نتائج البحث عن (بُعِثْنَا)
1-العربية المعاصرة (بعث)
بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في يبعَث، بَعْثًا وبِعْثةً وبَعْثةً، فهو باعِث، والمفعول مَبْعوث.* بعَث اللهُ الخلقَ: أحياهم بعد موتهم {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [قرآن] - {وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ} [قرآن] (*) بعثَه من النَّوم: أيقظه- يُبعث من جديد: ينهض من العدم.
* بعَث الشُّعورَ ونحوه: أثاره وأيقظه وهيّجه (بعَث الشّعرُ في النفوس حماسةً- يبعث الرّعب في النفوس- {فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [قرآن]) - بعَث الأملَ: أحياه وولّده.
* بعَث الشَّخصَ: أرسله (بعث الرئيسُ وزير الخارجيّة للتَّفاوض- {فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [قرآن]) - مبعوث فوق العادة: مندوب سياسيّ له مطلق الصَّلاحية في دولة أجنبيّة.
* بعَث رسالةً/بعَث إليه رسالةً/بعَث له رسالةً/بعَث برسالةٍ/بعَث إليه برسالة: أرسلها، وجّهها.
* بعَث الشَّخصَ على النَّجاح: حمله عليه، أجبره، أغراه به وشجَّعه عليه (بعثه الحزنُ على البكاء- جوٌّ يبعث على المذاكرة- {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [قرآن]: سلَّطْنا).
* بعَث في طلب كذا: أرسل (بعَث في طلب الطّبيب).
ابتعثَ يبتعث، ابتِعاثًا، فهو مُبتعِث، والمفعول مُبتعَث.
* ابتعثَ الشَّخصَ:
1 - بعَثه، أرسله (كان من المُبتَعَثين للدِّراسة).
2 - بعثَه، أيقظه من نومه (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي) [حديث].
انبعثَ/انبعثَ عن/انبعثَ في/انبعثَ من ينبعث، انبَعاثًا، فهو مُنبعِث، والمفعول مُنبعَث عنه.
* انبعث الشَّخصُ/انبعث الشَّخصُ في السَّير: مُطاوع بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في: انْدَفع، أوغل، انطلق وأسْرَع وهبَّ مندفعًا (انبعث الماءُ- {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [قرآن] - {وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ} [قرآن]: خروجَهم للقتال).
* انبعث الدُّخانُ عنه/انبعث الدُّخان منه: صَدَرَ، تصاعد، خرج، تحرّك (انبعثتِ الأضواءُ من الدّاخل- انبعثت منه/عنه رائحةٌ: فاحت وانتشرت- شعاع مُنْبعث: منتشر، منطلق) (*) انبعثت صداقة قديمة: عادت للظهور بعد أن زالت- انبعث حيًّا من رماده: بدأ حياة جديدة.
ابتِعاث [مفرد]:
1 - مصدر ابتعثَ.
2 - [في الطبيعة والفيزياء] إطلاق شيء ما مثل الحرارة من جسم ساخن، أو الضّوء من مصدر إشعاع.
انبعاث [مفرد]:
1 - مصدر انبعثَ/انبعثَ عن/انبعثَ في/انبعثَ من.
2 - [في الطبيعة والفيزياء] ما يخرج من مصدر ما مثل انبعاث أشعَّة ألفا أو بيتا من العناصر ذات النشاط الإشعاعيّ.
3 - نهضة بعد ركُود (كان انبعاث الأمة العربية في القرن الماضي بداية نهوض وتحرّر) (*) عصر الانبعاث: عصر النَّهضة، نهضة بعد انحطاط.
باعِث [مفرد]: جمعه باعثون وبَواعِثُ (لغير العاقل)، والمؤنث باعثة، والجمع المؤنث باعثات وبَواعِثُ (لغير العاقل):
1 - اسم فاعل من بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في: (من بواعِث النهضة توافر التقنية الحديثة- ما الباعث على التمرّد؟) (*) باعث النَّهضة: أوّل الدعاة إليها- باعثة الأشباح: آلة السينما المرسِلةُ الصورَ على الشَّاشة البيضاء.
2 - دافِع، سبب، داعٍ.
3 - [في الفلسفة والتصوُّف] عامِل نفسيّ، وهو فكرة تنزع إلى إحداث عمل إراديّ.
* الباعِث: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: باعث الخلق يوم القيامة للحساب، وباعث الرّسل إلى الخلق لهدايتهم.
بَعْث [مفرد]: جمعه بُعوث (لغير المصدر):
1 - مصدر بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في (*) يَوْمُ البَعْث: يوم القيامة.
2 - مَنْ يُرْسَل في مهمَّة، واحدًا كان أو جماعة (ما زالت البعوث تقصد إفريقيا).
3 - جيش (كنت في بعْث فلان: في جيشه الذي بُعث معه).
بَعْثة [مفرد]: جمعه بَعَثات (لغير المصدر) وبَعْثات (لغير المصدر):
1 - مصدر بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في.
2 - اسم مرَّة من بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في: (البَعْثة المحمَّديّة).
3 - هيئة تُرْسَل للقيام بمُهمّة معيّنة لوقتٍ مُحدَّد كالبَعْثات العلميّة والأثريّة والعسكريّة والدّبلوماسيّة (بَعْثة دراسيّة) (*) طالب بَعْثَة: صاحب زمالة أو منحة للدراسة في بلد آخر- مديرية البعثات/إدارة البعثات: إدارة تُعنى بشئون البعثات الدراسيّة.
بِعْثَة [مفرد]: جمعه بِعْثَات (لغير المصدر):
1 - مصدر بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في.
2 - اسم هيئة من بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في.
3 - بَعْثة؛ هيئة تُرْسَل للقيام بمُهمّة معيّنة لوقتٍ مُحدَّد كالبعثات العلميّة والأثريّة والعسكريَّة والدبلوماسيّة.
مَبْعَث [مفرد]: جمعه مَباعِثُ:
1 - مصدر ميميّ من بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في: (كان سنّ الرسول صلى الله عليه وسلم عند مَبْعَثه أربعين عامًا).
2 - عامِل، سبَب (مَبْعَث التفوّق) (*) مبعث سخريّة: ما يحمل على فعل شيء.
مبعوث [مفرد]:
1 - اسم مفعول من بعَثَ/بعَثَ ب/بعَثَ في.
2 - مَنْ يُرسَل للدِّراسة أو لمهمَّة خاصَّة (مبعوث رسميّ) (*) مبعوث سياسيّ: دبلوماسيّ تُوكل إليه مهمَّة رسميَّة في بلد آخر.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (رقد)
رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن يَرقُد، رَقْدًا ورُقادًا ورُقودًا، فهو راقد، والمفعول مرقودٌ عليه.* رقَد الشَّخصُ:
1 - نام ليلًا أو نهارًا (رقَد على السرير- جثَّة راقدة: متوقِّفة عن الحركة، طريحة- {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [قرآن]) (*) رقَد رقدته الأخيرة: مات.
2 - استلقى وتمدّد (رقد تحت ظل شجرة- ترقُد في انتظار الولادة).
* رقَد الشَّيءُ: سَكَن وهَبَط (رقَد الحرُّ- رقَد العَكَر والثُّفْلُ: إذا انحدر إلى أسفل وسكن- رقدت السوقُ: كسدت ونامت).
* رقَد الطَّيرُ على بيضه: حضَنه (رقَدت الدجاجةُ على بيضها).
* رقَد عن الأمر: غفَل أو تأخر (رقَد عن دراسته/عمله- رقد عن ضيفه: إذا لم يحسن استقباله ومضايفته).
أرقدَ يُرقد، إرقادًا، فهو مُرقِد، والمفعول مُرقَد.
* أَرقد فلانًا: أنامه (أرقدت الأمُّ طفلها- سقاه دواءً مرقدًا).
رقَّدَ يُرقِّد، ترقيدًا، فهو مُرقِّد، والمفعول مُرقَّد.
* رقَّدَت الأمُّ طفلَها: أرقدته، أنامته (رقَّد المريضَ على سريره).
* رقَّد البيضَ: وضَعه تحت الدَّجاجة ليُفرِخ أو قام بتدفئته في حضَّانات صناعيَّة ليفرخ.
ترقيد [مفرد]:
1 - مصدر رقَّدَ.
2 - [في الزراعة] طريقة لتكثير النَّبات بحني الغصن ودفنه في التربة من غير فصله عن أمِّه حتى تنبت له جذور ويصير نباتًا مستقلاًّ.
ترقيدة [مفرد]: [في الزراعة] غصن غير مفصول عن شجرة منسطح على الأرض أو مدفون جزئيًّا فيها، تنبت له جذور ويستطيع أن يصبح نباتًا مستقلاًّ بعد فصله عن الشَّجرة التي أنبتته (ترقيدة عنب).
راقِد [مفرد]: جمعه راقدون ورُقَّد ورُقود، والمؤنث راقِدة، والجمع المؤنث راقِدات ورُقَّد: اسم فاعل من رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [قرآن].
رُقاد [مفرد]: مصدر رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن (*) الرُّقاد الأبديّ/الرُّقاد الأخير: الموت- رقاد الشِّتاء: فتور الحياة وانكماشها مدّة الشتاء بالنسبة للنبات وبعض الحيوانات.
رَقْد [مفرد]: مصدر رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن.
رُقَدَة [مفرد]: صيغة مبالغة من رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن: كثير الرُّقود.
رَقود [مفرد]: جمعه رُقُد: صيغة مبالغة من رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن (*) امرأةٌ رَقود الضُّحى: متنعِّمة.
رُقود [مفرد]: مصدر رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن.
رَقِيدَة [مفرد]: [في الزراعة] غصن يُعكس ويُرقد في التربة دون فصله عن الأصل.
مَرْقَد [مفرد]: جمعه مَراقِدُ:
1 - اسم مكان من رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن: مَضْجَع أو فِراش (لا تَقُمْ من مرقدك قبل أن يجف عرقك).
2 - مصدر ميميّ من رقَدَ/رقَدَ على/رقَدَ عن: رُقاد، نوم (أصاب أهل الكهف مرقدٌ طويل).
3 - قَبْر {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [قرآن] (*) المرقد الأخير.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-العربية المعاصرة (من)
مَنْ [كلمة وظيفيَّة]:1 - اسم استفهام مبنيّ على السكون، يُستفهم به عن العاقل مذكّرًا أو مؤنّثًا، مفردًا أو غير مفرد، وتدخل عليه حروف الجرّ فيقال: عمَّنْ، ممَّن، فيمن.. إلخ (أنت من تكون؟ - عمَّن تتحدّث؟ - {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [قرآن] - {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى} [قرآن]).
2 - اسم شرط مبني على السكون يجزم فعلين، يستعمل للعاقل مذكّرًا أو مؤنّثًا، مفردًا أو غير مفرد {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [قرآن] - {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [قرآن].
3 - اسم موصول مبنيّ على السكون وأكثر استعماله للعاقل مذكّرًا أو مؤنّثًا، مفردًا أو غير مفرد، ولابدّ له من صلة (من في الدار يعرفونك- استمع إلى مَنْ ينصحُك- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [قرآن]).
4 - نكرة موصوفة وبهذا تدخل عليها (رُبَّ) (مررت بمن مُعْجبٍ لك: بإنسان مُعْجب لك- رُبّ مَنْ أنضجتُ غيظًا قلبه.. قد تمنَّى ليّ موتًا لم يُطَع).
مِنْ [كلمة وظيفيَّة]:
1 - حرف جرّ يفيد ابتداء الغاية الزمانيّة أو المكانيّة، وهو أشهر معانيه (سِرْتُ من المدينة- صام من يوم الجمعة).
2 - حرف جرّ يفيد التبعيض (منهم مَنْ أحسن ومنهم من أساء- {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [قرآن]).
3 - حرف جرّ يفيد البيان والتفسير، فيكون ما بعده بيانًا لشيءٍ مُبهم قبله، وكثيرًا ما تقع بعد (ما) و (مهما) {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} [قرآن] - {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ ءَايَةٍ} [قرآن].
4 - حرف جرّ يفيد التعليل {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [قرآن].
5 - حرف جرّ يفيد البدل {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [قرآن].
6 - حرف جرّ يفيد الفصل والتمييز، وهو الداخل على ثاني المتضادين {وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [قرآن].
7 - حرف جرّ زائد يفيد توكيد العموم، ويشترط أن يتقدَّمه نفي أو نهي أو شرط أو استفهام بهل، وأن يليه نكرة وقد يليه معرفة (ما جاءني من أحد- مهما يكن من أمر/الأمر- {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ} [قرآن]).
8 - حرف جرّ بمعنى على {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [قرآن].
9 - حرف جرّ بمعنى منذ (وقع هذا من ألف عام).
10 - حرف جرّ بمعنى بعد {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ} [قرآن].
11 - حرف جرّ بمعنى عن {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ} [قرآن].
12 - حرف جرّ بمعنى في (أزرع القطن من جديد: في زمن جديد، أو ابتداء من زمن جديد- {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [قرآن]).
13 - حرف جرّ بمعنى الباء {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [قرآن].
14 - حرف جرّ بمعنى عند {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا} [قرآن].
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
4-المعجم الوسيط (الفُجَاءَةُ)
[الفُجَاءَةُ]: الفَجْأة.ويقال: موتُ الفُجَاءَة.
ومن شِعْرِ أبِي تمَّام:
بعثنا لهم موت الفجاءة إننا *** بنو الموت خفاق علينا سبائله
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
5-المعجم الوسيط (المَرْقَدُ)
[المَرْقَدُ]: موضعُ الرقادِ.و - القَبرُ.
وفي التنزيل العزيز: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52].
و - الرُّقادُ.
(والجمع): مَراقِدُ.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
6-المعجم الوسيط (مَنْ)
[مَنْ]: تكون مَنْ بالمعاني الآتية:1- شَرطية يُجزَمُ الفعلُ المضارعُ في شرطها وفي جوابها نحو: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]
2- استفهامية نحو: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52]، - ونحو:
{قَالَ مَنْ ربُّكُمَا يّا موُسى} [طه: 49].
وإِذا قيل: مَنْ يفعل هذا إلاَّ زيد؟ فهي مَنْ الاستفهامية دل الأسلوب معها على معنى النفي.
ومنه قوله تعالى في التنزيل العزيز: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهَ} [آل عمران: 135].
3- موصولة نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَواتِ ومَنْ في الأَرْضِ} [الحج: 18].
4- نكرة موصوفة، وبهذا تدخل عليها (رُبّ)، ومنه قول سُويد:
رُبَّ من أَنْضجْتُ غيظًا قلبَهُ *** ُ قد تمنَّى ليَ مَوْتًا لم يُطَعْ
ووصَفت بالنكرة في نحو قولهم: مررت بِمَنْ مُعْجبٍ لك.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
7-شمس العلوم (رَادَ يَرُودُ)
الكلمة: رَادَ يَرُودُ. الجذر: رود. الوزن: فَعَلَ/يَفْعُلُ.[رَاد]: إِذا جاء وذهب.
وراد الكلأ رَوْدًا وريادًا: إِذا طلبه.
يقال: بعثنا رائدًا يرود لنا الكلأ.
ورادت الإِبلُ رِيادًا: إِذا اختلفت في المراعي مقبلة ومدبرة.
ورادت المرأةُ رَوْدًا: إِذا اختلفت إِلى بيوت جاراتها.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
8-معجم متن اللغة (وماهو وللاستفهام المحض نحو)
وماهو؛ وللاستفهام المحض نحو: من بعثنا من مرقدنا.ويحكى بمن الاستفهامية الإعلام والكنى والنكرات.
فتثنى وتجمع وتذكر وتؤنث.
وتقول: منو منآ ومني في الاستفهام عن جاءنى رجل ورأيت رجلآ ومررت برجل.
وتقول: منان ومنتان ومنتين"عم المثنى".
ومنون ومنين ومنات" عن الجمع".
وإذا وصلت قلت من "في الأحوال كلها" وعلى هذا إذا قيل: رأيت الرجل والرجلين أو الرجال قلت: من الرجل ومن الرجلان ومن الرجال.
وتكون للشرط نحو: من يعمل سوءآ يجز به.
وتجزم حينئذ الفعلين؛ وهى بمعنى إن.
وتكون اسمآ متمسكنآ, ويصح أن تشدد نحو قوله: حتى اتحناها إلى من ومن.
وتكون زائدة للتاكيد.
وهى التى دخولها في الكلام كخروجها.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
9-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (عينات)
عيناتمن أشهر قرى حضرموت، على نحو ثلث مرحلة من تريم. وأوّل من اختطّها آل كثير في سنة (629 ه).
وفي سنة (787 ه) هجم آل الصّبرات على عينات وأخربوها، وقتلوا سبعة من آل كثير حواليها، وساعدهم راصع على ذلك.
وفي سنة (817 ه) بنى آل كثير عينات، ثمّ أخربها آل أحمد في تلك السّنة نفسها، وقتلوا ثمانية: اثنين من آل كثير وخمسة عبيد ورام، وكثيرا ما تقلّبت بها الأحوال، وأضرّت بها الحروب الواقعة بين آل كثير وآل يمانيّ والصّبرات والغزّ، حسبما فصّل بعضه في «الأصل»، وقد اندثرت ولم يبق إلّا آثارها البالية، هذه هي عينات القديمة.
وأمّا الجديدة: فأوّل من بنى بها ركن الإسلام، وعلم الأعلام، الشّيخ أبو بكر بن سالم بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن عبد الرّحمن السّقّاف، المتوفّى بها سنة (992 ه)، وقد ترجمه الشّلّيّ في «المشرع» [2 / 58] و «السّنا الباهر» [حوادث 992 ه]، وأفرد مناقبه العلّامة ابن سراج وغيره بالتّأليف، وهو بالحقيقة في غنى ـ بشهرته الّتي تغني ـ عن التّعريف.
«تجاوز قدر المدح حتّى كأنّه *** بأكبر ما يثنى عليه يعاب »
وفي «الرّياض المؤنقة» للعلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس: (أنّ سيّدنا الشّيخ أبا بكر بن سالم ابتلي بعلّة البرص، وأنّ تلميذه أحمد بن سهل بن إسحاق انتقده.. فأصابه الكثير من ذلك حتّى صار يقال له: هرّ اليمن) اه
ومن خطّ سيّدي عبد الرّحمن بن عليّ بن الأستاذ الحدّاد: (أنّ المتعلّق بالشّيخ مع البعد أحسن من الحاضر عنده؛ لغلبة رؤية البشريّة على الحاضر، وقد قال الشّيخ أبو بكر بن سالم: لو سألت الله ـ أو قال ـ لو تشفّعت في أحد من الكفّار ولعيالي وأخدامي.. لرجوت الإجابة لأولئك الكفّار؛ لأنّ المخامرة تذهب الاحترام) اه مختصرا
ولمّا مات.. وقع رداؤه على ابنه عمر المحضار.
ومن كلامه: (ما ابتلي أهل حضرموت إلّا بقدحهم في الشّيخ أبي بكر بن سالم، وما شكّوا في ولايته إلّا لسوء حظّهم، ولكنّه كفي شرّهم بالعطاء وبغيره، وكلّ من شكّ في الشّيخ أبي بكر.. فهو اليوم يبغضني ويراني خصمه، بل زادوا وطعنوا في العرض، ولكنّنا نرثي لهم، وندعو لهم) اه
وفيه فوائد؛ منها: أنّ الاتّفاق لم ينعقد على فضل الشّيخ أبي بكر إلّا في الزّمان المتأخّر، وإلّا.. فالنّاس كالنّاس، ولا يزالون مختلفين.
توفّي بعينات سنة (997 ه)، وله أعقاب منتشرون بمرخة وبيحان، وروضة بني إسرائيل، وحبّان وخمور والهند، وجاوة ودوعن وغيرها.
ومنهم: السّيّد حسين بن محمّد بن عليّ بن عمر المحضار، وصل إلى مسورة أرض الرّصاص فاقترن بابنة السّلطان، فأقطعه مكانا بمرخة يسمّى الهجر، لا يزال إلى يومنا هذا، والمحاضير فيه على استقلالهم.
وقد سبق في بالحاف وبير عليّ أنّ منصبهم في سنة (1349 ه) أمضى على الوثيقة الّتي وقّع عليها أعيان تلك الجهات وسلاطينها بالسّمع والطّاعة لي وكفاني الله شرّ الفتن برأي مولانا الإمام يحيى حسبما تقدّم.
ومنهم آل درعان: السّيّد أحمد المحضار، وأولاده: مساعد وسالم، لهم أخبار في النّجدة والشّجاعة تنفخ الأدمغة، وتملأ الأفئدة.
ولهم خيل عتيقة؛ منها: الكويخه، لها خبر وعلم.
وللسّيّد أحمد بن درعان هذا وفادة إلى حضرموت، ونزل بالقويرة على نسيبه الإمام أحمد بن محمّد المحضار، وطال ثواؤه حتّى ملّ، وسبب ذلك أنّه لا يمكن انصرافه إلّا بجائزة، وفي عيش الإمام المحضار يبس إذ ذاك، فلم يجد حيلة إلّا أن قال له: نريد إكرامك، لكن ما لدينا شيء إلّا ثمانيه ريال عند غريم مماطل، قال له: أعطني تحويلا عليه وسأخرجها من عينه، فأحاله على صديق لا يزال عنده بالقويرة صباح مساء من آل بروم، فلمّا أقبل على داره وهو بظهر الكويخة.. سرّ وظنّ معه خيرا، ولمّا عرف باطن الأمر.. قال: لا شيء عندي للحبيب أحمد، قال له: ما كان ليكذب، وقد أخبرني بمطلك، ولئن لم تدفعها.. لأوجرنّك سنان هذا الرّمح، فخرج ليهرب، ولكنّ ابن درعان قد أغلق السّدّة وأخذ المفتاح، فصعد إلى سطح داره يصيح، حتّى اجتمع الجيران، فأشرف عليهم ابن درعان وقال: لا أخرج إلّا بالثمانية الريال بعد الغداء، فعملوا له غداء ونقدوه المبلغ، فتوجّه إلى عينات، ثمّ عاد إلى القويرة، ومنها ركب إلى مرخة.
ثمّ إنّ الشّيخ عمر المحضار عزم على حمل السّلاح لصدّ عوادي الظّلمة، فلم يوافقه إخوانه، فنزل برضى منهم بأن يخلفه أخوه الحسين.
«أعزّ وأتقى ابني نزار بن يعرب *** وأوثقهم عقدا بقول لسان »
«وأوفاهم عهدا وأطولهم يدا *** وأعلاهم فعلا بكلّ مكان »
ترجمه الشّلّيّ في «المشرع» [3 / 210 ـ 212] ووهم في قوله: (إنّه ولي الأمر بعد أبيه)؛ لأنّه لم يله كما قدّمنا إلّا بعد أخيه.
وبعد أن تربّع على كرسيّ المنصبة.. حصل عليه أذى من آل كثير، فسار إلى مكّة وأقام بها سبع سنين قدم في أثناءها رؤساء يافع إلى مكّة وكان حصل عليهم تعب من الزّيديّة، فتأكّدت بينه وبينهم الألفة، وتأطّدت قواعد الحلف، ووعدوه إن نصرهم الله أن يأخذوا بيده، وقد سبق القول بأنّهم وصلوا في أيّامه إلى حضرموت.
توفّي بعينات سنة (1044 ه). ووقعت عمامته على ولده أحمد، وقام بمقام أبيه أحسن قيام إلى أن توفّي، فاجتمع رأي السّادة على تقديم ابنه سالم السّابق ذكره في الغيضة، وكثرت الخيرات في أيّامه، واتّسع جاهه، وأكثره من أرض الظّاهر وجبل يافع، وحصلت له أموال طائلة.
ثمّ إنّ الزّيديّة استولت على يافع فانقطع المدد منها، ولمّا انتهى إليه عزم الزّيديّة على غزو حضرموت.. ارتحل إلى الحجاز، فحجّ ثمّ استقرّ بالغيضة وسار معه بأهله، وبعد أن أقام بالغيضة أحد عشر شهرا.. اجتوتها زوجته فاطمة بنت محمّد بن شيخ بن أحمد فأذن لها في الرّجوع إلى عينات مع ابنه عليّ بن سالم، وتنازل له عن ولاية عينات، وأباح له أمواله بحضرموت، وكان يرسل له فوق ذلك بما يكفيه، لكلف المنصبة.
وكانت له أراض واسعة من عينات إلى العرّ ترعى بها مواشيه ونعمه، وكان يشرك السّادة آل الشّيخ أبي بكر فيما يصل إليه من الفتوح.
وبإثر انصراف الزّيديّة عن حضرموت.. أراده النّاس على الرّجوع إليها، فلم يرض.
وبعضهم يزعم أنّ الشّيخ عمر بامخرمة لحظه بطرف الغيب، إذ يقول:
«سلّم الأمر يا سالم وخلّ الحراره *** خلّ ذا الكون يا بن احمد على الله مداره »
«عاد ربّ السّما يعطف علينا بغاره *** يوم قالوا لنا الزّيدي تولّى (شهاره) »
لأنّ شهارة حافّة معروفة بسيئون، والأمر محتمل؛ فإنّ للشّيخ عمر فراسات كثيرة صادقة، ولكنّ شهارة من ثغور اليمن في غربيّ صنعاء استولى عليها إمام الزّيديّة في أيّام الشّيخ عمر بامخرمة. توفّي الحبيب سالم بن أحمد بالغيضة سنة (1077 ه).
وبإثر موته أحضر ولده عليّ سائر إخوانه وكتب للغائبين منهم، وقال لهم: إنّني لا أقدر على القيام بأعباء المنصبة إلّا بأموال والدي، وقد صارت لكم، فخذوها وأقيموا من تحبّون. فقالوا له: بل أبحناها لك كما كان أباحها لك أبونا، ولا تزد عمّا كنت تنفقه علينا في أيّامه.
وقد أدرك الحبيب عليّ بن سالم عاما من حياة جدّ أبيه الحسين، وفي أيّامه عاد الظّاهر وجبل يافع لأهله بواسطة السّلطان معوضة بن سيف بن عفيف والسّلطان صالح بن أحمد بن هرهرة فدرّت الأموال عليه، وقال لإخوانه: اقتسموا ما تركه أبوكم؛ فقد أغنانا الله عنه. وأبقى ما كان يجريه عليهم. توفّي سنة (1096 ه) عن إحدى وخمسين سنة، وكانت إقامته بالمنصبة ثمانية عشر عاما.
وخلفه ولده أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين، فقام بالمنصبة وسنّه نحو العشرين، وأعانه عليها السّيّد شيخ بن أحمد بن الحسين. توفّي أحمد هذا سنة (1111 ه)، بعد أن مكث في المنصبة خمسة عشر عاما.
وخلفه عليها ولده عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم، واتّسع جاهه بسبب اتّساع نفوذ يافع في أيّامه، حتّى لقد كان الشّعيب المشهور بحسن ماء ورده إقطاعا له.
وكان شديد الورع والتّواضع، وساء التّفاهم بينه وبين القطب الحدّاد بسبب واش من الطّغام قال له: إنّ الحدّاد يحاول منصبا مثل منصب جدّك الشّيخ أبي بكر بن سالم، ويزعم أنّه أفضل منه.
فلم يكن من القطب الحدّاد إلّا أن ورده للترضية إلى عينات، وبعد الإيناس قال له: إنّي سائلك: هل خزائن الله ملأى أم لا؟ فقال: بل ملأى.
قال له: وهل ينقصه أن يعطي أحدا مثل ما أعطى الشّيخ أبا بكر؟ فقال له: لا. فقال الحدّاد: إنّ الّذي أعطى الشّيخ أبا بكر يعطينا من الهداية، ويعطيك ويعطي غيرنا مثل ما أعطاه.
فاعتبر السّيّد أحمد وجعل يلطّخ الحدّاد بزباد من وعاء كبير حتّى نفد وهو ذاهب عن شعوره. ثمّ كان يزور الحدّاد في كلّ أسبوع أو في كلّ شهر مع كثرة أشغاله وعظم منصبه، ويستغرق سحابة اليوم في قراءة الكتب النّافعة عليه، وفي أوّل قدمة قدمها على الحدّاد قال ـ أعني الحدّاد ـ [من الوافر]:
«جزاك الله عن ذا السّعي خيرا *** ولكن جئت في الزّمن الأخير»
وإليه الإشارة بقوله من الأخرى [في «ديوانه» 177 من الرّمل]:
«زارني بعد الجفا ظبي النّجود ***...»
وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط ما يفيد أنّ صاحب القصّة مع القطب الحدّاد هو السّيّد محسن بن حسين ابن الشّيخ أبي بكر، ولعلّ الكاتب وهم في ذلك؛ لأنّ الصّواب هو ما ذكرناه.
والحبيب أحمد بن عليّ هذا هو الّذي كتب للسّلطان عمر صالح بن أحمد ابن الشّيخ عليّ هرهرة ليخرج إلى حضرموت لمّا كثرت بها المظالم والفوضويّة، كذا في «بستان العجائب» [ص 31] للسّيّد محمّد بن سقّاف.
والّذي ب «الأصل» عن الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم ابن قاضي في ترجمته للسّيّد شيخ بن أحمد ما يصرّح بأنّه هو الّذي تولّى الأمر بعد أبيه، وأنّه هو الّذي كتب ليافع مساعدة لبدر بن محمّد المردوف على عمر بن جعفر، وأنّه توفّي سنة (1119 ه) وأنّ أخاه عليّا إنّما تولّى بعده، وهذا هو الأثبت.
ثمّ إنّي اطّلعت بعد هذا على «رحلة عمر بن صالح»، وفيها ما حاصله: (كان نهوضنا إلى حضرموت في أوّل شهر القعدة سنة (1117 ه)، كتب إلينا مولانا وسيّدنا وصاحب أمرنا قطب الحقيقة والطّريقة، الشّيخ الحبيب: عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين بن الشّيخ أبي بكر بن سالم أن نخرج إلى حضرموت؛ لأنّ السّلطان عمر بن جعفر طغى وبغى، وعظّم شعائر الزّيديّة، واستولى على الشّحر، وهرب السّلطان عيسى بن بدر إلى عينات، فهجم عليه بها هو ومن معه من الزّيديّة، وأخذه منها قهرا، واستولى على حضرموت كلّها، وأرسل بعيسى بن بدر إلى عند الإمام، ثمّ انكفأ على آل همّام ويافع الّذين بالشّحر وحضرموت، فأخرجهم من القلاع، وسلّمها للزّيديّة، واستهان بالسّادة، فعند ذلك عزمنا)... ثمّ استاق (الرّحلة) إلى آخرها.
توفّي الحبيب عليّ بن أحمد بعينات سنة (1142 ه).
وخلفه على المنصبة ابنه أحمد بن عليّ بن أحمد، وكان مضيافا يذبح كلّ يوم ستّا من الأغنام، سوى ما يذبحه للواردين، وله ولوع شديد بالقنص، وكان كريما شفيقا، حتّى لقد غضبت عليه زوجته أمّ أكبر أولاده بنت آل يحيى من زواجه بغيرها، وأبت أن تعود إلّا بمئة دينار، ولمّا حصّلها.. آذنهم فعملوا ضيافة عامّة دعوا إليها أهل عينات أجمعين، فبينا هو ذاهب إليهم.. سمع امرأة تقول من حيث لا تراه: نحن جائعون عارون ولا عيد لي ولا لأيتامي، وأحمد بن عليّ بايدفع لبنت آل يحيى مئة دينار! !
فظهر عليها ورماها بالصّرّة، وقال لها: حلال لك حرام على بنت آل يحيى.
فامتنعت من قبولها لعلمها بالمهمّة، فلم يأخذها منها، وبعث لآل يحيى بالاعتذار، فعظم الأمر عليهم وأخبروا بنتهم، فقالت: إنّي لأعلم أنّه لا يخلف وعدا، ولا يبيت على جنابة، ولا يأكل إلّا مع ضيف، ولن يتأخّر إلّا لمهمّ. وبحثت عن الواقع حتّى عرفته، فذهبت هي وأولادها إليه، فكاد يجنّ جنونه من الفرح؛ لأنّه بها مغرم، وشكرته على صنيعه، وقالت له: إن لم تزر.. زرناك.
وقد ترجمه الجنيد في «النّور المزهر» توفّي سنة (1177 ه)، وفي «شمس الظّهيرة» أنّ وفاته كانت في السّجود وهو يصلّي الظّهر.
وفي كلام سيّدي الأستاذ الّذي جمعه والدي: (أنّ سبب وفاته أنّ سبخة لسعته في جبهته وهو يصلّي الظّهر فمات).
وفيه أيضا: (أنّ العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن أحمد باوزير كان يتحرّج عن طعامه حتّى جاء الحبيب طاهر بن محمّد بن هاشم فأخبره بما في نفسه، فقال له: إنّه صاحب الوقت، له الحقّ في أموال المسلمين) اه
وخلفه ولده سالم بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن عليّ بن سالم بن أحمد بن الحسين، وكان أبيض السّريرة، لا يعرف شيئا من أمر الدّنيا، وهو الّذي وصلت مواساة صاحب المغرب لسادات حضرموت في أيّامه، واختلفت الرّواية:
فالّذي قاله السّيّد محمّد بن سقّاف أنّه رضي بأكياس الدّراهم الحريريّة المزركشة بالفضة قياضا عمّا له ولأسرته منها.
والّذي قال غيره: أنّه أراد الاستئثار بجميعها، فما زالوا به حتّى اقتنع بالأكياس زيادة عن نصيبه مثل النّاس.
وفي أيّامه طلبت يافع بتريم مواساة من أهلها فثقلت عليهم، فذهب أحد آل شاميّ بهديّة تافهة إلّا أنّها ملوّنة، فعزم على يافع أن لا يأخذوا شيئا فانتهوا، وكذلك الحال كان في العام الّذي بعده. توفّي سنة (1211 ه).
وخلفه ابنه أحمد بن سالم، وكان كثير الخيرات والمبرّات، وفي أيّامه كان وصول الوهّابيّة إلى حضرموت بطلب من بعض السّادة وآل كثير، ولم يكن لهم عسكر كثير، وإنّما كانوا ينشرون دعوتهم فيستجيب لهم النّاس، وكان ممّن استجاب لهم: آل عليّ جابر بخشامر غربيّ شبام، وبعض السّادة، وبعض آل كثير، وعبد الله عوض غرامة بتريم. فتمكّنوا بذلك من هدم القباب وتسوية القبور.
ولمّا علم الحبيب أحمد بن سالم بوصولهم إلى تريم.. استدعى منصب آل الحامد السّيّد سالم بن أحمد بن عيدروس، واتّفقوا على الدّفاع عن عينات. واستدعى الحبيب أحمد من أطاعه من يافع وآل تميم، والحبيب سالم من أطاعه من الصّيعر والمناهيل.
ولمّا علمت الوهّابيّة وغرامة بذلك.. كتب الأخير كتابا للمنصبين يقول لهم فيه: (إنّ ابن قملا وصل بقوم ـ ما تعقل ـ من القبلة، وقصدهم دخول عينات، وإن دخلوا.. بايخربون قباب مشايخنا ومناصبنا، والأولى أن تصلون أنتم ويكون الاتّفاق، واحتملوا المشقّة في الوصول، وهذه منّا نصيحة ومحبّة وشفقة، وما يشقّ عليكم يشقّ علينا..) في كلام طويل.
وكانوا يعرفون محبّته وموالاته لهم فاطمأنّوا بكتابه، فوصلوا إلى تريم، وألقوا عليهم القبض، وألقوهم تحت المراقبة، وأرسلوا العسكر إلى عينات، وقالوا لأهل عينات: إن أحدثتم أدنى أمر.. بعثنا لكم برؤوس المناصب. فتركوهم يفعلون ما شاؤوا، وخافوا منهم خوفا شديدا، وكلّفوهم غرامة شديدة دفعوا فيها حليّ نسائهم.
ثمّ إنّ آل قملا تصادقوا هم والمقدّم عبد الله بن أحمد بن عبد الله ففتح لهم الطّريق إلى شعب نبيّ الله هود عليه السّلام.. فهدموا قبّته.
وبإثر رجوع آل قملا من الجهة الحدريّة.. أطلق غرامة سراح المناصب.
ولا يشكل نسبة كبر الأمر إلى عبد الله عوض غرامة، مع أنّ ذلك كان في أيّام عمّه؛ لاحتمال أنّه غلبه على رأيه أو استماله إليه، وبقي عنده فيه شكّ أو مجاملة فألقى عهدته على عبد الله عوض.
وبإثر وصول الحبيب أحمد بن سالم إلى عينات.. أرسل ولده أبا بكر إلى جبل يافع، وأتى بأقوام، وأذكى نار الحرب على غرامة، وضيّق عليه الخناق.
هذا ما يقوله السّيّد محمّد بن سقّاف، وفيه خلاف أو تفصيل لما في شرح بيت آل تميم من «الأصل»؛ إذ الّذي فيه: أنّ السّيّد أبا بكر بن أحمد إنّما ينهض إلى يافع ليأتي بقوم يحارب بهم السّيّد سالم بن أحمد الحامد، وأنّهم لمّا وصلوا تريم بعد اللّتيّا واللّتي في أوّل رمضان من سنة (1237 ه).. أرضوهم بخمس مئة ريال فرّقوها على سيئون وتريم وعينات، ولم يكن حرب، والله أعلم أيّ ذلك كان. مع أنّه لا يبعد أنّ الحبيب أرسل ابنه أبا بكر إلى يافع مرّتين؛ أوّلا: لحرب غرامة، وثانيا: لحرب السّيّد سالم، ولم يكن بالآخرة قتال.
وفي «الأصل» عن الجنيد: أنّه انتقد على الحبيب أحمد بن سالم هذا كثرة حروبه مع قوّته في العبادة وصيامه للأشهر الحرم، وأنّ الحبيب طاهر بن حسين أجابه بما يزيل سوء ظنّه به، فليكشف منه.
ومن هذا المنصب كانت تولية القضاء لجدّنا محسن بن علويّ بسيئون وأعمالها بوثيقة محرّرة في ذلك بتاريخ محرّم سنة (1236 ه)، وفي ذلك ما يدلّ على نفوذ أمره، واتّساع سلطانه، ودخول يافع تحت طاعته.
وقد حجّ الحبيب أحمد بن سالم، وأكرم شريف مكّة وفادته، وأهداه كسوة فاخرة، وفرسا عربيّة محلّاة، وألفا وخمس مئة من الرّيالات الفرانصة. وكانت له نفقات جليلة، وصدقات جزيلة. توفّي سنة (1242 ه).
ووقع رداؤه على ابنه أبي بكر، وكانت له عبادة ومحاسن وإيثار للسّلم، فاصطلح هو وابن يمانيّ والمناهيل وأهدروا الدّماء الّتي طلّت بينهم، ولكنّ يافعا أساءت عليه الأدب، ونهبوا في عينات، ووصل إلى سيئون ليصلح بينهم.. فلم يقبلوا له كلاما. توفّي سنة (1261 ه).
وقام في مقامه ابنه سقّاف بن أبي بكر بن أحمد بن سالم وفي أيّامه انتشر الجهل، فحرص الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر على كشف غمراته، فبعث بالحبيب عمر بن عبد الله بن يحيى فلم يحسن سياستهم، فردّوه مكسور الخاطر، ثمّ إنّ جدّي المحسن زار شعب المهاجر فلاقى به بعض أبناء الحبيب عبد الله بن حسين، فزيّن له زيارة أبيه، فتوجّهوا معا إلى المسيله، فكلف عليه الحبيب عبد الله أن يذهب إلى عينات ليذكر آل الشّيخ، فاعتذر أوّلا بأنّ معه صغار أولاده، فلم يقبل له عذرا، فذهب وأقام لديهم أربعين يوما، وحصل به نفع عظيم لا يحصل مثله في أعداد من السّنين؛ لأنّ قلوبهم سليمة، وأذهانهم نقيّة.
وفي أيّامه وصل السّيّد عمر بن عليّ بو علامة ـ السّابق ذكره في المكلّا ـ إلى عينات، وسار هو وإيّاه إلى دوعن.
ثمّ حجّ في سنة (1280 ه)، وتوفّي سنة (1283 ه)، وابنه سالم في بندر المكلّا، فنادوا به مع غيابه منصبا ساعة دفن أبيه، وكتبوا له وللنّقيب صلاح بن محمّد الكساديّ وأولاد عمر بن عوض القعيطيّ وهم مجتمعون بالمكلّا، وعندهم يافع من الجبل ومن حضرموت، وناس من الأعجام المسلمين، يقال لهم: الرّويلة، من كابل، يريدون بذلك إخراج غالب بن محسن الكثيريّ من الشّحر، فتمّ لهم ما يريدون.
وكان الحبيب سالم هذا أدّى نسكه مع أبيه، ثمّ توفّي سنة (1295 ه).
ونادوا بابنه أحمد منصبا مع أنّ سنّه لم يكن يومئذ إلّا تسعا، فكان كما قال مروان بن أبي حفصة [في «ديوانه» 75 من الطّويل]:
«فبانت خصال الخير فيه وأكملت *** وما بلغت خمسا سنوه وأربعا»
وكان عمّه الفاضل السّيّد محمّد بن سقّاف غائبا بجاوة، فترك كلّ شيء وخفّ إلى حضرموت اهتماما بتعليمه.
وفي حدود سنة (1306 ه) اتّصل ـ بواسطة عمّه محمّد والسّيّد بو بكر منصب الآتي ذكره ـ بسيّدي الأستاذ الأبرّ اتّصالا أكيدا، ولبس منه، وأخذ عنه، وتحكّم له، وعهدي به وهو ماثل بين يدي الأستاذ في مصلّى والدي بعلم بدر من أرباض سيئون مع أنّه من عشيّة اللّيلة الّتي مثل في صباحها بين يدي سيّدي الأبرّ كان يمشي إلى حفل المولد العامّ، وشيوخ العلويّين ـ ومنهم الأستاذ ـ يمشون وراءه كما يقول الوالد مصطفى المحضار عن مشاهدة، وهو المقدّم عليهم في القعود والقيام.
وفي ذلك العهد كان وصول الفاضل الجليل المنصب أبي بكر بن عبد الرّحمن بن أبي بكر، من ذرّيّة الحبيب عبد الله بن شيخان ابن الشّيخ أبي بكر صاحب لامو إلى حضرة الأستاذ، وهو رجل شهم، ذو أيد وقوّة، فلقد شهدت سيّدي الأستاذ الأبرّ تحت نخلة من بستاننا ظليلة بعد الظّهر إذ سقط عذق والنّاس ملتفّون، وكاد يقع على عمامة سيّدي الأستاذ، فنهض المنصب بو بكر نصف نهضة وتلقّاه بيد واحدة كأنّه كرة، مع أنّه لا ينقص وزنه عن أربعين رطلا.
وله اطّلاع على أسرار الأسماء والحروف، ومعرفة بالأوفاق، وله خطّ جميل.. وكتب «رسالة» ـ أظنّها تتعلّق برحلته واتّصاله بالأستاذ ـ ذكر فيها أخذ الحبيب أحمد بن سالم عن الأستاذ، وفرقان ما بين حاله قبل أخذه وبعده، وأطنب في ذلك بصورة مشوّقة لم يبق بذهني منها إلّا اليسير، ولا لوم؛ فقد كنت يومئذ حوالي السّابعة من عمري، ولو لا أنّ خطّه كان بديعا حسنا، وأنّ الرّسالة كانت مزيّنة بالألوان والنّقوش.. لم يبق لها أثر عندي البتّة، لكنّ وجودها بالصّفة الّتي تستلفت أنظار الصّبيان هو الّذي حمّلني منها ما لا تزال بقاياه بالذّاكرة على بعد العهد وصغر السّنّ، مع أنّي لم أنظرها إلّا وقت وجوده بحضرموت، وهو عام (1306 ه) كما تقدّم.
توفّي الحبيب أحمد بن سالم فجأة سنة (1324 ه)، ووقع رداؤه على ولده عليّ، وكان شابّا نشيطا، مضيافا كثير الإصلاح بين الجنود، وكان السّيّد حسين بن حامد يكرهه ويحسده؛ لامتداد نفوذه وجاهه، وله معه مواقف لم يلن فيها جانبه، ولم يزلّ نعله، ولم يعط المقادة، ولم يسلس الزّمام.
حجّ في سنة (1345 ه)، وأكرم وفادته الملك ابن سعود، وأعطاه خنجرا ومئة جنيه من الذّهب، وتوفّي سنة (1349 ه).
وخلفه ولده المبارك أحمد بن عليّ، وقد اعتنى بتربيته الشّابّ العفيف شيخ بن أحمد بن سالم عمّ أبيه، وأحضره على العلماء، ودبّر أمور دنياه، حتّى لقد مات أبوه مدينا باثني عشر ألف ريال (12000)، ولم يكن ضيفه ولا خرجه بأقلّ من خرج أبيه، ومع ذلك فقد قضى جميع ديون والده، ومرّت الأزمة وفناؤه رحب، وضيفه كرم، وخاطره رخو، وكاهله خفيف بفضل تدبير السّيّد شيخ، فجزاه الله خيرا.
وله فوق ذلك من المحاسن، ولين النّحيزة، وكرم الطّبيعة، واستواء السّرّ والعلانية، والخبرة بأحوال الزّمان، والتّمرّن على سياسة أهله.. ما لا يساهمه أحد فيه.
وللسّادة آل الحامد بن الشّيخ أبي بكر منصب بعينات، وجاه ضخم لدى الصّيعر والمناهيل وغيرهم.
وفي «شمس الظّهيرة» [1 / 288]: أنّ القائم بمنصب جدّه بعد أبيه هو: السّيّد عيدروس بن سالم، ذو السّيرة الحميدة، توفّي بعينات سنة (1170 ه)، وعقبه هناك
ومنهم: ولده المنصب الجليل سالم بن محسن، وخلفه ولده المنوّر البارّ عبد القادر، توفّي وخلفه ولده صالح.
ومنهم: الفاضل العالم الواعظ السّيّد حسن بن إسماعيل، تخرّج برباط تريم على الفاضل العلّامة السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ، ثمّ عاد إلى عينات وابتنى بها رباطا، هو مقيم به على نشر العلم، وقد انتفع به خلق كثير من أهل تلك النّواحي.
وفي عينات جماعة من آل باوزير؛ منهم: العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن أحمد باوزير.
وجماعة من آل بافضل؛ منهم: العلّامة الشّيخ رضوان بن أحمد بافضل، من أعيان أهل العلم والصّلاح، وحسبك أنّ سيّدي عبد الله بن حسين بلفقيه على تحرّيه يشهد له بذلك، توفّي سنة (1265 ه).
وأوّل من نقل منهم من تريم إلى عينات: الشّيخ محمّد بن أحمد بن عبد الرّحمن بن أحمد بارضوان، المتوفّى سنة (1188 ه).
وفي عينات جماعة من آل بايعقوب، أظنّهم من أعقاب قاضي تريم في عصر السّقّاف الشّيخ بو بكر بن محمّد بن أحمد بايعقوب، وناس من آل باحنان وآل باعبده وغيرهم.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
10-المعجم الاشتقاقي المؤصل (بعث)
(بعث): {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]بعثه من نومه فانبعث: أيقظه وأهَبَّه. وبَعَثَ البعيرَ فانبعث: حلَّ عقاله فأرسله، أو كان باركًا فهاجه وأثاره. وانْبَعث في السير: أسرع.
° المعنى المحوري
هو: إثارة (الحيّ) من مكان يلزمه بقوة فيندفع ناهضًا أو
مبتعدًا: كبعث النائم والبعير. ومن ذلك: (أ) بَعْثُ الموتى من القبور: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52]. وهو في كل القرآن بهذا المعنى - عدا ما في الفقرات التالية:
(ب) إنهاض رسول أو نبيّ، أو ملك، أو حَكَم، أو نقيب {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ} [البقرة: 246]، {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} [البقرة: 247] , {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213]، {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [الأعراف: 103] , {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]، ومنه ما في [البقرة 129، 246، آل عمران 164، النساء 35، المائدة 12, 31، التوبة 46، يونس 74، 75: النحل 36، 84، 89، الإسراء 15، 94، الفرقان 41، 51، الشعراء 36، القصص 59، غافر 40، الجمعة 2].
(ج) والبَعْثُ: الإثارة والدفع نحو عمل شيء ما {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 31]، {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء: 5] , {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12].
(د) بعث إنهاض بعد موت مؤقت أو نوم أو نحوه [البقرة 56، 259، الأنعام 60, الكهف 12, 19].
والبعث في آية الرأس هو إقامة ربنا - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك المقام العظيم، يوم القيامة للشفاعة العظمى، أو شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأمته خاصة، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - أول مَدْعُوّ، أو عامٌّ في كل مقام حميد. والأول أقوى. وهناك خاص أتفق مع الرافضين له [ينظر بحر 6/ 70 - 71].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
11-المعجم الاشتقاقي المؤصل (حمد)
(حمد): {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]"أنشد في ل:
وكانتْ من الزوجات يُؤمَنُ غَيْبُها... وترتادُ فيها العينُ مُنتجَعًا حَمْدا
ويقال: أَحْمَدْتُ موضعًا أو أرْضًا: رَضِيتُ سكناه أو مرعاه. ويقال طعام ليست عنده مَحْمِدَة -كمنزلة. أي لا يُحْمَد. [وفي تاج]: الرِعَاء يتحامدون الكلأ. فسره في المعجم الكبير بـ يرتضونه ""."
° المعنى المحوري
غِنَى باطن البَدَن بما يناسبه من غذاء يَقُوته ويقويه وينميه: كالمنتجَع، وهو موضع الكلأ، فإن كونه حَمْدًا يعني أنه كثير الكلأ مُشبع يُستقَرّ فيه. وفي ضوء هذا يُفهم أن الطعامَ الذي ليست عنده مَحْمِدَة هو الذي لا يُغَذِّى ولا يَنْجَعُ في آكله أي لا يَقُوته ولا يُنَمِّيه. فيكون الذي عنده محمدة هو الذي يَغْذُو وَينجع ويُقَوِّى. والرعاء الذين يَتَحامدون الكلأ، أي يرتضونه، إنما يتوخون أو يدل بعضهم بعضا عليه من حيث كونُه حمدًا، أي عنده مَحمِدة، أي له نجوع في الماشية التي يرعونها.
فأصل الحَمد، بإيجاز هو الإشباع والتجوع وما يلزمه من قوة، ويتوسع في لازمه فيكون: الإعطاء والإنعام والإفضال. "نَجع الطعام في الإنسان: هَنَأَ آكلَه أو تبَينَتْ فيه تنميته واستمرأه وصلح عليه. نجع العلَفُ في الدابة. طعام يُنجَع عنه، وبه: إذا نفع واستُمرئ فيُسمَنُ عنه. ماء ناجع: مريء/ نمير ".
ويؤيد أن أصل الحمد هو ما قلناه:
أ) تفسيرهم إياه بالرضا (في المعجم الكبير خمسة تفسيرات بذلك)، والرضا أصبل معناه الامتلاء برخو، وهذا قريب من الامتلاء بالطعام الناجع.
ب) تفسيرهم إياه بالشكر، وتركيب (شكر) يعبر عن امتلاء باطن الشيء بطيّب امتلاءٌ يظهر ويتبين "شَكِرَت الناقةُ: امتلأ ضَرعُها لَبَنًا، والشَكِرَةُ الممتلئة
الضرع من النوق "، والتصريح بامتلاء الضرع باللبن. ووضوح ذلك الامتلاء هو الذي أبرز معنى عرفان النعمة في تركيب (شكر).
ج) كذلك ذُكِر المَدْح في تفسير الحمد، والمدْح أصله يناسب أصل الحْمد: يقال: "تمدَّحت خواصر الماشية: اتّسعت شِبَعًا ".
د) معنى الحمد على ما ذكرناه يحقق التصاقب في المعنى بين (حمد) و (عمد) مقابل تصاقب لفظيهما. فـ (عمد) تعبر عن انتصاب شيء قويٍّ في الأثناء كالعمود. والشِبَع يَعْمِدُ الحيّ من الداخل أي يقيمه.
هـ) وأخيرًا فإن نظير أخذ الحمد من الشِبَع أخذُ المَجْد (الشرف) من الشبع أيضًا: "أمجد الإبلَ: ملأ بطونَها عَلَفا وأشْبعها "وفي الجمهرة "وأصل الْمجد أن تأكل الماشية حتى تمتلئ بطونها. يقال راحت الإبل مُجَدًّا ومواجد "والشِبَعُ وما إليه مصرَّح به في معنى تركيب (مجد) أكثر من مرّة [ينظر ل].
أما الثناء فهو من الثَتى والتثنية التي هي المستوى الأقل في باب الجمع، وهي تراكم ظاهري وليس تجمعًا في الباطن، فهي أقل مناسبة لتفسير الحمد، كما أن الثناء اللفظي ليس مقصورًا على الذكر بخير، فإنهم استعملوه في الشرّ والذمّ "الثناء: ما تصف به الإنسانَ من مدح أو ذم.. أثنى إذا قال خيرًا أو شرًا. وأثنى إذا اغتاب " [ل].
ومما سبق يتبين أنه في التعبير بالحمْد ينبغي أن يُسْتَشْعَر أنه يحمل شيئًا من معنى الإنعام المُقيت المُقيم، وكذا القوة والتمكين اللازمين عن الشبع والنجوع، وكذا معنى العظم اللازم عن الشبع والنجوع أيضًا، أخذًا من كون الطعام ذي المحمِدة هو الذي ينجع أي يغذي ويقوي، ولا يتأدّى معنى الحمْد بالثناء
الكلامي المجرد من استشعار هذه المعاني.
ومن الاستعمالات العربية القديمة التي يبرز فيها جانب مما قلناه الآن قول امرئ القيس [شرح ديوانه 187]:
متى عَهْدُنا بطعان الكُما... ةِ والحمْد والمجْد والسُؤْدُد
فالحمد هنا تعبير عن مستوى من العظمة يتمثل في انتصارٍ أو غيره، ولا يتأتى أن يكون أنهم يُمْدَحون. بَلْهَ أنهم يَمدحون غيرهم.
وفي قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 52] في [طب التركي 14/ 632] رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أي "بأمره "وهذا يكاد يكون هو ما قصدناه بقولنا، إن القوة والتمكين لا زمان لمعنى الحمد. وقول قتادة: "بمعرفته وطاعته "غريب، فإن معنى المعرفة هنا بعيد عن معنى اللفظ، والطاعة إنما هي من طرفهم، ويغني عنها "تستجيبون ". وارتضى [طب] أن معناه "فتستجيبون لله من قبوركم بقدرته ودعائه إياكم، ولله الحمد في كل حال "وكأنه -بعد أن ذكر القُدْرة وهو الدقيق هنا، ويلتقي مع قول ابن عباس- تذكر المعنى المشهور للحمد فقال، ولله الحمد في كل حال. وقد ردّ ابن عطية التفسيرين بناء على أن لفظ الآية لا يعطيهما، وأن "جميع ذلك بأمر الله "اه. فكأنه حمل كلمة "بأمره "في كلام ابن عباس على الإرادة العامة لا على (القضاء بكُنْ) الذي نحمل نحن لفظَ ابن عباس عليه، ثم فسّر هو (بحمده) بالمعنى المشهور للحمد كما قال ابن جبير. وفسّر الزمخشري اللفظ بالمعنى المشهور لكنه قال إنه مبالغة في انقيادهم للبعث. فاستعمل لفظ الانقياد الذي هو الطاعة، وسياق كلامه يقضي أنه يفسّر به الاستجابة. واستعمل الرازي نفس العبارة [الغد العربى 7/ 113] وفي
[قر 10/ 246] "وقيل: المعنى بقدرته "وفي [أبو السعود 5/ 198] "بحمده: حال من ضمير (تستجيبون) أي منقادين له حامدين لما فعل بكم غير مستعصين ". فهم يحومون حول القدرة ثم يأسرهم المعنى المشهور وهو الثناء. والخلاصة أني أرى أن معنى (بحمده) هو بأمره وقدرته وعظمته. فالآيات الثلاث السابقة تذكر إنكارَ الكفار لبعثِهم "خلقًا جديدًا "بعد أن صاروا "عظامًا ورفاتًا "، وتساؤلَهم عمّن له القدرة على أن يعيدهم أحياء، فقيل لهم هو {الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. فتساءلوا {مَتَى هُوَ} فجاءت الآية التي نحن فيها لتجيب بالتوقيت وتضيف الكيفية، لأن الكيفية يتعلق بها شطر الإنكار. فبينَتْ أن ذلك يكون بمجرد دعائه تعالى الأَموات أن يقوموا، فيقومون بقدرته تعالى استجابة لدعائه دون مستحيلات مما توهموه. فأقرب تفسير لقوله تعالى: {يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} تستجيبون للدعاء فتقومون من قبوركم بقدرته أحياء بعد أن صرتم ترابًا بَقِى أو تحول إلى حجارة أو حديد أو غيرهما. وما دام معنى التركيب يسمح بهذا المعنى المناسب، فإن الاستئسار للمعنى المشهور يكون تفريطًا وهضمًا لحق القرآن. ولا أدري كيف غاب عن أئمتنا -غفر الله لنا ولهم- أن هؤلاء الذين تحكي حالهم في قيامهم من قبورهم آيةُ الإسراء هذه هم أنفسهم الذين تحكي نفس حالهم هذا [يس 51 - 52]: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} فهذا ما يقولون عند قيامهم من قبورهم لا أنهم يثنون. وفي قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] تكاد الآية تنطق بأن معناها العظمة لله. وقد أحس الزمخشري بالقلق في مناسبة الحمد (أي بمعناه
المشهور وهو الثناء) لنفي الولد والشريك والذل، لكنه تخلص بأن لواهما إلى أن هذا هو الذي يقدر على إيلاء كل نعمة. وأحس ابن المنيّر بنفس القلق وظن أنه مهّده، لكنه لم يفعل شيئًا لا هنا ولا في أول سورة الأنعام [ينظر الكشاف (العلمية) 2/ 674، 4]. وهناك كثير من الآيات التي لا يسوغ تفسير الحمد فيها إلا بالتعظيم مثل [النحل: 75، النمل: 93، العنكبوت: 63، سبأ: 1، الزمر: 29] بل وكل (تسبيح بحمد الله).
وأقول أيضًا إن معنى الإعطاء أصيل في هذا التركيب من الناحية الاشتقاقية وذلك من جهتين: الأُولَى وجود أصل هذا المعنى، كما في قولهم "منتجع حَمْد "أي فيه من الكلأ ما يَنْجع ويُشبع ويُستقَرَ عليه. والجهة الثانية: الصيغة. فقد كررنا أن صيغة فَعِل للمطاوعة قد تعطي معنى المفعولية فكأن مَنْ حَمِد (كفرح) أُعْطِى ونَجعَ فيه ما أُعْطيه، ويلزم ذلك معنى الشكر. فهذا مدخل هذا المعنى في التركيب وهو أصيل كما هو واضح. وفي [تاج] "الحمْد: الرضا، والجزاء، وقضاء الحق. وقد حَمِده -كسمعه: شكره وجَزَاه وقَضَى حقه ". فمعنى الرضا واضح الأصالة هنا، لأن حقيقته وجود نعمة ورخاوة في الباطن فهو مناظر للحمد. والفعل بمعناه قاصر، وبالمعنيين الآخرين معدًّى. والثناء لازم للشكر وقد يكون تعبيرًا عنه أو عن الجزاء وقضاء الحق، لكنه ثناء مقيد بأنه من نوع المدح، وبأن سبب المدح هو الإعطاء والإفضال. وفي قوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة: 30] قال في [بحر 1/ 291]: "الحمد هو الثناء، والثناء ناشئ عن التوفيق للخير والإنعام على المثنى " (يلحظ أن العبارة الأخيرةَ هي الدقيقة). {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188] ينظر [قر 4/ 306 - 307] فهناك كثير
مما يؤيد ما قلنا.
وفي اسمه سبحانه وتعالى "الحميد "الصيغة يمكن أن تكون بمعنى مُفْعِل (اسم فاعل) كالحكيم بمعنى المحكِم ويكون المعنى: الذي يعطى ما يَنْجَع وُيغْنى ويُعين ونحو ذلك. وهذا معنى جديد، ويلزمه معنى الشكر. فهذا يبرز لمعنى اللفظ رصيدًا آصلَ وأبرزَ حدودًا من الثناء بالكلام الهلاميّ بلا حدود {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267] وكذا كل صفة (حميد) في القرآن الكريم.
وفي تفسير طب "قال أبو جعفر: ومعنى {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الشكر لله خالصًا... بما أنعم على عباده.. النعم التي لا يحصيها العدد... "ثم جاء طب بحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "قال جبريل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - قل يا محمد {الْحَمْدُ لِلَّهِ} قال ابن عباس: الحمد هو الشكر لله، والاستخذاء لله، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه ". ثم قال الطبري "وقد قيل إن قول القائل "الحمد لله "ثناءٌ على الله بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله "الشكر لله "ثناء عليه بنعمه وأياديه "وعزا هذا التفسير إلى كعب الأحبار، ولم يرتض طب هذا التفسير. وبمراجعة ما قلنا يتبين أن ما استخلصنا أنه معنى الحمد هو معنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما. ونلفت إلى قوله "والاستخذاء لله، والإقرار بنعمته "فالاستخذاء معناه الخضوع. والخضوع يكون إزاء قوة قاهرة. وهذا يزكي ما لمحناه ورجّحناه في معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 52]. لكن القوة القاهرة هنا في {الْحَمْدُ لِلَّهِ} هي قوة المنعم الذي يُمِدّ بما يغذو ويقيم ويُنَمِّي، وبكلِّ ما يُصْلح الحياة. فأنسب تفسير لعبارة "الحمد لله "هو: الفضل والتعظيم والفعل لله. فهذا يؤدي معنى الشكر على النعم، والإقرار بأنه القاضي بكل أمر،
الممكّن منه، وهو ما عبر عنه ابن عباس بالاستخذاء.
ومع أن الفخر الرازي لم يقف عند الأصل الاشتقاقي، وإنما ذكر أن "الحمد لا معنى له إلا الثناء على الإنعام ""الحمد عبارة عن مدح الغير بسبب كونه منعمًا متفضلًا [الفائدة السادسة والسابعة في الكلام عن "الحمد لله "في سورة الفاتحة - الغد العربي 1/ 373] فإنه لما عرض لعبارة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثانية في أول سورة الأنعام ذكر عدة معالم:
أ) أن الحمد "لا يحصل (أي لا يوجّه) إلا للفاعل المختار على ما يصدر عنه من الإنعام والإحسان ".
ب) "الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام ".
ج) "قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} تصريح بان المؤثر في وجود هذا العالم فاعل مختار خلقه بالقدرة والمشيئة " [المسألة الأولى في الكلام عن الحمد لله جـ 11 - الغد العربي مجلد 6/ 208 - 209] فما ذكره من الإنعام في (أ) و (ب) هو جانب، وهو المعنى المباشر. وما ذكره في (ج) - وكان قد أغفله: أن الذي يوجّه إليه الحمد فاعل مختار خلق العالم بالقدرة والمشيئة= هو المعنى اللازم. فالتعظيم الذى يخص معنى عبارة (الحمد لله) ليس مقصورًا على التنويه بأنه سبحانه هو المتفضل بالنعم، وإنما يشمل الإقرار بأنه سبحانه هو الفاعل القاضي بكل أمر، الممكّن منه -على ما يؤخذ من عبارة ابن عباس، وهو الذي يزكيه الأصل الاشتقاقي للكلمة. فهذا عن معنى الحمد، وبه معنى {الْحَامِدُونَ} [التوبة: 112]. وفي قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] المحمود: المثني عليه- حسب ما وقفوا
عنده، وقد بينوا المراد بـ (المقام) بأنه الشفاعة العظمى العامة، أو رفعه - صلى الله عليه وسلم - لواء الحمد يوم القيامة وغير ذلك [قر 10/ 309/ 311، بحر 6/ 70 - 71] والتفسيران هما المناسبان للمقام. وأرى أن تفسير صفة (محمود) هنا بالمثنى عليه هو دون ما يستحق هذا المقام بكثير. والمناسب تفسير (محمود) هنا بأنه عظيم أو معظّم -بل بالغ العظم والتعظيم. بل و "لواء الحمد "لا يناسب أن يكون هو لواء (الثناء)، بل لواء اعتراف المؤمنين بعظمته سبحانه، يحمله ويتقدمهم كبير رسل الله إلى البشر، ممثِّلًا للمؤمنين من جميع الأمم، في يوم الحساب الختامي لمسيرة آدم وذريته على الأرض.
وسيدنا (محمد) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه الشريف هذا يعني الممجَّد أي المُعْطَي خيرًا عظيمًا مستقرًّا. ويتأتى أن يكون معناه المفَضّل، وأن يكون معناه العظيم أو المعظّم. وقد فسّره: ابنُ دريد [الاشتقاق 8] وغيرُه بالحَمْد بمعنى الثناء. وكذا الاسم الشريف أحمد: رأى [قر 18/ 83] أنه منقول من أفعل التفضيل أي أحمد الحامدين لربه. ولو قُصِدَ بهذا معنى الشكر والتعظيم والتمجيد لله. عز وجل لكان تفسيرًا صحيحًا. لكن هناك جانبًا آخر هو معنى الصيغة. فإنى أرى أن الاسم الشريف (أحمد) ليس من الفعل المتعدى، وإنما هو من فُعلَ المبني للمفعول بمعنى المحمود، وأجاز هذا ابن القيم -كما نقل عنه الإبياري في [دائرة المعارف الإسلامية 264 - 265] فتلتقي صيغة أحمد مع صيغة محمّد على معنى المحمود. فإنّ أخذ التفضيل من المبني للفاعل غالب لا حَتْمي [ل- جدّ 78] فقد يأتى مما هو بمعنى المفعول، كما قالوا: هو (أجَدُّ) منك أي (أَحَظّ): من مجدود وجَديد وهما بمعنى مفعول، و (الأَحَكُّ) من الناس الذي ليس في فمه سن كأنما
حُكّتُ أسنانه. وكما قالوا (أجْرَد) من جَرِد (كتعب) وانْجَرد، ورجل (أحَصّ): مُنْحَصّ الشعر و (الأحطَبُ) والحَطِب -كتَعِب: الشديد الهزال [وانظر الدرّة الفاخرة 56، 59] وقد قالوا في "العَوْدُ أحْمَدُ "إنه أفعَلُ من المفعول أي أحق بأن يُحْمَد. وللسخاوي في سفر السعادة رأي يصير إلى ما رأيناه [انظر خزانة الأدب للبغدادي 1/ 227] وفائدة ذلك تتبين في التقاء اسمه الشريف محمد باسمه الشريف الوارد في البشرى: أحمد {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
12-المعجم الاشتقاقي المؤصل (رقد)
(رقد): {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18]المَرْقد -بالفتح: المَضْجَع. رَقَد الثوب: أَخْلق، رَقَدَ الحرّ: سَكن.
° المعنى المحوري
امتداد جسم الشيء متسطحًا ثابتًا ساكنًا لا زوائد قائمة منه. كحالة الرقاد، وذهابِ زِئْبرِ الثوب الخَلَق مع رقّته من البِلَى، وكرقود الحر بعد الريح. {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52]. (يعنون مضاجعهم في قبورهم). "ورقد بالمكان: أقام به " (ثبت - انبسط) {هُمْ رُقُودٌ} (نائمون أو كالنائمين في تمددهم وسكونهم) ومن الامتداد والانبساط "المُرْقد: بزنة اسم فاعل من أرقد: دواء يُرْقد شاربه وينومه اهـ [تاج]. وأما "المُرقد: البين من الطريق الواضح "فاستغربه ابن سيده [تاج] ووجهه -إن صح- أنه يمكّن من الإرقاد بمعناه الذي في الفقرة الآتية.
أما قولهم "الإرقاد: سُرْعة السير/ عَدْوُ الناقز (بالزاي حسب ما في التاج) كأنه نَفَر من شَيء فهو يُرْقد. أرقَدَ الظليمُ: أسرع في السير. الرقَدان -محركة: طفر الجَدْى والحمَل ونحوهما ". فإن الابتعاد بسرعة يعد امتدادًا وانبساطًا، كما أن المسرع من الغِزْلان ونحوها يبسط يدَيه ورجليه في العدو أشد البسط ليقطع أبعد مسافة. فالإرقاد والرقدان مستعملان في جزء معنى التركيب.
وأما "الراقود: دَنٌّ طويلُ الأسفل (أسفله مسحوب مستدق كالمخروط) كهيئة الإردبة يُسَيَّعُ داخلُه بالقار " (فلأن هيأته تلك تقضي بأن يوضع على جنبه دائمًا لا يكون منتصبًا. أي أنه راقد دائمًا. ولا معنى لزعم تعريبه).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
13-معجم النحو (من الاستفهامية)
من الاستفهاميّة: نحو {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}.وإذا قيل: «من يفعل هذا إلّا زيد» فهي «من» الاستفهاميّة أشربت معنى النّفي، ومنه {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ}.
وأمّا «من» مع «ذا» (ذا).
معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م
14-المعجم المفصل في النحو العربي (المعرب بالحرف)
المعرب بالحرفاصطلاحا: هو اللّفظ الذي تكون علامة إعرابه وجود حرف، ويكون:
1 ـ في المثنى كقوله تعالى: {فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ} «الفئتان»: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى. «عقبيه» اسم مجرور بالياء لأنه مثنى وحذفت منه النون للإضافة و «الهاء» ضمير متّصل مبنيّ على الكسر في محلّ جرّ بالإضافة. وفي الملحق بالمثنى، كقوله تعالى: {فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ}. «اثنتين» خبر «كان» منصوب بالياء لأنه ملحق بالمثنى. «الثلثان» مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف لأنه مثنى.
2 ـ في جمع المذكر السالم كقوله تعالى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} «الظّالمون»: فاعل مرفوع بـ «الواو» لأنه جمع مذكر سالم. وكقوله تعالى: {وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ} «المشركين» اسم مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
وفي الملحق بجمع المذكر السّالم، كقوله تعالى: {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} «أولي» صفة لـ «عبادا» اسم موصول منصوب بالياء على رأي بعض النحاة أو مبنيّ على الياء على رأي آخرين لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وكقوله تعالى: {نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} «أولو» خبر المبتدأ اسم موصول مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم. وكقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} «البنون» مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم.
3 ـ في الأسماء السّتّة، كقوله تعالى: {إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} «أخوهم»: فاعل مرفوع بالواو لأنه من الاسماء السّتّة. وكقوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} «أخيك» اسم مجرور بـ «الياء» لأنه من الأسماء السّتّة.
4 ـ في الأفعال الخمسة في حالة الرّفع، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} «تشكرون» فعل مضارع مرفوع بثبوت النّون لأنه من الأفعال الخمسة. وكقوله تعالى: {يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا}.
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
15-المعجم المفصل في النحو العربي (من الاستفهامية)
من الاستفهاميّةاصطلاحا: هي اسم استفهام يكون دائما مبنيا على السّكون وله محل من الإعراب حسب موقعه في الكلام، كقوله تعالى: {قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ} «من»: اسم استفهام مبنيّ على السّكون في محل رفع مبتدأ.
وكقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ} «من»: اسم استفهام مبنيّ على السّكون في محل رفع مبتدأ. ومثل: «ممّن تخاف؟» «ممن» مؤلفة من «من» حرف جر. و «من»: اسم استفهام مبنيّ على السّكون في محل جر بـ «من».
وقد تقع في موقع الحكاية فتقول: «جاء زيد» فيقال: «من زيد». وتقول: «رأيت زيدا» فيقال: «من زيدا». وتقول: «مررت بعمرو»: فيقال: «من عمرو». فيحمل هذا على الحكاية. «من»: اسم استفهام مبنيّ على السّكون في محل رفع خبر مقدّم. «عمرو» مبتدأ مؤخر مرفوع بالضّمّة المقدّرة على الآخر منع من ظهورها حركة الحكاية واختلف في هذا، فقال سيبويه: وسمعت أعرابيا مرّة يقول لرجل سأله: أليس قرشيّا فقال: «ليس بقرشيا». وأمّا بنو تميم فيرفعونه على كل حال.
يقول سيبويه: وهذا أقيس الحالين.
تثنيتها وجمعها: قد تثنّى «من» الاستفهاميّة إذا كان المستفهم عنه نكرة. فإذا قلت: «رأيت ولدين» فيقال: «منين؟» وإذا قيل: «جاء ولدان».
فنقول: «منان؟» أو تقول «جاء أولاد» فتقول: «منون؟» وإذا قلنا: «رأيت أولادا». فنقول: «منين» وإذا قيل: رأيت فتاة. فنقول: منه؟ وإذا قيل: «رأيت فتيات» فنقول: منات.
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
16-معجم البلدان (توج)
تَوَّجُ:بفتح أوله، وتشديد ثانيه وفتحه أيضا، وجيم، وهي توّز، بالزاي، وسنعيد ذكرها ايضا:
مدينة بفارس قريبة من كازرون شديدة الحرّ لأنها في غور من الأرض ذات نخل، وبناؤها باللّبين، بينها وبين شيراز اثنان وثلاثون فرسخا، ويعمل فيها ثياب كتّان تنسب إليها، وأكثر من يعمل هذا الصنف بكازرون لكن اسم توّج غالب عليه لأن أهل توّج أحذق بصناعته، وهي ثياب رقيقة مهلهلة النسج كأنها المنخل، إلا أن ألوانها حسنة، ولها طرز مذهبة، تباع حزما بالعدد، وكان أهل خراسان يرغبون فيها، وتجلب إليهم كثيرا، وقد يعمل منها صنف صفيق جيّد ينتفع به، وهي مدينة صغيرة واسمها كبير وقد فتحت في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سنة 18 أو 19، وأمير المسلمين مجاشع ابن مسعود فالتقوا أهل فارس بتوّج فهزّم الله أهل فارس وافتتح توّج بعد حروب عنوة، وأغنمهم عسكره ثم صالحهم على الجزية، فرجعوا إلى أوطانهم وأقرّوا فقال مجاشع بن مسعود في ذلك:
«ونحن ولينا مرّة بعد مرّة *** بتوّج، أبناء الملوك الأكابر»
«لقينا جيوش الماهيان بسحرة، *** على ساعة تلوي بأهل الحظائر»
«فما فتئت خيلي تكرّ عليهم، *** ويلحق منها لاحق غير حائر»
وقال أحمد بن يحيى: وجّه عثمان بن أبي العاصي الثقفي أخاه الحكم في البحر من عمان لفتح فارس، ففتح مدينة بركاوان ثم سار إلى توّج، وهي أرض أردشير خرّه، وفي رواية أبي مخنف أن عثمان بن أبي العاصي بنفسه قطع البحر إلى فارس فنزل توّج ففتحها، وبنى بها المساجد وجعلها دارا للمسلمين، وأسكنها عبد القيس وغيرهم، وكان يغير منها إلى أرّجان، وهي متاخمة لها، ثم شخص منها وعن فارس إلى عمان والبحرين بكتاب عمر إليه في ذلك، واستخلف أخاه الحكم، وقال غيره: إن الحكم فتح توّج وأنزلها المسلمين من عبد القيس وغيرهم، وكان ذلك في سنة 19، ثم كانت وقعة ريشهر كما نذكرها في ريشهر، وقتل سهرك مرزبان فارس حينئذ، وكتب عمر إلى عثمان بن أبي العاصي أن يعبر إلى فارس بنفسه، فاستخلف أخاه حفصا، وقيل المغيرة، وعبر إلى توّج فنزلها، وكان يغزو منها، وكان بعض أهل توّج يقول: إن توّج مصرّت بعد قتل سهرك وينسب إليها جماعة، منهم: أبو بكر أحمد بن الحسين بن أحمد بن مردشاد السيرافي التوّجي، سمع منه أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي الحافظ وغيره وأما قول مليح الهذلي:
«بعثنا المطايا، فاستخفّت كما هوت *** قوارب يزفيها وسيج سفنّج»
«ليوردها الماء الذي نشطت له، *** ومن دونه أثباج فلج فتوّج»
يزفيها: يسرع بها. والوسيج: ضرب من السير.
والسفنج: الظليم. توّج: هو موضع بالبادية ينسب إليه الصّقور قال الشّمردل:
«قد أغتدي، والليل في حجابه، *** والليل لم يأو الى مهابة»
«بتوّج إذ صاد، في شبابه، *** معاود قد ذلّ في اصعابه»
وقال الراجز:
«أحمر من توّج محض حسبه، *** ممكّن على الشمال مركبه»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
17-معجم البلدان (ضراف)
ضِرَافٌ:هكذا ضبطه السكّري في كتاب اللصوص بخط متقن قد عرض على الأئمة، وهو بالصاد المهملة في لغة العرب إلّا ما روى الأزهري عن المنذر عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الضّرف شجر التين، ويقال لثمره البلس، الواحدة ضرفة، قال: وهو غريب جاء في قول العطّاف العقيلي أحد اللّصوص:
«إذا كلّ حاديها من الإنس، أو ونى *** بعثنا لها من ولد إبليس حاديا»
«فلن ترتعي جنبي ضراف ولن ترى *** جبوب سليل ما عددت اللّياليا»
الجبوب، بباءين موحدتين: الأرض الغليظة، ويروى جنوب، بالنون، جمع جنب، والأوّل أحب.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
18-معجم البلدان (هرشى)
هَرْشَى:بالفتح ثم السكون، وشين معجمة، والقصر، يقال: رجل هرش وهو الجافي المائق، وهارشت بين الكلاب معروف: وهي ثنية في طريق مكة قريبة من الجحفة يرى منها البحر ولها طريقان فكل من سلك واحدا منهما أفضى به إلى موضع واحد، ولذلك قال الشاعر:
«خذا أنف هرشى أو قفاها فإنما *** كلا جانبي هرشى لهنّ طريق»
عن ابن جعدة: عاتب عمر بن عبد العزيز رجلا من قريش كانت أمه أخت عقيل بن علّفة فقال له:
قبحك الله أشبهت خالك في الجفاء! فبلغ عقيلا فجاء حتى دخل على عمر فقال له: ما وجدت لابن عمك
شيئا تعيره به إلا خؤولتي فقبح الله شرّكما خالا! فقال صخر بن الجهم العدوي وأمه قرشية: آمين يا أمير المؤمنين قبح الله شرّ كما خالا، وأنا معكما، فقال عمر: إنك لأعرابيّ جلف جاف، أما لو تقدمت إليك لأدّبتك، والله لا أراك تقرأ من كتاب الله شيئا! فقال: بلى إني
«خذا أنف هرشى أو قفاها فإنما *** كلا جانبي هرشى لهن طريق»
فجعل القوم يضحكون من عجرفته، وقيل إن هذا الخبر كان بين يعقوب بن سلمة وهو ابن بنت لعقيل وبين عمر بن عبد العزيز، وإنه قال لعمر:
بلى والله إني لقارئ لآية وآيات، وقرأ: إنّا بعثنا نوحا إلى قومه، فقال عمر: قد أعلمتك أنك لا تحسن، ليس هكذا، قال: فكيف؟ فقال: إنّا أرسلنا نوحا إلى قومه، فقال: ما الفرق بين أرسلنا وبعثنا؟
«خذا أنف هرشى أو قفاها فإنما *** كلا جانبي هرشى لهن طريق»
وقال عرّام: هرشى هضبة ململمة لا تنبت شيئا وهي على ملتقى طريق الشام وطريق المدينة إلى مكة وهي في أرض مستوية، وأسفل منها ودّان على ميلين مما يلي مغيب الشمس يقطعها المصعدون من حجّاج المدينة ينصبّون منها منصرفين إلى مكة، ويتصل بها مما يلي مغيب الشمس خبث رمل في وسط هذا الخبت جبيل أسود شديد السواد صغير يقال له طفيل.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
19-معجم القواعد العربية (إبدال الميم من الواو والميم)
إبدال الميم من الواو والميم:تبدل الميم من الواو وجوبا في «فم» وأصله «فوه» بدليل تكسيره على أفواه فحذفوا الهاء تخفيفا ثم أبدلوا الميم من الواو.
فإذا أضيف إلى ظاهر أو مضمر يرجع به إلى الأصل فيقال: «فو عمّار». و «فوك» وربّما بقي الإبدال مع الإضافة نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «لخلوق فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك» ونحو قول رؤبة:
«كالحوت لا يلهيه شيء يلقمه *** يصبح ظمآنا وفي البحر فمه »
وتبدل الميم من النون بشرطين: سكونها، ووقوعها قبل الباء، سواء أكانتا في كلمة نحو: {انْبَعَثَ أَشْقاها} أو كلمتين نحو: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا}.
ويسمّي مثل هذا علماء التّجويد: إقلابا إبدال الهاء من التاء: تبدل الهاء من التاء اطّرادا في الوقوف على نحو «نعمة» و «رحمة» وهي تاء التأنيث التي تلحق الأسماء وبعض الحروف.
وإبدالها من غير التاء مسموع في الألف تقول: «هرقت الماء» والأصل: أرقت الماء. وفي «هيّاك» وأصلها: إيّاك و «لهنّك» وأصلها: لأنّك. و «هردت الخير» أصلها: أردت. و «هرحت الدّابّة» أصلها: أرحت.
معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه/1984م
20-معجم القواعد العربية (من الاستفهامية)
من الاستفهاميّة:نحو: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}. وإذا قيل: «من يفعل هذا إلّا زيد» فهي «من» الاستفهاميّة أشربت معنى النّفي، ومنه: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ}. وإذا دخل عليها حرف الجر لم يغيّرها، تقول «بمن تمرّ؟».
