

أَلا تِلْكَ الثَّعالبُ قد تَوالَتْ *** عليَّ وحالَفَتْ عُرْجًا ضِبَاعَا

لتَأْكُلَنِي فمَرَّ لهُنَّ لَحْمِي *** فأَفْرَقَ من حِذارِي أَو أَتاعَا

قال: ويُروى «فأَذْرَق».

والمُفْرِقُ، كمُحْسِنٍ: الغاوي، على التَّشْبِيه بذلك، أَو لأَنَّه فارَق الرُّشْدَ، والأَولُ أَصحُّ. قالَ رُؤْبَةُ:

حَتّى انْتَهَى شَيطانُ كُلِّ مُفْرِقِ

ويُجمَع الفَرَق للمِكْيالِ على أَفرُقٍ، كجَبَلٍ وأَجْبُلٍ.

ومنه

الحَدِيثُ: «في كُلِّ عَشْرَةِ أَفرُقِ عَسَلٍ فَرَقٌ». والفُرْقُ، بالضَّمِّ: إِناءٌ يُكْتالُ به.

والفُرْقان: قَدَحان مُفْتَرِقان.

وفُرْقان من طَيْرٍ صوافَّ، أَي: قَطْعَتان.

وفَارَقْتُ فلانًا من حِسابِي عَلَى كذا وكذا: إِذا قَطعْتَ الأَمرَ بينَكَ وبينَه على أَمر وَقَع عليه اتَّفاقُكُما. وكذلِكَ صادَرْتُه على كَذَا وكَذَا.

وفَرسٌ فَرُوقٌ: أَفْرقُ، عن الصّاغانِيّ.

والفَرِيقُ: النَّخْلَةُ يكونُ فيها أُخْرَى، عن أَبِي حَنِيفَة وأَبِي عَمْروٍ.

ومن أَسمائِه صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم في الكُتُبِ السالِفة «فارِقْ ليطا»، أَي: يفرُقُ بينَ الحَقِّ والباطِلِ.

ونقلَ الشِّهابُ أَحمدُ بن إِدريس القَرافِيُّ في كتابٍ له في الرَّدِّ على اليَهودِ والنَّصارَى ما نصُّه في إِنْجِيلِ يُوحَنّا: «قال يَسُوعُ المَسِيحُ عليه‌السلام في الفَصْلِ الخامِس عَشَر: «إِن الفارِقْلِيط رُوحُ الحَقِّ الَّذِي يُرْسِلُه» أَي: هو الَّذي يُعَلِّمكم كُلُّ شي‌ءٍ، والفارِقْلِيط عندَهُم الحَمَّاد، وقيل: الحامِد.

وجُمهورُهم أَنَّه المُخَلِّصُ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم.

وأَفرقَ الرَّجُلُ: صارَت غَنَمُه فرِيقَةً، نَقَلَه ابنُ خالَوَيْهِ.

وجَمَلٌ أَفْرَقُ: ذُو سَنامَيْنِ.

ونُوقٌ مَفارِيقُ، أَي: فَوارِق.

وطَرِيقٌ أَفْرَقُ: بَيِّنٌ.

وضَمَّ تفارِيقَ مَتاعه، أَي: ما تَفرَّقَ.

ويُقالُ: سَبِيلٌ أَفرقُ، كأَنه الفَرَق.

وبانَتْ في قَذالِه فُروقٌ من الشَّيْبِ، أَي: أَوضاحٌ منه.

والفَارُوق: لَقَبُ جَبَلَةَ بنِ أَساف بن كَلْبٍ، كذا في الأَنْسابِ لأَبِي عُبَيدٍ.

ومَيَّافارِقِين. سيأْتي في «م ي ي».

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


77-تاج العروس (تنبل)

[تنبل]: التِّنْبَلُ كدِرْهَمٍ وقِرْطاسٍ وقِرْطاسَةٍ وزُنْبورٍ أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ والصَّاغَانِيُّ. وقالَ غيرُهما: هو القَصيرُ قال شيْخُنا: التِّنْبَلُ كدِرْهَمٍ يلحق بنظائِرِ مِيْزانِه كالتِّنْتلِ الذي بعْدَه والتاءُ في تِنْبَال زائِدَةٌ اتِّفاقًا. وفي المُحْكَمِ: هو رُبَاعِيُّ على مذْهَبِ سِيْبَوَيْه لأنَّ التاءَ لا تُزَدادُ أَوَّلًا إلَّا بثَبْتٍ وكذلك النونُ لا تُزَادُ ثانيةً إلَّا بذلك. وعنْدَ ثَعْلَب: ثُلاثيُّ وذَهَبَ إلى زيادَةِ التاءِ ويشْتَقّه من النَّبَلِ الذي هو الصَغرُ، ورَوَاه أَبو تُرَابٍ في باب الباءِ والتاءِ من الاعْتِقابِ وذَكَرَه الأَزْهَرِيُّ في الثّلاثيّ وجَمْعه التَّنَابِيل وأَنْشَدَ لكَعْبٍ:

يَمْشُون مَشْيَ الجِمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُم *** ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ

أي القِصَارُ.

والتَّنْبُلُ كَتنْضُبٍ والتانَبولُ لُغَتانِ في التامولِ لليَقْطينِ الهِنديِّ وتَقَدَّمَ بيانُه قَرِيبا في «ت معروف ل» ولقَدْ أَبْدَعَ البدر الدماميني حيْثُ قالَ:

بعثتُ بأوراقٍ من التنبلِ الذي *** نراه بأرضِ الهندِ قاطبةً قوتا

إذا مضغ الانسانُ منه وُرَيْقةً *** تُقُلّب في فيه عقيقًا وياقوتًا

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

التنبولي: بائِعُ التِّنْبَلِ والتَّنْبَلُ: كجَعْفَرٍ البَلِيدُ الثَّقِيْلُ الوَخِمُ لُغَةٌ عامِيَّة.

وتَنْبَل اسمُ مَوْضِعٍ قالَ الأَخْطَل:

عَفَا واسِطٌ من آل رَضْوَى فتَنْبَلُ *** فمُجْتَمَعُ الحُرَّيْن فالصَّبرُ أَجْمَلُ

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


78-تاج العروس (رغم)

[رغم]: الرَّغْمُ، الكُرْهُ، ويُثَلَّثُ كالمَرْغَمَةِ. وفي الحَدِيْث: «بُعِثْتُ مَرْغَمَةً»؛ أَي هَوانًا وذُلًّا للمُشْرِكِيْن عن كُرْهٍ، وهو مجازٌ.

وفَعَلَهُ رَغْمًا ولأَنْفِه الرُّغْم والمَرْغَمَة.

وقد رَغِمَه، كَعَلِمَهُ ومَنَعَهُ، رَغْمًا: كرِهَهُ؛ ومنه رَغِمَتِ السائِمَةُ المَرْعَى وأَنِفَتْه: كَرِهَتْه؛ قالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وكُنَّ بالرَّوْضِ لا يَرْغَمْنَ واحدةً *** من عَيْشهنَّ ولا يَدْرِين كيف غدُ

ويقالُ: ما أَرْغَمُ من ذلِكَ شيئًا أَي ما أَكْرَه؛ أَي ما آنَفُه.

وما أَرْغَمُ منه إلَّا الكَرَم، وهو مجازٌ.

والرَّغْمُ: التُّرابُ؛ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، كالرَّغامِ، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ:

ولم آتِ البُيوتَ مُطَنَّباتٍ *** بأَكْثِبَةٍ فَرَدْنَ من الرَّغامِ

أَي انْفَرَدْن.

والرَّغْمُ: القَسْرُ بالسِّيْن المهْمَلَةِ، وهو قَرِيبٌ مِن معْنَى الكُرْهِ، وفي بعضِ النسخِ بالشِّيْن المُعْجمةِ، والْأُوْلى الصَّوابُ كما هو نَصُّ ابنِ الأعْرَابيِّ.

والرَّغْمُ: الذُّلُ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، وهو مجازٌ. وفي حدِيْث مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ: رَغِمَ أَنْفِي للهِ تعالَى؛ أَي لأَمْرِهِ، مُثَلَّثَةً، الضمُّ عن الهَجَري أَي ذَلَّ عن كُره وهو مجازٌ.

ويقالُ: فُلانٌ غَرِمَ أَلْفًا ورَغِمَ أَنْفًا. وفَعَلَه على رَغْمِه والرَّغْمِ منه.

وقالَ ابنُ شُمَيْل: على رَغْمِ مَنْ رَغَمَ، بالفتْحِ. وفي الحَدِيْث: «إذا صَلَّى أَحَدُكم فليُلْزِمْ جَبْهَتَه وأَنْفَه الأَرضَ حتى يَخْرُجَ منه الرَّغْمُ»؛ أَي يَخْضَعَ ويَذِلّ ويَخْرُج منه كِبْرُّ الشَّيْطان.

وأَرْغَمَه الذُّلُّ: أَلْصَقَهُ بالرَّغامِ؛ هذا هو الأَصْلُ ثم اسْتُعْمِلَ بمعْنَى الذُّلِّ والانْقِيادِ على كُرْهٍ.

والمَرْغَمُ، كمَقْعَدٍ ومَجْلِسٍ: الأَنْفُ، وهو المَرْسِنُ والمَخْطِمُ والمَعْطِشُ، والجَمْعُ مَرَاغِمُ، يُعْتبرُ فيه ما حَوْلَ الأَنْفِ؛ ومنه قوْلُهم: لأَطَأَنَّ مَرَاغِمَك.

ورَغَمَّهُ تَرْغِيمًا: قالَ له رُغْمًا رُغْمًا، هكذا في النسخِ.

والذي في المُحْكَمِ: رَغَّمَهُ: قالَ له رَغْمًا ودَغْمًا، وهو راغِمٌ داغِمٌ.

وراغِمٌ داغِمٌ: إِتْباعٌ.

ويقالُ: أَرْغَمَهُ اللهُ تعالَى؛ أَي أَسْخَطَهُ، وأَدْغَمَهُ مِثْلُه.

وقيلَ: أَدْغَمَهُ، بالدَّالِ: سَوَّدَهُ، وقد تقدَّمَ ذلِكَ في «د غ م».

وشاةٌ رَغْماءُ: على طَرَفِ أَنْفِها بَياضٌ أَو لَوْنٌ يُخالِفُ سائِرَ بَدَنِها.

والمِرْغامَةُ: المُغْضِبَةُ لبَعْلِها، وهو مجازٌ. وفي الحَدِيْث: «إنَّها حمقاءُ مِرْغامَة، أَكُولُ قامَة، ما تَبْقَى لها خَامَة».

والرَّغامُ: الثَّرَى. وقيلَ: تُرابٌ لَيِّنٌ وليسَ بدَقِيقٍ، أَو رَمْلٌ مُخْتلِطٌ بتُرابٍ.

وقالَ الأَصْمَعيُّ: الرَّغامُ مِن الرَّمْلِ ليسَ بالذي يَسِيلُ مِن اليَدِ.

وقالَ أَبو عَمْرو: هو دُقاقُ التُّرابِ.

والرَّغَامُ: اسمُ رَمْلَةٍ بعَيْنِها.

والذي حَكَى ابنُ بَرِّي عن أَبي عَمْرو قالَ: الرَّغامُ رَمْلٌ يَغْشي البَصَرَ؛ فليسَ فيه ما يدلُّ على أَنَّه اسمُ رَمْلٍ بعَيْنِه فتأَمَّلْ.

والرُّغامُ، بالضمِّ: ما يَسِيلُ مِن الأَنْفِ وهو المُخاطُ، والجَمْعُ أَرْغِمَةٌ، وخَصَّ اللَّحْيانيُّ به الغَنَم والظِّباءَ؛ لُغَةٌ في العَيْنِ المهْمَلَةِ، كما في المُحْكَمِ. أَو لُثْغَةٌ، ونَقَلَه اللَّيْثُ أَيْضًا هكذا.

وقالَ الأزْهَرِيُّ: هو تَصْحِيفٌ والصَّوابُ بالعَيْنِ. ومِثْلُه قَوْل ثَعْلَب. وكأَنَّ الزَّجَّاجَ أَخَذَ هذا الحَرْف مِن كتابِ اللَّيْثِ فوَضَعَه في كتابِهِ وتَوَهَّمَ أَنَّه صَحِيحٌ. قالَ: وأَرَاه عَرَضَ الكِتابَ على المبرِّدِ والقَوْلُ ما قالَهُ ثَعْلَب.

ورَوَى بعضُهم حَدِيْث أَبي هُرَيْرَةَ: «وامْسَحِ الرُّغامَ عنها».

قالَ ابنُ الأَثيرِ: إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فيَجوزُ أَنْ يكونَ أَرادَ مَسْحَ التُّرابِ عنها رِعايَةً لها وإِصلاحًا لشَأْنِها.

ومِن المجازِ: المُراغَمَةُ: الهِجرانُ والتَّباعدُ والمُغاضَبةُ؛ ومنه حَدِيْث السَّقْط: «إنَّه ليرُاغِمُ رَبَّه إن أَدْخَل أَبَوَيْه النارَ»؛ أَي يُغاضِبُه.

وراغَمَهُم: نابَذَهُم وخَرَجَ عنهم وهَجَرَهُم وعادَاهُم؛ ولمَّا كانَ العاجِزُ الذَّليلُ لا يَخْلو مِن غَضَبٍ قالوا: تَرَغَّمَ إذا تَغَضَّبَ بكَلامٍ، وغيرِهِ، ورُبَّما جاءَ بالزَّاي؛ نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

قالَ ابنُ بَرِّي: ومنه قَوْلُ الحُطَيْئَةِ:

تَرى بين لَحْيَيْها إذا ما تَرَغَّمَتْ *** لُغامًا كبيتِ العَنكَبُوتِ المُمَدَّدِ

قلْتُ: وقد رُوِي بيتُ لَبيدٍ بالوَجْهَيْن:

على خَيْر ما يُلْقى به مَن تَرَغَّما

والرُّغامَى، بالضمِّ: زِيادَةُ الكَبِدِ؛ لُغَةٌ في العَيْنِ، والغَيْنُ أَعْلَى؛ وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ للشمَّاخِ يَصِفُ الحُمُرَ:

يُحَشْرِجُها طَوْرًا وطَوْرًا كأَنَّما *** لها بالرُّغامى والخَياشِيم جارِزُ

والرُّغامَى: نَبْتٌ؛ لُغَةٌ في الرُّخامَى، بالخاءِ.

والرُّغامَى: الأَنْفُ؛ زادَ ابنُ القوطِيَّةِ: وما حَوْلَه.

ويقالُ: الرُّغامَى: قَصَبَةُ الرِّئَةِ، كذا في الصِّحاحِ، ونَقَلَه ابنُ بَرِّي عن ابنِ دُرَيْدٍ وأَنْشَدَ:

يَبُلُّ من ماءِ الرُّغامى لِيتَهُ *** كما يَرُبُّ سالئٌ حَمِيتَهُ

وقالَ أَبو وَجْزَةَ:

شاكَتْ رُغامَى قَذُوفِ الطَّرْفِ خائِفةٍ *** هَوْلَ الجَنانِ وما هَمَّتْ بإِدْلاجِ

والمُرَاغَمُ، بالضمِّ وفتحِ الغَيْن: المَذْهَبُ والمَهْرَبُ في الأَرْضِ، وبه فُسِّرَ قَوْله تعالَى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا}.

والمُراغَمُ: الحِصْنُ كالعَصَرِ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ وأَنْشَدَ للجَعْدِيِّ:

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأَرْكانِهِ *** عَزِيزِ المُراغَمِ والمَهْرَبِ

والمُراغَمُ: السَّعَةُ والمُضْطَرَبُ، وبه فُسِّرَتِ الآيَةُ أَيْضًا.

وقالَ أَبو إسْحق: مُراغَمًا أَي مُهاجَرًا، المَعْنَى يَجِدْ في الأَرْضِ مُهاجَرًا، لأَنَّ المُهاجِرَ لقَوْمِه والمُراغِمَ بمنْزِلَةٍ واحِدَةٍ وإنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظانِ، وأَنْشَدَ:

إلى بَلَدٍ غيرِ داني المَحَل *** بعيدِ المُراغَمِ والمُضْطَرَبْ

قالَ: وهو مَأْخوذٌ مِن الرَّغامِ وهو التُّرابُ. ورَغْمانُ: رَمْلٌ بعَيْنِه.

والذي نَقَلَه ابنُ بَرِّي عن أَبي عَمْرو: أَنَّ الرَّغامَ والرَّغْمانَ رَمْلٌ يَغْشى البَصَرَ، وأَنْشَدَ لنُصَيْب:

فلا شكَّ أَنَّ الحيَّ أَدْنَى مَقِيلِهِمْ *** كُناثِرُ أَو رِغْمانُ بِيضِ الدَّوائر

والدَّوائرُ: ما اسْتَدَارَ مِن الرَّمْلِ. ورُغَيْمانُ، مُصَغَّرًا: موضع.

ورَغَيْمٌ، كزُبَيْرٍ: اسمُ رجُلٍ. ورَغَمْتُه رَغْمًا: فَعَلْتُ شيئًا على رَغْمِه أَي كُرْهِه وغَضَبِه ومَساءَتِه.

والمَرْغَمَةُ، كمَرْحَلَةٍ: لُعْبَةٌ لهم. والرُّغامَةُ، كثُمامَةٍ: الطَّلِبةُ. يقالُ: لي عنه رُغامَة.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

رَغَمَ فُلانٌ: إذا لم يَقْدِرْ على الانْتِصافِ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

وفي حَدِيْث سَجْدَتَي السَّهْو: «كانَتا تَرْغِيمًا للشَّيْطانِ».

والرَّاغِمُ: الغاضِبُ والمُتَسَخِّطُ والكَارِهُ والهارِبُ.

وأَرْغَمَ اللّقْمَة مِن فيه: أَلْقاها في التُّرابِ.

وأَرْغَمَهُ: حَمَلَه على ما لا يَقْدِر أَنْ يَمْتَنِعَ منه.

ورَغمَ أَنْفَه تَرْغِيمًا، كأَرْغَمَهُ.

ورَغِمَ الأَنْفُ نفْسُه: لزقَ بالرَّغامِ.

وأَرْغَمَ أَهْلَه: هَجَرَهُم على رَغْمِ.

وأَرْغَمَهُ: أَغْضَبَهُ، قالَ المُرَقِّشُ:

ما دِيننا في أَنْ غَزَا مَلِكٌ *** من آلِ جَفْنَةَ حازِمٌ مُرْغِمْ

أَي مُغْضَب.

وعبدٌ مُراغَمٌ، بفتحِ الغَيْنِ؛ أَي مُضْطَرِبٌ على مَوَالِيه.

والمَرْغَمُ، كمَقْعَدٍ: الرَّغْم.

ولي عنْدَه مَرْغَمَةٌ أَي طِلْبَة.

والمُتَرَغِّمُ والمَرْغَمُ كالمُراغَمِ.

وفلانٌ لا يُراغِمُ شَيئًا أَي لا يُعْوِزه شي‌ءٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


79-تاج العروس (لحم)

[لحم]: اللَّحْمُ، بالفتْحِ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ، ويُحَرَّكُ لُغَةٌ فيه، أو أنَّ فَتْحَ الحاءِ مِن أَجْلِ حَرْف الحَلْقِ وأَنْكَرَه البَصْرِيُّون، معروف مَعْرُوفٌ، الجمع: أَلْحُمٌ، كأَفْلُسٍ، وِلُحومٌ وِلِحامٌ، بالكسْرِ، وِلُحْمانٌ، بالضمِّ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ لأَبي الغول يَهْجو قَوْمًا:

رَأَيْتُكُمُ بني الخَذْوَاء لمَّا *** دَنا الأَضْحَى وصَلَّلتِ اللِّحامُ

تَولَّيْتُمْ بوُدِّكُمُ وقُلْتم *** لَعَكٌّ منك أَقْرَبُ أَو جُذامُ

يقولُ: لمَّا أَنْتَنَتِ اللُّحومُ مِن كَثْرَتِها عنْدَكم أَعْرَضْتم عنِّي.

وِاللَّحْمَةُ: القِطْعَةُ منه، وهي أَخَصَّ.

وِاللُّحْمَةُ، بالضَّمِّ: القَرابةُ. يقالُ: بينهم لُحْمَةٌ نَسَبٍ أَي قَرابةٌ، وهو مجازٌ؛ ومنه الحَدِيْثُ: «الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمةِ النَّسَبِ»، ويُرْوَى: كلُحْمَةِ الثوْبِ؛ أَي أَنَّ الوَلأَ يَجْرِي مجْرَى النَّسَبِ في المِيراثِ كما يُخالِطُ اللُّحْمَة سَدَى الثَّوْبِ حتى يَصِيرا كالشي‌ءِ الواحِدِ لمَا بَيْنهما مِنَ المُداخلةِ الشَّديدَةِ.

وِاللُّحْمَةُ أَيْضًا: ما سُدِيِّ به بين سَدَى الثَّوْبِ، وهو مجازٌ.

وقالَ الأَزْهرِيُّ: لُحْمَةُ الثوْبِ الأَعْلَى، والسَّدَى الأَسْفَل مِنَ الثَّوْبِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي:

سَتاهُ قَزٌّ وحَرِيرٌ لَحْمَتُهْ

وِاللُّحْمَةُ أَيْضًا: ما يُطْعَمُهُ البازِي مما يَصِيدُه؛ وهو مجازٌ أَيْضًا؛ ويُفْتَحُ فيهما؛ أَي في طعْمَةِ البازِيّ والثَّوْبِ، وأَمَّا القَرابةُ فبالضمِّ فَقَط، هذا نَصّ الصِّحاحِ.

وقالَ الأَزْهرِيُّ: لَحْمةُ النَّسَبِ بالفتحِ، وِلُحْمَةُ الصَّيْد بالضمِّ، وِلُحْمَةُ الثَّوْب فيه الوَجْهان.

وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: قد اخْتُلِفَ في ضمِّ اللّحمةِ وفَتْحِها، فقيلَ: في النَّسَبِ بالضمِّ، وفي الثَّوْبِ بالضمِّ والفتحِ، وقيلَ: الثَّوْب بالفتحِ وَحْده، وقيلَ: النَّسَبُ والثَّوْب بالفتحِ، وأَمَّا بالضمِّ فهو ما يُصادُ به الصَّيدُ.

وِالمَلْحَمَةُ: الوَقْعَةُ العظيمةُ القَتْلِ في الفتْنَةِ.

وقيلَ: الحَرْبُ ذاتُ القَتْلِ الشَّديدِ.

وقيلَ: مَوْضِعُ القِتالِ، والجَمْعُ المَلاحِمُ، مأْخُوذٌ مِن اشْتِباكِ الناسِ واخْتِلاطِهم فيما كاشْتِباكِ لُحْمَةِ الثَّوْب بالسَّدَى.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: المَلْحمةُ حيثُ يُقاطِعُون لُحومَهم بالسّيوفِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي:

بمَلْحَمةٍ لا يَسْتَقِلُّ غُرابُها *** دَفِيفًا ويَمْشي الذئبُ فيها مع النَّسْرِ

وفي الحَديْثِ: «اليومُ يومُ المَلْحَمة».

وِلَحْمُ كلِّ شي‌ءٍ: لُبُّهُ، حتى قالوا: لحمُ الثَّمرِ للُبِّه.

وِاللَّحِمُ، ككَتِفِ: الأَسَدُ، سُمِّي به لكَوْنِه يأْكُلُ اللَّحْمَ ويَشْتَهِيه، كالمُسْتَلْحِمِ.

وِاللَّحِمُ: الكثيرُ لَحْمِ الجَسَدِ، كاللَّحيمِ، كأَميرٍ.

وِاللَّحِمُ أَيْضًا: الأَكولُ للَّحْمِ، القَرِمُ إليه، أي المُشْتَهِيه.

وقيلَ: هو الذي أَكَلَ منه كَثيرًا فشكَا عنه، وفِعْلُهما ككرُمَ وعَلِمَ، الأَخيرَةُ عن اللَّحْياني.

قالَ ابنُ السِّكِّيت: رجُلٌ شَحِيمٌ لَحِيمٌ؛ أَي سَمِينٌ؛ وشَحِمٌ لَحِمٌ: إذا كانَ قَرِمًا إلى اللَّحْم والشَّحْمِ يَشْتَهِيهِما.

وِلَحِمَ، بالكسْرِ: اشْتَهَى اللَّحْمَ.

وِالبيتُ اللَّحِمُ: الذي يُغْتابُ فيه الناسُ كَثيرًا وبه فُسِّرَ الحَدِيْث: «إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهْلَه».

وفُلانٌ يأْكُلُ لُحومَ الناسِ: أَي يَغْتابُهم، وهو مجازٌ؛ ومنه قَوْلُه:

وِإِذا أَمْكَنَه لَحْمِي رَتَعْ

وفي حدِيْثِ آخَر: «إنَّ اللهَ يُبْغِضُ أَهْلَ البيتِ اللحِمِين»؛ وسُئِلَ سُفْيان الثَّوْري عن هذا الحَدِيْث ففَسَّره بما تقدَّمَ.

ومنهم مَنْ قالَ: هُمُ الذين يكثِرُونَ أَكْلَ اللَّحْمِ ويُدْمِنُونه.

قالَ ابنُ الأَثيرِ: وهو الأَشْبَهُ.

وِبازلٌ لاحِمٌ وِلَحِمٌ: يأْكُلُهُ أَو يَشْتَهِيه؛ قالَ الأَعْشَى:

تدَلَّى حَثِيثًا كأَنَّ الصِّوا *** رَيَتْبَعُه أَزْرَقِيٌّ لَحِمْ

الجمع: أَي جَمْعُ لاحِمٌ: لَواحِمُ.

وِرجُلٌ مُلْحِمٌ، كمُحْسِنٍ: مُطْعِمُه، أَو الذي يكثرُ عنْدَه اللَّحْمُ.

وِرجُلٌ مُلْحَمٌ، كمُكْرَمٍ: من يُطْعَمُ اللَّحْمَ، وفي الصِّحاحِ: أَي مُطْعَمٌ للصَّيْدِ مَرْزُوقٌ منه.

وِرجُلٌ لَحِيمٌ ولاحِمٌ، كأَميرٍ وصاحِبٍ: ذُو لَحْمٍ على النَّسَبِ مِثْل لابنٍ وتامِرٍ.

وِرجُلٌ لحَّامٌ، كشَدَّادٍ: بائِعُه، على القِياسِ في نظائِرِهِ.

وِلُحْمَةُ جِلدَةِ الرأْسِ وغيرِها، بالضَّمِّ: ما بَطَنَ مِن ما يَلِي اللَّحْمَ.

وِشَجَّةٌ مُتلاحِمَةٌ: أَخذَتْ فيه، أي في اللَّحْمِ، ولم تَبْلُغ السِّمْحاقَ، كما في الصِّحاحِ، ولا فِعْل لها.

وفي التهْذِيبِ: شجَّةٌ مُتلاحِمَةٌ: قد بَلَغَتِ اللَّحْمَ، ويقالُ: تَلاحَمَتِ الشجَّةُ إذا أَخَذَتْ في اللَّحْمِ، وتَلاحَمَتْ إذا بَرَأَتْ وِالْتَحَمَتْ.

وقالَ شَمِرٌ: قالَ عبدُ الوَهابِ: المُتلاحِمَةُ مِن الشِّجاجِ التي تَشُقُّ اللَّحْمَ كلَّه دونَ العَظْمِ، ثم تَتلاحَمُ بعْدَ شَقِّها، فلا يَجوزُ فيها المِسْبارُ بَعْد تَلاحُمِ اللَّحْم. قالَ: وتَتلاحَمُ من يومِها ومن غَدٍ.

وِمِن المجازِ: امرأَةٌ مُتلاحِمَةٌ: ضيِّقَةُ مَلاقي أَي مَلاحِمِ الفَرْجِ، وهي مآزِمُه؛ ومنه حَدِيْث عُمَر: قالَ لرجُلٍ: لمَ طَلَّقْتَ امْرأَتَك؟ قالَ: إِنَّها كانت مُتلاحِمَةً، قالَ: إنَّ ذلِكَ منهنَّ لمُسْتَرادٌ.

أَو هي رَتْقاءُ، كأَنَّ هناك لَحْمًا يَمْنَعُ مِن الجماعِ.

وأَنْكَرَه أَبو سعيدٍ بهذا المعْنَى وقالَ: بل هي لاحِمةٌ، ولا يصحُّ مُتلاحِمَة.

وِمِن المجازِ: أَلْحَمَهُ عِرْضَ فلانٍ، إذا أَمْكَنَهُ منه يَشْتِمُه.

وقيلَ: سَبَعهُ إيَّاه.

وِمِن المجازِ: أَلْحَمَتِ الدَّابَّةُ: أَي وَقَفَتْ فلم تَبْرَحْ فاحْتِيجَتْ إلى الضَّرْبِ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ لكنَّه بتَذْكيرِ الضَّمائِرِ.

وِأَلْحَمَ الناسجُ الثَّوْبَ: أَي نَسَجَهُ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.

وِأَلْحَمَ فُلانٌ: كَثُرَ في بَيْتِه اللَّحْمَ، نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.

وقد أَلْحَمُوا: كثُرَ عنْدَهم اللَّحْمَ فهُم مُلْحمُونَ.

وِمِن المجازِ: أَلْحَمَ الزَّرْعُ، إذا صارَ فيه حَبٌّ كأَنَّ ذلك لَحْمُه.

وِمِن المجازِ: لَحَمَ الأَمْرَ، كنَصَرَ لَحْمًا: أَحكَمَهُ ولأَمَهُ؛ رَوَاهُ الأَزْهرِيُّ عن شَمِرٍ.

وِلَحَمَ الصائغُ الفِضَّةَ يَلْحُمُها لَحْمًا: لأَمَهَا؛ وكَذلِكَ الذَّهَب؛ واسْمُ ما يُلْحَم به اللِّحامُ، وهو مجازٌ.

وِلَحَمَ العَظْمَ، مِن حَدَّي نَصَرَ ومَنَعَ، يَلْحُمُه وِيَلْحَمُه لَحْمًا، واقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ على حَدِّ نَصَرَ، عَرَقَهُ؛ أَي نَزَعَ عنه اللَّحْمَ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ:

وِعامُنا أَعْجَبَنا مُقَدَّمُهْ *** يُدعى أَبا السَّمْحِ وقِرْضابٌ سُمُهْ

مُبْتَرِكًا لكل عَظْمٍ يَلْحُمُه

وِلَحَمَ القومَ، كمَنَعَ يَلْحَمُهم لَحْمًا: أَطْعَمَ اللَّحْمَ، فهو لاحِمٌ.

قالَ الجوْهرِيُّ: ولا تَقُل أَلْحَمْتُ.

قالَ: والأَصْمَعيُّ يقولُه.

قالَ شَمِرٌ: والقِياسُ لَحَمْتُ.

وِمِن المجازِ: لَحِمَ، كعَلِمَ، لَحْمًا: إذا نَشِبَ في المَكانِ.

وِقالَ أَبو سَعِيدٍ: يقالُ: هذا الكَلامُ لَحِيمُ هذا الكَلامِ وطَرِيدُه، كأَميرٍ؛ أَي وَفْقُهُ وشَكْلُه.

وِأَبو اللَّحَّامِ التَّغْلبيُّ، كشَدَّادٍ، وفي بعضِ النسخِ: الثَّعْلَبيّ، شاعِرٌ فارِسٌ في الجاهِلِيَّةِ.

وِمِن المجازِ: اسْتَلْحَمَ الطَّريقَ، إذا تَبِعَه أَو رَكِبَه ولَزِمَه، كما في الأساسِ؛ أَو تَبعَ أَوْسَعَه ولَزِمَه؛ قالَ رُؤْبَةُ:

وِمَن أَرَيْناهُ الطريقَ اسْتَلْحَما

وقالَ امْرؤُ القَيْسِ:

اسْتَلْحَمَ الوَحْشَ على أَكْسائِها *** أَهْوَجُ مِحْضِيرٌ إذا النَّقْعُ دَخَنْ

وفي حَدِيْث أُسامَة: «فاسْتَلْحَمَنا رجلٌ مِن العدُوِّ»؛ أَي تَبِعَنا.

وِاسْتَلْحَمَ الطَّريقُ: اتَّسَعَ.

وِمِن المجازِ اسْتُلْحِمَ الرَّجُلُ، مَجْهولًا: إذا رُوهقَ في القِتالِ.

وفي الصِّحاحِ: احْتَوَشَه العدُوُّ في القِتالِ.

وفي الأَساسِ: اسْتَلْحَمَه الخطبُ: نَشَبَ فيه؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للعُجَيرِ السَّلوليّ:

وِمُسْتَلْحَمٍ قد صَكَّه القومُ صَكَّةً *** بَعِيدَ المَوالِي نِيلَ ما كان يَجْمَعُ

وأَنْشَدَ ابنُ جنيِّ في المحتسبِ:

الضَّارِبُونَ حبيك البيض إذ لَحِقُوا *** لا يَنْكِصون إذا ما اسْتلحمُوا وحموا

وِمِن المجازِ: حَبْلٌ مُلاحَمٌ، بفتحِ الحاءِ؛ أَي مُغارٌ شَديدُ الفَتْلِ.

وفي الصِّحاحِ: مَشْدودُ الفَتْلِ؛ وأَنْشَدَ أَبو حنيفَةَ:

مُلاحَمُ الغارةِ لم يُغْتَلَبْ

وِالمُلْحَمُ، كمُكْرَمِ: جِنْسٌ من الثِّيابِ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ؛ وإِليه نُسِبَ أَبو تَغْلب عبدُ الوَهابِ عليِّ بن الحَسَنِ المُلْحَمِيُّ الفارِسِيُّ وآخَرُونَ.

وِأَيْضًا: المُلْصَقُ بالقومِ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ عن الأَصْمَعيِّ، وهو مجازٌ؛ والمُرادُ به الدَّعيُّ الذي ليسَ منهم؛ قالَ الشاعِرُ:

حتى إذا ما فَرَّ كلُّ مُلْحَم

وِمِن المجازِ: اللَّحِيمُ، كأَميرٍ: القَتِيلُ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ عن أَبي عُبَيْدَةَ.

وِقد لُحِمَ، كعُنِيَ؛ أَي قُتِلَ.

وفي الأساسِ: قُطِعَ لَحْمُه.

وأَنْشَدَ ابنُ سِيْدَه لساعِدَةَ بن جُؤَيَّة:

وِلكنْ تَرَكتُ القومَ قد عَصَبوا به *** فلا شَكَّ أَن قد كان ثَمَّ لَحِيمُ

وأَوْرَدَه الجَوْهرِيُّ:

فقالوا: تَرَكْنا القومَ قد حَصَروا به

قالَ ابنُ بَرِّي: صوابُ إِنْشادِه:

فقالا تَرَكْناه

وقَبْله:

وِجاءَ خَلِيلاه إليها كِلاهُما *** يُفِيضُ دُموعًا غَرْبُهُنَّ سَجُومُ

* قُلْتُ: وهكذا قَرَأْتُهُ في دِيوانِ شعْرِه، وهي رِوايَةُ الباهِلِيّ؛ ورَوَاهُ غيرُهُ:

قد كانَ ثَمَّ شَحِيمُ.

والمعْنَى واحِدٌ.

وِقَوْلُهم: نَبِيُّ المَلْحَمَةِ، فيه قَوْلانِ: أَي نَبيُّ القِتالِ، وهو كقَوْله في الحَدِيْث الآخَر: «بُعِثْتُ بالسَّيْفِ»؛ أَو نَبيُّ الصَّلاحِ وتَأْليفِ النَّاسِ كأَنَّه يُؤَلِّفُ أَمْرَ الأُمَّةِ، مِن لَحَمَ الأمْرَ إذا أَحْكَمَه وأَصْلَحَهُ، رَوَاهُ الأَزْهرِيُّ عن شَمِرٍ.

وِالْتَحَمَ الجُرْحُ للبُرْءِ: الْتَأَمَ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ؛ أَي الْتَزَقَ.

وِمِن المجازِ: الْتَحَمَتِ الحَرْبُ: اشْتَدَّتْ، وقد أَلْحَمْتُها، كما في الصِّحاحِ.

وِمِن المجازِ: أَلْحِمْ ما أَسْدَيْتَ، أي تَمِّمْ ما بَدَأْتَ مِن الإحْسانِ، وهو مَثَلٌ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: اسْتَلْحَمَ الزَّرْعُ واسْتَكَّ وازدَجَّ: أَي الْتَفَّ؛ نَقَلَه الأزْهرِيُّ.

وقالَ الأَصْمَعيُّ: أَلْحَمْتُ القومَ: أَطْعَمْتهم اللَّحْمَ؛ قالَ مالِكُ بنُ نُوَيْرَةَ يَصِفُ ضبعًا:

وِتَظَلُّ تَنْشِطُنِي وتُلْحِم أَجْرِيًا *** وسْطَ العَرِينِ وليسَ حَيٌّ يَمنعُ

وقد أَشارَ إليه الجَوْهرِيُّ بقَوْلِه، والأَصْمَعيُّ بقَوْلِه.

قالَ شَمِرٌ: والقِياسُ بغيرِ الأَلفِ.

وبَيْتٌ لَحِمٌ، ككَتِفٍ: كَثيرُ اللَّحْمِ؛ وبه فُسِّرَ الحَدِيْثُ السابِقُ.

وأَكَلَ لَحْمَهُ ورَتَعَ لَحْمَهُ: اغْتَابَهُ، وهو مجازٌ؛ وأَمَّا قَوْل الراجزِ يَصِفُ الخيْلَ:

نُطْعِمُها اللَّحْمَ إذا عَزَّ الشَّجَرْ *** وِالخيْلُ في إِطْعامِها اللحْمَ ضَرَرْ

قالَ الأَصْمَعيُّ: أَرادَ باللحْمِ اللَّبَنَ، سَمّى به لأنَّها تَسمَنُ على اللبَنِ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: كانوا إذا أَجْدَبُوا وقَلَّ اللَّبَنُ يَبَّسُوا اللحْمَ وحَمَلوه في أَسْفارِهم وأَطْعَمُوه الخيْلَ، وأَنْكَر ما قالَهُ الأَصْمَعيّ وقالَ: إذا لم يكنِ الشجَرُ لم يكنِ اللبَنُ.

وِلَحِمَ الصَّقْر ونحْوُه، كعَلِمَ: اشْتَهَى اللحْمَ.

وِلَحْمَةُ الصقْرِ: الطائِرُ يُطْرَحُ إليه أَو يَصِيدُه.

وِأَلْحَمْتُ الطَّيرَ إلحامًا.

وِلَحِمَتِ الناقَةُ وِلَحُمَتْ لَحامةً وِلُحومًا فيهما، فهي لَحِيمةٌ: كثُرَ لَحمُها.

وتَلاحَمَتِ الشجَّةُ: إذا الْتَحَمَتْ وبَرَأَتْ، وهو مجازٌ؛ نَقَلَهُ ابنُ الأَثيرِ.

وِأَلْحَمْتُه سَيْفي، وِأُلْحِمَ الرَّجُل، بالضمِّ: قُتِلَ.

وِلَحِمَ رجُلًا، كعَلِمَ: قَتَله، أَو قَرُب منه حتى لَزِقَ به، أَو لَحَمه ضَرَبَه فأَصابَ لَحْمَه.

وِالمُلْحَمُ، كمُكْرَمٍ: الذي أُسِرَ وظَفِر به أَعْدَاؤُه.

وِلُحْمةُ الأَرْضِ: بَقْلُها.

وِأَلْحَمَ نفْسَه الموتَ: جَعَلَها لُحْمةً له.

وِأَلْحَمَه الأَرضَ: جَدَلَه.

وِأَلْحَمَهُ القتالُ: لم يَجِد منه مَخْلصًا.

وِأَلْحَمَ الرَّجُلُ: صارَ ذا لَحْمٍ.

وِأَلْحَمَ بالمَكانِ: أَقامَ، عن ابنِ الأَعْرَابيّ.

وقيلَ: لَزِمَ الأَرضَ؛ وأَنْشَدَ:

إذا افْتَقَرا لم يُلْحِما خَشْيَة الرَّدى *** وِلم يَخْشَ رُزْأً منهما مَوْلَياهُما

وفي الحَدِيْث: «فَأَلْحَمَ عنْدَ الثالثَةِ»؛ أَي وَقَفَ عنْدَها.

وِأَلْحَمَهُ إلحامًا: لأَمَهُ فالْتَحَمَ.

وِاللِّحامُ بالكسْرِ: ما يُلأَمُ به الصَّدْعُ وِيُلْحَمُ.

ولاحَمَ الشَّي‌ءَ بالشَّي‌ءِ: أَلْزَقَه به.

وِاسْتَلْحَمَ الطَّريدَةَ تَبِعَها.

وِأَلْحَمَ بَيْنَ بَني فلانٍ، شَرَّا: جَنَاه لهم.

وِأَلْحَمَه بصَرَه: حَدَّدَه نَحْوَه ورَمَاه به.

وأَبو بكْرٍ محمدُ بنُ حبيشٍ المرسيّ اللحميُّ، هكذا ضَبَطَه ابنُ رُشَيْدٍ في رِحْلَتِه.

وبيتُ لَحْمٍ: قَرْيةٌ على فَرْسَخَيْن مِن بيتِ المَقْدِسِ، يقالُ بها وُلِدَ المَسِيحُ، عليه وعلى نبيِّنا أَفْضَل الصَّلاة والسَّلام، ورَوَاهُ بعضُ البَغْدادِيِّين بالخاءِ المعْجمةِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


80-تاج العروس (نسم)

[نسم]: النَّسَمُ، محرَّكةً: نَفَسُ الرُّوْحِ، كالنَّسَمَةِ، محرَّكةً أَيْضًا. يقالُ: ما بها نَسَمةٌ أَي نَفَسٌ، وما بها ذو نَسَمٍ؛ أَي ذو رُوحٍ.

وقيلَ: النَّسَمُ جَمْعُ النَّسَمةِ.

وِالنَّسَمُ: نَفَسُ الرِّيحِ إذا كانَ ضَعِيفًا كالنَّسِيمِ؛ كأَميرٍ.

وقالَ أَبو حنيفَةَ: النَّسِيمُ ابْتداءُ كُلِّ ريحٍ قَبْل أَنْ تَقْوَى.

وقالَ غيرُهُ: النَّسِيمُ مِن الرِّياحِ التي يَجِي‌ءُ منها نَفَسٌ ضَعِيفٌ.

وفي الصِّحاحِ: النَّسِيمُ الرِّيحُ الطيِّبَةُ.

وِالنَّيْسَمِ، كحَيْدَرٍ: الجمع: أَنْسامٌ، يُحْتَمل أَنْ يكونَ جَمْع النَّسِيم أو النَّسَم؛ قالَ يَصِفُ الإِبِلَ:

وِجَعَلَتْ تَنْضَحُ من أَنْسامِها *** نَضْحَ العُلوجِ الحُمْرِ في حَمَّامِها

أَنْسامُها: رَوائحُ عَرَقِها؛ يقولُ: لها ريحٌ طيِّبَةٌ.

نَسَمَ يَنْسِمُ نَسْمًا، بالفتحِ، وِنَسِيمًا وِنَسَمانًا، محرَّكةً: هَبَّ.

وِنَسَمَتِ الأَرضُ نَسامَةً: نَزَّتْ برطوبَةٍ؛ صَوابُه: نَسَّمَتْ بالتَّشْديدِ، ويأْتي في الشِّيْن قَرِيبًا.

وِنَسَمَ البَعيرُ بخُفِّهِ يَنْسِمُ: ضَرَبَ، عن الكِسائي.

وِنَسَمَ الشَّي‌ءُ نَسَمًا: تَغَيَّرَ، كَنَسِمَ، بالكسْرِ، وخَصَّ بعضُهم به الدُّهْن.

وِتَنَسَّمَ: تَنَفَّسَ، يمانِيَّة.

وفي الحَديْثِ: «لمَّا تَنَسَّموا رَوْحَ الحياةِ»؛ أَي وَجَدُوا نَسِيمَها.

وِتَنَسَّم النَّسِيمَ إذا تَشَمَّمَهُ كتَنَسّم العَليلِ والمَحْزُون إيَّاه فيَجِدان لذلِكَ خفَّةً وفَرَحًا.

وِتَنَسَّم المَكانُ بالطِّيبِ: أَي أَرِجَ به.

وِتَنَسَّم العِلْمَ: تَلَطَّفَ في الْتِماسِه.

وِالنَّسَمَةُ، محرَّكةً: الإِنْسانُ، الجمع: نَسَمٌ وِنَسَماتٌ بالتَّحْريكِ فيهما؛ قالَ الأَعْشَى:

بأَعْظَمَ منه تُقًى في الحِساب *** إذا النَّسَماتُ نَفَضْنَ الغُبارا

وِالنَّسَمَةُ في العِتْقِ: المَمْلوكُ ذَكَرًا كانَ أَو أُنْثَى.

وقالَ بعضٌ: النَّسَمَةُ الخَلْقُ، يكونُ ذلِكَ للصَّغيرِ والكَبيرِ والدوابِّ وغيرِها، ولكلِّ ما كانَ في جَوفِه رُوحٌ حتى قالوا للطَّيرِ نَسَمَة.

وفي الحَدِيْث: «مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً مُؤْمِنَةً وَقَى اللهُ، عزَّ وجَلَّ، بكلِّ عُضْوٍ منه عُضْوًا مِن النارِ». قالَ خالِدٌ: النَّسَمَةُ النَّفْسُ والروحُ.

وكُلُّ دابَّةٍ في جوفِها رُوحٌ فهي نَسَمةٌ.

وقالَ ابنُ الأَثيرِ: أَي مَنْ أَعْتَقَ ذا رُوحٍ، وكلُّ دابَّةٍ فيها رُوحٌ فهي نَسَمةٌ، وإنَّما يُريدُ الناسَ.

وفي حدِيْثِ عليِّ، رضي ‌الله‌ عنه: «والذي فَلَقَ الحَبَّة وبَرَأَ النَّسَمةَ»؛ أَي خَلَقَ ذاتَ الرّوحِ، وكَثيرًا ما كانَ يقولُها إذا اجْتَهَدَ في يمينِه.

وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: النَّسَمَةُ غُرَّة عبدٍ أَو أَمَةٍ.

وفي حَدِيْثِ البرَّاء بنِ عازِبٍ: «أَعْتِقِ النَّسَمةَ وفُكَّ الرقبةَ، قالَ: أَوَ لَيْسا واحِدًا؟ قالَ: لا عِتْقُ النَّسَمةِ أنْ تَفَرَّدَ بعتْقِها، وفَكُّ الرَّقبةِ أن تُعينَ في ثمنِها».

وِالنَّسَمَةُ: الرَّبْوُ؛ ومنه الحَديْث: «تَنَكَّبوا الغُبارَ فإنَّ منه تكونُ النَّسَمةُ»، أَرادَ تَواترَ النَّفْسِ والنَّهيجَ، فسُمِّيَت العلَّةُ نَسَمة لاسْتِراحَةِ صاحِبِها إلى تنفسِه، فإنَّ صاحِبَ الربْوِ لا يَزالُ يَتَنفَّسُ كَثيرًا.

وِالمَنْسِمُ، كمَجْلِسٍ: طَرَفُ خُفِّ البَعيرِ، وهُما كالظُّفْرَيْن في مُقدَّمِه بهما يُسْتبان أَثَرُ البَعيرِ الضَّالّ.

قالَ الأَصْمَعيُّ: وقالوا مَنْسِمُ النَّعامَةِ كما قالوه للبَعيرِ، كما في الصِّحاحِ. ولخفِّ الفِيلِ مَنْسِمٌ، والجَمْعُ مَناسِمُ، واسْتَعارَه بعضُ الشُّعَراءِ للظَّبي، قالَ:

يَذُبُّ بسَحْماوَيْنِ لم يَتَفَلَّلا *** وَحى الذِّئْبِ عن طَفْلٍ مَناسِمُه مُخْلِي

وِالمَنْسِمُ مِن الأَمْرِ: العلامةُ والأَثَرُ: يقالُ: رأَيْتُ مَنْسِمًا مِن الأَمْرِ أَعْرِفُ به وَجْهَه؛ أَي أَثرًا منه وعلامةً، وهو مجازٌ.

وِقالَ أَبو مالِكٍ: المَنْسِمُ الطَّريقُ؛ وأَنْشَدَ للأَحْوص:

وِإِنْ أَظْلَمَتْ يومًا على الناسِ غَسْمةٌ *** أَضَاءَ بكُم يا آلَ مَرْوانَ مَنْسِمُ

يعْنِي الطَّريقَ.

وفي حدِيْث عَمْرو وإسْلامِه: «لقد اسْتَقامَ المَنْسِمُ»، أَي تَبَيَّنَ الطَّريقُ، وهو مجازٌ.

وِالمَنْسِمُ: المَذْهَبُ والوَجْهُ. يقالُ: أَيْن مَنْسِمُك؛ أَي أَيْن مَذْهَبُك ومُتَوجَّهُك. وفي الصِّحاحِ: أَيْن وِجْهتُك.

وِالمُنَسِّمُ، كمُحَدِّثٍ: مُحْيِي النَّسَماتِ. يقالُ: نَسَّمَ نَسَمَةً، إذا أَحْيَاها بالعِتْقِ أَو بإِدْرَارِ الرِّزْقِ.

وِالنَّسيمُ: الرُّوحُ. يقالُ: ما بها ذو نَسِيم؛ أَي ذو رُوحٍ؛ وأَنْشَدَ الأَزْهرِيُّ للأَغْلَب:

ضَرْبَ القُدارِ نَقيعةَ القِدِّيمِ *** يَفْرُقُ بينَ النَّفْسِ والنَّسيمِ

قالَ: أَرادَ بالنَّفْسِ جسْمَ الإِنْسانِ أَو دَمَه، وِبالنَّسِيم الرُّوحَ.

وِالنَّسِيمُ أَيْضًا: العَرَقُ؛ والجَمْعُ أَنْسامُ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.

وخَصَّه بعضٌ في الحمَّامِ، وتقدَّمَ شاهِدُه.

وِالنَّيْسَمُ، كحَيْدَرٍ: الطَّريقُ الدَّارِسُ المُسْتَقِيمُ كالنَّيْسَبِ؛ أَو ما وَجَدْتَ مِن الآثارِ في الطَّريقِ، وليْسَتْ بجادَّةٍ بَيَّنَةٍ؛ قالَ الرَّاجزُ:

باتَتْ على نَيْسَمِ خَلِّ جازع *** وَعْثِ النِّهاضِ قاطِعِ المَطالِع

كالنَّسَمِ، محرَّكةً، وهو أَثَرُ الطَّريقِ الدَّارِسِ؛ وهي؛ أَي النَّسَمِ ريحُ اللَّبَنِ والدَّسَمِ؛ وِأَنْشَدَ شَمِرٌ:

يا زُفَرُ القَيْسِيِّ ذو الأَنْفِ الأَشَمْ *** هَيَّجْتَ من نخلةَ أَمْثالَ النَّسَمْ

قالَ: النَّسَمُ هنا: طيرٌ سِراعٌ خِفافٌ لا يَسْتَبينُها الإِنْسانُ مِن خفَّتِها وسُرْعَتِها، قالَ: وهي فَوْق الخَطاطِيفِ غُبْرٌ تَعْلوهُنَّ خُضْرَةٌ.

وِيقالُ: ما في الأَناسِمِ مِثْلُه: أَي النَّاسِ، كأَنَّه جَمعُ النَّسَم أَنْسامًا، ثم أَناسِمُ جَمْعُ الجَمْعِ.

وِنَسَّمَ في الأَمْرِ تَنْسيمًا: ابْتَدَأَ ولم يَدْخل فيه؛ والشِّيْنُ لُغَةٌ فيه.

وِنَسَّمَ النَّسَمَةَ: أَحْياها وأَعْتَقَها، ومنه المَنْسِمُ.

وِالنَّاسِمُ: المَريضُ الذي قد أَشْفَى على المَوْتِ.

يقالُ: فلانٌ يَنْسِم كنَسْم الريحِ الضَّعيفِ؛ وقالَ المَرَّار:

يمْشِينَ رَهْوًا وبعد الجَهْدِ من نَسَمٍ *** وِمن حَياءٍ غَضِيضِ الطَّرْفِ مَسْتورِ

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

تَنَسَّمتِ الرِّيحُ: هَبَّتْ؛ قالَ الشَّاعِرُ:

فإِنْ الصَّبا رِيحٌ إذا ما تَنَسَّمَتْ *** على كِبْدِ مَحْزونٍ تَجَلَّتْ هُمومُها

وِنَسَمُ الريحِ، محرَّكةً: أَوَّلُها حينَ تُقْبِل بلينٍ قَبْل أَنْ تَشْتدَّ.

وفي حدِيْثٍ مَرْفوعٍ: «بُعِثْت في نَسَمِ السَّاعَةِ»؛ أَي حينَ ابْتَدَأَتْ وأَقْبَلَتْ أَوائِلُها، كما في الصِّحاحِ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: في ضَعْفِ هُبوبِها وأَوَّل أَشْراطِها.

وقيلَ: هو جَمْعُ نَسَمةٍ؛ أَي في آخِرِ النَّشْ‌ءِ مِن بَنِي آدَمَ.

وِالمَنْسَمُ، كمَقْعَدٍ، مَصْدَر نَسم نَسِيمًا.

وِنَسِمَ البَعيرُ، كفَرِحَ، نَسَمًا: نَقِبَ مَنسِمُه.

وِالمُنَسِّمُ، كمُحَدِّثٍ: لَقَبُ رجُلٍ مِن بَنِي أَسَدٍ كان ضَمِن لهم رِزْقَ كلّ بِنْتٍ تُولَد فيهم؛ ومنه قَوْل الكُمَيْت:

وِمنَّا ابنُ كُوزٍ والمُنَسِّمُ قَبْله *** وِفارِسُ يوم الفَيْلَقِ العَضْبُ ذو العَضْبِ

وِناسَمَهُ مُناسَمَةً: شامَّهُ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.

وهو طيِّبُ المُناسَمَةِ والمُنامَسَةِ.

وِالنَّسَمُ، محرَّكةً: الأَنْفُ يُتَنَسَّمُ به؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للحرِثِ بنِ خالِدِ بنِ العاصِ:

عُلَّتْ به الأَنْيابُ والنَّسَمُ

وِالمَنْسِمُ، كمَجْلِسٍ: البَيْتُ؛ عن ابنِ بَرِّي؛ وبه فُسِّر قَوْلهم: أَيْنَ مَنْسِمُك.

وِالنَّسْمَةُ، بالفتحِ: العرْقَةُ في الحمَّامِ وغيرِهِ؛ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.

ويقالُ: أَمْصلَتِ الناقَةُ وَلَدَها قَبْل أَنْ تَنَسَّمَ؛ أَي تجسَّدَ وتَمَّ وصارَ نَسَمَةً.

وِتَنَسَّمَ الخَبَر وأَثَر فلانٍ حتى اسْتَبَانَه وِنَسَمَ لي منه خَبَرٌ وأَثَرٌ: أَي بانَ.

وهو باقِي النَّسِيم: أَي القوَّةُ والصَّلابَةُ.

وهو ثَقِيلُ الظلِّ بارِدُ النَّسِيمِ، يقالُ ذلِكَ للثَّقِيلِ، وهو مجازٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


81-تاج العروس (واو)

[واو] الواو المُفْرَدَةُ: مِن حُروفِ المُعْجم، وقد تقدَّم ذِكْرها، وهي على أَقْسام:

الأُولَى: العاطِفَةُ لمُطْلَقِ الجَمْع مِن غيرِ تَرْتيبٍ فَتَعْطِفُ الشَّي‌ءَ على مصاحِبِه كقوله تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ، وتَعْطِفُ الشَّي‌ءَ على سابِقِه كقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا وَإِبْراهِيمَ؛ وعلى لاحِقِه كقوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ.

والفَرْقُ بَيْنها وبَيْنَ الفاءِ أنَّ الواوَ يُعْطَفُ بها جُمْلَةٌ ولا تدلُّ على التَّرْتيبِ في تَقْدِيمِ المُقَدّم ذِكْره على المُؤَخّرِ ذِكْره، وأَمَّا الفرَّاء فإنَّه يُوصِلُ بها ما بَعْدَها بالذي قَبْلها والمُقدّمُ الأَوَّل، وقال الفرَّاء: إذا قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله وزَيْدًا فأيّهما شِئْتَ كان هو المُبْتَدَأ بالزِّيارَةِ، وإنْ قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله فزَيْدًا كانَ الأوَّل هو الأوَّل والآخرُ هو الآخرُ، انتَهَى. وإذا قيلَ: قامَ زَيْدٌ وعَمْرٌو، احْتَمَلَ ثلاثَةَ مَعانٍ: المَعِيّة ومُطْلَق الجَمْع والتَّرْتيب، وكَوْنُها للمَعِيَّةِ راجِحٌ لمَا بَيْنهما مِن المُناسَبَةِ لأنَّ مع للمُصاحَبَةِ، ومنه الحديثُ: «بُعِثْتُ أَنا والساعَةُ كهَاتَيْن»؛ أَي مع الساعَةِ؛ وللتَّرْتيبِ كَثيرٌ ولعَكْسِه قَليلٌ، ويجوزُ أَنْ يكونَ بَيْنَ مُتَعاطِفَيْها تَقارُبٌ أَو تَراخٍ كقوله تعالى: إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فإنَّ بينَ رَدِّ موسَى إلى أُمِّه وجَعْلهِ رَسُولًا زَمانٌ مُتراخٍ؛ وقد تَخْرُجُ الواوُ عن إفادَةِ مُطْلَقِ الجَمْع وذلكَ على أَوْجُهٍ:

أَحَدُها: تكونُ بمعْنَى أَوْ وذلكَ على ثلاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُها: أَنْ تكونَ بمعْناها في التَّقْسِيم، نحوُ: الكَلمةُ اسمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ؛ والثاني: بمعْناها في الإباحَةِ كقولك: جالِسِ الحَسَنَ وابنَ سِيرِينَ أَي أَحَدَهُما؛ والثالثُ: بمَعْناها في التَّخْيير كقولِ الشَّاعرِ:

وقالوا نَأَتْ فاخْتَرْ لَها الصَّبْرَ والبُكا

والوَجْهُ الثاني: أَنْ تكونَ بمعْنَى باءِ الجَرِّ نحوُ: أَنْتَ أَعْلَمُ ومالَكَ؛ أَي بمالِكَ، وبِعْتُ الشَّاءَ شاةً ودِرْهَمًا؛ أَي بدِرْهَمٍ.

الثَّالث: بمعْنَى لامِ التَّعْليل؛ نحوُ قوله تعالى: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ؛ أَي لئَلَّا نَكْذِبَ، قالَهُ الخارَزَنْجي مُصنِّفُ تَكْملة العَيْن وقد مَضَتْ تَرْجمتُه عنْدَ ذِكْرِه في حَرْفِ الجِيم.

الرابع: واو الاسْتِئْنافِ كقولهم: لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبِ اللَّبَنَ فيمَنْ رَفَعَ، وقد ذُكِرَ ذلكَ فِي بَحْثِ لا قَرِيبًا.

الخامس: واوُ المَفْعولِ معه: كسِرْتُ والنِّيلَ.

السَّادِسُ: واوُ القَسَمِ كقولِهم: والله لقَدْ كانَ كذا، وهو بدلٌ مِن الباءِ وإنَّما أبدلٌ منه لقُرْبِه منه في المَخْرَجِ إذ كانَ مِن حُروفِ الشَّفَةِ ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُظْهَرٍ فلا يقالُ وك استغناء بالباء عنها، ولا تَتَعَلَّقُ إلَّا بمَحْذُوفٍ نحوُ قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، ولا يقالُ أُقْسِمُ والله، إنْ تَلَتْها واوٌ أُخْرَى كقولِهِ تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ} فالثانِيَةُ للعَطْفِ والأُولى للقَسَمِ وإلَّا لاحْتاجَ كلٌّ إلى جَوابٍ نحوُ قوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {وَطُورِ سِينِينَ}.

السَّابعُ: واوُ رُبّ، ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُنَكَّرٍ مَوْصوفٍ لأنَّ وَضْعَ رُبَّ لتَقْليلِ نَوْعٍ مِن جِنْسٍ فيذكرُ الجِنْسَ ثم يَخْتَصُّ بصفَةِ تَعْرفةٍ؛ ومنه قولُ الشاعرِ:

وبَلْدةٍ ليسَ بها أَنِيسُ *** إلَّا اليَعافِيرُ وإلَّا العِيسُ

أَي ورُبَّ بَلْدةٍ.

الثَّامن: الَّزائِدَةُ، كقوله تعالى: حَتّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها، جَوَّزَه الجَوْهرِي؛ وقال غيرُه: هي واوُ الثمانِيَةِ، وفي الصِّحاح: قالَ الأصْمعي: قلْتُ لأبي عَمْرِو بنِ العَلاءِ: وقولُهم رَبّنا ولكَ الحَمْدُ، فقالَ: يقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ بِعْني هذا الثَّوْبَ، فيقولُ: وهو لَكَ وأَظنُّه أَرادَ هو لك؛ وأَنْشَدَ الأخْفَش:

فإذا وذلِكَ يا كُبَيْشةُ لمْ يَكُنْ *** إلَّا كَلَمَّةِ حالِمٍ بخَيالِ

كأنَّه قال: فإذا ذلكَ لم يَكُنْ، وقالَ آخَرُ، وهو زُهيرٌ:

قِفْ بالدِّيارِ التي لم يَعْفُها القِدَمُ *** بَلَى وغَيَّرَها الأَرْواحُ والدِّيَمُ

يُريدُ: بَلَى غَيَّرَها؛ كذا في الصِّحاح قال ابنُ برِّي: وقد ذَكَرَ بعضُ أَهْل العِلْم أنَّ الواوَ زائِدَةٌ في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا}، لأنَّه جوابُ لمَّا في قوله: {فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ} {الْجُبِّ}.

التَّاسِعُ: واوُ الثَّمانِيَةِ: يقالُ ستَّةٌ سَبْعةٌ وثمانِيَةٌ، ومنه قوله تعالى: سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، وقوله تعالى: {ثَيِّباتٍ وَأَبْكارًا}، وقوله تعالى: {وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} قال السَّهيلي في الرَّوْضِ: واوُ الثمانِيَةِ في قوله تعالى: {سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} تدلُّ على تَصْدِيقِ القائِلِينَ بأنَّهم سَبْعةٌ لأنَّها عاطِفَةٌ على كَلامٍ مُضْمَرٍ تَقْديرُه نَعَم وثامِنُهُم كَلْبُهُم، وذلكَ أنَّ قائِلًا لو قالَ: إنَّ زَيْدًا شاعِرٌ فقُلْت له: فَقِيهٌ، كُنْت قد صدَّقْته كأنَّك قُلْت: نَعَم هو كَذلكَ وفَقِيهٌ أَيْضًا؛ وكذا الحديثُ: «أَيتوضَّأُ بمَا أَفْضَلَتِ الحُمُر؟ قالَ. وبما أَفْضَلَتِ السِّباعُ»؛ يريدُ نَعَم وبَما أَفْضَلَت السِّباعُ؛ خَرَّجَه الدَّارْقطْني؛ قالَ: وقد أَبْطَل واوَ الثمانِيَةِ هذه ابنُ هِشامٍ وغيرُهُ مِن المُحقِّقين وقالوا: لا مَعْنى له وبَحثُوا في أَمْثِلتِه وقالوا إنَّها مُتناقِضَةٌ.

العاشِرُ: واوُ ضميرِ الذُّكُورِ نحوُ قولهم: الرِّجالُ قامُوا ويَقُومُونَ وقُومُوا أَيّها الرِّجال، وهو اسْمٌ عنْدَ الأكْثرينَ، وقالَ الأخْفَشُ والمازِنيُّ؛ هو حَرْفٌ.

الحادِي عَشَرَ: واوُ عَلامةِ المُذَكَّرِينَ في لُغَةِ طيِّئٍ أَو أَزْدِشَنُوءَةَ أَو بَلْحَرثِ على اخْتِلافٍ في ذلكَ؛ ومنه الحديثُ: «يتعاقَبُونَ فيكُمْ ملائكةٌ باللَّيلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ».

الثاني عَشَرَ: واوُ الإنْكارِ نحوُ: الرَّجُلُوهُ بعدَ قَوْلِ القائِلِ: قامَ الرجلُ، فقوله: الرَّجُلُوهْ هو قَوْلُ المُنْكِر يَمدُّه بالواوِ والهاءِ للوَقْفَة؛ ومنه كَذلكَ: الحَسَنُوهْ وعَمْرُوه، وتُسَمَّى أَيْضًا واوُ الإسْتِنْكار.

الثَّالثُ عَشَرَ: الواوُ المُبْدلَةُ مِن هَمْزةِ الاسْتِفْهامِ المَضْمومُ ما قَبْلَها كقِراءَةِ قُنْبُلٍ: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وأَمِنْتُمْ، وكَذلكَ: قال فِرْعَوْنُ وآمَنْتُمْ.

الرابعُ عَشَرَ: واوُ التَّذْكِيرِ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ التَّذكّر، ففي التّكْملةِ: وتكونُ للتَّعايي والتَّذَكّر كقولِكَ: هذا عَمْرُو فتَسْتَمِدُّ ثم تقولُ مَنْطَلِقٌ؛ وكَذلكَ الألِفُ والياءُ قد تكونانِ للتَّذَكّر، انتَهَى.

الخامسُ عَشَرَ: واوُ الصِّلَةِ والقَوافِي، كقوله:

قِفْ بالدِّيار التي لم يَعْفُها القِدَمُو

فوُصِلَتْ ضمَّةُ الميم بواوٍ ثَمَّ بها وَزْنُ البَيْتِ.

السَّادسُ عَشَرَ: واوُ الإشْباعِ

كالبُرْقُوع والمُعْلُوقِ، والعربُ تَصِلُ الضمَّةَ بالواوِ. وحَكَى الفرَّاءُ: أُنْظُور في مَوْضِعِ أَنْظُر؛ وأنْشَدَ:

مِن حَيْثُ ما سَلَكُوا أَدْنُو فأَنْظُورُ

وقد ذُكِرَ في الرَاءِ، وأنْشَدَ أَيْضًا:

لَوْ أنَّ عَمْرًا هُمَّ أن يَرْقُودا *** فانْهَضْ فشُدَّ المِئْزَرَ المَعْقُودا

أَرادَ: أنْ يَرْقُد فأَشْبَعَ الضمَّةَ ووَصَلَها بالواوِ ونَصَبَ يَرْقُودَ على ما يُنْصَبُ به الفِعْلُ.

السَّابعُ عَشَرَ: مَدُّ الاسْمِ بالنِّداءِ كقولهم: يا قُورْطُ، يُريدُ قُرْطًا، فمدُّوا ضمَّة القافِ بالواوِ ليَمْتَدَّ الصَّوْتَ بالنِّداءِ.

الثَّامنُ عَشَرَ: الواوُ المُحَوَّلَةُ نحو: طُوبَى أَصْلُها طُيْبَى قُلِبَتِ الياءُ واوًا لانْضِمام الطاءِ قَبْلَها وهي مِن طابَ يَطِيبُ، ومِن ذلك واوُ المُوسِرِينَ مِن أَيْسَرَ. ومِن أَقْسامِ الواوِ المُحوَّلةِ: واوُ الجَزْمِ المُرْسَلِ كقوله تعالى: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} فأُسْقِطَتِ الواوُ لالْتِقاءِ السَّاكِنَينِ لأنَّ قَبْلَها ضمَّةً تَخْلُفها؛ ومنها: واوُ الجَزْمِ المُنْبَسِطِ كقوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ} فلم تَسْقُطِ الواوُ وحَرَّكُوها لأنَّ قَبْلَها فتْحةً لا تكونُ عِوَضًا عنها. قالَ الأزْهري: هكذا رَواهُ المُنْذرِي عن أَبي طالِبٍ النحوّي.

التَّاسعُ عَشَرَ: واواتُ الأَبْنِيَةِ كالجَوْرَبِ والتَّوْرَبِ للتُّرابِ والجَدْوَلِ والحَشْوَرِ وما أَشْبَهَها.

العِشْرونَ: واوُ الوَقْتِ: وتَقْرُبُ مِن واوِ الحالِ كقولك: اعْمَلْ وأَنْتَ صَحِيحٌ؛ أَي في وقْتِ صحَّتِكَ والآنَ وأَنْتَ فارغٌ.

الحادِي والعِشْرونَ: واوُ النِّسْبَةِ: كأَخَوِيٍّ في النِّسْبَةِ إلى أَخٍ، بفَتْح الهَمْزةِ والخاءِ وكَسْر الواوِ، وهكذا كانَ يَنْسبُه أَبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ، وكان يَنْسبُ إلى الزِّنازِنَوِيٌّ، وإلى أُخْتٍ أُخَوِيٌّ بضمِّ الهَمْزةِ، وإلى ابنِ بَنَوِيٌّ، وإلى عالِيَةِ الحجازِ عُلْوِيٌّ، وإلى عَشِيَّة عَشَوِيٌّ، وإلى أَبٍ أَبَوِيٌّ.

الثَّاني والعِشْرونَ: واوُ عَمْرٍو: زِيدَتْ لتَفْرِقَ بَيْنه وبينَ عُمَرَ في الرَّفْعِ والخَفْضِ وفي النّصْبِ تَسْقُطُ تقولُ: رأَيْتُ عَمْرًا لأنّه حَصَلَ الأمْنُ مِن الالْتِباسِ، وزِيدَتْ في عَمْرٍو دُونَ عُمَر لأنَّ عُمَرَ أثْقَلُ مِن عَمْرٍو.

الثَّالثُ والعِشْرونَ: الواوُ الفارِقَةُ: وهي كلُّ واوٍ دَخَلَتْ في أَحَدِ الحَرْفَيْن المُشْتَبَهَيْن تَفْرقُ بَيْنه وبينَ المُشْبَه له في الخَطِّ كواوِ أُولئِكَ وأُولَى لئَلَّا يَشْتَبِه بإِلَيْكَ وإلى، كقوله تعالى: {أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ}، وقوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} زِيدَتْ فيهما الواوُ في الخَطِّ ليَفْرقَ بَيْنهما وبينَ ما شَاكَلهما في الصُّورَةِ.

الرابعُ والعِشْرونَ: واوُ الهَمْزةِ في الخَطِّ واللّفْظِ، فأَمَّا الخَطّ كهذهِ نِساؤُكَ وشاؤُكَ صُوِّرَتِ الهَمْزةُ واوًا لضمَّتها، وأَمَّا في اللَّفْظِ: كحَمْراوانِ وسَوْداوانِ ومثل قولك: أُعِيذُ بأَسْماواتِ الله وأَبْناواتِ سَعْدٍ، ومثل السَّمواتِ وما أَشْبَهَها.

الخامسُ والعِشْرونَ: واو النِّداءِ والنُّدْبةِ، الأوَّل كوا زَيْد، والثاني كوا غُرْبَتاهْ، وقد تقدَّمَ. وفي التكملةِ: وهي غَيْرُ واوُ النُّدْبة. فتأَمَّل.

السَّادسُ والعِشْرون: واوِ الحالِ، كقولك: أَتَيْتُه والشمسُ طالِعَةٌ؛ أَي في حالِ طُلوعِها، ومنه قوله تعالى: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ}، ومَثَّل الجَوْهرِي لواوِ الحالِ بقولِهم: قُمْتُ وأَصُكّ وَجْهَه؛ أَي قُمْتُ صاكًّا وَجْهَه، وكقولهم: قُمْتُ والناسُ قُعُودٌ.

السَّابعُ والعِشْرونَ: واوُ الصَّرْفِ: قال الفرَّاء: وهو أَنْ تأْتي الواوُ مَعْطوفَةً على كَلامٍ في أَوَّلهِ حادِثَةٌ لا تَسْتَقيمُ إعادتُها على ما عُطِفَ عليها كقولهِ؛ أَي الشاعرِ، وهو المُتَوكِّلُ اللَّيْثي:

لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأْتيَ مِثْلَهُ *** عارٌ عليك إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ

فإنَّه لا يجوزُ إعادَةُ: وتَأْتي مِثْلَه على تَنْهَ؛ هكذا في النسخِ، ونَصّ الفرّاء أَلا تَرَى أَنَّه لا يجوزُ إعادَةُ «لا» على «وتَأْتي مِثْلَه»، فلذلكَ سُمِّيَ صَرْفًا إذ كان مَعْطوفًا ولم يَسْتَقِمْ أَن يُعادَ فيه الحادِثُ الذي فيما قَبْلَهُ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

واوُ الإعْرابِ: كما في الأسْماءِ السِّتَّةِ.

وبمعْنَى إذ نحو: لَقِيتُكَ وأَنْتَ شابٌّ؛ أَي إذ أَنْتَ، وعليه حملَ قوله تعالى: {وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ}، أي إذ طائِفَة.

وللتَّفْصِيل: كقوله تعالى: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}، {وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ}.

وتَدْخُلُ عليها أَلِفُ الاسْتِفْهامِ: كقوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، كما نقولُ أَفَعَجِبْتم؛ نقلَهُ الجَوْهرِي؛ وكذلكَ قولهُ تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا}، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا}.

وللتِّكْرار: كقوله تعالى: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}.

ومنها الواواتُ التي تدخُلُ في الأجْوبةِ فتكونُ جَوابًا مع الجَوابِ ولو حُذِفَتْ كانَ الجَوابُ مُكْتَفِيًا بنَفْسِه؛ أنْشَدَ الفرَّاء:

حتى إذا قَلَتْ بُطُونَكُمُ *** ورَأَيْتُمُ أَبْناءَكُم شَبُّوا

وقَلَبْتُمُ ظَهْرَ المِجَنِّ لَنا *** إنَّ اللَّئِيمَ العاجِزُ الخَبُّ

أَرادَ: قَلَبْتُم. ومِثْلُه في الكَلامِ: لمَّا أَتانِي وأَثِبُ عليه، كأنَّه قال: وَثَبْتُ عليه، وهذا لا يجوزُ إلَّا مع لمَّا وحتى إذا.

ومنها الواوُ الدائِمَةُ: وهي كلُّ واوٍ تلابسُ الجزاءَ ومَعْناها الدَّوامُ كقولك: زُرْني وأَزُورَكَ وأَزُورُكَ، بالنَّصْبِ والرَّفْع، فالنَّصْبُ على المُجازاةِ، ومَنْ رَفَعَ فمعْناهُ زِيارَتَكَ عليَّ واجبةٌ أُدِيمُها لكَ على كلِّ حالٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


82-المصباح المنير (بعث)

بَعَثْتُ رَسُولًا بَعْثًا أَوْصَلْتُهُ وَابْتَعَثْتُهُ كَذَلِكَ وَفِي الْمُطَاوِعِ فَانْبَعَثَ مِثْلُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْبَعِثُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّى إلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَيُقَالُ بَعَثْتُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَنْبَعِثُ بِنَفْسِهِ كَالْكِتَابِ وَالْهَدِيَّةِ فَإِنَّ الْفِعْلَ يَتَعَدَّى إلَيْهِ بِالْبَاءِ فَيُقَالُ بَعَثْتُ بِهِ وَأَوْجَزَ الْفَارَابِيُّ فَقَالَ بَعَثَهُ أَيْ أَهَبَّهُ وَبَعَثَ بِهِ وَجَّهَهُ وَالْبَعْثُ الْجَيْشُ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ وَالْجَمْعُ الْبُعُوثُ وَبُعَاثٌ وِزَانُ غُرَابٍ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ وَتَأْنِيثُهُ أَكْثَرُ وَيَوْمُ بُعَاثٍ مِنْ أَيَّامِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَيْنَ الْمَبْعَثِ وَالْهِجْرَةِ وَكَانَ الظَّفَرُ لِلْأَوْسِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هَكَذَا ذَكَرَهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْوَاقِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَصَحَّفَهُ اللَّيْثُ فَجَعَلَهُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقَالِي فِي بَابِ الْعَيْنِ

الْمُهْمَلَةِ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِضَمِّ الْبَاءِ قَالَ هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ مَشَايِخِنَا وَهَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ دُرَيْدٍ أَيْضًا وَقَالَ الْبَكْرِيُّ بُعَاثٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى لَيْلَتَيْنِ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


83-المصباح المنير (هدي)

هَدَيْتُهُ الطَّرِيقَ أَهْدِيهِ هِدَايَةً هَذِهِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَلُغَةُ غَيْرِهِمْ يَتَعَدَّى بِالْحَرْفِ فَيُقَالُ هَدَيْتُهُ إلَى الطَّرِيقِ وَلِلطَّرِيقِ وَهَدَاهُ اللَّهُ إلَى الْإِيمَانِ هُدًى وَالْهُدَى الْبَيَانُ وَاهْتَدَى إلَى الطَّرِيقِ وَهَدَيْتُ الْعَرُوسَ إلَى بَعْلِهَا هِدَاءً بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ فَهِيَ هَدِيٌّ وَهَدِيَّةٌ وَيُبْنَى لِلْمَفْعُولِ فَيُقَالُ هُدِيَتْ فَهِيَ مَهْدِيَّةٌ وَأَهْدَيْتُهَا بِالْأَلِفِ لُغَةُ قَيْسِ عَيْلَانَ فَهِيَ مُهْدَاةٌ.

وَالْهَدْيُ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ النَّعَمِ يُثَقَّلُ وَيُخَفَّفُ الْوَاحِدَةُ هَدِيَّةٌ بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْضًا وَقِيلَ الْمُثَقَّلُ جَمْعُ الْمُخَفَّفِ وَأَهْدَيْتُ لِلرَّجُلِ كَذَا بِالْأَلِفِ بَعَثْتُ بِهِ إلَيْهِ إكْرَامًا فَهُوَ هَدِيَّةٌ بِالتَّثْقِيلِ لَا غَيْرُ وَأَهْدَيْتُ الْهَدْيَ إلَى الْحَرَمِ سُقْتُهُ وَتَهَادَى الْقَوْمُ أَهْدَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَالْهَدْيُ مِثَالُ فَلْسٍ السِّيرَةُ يُقَالُ مَا أَحْسَنَ هَدْيَهُ.

وَعَرَفَ هَدْيَ أَمْرِهِ أَيْ جِهَتَهُ وَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ مُهَادَاةً بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَمْشِي بَيْنَهُمَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا لِضَعْفِهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَحَدٍ فَهُوَ يُهَادِيهِ وَتَهَادَى تَهَادِيًا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ إذَا مَشَى وَحْدَهُ مَشْيًا غَيْرَ قَوِيٍّ مُتَمَايِلًا وَقَدْ يُقَالُ تَهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَمَعْنَاهُ يَعْتَمِدُ هُوَ عَلَيْهِمَا فِي مَشْيِهِ وَهَدَأَ الْقَوْمُ وَالصَّوْتُ يَهْدَأُ مَهْمُوزٌ بِفَتْحَتَيْنِ هُدُوءًا سَكَنَ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَهْدَأْتُهُ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


84-لسان العرب (سبأ)

سبأ: سَبَأَ الخَمْرَ يَسْبَؤُها سَبْأً وسِباءً ومَسْبَأً واستَبَأَها: شَراها.

وَفِي الصِّحَاحِ: اشْتَرَاهَا لِيشْرَبَها.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرْمةَ:

خَوْدٌ تُعاطِيكَ، بَعْدَ رَقْدَتِها، ***إِذَا يُلاقِي العُيونَ مَهْدَؤُها

كأْسًا بِفِيها صَهْباء، مُعْرَقة، ***يَغْلُو بأَيدي التِّجارِ مَسْبَؤُها

مُعْرَقةٌ أَي قليلةُ المِزاجِ أَي إِنها مِنْ جَوْدَتِها يغلُو اشتِراؤُها.

واسْتَبَأَها: مِثله.

وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إلَّا فِي الخَمرِ خَاصَّةً.

قَالَ مَالِكُ بْنُ أَبي كَعْبٍ:

بَعَثْتُ إِلَى حانُوتِها، فاسْتَبَأْتُها ***بغيرِ مِكاسٍ فِي السِّوام، وَلَا غَصْبِ

وَالِاسْمُ السِّباءُ، عَلَى فِعالٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ.

وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ سَبِيئةً.

قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:

كأَنَّ سَبِيئةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ، ***يكونُ مِزاجَها عسلٌ وماءُ

وَخَبَرُ كأَنَّ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي وَهُوَ:

عَلَى أَنْيابها، أَو طَعْمُ غَضٍّ ***مِنَ التُّفَّاحِ، هَصَّرَه اجْتِناءُ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي الصِّحَاحِ: كأَنَّ سَبِيئةً فِي بَيْتِ رأْسٍ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ مِن بَيْتِ رأْسٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ.

والسَّبَّاءُ: بَيَّاعُها.

قَالَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لعُمر بْنِ يُوَسُفَ الثَّقفي: يَا ابْنَ السَّبَّاءِ، حَكَى ذَلِكَ أَبو حَنِيفَةَ.

وَهِيَ السِّباءُ والسَّبِيئةُ، وَيُسَمَّى الخَمَّار سَبَّاءً.

ابْنُ الأَنباري: حَكَى الْكِسَائِيُّ: السَّبَأُ الخَمْرُ، واللَّظَأُ: الشيءُ الثَّقيل، حَكَاهُمَا مَهْمُوزَيْنِ مَقْصُورَيْنِ.

قَالَ: وَلَمْ يَحْكِهِمَا غَيْرُهُ.

قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ فِي الخَمْرِ السِّباءُ، بِكَسْرِ السِّينِ وَالْمَدِّ، وَإِذَا اشْتَرَيْتَ الْخَمْرَ لِتَحْمِلَهَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ قُلْتَ: سَبَيْتُها، بِلَا هَمْزٍ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه دَعا بالجِفانِ فسَبَأَ الشَّرابَ فِيهَا».

قَالَ أَبُو مُوسَى: الْمَعْنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فِيمَا قِيلَ: جَمَعَها وخَبَأَها.

وسَبَأَتْه السِّياطُ والنارُ سَبْأً: لَذَعَتْه، وَقِيلَ غَيَّرتْه ولَوَّحَتْه، وَكَذَلِكَ الشمسُ والسَّيْرُ والحُمَّى كُلُّهُنَّ يَسْبَأُ الإِنسانَ أَي يُغَيِّره.

وسَبَأْتُ الرجلَ سَبْأً جَلَدْتُه.

وسَبَأَ جِلْدَه سَبْأً: أَحْرَقَه، وَقِيلَ سلَخَه.

وانْسَبَأَ هُوَ وسَبَأْتُه بِالنَّارِ سَبْأً إِذَا أَحْرَقْته بِهَا.

وانْسَبَأَ الجِلْد: انْسَلَخَ.

وانْسَبَأَ جلْدُه إِذَا تَقَشَّر.

وَقَالَ: وَقَدْ نَصَلَ الأَظفارُ وانْسَبَأَ الجِلْدُ وَإِنَّكَ لتريدُ سبْأَةً أَي تُرِيد سَفَرًا بَعِيدًا يُغَيِّرُك.

التَّهْذِيبِ: السُّبْأَةُ: السَّفر الْبَعِيدُ، سُمِّيَ سُبْأَةً لأَن الإِنسان إِذَا طَالَ سَفَرُه سَبَأَتْه الشمسُ ولَوَّحَتْه، وَإِذَا كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا قِيلَ: تُرِيدُ سَرْبةً.

والمَسْبَأُ: الطريقُ في الجبل.

وسَبَأَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْبَأُ سَبْأً: حَلَف، وَقِيلَ: سبَأَ عَلَى يَمِينٍ يَسْبَأُ سَبْأً مَرَّ عَلَيْهَا كَاذِبًا غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِهَا.

وأَسْبَأَ لأَمر اللَّهِ: أَخْبَتَ.

وأَسْبَأَ عَلَى الشيءِ: خَبَتَ لَهُ قَلْبُه.

وسَبَأُ: اسْمُ رَجُلٍ يَجْمع عامَّةَ قَبائل اليَمن، يُصْرَفُ عَلَى إِرَادَةِ الحَيِّ ويُتْرَك صرْفُه عَلَى إِرَادَةِ القَبِيلة.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {لقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَساكِنِهم} وَكَانَ أَبو عَمْرٍو يقرأُ لِسَبَأَ.

قَالَ:

مِنْ سَبَأَ الحاضِرِينَ مَأْرِبَ، إذْ ***يَبْنُونَ، مِنْ دُونِ سَيْلِها، العَرِما

وَقَالَ:

أَضْحَتْ يُنَفِّرُها الوِلدانُ مِنْ سَبَإٍ، ***كأَنهم، تَحتَ دَفَّيْها، دَحارِيجُ

وَهُوَ سَبَأُ بْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطانَ، يُصرف وَلَا يُصرف، ويمدُّ وَلَا يُمَدُّ.

وَقِيلَ: اسْمُ بَلْدَةٍ كَانَتْ تَسْكُنها بِلْقِيسُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}.

القُرَّاءُ عَلَى إجْراءِ سَبَإٍ، وَإِنْ لَمْ يُجْروه كَانَ صَوَابًا.

قَالَ: وَلَمْ يُجْرِه أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سَبَأٌ هِيَ مَدِينَةٌ تُعرَف بمَأرِب مِن صَنْعاءَ عَلَى مَسِيرةِ ثلاثِ ليالٍ، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْ فلأَنه اسْمُ مَدِينَةٍ، وَمَنْ صَرَفَهُ فلأَنه اسْمُ الْبَلَدِ، فَيَكُونُ مُذَكَّرًا سُمِّيَ بِهِ مُذَكَّرٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ سَبَأ قَالَ: هُوَ اسْمُ مَدِينَةِ بِلْقِيسَ بِالْيَمَنِ.

وَقَالُوا: تَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبا وأَيادِي سَبا، فَبَنَوْهُ.

وَلَيْسَ بِتَخْفِيفٍ عَنْ سَبَإٍ لأَن صُورَةَ تَحْقِيقِهِ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ وَذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ، قَالَ: مِنْ صادِرٍ، أَو وارِدٍ أَيْدِي سَبَا وَقَالَ كُثَيِّرٌ:

أَيادِي سَبَا، يَا عَزَّ، مَا كُنْتُ بَعْدَكُمْ، ***فَلَمْ يَحْلَ للعَيْنَيْنِ، بَعْدَكِ، مَنْزِلُ

وضَرَبَتِ العَرَبُ بِهِم المَثَلَ فِي الفُرْقة لأَنه لمَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَنَّتَهم وغَرَّقَ مكانَهُم تَبَدَّدُوا فِي الْبِلَادِ.

التَّهْذِيبِ: وَقَوْلُهُمْ ذَهَبُوا أَيْدِي سَبَا أَي مُتَفَرِّقين، شُبِّهُوا بأَهلِ سبَأ لمَّا مزَّقهم اللَّهُ فِي الأَرض كلَّ مُمَزَّقٍ، فأَخذ كلُّ طائفةٍ مِنْهُمْ طَرِيقًا عَلَى حِدةٍ.

واليَدُ: الطَّرِيق، يُقَالُ: أَخَذَ القَومُ يَدَ بَحْرٍ.

فَقِيلَ لِلْقَوْمِ، إِذَا تَفَرَّقوا فِي جهاتٍ مُخْتَلِفَةٍ: ذَهَبوا أَيدي سَبَا أَي فَرَّقَتْهم طُرُقُهم الَّتِي سَلَكُوها كَمَا تَفَرَّقَ أَهل سَبَأٍ فِي مذاهبَ شَتَّى.

وَالْعَرَبُ لَا تَهْمِزُ سَبَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لأَنه كثر في كَلَامِهِمْ، فاسْتَثْقَلوا فِيهِ الْهَمْزَةَ، وَإِنْ كَانَ أَصله مَهْمُوزًا.

وَقِيلَ: سَبَأٌ اسْمُ رَجُلٍ ولَدَ عَشَرَةَ بَنِينَ، فَسُمِّيَتِ القَرْية بِاسْمِ أَبِيهم.

والسَّبائِيَّةُ والسَّبَئِيَّةُ مِنَ الغُلاةِ ويُنْسَبُون إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَإٍ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


85-لسان العرب (كتب)

كتب: الكِتابُ: مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ كُتُبٌ وكُتْبٌ.

كَتَبَ الشيءَ يَكْتُبه كَتْبًا وكِتابًا وكِتابةً، وكَتَّبه: خَطَّه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زيادٍ كالخَرِفْ، ***تَخُطُّ رِجْلايَ بخَطٍّ مُخْتَلِفْ،

تُكَتِّبانِ فِي الطَّريقِ لامَ الِفْ

قَالَ: ورأَيت فِي بَعْضِ النسخِ تِكِتِّبانِ، بِكَسْرِ التَّاءِ، وَهِيَ لُغَةُ بَهْرَاءَ، يَكْسِرون التَّاءَ، فَيَقُولُونَ: تِعْلَمُونَ، ثُمَّ أَتْبَعَ الكافَ كسرةَ التَّاءِ.

والكِتابُ أَيضًا: الاسمُ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

الأَزهري: الكِتابُ اسْمٌ لِمَا كُتب مَجْمُوعًا؛ والكِتابُ مَصْدَرٌ؛ والكِتابةُ لِمَنْ تكونُ لَهُ صِناعةً، مِثْلُ الصِّياغةِ والخِياطةِ.

والكِتْبةُ: اكْتِتابُك كِتابًا تَنْسَخُهُ.

وَيُقَالُ: اكْتَتَبَ فلانٌ فُلَانًا أَي سأَله أَن يَكْتُبَ لَهُ كِتابًا فِي حَاجَةٍ.

واسْتَكْتَبه الشيءَ أَي سأَله أَن يَكْتُبَه لَهُ.

ابْنُ سِيدَهْ: اكْتَتَبَه ككَتَبَه.

وَقِيلَ: كَتَبَه خَطَّه؛ واكْتَتَبَه: اسْتَمْلاه، وَكَذَلِكَ اسْتَكْتَبَه.

واكْتَتَبه: كَتَبه، واكْتَتَبْته: كَتَبْتُه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}؛ أَي اسْتَكْتَبَها.

وَيُقَالُ: اكْتَتَبَ الرجلُ إِذا كَتَبَ نفسَه فِي دِيوانِ السُّلْطان.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ لَهُ رجلٌ إِنَّ امرأَتي خَرَجَتْ حاجَّةً، وإِني اكْتُتِبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا»؛ أَي كَتَبْتُ اسْمِي فِي جُمْلَةِ الغُزاة.

وَتَقُولُ: أَكْتِبْنِي هَذِهِ القصيدةَ أَي أَمْلِها عليَّ.

والكِتابُ: مَا كُتِبَ فِيهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَن نَظَرَ فِي كِتابِ أَخيه بِغَيْرِ إِذنه، فكأَنما يَنْظُرُ فِي النَّارِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا تَمْثِيلٌ، أَي كَمَا يَحْذر النارَ، فَلْيَحْذَرْ هَذَا الصنيعَ، قَالَ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ كأَنما يَنْظُر إِلى مَا يوجِبُ عَلَيْهِ النَّارَ؛ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنه أَرادَ عُقوبةَ البَصرِ لأَن الْجِنَايَةَ مِنْهُ، كَمَا يُعاقَبُ السمعُ إِذا اسْتَمع إِلى قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كارهُونَ؛ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ محمولٌ عَلَى الكِتابِ الَّذِي فِيهِ سِرٌّ وأَمانة، يَكْرَه صاحبُه أَن يُطَّلَع عَلَيْهِ؛ وَقِيلَ: هُوَ عامٌّ فِي كُلِّ كِتَابٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَكْتُبوا عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ».

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَيْنَ إِذْنِهِ فِي كِتَابَةِ الحديث

عَنْهُ، فإِنه قَدْ ثَبَتَ إِذنه فِيهَا، أَن الإِذْنَ، فِي الْكِتَابَةِ، نَاسِخٌ لِلْمَنْعِ مِنْهَا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ، وبإِجماع الأُمة عَلَى جَوَازِهَا؛ وَقِيلَ: إِنما نَهى أَن يُكْتَبَ الْحَدِيثُ مَعَ الْقُرْآنِ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، والأَوَّل الْوَجْهُ.

وَحَكَى الأَصمعي عَنْ أَبي عَمْرِو بْنِ العَلاء: أَنه سَمِعَ بعضَ العَرَب يَقُولُ، وذَكَر إِنسانًا فَقَالَ: فلانٌ لَغُوبٌ، جاءَتْهُ كتَابي فاحْتَقَرَها، فقلتُ لَهُ: أَتَقُولُ جاءَته كِتابي؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ أَليس بِصَحِيفَةٍ فقلتُ لَهُ: مَا اللَّغُوبُ؟ فَقَالَ: الأَحْمَقُ؛ وَالْجَمْعُ كُتُبٌ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ مِمَّا اسْتَغْنَوْا فِيهِ ببناءِ أَكثرِ العَدَدِ عَنْ بِنَاءِ أَدْناه، فَقَالُوا: ثلاثةُ كُتُبٍ.

والمُكاتَبَة والتَّكاتُبُ، بِمَعْنًى.

والكِتابُ، مُطْلَقٌ: التوراةُ؛ وَبِهِ فَسَّرَ الزَّجَّاجُ قولَه تعالى: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ}.

وَقَوْلُهُ: كِتابَ اللَّهِ؛ جَائِزٌ أَن يَكُونَ القرآنَ، وأَن يَكُونَ التوراةَ، لأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَبَذُوا التوراةَ.

وقولُه تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ}.

قِيلَ: الكِتابُ مَا أُثْبِتَ عَلَى بَنِي آدَمَ مِنَ أَعْمالهم.

والكِتابُ: الصَّحِيفَةُ والدَّواةُ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

قَالَ: وَقَدْ قُرِئَ وَلَمْ تَجدوا كِتابًا وكُتَّابًا وكاتِبًا؛ فالكِتابُ مَا يُكْتَبُ فِيهِ؛ وَقِيلَ الصَّحِيفَةُ والدَّواةُ، وَأَمَّا الكاتِبُ والكُتَّاب فمعروفانِ.

وكَتَّبَ الرجلَ وأَكْتَبَه إِكْتابًا: عَلَّمَه الكِتابَ.

وَرَجُلٌ مُكْتِبٌ: لَهُ أَجْزاءٌ تُكْتَبُ مِنْ عِنْدِهِ.

والمُكْتِبُ: المُعَلِّمُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ المُكَتِّبُ الَّذِي يُعَلِّم الكتابَة.

قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْحَجَّاجُ مُكْتِبًا بِالطَّائِفِ، يَعْنِي مُعَلِّمًا؛ وَمِنْهُ قِيلَ: عُبَيْدٌ المُكْتِبُ، لأَنه كَانَ مُعَلِّمًا.

والمَكْتَبُ: مَوْضِعُ الكُتَّابِ.

والمَكْتَبُ والكُتَّابُ: مَوْضِعُ تَعْلِيم الكُتَّابِ، وَالْجَمْعُ الكَتَاتِيبُ والمَكاتِبُ.

المُبَرِّدُ: المَكْتَبُ مَوْضِعُ التَّعْلِيمِ، والمُكْتِبُ المُعَلِّم، والكُتَّابُ الصِّبيان؛ قَالَ: وَمَنْ جَعَلَ الموضعَ الكُتَّابَ، فَقَدْ أَخْطأَ.

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِصِبْيَانِ المَكْتَبِ الفُرْقانُ أَيضًا.

ورجلٌ كاتِبٌ، وَالْجَمْعُ كُتَّابٌ وكَتَبة، وحِرْفَتُه الكِتابَةُ.

والكُتَّابُ: الكَتَبة.

ابْنُ الأَعرابي: الكاتِبُ عِنْدَهم الْعَالِمُ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟} وَفِي كِتَابِهِ إِلى أَهل الْيَمَنِ: قَدْ بَعَثْتُ إِليكم كاتِبًا مِنْ أَصحابي؛ أَراد عَالِمًا، سُمِّي بِهِ لأَن الغالبَ عَلَى مَنْ كَانَ يَعْرِفُ الكتابةَ، أَن عِنْدَهُ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ، وَكَانَ الكاتِبُ عِنْدَهُمْ عَزِيزًا، وَفِيهِمْ قَلِيلًا.

والكِتابُ: الفَرْضُ والحُكْمُ والقَدَرُ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:

يَا ابْنَةَ عَمِّي كِتابُ اللهِ أَخْرَجَني ***عَنْكُمْ، وَهَلْ أَمْنَعَنَّ اللهَ مَا فَعَلا؟

والكِتْبة: الحالةُ.

والكِتْبةُ: الاكْتِتابُ فِي الفَرْضِ والرِّزْقِ.

وَيُقَالُ: اكْتَتَبَ فلانٌ أَي كَتَبَ اسمَه فِي الفَرْض.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنِ اكْتَتَبَ ضَمِنًا»، بعَثَه اللَّهُ ضَمِنًا يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَي مَنْ كَتَبَ اسْمَه فِي دِيوانِ الزَّمْنَى وَلَمْ يَكُنْ زَمِنًا، يَعْنِي الرَّجُلَ مِنْ أَهلِ الفَيْءِ فُرِضَ لَهُ فِي الدِّيوانِ فَرْضٌ، فَلَمَّا نُدِبَ للخُروجِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ، سأَل أَن يُكْتَبَ فِي الضَّمْنَى، وَهُمُ الزَّمْنَى، وَهُوَ صَحِيحٌ.

والكِتابُ يُوضَع مَوْضِعَ الفَرْض.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى}.

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ}؛ مَعْنَاهُ: فُرِضَ.

وَقَالَ: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَي فَرَضْنا.

وَمِنْ هَذَا قولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلَيْنِ احتَكما إِليه: لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بكتابِ اللَّهِ

أَي بحُكْم اللهِ الَّذِي أُنْزِلَ فِي كِتابه، أَو كَتَبَه عَلَى عِبادِه، وَلَمْ يُرِدِ القُرْآنَ، لأَنَّ النَّفْيَ والرَّجْمَ لَا ذِكْر لَهُما فِيهِ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي بفَرْضِ اللَّهِ تَنْزيلًا أَو أَمْرًا، بَيَّنه عَلَى لسانِ رَسُولِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقولُه تعالى: {كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}؛ مصْدَرٌ أُريدَ بِهِ الفِعل أَي كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ؛ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ.

وَفِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ النَّضْر، قَالَ لَهُ: «كِتابُ اللَّهِ القصاصُ»أَي فَرْضُ اللَّهِ عَلَى لسانِ نَبِيَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَقِيلَ: هُوَ إِشارة إِلى قَوْلَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}، وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ.

وَفِي حَدِيثِ بَريرَةَ: «مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ» أَي لَيْسَ فِي حُكْمِهِ، وَلَا عَلَى مُوجِبِ قَضاءِ كتابِه، لأَنَّ كتابَ اللَّهِ أَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ، وأَعْلَم أَنَّ سُنَّته بيانٌ لَهُ، وَقَدْ جَعَلَ الرسولُ الوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، لَا أَنَّ الوَلاءَ مَذْكور فِي الْقُرْآنِ نَصًّا.

