نتائج البحث عن (بِالْعَصْرِ)

1-التوقيف على مهمات التعاريف (الأذان)

الأذان: لغة: الإعلام، قال أبو البقاء: وأصله من دخول الكلام في الأذن، وشرعا: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة مأثورة. قال ابن بري: أذن العصر بالبناء للفاعل خطأ وصوابه أذن بالعصر بالبناء للمفعول مع حرف الصلة.

التوقيف على مهمات التعاريف-زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري-توفي: 1031هـ/1622م


2-المعجم الاشتقاقي المؤصل (بسل)

(بسل): {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} [الأنعام: 70]

لَبَنٌ باسل: كريهُ الطعم حامض، وكذلك النبيذ إذا اشتد وحَمُض، وخَلٌّ باسل: طال تركه فأَخْلَف طعْمُه وتغير. البَسِيلة: عُلَيْقِمة (مرارة يسيرة) في طعم الشيء، والتُرْمُس (للعليقمة التي فيه). وبسَل اللحم (: تغير).

° المعنى المحوري

هو: احتباس مع كراهة (= احتباس شيء كريه طعمًا أو رائحةً في أثناء الشيء): كالحموضة في اللبن والنبيذ، والمرارة في البسيلة، والتغير في الخل، وكالتغير في اللحم.

ومنه: "أَبْسَلَ نفسَه للموت، واستبْسَل: وطّن نفسه عليه/ طرح نفسه في

الحرب يريد أن يَقْتُل أو يُقتَل لا محالة (حبس نفسه في موطن كريه). وأبسلته: أسلمته للهلكة {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} [الأنعام: 70] أُسْلِمُوا وارْتُهِنوا بجرائرهم "، كما يقال: أُخِذَ (أي أُمْسِك) بجُرْمه. {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} [الأنعام: 70]: تُسْلَم للهلاك والعذاب بعملها، كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]. وكان عوف بن الأحوص رَهَنَ بنيه عند قوم - لما حَمَل ما كان لهم عند آخرين، وسعى هو للاصلاح بين الفريقين - فرهنهم بنيه ليثقوا في سعيه، وقال في ذلك: (وإبسالي بَنِيَّ بغير جُرْم... بَعَوْناه)

يعني رهْنَه إياهم. وأما الزعم بأن كلمة بَسْل من المتضاد، وتعني الحرام مرة، وتعنى الحلال أخرى، استشهادًا بقول الأعشى: (أجارتكم بَسْلٌ علينا مُحرَّمٌ) أي شيء محرم، في حين أنها في قول ابن همام: (دَمِي إن أُحِلّتْ هذه لكمُ بَسْلُ) أي حلال لكم، فذلك الزعم باطل، وهي تعني في الموضعين رهنٌ. ففي الأول رهن محبوسة عنا، وفي الثاني رهن محبوس لكم؛ ولا تضاد.

ومن ماديّ المعنى المحوري: "البَسْل: نَخْل الشيء في المُنْخُل. ومنه كذلك: البَسْل: أخذ الشيء قليلًا قليلًا، وعُصَارة العُصْفُر والحناء. وأَبسَلَ البُسْرَ: طبخه وجففه ". فكل ذلك يتم بنوع من الحبس: في المنخل، أو بتحبسٍ، أو بالعَصْر والتجفيف لإمكان الاختزان، وهو حبس. "والبُسْلة - بالضم: أجرة الراقي خاصة " (نوع من الابتزاز فتُمْتَلك بكراهة).

ومن المعنى المحوري أيضًا: "بَسَل الرجلُ بُسُولا وهو باسل وبَسْل - بالفتح، وبسيل، وتبسّل: عَبَس من الغضب أو الشجاعة. وتبسَّل لي فلان: إذا رأيتَه كريه المنظر فظيع المَرآة " (حبس حدةٍ في الباطن) - "والباسل: الأسد،

والشجاع " (يعبّرون عن الشجاع بأن لحمه مر، والمرارة شدة وهي - في الأثناء - أصيلة في معنى التركيب). وقد تكون الشجاعة هنا صمودًا، وهو تحبُّس.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


3-المعجم الاشتقاقي المؤصل (عصر)

(عصر): {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14]

عَصَر العنبَ ونحوَه مما له دُهْنٌ أو شَرَاب أو عَسَل (ضرب): استخرجَ ما فيه. وعَصِيرُ الشيء وعُصَارته - كرُخامة: ما تَحلَّبَ منه إذا عَصَرْتَه. والعَوَاصر: ثلاثةُ أحجار يَعْصِرون العنب بها يجعلون بعضها فوق بعض. والاعْتِصار بالماء أن يَغَصَّ بالطعام فيعتصر بالماء يشربه قليلًا قليلًا ليسيغه.

° المعنى المحوري

ضغط بثقل بالغ يُسِيلُ أو يُنْفِذُ ما في الأثناء من مائع ونحوه. كعصر العنب ونحوه إذا اعتُصِر. {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أي العنب ليصير خمرا {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49]. أي يعصِرون العِنَب والزيت ونحوهما رمزًا لجرَيان الغَلَّة -أو يستغلون عامة- أي يُنتَج لهم. وقرئ "يُعْصَرون "للمفعول أي يُمْطَرون أو يُنْجَدُون. ولكن معاني هذه المحكية تبدو تكرارًا مع يُغاَث في الآية. فالأوّل أولى.

ومن الأصل كذلك: "الإعصار رِياح شديدة تَهُبُّ من الأرض وتثير الغُبَار (اللاصق بالأرض بضغطها البالغ الشدة) فيرتفعُ كالعمود إلى السماء ". {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ} [البقرة: 266].

ومن لطف مصدر العصير (أي أنه مختزن في الثمر خفيّ) مع سيلانه شيئًا فشيئًا فيوحي بالاستمرار - عُبِّرَ بالعصر عن "الدهر "، لامتداده هكذا {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1 - 2] -كما عُبّر به عما "بعد الزوال إلى احمرار الشمس "، لأن هذا الوقت نتيجةٌ وامتدادٌ لبلوغ الشمس أَوْجَها نعني أقصى شدتها) في فترة الصبح إلى الظهيرة، ثم إن الشمس تبدو أو تظل هذه الفترة في

انحدار كأنها تُدْفَع أو تُضْغط حتى تَغْرُب، وأيضًا فإن زمن العصر يوصف بأنه ضيّق فهو زمن معصور. و "المُعْصِر: الجارية.. أول ما أدركت وحاضت أو قاربت الحيض. و "المُعْصِر من السحب: التي تتحلب بالمطر ولمّا تجتمع "فهما من الاحتواء على عصير أي مائع ينزل قليلًا قليلًا كما ينزل المائع المعتصر {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [النبأ: 14] المراد السحب التي ينزل منها المطر [ينظر قر 19/ 173] ".

ومن ذلك "الاعتصارُ: انتجاعُ العطية (استخراج). وعَصَره: أعطاه "ولعل أصلها: عَصَر له.