وإذا قيل: رأيت زيدا، فتقول مستفهما: من زيدا؟ وإذا قيل مررت بزيد، تقول: من زيد؟ وإذا قيل: هذا عبد الله تقول: من عبد الله؟ وهذا قول أهل الحجاز حملوه على الحكاية، يقول سيبويه: وسمعت عربيّا مرّة يقول لرجل سأله: أليس قرشيّا فقال: ليس بقرشيّا، وأمّا بنو تميم فيرفعونه على كلّ حال، يقول سيبويه: وهو أقيس القولين.
معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه/1984م
21-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (استعارة المعقول للمعقول)
استعارة المعقول للمعقول:قال المصري: «وهي ألطف الاستعارات»، وذلك أن يستعار شيء معقول لشيء معقول لاشتراكهما في وصف عدمي أو ثبوتي، وأحدهما أكمل في الوصف فيتنزل الناقص منزلة الكامل كاستعارة العدم للوجود إذا اشتركا في عدم الفائدة، أو استعارة اسم الوجود للعدم إذا بقيت آثاره المطلوبة منه كتشبيه الجهل بالموت لاشتراك الموصوف بهما في عدم الادراك والعقل.
ومنها قوله تعالى: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}، فان المستعار منه الرقاد، والمستعار له الموت، والجامع لهما عدم ظهور الأفعال، والجميع عقلي وقوله: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}، المستعار السكوت، والمستعار منه الساكت، والمستعار له الغضب.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
22-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (حسن المقطع)
حسن المقطع:هو الانتهاء وبراعة المقطع وحسن الخاتمة، وقد سمّاه كذلك الثعالبي والوطواط وابن قيم الجوزية والتيفاشي وكان العسكري قد تحدث عن ذلك فقال: «وقلما رأينا بليغا إلا وهو يقطع كلامه على معنى بديع أو لفظ حسن رشيق» وقال: «فينبغي أن يكون آخر بيت قصيدتك أجود بيت فيها وأدخل في المعنى الذي قصدت له في نظمها».
وتحدث العسكري أيضا عن حسن المقطع وقال: «ومن حسن المقطع جودة الفاصلة وحسن موقعها وتمكنها في موضعها ». وهو ثلاثة أضرب:
الأوّل: أن يضيق الشاعر موضع القافية فيأتي بلفظ قصير قليل الحروف فيتمم به البيت، كقول زهير:
«وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ***ولكنّني عن علم ما في غد عمي »
وقول النابغة:
«كالأقحوان غداة غبّ سمائه ***جفّت أعاليه وأسفله ندي »
الثاني: أن يضيق به المكان أيضا ويعجز عن إيراد كلمة سالمة تحتاج الى إعراب ليتم بها البيت فيأتي بكلمة معتلة لا تحتاج الى الإعراب فيتمه بها، كقول امرئ القيس:
«بعثنا ربيّا قبل ذاك مخمّلا***كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي »
وقول زهير:
«صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو***وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل »
وقول الحطيئة:
«دع المكارم لا ترحل لبغيتها***واقعد فانّك أنت الطاعم الكاسي »
الثالث: أن تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها من ألفاظ الجزء من الرسالة أو البيت من الشعر وتكون مستقرة في قرارها ومتمكنة في موضعها حتى لا يسدّ مسدّها غيرها وإن لم تكن قصيرة قليلة الحروف، كقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى}. فابكى مع أضحك وأحيا مع أمات والانثى مع الذكر. وقوله تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}، فالأولى مع الآخرة والرضا مع العطية في نهاية الجودة وغاية حسن الموقع.
ومن الشعر قول الحطيئة:
«هم القوم الذين إذا ألمّت ***من الأيام مظلمة أضاءوا»
وقول أبي نواس:
«إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت ***له عن عدوّ في ثياب صديق »
وهذا معنى واسع لحسن المقطع، لأنّ حسن الانتهاء أو الخاتمة تخص الرسالة او الخطبة او القصيدة، ولكن العسكري في هذا القسم يدخل نهاية أي كلام سواء أكان عبارة أم بيت شعر، ويضم الفاصلة والقافية الى هذا النوع.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
23-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (المدرج)
المدرج:درج يدرج درجا: مشى مشيا ضعيفا ودبّ، ودرجت الثوب. طويته والإدراج لف الشيء في الشيء. والمدرج من الحديث أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي فيحسبها من يسمعها مرفوعة في الحديث فيرويها كذلك. قال الزركشي: «هذا النوع سمّيته بهذه التسمية بنظير المدرج من الحديث، وحقيقته في أسلوب القرآن أن تجيء الكلمة الى جنب أخرى كأنها في الظاهر معها وهي في الحقيقة غير متعلّقة بها». كقوله تعالى ذاكرا عن بلقيس: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} هو من قول الله لا من قول المرأة. ومنه قوله تعالى: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} انتهى قول المرأة ثم قال يوسف عليهالسلام: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} معناه: ليعلم الملك أنّي لم أخنه.
ومنه: {يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} تمّ الكلام فقالت الملائكة: {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}. وقوله تعالى حكاية عن ملأ فرعون: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} هذا قول الملأ ثم قال فرعون: {فَما ذا تَأْمُرُونَ}.
وكان ابن قتيبة قد تحدث عن هذا النوع في باب «مخالفة ظاهر اللفظ معناه» وقال: «ومنه أن يتصل الكلام بما قبله حتى يكون كأنه قول واحد وهو قولان» وذكر الآيات السابقة.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
24-موسوعة الفقه الكويتية (آل)
آلالْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ
مَعْنَى الْآلِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا
التَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الْآلِ فِي اللُّغَةِ الْأَتْبَاعُ، يُقَالُ: آلُ الرَّجُلِ؛ أَيْ أَتْبَاعُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ. وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ غَالِبًا، فَلَا يُقَالُ: آلُ الْإِسْكَافِ، كَمَا يُقَالُ أَهْلُهُ.
وَقَدِ اسْتُعْمِلَ لَفْظُ أَهْلٍ مُرَادِفًا لِلَفْظِ آلٍ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ لَفْظُ أَهْلٍ أَخَصَّ إِذَا اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى زَوْجَةٍ، كَمَا فِي قوله تعالى خِطَابًا لِزَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ- عليه السلام- عِنْدَمَا قَالَتْ: {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» وَالْمُرَادُ زَوْجَاتُهُ.
مَعْنَى الْآلِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ:
2- لَمْ يَتَّفِقْ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَعْنَى الْآلِ، وَاخْتَلَفَتْ لِذَلِكَ الْأَحْكَامُ عِنْدَهُمْ.
فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْآلَ وَالْأَهْلَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَكِنَّ مَدْلُولَهُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَهْلَ بَيْتِ الرَّجُلِ وَآلَهُ وَجِنْسَهُ وَاحِدٌ. وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي النَّسَبِ إِلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إِسْلَامُ الْأَبِ الْأَعْلَى. فَكُلُّ مَنْ يُنَاسِبُهُ إِلَى هَذَا الْأَبِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ لَفْظَ الْآلِ يَتَنَاوَلُ الْعَصَبَةَ، وَيَتَنَاوَلُ كُلَّ امْرَأَةٍ لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا رَجُلٌ كَانَ عَاصِبًا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ آلَ الشَّخْصِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَقَوْمَهُ وَنُسَبَاءَهُ وَقَرَابَتَهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ آلَ الرَّجُلِ أَقَارِبُهُ، وَأَهْلُهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ أَقَارِبُهُ وَزَوْجَتُهُ.
وَلِلْآلِ إِطْلَاقٌ خَاصٌّ فِي عِبَارَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ- صلى الله عليه وسلم-. فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ قَرَابَتُهُ- عليه الصلاة والسلام- الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ. وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ، وَإِلَيْهِ مَالَ مَالِكٌ، وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الْمُغْنِي: آلُ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ.
الْمَبْحَثُ الثَّانِي
أَحْكَامُ الْآلِ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ
3- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ أَبَدًا عَلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهِيَ وَقْفٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ- تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ وَأَبُو أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا، وَوَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ، وَالْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَالذِّمِّيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ. وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَاقِفُ، وَلَا الْأَبُ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، وَلَا الْإِنَاثُ مِنْ نَسْلِهِ إِنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ. وَإِنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ مِمَّنْ يُنَاسِبُهُ إِلَى جَدِّهِ الَّذِي أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ فَهُمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَالْآلُ وَالْأَهْلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عِنْدَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا، فَلَوْ أَوْصَى لآِلِهِ أَوْ أَهْلِهِ، يَدْخُلُ فِيهِمْ مَنْ جَمَعَهُمْ أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ. وَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ مِمَّنْ لَا يَرِثُ.
وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ لِزَوْجَةِ فُلَانٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ مِنَ الْأَحْرَارِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ زَوْجَتُهُ وَالْيَتِيمُ فِي حِجْرِهِ، وَالْوَلَدُ إِذَا كَانَ يَعُولُهُ. فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا قَدِ اعْتَزَلَ، أَوْ بِنْتًا قَدْ تَزَوَّجَتْ، فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَارِثُ الْمُوصِي وَلَا الْمُوصَى لِأَهْلِهِ.
وَجْهُ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ أَنَّ الْأَهْلَ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَبَرًا عَنْ سَيِّدِنَا نُوحٍ- عليه السلام-: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ لُوطٍ- عليه السلام-: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ}
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَهْلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ الزَّوْجَةُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُتَأَهِّلٌ، وَفُلَانٌ لَمْ يَتَأَهَّلْ، وَفُلَانٌ لَيْسَ لَهُ أَهْلٌ، وَيُرَادُ بِهِ الزَّوْجَةُ، فَتُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْوَاقِفَ لَوْ وَقَفَ عَلَى آلِهِ أَوْ أَهْلِهِ شَمَلَ عَصَبَتَهُ مِنْ أَبٍ وَابْنٍ وَجَدٍّ وَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ وَبَنِيهِمُ الذُّكُورِ، وَشَمَلَ كُلَّ امْرَأَةٍ لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا رَجُلٌ كَانَ عَاصِبًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْلَ التَّقْدِيرِ عَصَبَةً بِغَيْرِهَا أَمْ مَعَ غَيْرِهَا، كَأُخْتٍ مَعَ أَخٍ أَوْ مَعَ بِنْتٍ، أَمْ كَانَتْ غَيْرَ عَاصِبَةٍ أَصْلًا، كَأُمٍّ وَجَدَّةٍ.
وَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ لِأَهْلِي بِكَذَا، اخْتَصَّ بِالْوَصِيَّةِ أَقَارِبَهُ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَةٍ لِلْمُوصِي، وَلَا يَدْخُلُ أَقَارِبُهُ لِأَبِيهِ حَيْثُ كَانُوا يَرِثُونَهُ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ لِأَبِيهِ لَا يَرِثُونَهُ. فَإِنْ وُجِدُوا اخْتُصُّوا بِالْوَصِيَّةِ، وَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَقَارِبُهُ لِأُمِّهِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِدُخُولِ أَقَارِبِ الْأُمِّ مَعَ أَقَارِبِ الْأَبِ فِيهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ أَوْصَى الْمُوصِي لآِلِ غَيْرِهِ- صلى الله عليه وسلم- صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، وَحُمِلَ عَلَى الْقَرَابَةِ لَا عَلَى أَهْلِ الدِّينِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا يُفَوَّضُ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ. وَأَهْلُ الْبَيْتِ كَالْآلِ. وَتَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ أَيْضًا. وَإِنْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَيْتِ دَخَلَ كُلُّ مَنْ تَلْزَمُهُ مَئُونَتُهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ أَوْصَى لآِلِهِ أَوْ أَهْلِهِ خَرَجَ
الْوَارِثُونَ مِنْهُمْ، إِذْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَدَخَلَ مِنْ آلِهِ مَنْ لَا يَرِثُ.
الْمُرَادُ بِآلِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- عَامَّةً:
4- آلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَبَّاسٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَآلُ أَبِي لَهَبٍ.
فَإِنَّ عَبْدَ مَنَافٍ وَهُوَ الْأَبُ الرَّابِعُ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَعْقَبَ أَرْبَعَةً، وَهُمْ هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ. ثُمَّ إِنَّ هَاشِمًا أَعْقَبَ أَرْبَعَةً، انْقَطَعَ نَسَبُهُمْ إِلاَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ أَعْقَبَ اثْنَيْ عَشَرَ.
آلُ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- الَّذِينَ لَهُمْ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ:
5- هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَبَّاسٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمَوَالِيهِمْ، خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمَعَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَيْثُ لَمْ يَعُدُّوا الْمَوَالِيَ مِنَ الْآلِ. أَمَّا أَزْوَاجُهُ- صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَافَّةً اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ- عليه الصلاة والسلام- لَا يَدْخُلْنَ فِي آلِهِ الَّذِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، لَكِنْ فِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. قَالَ: رَوَى الْخَلاَّلُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بَعَثَ إِلَى عَائِشَةَ- رضي الله عنها- سُفْرَةً مِنَ الصَّدَقَةِ، فَرَدَّتْهَا، وَقَالَتْ: إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ الصَّدَقَةُ وَأَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
حُكْمُ أَخْذِ آلِ الْبَيْتِ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ:
6- إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- الْمَذْكُورِينَ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ إِلَيْهِمْ بِاتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «يَا بَنِي هَاشِمٍ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ، وَعَوَّضَكُمْ عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ»
وَالَّذِينَ ذُكِرُوا يُنْسَبُونَ إِلَى هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَنِسْبَةُ الْقَبِيلَةِ إِلَيْهِ.
وَخَرَجَ أَبُو لَهَبٍ- وَإِنْ كَانَ مِنَ الْآلِ- فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَى بَنِيهِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَبْطَلَ قَرَابَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- «لَا قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي لَهَبٍ، فَإِنَّهُ آثَرَ عَلَيْنَا الْأَفْجَرِينَ» وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ وَلِذُرِّيَّتِهِمْ، حَيْثُ نَصَرُوهُ- صلى الله عليه وسلم- فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَفِي إِسْلَامِهِمْ. وَأَبُو لَهَبٍ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، فَلَمْ يَسْتَحِقَّهَا بَنُوهُ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ فِي كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ: يَحْرُمُ إِعْطَاءُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ آلِ أَبِي لَهَبٍ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ كَوْنُهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
7- وَاخْتُلِفَ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ أَخِي هَاشِمٍ هَلْ تُدْفَعُ الزَّكَاةُ إِلَيْهِمْ؟
فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي عُمُومِ قوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} لَكِنْ خَرَجَ بَنُو هَاشِمٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لآِلِ مُحَمَّدٍ» فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَنْعُ بِهِمْ.
وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ بَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَشْرَفُ، وَهُمْ آلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَمُشَارَكَةُ بَنِي الْمُطَّلِبِ لَهُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ لَمْ يَسْتَحِقُّوهُ بِمُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ يُسَاوُونَهُمْ فِي الْقَرَابَةِ وَلَمْ يُعْطَوْا شَيْئًا، وَإِنَّمَا شَارَكُوهُمْ بِالنُّصْرَةِ، أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا، وَالنُّصْرَةُ لَا تَقْتَضِي مَنْعَ الزَّكَاةِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَوْلُ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لَيْسَ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ الْأَخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ. إِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَلِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْأَخْذُ، كَبَنِي هَاشِمٍ. وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَّلَ مَنْعَهُمُ الصَّدَقَةَ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «أَلَيْسَ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ؟»
8- هَذَا وَقَدْ رَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ إِعْطَاءِ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الزَّكَاةِ إِذَا أُعْطُوا مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا، وَأَضَرَّ بِهِمُ الْفَقْرُ أُعْطُوا مِنْهَا. وَإِعْطَاؤُهُمْ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْ إِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ.
وَقَيَّدَهُ الْبَاجِيُّ بِمَا إِذَا وَصَلُوا إِلَى حَالَةٍ يُبَاحُ لَهُمْ فِيهَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ، لَا مُجَرَّدُ ضَرَرٍ. وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَأَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَلَوْ لَمْ يَصِلُوا إِلَى حَالَةِ إِبَاحَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ، إِذْ إِعْطَاؤُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ خِدْمَتِهِمْ لِذِمِّيٍّ أَوْ ظَالِمٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لآِلِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- الزَّكَاةُ، وَإِنْ حُبِسَ عَنْهُمُ الْخُمُسُ، إِذْ لَيْسَ مَنْعُهُمْ مِنْهُ يُحِلُّ لَهُمْ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ، خِلَافًا لِأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ الَّذِي قَالَ: إِنْ مُنِعُوا حَقَّهُمْ مِنَ الْخُمُسِ جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا حُرِمُوا الزَّكَاةَ لِحَقِّهِمْ فِي الْخُمُسِ، فَإِذَا مُنِعُوا مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِمْ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَنْعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَى الْآلِ الصَّدَقَةُ وَإِنْ مُنِعُوا حَقَّهُمْ فِي الْخُمُسِ.
أَخْذُ الْآلِ مِنَ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ:
9- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لآِلِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- الْأَخْذُ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّهَا أَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ غَلَّةِ الْوَقْفِ إِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَمْ يُسَمِّ بَنِي هَاشِمٍ، لَا يَجُوزُ.
وَصَرَّحَ فِي «الْكَافِي» بِدَفْعِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ إِلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَيَانُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ خِلَافٍ، فَقَالَ: وَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ، فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ، فَيَتَدَنَّسُ الْمَالُ الْمُؤَدَّى، كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِي النَّفْلِ يَتَبَرَّعُ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ، فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى. ا هـ.
قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْحَقُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إِجْرَاءُ صَدَقَةِ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي النَّافِلَةِ جَوَازُ الدَّفْعِ، يَجِبُ دَفْعُ الْوَقْفِ، وَإِلاَّ فَلَا؛ إِذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ، إِذْ لَا إِيقَافَ وَاجِبٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْآلِ مِنَ الْوَصَايَا لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ، وَكَذَا النُّذُورُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ تَطَوُّعٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لَهُمْ. وَعَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُمُ الْأَخْذُ مِنْهُمَا.
وَفِي الْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمْ وَجْهٌ آخَرُ بِالْجَوَازِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ وَلَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، فَأَشْبَهَتْ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ.
حُكْمُ أَخْذِ الْآلِ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ:
10- لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ اتِّجَاهَاتٍ:
الْأَوَّلُ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، تَشْبِيهًا لَهَا بِالْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ.
الثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَهِيَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ آلِ الْبَيْتِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَامَّةٌ، فَتَشْمَلُ الْمَفْرُوضَةَ وَالنَّافِلَةَ.
الثَّالِثُ: الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
(
الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ
مَوَالِي آلِ الْبَيْتِ وَالصَّدَقَاتُ
11- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ مَوَالِيَ آلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَهُمْ مَنْ أَعْتَقَهُمْ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ، حَسَبَ الْخِلَافِ السَّابِقِ، لَا يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ، مُسْتَدِلِّينَ بِمَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا. فَقَالَ: لَا، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَلِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَرِثُهُمْ بَنُو هَاشِمٍ بِالتَّعْصِيبِ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إِلَيْهِمْ كَبَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَثَبَتَ لَهُمْ حُكْمُ الْقَرَابَةِ مِنَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ وَالنَّفَقَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ. وَإِذَا حَرُمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى مَوَالِي الْآلِ، فَأَرِقَّاؤُهُمْ وَمُكَاتَبُوهُمْ أَوْلَى بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الرَّقِيقِ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ، بِخِلَافِ الْعَتِيقِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُ دَفْعِ الصَّدَقَةِ لِمَوَالِي آلِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يُمْنَعُوا الصَّدَقَةَ، كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَوَّضُوا عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْرَمُوهَا، كَسَائِرِ النَّاسِ.
دَفْعُ الْهَاشِمِيِّ زَكَاتَهُ لِهَاشِمِيٍّ:
12- يَرَى أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ، أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْهَاشِمِيِّ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إِلَى هَاشِمِيٍّ مِثْلِهِ، قَائِلِينَ: إِنَّ قَوْلَهُ- عليه الصلاة والسلام- «يَا بَنِي هَاشِمٍ، إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ، وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» لَا يَنْفِيهِ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ «النَّاسِ» غَيْرُهُمْ لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْخِطَابِ الْمَذْكُورِ، وَالتَّعْوِيضُ بِخُمُسِ الْخُمُسِ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عِوَضًا عَنْ صَدَقَاتِ أَنْفُسِهِمْ.
وَلَمْ نَهْتَدِ إِلَى حُكْمِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
عِمَالَةُ الْهَاشِمِيِّ عَلَى الصَّدَقَةِ بِأَجْرٍ مِنْهَا:
13- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْهَاشِمِيِّ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا عَلَى الصَّدَقَاتِ بِأَجْرٍ مِنْهَا، تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ، وَلِمَا رَوَى «عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَا: لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَمَّرَهُمَا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَصَابَا مِنْهَا كَمَا يُصِيبُ النَّاسُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تُرْسِلُوهُمَا. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ وَأَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَجِئْنَاكَ لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبُ كَمَا يُصِيبُونَ. قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لآِلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ».
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ أَخْذَ الْهَاشِمِيِّ الْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا لَا حَرَامٌ.
وَجَوَّزَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْحَمَّالُ وَالْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ وَالْحَافِظُ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا.
وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْآلِ الْأَخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ عِمَالَةً، لِأَنَّ مَا يَأْخُذُونَهُ أَجْرٌ، فَجَازَ لَهُمْ أَخْذُهُ، كَالْحَمَّالِ وَصَاحِبِ الْمَخْزَنِ إِذَا آجَرَهُمْ مَخْزَنَهُ.
الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ
الْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ وَحَقُّ آلِ الْبَيْتِ
تَعْرِيفُ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ عَلَى أَقْوَالٍ، تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: «أَنْفَالٌ» «وَغَنِيمَةٌ» «وَفَيْءٌ».
حَقُّ آلِ الْبَيْتِ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ:
14- لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فِي أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُقَسَّمُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلْغَانِمِينَ، وَالْخَامِسُ لِمَنْ ذُكِرُوا فِي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الْآيَةَ. لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَصْرِفِ الْخُمُسِ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ- عليه الصلاة والسلام-، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إِنَّ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ الْخَامِسَ يُقَسَّمُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ.
الْأَوَّلُ: سَهْمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِلْآيَةِ، وَلَا يَسْقُطُ بِوَفَاتِهِ، بَلْ يُصْرَفُ بَعْدَهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَالْمَسَاجِدِ.
وَالثَّانِي: سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ، لِاقْتِصَارِهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى بَنِي الْأَوَّلِينَ مَعَ سُؤَالِ بَنِي الْآخَرِينَ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ لَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ.
وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى، كَالْإِرْثِ. وَحَكَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِيهِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ.
وَالْأَسْهُمُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الدِّيوَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَحَقَّهُ بِحُصُولِ النُّصْرَةِ، فَيَكُونُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النُّصْرَةِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ.
وَالْفَيْءُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، يُخَمَّسُ، وَمَصْرِفُ الْخُمُسِ مِنْهُ كَمَصْرِفِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ.
وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ، وَيَكُونُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِمْ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْخُمُسَ الَّذِي لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ إِلَخْ، يُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ. وَيَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ، يُعْطَوْنَ كِفَايَتَهُمْ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَى أَغْنِيَائِهِمْ شَيْءٌ.
وَذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ يُدْفَعُ إِلَى فُقَرَائِهِمْ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَالْفَيْءُ لَا يُخَمَّسُ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ كُلِّهَا وَالرِّكَازِ وَالْفَيْءِ وَالْجِزْيَةِ وَخَرَاجِ الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا وَعُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، مَحَلُّهُ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ فِي مَصَارِفِهِ بِاجْتِهَادِهِ، فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِآلِ النَّبِيِّ- عليه الصلاة والسلام- اسْتِحْبَابًا، ثُمَّ يَصْرِفُ لِلْمَصَالِحِ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ. وَالْفَيْءُ لَا يُخَمَّسُ عِنْدَهُمْ. وَالْآلُ الَّذِينَ يَبْدَأُ بِهِمْ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ.
الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ
الصَّلَاةُ عَلَى آلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-
15- الْفُقَهَاءُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إِلاَّ تَبَعًا، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ تَبَعًا.
فَأَحَدُ رَأْيَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ، تَبَعًا لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُسْتَدِلِّينَ بِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ». فَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- colبِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ قَالَ: إِذَا قُلْتَ هَذَا- أَوْ: قَضَيْتَ هَذَا- فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ» وَفِي لَفْظٍ: «فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ»
وَالرَّأْيُ الْآخَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالْآلِ تَبَعًا، فَضِيلَةٌ.
آلُ الْبَيْتِ وَالْإِمَامَةُ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى:
16- لَمْ يَشْتَرِطْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَكُونَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ (الْخَلِيفَةُ) مِنْ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-. وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، بَلْ كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ.
وَمُقْتَضَى مُرَاعَاةِ شَرَفِ النَّسَبِ أَنَّهُ فِي الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى إِنْ اسْتَوَوْا هُمْ وَغَيْرُهُمْ فِي الصِّفَاتِ قُدِّمُوا بِاعْتِبَارِهِمْ أَشْرَفَ نَسَبًا.
حُكْمُ سَبِّ آلِ الْبَيْتِ:
17- أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مَنْ شَتَمَ أَحَدًا مِنْ آلِهِ- صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ مُشَاتَمَةِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا شَدِيدًا وَيُنَكَّلُ بِهِ، وَلَا يَصِيرُ كَافِرًا بِالشَّتْمِ.
الِانْتِسَابُ إِلَى آلِ الْبَيْتِ كَذِبًا:
18- مَنْ انْتَسَبَ كَاذِبًا إِلَى آلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- يُضْرَبُ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَيُحْبَسُ طَوِيلًا حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
25-موسوعة الفقه الكويتية (إسلام 1)
إِسْلَامٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الْإِسْلَامِ فِي اللُّغَةِ: الْإِذْعَانُ وَالِانْقِيَادُ، وَالدُّخُولُ فِي السِّلْمِ، أَوْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ.وَالْإِسْلَامُ يَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى: الْإِسْلَافُ، أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ يُقَالُ: أَسْلَمْتُ إِلَى فُلَانٍ فِي عِشْرِينَ صَاعًا مَثَلًا، أَيِ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ مُؤَجَّلَةً بِثَمَنٍ حَالٍّ.
أَمَّا فِي الشَّرْعِ فَيَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ تَبَعًا لِوُرُودِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ مُقْتَرِنًا بِالْإِيمَانِ.
فَمَعْنَاهُ مُنْفَرِدًا: الدُّخُولُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، أَوْ دِينُ الْإِسْلَامِ نَفْسُهُ.وَالدُّخُولُ فِي الدِّينِ هُوَ اسْتِسْلَامُ الْعَبْدِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الشَّهَادَةِ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، وَالْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ.
وَمَعْنَاهُ إِذَا وَرَدَ مُقْتَرِنًا بِالْإِيمَانِ هُوَ: أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةُ، مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.
وَإِذَا انْفَرَدَ الْإِيمَانُ يَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى: الِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ وَالتَّصْدِيقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مَعَ الِانْقِيَادِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْإِيمَانُ:
2- سَبَقَ تَعْرِيفُ الْإِسْلَامِ مُنْفَرِدًا وَمُقْتَرِنًا بِالْإِيمَانِ.وَهَذَا يَتَأَتَّى فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ أَيْضًا.فَالْإِيمَانُ مُنْفَرِدًا: هُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم-.وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلُ بِهِ.أَمَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تَصْدِيقِ الْقَلْبِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ وَنَصُّهُ: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.قَالَ: صَدَقْتَ.قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدْرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ».الْحَدِيثَ.
إِطْلَاقُ الْإِسْلَامِ عَلَى مِلَلِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ:
3- اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ، فَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ يُطْلَقُ عَلَى الْمِلَلِ السَّابِقَةِ.وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} الْآيَةَ، وَآيَاتٍ أُخْرَى.
وَيَرَى آخَرُونَ: أَنَّهُ لَمْ تُوصَفْ بِهِ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ، وَإِنَّمَا وُصِفَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فَقَطْ، وَشُرِّفَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِأَنْ وُصِفَتْ بِمَا وُصِفَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، تَشْرِيفًا لَهَا وَتَكْرِيمًا.
وَوَجْهُ اخْتِصَاصِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِهَذَا الِاسْمِ «الْإِسْلَامِ» هُوَ: أَنَّ الْإِسْلَامَ اسْمٌ لِلشَّرِيعَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالْجِهَادِ، وَنَحْوِهَا.وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ كَثِيرٍ غَيْرِهِ خَاصٍّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، وَإِنَّمَا كُتِبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَقَطْ.
وَيُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى- وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ- قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}.فَالضَّمِيرُ (هُوَ) يَرْجِعُ لِإِبْرَاهِيمَ- عليه السلام-، كَمَا يَرَاهُ عُلَمَاءُ السَّلَفِ لِسَابِقِيَّةِ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}.فَدَعَا بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ، ثُمَّ دَعَا لِأُمَّةٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَهِيَ هَذِهِ الْأُمَّةُ فَقَالَ: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} الْآيَةَ وَهُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ- صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ، فَبَعَثَ مُحَمَّدًا إِلَيْهِمْ، وَسَمَّاهُمْ مُسْلِمِينَ.
فَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ أُمَّةً بِالْإِسْلَامِ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِأُمَّةٍ ذُكِرَتْ بِهِ غَيْرُهَا.
4- وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أُمَّةِ مُوسَى وَعِيسَى هَلْ هُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ لَا؟ فَالْإِسْلَامُ الْحَاضِرُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- الْمُتَضَمِّنُ لِشَرِيعَةِ الْقُرْآنِ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- وَالْإِسْلَامُ الْيَوْمَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ هَذَا.
وَأَمَّا الْإِسْلَامُ الْعَامُّ الْمُتَنَاوِلُ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ بَعَثَ اللَّهُ بِهَا نَبِيًّا، فَإِنَّهُ إِسْلَامُ كُلِّ أُمَّةٍ مُتَّبِعَةٍ لِنَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
وَعَلَى هَذَا الْأَسَاسِ يُمْكِنُ أَنْ تُفْهَمَ كُلُّ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي تَعَرَّضَ فِيهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مُسْتَعْمَلَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْأُمَمِ الْأُخْرَى، إِمَّا عَلَى أَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِمَادَّةِ أَسْلَمَ، أَوْ أَنَّهَا تُشِيرُ إِلَى الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ كُلِّهَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ جَمِيعَ الرُّسُلِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، وَمِنْهَا قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
أَثَرُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ فِي التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةِ:
5- الْأَصْلُ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ صَحِيحَةٌ إِلاَّ مَا جَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِهِ، كَمَا يُعْلَمُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَإِذَا كَانَ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مُتَزَوِّجًا بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ بِمَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ، كَأُخْتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ، أَوْ إِحْدَى الْأُخْتَيْنِ.وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْقَرَافِيُّ «بِقَوْلِ النَّبِيِّ- عليه الصلاة والسلام- لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ».وَهَلْ يَلْزَمُهُ فِرَاقُ مَنْ عَدَا الْأَرْبَعِ الَّتِي تَزَوَّجَهُنَّ أَوَّلًا، أَوْ مَنْ شَاءَ؟ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي بَابِهِ.وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ فِرَاقِ أَيِّ الْأُخْتَيْنِ شَاءَ.
وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ الْكَافِرَانِ مَعًا، قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
إِذَا أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ أَسْلَمَا مَعًا، فَالنِّكَاحُ بَاقٍ بِحَالِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَوْجُهَا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ، لِأَنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَ كِتَابِيَّةٍ، فَاسْتِدَامَتُهُ أَوْلَى، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِإِجَازَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ.
وَأَمَّا إِنْ أَسْلَمَتِ الْكِتَابِيَّةُ قَبْلَهُ وَقَبْلَ الدُّخُولِ،
تَعَجَّلَتِ الْفُرْقَةُ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَوْجُهَا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ، إِذْ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ، إِذَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا فُرْقَةَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَيَأْبَى.
وَإِنْ كَانَ إِسْلَامُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِيمَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي:
6- وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ، أَوِ الْمَجُوسِيَّيْنِ، أَوْ كِتَابِيٌّ مُتَزَوِّجٌ بِوَثَنِيَّةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ، تَعَجَّلَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ حِينِ إِسْلَامِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لَا طَلَاقًا.وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ، بَلْ إِنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ أَبَى وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَسْلَمَ اسْتَمَرَّتِ الزَّوْجِيَّةُ، وَإِنْ كَانَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَفَ ذَلِكَ عَلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ، أَوْ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَيْسَتْ عِدَّةً، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمِ الْآخَرُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ.وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلاَّ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمُ تَعَجَّلَتِ الْفُرْقَةُ.
أَمَّا إِنْ كَانَ إِسْلَامُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ أَوِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ زَوْجَةِ الْكِتَابِيِّ، بَعْدَ الدُّخُولِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ اتِّجَاهَاتٍ:
الْأَوَّلُ: يَقِفُ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ أَسْلَمَ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ الْعِدَّةِ.وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
الثَّانِي.تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ.وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الْحَسَنِ وطَاوُسٍ.
الثَّالِثُ: يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ إِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، كَقَوْلِهِ فِي إِسْلَامِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَانْقَضَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثَةُ حِيَضٍ، وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ، فَخَرَجَتْ إِلَيْنَا مُهَاجِرَةً، فَتَمَّتِ الْحِيَضُ هُنَا، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ.
مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ مِنَ التَّكَالِيفِ السَّابِقَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ:
7- قَالَ الْقَرَافِيُّ: إِنَّ أَحْوَالَ الْكَافِرِ مُخْتَلِفَةٌ إِذَا أَسْلَمَ، فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ، وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ، وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْقِصَاصُ، وَلَا الْغَصْبُ وَالنَّهْبُ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا.وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا، لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ.وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَمْ يَرْضَ بِشَيْءٍ، فَلِذَلِكَ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الْغُصُوبَ وَالنُّهُوبَ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوَهَا.
وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كُفْرِهِ، فَلَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا ظِهَارٌ وَلَا نَذْرٌ وَلَا يَمِينٌ مِنَ الْأَيْمَانِ، وَلَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ، وَلَا الزَّكَوَاتِ، وَلَا شَيْءٍ فَرَّطَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ» وَضَابِطُ الْفَرْقِ: أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ، وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، هَذَا لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ، لِأَنَّ إِلْزَامَهُ إِيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ لِرِضَاهُ.وَمَا لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ، كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ إِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَفِّيهَا أَهْلَهَا، فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ، لِأَنَّ فِي إِلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ.وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَسْقُطُ مُطْلَقًا رَضِيَ بِهَا أَمْ لَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْإِسْلَامَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى،
وَالْعِبَادَاتُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا كَانَ الْحَقَّانِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ نَاسَبَ أَنْ يُقَدِّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، Bوَيُسْقِطُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، لِحُصُولِ الْحَقِّ الثَّانِي لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ.
وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّينَ فَلِجِهَةِ الْآدَمِيِّينَ، وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ، بَلْ لِجِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَاسَبَ أَلاَّ يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيلِ حَقِّ غَيْرِهِمْ.
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ، تُنَاسِبُ رَحْمَتَهُ الْمُسَامَحَةُ، وَالْعَبْدُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ التَّمَسُّكُ بِحَقِّهِ، فَسَقَطَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا، وَإِنْ رَضِيَ بِهَا، كَالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ، أَوْ لَمْ يَرْضَ بِهَا كَالصَّلَوَاتِ.وَلَا يَسْقُطُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ إِلاَّ مَا تَقَدَّمَ الرِّضَى بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
الْآثَارُ اللاَّحِقَةُ لِدُخُولِ الْإِسْلَامِ:
8- إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَصْبَحَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ.
فَتَلْزَمُهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ، كَالْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ.إِلَخْ.وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، كَإِبَاحَةِ تَوَلِّي الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ كَالْإِمَامَةِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْوِلَايَاتِ الْخَاصَّةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ...إِلَخْ
الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْإِسْلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا:
9- الْكَافِرُ فِي حَالِ كُفْرِهِ هَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمُكَلَّفٌ بِهَا أَمْ لَا؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَالْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لِيَزْدَادَ عَذَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وَيَسْتَوْفِي الْمَسْأَلَةَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فِي مَبَاحِثِ التَّكْلِيفِ، فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهَا.
فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَعْصِمُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلاَّ؛ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» فَتَثْبُتُ هَذِهِ الْعِصْمَةُ لِلنَّفْسِ مُبَاشَرَةً، وَلِلْمَالِ تَبَعًا لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ مَمْنُوعَةً عَنْهُ بِالْكُفْرِ.وَيَحْصُلُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَرِثُهُمْ إِنْ مَاتُوا، وَيَرِثُونَهُ كَذَلِكَ.لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» Bوَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ.كَمَا أَنَّهُ يُحْرَمُ مِنْ إِرْثِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ، وَيَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمَةِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ الْمُشْرِكَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَيِ الْوَثَنِيَّةِ.
وَتَبْطُلُ- فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ- مَالِيَّةُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بَعْدَمَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَتَلْزَمُهُ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِي مُقَدِّمَتِهَا أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ: الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، أُصُولًا وَفُرُوعًا، بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ التَّكَالِيفِ.
وَكَذَلِكَ يُفْرَضُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، بَعْدَمَا كَانَ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ، لِحَدِيثِ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ» وَتَحِلُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ، وَغُسْلُهُ وَكَفَنُهُ وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْ أَحْكَامٍ تَعَرَّضَتْ لَهَا كُتُبُ الْفِقْهِ فِي كُلِّ الْمَذَاهِبِ.
10- إِذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ لآِخَرَ خَمْرًا وَخِنْزِيرًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، يُفْسَخُ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ حَرُمَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَيَحْرُمُ الْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ أَيْضًا، أَخْذًا مِنْ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ أَسْلَمُوا لأَحْرَزُوا بِإِسْلَامِهِمْ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}.كَمَا يَجِبُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ أَنْ يَهْجُرَ بَلَدَ الْكُفْرِ وَبَلَدَ الْحَرْبِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَقَدْ وَجَبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِبَلَدِ الْكُفْرِ أَنْ يَهْجُرَهُ، وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَسْكُنَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَيُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِقَامَةِ شَعَائِرِ دِينِهِ، أَوْ يُجْبَرُ عَلَى أَحْكَامِ الْكُفْرِ.وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (هِجْرَة).
مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْإِسْلَامُ:
11- مِمَّا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ لِصِحَّتِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:
(1) الْعَقْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ.
(2) وِلَايَةُ عَقْدِ نِكَاحِهَا.
(3) الشَّهَادَةُ عَلَى عَقْدِ نِكَاحِهَا.
(4) شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، وَهِيَ أَنْ يَتَسَاوَى الشُّرَكَاءُ فِي الْمَالِ وَالدَّيْنِ وَالتَّصَرُّفِ.وَأَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ.
(5) الْوَصِيَّةُ بِمُصْحَفٍ أَوْ مَا بِمَعْنَاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ مُسْلِمًا.
(6) النَّذْرُ، فَيُشْتَرَطُ إِسْلَامُ النَّاذِرِ، لِأَنَّ النَّذْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً، وَفِعْلُ الْكَافِرِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ Bقُرْبَةً.وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.وَيَصِحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.قَالَ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ: وَيَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كَافِرٍ وَلَوْ بِعِبَادَةٍ، لِحَدِيثِ عُمَرَ- رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
(7) الْقَضَاءُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
(8) الْوِلَايَاتُ الْعَامَّةُ كُلُّهَا، وَهِيَ الْخِلَافَةُ، وَمَا تَفَرَّعَ مِنْهَا، مِنَ الْوِلَايَةِ وَإِمَارَةِ الْجُيُوشِ، وَالْوَزَارَةِ وَالشُّرْطَةِ، وَالدَّوَاوِينِ الْمَالِيَّةِ، وَالْحِسْبَةِ، وَذَلِكَ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
(9) الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ حَالِ ضَرُورَةِ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} أَيْ مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ: أَجَازَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَاجَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ}.ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَرُورَةٌ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَلَوْ قِيلَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ عُدِمَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَيَكُونُ بَدَلًا مُطْلَقًا.
ب- الدِّينُ، أَوِ الْمِلَّةُ:
12- مِنْ مَعَانِي الدِّينِ لُغَةً: الْعَادَةُ وَالسِّيرَةُ وَالْحِسَابُ وَالطَّاعَةُ وَالْمِلَّةُ.
وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
التَّوْحِيدُ: كَمَا فِي قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}.
الْحِسَابُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}.
الْحُكْمُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}.
الْمِلَّةُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} يَعْنِي الْمِلَّةَ الْمُسْتَقِيمَةَ.
وَاصْطِلَاحًا: يُطْلَقُ الدِّينُ عَلَى الشَّرْعِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مِلَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ.وَقَدْ يُخَصُّ بِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}.
13- وَعَلَى ضَوْءِ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَعَلَى ضَوْءِ التَّوْجِيهِ الْقُرْآنِيِّ الَّذِي سَلَكَ فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ Bبِالْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، أَوْ بِغَيْرِهَا الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، لَا نَكَادُ نَلْمِسُ فَرْقًا جَوْهَرِيًّا بَيْنَ مُسَمَّى الْإِسْلَامِ وَمُسَمَّى الدِّينِ، مَا عَدَا الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ.
مَا يُخْرِجُ الْمَرْءَ عَنِ الْإِسْلَامِ:
14- كُلُّ مَا يَصِيرُ الْكَافِرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ مُسْلِمًا يَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِإِنْكَارِهِ.وَكَذَا كُلُّ مَا يَقْطَعُ الْإِسْلَامَ مِنْ نِيَّةِ كُفْرٍ، أَوْ قَوْلِ كُفْرٍ، أَوْ فِعْلِ كُفْرٍ، سَوَاءٌ اسْتِهْزَاءً أَمِ اعْتِقَادًا أَمْ عِنَادًا.وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: كُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ خَصَائِصِ الْكُفَّارِ عَلَى أَنَّهُ دِينٌ، أَوْ تَرَكَ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ الْمُسْلِمِينَ يَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنَ الدِّينِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِهَذَيْنِ الِاعْتِقَادَيْنِ لَا بِالْفِعْلَيْنِ.
وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلاَّ جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا، وَمَا يُشَكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يُحْكَمُ بِهِ، إِذِ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، إِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يُمَانِعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِإِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ فَلَا يَنْفَعُ التَّأْوِيلُ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (رِدَّة). مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا:
15- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ هُنَاكَ طُرُقًا ثَلَاثَةً يُحْكَمُ بِهَا عَلَى كَوْنِ الشَّخْصِ مُسْلِمًا وَهِيَ: النَّصُّ- وَالتَّبَعِيَّةُ- وَالدَّلَالَةُ.
أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ صَرِيحًا.وَأَمَّا التَّبَعِيَّةُ فَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ التَّابِعُ حُكْمَ الْمَتْبُوعِ فِي الْإِسْلَامِ، كَمَا يَتَّبِعُ ابْنُ الْكَافِرِ الصَّغِيرِ أَبَاهُ إِذَا أَسْلَمَ مَثَلًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى.
وَأَمَّا طَرِيقُ الدَّلَالَةِ فَهِيَ سُلُوكُ طَرِيقِ الْفِعْلِ لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ.
أَوَّلًا: الْإِسْلَامُ النَّصُّ:
وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ، وَالْبُرْءُ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ.
16- يَكْفِي كُلَّ الْكِفَايَةِ التَّصْرِيحُ بِالشَّهَادَةِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِهِ، مُدَعَّمًا بِالتَّصْدِيقِ الْبَاطِنِيِّ وَالِاعْتِقَادِ الْقَلْبِيِّ الْجَازِمِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ تَعَالَى، وَالتَّصْرِيحُ كَذَلِكَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ أُصُولِ الْعَقَائِدِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ، فَلَيْسَ هُنَاكَ عُنْوَانٌ فِي قُوَّتِهِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحَقُّقِ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الْكَامِلَةِ أَصْرَحُ مِنَ النُّطْقِ بِصِيغَتَيِ الشَّهَادَتَيْنِ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ».
فَالْكَافِرُ الَّذِي أَنَارَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ وَأَشْرَقَتْ عَلَى قَلْبِهِ أَنْوَارُ الْيَقِينِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَنِقَ الْإِسْلَامَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْقَادِرِ كَالْأَخْرَسِ، وَمِنْ غَيْرِ Bالْمُتَمَكِّنِ كَالْخَائِفِ وَالشَّرِقِ وَمَنْ عَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّةُ، وَكُلِّ مَنْ قَامَ بِهِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ النُّطْقَ، فَنُصَدِّقُ عُذْرَهُ إِنْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ.وَلَا لُزُومَ لِأَنْ تَكُونَ صِيغَتُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُحْسِنُهَا.
وَأَمَّا مَنْ يَرَى اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- بِالْعَرَبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُقِرَّ بِعُمُومِ رِسَالَتِهِ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ أَصَالَةً، أَيْ مَنْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِوَالِدَيْهِ، وَمَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَتَيْنِ طِوَالَ عُمُرِهِ.وَأَوْجَبَهَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَلَوْ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ.
17- وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ كَافٍ فِي صِحَّةِ مُطْلَقِ الْإِيمَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلاَّ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ.إِذَنْ فَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا لِتُقَامَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ فِيمَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ عَنِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي أَوْصَتْ أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَعِنْدِي جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ نُوبِيَّةٌ أَفَأَعْتِقُهَا؟ قَالَ: اُدْعُهَا، فَدَعَوْتُهَا فَجَاءَتْ فَقَالَ: مَنْ رَبُّكِ؟ قَالَتِ: اللَّهُ، قَالَ: فَمَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ».
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ لَا يَكُونُ إِلاَّ مَنِ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا خَالِيًا مِنَ الشُّكُوكِ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
18- فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِلاَّ إِذَا عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ لِخَلَلٍ فِي لِسَانِهِ، أَوْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِمُعَاجَلَةِ الْمَنِيَّةِ لَهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا، أَمَّا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُمَا أَنْ يَقُولَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- لِلْعَرَبِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلاَّ بِأَنْ يُسْتَبْرَأَ.أَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ Bوَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَالَ: يَكُونُ مُسْلِمًا، وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى، فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا، وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ».
وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى قَوْلِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَاسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى لِارْتِبَاطِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا.
وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُسْلِمُ، فَقَالَ: يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَتَبَرَّأُ مِنَ الدِّينِ الَّذِي انْتَحَلَهُ.وَفِيهِ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَتَبَرَّأُ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكَذَا الْيَهُودِيَّةُ وَغَيْرُهَا.
وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِسْلَامِ إِذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: دَخَلْتُ دِينَ الْإِسْلَامِ، أَوْ دَخَلْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- فَهُوَ دَلِيلُ إِسْلَامِهِ، فَكَيْفَ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَأَمَّا تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ فَهُوَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ، بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَنْ يَتَبَرَّأَ مِمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهِ.
أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ
أَرْكَانُ الْإِسْلَامِ خَمْسَةٌ:
19- جَاءَتِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ الْكَرِيمَةُ مُجْمَلَةً بِالْأَوَامِرِ وَالْأَحْكَامِ فِيمَا يَخُصُّ هَذِهِ الْأَرْكَانَ، وَكَذَلِكَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَأَيْضًا الْحَدِيثُ السَّابِقُ الْمَشْهُورُ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ.
الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ:
20- هَذِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَدْخُلُ بِهِ الْمَرْءُ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَتْ أَوَّلَ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ تَصْدِيقًا وَاعْتِقَادًا وَنُطْقًا.
وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْعَبْدُ الشَّهَادَتَانِ.وَقَدْ كَانَتْ رِسَالَاتُ كُلِّ الرُّسُلِ تَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} فَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ بِهِ Bالْمَرْءُ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِذَا كَانَتْ آخِرَ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنَ الدُّنْيَا دَخَلَ بِهَا الْجَنَّةَ، كَمَا قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»..وَالْإِيمَانُ أَيْضًا بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- هُوَ إِيمَانٌ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا تَتَضَمَّنُهُ رِسَالَتُهُ، وَإِيمَانٌ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ، وَتَصْدِيقٌ بِرِسَالَاتِهِمْ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فِي هَذَا الرُّكْنِ الرَّكِينِ الَّذِي يَسْبِقُ كُلَّ الْأَرْكَانِ تَتَحَقَّقُ بِهِ بَاقِي الْأَرْكَانِ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: إِقَامُ الصَّلَاةِ.
21- الصَّلَاةُ لُغَةً بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، وَقَدْ أَضَافَ الشَّرْعُ إِلَى الدُّعَاءِ مَا شَاءَ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَسُمِّيَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ الصَّلَاةَ، أَوْ هِيَ مَنْقُولَةٌ مِنَ الصِّلَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَهِيَ بِذَلِكَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ.
وَوُجُوبُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
فَمَنْ جَحَدَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.
أَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، فَقِيلَ: فَاسِقٌ يُقْتَلُ حَدًّا إِنْ تَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَقِيلَ: مَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ مُفَرِّطًا فَهُوَ كَافِرٌ يُقْتَلُ كُفْرًا.وَقَدْ جَاءَتِ الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ، مِنْهَا قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}
وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ.
أَمَّا الْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ فَمِنْهَا «سُئِلَ- صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِمَوَاقِيتِهَا» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.ر: (صَلَاةٌ).
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: إِيتَاءُ الزَّكَاةِ.
22- الزَّكَاةُ لُغَةً: النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ.يُقَالُ: زَكَا الشَّيْءُ إِذَا نَمَا وَكَثُرَ، إِمَّا حِسًّا كَالنَّبَاتِ وَالْمَالِ، أَوْ مَعْنًى كَنُمُوِّ الْإِنْسَانِ بِالْفَضَائِلِ وَالصَّلَاحِ.
وَشَرْعًا: إِخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَسُمِّيَتْ صَدَقَةُ الْمَالِ زَكَاةً، لِأَنَّهَا تَعُودُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ الَّذِي أُخْرِجَتْ مِنْهُ وَتُنَمِّيهِ.وَرُكْنِيَّتُهَا وَوُجُوبُهَا ثَابِتَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا مُرْتَدٌّ، لِإِنْكَارِهِ مَا قَامَ مِنَ الدِّينِ ضَرُورَةً.
وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا، بِأَنْ يُقَاتَلَ وَيُؤَدَّبَ عَلَى امْتِنَاعِهِ عَنْ أَدَائِهَا.وَقُرِنَتْ بِالصَّلَاةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي اثْنَيْنِ Bوَثَمَانِينَ آيَةً.وَفُرِضَتْ فِي مَكَّةَ مُطْلَقَةً أَوَّلًا، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ حُدِّدَتِ الْأَنْوَاعُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا، وَمِقْدَارُ النِّصَابِ فِي كُلٍّ ر: (زَكَاة).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
26-موسوعة الفقه الكويتية (أطعمة 1)
أَطْعِمَةٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الْأَطْعِمَةُ: جَمْعُ طَعَامٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ مُطْلَقًا، وَكَذَا كُلُّ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْقُوتُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ.
وَيُطْلِقُهُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ الْأَقْدَمُونَ عَلَى الْقَمْحِ خَاصَّةً.
وَيُقَالُ: طَعِمَ الشَّيْءَ يَطْعَمُهُ (بِوَزْنِ: غَنِمَ يَغْنَمُ) طُعْمًا (بِضَمٍّ فَسُكُونٍ) إِذَا أَكَلَهُ أَوْ ذَاقَهُ.وَإِذَا اسْتُعْمِلَ هَذَا الْفِعْلُ بِمَعْنَى الذَّوَاقِ جَازَ فِيمَا يُؤْكَلُ وَفِيمَا يُشْرَبُ، كَمَا فِي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}.وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْأَوَّلِ.
وَيَذْكُرُونَهُ أَيْضًا فِي الرِّبَا يُرِيدُونَ بِهِ (مَطْعُومَ الْآدَمِيِّينَ) سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّغَذِّي، كَالْقَمْحِ وَالْمَاءِ، أَمْ لِلتَّأَدُّمِ كَالزَّيْتِ، أَمْ لِلتَّفَكُّهِ كَالتُّفَّاحِ، أَمْ لِلتَّدَاوِي وَالْإِصْلَاحِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْمِلْحِ.
وَقَدْ يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ «الْأَطْعِمَةِ» عَلَى (كُلِّ مَا يُؤْكَلُ وَمَا يُشْرَبُ، سِوَى الْمَاءِ وَالْمُسْكِرَاتِ).
وَمَقْصُودُهُمْ: مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ، عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَسَاغُ وَلَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً، كَالْمِسْكِ وَقِشْرِ الْبَيْضِ.وَإِنَّمَا اسْتُثْنِيَ الْمَاءُ لِأَنَّ لَهُ بَابًا خَاصًّا بِاسْمِهِ، وَاسْتُثْنِيَتِ الْمُسْكِرَاتُ أَيْضًا، لِأَنَّهَا يُعَبِّرُ اصْطِلَاحًا عَنْهَا بِلَفْظِ (الْأَشْرِبَةِ).
ثُمَّ إِنَّ مَوْضُوعَ الْأَطْعِمَةِ هُوَ عِنْوَانٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى مَا يُبَاحُ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يَحْرُمُ مِنْهَا.
وَأَمَّا آدَابُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنَّهَا يُتَرْجَمُ لَهَا بِكَلِمَةِ (الْأَدَبِ) وَيُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ (أَكْلٌ، وَشُرْبٌ).
كَمَا أَنَّ الْوَلَائِمَ الْمَشْرُوعَةَ يُتَرْجَمُ لَهَا بِعَنَاوِينَ أُخْرَى تَخُصُّهَا، كَالْعَقِيقَةِ وَالْوَكِيرَةِ. (ر: إِطْعَامٌ).
تَقْسِيمُ الْأَطْعِمَةِ
2- تَنْقَسِمُ الْأَطْعِمَةُ إِلَى نَوْعَيْنِ: حَيَوَانِيَّةٍ، وَغَيْرِ حَيَوَانِيَّةٍ.
ثُمَّ إِنَّ الْحَيَوَانَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ رَئِيسَيْنِ: مَائِيٍّ، وَبَرِّيٍّ.
وَفِي كُلٍّ مِنَ الْقِسْمَيْنِ أَنْوَاعٌ فِيهَا مَا يُؤْكَلُ وَفِيهَا مَا لَا يُؤْكَلُ.
وَيَنْقَسِمُ الْمَأْكُولُ مِنَ الْحَيَوَانِ:
(أَوَّلًا) إِلَى: مُبَاحٍ، وَمَكْرُوهٍ.
(ثَانِيًا) إِلَى: مَا تُشْتَرَطُ الذَّكَاةُ فِي حِلِّهِ، وَمَا لَا تُشْتَرَطُ.
3- وَالْمَقْصُودُ بِالْحَيَوَانِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْوَاعُ الْحَيَوَانِ جَمِيعًا مِمَّا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَكْلُهُ شَرْعًا أَوْ لَا يَجُوزُ، وَلَا يُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْإِنْسَانَ نَفْسَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ، بَلِ الْكَلَامُ مَحْصُورٌ فِيمَا يَحِلُّ لِلْإِنْسَانِ أَوْ لَا يَحِلُّ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا سِوَى الْإِنْسَانِ قَدْ خَلَقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْفَعَةِ الْإِنْسَانِ وَمَصْلَحَتِهِ، فَمِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْأَكْلِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ.
4- أَمَّا الْإِنْسَانُ نَفْسُهُ، الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْحَيَوَانِ جَمِيعًا وَاَلَّذِي سَخَّرَ لَهُ كُلَّ مَا عَدَاهُ، فَلَا يَدْخُلُ لَحْمُهُ فِي مَفْهُومِ الْأَطْعِمَةِ وَتَقْسِيمِهَا إِلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ، لِكَرَامَتِهِ فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، أَيًّا كَانَتْ سُلَالَتُهُ وَلَوْنُهُ وَدِينُهُ وَبِيئَتُهُ.
فَحُرْمَةُ لَحْمِهِ عَلَى بَنِي جِنْسِهِ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَمُصَرَّحٌ بِهَا فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.وَلِذَلِكَ لَا يَبْحَثُ الْفُقَهَاءُ عَنْ حُرْمَةِ لَحْمِهِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ فِي حَالَاتِ الِاضْطِرَارِ الِاسْتِثْنَائِيَّةِ.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَرُورَةٌ)
5- وَيَجِبُ التَّنَبُّهُ إِلَى أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ يُعَبِّرُ الْفُقَهَاءُ عَادَةً عَنْ عَدَمِ جَوَازِ أَكْلِهَا بِإِحْدَى الْعِبَارَاتِ التَّالِيَةِ: «لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا»، «يَحْرُمُ أَكْلُهَا»، «غَيْرُ مَأْكُولٍ»، «يُكْرَهُ أَكْلُهَا، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ تُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَغْلَبِ الْأَنْوَاعِ، وَيُرَادُ بِهَا الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ عِنْدَمَا يَكُونُ دَلِيلُ حُرْمَتِهَا فِي نَظَرِهِمْ غَيْرَ قَطْعِيٍّ.
فَالْحَيَوَانَاتُ غَيْرُ الْمَأْكُولَةِ وَاحِدٌ مِنْهَا حُرْمَةُ أَكْلِهِ قَطْعِيَّةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ، وَهُوَ الْخِنْزِيرُ.وَفِي بَقِيَّتِهَا خِلَافٌ قَوِيٌّ أَوْ ضَعِيفٌ، فَيَصِحُّ وَصْفُهَا بِالْحُرْمَةِ أَوْ بِالْكَرَاهَةِ (التَّحْرِيمِيَّةُ).
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6- الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لَيْسَ مُنَصَّبًا عَلَى ذَوَاتِ الْأَطْعِمَةِ، وَإِنَّمَا عَلَى أَكْلِهَا أَوِ اسْتِعْمَالِهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ حُكْمٌ جَامِعٌ لِلْأَطْعِمَةِ كُلِّهَا، لِذَلِكَ سَيُذْكَرُ حُكْمُ كُلِّ نَوْعٍ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
وَيَتَبَيَّنُ لِمَنْ تَتَبَّعَ مَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي أَبْوَابِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَطْعِمَةِ الْحِلُّ، وَلَا يُصَارُ إِلَى التَّحْرِيمِ إِلاَّ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ، وَأَنَّ لِتَحْرِيمِ الْأَطْعِمَةِ بِوَجْهٍ عَامٍّ- وَلَوْ غَيْرَ حَيَوَانِيَّةٍ- أَسْبَابًا عَامَّةً عَدِيدَةً فِي الشَّرِيعَةِ مُتَّصِلَةً بِقَوَاعِدِهَا الْعَامَّةِ وَمَقَاصِدِهَا فِي إِقَامَةِ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَفْضَلِ.وَكَذَلِكَ يَرَى الْمُتَتَبِّعُ أَسْبَابًا لِكَرَاهَةِ الْأَطْعِمَةِ بِوَجْهٍ عَامٍّ غَيْرِ الْأَسْبَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ.
وَسَنَعْرِضُ فِيمَا يَلِي بِإِيجَازٍ أَمْثِلَةً لِذَلِكَ
مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ لِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ:
7- يَظْهَرُ مِنَ الِاسْتِقْرَاءِ وَتَتَبُّعِ تَعْلِيلَاتِ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِيمَا يَحْكُمُونَ بِحُرْمَةِ أَكْلِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ الشَّيْءِ مَهْمَا كَانَ نَوْعَهُ لِأَحَدِ أَسْبَابِ خَمْسَةٍ:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ: الضَّرَرُ اللاَّحِقُ بِالْبَدَنِ أَوِ الْعَقْلِ:
وَلِهَذَا أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ:
8- (مِنْهَا) الْأَشْيَاءُ السَّامَّةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَيَوَانِيَّةً كَالسَّمَكِ السَّامِّ، وَكَالْوَزَغِ وَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ السَّامَّةِ وَالزُّنْبُورِ وَالنَّحْلِ، وَمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا مِنْ مَوَادَّ سَامَّةٍ.أَمْ كَانَتْ نَبَاتِيَّةً كَبَعْضِ الْأَزْهَارِ وَالثِّمَارِ السَّامَّةِ.أَمْ جَمَادِيَّةً كَالزِّرْنِيخِ، فَكُلُّ هَذِهِ تَحْرُمُ، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، وَلِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».لَكِنْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ هَذِهِ السُّمُومَ إِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَى مَنْ تَضُرُّهُ.وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يَصِفُهَا الْأَطِبَّاءُ مُحْتَوِيَةٌ عَلَى السُّمُومِ بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ الْإِنْسَانَ، بَلْ يُفِيدُهُ وَيَقْتُلُ جَرَاثِيمَ الْأَمْرَاضِ، كَمَا أَنَّ تَأَثُّرَ الْأَشْخَاصِ بِالسُّمُومِ أَنْوَاعًا وَمَقَادِيرَ يَخْتَلِفُ.
وَهَذَا لَا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى، حَيْثُ الْمَفْهُومُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ تَعَاطِي الْقَدْرِ الضَّارِّ مِنْ هَذِهِ السُّمُومِ.
9- (وَمِنْهَا) الْأَشْيَاءُ الضَّارَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَامَّةً، وَقَدْ ذُكِرَ مِنْهَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ: الطِّينُ، وَالتُّرَابُ، وَالْحَجَرُ، وَالْفَحْمُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَى مَنْ تَضُرُّهُ.وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَشْمَلُ مَا كَانَ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوِ النَّبَاتِ أَوِ الْجَمَادِ.
وَيُعْرَفُ الضَّارُّ مِنْ غَيْرِ الضَّارِّ مِنْ أَقْوَالِ الْأَطِبَّاءِ وَالْمُجَرَّبِينَ.
وَلَا فَرْقَ فِي الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِالسُّمَيَّاتِ أَوْ سِوَاهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَرَضًا جُسْمَانِيًّا أَيًّا كَانَ نَوْعَهُ، أَوْ آفَةً تُصِيبُ الْعَقْلَ كَالْجُنُونِ وَالْخَبَلِ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الطِّينِ قَوْلَيْنِ: الْحُرْمَةَ، وَالْكَرَاهَةَ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْحُرْمَةُ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ حُرْمَةَ الطِّينِ وَالْحَجَرِ عَلَى مَنْ يَضُرَّانِهِ، وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ كَرَاهَةَ الْفَحْمِ، وَالتُّرَابِ، وَالطِّينِ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُتَدَاوَى بِهِ.
وَعَلَّلَ صَاحِبُ» مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى «الْكَرَاهَةَ بِالضَّرَرِ، مَعَ أَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ جَعَلَ الضَّرَرَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ.
السَّبَبُ الثَّانِي: الْإِسْكَارُ أَوِ التَّخْدِيرُ أَوِ التَّرْقِيدُ:
10- فَيَحْرُمُ الْمُسْكِرُ، وَهُوَ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ، كَالْخَمْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ النِّيءِ، وَسَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالنَّبِيذِ الشَّدِيدِ الْمُسْكِرِ، أَمْ مِنَ الْحَيَوَانِ كَاللَّبَنِ الْمَخِيضِ الَّذِي تُرِكَ حَتَّى تَخَمَّرَ وَصَارَ مُسْكِرًا.
وَيَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ شَيْءٍ مُخَدِّرٍ (وَيُقَالُ لَهُ: الْمُفْسِدُ)، وَهُوَ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ بِلَا نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ، كَالْحَشِيشَةِ.
وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْمُرَقِّدُ وَهُوَ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ وَالْحَوَاسَّ مَعًا، كَالْأَفْيُونِ وَالسَّيْكَرَانِ.
فَمَا كَانَ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ الَّتِي تُشْرَبُ شُرْبًا فَإِنَّهُ يَتْبَعُ مَوْضُوعَ الْأَشْرِبَةِ، وَيُرَى تَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ فِيهَا، وَقَدْ يُشَارُ إِلَيْهِ هُنَا بِمُنَاسَبَةِ الضَّرَرِ.وَمَا كَانَ مِنَ الْمُخَدَّرَاتِ أَوِ الْمُرَقِّدَاتِ الْجَامِدَةِ الَّتِي تُؤْكَلُ أَكْلًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَوْضُوعِ الْأَطْعِمَةِ هُنَا، وَقَدْ يُذْكَرُ فِي مَوْضُوعِ الْأَشْرِبَةِ بِالْمُنَاسَبَةِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: النَّجَاسَةُ:
11- فَيَحْرُمُ النَّجِسُ وَالْمُتَنَجِّسُ مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ: - فَالنَّجِسُ كَالدَّمِ.
- وَالْمُتَنَجِّسُ كَالسَّمْنِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ وَكَانَ مَائِعًا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ كُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا يُنَجَّسُ مَا حَوْلَ الْفَأْرَةِ فَقَطْ، فَإِذَا طُرِحَ مَا حَوْلَهَا حَلَّ أَكْلُ بَاقِيهِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُتَنَجِّسِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: مَا سَقَطَ أَوْ سُمِّدَ بِنَجِسٍ، مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ لِتَنَجُّسِهِ، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يُسْقَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ، وَنُقِلَ فِي الْإِنْصَافِ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ قَوْلُهُ: لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا مُحَرَّمٍ، بَلْ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ لَبَنًا، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ.وَمِمَّا يُذْكَرُ هُنَا أَنَّ رَوْثَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ، فَالتَّسْمِيدُ بِهِ لَا يُحَرِّمُ الزَّرْعَ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَسْقِيِّ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَا يَحْرُمُ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُتَنَجِّسِ- عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ- الْبَيْضُ الَّذِي سُلِقَ بِمَاءٍ نَجِسٍ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (بَيْضٌ).
السَّبَبُ الرَّابِعُ: الِاسْتِقْذَارُ عِنْدَ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ:
12- وَمَثَّلَ لَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِالْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَالْمَنِيِّ، فَكُلُّ هَذِهِ طَاهِرَةٌ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَلَكِنْ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا لِلِاسْتِقْذَارِ.وَاسْتَثْنَوْا مَا كَانَ الِاسْتِقْذَارُ فِيهِ لِعَارِضٍ كَغُسَالَةِ يَدٍ فَلَا تَحْرُمُ.وَمَثَّلَ الْحَنَابِلَةُ لِلْمُسْتَقْذَرَاتِ بِالرَّوَثِ وَالْبَوْلِ وَالْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَقُولُونَ: إِنَّ رَوَثَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ، وَكَذَا بَوْلُهُ، وَلَكِنْ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُمَا لِلِاسْتِقْذَارِ.فَالْقَذَارَةُ لَا تُنَافِي الطَّهَارَةَ إِذْ لَيْسَ كُلُّ طَاهِرٍ يَجُوزُ أَكْلُهُ.
السَّبَبُ الْخَامِسُ: عَدَمُ الْإِذْنِ شَرْعًا لِحَقِّ الْغَيْرِ:
13- مِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِمَنْ يُرِيدُ أَكْلَهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ مَالِكُهُ وَلَا الشَّارِعُ، وَذَلِكَ الْمَغْصُوبُ أَوِ الْمَسْرُوقُ أَوِ الْمَأْخُوذُ بِالْقِمَارِ أَوْ بِالْبِغَاءِ.بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ، كَأَكْلِ الْوَلِيِّ مَالَ مُوَلِّيهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَكْلِ نَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ.وَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُمْ مَأْذُونُونَ مِنَ الشَّارِعِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَنْ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ.وَفِي قَضِيَّةِ عَدَمِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي يَحِلُّ أَكْلُهُ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ صِحَّةِ التَّذْكِيَةِ وَحُرْمَةِ الْفِعْلِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلِ.
فَإِذَا غَصَبَ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ شَاةً مَثَلًا، أَوْ سَرَقَهَا فَذَبَحَهَا بِصُورَةٍ مُسْتَوْفِيَةٍ شَرَائِطَهَا، فَإِنَّ الذَّبِيحَةَ تَكُونُ لَحْمًا طَاهِرًا مَأْكُولًا، وَلَكِنَّ الذَّابِحَ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَبْحِهَا دُونَ إِذْنٍ مِنْ صَاحِبِهَا وَلَا إِذْنِ الشَّرْعِ، وَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا.وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا دُونَ إِذْنٍ أَيْضًا لِمَانِعِ حَقِّ الْغَيْرِ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ فِي: (غَصْبٌ) (وَذَبَائِحُ).
مَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ:
14- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَمْثِلَةً لِلْأَطْعِمَةِ الْمَكْرُوهَةِ، مِنْهَا الْأَمْثِلَةُ التَّالِيَةُ:
أ- الْبَصَلُ وَالثُّومُ وَالْكُرَّاثُ وَنَحْوُهَا مِنْ ذَوَاتِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، فَيُكْرَهُ أَكْلُ ذَلِكَ، لِخُبْثِ رَائِحَتِهِ مَا لَمْ يُطْبَخْ، فَإِنْ أَكَلَهُ كُرِهَ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا- أَوْ لِيَعْتَزِلَ مَسْجِدَنَا- وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» وَصَرَّحَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ.
ب- الْحَبُّ الَّذِي دَاسَتْهُ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ أَوِ الْبِغَالُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ.
ج- مَاءُ الْبِئْرِ الَّتِي بَيْنَ الْقُبُورِ وَبَقْلِهَا، لِقُوَّةِ احْتِمَالِ تَسَرُّبِ التَّلَوُّثِ إِلَيْهَا.
د- اللَّحْمُ النِّيءُ وَاللَّحْمُ الْمُنْتِنُ، قَالَ صَاحِبُ «الْإِقْنَاعِ» مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِكَرَاهَتِهِمَا، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ.
الْحَيَوَانُ الْمَائِيُّ: حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ:
15- الْمَقْصُودُ بِالْحَيَوَانِ الْمَائِيِّ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، مِلْحًا كَانَ أَوْ عَذْبًا، مِنَ الْبِحَارِ أَوِ الْأَنْهَارِ أَوِ الْبُحَيْرَاتِ أَوِ الْعُيُونِ أَوِ الْغُدْرَانِ أَوِ الْآبَارِ أَوِ الْمُسْتَنْقَعَاتِ أَوْ سِوَاهَا.وَلَا يَحِلُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَائِيِّ شَيْءٌ سِوَى السَّمَكِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَا فُلُوسٍ (قُشِّرَ) أَمْ لَا.
وَهُنَاكَ صِنْفَانِ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَائِيِّ اخْتَلَفَ فِيهِمَا الْحَنَفِيَّةُ، لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِمَا مِنَ السَّمَكِ أَوْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَائِيَّةِ الْأُخْرَى، وَهُمَا الْجِرِّيثُ، وَالْمَارْمَاهِيُّ.فَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِعَدَمِ حِلِّ أَكْلِهِمَا، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْحِلُّ فِيهِمَا، لِأَنَّهُمَا مِنَ السَّمَكِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنَ السَّمَكِ مَا كَانَ طَافِيًا، فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عِنْدَهُمْ.وَالطَّافِي: هُوَ الَّذِي مَاتَ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ، بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ، سَوَاءٌ أَعَلَا فَوْقَ وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ لَمْ يَعْلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. (وَإِنَّمَا يُسَمَّى طَافِيًا إِذَا مَاتَ بِلَا سَبَبٍ وَلَوْ لَمْ يَعْلُ فَوْقَ سَطْحِ الْمَاءِ نَظَرًا إِلَى الْأَغْلَبِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ إِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَنْ يَعْلُوَ).
وَإِنَّ حِكْمَةَ تَحْرِيمِ الطَّافِي احْتِمَالُ فَسَادِهِ وَخُبْثِهِ حِينَمَا يَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيُرَى طَافِيًا لَا يُدْرَى كَيْفَ وَمَتَى مَاتَ؟ فَأَمَّا الَّذِي قُتِلَ فِي الْمَاءِ قَتْلًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صِيدَ بِالشَّبَكَةِ وَأُخْرِجَ حَتَّى مَاتَ فِي الْهَوَاءِ.
وَإِذَا ابْتَلَعَتْ سَمَكَةٌ سَمَكَةً أُخْرَى فَإِنَّ السَّمَكَةَ الدَّاخِلَةَ تُؤْكَلُ، لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ هُوَ ابْتِلَاعُهَا.
وَإِذَا مَاتَ السَّمَكُ مِنَ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ أَوْ كَدَرِ الْمَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
(إِحْدَاهُمَا): أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ غَالِبًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّمَكَ فِيهَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَيُعْتَبَرُ طَافِيًا.
(وَالثَّانِيَةُ): أَنَّهُ يُؤْكَلُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ أَسْبَابٌ لِلْمَوْتِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ مَيِّتًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ طَافِيًا، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ، وَبِهِ يُفْتَى.وَإِذَا أُخِذَ السَّمَكُ حَيًّا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُمَاتَ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ حَرَّمَ الطَّافِيَ بِالْأَدِلَّةِ التَّالِيَةِ:
أ- بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ».وَرَوَى نَحْوَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَيْضًا.
ب- بِآثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم-: أَنَّهُمْ نُهُوا عَنْ أَكْلِ الطَّافِي.وَلَفْظُ جَابِرٍ فِي رِوَايَةٍ: «مَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ، وَمَا كَانَ عَلَى حَافَّتَيْهِ أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ».وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «مَا حَسِرَ الْمَاءُ عَنْ ضِفَّتَيِ الْبَحْرِ فَكُلْ، وَمَا مَاتَ فِيهِ طَافِيًا فَلَا تَأْكُلْ».
وَلَفْظُ عَلِيٍّ: «مَا طَفَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَا تَأْكُلُوهُ.
وَلَفْظُ ابْنِ عَبَّاسٍ: » لَا تَأْكُلْ مِنْهُ- أَيْ مِنْ سَمَكٍ وَفِي الْبَحْرِ- طَافِيًا.
16- وَذَهَبَ مَنْ عَدَا الْحَنَفِيَّةَ إِلَى إِبَاحَةِ كُلِّ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ بِلَا تَذْكِيَةٍ وَلَوْ طَافِيَةً حَتَّى مَا تَطُولُ حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ، كَالتِّمْسَاحِ وَالسُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ الْبَحْرِيَّيْنِ.
وَلَا يَعُدُّ الْفُقَهَاءُ طَيْرَ الْمَاءِ بَحْرِيًّا، لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ تَحْتَ سَطْحِ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَوْقَهُ وَيَنْغَمِسُ فِيهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَطِيرُ، وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ عِنْدَهُمْ إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي كَلْبِ الْبَحْرِ وَخِنْزِيرِهِ قَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ، وَآخَرُ بِالْكَرَاهَةِ، وَالرَّاجِحُ فِي كَلْبِ الْمَاءِ الْإِبَاحَةُ، وَفِي خِنْزِيرِهِ الْكَرَاهَةُ، (أَيِ الْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ).
وَاخْتَلَفُوا فِي إِنْسَانِ الْمَاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ قَلْيِ السَّمَكِ وَشَيِّهِ مِنْ غَيْرِ شَقِّ بَطْنِهِ وَلَوْ حَيًّا.قَالُوا: وَلَا يُعَدُّ هَذَا تَعْذِيبًا، لِأَنَّ حَيَاتَهُ خَارِجَ الْمَاءِ كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ.
17- وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ذَبْحُ مَا تَطُولُ حَيَاتُهُ كَسَمَكَةٍ كَبِيرَةٍ.وَيَكُونُ الذَّبْحُ مِنْ جِهَةِ الذَّيْلِ فِي السَّمَكِ، وَمِنَ الْعُنُقِ فِيمَا يُشْبِهُ حَيَوَانَ الْبَرِّ.فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا تَطُولُ حَيَاتُهُ كُرِهَ ذَبْحُهُ وَقَطْعُهُ حَيًّا.
وَهَذَا التَّعْمِيمُ فِي الْحِلِّ هُوَ أَصَحُّ الْوُجُوهِ عِنْدَهُمْ.وَهُنَاكَ سِوَاهُ وَجْهَانِ آخَرَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ سِوَى السَّمَكِ كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ مَا يُؤْكَلُ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ كَاَلَّذِي عَلَى صُورَةِ الْغَنَمِ يَحِلُّ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ كَاَلَّذِي عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَالْحِمَارِ لَا يَحِلُّ.
وَيَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْحَيَوَانُ (الْبَرْمَائِيُّ) أَيِ الَّذِي يُمْكِنُ عَيْشُهُ دَائِمًا فِي كُلٍّ مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْبَرِّ مَأْكُولٌ.وَقَدْ مَثَّلُوا لَهُ بِالضُّفْدَعِ، وَالسَّرَطَانِ، وَالْحَيَّةِ، وَالنَّسْنَاسِ، وَالتِّمْسَاحِ، وَالسُّلَحْفَاةِ.وَتَحْرِيمُ هَذَا النَّوْعِ الْبَرْمَائِيِّ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي «الرَّوْضَةِ» وَأَصْلُهَا وَاعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ.لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي «الْمَجْمُوعِ» أَنَّ جَمِيعَ مَا يَكُونُ سَاكِنًا فِي الْبَحْرِ فِعْلًا تَحِلُّ مَيْتَتُهُ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ عَيْشُهُ فِي الْبَرِّ، إِلاَّ الضُّفْدَعُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْخَطِيبِ وَابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ، وَزَادَا عَلَى الضُّفْدَعِ كُلَّ مَا فِيهِ سُمٌّ.
وَعَلَى هَذَا فَالسَّرَطَانُ وَالْحَيَّةُ وَالنَّسْنَاسُ وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ سَاكِنَةَ الْبَحْرِ بِالْفِعْلِ تَحِلُّ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِمْكَانِ عَيْشِهَا فِي الْبَرِّ، وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةَ الْبَرِّ بِالْفِعْلِ تَحْرُمُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنِيلِسِ: فَأَفْتَى ابْنُ عَدْلَانَ بِحِلِّهِ، وَنُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِفْتَاءُ بِتَحْرِيمِهِ.
وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِوَزُّ وَالْبَطُّ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، لِأَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ الْعَيْشَ فِي الْبَحْرِ دَائِمًا، فَهِيَ مِنْ طُيُورِ الْبَرِّ، فَلَا تَحِلُّ إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ كَمَا يَأْتِي (ف 41).
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ابْتِلَاعُ السَّمَكِ حَيًّا إِذَا لَمْ يَضُرَّ، وَكَذَا أَكْلُ السَّمَكِ الصَّغِيرِ بِمَا فِي جَوْفِهِ، وَيَجُوزُ قَلْيُهُ وَشَيُّهُ مِنْ غَيْرِ شَقِّ بَطْنِهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ حَيًّا، وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الدُّهْنُ.
18- وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْحَيَوَانِ الْبَرْمَائِيِّ، كَكَلْبِ الْمَاءِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَالسَّرَطَانِ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحِلُّ بِالتَّذْكِيَةِ.
وَزَادُوا بِالْإِضَافَةِ لِلضُّفْدَعِ اسْتِثْنَاءَ الْحَيَّةِ وَالتِّمْسَاحِ، فَقَالُوا بِحُرْمَةِ الثَّلَاثَةِ: فَالضُّفْدَعُ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا، وَالْحَيَّةُ لِاسْتِخْبَاثِهَا، وَالتِّمْسَاحُ لِأَنَّ لَهُ نَابًا يَفْتَرِسُ بِهِ.لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوا سَمَكَ الْقِرْشِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَابٌ يَفْتَرِسُ بِهِ.وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقِرْشَ نَوْعٌ مِنَ السَّمَكِ لَا يَعِيشُ إِلاَّ فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ التِّمْسَاحِ.
وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ كَيْفِيَّةَ ذَكَاةِ السَّرَطَانِ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مَا يُمِيتُهُ، بِأَنْ يُعْقَرَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ بَدَنِهِ.
وَإِذَا أُخِذَ السَّمَكُ حَيًّا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُمَاتَ، كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.وَيُكْرَهُ شَيُّهُ حَيًّا، لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ سَرِيعًا فَيُمْكِنُ انْتِظَارُ مَوْتِهِ.
19- وَفِي حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ مَذَاهِبُ أُخْرَى: مِنْهَا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إِنَّ مَا عَدَا السَّمَكَ مِنْهَا يُؤْكَلُ بِشَرِيطَةِ الذَّكَاةِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَقُولُ كَذَلِكَ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُ إِنْسَانُ الْمَاءِ وَلَا خِنْزِيرُهُ، وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: تَحْرِيمُ مَا سِوَى السَّمَكِ كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَثَانِيهِمَا: الْحِلُّ بِالذَّبْحِ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
20- وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ أَحَلُّوا كُلَّ مَا يَسْكُنُ جَوْفَ الْمَاءِ وَلَا يَعِيشُ إِلاَّ فِيهِ قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا}.وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ سَمَكًا وَمَا يُسَمُّونَهُ بِاسْمٍ آخَرَ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ أَوْ إِنْسَانِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَا تَجْعَلُهُ خِنْزِيرًا أَوْ إِنْسَانًا.
وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَحْرَ سَوَاءٌ أُخِذَ حَيًّا أَمْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ طَافِيًا أَمْ لَا.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ دَابَّةِ الْعَنْبَرِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ، قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً.قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا الْمَاءَ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ.وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبْطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ وَنَأْكُلُهُ.قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ، فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ.قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: لَا، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ، فَكُلُوا.فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا، وَلَقَدْ رَأَيْتَنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفَدْرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ، فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ، وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمُ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ تَحْتَهَا.وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ.فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْنَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟، فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْهُ فَأَكَلَهُ».
فَهَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ: عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ:
(أَوَّلًا) عَلَى أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ مِنْ غَيْرِ السَّمَكِ يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي حَالَتَيِ الِاخْتِيَارِ وَالضَّرُورَةِ.
(ثَانِيًا) عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ.
(ثَالِثًا) عَلَى حِلِّ الطَّافِي، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِسَبَبِ حَادِثٍ.
(رَابِعًا) عَلَى أَنَّ صَيْدَ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ لِلسَّمَكِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتْ مَيْتَتُهُ حَلَالًا فَصَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ.
هَذَا، وَالْفَسِيخُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا كَانَ طَاهِرًا فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَمَّا فِي بَطْنِهِ، لِعُسْرِ تَنْقِيَةِ مَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالدَّرْدِيرِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَلِجُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ.وَإِذَا اعْتُبِرَ طَاهِرًا فَإِنَّ أَكْلَهُ مَعَ تَفَسُّخِهِ وَالتَّغَيُّرُ فِي رَائِحَتِهِ يُتْبَعُ فِيهِ شَرْعًا رَأْيُ الطِّبِّ فِي ضَرَرِهِ أَوْ عَدَمِهِ: فَإِنْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ الثِّقَاتُ: إِنَّهُ ضَارٌّ يَكُونُ أَكْلُهُ مَحْظُورًا شَرْعًا لِضَرَرِهِ بِالصِّحَّةِ، وَإِلاَّ فَلَا.
الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ: حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ:
21- الْمَقْصُودُ بِالْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ: مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنَ الدَّوَابِّ أَوِ الطُّيُورِ.وَيُقْسَمُ بِحَسَبِ أَنْوَاعِهِ وَخَصَائِصِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَوْعًا:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْأَنْعَامُ:
22- الْأَنْعَامُ (بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ) جَمْعُ نَعَمٍ (بِفَتْحَتَيْنِ) وَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ هِيَ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْبَقَرُ عِرَابًا أَمْ جَوَامِيسَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْغَنَمُ ضَأْنًا أَمْ مَعْزًا، فَكُلُّهَا حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَنِدِ إِلَى نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ.مِنْهَا قوله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، وَمِنْهَا قَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.وَاسْمُ الْأَنْعَامِ يَقَعُ عَلَى هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْأَرْنَبُ:
23- الْأَرْنَبُ حَلَالٌ أَكْلُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأَخَذْتُهَا وَجِئْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِوَرِكِهَا- أَوْ قَالَ: بِفَخِذِهَا إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَبِلَهُ».
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ (أَوْ صَفْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ) أَنَّهُ قَالَ: «صِدْتُ أَرْنَبَيْنِ فَذَبَحْتُهُمَا بِمَرْوَةَ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهِمَا».
ثُمَّ إِنَّهَا مِنَ الْحَيَوَانِ الْمُسْتَطَابِ، وَلَيْسَتْ ذَاتَ نَابٍ تَفْتَرِسُ بِهِ، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهَا، فَهَذِهِ الْمَنَاطَاتُ تَسْتَوْجِبُ حِلَّهَا كَمَا سَيُرَى فِي الْأَنْوَاعِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَقَدْ أَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ- رضي الله عنه- وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْحَيَوَانَاتُ الْمُفْتَرِسَةُ:
24- الْمُرَادُ بِالْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةِ: كُلُّ دَابَّةٍ لَهَا نَابٌ يَفْتَرِسُ بِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَهْلِيَّةً كَالْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ الْأَهْلِيِّ، أَمْ وَحْشِيَّةً كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالضَّبُعِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالثَّعْلَبِ وَالسِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ وَالسِّنْجَابِ وَالْفَنَكِ وَالسَّمُّورِ وَالدُّلُقِ (وَهُوَ أَبُو مُقْرِضٍ) وَالدُّبِّ وَالْقِرْدِ وَابْنِ آوَى وَالْفِيلِ.
وَحُكْمُهَا: أَنَّهَا لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ قَالَ بِحِلِّهِمَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
25- وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا النَّوْعِ كُلِّهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً- بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْأَمْثِلَةِ- بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ».
وَمَنِ اسْتَثْنَى الضَّبُعَ مِنْهُمُ اسْتَدَلَّ بِأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، مِنْهَا مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: «سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الضَّبُعِ أَآكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ».وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَأْكُلُ الضِّبَاعَ، قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يُنْكِرِ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ.
26- وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ لِلْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَكْلُ الْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَهْلِيَّةً كَالسِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ، أَمْ مُتَوَحِّشَةً كَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْقِرْدِ وَالنَّسْنَاسِ قَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ لَكِنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ.
27- لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ أَبَاحُوا بَعْضَ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا: بِالْإِضَافَةِ إِلَى الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ كَالسِّنْجَابِ وَالْفَنَكِ وَالسَّمُّورِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ أَنْيَابَهَا ضَعِيفَةٌ.
وَقَالُوا فِي السِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ، وَالْأَهْلِيِّ، وَابْنِ آوَى، وَالنِّمْسِ، وَالدُّلُقِ: إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ كُلِّهَا بِالْحِلِّ عِنْدَهُمْ.
28- أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ أَبَاحُوا مِنَ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ الضَّبُعَ فَقَطْ.وَقَالُوا: إِنَّ فِي الثَّعْلَبِ وَالسِّنَّوْرِ الْوَحْشِيِّ رِوَايَةً بِالْإِبَاحَةِ.
29- وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} إِلَخِ الْآيَةَ فَإِنَّ لُحُومَ السِّبَاعِ لَيْسَتْ مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ، فَتَكُونُ مُبَاحَةً، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: كُلُّ وَحْشٍ لَيْسَ لَهُ نَابٌ يَفْتَرِسُ بِهِ وَلَيْسَ مِنَ الْحَشَرَاتِ:
30- وَذَلِكَ كَالظِّبَاءِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَإِبِلِ الْوَحْشِ.وَهَذَا النَّوْعُ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ.
لَكِنْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا تَأَنَّسَ حِمَارُ الْوَحْشِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَحُكْمُ الْأَهْلِيِّ سَيَأْتِي ر: ف 46).فَإِنْ عَادَ إِلَى التَّوَحُّشِ رَجَعَ مُبَاحًا كَمَا كَانَ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: كُلُّ طَائِرٍ لَهُ مِخْلَبٌ صَائِدٌ:
31- وَذَلِكَ كَالْبَازِي وَالْبَاشِقِ وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعُقَابِ، وَهَذَا النَّوْعُ- بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْأَمْثِلَةِ- مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَحَرَامٌ فِي بَاقِي الْمَذَاهِبِ، إِلاَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ قَالُوا فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ: إِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الطُّيُورِ مُبَاحَةٌ وَلَوْ كَانَتْ جَلاَّلَةً وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِهَا.وَمَالَ الْمَازِرِيُّ لِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ.
32- وَمِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ هَذَا النَّوْعِ أَوْ كَرَاهَتِهِ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ».وَالْمُرَادُ مِخْلَبٌ يَصِيدُ بِهِ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى ذَا مِخْلَبٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إِلاَّ الصَّائِدُ بِمِخْلَبِهِ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا الدِّيكُ وَالْعَصَافِيرُ وَالْحَمَامُ وَسَائِرُ مَا لَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ فَلَا تُسَمَّى ذَوَاتَ مَخَالِبَ فِي اللُّغَةِ، لِأَنَّ مَخَالِبَهَا لِلِاسْتِمْسَاكِ وَالْحَفْرِ بِهَا، وَلَيْسَتْ لِلصَّيْدِ وَالِافْتِرَاسِ.
وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ بِالْحَصْرِ الَّذِي فِي قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
27-موسوعة الفقه الكويتية (تعويذ)
تَعْوِيذٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّعْوِيذُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ عَوَّذَ، مِنْ عَاذَ يَعُوذُ عَوْذًا: بِمَعْنَى الْتَجَأَ.قَالَ اللَّيْثُ يُقَالُ: فُلَانٌ عَوْذٌ لَكَ: أَيْ مَلْجَأٌ وَيُقَالُ: عُذْتُ بِفُلَانٍ: اسْتَعَذْتُ بِهِ: أَيْ لَجَأْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ عِيَاذِي: أَيْ مَلْجَئِي.وَالْعُوذَةُ: مَا يُعَاذُ بِهِ مِنَ الشَّيْءِ، وَالْعُوذَةُ وَالتَّعْوِيذَةُ وَالْمَعَاذَةُ كُلُّهُ بِمَعْنَى: الرُّقْيَةُ الَّتِي يُرْقَى بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ فَزَعٍ أَوْ جُنُونٍ.وَالْجَمْعُ: عُوَذٌ وَتَعَاوِيذُ، وَمُعَاذَاتٌ
وَالتَّعْوِيذُ فِي الِاصْطِلَاحِ يَشْمَلُ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَنَحْوَهَا مِمَّا هُوَ مَشْرُوعٌ أَوْ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الرُّقْيَةُ:
2- الرُّقْيَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ رَقَاهُ يَرْقِيهِ رُقْيَةً بِمَعْنَى: الْعُوذَةِ وَالتَّعْوِيذِ.قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الرُّقْيَةُ: الْعُوذَةُ الَّتِي يُرْقَى بِهَا صَاحِبُ الْآفَةِ، كَالْحُمَّى وَالصَّرَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ، لِأَنَّهُ يُعَاذُ بِهَا.وَمِنْهُ ((: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} أَيْ مَنْ يَرْقِيهِ؟ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا رَاقِيَ يَرْقِيهِ، فَيَحْمِيهِ.
وَعَرَّفَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: بِأَنَّهَا مَا يُرْقَى بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ.
فَالرُّقْيَةُ أَخَصُّ مِنَ التَّعْوِيذِ، لِأَنَّ التَّعْوِيذَ يَشْمَلُ الرُّقْيَةَ وَغَيْرَهَا، فَكُلُّ رُقْيَةٍ تَعْوِيذٌ وَلَا عَكْسَ ب- التَّمِيمَةُ:
3- التَّمِيمَةُ فِي اللُّغَةِ: خَيْطٌ أَوْ خَرَزَاتٌ كَانَ الْعَرَبُ يُعَلِّقُونَهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ، يَمْنَعُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ، فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ.قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: التَّمِيمَةُ قِلَادَةٌ فِيهَا عُوَذٌ.
وَمَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَا عُلِّقَ فِي الْأَعْنَاقِ مِنَ الْقَلَائِدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا.وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ» أَيْ: فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ صِحَّتَهُ وَعَافِيَتَهُ.
وَهِيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: الْعُوذَةُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَى الْمَرِيضِ وَالصِّبْيَانِ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا الْقُرْآنُ وَذِكْرُ اللَّهِ إِذَا خُرِزَ عَلَيْهَا جِلْدٌ.
فَالتَّمِيمَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا: نَوْعٌ مِنَ التَّعْوِيذِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّقْيَةِ: أَنَّ الْأُولَى هِيَ تَعْوِيذٌ يُعَلَّقُ عَلَى الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِيَةُ تَعْوِيذٌ يُقْرَأُ عَلَيْهِ ج- الْوَدَعَةُ:
4- الْوَدَعَةُ: شَيْءٌ أَبْيَضُ يُجْلَبُ مِنَ الْبَحْرِ يُعَلَّقُ فِي أَعْنَاقِ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ.وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ» أَيْ فَلَا بَارَكَ اللَّهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَافِيَةِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّقُونَهَا مَخَافَةَ الْعَيْنِ فَالْوَدَعَةُ مِثْلُ التَّمِيمَةِ فِي الْمَعْنَى.
د- التُّوَلَةُ:
5- التُّوَلَةُ فِي اللُّغَةِ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ: السِّحْرُ، وَخَرَزٌ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا، وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا: التُّوَلَةُ كَعِنَبَةٍ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَحْبِيبُ الْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا.
كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- رَاوِي الْحَدِيثِ.قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَذِهِ التَّمَائِمُ وَالرُّقَى قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا التُّوَلَةُ؟ قَالَ: شَيْءٌ يَصْنَعُهُ النِّسَاءُ يَتَحَبَّبْنَ بِهِ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ.
فَالتُّوَلَةُ أَيْضًا ضَرْبٌ مِنَ التَّعْوِيذِ.
هـ- (التَّفْلُ، النَّفْثُ، النَّفْخُ):
6- التَّفْلُ: النَّفْخُ مَعَهُ رِيقٌ.وَالنَّفْثُ: نَفْخٌ لَيْسَ مَعَهُ رِيقٌ.فَالتَّفْلُ شَبِيهٌ بِالْبَزْقِ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، أَوَّلُهُ الْبَزْقُ، ثُمَّ التَّفْلُ، ثُمَّ النَّفْثُ، ثُمَّ النَّفْخُ.فَكُلٌّ مِنَ التَّفْلِ، وَالنَّفْثِ، وَالنَّفْخِ قَدْ يَكُونُ مِنْ مُلَابَسَاتِ التَّعَاوِيذِ.
و- النُّشْرَةُ:
7- النُّشْرَةُ فِي اللُّغَةِ: كَالتَّعْوِيذِ وَالرُّقْيَةِ.يُعَالَجُ بِهَا الْمَجْنُونُ وَالْمَرِيضُ وَحَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ وَفِي الْحَدِيثِ «فَلَعَلَّ طِبًّا أَصَابَهُ، يَعْنِي سِحْرًا، ثُمَّ نَشَرَهُ ب قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» أَيْ رَقَاهُ.وَالتَّنْشِيرُ: الرُّقْيَةُ أَوْ كِتَابَةُ النُّشْرَةُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ أَنْ يَكْتُبَ شَيْئًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يُمْسَحُ بِهِ الْمَرِيضُ أَوْ يُسْقَاهُ.أَوْ يُكْتَبُ قُرْآنٌ وَذِكْرٌ بِإِنَاءٍ لِحَامِلٍ لِعُسْرِ الْوِلَادَةِ، وَلِمَرِيضٍ يُسْقَيَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ز- الرَّتِيمَةُ:
8- الرَّتِيمَةُ وَالرَّتْمَةُ: خَيْطٌ يُرْبَطُ بِأُصْبُعٍ أَوْ خَاتَمٍ لِتُسْتَذْكَرَ بِهِ الْحَاجَةُ، وَيُقَالُ: أَرْتَمَهُ: إِذَا شَدَّ فِي أُصْبُعِهِ الرَّتِيمَةَ وَقِيلَ: هِيَ خَيْطٌ كَانَ يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَلَى زَعْمِهِمْ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّعْوِيذِ:
9- يَخْتَلِفُ حُكْمُ التَّعَاوِيذِ بِاخْتِلَافِ مَا تُتَّخَذُ مِنْهُ التَّعَاوِيذُ.وَتَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ:
10- مَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ:
وَمِنْهُ مَا كَانَ يُرْقَى بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى: أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ بِلَا خِلَافٍ.لِمَا صَحَّ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَفِي عُنُقِهَا شَيْءٌ تَتَعَوَّذُ بِهِ، فَجَبَذَهُ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أَصْبَحَ آلُ عَبْدِ اللَّهِ أَغْنِيَاءَ عَنْ أَنْ يُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا.ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا التُّوَلَةُ، قَالَ: شَيْءٌ يَصْنَعُهُ النِّسَاءُ يَتَحَبَّبْنَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ».
فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْوَعِيدِ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيقِ خَرَزَةٍ يُسَمُّونَهَا تَمِيمَةً أَوْ نَحْوَهَا، يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمُ الْآفَاتِ.وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِمَادَ هَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ، وَأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ شِرْكًا فَهُوَ يُؤَدِّي إِلَيْهِ، إِذْ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَمْنَعُ وَلَا يَدْفَعُ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ مَحْمُولَةٌ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَلَا يُدْرَى مَا هِيَ، وَلَعَلَّهُ يَدْخُلُهَا سِحْرٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ حَرَامٌ، صَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: لَا يُرْقَى بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهَا، قَالَ مَالِكٌ: مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهَا كُفْرٌ؟.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ النَّفْثِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذِ، فَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وَأَجَازَهُ آخَرُونَ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَنْفُثُ فِي الرُّقْيَةِ» وَلَفْظُهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ يَدِي» وَأَيْضًا بِمَا رُوِيَ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ- رضي الله عنه- أَنَّ يَدَهُ احْتَرَقَتْ، فَأَتَتْ بِهِ أُمُّهُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ يَنْفُثُ عَلَيْهَا، وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ».وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ: ذُهِبَ بِي إِلَى عَائِشَةَ- رضي الله عنها- وَفِي عَيْنَيَّ سُوءٌ فَرَقَتْنِي وَنَفَثَتْ.
وَاسْتَدَلَّ الْآخَرُونَ: وَهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَكَمُ بِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلْتُ عَلَى الضَّحَّاكِ وَهُوَ وَجِعٌ، فَقُلْتُ: أَلَا أَعَوِّذُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَا تَنْفُثْ، فَعَوَّذْتُهُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ.وَبِمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لِعَطَاءٍ: الْقُرْآنُ يَنْفُخُ أَوْ يَنْفُثُ.قَالَ: لَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا حُكْمُ النُّشْرَةِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَدَا ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَائِشَةَ- رضي الله عنها-، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَالطَّبَرِيِّ وَكَانَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- تَقْرَأُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ تَأْمُرُ أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْمَرِيضِ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ حَرَامٌ، وَمَنَعَهَا أَيْضًا الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ.وَكَذَلِكَ مُجَاهِدٌ لَمْ يَرَ أَنْ تُكْتَبَ آيَاتُ الْقُرْآنِ، ثُمَّ تُغْسَلَ، ثُمَّ يُسْقَاهُ صَاحِبُ الْفَزَعِ.وَقَالَ النَّخَعِيُّ: أَخَافُ أَنْ يُصِيبَهُ بَلَاءٌ.لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ النُّشْرَةَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ».
وَقِيلَ: الْمَنْعُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ خَارِجَةً عَمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَعَنِ الْمُدَاوَاةِ الْمَعْرُوفَةِ.وَالنُّشْرَةُ مِنْ جِنْسِ الطِّبِّ، فَهِيَ غُسَالَةُ شَيْءٍ لَهُ فَضْلٌ كَوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.
وَأَمَّا الرَّتِيمَةُ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِاخْتِلَافِ مَعَانِيهَا:
فَحُكْمُ الرَّتِيمَةِ- بِمَعْنَى: أَنَّهَا خَيْطٌ يُرْبَطُ بِأُصْبُعٍ أَوْ خَاتَمٍ لِتُسْتَذْكَرَ بِهِ الْحَاجَةُ- فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، لِأَنَّهَا تُفْعَلُ لِحَاجَةٍ فَلَيْسَ بِعَبَثٍ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ التَّذَكُّرُ عِنْدَ النِّسْيَانِ.وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ وَفِي الْمِنَحِ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ عَبَثٍ.وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ: الدُّمْلُجُ، وَهُوَ مَا يَصْنَعُهُ بَعْضُ الرِّجَالِ فِي الْعَضُدِ وَأَمَّا حُكْمُ الرَّتِيمَةِ- بِمَعْنَى أَنَّهَا خَيْطٌ كَانَ يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِزَعْمِهِمْ- فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّمَائِمِ الْمُحَرَّمَةِ، وَذُكِرَ فِي حُدُودِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كُفْرٌ
الْقِسْمُ الثَّانِي:
11- مَا كَانَ تَعْوِيذًا بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ بِذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِاجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ:
أ- أَنْ يَكُونَ بِكَلَامِ اللَّهِ أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
ب- أَنْ يَكُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَبِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ.
ج- أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ التَّعْوِيذَ وَالرُّقْيَةَ لَا تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا، بَلْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَأْثُورًا فَيُسْتَحَبُّ.وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَفْهُومَ الْمَعْنَى، وَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ.وَأَنَّ الرُّقْيَةَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- هُوَ مَا يَكُونُ بِقَوَارِعِ الْقُرْآنِ وَبِمَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى.وَمَا نُهِيَ عَنْهُ هُوَ رُقْيَةُ الْعَزَّامِينَ، وَمَنْ يَدَّعِي تَسْخِيرَ الْجِنِّ وَبِالْجَوَازِ قَالَ أَيْضًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَآخَرُونَ.
12- وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: - مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ كَانَ يُعَوِّذُ نَفْسَهُ».وَرَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَأْسَ، وَاشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا».
- وَرَوَى جَابِرٌ- رضي الله عنه- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَرَى بِهَا بَأْسًا، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ».
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ: تُكْرَهُ الرُّقَى، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ اعْتِصَامًا بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَثِقَةً بِهِ وَانْقِطَاعًا إِلَيْهِ.وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ «رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَمَّا سُئِلَ مَا صِفَتُهُمْ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
الْقِسْمُ الثَّالِثُ:
13- مَا كَانَ بِأَسْمَاءِ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ أَوْ مِنْ مُعَظَّمٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ كَالْعَرْشِ.فَصَرَّحَ الشَّوْكَانِيُّ: بِأَنَّهُ يُكْرَهُ مِنَ الرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ خَاصَّةً، لِيَكُونَ بَرِيئًا مِنْ شَوْبِ الشِّرْكِ قَالَ: وَعَلَى كَرَاهَةِ الرُّقَى بِغَيْرِ الْقُرْآنِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ.وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا لَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ اجْتِنَابُهُ وَلَا مِنَ الْمَشْرُوعِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الِالْتِجَاءَ إِلَى اللَّهِ وَالتَّبَرُّكَ بِأَسْمَائِهِ، فَيَكُونُ تَرْكُهُ أَوْلَى، إِلاَّ أَنْ يَتَضَمَّنَ تَعْظِيمَ الْمَرْقِيِّ بِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ كَالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ.
الْغَرَضُ مِنَ اتِّخَاذِ التَّعَاوِيذِ:
أَوَّلًا: الِاسْتِشْفَاءُ:
أ- الِاسْتِشْفَاءُ بِالْقُرْآنِ:
14- الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قوله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا}
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ الْقُرْآنِ شِفَاءً عَلَى قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الِاسْتِشْفَاءُ بِهِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْبَدَنِيَّةِ، بَلْ هُوَ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ، بِزَوَالِ الْجَهْلِ عَنْهَا وَإِزَالَةِ الرَّيْبِ، وَلِكَشْفِ غِطَاءِ الْقَلْبِ مِنْ مَرَضِ الْجَهْلِ لِفَهْمِ الْمُعْجِزَاتِ، وَالْأُمُورِ الدَّالَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ شِفَاءٌ أَيْضًا مِنَ الْأَمْرَاضِ بِالرُّقْيَةِ وَالتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَجَوَّزُوا الِاسْتِشْفَاءَ بِالْقُرْآنِ: بِأَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْمَرِيضِ، أَوِ الْمَلْدُوغِ الْفَاتِحَةُ، وَيَتَحَرَّى مَا يُنَاسِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ شِفَاءً عَلَى أَنَّ {مِنْ} فِيقوله تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ} لِلْبَيَانِ.وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ لَمْ يَسْتَشْفِ بِالْقُرْآنِ فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ».
وَلِمَا رَوَى الْأَئِمَّةُ، وَاللَّفْظُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي سَرِيَّةٍ ثَلَاثِينَ رَاكِبًا، قَالَ فَنَزَلْنَا عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ، فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ يُضَيِّفُونَا، فَأَبَوْا، فَلُدِغَ سَيِّدُ الْحَيِّ.فَأَتَوْا فَقَالُوا: فِيكُمْ أَحَدٌ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ؟ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ قَتَّةَ: إِنَّ الْمَلِكَ يَمُوتُ.قَالَ: قُلْتُ أَنَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا أَفْعَلُ حَتَّى تُعْطُونَا.فَقَالُوا: فَإِنَّا نُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً، قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سَبْعَ مَرَّاتٍ فَبَرَأَ» وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «فَأَفَاقَ وَبَرَأَ.فَبَعَثَ إِلَيْنَا بِالنُّزُلِ، وَبَعَثَ إِلَيْنَا بِالشَّاءِ، فَأَكَلْنَا الطَّعَامَ أَنَا وَأَصْحَابِي، وَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوا مِنَ الْغَنَمِ، حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.شَيْءٌ أُلْقِيَ فِي رَوْعِي، قَالَ: كُلُوا وَأَطْعِمُونَا مِنَ الْغَنَمِ».
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَكْرَهُ عَشْرَ خِصَالٍ، فَذَكَرَ فِيهَا الرُّقَى إِلاَّ بِالْمُعَوِّذَاتِ» وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَرِ لِجَهَالَةِ رَاوِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِالْإِذْنِ فِي الرُّقْيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَأَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي الْفَاتِحَةِ مَعْنَى الِاسْتِعَاذَةِ، وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ، فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَاتُ، فَأَخَذَ بِهَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهَا».
وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّعَوُّذِ بِغَيْرِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ ثُبُوتِ التَّعَوُّذِ بِغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا اجْتَزَأَ بِهِمَا لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ جَوَامِعِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَئِذٍ: لَا يَلْزَمُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الرُّقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ أَنْ يُشْرَعَ بِغَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُعَوِّذَاتِ سِرٌّ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا.وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- تَرَكَ مَا عَدَا الْمُعَوِّذَاتِ، لَكِنْ ثَبَتَتِ الرُّقْيَةُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْمُعَوِّذَاتِ، وَفِي الْفَاتِحَةِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ، فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ اسْتِعَاذَةٌ أَوِ اسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ- أَوْ مَا يُعْطِي مَعْنَى ذَلِكَ- فَالِاسْتِرْقَاءُ بِهِ مَشْرُوعٌ.وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ تَرَكَ مَا كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَبْوِيبِ الْبُخَارِيِّ بِعِنْوَانِ (الرُّقَى بِالْقُرْآنِ) بَعْضَهُ، فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى بَعْضِهِ، وَالْمُرَادُ مَا كَانَ فِيهِ الْتِجَاءٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمُعَوِّذَاتُ.وَقَدْ ثَبَتَتِ الِاسْتِعَاذَةُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ كَمَا مَضَى.قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْمُعَوِّذَاتِ جَوَامِعُ مِنَ الدُّعَاءِ تَعُمُّ أَكْثَرَ الْمَكْرُوهَاتِ مِنَ السِّحْرِ وَالْحَسَدِ وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَكْتَفِي بِهَا.
ب-
الِاسْتِشْفَاءُ بِالْأَدْعِيَةِ الْمُنَاسِبَةِ وَالْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ:
15- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي جَوَازِ الِاسْتِشْفَاءِ بِالْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَوِّذُ أَهْلَ بَيْتِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَأْسَ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ «- رضي الله عنه- أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» ثَانِيًا: اسْتِمَالَةُ الزَّوْجِ:
16- مَا يُسْتَخْدَمُ لِتَحْبِيبِ الزَّوْجَةِ أَوِ الزَّوْجِ يُسَمَّى «تُوَلَةً» كَمَا سَبَقَ (ف- 5).
صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ وَعَلَّلَ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ السِّحْرِ، وَالسِّحْرُ حَرَامٌ.وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كِتَابَةِ آيَاتٍ، بَلْ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ».وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: امْرَأَةٌ أَرَادَتْ أَنْ تَضَعَ تَعْوِيذًا لِيُحِبَّهَا زَوْجُهَا، أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ.
وَأَمَّا مَا تَتَحَبَّبُ بِهِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا مِنْ كَلَامٍ مُبَاحٍ أَوْ مَا تَلْبَسُهُ لِلزِّينَةِ، أَوْ تُطْعِمُهُ مِنْ عَقَارٍ مُبَاحٍ أَكْلُهُ، أَوْ أَجْزَاءِ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ مِمَّا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ سَبَبٌ إِلَى مَحَبَّةِ زَوْجِهَا، لِمَا أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنَ الْخَوَاصِّ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، لَا أَنَّهُ يَفْعَلُ بِذَاتِهِ.فَقَالَ ابْنُ رَسْلَانَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ، لَا أَعْرِفُ الْآنَ مَا يَمْنَعُهُ فِي الشَّرْعِ.
ثَالِثًا: دَفْعُ ضَرَرِ الْعَيْنِ:
الْكَلَامُ هُنَا فِي مَوَاضِعَ:
أ- الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ:
17- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ ثَابِتَةٌ مَوْجُودَةٌ، وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي النُّفُوسِ، وَتُصِيبُ الْمَالَ، وَالْآدَمِيَّ، وَالْحَيَوَانَ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- رَفَعَهُ «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا».
وَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ.وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ».
وَأَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الطَّبَائِعِيِّينَ وَطَوَائِفُ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ الْعَيْنَ لِغَيْرِ مَعْنًى، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ إِلاَّ مَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ الْخَمْسُ وَمَا عَدَاهَا فَلَا حَقِيقَةَ لَهُ.وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ: أَنَّهُ أَمْرٌ مُمْكِنٌ، وَالشَّرْعُ أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ. ب- الْوِقَايَةُ مِنَ الْعَيْنِ:
ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْعَيْنِ الطُّرُقَ الْآتِيَةَ:
أ- قِرَاءَةُ بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ مِنْ قِبَلِ الْعَائِنِ:
18- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ تَدْفَعُ ضَرَرَ الْعَيْنِ، كَمَا رَوَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ- رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَخِيهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ»،، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لَا تَضُرُّ، وَلَا تَعْدُو إِذَا بَرَّكَ الْعَائِنُ، فَالْمَشْرُوعُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ أَنْ يُبَرِّكَ، فَإِنَّهُ إِذَا دَعَا بِالْبَرَكَةِ صَرَفَ الْمَحْذُورَ لَا مَحَالَةَ، وَالتَّبَرُّكُ أَنْ يَقُولَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ.وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ لِمُعَيَّنٍ بِالْبَرَكَةِ، فَيُقَالُ: اللَّهُمَّ بَارِكْ وَلَا تَضُرَّهُ.
وَيَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- رَفَعَهُ: «مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ لَمْ يَضُرُّهُ».
ب- الِاسْتِرْقَاءُ مِنَ الْعَيْنِ:
19- رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ «أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تَسْرُعُ إِلَيْهِمُ الْعَيْنُ، أَوَنَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ» الْحَدِيثَ.وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِأَسْمَاءِ: «مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ أَتُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّ الْعَيْنَ تَسْرُعُ إِلَيْهِمْ، قَالَ ارْقِيهِمْ، قَالَتْ: فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ارْقِيهِمْ».
ج- الِاسْتِشْفَاءُ مِنْ إِصَابَةِ الْعَيْنِ:
20- صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِوُجُوبِ الِاغْتِسَالِ لِلِاسْتِشْفَاءِ مِنْ إِصَابَةِ الْعَيْنِ، فَيُؤْمَرُ الْعَائِنُ بِالِاغْتِسَالِ، وَيُجْبَرُ إِنْ أَبَى، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمُعْيَنُ».وَالْأَمْرُ حَقِيقَةٌ لِلْوُجُوبِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ أَخَاهُ مِمَّا يَنْتَقِعُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ هُوَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِي عَلَيْهِ.
د- الْمَعْرُوفُ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ وَمَا عَلَيْهِ:
21- نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عُرِفَ وَاحِدٌ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ وَيُحْتَرَزَ مِنْهُ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَيُلْزِمَهُ بَيْتَهُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ، فَضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِئَلاَّ يُؤْذِيَ النَّاسَ، وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ- رضي الله عنه-.وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ، لَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ
رَابِعًا: دَفْعُ الْبَلَاءِ:
22- كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَلِّقُونَ التَّمَائِمَ وَالْقَلَائِدَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا تَقِيهِمْ وَتَصْرِفُ عَنْهُمُ الْبَلَاءَ، فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ وَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ بِقَوْلِهِ: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ» وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصْرِفُهُ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُعَافِي وَالْمُبْتَلِي.
أ- تَعْلِيقُ التَّعْوِيذَاتِ عَلَى الْإِنْسَانِ:
23- إِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ خَرَزًا أَوْ خُيُوطًا أَوْ عِظَامًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَذَلِكَ حَرَامٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ».وَلِحَدِيثِ: «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً- أَرَاهُ قَالَ مِنْ صُفْرٍ- فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ.قَالَ أَمَّا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا».
وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ شَيْئًا مِمَّا كُتِبَ فِيهِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةُ وَالتَّعَوُّذَاتُ الْمَمْنُوعَةُ فَذَلِكَ حَرَامٌ أَيْضًا. لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ».
وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ شَيْئًا كُتِبَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ الِاسْتِرْقَاءُ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ:
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ.وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنه-، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.وَحَمَلُوا حَدِيثَ النَّهْيِ عَنِ التَّمَائِمِ عَلَى مَا فِيهِ شِرْكٌ وَنَحْوُهُ مِنَ الرُّقَى الْمَمْنُوعَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَابْنِ حَكِيمٍ- رضي الله عنهم-، وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ.قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا- يَعْنِي أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ- يَكْرَهُونَ التَّمَائِمَ كُلَّهَا، مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ.وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ التَّمَائِمِ، وَلِسَدِّ الذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ يُفْضِي إِلَى تَعْلِيقِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا عُلِّقَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْتَهِنَهُ الْمُعَلِّقُ، بِحَمْلِهِ مَعَهُ فِي حَالِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَاَلَّذِينَ ذَهَبُوا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ التَّعْوِيذِ اشْتَرَطُوا مَا يَلِي:
(1) أَنْ يَكُونَ فِي قَصَبَةٍ أَوْ رُقْعَةٍ يُخْرَزُ فِيهَا.
(2) أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ قُرْآنًا، أَوْ أَدْعِيَةً مَأْثُورَةً.
(3) أَنْ يَتْرُكَ حَمْلَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ أَوِ الْغَائِطِ.
(4) أَلاَّ يَكُونَ لِدَفْعِ الْبَلَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَلَا لِدَفْعِ الْعَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ، قَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: مَا تَعَلَّقَ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَلَيْسَ مِنَ التَّمَائِمِ.
ب- تَعْلِيقُ التَّعْوِيذَاتِ عَلَى الْحَيَوَانِ:
24- وَأَمَّا تَعْلِيقُ التَّعْوِيذِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ طَاهِرًا، فَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْثُورٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الِامْتِهَانِ وَمُلَابَسَةِ الْأَنْجَاسِ وَالْأَقْذَارِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ فَلَهُمْ مَنْ يَصُونُهُمْ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ نَجِسًا كَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَلَا إِشْكَالَ فِي التَّحْرِيمِ
تَعْلِيقُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ التَّعَاوِيذَ:
25- ذَهَبَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَعْلِيقِ التَّعَاوِيذِ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَعْلِيقِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ التَّعَاوِيذَ أَوْ بِشَدِّهَا عَلَى الْعَضُدِ إِذَا كَانَتْ مَلْفُوفَةً، أَوْ خُرِزَ عَلَيْهَا أَدِيمٌ.
رُقْيَةُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ وَعَكْسُهُ:
أ- رُقْيَةُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ.
26- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ رُقْيَةِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى: جَوَازِ رُقْيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ لِلْمُسْلِمِ إِذَا رَقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِذِكْرِ اللَّهِ.لِمَا رُوِيَ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ- رضي الله عنه- دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ- رضي الله عنها- وَهِيَ تَشْتَكِي، وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ.قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ «بِكِتَابِ اللَّهِ» أَيْ «بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» أَوْ رُقْيَةً مُوَافِقَةً لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَيُعْلَمُ صِحَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ تُظْهِرَ رُقْيَتَهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللَّهِ أَمَرَ بِهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ رُقَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا أُحِبُّهُ، لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ هَلْ يَرْقُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، أَوْ بِالْمَكْرُوهِ الَّذِي يُضَاهِي السِّحْرَ.
ب- رُقْيَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ:
27- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي جَوَازِ رُقْيَةِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ.وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ (ف- 14) وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْحَيَّ- الَّذِي نَزَلُوا عَلَيْهِمْ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ- كَانُوا كُفَّارًا، وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ عَلَيْهِ.
أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعَاوِيذِ وَالرُّقَى:
28- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعَاوِيذِ وَالرُّقَى، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ (ف- 14) وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْجَوَازِ وَقَالَ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى الرُّقَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَرْقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَبْلِيغًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.وَكَرِهَ الزُّهْرِيُّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلرُّقْيَةِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
28-موسوعة الفقه الكويتية (جهاد 3)
جِهَادٌ -3وَالْغَدْرُ: الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ.
وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواأَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} لَكِنْ إِنْ نَقَضَ الْكُفَّارُ الْعَهْدَ جَازَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ نَبْذٍ إِلَيْهِمْ، أَمَّا إِنْ بَدَتْ مِنَ الْكُفَّارِ أَمَارَاتُ نَقْضِ الْعَهْدِ جَازَ نَبْذُ الْعَهْدِ إِلَيْهِمْ لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (عَهْدٌ) وَ (مُعَاهَدَةٌ) وَ (أَمَانٌ).
أَمَّا الْمُثْلَةُ فَهِيَ الْعُقُوبَةُ الشَّنِيعَةُ مِنْ مِثْلِ قَطْعِ الْأَنْفِ، وَالْأُذُنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ مَا كَانَتِ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ جَزَاءٍ، وَلَكِنْ لَوْ أَنَّ شَخْصًا جَنَى عَلَى قَوْمٍ جِنَايَاتٍ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَاقْتُصَّ مِنْهُ، لَمَا كَانَ التَّشْوِيهُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمُثْلَةِ.
وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّ الْمُثْلَةَ بِمَنْ مَثَّلَ جَزَاءٌ، ثَابِتٌ وَفِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ، وَالْمُثْلَةُ بِمَنِ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ لَا عَنْ مُثْلَةٍ لَا تَحِلُّ.وَتَأْسِيسًا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَمْلِ رَأْسِ الْمُشْرِكِ لَوْ فِيهِ غَيْظُهُمْ وَفِيهِ فَرَاغُ قُلُوبِنَا بِانْدِفَاعِ شَرِّهِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَمْلِ رُءُوسِ قَتْلَى الْكُفَّارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ بَيْنَ مُجِيزٍ وَمُحَرِّمٍ، يُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُثْلَةٌ).
و- تَحْرِيقُ الْعَدُوِّ بِالنَّارِ، وَتَغْرِيقُهُ بِالْمَاءِ، وَرَمْيُهُ بِالْمَنْجَنِيقِ:
32- قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا قَدَرَ عَلَى الْعَدُوِّ فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهُ بِالنَّارِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْثٍ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ.ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا، وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا».
فَأَمَّا رَمْيُهُمْ قَبْلَ أَخْذِهِمْ بِالنَّارِ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُهُمْ بِدُونِهَا لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُمْ بِغَيْرِهَا فَجَائِزٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَغْرِيقُ الْعَدُوِّ بِالْمَاءِ، إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِ.
33- وَأَمَّا حِصَارُ الْقِلَاعِ: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ حِصَارُ الْكُفَّارِ فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ، وَإِرْسَالُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ، وَقَطْعُهُ عَنْهُمْ، وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لقوله تعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} «وَلِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ، وَرَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ».وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ بِهِ الْهَلَاكُ، وَوَافَقَ أَحْمَدُ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فِي جَوَازِ رَمْيِهِمْ بِالْمَنْجَنِيقِ مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا
وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ الْقَوْلَ فَقَالُوا: يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ بِالْحِصْنِ بِغَيْرِ تَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ إِذَا كَانُوا مَعَ مُسْلِمِينَ، أَوْ ذُرِّيَّةٍ أَوْ نِسَاءٍ، وَلَمْ يَخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُرْمَوْنَ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَلَوْ مَعَ ذُرِّيَّةٍ، أَوْ نِسَاءٍ، أَوْ مُسْلِمِينَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ الْغَرَقِ لَمْ يَجُزْ إِذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ إِتْلَافُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ الَّذِينَ يَحْرُمُ إِتْلَافُهُمْ قَصْدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بِهِ جَازَ.
وَإِذَا حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا لَزِمَتْهُ مُصَابَرَتُهُ، وَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ إِلاَّ فِي إِحْدَى الْحَالَاتِ الْآتِيَةِ:
1- أَنْ يُسَلِّمُوا فَيُحْرِزُوا بِالْإِسْلَامِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا».
2- أَنْ يَبْذُلُوا مَالًا عَلَى الْمُوَادَعَةِ، فَيَجُوزُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ أَعْطَوْهُ جُمْلَةً، أَوْ جَعَلُوهُ خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كُلَّ عَامٍ، فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ فَبَذَلُوهَا لَزِمَهُ قَبُولُهَا؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
وَإِنْ بَذَلُوا مَالًا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْجِزْيَةِ فَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي قَبُولِهِ قَبِلَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ إِذَا لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ.
3- أَنْ يَفْتَحَهُ.
4- أَنْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي الِانْصِرَافِ عَنْهُ، إِمَّا لِضَرَرِ الْإِقَامَةِ، وَإِمَّا لِلْيَأْسِ مِنْهُ، وَإِمَّا لِمَصْلَحَةٍ يَنْتَهِزُهَا، تَفُوتُ بِإِقَامَتِهِ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى غَدًا...».
5- أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، فَيَجُوزُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ «النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ لَمَّا حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ رَضُوا بِأَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ».
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا ذَكَرًا عَدْلًا فَقِيهًا كَمَا يُشْتَرَطُ فِي حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْمَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْبَصَرِ لَا يَضُرُّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَأْيُهُ وَمَعْرِفَةُ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْبَصَرِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْبَصَرِ لِيَعْرِفَ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالشَّاهِدَ مِنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَالْمُقَرَّ لَهُ مِنَ الْمُقِرِّ، وَيُعْتَبَرُ مِنَ الْفِقْهِ هَاهُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحُكْمِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِقْهُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهَذَا.وَلِهَذَا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ.وَإِذَا حَكَّمُوا رَجُلَيْنِ جَازَ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَإِنْ جَعَلُوا الْحُكْمَ إِلَى رَجُلٍ يُعَيِّنُهُ الْإِمَامُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إِلاَّ مَنْ يَصْلُحُ، وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَوْ جَعَلُوا التَّعْيِينَ إِلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا اخْتَارُوا مَنْ لَا يَصْلُحُ، وَإِنْ عَيَّنُوا رَجُلًا يَصْلُحُ فَرَضِيَهُ الْإِمَامُ جَازَ؛ لِأَنَّ «بَنِي قُرَيْظَةَ رَضُوا بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَعَيَّنُوهُ فَرَضِيَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَجَازَ حُكْمَهُ وَقَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ».
وَإِنْ مَاتَ مَنِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ قَامَ مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، أَوْ طَلَبُوا حُكْمًا لَا يَصْلُحُ، رُدُّوا إِلَى مَأْمَنِهِمْ، وَكَانُوا عَلَى الْحِصَارِ حَتَّى يَتَّفِقُوا، وَكَذَلِكَ إِنْ رَضُوا بِاثْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ جَازَ، وَإِلاَّ رُدُّوا إِلَى مَأْمَنِهِمْ، وَكَذَلِكَ إِنْ رَضُوا بِتَحْكِيمِ مَنْ لَمْ تَجْتَمِعِ الشَّرَائِطُ فِيهِ وَوَافَقَهُمُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ.ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَمْ يَحْكُمْ، وَيُرَدُّونَ إِلَى مَأْمَنِهِمْ كَمَا كَانُوا.
34- وَأَمَّا صِفَةُ الْحُكْمِ: فَإِنْ حَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ نَفَذَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ «سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» وَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، فَقَالَ الْقَاضِي يَلْزَمُ حُكْمُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِلَيْهِ فِيمَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، فَكَانَ لَهُ الْمَنُّ كَالْإِمَامِ فِي الْأَسِيرِ.
وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، وَلَا حَظَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْمَنِّ، وَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَمْلِكُ الْمَنَّ عَلَى الذُّرِّيَّةِ إِذَا سُبُوا فَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ، وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَتَعَيَّنِ السَّبْيُ فِيهِمْ بِخِلَافِ مَنْ سُبِيَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفِدَاءِ جَازَ، لِأَنَّ الْإِمَامَ يُخَيَّرُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالْفِدَاءِ، وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَالْمَنِّ، فَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَلْزَمْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، وَلِذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ إِجْبَارَ الْأَسِيرِ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَإِنْ حَكَمَ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ جَازَ لِلْإِمَامِ الْمَنُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، لِأَنَّ «ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ فِي الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا مِنْ قُرَيْظَةَ وَمَالِهِ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَجَابَهُ».وَيُخَالِفُ مَالَ الْغَنِيمَةِ إِذَا حَازَهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُمُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا وَهُمْ أَحْرَارٌ، وَأَمْوَالُهُمْ لَهُمْ فَلَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُمْ، بِخِلَافِ الْأَسِيرِ، فَإِنَّ الْأَسِيرَ قَدْ ثَبَتَتِ الْيَدُ عَلَيْهِ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ.وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ سَقَطَ لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ وَلَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا قَبْلَ اسْتِرْقَاقِهِمْ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِهِمْ.كَمَا لَوْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْأَسْرِ، وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى مَا حُكِمَ فِيهِ، وَإِنْ حُكِمَ بِأَنَّ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ غَنِيمَةً؛ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهُ بِالْقَهْرِ وَالْحَصْرِ.
ز- إِتْلَافُ الْأَمْوَالِ:
35- إِذَا اسْتَعَدَّ الْكُفَّارُ أَوْ تَحَصَّنُوا لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّنَا نَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَنُحَارِبُهُمْ لِنَظْفَرَ بِهِمْ، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ، إِلاَّ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الظَّفَرُ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِتْلَافٍ لِأَمْوَالِهِمْ فَيُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَمَا أُبِيحَ إِلاَّ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ، وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ ذَلِكَ بِدُونِ إِتْلَافٍ، وَأَنَّهُ يَصِيرُ لَنَا لَا نُتْلِفُهُ.
وَأَمَّا قَطْعُ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ، فَإِنَّ الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى إِتْلَافِهِ كَالَّذِي يَقْرُبُ مِنْ حُصُونِهِمْ وَيَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِمْ، أَوْ يَسْتَتِرُونَ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى قَطْعِهِ لِتَوْسِعَةِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَكُونُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا فَيُفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ؛ لِيَنْتَهُوا، فَهَذَا يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
الثَّانِيَ: مَا يَتَضَرَّرُ الْمُسْلِمُونَ بِقَطْعِهِ لِكَوْنِهِمْ يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ لِعَلُوفَتِهِمْ، أَوْ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ، أَوْ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِهِ، فَهَذَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ.
الثَّالِثُ: مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَفْعَ سِوَى غَيْظِ الْكُفَّارِ وَالْإِضْرَارِ بِهِمْ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:
إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَرَقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ» وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ.لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ مِنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَقَالَ: لَعَلَّكَ حَرَقْتَ حَرْثًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَعَلَّكَ غَرَّقْتَ نَخْلًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَعَلَّكَ قَتَلْتَ صَبِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لِتَكُنْ غَزْوَتُكَ كَفَافًا.
وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِتْلَافًا مَحْضًا، فَلَمْ يَجُزْ كَعَقْرِ الْحَيَوَانِ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَأَمَّا الْحَيَوَانَاتُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهَا حَالَةَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ بَهَائِمِهِمْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْأَرْجَحَ وُجُوبُ حَرْقِ الْحَيَوَانَاتِ بَعْدَ قَتْلِهَا إِنِ اسْتَحَلُّوا أَكْلَ الْمَيْتَةِ فِي دِينِهِمْ، وَقِيلَ: إِنْ كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَيْهَا قَبْلَ فَسَادِهَا، وَجَبَ التَّحْرِيقُ، وَإِلاَّ لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَدَمُ انْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَقَدْ حَصَلَ.
وَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَرْبِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْرُ دَوَابِّهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ غَيْظًا لَهُمْ وَإِضْعَافًا لِقُوَّتِهِمْ، فَأَشْبَهَ قَتْلَهَا حَالَ قِتَالِهِمْ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، لِنَهْيِهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ صَبْرًا وَلِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يُوصِيهِ: وَلَا تَعْقِرَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا دَابَّةً عَجْمَاءَ وَلَا شَاةً إِلاَّ لِمَأْكَلَةٍ.
وَلِأَنَّهُ إِفْسَادٌ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.وَيَجُوزُ عَقْرُ الْحَيَوَانَاتِ لِلْأَكْلِ إِنْ كَانَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ مَالَ الْمَعْصُومِ، فَمَالُ الْكَافِرِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إِلَيْهِ نَظَرْنَا: فَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُرَادُ إِلاَّ لِلْأَكْلِ كَالدَّجَاجِ، وَالْحَمَامِ، وَسَائِرِ الطَّيْرِ، وَالصَّيْدِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ، وَتَقِلُّ قِيمَتُهُ، فَأَشْبَهَ الطَّعَامَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْقِتَالِ لَمْ يُبَحْ ذَبْحُهُ إِلاَّ لِلْأَكْلِ.
36- وَفِي تَغْرِيقِ النَّحْلِ وَتَحْرِيقِهِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَقْوَالٍ:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْرِيقُ النَّحْلِ وَتَحْرِيقُهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يُوصِيهِ: وَلَا تُحَرِّقْ نَحْلًا وَلَا تُغْرِقَنَّهُ.
وَلِأَنَّهُ إِفْسَادٌ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.
وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو رُوحٍ، فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ لِغَيْظِ الْمُشْرِكِينَ.
وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ إِبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَيْظًا لَهُمْ، وَإِضْعَافًا فَأَشْبَهَ قَتْلَ بَهَائِمِهِمْ حَالَ قِتَالِهِمْ.
وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ الْقَوْلَ فِيهِ، فَقَالُوا: إِنْ قَصَدَ بِإِتْلَافِهَا أَخْذَ عَسَلِهَا كَانَ إِتْلَافُهَا جَائِزًا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذَ عَسَلِهَا، فَإِنْ قَلَّتْ كُرِهَ إِتْلَافُهَا، وَإِنْ كَثُرَ فَيَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي حَالِ الْكَثْرَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ النِّكَايَةِ لَهُمْ.
ح- الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ:
37- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الثَّبَاتُ فِي الْجِهَادِ، وَيَحْرُمُ الْفِرَارُ مِنْهُ؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وَقَدْ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ بِقَوْلِهِ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» ثُمَّ ذَكَرَ مِنْهَا: «التَّوَلِّيَ يَوْمَ الزَّحْفِ».
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ:
38- فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الْفِرَارُ، وَيَجِبُ الثَّبَاتُ بِشَرْطَيْنِ
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ لَا يَزِيدُونَ عَلَى ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ زَادُوا عَلَيْهِ جَازَ الْفِرَارُ؛ لقوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وَالْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَهُوَ أَمْرٌ، بِدَلِيلِ قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} وَلَوْ كَانَ خَبَرًا عَلَى حَقِيقَتِهِ لَمْ يَكُنْ رَدُّنَا مِنْ غَلَبَةِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ إِلَى غَلَبَةَ الِاثْنَيْنِ تَخْفِيفًا؛ وَلِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى صِدْقٌ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الظَّفَرَ وَالْغَلَبَةَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِيهِ ضِعْفَ الْمُسْلِمِينَ فَمَا دُونَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ وَفَرْضٌ، وَلَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يَنْسَخُ هَذِهِ الْآيَةَ لَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهَا.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَلاَّ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ تَخْفِيفٌ فَقَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}، فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعَدَدِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنَ الْعَدَدِ.وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ فَرَّ مِنِ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ، وَيَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ الثَّبَاتُ وَإِنْ ظَنُّوا التَّلَفَ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}.
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنَ الْخَانِيَّةِ: إِنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا حَرُمَ الْفِرَارُ وَلَوْ كَثُرَ الْكُفَّارُ جِدًّا مَا لَمْ تَخْتَلِفْ كَلِمَتُهُمْ، فَإِنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ جَازَ الْفِرَارُ مُطْلَقًا وَلَوْ بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ».
الشَّرْطُ الثَّانِي لِوُجُوبِ الثَّبَاتِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفِرَارِهِ التَّحَيُّزَ إِلَى فِئَةٍ وَلَا التَّحَرُّفَ لِقِتَالٍ، فَإِنْ قَصَدَ أَحَدَ هَذَيْنِ فَالْفِرَارُ مُبَاحٌ لَهُ؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}.
وَمَعْنَى التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَنْ يَنْحَازَ إِلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ أَمْكَنَ مِثْلَ أَنْ يَنْحَازَ مِنْ مُوَاجَهَةِ الشَّمْسِ أَوِ الرِّيحِ إِلَى اسْتِدْبَارِهِمَا، أَوْ مِنْ نَزْلَةٍ إِلَى عُلُوٍّ، أَوْ مِنْ مَعْطَشَةٍ إِلَى مَوْضِعِ مَاءٍ، أَوْ يَفِرَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِتُنْتَقَضَ صُفُوفُهُمْ، أَوْ تَنْفَرِدَ خَيْلُهُمْ مِنْ رَجَّالَتِهِمْ، أَوْ لِيَجِدَ فِيهِمْ فُرْصَةً، أَوْ لِيَسْتَنِدَ إِلَى جَبَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَأَمَّا التَّحَيُّزُ إِلَى فِئَةٍ فَهُوَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى فِئَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ مَعَهُمْ فَيَقْوَى بِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَسَوَاءٌ أَبَعُدَتِ الْمَسَافَةُ أَمْ قَرُبَتْ، فَإِنْ كَانَتِ الْحَرْبُ بِخُرَاسَانَ وَالْفِئَةُ بِالْحِجَازِ جَازَ التَّحَيُّزُ إِلَيْهَا، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِلَّذِينَ فَرُّوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ فِيهَا: أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ» وَكَانُوا بِمَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْهُ.وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ إِلَى فِئَةٍ عَكَّارٌ، وَلَيْسَ بِفَرَّارٍ مِنَ الزَّحْفِ، فَلَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ.
قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَقِيلَ: إِنَّ التَّحَيُّزَ إِلَى فِئَةٍ يَكُونُ إِذَا قَرُبَ الْمُنْحَازُ إِلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ انْحِيَازُهُ إِلَى فِئَةٍ خَرَجَ مَعَهَا، أَمَّا لَوْ خَرَجُوا مِنْ بَلَدٍ وَالْأَمِيرُ مُقِيمٌ فِي بَلْدَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْفِرَارُ حَتَّى يَنْحَازَ إِلَيْهِ، وَأَمِيرُ الْجَيْشِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِرَارُ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّحَيُّزِ وَلَوْ أَدَّى لِهَلَاكِ نَفْسِهِ وَبَقَاءِ الْجَيْشِ مِنْ غَيْرِ أَمِيرٍ، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْجَيْشِ يَفِرُّ عِنْدَ هَلَاكِهِ.
قِلَّةُ الْعَدَدِ مَعَ احْتِمَالِ الظَّفَرِ:
39- إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفَرُ، فَالْأَوْلَى لَهُمُ الثَّبَاتُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَإِنِ انْصَرَفُوا جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ وَالْحُكْمُ مُعَلَّقٌ عَلَى مَظِنَّتِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عَدَدِهِمْ، وَلِذَلِكَ لَزِمَهُمُ الثَّبَاتُ إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمُ الْهَلَاكُ فِيهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُمُ الثَّبَاتُ إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمُ الظَّفَرُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ.
فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ إِنْ ثَبَتُوا لِمِثْلَيْهِمْ هَلَكُوا فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} وَلِأَنَّ الْمُجَاهِدَ إِنَّمَا يُقَاتِلُ عَلَى إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ الشَّهَادَةِ أَوِ الْفَوْزِ بِالْغَنِيمَةِ مَعَ الْأَجْرِ.قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا بَأْسَ بِالِانْهِزَامِ إِذَا أَتَى الْمُسْلِمُ مِنَ الْعَدُوِّ مَا لَا يُطِيقُهُ، وَلَا بَأْسَ بِالصَّبْرِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، بَلْ فِي هَذَا تَحْقِيقُ بَذْلِ النَّفْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ الْحَصْكَفِيُّ: فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا حَارَبَ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يُحَارِبْ أُسِرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِتَالُ.
فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمُ الْهَلَاكُ فِي الْإِقَامَةِ وَالِانْصِرَافِ، فَالْأَوْلَى لَهُمُ الثَّبَاتُ؛ لِيَنَالُوا دَرَجَةَ الشُّهَدَاءِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الْقِتَالِ مُحْتَسِبِينَ فَيَكُونُونَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُوَلِّينَ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَغْلِبُوا أَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلاَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْصِرَافُ لِمِائَةِ بَطَلٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ، وَيَجُوزُ انْصِرَافُ مِائَةٍ ضُعَفَاءَ عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَبْطَالًا فِي الْأَصَحِّ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنَ النَّصِّ عَلَى حُرْمَةِ الِانْصِرَافِ مِنَ الصَّفِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ لَوْ ثَبَتُوا لَهُمْ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَخْتَصَّ الْخِلَافُ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدِ وَنَقْصِهِ، وَلَا بِرَاكِبٍ وَمَاشٍ، بَلِ الضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ الزَّائِدَ عَلَى مِثْلَيْهِمْ وَيَرْجُونَ الظَّفَرَ بِهِمْ، أَوْ مِنَ الضَّعْفِ مَا لَا يُقَاوِمُونَهُمْ، وَحَيْثُ جَازَ الِانْصِرَافُ فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ بِلَا نِكَايَةٍ لِلْكُفَّارِ وَجَبَ الِانْصِرَافُ، وَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ عَلَى حُصُولِ النِّكَايَةِ لَهُمْ يُسْتَحَبُّ الِانْصِرَافُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا الْبَابِ لِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَأَكْبَرِ الظَّنِّ دُونَ الْعَدَدِ.فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْغُزَاةِ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ يَلْزَمُهُمُ الثَّبَاتُ، وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ عَدَدًا مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِمْ أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْحَازُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَعِينُوا بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا مِنَ الْكَفَرَةِ.وَكَذَا الْوَاحِدُ مِنَ الْغُزَاةِ، لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ مَعَهُمَا سِلَاحٌ أَوْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الْكَفَرَةِ وَمَعَهُ سِلَاحٌ، لَا بَأْسَ أَنْ يُوَلِّيَ دُبُرَهُ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَيُكْرَهُ لِلْوَاحِدِ الْقَوِيِّ أَنْ يَفِرَّ مِنَ الْكَافِرَيْنِ، وَيُكْرَهُ لِلْمِائَةِ الْفِرَارُ مِنَ الْمِائَتَيْنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفِرَّ الْوَاحِدُ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَالْمِائَةُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ.
تَحَصُّنُ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنَ الْعَدُوِّ:
40- إِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ بَلَدًا فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ لِأَهْلِهِ التَّحَصُّنَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ أَوْ قُوَّةٌ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَوَلِّيًا وَلَا فِرَارًا، إِنَّمَا التَّوَلِّي بَعْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَإِنْ لَقُوهُمْ خَارِجَ الْحِصْنِ فَلَهُمُ التَّحَيُّزُ إِلَى الْحِصْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَوِ التَّحَيُّزِ إِلَى فِئَةٍ.
وَإِنْ غَزَوْا فَذَهَبَتْ دَوَابُّهُمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفِرَارِ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ مُمْكِنٌ لِلرَّجَّالَةِ، وَإِنْ تَحَيَّزُوا إِلَى جَبَلٍ لِيُقَاتِلُوا فِيهِ رَجَّالَةً فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّهُ تَحَرُّفٌ لِلْقِتَالِ، وَإِنْ ذَهَبَ سِلَاحُهُمْ فَتَحَيَّزُوا إِلَى مَكَانٍ يُمْكِنُهُمُ الْقِتَالُ فِيهِ بِالْحِجَارَةِ وَالتَّسَتُّرُ بِالشَّجَرِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَهُمْ فِي التَّحَيُّزِ إِلَيْهِ فَائِدَةٌ، جَازَ.
الْفِرَارُ وَإِحْرَازُ الْغَنِيمَةِ:
41- فَإِنْ وَلَّى قَوْمٌ قَبْلَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَأَحْرَزَهَا الْبَاقُونَ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لَا نَصِيبَ لِلْفَارِّينَ؛ لِأَنَّ إِحْرَازَهَا حَصَلَ بِغَيْرِهِمْ فَكَانَ مِلْكُهَا لِمَنْ أَحْرَزَهَا، وَإِنْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ فَرُّوا مُتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ أَوْ مُتَحَرِّفِينَ لِلْقِتَالِ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ أَيْضًا لِذَلِكَ، وَإِنْ فَرُّوا بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُمْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْغَنِيمَةَ لِحِيَازَتِهَا فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُمْ عَنْهَا بِفِرَارِهِمْ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (غَنِيمَةٌ).
حُكْمُ التَّبْيِيتِ فِي الْقِتَالِ:
42- صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ وَهُوَ كَبْسُهُمْ لَيْلًا وَقَتْلُهُمْ عَلَى غَفْلَةٍ، وَلَوْ قُتِلَ فِي هَذَا التَّبْيِيتِ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنِ امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ، وَغَيْرِهِمَا كَمَجْنُونٍ، وَشَيْخٍ فَانٍ إِذَا لَمْ يَقْصِدُوا لِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يُسْأَلُ عَنْ دِيَارِ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» وَسَبَقَ تَفْصِيلُ أَحْكَامِ التَّبْيِيتِ فِي الْقِتَالِ فِي مُصْطَلَحِ (تَبْيِيتٌ).
وَكَذَا يَجُوزُ قَتْلُ الْكُفَّارِ فِي مَطْمُورَةٍ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ النِّسَاءَ، وَالصِّبْيَانَ وَنَحْوَهُمْ، وَيَجُوزُ قَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ وَقَطْعُ السَّابِلَةِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَتْلَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبْيِيتِ السَّابِقِ فِيهِ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ إِضْعَافُهُمْ وَإِرْهَابُهُمْ لِيُجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ، وَيَجُوزُ الْإِغَارَةُ عَلَى عَلاَّفِيهِمْ وَحَطَّابِيهِمْ وَنَحْوِهِمْ.
تَتَرُّسُ الْكُفَّارِ بِالذُّرِّيَّةِ وَالنِّسَاءِ:
43- التُّرْسُ: بِضَمِّ التَّاءِ.مَا يُتَوَقَّى بِهِ فِي الْحَرْبِ.وَالتُّرْسُ كَذَلِكَ خَشَبَةٌ أَوْ حَدِيدَةٌ تُوضَعُ خَلْفَ الْبَابِ لِإِحْكَامِ إِغْلَاقِهِ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى التَّتَرُّسِ فِي الْحَرْبِ فِي قوله تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبَنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} فَقَدْ نَزَلَتْ فِيمَنِ احْتُجِزَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَأَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، وَلَوْ تَمَيَّزَ الْكُفَّارُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ لَعَذَّبَ اللَّهُ الْكُفَّارَ عَذَابًا أَلِيمًا بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ خَارِجَ مَكَّةَ بِالرَّمْيِ وَالْقِتَالِ الشَّدِيدِ.
وَأَمَّا حُكْمُ التَّتَرُّسِ: فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ رَمْيُ الْكُفَّارِ إِذَا تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَأُسَارَاهُمْ أَثْنَاءَ الْقِتَالِ، أَوْ حِصَارُهُمْ مِنْ قِبَلِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ فِي الْكَفِّ عَنْ قِتَالِهِمُ انْهِزَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْخَوْفُ عَلَى اسْتِئْصَالِ قَاعِدَةِ الْإِسْلَامِ، وَيُقْصَدُ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارُ.
وَلَكِنْ إِذَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إِلَى رَمْيِهِمْ، لِكَوْنِ الْحَرْبِ غَيْرَ قَائِمَةٍ، أَوْ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَقْوَالٍ سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي مُصْطَلَحِ «تَتَرُّسٌ».
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
29-موسوعة الفقه الكويتية (دعوة 1)
دَعْوَةٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الدَّعْوَةُ مَصْدَرُ (دَعَا) تَقُولُ: دَعَوْتُ زَيْدًا دُعَاءً وَدَعْوَةً، أَيْ نَادَيْتُهُ.
وَقَدْ تَكُونُ لِلْمَرَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} أَيْ دَعَاكُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَالدَّعْوَةُ تَأْتِي فِي اللُّغَةِ لِمَعَانٍ مِنْهَا:
أ- النِّدَاءُ، تَقُولُ دَعَوْتُ فُلَانًا أَيْ نَادَيْتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَى (دَعَا) مُطْلَقًا وَلَوْ مِنَ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى، وَمِنْهُ قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ}
ب- الطَّلَبُ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، وَمِنْهُ قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الدُّعَاءِ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنَ (الدَّعْوَةِ).وَمِثْلُهُ (الدَّعْوَى) كَمَا فِي قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ آخِرُ دُعَائِهِمْ، وَقَدْ يُخَصُّ بِطَلَبِ الْحُضُورِ، تَقُولُ: (دَعَوْتُ فُلَانًا) أَيْ قُلْتُ لَهُ تَعَالَ.
ج- وَالدَّعْوَةُ الدِّينُ أَوِ الْمَذْهَبُ، حَقًّا كَانَ أَمْ بَاطِلاً، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}.
د- وَالدَّعْوَةُ مَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ.
وَخَصَّهَا اللِّحْيَانِيُّ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ، وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ.
هـ- وَالدَّعْوَةُ الْحِلْفُ، أَيْ لِأَنَّهُ يُدْعَى بِهِ لِلِانْتِصَارِ.
و- وَالدَّعْوَةُ النَّسَبُ، تَقُولُ: فُلَانٌ يُدْعَى لِفُلَانٍ، أَيْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} وَالْمَنْسُوبُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ يُقَالُ لَهُ: الدَّعِيُّ، وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ فِي النَّسَبِ (الدَّعْوَةُ) وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الدِّعْوَةُ (بِكَسْرِ الدَّالِ) فِي النَّسَبِ، وَالدَّعْوَةُ فِي الطَّعَامِ، وَعَدِيُّ بْنُ الرَّبَابِ عَلَى الْعَكْسِ يَفْتَحُونَ الدَّالَ فِي النَّسَبِ وَيَكْسِرُونَ فِي الطَّعَامِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالضَّمِّ.
ز- وَالدَّعْوَةُ الْأَذَانُ أَوِ الْإِقَامَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَنْصَارِ، وَالدَّعْوَةُ فِي الْحَبَشَةِ» جَعْلُ الْأَذَانِ فِي الْحَبَشَةِ تَفْضِيلاً لِمُؤَذَّنِ بِلَالٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْأَذَانِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَعْوَةٌ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْمُجِيبُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ...إِلَخْ».
وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ.
2- وَسَنَقْصِرُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ عَلَى الْمَعَانِي التَّالِيَةِ:
أ- الدَّعْوَةُ: بِمَعْنَى طَلَبِ الدُّخُولِ فِي الدِّينِ وَالِاسْتِمْسَاكِ بِهِ.
ب- وَالدَّعْوَةُ: بِمَعْنَى الْمُنَادَاةِ وَطَلَبِ الْحُضُورِ إِلَى الدَّاعِي.
وَأَمَّا الدَّعْوَةُ: بِمَعْنَى الدُّعَاءِ.وَهُوَ الرَّغْبَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يُجِيبَ سُؤَالَ الدَّاعِي وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ فَتُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي (دُعَاءٌ).
وَأَمَّا الدَّعْوَةُ بِمَعْنَى النَّسَبِ فَتُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي: (نَسَبٌ).
أَوَّلاً:
الدَّعْوَةُ بِمَعْنَى الدِّينِ «أَوِ الْمَذْهَبِ» أَوْ بِمَعْنَى الدُّخُولِ فِيهِمَا:
3- أَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَوَاضِحٌ مَأْخَذُهُ لُغَةً، فَإِنَّ الدَّاعِيَ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يُتَابِعَهُ عَلَى دِينِهِ، وَالطَّلَبُ دَعْوَةٌ.
وَأَمَّا إِطْلَاقُ الدَّعْوَةِ عَلَى الدِّينِ نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلِأَنَّ صَاحِبَهُ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَيْ لِأَنَّهَا يُدْعَى إِلَيْهَا أَهْلُ الْمِلَلِ الْكَافِرَةِ.وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى هِرَقْلَ: «إِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ».قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: أَيْ بِدَعْوَتِهِ.
وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَدْيَانِ وَالْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ أَنَّهَا دَعَوَاتٌ، كَدَعَوَاتِ الْمُتَنَبِّئِينَ، وَأَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ الْمُبْتَدَعَةِ، كَالدَّعَوَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي أَكْثَرَتْ مِنِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الْمُصْطَلَحِ وَمُشْتَقَّاتِهِ، غَيْرَ أَنَّ «الدَّعْوَةَ» إِذَا أُطْلِقَتْ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فَالْمَعْنِيُّ بِهَا دَعْوَةُ الْحَقِّ وَهِيَ الدَّعْوَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، كَقَوْلِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجِهَادِ: «لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَ مَنْ لَا تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ».
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
4- أ- الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ:
الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْسَعُ دَلَالَةً مِنَ «الدَّعْوَةِ»، إِذْ أَنَّ «الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ» أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ وَالصَّلَاحُ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَالْإِشْرَاكُ بِهِ وَمَعْصِيَتُهُ.
(وَالدَّعْوَةُ) تَهْدُفُ إِلَى الْإِقْنَاعِ وَالْوُصُولِ إِلَى قُلُوبِ الْمَدْعُوِّينَ لِلتَّأْثِيرِ فِيهَا حَتَّى تَتَحَوَّلَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِعْرَاضِ أَوِ الْعِنَادِ، إِلَى الْإِقْبَالِ وَالْمُتَابَعَةِ، أَمَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَدْ يَهْدُفُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ يَهْدُفُ إِلَى مُجَرَّدِ وُجُودِ الْمَعْرُوفِ وَزَوَالِ الْمُنْكَرِ، سَوَاءٌ أَحَصَلَ الِاقْتِنَاعُ وَالْمُتَابَعَةُ أَمْ لَمْ يَحْصُلَا.
وَعَلَى هَذَا فَالدَّعْوَةُ أَخَصُّ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
ب- الْجِهَادُ:
5- الْجِهَادُ الْقِتَالُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْجِهَادُ فِعْلٌ، وَالْجِهَادُ لَيْسَ هُوَ الدَّعْوَةُ، بَلِ الدَّعْوَةُ مُطَالَبَةُ الْكَافِرِ وَنَحْوِهِ بِالْإِيمَانِ وَالِاتِّبَاعِ، وَالدَّعْوَةُ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقِتَالِ، كَمَا سَيَأْتِي.
ج- الْوَعْظُ:
6- الْوَعْظُ وَالْعِظَةُ: النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ، قَالَ ابْنُ سِيدَةَ: هُوَ تَذْكِيرُكَ لِلْإِنْسَانِ بِمَا يُلَيِّنُ قَلْبَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الدَّعْوَةِ، إِذِ الدَّعْوَةُ تَكُونُ أَيْضًا بِالْمُجَادَلَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ وَكَشْفِ الشُّبَهِ وَتَبْلِيغِ الدِّينِ مُجَرَّدًا.
حُكْمُ الدَّعْوَةِ:
7- الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ لَازِمٌ، لقوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} وَقَوْلِهِ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ هَلْ هُوَ عَيْنِيٌّ أَمْ كِفَائِيٌّ.
وَتَفْصِيلُهُ ذُكِرَ فِي مُصْطَلَحِ: «أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ».
فَضْلُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى:
8- يَتَبَيَّنُ فَضْلُ الْقِيَامِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وُجُوهٍ: 9- الْوَجْهُ الْأَوَّلُ:
أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَوَلاَّهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكُتُبَ وَأَيَّدَهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَأَمَرَ بِالتَّقْوَى، وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا أَنَّهُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ نَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى كَوْنِهِ الرَّبَّ الْخَالِقَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَدَ، وَفِي كُتُبِهِ ذَكَرَ الْبَرَاهِينَ الَّتِي تُثْبِتُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَشَّرَ وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ، وَقَالَ: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وَتَوَلَّى الدَّعْوَةَ أَيْضًا رُسُلُهُ ((بِتَكْلِيفٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَضْمُونَ الرِّسَالَةِ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وَقَالَ: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
وَآخِرُ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدَّدَ لَهُ مَهَامَّ الرِّسَالَةِ وَمِنْهَا الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ تَعَالَى، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًّا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}.
فَوَظِيفَةُ الدَّاعِيَةِ إِذَنْ مِنَ الشَّرَفِ فِي مَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ، إِذْ أَنَّهَا تَبْلِيغُ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُتَابَعَةُ مُهِمَّةِ الرُّسُلِ، وَالسَّيْرُ عَلَى طَرِيقِهِمْ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْ دُعَاءِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنْ يَقُولُوا: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قَالَ قَتَادَةُ: «أَيْ قَادَةً فِي الْخَيْرِ، وَدُعَاةَ هُدًى يُؤْتَمُّ بِنَا فِي الْخَيْرِ».
10- الْوَجْهُ الثَّانِي:
مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، هُوَ أَحْسَنُ الْقَوْلِ، وَأَعْلَاهُ مَرْتَبَةً، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِشَرَفِ غَايَاتِهِ وَعِظَمِ أَثَرِهِ.
11- الْوَجْهُ الثَّالِثُ:
مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَوْلُهُ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فَالْآيَةُ تُبَيِّنُ أَفْضَلِيَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَأَنَّهُ هُوَ دَعْوَةُ النَّاسِ، وَالتَّسَبُّبُ فِي إِيمَانِهِمْ، وَفِي مُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْمَعْرُوفِ وَانْتِهَائِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ: حَصَرَتِ الْفَلَاحَ فِي الدُّعَاةِ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ النَّاهِينَ، عَنِ الْمُنْكَرِ.
12- الْوَجْهُ الرَّابِعُ:
مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ لَهُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ» فَفِيهِ عِظَمُ أَجْرِ الدُّعَاةِ إِذَا اهْتَدَى بِدَعْوَتِهِمْ أَقْوَامٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- لَمَّا أَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».
أَهْدَافُ الدَّعْوَةِ وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا:
13- يَهْدُفُ تَشْرِيعُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَى تَحْقِيقِ أَغْرَاضٍ سَامِيَةٍ مِنْهَا:
1- إِرْشَادُ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى أَعْلَى حَقٍّ فِي هَذَا الْوُجُودِ، إِذْ بِدُونِ الدَّعْوَةِ لَا يَتَمَكَّنُ الْبَشَرُ مِنْ مَعْرِفَةِ رَبِّهِمْ، وَيَبْقَوْنَ فِي تَخَبُّطٍ مِنْ أَمْرِ أَصْلِ الْخَلْقِ وَالْغَرَضِ مِنْهُ، وَمَآلِهِ، وَوَضْعِ الْإِنْسَانِ فِي هَذَا الْكَوْنِ، فَتَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَاتُ وَالْأَوْهَامُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ}: أَيْ بِالْكِتَابِ وَهُوَ الْقُرْآنِ، أَيْ بِدُعَائِكَ إِلَيْهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ وَلُطْفِهِ بِهِمْ، وَأُضِيفَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّهُ الدَّاعِي، وَالْمُنْذِرُ الْهَادِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.
2- إِنْقَاذُ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ الدَّمَارِ وَالْهَلَاكِ، فَإِنَّ الْبَشَرَ إِذَا سَارُوا فِي حَيَاتِهِمْ بِمُجَرَّدِ عُقُولِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ وَغَرَائِزِهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ تَوَقِّي مَا يَضُرُّهُمْ، وَيُؤَدِّي بِهِمْ إِلَى الْفَسَادِ فِي الْغَالِبِ، وَالشَّرَائِعُ الْإِلَهِيَّةُ جَاءَتْ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي تَكْفُلُ لِمُتَّبِعِيهَا السَّعَادَةَ وَالصَّلَاحَ وَاسْتِقَامَةَ الْأُمُورِ.قَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} أَيْ يُحْيِي دِينَكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ، أَوْ إِلَى مَا يُحْيِي بِهِ قُلُوبَكُمْ فَتُوَحِّدُوهُ، وَهَذَا إِحْيَاءٌ مُسْتَعَارٌ، لِأَنَّهُ مِنْ مَوْتِ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْجُمْهُورُ: اسْتَجِيبُوا لِلطَّاعَةِ وَمَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ، فَفِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالنِّعْمَةُ السَّرْمَدِيَّةُ.
3- تَحْقِيقُ الْغَايَةِ مِنَ الْخَلْقِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْكَوْنَ وَمَهَّدَهُ لِلنَّاسِ لِيُعْبَدَ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ}
قَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لآِمُرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِلاَّ لِيَعْرِفُونِي.قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ لَمَا عُرِفَ وُجُودُهُ وَتَوْحِيدُهُ.
وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالدَّعْوَةِ، لِيَتَمَكَّنَ الْخَلْقُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْوُجُوهِ الَّتِي يُرِيدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُعْبَدَ بِهَا، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ مِنْ دُونِ أَنْ يُبَلَّغَ بِهِ مِمَّنْ يُعَلِّمُهُ.
4- إِقَامَةُ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، بِأَنَّ دِينَهُ وَشَرَائِعَهُ قَدْ بَلَغَتْهُمْ حَتَّى إِنْ عَذَّبَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَذَابُهُ ظُلْمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
5- تَحْقِيقُ الْهِدَايَةِ وَالرَّحْمَةِ الْمَقْصُودَةِ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وَقَالَ عَنْ كِتَابِهِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} فَالدَّعْوَةُ هِيَ الْوَسِيلَةُ إِلَى إِطْلَاعِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرَّسُولِ وَالْكِتَابِ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا وَحَقِيقَةِ مَا جَاءَا بِهِ، فَتَعُمُّ الرَّحْمَةُ وَالْهِدَايَةُ إِلَى الْمَدَى الَّذِي يَشَاءُ إِلَيْهِ.
6- تَكْثِيرُ عَدَدِ الْأَقْوَامِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، وَتَحْقِيقُ عِزَّةِ شَأْنِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
7- مَا تَقَدَّمَ هُوَ فِي دَعْوَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا الدَّعْوَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْهَدَفُ مِنْهَا تَذْكِيرُ الْغَافِلِينَ وَالْعُصَاةِ، وَالْعَوْدَةُ بِالْمُنْحَرِفِينَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتَقْلِيلُ الْمَفَاسِدِ فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَإِزَالَةُ الشُّبَهِ الَّتِي يَنْشُرُهَا أَعْدَاءُ الدِّينِ، وَتَكْثِيرُ الْمُلْتَزِمِينَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِتَعَالِيمِ الدِّينِ لِيَعِيشَ الْمُؤْمِنُونَ- وَمِنْهُمُ الدُّعَاةُ أَنْفُسُهُمْ- فِي عِزَّةٍ وَقُوَّةٍ، وَفِي أَمْنٍ وَرَخَاءٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَثُرَ الْمُنْكَرُ وَأَهْلُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى ضَعْفِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَذُلِّهِمْ بَيْنَ أَقْوَامِهِمْ، وَإِذَا كَثُرَ الْمُنْكَرُ وَأَهْلُهُ حَتَّى غَلَبُوا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفِتَنِ وَالْعُقُوبَةِ الَّتِي قَدْ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْفُسُهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}.
الدَّعْوَةُ إِلَى الْبَاطِلِ:
14- حَرَّمَ الْإِسْلَامُ الدَّعْوَةَ إِلَى الْبَاطِلِ، وَشَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى دُعَاةِ الْبَاطِلِ فِي آيَاتٍ صَرِيحَةٍ وَأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، كَمَا حَذَّرَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مِنْ مُسَانَدَةِ الدَّاعِينَ إِلَى الْبَاطِلِ أَوْ تَسْهِيلِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ.فَحَذَّرَ اللَّهُ مِنْ دَعْوَةِ شَيْطَانِ الْجِنِّ الْإِنْسَانَ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، بِأَنْ أَخْبَرَنَا بِمَقَالَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلضَّالِّينَ وَلِلْعُصَاةِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَكَذَلِكَ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ يَقُولُ لَهُمُ الْمَدْعُوُّونَ الَّذِينَ ضَلُّوا بِسَبَبِهِمْ: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} وَحَذَّرَ مِنْ مَصِيرِ دُعَاةِ الْبَاطِلِ وَأَتْبَاعِهِمْ فَقَالَ فِي فِرْعَوْنَ وَآلِهِ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}
وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْبَاطِلِ يَحْمِلُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى وِزْرِ نَفْسِهِ أَوْزَارَ مَنْ ضَلُّوا بِدَعْوَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ الدُّعَاةَ عَلَيْهِمْ إِثْمُ ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِثْمٌ آخَرُ، بِسَبَبِ مَا أَضَلُّوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِ أُولَئِكَ شَيْءٌ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْءٌ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ بَيَّنَ هَذَا الشَّرَّ فَقَالَ: دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قَالَ حُذَيْفَةُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» الْحَدِيثَ.وَكُلُّ هَذَا يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحَذَرَ مِنْ دَعْوَةِ الْبَاطِلِ وَمِمَّنْ يَحْمِلُ تِلْكَ الدَّعْوَةَ.