والكِتْبَةُ: اكْتِتابُكَ كِتابًا تَنْسَخُه.

واسْتَكْتَبه: أَمَرَه أَن يَكْتُبَ لَهُ، أَو اتَّخَذه كاتِبًا.

والمُكاتَبُ: العَبْدُ يُكاتَبُ عَلَى نَفْسه بِثَمَنِهِ، فإِذا سَعَى وأَدَّاهُ عَتَقَ.

وَفِي حَدِيثِ بَريرَة: «أَنها جاءَتْ تَسْتَعِينُ بِعَائِشَةَ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي كِتَابَتِهَا.

قَالَ ابْنُ الأَثير: الكِتابةُ أَن يُكاتِبَ الرجلُ عبدَه عَلَى مالٍ يُؤَدِّيه إِليه مُنَجَّمًا، فإِذا أَدَّاه صَارَ حُرًّا.

قَالَ: وَسُمِّيَتْ كِتَابَةً، بِمَصْدَرِ كَتَبَ، لأَنه يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ لِمَوْلَاهُ ثَمَنه، ويَكْتُبُ مَوْلَاهُ لَهُ عَلَيْهِ العِتْقَ.

وَقَدْ كاتَبه مُكاتَبةً، والعبدُ مُكاتَبٌ.

قَالَ: وإِنما خُصَّ العبدُ بِالْمَفْعُولِ، لأَن أَصلَ المُكاتَبة مِنَ المَوْلى، وَهُوَ الَّذِي يُكاتِبُ عَبْدَهُ.

ابْنُ سِيدَهْ: كاتَبْتُ العبدَ: أَعْطاني ثَمَنَه عَلَى أَن أُعْتِقَه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}.

مَعْنَى الكِتابِ والمُكاتَبةِ: أَن يُكاتِبَ الرجلُ عبدَه أَو أَمَتَه عَلَى مالٍ يُنَجِّمُه عَلَيْهِ، ويَكْتُبَ عَلَيْهِ أَنه إِذا أَدَّى نُجُومَه، فِي كلِّ نَجْمٍ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ حُرٌّ، فإِذا أَدَّى جَمِيعَ مَا كاتَبه عَلَيْهِ، فَقَدْ عَتَقَ، وولاؤُه لِمَوْلَاهُ الَّذِي كاتَبهُ.

وَذَلِكَ أَن مَوْلَاهُ سَوَّغَه كَسْبَه الَّذِي هُوَ فِي الأَصْل لِمَوْلَاهُ، فَالسَّيِّدُ مُكاتِب، والعَبدُ مُكاتَبٌ إِذا عَقَدَ عَلَيْهِ مَا فارَقَه عَلَيْهِ مِنْ أَداءِ الْمَالِ؛ سُمِّيت مُكاتَبة لِما يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ مِنَ العِتْق إِذا أَدَّى مَا فُورِقَ عَلَيْهِ، ولِما يُكتَبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ النُّجُوم الَّتِي يُؤَدِّيها فِي مَحِلِّها، وأَنَّ لَهُ تَعْجِيزَه إِذا عَجَزَ عَنْ أَداءِ نَجْمٍ يَحِلُّ عَلَيْهِ.

اللَّيْثُ: الكُتْبةُ الخُرزَةُ المضْمومة بالسَّيْرِ، وَجَمْعُهَا كُتَبٌ.

ابْنُ سِيدَهْ: الكُتْبَةُ، بِالضَّمِّ، الخُرْزَة الَّتِي ضَمَّ السيرُ كِلا وَجْهَيْها.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الكُتْبة السَّيْر الَّذِي تُخْرَزُ بِهِ المَزادة والقِرْبةُ، وَالْجَمْعُ كُتَبٌ، بِفَتْحِ التاءِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَفْراءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوارِزَها ***مُشَلْشَلٌ، ضَيَّعَتْه بَيْنَهَا الكُتَبُ

الوَفْراءُ: الوافرةُ.

والغَرْفيةُ: المَدْبُوغة بالغَرْف، وَهُوَ شجرٌ يُدبغ بِهِ.

وأَثْأَى: أَفْسَدَ.

والخَوارِزُ: جَمْعُ خارِزَة.

وكَتَبَ السِّقاءَ والمَزادة والقِرْبة، يَكْتُبه كَتْبًا: خَرَزَه بِسَيرين، فَهِيَ كَتِيبٌ.

وَقِيلَ: هُوَ أَن يَشُدَّ فمَه حَتَّى لَا يَقْطُرَ مِنْهُ شَيْءٌ.

وأَكْتَبْتُ القِرْبة: شَدَدْتُها بالوِكاءِ، وَكَذَلِكَ كَتَبْتُها كَتْبًا، فَهِيَ مُكْتَبٌ وكَتِيبٌ.

ابْنُ الأَعرابي: سَمِعْتُ أَعرابيًا يَقُولُ: أَكْتَبْتُ فمَ السِّقاءِ فَلَمْ يَسْتَكْتِبْ أَي لَمْ يَسْتَوْكِ لجَفائه وغِلَظِه.

وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: «وَقَدْ تَكَتَّبَ يُزَفُّ فِي قَوْمِهِ»أَي تَحَزَّمَ وجَمَعَ عَلَيْهِ ثيابَه، مِنْ كَتَبْتُ السقاءَ إِذا خَرَزْتَه.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: اكْتُبْ قِرْبَتَك اخْرُزْها، وأَكْتِبْها: أَوكِها؛ يَعْنِي: شُدَّ رأْسَها.

والكَتْبُ: الْجَمْعُ، تَقُولُ مِنْهُ: كَتَبْتُ البَغْلة إِذا جمَعْتَ بَيْنَ شُفْرَيْها بحَلْقَةٍ أَو سَيْرٍ.

والكُتْبَةُ: مَا شُدَّ بِهِ حياءُ الْبَغْلَةِ، أَو النَّاقَةِ، لِئَلَّا يُنْزَى عَلَيْهَا.

وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ.

وكَتَبَ الدابةَ وَالْبَغْلَةَ والناقةَ يَكْتُبها، ويَكْتِبُها كَتْبًا، وكَتَبَ عَلَيْهَا: خَزَمَ حياءَها بحَلْقةِ حديدٍ أَو صُفْرٍ تَضُمُّ شُفْرَيْ حيائِها، لِئَلَّا يُنْزَى عَلَيْهَا؛ قَالَ:

لَا تَأْمَنَنَّ فَزارِيًّا، خَلَوْتَ بِهِ، ***عَلَى بَعِيرِك واكْتُبْها بأَسْيارِ

وَذَلِكَ لأَنَّ بَنِي فَزَارَةَ كَانُوا يُرْمَوْنَ بغِشْيانِ الإِبل.

والبعيرُ هُنَا: الناقةُ.

ويُرْوَى: عَلَى قَلُوصِك.

وأَسْيار: جَمْعُ سَيْر، وَهُوَ الشَّرَكَةُ.

أَبو زَيْدٍ: كَتَّبْتُ الناقةَ تَكْتيبًا إِذا صَرَرْتَها.

والناقةُ إِذا ظَئِرَتْ عَلَى غَيْرِ وَلَدِهَا، كُتِبَ مَنْخُراها بخَيْطٍ، قبلَ حَلِّ الدُّرْجَة عَنْهَا، ليكونَ أَرْأَم لَهَا.

ابْنُ سِيدَهْ: وكَتَبَ النَّاقَةَ يَكْتُبُها كَتْبًا: ظَأَرها، فَخَزَمَ مَنْخَرَيْها بشيءٍ، لِئَلَّا تَشُمَّ البَوَّ، فَلَا تَرْأَمَه.

وكَتَّبَها تَكْتيبًا، وكَتَّبَ عَلَيْهَا: صَرَّرها.

والكَتِيبةُ: مَا جُمِعَ فَلَمْ يَنْتَشِرْ؛ وَقِيلَ: هِيَ الْجَمَاعَةُ المُسْتَحِيزَةُ مِنَ الخَيْل أَي فِي حَيِّزٍ عَلَى حِدَةٍ.

وَقِيلَ: الكَتيبةُ جَمَاعَةُ الخَيْل إِذا أَغارت، مِنَ الْمِائَةِ إِلى الأَلف.

والكَتيبة: الْجَيْشُ.

وَفِي حَدِيثِ السَّقيفة: «نَحْنُ أَنصارُ اللَّهِ وكَتيبة الإِسلام».

الكَتيبةُ: القِطْعة العظيمةُ مِنَ الجَيْش، وَالْجَمْعُ الكَتائِبُ.

وكَتَّبَ الكَتائِبَ: هَيَّأَها كَتِيبةً كَتِيبَةً؛ قَالَ طُفَيْل:

فأَلْوَتْ بَغَايَاهُمْ بِنَا، وتَباشَرَتْ ***إِلى عُرْضِ جَيْشٍ، غيرَ أَنْ لَمْ يُكَتَّبِ

وتَكَتَّبَتِ الخيلُ أَي تَجَمَّعَتْ.

قَالَ شَمِرٌ: كُلُّ مَا ذُكِرَ فِي الكَتْبِ قريبٌ بعضُه مِنْ بعضٍ، وإِنما هُوَ جَمْعُكَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.

يُقَالُ: اكْتُبْ بَغْلَتَك، وَهُوَ أَنْ تَضُمَّ بَيْنَ شُفْرَيْها بحَلْقةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَتِ الكَتِيبةُ لأَنها تَكَتَّبَتْ فاجْتَمَعَتْ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: كَتَبْتُ الكِتابَ لأَنه يَجْمَع حَرْفًا إِلى حَرْفٍ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّة:

لَا يُكْتَبُون وَلَا يُكَتُّ عَدِيدُهم، ***جَفَلَتْ بساحتِهم كَتائِبُ أَوعَبُوا

قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَكْتُبُهم كاتبٌ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُهَيَّؤُونَ.

وتَكَتَّبُوا: تَجَمَّعُوا.

والكُتَّابُ: سَهْمٌ صَغِيرٌ، مُدَوَّرُ الرأْس، يَتَعَلَّم بِهِ الصبيُّ الرَّمْيَ، وبالثاءِ أَيضًا؛ وَالتَّاءُ فِي هَذَا الْحَرْفِ أَعلى مِنَ الثاءِ.

وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: «الكُتَيْبةُ أَكْثَرُها عَنْوةٌ»، وَفِيهَا صُلْحٌ.

الكُتَيْبةُ، مُصَغَّرةً: اسْمٌ لِبَعْضِ قُرى خَيْبَر؛ يَعْنِي أَنه فتَحَها قَهْرًا، لَا عَنْ صُلْحٍ.

وبَنُو كَتْبٍ: بَطْنٌ، وَاللَّهُ أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


86-لسان العرب (بعث)

بعث: بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثًا: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ بِهِ: أَرسله مَعَ غَيْرِهِ.

وابْتَعَثَه أَيضًا أَي أَرسله فانْبعَثَ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يَصِفُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، شَهِيدُك يومَ الدِّينِ، وبَعِيثُك نعْمة؛ أَي مَبْعُوثك الَّذِي بَعَثْته إِلى الخَلْق أَي أَرسلته، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زَمْعَة: «انْبَعَثَ أَشْقاها»؛ يُقَالُ: انْبَعَثَ فلانٌ لشأْنه إِذا ثَارَ ومَضَى ذَاهِبًا لِقَضَاءِ حاجَته.

والبَعْثُ: الرسولُ، وَالْجَمْعُ بُعْثانٌ، والبَعْثُ: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْو.

والبَعَثُ: القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ، وَيُقَالُ: هُمُ البَعْثُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ.

وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ ابْتَعَثْنا الشامَ عِيرًا إِذا أَرسَلوا إِليها رُكَّابًا لِلْمِيرَةِ.

وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ: «يَا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ»؛ أي المَبْعُوث إِليها مِنْ أَهلها، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ.

وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهم بَعْثًا: وجَّهَهُمْ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ البَعْثُ والبَعِيثُ، وَجَمْعُ البَعْثِ: بُعُوث؛ قَالَ:

ولكنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَلَيْنَا، ***فَصِرْنا بينَ تَطْوِيحٍ وغُرْمِ

وَجَمْعُ البَعِيثِ: بُعُثٌ.

والبَعْثُ: يَكُونُ بَعْثًا لِلْقَوْمِ يُبْعَثُون إِلى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مِثْلَ السَّفْر والرَّكْب.

وَقَوْلُهُمْ: كنتُ فِي بَعْثِ فلانٍ أَي فِي جَيْشِهِ الَّذِي بُعِثَ مَعَهُ.

والبُعُوثُ: الجُيوش.

وبَعَثَه عَلَى الشَّيْءِ: حَمَلَهُ عَلَى فِعْله.

وبَعَثَ عَلَيْهِمُ البَلاء: أَحَلَّه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}.

وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ عَبْدَ المَلِك خَطَبَ فَقَالَ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ مُسلِمَ بْنَ عُقْبة، فَقَتلَكم يَوْمَ الحَرَّة.

وانْبَعَثَ الشيءُ وتَبَعَّثَ: انْدَفَع.

وبَعَثَه مِنْ نَوْمه بَعَثًا، فانْبَعَثَ: أَيْقَظَه وأَهَبَّه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَتاني الليلةَ آتِيانِ فابْتَعَثَاني»أَي أَيقَظاني مِنْ نَوْمِي.

وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ مَا كَانَ يَحْبِسُه عَنِ التَّصَرُّف والانْبِعاثِ.

وانْبَعَثَ فِي السَّيْر أَي أَسْرَع.

ورجلٌ بَعِثٌ: كَثِيرُ الانْبِعاثِ مِنْ نَوْمِهِ.

وَرَجُلٌ بَعْثٌ وبَعِثٌ وبَعَثٌ: لَا تَزَالُ هُمُومه تؤَرِّقُه، وتَبْعَثُه مِنْ نَوْمِهِ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْر:

تَعْدُو بأَشْعَثَ، قَدْ وَهَى سِرْبالُه، ***بَعْثٍ تُؤَرِّقُه الهُمُوم، فيَسْهَرُ

وَالْجَمْعُ: أَبْعاث: وَفِي التنزيل: قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟

هَذَا وَقْفُ التَّمام، وَهُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النُّشور.

وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}؛ قَوْلُ المؤْمِنين؛ وَهَذَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، والخَبَرُ مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ؛ وَقُرِئَ: يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟

أَي مِن بَعْثِ اللَّهِ إِيَّانا مِنْ مَرْقَدِنا.

والبَعْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما الإِرْسال، كَقَوْلِهِ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى}؛ مَعْنَاهُ أَرسلنا.

والبَعْثُ: إِثارةُ باركٍ أَو قاعدٍ، تَقُولُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ فانبَعَثَ أَي أَثَرْتُه فَثار.

والبَعْثُ أَيضًا: الإِحْياء مِنَ اللَّهِ للمَوْتى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ:} أَي أَحييناكم.

وبَعَثَ اللمَوْتى: نَشَرَهم لِيَوْمِ البَعْثِ.

وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُم بَعْثًا: نَشَرَهم؛ مِنْ ذَلِكَ.

وَفَتْحُ الْعَيْنِ فِي الْبَعَثِ كُلُّهُ لُغَةٌ.

وَمِنْ أَسمائه عَزَّ وَجَلَّ: الباعِثُ، هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ الخَلْقَ أَي يُحْييهم بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وبَعَثَ البعيرَ فانْبَعَثَ: حَلَّ عِقالَه فأَرسله، أَو كَانَ بَارِكًا فَهاجَهُ.

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «إِنَّ للفِتْنةِ بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ»، فَمَنِ اسْتَطاعَ أَن يَمُوتَ فِي وَقَفاتِها فَلْيَفعل.

قوله: بَعَثات أَي إِثارات وتَهْييجات، جَمْعُ بَعْثَةٍ.

وكلُّ شَيْءٍ أَثَرْته فَقَدْ بَعَثْته؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فبَعَثْنا البَعيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَهُ.

والتَّبْعاثُ تَفْعال، مِن ذَلِكَ: أَنشد ابْنُ الأَعرابيّ:

أَصْدَرها، عَنْ كَثْرَةِ الدَّآثِ، ***صاحبُ لَيْلٍ، حَرِشُ التَّبْعاثِ

وتَبَعَّثَ مِنِّي الشِّعْرُ أَي انْبَعَثَ، كأَنه سالَ.

ويومُ بُعاثٍ، بِضَمِّ الْبَاءِ: يَوْمٌ مَعْرُوفٌ، كَانَ فِيهِ حَرْبٌ بَيْنَ الأَوْسِ والخَزْرج فِي الجَاهلية، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسحاق فِي كِتَابَيْهِمَا؛ قَالَ الأَزهري: وذكَرَ ابْنُ المُظَفَّر هَذَا فِي كِتَابِ الْعَيْنِ، فجعلَه يومَ بُغَاث وصَحَّفَه، وَمَا كَانَ الخليلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لِيَخفَى عَلَيْهِ يومُ بُعاثٍ، لأَنه مِنْ مَشَاهِيرِ أَيام الْعَرَبِ، وإِنما صحَّفه الليثُ وَعَزَاهُ إِلى الخَليل نفسِه، وَهُوَ لسانُه، وَاللَّهُ أَعلم.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيانِ بِمَا قِيل يومَ بُعَاثٍ»؛ هُوَ هَذَا الْيَوْمُ.

وبُعاثٌ: اسْمُ حِصن للأَوْس.

وباعِثٌ وبَعِيثٌ: اسْمَانِ.

والبَعِيثُ: اسْمُ شَاعِرٍ مَعْرُوفٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، اسْمُهُ خِدَاشُ بْنُ بَشيرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبو مَالِكٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:

تَبَعَّثَ مِنِّي ما تَبَعَّثَ، بعد ما اسْتَمرَّ ***فؤَادي، واسْتَمَرَّ مَرِيري

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنشاد هَذَا الْبَيْتَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبة وَغَيْرُهُ: واستَمَرَّ عَزِيمي، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: أَنه قَالَ الشِّعْرَ بعد ما أَسَنَّ وكَبِرَ.

وَفِي حَدِيثِعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا صالَحَ نصارَى الشَّامِ، كَتَبُوا لَهُ؛ إِنَّا لَا نُحْدِثُ كَنِيسَةً وَلَا قَلِيَّة، وَلَا نُخْرِج سَعانِينَ، وَلَا بَاعُوثًا؛ الباعوثُ للنَّصارى: «كَالِاسْتِسْقَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ»، وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ؛ وَقِيلَ: هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ.

وباعِيثا: موضع معروف.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


87-لسان العرب (ثهمد)

ثهمد: ثَهْمَدُ: مَوْضِعٌ.

وبَرْقَةُ ثَهْمَد: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الشعراءُ؛ قَالَ طَرَفَةُ:

لِخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ

جحد: الجَحْدُ والجُحُود: نَقِيضُ الإِقرار كالإِنكار وَالْمَعْرِفَةِ، جَحَدَهُ يَجْحَدُه جَحْدًا وجُحودًا.

الْجَوْهَرِيُّ: الجُحودُ الإِنكار مَعَ الْعِلْمِ.

جَحَدَه حقَّه وَبِحَقِّهِ.

والجَحْدُ والجُحْدُ، بِالضَّمِّ، وَالْجُحُودُ: قِلَّةُ الْخَيْرِ.

وجَحِدَ جَحَدًا، فَهُوَ جَحِدٌ وجَحْدٌ وأَجْحَدُ إِذا كَانَ ضَيِّقًا قَلِيلَ الْخَيْرِ.

الْفَرَّاءُ: الجَحْدُ والجُحْدُ الضَّيْقُ فِي الْمَعِيشَةِ.

يُقَالُ: جَحِدَ عَيْشُهم جَحَدًا إِذا ضَاقَ واشتدَّ؛ قَالَ: وأَنشدني بَعْضُ الأَعراب فِي الجَحد:

لَئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الحُمَيْدَيْنِ مَائِرًا، ***لَقَدْ غَنِيَتْ فِي غَيْرِ بُوسٍ وَلَا جَحْدِ

والجَحَدُ، بِالتَّحْرِيكِ: مِثْلُهُ؛ يُقَالُ: نَكَدًا لَهُ وجَحَدًا وأَرض جَحْدَة: يَابِسَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا.

وَقَدْ جَحِدَت وجَحِدَ النَّبَاتُ: قلَّ وَنَكِدَ.

والجَحْد: الْقِلَّةُ مِنْ كُلِّ شيءٍ، وَقَدْ جُحِدَ.

وَرَجُلٌ جَحِدٌ وجَحْدٌ: كَقَوْلِهِمْ نَكِدٌ ونَكْدٌ.

ونَكْدًا لَهُ وجَحْدًَا: دعاءٌ عَلَيْهِ.

وَعَامٌ جَحِدٌ قَلِيلُ الْمَطَرِ.

وجَحِدَ النبتُ إِذا قلَّ وَلَمْ يَطُلْ.

أَبو عَمْرٍو: أَجْحَدَ الرَّجُلُ وجَحَدَ إِذا أَنْفَضَ وَذَهَبَ مَالُهُ؛ وأَنشد الْفَرَزْدَقُ:

وبَيْضاءَ مِنْ أَهل الْمَدِينَةِ لم تَذُقْ ***يَبِيسًا، وَلَمْ تَتْبَعْ حَمولةَ مُجْحِدِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَورده شَاهِدًا عَلَى مُجْحِدٍ لِلْقَلِيلِ الْخَيْرِ، وَصَوَابُهُ: لِبَيْضَاءَ مِنْ أَهل الْمَدِينَةِ؛ وَقَبْلَهُ:

إِذا شئتُ غَنَّاني، مِنَ الْعَاجِ، قاصِفٌ ***عَلَى مِعْصَمٍ رَيَّانَ لَمْ يَتَخَدَّدِ

وَفَرَسٌ جَحْدٌ والأُنثى جَحْدَةٌ، وَهُوَ الْغَلِيظُ الْقَصِيرُ، وَالْجَمْعُ جِحاد.

شَمِرٌ: الجُحاديَّة قِرْبَةٌ مُلِئَتْ لَبَنًا أَو غَرارة مُلِئَتْ تَمْرًا أَو حِنْطَةً؛ وأَنشد:

وَحَتَّى تَرَى أَن العَلاة تُمِدُّها ***جُحاديَّةٌ، والرائحاتُ الرواسمُ

وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي تَرْجَمَةِ عَلأَ.

وجُحادةُ: اسْمُ رَجُلٍ.

والجُحاديُّ: الضَّخْمُ، حَكَاهُ يَعْقُوبُ، قَالَ وَالْخَاءُ لُغَةٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


88-لسان العرب (رفد)

رفد: الرِّفْد، بِالْكَسْرِ: الْعَطَاءُ وَالصِّلَةُ.

والرَّفْد، بِالْفَتْحِ: الْمَصْدَرُ.

رَفَدَه يَرْفِدُه رَفْدًا: أَعطاه، ورَفَدَه وأَرْفَده: أَعانه، وَالِاسْمُ مِنْهُمَا الرِّفْد.

وَتَرَافَدُوا: أَعان بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

والمَرْفَدُ والمُرْفَدُ: الْمَعُونَةُ؛ وَفِي الْحَوَاشِي لِابْنِ بَرِّيٍّ قَالَ دُكين:

خَيْرُ امرئٍ قَدْ جَاءَ مِن مَعَدِّهْ ***مِن قَبْلِهِ، أَو رافِدٍ مِنْ بعدِهْ

الرَّافِدُ: هُوَ الَّذِي يَلِي المَلِك وَيَقُومُ مَقَامَهُ إِذا غَابَ.

والرِّفادة: شَيْءٌ كَانَتْ قُرَيش تَتَرَافَدُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فيُخْرج كُلُّ إِنسان مَالًا بِقَدْرِ طَاقَتِهِ فَيَجْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ مَالًا عَظِيمًا أَيام الْمَوْسِمِ، فَيَشْتَرُونَ بِهِ لِلْحَاجِّ الجُزر وَالطَّعَامَ وَالزَّبِيبَ لِلنَّبِيذِ، فَلَا يَزَالُونَ يُطْعِمون النَّاسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيام مَوْسِمِ الْحَجِّ؛ وَكَانَتِ الرِّفادَة والسِّقاية لِبَنِي هَاشِمٍ، والسِّدانة واللِّواء لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَامَ بالرِّفادة هاشمُ بْنُ عَبْدِ مُنَافٍ وَسُمِّيَ هَاشِمًا لهَشْمِه الثَّرِيدَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مِنِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَن يَكُونَ الفيءُ رِفْدًا»أَي صِلَةً وَعَطِيَّةً؛ يُرِيدُ أَن الْخَرَاجَ والفَيء الَّذِي يحْصُل، وَهُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَهلِ الفَيء، يَصِيرُ صِلَاتٍ وَعَطَايَا، ويُخَص بِهِ قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ عَلَى قَدْرِ الْهَوَى لَا بِالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا يُوضَعُ مَوَاضِعَهُ.

والرِّفْدُ: الصِّلَةُ؛ يُقَالُ: رَفَدْتُه رَفْدًا، وَالِاسْمُ الرِّفْد.

والإِرْفاد: الإِعطاء والإِعانة.

والمرافَدة: المُعاونة.

والتَّرافد: التَّعَاوُنُ.

والاستِرفاد: الِاسْتِعَانَةُ.

وَالِارْتِفَادُ: الْكَسْبُ.

والتَّرفيدُ: التَّسويدُ.

يُقَالُ: رُفِّدَ فُلَانٌ أَي سُوِّدَ وَعُظِّمَ.

ورَفَّد القومُ فُلَانًا: سَوَّدوه ومَلَّكوه أَمرهم.

والرِّفادة: دِعامة السَّرْجِ وَالرَّحْلِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ رَفَده وَعَلَيْهِ يَرْفِده رَفْدًا.

وكلُّ مَا أَمسك شَيْئًا: فَقَدْ رَفده.

أَبو زَيْدٍ: رَفَدتُ عَلَى الْبَعِيرِ أَرْفِدُ رَفْدًا [رِفْدًا] إِذا جُعِلَتْ لَهُ رِفادة؛ قَالَ الأَزهري: هِيَ مِثْلُ رِفَادَةِ السَّرْجِ.

والرَّوافِدُ خَشَبُ السَّقْفِ؛ وأَنشد الأَحمر:

رَوافِدُه أَكرَمُ الرافِداتِ، ***بَخٍ لكَ بَخٍّ لِبَحْرٍ خِضَم

وارتَفَد المالَ: اكْتَسَبَهُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

عَجَبًا مَا عَجِبْتُ من واهِبِ المالِ، ***يُباهي بِهِ ويَرْتَفِدُه

ويُضِيعُ الَّذِي قَدَ أَوْجَبَه اللَّهُ ***عَلَيْهِ، فَلَيْسَ يَعْتَمِدُه

والرَّفْد والرِّفْد والمِرْفَد والمَرْفِدُ: العُسُّ الضَّخْمُ؛ وَقِيلَ: الْقَدَحُ الْعَظِيمُ الضَّخْمُ.

والعُسُّ: القَدَح الضَّخْمُ يَرْوِي الثَّلَاثَةَ والأَربعة والعِدَّة، وَهُوَ أَكبر مِنَ الغُمَر، والرَّفْدُ أَكبر مِنْهُ، وعمَّ بَعْضُهُمْ بِهِ القدَح أَيقَدْرٍ كَانَ.

والرَّفودُ مِنَ الإِبل: الَّتِي تملَؤُه فِي حَلْبَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَقِيلَ: هِيَ الدَّائِمَةُ عَلَى مِحْلَبها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وَقَالَ مَرَّةً: هِيَ الَّتِي تُتابِعُ الحَلَب.

وَنَاقَةٌ رَفُود: تَمْلأُ مِرْفَدها؛ وَفِي حَدِيثِ حَفْرِ زَمْزَمَ:

«أَلم نَسْقِ الحَجِيجَ، ونَنْحَرِ ***المِذْلاقَةَ الرُّفُدَا»

الرُّفُدُ، بِالضَّمِّ: جَمْعُ رَفُود وَهِيَ الَّتِي تملأُ الرَّفْد فِي حَلْبَةٍ وَاحِدَةٍ.

الصِّحَاحُ: والمِرْفَدُ الرَّفْد وَهُوَ الْقَدَحُ الضَّخْمُ الَّذِي يُقْرَى فِيهِ الضَّيْفُ.

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «نِعْمَ المِنْحة اللِّقْحَةُ تَرُوحُ بِرِفْدٍ وتَغْدُو بِرِفْدٍ»قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الرِّفْد القَدح تُحتلَب النَّاقَةُ فِي قَدَحٍ، قَالَ: وَلَيْسَ مِنَ الْمَعُونَةِ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ المُؤَرِّجُ هُوَ الرِّفد للإِناء الَّذِي يُحْتَلَبُ فِيهِ؛ وَقَالَ الأَصمعي: الرَّفد، بِالْفَتْحِ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: رَفْد ورِفْد الْقَدَحُ؛ قَالَ: وَالْكَسْرُ أَعرب.

ابْنُ الأَعرابي: الرَّفْد أَكبر مِنَ العُسِّ.

وَيُقَالُ: نَاقَةٌ رَفُود تَدُوم عَلَى إِنائها فِي شِتَائِهَا لأَنها تُجالِحُ الشَّجَرَ.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الرَّفْد والمِرْفَد الَّذِي تُحْلَبُ فِيهِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: الرَّفد الْمَعُونَةُ بِالْعَطَاءِ وسقْي اللَّبَنِ والقَوْل وكلِّ شيءٍ.

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «أَعْطَى زكاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نفسُه رافِدَةً عَلَيْهِ»؛ الرَّافدة، فَاعِلَةٌ؛ مِنَ الرِّفْد وَهُوَ الإِعانة.

يُقَالُ: رَفَدْته أَي أَعَنْتُه؛ مَعْنَاهُ أَن تُعِينَه نَفْسُه عَلَى أَدائها؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُبادة: أَلا ترون أَن لَا أَقُوم إِلَّا رِفْدًا

أَي إِلا أَن أُعان عَلَى الْقِيَامِ؛ وَيُرْوَى رَفْدًا، بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيمانُكم مِنَ النُّصْرَةِ والرِّفادة»؛ أي الإِعانة.

وَفِي حَدِيثِ وَفْد مَذْحِج: «حَيّ حُشَّد رُفَّد»، جَمْعُ حَاشِدٍ وَرَافِدٍ.

والرَّفْد: النَّصِيبُ.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}؛ قَالَ: مجازُه مجازُ الْعَوْنِ الْمُجَازِ، يُقَالُ: رَفَدْتُه عِنْدَ الأَمير أَي أَعنته، قَالَ: وَهُوَ مَكْسُورُ الأَول فإِذا فتحتَ أَوَّله فَهُوَ الرَّفد.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ عَوْنًا لِشَيْءٍ أَو اسْتَمْدَدْتَ بِهِ شَيْئًا فَقَدْ رَفَدْته.

يُقَالُ: عَمَدْت الْحَائِطَ وأَسْنَدْته ورَفَدْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: رَفَدْتُ فُلَانًا مَرْفَدًا: قَالَ: وَمِنْ هَذَا أُخذت رِفادَة السَّرْجِ مِنْ تَحْتِهِ حَتَّى يَرْتَفِعَ.

والرِّفْدَة: العُصبة مِنَ النَّاسِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

مُسَأَّل يَبْتَغِي الأَقْوامُ نائلَه، ***مِنْ كُلِّ قَوْم قَطين، حَوْلَه، رِفَدُ

والمِرْفَد: العُظَّامةُ تَتَعَظَّم بِهَا المرأَة الرَّسْحاء.

والرِّفادة: خِرْقَةٌ يُرْفَدُ بِهَا الجُرْح وَغَيْرُهُ.

والتَّرْفِيدُ: الْعَجِيزَةُ: اسْمٌ كالتَّمْتِين والتَّنْبيت؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

تَقُولُ خَوْدٌ سَلِسٌ عُقُودُها، ***ذاتُ وِشاحٍ حَسَنٌ تَرْفِيدُها:

مَتى تَرانا قائِمٌ عَمُودُها؟

أَي نُقِيمُ فَلَا نَظْعَنُ، وإِذا قَامُوا قَامَتْ عُمُدُ أَخبيتهم، فكأَنّ هَذِهِ الخَوْد مَلَّتِ الرِّحْلَةَ لِنِعْمَتِهَا فسأَلت: مَتَى تَكُونُ الإِقامة وَالْخَفْضُ؟ وَالتَّرْفِيدُ: نَحْوٌ مِنَ الهَمْلَجة؛ وَقَالَ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ الْهُذَلِيُّ:

وإِن غُضَّ مِنْ غَرْبِها رَفَّدَتْ ***وَشِيجًا، وأَلْوَتْ بِجَلْسٍ طُوالْ

أَراد بالجَلس أَصل ذَنَبِهَا.

وَالْمَرَافِيدُ: الشاءُ لَا يَنْقَطِعُ لَبَنُهَا صَيْفًا وَلَا شِتَاءً.

والرَّافدَان: دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ يُعَاتِبُ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي تَقْدِيمِ أَبي الْمُثَنَّى عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ الْفَزَارِيَّ عَلَى الْعِرَاقِ وَيَهْجُوهُ:

بَعَثْتَ إِلى العراقِ ورافِدَيْه ***فَزَاريًّا، أَحَذَّ يَدِ القَمِيص

أَراد أَنه خَفِيفٌ، نَسَبَهُ إِلى الْخِيَانَةِ.

وَبَنُو أَرْفِدَة الَّذِي فِي الْحَدِيثِ: «جِنْسٌ مِنَ الْحَبَشِ يَرْقُصُونَ».

وَفِي الْحَدِيثِ أَنه قَالَ لِلْحَبَشَةِ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير.

هُوَ لَقَبٌ لَهُمْ؛ وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ أَبيهم الأَقدم يُعْرَفُونَ بِهِ، وَفَاؤُهُ مَكْسُورَةٌ وَقَدْ تُفْتَحُ.

ورُفَيدة: أَبو حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ يُقَالُ لَهُمُ الرُّفَيْدَاتُ، كَمَا يُقَالُ لِآلِ هُبَيْرة الهُبَيْرات.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


89-لسان العرب (حمر)

حمر: الحُمْرَةُ: مِنَ الأَلوان الْمُتَوَسِّطَةِ مَعْرُوفَةٌ.

لونُ الأَحْمَرِ يَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْبَلُهُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي فِي الْمَاءِ أَيضًا.

وَقَدِ احْمَرَّ الشَّيْءُ واحْمَارَّ بِمَعْنًى، وكلُّ افْعَلَّ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ فَمَحْذُوفٌ مِنِ افْعَالَّ، وافْعَلَّ فِيهِ أَكثر لِخِفَّتِهِ.

وَيُقَالُ: احْمَرَّ الشيءُ احْمِرارًا إِذا لَزِمَ لَوْنَه فَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ، واحْمارَّ يَحْمارُّ احْمِيرارًا إِذا كَانَ عَرَضًا حَادِثًا لَا يَثْبُتُ كَقَوْلِكَ: جَعَلَ يَحْمارُّ مَرَّةً ويَصْفارُّ أُخْرَى؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنما جَازَ إِدغام احْمارَّ لأَنه لَيْسَ بِمُلْحَقٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي الرُّبَاعِيِّ مِثَالٌ لَمَا جَازَ إِدغامه كَمَا لَا يَجُوزُ إِدغام اقْعَنْسَسَ لَمَّا كَانَ مُلْحَقًا باحْرَنْجَمَ.

والأَحْمَرُ مِنَ الأَبدان: مَا كَانَ لَوْنُهُ الحُمْرَةَ.

الأَزهري فِي قَوْلِهِمْ: أَهلك النساءَ الأَحْمرانِ، يَعْنُونَ الذَّهَبَ وَالزَّعْفَرَانَ، أَي أَهلكهن حُبُّ الْحِلَى وَالطِّيبِ.

الْجَوْهَرِيُّ: أَهلك الرجالَ الأَحمرانِ: اللَّحْمُ وَالْخَمْرُ.

غَيْرُهُ: يُقَالُ لِلذَّهَبِ وَالزَّعْفَرَانِ الأَصفران، وَلِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ الأَبيضان، وَلِلتَّمْرِ وَالْمَاءِ الأَسودان.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أُعطيت الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ والأَبْيَضَ»؛ هِيَ مَا أَفاء اللَّهُ عَلَى أُمته مِنْ كُنُوزِ الْمُلُوكِ.

والأَحمر: الذَّهَبُ، والأَبيض: الْفِضَّةُ، وَالذَّهَبُ كُنُوزُ الرُّومِ لأَنه الْغَالِبُ عَلَى نُقُودِهِمْ، وَقِيلَ: أَراد الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى دِينِهِ وَمِلَّتِهِ.

ابْنُ سِيدَهْ: الأَحمران الذَّهَبُ وَالزَّعْفَرَانُ، وَقِيلَ: الْخَمْرُ وَاللَّحْمُ فإِذا قُلْتَ الأَحامِرَةَ فَفِيهَا الخَلُوقُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ اللَّحْمُ وَالشَّرَابُ والخَلُوقُ؛ قَالَ الأَعشى:

إِن الأَحامِرَةَ الثَّلاثَةَ أَهْلَكَتْ ***مَالِي، وكنتُ بِهَا قَدِيمًا مُولَعا

ثُمَّ أَبدل بَدَلَ الْبَيَانِ فَقَالَ:

الخَمْرَ واللَّحْمَ السَّمينَ، وأَطَّلِي ***بالزَّعْفَرانِ، فَلَنْ أَزَالَ مُوَلَّعَا

جَعَلَ قولَه وأَطَّلي بِالزَّعْفَرَانِ كَقَوْلِهِ وَالزَّعْفَرَانِ.

وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:

الْخَمْرَ وَاللَّحْمَ السَّمِينَ أُدِيمُهُ ***والزعفرانَ *********

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الأَصفران الذَّهَبُ وَالزَّعْفَرَانُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الأَحمران النَّبِيذُ وَاللَّحْمُ؛ وأَنشد: " الأَحْمَرينَ الرَّاحَ والمُحَبَّرا "قَالَ شَمِرٌ: أَراد الْخَمْرَ وَالْبُرُودَ.

والأَحمرُ الأَبيض: تَطَيُّرًا بالأَبرص؛ يُقَالُ: أَتاني كُلُّ أَسود مِنْهُمْ وأَحمر، وَلَا يُقَالُ أَبيض؛ مَعْنَاهُ جَمِيعُ النَّاسِ عَرَبُهُمْ وَعَجَمُهُمْ؛ يَحْكِيهَا عَنْ أَبي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ إِلى الأَحمر والأَسود».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنِ أَبي ذَرٍّ: أَنه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أُوتيتُ خَمْسًا لَمْ يؤتَهُن نَبِيٌّ قَبْلِي، أُرسلت إِلى الأَحمر والأَسود وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ "؛ قَالَ شَمِرٌ: يَعْنِي الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ وَالْغَالِبُ عَلَى أَلوان الْعَرَبِ السُّمرة والأُدْمَة وَعَلَى أَلوان الْعَجَمِ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ، وَقِيلَ: أَراد الإِنس وَالْجِنَّ، وَرُوِيَ عَنْ أَبي مَسْحَلٍ أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ بُعِثْتُ إِلى الأَحمر والأَسود: يُرِيدُ بالأَسود الْجِنَّ وبالأَحمر الإِنس، سُمِّيَ الإِنس الأَحمر لِلدَّمِ الَّذِي فِيهِمْ، وَقِيلَ أَراد بالأَحمر الأَبيض مُطْلَقًا؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: امرأَة حَمْرَاءُ أَي بَيْضَاءُ.

وَسُئِلَ ثَعْلَبٌ: لِمَ خَصَّ الأَحمرَ دُونَ الأَبيض؟ فَقَالَ: لأَن الْعَرَبَ لَا تَقُولُ رَجُلٌ أَبيض مِنْ بَيَاضِ اللَّوْنِ، إِنما الأَبيض عِنْدَهُمُ الطَّاهِرُ النقيُّ مِنَ الْعُيُوبِ، فإِذا أَرادوا الأَبيض مِنَ اللَّوْنِ قَالُوا أَحمر: قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ فإِنهم قَدِ اسْتَعْمَلُوا الأَبيض فِي أَلوان النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ؛ " وَقَالَ عَلِيٌّ، عليه السلام، لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِياك أَن تَكُونيها يَا حُمَيْراءُ أَي يَا بَيْضَاءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ مِنَ الحُمَيْراءِ»؛ يَعْنِي عَائِشَةَ، كَانَ يَقُولُ لَهَا أَحيانًا يَا حُمَيْرَاءُ تَصْغِيرُ الْحَمْرَاءِ يُرِيدُ الْبَيْضَاءَ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ فِي الأَسود والأَحمر إِنهما الأَسود والأَبيض لأَن هَذَيْنِ النَّعْتَيْنِ يَعُمَّانِ الْآدَمِيِّينَ أَجمعين، وَهَذَا كَقَوْلِهِ" بُعِثْتُ إِلى النَّاسِ كَافَّةً "؛ وقوله:

جَمَعْتُم فأَوْعَيْتُم، وجِئْتُم بِمَعْشَرٍ ***تَوافَتْ بِهِ حُمرانُ عَبْدٍ وسُودُها

يُرِيدُ بِعَبْدٍ عَبْدَ بنِ بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ؛ وَقَوْلُهُ أَنَشده ثَعْلَبٌ: " نَضْخَ العُلوجِ الحُمْرِ فِي حَمَّامِها إِنما عَنَى البيضَ، وَقِيلَ: أَراد المحَمَّرين بِالطِّيبِ.

وَحُكِيَ عَنِ الأَصمعي: يُقَالُ أَتاني كُلُّ أَسود مِنْهُمْ وأَحمر، وَلَا يُقَالُ أَبيض.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ: «أَراكَ أَحْمَرَ قَرِفًا»؛ قَالَ: الحُسْنُ أَحْمَرُ، يَعْنِي أَن الحُسْنَ فِي الْحُمْرَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

فإِذا ظَهَرْتِ تَقَنَّعي ***بالحُمْرِ، إِن الحُسْنَ أَحْمَر

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ كَنَّى بالأَحمر عَنِ الْمَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ أَي مَنْ أَراد الْحُسْنَ صَبَرَ عَلَى أَشياء يَكْرَهُهَا.

الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ أَحمر، وَالْجَمْعُ الأَحامر، فإِن أَردت الْمَصْبُوغَ بالحُمْرَة قَلْتَ: أَحمر، وَالْجَمْعُ حُمْر.

ومُضَرُ الحَمْراءِ، بالإِضافة: نَذْكُرُهَا فِي مُضَرَ.

وبَعير أَحمر: لَوْنُهُ مِثْلُ لَوْنِ الزَّعْفَرَانِ إِذا أُجْسِدَ الثوبُ بِهِ، وَقِيلَ بَعِيرٌ أَحمر إِذا لَمْ يُخَالِطْ حمرتَه شيءٌ؛ قَالَ:

قَامَ إِلى حَمْراءَ مِنْ كِرامِها، ***بازِلَ عامٍ أَو سَدِيسَ عامِها

وَهِيَ أَصبر الإِبل عَلَى الْهَوَاجِرِ.

قَالَ أَبو نَصْرٍ النَّعامِيُّ: هَجِّرْ بِحَمْرَاءَ، واسْرِ بوَرْقاءَ، وصَبِّحِ القومَ عَلَى صَهْباء؛ قِيلَ لَهُ: ولِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لأَن الْحَمْرَاءَ أَصبر عَلَى الْهَوَاجِرِ، وَالْوَرْقَاءَ أَصبر عَلَى طُولِ السُّرى، وَالصَّهْبَاءَ أَشهر وأَحسن حِينَ يُنْظَرُ إِليها.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خَيْرُ الإِبل حُمْرها وصُهْبها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِمَعَارِيضِ الْكَلِمَ حُمْرَ النَّعَمِ.

وَالْحَمْرَاءُ مِنَ الْمَعْزِ: الْخَالِصَةُ اللَّوْنِ.

وَالْحَمْرَاءُ: الْعَجَمُ لِبَيَاضِهِمْ ولأَن الشُّقْرَةَ أَغلب الأَلوان عَلَيْهِمْ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْعَجَمِ الَّذِينَ يَكُونُ الْبَيَاضُ غَالِبًا عَلَى أَلوانهم مِثْلَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَمَنْ صَاقَبَهُمْ: إِنَّهُمُ الْحَمْرَاءُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ قَالَ لَهُ سَرَاةٌ مِنْ أَصحابه الْعَرَبِ: غَلَبَتْنَا عَلَيْكَ هَذِهِ الْحَمْرَاءُ؛ فَقَالَ: لَنَضْرِبَنَّكُمْ عَلَى الدِّينِ عَوْدًا كَمَا ضَرَبْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ بَدْءًا؛ أَراد بِالْحَمْرَاءِ الفُرْسَ وَالرُّومَ.

وَالْعَرَبُ إِذا قَالُوا: فُلَانٌ أَبيض وَفُلَانَةٌ بَيْضَاءُ فَمَعْنَاهُ الْكَرَمُ فِي الأَخلاق لَا لَوْنُ الْخِلْقَةِ، وإِذا قَالُوا: فُلَانٌ أَحمر وَفُلَانَةٌ حَمْرَاءُ عَنُوا بَيَاضَ اللَّوْنِ؛ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي المَوَاليَ الْحَمْرَاءَ.

والأَحامرة: قَوْمٌ مِنَ الْعَجَمِ نَزَلُوا الْبَصْرَةَ وتَبَنَّكُوا بِالْكُوفَةِ.

والأَحمر: الَّذِي لَا سِلَاحَ مَعَهُ.

والسَّنَةُ الْحَمْرَاءُ: الشَّدِيدَةُ لأَنها وَاسِطَةٌ بَيْنَ السَّوْدَاءِ وَالْبَيْضَاءِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذا أَخْلَفَتِ الجَبْهَةُ فَهِيَ السَّنَةُ الحمراءُ؛ وَفِي حَدِيثِ طَهْفَةَ: «أَصابتنا سَنَةٌ حَمْرَاءُ»أَي شَدِيدَةُ الجَدْبِ لأَن آفَاقَ السَّمَاءِ تَحْمَرُّ فِي سِنِي الْجَدَبِ وَالْقَحْطِ؛ وَفِي حَدِيثِ حَلِيمَةَ: أَنها خَرَجَتْ فِي سَنَةٍ حَمْرَاءَ قَدْ بَرَتِ الْمَالَ "الأَزهري: سَنَةٌ حَمْرَاءُ شَدِيدَةٌ؛ وأَنشد: " أَشْكُو إِليكَ سَنَواتٍ حُمْرَا "قَالَ: أَخرج نَعْتَهُ عَلَى الأَعوام فذكَّر، وَلَوْ أَخرجه عَلَى السَّنَوَاتِ لقال حَمْراواتٍ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: قِيلَ لِسِني الْقَحْطِ حَمْراوات لِاحْمِرَارِ الْآفَاقِ فيه ومنه قول أُمية:

وسُوِّدَتْ شَمْسُهُمْ إِذا طَلَعَتْ ***بالجِلبِ [بالجُلبِ] هِفًّا، كأَنه كَتَمُ

وَالْكَتَمُ: صِبْغٌ أَحمر يُخْتَضَبُ بِهِ.

وَالْجُلْبُ: السَّحَابُ الرَّقِيقُ الَّذِي لَا مَاءَ فِيهِ.

وَالْهَفُّ: الرَّقِيقُ أَيضًا، وَنَصَبَهُ عَلَى الْحَالِ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ، أَنه قَالَ: «كُنَّا إِذا احْمَرَّ البَأْس اتَّقينا بِرَسُولِ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ إِذَا اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ اسْتَقْبَلْنَا الْعَدُوَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلْنَاهُ لَنَا وِقَايَةً.

قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ هُوَ الْمَوْتُ الأَحمر وَالْمَوْتُ الأَسود؛ قَالَ: وَمَعْنَاهُ الشَّدِيدُ؛ قَالَ: وأُرى ذَلِكَ مِنْ أَلوان السِّبَاعِ كأَنه مَنْ شِدَّتِهِ سَبُعٌ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فكأَنه أَراد بِقَوْلِهِ احْمَرَّ البأْسُ أَي صَارَ فِي الشِّدَّةِ وَالْهَوْلِ مِثْلَ ذَلِكَ.

والمُحَمِّرَةُ: الَّذِينَ عَلَامَتُهُمُ الْحُمْرَةُ كالمُبَيِّضَةِ والمُسَوِّدَةِ، وَهُمْ فرقة من الخُرَّمِيَّةِ، الواحد مِنْهُمْ مُحَمِّرٌ، وَهُمْ يُخَالِفُونَ المُبَيِّضَةَ.

التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ لِلَّذِينِ يُحَمِّرون راياتِهم خِلَافَ زِيِّ المُسَوِّدَةِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: المُحَمِّرَةُ، كَمَا يُقَالُ للحَرُورِيَّة المُبَيِّضَة، لأَن رَايَاتِهِمْ فِي الْحُرُوبِ كَانَتْ بِيضًا.

ومَوْتٌ أَحمر: يُوصَفُ بالشدَّة؛ وَمِنْهُ: " لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي هَذِهِ الأُمة مِنَ الْمَوْتِ الأَحمر "، يَعْنِي الْقَتْلَ لِمَا فِيهِ مِنْ حُمْرَةِ الدَّمِ، أَو لِشِدَّتِهِ.

يُقَالُ: مَوْتٌ أَحمر أَي شَدِيدٌ.

وَالْمَوْتُ الأَحمر: مَوْتُ الْقَتْلِ، وَذَلِكَ لِمَا يَحْدُثُ عَنِ الْقَتْلِ مِنَ الدَّمِ، وَرُبَّمَا كَنَوْا بِهِ عَنِ الْمَوْتِ الشَّدِيدِ كأَنه يلْقَى مِنْهُ مَا يلْقَى مِنَ الْحَرْبِ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ يصف الأَسد:

إِذا عَلَّقَتْ قِرْنًا خطاطِيفُ كَفِّهِ، ***رَأَى الموتَ رَأْيَ العَيْنِ أَسْوَدَ أَحْمَرا

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ: هُوَ الْمَوْتُ الأَحمر يَسْمَدِرُّ بَصَرُ الرجلِ مِنَ الْهَوْلِ فَيَرَى الدُّنْيَا فِي عَيْنَيْهِ حَمْرَاءَ وَسَوْدَاءَ، وأَنشد بَيْتَ أَبي زُبَيْدٍ.

قَالَ الأَصمعي: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ وَطْأَةٌ حَمْرَاءُ إِذا كَانَتْ طَرِيَّةً لَمْ تدرُس، فَمَعْنَى قَوْلِهِمُ الْمَوْتُ الأَحمر الْجَدِيدُ الطَّرِيُّ.

الأَزهري: وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ أَنه قَالَ: أَسرع الأَرض خَرَابًا الْبَصْرَةُ، قِيلَ: وَمَا يُخَرِّبُهَا؟ قَالَ: الْقَتْلُ الأَحمر وَالْجُوعُ الأَغبر.

وَقَالُوا: الحُسْنُ أَحْمرُ أَي شاقٌّ أَي مَنْ أَحب الحُسْنَ احْتَمَلَ الْمَشَقَّةَ.

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ أَي أَنه يَلْقَى مِنْهُ مَا يَلْقَى صَاحِبُ الحَرْبِ مِنَ الحَرْب.

قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ مَوْتٌ أَحمر.

قَالَ: الحُمْرَةُ فِي الدَّمِ وَالْقِتَالِ، يَقُولُ يَلْقَى مِنْهُ الْمَشَقَّةَ وَالشِّدَّةَ كَمَا يَلْقَى مِنَ الْقِتَالِ.

وَرَوَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي فِي قَوْلِهِمُ الحُسْنُ أَحمر: يُرِيدُونَ إِنْ تكلفتَ الْحُسْنَ وَالْجَمَالَ فَاصْبِرْ فِيهِ عَلَى الأَذى وَالْمَشَقَّةِ؛ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ يَمِيلُ إِلى هَوَاهُ وَيَخْتَصُّ بِمَنْ يُحِبُّ، كَمَا يُقَالُ: الْهَوَى غَالِبٌ، وَكَمَا يُقَالُ: إِن الْهَوَى يميلُ باسْتِ الراكبِ إِذا آثَرَ مَنْ يَهْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ.

والحُمْرَةُ: داءٌ يَعْتَرِي النَّاسَ فَيَحْمَرُّ مَوْضِعُهَا، وتُغالَبُ بالرُّقْيَة.

قَالَ الأَزهري: الحُمْرَةُ مِنْ جِنْسِ الطَّوَّاعِينَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا.

الأَصمعي: يُقَالُ هَذِهِ وَطْأَةٌ حَمْراءُ إِذا كَانَتْ جَدِيدَةً، وَوَطْأَةٌ دَهْماء إِذا كَانَتْ دَارِسَةً، والوطْأَة الحَمْراءُ: الْجَدِيدَةُ.

وحَمْراءُ الظَّهِيرَةِ: شِدَّتُهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: كُنَّا إِذا احْمَرَّ البأْسُ اتَّقَيْنَاهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنْ أَحدٌ أَقربَ إِليه مِنْهُ "؛ حَكَى ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِالْمَثَلِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: مَعْنَاهُ إِذا اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ اسْتَقْبَلْنَا الْعَدُوَّ بِهِ وَجَعَلْنَاهُ لَنَا وِقَايَةً، وَقِيلَ: أَراد إِذا اضْطَرَمَتْ نَارُ الْحَرْبِ وَتَسَعَّرَتْ، كَمَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ بَيْنَ الْقَوْمِ: اضْطَرَمَتْ نَارُهُمْ تَشْبِيهًا بحُمْرة النَّارِ؛ وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الحُمْرَة عَلَى الشِّدّة.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الأَحمرُ والأَسودُ مِنْ صِفَاتِ الْمَوْتِ: مأْخوذ مَنْ لَوْنِ السَّبُع كأَنه مَنْ شِدَّتِهِ سَبُعٌ، وَقِيلَ: شُبه بالوطْأَة الْحَمْرَاءِ لجِدَّتها وكأَن الْمَوْتَ جَدِيدٌ.

وحَمارَّة الْقَيْظِ، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وحَمارَتُه: شِدَّةُ حَرِّهِ؛ التَّخْفِيفُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقَدْ حُكِيَتْ فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ قَلِيلَةٌ، وَالْجَمْعُ حَمَارٌّ.

وحِمِرَّةُ الصَّيف: كَحَمَارَّتِه.

وحِمِرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ وحِمِرُّهُ: شِدَّتُهُ.

وحِمِرُّ القَيْظِ وَالشِّتَاءِ: أَشدّه.

قَالَ: وَالْعَرَبُ إِذَا ذَكَرَتْ شَيْئًا بِالْمَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ وصفَته بالحُمْرَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ: سَنَةٌ حَمْرَاء لِلْجَدْبَةِ.

الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: حَمَارَّة الصَّيْفِ شِدَّةُ وَقْتِ حَرِّهِ؛ قَالَ: وَلَمْ أَسمع كَلِمَةً عَلَى تَقْدِيرِ الفَعَالَّةِ غَيْرَ الحمارَّة والزَّعارَّة؛ قَالَ: هَكَذَا قَالَ الْخَلِيلُ؛ قَالَ اللَّيْثُ: وَسَمِعْتُ ذَلِكَ بِخُرَاسَانَ سَبارَّةُ الشِّتَاءِ، وَسَمِعْتُ: إِن وَرَاءَكَ لَقُرًّا حِمِرًّا؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ جَاءَتْ أَحرف أُخر عَلَى وَزْنِ فَعَالَّة؛ وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الْكِسَائِيِّ: أَتيته فِي حَمارَّة القَيْظِ وَفِي صَبَارَّةِ الشِّتَاءِ، بِالصَّادِ، وَهُمَا شِدَّةُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ.

قَالَ: وَقَالَ الأُمَوِيُّ أَتيته عَلَى حَبَالَّةِ ذَلِكَ أَي عَلَى حِين ذَلِكَ، وأَلقى فلانٌ عَلَيَّ عَبَالَّتَهُ أَي ثِقْلَه؛ قاله اليزيدي والأَحمر.

وَقَالَ القَنَاني.

أَتوني بِزَرَافَّتِهِمْ أَي جَمَاعَتِهِمْ، وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: كُنَّا فِي حَمْرَاءِ الْقَيْظِ عَلَى ماءِ شُفَيَّةَ.

وَهِيَ رَكِيَّةٌ عَذْبَةٌ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «فِي حَمارَّةِ الْقَيْظِ»أَي فِي شِدَّةِ الْحَرِّ.

وَقَدْ تُخَفَّفُ الرَّاءُ.

وقَرَبٌ حِمِرٌّ: شَدِيدٌ.

وحِمِرُّ الغَيْثِ: مُعْظَمُهُ وَشِدَّتُهُ.

وَغَيْثٌ حِمِرٌّ، مِثْلَ فِلِزٍّ: شَدِيدٌ يَقْشِرُ وَجْهَ الأَرض.

وأَتاهم اللَّهُ بِغَيْثٍ حِمِرٍّ: يَحْمُرُ الأَرضَ حَمْرًا أَي يَقْشِرُهَا.

والحَمْرُ: النَّتْقُ.

وحَمَرَ الشَّاةَ يَحْمُرُها حَمْرًا: نَتَقَها أَي سَلَخَهَا.

وحَمَرَ الخارزُ سَيْرَه يَحْمُره، بِالضَّمِّ، حَمْرًا: سَحَا بَطْنَهُ بِحَدِيدَةٍ ثُمَّ لَيَّنَه بِالدُّهْنِ ثُمَّ خَرَزَ بِهِ فَسَهُلَ.

والحَمِيرُ والحَمِيرَةُ: الأُشْكُزُّ، وَهُوَ سَيْرٌ أَبيض مَقْشُورٌ ظَاهِرُهُ تُؤَكَّدُ بِهِ السُّرُوجُ؛ الأَزهري: الأُشكز مُعَرَّبٌ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، قَالَ: وَسُمِّيَتْ حَمِيرة لأَنها تُحْمَرُ أَي تُقْشَرُ؛ وَكُلُّ شَيْءٍ قَشَرْتَهُ، فَقَدْ حَمَرْتَه، فَهُوَ مَحْمُورٌ وحَمِيرٌ.

والحَمْرُ بِمَعْنَى القَشْر: يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَالسَّوْطِ وَالْحَدِيدِ.

والمِحْمَرُ والمِحْلأُ: هُوَ الْحَدِيدُ وَالْحَجَرُ الَّذِي يُحْلأُ بِهِ الإِهابُ وَيُنْتَقُ بِهِ.

وحَمَرْتُ الْجِلْدَ إِذَا قَشَرْتَهُ وَحَلَقْتَهُ؛ وحَمَرَتِ المرأَةُ جلدَها تَحْمُرُه.

والحَمْرُ فِي الْوَبَرِ وَالصُّوفِ، وَقَدِ انْحَمَر مَا عَلَى الْجِلْدِ.

وحَمَرَ رأْسه: حَلَقَهُ.

والحِمارُ: النَّهَّاقُ مِنْ ذَوَاتِ الأَربع، أَهليًّا كَانَ أَو وحْشِيًّا.

وَقَالَ الأَزهري: الحِمارُ العَيْرُ الأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ، وَجَمْعُهُ أَحْمِرَة وحُمُرٌ وحَمِيرٌ وحُمْرٌ وحُمُورٌ، وحُمُرَاتٌ جَمْعُ الْجَمْعِ، كَجُزُراتٍ وطُرُقاتٍ، والأُنثى حِمارة.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قَدَمْنا رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليلةَ جَمْعٍ عَلَى حُمُرَاتٍ»؛ هِيَ جَمْعُ صحةٍ لحُمُرٍ، وحُمُرٌ جمعُ حِمارٍ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

فأَدْنَى حِمارَيْكِ ازْجُرِي إِن أَرَدْتِنا، ***وَلَا تَذْهَبِي فِي رَنْقِ لُبٍّ مُضَلَّلِ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: هُوَ مِثْلُ ضَرْبِهِ؛ يَقُولُ: عَلَيْكِ بزوجكِ وَلَا يَطْمَحْ بَصَرُك إِلى آخَرَ، وَكَانَ لَهَا حِمَارَانِ أَحدهما قَدْ نأَى عَنْهَا؛ يَقُولُ: ازْجُرِي هَذَا لئلَّا يَلْحَقَ بِذَلِكَ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ أَقبلي عليَّ وَاتْرُكِي غَيْرِي.

ومُقَيِّدَةُ الحِمَارِ: الحَرَّةُ لأَن الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ يُعْتَقَلُ فيها فكأَنه مُقَيَّدٌ.

وَبَنُو مُقَيِّدَةِ الْحِمَارِ: الْعَقَارِبُ لأَن أَكثر مَا تَكُونُ فِي الحَرَّةِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

لَعَمْرُكَ مَا خَشِيتُ عَلَى أُبَيٍّ ***رِماحَ بَنِي مُقَيِّدَةِ الحِمارِ

ولكِنِّي خَشِيتُ عَلَى أُبَيٍّ ***رِماحَ الجِنِّ، أَو إِيَّاكَ حارِ

وَرَجُلٌ حامِرٌ وحَمَّارٌ: ذُو حِمَارٍ، كَمَا يُقَالُ فارسٌ لِذِي الفَرَسِ.

والحَمَّارَةُ: أَصحاب الْحَمِيرِ فِي السَّفَرِ.

وَفِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ: «أَنه كَانَ يَرُدُّ الحَمَّارَةَ مِنَ الْخَيْلِ»؛ الحَمَّارة: أَصحاب الْحَمِيرِ؛ أي لَمْ يُلْحِقْهم بأَصحاب الْخَيْلِ فِي السِّهَامِ مِنَ الْغَنِيمَةِ؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ أَيضًا: إِنه أَراد بالحَمَّارَةِ الخيلَ التي تَعْدُو عَدْوَالْحَمِيرِ.

وَقَوْمٌ حَمَّارَة وحامِرَةٌ: أَصحاب حَمِيرٍ، وَالْوَاحِدُ حَمَّار مِثْلَ جَمَّال وبَغَّال، ومسجدُ الحامِرَةِ مِنْهُ.

وَفَرَسٌ مِحْمَرٌ: لَئِيمٌ يُشْبِهُ الحِمَارَ فِي جَرْيِه مِنْ بُطْئِه، وَالْجَمْعُ المَحامِرُ والمَحامِيرُ؛ وَيُقَالُ لِلْهَجِينِ: مِحْمَرٌ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ بَالَانِي؛ وَيُقَالُ لمَطِيَّةِ السَّوْءِ مِحْمَرٌ.

التَّهْذِيبُ: الْخَيْلُ الحَمَّارَةُ مِثْلُ المَحامِرِ سَوَاءً، وَقَدْ يُقَالُ لأَصحاب الْبِغَالِ بَغَّالَةٌ، ولأَصحاب الْجِمَالِ الجَمَّالَة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنُ أَحمر: " شَلًّا كَمَا تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشَّرَدَا "وَتُسَمَّى الْفَرِيضَةُ الْمُشْتَرَكَةُ: الحِمَارِيَّة؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنهم قَالُوا: هَبْ أَبانا كَانَ حِمَارًا.

وَرَجُلٌ مِحْمَرٌ: لَئِيمٌ؛ وَقَوْلُهُ: " نَدْبٌ إِذا نَكَّسَ الفُحْجُ المَحامِيرُ "وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمْعَ مِحْمَرٍ فَاضْطَرَّ، وأَن يَكُونَ جَمْعُ مِحْمارٍ.

وحَمِرَ الْفَرَسُ حَمَرًا، فَهُوَ حَمِرٌ: سَنِقَ مِنْ أَكل الشَّعِيرِ؛ وَقِيلَ: تَغَيَّرَتْ رَائِحَةُ فِيهِ مِنْهُ.

اللَّيْثُ: الحَمَرُ، بِالتَّحْرِيكِ، دَاءٌ يَعْتَرِي الدَّابَّةَ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعِيرِ فَيُنْتِنُ فُوهُ، وَقَدْ حَمِرَ البِرْذَوْنُ يَحْمَرُ حَمَرًا؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

لعَمْرِي لَسَعْدُ بْنُ الضِّبابِ إِذا غَدا ***أَحَبُّ إِلينا مِنكَ، فَا فَرَسٍ حَمِرْ

يُعَيِّره بالبَخَرِ، أَراد: يَا فَا فَرَسٍ حَمِرٍ، لَقَّبَهُ بِفِي فَرَسٍ حَمِرٍ لِنَتْنِ فِيهِ.

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «كَانَتْ لَنَا داجِنٌ فَحَمِرَتْ مِنْ عَجِينٍ: هُوَ مِنْ حَمَرِ الدَّابَّةِ».

وَرَجُلٌ مِحْمَرٌ: لَا يعطِي إِلَّا عَلَى الكَدِّ والإِلْحاحِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ حَمِرَ فُلَانٌ عَلَيَّ يَحْمَرُ حَمَرًا إِذا تَحَرَّقَ عَلَيْكَ غَضَبًا وَغَيْظًا، وَهُوَ رَجُلٌ حَمِرٌ مِنْ قَوْمٍ حَمِرينَ.

وحِمَارَّةُ القَدَمِ: المُشْرِفَةُ بَيْنَ أَصابعها وَمَفَاصِلِهَا مِنْ فَوْقَ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «ويُقْطَعُ السارقُ مِنْ حِمَارَّةِ القَدَمِ»؛ هِيَ مَا أَشرف بَيْنَ مَفْصِلِها وأَصابعها مِنْ فَوْقَ.

وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ: «أَنه كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَهُ مِنْ حِمَارَّةِ الْقَدَمِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ.

الأَصمعي: الحَمائِرُ حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَوْلَ قُتْرَةِ الصَّائِدِ، وَاحِدُهَا حِمَارَةٌ، والحِمَارَةُ أَيضًا: الصَّخْرَةُ الْعَظِيمَةُ.

الْجَوْهَرِيُّ: وَالْحَمَّارَةُ حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَوْلَ الْحَوْضِ لِئَلَّا يَسِيلَ مَاؤُهُ، وَحَوْلَ بَيْتِ الصَّائِدِ أَيضًا؛ قَالَ حُمَيْدٌ الأَرقط يَذْكُرُ بَيْتَ صَائِدٍ: " بَيْتُ حُتُوفٍ أُرْدِحَتْ حَمَائِرُهْ "أُردحت أَي زِيدَتْ فِيهَا بَنِيقَةٌ وسُتِرَتْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِ هَذَا الْبَيْتِ: بيتَ حُتُوفٍ، بِالنَّصْبِ، لأَن قَبْلَهُ: " أَعَدَّ لِلْبَيْتِ الَّذِي يُسامِرُهْ "قَالَ: وأَما قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ الحِمَارَةُ حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَوْلَ الْحَوْضِ وَتُنْصَبُ أَيضًا حَوْلَ بَيْتِ الصَّائِدِ فَصَوَابُهُ أَن يَقُولَ: الْحَمَائِرُ حِجَارَةٌ، الْوَاحِدُ حِمَارَةٌ، وَهُوَ كُلُّ حَجَرٍ عَرِيضٍ.

وَالْحَمَائِرُ: حِجَارَةٌ تُجْعَلُ حَوْلَ الْحَوْضِ تَرَدُّ الْمَاءَ إِذا طَغَى؛ وأَنشد:

كأَنَّما الشَّحْطُ، فِي أَعْلَى حَمائِرِهِ، ***سَبائِبُ القَزِّ مِن رَيْطٍ وكَتَّانِ

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَوَضَعْتُهُ».

عَلَى حِمارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ، هِيَ ثَلَاثَةُ أَعواد يُشَدَّ بَعْضُ أَطْرَافِهَا إِلَى بَعْضٍ ويخالَفُ بَيْنَ أَرجلها تُعَلَّقُ عَلَيْهَا الإِداوَةُ لتُبَرِّدَ الماءَ، "وَيُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ سِهْبَايْ، وَالْحَمَائِرُ ثَلَاثُ خَشَبَاتٍ يُوَثَّقْنَ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِنَّ الوَطْبُ لِئَلَّا يَقْرِضَه الحُرْقُوصُ، وَاحِدَتُهَا حِمارَةٌ؛ والحِمارَةُ: خَشَبَةٌ تَكُونُ فِي الْهَوْدَجِ.

والحِمارُ خَشَبَةٌ فِي مُقَدَّم الرَّحْلِ تَقْبِضُ عَلَيْهَا المرأَة وَهِيَ فِي مقدَّم الإِكاف؛ قَالَ الأَعشى:

وقَيَّدَنِي الشِّعْرُ فِي بَيْتهِ، ***كَمَا قَيَّدَ الآسِراتُ الحِمارا

الأَزهري: والحِمارُ ثَلَاثُ خَشَبَاتٍ أَو أَربع تَعْتَرِضُ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ وتُؤْسَرُ بِهَا.

وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الحِمارُ العُود الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الأَقتاب، وَالْآسِرَاتُ: النِّسَاءُ اللَّوَاتِي يُؤَكِّدْنَ الرِّحَالَ بالقِدِّ ويُوثِقنها.

وَالْحِمَارُ: خَشَبَةٌ يَعْمَلُ عَلَيْهَا الصَّيْقَلُ.

اللَّيْثُ: حِمارُ الصَّيْقَلِ خَشَبَتُهُ الَّتِي يَصْقُلُ عَلَيْهَا الْحَدِيدُ.

وحِمَار الطُّنْبُورِ: مَعْرُوفٌ.

وحِمارُ قَبَّانٍ: دُوَيْبَّةٌ صَغِيرَةٌ لَازِقَةٌ بالأَرض ذَاتُ قَوَائِمَ كَثِيرَةٍ؛ قَالَ:

يَا عَجَبا لَقَدْ رَأَيْتُ العَجَبَا: ***حِمَارَ قَبَّانٍ يَسُوقُ الأَرْنَبا

وَالْحِمَارَانِ: حَجَرَانِ يُنْصَبَانِ يُطْرَحُ عَلَيْهِمَا حَجَرٌ رَقِيقٌ يُسَمَّى العَلاةَ يُجَفَّفُ عَلَيْهِ الأَقِطُ؛ قَالَ مُبَشِّرُ بْنُ هُذَيْل بْنِ فَزارَةَ الشَّمْخِيُّ يَصِفُ جَدْبَ الزَّمَانِ:

لَا يَنْفَعُ الشَّاوِيَّ فِيهَا شاتُهُ، ***وَلَا حِماراه وَلَا عَلَاتُه

يَقُولُ: إِن صَاحِبَ الشَّاءِ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا لِقِلَّةِ لَبَنِهَا، وَلَا يَنْفَعُهُ حِمَارَاهُ وَلَا عَلَاته لأَنه لَيْسَ لَهَا لَبَنٌ فيُتخذ مِنْهُ أَقِط.

والحمَائر: حِجَارَةٌ تُنْصَبُ عَلَى الْقَبْرِ، وَاحِدَتُهَا حِمارَةٌ.

وَيُقَالُ: جَاءَ بِغَنَمِهِ حُمْرَ الكُلَى، وَجَاءَ بِهَا سُودَ الْبُطُونِ، مَعْنَاهُمَا الْمَهَازِيلُ.

والحُمَرُ والحَوْمَرُ، والأَوَّل أَعلى: التَّمْرُ الْهِنْدِيُّ، وَهُوَ بالسَّراةِ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ بِبِلَادِ عُمان، وَوَرَقُهُ مِثْلُ وَرَقِ الخِلافِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ البَلْخِيّ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَقَدْ رأَيته فِيمَا بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ وَيَطْبُخُ بِهِ النَّاسُ، وَشَجَرُهُ عِظَامٌ مِثْلَ شَجَرِ الْجَوْزِ، وَثَمَرُهُ قُرُونٌ مِثْلَ ثَمَرِ القَرَظِ.

والحُمَّرَةُ والحُمَرَةُ: طَائِرٌ مِنَ الْعَصَافِيرِ.

وَفِي الصِّحَاحِ: الحُمَّرة ضَرْبٌ مِنَ الطَّيْرِ كَالْعَصَافِيرِ، وَجَمْعُهَا الحُمَرُ والحُمَّرُ، وَالتَّشْدِيدُ أَعلى؛ قَالَ أَبو الْمُهَوِّشِ الأَسدي يَهْجُو تَمِيمًا:

قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُكُمْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ، ***فإِذا لَصَافِ تَبِيضُ فِيهِ الحُمَّرُ

يَقُولُ: قَدْ كُنْتُ أَحسبكم شُجْعَانًا فإِذا أَنتم جُبَنَاءُ.

وَخَفِيَّةٌ: مَوْضِعٌ تُنْسَبُ إِليه الأُسد.

وَلِصَافٌ: مَوْضِعٌ مِنْ مَنَازِلِ بَنِي تَمِيمٍ، فَجَعَلَهُمْ فِي لِصَافٍ بِمَنْزِلَةِ الحُمَّر، مَتَى وَرَدَ عَلَيْهَا أَدنى وَارِدٍ طَارَتْ فَتَرَكَتْ بَيْضَهَا لِجُبْنِهَا وَخَوْفِهَا عَلَى نَفْسِهَا.

الأَزهري: يُقَالُ للحُمَّرِ، وَهِيَ طَائِرٌ: حُمَّرٌ، بِالتَّخْفِيفِ، الواحدةُ حُمَّرَة وحُمَرَة؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " وحُمَّرات شُرْبُهُنَّ غِبُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَحْمَر يُخَاطِبُ يَحْيَى بْنَ الحَكَم بْنِ أَبي الْعَاصِ وَيَشْكُو إِليه ظُلْمَ السُّعاة:

إِن نَحْنُ إِلَّا أُناسٌ أَهلُ سائِمَةٍ؛ ***مَا إِن لَنَا دُونَها حَرْثٌ وَلَا غُرَرُ

الغُرَرُ: لِجَمْعِ الْعَبِيدِ، وَاحِدُهَا غُرَّةٌ.

مَلُّوا البلادَ ومَلَّتْهُمْ، وأَحْرَقَهُمْ ***ظُلْمُ السُّعاةِ، وبادَ الماءُ والشَّجَرُ

إِنْ لَا تُدارِكْهُمُ تُصْبِحْ مَنازِلُهُمْ ***قَفْرًا، تَبِيضُ عَلَى أَرْجائها الحُمَرُ

فَخَفَّفَهَا ضَرُورَةً؛ وَفِي الصِّحَاحِ: إِن لَا تُلَافِهِمْ؛ وَقِيلَ: الحُمَّرَةُ القُبَّرَةُ، وحُمَّراتٌ جَمْعٌ؛ قَالَ: وأَنشد الْهِلَالِيُّ والكِلابِيُّ بيتَ الرَّاجِزِ:

عَلَّقَ حَوْضِي نُغَرٌ مُكِبُّ، ***إِذا غَفِلْتُ غَفْلَةً يَغُبُّ،

وحُمَّراتٌ شُرْبُهُنَّ غِبُ قَالَ: وَهِيَ القُبَّرُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «نَزَلْنَا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ حُمَّرَةٌ»؛ هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَقَدْ تُخَفَّفُ، طَائِرٌ صَغِيرٌ كَالْعُصْفُورِ.

واليَحْمُورُ: طَائِرٌ.

وَالْيَحْمُورُ أَيضًا: دَابَّةٌ تُشْبِهُ العَنْزَ؛ وَقِيلَ: الْيَحْمُورُ حِمَارُ الْوَحْشِ.

وحامِرٌ وأُحامِر، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: مَوْضِعَانِ، لَا نَظِيرَ لَهُ مِنَ الأَسماء إِلَّا أُجارِدُ، وَهُوَ مَوْضِعٌ.

وحَمْراءُ الْأَسَدِ: أَسماء مَوَاضِعَ.

والحِمَارَةُ: حَرَّةٌ مَعْرُوفَةٌ.

وحِمْيَرٌ: أَبو قَبِيلَةٍ، ذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ أَنه كَانَ يَلْبَسُ حُلَلًا حُمْرًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَوِيٍّ.

الْجَوْهَرِيُّ: حِمْيَر أَبو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ، وَهُوَ حِمْيَرُ بْنُ سَبَإ بْنُ يَشْجُب بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَمِنْهُمْ كَانَتِ الْمُلُوكُ فِي الدَّهْرِ الأَوَّل، وَاسْمُ حِمْيَر العَرَنْجَجُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

أَرَيْتَكَ مَوْلايَ الَّذِي لسْتُ شاتِمًا ***وَلَا حارِمًا، مَا بالُه يَتَحَمَّرُ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى كأَنه مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرٍ.

التَّهْذِيبُ: حِمْيَرٌ اسْمٌ، وَهُوَ قَيْلٌ أَبو مُلُوكِ الْيَمَنِ وإِليه تَنْتَمِي الْقَبِيلَةُ، وَمَدِينَةُ ظَفَارِ كَانَتْ لِحِمْيَرَ.

وحَمَّرَ الرجلُ: تَكَلَّمَ بِكَلَامِ حِمْيَر، وَلَهُمْ أَلفاظ وَلُغَاتٌ تُخَالِفُ لُغَاتِ سَائِرِ الْعَرَبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَلِكِ الحِمْيَرِيِّ مَلِك ظَفارِ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: ثِبْ، وثِبْ بِالْحِمْيَرِيَّةِ: اجْلِسْ، فَوَثَبَ الرَّجُلُ فانْدَقَّتْ رِجْلَاهُ فَضَحِكَ الْمَلِكُ وَقَالَ: ليستْ عِنْدَنَا عَرَبِيَّتْ، مَنْ دَخَلَ ظَفارِ حَمَّر أَي تَعَلَّم الحِمْيَرِيَّةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذِهِ حِكَايَةُ ابْنِ جِنِّي يَرْفَعُ ذَلِكَ إِلى الأَصمعي، وأَما ابْنُ السِّكِّيتِ فإِنه قَالَ: فَوَثَبَ الرَّجُلُ فَتَكَسَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ فَانْدَقَّتْ رِجْلَاهُ، وَهَذَا أَمر أُخرج مَخْرَجَ الْخَبَرِ أَي فلْيُحَمِّرْ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الحُمْرة، بِسُكُونِ الْمِيمِ، نَبْتٌ.

التَّهْذِيبُ: وأُذْنُ الحِمَار نَبْتٌ عَرِيضُ الْوَرَقِ كأَنه شُبِّه بأُذُنِ الْحِمَارِ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «مَا تَذْكُر مِنْ عَجُوزٍ حَمْراءَ الشِّدقَيْنِ»؛ وَصَفَتْهَا بالدَّرَدِ وَهُوَ سُقُوطُ الأَسنان مِنَ الكِبَرِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا حُمْرَةُ اللَّثَاةِ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «عارَضَه رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي فَقَالَ: اسْكُتْ يَا ابْنَ حَمْراء العِجانِ»أَي يَا ابْنَ الأَمة، وَالْعِجَانُ: مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ فِي السَّبِّ والذمِّ.

وأَحْمَرُ ثَمُودَ: لَقَبُ قُدارِ بْنِ سالِفٍ عاقِرِ ناقَةِ صَالِحٍ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ وإِنما قَالَ زُهَيْرٌ كأَحمر عَادٍ لإِقامة الْوَزْنِ لِمَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَن يَقُولَ كأَحمر ثَمُودَ أَو وَهِمَ فِيهْ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَقَالَ بَعْضُ النُّسَّابِ إِن ثَمُودًا مِنْ عادٍ.

وتَوْبَةُ بْنُ الحُمَيِّرِ: صَاحِبُ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّةِ، وَهُوَ فِي الأَصل تَصْغِيرُ الْحِمَارِ.

وَقَوْلُهُمْ: أَكْفَرُ مِنْ حِمَارٍ، هُوَ رَجُلٌ مِنْ عَادٍ مَاتَ لَهُ أَولاد فَكَفَرَ كُفْرًا عَظِيمًا فَلَا يَمُرُّ بأَرضه أَحد إِلَّا دَعَاهُ إِلى الْكُفْرِ فإِن أَجابه وإِلَّا قَتَلَهُ.

وأَحْمَرُ وحُمَيْرٌ وحُمْرانُ وحَمْراءُ وحِمَارٌ: أَسماء.

وَبَنُو حِمِرَّى: بَطْنٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَرُبَّمَا قَالُوا: بَنِي حِمْيَريّ.

وابنُ لِسانِ الحُمَّرةِ: مِنْ خُطَبَاءِ الْعَرَبِ.

وحِمِرُّ: موضع.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


90-لسان العرب (خضر)

خضر: الخُضْرَةُ مِنَ الأَلوان: لَوْنُ الأَخْضَرِ، يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَقْبَلُهُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي فِي الْمَاءِ أَيضًا، وَقَدِ اخْضَرَّ، وَهُوَ أَخْضَرُ وخَضُورٌ وخَضِرٌ وخَضِيرٌ ويَخْضِيرٌ ويَخْضُورٌ؛ واليَخْضُورُ: الأَخْضَرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ يَصِفُ كِنَاسَ الوَحْشِ:

بالخُشْبِ، دونَ الهَدَبِ اليَخْضُورِ، ***مَثْواةُ عَطَّارِينَ بالعُطُورِ

والخَضْرُ والمَخْضُورُ: اسْمَانِ للرَّخْصِ مِنَ الشَّجَرِ إِذا قُطِعَ وخُضِرَ.

أَبو عُبَيْدٍ: الأَخْضَرُ مِنَ الْخَيْلِ الدَّيْزَجُ فِي كَلَامِ الْعَجَمِ؛ قَالَ: وَمِنَ الخُضْرَةِ فِي أَلوان الْخَيْلِ أَخْضَرُ أَحَمُّ، وَهُوَ أَدنى اللخُضْرَةِ إِلى الدُّهْمَةِ وأَشَدُّ الخُضْرَةِ سَوادًا غَيْرَ أَنَّ أَقْرابَهُ وَبَطْنَهُ وأُذنيه مُخْضَرَّةٌ؛ وأَنشد: " خَضْراء حَمَّاء كَلَوْنِ العَوْهَقِ "قَالَ: وَلَيْسَ بَيْنَ الأَخضر الأَحمّ وَبَيْنَ الأَحوى إِلَّا خُضْرَةُ مَنْخَرَيْهِ وَشَاكِلَتُهُ، لأَن الأَحوى تَحْمَرُّ مَنَاخِرُهُ وَتَصْفَرُّ شَاكِلَتُهُ صُفْرَةً مُشَاكَلَةً لِلْحُمْرَةِ؛ قَالَ: وَمِنَ الْخَيْلِ أَخضر أَدغم وأَخضر أَطحل وأَخضر أَورق.

والحمامُ الوُرْقُ يُقَالُ لَهَا: الخُضْرُ.

واخْضَرَّ الشَّيْءُ اخْضِرارًا واخْضَوْضَرَ وخَضَّرْتُه أَنا، وكلُّ غَضٍّ خَضِرٌ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِبًا}؛ قال: خَضِرًا هاهنا بِمَعْنَى أَخْضَر.

يُقَالُ: اخْضَرَّ، فَهُوَ أَخْضَرُ وخَضِرٌ، مِثْلُ اعْوَرَّ فَهُوَ أَعور وعَوِرٌ؛ وَقَالَ الأَخفش: يُرِيدُ الأَخضر، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: أَرِنِيها نَمِرةً أُرِكْها مَطِرَةً؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: الخَضِرُ هاهنا الزَّرْعُ الأَخضر.

وشَجَرَةٌ خَضْراءُ: خَضِرَةٌ غَضَّةٌ.

وأَرض خَضِرَةٌ ويَخْضُورُ: كَثِيرَةُالخُضْرَةِ.

ابْنُ الأَعرابي: الخُضَيْرَةُ تَصْغِيرُ الخُضْرَةِ، وَهِيَ النَّعْمَةُ.

وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: لَيْسَتْ لِفُلَانٍ بخَضِرَةٍ أَي لَيْسَتْ لَهُ بِحَشِيشَةٍ رَطْبَةٍ يأْكلها سَرِيعًا.

وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ أَخْضَرَ الشَّمَط، كَانَتِ الشَّعَرَاتُ الَّتِي شَابَتْ مِنْهُ قَدِ اخْضَرَّتْ بِالطِّيبِ والدُّهْن المُرَوَّح.

وخَضِرَ الزرعُ خَضَرًا: نَعِمَ؛ وأَخْضَرَهُ الرِّيُّ.

وأَرضٌ مَخْضَرَةٌ، عَلَى مِثَالِ مَبْقَلَة: ذَاتُ خُضْرَةٍ؛ وَقُرِئَ: فتُصْبِحُ الأَرضُ مَخْضَرَةً.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَنه خَطَبَ بِالْكُوفَةِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ فَتَى ثَقِيفٍ الذّيَّالَ المَيَّالَ يَلْبَسُ فَرْوَتَهَا ويأْكل خَضِرَتَها»، يَعْنِي غَضَّها وناعِمَها وهَنِيئَها.

وَفِي حَدِيثِ الْقَبْرِ: «يُملأُ عَلَيْهِ خَضِرًا»؛ أي نِعَمًا غَضَّةً.

واخْتَضَرْتُ الكَلأَ إِذا جَزَزْتَهُ وَهُوَ أَخْضَرُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ إِذا مَاتَ شَابًّا غَضًّا: قَدِ اخْتُضِرَ، لأَنه يُؤْخَذُ فِي وَقْتِ الحُسْنِ والإِشراق.

وَقَوْلُهُ تعالى: {مُدْهامَّتانِ}؛ قَالُوا: خَضْراوَانِ لأَنهما تَضْرِبَانِ إِلى السَّوَادِ مِنْ شِدَّةِ الرِّيِّ، وَسَمِّيَتْ قُرَى الْعِرَاقِ سَوادًا لِكَثْرَةِ شَجَرِهَا وَنَخِيلِهَا وَزَرْعِهَا.

وَقَوْلُهُمْ: أَباد اللهُ خَضْراءَهُمْ أَي سوادَهم ومُعظَمَهُمْ، وأَنكره الأَصمعي وَقَالَ: إِنما يُقَالُ: أَباد اللَّهُ غَضْرَاءَهُمْ أَي خَيْرَهُمْ وغَضَارَتَهُمْ.

واخْتُضِرَ الشيءُ: أُخذ طَرِيًّا غَضًّا.

وشابٌّ مُخْتَضَرٌ: مَاتَ فَتِيًّا.

وَفِي بَعْضِ الأَخبار: أَن شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ أُولِعَ بِشَيْخٍ فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ قال: أَجْزَرْتَ يَا أَبا فُلَانٍ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: أَي بُنَيَّ، وتُخْتَضَرُونَ أَي تُتَوَفَّوْنَ شَبَابًا؛ وَمَعْنَى أَجْزَزْتَ: أَنَى لَكَ أَن تُجَزَّ فَتَمُوتَ، وأَصل ذَلِكَ فِي النَّبَاتِ الْغَضِّ يُرْعى ويُخْتَضَرُ ويُجَزُّ فَيُؤْكَلُ قَبْلَ تَنَاهِي طُولِهِ.

وَيُقَالُ: اخْتَضَرْتُ الْفَاكِهَةَ إِذا أَكلتها قَبْلَ أَناها.

واخْتَضَرَ البعيرَ: أَخذه من الإِبل وهو صَعْبٌ لَمْ يُذَلَّل فَخَطَمَهُ وَسَاقَهُ.

وَمَاءٌ أَخْضَرُ: يَضْرِبُ إِلى الخُضْرَةِ مِنْ صَفائه.

وخُضارَةُ، بِالضَّمِّ: الْبَحْرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُضْرَةِ مَائِهِ، وَهُوَ مُعْرِفَةٌ لَا يُجْرَى، تَقُولُ: هَذَا خُضَارَةُ طامِيًا.

ابْنُ السِّكِّيتِ: خُضارُ مَعْرِفَةٌ لَا يَنْصَرِفُ، اسْمُ الْبَحْرِ.

والخُضْرَةُ والخَضِرُ والخَضِيرُ: اسْمٌ لِلْبَقْلَةِ الخَضْراءِ؛ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ رُؤْبَةَ:

إِذا شَكَوْنا سَنَةً حَسُوسَا، ***نأْكُلُ بَعْدَ الخُضْرَةِ اليَبِيسَا

وَقَدْ قِيلَ إِنه وضع الاسم هاهنا مَوْضِعَ الصِّفَةِ لأَن الخُضْرَةَ لَا تُؤْكَلُ، إِنما يُؤْكَلُ الْجِسْمُ الْقَابِلُ لَهَا.

وَالْبُقُولُ يُقَالُ لَهَا الخُضَارَةُ والخَضْرَاءُ، بالأَلف وَاللَّامِ؛ وَقَدْ ذَكَرَ طَرَفَةُ الخَضِرَ فَقَالَ:

كَبَنَاتِ المَخْرِ يَمْأَدْنَ، إِذا ***أَنْبَتَ الصَّيْفُ عَسالِيجَ الخَضِرْ

وَفِي فَصْلِ الصَّيْفِ تَنْبُتُ عَسالِيجُ الخَضِرِ مِنَ الجَنْبَةِ، لَهَا خَضَرٌ فِي الْخَرِيفِ إِذا بَرُدَ اللَّيْلُ وَتَرَوَّحَتِ الدَّابَّةُ، وَهِيَ الرَّيَّحَةُ والخِلْفَةُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ للخَضِرِ مِنَ الْبُقُولِ: الخَضْراءُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «تَجَنَّبُوا مِنْ خَضْرائكم ذَواتِ الرِّيحِ»؛ يَعْنِي الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ وَمَا أَشبهها.

والخَضِرَةُ أَيضًا: الخَضْراءُ مِنَ النَّبَاتِ، وَالْجَمْعُ خَضِرٌ.

والأَخْضارُ: جَمْعُ الخَضِرِ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.

وَيُقَالُ للأَسود أَخْضَرُ.

والخُضْرُ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، سُمُّوا بِذَلِكَ لخُضْرَةِ أَلوانهم؛ وإِياهم عَنَى الشَّمَّاخُ بِقَوْلِهِ:

وحَلَّأَها عَنْ ذِي الأَراكَةِ عامِرٌ، ***أَخُو الخُضْرِ يَرْمي حيثُ تُكْوَى النَّواحِزُ

والخُضْرَةُ فِي أَلوان النَّاسِ: السُّمْرَةُ؛ قَالَ اللَّهَبِيُّ:

وأَنا الأَخْضَرُ، مَنْ يَعْرِفُني؟ ***أَخْضَرُ الجِلْدَةِ في بيتِ العَرَبْ

يَقُولُ: أَنا خَالِصٌ لأَن أَلوان الْعَرَبِ السُّمْرَةُ؛ التَّهْذِيبُ: فِي هَذَا الْبَيْتِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَنه أَراد أَسود الْجِلْدَةِ؛ قَالَ: قَالَهُ أَبو طَالِبٍ النَّحْوِيُّ، وَقِيلَ: أَراد أَنه مِنْ خَالِصِ الْعَرَبِ وَصَمِيمِهِمْ لأَن الْغَالِبَ عَلَى أَلوان الْعَرَبِ الأُدْمَةُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: نَسَبَ الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ لِلَّهَبِيِّ، وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَة بْنِ أَبي لَهَبٍ، وأَراد بِالْخُضْرَةِ سُمْرَةَ لَوْنِهِ، وإِنما يُرِيدُ بِذَلِكَ خُلُوصَ نَسَبِهِ وأَنه عَرَبِيٌّ مَحْضٌ، لأَن الْعَرَبَ تَصِفُ أَلوانها بِالسَّوَادِ وَتَصِفُ أَلوان الْعَجَمِ بِالْحُمْرَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «بُعثت إِلى الأَحمر والأَسود»؛ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي أَراده مِسْكِينُ الدَّارِمِيُّ فِي قَوْلِهِ:

أَنا مِسْكِينٌ لِمَنْ يَعْرِفُني، ***لَوْنِيَ السُّمْرَةُ أَلوانُ العَرَبْ

وَمِثْلُهُ قَوْلُ مَعْبَدِ بْنِ أَخْضَرَ، وَكَانَ يُنْسَبُ إِلى أَخْضَرَ، وَلَمْ يَكُنْ أَباه بَلْ كَانَ زَوْجَ أُمه، وإِنما هُوَ مَعْبَدُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ:

سَأَحْمِي حِماءَ الأَخْضَرِيِّينَ، إِنَّهُ ***أَبى الناسُ إِلا أَن يَقُولُوا ابْنَ أَخْضَرا

وَهَلْ لِيَ فِي الحُمْرِ الأَعاجِمِ نِسْبَةٌ، ***فآنَفَ مِمَّا يَزْعُمُونَ وأُنْكِرا؟

وَقَدْ نَحَا هَذَا النَّحْوَ أَبو نُوَاسٍ فِي هِجَائِهِ الرَّقَاشِيَّ وَكَوْنِهِ دَعِيًّا:

قلتُ يومًا للرَّقاشِيِّ، ***وَقَدْ سَبَّ الْمَوَالِيَ:

مَا الذي نَحَّاكَ عن ***أَصْلِكَ مِنْ عَمٍّ وخالِ؟

قَالَ لِي: قَدْ كنتُ مَوْلًى ***زَمَنًا ثُمَّ بَدَا لِي

أَنا بالبَصْرَةِ مَوْلًى، ***عَرَبِيٌّ بالجبالِ

أَنا حَقًّا أَدَّعِيهِمْ ***بِسَوادِي وهُزالي

والخَضِيرَةُ مِنَ النَّخْلِ: الَّتِي يَنْتَثِرُ بُسْرُها وَهُوَ أَخضر؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ: " أَنه لَيْسَ لَهُ مِخْضَارٌ "؛ المِخضارُ: أَن يَنْتَثِرَ الْبُسْرُ أَخْضَرَ.

والخَضِيرَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَا تَكَادُ تُتِمُّ حَمْلًا حَتَّى تُسْقِطَه؛ قَالَ:

تَزَوَّجْتَ مِصْلاخًا رَقُوبًا خَضِيرَةً، ***فَخُذْها عَلَى ذَا النَّعْتِ، إِن شِئتَ، أَوْ دَعِ

والأُخَيْضِرُ: ذبابٌ أَخْضَرُ عَلَى قَدْرِ الذِّبَّان السُّودِ.

والخَضْراءُ مِنَ الْكَتَائِبِ نَحْوَ الجَأْواءِ، وَيُقَالُ: كَتِيبَةٌ خَضْراءٌ لِلَّتِي يَعْلُوهَا سَوَادُ الْحَدِيدِ.

وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ: «مَرَّ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ»؛ يُقَالُ: كَتِيبَةٌ خَضْرَاءُ إِذا غَلَبَ عَلَيْهَا لِبْسُ الْحَدِيدِ، شَبَّهَ سَوَادَهُ بالخُضْرَةِ، وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْخُضْرَةَ عَلَى السَّوَادِ.

وفي حديث" الحرث بْنِ الحَكَمِ: أَنه تَزَوَّجَ امرأَة فَرَآهَا خَضْراءَ فَطَلَّقَهَا أَي سَوْدَاءَ.

وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ: «أُبيدَتْ خَضْراءُ قُرَيْشٍ»؛ أي دُهَمَاؤُهُمْ وسوادُهم؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: " فَأُبِيدَتْ خَضْراؤهُمْ.

والخَضْراءُ: السَّمَاءُ لخُضْرَتِها؛ صِفَةٌ غَلَبَتْ غَلَبَةَ الأَسماء.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أَظَلَّتِ الخَضْراءُ وَلَا أَقَلَّتِ الغَبْراءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبي ذَرٍّ»؛ الخَضْراءُ: السَّمَاءُ، وَالْغَبْرَاءُ: الأَرض.

التَّهْذِيبُ: وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْحَدِيدَ أَخضر وَالسَّمَاءَ خَضْرَاءَ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ أَخْضَرُ الْقَفَا، يَعْنُونَ أَنه وَلَدَتْهُ سَوْدَاءُ.

وَيَقُولُونَ لِلْحَائِكِ: أَخْضَرُ الْبَطْنِ لأَن بَطْنَهُ يَلْزَقُ بِخَشَبَتِهِ فَتُسَوِّدُه.

وَيُقَالُ لِلَّذِي يأْكل الْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ: أَخْضَرُ النَّواجِذِ.

وخُضْرُ غَسَّانَ وخُضْرُ مُحارِبٍ: يُرِيدُونَ سَوَادَ لَونهم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ خُضِّرَ لَهُ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْه»؛ أَي بِوِرْكَ لَهُ فِيهِ وَرُزِقَ مِنْهُ، وَحَقِيقَتُهُ أَن تَجْعَلَ حَالَتَهُ خَضْرَاءَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِذا أَراد اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا أَخْضَرَ لَهُ فِي اللَّبِنِ وَالطِّينِ حَتَّى يَبْنِيَ».

والخَضْرَاءُ مِنَ الحَمَامِ: الدَّواجِنُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلوانها، لأَن أَكثر أَلوانها الْخُضْرَةُ.

التَّهْذِيبُ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الدَّوَاجِنُ الخُضْرَ، وإِن اخْتَلَفَتْ أَلوانها، خُصُوصًا بِهَذَا الِاسْمِ لِغَلَبَةِ الوُرْقَةِ عَلَيْهَا.

التَّهْذِيبُ: وَمِنَ الْحَمَامِ مَا يَكُونُ أَخضر مُصْمَتًا، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ أَحمر مُصْمَتًا، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ أَبيض مُصْمَتًا، وضُروبٌ مِنْ ذَلِكَ كُلُّها مُصْمَتٌ إِلا أَن الْهِدَايَةَ للخُضْرِ والنُّمْرِ، وسُودُها دُونَ الخُضْرِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ.

وأَصلُ الخُضْرَةِ للرَّيْحان وَالْبُقُولِ ثُمَّ قَالُوا لَلَيْلٌ أَخضر، وأَما بِيضُ الْحَمَامِ فَمَثَلُهَا مَثَلُ الصِّقْلابيِّ الَّذِي هُوَ فَطِيرٌ خامٌ لَمْ تُنْضِجْهُ الأَرحام، والزَّنْجُ جازَتْ حَدَّ الإِنضاج حَتَّى فَسَدَتْ عُقُولُهُمْ.

وخَضْرَاءُ كُلِّ شَيْءٍ: أَصلُه.

واخْتَضَرَ الشيءَ: قَطَعَهُ مِنْ أَصله.

واخْتَضَرَ أُذُنَهُ: قَطَعَهَا مِنْ أَصلها.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اخْتَضَرَ أُذنه قَطَعَهَا.

وَلَمْ يَقُلْ مِنْ أَصلها.

الأَصمعي: أَبادَ اللهُ.