والعَصْر يقع بحصر الشيء بين أشياء شديدة تحيط به ومن ذلك: (العَصْر بالفتح: الحبس والمنع، وبالتحريك والضم: الملجأ والمنجاة " (الذي يلجأ إليه الخائف فيحيط به بقوة، وتحوّل معنى الإحاطة ضغطا إلى الإحاطة حماية).

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


4-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (النصرانية)

النصرانية

التعريف:

هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح، ولكنها جابهت مقاومة واضطهادًا شديدًا، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيرًا عن أصولها الأولى لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

مرت النصرانية بعدة مراحل وأطوار تاريخية مختلفة، انتقلت فيها من رسالة منزلة من عند الله تعالى إلى ديانة مُحرَّفة ومبدلة، تضافر على صنعها بعض الكهان ورجال السياسة، ويمكن تقسيم هذه المراحل كالتالي:

المرحلة الأولى:

النصرانية المُنزَّلة من عند الله التي جاء بها عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام:

- هي رسالة أنزلها الله تعالى على عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية. وافترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، فمنهم من يؤمن بأن غاية الإنسان هي الحياة الدنيا، حي

- المبلِّغ: عيسى ابن مريم عليه السلام، أمُّه البتول مريم ابنة عمران أحد عظماء بني إسرائيل، نذرتها أمها قبل أن تحمل بها لخدمة المسجد، وكفلها زكريا أحد أنبياء بني إسرائيل وزوج خالتها، فكانت عابدة قانتة لله تعالى، حملت به من غير زوج بقدرة الله تعالى، وولدته

- بُعث عيسى عليه السلام نبيًّا إلى بني إسرائيل، مؤيَّدًا من الله تعالى بعدد من المعجزات الدالة على نبوته، فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله. ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.

كما كان يخبر الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم بإذن الله.

وقد أيده الله هو وحواريِّيه بمائدة من السماء أنزلها عليهم لتكون عيدًا لأولهم وأخرهم.

- تآمر اليهود على قتله برئاسة الحبر الأكبر (كايافاس) وأثاروا عليه الحاكم الروماني لفلسطين (بيلاطس) لكنه تجاهلهم أولًا، ثم لما كذبوا عليه وتقوَّلوا على عيسى عليه السلام بأنه يدعو نفسه مسيحًا ملكًا، ويرفض دفع الجزية للقيصر، دفع ذلك الحاكم إلى إصدار أمرًا با

- اختفى عيسى وأصحابه عن أعين الجند، إلا أن أحد أصحابه دلَّ جند الرومان على مكانه، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه الصلاة والسلام وصورته عليه، ويقال إنه يهوذا الإسخريوطي وقيل غيره، فنُفِّذ حكم الصلب فيه بدلًا من عيسى عليه الصلاة والسلام حيث رفعه الله إليه،

- آمن بدعوة المسيح عليه السلام الكثير ولكنه اصطفى منهم اثني عشر حواريًّا كما هم مذكورون في إنجيل متى.

- وهناك الرسل السبعون الذين يقال بأن المسيح عليه السلام اختارهم ليعلِّموا النصرانية في القرى المجاورة.

المرحلة الثانية:

ويسميها مؤرِّخو الكنيسة بالعصر الرسولي، وينقسم هذا العصر إلى قسمين: التبشير وبداية الانحراف، والاضطهاد الذي يستمر حتى بداية العهد الذهبي للنصارى.

التبشير وبداية الانحراف:

بعدما رُفع المسيح عليه الصلاة والسلام، واشتد الإيذاء والتنكيل بأتباعه وحوارييه بوجه خاص؛ حيث قُتل يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الصياد فكان أول من قتل من الحواريين، وسجن بطرس، وعذب سائر الرسل، وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه الصلاة والسلام حتى كادت النصرانية أن تفنى.

وفي ظل هذه الأجواء المضطربة أعلن شاول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة بالمدارس الفلسفية والحضارات في عصره، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه عمالائيل، أعلن شاول الذي كان يُذيق أتباع المسيح سوءَ العذاب، إيمانه بالمسيح بعد زعمه رؤيته عند عودته من دمشق، مؤنبًا له على اضطهاده لأتباعه، آمرًا له بنشر تعاليمه بين الأمم، فاستخف الطرب النصارى، في الوقت الذي لم يصدقه بعضهم، إلا أن برنابا الحواري دافع عنه وقدمه إلى الحواريين فقبلوه، وبما يمتلكه من حدة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع أن يأخذ مكانًا مرموقًا بين الحواريين وتسمى بـ بولس.

- انطلق الحواريون للتبشير بين الأمم اليهودية في البلدان المجاورة، التي سبق أن تعرفت على دعوة المسيح عليه السلام أثناء زيارتها لبيت المقدس في عيد العنصرة، وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن متَّى ذهب إلى الحبشة، وقُتل هناك بعد أن أسس فيها كنيسة ورسَّم – عيَّن-

- أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية، وأسس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة أورشليم ورسَّم لهم أساقفة. وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فوجدا خلافًا حادًّا بين أتباع الكنيسة حول إكراه الأمميين على إتباع شريعة التوراة فعادا إلى بيت المقدس لعرض

بداية الانحراف:

- فيما بين عام 51 – 55م عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين – مجمع أورشليم – تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجمًا سنة 62م ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر – إعمالًا لأعظم المصلحتين – استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إن كان ذلك هو ا

- عاد بولس بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة وقوله أنها: "كانت لعنة تخلَّصنا منها إلى الأبد" و"أن المسيح جاء ليبدل عهدًا قديمًا بعهد جديد" ولاستعارته من فلاسفة اليونان

- قد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى: ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس، وإيبيي فايتس، وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولًا، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث، وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير. وهكذ

الاضطهاد:

- عانت الدعوة النصرانية أشدَّ المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية، ومن الرومان الذين كانت لهم السيطرة والحكم، ولذلك فإن نصيب النصارى في فلسطين ومصر كان أشد من غيرهم، حيث اتخذ التعذيب والقتل أشكالًا عديدة؛ م

- من أعنف الاضطهادات وأشدها:

1- اضطهاد نيرون سنة 64م الذي قُتل فيه بطرس وبولس.

2- واضطهاد دمتيانوس سنة 90م وفيه كتب يوحنا إنجيله في أفسس باللغة اليونانية.

3- واضطهاد تراجان سنة 106م وفيه أمر الإمبراطور بإبادة النصارى وحرق كتبهم، فحدثت مذابح مُروِّعة قُتل فيها يعقوب البار أسقف أورشليم.

4- ومن أشدها قسوة وأعنفها اضطهادُ الإمبراطور دقلديانوس 284م الذي صمم على أن لا يكف عن قتل النصارى حتى تصل الدماء إلى ركبة فرسه، وقد نفذ تصميمه؛ وهدم الكنائس وأحرق الكتب، وأذاقهم من العذاب صنوفًا وألوانًا، مما دفع النصارى من أقباط مصر إلى اتخاذ يوم 29 أغسطس 284م بداية لتقويمهم تخليدًا لذكرى ضحاياهم.