بَيَانُ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ:
15- أَوَّلُ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ الْكَافِرُ الَّذِي لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، الْإِيمَانُ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَوْحِيدُهُ، وَالتَّصْدِيقُ بِكِتَابِهِ، وَالْإِيمَانُ بِرَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْإِيمَانُ بِسَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمُتَابَعَةُ أَوَامِرِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، وَاتِّبَاعُ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ- صلى الله عليه وسلم- وَتَعْظِيمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالِالْتِزَامُ بِسَائِرِ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ وَوَاجِبَاتِهِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ، وَعَلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ مِنْ شَوَائِبِ النِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ، وَتَرْكُ مَا كَرِهَهُ الشَّرْعُ، وَتَعَلُّمُ الْقُرْآنِ وَالْأَحْكَامِ.
16- وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: إِنَّكَ تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ- وَفِي رِوَايَةٍ: فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ- فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ»- وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ أَطَاعُوا بِذَلِكَ- فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَدَأَ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الدِّينِ الَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ غَيْرُهُ إِلاَّ بِهِمَا، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُوَحِّدٍ فَالْمُطَالَبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَمَنْ كَانَ مُوَحِّدًا فَالْمُطَالَبَةُ لَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: بَدَأَ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَذَلِكَ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي الْخِطَابِ لِأَنَّهُ لَوْ طَالَبَهُمْ بِالْجَمِيعِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لَمْ يَأْمَنِ النُّفْرَةَ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ- صلى الله عليه وسلم- بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ فَقَالَ: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}.
وَفِي بَعْضِ الْآيَاتِ عَبَّرَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} وَهَذَا أَعْظَمُ مَا دَعَا إِلَيْهِ الرُّسُلُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ نُوحٍ ((: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ} وَقَوْلُ كُلٍّ مِنْ هُودٍ وَصَالِحٍ- عليهما السلام- : {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
وَاجِبُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ إِلَى الْحَقِّ:
17- مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَبُولِهِ، وَالرِّضَا بِهِ، وَمُتَابَعَةُ الدَّاعِي إِلَيْهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَفَتَحَ لَهُ بِهِ بَابًا لِيَدْخُلَ إِلَى مَأْدُبَتِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ نَائِمٌ إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَحَمَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ» فَأَوَّلُوا الرُّؤْيَا فَقَالُوا:
«الدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ- صلى الله عليه وسلم- فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ عَصَى اللَّهَ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ الْمَدْعُوُّ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ لَهُ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ فَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْمُشْرِكِينَ وَالْكَافِرِينَ، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وَقَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- : «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».
وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالتَّسَمِّي بِالْإِسْلَامِ، بَلْ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِهِ وَالْعَمَلُ بِهَا، وَالتَّخَلُّقُ بِالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا يُنَافِي الْإِسْلَامَ مِنَ الِاعْتِمَادَاتِ وَالْعَادَاتِ.
مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ:
18- مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ لَا يُكَلَّفُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا إِذَا رَغِبَ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِي دُخُولِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْمَعَ الْقُرْآنَ، وَيَعْلَمَ مَا جَاءَ بِهِ، وَيَفْهَمَ أَحْكَامَهُ وَأَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ، فَيَجِبُ إِعْطَاؤُهُ الْأَمَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ قَبِلَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِلاَّ وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ.قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ النَّجَاةُ فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ قَسَّمَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ النَّاسَ فِي شَأْنِ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا بِالْمَرَّةِ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ نَاجُونَ.
الثَّانِي: مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِهَا وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَدِلَّتِهَا اسْتِكْبَارًا أَوْ إِهْمَالاً أَوْ عِنَادًا، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ مُؤَاخَذُونَ.
الثَّالِثُ: مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، كَمَنْ بَلَغَهُ اسْمُ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَبْلُغْهُمْ نَعْتُهُ وَصِفَتُهُ، بَلْ سَمِعُوا مُنْذُ الصِّبَا بِاسْمِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ مُتَّهَمًا بِالتَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ فِي مَعْنَى الصِّنْفِ الْأَوَّلِ.
الْمُكَلَّفُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ:
19- الْإِمَامُ أَوْلَى النَّاسِ بِإِقَامَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ لأُِمُورٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا هِيَ لِحِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَحِرَاسَةُ الدِّينِ تَتَضَمَّنُ الْحِرْصَ عَلَى نَشْرِهِ، وَتَقْوِيَتِهِ، وَقِيَامِ الْعَمَلِ بِهِ، وَاسْتِمْرَارِ كَلِمَتِهِ عَالِيَةً، وَتَتَضَمَّنُ الدِّفَاعَ عَنْهُ ضِدَّ الشُّبُهَاتِ، وَالضَّلَالَاتِ، الَّتِي يُلْقِيهَا وَيَبُثُّهَا أَعْدَاءُ الدِّينِ.قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: «وَلِيُّ الْأَمْرِ إِنَّمَا نُصِّبَ لِيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذَلِكَ هُوَ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ» كَمَا أَنَّ مِنْ وَاجِبِ الْإِمَامِ إِقَامَةُ الْجِهَادِ لِنَشْرِ الْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادُ فِي ذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ هُوَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَفُرُوضُ الْكِفَايَاتِ عَلَى الْإِمَامِ الْقِيَامُ بِهَا أَوْ تَكْلِيفُ مَنْ يَقُومُ بِهَا، كَتَكْلِيفِهِ لِلْقُضَاةِ، وَالْأَئِمَّةِ، وَالْمُؤَذِّنِ، وَأَهْلِ الْجِهَادِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ مَا حَصَلَ لِلْإِمَامِ مِنَ التَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ مُحَاوِلاً الْإِصْلَاحَ جَهْدَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
20- وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ مُكَلَّفٌ بِهَا كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْكِفَائِيِّ أَوِ الْعَيْنِيِّ، فَلَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ بَلَغُوا فِي الْعِلْمِ الْمَرَاتِبَ الْعَالِيَةَ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي عَالِمًا بِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- : «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ».وَقَوْلِهِ:
«بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» وَقَالَ بَعْدَ أَنْ خَطَبَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».
فَالْمُسْلِمُ يَدْعُو إِلَى أَصْلِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَى أَصْلِ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مِنْهُ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَكَفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَى نَحْوِ تَرْكِ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ مِنَ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْعُقُوقِ، وَالْفُحْشِ فِي الْقَوْلِ.وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى شَيْءٍ يَجْهَلُهُ، لِئَلاَّ يَكُونَ عَلَيْهِ إِثْمُ مَنْ يُضِلُّهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَيَخْتَصُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَكَشْفِ الشُّبَهِ، وَجِدَالِ أَصْحَابِهَا، وَرَدِّ غُلُوِّ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا الدَّعْوَةُ إِلَى مَسَائِلَ جُزْئِيَّةٍ إِذَا عَلِمُوهَا وَأَصْبَحُوا بِهَا عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ التَّبَحُّرُ فِي الْعِلْمِ الدِّينِيِّ بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ، فَكُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ يَدْعُو إِلَى مَا هُوَ عَالِمٌ بِهِ.قَالَ الْغَزَالِيُّ: «وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَمَحَلَّةٍ مِنَ الْبَلَدِ فَقِيهٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ، وَكَذَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ» ثُمَّ قَالَ: «وَكُلُّ عَامِّيٍّ عَرَفَ شُرُوطَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَ غَيْرَهُ، وَإِلاَّ فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْإِثْمِ..وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُولَدُ عَالِمًا بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّبْلِيغُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ.فَكُلُّ مَنْ تَعَلَّمَ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا.وَالْإِثْمُ- أَيْ فِي تَرْكِ التَّبْلِيغِ- عَلَى الْفُقَهَاءِ أَشَدُّ لِأَنَّ قُدْرَتَهُمْ فِيهِ أَظْهَرُ، وَهُوَ بِصِنَاعَتِهِمْ أَلْيَقُ».
شُرُوطُ الدَّاعِيَةِ:
21- يُشْتَرَطُ فِي الدَّاعِيَةِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا (أَيْ مُسْلِمًا عَاقِلاً بَالِغًا) وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَادِلاً، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ مُكَلَّفَةٌ بِالدَّعْوَةِ، مُشَارِكَةٌ لِلرَّجُلِ فِيهَا.
وَرَاجِعْ هُنَا مُصْطَلَحَ: (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) (ف 4).
أَخْلَاقُ الدَّاعِيَةِ وَآدَابُهُ:
22- يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَخْلَاقُ الدَّاعِيَةِ مُنْسَجِمَةٌ وَمُتَّفِقَةٌ مَعَ مَضْمُونِ الدَّعْوَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَمَثَّلُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْخَيْرَ كُلَّهُ، مِنَ الْكَرَمِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالْوَفَاءِ، وَالصِّدْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْتَارَ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- لِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ أَدَّبَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، وَجَعَلَهُ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَكَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ تَخَلُّقَ الدَّاعِي بِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ وَاصْطِبَاغَهُ بِصِبْغَتِهِ، يُعِينُهُ عَلَى الدَّعْوَةِ، فَإِنَّهُ يُيَسِّرُ عَلَى الْمَدْعُوِّينَ قَبُولَ الدَّعْوَةِ، إِذْ يَرَوْنَ دَاعِيَهُمْ مُمْتَثِلاً لِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمَرَ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، كَمَا قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَالٍ وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ يُوضَعُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ اللَّهَ قَضَى أَنَّ أَوَّلَ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ».
الرَّابِعُ: أَنَّ مُوَافَقَةَ أَخْلَاقِ الدَّاعِي لِمَضْمُونِ دَعْوَتِهِ يُؤَكِّدُ مَضْمُونَ الدَّعْوَةِ وَيُقَوِّيهِ فِي نُفُوسِ الْمَدْعُوِّينَ وَالْأَتْبَاعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَثَلاً حَيًّا لِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَنَمُوذَجًا عَمَلِيًّا يَحْتَذِيهِ الْأَتْبَاعُ، وَيَخْرُجُ فِي أَنْفُسِهِمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونُ الدَّعْوَةِ أَمْرًا خَيَالِيًّا بَعِيدًا عَنِ الْوَاقِعِ.هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ الْمَدْعُوَّ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَخْلَاقِ الدَّاعِيَةِ مِنَ التَّفَاصِيلِ مَا قَدْ لَا تُبَلِّغُهُ الدَّعْوَةُ الْقَوْلِيَّةُ.
وَلَوْ أَنَّ أَخْلَاقَ الدَّاعِي كَانَتْ عَلَى خِلَافِ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ تَكْذِيبًا ضِمْنِيًّا لِدَعْوَتِهِ، وَإِضْعَافًا لَهَا فِي نُفُوسِ الْمَدْعُوِّينَ وَالْأَتْبَاعِ، وَالْمَعْصِيَةُ قَبِيحَةٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهَا مِنَ الدَّاعِيَةِ أَشَدُّ قُبْحًا وَسُوءًا.وَهُوَ مُهْلِكٌ لِدَعْوَتِهِ، قَاطِعٌ لِلنَّاسِ عَنِ الْقَبُولِ مِنْهُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ صَادِقٌ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ.
الْخَامِسُ: التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنِ الصِّفَاتِ.
عَلَى الدُّعَاةِ أَنْ يَزِيدُوا عِنَايَتَهُمْ بِأَخْلَاقٍ وَصِفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ خَاصَّةٍ، لِمَا لَهَا مِنْ مِسَاسٍ بِالدَّعْوَةِ يُؤَدِّي إِلَى نَجَاحِهَا، كَالصَّبْرِ وَالتَّوَاضُعِ، وَالرَّحْمَةِ وَاللِّينِ، وَالرِّفْقِ بِالْمَدْعُوِّينَ، وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، وَالْحُنْكَةِ وَالْفِطْنَةُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ مَنْ يَدْعُوهُمْ، وَمَعَ ظُرُوفِ الدَّعْوَةِ، وَرِعَايَةِ الضُّعَفَاءِ وَالْعَامَّةِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ، وَالْفِطْنَةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ أَهْلِ النِّفَاقِ. وَكَذَلِكَ التَّعَاوُنُ وَعَدَمُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدُّعَاةِ، مَعَ التَّحَابِّ وَالتَّوَاصُلِ وَالتَّنَاصُحِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى تُؤْتِيَ الدَّعْوَةُ أُكُلَهَا، وَالْحَذَرُ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَمِمَّنْ يُحَاوِلُونَ إِفْسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ بَيْنَ الدُّعَاةِ.
طُرُقُ الدَّعْوَةِ وَأَسَالِيبُهَا:
23- طُرُقُ الدَّعْوَةِ وَأَسَالِيبُهَا تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ ظُرُوفِ الدَّعْوَةِ، وَبِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَدْعُوِّينَ وَالدُّعَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ تَعَامُلٌ مَعَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالنُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي طَبَائِعِهَا وَأَمْزِجَتِهَا، وَمَا يُؤَثِّرُ فِي إِنْسَانٍ قَدْ لَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهِ، وَمَا يُؤَثِّرُ فِي إِنْسَانٍ فِي حَالٍ قَدْ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فِي حَالٍ أُخْرَى، فَلَا بُدَّ لِلدَّاعِيَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْعَمَلِ بِحَسَبِهِ، وَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وَالْحَكِيمُ- كَمَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ- الْمُتْقِنُ لِلْأُمُورِ.
24- وَمِنَ الْأَسَالِيبِ الرَّئِيسِيَّةِ فِي الدَّعْوَةِ الَّتِي سَارَ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ وَعَمِلَ بِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهَا حُجَجُ التَّجَارِبِ:
1- التَّمَسُّكُ بِالْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِي وَسَائِلِ الدَّعْوَةِ، فَلَا يَسْلُكْ وَسَائِلَ غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ.
2- التَّدَرُّجُ فِي الدَّعْوَةِ.
3- التَّرَيُّثُ وَالتَّمَهُّلُ وَعَدَمُ اسْتِعْجَالِ النَّتَائِجِ قَبْلَ أَدَائِهَا.
4- التَّصَدِّي لِلشُّبُهَاتِ الَّتِي يَطْرَحُهَا أَعْدَاءُ الدِّينِ لِلتَّشْكِيكِ فِي الدَّعْوَةِ، أَوِ الدُّعَاةِ، وَإِزَالَةُ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ.
5- تَنْوِيعُ أَسَالِيبِ الدَّعْوَةِ بِاسْتِخْدَامِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.
6- الِاسْتِفَادَةُ مِنَ الْفُرَصِ الْمُتَاحَةِ لِتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ.
7- تَقْدِيمُ النَّفْعِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ لِكُلِّ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، كَإِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَكِسْوَةِ الْعَارِي، وَرِعَايَةِ الْيَتِيمِ، وَمَعُونَةِ الْمُضْطَرِّ.
8- إِنْشَاءُ الْمَرَاكِزِ التَّعْلِيمِيَّةِ لِيُتَابَعَ الدَّاخِلُ فِي الْإِسْلَامِ، بِالتَّرْبِيَةِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَتَفْقِيهِهِ فِي الدِّينِ، وَاسْتِئْصَالِ بَقَايَا الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ، وَأَخْلَاقِهِمَا، وَعَدَاتِهِمَا، وَآدَابِهِمَا، الْمُخَالِفَةِ لِدِينِ اللَّهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
30-موسوعة الفقه الكويتية (فرق الأمة)
فِرَقُ الْأُمَّةِالتَّعْرِيفُ:
1- الْفِرَقُ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ فِرْقَةٍ، وَالْفِرْقَةُ هِيَ: الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ.
وَالْأُمَّةُ مِنْ مَعَانِيهَا فِي اللُّغَةِ: جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَجْمَعهُمْ أَمْرٌ مَا، إِمَّا دِينٌ وَاحِدٌ، أَوْ زَمَانٌ وَاحِدٌ، أَوْ مَكَانٌ وَاحِدٌ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا}.
وَفِرَقُ الْأُمَّةِ فِي الِاصْطِلَاحِ: اسْمٌ أُطْلِقَ عَلَى الْفِرَقِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالَّتِي ظَهَرَتْ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
2- أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأُلْفَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْفُرْقَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} أَيْ فِي دِينِكُمْ كَمَا افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي أَدْيَانِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنْ يَكُونُوا فِي دِينِ اللَّهِ إِخْوَانًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَنْعًا لَهُمْ عَنِ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْفُرُوعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ اخْتِلَافًا، إِذْ الِاخْتِلَافُ مَا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِائْتِلَافُ وَالْجَمْعُ وَالَّذِي هُوَ سَبَبُ الْفَسَادِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً».
قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ: إِنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْحَقِّ فِي أَصْلِ التَّوْحِيدِ، وَفِي تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَفِي شُرُوطِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَفِي مُوَالَاةِ الصَّحَابَةِ وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ، فَيَرْجِعُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الِاخْتِلَافِ.
الْفِرَقُ الْمَذْمُومَةُ:
3- رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ بَعْضَ الْفِرَقِ قَبْلَ ظُهُورِهَا بِالِاسْمِ وَذَمَّهُمْ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ذَمَّ الْقَدَرِيَّةَ، وَأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ عَنْهُمْ: «إِنَّ مَجُوسَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّهِ» وَرُوِيَ عَنْهُ ذَمُّ الْمُرْجِئَةِ مَعَ الْقَدَرِيَّةِ.وَذَكَرَ آخَرِينَ بِأَوْصَافِهِمْ، وَقَالَ: «إِنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ»، كَمَا رُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَوْ أَشَارُوا إِلَى افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ إِلَى فِرَقٍ، وَأَنَّ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ وَاحِدَةٌ، وَسَائِرُهَا عَلَى الضَّلَالِ فِي الدُّنْيَا، وَالْبَوَارِ فِي الْآخِرَةِ.
أَهَمُّ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْفِرَقُ الْمَذْمُومَةُ:
4- اخْتَلَفَتِ الْفِرَقُ الْمَذْمُومَةُ فِي أُمُورٍ مِنَ الْعَقِيدَةِ، أَهَمُّهَا: الصِّفَاتُ، وَالْقَدَرُ، وَالْعَدْلُ، وَالْوَعْدُ، وَالْوَعِيدُ، وَالسَّمْعُ، وَالْعَقْلُ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ، وَالرِّسَالَةُ، وَالْأَمَانَةُ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْعَقِيدَةِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفِرَقِ:
5- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ أَمْرًا مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَنَفْيِ الصَّانِعِ، أَوْ نَفْيِ مَا هُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنَ الصِّفَاتِ، كَالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَإِثْبَاتِ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، كَحُدُوثِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِدَمِ الْعَالَمِ، أَوِ اعْتَقَدَ مَذْهَبَ الْحُلُولِ وَالتَّنَاسُخِ، أَوِ اعْتَقَدَ أُلُوهِيَّةَ بَعْضِ أَئِمَّتِهِمْ، أَوْ أَنْكَرَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، أَوْ أَحَلَّ مَا حَرَّمَ الْقُرْآنُ بِنَصٍّ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ كَالزِّنَا، وَنِكَاحِ الْبَنَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِهِ أَوْ تَحْلِيلِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ الْفِرَقِ لَا يُعَدُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الدِّينِ، وَلَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا نِكَاحُ الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَرُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِالْجِزْيَةِ، بَلْ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلاَّ وَجَبَ قَتْلُهُمْ.
وَأَمَّا شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ فِرَقِ الْأُمَّةِ.فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَدِّهَا عَلَى أَقْوَالٍ، يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (أَهْلُ الْأَهْوَاءِ ف9) (وَبِدْعَةٌ ف 29)
وَأَمَّا رَدُّ رِوَايَتِهِمْ أَوْ قَبُولُهَا، وَحُكْمُ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الصَّلَاةِ وَصِحَّةُ وِلَايَتِهِمْ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بِدْعَةٌ ف 30، 31، 32)
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
31-موسوعة الفقه الكويتية (مثلة)
مُثْلَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْمُثْلَةُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الثَّاءِ أَوْ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الثَّاءِ-: الْعُقُوبَةُ وَالتَّنْكِيلُ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْمُثْلَةُ الْعُقُوبَةُ الْمُبِينَةُ مِنَ الْمُعَاقِبِ شَيْئًا.
وَهُوَ تَغْيِيرُ الصُّورَةِ، فَتَبْقَى قَبِيحَةً مِنْ قَوْلِهِمْ: مَثَّلَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ: إِذَا قَبَّحَ صُورَتَهُ إِمَّا بِقَطْعِ أُذُنِهِ أَوْ جَدْعِ أَنْفِهِ أَوْ سَمْلِ عَيْنَيْهِ أَوْ بَقْرِ بَطْنِهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْعَارِ الْبَاقِي وَالْخِزْيِ اللاَّزِمِ مُثْلَةٌ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}.
قَالَ الرَّازِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ الَّذِي لَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا مَا نَزَلَ مِنْ عُقُوبَاتِنَا بِالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْدَعَهُمْ خَوْفُ ذَلِكَ عَنِ الْكُفْرِ اعْتِبَارًا بِحَالِ مَنْ سَبَقَ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمُثْلَةُ: الْعُقُوبَةُ الشَّنِيعَةُ كَرَضِّ الرَّأْسِ وَقَطْعِ الْأُذُنِ أَوِ الْأَنْفِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعَذَابُ:
2- هُوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: الضَّرْبُ الشَّدِيدُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ عُقُوبَةٍ مُؤْلِمَةٍ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ: الْعَذَابُ هُوَ الْإِيجَاعُ الشَّدِيدُ وَالْمُثْلَةُ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْهُ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُثْلَةَ ابْتِدَاءً بِالْحَيِّ حَرَامٌ، وَبِالْإِنْسَانِ مَيِّتًا كَذَلِكَ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ- رضي الله عنه-: قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ» وَبِمَا رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ: «سِيرُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَلَا تُمَثِّلُوا» وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِنْ قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».
وَبِمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ- رضي الله عنه- عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ أَنَسٌ- رضي الله عنه-: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ» وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ».
الْمُثْلَةُ بِالْعَدُوِّ
4- قَالَ الْفُقَهَاءُ: يَحْرُمُ التَّمْثِيلُ بِالْكُفَّارِ بِقَطْعِ أَطْرَافِهِمْ وَقَلْعِ أَعْيُنِهِمْ وَبَقْرِ بُطُونِهِمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا قَبْلَ الْقُدْرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ إِنْ مَثَّلُوا بِمُسْلِمٍ مُثِّلَ بِهِمْ كَذَلِكَ مُعَامَلَةً بِالْمِثْلِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ الْمُثْلَةُ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ وَتَعْذِيبِهِمْ لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ- رضي الله عنه- قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ.
حَمْلُ رَأْسِ الْعَدُوِّ
5- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ حَمْلُ رَأْسِ الْكَافِرِ الْعَدُوِّ لِمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: قَالَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ بَعَثَا بَرِيدًا إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رضي الله عنه- بِرَأْسِ يَنَّاقٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه- أَنْكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُقْبَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ: فَإِنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَفَاسْتِنَانٌ بِفَارِسَ وَالرُّومِ؟ لَا يُحْمَلُ إِلَيَّ رَأْسٌ فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ.وَلِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ السَّابِقِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَحْرُمُ حَمْلُ رَأْسِ كَافِرٍ عَدُوٍّ مِنْ بَلَدِ قَتْلِهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، أَوْ لِأَمِيرِ جَيْشٍ فِي بَلَدِ الْقِتَالِ.وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ مُثْلَةً.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا بَأْسَ بِحَمْلِ رَأْسِ الْمُشْرِكِ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ غَيْظُهُمْ: بِأَنْ كَانَ الْمُشْرِكُ مِنْ عُظَمَائِهِمْ.
وَقَالُوا: وَقَدْ حَمَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ بَدْرٍ رَأْسَ أَبِي جَهْلٍ وَأَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ- عليه الصلاة والسلام-.
تَسْخِيمُ الْوَجْهِ
6- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَسْخِيمُ الْوَجْهِ أَيْ تَسْوِيدُهُ بِالسُّخَامِ وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِأَسْفَلِ الْقِدْرِ وَمُحِيطِهِ، مِنْ كَثْرَةِ الدُّخَانِ.
وَقَالُوا: لِأَنَّ الْوَجْهَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ وَمَعْدِنُ جَمَالِ الْإِنْسَانِ، وَمَنْبَعُ حَوَاسِّهِ فَوَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْ تَجْرِيحِهِ وَتَقْبِيحِهِ، وَهُوَ الصُّورَةُ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ وَكَرَّمَ بِهَا بَنِي آدَمَ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ تَغْيِيرٍ فِيهَا مُثْلَةً.
قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الدَّلِيلُ قَدْ قَامَ عَلَى انْتِسَاخِ حُكْمِ التَّسْخِيمِ لِلْوَجْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَ بِمَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا مِنْ ضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ وَحَبْسٍ وَصَفْعٍ وَكَشْفِ رَأْسٍ وَتَسْوِيدِ وَجْهٍ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: تَسْوِيدٌ ف 16- وَشَهَادَةُ الزُّورِ ف 6- 7).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
32-الغريبين في القرآن والحديث (بعث)
(بعث)قوله تعالى: {وكذلك بعثناهم} يعني من نومهم.
ومنه قوله عز وجل: {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}.
ويكون البعث إرسالا، ومنه قوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا}.
ويكون نشورًا، وهو قوله تعالى: {ثم يبعثكم فيه} أي يحييكم.
وفي حديث حذيفة: (إن للفتنة بعثات ووقفات) قال شمر: أي إثارات وتهييجًا. وكل شيء أثرته فقد بعثته.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
33-الفروق اللغوية للعسكري (الفرق بين البعث والنشور)
الْفرق بَين الْبَعْث والنشورأَن بعث الْخلق اسْم لإخراجهم من قُبُورهم إِلَى الْموقف وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (من بعثنَا من مرقدنا) والنشور اسْم لظُهُور المبعوثين وَظُهُور أعمارهم لِلْخَلَائِقِ وَمِنْه قَوْلك نشرت اسْمك ونشرت فَضِيلَة فلَان إِلَّا أَنه قيل أنشر الله الْمَوْتَى بِالْألف ونشرت الْفَضِيلَة وَالثَّوْب للْفرق بَين الْمَعْنيين.
الفروق اللغوية-أبو هلال الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري-توفي:نحو: 395هـ/1005م
34-المغرب في ترتيب المعرب (غلم-الغلام)
(غلم) (الْغُلَامُ) الطَّارُّ الشَّارِبِ وَالْجَارِيَة أُنْثَاهُ وَيُسْتَعَارَانِ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَغُلَامُ الْقَصَّارِ أَجِيرُهُ وَالْجَمْعُ غِلْمَةٌ وَغِلْمَان (وَقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا) بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أُغَيْلِمَةَ ابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَصْغِير غِلْمَة عَلَى الْقِيَاس الْمَتْرُوك (وَعَلَيْهِ) قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَغْلِمَتُهُ عُجْمًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ غُلْمَةِ الْفَحْلِ وَاغْتِلَامِهِ وَهُوَ شِدَّةُ شَهْوَتِهِ وَهَيَجَانِهِ (وَمِنْهُ) وَاغْتَلَمَ الشَّرَابُ إذَا اشْتَدَّتْ سَوْرَتُهُ (وَسَقَاهُ مُغْتَلِم) اشْتَدَّ شَرَابُهُ مِنْ مُسْتَعَارِ الْمَجَاز.
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
35-المعجم الغني (مَرْقَدٌ)
مَرْقَدٌ- الجمع: مَرَاقِدُ. [رقد]. "نَامَ فِي مَرْقَدِهِ": مَضْجَعٌ، فِرَاشٌ.{يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52].
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
36-تاج العروس (هب هبب هبهب)
[هبب]: الهَبُّ، والهُبُوبُ، بالضم: ثَوَرَانُ الرِّيحِ، كالهَبِيبِ. في المحكم: هَبَّت الرِّيحُ، تَهُبُّ هُبُوبًا، وهَبِيبًا: ثارَتْ، وهاجَتْ. وقال ابن دُرَيْد: هَبَّ هَبًّا، وليس بالعَالي في اللغَة، يعني: أَنّ المعروفَ إِنّما هو الهُبُوب، والهَبِيبُ.قلتُ: فالمُصَنِّفُ قدّمَ غيرَ المعروف على ما هو مستعملٌ معروف. وفي بغية الآمال، لِأَبي جعفر اللَّبْلِيّ: أَنَّ القِيَاس في فَعَلَ المفتوحِ اللازم المُضَاعَف أَن يكونَ مُضَارِعُهُ بالكسر، إِلّا الأَفعالَ الثّمانيةَ والعشرينَ، منها: هَبَّتِ الرِّيحُ.
والهَبّ، والهُبُوبُ، والهَبِيبُ: الانْتِباهُ مِنَ النَّوْمِ، هَبَّ، يَهُبُّ. وأَنشد ثعلبٌ:
فَحَيَّتْ فحَيَّاهَا فهَبَّ فحَلَّقَت *** مَعَ النَّجْمِ رُؤْيَا في المَنَامِ كَذُوبُ
وأَهَبَّ اللهُ الرِّيحَ، وأَهَبَّهُ من نَوْمِه: نَبَّهَهُ، وأَهْبَبْتُه أَنا.
قال شيخُنَا: هَبَّ من نَوْمِهِ، من الأَفعال الّتي استعملَتها العربُ لازِمَةً كما هو المشهور، ومتعدِّيةً أَيضًا، يقال: هَبَّ من نَوْمِهِ، وهَبَّه غَيْرُهُ؛ واستدلُّوا لذلك بقوله تعالَى في قراءَةٍ شاذَّةٍ: قالُوا يا وَيْلَنَا مَنْ هَبَّنا من مَرْقَدِنا بدل قوله تعالى في المُتَواتِرَة {مَنْ بَعَثَنا} وقالوا: هَبَّنا معناه: أَيْقَظَنا وبَعَثَنا، وأَنّه يُقَال: هَبَّنا ثُلاثِيًّا متعدّيًا، كأَهَبَّنا رُباعِيًّا.
والقراءَةُ نقلها البيضاويُّ وغيرُه، وجعلوا الثُّلاثيَّ والمَزيدَ بمعنًى. ولكِنَّ ابْنَ جِنِّي في المُحْتَسب أَنكر هذه القِراءَة، وقال: لم أَرَ لهذا أَصْلًا، إِلّا أَن يكونَ على الحذف والإِيصال، وأَصلُهُ هَبَّ بنَا، أَي: أَيْقَظَنَا. انتهى.
وفي الأَساس، ريحٌ هابَّةٌ، وهَبَّت هُبُوبًا، وأَهَبَّها الله، واسْتَهَبَّها. وجعل هَبَّ من نومه: انْتَبهَ، من المَجَاز.
ومنهُ أَيضًا، الهَبُّ: ال نَّشاطُ ما كانَ. ورَوَى النَّضْرُ بنُ شُمَيْل بإِسناده في حديثٍ رواه عن رَغْبَانَ قال: «لقد رأَيتُ أَصحابَ رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم، يَهُبُّونَ إِلَيْهِما كما يَهُبُّونَ إِلى المكتوبة»، يعني: الرَّكْعَتَيْنِ قبل المَغْرِب. أَي: يَنْهَضُونَ إِليهما. قال النَّضْرُ: قولُهُ يَهُبُّونَ، أَي: يَسْعَوْن.
وكُلُّ سائرٍ. هَبَّ، يَهِبّ، بالكَسْرِ، هَبًّا، وهُبُوبًا: نَشِطَ.
وهُبُوبُه: سُرْعَتُه، كالهِبَابِ، بالكَسْرِ: النَّشاط. وهَبَّتِ النّاقةُ في سَيرها، تَهُبُّ، بالضّمّ، هِبَابًا: أَسْرَعَت، وحكى اللِّحْيَانيّ: هَبَّ البعيرُ، مثلُه؛ أَي نَشِطَ، قال لَبِيدٌ:
فَلَها هِبابٌ في الزِّمامِ كأَنَّها *** صَهْباءُ راحَ مع الجَنُوب جَهَامُها
وإِنَّه لَحَسَنُ الهِبَّة، بالكَسْرِ يُرَادُ به الحالُ.
والهِبَّةُ: القِطْعَةُ من الثَّوْبِ.
والهِبَّةُ: الخِرْقَةُ. الجمع: هِبَبٌ كعِنَبٍ؛ قالَ أَبو زُبَيْدٍ:
غَذاهُمَا بدِمَاءِ القَوْمِ إِذْ شَدَنا *** فما يَزالُ لِوَصْلَىْ راكِبٍ يَضَعُ
على جَنَاجِنِهِ من ثَوْبِهِ هِبَبٌ *** وفيه مِن صائكٍ مُسْتَكْرَهٍ دُفَعُ
يَصِفُ أَسدًا أَتى لِشِبْلَيْهِ [بوَصْلَىْ راكبٍ] والوَصْلُ: كلُّ مَفْصِل تامٍّ، مثّل مَفْصِلِ العَجُزِ من الظَّهْر. والهاءُ في «جَنَاجِنِه» تعودُ إِلى الأَسد؛ وفي «ثوبِه» إِلى الرّاكب.
وَيَضَعُ: يَعْدُو. والصّائِكُ: اللّاصِقُ.
ومن المَجَاز: الهِبَّةُ: مَضاءُ السَّيْفِ في الضَّرِيبَةِ، وهِزَّتُهُ. وفي الصَّحاح: هَزَزْتُ السَّيْفَ والرُّمْحَ، فهَبَّ هَبَّةً؛ وهَبَّتُهُ: هِزَّتُهُ، ومَضَاؤُه في الضَّرِيبَة. وحَكى اللِّحْيَانيُّ: اتَّقِ هَبَّةَ السَّيْفِ، وهِبَّتَه. وسيف ذو هَبَّةٍ: أَي مضاءٍ في الضَّرِيبة؛ قال:
جلا القَطْرُ عن أَطْلالِ سَلْمَى كأَنَّما *** جَلا القَيْنُ عن ذي هَبَّةٍ داثِرَ الغِمْدِ
وإِنَّهُ لَذُو هَبَّةٍ: إِذا كانت له وقعة شديدة.
والهَبَّةُ، أَيضًا: السّاعَةُ تَبْقَى من السَّحَرِ، رواه الجوهريُّ عن الأَصمعيّ.
ومن المجاز: عِشنا بذلك هِبَّةً، وهي الحِقْبَةُ من الدَّهْرِ، كما يقال: سَبَّةً، كذا في الصَّحاح، وهو المَرْوِيُّ عن أَبي زيدٍ، ويُفْتَحُ فِيهِما، أَي: في اللَّذَيْن ذُكِرَا قريبًا. وهذا غيرُ مشهورٍ عندَ أَئمّةِ اللُّغَة، وإِنّما الوَجْهَانِ في الهَبَّة بمعنى هَزِّ السَّيْف ومَضائِهِ، كما أَسلفناه آنِفًا. وأَمّا ما عداه، فلم يُذْكَرْ فيه إِلّا الكسرُ فقط.
وهَبَّهُ السَّيْفُ، يَهُبّ، هَبًّا، وهَبَّةً بالفتح، وهِبَّةً بالكسر.
وهذا كلامه يؤيّد ما قلناه. وعن شَمِر: هَبَّ السَّيْفُ، وأَهْبَبْتُ السَّيْفَ: إِذا هَزَزْتَهُ، فاهْتَبَّهُ، وهَبَّهُ، أَي: قَطَعَهُ.
ومن المَجَاز: الهِبَّةُ، بالكسر: هِياجُ الفَحْلِ.
وهَبَّ التَّيْسُ، يهِبُّ بالكسر، وعليه اقتصر الجَوْهَرِيّ، وهو القياس، وَيَهُبُّ بالضَّمِّ شُذُوذًا، وهو غيرُ معروفٍ في دَواوينِ اللُّغَة، ولكنّا أَسلفنا النّقل عن أَبي جعفرٍ اللَّبْلِيّ أَنّه من جملة الأَفعال الثّمانية والعِشْرِين، وبه صرَّحَ ابْنُ مالك.
ثمّ رأَيْتُ الصّاغانيَّ نقله عن الفَرَّاءِ. فقولُ شيخِنا: في كلام المصنف نَظَرٌ، لا يخلُو من تَأَمُّلٍ. هَبِيبًا، وهِبَابًا، وهِبَّةً بالكسر فيهما: هاجَ، نَبَّ لِلسِّفادِ، كاهْتَبَّ، وهَبْهَبَ. وقيلَ: الهَبْهَبَةُ: صوتُهُ عندَ السِّفاد. وفي المحكم: وهَبَّ الفَحْلُ من الإِبِل وغيرِها، يَهِبُّ، هِبَابًا، وهَبِيبًا، واهْتَبَّ: أَرادَ السِّفادَ.
وهَبَّ السَّيْفُ، يَهُبُّ، هَبَّةً، وهَبًّا: اهْتَزَّ. الأَخيرَةُ عن أَبي زيد. وأَهَبَّهُ: هَزَّهُ، عن اللّحيانيّ. وقال الأَزهريّ: السَّيْفُ يَهُبُّ، إِذا هُزَّ، هَبَّةً. وقد تقدَّمَ.
ومن المَجَاز يقال: هَبَّ فُلانٌ حينًا، ثمّ قَدمَ، أَي: غابَ دَهْرًا ثمّ قَدمَ، وهذا عن يُونُسَ. وناسٌ يقولون غابَ فلانٌ ثم هَبَّ، وهو أَشْبَه، قال الأَزهريّ: وكأَنّ الّذِي حُكِيَ عن يُونُسَ أَصلُه من هَبَّة الدَّهْرِ. وقال ابن الأَعْرَابيّ: هُبَّ، بالضَّمّ: إِذا نُبِّهَ، وهَبَّ، بالفتح، في الحَرْبِ: إِذا انْهَزَمَ.
ومن المجاز: هَبَّ فلانٌ يَفْعَلُ كَذَا، كما تقولُ: طَفِقَ يَفعَل كذا.
ووقع بعض الأَحاديثِ «هَبَّ التَّيْسُ» أَي: هاجَ للسِّفادِ، وقد تقدَّم.
وهَبَبْتُ بِهِ: دَعَوْتُهُ لِيَنْزُوَ، فَتَهَبْهَبَ: تَزَعْزَعَ، وقَوْلُ الجَوْهَرِيّ: هَبَبْتُهُ، خَطَأٌ. والّذي نقله المصنّف عن الصَّحاح، هو الصَّحِيح؛ ونَصُّه: هَبَبْتُهُ، لا هَبَبْتُ به، والنُّسْخة الّتي نقلت منها هي بخطّ ياقوت صاحبِ المُعْجَم، موثوقٌ بها؛ لأَنَّها قُوبِلَتْ على نسخة أَبي زَكَرِيّا التِّبْرِيزِيّ وأَبِي سَهْل الهَروِيّ. فقول شيخِنا: فيه نَظرٌ، دلَّ على أَنّ كلامَهُ هو الخطأُ. فإِنّ هذا اللَّفظَ، لم يَثْبُتْ في الصَّحاح، ولا قاله الجوهريُّ، وكأَنّ نُسخَتَهُ مُحرَّفةٌ، فبَنَى على التَّحريف، وخَطَّأَ بِناءً على التَّوْهِيم، والجوهريّ هو العالم العَرِيف بأَنواع التَّصْرِيف، فإِنّه إِنَّما قال: هَبْهَبْته، بهاءَيْنِ وباءَيْن، وهو الصَّواب، انتهى، مَحَلُّ تَأَمُّلٍ ونَظَرٍ. فإِنّ الصَّحيحَ ما ذكرناه منقولًا؛ على أَنِّي رأَيتُ الصّاغانيَّ حدَّدَ سَهْمَ مَلامِه على الجَوْهَرِيِّ، ونقل عنه مثلَ ما ذهبَ إِليه شيخُنا: وهَبْهبْته: دَعَوته، هكذا في التكملة. والعجب من كلام شيخنا، فيما بعد، ما نَصَّه: فالمصنف، رحمه الله تعالى، زنّى، فحدَّ. وإِلا فنسخنا المصححَة وغيرُها من نُسَخ راجعناها كثيرة، كُلّها خالية عن دعواه، انتهى، وحَقيقٌ أَن ينشَد:
فَكَمْ من عائِبٍ قولًا صَحيحًا *** وآفَتُه من النُّسَخِ السَّقِيمَهْ
والهَبْهَبَة؛ السُّرْعةُ.
و: ترقْرُقُ السَّرَابِ، أَي: لمعانُهُ. وقد هبْهَبَ هَبْهَبَةً.
والهَبْهَبَة: الزَّجْرُ، والفِعْلُ منه: هَبْهبْ، وبعضُهُم خَصَّهُ بالخَيْل، وسيأْتي في: هاب، وهو في روض السُّهيْليّ الّذي استدركه شيخنا ناقلًا عنه. وفي لسان العرب: وهَبْهَبَ: إِذا زَجَرَ، فكيف يَدَّعِي أَنّ المصنِّف غَفَلَ عنه تقصيرًا؟ يا للهِ لِلْعَجَبِ.
والهَبْهَبَةُ الانْتِبَاهُ من النَّوْم.
والهَبْهَبَةُ الذَّبْحُ، يقال: هَبْهَبَ: إِذا ذَبَحَ.
والهَبْهَبِيُّ: الرَّجُلُ الحَسَنُ الحُدَاءِ.
وهو أَيضًا الحَسَنُ الخِدْمَةِ، وكُل مُحْسِنِ مهْنَةٍ: هَبْهَبِيٌّ. وخصَّ بعضُهم به الطَّبّاخَ والشَّوَّاءَ. وعن ابنِ الأَعْرَابِيِّ: الهبْهَبِيُّ القَصّاب، وكذلك الفَغْفَغِيّ.
والهَبْهَبِيُّ السَّرِيعُ، والاسمُ الهَبْهَبَةُ، وقد تقدّم، كالهَبْهَبِ، والهَبْهَابِ، بالفتح فيهما. والهَبْهَبِيُّ الجَمَلُ الخَفِيفُ، وهي بهاءٍ، يقال: ناقةٌ هَبْهَبِيَّةٌ: سريعةٌ خَفِيفةٌ؛ قال ابْنُ أَحْمَرَ:
تَمَاثِيلَ قِرْطاسٍ علَى هَبْهَبِيَّةٍ *** نَضَا الكُورُ عن لَحْمٍ لها مُتَخَدِّدِ
أَراد بالتّماثِيل: كُتُبًا يَكْتُبُونَها، كذا في لسان العرب.
وفي الصحاح: الهَبْهَبِيُّ: رَاعِي الغَنَمِ، واقتَصر على ذلك، أَوْ تَيْسُها. وقد قدّمه ابْنُ منظور، وأَنشد:
كَأَنَّهُ هَبْهَبِيٌّ نامَ عن غَنَمٍ *** مُسْتَأْوِرٌ في سَوادِ اللَّيْلِ مَذْؤُوبُ
والهَبْهابُ: الصَّيَّاحُ، كَكَتَّان.
والهَبْهابُ: اسْمٌ من أَسماءِ السَّرابِ، وفي المحكم: الهَبْهَابُ: السَّرَابُ.
وهَبْهَبَ السَّرابُ، هَبْهَبَةً: إِذا تَرَقرقَ.
والهَبْهابُ: لُعْبَةٌ للصِّبْيانِ أَي لِصِبْيَانِ الأَعْرَابِ، يُسَمُّونَها الهَبْهاب.
والهَبَابُ، كسَحَاب: الهَبَاءُ، نقله الصَّاغانيّ.
وتَهَبْهَبَ التَّيْسُ: إِذا تَزَعْزَعَ، وقد تقدَّم أَنَّه مطاوعُ: هَبْهَبَ به. ذكرهُ الجوهريُّ، وغيرُهُ.
ومن المَجَاز: تَهَبَّبَ الثَّوْبُ: بَلِيَ.
وفي الصَّحِاح: عن الأَصمعيّ يقالُ: ثَوْبٌ هَبايبُ وخَبَايِبُ، أَي: بلا همز، وأَهْبَابٌ وهِبَبٌ، أي: مُتَخَرِّق، مُتَقَطِّعُ. وقد تَهَبَّبَ.
وهُبَيْبٌ، كزُبَيْرٍ، ابنُ مَعْقِل هكذا في نسختنا بالميم والعين والقاف صَحَابِيٌّ، له حديثٌ في خَبَرِ الإِزار. قلتُ: وهو حديثُ ابْن لَهيعَةَ، عَنْ زَيْدِ بن أَبي حَبِيب: أَنَّ أَسْلَمَ أَبا عِمْرَانَ أَخبره عن هُبَيْب: وضبط ابْنُ فَهْدٍ والِدهُ مُغْفِل كمُحْسِن، قال: لِأَنّه أَغْفَلَ سِمَةَ إِبلِهِ، ونُسِبَ إِليه وادي هُبيْبٍ بِطَرِيقِ الإِسكندَرِيَّةِ من جهة المَغْرِب، نقله الصّاغانيّ.
ومن المَجَاز: تَيْسٌ مِهْبَابٌ، أَي: كَثِيرُ النَّبِيبِ لِلسِّفادِ. وزاد في لسان العرب: وكذلك تَيْسٌ مهببٌ، أَي: كمعظم.
وفي الصَّحاح: وهَبَّت الرِّيحُ، هُبُوبًا، وهَبِيبًا: أَي هاجَتْ. والهَبِيبُ والهَبُوبُ، والهَبُوبَةُ: الرِّيحُ المُثِيرَةُ لِلْغَبَرَةِ، تقولُ من ذلك: مِنْ أَيْنَ هَبَبْتَ، يا فُلانُ؟ كأَنّك قُلْتَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ ومن أَيْنَ انْتَبَهْت لنا؟ ومن قول يُونُسَ المتقدِّمِ ذِكرُهُ قولُهم أَيْنَ هَبِبْتَ حَنَّا بالكَسْر: أَي أَينَ غِبْت عَنّا؟ ثمّ إِنّ الذي في نسختنا: هببت حنا، بالحاءِ المهملة بدل العين، هو بعينه نَصُّ يُونُسَ.
ورَأَيْته هَبَّةً، أَي: مَرَّةً واحدةً في العُمْر. وفي الحديثِ أَنّه قال لِامْرأَةِ رِفاعَةَ: «لا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتهُ. قالت: فإِنَّه قد جاءَنِي هَبَّةً» أَي: مَرَّةً واحِدةً، من هِبابِ الفحْلِ، وهو سِفادُهُ، وقيل: أَرادت بالهَبَّةِ الوَقْعَةَ، من قولهم: احْذرْ هَبَّةَ السَّيْفِ؛ أَي وَقْعتَه.
وهَبَّ السَّيْفُ.
واهْتَبَّهُ: قَطَعَهُ.
وقد تَهَبَّبَ الثَّوْبُ.
وهبَّبَهُ: خَرَّقَهُ، عن ابن الأَعْرَابيّ وأَنشد:
كَأَنَّ في قَميصهِ المُهَبَّبِ *** أَشْهَبَ من ماءِ الحَدِيد الأَشْهَبِ
ولا يَخفى أَنَّه لو ذكرهما في أَوَّل المادَّة، في محلِّهما، كان حسنًا لطريقته.
والهَبْهَبُ، كجَعْفَر: الذِّئْبُ الخَفِيفُ السَّرِيعُ، وقد جاءَ في قول الأَخْطَل:
على أَنَّها تَهْدِي المَطِيَّ إِذا عَوَى *** من اللَّيْلِ مَمْشُوقُ الذِّراعَيْنِ هَبْهَبُ
* وممّا يُستدرك عليه: هَبَّ النَّجْمُ: إِذا طَلَعَ، وفي الحديث «إِنَّ في جَهَنَّمَ وادِيًا، يُقَالُ لَهُ هَبْهَبٌ، يَسْكُنُه الجَبّارُونَ».
والهَبْهَبِيُّ: الطَّبّاخُ، والشَّوّاءُ، وقد تقدَّم.
وهُبَّى: من هُبُوب الرِّيح، هكذا في نوادر ثعلب، وهو ليس بثَبتٍ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
37-تاج العروس (بعث)
[بعث]: بَعَثَه، كمَنَعَه يَبْعَثُه بَعْثًا: أَرْسَلَهُ وَحْدَه.وبَعَثَ بِه: أَرسَلَه مع غَيْرِه، كابْتَعَثَه ابْتِعاثًا فانْبَعَثَ.
ومحمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلّم خَيْرُ مَبْعُوثٍ ومُبْتَعَثٍ.
وَبَعَثَه لكذا، فانْبَعَثَ.
وفي حديثِ ابن زَمْعَةَ «انْبَعَثَ أَشْقَاهَا» يقال: انْبَعَثَ فُلان، لشَأْنِه، إِذا ثارَ ومَضَى ذاهِبًا لقضاءِ حاجَتِهِ.
وبَعَثَ النَّاقَةَ: أَثارَهَا فانْبَعَثَتْ: حَلَّ عِقَالَها، أَو كانَتْ بارِكَةً فهَاجَها.
وفي حديث حُذَيْفَة. إِنَّ لِلْفِتْنَةِ بَعَثَاتٍ ووَقَفَاتٍ، فمن اسْتطاع أَنْ يَموت في وَقَفَاتِها فلْيَفْعَلْ.
قوله: بَعَثاتٍ؛ أَي إِثارَاتٍ وتَهْيِيجاتٍ جَمعُ بَعْثةٍ، وكلّ شيْءٍ أَثَرْته فقدْ بَعَثْتَه، ومنهحديثُ عائِشةَ، رضي الله عنْهَا، «فبَعَثْنا البَعِيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَه».
وبَعَثَ فُلانًا مِن مَنامه فانْبَعَثَ: أَيْقظَه، وأَهَبَّهُ.
وفي الحديث: «أَتأَني اللَّيْلةَ آتِيَانِ، فابْتعثانِي» أَي أَيْقظانِي من نوْمي، وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ ما كان يَحْبِسُه عن التَّصَرُّفِ والانْبِعاث.
وفي الأَساس: بَعَثَهُ، وبَعْثرَهُ: أَثارَه، وعلى الأَمْرِ: أَثارَه. وتوَاصَوْا بالخَيْر، وتبَاعَثُوا عَليْهِ.
والبَعْثُ بفتح فسكون ويُحَرَّكُ وهو لغة فيه: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْوِ، وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهُم بَعْثًا، والبَعْثُ يكونُ بَعْثًا للقوْم يُبْعَثُون إِلى وَجْه من الوجُوه، مثل السَّفْرِ والرَّكْب.
والبَعْثُ: الجَيْشُ، يقال: كنْتُ في بَعْثِ فُلانٍ؛ أَي في جَيْشِه الذي بُعث معه، الجمع: بُعُوثٌ، يقال: خَرَج في البُعُوثِ. [وهم] الجُنُودُ يُبْعَثُون إِلى الثُّغُور.
واعلم أَنّ البَعْث في كلام العَرَب على وَجْهَيْن: أَحدُهما: الإِرْسالُ، كقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى} معناه: أَرْسَلْنا.
والبَعْثُ: إِثارَةُ بارِكٍ، أَو قاعِدٍ.
والبَعْثُ أَيضًا: الإِحْياءُ من الله للمَوْتى، ومنه قولُه تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} أَي أَحْيَيْناكُم.
والبَعْثُ: النَّشْرُ، بَعَثَ المَوْتَى: نَشَرَهُم ليومِ البَعْثِ، وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُمْ بَعْثًا: نَشَرَهم، من ذلك، وفتح العَيْن في البَعْثِ كُلِّه لُغَةٌ.
ومن أَسْمَائِه عَزّ وجلّ الباعِثُ: هو الذي يَبْعَثُ الخَلْقَ؛ أَي يُحْيِيهم بعد المَوْتِ يومَ القِيَامَةِ.
والبَعِثُ ككَتِفٍ: المُتَهَجِّدُ السَّهْرَانُ كثيرُ الانْبِعاثِ من نَومه، وأَنشد الأَصمعيّ:
يا رَبِّ رَبِّ الأَرِقِ اللَّيْلَ البَعِثْ *** لم يُقْذِ عَيْنَيْهِ حِثَاثُ المُحْتَثِثْ
وبَعِثَ الرَّجُلُ كفَرحَ: أَرِقَ من نَوْمِهِ.
ورجل بَعْثٌ، بفتح فسكون، وبَعَثٌ، محرّكة، وبَعِثٌ، ككَتِف: لا تَزالُ هُمُومُه تُؤَرِّقُه وتَبْعَثُه من نَومه، قال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:
تَعْدُو بأَشْعَثَ قَدْ وَهَى سِرْبالُه *** بَعْثٍ تُؤَرِّقُهُ الهُمُومُ فيَسْهَرُ
والجمْع أَبْعَاثٌ.
وانْبَعَثَ الشَّيْءُ، وتَبَعَّثَ: انْدَفَعَ.
وتَبَعَّثَ مِنّي الشِّعْرُ: انْبَعَث؛ كأَنَّه سَالَ، وفي بعض النسخ الصّحاح: كأَنَّه سارَ.
والبَعِيثُ: الجُنْدُ، جمعه بُعُثٌ.
وبَعِيثُك نِعْمَةٌ؛ أَي مَبْعُوثُكَ [الذي بَعَثْتَه إِلى الخَلق أَي أَرْسَلْتَه، فَعِيل بمعنى مفعول].
وَالبَعِيثُ: فرَسُ عَمْرِو بنِ مَعْدِيكَرِبَ الزُّبَيْدِيّ، وبِنْتُه الكامِلَةُ يأْتي ذِكْرُها.
وبَاعِثٌ، وبَعِيثٌ: اسمانِ.
والبَعِيثُ بنُ حُرَيْثٍ الحَنفِيّ والبَعِيثُ بنُ رِزَامٍ، هكذا في النُّسخ، وفي التَّكْملة: والبَعِيثُ: بَعِيثُ بني رِزَامٍ التَّغْلبِيّ.
وأَبُو مالكٍ البَعِيثُ، واسمه خِدَاشُ بنُ بَشيرٍ المُجَاشِعِيّ، هكذا في نسخَتنَا وفي بعضها بِشْر، ومثله في هامِش الصّحاح، وهو الصَّواب، وهو الذي هَجَاه جَرِير.
وفي التّكملة: والبَعِيثُ بنُ بِشِيرٍ راكبُ الأَسدِ السُّحَيْمِيّ، شُعَرَاءُ سُمِّيَ الأَخِير لِقَوْلِه ـ وهو من بني تميم:
تَبَعَّثَ مِنّي ما تَبَعَّثَ بَعْدَ مَا اسْ *** تَمَرَّ فُؤادي واسْتَمَرّ مَرِيرِي
قال ابنُ بَرِّيّ: وصوابه
... «واسْتَمَرّ عَزِيمِي
. والمُنْبَعِثُ على صيغة اسم الفاعل: رَجُلٌ من الصَّحابَةِ، وكان اسمُه مُضْطَجِعًا، فغَيَّرهُ النَّبِيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، تَفَاؤُلًا، وذلك في نَوْبةِ الطّائِف، وهو من عَبِيدِهِم، هَرَبَ كأَبِي بَكْرَةَ.
وبُعَاثٌ بالعَيْن المهملة وبالغَيْن المعجمة كغُرَاب، ويُثَلَّث: موضع بِقُربِ المَدينةِ على مِيلَيْنِ منها، كما في نسخة، وهذا لا يصحّ، وفي بعضها: على لَيْلَتَيْنِ من المدينة، وقد صَرّح به عِيَاضٌ، وابنُ قَرْقُول والفَيُّومِيّ، وأَهلُ الغَرِيبِ أَجمع، قال شيخنا: وجزَمَ الأَكثرُ بأَنّه ليس في بابه إِلا الضَّمّ كغُراب وفي المصباح: بُعَاث، كغُراب: موضعٌ بالمدينة، وتأْنيثه أَكثر، ويومُه م، معروف؛ أَي من أَيّامِ الأَوْسِ والخَزْرَجِ، بين المَبْعَث والهِجْرَةِ، وكان الظَّفَرُ للأَوْس.
قال الأَزهريّ: وَذَكَرَهُ ابن المُظَفَّر هذا في كتاب العَيْن، فجعله يوم بُغاث، وصَحَّفَه، وما كان الخَليلُ ـ رحِمَه الله ـ لِيَخْفَى عليه يومُ بُعاث، لأَنه من مشاهِيرِ أَيامِ العَربِ، وإِنما صَحّفه اللَّيْثُ، وعَزاه إِلى خَلِيلِ نَفْسِه، وهو لسانُه، واللهُ أَعلم.
وفي حديثِ عائِشَة رضِيَ اللهُ عنها، «وعِنْدَها جارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِما قِيلَ يومَ بُعَاثٍ» وهو هذا اليَوْم.
وبُعاثٌ: اسمُ حِصْنٍ للأَوْس.
قلت: وهكذا ذكره أَبو عليّ القالِي في العَيْنِ المُهْمَلة، كغُرَاب. وقال: هكذا سَمِعْناه من مشايخنا أَيضًا، وَهي عِبارَةُ ابنِ دُرَيْد بعَيْنِهَا، ووافقهُ البَكْرِيّ، وصاحِبُ المشارق، وحكى أَبو عُبَيْدَة فيه الإِعْجَام عن الخلِيل، وضبطه الأَصِيلِيّ بالوَجْهَيْنِ، وبالمُعْجَمَة عندَ القابِسِيّ، وهو خطأٌ.
قال شيخُنا: فهؤلاءِ كلّهم مُجْمِعُون على ضمّ الباءِ، ولا قائل بغير الضمّ، فقولُ المصنّف: ويُثلَّث، غير صحيح.
وفي حديثِ عُمرَ رضي الله عنه «لمّا صَالحَ نَصارَى الشَّامِ، كَتبُوا له؛ أَن لا نُحْدِث كَنيسَةً ولا قَلِيَّةً، ولا نُخْرِج سَعَانِينَ ولا بَاعُوثًا» البَاعُوثُ: اسْتِسْقاءُ النَّصَارَى وهو اسمٌ سُرْيَانيّ، وقيل: هو بالغيْنِ المُعْجَمَة والتّاءِ المنقوطة، فوقها نُقْطتان، وقد تقدّم الإِشارةُ إِليه.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
البَعْثُ: الرَّسولُ، والجمع البُعْثانُ.
والبَعْث: القوْمُ المُشْخَصُون، وفي حديث القِيامة: «يا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النّارِ» أَي المعبوثَ إِليها من أَهلِها، وهو من بابِ تسمية المَفْعُولِ بالمَصْدَر، وهو البعِيثَ، وجمعُ البَعْثِ بُعُوث، وجمع البَعِيثِ بُعُثٌ، قال:
ولكِنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَليْنا *** فصِرْنا بَيْن تَطْوِيحٍ وغُرْمِ
وَبَعَثه على الشَّيْءِ: حَمَله على فِعْلِه.
وبَعَثَ عَليْهم البَلاءَ: أَحَلَّهُ، وفي التَّنْزِيل {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وانْبَعَثَ في السَّيْرِ؛ أَي أَسْرَعَ.
وقُرِئ «يَا وَيْلنا مِنْ بَعْثِنا مِنْ مَرْقدِنا» أَي من بَعْثِ اللهِ إِيّانا من مَرْقدِنا.
والتَّبْعَاثُ: تَفْعَالٌ من بَعَثَه، إِذا أَثارَهُ، أَنْشدَ ابنُ الأَعْرَابيّ:
أَصْدَرَهَا عن كثْرَةِ الدَّآثِ *** صاحِبُ ليْلٍ خَرِشِ التَّبْعاثِ
وباعيثا: مَوضِعٌ معروف.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
38-تاج العروس (رقد)
[رقد]: الرَّقْدُ، بفتح فسكون: النَّومُ كالرُّقادِ والرُّقُود، بضمّهما والرَّقْدَة: النَّوْمةُ، أَو الرُّقَادُ خاصٌّ باللَّيْلِ، عن اللَّيْث. وهو قَوْلٌ ضَعِيف.وفي التهذيب عن اللَّيْث: الرُّقُود النَّوْمُ باللَّيْل، والرُّقَاد النَّوْم بالنَّهَار. قال الأَزهَرِيّ: الرُّقَاد، والرُّقُود، يكون باللَّيْل والنَّهار، عند العرب.
قلت: ومثله في المصباح وغيره، ويدُلّ على ذلك قوله تعالى {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} ورَقَدَ يَرْقُد، رَقْدًا، ورُقُودًا، ورُقَادًا: نامَ. وقَوْمٌ رُقُودٌ ورُقَّدٌ بمعنًى واحد.
ورَجُلٌ يَرْقُودٌ، على يَفْعول يَرْقُدُ كثيرًا.
وسَقَاه المُرْقِد، وهو بالضّمّ: دَواءٌ يُرْقِدُ شارِبَه ويُنَوِّمُه.
والمُرْقِد: البَيِّنُ من الطَّرِيقِ؛ أَي الواضحُ، كذا رُوِيَ عن الأَصْمعيّ، مُخَفَّفًا، قال ابن سيده: ولا أَدري كيف هو.
وقال غيره: هو المُرْقَدُّ، مشدَّدًا، وبعثه من مَرْقَدِه، كمَسْكَن: المَضْجَع جمْعه مَراقِدُ.
وقوله تعالى: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا} يحتمل أَن يكون المَضْجع، والنَّوْم أَخو المَوْت، و [يحتمل] أَن يكون مَصدرًا.
وأَرْقَدَه: أَنامَهُ، وأَرْقَدَت المرأَةُ وَلدَهَا: أَنامَتْه.
ومن المجاز أَرْقَدَ المكانَ: أَقَامَ بِهِ، وعن ابن الأَعرابِيّ: أَرقَدَ الرّجلُ بأَرْضِ كذا إِرقَادًا، إِذا أَقامَ بها.
والرَّقَدَانُ، مُحَرَّكَةً: الظَّفْرُ نَشَاطًا ومَرَحًا، ومنه طَفْرُ الجَدْيِ والحَمَلِ ونحوِهِما من النَّشاط.
والارْقِدَادُ والارمِداد: السَّيْر، وكذلك الإِغذاذ.
وقال ابن سيده: الارْقِدَاد: الإِسراعُ في السَّيْرِ، وقيل: الارْقِدَاد: عَدْوُ النَّاقِزِ، كأَنَّه نَفَرَ من شَيْءٍ فهو يَرْقَدُّ. ويقال: أَتيتك مُرْقَدًّا، وقِيل: هو أَن يَذهبْ على وَجْهِه، قال العجَّاج يَصف ثَورًا:
فظَلَّ يَرقَدُّ من النَّشاطِ *** كالبَرْبَرِيّ لَجَّ في انخراطِ
ورَجُلٌ مِرْقِدَّى كَمِرْعِزَّى. يَرْقَدُّ؛ أَي يُسْرِعُ في أُمورِهِ ورَجل رَقُودٌ، ومِرْقِدَّى: دائم الرُّقادِ، وأَنشد ثعلب:
ولقد رَقَيْتَ كِلَابَ أَهْلِكَ بالرُّقَى *** حَتى تَرَكْتَ عَقُورَهُنَّ رَقُودَا
والرَّاقُودُ: دَنٌّ كَبِيرٌ، أَو هُو: دَنٌّ طَوِيلُ الأَسْفَلِ كَهيئةِ الإِرْدَبَّةِ يُسَيَّع داخِلُه بالقَارِ والجمع: الرَّواقيدُ، مُعَرَّب، وقال ابن دُرَيد: لا أَحسبَه عربيًّا.
وفي حديث عائشة «لا يُشْرَب في رَاقُودٍ ولا جَرَّةٍ» الرَّاقُود: إِناءٌ من خَزَفٍ مُستطيل مُقَيَّر، والنَّهْي عنه كالنَّهْي عن الشُّرب في الخَنَاتِم، والجِرَارِ المُقَيَّرةِ.
والرَّاقود: سَمَكَةٌ صَغِيرَةٌ تكونُ في البَحْر.
والرُّقَيْدَاتُ: ماءٌ لبني كَلْب بنِ وَبرَةَ بالشام.
ورَقْدٌ، بفتح فسكون: جَبلٌ وَرَاءَ إِمَّرَةَ، في بلادِ بنِي أَسَد، وقيل: هو جَبَلٌ تُنْحَتُ منه الأَرْحِيَةُ، قال ذو الرُّمّة:
تَفُضُّ الحَصَى عن مُجْمِرَاتٍ وَقِيعةٍ *** كأَرْحَاءِ رَقْدٍ زَلَّمَتْهَا المَنَاقِرُ
وقيل: رَقْدٌ: وادٍ في بلادِ قَيْس.
ومن المجاز: أَصابَتْنَا رَقْدَةٌ مِن حَرٍّ، أَيْ قَدْرُ عَشَرَةِ أَيّام. وفي الأَسَاس: وهي أَن تَدُوم نِصْفَ شَهْر، أَو أَقَلّ.
وفي اللسان: الرَّقْدَةُ: أَن يُصِيبَكَ الحَرُّ بَعْدَ أَيّامِ رِيحٍ وانكسارٍ من الوَهَجِ.
والتَّرْقِيدُ: ضَرْبٌ من المَشْيِ، نقله الصاغانيُّ. ورُقَادٌ، ورَاقِدٌ كَغُراب، وصاحبٍ، اسمانِ قال:
أَلَا قُل للأَميرِ جُزِيتَ خَيْرًا *** أَجرْنا من عُبَيْدةَ والرُّقَادِ
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: تَرَاقَدَ: تَنَاوَمَ.
واسْتَرقَدْتُ فما أَدرَكْتُ الجماعَةَ، إِذَا غَلَبَكَ الرُّقاد.
وبين الدّنيا والآخرة هَمْدةٌ ورَقْدَةٌ.
ورقَدَ الحَرُّ: سَكَنَ.
ومن المجاز: رَقَدَ الثَّوْبُ رَقْدًا وَرُقَادًا: أَخْلَقَ. ولم يَبْقَ فيه مُسْتمتَع.
وحكى الفارسيّ، عن ثعلب: رَقَدَت السُّوقُ: كسَدَتْ، وهو كقَوْلهم في هذا المعنى: نامَتْ.
ورقَدَ عن ضَيْفِه لم يَتعَهَّدْه.
وامرأَةٌ رَقُودُ الضُّحَى: مُتنَعِّمة.
ورَقَدَ عن الأَمر: قَعَدَ وتَأخَّرَ. وكلّ ذلك مَجَاز.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
39-تاج العروس (ربع)
[ربع]: الرَّبْعُ: الدّارُ بعَيْنِهَا حَيْثُ كانَتْ، كما في الصّحاح. وأَنشد الصّاغَانِيّ لزُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى:فلَمّا عَرَفْتُ الدّارَ قُلْتُ لرَبْعِها *** أَلَا انْعَمْ صَباحًا أَيُّهَا الرِّبْعُ واسْلَم
قال الجَوْهَرِيّ: ج: رِباعٌ بالكَسْرِ، ورُبُوعٌ، بالضَّمِّ، وأَرْبَعُ، كأَفْلُسٍ، وأَرْبَاعُ، كزَنْدٍ وأَزْنَادٍ. شاهد الرِّبُوع قَوْلُ الشِّمَاخِ:
تُصِيبُهُمُ وتُخْطِئُنِي المَنَايَا *** وِأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ
وشاهِدُ الأَرْبُعِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّة:
أَلِلأَرْبُعِ الدُّهْمِ اللَّوَاتِي كَأَنَّها *** بَقِيَّةُ وَحْيٍ في بُطُونِ الصَّحَائِفِ
وِالرِّبْعُ: المَحَلَّة. يُقالُ: ما أَوْسَع رُبْعَ فُلانٍ. نقله الجَوْهَرِيّ.
وِالرِّبْعُ: المَنْزِلُ والوَطنُ، مَتى كان، وبِأَىِّ مَكانٍ كان، كُلُّ ذلِك مُشتَقٌّ من رَبَعَ بالمَكَانِ يَرْبَع رَبْعًا، إِذا اطمَأَنَّ، والجَمْعُ كالجَمْعِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «وهَلْ تَرَك لَنا عَقِيلٌ مِنْ رَبْع» ويُرْوَى: مِنْ رِبَاعٍ، أَرادَ به المَنْزِلَ ودَارَ الإِقامَةِ. وفي حَدِيثِ عائِشةَ رضي الله عنها: «أَنَّها أَرادَتْ بَيْعَ رِبَاعِها» أَي مَنازِلها.
وِالرِّبْعُ: النَّعْشُ، يُقَالُ: حَمَلْتُ رَبْعَهُ، أَيْ نَعْشهُ. ويُقَالُ أَيْضًا: رَبَعَهُ الله، إِذا نَعَشهُ. ورَجُلٌ مَرْبُوعٌ، أَىْ مَعْنُوشٌ.
مُنَفَّسٌ عَنه. وهو مَجَازٌ.
وِالرِّبْعُ: جَمَاعَةُ النّاسِ. وقال شِمرٌ: الرُّبُوعُ: أَهْلُ المَنَازِلِ. وبه فُسِّرَ قوْلُ الشَّمّاخ المُتقدَّم.
وِأَخْلُفُ في رُبُوعٍ عنْ رُبُوعٍ
أَيْ في قَوْمٍ بَعْدَ قَوْمٍ. وقال الأَصْمَعِيّ: يُرِيدُ في رَبْعٍ من أَهْلِي، أَىْ في مَسْكَنِهم.
وقال أَبو مالِكٍ: الرَّبْعُ، مِثْلُ السَّكَنِ، وهُمَا أَهْلُ البَيْتِ، وأَنْشَد:
فإِنْ يَكُ رَبْعُ مِنْ رِجالِي أَصابَهُمْ *** مِن الله والحَتْمِ المُطِلَّ شعُوبُ
وقال شَمْرٌ: الرِّبْعُ: يَكُونُ المَنْزِلَ، ويَكُونُ أَهْلَ المَنْزِلِ.
قالَ ابنُ بَرِّيّ: والرِّبْعُ أَيْضًا: العَدَدُ الكَثِيرُ.
وِالرِّبْعُ: المَوْضِعُ يَرْتَبِعُونَ فيه في الرَّبِيعِ خاصَّةً، كالمَرْبَع كمَقْعَدٍ، وهو مَنْزِلُ القَوْمِ في الرَّبِيعِ خاصَّةً.
تَقُولُ: هذِه مَرَابِعُنا ومَصَايِفُنَا، أَيْ حَيْثُ نَرْتَبعُ ونَصِيفُ، كما في الصحّاح.
وِالرِّبْعُ: الرَّجُلُ المُتَوَسِّطُ القامَةِ بَيْنَ الطُّولِ والقِصَرِ، كالمَرْبُوعِ والرَّبْعَة، بالفَتْح ويُحَرَّكُ، والمِرْبَاعِ كمِحْرابِ، ما رَأَيْتُه في أُمِّهاتِ اللُّغَةِ إِلّا صاحِب المُحِيط، ذَكَرَ «حَبْلُ مِرْبَاعٌ بمَعْنَى مَرْبُوعٍ» فَأَخَذَه المُصَنِّفُ وعَمَّ به، والمُرْتَبِعِ مَبْنِيَّا للفاعِلِ وللمَفْعُولِ، وبِهِمَا رُوِيَ قَوْلُ العَجّاج:
رَباعِيًا مُرْتَبعًا أَو شَوْقَبَا
وقد ارْتَبَعَ الرَّجُلُ، إِذا صَارَ مَرْبُوعَ الخِلْقَةِ. وفي الحَدِيثِ: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَطْوَلَ من المَرْبُوعِ، وأَقْصَرَ مِنَ المُشَذَّبِ» وفي حَدِيثِ أُمَّ مَعْبَدٍ رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآل وسلم رَبْعَةً، لا يَأْسَ مِنْ طُولٍ، ولا تَقْتَحِمُه عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ» أَيْ لَمْ يَكُنْ في حَدِّ الرَّبْعَة غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ لَهُ، فجَعَلَ ذلِكَ القَدْرَ مِنْ تَجَاوُز حَدَّ الرَّبْعَة عَدَمَ يَأْسٍ مِنْ بَعْضِ الطُّولِ، وفي تَنْكِيرِ الطُّولِ دَلِيْلٌ على مَعْنَى البَعْضِيَّةِ، وهِيَ رَبْعَةٌ أَيضًا بالفَتح والتَّحْرِيكِ، كالمُذَكَّر وجَمْعُهُمَا جَمِيعًا رَبْعاتُ بسُكُونِ الباءِ، حكاهُ ثَعْلَبُ عَنِ ابن الأَعْرَابِيّ، ورَبَعَاتٌ، مُحَرَّكَةً، وهو شاذٌّ، لأَنَّ فَعْلَةً إِذا كانَتْ صِفَةً لا تُحَرَّكُ عَيْنُهَا في الجَمْع وإِنَّمَا تُحَرَّكُ إِذا كانَت اسْمًا، ولم تَكُنِ العَيْنِ، أَىْ مَوْضِعُ العَيْنِ وَاوًا أَو يَاءَ، كما في العُبَاب والصّحاح.
وفي اللِّسَآن: وإِنَّمَا حَرَّكوا رَبعَاتٍ، وإِنْ كانَ صِفَةً، لأَنَّ أَصْلَ رَبْعَة اسْمٌ مُؤَنَّثٌ وَقَعَ عَلَى المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، فوُصِفَ به.
وقال الفَرّاءُ: إِنَّمَا حُرِّكَ رَبَعَاتٌ لِأَنه جاءَ نَعْتًا للْمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، فكأَنَّهُ اسْمُ نُعِتَ بِهِ.
وقالَ الأَزْهَرِىّ: خُولِفَ به طَرِيقُ ضَمْخمَةٍ وضَخْماتٍ، لِاسْتِواءِ نَعْتِ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ في قَوْلِهِ: رَجُلٌ رَبْعَةٌ وامْرَأَةٌ رَبْعَةٌ، فصارَ كالاسْمِ، والأَصلُ في باب فَعْلَة من الأَسْمَاءِ ـ مِثْلِ: تَمْرَةٍ وجَفْنَةٍ ـ أَنْ يُجْمَعَ على فَعَلاتٍ، مِثْل تَمَرَاتٍ وجَفَنَاتٍ، وما كانَ مِنَ النُّعُوتِ عَلَى فَعْلِهِ، مَثْلُ شاةٍ لَجْبَةٍ، وامْرَأَةٍ عَبْلَةٍ، أَنْ يُجْمَعَ على فَعْلاتٍ بسُكُونِ العَيْنِ، وإِنَّمَا جُمِعَ رِبْعَةٌ على رَبَعَاتٍ ـ وهُوَ نَعْتُ ـ لأَنَّهُ أَشْبَه الأَسْمَاءَ لاسْتِواءِ لَفْظِ المُذَكَّرِ والمُؤنَّثِ في وَاحِدِهِ. قالَ وقال الفَرَّاءُ: مِن العَرَبِ مَنْ يَقُولُ: امْرَأَةٌ رَبْعَةٌ، ونِسْوَهٌ رَبْعَاتُ، وكَذلِكَ رَجُلُ رَبْعَةُ ورِجَالُ رَبْعُون، فَيْجْعَلُه كسَائرِ النُّعُوتِ.
وِقال ابن السِّكّيت: رَبَعَ الرَّجُلُ يَرْفَعُ، كمَنَعَ: وَقَفَ وانْتَظَرَ وتَحَبَّس، ولَيْسَ في نَصِّ ابنِ السِّكِّيت: انْتَظَرَ، على ما نَقَلَهُ الجَوْهَرِى والصّاغَانِيّ وصاحِبُ اللِّسَانِ ومِنْهُ قَوْلُهُمْ: ارْبَعْ عَلَيْكَ، أَو ارْبَعْ عَلَى نَفْسِكَ، او ارْبَعْ عَلَى ظُلْعِكَ، أَيْ ارْفُق بِنَفْسِكَ، وكُفَّ، كما في الصّحاح، وقِيلَ: مَعْنَاهُ انْتَظِرْ. قال الأَحْوَصُ:
ما ضَرَّ جِيرانَنَا إِذا انْتَجَعُوا *** لَوْ أَنَّهُمْ قَبْلَ بَيْنِهِمْ رَبَعُوا
وفي المُفَرداتِ: وقَوْلُهُم: ارْبَعَ عَلَى ظَلْعِكَ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الإِقَامَةِ، أَيْ أَقِمْ عَلَى ظَلْعِكَ، و [يجوز] أَنْ يَكُونَ مِنْ رَبَعَ الحَجَرَ. أَي تَنَاوَلْهُ عَلَى ظَلْعِك انتهى.
وفي حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّة «ارْبَعِي بِنَفْسِك» ويُرْوَى: عَلَى نَفْسِكَ. ولَهُ تَأوِيلانِ.
أَحَدِهما: بمَعْنَى تَوَقَّفِي وانْتَظِري تَمَامَ عِدَّةِ الوَفَاةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُول: عِدَّتُها أَبْعَدُ الأَجَلَيْنِ. وهُوَ مَذْهَبُ عَلِىُّ وابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم.
والثّانِي، أَنْ يَكُون مِن رَبَعَ الرَّجُلُ، إِذا أَخْصَبَ، والمَعْنَى: نَفَّسِي عَنْ نَفْسِكِ وأَخْرَجِيهَا عَنْ بُؤْسِ العِدَّةِ وسُوءِ الحالِ، وهذا على مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ عِدَّتَهَا أَدْنَى الأَجَلَيْنِ، ولهذا قالَ عُمَرُ: إِذا وَلَدَتْ وزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِه ـ يَعْنِي لَمْ يُدْفَنْ ـ جازَ أَنْ تَتَزَوَّجَ.
وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «فإِنَّهُ لا يَرْبَعُ عَلَى ظَلْعِكَ مَنْ لا يَحْزُنُهُ أَمْرُكَ» أَيْ لا يَحْتَبِسُ عَلَيْكِ ويَصْبِر إِلَّا مَنْ يُهِمُّهُ أَمْرُكَ.
وفي المَثَلِ: «حَدَّثْ حَدِيثَيْنِ امْرَأَةً، فإِنْ أَبَتْ فَارْبَعْ» أَيْ كُفَّ. ويُرْوَى بِقَطْعِ الهَمْزَةِ، ويُرْوَى أَيْضًا: «فأَرْبَعَة» أَي زِدْ، لأَنَّهَا أَضْعَفُ فَهْمًا، فإِنْ لَمْ تَفْهَمْ فاجْعَلْها أَرْبَعَة، وأَرادَ بالحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا وَاحِدًا تَكَرَّرُهُ مَرَّتَيْنِ، فكَأَنَّكَ حَدَّثْتَها بِحَدِيثَيْنِ. قال أَبو سَعِيدٍ: فإِنْ لَمْ تَفْهَمْ بَعْدَ الأَرْبَعَةِ فالمِرْبَعَة، يَعْنِي العَصَا. يُضْرَبُ فِي سُوءِ السَّمْع والإِجابَةِ.
وِرَبَعَ يَرْبَعُ رَبْعًا: رَفَعَ الحَجَرَ باليَدِ وشالَهُ: وقِيلَ: حَمَلَهُ امْتِحَانًا للْقُوَّةِ، قالَ الأَزْهَرِيّ: يُقَالُ ذلِكَ في الحَجَرِ خاصَّةً.
ومِنْهُ الحَدِيثُ: «أَنَّهُ مَرَّ بقَوْمٍ يَرْبَعُونَ حَجَرًا فقالَ: ما هذا؟ فقالُوا: هذا [حَجَرُ] الأشِدّاءِ. فقالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَشَدِّكُمْ؟ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ». وفي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ قالَ: عُمّالُ اللهِ أَقْوَى مِنْ هؤلاءِ».
وِرَبَعَ الحَبْلَ وكَذلِكَ الوَتَرَ: فَتَلَهُ مِنْ أَرْبَع قُوًى؛ أَي طَاقَاتٍ يُقَالُ: حَبْلٌ مَرْبُوعٌ ومِرْبَاعٌ، الأَخِيرَةُ عن ابْنِ عَبّادٍ.
ووَتْرٌ مَرْبُوعٌ، ومِنْهُ قَوْلُ لَبيدٍ:
رَابِطُ الجَأْشِ عَلَى فَرْجِهِمُ *** أَعْطِفُ الجَوْنَ بمَرْبُوعٍ مِتَلّ
قِيلَ: أَيْ بِعِنانٍ شَدِيدٍ مِنْ أَرْبَعِ قُوًى، وقِيلَ: أَرادَ رُمْحًا، وسَيَأْتِي. وأَنْشَدَ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي لَيْلَى:
أَتْرَعَهَا تَبَوُّعًا وَمتَّا *** بالمَسَدِ المَرْبُوعِ حَتَّى ارْفَتّا
التَّبَوُّعُ: مَدُّ الباعِ. وارْفَتَّ: انْقَطَعَ.
وِرَبَعَتِ الإِبِلُ تَرْبَعُ رَبْعًا: وَرَدَت الرَّبْعَ، بالكَسْرِ، بِأَنْ حُبِسَتْ عَنِ الماءِ ثَلاثَةَ أَيّامٍ، أَوْ أَرْبَعَةً، أَو ثَلاثُ لَيال، وَوَرَدَتْ في اليَوْمِ الرّابعِ.
وِالرَّبْعُ: ظِمْءٌ مِنْ أَظْمَاءِ الإِبِلِ، وقد اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: هو أَنْ تُحْبَسَ عَنِ الماءِ أَرْبَعًا، ثُمَّ تَرِد الخامِسَ، وقِيلَ: هو أَنْ تَرِدَ الماءَ يَوْمًا وتَدَعَهُ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ تَرِد اليَوْمَ الرّابِع، وقِيل: هو لِثَلاثِ لَيَالٍ وأَرْبَعَةِ أَيّامٍ. وقَدْ أَشَارَ إِلَى ذلِكَ المُصَنَّفُ في سِيَاقِ عِبَارَتِهِ مَعَ تَأَمُّلٍ فِيهِ.