خَضْراءَهُم أَي خَيْرَهُمْ وغَضَارَتَهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَباد اللَّهُ خَضْرَاءَهُم، قَالَ: وأَنكرها الأَصمعي وَقَالَ إِنما هِيَ غَضْراؤُهم.

الأَصمعي: أَباد اللَّهُ خَضْراءَهم، بِالْخَاءِ، أَي خِصْبَهُمْ وسَعَتَهُمْ؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: " بِخالِصَةِ الأَرْدانِ خُضْرِ المَناكِبِ "أَراد بِهِ سَعَةَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الخِصْبِ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَذهب اللَّهُ نَعِيمَهُمْ وخِصْبَهم؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ عُتبة بْنِ أَبي لَهَبٍ:

وأَنا الأَخضر، مَنْ يَعْرِفُنِي؟ ***أَخضر الْجِلْدَةِ فِي بَيْتِ الْعَرَبِ

قَالَ: يُرِيدُ بِاخْضِرَارِ الْجِلْدَةِ الْخِصْبُ وَالسَّعَةُ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَباد اللَّهُ خَضْرَاءَهُمْ أَي سَوَادَهُمْ وَمُعْظَمَهُمْ.

والخُضْرَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: سَوَادٌ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

يَا ناقُ خُبِّي خَبَبًا زِوَرَّا، ***وقَلِّبي مَنْسِمَكِ المُغْبَرَّا،

وعارِضِي الليلَ إِذا مَا اخْضَرَّا "أَراد أَنه إِذا مَا أَظلم.

الْفَرَّاءُ: أَباد اللَّهُ خَضْرَاءَهُمْ أَي دُنْيَاهُمْ، يُرِيدُ قَطَعَ عَنْهُمُ الْحَيَاةَ.

والخُضَّارَى: الرِّمْثُ إِذا طَالَ نَبَاتُهُ، وإِذا طَالَ الثُّمامُ عَنِ الحُجَنِ سُمِّيَ خَضِرَ الثُّمامِ ثُمَّ يَكُونُ خَضِرًا شَهْرًا.

والخَضِرَةُ: بُقَيْلَةٌ، وَالْجَمْعُ خَضِرٌ؛ قَالَ ابنُ مُقْبل:

يَعْتادُها فُرُجٌ مَلْبُونَةٌ خُنُفٌ، ***يَنْفُخْنَ فِي بُرْعُمِ الحَوْذَانِ والخَضِرِ

والخَضِرَةُ: بَقْلَةٌ خَضْرَاءُ خَشْنَاءُ وَرَقُهَا مِثْلُ وَرَقِ الدُّخْنِ وَكَذَلِكَ ثَمَرَتُهَا، وَتَرْتَفِعُ ذِرَاعًا، وَهِيَ تملأُ فَمَ الْبَعِيرِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن أَخْوَفَ مَا أَخاف عَلَيْكُمُ بَعْدِي مَا يَخْرُجُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وإِن مِمَّا يُنْبِتُ الربيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَو يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرِ، فإِنها أَكَلَتْ حَتَّى إِذا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ، وإِنما هَذَا المالُ خَضِرٌ حُلْوٌ، ونِعْمَ صاحبُ المُسْلِمِ هُوَ أَن أَعطى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ "؛ وَتَفْسِيرُهُ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، قَالَ: والخَضِرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَرْبٌ مِنَ الجَنْبَةِ، وَاحِدَتُهُ خَضِرَةٌ، والجَنْبَةُ مِنَ الكلإِ: مَا لَهُ أَصل غَامِضٌ فِي الأَرض مِثْلُ النَّصِيّ والصِّلِّيانِ، وَلَيْسَ الخَضِرُ مِنْ أَحْرَارِ البُقُول الَّتِي تَهِيج فِي الصَّيْفِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا حَدِيثٌ يَحْتَاجُ إِلى شَرْحِ أَلفاظه مُجْتَمِعَةً، فإِنه إِذا فُرِّقَ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ الْغَرَضَ مِنْهُ.

الحبَط، بِالتَّحْرِيكِ: الْهَلَاكُ، يُقَالُ: حَبِطَ يَحْبَطُ حَبَطًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَاءِ؛ ويُلِمُّ: يَقْرُبُ وَيَدْنُو مِنَ الْهَلَاكِ، والخَضِرُ، بِكَسْرِ الضَّادِ: نَوْعٌ مِنَ الْبُقُولِ لَيْسَ مِنْ أَحرارها وجَيِّدها؛ وثَلَطَ البعيرُ يَثْلِطُ إِذا أَلقى رَجِيعَهُ سَهْلًا رَقِيقًا؛ قَالَ: ضَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَثَلَيْنِ: أَحدهما للمُفْرِط فِي جَمْعِ الدُّنْيَا وَالْمَنْعِ مِنْ حَقِّهَا، وَالْآخَرُ لِلْمُقْتَصِدِ فِي أَخذها وَالنَّفْعِ بِهَا، فَقَوْلُهُ" إِن مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَو يلمُ "فإِنه مَثَلٌ لِلْمُفَرِطِ الَّذِي يأْخذ الدُّنْيَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَذَلِكَ لأَن الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَحرار الْبُقُولِ فَتَسْتَكْثِرُ الْمَاشِيَةُ مِنْهُ لَاسْتَطَابَتِهَا إِياه حَتَّى تَنْتَفِخَ بُطُونُهَا عِنْدَ مُجَاوَزَتِهَا حَدَّ الِاحْتِمَالِ، فَتَنْشَقُّ أَمعاؤها مِنْ ذَلِكَ فَتَهْلِكُ أَو تُقَارِبُ الْهَلَاكَ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا وَيَمْنَعُهَا مُسْتَحِقَّهَا، قَدْ تَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ فِي الْآخِرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ، وَفِي الدُّنْيَا بأَذى النَّاسِ لَهُ وَحَسَدِهِمْ إِياه وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنواع الأَذى؛ وأَما قَوْلُهُ" إِلا آكِلَةَ الْخَضِرِ فإِنه مَثَلٌ لِلْمُقْتَصِدِ وَذَلِكَ أَن الخَضِرَ لَيْسَ مِنْ أَحرار الْبُقُولِ وَجَيِّدِهَا الَّتِي يُنْبِتُهَا الرَّبِيعُ بِتَوَالِي أَمطاره فَتَحْسُنُ وتَنْعُمُ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الْبُقُولِ الَّتِي تَرْعَاهَا الْمَوَاشِي بَعْدَ هَيْجِ البُقُول ويُبْسِها حَيْثُ لَا تَجِدُ سِوَاهَا، وَتُسَمِّيهَا العربُ الجَنْبَةَ فَلَا تَرَى الْمَاشِيَةَ تُكْثِرُ مِنْ أَكلها وَلَا تَسْتَمْرِيها، فَضَرَبَ آكلةَ الخَضِرِ مِنَ الْمَوَاشِي مَثَلًا لِمَنْ يَقْتَصِرُ فِي أَخذ الدُّنْيَا وَجَمْعِهَا، وَلَا يَحْمِلُهُ الْحِرْصُ عَلَى أَخذها بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَهُوَ يَنْجُو مِنْ وَبَالِهَا كَمَا نَجَتْ آكِلَةُ الْخَضِرِ، أَلا تَرَاهُ قَالَ: أَكَلَتْ حَتَّى إِذا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ؟ "أَراد أَنها إِذا شَبِعَتْ مِنْهَا بَرَكَتْ مُسْتَقْبِلَةً عَيْنَ الشَّمْسِ تَسْتَمِرِّي بِذَلِكَ مَا أَكلت وتَجْتَرُّ وتَثْلِطُ، فإِذا ثَلَطَتْ فَقَدْ زَالَ عَنْهَا الحَبَطُ، وإِنما تَحْبَطُ الْمَاشِيَةُ لأَنها تَمْتَلِئُ بُطُونُهَا وَلَا تَثْلِطُ وَلَا تَبُولُ فَتَنْتَفِخُ أَجوافها فَيَعْرِضُ لَهَا المَرَضُ فَتَهْلِكُ، وأَراد بِزَهْرَةِ الدُّنْيَا حُسْنَهَا وَبَهْجَتَهَا، وَبِبَرَكَاتِ الأَرض نماءَها وَمَا تُخْرِجُ مِنْ نَبَاتِهَا.

والخُضْرَةُ فِي شِيات الْخَيْلِ: غُبْرَةٌ تُخَالِطُ دُهْمَةً، وَكَذَلِكَ فِي الإِبل؛ يُقَالُ: فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَهُوَ الدَّيْزَجُ.

والخُضَارِيُّ: طَيْرٌ خُضْرٌ يُقَالُ لَهَا القارِيَّةُ، زَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَن الْعَرَبَ تُحِبُّهَا، يُشَبِّهُونَ الرَّجُلَ السَّخِيَّ بِهَا؛ وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ عَنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ أَنهم يَتَشَاءَمُونَ بِهَا.

والخُضَّارُ: طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، والخُضَارِيُّ: طَائِرٌ يُسَمَّى الأَخْيَلَ يُتَشَاءَمُ بِهِ إِذا سَقَطَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرٍ، وَهُوَ أَخضر، فِي حَنَكِه حُمْرَةٌ، وَهُوَ أَعظم مِنَ القَطا.

وَوَادٍ خُضَارٌ: كَثِيرُ الشَّجَرِ.

وَقَوْلُ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِياكم وخَضْرَاءَ الدِّمَنِ، قِيلَ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: المرأَة الْحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ السَّوْءِ "؛ شَبَّهَهَا بِالشَّجَرَةِ النَّاضِرَةِ فِي دِمْنَةِ البَعَرِ، وأَكلُها داءٌ، وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي الدِّمْنَةِ وإِن كَانَنَاضِرًا، لَا يَكُونُ ثَامِرًا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد فَسَادَ النَّسَبِ إِذا خِيفَ أَن تَكُونَ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ، وأَصلُ الدِّمَنِ مَا تُدَمِّنُهُ الإِبل وَالْغَنَمُ مِنْ أَبعارها وأَبوالها، فَرُبَّمَا نَبَتَ فِيهَا النَّبَاتُ الحَسَنُ النَّاضِرُ وأَصله فِي دِمْنَةٍ قَذِرَةٍ؛ يَقُولُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ: فَمَنْظَرُها حَسَنٌ أَنِيقٌ ومَنْبِتُها فاسدٌ؛ قَالَ زُفَرُ بنُ الْحَرْثِ:

وَقَدْ يَنْبُتُ المَرْعَى عَلَى دِمَنِ الثَّرى، ***وتَبْقَى حَزَازاتُ النّفُوس كَمَا هِيا

ضَرَبَهُ مَثَلًا لِلَّذِي تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُ، وَقَلْبُهُ نَغِلٌ بِالْعَدَاوَةِ، وضَرَبَ الشجرةَ الَّتِي تَنْبُتُ فِي الْمَزْبَلَةِ فَتَجِيءُ خَضِرَةً نَاضِرَةً، ومَنْبِتُها خَبِيثٌ قَذِرٌ، مثلَا للمرأَة الْجَمِيلَةِ الْوَجْهِ اللَّئِيمَةِ المَنْصِب.

والخُضَّارَى، بِتَشْدِيدِ الضَّادِ: نَبْتٌ، كَمَا يَقُولُونَ شُقَّارَى لنَبْتٍ وخُبَّازَى وَكَذَلِكَ الحُوَّارَى.

الأَصمعي: زُبَّادَى نَبْتٌ، فَشَدَّدَهُ الأَزهري، وَيُقَالُ زُبَّادٌ أَيضًا.

وبَيْعُ المُخاضَرَةِ المَنْهِيِّ عَنْهَا: بيعُ الثِّمارِ وَهِيَ خُضْرٌ لَمْ يَبْدُ صلاحُها، سُمِّيَ ذَلِكَ مُخاضَرَةً لأَن الْمُتَبَايِعَيْنِ تَبَايَعَا شَيْئًا أَخْضَرَ بَيْنَهُمَا، مأْخوذٌ مِنَ الخُضْرَةِ.

والمخاضرةُ: بيعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَن يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَهِيَ خُضْرٌ بَعْدُ، وَنَهَى عَنْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَيْعُ الرِّطابِ والبُقُولِ وأَشباهها وَلِهَذَا كَرِهَ بَعْضُهُمْ بَيْعَ الرِّطاب أَكثَرَ مِنْ جَزِّه وأَخْذِهِ.

وَيُقَالُ لِلزَّرْعِ: الخُضَّارَى، بِتَشْدِيدِ الضَّادِ، مِثْلُ الشُّقَّارَى.

وَالْمُخَاضَرَةُ: أَن يَبِيعَ الثِّمَارَ خُضْرًا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.

والخَضَارَةُ، بِالْفَتْحِ: اللَّبَنُ أُكْثِرَ ماؤُه؛ أَبو زَيْدٍ: الخَضَارُ مِنَ اللَّبَنِ مِثْلَ السَّمَارِ الَّذِي مُذِقَ بِمَاءٍ كَثِيرٍ حَتَّى اخْضَرَّ، كَمَا قال الراجز: " جاؤوا بِضَيْحٍ، هَلْ رأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ؟ "أَراد اللَّبَنَ أَنه أَورق كَلَوْنِ الذِّئْبِ لِكَثْرَةِ مَائِهِ حَتَّى غَلَبَ بياضَ لَوْنِ اللَّبَنِ.

وَيُقَالُ: رَمَى اللهُ فِي عَيْنِ فُلَانٍ بالأَخْضَرِ، وَهُوَ دَاءٌ يأْخذ الْعَيْنَ.

وَذَهَبَ دَمُهُ خِضْرًا مِضْرًا، وَذَهَبَ دَمُهُ بِطْرًا أَي ذَهَبَ دَمُهُ بَاطِلًا هَدَرًا، وَهُوَ لَكَ خَضِرًا مَضِرًا أَي هَنِيئًا مَرِيئًا، وخَضْرًا لَكَ ومَضْرًا أَي سُقْيًا لَكَ ورَعْيًا؛ وَقِيلَ: الخِضْرُ الغَضُّ والمِضْرُ إِتباع.

وَالدُّنْيَا خَضِرَةٌ مَضِرَة أَي نَاعِمَةٌ غَضةٌ طَرِيَّةٌ طَيِّبَةٌ، وَقِيلَ: مُونِقَة مُعْجِبَةٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ مَضِرَةٌ فَمَنْ أَخذها بِحَقِّهَا بُورِكَ لَهُ فِيهَا»؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" ابْنِ عُمَرَ: اغْزُوا والغَزْوُ حُلْوٌ خَضِرٌ أَي طريُّ محبوبٌ لِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ النَّصْرِ وَيُسَهِّلُ مِنَ الْغَنَائِمِ.

والخَضَارُ: اللَّبَنُ الَّذِي ثُلْثَاهُ مَاءٌ وَثُلْثُهُ لَبَنٌ، يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ اللَّبَنِ حَقِينِهِ وَحَلِيبِهِ، وَمِنْ جَمِيعِ الْمَوَاشِي، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَضْرِبُ إِلى الْخُضْرَةِ، وَقِيلَ: الخَضَارُ جَمْعٌ، وَاحِدَتُهُ خَضَارَةٌ، والخَضَارُ: البَقْلُ الأَول، وَقَدْ سَمَّتْ أَخْضَرَ وخُضَيْرًا.

والخَضِرُ: نَبيُّ مُعَمَّرٌ مَحْجُوبٌ عَنِ الأَبصار.

ابْنُ عَبَّاسٍ: الخَضِرُ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسرائيل، وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى، صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ، الَّذِي الْتَقَى مَعَهُ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ.

ابْنُ الأَنباري: الخَضِرُ عَبْدٌ صَالِحٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى.

أَهلُ الْعَرَبِيَّةِ: الخَضِرُ، بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ؛ وَرُوِيَ" عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فإِذا هِيَ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ "، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ إِذا جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ قَامَ وَتَحْتَهُ رَوْضَةٌ تَهْتَزُّ؛ " وَعَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ إِذا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ، وَقِيلَ: مَا تَحْتَهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَ خَضِرًا لِحُسْنِهِ وإِشراق وَجْهِهِ "تَشْبِيهًا بِالنَّبَاتِ الأَخضر الْغَضِّ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الخِضْر، كَمَا يُقَالُ كَبِدٌ وكِبْدٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ أَفصح.

وَقِيلَ فِي الْخَبَرِ: " مَنْ خُضِّرَ لَهُ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْهُ "؛ مَعْنَاهُ مَنْ بُورِكَ لَهُ فِي صِنَاعَةٍ أَو حِرْفَةٍ أَو تِجَارَةٍ فَلْيَلْزَمْهَا.

وَيُقَالُ للدَّلْوِ إِذا اسْتُقِيَ بِهَا زَمَانًا طَوِيلًا حَتَّى اخْضَرَّتْ: خَضْراءُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

تمطَّى مِلَاطاه بخَضْراءَ فَرِي، ***وإِن تَأَبَّاهُ تَلَقَّى الأَصْبَحِي

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الأَمْرُ بَيْنَنَا أَخْضَرُ أَي جَدِيدٌ لَمْ تَخْلَقِ المَوَدَّةُ بَيْنَنَا، وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

قَدْ أَعْسَفَ النَّازِحُ المَجْهُولُ مَعْسَفُهُ، ***فِي ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هامَهُ البُومُ

والخُضْرِيَّةُ: نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ أَخضر كأَنه زُجَاجَةٌ يَسْتَظْرِفُ لِلَوْنِهِ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.

التَّهْذِيبُ: الخُضْرِيَّةُ نَخْلَةٌ طَيِّبَةُ التَّمْرِ خَضْرَاءُ؛ وأَنشد:

إِذا حَمَلَتْ خُضْريَّةٌ فَوْقَ طابَةٍ، ***ولِلشُّهْبِ قَصْلٌ عِنْدَها والبَهازِرِ

قَالَ الْفَرَّاءُ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ لسَعَفِ النَّخْلِ وَجَرِيدِهِ الأَخْضَرِ: الخَضَرُ؛ وأَنشد:.

تَظَلُّ يومَ وِرْدِها مُزَعْفَرَا، ***وَهِيَ خَنَاطِيلُ تَجُوسُ الخَضَرَا

وَيُقَالُ: خَضَرَ الرجلُ خَضَرَ النخلِ بِمِخْلَبِهِ يَخْضُرُه خَضْرًا واخْتَضَرَهُ يَخْتَضِرُه إِذا قَطَعَهُ.

وَيُقَالُ: اخْتَضَرَ فلانٌ الجاريةَ وابْتَسَرها وابْتَكَرَها وَذَلِكَ إِذا اقْتَضَّها قَبْلَ بُلُوغِهَا.

وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ فِي الخَضْرَاواتِ صَدَقَةً؛ يَعْنِي بِهِ الْفَاكِهَةَ الرَّطْبَةَ وَالْبُقُولَ، وَقِيَاسُ مَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ مِنَ الصِّفَاتِ أَن لَا يُجْمَعُ هَذَا الْجَمْعَ، وإِنما يُجْمَعُ بِهِ مَا كَانَ اسْمًا لَا صِفَةً، نَحْوُ صَحْراء وخُنْفُسَاءَ، وإِنما جَمَعَهُ هَذَا الْجَمْعَ لأَنه قَدْ صَارَ اسْمًا لِهَذِهِ الْبُقُولِ لَا صِفَةً، تَقُولُ الْعَرَبُ لِهَذِهِ الْبُقُولِ: الخَضْراء، لَا تُرِيدُ لَوْنَهَا؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: جَمَعَهُ جَمْعَ الأَسماء كَوَرْقَاءَ ووَرْقاواتٍ وبَطْحاءَ وبَطْحاوَاتٍ، لأَنها صِفَةٌ غَالِبَةٌ غَلَبَتْ غلبةَ الأَسماء.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أُتَي بِقِدْر فِيهِ خَضِرَاتٌ»؛ بِكَسْرِ الضَّادِ، أَي بُقُول، وَاحِدُهَا خَضِر.

والإِخْضِيرُ: مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وتَبُوك.

وأَخْضَرُ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: منزلٌ قرِيب مِنْ تَبُوكَ نَزَلَهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مسيره إِليها.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


91-لسان العرب (خفر)

خفر: الخَفَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: شِدَّةُ الْحَيَاءِ؛ تَقُولُ مِنْهُ: خَفِرَ، بِالْكَسْرِ، وخَفِرَتِ المرأَةُ خَفَرًا وخَفارَةً، الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي، فَهِيَ خَفِرَةٌ، عَلَى الْفِعْلِ، ومُتَخَفِّرَةٌ وخَفِيرٌ مِنْ نِسْوَةٍ خَفائِرَ، ومِخْفارٌ عَلَى النَّسَبِ أَو الْكَثْرَةِ؛ قَالَ: " دارٌ لِجَمَّاءِ العِظامِ مِخْفار "وتَخَفَّرَتْ: اشْتَدَّ حَيَاؤُهَا.

والتَّخْفِيرُ: التَّسْوِير.

وخَفَرَ الرجلَ وخَفَرَ بِهِ وَعَلَيْهِ يَخْفِرُ خَفْرًا: أَجاره وَمَنَعَهُ وأَمَّنَهُ، وَكَانَ لَهُ خَفِيرًا يَمْنَعُهُ، وَكَذَلِكَ تَخَفَّرَ بِهِ.

وخَفَرَه: اسْتَجَارَ بِهِ وسأَله أَن يَكُونَ لَهُ خَفِيرًا، وخَفَّرَه تَخْفِيرًا؛ قَالَ أَبو جُنْدبٍ الهُذَلِيُّ:

ولكِنَّنِي جَمْرُ الغَضَا، مِنْ ورائِهِ ***يُخَفِّرُنِي سَيْفي، إِذا لَمْ أُخَفَّرِ

وفلانٌ خَفِيري أَي الَّذِي أُجيره.

والخَفِيرُ: الْمُجِيرُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَفِيرٌ لِصَاحِبِهِ، وَالِاسْمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الخُفْرَةُ والخَفارَةُ والخُفارَةُ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَقِيلَ: الخُفْرَةُ والخُفارَةُ والخَفارَةُ والخِفارَةُ الأَمانُ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ الأَوَّل.

والخُفَرَةُ أَيضًا:.

الخَفِيرُ الَّذِي هُوَ الْمُجِيرُ.

اللَّيْثُ: خَفِيرُ الْقَوْمِ مُجيرهم الَّذِي يَكُونُونَ فِي ضَمَانِهِ مَا دَامُوا فِي بِلَادِهِ، وَهُوَ يَخفِر القومَ خَفارَةً.

والخَفارَةُ: الذِّمَّةُ، وَانْتِهَاكُهَا إِخْفارٌ.

والخُفارة والخِفارة والخَفارة أَيضًا: جُعْلُ الخَفِير؛ وخَفَرْتُه خَفْرًا وخُفُورًا.

وَيُقَالُ: أَخْفَرْته إِذا بَعَثْتَ مَعَهُ خَفِيرًا؛ قَالَهُ أَبو الْجَرَّاحِ الْعُقَيْلِيُّ، وَالِاسْمُ الخُفْرَةُ، بِالضَّمِّ، وَهِيَ الذِّمَّةُ.

يُقَالُ: وَفَتْ خُفْرَتُك، وَكَذَلِكَ الخُفارة، بِالضَّمِّ، والخِفارَة، بِالْكَسْرِ.

وأَخْفَرَه: نَقَضَ عَهْدَهُ وخاسَ بِهِ وغَدَره.

وأَخْفَرَ الذِّمَّةَ: لَمْ يَفِ بِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فإِنه فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا تُخْفِرُنَّ اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»؛ أَي لَا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنَ؛ قال زهير:

فإِنَّكُمُ، وقَوْمًا أَخْفَرُوكُمْ، ***لكالدِّيباجِ مالَ بِهِ العَبَاءُ

والخُفُورُ: هُوَ الإِخْفارُ نفسُه مِنْ قِبَلِ المُخْفِر، مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ، عَلَى خَفَر يَخْفُر.

شَمِرٌ: خَفَرَتْ ذِمَّةُ فُلَانٍ خُفُورًا إِذا لَمْ يُوفَ بِهَا وَلَمْ تَتِمَّ؛ وأَخْفَرَها الرجلُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَواعَدنِي وأَخْلَفَ ثَمَّ ظَنِّي، ***وبِئْسَ خَليقَةُ المرءِ الخُفُورُ

وَهَذَا مِنْ خَفَرَتْ ذِمَّتُه خُفُورًا.

وخَفَرْتُ الرجلَ: أَجَرْتُه وحَفِظْتُه.

وخَفَرْتُه إِذا كُنْتُ لَهُ خَفِيرًا أَي حَامِيًا وَكَفِيلًا.

وتَخَفَّرْتُ بِهِ إِذا اسْتَجَرْتُ به.

والخِفارةُ [الخُفارةُ] بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ: الذِّمام.

وأَخْفَرْتُ الرَّجُلَ إِذا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ للإِزالة أَي أَزلت خِفارَته [خُفارَته]، كأَشكيته إِذا أَزلت شَكْوَاهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ ظَلَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحدًا فَقَدْ أَخْفَرَ اللَّهَ»، وَفِي رِوَايَةٍ: ذِمَّةَ اللَّهِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي خُفْرَةِ اللَّهِ أَي فِي ذِمَّتِهِ.

وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «الدُّمُوعُ خُفَرُ العُيون»؛ الخُفَرُ جَمْعُ خُفْرَةٍ، وَهِيَ الذِّمَّةُ أَي أَن الدُّمُوعَ الَّتِي تَجْرِي خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تُجِيرُ الْعُيُونَ مِنَ النَّارِ؛ كَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَيْنانِ لَا تَمَسُّهُما النارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِي حَدِيثِ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ: «حَيٌّ خَفِرٌ»أَي كَثِيرُ الْحَيَاءِ والخَفَرِ.

والخَفَرُ، بِالْفَتْحِ: الْحَيَاءُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ أُم سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ: غَضُّ الأَطْرافِ وخَفَرُ الإِعْراضِ [الأَعْراضِ] "أَي الْحَيَاءُ مِنْ كُلِّ مَا يُكْرَهُ لَهُنَّ أَن يَنْظُرْنَ إِليه، فأَضافت الخَفَر إِلى الإِعْراضِ [الأَعْراضِ] أَي الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ لأَجل الإِعراض؛ وَيُرْوَى: الأَعراض، بِالْفَتْحِ، جَمْعُ العِرْضِ أَي أَنهن يَسْتَحْيِينَ وَيَتَسَتَّرْنَ لأَجل أَعراضهن وَصَوْنِهَا.

والخَافُورُ: نَبْتٌ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ نَبَاتٌ تَجْمَعُهُ النَّمْلُ فِي بُيُوتِهَا؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

وأَتَت النملُ القُرَى بِعِيرِها، ***مِنْ حَسَكِ التَّلْعِ، وَمِنْ خافُورِها

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


92-لسان العرب (سمر)

سمر: السُّمْرَةُ: مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ، يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَلوان النَّاسِ والإِبل وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْبَلُهَا إِلَّا أَن الأُدْمَةَ فِي الإِبل أَكثر، وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي السُّمْرَةَ فِي الْمَاءِ.

وَقَدْ سَمُرَ بِالضَّمِّ، وسَمِرَ أَيضًا، بِالْكَسْرِ، واسْمَارَّ يَسْمَارُّ اسْمِيرَارًا، فَهُوَ أَسْمَرُ.

وَبَعِيرٌ أَسْمَرُ: أَبيضُ إِلى الشُّهْبَة.

التَّهْذِيبِ: السُّمْرَةُ لَوْنُ الأَسْمَرِ، وَهُوَ لَوْنٌ يَضْرِبُ إِلى سَوَادٍ خَفِيٍّ.

وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ "؛ وَفِي رِوَايَةٍ: " أَبيضَ مُشْرَبًا بِحُمْرَةٍ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَن مَا يُبْرَزُ إِلى الشَّمْسِ كَانَ أَسْمَرَ وَمَا تُوَارِيهِ الثِّيَابُ وَتَسْتُرُهُ فَهُوَ أَبيض.

أَبو عُبَيْدَةَ: الأَسْمَرانِ الماءُ والحِنْطَةُ، وَقِيلَ: الْمَاءُ وَالرِّيحُ.

وَفِي حَدِيثِ المُصَرَّاةِ: «يَرُدُّها وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْراءَ»؛ وَالسَّمْرَاءُ: الْحِنْطَةُ، وَمَعْنَى نَفْيِهَا أَن لَا يُلْزَمَ بِعَطِيَّةِ الْحِنْطَةِ لأَنها أَعلى مِنَ التَّمْرِ بِالْحِجَازِ، وَمَعْنَى إِثباتها إِذا رَضِيَ بِدَفْعِهَا مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ، وَيَشْهَدُ لَهَا رِوَايَةُ" ابْنِ عُمَرَ: رُدَّ مِثْلَيْ لَبَنِها قَمْحًا.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فإِذا عِنْدَهُ فَاتُورٌ عَلَيْهِ خُبْزُ السَّمْراءِ»؛ وقَناةٌ سَمْراءُ وَحِنْطَةٌ سَمْرَاءُ؛ قَالَ ابْنُ مَيَّادَةَ:

يَكْفِيكَ، مِنْ بَعْضِ ازْديارِ الْآفَاقِ، ***سَمْرَاءُ مِمَّا دَرَسَ ابنُ مِخْراق

قِيلَ: السَّمْرَاءُ هُنَا نَاقَةٌ أَدماء.

ودَرَس عَلَى هَذَا: راضَ، وَقِيلَ: السَّمْرَاءُ الْحِنْطَةُ، ودَرَسَ عَلَى هَذَا: دَاسَ؛ وَقَوْلُ أَبي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:

وَقَدْ عَلِمَتْ أَبْنَاءُ خِنْدِفَ أَنَّهُ ***فَتَاها، إِذا مَا اغْبَرَّ أَسْمَرُ عاصِبُ

إِنما عَنَى عَامًا جَدْبًا شَدِيدًا لَا مَطَر فِيهِ كَمَا قَالُوا فِيهِ أَسود.

والسَّمَرُ: ظلُّ الْقَمَرِ، والسُّمْرَةُ: مأُخوذة مِنْ هَذَا.

ابْنُ الأَعرابي: السُّمْرَةُ فِي النَّاسِ هِيَ الوُرْقَةُ؛ وَقَوْلُ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:

إِلى مِثْلِ دُرْجِ العاجِ، جادَتْ شِعابُه ***بِأَسْمَرَ يَحْلَوْلي بِهَا ويَطِيبُ

قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: عَنَى بالأَسمر اللَّبَنَ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ لَبَنُ الظَّبْيَةِ خَاصَّةً؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَظنه فِي لَوْنِهِ أَسمر.

وسَمَرَ يَسْمُرُ سَمْرًا وسُمُورًا: لَمْ يَنَمْ، وَهُوَ سامِرٌ وَهُمُ السُّمَّارُ والسَّامِرَةُ.

والسَّامِرُ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ كالجامِلِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ}؛ قَالَ أَبو إِسحاق: سامِرًا يَعْنِيسُمَّارًا.

والسَّمَرُ: المُسامَرَةُ، وَهُوَ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَسَمِعْتُ الْعَامِرِيَّةَ تَقُولُ تَرَكْتُهُمْ سَامِرًا بِمَوْضِعِ كَذَا، وجَّهَه عَلَى أَنه جَمْعُ الْمَوْصُوفِ فَقَالَ تَرَكْتُهُمْ، ثُمَّ أَفرد الْوَصْفَ فَقَالَ: سَامِرًا؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تَفْتَعِلُ هَذَا كَثِيرًا إِلَّا أَن هَذَا إِنما هُوَ إِذا كَانَ الْمَوْصُوفُ مَعْرِفَةً؛ تَفْتَعِلُ بِمَعْنَى تَفْعَلُ؛ وَقِيلَ: السَّامِرُ والسُّمَّارُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَتَحَدَّثُونَ بِاللَّيْلِ.

والسَّمَرُ: حَدِيثُ اللَّيْلِ خَاصَّةً.

والسَّمَرُ والسَّامِرُ: مَجْلِسُ السُّمَّار.

اللَّيْثُ: السَّامِرُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ للسَّمَرِ فِيهِ؛ وأَنشد: " وسَامِرٍ طَالَ فِيهِ اللَّهْوُ والسَّمَرُ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ جَاءَتْ حُرُوفٌ عَلَى لَفْظِ فاعِلٍ وَهِيَ جَمْعٌ عَنِ الْعَرَبِ: فمنها الجامل والسامر وَالْبَاقِرُ وَالْحَاضِرُ، وَالْجَامِلُ للإِبل وَيَكُونُ فِيهَا الذُّكُورُ والإِناث والسَّامِرُ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْحَيِّ يَسْمُرُونَ لَيْلًا، والحاضِر الْحَيُّ النُّزُولُ عَلَى الْمَاءِ، وَالْبَاقِرُ الْبَقَرُ فِيهَا الفُحُولُ والإِناث.

وَرَجُلٌ سِمِّيرٌ: صاحبُ سَمَرٍ، وَقَدْ سَامَرَهُ.

والسَّمِيرُ: المُسَامِرُ.

والسَّامِرُ: السُّمَّارُ وَهُمُ الْقَوْمُ يَسْمُرُون، كَمَا يُقَالُ للحُجَّاج: حَاجٌّ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ "؛ أَي فِي السَّمَرِ، وَهُوَ حَدِيثُ اللَّيْلِ.

يُقَالُ: قومٌ سامِرٌ وسَمْرٌ وسُمَّارٌ وسُمَّرٌ.

والسَّمَرةُ: الأُحْدُوثة بِاللَّيْلِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

مِنْ دُونِهِمْ، إِنْ جِئْتَهُمْ سَمَرًا، ***عَزْفُ القِيانِ ومَجْلِسٌ غَمْرُ

وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سامِرًا: تَهْجُرُونَ الْقُرْآنَ فِي حَالِ سَمَرِكُمْ.

وَقُرِئَ سُمَّرًا "، وَهُوَ جَمْعُ السَّامر؛ وَقَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ الأَبرص:

فَهُنْ كَنِبْرَاسِ النَّبِيطِ، أَو ***الفَرْضِ بِكَفِّ اللَّاعِبِ المُسْمِرِ

يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن يَكُونَ أَسْمَرَ لُغَةً فِي سَمَرَ، وَالْآخَرُ أَن يَكُونَ أَسْمَرَ صَارَ لَهُ سَمَرٌ كأَهْزَلَ وأَسْمَنَ فِي بَابِهِ؛ وَقِيلَ: السَّمَرُ هُنَا ظِلُّ الْقَمَرِ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مَا سَمَرَ الناسُ بِاللَّيْلِ وَمَا طَلَعَ الْقَمَرُ، وَقِيلَ: السَّمَرُ الظُّلْمَةُ.

وَيُقَالُ: لَا آتِيكَ السَّمَرَ والقَمَرَ أَي مَا دَامَ النَّاسُ يَسْمُرونَ فِي لَيْلَةٍ قَمْراءَ، وَقِيلَ: أَي لَا آتِيكَ دَوامَهُما، وَالْمَعْنَى لَا آتِيكَ أَبدًا.

وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: قَوْلُهُمْ حَلَفَ بالسَّمَرِ والقَمَرِ، قَالَ الأَصمعي: السَّمَرُ عِنْدَهُمُ الظُّلْمَةُ والأَصل اجْتِمَاعُهُمْ يَسْمُرُونَ فِي الظُّلْمَةِ، ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى سَمُّوا الظُّلْمَةَ سَمَرًا.

وَفِي حَدِيثِ قَيْلَة: «إِذا جَاءَ زَوْجُهَا مِنَ السَّامِرِ»؛ هُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَسْمُرون بِاللَّيْلِ؛ أي يَتَحَدَّثُونَ.

وَفِي حَدِيثِ السَّمَرِ بَعْدَ الْعَشَاءِ، الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، مِنَ المُسامَرة، وَهِيَ الْحَدِيثُ فِي اللَّيْلِ.

وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِسُكُونِ الْمِيمِ وجعلَه الْمَصْدَرَ.

وأَصل السَّمَرِ: لَوْنُ ضَوْءِ الْقَمَرِ لأَنهم كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ.

والسَّمَرُ: الدَّهْرُ.

وفلانٌ عِنْدَ فُلَانٍ السَّمَرَ أَي الدَّهْرَ.

والسَّمِيرُ: الدَّهْرُ أَيضًا.

وابْنَا سَمِيرٍ: الليلُ والنهارُ لأَنه يُسْمَرُ فِيهِمَا.

وَلَا أَفعله سَمِيرَ الليالي أَي آخرها؛ وَقَالَ الشَّنْفَرَى:

هُنالِكَ لَا أَرْجُو حَياةً تَسُرُّنِي، ***سَمِيرَ اللَّيالي مُبْسَلَا بالجَرائرِ

وَلَا آتِيكَ مَا سَمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ أَي الدهرَ كُلَّه؛ وَمَا سَمَرَ ابنُ سَمِيرٍ وَمَا سَمَرَ السَّمِيرُ، قِيلَ: هُمُ النَّاسُ يَسْمُرُونَ بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ: هُوَ الدَّهْرُ وَابْنَاهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

وَحُكِيَ: مَا أَسْمَرَ ابْنُ سَمِير وَمَاأَسْمَرَ ابْنَا سَمِيرٍ، وَلَمْ يُفَسِّرْ أَسْمَرَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَعَلَّهَا لُغَةٌ فِي سَمَرَ.

وَيُقَالُ: لَا آتِيكَ مَا اخْتَلَفَ ابْنَا سَمِير أَي مَا سُمِرَ فِيهِمَا.

وَفِي حَدِيثِ عليٍّ: «لَا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ».

وَرَوَى سَلَمة عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: بَعَثْتُ مَنْ يَسْمُر الْخَبَرَ.

قَالَ: وَيُسَمَّى السَّمَر بِهِ.

وابنُ سَمِيرٍ: اللَّيْلَةُ الَّتِي لَا قَمَرَ فِيهَا؛ قَالَ:

وإِنِّي لَمِنْ عَبْسٍ وإِن قَالَ قائلٌ ***عَلَى رغمِهِ: مَا أَسْمَرَ ابنُ سَمِيرِ

أَي مَا أَمكن فِيهِ السَّمَرُ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: طُرقِ الْقَوْمُ سَمَرًا إِذا طُرقوا عِنْدَ الصُّبْحِ.

قَالَ: والسَّمَرُ اسْمٌ لِتِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وإِن لَمْ يُطْرَقُوا فِيهَا.

الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: لَا أَفعلُ ذَلِكَ السَّمَرَ والقَمَرَ، قَالَ: كُلُّ لَيْلَةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمَرٌ تُسَمَّى السَّمَرَ؛ الْمَعْنَى مَا طَلَعَ الْقَمَرُ وَمَا لَمْ يَطْلُعْ، وَقِيلَ: السَّمَرُ الليلُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا تَسْقِنِي إِنْ لَمْ أُزِرْ، سَمَرًا، ***غَطْفَانَ مَوْكِبَ جَحْفَلٍ فَخِمِ

وسامِرُ الإِبل: مَا رَعَى مِنْهَا بِاللَّيْلِ.

يُقَالُ: إِن إِبلنا تَسْمُر أَي تَرْعَى لَيْلًا.

وسَمَر القومُ الخمرَ: شَرِبُوهَا لَيْلًا؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

ومُصَرَّعِينَ مِنَ الكَلالِ، كَأَنَّما ***سَمَرُوا الغَبُوقَ مِنَ الطِّلاءِ المُعْرَقِ

وَقَالَ ابْنُ أَحمر وَجَعَلَ السَّمَرَ لَيْلًا:

مِنْ دُونِهِمْ، إِنْ جِئْتَهُمْ سَمَرًا، ***حيٌّ حِلالٌ لَمْلَمٌ عَكِرُ

أَراد: إِن جِئْتَهُمْ لَيْلًا.

والسَّمْرُ: شَدُّكَ شَيْئًا بالمِسْمَارِ.

وسَمَرَهُ يَسْمُرُهُ ويَسْمِرُهُ سَمْرًا وسَمَّرَهُ، جَمِيعًا: شَدَّهُ.

والمِسْمارُ: مَا شُدَّ بِهِ.

وسَمَرَ عينَه: كَسَمَلَها.

وَفِي حَدِيثِ الرَّهْطِ العُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فأَسلموا ثُمَّ ارْتَدُّوا فَسَمَر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ "؛ وَيُرْوَى: «سَمَلَ»، فَمَنْ رَوَاهُ بِاللَّامِ فَمَعْنَاهُ فقأَها بِشَوْكٍ أَو غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ سَمَرَ أَعينهم أَي أَحمى لَهَا مَسَامِيرَ الْحَدِيدِ ثُمَّ كَحَلَهُم بِهَا.

وامرأَة مَسْمُورة: مَعْصُوبَةُ الْجَسَدِ لَيْسَتْ بِرِخْوةِ اللحمِ، مأْخوذٌ مِنْهُ.

وَفِي النَّوَادِرِ: رَجُلٌ مَسْمُور قَلِيلُ اللَّحْمِ شَدِيدُ أَسْرِ الْعِظَامِ والعصَبِ.

وَنَاقَةٌ سَمُورٌ: نَجِيبٌ سَرِيعَةٌ؛ وأَنشد:

فَمَا كَانَ إِلَّا عَنْ قَلِيلٍ، فَأَلْحَقَتْ ***بِنَا الحَيَّ شَوْشَاءُ النَّجاءِ سَمُورُ

والسَّمَارُ: اللَّبَنُ المَمْذُوقُ بِالْمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ اللَّبَنُ الرَّقِيقُ، وَقِيلَ: هُوَ اللَّبَنُ الَّذِي ثُلْثَاهُ مَاءٌ؛ وأَنشد الأَصمعي:

ولَيَأْزِلَنَّ وتَبْكُوَنَّ لِقاحُه، ***ويُعَلِّلَنَّ صَبِيَّهُ بِسَمَارِ

وَتَسْمِيرُ اللَّبَنِ: تَرْقِيقُهُ بِالْمَاءِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الَّذِي أُكثر مَاؤُهُ وَلَمْ يُعَيَّنْ قَدْرًا؛ وأَنشد:

سَقَانا فَلَمْ يَهْجَأْ مِنَ الجوعِ نَقْرُهُ ***سَمَارًا، كَإِبْطِ الذّئْبِ سُودٌ حَوَاجِرُهُ

وَاحِدَتُهُ سَمَارَةٌ، يَذْهَبُ بِذَلِكَ إِلى الطَّائِفَةِ.

وسَمَّرَ اللبنَ: جَعَلَهُ سَمَارًا.

وَعَيْشٌ مَسْمُورٌ: مَخْلُوطٌ غَيْرُ صَافٍ، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ.

وسَمَّرَ سَهْمَه: أَرسله، وَسَنَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الشِّينِ أَيضًا.

وَرَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: التسْمِيرُ.

إِرْسَالُ السَّهْمِ بِالْعَجَلَةِ، والخَرْقَلَةُ إِرساله بالتأَني؛ يُقَالُ للأَول: سَمِّرْ فَقَدَ أَخْطَبَكَ الصيدُ، وَلِلْآخَرِ: خَرْقِلْ حَتَّى يُخْطِبَكَ.

والسُّمَيْريَّةُ: ضَرْبٌ مِنَ السُّفُن.

وسَمَّرَ السَّفِينَةَ أَيضًا: أَرسلها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي حَدِيثِهِ فِي الأَمة يطؤُها مَالِكُهَا: «إِن عَلَيْهِ أَن يُحَصِّنَها فإِنه يُلْحِقُ بِهِ وَلَدها».

وَفِي رِوَايَةٍ أَنه قَالَ: مَا يُقِرُّ رَجُلٌ أَنه كَانَ يطأُ جَارِيَتَهُ إِلَّا أَلحقت بِهِ وَلَدَهَا فَمَنْ شاءَ فَلُيْمسِكْها وَمَنْ شاءَ فليُسَمِّرْها "؛ أَورده الْجَوْهَرِيُّ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: والتَّسْمِيرُ كالتَّشْمِير؛ قَالَ الأَصمعي: أَراد بِقَوْلِهِ" وَمَنْ شاءَ فَلْيُسَمِّرْهَا "، أَراد التَّشْمِيرَ بِالشِّينِ فحوَّله إِلى السِّينِ، وَهُوَ الإِرسال وَالتَّخْلِيَةُ.

وَقَالَ شَمِرٌ: هُمَا لُغَتَانِ، بِالسِّينِ وَالشِّينِ، وَمَعْنَاهُمَا الإِرسال؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَمْ نَسْمَعِ السِّينَ الْمُهْمِلَةَ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يَكُونُ إِلَّا تَحْوِيلًا كَمَا قَالَ سَمَّتَ وشَمَّتَ.

وسَمَرَتِ الماشيةُ تَسْمُرُ سُمُورًا: نَفَشَتْ.

وسَمَرَتِ النباتَ تَسْمُرُه: رَعَتْه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

يَسْمُرْنَ وحْفًا فَوْقَهُ ماءُ النَّدى، ***يَرْفَضُّ فاضِلُه عَنِ الأَشْدَاقِ

وسَمَرَ إِبلَه: أَهملها.

وسَمَرَ شَوْلَهُ.

خَلَّاها.

وسَمَّرَ إِبلَهُ وأَسْمَرَها إِذا كَمَشَها، والأَصل الشِّينُ فأَبدلوا مِنْهَا السِّينَ، قَالَ الشَّاعِرُ:

أَرى الأَسْمَرَ الحُلْبوبَ سَمَّرَ شَوْلَنا، ***لِشَوْلٍ رَآهَا قَدْ شَتَتْ كالمَجادِلِ

قَالَ: رأَى إِبلًا سِمانًا فَتَرَكَ إِبله وسَمَّرَها أَي خَلَّاهَا وسَيَّبَها.

والسَّمُرَةُ، بِضَمِّ الْمِيمِ: مِنْ شَجَرِ الطَّلْحِ، وَالْجَمْعُ سَمُرٌ وسَمُراتٌ، وأَسْمُرٌ فِي أَدنى الْعَدَدِ، وَتَصْغِيرُهُ أُسَيمِرٌ.

وَفِي المثل: أَشْبَهَ سَرْحٌ سَرْحًا لَوْ أَنَّ أُسَيْمِرًا.

والسَّمُرُ: ضَرْبٌ مِنَ العِضَاهِ، وَقِيلَ: مِنَ الشَّجَرِ صِغَارُ الْوَرَقِ قِصار الشَّوْكِ وَلَهُ بَرَمَةٌ صَفْرَاءُ يأْكلها النَّاسُ، وَلَيْسَ فِي الْعِضَاهِ شَيْءٌ أَجود خَشَبًا مِنَ السَّمُرِ، يُنْقَلُ إِلى القُرَى فَتُغَمَّى بِهِ الْبُيُوتُ، وَاحِدَتُهَا سَمُرَةٌ، وَبِهَا سُمِّيَ الرَّجُلُ.

وإِبل سَمُرِيَّةٌ، بِضَمِّ الْمِيمِ؛ تأْكل السَّمُرَ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

والمِسْمارُ: وَاحِدُ مَسَامِيرِ الْحَدِيدِ، تَقُولُ مِنْهُ: سَمَّرْتُ الشيءَ تَسْمِيرًا، وسَمَرْتُه أَيضًا؛ قَالَ الزَّفَيان:

لَمَّا رَأَوْا مِنْ جَمْعِنا النَّفِيرا، ***والحَلَقَ المُضاعَفَ المَسْمُورا،

جَوَارِنًا تَرَى لهَا قَتِيرا وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ: «مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا هَذَا السَّمُر»، هُوَ ضَرْبٌ مِنْ سَمُرِ الطَّلْحِ.

وَفِي حَدِيثِ أَصحاب السَّمُرة هِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةَ.

وسُمَير عَلَى لَفْظِ التَّصْغِيرِ: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ:

إِن سُمَيْرًا أَرَى عَشِيرَتَهُ، ***قَدْ حَدَبُوا دُونَهُ، وَقَدْ أَبَقُوا

والسَّمَارُ: مَوْضِعُ؛ وَكَذَلِكَ سُمَيراءُ، وَهُوَ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لأَبي مُحَمَّدٍ الْحَذْلَمِيِّ:

تَرْعَى سُمَيرَاءَ إِلى أَرْمامِها، ***إِلى الطُّرَيْفاتِ، إِلى أَهْضامِها

قَالَ الأَزهري: رأَيت لأَبي الْهَيْثَمِ بِخَطِّهِ:

فإِنْ تَكُ أَشْطانُ النَّوَى اخْتَلَفَتْ بِنا، ***كَمَا اخْتَلَفَ ابْنَا جالِسٍ وسَمِيرِ

قَالَ: ابْنَا جَالِسٍ وَسَمِيرٍ طَرِيقَانِ يُخَالِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا "صَاحِبَهُ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَئِنْ وَرَدَ السَّمَارَ لَنَقْتُلَنْهُ، ***فَلا وأَبِيكِ، مَا وَرَدَ السَّمَارَا

أَخافُ بَوائقًا تَسْري إِلَيْنَا، ***مِنَ الأَشيْاعِ، سِرًّا أَوْ جِهَارَا

قَوْلُهُ السَّمار: مَوْضِعٌ، وَالشِّعْرُ لِعَمْرِو بْنِ أَحمر الْبَاهِلِيِّ، يَصِفُ أَن قَوْمَهُ تَوَعَّدُوهُ وَقَالُوا: إِن رأَيناه بالسَّمَار لَنَقْتُلُنَّهُ، فأَقسم ابْنُ أَحمر بأَنه لَا يَرِدُ السَّمَار لِخَوْفِهِ بَوَائقَ مِنْهُمْ، وَهِيَ الدَّوَاهِي تأْتيهم سِرًّا أَو جَهْرًا.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَعطيته سُمَيْرِيَّةً مِنْ دَرَاهِمَ كأَنَّ الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْهَا، وَلَمْ يُفَسِّرْهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه عَنَى دَرَاهِمَ سُمْرًا، وَقَوْلُهُ: كأَن الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْهَا يَعْنِي كُدْرَةَ لَوْنِهَا أَو طَراءَ بياضِها.

وابنُ سَمُرَة: مِنْ شُعَرَائِهِمْ، وَهُوَ عَطِيَّةُ بْنُ سَمُرَةَ اللِّيثِيُّ.

والسَّامِرَةُ: قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ بَنِي إِسرائيل قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ يُخَالِفُونَهُمْ فِي بَعْضِ دِينِهِمْ، إِليهم نُسِبَ السَّامِرِيُّ الَّذِي عَبَدَ الْعِجْلَ الَّذِي سُمِعَ لَهُ خُوَارٌ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهُمْ إِلى هَذِهِ الْغَايَةِ بِالشَّامِ يَعْرِفُونَ بِالسَّامِرِيِّينَ، وقال بعض أَهل التفسير: السَّامِرِيُّ عِلْجٌ مِنْ أَهل كِرْمان.

والسَّمُّورُ: دَابَّةٌ.

مَعْرُوفَةٌ تسوَّى مِنْ جُلُودِهَا فِرَاءٌ غَالِيَةُ الأَثمان؛ وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ فَقَالَ يَذْكُرُ الأَسد:

حَتَّى إِذا مَا رَأَى الأَبْصارَ قَدْ غَفَلَتْ، ***واجْتابَ مِنْ ظُلْمَةٍ جُودِيَّ سَمُّورِ

جُودِيَّ بِالنَّبْطِيَّةِ جُوذِيًّا، أَراد جُبَّة سَمّور لِسَوَادِ وبَرِه.

واجتابَ: دَخَلَ فيه ولبسه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


93-لسان العرب (معس)

معس: مَعَس فِي الْحَرْبِ: حَمَلَ.

وَرَجُلٌ مَعَّاسٌ ومُتَمَعّسٌ: مِقْدام.

ومَعَسَ الأَدِيمَ: ليَّنَه فِي الدِّبَاغِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أَسماء بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهِيَ تَمْعَسُ إِهابًا لَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: مَنِيئَةً لَهَا» أَي تَدْبُغُ.

وأَصل المَعْس: المَعْك والدَّلْكُ للجِلْد بَعْدَ إِدخاله فِي الدِّباغ.

ومَعَسَه مَعْسًا: دلَكَه دَلْكًا شَدِيدًا؛ قَالَ فِي وَصْفِ السَّيْلِ وَالْمَطَرِ:

حَتَّى إِذا مَا الغَيثُ قالَ رَجْسا، ***يَمْعَسُ بِالْمَاءِ الجِواءَ مَعْسا،

وغَرَّقَ الصَّمَّانَ مَاءً قَلْسا أَراد بِقَوْلِهِ: قَالَ رَجْسًا أَي يُصَوِّت بشدة وقْعِه.

وَقَالَتِ السماءُ إِذا أَمطرت مَطَرًا يُسمع صَوْتَهُ، وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ صَوْتَ الرَّعْدِ الَّذِي فِي سَحَابِ هَذَا الْمَطَرِ.

والصَّمَّان: مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ.

والقَلْسُ: الَّذِي ملأَ الْمَوْضِعَ حتى فاض.

والجواء: مِثْلُ السَّحْبَلِ، وَهُوَ الْوَادِي الْوَاسِعُ.

قَالَ الأَصمعي: بعَثَت امرأَة مِنَ الْعَرَبِ بِنْتًا لَهَا إِلى جَارَتِهَا أَن ابعَثي إِليَّ بَنَفْسٍ أَو نَفْسَيْنِ مِنَ الدِّباغ أَمْعَسُ بِهِ مَنِيئَتي فإِني أَفِدَةٌ؛ والمَنِيئَة: المَدْبَغَة، والنَفْسُ: قَدْرُ مَا يُدْبَغُ بِهِ مِنْ وَرَقِ القَرَظ والأَرْطَى، ومَنِيئَةٌ مَعُوسٌ إِذا حُرِّكَتْ فِي الدِّباغ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

يُخْرِجُ، بَيْنَ النَّابِ والضُّرُوسِ، ***حَمْراءَ كالمَنِيئَةِ المَعُوسِ

يَعْنِي بِالْحَمْرَاءِ الشِّقْشِقَةَ شبَّهها بالمَنِيئَة الْمُحَرَّكَةِ فِي الدِّبَاغِ.

والمَعْسُ: الْحَرَكَةُ.

وامْتَعَس: تَحَرَّكَ؛ قَالَ: " وصاحِب يَمْتَعِسُ امْتِعاسا ومَعَسَ المرأَةَ مَعْسًا: نَكَحَهَا.

وامْتَعَس العَرْفَجُ إِذا امتلأَت أَجوافه مِنْ حُجَنِه حَتَّى تسود.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


94-لسان العرب (نفس)

نفس: النَّفْس: الرُّوحُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لَيْسَ مِنْ غَرَضِ هَذَا الكتاب، قال أَبو إِسحق: النَّفْس فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَجْرِي عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحدهما قَوْلُكَ خَرَجَتْ نَفْس فُلَانٍ أَي رُوحُه، وَفِي نَفْس فُلَانٍ أَن يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا أَي فِي رُوعِه، والضَّرْب الْآخَرُ مَعْنى النَّفْس فِيهِ مَعْنى جُمْلَةِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، تَقُولُ: قتَل فلانٌ نَفْسَه وأَهلك نَفْسَه أَي أَوْقَعَ الإِهْلاك بِذَاتِهِ كلِّها وحقيقتِه، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ "أَنْفُس ونُفُوس؛ قَالَ أَبو خِرَاشٍ فِي مَعْنَى النَّفْس الرُّوحِ:

نَجَا سالِمٌ والنَّفْس مِنْه بِشِدقِهِ، ***وَلَمْ يَنْجُ إِلا جَفْنَ سَيفٍ ومِئْزَرَا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ أَنس الْهُذَلِيِّ وَلَيْسَ لأَبي خِرَاشٍ كَمَا زَعَمَ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَوْلُهُ نَجَا سَالِمٌ وَلَمْ يَنْجُ كَقَوْلِهِمْ أَفْلَتَ فلانٌ وَلَمْ يُفْلِتْ إِذا لَمْ تُعَدَّ سلامتُه سَلَامَةً، وَالْمَعْنَى فِيهِ لَمْ يَنْجُ سالِمٌ إِلا بِجَفْنِ سيفِه ومئزرِه وَانْتِصَابُ الْجَفْنِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ أَي لَمْ يَنْجُ سَالِمٌ إِلا جَفْنَ سَيْفٍ، وَجَفْنُ السَّيْفِ مُنْقَطِعٌ مِنْهُ، وَالنَّفْسُ هَاهُنَا الرُّوحُ كَمَا ذُكِرَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فَاظَتْ نَفْسُه؛ وَقَالَ الشَّاعِرِ:

كادَت النَّفْس أَنْ تَفِيظَ عَلَيْهِ، ***إِذْ ثَوَى حَشْوَ رَيْطَةٍ وبُرُودِ

قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: النَّفْس الرُّوحُ، والنَّفْس مَا يَكُونُ بِهِ التَّمْيِيزُ، والنَّفْس الدَّمُ، والنَّفْس الأَخ، والنَّفْس بِمَعْنَى عِنْد، والنَّفْس قَدْرُ دَبْغة.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَما النَّفْس الرُّوحُ والنَّفْسُ مَا يَكُونُ بِهِ التَّمْيِيزُ فَشاهِدُهُما قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها "، فالنَّفْس الأُولى هِيَ الَّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ، والنَّفْس الثَّانِيَةُ الَّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ الْعَقْلِ؛ وأَما النَّفْس الدَّمُ فَشَاهِدُهُ قَوْلُ السموأَل:

تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا، ***ولَيْسَتْ عَلى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ

وإِنما سُمِّيَ الدَّمُ نَفْسًا لأَن النَّفْس تَخْرُجُ بِخُرُوجِهِ، وأَما النَّفْس بِمَعْنَى الأَخ فَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ، وأَما الَّتِي بِمَعْنَى عِنْد فَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ "؛ أَي تَعْلَمُ مَا عِنْدِي وَلَا أَعلم مَا عِنْدَكَ، والأَجود فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الأَنباري: إِن النَّفْس هُنَا الغَيْبُ، أَي تَعْلَمُ غَيْبِي لأَن النَّفْس لَمَّا كَانَتْ غَائِبَةً أُوقِعَتْ عَلَى الغَيْبِ، وَيَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، كأَنه قَالَ: تَعْلَمُ غَيْبي يَا عَلَّام الغُيُوبِ.

وَالْعَرَبُ قَدْ تَجْعَلُ النَّفْس الَّتِي يَكُونُ بِهَا التَّمْيِيزُ نَفْسَيْن، وَذَلِكَ أَن النَّفْس قَدْ تأْمره بِالشَّيْءِ وَتَنْهَى عَنْهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ الإِقدام عَلَى أَمر مَكْرُوهٍ، فَجَعَلُوا الَّتِي تأْمره نَفْسًا وَجَعَلُوا الَّتِي تَنْهَاهُ كأَنها نَفْسٌ أُخرى؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

يؤَامِرُ نَفْسَيْهِ، وَفِي العَيْشِ فُسْحَةٌ، ***أَيَسْتَرْجِعُ الذُّؤْبَانَ أَمْ لَا يَطُورُها؟

وأَنشد الطَّوْسِيُّ:

لمْ تَدْرِ مَا لَا؛ ولَسْتَ قائِلَها، ***عُمْرَك مَا عِشْتَ آخِرَ الأَبَدِ

وَلمْ تُؤَامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَريًا ***فِيهَا وَفِي أُخْتِها، وَلَمْ تَكَدِ

وَقَالَ آخَرُ:

فَنَفْسَايَ نَفسٌ قَالَتِ: ائْتِ ابنَ بَحْدَلٍ، ***تَجِدْ فَرَجًا مِنْ كلِّ غُمَّى تَهابُها

ونَفْسٌ تَقُولُ: اجْهَدْ نَجَاءَكَ، لا تَكُنْ ***كَخَاضِبَةٍ لَمْ يُغْنِ عَنْها خِضَابُهَا

والنَّفْسُ يعبَّر بِهَا عَنِ الإِنسان جَمِيعِهِ كَقَوْلِهِمْ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ.

وَكَقَوْلِهِ تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}؛ أَي تَعْلَمُ مَا أُضْمِرُ وَلَا أَعلم مَا فِي نَفْسِكَ أَي لَا أَعلم مَا حقِيقَتُك وَلَا مَا عِنْدَكَ عِلمُه، فالتأَويل تعلَمُ مَا أَعلَمُ وَلَا أَعلَمُ مَا تعلَمُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}؛ أَي يُحَذِّرُكُمْ إِياه، وَقَوْلُهُ تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها}؛ رُوِيَ عَنِ" ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: لِكُلِّ إِنْسَانٍ نَفْسان: إِحداهما نَفْس العَقْل الَّذِي يَكُونُ بِهِ التَّمْيِيزُ، والأُخرى نَفْس الرُّوح الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ.

وَقَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري: مِنَ اللُّغَوِيِّينَ مَنْ سَوَّى النَّفْس والرُّوح وَقَالَ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ إِلا أَن النَّفْس مُؤَنَّثَةٌ والرُّوح مُذَكَّرٌ، قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ الرُّوحُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ، والنَّفْس هِيَ الَّتِي بِهَا الْعَقْلُ، فإِذا نَامَ النَّائِمُ قَبَضَ اللَّه نَفْسه وَلَمْ يَقْبِضْ رُوحه، وَلَا يَقْبِضُ الرُّوحَ إِلا عِنْدَ الْمَوْتِ، قَالَ: وَسُمِّيَتِ النَّفْسُ نَفْسًا لِتَوَلُّدِ النَّفَسِ مِنْهَا وَاتِّصَالِهِ بِهَا، كَمَا سَّموا الرُّوح رُوحًا لأَن الرَّوْحَ مَوْجُودٌ بِهِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِكُلِّ إِنسان نَفْسان: إِحداهما نَفْس التَّمْيِيزِ وَهِيَ الَّتِي تُفَارِقُهُ إِذا نَامَ فَلَا يَعْقِلُ بِهَا يَتَوَفَّاهَا اللَّه كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى، والأُخرى نَفْسُ الْحَيَاةِ وإِذا زَالَتْ زَالَ مَعَهَا النَّفَسُ، وَالنَّائِمُ يَتَنَفَّسُ، قَالَ: وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَوَفِّي نَفْس النَّائِمِ فِي النَّوْمِ وتَوفِّي نَفْس الْحَيِّ؛ قَالَ: وَنَفْسُ الْحَيَاةِ هِيَ الرُّوح وَحَرَكَةُ الإِنسان ونُمُوُّه يَكُونُ بِهِ، والنَّفْس الدمُ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا لَيْسَ لَهُ نَفْس سَائِلَةٌ فإِنه لَا يُنَجِّس الْمَاءَ إِذا مَاتَ فِيهِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنه قَالَ: كلُّ شَيْءٍ لَهُ نَفْس سَائِلَةٌ فَمَاتَ فِي الإِناء فإِنه يُنَجِّسه، أَراد كُلَّ شَيْءٍ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْهُ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَتْ لَهُ نَفْس سَائِلَةٌ فإِنه لَا يُنَجِّس الْمَاءَ إِذا سَقَطَ فِيهِ»أَي دَمٍ سَائِلٍ.

والنَّفْس: الجَسَد؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ يُحَرِّض عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ وَهُمْ قتَلَة أَبيه الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ يَوْمَ عَيْنِ أَباغٍ وَيَزْعُمُ أَن عَمْرو بْنَ شِمْرٍ الْحَنَفِيَّ قَتَلَهُ:

نُبِّئْتُ أَن بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلوا ***أَبْياتَهُمْ تامُورَ نَفْس المُنْذِر

فَلَبئسَ مَا كَسَبَ ابنُ عَمرو رَهطَهُ ***شمرٌ وَكَانَ بِمَسْمَعٍ وبِمَنْظَرِ

والتامُورُ: الدَّمُ، أَي حَمَلُوا دَمَهُ إِلى أَبياتهم وَيُرْوَى بَدَلَ رَهْطِهِ قَوْمَهُ وَنَفْسَهُ.

اللِّحْيَانِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ رأَيت نَفْسًا وَاحِدَةً فَتُؤَنِّثُ وَكَذَلِكَ رأَيت نَفْسَين فإِذا قَالُوا رأَيت ثَلَاثَةَ أَنفُس وأَربعة أَنْفُس ذَكَّرُوا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْعَدَدِ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ التذكير في الواحد وَالِاثْنَيْنِ والتأْنيث فِي الْجَمْعِ، قَالَ: حُكِيَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا ثَلَاثَةُ أَنْفُس يُذكِّرونه لأَن النَّفْس عِنْدَهُمْ إِنْسَانٌ فَهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الإِنسان، أَلا تَرَى أَنهم يَقُولُونَ نَفْس وَاحِدٌ فَلَا يُدْخِلُونَ الْهَاءَ؟ قَالَ: وَزَعَمَ يُونُسُ عَنْ رُؤْبَةَ أَنه قَالَ ثَلَاثُ أَنْفُس عَلَى تأْنيث النَّفْس كَمَا تَقُولُ ثَلَاثُ أَعْيُنٍ لِلْعَيْنِ مِنَ النَّاسِ، وَكَمَا قَالُوا ثَلَاثُ أَشْخُصٍ فِي النِّسَاءِ؛ وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:

ثلاثَةُ أَنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ، ***لَقَدْ جَارَ الزَّمانُ عَلَى عِيالي

وَقَوْلُهُ تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ}؛ يعي آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وزوجَها يَعْنِي حَوَّاءَ.

وَيُقَالُ: مَا رأَيت ثمَّ نَفْسًا أَي مَا رأَيت أَحدًا.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ فِي نَفَس السَّاعَةِ»أَي بُعِثْتُ وَقَدْ حَانَ قيامُها وقَرُبَ إِلا أَن اللَّه أَخرها قَلِيلًا فَبَعَثَنِي فِي ذَلِكَ النَّفَس، وأَطلق النَّفَس عَلَى الْقُرْبِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه جَعَلَ لِلسَّاعَةِ نَفَسًا كَنَفَس الإِنسان، أَراد: إِني بُعِثْتُ فِي وَقْتٍ قَرِيبٍ مِنْهَا، أَحُس فِيهِ بنَفَسِها كَمَا يَحُس بنَفَس الإِنسان إِذا قَرُبَ مِنْهُ، يَعْنِي بُعِثْتُ فِي وقتٍ بانَتْ أَشراطُها فِيهِ وَظَهَرَتْ عَلَامَاتُهَا؛ وَيُرْوَى: فِي نَسَمِ السَّاعَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ والمُتَنَفِّس: ذُو النَّفَس.

ونَفْس الشَّيْءِ: ذَاتُهُ؛ وَمِنْهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ نَزَلْتُ بنَفْس الْجَبَلِ، ونَفْسُ الْجَبَلِ مُقابِلي، ونَفْس الشَّيْءِ عَيْنه يُؤَكَّدُ بِهِ.

يُقَالُ: رأَيت فُلَانًا نَفْسه، وجائني بَنَفْسِه، وَرَجُلٌ ذُو نَفس أَي خُلُق وجَلَدٍ، وَثَوْبٌ ذُو نَفس أَي أَكْلٍ وقوَّة.

والنَّفْس: العَيْن.

والنَّافِس: الْعَائِنُ.

والمَنْفوس: المَعْيون.

والنَّفُوس: العَيُون الحَسُود الْمُتَعَيِّنُ لأَموال النَّاسِ ليُصيبَها، وَمَا أَنْفَسه أَي مَا أَشدَّ عَيْنَهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وَيُقَالُ: أَصابت فُلَانًا نَفْس، ونَفَسْتُك بنَفْس إِذا أَصَبْتَه بِعَيْنٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ الرُّقْيَة إِلا فِي النَّمْلة والحُمَة والنَّفْس»؛ النَّفْس: الْعَيْنُ، هُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، عَنْ أَنس.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَنه مَسَحَ بطنَ رَافِعٍ فأَلقى شَحْمَةً خَضْراء فَقَالَ: إِنه كَانَ فِيهَا أَنْفُس سَبْعَة»، يُرِيدُ عُيُونَهُمْ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" ابْنِ عَبَّاسٍ: الكِلابُ مِنَ الجِنِّ فإِن غَشِيَتْكُم عِنْدَ طَعَامِكُمْ فأَلقوا لَهُنَّ فإِن لَهُنَّ أَنْفُسًا أَي أَعْينًا.

ويقالُ: نَفِس عَلَيْكَ فلانٌ يَنْفَسُ نَفَسًا ونَفاسَةً أَي حَسَدك.

ابْنُ الأَعرابي: النَّفْس العَظَمَةُ والكِبر والنَّفْس العِزَّة والنَّفْس الهِمَّة والنَّفْس عَيْنُ الشَّيْءِ وكُنْهُه وجَوْهَره، والنَّفْس الأَنَفَة والنَّفْس الْعَيْنُ الَّتِي تُصِيبُ المَعِين.

والنَّفَس: الفَرَج مِنَ الْكَرْبِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تسبُّوا الرِّيحَ فإِنها مِنْ نَفَس الرَّحْمَنِ»، يُرِيدُ أَنه بِهَا يُفرِّج الكربَ ويُنشِئ السحابَ ويَنشر الْغَيْثَ ويُذْهب الجدبَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي مِمَّا يُوَسِّعُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَجد نَفَس رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَجد نَفَس الرَّحْمَنِ»؛ يُقَالُ إِنه عَنَى بِذَلِكَ الأَنصار لأَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَفَّس الكربَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ، وَهُمْ يَمانُونَ لأَنهم مِنَ الأَزد، ونَصَرهم بِهِمْ وأَيدهم بِرِجَالِهِمْ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ نَفَس الْهَوَاءِ الَّذِي يَرُده التَّنَفُّس إِلى الْجَوْفِ فَيُبَرِّدُ مِنْ حَرَارَتِهِ ويُعَدِّلُها، أَو مِنْ نَفَس الرِّيحِ الَّذِي يَتَنَسَّمُه فيَسْتَرْوِح إِليه، أَو مِنْ نَفَس الرَّوْضَةِ وَهُوَ طِيب رَوَائِحِهَا فَيَنْفَرِجُ بِهِ عَنْهُ، وَقِيلَ: النَّفَس فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرَ الْحَقِيقِيِّ مِنَ نَفّسَ يُنَفِّسُ تَنْفِيسًا ونَفَسًا، كَمَا يُقَالُ فَرَّجَ يُفَرِّجُ تَفْريجًا وفَرَجًا، كأَنه قَالَ: أَجِدُ تَنْفِيسَ ربِّكم مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، وإِن الرِّيحَ مِنْ تَنْفيس الرَّحْمَنِ بِهَا عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، والتَّفْريج مَصْدَرٌ حَقِيقِيٌّ، والفَرَج اسْمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: الرِّيحُ مِنْ نَفَس الرَّحْمَنِ أَي مِنْ تَنْفِيسِ اللَّه بِهَا عَنِ الْمَكْرُوبِينَ وَتَفْرِيجِهِ عَنِ الْمَلْهُوفِينَ.

قَالَ الْعُتْبِيُّ: هَجَمْتُ عَلَى وَادٍ خَصِيبٍ وأَهله مُصْفرَّة أَلوانهم فسأَلتهم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُمْ: لَيْسَ لَنَا رِيحٌ.

والنَّفَس: خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ الأَنف وَالْفَمِ، وَالْجَمْعُ أَنْفاس.

وَكُلُّ تَرَوُّح بَيْنَ شَرْبَتَيْنِ نَفَس.

والتَنَفُّس: اسْتِمْدَادُ النَفَس، وَقَدْ تَنَفَّس الرجلُ وتَنَفَّس الصُّعَداء، وَكُلُّ ذِي رِئَةٍ مُتَنَفِّسٌ، وَدَوَابُّ الْمَاءِ لَا رِئاتَ لَهَا.

والنَّفَس أَيضًا: الجُرْعَة؛ يُقَالُ: اكْرَع فِي الإِناء نَفَسًا أَو نَفَسَين أَي جُرْعة أَو جُرْعَتين وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ، وَالْجَمْعُ أَنْفاس مِثْلُ سَبَبٍ وأَسباب؛ قال جرجر:

تُعَلِّلُ، وَهْيَ ساغِبَةٌ، بَنِيها ***بأَنْفاسٍ من الشَّدِمِ القَراحِ

وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الإِناء».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنه كَانَ يَتَنفّسُ فِي الإِناء ثَلَاثًا يَعْنِي فِي "الشُّرْبِ؛ قَالَ الأَزهري: قَالَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ.

والتَنَفُّس لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما أَن يَشْرَبَ وَهُوَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِناء مِنْ غَيْرِ أَن يُبِينَه عَنْ فِيهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، والنَّفَس الْآخَرُ أَن يَشْرَبَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنَ الإِناء بِثَلَاثَةِ أَنْفاسٍ يُبينُ فَاهُ عَنِ الإِناء فِي كُلِّ نَفَسٍ.

وَيُقَالُ: شَرَابٌ غَيْرُ ذِي نَفَسٍ إِذا كَانَ كَرِيه الطَّعْمِ آجِنًا إِذا ذَاقَهُ ذَائِقٌ لَمْ يَتَنَفَّس فِيهِ، وإِنما هِيَ الشَّرْبَةُ الأُولى قَدْرِ مَا يُمْسِكُ رَمَقَه ثُمَّ لَا يَعُودُ لَهُ؛ وَقَالَ أَبو وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ:

وشَرْبَة مِنْ شَرابٍ غَيْرِ ذي نَفَسٍ، ***فِي صَرَّةٍ مِنْ نُجُوم القَيْظِ وهَّاجِ

ابْنُ الأَعرابي: شَرَابٌ ذُو نَفَسٍ أَي فِيهِ سَعَةٌ وريٌّ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: قَوْلُهُ النَّفَس الجُرْعة، واكْرَعْ فِي الإِناء نَفَسًا أَو نَفَسين أَي جُرْعة أَو جُرْعتين وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ، فِيهِ نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَن النّفَس الْوَاحِدَ يَجْرع الإِنسانُ فِيهِ عِدَّة جُرَع، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ عَلَى مِقْدَارِ طُولِ نَفَس الشَّارِبِ وَقِصَرِهِ حَتَّى إِنا نَرَى الإِنسان يَشْرَبُ الإِناء الْكَبِيرَ فِي نَفَس وَاحِدٍ عَلَى عِدَّةِ جُرَع.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَرِبَ الإِناء كُلَّهُ عَلَى نَفَس وَاحِدٍ، واللَّه أَعلم.

وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ نَفِّس عَنِّي أَي فَرِّج عَنِّي ووسِّع عليَّ، ونَفَّسْتُ عَنْهُ تَنْفِيسًا أَي رَفَّهْتُ.

يُقَالُ: نَفَّس اللَّه عَنْهُ كُرْبته أَي فرَّجها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبة نَفَّسَ اللَّه عَنْهُ كرْبة مِنْ كُرَب الْآخِرَةِ، مَعْنَاهُ مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُربة فِي الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّه عَنْهُ كُرْبة مِنْ كُرَب يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وَيُقَالُ: أَنت فِي نَفَس مِنْ أَمرك أَي سَعَة، وَاعْمَلْ وأَنت فِي نَفَس مِنْ أَمرك أَي فُسحة وسَعة قَبْلَ الهَرَم والأَمراض وَالْحَوَادِثِ وَالْآفَاتِ.

والنَّفَس: مِثْلُ النَّسيم، وَالْجَمْعُ أَنْفاس.

ودارُك أَنْفَسُ مِنْ دَارِي أَي أَوسع.

وَهَذَا الثَّوْبُ أَنْفَسُ مِنْ هَذَا أَي أَعرض وأَطول وأَمثل.

وَهَذَا الْمَكَانُ أَنْفَسُ مِنْ هَذَا أَي أَبعد وأَوسع.

وَفِي الْحَدِيثِ: «ثُمَّ يَمْشِي أَنْفَسَ مِنْهُ» أَي أَفسح وأَبعد قَلِيلًا.

وَيُقَالُ: هَذَا الْمَنْزِلُ أَنْفَس الْمَنْزِلَيْنِ أَي أَبعدهما، وَهَذَا الثَّوْبُ أَنْفَس الثَّوْبَيْنِ أَي أَطولهما أَو أَعرضهما أَو أَمثلهما.

ونَفَّس اللَّه عنك أَي فرَّج وَوَسَّعَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ نَفَّس عَنْ غَرِيمِهِ» أَي أَخَّر مُطَالَبَتَهُ.

وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ: «لَقَدْ أَبْلَغْتَ وأَوجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ»أَي أَطلتَ؛ وأَصله أَن الْمُتَكَلِّمَ إِذا تَنَفَّسَ استأْنف الْقَوْلَ وَسَهُلَتْ عَلَيْهِ الإِطالة.

وتَنَفَّسَتْ دَجْلَةُ [دِجْلَةُ] إِذا زَادَ مَاؤُهَا.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِن فِي الْمَاءِ نَفَسًا لِي وَلَكَ أَي مُتَّسَعًا وَفَضْلًا، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَي رِيًّا؛ وأَنشد:

وشَربة مِنْ شَرابٍ غيرِ ذِي نَفَسٍ، ***فِي كَوْكَبٍ مِنْ نُجُومِ القَيْظِ وضَّاحِ

أَي فِي وَقْتِ كَوْكَبٍ.

وَزِدْنِي نَفَسًا فِي أَجلي أَي طولَ الأَجل؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وَيُقَالُ: بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نَفَس أَي مُتَّسع.

وَيُقَالُ: لَكَ فِي هَذَا الأَمر نُفْسَةٌ أَي مُهْلَةٌ.

وتَنَفَّسَ الصبحُ أَي تَبَلَّج وامتدَّ حَتَّى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا.

وتَنَفَّس النَّهَارُ وَغَيْرُهُ: امتدَّ وَطَالَ.

وَيُقَالُ لِلنَّهَارِ إِذا زَادَ: تَنَفَّسَ، وَكَذَلِكَ الْمَوْجُ إِذا نَضحَ الماءَ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَنَفَّس النَّهَارُ انْتَصَفَ، وتنَفَّس أَيضًا بَعُدَ، وتنَفَّس العُمْرُ مِنْهُ إِما تَرَاخَى وَتَبَاعَدَ وإِما اتَّسَعَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

ومُحْسِبة قَدْ أَخْطأَ الحَقُّ غيرَها، ***تَنَفَّسَ عَنْهَا جَنْبُها فَهِيَ كالشِّوا

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ}، قَالَ: إِذا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا فَهُوَ تَنَفُّسُ الصُّبْحِ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذا تَنَفَّسَ إِذا طَلَعَ، وَقَالَ الأَخفش: إِذا أَضاء، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذا تَنَفَّسَ "إِذا انْشَقَّ الْفَجْرُ وانْفَلق حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ.

وَيُقَالُ: كَتَبْتُ كِتَابًا نَفَسًا أَي طَوِيلًا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: " عَيْنَيَّ جُودا عَبْرَةً أَنْفاسا "أَي سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ.

ونَفَسُ السَّاعَةِ: آخِرُ الزَّمَانِ؛ عَنْ كُرَاعٍ.

وَشَيْءٌ نَفِيسٌ أَي يُتَنافَس فِيهِ ويُرْغب.

ونَفُسَ الشَّيْءُ، بِالضَّمِّ، نَفاسَةً، فَهُوَ نَفِيسٌ ونافِسٌ: رَفُعَ وَصَارَ مَرْغُوبًا فِيهِ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ نافِسٌ ونَفِيسٌ، وَالْجَمْعُ نِفاسٌ.

وأَنْفَسَ الشيءُ: صَارَ نَفيسًا.

وَهَذَا أَنْفَسُ مَالِي أَي أَحَبُّه وأَكرمه عِنْدِي.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: النَّفِيسُ والمُنْفِسُ الْمَالُ الَّذِي لَهُ قَدْرٌ وخَطَر، ثُمَّ عَمَّ فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ خَطَرٌ وَقَدْرٌ فَهُوَ نَفِيسٌ ومُنْفِس؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:

لَا تَجْزَعي إِنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْتُه، ***فإِذا هَلَكْتُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فاجْزَعي

وَقَدْ أَنْفَسَ المالُ إِنْفاسًا ونَفُس نُفُوسًا ونَفاسَةً.

وَيُقَالُ: إِن الَّذِي ذكَرْتَ لمَنْفُوس فِيهِ أَي مَرْغُوبٌ فِيهِ.

وأَنْفَسَني فِيهِ ونَفَّسَني: رغَّبني فِيهِ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

بأَحْسَنَ مِنْهُ يومَ أَصْبَحَ غادِيًا، ***ونَفَّسَني فِيهِ الحِمامُ المُعَجَّلُ

أَي رغَّبني فِيهِ.

وأَمر مَنْفُوس فِيهِ: مَرْغُوبٌ.

ونَفِسْتُ عَلَيْهِ الشيءَ أَنْفَسُه نَفاسَةً إِذا ضَنِنْتَ بِهِ وَلَمْ تُحِبَّ أَن يَصِلَ إِليه.

ونَفِسَ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ نَفَسًا، بِتَحْرِيكِ الْفَاءِ، ونَفاسَةً ونَفاسِيَةً، الأَخيرة نَادِرَةٌ: ضَنَّ.

وَمَالٌ نَفِيس: مَضْنون بِهِ.

ونَفِسَ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ: ضَنَّ بِهِ وَلَمْ يَرَهُ يَسْتأْهله؛ وَكَذَلِكَ نَفِسَه عَلَيْهِ ونافَسَه فِيهِ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وإِنَّ قُرَيْشًا مُهْلكٌ مَنْ أَطاعَها، ***تُنافِسُ دُنْيا قَدْ أَحَمَّ انْصِرامُها

فإِما أَن يَكُونَ أَراد تُنافِسُ فِي دُنْيا، وإِما أَن يُرِيدَ تُنافِسُ أَهلَ دُنْيا.

ونَفِسْتَ عليَّ بخيرٍ قَلِيلٍ أَي حَسَدْتَ.

وتَنافَسْنا ذَلِكَ الأَمر وتَنافَسْنا فِيهِ: تَحَاسَدْنَا وَتَسَابَقْنَا.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} أَي وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَراغَب المتَراغبون.

وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: «سَقِيم النِّفاسِ»؛ أي أَسْقَمَتْه المُنافَسة وَالْمُغَالَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ.

وَفِي حَدِيثِ إِسمعيل، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنه تَعَلَّم العربيةَ وأَنْفَسَهُمْ»؛ أي أَعجبهم وَصَارَ عِنْدَهُمْ نَفِيسًا.

ونافَسْتُ فِي الشَّيْءِ مُنافَسَة ونِفاسًا إِذا رَغِبْتَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَارَاةِ فِي الْكَرَمِ.

وتَنافَسُوا فِيهِ أَي رَغِبُوا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَخشى أَن تُبْسط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فتَنافَسوها كَمَا تَنافَسُوها»؛ هُوَ مِنَ المُنافَسَة الرَّغْبَةِ في الشيء والانفرادية، وَهُوَ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ الْجَيِّدِ فِي نَوْعِهِ.

ونَفِسْتُ بِالشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ، أَي بَخِلْتُ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّه وَجْهَهُ: «لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّه» صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفِسْناه عَلَيْكَ.

وَحَدِيثِ السَّقِيفَةِ: لَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ أَي لَمْ نَبْخَلْ.

والنِّفاسُ: وِلَادَةُ المرأَة إِذا وضَعَتْ، فَهِيَ نُفَساءُ.

والنَّفْسُ: الدَّمُ.

ونُفِسَت المرأَة ونَفِسَتْ، بِالْكَسْرِ، نَفَسًا ونَفاسَةً ونِفاسًا وَهِيَ نُفَساءُ "ونَفْساءُ ونَفَساءُ: وَلَدَتْ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: النُّفَساءُ الْوَالِدَةُ وَالْحَامِلُ وَالْحَائِضُ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ نُفَساوات ونِفاس ونُفاس ونُفَّس؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، ونُفُس ونُفَّاس؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعَلاءُ يُجْمَعُ عَلَى فعالٍ غَيْرُ نُفَسَاء وعُشَراءَ، وَيُجْمَعُ أَيضًا عَلَى نُفَساوات وعُشَراوات؛ وامرأَتان نُفساوان، أَبدلوا مِنْ هَمْزَةِ التأْنيث وَاوًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن أَسماء بِنْتَ عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ»أَي وضَعَت؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفاسها»أَي خَرَجَتْ مِنْ أَيام وِلَادَتِهَا.

وَحَكَى ثَعْلَبٌ: نُفِسَتْ وَلَدًا عَلَى فِعْلِ الْمَفْعُولِ.

وورِثَ فُلَانٌ هَذَا المالَ فِي بَطْنِ أُمه قَبْلَ أَن يُنْفَس أَي يُولَدَ.

الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ وَرِثَ فُلَانٌ هَذَا الْمَالَ قَبْلَ أَن يُنْفَسَ فُلَانٌ أَي قَبْلَ أَن يُولَدَ؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ يَصِفُ مُحَارَبَةَ قَوْمِهِ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ:

وإِنَّا وإِخْواننا عامِرًا ***عَلَى مِثلِ مَا بَيْنَنا نَأْتَمِرْ

لَنا صَرْخَةٌ ثُمَّ إِسْكاتَةٌ، ***كَمَا طَرَّقَتْ بِنِفاسٍ بِكِرْ

أَي بِوَلَدٍ.

وَقَوْلُهُ لَنَا صَرْخَةٌ أَي اهْتِيَاجَةٌ يَتْبَعُهَا سُكُونٌ كَمَا يَكُونُ للنُّفَساء إِذا طَرَّقَتْ بِوَلَدِهَا، والتَطْريقُ أَن يَعْسُرَ خُرُوجُ الْوَلَدِ فَتَصْرُخ لِذَلِكَ، ثُمَّ تَسْكُنَ حَرَكَةُ الْمَوْلُودِ فَتَسْكُنَ هِيَ أَيضًا، وَخَصَّ تَطْرِيقَ البِكر لأَن وِلَادَةَ الْبِكْرِ أَشد مِنْ وِلَادَةِ الثَّيِّبِ.

وَقَوْلُهُ عَلَى مِثْلِ مَا بَيْنَنَا نأْتمر أَي نَمْتَثِلُ مَا تأْمرنا بِهِ أَنْفسنا مِنَ الإِيقاع بِهِمْ وَالْفَتْكِ فِيهِمْ عَلَى مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْ قَرَابَةٍ؛ وقولُ امْرِئِ الْقَيْسِ: " ويَعْدُو عَلَى المَرْء مَا يَأْتَمِرْ أَي قَدْ يَعْدُو عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ مَا أَمرته بِهِ نَفْسُهُ وَرُبَّمَا كَانَ داعيَه لِلْهَلَاكِ.

والمَنْفُوس: الْمَوْلُودُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلا: كُتِبَ رزقُها وأَجلها»؛ مَنْفُوسَةٍ أَي مَوْلُودَةٍ.

قَالَ: يُقَالُ نَفِسَتْ ونُفِسَتْ، فأَما الْحَيْضُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إِلا نَفِسَتْ، بِالْفَتْحِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنه أَجْبَرَ بَنِي عَمٍّ عَلَى مَنْفُوسٍ»؛ أي أَلزمهم إِرضاعَه وتربيتَه.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «أَنه صَلَّى عَلَى مَنْفُوسٍ» أَي طِفْلٍ حِينَ وُلِدَ، وَالْمُرَادُ أَنه صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَعمل ذَنْبًا.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: «لَا يرثُ المَنْفُوس حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا»؛ أي حَتَّى يسمَع لَهُ صَوْتٌ.

وَقَالَتْ أُم سَلَمَةَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِرَاشِ فَحِضْتُ فخَرَجْتُ وَشَدَدْتُ عليَّ ثِيَابِي ثُمَّ رَجَعْتُ، فَقَالَ: أَنَفِسْتِ؟ أَراد: أَحضتِ؟ يُقَالُ: نَفِسَت المرأَة تَنْفَسُ، بِالْفَتْحِ، إِذا حَاضَتْ.

وَيُقَالُ: لِفُلَانٍ مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ أَي مَالٌ كَثِيرٌ.

يُقَالُ: مَا سرَّني بِهَذَا الأَمر مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عنه: «كُنَّا عِنْدَهُ فَتَنَفَّسَ رجلٌ»أَي خَرَجَ مِنْ تَحْتِهِ رِيحٌ؛ شَبَّهَ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنَ الدُّبُرِ بِخُرُوجِ النَّفَسِ مِنَ الْفَمِ.

وتَنَفَّسَت الْقَوْسُ: تصدَّعت، ونَفَّسَها هُوَ: صدَّعها؛ عَنِ كُرَاعٍ، وإِنما يَتَنَفَّس مِنْهَا العِيدانُ الَّتِي لَمْ تُفْلَقْ وَهُوَ خَيْرُ القِسِيِّ، وأَما الفِلْقَة فَلَا تَنَفَّسُ.

ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ نَفَّسَ فُلَانٌ قَوْسَهُ إِذا حَطَّ وَتَرَهَا، وتَنَفَّس القِدْح وَالْقَوْسُ كَذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى اللِّحْيَانِيَّ قَالَ: إِن النَّفْس الشِّقُّ فِي الْقَوْسِ والقِدح وما أَشْبهها، قَالَ: وَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ.

والنَّفْسُ مِنَ الدِّبَاغِ: قدرُ دَبْغَةٍ أَو دَبْغتين مِمَّا يُدْبَغُ بِهِ الأَديممِنَ الْقَرَظِ وَغَيْرِهِ.

يُقَالُ: هَبْ لِي نَفْسًا مِنْ دِبَاغٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَتَجْعَلُ النَّفْسَ الَّتِي تُدِيرُ ***فِي جِلْدِ شاةٍ ثُمَّ لَا تَسِيرُ؟

قَالَ الأَصمعي: بَعَثَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ بُنَيَّةً لَهَا إِلى جَارَتِهَا فَقَالَتْ: تَقُولُ لكِ أُمي أَعطيني نَفْسًا أَو نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بِهَا مَنِيئَتي فإِني أَفِدَةٌ أَي مُسْتَعْجِلَةٌ لَا أَتفرغ لِاتِّخَاذِ الدِّبَاغِ مِنَ السُّرْعَةِ، أَرادت قَدْرَ دَبْغَةٍ أَو دَبْغَتَيْنِ مِنَ القَرَظ الَّذِي يُدْبَغُ بِهِ.

المَنِيئَةُ: المَدْبَغة وَهِيَ الْجُلُودُ الَّتِي تُجْعَلُ فِي الدِّباغ، وَقِيلَ: النَّفْس مِنَ الدِّبَاغِ مِلءُ الكفِّ، وَالْجَمْعُ أَنْفُسٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وذِي أَنْفُسٍ شَتَّى ثَلاثٍ رَمَتْ بِهِ، ***عَلَى الْمَاءِ، إِحْدَى اليَعْمُلاتِ العَرَامِس

يَعْنِي الوَطْبَ مِنَ اللَّبَنِ الَّذِي دُبِغَ بِهَذَا القَدْر مِنَ الدِّبَاغِ.

والنَّافِسُ: الْخَامِسُ مِنْ قِداح المَيْسِر؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَفِيهِ خَمْسَةُ فُرُوضٍ وَلَهُ غُنْمُ خَمْسَةِ أَنْصباءَ إِن فَازَ، وَعَلَيْهِ غُرْمُ خَمْسَةِ أَنْصِباءَ إِن لَمْ يَفُزْ، ويقال هو الرابع.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


95-لسان العرب (أرض)

أرض: الأَرْض: الَّتِي عَلَيْهَا النَّاسُ، أُنثى وَهِيَ اسْمُ جِنْسٍ، وَكَانَ حَقُّ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا أَن يُقَالَ أَرْضة وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ عَمْرِو بْنِ جُوَين الطَّائِيِّ أَنشده ابْنُ سِيبَوَيْهِ:

فَلَا مُزْنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها، ***وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقالَها

فإِنه ذَهَبَ بالأَرض إِلى الْمَوْضِعِ وَالْمَكَانِ كَقَوْلِهِ تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي}؛ أَي هَذَا الشَّخْصُ وَهَذَا المَرْئِيُّ وَنَحْوُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ؛ أَي وعْظ.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: كأَنه اكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَوْعِظَةِ عَنِ التَّاءِ، وَالْجَمْعُ آراضٌ وأُرُوض وأَرَضُون، الْوَاوُ عِوَضٌ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْمُقَدَّرَةِ وَفَتَحُوا الرَّاءَ فِي الْجَمْعِ لِيَدْخُلَ الكلمةَ ضَرْبٌ مِنَ التَّكْسِيرِ، استِيحاشًا مِنْ أَن يُوَفِّرُوا لَفْظَ التَّصْحِيحِ لِيُعْلِمُوا أَن أَرضًا مِمَّا كَانَ سَبِيلُهُ لَوْ جُمِعَ بِالتَّاءِ أَن تُفتح راؤُه فَيُقَالُ أَرَضات، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَزَعَمَ أَبو الْخَطَّابِ أَنهم يَقُولُونَ أَرْض وآراضٌ كَمَا قَالُوا أَهل وَآهَالٌ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فِيمَا حُكِيَ عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَرْض وأَراضٍ وأَهل وأَهالٍ، كأَنه جَمْعُ أَرْضاة وأَهلاة كَمَا قَالُوا لَيْلَةٌ وليالٍ كأَنه جَمْعُ لَيْلاة، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ أَرَضات لأَنهم قَدْ يَجْمَعُونَ المُؤنث الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ هَاءُ التأْنيث بالأَلف وَالتَّاءِ كَقَوْلِهِمْ عُرُسات، ثُمَّ قَالُوا أَرَضُون فَجَمَعُوا بِالْوَاوِ وَالنُّونِ والمؤَنث لَا يُجْمَعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ إِلا أَن يَكُونَ مَنْقُوصًا كثُبة وظُبَة، وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَاوَ وَالنُّونَ عِوَضًا مِنْ حَذْفهم الأَلف وَالتَّاءَ وَتَرَكُوا فَتْحَةَ الرَّاءِ عَلَى حَالِهَا، وَرُبَّمَا سُكِّنَت، قَالَ: والأَراضي أَيضًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كأَنهم جَمَعُوا آرُضًا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ جَمَعُوا أَرْضى مِثْلَ أَرْطى، وأَما آرُض فقياسُه جمعُ أَوارِض.

وَكُلُّ مَا سفَل، فَهُوَ أَرْض؛ وَقَوْلُ خِدَاشِ بْنِ زُهَيْرٍ:

كذَبْتُ عَلَيْكُمْ، أَوْعِدُوني وعلِّلُوا ***بِيَ الأَرْضَ والأَقوامَ، قِرْدانَ مَوْظَبا

قال ابن سيبويه: يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ أَهل الأَرض وَيَجُوزَ أَن يُرِيدَ علِّلُوا جَمِيعَ النَّوْعِ الَّذِي يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ؛ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِي وَبِهِجَائِي إِذا كُنْتُمْ فِي سَفَرٍ فَاقْطَعُوا الأَرض بِذِكْرِي وأَنْشِدوا الْقَوْمَ هِجائي يَا قِرْدان مَوْظَب، يَعْنِي قَوْمًا هُمْ فِي القِلّةِ والحَقارة كقِرْدان مَوْظَب، لَا يَكُونُ إِلا عَلَى ذَلِكَ لأَنه إِنما يَهْجُو الْقَوْمَ لَا القِرْدان.

والأَرْضُ: سَفِلة الْبَعِيرِ وَالدَّابَّةِ وَمَا وَلِيَ الأَرض مِنْهُ، يُقَالُ: بَعِيرٌ شَدِيدُ الأَرْضِ إِذا كَانَ شَدِيدَ الْقَوَائِمِ.

والأَرْضُ: أَسفلُ قَوَائِمِ الدَّابَّةِ؛ وأَنشد لِحُمَيْدٍ يَصِفُ فَرَسًا:

وَلَمْ يُقَلِّبْ أَرْضَها البَيْطارُ، ***وَلَا لِحَبْلَيْهِ بِهَا حَبارُ

يَعْنِي لَمْ يُقَلِّبْ قَوَائِمَهَا لِعِلْمِهِ بِهَا؛ وَقَالَ سُوِيدُ بْنُ كُرَاعٍ:

فرَكِبْناها عَلَى مَجْهولِها ***بصِلاب الأَرْض، فِيهنّ شَجَعْ

وَقَالَ خُفَافٌ:

إِذا مَا اسْتَحَمَّت أَرْضُه مِنْ سَمائِه ***جَرى، وَهُوَ مَوْدوعٌ وواعدُ مَصْدَقِ

وأَرْضُ الإِنسان: رُكْبتاه فَمَا بَعْدَهُمَا.

وأَرْضُ النَّعْل: مَا أَصاب الأَرض مِنْهَا.

وتأَرَّضَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ إِذا ثَبَتَ فَلَمْ يَبْرَحْ، وَقِيلَ: التَّأَرُّضُ التَّأَنِّي وَالِانْتِظَارُ؛ وأَنشد:

وصاحِبٍ نَبّهْتُه لِيَنْهَضا، ***إِذا الكَرى فِي عَيْنِهِ تَمَضْمَضا

يَمْسَحُ بِالْكَفَّيْنِ وَجْهًا أَبْيَضا، ***فَقَامَ عَجْلانَ، وَمَا تَأَرَّضَا

أَي مَا تَلَبَّثَ.

والتَّأَرُّضُ: التَّثاقُلُ إِلى الأَرض؛ " وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:

مُقِيم مَعَ الحيِّ المُقِيمِ، وقَلبْهُ ***مَعَ الراحِلِ الغَادي الَّذِي مَا تَأَرَّضا

وتَأَرَّضَ الرجلُ: قَامَ عَلَى الأَرض؛ وتَأَرَّضَ واسْتَأْرَضَ بِالْمَكَانِ: أَقامَ بِهِ ولَبِثَ، وَقِيلَ: تَمَكَّنَ.

وتَأَرَّضَ لِي: تضَرَّعَ وتعرَّضَ.

وَجَاءَ فُلَانٌ يَتَأَرَّضُ لِي أَي يتصَدَّى ويتعرَّض؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

قُبْحُ الحُطَيْئة مِنْ مُناخِ مَطِيَّةٍ ***عَوْجاءَ سائمةٍ تأَرَّضُ للقِرَى

وَيُقَالُ: أَرَّضْت الكلامَ إِذا هَيَّأْتَه وسَوَّيْتَه.

وتأَرَّضَ النَّبْتُ إِذا أَمكن أَن يُجَزَّ.

والأَرْضُ: الزُّكامُ، مُذَكَّرٌ، وَقَالَ كُرَاعٌ: هُوَ مُؤَنَّثٌ؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:

وَقَالُوا: أَنَتْ أَرْضٌ بِهِ وتَحَيَّلَتْ، ***فَأَمْسَى لِمَا فِي الصَّدْرِ والرأْسِ شَاكِيا

أَنَتْ أَدْرَكَتْ، وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ: أَتَتْ.