- هكذا استمر الاضطهاد يتصاعد إلى أن استسلم الإمبراطور جالير لفكرة التسامح مع النصارى لكنه مات بعدها، ليعتلي قسطنطين عرش الإمبراطورية.

- سعى قسطنطين بما لأبيه من علاقات حسنة مع النصارى إلى استمالة تأييدهم له لفتح الجزء الشرقي من الإمبراطورية حيث يكثر عددهم، فأعلن مرسوم ميلان الذي يقضي بمنحهم الحرية في الدعوة والترخيص لديانتهم ومساواتها بغيرها من ديانات الإمبراطورية الرومانية، وشيَّد لهم

نشأة الرهبانية والديرية وتأثير الفلسفة على النصرانية:

- في خلال هذه المرحلة ظهرت الرهبنة في النصرانية في مصر أولًا على يد القديس بولس الطبي 241 – 356م والقديس أنطوان المعاصر له، إلا أن الديرية – حركة بناء الأديرة – نشأت أيضًا في صعيد مصر عام 315 – 320م أنشأها القديس باخوم، ومنها انتشرت في الشام وآسيا الصغرى.

العهد الذهبي للنصارى:

- يطلق مؤرخو الكنيسة اسم العهد الذهبي للنصارى ابتداء من تربُّع الإمبراطور قسطنطين على عرش الإمبراطورية الرومانية عام 312م لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ النصرانية.

ويمكن تقسيم ذلك العهد إلى مرحلتين رئيسيتين:

* مرحلة جمع النصارى على عقيدة واحدة (عصر المجامع أو عهد الخلافات والمناقشات):

- ما إن أعلن قسطنطين إعلان ميلان حتى قرَّب النصارى وأسند إليهم الوظائف الكبيرة في بلاط قصره، وأظهر لهم التسامح، وبنى لهم الكنائس، وزعمت أمه هيلينا اكتشاف الصليب المقدس، الذي اتخذه شعارًا لدولته بجانب شعارها الوثني، فنشطت الدعوة إلى النصرانية، ودخل الكثير

- وفي وسط هذه العقائد المختلفة والفرق المتضاربة مابين من يُؤَلِّه المسيح وأمه (الريمتين) أو من يؤله المسيح فقط، أو يدعي وجود ثلاثة آلهة: إله صالح، وإله طالح، وآخر عدل بينهما (مقالة مرقيون). أعلن آريوس أحد قساوسة كنيسة الإسكندرية صرخته المدوية بأن المسيح ع

1- لعن آريوس الذي يقول بالتوحيد ونفيه وحرق كتبه، ووضع قانون الإيمان النيقاوي (الأثناسيوسي) الذي ينص على ألوهية المسيح.

2- وضع عشرين قانونًا لتنظيم أمور الكنيسة والأحكام الخاصة بالأكليريوس.

3- الاعتراف بأربعة أناجيل فقط: (متى، لوقا، مرقس، يوحنا) وبعض رسائل العهد الجديد والقديم، وحرق باقي الأناجيل لخلافها عقيدة المجمع.

- للتغلب على عوامل انهيار وتفكك الإمبراطورية أنشأ قسطنطين مدينة روما الجديدة عام 324م في بيزنطة القديمة باليونان على نفس تصميم روما القديمة، وأنشأ بها كنيسة كبيرة (أجياصوفيا) ورسم لهم بطريركًا مساويًا لبطاركة الإسكندرية وأنطاكية في المرتبة على أن الإمبراط

- تمهيدًا لانتقال العاصمة إلى روما الجديدة (القسطنطينية) اجتمع قسطنطين بآريوس حيث يدين أهل القسطنطينية والجزء الشرقي من الإمبراطورية بعقيدته، وإحساسًا منه بالحاجة إلى استرضاء سكان هذا القسم أعلن الإمبراطور موافقته لآريوس على عقيدته، وعقد مجمع صور سنة 334م

مرحلة الانفصال السياسي:

- قسَّم قسطنطين الإمبراطورية قبل وفاته عام 337م على أبنائه الثلاثة: فأخذ قسطنطين الثاني الغرب، وقسطنطيوس الشرق، وأخذ قنسطانس الجزء الأوسط من شمال أفريقيا، وعمد كل منهم إلى تأييد المذهب السائد في بلاده لترسيخ حكمه. فاتجه قسطنطيوس إلى تشجيع المذهب الآريوسي،

- توحدت الإمبراطورية تحت حكم قسطنطيوس عام 353 – 361م بعد وفاة قسطنطين الثاني، ومقتل قنسطانس، ووجد الفرصة سانحة لفرض مذهبه الآريوسي على جميع أجزاء الإمبراطورية شرقًا وغربًا.

- لم يلبث الأمر طويلًا حتى اعتلى فلؤديوس عرش الإمبراطورية 379 – 395م الذي اجتهد في إلغاء المذهب الآريوسي والتنكيل بأصحابه، والانتصار للمذهب الأثناسيوسي. ولذا ظهرت في عهده دعوات تنكر الأقانيم الثلاثة ولاهوت الروح القدس، فقرر عقد مجمع القسطنطينية الأول 382م

نشأة البابوية:

- على إثر تقسيم الإمبراطورية إلى شرقية وغربية، ونتيجة لضعف الإمبراطورية الغربية تم الفصل بين سلطان الدولة والكنيسة، بعكس الأمر في الإمبراطورية الشرقية حيث رسخ الإمبراطور قسطنطين مبدأ القيصرية البابوية، ومن هنا زادت سلطات أسقف روما وتحوَّل كرسيه إلى بابوية

بداية الصراع والتنافس على الزعامة الدينية بين الكنيستين:

- ظهر الصراع والتنافس بين كنيسة روما بما تدعي لها من ميراث ديني، وبين كنيسة القسطنطينية عاصمة الدولة ومركز أباطرتها في مجمع أفسس الأول عام 431م حيث نادى نسطور أسقف القسطنطينية بانفصال طبيعة اللاهوت عن الناسوت في السيد المسيح عليه السلام، وبالتالي فإن اللا

- ويسبب دعوى أرطاخي باتحاد الطبيعتين في السيد المسيح عقد له أسقف القسطنطينية فلافيانوس مجمعًا محليًّا وقرر فيه قطعه من الكنيسة ولعنه؛ لكن الإمبراطور ثاؤديوس الصغير قبل التماس أرطاخي، وقرر إعادة محاكمته، ودعا لانعقاد مجمع أفسس الثاني عام 449م برئاسة بطريرك

انفصال الكنيسة مذهبيًّا:

- لم يعترف أسقف روما ليو الأول بقرارات مجمع أفسس الثاني 449م وسعى الإمبراطور مركيانوس لعقد مجمع آخر للنظر في قرارات ذلك المجمع، فوافق الإمبراطور على عقد المجمع في القسطنطينية، ثم في كلدونية 451م لمناقشة مقالة بابا الإسكندرية ديسقورس: من أن للمسيح طبيعتين

نشأة الكنيسة اليعقوبية:

- واجه الإمبراطور جستنيان 527 – 565م صعوبة بالغة في تحقيق طموحه بتوحيد مذهبي الإمبراطورية لتتحقق له سلطة الإمبراطورية والبابوية معًا. وبعد انتصاره في إيطاليا ودخول جيوشه روما حاول إرضاء زوجته بفرض مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزتية) على البابا فجليوس الذي

- ومن آثار هذا المجمع استقلالُ أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة إقامةُ كنيسة منفصلة لهم، تعرف بالكنيسة اليعقوبية، تحت رئاسة مؤسسها يعقوب البرادعي أسقف الرَّها مما زاد في عداء البابوية للإمبراطورية الشرقية.