وِهِيَ إِبِلٌ رَوابِعُ، وكَذلِكَ إِلَى العِشْرِ. واسْتَعَارَهُ العَجّاج لِوِرْدِ القطَا، فقال:
وِبَلْدَةٍ يُمْسِي قَطاها نُسَّسَا *** رَوابِعًا وقدْرَ رِبْعِ خُمَّسَا
وِرَبَعَ فُلانٌ يَرْبَعُ رَبْعًا: أَخْصَبَ، مِن الرَّبِيعِ. وبه فَسَّرَ بَعْضٌ حَدِيثُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ، كما تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وِعَلَيْه الحُمَّى: جاءَتْهُ رِبْعًا، بالكَسْرِ، وقَدْ رُبِعَ، * كعُنِيَ، وأُرْبَعَ بالضَّمَّ، فهو مَرْبُوعٌ ومُرْبَعٌ وهى أَى الرَّبْعُ من الحُمَى أَنْ تَأْخُذَ يَوْمًا وتَدَعَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ تَجِيءَ فِي اليَوْمِ الرّابعِ قالَ ابْنُ هَرْمَةَ:
لَثِقًا تُجَفْجِفُهُ الصبا وكَأَنَّهُ *** شاكٍ تَنَكّرَ وِرْدُهُ مَرْبوعُ
وِأَرْبَعَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى: لُغَةٌ في رَبَعَت، كَما أَنَّ أَرْبَعَ لُغَةٌ في رُبْعَ. قال أُسَامَةُ الهُذَليّ.
إِذا بَلَغُوا مِصْرَهُمْ عُوجِلُوا *** مِنَ المَوْت بالهِمْيَغِ الذّاعِطِ
مِنَ المُرْبِعِينَ ومِنْ آزِلٍ *** إذا جَنَّهُ اللَّيْلُ كالنّاحِطِ
ويُقَالُ: أَرْبَعَتْ عَلَيْهِ: أَخَذَتْه رِبْعًا. وأَغَبَّتْهُ: أَخَذَتْهُ غِبَّا.
ورَجُلٌ مُرْبعٌ ومُغِبُّ، بِكَسْرِ الباءِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ: فقيلَ لَهُ: لِمَ قُلْتَ: أَرْبَعَتِ الحُمَّى زَيْدًا، ثُمَّ قُلْتَ: مِنَ المُرْبِعِين، فجَعَلْتَه مَرَّةً مَفْعُولًا وَمَرَّةً فاعِلًا؟ فقالَ: يُقَالُ: أَرْبَعَ الرَّجلُ أَيْضًا. قالَ الأَزْهَرِيّ: كَلامُ العَرَبِ أَرْبَعَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى، والرَّجُلُ مُرْبَعٌ، بِفَتْحِ الباءِ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيّ: أَرْبَعَتْهُ الحُمَّى، ولا يُقَالُ: رَبَعَتْهُ.
وِرَبَعَ الحِمْلَ يَرْبَعُهُ رَبْعًا، إذا أَدْخَلَ المِرْبَعَةَ تَحْتَهُ، وأَخَذَ بطَرَفِها، وأَخَذَ آخَرُ بطَرَفِها الآخَرِ، ثُمَّ رَفَعاهُ عَلَى الدَّابَّة. قالَ الجَوْهَرِيّ: فإِنْ لم تَكُنْ مِرْبَعَةٌ أَخَذَ أَحَدُهما بيَدِ صاحِبِهِ، أَيْ تَحْتَ الحِمْلِ حَتَّى يَرْفَعاهُ عَلَى البَعِيرِ، وهي المُرَابَعَةُ. وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:
يا لَيْتَ أُمَّ العَمْرِ كَانَتْ صاحِبِي *** مَكَانَ مَنْ أَنْشَا عَلَى الرَّكَائِبِ
وِرابَعَتْنِي تَحْتَ لَيْلٍ ضارِبِ *** بِسَاعِدٍ فَعْمٍ وكَفَّ خاضِبِ
أَنْشَا: أَصْلُهُ أَنْشَأَ، فلَيَّنَ الهَمْزَةَ للضَّرُورَةِ. وقالَ أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ في «اليَواقِيتِ»: أَنْشَا: أَي أَقْبَلَ.
وِرَبَعَ القَوْمَ يَرْبَعُهُمْ رَبْعًا: أَخَذَ رُبْعَ أَمْوَالِهِم، مِثْل عَشَرَهُمْ عَشْرًا.
وِرَبَعَ الثَلاثَةَ: جَعَلَهُمْ بِنَفْسِهِ أَرْبَعَةً و: صارَ رابِعَهُمْ يَرْبُعُ ويَرْبِعُ ويَرْبَعُ، بالتَّثْلِيثِ فِيهِما، أَيْ في كُلَّ مِنْ رَبَعَ القَوْمَ، والثَّلاثَةَ.
وِرَبَعَ الجَيْشَ، إذا أَخَذَ مِنْهُم رُبْعَ الغَنِيمَةِ، ومُضَارِعُه يَرْبعُ ـ من حَدَّ ضَرَبَ ـ فَقَطْ، كما هو مُقْتَضَى سِيَاقِهِ، وفيه مُخَالَفَةٌ لِنَقْلِ الصّاغَانِيّ، فإنَّهُ قال: رَبَعْتُ القَوْمَ أَرْبُعُهُمْ وأَربِعُهُمْ وأَرْبَعُهُمْ، إذا صِرْتَ رابِعَهمْ، أَوْ أَخَذْتَ رُبْعَ الغَنِيمَةِ، قالَ ذلِكَ يُونُسُ في كتاب «اللُّغَاتِ» واقْتَصَرَ الجَوْهَريّ عَلَى الفَتْحِ، ثُمَّ إنَّ مَصْدَرَ رَبَعَ الجَيْشَ رَبْعٌ ورَبَاعَةٌ. صَرَّحَ به في اللَّسَانِ. وفي الحَدِيثِ: «أَلَمْ أَجْعَلْكَ تَرْبَعُ وتَدْسَعُ» أَي تَأَخُذُ المِرْباعَ، وقَدْ مَرَّ الحَدِيثُ في «د س ع» وقِيل في التَّفْسِير: أَيْ تَأْخُذ رُبْعَ الغَنِيمَةِ؟والمَعْنَى: أَلَمْ أَجْعَلْك رَئِيسًا مُطاعًا؟ كانَ يُفْعَل ذلِكَ، أَيْ أَخْذُ رُبْع ما غَنِمَ الجَيْشُ في الجاهِلِيَّة، فرَدَّهُ الإِسْلامُ خُمُسًا، فقالَ تَعالَى جَلَّ شَأْنُه: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}.
وِرَبَعَ عَلَيْهِ رَبْعًا: عَطَفَ، وقيلَ: رَفَقَ.
وِرَبَعَ عَنْه رَبْعًا: كَفَّ وأَقْصَرَ.
وِرَبَعَت الإِبِلُ تَرْبَعُ رَبْعًا: سَرَحَتْ في المَرْعَى، وأَكَلَتْ كَيْفَ شَاءَتْ وشَرِبَتْ، وكذلِكَ رَبَعَ الرَّجُلُ بالمَكَانِ، إذا نَزَلَ حَيْثُ شاءَ في خِصْبٍ ومَرْعًى.
وِرَبَعَ الرَّجُلُ في الماءِ: تَحَكَّمَ كَيْفَ شاءَ.
وِرَبَعَ القَوْمَ: تَمَّمَهُمْ بنَفْسِهِ أَرْبَعَةً، أَو أَرْبَعِينَ، أَوْ أَرْبَعَةً وأَرْبَعِينَ، فعَلَى الأَوّل: كانُوا ثَلاثَةً فكَمَّلَهُمْ أَرْبَعَةً، وعَلَى الثَّانِي: كانُوا تِسْعَةً وثلاثِينَ فكَمَّلَهُمْ أَرْبَعِينَ، وعَلَى الثَّالِثِ: كانُوا ثَلاثَةً وأَرْبَعِينَ فكَمَّلَهُمْ أَرْبَعَةً وأَرْبَعِينَ.
وِرَبَعَ بالمَكَانِ: اطْمَأَنَّ وأَقامَ قالَ الأَصْبَهَانِيّ في «المُفْرَدات» وأصْلُ رَبَعَ: أَقامَ في الرَّبِيع، ثم تُجُوَّزَ به في كُلِّ إِقَامَةٍ، وكُلَّ وَقْتٍ، حَتَّى سُمِّيَ كُلُّ مَنْزِلٍ رَبْعًا، وإنْ كان ذلِكَ في الأَصْل مُخْتَصًا بالرَّبِيع.
وِرُبِعُوا، بالضَّمِّ: مُطِرُوا بالرَّبِيع، أَيْ أَصابَهُم مَطَرُ الرَّبِيعِ. ومِنْهُ قَوْلُ أَبِي وَجْزَةَ:
حَتَّى إذا ما إيالاتٌ جَرَتْ بُرُحًا *** وِقَدْ رَبَعْنَ الشَّوَى مِنْ ماطِرٍ مَاجِ
أَي أَمْطَرْن، ومن ماطِرٍ: أَي عَرَقٍ مَأْج؛ أَي مِلْح.
يقول: أَمْطَرْنَ قَوَائِمَهنَّ مِنْ عَرَقِهِنّ.
وِالمِرْبَعُ والمِرْبَعَةُ، بكَسْرِهِمَا، الأُولَى عَن ابْنِ عَبّادٍ وصاحِبِ المُفْرَداتِ: العَصَا الَّتِي تُحْمَلُ بها الأَحْمَالُ. وفي الصّحاح: عُصَيَّةٌ يأْخُذُ رَجُلانِ بطَرَفَيْها ليَحْمِلَا الحِمْلَ ويَضَعاه على ظَهْرِ الدَّابَّةِ.
وفي المُفْرداتِ: المِرْبَعُ: خَشَبٌ يُرْبَعُ به، أَيْ يُؤْخَذ الشَّيءُ به. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ومِنْهُ قَوْلُ الراجِزِ:
أَيْنَ الشِّظاظانِ وأَيْنَ المِرْبَعَهْ *** وِأَيْنَ وَسْقُ النّاقَةِ الجَلَنْفَعَهْ
وِمَرْبَعٌ، كمَقْعَدٍ: موضع، قِيلَ هو جَبَلٌ قُرْبَ مَكَّةَ. قال الأَبَحُّ ابنُ مُرَّة أَخو أَبِي خِراش:
عَلَيْكَ بَنِى مُعَاوِيَةَ بنِ صَخْرٍ *** فأَنْتَ بمَرْبَعٍ وهُمُ بِضِيمِ
والرِّوايَة الصَّحِيحَة: «فأَنْتَ بعَرْعَرٍ».
وِمِرْبَعٌ، كمِنْبَرٍ ابنُ قَيْظِيّ بنِ عَمْرٍو الأَنْصَارِيّ الحارِثيّ، وإِلَيْه نُسِبَ المالُ الَّذِي بالمَدِينَةِ في بَنِي حَارِثَةَ، له ذِكْرٌ في الحَدِيثِ، وهو وَالِدُ عَبْدِ الله، شَهِدَ أُحُدًا، وقُتِلَ يَوْمَ الجِسْرِ، وعَبْدِ الرَّحْمن شَهِدَ أُحُدًا وما بَعْدَها، وقُتِلَ مع أَخِيهِ يَوْمَ الجِسْرِ، وزَيْدٍ نَقَلَه الحافِظُ في التَّبْصِير. وقال يَزِيدُ بنُ شَيْبَانَ: «أَتانا ابنُ مِرْبَعٍ ونَحْنُ بعَرَفَةَ» يَعْنِي هذا، ومُرَارَةَ، ذَكَرَهُ ابنُ فَهْدٍ والذَّهَبِيّ الصَّحابِيِّينَ، وكَانَ أَبُوهُمْ مِرْبَعٌ أَعْمَى مُنافقًا، رَضِيَ الله عَنْ بَنِيهِ.
وِمِرْبَعٌ: لَقَبُ وَعْوَعَةَ بنِ سَعِيد بنِ قُرْطِ بنِ كَعْبِ بنِ عَبْدِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ كِلابٍ رَاوِيَةِ جَرِيرٍ الشاعِرِ، وفِيهِ يَقُولُ جَرِيرٌ:
زَعَمَ الفَرَزْدَقُ أَنْ سَيَقْتُلُ مِرْبَعًا *** أَبْشِر بِطُولِ سَلامَةٍ يا مِرْبَعُ
وِأرْضٌ مَرْبَعَةٌ، كمَجْمَعَةٍ: ذاتُ يَرَابِيعَ نَقَلَهُ الجَوْهَرِي.
وِذُو المَرْبَعِيّ قَيْلٌ: مَنْ الأَقْيَالِ.
وِالمِرْبَاع، بالكَسْرِ: المَكَانُ يَنْبُتُ نَبْتُه في أَوَّل الرَّبِيعٍ.
قال ذُو الرُّمَّةِ:
بِأَوَّلِ ما هَاجَتْ لَكَ الشَّوْقَ دِمْنَةٌ *** بأَجْرَع مِرْباعٍ مَرَبٍّ مُحَلَّلِ
ويُقَالُ: رُبِعَتِ الأَرْضُ فهي مَرْبُوعَةٌ، إذا أَصابَها مَطَرُ الرَّبِيعِ. ومُرْبِعَةٌ ومِرْباعٌ: كَثِيرَةُ الرَّبِيعِ.
وِالمِرْباعُ: رُبُعُ الغَنِيمَة الَّذِي كانَ يَأْخُذُهُ الرَّئيسُ في الجَاهِلِيَّة، مَأْخُوذٌ من قَوْلهم: رَبَعْتُ القَوم؛ أَي كانَ القَوْمُ يَغْزُونَ بَعْضَهم في الجاهِليَّةِ، فيَغْنَمُون، فيَأْخُذُ الرَّئِيسُ رُبُعَ الغَنِيمَةِ دُونَ أَصْحابِهِ خَالِصًا، وذلِكَ الرُّبُعُ، يُسَمَّى المِرْبَاعَ.
ونَقَلَ الجَوْهَرِيّ عن قُطْرُب: المِرْباعُ: الرُّبُعُ، والمِعْشَارُ: العُشْرُ، قالَ: ولَمْ يُسْمَعْ في غَيْرِهما. قالَ عَبْدُ الله بنُ عَنَمَةَ الضَّبِّيّ:
لَكَ المِرْباعُ مِنْهَا والصَّفايَا *** وِحُكْمُكَ والنَّشِيطَةُ والفُضُولُ
وِفي الحَدِيثِ قالَ لِعَدِيّ بن حاتِمٍ ـ قَبْلَ إِسْلامِه ـ: «إِنَّكَ لَتَأْكُلُ المِرْبَاعَ وهو لا يَحِلُّ لَك في دِينِكَ».
وِالمِرْبَاعُ: النَّاقَةُ المُعْتَادَةُ بأَنْ تُنْتَجَ في الرَّبِيع. ونَصُّ الجَوْهَرِيّ: ناقَةٌ مُرْبعٌ: تُنْتَجُ في الرَّبِيعِ، فإِنْ كانَ ذلِكَ عادَتَها فهي مِرْبَاعٌ، أَو هي الَّتِي تَلِدُ في أَوَّلِ النِّتَاجِ، وهو قَوْلُ الأَصْمَعِيّ. وبه فُسِّرَ حَدِيثُ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ في وَصْفِ ناقَةِ: «إِنَّهَا لَهِلْوَاعٌ مِرْبَاعٌ، مِقْراعٌ مِسْياعٌ، حَلْبانَةٌ رَكْبَانَةٌ»، وقِيلَ: المِرْباعُ: هي الَّتِي وَلَدُهَا مَعَهَا، وهوَ رِبْعٌ، وقِيل: هي الَّتِي تُبَكِّرُ في الحَمْلِ.
وِالأَرْبَعَةُ فِي عَدَدِ المُذَكَّرِ، والأَرْبَعُ فِي عَدَدِ المُؤَنَّثِ، والأَرْبَعُونَ في العَدَدِ بَعْدَ الثّلاثِينَ. قال الله تَعالَى: {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} وقالَ: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}.
وِالأَرْبِعَاءُ من الأَيّام: رابِعُ الأَيّام مِن الأَحَدِ، كَذَا في المُفْرَدَات، وفي اللِّسَان: منَ الأُسْبُوع، لِأَنَّ أَوَّلَ الأَيَّامِ عِنْدَهم يَوْمُ الأَحَدِ، بدَلِيلٍ هذِهِ التَّسْمِيَة، ثم الاثْنَانِ، ثم الثلاثاءُ، ثُمَّ الأَرْبَعَاءُ، ولكِنَّهُمْ اخْتَصُّوهُ بهذا البِناءِ، كما اخْتَصُّوا الدَّبَرانَ والسِّماكَ؛ لِمَا ذَهَبُوا إلَيْه من الفَرْق مُثَلَّثَةَ الباءِ مَمْدُودَةً. أَمّا فَتْحُ الباءِ فقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسَدٍ، كما نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وهكذا ضَبَطَهُ أَبو الحَسَن مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الزُّبَيْدِيّ فيما اسْتَدْرَكَه علَى سِيبَوَيْهِ في الأَبْنِيَة، وقَالَ: هو أَفْعَلاءُ، بفَتْحِ العَيْن.
وقَالَ الأَصْمَعِيّ: يَوْمُ الأَرْبُعَاء، بِالضَّمِّ، لُغَةٌ في الفَتْح والكَسْرِ.
وقال الأَزْهَرِيّ: ومَنْ قالَ: أَرْبِعاء حَمَلَهُ عَلى أَسْعِداء، وهُمَا أَرْبِعاءانِ، ج: أَرْبِعاءَاتٌ. حُمِلَ على قِياسِ قَصْباءِ وما أَشْبَهَهَا.
وقال الفَرّاءُ عن أَبِي جَخَادِبَ: تَثْنِيَةُ الأَرْبَعَاءِ أَرْبَعاءان، والجَمْعُ أَرْبَعاءات، ذَهَبَ إِلى تَذْكِير الاسْمِ.
وقَال اللِّحْيَانِيّ: كان أَبُو زِيَاد يقول: مَضَى الأَرْبَعَاءُ بما فيه، فيُفْرِدُهُ ويُذَكِّره. وكانَ أَبو الجَرَّاح يقولُ: مَضَتِ الأَربعاءُ بما فِيهِنَّ، فيُؤَنِّثُ ويَجْمَع، يُخْرِجُه مَخْرَج العَدَدِ.
وقال القُتَيْبِيّ: لَمْ يَأْتِ أَفْعِلاءُ إِلّا في الجَمْعِ، نحو أَصْدِقَاءَ وأَنْصِبَاءَ، إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ لا يُعْرَفُ غَيْرُه، وهو الأَرْبِعاءُ. وقال أَبو زَيْدٍ: وقد جاءَ أَرْمِدَاء، كما في العُبَاب.
قال شَيْخُنا: وأَفْصَحُ هذِه اللُّغَاتِ الكَسْرُ، قالَ: وحَكَى ابْنُ هِشَامٍ كَسْرَ الهَمْزَةِ مع الباءِ أَيْضًا، وكَسْرَ الهَمْزَةِ وفَتْحَ الباءِ. ففي كَلام المُصَنِّفِ قُصُورٌ ظاهرٌ. انتهى.
وِقالَ اللِّحْيَانيّ: قَعَدَ فُلانٌ الأُرْبُعاءَ والأُرْبُعاوَى، بِضَمِّ الهَمْزَةِ والباءِ مِنْهُمَا، أَيّ مُتَرَبِّعًا. وقالَ غَيْرُه: «جَلَس الأُرْبَعَاء، بضَمِّ الهَمْزَةِ وفَتْحِ الباءِ والقَصْر، وهي ضَرْبٌ من الجِلَسِ، يَعْنِي جَمْعَ جِلْسَة.
وحَكَى كُرَاعِ: جَلَسَ الأُرْبَعَاوَى؛ أَي مُتَرَبِّعًا، قالَ: ولا نَظِيرَ لهُ.
وِقالَ القُتَيْبيّ: لَمْ يَأْتِ على أُفْعُلاءَ إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ، قالُوا: الأُرْبُعاءُ. وهو أَيْضًا: عَمُودٌ مِنْ: عُمُدِ البِنَاءِ.
قال أَبُو زَيْدٍ: ويُقَالُ: بَيْتٌ أُرْبُعاواءُ، عَلَى أُفْعُلاواءَ، بالضَّمِّ والمَدِّ، أَيْ عَلَى عَمُودَيْنِ وثَلَاثةٍ وأَرْبَعَةٍ ووَاحِدَةٍ، قالَ: والبُيُوتُ على طَرِيقَتَيْنِ وثَلَاثٍ وأَرْبَعٍ، وطَرِيقَةٍ وَاحِدَة، فَما كان عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فهو خِبَاءٌ، وما زادَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فهو بَيْتٌ، والطَّرِيقَةُ: العَمُودُ الوَاحِدُ، وكُلُّ عَمُودٍ طَرِيقَةٌ، وما كانَ بَيْنَ عَمُودَيْنِ فهو مَتْنٌ، وحَكَى ثَعْلَبٌ: بَنَى بَيْتَه عَلَى الأَرْبُعَاءِ وعَلَى الأَرْبُعَاوَى ـ ولَمْ يَأْتِ عَلَى هذا المِثَال غَيْرُه ـ: إِذا بَنَاهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَعْمِدَةٍ.
وِالرَّبِيعُ: جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ السَّنَةِ، وهو عِنْدَ العَرَبِ رَبِيعَانِ: رَبِيعُ الشُّهُورِ، ورَبِيعُ الأَزْمِنَةِ: فرَبِيعُ الشُّهُورِ: شَهْرَانِ بَعْدَ صَفَر سُمِّيَا بذلك لأَنَّهُمَا حُدَّا فِي هذا الزَّمَن، فلَزِمَهُمَا في غَيْرِه، ولا يُقَالُ فيهما إِلَّا شَهْرُ رَبِيعٍ الأَوّل، وشَهْرُ رَبِيعٍ الآخِر.
وقالَ الأَزْهَرِيُّ: العَرَبُ تَذْكُر الشُّهُورَ كُلَّهَا مُجَرَّدَةً، إِلّا شَهْرَيْ رَبِيعٍ، وشَهْرَ رَمَضَان.
وِأَمّا رَبِيعُ الأَزْمِنَةِ فرَبِيعانِ: الرَّبِيعُ الأَوَّلُ وهو الفَصْلُ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ النَّوْر والكَمْأَةُ، وهو رَبِيعُ الكَلإِ.
وِالرَّبِيعُ الثَّانِي، وهو الفَصْلُ الَّذِي تُدْرَكُ فيه الثِّمَار، أَوْ هو أَي، ومِنَ العَرَب مَنْ يُسَمِّي الفَصْلَ الَّذِي تُدُرِكُ فيه الثِّمَارُ، وهو الخَرِيف الرَّبِيع الأَوّل، ويُسَمِّي الفَصْلَ الَّذِي يَتْلُو الشِّتَاءَ ويَأْتِي فِيه الكَمْأَةُ والنَّوْرُ الرَّبِيعَ الثّانِي، وكُلُّهُم مُجْمِعُون علَى أَنَّ الخَرِيفَ هو الرَّبِيعُ.
وقال أَبو حَنِيفَةَ: يُسَمَّى قِسْمَا الشِّتَاءِ رَبِيعَيْنِ: الأَوّلُ مِنْهُمَا: رَبِيعُ الماءِ والأَمْطَارِ، والثَّانِي: رَبِيعُ النَّبَاتِ لِأَنَّ فِيهِ يَنْتَهِي النَّبَاتُ مُنْتَهَاهُ. قالَ: والشِّتاءُ كُلُّهُ رَبِيعٌ عِنْدَ العَرَبِ لِأَجْل النَّدَى. وقالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيّ يَصِفُ ظَبْيَةً:
بِهِ أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيعٍ كِلَيْهِما *** فقَدْ مَارَ فِيها نَسْؤُهَا واقْتِرارُهَا
«به» أَيْ بِهذَا المَكَانِ، أَبَلَتْ: جَزَأَتْ.
أَو السَّنَةُ عِنْدَ العَرَبِ سِتَّةُ أَزْمِنَةٍ: شَهْرَانِ منها الرَّبِيعُ الأَوَّلُ، وشَهْرَانِ صَيْفٌ، وشَهْرَانِ قَيْظٌ، وشَهْرَانِ الرَّبِيعُ الثّانِي، وشَهْرَانِ خَرِيفٌ، وشَهْرَان شِتَاءٌ، هكذا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن أَبي الغَوْثِ. وأَنْشَدَ لِسَعْدِ بنِ مالك بنِ ضُبَيْعَةَ:
إِنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ *** أَفْلَحَ مَنْ كانَ لَهُ رِبْعِيُّونْ
قالَ: فجَعَلَ الصَّيْفَ بَعْدَ الرَّبِيع الأَوّل.
وحَكَى الأَزْهَرِيّ عن أَبِي يَحْيَى بنِ كُنَاسَةَ في صِفَةِ أَزْمِنَةِ السَّنَةِ وفُصُولها ـ وكانَ عَلَّامَةً بِهَا ـ: أَنَّ السَّنَةَ أَرْبَعَةُ أَزْمِنَةٍ: الرَّبِيعُ الأَوَّلُ، وهو عِنْدَ العامَّةِ الخَرِيف، ثُمَّ الشِّتِاءُ، ثم الصَّيْفُ، وهو الرَّبِيعُ الآخِرُ، ثُمَّ القَيْظُ. وهذا كُلُه قَوْلُ العَرَبِ في البادِيَة، قالَ: والرَّبِيعُ [الأَول] الذي هو الخَرِيف عِنْدَ الفُرْس يَدْخُل لِثَلاثَةِ أَيّامٍ مِنْ أَيْلُولَ. قالَ: ويَدْخُلُ الشِّتاءُ لِثَلَاثَةِ أَيّامٍ مِنْ كَانُونَ الأَوّلِ، ويَدْخُل الصَّيْفُ الَّذِي هُوَ ـ الرَّبِيعُ عِنْدَ الفُرْسِ ـ لِخَمْسَةِ أَيّامٍ تَخْلُو مِن آذار. ويَدْخُلُ القَيْظُ ـ الَّذِي هو الصَّيْفُ عِنْدَ الفُرُسِ ـ لِأَرْبَعَةِ أَيّامٍ تَخْلُو مِن حَزِيرَانَ.
قال أَبو يَحْيَى: ورَبِيعُ أَهْلِ العِرَاق مُوافِقٌ لِرَبِيعِ الفُرْسِ، وهُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الشِّتَاءِ، وهو زَمانُ الوَرْدِ، وهو أَعدَلُ الأَزْمِنَةِ. قال: وأَهْلُ العِرَاقِ يُمْطَرُونَ في الشِّتَاءِ كُلِّهِ، ويخْصِبُونَ في الرَّبِيعِ الَّذِي يَتْلُو الشِّتَاءِ. وأَمّا أَهْلُ اليَمَنِ فإِنَّهُمْ يُمْطَرُونَ في القَيْظِ ويُخْصِبُون فِي الخَرِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ العَرَبُ الرَّبِيعَ الأَوَّل.
قالَ الأَزْهَرِيّ: وإِنَّمَا سُمِّيَ فَصْلُ الخَرِيفِ خَرِيفًا، لأَنَّ الثِّمَارَ تُخْتَرَفُ فِيهِ، وسَمَّتْهُ العَرَبُ رَبِيعًا، لوقُوعِ أَوَّل المَطَرِ فيه.
وِقالَ ابنُ السِّكِّيت: رَبِيعٌ رَابِعٌ، أَيْ مُخْصِبٌ، النِّسْبَةُ رَبْعِيٌّ، بالكَسْرِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، ومِنْهُ قَوْلُ سَعْدِ بنِ مالِكٍ الَّذِي تَقَدَّمَ:
أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ رِبْعِيُّون
وِرِبْعِيُّ بنُ أَبِي رِبْعِيٍّ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: اسْمُ أَبِي رِبْعِيّ رَافِعُ بنُ الحَارِثِ بنِ زَيْدٍ بنِ حارِثَةَ البَلَوِيّ، حَلِيفُ الأَنْصَارِ، شَهِدَ بَدْرًا. ورِبْعِيُّ بنُ رَافِعٍ هو الَّذِي تَقَدَّم ذِكْرُهُ ورِبْعِيُّ بنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيّ بَدْرِيٌّ، ورِبْعِيٌّ الأَنْصَارِيّ الزُّرَقِيُّ، الصَّوابُ فِيه رَبِيعٌ: صَحَابِيُّون، رضي الله عنهم ورِبْعِيُّ بنُ حِرَاش: تابِعِيٌّ يُقَالُ: أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ، وأَكْثَرَ الصَّحَابَة، تَقَدَّمَ ذِكْرُه فِي «ح ر ش» وكَذا ذِكْرُ أَخَوَيْهِ مَسْعُود والرَّبِيع. رَوَى مَسْعُودٌ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، وأَخُوه رَبِيعٌ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ المَوْتِ، فكانَ الأَوْلَى ذِكْرَهُ عندَ أَخِيهِ، والتَّنْوِيهَ بشَأْنِهِ لأَجْلِ هذِه النُّكْتَةِ، وهو أَوْلَى مِن ذِكْرِ مِرْبَع بأَنَّه كانَ أَعْمَى مْنَافِقًا. فتَأَمَّلْ.
وِرِبْعِيَّةُ القَوْم: مِيرَتُهم أَوَّلَ الشِّتَاءِ، وقِيلَ: الرِّبْعِيَّة: مِيرَةُ الرَّبِيع، وهي أَوَّلُ المِيرِ، ثمّ الصَّيْفِيّةُ، ثمّ الدّفَئِيَّة، ثم الرَّمَضِيَّةُ.
وِجَمْعُ الرَّبَيعِ: أَرْبِعاءُ، وأَرْبِعَةٌ مِثْلُ: نَصِيبٍ، وأَنْصِبَاءَ، وأَنْصِبَةٍ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ويُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى رِبَاعٍ، عَن أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ جَمْعُ رَبِيعِ الكَلإِ أَرْبِعَةٌ، وجَمْعُ رَبِيعِ الجَدَاوِلِ جَمْع جَدْولٍ، وهو النَّهْرُ الصَّغِيرُ، كما سَيَاتِي للمُصَنِّفِ أَرْبِعاءُ وهذا قَوْلُ ابن السِّكِّيت، كَما نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، ومنهالحَدِيث: «أَنَّهُمْ كانُوا يُكْرُون الأَرْضَ بِما يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعاءِ، فنُهِيَ عن ذلِكَ»؛ أَي كانوا يَشْتَرِطُونَ على مُكْتَرِيها ما يَنْبُتُ عَلَى الأَنْهَارِ والسَّوَاقِي. أَمّا إكْرَاؤُهَا بدَرَاهِم أَو طَعَامٍ مُسَمًّى، فَلا بَأْسَ بِذلِكَ. وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنَّ أَحَدَهُمْ كَان يَشْتَرِطُ ثَلاثَةَ جَدَاوِلَ، والقُصارَةَ، وما سَقَى الرَّبِيع، فنُهُوا عَنْ ذلِكَ». وفي حَدِيثِ سَهْل بنِ سَعْدٍ: «كانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تأْخُذ من أُصُولِ سِلْقٍ كُنَّا نَغْرِسُه عَلَى أَرْبِعائِنا».
وِيَوْمُ الرَّبِيعِ: من أَيّام الأَوْسِ والخَزْرَج، نُسِبَ إِلَى مَوْضِع بالمَدِينَة من نَوَاحيها. قال قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ:
وِنَحْنُ الفَوارِسُ يومَ الرَّبِي *** عِ قد عَلِمْوا كيف فُرْسانُها
وِأَبو الرَّبِيعِ: كُنْيَةُ الهُدْهُدِ، لأَنَّهُ يَظْهَرُ بظُهُورِهِ، وكُنْيَةُ جَمَاعَةٍ من التّابِعِين والمُحَدِّثين، بَلْ وفي الصَّحَابَةِ رَجُلٌ اسْمُه أَبُو الرَّبِيعِ، وهو الَّذِي اشْتَكَى فعادَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأَعْطَاهُ خَمِيصَةً. أَخْرَجَ حَدِيثَهُ النَّسَائِي.
ومن التّابِعِينَ: أَبُو الرَّبِيعِ المَدَنِيّ، حَدِيثُهُ في الكُوفيِّينَ، رَوَى عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، وعَنْه عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ.
ومِن المُحَدِّثِينَ: أَبُو الرَّبِيعِ المَهْرِيُّ الرِّشْدِينيّ، هو سُلَيْمَانُ بنُ دَاوودَ بنِ حَمّادِ بنِ عَبْدِ الله بن وَهْبٍ، رَوَى عَنْهُ أَبو دَاوودَ.
وأَبو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيّ، اسْمُه سُلَيْمَانُ بنُ داوودَ، عَنْ حَمّادِ بنِ زَيْدٍ، وعَنْهُ البُخَارِيّ ومُسْلِمٌ.
وأَبو الرَّبِيعِ السَّمَّان، اسْمُه أَشْعَثُ بنُ سَعِيد، رَوَى عَنْ عاصِمِ بنِ عُبَيْدٍ، وعَنْهُ وَكِيعٌ. ضَعَّفُوه.
وِالرَّبِيعُ، كَأَمِيرٍ: سَبْعَةٌ صَحابِيُّون، وهم: الرَّبِيعُ بنُ عَدِيِّ بنِ مالِكٍ الأَنْصَارِيّ، شَهِدَ أُحُدًا، قالَهُ ابنُ سَعْدٍ، والرَّبِيعُ ابنُ قارِبٍ العَبْسِيّ، لَهُ وِفَادَةٌ، ذَكَرَهُ الغَسّانِيّ، والرَّبِيعُ بنُ مُطَرِّفٍ التَّمِيمِيّ الشاعر، شَهِدَ فَتْحَ دِمَشقَ، والرَّبِيع بنُ النُّعْمَان بنِ يساف، قالَهُ العديّ، والرَّبِيع بن النُعْمانِ، أَنْصَارِيّ أُحُدِيٌّ، ذكره الأَشيريّ، والرَّبِيع بن سَهْل بن الحارِث الأَوْسِيّ الظَّفَرِىَّ، شَهد أُحُدًا، والرَّبِيع بن ضَبُعٍ الفَزَارِيّ، قالَهُ ابن الجَوْزِيّ، عاشَ ثلاثمِائةٍ وسِتَّينَ سَنَةً، منها سِتُّونَ في الإِسْلام، فهؤلاءِ السَّبْعَة الذين أَشار إِليهم.
وأَما الرَّبِيع بن مَحْمُود المَاردِينِيّ فإِنّه كَذّابٌ، ظَهَرَ في حُدُودِ سنة تِسْعٍ وتِسْعِين وخَمْسِمائة، وادَّعَى الصُّحْبَةَ، فَلْيُحْذَرْ منه.
وِالرَّبِيعُ: جَمَاعَةٌ مُحَدِّثون، منهم: الرَّبِيع بن حَبِيبٍ، عن الحَسَنِ، والرَّبِيع بنُ خَلَفٍ، عن شُعْبَةَ، والرَّبِيع بن مالِكٍ، شَيْخٌ لحَجّاجِ بنِ أَرْطاةَ، والرَّبِيعُ بنُ بَرَّةَ، عن الحَسَنِ، والرَّبِيعُ بنُ صُبَيْحٍ البَصْرِيّ والرَّبِيعُ بنُ خَطّافٍ الأَحْدَبُ، عن الحَسَنِ، والرّبِيعُ بنُ مُطَرِّف، والرَّبِيعُ بنُ إِسماعِيلَ، عن الجَعْدِيّ، والرَّبِيعُ بنِ خيظان عن الحَسَنِ، وغَيْر هؤلاءِ. والرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ: مُؤذِّنُ المَسْجِدِ الجَامِعِ بِالْفُسْطَاطِ، رَوَى عَنْ عَبْدِ الله بن يُوسُفَ التِّنِّيسِيّ، وأَبِي يَعْقُوبَ البُوَيْطِيّ، وعِنْهُ مُحْمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيّ، ومُحَمَّد بن هارُونَ الرويانيّ، والإِمامُ أَبو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ، وُلِدَ هو وإِسْمَاعِيلُ بنُ يَحْيَى في سَنَةِ مَائَةٍ وأَرْبعةٍ وسَبْعِينَ، وكانَ المُزَنِيُّ أَسَنَّ مِن الرَّبِيع بسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وماتَ سَنَةَ مَائَتَيْنِ وسَبْعِينَ، وصَلَّى عَلَيْه الأَمِيرُ خُمَارَوَيْه بنُ أَحْمَدَ [بنِ طُولُونَ]، كَذَا في حاشِيَةِ الإِكْمَال.
وِالرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبو مُحَمَّدٍ الجِيزِيُّ، رَوَى عَنْ أَصْبَغَ بنِ الفَرَجِ، وعَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ الحُميديّ، وعَنْهُ عَليُّ بن سِرَاجٍ المصْرِيّ، وأَبو الفَوَارِس أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ الشُّرُوطِيُّ: وأَبُو بَكْر الباغَنْديّ. قالَ ابنُ يُونُس: كانَ ثِقَةً، تُوَفِّيَ سنة مِائتَيْن وسِتَّةٍ وخَمْسِينَ: صَاحِبَا سَيِّدنا الإِمام الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
قال أَبو عُمَرَ الكِنْدِيّ: الرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمَانَ كانَ فَقِيهًا دَيِّنًا، رَأَى ابنَ وَهْبٍ، ولَمْ يُتْقِنِ السَّمَاعَ مِنْه، كَذا في ذَيْلِ الدِّيوان للذَّهَبِيّ.
قُلْتُ: وقَدْ حَدَّث وَلَدُهُ مُحَمَّد، وحَفِيدُهُ الرَّبِيعُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الرَّبِيعِ، وماتَ سَنَةَ ثِلاثِمَائَة واثْنَتَيْنِ وأَرْبَعِينَ، وقَدْ مَر ذِكْرُهم في «ج ي ز». والرَّبِيعُ: عَلَمٌ.
وِالرَّبِيعُ: المَطَرُ في الرَّبِيعِ، تَقُولُ مِنْهُ: رُبِعَتِ الأَرْضُ فهي مَرْبُوعَةٌ، كَما في الصّحاح. وقِيلَ: الرَّبِيعُ: المَطَرُ يَكُونُ بَعْدَ الوَسْمِيِّ، وبَعْدَه الصَّيِّف، ثُمَّ الحَمِيمُ.
وقال أَبو حَنِيفَة: والمَطَر عِنْدَهُمْ رَبِيعٌ مَتَى جاءَ، والجَمْعُ أَرْبِعَةٌ، ورِبَاعٌ.
وقالَ الأَزْهَرِيُّ: وسَمِعْتُ العَرَب يَقُولون ـ لأَوَّلِ مَطَرٍ يَقَعُ بالأَرْض أَيَّام الخَرِيفِ ـ: رَبِيعٌ، ويَقُولُون: إِذا وَقَعَ رَبِيعٌ بالأَرْضِ بَعَثْنَا الرُّوَّادَ، وانْتَجَعْنَا مَساقِطَ الغَيْثِ.
وِقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الرَّبِيعُ: الحَظُّ من الماءِ للأَرضِ ما كانَ، وقِيلَ: هو الحَظُّ منه رُبْعَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، ولَيْسَ بالقَوِيِّ.
يُقَالُ: لِفُلانٍ مِنْ وفي بَعْضِ النُّسَخ: فِي هذا الماءِ رَبِيعٌ أَيْ حَظٌّ.
وِالرَّبِيعُ: الجَدْوَلُ، وهو النَّهْرُ الصَّغِيرُ، وهو السَّعِيدُ أَيْضًا، وفي الحَدِيثِ: «فَعَدَلَ إِلَى الرَّبِيعِ، فَتَطَهَّرَ». وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «بِما يَنْبُتُ عَلَى رَبِيعِ السَّاقِي» هذا من إِضافَةِ المَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، أَيْ النَّهْر الَّذِي يَسْقِي الزَّرْعَ، وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ قَوْلَ الشّاعِر:
فُوهُ رَبِيعٍ وكَفُّهُ قَدَحٌ *** وِبَطْنُهُ حِينَ يَتَّكِي شَرَبَهْ
يَسَّاقَطُ النّاسُ حَوْلَهُ مَرَضًا *** وِهْوَ صَحِيحٌ ما إِنْ بِهِ قَلَبَهْ
أَرادَ بِقَوْلهِ: فوهُ رَبِيعٌ، أَيْ نَهْرٌ، لكَثْرَة شُرْبِه، والجَمْع أَرْبِعاءُ.
وِالرَّبِيعَة، بهاءٍ: حَجَرٌ تُمْتَحَنُ بإِشالَتِهِ ويُجَرِّبُون به القُوَى، وقيلَ: الرَّبَيعَة: الحَجَرُ المَرْفوع، وقِيلَ: الَّذِي يُشالُ. قالَ الأَزْهَرِيّ: يُقَال ذلِكَ في الحَجَرِ خاصَّةً.
وِالرَّبِيعَةُ: بَيْضَةُ الحَدِيدِ، وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:
رَبِيعَتُه تَلُوحُ لَدَى الهِياجِ
وِقالَ ابن الأَعْرَابِيّ: الرَّبِيعَة: الرَّوْضَة.
وِالرَّبِيعَةُ: المَزَادَة.
وِالرَّبِيعَة: العَتِيدَة.
وِالرَّبِيعَة: قرية، كَبِيرَةٌ بالصَّعِيدِ في أَقْصاه، لِبَنِي رَبِيعَةَ، سُمِّيَتْ بهم.
وِرَبِيعَة الفَرَسِ: هو ابن نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ، أَبُو قبيلَةٍ، وإِنّما قِيلَ لَهُ: رَبِيعَة الفَرَسِ، لأَنَّه أُعْطِيَ مِن مِيراثِ أَبيهِ الخَيْلَ، وأُعْطَيَ أَخْوهُ مُضَرُ الذَّهَبَ، فسُمِّيَ مُضَرَ الحَمْراءِ، وأُعْطِيَ أَنْمَارٌ أَخوهُما الغَنَمَ، فسُمِّيَ أَنْمَارَ الشَّاةِ، وقد ذُكِر في «ح معروف ر» والنِّسْبَة إِلَى رَبِيعَةَ رَبَعِيُّ، مُحَرَّكَةً.
والمَنْسُوبِ هكَذَا عِدَّةٌ، قالَ الحافظُ: ومنهم: أَبُو بَكْرٍ الرَّبَعِيُّ، له جُزْءٌ سمِعْنَاه عاليًا.
وِفي عُقَيْلٍ رَبِيعَتان: رَبِيعَةُ بنُ عُقَيْلٍ، وهو أَبْو الخُلَعَاءِ الَّذِينَ تَقَدَّم دِكْرُهم قَرِيبًا في «خ ل ع» ورَبِيعَةُ بن عامِرِ بنِ عُقَيْلٍ، وهو أَبُو الأَبْرَصِ، وقُحافَةَ، وعَرْعَرَةَ، وقُرَّة، وهُمَا يُنْسَبان إِلى الرَّبِيعَتَيْن، كما في الصّحاح والعُبَاب.
قال الجَوْهَرِيّ: وفي تمِيمٍ رَبِيعَتانِ: الكبْرَى، وهِي، كَذا نَصُّ العُبَابِ، ونَصُّ الصّحاح: وهو رَبِيعَةُ بن مالِكِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بن تَمِيمٍ، وتُدْعَى، ونَصّ الصّحاح والعُبَاب: ويُلَقَّبُ رَبِيعَةَ الجُوعِ، والصُّغْرَى وهِيَ، كَذا نَصُّ العُبَاب، ونَصُّ الصّحاح: ورَبِيعَةُ الوُسْطى، وهي رَبِيعَةُ بنُ حَنْظَلَةَ بنِ مالِكِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيمٍ.
وَرَبِيعَة: أَبُو حَيٍّ مِن هَوازِنَ، وهو رَبِيعَةُ بنُ عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، قال الجَوْهَرِيّ: وهُمْ بَنو مَجْدَ، ومَجْدُ اسْم أُمّهم فنُسِبُوا إِلَيْهَا.
قُلْت: هي مَجْدُ بِنْتُ تَيْم بنِ غالِبِ بنِ فِهْرٍ، كما في مَعَارِفِ ابنِ قُتَيْبَةَ، نَقَلَهُ شَيْخَنَا.
وِرَبِيعَةُ: ثَلاثونَ صَحَابِيَّا رضي الله عنهم، وهُمْ: رَبِيعَة بن أَكْثم، ورَبِيعَة بن الحارِث الأَوسِيّ، ورَبِيعَة بن الحارِثِ الأَسْلَمِيّ، ورَبِيعَة بن الحارِثِ بن عَبْدِ المُطَّلِب، ورَبِيعَة ابن حُبَيْشٍ، ورَبِيعَة خادِم رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ورَبِيعَة بن خِراش، ورَبِيعَةُ بن أَبِي خَرَشَةَ، ورَبِيعَةُ بن خُوَيْلد، وَرَبِيعَةُ بن رُفَيْعِ بن أَهْبَانِ، ورَبِيعَةُ بن رواء العَنْسِيّ، ورَبِيعَةُ بن رُفَيْعٍ يأْتِي ذكره في «ر ف ع» ورَبِيعَة بن رَوْحٍ، ورَبِيعَةُ بن زُرْعَةَ، ورَبِيعَةُ بن زِيادٍ، ورَبِيعَةُ بن سَعْدٍ، ورَبِيعَةُ بن السكّينِ ورَبِيعَة بن يَسارٍ، ورَبِيعَةُ بن شُرَحْبِيلَ، ورَبِيعَةُ بن عامِرٍ، ورَبِيعَةُ بن عِبَادٍ ورَبِيعَةُ بن عَبْدِ الله، ورَبِيعَةُ بن عُثْمَانَ، ورَبِيعَةُ ابن عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ، ورَبِيعَةُ بن عَمْرٍو الجُهَنِيُّ، ورَبِيعَةُ ابن عَيْدانَ، ورَبِيعَةُ بن الفِرَاسِ، ورَبِيعَةُ بن الفَضْلِ، ورَبِيعَةُ بن قَيْسٍ، ورَبِيعَةُ بن كَعْبٍ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
40-تاج العروس (رجم)
[رجم]: الرَّجْمُ: القَتْلُ؛ ومنه رجم الثَيِّبَيْنِ إذا زَنَيا، وبه فُسِّرَ قوْلُه تعالَى: {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}؛ أَي مِن المَقْتولِيْنَ أَقْبَح قَتْلَةٍ.والرَّجْمُ: القَذْفُ بالعَيْبِ والظَّنِّ.
وقيلَ: هو الغَيْبُ والظَّنُّ.
قالَ الزَّمْخَشْرِيُّ: رَجَم بالظنِّ: رَمَى به، ثم كَثُرَ حتى وُضِعَ مَوْضِع الظنِّ فقيلَ: قالَهُ رَجْمًا أَي ظنًّا.
وفي الصِّحاحِ: الرَّجْمُ أَنْ يتكلَّمَ الرجُلُ بالظنِّ، ومنه قوْلُه تعالَى: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ}.
يقالُ: صارَ رَجْمًا لا يُوقَفُ على حَقِيقَةِ أَمْرِه؛ وقالَ أَبو العِيالِ الهُذَليُّ:
إنَّ البَلاءَ لَدَى المَقاوِسِ مُخْرِجٌ *** ما كان من غَيْبٍ ورَجْمِ ظُنونِ
وقوْلُه تعالَى: لَأَرْجُمَنَّكَ؛ أَي لأَقُولَنَّ عنْكَ بالغَيْبِ ما تَكْره.
وقالَ الرَّاغبُ: وقد يُستعارُ الرَّجْمُ للرَّمي بالظنِّ المُتَوهَّمِ.
وقالَ ثَعْلَب: الرَّجْمُ: الخليلُ والنَّديمُ.
والرَّجْمُ: اللَّعْنُ؛ ومنه: الشَّيطانُ الرَّجيمُ؛ أَي المَلْعونُ المَرْجُومُ باللَّعْنَةِ، وهو مجازٌ.
ويكونُ الرَّجْمُ أَيْضًا بمعْنَى الشَّتْمِ والسَّبِّ؛ ومنه: لَأَرْجُمَنَّكَ؛ أَي لْأَسُبَّنَّكَ.
ويكونُ بمعْنَى الهُجْرانِ. وأَيْضًا: الطَّرْدُ؛ وبكلٍّ مِن الثلاثَةِ فسّرَ لَفْظ الرَّجِيم في وَصْفِ الشَّيْطان.
والأصْلُ في الرَّجْمِ رَمْيٌ بالحِجارَةِ ثم اسْتُعِير بعدَ ذلِكَ للمَعاني التي ذُكِرَتْ، وقد رَجَمَهُ يَرْجُمُهُ رَجْمًا فهو مَرْجُومٌ ورَجِيمٌ، وقيلَ: سُمِّي الشَّيْطانُ رَجِيمًا لكَوْنِه مَرْجُومًا بالكَواكِبِ.
والرَّجْمُ: اسمُ ما يُرْجَمُ به، الجمع: رُجومٌ؛ ومنه قَوْله تعالَى: {وَجَعَلْناها رُجُومًا لِلشَّياطِينِ}؛ أَي الشُّهُبُ؛ أَي مَرامِي لهم، والمُرادُ منها الشُّهُبُ التي تَنْقَضُّ في الليلِ مُنْفَصِلة مِن نارِ الكَواكِبِ ونورِها، لا أَنَّهم يُرْجَمُون بالكَواكبِ أَنْفسِها، لأنَّها ثابتَةٌ لا تَزولُ، وما ذاكَ إلَّا كقَبَسٍ يُؤْخَذُ مِن نارٍ والنارُ ثابِتَةٌ في مَكانِها؛ وقيلَ: أَرادَ بالرُّجُومِ الظُّنون التي تُحْزَرُ وتُظَنُّ مِثْل الذي يعانِيه المُنَجِّمُونَ مِن الحُكْمِ على اتِّصالِ النُّجومِ وانْفِصالِها، وإِيَّاهُم عَنَى بالشَّياطِين لأَنَّهم شَياطِينُ الإِنْس.
والرَّجَمُ، بالتَّحريكِ: البِئْرُ والتَّنُّورُ والجَفْرةُ، بالجيمِ، وهي سعة في الأرْضِ مُسْتديرَةٌ، وإذا كانتْ بالحاءِ كما هو في سائِرِ الْأُصُولِ فهو ظاهِرٌ.
والرَّجَمُ: جَبَلٌ بأَجَأَ، أَحَدُ جَبَلِيْ طَيِّئٍ.
قالَ نَصْر: حجرُه كُلّه مُنْقعرٌ بَعْضه فَوْق بعضٍ لا يَرْقى إليه أَحَدٌ، كَثيرٌ النمران.
والرَّجَمُ: القَبْرُ، والأَصْلُ فيه الحِجارَةُ التي تُوضَعَ على القبْرِ ثم عَبَّر بها عن القبْرِ؛ وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ لكَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ:
أَنا ابنُ الذي لم يُخْزِني في حَياتِه *** ولم أُخْزِه لما تغيَّب في الرَّجْم
كالرَّجْمَةِ، بالفتْحِ والضمِّ، وجَمْعُ الرَّجَم رِجامٌ. يقالُ: هذه أَرْجامُ عادٍ أَي قُبورُهم؛ وجَمْعُ الرَّجْمَة رِجامٌ.
وقالَ اللَّيْثُ: الرُّجْمَةُ حِجارَةٌ مَجْموعةٌ كأَنَّها قُبورُ عادٍ.
والرَّجْمُ: الإخْوانُ واحِدُهُم، عن كُراعٍ وَحْدِه رَجْمٌ، بالفتحِ، ويُحَرَّكُ.
قالَ ابنُ سِيْدَه: ولا أدْرِي كيفَ هو؛ ونَصُّ المُحْكَمِ: كيفَ هذا.
والرُّجُمُ، بضمَّتينِ: النُّجومُ التي يُرْمَى بها.
وأَيْضًا: حجَارَةٌ مُرْتفعةٌ تُنْصَبُ على القَبْرِ كالرُّجْمَة، بالضمِّ، الجمع: رُجَمٌ، كصُرَدٍ وجِبالٍ.
وقيلَ: الرِّجامُ، كالرِّضامِ، وهي صُخورٌ عِظامٌ أَمْثالَ الجزورِ ورَبَّما جُمِعَتْ على القَبْرِ ليُسَنَّمَ. أَو هُما؛ أَي الرَّجَمُ والرّجْمَة، العَلامَةُ على القَبْرِ.
ورَجَمَ القَبْرَ يَرْجُمُهُ رَجْمًا: عَلّمَهُ، أَو وَضَعَ عليه الرِّجامَ؛ ومنه حدِيْثُ عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنيّ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه: قالَ في وصيَّتِه: «لا تَرْجُموا قَبْري»؛ أَي لا تَجْعلوا عليه الرَّجَمَ، هكذا يَرْوِيه المُحَدِّثونَ بالتَّخْفيفِ، كما في الصِّحاحِ، وأَرادَ بذلِكَ تَسْويَة القَبْرِ بالأَرضِ، وأَنْ لا يكونَ مُسَنَّمًا مُرْتفِعًا.
وقالَ أَبو بكْرٍ: بل مَعْناه لا تَنُوحُوا عندَ قَبْري أَي لا تَقُولُوا عندَه كَلامًا قَبيحًا مِن الرَّجْم؛ وهو السَّبُّ والشَّتْمُ.
وجاءَ يَرْجُمُ إذا مَرَّ وهو يَضْطَرِمُ في عَدْوِهِ، عن اللّحْيانيِّ.
والرُّجْمَةُ، بالضمِّ: وِجارُ الضَّبُعِ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.
والَّتي تُرَجَّبُ النَّخْلَةُ الكَريمَةُ بها تُسَمَّى رَجْبَةٌ، وهي الدُّكَّانُ الذي تَعْتمدُ عليه النَّخْلَةُ، عن كُراعٍ وأَبي حَنيفَةَ؛ قالا: أَبْدلوا المِيمَ مِن الباءِ.
قالَ ابنُ سِيْدَه: وعنْدِي أَنَّها لُغَةٌ كالرَّجْبَةِ.
والمَراجِمُ: قَبيحُ الكَلامِ؛ ونَصُّ المُحْكَمِ: الكَلِمُ القَبيحَةُ، ولم يَذْكر لها واحِدًا.
ومِن المجازِ: راجَمَ عنه ودَارَى أَي ناضَلَ عنه.
وراجَمَ في الكَلامِ والعَدْوِ والحَرْبِ مُرَاجمةً: بالَغَ بأَشَدِّ مُساجَلَةٍ في كلٍّ منها.
ومَرْجُومُ العَصْرِيُّ: مِن أَشْرافِ عبدِ القَيْسِ في الجاهِليَّةِ، واسْمُه عامِرُ بنُ مُرِّ بنِ عبدِ قَيْس بنِ شهاب.
وقالَ أَبو عُبَيْدٍ في أَنْسابه: إنَّه مِن بنِي لُكَيْرٍ ثم مِن بنِي جذيمَةَ بنِ عَوْفٍ، وكان المُتَلَمِّسُ قد مَدَحَ مَرْجومًا.
قلْتُ: وهو مِن بنِي عصرَ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفِ بنِ جذيمَةَ المَذْكُور، وقد أَسْقَطَ المَدايني وابنُ الكَلْبي جذيمَةَ بينَ عَوْفَيْن.
قالَ الحافِظُ: وولدُهُ: عَمْرُو بنُ مَرْجُومٍ الذي ساقَ يوْمَ الجَمَلِ في أَرْبَعةِ آلافٍ، فصارَ مَعَ عليٍّ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه، وقد تقدَّمَ له ذِكْرٌ في «ع ص ر».
ومَرْجومٌ: رجُلٌ آخَرُ من ساداتِ العَرَبِ فاخَرَ مَلِكَ الحِيرَةِ، الصَّوابُ: أَنَّه فاخَرَ رجُلًا مِن قوْمِه إلى بعضِ مُلوكِ الحِيرَةِ، فكأَنّه سَقَطَ لفْظُ، إلى، مِن النّسّاخِ، فقالَ له: قد رَجَمْتُك بالشَّرَفِ*، فسُمِّي مَرْجُومًا؛ قالَ لَبيدٌ:
وقَبِيلٌ من لُكَيْزٍ شاهِدٌ *** رَهْطُ مَرْجُومٍ ورَهْطُ ابن المُعَلْ
أَرادَ: ابنَ المُعَلَّى وهو جَدُّ الجارُودِ بنِ بشيرِ بنِ عَمْرِو بنِ المُعَلَّى. ورِوايَةُ مَنْ رَوَاه مَرْحُوم بالحاءِ خَطَأٌ.
قلْتُ: وهذا الأَخيرُ الذي ذَكَرَه هو بعَيْنِه الأوَّل، وهو الذي فاخَرَ إلى مَلِكِ الحِيرَةِ، وليسَ للعَرَبِ مَرْجُومٌ سِوَاه، ويَشْهدُ لذلِكَ أَيْضًا قَوْلُ لَبيدٍ: وقَبِيلٌ من لُكَيْزٍ؛ ثم قالَ: رَهْطُ مَرْجُومٍ؛ ولُكَيْزٌ: هو ابنُ أَفْصَى بنِ عبدِ القَيْسِ. فلو قالَ: ومَرْجُومٌ العَصْرِيُّ مِن أَشْرافِ عبدِ القَيْسِ فاخَرَ إلى مَلِكِ الحِيرَةِ إلى آخِرِه، لكانَ حَسَنًا بَعيدًا عن مَزالِّ الوَهمِ.
ومَرْجُومٌ: مَضْحًى من مَضْحَياتِ الحاجِّ بالبادِيَةِ؛ ضُبِطَ بفتحِ المِيمِ وسكونِ الضادِ فيهما؛ وايْضًا بضمِ المِيمِ وفتحِ الضادِ وتَشْديدِ الحاءِ المَفْتوحَة على صِيغَةِ اسمِ المَفْعولِ، وكِلاهُما جائِزَان.
ومُراجِمُ بنُ العَوَّامِ بنِ مُراجِمٍ: مُحَدِّثٌ عن محمدِ بنِ عَمْرٍو الْأُوزاعيِّ، وعنه إبراهيمُ بنُ الحجَّاجِ الشاميُّ، ووالِدُه العَوَّامُ حَدَّثَ عن أَبي عُثْمان النَّهديّ وعنه شعْبَةُ. ثم ظاهِرُ سِياقِه أَنَّه بفتحِ المِيمِ وليسَ كَذلِكَ بل هو بضمِّهما.
وقالَ أَبو سعيدٍ: ارْتَجَمَ الشَّيءُ وارْتَجَنَ إذا رَكِبَ بعضُهُ بعضًا.
والتَّرْجُمانُ تَفْعُلان مِن الرَّجْم كما يقْتَضِيه سِياقُ الجوْهَرِيّ وغيرِهِ.
وفي المُفْردَات: هو تَفْعُلان مِن المُرَاجَمةِ بمعْنَى المسَابَّةِ.
وقد ذَكَرَه المصنِّفُ في «ت ر الجمع: م» وكَتَبَه بالحُمْرةِ على أَنَّه اسْتَدْرَك به على الجْوهرِيّ، والصَّوابُ ذِكْرُه هنا كما فَعَلَه الجوْهَرِيُّ وغيرُهُ مِن الأَئِمَّة، وقد نبَّهْنا عليه آنِفًا.
والأَرْجَامُ: جبل، أَنْشَدَ ياقوتُ لجُبَيْهاء الأَشْجَعيّ:
إِنَّ المَدينَةَ لا مَدينَة فالْزَمي *** أَرْضَ السّتارِ وقُنَّةَ الأَرْجامِ
ورَجْمانُ، ويُضَمُّ: قرية بالخابورِ بالجَزِيرَةِ.
والمِرْجامُ من الإِبلِ: المادُّ عُنُقَهُ في السَّيْرِ، أَو الشَّديدُ السَّيْرِ كأَنَّه يَرْجمُ الحَصَى بأَخْفافِه رَجْمًا.
والمِرْجامُ الذي تُرْجَمُ به الحِجارَةُ وهو القذَّافُ، والجَمْعُ المَراجِيمُ.
ورِجامٌ، ككِتابٍ: موضع بحمَى ضَريةَ، فيه جِبالٌ وبقُربِها ماءٌ.
وقيلَ: هو جَبَلٌ أَحْمرُ طَويلٌ للضّبابِ، قالَهُ نَصْر، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ للَبيدٍ:
عَفَتِ الدِّيارُ، مَحَلُّها فَمُقامُها *** بِمِنًى تأَبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها
ومِن المجازِ: رجُلٌ مِرْجَمٌ، كمِنْبرٍ؛ أَي شَديدٌ كأَنَّه يُرْجَمُ به عَدُوُّهُ؛ وفي الصِّحاحِ: مُعادِيَهُ؛ وفي الأساسِ: يدفع عن حَسَبِه؛ ومنه قَوْلُ جَريرٍ:
قد عَلِمَتْ أُسَيِّدٌ وخَضَّمُ *** أَنَّ أَبا حَرْزَمَ شيخ مِرْجَمُ
ومِن المجازِ: فَرَسٌ مِرْجَمٌ كأَنَّه يَرْجُمُ الأَرضَ بحَوافِرِهِ وفي الصِّحاحِ: يَرْجُمُ في الأرضِ بحَوافِرِهِ.
ومِن المجازِ: حَديثٌ مُرَجَّمٌ، كمُعَظَّمٍ؛ أَي مَظْنونٌ، كما في الأساسِ، وهو الذي لا يُوقَفُ على حَقيقَتِهِ؛ وفي الصِّحاحِ: على حَقيقَةِ أَمْرِهِ، وفي بعضِ نسخِ الصِّحاحِ: الذي لا يُدْرَى أَحقٌّ هو أَمْ باطِلٌ. قالَ زُهَيْر:
وما هُوَ عنها بالحَديثِ المُرَجَّمِ
والرِّجامُ، ككِتابٍ: المِرجاسُ، وهو كما تقَدَّمَ في السِّيْن، حَجَرٌ يُشَدُّ في طَرَفِ الحَبْلِ، ثم يُدَلَّى في البِئْرِ فَتُخَضْخَض به الحَمْأَةُ حتى تَثُورَ، ثم يُسْتَقى ذلِكَ الماءُ فتَسْتَنْقي البِئْرُ، وهذا كُلُّه إذا كانتِ البِئْرُ بَعِيدةَ القَعْرِ لا يقْدِرُون على أَنْ ينْزلُوا فَيُنْقُوها.
قالَ الجوْهرِيُّ: ورُبَّما شُدَّ بطَرَفِ عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ ليكونَ أَسْرَعَ لانْحِدارِها؛ قالَ الشاعِرُ:
كأَنَّهما إذا عَلَوْا وجِينًا *** ومَقْطَعَ حَرَّةٍ بَعَثا رِجاما
وصفَ عَيْرًا وأَتانًا يقولُ: كأَنَّهما بَعَثنا حِجارَةً.
وقالَ أَبو عَمْرٍو: الرِّجامُ: ما يُبْنى على البِئْرِ ثم تُعَرَّضُ عليه الخَشَبَةُ للدَّلْوِ؛ قالَ الشمَّاخُ:
على رِجامَيْنِ من خُطَّافِ ماتِحَةٍ *** تَهْدِي صُدُورَهُما وُرْقٌ مَراقِيلُ
وقيلَ: الرِجامانِ: خَشَبَتانِ تُنْصبانِ على رأْسِ البِئْرِ يُنْصَبُ عليهما القَعْوُ ونَحْوه مِن المَساقي.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: تَرَاجَمُوا بالحِجارَةِ: تَرامَوْا بها، وارْتَجموا مِثْلُ ذلِكَ عن ابنِ الأعْرَابيِّ وأَنْشَدَ:
فهي تَرامى بالحَصَى ارْتِجامها
وتَراجَمُوا بالكَلامِ: تسابّوا، وهو مجازٌ؛ والمُراجَمَةُ مِثْل ذلِكَ.
والرُّجُومُ بالضمِّ، الرُّجُمُ فهو إذًا مَصْدرٌ، وبه فُسِّرت الآيَةُ أَيْضًا {وَجَعَلْناها رُجُومًا لِلشَّياطِينِ}.
وبَعيرٌ مِرْجَمٌ، كمِنْبَرٍ: يَرْجُمُ الأرضَ بحَوافِرِه، وهو مَدْحٌ.
وقيلَ: هو الثَّقيلُ مِن غيرِ بُطْءٍ، وقد ارْتَجَمَتِ الإبِلُ وتَراجَمَتْ.
وقالَ أَبو عَمْرٍو: الرِّجامُ: الهِضَابُ، واحِدُها رُجْمةٌ.
والرَّجْمَةُ، بالفتحِ: المَنارَةُ شِبْه البَيْتِ كانوا يَطُوفُونَ حَوْلَها؛ قالَ:
كما طافَ بالرَّجْمَةِ المُرْتَجِمْ
ورجمَ القَبْرَ تَرْجِيمًا: وَضَعَ عليه الرَّجَم؛ وبه فُسِّر حدِيْثُ عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه، الذي سَبَقَ ذِكْرُه.
قالَ الجوْهَرِيُّ: والمُحَدِّثونَ يقُولُونَ: لا تَرْجُمُوا قبْرِي، والصَّحِيحُ أنَّه مُشدَّدٌ.
ولسانٌ مِرْجَمٌ، كمِنْبَرٍ، إذا كانَ قَوَّالًا.
وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: دَفَعَ رجلٌ رجُلًا فقالَ: لتَجِدنِّي ذا مَنْكِبٍ مِرْحَم ورُكْنٍ مِدْعَم ولِسانٍ مِرْجَم؛ أَي شَدِيد.
والرَّجائِمُ: الجِبالُ التي تَرْمي بالحِجارَةِ، واحِدُها رَجِيمةٌ.
وهَضْبُ الرَّجائِمِ: مَوْضِعٌ في قوْلِ أَبي طالِبٍ:
غِفارِية حَلَّتْ بِبَوْلانَ حَلَّةً *** فَيَنْبُعَ أَو حَلَّتْ بهَضْبِ الرَّجائم
وجاءَتِ امْرأَةٌ تَسْتَرْجِمُ النبيَّ، صلى الله عليهوسلم؛ أَي تَسْأَلُه الرَّجْم. والمِرْجَمَةُ، كمِكْنَسَةٍ: القذَّافَةُ، والجَمْعُ المَرَاجِمُ؛ وتَراجَمُوا بها تَرَامَوْا.
ومراجِمُ بنُ سُلَيْمان: جَدُّ أَبي هَارُون موسى بن عيسى المُؤَذِّن البُخارِيّ الرَّاوِي عن سُفْيان بن وَكِيْع.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
41-تاج العروس (من)
[من]: ومَنْ، بالفتْحِ: اسمٌ بمعنى الذي، ويكونُ للشَّرْطِ، وهو اسمٌ مُغْنٍ عن الكَلامِ الكثيرِ المُتَناهي في البِعادِ والطُّولِ، وذلِكَ أَنَّك إذا قلْتَ مَن يَقُمْ أَقُمْ معه، كانَ كافِيًا عن ذِكْرِ جَمِيعِ النَّاسِ، ولولا هو لاحْتَجْتَ أَنْ تقولَ: إنْ يَقُمْ زَيْدٌ أَو عَمْرو أَو جَعْفَرُ أَو قاسِمُ ونَحْو ذلِكَ ثم تَقِفُ حَسِيرًا وتَبْقَى مَبْهُورًا ولمَّا تَجِدْ إلى غَرَضِكَ سَبِيلًا.وتكونُ للاسْتِفهامِ المَحْضِ، ويُثَنَّى ويُجْمَعُ في الحِكايَةِ كقَوْلِكَ: مَنانِ ومَنُونَ ومَنْان ومَنَات، فإذا وَصَلُوا فهو في جَمِيعِ ذلِكَ مُفْردٌ مُذَكَّرٌ، قالَ: فأمَّا قَوْلُ الحارِثِ بنِ شَمِرٍ الضَّبِّيِّ:
أَتَوْا نارِي فقلتُ مَنُونَ؟ قالوا: *** سَرَاةُ الجِنِّ، قلتُ: عِمُوا ظَلامَا!
قالَ: فمَنْ رَوَاهُ هكذا أَجْرَى الوَصْل مُجْرَى الوَقْفِ، وإنَّما حَرَّكَ النونَ لالْتِقاءِ السَّاكِنَيْنِ ضَرُورَةٌ؛ قالَ: ومَنْ رَوَاهُ مَنُونَ أَنْتُم؟ فقالوا: الجِنّ، فأَمْرُه مشكلٌ، وذلِكَ أَنَّه شبَّه مَنْ بأَيٍّ، فقالَ: مَنُونَ أَنْتُم على قوْلِه: أَيُّونَ أَنْتُم؛ وإنْ شِئْتَ قلْتَ: كانَ تَقْدِيرَهُ مَنُونَ كالقَوْلِ الأوَّل ثم قالَ أَنْتُم؛ أَي أَنْتُم المَقْصُودُونَ بهذا الاسْتِثْباتِ.
وإذا قلْتَ: مَنْ عِنْدَكَ؟ أَغْناكَ ذلِكَ عن ذِكْرِ النَّاسِ، وتكونُ شَرْطِيَّةً، نحْو قَوْلِه تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}.
وتكونُ مَوْصُولَةً نَحْو قوْلِه تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}.
وتكونُ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، ولهذا دَخَلَتْ عليها ربَّ في قوْلِه:
رُبَّ مَن أنضجتُ غيظًا قلبَهُ *** قد تمنّى لي موتًا لم يُطَعْ
ووصف بالنّكِرَةِ في قَوْلِ بِشْر بنِ عبدِ الرحمنِ لكَعْبِ بنِ مالِكٍ الأنْصارِيِّ:
وكفَى بنا فَضْلًا على مَنْ غَيرِنا *** حُبُّ النَّبِيُّ محمدٍ إيَّانا
في رِوايَةِ الجَرِّ؛ وقَوْله تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا}، جَزَمَ جماعَةٌ أَنَّها نَكِرَةٌ مَوْصوفَةٌ، وآخَرُونَ أنَّها مَوْصُولَةٌ.
وتكونُ نَكِرَةً تامَّةً، نَحْو: مَرَرْت بمَنْ مُحْسِنٍ؛ أَي بإنْسانٍ مُحْسِنٍ.
وفي التهْذِيبِ عن الكِسائي: مَنْ تكونُ اسْمًا وجَحْدًا واسْتِفْهامًا وشَرْطًا ومَعْرفةً ونَكِرَةً، وتكونُ للواحِدِ والاثْنينِ والجَمْعِ، وتكونُ خُصوصًا، وتكونُ للإنْسِ والملائِكَةِ والجِنِّ، وتكونُ للبهائِمِ إذا خَلَطَّتها بغيرِها.
* قُلْت: أَمَّا الاسمُ المَعْرفَةُ فكَقَوْلِه تعالى: {وَالسَّماءِ وَما بَناها}؛ أَي والذي بَناها. والجَحْدُ، كقَوْلِه: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالُّونَ}، المعْنَى: لا يَقْنَطُ؛ وقيلَ: هي مَنْ الاسْتِفْهامِيَّة أشربَتْ معْنَى النَّفْي ومنه: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ}، ولا يَتَقيَّدُ جَوازُ ذلِكَ بأنْ يَتَقدَّمَها الواوُ خلافًا لبعضِهم بدَليلِ قَوْلِه تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلّا بِإِذْنِهِ}، والاسْتِفْهامُ نَحْو قَوْلِه تعالى: (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ؟ والشَّرْطُ نَحْو قَوْلِه تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، فهذا شَرْطٌ وهو عامٌّ، ومَنْ للجماعَةِ نَحْو قَوْلِه تعالى: (وَمَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ). وأَمَّا في الواحِدِ فكقَوْلِه تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)، وفي الاثْنَيْنِ كقَوْلِه:
تَعالَ فإنْ عاهَدْتَنِي لا تَخُونَني *** نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذِئبُ يَصْطَحِبانِ
قالَ الفرَّاءُ: ثَنَّى يَصْطَحِبان وهو فِعْلٌ لمَنْ لأنَّه نَواهُ ونَفْسَه. وفي جَمْعِ النِّساءِ نَحْو قوْلِه تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ}.
وقالَ الرَّاغِبُ: مَنْ عبارَةٌ عنِ النَّاطِقِين ولا يُعَبَّرُ به عن غيْرِهِم إلَّا إذا جمعَ بَيْنهم وبينَ غيرِهم كقَوْلِكَ: رَأَيْت مَنْ في الدارِ مِنَ الناسِ والبَهائِمِ؛ أَو يكونُ تَفْصِيلًا لجملَةٍ يدخلُ فيها الناطِقُونَ كقَوْلِه، عزّ وجلّ: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي}، الآيَة. ويُعَبَّرُ به عن الواحِدِ والجَمْع والمُؤَنَّثِ والمُذَكَّرِ.
وفي الصِّحاحِ: اسمٌ لمَنْ يصلحُ أَنْ يُخاطَبَ، وهو مُبْهَمٌ غيرُ مُتَمكّن، وهو في اللفْظِ واحِدٌ ويكونُ في معْنَى الجماعَةِ، ولها أَرْبَعةُ مَواضِع: الاسْتِفهامُ نَحْو: مَنْ عِنْدَكَ؟ والخَبَرُ نَحْو رَأَيْت مَنْ عِنْدَكَ؟ والجَزاءُ نَحْو: مَنْ يُكْرِمْني أُكْرِمْهُ؛ وتكونُ نَكِرَةً وأَنْشَدَ قَوْلَ الأَنْصارِيّ: وكَفَى بنا فَضْلًا إلى آخِرِه.
قالَ: خَفَضَ غَيْر على الإتْباعِ لمَنْ، ويَجُوزُ فيه الرَّفْعُ على أَنْ تُجْعَل مَنْ صِلةً بإضْمارِ هو. قالَ: وتُحْكَى بها الأَعْلامُ والكُنَى والنّكِراتُ في لُغَةِ أَهْلِ الحجازِ إذا قالَ: رأَيْتُ زيدًا، قُلْتُ: مَنْ زيد، وإذا قالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا، قُلْت: مَنَا، لأنَّه نَكِرَةٌ، وإن قالَ: جاءَني رَجُلٌ قُلْتُ مَنُو، وإنْ قالَ: مَرَرْتُ برجُلٍ قُلْت مَنِي، وإن قالَ: جاءَني رجُلان، قُلْت مَنَانْ، وإن قالَ: مَرَرْتُ برَجُلَيْن، قُلْت مَنَينْ، بتَسْكِين النُّون فيهما.
وكذلكَ في الجَمْعِ: إنْ قالَ: جاءَني رِجالٌ، قُلْت مَنُونْ ومَنِينْ في النَّصْبِ والجرِّ، ولا يُحْكَى بها غيرُ ذلكَ، لو قالَ: رَأَيت الرَّجُلَ قُلْت: مَنِ الرَّجلُ، بالرَّفْعِ، لأنَّه ليسَ بعلم، وإن قالَ: مَرَرْتُ بالأَميرِ، قُلْت: مَنِ الأَمِيرُ، وإنْ قالَ: رَأَيْتُ ابن أَخِيكَ، قُلْت: مَنِ ابنُ أَخِيك، بالرَّفْعِ لا غَيْر؛ قالَ: وكذلِكَ إذا أَدْخَلْت حَرْفَ العَطْفِ على مَنْ رَفَعْتَ لا غَيْر، قُلْت: فَمَنْ زيدٌ ومَنْ زيدٌ، وإن وَصَلْتَ حَذَفْتَ الزِّيادَات، قُلْت: مَنْ هذا.
وتقولُ في المرأَةِ: مَنَةً ومَنْتانْ ومَنَاتْ، كُلُّه بالتَّسْكِين، وإن وَصَلْتَ قُلْت: مَنَةً يا هذا، ومَنَاتٍ يا هؤلاء.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
إذا جَعَلْتَ مَنْ اسْمًا مُتَمَكِّنًا شَددتَه لأنَّه على حَرْفَيْن كقَوْلِ خِطامٍ المُجاشِعيّ:
فرَحلُوها رِحْلَةً فيها رَعَنْ *** حتى أَنَخْناها إلى مَنٍّ ومَنْ
أَي إلى رَجُلٍ وأَيّ رَجُلٍ، يُريدُ بذلِكَ تَعْظِيمَ شَأْنِه، وإذا سَمَّيْتَ بمَنْ لم تشدِّدْ فقُلْتَ: هذا مَنٌ ومَرَرْتُ بمَنٍ.
قالَ ابنُ بَرِّي: وإذا سَأَلْتَ الرَّجلَ عن نَسَبِه قُلْتَ: المَنِّيُّ، وإن سَأَلْتَه عن بلْدَتِه قُلْتَ: الهَنِّيُّ؛ وفي حدِيثِ سَطِيح:
يا فاصِلَ الخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ
قالَ ابنُ الأَثيرِ: هذا كما يُقالُ في المُبالغَةِ والتَّعْظِيمِ: أَعيا هذا الأَمْرُ فلانًا وفلانًا؛ أَي أَعْيت، كلَّ مَنْ جَلَّ قَدْرُه، فحذفَ، يعْنِي أنَّ ذلكَ ممَّا نقصرُ عنه العِبارَةُ لعظمِه كما حَذَفُوهَا مِن قوْلِهم: بعْدَ اللَّتيَّا واللَّتِي، اسْتِعْظامًا لشأْنِ المَخْلوقِ.
وحَكَى يونُسُ عن العَرَبِ: ضَرَبَ مَنٌ مَنًا، كقَوْلِكَ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا.
وقَوْلهم في جَوابِ مَنْ قالَ: رَأَيْت زيدًا المَنِّيُّ يا هذا، فالمَنِّيُّ صفَةٌ غيرُ مُفِيدَةٍ، وإنَّما مَعْناهُ الإضافَة إلى مَنْ، لا يُخَصُّ بذلِكَ قَبيلَةٌ مَعْروفَةٌ، وكَذلكَ تقولُ: المَنِّيَّانِ والمَنِّيُّون والمَنِّيَّة والمَنِّيَّتانِ والمَنِّيَّات، فإذا وَصَلْتَ أَفْرَدْتَ على ما بَيَّنَه سِيْبَوَيْه.
وتكونُ مَنْ للاسْتِفهامِ الذي فيه معْنَى التَّعَجُّبِ نَحْو ما حَكَاه سِيْبَوَيْه مِن قوْلِ العَرَبِ: سُبْحان الله مَنْ هو وما هو؛ وقَوْل الشَّاعِرِ:
جادَتْ بكَفَّيْ كان مِنْ أَرْمَى البَشَرْ
يُرْوَى بفتْحِ الميمِ؛ أَي بكَفَّيْ مَنْ هو أَرْمَى البَشَر، وكانَ على هذا زَائِدَة، والرَّوايَةُ المَشْهورَةُ بكسْرِ الميمِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
42-تاج العروس (سفه)
[سفه]: السَّفَهُ، محرّكةً وكسَحابٍ وسَحابَةٍ: خِفَّةُ الحِلْم أَو نَقِيضُه، وأَصْلُه الخِفَّة والحرَكَةُ، أَو الجَهْلُ، وهو قَرِيبٌ بعضُه من بعضٍ.وقد سَفِهَ نَفْسَه ورَأْيَهُ وجِلْمَهُ، مُثَلَّثَةً، الكَسْرُ، اقْتَصَرَ عليه الجوْهرِيُّ وجماعَةٌ، وقالوا: سَفُهَ ككَرُمَ، وسَفِهَ بالكسْرِ، لُغتانِ أَي صارَ سَفِيهًا، فإِذا قالوا: سَفِهَ نَفْسَه وسَفِهَ رأْيَهُ لم يَقولُوه إِلَّا بالكسْرِ، لأنَّ فَعُلَ لا يكونُ مُتعدِّيًا، فتأَمَّلْ ذلِكَ مَعَ التَّثْلِيثِ الذي ذَكَرَه المصنِّفُ.
وقالَ اللّحْيانيُّ: سَفِهَ نَفْسَه، بالكسْرِ، سَفَهًا وسَفاهَةً وسَفاهًا: حَمَلَه على السَّفَهِ، هذا هو الكَلامُ العالِي؛ قالَ: وبعضُهم يقولُ: سَفُه، وهي قَلِيلَةٌ.
قالَ الجوْهرِيُّ: وقوْلُهم: سَفِهَ نَفْسَه وغَبِنَ رأْيَه وبَطِرَ عَيْشَه وأَلِمَ بَطْنَه ووَفِقَ أَمْرَه ورَشِدَ أَمْرَه، كانَ الأَصْلُ سَفِهَتْ نَفْسُ زيْدٍ، ورَشِدَ أَمْرُه، فلمّا حُوِّلَ الفِعْل إلى الرَّجلِ انْتَصَبَ ما بَعْدَه بوقُوعِ الفِعْلِ عليه، لأنَّه صارَ في معْنَى سَفَّهَ نَفْسَه، بالتّشْديدِ؛ هذا قَوْلُ البَصْرِيين والكِسائي، ويَجوزُ عنْدَهم تَقْديمُ هذا المَنْصوب كما يَجوزُ غلامَه ضَرَبَ زيْدٌ.