وَقَدْ أُرِضَ أَرْضًا وآرَضَه اللَّهُ أَي أَزْكَمَه، فَهُوَ مَأْرُوضٌ.

يُقَالُ: رَجُلٌ مَأْروضٌ وَقَدْ أُرِضَ فُلَانٌ وآرَضَه إِيراضًا.

والأَرْضُ: دُوارٌ يأْخذ فِي الرأْس عَنِ اللبنِ فيُهَراقُ لَهُ الأَنف وَالْعَيْنَانِ، والأَرْضُ، بِسُكُونِ الرَّاءِ: الرِّعْدةُ والنَّفْضةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ: أَزُلْزِلَت الأَرض أَمْ بِي أَرْضٌ؟ يَعْنِي الرِّعْدَةَ، وَقِيلَ: يَعْنِي الدُّوَارَ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ صَائِدًا:

إِذا تَوَجَّسَ رِكْزًا مِن سنَابِكها، ***أَو كَانَ صاحِبَ أَرضٍ، أَو بِهِ المُومُ

وَيُقَالُ: بِي أَرْضٌ فآرِضُوني أَي دَاوُونِي.

والمَأْرُوضُ: الَّذِي بِهِ خَبَلٌ مِنَ الْجِنِّ وأَهلِ الأَرْض وَهُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ رأْسه وَجَسَدَهُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ.

والأَرْضُ: الَّتِي تأْكل الْخَشَبَ.

وشَحْمَةُ الأَرْضِ: معروفةٌ، وشحمةُ الأَرْضِ تُسَمَّى الحُلْكة، وَهِيَ بَنات النَّقَا تَغُوصُ فِي الرَّمْلِ كَمَا يَغُوصُ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ، ويُشَبَّه بِهَا بَنان العذارَى.

والأَرَضَةُ، بِالتَّحْرِيكِ: دُودَةٌ بَيْضَاءُ شِبْهُ النَّمْلَةِ تَظْهَرُ فِي أَيام الرَّبِيعِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأَرَضَةُ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ صِغَارٌ مِثْلُ كبَار الذَّرِّ وَهِيَ آفَةُ الْخَشَبِ خَاصَّةً، وضربٌ مِثْلُ كِبَارِ النَّمْلِ ذَوَاتِ أَجنحة وَهِيَ آفَةُ كُلِّ شيءٍ مِنْ خَشَبٍ وَنَبَاتٍ، غَيْرَ أَنها لَا تَعْرِض لِلرُّطَبِ، وَهِيَ ذَاتُ قَوَائِمَ، وَالْجَمْعُ أَرَضٌ، والأَرَض اسْمٌ لِلْجَمْعِ.

والأَرْضُ: مَصْدَرُ أُرِضَت الخشبةُ تُؤْرَضُ أَرْضًا فَهِيَ مَأْرُوضة إِذا وَقَعَتْ فِيهَا الأَرَضةُ وأَكلتها.

وأُرِضَت الْخَشَبَةُ أَرْضًا وأَرِضَت أَرْضًا، كِلَاهُمَا: أَكلَتْها الأَرَضةُ.

وأَرْضٌ أَرِضةٌ وأَرِيضةٌ بَيِّنة الأَراضة: زكيَّةٌ كَرِيمَةٌ مُخَيِّلةٌ لِلنَّبْتِ وَالْخَيْرِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ الَّتِي تَرُبُّ الثَّرَى وتَمْرَحُ بِالنَّبَاتِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

بِلادٌ عَرِيضة، وأَرْضٌ أَرِيضة، ***مَدافِع ماءٍ فِي فَضاءٍ عَريض

وَكَذَلِكَ مَكَانٌ أَريضٌ.

وَيُقَالُ: أَرْضٌ أَرِيضةٌ بَيِّنةُ الأَراضَةِ إِذا كَانَتْ لَيِّنةً طَيِّبَةَ المَقْعَد كَرِيمَةً جيِّدة النَّبَاتِ.

وَقَدْ أُرِضَت، بِالضَّمِّ، أَي زَكَتْ.

وَمَكَانٌ أَرِيضٌ: خَلِيقٌ لِلْخَيْرِ؛ وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:

بَحْرٌ هِشَامُ وَهُوَ ذُو فِرَاضِ، ***بينَ فُروعِ النَّبْعةِ الغِضاضِ

وَسْط بِطاحِ مَكَّةَ الإِرَاضِ، ***فِي كلِّ وادٍ واسعِ المُفاضِ

قَالَ أَبو عَمْرٍو: الإِرَاضُ العِرَاضُ، يُقَالُ: أَرْضٌ أَريضةٌ أَي عَريضة.

وَقَالَ أَبو الْبَيْدَاءِ: أَرْض وأُرْض وإِرض وَمَا أَكْثَرَ أُرُوضَ بَنِي فُلَانٍ، وَيُقَالُ: أَرْضٌ وأَرَضُون وأَرَضات وأَرْضُون.

وأَرْضٌ أَرِيضةٌ لِلنَّبَاتِ: خَلِيقة، وإِنها لَذَاتُ إِراضٍ.

وَيُقَالُ: مَا آرَضَ هَذَا المكانَ أَي مَا أَكْثَرَ عُشْبَه.

وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا آرَضَ هَذِهِ الأَرضَ أَي مَا أَسْهَلَها وأَنْبَتَها وأَطْيَبَها؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.

وإِنها لأَرِيضةٌ لِلنَّبْتِ وإِنها لَذَاتُ أَرَاضةٍ أَي خَلِيقَةٍ لِلنَّبْتِ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَرِضَتِ الأَرْضُ تأْرَضُ أَرَضًا إِذا خَصِبَت وزَكا نباتُها.

وأَرْضٌ أَرِيضةٌ أَي مُعْجِبة.

وَيُقَالُ: نَزَلْنَا أَرْضًا أَرِيضةً أَي مُعْجِبةً للعَينِ، وشيءٌ عَرِيضٌ أَرِيضٌ: إِتباع لَهُ وَبَعْضُهُمْ يُفْرِدُهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

عَريض أَرِيض باتَ يَيْعِرُ حَوْلَه، ***وباتَ يُسَقِّينا بُطونَ الثَّعالِبِ

وَتَقُولُ: جَدْيٌ أَرِيضٌ أَي سَمِينٌ.

وَرَجُلٌ أَريضٌ بَيِّنُ الأَرَاضةِ: خَلِيقٌ لِلْخَيْرِ مُتَوَاضِعٌ، وَقَدْ أَرُضَ.

الأَصمعي: يُقَالُ هُوَ آرَضُهم أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ أَي أَخْلَقُهم.

وَيُقَالُ: فلانٌ أَرِيضٌ بِكَذَا أَي خَلِيق بِهِ.

ورَوْضةٌ أَرِيضةٌ: لَيِّنةُ المَوْطِئِ؛ قَالَ الأَخطل:

وَلَقَدْ شَرِبْتُ الخمرَ فِي حانوتِها، ***وشَرِبْتُها بأَرِيضةٍ مِحْلالِ

وَقَدْ أَرُضَتْ أَراضةً واسْتَأْرَضَت.

وامرأَة عَرِيضةٌ أَرِيضةٌ: وَلُودٌ كَامِلَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بالأَرْض.

وأَرْضٌ مأْرُوضَةٌ: أَرِيضةٌ؛ قَالَ:

أَما تَرَى بِكُلِّ عَرْضٍ مُعْرِضِ ***كلَّ رَداحٍ دَوْحَةِ المُحَوَّضِ،

مُؤْرَضة قَدْ ذَهَبَتْ فِي مُؤْرَضِ "التَّهْذِيبُ: المُؤَرِّضُ الَّذِي يَرْعَى كَلأَ الأَرْض؛ وَقَالَ ابْنُ دَالان الطَّائِيُّ:

وهمُ الحُلومُ، إِذا الرَّبيعُ تجَنَّبَتْ، ***وهمُ الرَّبيعُ، إِذا المُؤَرِّضُ أَجْدَبا

والإِرَاضُ: البِسَاط لأَنه يَلي الأَرْضَ.

الأَصمعي: الإِرَاضُ، بِالْكَسْرِ، بِسَاطٌ ضخْم مِنْ وَبَرٍ أَو صُوفٍ.

وأَرَضَ الرجلُ: أَقام عَلَى الإِرَاضِ.

وَفِي حَدِيثِ أُم مَعْبَدٍ: «فَشَرِبُوا حَتَّى آرَضُوا»؛ التَّفْسِيرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ:؛ أي شَرِبُوا عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ حَتَّى رَوُوا، مِنْ أَرَاضَ الْوَادِي إِذا اسْتَنْقَعَ فِيهِ الماءُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: حَتَّى أَراضُوا؛ أي نامُوا عَلَى الإِرَاضِ، وَهُوَ الْبِسَاطُ، وَقِيلَ: حَتَّى صَبُّوا اللَّبَنَ عَلَى الأَرْض.

وفَسِيلٌ مُسْتَأْرِضٌ وَوَديَّةٌ مُسْتَأْرِضة، بِكَسْرِ الرَّاءِ: وَهُوَ أَن يَكُونَ لَهُ عِرْقٌ فِي الأَرْضِ فأَما إِذا نَبَتَ عَلَى جِذْعِ النَّخْلِ فَهُوَ: الراكِبُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ يجيءُ المُسْتَأْرِضُ بِمَعْنَى المُتَأَرِّض وَهُوَ المُتَثاقل إِلى الأَرض؛ قَالَ سَاعِدَةُ يَصِفُ سَحَابًا:

مُسْتَأْرِضًا بينَ بَطْنِ اللَّيْثِ أَيْمنُه ***إِلى شَمَنْصِيرَ، غَيْثًا مُرْسلًا مَعَجَا

وتأَرَّضَ المنزلَ: ارْتادَه وتخيَّره لِلنُّزُولِ؛ قَالَ كثير:

تأَرَّضَ أَخفاف المُناخةِ منهمُ، ***مكانَ الَّتِي قَدْ بُعِّثَتْ فازْلأَمَّتِ

ازْلأَمَّت: ذَهَبَتْ فَمَضَت.

وَيُقَالُ: تَرَكْتُ الْحَيَّ يَتَأَرَّضون المنزِلَ أَي يَرْتادُون بَلَدًا يَنْزِلُونَهُ.

واسْتَأْرَض السحابُ: انْبَسَطَ، وَقِيلَ: ثَبَتَ وَتَمَكَّنَ وأَرْسَى؛ وأَنشد بَيْتَ سَاعِدَةَ يَصِفُ سَحَابًا: " مستاْرضًا بَيْنَ بَطْنِ اللَّيْثِ أَيمنه وأَما مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْجِنَازَةِ: مِنْ أَهل الأَرض أَم مِنْ أَهل الذِّمة "فإِنه أَي الَّذِينَ أُقِرُّوا بأَرضهم.

والأَرَاضةُ: الخِصْبُ وحسنُ الْحَالِ.

والأُرْضةُ مِنَ النَّبَاتِ: مَا يَكْفِي الْمَالُ سنَةً؛ رَوَاهُ أَبو حَنِيفَةَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

والأَرَضُ: مَصْدَرُ أَرِضَت القُرْحةُ تأْرَضُ أَرَضًا مِثَالُ تَعِبَ يَتْعَبُ تَعَبًا إِذا تفَشَّتْ ومَجِلت فَفَسَدَتْ بالمِدَّة وتقطَّعت.

الأَصمعي: إِذا فَسَدَتِ القُرْحة وتقطَّعت قِيلَ أَرِضَت تأْرَضُ أَرَضًا.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صيامَ إِلّا لِمَنْ أَرَّضَ الصِّيامَ»أَي تقدَّم فِيهِ؛ رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا صيامَ لِمَنْ لَمْ يُؤَرِّضْه مِنَ اللَّيْلِ؛ أي لَمْ يُهَيِّئْه وَلَمْ يَنْوِه.

وَيُقَالُ: لَا أَرْضَ لَكَ كَمَا يُقَالُ لَا أُمَّ لك.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


96-لسان العرب (بضع)

بضع: بَضَعَ اللحمَ يَبْضَعُه بَضْعًا وبَضَّعه تَبْضِيعًا: قَطَّعَهُ، والبَضْعةُ: القِطعة مِنْهُ؛ تَقُولُ: أَعطيته بَضعة مِنَ اللَّحْمِ إِذا أَعطيته قِطعة مُجْتَمِعَةً، هَذِهِ بِالْفَتْحِ، وَمِثْلُهَا الهَبْرة، وأَخواتها بِالْكَسْرِ، مِثْلُ القِطْعةِ والفِلْذةِ والفِدْرةِ والكِسْفةِ والخِرْقةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحصى.

وَفُلَانٌ بَضْعة مِنْ فُلَانٍ: يُذْهَب بِهِ إِلى الشبَه؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «فاطِمةُ بَضْعة منِّي»، مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تُكْسَرُ، أَي إِنها جُزء مِنِّي كَمَا أَن القِطْعة مِنَ اللَّحْمِ، وَالْجَمْعُ بَضْع مِثْلُ تَمْرة وتَمْر؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

أَضاعَتْ فَلَمْ تُغْفَرْ لَهَا غَفَلاتُها، ***فلاقَتْ بَيانًا عِنْدَ آخِرِ مَعْهَدِ

دَمًا عِنْدَ شِلْوٍ تَحْجُلُ الطيرُ حَوْلَه، ***وبَضْعَ لِحامٍ فِي إِهابٍ مُقَدَّدِ

وبَضْعة وبَضْعات مِثْلُ تمْرة وتمْرات، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بَضْعة وبِضَعٌ مِثْلُ بَدْرةٍ وبِدَرٍ، وأَنكره عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ عَلَى أَبي عُبَيْدٍ وَقَالَ: الْمَسْمُوعُ بَضْعٌ لَا غَيْرَ؛ وأَنشد:

نُدَهْدِقُ بَضْعَ اللحْمِ للباعِ والنَّدى، ***وبعضُهمُ تَغْلي بذَمٍّ مَناقِعُهْ

وبَضْعةٌ وبِضاعٌ مثل صَفْحةٍ وصِفاحٍ، وبَضْعٌ وبَضِيع، وَهُوَ نَادِرٌ، وَنَظِيرُهُ الرَّهِينُ جَمْعُ الرَّهْن.

والبَضِيعُ أَيضًا: اللَّحْمُ.

وَيُقَالُ: دَابَّةٌ كَثِيرَةُ البَضِيعِ، والبَضِيعُ: مَا انْمازَ مِنْ لَحْمِ الْفَخْذِ، الْوَاحِدُ بَضِيعة.

وَيُقَالُ: رَجُلٌ خاظِي البَضِيعِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " خاظِي البَضِيعِ لَحْمُه خَظا بَظا "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ ساعِدٌ خاظِي البَضِيعِ أَي مُمْتلِئُ اللحمِ، قَالَ: وَيُقَالُ فِي البضِيعِ اللَّحْمِ إِنه جَمْعُ بَضْعٍ مِثْلُ كلْب وكَلِيب؛ قَالَ الحادِرةُ:

ومُناخ غَيْرِ تَبِيئَةٍ عَرَّسْتُه، ***قَمِن مِنَ الحِدْثانِ، نَابِي المَضْجَعِ

عَرَّسْتُه، ووِسادُ رأْسِي ساعِدٌ ***خاظِي البَضِيعِ، عُروقه لَمْ تَدْسَعِ

أَي عُروقُ ساعِده غيرُ مُمْتَلِئَةٍ مِنَ الدَّم لأَن ذَلِكَ إِنما يَكُونُ لِلشُّيُوخِ.

وإِن فُلَانًا لشديدُ البَضْعةِ حَسَنُها إِذا كَانَ ذَا جِسم وسِمَن؛ وَقَوْلُهُ:

وَلَا عَضِل جَثْل كأَنَّ بَضِيعَه ***يَرابِيعُ، فوقَ المَنْكِبَيْن، جُثُومُ

يَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمْعَ بَضْعة وَهُوَ أَحسن لِقَوْلِهِ يَرابِيع وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ اللَّحْمَ.

وبَضَع الشيءَ يَبْضعُه: شَقَّه.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه ضَرَبَ رَجُلًا أَقْسَمَ عَلَى أُم سَلمة ثَلَاثِينَ سَوْطًا كلُّها تَبْضَع وتَحْدُر»أَي تَشقُّ الْجِلْدَ وَتَقْطَعُ وتَحْدر الدَّم، وَقِيلَ: تَحْدُر تُوَرِّم.

والبَضَعةُ: السِّياطُ، وَقِيلَ: السُّيوف، وَاحِدُهَا باضِع؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " وللسِّياطِ بَضَعَهْ "قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ سَيْفٌ باضِعٌ إِذا مَرَّ بِشَيْءٍ بضَعَه أَي قطَع مِنْهُ بَضْعة، وَقِيلَ: يَبْضَعُ كلَّ شَيْءٍ يقطَعُه؛ وَقَالَ: " مِثْلِ قُدامى النَّسْرِ مَا مَسَّ بضَعْ وَقَوْلُ أَوْس بْنِ حَجَر يَصِفُ قَوْسًا: ومَبْضُوعة منْ رأْسِ فَرْعٍ شَظِيّة يَعْنِي قَوسًا بضَعها أَي قطعَها.

والباضِعُ فِي الإِبل: مِثْلَ الدَّلَّال فِي الدُّور والباضِعةُ مِنَ الشِّجاج: الَّتِي تَقْطع الْجِلْدَ وتَشُقُّ اللَّحْمَ تَبْضَعُه بَعْدَ الْجِلْدِ وتُدْمِي إِلا أَنه لَا يَسِيلُ الدَّمُ، فإِن سَالَ فَهِيَ الدَّامِيةُ، وَبَعْدَ الباضِعة المُتلاحِمةُ، وَقَدْ ذُكِرَتِ الْبَاضِعَةُ فِي الْحَدِيثِ.

وبَضَعْتُ الجُرْحَ: شَقَقْتُه.

والمِبْضَعُ: المِشْرَطُ، وَهُوَ مَا يُبْضَعُ بِهِ العِرْق والأَدِيم.

وبَضَعَ مِنَ الْمَاءِ وَبِهِ يَبْضَعُ بُضُوعًا وبَضْعًا: رَوِيَ وامْتلأَ: وأَبْضَعني الماءُ: أَرْواني.

وَفِي الْمَثَلِ: حَتَّى مَتَى تَكْرَعُ وَلَا تَبْضَعُ؟ وَرُبَّمَا قَالُوا: سأَلني فُلَانٌ "عَنْ مسأَلة فأَبْضَعْتُه إِذا شَفَيْتَه، وإِذا شَرِبَ حَتَّى يَرْوى، قَالَ: بضَعْت أَبْضَع.

وَمَاءٌ باضِعٌ وبَضِيع: نَمِير.

وأَبْضَعه بِالْكَلَامِ وبَضَعَه بِهِ: بَيَّن لَهُ مَا يُنازِعُه حَتَّى يَشْتَفِيَ، كَائِنًا مَا كَانَ.

وبَضع هُوَ يَبْضَعُ بُضُوعًا: فَهِمَ.

وبضَعَ الكلامَ فانْبَضَعَ: بيّنَه فتبيَّن.

وبَضَع مِنْ صَاحِبِهِ يَبْضَع بُضوعًا إِذَا أَمره بِشَيْءٍ فَلَمْ يأْتَمِرْ لَهُ فسَئِمَ أَن يأْمره بِشَيْءٍ أَيضًا، تَقُولُ مِنْهُ: بَضَعْتُ مِنْ فُلَانٍ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا قَالُوا بَضَعْتُ مِنْ فُلَانٍ إِذا سَئمْت مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ.

والبُضْعُ: النِّكَاحُ؛ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ.

والمُباضَعةُ: المُجامَعةُ، وَهِيَ البِضاعُ.

وَفِي الْمَثَلِ: كمُعَلِّمة أُمَّها البِضاع.

وَيُقَالُ: ملَك فُلَانٌ بُضْع فُلَانَةٍ إِذا ملَكَ عُقْدة نِكَاحِهَا، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَوْضِعِ الغِشْيان؛ وابْتَضَعَ فُلَانٌ وَبَضَعَ إِذا تَزَوَّجَ.

والمُباضعة: المُباشرة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «وبُضْعهُ أَهلَه صَدقةٌ» أَي مُباشَرته.

وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وبَضِيعَتُه أَهلَه صدقةٌ»، وَهُوَ مِنْهُ أَيضًا.

وبَضَع المرأَةَ بَضْعًا وباضَعها مُباضعة وبِضاعًا: جامَعَها، وَالِاسْمُ البُضْع وَجَمْعُهُ بُضوع؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ:

وَفِي كَعْبٍ وإِخْوتِها، كِلابٍ، ***سَوامي الطَّرْفِ غالِيةُ البُضوعِ

سَوامي الطَّرْفِ أَي مُتأَبِّياتٌ مُعْتزَّاتٌ.

وَقَوْلُهُ: غاليةُ الْبُضُوعِ؛ كَنَّى بِذَلِكَ عَنِ المُهور اللَّوَاتِي يُوصَل بِهَا إِليهن؛ وَقَالَ آخَرُ:

عَلاه بضَرْبةٍ بَعَثَتْ بِلَيْلٍ ***نوائحَه، وأَرْخَصَتِ البُضُوعا

والبُضْعُ: مَهْرُ المرأَة.

والبُضْع: الطَّلَاقُ.

والبُضْع: مِلْك الوَلِيّ للمرأَة، قَالَ الأَزهري: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي البُضع فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الفَرج، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الجِماع، وَقَدْ قِيلَ: هُوَ عَقْد النِّكَاحِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «عَتَقَ بُضْعُكِ فاخْتارِي» أَي صَارَ فرجُك بالعِتق حُرًّا فاختارِي الثَّباتَ عَلَى زَوْجِكِ أَو مُفارَقَته.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبي أُمامةَ: أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر بِلَالًا فنادَى فِي النَّاسِ يَوْمَ صَبَّحَ خَيْبَر: أَلا مَن أَصاب حُبْلى فَلَا يَقْرَبَنَّها فإِنَّ البُضْعَ يَزيد فِي السَّمْعِ والبصَر "أَي الْجِمَاعِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ لَا يَسقِي مَاؤُهُ زرعَ غَيْرِهِ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ" عائشةَ فِي الْحَدِيثِ: «وَلَهُ حَصَّنَنِي رَبِّي مِنْ كُلِّ بُضْع»؛ تَعْني النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من كُلِّ بُضع: مِنْ كُلِّ نِكَاحٍ، وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِكْرًا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ.

وأَبْضَعْت المرأَةَ إِذا زَوَّجْتَهَا مِثْلَ أَنكحْت.

وَفِي الْحَدِيثِ: «تُسْتأْمَرُ النِّسَاءُ فِي إِبْضاعِهن»أَي فِي إِنكاحهنَّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الاسْتِبْضاع نَوْعٌ مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ اسْتِفْعال مِنَ البُضع الْجِمَاعِ، وَذَلِكَ أَن تَطْلُبَ المرأَةُ جِماع الرَّجُلِ لِتَنَالَ مِنْهُ الْوَلَدَ فَقَطْ، كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ لأَمَته أَو امرأَته: أَرسلي إِلى فُلَانٍ فاسْتَبْضِعي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا فَلَا يمَسُّها حَتَّى يتبينَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وإِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبة فِي نَجابة الْوَلَدِ.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَن عَبْدَ اللَّهِ أَبا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بامرأَة فَدَعَتْهُ إِلى أَن يَسْتَبْضِعَ مِنْهَا».

وَفِي حَدِيثِ خَدِيجةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَمَّا تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ، صلى الله عليها وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا عَمْرُو بْنُ أُسيد، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: هَذَا البُضع لَا يُقرَعُ أَنفه»؛ يُرِيدُ هَذَا الكُفْءُ الَّذِي لَا يُرَدّ نِكاحه وَلَا يُرْغَب عَنْهُ، وأَصل ذَلِكَ فِي الإِبل أَنَّ الفَحل الهَجين إِذا أَراد أَن يَضْرِبَ كَرَائِمَ الإِبل قَرَعُوا أَنفه بِعَصًا أَو غَيْرِهَا ليَرْتَدّعَنْهَا وَيَتْرُكَهَا.

والبِضاعةُ: القِطْعة مِنَ الْمَالِ، وَقِيلَ: الْيَسِيرُ مِنْهُ.

وَالْبِضَاعَةُ: مَا حَمَّلْتَ آخَرَ بَيْعَه وإِدارَتَه.

والبِضاعةُ: طائفةٌ مِنْ مَالِكٍ تَبْعَثُها لِلتِّجَارَةِ.

وأَبْضعه البِضاعَة: أَعطاه إِيّاها.

وابْتَضَع مِنْهُ: أَخذ، وَالِاسْمُ البِضاعُ كالقِراض.

وأَبْضَع الشَّيْءَ واسْتَبْضعه: جَعَلَهُ بِضاعَتَه، وَفِي الْمَثَلِ: كمُسْتَبْضِع التَّمْرِ إِلى هَجَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ هَجَرَ معدِنُ التَّمْرِ؛ قَالَ خَارِجَةُ بْنُ ضِرارٍ:

فإِنَّكَ، واسْتِبْضاعَكَ الشِّعْرَ نَحْونَا، ***كمُسْتَبْضِعٍ تَمْرًا إِلى أَهْلِ خَيْبَرا

وإِنما عُدِّي بإِلى لأَنه فِي مَعْنَى حَامِلٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ}؛ البِضاعة: السِّلْعةُ، وأَصلها القِطْعة مِنَ الْمَالِ الَّذِي يُتَّجَر فِيهِ، وَأَصْلُهَا مِنَ البَضْع وَهُوَ القَطْع، وَقِيلَ: البِضاعة جُزء مِنْ أَجزاء الْمَالِ، وَتَقُولُ: هُوَ شَرِيكي وبَضِيعي، وَهُمْ شُركائي وبُضعائي، وَتَقُولُ: أبْضَعْت بِضاعة لِلْبَيْعِ، كَائِنَةً مَا كَانَتْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: المدِينةُ كالكِير تَنْفِي خَبَثَها وتُبْضِعُ طِيبَها "؛ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَقَالَ: هُوَ مِنْ أَبْضَعْتُه بِضاعةً إِذا دَفَعْتَهَا إِليه؛ يَعْنِي أَنّ الْمَدِينَةَ تُعطِي طِيبَها ساكِنيها، وَالْمَشْهُورُ تَنْصع، بِالنُّونِ وَالصَّادِ، وَقَدْ رُوِيَ بِالضَّادِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مِنَ النَّضْخ والنَّضْح وَهُوَ رَشُّ الْمَاءِ.

والبَضْع والبِضْعُ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلى الْعَشْرِ، وَبِالْهَاءِ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلى الْعَشْرَةِ يُضَافُ إِلى مَا تُضَافُ إِليه الْآحَادُ لأَنه قِطْعة مِنَ الْعَدَدِ كَقَوْلِهِ تعالى: {فِي بِضْعِ سِنِينَ}، وتُبنى مَعَ الْعَشْرَةِ كَمَا تُبنى سَائِرُ الْآحَادِ وَذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلى تِسْعَةٍ فَيُقَالُ: بِضْعةَ عَشرَ رجُلًا وبضْع عشْرةَ جَارِيَةً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ نَسْمَعْ بِضْعَةَ عَشْرَ وَلَا بِضْعَ عَشْرَةَ وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْبِضْعُ مِنَ الثَّلَاثِ إِلى التِّسْعِ، وَقِيلَ مِنْ أَربع إِلى تِسْعٍ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: البِضْع مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلى مَا دُونُ الْعَشْرَةِ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: الْبِضْعُ لَا يَكُونُ أَقل مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا أَكثر مِنْ عَشْرَةٍ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَقمت عِنْدَهُ بِضْع سِنِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَضْع سِنِينَ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: البِضع مَا لَمْ يَبْلُغِ العِقْد وَلَا نَصِفَهُ؛ يُرِيدُ مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ إِلى أَربعة.

وَيُقَالُ: الْبِضْعُ سَبْعَةٌ، وإِذا جَاوَزَتْ لَفْظَ الْعَشْرِ ذَهَبَ الْبِضْعُ، لَا تَقُولُ: بِضْعٌ وَعِشْرُونَ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لَهُ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا وَلَهُ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ امرأَة.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ فِي قَوْلِهِ بِضْعَ سِنِينَ أَن الْبِضْعَ لَا يُذْكر إِلا مَعَ الْعَشْرِ وَالْعِشْرِينَ إِلى التِّسْعِينَ وَلَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ يَعْنِي أَنه يُقَالُ مِائَةٌ ونَيِّف؛ وأَنشد أَبو تَمّام فِي بَابِ الهِجاء مِنَ الحَماسة لِبَعْضِ الْعَرَبِ:

أَقولُ حِين أَرَى كَعْبًا ولِحْيَتَه: ***لَا بَارَكَ اللَّهُ فِي بِضْعٍ وسِتِّينِ،

مِنَ السِّنين تَمَلَّاها بِلَا حَسَبٍ، ***وَلَا حَياءٍ وَلَا قَدْرٍ وَلَا دِينِ

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِضْعًا وَثَلَاثِينَ ملَكًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «صلاةُ الجماعةِ تَفْضُل صلاةَ الْوَاحِدِ بِبِضْع وَعِشْرِينَ دَرجةً».

ومرَّ بِضْعٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي وَقْتٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والباضعةُ: قِطعة مِنَ الْغَنَمِ انْقَطَعَتْ عَنْهَا، تَقُولُ فِرْقٌ بَواضِعُ.

وتَبَضَّع الشيءُ: سالَ، يُقَالُ: جَبْهَتُه تَبْضَع وتَتَبَضَّع أَي تَسِيل عَرَقًا؛ وأَنشد لأَبي ذُؤَيْبٍ:

تأْبَى بِدِرَّتِها، إِذا مَا اسْتُغْضِبَت، ***إِلَّا الحَمِيمَ، فإِنه يَتَبَضَّعُ

يَتبضَّع: يَتفتَّحُ بالعَرَق ويَسِيلُ مُتقطِّعًا، وَكَانَ أَبو ذُؤَيْبٍ لَا يُجِيد فِي وصْفِ الْخَيْلِ، وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِمَّا تُوصَفُ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَقُولُ تأْبَى هَذِهِ الْفَرَسُ أَن تَدِرَّ لَكَ بِمَا عِنْدَهَا مِنْ جَرْي إِذا اسْتَغْضَبْتها لأَن الْفَرَسَ الجَوادَ إِذا أَعطاك مَا عِنْدَهُ مِنَ الجرْي عَفْوًا فأَكرهْته عَلَى الزِّيَادَةِ حَمَلَتْهُ عِزَّةُ النفْس عَلَى تَرْكِ العَدْو، يَقُولُ: هَذِهِ تأْبى بدرَّتها عِنْدَ إِكْراهها وَلَا تأْبى العَرَق، وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ ابْنِ الْقَطَّاعِ: إِذا مَا استُضْغِبت، وَفَسَّرَهُ بفُزِّعَت لأَن الضَّاغِبَ هو الَّذِي يَخْتَبِئُ فِي الخَمَرِ ليُفَزِّعَ بِمِثْلِ صَوْتِ الأَسد، والضُّغابُ صَوْتُ الأَرْنب.

والبَضِيعُ: العَرَقُ، والبَضيعُ: الْبَحْرُ، والبَضِيعُ: الجَزِيرةُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى بَعْضِهَا؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيّةَ الْهُذَلِيُّ:

سادٍ تَجرَّمَ فِي البَضِيعِ ثَمانِيًا، ***يَلْوي بعَيْقاتِ البِحارِ ويُجْنَبُ

سَادٍ مَقْلُوبٌ مِنَ الإِسْآدِ وَهُوَ سَيْرُ اللَّيْلِ.

تجَرَّمَ فِي البَضِيعِ أَي أَقام فِي الْجَزِيرَةِ، وَقِيلَ: تجرَّم أَي قَطعَ ثَمَانِي لَيَالٍ لَا يَبْرَح مكانَه، وَيُقَالُ لِلَّذِي يُصْبح حَيْثُ أَمْسى وَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ سادٍ، وأَصله مِنَ السُّدَى وَهُوَ المُهْمَلُ وَهَذَا الصَّحِيحُ.

والعَيْقةُ: سَاحِلُ الْبَحْرِ، يَلْوِي بَعيقات أَي يَذْهَبُ بِمَا فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ.

ويُجْنَبُ أَي تُصِيبه الجَنُوب؛ وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ فِي قَوْلِ أَبي خِراش الْهُذَلِيِّ:

فَلَمَّا رأَيْنَ الشمْسَ صَارَتْ كأَنها، ***فُوَيْقَ البَضِيعِ فِي الشُّعاعِ، خَمِيلُ

قَالَ: البَضِيعُ جَزِيرَةٌ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، يَقُولُ: لَمَّا همَّت بالمَغِيب رأَينَ شُعاعَها مِثْلَ الخَمِيلِ وَهُوَ القَطِيفة.

والبُضَيعُ مصغَّر: مَكَانٌ فِي الْبَحْرِ؛ وَهُوَ فِي شِعْرِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ:

أَسَأَلْتَ رَسْمَ الدارِ أَمْ لَمْ تَسْأَلِ ***بَيْنَ الخَوابي، فالبُضَيْعِ فحَوْمَلِ

قَالَ الأَثرم: وَقِيلَ هُوَ البُصَيْعُ، بِالصَّادِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ الأَزهري: وَقَدْ رأَيته وَهُوَ جَبَلٌ قَصِيرٌ أَسود عَلَى تَلٍّ بأَرض البلسةِ فِيمَا بَيْنَ سَيْلَ وَذَاتِ الصَّنَمين بِالشَّامِ مِنْ كُورة دِمَشْق، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ وَلَمْ يُعَيَّنْ.

والبَضِيعُ والبُضَيْعُ وباضِعٌ: مواضِعُ.

وَبِئْرٌ بُضاعة الَّتِي فِي الْحَدِيثِ، تُكْسَرُ وَتُضَمُّ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنه سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضاعة قَالَ: هِيَ بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ، وَالْمَحْفُوظُ ضَمُّ الْبَاءِ، وأَجاز بَعْضُهُمْ كَسْرَهَا وَحُكِيَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ أَبْضَعة، وَهُوَ مَلِك من كِنْدةَ بوزن أَرْنَبة، وَقِيلَ: هُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.

وَقَالَ الْبُشْتِيُّ: مَرَرْتُ بِالْقَوْمِ أَجمعين أَبضعين، بالضاد، قَالَ الأَزهري: وَهَذَا تَصْحِيفٌ وَاضِحٌ، قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ الرَّازِيُّ: الْعَرَبُ تُوَكِّد الْكَلِمَةَ بأَربعة توَاكِيدَ فَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِالْقَوْمِ أَجمعين أَكتعين أَبصعين أَبتعين، بِالصَّادِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: وهو مأْخوذ مِنَ البَصْع وَهُوَ الجمْع.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


97-لسان العرب (حلقف)

حلقف: احْلَنْقَفَ الشيءُ: أَفْرَطَ اعْوِجاجُه؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ قَالَ هِمْيانُ بْنُ قُحافَة: " وانْعاجَتِ الأَحْناء حتى احْلَنْقَفَتْ، حنف: الحَنَفُ فِي القَدَمَينِ: إقْبالُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الأُخرى بإبْهامها، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْحَافِرِ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مَيْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الإِبهامين عَلَى صَاحِبَتِهَا حَتَّى يُرى شَخْصُ أَصلِها خَارِجًا، وَقِيلَ: هُوَ انْقِلَابُ الْقَدَمِ حَتَّى يَصِيرَ بَطنُها ظهرَها، وَقِيلَ: مَيْلٌ فِي صدْر القَدَم، وَقَدْ حَنِفَ حَنَفًا، ورجُل أَحْنَفُ وامرأَة حَنْفاء، وَبِهِ سُمِّيَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْس، وَاسْمُهُ صَخْرٌ، لِحَنَفٍ كَانَ فِي رِجْلِهِ، ورِجلٌ حَنْفَاء.

الْجَوْهَرِيُّ: الأَحْنَفُ هُوَ الَّذِي يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ مِنْ شِقِّها الَّذِي يَلي خِنْصِرَها.

يُقَالُ: ضرَبْتُ فَلَانًا عَلَى رِجْلِه فَحَنَّفْتُها، وقدَم حَنْفاء.

والحَنَفُ: الاعْوِجاجُ فِي الرِّجْل، وَهُوَ أَن تُقْبِل إحْدَى إبْهامَيْ رِجْلَيْه عَلَى الأُخرى.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه قَالَ لِرَجُلٍ ارْفَعْ إزارَك، قَالَ: إِنِّي أَحْنَفُ».

الحَنَفُ: إقْبالُ القدَم بأَصابعها عَلَى الْقَدَمِ الأُخرى.

الأَصمعي: الحَنَفُ أَن تُقْبلَ إبهامُ الرِّجْل الْيُمْنَى عَلَى أُختها مِنَ الْيُسْرَى وأَن تُقْبِلَ الأُخرى إِلَيْهَا إقْبالًا شَدِيدًا؛ وأَنشد لدايةِ الأَحْنَف وَكَانَتْ تُرَقِّصُه وَهُوَ طِفْل:

واللهِ لَوْلا حَنَفٌ برِجْلِهِ، ***مَا كانَ فِي فِتْيانِكُم مِن مِثلِهِ

وَمِنْ صِلَةٌ هَاهُنَا.

أَبو عَمْرٍو: الحَنِيفُ المائِلُ مِنْ خَيْرٍ إِلَى شَرٍّ أَو مِنْ شَرٍّ إِلَى خَيْرٍ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: وَمِنْهُ أُخذ الحَنَفُ، وَاللَّهُ أَعلم.

وحَنَفَ عَنِ الشَّيْءِ وتَحَنَّفَ: مَالَ.

والحَنِيفُ: المُسْلِمُ الَّذِي يَتَحَنَّفُ عَنِ الأَدْيانِ أَي يَمِيلُ إِلَى الْحَقِّ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ قِبْلةَ البيتِ الْحَرَامِ عَلَى مِلَّةِ إبراهيمَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقِيلَ: هُوَ المُخْلِصُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْ أَسلم فِي أَمر اللَّهِ فَلَمْ يَلْتَوِ فِي شَيْءٍ، وَقِيلَ: كلُّ مَنْ أَسلم لأَمر اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَلْتَوِ، فَهُوَ حنيفٌ.

أَبو زَيْدٍ: الحَنيفُ المُسْتَقِيمُ؛ وأَنشد:

تَعَلَّمْ أَنْ سَيَهْدِيكُمْ إليْنا ***طريقٌ، لَا يُجُورُ بِكُمْ، حَنِيفُ

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا}، قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَهُوَ حَنِيفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَكَانَ عَبَدَةُ الأَوْثانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: نَحْنُ حُنَفَاء عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام سَمَّوُا الْمُسْلِمَ حَنِيفًا "، وَقَالَ الأَخفش: الحَنِيف الْمُسْلِمُ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ مَن اخْتَتَنَ وَحَجَّ الْبَيْتَ حَنِيفٌ لأَن الْعَرَبَ لَمْ تَتَمَسَّكْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ غيرِ الخِتان وحَجِّ البيتِ، فكلُّ مَنِ اخْتَتَنَ وَحَجَّ قِيلَ لَهُ حَنِيف، فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام تمادَتِ الحَنِيفِيّةُ، فالحَنِيفُ الْمُسْلِمُ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: نَصَبَ حَنِيفًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْحَالِ، الْمَعْنَى بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ فِي حَالِ حَنِيفِيَّتِهِ، وَمَعْنَى الْحَنِيفِيَّةِ فِي اللُّغَةِ المَيْلُ، والمعنَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَنَفَ إِلَى دينِ اللَّهِ وَدِينِ الإِسلامِ، وَإِنَّمَا أُخِذَ الحَنَفُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُل أَحْنَفُ ورِجْلٌ حَنْفاء، وَهُوَ الَّذِي تَمِيلُ قدَماه كلُ وَاحِدَةٍ إِلَى أُختها بأَصابعها.

الْفَرَّاءُ: الحَنِيف مَن سُنَّته الاختِتان.

وَرَوَى الأَزهري عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ}، قَالَ: حُجَّاجًا، وَكَذَلِكَ قَالَ السُّدِّيُّ.

وَيُقَالُ: تَحَنَّفَ فُلَانٌ إِلَى الشَّيْءِ تَحَنُّفًا إِذَا مَالَ إِلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا}، قَدْ قِيلَ: إِنَّ الحَنَفَ الاستقامةُ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَائِلِ الرِّجْلِ أَحنف تَفَاؤُلًا بِالِاسْتِقَامَةِ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى الْحَنِيفِيَّةِ فِي الإِسلام المَيْلُ إِلَيْهِ والإِقامةُ عَلَى عَقْدِه.

والحَنِيف: الصَّحِيحُ المَيْل إِلَى الإِسلام والثابتُ عَلَيْهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: الحَنِيف الْمُسْلِمُ وَقَدْ سُمِّيَ الْمُسْتَقِيمُ بِذَلِكَ كَمَا سمِّي الغُراب أَعْوَرَ.

وتَحَنَّفَ الرجلُ أَي عَمِلَ عَمَلَ الحَنيفيّة، وَيُقَالُ اخْتتن، وَيُقَالُ اعْتَزَلَ الأَصنام وتَعبَّد؛ قَالَ جِرانُ العَوْدِ:

ولمَّا رأَين الصُّبْحَ، بَادَرْنَ ضَوْءَه ***رَسِيمَ قَطَا البطْحاء، أَوْ هُنَّ أَقطفُ

وأَدْرَكْنَ أَعْجازًا مِن الليلِ، بَعْدَ مَا ***أَقامَ الصلاةَ العابِدُ المُتَحَنِّفُ

وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

أَقامَتْ بِهِ، كَمُقامِ الحَنِيف، ***شَهْرَيْ جُمادَى وشَهْرَيْ صَفَرْ

إِنَّمَا أَراد أَنها أَقامت بِهَذَا المُتَرَبَّع إقامةَ المُتَحَنِّفِ عَلَى هَيْكَلِه مَسْرُورًا بعَمله وتديُّنِه لِمَا يَرْجُوهُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ، وجَمْعُه حُنَفَاء، وَقَدْ حَنَفَ وتَحَنَّفَ.

والدينُ الحَنِيف: الإِسلام، والحَنيفِيَّة: مِلة الإِسلام.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَحَبُّ الأَديان إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»، وَيُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: مِلَّةٌ حَنِيفِيَّةٌ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الحَنِيفِيَّةُ الميلُ إِلَى الشَّيْءِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ.

الزَّجَّاجِيُّ: الحَنِيف فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ كَانَ يَحُجُّ البيتَ وَيَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ويخْتَتنُ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام كَانَ الحَنِيفُ المُسْلِمَ، وَقِيلَ لَهُ حَنِيف لعُدوله عَنِ الشِّرْكِ؛ قَالَ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ نُعُوتِ الليَّالي فِي شدَّة الظُّلْمَةِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي:

فَمَا شِبْهُ كَعْبٍ غيرَ أَعْتَمَ فاجِرٍ ***أَبى مُذْ دَجا الإِسْلامُ، لَا يَتَحَنَّفُ

وَفِي الْحَدِيثِ: «خَلَقْتُ عِبادِي حُنَفَاء» أَي طاهِرِي الأَعضاء مِنَ المَعاصِي.

لَا أَنهم خَلَقَهم مُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ لِقَوْلِهِ تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}، وَقِيلَ: أَراد أَنه خَلَقَهُمْ حُنَفَاء مُؤْمِنِينَ لِمَا أَخذ عَلَيْهِمِ الميثاقَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، فَلَا يُوجَدُ أَحد إِلَّا وَهُوَ مُقرّ بأَنَّ لَهُ رَبًّا وَإِنْ أَشرك بِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ.

والحُنَفاءُ: جَمْع حَنِيفٍ، وَهُوَ الْمَائِلُ إِلَى الإِسلام الثابتُ عَلَيْهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ بالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ».

وَبَنُو حَنِيفةَ: حَيٌّ وَهُمْ قَوْمُ مُسَيْلِمة الكذَّابِ، وَقِيلَ: بَنُو حَنِيفَة حَيٌّ مِنْ رَبيعة.

وحَنِيفَةُ: أَبو حَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُوَ حَنِيفَة بْنُ لُجَيم بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ؛ كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

وحَسَبٌ حَنِيفٌ أَي حديثٌ إسْلاميُّ لَا قَدِيمَ لَهُ؛ وَقَالَ ابْنُ حَبْناء التَّمِيمِيُّ:

وَمَاذَا غَيْرَ أَنَّك ذُو سِبالٍ ***تُمِسِّحُها، وَذُو حَسَبٍ حَنِيفِ؟

ابْنُ الأَعرابي: الحَنْفَاء شَجَرَةٌ، والحَنْفَاء القَوْسُ، والحَنْفَاء الْمُوسَى، والحَنْفَاء السُّلَحْفاةُ، والحَنْفَاء الحِرْباءَة، والحَنْفَاءُ الأَمَةُ المُتَلَوِّنةُ تَكْسَلُ مَرَّة وتَنْشَطُ أُخْرى.

والحَنِيفِيَّةُ: ضَرْبٌ مِنَ السُّيوفِ، مَنْسُوبَةٌ إِلَى أَحْنَفَ لأَنه أَوّل مَنْ عَمِلها، وَهُوَ مِنَ المَعْدُولِ الَّذِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

قَالَ الأَزهري: السيوفُ الحَنِيفِيَّةُ تُنْسَبُ إِلَى الأَحْنَف بْنِ قَيْسٍ لأَنه أَول مَنْ أَمر بِاتِّخَاذِهَا، قَالَ والقياسُ الأَحْنَفِيُّ.

الْجَوْهَرِيُّ: والحَنْفَاء اسْمُ مَاءٍ لَبَنِي مُعاوية بْنِ عَامِرِ بْنِ ربيعةَ، والحَنْفَاء فَرَسُ حُجْرِ بْنِ مُعاويةَ وَهُوَ أَيضًا فَرَسُ حُذَيْفةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزاريّ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هِيَ أُخْتُ داحِسٍ لأَبيه مِنْ وَلَدِ العُقّالِ، والغَبْراء خالةُ داحِس وأُخته لأَبيه، وَاللَّهُ أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


98-لسان العرب (ضيف)

ضيف: ضِفْتُ الرَّجُلَ ضَيْفًا وضِيَافَةً وتَضَيَّفْتُه: نزلتُ بِهِ ضَيْفًا ومِلْتُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: نَزَلْتُ بِهِ "وصِرْت لَهُ ضَيفًا.

وضِفْتُه وتَضَيَّفْتُه: طَلَبْتُ مِنْهُ الضِّيافةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

وجَدْت الثَّرى فِينَا إِذَا التُمِسَ الثَّرى، ***ومَنْ هُوَ يَرْجُو فَضْلَه المُتَضَيِّفُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وشاهِد ضِفْتُ الرَّجُلَ قولُ الْقَطَامِيِّ:

تَحَيَّزُ عَني خَشْيَةً أَن أَضِيفَها، ***كَمَا انْحازَتِ الأَفْعى مَخافةَ ضارِب

وَقَدْ فُسِّرَ فِي تَرْجَمَةِ حَيَزَ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «ضَافَها ضَيْفٌ فأَمَرَتْ لَهُ بمِلْحَفَةٍ صَفْرَاءَ»؛ هُوَ مِنْ ضِفْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَزَلْتَ بِهِ فِي ضِيافَتهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" النَّهْديِّ: تَضَيَّفْتُ أَبا هُرَيْرَةَ سَبْعًا.

وأَضَفْتَه وضَيَّفْتَه: أَنْزَلْتَه عَلَيْكَ ضَيْفًا وأَمَلْتَه إِلَيْكَ وقَرَّبْتَه، وَلِذَلِكَ قِيلَ: هُوَ مُضافٌ إِلَى كَذَا أَي مُمالٌ إِلَيْهِ.

وَيُقَالُ: أَضافَ فُلَانٌ فُلَانًا فَهُوَ يُضيفُه إِضَافَةً إِذَا أَلجأَه إِلَى ذَلِكَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما}؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ لأَسماء بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَارِيِّ يَصِفُ الذِّئْبَ:

ورأَيتُ حَقًّا أَن أُضَيِّفَه، ***إذْ رامَ سِلْمِي واتَّقى حَرْبي

اسْتَعَارَ لَهُ التضييفَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنه أَمَّنَه وَسَالَمَهُ.

قَالَ شَمِرٌ: سَمِعْتُ رَجَاءَ بْنَ سَلَمَة الْكُوفِيَّ يَقُولُ: ضَيَّفْتُه إِذَا أَطْعَمْتَه، قَالَ: والتَّضْيِيفُ الإِطعام، قَالَ: وأَضَافَه إِذَا لَمْ يُطْعِمْه، وَقَالَ رَجَاءٌ: فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما: يُطْعِمُوهما.

قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: أَضَافَه وضَيَّفَه عِنْدَنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَقَوْلِكَ أَكْرَمَه اللَّهُ وكرَّمه، وأَضَفْته وضَيَّفْتُه.

قَالَ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما "، سأَلاهم الإِضافةَ فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَلَوْ قُرِئت أَن يُضِيفُوهما كَانَ صَوَابًا.

وتَضَيَّفْتُه: سأَلته أَن يُضِيفَني، وأَتيتُه ضَيْفًا؛ قَالَ الأَعشى:

تَضَيَّفْتُه يَوْمًا، فأَكْرَمَ مَقْعَدي، ***وأَصْفَدَني عَلَى الزَّمانةِ قَائِدَا

وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

وَمِنَّا خَطِيبٌ لَا يُعابُ، وقائلٌ ***ومَنْ هُوَ يَرْجو فَضْلَه المُتَضَيِّفُ

وَيُقَالُ: ضَيَّفْتُه أَنزلته مَنْزِلَةَ الأَضياف.

والضَّيْفُ: المُضَيَّفُ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كعدلٍ وخَصْمٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}، وَفِيهِ: هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ "؛ عَلَى أَن ضَيْفًا قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ هَاهُنَا جَمْعَ ضَائِف الَّذِي هُوَ النَّازِلُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ زَوْرٍ وصَوْمٍ، فَافْهَمْ، وَقَدْ يكسَّر فَيُقَالُ أَضْيافٌ وضُيُوفٌ وضِيفَانٌ؛ قَالَ:

إِذَا نَزَلَ الأَضْيافُ، كَانَ عَذَوَّرًا ***عَلَى الحَيِّ حَتَّى تَسْتَقِلَّ مَراجِلُهْ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الأَضْيَافُ هُنَا بِلَفْظِ القِلَّة وَمَعْنَاهَا أَيضًا، وَلَيْسَ كَقَوْلِهِ: وأَسْيافُنا مِنْ نَجْدَةٍ تَقْطُرُ الدَّمَا فِي أَنْ الْمُرَادَ بِهَا مَعْنَى الْكَثْرَةِ، وَذَلِكَ أَمْدَحُ لأَنه إِذَا قَرَى الأَضْيافَ بمراجِلِ الْحَيِّ أَجمعَ، فَمَا ظنُّك لَوْ نَزَلَ بِهِ الضيِّفانُ الْكَثِيرُونَ؟ التَّهْذِيبِ: قَوْلُهُ هؤُلاءِ ضَيْفِي "أَي أَضيافي، تَقُولُ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي وأَضْيافي وضُيُوفِي وضِيَافي، والأُنثى ضَيْفٌ وضَيْفَةٌ، بِالْهَاءِ؛ قَالَ البَعيث:

لَقًى حَمَلَتْه أُمُّه، وَهِيَ ضَيْفَةٌ، ***فجاءَت بِيَتْنٍ للضِّيَافَة أَرْشَما

وحرَّفه أَبو عبيدة فَعَزَاهُ إِلَى جَرِيرٍ؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: أَراد بالضَّيْفَة فِي الْبَيْتِ أَنها حملتْه وَهِيَ حَائِضٌ.

يُقَالُ: ضَافَتِ المرأةُ إِذَا حَاضَتْ لأَنها مَالَتْ مِنَ الطُّهر إِلَى الحَيض، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ وَهِيَ ضَيْفَة أَي ضَافَتْ قَوْمًا فحبِلت فِي غَيْرِ دَارِ أَهلها.

واسْتَضَافَه: طَلَبَ إِلَيْهِ الضِّيافة؛ قَالَ أَبو خِراشٍ:

يَطِيرُ إِذَا الشَّعْراء ضَافَتْ بِحَلْبِه، ***كَمَا طارَ قِدْحُ المُسْتَضِيفِ المُوَشَّمُ

وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَراد أَن يَسْتَضِيف دَارَ بِقدْحٍ مُوَشَّم ليُعْلم أَنه مُسْتَضِيف.

والضَّيْفَن: الَّذِي يَتْبَعُ الضَّيْفَ، مُشْتَقٌّ مِنْهُ عِنْدَ غَيْرِ سِيبَوَيْهِ، وَجَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ ضَفَنَ وسيأْتي ذِكْرُهُ.

الْجَوْهَرِيُّ: الضَّيْفَن الَّذِي يَجِيءُ مَعَ الضَّيْفِ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ فَعْلَن وَلَيْسَ بفَيْعَلٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا جَاءَ ضَيْفٌ، جَاءَ للضَّيْفِ ضَيْفَنٌ، ***فأَوْدَى بِمَا تُقْرى الضُّيُوفُ الضَّيافِنُ

وضَافَ إِلَيْهِ: مَالَ ودَنا، وَكَذَلِكَ أَضَافَ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ يَصِفُ سَحَابًا:

حَتَّى أَضافَ إِلَى وادٍ ضَفادِعُه ***غَرْقَى رُدافَى، تَرَاهَا تَشْتَكي النَّشَجا

وضَافَنِي الهمُّ كَذَلِكَ.

والمُضَاف: المُلْصَق بِالْقَوْمِ المُمال إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ.

وكلُّ مَا أُمِيلَ إِلَى شَيْءٍ وأُسْنِد إِلَيْهِ، فَقَدْ أُضِيفَ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فَلَمَّا دخَلْناه، أَضَفْنَا ظُهورَنا ***إِلَى كلِّ حارِيٍّ قَشِيبٍ مُشَطَّبِ

أَي أَسْنَدْنا ظُهورَنا إِلَيْهِ وأَملْناها؛ وَمِنْهُ قِيلَ للدّعيِّ مُضَاف لأَنه مُسْنَدٌ إِلَى قَوْمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مُضِيفٌ ظهرَه إِلَى القُبَّة»أَي مُسْنِدُه.

يُقَالُ: أَضَفْتُه إِلَيْهِ أُضِيفُه.

والمُضَاف: المُلْزَق بِالْقَوْمِ.

وضَافَه الهمُّ أَي نزَلَ بِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

أَخُلَيْدُ، إنَّ أَباك ضَافَ وِسادَهُ ***هَمَّانِ، بَاتَا جَنْبَةً ودَخِيلا

أَي بَاتَ أَحدُ الهَمَّيْنِ جَنْبَه، وباتَ الآخرُ داخِلَ جَوْفِه.

وإضَافَةُ الِاسْمِ إِلَى الِاسْمِ كَقَوْلِكَ غُلَامُ زَيْدٍ، فَالْغُلَامُ مُضَاف وَزَيْدٌ مُضَاف إِلَيْهِ، والغَرَض بالإِضَافَة التَّخْصِيصُ وَالتَّعْرِيفُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَن يُضافَ الشَّيْءُ إِلَى نَفْسِهِ لأَنه لَا يُعَرِّفُ نَفْسَهُ، فَلَوْ عرَّفها لَمَا احْتِيجَ إِلَى الإِضافة.

وأَضَفْتُ الشَّيْءَ إِلَى الشَّيْءِ أَي أَمَلْتُه، وَالنَّحْوِيُّونَ يُسَمُّونَ الْبَاءَ حَرْفَ الإِضَافَة، وَذَلِكَ أَنك إِذَا قُلْتَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ فَقَدْ أَضَفْتَ مرورَك إِلَى زَيْدٍ بِالْبَاءِ.

وضَافَت الشَّمْسُ تَضِيفُ وضَيَّفَتْ وتَضَيَّفَتْ: دَنَتْ لِلْغُرُوبِ وقرُبت.

وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا تَضَيَّفَتِ الشمسُ لغروب»؛ تَضَيَّفَتْ: مَالَتْ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الضَّيْفُ ضَيْفًا مِنْ ضَافَ عَنْهُ يَضِيف؛ قَالَ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «ثلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنهانا أَن نُصَلِّي فِيهَا: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا تضَيَّفت لِلْغُرُوبِ، ونصفَ النَّهَارِ».

وضَافَ السهمُ: عَدَل عَنِ الهَدَف أَو الرميَّة، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ: «صافَ السَّهْمُ بِمَعْنَى ضافَ، وَالَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ضافَ، بِالضَّادِ».

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ قَالَ لَهُ ابْنُهُ: «ضِفْتُ عَنْكَ يَوْمَ بَدرٍ»؛ أي مِلْتُ عنكَ وعدَلْتُ؛ وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

جَوارِسُها تَأْوِي الشعُوفَ دَوائِبًا، ***وتَنْصَبُّ أَلْهابًا مَضِيفًا كِرابُها

أَراد ضَائِفًا كِرابُها أَي عادِلةً مُعْوَجَّةً فَوَضَعَ اسْمَ الْمَفْعُولِ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ.

والمُضَافُ: الْوَاقِعُ بَيْنَ الْخَيْلِ والأَبْطال وَلَيْسَتْ بِهِ قوَّة؛ وأَما قَوْلُ الْهُذَلِيِّ: " أَنت تُجِيبُ دَعْوةَ المَضُوفِ "فَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الْمَفْعُولَ عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ، كَمَا فُعل ذَلِكَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوِ قَوْلِهِ: يَخْرُجْن مِنْ أَجْوازِ ليلٍ غاضِي وبُنِيَ المَضُوف عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ فِي بِيع بُوعَ.

والمُضَاف: المُلْجَأُ المُحْرَجُ المُثْقَلُ بِالشَّرِّ؛ قَالَ البُرَيْق الْهُذَلِيُّ:

ويَحْمِي المُضافَ إِذَا مَا دَعَا، ***إِذَا مَا دَعَا اللِّمّة الفَيْلَمُ

هَكَذَا رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ بالإِطلاق مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ بالإِطلاق أَيْضًا مَجْرُورًا عَلَى الصِّفَةِ للِّمّة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ إِنَّمَا هِيَ الإِسكان عَلَى أَنه مِنَ الضَّرْبِ الرَّابِعِ مِنَ المُتَقارَب لأَنك إِنْ أَطلقتها فَهِيَ مُقْواة، كَانَتْ مَرْفُوعَةً أَو مَجْرُورَةً؛ أَلا تَرَى أَن فِيهَا: " بَعَثْتُ إِذَا طَلَعَ المِرْزَمُ وَفِيهَا: والعَبدَ ذَا الخُلُق الأَفْقَمَا وَفِيهَا: وأَقضي بِصَاحِبِهَا مَغْرَمِي "فَإِذَا سَكَّنْتَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَقُلْتَ المِرْزَمْ الأَفقمْ مغرمْ، سَلِمت القِطعةُ مِنَ الإِقواءِ فَكَانَ الضرْب فلْ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ حُكْمِ المتقارَب.

وأَضَفْتُه إِلَى كَذَا أَي أَلجأْته؛ وَمِنْهُ المُضَاف فِي الْحَرْبِ وَهُوَ الَّذِي أُحيط بِهِ؛ قَالَ طَرَفَةُ:

وكَرِّي إِذَا نَادَى المُضَافُ مُحَنَّبًا، ***كَسِيدِ الغَضَا، نَبَّهْتَه، المُتَوَرِّدِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمُسْتَضَاف أَيضًا بِمَعْنَى الْمُضَافِ؛ قَالَ جوَّاس بْنُ حَيّان الأَزْدِيّ:

وَلَقَدْ أُقْدِمُ في الرَّوْعِ، ***وأَحْمِي المُسْتَضَافَا

ثُمَّ قَدْ يحْمَدُني الضَّيْفُ، ***إِذَا ذَمَّ الضِّيَافَا

واسْتَضَافَ مِنْ فُلَانٍ إِلَى فُلَانٍ: لجأَ إِلَيْهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

ومارَسَني الشَّيْبُ عَنْ لِمَّتي، ***فأَصبحْتُ عَنْ حقِّه مُسْتَضِيفا

وأَضَافَ مِنَ الأَمر: أَشْفَقَ وحَذِر؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

أَقامتْ ثَلَاثًا بَيْنَ يومٍ وليلةٍ، ***وَكَانَ النَّكيرُ أَن تُضِيفَ وتَجْأَرا

وَإِنَّمَا غَلَّبَ التَّأْنِيثَ لأَنه لَمْ يَذْكُرِ الأَيام.

يُقَالُ: أَقَمْتُ عِنْدَهُ ثَلَاثًا بَيْنَ يومٍ وليلةٍ، غلَّبوا التأْنيث.

والمَضُوفَةُ: الأَمر يُشْفَقُ مِنْهُ ويُخافُ؛ قال أَبو" جُنْدُبٍ الْهُذَلِيُّ:

وكُنْتُ إِذا جَارِي دَعا لِمَضُوفةٍ، ***أُشَمِّرُ حَتَّى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَري

يَعْنِي الأَمْر يُشْفِقُ مِنْهُ الرَّجُل؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَهَذَا الْبَيْتُ يُرْوَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: عَلَى المَضُوفَةِ، والمَضِيفَةِ، والمُضَافَةِ؛ وَقِيلَ: ضَافَ الرَّجلُ وأَضَافَ خَافَ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وَجْهَهُ: «أَنَّ ابْنَ الكَوَّاء وقَيْسَ بْنَ عَبادٍ جَاآهُ فَقَالَا لَهُ: أَتَيْناكَ مُضَافَين مُثْقَلَيْنِ»؛ مُضَافَين؛ أي خائفَين، وَقِيلَ: مُضَافَين مُلْجَأَيْن.

يُقَالُ: أَضَافَ مِنَ الأَمر إِذَا أَشْفَق.

وحَذِر مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ إِذَا ضَمَّه إِلَيْهِ.

يُقَالُ: أَضَافَ مِنَ الأَمر وضَافَ إِذَا خَافَهُ وأَشْفَقَ مِنْهُ.

والمَضُوفَة: الأَمر الَّذِي يُحذَرُ مِنْهُ ويُخافُ، وَوَجْهُهُ أَن تَجْعَلَ المُضَافَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الإِضَافَة كالمُكْرَم بِمَعْنَى الإِكْرام، ثُمَّ تصفَ بِالْمَصْدَرِ، وَإِلَّا فَالْخَائِفُ مُضِيف لَا مُضاف.

وَفُلَانٌ فِي ضِيفِ فُلَانٍ أَي فِي نَاحِيَتِهِ.

والضِّيفُ: جَانِبَا الْجَبَلِ وَالْوَادِي، وَفِي التَّهْذِيبِ: الضِّيفُ جانِبُ الْوَادِي؛ وَاسْتَعَارَ بَعْضُ الأَغْفالِ الضِّيفَ للذَّكر فَقَالَ:

حَتَّى إِذَا وَرَّكْت مِنْ أُتَيْرِ ***سَوَادَ ضِيفَيْهِ إِلَى القُصَيْرِ

وتَضَايَفَ الوادب: تضايَقَ.

أَبو زَيْدٍ: الضِّيفُ، بِالْكَسْرِ، الجَنْبُ؛ قَالَ:

يَتْبَعْنَ عَوْدًا يَشْتَكي الأَظَلَّا، ***إِذَا تَضَايَفْنَ عَلَيْهِ انْسَلَّا

يَعْنِي إِذَا صِرْنَ مِنْهُ قَرِيبًا إِلَى جَنْبِه، وَالْقَافُ فِيهِ تَصْحِيفٌ.

وتَضايَفَه الْقَوْمُ إِذَا صَارُوا بِضِيفَيْه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ العَدُوَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَنُوا فِي أَحناء الْوَادِي ومَضايفه».

والضِّيفُ: جانِبُ الْوَادِي.

وناقةٌ تُضِيفُ إِلَى صَوْتِ الْفَحْلِ أَي إِذَا سَمِعَتْهُ أَرادت أَن تأْتيه؛ قَالَ البُرَيْقُ الْهُذَلِيُّ:

منَ المُدَّعِينَ إِذَا نُوكِروا، ***تُضِيفُ إِلَى صَوْتِه الغَيْلَمُ

الْغَيْلَمُ: الجاريةُ الحَسْناء تَسْتأْنِسُ إِلَى صَوْتِهِ؛ وَرِوَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ: " تُنِيفُ إِلَى صَوته الْغَيْلَمُ فصل الطاء المهملة "طحف: الأَزهري: اللَّيْثُ الطَّحْفُ حَبٌّ يَكُونُ بِالْيَمَنِ يُطْبخ؛ قَالَ الأَزهري: هُوَ الطَّهْفُ، بِالْهَاءِ، وَلَعَلَّ الْحَاءَ تُبْدَلُ من الهاء.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


99-لسان العرب (خلق)

خلق: اللَّهُ تَعَالَى وتقدَّس الخالِقُ والخَلَّاقُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ}؛ وَفِيهِ: بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ؛ وإِنما قُدّم أَوَّل وَهْلة لأَنه مِنْ أَسماء اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ.

الأَزهري: وَمِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَالِقُ والخلَّاق وَلَا تَجُوزُ هَذِهِ الصِّفَةُ بالأَلف وَاللَّامِ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الَّذِي أَوجد الأَشياء جَمِيعَهَا بَعْدَ أَن لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وأَصل الْخَلْقِ التَّقْدِيرُ، فَهُوَ باعْتبار تَقْدِيرِ مَا مِنْهُ وجُودُها وَبِالِاعْتِبَارِ للإِيجادِ عَلَى وَفْقِ التَّقْدِيرِ خالقٌ.

والخَلْقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: ابتِداع الشَّيْءِ عَلَى مِثال لَمْ يُسبق إِليه: وَكُلُّ شَيْءٍ خلَقه اللَّهُ فَهُوَ مُبْتَدِئه عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سُبق إِليه: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ:

***فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ

قَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري: الْخَلْقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما الإِنْشاء عَلَى مِثَالٍ أَبْدعَه، وَالْآخَرُ التَّقْدِيرُ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ}، مَعْنَاهُ أَحسن المُقدِّرين؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}؛ أَي تُقدِّرون كَذِبًا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِخَلْقه}؛ تَقْدِيرُهُ، وَلَمْ يَرِدْ أَنه يُحدِث مَعْدُومًا.

ابْنُ سِيدَهْ: خَلق اللَّهُ الشَّيْءَ يَخلُقه خَلْقًا أَحدثه بَعْدَ أَن لَمْ يَكُنْ، والخَلْقُ يَكُونُ الْمَصْدَرَ وَيَكُونُ المَخْلُوقَ؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ}؛ أَي يخلُقكم نُطَفًا ثُمَّ عَلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ عِظامًا ثُمَّ يَكسُو العِظام لَحْمًا ثُمَّ يُصوّر ويَنفُخ فِيهِ الرُّوح، فَذَلِكَ مَعْنَى خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍفِي البَطن والرَّحِم والمَشِيمةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الأَصلاب وَالرَّحِمِ وَالْبَطْنِ؛ وَقَوْلُهُ تعالى: {الَّذِي أَحسَنَ كلَّ شَيْءٍ خَلْقَه}؛ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ بِهِ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوجه: فَقَالَ خَلْقًا مِنْهُ، وَقَالَ خَلْقَ كلِّ شَيْءٍ، وَقَالَ عَلَّم كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَه؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ دِينَ اللَّهِ لأَن اللَّهَ فَطَر الخَلْقَ عَلَى الإِسلام وخلَقهم مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كالذّرِّ، وأَشْهَدَهم أَنه رَبُّهُمْ وَآمَنُوا، فَمَنْ كَفَرَ فَقَدْ غيَّر خَلْقَ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ الخِصاء لأَنَّ مَنْ يَخْصِي الْفَحْلَ فَقَدْ غيَّر خَلْقَ اللَّهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، أَي دِينَ اللَّهِ؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلى أَن قولهما حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ الإِيمان مَخْلُوقٌ وَلَا حَجَّةَ لَهُ، لأَن قَوْلَهُمَا دِين اللَّهِ أَرادا حُكْمَ اللَّهِ، والدِّينُ الحُكْم، أَي فَلَيُغَيِّرُنَّ حُكْمَ اللَّهِ والخَلْق الدِّينُ.

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}؛ قَالَ قَتَادَةُ: لدِين اللَّهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَقدِر أَحد أَن يُبَدِّلَ" مَعْنَى صِحَّةِ الدِّينِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}؛ أَي قُدرتُنا عَلَى حَشْركم كَقُدْرَتِنَا عَلَى خَلْقِكم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ تَخلَّق لِلنَّاسِ بِمَا يَعلم اللهُ أَنه لَيْسَ مِنْ نَفسه شانَه اللَّهُ»؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: قَوْلُهُ تخلَّق أَي أَظهر فِي خُلُقِه خِلَافَ نِيَّتِهِ.

ومُضْغةٌ مُخلَّقة أَي تَامَّةُ الْخَلْقِ.

وَسُئِلَ أَحمد بْنُ يَحْيَى عَنِ قَوْلِهِ تعالى: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}، فَقَالَ: النَّاسُ خُلِقوا عَلَى ضَرْبَيْنِ: مِنْهُمْ تَامُّ الخَلق، وَمِنْهُمْ خَدِيجٌ نَاقِصٌ غَيْرُ تَامٍّ، يدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مُخَلَّقَةٌ قَدْ بَدَا خَلْقُها}، وَغَيْرُ مُخَلَّقَةٍ لَمْ تُصوَّر.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ: لَا وَالَّذِي خَلَق الخُلُوق مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ؛ يُرِيدُ جَمْعَ الخَلْقِ.

وَرَجُلٌ خَلِيقٌ بَيِّنُ الخَلْق: تامُّ الخَلْق مُعْتَدِلٌ، والأُنثى خَلِيق وخَلِيقة ومُخْتَلَقةٌ، وَقَدْ خَلُقَت خَلاقة.

والمُخْتلَق: كالخَليق، والأُنثى مُخْتلَقة.

وَرَجُلٌ خَلِيق إِذا تَمَّ خَلقُه، وَالنَّعْتُ خَلُقت المرأَة خَلاقة إِذا تَمَّ خَلْقها.

وَرَجُلٌ خَلِيق ومُخْتلَق: حسَنُ الخَلْقِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: امرأَة خَلِيقة ذَاتُ جِسْمٍ وخَلْق، وَلَا يُنْعَتُ بِهِ الرَّجُلُ.

والمُخْتلَق: التامُّ الخَلْق والجَمالِ المُعتدِل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ البُرْج بْنِ مُسْهِر:

فَلَمَّا أَن تَنَشَّى، قامَ خِرْقٌ ***مِنَ الفِتْيانِ، مُختَلَقٌ هَضِيمُ

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وقَتلِه أَبا جَهْلٍ: «وَهُوَ كالجَمل المُخَلَّقِ»؛ أي التامِّ الخَلْقِ.

والخَلِيقةُ: الخَلْقُ والخَلائقُ، يُقَالُ: هُمْ خَلِيقةُ اللَّهِ وَهُمْ خَلْق اللَّهِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَجَمْعُهَا الْخَلَائِقُ.

وَفِي حَدِيثِ الخَوارِج: «هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقةِ»؛ الخَلْقُ: النَّاسُ، والخَليقةُ: الْبَهَائِمُ، وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيُرِيدُ بِهِمَا جَمِيعَ الْخَلَائِقِ.

والخَلِيقةُ: الطَّبِيعة الَّتِي يُخلَق بِهَا الإِنسان.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: هَذِهِ خَلِيقتُه الَّتِي خُلق عَلَيْهَا وخُلِقَها وَالَّتِي خُلِق؛ أَراد الَّتِي خُلِق صَاحِبُهَا، وَالْجَمْعُ الخَلائق؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فاقْنَعْ بِمَا قَسَمَ المَلِيكُ، فإِنَّما ***قَسَمَ الخلائقَ، بَيْنَنَا، عَلَّامُها

والخِلْقةُ: الفِطْرة.

أَبو زَيْدٍ: إِنه لَكَرِيمُ الطَّبِيعة والخَلِيقةِ والسَّلِيقةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

والخَلِيقُ: كالخَلِيقة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ: وَقَالَ القَنانِي فِي الْكِسَائِيِّ:

وَمَا لِي صَدِيقٌ ناصِحٌ أَغْتَدِي لَهُ ***ببَغْدادَ إِلَّا أَنتَ، بَرٌّ مُوافِقُ

يَزِينُ الكِسائيَّ الأَغرَّ خَلِيقُه، ***إِذا فَضَحَتْ بعْضَ الرِّجالِ الخَلائقُ

وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الخَلِيقُ جَمْعَ خَلِيقة كَشَعِيرٍ وَشَعِيرَةٍ، قَالَ: وَهُوَ السابِق إِليّ، والخُلُق الخَلِيقة أَعني الطَّبِيعة.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وَالْجَمْعُ أَخْلاق، لَا يُكسّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

والخُلْق والخُلُق: السَّجِيّة.

يُقَالُ: خالِصِ المُؤْمنَ وخالِقِ الْفَاجِرَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ شَيْءٌ فِي الْمِيزَانِ أَثْقلَ مِنْ حُسن الخُلُق»؛ الخُلُقُ، بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهَا: وَهُوَ الدِّين والطبْع وَالسَّجِيَّةُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنه لِصورة الإِنسان الْبَاطِنَةِ وَهِيَ نفْسه وأَوصافها وَمَعَانِيهَا المختصةُ بِها بِمَنْزِلَةِ الخَلْق لِصُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ وأَوصافها وَمَعَانِيهَا، وَلَهُمَا أَوصاف حسَنة وَقَبِيحَةٌ، والثوابُ وَالْعِقَابُ" يَتَعَلَّقَانِ بأَوصاف الصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ أَكثر مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بأَوصاف الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلِهَذَا تَكَرَّرَتِ الأَحاديث فِي مَدح حُسن الْخُلُقِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ: مِن أَكثر مَا يُدخل الناسَ الجنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وحُسْنُ الْخُلُقِ، وقولِه: أَكملُ المؤْمنين إِيمانًا أَحْسنُهم خلُقًا، وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْعَبْدَ ليُدرك بحُسن خُلقه درجةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَقَوْلُهُ: بُعِثت لأُتَمِّم مَكارِم الأَخلاق "؛ وَكَذَلِكَ جَاءَتْ فِي ذَمِّ سُوءِ الْخُلُقِ أَيضًا أَحاديث كَثِيرَةٌ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ خُلُقه القرآنَ»؛ أي كَانَ مُتَمَسِّكًا بِهِ وَبِآدَابِهِ وأَوامره وَنَوَاهِيهِ وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَكَارِمِ وَالْمَحَاسِنِ والأَلطاف.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «مَنْ تخلَّق لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنه لَيْسَ مِنْ نَفْسه شانَه اللَّهُ»؛ أي تكلَّف أَن يُظهر مِنْ خُلُقه خِلاف مَا يَنطوِي عَلَيْهِ، مِثْلُ تصَنَّعَ وتجَمَّل إِذا أَظهر الصَّنِيع وَالْجَمِيلَ.

وتَخلَّق بخلُق كَذَا: اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَن يَكُونَ مَخْلُوقًا فِي فِطْرته، وَقَوْلُهُ تخلَّق مِثْلَ تَجمَّل أَي أَظهر جَمالًا وَتَصَنَّعَ وتَحسَّن، إِنَّما تأْوِيلُه الإِظْهار.

وَفُلَانٌ يَتخلَّق بِغَيْرِ خُلقه أَي يَتكلَّفه؛ قَالَ سَالِمُ بْنُ وابِصةَ:

يَا أَيُّها المُتحلِّي غيرَ شِيمَتِه، ***إِن التَّخَلُّق يأْتي دُونه الخُلُقُ

أَراد بِغَيْرِ شِيمته فَحَذَفَ وأَوصَل.

وخالَقَ الناسَ: عاشَرهم عَلَى أَخلاقِهم؛ قَالَ:

خالِقِ الناسَ بخُلْقٍ حَسَنٍ، ***لَا تَكُنْ كلْبًا عَلَى الناسِ يَهِرّ

والخَلْق: التَّقْدِيرُ؛ وخلَق الأَدِيمَ يَخْلُقه خَلْقًا: قدَّره لما يريد قَبْلَ الْقَطْعِ وَقَاسَهُ لِيَقْطَعَ مِنْهُ مَزادةً أَو قِربة أَو خُفًّا؛ قَالَ زُهَيْرٌ يَمْدَحُ رَجُلًا:

ولأَنتَ تَفْري مَا خَلَقْتَ، وبعضُ ***القومِ يَخْلُقُ، ثُمَّ لَا يَفْري

يَقُولُ: أَنت إِذا قدَّرت أَمرًا قَطَعْتَهُ وأَمضيتَه وغيرُك يُقدِّر مَا لَا يَقطعه لأَنه لَيْسَ بِمَاضِي العَزْم، وأَنتَ مَضّاء عَلَى مَا عَزَمْتَ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:

أَرادُوا أَن تُزايِلَ خالِقاتٌ ***أَدِيمَهُمُ، يَقِسْنَ ويَفْتَرِينا

يَصِفُ ابْنَيْ نِزار مِنْ مَعدّ، وَهُمَا رَبِيعةُ ومُضَر، أَراد أَن نسَبهم وأَدِيمهم وَاحِدٌ، فإِذا أَراد خالقاتُ الأَديم التفْرِيقَ بَيْنَ نسَبهم تبيَّن لَهُنَّ أَنه أَديم وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ خَلْقُه لِلْقَطْعِ، وضرَب النِّسَاءَ الخالِقاتِ مَثَلًا لِلنَّسَّابِينَ الَّذِينَ أَرادوا التَّفْرِيقَ بَيْنَ ابْنَيْ نِزار، وَيُقَالُ: زايَلْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وزيَّلْتُ إِذا فَرَّقْت.

وَفِي حَدِيثِ أُخت أُمَيَّةَ بْنُ أَبي الصَّلْت قَالَتْ: «فدخَلَ عليَّ وأَنا أَخلُقُ أَدِيمًا»؛ أي أُقَدِّره لأَقْطَعه.

وَقَالَ الْحَجَّاجُ: مَا خَلَقْتُ إِلَّا فَرَيْتُ، وَلَا وَعَدْتُ إِلَّا وَفَيْتُ.

والخَلِيقةُ: الحَفِيرة المَخْلوقة فِي الأَرض، وَقِيلَ: هِيَ الأَرض، وَقِيلَ: هِيَ الْبِئْرُ الَّتِي لَا ماءَ فِيهَا، وَقِيلَ: هِيَ النُّقْرة فِي الْجَبَلِ يَسْتَنقِع فِيهَا الْمَاءُ، وَقِيلَ: الْخَلِيقَةُ الْبِئْرُ سَاعَةَ تُحْفَر.

ابْنُ الأَعرابي: الخُلُق الآبارُ الحَدِيثاتُ الحَفْر.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: رأَيت بِذِرْوة الصَّمّان قِلاتًا تُمْسِك ماءَ السَّمَاءِ فِي صَفاةٍ خَلَقها اللَّهُ فِيهَا تُسَمِّيهَا الْعَرَبُ خَلائقَ، الْوَاحِدَةُ خَلِيقةٌ، ورأَيت بالخَلْصاء مِنْ جِبَالِ الدَّهْناء دُحْلانًا خَلَقَهَا اللَّهُ فِي بُطُونِ الأَرض أَفواهُها ضَيِّقَةٌ، فإِذا دَخَلَهَا الدَّاخِلُ وَجَدَهَا تَضِيقُ مَرَّةً وتَتَّسِعُ أُخرى، ثُمَّ يُفْضي المَمَرُّ فِيهَا إِلى قَرار لِلْمَاءِ وَاسِعٍ لَا يُوقَفُ عَلَى أقْصاه، "وَالْعَرَبُ إِذا تَرَبَّعوا الدَّهْنَاءَ وَلَمْ يَقَعَ رَبِيعٌ بالأَرضِ يَمْلأُ الغُدْرانَ استَقَوْا لِخَيْلِهِمْ وَشِفَاهِهِمْ مِنْ هَذِهِ الدُّحْلان.

والخَلْقُ: الْكَذِبُ.

وخلَق الكذبَ والإِفْكَ يخلُقه وتخَلَّقَه واخْتَلَقَه وافْتراه: ابتدَعه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}.

وَيُقَالُ: هَذِهِ قَصِيدَةٌ مَخْلوقة أَي مَنْحولة إِلى غَيْرِ قَائِلِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلِهِ تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}، فَمَعْنَاهُ كَذِبُ الأَولين، وخُلُق الأَوَّلين قِيلَ: شِيمةُ الأَولين، وَقِيلَ: عادةُ الأَوَّلين؛ ومَن قرأَ خُلُقُ الْأَوَّلِينَفَمَعْنَاهُ افْتِراءُ الأَوَّلين؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ قرأَ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ" أَراد اختِلاقهم وَكَذِبَهُمْ، وَمَنْ قرأَ خُلُق الأَولين "، وَهُوَ أَحبُّ إِليَّ، الْفَرَّاءُ: أَراد عَادَةَ الأَولين؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ حدَّثنا فُلَانٌ بأَحاديث الخَلْق، وَهِيَ الخُرافات مِنَ الأَحاديث المُفْتَعَلةِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ" أَي تَخَرُّص.

وَفِي حَدِيثِ أَبي طَالِبٍ: «إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ»؛ أي كَذِبٌ، وَهُوَ افْتِعال مِنَ الخَلْق والإِبْداع كأَنَّ الْكَاذِبَ تخلَّق قَوْلَهُ، وأَصل الخَلق التَّقْدِيرُ قَبْلَ الْقَطْعِ.

اللَّيْثُ: رَجُلٌ خالِقٌ أَي صَانِعٌ، وهُنَّ الخالقاتُ لِلنِّسَاءِ.

وخلَق الشيءُ خُلوقًا وخُلوقةً وخَلُقَ خَلاقةً وخَلِق وأَخْلَق إِخْلاقًا واخْلَوْلَق: بَلِيَ؛ قَالَ:

هاجَ الهَوى رَسْمٌ، بذاتِ الغَضَا، ***مُخْلَوْلِقٌ مُسْتَعْجِمٌ مُحْوِلُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ خَلُقَ قَوْلُ الأَعشى:

أَلا يَا قَتْل، قَدْ خَلُقَ الجَديدُ، ***وحُبُّكِ مَا يَمِحُّ [يَمُحُ] وَلَا يَبِيدُ

وَيُقَالُ أَيضًا: خَلُق الثوبُ خُلوقًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

مَضَوْا، وكأَنْ لَمْ تَغْنَ بالأَمسِ أَهْلُهُم، ***وكُلُّ جَدِيدٍ صائِرٌ لِخُلُوقِ

وَيُقَالُ: أَخْلَقَ الرَّجُلُ إِذا صَارَ ذَا أَخْلاق؛ قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:

عَجِبَتْ أُثَيْلةُ أَنْ رأَتْني مُخْلِقًا؛ ***ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ أَيُّ ذَاكَ يَرُوعُ؟

قَدْ يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتى، ورِداؤه ***خَلَقٌ، وجَيْبُ قَميصِه مَرْقُوعُ

وأَخْلَقْته أَنا، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى.

وشيءٌ خَلَقٌ: بالٍ، الذَّكَرُ والأُنثى فِيهِ سَوَاءٌ لأَنه فِي الأَصل مَصْدَرُ الأَخْلَقِ وَهُوَ الأَمْلَس.

يُقَالُ: ثَوْبٌ خَلَق ومِلْحفة خَلَق وَدَارٌ خَلَقٌ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ لَمْ نَسْمَعْهُمْ قَالُوا خَلَقة فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ.

وجِسْمٌ خَلَقٌ ورِمّة خَلَق؛ قَالَ لَبِيدٌ:

والثِّيبُ إِنْ تَعْرُ مِنِّي رِمَّةً خَلَقًا، ***بعدَ المَماتِ، فإِني كنتُ أَتَّئِرُ

وَالْجَمْعُ خُلْقانٌ وأَخْلاق.

وَقَدْ يُقَالُ: ثَوْبٌ أَخلاق يَصِفُونَ بِهِ الْوَاحِدَ، إِذا كَانَتِ الخلُوقة فِيهِ كلِّهِ كَمَا قَالُوا بُرْمةٌ أَعْشار وَثَوْبٌ أَكْياشٌ وحبْل أَرْمامٌ وأَرضٌ سَباسِبٌ، وَهَذَا النَّحْوُ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ مُلاءَة أَخْلاق وبُرْمة أَخْلاق؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي نَوَاحِيهَا أَخْلاق، قَالَ: وَهُوَ مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي فُرِّقَ ثُمَّ جُمِع، قَالَ: وَكَذَلِكَ حَبْل أَخلاق وقِرْبة أَخلاق؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

التَّهْذِيبُ: يُقَالُ ثَوْبٌ أَخلاق يُجمعبِمَا حَوْلَهُ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:

جاءَ الشِّتاءُ، وقَمِيصي أَخْلاقْ ***شَراذِمٌ، يَضْحَكُ مِنْهُ التَّوَّاقْ

والتَّوّاقُ: ابْنُهُ.

وَيُقَالُ جُبّة خَلَق، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَجَدِيدٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ أَيضًا، وَلَا يَجُوزُ جُبَّة خلَقة وَلَا جَديدة.

وَقَدْ خَلُق الثَّوْبُ، بِالضَّمِّ، خُلوقة أَي بَلِيَ، وأَخلَق الثَّوْبُ مِثْلُهُ.

وَثَوْبٌ خَلَقٌ: بالٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

كأَنَّهما، والآلُ يَجْرِي عَلَيْهِمَا ***مِنَ البُعْدِ، عَيْنا بُرْقُعٍ خَلَقانِ

قَالَ الْفَرَّاءُ: وإِنما قِيلَ لَهُ خَلقٌ بِغَيْرِ هَاءٍ لأَنه كَانَ يُسْتَعْمَلُ فِي الأَصل مُضَافًا فَيُقَالُ أَعطِني خَلَقَ جُبَّتك وخَلَقَ عِمامتِك، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الإِفراد كَذَلِكَ بِغَيْرِ هَاءٍ؛ قَالَ الزَّجَّاجِيُّ فِي شَرْحِ رِسَالَةِ أَدب الْكَاتِبِ: لَيْسَ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ بِشَيْءٍ لأَنه يُقَالُ لَهُ فلمَ وَجَبَ سُقوط الْهَاءِ فِي الإِضافة حَتَّى حُمل الإِفراد عَلَيْهَا؟ أَلا تَرَى أَن إِضافة الْمُؤَنَّثِ إِلى الْمُؤَنَّثِ لَا تُوجِبُ إسقاط العلاقة مِنْهُ، كقولهِ مخدّةُ هِند ومِسْوَرةُ زَينب وَمَا أَشبه ذَلِكَ؟ وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: أَصبحت ثِيَابُهُمْ خُلْقانًا وخَلَقُهم جُدُدًا، فَوَضَعَ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ الخُلقان.

ومِلْحفة خُلَيْقٌ: صغَّروه بِلَا هَاءٍ لأَنه صِفَةٌ وَالْهَاءُ لَا تَلْحَقُ تَصْغِيرَ الصِّفَاتِ، كَمَا قَالُوا نُصَيف فِي تَصْغِيرِ امرأَة نَصَف.

وأَخْلق الدّهرُ الشيءَ: أَبلاه؛ وَكَذَلِكَ أَخْلَق السائلُ وجهَه، وَهُوَ عَلَى الْمَثَلِ.

وأَخلقَه خَلَقًا: أَعطاه إِياها.

وأَخلَق فُلَانٌ فُلَانًا: أَعطاه ثَوْبًا خَلقًا.

وأَخلقْته ثَوْبًا إِذا كسَوْته ثَوْبًا خَلَقًا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدًا عَلَى أَخْلَق الثوبُ لأَبي الأَسود الدُّؤَلِيِّ:

نَظَرْتُ إِلى عُنْوانِه فنَبَذْتُه، ***كنَبذِكَ نعْلًا أَخْلَقَتْ مِنْ نِعالِكا

وَفِي حَدِيثِ أُم خَالِدٍ: «قَالَ لَهَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْلي وأَخْلِقِي»؛ يُرْوَى بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، فَبِالْقَافِ مِنْ إِخلاق الثَّوْبِ وَتَقْطِيعِهِ مِنْ خَلُق الثوبُ وأَخلَقه، وَالْفَاءُ بِمَعْنَى العِوَض والبَدَل، قَالَ: وَهُوَ الأَشبه.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: باعَه بيْع الخلَق، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ؛ وأَنشد:

أَبْلِغْ فَزارةَ أَنِّي قَدْ شَرَيْتُ لَهَا ***مَجْدَ الحياةِ بِسَيْفِي، بَيْعَ ذِي الخَلَقِ

والأَخْلَقُ: الليِّن الأَملسُ المُصْمَتُ.

والأَخلَق: الأَملس مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وهَضْبة خَلْقاء: مُصمتة مَلْساء لَا نَبَاتَ بِهَا.

وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ إِنما الْفَقِيرُ الأَخْلَقُ الكَسْبِ "؛ يَعْنِي الأَملس مِنَ الحَسنات الَّذِي لَمْ يُقدِّم لِآخِرَتِهِ شَيْئًا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ أَراد أَن الْفَقْرَ الأَكبر إِنما هُوَ فَقْرُ الْآخِرَةِ وأَنّ فَقْرَ الدُّنْيَا أَهون الْفَقْرَيْنِ، وَمَعْنَى وَصْفِ الْكَسْبِ بِذَلِكَ أَنه وَافِرٌ مُنْتظِم لَا يَقَعُ فِيهِ وَكْسٌ وَلَا يَتحيَّفُه نَقْص، كَقَوْلِ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَيْسَ الرَّقُوب الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ وَلَدٌ وإِنما الرَّقُوبُ الَّذِي لَمْ يُقدِّم مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، هَذَا مثَل لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يُرْزَأُ فِي مَالِهِ، وَلَا يُصاب بِالْمَصَائِبِ، وَلَا يُنكَب فيُثاب عَلَى صَبْرِهِ فِيهِ، فإِذا لَمْ يُصَبْ وَلَمْ يُنكب كَانَ فَقِيرًا مِنَ الثَّوَابِ؛ وأَصل هَذَا أَن يُقَالَ لِلْجَبَلِ الْمُصْمَتِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْءٌ أَخلَقُ.

وَفِي حَدِيثِ فاطمةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «وأَما مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ أَخلَقُ مِنَ الْمَالِ» أَي خِلْوٌ عارٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ حَجر أَخلَقُ أَي أَمْلَسُ مُصْمَت لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْءٌ.

وَصَخْرَةٌ خَلْقاء إِذا كَانَتْ مَلْساء؛ وأَنشد للأَعشى:

قَدْ يَتْرُك الدهْرُ فِي خَلْقاءَ راسيةٍ ***وَهْيًا، ويُنْزِلُ مِنْهَا الأَعْصَمَ الصَّدَعا

فأَراد عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَن الفَقْر الأَكبر إِنما هُوَ فقرُ الْآخِرَةِ لِمَنْ لَمْ يُقدِّم مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُثَابُ عَلَيْهِ هُنَالِكَ.

والخَلْق: كُلُّ شَيْءٍ مُمَلَّس.

وَسَهْمٌ مُخَلَّق: أَملَسُ مُستوٍ.

وَجَبَلٌ أَخلقُ: ليِّن أَملس.

وَصَخْرَةٌ خَلْقاء بيِّنة الخَلَق: لَيْسَ فِيهَا وَصْم وَلَا كَسْرٌ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ فَرَسًا:

بمُقَلِّصٍ دَرْكِ الطَّرِيدةِ، مَتْنُه ***كصَفا الخَلِيقةِ بالفَضاءِ المُلْبِدِ

والخَلِقةُ: السحابةُ الْمُسْتَوِيَةُ المُخِيلةُ لِلْمَطَرِ.

وامرأَة خُلَّقٌ وخَلْقاء: مِثْلُ الرَّتْقاء لأَنها مُصْمَتة كالصَّفاة الخَلْقاء؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مَثَل بالهَضْبة الخَلْقاء لأَنها مُصمتة مِثْلُهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كُتب إِليه فِي امرأَة خَلْقاء تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ فكتَب إِليه: إِن كَانُوا عَلِمُوا بِذَلِكَ، يَعْنِي أَولياءها، فأَغْرمْهم صَداقَها لِزَوْجِهَا "؛ الخَلْقاء: الرَّتْقاء مِنَ الصخْرة الملْساء المُصمتة.

والخَلائق: حَمائرُ الْمَاءِ، وَهِيَ صُخور أَربع عِظام مُلْس تَكُونُ عَلَى رأْس الرَّكِيّة يَقُومُ عَلَيْهَا النازعُ والماتِحُ؛ قَالَ الرَّاعِي:

فَغَادَرْنَ مَرْكُوًّا أَكَسَّ عَشِيّة، ***لدَى نَزَحٍ رَيَّانَ بادٍ خَلائقُهْ

وخَلِق الشيءُ خَلَقًا واخْلَوْلَق: امْلاسَّ ولانَ وَاسْتَوَى، وخَلَقه هُوَ.

واخْلَوْلَق السحابُ: اسْتَوَى وارْتَتقَتْ جَوَانِبُهُ وصارَ خَلِيقًا لِلْمَطَرِ كأَنه مُلِّس تَمْلِيسًا؛ وأَنشد لمُرقِّش:

مَاذَا وُقُوفي عَلَى رَبْعٍ عَفا، ***مُخْلَوْلِقٍ دارسٍ مُسْتَعْجِمِ؟

واخْلَولَق الرَّسْمُ أَي اسْتَوَى بالأَرض.

وسَحابة خَلْقاء وخَلِقة؛ عَنْهُ أَيضًا، وَلَمْ يُفسر.

ونشأَتْ لَهُمْ سَحَابَةٌ خَلِقة وخَلِيقةٌ أَي فِيهَا أَثر الْمَطَرِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا رَعَدَتْ رَعْدةٌ وَلَا بَرَقَتْ، ***لكنَّها أُنْشِئتْ لَنَا خَلِقَهْ

وقِدْحٌ مُخلَّق: مُستوٍ أَملس مُلَيَّن، وَقِيلَ: كُلُّ مَا لُيِّن ومُلِّس، فَقَدْ خُلِّق.

وَيُقَالُ: خَلَّقْته مَلَّسته؛ وأَنشد لِحُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ الهِلالي:

كأَنَّ حَجاجَيْ عَيْنِها فِي مُثَلَّمٍ، ***مِنَ الصَّخْرِ، جَوْنٍ خَلَّقَتْه المَوارِدُ

الْجَوْهَرِيُّ: والمُخلَّق القِدْح إِذا لُيِّن؛ وَقَالَ يَصِفُهُ:

فخَلَّقْتُه حَتَّى إِذا تَمَّ واسْتوَى، ***كَمُخّةِ ساقٍ أَو كَمَتْنِ إِمامِ،

قَرَنْتُ بحَقْوَيْهِ ثَلاثًا، فَلَمْ يَزِغْ ***عَنِ القَصْدِ حَتَّى بُصِّرتْ بدِمامِ

والخَلْقاء: السَّمَاءُ لمَلاستها واستِوائها.

وخَلْقاء الجَبْهة والمَتْن وخُلَيْقاؤُهما: مُستَواهما وَمَا امْلاسَّ مِنْهُمَا، وَهُمَا بَاطِنَا الْغَارِ الأَعلى أَيضًا، وَقِيلَ: هُمَا مَا ظَهَرَ مِنْهُ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ لَفْظُ التَّصْغِيرِ.

وخَلْقاء الْغَارِ الأَعلى: بَاطِنُهُ.

وَيُقَالُ: سُحِبُوا عَلَى خَلْقاواتِ جِباهِهم.

والخُلَيْقاءُ مِنَ الْفَرَسِ: حَيْثُ لَقِيت جَبهته قَصبة أَنفه مِنْ مُسْتدَقِّها، وَهِيَ كالعِرْنين مِنَ الإِنسان.

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: فِي وَجْهِ الْفَرَسِ خُلَيْقاوانِ وَهُمَا حَيْثُ لقِيت جبهتُه قَصبة أَنفه، قَالَ: وَالْخَلَيْقَانِ عَنْ يَمِينِ الخُلَيْقاء وَشِمَالِهَا يَنْحَدِر إِلى "الْعَيْنِ، قَالَ: والخُلَيْقاء بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الخَلْقاء.

والخَلُوقُ والخِلاقُ: ضَرب مِنَ الطِّيب، وَقِيلَ: الزَّعْفران؛ أَنشد أَبو بَكْرٍ:

قَدْ عَلِمَتْ، إِنْ لَمْ أَجِدْ مُعِينا، ***لتَخْلِطَنَّ بالخَلُوقِ طِينا

يَعْنِي امْرَأَتَهُ، يَقُولُ: إِنْ لَمْ أَجد مَنْ يُعينني عَلَى سَقْيِ الإِبل قَامَتْ فَاسْتَقَتْ مَعِي، فَوَقَعَ الطِّينُ عَلَى خَلُوق يَدَيْهَا، فَاكْتَفَى بالمُسبَّب الَّذِي هُوَ اخْتِلَاطُ الطِّينِ بِالْخَلُوقِ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِقَاءُ مَعَهُ؛ وأَنشد اللحياني:

ومُنْسَدِلًا كقُرونِ العَرُوسِ ***تُوسِعُه زَنْبَقًا أَو خِلاقا

وَقَدْ تَخلَّق وخَلَّقْته: طَلَيْته بالخَلُوق.

وخَلَّقَت المرأَة جِسْمَهَا: طَلته بالخَلوق؛ أَنْشَدَ اللِّحْيَانِيُّ:

يَا ليتَ شِعْري عنكِ يَا غَلابِ، ***تَحْمِلُ معْها أَحسنَ الأَرْكابِ،

أَصفر قَد خُلِّقَ بالمَلابِ "وَقَدْ تخلَّقت المرأَة بِالْخَلُوقِ، والخلوقُ: طِيبٌ مَعْرُوفٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنواع الطِّيبِ، وتَغلِب عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ، وَقَدْ وَرَدَ تَارَةً بِإِبَاحَتِهِ وَتَارَةً بِالنَّهْيِ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ أَكثر وأَثبت، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لأَنه مِنْ طِيبِ النِّسَاءِ، وَهُنَّ أَكثر اسْتِعْمَالًا لَهُ مِنْهُمْ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ نَاسِخَةٌ.