نشأة الكنيسة المارونية:

في عام 678 – 681م عمل الإمبراطور قسطنطين الرابع على استرضاء البابا أجاثون بعدما فقد المراكز الرئيسية لمذهب الطبيعة الواحدة في مصر والشام لفتح المسلمين لهما، فتم عقد مجمع القسطنطينية الثالث عام 680م للفصل في قول يوحنا مارون من أن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة. وفيه تقرر أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ولعن وطرد من يقول بالطبيعة الواحدة أو بالمشيئة الواحدة، ولذلك انفصلت طائفة المارونية ولحقت بسابقتها من الكنائس المنفصلة.

انفصال الكنيسة إداريًّا:

- جاء هذا الانفصال بعد النزاع والصراع الطويل ابتداءً من الإمبراطور ليو الثالث 726م الذي أصدر مرسومًا يُحرِّم فيه عبادة الأيقونات، ويقضي بإزالة التماثيل والصور الدينية والصلبان من الكنائس والأديرة والبيوت على أنها ضرب من الوثنية، متأثرًا بدعوة المسلمين لإز

- تصدى لهذه الدعوة البابا جريجوري الثاني، ثم خَلَفه البابا جريجوري الثالث ليصدر الإمبراطور قرارًا بحرمان الكراسي الأسقفية في صقلية وجنوب إيطاليا من سلطة البابا الدينية والقضائية وجعلها تحت سلطان بطريرك القسطنطينية. واستمر الوضع على ذلك إلى أن جاء الإمبراط

- ولكن هذه القرارات لم تدم طويلًا حيث أمرت الإمبراطورة الأيقونية إيرين التي خلفت زوجها الإمبراطور ليو الخزري بعقد مجمع نيقية عام 787م بعد تعيينها للبطريرك خرسيوس المتحمس للآيقونية بطريركًا على القسطنطينية، وانتهى المجمع على تقديس صور المسيح ووالدته والقدي

- في عام 869م أثار بطريرك القسطنطينية فوسيوس مسألة انبثاق الروح القدس من الأب وحده، فعارضه – كالعادة – بطريرك روما وقال إن انبثاق الروح القدس من الأب والابن معًا، وعقد لذلك مجمع القسطنطينية الرابع 869م (مجمع الغرب اللاتيني) الذي تقرَّر فيه أن الروح القدس

- وهكذا تم الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية تحت مسمى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، أو كنيسة الروم الأرثوذكس برئاسة بطريرك القسطنطينية، ومذهبًا بأن الروح القدس منبثقة من الأب وحده، على أن الكنيسة الغربية أيضًا تميَّزت باسم الكنيسة البطرسية الكاثوليكية، وبزع

ومن أبرز سمات هذه المرحلة الأخيرة – القرون الوسطى – الفساد، ومحاربة العلم والعلماء والتنكيل بهم والاضطهاد لهم، وتقرير أن البابا معصوم له حق الغفران، مما دفع إلى قيام العديد من الحركات الداعية لإصلاح فساد الكنيسة، وفي وسط هذا الجو الثائر ضد رجال الكنيسة انعقد مؤتمر ترنت عام 1542 – 1563م لبحث مبادئ مارتن لوثر التي تؤيدها الحكومة والشعب الألماني، وانتهى إلى عدم قبول آراء الثائرين أصحاب دعوة الإصلاح الديني. ومن هنا انشقَّت كنيسة جديدة هي كنيسة البروتستانت ليستقر قارب النصرانية بين أمواج المجامع التي عصفت بتاريخها على ثلاث كنائس رئيسية لها النفوذ في العالم إلى اليوم، ولكل منها نحلة وعقيدة مستقلة، وهي: الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، بالإضافة إلى الكنائس المحدودة مثل: المارونية، والنسطورية، واليعقوبية، وطائفة الموحدين، وغيرهم.

أهم الأفكار والمعتقدات:

يمكن إجمال أفكار معتقدات النصرانية بشكل عام فيما يلي، علمًا بأنه سيفصل فيما بينهم من خلاف في المباحث التالية:

* الألوهية والتثليث: مع أن النصرانية في جوهرها تُعنى بالتهذيب الوجداني، وشريعتها هي شريعة موسى عليه السلام، وأصل اعتقادها هو دين الإسلام حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء أخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد" لكنه بعد ضياع الإنجيل وظهور العشرات من الأناجيل والمجامع والدعاوى المنحرفة استقرت أصول عقائد النصرانية على ما يلي:

- الإله: الإيمان بالله الواحد، الأب مالك كل شيء، وصانع ما يرى وما لا يرى. هكذا في قانون إيمانهم، وواضحٌ تأثُّرهم بألفاظ الفلاسفة في قولهم صانع ما يرى. والأولى قولهم خالق ما يرى وما لا يرى حيث بينهما فرق كبير؛ فالصانع يخلق على أساس مثال سابق، بينما الخالق

- المسيح: إن ابنه الوحيد يسوع المسيح بكر الخلائق ولد من أبيه قبل العوالم، وليس بمصنوع (تعالى الله عن كفرهم علوًّا كبيرًا)، ومنهم من يعتقد أنه هو الله نفسه – سبحانه وتعالى عن إفكهم – وقد أشار القرآن الكريم إلى كلا المذهبين، وبيَّن فسادهما، وكفَّر معتقدهما؛

ـ روح القدس: إن روح القدس الذي حلَّ في مريم لدى البشارة، وعلى المسيح في العماد على صورة حمامة، وعلى الرسل من بعد صعود المسيح، الذي لا يزال موجودًا، وينزل على الآباء والقديسين بالكنيسة يرشدهم ويعلمهم ويحل عليهم المواهب، ليس إلا روح الله وحياته، إله حق من إله حق.

- الأقانيم: ولذلك يؤمنون بالأقانيم الثلاثة: الأب، الابن، الروح القدس، بما يُسمونه في زعمهم وحدانية في تثليث وتثليث في وحدانية. وذل زعمٌ باطل صعُب عليهم فهمه، ولذلك اختلفوا فيه اختلافًا متباينًا، وكفرت كل فرقة من فرقهم الأخرى بسببه، وقد حكم الله تعالى بكفر

- الصلب والفداء: المسيح في نظرهم مات مصلوبًا فداءً عن الخليقة، لشدة حب الله للبشر ولعدالته، فهو وحيد الله – تعالى الله عن كفرهم – الذي أرسله ليخلص العالم من إثم خطيئة أبيهم آدم وخطاياهم، وأنه دفن بعد صلبه، وقام بعد ثلاثة أيام متغلبًا على الموت ليرتفع إلى

- قال تعالى مبينًا حقيقة ما حدث وزيف ما ادعوه: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينًا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا}.