وقالَ الفرَّاءُ: لمَّا حُوِّلَ الفِعْلُ مِن النفْسِ إِلى صاحِبِها خَرَجَ ما بَعْدَه مُفَسِّرًا ليدلَّ على أَنَّ السَّفَه فيه، وكانَ حُكْمُه أَنْ يكونَ سَفِه زيْدٌ نفْسًا، لأنَّ المُفَسِّر لا يكونُ إِلَّا نَكِرَةً، ولكنَّه تُرِكَ على إضافَتِه ونُصِبَ كنَصْبِ النّكِرَةِ تَشْبيهًا بها، ولا يَجوزُ عنْدَه تَقْديمه لأنَّ المُفَسِّر لا يتقدَّمُ.
ومِثْلُه قَوْلُهم: ضِقْتُ به ذَرْعًا وطِبْتُ به نَفْسًا، والمعْنَى: ضاقَ ذَرْعِي به وطابَتْ نَفْسِي به، انتَهَى.
* قُلْتُ: وهذا القَوْلُ أَنْكَرَه النّحويُّونَ، وقالوا: إِنَّ المُفَسِّراتِ نَكِرَاتٌ ولا يَجوزُ أَن تُجْعلَ المَعارِفُ نَكِرَاتٍ.
أَو نَسَبَه إِليه؛ هذا القَوْلُ فيه إِشارَةٌ إِلى قَوْلِ الأَخْفَش، فإِنَّه قالَ: أَهْلُ التَّأْوِيل يَزْعمونَ أَنَّ المَعْنَى سَفَّه نَفْسَه؛ أَي بالتَّشْديدِ بالمعْنَى المذْكُور؛ ومنه قَوْلُه: إِلَّا مَنْ سَفِهَ الحَقَّ، معْناهُ: مَنْ سَفَّه الحقَّ.
وقالَ يونُسُ النّحويُّ: أُراها لُغَةٌ ذَهَبَ يونُسُ إلى أَنَّ فَعِلَ للمُبالَغَةِ، فذَهَبَ في هذا مَذْهَبَ التَّأْوِيلِ، ويَجوزُ على هذا القَوْلِ سَفِهْتُ زيْدًا بمعْنَى سَفَّهْتُ زيْدًا.
أَو أَهْلَكَهُ، فيه إِشارَةٌ إِلى قَوْلِ أَبي عبيدَةَ فإِنَّه قالَ: معْنَى سَفِهَ نفْسَه أَهْلَكَ نَفْسَه وأَوْبَقَها، وهذا غَيْرُ خارِجٍ مِن مَذْهَبِ يونُسَ وأَهْل التّأْوِيل.
وقالَ بعضُ النّحويِّين في قوْلِه تعالى: {إِلّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}؛ أَي في نَفْسِه أَي صارَ سَفِيهًا، إِلَّا أَنَّ «في» حُذِفَتْ كما حُذِفَتْ حُرُوفُ الجَرِّ في غيرِ مَوْضِعٍ.
وقالَ الزَّجَّاجُ: القَوْلُ الجَيِّدُ عنْدِي في هذا: أَنَّ سَفِهَ في مَوْضِعِ جَهِلَ، والمعْنَى، واللهُ أَعْلَم، إِلَّا مَنْ جَهِلَ نَفْسَه؛ أَي لم يُفَكِّرْ في نَفْسِه فوَضَعَ سَفِهَ في مَوْضِعِ جَهِلَ، وعُدِّيَ كما عُدِّيَ.
قالَ الأَزْهرِيُّ: وممَّا يُقوِّي قوْلَ الزجَّاجِ الحدِيثُ: «إِنَّ الكِبْرَ أَنْ تَسْفَهَ الحَقَّ وتَغْمِطَ الناسَ»، فجعَلَ سَفِهَ واقِعًا مَعْناه أَنْ تَجْهَلَ الحَقَّ فلا تَراهُ حَقًّا.
ويقالُ: سَفِهَ فلانٌ رأْيَه إِذا جَهِلَهُ وكانَ رأْيُه مُضْطربًا لا اسْتِقامَةَ له.
وفي الحدِيثِ: «إِنَّما البَغْيُ مِنْ سَفِهَ الحقَّ»؛ أَي مَنْ جَهِلَه، وقيلَ: مَنْ جَهِلَ نَفْسَه، وفي الكَلامِ مَحْذوفٌ تَقْديرُه إِنَّما البَغْيُ فِعْلُ مَنْ سَفِهَ الحقَّ. ورَوَاهُ الزَّمَخْشريُّ: مِن سَفَهِ الحَقِّ، على أَنَّه اسمٌ مُضافٌ إِلى الحقِّ، قالَ: وفيه وَجْهان: أَحَدُهما: أَنْ يكونَ على حَذْفِ الجَارِ وإيصالِ الفِعْل كأَنَّ الأصْلَ سَفِهَ على الحقِّ، والثاني: أَنْ يَضْمَنَ معْنَى فعل متعدِّ كجَهِلَ، والمعْنَى الاسْتِخْفاف بالحقِّ وأَنْ لا يَراهُ على ما هو عليه مِنَ الرُّجْحانِ والرَّزانَةِ.
ومِن المجازِ: سَفِهَتِ الطَّعْنَةُ سَفْهًا: أَسْرَعَ منها الدَّمُ وجَفَّ؛ كما في الأساسِ.
ومِن المجازِ: سَفِهَ الشَّرابَ سَفْهًا: إذا أَكْثَرَ منه فلم يَرْوَ.
وحَكَى اللّحْيانيُّ: سَفِهَ الماءَ شَرِبَه بغيرِ رِفْقٍ.
وسَفِهَ، كفَرِحَ وكَرُمَ، علينا؛ الأوْلى أَنْ يقولَ: سَفِهَ علينا، كفَرِحَ وكَرُمَ؛ جَهِلَ، كتَسافَهَ، فهو سَفِيهٌ، الجمع: سُفَهاءُ وسِفاهٌ، بالكسْرِ، وهي سَفِيهَةٌ، الجمع: سَفِيهاتٌ وسَفائِهُ وسَفَّهٌ، كسُكَّرٍ، وسِفاهٌ، بالكسْرِ.
وقَوْلُه تعالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيامًا}.
قالَ اللّحْيانيُّ: بَلَغنا أَنَّهم النِّساءُ والصِّبْيان الصِّغارُ لأنَّهم جُهَّالٌ بموْضِعِ النّفَقةِ.
قالَ: ورُوِي عن ابنِ عبَّاسٍ، رضِيَ اللهُ تعالى عنهما، أَنّه قالَ: النِّساءُ أَسْفَهُ السُّفَهاءِ.
وقالَ الأزْهرِيُّ: سُمِّيت المرْأَةٌ سَفِيهَة لضعفِ عَقْلِها، ولأنَّها لا تُحْسِنُ سِياسَةَ مالِها، وكَذلِكَ الأَوْلاد ما لم يُؤْنَس رُشْدُهم.
وقوْلُه تعالَى: {فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا}؛ السَّفِيهُ: الخَفِيفُ العَقْل.
وقالَ مُجاهِد: السَّفِيهُ: الجاهِلُ، والضَّعِيفُ: الأحْمقُ.
قالَ ابنُ عَرَفَة: الجاهِلُ هنا هو الجاهِلُ بالأَحْكامِ لا يُحْسِنُ الإِملاء ولا يَدْرِي كيفَ هو، ولو كانَ جاهِلًا في أَحْوالِه كُلِّها ما جازَ له أَنْ يُداينَ.
وقالَ ابنُ سِيدَه: مَعْناه إنْ كانَ جاهِلًا أَو صَغِيرًا.
وقالَ اللَّحْيانيُّ: السَّفِيهُ الجاهِلُ بالإِملاء.
قالَ ابنُ سِيدَه: وهذا خَطَأٌ لأنَّه قد قالَ بعْدَ هذا {أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ}.
وقالَ الرَّاغبُ: هذا هو السَّفَهُ الدِّنْيويُّ، وأَمَّا السَّفَهُ الأُخْرَويُّ فكَقْولِه تعالى: {وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطًا}، فهذا هو السَّفَه في الدِّيْن.
وسَفَّهَهُ تَسْفِيهًا: جَعَلَه سَفِيهًا، كسَفِهَهُ، كعَلِمَهُ؛ عن الأخْفَش ويُونُسَ، وعليه خَرَّج {سَفِهَ نَفْسَهُ} كما تقدَّمَ.
أَو سَفَّهَهُ تَسْفِيهًا: نَسَبَه إِليه؛ أَي إلى السَّفَهِ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
وتَسَفَّهَه عن مالِهِ: إِذا خَدَعَه عنه؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
وتَسَفَّهَتِ الرِّيحُ الغُصونَ: أَمالَتْها، أَو مالَتْ بها، أَو اسْتَخَفَّتْها فحرَّكَتْها؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ لذي الرُّمَّة:
جَرَيْنَ كما اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ *** أَعالِيَها مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ
وسافَهَه مُسافَهَةً: شاتَمَهُ؛ ومنه المَثَلُ: سَفِيهٌ لم يَجِدْ مُسافِهًا؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
وسافَهَ الدَّنَّ أَو الوَطْبَ: فاعَدَهُ فَشَرِبَ منه ساعَةً بعد ساعَةٍ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
ومِن المجازِ: سافَهَ الشَّرابَ إِذا أَسْرَفَ فيه فَشَرِبَهُ جُزافًا؛ قالَ الشمَّاخُ:
فَبِتُّ كأَنَّني سافَهْتُ صِرْفًا *** مُعَتَّقَةٌ حُمَيَّاها تَدُورُ
وقالَ اللَّحْيانيُّ: سافَهْتُ الماءَ شَرِبْتَه بغيرِ رِفْقٍ.
وفي الأساسِ: شَرِبْتَه جُزافًا بِلا تَقْديرٍ؛ كَسَفِهَهُ، كفَرِحَ، وهذا قد تقدَّمَ قَرِيبًا فهو تكْرارٌ.
ومِن المجازِ: سافَهَتِ النَّاقَةُ الطَّريقَ إِذا لازَمَتْهُ بسَيْرٍ شَدِيدٍ.
وفي الأساسِ: إِذا أَقْبَلَتْ على الطريقِ بشِدَّةِ سَيْرٍ.
وقالَ غيرُه: إذا خَفَّتْ في سيرِها؛ قالَ الشاعِرُ:
أَحْدُو مَطِيَّاتٍ وقَوْمًا نُعَّسًا *** مُسافِهاتٍ مُعْمَلًا مُوَعَّسا
أَرادَ بالمُعْمَلِ المُوَعَّسِ الطريقَ المَوْطُوء.
وسَفِهْتُ، كَفَرِحْتُ ومَنَعْتُ: شَغَلْتُ أَو تَشَغَّلْتُ، كذا في النسخِ والصَّوابُ شُغِلْتُ أَو شَغَلْتُ. وسَفِهْتُ نَصِيبِي، كفَرِحْتُ: نَسِيتُه؛ عن ثَعْلَب.
ومِن المجازِ: ثَوْبٌ سَفِيهٌ: أَي لَهْلَهٌ رَدِيءُ النُّسْجِ؛ كما يقالُ: سَخِيفٌ.
ومِن المجازِ: زِمامٌ سَفيهٌ: مُضْطَرِبٌ، وذلِكَ لمرحِ الناقَةِ ومُنازَعَتِها إِيَّاهُ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ لذي الرُّمَّة يَصِفُ سَيْفًا:
وأَبْيَضَ مَوْشِيِّ القَمِيصِ نَصَبْتُه *** على ظَهْرِ مِقْلاتٍ سَفِيهٍ زِمامُها
ووادٍ مُسْفَهٌ، كمُكْرَمٍ: مَمْلوءٌ، كأَنَّه جازَ الحدَّ فسَفُهَ، فَمُسْفَه على هذا مُتَوهَّم مِن بابِ أَسْفَهْتُه وَجَدْتُه سَفِيهًا وهو مجازٌ؛ قالَ ابنُ الرِّقاعِ:
فما به بَطْنُ وادٍ غِبَّ نَضْحَتِه *** وإِن تَراغَبَ إلّا مُسْفَهٌ تَئِقُ
ومِن المجازِ: ناقَةٌ سَفِيهَةُ الزِّمامِ: إِذا كانتْ خَفِيفَةَ السَّيْرِ.
ومِن المجازِ: طَعامٌ مَسْفَهَةٌ ومسفهة إِذا كانَ يَبْعَثُ على كَثْرَةِ شُرْبِ الماءِ.
وقالَ ابنُ الأَعْرابيِّ: إِذا كانَ يَسْقِي الماءَ كَثيرًا.
وسَفَهَ صاحِبَهُ، كنَصَرَ: غَلَبَهُ في المُسافَهَةِ. يقالُ: سافَهَهُ فسَفَهَهُ.
ومِن المجازِ: تَسَفَهَّتِ الرِّياحُ الغُصونَ إِذا فَيَّأَتْها؛ وهذا قد مَرَّ قريبًا فهو تكْرارٌ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
السافهُ: الأحْمقُ؛ عن ابنِ الأعْرابيِّ.
وسَفَّه الجهلُ حِلْمَهُ: أَطاشَهُ وأَخَفَّه، قالَ:
ولا تُسَفِّهُ عند الوِرْد عَطْشَتُها *** أَحلامَنا وشَريبُ السَّوْءِ يَضْطرِمُ
وقد سفهتْ أَحْلامهم.
و {سَفِهَ نَفْسَهُ}: خَسِرَها جَهْلًا.
وأَسْفَهْتُه: وَجَدْتُه سَفِيهًا.
وتَسَفَّهَتِ الرِّياحُ: اضْطَرَبَتْ.
قالَ ابنُ بَرِّي: أَمَّا قوْلُ خَلَفِ بنِ إِسْحاقِ البَهْرانيّ:
بَعْثنا النَّواعِجَ تَحْتَ الرِّحالْ *** تَسافَهُ أَشْداقُها في اللُّجُمْ
فإِنَّه أَرادَ أَنَّها تَتَرامَى بلُغامِها يَمْنةً ويَسْرَةً، كقَوْلِ الجَرْمي:
تَسافَهُ أَشْداقُها باللُّغامْ *** فتَكْسُو ذَفارِيَها والجُنُوبا
فهو مِن تَسافُهِ الأشْداقِ لا تَسافُهِ الجُدُلِ. وأَمَّا المُبَرِّدُ فجَعَلَه مِن تَسافُه الجُدُلِ، والأَوَّلُ أَظْهَر.
وأَسْفَهَ اللهُ فلانًا الماءَ: جَعَلَهُ يُكْثِرُ مِن شُرْبِه، نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ. ورجُلٌ سافِهٌ وساهِفٌ: شَدِيدُ العَطَشِ؛ نَقَلَهُ الأَزْهرِيُّ.
وتَسَفَّهْتُ عليه: إِذا أَسْمَعْته؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ. وفي المَثَلِ: قَرارَة تَسَفَّهَتْ قَرَارَة؛ وهي الضَّأْنُ؛ كما في الأساسِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
43-لسان العرب (بعث)
بعث: بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثًا: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ بِهِ: أَرسله مَعَ غَيْرِهِ.وابْتَعَثَه أَيضًا أَي أَرسله فانْبعَثَ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يَصِفُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، شَهِيدُك يومَ الدِّينِ، وبَعِيثُك نعْمة؛ أَي مَبْعُوثك الَّذِي بَعَثْته إِلى الخَلْق أَي أَرسلته، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زَمْعَة: «انْبَعَثَ أَشْقاها»؛ يُقَالُ: انْبَعَثَ فلانٌ لشأْنه إِذا ثَارَ ومَضَى ذَاهِبًا لِقَضَاءِ حاجَته.
والبَعْثُ: الرسولُ، وَالْجَمْعُ بُعْثانٌ، والبَعْثُ: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْو.
والبَعَثُ: القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ، وَيُقَالُ: هُمُ البَعْثُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ.
وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ ابْتَعَثْنا الشامَ عِيرًا إِذا أَرسَلوا إِليها رُكَّابًا لِلْمِيرَةِ.
وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ: «يَا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ»؛ أي المَبْعُوث إِليها مِنْ أَهلها، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ.
وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهم بَعْثًا: وجَّهَهُمْ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ البَعْثُ والبَعِيثُ، وَجَمْعُ البَعْثِ: بُعُوث؛ قَالَ:
ولكنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَلَيْنَا، ***فَصِرْنا بينَ تَطْوِيحٍ وغُرْمِ
وَجَمْعُ البَعِيثِ: بُعُثٌ.
والبَعْثُ: يَكُونُ بَعْثًا لِلْقَوْمِ يُبْعَثُون إِلى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مِثْلَ السَّفْر والرَّكْب.
وَقَوْلُهُمْ: كنتُ فِي بَعْثِ فلانٍ أَي فِي جَيْشِهِ الَّذِي بُعِثَ مَعَهُ.
والبُعُوثُ: الجُيوش.
وبَعَثَه عَلَى الشَّيْءِ: حَمَلَهُ عَلَى فِعْله.
وبَعَثَ عَلَيْهِمُ البَلاء: أَحَلَّه.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}.
وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ عَبْدَ المَلِك خَطَبَ فَقَالَ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ مُسلِمَ بْنَ عُقْبة، فَقَتلَكم يَوْمَ الحَرَّة.
وانْبَعَثَ الشيءُ وتَبَعَّثَ: انْدَفَع.
وبَعَثَه مِنْ نَوْمه بَعَثًا، فانْبَعَثَ: أَيْقَظَه وأَهَبَّه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَتاني الليلةَ آتِيانِ فابْتَعَثَاني»أَي أَيقَظاني مِنْ نَوْمِي.
وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ مَا كَانَ يَحْبِسُه عَنِ التَّصَرُّف والانْبِعاثِ.
وانْبَعَثَ فِي السَّيْر أَي أَسْرَع.
ورجلٌ بَعِثٌ: كَثِيرُ الانْبِعاثِ مِنْ نَوْمِهِ.
وَرَجُلٌ بَعْثٌ وبَعِثٌ وبَعَثٌ: لَا تَزَالُ هُمُومه تؤَرِّقُه، وتَبْعَثُه مِنْ نَوْمِهِ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْر:
تَعْدُو بأَشْعَثَ، قَدْ وَهَى سِرْبالُه، ***بَعْثٍ تُؤَرِّقُه الهُمُوم، فيَسْهَرُ
وَالْجَمْعُ: أَبْعاث: وَفِي التنزيل: قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟
هَذَا وَقْفُ التَّمام، وَهُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النُّشور.
وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}؛ قَوْلُ المؤْمِنين؛ وَهَذَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، والخَبَرُ مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ؛ وَقُرِئَ: يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟
أَي مِن بَعْثِ اللَّهِ إِيَّانا مِنْ مَرْقَدِنا.
والبَعْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما الإِرْسال، كَقَوْلِهِ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى}؛ مَعْنَاهُ أَرسلنا.
والبَعْثُ: إِثارةُ باركٍ أَو قاعدٍ، تَقُولُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ فانبَعَثَ أَي أَثَرْتُه فَثار.
والبَعْثُ أَيضًا: الإِحْياء مِنَ اللَّهِ للمَوْتى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ:} أَي أَحييناكم.
وبَعَثَ اللمَوْتى: نَشَرَهم لِيَوْمِ البَعْثِ.
وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُم بَعْثًا: نَشَرَهم؛ مِنْ ذَلِكَ.
وَفَتْحُ الْعَيْنِ فِي الْبَعَثِ كُلُّهُ لُغَةٌ.
وَمِنْ أَسمائه عَزَّ وَجَلَّ: الباعِثُ، هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ الخَلْقَ أَي يُحْييهم بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وبَعَثَ البعيرَ فانْبَعَثَ: حَلَّ عِقالَه فأَرسله، أَو كَانَ بَارِكًا فَهاجَهُ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «إِنَّ للفِتْنةِ بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ»، فَمَنِ اسْتَطاعَ أَن يَمُوتَ فِي وَقَفاتِها فَلْيَفعل.
قوله: بَعَثات أَي إِثارات وتَهْييجات، جَمْعُ بَعْثَةٍ.
وكلُّ شَيْءٍ أَثَرْته فَقَدْ بَعَثْته؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فبَعَثْنا البَعيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَهُ.
والتَّبْعاثُ تَفْعال، مِن ذَلِكَ: أَنشد ابْنُ الأَعرابيّ:
أَصْدَرها، عَنْ كَثْرَةِ الدَّآثِ، ***صاحبُ لَيْلٍ، حَرِشُ التَّبْعاثِ
وتَبَعَّثَ مِنِّي الشِّعْرُ أَي انْبَعَثَ، كأَنه سالَ.
ويومُ بُعاثٍ، بِضَمِّ الْبَاءِ: يَوْمٌ مَعْرُوفٌ، كَانَ فِيهِ حَرْبٌ بَيْنَ الأَوْسِ والخَزْرج فِي الجَاهلية، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسحاق فِي كِتَابَيْهِمَا؛ قَالَ الأَزهري: وذكَرَ ابْنُ المُظَفَّر هَذَا فِي كِتَابِ الْعَيْنِ، فجعلَه يومَ بُغَاث وصَحَّفَه، وَمَا كَانَ الخليلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لِيَخفَى عَلَيْهِ يومُ بُعاثٍ، لأَنه مِنْ مَشَاهِيرِ أَيام الْعَرَبِ، وإِنما صحَّفه الليثُ وَعَزَاهُ إِلى الخَليل نفسِه، وَهُوَ لسانُه، وَاللَّهُ أَعلم.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيانِ بِمَا قِيل يومَ بُعَاثٍ»؛ هُوَ هَذَا الْيَوْمُ.
وبُعاثٌ: اسْمُ حِصن للأَوْس.
وباعِثٌ وبَعِيثٌ: اسْمَانِ.
والبَعِيثُ: اسْمُ شَاعِرٍ مَعْرُوفٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، اسْمُهُ خِدَاشُ بْنُ بَشيرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبو مَالِكٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:
تَبَعَّثَ مِنِّي ما تَبَعَّثَ، بعد ما اسْتَمرَّ ***فؤَادي، واسْتَمَرَّ مَرِيري
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنشاد هَذَا الْبَيْتَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبة وَغَيْرُهُ: واستَمَرَّ عَزِيمي، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: أَنه قَالَ الشِّعْرَ بعد ما أَسَنَّ وكَبِرَ.
وَفِي حَدِيثِعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا صالَحَ نصارَى الشَّامِ، كَتَبُوا لَهُ؛ إِنَّا لَا نُحْدِثُ كَنِيسَةً وَلَا قَلِيَّة، وَلَا نُخْرِج سَعانِينَ، وَلَا بَاعُوثًا؛ الباعوثُ للنَّصارى: «كَالِاسْتِسْقَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ»، وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ؛ وَقِيلَ: هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ.
وباعِيثا: موضع معروف.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
44-لسان العرب (رقد)
رقد: الرُّقاد: النَّوْم.والرَّقْدَة: النَّوْمَةُ.
وَفِي التَّهْذِيبِ عَنِ اللَّيْثِ: الرُّقود النَّوْمُ بِاللَّيْلِ، والرُّقادُ: النَّوْمُ بِالنَّهَارِ؛ قَالَ الأَزهري: الرُّقاد والرُّقُود يَكُونُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عِنْدَ الْعَرَبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}؛ هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ إِذا بُعِثُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَانْقَطَعَ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْ مرقدنا، ثم قالت لهم الْمَلَائِكَةُ: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ هَذَا مِنْ صِفَةِ المَرْقَد، وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: حَقٌّ مَا وعَد الرَّحْمَنُ؛ وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ المَرْقَد مَصْدَرًا، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ مَوْضِعًا وَهُوَ الْقَبْرُ، وَالنَّوْمُ أَخو الْمَوْتِ.
ورَقَدَ يَرْقُدُ رَقْدًا ورُقُودًا ورُقادًا: نَامَ.
وَقَوْمٌ رُقُود أَي رُقَّد.
والمَرْقَد، بِالْفَتْحِ: الْمَضْجَعُ.
وأَرْقَدَهُ: أَنامه.
والرَّقُود والمِرْقِدَّى: الدَّائِمُ الرُّقاد؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وَلَقَدْ رَقَيْتَ كِلابَ أَهلِكَ بالرُّقَى، ***حَتَّى تَرَكْتَ عَقُورَهُنَّ رَقُودا
وَرَجُلٌ مِرْقِدَّى مِثْلُ مِرْعِزَّى أَي يَرْقَدُّ فِي أُموره.
والمُرْقِدُ: شَيْءٌ يُشرب فينوِّم مَن شَرِبَهُ ويُرْقِدُه.
والرَّقْدَة: هَمْدة مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ورَقَدَ الحَرُّ: سَكَنَ.
والرَّقْدَة: أَن يُصِيبَكَ الْحَرُّ بَعْدَ أَيام رِيحٍ وَانْكِسَارٍ مِنَ الوَهَج.
ورَقَدَ الثوبُ رَقْدًا ورُقادًا: أَخلق.
وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ: رَقَدَتِ السوقُ كَسَدت، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى نَامَتْ.
وأَرْقَد بِالْمَكَانِ: أَقام بِهِ.
ابْنُ الأَعرابي: أَرْقَدَ الرَّجُلُ بأَرض كَذَا إِرْقادًا إِذا أَقام بِهَا.
والارقِدادُ والارْمِدادُ: السَّيْرُ، وَكَذَلِكَ الإِغْذاذُ.
ابْنُ سِيدَهْ: الِارْقِدَادُ سُرْعَةُ السَّيْرِ؛ تَقُولُ مِنْهُ: ارْقَدَّ ارْقِدادًا أَي أَسرع؛ وَقِيلَ: الِارْقِدَادُ عَدْوُ الناقِزِ كأَنه نَفَرَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يَرْقَدُّ.
يُقَالُ: أَتيتك مُرْقَدًّا؛ وَقِيلَ: هُوَ أَن يَذْهَبَ عَلَى وَجْهِهِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ ثَوْرًا:
فظلَّ يَرْقَدُّ مِنَ النَّشاط، ***كالبَرْبَريّ لَجَّ فِي انخِراط
وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ ظَلِيمًا:
يَرْقَدُّ فِي ظِلِّ عَرَّاصٍ، ويَتْبَعُه ***حَفِيفُ نافجَة، عُثْنُونها حَصِب
يَرْقَدُّ: يُسْرِعُ فِي عَدْوِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ السُّرْعَةِ وَمِنَ النُّقَازِ وَمِنَ الذهاب على الوجه.
والرَّاقَدانُ: طَفْرُ الجَدْي والحَمَل وَنَحْوِهِمَا من النشاط.
المُرْقَدُّ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرُوِيَ عَنِ الأَصمعي المُرْقِدُ مُخَفَّفٌ، قَالَ: وَلَا أَدري كَيْفَ هُوَ.
والراقُودُ: دَنٌّ طَوِيلُ الأَسفل كَهَيْئَةِ الإِرْدَبَّة يُسَيَّع دَاخِلُهُ بِالْقَارِ، وَالْجَمْعُ الرَّوَاقِيدُ معرَّب، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَحسبه عَرَبِيًّا.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «لَا يَشْرَبُ فِي رَاقُودٍ وَلَا جرَّة»؛ الراقُود: إِناءُ خَزَفٍ مُسْتَطِيلٌ مقيَّر، وَالنَّهْيُ عَنْهُ كَالنَّهْيِ عَنِ الشُّرْبِ فِي الْحَنَاتِمِوَالْجِرَارِ الْمُقَيَّرَةِ.
ورُقاد والرُّقاد: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ:
أَلا قُلْ للأَمير: جُزِيتَ خَيْرًا ***أَجِرْنا مِنْ عُبَيدةَ والرُّقادِ
ورَقْد: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: وَادٍ فِي بِلَادِ قَيْسٍ، وَقِيلَ: جَبَلٌ وَرَاءَ إِمَّرَةَ فِي بِلَادِ بَنِي أَسد؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
وأَظْهَرَ فِي عِلانِ رَقْدٍ، وسَيْلُه ***عَلاجِيمُ، لَا ضَحْلٌ وَلَا مُتَضَحْضِحُ
وَقِيلَ: هُوَ جَبَلٌ تُنْحَتُ مِنْهُ الأَرْحِية؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ كِرْكِرَة الْبَعِيرِ ومَنْسِمَه:
تَفُضُّ الحَصَى عَنْ مُجْمِرات وَقِيعِه، ***كَأَرْحاءِ رَقْدٍ، زَلَّمَتْها المَناقِرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما وَصَفَ ذُو الرُّمَّةِ مَنَاسِمَ الإِبل لَا كِرْكِرَةَ الْبَعِيرِ كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ.
وتَفُضُّ: تُفَرِّقُ أَي تُفَرِّقُ الْحَصَى عَنْ مَنَاسِمِهَا.
وَالْمُجْمِرَاتُ: الْمُجْتَمِعَاتُ الشَّدِيدَاتُ.
وزَلَّمَتها الْمَنَاقِرُ: أَخَذت مِنْ حَافَاتِهَا.
والرُّقادُ: بَطْنٌ مِنْ جَعْدة؛ قَالَ:
مُحافَظَةً عَلَى حَسَبي، وأَرْعَى ***مَساعِي آلِ ورْدٍ والرُّقاد
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
45-لسان العرب (رود)
رود: الرَّوْدُ: مَصْدَرُ فِعْلِ الرَّائِدِ، وَالرَّائِدُ: الَّذِي يُرْسَل فِي الْتِمَاسِ النُّجْعَة وَطَلَبِ الكلإِ، وَالْجَمْعُ رُوَّاد مِثْلُ زَائِرٍ وزُوَّار.وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي صِفَةِ الصَّحَابَةِ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجمعين: «يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَيَخَرُجُونَ أَدلة»أَي يَدْخُلُونَ طَالِبِينَ لِلْعِلْمِ مُلْتَمِسِينَ لِلْحِلْمِ مِنْ عِنْدِهِ وَيَخْرُجُونَ أَدلة هُداة لِلنَّاسِ.
وأَصل الرَّائِدِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْقَوْمَ يُبْصِر لَهُمُ الكلأَ وَمَسَاقِطَ الْغَيْثِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ فِي صِفَةِ الْغَيْثِ: وَسَمِعْتُ الرُّوَّاد يَدْعُونَ إِلى رِيَادَتِهَا؛ أي تَطْلُبُ النَّاسَ إِليها، وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّا قوم رادَةٌ»؛ وهو جَمْعُ رَائِدٍ كَحَاكَةٍ وَحَائِكٍ،؛ أي نَرْوُدُ الْخَيْرَ وَالدِّينَ لأَهلنا.
وَفِي شِعْرِ هُذَيْلٍ: رادَهم رَائِدُهُمْ، وَنَحْوُ هَذَا كَثِيرٌ فِي لُغَتِهَا، فإِما أَن يَكُونَ فَاعِلًا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ، وإِما أَن يَكُونَ فَعَلًا، إِلا أَنه إِذا كَانَ فَعَلًا فإِنما هُوَ عَلَى النسَب لَا عَلَى الْفِعْلِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ رَجُلًا حَاجًّا طَلَبَ عَسَلًا:
فباتَ بِجَمْعٍ، ثُمَّ تمَّ إِلى مِنًى، ***فأَصبح رَأْدًا يَبتغِي المزْجَ بالسَّحْل
أَي طَالِبًا؛ وَقَدْ رَادَ أَهله مَنْزِلًا وَكَلَأً، وَرَادَ لَهُمْ رَوْدًا ورِيادًا وَارْتَادَ وَاسْتَرَادَ.
وَفِي حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وأُخته: «فاستَراد لأَمر اللَّهِ»أَي رَجَعَ وَلَانَ وَانْقَادَ، وَارْتَادَ لَهُمْ يَرْتَادُ.
وَرَجُلٌ رادٌ: بِمَعْنَى رَائِدٍ، وَهُوَ فَعَل، بِالتَّحْرِيكِ، بِمَعْنَى فَاعِلٍ كالفَرَط بِمَعْنَى الْفَارِطِ.
وَيُقَالُ: بَعَثْنَا رَائِدًا يرود لنا الكلأَ وَالْمَنْزِلَ وَيَرْتَادُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَي يَنْظُرُ وَيَطْلُبُ وَيَخْتَارُ أَفضله.
قَالَ وجاءَ فِي الشِّعْرِ: بَعَثُوا رَادَهُمْ أَي رَائِدَهُمْ؛ وَمِنْ أَمثالهم: الرائدُ لَا يَكْذب أَهلَه؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلَّذِي لَا يَكْذِبُ إِذا حَدَّثَ، وإِنما قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لأَنه إِن لَمْ يَصْدُقهم فَقَدْ غَرَّرَ بِهِمْ.
وَرَادَ الكلأَ يَرُوده رَوْدًا ورِيادًا وَارْتَادَهُ ارْتِيَادًا بِمَعْنًى أَي طَلَبَهُ.
وَيُقَالُ: رَادَ أَهلَه يَرُودُهُمْ مَرْعىً أَو مَنْزِلًا رِيَادًا وَارْتَادَ لَهُمُ ارْتِيَادًا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِذا أَراد أَحدكم أَن يَبُولَ فليَرتَدْ لِبَوْلِهِ» أَي يَرْتَادُ مَكَانًا دَمِثًا لَيِّنًا مُنْحَدِرًا، لِئَلَّا يَرْتَدَّ عَلَيْهِ بَوْلُهُ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ رَشاشُه.
وَالرَّائِدُ: الَّذِي لَا مَنْزِلَ لَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الْحُمَّى رائدُ الْمَوْتِ»أَي رَسُولُ الْمَوْتِ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُ، كَالرَّائِدِ الَّذِي يُبْعَثُ ليَرتاد مَنْزِلًا وَيَتَقَدَّمُ قَوْمَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمَوْلِدِ:
أُعيذُك بِالْوَاحِدِ، مِنْ شَرِّ كلِّ حَاسِدٍ وكلِّ خَلْقٍ رَائِدٍ
أَي يَتَقَدَّمُ بِمَكْرُوهٍ.
وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مُسترادٌ لِمِثْلِهِ، وَفُلَانَةٌ مُسْتَرَادٌ لِمِثْلِهَا أَي مِثلُه وَمِثْلُهَا يُطلب ويُشَحُّ بِهِ لِنَفَاسَتِهِ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُسترادُ مِثلِه أَو مِثلِها، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ؛ وأَنشد ابن الأَعرابي:
ولكنَّ دَلًّا مُسترادًا لمِثلِه، ***وَضَرْبًا للَيْلى لَا يُرى مِثلُه ضَرْبًا
ورادَ الدارَ يَرُودُها: سأَلها؛ قَالَ يَصِفُ الدَّارَ:
وَقَفْتُ فِيهَا رَائِدًا أَرُودُها
وَرَادَتِ الدوابُّ رَوْدًا وَرَوَدانًا واسترادتْ: رَعَتْ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وَكَانَ مِثلَينِ أَن لَا يَسرحَوا نَعَمًا، ***حيثُ استرادَتْ مواشيهمْ، وتسريحُ
ورُدْتُها أَنا وأَردتها.
والروائدُ: الْمُخْتَلِفَةُ مِنَ الدَّوَابِّ؛ وَقِيلَ: الروائدُ مِنْهَا الَّتِي تَرْعَى مِنْ بَيْنِهَا وَسَائِرُهَا مَحْبُوسٌ عَنِ الْمَرْتَعِ أَو مَرْبُوطٌ.
التَّهْذِيبُ: وَالرَّوَائِدُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي تَرْتَعُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ روائدَ المُهْراتِ مِنْهَا
ورائدُ الْعَيْنِ: عُوَّارُها الَّذِي يَرُودُ فِيهَا.
وَيُقَالُ: رادَ وِسادُه إِذا لَمْ يَسْتَقِرَّ.
والرِّيادُ وذَبُّ الرِّياد: الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
يُمَشِّي بِهَا ذَبُّ الرِّيادِ، كأَنه ***فَتًى فارسيٌّ فِي سراويلِ رَامِحُ
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: رادتِ الإِبلُ ترودُ رِيادًا اخْتَلَفَتْ فِي الْمَرْعَى مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً وَذَلِكَ رِيادُها، وَالْمَوْضِعُ مَرادٌ؛ وَكَذَلِكَ مَرادُ الرِّيحِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُذهَبُ فِيهِ ويُجاء؛ قَالَ جَنْدَلٌ:
والآلُ فِي كلِّ مَرادٍ هَوْجَلِ وَفِي حَدِيثِ قَسٍّ: «ومَرادًا لمَحْشرِ الخَلْق طُرّا»أَي مَوْضِعًا يُحْشَرُ فِيهِ الْخَلْقُ، وَهُوَ مَفْعل مِنْ رادَ يَرْودُ.
وإِن ضُمَّت الْمِيمُ، فَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُرادُ أَن يُحْشَرَ فِيهِ الْخَلْقُ.
وَيُقَالُ: رادَ يَرودُ إِذا جَاءَ وَذَهَبَ وَلَمْ يَطْمَئِنْ.
وَرَجُلٌ رَائِدُ الوِسادِ إِذا لَمْ يَطْمَئِنَّ عَلَيْهِ لِهَمٍّ أَقلَقَه وَبَاتَ رائدَ الْوِسَادَ؛ وأَنشد:
تَقُولُ لَهُ لَمَّا رأَت جَمْعَ رَحلِه: *** أَهذا رئيسُ القومِ رادَ وِسادُها؟
دَعَا عَلَيْهَا بأَن لَا تَنَامَ فَيَطْمَئِنَّ وِسَادُهَا.
وامرأَة رادٌ ورَوادٌ، بِالتَّخْفِيفِ غير مهموز، ورَؤُود؛ الأَخيرة عَنْ أَبي عَلِيٍّ: طَوَّافَةٌ فِي بُيُوتِ جَارَاتِهَا، وَقَدْ رادتْ تَرودُ رَوْدًا وَروَدَانًا ورُؤودًا، فَهِيَ رادَة إِذا أَكثرت الِاخْتِلَافَ إِلى بُيُوتِ جَارَاتِهَا.
الأَصمعي: الرادَة مِنَ النِّسَاءِ؛ غَيْرُ مَهْمُوزٍ، الَّتِي تَرودُ وَتَطُوفُ، والرَّأَدة، بِالْهَمْزِ.
السَّرِيعَةُ الشَّبَابُ، مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَرَادَتِ الريحُ تَرودُ رَوْدًا ورُؤودًا وروَدَانًا: جَالَتْ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا تَحَرَّكَتْ، ونَسَمَتْ تَنْسِمِ نَسَمانًا إِذا تَحَرَّكَتْ تَحَرُّكًا خَفِيفًا.
وأَراد الشيءَ: شاءَه؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: الإِرادَة تَكُونُ مَحَبَّة وَغَيْرَ مَحَبَّةٍ؛ فأَما قَوْلُهُ:
إِذا مَا المرءُ كَانَ أَبوه عَبْسٌ، ***فَحَسْبُكَ مَا تريدُ إِلى الْكَلَامِ
فإِنما عَدَّاهُ بإِلى لأَن فِيهِ مَعْنَى الَّذِي يُحْوِجُكَ أَو يَجِيئُكَ إِلى الْكَلَامِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ كُثَيِّرٍ:
أُريدُ لأَنسى ذِكرَها، فكأَنما ***تَمثَّلُ لِي لَيْلى بكلِّ سبيلِ
أَي أُريد أَن أَنسى.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى سِيبَوَيْهِ قَدْ حَكَى إِرادتي بِهَذَا لَكَ أَي قَصْدِي بِهَذَا لَكَ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَجَدا فِيها جِدارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ}؛ أَي أَقامه الخَضِرُ.
وَقَالَ: يُرِيدُ والإِرادة إِنما تَكُونُمِنَ الْحَيَوَانِ، والجدارُ لَا يُرِيدُ إِرادَة حَقِيقِيَّةً لأَنَّ تَهَيُّؤه لِلسُّقُوطِ قَدْ ظَهَرَ كَمَا تَظْهَرُ أَفعال الْمُرِيدِينَ، فَوُصِفَ الْجِدَارُ بالإِرادة إِذ كَانَتِ الصُّورَتَانِ وَاحِدَةً؛ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ وَالشِّعْرِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
فِي مَهْمَةٍ قَلِقَتْ بِهِ هاماتُها، ***قَلَقَ الفُؤُوسِ إِذا أَردنَ نُضولا
وَقَالَ آخَرُ:
يُريدُ الرمحُ صدرَ أَبي بَراء، ***ويَعدِلُ عَنْ دِماءِ بَني عَقيل
وأَرَدْتُه بكلِ ريدَة أَي بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنواع الإِرادة.
وأَراده عَلَى الشَّيْءِ: كأَداره.
والرَّودُ والرُّؤْدُ: المُهْلَة فِي الشَّيْءِ.
وَقَالُوا: رُوَيْدًا أَي مَهلًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذِهِ حِكَايَةُ أَهل اللُّغَةِ، وأَما سِيبَوَيْهِ فَهُوَ عِنْدَهُ اسْمٌ لِلْفِعْلِ.
وَقَالُوا رُوَيدًا أَي أَمهِلْه وَلِذَلِكَ لَمْ يُثن وَلَمْ يُجْمع وَلَمْ يُؤَنَّثْ.
وَفُلَانٌ يَمْشِي عَلَى رُودٍ أَي عَلَى مَهَل؛ قَالَ الجَموحُ الظَّفَرِيُّ:
تَكادِ لَا تَثلِمُ البَطحاءَ وَطْأَتُها، ***كأَنها ثَمِلٌ يَمِشي عَلَى رُودِ
وَتَصْغِيرُهُ رُوَيد.
أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَصحابه: تَكْبِيرُ رويدٍ رَوْدٌ وَتَقُولُ مِنْهُ أَرْوِدْ فِي السيرِ إِرْوادًا ومُرْوَدًا أَي ارْفُقْ؛ وَقَالَ إمرُؤ القيس:
جَوَادُ المَحَصَّةِ والمُرْوَدِ
وَبِفَتْحِ الْمِيمِ أَيضًا مِثْلَ المُخْرَج والمَخرج؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده جوادَ، بِالنَّصْبِ، لأَن صدرَه:
وأَعدَدْتُ لِلْحَرْبِ وثَّابَةً
والجَواد هُنَا الْفَرَسُ السَّرِيعَةُ.
والمَحَثَّة: مِنَ الْحَثِّ؛ يَقُولُ إِذا اسْتَحْثَثْتَهَا فِي السَّيْرِ أَو رَفَقْتَ بِهَا أَعطتك مَا يُرْضِيكَ مِنْ فِعْلِهَا.
وَقَوْلُهُمْ: الدهرُ أَرودُ ذُو غِيَرٍ أَي يَعمل عَمَلَهُ فِي سُكُونٍ لَا يُشَعر بِهِ.
والإِرواد: الإِمهال، وَلِذَلِكَ قَالُوا رُوَيدًا بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِمْ إِرْوادًا الَّتِي بِمَعْنَى أَرْوِدْ، فكأَنه تَصْغِيرُ التَّرْخِيمِ بِطَرْحِ جَمِيعِ الزَّوَائِدِ، وَهَذَا حُكْمُ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ التَّحْقِيرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ فِي رُوَيْدٍ لأَنه جَعَلَهُ بَدَلًا مِنْ أَرْوِدْ، غَيْرَ أَن رُويدًا أَقرب إِلى إِرْوادٍ مِنْهَا إِلى أَرْوِدْ لأَنها اسْمٌ مِثْلُ إِرواد، وَذَهَبَ غَيْرُ سِيبَوَيْهِ إِلى أَن رُويدًا تَصْغِيرُ رُود؛ وأَنشد بَيْتَ الْجَمُوحِ الظُّفْرِيِّ:
كأَنها ثَمِلٌ يَمْشِي عَلَى رُود
قَالَ: وَهَذَا خطأٌ لأَن رُودًا لَمْ يُوضَعْ مَوْضِعَ الْفِعْلِ كما وضعت إِرواد بِدَلِيلِ أَرود.
وَقَالُوا: رُويدك زَيْدًا فَلَمْ يَجْعَلُوا لِلْكَافِ مَوْضِعًا، وإِنما هِيَ لِلْخِطَابِ وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَرَأَيتك زَيْدًا أَبو مَنْ؟ وَالْكَافُ لَا مَوْضِعَ لَهَا لأَنك لَوْ قُلْتَ أَرأَيت زَيْدًا أَبو مَنْ هُوَ لَا يَسْتَغْنِي الْكَلَامُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَسَمِعْنَا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ أَردتَ الدَّرَاهِمَ لأَعطيتك رُوَيْدَ مَا الشِّعرِ؛ يُرِيدُ أَرْوِدِ الشِّعْرَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لَوْ أَردت الدارهم لأُعْطِيَنَّك فَدَعِ الشِّعْرَ؛ قَالَ الأَزهري: فَقَدْ تَبَيَّنَ أَن رُويد فِي مَوْضِعِ الْفِعْلِ ومُتَصَرَّفِهِ يَقُولُ رُويدَ زَيْدًا، وإِنما يَقُولُ أَرود زَيْدًا؛ وأَنشد:
رُويدَ عَلِيًّا، جُدَّ مَا ثَدْيُ أُمِّهم ***إِلينا، وَلَكِنْ وُدُّهم مُتَماينُ
قَالَ: رَوَاهُ ابْنُ كَيْسَانَ [وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ مُتيامِنُ]
وَفَسَّرَهُ أَنه ذَاهِبٌ إِلى الْيَمَنِ.
قَالَ: وَهَذَا أَحب إِليّ مِنْ مُتَمَايِنُ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ رُوَيْدَ زَيْدٍ كَقَوْلِهِ غَدْرَ الْحَيِّ وضَرْبَ الرِّقاب؛ قَالَ: وَعَلَى هَذَا أَجازوا رُويدك نَفْسَكَ زَيْدًا.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَدْ يَكُونُ رُوَيْدُ صِفَةً فَيَقُولُونَ سَارُوا سَيْرًا رُويدًا، وَيَحْذِفُونَ السَّيْرَ فَيَقُولُونَ سَارُوا رُويدًا يَجْعَلُونَهُ حَالًالَهُ، وَصَفَ كَلَامَهُ واجتزأَ بِمَا فِي صَدْرِ حَدِيثِهِ مِنْ قَوْلِكَ سَارَ عَنْ ذِكْرِ السَّيْرِ؛ قَالَ الأَزهري: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ ضَعْهُ رُوَيْدًا أَي وَضَعًا رُوَيْدًا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ يُعَالِجُ الشَّيْءَ إِنما يُرِيدُ أَن يَقُولَ عِلَاجًا رُوَيْدًا، قَالَ: فَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْحَالِ إِلا أَن يَظْهَرَ الْمَوْصُوفُ بِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْحَالِ وَعَلَى غَيْرِ الْحَالِ.
قَالَ: وَاعْلَمْ أَن رُوَيْدًا تَلْحَقُهَا الْكَافُ وَهِيَ فِي مَوْضِعِ أَفعِلْ، وَذَلِكَ قَوْلُكَ رُوَيْدَكَ زَيْدًا وَرُوَيْدَكُمْ زَيْدًا، فَهَذِهِ الْكَافُ الَّتِي أُلحقت لِتَبْيِينِ الْمُخَاطَبِ فِي رُوَيْدًا، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب لأَنها لَيْسَتْ بِاسْمٍ، وَرُوَيْدٌ غَيْرُ مُضَافٍ إِليها، وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلى زَيْدٍ لأَنه اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ يَعْمَلُ عَمَلَ الأَفعال، وَتَفْسِيرُ رُوَيْدٍ مَهْلًا، وَتَفْسِيرُ رُوَيْدَكَ أَمهِلْ، لأَن الْكَافَ إِنما تَدْخُلُهُ إِذا كَانَ بِمَعْنَى أَفعِل دُونَ غَيْرِهِ، وإِنما حُرِّكَتِ الدَّالُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فنُصبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ، وَهُوَ مُصَغَّرٌ مَأْمُورٌ بِهِ لِأَنَّهُ تَصْغِيرُ التَّرْخِيمِ مِنْ إِرْوَادٍ، وَهُوَ مَصْدَرُ أَرْوَدَ يُرْوِد، وَلَهُ أَربعة أَوجه: اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَصِفَةٌ وَحَالٌ وَمَصْدَرٌ، فَالِاسْمُ نَحْوَ قَوْلِكَ رُوَيْدَ عَمْرًا أَي أَروِدْ عَمْرًا بِمَعْنَى أَمهِلْه، وَالصِّفَةُ نَحْوَ قَوْلِكَ سَارُوا سَيْرًا رُويدًا، وَالْحَالُ نَحْوَ قَوْلِكَ سَارَ القومُ رُويدًا لَمَّا اتَّصَلَ بِالْمَعْرِفَةِ صَارَ حَالًا لَهَا، وَالْمَصْدَرُ نَحْوَ قَوْلِكَ رُوَيْدَ عَمْرٍو بالإِضافة، كَقَوْلِهِ تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقابِ}.
وَفِي حَدِيثِ أَنْجَشَةَ: «رُويدَك رِفْقًا بِالْقَوَارِيرِ»أَي أَمهل وتأَنّ وارفُق؛ وَقَالَ الأَزهري عِنْدَ قَوْلِهِ: فَهَذِهِ الْكَافُ الَّتِي أُلحقت لِتَبْيِينِ الْمُخَاطَبِ فِي رُوَيْدًا، قَالَ: وإِنما أُلحقت الْمَخْصُوصَ لأَن رُوَيْدًا قَدْ يَقَعُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذَّكَرِ والأُنثى، فإِنما أَدخل الْكَافَ حَيْثُ خِيف الْتِبَاسُ مَنْ يُعْنى مِمَّنْ لَا يُعْنى، وإِنما حُذِفَتْ فِي الأَول اسْتِغْنَاءً بِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ لأَنه لَا يَعْنِي غَيْرَهُ.
وَقَدْ يُقَالُ رُوَيْدًا لِمَنْ لَا يَخَافُ أَن يَلْتَبِسَ بِمَنْ سِوَاهُ تَوْكِيدًا، وَهَذَا كَقَوْلِكَ النَّجاءَكَ والوَحاك تَكُونُ هَذِهِ الْكَافُ عَلَمًا للمأْمورين والمنهبين.
قَالَ وَقَالَ اللَّيْثَ: إِذا أَردت بِرُوَيد الْوَعِيدَ نَصَبْتَهَا بِلَا تَنْوِينٍ؛ وأَنشد:
رُويدَ تَصَاهَلْ بالعِراقِ جِيادَنا، ***كأَنك بالضحَّاك قَدْ قَامَ نادِبُه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، وَقَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: وَقَدْ يَكُونُ رُوَيْدًا لِلْوَعِيدِ، كَقَوْلِهِ:
رُويدَ بَنِيَ شيبانَ، بعضَ وَعيدِكم ***تُلاقوا غَدًا خَيْلي عَلَى سَفَوانِ
فأَضاف رُوَيْدًا إِلى بَنِي شَيْبَانَ وَنَصَبَ بعضَ وَعِيدِكُمْ بإِضمار فِعْلٍ، وإِنما قَالَ رُوَيْدَ بَنِي شَيْبَانَ عَلَى أَن بَنِي شَيْبَانَ فِي مَوْضِعِ مَفْعُولٍ، كَقَوْلِكَ رُوَيْدَ زيدٍ وكأَنه أَمر غَيْرَهُمْ بإِمهالهم، فَيَكُونُ بَعْضَ وَعِيدِكُمْ عَلَى تَحْوِيلِ الْغَيْبَةِ إِلى الْخِطَابِ؛ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ بَنِي شَيْبَانَ مُنَادَى أَي أَمهلوا بعضَ وَعِيدِكُمْ، وَمَعْنَى الأَمر هاهنا التأْهير وَالتَّقْلِيلُ مِنْهُ، وَمَنْ رَوَاهُ رويدَ بني شيبانَ بعضَ وَعِيدِهِمْ كَانَ عَلَى الْبَدَلِ لأَن مَوْضِعَ بَنِي شَيْبَانَ نُصِبَ، عَلَى هَذَا يَتَّجِهُ إِعراب الْبَيْتِ؛ قَالَ: وأَما مَعْنَى الْوَعِيدِ فَلَا يَلْزَمُ وإِنما الْوَعِيدُ فِيهِ بِحَسَبِ الْحَالِ لأَنه يَتَوَعَّدُهُمْ بِاللِّقَاءِ وَيَتَوَعَّدُونَهُ بِمِثْلِهِ.
قَالَ الأَزهري: وإِذا أَردت برُويد الْمُهْلَةَ والإِرواد فِي الشَّيْءِ فَانْصُبْ وَنَوِّنْ، تَقُولُ: امْشِ رُوَيْدًا، قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَروِدْ فِي مَعْنَى رُوَيْدًا الْمَنْصُوبَةِ.
قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ فِي بَابِ رُوَيْدًا: كأَنّ رُوَيْدًا مِنَ الأَضداد، تَقُولُ رُوَيْدًا إِذا أَرادوا دَعْه وخَلِّه، وإِذا أَرادوا ارْفُقْ بِهِ وأَمسكه قَالُوا: رُوَيْدًا زَيْدًا أَيضًا، قَالَ: وتَيْدَ زَيْدًا بِمَعْنَاهَا، قَالَ: وَيَجُوزُ إِضافتها إِلى زَيْدٍ لأَنهما مَصْدَرَانِ كَقَوْلِهِ تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقابِ}.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «إِن لِبَنِي أُمية مَرْوَدًا يَجرون إِليه»، هُوَ مَفْعَل مِنَ الإِرْوادِ الإِمهال كأَنه شَبَّهَ الْمُهْلَةَ الَّتِي هُمْ فِيهَا بِالْمِضْمَارِ الَّذِي يَجْرُونَ إِليه، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
التَّهْذِيبُ: والرِّيدة اسْمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الِارْتِيَادِ والإِرادة، وأَراد الشَّيْءَ: أَحبه وعُنِيَ بِهِ، وَالِاسْمُ الرِّيدُ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: «إِن الشَّيْطَانَ يُرِيدُ ابْنَ آدَم بِكُلِّ رِيدَةٍ»أَي بِكُلِّ مَطْلَب ومُراد.
يُقَالُ: أَراد يُرِيدُ إِرادة، وَالرَّيْدَةُ الِاسْمُ مِنَ الإِرادة.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما مَا حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ مِنْ قَوْلِهِمْ: هَرَدْتُ الشَّيْءَ أُهَريدُه هِرادةً، فإِنما هُوَ عَلَى الْبَدَلِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: أُريد لأَن تَفْعَلَ مَعْنَاهُ إِرادتي لِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تعالى: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}.
الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: والإِرادة الْمَشِيئَةُ وأَصله الْوَاوُ، كَقَوْلِكَ رَاوَدَهُ أَي أَراده عَلَى أَن يَفْعَلَ كَذَا، إِلا أَن الْوَاوَ سُكِّنَتْ فَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلى مَا قَبْلَهَا فَانْقَلَبَتْ فِي الْمَاضِي أَلفًا وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ يَاءً، وَسَقَطَتْ فِي الْمَصْدَرِ لِمُجَاوَرَتِهَا الأَلف السَّاكِنَةَ وَعَوَّضَ مِنْهَا الْهَاءَ فِي آخِرِهِ.
قَالَ اللَّيْثُ: وَتَقُولُ راوَدَ فُلَانٌ جَارِيَتَهُ عَنْ نَفْسِهَا وراوَدَتْه هِيَ عَنْ نَفْسِهِ إِذا حَاوَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ الْوَطْءَ وَالْجِمَاعَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ}؛ فَجَعَلَ الْفِعْلَ لَهَا.
وراوَدْتُه عَلَى كَذَا مُراوَدَةً ورِوادًا أَي أَردتُه.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «حَيْثُ يُراوِدُ عمَّه أَبا طَالِبٍ عَلَى الإِسلام»أَي يُراجعه ويُرادُّه؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ الإِسراء:
قَالَ لَهُ مُوسَى، صَلَّى الله عليهما وَسَلَّمَ: قَدْ وَاللَّهِ راودْتُ بَنِي إِسرائيل عَلَى أَدنى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ.
وراودْته عَنِ الأَمر وَعَلَيْهِ: دَارَيْتُهُ.
وَالرَّائِدُ: العُود الَّذِي يَقْبِضُ عَلَيْهِ الطَّاحِنُ إِذا أَداره.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والرائدُ مَقْبِضُ الطَّاحِنِ مِنَ الرَّحَى.
ورائدُ الرَّحَى: مَقْبِضُها.
وَالرَّائِدُ: يَدُ الرَّحَى.
والمِرْوَدُ: الْمَيْلُ وَحَدِيدَةٌ تَدُورُ فِي اللِّجَامِ ومِحورُ الْبَكْرَةِ إِذا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ.
وَفِي حَدِيثِ مَاعِزٍ: «كَمَا يَدْخُلُ المِرْوَدُ فِي المكحُلةِ»؛ المِرْوَدُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: الْمَيْلُ الَّذِي يُكْتَحَلُ بِهِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
والمِرْوَدُ أَيضًا: المَفْصِل.
والمِرْوَدُ: الوَتِدُ؛ قَالَ:
داوَيْتُه بالمَحْضِ حَتَّى شَتَا، ***يَجتذِبُ الأَرِيَّ بالمِرْوَد
أَراد مَعَ المِروَد.
وَيُقَالُ: رِيحٌ رَوْدٌ لَيِّنَةُ الهُبوب.
وَيُقَالُ: رِيحٌ رَادَّةٌ إِذا كَانَتْ هَوْجاء تَجيءُ وَتَذْهَبُ.
وريح رائدة: مثل رادة، وَكَذَلِكَ رُواد؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أَصَعْصَعَ إِن أُمَّكَ، بَعْدَ لَيْلِي، ***رُوادُ الليلِ، مُطْلَقَةُ الكِمام
وَكَذَلِكَ امرأَة رُوَادٌ ورَادة ورائدة.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
46-لسان العرب (غور)
غور: غَوْرُ كلِّ شَيْءٍ: قَعْرُه.يُقَالُ: فُلَانٌ بَعِيدُ الغَوْر.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه سَمِع نَاسًا يَذْكُرُونَ القَدَرَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ أُخذتم فِي شِعْبَين بَعيدَي الغَوْرِ»؛ غَوْرُ كُلِّ شَيْءٍ: عُمْقه وبُعْده، أَي يَبْعُدأَن تُدْرِكُوا حقيقةَ عِلْمِهِ كَالْمَاءِ الغائرِ الَّذِي لَا يُقْدَر عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ: " وَمَنْ أَبْعَدُ غَوْرًا فِي الْبَاطِلِ مِنِّي.
وغَوْرُ تهامةَ: مَا بَيْنَ ذَاتِ عرْق والبحرِ وَهُوَ الغَوْرُ، وَقِيلَ: الغَوْرُ تهامةُ وَمَا يَلِي اليمنَ.
قَالَ الأَصمعي: مَا بَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ إِلَى الْبَحْرِ غَوْرٌ وَتِهَامَةُ.
وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ: كُلُّ مَا انْحَدَرَ مَسِيلُهُ، فَهُوَ غَوْرٌ.
وغارَ القومُ غَوْرًا وغُؤُورًا وأَغارُوا وغَوَّرُوا وتَغَوَّرُوا: أَتَوا الغَوْرَ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
يَا أُمَّ حزْرة، مَا رأَينا مِثْلَكم ***فِي المُنْجدِينَ، وَلَا بِغَوْرِ الغائِرِ
وَقَالَ الأَعشى:
نَبيّ يَرَى مَا لَا تَرَون، وذِكْرُه ***أَغارَ، لَعَمْري، فِي الْبِلَادِ وأَنْجدا
وَقِيلَ: غارُوا وأَغاروا أَخذوا نَحْوَ الغَوْر.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَغارَ لُغَةٌ بِمَعْنَى غارَ، وَاحْتَجَّ بِبَيْتِ الأَعشى.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: وَقَدْ رُوِيَ بيتُ الأَعشى مخروم النِّصْفِ: غارَ، لَعَمْرِي، فِي الْبِلَادِ وأَنْجَدا "وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: غارَ يَغُورُ غَوْرًا أَي أَتى الغَور، فَهُوَ غائِرٌ.
قَالَ: وَلَا يُقَالُ أَغارَ؛ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: " أَغار، لعمرِي، فِي الْبِلَادِ وأَنجدا "فَقَالَ الأَصمعي: أَغارَ بِمَعْنَى أَسرع وأَنجد أَي ارْتَفَعَ وَلَمْ يُرِدْ أَتى الغَوْرَ وَلَا نَجْدًا؛ قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي إِتْيَانِ الغَوْر إِلَّا غارَ؛ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنها لُغَةٌ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْبَيْتِ، قَالَ: وناسٌ يَقُولُونَ أَغارَ وأَنجد، فإِذا أَفْرَدُوا قَالُوا: غارَ، كَمَا قَالُوا: هَنَأَني الطعامُ ومَرَأَني، فإِذا أَفردوا قَالُوا: أَمْرَأَنِي.
ابْنُ الأَعرابي: تَقُولُ مَا أَدري أَغارَ فلانٌ أَم مَارَ؛ أَغارَ: أَتَى الغَوْرَ، ومارَ: أَتَى نَجْدًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه أَقطع بلالَ بنَ الْحَرْثِ مَعادِنَ القَبَلِيَّة جَلْسِيَّها وغَوْرِيَّها»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الغَورُ مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرض، والجَلْسُ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا.
يُقَالُ: غارَ إِذَا أَتى الغَوْرَ، وأَغارَ أَيضًا، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ؛ وَقَالَ جَمِيلٌ:
وأَنتَ امرؤٌ مِنْ أَهل نَجْدٍ، وأَهْلُنا ***تِهامٌ، وَمَا النَّجْدِيّ والمُتَغَوّرُ؟
والتَّغْوِيرُ: إِتْيَانُ الغَوْر.
يُقَالُ: غَوَّرْنا وغُرْنا بِمَعْنًى.
الأَصمعي: غارَ الرجلُ يَغُورُ إِذَا سارَ فِي بِلَادِ الغَورِ؛ هَكَذَا قَالَ الْكِسَائِيُّ؛ وأَنشد بَيْتَ جَرِيرٍ أَيضًا: " فِي المنْجِدينَ وَلَا بِغَوْر الْغَائِرِ "وغارَ فِي الشيء غَوْرًا وغُؤورًا وغِيارًا، عَنْ سِيبَوَيْهِ: دَخَلَ.
وَيُقَالُ: إِنَّكَ غُرْتَ فِي غَيْرِ مَغارٍ؛ مَعْنَاهُ طَلَبْتَ فِي غَيْرِ مطْلَبٍ.
وَرَجُلٌ بَعِيدُ الغَوْرِ أَي قَعِيرُ الرأْي جيّدُه.
وأَغارَ عَيْنَه وغارَت عينُه تَغُورُ غَوْرًا وغُؤورًا وغَوَّرَتْ: دَخَلَتْ فِي الرأْس، وغَارت تَغارُ لُغَةٌ فِيهِ؛ وَقَالَ الأَحمر:
وَسَائِلَةٍ بظَهْر الغَيْبِ عَنِّي: ***أَغارَت عينُه أَم لَمْ تَغارا؟
وَيُرْوَى:
ورُبَّتَ سائلٍ عنِّي خَفِيٍّ: ***أَغارت عينهُ أَمْ لَمْ تَغارا؟
وَغَارَ الماءُ غَوْرًا وغُؤورًا وغَوَّرَ: ذَهَبَ فِي الأَرض وسَفَلَ فِيهَا.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: غارَ الماءُ وغَوَّرَ ذَهَبَ فِي الْعُيُونِ.
وماءٌ غَوْرٌ: غَائِرٌ، وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرًا}؛ سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَالُ: ماءٌ سَكْبٌ وأُذُنٌ حَشْرٌوَدِرْهَمٌ ضَرْبٌ أَي ضُرب ضَرْبًا.
وغارَت الشمسُ تَغُور غِيارًا وغُؤورًا وغَوَّرت: غَرَبَتْ، وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ وَالنُّجُومُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
هَلِ الدَّهْرُ إِلَّا لَيْلةٌ ونَهارُها، ***وَإِلَّا طلُوع الشَّمْسِ ثُمَّ غِيارُها؟
والغارُ: مَغارةٌ فِي الْجَبَلِ كالسَّرْب، وَقِيلَ: الغارُ كالكَهْف فِي الْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ الغِيرانُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ شِبْهُ الْبَيْتِ فِيهِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الْمُنْخَفِضُ فِي الْجَبَلِ.
وَكُلُّ مُطْمَئِنٍ مِنَ الأَرض: غارٌ؛ قَالَ:
تؤمُّ سِنانًا، وَكَمْ دُونه ***مِنَ الأَرض مُحْدَوْدِبًا غارُها
والغَوْرُ: الْمُطْمَئِنُ مِنَ الأَرض.
والغارُ: الجُحْرُ الَّذِي يأْوي إِلَيْهِ الْوَحْشِيُّ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، الْقَلِيلُ: أَغوارٌ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، والكثيرُ: غِيرانُ.
والغَوْرُ: كَالْغَارِ فِي الْجَبَلِ.
والمَغارُ والمَغارةُ: كالغارِ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا}؛ وَرُبَّمَا سَمَّوْا مكانِسَ الظِّبَاءِ مَغارًا؛ قَالَ بِشْرٌ:
كأَنَّ ظِباءَ أَسْنُمةٍ عَلَيْهَا ***كَوانِس، قَالِصًا عَنْهَا المَغارُ
وَتَصْغِيرُ الغارِ غُوَيْرٌ.
وغارَ فِي الأَرض يَغُورُ غَوْرًا وغُؤورًا: دَخَلَ.
والغارُ: مَا خَلْفَ الفَراشة مِنْ أَعلى الْفَمِ، وَقِيلَ: هُوَ الأُخدود الَّذِي بَيْنَ اللَّحْيين، وَقِيلَ: هُوَ دَاخِلُ الْفَمِ، وَقِيلَ: غارُ الْفَمِ نِطْعاه فِي الْحَنَكَيْنِ.
ابْنُ سِيدَهْ: الغارانِ العَظْمان اللَّذَانِ فِيهِمَا الْعَيْنَانِ، والغارانِ فمُ الإِنسان وفرجُه، وَقِيلَ: هُمَا الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: الْمَرْءُ يَسْعَى لِغارَيْه؛ وَقَالَ:
أَلم تَرَ أَنَّ الدهْرَ يومٌ وَلَيْلَةٌ، ***وأَنَّ الفتَى يَسْعَىْ لِغارَيْهِ دَائِبَا؟
والغارُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ.
ابْنُ سِيدَهْ: الغارُ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْجَيْشُ الْكَثِيرُ؛ يُقَالُ: الْتَقَى الْغَارَانِ أَي الْجَيْشَانِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَحْنَفِ فِي انْصِرَافِ الزُّبَيْرِ عَنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ: وَمَا أَصْنَعُ بِهِ إِنْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَ غارَيْنِ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَذَهَبَ؟ والغارُ: وَرَقُ الكَرْمِ؛ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الأَخطل:
آلَتْ إِلَى النِّصف مِنْ كَلفاءَ أَترَعَها ***عِلْجٌ، ولَثَّمها بالجَفْنِ والغارِ
والغارُ: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ، وَقِيلَ: شَجَرٌ عِظَامٌ لَهُ وَرَقٌ طِوَالٌ أَطول مِنْ وَرَقِ الخِلاف وحَمْلٌ أَصغر مِنَ الْبُنْدُقِ، أَسود يُقَشَّرُ لَهُ لُبٌّ يَقَعُ فِي الدَّوَاءِ، ورقُه طَيِّبُ الرِّيحِ يَقَعُ فِي العِطر، يُقَالُ لِثَمَرِهِ الدَّهْمَشْتُ، وَاحِدَتُهُ غارةٌ، وَمِنْهُ دُهْنُ الغارِ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقُها، ***تَقْضَمُ الهِنْدِيَّ وَالْغَارَا
اللَّيْثُ: الغارُ نَبَاتٌ طَيِّبُ الرِّيحِ عَلَى الوُقود، وَمِنْهُ السُّوس.
وَالْغَارُ: الْغُبَارُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
وأَغارَ الرجلُ: عَجِلَ فِي الشَّيْءِ وَغَيَّرَهُ.
وأَغار فِي الأَرض: ذَهَبُ، وَالِاسْمُ الْغَارَةُ.
وعَدَا الرجلُ غارةَ الثَّعْلَبِ أَي مِثْلَ عَدْوِه فَهُوَ مَصْدَرٌ كالصَّماء، مِنْ قَوْلِهِمُ اشْتَملَ الصَّماءَ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
فَعَدِّ طِلابَها، وتَعَدَّ عَنْهَا ***بِحَرْفٍ، قَدْ تُغِيرُ إِذَا تَبُوعُ
وَالِاسْمُ الغَويِرُ؛ قال ساعدة يبن جُؤَيَّةَ:
بَساقٍ إِذَا أُولى العَديِّ تَبَدَّدُوا، ***يُخَفِّضُ رَيْعانَ السُّعاةِ غَوِيرُها
والغارُ: الخَيْل المُغِيرة؛ قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ مَعْرُوفٍ:
ونحنُ صَبَحْنا آلَ نَجْرانَ غَارَةً: ***تَمِيمَ بنَ مُرٍّ والرِّماحَ النَّوادِسا
يَقُولُ: سَقَيْنَاهُمْ خَيْلًا مُغِيرة، وَنَصَبَ تَمِيمَ بْنَ مُرٍّ عَلَى أَنه بَدَلٌ مِنْ غَارَةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ بَدَلًا مِنْ آلِ نَجْرَانَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، إِذ الْمَعْنَى أَنهم صَبَحُوا أَهلَ نَجْرَانَ بِتَمِيمِ بْنِ مُرٍّ وَبِرِمَاحِ أَصحابه، فأَهل نَجْرَانَ هُمُ الْمَطْعُونُونَ بِالرِّمَاحِ، وَالطَّاعِنُ لَهُمْ تَمِيمٌ وأَصحابه، فَلَوْ جَعَلْتَهُ بَدَلًا مِنْ آلِ نَجْران لَانْقَلَبَ الْمَعْنَى فَثَبَتَ أَنها بَدَلٌ مِنْ غَارَةَ.
وأَغار عَلَى الْقَوْمِ إِغارَةً وغارَةً: دَفَعَ عَلَيْهِمُ الْخَيْلَ، وَقِيلَ: الإِغارة الْمَصْدَرُ وَالْغَارَةُ الِاسْمُ مِنَ الإِغارة عَلَى الْعَدُوِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وتغاوَرَ الْقَوْمُ: أَغار بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
وغاوَرَهم مُغاورة، وأَغار عَلَى الْعَدُوِّ يُغير إِغارة ومُغارًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ دَخَلَ إِلَى طعامٍ لَمْ يُدْعَ إِليه دَخل سَارِقًا وَخَرَجَ مُغيرًا»؛ المُغير اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَغار يُغير إِذا نَهَب، شبَّه دُخوله عَلَيْهِمْ بدُخول السَّارِقِ وخروجَه بمَن أَغارَ عَلَى قَوْمٍ ونَهَبَهُم.
وَفِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: «كُنْتُ أُغاوِرُهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ»أَي أُغِير عَلَيْهِمْ ويُغِيرُون عَلَيَّ، والمُغاورَة مُفاعلة؛ وَفِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: " وَبَيْضٌ تَلالا فِي أَكُفِّ المَغاوِرِ المَغاوِرُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ: جمعُ مُغاوِر بِالضَّمِّ، أَو جَمْعُ مِغْوار بِحَذْفِ الأَلف أَو حذْفِ الْيَاءِ مِنَ المَغاوِير.
والمِغْوارُ: المبالِغُ فِي الْغَارَةِ.
وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «بَعثَنا رسولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزارةٍ فَلَمَّا بَلَغْنا المُغارَ اسْتَحْثَثْتُ فرَسِي، قَالَ ابْنُ الأَثير: المُغارُ، بِالضَّمِّ، مَوْضِعُ الغارةِ كالمُقامِ مَوْضِعُ الإِقامة، وَهِيَ الإِغارةُ نَفْسُهَا أَيضًا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «قَالَ يومَ الْجَمَلِ: مَا ظَنُّكَ بامرئٍ جمعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الغارَيْنِ؟»أَي الجَيشين؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا أَخرجه أَبو مُوسَى فِي الْغَيْنِ وَالْوَاوِ؛ وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَيْنِ وَالْيَاءِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الأَحْنَف وَقَوْلَهُ فِي الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: والجوهري ذَكَرَهُ فِي الْوَاوِ، قَالَ: والواوُ والياءُ مُتَقَارِبَانِ فِي الِانْقِلَابِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ فِتْنة الأَزْدِ: " ليَجْمعا بَيْنَ هَذَيْنِ الغارَيْن.
والغَارَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الْخَيْلِ إِذا أَغارَتْ.
وَرَجُلٌ مِغْوار بَيِّنُ الغِوار: مُقَاتِلٌ كَثِيرُ الغاراتِ عَلَى أَعدائِه، ومُغاورٌ كَذَلِكَ؛ وقومٌ مَغاوِيرُ وَخَيْلٌ مغيرةٌ.
وفرسٌ مِغْوارٌ: سَرِيعٌ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: فرسٌ مِغوارٌ شَدِيدُ العَدْوِ؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
عَناجِيج مِنْ آلِ الوَجِيه، ولاحِقٍ، ***مَغاويرُ فِيهَا للأَريب مُعَقَّبُ
اللَّيْثُ: فَرَسٌ مُغارٌ شَدِيدُ الْمَفَاصِلِ.
قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ شدَّة الأَسْر كأَنه فُتِل فَتْلًا.
الْجَوْهَرِيُّ: أَغارَ أَي شدَّ العَدْوَ وأَسرع.
وأَغارَ الفرسُ إِغارةً وَغَارَةً: اشْتدّ عَدْوُه وأَسرع فِي الغارةِ وَغَيْرِهَا، والمُغِيرة والمِغيرة: الْخَيْلُ الَّتِي تُغِير.
وَقَالُوا فِي حَدِيثِ الْحَجِّ: «أَشْرِقْ ثَبِير كَيْما نُغِير» أَي نَنْفِر ونُسْرِع لِلنَّحْرِ وَنُدْفَعُ لِلْحِجَارَةِ؛ وَقَالَ يَعْقُوبُ: الإِغارةُ هُنَا الدَّفْعُ أَي نَدْفَعُ لِلنَّفْرِ، وَقِيلَ: أَرادَ نُغِير عَلَى لُحوم الأَضاحي، مِنَ الإِغارة: النهبِ، وَقِيلَ: نَدْخل فِي الغَوْرِ، وَهُوَ الْمُنْخَفِضُ مِنَ الأَرض عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ أَغارَ إِذا أَتى الغَوْرَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَغارَ إِغارَة الثعلبِ إِذا أَسْرع وَدَفَعَ فِي عَدْوِه.
وَيُقَالُ لِلْخَيْلِ المُغِيرة: غارةٌ.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْخَيْلِ إِذَا شُنَّت عَلَى حيٍّ نَازِلِينَ: فِيحِي فَياحِ أَي اتَّسِعي وَتَفَرَّقِي أَيتُها الْخَيْلُ بِالْحَيِّ، ثُمَّ قِيلَ لِلنَّهْبِ غَارَةٌ، وأَصلها الْخَيْلُ المُغيرة؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: " وغارةُ سِرْحانٍ وتقرِيبُ تَتْفُل والسِّرحان: الذِّئْبُ، وغارتهُ: شدَّةُ عَدْوِه.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَالْمُغِيراتِ صُبْحًا}.
وغارَني الرجلُ يَغيرُني ويَغُورُني إِذَا أَعطاه الدِّيَةَ؛ رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ.
وأَغارَ فلانٌ بَنِي فُلَانٍ: جَاءَهُمْ لِيَنْصُرُوهُ، وَقَدْ تُعَدَّى بِإِلَى.
وغارَهُ بِخَيْرٍ يَغُورُه ويَغِيرُه أَي نَفَعَهُ.
وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ غُرْنا غِرْنا مِنْكَ بِغَيْثٍ وَبِخَيْرٍ أَي أَغِثْنا بِهِ.
وغارَهم اللَّهُ بِخَيْرٍ يَغُورُهم ويَغِيرُهم: أَصابهم بِخصْب وَمَطَرٍ وَسَقَاهُمْ.
وغارَهم يَغُورُهم غَوْرًا ويَغِيرُهم: مارَهُم.
واسْتَغْوَرَ اللهَ: سأَله الغِيرةَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
فَلَا تَعْجلا، واسْتَغْوِرا اللهَ، إِنّه ***إِذَا اللَّهُ سَنَّى عقْد شَيْءٍ تَيَسَّرا
ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: اسْتَغْوِرا مِنَ الميرَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن مَعْنَاهُ اسأَلوه الخِصْبَ إِذ هُوَ مَيْرُ اللَّهِ خَلْقَه وَالِاسْمُ الغِيرةُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْيَاءِ أَيضًا لأَن غَارَ هَذِهِ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ.
وَغَارَ النَّهَارُ أَي اشْتَدَّ حَرُّهُ.
والتَّغْوِير: القَيْلولة.
يُقَالُ: غوِّروا أَي انْزِلُوا لِلْقَائِلَةِ.
وَالْغَائِرَةُ: نِصْفُ النَّهَارِ.
وَالْغَائِرَةُ: الْقَائِلَةُ.
وغَوَّر الْقَوْمُ تَغْويرًا: دَخَلُوا فِي الْقَائِلَةِ.
وَقَالُوا: وغَوَّروا نَزَلُوا فِي الْقَائِلَةِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ الْكِلَابَ وَالثَّوْرَ:
وغَوَّرْنَ فِي ظِلِّ الْغَضَا، وتَرَكْنَه ***كقَرْم الهِجان الفادِرِ المُتَشَمِّس
وغَوَّروا: سَارُوا فِي الْقَائِلَةِ.
وَالتَّغْوِيرُ: نَوْمُ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَيُقَالُ: غَوِّروا بِنَا فَقَدَ أَرْمَضْتُمونا أَي انْزِلُوا وَقْتَ الْهَاجِرَةِ حَتَّى تَبْرُد ثُمَّ تَرَوّحوا.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: التَّغْوِيرُ أَن يَسِيرَ الرَّاكِبُ إِلَى الزَّوَالِ ثُمَّ يَنْزِلَ.
ابْنُ الأَعرابي: المُغَوِّر النَّازِلُ نِصْفَ النَّهَارِ هُنَيْهة ثُمَّ يَرْحَلُ.
ابْنُ بُزُرْجَ: غَوَّر النَّهَارُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ.
وَفِي حَدِيثِ السَّائِبِ: «لَمَّا وَرَدَ عَلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِفَتْحِ نَهاوَنْدَ قَالَ: وَيْحَك ما وراءك؟ فو الله مَا بِتُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ إِلَّا تَغْوِيرًا»؛ يُرِيدُ النَّوْمَةَ الْقَلِيلَةَ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الْقَائِلَةِ.
يُقَالُ: غَوَّر الْقَوْمُ إِذَا قَالُوا، وَمَنْ رَوَاهُ تَغْرِيرًا جَعَلَهُ مِنَ الغِرار، وَهُوَ النَّوْمُ الْقَلِيلُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الإِفْك: " فأَتينا الْجَيْشَ مُغَوِّرِين "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي روايةٍ، أَي وَقَدْ نَزَلُوا لِلْقَائِلَةِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: التَّغْوِير يَكُونُ نُزولًا لِلْقَائِلَةِ وَيَكُونُ سَيْرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ والحجةُ لِلنُّزُولِ قولُ الرَّاعِي:
ونحْن إِلَى دُفُوفِ مُغَوِّراتٍ، ***يَقِسْنَ عَلَى الحَصى نُطَفًا لَقِينَا
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي التَّغْوير فَجَعَلَهُ سَيْرًا:
بَرَاهُنَّ تَغْوِيري، إِذَا الآلُ أَرْفَلَتْ ***بِهِ الشمسُ أَزْرَ الحَزْوَراتِ العَوانِكِ
وَرَوَاهُ أَبو عَمْرٍو: أَرْقَلَت، وَمَعْنَاهُ حَرَّكَتْ.
وأَرفلَت: بَلَغَتْ بِهِ الشَّمْسُ أَوساط الحَزْوَراتِ؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
نَزَلْنَا وَقَدْ غَارَ النهارُ، وأَوْقَدَتْ، ***عَلَيْنَا حَصَى المَعزاءِ، شمسٌ تَنالُها
أَي مِنْ قُرْبِهَا كأَنك تَنَالُهَا.
ابْنُ الأَعرابي: الغَوْرَة هِيَ الشَّمْسُ.
وَقَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ لِبِنْتٍ لَهَا: هِيَ تَشْفِينِي مِنَ الصَّوْرَة، وَتَسْتُرُنِي مِنَ الغَوْرة؛ والصَّوْرة: الْحَكَّةُ.
اللَّيْثُ: يُقَالُ غارَتِ الشَّمْسُ غِيارًا؛ وأَنشد: " فلمَّا أَجَنَّ الشَّمْسَ عَنِي غيارُها "والإِغارَة: شِدَّةُ الفَتْل.
وَحَبْلٌ مُغارٌ: مُحْكَمُ الفَتْل، وَشَدِيدُ الغَارَةِ أَي شَدِيدُ الْفَتْلِ.
وأَغَرْتُ الحبلَ أَي فَتَلْتُهُ، فَهُوَ مُغارٌ؛ وَمَا أَشد غارَتَه والإِغارَةُ مَصْدَرٌ حَقِيقِيٌّ، والغَارَة اسْمٌ يَقُومُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ؛ وَمِثْلُهُ أَغَرْتُ الشَّيْءَ إِغارَةً وغارَة وأَطعت اللَّهَ إِطاعةً وَطَاعَةً.
وَفَرَسٌ مُغارٌ: شَدِيدُ الْمَفَاصِلِ.
واسْتَغار فِيهِ الشَّحْم: اسْتَطَارَ وَسَمِنَ.