والخُلُق: المُرُوءَة.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ مَخْلَقةٌ لِلْخَيْرِ كَقَوْلِكَ مَجْدَرةٌ ومَحْراةٌ ومَقْمَنةٌ.

وَفُلَانٌ خَلِيق لِكَذَا أَيْ جَدِيرٌ بِهِ.

وأَنت خَليق بِذَلِكَ أَي جَدِيرٌ.

وَقَدْ خَلُق لِذَلِكَ، بِالضَّمِّ: كأَنه مِمَّنْ يُقدَّر فِيهِ ذَاكَ وتُرى فِيهِ مَخايِلهُ.

وَهَذَا الأَمر مخْلَقة لَكَ أَيْ مَجْدَرة، وَإِنَّهُ مَخلقة مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ.

وَإِنَّهُ لخَلِيق أَن يَفعل ذَلِكَ، وبأَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، ولأَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، ومِن أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِنَّهُ لمَخلَقة، يُقَالُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ كُلِّهَا؛ كلُّ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وَحُكِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ: إنَّ أَخْلَقَ بِكَ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَ: أَرادوا إنَّ أَخلق الأَشياء بِكَ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ.

قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ يَا خليقُ بِذَلِكَ فَتَرْفَعُ، وَيَا خليقَ بِذَلِكَ فَتَنْصِبُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف وَجْهَ ذَلِكَ.

وَهُوَ خَلِيقٌ لَهُ أَي شَبِيهٌ.

وَمَا أَخْلَقَه أَي مَا أَشْبَهَهُ.

وَيُقَالُ: إِنَّهُ لِخَلِيقٌ أَيْ حَرِيٌّ؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِلشَّيْءِ الَّذِي قَدْ قَرُب أَنْ يَقَعَ وَصَحَّ عِنْدَ مَنْ سَمِعَ بِوُقُوعِهِ كونُه وَتَحْقِيقُهُ.

وَيُقَالُ: أَخْلِقْ بِهِ، وأَجْدِرْ بِهِ، وأَعْسِ بِهِ، وأَحْرِ بِهِ، وأَقْمِنْ بِهِ، وأَحْجِ بِهِ؛ كلُّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ.

وَاشْتِقَاقُ خَلِيق وَمَا أَخْلَقه مِنَ الخَلاقة، وَهِيَ التَّمْرينُ؛ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ لِلَّذِي قَدْ أَلِفَ شَيْئًا صَارَ ذَلِكَ لَهُ خُلُقًا أَيْ مَرَنَ عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الخُلُق الحسَن.

والخُلوقة: المَلاسةُ، وأَمّا جَدِير فمأْخوذ مِنَ الإِحاطة بِالشَّيْءِ وَلِذَلِكَ سمِّي الْحَائِطُ جِدارًا.

وأَجدرَ ثَمَرُ الشَّجَرَةِ إذا بدت تَمرتُه وأَدَّى مَا فِي طِباعه.

والحِجا: الْعَقْلُ وَهُوَ أَصل الطَّبْعِ.

وأَخْلَق إخْلاقًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَما قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

ومُخْتَلَقٌ للمُلْك أَبيضُ فَدْغَمٌ، ***أَشَمُّ أَبَجُّ العينِ كالقَمر البَدْرِ

فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ أَنه خُلِق خِلْقةً تصلحُ للمُلك.

واخلَوْلَقَت السماءُ أَن تمطرُ أَي قارَبتْ وشابهَت، واخْلَوْلَق أَن تَمطُر عَلَى أَن الفِعل لَانَ؛ حكاه سِيبَوَيْهِ.

واخْلَوْلَق السَّحَابُ أَي اسْتَوَى؛ وَيُقَالُ: صَارَ خَلِيقًا لِلْمَطَرِ.

وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ السَّحَابِ: «واخْلَوْلَق بَعْدَ تَفرُّقٍ»؛ أي اجْتَمَعَ وتهيَّأ لِلْمَطَرِ.

وَفِي خُطبة ابْنِ الزُّبَيْرِ.

إِنَّ الموتَ قَدْ تَغَشَّاكم سحابُه، وأَحْدَق بِكُمْ رَبابُه، واخْلوْلَقَ بَعْدَ تَفرُّق "؛ وَهَذَا الْبِنَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ وَهُوَ افْعَوْعَل كاغْدَوْدَنَ واغْشَوْشَبَ.

والخَلاقُ: الحَظُّ والنَّصِيب مِنَ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ.

يُقَالُ: لَا خَلاق لَهُ فِي الْآخِرَةِ.

وَرَجُلٌ لَا خَلَاقَ لَهُ أَي لَا رَغْبة لَهُ فِي الْخَيْرِ وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَلَا صَلاح فِي الدِّينِ.

وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}؛ الْخَلَاقُ: النَّصِيبُ مِنَ الْخَيْرِ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَا خلاق لهم لا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْخَيْرِ، قَالَ: والخَلاق الدِّينُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْخَلَاقُ النَّصِيبُ المُوفَّر؛ وأَنشد لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

فَمَنْ يَكُ مِنْهُمْ ذَا خَلاق، فإنَّه ***سَيَمْنَعُه مِنْ ظُلْمِه مَا تَوَكَّدا

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ»؛ الخَلاق، بِالْفَتْحِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ.

وَفِي حَدِيثِ أُبَيّ: «إِنما تأْكل مِنْهُ بخَلاقك»أَي بِحَظِّكَ وَنَصِيبِكَ مِنَ الدِّينِ؛ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فِي طَعَامِ مَنْ أَقرأَه الْقُرْآنَ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


100-لسان العرب (فرق)

فرق: الفَرْقُ: خِلَافُ الْجَمْعِ، فَرَقه يَفْرُقُه فَرْقًا وفَرَّقه، وَقِيلَ: فَرَقَ لِلصَّلَاحِ فَرْقًا، وفَرَّق للإِفساد تَفْريقًا، وانْفَرَقَ الشَّيْءُ وتَفَرَّق وافْتَرقَ.

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّق خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ»، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ مَبْسُوطًا، وَذَهَبَ أَحمد أَن مَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ بِالْكُوفَةِ أَربعون شَاةً وَبِالْبَصْرَةِ أَربعون كَانَ عَلَيْهِ شَاتَانِ لِقَوْلِهِ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتفرِّق، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِبَغْدَادَ عِشْرُونَ وَبِالْكُوفَةِ عِشْرُونَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ إِبل مُتَفَرِّقَةٌ فِي بلْدانٍ شَتَّى إِن جُمِعَتْ وَجَبَ فِيهَا الزَّكَاةُ، وإِن لَمْ تُجْمَعْ لَمْ تَجِبْ فِي كُلِّ بَلَدٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْءٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا»؛ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّفَرُّق الَّذِي يَصِحُّ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ بِوُجُوبِهِ فَقِيلَ: هُوَ بالأَبدان، وإِليه ذَهَبَ مُعْظَمُ الأَئمة وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وأَحمد، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا: إِذا تَعَاقَدَا صحَّ الْبَيْعُ وإِن لَمْ يَفْتَرِقَا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِلْقَوْلِ الأَول، فإِن رِوَايَةَ" ابْنِ عُمَرَ فِي تَمَامِهِ: أَنه كَانَ إِذا بَايَعَ رَجُلًا فأَراد أَن يَتِمَّ البيعُ قَامَ فَمَشَى خَطَوات حَتَّى يُفارقه، وإِذا لَمْ يُجْعَل التَّفَرُّق شَرْطًا فِي الِانْعِقَادِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، فإِنه "يُعْلَم أَن الْمُشْتَرِيَ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبُولُ الْبَيْعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ خيارُه ثابتٌ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ.

والتَّفَرّقُ والافْتِراقُ سَوَاءٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ التَّفَرّق للأَبدان والافْتِراقَ فِي الْكَلَامِ؛ يُقَالُ فَرَقْت بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فافْترقَا، وفَرَّقْتُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَتَفَرّقا.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَرِّقُوا عَنِ المَنِيَّة وَاجْعَلُوا الرأْس رأْسين»؛ يَقُولُ: إِذا اشْتَرَيْتُمُ الرَّقِيقَ أَو غَيْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ فَلَا تُغَالوا فِي الثَّمَنِ وَاشْتَرُوا بِثَمَنِ الرأْس الْوَاحِدِ رأْسين، فإِن مَاتَ الْوَاحِدُ بَقِيَ الْآخَرُ فكأَنكم قَدْ فَرَّقتم مَالَكُمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ يُفَرِّق بِالشَّكِّ وَيَجْمَعُ بِالْيَقِينِ»، يَعْنِي فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ أَن يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى أَمر قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ وَلَا يُعْلَم مَنِ المُصيبُ مِنْهُمْ فَكَانَ يُفَرِّق بَيْنَ الرَّجُلِ والمرأَة احْتِيَاطًا فِيهِ وَفِي أَمثاله مِنْ صُوَرِ الشَّكِّ، فإِن تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الشَّكِّ اليقينُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ فارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُه جَاهِلِيَّةٌ»؛ يَعْنِي أَن كُلَّ جَمَاعَةٍ عَقَدت عَقْدًا يُوَافِقُ الْكِتَابَ والسنَّة فَلَا يَجُوزُ لأَحد أَن يُفَارِقَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ، فإِن خَالَفَهُمْ فِيهِ اسْتَحَقَّ الْوَعِيدَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ" فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ أَي يَمُوتُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ}؛ مَعْنَاهُ شَقَقْنَاهُ.

والفِرْقُ: القِسْم، وَالْجَمْعُ أَفْراق.

ابْنُ جِنِّي: وَقِرَاءَةُ مَنْ قرأَ" فَرَّقنا بِكُمُ الْبَحْرَ "، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، شَاذَّةٌ، مِنْ ذَلِكَ، أَي جَعَلْنَاهُ فِرَقًا وأَقسامًا؛ وأَخذتُ حَقِّيَ مِنْهُ بالتَّفَارِيق.

والفِرْقُ: الفِلْق مِنَ الشَّيْءِ إِذا انْفَلَقَ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.

التَّهْذِيبُ: جاءَ تَفْسِيرُ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فِي آيَةٍ أُخرى وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: {فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}؛ أَراد فانْفَرَق البحرُ فَصَارَ كَالْجِبَالِ العِظام وَصَارُوا فِي قَرَاره.

وفَرَق بَيْنَ الْقَوْمِ يَفْرُق ويَفْرِق.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَرُوِيَ} عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ أَنه قرأَ فافْرِقْ بَيْنَنَا "، بِكَسْرِ الرَّاءِ.

وفَرَّقَ بَيْنَهُمْ: كفَرَقَ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وتَفَرَّق الْقَوْمُ تَفَرُّقًا وتَفْرِيقًا؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

الْجَوْهَرِيُّ: فَرَقْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ أَفْرُق فَرْقًا وفُرْقانًا وفَرَّقْتُ الشيءَ تَفْريقًا وتَفْرِقةً فانْفَرقَ وافْتَرَقَ وتَفَرَّق، قَالَ: وفَرَقْتُ أَفْرُق بَيْنَ الْكَلَامِ وفَرَّقْتُ بَيْنَ الأَجسام، قَالَ: وَقَوْلُ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: البَيِّعان بِالْخِيَارِ مَا لَم يَتَفَرقا بالأَبدان، لأَنه يُقَالُ فَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا فَتَفَرَّقا.

والفُرْقة: مَصْدَرُ الافْتِرَاقِ.

قَالَ الأَزهري: الفُرْقة اسْمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ مِنَ الافْتِرَاقِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «صلَّيت مَعَ النَّبِيِّ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُرُق، أَي ذَهَبَ كُلٌّ مِنْكُمْ إِلى مَذْهَبٍ ومَالَ إِلى قَوْلٍ وَتَرَكْتُمُ السُّنة.

وفارَقَ الشيءَ مُفَارقةً وفِرَاقًا: بايَنَهُ، وَالِاسْمُ الفُرْقة.

وتَفَارق القومُ: فَارَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وفَارَقَ فُلَانٌ امرأَته مُفَارقةً وفِراقًا: بايَنَها.

والفِرْقُ والفِرْقةُ والفَرِيقُ: الطَّائِفَةُ مِنَ الشَّيْءِ المُتَفَرِّق.

والفِرْقةُ: طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، والفَرِيقُ أَكثر مِنْهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفارِيق الْعَرَبِ»، وَهُوَ جَمْعُ أَفْراقٍ، وأَفراقٌ جَمْعُ فِرْقةٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الفَرِيقُ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ فِرْقة مِنْهُ، والفَرِيقُ المُفارِقُ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

أَتَجْمعُ قَوْلًا بالعِراقِ فَرِيقُهُ، ***وَمِنْهُ بأَطْلالِ الأَرَاكِ فَرِيقُ؟

قَالَ: وأَفْرَاق جَمْعُ فِرَقٍ، وفِرَقٌ جَمْعُ فِرْقةٍ، وَمِثْلُهُ فِيقَةٌ وفِيَق وأَفْواق وأَفَاويق.

والفِرْقُ: طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: وَقَالَ أَعرابي لِصِبْيَانٍ رَآهُمْ: هؤُلاء فِرْقُ سُوءٍ.

والفَرِيقُ الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ أَكثر مِنَ الفِرْقِ، ونيَّة فَرِيقٌ: مُفَرَّقة؛ قَالَ:

أَحَقًّا أَن جِيرتَنَا اسْتَقَلُّوا؟ ***فَنِيَّتُنا ونِيَّتُهُمْ فَرِيقُ

قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَالَ فَرِيقٌ كَمَا تَقُولُ لِلْجَمَاعَةِ صَدِيق.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ}؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَشهدُ بالمَرْوَةِ يَوْمًا والصَّفَا، ***أَنَّكَ خيرٌ مِنْ تَفارِيقِ العَصَا

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الْعَصَا تُكْسَرُ فَيُتَّخَذُ مِنْهَا ساجُورٌ، فإِذا كُسر السَّاجُور اتُّخِذَت مِنْهُ الأَوْتادُ: فإِذا كُسر الوَتِد اتُّخِذَتْ مِنْهُ التَّوَادِي تُصَرُّ بِهَا الأَخْلاف.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالرِّجْزُ لِغَنِيَّةِ الأَعرابية، وَقِيلَ لامرأَة قَالَتْهُمَا فِي وَلَدِهَا وَكَانَ شَدِيدَ العَرَامة مَعَ ضَعْفِ أَسْرٍ ودِقَّةٍ، وَكَانَ قَدْ وَاثَبَ فَتًى فَقَطَعَ أَنفه فأَخذت أُمه دِيَتَه، ثُمَّ وَاثَبَ آخَرَ فَقَطَعَ شَفَتَهُ فأَخذت أُمه دِيَتَهَا، فَصَلَحَتْ حَالُهَا فَقَالَتِ الْبَيْتَيْنِ تُخَاطِبُهُ بِهِمَا.

والفَرْقُ: تَفْرِيقُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ حِينَ يَتَفَرَّقان.

والفَرْقُ: الْفَصْلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.

فَرَقَ يَفْرُقُ فَرْقًا: فَصَلَ: وَقَوْلُهُ تعالى: {فَالْفارِقاتِ فَرْقًا}، قَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ تُزَيِّل بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْناهُ}، أَي فَصَّلْنَاهُ وأَحكمناه، مَنْ خفَّف قَالَ بَيَّناه مِنْ فَرَقَ يَفْرُق، وَمَنْ شدَّد قَالَ أَنزلناه مُفَرَّقًا فِي أَيامٍ.

التَّهْذِيبُ: قرئَ فَرَّقْناه وفَرَقْناهُ، أَنزل اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ جُمْلَةً إِلى سماءِ الدُّنْيَا ثُمَّ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فِي عِشْرِينَ سَنَةً، فَرَّقهُ اللَّهُ فِي التَّنْزِيلِ لِيَفْهَمَهُ النَّاسُ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: مَعْنَاهُ أَحكمناه كَقَوْلِهِ تعالى: {فِيهَا يُفَرَّقُ كُلُّ أَمر حَكِيمٍ}؛ أَي يُفَصَّل، وقرأَه أَصحاب عَبْدِ اللَّهِ مُخَفَّفًا، وَالْمَعْنَى أَحكمناه وَفَصَّلْنَاهُ.

وَرُوِيَ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَّقْناه، بِالتَّثْقِيلِ، يَقُولُ لَمْ يَنْزِلْ فِي يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ نَزَلَ مُتَفَرِّقًا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيضًا فَرَقْناه مُخَفَّفَةٌ.

وفَرَقَ الشعرَ بِالْمُشْطِ يَفرُقُه ويَفْرِقُه فَرْقًا وفَرَّقه: سَرَّحه.

والفَرْقُ: مَوْضِعُ المَفْرِق مِنَ الرأْس.

وفَرْقُ الرأْس: مَا بَيْنَ الْجَبِينِ إِلى الدَّائِرَةِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

ومَتْلَف مِثْلِ فَرْقِ الرأْس تَخْلُجُه ***مَطَارِبٌ زَقَبٌ، أَمْيالُها فِيحُ

شَبَّهَهُ بفَرْقِ الرأْس فِي ضِيقِهِ، ومَفْرِقُه ومَفْرَقُه كَذَلِكَ: وَسَطَ رأْسه.

وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِن انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُه فَرَقَ وإِلَّا فَلَا يَبْلُغُ شعرُه شَحْمة أُذنه إِذا هُوَ وَفَّرَه»أَي إِن صَارَ شَعَرُهُ فِرْقَيْن بِنَفْسِهِ فِي مَفْرقه تَرَكَهُ، وإِن لَمْ يَنْفَرِقْ لَمْ يَفْرِقْه؛ أَراد أَنه كَانَ لَا يَفْرُق شَعْرَهُ إِلَّا أَن يَنْفَرِق هُوَ، وهكذا كان أَول الأَمر ثُمَّ فَرَقَ.

وَيُقَالُ لِلْمَاشِطَةِ: تُمَشِّطُ كَذَا وكذا فَرْقًا أَي كَذَا وَكَذَا ضَرْبًا.

والمَفْرَق والمَفْرِقُ: وَسَطُ الرأْس وَهُوَ الَّذِي يُفْرَقُ فِيهِ الشَّعَرُ، وَكَذَلِكَ مَفْرَق الطَّرِيقِ.

وفَرَقَ لَهُ عَنِ الشَّيْءِ: بيَّنه لَهُ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي.

ومَفْرِقُ الطَّرِيقِ ومَفْرَقُه: مُتَشَعَّبُه الَّذِي يَتَشَعَّب مِنْهُ طَرِيقٌ آخَرُ، وَقَوْلُهُمْ للمَفْرِق مَفَارِق كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ مَفْرِقًا فَجَمَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ.

وفَرَقَ لَهُ الطَّرِيقَ أَي اتَّجَهَ لَهُ طَرِيقَانِ.

والفَرَقُ فِي النَّبَاتِ: أَن يَتَفرَّق قِطَعًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَرض فَرِقَةٌ فِي نَبْتِهَا، فَرَق عَلَى النَّسَبِ لأَنه لَا فِعْلَ لَهُ، إِذا لم تكن واصبَةً مُتَّصِلَةَ النَّبَاتِ وَكَانَ مُتَفَرِّقًا.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: نَبْتٌ فَرِقٌ صَغِيرٌ لَمْ يغطِّ الأَرض.

وَرَجُلٌ أَفْرقُ: لِلَّذِي نَاصِيَتُهُ كأَنها مَفْروقة، بيِّن الفَرَق، وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ، وَجَمْعُ الفَرَق أَفْراق؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

يَنْفُضُ عُثْنونًا كثيرَ الأَفْرَاقْ، ***تَنْتِحُ ذِفْراهُ بِمِثْلِ الدِّرْياقْ

اللَّيْثُ: الأَفْرقُ شِبْهُ الأَفْلَج إِلَّا أَن الأَفْلَج زَعَمُوا مَا يُفَلِّجُ، والأَفْرَقُ خِلْقة.

والفرقاءُ مِنَ الشاءِ: الْبَعِيدَةُ مَا بَيْنَ الْخُصْيَتَيْنِ.

ابْنُ سِيدَهْ: الأَفْرقُ: الأَبْلَجُ، وَقِيلَ: الْبَعِيدُ مَا بَيْنَ الأَليتين.

والأَفْرَقُ الْمُتَبَاعِدُ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ.

وتَيْس أَفْرَقُ: بَعِيدُ مَا بَيْنَ القَرْنَيْن.

وَبَعِيرٌ أَفْرَقُ: بَعِيدُ مَا بَيْنَ المَنْسِمَيْنِ.

وَدِيكٌ أَفْرَقُ: ذُو عُرْفَيْنِ لِلَّذِي عُرْفُه مَفْروق، وَذَلِكَ لِانْفِرَاجِ مَا بَيْنَهُمَا.

والأَفْرَقُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي نَاصِيَتُهُ كأَنها مَفْرُوقَةٌ، بيِّن الفَرَقِ، وَكَذَلِكَ اللِّحْيَةُ، وَمِنَ الْخَيْلِ الَّذِي إِحدى ورِكَيْهِ شَاخِصَةٌ والأُخرى مُطَمْئِنَّةٌ، وَقِيلَ: الَّذِي نَقَصَتْ إِحدى فَخِذَيْهِ عَنِ الأُخرى وَهُوَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ: هُوَ النَّاقِصُ إِحدى الْوِرْكَيْنِ؛ قَالَ: " ليسَتْ مِنِ الفُرْقِ البِطاءِ دَوْسَرُ وأَنشده يَعْقُوبُ: مِنَ القِرْقِ الْبِطَاءِ، وَقَالَ: القِرْقُ الأَصل، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ.

وَفِي التَّهْذِيبِ: الأَفْرَقُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي إِحدى حَرْقَفَتَيْهِ شَاخِصَةٌ والأُخرى مُطْمَئِنَّةٌ.

وَفَرَسٌ أَفْرَقُ: لَهُ خُصْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالِاسْمُ الفَرَقُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَالْفِعْلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَرِقَ فَرَقًا.

والمَفْروقان مِنَ الأَسباب: هُمَا اللَّذَانِ يَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ أَي يَكُونُ حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ وَحَرْفٌ سَاكِنٌ وَيَتْلُوهُ حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ نَحْوَ مُسْتَفْ مِنْ مُسْتَفْعِلُنْ، وعِيلُنْ مِنْ مَفاعِيلُنْ.

والفُرْقانُ: الْقُرْآنُ.

وَكُلُّ مَا فُرِقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَهُوَ فُرْقان، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ}.

والفُرْق أَيضًا: الفُرْقان وَنَظِيرُهُ الخُسْر والخُسْران؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ: " ومُشْرِكيّ كَافِرٍ بالفُرْقِ وَفِي حَدِيثِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ: «مَا أُنزل فِي التَّوْرَاةِ وَلَا الإِنجيل وَلَا الزَّبُور وَلَا الفُرْقانِ مِثْلُها»؛ الفُرْقان: مِنْ أَسماء الْقُرْآنِ؛ أي أَنه فارِقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.

وَيُقَالُ: فَرَقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَيُقَالُ أَيضًا: فَرَقَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرِّقاع:

والدَّهْرُ يَفْرُقُ بَيْنَ كلِّ جماعةٍ، ***ويَلُفّ بَيْنَ تَباعُدٍ وَتَناءِ

وَفِي الْحَدِيثِ: «محمدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ» أَي يَفْرُقُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ بِتَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ.

والفُرْقان: الحُجّة.

والفُرْقان: النَّصْرُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ}، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ لأَن اللَّهَ أَظْهَرَ مِنْ نَصْره مَا كَانَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

التَّهْذِيبُ وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، قَالَ: يَجُوزُ أَن يكونَ الفُرْقانُ الْكِتَابَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ التَّوْرَاةُ إِلا أَنه أُعِيدَ ذِكْرُهُ بِاسْمٍ غَيْرِ الأَول، وعنى به أَنه يَفْرُقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً "؛ أَراد التَّوْرَاةَ فسَمّى جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْكِتَابَ الْمُنَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرْقانًا وَسَمَّى الْكِتَابَ الْمُنَزَّلَ على مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرْقانًا، وَالْمَعْنَى أَنه تَعَالَى فَرَقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَآتَيْنَا مُحَمَّدًا الفُرْقانَ، قَالَ: وَالْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ وَاحْتَجَجْنَا لَهُ مِنَ الْكِتَابِ بِمَا احْتَجَجْنَا هُوَ الْقَوْلُ.

والفَارُوقُ: مَا فَرَّقَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ.

وَرَجُلٌ فارُوقٌ: يُفَرِّقُ مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

والفارُوقُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ الله عنه، سماه الله بِهِ لتَفْريقه بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: لأَنه ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ، وَقِيلَ: إِنه أَظهر الإِسلام بِمَكَّةَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْكُفْرِ والإِيمان؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ:

أَشْبَهْتَ مِنْ عُمَرَ الفارُوقِ سِيرَتَهُ، ***فاقَ البَرِيَّةَ وأْتَمَّتْ بِهِ الأُمَمُ

وَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ شِمَاسٍ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيضًا:

إِن أَوْلى بِالْحَقِّ فِي كُلِّ حَقٍّ، ***ثُمَّ أَحْرَى بأَن يَكُونَ حَقِيقا،

مَنْ أَبوهُ عبدُ العَزِيزِ بنُ مَرْوانَ، ***ومَنْ كَانَ جَدُّه الفارُوقا

والفَرَقُ: مَا انْفَلَقَ مِنْ عَمُودِ الصُّبْحِ لأَنه فارَقَ سَوَادَ اللَّيْلِ، وَقَدِ انْفَرَقَ، وَعَلَى هَذَا أَضافوا فَقَالُوا أَبْين مِنْ فَرَق الصُّبْحِ، لُغَةٌ فِي فَلَق الصُّبْحِ، وَقِيلَ: الفَرَقُ الصُّبْحُ نَفْسُهُ.

وانْفَرَقَ الفجرُ وانْفَلَق، قَالَ: وَهُوَ الفَرَق والفَلَقُ لِلصُّبْحِ؛ وأَنشد:

حَتَّى إِذا انْشَقَّ عَنْ إِنسانه فَرَقٌ، ***هادِيهِ فِي أُخْرَياتِ الليلِ مُنْتَصِبُ

والفارِقُ مِنَ الإِبل: الَّتِي تُفارق إِلْفَها فَتَنْتَتِجُ وَحْدَهَا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي أَخذها المَخاض فَذَهَبَتْ نادَّةً فِي الأَرض، وَجَمْعُهَا فُرَّق وفَوارِق، وَقَدْ فَرَقَتْ تَفْرُق فُروقًا، وَكَذَلِكَ الأَتان؛ وأَنشد الأَصمعي لعُمارة بْنِ طَارِقٍ:

اعْجَلْ بغَرْبٍ مِثْلَ غَرْبِ طارقِ، ***ومَنْجَنُون كالأَتان الْفَارِقِ،

مِنْ أَثْلِ ذاتِ العَرْض والمَضايقِ "قَالَ: وَكَذَلِكَ السَّحَابَةُ الْمُنْفَرِدَةُ لَا تَخَلُّفَ وَرُبَّمَا كَانَ قَبْلَهَا رَعْدٌ وَبَرْقٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

أَو مُزْنَة فارِق يَجْلُو غوارِبَها ***تَبوُّجُ البرقِ والظلماءُ عُلْجُومُ

الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا شَبَّهُوا السَّحَابَةَ الَّتِي تَنْفَرِدُ مِنَ السَّحَابِ بِهَذِهِ النَّاقَةِ فَيُقَالُ فَارِقٌ.

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: سَحَابَةٌ فارِقٌ مُنْقَطِعَةٌ مِنْ مُعْظَمِ السَّحَابِ تُشَبَّهُ بالفارِقِ مِنَ الإِبل؛ قَالَ عَبْدُ بَنِي الحَسْحاسِ يَصِفُ سَحَابًا:

لَهُ فُرَّقٌ مِنْهُ يُنَتَّجْنَ حَوْلَهُ، ***يفَقِّئْنَ بالمِيثِ الدِّماثِ السَّوابيا

فَجَعَلَ لَهُ سَوَابِيَ كَسَوَابِي الإِبل اتِّسَاعًا فِي الْكَلَامِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُجْمَعُ أَيضًا عَلَى فُرَّاق؛ قَالَ الأَعشى:

أَخرجَتْه قَهْباءُ مُسْبِلةُ الوَدْقِ ***رَجُوسٌ، قدَّامَها فُرّاقُ

ابْنُ الأَعرابي: الفارقُ مِنَ الإِبل الَّتِي تَشْتَدُّ ثُمَّ تُلْقي وَلَدَهَا مِنْ شِدَّةِ مَا يَمُرُّ بِهَا مِنَ الْوَجَعِ.

وأَفْرَقَتِ النَّاقَةُ: أَخرجت وَلَدَهَا فكأَنها فارَقَتْه.

وَنَاقَةٌ مُفْرق: فَارَقَهَا وَلَدُهَا، وَقِيلَ: فَارَقَهَا بِمَوْتٍ، وَالْجَمْعُ مَفارِيق.

وَنَاقَةُ مُفْرِق: تَمْكُثُ سَنَتَيْنِ أَو ثَلَاثَا لَا تَلْقَح.

ابْنُ "الأَعرابي: أَفْرَقْنا إِبلَنا لعام إِذا خلَّوْها فِي الْمَرْعَى والكلإِ لَمْ يُنْتِجوها وَلَمْ يُلْقِحوها.

قَالَ اللَّيْثُ: وَالْمَطْعُونُ إِذا برأَ قِيلَ أَفْرَق يُفْرِقُ إِفْراقًا.

قَالَ الأَزهري: وَكُلُّ عَليلٍ أَفاق مِنْ عِلَّتِهِ، فَقَدْ أَفْرَقَ.

وأَفْرَقَ المريضُ والمحْموم: برأَ، وَلَا يَكُونُ إِلا مِنَ مَرَضٍ يُصِيبُ الإِنسان مَرَّةً وَاحِدَةً كالجُدَرِيّ والحَصْبة وَمَا أَشبههما.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كُلُّ مُفِيقٍ مِنْ مَرَضِهِ مُفْرق فعَمّ بِذَلِكَ.

قَالَ أَعرابي لِآخَرَ: مَا أَمَارُ إِفْراقِ المَوْرود؟ فَقَالَ: الرُّحَضاءُ؛ يَقُولُ: مَا عَلَامَةُ بُرْءِ الْمَحْمُومِ، فَقَالَ العَرَق.

وَفِي الْحَدِيثِ: «عُدّوا مَنْ أَفْرقَ مِنَ الْحَيِّ»أَي مَنْ برأَ مِنَ الطَّاعُونِ.

والفِرْقُ، بِالْكَسْرِ: الْقَطِيعُ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالظِّبَاءِ العظيمُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا دُونَ الْمِائَةِ مِنَ الْغَنَمِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

وَلَكِنَّمَا أَجْدَى وأَمْتَعَ جَدُّهُ ***بفِرْق يُخَشِّيه، بِهَجْهَجَ، ناعِقُهْ

يَهْجُو بِهَذَا الْبَيْتِ رَجُلًا مِنْ بَنِي نُميرٍ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ النُّميري يُلَقَّبُ بالحَلالِ، وَكَانَ عَيَّره بإِبله فَهَجَاهُ الرَّاعِي وعَيَّره أَنه صَاحِبُ غَنَمٍ وَمَدَحَ إِبله، يَقُولُ أَمْتَعَهُ جدُّه أَي حَظَّهُ بِالْغَنَمِ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا؛ أَلا تَرَى إِلى قَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ:

وعَيَّرَني الإِبْلَ الحَلالُ، وَلَمْ يَكُنْ ***ليَجْعَلَها لِابْنِ الخَبِيثَةِ خالقُه

والفَريقةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ.

وَيُقَالُ: هِيَ الْغَنَمُ الضَّالَّةُ؛ وهَجْهَجْ: زَجْرٌ لِلسِّبَاعِ والذِّئاب، وَالنَّاعِقُ: الرَّاعِي.

والفَريقُ: كالفِرْقِ.

والفِرْقُ والفَريقُ مِنَ الْغَنَمِ: الضَّالَّةُ.

وأَفْرَقَ فلانٌ غَنَمَهُ: أَضلَّها وأَضاعها.

والفَريقةُ مِنَ الْغَنَمِ: أَن تَتَفَرَّقَ مِنْهَا قِطْعَةٌ أَو شَاةٌ أَو شَاتَانِ أَو ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَتَذْهَبَ تَحْتَ اللَّيْلِ عَنْ جَمَاعَةِ الْغَنَمِ؛ قَالَ كثيِّر:

وذِفْرى ككاهِلِ ذِيخِ الخَلِيف، ***أَصاب فَرِيقةَ ليلٍ فعاثَا

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا ذِئْبانِ عادِيانِ أَصابا فَريقة غنمٍ»؛ الفَرِيقةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ تَشِذّ عَنْ مُعْظَمِهَا، وَقِيلَ: هِيَ الْغَنَمُ الضَّالَّةُ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: «سُئِلَ عَنْ مَالِهِ فَقَالَ فِرْقٌ لَنَا وذَوْدٌ»؛ الفِرْقُ الْقِطْعَةُ مِنَ الْغَنَمِ.

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي بَيْتِ كثيِّر: والخَلِيفُ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ؛ وَصَوَابُ إِنشاده بِذِفْرَى لأَن قَبْلَهُ:

تُوالي الزِّمامَ، إِذا مَا وَنَتْ ***ركائِبُها، واحْتُثِثْنَ احْتِثاثا

ابْنُ سِيدَهْ: والفِرْقَةُ مِنَ الإِبل، بِالْهَاءِ، مَا دُونَ الْمِائَةِ.

والفَرَقُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْخَوْفُ.

وفَرِقَ مِنْهُ، بِالْكَسْرِ، فَرَقًا: جَزِع؛ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ فَرِقَه عَلَى حَذْفِ مِنْ؛ قَالَ حِينَ مَثَّلَ نَصْبَ قَوْلِهِمْ: أَو فَرَقًا خَيْرًا مِنْ حُبّ أَي أَو أَفْرَقُكَ فَرَقًا.

وفَرِقَ عَلَيْهِ: فَزِعَ وأَشفق؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وَرَجُلٌ فَرِقٌ وفَرُق وفَرُوق وفَرُوقَةٌ وفَرُّوق وفَرُّوقةٌ وَفَارُوقٌ وفارُوقةٌ: فَزِعٌ شَدِيدُ الفَرَق؛ الْهَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَيْسَتْ لتأْنيث الْمَوْصُوفِ بِمَا هِيَ فِيهِ إِنما هِيَ إِشعار بِمَا أُريد مِنْ تأْنيث الْغَايَةِ وَالْمُبَالَغَةِ.

وَفِي الْمَثَلِ: رُبَّ عَجَلة تَهَبُ رَيْثًا وَرُبَّ فَرُوقةٍ يُدْعى ليْثًا؛ والفَرُوقة: الحُرْمة؛ وأَنشد:

مَا زالَ عَنْهُ حُمْقُه ومُوقُه ***واللؤْمُ، حَتَّى انْتُهكتْ فَروقُه

وامرأَة فَرُوقة وَلَا جَمْعَ لَهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ رجلٌ فَرُوقَة لِلْكَثِيرِ الْفَزِعِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بَعَثْتَ غُلَامًا مِنْ قريشٍ فَرُوقَةً، ***وتَتْرُك ذَا الرأْي الأَصيلِ المُهَلَّبا

وَقَالَ مُوَيلك المَرْموم:

إِنِّي حَلَلْتُ، وكنتُ جِدَّ فَرُوقة، ***بَلَدًا يمرُّ بِهِ الشجاعُ فَيَفْزَعُ

قَالَ: وَيُقَالُ لِلْمُؤَنَّثِ فَرُوقٌ أَيضًا؛ شَاهِدُهُ قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ:

رَأَتْني مُجَلِّيها فصَدَّتْ مَخافَةً، ***وَفِي الْخَيْلِ رَوْعاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ

وَفِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ: «فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا»؛ هُوَ بِالتَّحْرِيكِ الْخَوْفُ وَالْجَزَعُ.

يُقَالُ: فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقًا، وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ: «أَباللهِ تُفَرِّقُني»؟؛ أي تخوِّفني.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: فَرَقْتُ الصَّبِيَّ إِذا رُعْتَه وأَفزعته؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَراها فَرَّقت، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، لأَن مِثْلَ هَذَا يأْتي عَلَى فَعَّلت كَثِيرًا كَقَوْلِكَ فَزّعت ورَوَّعت وخوَّفت.

وفارَقَني ففَرَقْتُه أَفْرُقُه أَي كُنْتُ أَشد فَرَقًا مِنْهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ حَكَاهُ عَنْ الْكِسَائِيِّ.

وَتَقُولُ: فَرِقْتُ مِنْكَ وَلَا تَقُلْ فَرِقْتُكَ.

وأَفْرَقَ الرجلُ وَالطَّائِرُ وَالسَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ: سَلَحَ؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ:

أَلا تِلْكَ الثَّعالبُ قَدْ تَوِالَتْ ***عليَّ، وحالَفَتْ عُرْجًا ضِباعا

لتأْكلني، فَمَرَّ لهنَّ لَحْمِي، ***فأَفْرَقَ، مِنْ حِذَاري، أَو أَتاعا

قَالَ: وَيُرْوَى فأَذْرَقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

والمُفْرِقُ: الغاوِي عَلَى التَّشْبِيهِ بِذَلِكَ أَو لأَنه فارَق الرُّشد، والأَول أَصح؛ قَالَ رؤْبة: " حَتَّى انْتَهَى شيطانُ كُلِّ مُفْرِق "والفَريقةُ: أَشياء تُخْلَطُ لِلنُّفَسَاءِ مِنْ بُرّ وَتَمْرٍ وحُلْبة، وَقِيلَ: هُوَ تَمْرٌ يُطْبَخُ بِحُلْبَةٍ لِلنُّفَسَاءِ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:

ولقدْ ورَدْتُ الْمَاءَ، لَوْنُ جِمامِهِ ***لَوْنُ الفَرِيقَةِ صُفِّيَتْ للمُدْنَفِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وَلَقَدْ ورَدتَ الْمَاءَ، بِفَتْحِ التَّاءِ، لأَنه يُخَاطِبُ المُرِّيّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه وَصَفَ لِسَعْدٍ فِي مَرَضِهِ الفَريقةَ»؛ هي تمر يطبخ بِحُلْبَةٍ وَهُوَ طَعَامٌ يُعْمَلُ لِلنُّفَسَاءِ.

والفَرُوقة: شَحْمُ الكُلْيَتَيْنِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

فبتْنَا، وباتَتْ قِدْرُهُمْ ذاتَ هِزَّةٍ، ***يُضِيءُ لَنَا شحمُ الفَرُوقةِ والكُلَى

وأَنكر شَمِرٌ الفَروقة بِمَعْنَى شَحْمِ الْكُلْيَتَيْنِ.

وأَفرقوا إِبلهم: تَرَكُوهَا فِي الْمَرْعَى فَلَمْ يُنْتِجوها وَلَمْ يُلقحوها.

والفَرْقُ: الكتَّان؛ قَالَ:

وأَغْلاظ النُّجوم مُعَلَّقات ***كَحَبْلِ الفَرْقِ لَيْسَ لَهُ انتِصابُ

والفَرْق والفَرَقُ: مِكْيَالٌ ضَخْمٌ لأَهل الْمَدِينَةِ مَعْرُوفٌ، وَقِيلَ: هُوَ أَربعة أَرباع، وَقِيلَ: هُوَ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا؛ قَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ:

يأْخُذونَ الأَرْشَ فِي إِخْوَتِهِم، ***فَرَقَ السَّمْن وَشَاةً فِي الغَنَمْ

وَالْجَمْعُ فُرْقان، وَهَذَا الْجَمْعُ قَدْ يَكُونُ لِلسَّاكِنِ "وَالْمُتَحَرِّكِ جَمِيعًا، مِثْلُ بَطْن وبُطْنان وحَمَل وحُمْلان؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ: " تَرْفِدُ بَعْدَ الصَّفِّ فِي فُرْقان قَالَ: والصَّفُّ أَن تَحْلُبَ فِي مِحْلَبَيْنِ أَو ثَلَاثَةٍ تَصُفّ بَيْنَهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يتوضأُ بالمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ أَغتسل مَعَهُ مِنْ إِناء يُقَالُ لَهُ الفَرَقُ»؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والمحدِّثون يَقُولُونَ الفَرْق، وَكَلَامُ الْعَرَبِ الفَرَق؛ قَالَ ذَلِكَ أَحمد بْنُ يَحْيَى وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ إِناء يأْخذ سِتَّةَ عَشَرَ مُدًّا وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَصْوُعٍ.

ابْنُ الأَثير: الفَرَقُ، بِالتَّحْرِيكِ، مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ مُدًّا، وَثَلَاثَةُ آصُعٍ عِنْدَ أَهل الْحِجَازِ، وَقِيلَ: الفَرَق خَمْسَةُ أَقساط والقِسْط نِصْفُ صَاعٍ، فأَما الفَرْقُ، بِالسُّكُونِ، فَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ: «مَا أَسْكَرَ مِنْهُ الفَرْقُ فالحُسْوةُ مِنْهُ حَرَامٌ»؛ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " مَنْ اسْتَطَاعَ أَن يَكُونَ كَصَاحِبِ فَرْقِ الأَرُزّ فَلْيَكُنْ مِثْلَهُ "؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «فِي كلِّ عشرةِ أَفْرُقِ عسلٍ فَرَقٌ»؛ الأَفْرُق جَمْعُ قِلَّةٍ لفَرَقٍ كجبَلٍ وأَجْبُل.

وَفِي حَدِيثِ طَهْفة: «بارَكَ اللَّهُ لَهُمْ فِي مَذْقِها وفِرْقِها»، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَهُوَ مِكْيَالٌ يُكَالُ بِهِ اللَّبَنُ.

والفُرقان والفُرْقُ: إِناء؛ أَنشد أَبو زَيْدٍ:

وهي إِذا أَدَرَّها العَيْدان، ***وسطَعَت بمُشْرِفٍ شَبْحان،

تَرْفِدُ بَعْدَ الصَّفِّ فِي الفُرْقان "أَراد بالصَّفّ قَدَحَيْن، وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: الصَّفُّ أَن يصفَّ بَيْنَ الْقَدَحَيْنِ فيملأَهما.

والفُرقان: قَدَحَانِ مُفْتَرِقَانِ، وَقَوْلُهُ بِمُشْرِفٍ شَبَحَانِ أَي بِعُنُقٍ طَوِيلٍ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ: " تَرْفِدُ بَعْدَ الصَّفِّ فِي الْفُرْقَانِ "قَالَ: الفُرْقان جَمْعُ الفَرْق، والفَرْق أَربعة أَرباع، وَالصَّفُّ أَن تصفَّ بَيْنَ مِحْلَبَيْنِ أَو ثَلَاثَةً مِنَ اللَّبَنِ.

ابْنُ الأَعرابي: الفِرْق الْجَبَلُ والفِرْق الهَضْبة والفِرْق المَوْجة.

وَيُقَالُ: وَقَّفْتُ فُلَانًا عَلَى مَفارِقِ الْحَدِيثِ أَي عَلَى وُجُوهِهِ.

وَقَدْ فارَقْتُ فُلَانًا مِنْ حِسَابِي عَلَى كَذَا وَكَذَا إِذا قطعتَ الأَمر بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَلَى أَمر وَقَعَ عَلَيْهِ اتِّفَاقُكُمَا، وَكَذَلِكَ صادَرْتُه عَلَى كَذَا وَكَذَا.

وَيُقَالُ: فَرَقَ لِي هَذَا الأَمرُ يَفْرُقُ فُرُوقًا إِذا تَبَيَّنَ وَوَضَحَ.

والفَرِيقُ: النَّخْلَةُ يَكُونُ فِيهَا أُخرى؛ هَذِهِ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

والفَرُوق: مَوْضِعٌ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

وَنَحْنُ مَنَعْنا، بالفَرُوقِ، نساءَكُمْ ***نُطَرِّف عَنْهَا مُبْسِلاتٍ غَوَاشِيا

والفُرُوق: مَوْضِعٌ فِي دِيَارِ بَنِي سَعْدٍ؛ أَنشد رَجُلٌ مِنْهُمْ:

لَا بارَكَ اللهُ عَلَى الفُرُوقِ، ***وَلَا سَقاها صائبَ البُرُوقِ

وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: «قَالَ لخَيْفان كَيْفَ تركتَ أَفارِيق الْعَرَبِ؟ هُوَ جَمْعُ أَفْراق»، وأَفْراقٌ جَمْعُ فِرْق، والفِرْق والفَرِيقُ والفِرْقةُ بِمَعْنًى.

وفَرَقَ لِي رأْيٌ أَي بَدَا وَظَهَرَ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَرَقَ لِي رأْيٌ»؛ أي ظَهَرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرِّوَايَةُ فُرِقَ، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ.

ومَفْروق: لَقَبُ النُّعْمَانِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ أَيضًا اسْمٌ.

ومَفْرُوق: اسْمُ جَبَلٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " ورَعْنُ مَفْرُوقٍ تَسامى أُرَّمُهْ "وذاتُ فِرقَيْن الَّتِي فِي شِعْرِ عَبيد بْنِ الأَبرص: هَضْبة بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ؛ وَالْبَيْتُ الَّذِي فِي شِعْرِ عَبِيدٍ هُوَ قَوْلُهُ:

فَرَاكِسٌ فَثُعَيْلَباتٌ، ***فذاتُ فِرْقَيْنِ فالقَليبُ

وإِفْريقيَةُ: اسْمُ بِلَادٍ، وَهِيَ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ؛ وَقَدْ جَمَعَهَا الأَحوص عَلَى أَفارِيق فَقَالَ:

أَين ابنُ حَرْبٍ ورَهْطٌ لَا أَحُسُّهُمُ؟ ***كَانُوا عَلَيْنَا حَديثًا مِنْ بَنِي الحَكَمِ

يَجْبُونَ مَا الصِّينُ تَحْوِيهِ، مَقانِبُهُمْ ***إِلى الأَفارِيق مِنْ فُصْحٍ وَمِنْ عَجَمِ

ومُفَرِّقُ الْغَنَمِ: هُوَ الظَّرِبان إِذا فَسا بَيْنَهَا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ تَفَرَّقَتْ.

وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَن اسْمَهُ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ فَارِق لِيطا أَي يَفْرُقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «تَأْتِي الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ كَأَنَّهُمَا فِرْقانِ مِنْ طَيْرٍ صَوافّ» أَي قطعتان.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


101-لسان العرب (حلل)

حلل: حَلَّ بِالْمَكَانِ يَحُلُّ حُلولًا ومَحَلًّا وحَلًّا وحَلَلًا، بِفَكِّ التَّضْعِيفِ نَادِرٌ: وَذَلِكَ نُزُولُ الْقَوْمِ بمَحَلَّة وَهُوَ نَقِيضُ الِارْتِحَالِ؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

كَمْ فاتَني مِنْ كَريمٍ كَانَ ذَا ثِقَة، ***يُذْكي الوَقُود بجُمْدٍ لَيْلة الحَلَل

وحَلَّه واحْتَلَّ بِهِ واحْتَلَّه: نَزَلَ بِهِ.

اللَّيْثُ: الحَلُّ الحُلول وَالنُّزُولُ؛ قَالَ الأَزهري: حَلَّ يَحُلُّ حَلًّا؛ قَالَ المُثَقَّب العَبْدي:

أَكُلَّ الدَّهْرُ حَلٌّ وَارْتِحَالُ، ***أَما تُبْقِي عَلَيَّ وَلَا تَقِيني؟

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَنَاء: لَا حُلِّي وَلَا سِيرِي، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كأَن هَذَا إِنما قِيلَ أَوَّل وَهْلَة لِمُؤَنَّثٍ فَخُوطِبَ بِعَلَامَةِ التأْنيث، ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ لِلْمُذَكَّرِ وَالِاثْنَيْنِ وَالِاثْنَتَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ مَحْكِيًّا بِلَفْظِ الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَلِكَ حَلَّ بِالْقَوْمِ وحَلَّهُم واحْتَلَّ بِهِمْ، واحْتَلَّهم، فإِما أَن تَكُونَا لُغَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا وُضِع، وإِمَّا أَن يَكُونَ الأَصل حَلَّ بِهِمْ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْبَاءُ وأُوصل الْفِعْلُ إِلى مَا بَعْدَهُ فَقِيلَ حَلَّه؛ ورَجُل حَالٌّ مِنْ قَوْمٍ حُلُول وحُلَّالٍ وحُلَّل.

وأَحَلَّه المكانَ وأَحَلَّه بِهِ وحَلَّلَه بِهِ وحَلَّ بِهِ: جَعَله يَحُلُّ، عاقَبَت الْبَاءُ الْهَمْزَةَ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم:

دِيَار الَّتِي كَانَتْ وَنَحْنُ عَلَى مِنًى ***تَحُلُّ بِنَا، لَوْلَا نَجَاءُ الرَّكائب

أَي تَجْعلُنا نَحُلُّ.

وحَالَّهُ: حَلَّ مَعَهُ.

والمَحَلُّ: نَقِيضُ المُرْتَحَل؛ وأَنشد:

إِنَّ مَحَلًّا وإِن مُرْتَحَلا، ***وإِنَّ فِي السَّفْر مَا مَضَى مَهَلا

قَالَ اللَّيْثُ: قُلْتُ لِلْخَلِيلِ: أَلست تَزْعُمُ أَن الْعَرَبَ الْعَارِبَةَ لَا تَقُولُ إِن رَجُلًا فِي الدَّارِ لَا تبدأْ بِالنَّكِرَةِ وَلَكِنَّهَا تَقُولُ إِن فِي الدَّارِ رَجُلًا؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عَلَى قِيَاسِ مَا تَقُولُ، هَذَا حِكَايَةٌ سَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ: إِنَّ مَحَلًّا وإِنَّ مُرْتَحَلا؛ وَيَصِفُ بَعْدَ حَيْثُ يَقُولُ:

هَلْ تَذْكُرُ العَهْد فِي تَقَمُّصٍ، إِذ ***تَضْرِب لِي قَاعِدًا بِهَا مَثَلا؛

إِنَّ مَحَلًّا وإِنَّ مُرْتَحَلا

المَحَلُّ: الآخرة والمُرْتَحَل؛... وأَراد بالسَّفْر الَّذِينَ مَاتُوا فَصَارُوا فِي البَرْزَخ، والمَهَل الْبَقَاءُ وَالِانْتِظَارُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ الْخَلِيلِ، فإِذا قَالَ اللَّيْثُ قُلْتُ لِلْخَلِيلِ أَو قَالَ سَمِعْتُ الْخَلِيلَ، فَهُوَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحمد لأَنه لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ، وإِذا قَالَ قَالَ الْخَلِيلُ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ قَدَّم الأَزهري فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ أَنه فِي قَوْلِ اللَّيْثِ قَالَ الْخَلِيلُ إِنما يَعْني نَفْسَه أَو أَنه سَمَّى لِسانَه الخَليل؛ قَالَ: وَيَكُونُ المَحَلُّ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحَلُّ فِيهِ وَيَكُونُ مَصْدَرًا، وَكِلَاهُمَا بِفَتْحِ الْحَاءِ لأَنهما مِنْ حَلَّ يَحُلُّ أَي نَزَلَ، وإِذا قُلْتَ المَحِلّ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَهُوَ مَنْ حَلَّ يَحِلُّ أَي وَجَب يَجِب.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}؛ أَي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ نَحْرُه، وَالْمَصْدَرُ مِنْ هَذَا بِالْفَتْحِ أَيضًا، وَالْمَكَانُ بِالْكَسْرِ، وَجَمْعُ المَحَلِّ مَحَالُّ، وَيُقَالُ مَحَلٌّ ومَحَلَّة بِالْهَاءِ كَمَا يُقَالُ مَنْزِل ومنزِلة.

وَفِي حَدِيثِ الهَدْي: «لَا يُنْحَر حَتَّى يَبْلُغَ مَحِلَّه»أَي الْمَوْضِعَ أَو الْوَقْتَ اللَّذَيْنِ يَحِلُّ فِيهِمَا نَحْرُه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ بِكَسْرِالْحَاءِ يَقَعُ عَلَى الْمَوْضِعِ وَالزَّمَانِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَائِشَةَ: قَالَ لَهَا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا، إِلا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ إِلينا نُسَيْبَة مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ إِليها مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: هَاتِي فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّها؛ أي وَصَلَتْ إِلى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ وقُضِيَ الواجبُ فِيهَا مِنَ التَّصَدّق بِهَا، وَصَارَتْ مِلْكًا لن تُصُدِّق بِهَا عَلَيْهِ، يَصِحُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَيَصِحُّ قَبُولُ مَا أُهدي مِنْهَا وأَكله، وإِنما قَالَ ذَلِكَ لأَنه كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكل الصَّدَقَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَرِهَ التَّبَرُّج بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحِلِّها»؛ يجوز أَن تَكُونَ الْحَاءُ مَكْسُورَةً مِنَ الحِلِّ وَمَفْتُوحَةً مِنَ الحُلُول، أَراد بِهِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، الْآيَةَ، والتَّبَرُّج: إِظهار الزِّينَةِ.

أَبو زَيْدٍ: حَلَلْت بِالرَّجُلِ وحَلَلْته ونَزَلْت بِهِ ونَزَلْته وحَلَلْت القومَ وحَلَلْت بِهِمْ بِمَعْنًى.

وَيُقَالُ: أَحَلَّ فُلَانٌ أَهله بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا إِذا أَنزلهم.

وَيُقَالُ: هُوَ فِي حِلَّة صِدْق أَي بمَحَلَّة صِدْق.

والمَحَلَّة: مَنْزِل الْقَوْمِ.

وحَلِيلة الرَّجُلِ: امرأَته، وَهُوَ حَلِيلُها، لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحَالُّ صَاحِبَهُ، وَهُوَ أَمثل مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنما هُوَ مِنَ الحَلال أَي أَنه يَحِلُّ لَهَا وتَحِلُّ لَهُ، وَذَلِكَ لأَنه لَيْسَ بِاسْمٍ شَرْعِيٍّ وإِنما هُوَ مِنْ قَدِيمِ الأَسماء.

والحَلِيل والحَلِيلة: الزَّوْجان؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

وحَلِيل غانيةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلًا، ***تَمْكُو فَرِيصَتُه كشِدْقِ الأَعْلَم

وَقِيلَ: حَلِيلَته جارَتُه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنهما يَحُلَّان بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ الحَلائِل؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سُمِّيا بِذَلِكَ لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحَالُّ صاحبَه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن تُزَاني حَلِيلة جَارِكَ»، قَالَ: وَكُلُّ مَنْ نَازَلَكَ وجَاوَرَك فَهُوَ حَليلك أَيضًا.

يُقَالُ: هَذَا حَليله وَهَذِهِ حَليلته لِمَنْ تُحَالُّه فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ؛ وأَنشد:

ولَستُ بأَطْلَسِ الثَّوْبَيْن يُصْبي ***حَلِيلَته، إِذا هَدَأَ النِّيَامُ

قَالَ: لَمْ يُرِدْ بالحَلِيلة هُنَا امرأَته إِنما أَراد جَارَتَهُ لأَنها تُحَالُّه فِي الْمَنْزِلِ.

وَيُقَالُ: إِنما سُمِّيَتِ الزَّوْجَةُ حَلِيلة لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ إِزار صَاحِبِهِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: أَن الحَلِيل يَكُونُ لِلْمُؤَنَّثِ بِغَيْرِ هَاءٍ.

والحِلَّة: الْقَوْمُ النُّزُولُ، اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: قَوْمٌ نُزُولٌ؛ وَقَالَ الأَعشى:

لَقَدْ كَانَ فِي شَيْبان، لَوْ كُنْتَ عَالِمًا، ***قِبَابٌ وحَيٌّ حِلَّة وقَبائل

وحَيٌّ حِلَّة أَي نُزُول وَفِيهِمْ كَثْرَةٌ؛ هَذَا الْبَيْتُ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ فِيهِ: " وحَوْلي حِلَّة ودَراهم ".

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ وَقَبَائِلُ لأَن الْقَصِيدَةَ لاميَّة؛ وأَولها:

أَقَيْس بنَ مَسْعود بنِ قَيْسِ بْنِ خالدٍ، ***وأَنتَ امْرُؤ يَرْجُو شَبَابَك وَائِلُ

قَالَ: وللأَعشى قَصِيدَةٌ أُخرى مِيمِيَّةٌ أَولها: هُرَيْرَةَ ودِّعْها وإِن لَامَ لَائِمُ يَقُولُ فِيهَا:

طَعَام الْعِرَاقِ المُسْتفيضُ الَّذِي تَرَى، ***وَفِي كُلِّ عَامٍ حُلَّة وَدَارهِم

قَالَ: وحُلَّة هُنَا مَضْمُومَةُ الْحَاءِ، وَكَذَلِكَ حَيٌّ حِلال؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

لِحَيٍّ حِلالٍ يَعْصِمُ الناسَ أَمْرُهُم، ***إِذا طَرَقَت إِحْدى اللَّيَالي بمُعْظَم

والحِلَّة: هَيئة الحُلُول.

والحِلَّة: جَمَاعَةُ بُيُوتِ النَّاسِ لأَنها تُحَلُّ؛ قَالَ كُرَاعٌ: هِيَ مِائَةُ بَيْتٍ، وَالْجَمْعُ حِلال؛ قَالَ الأَزهري: الحِلال جَمْعُ بُيُوتِ النَّاسِ، وَاحِدَتُهَا حِلَّة؛ قَالَ: وحَيٌّ حِلال أَي كَثِيرٌ؛ وأَنشد شَمِرٌ: " حَيٌّ حِلالٌ يَزْرَعون القُنْبُلا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد الأَصمعي:

أَقَوْمٌ يَبْعَثُونَ العِيرَ نَجْدًا ***أَحَبُّ إِليك، أَم حَيٌّ حِلال؟

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:

«لا هُمَّ إِنَّ المَرْءَ يَمْنَعُ ***رَحْلَه، فامْنَعْ حِلالَك»

الحِلال، بِالْكَسْرِ: القومُ الْمُقِيمُونَ الْمُتَجَاوِرُونَ يُرِيدُ بِهِمْ سُكَّان الحَرَم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنهم وَجَدوا نَاسًا أَحِلَّة»، كأَنه جَمْعُ حِلال كعِماد وأَعْمِدَة وإِنما هُوَ جَمْعُ فَعال، بِالْفَتْحِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ أَفْعِلة فِي جَمْعِ فِعال، بِالْكَسْرِ، أَولى مِنْهَا فِي جَمْعِ فَعال، بِالْفَتْحِ، كفَدَان وأَفْدِنة.

والحِلَّة: مَجْلِسُ الْقَوْمِ لأَنهم يَحُلُّونه.

والحِلَّة: مُجْتَمَع الْقَوْمِ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والمَحَلَّة: مَنْزِلُ الْقَوْمِ.

ورَوْضة مِحْلال إِذا أَكثر الناسُ الحُلول بِهَا.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنها تُحِلُّ النَّاسَ كثيرًا، لأَن مِفْعالًا إِنما هِيَ فِي مَعْنَى فَاعِلٍ لَا فِي مَعْنَى مَفْعُولٍ، وَكَذَلِكَ أَرض مِحْلال.

ابْنُ شُمَيْلٍ: أَرض مِحْلال وَهِيَ السَّهْلة اللَّيِّنة، ورَحَبة مِحْلال أَي جَيِّدة لمحَلّ النَّاسِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الأَخطل: " وشَرِبْتها بأَرِيضَة مِحْلال "قَالَ: الأَرِيضَة المُخْصِبة، قَالَ: والمِحْلال المُخْتارة للحِلَّة والنُّزول وَهِيَ العَذاة الطَّيِّبة؛ قال الأَزهري: لا يُقَالُ لَهَا مِحْلال حَتَّى تُمْرِع وتُخْصِب وَيَكُونَ نَبَاتُهَا نَاجِعًا لِلْمَالِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " بأَجْرَعَ مِحْلالٍ مِرَبٍّ مُحَلَّل "والمُحِلَّتانِ: القِدْر والرَّحى، فإِذا قُلْتَ المُحِلَّات فَهِيَ القِدْر والرَّحى والدَّلْو والقِرْبة والجَفْنَة والسِّكِّين والفَأْس والزَّنْد، لأَن مَنْ كَانَتْ هَذِهِ مَعَهُ حَلَّ حَيْثُ شَاءَ، وإِلا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَن يُجَاوِرَ النَّاسَ يَسْتَعِيرُ مِنْهُمْ بَعْضَ هَذِهِ الأَشياء؛ قَالَ:

لَا يَعْدِلَنَّ أَتاوِيُّون تَضْرِبُهم ***نَكْباءُ صِرٌّ بأَصحاب المُحِلَّات

الأَتاويُّون: الغُرَباء أَي لَا يَعْدِلَنَّ أَتاوِيُّون أَحدًا بأَصحاب المُحِلَّات؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هَذَا عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ كَمَا قَالَ تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ}؛ أَي والسمواتُ غيرَ السمواتِ، وَيُرْوَى: لَا يُعْدَلَنَّ، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ، أَي لَا يَنْبَغِي أَن يُعْدل فَعَلَى هَذَا لَا حَذْفَ فِيهِ.

وتَلْعة مُحِلَّة: تَضُمُّ بَيْتًا أَو بَيْتَيْنِ.

قَالَ أَعرابي: أَصابنا مُطَيْر كسَيْل شِعَابِ السَّخْبَرِ رَوَّى التَّلْعة المُحِلَّة، وَيُرْوَى: سَيَّل شِعابَ السَّخْبَر، وإِنما شَبَّه بشِعاب السَّخْبَر، وَهِيَ مَنابِته، لأَن عَرْضَها ضَيِّق وَطُولَهَا قَدْرُ رَمْية حَجَر.

وحَلَّ المُحْرِمُ مِنْ إِحرامه يَحِلُّ حِلًّا وحَلالًا إِذا خَرج مِنْ حِرْمه.

وأَحَلَّ: خَرَج، وَهُوَ حَلال، وَلَا يُقَالُ حالٌّ عَلَى أَنه الْقِيَاسُ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَحَلَّ يُحِلُّ إِحْلالًا إِذا حَلَّ لَهُ مَا حَرُم عَلَيْهِ مِنْ مَحْظورات الحَجِّ؛ قَالَ الأَزهري: وأَحَلَّ لُغَةٌ وكَرِهها الأَصمَعي وَقَالَ: أَحَلَّ إِذا خَرج مِنَ الشُّهُور الحُرُم أَو مِنْ عَهْد كَانَ عَلَيْهِ.

وَيُقَالُ للمرأَة تَخْرُج مِنْ عِدَّتها: حَلَّتْ.

وَرَجُلٌ حِلٌّ مِنَ الإِحرام أَي حَلال.

والحَلال: ضِدُّ الْحَرَامِ.

رَجُل حَلال أَي غَيْرُ مُحْرِم وَلَا مُتَلَبِّسٍ بأَسباب الْحَجِّ، وأَحَلَّ الرجلُ إِذا خَرَجَ إِلى الحِلِّ عَنِ الحَرَم، وأَحَلَّ إِذا دَخَلَ فِي شُهُورِ الحِلِّ، وأَحْرَمْنا أَي دَخَلْنَا فِي الشُّهُورِ الحُرُم.

الأَزهري: وَيُقَالُ رَجُلٌ حِلٌّ وحَلال وَرَجُلٌ حِرْم وحَرام أَي مُحْرِم؛ وأَما قَوْلُ زُهَيْرٌ:

جَعَلْن القَنانَ عَنْ يَمينٍ وحَزْنَه، ***وَكَمْ بالقَنان مِنْ مُحِلّ ومُحْرِم

فإِن بَعْضَهُمْ فَسَّرَهُ وَقَالَ: أَراد كَمْ بالقَنان مِنْ عَدُوٍّ يَرْمِي دَمًا حَلالًا وَمِنْ مُحْرم أَي يَرَاهُ حَرامًا.

وَيُقَالُ: المُحِلُّ الَّذِي يَحِلُّ لَنَا قِتالُه، والمُحْرِم الَّذِي يَحْرُم عَلَيْنَا قِتَالُهُ.

وَيُقَالُ: المُحِلُّ الَّذِي لَا عَهْد لَهُ وَلَا حُرْمة، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ وَمَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ.

والمُحْرِم: الَّذِي لَهُ حُرْمة.

وَيُقَالُ لِلَّذِي هُوَ فِي الأَشهر الحُرُم: مُحْرِم، وَلِلَّذِي خَرَجَ مِنْهَا: مُحِلٌّ.

وَيُقَالُ لِلنَّازِلِ فِي الحَرَم: مُحْرِم، وَالْخَارِجِ مِنْهُ: مُحِلّ، وَذَلِكَ أَنه مَا دَامَ فِي الحَرَم يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ وَالْقِتَالُ، وإِذا خَرَجَ مِنْهُ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيِّ: «أَحِلَّ بِمَنْ أَحَلَّ بِكَ»؛ قَالَ اللَّيْثُ: مَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَ الإِحرام وأَحَلَّ بِكَ فقاتَلَك فأَحْلِل أَنت أَيضًا به فقائِلُه وإِن كُنْتَ مُحْرمًا، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ: أَن الْمُؤْمِنِينَ حَرُم عَلَيْهِمْ أَن يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ويأْخذ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضِهِمْ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُحْرِم عَنْ صَاحِبِهِ، يَقُولُ: فإِذا أَحَلَّ رَجُلٌ مَا حَرُم عَلَيْهِ مِنْكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ بِمَا تَهَيَّأَ لَكَ دفعُه بِهِ مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ وإِن أَتى الدَّفْعُ بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ، وإِحْلال الْبَادِئِ ظُلْم وإِحْلال الدَّافِعِ مُبَاحٌ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " مَنْ حَلَّ بِكَ فاحْلِلْ بِهِ "أَي مَنْ صَارَ بِسَبَبِكَ حَلالًا فَصِرْ أَنت بِهِ أَيضًا حَلالًا؛ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالَّذِي جَاءَ فِي كِتَابِ" أَبي عُبَيْدٍ عَنِ النَّخَعِيِّ فِي المُحْرِم يَعْدو عَلَيْهِ السَّبُع أَو اللِّصُّ: أَحِلَّ بِمَنْ أَحَلَّ بِكَ.

وَفِي حَدِيثِ دُرَيد بْنِ الصِّمَّة: «قَالَ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ أَنت مُحِلٌّ بِقَوْمِكَ» أَي أَنك قَدْ أَبَحْت حَرِيمهم وعَرَّضتهم لِلْهَلَاكِ، شَبَّههم بالمُحْرِم إِذا أَحَلَّ كأَنهم كَانُوا مَمْنُوعِينَ بالمُقام فِي بُيُوتِهِمْ فحَلُّوا بِالْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حُلِّه وحُرْمه وحِلِّه وحِرْمه أَي فِي وَقْتِ إحْلاله وإِحرامه.

والحِلُّ: الرَّجُلُ الحَلال الَّذِي خَرَجَ مِنْ إِحرامه أَو لَمْ يُحْرِم أَو كَانَ أَحرم فحَلَّ مِنْ إِحرامه.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «قَالَتْ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحِلِّه وحِرْمه»؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " لحِرْمِه حِينَ أَحْرَم ولحِلِّه حِينَ حَلَّ مِنْ إِحرامه، وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير: لإِحْلاله حِينَ أَحَلَّ.

والحِلَّة: مَصْدَرُ قَوْلِكَ حَلَّ الهَدْيُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}؛ قِيلَ مَحِلُّ مَنْ كَانَ حَاجًّا يَوْمَ النَّحر، ومَحِلُّ مَنْ كَانَ مُعْتَمِرًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ؛ الأَزهري: مَحِلُّ الْهَدْيِ يَوْمَ النَّحْرِ بمِنًى، وَقَالَ: مَحِلُّ هَدْي المُتَمَتِّع بالعُمْرة إِلى الْحَجِّ بِمَكَّةَ إِذا قَدِمها وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ.

ومَحِلُّ هَدْيِ الْقَارِنِ: يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، ومَحِلُّ الدَّيْن: أَجَلُه، " وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذا نَظَرَتْ إِلى الْهِلَالِ قَالَتْ: لَا مَرْحَبًا بمُحِلِّ الدَّيْن مُقَرِّب الأَجَل.

وَفِي حَدِيثِ مَكَّةَ: «وإِنما أُحِلَّت لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ»، يَعْنِي مَكَّة يَوْمَ الْفَتْحِ حَيْثُ دَخَلَهَا عَنْوَة غَيْرَ مُحْرِم.

وَفِي حَدِيثِ العُمْرة: «حَلَّت العُمْرة لِمَنِ اعْتَمَرَ» أَي صَارَتْ لَكُمْ حَلالًا جَائِزَةً، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا لَا يَعْتَمِرُونَ فِي الأَشهر الحُرُم، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِذا دَخَل صَفَر حَلَّت العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَر.

والحِلُّ والحَلال والحِلال والحَلِيل: نَقِيض الْحَرَامِ، حَلَّ يَحِلُّ حِلًّا وأَحَلَّه اللَّهُ وحَلَّله.

وَقَوْلُهُ تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: هَذَا هُوَ النسِيء، كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجْمَعُونَ أَيامًا حَتَّى تَصِيرَ شَهْرًا، فَلَمَّا حَجَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الآنَ اسْتَدارَ الزمانُ كَهَيْئَتِهِ.

وَهَذَا لَكَ حِلٌّ أَي حَلال.

يُقَالُ: هُوَ حِلٌّ وبِلٌّ أَي طَلْق، وَكَذَلِكَ الأُنثى.

وَمِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لَا أُحِلُّها لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وبِلٌ أَي حَلال، بِلٌّ إِتباع، وَقِيلَ: البِلُّ مُبَاحٌ، حِمْيَرِيَّة.

الأَزهري: رَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هِيَ حِلٌّ وبِلٌّ يَعْنِي زَمْزَمَ، فسُئِل سُفْيَانُ: مَا حِلٌّ وبِلٌّ؟ فَقَالَ: حِلٌّ مُحَلَّل.

وَيُقَالُ: هَذَا لَكَ حِلٌّ وحَلال كَمَا يُقَالُ لِضِدِّهِ حِرْم وحَرام أَي مُحَرَّم.

وأَحْلَلت لَهُ الشيءَ.

جَعَلْتُهُ لَهُ حَلالًا.

واسْتَحَلَّ الشيءَ: عَدَّه حَلالًا.

وَيُقَالُ: أَحْلَلْتُ المرأَةَ لِزَوْجِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُحَلِّل والمُحَلَّل لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: المُحِلَّ والمُحَلَّ لَهُ، وَهُوَ أَن يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امرأَته ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ بِشَرْطِ أَن يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مُوَاقَعته إِياها لتَحِلَّ لِلزَّوْجِ الأَول».

وَكُلُّ شَيْءٍ أَباحه اللَّهُ فَهُوَ حَلال، وَمَا حَرَّمه فَهُوَ حَرَام.

وَفِي حَدِيثِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: «وَلَا أُوتَى بحَالٍّ وَلَا مُحَلَّل إِلا رَجَمْتُهما»؛ جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ حَدِيثًا لَا أَثرًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَلَّلْت وأَحْلَلْت وحَلَلْت، فَعَلَى الأَول جَاءَ الْحَدِيثُ الأَول، يُقَالُ حَلَّل فَهُوَ مُحَلِّل ومُحَلَّل، وَعَلَى الثَّانِيَةِ جَاءَ الثَّانِي تَقُولُ أَحَلَّ فَهُوَ مُحِلٌّ ومُحَلٌّ لَهُ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ جَاءَ الثَّالِثُ تَقُولُ حَلَلْت فأَنا حَالٌّ وَهُوَ مَحْلُول لَهُ؛ وَقِيلَ: أَراد بِقَوْلِهِ" لَا أُوتَى بحالٍ؛ أي بِذِي إِحْلال مِثْلَ قَوْلِهِمْ رِيحٌ لاقِح؛ أي ذَاتُ إِلْقاح، وَقِيلَ: سُمِّي مُحَلِّلًا بِقَصْدِهِ إِلى التَّحْلِيلِ كَمَا يُسَمَّى مُشْتَرِيًا إِذا قَصَدَ الشِّرَاءَ.

وَفِي حَدِيثِ مَسْرُوقٍ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الأَمة فيُطَلِّقها طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا قَالَ: «لَا تَحِلُّ لَهُ إِلا مِنْ حَيْثُ حَرُمت عَلَيْهِ»أَي أَنها لَا تَحِلُّ لَهُ وإِن اشْتَرَاهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، يَعْنِي أَنها حَرُمت عَلَيْهِ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي تَطْلِيقَتَيْنِ، فتَحِلّ لَهُ بِهِمَا كَمَا حَرُمت عَلَيْهِ بِهِمَا.

واسْتَحَلَّ الشيءَ: اتَّخَذَهُ حَلالًا أَو سأَله أَن يُحِلَّه لَهُ.

والحُلْو الحَلال: الْكَلَامُ الَّذِي لَا رِيبة فِيهِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

تَصَيَّدُ بالحُلْوِ الحَلالِ، وَلَا تُرَى ***عَلَى مَكْرَهٍ يَبْدو بِهَا فيَعِيب

وحَلَّلَ اليمينَ تَحْلِيلًا وتَحِلَّة وتَحِلًّا، الأَخيرة شَاذَّةٌ: كَفَّرَها، والتَّحِلَّة: مَا كُفِّر بِهِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}؛ وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الحِلُّ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وَلَا أَجْعَلُ الْمَعْرُوفَ حِلَّ أَلِيَّةٍ، ***وَلَا عِدَةً فِي النَّاظِرِ المُتَغَيَّب

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا وَجَدْتُهُ المُتَغَيَّب، مَفْتُوحَةَ "الْيَاءِ، بخَطِّ الحامِض، وَالصَّحِيحُ المُتَغَيِّب، بِالْكَسْرِ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَعْطِ الْحَالِفَ حُلَّانَ يَمينه أَي مَا يُحَلِّل يَمِينَهُ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: لأَفعلن كَذَا إِلَّا حِلُّ ذَلِكَ أَن أَفعل كَذَا أَي وَلَكِنْ حِلُّ ذَلِكَ، فحِلُّ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ تَحِلَّةُ قَسَمِي أَو تحليلُه أَن أَفعل كَذَا.

وَقَوْلُهُمْ: فَعَلْتُهُ تَحِلَّة القَسَم أَي لَمْ أَفعل إِلا بِمِقْدَارِ مَا حَلَّلت بِهِ قَسَمي وَلَمْ أُبالِغ.

الأَزهري: وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتُ لِمُؤْمِنٍ ثَلَاثَةُ أَولاد فتَمَسّه النَّارُ إِلا تَحِلَّة القَسَم»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ تَحِلَّة القَسَم قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}، قَالَ: فإِذا مَرَّ بِهَا وَجَازَهَا فَقَدْ أَبَرَّ اللَّهُ قَسَمَه.

وَقَالَ غَيْرُ أَبي عُبَيْدٍ: لَا قَسَم فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ تَحِلَّة وإِنما التَّحِلَّة للأَيْمان؟ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِلا تَحِلَّة القَسَم إِلا التعذير الذي لا يَبْدَؤُه مِنْهُ مَكْرُوهٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ العَرَب: ضَرَبْته تَحْلِيلًا ووَعَظْته تَعْذيرًا أَي لَمْ أُبالِغ فِي ضَرْبِهِ ووَعْظِه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا مَثَل فِي القَلِيل المُفْرِط القِلَّة وَهُوَ أَن يُباشِر مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يُقْسِم عَلَيْهِ المقدارَ الَّذِي يُبِرُّ بِهِ قَسَمَه ويُحَلِّلُه، مِثْلَ أَن يَحْلِفَ عَلَى النُّزُولِ بِمَكَانٍ فَلَوْ وَقَع بِهِ وَقْعة خَفِيفَةً أَجزأَته فَتِلْكَ تَحِلَّة قَسَمِه، وَالْمَعْنَى لَا تَمَسُّه النَّارُ إِلا مَسَّة يَسِيرَةً مِثْلَ تَحِلَّة قَسَم الْحَالِفِ، وَيُرِيدُ بتَحِلَّتِه الوُرودَ عَلَى النَّارِ والاجْتيازَ بِهَا، قَالَ: وَالتَّاءُ فِي التَّحِلَّة زَائِدَةٌ؛ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: مَنْ حَرَس لَيْلَةً مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا لَمْ يأْخذه الشَّيْطَانُ وَلَمْ يَرَ النَّارَ تَمَسُّه إِلا تَحِلَّة القَسَم؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}، قَالَ الأَزهري: وأَصل هَذَا كُلِّهِ مِنْ تَحْلِيلِ الْيَمِينِ وَهُوَ أَن يَحْلِفَ الرَّجُلُ ثُمَّ يَسْتَثْنِيَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا، يُقَالُ: آلَى فُلَانٌ أَلِيَّة لَمْ يَتَحَلَّل فِيهَا أَي لَمْ يَسْتثْنِ ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مَثَلًا لِلتَّقْلِيلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

تَخْدِي عَلَى يَسَراتٍ، وَهِيَ لَاحِقَةٌ، ***بأَرْبَعٍ، وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْلِيل

وَفِي حَوَاشِي ابْنِ بَرِّيٍّ:

تَخْدِي عَلَى يَسَرات، وَهِيَ لَاحِقَةٌ، ***ذَوَابِل، وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْلِيل

أَي قَلِيلٌ كَمَا يَحْلِفُ الإِنسان عَلَى الشَّيْءِ أَن يَفْعَلَهُ فَيَفْعَلَ مِنْهُ الْيَسِيرَ يُحَلِّل بِهِ يَمِينه؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُرِيدُ وَقْعَ مَناسِم النَّاقَةِ عَلَى الأَرض مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ؛ وَقَالَ الْآخَرُ:

أَرَى إِبلي عَافَتْ جَدُودَ، فَلَمْ تَذُقْ ***بِهَا قَطْرَةً إِلا تَحِلَّة مُقْسِم

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لعَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:

تُحْفِي الترابَ بأَظْلافٍ ثَمانية ***فِي أَرْبَع، مَسُّهنَّ الأَرضَ تَحْلِيلُ

أَي قَلِيلٌ هَيِّن يَسِيرٌ.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا أَمْعَن فِي وَعِيد أَو أَفرط فِي فَخْر أَو كَلَامٍ: حِلًّا أَبا فُلَانٍ أَي تَحَلَّلْ فِي يَمِينِكَ، جَعَلَهُ فِي وَعِيدِهِ إِياه كَالْيَمِينِ فأَمره بِالِاسْتِثْنَاءِ أَي اسْتَثْن يَا حَالِفُ واذْكُر حِلًّا.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ: «أَنه قَالَ لامرأَة حَلَفت أَن لَا تُعْتِق مَوْلاة لَهَا فَقَالَ لَهَا: حِلًّا أُمَّ فُلَانٍ، وَاشْتَرَاهَا وأَعتقها»؛ أي تَحَلَّلِي مِنْ يَمِينِكِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَمْرِو بْنِ مَعَدِيكَرِبَ: قال لِعُمَرَ حِلًّا يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا تَقُولُ؛ أي تَحَلَّلْ مِنْ قَوْلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس: «قِيلَ لَهُ حَدِّثْنا بِبَعْضِ مَا سمعتَه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وأَتَحلَّل»أَي أَستثني.

وَيُقَالُ: تَحَلَّل فُلَانٌ مِنْ يَمِينِهِ إِذا خَرَجَ مِنْهَا بِكَفَّارَةٍ أَو حِنْث يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: " وآلَتْ حِلْفةً لَمْ تَحَلَّل "وتَحَلَّل فِي يَمِينِهِ أَي اسْتَثْنَى.

والمُحَلِّل مِنَ الْخَيْلِ: الفَرَسُ الثَّالِثُ مِنْ خَيْلِ الرِّهان، وَذَلِكَ أَن يَضَعَ الرَّجُلانِ رَهْنَين بَيْنَهُمَا ثُمَّ يأْتي رَجُلٌ سِوَاهُمَا فَيُرْسِلَ مَعَهُمَا فرسه ولا يضع رَهْنًا، فإِن سَبَق أَحدُ الأَوَّليْن أَخَذَ رهنَه ورهنَ صَاحِبِهِ وَكَانَ حَلالًا لَهُ مِنْ أَجل الثَّالِثِ وَهُوَ المُحَلِّل، وإِن سبَقَ المُحَلِّلُ وَلَمْ يَسْبق وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَخَذَ الرَّهْنَيْنِ جَمِيعًا، وإِن سُبِقَ هُوَ لَمْ يَكُنْ عليه شيء، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الَّذِي لَا يُؤْمَن أَن يَسْبق، وأَما إِذا كَانَ بَلِيدًا بَطِيئًا قَدْ أُمِن أَن يَسْبِقهما فَذَلِكَ القِمَار الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، ويُسَمَّى أَيضًا الدَّخِيل.

وضَرَبه ضَرْبًا تَحْلِيلًا أَي شِبْهَ التَّعْزِيرِ، وإِنما اشْتُقَّ ذَلِكَ مِنْ تَحْلِيل الْيَمِينِ ثُمَّ أُجْري فِي سَائِرِ الْكَلَامِ حَتَّى قِيلَ فِي وَصْفِ الإِبل إِذا بَرَكَتْ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: " نَجَائِب وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْليل "أَي هَيِّن.

وحَلَّ العُقْدة يَحُلُّها حَلًّا: فتَحَها ونَقَضَها فانْحَلَّتْ.

والحَلُّ: حَلُّ العُقْدة.

وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ: يَا عاقِدُ اذْكُرْ حَلًّا، هَذَا الْمَثَلُ ذَكَرَهُ الأَزهري وَالْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي وأَما ابْنُ الأَعرابي فَخَالَفَهُ وَقَالَ: يَا حابِلُ اذْكُرْ حَلًّا وَقَالَ: كَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَكثر مِنْ أَلف أَعرابي فَمَا رَوَاهُ أَحد مِنْهُمْ يَا عاقِدُ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ إِذا تحَمَّلْتَ فَلَا تُؤَرِّب مَا عَقَدْت، وَذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فِي تَرْجَمَةِ حَبْلٍ: يَا حابِلُ اذْكُرْ حَلًّا.

وَكُلُّ جَامِدٍ أُذِيب فَقَدْ حُلَّ.

والمُحَلَّل: الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ يَصِفُ جَارِيَةً:

كبِكْرِ المُقاناةِ البَيَاض بصُفْرة، ***غَذَاها نَمِير الماءِ غَيْر المُحَلَّل

وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحدهما أَن يُعْنَى بِهِ أَنه غَذَاها غِذَاء لَيْسَ بمُحَلَّل أَي لَيْسَ بِيَسِيرٍ وَلَكِنَّهُ مُبالَغ فِيهِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: مَرِيءٌ ناجِعٌ، وَالْآخَرُ أَن يُعْنى بِهِ غَيْرُ مَحْلُولٍ عَلَيْهِ فيَكْدُر ويَفْسُد.

وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: غَيْرُ مُحَلَّل يُقَالُ إِنه أَراد مَاءَ الْبَحْرِ أَي أَن الْبَحْرَ لَا يُنْزَل عَلَيْهِ لأَن مَاءَهُ زُعَاق لَا يُذَاق فَهُوَ غَيْرُ مُحَلَّل أَي غَيْرُ مَنْزولٍ عَلَيْهِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ غَيْرُ مُحَلَّل أَي غَيْرُ قَلِيلٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لأَن مَاءَ الْبَحْرِ لَا يُوصَفُ بِالْقِلَّةِ وَلَا بِالْكَثْرَةِ لِمُجَاوَزَةِ حدِّه الوصفَ، وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَكَانٌ مُحَلَّل إِذا أَكثر الناسُ بِهِ الحُلُولَ، وَفَسَّرَهُ بأَنه إِذا أَكثروا بِهِ الحُلول كدَّروه.

وكلُّ مَاءٍ حَلَّتْه الإِبل فكَدَّرَتْه مُحَلَّل، وعَنى إمرُؤ الْقَيْسِ بِقَوْلِهِ بِكْر المُقَاناة دُرَّة غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ.

وحَلَّ عَلَيْهِ أَمرُ اللَّهِ يَحِلُّ حُلولًا: وجَبَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَمَنْ قرأَ: أَن يَحُلَ}، فَمَعْنَاهُ أَن يَنْزِل.

وأَحَلَّه اللهُ عَلَيْهِ: أَوجبه؛ وحَلَّ عَلَيْهِ حَقِّي يَحِلُّ مَحِلًّا، وَهُوَ أَحد مَا جَاءَ مِنَ الْمَصَادِرِ عَلَى مِثَالِ مَفْعِل بِالْكَسْرِ كالمَرْجِعِ والمَحِيص وَلَيْسَ ذَلِكَ بمطَّرد، إِنما يُقْتَصَرُ عَلَى مَا سُمِعَ مِنْهُ، هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَمَنْ يَحْلُلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى}؛ قرئَ وَمَنْ يَحْلُل ويَحْلِلْ"، بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وكذلك قرئَ: فَيَحِلَ " [فَيَحُلَ] عَلَيْكُمْ غَضَبِي، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْكَسْرُ فِيهِ أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الضَّمِّ لأَن الحُلُول مَا وَقَعَ مِنْ يَحُلُّ، ويَحِلُّ يَجِبُ، وَجَاءَ بِالتَّفْسِيرِ بِالْوُجُوبِ لَا بِالْوُقُوعِ، قَالَ: وكلٌّ صَوَابٌ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ تعالى: {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ، فَهَذِهِ مَكْسُورَةٌ، وإِذا قُلْتَ حَلَّ بِهِمُ العذابُ كَانَتْ تَحُلُّ لَا غَيْرَ، وإِذا قُلْتَ عَليَّ أَو قُلْتَ يَحِلُّ لَكَ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ بِالْكَسْرِ}؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَنْ قَالَ يَحِلُّ لَكَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَمَنْ قرأَ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ" فَمَعْنَاهُ فيَجِب عَلَيْكُمْ، وَمَنْ قرأَ فيَحُلَ "فَمَعْنَاهُ فيَنْزِل؛ قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ وَمَنْ يَحْلِلْ" بِكَسْرِ اللَّامِ أَكثر.

وحَلَّ المَهْرُ يَحِلُّ أَي وَجَبَ.

وحَلَّ الْعَذَابُ يَحِلُّ، بِالْكَسْرِ، أَي وَجَب، ويَحُلُّ، بِالضَّمِّ، أَي نَزَلَ.

وأَما قَوْلُهُ أَو تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ، فَبِالضَّمِّ، أَي تَنْزل.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِد رِيحَ نَفَسه إِلَّا مَاتَ»أَي هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ وَاقِعٌ كَقَوْلِهِ تعالى: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ}؛ أَي حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «حَلَّت لَهُ شَفَاعَتِي، وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى غَشِيَتْه ونَزَلَتْ بِهِ، فأَما قَوْلُهُ: لَا يَحُلُّ المُمْرِض عَلَى المُصِحّ، فَبِضَمِّ الْحَاءِ، مِنَ الحُلول النزولِ، وَكَذَلِكَ فَلْيَحْلُل، بِضَمِّ اللَّامِ».

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، فَقَدْ يَكُونُ المصدرَ وَيَكُونُ الموضعَ.

وأَحَلَّت الشاةُ والناقةُ وَهِيَ مُحِلٌّ: دَرَّ لبَنُها، وَقِيلَ: يَبِسَ لبنُها ثُمَّ أَكَلَت الرَّبيعَ فدَرَّت، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بأَنه نُزُولُ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ نِتاج، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وَلَكِنَّهَا كَانَتْ ثَلَاثًا مَيَاسِرًا، ***وحائلَ حُول أَنْهَزَتْ فأَحَلَّتِ

يَصِفُ إِبلًا وَلَيْسَتْ بِغَنَمٍ لأَن قَبْلَ هَذَا:

فَلو أَنَّها كَانَتْ لِقَاحِي كَثيرةً، ***لَقَدْ نَهِلَتْ مِنْ مَاءِ جُدٍّ وعَلَّت

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لأُمية بْنِ أَبي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ:

غُيوث تَلتَقي الأَرحامُ فِيهَا، ***تُحِلُّ بِهَا الطَّروقةُ واللِّجاب

وأَحَلَّت الناقةُ عَلَى وَلَدِهَا: دَرَّ لبنُها، عُدِّي بعَلى لأَنه فِي مَعْنَى دَرَّت.

وأَحَلَّ المالُ فَهُوَ يُحِلُّ إِحْلالًا إِذا نَزَلَ دَرُّه حِينَ يأْكل الرَّبِيعَ.

الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ: المَحالُّ الْغَنَمُ الَّتِي يَنْزِلُ اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِهَا مِنْ غَيْرِ نِتاج وَلَا وِلاد.

وتَحَلَّل السَّفَرُ بِالرَّجُلِ: اعْتَلَّ بَعْدَ قُدُومِهِ.

والإِحْلِيل والتِّحْلِيل: مَخْرَج الْبَوْلِ مِنَ الإِنسان ومَخْرج اللَّبَنِ مِنَ الثَّدْيِ والضَّرْع.

الأَزهري: الإِحْلِيل مَخْرج اللَّبَنِ مِنْ طُبْي النَّاقَةِ وَغَيْرِهَا.

وإِحْلِيل الذَّكَرِ: ثَقْبه الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، وَجَمْعُهُ الأَحالِيل؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

تُمِرُّ مثلَ عَسِيب النَّخْلِ ذَا خُصَلٍ، ***بِغَارِبٍ، لَمْ تُخَوِّنْه الأَحَالِيل

هُوَ جَمْعُ إِحْلِيل، وَهُوَ مَخْرَج اللَّبَنِ مِنَ الضَّرْع، وتُخَوِّنه: تَنْقُصه، يَعْنِي أَنه قَدْ نَشَفَ لبنُها فَهِيَ سَمِينَةٌ لَمْ تَضْعُفْ بِخُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْهَا.

والإِحْلِيل: يقع عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ وفَرْج المرأَة، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَحْمَد إِليكم غَسْل الإِحْلِيل "أَي غَسْل الذَّكَرِ.

وأَحَلَّ الرجلُ بِنَفْسِهِ إِذا اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ.

ابْنُ الأَعرابي: حُلَّ إِذا سُكِن، وحَلَّ إِذا عَدا، وامرأَة حَلَّاء رَسْحاء، وذِئْب أَحَلُّ بَيِّن الحَلَل كَذَلِكَ.

ابْنُ الأَعرابي: ذِئْبٌ أَحَلُّ وَبِهِ حَلَل، وَلَيْسَ بِالذِّئْبِ عَرَج، وإِنما يُوصَفُ بِهِ لخَمَع يُؤنَس مِنْهُ إِذا عَدا؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاح:

يُحِيلُ به الذِّئْبُ الأَحَلُّ، وَقُوتُه ***ذَوات المَرادِي، مِنْ مَناقٍ ورُزّح

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الأَحَلُّ أَن يَكُونَ مَنْهوس المُؤْخِر أَرْوَح الرِّجلين.

والحَلَل: اسْتِرْخَاءُ عَصَب الدَّابَّةِ، فَرَسٌ أَحَلُّ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الحَلَل فِي الْبَعِيرِ ضَعْفٌ فِي عُرْقوبه، فَهُوَ أَحَلُّ بَيِّن الحَلَل، فإِن كَانَ فِي الرُّكْبة فَهُوَ الطَّرَق.

والأَحَلُّ: الَّذِي فِي رِجْلِهِ اسْتِرْخَاءٌ، وَهُوَ مَذْمُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلا فِي الذِّئْبِ.

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ بَيْتَ الطِّرِمَّاحِ: يُحِيلُ بِهِ الذِّئبُ الأَحَلُّ، وَنَسَبَهُ إِلى الشَّمَّاخِ وَقَالَ: يُحِيلُ أَي يُقِيم بِهِ حَوْلًا.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: فَرَس أَحَلُّ، وحَلَلُه ضَعْفُ نَساه ورَخاوة كَعْبه، وخَصّ أَبو عُبَيْدَةَ بِهِ الإِبل.

والحَلَل: رَخَاوَةٌ فِي الْكَعْبِ، وَقَدْ حَلِلْت حَلَلًا.

وَفِيهِ حَلَّة وحِلَّة أَي تَكَسُّر وَضَعْفٌ؛ الْفَتْحُ عَنْ ثَعْلَبٍ وَالْكَسْرُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وَفِي حَدِيثِ أَبي قَتَادَةَ: «ثُمَّ تَرَك فتَحَلَّل»أَي لَمَّا انْحَلَّت قُواه تَرَكَ ضَمَّه إِليه، وَهُوَ تَفَعُّل مِنَ الحَلِّ نَقِيضِ الشَّدّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

إِذا اصْطَكَّ الأَضاميمُ اعْتَلاها ***بصَدْرٍ، لَا أَحَلَّ وَلَا عَموج

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه بَعَث رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ بفَصِيل مَحْلُول أَو مَخْلول بِالشَّكِّ»؛ الْمَحْلُولُ، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: الهَزِيل الَّذِي حُلَّ اللَّحْمُ عَنْ أَوصاله فعَرِيَ مِنْهُ، والمَخْلُول يَجِيءُ فِي بَابِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الصَّلَاةُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وتَحْلِيلها التَّسْلِيمُ» أَي صَارَ المُصَلِّي بِالتَّسْلِيمِ يَحِلُّ لَهُ مَا حُرِمَ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ مِنَ الْكَلَامِ والأَفعال الْخَارِجَةِ عَنْ كَلَامِ الصَّلَاةِ وأَفعالها، كَمَا يَحِلُّ للمُحْرِم بِالْحَجِّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ مَا كَانَ حَرامًا عَلَيْهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَحِلُّوا اللَّهَ يَغْفِرْ لَكُمْ»أَي أَسلموا؛ هَكَذَا فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ الْخُرُوجُ مِنْ حَظْر الشِّرك إِلى حِلِّ الإِسلام وسَعَته، مِنْ قَوْلِهِمْ حَلَّ الرجلُ إِذا خَرَجَ مِنَ الحَرَم إِلى الحِلِّ، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عِنْدَ الأَكثر مِنْ كَلَامِ أَبي الدَّرْدَاءِ، ومنهم مَنْ جَعَلَهُ حَدِيثًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمة مِنْ أَخيه فَلْيسْتَحِلَّه.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنها قَالَتْ لامرأَة مَرَّتْ بِهَا: «مَا أَطول ذَيْلَها فَقَالَ: اغْتَبْتِها قُومي إِليها فَتَحلَّليها»؛ يُقَالُ: تَحَلَّلته واسْتَحْلَلْته إِذا سأَلته أَن يَجْعَلَكَ فِي حِلٍّ مِنْ قِبَله.

وَفِي الْحَدِيثِ: أَنه سُئِلَ أَيّ الأَعمال أَفضل فَقَالَ: الحالُّ المُرْتَحِل، قِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الخاتِم المفتَتِح هُوَ الَّذِي يَخْتم الْقُرْآنَ بِتِلَاوَتِهِ ثم يَفْتَتح التِّلَاوَةَ مِنْ أَوّله "؛ شبَّهه بالمُسافر يَبْلُغُ الْمَنْزِلَ فيَحُلُّ فِيهِ ثُمَّ يَفْتَتِحُ سَيْرَهُ أَي يبتدئه، وَكَذَلِكَ قُرَّاء أَهل مَكَّةَ إِذا خَتَمُوا الْقُرْآنَ بِالتِّلَاوَةِ ابتدأُوا وقرأُوا الْفَاتِحَةَ وَخَمْسَ آيَاتٍ مِنْ أَول سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِلى قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، ثُمَّ يَقْطَعُونَ الْقِرَاءَةَ ويُسَمُّون ذَلِكَ الحالَّ المُرْتَحِل أَي أَنه خَتَمَ الْقُرْآنَ وابتدأَ بأَوَّله وَلَمْ يَفْصِل بَيْنَهُمَا زَمَانٌ، وَقِيلَ: أَراد بالحالِّ الْمُرْتَحِلِ الغازِيَ الَّذِي لَا يَقْفُل عَنْ غَزْوٍ إِلا عَقَّبه بِآخَرَ.

والحِلال: مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ؛ قَالَ طُفَيْل:

وراكضةٍ، مَا تَسْتَجِنُّ بجُنَّة، ***بَعِيرَ حِلالٍ، غادَرَتْه، مُجَعْفَلِ

مُجَعْفَل: مَصْرُوعٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ أَحمر: " وَلَا يَعْدِلْنَ مِنْ مَيْلٍ حِلالا "قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ متاعَ رَحْل الْبَعِيرِ.

والحِلُّ: الغَرَض الَّذِي يُرْمى إِليه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


102-لسان العرب (أمم)

وأُمُّ كُلِّ شَيْءٍ: أَصْلُه وعِمادُه؛ قَالَ ابْنُ دُرَيد: كُلُّ شَيْءٍ انْضَمَّت إِلَيْهِ أَشياء، فَهُوَ أُمٌّ لَهَا.

وأُم الْقَوْمِ: رئيسُهم، مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ الشنْفَرى: " وأُمَّ [أُمِ] عِيال قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ "يَعْنِي تأَبط شَرًّا.

وَرَوَى الرَّبيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ يَلِي طَعام القَوْم وخِدْمَتَهم هُوَ أُمُّهم؛ وأَنشد لِلشَّنْفَرَى:

وأُمِّ عِيال قَدْ شَهدت تَقُوتُهُمْ، ***إِذَا أَحْتَرَتْهُم أَتْفَهَتْ وأَقَلَّتِ

وأُمُّ الكِتاب: فاتِحَتُه لأَنه يُبْتَدَأُ بِهَا فِي كُلِّ صلاة، وقال الزَّجَّاجُ: أُمُّ الْكِتَابِ أَصْلُ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ.

التَّهْذِيبُ: أُمُّ الْكِتَابِ كلُّ آيَةٍ مُحْكَمة مِنْ آيَاتِ الشَّرائع والأَحْكام وَالْفَرَائِضِ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ: أنَّ أُم الكِتاب هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لأَنها هِيَ المُقَدَّمة أَمامَ كلِّ سُورةٍ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وابْتُدِئ بِهَا فِي المُصْحف فقدِّمت وَهِيَ... الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ.

وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا}، فَقَالَ: هُوَ اللَّوْح المَحْفوظ، وَقَالَ قَتادة: أُمُّ الْكِتَابِ أَصْلُ الكِتاب.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أُمُّ الكِتاب الْقُرْآنُ مِنْ أَوله إِلَى آخِرِهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُ تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ}، وَلَمْ يَقُلْ أُمَّهات لأَنه عَلَى الحِكاية كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لَيْسَ لِي مُعين، فَتَقُولُ: نَحْنُ مُعِينك فتَحْكِيه، وَكَذَلِكَ قوله تعالى: {وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِمامًا.