* الدينونة والحساب: يعتقدون بأن الحساب في الآخرة سيكون موكولًا للمسيح عيسى ابن مريم الجالس – في زعمهم – على يمين الرب في السماء؛ لأن فيه من جنس البشر مما يعينه على محاسبة الناس على أعمالهم.

* الصليب: يعتبر الصليب شعارًا لهم، وهو موضع تقديس الأكثرين، وحملُه علامة على أنهم من أتباع المسيح، ولا يخفى ما في ذلك من خفة عقولهم وسفاهة رأيهم، فمن الأولى لهم أن يكرهوا الصليب ويحقروه لأنه كان أحد الأدوات التي صلب عليه إلههم وسبب آلامه. وعلى حسب منطقهم فكان الأولى بهم أن يعظموا قبره الذي زعموا أنه دفن فيه، ولا مس جسده تربته فترة أطول مما لامس الصليب.

مريم البتول: يعتقد النصارى على ما أضيف في قانون الإيمان أن مريم ابنة عمران والدة المسيح عليه السلام، هي والدة الإله، ولذا يتوجَّه البعض منهم إليها بالعبادة.

* الدين: يؤمن النصارى بأن النصرانية دين عالمي غير مختص ببني إسرائيل وحدهم، ولا يخلو اعتقادهم هذا أيضًا من مخالفة لقول المسيح المذكور في إنجيل متى، الإصحاح (10: 5، 6): "إلى طرق الأمم لا تتجهوا، ومدن السامريين لا تدخلوا، بل انطلقوا بالحري إلى الخراف الضالة من آل بني إسرائيل".

* الكتاب المقدس: يؤمن النصارى بقدسية الكتاب المشتمل على:

العهد القديم: والذي يحتوي التوراة – الناموس – وأسفار الأنبياء التي تحمل تواريخ بني إسرائيل وجيرانهم، بالإضافة إلى بعض الوصايا والإرشادات.

العهد الجديد: والذي يشمل الأناجيل الأربعة: (متى، مرقس، لوقا، يوحنا) فقط، والرسائل المنسوبة للرسل، على أن ما في العهد الجديد يلغي ما في العهد القديم، لأنه في اعتقادهم كلمة الله، وذلك على خلاف بين طوائفهم في الاعتقاد في عدد الأسفار والرسائل بل وفي صحة التوراة نفسها.

* المجامع (التقليد): يؤمن النصارى بكل ما صدر عن المجامع المسكونية من أمور تشريعية سواء في العقيدة أو في الأحكام، وذلك على خلاف بينهم في عددها.

* الختان: يؤمن النصارى بعدم الختان للأطفال على عكس شريعة التوراة.

الشعائر والعبادات:

- الصلاة: الأصل عندهم في جميع الصلوات إنما هي الصلاة الربانية، والأصل في تلاوتها أن يتلوها المصلي ساجدًا، أو تكون بألفاظ منقولة أو مرتجلة أو عقلية بأن تنوي الألفاظ ويكون الابتهال قلبيًّا، وذلك على خلاف كبير بين طوائفهم في عددها وطريقة تأديتها. ليس لها عدد

- الصوم: هو الامتناع عن الطعام الدسم وما فيه شيء من الحيوان أو مشتقاته مقتصرين على أكل البقول، وتختلف مدته وكيفيته من فرقة إلى أخرى.

- الأسرار السبعة: والتي ينال بها النصراني النعم غير المنظورة في صورة نعم منظورة، ولا تتم إلا على يد كاهن شرعي، ولذا فهي واجبة على كل نصراني ممارستها وإلا أصبح إيمانه ناقصًا. وبالجملة فإنها من ضمن التشريعات التي لم يُنزل الله بها من سلطان، وإنما هي من تخرّ

- سر التعميد: ويقصد به تعميد الأطفال عقب ولادتهم بغطاسهم في الماء أو الرش به باسم الأب والابن والروح القدس، لتمحي عنهم آثار الخطيئة الأصلية، بزعم إعطاء الطفل شيئًا من الحرية والمقدرة لعمل الخير، وهذا أيضًا على خلاف بينهم في صورته ووقته.

- سر التثبيت (الميرون): ولا يكون إلا مرة واحدة، ولا تكمل المعمودية إلا به، حيث يقوم الكاهن بمسح أعضاء المعتمد بعد خروجه من جرن المعمودية في ستة وثلاثين موضعًا – الأعضاء والمفاصل – بدهن الميرون المقدس.

- سر العشاء الرباني: ويكون بالخمر أو الماء ومعه الخبز الجاف؛ حيث يتحول في زعمهم الماء أو الخمر إلى دم المسيح، والخبز إلى عظامه، وبذلك فإن من يتناوله فإنما يمتزج في تعاليمه بذلك، وكذلك ففرقُهم على خلاف في الاستحالة بل وفي العشاء نفسه.

- سر الاعتراف: وهو الإفضاء إلى رجل الدين بكل ما يقترفه المرء من آثام وذنوب، ويتبعه الغفران والتطهير من الذنب بسقوط العقوبة، وكان الاعتراف يتكرر عدة مرات مدى الحياة، ولكن منذ سنة 1215م أصبح لازمًا مرة واحدة على الأقل، وهذه الشعيرة عندهم أيضًا مما اختُلِف ف

- سر الزواج: يُسمح الزواج بزوجة واحدة مع منع التعدد الذي كان جائزًا في مطلع النصرانية، ويُشترط عند الزواج حضور القسيس ليقيم وحده بين الزوجين، والطلاق لا يجوز إلا في حالة الزنى – على خلاف بينهم – ولا يجوز الزواج بعده مرة أخرى، بعكس الفراق الناشئ عن الموت،

- سر مسحة المرضى: وهو السر السادس بزعم شفاء الأمراض الجسدية المتسببة عن العلل الروحية وهي الخطيئة، ولا يمارس الكاهن صلوات القنديل السبع إلا بعد أن يتثبَّت من رغبة المريض في الشفاء.

- سر الكهنوت: وهو السر الذي ينال به الإنسان بزعمهم النعمة التي تؤهِّله لأن يؤدي رسالة السيد المسيح بين إخوانه من البشر، ولا يتم إلا بوضع يد الأسقف على رأس الشخص المنتخب ثم يتلى عليه الصلوات الخاصة برسم الكهنة.

- الرهبانية: اختلفت طوائفهم في مدى لزوم الرهبنة التي يأخذ رجال الدين أنفسهم بها.

* التنظيم الكهنوتي: تختلف كل كنيسة – فرقة – عن الأخرى في التنظيم الكهنوتي، ولكنه بوجه عام هو تنظيمٌ استعارته الكنيسة في عهودها الأولى من الرومان حيث كان يرأسها أكبرهم سنًّا على أمل عودة المسيح، ويقدسون رهبانهم ورجال كنيستهم، ويجعلون لهم السلطة المطلقة في الدين وفي منح صكوك الغفران؛ يقول تعالى مبينًا انحرافهم: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}. [التوبة: 31].