واسْتغارت الجَرْحَةُ والقَرْحَةُ: تورَّمت؛ وأَنشد لِلرَّاعِي:
رَعَتْهُ أَشهرًا وحَلا عَلَيْهَا، ***فطارَ النِّيُّ فِيهَا واسْتَغارا
وَيُرْوَى: فَسَارَ النِّيُّ فِيهَا أَي ارْتَفَعَ، وَاسْتَغَارَ أَي هَبَطَ؛ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: " تَصَوَّبَ الحسنُ عَلَيْهَا وارْتَقَى "قَالَ الأَزهري: مَعْنَى اسْتَغار فِي بَيْتِ الرَّاعِي هَذَا أَي اشْتَدَّ وصَلُب، يَعْنِي شَحْمَ النَّاقَةِ وَلَحَمَهَا إِذَا اكْتَنَز، كَمَا يَسْتَغير الحبلُ إِذَا أُغِيرَ أَي شدَّ فَتْلُهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْتَغار شَحْمُ الْبَعِيرِ إِذا دَخَلَ جَوْفَهُ، قَالَ: وَالْقَوْلُ الأَول.
الْجَوْهَرِيُّ: اسْتغار أَيْ سَمِنَ وَدَخَلَ فِيهِ الشحمُ.
ومُغِيرة: اسْمٌ.
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: مِغِيرَةُ، فَلَيْسَ اتباعُه لأَجل حَرْفِ الْحَلْقِ كشِعِيرٍ وبِعِيرٍ؛ إِنما هُوَ مِنْ بَابِ مِنْتِن، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: أَنا أُخْؤُوك وابنؤُوك والقُرُفُصاء والسُّلُطان وَهُوَ مُنْحُدُر مِنَ الْجَبَلِ.
وَالْمُغِيرِيَّةُ: صِنْفٌ مِنَ السَّبَائِيَّةِ نُسِبُوا إِلَى مُغِيرَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى بَجِيلَةَ.
وَالْغَارُ: لُغَةٌ فِي الغَيْرَة؛ وَقَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يُشَّبِهُ غَلَيان الْقُدُورِ بِصَخَبِ الضَّرَائِرِ:
لَهُنّ نَشِيجٌ بالنَّشِيل كأَنها ***ضَرائر حِرْميٍّ، تَفَاحشَ غارُها
قَوْلُهُ لَهُنَّ، هُوَ ضَمِيرُ قُدورٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.
ونَشِيجٌ غَلَيانٌ أَي تَنْشِج بِاللَّحْمِ.
وحِرْميّ: يَعْنِي مِنْ أَهل الحَرَم؛ شَبَّهَ غَلَيَانَ القُدُور وارتفاعَ صَوْتِهَا باصْطِخاب الضَّرَائِرِ، وَإِنَّمَا نَسَبَهُنَّ إِلَى الحَرم لأَن أَهل الحَرم أَول مَنِ اتَّخَذَ الضَّرَائِرَ.
وأَغار فلانٌ أَهلَه أَي تَزَوَّجَ عَلَيْهَا؛ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَدِيدُ الغَارِ عَلَى أَهله، مِنَ الغَيْرَة.
وَيُقَالُ: أَغار الحبْلَ إِغَارَةً وغارَة إِذَا شدَّ فَتْله.
والغارُ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، والغَوْرة والغوَيْر: مَاءٌ لِكَلْبٍ فِي نَاحِيَةِ السَّماوَة مَعْروف.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أُتِيَ عُمَرُ بمَنْبُوذٍ؛ فَقَالَ: " عَسَى الغُوَيْر أَبْؤُسَا "أَي عَسَى الرِّيبَةُ مِنْ قَبَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ.
قَالَ الأَزهري: وَذَلِكَ أَن عُمَرَ اتَّهَمَه أَن يَكُونَ صَاحِبَ المَنْبوذ حَتَّى أَثْنَى عَلَى الرجُل عَرِيفُهُ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ حينئذٍ: هُوَ حُرٌّ وَوَلاؤه لَكَ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كأَنه أَراد عَسَى الغُوَيْر أَن يُحْدِث أَبؤُسًا وأَن يأْتي بأَبؤُس؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
قَالُوا: أَساءَ بَنُو كُرْزٍ، فقلتُ لَهُمْ: ***عَسَى الغُوَيْرُ بِإِبْآسٍ وإِغْوارِ
وَقِيلَ: إِن الغُوَير تَصْغِيرُ غارٍ.
وَفِي الْمَثَلِ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا؛ قَالَ الأَصمعي: وأَصله أَنه كَانَ غارٌ فِيهِ نَاسٌ فانهارَ عَلَيْهِمْ أَو أَتاهم فِيهِ عَدُوٌّ فَقَتَلُوهُمْ فِيهِ، فَصَارَ مَثَلًا لِكُلِّ شيءٍ يُخاف أَن يأْتي مِنْهُ شَرٌّ ثُمَّ صغِّر الغارُ فَقِيلَ غُوَير؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَخبرني الْكَلْبِيُّ بِغَيْرِ هَذَا، زَعَمَ أَن الغُوَيْر مَاءٌ لِكَلْبٍ مَعْرُوفٌ بِنَاحِيَةِ السَّماوَة، وَهَذَا الْمَثَلُ إِنما تكلَّمت بِهِ الزِّباء لَمَّا وجَّهَت قَصِيرًا اللَّخْمِيَّ بالعِير إِلَى العِراق ليَحْمل لَهَا مِنْ بَزِّه، وَكَانَ قَصِير يطلُبها بثأْر جذِيمَة الأَبْرَش فحمَّل الأَجْمال صناديقَ فِيهَا الرجالُ وَالسِّلَاحُ، ثُمَّ" عدَل عَنِ الجادَّة المأْلوفة وتَنَكَّب بالأَجْمال الطَّريقَ المَنْهَج، وأَخذ عَلَى الغُوَيْر فأَحسَّت الشرَّ وَقَالَتْ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا، جَمْعُ بأْس، أَي عَساه أَن يأْتي بالبأْس والشرِّ، وَمَعْنَى عَسَى هَاهُنَا مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي المَنْبُوذ الَّذِي قَالَ لَهُ عُمَرُ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا، قَالَ: هَذَا مثَل قَدِيمٌ يُقَالُ عِنْدَ التُّهَمة، والغُوَيْر تَصْغِيرُ غَارٍ، وَمَعْنَى المثَل: رُبَّمَا جَاءَ الشَّرُّ مِنْ مَعْدن الْخَيْرِ، وأَراد عُمَرُ بالمثَل لعلَّك زَنَيت بأُمِّه وَادَّعَيْتَهُ لَقِيطًا، فَشَهِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ بالسَّتْر فَتَرَكَهُ.
وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: «فَسَاحَ ولَزِم أَطراف الأَرض وغِيرانَ الشِّعاب»؛ الغِيران جَمْعُ غارٍ وَهُوَ الكَهْف، وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ الْغَيْنِ.
وأَما مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَهاهنا غُرْت»، فَمَعْنَاهُ إِلى هَذَا ذَهَبْتَ، واللَّه أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
47-لسان العرب (ربع)
ربع: الأَربعة والأَربعون مِنَ الْعَدَدِ: مَعْرُوفٌ.والأَربعة فِي عَدَدِ الْمُذَكَّرِ والأَربع فِي عَدَدِ الْمُؤَنَّثِ، والأَربعون بَعْدَ الثَّلَاثِينَ، وَلَا يَجُوزُ فِي أَربعينَ أَربعينُ كَمَا جَازَ فِي فِلَسْطِينَ وَبَابِهِ لأَن مَذْهَبَ الْجَمْعِ فِي أَربعين وَعِشْرِينَ وَبَابِهِ أَقْوَى وأَغلب مِنْهُ فِي فِلَسْطين وَبَابِهَا؛ فأَما قَوْلُ سُحَيْم بْنُ وَثِيل الرِّياحيّ:
وَمَاذَا يَدَّري الشُّعراء مِنِّي، ***وَقَدْ جاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِينِ؟
فَلَيْسَتِ النُّونُ فِيهِ حَرْفَ إِعراب وَلَا الْكَسْرَةُ فِيهَا عَلَامَةَ جرِّ الِاسْمِ، وإِنما هِيَ حَرَكَةٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ إِذا الْتَقَيَا وَلَمْ تُفْتَحْ كَمَا تُفْتَحُ نُونُ الْجَمْعِ لأَن الشَّاعِرَ اضطُرَّ إِلى ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَلِفَ حَرَكَةُ حَرْفِ الرَّوِيِّ فِي سَائِرِ الأَبيات؛ أَلا تَرَى أَن فِيهَا:
أَخُو خَمْسِينَ مُجتمِعٌ أَشُدِّي، ***ونَجَّذَني مُداوَرَةُ الشُّؤُونِ
ورُباعُ: مَعْدُولٌ مِنْ أَربعة.
وَقَوْلُهُ تعالى: {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ}؛ أَراد أَربعًا فعدَله وَلِذَلِكَ تُرِكَ صرْفه.
ابْنُ جِنِّي: قرأَ الأَعمش مَثْنَى وثُلَثَ" ورُبَعَ، عَلَى مِثَالِ عُمر، أَراد ورُباع فَحَذَفَ الأَلف.
ورَبَعَ القومَ يَرْبَعُهم رَبْعًا: صَارَ رابِعَهم وَجَعَلَهُمْ أَربعة أَو أَربعين.
وأَربَعُوا: صَارُوا أَربعة أَو أَربعين.
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبْسةَ: «لَقَدْ رأَيْتُني وإِنِّي لرُبُعُ الإِسلام»؛ أي رابِعُ أَهل الإِسلام تقدَّمني ثلاثةٌ وَكُنْتُ رَابِعَهُمْ.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «كَنْتُ رابِعَ أَربعة» أَي وَاحِدًا مِنْ أَربعة.
وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ فِي السَّقْط: «إِذا نُكِس فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ»؛ أي إِذا صَارَ مُضْغة فِي الرَّحِم لأَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ.
وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «فَجَاءَتْ عَيْنَاهُ بأَربعة»أَي بدُموع جرَتْ مِنْ نَوَاحِي عَيْنَيْهِ الأَربع.
والرِّبْعُ فِي الحُمَّى: إِتيانُها فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَذَلِكَ أَن يُحَمَّ يَوْمًا ويُتْرَك يَوْمَيْنِ لَا يُحَمّ ويُحَمّ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَهِيَ حُمَّى رِبْعٍ، وَقَدْ رُبِع الرَّجُلُ فَهُوَ مَرْبوع ومُرْبَع، وأُرْبِعَ؛ قَالَ أُسامةُ بْنُ حَبِيبٍ الْهُذَلِيُّ:
مِن المُرْبَعِينَ وَمِنْ آزِلٍ، ***إِذا جَنَّه الليلُ كالناحِطِ
وأَرْبَعَت عَلَيْهِ الحُمَّى: لُغَةٌ فِي رُبِعَ، فَهُوَ مُرْبَع.
وأَربَعَت الحُمّى زَيْدًا وأَرْبَعَت عَلَيْهِ: أَخذَته رِبعًا، وأَغَبَّتْه: أَخذته غِبًّا، وَرَجُلٌ مُرْبِعٌ ومُغِبٌّ، بِكَسْرِ الْبَاءِ.
قَالَ الأَزهري: فَقِيلَ لَهُ لِمَ قُلْتَ أَرْبَعَتِ الحُمَّى زَيْدًا ثُمَّ قُلْتَ مِنَ المُرْبِعين فَجَعَلْتَهُ مَرَّةً مَفْعُولًا وَمَرَّةً فَاعِلًا؟ فَقَالَ: يُقَالُ أَرْبَعَ الرَّجُلُ أَيضًا.
قَالَ الأَزهري: كَلَامُ الْعَرَبِ أَربعت عَلَيْهِ الْحُمَّى وَالرَّجُلُ مُرْبَع، بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَرْبَعَتْه الْحُمَّى وَلَا يُقَالُ رَبَعَتْه.
وَفِي الصِّحَاحِ: تَقُولُ رَبَعَتْ عَلَيْهِ الحُمّى.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَغِبُّوا فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وأَرْبِعُوا إِلا أَن يَكُونَ مَغْلُوبًا»؛ قَوْلُهُ أَرْبِعُوا أَي دَعُوه يَوْمَيْنِ بَعْدَ الْعِيَادَةِ وأْتوه الْيَوْمَ الرَّابِعَ، وأَصله مِنَ الرِّبْع فِي أَورادِ الإِبل.
والرِّبْعُ: الظِّمْء مِنْ أَظْماء الإِبل، وَهُوَ أَن تُحْبَس الإِبلُ عَنِ الْمَاءِ أَربعًا ثُمَّ تَرِدَ الْخَامِسَ، وَقِيلَ: هُوَ أَن تَرِدَ الماءَ يَوْمًا وتَدَعَه يَوْمَيْنِ ثُمَّ تَرِدَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ، وَقِيلَ: هُوَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ وأَربعة أَيام.
ورَبَعَت الإِبلُ: وَرَدتْ رِبعًا، وإِبلٌ رَوابِعُ؛ وَاسْتَعَارَهُ العَجَّاج لوِرْد الْقَطَا فَقَالَ:
وبَلْدةٍ تُمْسِي قَطاها نُسَّسا ***رَوابِعًا، وقَدْرَ رِبْعٍ خُمَّسا
وأَرْبَعَ الإِبلَ: أَوردها رِبْعًا.
وأَرْبعَ الرجلُ: جَاءَتْ إِبلُه رَوابعَ وخَوامِس، وَكَذَلِكَ إِلى العَشْر.
والرَّبْعُ: مَصْدَرُ رَبَعَ الوَترَ وَنَحْوَهُ يَرْبَعه رَبْعًا، جَعَلَهُ مَفْتُولًا مِنْ أَربع قُوًى، وَالْقُوَّةُ الطاقةُ، وَيُقَالُ: وَتَرٌ مَرْبوعٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٌ:
رابِطُ الجأْشِ عَلَى فَرْجِهِمُ، ***أَعْطِفُ الجَوْنَ بمرْبوعٍ مِتَلِ
أَي بِعِنَانٍ شَدِيدٍ مِنْ أَربع قُوًى.
وَيُقَالُ: أَراد رُمْحًا مَرْبوعًا لَا قَصِيرًا وَلَا طَوِيلًا، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَي ومعيَ رُمْح.
وَرُمْحٌ مَرْبُوعٌ: طُولُهُ أَرْبَعُ أَذْرُعٍ.
وربَّع الشيءَ: صَيَّرَهُ أَربعةَ أَجزاء وَصَيَّرَهُ عَلَى شَكْلٍ ذِي أَربع وَهُوَ التَّرْبِيعُ.
أَبو عَمْرٍو: الرُّومِيُّ شِراعُ السَّفِينَةِ الْفَارِغَةِ، والمُرْبِعُ شِراعُ المَلأَى، والمُتَلَمِّظةُ مَقْعدُ الاشْتِيام وَهُوَ رَئيسُ الرُّكابِ.
والتربيعُ فِي الزَّرْعِ: السَّقْية الَّتِي بَعْدَ التَّثْلِيثِ.
وَنَاقَةٌ رَبوعٌ: تَحْلُبُ أَربعة أَقداح؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
وَرَجُلٌ مُرَبَّعُ الْحَاجِبَيْنِ: كَثِيرُ شِعْرِهِمَا كأَنَّ لَهُ أَربعة حَواجبَ؛ قَالَ الرَّاعِي:
مُرَبَّع أَعلى حاجبِ العينِ، أُمُّه ***شَقيقةُ عَبْدٍ، مِنْ قَطينٍ، مُوَلَّدِ
والرُّبْع والرُّبُع والرَّبيعُ: جُزْءٌ مِنْ أَربعة يَطَّرد ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْكُسُورِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَالْجَمْعُ أَرباعٌ ورُبوعٌ.
وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ: «أَنه لَمَّا رُبِعَ يَوْمَ أُحُد وشَلَّت يدُه قَالَ لَهُ: باءَ طلحةُ بالجنةِ»؛ رُبِعَ؛ أي أُصِيبَت أَرباعُ رأْسه وَهِيَ نَوَاحِيهِ، وَقِيلَ: أَصابه حُمّى الرِّبْع، وَقِيلَ: أُصِيبَ جَبينُه؛ وأَما قَوْلُ الفَرزدق:
أَظُنُّك مَفْجوعًا بِرُبْعِ مُنافِقٍ، ***تَلَبَّس أَثوابَ الخِيانةِ والغَدْرِ
فإِنه أَراد أَنَّ يَمِينَهُ تُقْطَع فيَذْهَب رُبْع أَطرافِه الأَربعة.
ورَبَعَهم يَرْبَعُهم رَبْعًا: أَخذ رُبْع أَموالهم مِثْلُ عَشَرْتُهم أَعْشُرُهم.
ورَبَعهم: أَخذ رُبع الْغَنِيمَةِ.
والمِرْباع: مَا يأْخذه الرَّئِيسُ وَهُوَ رُبْعُ الْغَنِيمَةِ؛ قَالَ:
لكَ المِرْباعُ مِنْهَا والصَّفايا، ***وحُكْمُكَ والنَّشِيطةُ والفُضول
الصَّفايا: مَا يَصْطَفِيه الرَّئِيسُ، والنَّشِيطةُ: مَا أَصاب مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَن يَصِيرَ إِلى مُجتَمع الْحَيِّ، والفُضول: مَا عُجِزَ أَن يُقْسَم لِقِلَّتِهِ وخُصَّ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ: «أَلم أَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَعُ»أَي تأْخذ رُبع الْغَنِيمَةِ أَو تأْخذ المِرْباع؛ مَعْنَاهُ أَلم أَجْعَلْك رَئِيسًا مُطاعًا؟ قَالَ قُطْرُبٌ: المِرْباع الرُّبع والمِعْشار العُشر وَلَمْ يُسْمَعْ فِي غَيْرِهِمَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَبْلَ إِسلامه: إِنك لتأْكلُ المِرْباع وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ "؛ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذا غَزا بَعْضُهُمْ بَعْضًا وغَنِموا أَخذ الرَّئِيسُ رُبْعَ الْغَنِيمَةِ خَالِصًا دُونَ أَصحابه، وَذَلِكَ الرُّبْعُ يُسَمَّى المِرْباع؛ وَمِنْهُ شِعْرُ وَفْدِ تَمِيم: " نَحْنُ الرُّؤُوس وَفِينَا يُقْسم الرُّبُعُ وَقَالَ ابْنُ سِكِّيتٍ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ يَصِفُ الْغَيْثَ:
كأَنَّ فِيهِ، لمَّا ارْتَفَقْتُ لَهُ، ***رَيْطًا ومِرْباعَ غانمٍ لَجَبا
قَالَ: ذَكَرَ السَّحاب، والارْتِفاقُ: الاتِّكاءُ عَلَى المِرْفَقِ؛ يَقُولُ: اتَّكأْت عَلَى مِرْفَقي أَشِيمُه وَلَا أَنام، شبَّه تبَوُّجَ الْبَرْقِ فِيهِ بالرَّيْط الأَبيض، والرَّيْطةُ: مُلاءة لَيْسَتْ بمُلَفَّقة، وأَراد بِمِرْبَاعِ غانمٍ صوْتَ رَعْدِهِ، شَبَّهَهُ بِمِرْبَاعِ صَاحِبِ الْجَيْشِ إِذا عُزل لَهُ رُبْعُ النَّهْب مِنَ الإِبل فتحانَّت عِنْدَ المُوالاة، فَشَبَّهَ صَوْتَ الرَّعْدِ فِيهِ بِحَنِينها؛ ورَبعَ الجَيْشَ يَرْبَعُهم رَبْعًا ورَباعةً: أَخذ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
ورَبَع الحَجرَ يَرْبَعُه رَبْعًا وَارْتَبَعَهُ: شالَه وَرَفَعَهُ، وَقِيلَ: حَمَلَهُ، وَقِيلَ: الرَّبْعُ أَن يُشال الْحَجَرُ بِالْيَدِ يُفْعَلُ ذَلِكَ لتُعْرَفَ بِهِ شدَّة الرَّجُلِ.
قَالَ الأَزهري: يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْحَجَرِ خَاصَّةً.
والمَرْبُوعُ والرَّبيعة: الْحَجَرُ المَرْفُوع، وَقِيلَ: الَّذِي يُشال.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مرَّ بِقَوْمٍ يَرْبَعُون حَجرًا أَو يَرْتَبِعُون، فَقَالَ: عُمّالُ اللَّهِ أَقْوَى مِنْ هؤُلاء»؛ الرَّبْعُ: إِشالةُ الْحَجَرِ ورَفْعُه لإِظْهار القوَّةِ.
والمِرْبَعةُ: خُشَيْبة قَصِيرَةٌ يُرْفَع بِهَا العِدْل يأْخذ رَجُلَانِ بطَرَفَيْها فيَحْمِلان الحِمْل ويَضَعانه عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ؛ وَقَالَ الأَزهري: هِيَ عَصًا تُحْمَلُ بِهَا الأَثقال حَتَّى توضَع عَلَى ظَهْرِ الدَّوَابِّ، وَقِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ رُفعبِهِ شَيْءٌ مِرْبَعة، وَقَدْ رابَعَه.
تَقُولُ مِنْهُ: رَبَعْت الحِمْل إِذا أَدخَلتها تَحْتَهُ وأَخذت أَنت بطَرَفِها وصاحِبُك بطرَفِها الْآخَرِ ثُمَّ رَفَعْتَه عَلَى الْبَعِيرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَينَ الشِّظاظانِ وأَينَ المِرْبَعهْ؟ ***وأَينَ وَسْقُ الناقةِ الجَلَنْفَعَهْ؟
فإِن لَمْ تَكُنِ المِرْبَعةُ فالمُرابَعةُ، وَهِيَ أَن تأْخذ بِيَدِ الرَّجُلِ ويأْخذ بِيَدِكَ تَحْتَ الحِمْل حَتَّى تَرفعاه عَلَى الْبَعِيرِ؛ تَقُولُ: رابَعْت الرَّجل إِذا رَفَعْتَ مَعَهُ العِدْلَ بِالْعَصَا عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يَا لَيْتَ أُمَّ العَمْر كانتْ صاحِبي، ***مَكانَ مَنْ أَنْشا عَلَى الرَّكائبِ
ورابَعَتْني تحتَ لَيْلٍ ضارِبِ، ***بساعِدٍ فَعْمٍ وكَفٍّ خاضِبِ
ورَبَع بِالْمَكَانِ يَرْبَعُ رَبْعًا: اطمأَنَّ.
والرَّبْع: الْمَنْزِلُ وَالدَّارُ بِعَيْنِهَا، والوَطَنُ مَتَى كَانَ وبأَيِّ مَكَانٍ كَانَ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَجَمْعُهُ أَرْبُعٌ ورِباعٌ ورُبُوعٌ وأَرْباعٌ.
وَفِي حَدِيثِ أُسامة: «قَالَ لَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَهَلْ تَرَك لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ رِباعٍ»؛ الرَّبْعُ: المَنْزِلُ ودارُ الإِقامة.
ورَبْعُ الْقَوْمِ: مَحَلَّتُهم.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَرَادَتْ بَيْعَ رِباعِها»؛ أي مَنازِلها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ رَبْعةٍ أَو حَائِطٍ أَو أَرض»؛ الرَّبْعةُ: أَخصُّ مِنَ الرَّبع، والرَّبْعُ المَحَلَّة.
يُقَالُ: مَا أَوسع رَبْعَ بَنِي فُلَانٍ والرَّبّاعُ: الرَّجُلُ الْكَثِيرُ شراءِ الرِّباع، وَهِيَ المنازِل.
ورَبَعَ بِالْمَكَانِ رَبْعًا: أَقام.
والرَّبْعُ: جَماعةُ الناسِ.
قَالَ شَمِرٌ: والرُّبُوع أَهل المَنازل أَيضًا؛ قَالَ الشَّمّاخ:
تُصِيبُهُمُ وتُخْطِئُني المَنايا، ***وأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ
أَي فِي قَوْم بَعْدَ قَوْمٍ؛ وَقَالَ الأَصمعي: يُرِيدُ فِي رَبْعٍ مِنْ أَهلي أَي فِي مَسْكَنهم، بَعْدَ رَبْع.
وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: الرَّبْعُ مِثْلُ السَّكن وَهُمَا أَهل البيتِ؛ وأَنشد:
فإِنْ يَكُ ربْعٌ مِنْ رِجالٍ، أَصابَهمْ، ***مِنَ اللَّهِ والحَتْمِ المُطِلِّ، شَعُوبُ
وَقَالَ شَمِرٌ: الرَّبْعُ يَكُونُ المنزلَ وأَهل الْمَنْزِلِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والرَّبْعُ أَيضًا العَدَدُ الْكَثِيرُ؛ قَالَ الأَحوص:
وفِعْلُكَ مرضِيٌّ، وفِعْلُكَ جَحْفَلٌ، ***وَلَا عَيْبَ فِي فِعْلٍ وَلَا فِي مُرَكَّبِ
قال: وأَما قَوْلُ الرَّاعِي:
فَعُجْنا عَلَى رَبْعٍ برَبْعٍ، تَعُودُه، ***مِنَ الصَّيْفِ، جَشّاء الحَنِينِ تُؤَرِّجُ
قَالَ: الرَّبْع الثَّانِي طَرَف الجَبل.
والمَرْبُوع مِنَ الشِّعْرِ: الَّذِي ذهَب جُزْآنِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَجزاء مِنَ المَديد والبَسِيط؛ والمَثْلُوث: الَّذِي ذَهَبَ جُزْآنِ مِنْ سِتَّةِ أَجزاء.
والرَّبِيعُ: جُزْءٌ مِنْ أَجزاء السَّنَةِ فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُهُ الْفَصْلَ الَّذِي يُدْرِكُ فِيهِ الثِّمَارُ وَهُوَ الْخَرِيفُ ثُمَّ فَصْلُ الشِّتَاءِ بَعْدَهُ ثُمَّ فَصْلُ الصَّيْفِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَدْعُوه الْعَامَّةُ الرّبيعَ، ثُمَّ فَصْلُ القَيْظ بَعْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَدْعُوهُ العامةُ الصَّيْفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يسمي الفصل الذيتُدْرَكُ فِيهِ الثِّمَارُ، وَهُوَ الْخَرِيفُ، الربيعَ الأَول وَيُسَمَّى الْفَصْلَ الَّذِي يَتْلُو الشِّتَاءَ وتأْتي فِيهِ الكَمْأَة والنَّوْرُ الربيعَ الثَّانِيَ، وَكُلُّهُمْ مُجْمِعون عَلَى أَنّ الْخَرِيفَ هُوَ الرَّبِيعِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: يُسَمَّى قِسما الشِّتَاءِ رَبِيعَيْنِ: الأَوَّل مِنْهُمَا رَبِيعُ الْمَاءِ والأَمطار، وَالثَّانِي رَبِيعُ النَّبَاتِ لأَن فِيهِ يَنْتَهِي النَّبَاتُ مُنْتهاه، قَالَ: وَالشِّتَاءُ كُلُّهُ رَبِيعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ أَجل النَّدى، قَالَ: وَالْمَطَرُ عِنْدَهُمْ رَبِيعٌ مَتَى جَاءَ، وَالْجَمْعُ أَرْبِعةٌ ورِباعٌ.
وشَهْرا رَبِيعٍ سُمِّيَا بِذَلِكَ لأَنهما حُدّا فِي هَذَا الزَّمَنِ فلَزِمَهما فِي غَيْرِهِ وَهُمَا شهرانِ بَعْدَ صفَر، وَلَا يُقَالُ فِيهِمَا إِلا شهرُ رَبِيعٍ الأَوّل وشهرُ رَبِيعٍ الْآخِرِ.
والربيعُ عِنْدَ الْعَرَبِ رَبيعانِ: رَبيعُ الشُّهُورِ وَرَبِيعُ الأَزمنة، فَرَبِيعُ الشُّهُورِ شَهْرَانِ بَعْدَ صَفَرَ، وأَما رَبِيعُ الأَزمنة فَرَبِيعَانِ: الربيعُ الأَول وَهُوَ الْفَصْلُ الَّذِي تأْتي فِيهِ الكمأَة والنَّوْر وَهُوَ ربيع الكَلإِ، والثاني وهو الفصل الذي تدرك فيه الثِّمَارُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ الرَّبِيعَ الأَوّل؛ وَكَانَ أَبو الْغَوْثِ يَقُولُ: الْعَرَبَ تَجْعَلُ السَّنَةَ سِتَّةَ أَزمنة: شَهْرَانِ مِنْهَا الرَّبِيعُ الأَوّل، وَشَهْرَانِ صَيْف، وَشَهْرَانِ قَيظ، وَشَهْرَانِ الرَّبِيعُ الثَّانِي، وَشَهْرَانِ خَرِيفٌ، وَشَهْرَانِ شِتَاءٌ؛ وأَنشد لِسَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ضُبَيْعةَ:
إِنَّ بَنِيَّ صِبْيةٌ صَيْفِيُّونْ، ***أَفْلَحَ مَن كانتْ لَهُ رِبْعِيُّونْ
فَجَعَلَ الصَّيْفَ بَعْدَ الرَّبِيعِ الأَول.
وَحَكَى الأَزهري عَنْ أَبي يَحْيَى بْنِ كُنَاسَةَ فِي صِفَةِ أَزمنة السَّنَةِ وفُصولها وَكَانَ علَّامة بِهَا: أَن السَّنَةَ أَربعةُ أَزمنة: الرَّبِيعُ الأَول وَهُوَ عِنْدَ الْعَامَّةِ الْخَرِيفُ، ثُمَّ الشِّتَاءُ ثُمَّ الصَّيْفُ، وَهُوَ الرَّبِيعُ الْآخِرُ، ثُمَّ الْقَيْظُ؛ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْعَرَبِ فِي الْبَادِيَةِ، قَالَ: وَالرَّبِيعُ الأَوّل الَّذِي هُوَ الْخَرِيفُ عِنْدَ الفُرْس يَدْخُلُ لِثَلَاثَةِ أَيام مِنْ أَيْلُول، قَالَ: وَيَدْخُلُ الشِّتَاءُ لِثَلَاثَةِ أَيام مِنْ كانُون الأَوّل، وَيَدْخُلُ الصَّيْفُ الَّذِي هُوَ الرَّبِيعُ عِنْدَ الْفُرْسِ لِخَمْسَةِ أَيام تَخْلُو مِنْ أَذار، وَيَدْخُلُ الْقَيْظُ الَّذِي هُوَ صَيْفٌ عِنْدَ الْفُرْسِ لأَربعة أَيام تَخْلُو مِنْ حَزِيران، قَالَ أَبو يَحْيَى: وَرَبِيعُ أَهل العِراق مُوَافِقٌ لِرَبِيعِ الْفُرْسِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الشِّتَاءِ، وَهُوَ زَمَانُ الوَرْد وَهُوَ أَعدل الأَزمنة، وَفِيهِ تُقْطع الْعُرُوقُ ويُشرب الدَّوَاءُ؛ قَالَ: وأَهل الْعِرَاقِ يُمطَرون فِي الشِّتَاءِ كُلِّهِ ويُخْصِبون فِي الرَّبِيعِ الَّذِي يَتْلُو الشِّتَاءَ، فأَما أَهل الْيَمَنِ فإِنهم يُمْطَرون فِي الْقَيْظِ ويُخْصِبون فِي الْخَرِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الرَّبِيعَ الأَول.
قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ يَقُولُونَ لأَوّل مَطَرٍ يَقَعُ بالأَرض أَيام الْخَرِيفِ رَبِيعٌ، وَيَقُولُونَ إِذا وَقَعَ رَبِيعٌ بالأَرض: بَعَثْنا الرُّوّاد وانْتَجَعْنا مساقِط الغَيْثِ؛ وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ لِلنَّخِيلِ إِذا خُرِفت وصُرِمَت: قَدْ تَربَّعَت النَّخِيلُ، قَالَ: وإِنما سُمِّيَ فَصْلُ الْخَرِيفِ خَرِيفًا لأَن الثِّمَارَ تُخْتَرَف فِيهِ، وَسَمَّتْهُ الْعَرَبُ رَبِيعًا لِوُقُوعِ أَوّل الْمَطَرِ فِيهِ.
قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَذْكُر الشُّهُورَ كُلَّهَا مُجَرَّدَةً إِلا شَهْرَيْ رَبِيع وَشَهْرَ رَمَضَانَ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ يومٌ قائظٌ وصافٍ وشاتٍ، وَلَا يُقَالُ يومٌ رابِعٌ لأَنهم لَمْ يَبْنُوا مِنْهُ فِعْلًا عَلَى حَدِّ قاظَ يومُنا وَشَتَا فَيَقُولُوا رَبَعَ يومُنا لأَنه لَا مَعْنَى فِيهِ لحَرّ وَلَا بَرْد كَمَا فِي قاظَ وَشَتَا.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ اجْعلِ القرآنَ رَبِيعَ قَلْبي»؛ جَعَلَهُ رَبِيعًا لَهُ لأَن الإِنسان يَرْتَاحُ قَلْبُهُ فِي الرَّبِيعِ مِنَ الأَزمان ويَمِيل إِليه، وجمعُ الرَّبِيعِ أَرْبِعاء وأَرْبِعة مِثْلُ نَصِيب وأَنْصِباء وأَنْصِبة، قَالَ يَعْقُوبُ: وَيُجْمَعُ رَبِيع الكلإِ عَلَى أَربعة، ورَبِيعُ الجَداولِ أَرْبِعاء.
والرَّبِيع: الجَدْوَلُ.
وَفِي حَدِيثِ المُزارَعةِ: «ويَشْتَرِط مَا سقَى الرَّبيعُ والأَرْبِعاء»؛ قَالَ: الربيعُ النَّهرُ الصَّغِيرُ، قَالَ: وَهُوَ السَّعِيدُ أَيضًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فعدَلَ إِلى الرَّبِيعِ فَتَطَهَّر».
وَفِي الْحَدِيثِ: «بِمَا يَنْبُت عَلَى ربِيعِ السَّاقي»، هَذَا مِنْ إِضافة المَوْصُوف إِلى الصِّفَةِ أَي النَّهْرُ الَّذِي يَسْقِي الزَّرْع؛ وأَنشد الأَصمعي قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فُوهُ رَبيعٌ وكَفُّه قَدَحٌ، ***وبَطْنُه، حِينَ يَتَّكِي، شَرَبَهْ
يَسَّاقَطُ الناسُ حَوْلَهُ مَرَضًا، ***وهْو صَحِيحٌ، مَا إِنْ بِهِ قَلَبَهْ
أَراد بِقَوْلِهِ فُوهُ رَبِيعٌ أَي نَهْرٌ لِكَثْرَةِ شُرْبه، وَالْجَمْعُ أَرْبِعاء؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَنهم كَانُوا يُكْرُون الأَرض بِمَا يَنْبُت عَلَى الأَرْبِعاء» أَي كَانُوا يُكرون الأَرض بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَيَشْتَرِطُونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مُكْتريها مَا يَنْبُت عَلَى الأَنهار وَالسَّوَاقِي.
وَفِي حَدِيثِ سَهْل بْنِ سَعْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تأْخذ مِنْ أُصُول سِلْقٍ كُنَّا نَغْرِسُه عَلَى أَرْبِعائنا».
ورَبِيعٌ رابِعٌ: مُخْصِبٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَرُبَّمَا سُمِّيَ الكَلأُ والغَيْثُ رَبِيعًا.
والرّبيعُ أَيضًا: الْمَطَرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الرَّبِيعِ، وَقِيلَ: يَكُونُ بَعْدَ الوَسْمِيِّ وَبَعْدَهُ الصَّيْفُ ثُمَّ الحَمِيمُ.
والرَّبيعُ: مَا تَعْتَلِفُه الدوابُّ مِنَ الخُضَر، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَرْبعةٌ.
والرِّبعة، بِالْكَسْرِ: اجْتِماعُ الْمَاشِيَةِ فِي الرَّبِيع، يُقَالُ: بَلَدٌ مَيِّثٌ أَنيثٌ طَيِّبُ الرِّبْعةِ مَريء العُود.
ورَبَع الرَّبِيعُ يَرْبَع رُبُوعًا: دخَل.
وأَرْبَع القومُ: دَخَلُوا فِي الرَّبِيع، وَقِيلَ: أَرْبعوا صَارُوا إِلى الرِّيف وَالْمَاءِ.
وتَرَبَّع القومُ الموضِع وَبِهِ وارْتَبَعوه: أَقاموا فِيهِ زمَن الرَّبِيعِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «أَنه جَمَّع فِي مُتَرَبَّعٍ لَهُ»؛ المَرْبَع والمُرْتَبَعُ والمُتَرَبَّعُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُنْزَلُ فِيهِ أَيّام الرَّبِيعِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرى إِقامة الْجُمُعَةِ فِي غَيْرِ الأَمصار، وَقِيلَ: تَرَبَّعوا وارْتَبَعوا أَصابوا رَبِيعًا، وَقِيلَ: أَصابوه فأَقاموا فِيهِ.
وتربَّعت الإِبل بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَي أَقامت بِهِ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنشدني أَعرابي:
تَرَبَّعَتْ تَحْتَ السُّمِيِّ الغُيَّمِ، ***فِي بَلَدٍ عَافِي الرِّياضِ مُبْهِمِ
عَافِي الرِّياضِ أَي رِياضُهُ عافِيةٌ وافِيةٌ لَمْ تُرْعَ.
مُبْهِم: كَثِيرُ البُهْمى.
والمَرْبَع: المَوضع الَّذِي يُقَامُ فِيهِ زَمَنَ الرَّبِيع خَاصَّةً، وَتَقُولُ: هَذِهِ مَرابعُنا ومَصايِفُنا أَي حَيْثُ نَرْتَبِع ونَصِيفُ، وَالنِّسْبَةُ إِلى الرَّبِيعِ رِبعيٌّ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَكَذَلِكَ رِبْعِيُّ ابن خِراش.
وَقِيلَ: أَرْبَعُوا أَي أَقاموا فِي المَرْبَع عَنْ الارْتِياد والنُّجْعة؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: غَيْثٌ مُرْبِعٌ مُرْتِع؛ المُرْتِعُ الَّذِي يُنْبِت مَا تَرْتَعُ فِيهِ الإِبل.
وَفِي حَدِيثِ الاسْتِسْقاء: «اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مَرِيعًا مُرْبِعًا»، فالمَرِيع: المُخْصِب الناجِعُ فِي الْمَالِ، والمُرْبِع: العامُّ المُغْني عَنْ الارْتِياد والنُّجعة لِعمومه، فَالنَّاسُ يَرْبَعُون حَيْثُ كَانُوا؛ أي يُقِيمون للخِصْب الْعَامِّ وَلَا يَحتاجُون إِلى الِانْتِقَالِ فِي طَلَب الكلإِ، وَقِيلَ: يَكُونُ مِنْ أَرْبَعَ الغَيْثُ إِذا أَنبت الرّبِيعَ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَداكَ يَدٌ رَبيعُ النَّاسِ فِيهَا ***وَفِي الأُخْرَى الشُّهورُ مِنَ الحَرام
أَراد أَنَّ خِصْب الناسِ فِي إِحدى يَدَيْهِ لأَنه يُنْعِش الناسَ بسَيْبِه، وَفِي يَدِهِ الأُخرى الأَمْنُ والحَيْطة ورَعْيُ الذِّمام.
وارْتَبَعَ الفرَسُ والبعيرُ وترَبَّع: "أَكل الرَّبِيعَ.
والمُرْتَبِعُ مِنَ الدَّوَابِّ: الَّذِي رَعى الرَّبِيعَ فسَمِن ونَشِط.
ورُبِعَ القومُ رَبْعًا: أَصابهم مَطَرُ الرَّبيع؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي وَجْزَةَ:
حَتَّى إِذا مَا إِيالاتٌ جَرَتْ بُرُحًا، ***وَقَدْ رَبَعْن الشَّوَى مِنْ ماطِرٍ ماجِ
فإِنّ مَعْنَى رَبَعْن أَمْطَرْن مِنْ قَوْلِكَ رُبِعْنا أَي أَصابَنا مَطَرُ الرَّبِيعِ، وأَراد بِقَوْلِهِ مِنْ مَاطِرٍ أَي عَرَق مأْجٍ ملْحٍ؛ يَقُولُ: أَمْطَرْن قَوائمَهن مِنْ عَرَقِهن.
ورُبِعَت الأَرضُ، فَهِيَ مَرْبُوعة إِذا أَصابها مَطَرُ الرَّبِيعِ.
ومُرْبِعةٌ ومِرْباعٌ: كَثِيرَةُ الرَّبِيع؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بأَوَّلَ مَا هاجَتْ لكَ الشَّوْقَ دِمْنةٌ ***بِأَجْرَعَ مِرْباعٍ مَرَبٍّ، مُحَلَّلِ
وأَرْبَع إِبله بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا: رَعَاهَا فِي الرَّبِيعِ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَرْبَعُ عِنْدَ الوُرُودِ فِي سُدُمٍ، ***أَنْقَعُ مِنْ غُلَّتي وأُجْزِئُها
قِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَغُ فِي ماءٍ سُدُمٍ وأَلهَجُ فِيهِ.
وَيُقَالُ: ترَبَّعْنا الحَزْن والصَّمّانَ أَي رَعَينا بُقولها فِي الشِّتاء.
وعامَله مُرابَعة ورِباعًا: مِنَ الرَّبيع؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
واستأْجره مُرابعةً ورِباعًا؛ عَنْهُ أَيضًا، كَمَا يُقَالُ مُصايَفة ومشاهَرة.
وَقَوْلُهُمْ: مَا لَهُ هُبَعٌ وَلَا رُبَعٌ، فالرُّبَع: الفَصيل الَّذِي يُنْتَج فِي الرَّبِيعِ وَهُوَ أَوّل النِّتاج، سُمِّيَ رُبَعًا لأَنه إِذا مَشَى ارتَبَع ورَبَع أَي وسَّع خطْوه وعَدا، وَالْجَمْعُ رِباع وأَرْباع مِثْلُ رُطَب ورِطاب وأَرْطاب؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وعُلْبة نازَعْتها رِباعي، ***وعُلْبة عِنْدَ مَقِيل الرّاعِي
والأُنثى رُبَعةٌ، وَالْجَمْعُ رُبَعات، فإِذا نُتِج فِي آخِرِ النِّتاج فَهُوَ هُبَع، والأُنثى هُبَعة، وإِذا نُسِبَ إِليه فَهُوَ رُبَعِيٌّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مُرِي بَنِيك أَن يُحْسِنوا غِذَاءَ رِباعهم»؛ الرِّباع، بِكَسْرِ الرَّاءِ: جَمْعُ رُبَع وَهُوَ مَا وُلد مِنَ الإِبل فِي الرَّبِيعِ، وَقِيلَ: مَا وُلِدَ فِي أَوّل النِّتاج؛ وإِحْسان غِذائها أَن لَا يُستَقْصى حلَب أُمهاتها إِبقاء عَلَيْهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ: كأَنه أَخْفاف الرِّباع.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «سأَله رَجُلٌ مِنَ الصَّدقة فأَعْطاه رُبَعة يَتْبَعُها ظِئراها»؛ هُوَ تأْنيث الرُّبَع؛ وَفِي حَدِيثِ سليْمَان بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ:
إِنَّ بَنِيَّ صِبْيةٌ صَيْفِيُّونْ، ***أَفْلَحَ مَن كَانَ لَهُ رِبْعِيُّونْ
الرِّبْعي: الَّذِي وُلِدَ فِي الرَّبِيعِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهُوَ مَثَلٌ لِلْعَرَبِ قَدِيمٌ.
وَقِيلَ للقمَر: مَا أَنت ابنُ أَربع، فَقَالَ: عَتَمة رُبَعْ لَا جَائِعٌ وَلَا مُرْضَع؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي جَمْعِ رِباع:
سَوْفَ تَكْفِي مِنْ حُبِّهِنَّ فتاةٌ ***تَرْبُقُ البَهْمَ، أَو تَخُلُّ الرِّباعا
يَعْنِي جَمْعَ رُبَع أَي تَخُلّ أَلسِنةَ الفِصال تَشُقُّها وَتَجْعَلُ فِيهَا عُودًا لِئَلَّا تَرْضَع، وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي: أَو تحُلّ الرِّباعا أَي تَحُلُّ الرَّبيع مَعَنَا حَيْثُ حَلَلْنا، يَعْنِي أَنها مُتَبَدِّية، وَالرِّوَايَةُ الأُولى أَولى لأَنه أَشبه بِقَوْلِهِ تربق البَهْم أَي تَشُدُّ البَهم عَنْ أُمّهاتها لِئَلَّا تَرْضَع وَلِئَلَّا تُفَرَّقَ، فكأَنّ هَذِهِ الفَتاة تَخْدم البَهْم والفِصال، وأَرْباعٌ ورِباع شَاذٌّ لأَن سِيبَوَيْهِ قَالَ: إِنّ حُكْم فُعَل أَن يُكَسَّر عَلَى فِعْلان فِي غَالِبِ الأَمر، والأُنثى رُبَعة.
وَنَاقَةٌ مُرْبِعٌ: ذَاتُ رُبَع، ومِرْباعٌ: عادتُها أَن تُنْتَج الرِّباع، وفرَّق الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: نَاقَةٌ مُرْبِع تُنْتَج فِي الرَّبِيعِ، فإِن كَانَ ذَلِكَ عَادَتَهَا فَهِيَ مِرْباع.
وَقَالَ الأَصمعي: المِرْباع مِنَ النُّوقِ الَّتِي تَلِدُ فِي أَوّل النِّتاج.
والمِرْباعُ: الَّتِي وَلَدُهَا مَعَهَا وَهُوَ رُبَع.
وَفِي حَدِيثِ هِشَامٍ فِي وَصْفِ نَاقَةٍ: «إِنها لمِرْباعٌ مِسْياعٌ»؛ قَالَ: هِيَ مِنَ النُّوقِ الَّتِي تَلِدُ فِي أَول النِّتَاجِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُبَكِّر فِي الحَمْل، وَيُرْوَى بِالْيَاءِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ.
ورِبْعِيّة الْقَوْمِ: ميرَتُهم فِي أَول الشِّتَاءِ، وَقِيلَ: الرِّبْعِية مِيرَةُ الرَّبيع وَهِيَ أَوَّل المِيَر ثُمَّ الصَّيْفِيَّةُ ثُمَّ الدَّفَئية ثُمَّ الرَّمَضِيَّة، وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي مَوَاضِعِهِ.
والرِّبْعية أَيضًا: الْعِيرُ الممْتارة فِي الرَّبِيعِ، وَقِيلَ: أَوّلَ السَّنَةِ، وإِنما يَذْهَبُونَ بأَوّل السَّنَةِ إِلى الرَّبِيعِ، وَالْجَمْعُ رَباعيّ.
والرِّبْعِيَّة: الغَزوة فِي الرَّبيع؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وكانَتْ لَهُمْ رِبْعِيَّةٌ يَحْذَرُونَها، ***إِذا خَضْخَضَتْ ماءَ السَّمَاءِ القَنابِل
يَعْنِي أَنه كَانَتْ لَهُمْ غَزْوَةٌ يَغْزُونها فِي الرَّبِيعِ.
وأَرْبَعَ الرجلُ، فَهُوَ مُرْبِعٌ: وُلِدَ لَهُ فِي شَبَابِهِ، عَلَى الْمِثْلِ بِالرَّبِيعِ، وَوَلَدُهُ رِبْعِيّون؛ وأَورد:
إِنَّ بَنِيَّ غِلْمةٌ صَيْفِيُّونْ، ***أَفْلَحَ مَن كَانَتْ لَهُ رِبْعِيُّونْ
وَفَصِيلٌ رِبْعِيٌّ: نُتِجَ فِي الرَّبِيعِ نَسَبٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
ورِبْعِيّة النِّتاج والقَيْظ: أَوَّله.
ورِبْعيّ كُلِّ شَيْءٍ: أَوَّله.
رِبْعيّ النِّتَاجِ ورِبْعيّ الشَّبَابِ: أَوَّله؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
جَزِعْت فَلَمْ تَجْزَعْ مِنَ الشَّيْبِ مَجْزَعا، ***وَقَدْ فاتَ رِبْعيُّ الشبابِ فَوَدَّعا
وَكَذَلِكَ رِبْعِيّ المَجْد والطعْنِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ أَيضًا:
عَلَيْكُمْ بِرِبْعِيِّ الطِّعان، فإِنه ***أَشَقُّ عَلَى ذِي الرَّثْيةِ المُتَصَعِّبِ
رِبْعِيُّ الطِّعان: أَوَّله وأَحَدُّهُ.
وسَقْب رِبْعي وسِقاب رِبْعية: وُلِدت فِي أَوَّل النِّتاج؛ قَالَ الأَعشى:
ولكِنَّها كَانَتْ نَوًى أَجْنَبيَّةً، ***تَواليَ رِبْعيِّ السِّقابِ فأَصْحَبا
قَالَ الأَزهري: هَكَذَا سَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنْشِده وَفَسَّرُوا لِي تَوالي رِبْعِي السِّقَابِ أَنه مِنَ المُوالاة، وَهُوَ تَمْيِيزُ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ.
يُقَالُ: والَيْنا الفُصْلان عَنْ أُمهاتها فتَوالَتْ أَي فَصَلْناها عَنْهَا عِنْدَ تَمام الحَوْل، ويَشْتَدّ عَلَيْهَا المُوالاة ويَكْثُر حَنِينها فِي إِثْر أُمهاتها ويُتَّخَذ لَهَا خَنْدق تُحْبَس فِيهِ، وتُسَرَّح الأُمهات فِي وَجْه مِنْ مراتِعها فإِذا تَباعَدت عَنْ أَولادها سُرِّحت الأَولاد فِي جِهة غَيْرِ جِهَةِ الأُمهات فَتَرْعَى وَحْدَهَا فَتَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ، وتُصْحب بَعْدَ أَيام؛ أَخبر الأَعشى أَنّ نَوَى صاحِبته اشْتدَّت عَلَيْهِ فَحنّ إِليها حَنِين رِبْعيِّ السِّقاب إِذا وُوليَ عَنْ أُمه، وأَخبر أَنَّ هَذَا الْفَصِيلَ يَسْتَمِرُّ عَلَى المُوالاة وَلَمْ يُصْحِب إِصْحاب السَّقْب.
قَالَ الأَزهري: وإِنما فَسَّرْتُ هَذَا البيت لأَنالرُّوَاةَ لَمَّا أَشكل عَلَيْهِمْ مَعْنَاهُ تخَبَّطُوا فِي اسْتِخْراجه وخَلَّطوا، وَلَمْ يَعْرِفوا مِنْهُ مَا يَعْرِفه مَن شاهَد الْقَوْمَ فِي بَادِيَتِهِمْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَوْ ذهبْت تُرِيدُ وَلَاءَ ضَبَّةَ مِنْ تَميم لتعَذَّر عَلَيْكَ مُوالاتُهم مِنْهُمْ لِاخْتِلَاطِ أَنسابهم؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وكُنَّا خُلَيْطَى فِي الجِمالِ، فَأَصْبَحَتْ ***جِمالي تُوالى وُلَّهًا مِنْ جِمالِك
تُوالى أَي تُمَيَّز مِنْهَا.
والسِّبْطُ الرِّبْعِي: نَخْلة تُدْرك آخِرَ الْقَيْظِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: سَمَّى رِبعِيًّا لأَن آخِرَ الْقَيْظِ وَقْتُ الوَسْمِيّ.
وَنَاقَةٌ رِبْعِية: مُتَقَدِّمة النِّتاج، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: صَرَفانةٌ رِبْعِيّة تُصْرَم بِالصَّيْفِ وَتُؤْكَلُ بالشَّتِيّة؛ رِبعِية: مُتقدِّمة.
وارْتَبَعتِ الناقةُ وأَرْبَعَتْ وَهِيَ مُرْبِعٌ: اسْتَغْلَقَت رَحِمُها فَلَمْ تَقبل الْمَاءَ.
وَرَجُلٌ مَرْبوع ومُرْتَبَع ومُرْتَبِع ورَبْعٌ ورَبْعة ورَبَعة أَي مَرْبُوعُ الخَلْق لَا بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وُصِف المذَكَّر بِهَذَا الِاسْمِ المؤَنّث كَمَا وُصِفَ الْمُذَكَّرُ بخَمْسة وَنَحْوِهَا حِينَ قَالُوا: رِجَالٌ خَمْسَةٌ، وَالْمُؤَنَّثُ رَبْعة وربَعة كَالْمُذَكَّرِ، وأَصله لَهُ، وجَمْعُهما جَمِيعًا رَبَعات، حَرَّكُوا الثَّانِيَ وإِن كَانَ صِفَةً لأَن أَصل رَبْعة اسمٌ مُؤَنَّثٌ وَقَعَ عَلَى الْمُذَكَّرِ والمؤنثِ فَوُصِفَ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ رَبْعات، بِسُكُونِ الْبَاءِ، فَيُجْمَعُ عَلَى مَا يُجْمَعُ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ الصِّفَةِ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنما حُرِّكَ رَبَعات لأَنه جَاءَ نَعْتًا لِلْمُذَكَّرِ والمؤَنث فكأَنه اسْمٌ نُعت بِهِ.
قَالَ الأَزهري: خُولِفَ بِهِ طَرِيقُ ضَخْمة وضَخْمات لِاسْتِوَاءِ نَعْتِ الرَّجُلِ والمرأَة فِي قَوْلِهِ رَجُلٌ رَبْعة وامرأَة رَبْعَةٌ فَصَارَ كَالِاسْمِ، والأَصل فِي بَابِ فَعْلة مِنَ الأَسماء مِثْلِ تَمْرة وجَفْنة أَن يُجْمَعَ عَلَى فَعَلات مِثْلِ تَمَرات وجَفَنات، وَمَا كَانَ مِنَ النُّعُوتِ عَلَى فَعْلة مِثْلِ شَاةٍ لَجْبة وامرأَة عَبْلة أَن يُجْمَعَ عَلَى فَعْلات بِسُكُونِ الْعَيْنِ وإِنما جُمِعَ رَبْعة عَلَى رَبَعات وَهُوَ نَعْتٌ لأَنه أَشبه الأَسماء لِاسْتِوَاءِ لَفْظِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ فِي وَاحِدِهِ؛ قَالَ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ امرأَة رَبْعة وَنِسْوَةٌ رَبْعات، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ رَبْعة وَرِجَالٌ رَبْعون فَيَجْعَلُهُ كَسَائِرِ النُّعُوتِ.
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَطول مِنَ المَرْبوع وأَقْصَر مِنَ المُشَذَّب "؛ فالمشذَّب: الطَّوِيلُ الْبَائِنُ، والمَرْبوعُ: الَّذِي لَيْسَ بِطَوِيلٍ وَلَا قَصِيرٍ، فَالْمَعْنَى أَنه لَمْ يَكُنْ مُفرط الطُّولِ وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ الرَّبْعة والمُشَذَّب.
والمَرابيعُ مِنَ الْخَيْلِ: المُجْتَمِعةُ الخَلْق.
والرَّبْعة، بِالتَّسْكِينِ: الجُونة جُونة العَطَّار.
وَفِي حَدِيثِ هِرَقْل: «ثُمَّ دَعَا بِشَيْءٍ كالرَّبْعة الْعَظِيمَةِ»؛ الرَّبْعة: إِناء مُربَّع كالجُونة.
والربَعَة: الْمَسَافَةُ بَيْنَ قَوَائِمِ الأَثافي والخِوان.
وحملْت رَبْعَه أَي نَعْشَه.
والربيعُ: الجَدْوَلُ.
والرَّبيعُ: الحَظُّ مِنَ الْمَاءِ مَا كَانَ، وَقِيلَ: هُوَ الحَظّ مِنْهُ رُبْع يَوْمٍ أَو لَيْلَةٍ؛ وَلَيْسَ بالقَوِيّ.
وَالرَّبِيعُ: السَّاقِيَةُ الصَّغِيرَةُ تَجْرِي إِلى النَّخْلِ، حِجَازِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ أَرْبِعاء ورُبْعان.
وَتَرَكْنَاهُمْ عَلَى رَباعاتِهم ورِباعَتِهم، بِكَسْرِ الرَّاءِ، ورَبَعاتهم ورَبِعاتِهم، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، أَي حالةٍ حسَنةٍ مِنَ اسْتقامتهم وأَمْرِهم الأَوَّل، لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ حُسْنِ الْحَالِ، وَقِيلَ: رِباعَتُهم شَأْنُهم، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: رَبَعاتُهم ورَبِعاتُهم مَنازِلُهم.
وَفِي كِتَابِهِ لِلْمُهَاجِرِينَ والأَنصار: " إِنهم أُمَّة وَاحِدَةٌ عَلَى رِباعتهم "أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ؛ يُرِيدُ أَنهم عَلَى أَمرهم الَّذِي كَانُوا عليه.
ورِباعةُ الرَّجُلِ: شأْنه وحالهُ الَّتِي هُوَ رابِعٌ عَلَيْهَا أَي ثَابِتٌ مُقيمٌ.
الْفَرَّاءُ: النَّاسُ عَلَى سَكَناتهم ونَزلاتهم ورَباعتهم ورَبَعاتهم يَعْنِي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ.
وَوَقَعَ فِي كِتَابِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيَهُودَ عَلَى رِبْعَتهم؛ هَكَذَا وُجِدَ فِي سِيَر ابْنِ إِسحاقَ وَعَلَى ذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ هِشَامٍ.
وَفِي حَدِيثِ المُغيرة: «أَن فُلَانًا قَدِ ارْتَبَعَ أَمْرَ الْقَوْمِ»أَي يَنْتَظِرُ أَن يُؤَمَّر عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْهُ المُسْتَرْبِعُ المُطيقُ لِلشَّيْءِ.
وَهُوَ عَلَى رِبَاعَةِ قَوْمِهِ أَي هُوَ سَيِّدهم.
وَيُقَالُ: مَا فِي بَنِي فُلَانٍ مَنْ يَضْبِطُ رِباعَته غَيْرُ فُلَانٍ أَي أَمْرَه وشأْنه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ.
وَفِي التَّهْذِيبِ: مَا فِي بَنِي فُلَانٍ أَحد تُغْني رِباعَتُه؛ قَالَ الأَخطل:
مَا فِي مَعَدٍّ فَتًى تُغْنِي رِباعَتُه، ***إِذا يَهُمُّ بأَمْرٍ صالِحٍ فَعَلا
والرِّباعةُ أَيضًا: نَحْوٌ مِنَ الحَمالة.
والرَّباعةُ والرِّباعة: الْقَبِيلَةُ.
والرَّباعِيةُ مِثْلُ الثَّمَانِيَةِ: إِحدى الأَسنان الأَربع الَّتِي تَلِي الثَّنايا بَيْنَ الثَّنِيّة وَالنَّابِ تَكُونُ للإِنسان وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ رَباعِياتٌ؛ قَالَ الأَصمعي: للإِنسان مِنْ فَوْقُ ثَنِيّتان ورَباعِيتان بَعْدَهُمَا، ونابانِ وضاحِكان وستةُ أَرْحاء مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وناجِذان، وَكَذَلِكَ مِنْ أَسفل.
قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِكُلِّ خُفّ وظِلْف ثَنِيّتان مِنْ أَسفل فَقَطْ، وأَما الحافرُ والسِّباع كلُّها فَلَهَا أَربع ثَنايا، وَلِلْحَافِرِ بَعْدَ الثَّنَايَا أَربعُ رَباعِيات وأَربعة قَوارِحَ وأَربعة أَنْياب وَثَمَانِيَةُ أَضراس.
وأَرْبَعَ الفرسُ وَالْبَعِيرُ: أَلقى رَباعِيته، وَقِيلَ: طَلَعَتْ رَباعِيتُه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَمْ أَجد إِلا جَمَلًا خِيارًا رَباعِيًا»، يُقَالُ لِلذَّكَرِ مِنَ الإِبل إِذا طلَعت رَباعِيتُه: رَباعٌ ورَباعٍ، وللأُنثى رَباعِيةٌ، بِالتَّخْفِيفِ، وَذَلِكَ إِذا دَخَلَا فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ.
وَفَرَسٌ رَباعٍ مِثْلُ ثَمان وَكَذَلِكَ الْحِمَارُ وَالْبَعِيرُ، وَالْجَمْعُ رُبَع، بِفَتْحِ الْبَاءِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، ورُبْع، بِسُكُونِ الْبَاءِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وأَرباع ورِباع، والأُنثى رَباعية؛ كُلُّ ذَلِكَ لِلَّذِي يُلقِي رَباعيته، فإِذا نَصَبْتَ أَتممت فَقُلْتَ: رَكِبْتُ بِرْذَوْنًا رَباعيًا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ حِمَارًا وحْشيًّا: " رَباعِيًا مُرْتَبِعًا أَو شَوْقَبَا "وَالْجَمْعُ رُبُعٌ مِثْلُ قَذال وقُذُل، ورِبْعان مِثْلُ غَزال وغِزْلان؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِلْغَنَمِ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، وَلِلْبَقَرِ وَالْحَافِرِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ، وللخُفّ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ، أَرْبَعَ يُرْبِع إِرْباعًا، وَهُوَ فَرَسٌ رَباع وَهِيَ فَرَسٌ رَباعِية.
وَحَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: الْخَيْلُ تُثْنِي وتُرْبِع وتُقْرِح، والإِبل تُثْنِي وتُرْبِع وتُسْدِسُ وتَبْزُلُ، وَالْغَنَمُ تُثْنِي وتُرْبِع وتُسدس وتَصْلَغُ، قَالَ: وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ إِذا اسْتَتَمَّ سَنَتَيْنِ جَذَع، فإِذا اسْتَتَمَّ الثَّالِثَةَ فَهُوَ ثَنيّ، وَذَلِكَ عِنْدَ إِلقائه رَواضِعَه، فإِذا اسْتَتَمَّ الرَّابِعَةَ فَهُوَ رَباع، قَالَ: وإِذا سَقَطَتْ رَواضِعه وَنَبَتَ مَكَانَهَا سِنّ فَنَبَاتُ تِلْكَ السِّنِّ هُوَ الإِثْناء، ثُمَّ تَسْقُط الَّتِي تَلِيهَا عِنْدَ إِرباعه فَهِيَ رَباعِيته، فيَنْبُت مَكَانَهُ سِنٌّ فَهُوَ رَباع، وَجَمْعُهُ رُبُعٌ وأَكثر الْكَلَامِ رُبُعٌ وأَرْباع.
فإِذا حَانَ قُرُوحه سَقَطَ الَّذِي يَلِي رَباعيته، فَيَنْبُتُ مَكَانَهُ قارِحُه وَهُوَ نابُه، وَلَيْسَ بَعْدَ الْقُرُوحِ سقُوط سِنّ وَلَا نَبَاتُ سِنٍّ؛ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ إِذا طعَن البعيرُ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ فَهُوَ جذَع، فإِذا طَعَنَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ فَهُوَ ثَنِيّ، فإِذا طَعَنَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَهُوَ رَباع، والأُنثى رَباعِية، فإِذا طَعَنَ فِي الثَّامِنَةِ فَهُوَ سَدَسٌ وسَدِيس، فإِذا طَعَنَ فِي التَّاسِعَةِ فَهُوَ بازِل، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: تُجْذِع العَناق لِسَنَةٍ، وتُثْنِي لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ، وَهِيَ رَباعِية لِتَمَامِ ثَلَاثِ سِنِينَ، وسَدَسٌ لِتَمَامِ أَربع سِنِينَ، وصالِغٌ لِتَمَامِ خَمْسِ سِنِينَ.
وَقَالَ أَبو فَقْعَسٍ الأَسدي: وَلَدُ الْبَقَرَةِ أَوّل سَنَةٍ تَبِيعٌ ثُمَّ جذَع ثُمَّ ثَنِيّ ثُمَّ رَباع ثُمَّ سَدَس ثُمَّ صالغٌ، وَهُوَ أَقصى أَسنانه.
والرَّبيعة: الرَّوْضة.
والرَّبيعة: المَزادَة.
والرَّبيعة: العَتِيدة.
وحَرْب رَباعِية: شَدِيدَةٌ فَتِيَّة، وَذَلِكَ لأَن الإِرْباع أَول شِدَّةِ الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ، فَهِيَ كَالْفَرَسِ الرَّباعي وَالْجَمَلِ الرَّباعي وَلَيْسَتْ كَالْبَازِلِ الذي هو في إِدبار وَلَا كالثَنيِّ فَتَكُونُ ضَعِيفَةً؛ وأَنشد:
لأُصْبِحَنْ ظَالِمًا حَرْبًا رَباعِيةً ***فاقْعُدْ لَهَا، ودَعَنْ عنكَ الأَظانِينا
قَوْلُهُ فاقْعُد لها أَي هيِء لَهَا أَقْرانَها.
يُقَالُ: قَعَدَ بَنُو فُلَانٍ لِبَنِي فُلَانٍ إِذا أَطاقوهم وَجَاؤُوهُمْ بأَعْدادهم، وَكَذَلِكَ قَعد فُلَانٌ بِفُلَانٍ، وَلَمْ يُفَسِّرِ الأَظانين، وجملٌ رباعٍ: كرباعٌ وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ؛ حَكَاهُ كُرَاعٌ قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا ثمانٍ وشَناحٍ فِي ثمانٌ وشناحٌ؛ والشناحُ: الطَّوِيلُ.
والرَّبِيعةُ: بَيْضَةُ السِّلَاحِ الْحَدِيدِ.
وأَرْبَعَت الإِبل بالوِرْد: أَسْرَعت الْكَرَّ إِليه فَوَرَدَتْ بِلَا وَقْتٍ، وَحَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.
والمُرْبِعُ: الَّذِي يُورِد كلَّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ.
وأَرْبَع بالمرأَة: كَرَّ إِلى مُجامَعتها مِنْ غَيْرِ فَتْرة، وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عذَم قَالَ: والمرأَة تَعْذَم الرجلَ إِذا أَرْبَع لَهَا بِالْكَلَامِ أَي تَشْتُمه إِذا سأَلها المَكْروه، وَهُوَ الإِرْباعُ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
48-لسان العرب (غلم)
غلم: الغُلْمةُ، بِالضَّمِّ: شَهْوَةُ الضِّرَاب.غَلِمَ الرجلُ وغيرهُ، بالكسر، يَغْلِمُ [يَغْلَمُ] غلْمًا واغْتَلَمَ اغْتِلامًا إِذَا هاجَ، وَفِي الْمُحْكَمِ: إِذَا غُلبَ شَهْوَةً، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ.
والغِلِّيمُ، بِالتَّشْدِيدِ: الشَّدِيدُ الغُلْمة، وَرَجُلٌ غَلِمٌ وغِلِّيمٌ ومِغْلِيمٌ، والأُنثى غَلِمة ومِغْلِيمةٌ ومِغْلِيمٌ وغِلِّيمةٌ وغِلِّيمٌ؛ قَالَ:
يَا عَمْرُو لَوْ كُنتَ فَتًى كَريما، ***أَو كُنْتَ ممَّنْ يَمْنَعُ الحَرِيما،
أَوْ كَانَ رُمْحُ اسْتِكَ مُسْتَقِيما ***نِكْتَ بِهِ جَارِيَةً هَضِيما،
نَيْكَ أَخيها أُخْتَكَ الغِلِّيما وَفِي الْحَدِيثِ: « خَيْرُ النِّسَاءِ الغَلِمةُ عَلَى زَوْجِهَا »؛ الغُلْمةُ: هَيَجان شَهْوَةِ النِّكَاحِ مِنَ المرأَة وَالرَّجُلِ وَغَيْرِهِمَا.
يُقَالُ: غَلِمَ غُلْمةً واغْتَلَمَ اغْتِلَامًا، وبَعِيرٌ غِلِّيمٌ كَذَلِكَ.
التَّهْذِيبُ: والمِغْلِيمُ سَوَاءٌ فِيهِ الذَّكَرُ والأُنثى، وَقَدْ أَغْلَمهُ الشيءُ.
وَقَالُوا: أَغْلَمُ الأَلبان لَبَنُ الخَلِفةِ؛ يُرِيدُونَ أَغْلم الأَلبان لِمَنْ شَرِبَهُ.
وَقَالُوا: شُرْبُ لَبَنِ الإِيَّل مَغلَمةٌ أَيْ أَنه تشتدُّ عَنْهُ الغُلْمة؛ قَالَ جَرِيرٍ:
أَجِعْثِنُ قَدْ لاقَيْتِ عِمرانَ شارِبًا، ***عَلى الحَبَّةِ الخَضْراءِ، أَلْبانَ إيَّلِ
وَفِي حَدِيثِ تَمِيمٍ والجَسَّاسة: « فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَم أَيْ هَاجٍ وَاضْطَرَبَتْ أَمواجه».
والاغْتِلام: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.
وَفِي نُسْخَةِ الْمُحْكَمِ: والاغْتِلامُ مُجَاوَزَةُ الإِنسان حَدَّ ما أُمر بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ، وَهُوَ مِنْ هَذَا، لأَن الِاغْتِلَامَ فِي الشَّهْوَةِ مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ فِيهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « قَالَ تَجَهَّزوا لِقِتَالِ المارِقِين المُغْتَلمين».
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الاغْتلام أَنْ يَتَجَاوَزَ الإِنسان حَدَّ مَا أُمر بِهِ من الخير والمباح، أَيِ الَّذِينَ جَاوَزُوا الْحَدَّ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: « تَجَهَّزوا لِقِتَالِ الْمَارِقِينَ المُغْتَلمين »أَيِّ الَّذِينَ تَجَاوَزُوا حَدَّ مَا أُمروا بِهِ مِنْ الدِّينِ وَطَاعَةِ الإِمام وبَغَوْا عَلَيْهِ وطَغَوْا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا اغْتَلَمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الأَشربة فاكْسِروها بِالْمَاءِ.
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: يَقُولُ إِذَا جَاوَزَتْ حَدَّها الَّذِي لَا يُسْكِرُ إِلَى حَدِّهَا الَّذِي يُسْكِرُ، وَكَذَلِكَ الْمُغْتَلِمُونَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ.
ابْنُ الأَعرابي: الغُلُمُ الْمَحْبُوسُونَ، قَالَ: وَيُقَالُ فُلَانٌ غُلامُ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ كَهْلًا، كَقَوْلِكَ فُلَانٌ فَتى العَسْكَر وَإِنْ كَانَ شَيْخًا؛ وأَنشد:
سَيْرًا تَرَى مِنْهُ غُلامَ النَّاسِ ***مُقَنَّعًا، وَمَا بهِ مِنْ بَاسِ،
إِلَّا بَقايا هَوْجَلِ النُّعاس "والغُلامُ مَعْرُوفٌ.
ابْنُ سِيدَهْ: الغُلامُ الطَّارُّ الشَّارِبُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ حِينِ يُولَدُ إِلَى أَن يَشِيبَ، وَالْجَمْعُ أَغْلِمَةٌ وغِلْمَةٌ وغِلْمانٌ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَغْنَى بِغِلْمَةٍ عَنْ أَغْلِمَةٍ، وَتَصْغِيرُ الغِلْمة أُغَيْلِمَةٌ عَلَى غير مُكَبَّره كأنهم صَغَّرُوا أَغْلِمَة، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوهُ، كَمَا قَالُوا أُصَيْبِيَة فِي تَصْغِيرِ صِبْيَة، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ غُلَيْمة عَلَى الْقِيَاسُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ صُبَيَّة أَيضًا؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " صُبَيَّة عَلَى الدُّخانِ رُمْكا وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: « بَعثَنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُغَيْلِمَة بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ جَمْعٍ بلَيْلٍ »؛ هُوَ تَصْغِيرٌ أَغْلِمة جَمْعُ غُلام فِي الْقِيَاسُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَمْ يَرِدْ فِي جَمْعِهِ أَغْلِمة، وَإِنَّمَا قَالُوا غِلْمَة، وَمِثْلُهُ أُصَيْبِيَة تَصْغِيرُ صِبْيَة، وَيُرِيدُ بالأُغَيْلمة الصِّبْيان، وَلِذَلِكَ صَغَّرَهُمْ، والأُنثى غُلامةٌ؛ قَالَ أَوس بْنُ غَلْفاء الهُجَيمي يَصِفُ فَرَسًا:
أَعانَ عَلَى مِراس الحَرْب زَغْفٌ، ***مُضاعَفَةٌ لَهَا حَلَقٌ تُؤَامُ
ومُطَّرِدُ الكُعوب ومَشْرَفِيٌّ ***مِنَ الأُولى، مَضَارِبُه حُسامُ
ومُركضَةٌ صَرِيحِيٌّ أَبُوها، ***يُهانُ لَهَا الغُلامةُ والغُلامُ
وَهُوَ بَيِّنُ الغُلُومة والغُلُوميَّة والغُلامِيَّة، وَتَصْغِيرُهُ غُلَيِّم، وَالْعَرَبُ يَقُولُونَ لِلْكَهْلِ غُلامٌ نَجيبٌ، وَهُوَ فاشٍ فِي كَلَامِهِمْ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
تَنَحَّ، يَا عَسيفُ، عَنْ مَقامِها ***وطَرِّحِ الدَّلْوَ إِلَى غُلامِها
قَالَ: غُلامُها صاحِبُها.
والغَيْلَمُ: المرأَة الحَسْناء، وَقِيلَ: الغَيْلَمُ الْجَارِيَةُ المُغْتَلِمَة؛ قَالَ عِيَاضُ الْهُذَلِيُّ:
مَعِي صاحِبٌ مِثلُ حَدِّ السِّنان، ***شَدِيدٌ عَلى قِرْنِهِ مِحْطَمُ
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
مِنَ المُدَّعِينَ إِذَا نُوكِرُوا، ***تُنِيفُ إِلَى صَوْتِهِ الغَيلَمُ
اللَّيْثُ: الغَيلَمُ والغَيْلَمِيُّ الشابُّ الْعَظِيمُ المَفْرِق الْكَثِيرُ الشَّعْرِ.
الْمُحْكَمُ: والغَيْلَمُ والغَيلَمِيُّ الشَّابُّ الْكَثِيرُ الشَّعْرِ الْعَرِيضُ مَفْرِقِ الرأْس.
والغَيْلَمُ: السُّلَحْفاة، وَقِيلَ: ذكَرُها.
والغَيْلَمُ أَيضًا: الضِّفْدَع.
والغَيْلَمُ: مَنْبَعُ الْمَاءِ فِي الْبِئْرِ.
والغَيْلَمُ: المِدْرى؛ قَالَ:
يُشَذِّبُ بالسَّيْفِ أَقْرانَهُ، ***كَمَا فَرَّقَ اللِّمَّةَ الغَيْلَمُ
قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُ الغَيْلم المِدْرى لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَدَلَّ اسْتِشْهَادُهُ بِالْبَيْتِ عَلَى تَصْحِيفِهِ.
قَالَ: وأَنشدني غَيْرُ وَاحِدٍ بَيْتَ الْهُذَلِيُّ:
ويَحْمِي المُضافَ إِذَا مَا دَعا، ***إِذَا فَرَّ ذُو اللِّمِّةِ الغَيْلَمُ
قَالَ: هَكَذَا أَنْشَدَنِيهِ الإِيادي عَنْ شَمِرٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ: الغَيْلَمُ الْعَظِيمُ، قَالَ: وأَنشدنيه غَيْرُهُ: كما فَرَّقَ اللِّمَّةَ الفَيْلَمُ "بِالْفَاءِ، قَالَ: وَهَكَذَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي فِي رِوَايَةِ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْهُ، قَالَ: والفَيْلَمُ المُشْط، والغَيْلَمُ: موضعٌ فِي شِعْرِ عَنترة؛ قَالَ:
كيْفَ المَزارُ، وَقَدْ تَرَبَّعَ أَهْلُها ***بعُنَيْزَتَيْنِ، وأَهْلُنا بالغَيْلَم؟
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
49-لسان العرب (سفه)
سفه: السَّفَهُ والسَّفاهُ والسَّفاهة: خِفَّةُ الحِلْم، وَقِيلَ: نَقِيضُ الحِلْم، وأَصله الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ، وَقِيلَ: الْجَهْلُ وَهُوَ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ.وَقَدْ سَفِهَ حِلْمَه ورأْيَه ونَفْسَه سَفَهًا وسَفاهًا وسَفاهة: حَمَلَهُ عَلَى السَّفَهِ.
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْعَالِي، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سَفُه، وَهِيَ قَلِيلَةٌ.
وَقَوْلُهُمْ: سَفِهَ نَفْسَهُ وغَبِنَ رَأْيَه وبَطِرَ عَيْشَه وأَلِمَ بَطْنَه ووَفِقَ أَمْرَه ورَشِدَ أَمْرَه، كَانَ الأَصلُ سَفِهَتْ نفسُ زَيْدٍ ورَشِدَ أَمْرُه، فَلَمَّا حُوِّل الْفِعْلُ إِلَى الرَّجُلِ انْتَصَبَ مَا بَعْدَهُ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، لأَنه صَارَ فِي مَعْنَى سَفَّهَ نَفْسَه، بِالتَّشْدِيدِ؛ هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكِسَائِيِّ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ هَذَا الْمَنْصُوبِ كَمَا يَجُوزُ غلامَه ضَرَبَ زيدٌ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَمَّا حُوِّل الفعلُ مِنَ النَّفْسِ إِلَى صَاحِبِهَا خَرَجَ مَا بَعْدَهُ مُفَسِّرًا لِيَدُلَّ عَلَى أَن السَّفَه فِيهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ أَن يَكُونَ سَفِه زيدٌ نَفْسًا، لأَن المُفَسِّر لَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَكِنَّهُ تُرِكَ عَلَى إِضَافَتِهِ وَنُصِبَ كَنَصْبِ النَّكِرَةِ تَشْبِيهًا بِهَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ تَقْدِيمُهُ لأَن الْمُفَسِّرَ لَا يتقدَّم؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: ضِقْتُ بِهِ ذَرْعًا وطَبْتُ بِهِ نَفْسًا، وَالْمَعْنَى ضَاقَ ذَرْعي بِهِ وَطَابَتْ" نَفْسِي بِهِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي مَعْنَى سَفِهَ نَفْسه وَانْتِصَابِهِ، فَقَالَ الأَخفش: أَهل التأْويل يَزْعُمُونَ أَن الْمَعْنَى سَفَّه نفسَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ سَفِهَ الحقَّ، مَعْنَاهُ مَنْ سَفَّه الحقَّ، وَقَالَ يُونُسُ النَّحْوِيُّ: أُراها لُغَةً ذَهَبَ يُونُسُ إِلَى أَن فَعِلَ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا أَنَّ فَعَّلَ لِلْمُبَالَغَةِ، فَذَهَبَ فِي هَذَا مَذْهَبَ أَهل التأْويل، وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَفِهْتُ زَيْدًا بِمَعْنَى سَفَّهْتُ زَيْدًا؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى سَفِهَ نفسَه أَهلك نفسَه وأَوْبَقَها، وَهَذَا غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ مَذْهَبِ يُونُسَ وأَهل التأْويل؛ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: إِنَّ نَفْسَهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقَالَا: التَّفْسِيرُ فِي النَّكِرَاتِ أَكثر نَحْوَ طِبْتُ بِهِ نَفْسًا وقَرِرْتُ بِهِ عَيْنًا، وَقَالَا: إِنَّ أَصل الْفِعْلِ كَانَ لَهَا ثُمَّ حوِّل إِلَى الْفَاعِلِ؛ أَراد أَن قَوْلَهُمْ طِبْتُ بِهِ نَفْسًا مَعْنَاهُ طَابَتْ نَفْسِي بِهِ، فَلَمَّا حُوِّلَ الْفِعْلُ إِلَى صَاحِبِ النَّفْسِ خَرَجَتِ النفسُ مُفَسِّرة، وأَنكر الْبَصْرِيُّونَ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا إِنَّ الْمُفَسِّرَاتِ نَكِرَاتٌ وَلَا يَجُوزُ أَن تُجْعَلَ الْمَعَارِفُ نَكِرَاتٍ، وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّ قَوْلُهُ تعالى: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}؛ مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ سَفِهَ فِي نَفْسِهِ أَي صَارَ سَفِيهًا، إِلَّا أَن فِي حُذِفَتْ كَمَا حُذِفَتْ حُرُوفَ الْجَرِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلَا جُناحَ عليكم أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكم}؛ المعنى أَن تَسْتَرْضِعُوا لأَولادكم، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ مِنْ غَيْرِ ظَرْفٍ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
نُغالي اللَّحْمَ للأَضْيافِ نِيًّا، ***ونَبْذُلُه إِذَا نَضِجَ القُدورُ
الْمَعْنَى: نُغَالِي بِاللَّحْمِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقَوْلُ الْجَيِّدُ عِنْدِي فِي هَذَا أَن سَفِهَ فِي مَوْضِعِ جَهِلَ، وَالْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعلم، إِلَّا مَنْ جَهِل نَفْسَه أَي لَمْ يُفَكِّرْ فِي نَفْسِهِ فَوَضَعَ سَفِهَ فِي مَوْضِعِ جَهِلَ، وعُدِّيَ كَمَا عُدِّيَ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَهُ النَّحْوِيُّونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: وَمِمَّا يقوِّي قَوْلَ الزَّجَّاجِ الْحَدِيثُ الثابتُ الْمَرْفُوعُ حِينَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الكِبْر فَقَالَ: الكِبْرُ أَن تَسْفَهَ الحَقَّ وتَغْمِطَ الناسَ، فَجَعَلَ سَفِهَ وَاقِعًا مَعْنَاهُ أَنْ تَجْهَلَ الْحَقَّ فَلَا تَرَاهُ حَقًّا، وَاللَّهُ أَعلم.
وَقَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: أَصلُ السَّفَهِ الخِفَّةُ، وَمَعْنَى السَّفِيهِ الخفيفُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ أَي سَفِهَتْ نَفْسُه أَيْ صَارَتْ سَفِيهَةً، وَنُصِبَ نَفْسَهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُحَوَّلِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « إِنَّمَا البَغْيُ مَنْ سَفِهَ الحقَ» أَي مِنْ جَهِلَهُ، وَقِيلَ: مَنْ جَهِلَ نَفْسَهُ، وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِنَّمَا الْبَغْيُ فِعْلُ مَنْ سَفِهَ الحقَّ.
والسَّفَهُ فِي الأَصل: الخِفَّة والطَّيْشُ.
وَيُقَالُ: سَفِهَ فلانٌ رأْيه إِذَا جَهِلَهُ وَكَانَ رأْيه مُضْطَرِبًا لَا اسْتِقَامَةَ لَهُ.
والسَّفيه: الْجَاهِلُ.
وَرَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ سَفَهِ الحَقِ، عَلَى أَنه اسْمٌ مُضَافٌ إِلَى الْحَقِّ، قَالَ: وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحدهما على أَن يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْجَارِ وَإِيصَالِ الْفِعْلِ كَانَ الأَصلُ سَفِهَ عَلَى الْحَقِّ، وَالثَّانِي أَن يُضَمَّنَ مَعْنَى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ كَجَهِلَ، وَالْمَعْنَى الاستخفاف بالحق وأَن لا يَرَاهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّجْحان والرَّزانة.
الأَزهري: رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ الزّافِهُ السَّرابُ والسافِهُ الأَحمق.
ابْنُ سِيدَهْ: سَفِهَ عَلَيْنَا وسَفُهَ جَهِلَ، فَهُوَ سَفِيهٌ، وَالْجَمْعُ سُفَهاء وسِفَاهٌ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {كَما آمَنَ السُّفَهاءُ}؛ أَي الجُهّال.
وَالسَّفِيهُ: الْجَاهِلُ، والأُنثى سَفِيهَةٌ، وَالْجَمْعُ سَفِيهات وسَفائِهُ وسُفَّهٌ وسِفاهٌ.
وسَفَّه الرجلَ: جَعَلَهُ سَفِيهًا.
وسَفَّهَهُ: نَسَبَهُ إِلَى السَّفَه، وسافَهه مُسافَهة.
يُقَالُ: سَفِيه لَمْ يَجِدْ مُسافِهًا.
وسَفَّه الجهلُ حِلْمَه: أَطاشه وأَخَفَّه؛ قَالَ:
وَلَا تُسَفِّهُ عِنْدَ الوِرْد عَطْشَتُها ***أَحلامَنا، وشَريبُ السَّوْءِ يَضْطرِمُ
وسَفِهَ نفْسَه: خَسِرَها جَهْلًا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيامًا}.
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَلَغَنَا أَنهم النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ الصِّغَارُ لأَنهم جُهّال بِمَوْضِعِ النَّفَقَةِ.
قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: النساءُ أَسْفَهُ السُّفهاء.
وَفِي التَّهْذِيبِ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ، يَعْنِي المرأَة وَالْوَلَدَ، وَسُمِّيَتْ سَفِيهَةً لِضَعْفِ عَقْلِهَا، ولأَنها لَا تُحْسِنُ سِيَاسَةَ مَالِهَا، وَكَذَلِكَ الأَولاد مَا لَمْ يُؤنَس رُشْدُهم.
وقولُ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُسَفِّه أَحْلامنا، مَعْنَاهُ أَتُجَهِّلُ أَحْلامَنا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا}؛ السَّفِيهُ: الخفيفُ الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ تَسَفَّهَتِ الرِّياحُ الشيءَ إِذَا اسْتَخَفَّتْهُ فَحَرَّكَتْهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: السَّفِيهُ الْجَاهِلُ وَالضَّعِيفُ الأَحمق؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْجَاهِلُ هَاهُنَا هُوَ الْجَاهِلُ بالأَحكام لَا يُحْسِنُ الإِملال وَلَا يَدْرِي كَيْفَ هُوَ، وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا فِي أَحواله كُلِّهَا مَا جَازَ لَهُ أَن يُداين؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ جَاهِلًا أَو صَغِيرًا.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السَّفِيهُ الْجَاهِلُ بالإِملال.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا خطأٌ لأَنه قَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ.
وسَفُه عَلَيْنَا، بِالضَّمِّ، سَفاهًا وسَفاهَةً وسَفِهَ، بِالْكَسْرِ، سَفَهًا، لُغَتَانِ، أَي صَارَ سَفِيهًا، فَإِذَا قَالُوا سَفِهَ نَفْسَه وسَفِهَ رَأْيَه لَمْ يَقُولُوهُ إلَّا بِالْكَسْرِ، لأَن فَعُلَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا.
ووادٍ مُسْفَه: مَمْلُوءٌ كأَنه جَازَ الحدَّ فسَفُهَ، فمُسْفَه عَلَى هَذَا مُتَوَهَّم مِنْ بَابٍ أَسْفَهْتُه وَجَدْته سَفِيهًا؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرِّقاع:
فَمَا بِهِ بَطْنُ وادٍ غِبَّ نَضْحَتِه، ***وَإِنْ تَراغَبَ، إِلَّا مُسْفَهٌ تَئِقُ
والسَّفَهُ: الخِفَّة.
وَثَوْبٌ سَفِيهٌ لَهْلَهٌ سَخِيف.
وتَسَفَّهَتِ الرياحُ: اضطَرَبت: وتَسَفَّهت الريحُ الغُصونَ: حرَّكتها وَاسْتَخَفَّتْهَا؛ قَالَ:
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ ***أَعالِيَها مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ
وتَسَفَّهَتِ الريحُ الشجرَ أَي مَالَتْ بِهِ.
وَنَاقَةٌ سَفِيهة الزِّمامِ إِذَا كَانَتْ خَفِيفَةَ السَّيْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ سَيْفًا:
وأَبْيَضَ مَوْشِيِّ القَمِيصِ نَصَبْتُه ***عَلَى ظَهْرِ مِقْلاتٍ سَفِيهٍ جَديلُها
يَعْنِي خفيفٍ زِمامُها، يُرِيدُ أَن جَدِيلَهَا يَضْطَرِبُ لِاضْطِرَابِ رأْسها.
وسافَهَتِ الناقةُ الطريقَ إِذَا خَفَّتْ فِي سَيْرِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَحْدُو مَطِيَّاتٍ وقَوْمًا نُعَّسا ***مُسافِهاتٍ مُعْمَلًا مُوَعَّسا
أَراد بالمُعْمَلِ المُوعَّسِ الطريقَ الْمَوْطُوءَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما قَوْلُ خَلَفِ بْنِ إِسْحاَقَ البَهْرانيّ:
بعَثْنا النَّواعِجَ تَحْتَ الرِّحالْ، ***تَسافَهُ أَشْداقُها فِي اللُّجُمْ
فَإِنَّهُ أَراد أَنها تَترامى بلُغامِها يَمْنةً ويَسْرَة، كَقَوْلِ الجَرْمي:
تَسافَهُ أَشْداقُها باللُّغامْ، ***فتَكْسُو ذَفارِيَها والجُنُوبا
فَهُوَ مِنْ تَسافُهِ الأَشْداق لَا تَسافُهِ الجُدُلِ، وأَما المُبَرّدُ فَجَعَلَهُ مِنْ تَسافُه الجُدُل، والأَول أَظهر.
وسَفِه الماءَ يَسْفَهُه سَفْهًا: أَكثر شُرْبَهُ فَلَمْ يَرْوَ، وَاللَّهُ أَسْفَهه إِيَّاهُ.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: سَفِهْتُ الماءَ وسافَهْتُه شَرِبْتَهُ بِغَيْرِ رِفْقٍ.
وسَفِهْتُ الشرابَ، بِالْكَسْرِ، إِذَا أَكثرت مِنْهُ فَلَمْ تَرْوَ، وأَسْفَهَكَه اللَّهُ.
وسافَهْتُ الدَّنَّ أَو الوَطْبَ: قاعَدْتُه فشَرِبْتُ مِنْهُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ.
وسافَهْتُ الشرابَ إِذَا أَسرفت "فِيهِ؛ قَالَ الشَّمَّاخ:
فَبِتُّ كأَنني سافَهْتُ صِرْفًا ***مُعَتَّقَةً حُمَيَّاها تَدُورُ
الأَزهري: رَجُلٌ ساهِفٌ وسافِهٌ شَدِيدُ الْعَطَشِ.
ابْنُ الأَعرابي: طَعَامٌ مَسْهَفَة ومَسْفَهة إِذَا كَانَ يَسْقِي الماءَ كَثِيرًا.
وسَفَهْتُ وسَفِهْتُ، كِلَاهُمَا، شُغِلْتُ أَو شَغَلْتُ.
وسَفِهْتُ نَصِيبِي: نَسِيتُه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وتَسَفَّهْتُ فُلَانًا عَنْ مَالِهِ إِذَا خَدَعْتَهُ عَنْهُ.
وتَسَفَّهْتُ عَلَيْهِ إِذَا أَسمعته.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
50-لسان العرب (قضى)
قضى: القَضاء: الْحُكْمُ، وأَصله قَضايٌ لأَنه مَنْ قَضَيْت، إِلا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الأَلف هُمِزَتْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بَعْدَ الأَلف الزَّائِدَةِ طَرَفًا هُمِزَتْ، وَالْجَمْعُ الأَقْضِيةُ، والقَضِيَّةُ مِثْلُهُ، وَالْجَمْعُ القَضَايَا عَلَى فَعالَى وأَصله فَعائل.وقَضَى عَلَيْهِ يَقْضِي قَضَاء وقَضِيَّةً، الأَخيرة مَصْدَرٌ كالأُولى، وَالِاسْمُ القَضِيَّة فَقَطْ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَالَ أَهل الْحِجَازِ الْقَاضِي مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ القاطِع للأُمور المُحِكم لَهَا.
واسْتُقْضِي فُلَانٌ أَي جُعِل قاضِيًا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ.
وقَضَّى الأَميرُ قاضِيًا: كَمَا تَقُولُ أَمرَ أَميرًا.
وَتَقُولُ: قَضى بَيْنَهُمْ قَضِيَّة وقَضايا.
والقَضايا: الأَحكام، وَاحِدَتُهَا قَضِيَّةٌ.
وَفِي صُلْحِ الحُدَيْبِيةِ: " هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، هُوَ فاعَلَ مِنَ القَضاء الفَصْلِ والحُكْم لأَنه كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهل مَكَّةَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ القَضاء، وأَصله القَطْع وَالْفَصْلُ.
يُقَالُ: قَضَى يَقْضِي قَضَاء فَهُوَ قاضٍ إِذا حَكَم وفَصَلَ.
وقَضاء الشَّيْءِ: إِحْكامُه وإِمْضاؤُه وَالْفَرَاغُ مِنْهُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الخَلْق.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: القَضَاء فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إِلى انْقِطَاعِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ.
وكلُّ مَا أُحْكِم عَمَلُهُ أَو أُتِمَّ أَو خُتِمَ أَو أُدِّيَ أَداء أَو أُوجِبَ أَو أُعْلِمَ أَو أُنْفِذَ أَو أُمْضِيَ فَقَدْ قُضِيَ.
قَالَ: وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فِي الْحَدِيثِ، وَمِنْهُ القَضاء الْمَقْرُونُ بالقَدَر، وَالْمُرَادُ بالقَدَر التَّقْدِيرُ، وبالقَضاء الخَلق كَقَوْلِهِ تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ}؛ أَي خَلَقَهُنَّ، فالقَضاء والقَدَرُ أَمران مُتَلازمان لَا يَنْفك أَحدهما عَنِ الْآخَرِ، لأَن أَحدهما بِمَنْزِلَةِ الأَساس وَهُوَ القَدر، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ وَهُوَ القَضاء، فَمَنْ رَامَ الفَصْل بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَامَ هَدْمَ الْبِنَاءِ ونَقْضه.
وقَضَى الشيءَ قَضاءً: صنَعه وقَدَّره؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ}؛ أَي فَخَلَقَهُنَّ وعَمِلهن وَصَنَعَهُنَّ وقطَعَهن وأَحكم خَلْقَهُنَّ، وَالْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْعَمَلِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ}؛ مَعْنَاهُ فَاعْمَلْ مَا أَنت عَامِلٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وعَلَيْهِما مَسْرُودَتانِ قَضاهُما ***داودُ، أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
قَالَ ابن السيرافي: قَضاهما فَرغ مِنْ عَمَلِهِمَا.
وَالْقَضَاءُ: الحَتْم والأَمْرُ.
وقَضَى أَي حَكَمَ، وَمِنْهُ القَضَاء والقَدر.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}؛ أَي أَمَر رَبُّكَ وحَتم، وَهُوَ أَمر قَاطِعٌ حَتْم.
وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ}؛ وَقَدْ يَكُونُ" بِمَعْنَى الْفَرَاغِ، تَقُولُ: قَضَيت حَاجَتِي.
وقَضى عَلَيْهِ عَهْدًا: أَوصاه وأَنفذه، وَمَعْنَاهُ الْوَصِيَّةُ، وَبِهِ يُفَسَّرُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ}؛ أَي عَهِدْنا وَهُوَ بِمَعْنَى الأَداء والإِنْهاء.
تَقُولُ: قَضَيْتُ دَيْني، وَهُوَ أَيضًا مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ}، وَقَوْلِهِ: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ: أَي أَنْهَيْناه إِلَيْهِ وأَبْلَغْناه ذَلِكَ، وقَضى أَي حَكَمَ.
وَقَوْلِهِ تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}؛ أَي مِنْ قَبْلِ أَن يُبَيَّن لَكَ بَيَانُهُ.
اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ؛ أَي أَتْمَمْنا عَلَيْهِ الْمَوْتُ.
وقَضَى فُلَانٌ صِلَاتَهُ أَي فَرَغَ مِنْهَا.
وقَضَى عَبْرَتَه أَي أَخرج كُلَّ مَا فِي رأْسِه؛ قَالَ أَوس:
أَمْ هَل كَثِيرُ بُكىً لَمْ يَقْضِ عَبْرَتَه، ***إثرَ الأَحِبَّةِ يومَ البَيْنِ، مَعْذُور؟
أَيْ لَمْ يُخْرِج كلَّ مَا فِي رأْسه.
والقاضِيَةُ: المَنِيَّة الَّتِي تَقْضِي وَحِيًّا.
والقَاضِيَةُ: المَوت، وَقَدْ قَضَى قَضاء وقُضِيَ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ:
تَحنُّ فَتُبْدِي مَا بِهَا مِنْ صَبابةٍ، ***وأُخِفي الَّذِي لَوْلَا الأَسا لقَضَانِي
مَعْنَاهُ قَضَى عَليَّ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي: " سَمَّ ذَرارِيحَ جَهِيزًا بالقَضِي فَسَّرَهُ فَقَالَ: القَضِي الْمَوْتُ الْقَاضِي، فَأَمَّا أَن يَكُونَ أَراد القَضي، بِالتَّخْفِيفِ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ أَراد القَضِيّ فَحَذَفَ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ كَمَا قَالَ:
أَلم تَكُنْ تَحْلِف باللهِ العَلي، ***إنَّ مَطاياكَ لَمِنْ خَيْرِ المَطِي؟
وقَضَى نَحْبَه قَضاءً: مَاتَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ لِلْكُمَيْتِ: " وَذَا رَمَقٍ مِنْهَا يُقَضِّي وطافِسا "إِمَّا أَن يَكُونَ فِي مَعْنَى يَقْضِي، وَإِمَّا أَن يَكُونَ أَن الْمَوْتَ اقْتَضَاهُ فَقَضَاهُ دَيْنَهُ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْقَطَامِيُّ:
فِي ذِي جُلُولٍ يُقَضِّي الموتَ صاحبُه، ***إِذَا الصَّراريُّ مِنْ أَهْوالِه ارْتَسَما
أَي يَقْضِي الموتَ مَا جَاءَهُ يَطْلُب مِنْهُ وَهُوَ نفْسُه.
وضَرَبَه فَقَضَى عَلَيْهِ أَي قَتَلَهُ كأَنه فَرَغَ مِنْهُ.
وسَمٌّ قَاضٍ أَي قَاتِلٌ.
ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ قَضَى الرجلُ وقَضَّى إِذَا مَاتَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا الشَّخْصُ فِيهَا هَزَّه الآلُ أَغْمَضَتْ ***عليهِ، كإغْماضِ المُقَضِّي هُجُولُها
وَيُقَالُ: قَضَى عَليَّ وقَضَانِي، بإِسقاط حَرْفِ الْجَرِّ؛ قَالَ الْكِلَابِيُّ:
فَمَنْ يَكُ لَمْ يَغْرَضْ فَإِنِّي وناقَتي، ***بِحَجْرٍ إِلَى أَهلِ الحِمَى، غَرِضان
تَحِنُّ فَتُبْدِي مَا بِهَا مِنْ صَبابَة، ***وأُخْفِي الَّذِي لَوْلَا الأَسا لقَضاني
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ}؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى قُضِيَ الأَمر أُتِم إهْلاكُهم.
قَالَ: وقَضَى فِي اللُّغَةِ عَلَى ضُروب كلُّها تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى انْقِطاعِ الشَّيْءِ وتَمامِه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ قَضى أَجَلًا}؛ مَعْنَاهُ ثُمَّ حَتَم بِذَلِكَ وأَتَمَّه، وَمِنْهُ الإِعْلام؛ وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ}؛ أَي أَعْلَمْناهم إِعْلَامًا قَاطِعًا، وَمِنْهُ القَضَاء للفَصْل فِي الحُكْم وهو قوله: لَوْلا (كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى) أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ؛ أَي لفُصِلَ الحُكْم بَيْنَهُمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلِهِمْ: قَدْ قَضَى القاضِي" بَيْنَ الخُصومِ أَي قَدْ قَطَع بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ، وَمِنْ ذَلِكَ: قَدْ قَضَى فُلَانٌ دَيْنه، تأْويله أَنه قَدْ قَطَع مَا لغَريمه عَلَيْهِ وأَدَّاه إِلَيْهِ وقَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
واقْتَضَى دَيْنه وتَقاضاه بِمَعْنَى.
وكلُّ مَا أُحْكِمَ فَقَدَ قُضِيَ.
تَقُولُ: قَدْ قَضَيْتُ هَذَا الثوبَ، وَقَدْ قَضَيْتُ هَذِهِ الدَّارَ إِذَا عَمِلْتها وأَحْكَمْتَ عَمَلَها، وأَما قَوْلُهُ: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ "، فَإِنَّ أَبا إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ افْعلُوا مَا تُريدون، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ ثُمَّ امْضُوا إليَّ كَمَا يُقَالُ قَدْ قَضىَ فُلَانٌ، يُرِيدُ قَدْ مَاتَ ومَضى؛ وقال أَبو إسحاق: هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فِي هُودٍ: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ؛ يَقُولُ: اجْهَدُوا جَهْدَكم فِي مُكايَدَتي والتَّأَلُّب عليَّ، وَلا تُنْظِرُونِ أَي وَلَا تُمْهِلوني؛ قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَقوى آيَاتِ النُّبُوَّةِ أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ لِقَوْمِهِ وَهُمْ مُتعاوِنون عَلَيْهِ افْعَلُوا بِي مَا شِئْتُمْ.
وَيُقَالُ: اقْتَتَلَ الْقَوْمُ فقَضَّوْا بَيْنَهُمْ قَواضِيَ وَهِيَ المَنايا؛ قَالَ زُهَيْرٌ: " فقَضَّوا مَنايا بينَهم ثُمَّ أَصْدَرُوا "الْجَوْهَرِيُّ: قَضَّوا بَيْنَهُمْ مَنَايَا، بِالتَّشْدِيدِ، أَي أَنْفَذوها.
وقَضَّى اللُّبانةَ أَيضًا، بِالتَّشْدِيدِ، وقَضاها، بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى.
وقَضى الغَريمَ دَيْنَه قَضَاءً: أَدَّاه إِلَيْهِ.
واستَقْضاه: طلَب إِلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَه.
وتَقَاضَاه الدَّيْنَ: قَبَضَه مِنْهُ؛ قَالَ:
إِذَا مَا تَقَاضَى المَرْءَ يومٌ ولَيلةٌ، ***تَقَاضَاه شيءٌ لَا يَمَلُّ التَّقَاضِيا
أَراد: إِذَا مَا تَقاضى المرءَ نَفْسَه يومٌ وَلَيْلَةٌ.
وَيُقَالُ: تَقَاضَيْته حَقِّي فَقضانِيه أَي تَجازَيْتُه فجَزانِيه.
وَيُقَالُ: اقْتَضَيْتُ مَا لِي عَلَيْهِ أَي قَبَضْته وأَخذْته.
والقَاضِيةُ مِنَ الإِبل: مَا يَكُونُ جَائِزًا فِي الدِّية والفَريضةِ الَّتِي تَجِب فِي الصَّدقة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
لَعَمْرُكَ مَا أَعانَ أَبو حَكِيمٍ ***بِقاضِيةٍ، وَلَا بَكْرٍ نَجِيب
وَرَجُلٌ قَضِيٌّ: سَرِيعُ القَضاء، يَكُونُ مِنْ قَضاء الْحُكُومَةِ وَمِنْ قَضَاء الدَّين.
وقَضى وطَرَه: أَتمَّه وبلَغه.
وقَضَّاه: كَقَضاه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو زَيْدٍ:
لقَدْ طالَ مَا لَبَّثْتَني عَنْ صَحابَتي ***وعَن حِوَجٍ، قِضَّاؤُها مِنْ شِفائِيا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ عِنْدِي مِنْ قَضَّى ككِذّابٍ مِنْ كَذَّبَ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَن يُرِيدَ اقْتِضَاؤُهَا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ قِتَّالٍ كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ فِي اقْتِتالِ.
والانْقِضاء: ذَهاب الشَّيْءِ وفَناؤه، وَكَذَلِكَ التَّقَضِّي.
وانْقَضَى الشَّيْءُ وتَقَضَّى بِمَعْنًى.
وانْقِضاء الشَّيْءِ وتَقَضِّيه: فَناؤه وانْصِرامُه؛ قَالَ:
وقَرَّبُوا للْبَيْن والتَّقَضِّي ***مِنْ كلِّ عَجَّاجٍ تَرى للغَرْضِ،
خَلْفَ رَحى حَيْزُومِه كالغَمْضِ "أَي كَالْغَمْضِ الَّذِي هُوَ بَطْنُ الْوَادِي؛ فَيَقُولُ تَرَى للغَرْضِ فِي جَنْبِه أَثرًا عَظِيمًا كَبَطْنِ الْوَادِي.
والقَضَاة: الجِلدة الرَّقيقةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ.
والقِضَةُ، مُخَفَّفَةً: نِبْتةٌ سُهْلِيَّةٌ وَهِيَ مَنْقُوصَةٌ، وَهِيَ مِنَ الحَمْض، وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَجَمْعُهَا قِضًى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهِيَ مِنْ مُعْتَلِّ الْيَاءِ، وَإِنَّمَا قَضَيْنا بأَن لَامَهَا يَاءٌ لِعَدَمِ ق ض وو وجود ق ض ي.
الأَصمعي: مِنْ نَبَاتِ السَّهْلِ الرِّمْثُ والقِضةُ، وَيُقَالُ فِي جَمْعِهِ قِضاتٌ وقِضُون.
ابْنُ السِّكِّيتِ: تُجْمَعُ القِضةُ قِضِينَ؛ وأَنشد أَبو الْحَجَّاجِ:
بِساقَيْنِ ساقَيْ ذِي قِضِينَ تَحُشُّه ***بأَعْوادِ رَنْدٍ، أَو أَلاوِيةً شُقْرا
وَقَالَ أُمية بْنُ أَبي الصَّلْت:
عَرَفْتُ الدَّارَ قَدْ أَقْوَتْ سِنينا ***لِزَيْنَبَ، إذْ تَحُلُّ بِذِي قِضِينا
وقِضةُ أَيضًا: مَوْضِعٌ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ تحْلاق اللِّمَمِ، وتَجمع على قِضَاتٍ وقِضِين، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ أَرسلت بَنُو حَنِيفَةَ الفِنْد الزِّمَّانيَّ إلى أَولاد ثعلبة حِينَ طَلَبُوا نَصْرَهُمْ عَلَى بَنِي تَغْلِب، فَقَالَ بَنُو حَنِيفَةَ: قَدْ بَعَثْنَا إِلَيْكُمْ بأَلف فَارِسٍ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ عَدِيد الأَلف، فَلَمَّا قَدَمَ عَلَى بَنِي ثَعْلَبٍةَ قَالُوا لَهُ: أَين الأَلف؟ قَالَ أَنا، أَما تَرضَوْن أَني أَكون لَكُمْ فِنْدًا؟ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَبَرَزُوا للقِتال حَمَلَ عَلَى فَارِسٍ كَانَ مُرْدِفًا لِآخَرَ فَانْتَظَمَهُمَا وَقَالَ:
أَيا طَعْنَةَ مَا شَيْخٍ ***كبِيرٍ يَفَنٍ بَالِي
أَبو عَمْرٍو: قَضَّى الرَّجُلُ إِذَا أَكل القَضا وَهُوَ عَجَم الزَّبِيبِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَهُوَ بِالْقَافِ؛ قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي.
أَبو عُبَيْدٍ: والقَضَّاء مِنَ الدُّروع الَّتِي قَدْ فُرغ مِنْ عَمَلِهَا وأُحْكمت، وَيُقَالُ الصُّلْبة؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وكلُّ صَمُوتٍ نَثْلةٍ تُبَّعِيَّةٍ، ***ونَسْجُ سُلَيْمٍ كلَّ قَضَّاءَ ذائِل
قَالَ: وَالْفِعْلُ مِنَ القَضَّاء قَضَيْتها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ القَضَّاء فَعَّالًا مِنْ قَضَى أَي أَتَمَّ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُ القَضّاء فَعْلاء مِنْ قَضَّ يَقَضُّ، وَهِيَ الجَديدُ الخَشِنةُ، مِنْ إقْضاضِ المَضْجَع.
وتَقَضَّى الْبَازِي أَي انْقَضَّ، وأَصله تَقَضَّضَ، فَلَمَّا كَثُرَتِ الضَّادَاتُ أُبدلت مِنْ إِحْدَاهُنَّ يَاءً؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
إِذَا الكرامُ ابْتَدَرُوا الباعَ بَدَرْ، ***تَقَضِّيِ الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ
وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ دَارُ القَضَاء فِي الْمَدِينَةِ، قِيلَ: هِيَ دارُ الإِمارة، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ خطأٌ وَإِنَّمَا هِيَ دَارٌ كَانَتْ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِيعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي دَينه ثُمَّ صَارَتْ لمَرْوان، وَكَانَ أَميرًا بِالْمَدِينَةِ، وَمِنْ هَاهُنَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى مَنْ جَعَلَهَا دَارَ الإِمارة.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
51-مجمل اللغة (رود)
رود: الإرواء: أن تفعل شيئًا رويدًا.وراودتهُ عليه، إذا أردتَهُ عليه.
وجارية رودٌ: شابة.
وتكبير رويد: رودٌ.
قال:
كأنها مثل من يمشي على رودِ
والمرود: الميل، (والجمع: المراودُ)، والرودُ: فعل الرائد، يقال: بعثنا رائدًا يرود لنا الكلأ، أي: [ينظر و] يطلبُ.
والريادُ: اختلاف الإبل في المرعى مقبلة ومدبرة، (يقال): رادت ترود ريادًا.
ورادت المرأة ترودُ، إذا اختلفت إلى بيوت جاراتها، وهي رادة.
والموضع الذي ترودٌ منه الإبل: مراد.
والرادةُ: السهلة من الرياح.
ورائد العين: عوارها الذي يرود فيها.
ويقال: الإرادة: أصلها الواو، وحجته: أن تقول، راودتُهُ
على كذا وكذا.
والرائد: العودُ الذي تدارُ به الرحى.
فأما قول القائل:
جواد المحثةِ والمرودِ
فهو من أرودت في السير إروادًا ومرودًا.
[ويقال: مرود أيضًا].
وذلك من الرفق في السير.
وراد وسادهُ إذا لم يستقر.
مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
52-مقاييس اللغة (رود)
(رَوَدَ) الرَّاءُ وَالْوَاوُ وَالدَّالُ مُعْظَمُ بَابِهِ [يَدُلُّ] عَلَى مَجِيءٍ وَذَهَابٍ مِنِ انْطِلَاقٍ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.تَقُولُ: رَاوَدْتُهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، إِذَا أَرَدْتَهُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَالرَّوْدُ: فِعْلُ الرَّائِدِ.
يُقَالُ بَعَثْنَا رَائِدًا يَرُودُ الْكَلَأَ، أَيْ يَنْظُرُ وَيَطْلُبُ.
وَالرِّيَادُ: اخْتِلَافُ الْإِبِلِ فِي الْمَرْعَى مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً.
رَادَتْ تَرُودُ رِيَادًا.
وَالْمَرَادُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي تَرُودُ فِيهِ الرَّاعِيَةُ.
وَرَادَتِ الْمَرْأَةُ تَرُودُ، إِذَا اخْتَلَفَتْ إِلَى بُيُوتِ جَارَاتِهَا.
وَالرَّادَةُ: السَّهْلَةُ مِنَ الرِّيَاحِ، لِأَنَّهَا تَرُودُ لَا تَهُبُّ بِشِدَّةٍ.
وَرَائِدُ الْعَيْنِ: عُوَّارُهَا الَّذِي يَرُودُ فِيهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْإِرَادَةُ أَصْلُهَا الْوَاوُ، وَحُجَّتُهُ أَنَّكَ تَقُولُ رَاوَدْتُهُ عَلَى كَذَا.
وَالرَّائِدُ: الْعُودُ الَّذِي تُدَارُ بِهِ الرَّحَى.
فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ فِي صِفَةِ فَرَسٍ:
جَوَادَ الْمَحَثَّةِ وَالْمُرْوَدِ.
فَهُوَ مِنْ أَرْوَدْتُ فِي السَّيْرِ إِرْوَادًا وَمُرْوَدًا.
وَيُقَالُ مَرْوَدًا أَيْضًا.
وَذَلِكَ مِنَ الرِّفْقِ فِي السَّيْرِ.
وَيُقَالُ رَادَ وِسَادُهُ، إِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ، كَأَنَّهُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْإِرْوَادُ فِي الْفِعْلِ: أَنْ يَكُونَ رُوَيْدًا.
وَرَاوَدْتُهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، إِذَا أَرَدْتُهُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَمِنَ الْبَابِ جَارِيَةٌ رُودٌ: شَابَّةٌ.
وَتَكْبِيرُ رُوَيْدٍ رُودٌ.
قَالَ:
كَأَنَّهَا مِثْلُ مَنْ يَمْشِي عَلَى رُودِ.
وَالْمِرْوَدُ: الْمِيلُ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
53-صحاح العربية (نخ)
[نخخ] أبو عمرو: النخ: السير العنيف.قال الراجز: لقد بعثنا حاديا مزخا *** أعجم إلا أن ينخ نخا والنخ لم يترك لهن مخا *** والنخ: الإبل التي تُناخُ عند المصدِّق ليصدقها.
وقال:
أكرم أمير المؤمنين النخا *** والنخة: الرقيق، ويقال البقر العواملُ.
قال ثعلب: هذا هو الصواب، لأنه من النَخِّ، وهو السَوْقُ الشديدُ.
وفي الحديث: " ليس في النَخَّةِ صَدَقَةٌ ".
وكان الكسائي يقول: إنما هو النُخَّةُ بالضم.
قال: وهو البقر العوامل.
وقال الفراء: النَخَّةُ، بالفتح: أن يأخذ المصدِّق دينارًا لنفسه بعد فَراغه من أخذ الصدقة.
وأنشد:
عمى الذي مَنَعَ الدينارَ ضاحِيَةً *** دينارَ نخة كلب وهو مشهود ونخنخت الناقة فتنخنخت: أبركتها فبركت.
قال العجاج:
ولَوْ أنَخْنا جمعهم تنخنخوا
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
54-تهذيب اللغة (بعث)
بعث: قال الليث: بَعَث البعير فانبعث إذا حللت عِقَاله وأرسلته لو كان باركًا فأثرته.قال: بعثته من نومه فانبعث.
قال والبَعْث: بَعْث الجُنْد إلى العَدُوّ.
قال والبَعْث يكون نَعْتًا للقوم يُبْعثون إلى وجه من الوجوه؛ مثل السفَر والرَكْب.
بَعيث: اسم رجل.
قلت: هو شاعر معروف من بني تميم؛ وبَعيث لقب له، وإنما بعَّثَه قولُه:
تبعَّث مني ما تبعَّث بعد ما استمرْ
قلت: وبُعاث ـ بالعين ـ: يوم من أيام الأوس والخزرج معروف ذكره الواقدي ومحمد بن إسحاق في «كتابيهما».
وذكر ابن المظفّر هذا في كتاب «الغين» فجعله يوم بُغَاث فصحّفه.
وما كان الخليل رَحِمَه الله يخفي عليه يومُ بعاث؛ لأنه من مشاهير أيَّام العرب، وإنما صحَّفه الليث وعزاه إلى خليل نفسِه، وهو لسانه.
والله أعلم.
وقال الله جلّ وعزّ: {قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} [يس: 52] هذا وقف التَمَام وهو قول المشركين يوم النُشُور وقوله جلّ وعزّ: {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] قول المؤمنين و {هذا} رفع بالابتداء والخبر {ما وَعَدَ الرَّحْمنُ} وقرىء {يا ويلنا مِن بَعْثِنا من مرقدنا} أي مِن بَعْث الله إيانا من مرقدنا.
والبعث في كلام العرب على وجهين أحدهما الإرسال؛ كقول الله تعالى: {ثُمَ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى} [الأعراف: 103] معناه: أرسلنا.
والبَعْث: إثارة بارِكٍ أو قاعد.
تقول بعثت البعير فانبعث أي أثرته فثار.
والبَعْث أيضًا: الإحياء من الله للموتى.
ومنه قوله جلّ وعزّ: {ثُمَ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [البَقَرَة: 56] أي
أحييناكم.
وفي حديث حذيفة: «إن للفتنة بَعْثات ووَقَفات فمن استطاع أن يموت في وَقفاتها فليفعل».
وقال شمر في قوله: «بعثات» أي إثارات وهَيْجات.
قال: وكلّ شيء أثرتَه فقد بعثتَه.
وبعثت النائم إذا أهْبَبتَه.
قال: والبَعْث: القوم المبعوثون المُشْخصون.
ويُقَال: هم البَعْث بسكون العين.
وفي «النوادر»: يقال: ابْتَعَثْنا الشام عَيْرًا إذا أرسلوا إليها رِكَابًا للميرة.
وباعِيثاء: موضع معروف.
الأصمعيّ: رجل بَعِث: لا يكاد ينام، وناقة بَعِثة: لا تكاد تَبْرُك.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
55-تهذيب اللغة (ربع)
ربع: في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يَرْبَعُون حجرًا فقال: «عُمّال الله أقوى من هؤلاء».وفي بعض الحديث: «يَرْتَبِعون حجرًا».
قال أبو عبيدة: الرَّبْع: أن يشال الحَجَرُ باليد، يُفعل ذلك لِتعرف به شدَّة الرجل.
يقال ذلك في الحجر خاصَّة.
قال: وقال الأمويّ مثلَه في الرَّبْع.
وقال: المِربَعة: عَصًا يحمل بها الأثقال حتى توضع على ظهور الدوابّ.
وأنشدنا:
أين الشِظاظان وأين المِرْبَعَهْ *** وأين وَسْقُ الناقة الجَلَنْفَعَهْ
ابن السكيت: رابعت الرجل إذا رفعت معه العِدْل بالعصا على ظهر البعير.
وقال الراجز:
يا ليت أم العَمْر كانت صاحبي *** مكانَ من أنشا على الركائب
ورابعتني تحت ليل ضارب *** بساعد فَعْم وكفّ خاضِب
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعديّ بن حاتم قبل إسلامه: «إنك تأكل المِرْباع وهو لا يَحِلّ في دينك».
قال أبو عبيد: المِرْباع: شيء كانوا في الجاهلية، يغزو بعضهم بعضًا، فإذا غنموا أخذ الرئيس ربع الغنيمة فكان خالصًا له دون أصحابه.
وقال عبد الله بن عَنَمة:
لك المرباع فيها والصفايا *** وحكمك والنَشِيطة والفُضُول
وقال غيره: رَبَعت القوم أَرْبَعهم رَبْعًا إذا أخذت ربع أموالهم أو كنت لهم رابعًا.
والرَّبْع أيضًا: مصدر رَبَعت الوَتَر إذا فتلته على أربع قُوًى.
ويقال: وَتَر مربوع.
عمرو عن أبيه: الرُوميّ: شِرَاع السفينة الفارغة، والمُرْبع: شراع المَلأَى.
قال: والمتلمِّظة: مقعد الاستيام وهو رئيس الركّاب.
أبو عبيدة عن الأصمعيّ: الرَّبْع: هو الدار بعينها حيث كانت.
والمَرْبَع: المنزل في الربيع خاصَّة.
وقال شمر: الرُّبُوع: أهل المنازل أيضًا.
وقال الشماخ:
تصيبُهمُ وتخطئني المنايا *** وأَخْلُف في رُبُوع عن ربوع
أي: في قوم بعد قوم.
وقال الأصمعي: يريد: في ربع من أهلي أي في مسكنهم بعد ربع.
وقال أبو مالك: الربع مثل السَكْن وهما أهل البيت.
وأنشد:
فإن يك رَبْع من رجالي أصابهم *** من الله والحَتْم المُطل شَعُوب
وقال ابن الأعرابي: الرَّبَّاع: الرجل الكثير شِرَى الرُّبُوع، وهي المنازل.
وقال شمر: الربع يكون المنزل، وأهلَ المنزل.
قال: وأمَّا قول الراعي:
فعُجنا على رَبْع بربع تعوده *** من الصيف حَشَّاء الحنين نَئُوج
فإن الربع الثاني طَرَف الجبل.
والرِّبْع من أظماء الإبل: أن ترد الماءَ يومًا وتدعه يومين ثم ترد اليوم الرابع.
وإبل روابع، وقد وردت رِبْعًا.
وأربع الرجلُ إذا وردت إبله رِبْعًا.
والرِّبْع: الحُمَّى التي تأخذ كل أربعة أيّام، كأنه يُحَمّ فيهما ثم يحمّ اليومَ الرابع.
يقال: رُبع الرجل وأُرْبع.
وقال الهذليّ:
من المُرْبِعِين ومن آزل *** إذا جَنَّه الليل كالناحط
أبو حاتم عن الأصمعيّ: أربعت الْحُمَّى زيدًا إذا أخذته رِبْعًا، وأغَبَّته إذا أخذتْه غِبًّا.
ورجل مُغِبّ ومُرْبِع ـ بكسر الباء ـ وأنشد:
من المربِعين ومن آزل
بكسر الباء، فقيل له: لِمَ قلت: أربعت الحُمَّى زيدًا.
ثم قلت: من المُرْبِعين؟ فجعلته مرَّة مفعولًا ومرَّة فاعلًا، فقال: يقال: أَرْبَع الرجلُ أيضًا.
أبو عبيد عن الكسائي: يقال: أربعت عليه الحُمَّى ومن الغِبّ: غَبّت.
قلت: كلام العرب: أربعت عليه الحُمَّى، والرجُل مُرْبَع، بفتح الباء.
وقال الأصمعيّ أيضًا: يقال: أَرْبع الرجلُ فهو مُرْبع إذا وُلِد له في فَتَاء سِنه.
وولده رِبْعيّون.
وقال الراجز:
إن بنِيَّ غِلْمة صِيْفِيّونْ *** أفلح مَن كان له رِبعيّون
وقال ابن السكيت: يقال: قد رَبَع الرجل يَرْبَع إذا وقف وَتحبَّس.
وقال الليث: يقال: اربَعْ على ظَلْعك، وَاربَعْ على نَفْسك وَاربع عليك، كل ذلك وَاحد معناه: انتظر.
وَقال الأحوص:
ما ضرّ جيراننا إذا انتجعوا *** لو أنهم قبل بينهم رَبَعوا
وَقال آخر:
أَرْبَع عند الورود في سُدُم *** أنقع من غُلَّتي وَأجزاؤها
قال: معناه: أُلقي في ماء سُدُم وَألهج فيه.
وَفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أطول من المربوع وَأقصر من المشذَّب.
فالمشذَّب: الطويل البائن.
وَالمربوع: الذي ليس بطويل وَلا قصير.
وكذلك الرابعة فالمعنى: أنه لم يكن مُفْرِط الطول، وَلكن كان بين الرَّبْعة وَالمشذَّب.
وَالمربوع من الشعْر: الذي ذهب جزء من ثمانية أجزاء من المديد والبسيط التامّ.
وَالمثلوث: الذي ذَهَب جزءان من ستة أجزاء.
والرَّبْعة: الجوفة.
وَيقال: رجل رَبْعة وَامرأة رَبْعة وَرجال وَنساء رَبَعات بتحريك الباء وَخولف به طريق ضَخْمة وَضَخَمات لاستواء نعت الرجل والمرأة في قولك: رجل رَبْعة وَامرأة رَبعة فصار كالاسم، والأصل في باب فَعْلة من الأسماء مثل تَمْرة وجَفْنة أن يجمع على فَعَلات مثل تَمرات وجَفَنات، وَما كان من النعوت على فَعْلة مثل شاة لَجْبَة وامرأة عَبْلة أن يجمع على فَعْلات بسكون العين.
وَإنما جمع رَبْعة على رَبَعات وهو نعت لأنه أشبه الأسماء لاستواء لفظ المذكّر والمؤنّث في وَاحده.
وَقال الفرّاء: من العرب من يقول: امرأة رَبْعة وَنسوة رَبْعات، وكذلك رجل رَبْعة ورجال رَبْعُون، فيجعله كسائر النعوت وَيقال: ارتبع البعيرُ يرتبع ارتباعًا، والاسم الرَّبعة، وهو أشدّ عَدْو البعير.
وأنشد الأصمعيّ لبعض الشعراء:
واعرورت العُلُطَ العُرْضِيّ تركضه *** أُمّ الفوارس بالدِئداء وَالرَّبعَهْ
وَقال أبو يحيى بن كُناسة في صفة أزمنة السنة وَفصولها ـ وَكان علَّامة بها ـ: اعلم أن السنة أربعة أزمنة: الربيع الأوَل، وَهو عند العامَّة: الخريف.
ثم الشتاء ثم الصيف، وَهو الربيع الآخر، ثم القَيْظ.
قال: وَهذا كله قول العرب في البادية.
قال: وَالربيع الأوَّل الذي هو الخريف عند الفرس يدخل لثلاثة أيام من أيلُول.
قال وَيدخل الشتاء لثلاثة أيام من كانون الأول، قال: وَيدخل الصيف الذي هو الربيع عند الفُرس لخمسة أيام تخلو من آذار، ويدخل القيظ الذي هو صيف عند الفرس لأربعة أيام تخلو من حَزِيران.
قال أبو يحيى: وربيع أهل العراق موافق لربيع الفُرْس، وهو الذي يكون بعد الشتاء.
وهو زمان الوَرْد، وَهو أعدل الآوِنة، وَفيه تُقْطَع العُرُوق، وَيُشرب الدوَاء.
قال: وَأهل العراق يُمطَرون في الشتاء كله، وَيُخصِبون في الربيع الذي يتلو الشتاء، وَأما أهل اليمن فإنهم يُمطَرون في القَيْظ وَيُخْصبون في الخريف الذي يسمّيه العرب الربيع الأول.
قلت: وسمعت العرب تقول لأول مطر يقع بالأرض أيام الخريف: ربيع، ويقولون: إذا وقع ربيع بالأرض بعثنا الرواد وانتجعنا مساقط الغيث.
وسمعتهم يقولون للنخيل إذا خُرِفت وصُرمت: قد تربَّعت النخيلُ، وإنما سمّي فصل الخريف خريفًا لأن الثمار تُخترَف فيه، وسمته العرب ربيعًا لوقوع أول المطر فيه.
ويقال للفَصِيل الذي يُنْتَج في أول النتاج: رُبَع
وجمعه رباع.
ومنه قول الراجز:
وعلبة نازعتها رِبَاعي
سُمِّي رُبعًا لأنه إذا مَشَى ارتفع ورَبَع أي وَسَّع خَطْوه وعَدَا.
ورِبْعِيّ كل شيء: أوله: رِبْعيّ الشباب ورِبْعِيّ النِّتَاج.
يقال سَقْب رِبْعيّ، وسِقاب رِبْعِيَّة: وُلِدت في أول النِتاج.
وقال الأعشى:
ولكنها كانت نوًى أجنبيَّة *** توالي ربِعيّ السقاب فأصحبا
هكذا سمعت العرب تنشِده.
وفسّروا لي توالي السقاب أنه من الموالاة، وهو تمييز شيء من شيء، يقال: والينا الفِصْلان عن أمّهاتها فتوالت، أي فصلناها عنها عند تمام الحول.
ويشتد الموالاة ويكثر حَنِينها في أثر أمّهاتها، ويُتَّخذ لها خَنْدق تحبس فيها، وتُسَرَّح الأمهات في وجه من مراتعها.
فإذا تباعدت عن أولادها سُرِّحت الأولاد في جهة غير جهة الأمَّهات فترعى وحدها فتستمرّ على ذلك وتُصْحِب بعد أيام.
أخبر الأعشى أن نَوَى صاحبتِه اشتدَّت عليه فحنَّ إليها حَنينَ رِبْعيّ السقاب إذا وُولي عن أمّه، وأخبر أن هذا الفَصيل يستمرّ على الموالاة ويُصحِب، وأنه دام على حنينه الأول وتمَّ عليه ولم يُصحب إصحاب السَقْب.
وإنما فسرت هذا البيت لأن الرواة لمَّا أشكل عليهم معناه تخبّطوا في استخراجه وخلّطوا ولم يعرفوا منه ما يَعرف مَن شاهد القوم في باديتهم، والعرب تقول: لو ذهبت تريد وِلاء ضَبَّة من تميم لتعذَّر عليك موالاتهم منهم لاختلاط أنسابهم.
وقال الشاعر
وكنا خُلَيطى في الجمال فأصبحت *** جِمالي تُوالَى وُلَّهًا من جمالِكِ
تُوالى أي تُمَيَّز منها.
وجاء في دعاء الاستسقاء: «اسقنا غيثًا مَرِيعًا مُرْبِعًا».
فالمَريع: المُخْصِب الناجع في المال.
والمُرْبِع: المُغْني عن الارتياد لعمومه وأن الناس يربعون حيث كانوا فيقيمون للخِصْب العامّ.
وقال ابن المظفر: يقال: أَرْبعت الناقةُ إذا استغلق رحمُها فلم تَقبل الماء.
ثعلب عن سَلَمة عن الفرّاء: يُجمع ربيع الكلأ وربيع الشهور أَرْبِعة.
ويجمع ربيع النهر أَرْبِعاء.
قال: والعرب تذكر الشهور كلها مجرَّدة إلا شهري ربيع وشهر رمضان.
وفي الحديث في المزارعة قال: «ويشترط ما سَقَى الرَّبيع» يريد النهر، وهو السَعِيد أيضًا.
أبو عبيد عن الفرّاء: الناس على سَكَناتهم ونَزَلاتهم ورِبَاعتهم ورَبَعاتهم يعني على استقامتهم.
وقال الأصمعيّ: يقال: ما في بني فلان أحد يُغْني رِبَاعتُه غير فلان كأنه أمره وشأنه الذي هو عليه.
قال الأخطل:
ما في معدّ فتى يغني رِبَاعَتُه *** إذا يهمّ بأمر صالح فَعَلا
اللِّحيانيّ: قعد فلان الأُرْبَعاء والأَرْبُعَاوَى أي متربّعًا.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الخيل تُثْنِي وتُرْبِعُ وتُقْرِح، والإبل تُثْني وتُرْبِع وتُسْدِس وتبزُل، والغنم تُثني وتُربِعُ وتُسْدِس وتَصْلُغ.
قال ويقال للفرس إذا استتمَّ سنتين: جَذَع.
فإذا استتمّ الثالثة فهو ثَنِيّ، وذلك عند إلقائه رواضعه.
فإذا استتمّ الرابعة فهو رَبَاعٍ.
قال: أثنى إذا
سقطت رواضعه ونبت مكانه سِنّ.
فنبات تلك السِنِّ هو الإثناء.
ثم تسقط التي تليها عند إرباعه فهي رَبَاعِيته فتنبت مكانها سِنّ فهو رَبَاعٌ والجميع رُبْع وأكثر الكلام رَبَع وأرباع.
فإذا حان قُرُوحه سقط الذي يلي رباعيته فينبت مكانه قارِحُه وهو نابه، وليس بعد القروح سقوط سنّ ولا نبات سنّ.
وقال غيره: إذا طعن البعير في السنة الخامسة فهو جَذَع، فإذا طَعَن في السادسة فهو ثَنِيّ، فإذا طَعَن في السابعة فهو رَبَاعٍ، والأنثى رَبَاعية فإذا طعن في الثامنة فهو سدوس وسدِيس، فإذا طعن في التاسعة فهو بازل.
وقال ابن الأعرابي: تُجْذِع العَنَاق لسنة وتُثْني لتمام سنتين، وهي رَبَاعية لتمام ثلاث سنين وسَدَس لتمام أربع سنين صالغ لتمام خمس سنين.
وقال أبو فَقْعس الأسَديّ: وَلَد البقرة أوَّلَ سنة تبِيع، ثم جَذَع، ثم ثنِيّ، ثم رباعٍ، ثم سَدَس، ثم صالغ.
وهو أقصى أسنانِه، روى ذلك أبو عبيد عنه.
وقال الأصمعيّ: للإنسان من فوق ثَنيَّتان ورباعِيتان بعدهما ونابان وضاحكان وستة أرحاء من كل جانب وناجِذان وكذلك من أسفل.
وقال أبو زيد: يقال لكل خُفّ وظِلْف ثنيَّتان من أسفل فقط.
وأمّا الحافر والسِبَاع كلها فلها أربع ثنايا.
وللحافر بعد الثنايا أربع رَباعِيات وأربعة قوارح وأربعة أنياب وثمانية أضراس.
الليث: يوم الأربعاء بكسر الباء ممدود.
ومنهم من يقول:
أربَعاء بنصب الباء، وأربعاوان وأَرْبعاوات، حمل على قياس قصباء وما أشبهها.
ومن قال: أَرْبِعاء حمله على أسعِداء.
ويقال: رُبِعت الأرض فهي مربوعة إذا أصابها مطر الربيع.
وأنشد غيره:
بأفنان مربوع الصَرِيمة مُعْبِل
قال: والربيعة: بَيْضة السلاح.
وكذلك قال ابن الأعرابي ومرابيع النجوم: التي يكون بها المطر في أول الأنواء.
وقال أبو زيد: استربع الرملُ إذا تراكم فارتفع.
وأنشد:
مستربع من عَجَاج الصيف منخول
ابن السكيت: ربيع رابع إذا كان مُخْصِبًا.
واستربع البعيرُ للسَيْر إذا قَوِي عليه.
ورجل مستربع بعمله أي مستقِل به قويّ عليه.
وقال أبو وَجْزة:
مستربع بسُرَى الموماة هيَّاج
وأما قول صخر:
كريم الثنا مستربع كل حاسد
فمعناه: أنه يَحمل حسده ويقدر عليه.
وهذا كله من رَبْع الحجر وإشالته.
وتربعت الناقة سَنَامًا طويلًا أي حملته: وأما قول أبي وجزة:
حتى إذا ما إيالات جرت بُرُحًا *** وقد رَبَعن الشَوَى من ماطرٍ ماج
فإن معنى رَبَعن: أَمْطَرن من قولك: ربُعنا أي أصابنا مطر الربيع.
وأراد بقوله: (من ماطر) أي من عَرَق (ماج): مِلْح.
يقول: أمطرت قوائمهن من عرقهنّ.
والمرتَبِع من الدوابّ: الذي رعى الربيع فسمِن ونشِط، ويقال: تربّعنا الحَزْن والصَمَّان أي رعينا بقُولها في الشتاء.
وتربت الإبلُ بمكان
كذا أي أقامت به وأنشدني أعرابيّ:
تربَّعت تحت السُمِيّ الغُيَّمِ *** في بلد عافى الرياض مُبْهِم
عافى الرياض أي رياضه عافية لم تُرع.
مُبْهِم: كثير البُهْمَى.
وأمّا قول الشاعر:
يداك يد ربيع الناس فيها *** وفي الأخرى الشهور من الحرام
فإنه أراد أن خصِب الناس في إحدى يديه لأنه يَنْعَش الناس بسَيْبه، وأن في يده الأخرى الأمن والحِيطة ورَعْي الذِمام.
وأمّا قول الفرزدق:
أظنّك مفجوعًا برُبْع منافق *** تلبّسَ أثواب الخيانة والغَدْر
فإنه أراد أن يمينه تقطع فيذهب ربع أطرافه الأربعة.
وأما قول الجعديّ:
وحائل بازل تربَّعت الصي *** ف طويلَ العِفاء كالأُطُم
فإنه نصب الصيف لأنه جعله ظرفًا، أي تربَّعت في الصيف سَنَامًا طويل العَفَاء أي حملتْه، فكأنه قال: تربَّعت سَنَامًا طويلًا كثير الشحم.
وقال ابن السكيت في قول لبيد يصف الغيث:
كأنَّ فيه لما ارتفقْتُ له *** رَيْطًا ومِرْباع غانِم لَجَبا
قال: ذكر السحاب.
والارتفاق: الاتّكاء على المرفق.
يقول: اتكأت على مَرْفِقي أشيمه ولا أنام.
شبَّه تَبوُّج البَرْق فيه بالرَيْط الأبيض.
والرَيْطة: مُلاءة ليست بملفَّقة.
وأراد بمرباع غانم صوب رَعْده.
شبَّهه بمرباع صاحب الجَيش إذا عُزِل له رُبع النَّهْب من الإبل فتحانَّت عند الموالاة، فشبَّه صوت الرعد فيه بحنينها.
قال: وفي بني عُقَيل رَبِيعتان: رَبِيعة بن عُقَيل، وهو أبو الخُلَعاء، وربيعة بن عامر بن عُقَيل، وهو أبو الأبرص وقُحافة وعَرْعَرة وقُرّة.
وهما ينسبان: الرِبيعيِّينِ.
ويقال لولد الناقة يُنْتَج في أول النتاج: رُبَع، والأنثى رُبَعة.
والجميع رِبَاع.
وإذا نسب إليه فهو رُبَعيّ.
وإذا نسب إلى الربيع قيل: ربيعيّ.
وإذا نسب إلى ربيعةِ الفَرس فهو رَبعيّ.
واليرابيع: جمع اليَرْبوع.
وترابيع المتن: لحمه، ولم أسمع لها بواحد.
وقال ابن الأعرابيّ: الربَّاع: الكثير شِرَى الرباع وهي المنازل.
قال: والرَّبِيعة: الروضة.
والربيعة: المزادة.
والربيعة بيضة الحرب.
والرَّبِيعة: العَتِيدة.
والرَّبِيعَة: الحَجَر الذي يشال.
وأنشد الأصمعي قول الشاعر:
فوه ربيع وكفُّه قَدَح *** وبطنه حين يتّكي شَرَبَهْ
يَسَّاقط الناس حوله مرضا *** وهو صحيح ما إن به قَلَبَهْ
أراد بقوله: فوه ربيع أي نهر لكثرة شربه وجمعه أربِعاء.
ومنه الحديث: إنهم كانوا يُكْرون الأرض بما ينبت على الأربعاء.
وقال ابن هانىء: قال أبو زيد: يقال: بيت أُرْبَعاواء على أفعلاواء، وهو البيت على طريقتين وثلاث وأربع وطريقة واحدة، فما كان على طريقة فهو خِبَاء، وما زاد على طريقة فهو بيت.
والطريقة: العمد الواحد، وكل عمود طريقة وما كان
بين عمودين فهو مَتْن.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
56-تهذيب اللغة (عين)
عين: يقال عان الرجل فلانًا يعينه عَيْنًا إذا ما أصابه بالعين، فهو عائن، والمصاب بالعين معين.ومن العرب من يقول: مَعْيون.
وأنشدني غير واحد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا *** وإخال أنك سيّد مَعْيون
وتعيَّن الرجلُ إذا تشوَّه تأنّى ليصيب شيأ بعينه.
ورجل عَيُون إذا كان نَجِىءَ العين.
ويقال: أتيت فلانًا فما عيّن لي بشيء، وما عيَّنني بشيء أي ما أعطاني شيأ.
ويقال: عيَّنت فلانًا أي أخبرته بمساويه في وجهه.
ويقال: بعثنًا عَيْنا أي طليعة، يعتان لنا أي يأتينا بالخبَر.
والاعتيان: الارتياد.
ويقال ذهب فلان فاعتان لنا منزلا مُكْلئًا أي ارتاد لنا منزلًا ذا كلأ.
والعِينة: خيار الشيء وجمعها عِيَن.
وقال الراجز:
فاعتان منها عِينة فاختارها *** حتى اشترى بعينه خيارها
ابن الأنباريّ في قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا} [هود: 37] قال أصحاب النقل والأخذ بالأثر: الأعين يريد به العَين.
قال: وعَيْن الله لا تفسَّر بأكثر من ظاهرها، ولا يسع أحدًا أن يقول: كيف هي أو ما صفتها.
قال: وقال بعض المفسرين بِأَعْيُنِنا بإبصارنا إليك.
وقال غيره: بإشفاقنا عليك.
واحتجّ بقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} [طه: 39] أي لتغَذَّى بإشفاقي.
تقول العرب: على عيني قصدت زيدًا يريدون الإشفاق.
عمرو عن أبيه قال: اللُّومة: السِنّة التي تُحرث بها الأرض، فإذا كانت على الفَدَان فهي العِيان وجمعها عُيُن لا غير.
وقول عمر بن أبي ربيعة:
ونفسك لم عينين جئت الذي ترى *** وطاوعت أمر الغيّ إذا أنت سادر
قال: قال الزبير: عينين: معاينة.
وقال أبو العباس: عينين جعله بدلًا من النفس.
أبو عبيد: حضرت حتى عِنْت وأَعْينت بلغت العيون.
ابن السكيت: يقال قدِم فلان من رأس عَيْن، ولا تقل: من رأس العين.
ويقال: ما بالدار عين ولا عائنة أي أحدٌ.
الفراء: لقيته أوّل عَيْن أي أوَّل شيء.
وأبو عبيد عن الكسائي مثله.
وقال أبو زيد لقيته أول عائنة مثله.
وقال الفراء: ما بها عائن وما بها عَيَن بنصب الياء.
والعَينُ: أهل الدار.
وقال اللحياني: إنه لأعيْن إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء.
والجميع منها عِين قال الله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقِعَة: 22] ولقد عَيِنَ يَعْيَنُ عَيَنًا وعِينةً حسنةً.
ونعجة عيناء إذا اسودت عينتها، وابيض سائر جسدها قال وعِينتها: موضع المَحْجِر من الإنسان، وهو ما حول العين.
وحفر الحافر فأعْيَن وأعان أي بلغ العُيون.
ورأيت فلانًا عِيَانًا أي مواجهة.
ويقال: طلعت العين وغابت العين، أي الشمس.
وفي الحديث: «إن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العَلّات».
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الأعيان: ولد الرجل من امرأة واحدة، والأَقْران: بنو أمّ من رجال شتّى، وبنو العَلّات: بنو الرجل من أمّهات شتى، ومعنى الحديث أن الإخوة للأب وللأم يتوارثون، دون الأخوة للأب.
ابن الأعرابي: يقال: أصابته من الله عَيْن.
قال: وقال عمر لرجل ضربه رجل بحقّ: أصابتك عين من عيون الله.
وأنشد:
فما الناس أردَوه ولكن أقاده *** يد الله والمستنصر الله غالب
ويقال: هذه دراهمك بأعيانها وهي أعيان دراهمك ولا يقال فيها أعْيُن ولا عيون وكذلك يقال هؤلاء إخوتك بأعيانهم، ولا يقال: أعين وعيون.
ويقال: غارت عَيْن الماء، وتجمع عيونًا.
ويقال: عيَّن التاجر يُعيّن تعيينا وعينة قبيحة، وهي الاسم، وذلك إذا باع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم اشتراها منه بأقلّ من الثمن الذي باعها به.
وقد كرِه العِينَة أكثرُ الفقهاء.
ورُوي النهي فيها عن عائشة وابن عباس.
فإن اشترى التاجر بحضرة طالب العِينة سِلْعة من آخر بثمن معلوم، وقبضها، ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمّى ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل الثمن الذي اشتراها به فهذه أيضًا عِينة.
وهي أهون من الأولى.
وأكثر الفقهاء على إجازتها، على كراهة من بعضهم لها.
وجملة القول فيها أنها إذا تعرّت من شرط يفسدها فهي جائزة.
وإن اشتراها المتعيّن بشرط أن يبيعها من
بائعها الأول فالبيع فاسد عند جميعهم وسمّيت عِينة لحصول النقد لطالب العِينة.
وذلك أن العينة اشتقاقها من العَيْن وهو النقد الحاضر يحصل له من فوره.
وقال الراجز:
* وعَيْنه كالكالىء الضِّمَارِ*
يريد بعِينه حاضر عطيته.
يقول فهو كالضِّمار، وهو الغائب الذي لا يُرجى.
والعَيْن: عين الرُكْبَة وهي نُقْرة الرُكْبة.
وقال الأصمعي: العَيْن: المطر يدوم خمسة أيام أو أكثر لا يُقلع.
والعين: ما عن يمين قِبلة أهل العراق.
وكانت العرب تقول: إذا نشأت السحابة من قِبَل العَيْن فإنها لا تكاد تُخلِف، أي من قِبَل قِبْلة أهل العراق.
الحراني عن ابن السكيت قال: العين: التي يبصر بها الناظر.
والعين: أن يصيب الإنسان بعين.
والعين: الذي ينظر للقوم.
وعينُ المتاع: خياره.
وعين الشيء: نفسه.
ويقال: لا أقبل إلّا درهمي بعينِه.
والعينُ عين الرُكبةِ والعين: التي يخرج منها الماء.
والعين: الدنانير.
والعين: مطر أيام لا يُقلِع.
والعين: ما عَنْ يمين قبلة أهل العراق.
ويقال: في الميزان عَيْن إذا رجحت إحدى كِفَّتيه على الأخرى.
والعين عين الشمس.
قال والعين: أهل الدار.
وأنشد:
* تشرب ما في وَطْبها قبل العَين *
والعين: النَقْد.
يقال: اشتريت العبد بالدَيْن أو بالعَيْن.
وعين القوس: التي يقع فيها البندق.
والعين اليَنبوع الذي ينبع من الأرض ويجري.
وعين الركيَّة: منبعها.
وقال أبو الهيثم: العرب تقول: في هذا الميزان عَيْن أي في لسانه مَيَل قليل.
ويقولون: هذا دينارٌ عَيْن إذا كان ميّالًا أرجح بمقدار ما يميل به لسان الميزان.
قال وعين سبعة دنانير نصف دانق.
أبو سعيد عين مَعْيونة: لها مادّة من الماء وقال الطرمّاح:
ثم آلت وهي مَعْيونة *** من بطىء الضَهْل نَكْز المهامي
أراد أنها طَمَتْ ثم آلت أي رجعت.
ويقال للرجل يُظهر لك من نفسه ما لا يفي به إذا غاب: وهو عَبْدُ عَيْنٍ، وهو صديق عَيْن.
وعان الماءُ يعين إذا سال.
والعِيَان: حَلْقة السِّنَّة وجمعه عُيُن.
وقال الليث: يقال إن فلانًا لكريمٌ عينُ الكرم.
ويقال في مثل: لا أطلب أثرًا بعد عين أي بعد المعاينة.
وأصله أن رجلًا رأى قاتِل أخيه فلما أراد قتله قال: أفتدي بمائة ناقة، فقال: لست أطلب أثرًا بعد عين وقتله.
وقوله:
حبشيًّا له ثمانون عينا *** بين عينيه قد يسوق إفالا
أراد عبدًا حبشيًا له ثمانون دينارًا بين عينيه يعني بين عيني رأسه.
والعين: الذي تبعثه بتجسس الأخبار، تسميه العرب ذا
العِيَيْنَتين وذا العُيَيْنَتَين وذا العُوَينتين كله بمعنى واحد.
قال الليث: والعِينة: السَلَف.
وقد تعيّن منه عِينة، وعيَّنة التاجر.
والعِين: بقر الوحش وهؤلاء أعيان قومهم أي أشرافهم والماء المعِين: الظاهر الذي تراه العيون.
وثوب مُعَيَّر: يُرى في وشيه ترابيع صغار تشبه عُيُون الوحش.
وقال الأصمعي: عيَّنت القربة إذا صببت فيها ماء ليخرج من مخارزها وهي جديدة فتنسدّ وسرَّبتها كذلك.
وقال الفراء: التعيّن أن يكون في الجلد دوائر رقيقة.
وقال القطامي:
ولكن الأدِيم إذا تَفَرّى *** بِلًا وتعيُّنًا غلب الصَنَاعا
وقال ابن الأعرابي: تعيّنت أخفافُ الإبل إذا نقِبت مثل تعيّن القربة.
وتعينتُ الشخص تعيُّنًا إذا رأيته.
وسقاء عَيِّن إذا رَقَّ فلم يُمسك الماء.
ويقال: عيَّن فلان الحرب بيننا تعيينًا إذا أدارها وِعِينة الحرب مادّتها.
وقال ابن مقبل:
لا تحلُب الحربُ مني بعد عِينتها *** إلا عُلَالة سِيد مارد سَدِم
أبو عمرو: ما عيّن فلان لي شيأ، أي لم يدلّني على شيء.
وقال الأصمعي: الكُوفَة مَعَان منا أي منزل ومَعْلم.
ورأيته بعائنة العدوّ، أي بحيث تراه عيون العدوّ، وما رأيت ثَمّ عائنة أي إنسانًا.
ورجل عَيِّن أي سريع البكاء، ولقيته عَيْنَ عُنَّةٍ أي مواجهة وعَيْنَين: جبل بأُحُد.
وبالبحرين قرية تعرف بعينين، وإليها ينسب خُلَيد عينين وقد دخلتها أنا، وعان الماء يَعِين إذا سال.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
57-تهذيب اللغة (زخ)
زخ: رُوى عن أبي موسى الأشعريّ أنه قال: اتَّبِعوا القرآنَ ولا يتبِعنّكم القرآنُ، فإنه من يتَّبعه القرآنُ يَزُخّ في قَفاه حتى يُقذَف به في نار جهنم.قال أبو عبيد: قوله يَزُخّ في قَفاه، أي يَدْفَعه، يقال: زَخَخْتُه أَزُخُّه زَخًّا.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ، قال: الزَّخِيخ بَرِيق الجَمْر، وقد زَخَ يَزُخّ زَخِيخًا.
قال: والمِزَخَّة: المرأة، وقد زَخَّها زوجُها يَزُخُّها زَخًّا، إذا جامَعها.
وقال الليث: الزَّخِيخ: شِدّة بَريق الجَمْر والحرير، وأنشد:
فعندَ ذاك يَطلُع المِرِّيخُ *** في الصُّبح يحكي لونَه زَخِيخُ
قال: وزَخَّة الرجل: امرأته.
قلتُ: وقال ابن الأعرابيّ في المِزَخَّة مِثله، وأنشد:
أَفْلَحَ من كانت له مِزَخَّهْ *** يَزُخُها ثم يَنامُ الفَخَّهْ
وزَخّ ببَوْله مِثْل ضَخّ، قاله الليث.
قال: وربما وَضَع الرّجُل مِسْحاته في وسَطِ نَهْرٍ ثم يَزُخّ بنَفْسه، أي يَثِبُ.
أبو عبيد، عن الأصمعيّ: الزَّخَّة: الغَيْظ، وأنشد قوله:
فلا تَقْعُدنّ على زَخَّةٍ *** وتُضمِرُ في القَلْب وَجْدًا وَخِيفَا
والزَّخّ والنَّخّ: السَّيْر العنيف، ومنه قول الرّاجز:
لقد بَعثْنا حادِيًا مِزَخّا *** أَعجمَ إلا أن يَنُخّ نَخَّا
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
58-تهذيب اللغة (رقد)
رقد: قال الليث: الرُّقود: النوم بالليل، والرُّقاد: النوم.قلت: الرُّقاد والرُّقود يكونان بالليل والنهار عند العرب.
ومنه قول الله جلَّ وعزَّ: {قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} [يس: 52]، هذا قول الكفار إذا بُعثوا يومَ القيامة.
وانقطع الكلام عند قوله: {مِنْ مَرْقَدِنا} ثم قالت لهم الملائكة: {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52].
ويجوز أن يكون هذا من صفة المرقد وتقول الملائكة: حقّ ما وعد الرحمن.
والرقْدة: هَمْدةُ ما بين الدُّنيا والآخرة.
ويحتمل أن يكون المرقد مصدرًا، ويحتمل أن يكون موضعًا وهو القبر.
والنوم أخو الموت.
وقال الليث: الرَّاقُود: دَنٌّ كهيئة إِردبَّة يُسيَّع باطنُه بالقار.
وجمعُه الرواقيد.
وقال ابن الأعرابيّ في الراقُود نحوه.
أبو عبيد: الارقداد والارمداد: السُّرعة، وكذلك الإغذاذ.
ومنه قوله:
فَظلّ يرقَدُّ من النَّشاطِ
وقال: الارقداد: عَدْوُ النافر، كأنه قد نَفَر من شيء فهو يَرْقُدُّ.
يقال: أتيتُك مُرْقَدًّا.
ورَقْد: اسم جَبَلٍ أو وادٍ في بلاد قيس.
وأنشد ابن السكّيت:
كأرحاءِ رَقْدٍ زَلَّمَتْها المناقِرُ
زلَّمَتْها، أي: سَوّتْها.
المنذريّ عن ابن الأعرابيّ: أرقدَ الرجلُ بأرض كذا إرقادًا، إذا أقامَ بها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
59-تهذيب اللغة (رود ريدرأد)
[رود ـ ريد ـ رأد]: قال الليث: الرَّوْد مصدرُ فِعل الرائِد، يقال: بَعَثْنا رائدا يَرُود لنا الكلأ والمنزلَ ويرتاده، والمعنى واحد، أي ينْظُرُ ويَطْلُبُ ويختار أفضلَه.قال: وجاء في الشعر: بعثوا رادَهم أي رائدهم، ومن أَمثالهم: الرائدُ لا يَكْذِبُ أهلَه، يُضربُ مَثَلا لِلَّذي لا يَكْذِب إذا حَدَّث.
ويقال: رَادَ أهله يَرُودهم مَرْعًى أو منزلا رِيادا، وارْتادَ لَهُمْ ارْتيادا.
وفي الحديث: «إذا أراد أحدكم أن يَبُولَ فَلْيَرتَدْ لبوله» أي يرتاد مكانا دَمِثا لَيِّنا مُنحَدِرا لِئلا يَرْتَدَّ عليه بوله.
أبو عبيد عن أبي زيد: الرَّائد العُود الّذي يَقْبِض عليه الطَّاحِن.
قال الليث: والرائد الّذي لا منزل له، والرِّيدةُ اسم يُوضَعُ مَوضع الارْتِياد والإرادة.
أبو عبيد عن الأصمعيّ: الرَّيدَانةُ: الريحُ
الطَّيِّبَةُ.
وقال غيره: ريح رَيْدةٌ لَيِّنة الهبوب وأنشد:
* جَرَتْ عليها كُلُّ ريح رَيْدَةً*
وأنشد الليث:
إذا رِيدَةٌ مِن حيثُ ما نَفَحَتْ له *** أتاهُ بِريَّاها خَلِيلٌ يُوَاصِلُه
قال ويقال: ريح رُود أَيْضا.
وقال الأصمعيّ: الرَّادَةُ من النساء غير مهموز التي ترود وتَطُوف، وقد رَادت ترود رَوَدَانا، قال: والرَّأدة بالهمزة والرُّؤُودَةُ على وزن فُعُولة كل هذا السرِيعةُ الشباب في حسن غِذَاء، وقال غيره: تَرأَدَتِ الجاريةُ تَرَؤدا وهو تَثَنِّيها من النَّعْمة.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الرَّأْدُ: رَأْدُ اللَّحْيِ وهو أصله النَّاتِىءُ تحت الأذن والجمع أرْآد، والمرأة الرُّؤْدُ وهي الشابة الحسنة الشباب، وتُجمع أرآدٌ أيضا، وامرأة رَادَةٌ في معنى رُؤْدٌ، وقد تَرَأَّدَ إذا تَفَيَّأ وتثنَّى، قال: وَرَادَتْ الريحُ تَرودُ رَوَدانا إذا تحركتْ وجالتْ وَنَسَمتْ تَنْسِمُ نَسَمانا إذا تحركتْ تحرُّكا خفيفا.
الحراني عن ابن السكيت قال: الرَّيْدُ حَرْفٌ من حروف الجَبَل وجمعه رُيُود.
قال: والرِّئْدُ التِّرب يقال: هو رِئْدها أي تِرْبها والجميع أرْآدٌ.
وقال كثير فلم يُهْمِزْ:
وقد درَّعوها وهي ذاتُ مُؤَصَّدٍ *** مَجُوبٍ لَمَّا يَلْبَسِ الدِّرعُ رِيدُها
وقال أبو زيد: تَرَأَّدْتُ في قيامي تَرَؤُّدا، وذلك إذا قُمتَ فأخذتك رِعْدةٌ فِي قيامك حتى تَقومَ.
وقال الليث: الرَّأْدُ: رَأْدُ الضُّحى وهو ارتفاعها.
يقال: تَرحَّلَ رأْدَ الضحى وَتَرَأَّد كذلك، وتَرَأَّدَتِ الحَيَّةُ إذا اهْتَزَّتْ في انْسيابها وأنشد:
كأَن زِمَامها أَيمٌ شُجاع *** تَرَأَّدَ في غُصونٍ مُغْطئلَّه
قال: والجارية الممشوقة تَرَأَّدُ في مِشْيَتِها، ويقال للغُصن الّذي نَبَتَ من سَنَته أَرْطَب ما يكون وأَرْخصه: رُؤْدٌ، والواحدة رُؤْدَةٌ، وسمِّيت الجاريةُ الشابةُ تشبيها به، قال: والرِّيد بلا همزة الأمر الّذي تريده وتزاولُه، والرّئْدُ التِّرب مهموز.
أبو عبيد عن أصحابه: تكبيرُ رُوَيْدُ: رَوْدٌ وأنشد:
يَمْشِي ولا تَكْلِمُ البَطْحَاءَ مِشيتُه *** كأَنه فاتر يَمْشِي عَلَى رُودِ
وأفادني المنذري لسيبويه من كتابه في تفسير قولهم: رُوَيْدَ الشعر يَغِبُّ قال: سمعنا من يقول: والله لو أردتَ الدراهم لأعطيتك رُوَيْد ما الشعر، يريد أرْوِد
الشعر، كقول القائل: لو أَرَدْت الدراهم لأعطيتك فَدعْ الشعرَ، فقد تبين أن رُوَيْدَ في موضع الفعل ومُتَصَرّفةٌ تقول: رُوَيْدَ زَيْدا كأنما تقول: أَرْوِدْ زيدا وأنشد:
رُوَيْدَ عَلِيّا جُدَّ ما ثَدْيُ أُمَّهم *** إلينا ولكنْ وُدُّهُم متمَايِنُ
وتكون رُوَيدا أيضا صفة لقولك ساروا سيرا رويدا، ويقولون أيضا: ساروا رُويدا فتحذف السير وتجعله حالا به، وصف كلامه واجتزأ بما في صدر حديثه من قولك: سار عن ذكر السِّير، ومن ذلك قول العرب: ضَعه رويدا أي وَضْعا رويدا.
قال: وتكون رُوَيدا للرجل يُعالج الشيءَ رُوَيدا إنما يريد أن تَقول عِلاجا رويدا فهذا على وجه الحال إلا أَنْ يَظْهَر الموصوفُ به فيكون على الحال وعلى غير الحال.
قال: واعلم أن روَيدا يَلْحَقها الكافُ وهي في موضع افْعَلْ وذلك قولك: رُوَيدك زيدا، ورُويدكم زيدا، فهذه الكاف التي أُلْحِقت لِيَتَبَيَّنَ المخاطَبُ في رُوَيدا؛ إنما أُلحقت المخصوصَ لأن رويدا قد يقع للواحد والجميع والمذكر والأنثى؛ فإنما أدخل الكاف حيث خِيفَ التباسُ مَن يُعْنَى ممن لا يُعْنَى؛ وإنما حُذِفتْ من الأول استغناء بعلم المخاطب، أنهُ لا يَعْني غيره؛ وقد يقال: رُوَيدك لمن لا يخاف أن يلتبس بمن سواه توكيدا، وهذا كقولك: النَّجاءَك والوَحَاكَ، تكون هذه الكاف عَلَما لِلمأمورين والمنهيِّين.
وقال الليث: إذا أردت برويدا الوعيد نصبتها بلا تنوين وأنشد:
رُوَيْدَ تُصاهِلْ بالعراق جِيادنا *** كَأَنَّكَ بالضَّحاكِ قد قام نادِبُه
وإذا أَردتَ برويدَ المُهلة والإروادَ في المَشْي فانصبْ ونَوِّنْ تقول: امشِ رُوَيدا.
قال: وتقول العرب: أرْوِدْ في معنى رويدا المنصوبة قال: والإرادةُ أصلُها الواو، ألا ترى أنك تقول: رَاوَدْتُه أي أَردتُه على أن يفعل كذا؛ وتقول: رَاوَدَ فلانٌ جاريتَه عن نفسها وراودَتْه هي عن نفسِه إذا حاول كل واحد منهما من صاحبه الوطء والجماع؛ ومنه قول الله جلّ وعزّ: {تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف: 30] فجعل الفِعل لها، والرَّوائدُ من الدَّواب التي ترتع ومنه قول الشاعر:
كَأَنَ رَوَائدَ المُهْراتِ مِنْها*
ويقال: رَادَ يَرود إذا جاءَ وذَهب، ولم يَطمئن، ورجلٌ رائد الوِساد إذا لم يَطْمَئن عليه، لِهَمٍّ أَقْلَقَه، وبات رائدَ الوساد وأنشد:
تَقُولُ له لما رَأَتْ جَمْعَ رَحْلِه *** أَهذا رئيسُ القوم رَادَ وِسَادُها
دعا عليها بألَّا تَنام فَيَطْمئن وِسادُها.
وفي الحديث: «الحُمَّى رَائِدُ الموت» أي رَسولُ الموت كالرَّائِدِ الّذي يُبْعث لِيرْتادَ مَنزِلا.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
60-معجم العين (رقد)
رقد: الرُّقادُ والرُّقودُ: النوم بالليل، والرقدة أيضًا: همدة ما بين الدنيا والآخرة ويقول المشركون: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا.إذا بعثوا، فردت الملائكة: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.
والرّاقودُ: حب كهيئة الأردبة يسيع داخله بالقار، ويجمع رواقيد.
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م
61-معجم العين (رود)
رود: الرَّوْد: مصدر فعل الرائد، يقال: بَعَثْنا رائدًا يرود لنا الكَلأَ والمنزِلَ، ويَرتادُه بمعنى واحد أي يطلبُ وينظر فيختار أفضَله، وجاء في الشعر: بَعَثوا رادَهم أي رائدَهم.ومن أمثالهم: الرائدُ لا يكذِبُ أهلَه، يُضرَبُ مثلًا للّذي لا يكذب إذا حَدَّثَ.
ويقال: رادَ أهلَه يَرودَهم مَرْعىً أو مَنزِلًا ريادًا، وارتادَ لهم ارتيادًا.
وفي الحديث: إذا أراد أحدُكم أن يبُولَ فليَرْتَدْ لبَولِه
أي يرتاد مكانًا دَمِثًا لينا منحدرا لئلاّ يرتَدَّ عليه بَولُه.
والرائد: الذي لا منزلَ له.
والإِرادة أصلها الواو، ألا ترى أنك تقول: راوَدْتُه أي أردْتُه على أن يفعَلَ كذا، وتقول: راوَدَ فلانٌ جاريتَه عن نفسها، وراوَدَته هي عن نفسه إذا حاوَل كلٌّ منهما من صاحبه الوَطْءَ والجماعَ، ومنه قول الله- جلَّ وعزَّ-: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ، فجَعَل الفعل لها.
والرّوائد من الدَّوابِّ: التي ترتَع ومنه قول الشاعر:
كأنَّ رَوائد المُهْرات منها
ويقال: رادَ يَرودُ إذا جاء وذَهَبَ، ولم يَطْمَئِنَّ، ورجل رائدُ الوِساد إذا لم يَطمِئنَّ عليه، لهم أقلقه، وبات رائدَ الوِسادِ، وأنشد:
تقولُ له لما رأتْ جمع رَحْلِهِ *** أهذا رئيسُ القومِ.
راد وسادها
دَعَا عليها بألاّ تنام فيطمَئِنَّ وسادُها.
وفي الحديث: الحُمَّى رائد الموتِ
أي رسولُ الموت كالرائدِ الذي يُبعَث ليرتادَ منزِلًا.
والرِّيدةُ اسمٌ يوضَعُ موضعَ الارتياد والإِرادة.
والرِّيدة: ريحٌ رَيْدةٌ ليِّنةُ الهبوب، وأنشَدَ:
إذا رِيدةٌ من حيث ما نَفَحَت له *** أتاه برَيّاها خليل يُواصلُهْ
ويقال: ريح رود أيضا.
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م