وأُمُّ النُّجوم: المَجَرَّة لأَنها مُجْتَمَع النُّجوم.

وأُمُّ التَّنائف: المفازةُ الْبَعِيدَةُ.

وأُمُّ الطَّرِيقِ: مُعْظَمها إِذَا كَانَ طَرِيقًا عَظِيمًا وحَوْله طرُق صِغار فالأَعْظم أُمُّ الطَّرِيقِ؛ الْجَوْهَرِيُّ: وأُمُّ الطَّرِيقِ مُعظمه فِي قَوْلِ كُثَيِّرِ عَزّة:

يُغادِرْنَ عَسْبَ الوالِقِيّ وناصِحٍ، ***تَخصُّ بِهِ أُمُّ الطريقِ عِيالَها

قَالَ: وَيُقَالُ هِيَ الضَّبُع، والعَسْب: مَاءُ الفَحْل، والوالِقِيّ وناصِح: فَرَسان، وعِيالُ الطَّرِيقِ: سِباعُها؛ يُرِيدُ أَنهنّ يُلْقِين أَولادَهنّ لِغَيْرِ تَمامٍ مِنْ شِدّة التَّعَب.

وأُمُّ مَثْوَى الرَّجُلِ: صاحِبةُ مَنْزِله الَّذِي يَنْزله؛ قَالَ: " وأُمُّ مَثْوايَ تُدَرِّي لِمَّتي الأَزهري: يُقَالُ للمرأَة الَّتِي يَأْوي إِلَيْهَا الرَّجُلُ هِيَ أُمُّ مَثْواهُ.

وَفِي حَدِيثِ ثُمامَة: «أَتى أُمَّ مَنْزِلِه»أَي امرأَته وَمَنْ يُدَبِّر أَمْر بَيْته مِنَ النِّسَاءِ.

التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي الأُم امرأَة الرَّجُلِ المُسِنَّة، قَالَ: والأُمّ الْوَالِدَةُ مِنَ الْحَيَوَانِ.

وأُمُّ الحَرْب: الرَّايَةُ.

وأُم الرُّمْح: اللِّواء وَمَا لُفَّ عَلَيْهِ مِنْ خِرْقَةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وسَلَبْنا الرُّمْح فِيهِ أُمُّه ***مِنْ يَدِ العاصِي، وَمَا طَالَ الطِّوَلْ

وأُم القِرْدانِ: النُّقْرَةُ الَّتِي فِي أَصْل فِرْسِن الْبَعِيرِ.

وأُم القُرَى: مَكَّةُ، شرَّفها اللَّهُ تَعَالَى، لأَنها توسطَت الأَرض فِيمَا زَعَموا، وَقِيلَ لأَنها قِبْلةُ جَمِيعِ النَّاسِ يؤُمُّونها، وَقِيلَ: سُمِّيَت بِذَلِكَ لأَنها كَانَتْ أَعظم القُرَى شأْنًا، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا}.

وكلُّ مَدِينَةٍ هِيَ أُمُّ مَا حَوْلها مِنَ القُرَى.

وأُمُّ الرأْسِ: هِيَ الخَريطةُ الَّتِي فِيهَا الدِّماغ، وأُمُّ الدِّماغِ الجِلدة الَّتِي تجْمع الدِّماغَ.

وَيُقَالُ أَيضًا: أُم الرأْس، وأُمُّ الرأْس الدِّماغ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيد: هِيَ الجِلْدة الرَّقِيقَةُ الَّتِي عَلَيْهَا، وَهِيَ مُجْتَمعه.

وَقَالُوا: مَا أَنت وأُمُّ الباطِل أَيْ مَا أَنْتَ والباطِل؟ ولأُمّ أَشياءُ كَثِيرَةٌ تُضَافُ إِلَيْهَا؛ وفي حديث: " أَنَّهُ قَالَ لِزَيْدِ الْخَيْلِ نِعْم فَتىً إِنْ نَجا مِنْ أُمّ كلْبةَ، هِيَ الحُمَّى، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: لَمْ تَضُرّه أُمُّ الصِّبْيان، يَعْنِي الرِّيحَ الَّتِي تَعْرِض لَهُمْ فَربما غُشِي عَلَيْهِمْ مِنْهَا.

وأُمُّ اللُّهَيْم: المَنِيّة، وأُمُّ خَنُّورٍ الخِصْب، وأُمُّ جابرٍ الخُبْزُ، وأُمُّ صَبّار الحرَّةُ، وأُم عُبيدٍ الصحراءُ، وأُم عَطِيَّةَ الرَّحى، وأُمُّ شَمْلَةَ الشَّمْسُ، وأُمُّ الخُلْفُف الداهيةُ، وأُمُّ رُبَيقٍ الحَرْبُ، وأُم لَيْلى الخَمْر، ولَيْلى النَّشْوة، وأُمُّ دَرْزٍ الدنيْا، وأُم جِرْذَانَ النَّخْلَةُ، وأُم رَجيه النَّحْلَةُ، وأُمُّ رِيَاحٍ الْجَرَادَةُ، وأُمُّ عامِرٍ الْمَقْبَرَةُ، وأُمُّ جَابِرٍ السُّنْبُلة، وأُمُّ طِلْبة العُقابُ، وَكَذَلِكَ شَعْواء، وأُمُّ حُبابٍ الدُّنيا، وَهِيَ أُمُّ وافِرَةَ، وأُمُّ وَافِرَةَ الْبِيرَةُ، وأُم سَمْحَةَ الْعَنْزُ، وَيُقَالُ للقِدْر: أُمُّ غِيَاثٍ، وأُمُّ عُقْبَة، وأُمُّ بَيْضاء، وأُمُّ رسمة، وأُمُّ العِيَالِ، وأُمُّ جِرْذان النَّخْلة، وَإِذَا سَمَّيْتَ رجُلًا بأُمِّ جِرْذان لَمْ تَصْرِفه، وأُمُّ خَبِيصٍ، وأُمُّ سُوَيْدٍ، وأُمُّ عِزْم، وأُم عُقَاقٍ، وأُم طَبِيخَةَ وَهِيَ أُم تِسْعِينَ، وأُمُّ حِلْس كُنْية الأَتان، وَيُقَالُ للضَّبُع أُمُّ عامِر وأُمُّ عَمْرو.

الْجَوْهَرِيُّ: وأُم البَيْضِ فِي شِعْرِ أَبي دُواد النعَامة وَهُوَ قَوْلُهُ:

وأَتانا يَسْعَى تَفَرُّسَ أُمِّ ***البيضِ شَدًّا، وَقَدْ تَعالى النَّهارُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَصِفُ رَبيئَة، قَالَ: وَصَوَابُهُ تَفَرُّش، بِالشِّينِ معجَمةً، والتَّفَرُّش: فَتْحُ جَناحَي الطَّائِرِ أَو النَّعامة إِذَا عَدَتْ.

التَّهْذِيبُ: وَاعْلَمْ أنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُضَمُّ إِلَيْهِ سائرُ مَا يَلِيهِ فإنَّ العربَ تُسَمِّي ذَلِكَ الشَّيْءَ أُمًّا، مِنْ ذَلِكَ أُمُّ الرأْس وَهُوَ الدِّماغُ، والشجَّةُ الآمَّةُ الَّتِي تَهْجُمُ عَلَى الدِّماغ.

وأَمَّه يَؤُمُّه أَمًّا، فَهُوَ مَأْمُومٌ وأَمِيم: أَصَابَ أُمَّ رأْسِه.

الْجَوْهَرِيُّ: أَمَّهُ أَيْ شجَّهُ آمَّةً، بالمدِّ، وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغ أُمَّ الدِّماغِ حَتَّى يبقَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدِّماغ جِلْدٌ رقيقٌ.

وَفِي حَدِيثِ الشِّجاج: «فِي الآمَّة ثُلُثُ الدِّيَة، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: المَأْمُومَة»، وَهِيَ الشَّجَّة الَّتِي بَلَغَتْ أُمَّ الرأْس، وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تجمَع الدِّمَاغَ.

الْمُحْكَمُ: وشَجَّةٌ آمَّةٌ ومَأْمُومةٌ بَلَغَتْ أُمَّ الرأْس، وَقَدْ يُستعار ذَلِكَ فِي غَيْرِ الرأْس؛ قَالَ:

قَلْبي منَ الزَّفَرَاتِ صَدَّعَهُ الهَوى، ***وَحَشايَ مِنْ حَرِّ الفِرَاقِ أَمِيمُ

وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

فَلَوْلَا سِلاحي، عندَ ذاكَ، وغِلْمَتي ***لَرُحْت، وَفِي رَأْسِي مآيِمُ تُسْبَرُ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: جَمَع آمَّةً عَلَى مآيِمَ وَلَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمُ الْخَيْلُ تَجْرِي عَلَى مَسَاوِيها؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي زِيَادَةٌ وَهُوَ أَنه أَرَادَ مآمَّ، ثُمَّ كَرِه التَّضْعِيف فأَبدل الْمِيمَ الأَخيرة يَاءً، فَقَالَ مآمِي، ثُمَّ قَلَبَ اللامَ وَهِيَ الْيَاءُ المُبْدَلة إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ فَقَالَ مآيِم، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِهِ فِي الشَّجَّة مَأْمُومَة، قَالَ: وَكَذَا قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ بعضُ الْعَرَبِ يَقُولُ فِي الآمَّة مَأْمُومَة؛ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ وَهَذَا غلَطٌ إِنَّمَا الآمَّةُ الشَّجَّة، والمَأْمُومَة أُمُّ الدِّماغ المَشْجُوجَة؛ وأَنشد:

يَدَعْنَ أُمَّ رأْسِه مَأْمُومَهْ، ***وأُذْنَهُ مَجْدُوعَةً مَصْلُومَه

وَيُقَالُ: رَجُلٌ أَمِيمٌ ومَأْمُومٌ لِلَّذِي يَهْذِي مِنْ أُمِّ رأْسه.

والأُمَيْمَةُ: الْحِجَارَةُ الَّتِي تُشْدَخ بها الرُّؤُوس، وَفِي الصِّحَاحِ: الأَمِيمُ حَجَرٌ يُشْدَخُ بِهِ الرأْس؛ وأَنشد الأَزهري:

ويَوْمَ جلَّيْنا عَنِ الأَهاتِم ***بالمَنْجَنِيقاتِ وبالأَمائِم

قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ: مُفَلَّقَة هاماتُها بالأَمائِم وأُم التَّنائف: أَشدُّها.

وَقَوْلُهُ تعالى: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ}، وَهِيَ النارُ.

يَهْوِي مَن أُدْخِلَها أَيْ يَهْلِك، وَقِيلَ: فَأُمُّ رأْسه هاوِيَة فِيهَا أَيْ ساقِطة.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اتَّقوا الخَمْر فَإِنَّهَا أُمُّ الخَبائث»؛ وَقَالَ شَمِرٌ: أُمُّ الْخَبَائِثِ الَّتِي تَجْمَع كلَّ خَبيث، قَالَ: وَقَالَ الْفَصِيحُ فِي أَعراب قَيْسٍ إِذَا قِيلَ أُمُّ الشَّرِّ فَهِيَ تَجْمَع كُلَّ شَرٍّ عَلَى وَجْه الأَرض، وَإِذَا قِيلَ أُمُّ الْخَيْرِ فَهِيَ تَجْمَعُ كلَّ خَيْر.

ابْنُ شُمَيْلٍ: الأُمُّ لِكُلِّ شَيْءٍ هو المَجْمَع والمَضَمُّ.

والمَأْمُومُ مِنَ الإِبِل: الَّذِي ذهَب وَبَرهُ عَنْ ظَهْره مِنْ ضَرْب أَوْ دَبَرٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

لَيْسَ بذِي عَرْكٍ وَلَا ذِي ضَبِّ، ***وَلَا بِخَوّارٍ وَلَا أَزَبِّ،

وَلَا بمأْمُومٍ وَلَا أَجَبِ وَيُقَالُ لِلْبَعِيرِ العَمِدِ المُتَأَكِّل السَّنامِ: مَأْمُومٌ.

والأُمِّيّ: الَّذِي لَا يَكْتُبُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: الأُمِّيُّ الَّذِي عَلَى خِلْقَة الأُمَّةِ لَمْ يَتَعَلَّم الكِتاب فَهُوَ عَلَى جِبِلَّتِه، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ}؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى الأُمِّيّ المَنْسُوب إِلَى مَا عَلَيْهِ جَبَلَتْه أُمُّه أَيْ لَا يَكتُبُ، فَهُوَ فِي أَنه لَا يَكتُب أُمِّيٌّ، لأَن الكِتابة هِيَ مُكْتسَبَةٌ فكأَنه نُسِب إِلَى مَا يُولد عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا وَلَدَته أُمُّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَتِ الكُتَّاب فِي الْعَرَبِ مِنْ أَهل الطَّائِفِ تَعَلَّموها مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الحِيرة، وأَخذها أَهل الْحِيرَةِ عَنْ أَهل الأَنْبار.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسُب»؛ أَراد أَنهم عَلَى أَصل وِلَادَةِ أُمِّهم لَمْ يَتَعَلَّموا الكِتابة والحِساب، فَهُمْ عَلَى جِبِلَّتِهم الأُولى.

وَفِي الْحَدِيثِ: «بُعِثتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّة»؛ قِيلَ لِلْعَرَبِ الأُمِّيُّون لأَن الكِتابة كَانَتْ فِيهِمْ عَزِيزة أَو عَديمة؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ.

والأُمِّيُّ: العَييّ الجِلْف الْجَافِي القَليلُ الْكَلَامِ؛ قَالَ:

وَلَا أعُودُ بعدَها كَرِيّا ***أُمارسُ الكَهْلَةَ والصَّبيَّا،

والعَزَبَ المُنَفَّه الأُمِّيَّا قِيلَ لَهُ أُمِّيٌّ لأَنه عَلَى مَا وَلَدَته أُمُّه عَلَيْهِ مِنْ قِلَّة الْكَلَامِ وعُجْمَة اللِّسان، وَقِيلَ لِسَيِّدِنَا محمدٍ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الأُمِّي لأَن أُمَّة الْعَرَبِ لَمْ تَكُنْ تَكْتُب وَلَا تَقْرَأ المَكْتُوبَ، وبَعَثَه اللَّهُ رَسُولًا وَهُوَ لَا يَكْتُب وَلَا يَقْرأُ مِنْ كِتاب، وَكَانَتْ هَذِهِ الخَلَّة إحْدَى آيَاتِهِ المُعجِزة لأَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلا عَلَيْهِمْ كِتابَ اللَّهِ مَنْظُومًا، تَارَةً بَعْدَ أُخْرَى، بالنَّظْم الَّذِي أُنْزِل عَلَيْهِ فَلَمْ يُغَيِّره وَلَمْ يُبَدِّل أَلفاظَه، وَكَانَ الخطيبُ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا ارْتَجَل خُطْبَةً ثُمَّ أَعادها زَادَ فِيهَا ونَقَص، فحَفِظه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبيِّه كَمَا أَنْزلَه، وأَبانَهُ مِنْ سَائِرِ مَن بَعَثه إِلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي بايَنَ بَينه وَبَيْنَهُمْ بِهَا، فَفِي ذَلِكَ أَنْزَل اللَّهُ تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولَقالوا: إِنَّهُ وَجَدَ هَذِهِ الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها مِنَ الكُتُب.

والأَمامُ: نَقِيضُ الوَراء وَهُوَ فِي مَعْنَى قُدَّام، يَكُونُ اسْمًا وَظَرْفًا.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَالَ الكِسائي أَمَامَ مُؤَنَّثَةٌ، وَإِنْ ذُكِّرتْ جَازَ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا أَمامَك إِذَا كُنْتَ تُحَذِّره أَوْ تُبَصِّره شَيْئًا، وَتَقُولُ أَنْتَ أَمامَه أَيْ قُدَّامه.

ابْنُ سِيدَهْ: والأَئمَّةُ كِنانة "؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وأُمَيْمَة وأُمامةُ: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

قالتْ أُمَيْمةُ: مَا لجِسْمك شاحِبًا ***مِثْلِي ابْتُذِلْتَ، ومِثلُ مَا لَكَ يَنْفَعُ

وَرَوَى الأَصمعي أُمامةُ بالأَلف، فَمَن رَوَى أُمامة عَلَى التَّرْخِيمِ ".

وأُمامةُ: ثَلَثُمائة مِنَ الإِبِلِ؛ قال:

أَأَبْثُرهُ مالي ويَحْتِرُ [يَحْتُرُ] رِفْدَه؟ ***تَبَيَّنْ رُوَيْدًا مَا أُمامةُ مِنْ هِنْدِ

أَراد بأُمامة مَا تقدَّم، وأَراد بِهِنْد هُنَيْدَة وَهِيَ الْمِائَةُ مِنَ الإِبل؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبو العَلاء؛ وَرِوَايَةُ الحَماسة:

أَيُوعِدُني، والرَّمْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ ***تَبَيَّنْ رُوَيْدًا مَا أُمامة مِنْ هِنْدِ

وأَما: مِنْ حُرُوفِ الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهَا الإِخْبار.

وإمَّا فِي الجَزاء: مُرَكَّبة مِنْ إنْ ومَا.

وإمَّا فِي الشَّكِّ: عَكْسُ أَوْ فِي الْوَضْعِ، قَالَ: وَمِنْ خَفِيفِه أَمْ.

وأَمْ حَرْفُ عَطف، معناه الِاسْتِفْهَامُ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى بَلْ.

التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ أَمْ فِي الْمَعْنَى تَكُونُ رَدًّا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ عَلَى جِهَتَيْن: إِحْدَاهُمَا أَنْ تُفارِق مَعْنَى أَمْ، والأُخرى أَنْ تَسْتَفْهِم بِهَا عَلَى جِهَةِ النّسَق، وَالَّتِي يُنْوى به الِابْتِدَاءُ إلَّا أَنه ابْتِدَاءٌ متصِل بِكَلَامٍ، فَلَوِ ابْتَدَأْت كَلَامًا لَيْسَ قَبْلَهُ كلامٌ ثُمَّ استَفْهَمْت لَمْ يَكُنْ إِلَّا بالأَلف أَوْ بهَلْ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ}، فَجَاءَتْ بأَمْ وَلَيْسَ قَبْلَها اسْتِفْهَامٌ فَهَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنها اسْتِفْهَامٌ مبتدأٌ عَلَى كَلَامٍ قَدْ سَبَقَهُ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ، فَإِنْ شِئْتَ جعَلْته اسْتِفْهَامًا مُبْتَدَأً قَدْ سَبَقَهُ كلامٌ، وَإِنْ شِئْتَ جعَلْته مَرْدُودًا عَلَى قَوْلِهِ مَا لَنَا لَا نَرَى، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي، ثُمَّ قَالَ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ "، فَالتَّفْسِيرُ فِيهِمَا واحدٌ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَرُبَّمَا جَعَلتِ الْعَرَبُ أَمْ إِذا سَبَقَهَا اسْتِفْهَامٌ وَلَا يَصْلُح فِيهِ أَمْ عَلَى جِهَةِ بَلْ فَيَقُولُونَ: هَلْ لَكَ قِبَلَنا حَقٌّ أَم أَنتَ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بالظُّلْم، يُريدون بَلْ أَنْتَ رجُل مَعْرُوفٌ بالظُّلْم؛ وأَنشد:

فوَالله مَا أَدري أَسَلْمى تَغَوَّلَتْ، ***أَمِ النَّوْمُ أَمْ كلٌّ إليَّ حَبِيبُ

يُريد: بَلْ كلٌّ، قَالَ: وَيَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ بأَوْ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وقال الزَّجَّاجُ: أَمْ إِذا كَانَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى لَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ فَهِيَ مَعْرُوفَةٌ لَا إِشكال فِيهَا كَقَوْلِكَ زَيْدٌ أَحسن أَمْ عَمرو، أَكذا خيرٌ أَمْ كَذَا، وَإِذَا كَانَتْ لَا تقَعُ عَطْفًا عَلَى أَلِف الِاسْتِفْهَامِ، إِلا أَنها تَكُونُ غَيْرَ مبتدأَة، فإِنها تُؤذِن بِمَعْنَى بَلْ وَمَعْنَى أَلف الِاسْتِفْهَامِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ}، قَالَ: الْمَعْنَى بَلْ تُريدون أَن تَسأَلوا رسولَكم، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ "؛ قَالَ: الْمَعْنَى بَلْ يَقُولُونَ افْتَراه، قَالَ اللَّيْثُ: أَمْ حَرْف أَحسَن مَا يَكُونُ فِي الِاسْتِفْهَامِ عَلَى أَوَّله، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى كأَنه اسْتِفْهَامٌ بَعْدَ اسْتِفْهَامٍ، قَالَ: وَيَكُونُ أمْ بِمَعْنَى بَلْ، وَيَكُونُ أَمْ بِمَعْنَى ألِف الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِكَ: أَمْ عِنْدك غَداء حاضِرٌ؟ وَأَنْتَ تُرِيدُ: أَعِندَك غَدَاءٌ حاضِرٌ وَهِيَ لُغَةٌ حَسَنَةٌ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا يَجُوز إِذا سَبَقَهُ كَلَامٌ، قَالَ اللَّيْثُ: وَتَكُونُ أَمْ مبتدَأَ الْكَلَامِ فِي الْخَبَرِ، وَهِيَ لُغَةٌ يَمانية، يَقُولُ قائلُهم: أَمْ نَحْن خَرَجْنا خِيارَ النَّاسِ، أَمْ نُطْعِم الطَّعام، أَمْ نَضْرِب الهامَ، وَهُوَ يُخْبِر.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ أَبو زَيْدٍ أَم تَكُونُ زَائِدَةً لغةُ أَهل الْيَمَنِ؛ قَالَ وأَنشد:

يَا دَهْن أَمْ مَا كَانَ مَشْيي رَقَصا، ***بَلْ قَدْ تَكُونُ مِشْيَتي تَوَقُّصا

أَراد يَا دَهْناء فَرَخَّم، وأَمْ زَائِدَةٌ، أَرَادَ مَا كَانَ مَشْيي رَقَصًا أَيْ كنت أَتَوقَّصُ وأَنا فِي شَبِيبتي واليومَ قَدْ أَسْنَنْت حَتَّى صَارَ مَشيي رَقَصًا، والتَّوَقُّص: مُقارَبةُ الخَطْو؛ قَالَ ومثلُه:

يَا لَيْتَ شِعْرِي وَلَا مَنْجى مِنَ الهَرَمِ، ***أَمْ هلْ عَلَى العَيْش بعدَ الشَّيْب مِن نَدَمِ؟

قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَبي زَيْدٍ وَغَيْرِهِ، يذهَب إِلَى أَن قَوْلَهُ أَمْ كَانَ مَشْيي رَقَصًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقَدَّمَ، الْمَعْنَى كأَنه قَالَ: يَا دَهْن أَكان مَشْيي رَقَصًا أَمْ مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: تَكُونُ أَمْ بِلُغَةِ بَعْضِ أَهل اليَمن بِمَعْنَى الأَلِف واللامِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَ امْبرِّ امْصِيامُ فِي امْسَفَر»أَيْ لَيْسَ من البِرِّ الصِّيامُ في السفَر؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والأَلفُ فِيهَا أَلفُ وَصْلٍ تُكْتَب وَلَا تُظْهر إِذَا وُصِلت، وَلَا تُقْطَع كَمَا تُقْطَع أَلِف أَم الَّتِي قدَّمنا ذكْرَها؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

ذاكَ خَلِيلي وذُو يُعاتِبُني، ***يَرْمي وَرَائِي بامْسَيْفِ وامْسَلِمَه

أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ وَصَل الميمَ بِالْوَاوِ؟ فَافْهَمْهُ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْوَجْهُ أَنْ لَا تُثْبَتَ الأَلف فِي الكِتابة لأَنها مِيمٌ جعلتْ بدَلَ الأَلفِ وَاللَّامِ للتَّعْريف.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ المكرَّم: قَالَ فِي أَوَّل كَلَامِهِ: أَمْ بِلُغَةِ الْيَمَنِ بِمَعْنَى الأَلف وَاللَّامِ، وأَوردَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: والأَلف أَلفُ وَصْل تُكْتَبُ وَلَا تُظْهر وَلَا تُقْطَع كَمَا تُقْطَع أَلف أَمْ، ثُمَّ يَقُولُ: الوَجُه أَن لَا تُثْبَتَ الأَلِف فِي الْكِتَابَةِ لأَنها ميمٌ جُعِلَتْ بدَل الأَلف وَاللَّامِ للتَّعْريف، وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَن الميمَ عِوَض لَامِ التَّعْريف لَا غَيْر، والأَلفُ عَلَى حالِها، فَكَيْفَ تَكُونُ الْمِيمُ عِوَضًا مِنَ الأَلف وَاللَّامِ؟ وَلَا حُجَّة بِالْبَيْتِ الَّذِي أَنشده فإِن أَلفَ التَّعْريف وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ والسَّلِمَة لَا تَظْهَرُ فِي ذَلِكَ، وَلَا فِي قَوْلِهِ وامْسَلِمَة، وَلَوْلَا تشديدُ السِّينِ لَما قَدَرَ عَلَى الإِتْيان بِالْمِيمِ فِي الوزْن، لأَنَّ آلةَ التَّعْريف لَا يَظْهر مِنْهَا شَيْءٌ فِي قَوْلِهِ والسَّلِمة، فَلَمَّا قَالَ وامْسَلِمة احْتَاجَ أَن تَظْهَرَ الْمِيمُ بِخِلَافِ اللَّامِ والأَلف عَلَى حَالَتِهَا فِي عَدَم الظُّهور فِي اللَّفْظِ خاصَّة، وبإِظهاره الْمِيمَ زَالَتْ إِحْدى السِّينَيْن وخَفَّت الثَّانِيَةُ وارْتَفَع التشديدُ، فإِن كَانَتِ الْمِيمُ عِوَضًا عَنِ الأَلف وَاللَّامِ فَلَا تُثْبَتُ الأَلف وَلَا اللَّامُ، وإِن كَانَتْ عِوَضَ اللَّامِ خاصَّة فَثُبوت الأَلف واجبٌ.

الْجَوْهَرِيُّ: وأَمّا أَمْ مُخَفَّفة فَهِيَ حَرف عَطف فِي الِاسْتِفْهَامِ وَلَهَا مَوْضِعان: أحدهُما أَنْ تَقَع مُعادِلةً لأَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ بِمَعْنَى أَيْ تَقُولُ أَزَيْدٌ فِي الدَّارِ أَمْ عَمرو وَالْمَعْنَى أَيُّهما فِيهَا، وَالثَّانِي أَن تَكُونَ مُنْقَطِعة مِمَّا قَبْلَهَا خَبرًا كَانَ أَوِ اسْتِفْهَامًا، تَقُولُ فِي الخَبَر: إِنها لإِبلٌ أَمْ شاءٌ يَا فَتَى، وَذَلِكَ إِذا نَظَرْت إِلَى شَخْص فَتَوَهَّمته إبِلًا فَقُلْتَ مَا سَبَقَ إِلَيْكَ، ثُمَّ أَدْرَكك الظنُّ أَنه شاءٌ فانصَرَفْت عَنِ الأَوَّل فَقُلْتَ أَمْ شاءٌ بِمَعْنَى بَلْ لأَنه إضْرابٌ عمَّا كَانَ قَبْلَهُ، إلَّا أَنَّ مَا يَقَع بَعْدَ بَلْ يَقِين وَمَا بَعْد أَمْ مَظْنون، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِهِ فَقُلْتَ أمْ شاءٌ بِمَعْنَى بَلْ لأَنه إِضْراب عَمَّا كَانَ قَبْلَهُ: صَوابُه أَنْ يَقول بِمَعْنَى بَلْ أَهِيَ شاءٌ، فيأْتي بأَلِف الِاسْتِفْهَامِ الَّتِي وَقَع بِهَا الشكُّ، قَالَ: وتَقول فِي الِاسْتِفْهَامِ هَلْ زَيْدٌ مُنْطَلِق أمْ عَمرو يَا فَتى؟ إِنَّمَا أَضْرَبْت عَنْ سُؤالك عَنِ انْطِلاق زيدٍ وجعَلْته عَنْ عَمرو، فأَمْ "مَعَهَا ظنٌّ وَاسْتِفْهَامٌ وإضْراب؛ وأَنشد الأَخفش للأَخطل:

كَذَبَتْك عَينُكَ أَمْ رأَيت بِواسِطٍ ***غَلَسَ الظَّلام، مِنَ الرَّبابِ، خَيالا؟

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ}؛ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ أَصلهُ اسْتِفْهَامًا، وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ" شَكًّا، ولكنَّه قَالَ هَذَا لِتَقبيح صَنيعِهم، ثُمَّ قَالَ: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، كأَنه أَراد أَن يُنَبِّه عَلَى مَا قَالُوهُ نَحْوَ قَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: الخَيرُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أمِ الشرُّ؟ وأَنتَ تَعْلَم أَنَّهُ يَقُولُ الْخَيْرُ وَلَكِنْ أَردت أَنْ تُقَبِّح عِنْدَهُ مَا صنَع، قَالَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ.

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ}، وَقَدْ عَلِم النبيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَالْمُسْلِمُونَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا سُبْحَانَهُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُبَصِّرهم ضَلالَتَهم، قَالَ: وتَدْخُل أَمْ عَلَى هلْ تَقُولُ أَمْ هلْ عندك عمرو؛ وَقَالَ عَلْقمة بْنُ عَبَدة:

أَمْ هلْ كَبيرٌ بَكَى لَمْ يَقْضِ عَبْرَتَه، ***إثْرَ الأَحبَّةِ، يَوْمَ البَيْنِ، مَشْكُومُ؟

قال ابن بري: أمْ هنا مُنْقَطِعة، واستَأْنَف السُّؤال بِهَا فأَدْخَلها عَلَى هلْ لتَقَدُّم هلْ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ؛ وَهُوَ: " هلْ مَا عَلِمْت وَمَا اسْتودِعْت مَكْتوم "ثُمَّ استأْنف السُّؤَالَ بِأَمْ فَقَالَ: أَمْ هلْ كَبير؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الجَحَّاف بْنِ حَكِيمٍ:

أَبا مالِكٍ، هلْ لُمْتَني مُذْ حَضَضتَنِي ***عَلَى القَتْل أَمْ هلْ لامَني منكَ لائِمُ؟

قَالَ: إِلَّا أَنه مَتَى دَخَلَتْ أَمْ عَلَى هلْ بَطَل مِنْهَا مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَإِنَّمَا دَخَلتْ أَم عَلَى هلْ لأَنها لِخُروجٍ مِنْ كَلَامٍ إِلى كَلَامٍ، فَلِهَذَا السَّبَب دخلتْ عَلَى هلْ فقلْت أَمْ هلْ ولم تَقُل أَهَلْ، قَالَ: وَلَا تَدْخُل أَم عَلَى الأَلِف، لَا تَقول أَعِنْدك زَيْدٌ أَمْ أَعِنْدك عَمْرو، لأَن أَصْلَ مَا وُضِع لِلِاسْتِفْهَامِ حَرْفان: أَحدُهما الأَلفُ وَلَا تَقع إِلا فِي أَوَّل الْكَلَامِ، وَالثَّانِي أمْ وَلَا تَقَعُ إِلَّا فِي وَسَط الْكَلَامِ، وهلْ إِنما أُقيم مُقام الأَلف فِي الِاسْتِفْهَامِ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَع فِي كُلٍّ مَواقِع الأَصْل.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


103-لسان العرب (رغم)

رغم: الرَّغْم والرِّغْم والرُّغْمُ: الكَرْهُ، والمَرْغَمَةُ مِثْلُهُ.

قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ مَرْغَمَةً "؛ المَرْغَمَة: الرُّغْمُ أَي بُعِثْتُ هَوَانًا وذُلًّا لِلْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ رَغِمَهُ ورَغَمَهُ يَرْغَمُ، ورَغِمَتِ السَّائِمَةُ المَرْعَى تَرْغَمُه وأَنِفَتْه تأْنَفُهُ: كرهَته؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وكُنَّ بالرَّوْضِ لَا يَرْغَمْنَ وَاحِدَةً ***مِنْ عَيْشهنّ، وَلَا يَدْرِين كَيْفَ غدُ

وَيُقَالُ: مَا أَرْغَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَي مَا أَنْقِمُه وما أَكرهه.

والرُّغْمُ: الذِّلَّة.

ابْنُ الأَعرابي: الرَّغْم التُّرَابُ، والرَّغْم الذُّلُّ، والرَّغم القَسر.

قَالَ: وفي الحديث وإِن رَغَمَ أَنفُه "أَي ذَلَّ؛ رَوَاهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ؛ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: عَلَى رَغْمِ مَن رَغَمَ، بِالْفَتْحِ أَيضًا.

وَفِي حَدِيثِ مَعْقِل بْنِ يَسارٍ: «رَغِم أَنفي لأَمر اللَّهِ»أَي ذَلّ وَانْقَادَ.

ورَغِمَ أَنفي لله رَغْمًا ورَغَمَ يَرْغَمُ ويَرْغُمُ ورَغُمَ؛ الأَخيرة عَنِ الْهَجَرِيِّ، كُلُّهُ: ذلَّ عَنْ كُرْهٍ، وأَرغَمَه الذُّلُّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذا صَلَّى أَحدكم فليُلْزِمْ جَبْهَتَهُ وأَنفه الأَرض حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الرَّغْمُ»؛ مَعْنَاهُ حَتَّى يَخْضَعَ ويَذِلَّ وَيَخْرُجَ مِنْهُ كِبْرُ الشَّيْطَانِ، وَتَقُولَ: فَعَلْتُ ذَلِكَ عَلَى الرَّغم مِنْ أَنفه.

ورَغَمَ فُلَانٌ، بِالْفَتْحِ، إِذا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْتِصَافِ، وَهُوَ يَرْغَمُ رَغْمًا، وَبِهَذَا الْمَعْنَى رَغِمَ أَنفُه.

والمَرْغَمُ والمَرْغِمُ: الأَنف، وَهُوَ المَرْسِنُ والمَخْطِمُ والمَعْطِسُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ يَهْجُو جَرِيرًا:

تَبْكِي المَراغَةُ بالرَّغامِ عَلَى ابْنِهَا، ***والناهِقات يَهِجْنَ بالإِعْوالِ

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: رَغِمَ أَنفُه ثَلَاثًا، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدرك أَبويه أَو أَحدهما حَيًّا وَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ».

يُقَالُ: أَرْغَم اللَّهُ أَنْفَه أَي أَلزقه بالرَّغام، وَهُوَ التُّرَابُ؛ هَذَا هُوَ الأَصل، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الذُّلِّ وَالْعَجْزِ عَنِ الِانْتِصَافِ وَالِانْقِيَادِ عَلَى كُرْهٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «وإِن رَغِمَ أَنف أَبي الدَّرْداء» أَي وإِن ذَلَّ، وَقِيلَ: وإِن كَره.

وَفِي حَدِيثِ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ: «كَانَتَا تَرْغيمًا لِلشَّيْطَانِ».

وَفِي حَدِيثِ أَسماء: «إِن أُمِّي قدِمتْ عليَّ راغِمَةً مُشْرِكَةً أَفَأَصِلُها؟ قَالَ: نَعَمْ»؛ لَمَّا كَانَ الْعَاجِزُ الذَّلِيلُ لَا يَخْلُو مِنْ غَضَبٍ، قَالُوا: تَرَغَّمَ إِذا غَضِبَ، وراغِمةً؛ أي غَاضِبَةً، تُرِيدُ أَنها قدِمَتْ عليَّ غَضْبَى لإِسلامي وَهِجْرَتِي مُتَسَخِّطَةً لأَمري أَو كَارِهَةً مَجِيئَهَا إِليَّ لَوْلَا مَسِيسُ الْحَاجَةِ، وَقِيلَ: هَارِبَةٌ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا}؛ أي مَهْربًا ومُتَّسَعًا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِن السِّقْطَ ليُراغِمُ رَبَّهُ إِن أَدخل أَبويه النَّارَ؛ أي يُغَاضِبُهُ».

وَفِي حَدِيثِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ: «فَلَمَّا أَرْغَمَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْغَمَ بِشْرُ بْنُ البَراءِ مَا فِي فِيهِ»أَي أَلقى اللُّقْمَةَ مِنْ فِيهِ فِي التُّرَابِ.

ورَغَّمَ فُلَانٌ أَنفه: خَضَعَ.

وأَرْغَمَهُ: حَمَلَهُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ أَن يَمْتَنِعَ مِنْهُ.

ورَغَّمَهُ: قَالَ لَهُ رَغْمًا ودَغْمًا، وَهُوَ راغِمٌ داغِمٌ، ولأَفعلنَّ ذَلِكَ رَغْمًا وَهَوَانًا، نَصَبَهُ عَلَى إِضمار الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إِظهاره.

وَرَجُلٌ راغِمٌ داغِمٌ: إِتباع، وَقَدْ أَرْغَمَهُ اللَّهُ وأَدْغَمَه، وَقِيلَ: أَرْغَمَهُ أَسخطه، وأَدْغَمَهُ، بِالدَّالِ: سَوَّده.

وَشَاةٌ رَغْماء: عَلَى طَرَفِ أَنفها بَيَاضٌ أَو لَوْنٌ يُخَالِفُ سَائِرَ بَدَنِهَا.

وامرأَة مِرْغامة: مغضِبة لبَعْلِها؛ وَفِي الْخَبَرِ: " قَالَ بَيْنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذ رأَى رَجُلًا يَطُوفُ وَعَلَى عُنُقِهِ مِثْلُ المَهاةِ وَهُوَ يَقُولُ:

عُدْتُ لِهَذِي جَمَلًا ذَلولا، ***مُوَطَّأً أَتَّبِعُ السُّهولا،

أَعْدِلُها بالكَفِّ أَن تَمِيلا، ***أَحذَر أَن تَسْقُطَ أَو تَزُولَا،

أَرْجو بِذَاكَ نَائِلًا جَزِيلا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ هَذِهِ الَّتِي وَهَبْتَ لَهَا حَجَّكَ؟ قَالَ: امرأَتي، يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ إِنها حَمْقَاءُ مِرْغامة، أَكول قَامَةٌ، مَا تَبْقى لَهَا خَامَةٌ قَالَ: مَا لَكَ لَا تُطَلِّقُهَا؟ قَالَ: يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ، هِيَ حَسْنَاءُ فَلَا تُفْرَك، وأُم صِبْيَانٍ فَلَا تُتْرك قَالَ: فشأَنك بِهَا إِذًا.

والرَّغامُ: الثَّرَى.

والرَّغام، بِالْفَتْحِ: التُّرَابُ، وَقِيلَ: التُّرَابُ اللَّيِّنُ وَلَيْسَ بِالدَّقِيقِ؛ وَقَالَ:

وَلَمْ آتِ البُيوتَ، مُطَنَّباتٍ، ***بأَكثِبَةٍ فَرَدْنَ مِنَ الرَّغامِ

أَي انْفَرَدْنَ، وَقِيلَ: الرَّغامُ رَمْلٌ مُخْتَلِطٌ بِتُرَابٍ.

الأَصمعي: الرَّغامُ مِنَ الرَّمْلِ لَيْسَ بِالَّذِي يَسِيلُ مِنَ الْيَدِ.

أَبو عَمْرٍو: الرَّغامُ دُقاق التُّرَابِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَرْغَمْتُه أَي أَهَنْتُهُ وأَلزقته بِالتُّرَابِ.

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: قَالَ أَبو عَمْرٍو الرَّغام رمل يَغْشى البصر، وَهِيَ الرِّغْمان؛ وأَنشد لنُصَيْب:

فَلَا شَكَّ أَنّ الْحَيَّ أَدْنَى مَقِيلِهِمْ ***كُناثِرُ، أَو رِغْمانُ بِيضِ الدَّوائر

وَالدَّوَائِرُ: مَا اسْتَدَارَ مِنَ الرَّمْلِ.

وأَرْغَمَ اللَّهُ أَنفه ورَغَّمه: أَلزقه بالرَّغام.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنها سُئِلَتْ عَنِ المرأَة توضأَتْ وَعَلَيْهَا الخِضابُ فَقَالَتْ: اسْلِتِيهِ وأَرغِمِيه»؛ مَعْنَاهُ أَهِينِيه وَارْمِي بِهِ عَنْكِ فِي التُّرَابِ.

ورَغَّمَ الأَنفُ نفسُه: لَزِقَ بالرَّغام.

وَيُقَالُ: رَغَمَ أَنفُه إِذا خَاسَ فِي التُّرَابِ.

وَيُقَالُ: رَغمَ فُلَانٌ أَنفه.

اللَّيْثُ: الرُّغامُ مَا يَسِيلُ مِنَ الأَنف مِنْ دَاءٍ أَو غَيْرِهِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا تَصْحِيفٌ، وَصَوَابُهُ الرُّعام، بِالْعَيْنِ.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: مِنْ قَالَ الرُّغام فِيمَا يَسِيلُ مِنَ الأَنف فَقَدْ صَحَّفَ، وَكَانَ أَبو إِسحاق الزَّجَّاجُ أَخذ هَذَا الْحَرْفَ مِنْ كِتَابِ اللَّيْثِ فَوَضَعَهُ فِي كِتَابِهِ وَتَوَهَّمَ أَنه صَحِيحٌ، قَالَ: وأَراه عَرَضَ الْكِتَابَ عَلَى الْمُبَرِّدِ وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ ثَعْلَبٍ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والرَّغامُ والرُّغامُ.

مَا يَسِيلُ مِنَ الأَنف، وَهُوَ الْمُخَاطُ، وَالْجَمْعُ أَرْغِمَةٌ، وَخَصَّ اللِّحْيَانِيُّ بِهِ الغَنم والظِّباء.

وأَرْغَمَتْ: سَالَ رُغامُها، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيضًا.

والمُراغَمَةُ: الهِجْرانُ وَالتَّبَاعُدُ.

والمُراغَمةُ: الْمُغَاضَبَةُ.

وأَرْغَمَ أَهله وراغَمَهُمْ: هَجَرَهُمْ.

وراغَم قَوْمَهُ: نَبَذهُم وَخَرَجَ عَنْهُمْ وَعَادَاهُمْ.

وَلَمْ أُبالِ رَغْم أَنفِه.

أَي وإِن لَصِقَ أَنفُه بِالتُّرَابِ.

والتَّرَغُّمُ: التغضُّب، وَرُبَّمَا جَاءَ بِالزَّايِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الحُطَيئَةِ:

تَرى بَيْنَ لَحْيَيها، إِذا مَا تَرَغَّمَتْ، ***لُغامًا كَبَيْتِ العَنْكَبُوتِ المُمَدَّدِ

والمُراغَمُ: السَّعَةُ والمضطَرَبُ، وَقِيلَ: المَذْهب والمَهْرب فِي الأَرض، وَقَالَ أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ تعالى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا}؛ مَعْنَى مُراغَمًا مُهاجَرًا، الْمَعْنَى يَجِدْ فِي الأَرض مُهاجَرًا لأَن المُهاجِرَ لِقَوْمِهِ والمُراغِمَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وإِن اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ؛ وأَنشد:

إِلى بَلَدٍ غيرِ دَانِي المَحَل، ***بعيدِ المُراغَمِ والمُضْطَرَبْ

قَالَ: وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الرَّغام وَهُوَ التُّرَابُ، وَقِيلَ: مُراغَمًا مُضْطَرَبًا.

وَعَبْدٌ مُراغِمٌ.

أَي مضطربٌ "عَلَى مَواليه.

والمُراغَمُ: الْحِصْنُ كالعَصَرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد للجَعْدِيّ:

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأَرْكانِهِ، ***عَزيزِ المُراغَمِ والمَهْرَبِ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِسَالِمِ بْنِ دَارَةَ:

أَبْلِغْ أَبا سالمٍ أَن قَدْ حَفَرْت لَهُ ***بِئْرًا تُراغَمُ بَيْنَ الحَمْضِ والشَّجَرِ

وَمَا لِي عَنْ ذَلِكَ مَرْغَمٌ أَي مَنْعٌ وَلَا دَفْعٌ.

والرُّغامى: زِيَادَةُ الْكَبِدِ مِثْلُ الرُّعامى، بِالْغَيْنِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ: هِيَ قَصَبَةُ الرِّئة؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ السَّعْديّ:

شاكَتْ رُغامى قَذُوفِ الطَّرْف خائفةٍ ***هَوْلَ الجَنان، وَمَا هَمَّتْ بإِدْلاجِ

وَقَالَ الشَّمَّاخُ يَصِفُ الحُمُرَ:

يُحَشرِجُها طَوْرًا وطَوْرًا، كأَنَّما ***لها بالرُّغامى والخَياشِم جارِزُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الرُّغامى قَصَبُ الرئَةِ؛ وأَنشد:

يَبُلُّ مِنْ مَاءِ الرُّغامى لِيتَهُ، ***كَمَا يَرُبُّ سالئٌ حَمِيتَهُ

والرُّغامى مِنَ الأَنف؛ وَقَالَ ابْنُ القُوطِيَّة: الرُّغامى الأَنف وَمَا حَوْلَهُ.

والرُّغامى: نَبْتٌ، لُغَةٌ فِي الرُّخامى.

والتَّرَغُّمُ: الْغَضَبُ بِكَلَامٍ وَغَيْرِهِ والتَّزَغُّم بِكَلَامٍ؛ وَقَدْ رُوِيَ بَيْتُ لَبِيدٍ: " عَلَى خَيْرِ مَا يُلْقى بِهِ مَن تَرَغَّما "وَمَنْ تَزَعَّما.

وَقَالَ الْمُفَضَّلُ فِي قَوْلِهِ فَعَلْتُهُ عَلَى رَغْمِه: أَي عَلَى غَضَبِهِ وَمُسَاءَتِهِ.

يُقَالُ: أَرْغَمْتُه أَي أَغضبته؛ قَالَ مُرَقِّشٌ:

مَا دِيننا فِي أَنْ غَزا مَلِكٌ، ***مِنْ آلِ جَفْنَةَ، حازِمٌ مُرْغَمْ

مَعْنَاهُ مُغْضَب.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «صَلِّ فِي مُراح الْغَنَمِ وَامْسَحِ الرُّغامَ عَنْهَا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد مَسْحَ التُّرَابِ عَنْهَا رِعَايَةً لَهَا وإِصلاحًا لشأْنها.

ورُغَيْم: اسم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


104-لسان العرب (لحم)

لحم: اللَّحْم واللَّحَم، مُخَفَّفٌ وَمُثَقَّلٌ لُغَتَانِ: مَعْرُوفٌ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ اللحَمُ لُغَةً فِيهِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فُتح لِمَكَانِ حَرْفِ الْحَلْقِ؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ: " وَلَمْ يَضِعْ جارُكم لحمَ الوَضَم "إِنما أَراد ضَياعَ لَحْمِ الوَضم فَنَصَبَ لحمَ الْوَضْمِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالْجَمْعُ أَلْحُمٌ ولُحُوم ولِحَامٌ ولُحْمَان، واللَّحْمة أَخصُّ مِنْهُ، واللَّحْمة: الطَّائِفَةُ مِنْهُ؛ وَقَالَ أَبو الْغُولِ الطُّهَوي يَهْجُو قَوْمًا:

رَأَيْتُكمُ، بَنِي الخَذْوَاء، لَمّا ***دَنا الأَضْحَى وصَلَّلتِ اللِّحَامُ،

توَلَّيْتُمْ بِوُدِّكُمُ، وقُلْتم: ***لَعَكٌّ مِنْكَ أَقْرَبُ أَو جُذامُ

يَقُولُ: لَمَّا أَنتَنت اللحومُ مِنْ كَثْرَتِهَا عِنْدَكُمْ أَعْرَضْتم عَنِّي.

ولَحْمُ الشَّيْءِ: لُبُّه حَتَّى قَالُوا لَحْمُ الثَّمرِ للُبِّه.

وأَلْحَمَ الزرعُ: صَارَ فِيهِ القمحُ، كأَنّ ذَلِكَ لَحْمُه.

ابْنُ الأَعرابي: اسْتَلْحَمَ الزرعُ واستَكَّ وازدَجَّ أَي الْتَفَّ، وَهُوَ الطِّهْلئ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَاهُ التفَّ.

الأَزهري: ابْنُ السِّكِّيتِ رجلٌ شَحِيمٌ لَحِيمٌ أَي سَمِين، ورجلٌ شَحِمٌ لَحِمٌ إِذا كَانَ قَرِمًا إِلى اللحْم والشَّحْمِ يَشْتهِيهما، ولَحِمَ، بِالْكَسْرِ: اشْتَهَى اللَّحْم.

وَرَجُلٌ شَحَّامٌ لَحَّامٌ إِذا كَانَ يَبِيعُ الشحمَ وَاللَّحْمَ، ولَحُمَ الرجلُ وشَحُمَ فِي بَدَنِهِ، وإِذا أَكل كَثِيرًا فلَحُم عَلَيْهِ قِيلَ: لَحُمَ وشَحُم.

وَرَجُلٌ لَحِيمٌ ولَحِمٌ: كَثِيرُ لَحْم الْجَسَدِ، وَقَدْ لَحُمَ لَحَامةً ولَحِمَ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: كُثرَ لَحْمُ بدنهِ.

وَقَوْلُ" عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَلَمَّا عَلِقْت اللَّحْمَ سَبَقني أَي سَمِنْت فثقُلت.

وَرَجُلٌ لَحِمٌ: أَكول للَّحم وقَرِمٌ إِليه، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَكل مِنْهُ كَثِيرًا فشكا منه، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ.

واللَّحَّامُ: الَّذِي يَبِيعُ اللَّحْمَ.

وَرَجُلٌ مُلْحِمٌ إِذا كَثُرَ عِنْدَهُ اللَّحْمُ، وَكَذَلِكَ مُشْحِم.

وَفِي قَوْلِ عُمَرَ: اتَّقوا هَذِهِ المَجازِرَ فإِن لَهَا ضَراوةً كضراوةِ الخَمْر، وَفِي رِوَايَةٍ: إِن لِلَّحم ضَراوةً كضراوةِ الخَمْر.

يُقَالُ: رَجُلٌ لَحِمٌ ومُلْحِمٌ ولاحِمٌ ولَحِيمٌ، فاللَّحِمُ: الَّذِي يُكْثِر أَكلَه، والمُلْحِم: الَّذِي يَكْثُرُ عِنْدَهُ اللَّحْمُ أَو يُطْعِمه، واللَّاحِمُ: الَّذِي يَكُونُ عِنْدَهُ لحمٌ، واللّحِيمُ: الكثيرُ لحمِ الْجَسَدِ.

الأَصمعي: أَلْحَمْتُ القومَ، بالأَلف، أَطعمتهم اللحمَ؛ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرة يَصِفُ ضَبُعًا:

وتَظَلُّ تَنْشِطُني وتُلْحِمُ أَجْرِيًا، ***وسْطَ العَرِينِ، وليسَ حَيٌّ يَمنعُ

قَالَ: جَعَلَ مأْواها لَهَا عَرِينًا.

وَقَالَ غَيْرُ الأَصمعي: لَحَمْتُ القومَ، بِغَيْرِ أَلف؛ قَالَ شَمِرٌ: وَهُوَ الْقِيَاسُ.

وبيْتٌ لَحِمٌ: كَثِيرُ اللحْم؛ وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ يَصِفُ الْخَيْلَ:

نُطْعِمُها اللَّحْمَ، إِذا عَزَّ الشَّجَرْ، ***والخيْلُ فِي إِطْعامِها اللَّحْمَ ضَرَرْ

قَالَ: أَراد نُطْعمها اللبنَ فَسَمَّى اللَّبَنَ لَحْمًا لأَنها تسمَنُ عَلَى اللَّبَنَ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَانُوا إِذا أَجْدَبوا وقلَّ اللبنُ يَبَّسُوا اللحمَ وحمَلوه فِي أَسفارهم وأَطعَموه الخيلَ، وأَنكر مَا قَالَ الأَصمعي وَقَالَ: إِذا لَمْ يَكُنِ الشجرُ لَمْ يَكُنِ اللبنُ.

وأَما قَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِن اللهَ يُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهلَه، فإِنه أَراد الَّذِي تؤْكل فِيهِ لُحومُ النَّاسِ أَخْذًا.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: يُبْغِضُ أَهلَ الْبَيْتِ اللَّحِمِين.

وسأَل رَجُلٌ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: أَرأَيت هَذَا الْحَدِيثِ إِن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيُبْغِضُ أَهلَ الْبَيْتِ اللَّحِمِين؟ أَهُم الَّذِينَ يُكِثرون أَكل اللحْم؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: هُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكلَ لحومِ النَّاسِ.

وأَما قَوْلُهُ ليُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهلَه "قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يأْكلون لُحُومَ النَّاسِ بالغِيبة، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكل اللَّحْمِ ويُدْمِنُونه، قَالَ: وَهُوَ أَشبَهُ.

وفلانٌ يأْكل لُحومَ النَّاسِ أَي يَغْتَابُهُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " وإِذا أَمْكَنَه لَحْمِي رَتَعْ وَفِي الْحَدِيثِ: « إِنَّ أَرْبَى الرِّبَا استِطالةُ الرَّجُلُ فِي عِرْضِ أَخيه».

ولَحِمَ الصقرُ ونحوُه لَحَمًا: اشْتَهَى اللحْم.

وبازٍ لَحِمٌ: يأْكل اللحمَ أَو يَشْتَهِيهِ، وَكَذَلِكَ لاحِمٌ، وَالْجَمْعُ لَوَاحِمُ، ومُلْحِمٌ: مُطْعِم للَّحم، ومُلْحَمٌ: يُطْعَم اللحمَ.

وَرَجُلٌ مُلْحَمٌ أَي مُطْعَم لِلصَّيْدِ مَرزوق مِنْهُ.

ولَحْمَةُ الْبَازِي ولُحْمَته: مَا يُطْعَمُه مِمَّا يَصِيده، يُضَمُّ وَيُفْتَحُ، وَقِيلَ: لَحْمةُ الصقرِ الطائرُ يُطْرَح إِليه أَو يَصِيدُهُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ: " مِن صَقْع بازٍ لَا تُبِلُّ لُحَمُه "وأَلْحَمْتُ الطيرَ إِلحَامًا.

وبازٍ لَحِمٌ: يأْكل اللَّحْمَ لأَن أَكله لَحْمٌ؛ قَالَ الأَعشى:

تدَلَّى حَثيثًا كأَنَّ الصِّوارَ ***يَتْبَعُه أَزرَقِيٌّ لَحِمْ

ولُحْمَةُ الأَسد: مَا يُلْحَمُه، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ.

ولَحَمَ القومَ يَلحَمُهم لَحْمًا، بِالْفَتْحِ، وأَلْحَمَهم: أَطعمهم اللحمَ، فَهُوَ لَاحِمٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا تَقُلْ أَلحَمْتُ، والأَصمعي يَقُولُهُ.

وأَلْحَمَ الرجلُ: كثُر فِي بَيْتِهِ اللَّحْمُ، وأَلْحَمُوا: كثُر عِنْدَهُمُ اللَّحْمُ.

ولَحَمَ العَظمَ يَلْحُمُه ويَلْحَمُه لَحْمًا: نَزَعَ عَنْهُ اللَّحْمَ؛ قَالَ:

وعامُنا أَعْجَبَنا مُقَدَّمُهْ، ***يُدعى أَبا السَّمْحِ وقِرْضابٌ سُمُهْ،

مُبْتَرِكًا لِكُلِّ عَظْمٍ يَلحُمُهْ وَرَجُلٌ لَاحِمٌ ولَحِيمٌ: ذُو لحمٍ عَلَى النَّسَبِ مِثْلُ تَامِرٍ وَلَابِنٍ، ولَحَّام: بَائِعُ اللَّحْمِ.

ولَحِمَت النَّاقَةُ ولَحُمَتْ لَحَامَةً ولُحُومًا فِيهِمَا، فَهِيَ لَحِيمَةٌ: كَثُرَ لحمُها.

ولُحْمة جِلْدَةِ الرأْس وَغَيْرِهَا: مَا بَطَن مِمَّا يَلِي اللَّحْمَ.

وشجَّة مُتَلَاحِمَة: أَخذت فِي اللَّحْمِ وَلَمْ تبلُغ السِّمْحاق، وَلَا فِعْلَ لَهَا.

الأَزهري: شَجَّةٌ مُتَلاحِمَة إِذا بَلَغَتِ اللَّحْمَ.

وَيُقَالُ: تَلاحَمَتِ الشجّةُ إِذا أَخذت فِي اللَّحْمِ، وتَلَاحَمَت أَيضًا إِذا بَرأَتْ والتَحمتْ.

وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ المُتلاحِمة مِنَ الشِّجاج الَّتِي تَشُقُّ اللحمَ كلَّه دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ تَتَلاحَمُ بَعْدَ شَقِّها، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا المِسْبارُ بَعْدَ تَلاحُمِ اللَّحْمِ.

قَالَ: وتَتَلاحَمُ مِنْ يومِها وَمِنْ غَدٍ.

قَالَ ابْنُ الأَثير فِي حَدِيثِ: « الشِّجاج المتلاحِمة »هِيَ الَّتِي أَخذتْ فِي اللَّحْمِ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ الَّتِي برأَتْ والتحَمتْ.

وامرأَة مُتلاحِمة: ضيِّقةُ مَلاقي لَحْمِ الفَرْج وَهِيَ مآزِم الفَرج.

والمُتلاحِمة مِنَ النِّسَاءِ: الرَّتقاء؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: إِنما يُقَالُ لَهَا لاحِمةٌ كأَنَّ هُنَاكَ لَحْمًا يَمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ مُتلاحِمة.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: « قَالَ لِرَجُلٍ لِمَ طَلَّقْتَ امرأَتَك؟ قَالَ: إِنها كَانَتْ مُتَلَاحِمَة، قَالَ: إِنّ ذَلِكَ مِنْهُنَّ لمُسْتَرادٌ »؛ قِيلَ: هِيَ الضيِّقة المَلاقي، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي بِهَا رَتَقٌ.

والْتَحَمَ الجرحُ للبُرْء.

وأَلْحَمَه عِرْضَ فُلَانٍ: سَبَعهُ إِيّاه، وَهُوَ عَلَى الْمَثَلِ.

وَيُقَالُ: أَلْحَمْتُك عِرْضَ فُلَانٍ إِذا أَمكنْتك مِنْهُ تَشْتُمه، وأَلْحَمْتُه سَيفي.

ولُحِمَ الرجلُ، فَهُوَ لَحِيمٌ، وأُلْحِمَ: قُتِل.

وَفِي حَدِيثِ أُسامة: « أَنه لَحَمَ رَجُلًا مِنَ العَدُوِّ »أَي قتَله، وَقِيلَ: قَرُب مِنْهُ حَتَّى لَزِق بِهِ، مِنَ الْتَحَمَ الجرحُ إِذا الْتَزَق، وَقِيلَ: لَحَمَه؛ أي ضَرَبَهُ مِن أَصابَ لَحْمَه.

واللَّحِيمُ: القَتيلُ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ أَورده ابْنُ سِيدَهْ:

ولكنْ تَرَكتُ القومَ قَدْ عَصَبوا بِهِ، ***فَلَا شَكَّ أَن قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ

وأَورده الْجَوْهَرِيُّ:

فَقَالُوا: تَرَكْنا القومَ قَدْ حَضَروا بِهِ، ***وَلَا غَرْوَ أَن قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُ إِنشاده: فَقَالَ تَرَكْنَاهُ؛ وَقَبْلَهُ:

وَجَاءَ خَلِيلاه إِليها كِلاهُما ***يُفِيض دُموعًا، غَرْبُهُنّ سَجُومُ

واسْتُلحِمَ: رُوهِقَ فِي الْقِتَالِ.

واستُلْحِمَ الرجلُ إِذا احْتَوَشه العدوُّ فِي الْقِتَالِ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للعُجَير السَّلولي:

ومُسْتَلْحَمٍ قَدْ صَكَّه القومُ صَكَّة ***بَعِيد المَوالي، نِيلَ مَا كَانَ يَجْمَعُ

والمُلْحَم: الَّذِي أُسِر وظَفِر بِهِ أَعداؤُه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " إِنَّا لَعَطَّافون خَلْف المُلْحَمِ والمَلْحَمَة: الوَقْعةُ الْعَظِيمَةُ الْقَتْلِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ الْقِتَالِ.

وأَلحَمْتُ القومَ إِذا قتلتَهم حَتَّى صَارُوا لَحْمًا.

وأُلْحِمَ الرجلُ إِلْحَامًا واسْتُلحِمَ اسْتِلْحَامًا إِذا نَشِب فِي الْحَرْبِ فَلَمْ يَجِدْ مَخْلَصًا، وأَلْحَمَه غيرُه فِيهَا، وأَلْحَمَه القتالُ.

وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَوْمَ مُؤْتةَ: « أَنه أَخذ الرَّايَةَ بَعْدَ قتْل زيدٍ فقاتَلَ بِهَا حَتَّى أَلْحَمَه القتالُ فنزَلَ وعَقَرَ فرَسَه »؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي صِفَةِ الغُزاة: وَمِنْهُمْ مَن أَلْحَمَه القتالُ "؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" سُهيل: لَا يُرَدُّ الدعاءُ عِنْدَ البأْس حِينَ يُلْحِم بعضُهم بَعْضًا؛ أي تشتَبكُ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَيَلْزَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: « الْيَوْمُ يومُ المَلْحَمَة، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: ويُجْمَعون للمَلْحَمَة »؛ هِيَ الْحَرْبُ وموضعُ الْقِتَالِ، وَالْجَمْعُ المَلاحِمُ مأْخوذ مِنِ اشْتِبَاكِ النَّاسِ واختلاطِهم فِيهَا كاشتِباك لُحْمةِ الثَّوْبِ بالسَّدى، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ اللحْم لِكَثْرَةِ لُحوم الْقَتْلَى فِيهَا، وأَلْحَمْتُ الحربَ فالْتَحَمْتُ.

والمَلْحَمَة: القتالُ فِي الْفِتْنَةِ، ابْنُ الأَعرابي: المَلْحَمَة حَيْثُ يُقاطِعون لُحومَهم بِالسُّيُوفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ المَلْحَمَة قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بمَلْحَمَةٍ لَا يَسْتَقِلُّ غُرابُها ***دَفِيفًا، ويمْشي الذئبُ فِيهَا مَعَ النَّسْر

والمَلْحَمَة: الحربُ ذَاتُ الْقَتْلِ الشَّدِيدِ.

والمَلْحَمَة: الوَقعة الْعَظِيمَةُ فِي الْفِتْنَةِ.

وَفِي قَوْلِهِمْ نَبيُّ المَلْحَمَة قَوْلَانِ: أَحدهما نبيُّ الْقِتَالِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بُعِثْت بِالسَّيْفِ "، وَالثَّانِي نبيُّ الصَّلَاحِ وتأْليفِ النَّاسِ كَانَ يُؤَلِّف أَمرَ الأُمَّة.

وَقَدْ لَحَمَ الأَمرَ إِذا أَحكمه وأَصلحَه؛ قَالَ ذَلِكَ الأَزهري عَنْ شَمِرٍ.

ولَحِمَ بِالْمَكَانِ يَلْحَمُ لَحْمًا: نَشِب بِالْمَكَانِ.

وأَلْحَمَ بِالْمَكَانِ: أَقامَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقِيلَ: لَزِم الأَرض، وأَنشد:

إِذا افْتَقَرا لَمْ يُلْحِمَا خَشْيةَ الرَّدى، ***وَلَمْ يَخْشَ رُزءًا مِنْهُمَا مَوْلَياهُما

وأَلْحَمَ الدابةُ إِذا وَقَفَ فَلَمْ يَبرح وَاحْتَاجَ إِلى الضَّرْبِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه قَالَ لِرَجُلٍ صُمْ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ، قَالَ: إِني أَجد قوَّةً، قَالَ: فصُمْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: إِني أَجد قوَّة، قال: فصُم ثلاثة أَيام فِي الشَّهْرِ، وأَلْحَمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ »أَي وقَف عِنْدَهَا فَلَمْ يَزِدْه عَلَيْهَا، مِنْ أَلْحَمَ بِالْمَكَانِ إِذا أَقام فَلَمْ يَبْرَحْ.

وأَلْحَمَ الرجلَ: غَمَّه.

ولَحَمَ الشيءَ يَلْحُمُه لَحْمًا وأَلْحَمَه فالْتَحَمَ: لأَمَه.

واللِّحَامُ: مَا يُلأَم بِهِ ويُلْحَم بِهِ الصَّدْعُ.

ولاحَمَ الشيءَ بِالشَّيْءِ: أَلْزَقَه بِهِ، والْتَحَمَ الصَّدْعُ والْتَأَم بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

والمُلْحَم: الدَّعِيُّ المُلْزَقُ بِالْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " حَتَّى إِذا مَا فَرَّ كلُّ مُلْحَم "ولَحْمةُ النَّسَبِ: الشابِكُ مِنْهُ.

الأَزهري: لَحْمةُ النَّسَبِ، بِالْفَتْحِ، ولُحْمةُ الصَّيْدِ مَا يُصاد بِهِ، بِالضَّمِّ.

واللُّحْمَةُ، بِالضَّمِّ: الْقَرَابَةُ.

ولَحْمَةُ الثَّوْبِ ولُحْمَتُه: مَا سُدِّي بَيْنَ السَّدَيَيْن، يُضَمُّ وَيُفْتَحُ، وَقَدْ لَحَمَ الثَّوْبَ يَلْحَمُه وأَلْحَمُه.

ابْنُ الأَعرابي: لَحْمَة الثَّوْبِ ولَحْمَة النَّسب، بِالْفَتْحِ.

قَالَ الأَزهري: ولُحْمَةُ الثَّوْبِ الأَعْلى ولَحْمَتهُ، والسَّدَى الأَسفل مِنَ الثَّوْبِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ: " سَتاهُ قَزٌّ وحَرِيرٌ لَحْمَتُهْ وأَلْحَمَ الناسجُ الثوبَ.

وَفِي الْمَثَلِ: أَلْحِمْ مَا أَسْدَيْتَ أَي تَمِّمْ مَا ابْتَدَأْتَه مِنَ الإِحسان.

وَفِي الْحَدِيثِ: « الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ، وَفِي رِوَايَةٍ: كلُحْمَةِ الثَّوْبِ».

قَالَ ابْنُ الأَثير: قَدْ اخْتُلِفَ فِي ضَمِّ اللّحْمَة وَفَتْحِهَا فَقِيلَ: هِيَ فِي النَّسَبِ بِالضَّمِّ، وَفِي الثَّوْبِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ، وَقِيلَ: الثَّوْبُ بِالْفَتْحِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: النَّسَبُ وَالثَّوْبُ بِالْفَتْحِ، فأَما بِالضَّمِّ فَهُوَ مَا يُصاد بِهِ الصيدُ، قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ المُخالَطةُ فِي الوَلاءِ وأَنها تَجْرِي مَجْرَى النَّسَبِ فِي المِيراث كما تُخالِطُ اللُّحمةُ سَدَى الثوب حتى يَصِيرا كالشيء الواحد، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ المُداخَلة الشَّدِيدَةِ.

وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ وَالْمَطَرِ: « صَارَ الصِّغار لُحْمةَ الكِبار »أَي أَن القَطْرَ انتسَج لتتَابُعه فَدَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ واتَّصل.

قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَيُقَالُ هَذَا الْكَلَامُ لَحِيمُ هَذَا الكلامِ وطَريدُه أَي وَفْقُه وشَكْلُه.

واستَلْحَمَ الطريقُ: اتَّسَعَ.

واسْتَلْحَمَ الرجلُ الطريقَ: رَكِبَ أَوْسَعَه واتَّبَعَه؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " ومَن أَرَيْناهُ الطريقَ استَلْحَمَا وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

اسْتَلْحَمَ الوَحْشَ عَلَى أَكْسائِها ***أَهْوَجُ مِحْضِيرٌ، إِذا النَّقْعُ دَخَنْ

استَلْحَمَ: اتَّبَعَ.

وَفِي حَدِيثِ أُسامة: « فاسْتَلْحَمَنا رجلٌ مِنَ العدُوّ »أَي تَبِعَنا يُقَالُ: استَلْحَمَ الطَّريدةَ والطريقَ؛ أي تَبع.

وأَلْحَم بَيْنَ بَنِي فُلَانٍ شَرًّا: جَنَاهُ لَهُمْ.

وأَلْحَمَه بصَرَه: حَدَّدَه نحوَه ورَماه بِهِ.

وحَبْلٌ مُلاحَمٌ: شديدُ الْفَتْلِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد: " مُلاحَمُ الغارةِ لَمْ يُغْتَلَبْ والمُلْحَم: جِنْسٌ مِنَ الثِّيَابِ.

وأَبو اللَّحَّام: كُنْيَةُ أَحد فُرْسان العرب.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


105-لسان العرب (نسم)

نسم: النَّسَمُ والنَّسَمَةُ: نفَسُ الرُّوحِ.

وَمَا بِهَا نَسَمَة أَي نفَس.

يُقَالُ: مَا بِهَا ذُو نَسَمٍ أَي ذُو رُوح، وَالْجَمْعُ نَسَمٌ.

والنَّسِيمُ: ابتداءُ كلِّ ريحٍ قَبْلَ أَن تَقْوى؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

وتَنَسَّمَ: تنفَّس، يَمَانِيَةٌ.

والنَّسَمُ والنَّسِيمُ: نفَس الرِّيح إِذا كَانَ ضَعِيفًا، وَقِيلَ: النَّسِيم مِنَ الرِّيَاحِ الَّتِي يَجِيءُ مِنْهَا نَفَسٌ ضَعِيفٌ، وَالْجَمْعُ مِنْهَا أَنْسَامٌ؛ قَالَ يَصِفُ الإِبل:

وجَعَلَتْ تَنْضَحُ مِنْ أَنْسَامِها، ***نَضْحَ العُلوجِ الحُمْرِ فِي حَمَّامِها

أَنْسَامُها: رَوَائِحُ عَرَقِها؛ يَقُولُ: لَهَا رِيحٌ طَيِّبَةٌ.

والنَّسِيمُ: الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ.

يُقَالُ: نسَمت الريحُ نَسِيمًا" ونَسَمانًا.

والنَّيْسَمُ: كَالنَّسِيمِ، نَسَمَ يَنْسِمُ نَسْمًا ونَسِيمًا ونَسَمانًا.

وتَنَسَّمَ النسيمَ: تَشمَّمه.

وتَنَسَّمَ مِنْهُ علْمًا: عَلَى الْمَثَلِ، وَالشِّينُ لُغَةٌ عَنْ يَعْقُوبَ، وسيأْتي ذِكْرُهَا، وَلَيْسَتْ إِحداهما بَدَلًا مِنْ أُختها لأَن لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهًا، فأَما تَنَسَّمت فكأَنه مِنَ النَّسيم كَقَوْلِكَ اسْتَرْوَحتُ خَبرًا، فَمَعْنَاهُ أَنه تَلطَّف فِي التِماس الْعِلْمِ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا كهُبوب النَّسِيمِ، وأَما تنَشَّمت فَمِنْ قَوْلِهِمْ نَشَّم فِي الأَمر أَي بَدأَ وَلَمْ يُوغِل فِيهِ أَي ابتدأْت بطَرَفٍ مِنَ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ أَتمكَّن فِيهِ.

التَّهْذِيبُ: ونَسيم الرِّيحِ هُبوبها.

قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: النَّسِيم مِنَ الرِّيَاحِ الرُّويدُ، قَالَ: وتَنَسَّمَتْ ريحُها بِشَيْءٍ مِنْ نَسيمٍ أَي هبَّت هُبُوبًا رُويدًا ذَاتَ نَسيمٍ، وَهُوَ الرُّوَيد.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: النَّسِيم مِنَ الرِّيَاحِ الَّتِي تَجِيءُ بنفَسٍ ضَعِيفٍ.

والنَّسَمُ: جَمْعُ نَسَمَة، وَهُوَ النَّفَس والرَّبْوُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « تَنكَّبُوا الغُبارَ فإِن مِنْهُ تَكُونُ النَّسَمةُ »؛ قِيلَ: النَّسَمَة هَاهُنَا الرَّبْوُ، وَلَا يَزَالُ صَاحِبُ هَذِهِ الْعِلَّةِ يتنَفَّس نَفَسًا ضَعِيفًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: النَّسَمَةُ فِي الْحَدِيثِ، بِالتَّحْرِيكِ، النفَس، وَاحِدُ الأَنفاس، أَراد تَواترَ النفَس والرَّبوَ والنَّهيجَ، فَسُمِّيَتِ الْعِلَّةُ نَسَمَة لِاسْتِرَاحَةِ صاحبِها إِلى تنفسِه، فإِن صَاحِبَ الرَّبوِ لَا يَزَالُ يتنفَّس كَثِيرًا.

وَيُقَالُ: تَنَسَّمَتِ الريحُ وتَنَسَّمْتُها أَنا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فإِن الصَّبا رِيحٌ إِذا مَا تَنَسَّمَتْ ***على كِبْدِ مَخْزونٍ، تجَلَّتْ هُمومُها

وإِذا تَنَسَّمَ العليلُ وَالْمَحْزُونُ هبوبَ الرِّيحِ الطيِّبة وجَد لَهَا خَفًّا وفرَحًا.

ونَسِيمُ الرِّيحِ: أَوَّلها حِينَ تُقْبل بلينٍ قَبْلَ أَن تَشْتَدَّ.

وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنه قَالَ: بُعِثْت فِي نَسَمِ السَّاعَةِ "، وَفِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَانِ: أَحدهما بُعِثْت فِي ضَعْفِ هُبوبها وأَول أَشراطها وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: والنَّسَم أَولُ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ نَسَمَةٍ أَي بُعِثت فِي ذَوِي أَرواح خَلَقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَقْتِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ كأَنه قَالَ فِي آخِرِ النَّشْءِ مِنْ بَنِي آدَمَ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَي حِينَ ابتدأَت وأَقبَلت أَوائِلُها.

وتَنَسَّمَ المكانُ بالطِّيب: أَرِجَ؛ قَالَ سَهْم بْنُ إِياس الْهُذَلِيُّ:

إِذا مَا مَشَتْ يَوْمًا بوادٍ تَنَسَّمَتْ ***مَجالِسُها بالمَنْدَليِّ المُكَلَّلِ

وَمَا بِهَا ذُو نَسيم أَي ذُو رُوح.

والنَّسَم والمَنْسَمُ مِنَ النَّسيم.

والمَنْسِم، بِكَسْرِ السِّينِ: طَرَفُ خُفِّ الْبَعِيرِ وَالنَّعَامَةِ وَالْفِيلِ وَالْحَافِرِ، وَقِيلَ: مَنْسِما الْبَعِيرِ ظُفْراه اللَّذَانِ فِي يَدَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلنَّاقَةِ كَالظُّفْرِ للإِنسان؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفِعْلِ، يُقَالُ: نَسَمَ بِهِ يَنْسِمُ نَسْمًا.

قَالَ الأَصمعي: وَقَالُوا مَنسِمُ النَّعَامَةِ كَمَا قَالُوا لِلْبَعِيرِ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: « وَطِئَتْهم بالمَناسِم »، جَمْعُ مَنْسِم؛ أي بأَخفافِها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَفاصل الإِنسان اتِّسَاعًا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « عَلَى كُلِّ مَنسِمٍ مِنَ الإِنسان صَدقةٌ »أَي كُلِّ مَفْصِل.

ونَسَمَ بِهِ يَنْسِمُ نَسْمًا: ضَرَبَ؛ وَاسْتَعَارَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ للظَّبْي فَقَالَ:

تَذُبُّ بسَحْماوَيْنِ لَمْ يَتَفَلَّلا، ***وَحى الذِّئبِ عَنْ طَفْلٍ مَنَاسِمُه مُخْلي

ونَسِمَ نَسَمًا: نَقِبَ مَنسِمُه.

والنَّسَمَةُ: الإِنسان، وَالْجَمْعُ نَسَمٌ ونَسَمَاتٌ؛ قَالَ الأَعشى:

بأَعْظَمَ مِنْهُ تُقىً فِي الحِساب، ***إِذا النَّسَمَاتُ نَقَضْنَ الغُبارا

وتَنَسَّمَ أَي تَنَفَّسَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « لمَّا تَنَسَّموا رَوْحَ الْحَيَاةِ »أَي وَجدوا نَسيمَها.

والتَّنَسُّم: طلبُ النَّسِيمِ واسْتِنشاقه.

والنَّسَمَةُ فِي العِتْق: الْمَمْلُوكُ، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى.

ابْنُ خَالَوَيْهِ: تَنَسَّمْت مِنْهُ وتَنشَّمْت بِمَعْنًى.

وَكَانَ فِي بَنِي أَسد رجلٌ ضمِن لَهُمْ رِزْقَ كلِّ بِنْتٍ تولَد فِيهِمْ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ المُنَسِّم أَي يُحْيي النَّسَمات؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:

ومنَّا ابنُ كُوزٍ، والمُنَسِّمُ قَبْله، ***وفارِسُ يَوْمِ الفَيْلَقِ العَضْبُ ذُو العَضْبِ

والمُنَسِّمُ: مُحْيي النَّسَمات.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعتق نَسَمَةً مُؤمِنةً وَقَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ »؛ قَالَ خَالِدٌ: النَّسَمَةُ النَّفْسُ والروحُ.

وكلُّ دَابَّةٍ فِي جَوْفِهَا رُوح فَهِيَ نَسَمَةٌ.

والنَّسَمُ: الرُّوح، وَكَذَلِكَ النَّسِيمُ؛ قَالَ الأَغلب:

ضَرْبَ القُدارِ نَقيعةَ القِدِّيمِ، ***يَفْرُقُ بينَ النَّفْسِ والنَّسِيمِ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد بالنفْس هَاهُنَا جسمَ الإِنسان أَو دَمَه لَا الرُّوحَ، وأَراد بالنَّسِيم الروحَ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً "أَي مَنْ أَعتق ذَا نَسَمةٍ، وَقَالَ ابْنُ الأَثير: أَي مَنْ أَعْتَقَ ذَا رُوح؛ وكلُّ دابَّةٍ فِيهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ، وإِنما يُرِيدُ النَّاسَ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: « وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرأَ النَّسَمَةَ» أَي خَلَقَ ذاتَ الرُّوحِ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُهَا إِذا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ.

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: النَّسَمَةُ غُرَّةُ عَبْدٍ أَو أَمة.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: جَاءَ أَعرابي إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْني عَمَلًا يُدْخِلُني الْجَنَّةَ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْت الخُطْبةَ لَقَدْ أَعْرَضْت المَسْأَلة، أَعْتِق النَّسَمَةَ وفُكَّ الرقبةَ، قَالَ: أَوَليسا وَاحِدًا؟ قَالَ: لَا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَن تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَن تُعينَ فِي ثَمَنِهَا، والمِنْحة الوَكوف، وأَبقِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ، فإِن لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فأَطْعِم الجائعَ، واسْقِ الظمْآنَ، وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فإِن لَمْ تُطِقْ فكُفَّ لِسانَك إِلا مِنْ خَيرٍ.

وَيُقَالُ: نَسَّمْتُ نَسَمة إِذا أَحْيَيْتَها أَو أَعْتَقْتها.

وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النَّسَمَة الخَلْقُ، يَكُونُ ذَلِكَ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ والدوابِّ وَغَيْرِهَا وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ فِي جوفِه رُوحٌ حَتَّى قَالُوا لِلطَّيْرِ؛ وأَنشد شَمِرٌ:

يَا زُفَرُ القَيْسِيّ ذُو الأَنْف الأَشَمّ ***هَيَّجْتَ مِنْ نخلةَ أَمثالَ النَّسَمْ

قَالَ: النَّسَمُ هَاهُنَا طيرٌ سِراعٌ خِفافٌ لَا يَسْتَبينُها الإِنسان مِنْ خفَّتِها وسرعتِها، قَالَ: وَهِيَ فَوْقَ الخَطاطيف غُبْرٌ تعلوهنَّ خُضرة، قَالَ: والنَّسَمُ كالنفَس، وَمِنْهُ يُقَالُ: نَاسَمْتُ فُلَانًا أَي وجَدْت ريحَه ووَجدَ رِيحي؛ وأَنشد: " لَا يَأْمَنَنَّ صُروف الدهرِ ذُو نَسَمٍ "أَي ذُو نفَسٍ، ونَاسَمَه أَي شامَّه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَجَاءَ فِي شِعْرِ الْحَرْثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ: " عُلَّتْ بِهِ الأَنْيابُ والنَّسَمُ يُرِيدُ بِهِ الأَنفَ الَّذِي يُتَنَسَّمُ بِهِ.

ونَسَمَ الشيءُ ونَسِمَ نَسَمًا: تغيَّر، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الدُّهن.

والنَّسَمُ: ريحُ اللبَن والدسَم.

والنَّسَمُ: أَثر الطَّرِيقِ الدارِس.

والنَّيْسَمُ: الطَّرِيقُ المُستقيم، لُغَةٌ فِي النَّيْسَب.

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وإِسلامِه قَالَ: « لقد اسْتقام المَنْسِمُ وإِن الرَّجُلَ لَنَبيٌّ»، فأَسْلَمَ.

يُقَالُ: قَدِ استَقامَ المَنْسِمُ أَي تَبَيَّنَ الطريقُ.

وَيُقَالُ: رأَيت مَنْسِمًا مِنَ الأَمر أَعْرِفُ بِهِ وَجْهَه أَي أَثرًا مِنْهُ وَعَلَامَةً؛ قَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:

لَعَمْرِي لَقَدْ بَيَّنْت يومَ سُوَيْقةٍ ***لِمَنْ كَانَ ذَا رأْيٍ بِوِجْهةِ مَنْسِمِ

أَي بوجهِ بيانٍ، قَالَ: والأَصل فِيهِ مَنْسِما خُفِّ الْبَعِيرِ، وَهُمَا كالظُّفرين فِي مُقدَّمه بِهِمَا يُسْتبان أَثرُ الْبَعِيرِ الضَّالِّ، وَلِكُلِّ خُفٍّ مَنْسِمان، ولِخُفِّ الفِيل مَنْسِمٌ.

وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: المَنْسِمُ الطَّرِيقُ؛ وأَنشد للأَحْوَص:

وإِن أَظْلَمَتْ يَوْمًا عَلَى الناسِ غَسْمةٌ، ***أَضَاءَ بكُم، يَا آلَ مَرْوانَ، مَنْسِمُ

يَعْنِي الطَّرِيقَ، والغَسْمة: الظُّلْمة.

ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّيْسَمُ مَا وجدتَ مِنَ الْآثَارِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْسَتْ بِجادّة بَيّنَةٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

باتَتْ عَلَى نَيْسَمِ خَلٍّ جَازِعِ، ***وَعْثِ النِّهاض قاطِع المَطالِع

والمَنْسِمُ: المَذْهب والوجهُ مِنْهُ.

يُقَالُ: أَين مَنْسِمُك أَي أَين مذهبُك ومُتوجَّهُك.

وَمِنْ أَين مَنْسِمُك أَي مِنْ أَين وِجْهتُك.

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: أَين مَنْسِمُك أَي بيتُك.

والناسِمُ: المريضُ الَّذِي قَدْ أَشفى عَلَى الْمَوْتِ.

يُقَالُ: فُلَانٌ يَنْسِمُ كنَسْم الرِّيحِ الضَّعِيفِ؛ وَقَالَ الْمَرَّارُ:

يمْشِينَ رَهْوًا، وَبَعْدَ الجَهْدِ مِنْ نَسَمٍ، ***وَمِنْ حَياءِ غَضِيضِ الطَّرْفِ مَسْتورِ

ابْنُ الأَعرابي: النَّسِيم العرَقُ.

والنَّسْمَة العرْقة فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ، وَيُجْمَعُ النَّسَم بِمَعْنَى الخَلْق أَنَاسِم.

وَيُقَالُ: مَا فِي الأَنَاسِم مثلُه، كأَنَّه جَمَعَ النَّسَم أَنْسَامًا، ثُمَّ أَنَاسِمُ جمعُ الْجَمْعِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


106-لسان العرب (هجن)

هجن: الهُجْنة مِنَ الْكَلَامِ: مَا يَعِيبُك.

والهَجِينُ: الْعَرَبِيُّ ابنُ الأَمة لأَنه مَعِيبٌ، وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ الأَمة الرَّاعِيةِ مَا لَمْ تُحَصَّنْ، فإِذا حُصِّنَتْ فَلَيْسَ الْوَلَدُ بهَجينٍ، وَالْجَمْعُ هُجُنٌ وهُجَناء وهُجْنانٌ ومَهاجِينُ ومَهاجِنَةٌ؛ قَالَ حَسَّانُ:

مَهاجِنةٌ، إِذا نُسِبوا، عَبيدٌ ***عَضَارِيطٌ مَغالِثةُ الزِّنادِ

أَي مُؤْتَشِبُو الزِّنَادِ، وَقِيلَ: رِخْوُو الزِّنَادِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قُلْتُ فِي مَهاجِن ومَهاجنة إِنهما جَمْعُ هَجِين مُسامحةً، وَحَقِيقَتُهُ أَنه مِنْ بَابِ مَحاسِنَ ومَلامح، والأُنثى هَجينة مِنْ نِسْوَةٍ هُجْن وهَجائنَ وهِجانٍ، وَقَدْ هَجُنا هُجْنة وهَجانة وهِجانة وهُجُونة.

أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى قَالَ: الهَجِين الَّذِي أَبوه خَيْرٌ مِنْ أُمه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

قَالَ الْمُبَرِّدُ: قِيلَ لِوَلَدِ الْعَرَبِيِّ مِنْ غَيْرِ العَربية هَجين لأَن الْغَالِبَ عَلَى أَلوان الْعَرَبِ الأُدْمة، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي العجمَ الحمراءَ ورقابَ المَزاوِد لِغَلَبَةِ الْبَيَاضِ عَلَى أَلوانهم، وَيَقُولُونَ لِمَنْ عَلَا لونَه البياضُ أَحمرُ؛ وَلِذَلِكَ" قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: يَا حُمَيراء، لِغَلَبَةِ الْبَيَاضِ عَلَى لَوْنِهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ إِلى الأَحمر والأَسود "، فأَسودهم الْعَرَبُ وأَحمرهم الْعَجَمُ.

وَقَالَتِ الْعَرَبُ لأَولادها مِنَ الْعَجَمِيَّاتِ اللَّاتِي يَغْلِبُ عَلَى أَلوانهن الْبَيَاضُ: هُجْنٌ وهُجَناء، لِغَلَبَةِ الْبَيَاضِ عَلَى أَلوانهم وإِشباههم أُمهاتهم.

وَفَرَسٌ هَجِين بَيّنُ الهُجْنة إِذا لَمْ يَكُنْ عَتِيقًا.

وبِرْذَوْنَة هَجِين، بِغَيْرِ هَاءٍ.

الأَزهري: الْهَجِينُ مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي وَلَدَتْهُ بِرْذَوْنة مِنْ حِصَانٍ عَرَبِيٍّ، وَخَيْلٌ هُجْنٌ.

والهِجانُ مِنَ الإِبل: البيضُ الْكِرَامُ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثوم:

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْماءَ بِكْرٍ، ***هِجانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرأْ جَنينا

قَالَ: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ.

يُقَالُ: بَعِيرٌ هِجانٌ وَنَاقَةٌ هِجانٌ وَرُبَّمَا قَالُوا هَجائِنُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

كأَنَّ عَلَى الجِمالِ أَوانَ خَفَّتْ ***هَجائِنَ مِنْ نِعاجِ أُوارَعِينا

ابْنُ سِيدَهْ: والهِجانُ مِنَ الإِبل البيضاءُ الخالصةُ اللونِ والعِتْقِ مَنْ نُوقٍ هُجُنٍ وهَجائن وهِجانٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ بَابِ جُنُب ورِضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ تَكْسِيرًا، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَذَلِكَ أَن الأَلف فِي هِجانٍ الْوَاحِدُ بِمَنْزِلَةِ أَلِفِ ناقةٍ كِنَازٍ ومرأَةٍ ضِنَاك، والأَلفُ فِي هِجانٍ فِي الْجَمْعِ بِمَنْزِلَةِ أَلِفِ ظِرافٍ وشِرافٍ، وَذَلِكَ لأَن الْعَرَبَ كَسَّرَتْ فِعَالًا عَلَى فِعَالٍ كَمَا كَسَّرَتْ فَعِيلًا عَلَى فِعَالٍ، وعُذْرُها فِي "ذَلِكَ أَن فَعِيلًا أُخت فِعَالٍ، أَلا تَرَى أَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلَاثِيُّ الأَصل وَثَالِثُهُ حَرْفُ لَيِّنٍ؟ وَقَدِ اعْتَقَبا أَيضًا عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ نَحْوُ كَلِيبٍ وكِلابٍ وعَبِيدٍ وعِبادٍ، فَلَمَّا كَانَا كَذَلِكَ وإِنما بَيْنُهُمَا اختلافٌ فِي حَرْفِ اللِّينِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَمَعْلُومٌ مَعَ ذَلِكَ قربُ الْيَاءِ مِنَ الأَلف، وأَنها إِلى الْيَاءِ أَقرب مِنْهَا إِلى الْوَاوِ، كُسِّرَ أَحدهما عَلَى مَا كُسِّرَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فَقِيلَ نَاقَةٌ هِجانٌ وأَيْنُقٌ هِجانٌ، كَمَا قِيلَ ظَرِيفٌ وظِراف وَشَرِيفٌ وشِرَاف؛ فأَما قَوْلُهُ:

هِجانُ المُحَيَّا عَوْهَجُ الخَلْقِ، سُرْبِلَتْ ***مِنَ الحُسْنِ سِرْبالًا عَتِيقَ البَنائِق

فَقَدْ تكونُ النَّقِيَّةَ، وَقَدْ تَكُونُ الْبَيْضَاءَ.

وأَهْجَنَ الرجلُ إِذا كَثُرَ هِجانُ إِبله، وَهِيَ كِرامها؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ كَعْبٍ:

حَرْفٌ أَخوها أَبوها مِنْ مُهَجَّنةٍ، ***وعَمُّها خالُها قَوْداءُ شِمْليلُ

قَالَ: أَراد بمُهَجَّنة أَنها مَمْنُوعَةٌ مِنْ فُحُولِ النَّاسِ إِلا مِنْ فُحُولِ بِلَادِهَا لعِتْقِها وَكَرَمِهَا، وَقِيلَ: حُمِلَ عَلَيْهَا فِي صِغَرها، وَقِيلَ: أَراد بالمُهَجَّنةِ أَنها مِنْ إِبل كِرَامٍ.

يُقَالُ: امرأَة هِجانٌ وَنَاقَةٌ هِجانٌ أَي كَرِيمَةٌ.

وَقَالَ الأَزهري: هَذِهِ نَاقَةٌ ضَرَبَهَا أَبوها لَيْسَ أَخوها فجاءَت بِذَكَرٍ، ثُمَّ ضَرَبَهَا ثَانِيَةً فَجَاءَتْ بِذَكَرٍ آخَرَ، فَالْوَلَدَانِ ابْنَاهَا لأَنهما وُلِدَا مِنْهَا، وَهُمَا أَخواها أَيضًا لأَبيها لأَنهما وَلَدَا أَبيها، ثُمَّ ضَرَبَ أَحدُ الأَخوين الأُمَّ فَجَاءَتِ الأُم بِهَذِهِ النَّاقَةِ وَهِيَ الْحَرْفُ، فأَبوها أَخوها لأُمها لأَنه وُلِدَ مِنْ أُمها، والأَخ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يَضْرِب عمُّها لأَنه أَخو أَبيها، وَهُوَ خَالُهَا لأَنه أَخو أُمها لأَبيها لأَنه مِنْ أَبيها وأَبوه نَزَا عَلَى أُمه.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَنشدني أَبو نَصْرٍ عَنِ الأَصمعي بَيْتَ كَعْبٍ وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنها نَاقَةٌ كَرِيمَةٌ مُداخَلة النَّسَبِ لِشَرَفِهَا.

قَالَ ثَعْلَبٌ: عَرَضْتُ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى ابْنِ الأَعرابي، فخطَّأَ الأَصمعي وَقَالَ: تداخُل النَّسَبِ يُضْوِي الولدَ؛ قَالَ: وَقَالَ الْمُفَضَّلُ هَذَا جَمَلٌ نَزَا عَلَى أُمه، وَلَهَا ابْنٌ آخَرُ هُوَ أَخو هَذَا الْجَمَلِ، فَوَضَعَتْ نَاقَةً فَهَذِهِ النَّاقَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَةُ، فَصَارَ أَحدهما أَباها لأَنه وَطِئَ أُمها، وَصَارَ هُوَ أَخاها لأَن أُمها وَضَعَتْهُ، وَصَارَ الْآخَرُ عمها لأَنه أَخو أَبيها، وَصَارَ هُوَ خَالَهَا لأَنه أَخو أُمها؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ.

والهِجانُ: الْخِيَارُ.

وامرأَة هِجَانٌ: كَرِيمَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ هَجائنَ، وَهِيَ الْكَرِيمَةُ الحَسَبِ الَّتِي لَمْ تُعَرِّق فِيهَا الإِماء تَعْرِيقًا.

أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ هَجِينٌ بَيّنُ الهُجُونة مِنْ قَوْمٍ هُجَناءَ وهُجْنٍ، وامرأَة هِجان أَي كَرِيمَةٌ، وَتَكُونُ الْبَيْضَاءَ مِنْ نِسْوَةٍ هُجْنٍ بَيِّنات الْهِجَانَةِ.

وَرَجُلٌ هِجانٌ: كريمُ الحَسَبِ نَقِيُّه.

وَبَعِيرٌ هِجانٌ: كَرِيمٌ.

وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ" عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: هَذَا جَنايَ وهِجانُه فِيهْ إِذ كُلُّ جانٍ يَدُه إِلى فِيهِ "، يَعْنِي خِيَارَهُ وَخَالِصَهُ.

اليزيديُّ: هُوَ هِجانٌ بَيِّنُ الهِجَانة، وَرَجُلٌ هَجِين بَيِّنُ الهُجْنةِ، والهُجْنةُ فِي النَّاسِ وَالْخَيْلُ إِنما تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الأُم، فإِذا كَانَ الأَب عَتِيقًا والأُم لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ هَجِينًا؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

العبدُ والهَجِينُ والفَلَنْقَسُ ***ثلاثةٌ، فأَيَّهُم تَلَمَّسُ

والإِقْرافُ: مِنْ قِبَلِ الأَب؛ الأَزهري: رَوَى الرواةُ أَن رَوْح بْنَ زِنْباع كَانَ تزوَّج هندَ بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير فقالت وكانت شاعرة:

وَهَلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةٌ عربيةٌ، ***سَلِيلةُ أَفراسٍ تَجَلَّلَها بغْلُ

فَإِنْ نُتِجَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فبالحَرَى، ***وإِن يَكُ إقرافٌ فَمِنْ قِبَلِ الفَحْلِ

قَالَ: والإِقْرافُ مُداناةُ الهُجْنة مِنْ قِبَلِ الأَب.

قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: الهَجِينْ مأْخوذ مِنَ الهُجْنَة، وَهِيَ الغِلَظُ، والهِجانُ الْكَرِيمُ مأْخوذ مِنَ الهِجَانِ، وَهُوَ الأَبيض.

والهِجان: البِيضُ، وَهُوَ أَحسنُ الْبَيَاضِ وأَعتقه فِي الإِبل وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيُقَالُ: خِيارُ كلِّ شَيْءٍ هِجانُه.

قَالَ: وإِنما أُخذ ذَلِكَ مِنَ الإِبل.

وأَصلُ الهِجانِ البِيضُ، وكلُّ هِجان أَبيضُ.

والهِجانُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الخالصُ؛ وأَنشد:

وَإِذَا قِيلَ: مَنْ هِجانُ قُرَيْشٍ؟ ***كنتَ أَنتَ الفَتى، وأَنتَ الهِجانُ

والعربُ تَعُدُّ البياضَ مِنَ الأَلوان هِجانًا وكَرَمًا.

وَفِي الْمَثَلِ: جَلَّتِ الهاجِنُ عَنِ الوَلد أَي صَغُرَتْ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلصَّغِيرِ يَتَزَيَّنُ بِزِينَةِ الْكَبِيرِ.

وجَلَّتِ الهاجِنُ عَنِ الرِّفْدِ، وَهُوَ القَدَح الضَّخْمُ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَلَّتِ العُلْبَة عَنِ الْهَاجِنِ أَي كَبُرَتْ؛ قَالَ: وَهِيَ بنتُ اللَّبُونِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا فتَلْقَحُ، ثُمَّ تُنْتَجُ وَهِيَ حِقَّة، قَالَ: وَلَا تَصْلُحُ أَن يَفْعَلَ بِهَا ذَلِكَ.

ابْنُ شُمَيْلٍ: الهاجِنُ القَلُوصُ يَضْرِبُ بِهَا الجَمَلُ، وَهِيَ ابْنَةُ لَبُونٍ، فتَلْقَحُ وتُنْتَجُ، وَهِيَ حِقَّةٌ، وَلَا تَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا فِي سَنَةٍ مُخْصِبَةٍ فَتِلْكَ الهاجنُ، وَقَدْ هَجَنَتْ تَهْجُنُ هِجانًا، وَقَدْ أَهْجَنَها الجملُ إِذَا ضَرَبَهَا فأَلقحها؛ وأَنشد:

ابْنُوا عَلَى ذِي صِهْركم وأَحْسِنُوا، ***أَلم تَرَوْا صُغْرَى اللِّقاحِ تَهْجُنُ؟

قَالَهُ رَجُلٌ لأَهل امرأَته، واعْتَلُّوا عَلَيْهِ بِصِغَرِهَا عَنِ الْوَطْءِ؛ وَقَالَ: " هَجَنَتْ بأَكبرهم ولَمَّا تُقْطَبِ "يُقَالُ: قُطِبَتِ الْجَارِيَةُ أَي خُفِضَت.

ابْنُ بُزُرْج: غِلْمَةٌ أُهَيْجنة، وَذَلِكَ أَن أَهلهم أَهْجَنُوهم أَي زَوَّجُوهم صِغَارًا، يُزَوَّجُ الغلامُ الصَّغِيرُ الجاريةَ الصَّغِيرَةَ فَيُقَالُ أَهْجَنَهم أَهْلُهم، قَالَ: والهاجِنُ عَلَى مَيْسُورها ابْنَةُ الحِقَّة، والهاجِنُ عَلَى مَعْسُورها ابْنَةُ اللَّبُون.