* الهرطقة ومحاربتها: حاربت الكنيسة العلوم والاكتشافات العلمية وكل المحاولات الجديدة لفهم كتابهم المقدس، ورمت ذلك كله بالهرطقة، وواجهت هذه الاتجاهات بمنتهى العنف والقسوة، مما أوجد ردة فعل قوية تمثَّلت في ظهور المذاهب العلمانية والأفكار الإلحادية.

- الجذور الفكرية والعقائدية:

أساسها نصوص العهد القديم، فقد انعكست الروح والتعاليم اليهودية من خلاله، ذلك أن النصرانية قد جاءت مكملة لليهودية، وهي خاصة بخراف بني إسرائيل الضالة، كما تذكر أناجيلهم.

- لقد أدخل أمنيوس المتوفى سنة 242م أفكارًا وثنية إلى النصرانية بعد أن اعتنقها وارتدَّ عنها إلى الوثنية الرومانية.

- عندما دخل الرومان في الديانة النصرانية نقلوا معهم إليها أبحاثهم الفلسفية وثقافتهم الوثنية، ومزجوها بالمسيحية التي صارت خليطًا من كل ذلك.

- لقد كانت فكرة التثليث التي أقرَّها مجمع نيقية 325م انعكاسًا للأفلوطونية الحديثة التي جلبت معظم أفكارها من الفلسفة الشرقية، وكان لأفلوطين المتوفى سنة 270م أثر بارز على معتقداتها، فأفلوطين هذا تتلمذ في الإسكندرية، ثم رحل إلى فارس والهند، وعاد بعدها وفي جع

1- المُنشئ الأزلي الأول.

2- العقل.

3- الروح التي هي مصدر تتشعب منه الأرواح جميعًا.

بذلك يضع أساسًا للتثليث إذ أن المنشئ هو الله، والعقل هو الابن، والروح هو الروح القدس.

- تأثرت النصرانية بديانة متراس التي كانت موجودة في بلاد فارس قبل الميلاد بحوالي ستة قرون التي تتضمن قصة مثيلة لقصة العشاء الرباني.

- في الهندوسية تثليث، وأقانيم، وصلب للتكفير عن الخطيئة، وزهد ورهبنة، وتخلُّص من المال للدخول في ملكوت السموات، والإله لديهم له ثلاثة أسماء فهو فشنو أي الحافظ وسيفا المهلك وبرهما المُوجِد. وكل ذلك انتقل إلى النصرانية بعد تحريفها.

- انتقلت بعض معتقدات وأفكار البوذية التي سبقت النصرانية بخمسة قرون إلى النصرانية المحرَّفة، وإن علم مقارنة الأديان يكشف تطابقًا عجيبًا بين شخصية بوذا وشخصية المسيح عليه السلام (انظر العقائد الوثنية في الديانة النصرانية لمحمد طاهر التنير).

- خالطت عقيدة البابليين القديمة النصرانية إذ أن هناك محاكمة لبعل إله الشمس تُماثِل وتطابق محاكمة المسيح عليه السلام.

وبالجملة فإن النصرانية قد أخذت من معظم الديانات والمعتقدات التي كانت موجودة قبلها، مما أفقدها شكلها وجوهرها الأساسي الذي جاء به عيسى عليه السلام من لدن رب العالمين.

الانتشار ومواقع النفوذ:

* تنتشر النصرانية اليوم في معظم بقاع العالم، وقد أعانها على ذلك الاستعمار والتنصير الذي تدعمه مؤسسات ضخمة عالمية ذات إمكانات هائلة.

يتضح مما سبق:

* لم تكن عقيدة التثليث معروفة في عصر الحواريين (العصر الرسولي) تقول دائرة المعارف الفرنسية: "وإن تلاميذ المسيح الأوّلين الذين عرفوا شخصه وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد الأركان الثلاثة المكوِّنة لذات الخالق، وما كان بطرس حواريه يعتبره أكثر من رجل يوحي إليه من عند الله". وتستشهد على ذلك بأقوال قدماء المؤرخين مثل جوستن ماراستر من القرن الثاني الميلادي حيث يصرح بأنه كان في زمنه في الكنيسة مؤمنون يعتقدون أن عيسى هو المسيح، ويعتبرونه إنسانًا بحتًا، وأنه كان أرقى من غيره من الناس، وحدث بعد ذلك أنه كلما تنصَّر عدد من الوثنيين ظهرت عقائد جديدة لم تكن من قبل.

* لضياع النصوص الأصلية من الأناجيل نتيجة للاضطهاد من جانب وللاحتكاك والتأثر بالفلسفات والحضارات الشرقية والوثنية من جانب آخر، حملت الديانة النصرانية المحرفة عوامل اختلافها وتناقض نصوصها، الذي ظهر بشكل واضح من خلال المجامع المختلفة التي عقدت لوضع أصول الدين وتشريعاته بشكل لم يَرِد عن المسيح عليه السلام ولا عن حوارييه.

* سيطرت عقائد وأفكار بولس على النصرانية؛ يقول دبليو ريد "إن بولس قد غيَّر النصرانية لدرجة أنه أمسى مؤسسها الثاني، إنه في الواقع مؤسس المسيحية الكنسية". ويؤيده لوني دنيله، وستون استيورت، جيمبرلين في أن بولس أضفى على المسيحية بتمزيقها إطارًا غير اليهودية ولذلك فبات خالق الكنائس التي أسست باسم اليسوع. ويقول لوني نيك: "لو لم يكن بولس لعادت المسيحية فرقة من الديانة اليهودية، ولما كانت ديانة كونيه".

* كل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هي قبل الافتراق، حيث كان لتلاميذ بولس من أمثال لوقا ويوحنا دورٌ كبير في إخفاء تاريخهما بعد الخلاف بينهما، وهذا ما أيدته دائرة المعارف البريطانية من أن قوة نفوذ وأتباع بولس أخفت تاريخ كل من يعارض بولس مثل برنابا وبطرس.

- هناك رسالتان تُنسبان لبطرس يوافق فيهما أفكار بولس، أثبتت دائرة المعارف البريطانية أنهما ليستا له وأنهما مزوَّرتان عليه حيث تتعلق بتاريخ ما بعد موته، ولم تقبلهما كنيسة روما إلا في سنة (264م) بينما اعترفت بهما الإسكندرية في القرن الثالث، وكذلك بالنسبة للرس

* لم تُعرف الأناجيل الأربعة المتفق عليها عند النصارى اليوم المعرفة الكاملة قبل مجمع نيقية (335م) حيث تم اختيارها من بين عشرات الأناجيل، وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها، وإنما تم الاعتراف بها فيما بعد.

- إن تلاميذ المسيح عليه السلام ليسوا بكتَّاب هذه الأناجيل فهي مقطوعة الإسناد، والنصوص الأصلية المترجَم عنها مفقودة، بل ونصوص الإنجيل الواحد متناقضة مع بعضها فضلًا عن تناقضها مع غيرها من نصوص الأناجيل الأخرى مما يبطل دعوى أنها كُتبت بإلهام من الله تعالى.

- بعد الدراسة المتأنية لنصوص الإنجيل نجد فضلًا عن التناقضات، لا بين نصوص الإنجيل الواحد أو الأناجيل المختلفة فقط، وإنما بين نصوص الأناجيل ورسائل الرسل المزعومة، وأيضًا بينها وبين نصوص العهد القديم ما يدلِّل ويؤكد التحريف سواء كان بقصد أو بغير قصد.

- هناك مئات النصوص في الأناجيل الأربعة تدل على أن عيسى إنسان وليس إلهًا، وأنه ابن الإنسان وليس ابن الله، وأنه جاء رسولًا إلى بني إسرائيل فقط، مكملًا لشريعة موسى وليس ناقضًا لها.

- وهناك نصوص أخرى تدل على أن عيسى لم يُصلب وإنما أنجاه الله ورفعه إلى السماء، وتدحض كذلك عقيدة الغفران، وتبين أن الغفران يُنال بالتوبة وصلاح الأعمال. وهناك نصوص إنجيلية تؤكد بشارة عيسى بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

- بل إن هناك نصوصًا عديدة في الرسائل تثبت زيف زعم بولس بأنه يوحي إليه، وتبين كذلك تناقضه مع نفسه ومع عيسى عليه السلام.

* رأينا كيف تدخلت السياسة والحكام في تقرير عقائد الكنيسة وتبديلها من خلال المجامع المختلفة، وأن الأصل في الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية نشأ لا عن موقف عقدي بقدر ما هو محاولة إثبات الوجود والسيطرة.

* لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن في آيات عديدة إفكَ النصارى وقولهم في مريم، واعتقادهم في المسيح على اختلاف مذاهبهم، مبيِّنًا انحرافهم، ومصحِّحًا عقائدهم، وداعيًا إياهم عدم الغلو في الدين وأن لا يقولوا على الله إلا الحق.

وعمومًا فإن النصارى يُعتبرون بالنسبة للمسلمين أهل كتاب مثل اليهود، وحكمهم في الإسلام سواء، فقد كذَّبوا برسول الله وآياته، وأشركوا بالله، فهم بذلك كفار لهم نار جهنم خالدين فيها. يقول تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}. [البينة: 6]. لكنهم مع ذلك يعاملون بما أمر الله تعالى به من الإحسان والبر والقسط إليهم، وأكل طعامهم والتزوج من نسائهم، طالما أنهم لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا، فهم أهل ذمة إذا عاشوا في ديار المسلمين،؛ ما لم ينقضوا عهدهم فإن نكثوا عهدهم وتجرؤوا على الإسلام والمسلمين؛ بأن حاولوا الدعوة إلى باطلهم وكفرهم بين أبناء المسلمين، أو طعنوا في الدين مثلًا، فلابد من قتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

(page)

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م


5-موسوعة الفقه الكويتية (اقتداء 1)

اقْتِدَاءٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الِاقْتِدَاءُ لُغَةً: مَصْدَرُ اقْتَدَى بِهِ، إِذَا فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ تَأَسِّيًا، وَيُقَالُ: فُلَانٌ قُدْوَةٌ: أَيْ يُقْتَدَى بِهِ، وَيُتَأَسَّى بِأَفْعَالِهِ.

وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ يُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ: اتِّبَاعُ الْمُؤْتَمِّ الْإِمَامَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.أَوْ هُوَ رَبْطُ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ بِالْإِمَامِ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ، وَبَيَّنَهَا الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الِائْتِمَامُ:

2- الِائْتِمَامُ: بِمَعْنَى الِاقْتِدَاءِ.يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا رَبَطَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ إِمَامِهِ حَصَلَ لَهُ صِفَةُ الِاقْتِدَاءِ وَالِائْتِمَامِ، وَحَصَلَ لِإِمَامِهِ صِفَةُ الْإِمَامَةِ.

وَالِاقْتِدَاءُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنَ الِائْتِمَامِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.

ب- الِاتِّبَاعُ:

3- مِنْ مَعَانِي الِاتِّبَاعِ فِي اللُّغَةِ: الْمَشْيُ خَلْفَ الْغَيْرِ، وَمِنْهُ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالْحَقِّ كَمَا فِي الْآيَةِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وَيَأْتِي بِمَعْنَى الِائْتِمَامِ، يُقَالُ: اتَّبَعَ الْقُرْآنَ: ائْتَمَّ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ.

وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي، كَمَا اسْتَعْمَلُوهُ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلٍ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَخَصُّ مِنَ الِاقْتِدَاءِ.

ج- التَّأَسِّي:

4- التَّأَسِّي فِي اللُّغَةِ: مِنَ الْأُسْوَةِ بِمَعْنَى الْقُدْوَةِ، يُقَالُ: تَأَسَّيْتُ بِهِ وَائْتَسَيْتُ: أَيِ اقْتَدَيْتُ.فَالتَّأَسِّي بِمَعْنَى الِاقْتِدَاءِ.

وَمِنْ مَعَانِي التَّأَسِّي: التَّعَزِّي، أَيِ: التَّصَبُّرُ.وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ الِاقْتِدَاءُ فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا التَّأَسِّي فَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.

د- التَّقْلِيدُ:

5- التَّقْلِيدُ عِبَارَةٌ عَنْ: قَبُولِ قَوْلِ الْغَيْرِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ.

أَقْسَامُ الِاقْتِدَاءِ:

6- الِاقْتِدَاءُ عَلَى أَقْسَامٍ، مِنْهَا: اقْتِدَاءُ الْمُؤْتَمِّ بِالْإِمَامِ فِي أَفْعَالِهِ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهَا.

وَمِنْهَا: الِاقْتِدَاءُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَهُوَ بِمَعْنَى التَّأَسِّي، كَاقْتِدَاءِ الْأُمَّةِ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي.

الِاقْتِدَاءُ فِي الصَّلَاةِ

7- الِاقْتِدَاءُ فِي الصَّلَاةِ هُوَ: رَبْطُ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ كَمَا سَبَقَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إِمَامٌ وَمُقْتَدٍ، وَلَوْ وَاحِدًا.وَأَقَلُّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجَمَاعَةُ- فِي غَيْرِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ- اثْنَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: « الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ » وَلِفِعْلِهِ- عليه الصلاة والسلام- حِينَ « صَلَّى بِابْنِ عَبَّاسٍ وَحْدَهُ ».

وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سَمَّى الِاثْنَيْنِ مُطْلَقًا جَمَاعَةً.

وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمَا، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ.