وَنَاقَةٌ مُهَجَّنة: وَهِيَ المُعْتَسَرَة.

وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ الْكِرَامِ: إِنهم لَمِنْ سَرَاةِ الهِجَانِ؛ وَقَالَ الشَّمَّاخُ:

ومِثْل سَرَاةِ قَوْمِك لَمْ يُجارَوْا ***إِلَى الرُّبُعِ الهِجانِ، وَلَا الثَّمينِ

الأَزهري: وأُخْبرْتُ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: إِلَى رُبُعِ الرِّهانِ وَلَا الثَّمِينِ "يَقُولُ: لَمْ يُجارَوْا إِلَى رُبُع رِهانِهم وَلَا ثُمُنِه، قَالَ: والرِّهانُ الْغَايَةُ الَّتِي يُسْتَبَقُ إِلَيْهَا، يَقُولُ: مثلُ سَراةِ قَوْمِكَ لَمْ يُجارَوْا إِلَى رُبُع غَايَتِهِمُ الَّتِي بَلَغُوهَا وَنَالُوهَا مِنَ الْمَجْدِ وَالشَّرَفِ وَلَا إِلَى ثُمُنها؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

مِنْ سَراةِ الهِجانِ صَلَّبَها العُضُّ ***وَرَعْيُ الحِمَى وطُولُ الحِيالِ

قَالَ: الهِجانُ الخِيارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

والهِجانُ مِنَ الإِبل: النَّاقَةُ الأَدْماء، وَهِيَ الخالصة اللون والعِتْقِ من نُوق هِجانٍ وهُجُن.

والهِجَانةُ: البياضُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ إِبِلٌ هِجانٌ أَي بِيضٌ، وَهِيَ أَكرم الإِبل، وَقَالَ لَبِيدٍ:

كأَنَّ هِجانَها مُتَأَبِّضاتٍ، ***وَفِي الأَقْرانِ أَصْوِرَةُ الرَّغامِ

مُتأَبِّضاتٍ: معقولاتٍ بالإِباضِ، وَهُوَ العِقالُ.

وفي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ: أَزْهَرُ هِجانٌ "؛ الهجانُ: الأَبيض.

وَيُقَالُ: هَجَّنه أَي جَعْلَهُ هَجِينًا.

والمُهَجَّنة: النَّاقَةُ أَوَّلَ مَا تَحْمِلُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَوس:

حَرْفٌ أَخوها أَبوها مِنْ مُهَجَّنةٍ، ***وعَمُّها خالُها وَجْناءُ مِئْشِيرُ

وَفِي حَدِيثِ الهُجرة: « مَرَّا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا فَاسْتَسْقَيَاهُ مِنَ اللَّبَنِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لِي شاةٌ تحْلَبُ غَيْرَ عَناق حَمَلَتْ أَوَّل الشِّتَاءِ فَمَا بِهَا لبنٌ وَقَدِ اهْتُجِنَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِنَا بِهَا »؛ اهْتُجِنَتْ؛ أي تَبَيَّنَ حملُها.

والهاجنُ: الَّتِي حَمَلَتْ قَبْلَ وَقْتِ حَمْلِهَا.

والهُجْنة فِي الْكَلَامِ: مَا يَلْزَمُك مِنْهُ العيبُ.

تَقُولُ: لَا تَفْعَلْ كَذَا فَيَكُونُ عَلَيْكَ هُجْنةً.

وَقَالُوا: إِنَّ لِلْعِلْمِ نَكَدًا وَآفَةً وهُجنة؛ يعنون بالهُجْنَة هاهنا الإِضاعة؛ وَقَوْلُ الأَعلم:

ولَعَمْرُ مَحْبِلك الهَجينِ عَلَى ***رَحْبِ المَباءَةِ مُنْتِنِ الجِرْمِ

عَنَى بالهَجِين هُنَا اللَّئِيمَ: والهاجِنُ: الزَّنْدُ الَّذِي لَا يُورِي بقَدحةٍ وَاحِدَةٍ.

يُقَالُ: هَجَنَتْ زَنْدَةُ فُلَانٍ، وإنَّ لَهَا لهُجْنَةً شَدِيدَةً؛ وَقَالَ بِشْرٌ:

لعَمْرُك لَوْ كانتْ زِنادُكَ هُجْنةً، ***لأَوْرَيْتَ إِذْ خَدِّي لخَدِّكَ ضارِعُ

وَقَالَ آخَرُ: مَهاجِنة مَغالثة الزِّنادِ "وتَهْجينُ الأَمر: تقبيحُه.

وأَرض هِجانٌ: بَيْضَاءُ لَيِّنَةُ التُّرْبِ مِرَبٌّ؛ قَالَ:

بأَرْضٍ هِجانِ اللَّوْنِ وَسْمِيَّةِ الثَّرَى ***عَذَاةٍ، نأَتْ عَنْهَا المُؤُوجةُ والبَحْرُ

وَيُرْوَى المُلُوحة.

والهاجِنُ: العَناق الَّتِي تَحْمِلُ قَبْلَ أَن تَبْلُغَ أَوانَ السِّفَادِ، وَالْجَمْعُ الهِواجِنُ؛ قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهُ فِعْلًا، وَعَمَّ بَعْضُهُمْ بِهِ إناثَ نَوْعَيِ الْغَنَمِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْهَاجِنُ الَّتِي حُمل عَلَيْهَا قَبْلَ أَن تَبْلُغَ، فَلَمْ يَخُصَّ بِهَا شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ.

والهاجِنَةُ والمُهْتَجِنَةُ مِنَ النَّخْلِ: الَّتِي تَحْمِلُ صَغِيرَةً؛ قَالَ شَمِرٌ: وَكَذَلِكَ الهاجنُ.

وَيُقَالُ لِلْجَارِيَةِ الصَّغِيرَةِ: هَاجِنٌ، وَقَدِ اهتُجِنَت الْجَارِيَةُ إِذَا افتُرِعَتْ قَبْلَ أَوانها.

واهْتُجِنَتِ الْجَارِيَةُ إِذَا وُطِئت وَهِيَ صَغِيرَةٌ.

والمُهْتَجِنة: النَّخْلَةُ أَوَّل مَا تُلْقَح.

ابْنُ سِيدَهْ: الهاجِنُ.

والمُهْتَجِنة الصَّبِيَّةُ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: المرأَة الَّتِي تَتَزَوَّجُ قَبْلَ أَن تَبْلُغَ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْبَهَائِمِ؛ فأَما قَوْلُ الْعَرَبِ: جَلَّتِ الهاجِنُ عَنِ الولد، فعلى التفاؤل.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


107-لسان العرب (رثا)

رثا: الرَّثْوُ: الرَّثِيئة مِنَ اللَّبَن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ عَلَى لَفْظِهِ فِي حُكْمِ التَّصْرِيفِ لأَن الرَّثِيئة مَهْمُوزَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ رَثَأْت اللبنَ خَلَطْته، فأَمَّا قَوْلُهُمْ رجلٌ مَرْثُوٌّ أَي ضعيفُ العَقْل فَمِنَ الرَّثِيَّة.

ورَثَوْت الرَّجُلَ: لُغَةٌ فِي رثَأْتُه، ورَثَتِ المرأَة بَعْلها تَرْثِيه وتَرْثُوه رِثَايةً.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ رَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَي حَفِظْته، وَالْمَعْرُوفُ نثَّيْت عَنْهُ خَبَرًا أَي حَمَلْته.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وأُرى اللِّحْيَانِيَّ حَكَى رَثَوْت عَنْهُ حَدِيثًا حَفِظته وإِنما الْمَعْرُوفُ نَثَوْتُ عَنْهُ خَبَرًا، وَفِي الصِّحَاحِ: رَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَرْثِي رِثَايَةً إِذا ذكَرْتَه عَنْهُ.

ورَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَرْثي رِثَايَةً إِذا ذكَرْته عَنْهُ، وَحُكِيَ عَنِ العُقَيلي رثَوْنا بَيْنَنَا حَدِيثًا ورَثَيْناه وَتَنَاثَيْنَاهُ مِثْلَهُ.

والرَّثْيَة، بِالْفَتْحِ: وجَعٌ فِي الرُّكْبَتَين والمفاصِل.

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وجعُ المفاصِل واليَدين والرجْلين، وَقِيلَ: وجعٌ وظُلاعٌ فِي القوائِمِ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا مَنَعك مِنْ الانْبعاث مِنْ وجَع أَو كِبَرٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ فشَدَّد: " فإِن تَرَيْني اليَومَ ذَا رَثِيَّهْ وَقَالَ أَبو نُخَيْلة يَصِفُ كِبَره:

وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدي، ***ورَثْيَةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ،

وصارَ للفَحْلِ لِسَانِي ويَدِي "وَيَرْوَى: فِي تشددِ، قَالَ: الرَّثْية انْحِلال الرُّكَب والمفاصِل، وَقَدْ رَثِيَ رَثْيًا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْقِيَاسُ رَثىً، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: والرَّثْيَة والرَّثِيَّة الضَّعف.

التهذيب: الرَّثْيَة داءٌ يعرِض فِي المفاصِل وَلَا هَمْز فِيهَا، وجَمْعها رَثَياتٌ؛ وأَنشد شَمِرٌ لجوَّاس بْنِ نُعَيْمٍ أَحد بَنِي الهُجَيْم بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيم، قَالَ السُّكَّرِيُّ: ويُعْرَف بِابْنِ أُمِّ نَهارٍ، وأُمُّ نهارٍ هِيَ أُمُّ أَبيه وَبِهَا يُعرف:

وللكَبير رَثَيات أَرْبَعُ: ***الرُّكبَتان والنَّسا والأَخْدَعُ

وَلَا يزالُ رأْسُه يَصَّدَّعُ، ***وكلُّ شيءٍ بعدَ ذاكَ يَيْجَعُ

والرَّثْيَةُ: الحُمْق.

وَفِي أَمْره رَثْيَة أَي فُتُور؛ وَقَالَ أَعرابي:

لَهُمْ رَثْيَةٌ تَعْلو صَرِيمَةَ أَهْلِهمْ، ***وللأَمْر يَوْمًا راحةٌ فقَضاءُ

ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ مَرْثُوءٌ مِنَ الرَّثْية نادرٌ أَي أَنه مِمَّا هُمِزَ وَلَا أَصل لَهُ فِي الهَمْز.

وَرَجُلٌ أَرْثَى: لَا يُبْرِمُ أَمْرًا، ومَرْثُوٌّ: فِي عقْله ضَعْف، وَقِيَاسُهُ مَرْثِيٌّ، فأَدخلوا الواو على الواو كَمَا أَدخلوا الْيَاءُ عَلَى الْوَاوِ فِي قَوْلِهِمْ أَرضٌ مَسْنِيَّة وقَوْسٌ مَغْريّة.

ورَثَى فُلَانٌ فُلَانًا يَرْثِيهِ رَثْيًا ومَرْثِيَةً إِذا بكاهُ بَعْدَ مَوته.

قَالَ: فإِن مدَحَه بَعْدَ مَوْتِهِ قِيلَ رَثَّاهُ يُرَثِّيه تَرْثِيَةً.

ورَثَيْت الميّتَ رَثْيًا ورِثَاءً ومَرْثَاةً ومَرْثِيَةً ورَثَّيْته: مَدَحْته بَعْدَ الْمَوْتِ وبَكَيْته.

ورَثَوْت الْمَيِّتَ أَيضًا إِذا بكَيْته وعدَّدت مَحَاسِنَهُ، وَكَذَلِكَ إِذا نظَمْت فِيهِ شِعْرًا.

ورَثَتِ المرأَةُ بعْلها تَرْثِيه ورَثِيَتْه تَرْثاهُ رِثَايَةً فِيهِمَا؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وتَرَثَّتْ كرَثَّت؛ قَالَ رُؤْبَةَ:

بكاءَ ثكْلى فَقَدتْ حَميما، ***فَهِيَ تُرَثِّي بِأَبا وابْنِيما

وَيُرْوَى: وابْناما، وَلَمْ يَحْتَشِمْ مِنَ الأَلف مَعَ الْيَاءِ لأَنها حِكَايَةٌ، وَالْحِكَايَةُ يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، أَلا تَرَى أَنهم قَالُوا مَن زَيْدًا فِي حِكَايَةِ رأَيتُ زيْدًا، ومَن زيدٍ فِي حِكَايَةِ مَرَرْتُ بزَيْدٍ؟ وكلُّ ذَلِكَ مذْكورٌ فِي مَوَاضِعِهِ.

وامرأَة رثَّاءَةٌ ورثَّايَة: كَثِيرَةُ الرِّثاء لبَعْلِها أَو لِغَيْرِهِ مِمَّن يُكْرمُ عندَها تَنُوحُ نِياحةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ، فَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَخرجه عَلَى أَصله، وَمَنْ هَمَزَهُ فلأَنَّ الْيَاءَ إِذا وَقَعَتْ بَعْدَ الأَلف السَّاكِنَةِ هُمِزَت، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَقَّاءَةٍ وسَقَّايَةٍ وَمَا أَشْبَهَها.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ رَثأْتُ زَوْجي بأَبيات، وهَمَزَت؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: رُبَّما خَرَجَتْ بِهِمْ فَصاحَتُهم إِلى أَنْ يَهْمِزُوا مَا لَيْسَ بمَهموز، قَالُوا: رَثَأْت المَيت ولَبَّأْت بالحَجِّ وحَلَّأْت السَّويقَ تَحْلِئَةً إِنما هُوَ مِنَ الحَلاوةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه نَهَى عَنِ التَّرَثِّي، وَهُوَ أَن يُنْدَب المَيِّتُ فيقال وَا فُلاناهْ».

ورَثَيْتُ لَهُ: رَحِمْتُهُ.

وَيُقَالُ: مَا يَرْثِي فلانٌ لِي أَي مَا يَتَوَجَّع وَلَا يُبالِي.

وإِنِّي لأَرْثِي لَهُ مَرْثَاةً ورَثْيًا.

ورَثَى لَهُ أَي رَقَّ لَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنّ أُخْتَ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بَعَثَتْ إِلَيْهِ عِنْدَ فِطْرِه بقَدَحِ لَبَنٍ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنما بَعَثْت بِهِ إِليكَ مَرْثِيةً لكَ مِنْ طُول النهارِ وشِدّة الحرِّ» أَي تَوَجُّعًا لكَ وإِشْفاقًا، مِنْ رَثَى لَهُ إِذا رَقّ وَتَوَجَّعَ، وَهِيَ مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ نَحْوُ المَغْفِرَة والمَعْذِرَة، قَالَ: وَقِيلَ الصَّوَابُ أَن يُقَالَ مَرْثاةً لكَ مِنْ قَوْلِهِمْ رَثَيْت للحيِّ رَثْيًا ومَرْثَاةً، والله أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


108-لسان العرب (هنا)

هُنا: ظَرْفُ مَكَانٍ، تَقُولُ جَعَلْتُه هُنا أَي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

وهَنَّا بِمَعْنَى هُنا: ظَرْفٌ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: « إِنَّ هَاهُنا عِلْمًا، وأَوْمَأَ بيَدِه إِلى صَدْرِه، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلةً »؛ هَا، مَقصورة: كلمة تَنْبِيه للمُخاطَب يُنَبَّه بِهَا عَلَى مَا يُساقُ إِليه مِنَ الْكَلَامِ.

ابن السكيت: هُنا هَاهُنا موضعٌ بِعَيْنِهِ.

أَبو بَكْرٍ النَّحْوِيُّ: هُنا اسْمُ مَوْضِعٍ فِي الْبَيْتِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَوْمَ هُنا أَي يَوْمَ الأَوَّل؛ قَالَ:

إِنَّ ابْنَ عاتِكَة المَقْتُولَ، يَوْمَ هُنا، ***خَلَّى عَليَّ فِجاجًا كانَ يَحْمِيها

قَوْلُهُ: يَوْمَ هُنا هُوَ كَقَوْلِكَ يَوْمَ الأَوَّلِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: " وحَديثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُنا "قَالَ: هُنا اسْمُ مَوْضِعٍ غيرُ مَصْرُوف لأَنه لَيْسَ فِي الأَجْناس مَعْرُوفًا، فَهُوَ كجُحَى، وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي بَابِ الْمُعْتَلِّ.

غَيْرُهُ: هُنا وهُناك لِلْمَكَانِ وهُناك أَبْعَدُ مِنْ هاهُنا.

الْجَوْهَرِيُّ: هُنا وهَاهُنا لِلتَّقْرِيبِ إِذا أَشرتَ إِلى مَكَانٍ، وهُناك وهُنالِكَ للتَّبْعِيدِ، وَاللَّامِ زَائِدَةٌ وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى التَّبْعِيدِ، تُفْتَحُ للمذَكَّرِ وَتُكْسَرُ للمُؤَنَّثِ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: يقال اجْلِسْ هاهُنا أَي قريبًا، وتَنَحَّ هاهُنا أَي تَباعَدْ أَو ابْعُدْ قليلًا، قال: وهَاهِنَّا أَيضًا تَقَوَّلَهُ قَيْسٌ وتَمِيمٌ.

قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ قَيْسٍ يَقُولُونَ اذْهَبْ هَاهَنَّا بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَلَمْ أَسْمَعْها بِالْكَسْرِ مِنْ أَحد.

ابْنُ سِيدَهْ: وَجَاءَ مِنْ هَني أَي مِنْ هُنا، قَالَ: وجِئتُ مِنْ هَنَّا وَمِنْ هِنَّا.

وهَنَّا بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ: معناه هَاهُنا.

وهَنَّاك أَي هُناك؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " لَمَّا رأَيت مَحْمِلَيْها هَنَّا "وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَجَمَّعُوا مِنْ هَنَّا ومِنْ هَنَّا أَي من هَاهُنا ومن هَاهُنا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

حَنَّت نَوارُ، ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ، ***وبَدا الَّذِي كانَتْ نَوارُ أَجَنَّتِ

يَقُولُ: لَيْسَ ذَا مَوْضِعَ حَنِينٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لجَحْل بْنِ نَضْلَة وَكَانَ سَبى النَّوارَ بنتَ عمْرو بْنِ كُلْثوم؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي:

أَفِي أَثَرِ الأَظْعانِ عَيْنُكَ تَلْمَحُ؟ ***نَعَمْ لاتَ هَنَّا، إنَّ قَلْبَكَ مِتْيَحُ

يَعْنِي لَيْسَ الأَمر حَيْثُمَا ذَهَبْتَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو الْفَتْحِ بْنُ جِنِّي:

قدْ وَرَدَتْ مِنْ أَمْكِنَهْ، ***مِنْ هَاهُنا ومِنْ هُنَهْ

إِنما أَراد: وَمِنْ هُنا فأَبدل الأَلف هَاءً، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وها هُنَهْ لأَن قَبْلَهُ أَمْكِنَهْ، فَمِنَ المُحال أَن تَكُونَ إِحْدَى الْقَافِيَتَيْنِ مُؤَسَّسَةً والأُخرى غَيْرَ مؤسسة.

وهَاهِنَّا أَيضًا تَقَوَّلَهُ قَيْسٌ وَتَمِيمٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا أَرادت البُعْد: هَنَّا وهَاهَنَّا وهَنَّاكَ وهَاهَنَّاك، وَإِذَا أَرادت الْقُرْبَ قَالَتْ: هُنا وهَاهُنا.

وتقول للحبيب: هَاهُنا وهُنا أَي تَقَرَّبْ وادْنُ، وفي ضدّه للبَغِيض: هَاهَنَّا وهَنَّا أَي تَنَحَّ بَعِيدًا؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ يَهْجُو أُمه:

فهَاهَنَّا اقْعُدِي مِني بَعِيدًا، ***أَراحَ اللهُ مِنْكِ العالَمِينا

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ فَلَاةً بَعِيدةَ الأَطْراف بعيدةَ الأَرجاء كَثِيرَةَ الخَيرِ:

هَنَّا وهَنَّا ومِنْ هَنَّا لَهُنَّ بِهَا، ***ذاتَ الشَّمائلِ والأَيْمانِ، هَيْنُومُ

الْفَرَّاءُ: مِنْ أَمثالهم: هَنَّا وهَنَّا عَنْ جِمالِ وَعْوَعَهْ "كَمَا تَقُولُ: كلُّ شَيْءٍ وَلَا وَجَع الرأْسِ، وكلُّ شَيْءٍ وَلَا سَيْف فَراشةَ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إِذَا سَلِمْتُ وسَلِمَ فُلَانٌ فَلَمْ أَكْتَرِثْ لغَيرِه؛ وَقَالَ شَمِرٌ: أَنشدنا ابْنُ الأَعرابي لِلْعَجَّاجِ:

وكانتِ الحَياةُ حِينَ حَيَّتِ، ***وذِكْرُها هَنَّتْ فلاتَ هَنَّتِ

أَراد هَنَّا وهَنَّهْ فَصَيَّرَهُ هَاءً لِلْوَقْفِ.

فلاتَ هَنَّتْ أَي لَيْسَ ذَا موضعَ ذَلِكَ وَلَا حِينَه، فَقَالَ هَنَّت بِالتَّاءِ لَمَّا أَجرى الْقَافِيَةَ لأَن الْهَاءَ تَصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:

لاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيرةَ أَمَّنْ ***جَاءَ مِنْها بطائفِ الأَهوالِ

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ مَضَى مِنْ تَفْسِيرِ لاتَ هَنَّا فِي الْمُعْتَلِّ مَا ذُكِرَ هُناك لأَن الأَقرب عِنْدِي أَنه مِنَ المُعْتَلَّاتِ؛ وتقَدّم فِيهِ:

حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ، ***وأَنَّى لكِ مَقْروعُ

رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ: وكانتِ الحَياةُ حِينَ حُبَّتِ "يَقُولُ: وَكَانَتِ الحياةُ حِينَ تُحَبُّ.

وذِكْرُها هَنَّتْ، يَقُولُ: وذِكرُ الحَياةِ هُناكَ وَلَا هُنَاكَ أَي لِليأْس مِنَ الْحَيَاةِ؛ قَالَ وَمَدَحَ رَجُلًا بِالْعَطَاءِ: " هَنَّا وهَنَّا وَعَلَى المَسْجوحِ "أَي يُعْطِي عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَعَلَى المَسْجُوح أَي عَلَى القَصْد؛ أَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

حَنَّتْ نَوارُ ولاتَ هَنَّا حَنَّتِ، ***وبَدا الَّذِي كانتْ نَوارُ أَجَنَّتِ

أَي لَيْسَ هَذَا موضعَ حَنِينٍ وَلَا فِي موضِع الحَنِينِ حَنَّتْ؛ وأَنشد لبَعضِ الرُّجَّازِ:

لمَّا رأَيتُ مَحْمِلَيْها هَنَّا ***مُخَدَّرَيْنِ، كِدْتُ أَنْ أُجَنَّا

قوله هَنَّا أَي هَاهَنَّا، يُغَلِّطُ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَقَوْلُهُمْ فِي النِّدَاءِ: يَا هَنَّاه بزيادة هاء فِي آخِرِهِ، وتصِيرُ تَاءً فِي الْوَصْلِ، قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا مَا انْتَقَدَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ فِي تَرْجَمَةِ هُنَا فِي المُعْتَلّ.

وهُنا: اللَّهْوُ واللَّعِبُ، وَهُوَ مَعْرِفةٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لِامْرِئِ الْقَيْسِ:

وحَدِيثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُنا، ***وحَدِيثٌ مَّا عَلَى قِصَرِهْ

وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: هَنا وهَنْتَ بِمَعْنَى أَنا وأَنتَ، يَقْلِبون الْهَمْزَةَ هَاءً وَيُنْشِدُونَ بَيْتَ الأَعشى:

يَا ليتَ شِعْرِي هَلْ أَعُودنْ ناشِئًا ***مِثْلي، زُمَيْنَ هَنا بِبُرْقةِ أَنْقَدا؟

ابْنُ الأَعرابي: الهُنا الحَسَبُ الدَّقِيقُ الخَسِيسُ؛ وأَنشد:

حاشَى لفرْعَيْكَ مِن هُنا وهُنا، ***حاشَى لأَعْراقِكَ الَّتِي تَشبحُ

هيا: هَيا: مِنْ حروفِ النَّداء، وأَصلها أَيا مِثْلُ هَراقَ وأَراقَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فأَصاخَ يَرْجُو أَن يَكُونَ حَيًّا، ***ويقولُ مِنْ طَرَبٍ: هَيا رَبَّا

وا: الْوَاوُ: مِنْ حُرُوفِ المُعْجم، وَوَوٌ حرفُ هِجَاءٍ واوٌ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهِيَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ وواو، وهي حرف مهجور يَكُونُ أَصلًا وَبَدَلًا وَزَائِدًا، فالأَصل نَحْوُ وَرَلٍ وسَوْطٍ ودَلْوٍ، وَتُبْدَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحرف وَهِيَ الْهَمْزَةُ والأَلف وَالْيَاءُ، فأَما إِبْدَالُهَا مِنَ الْهَمْزَةِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضرب: أَحدها أَن تَكُونَ الْهَمْزَةُ أَصلًا، وَالْآخَرُ أَن تَكُونَ بَدَلًا، وَالْآخَرُ أَن تَكُونَ زَائِدًا، أَمَّا إِبْدَالُهَا مِنْهَا وَهِيَ أَصل فأَن تَكُونَ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةً وَقَبْلَهَا ضَمَّةٌ، فَمَتَى آثَرْتَ تَخْفِيفَ الْهَمْزَةِ قَلَبْتَهَا وَاوًا، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِكِ فِي جُؤَنٍ جُوَن، وَفِي تَخْفِيفِ هُوَ يَضْرِبُ أَباكَ يَضْرِبُ وَباك، فَالْوَاوُ هُنَا مُخَلَّصةٌ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَمْزَةِ المُبْدَلةِ، فَقَوْلُهُمْ فِي يَمْلِكُ أَحَدَ عَشَرَ هُوَ يَمْلِكُ وَحَدَ عَشَرَ، وَفِي يَضْرِبُ أَباهُ يَضْرِبُ وَباه، وَذَلِكَ أَن الْهَمْزَةَ فِي أَحدَ وأَباهُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ، وَقَدْ أُبْدِلت الْوَاوُ مِنْ هَمْزَةِ التأْنيث المُبْدَلة مِنَ الأَلف فِي نَحْوِ حَمْراوانِ وَصَحْراواتٍ وصَفْراوِيٍّ، وأَما إبدالُها مِنَ الْهَمْزَةِ الزَّائِدَةِ فَقَوْلُكُ فِي تَخْفِيفِ هَذَا غلامُ أَحْمَدَ: هَذَا غلامُ وَحْمَدَ، وَهُوَ مُكْرِمُ أَصْرَمَ: هُوَ مُكْرِمُ وَصْرَمَ، وأَما إِبْدَالُ الْوَاوِ مِنَ الأَلف أَصليةً فَقَوْلُكُ فِي تَثْنِيَةِ إِلَى وَلَدَى وَإِذَا أَسماء رِجَالٍ: إلَوانِ ولَدَوانِ وإذَوانِ؛ وَتَحْقِيرُهَا وُوَيَّةٌ.

وَيُقَالُ: وَاوٌ مُوَأْوَأَةٌ، وَهَمَزُوهَا كراهَةَ اتِّصالِ الواواتِ والياءَات، وَقَدْ قَالُوا مُواواةٌ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الْعَيْنِ، وَقَدْ خَرَجَتْ واوٌ بِدَلِيلِ التَّصْرِيفِ إِلَى أَنَّ في الكلام مثل وَعَوْتُ الَّذِي نَفَاهُ سِيبَوَيْهِ، لأَن أَلف وَاوٍ لَا تَكُونُ إِلَّا مُنْقَلِبَةً كَمَا أَنّ كُلَّ أَلف عَلَى هَذِهِ الصُّورة لَا تَكُونُ إِلَّا كذلك، وإذا كَانَتْ مُنْقَلِبة فَلَا تَخْلُو مِنْ أَن تَكُونَ عَنِ الْوَاوِ أَو عَنِ الْيَاءِ إِذْ لَوْلَا هَمْزُهَا فَلَا تَكُونُ عَنِ الْوَاوِ، لأَنه إِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ حُرُوفُ الْكَلِمَةِ وَاحِدَةً وَلَا نعلم ذلكفِي الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ إِلَّا بَبَّة وَمَا عُرِّب كالكَكّ، فَإِذَا بَطلَ انْقِلابها عَنِ الْوَاوِ ثَبَتَ أَنه عَنِ الْيَاءِ فَخَرَجَ إِلَى بَابِ وعَوْت عَلَى الشُّذُوذِ.

وَحَكَى ثَعْلَبٌ: وَوَّيْت وَاوًا حَسَنة عَمِلتها، فإِن صَحَّ هَذَا جَازَ أَن تَكُونَ الْكَلِمَةُ مِنْ وَاوٍ وَوَاوٍ وَيَاءٍ، وَجَازَ أَن تَكُونَ مِنْ وَاوٍ وَوَاوٍ وَوَاوٍ، فَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا وَوَّوْتُ، غَيْرَ أَن مُجاوزةَ الثَّلَاثَةِ قُلِبَتِ الواوَ الأَخيرة يَاءً وَحَمَلَهَا أَبو الْحَسَنِ الأَخفش عَلَى أَنها مُنْقَلِبةٌ مِنْ وَاوٌ، واستدلَّ عَلَى ذَلِكَ بِتَفْخِيمِ الْعَرَبِ إِيَّاها وأَنه لَمْ تُسْمَع الإِمالةُ فِيهَا، فقَضَى لِذَلِكَ بأَنها مِنَ الْوَاوِ وَجَعَلَ حُرُوفَ الْكَلِمَةِ كُلِّهَا وَاوَاتٍ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: ورأَيت أَبا عَلِيٍّ يُنكر هَذَا الْقَوْلَ ويَذْهب إِلَى أَنَّ الأَلف فِيهَا مُنْقَلِبَةً عَنِ يَاءٍ، وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ عَلَى أَنه إِنْ جَعَلَها مِنَ الْوَاوِ كَانَتِ الْعَيْنُ وَالْفَاءُ واللامُ كُلُّهَا لَفْظًا وَاحِدًا؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَعَدَلَ إِلَى القَضاء بأَنها مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: وَلَسْتُ أَرَى بِمَا أَنْكَره أَبو عَلِيٍّ عَلَى أَبي الْحَسَنِ بأْسًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَبا عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَ كَرِهَ ذَلِكَ لِئَلَّا تَصِيرَ حُروفُه كلُّها واواتٍ، فإِنه إِذا قَضَى بأَنَّ الأَلف مِنْ يَاءٍ لتَخْتَلِف الْحُرُوفُ فَقَدْ حَصَل بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ لَفْظٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، أَلا تَرَى أَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ حَرْفٌ فَاؤُهُ وَاوٌ وَلَامُهُ وَاوٌ إلَّا قَوْلَنَا وَاوٌ؟ فإِذا كَانَ قَضَاؤُهُ بأَنَّ الأَلف مِنْ يَاءٍ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَن يَكُونَ الْحَرْفُ فَذًّا لَا نظيرَ لَهُ، فَقَضَاؤُهُ بأَنَّ العينَ واوٌ أَيضًا لَيْسَ بمُنْكَر، ويُعَضِّدُ ذَلِكَ أَيضًا شَيْئَانِ: أَحدهما مَا وصَّى بِهِ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنَّ الأَلف إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ الْعَيْنِ فأَنْ تكونَ مُنْقَلِبَةً عَنِ الْوَاوِ أَكثرُ مِنِ أَن تَكُونَ مُنْقَلِبَةً عَنْ الْيَاءِ، وَالْآخَرُ مَا حَكَاهُ أَبو الْحَسَنِ مِنْ أَنه لَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ فِيهَا الإِمالةُ، وَهَذَا أَيضًا يؤكِّدُ أَنها مِنَ الْوَاوِ، قَالَ: ولأَبي عَلِيٍّ أَن يقولَ مُنْتَصِرًا لكَوْنِ الأَلف عَنْ يَاءٍ إنَّ الَّذِي ذَهَبْتُ أَنَا إِلَيْهِ أَسْوَغُ وأَقَلُّ فُحْشًا ممَّا ذهَبَ إِلَيْهِ أَبو الحسنِ، وَذَلِكَ أَنِّي وإنْ قَضَيْتُ بأَنَّ الْفَاءَ وَاللَّامَ وَاوَانِ، وَكَانَ هَذَا مِمَّا لَا نَظِيرَ لَهُ، فَإِنِّي قَدْ رأَيت الْعَرَبَ جعَلَتِ الْفَاءَ وَاللَّامَ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ كَثِيرًا، وَذَلِكَ نَحْوُ سَلَسٍ وقَلَقٍ وحِرْحٍ ودَعْدٍ وفَيْفٍ، فَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاوٌ فإِنا وَجَدْنَا فَاءَهُ وَلَامَهُ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ.

وَقَالُوا أَيضًا فِي الْيَاءِ الَّتِي هِيَ أُخت الْوَاوِ: يَدَيْتُ إِليه يَدًا، وَلَمْ نَرَهم جَعَلُوا الْفَاءَ وَاللَّامَ جَمِيعًا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ وَاوٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا، قَالَ: فَقَدْ دَخَلَ أَبو الْحَسَنِ مَعِي فِي أَن أَعترف بأَنَّ الْفَاءَ وَاللَّامَ وَاوَانِ، إِذْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ الِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ، كَمَا أَجده أَنا، ثُمَّ إِنه زَادَ عَمَّا ذَهَبْنا إِليه جَمِيعًا شَيْئًا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي حَرْف مِنَ الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ جَعْلُه الْفَاءَ وَالْعَيْنَ وَاللَّامَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ فأَمَّا مَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ مِنْ قَوْلِ هِنْدُ بِنْتُ أَبي سُفْيَانَ تُرَقِّصُ ابنَها عبدَ اللَّهِ بنَ الحَرث:

لأُنْكِحَنَّ بَبَّهْ ***جارِيةً خِدَبَّهْ

فإِنما بَبَّهْ حِكَايَةُ الصَّوْتِ الَّذِي كَانَتْ تُرَقِّصُه عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِاسْمٍ، وإِنما هُوَ لَقَبٌ كقَبْ لِصَوْتِ وَقْع السَّيْف، وطِيخِ للضَّحِك، ودَدِدْ لِصَوْتِ الشَّيْءِ يَتَدَحْرَجُ، فإِنما هَذِهِ أَصواتٌ لَيْسَتْ تُوزَنُ وَلَا تُمَثَّلُ بِالْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ صَه ومَهْ وَنَحْوِهِمَا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: فلأَجْل مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ لِمَذْهَبِ أَبي عَلِيٍّ تَعادَلَ عِنْدَنَا المَذْهبان أَو قَرُبا مِنَ التَّعادُلِ، وَلَوْ جَمَعْتَ وَاوًا عَلَى أَفعالٍ لقلتَ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ أَلِفَها مُنْقَلِبَةً مِنْ وَاوٍ أَوَّاءٌ، وأَصلها أَوَّاوٌ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الواو طَرَفًا" بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ قُلبت أَلِفًا، ثُمَّ قُلِبَتْ تِلْكَ الأَلفُ هَمْزةً كَمَا قُلْنَا فِي أَبْنَاء وأَسْماء وأَعْداء، وإِنْ جَمَعها عَلَى أَفْعُلٍ قَالَ فِي جَمْعِهَا أَوٍّ، وأَصلها أَوْوُوٌ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الواوُ طرَفًا مَضْمُومًا مَا قَبْلَها أَبْدَلَ مِنَ الضَّمَّةِ كَسْرةً وَمِنَ الْوَاوِ يَاءً، وَقَالَ أَوٍّ كأَدْلٍ وأَحْقٍ، وَمَنْ كَانَتْ أَلفُ وَاوٍ عِنْدَهُ مِن يَاءٍ قَالَ إِذا جمَعَها عَلَى أَفْعال أَيَّاءً، وأَصلها عِنْدَهُ أَوْياءٌ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وسَبَقَتِ الواوُ بِالسُّكُونِ قُلبت الواوُ يَاءً وأُدْغِمت فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا، فَصَارَتْ أَيَّاء كَمَا تَرَى، وَإِنْ جمعَها عَلَى أَفْعُل قَالَ أَيٍّ وأَصلها أَوْيُوٌ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وسَبَقت الواوُ بِالسُّكُونِ قُلِبت الْوَاوُ يَاءً وأُدغمت الأُولى فِي الثَّانِيَةِ فَصَارَتْ أَيُّوٌ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْوَاوُ طرَفًا مَضْمُومًا مَا قَبْلَهَا أُبْدِلت مِنَ الضَّمَّةِ كَسْرَةً وَمِنَ الْوَاوِ يَاءً، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ الآنَ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ أَيْيِيٌ فَلَمَّا اجتمعَت ثَلاثُ ياءَاتٍ، والوُسْطَى مِنْهُنَّ مَكْسُورَةٌ، حُذفت الْيَاءُ الأَخيرة كَمَا حُذِفَتْ فِي تَحْقِير أَحْوَى أُحَيٍّ وأَعْيا أُعَيٍّ، فَكَذَلِكَ قُلْتَ أَنت أَيضًا أَيٍّ كأَدْلٍ.

وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَن بَعْضَهُمْ يَقُولُ: أَوَّيْتُ وَاوًا حَسَنةً، يَجْعَلُ الْوَاوَ الأُولى هَمزةً لِاجْتِمَاعِ الْوَاوَاتِ.

قَالَ ابْنُ جِنِّي: وتُبْدَلُ الْوَاوُ مِنَ الْبَاءِ فِي القَسَم لأَمْرَيْنِ: أَحدهما مُضارَعَتُها إِياها لَفْظًا، وَالْآخَرُ مُضارَعَتُها إِيَّاها مَعْنًى، أَما اللَّفْظُ فلأَنّ الْبَاءَ مِنَ الشَّفَةِ كَمَا أَنَّ الْوَاوَ كَذَلِكَ، وأَما الْمَعْنَى فلأَنَّ الْبَاءَ للإِلصاق والواوَ لِلِاجْتِمَاعِ، والشيءُ إِذا لاصَقَ الشيءَ فَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ.

قَالَ الْكِسَائِيُّ: مَا كَانَ مِنْ الحُرُوف عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ وسَطُه أَلف فَفِي فِعْلِه لُغَتَانِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ كَقَوْلِكَ دَوَّلْت دَالًا وقَوَّفْتُ قَافًا أَي كَتَبْتها، إِلا الْوَاوَ فإِنها بِالْيَاءِ لَا غَيْرَ لِكَثْرَةِ الْوَاوَاتِ، تَقُولُ فِيهَا وَيَّيْتُ وَاوًا حَسَنةً، وَغَيْرُ الْكِسَائِيِّ يَقُولُ: أَوَّيْتُ أَوْ وَوَّيْتُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: تقول العرب كلِمةٌ مُؤَوَّاةٌ مِثْلُ مُعَوّاةٍ أَي مَبْنِيَّةٌ مِنْ بناتِ الْوَاوِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَلِمَةٌ مُوَيَّاةٌ مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ، وَكَلِمَةُ مُيَوّاةٌ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ، وإِذا صَغَّرْتَ الْوَاوَ قُلتَ أُوَيَّةٌ.

وَيُقَالُ: هَذِهِ قَصِيدَةٌ واوِيَّةٌ إِذا كَانَتْ عَلَى الْوَاوِ، قَالَ الْخَلِيلُ: وجدْتُ كلَّ وَاوٍ وَيَاءٍ فِي الْهِجَاءِ لَا تَعْتَمِدُ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا تَرْجِعُ فِي التَّصْرِيفِ إِلى الْيَاءِ نَحْوَ يَا وفَا وطَا وَنَحْوَهُ، وَاللَّهُ أَعلم.

التَّهْذِيبُ: الْوَاوُ مَعْنَاهَا فِي العَطْفِ وغَيْرِه فِعْلُ الأَلف مَهْمُوزَةً وَسَاكِنَةً فِعْلُ الْيَاءِ.

الْجَوْهَرِيُّ: الْوَاوُ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ تَجْمَعُ الشَّيْئَيْنِ وَلَا تدلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا أَلف الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ}؛ كَمَا تَقُولُ أَفَعَجِبْتُم؛ وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى مَعْ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لأَن مَع لِلْمُصَاحَبَةِ كَقَوْلِ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ أَنَا والساعةَ كهاتَيْنِ، وأَشار إِلى السَّبَّابةِ والإِبْهام "، أَي مَع الساعةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وأَشار إِلى السبَّابةِ والوُسْطَى، قَالَ: وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛ وَقَدْ تَكُونُ الْوَاوُ لِلْحَالِ كَقَوْلِهِمْ: قُمْتُ وأَصُكُّ وجْهَه أَي قمتُ صَاكًّا وجْهَه، وَكَقَوْلِكَ: قُمتُ والناسُ قُعودٌ، وَقَدْ يُقْسَمُ بِهَا تَقُولُ: واللهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا، وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ وإِنما أُبْدِل مِنْهُ لقُربه مِنْهُ فِي المَخرج إِذ كَانَ مِنْ حُرُوفِ الشَّفة، وَلَا يَتجاوَزُ الأَسماءَ المُظْهَرةَ نَحْوَ وَاللَّهِ وحَياتِك وأَبيك؛ وَقَدْ تَكُونُ الْوَاوُ ضَمِيرَ جَمَاعَةِ المذكَّر فِي قَوْلِكَ فعَلُوا ويَفْعَلُون وافْعَلُوا؛ وَقَدْ تَكُونُ الْوَاوُ زَائِدَةً؛ قَالَ الأَصمعي: قُلْتُ لأَبي عَمْرٍو قَوْلُهُمْ رَبَّنا ولكَ الحمدُ فَقَالَ: يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْني هَذَا الثوبَ فَيَقُولُ وَهُوَ لَكَ وأَظنه أَراد هُوَ لَكَ؛ " وأَنشد الأَخفش:

فإِذا وذلِك، يَا كُبَيْشةُ، لَمْ يَكُنْ ***إِلَّا كَلَمَّةِ حالِمٍ بخَيالِ

كأَنه قَالَ: فإِذا ذَلِكَ لَمْ يكنْ؛ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبي سُلْمى:

قِفْ بالدِّيارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُها القِدَمُ ***بَلى، وغَيَّرَها الأَرْواحُ والدِّيَمُ

يُرِيدُ: بَلَى غَيَّرَها.

وَقَوْلُهُ تعالى: {حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها}؛ فَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْوَاوُ هُنَا زَائِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُ هَذَا لأَبي كَبير الهُذلي عَنِ الأَخفش أَيضًا:

فإِذا وذلِكَ ليسَ إِلَّا ذِكْرَه، ***وإِذا مَضى شيءٌ كأَنْ لَمْ يُفْعَلِ

قَالَ: وَقَدْ ذَكر بعضُ أَهلِ الْعِلْمِ أَنَّ الواوَ زائدةٌ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا}؛ لأَنه جَوَابٌ لَمَّا فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ.

التَّهْذِيبُ: الواواتُ لَهَا مَعانٍ مُخْتَلِفَةٌ لِكُلِّ مَعْنًى مِنْهَا اسْمٌ يُعْرَفُ بِهِ: فَمِنْهَا واوُ الْجَمْعِ كَقَوْلِكَ ضَرَبُوا ويَضْرِبُون وَفِي الأَسماء المُسْلِمون وَالصَّالِحُونَ؛ وَمِنْهَا وَاوُ الْعَطْفِ والفرقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الفاءِ في المعطوف أَو الْوَاوَ يُعْطَفُ بِهَا جُمْلَةٌ عَلَى جملةٍ، لَا تدلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي تَقْديم المُقَدَّمِ ذِكْرُه عَلَى المؤخَّر ذِكْرُهُ، وأَما الْفَرَّاءُ فإِنه يُوَصِّلُ بِهَا مَا بَعْدَها بِالَّذِي قَبْلَهَا والمُقَدَّمُ هُوَ الأَوَّل، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا قلتَ زُرْتُ عبدَ اللهِ وزيْدًا فأَيَّهُما شِئْتَ كَانَ هُوَ المبتدأَ بِالزِّيَارَةِ، وإِن قلتَ زُرْتُ عبدَ اللَّهِ فزَيْدًا كَانَ الأَولُ هُوَ الأَولَ والآخِرُ هُوَ الآخِر؛ وَمِنْهَا وَاوُ القَسم تَخْفِضُ مَا بَعْدَها، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ}؛ فالواو التي في الطُّور هِيَ وَاوُ القَسَمِ، والواوُ الَّتِي هِيَ فِي وَكِتابٍ مَسْطُورٍ" هِيَ واوُ العَطف، أَلا تَرَى أَنه لَوْ عُطِف بِالْفَاءُ كَانَ جَائِزًا وَالْفَاءُ لَا يُقْسَم بِهَا كَقَوْلِهِ تعالى: {وَالذَّارِياتِ ذَرْوًا فَالْحامِلاتِ وِقْرًا}؛ غَيْرَ أَنه إِذا كَانَ بِالْفَاءِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِالْيَمِينِ الأُولى، وإِن كَانَ بِالْوَاوِ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ أُقْسِمَ بِهِ؛ وَمِنْهَا واوُ الاسْتِنْكارِ، إِذا قُلْتَ: جاءَني الحَسَنُ، قَالَ المُسْتَنْكِرُ أَلحَسَنُوهْ، وإِذا قُلْتَ: جاءَني عَمرو، قَالَ: أَعَمْرُوهْ، يَمُدُّ بِوَاوٍ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفَةِ؛ وَمِنْهَا وَاوُ الصِّلة فِي القَوافي كَقَوْلِهِ: " قِفْ بالدِّيار الَّتِي لَمْ يَعْفُها القِدَمُو "فَوُصِلَتْ ضَمَّةُ المِيمِ بِوَاوٍ تَمَّ بِهَا وَزْنُ الْبَيْتِ؛ وَمِنْهَا واوُ الإِشْباع مِثْلَ قَوْلِهِمْ البُرْقُوعُ والمُعْلُوقُ، وَالْعَرَبُ تَصِلُ الضَّمَّةَ بِالْوَاوِ.

وَحَكَى الْفَرَّاءُ: أَنْظُور، فِي مَوْضِعِ أَنْظُر؛ وأَنشد:

لَوْ أَنَّ عَمْرًا هَمَّ أَن يَرْقُودا ***فانْهَضْ، فشُدَّ المِئْزَرَ المَعْقُودا

أَراد: أَن يَرْقُدَ فأَشْبَعَ الضمةَ ووصَلَها بِالْوَاوِ ونَصَب يَرْقُود عَلَى مَا يُنْصَبُ بِهِ الفعلُ؛ وأَنشد:

اللهُ يَعْلَم أَنَّا، فِي تَلفُّتِنا، ***يومَ الفِراقِ، إِلى إِخوانِنا، صُورُ

وأَنَّني حَيْثُما يَثْني الهَوَى بَصَري، ***مِنْ حَيْثُما سَلَكُوا، أَدْنُو فأَنْظُورُ

أَراد: فأَنْظُر؛ وَمِنْهَا وَاوُ التَّعايي كَقَوْلِكَ: هَذَا عمْرُو، فيَسْتَمِدُّ ثُمَّ يقولُ مُنْطَلِقٌ، وَقَدْ مَضى بعضُ أَخواتِها فِي تَرْجَمَةِ آفي الأَلِفات، وستأْتي بَقِيَّةُأَخَواتها فِي تَرْجَمَةِ يَا؛ وَمِنْهَا مَدُّ الِاسْمِ بالنِّداء كَقَوْلِكَ أَيا قُورْط، يُرِيدُ قُرْطًا، فَمَدُّوا ضَمَّةَ الْقَافِ بِالْوَاوِ ليَمْتَدَّ الصَّوتُ بِالنِّدَاءِ؛ وَمِنْهَا الْوَاوُ المُحَوَّلةُ نَحْوُ طُوبى أَصلها طُيْبى فقُلِبت الْيَاءُ وَاوًا لِانْضِمَامِ الطاءِ قَبْلَهَا، وَهِيَ مِنْ طَابَ يَطيبُ؛ وَمِنْهَا وَاوُ المُوقنين والمُوسِرين أَصلها المُيْقِنين مِنْ أَيْقَنْتُ والمُيْسِرين مِنْ أَيْسَرْتُ؛ وَمِنْهَا واوُ الجَزْمِ المُرْسَلِ مثلُ قَوْلِهِ تعالى: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}؛ فأُسْقِطَ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَن قبْلَها ضَمَّةً تَخْلُفها؛ وَمِنْهَا جَزْمُ الْوَاوِ الْمُنْبَسِطُ كَقَوْلِهِ تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ}؛ فَلَمْ يُسْقِطِ الْوَاوَ وحَرّكها لأَن قَبْلَهَا فَتْحَةً لَا تَكُونُ عِوضًا مِنْهَا؛ هَكَذَا رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي طَالِبٍ النَّحْوِيِّ، وَقَالَ: إِنما يَسْقُط أَحَدُ السَّاكِنَيْنِ إِذا كَانَ الأَوّل مِنَ الجَزم المُرْسَل وَاوًا قَبْلَهَا ضَمَّةٌ أَو يَاءٌ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ أَو أَلفًا قَبْلَهَا فَتْحَةٌ، فالأَلف كَقَوْلِكَ لِلِاثْنَيْنِ اضْرِبا الرَّجُلَ، سَقَطَتِ الأَلف عَنْهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَن قَبْلَهَا فَتْحَةً، فَهِيَ خَلَفٌ مِنْهَا، وَسَنَذْكُرُ الْيَاءَ فِي تَرْجَمَتِهَا؛ وَمِنْهَا واواتُ الأَبْنِية مِثْلُ الجَوْرَبِ والتَّوْرَبِ لِلتُّرَابِ والجَدْوَلِ والحَشْوَرِ وَمَا أَشبهها؛ وَمِنْهَا وَاوُ الْهَمْزِ فِي الْخَطِّ وَاللَّفْظِ، فأَما الْخَطُّ فَقَوْلُكَ: هذِه شاؤُك ونِساؤُك، صُوِّرَتِ الْهَمْزَةُ وَاوًا لِضَمَّتِهَا، وأَما اللَّفْظُ فَقَوْلُكَ: حَمْراوانِ وسَوْداوان، وَمِثْلُ قَوْلِكِ أُعِيذُ بأَسْماوات اللَّهِ وأَبْناواتِ سَعْدٍ ومثل السَّمَواتِ وَمَا أَشْبهها؛ وَمِنْهَا وَاوُ النِّداء وَواوُ النُّدْبة، فأَما النِّداء فَقَوْلُكَ: وَا زَيْد، وأَما النُّدبة فَكَقَوْلِكَ أَو كَقَوْلِ النَّادِبة: وَا زَيْداهْ وَا لَهْفاهْ وَا غُرْبَتاهْ وَيَا زَيداه وَمِنْهَا واواتُ الْحَالِ كَقَوْلِكَ: أَتَيْتُه والشمسُ طالِعةٌ أَي فِي حَالِ طُلُوعها، قَالَ اللَّهُ تعالى: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}؛ وَمِنْهَا واوُ الوَقْتِ كَقَوْلِكَ: اعْمَل وأَنتَ صَحِيحٌ أَي فِي وقْتِ صِحَّتِك، والآنَ وأَنت فارِغٌ، فَهَذِهِ واوُ الْوَقْتِ وَهِيَ قَريبة مِنْ وَاوِ الْحَالِ؛ وَمِنْهَا واوُ الصَّرْفِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الصَّرْفُ أَنْ تأْتي الواوُ مَعْطُوفةً عَلَى كَلَامٍ فِي أَوّله حادِثةٌ لَا تَسْتَقِيمُ إِعادَتُها عَلَى مَا عُطِفَ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ:

لَا تَنْهَ عَنْ خُلْقٍ وتَأْتيَ مِثْلَه، ***عارٌ عَلَيْكَ، إِذا فَعَلْتَ، عَظِيمُ

أَلا تَرَى أَنه لَا يَجُوزُ إِعادة لَا عَلَى وتَأْتيَ مِثْلَه، فَلِذَلِكَ سُميَ صَرْفًا إِذْ كَانَ مَعْطُوفًا وَلَمْ يَسْتَقِم أَن يُعادَ فِيهِ الحادثُ الَّذِي فِيمَا قَبْلَه؛ وَمِنْهَا الواواتُ الَّتِي تدخلُ فِي الأَجْوِبةِ فَتَكُونُ جَوَابًا مَعَ الجَوابِ، وَلَوْ حُذِفت كَانَ الجوابُ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ؛ أَنشد الْفَرَّاءُ:

حَتَّى إِذا قَمِلَتْ بُطُونُكُمُ، ***ورَأَيْتُمُ أَبْناءَكُمْ شَبُّوا

وقَلَبْتُمُ ظَهْرَ المِجَنِّ لَنَا، ***إِنَّ اللَّئِيمَ العاجِزُ الخَبُ

أَراد قَلَبْتُم.

وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: لمَّا أَتاني وأَثِبُ عَلَيْهِ، كأَنه قَالَ: وَثَبْتُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا مَعَ لَمَّا حَتَّى إِذا.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَ الأَصمعي قُلْتُ لأَبي عَمْرو بْنِ العَلاء رَبَّنا ولكَ الحَمْدُ مَا هَذِهِ الواوُ؟ فَقَالَ: يَقُولُ الرَّجُل للرَّجُل بِعْني هَذَا الثَّوْبَ، فَيَقُولُ: وَهُوَ لَكَ، أَظُنُّه أَراد هُوَ لكَ؛ وَقَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:

فإِذا وذلِكَ ليْسَ إِلَّا حِينَه، ***وإِذا مَضَى شيءٌ كأَنْ لَمْ يُفْعَلِ

أَراد: فإِذا ذلكَ يَعْنِي شَبابَه وَمَا مَضَى مِن أَيّام تَمَتُّعه؛ وَمِنْهَا وَاوُ النِّسبة، رُوِيَ عَنْ أَبي عَمرو بْنِ العَلاء أَنه كَانَ يَقُولُ: يُنْسَبُ إِلى أَخٍ أَخَويٌّ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، وإِلى الرِّبا رِبَوِيٌّ، وإِلى أُخْتٍ أُخَويٌّ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وإِلى ابْن بَنَوِيٌّ، وإِلى عالِيةِ الحِجاز عُلْوِيٌّ، وإِلى عَشِيَّة عَشَوِيٌّ، وإِلى أَبٍ أَبَوِيٌّ؛ وَمِنْهَا الواوُ الدَّائمةُ، وَهِيَ كُلُّ واوٍ تُلابِسُ الجَزاء وَمَعْنَاهَا الدَّوامُ، كَقَوْلِكَ: زُرْني وأَزُورَكَ وأَزُورُكَ، بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، فالنَّصْبُ عَلَى المُجازاةِ، ومَن رَفَعَ فَمَعْنَاهُ زيارَتَكَ عليَّ واجبةٌ أُدِيمُها لَكَ عَلَى كلِّ حالٍ؛ وَمِنْهَا الْوَاوُ الفارِقةُ، وَهِيَ كلُّ واوٍ دَخَلت فِي أَحَدِ الحَرْفين المُشْتَبِهين ليُفْرَقَ بينَه وَبَيْنَ المُشْبهِ لَهُ فِي الخَطِّ مِثْلُ واوِ أُولئِك وَوَاوِ أُولو.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} و {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ}؛ زِيدَتْ فِيهَا الْوَاوُ فِي الْخَطِّ لتَفْرُق بينَها وبينَ مَا شاكَلَها فِي الصُّورةِ مِثْل إِلى وإِلَيْك؛ وَمِنْهَا وَاوُ عَمْرو، فإِنها زيدَتْ لِتَفْرُقَ بينَ عَمْروٍ وعُمَرَ، وزيدتْ فِي عَمْرٍو دونَ عُمَرَ لأَن عُمَرَ أَثقَلُ مِنْ عَمْرٍو؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

ثمَّ تَنادَوْا، بينَ تِلْكَ الضَّوْضَى ***مِنْهُمْ: بِهابٍ وهَلا ويا يا

نادَى مُنادٍ مِنْهُمُ: أَلا تَا، ***صَوْتَ امْرِئٍ للجُلَّياتِ عَيّا

قالُوا جَمِيعًا كُلُّهُم: بَلا فَا "أَي بَلَى فإِنَّا نَفْعَلُ، أَلا تَا: يُريد تَفْعَلُ، وَاللَّهُ أَعلم.

الْجَوْهَرِيُّ: الْوَاوَا صَوْتُ ابْن آوَى.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


109-مختار الصحاح (رغم)

(الرَّغَامُ) بِالْفَتْحِ التُّرَابُ.

وَ (أَرْغَمَ) اللَّهُ أَنْفَهُ أَلْصَقَهُ (بِالرَّغَامِ).

وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الْخِضَابِ: «اسْلِتِيهِ وَ (أَرْغِمِيهِ) » قُلْتُ: مَعْنَاهُ أَهِينِيهِ وَارْمِي بِهِ فِي التُّرَابِ.

وَ (الْمُرَاغَمَةُ) الْمُغَاضَبَةُ، يُقَالُ: (رَاغَمَ) فُلَانٌ قَوْمَهُ إِذَا نَابَذَهُمْ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ.

وَ (رَغَمَ) فُلَانٌ مِنْ بَابِ قَطَعَ (رَغْمًا) بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فِي رَاءِ الْمَصْدَرِ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْتِصَافِ وَ (مَرْغَمَةً) أَيْضًا.

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ مَرْغَمَةً».

وَتَقُولُ: فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى (الرَّغْمِ) مِنْ أَنْفِهِ.

وَ (رَغِمَ) أَنْفِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قُلْتُ: مَعْنَاهُ ذَلَّ وَانْقَادَ لَأَنْ أَمَسَّ بِهِ التُّرَابَ.

وَ (الْمُرَاغَمُ) الْمَذْهَبُ وَالْمَهْرَبُ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا} [النساء: 100] قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُرَاغَمُ الْمُضْطَرَبُ وَالْمَذْهَبُ فِي الْأَرْضِ.

مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م


110-مختار الصحاح (نسم)

(النَّسِيمُ) الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ وَقَدْ (نَسَمَتِ) الرِّيحُ تَنْسِمُ بِالْكَسْرِ (نَسِيمًا) وَ (نَسَمَانًا) بِفَتْحَتَيْنِ.

وَ (نَسَمُ) الرِّيحِ بِفَتْحَتَيْنِ أَوَّلُهَا حِينَ تُقْبِلُ بِلِينٍ قَبْلَ أَنْ تَشْتَدَّ.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «بُعِثْتُ فِي نَسَمِ السَّاعَةِ» أَيْ حِينَ ابْتَدَأَتْ وَأَقْبَلَتْ أَوَائِلُهَا.

وَ (النَّسَمُ) أَيْضًا جَمْعُ (نَسَمَةٍ) وَهِيَ النَّفَسُ وَالرَّبْوُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «تَنَكَّبُوا الْغُبَارَ فَمِنْهُ تَكُونُ النَّسَمَةُ».

وَ (النَّسَمَةُ) أَيْضًا الْإِنْسَانُ.

وَ (تَنَسَّمَ) أَيْ تَنَفَّسَ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَمَّا تَنَسَّمُوا رُوحَ الْحَيَاةِ» أَيْ وَجَدُوا نَسِيمَهَا.

وَ (الْمَنْسِمُ) بِوَزْنِ الْمَجْلِسِ خُفُّ الْبَعِيرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَقَالُوا: مَنْسِمُ النَّعَامَةِ.

مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م


111-مختار الصحاح (واو)

الْوَاوُ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ تَجْمَعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَلَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ.

وَتَدْخُلُ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -:

{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 63] كَمَا تَقُولُ: أَفَعَجِبْتُمْ.

وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى مَعَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، لِأَنَّ مَعَ لِلْمُصَاحَبَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ إِلَى السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» أَيْ مَعَ السَّاعَةِ.

وَقَدْ تَكُونُ الْوَاوُ لِلْحَالِ كَقَوْلِهِمْ: قُمْتُ وَأُكْرِمُ زَيْدًا أَيْ قُمْتُ مَكْرِمًا زَيْدًا وَقُمْتُ وَالنَّاسُ قُعُودٌ.

وَقَدْ يُقْسَمُ بِهَا تَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا.

وَلَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى الْمُظْهَرِ نَحْوُ وَاللَّهِ وَحَيَاتِكَ وَأَبِيكَ.

وَقَدْ تَكُونُ ضَمِيرَ جَمَاعَةِ الْمُذَكَّرِ فِي قَوْلِكَ: فَعَلُوا وَيَفْعَلُونَ وَافْعَلُوا.

وَقَدْ تَكُونُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِمْ: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».

وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِيهِ زَائِدَةٌ.

مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م


112-أساس البلاغة (شطن)

شطن

شطنت الدار. ونوى شطون. وعندي شطن قوي وهو الحبل الطويل يستقى به وتربط به الدابة، وكأنه شيطان، في أشطان. و «إنه لينزو بين شطنين» وهو الفرس يستعصي فيشد بحبلين من جانبين ويشبه به الأشر. وشيطن فلان وتشيطن، وفيه شيطنة.

ومن المجاز: بئر شطون: بعيدة القعر. وركبه شيطانه إذا غضب. وعن أبي الوجيه العكليّ: كان ذلك حين ركبني شيطاني، قيل: وأي الشياطين تعني؟ قال: الغضب. قال منظور ابن رواحة:

ولما أتاني ما يقول ترقصت *** شياطين رأسي وانتشين من الخمر

وقال ابن ميادة:

فلما أتاني ما تقول محارب *** بعثت شياطيني وجن جنونها

ونزع شيطانه: كبره. وكأنه شيطان الحماطة وهو الداهية من الحيات.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


113-أساس البلاغة (نسم)

نسم

وجدت نسيم الريح: نفسها، وقد نسمت نسيمًا ونسمانًا. وتنسّمتها: تتّبعت نسيمها. «تنكّبوا الغبار فإنّ منه تكون النّسمة» أي النّفس وهو الرّبو. وهذه نسمةٌ مباركة. وأعتق نسمةً. والله باريء النّسم. وأملصت الناقة ولدها قبل أن تنسّم أي تجسّد وتمّ وصار نسمةً.

ومن المجاز: من أين منسمك؟: وجهك، وأصله: منسم البعير. وفي الحديث: «قد استقام المنسم» ووجدت منسمًا من الأمر: علامةً وأثرًا. قال الأحوص:

وإن أظلمت يومًا من الناس طخية *** أضاء بكم يا آل مروان منسم

وفي الحديث: «بعثت في نسيم الساعة»: في نفسها وأوّلها. قال ذو الرمة:

بجرعاء دهناوية التّرب طيّب *** بها نسم الأرواح من كل منسم

وتنسّمت الخبر. وتنسمت أثر فلان حتى استبنته. وتنسّمت منه علمًا: أخذته. وقال:

أحبّك حبّ العود ماءً بقفرة *** تنسّم تحت الليل سمت الموارد

ونسم لي خبر وأثر: تبيّن. وناسمته. وهو طيّب المناسمة والمنامسة. قال:

سقيًا لها وحبذا نسامها *** لو كان لي ميسّرًا كلامها

وإن فلانًا لباقي النسيم إذا كان باقي القوّة والصلابة. قال:

هيّجها أروع ذو نسيم

وإن فلانًا ثقيل الظلّ بارد النسيم: للثقيل.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


114-أساس البلاغة (حذذ)

حذذ

حذ الشيء وهذه: أسرع قطعه، وأعطاه حذة من لحم وحزة. وفرس أحذ: خفيف هلب الذنب أو مقطوعه. وقطاة حذاء: قليلة ريش الذنب، أو سريعة الطيران. وسيف أحذ: سريع القطع. وناقة حذاء: سريعة السير. وقرب حذحاذ وحثحاث: سريع.

ومن المجاز: قصيدة حذاء: سيارة، أو منقحة لا يتعلق بها عيب. وحاجة حذاء: سريعة النفاذ والنجح. وعزيمة حذاء: ماضية لا يلوي صاحبها على شيء.

قال الراعي:

وطوى الفؤاد على قضاء عزيمة *** حذاء واتخذ الزماع خليلا

وحلف بيمين حذاء وهي المنكرة التي يقطع بها الحق. وولت الدنيا حذاء مدبرة: سريعة لم يتعلق أهلها منها بشيء. وأمر أحذ: منكر شديد منقطع الأشباه، أو كأنه ينفلت من كل أحد، لا يقدرون على تداركه وكفايته. قال الطرماح:

يقري الأمور الحذ ذا إربة *** في ليها شزرًا وإمرارها

وسير أحذ: شديد السرعة منكر. قال:

فهاتي لنا سيرًا أحذ عشنزرا

وقال الفرزدق:

بعثت على العراق ووافديه *** فزار يا أحذ يد القميص

أي خفيف الكم، وصف الكم بالخفة، والمراد خفة ما يشتمل عليه وهو اليد، وأراد بخفة اليد السرقة، وقيل سرقة فقطعت يده، فكمه قصير خفيف. وقال طرفة:

وأروع نباض أحذ ململم *** كمرداة صخر في صفيح منضد

أراد القلب، وحذذه: خفته وذكاؤه وسرعة إدراكه. وقال حسان:

لا تعدمن رجلًا أحلك بغضه *** نجران في عيش أحذ لئيم

فأراد خفة الحال والفقر، من قولهم: رجل أحذ: للخفيف ذات اليد، أو أراد أنه منقطع عن الخير، لا يتعلق به منه شيء.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


115-أساس البلاغة (سكر)

سكر

سكر من الشراب سكرًا وسكرا بوه سكرة شديدة، وأسكره الشراب، وتساكر. أنشد سيبويه:

أسكران كان ابن المراغة إذا هجا *** تميمًا بجوف الشأم أم متساكر

ورجل سكران وسكر وسكير، وقوم سكرى وسكارى وامرأة سكرى، وشرب السكر وهو النبيذ. وقيل: شراب يتخذ من التمر والكسب والآس وهو أمر شراب في الدنيا. وفلان يشرب السكر والسكركة وهي نبيذ الحبش. وبثقوا الماء وسكروه: فجروه وسدوه، والبثق والسكر: ما يبثق ويسكر.

ومن المجاز: غشيته سكرة الموت. وران به سكر النعاس. قال الطرماح:

وركب قد بعثت إلى رذايا *** طلائح مثل أخلاق الجفون

مخافة أن يرين النوم فيهم *** بسكر سناته كل الريون

وقال عمر بن أبي ربيعة:

بينما أنظرها في مجلس *** إذ رماني الليل منه بسكر

لم يرعني بعد أخذي هجمة *** غير ريح المسك منها والقطر

منه من الليل. وسكر عليّ فلان، وله عليّ سكر: غضب شديد. قال:

فجاءونا لهم سكر علينا *** فأجلى اليوم والسكران صاحي

وسكر الحر: فتر، وكذلك الطعام والماء الحارّ إذا سكنت فورته. تقول: اصبر حتى يسكر. قال:

جاء الشتاء واجتال القبر *** وساتخفت الأفعى وكانت تظهر

وجعلت عين الحرور تسكر

وسكرت الريح وسكرت: سكنت، وريح ساكرة، وليلة ساكرة: ساكنة الريح. وماء ساكر: دائم لا يجري. قال:

أأن غرّدت يومًا بواد حمامة *** بكيت ولم يعذرك بالجهل عاذر

تغنى الضحى والعصر في مرجحنة *** نياف الأعالي تحتها الماء ساكر

وسكرت أبصارهم وسكرت: حبست من النظر

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


116-مجمل اللغة (خفر)

خفر: الخفرُ: الحياء، و (هي) جارية خفرة.

و (يقال): أخفرت الرجل، نقضتُ عهدهُ،

وأخفرته: بعثتُ معه خفيرًا، وهي الخفارة.

(وخفرت الرجل: كنت له خفيرًا)، وتخفَّرتُ بفلان: (إذا) استجرت به، (وخفرتهُ: أجزتُهُ).

والخافور: نبتٌ.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


117-مجمل اللغة (رفد)

رفد: الرفدُ: مصدر رفدهُ يرفدهُ، إذا أعطاهُ، وأرفدهُ أيضًا، [والاسم: الرفدُ.

و (جاء) في الحديث: ويكون الفيء رفدًا، أي: (يكون) صلات.

ولا توضع مواضعها والرفدُ: القدح الضخم، وهو الرفدُ أيضًا والمرفدُ.

وارتفدتُ من فلان، إذا أصبت من كسبه، وارتفدتُ المال: اكتسبته.

والرافد: المعين.

والمرفد أيضًا.

(ويقال: إن المرفد الإناء الذي يقرى فيه).

ورفد [بنو] فلان فلانًا، إذا سودوهُ وعظموهُ عليهم، وهو مرفدُ.

والرفيداتُ: قوم من العرب.

والرفود: الناقة (التي) تملأ الرفد، (وهو القدح) في حلبة واحدة.

والوافدان: دجلة والفرات في قوله:

بعثت على العراقِ ورافديهِ

فزاريًا أحذَّ يدَ القميصِ

و (يقال): ترافدوا (على الأمر، أي): تعاونوا (عليه).

و (يقال: إن) المرافيد (من) الشاء: (التي) لا ينقطع لبنها شتاء ولا صيفًا.

(والأرفاد: الأعجاز).

والروافدُ: خشب السقف.

قال:

روافدُهُ أكرم الرافداتِ

بخٍ لك بخَّ لبحرٍ خضمَّ

والمرفدُ: العظامةُ التي تعظَّم بها الرسحاءُ عجيزتها.

والرفادة: شيء كانت قريش ترفدُ به في الجاهلية، يخرج كل إنسانٍ شيئًا، ثم يشترون للحاج طعامًا زبيبا وشرابا.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


118-مقاييس اللغة (أرخ)

(أَرَخَ) الْهَمْزَةُ وَالرَّاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ عَرَبِيَّةٌ، وَهِيَ الْإِرَاخُ لِبَقَرِ الْوَحْشِ.

قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

وَنَوْحٍ بَعَثْتَ كَمِثْلِ الْإِرَا *** خِ آنَسَتِ الْعِينُ أَشْبَالَهَا

وَأَمَّا تَأْرِيخُ الْكِتَابِ فَقَدْ سُمِعَ، وَلَيْسَ عَرَبِيًّا وَلَا سُمِعَ مِنْ فَصِيحٍ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


119-مقاييس اللغة (بعث)

(بَعَثَ) الْبَاءُ وَالْعَيْنُ وَالثَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْإِثَارَةُ.

وَيُقَالُ: بَعَثْتُ النَّاقَةَ: إِذَا أَثَرْتَهَا.

وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:

فَبَعَثْتُهَا تَقِصُ الْمَقَاصِرُ بَعْدَمَا *** كَرَبَتْ حَيَاةُ النَّارِ لِلْمُتَنَوِّرِ

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


120-مقاييس اللغة (خضع)

(خَضَعَ) الْخَاءُ وَالضَّادُ وَالْعَيْنُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا تَطَامُنٌ فِي الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ الصَّوْتِ.

فَالْأَوَّلُ الْخُضُوعُ.

قَالَ الْخَلِيلُ.

خَضَعَ خُضُوعًا، وَهُوَ الذُّلُّ وَالِاسْتِخْذَاءُ.

وَاخْتَضَعَ فُلَانٌ، أَيْ تَذَلَّلَ وَتَقَاصَرَ.

وَرَجُلٌ أَخْضَعُ وَامْرَأَةٌ خَضْعَاءُ، وَهُمَا الرَّاضِيَانِ.

بِالذُّلِّ.

قَالَ الْعَجَّاجُ:

وَصِرْتُ عَبْدًا لِلْبَعُوضِ أَخْضَعَا *** يَمَصُّنِي مَصَّ الصَّبِيِّ الْمُرْضِعَا

وَقَالَ غَيْرُهُ: خَضَعَ الرَّجُلُ، وَأَخْضَعَهُ الْفَقْرُ.

وَرَجُلٌ خُضَعَةٌ: يَخْضَعُ لِكُلِّ أَحَدٍ.

"قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الْخَضَعُ انْكِبَابٌ فِي الْعُنُقِ إِلَى الصَّدْرِ; يُقَالُ رَجُلٌ أَخْضَعُ وَعُنُقٌ خَضْعَاءُ."

قَالَ زُهَيْرٌ:

وَرْكَاءُ مُدْبِرَةً كَبْدَاءُ مُقْبِلَةً *** قَوْدَاءُ فِيهَا إِذَا اسْتَعْرَضْتَهَا خَضَعُ

قَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ: الْخَضَعُ فِي الظِّلْمَانِ: انْثِنَاءٌ فِي أَعْنَاقِهَا.

قَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْمُخْتَضِعُ مِنَ اللَّوَاحِمِ الْمُتَطَامِنُ رَأْسُهُ إِلَى أَسْفَلِ خُرْطُومِهِ.

قَالَ النَّابِغَةُ:

أَهْوَى لَهَا أَمْغَرُ السَّاقِينَ مُخْتَضِعٌ *** خُرْطُومُهُ مِنْ دِمَاءِ الصَّيْدِ مُخْتَضِبُ

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْأَخْضَعُ الْمُتَطَامِنُ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ أَخْضَعَ أَشْعَرَ.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْخُضْعَانُ أَنْ تُخْضَعَ الْإِبِلُ بِأَعْنَاقِهَا فِي السَّيْرِ، وَهُوَ أَشَدُّ الْوَضْعِ.

قَالَ: وَيُقَالُ أَخْضَعَهُ الشَّيْبُ وَخَضَعَهُ.

قَالَ: وَيُقَالُ اخْتَضَعَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ، وَهُوَ أَنْ يُسَانَّهَا ثُمَّ يَخْتَضِعَهَا إِلَى الْأَرْضِ بِكَلْكَلِهِ.

وَيُقَالُ خَضَعَ النَّجْمُ، إِذَا مَالَ لِلْمَغِيبِ.

قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

بَعَثْتُ إِلَيْهَا وَالنُّجُومُ خَوَاضِعٌ *** بِلَيْلٍ حِذَارًا أَنْ تَهُبَّ وَتُسْمَعَا

قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: خَضَعَ الرَّجُلُ وَأَخْضَعَ، إِذَا لَانَ كَلَامُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: نَهَى أَنْ يُخْضِعَ الرَّجُلُ لِغَيْرِ امْرَأَتِهِ أَيْ يُلَيِّنَ كَلَامَهُ.

وَأَمَّا الْآخَرُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: الْخَيْضَعَةُ: الْتِفَافُ الصَّوْتِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا.

وَيُقَالُ هُوَ غُبَارُ الْمَعْرَكَةِ.

"وَهَذَا الَّذِي قِيلَ فِي الْغُبَارِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ مُجَاوَرَةٍ."

قَالَ لَبَيْدٌ فِي الْخَيْضَعَةِ:

الضَّارِبُونَ الْهَامَ تَحْتَ الْخَيْضَعَهْ.

"قَالَ قَوْمٌ: الْخَيْضَعَةُ مَعْرَكَةُ الْقِتَالِ ; لِأَنَّ الْأَقْرَانَ يَخْضَعُ فِيهَا بَعْضٌ لِبَعْضٍ."

وَقَدْ عَادَتِ الْكَلِمَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَقَعَ الْقَوْمُ فِي خَيْضَعَةٍ، أَيْ صَخَبٍ وَاخْتِلَاطٍ.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَالْخَضِيعَةُ الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنْ بَطْنِ الدَّابَّةِ إِذَا عَدَتْ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ، وَلَا فِعْلَ مِنَ الْخَضِيعَةِ.

قَالَ الْخَلِيلُ الْخَضِيعَةُ ارْتِفَاعُ الصَّوْتِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قِيلَ لِمَا يُسْمَعُ مِنْ بَطْنِ الْفَرَسِ خَضِيعَةٌ.

وَأَنْشَدَ:

كَأَنَّ خَضِيعَةَ بَطْنِ الْجَوَا *** دِ وَعْوَعَةُ الذِّئْبِ فِي فَدْفَدِ

قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَيُقَالُ خَضَعَ بَطْنُهُ خَضِيعَةً، أَيْ صَوَّتَ.

قَالَ بَعْضُهُمُ: الْخَضُوعُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تَسْمَعُ لِخَوَاصِرِهَا صَلْصَلَةً كَصَوْتِ خَضِيعَةِ الْفَرَسِ.

قَالَ جَنْدَلٌ:

لَيْسَتْ بِسَوْدَاءَ خَضُوعِ الْأَعْفَاجْ *** سِرْدَاحَةٍ ذَاتِ إِهَابٍ مَوَّاجْ

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْخَضِيعَتَانِ لُحْمَتَانِ مُجَوَّفَتَانِ فِي خَاصِرَتِي الْفَرَسِ، يَدْخُلُ فِيهِمَا الرِّيحُ فَيَسْمَعُ لَهُمَا صَوْتٌ إِذَا تَزَيَّدَ فِي مَشْيِهِ.

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: لِلسِّيَاطِ خَضْعَةٌ، وَلِلسُّيُوفِ بَضْعَةٌ.

فَالْخَضْعَةُ: صَوْتُ وَقْعِهَا، وَالْبَضْعَةُ: قَطْعُهَا اللَّحْمَ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


121-مقاييس اللغة (خفر)

(خَفَرَ) الْخَاءُ وَالْفَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْحَيَاءُ، وَالْآخَرُ الْمُحَافَظَةُ أَوْ ضِدُّهَا.

فَالْأَوَّلُ الْخَفَرُ.

يُقَالُ خَفِرَتِ الْمَرْأَةُ: اسْتَحْيَتْ، تَخْفَرُ خَفْرًا، وَهِيَ خَفِرَةٌ.

قَالَ:

زَانَهُنَّ الدَّلُّ وَالْخَفَرُ.

وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَيُقَالُ خَفَرْتُ الرَّجُلَ خُفْرَةً، إِذَا أَجَرْتَهُ وَكُنْتَ لَهُ خَفِيرًا.

وَتَخَفَّرْتُ بِفُلَانٍ، إِذَا اسْتَجَرْتَ بِهِ.

وَيُقَالُ أَخْفَرْتُهُ، إِذَا بَعَثْتَ مَعَهُ خَفِيرًا.

وَأَمَّا خِلَافُ ذَلِكَ فَأَخْفَرْتُ الرَّجُلَ، وَذَلِكَ إِذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ.

وَهَذَا كَالْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي خَفَيْتُ وَأَخْفَيْتُ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


122-مقاييس اللغة (رفد)

(رَفَدَ) الرَّاءُ وَالْفَاءُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ مُطَّرِدٌ مُنْقَاسٌ، وَهُوَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُظَاهَرَةُ بِالْعَطَاءِ وَغَيْرِهِ.

فَالرَّفْدُ مَصْدَرُ رَفَدَهُ يَرْفِدُهُ، إِذَا أَعْطَاهُ.

وَالِاسْمُ الرِّفْدُ.

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: وَيَكُونُ الْفَيْءُ رِفْدًا، أَيْ يَكُونُ صِلَاتٍ لَا يُوضَعُ مَوَاضِعَهُ.

وَيُقَالُ: ارْتَفَدْتَ مِنْ فُلَانٍ: أَصَبْتُ مِنْ كَسْبِهِ.

وَأُرْفِدْتُ الْمَالَ: اكْتَسَبْتَهُ.

وَالرَّافِدُ: الْمُعَيَّنُ، وَالْمُرْفِدُ أَيْضًا.

وَرَفَدَ بَنُو فُلَانٍ فُلَانًا، إِذَا سَوَّدُوهُ عَلَيْهِمْ وَعَظَّمُوهُ، وَهُوَ مُرَفَّدٌ.

وَالرَّافِدَانِ: دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ.

قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

بَعَثْتَ عَلَى الْعِرَاقِ وَرَافِدَيْهِ *** فَزَارِيًّا أَحَذَّ يَدِ الْقَمِيصِ

وَتَرَافَدُوا، إِذَا تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ، وَالرِّفَادَةُ: شَيْءٌ كَانَتْ قُرَيْشٌ تُرَافِدُ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يُخْرِجُ كُلُّ إِنْسَانٍ شَيْئًا، ثُمَّ يَشْتَرُونَ بِهِ لِلْحَاجِّ طَعَامًا وَزَبِيبًا وَشَرَابًا.

"وَالرَّوَافِدُ: خَشَبُ السَّقْفِ; وَهُوَ مِنَ الْبَابِ; لِأَنَّهُ يُرَفَّدُ بِهَا السَّقْفُ."

قَالَ:

رَوَافِدُهُ أَكْرَمُ الرَّافِدَاتِ *** بَخٍ لَكَ بَخٍّ لِبَحْرٍ خِضَمْ

وَالْمَرْفَدُ: الْعُظَّامَةُ الَّتِي تُعَظِّمُ بِهَا الرَّسْحَاءَ عَجِيزَتَهَا.

"وَمِنَ الْبَابِ الرِّفْدُ، وَهُوَ الْقَدَحُ الضَّخْمُ; وَهُوَ الرَّفْدُ وَالْمِرْفَدُ أَيْضًا."

وَيُقَالُ الْمِرْفَدُ: الْإِنَاءُ الَّذِي يُقْرَى فِيهِ.

وَالرَّفُودُ: النَّاقَةُ تَمْلَأُ الرِّفْدَ، وَهُوَ الْقَدْحُ الضَّخْمُ، فِي حَلْبَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَالرُّفَيْدَاتُ: قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


123-مقاييس اللغة (عنك)

(عَنَكَ) الْعَيْنُ وَالنُّونُ وَالْكَافُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ.

وَالْآخَرُ ارْتِبَاكٌ فِي الْأَمْرِ وَاسْتِغْلَاقٌ فِي الشَّيْءِ.

"فَالْأَوَّلُ: الْعَانِكُ، قَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ لَوْنٌ مِنَ الْحُمْرَةِ; يُقَالُ دَمٌ عَانِكٌ."

قَالَ:

أَوْ عَانِكٍ كَدَمِ الذَّبِيحِ مُدَامِ.

وَغَيْرُهُ بِرِوَايَةِ: أَوْ عَاتِقٍ.

وَقَالَ: عَرَقٌ عَانِكٌ، إِذَا كَانَ فِي لَوْنِهِ حُمْرَةٌ.

قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

عَلَى أُقْحُوَانٍ فِي حَنَادِيجِ حُرَّةٍ *** يُنَاصِي حَشَاهَا عَانِكٌ مُتَكَاوِسُ

وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: الْمُعْتَنِكُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّذِي إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الرَّمْلُ بَرَكَ وَحَبَا عَلَيْهِ.

قَالَ:

أَوْدَيْتَ إِنْ لَمْ تَحْبُ حَبْوَ الْمُعْتَنِكْ.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ اعْتَنَكَ الْبَعِيرُ، إِذَا مَشَى فِي رَمْلٍ عَانِكٍ، أَيْ كَثِيرٍ، فَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَحْبُوَ.

وَأَنْشَدَ هَذَا الْبَيْتَ.

وَمَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ تَحْمِلْ لِي عَلَى نَفْسِكَ حَمْلَ هَذَا الْبَعِيرِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الرَّمْلِ فَقَدْ هَلَكْتُ.

وَمِنَ الْبَابِ الْعِنْكُ، قَالَ الْخَلِيلُ: وَهُوَ الْبَابُ.

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: عَنَكْتُ الْبَابَ وَأَعْنَكْتُهُ، أَيْ أَغْلَقْتُهُ، لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ.

وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِيَاسِ هَذَا الْأَصْلِ الثَّانِي.

وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْعَنْكُ مِنَ اللَّيْلِ، وَهِيَ سُدْفَةٌ مِنْهُ.

وَذَلِكَ أَنَّ الظُّلْمَةَ كَأَنَّهَا تَسُدُّ بَابَ الضَّوْءِ.

وَالْكَلِمَةُ صَحِيحَةٌ، أَعْنِي أَنَّ الْعِنْكَ الظُّلْمَةُ.

وَأَنْشَدَ:

وَفَتَيَانِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بَجُهْمَةٍ *** مِنَ اللَّيْلِ لَوْلَا حُبُّ ظَمْيَاءَ عَرَّسُوا

فَقَامُوا كُسَالَى يَلْمِسُونَ وَخَلْفَهُمْ *** مِنَ اللَّيْلِ عِنْكٌ كَالنَّعَامَةِ أَقْعَسُ

وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا إِنْ صَحَّ شَيْءٌ ذَكَرَهُ يُونُسُ، قَالَ: عَنَكَ اللَّبَنُ، إِذَا خَثُرَ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


124-مقاييس اللغة (عجس)

(عَجَسَ) الْعَيْنُ وَالْجِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الشَّيْءِ كَالْعَجُزِ، فِي عِظَمٍ وَغِلَظٍ وَتَجَمُّعٍ.

مِنْ ذَلِكَ الْعُجْسُ وَالْمَعْجِسُ: مَقْبِضُ [الْقَوْسِ]، وَعُجْسُهَا وَعُجْزُهَا سَوَاءٌ.

وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُشَبَّهٌ بِعَجُزِ الْإِنْسَانِ وَعَجِيزَتِهِ.

قَالَ أَوْسٌ فِي الْعَجْسِ:

كَتُومٌ طِلَاعُ الْكَفِّ لَا دُونَ مِلْئِهَا وَلَا *** عَجْسُهَا عَنْ مَوْضِعِ الْكَفِّ أَفْضَلَا

يَقُولُ: عَجْسُهَا عَلَى قَدْرِ الْقَبْضَةِ، سَوَاءٌ.

وَقَالَ فِي الْمَعْجِسِ مُهَلْهِلٌ:

أَنْبَضُوا مَعْجِسَ الْقِسِيِّ وَأَبْرَقْ *** نَا كَمَا تُوعِدُ الْفُحُولُ الْفُحُولَا

"وَمِنَ الْبَابِ: عَجَاسَاءُ اللَّيْلِ: ظُلْمَتُهُ، وَذَلِكَ فِي مَآخِيرِهِ; وَشُبِّهَتْ بِعَجَاسَاءِ الْإِبِلِ."

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَجَاسَاءُ مِنَ الْإِبِلِ: الْعِظَامُ الْمَسَانُّ.

قَالَ الرَّاعِي:

إِذَا بَرَكَتْ مِنْهَا عَجَاسَاءُ جِلَّةٌ *** بِمَحْنِيَةٍ أَجْلَى الْعِفَاسَ وَبَرْوَعَا

الْعِفَاسُ وَبَرْوَعُ: نَاقَتَانِ.

وَهَذَا مُنْقَاسٌ مِنَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَآخِيرِ الشَّيْءِ وَمُعْظَمِهِ.

وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: التَّعَجُّسُ: التَّأَخُّرُ.

قَالُوا: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اشْتِقَاقُ الْعَجَاسَاءِ مِنَ الْإِبِلِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَأْخِرُ عَنِ الْإِبِلِ فِي الْمَرْتَعِ.

قَالُوا: وَالْعَجَاسَاءُ مِنَ السَّحَابِ: عِظَامُهَا.

وَتَقُولُ: تَعَجَّسَنِي عَنْكَ كَذَا، أَيْ أَخَّرَنِي عَنْكَ.

وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ الَّذِي قِسْنَاهُ.

وَقَالَ الدُّرَيْدِيُّ: تَعَجَّسْتَ الرَّجُلَ، إِذَا أَمَرَ أَمْرًا فَغَيَّرْتَهُ عَلَيْهِ.

وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مِنَ التَّعَقُّبِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَوَّلِ وَإِتْيَانِ الْآخَرِ عَلَى سَاقَتِهِ وَعِنْدَ عَجُزِهِ.

وَذَكَرُوا أَنَّ الْعَجِيسَاءَ: مِشْيَةٌ بَطِيئَةٌ.

وَهُوَ مِنَ الْبَابِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قِيَاسِنَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَعَجَاسَائِهِ قَوْلُ الْخَلِيلِ: الْعَجَسْ: آخِرُ اللَّيْلِ.

وَأَنْشَدَ:

وَأَصْحَابِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِجَوْشَنٍ *** مِنَ اللَّيْلِ لَوْلَا حُبُّ ظَمْيَاءَ عَرَّسُوا

فَقَامُوا يَجُرُّونَ الثِّيَابَ وَخَلْفَهُمْ *** مِنَ اللَّيْلِ عَجْسٌ كَالنَّعَامَةِ أَقْعَسُ

وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: أَنَّ الْعُجْسَةَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي اللَّيْلِ.

فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وَلَا آتِيكَ سَجِيسَ عُجَيْسٍ فَمِنْ هَذَا أَيْضًا، أَيْ لَا آتِيكَ آخِرَ الدَّهْرِ.

وَحُجَّةُ هَذَا قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

سَقَى أُمَّ عَمْرٍو كُلَّ آخِرِ *** لَيْلَةٍ حَنَاتِمُ مُزْنٍ مَاؤُهُنَّ ثَجِيجُ

لَمْ يُرِدْ أَوَاخِرَ اللَّيَالِي دُونَ أَوَائِلِهَا، لَكِنَّهُ أَرَادَ أَبَدًا.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


125-مقاييس اللغة (نفض)

(نَفَضَ) النُّونُ وَالْفَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيكِ شَيْءٍ لِتَنْظِيفِهِ مِنْ غُبَارٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ.

وَنَفَضْتُ الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ نَفْضًا.

وَالنَّفَضُ: مَا نَفَضَتْهُ الشَّجَرَةُ مِنْ ثَمَرِهَا.

وَامْرَأَةٌ نَفُوضٌ: نَفَضَتْ بَطْنَهَا عَنْ وَلَدِهَا.

وَالنَّافِضُ: الْحُمَّى ذَاتُ الرِّعْدَةِ، لِأَنَّهَا تَنْفُضُ الْبَدَنَ نَفْضًا.

وَأَنْفَضُوا: فَنِيَ زَادُهُمْ، أَيْ لَمَّا نَفِدَ زَادُهُمْ وَفَنِيَ نَفَضُوا أَوْعِيَتَهُمْ.

وَتَقُولُ الْعَرَبُ مَثَلًا: النُّفَاضُ يُقَطِّرُ الْجَلَبَ، إِذَا أَنْفَضُوا وَقَلَّ مَا عِنْدَهُمْ جَلَبُوا إِبِلَهُمْ لِلْبَيْعِ.

وَيُسْتَعَارُ مِنَ الْبَابِ قَوْلُهُمْ: نَفَضْتُ الْأَرْضَ، إِذَا بَعَثْتَ مَنْ يَنْظُرُ أَبِهَا عَدُوٌّ أَمْ لَا.

وَنَفَضْتُ اللَّيْلَ، إِذَا عَسَسْتَ لِتَنْفُضَ عَنْ أَهْلِ الرِّيبَةِ.

وَالنَّفِيضَةُ وَالنَّفَضَةُ: الْقَوْمُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.

قَالَ:

يَرِدُ الْمِيَاهَ حَضِيرَةً وَنَفِيضَةً *** وِرْدَ الْقَطَاةِ إِذَا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ

وَتَقُولُ الْعَرَبُ: إِذَا تَكَلَّمْتَ لَيْلًا فَاخْفِضْ، وَإِذَا تَكَلَّمْتَ النَّهَارَ فَانْفُضْ.

تَقُولُ: انْظُرْ حَوَالَيْكَ، فَلَعَلَّ ثَمَّ مَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَكَ.

وَالنِّفَاضُ: إِزَارُ الصِّبْيَانِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبَابِ.

قَالَ:

جَارِيَةٌ بَيْضَاءُ فِي نِفَاضٍ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


126-صحاح العربية (جحد)

[جحد] الجُحودُ: الإنكار مع العلم.

يقال: جَحَدَهُ حقّه وبحقّه، جَحْدًا وجحودا.

والجحد أيضا.

قلة الخير، وكذلك الجُحْدُ بالضم.

وقال الشاعر: لَئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الحُمَيدَيْنِ مائِرًا *** لَقدْ غَنِيَتْ في غيرِ بُؤْسٍ ولا جَُحْدِ - والجَحَدْ بالتحريك مثله.

يقال: نَكَدًا له وجَحَدًا.

وجَحَدَ الرجل بالكسر جَحَدًا، فهو جَحِدٌ، إذا كان ضيّقًا قليل الخير.

وأجحد مثله.

قال الفرزدق: وبيضاء من أهل المدينة لم تذق *** بئيسا ولم تتبع حمولة مجحد - وعام جحد: قليل المطر.

وجَحِدَ النبتُ: إذا قلَّ ولم يطل.

وجحادة: اسم رجل.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


127-صحاح العربية (خفر)

[خفر] الخَفيرُ: المُجيرُ.

خَفَرْتُ الرَجُل أَخْفِرُ بالكسر خَفْرًا، إذا أَجَرْتَهُ وكنتَ له خَفيرًا تَمْنَعُهُ.

قال الأصمعيّ: وكذلك خَفَّرْتُه تَخْفيرًا.

وأنشد لأبي جُنْدُبٍ الهُذَليِّ:

يُخَفِّرُني سَيْفي إذا لم أخفر

قال: وتخفرت بفلانٍ، إذا اسْتَجَرْتَ به وسَأَلْتَهُ أن يكون لك خَفيرًا.

وأَخْفَرْتَهُ، إذا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وغَدَرْتَ به.

ويقال أيضًا: أَخْفَرْتُهُ، إذا بَعَثْتَ معه خَفيرًا.

قاله أبو الجَرَّاح العُقَيْليُّ.

والاسم الخُفْرَةُ بالضم، وهي الذِمَّةُ.

يقال: وَفَتْ خُفْرَتُكَ.

وكذلك الخُفارة بالضم، والخِفارَةُ بالكسر.

والخَفَر، بالتحريك: شدّة الحياء.

تقول منه: خَفِر بالكسر، وجاريةٌ خَفِرَةٌ ومُتَخَفِّرَةٌ.

والتخفير: التَشْويرُ.

والخافور: نَبْتٌ، عن الاصمعي.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


128-صحاح العربية (نفس)

[نفس] النَفْسُ: الروحُ.

يقال: خرجت نَفْسُهُ.

قال أبو خراش: نجا سالِمٌ والنَفْسُ منه بِشِدْقِهِ *** ولم يَنْجُ إلا جَفْنَ سيفٍ ومِئزرا *** أي بجفن سيف ومئزر.

والنَفْسُ: الدمُ.

يقال: سالت نَفْسُهُ.

وفي الحديث: " ما ليس له نَفْسٌ سائِلَةٌ فإنَّه لا يُنَجِّسُ الماءَ إذا مات فيه ".

والنَفْسُ أيضًا: الجسدُ.

قال الشاعر: نُبِّئْتُ أنَّ بني سُحَيْمٍ أَدخلوا *** أبياتَهُمْ تامورَ نَفْسِ المُنْذِرِ *** والتامورُ: الدمُ.

وأمَّا قولهم: ثلاثة أنْفُسٍ، فيذكِّرونه لأنَّهم يريدون به الإنسان.

والنَفْسُ: العينُ.

يقال: أصابت فلانًا نَفْسٌ.

ونَفَسْتُهُ بنَفْسٍ، إذا أصبته بعينٍ.

والنافِسُ: العائِنُ.

والنافِسُ: الخامسُ من سهام الميسر، ويقال هو الرابع.

ونفس الشئ: عينه يؤكد به.

يقال: رأيت فلانًا نَفْسَهُ، وجاءني بنَفْسِهِ.

والنَفْسُ: أيضًا قَدْرُ دَبْغَةٍ مما يُدْبَغُ به الأديمُ من القَرَظِ وغيره.

يقال: هَبْ لي نفسا من دباغ.

قال الاصمعي.

بعثت امرأة من العرب بنتا لها إلى جارتها فقالت لها: تقول لك أمي: أعطيني نفسا أو نفسين أمعس به منيئتى فإنى أفدة.

أي مستعجلة لا أتفرغ لاتخاذ الدباغ، من السرعة.

والنفس بالتحريك: واحد الأَنْفاسِ.

وقد تَنَفَّسَ الرجل، وتَنَفَّسَ الصُعَداء.

وكلُّ ذي رئةٍ مُتَنَفِّسٌ.

ودوابُّ الماء لا رِئاتَ لها.

وتَنَفَّسَ الصبح، أي تَبَلَّج.

وتَنَفَّسَتِ القوسُ، أي تصدَّعتْ.

ويقال للنهار إذا زاد: تَنَفَّسَ، وكذلك الموجُ إذا نضحَ الماء.

وقول الشاعر:

عَيْنَيَّ جودا عَبْرَةً أَنْفاسا *** أي ساعة بعد ساعة.

والنَفْسُ أيضًا: الجُرعة.

يقال اكْرَعْ في الإناء نَفسًا أو نَفَسَيْنِ، أي جرعة أو جرعتين،

ولا تزد عليه.

والجمع أنفاس، مثل سبب وأسباب.

قال جرير: تعَللُ وهيَ ساغِبَة بنيها *** بأَنْفاسٍ من الشَبِمِ القَراحِ *** ويقال أيضًا: أنت في نَفَسٍ من أمرك، أي في سعة.

وشئ نفيس، أي يُتَنافَسُ فيه ويُرْغَبُ.

وهذا أَنْفَسُ مالي، أي أحبُّهُ وأكرمُهُ عندي.

وأنْفَسَني فلانٌ في كذا، أي رغَّبني فيه.

ولفلان مُنْفِسٌ ونَفيسٌ، أي مالٌ كثيرٌ.

يقال: ما يسرُّني بهذا الأمر مُنْفِسٌ ونَفيسٌ.

ونَفِسَ به بالكسر، أي ضنَّ به.

يقال: نَفِسْتُ عليه الشئ نفاسة إذا لم تره يستأهله.

ونَفِسْتَ عليَّ بخير قليل، أي حسدت.

ونفس الشئ بالضم نَفاسَةً، أي صار نفيسًا مرغوبًا فيه.

ونافست في الشئ منافسة ونِفاسًا، إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم وتنافسوا فيه، أي رغِبوا.

وقولهم: لك في هذا الأمر نُفْسَةٌ، أي مُهْلَةٌ.

ونَفَّسْتُ عنه تَنْفيسًا، أي رفَّهت.

يقال: نَفَّسَ الله عنه كربته، أي فرَّجها.

والنِفاسُ: وِلادُ المرأة إذا وضَعَتْ، فهي نُفَساءٌ ونسوة نقاس.

وليس في الكلام فعلاء

يجمع على فعال غير نفساء وعشراء.

ويجمع أيضا على نفساوات وعشراوات، وامرأتان نفساوان وعشراوان، أبدلوا من همزة التأنيث واوا.

وقد نَفِسَتِ المرأةُ بالكسر نِفاسًا ونَفاسَةً.

ويقال أيضًا: نُفِسَتِ المرأةُ غلامًا، على ما لم يسمَّ فاعلُه، والولد منْفوسٌ.

وفي الحديث: " ما من نَفْسٍ مَنْفوسَةٍ إلا وقد كُتِبَ مكانُها من الجنَّة والنار ".

وقولهم: وَرِثَ فلانٌ قبل أن يُنْفَسَ فلانٌ، أي قبل أن يولد.

قال الشاعر: لنا صرخةٌ ثم إسْكاتَةٌ *** كما طرقت بنفاس بكر *** أي بولد ***.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


129-صحاح العربية (رغم)

[رغم] الرَغامُ، بالفتح: التراب.

وقال: ولم آتِ البيوتَ مُطَنَّباتٍ بِأكْثِبَةٍ فَرَدْنَ من الرَغامِ أي انفردن.

ويقال: أَرْغَمَ الله أنفَه، أي ألصقه بالرغام ومنه حديث عائشة رضى الله عنها في الخضاب: " اسلتيه وأرغميه ".

والرغامى بالعين والغين: زيادة الكبد، ويقال: قصبة الرئة.

قال الشماخ يصف الحمر:

لها بالرغامى والخياشيم جارز *** والمراغمة: المغاضبة.

يقال: راغم فلان قومَه، إذا نابذَهم وخرجَ عليهم.

والتَرَغُمُ: التغضُّبُ، وربَّما جاء بالزاي.

والرُغْمُ بالضم والرَغْمُ.

وفيه ثلاث لغات

رغم، ورغم، ورغم.

والمرغمة مثله.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: " بُعِثْتُ مَرْغَمَةً ".

وتقول: فعلتُ ذاك على الرَغْمِ من أنفه.

ورَغَمَ فلانٌ بالفتح، إذا لم يقدر على الانتصاف.

يقال: رَغِمَ أنفي لِلهِ عزّ وجلَ بالكسر والفتح، رُغْمًا ورَغْمًا ورِغْمًا.

والمُراغَمُ: المَذهب والمَهْرب.

قال الجعديُّ: كَطَوْدٍ يُلاذُ بأركانه عَزيزِ المُراغَمِ والمَهْرَبِ ومنه قوله تعالى: (يِجِدْ في الأرض مُراغَمًا كثيرًا).

قال الفراء: المُراغَمُ: المضطرَب والمذهَب في الأرض.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


130-صحاح العربية (نسم)

[نسم] النَسيمُ: الريح الطيِّبة.

يقال منه: نَسمَتِ الريحُ نَسيمًا ونَسَمانًا.

ونسم الريح: أولها حين تقبل بلينٍ قبل أن تشتدَّ.

ومنه الحديث: " بُعِثْتُ في نَسَمِ الساعة "، أي حين ابتدأتْ وأقبلتْ أوائلها.

والنَسَمُ أيضًا: جمع نَسَمَةٍ، وهي النَفَس والرَبْو.

وفي الحديث: " تنكَّبوا الغُبار فمنه تكون النَسَمَةُ ".

والنَسَمَةُ: الإنسانُ.

وتَنَسَّمَ، أي تنفَّس.

وفي الحديث: " لما تنسموا روح الحياة "، أي وجدوا نَسيمَها.

وناسَمَهُ، أي شامه.

والمنسم، بكسر السين: خف البعير.

قال الكسائي: هو مشتقٌّ من الفعل.

يقال: نَسَمَ به يَنْسِمُ نَسْمًا.

وقال الأصمعيّ: قالوا مَنْسِمُ النعامةِ كما قالوا: منسم البعير.

ويقال أيضًا: من أين مَنْسِمُكَ؟ أي من أين وجهتك؟

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


131-صحاح العربية (وا)

[وا] وا: حرف الندبة، تقول: وا زيداه.

ويقال أيضا: يا زيداه.

و (الواو) من حروف العطف تجمع الشيئين ولا تدل على التريتب، وتدخل عليها ألف الاستفهام كقوله تعالى: (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم)، كما تقول: أفعجبتم.

وقد تكون بمعنى مع، لما بينهما من المناسبة ; لان مع للمصاحبة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: " بعثت والساعة كهاتين " وأشار إلى السبابة والوسطى، أي مع الساعة.

وقد تكون الواو للحال كقولهم: قمت وأصك وجهه، أي قمت صاكا وجهه، وكقولك: قمت والناس قعود.

وقد يقسم بها، تقول: والله لقد كان كذا.

وهو بدل من الباء، وإنما أبدل منه لقربه منه في المخرج، إذ كان من حروف الشفة.

ولا يتجاوز الاسماء المظهرة، نحو: والله، وحياتك، وأبيك.

وقد تكون الواو ضمير جماعة المذكر في قولك: فعلوا ويفعلون وافعلوا.

وقد تكون الواو زائدة.

قال الاصمعي: قلت لابي عمرو: قولهم ربنا ولك الحمد؟ فقال: يقول الرجل للرجل: بعنى هذا الثوب، فيقول: وهو لك، وأظنه أراد: هو لك.

وأنشد الاخفش: فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن *** إلا كَلَمَّةِ حالِمٍ بخيال

كأنه قال: فإذا ذلك لم يكن.

وقال آخر: قف بالديار التى لم يعفها القدم *** بلى وغيرها الارواح والديم يريد: بلى غيرها.

وقوله تعالى: (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) فقد يجوز أن تكون الواو هنا زائدة.

و (ويك) كلمة مثل ويب ووَيْحَ، والكاف للخطاب.

قال الشاعر: وَيْكأَنْ مَن يكن له نَشَبٌ يُحْ‍ *** بَبْ ومن يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ قال الكسائي: هو وَيْكَ أدخل عليه أنْ، ومعناه ألم تَرَ.

وقال الخليل: هي وَيْ مفصولةٌ، ثم تبتدئ فتقول: كأن.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


132-منتخب الصحاح (جحد)

الجُحودُ: الإنكار مع العلم.

يقال: جَحَدَهُ حقّه وبحقّه، جَحْدًا وجُحُودًا.

والجَحْدُ أيضًا: قلّة الخير، وكذلك الجُحْدُ بالضم.

وقال الشاعر:

لَئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الحُمَيدَيْنِ مائِرًا *** لَقدْ غَنِيَتْ في غيرِ بُؤْسٍ ولا جَُحْدِ

والجَحَدْ بالتحريك مثله.

يقال: نَكَدًا له وجَحَدًا.

وجَحَدَ الرجل بالكسر جَحَدًا، فهو جَحِدٌ، إذا كان ضيّقًا قليل الخير.

وأَجْحَدَ مثلُه.

وعامٌ جَحِدٌ: قليلُ المطر.

وجَحِدَ النبتُ، إذا قلَّ ولم يَطُلْ.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


133-منتخب الصحاح (خفر)

الخَفيرُ: المُجيرُ.

خَفَرْتُ الرَجُل أَخْفِرُ بالكسر خَفْرًا، إذا أَجَرْتَهُ وكنتَ له خَفيرًا تَمْنَعُهُ.

قال الأصمعيّ: وكذلك خَفَّرْتُه تَخْفيرًا.

وأنشد لأبي جُنْدُبٍ الهُذَليِّ:

يُخَفِّرُني سَيْفي إذا لم أُخَفَّرِ

قال: وتَخَفَّرتُ بفلانٍ، إذا اسْتَجَرْتَ به وسَأَلْتَهُ أن يكون لك خَفيرًا.

وأَخْفَرْتَهُ، إذا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وغَدَرْتَ به.

ويقال أيضًا: أَخْفَرْتُهُ، إذا بَعَثْتَ معه خَفيرًا.

قاله أبو الجَرَّاح العُقَيْليُّ.

والاسم الخُفْرَةُ بالضم، وهي الذِمَّةُ.

يقال: وَفَتْ خُفْرَتُكَ.

وكذلك الخُفارة بالضم، والخِفارَةُ بالكسر.

والخَفَر، بالتحريك شدّة الحياء.

تقول منه: خَفِر بالكسر، وجاريةٌ خَفِرَةٌ ومُتَخَفِّرَةٌ.

والتخفير: التَشْويرُ.

والخافور: نَبْتٌ، عن الأصمعيّ.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


134-منتخب الصحاح (رغم)

الرَغامُ، بالفتح: التراب.

وقال:

ولم آتِ البيوتَ مُطَنَّباتٍ *** بِأكْثِبَةٍ فَرَدْنَ من الرَغامِ

أي انفردن.

ويقال: أَرْغَمَ الله أنفَه، أي ألصقَه بالرَغامِ والرُغامى بالعين والغين: زيادة الكبد، ويقال: قصبة الرئة.

والمُراغَمَةُ: المغاصَّبة.

يقال: راغَمَ فلانٌ قومَه، إذا نابذَهم وخرجَ عليهم.

والتَرَغُمُ: التغضُّبُ، وربَّما جاء بالزاي.

والرُغْمُ بالضم والرَغْمُ.

وفيه ثلاث لغات: رُغْمٌ، ورَغْمٌ، ورِغْمٌ.

والمَرْغَمَةُ مثله.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: بُعِثْتُ مَرْغَمَةً.

وتقول: فعلتُ ذاك على الرَغْمِ من أنفه.

ورَغَمَ فلانٌ بالفتح، إذا لم يقدر على الانتصاف.

يقال: رَغِمَ أنفي لِلهِ عزّ وجلَ بالكسر والفتح، رُغْمًا ورَغْمًا ورِغْمًا.

والمُراغَمُ: المَذهب والمَهْرب.

قال الجعديُّ:

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأركانه *** عَزيزِ المُراغَمِ والمَهْرَبِ

ومنه قوله تعالى: يِجِدْ في الأرض مُراغَمًا كثيرًا.

قال الفراء: المُراغَمُ: المضطرَب والمذهَب في الأرض.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


135-منتخب الصحاح (نسم)

النَسيمُ: الريح الطيِّبة.

يقال منه: نَسمَتِ الريحُ نَسيمًا ونَسَمانًا.

ونَسَمَ الريحِ: أوَّلُها حيت تُقبل بلينٍ قبل أن تشتدَّ.

ومنه الحديث: بُعِثْتُ في نَسَمِ الساعة، أي حين ابتدأتْ وأقبلتْ أوائلها.

والنَسَمُ أيضًا: جمع نَسَمَةٍ، وهي النَفَس والرَبْو.

وفي الحديث: تنكَّبوا الغُبار فمنه تكون النَسَمَةُ.

والنَسَمَةُ: الإنسانُ.

وتَنَسَّمَ، أي تنفَّس.

وفي الحديث: ولمَّا تَنَسَّموا رَوْحَ الحياة، أي وجدوا نَسيمَها.

وناسَمَهُ، أي شامَّهُ.

والمَنْسِمُ: خُفُّ البعير.

قال الكسائي: هو مشتقٌّ من الفعل.

يقال: نَسَمَ به يَنْسِمُ نَسْمًا.

وقال الأصمعيّ: قالوا مَنْسِمُ النعامةِ كما قالوا: مَنْسِمُ البعير.

ويقال أيضًا: من أين مَنْسِمُكَ؟ أي من أين وِجْهَتُكَ؟

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


136-المحيط في اللغة (نسم)

النَسِيْمُ: نَفْسُ الرُوْحِ.

وكذلك يُقال: ما بها من نَسَمٍ: أي ذُوْ رُوْحٍ.

والنسَمَةُ في العِتْقِ: المَمْلُوْكُ ذَكَرًا كانَ أو أُنْثى.

ونَسَمُ الإنسانِ: تَنَفسُه.

والنسَمَة: النفَسُ.

وتَنَسمَ: صارَ نَسَمَةً.

ويقولونَ: ما في الأنَاسِمِ مِثْلُه.

والمُنَسمُ: رَجُل من بَني أسَدٍ كانَ يُحْييْ النَسَماتِ.

ونَسَمَتِ الريْحُ تَنْسِمُ نَسِيْمًا ونَسَمانًا: إذا جاءَتْ بنَفَسٍ ضَعِيْفٍ.

ونَسِيْمُ الريْحِ: هُبُوْبُها.

والمَنْسَمُ: المَصْدَرُ من ذلك.

والنَسِيْمُ: الصوْتُ.

وفُلانٌ باقي النَسِيْمِ: أي باقي العُقْبَةِ والصَّلَابَةِ.

وهو السُّعَالُ أيضًا.

ومَنْسِمُ البَعِيرِ: خُفُّه.

ومَنَاسِمُ الفِيْلِ: مِثْلُه.

وأيْنَ مَنْسِمُكَ: أي وَجْهُكَ الذي تَتَوَتجَهُ إليه.

وأيْنَ نَسَمُكَ: بمَعْناه.

وأرى من هذا الأمْرِ وِجْهَةَ مَنْسِمٍ: أي بَيَانًا وعَلَامَةً.

وفي الحَدِيث: (لقد اسْتَقَامَ المَنْسِمُ) أي الطَّرِيْقُ.

وهذا نَسَمٌ من الطرِيقِ وأنْسَامٌ.

وتَنَسمْتُ الطرِيْقَ: أخَذْت مَذْهَبَه.

ونَسَّمْتُ أثَرَه حتّى اسْتَبَنْتُه.

وأنْسَمَ اللهُ لي كذا: أي أظْهَرَه.

واسْتَنْسَمْتُ الصَّيْدَ وأنْسَمْتُه: طَلَبْته.

والنَّيْسَمُ: الأثرُ.

ونَيْسَمُ النَمْلِ: أثَرُه.

وصارَ الطرِيْقُ نَيْسَمَةً ونَيْسَبَةً: أي مُخْتَلَفًا فيه.

والقَوْمُ مُنَيْسِمُونَ: أي يَسِيْرُوْنَ.

ونَيْسَمَ في الحَدِيثِ: ابْتَدَأَ فيه.

وفي الحديث: (بُعِثْتُ في نَسَمِ السّاعَةِ) أي كادَتْ لَتَسْبِقُني.

وإنَه لَيَتَنَسمُ بشَيْءٍ: أي يَتَنَغَمُ به وَيتَكَلَّمُ، وَينْسِمُ: مِثْلُه.

والمُنَاسَمَةُ: المُسَاهَاةُ وحُسْنُ المُحَادَثَةِ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


137-تهذيب اللغة (معس)

معس: أهمله الليث.

وفي الحديث أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم مرَّ على أسماء بنت عُمَيس وهي تَمعَسُ إهابًا لها.

ئ تَمْعَسُ أي تَدْبُغ.

وأصل المَعسْ: الدلك للجِلْد بعد إدخاله في الدِبَاغ.

وقال ابن السكيت: قال الأصمعي: بعثت امرأة من العرب بنتًا لها إلى جارتها: أن ابعثي إلي بنَفْسٍ أو نَفْسَيْنِ من الدباغ أمعَسُ به مَنِيئتي فإني أفِدَةٌ.

والمَنِيئَة المَدْبغة.

والنَفْسُ: قَدْر ما يُدْبَغ به من ورق القَرَظ أو الأرْطَى.

وأنشدني المنذري وذكر أن العباس أخبره عن ابن الأعرابي أنه أنشده:

يُخْرِجُ بين الناب والضُرُوس *** حمراءَ كالمنيئة المَعُوسِ

أراد: شِقْشِقة حمراء، شبّهها بالمنيئة المحرّكة في الدباغ.

وقال آخر:

وصاحبٍ يَمْتَعِسُ امْتِعَاسًا

والمَعْسُ: النكاح، وأصله الدلك: قال الراجز:

فشِمْتُ فيها كعمود الحِبْسِ *** أمْعَسُهَا يا صاحِ أيّ مَعْسِ

والرجل يَمْتَعِسُ أي يمكّن استه من الأرض ويُحرّكها عليه.

مسع: أهمله الليث.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: المَسْعِيُ من الرجال: الكثير السيرِ القويّ عليه.

وقال أبو عُبَيد قال الأصمعيّ: يقال للشمَال: نِسْع ومِسْعٌ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


138-تهذيب اللغة (بعث)

بعث: قال الليث: بَعَث البعير فانبعث إذا حللت عِقَاله وأرسلته لو كان باركًا فأثرته.

قال: بعثته من نومه فانبعث.

قال والبَعْث: بَعْث الجُنْد إلى العَدُوّ.

قال والبَعْث يكون نَعْتًا للقوم يُبْعثون إلى وجه من الوجوه؛ مثل السفَر والرَكْب.

بَعيث: اسم رجل.

قلت: هو شاعر معروف من بني تميم؛ وبَعيث لقب له، وإنما بعَّثَه قولُه:

تبعَّث مني ما تبعَّث بعد ما استمرْ

قلت: وبُعاث ـ بالعين ـ: يوم من أيام الأوس والخزرج معروف ذكره الواقدي ومحمد بن إسحاق في «كتابيهما».

وذكر ابن المظفّر هذا في كتاب «الغين» فجعله يوم بُغَاث فصحّفه.

وما كان الخليل رَحِمَه الله يخفي عليه يومُ بعاث؛ لأنه من مشاهير أيَّام العرب، وإنما صحَّفه الليث وعزاه إلى خليل نفسِه، وهو لسانه.

والله أعلم.

وقال الله جلّ وعزّ: {قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} [يس: 52] هذا وقف التَمَام وهو قول المشركين يوم النُشُور وقوله جلّ وعزّ: {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] قول المؤمنين و {هذا} رفع بالابتداء والخبر {ما وَعَدَ الرَّحْمنُ} وقرىء {يا ويلنا مِن بَعْثِنا من مرقدنا} أي مِن بَعْث الله إيانا من مرقدنا.

والبعث في كلام العرب على وجهين أحدهما الإرسال؛ كقول الله تعالى: {ثُمَ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى} [الأعراف: 103] معناه: أرسلنا.

والبَعْث: إثارة بارِكٍ أو قاعد.

تقول بعثت البعير فانبعث أي أثرته فثار.

والبَعْث أيضًا: الإحياء من الله للموتى.

ومنه قوله جلّ وعزّ: {ثُمَ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [البَقَرَة: 56] أي

أحييناكم.

وفي حديث حذيفة: «إن للفتنة بَعْثات ووَقَفات فمن استطاع أن يموت في وَقفاتها فليفعل».

وقال شمر في قوله: «بعثات» أي إثارات وهَيْجات.

قال: وكلّ شيء أثرتَه فقد بعثتَه.

وبعثت النائم إذا أهْبَبتَه.

قال: والبَعْث: القوم المبعوثون المُشْخصون.

ويُقَال: هم البَعْث بسكون العين.

وفي «النوادر»: يقال: ابْتَعَثْنا الشام عَيْرًا إذا أرسلوا إليها رِكَابًا للميرة.

وباعِيثاء: موضع معروف.

الأصمعيّ: رجل بَعِث: لا يكاد ينام، وناقة بَعِثة: لا تكاد تَبْرُك.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


139-تهذيب اللغة (جحد)

جحد: قال الليث: الجُحود: ضِدُّ الإقرارِ كالإنكار والمعرفة.

قال: والجَحَد من الضِّيق والشُّحِّ.

يقال: رجل جَحِد: قَليلُ الخَيْر.

وقال الفراء: الجَحْد والجُحْد: الضِّيقُ في المعيشة.

يقال: جَحِد عَيْشُهم جَحَدًا إذا ضاقَ واشتدَّ.

وأنشدني بعضُ العرَب في الجُحْد:

لئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الحُمَيْدَيْنِ مائِرًا *** لقد غَنِيَتْ في غير بُؤسٍ ولا جُحْد

أبو عُبيد عن أبي عمرو: أَجْحد الرجل وجَحَد إذا أنْفَضَ وذَهَب مَالُه.

وأنشد:

وبيضاءَ من أهل المدينة لم تَذُقْ *** يبيسًا ولم تَتْبَع حَمُولَةَ مُجْحِدقِ

أبو عُبَيد: فرس جَحْد، والأُنثى جَحْدَة والجميع جِحاد وهو الغليظُ القصيرُ.

وقال شمر: الجُحادِيَّة: قِرْبَةٌ مُلِئت لَبَنًا أو غرارة مُلِئَت تمرًا أو حِنْطَةً.

وأنشد:

وحتى تَرَى أنّ العَلَاةَ تُمِدّها *** جُحَاديَّة والرائحاتُ الرَّواسم

وقد مَرّ تفسير البيت في مُعْتَلِّ العَيْنِ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


140-تهذيب اللغة (حمر)

حمر: قال الليث: الحُمْرَةُ لون الأَحْمَر، تقول احْمَرّ الشيءُ احْمِرَارًا إذا لزم لونَهُ فلم يتغيّر من حالٍ إلى حالٍ، واحمَارّ يَحْمَارُّ احميرارًا إذا كان عَرَضًا حادِثًا لا يثبت، كقولك: جَعَلَ يَحْمَارُّ مَرَّةً ويصفَارُّ أخرى.

قال: والحُمْرَةُ تَعْتَرِي النَّاسَ فَيَحْمَرُّ موضِعُها وَتُغَالَبُ بالرُّقْيَةِ.

قلت: الحُمْرَةُ وَرَمُ من جنس الطَّواعِين نعوذ بالله منها.

الحراني عن ابن السكيت أنه قال الحُمْرَةُ بسكون الميم نَبْتٌ.

قال: ويقال لِلْحُمَّرِ ـ وهو طَائرٌ ـ حُمَرٌ بالتخفيف، الواحدة حُمَّرةٌ وقال حُمَرَة.

وقال ابن أحمر:

إلّا تُدَارِكْهُم تصبِحْ منَازِلُهم *** قفرًا تبيض على أرجائها الحُمَرُ

قال: خفّفها ضرورةً.

وأنشد في تشديد الحمّر:

قد كنتُ أَحْسِبُكُم أُسُودَ خَفِيَّةٍ *** فإذا لَصَافِ تبيضُ فيها الحُمَّر

قال وحُمَّرَاتٌ جَمْعٌ.

وأنشدني الهلالي أو الكلابي:

عُلِّق حَوْضِي نُغَرٌ مكبُ *** إذا غفلت غفلة يَغبُ

وحُمَّرَاتٌ شُرْبُهُنَّ غِبُ

قال: وهي القُبَّر.

وقال الليث: الحِمار العيْرُ الأَهْلِيُّ والوحشيُّ، وجمْعُه الْحَمِيرُ والحُمُراتُ، والعدد أَحْمِرَةٌ، والأنْثَى حِمَارَةٌ، قال والْحَمِيرة الأُشْكُزُّ: معرب وليس بعربي وسميت حميرةً لأنها تُحمَّر أي تُقَشَّر وكل شيء قشَّرْتَه فقد حَمَّرْتَه فهو مَحْمُور وحَمِيرٌ.

وقال الليث: الْحِمَار خَشَبَةٌ في مقدَّمِ الرحْلِ تَقْبِضُ المرأةُ عليه وهو في مقدم الإِكَافِ أَيْضًا.

وقال الأعشى:

وقيدني الشعرُ في بيته *** كما قَيَّد الأسراتُ الحمارا

وقال غيره: الحمار ثَلاثُ خَشَبات أَوْ أَرْبَعٌ تُعْرَض عليها خشبةٌ وتُؤْسَرُ بِهَا.

وقال أبو سعيد الْحِمَارُ العُودُ الذي يُحْمَل عليه الأَقْتَابُ، والأَسَرَاتُ النساء اللواتي يُوَكِّدْن الرِّحالَ بالقَدِّ ويُوَثِّقْنَها.

وقال الليث: حِمَارُ الصَّيْقَل خشَبتُه التي يَصْقُلُ عليها الحديدَ قال وحمار قَبَّان دَابَّةٌ صغيرة لازقة بالأرض ذات قوائم كثيرة وأنشد الفراء:

يا عجبًا لقد رأيْتُ عجبا *** حِمَارَ قَبَّانٍ يسوق أَرْنَبَا

أبو عبيد عن الأصمعي الْحَمائِر حِجَارَةٌ تُنْصَب حول قُتْرَةِ الصائد واحِدُها حمارة وأنشد:

بيت حتوف أُرْدِحَت حمائِره

وقال شمر في قوله عليه‌السلام «زُوِيتْ لي الأرضُ فرأيتُ مشارِقَها ومَغارِبها، وأُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ» أراد الذّهَبَ والفِضَّة.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحمائِر حجارةٌ تُجْعل حَوْلَ الْحَوْضِ تَرُدُّ الماءَ إذَا طَغَى وَأنشد:

كأنما الشَّحْطُ في أُعْلَى حمائِرِه *** سبائِبُ القَزِّ من رَيْطٍ وَكَتَّان

وروى حمادُ بن سلمةَ عن ثابتٍ عن أَنَسٍ أنّ رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قال «أُرْسِلْتُ إلى كل أَحْمَرَ وأَسْوَدَ» قال شمر: يَعني العربَ والعجمَ، والغالبُ على أَلْوان العربِ

السُّمْرَةُ والأُدْمَةُ، وعلى أَلْوان العجمِ البياضُ والحُمْرَةُ.

وقال شمر حدثني السمريُّ عن أبي مسحل أنه قال في قوله «بُعِثْتُ إلى الأَسْودِ والأَحْمَرِ» يريد بالأسودِ الجِن، وبالأحْمَرِ الإِنَسَ، سمي الإنسُ بالأَحْمَرِ للدَّمِ الذي فيهم، والله أعلم، وروى عمرو عن أبيه أنه قال في قوله «بعثت إلى الأحْمر والأسود» معناه بُعِثْتُ إلى الأَسودِ والأبْيَض.

قال: وامْرأَةٌ حَمْرَاء أي بَيْضاءُ، ومنه قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم لعائشة «يا حُمَيْراءُ» قال والأحْمَرُ الذي لا سلاحَ مَعَهُ، وأخبرني المنذريُّ عن الحَرْبيِّ في قوله «أُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحمرَ والأبيضَ» قال فالأحْمَرُ مُلْكُ الشامِ والأبيضُ مُلْكُ فارسَ، وإنما قيل لمُلَكِ فارسَ الكنْزُ الأبيضُ لبياض أَلْوَانِهِمْ، ولذلك قيل لهم بَنُو الأحرارِ يعني البيض ولأن الغالبَ على كنوزهم الورِقُ وهي بيضٌ، وقال في الشامِ الكنزُ الأحمرُ لأن الغالبَ على أَلْوانِهم الحُمْرَةُ وعلى كُنُوزِهم الذّهَبُ وهو أحمر.

وقال ابنُ السّكّيت قال الأصمعيُّ أتاني كلُّ أسودَ منهم وأحمرَ ولا يقال أبيضَ، حكاه عن أبي عمرو بن العلاء وقال:

جَمَعْتُمْ فأوْعَيْتُمْ وجِئْتم بِمَعْشَرٍ *** توافَتْ بِهِ حُمْرانُ عَبْدٍ وسودُها

ويقال كلّمْتُه فما ردّ عليَّ سوداءَ ولا بيضاء أي كلمة رَدِيئَةً ولا حسنةً.

قلت: والقولُ ما قال أبو عمرو أنهم الأسودُ والأبيضُ؛ لأنّ هذين النّعْتينِ يَعُمَّان الآدميينَ أَجمعين.

وهذا كقوله «بُعِثْتُ إلى الناس كافةً» وكانت العربُ تقول للعجمِ الذين يكون البياضُ غالبًا على أَلْوانِهم مثلِ الرُّومِ والفرسِ ومن ضاقَبَهُمْ: إنهم الحَمْراءُ، ومنه حديثُ عليّ حين قال له سَراةٌ من أصحابِه العَربِ: غلبتْنا عليك هذه الحُمْرَةُ، فقال: لَيَضْرِبنَّكُمْ على الدِّين عَوْدًا كما ضربتموهم عليه بَدْءًا، أَرادُوا بالْحَمْرَاء الفرسَ والرُّومَ.

والعربُ إذا قالُوا: فلانٌ أبيضُ وفلانةٌ بيضاءٌ، فمعناهَا الكرمُ في الأخلاق، لا لونُ الخِلْقَةِ.

وإذا قالوا: فلانُ أحمرُ وفلانةُ حمراءُ عَنَتْ بياضَ اللَّونِ.

ورَوَى أبو العبَّاس عن ابن الأعرابيّ أنه قال في قولهِمْ الْحُسْنُ أَحْمَرُ أي شاقٌّ، أي من أَحَبَّ الحُسْنَ احتَمَل المَشَقَّة.

وكذلك موتٌ أَحْمَرُ، قال الحُمْرَةُ في الدَّمِ والقتالِ.

يقول: يَلْقى منه المشقةَ كما يَلْقى من القتالِ.

أبو عبيد عن الأصمعي: يقال جاء بِغَنَمِه حُمْرَ الكُلى، وجاء بِها سُودَ البُطونِ، معناهما المَهَازِيلُ.

وقال الليث: الحَمَرُ داءٌ يعتري الدابّة من كثرة الشعير، وقد حَمِر البرذَوْنُ يحمَرُ حَمَرًا.

وقال امرؤ القيس:

لَعَمْرِي لسَعْدُ بنُ الضِّبابِ إِذَا غَدا *** أحبُّ إلينَا مِنْك، فَافَرَسٍ حَمِر

أرَادَ يَافَا فَرَسٍ حَمِر، لقَّبَهُ بِفِي فَرَسٍ حَمِرٍ لِنَتْن فيه.

قال وسنَةٌ حمراء شديدةٌ، وأنشد:

أَشْكُو إِلَيْك سَنَوَاتٍ حُمْرَا

قال: أخرج نعته عَلَى الأعوامِ فَذكَّرَ، ولو أخْرَجَهُ على السَّنواتِ لقال حَمْرَاوَاتٍ.

وقال غَيْرُه: قيل لِسِني القَحْطِ حَمْرَاواتٌ لاحمرار الآفاق فيها.

ومنه قول أُمَيّةَ:

وسُوِّدَت شَمْسُهُمْ إذا طَلَعَتْ *** بالجِلْبِ هفا كأنَّه كَتَمُ

والكتم صِبْغٌ أحمرُ يُخْتَضَبُ به.

والجِلْبُ السحابُ الرقيقُ الذي لا ماءَ فيه.

والهَفُّ الرقيق أيضًا ونَصَبَه على الحال.

وفي حديث عليّ رضى الله عنه أنه قال: كُنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ اتَّقَيْنَا برسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم العَدُوَّ.

قال أبو عبيد قال الأصمعيُّ: يقال هو الموتُ الأَحْمَرُ والموتُ الأسودُ.

قال ومعناه الشَّدِيدُ، قال وَأَرَى ذلك من أَلْوَانِ السباعِ كأَنَّهُ من شِدَّته سَبُعٌ.

وقال أبو زُبَيْدٍ يصف الأسد:

إِذَا عَلِقَتْ قِرْنًا خَطَاطِيفُ كَفِّه *** رَأَى الموتَ بالعيْنَينِ أَسْودَ أَحْمَرا

قال أبو عُبَيْدٍ فكأنَّه أَرَادَ بقَوْلِه احْمَرّ البَأْسُ أيْ صَارَ في الشدَّةِ والهَوْلِ مثل ذلك.

وقال الأصمعيُّ يقال: هذه وَطْأَةٌ حمراءُ، إذا كانت جديدًا ووطأةٌ دَهْمَاءُ إذا كانت دَارِسَةً.

قال الأصمعيُّ ويجوزُ أن يكُون قَوْلُهمْ: الموتُ الأحمرَ من ذلك، أي جديدٌ طريّ.

ويروى عن عبد الله بن الصَّامِت أنه قال: أَسْرَعُ الأرض خَرابًا البصرةُ، قيل وما يُخْرِبُها؟ قال: القتْلُ الأَحْمَرُ والجوع الأغْبَرُ.

قلت والحَمْرُ بمعْنى القَشْرِ يكون باللِّسَان والسَّوْط والحَديد والمِحْمَرُ والمِحْلأُ: هو الحديدُ أو الحَجَرُ الذي يُحْلأُ به تحْلِىءُ الإهاب وَيُنْتَفُ.

ويقال للهجين مِحْمَرٌ ولمَطَيَّةِ السُّوءِ مِحْمَر، وَرَجُلٌ مُحْمَرٌّ؛ لا يعطي إلَّا على الكَدِّ والإلْحَاحِ عليه.

وقال شمر يقال حَمِرَ فلانٌ عليَ يَحْمَرُ حَمْرًا إذا تَحَرَّق عليك غضبًا وغيظًا.

وهو رجل حَمِرٌ من قوم حَمِيرِين.

قال وحِمِرُّ القَيْظ والشتاءِ أشَدُّهُ.

قال: والعربُ إذا ذكرت شيْئًا بالمشَقَّةِ والشِّدَّة وصَفَتْهُ بالحُمْرَةِ.

ومنه قيل سنَةٌ حَمْرَاءُ للجَدْبَةِ.

قال: وقال ابن الأعرابيِّ في قولِهِمْ الحُسْنُ أَحْمَرُ يُرِيدُون إنْ تَكلَّفْتَ التَّحَسُّنَ والجَمَال فاصْبِرْ فيه على الأَذَى والمشقَّة.

قال: وحَمَرْتُ الجِلْدَ إذا قَشَرْتَه وحلقتَه.

وقال الليث: حَمَارَّةُ الصيف شدة وَقْتِ حَرِّه.

قال ولم أَسْمَع كلمة على تقدير فَعَالّة غيرَ الحمارَّة والزَّعَارَّة وهكذا.

قال الخليل قال الليث: وسمعت بعد ذلك بخُرَاسَان سبارَّةُ الشّتَاء وسمعت: إن وراءَك لَقُرًّا حِمِرًّا.

قلت: وقد جاءَتْ أَحْرُفٌ أُخَرُ على وزن فَعَالَّة.

روى أبو عبيدٍ عن الكسائيِّ: أَتَيْتُه في حَمَارَّةِ القيظ، وفي صَبَارَّةِ الشّتاء بالصاد، وهُمَا شِدَّةُ الحَرِّ والبَرْدِ.

قال وقال الأمَوِيُّ: أتَيْتُه عَلَى حَبَالَّةِ ذَاك، أي على حِينِ ذَاك، وألقى فلان عَلَى عَبَالَّته أي ثِقله.

قاله اليزيديُّ والأَحْمَرُ.

وقال القَنَانِيّ: أَتَوْنِي بِزرَافَّتهِم يعني جَمَاعَتَهُم.

وسمعت العربَ تَقُول كُنّا في حَمْراء القيظ على ماء شُفَيَّة، وهي ركيَّةٌ عذبَةٌ.

وقال الليث في قولهم: أهْلَكَ النِّساءَ الأحمران، يعنون الذهبَ والزعفرانَ.

أبو عبيد عن أبي عبيدة: الأحمرانِ الخَمْرُ واللَّحْمُ وأنشد:

إن الأحَامِرَةَ الثلاثَةَ أهلكَتْ *** مالي وكنت بِهِن قِدْمًا مُولَعًا

الرَّاحَ واللحْمَ السمينَ إدَامُه *** والزَّعْفَرانَ فلن أَرُوحَ مُبَقَّعَا

قال أراد الخمرَ واللحمَ والزعفرانَ.

وقال أبو عبيدة: الأصفرانِ الذَّهَبُ والزعفرانُ.

قلت والصَّوابُ في الأحمَرينِ ما قاله أبو عبيدة.

والذي قاله الليثُ يضاهي الخَبَرَ المرويَّ فيه.

وقال شمر: سمعت ابنَ الأعرابيِّ يقول: الأحمرانِ النّبيذُ واللحمُ.

وأنشد:

الأحمرَينِ الرَّاحَ والمُحَبَّرَا

قال شمِر: أَرَاد الخَمْرَ والبُرُودَ.

وقال الليث: فَرَسٌ مِحْمَرٌ والجميع المَحَامِر والمَحَامِيرُ.

وأنشد:

يَدِبُّ إذْ نَكَس الفُحْجُ المحاميرُ

وقال غيرُه: الخيل الحمارَّةُ مثلُ المَحَامِرِ سواءً.

وروي عن شريح أنه كان يردّ الحمَّارَةَ من الخَيْلِ.

قلت أَراد شريحٌ بالحمَّارَة أصحابَ الحَمِير، كأنَّه ردَّهُم فلم يُلْحِقْهُمْ بأصحاب الخَيْلِ في السهام.

وقد يقال لأصْحاب البِغَال البَغَّالة ولأصحاب الجِمَال الجَمَّالَةُ ومنه قولُ ابن أحمر:

شدّد كما تطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا

ورجل حَامِرٌ وحَمَّارٌ ذو حِمَارٍ، كما يقال فارسٌ لذي الفَرس.

ثعلب عن سلمة عن الفراء قال: حَمَرَت المرأةُ جلْدَهَا تَحمِرُهُ.

والحَمْرُ في الوبر والصوف وقد انْحَمَر ما على الجِلْدِ وأتاهم الله بغيثٍ حِمِرٍّ يَحْمُر الأرض حمرًا أي يقشرها.

وقال ابن السكيت: حَمَر الخَارِزُ السَّيْرَ يحْمِرُهُ حَمْرًا إذا مَاسَحا باطِنَه ودَهَنه ثم خَرَزَ بِه، وحَمَر الشَّاةَ إذا ما سمطها، وأُذُنُ الحِمَارِ نَبْتٌ عريضُ الوَرَق كأَنَّه شُبِّه بأذن الحِمَار.

وروَى أبو العباس أنه قال: يقال إن الحُسْنَ أحمر، يقال ذلك للرَّجُلِ يميلُ إلى هَوَاه، ويخْتَصُّ بمن يُحِبُّ كما يقال الْهَوَى غَالِب، وكما يقال إن الهوى يميل بإسْتِ الرَّاكِب إذا آثَر من يهواه على غيره.

وقال غيرهُ حِمْيرٌ اسمٌ، وقيل هو أَبُو مُلوكِ اليمَن، وإليه تنتهي القبيلةُ.

ومدينة ظَفَارِ كانت لِحِمْيَرَ.

وحَمَّرَ الرجلُ إذا تكلم بالحِمْيَريّة، ولهم ألفاظٌ ولغاتٌ تخالف لغاتِ سائِرِ العرب.

وقال بعض ملوكهم: من دَخَلَ ظَفَارِ حَمَّرَ، أي تعلَّم الحِمْيَرِيّة.

ويُقالُ للذين يُحَمِّرون رَايَاتِهم خِلَافَ زِيّ المُسَوِّدَةِ من بني هَاشِم المُحَمِّرة، كما يقال للحَرُورِيَّة

المبيِّضة، لأن راياتِهم في الحُروب كانت بَيْضَاءَ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


141-تهذيب اللغة (هجن)

هجن: قال الليث: الهاجنُ: العَناق التي تَحمِل قبل أن تَبلُغ وقتَ السِّفاد، والجميع الهَواجِن، ولم أسمع له فِعْلًا.

وقال ابن شميل: الهاجِن: القَلُوص يَضرِبها الجَمَل وهي ابنةُ لَبون فَتَلْقَح وتنتج وهي حِقَّة، ولا تفعل ذلك إلّا في سَنة مُخصِبة، فتلك الهاجِن، وقد هَجَنَتْ تَهْجُن هِجانًا، وقد أهجَنَها الجَمَل: إذا ضَرَبها، وأنشد:

ابنُوا على ذِي صِهْرِكُم وأحسِنُوا *** أَلَم تَرَوا صُغْرَى القِلاصِ تهجُنُ؟

قاله رجلٌ لأهل امرأته واعتلّوا عليه بصِغَرها عن الوَطْء، وقال:

هَجَنَتْ بأكبَرِهم ولمّا تُقْطَبِ*

يقال: قُطِبت الجاريةُ: أي خُفِضت.

أبو عُبَيْد عن الأصمعيّ: إذا حَمَلت النخلةُ وهي صغيرةٌ فهي المهْجِنَة.

قال شمر: وكذلك الهاجن، ومِثله مَثلٌ للعَرَب: «جَلَتِ الهاجِنُ عن الوَلَد»، أي صَغُرت، يُضرَب مَثَلا للصّغير يتزيّن بزينة الكبير.

ويقال للجارية الصغيرة: هاجن،

وقد اهتُجِنَتْ الجاريةُ، إذا افْتُرِعَت قبلَ أوانها.

وقال الليث: الهِجَان من الإبل: البِيضُ الكِرامُ، ناقةٌ هِجان وبعيرٌ هِجان، ويُجمَع على الهَجائن.

قال: وأرضٌ هِجَان، إذا كانت تُرْبَتُها بَيضاءَ، وأنشد:

بأرض هِجانِ التّرْبِ وَسْمِيَّةِ الثّرى *** عَذَاةٍ نأتْ عنها المُؤُوجَةُ والبَحْرُ

ويقال للقوم الكِرام: إنهم لَمِن سَراة الهِجَان، وقال الشمّاخ:

ومِثْلُ سَراةِ قومك لم يُجارَوْا *** إلى الرُّبَع الهِجَانِ ولا الثَّمِين

وأُخبرتُ عن أبي الهيثم، أنه قال: الروايةُ الصحيحة في هذا البيتِ:

إلى رُبُع الرِّهان ولا الثَّمين*

يقول: لم يُجارَوْا إلى رُبْع رِهانهم ولا ثُمُنه.

قال: والرِّهان: الغايةُ التي يُستَبق إليها.

يقول: مِثل سَراةِ قومِك لم يُجارَوْا إلى رُبُع غايتِهم التي بلغوها ونالُوها من المَجْد والشرف، ولا إلى ثُمُنها.

ابن بُزُرج: غِلْمةٌ أُهَيْجِنة، وذلك أنّ أَهلَهم أَهجَنوا: أي زَوَّجوهم صِغارًا، يزوَّج الغلامُ الصغيرُ الجاريةَ الصغيرة، فيقال:

أَهجَنَهُمْ أَهْلُهُم، وأهجَنَ الرجلُ: إذا كَثُر هِجانُ إبلِه، وهي كرامها، وقال في قوله:

حَرْفٌ أخُوها أَبُوها من مُهَجَّنةٍ*

قال: أراد بمهجَّنة أنها ممنوعةٌ من فُحول الناس إلَّا من فحولِ تلادِها لعِتْقِها وكرمها قال: والهاجِنُ على مَيْسورها ابنةُ الحِقَّة، والهاجن على مَعْسورها: ابنة اللّبُون، وناقةٌ مُهَجَّنة: وهي المعتَسِرة.

وقال أبو زيد: امرأة هِجَان، من نِسوة هِجائن: وهي الكريمةُ الحَسَب التي لم يُعرق فيها الإماء تعريقًا.

والهِجان من الإبل: الناقة الأدْماء: وهي الخالصة اللّون والعِتْق، من نوق هِجان وهُجْن.

وقال أبو الهَيْثَم في قوله:

هذا جَناي وهِجانُه فيه*

قال: الهجانُ: البيض، وهو أحسنُ البياض وأعتَقُه في الإبل والرجال والنساء، ويقال: خيار كل شيء هِجانُه، وإنما أُخذ ذلك من الإبل، وأصل الهِجان البيض، وكلّ هجان أبيض وأنشد:

وإذا قيلَ: مَن هِجانُ قُريش؟ *** كنت أنتَ الفَتَى وَأنتَ الهِجانُ

قال: والعَرَبَ تَعُدُّ البياضَ من الألوان هِجانًا وكَرَمًا: وأمّا الهَجِين فإنّ اللّيث قال: الهَجِين: ابن العربيّ من الأَمَة الراعية التي لا تُحَصَّن، فإذا حُصِّنت فليس الولدُ بهَجِين، والجميع الهُجَناء والمهَاجِنَة، والفعلُ هَجُنَ يَهجُن هَجانةً وهُجْنة.

قال: والهُجْنة في الكلام ما يَلزَمُك منه العيبُ، تقول: لا تفعلْ كذا فيكون عليك هُجْنَة.

وقال أبو زيد: رجُلٌ هَجِين بيِّن الهُجونة من قوم هُجَناء وهُجْن، وامرأةٌ هِجانٌ: أي كريمةٌ وتكون البيضاءَ من نِسْوةٍ هُجْن بيِّنات الهَجانة.

أبو عُبَيد عن الأمويّ، الهَجين: الذي ولدتْه أمَةٌ.

وقال أبو الهَيْثم: الهَجين الذي أبوه عربيّ وأُمّه أَمَة، والهَجِينُ من الخيل: الذي ولدتْه بِرْذَوْنة من حِصَان عربيّ، وخيلٌ هُجْن.

وأخبرَني المنذريّ عن أبي العباس أنه قال: الهَجِينُ: الذي أبوه خيْرٌ من أمّه.

قلت: وهذا هو الصحيح.

وَرَوَى الرواة أن رَوْح بن زِنباع كان تزوج هندَ بنت النعمان بن بشير، فقالت وكانت شاعرة:

وهلْ هِنْدُ إلّا مُهْرَةٌ عرَبِيّةٌ *** سَليلةُ أفراسٍ تَجلَّلهَا بَغْلُ

فإِنْ نُتِجَتْ مُهْرًا نَجِيبًا فبالْحَرَى *** وإن يكُ إقْرافٌ فَمِن قِبَلِ الفَحْلِ

والإقرافُ: مُدَاناةُ الهُجْنه من قِبل الأب.

وقال المبرِّد: قيل لوَلَد العربيّ من غير العربيّة: هَجِين؛ لأنَّ الغالب على ألوان العرب الأُدْمة، وكانت العربُ تُسمِّي العَجَم: الحمراء ورقابَ المَزاوِد؛ لِغلبة البياض على ألوانهم، ويقولون لمن علا لونَه البياضُ أحمَر، ولذلك قال النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم لعائشة: يا حُميراء؛ لغَلَبة البياض على لَوْنها.

وقال عليه‌السلام: «بُعثْتُ إلى الأسْود والأحْمَر»، فاسوَدهم: العرب، وأحمرهم: العجم، وقالت العرب لأولادها من العجميات اللائي يغلب ألوانَهن البياض: هُجْنٌ وهُجَناء؛ لغلبة البياض على ألوانهم، وإشباههم أمّهاتهم.

والهجانة: البياض، ومنه قيل: إبل هجان: أي بيض، وهي أكرمُ الإبل، وقال لبيد:

كأنّ هِجانَها مُتأبِّضات *** وفي الأقران أَصوِرةُ الرّغامِ

متأبِّضات: معقولات بالإباض، وهو العِقال.

وقال غيره: الهاجِن: الزّند الذي لا يُورِي بقَدْحةٍ واحدة، يقال: هَجَنَتْ زندةُ فلان وإنّ لها لَهُجْنة شديدة، وقال بشر:

لَعَمْرُك لو كانت زِنادُك هُجْنةً *** لأوْرَيتَ إذْ خَدّي لِخَدِّكَ ضارعُ

وقال آخر:

مُهاجِنةٌ مُغالِثةُ الزِّناد*

وقال أبو الهيثم في قول كعب بن زهير:

حَرْفٌ أخوها أبُوها من مُهجَّنَةٍ *** وعَمُّها خالُها قَوْدَاءُ شِمْليلُ

هذه ناقةٌ ضربَها أبوها ليس أخوها، فجاءت بذَكَر، ثمّ ضربها ثانيةً فجاءت بذكَر آخر، فالوَلدان ابناها لأنهما وُلِدا منها وهما أخواها أيضًا لأبيها لأنهما وَلدا أبِيها، ثمّ ضَرَب أحدُ الأخَوَين الأم فجاءت الأم بهذه الناقة وهي الحَرْف فأَبُوها أخُوها لأبيها لأنه وُلِد من أمِّها والأخ الآخر الذي لم يَضرِب عمُّها لأنهُ أخو أبيها، وهو خالُها لأنه أخو أمِّها لأبيها لأنّه من أبيها، وأبوه نزَا على أمه.

وقال ثعلب: أنشَدَني أبو نصر عن الأصمعي بيتَ كعب، وقال في تفسيره: إنها ناقة كريمة مداخلة النَّسب لشَرَفها.

قال ثعلب: عرضتُ هذا القول على ابن الأعرابيّ فخطّأ الأصمعيَّ وقال: تداخُلُ النسب يُضوِي الوَلَد.

قال: وقال المُفَضَّل: هذا جَمَل نَزَا على أمِّه ولها ابن آخرَ هو أخو هذا الجَمَل، فوضعتْ ناقةً، فهذه الناقة الثانية هي الموصوفة، فصار أحدُهما أباها لأنه وطىء أمَّها، وصار هو أخاها لأن أمّها وضعتْه، وصار الآخرُ عمَّها لأنّه أخو أبيها وصار هو خالَها لأنّه أخو أمّها.

قال ثعلب: وهذا هو القول.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


142-تهذيب اللغة (خفر)

خفر: الليث: الْخَفرُ: شِدَّة الحَيَاء، وامرأةٌ خَفِرَةٌ: حَيِيَّةٌ.

وقال أبو عبيد: امرأةٌ خَفِرَةٌ ومُتَخَفِّرَةٌ: شديدة الحيَاء.

وقال الليث: خَفِيرُ القوم: مُجِيرُهُم الذي يكونون في ضَمَانه، ما دَاموا في بلاده وهو يَخْفُرُ القومَ خُفَارةً.

قال: والخَفَارَةُ: الذِّمَّةُ.

.

وانتهاكها: إخْفَارٌ.

وفي الحديث: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فإِنَّهُ في ذِمَّةِ الله فَلَا يُخْفَرَنَ الله في ذِمَّتِهِ».

وقال زهيرٌ:

فَإِنَّكُمُو وَقَوْمًا أَخْفَرُوكُمْ *** لَكَالدِّيبَاجِ مَالَ بِهِ الْعَبَاءُ

قال: والْخُفُورُ هو: الإخْفَارُ نَفسُه، من قِبَلِ المُخْفِرِ، ومِن غير فِعْلٍ ـ على خَفَرَ يَخْفُرُ.

.

وأنشد:

فَوَاعَدَني وَأَخْلَفَ ثَمَّ ظَنيَ *** وبئْسَ خَلِيقةُ الْقَوْمِ الخُفُورُ

أبو عبيد ـ عن الأصمعي ـ: خَفَرْتُ بالرجل وخَفَّرْتُ الرجلَ.

معناهما: أن تكون له خَفِيرًا تَمْنَعُه.

وقال أبو جُنْدَبٍ الهُذَلِيُّ:

يخفِّرُنِي سيْفي إِذَا لَمْ أُخَفَّرِ

وتَخَفَّرْتُ بفلان ـ إذا استَجَرْتَ به وسألتَهُ أن يكون لك خَفِيرًا، وأَخْفَرْتُ الرجُلَ ـ إذا نَقَضْتَ عهدَه وخِسْتَ به.

وقال أبو الْجَرَّاحِ العُقَيْليُّ: مِثْلَ ذلكَ كلِّه ـ إلا «تَخَفَّرْتُ» وحدها، وزاد فيه: أَخْفَرْتُ إذا بَعثتَ معه خَفِيرًا.

والاسْمُ: الْخُفَارَةُ والْخَفَارَةُ ـ بضم الخاء وفتحها.

وقال: هذا خُفْرَتي ـ يَعْنِي الخَفِيرَ الذي يمنعه.

أبو عبيد ـ عن الأصمعي ـ: الْخَافُورُ نَبْتٌ.

وأنشد غيرُه لأبي النَّجْمِ:

وَأَتَتِ النّمْلُ الْقُرَى بِغيرِهَا *** مِنْ حَسَكِ التّلْعِ وَمِنْ خَافُورِهَا

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


143-تهذيب اللغة (سمر)

سمر: قال أبو إسحاقَ في قول الله عزوجل: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]، قال: سامِرًا بمعنى سمّارًا.

قال: والسَّامرُ: الجماعةُ يتحدّثون ليلًا.

والسَّمَرُ: ظِلُّ القمر، والسُّمْرة مأخوذةٌ من هذا.

وأَخبَرني المنذريُّ عن اليزيديّ عن أبي حاتم في قوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا}، أي في السَّمر،

وهو حديثُ الليل، يقال: قومٌ سامرٌ وسمْر وسُمَّار وسمَّر.

سلَمة عن الفرّاء في قولِ العَرب: لا أَفعَل ذلك السَّمَرَ والقَمر، قال: السَّمَرُ: كلُّ ليلةٍ ليس فيها قمر تسمَّى السمر، المعنَى: ما طَلَع القَمر وما لَم يَطلُع.

وقال غيرُه: السمَر: اللّيل، وأَنشَد:

لا تَسقِني إن لَمْ أَزُرْ سمَرًا *** غَطْفَانُ مَوْكِبَ جَحْفَلٍ فَخْمِ

وسامِرُ الإبل: مَا رَعى منها باللّيل، يقال: إنّ إبِلَنا تَسمُر، أي: تَرعَى ليلًا.

وسمَر القومُ الخَمرَ: شَرِبوها ليلًا، وقال القُطاميّ:

ومُصَرّعِينَ من الكلَالِ كأَنّما *** سمَرُوا الغَبُوقَ من الطِّلاءِ المُعْرَقِ

وقال ابن أحمر فجعل السمَر لَيْلًا:

مِنْ دُونِهم إنْ جِئْتَهُمْ سمَرًا *** حَيٌّ حِلالٌ لَمْلَمٌ عَكِرُ

أراد: إن جئتَهم ليلًا.

وقال الليث: السامرُ: المَوْضع الَّذي يَجتَمعون فيه للسمَر.

وأَنشَد:

* وسامِرٍ طالَ فيه اللهْوُ والسمَرُ*

قلتُ: وقد جاءت حروفٌ على لَفْظِ فاعِل وهي جمعٌ عن العَرَب، فمنها الجَامِل والسامِر والباقر والحاضِر، فالجَاملُ: الإبلُ فيها الذُّكور والإناث.

والسامِرُ: جماعةُ الحي يَسمُرون ليلًا.

والحاضرُ: الحيُّ النُّزول على الماءِ.

والباقرُ: البقرُ فيها الفُحولُ والإناث.

وقال الليث: السمْرُ: شَدُّك شيئًا بالمسمار والسمْرةُ: لونٌ يَضرِب إلى سَوادٍ خَفِيّ.

وقَناةٌ سمراءُ وحِنْطةٌ سمْراء.

أبو العَبّاس عن ابن الأعرابيّ قال: السمْرة في الناس: هي الوُرْقة.

والسمَرة: الأُحْدوثة باللّيل.

قال: ويقال: لا آتيكَ ما سمَر السمِير.

وهم الناس يسمُرون، وما سمَر ابنَا سمِير: وهما اللّيل والنّهار.

ولا آتيك السمَرَ والقَمَر، أي: لا آتيك دَوامَهما.

والمعنى لا آتيك أبدًا.

وقال أبو بكر: قولهم: حلف بالسمَر والقمر.

قال الأصمعي: السمر عندهم الظلمة.

والأصل اجتماعهم يسمرون في الظلمة.

ثم كثر الاستعمال حتى سمُّوا الظلمة سمَرًا.

قال أبو بكر: السمَر أيضًا جمع السامر.

ورجل سامر ورجال سمّر.

وأنشد:

من دونهم إن جئتهم سمرًا *** عَزفُ القِيان ومجلسٌ غَمْرُ

قال: ويقال في جمع السامر: سُمَّار وسمَّر.

وقال في قول الله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]: تهجرون القرآن في حال سمركم.

وقرىء: {سمَّرًا} وهو جمع السامر.

أخبرني المنذري عن ثعلب عن

ابن الأعرابي: يقال: لا آتيك ما سمر السمير.

وهم الناس يسمرون بالليل.

وما اختلف ابنا سمير، أي: ما سمر فيهما.

وما سمر ابنا سمير، وهما الليل والنهار.

وقال أبو الهيثم: السميرُ: الدهرُ.

وابناه: الليل والنهار.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة أنه سمع الفراء قال: بعثت من يسمُر الخبر.

قال: ويسمى السمر به.

وقال ابن السكّيت: لا آتِيك ما سمر ابنَا سَمِير، ولا أَفعَلُه سَمِيرَ اللَّيالي، وقال الشَّنْفَرَي:

هُنالِك لا أرجُو حَياةً تسرُّني *** سَمِيرَ اللَّيالِي مُبْسَلًا بالجَرائرِ

وقال أبو زيد: السَّميرُ: الدَّهْر.

وفي «النّوادر»: رجلٌ مَسْمور: قليلُ اللَّحم؛ شديدُ أسْرِ العِظام والعَصَب.

وفي حديث الرَّهْط العُرنيِّين الّذين قَدِموا المدينة فأَسلَموا ثمّ ارتدوا فسَمَرَ النبيُّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أعينَهم، ويُروَى سمَلَ، فمن رَوَى سَمَر بالراء فمعناه: أنّه أَحْمَى لهم مَساميرَ الحديد ثم كَحَلهم بها ومَن رواه سَمَل باللام فمعناه: فقَأَها بشَوْك أو غيره.

وقال اللّيث: السِّمسار فارسيّة معرَّبة، والجميع السَّماسرة.

وفي الحديث: أن النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم سمّاهم التُّجّار بعد ما كانوا يُعرَفون بالسَّماسرة

والمَصدَر السَّمْسَرة؛ وهو أن يتوكّل الرجلُ مِن الحاضرة للبادية فيَبيع لهم ما يَجلبونه.

وقيل في تفسير قوله: «ولا يَبيع حاضرٌ لِباد» أراد أنه لا يكون له سِمْسَارًا، والاسم السَّمْسَرة؛ وقال:

* قَد وَكّلْتنِي طَلَّتي بالسَّمْسَرة*

والسَّمُرُ: ضَرْبٌ من العِضَاه، الواحدة سَمُرة.

سَمَر إبله وسمّرها: إذا أكمشها.

وسَمَّر شوكه: إذا خلاها، وكذلك شمَّرها إذا سيّبها، والأصل الشين فأبدلوا منها السين، قال:

أرى الأسود الحلبوب سمّر شولنا *** لشول رآها قد شتَتْ كالمجادل

قال: رأى إبلًا سمانًا فترك إبله وسمّرها، أي: خلّاها وسَيّبها.

قال شمر: وناقة سَمُور: نجيبة سريعة.

وأنشد:

فما كان إلا عن قليل فألحقت *** بنا الحيَّ شوساءُ النَّجاءِ سَمُورُ

وفي حديث عمرَ أنّه قال في الأَمَة يَطَؤُها مالِكُها: إن عليه أن يحصِّنها فإنه يُلْحِقُ به وَلدَها.

قال: ومن شاء فليُسَمِّرها.

قال أبو عُبيد: الرواية فليُسَمِّرها بالسِّين، والمعروفُ في كلام العرب التَّشْمير، وهو الإرسال، وقال شَمِر: هما لُغَتان بالشين والسين معناهما الإرسال.

ورَوَى أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ أنه قال: التّسمير: إرسالُ السَّهْم بالعجلة.

والخَرْقَلة: إرساله بالتأني، يقال للأول: سَمِّر فقد أخطَبَك الصَّيدُ، وللآخَر: خَرْقِل حتى يُخْطِبك الصيد.

وقال اللّيث: السامِرةُ: قومٌ من اليَهود يخالفونهم في بعض دِينهم، وإليهم نُسِب السامِرِيّ الّذي اتَّخذ العِجل الذي سُمِع له خوَار.

أبو عُبَيد عن الأصمعيّ: السَّمَّار: اللَّبَن الممذوقُ بالماء.

وأَنشَد:

وليَأْزِلَنّ وتَبْكُوَنَّ لِقاحُه *** ويُعلِّلن صبيَّةٌ بسمَارِ

وقال غيرُه: السَّمُّور: دابّةٌ معروفةٌ يسوَّى من جُلودِها فِراءٌ غالية الأَثْمان، وقد ذَكره أبو زُبَيد الطائي فقال يَذكر الأَسد:

حتى إذا مَا رأَى الأَبْصارَ قد غَفَلتْ *** واجْتابَ من ظُلْمةٍ جُودِيَ سمُّورِ

جُودِيَّ النَّبطية جُوذِيا، أراد جُبّةَ سَمُّورٍ لسَواد وَبَرَه واجتَاب: دَخَل فيه ولَبسهُ.

أبو عُبَيدة: الأسمَران: الماءُ والحِنْطة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


144-تهذيب اللغة (نفس)

نفس: قال الله جلّ وعزّ: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها} [الزمر: 42].

رُوِي عن ابن عبّاس أنه قال: لكل إنسانٍ نفسان: أحدهما: نَفْسُ العَقْل التي يكون بها التمييز، والأخرى نفسُ الرُّوح الّتي بها الحياة.

وقال أبو بكر ابنُ الأنباريّ: من اللّغويّين مَنْ سَوّى بين النَّفْس والرُّوح.

وقال: هما شيءٌ واحد، إلّا أنّ النفسَ مؤنَّثة والرُّوحَ مذكَّر.

قال: وقال غيرُه: الرُّوحُ هو الّذي به الحياة، والنَّفْسُ هي التي بها العَقْل، فإذا نام النائمُ قَبَض اللهُ نفسَه ولم يَقبض رُوحَه، ولا يقبَض الرُّوحُ إلّا عند المَوْت.

قال: وسمِّيَت النَّفْس نَفْسا لتولُّد النَّفَس منها، واتصاله بها، كما سمَّوا الرُّوح رُوْحا، لأنّ الرَّوحَ موجود به.

وقال ابن الأنباري في قوله: {تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، أي: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في غيبك.

وقال غيره: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك.

وقال أهل اللغة: النفس في كلام العرب على وجهين: أحدهما: قولك: خرجت نفس فلان، أي: روحه.

ويقال: في نفس فلان أن يفعل كذا وكذا، أي: في رُوعه.

والضّرْب الآخر: معنى النفس حقيقة الشيء وجملته.

يقال: قتل فلان نفسه، والمعنى: أنه أوقع الهلاك بذاته كلها.

وقال الزّجّاج: لكل إنسانٍ نَفْسان: إحداهُما نَفْسُ التمييز، وهي الَّتي تفارقه إذا نام فلا يَعقِل بها يتوَفَّاها الله، كما قال جلّ وعزّ، والأخرى نَفْس الحياة، وإذا زالَتْ زالَ معها النَّفَس، والنائم يَتنفَّس.

قال: وهذا الفرقُ بين تَوَفِّي نَفْس النّائم في النَّوْم وتَوَفِّي نَفْس الحيّ.

قال: ونفْسُ الحياة هي الرُّوح وحركةُ الإنسان ونُمُوُّه يكون به.

أبو العبّاس عن ابن الأعرابي قال: النَّفْسُ: العَظَمة والكِبْر.

والنَّفْسُ: العزة.

والنفس: الهِمّة.

والنَّفْسُ: الأنفة.

والنَّفْس: عَينُ الشيء، وكُنْهُه وجَوهَرُه.

والنفسُ: العينُ الّتي تُصيب المَعينَ.

والنفسُ: الدّم.

والنَّفْس: قَدْرُ دَبْغة.

والنَّفْس: الماءُ.

وقال الرّاجز:

أتجعَلُ النفسَ الّتي تُدِيرُ *** في جِلْدِ شاةٍ ثمّ لا تَسِيرُ

والنَّفْسُ: العِنْدُ، ومنه قوله جلّ وعز: {تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]، قال: والنَّفْس: الرُّوح.

والنَّفَس: الفَرَج من الكَرْب.

الحرّاني عَنِ ابن السكّيت.

يقال: أنت في نَفَسٍ من أمرك، أي: في سعة.

ويقال: اكرَعْ في الإناء نَفَسا أو نَفَسين.

ورُوِي عن النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «أجدُ نَفَسَ ربِّكم من قِبَل اليَمَن».

يقال: إنه عَنَى بذلك الأنصارَ، لأن الله جلّ وعز نَفَّسَ الكَرْبَ عن المؤمنين بهم.

ويقال: أنت في نَفَسٍ من أمرِكَ أي: في سَعَة.

واعمَلْ وأنتَ في نَفَس، أي: في فُسْحة قَبْل الهرَم والأمراض والحوادث والآفات.

ونحو ذلك الحديث الآخَر: «لا تَسُبُّوا الرِّيح فإنها من نَفَس الرّحمن» يريد أنه بها يُفرّج الكَرْبَ، ويَنشُر الغَيْث، ويُذْهب الجَدْب.

ويقال: اللهم نَفِّسْ عَنِّي، أي: فَرِّج عني.

قلت: النَّفَس في هَذين الحديثين اسمٌ وُضِع موضعَ المصدر الحقيقيّ، من نفَّس يُنفَّس تَنفيسا ونَفَسا، كما يقال: فرَّج الهمَّ عنه تفريجا وفرجا فالتفريجُ مصدرٌ حقيقيّ، والفَرَج اسمٌ وُضع موضعَ المصدَر، كأنه قال: أجدُ تَنفيسَ ربِّكم عنكم من جهة اليَمن، لأن الله جل وعز نصرَهم بهم وأيَّدهم برجالِهم.

وكذلك قولُه: «الرِّيحُ من نَفَس الرحمن» أي: من تنفيسِ اللهِ بها عن المكروبين وتفريجِه عن الملهوفين.

الحرّاني عن ابن السكّيت قال: النَّفْس: قَدْرُ دَبْغة أو دبغتين من الدّباغ.

قال: وقال الأصمعيّ: بعثَت امرأةٌ من العرب ببُنَيّةٍ لها إلى جارتها فقالت: تقول لكِ أمِّي أَعطيني نَفْسا أو نَفْسين أَمْعَس بها مَنِيئتِي، فإني أَفِدَةٌ، أرادتْ قَدْرَ دَبْغة أو دَبغتين من القَرَظ الذي يُدبَغ به.

والمَنيئَةُ: المَدْبَغة، وهي الجلود التي تُجعَل في الدّباغ.

قال: ويقال: نَفِسْت عليه الشيء أنفَسُ نَفاسَةً: إذا ضَنِنتَ به ولم تحبّ أن يصيرَ إليه.

ورجل نَفُوسٌ: أي: حَسود.

وقال الله جلّ وعز: {وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} [المطففين: 26]، أي: وفي ذلك فليتراغَب المتراغِبون.

وقال الفرّاء في قوله جل وعز: {وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18].

قال: إذا ارتفع النهارُ حتى يصير نهارا بيّنا فهو تنفُّس الصبح.

وقال مجاهد: (إِذا تَنَفَّسَ): إذا طلع.

وقال الأخفش: إذا أضاء.

وقال الزّجّاج: إذا امتدّ يصيرُ نَهارا بيِّنا.

وقال غيرُه: (إِذا تَنَفَّسَ): إذا انْشَقَّ الفجرُ وانفَلَق حتى يتبيَّن، ومنه يقال: تَنفَّسَت القوسُ: إذا تصدَّعَتْ.

وقال اللّحياني: النَّفْس: الشّقّ في القِدْح والقَوْس.

قال: ويقال: هذا المنزل أنفَسُ المنزِلين: أي: أبعَدُهما.

وهذا الثّوب أنفَسُ الثّوبين أي: أطوَلهما وأعرضُهما وأمثَلُهما.

ويقال: نفَّسَ اللهُ كُرْبَتك، أي: فرَّجها الله.

ويقال: نفِّسْ عني، أي: فرِّجْ عني ووسِّع عليَّ.

وقال ابن شميل: يقال: نَفَّس فلانٌ قوسه: إذا حَطَّ وترَها.

وقال أبو زَيد: كتبتُ كتابا نَفَسا، أي: طويلا، وتنفَّس النهارُ: إذا طال.

وفي الحديث: «من نفّس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة».

معناه: من فرَّج عن مؤمن كربة في الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

في الحديث: «نهى عن التنفس في الإناء».

وفي حديث آخر: «كان يتنفّس في الإناءِ ثلاثا».

قال بعضهم: الحديثان صحيحان، والتنفّس له معنيان: أحدهما: أن يشرب وهو يتنفس في الإناء من غير أن يُبينه عن فيه، وهو مكروه.

والتنفس الآخر: أن يشرب الماء وغيره بثلاث أنفاس، يُبين فاه عن الإناء في كل نفس.

وقال ابن الأعرابي: تنفَّسَتْ دِجْلةُ: إذا زادَ ماؤُها.

ويقال: مال نَفيسٌ ومُنْفِس: وهو الذي له خَطَر وقَدْر.

قال: وكلُّ شيء له خَطَر وقَدْر قيل له نَفِيس ومُنْفِس وقد أَنفَسَ المالُ إنفاسا، أو نَفُس نُفوسا ونَفاسةً.

ويقال: إنّ الذي ذكرتَ لَمَنْفوسٌ فيه: أي مَرغوبٌ فيه.

ويقال: ما رأيتُ ثَمَ نفْسا، أي: ما رأيتُ أحدا.

ويقال: زِدْ في أَجَلي نَفَسا، أي: طَوّل الأجل.

ويقال: بين الفريقين نَفَس، أي: متَّسَع.

ويقال: نَفِسَ عليك فلانٌ يَنفَس نَفَسا ونَفَاسَة، أي: حَسدَك.

ويقال: نَفِسَت المرأةُ وهي تَنْفَس نِفاسا.

ويقال أيضا: نُفِسَتْ تنفَس نَفاسَةً ونِفاسا ونَفَسا، وهي امرأة نُفَساءُ ونَفْساء ونَفَساء، والجميع نُفَساوات ونِفاس ونُفّس ونُفّاس.

ويقال: وَرِث فلانٌ هذا المالَ في بطنِ أمه قبلَ أن يُنفَس: أي: يُولَد.

وإنّ فلانا لنَفوسٌ: أي: عَيُون.

أبو عبيد عن الأصمعيّ: نُفِست المرأةُ ونَفِسَت.

والمَنفوس: المولود.

وقال اللّحياني: النَّافس: الخامِسُ من قِداح المَيْسر، وفيه خمسةُ فُروض وله غُنْمُ خمسةِ أنصباءَ إن فاز، وعليه غُرمُ خمسةِ أنصباءَ إن لم يَفُز.

وقال أبو سَعيد: يقال لك في هذا الأمر نُفْسَةٌ، أي: مُهلة.

ويقال: شَرابٌ غير ذي نَفَس: إذا كان كريهَ الطَّعم آجِنا، إذا ذاقَه ذائقٌ لم يتنفّس، إنما هي الشّربة الأولى قدرَ ما يُمسِك رمقَهُ، ثم لا يعود له، وقال أبو وَجْزة السَّعْدِيّ:

وشَرْبةٍ من شَرابٍ غيرِ ذي نَفَسٍ *** في صَرّة من نُجوم القَيْظِ وهّاج

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: شَرابٌ ذو نَفَس، أي: فيه سَعَة ورِيّ، وقال في قول الشاعر:

* ونَفَّسَني فيهِ الحمامُ المعجَّلُ*

أي: رَغّبني فيه.

ورُوِي عن النّخعيّ أنه قال: كلّ شيء له نَفْس سائلة فماتَ في الإناء فإنّه ينجِّسه، أراد كلّ شيء له دمٌ سائل.

ويقال: نَفِسَت المرأةُ: إذا حاضَتْ.

وقالت أمّ سَلَمة: «كنتُ مع النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم في الفراش فحِضتُ فخرجتُ وشَدَوْتُ عليَّ ثيابي ثم رجعتُ، فقال: أَنَفِسْتِ»، أراد أَحِضْتِ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


145-تهذيب اللغة (نسم)

نسم: رَوَى شمر بإسنادٍ له عن النبيِّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «مَن أعتق نَسَمةً مؤمنةً وَقَى الله عزوجل بكلّ عُضْوٍ منه عُضْوا من النار».

قال شمر: قال خالد: النَّسَمَة: النّفْس.

قال: وكلُّ دابّة في جَوْفها رُوح فهي نَسَمة.

والنَّسَم: الرّوح.

وكذلك النسيم.

قال الأغلب:

ضَرْبَ القُدَارِ نَقِيعَةَ القدِيم *** يَفْرُقُ بين النّفْس والنَّسِيم

قال أبو منصور: أراد بالنفس ههنا: جسم الإنسان أو دمه، لا الروح.

وأراد بالنسيم: الروح.

ومعنى قوله عليه‌السلام: «مَن أعتق نسَمةً» أي: من أعتق ذا نَسَمة.

وقال ابن شميل: النَّسَمة: غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ.

وحدّثنا الحسين بنُ إدريسَ قال: حدّثنا سويد عن ابن المبارك، عن عيسى بن عبد الرحمن، قال: حدّثني طلحةُ اليامِيَّ عن عبد الرحمن بن عَوْسَجَة عن البَرَاء بن عازب قال: جاء أعرابيٌّ إلى النّبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فقال: عَلِّمْني عَمَلا يُدْخِلُنِي الجنَّةَ، فقال: «إن كنت أَقْصَرت الخُطْبَة فَقَد أعرَضْتَ المسألة، أَعْتِقْ النَّسَمة، وفُكَّ الرَّقبة».

قال: أَوَلَيْسَا واحدا؟ قال: «لا، عِتْقُ النّسَمة أن تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا وفكُّ الرَّقبة أنْ تُعينَ في ثَمَنِها والمِنْحة الوَكوف والقيءُ عَلَى ذي الرَّحم الظالم، فإن لم تُطِقْ ذلك فأَطْعِم الجائعَ واسْقِ الظمآن ومُرْ بالمعْروف وانْهَ عن المنكر، فإِنْ لم تُطِق فكُفَّ لسانَك إلّا من خير».

وقال شمر: قال ابن الأعرابيّ: الناسِمُ: المريضُ الذي قد أَشفَى عَلَى الموت، يقال: فلانٌ يَنْسِم كنَسْم الرِّيح الضعيف، وقال المَرَّار:

يَمْشين رَهْوا وبعْدَ الجَهْدِ من نَسمِ *** ومن حَياءِ غَضيضِ الطّرفِ مَسْتور

ويقال: نَسّمْتُ نَسَمةً: إذا أحيَيْتَها أو أعتَقْتَها، قال الكميت:

ومِنَّا ابنُ كُوزِ والمُنَسِّمُ قَبلَهُ *** وفَارِسُ يومِ الفَيْلَقِ العَضْبُ ذُو العَضْبِ

والمُنسِّم: مُحيِي النَّسمات.

قال: وقال بعضهم: النّسَمة: الخَلْق يكون ذلك للصّغير والكبير والدوابّ وغيرِها،

ولكلِّ من كان في جَوْفه روحٌ حتى قالوا للطَّيْر.

وأنشد شمر:

يا زُفَر القَيْسِيّ ذا الأنْف الأشَمّ *** هَيَّجْتَ من نخلة أمثالَ النَّسَمْ

قال: النَّسَم: ههنا طيرٌ سِراع خِفافٌ لا يَستبِينُها الإِنسان من خِفَّتها وسرعتها.

قال: وهي فوقَ الخطَاطيف، غُبرٌ تعلوهنّ خُضْرة.

قال: والنَّسَم كالنَّفَس، ومنه يقال: ناسمتُ فلانا أي: وجدتُ ريحَه ووَجَدَ رِيحِي؛ وأنشد:

* لا يأمَننَّ صُرُوفَ الدَّهْرِ ذو نَسَمِ *

أي: ذو نَفَس.

وقال الليث: النَّسَمُ: نَفْس الرُّوح، ويقال ما بها ذو نَسم، أي: ذو رُوح.

قال: ونَسيمُ الرِّيح: هبُوبُها.

وقال ابن شميل: النّسِيم من الرِّياح، أي: الرُّوَيْدُ.

قال: وتَنسَّمتْ ريحها بشيءٍ من نسيمٍ: أي: هبت هُبوبا رُويدا ذات نَسيم، وهو الرُّوَيْد.

قال أبو عبيد: النّسيم من الرّياح التي تجيء بنَفَس ضَعِيف، وفي الحديث: «تنكَّبُوا الغُبارَ فإنّ منه تكون النّسَمة»، قيل: النّسَمة ههنا الرَّبْو، ولا يزال صاحبُ هذه العلَّة يتَنَفّس نَفَسا ضعيفا، فسمِّيَت العِلَّة نَسَمة لاستراحَتهِ إلى تنفُّسِه.

ويقال: تنسَّمت الريحُ وتنسَّمتُها أنا، وقال الشاعر:

فإِنَّ الصَّبَا رِيحٌ إذا ما تَنسَّمتْ *** على كِبْدٍ مَحزونٍ تَجَلّتْ هُمومُها

وإذا تَنسَّم العليل أو المحزون هبوبَ الرّيح الطيبة وجَد لها خَفّا وفَرَحا.

وفي حديثٍ مرفوعٍ إلى النّبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «بعثتُ في نَسَم الساعة»، وفي تفسيره قولان: أحدُهما: بُعِثتُ في ضَعْف هُبوبها وأوّل أشراطِها وهذا قول ابن الأعرابيّ.

وقال: النَّسِيمُ: أوْل هُبوبِ الرِّيح.

وقال غيرُه: معنى قوله: بُعِثْتُ في نَسَم الساعة، أي: في ذَوِي أرْواح خَلَقهم الله وقتَ اقتراب الساعة، كأنه قال: في آخِر النَّشء من بني آدم.

وقال ابن الأعرابي: النَّسِيم: العَرَق، والنَّسْمَةُ: العَرْقة في الحمَام وغيره، ويُجْمَع النَّسَم بمعنى الخَلْق أناسِم، يقال: ما في الأناسِم مثلُه.

كأنّه جمع النَّسَم أَنْساما، ثم أناسِمُ جمعُ الجمع.

وفي حديث عَمرو بن العاص وإسلامِه أنّه قال: لقد استقام المنْسِم وإن الرّجلَ لنبيٌ فأسلَم؛ يقال: قد استقام المنسِم، أي: تَبَيّنَ الطّريقُ.

ويقال: رأيتُ مَنْسِما من الأمر أعرِفُ به وَجْهَه؛ وقال أوسُ بنُ حَجَرَ:

لَعَمري لقد بيّنْتُ يومَ سُوَيْقَةٍ *** لمن كان ذا رأيٍ بِوجْهَةِ مَنْسِمِ

أي: بوجهِ بَيان.

والأصلُ فيه مَنْسَمَا خُفِّ البعير، وهما كالظفْرَين في مقدِّمة، بهما يُستَبان أثرُ البَعير الضّال؛ لكلّ خُفِ مَنسِمان، ولخُفّ الفِيلِ منْسِم، وللنَّعامة مَنْسم.

وقال أبو مالك: المنْسِم: الطريق، وأنشَد للأحوص:

وإن أظلمْت يوما على الناس غَسْمةٌ *** أضاءَ بكمْ يا آلَ مروانَ مَنْسِمُ

يعني الطريق.

والغَسْمَةُ: الظُّلمة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


146-تهذيب اللغة (سبأ)

سبأ: أبو زيد: سَبأْت الخمر أسبأُها سبأً وسِباءٍ: إذا اشتَرَيتها.

واستَبَأْتها استباءً مثله.

وقال مالك بن أبي كعب:

بعثتُ إلى حانوتها فاستبأتها *** بغير مكاسٍ في السِّوَام ولا غَصبِ

قال: ويقال: سبأتُه بالنار سبْأً: إذا أحْرَقْتَهُ بها.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: إنك تريد سُبأَةً، أي: تريد سفرا بعيدا، سُمِّيت سُبأَة لأن الإنسان إذا طال سفرهُ سبأَتْه الشمسُ ولوّحته، وإذا كان السفر قريبا قيل: تُريد سَرْبةً.

وقال الفرّاء في قول الله جلّ وعزّ: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22]، القُرّاء على إجراءِ سبأٍ، وإذا لم تُجر كان صوابا.

قال: ولم يُجْرِه أبو عمرو بن العلاء.

وقال أبو إسحاق: سبأَ هي مدينةٌ تُعرف بمأرِبَ من صنعاء على مسيرة ثلاثِ ليال، فمن لم يصرف فلأنه اسم مدينة، ومن صَرف فلأنه اسمٌ للبلد فيكون مذكّرا سُمِّي به مذكَّر.

وقولهم: ذهب القومُ أيْدِي سبَا، وأيادِي سبا، أي: متفرِّقين، شُبهوا بأَهل سبأ لما مزّقهم الله في الأرض كلَّ ممزق، فأخذ كلُّ طائفةٍ منهم طريقا على حدة.

واليَدُ: الطَّرِيق.

ويقال: أخذ القوم يد بحْر، فقيل للقوم إذا تفرقوا في جهات مختلفة: ذهبوا أيدي سبا، أي: فرقتهم طرقهم التي سلكوها، كما تفرق أهل سبأ في مواطن في جهات مختلفة أخذوها.

والعرب لا تهمز سبأ في هذا الموضع، لأنه كثُر في كلامهم فاستثقلوا ضغطة الهمز وإن كانت سَبأ في الأصل مهموزة.

وقيل: سبأ: اسمُ رجلٍ وَلد عشرة بنين فسُميت القرية باسم أبيهم، والله أعلم.

وقال ابن الأنباري: حكى الكسائي: السبَأ: الخمر.

واللَّظَأ: الشيء الثقيل.

وحكاهما مهموزين مقصورين، ولم يحكهما غيره.

والمعروف في الخمر السِّباء بكسر السين والمد.

ويقال: انسبأ جلده إذا تقشر.

وقال: «وقد نَصل الأظفارُ وانْسبأ الجلدُ».

ويقال: سبأ الشوك جلده: إذا قشره.

وقال أبو زيد: سبأتُ الرجلَ سَبْأ: إذا جَلَدْتَهُ.

ويقال: سبأَ فلانٌ على يمين كاذبةٍ يسْبأُ: إذا حلف يمينا كاذبةً.

قال: ويقال: أسبأتُ لأمرِ الله إسباءً: وذلك إذا أخبت له قلبك.

ثعلب عن ابن الأعرابي: سبا ـ غيرُ مهموز ـ: إذا ملك.

وسبا: إذا تمتع بجارِيته شبابها كلِّه.

وسبَا: إذا استخفى.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


147-تهذيب اللغة (رفد)

رفد: أبو زيد: رَفَدْتُ على البعير، أَرْفِد عليه رَفْدا، إذا جعلتَ له رِفَادة، قلت: هي مثل رِفادة السَّرج.

وجاء في الحديث: «تروح برِفْدٍ وتغدو برِفْدٍ».

روي عن ابن المبارك أنه قال في قوله: تروح برِفْد وتغدو برِفْد، الرِّفْد: القَدَحُ تُحْتَلبُ الناقةُ في قَدَح، قال: وليس من المعونة.

قال شمر: وقال المؤرَّج: هو الرِّفد الإناء الّذي يُحْلَبُ فيه.

وقال ابن الأعرابيّ: هو الرِّفد، أبو عبيد عن الأصمعيّ: الرَّفد بالفتح.

وقال شمر: رِفْدٌ ورَفْدٌ للقَدَح، قال والكَسْرُ أَعْرَب.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الرِّفْدُ أكبرُ من العُسِّ، وقال: وناقَةٌ رَفُسودٌ رَفودٌ تدومُ على إنائها في شِتائها لأنها تُجالَحُ الشجرَ.

وقال الكسائي: الرَّفْد والمرْفَد الّذي يُحْلبُ فيه.

وقال الليث: الرِّفد المعْونةُ بالعطاء، وسَقْي اللّبن، والقول وكُلُّ شيءٍ.

وأخبرني المنذريّ عن الغسّاني عن سلمة عن أبي عبيدة في قول الله جلّ وعزّ: {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هود: 99] مجازُه مَجازُ العَوْن المعان يقال: رَفَدْتُه عند الأمير، أي أَعَنْتُه.

قال: وهو مكسور الأوَّل فإذا فتحتَ أوَّلَه فهو الرَّفْد.

وقال الزجاج: كل شيءٍ جعلتَه عَوْنا لِشيء وأسندتَ به شيئا فقد رَفَدْتَه، يقال: عَمَدْتُ الحائطَ وأَسْنَدْتُه ورَفَدْتَه بمعنى واحد، قال: والمِرْفَد القَدَحُ العظيمُ.

وقال الليث: رَفَدْتُ فلانا مَرْفدا، وقال: ومن هذا أُخِذَت رِفَادَةُ السَّرج من تحته حتى يرتفع.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: يقال لخَشَبِ السَّقْف: الرَّوافِد.

وقال الليث: ناقةٌ رَفود تملأ مِرْفدها، وتقول: ارْتفَدْت مالا إذا أَصَبْتَه من كَسْبٍ.

وقال الطرماح:

عَجَبا ما عَجَبْتُ مِن جامِع المال *** يباهي بِهِ ويَرْتَفِدُه

والتّرفيد نَحْوٌ من الهمْلَجَة، وقال أُمَيّةُ ابن أبي عائذ الهذلي:

وإن غُضَّ مِن غَرْبِها رَفّدَتْ *** وسِيجا وأَلْوَتْ بِجِلْسٍ طُوال

وأراد بالجلْس أَصلَ ذَنبها.

وقال أبو عبيدة: الرِّفادةُ شيء كانت قريش تَتَرَافَدُ به في الجاهليَّة، فيُخرجُ كلُّ إنسانٍ على قدر طاقته فيجمعون مالا عظيما أيام الموسِم، ويشترون به الجُزُر والطعامَ والزبيبَ للنبيذ، فلا يزالون يُطعمون الناسَ حتى ينقضيَ الموسم، وكان أوَّل من قام بذلك هاشم بن عبد مناف، ويسمى هاشِما لهِشْمِهِ الثريدَ.

وقال ابن السكيت: الرافدان: دِجلةُ والفرات.

وقال الفرزدق:

بَعَثْتَ على العِراق وَرافِدَيْهِ *** فَزَارِيا أَحذَّ يَدِ القَمِيصِ

أراد أنه خَفيفُ اليد بالخِيانة.

وفي الحديث: «من اقتراب الساعة أن يكون الفيءُ رِفدا»، أي يكون الخراجُ الّذي لجماعة أهل الفَيْء رِفدا أي صلات لا يُوضع مَوْضِعَه، ولكن يُخَصُّ به قومٌ دون قومٍ على قدر الهوى، لا بالاستحقاق، وَالرِّفد الصِّلة يقال: رَفَدْتُه رَفْدا والاسم الرِّفْدُ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


148-القانون (منظمة الشيوعية الدولية الثالثة)

منظمة الشيوعية الدولية الثالثة: اتحاد شيوعي تأسس في موسكو خلال شهر مارس سنة 1919م بزعامة الحزب الشيوعي الروسي وعضوية ممثلي الأحزاب الشيوعية في اثنتي عشرة دولة، وكانت غايته الاحتجاج على فتور Second International وعدم تأثيره، ودعوة الطبقات الكادحة في العالم World Proletariat إلى مساندة الثورة الروسية والعمل على بعث مثلها وهدم الرأسمالية أينما كانت.

وقد حلت المنظمة المذكورة رسميًا في 23مايو سنة 1943م.

ثم بعثت من جديد باسم Cominform سنة 1947م على نطاق محدود.

المعجم القانوني (الفاروقي)


149-الحضارة (بيا)

بيا: pia.

أول ملوك مملكة كوش (مادة) بنبتة (مادة) العاصمة بجنوب أسوان بمصر.

وضع علي العرش بعدة إنتخابه من الكهنة ووافق الشعب الكوشي علي تنصيبه.

وهذا كان متبعا مع الملوك الكوشيين من بعده.

ويقول بيَّا فى هذا الخصوص: "الآلهة تصنع الملك، والناس يصنعون الملك، إلا أن امون قد جعلني ملكًا".

وقال "وهبني امون النبتى حق حكم جميع البلدان، فمن أقل له كن ملكًا يكن ملكًا، ومن أقل له لا تكن ملكًا لا يكون، ووهبني امون فى طيبة حكم مصر، فمن أقل له فلتصعد متوجًا يتوج، ومن أقل له لا تصعد متوجًا لا يتوج، وكل من منحته حمايتي لا يخشى على مدينته، ولن أقوم بحال باحتلالها".

قال هذا بعدما أخضع الزعماء المحليين بمصر وكوش.

بعد السلام والإستقرار الذي تحقق في مملكته بيا: تفرغ للنشاط المعماري وبدأ فى تزيين العاصمة نبتة وقام بتشييد المعبد الرائع فى جبل البركل بديلًا عن المعبد القديم الأصغر حجمًا، كما استكمل بناء المعبد الذى كان قد بدأ فى تشييده كاشتا.

وفي حوالي 730 ق.

م.، قاد بيَّا بنجاح حملة الى مصر خلد انتصاره فيها بحولياته التى كتبت بلغة مصرية رصينة بالخط الهيروغليفي.

وكانت سياسة بيَّا التى اتبعها فى مستعمرته المصرية إكتفاءه بما حققه من نجاح سابق وما ناله من هدايا وغنائم وما فرضه من جزية، فجعل الإشراف على إدارة الدلتا لمدينة طيبة البعيدة الى الجنوب وعاد لعاصمته نبتة تاركًا الدلتا تحت سيطرة حاكمها تف نحت الذي استغل عودة بيَّا الى كوش فبدأ فى تهديد أمن الممتلكات الكوشية فى مصر العليا، متحالفًا مع ملوك وأمراء الشمال، ولم يصدر عن بيَّا أى رد فعلٍ بل تركهم يزحفون الى الجنوب حتى استولوا على هيراكليوبولس، عندها أمر الحامية الكوشية فى منطقة طيبة بالتصدى لهم عند الإقليم الخامس عشر كما أرسل التعزيزات العسكرية.

فاستدعى جلالته القادة العسكريين والضباط الموجودين فى مصر، وهم باروما و ليميرسكنى وسائر ضباطه فى مصر، وقال لهم: اتخذوا وضع الاستعداد، وخوضوا المعركة، والتفوا حول العدو وحاصروه.

وأأسروا رجاله ومواشيه وسفنه النهريَّة وامنعوا المزارعين من التوجه الى الحقول، والفلاحين من حرث الأرض.

اضربوا الحصار حول إقليم الأرنب وقاتلوا العدو كل يوم بلا هوادة.

وهذا ما فعلوه: وأرسل جيشًا الى مصر، وأوصاهم مشددًا قائلا: لا تنقضوا على العدو ليلًا وكأنكم تلعبون وتلهون، ولا تحاربوا إلا وأنتم مبصرون، وخوضوا ضده المعركة دون الاقتراب منه.

واذا قال لكم: انتظروا المشاة وسلاح المركبات القادمة من مناطق أخرى.

فتريثوا لحين وصول جيشه، ولا تبدأوا المعركة إلا عندما يطلب ذلك، واذا كان حلفاؤه فى مدينة أخرى فاصدروا الأوامر بالإنتظار حتى يصلوا، وحاربوا فى المقام الأول القادة العسكريين المصاحبين له كحلفاء، وحرسه الخاص من الليبيين، وعند استعراض الجيش لا ندرى لمن نوجه الحديث، فنقول: أيا أنت أسرج أفضل ما فى إسطبلك من جياد وهئ نفسك للمعركة عندئذ سوف تعرف اننا رسل امون" وينصح بيَّا قواته قائلًا: "اذا بلغتم طيبة و وقفتم أمام ابت سوت اغمروا فى الماء وتطهروا فى النهر وارتدوا الكتان النقي، وحطوا الأقواس والقوا السهام جانبًا، لا تتباهوا بأنكم أصحاب سلطة فى حضرة الذى بدون رضاه ليس للشجاع قدرة، فيجعل الضعيف قويًا، والجموع تتراجع أمام القلة وتعود أدراجها ويتغلب الفرد على ألف وتبللوا بماء هياكله، وقبلوا الأرض بين يديه وقولوا له: أرشدنا الى الطريق، فلنحارب فى ظل قوتكولتكن معارك المجندين الذين بعثت بهم مظفرة، وليستولى الرعب على الجموع عندما تواجههم.

ويبدو أن القوات الكوشية حاصرت القوات المصرية المتحالفة وأجبرتها على خوض المعركة، فارضة عليها الاحتماء بمدينة هرموبولس التى تمَّ ضرب الحصار عليها, فقط حينها توجه بيَّا بنفسه الى مسرح العمليات متوقفًا فى طريقه للاحتفال بالعام الجديد فى الكرنك، وكان غرض بيَّا من ذلك مزدوجًا، فمن جانب أراد أن يعلن للملأ اعتراف امون به ملكًا، ومن جانب ثانٍ استهدف إضعاف القوات المصرية المُحاصرة بإطالة أمد الحصار تدميرًا لروحها المعنوية.

وأثناء ذلك اجتاحت قواته مصر الوسطى، ووصل الى هرموبولس فأخضع ملكها نمرود كما استسلمت مدينة هيراكليوبولس دون أن تنتظر استيلاء بيَّا عليها واعترف حاكمها بولاية بيَّا فى خطاب مشحون بالعبارات الأدبية جاء فيه: "تحية لك أيَّا حورس، أيها الملك القوى، إنك الثور الذى يقاتل الثيران! لقد استحوذت الدات (أى العالم السفلى) علىَّ وغمرتني الظلمات، فهل لي أن أمنح وجهًا كوجهك المشرق! لم أجد من يناصرنى وقت الشدة، ولكن بفضلك أنت وحدك أيها الملك القوى انقشعت الظلمات من حولي! فأنا وجميع ممتلكاتي فى خدمتك، وتدفع مدينة ننى سوت الضرائب لجهازك الإداري، فأنت بالتأكيد خوراختى، حور الأفقين الواقف على رأس الخالدين، وبقدر بقائه تبقى أنتَّ ملكًا، وكما أنه خالد لا يموت فأنت أيضًا خالد لا تموت، أيا بيَّا يا ملك الوجهين القبلي والبحري، لك الحياة الى الأبد".

بعدها توجه بيَّا الى الشمال واستولى دون مقاومة على القلعة التى شيدها اوسركون الأول لمراقبة مدخل الفيوم، ثم زار مدينة هليوبولس لأداء الشعائر التقليدية التى تقام للإله امون وقدم القرابين فوق تل الرمال، ويسرد النص أن بيَّا اتجه الى "مقر رع فى موكب رهيب، فدخل المعبد وسط تهليل الحاضرين والكاهن المرتل يتعبد للإله لإبعاد أعداء الملك، ثم اقيمت شعائر بردوات وربط العصابة الملكية، وتطهر جلالته بالبخور والماء.

ووقف الملك بمفرده، وكسر ختم المزلاج وفتح مصراعى الباب وشاهد والده رع فى قصر البن بن المقدس ومركب النهار المخصصة لرع ومركب المساء المخصصة لأتوم، ثم أغلق مصراعي الباب ووضع الطين وختم الملك بخاتمه الخاص، وأصدر تعليماته للكهنة قائلًا: لقد قمت أنا شخصيًا بوضع الختم، لن يدخل المكان أحد سواى ممن يدعون أنهم ملوك، وانبطحوا على بطونهم فوق الأرض قائلين: ثابت أنت ودائم، فليحي حورس محبوب رع، الى الأبد! دخولًا الى مسكن أتوم".

أما تف نخت قائد المتمردين فقد أرسل الى الملك المنتصر بيَّا رسولًا ليتفاوض نيابة عنه وحملَّه رسالة الى بيَّا جاء فيها: "ألم يهدأ قلب جلالتك بعد كل ما ألمَّ بى بسببك؟ أجل انى بائس، ولكن لا تعاقبنى بقدر الجرم الذى ارتكبته، أنت تزن بالميزان وتحكم طبقًا للوزنات! وفى إمكانك مضاعفة جرمي أضعافًا مضاعفة، ولكن ابق على هذه الحبَّة، وسوف تعطيك حصادًا وفيرًا فى الوقت المناسب، لا تقتلع الشجرة من جذورها! إن كاءك (روحك) تثير الرعب فى أحشائي وترتعد أوصالي من شدة الخوف! ومنذ أن علمت باسمي لم أجلس فى بيت الجعة (إندايَّة) ولم أستمع الى عزف الجنك، لقد أكلت وشربت ما يكفى فقط لرد جوعى وإطفاء ظمئى.

وصل الألم الى عظامي، وأسير عارى الرأس مرتديًا الأسمال حتى تعفو الآلهة نيت عنى.

لقد فرضت على السير مسيرات طويلة، أنت تلاحقنى على الدوام، فهل أسترد حريتى ذات يوم؟ طهر خادمك من ذنوبه، ولتنتقل ممتلكاتي الى الخزينة العامة، وكافة ما أملك أيضًا من ذهب وأحجار كريمة وأفضل جيادي وكافة تجهيزاتى، أرسل رسولك ليطرد الخوف من قلبى وأذهب فى صحبته الى المعبد ليطهرني القسم الالهى".

وأرسل له بيَّا بالفعل كبير الكهنة المرتلين يرافقه القائد العكسرى الكوشي باورما حيث أقسم تف نخت أمامها فى المعبد القسم الالهى التالي: "لن انتهك المرسوم الملكى ولن أتهاون فى أوامر صاحب الجلالة، ولن أسلك سلوكًا مذمومًا فى حق قائد عسكري فى غيابه وسوف أتصرف فى حدود الأوامر الصادرة من الملك دون أن اخرق ما أصدره من مراسيم، عندئذ أعلن صاحب الجلالة موافقته".

بعد تلك الانتصارات ثبت بيَّا حكام الدلتا المصريين كل فى إقليمه متجنبًا إعطاء الكثير للذرية الليبية لفراعنة مصر القدماء مستثنيًا واحدًا منهم فقط هو نمرود بوصفه متحدثًا نيابة عنهم.

ويصف النص وصول أولئك الحكام لأداء فروض الطاعة والولاء: "لَّما أضاءَّ الأرض نهار جديد، حضر عاهلا الجنوب وعاهلا الشمال والصل على جبينهم وقبلوا تراب الأرض أمام قوة صاحب الجلالة.

وهكذا جاء ملوك وقادة الشمال ليشاهدوا بهاءَ جلالته، وكانت سيقانهم ترتعش وكأنها سيقان نسوة، ولكنهم لم يدخلوا الى مسكن الملك حتى لا يدنسوه بالنظر الى أنهم لم يختنوا ولأنهم يأكلون السمك.

أما الملك نمرود فقد دخل مسكن الملك إذ كان طاهرًا ولا يأكل السمك".

ومن ثم قرر بيَّا العودة الى نبتة وكان أن: "حُملت السفن بالفضة والذهب والأقمشة وسائر خيرات الشمال وكل ثمين وسائر كنوز سوريا وعطور بلاد العرب، وأقلعت سفن صاحب الجلالة صوب الجنوب وكان جلالته منشرح القلب، وعلى الجانبين كان الأهالي على شاطئ النهر يهللون من نشوة الفرح، وأخذ الجميع -شرقًا وغربًا- كلما بلغهم النبأ ينشدون عند عبور صاحب الجلالة أنشودة فرح وابتهاج، تقول الأنشودة: أيها الأمير القوى، أيها الأمير القوى، أيا بيَّا، أيها الأمير القوى! ها أنت تتقدم بعد أن فرضت سيطرتك على الشمال، إنك تحول الثيران الى إناث! طوبى لقلب المرأة التى أنجبتك! وطوبى لقلب الرجل الذى من صلبك! وأهل الوادي يحيونه فلتحي الى الأبد، فقوتك خالدة أيهُّا الأمير المحبوب من طيبة".

فضلَّ الملك الكوشي بيا ألا يحكم مصر شخصيًا بصورة مباشرة، فلجأ الى إتباع سياسة منح الحكم الذاتي للمصريين تاركًا السلطات الإدارية بأيدي الحكام المحليين الذين أدوا له قسم الطاعة والولاء، مكتفيًا بالإشراف الفعلي على منطقة طيبة والطرق الغربية حتى الواحة الداخلة.

(انظر: كوش.

نبتة).

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com