هَذَا، وَهُنَاكَ شُرُوطٌ لَا بُدَّ مِنْ تَوَفُّرِهَا فِي الِاقْتِدَاءِ وَالْمُقْتَدَى بِهِ (الْإِمَامِ)، وَحَالَاتٌ تَخُصُّ الْمُقْتَدِيَ أَيْ (الْمَأْمُومَ) نَذْكُرُهَا فِيمَا يَلِي:

شُرُوطُ الْمُقْتَدَى بِهِ (الْإِمَامِ):

8- يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ فِي الْجُمْلَةِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ اتِّفَاقًا، وَالْبُلُوغُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ الذُّكُورَةُ إِذَا كَانَ الْمُقْتَدُونَ ذُكُورًا، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْأَعْذَارِ- كَرُعَافٍ وَسَلَسِ الْبَوْلِ- إِذَا اقْتَدَى بِهِ أَصِحَّاءُ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ عَاهَاتِ اللِّسَانِ- كَفَأْفَأَةٍ وَتَمْتَمَةٍ- إِذَا اقْتَدَى بِهِ السَّلِيمُ مِنْهُمَا، وَكَذَا السَّلَامَةُ مِنْ فَقْدِ شَرْطٍ كَطَهَارَةٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ.عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلَافٍ فِي بَعْضِهَا يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِمَامَة).

شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ:

أ- النِّيَّةُ:

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْمُؤْتَمِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، إِذِ الْمُتَابَعَةُ عَمَلٌ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ.وَالْمُعْتَبَرُ فِي النِّيَّةِ عَمَلُ الْقَلْبِ اللاَّزِمُ لِلْإِرَادَةِ، وَيُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ.وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا بِدْعَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

وَيُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتَّحْرِيمَةِ، أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا بِشَرْطِ أَلاَّ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ)

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ لِلَّذِي أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مَأْمُومًا، بِأَنْ تَحْضُرَ جَمَاعَةٌ فَيَنْوِيَ الدُّخُولَ مَعَهُمْ بِقَلْبِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ أَمْ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً فَأَكْثَرَ.

وَلَا فَرْقَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلْمَأْمُومِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجُمُعَةِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَكَذَلِكَ الْعِيدَانِ، لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الْجَمَاعَةِ، فَكَانَ التَّصْرِيحُ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ أَوِ الْعِيدِ مُغْنِيًا عَنِ التَّصْرِيحِ بِنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ.

وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ بِاسْمِهِ كَزَيْدٍ، أَوْ صِفَتِهِ كَالْحَاضِرِ، أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِرَبْطِ صَلَاتِهِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ.

هَذَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ نَوَى الْإِمَامَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ.وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ نِيَّةَ الرَّجُلِ الْإِمَامَةَ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ النِّسَاءِ بِهِ.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (إِمَامَة) ب- عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ:

10- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَلاَّ يَتَقَدَّمَ الْمُقْتَدِي إِمَامَهُ فِي الْمَوْقِفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) لِحَدِيثِ: « إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ » وَالِائْتِمَامُ الِاتِّبَاعُ، وَالْمُتَقَدِّمُ غَيْرُ تَابِعٍ، وَلِأَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَ الْإِمَامَ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ، وَمُحْتَاجٌ إِلَى النَّظَرِ وَرَاءَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِيُتَابِعَهُ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيُجْزِئُهُ التَّقَدُّمُ إِذَا أَمْكَنَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ يُوجِبُ الْمُتَابَعَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَكَانَ لَيْسَ مِنَ الصَّلَاةِ.لَكِنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَأْمُومِ، وَيُكْرَهُ التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ وَمُحَاذَاتُهُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ.

وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَعَدَمِهِ لِلْقَائِمِ بِالْعَقِبِ، وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ لَا الْكَعْبِ، فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لِطُولِ قَدَمِهِ لَمْ يَضُرَّ.وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ طَوِيلًا وَسَجَدَ قُدَّامَ الْإِمَامِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ عَقِبُهُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْإِمَامِ حَالَةَ الْقِيَامِ، صَحَّتِ الصَّلَاةُ، أَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ فَيَضُرُّ، لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْمَنْكِبِ، وَالْعِبْرَةُ فِي التَّقَدُّمِ بِالْأَلْيَةِ لِلْقَاعِدِينَ، وَبِالْجَنْبِ لِلْمُضْطَجِعِينَ.

11- فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ امْرَأَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ يَقِفُ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا ذَكَرًا- وَلَوْ صَبِيًّا- يَقِفُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ مُسَاوِيًا لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأَخُّرُهُ عَنِ الْإِمَامِ قَلِيلًا.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ تُفْسِدُ صَلَاتَهُمْ.يَقُولُ الزَّيْلَعِيُّ الْحَنَفِيُّ: فَإِنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ مُشْتَهَاةٌ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ- وَهِيَ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ- مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا تَحْرِيمَةٌ وَأَدَاءٌ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بِلَا حَائِلٍ، وَنَوَى الْإِمَامُ إِمَامَتَهَا وَقْتَ الشُّرُوعِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاتِهَا، لِحَدِيثِ: « أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ » وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ دُونَهَا، فَيَكُونُ هُوَ التَّارِكَ لِفَرْضِ الْقِيَامِ، فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ دُونَ صَلَاتِهَا.

وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَاذَاةَ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنَّهَا تُكْرَهُ، فَلَوْ وَقَفَتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وَلَا مَنْ خَلْفَهَا وَلَا مَنْ أَمَامَهَا، وَلَا صَلَاتُهَا، كَمَا لَوْ وَقَفَتْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَالْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ بِالتَّأْخِيرِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مَعَ عَدَمِهِ.

هَذَا، وَفِي الصَّلَاةِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَدَمُ تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ فِي نَفْسِ الْجِهَةِ، حَتَّى إِذَا تَقَدَّمَهُ فِي غَيْرِ جِهَتِهِمَا لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا.وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحَيْ: (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ).

ج- أَلاَّ يَكُونَ الْمُقْتَدِي أَقْوَى حَالًا مِنَ الْإِمَامِ:

12- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَلاَّ يَكُونَ الْمُقْتَدِي أَقْوَى حَالًا مِنَ الْإِمَامِ، فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ، وَلَا مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ، وَلَا بَالِغٍ بِصَبِيٍّ فِي فَرْضٍ، وَلَا قَادِرٍ عَلَى رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِعَاجِزٍ عَنْهُمَا، وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ سَالِمٍ بِمَعْذُورٍ، كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ، وَلَا مَسْتُورِ عَوْرَةٍ بِعَارٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ قَاعِدَةً فَقَالُوا: الْأَصْلُ أَنَّ حَالَ الْإِمَامِ إِنْ كَانَ مِثْلَ حَالِ الْمُقْتَدِي أَوْ فَوْقَهُ جَازَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ دُونَ حَالِ الْمُقْتَدِي صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ.وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إِلاَّ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ أُمِّيًّا وَالْمُقْتَدِي قَارِئًا، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَخْرَسَ فَلَا يَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا.وَقَدْ تَوَسَّعَ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَطْبِيقِ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ، وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَعَ خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ.وَخَالَفَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي: (اخْتِلَافِ صِفَةِ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي).

د- اتِّحَادُ صَلَاتَيِ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامِ:

13- يُشْتَرَطُ فِي الِاقْتِدَاءِ اتِّحَادُ صَلَاتَيِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ سَبَبًا وَفِعْلًا وَوَصْفًا، لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ التَّحْرِيمَةِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ، فَالْمُقْتَدِي عَقَدَ تَحْرِيمَتَهُ لَمَّا انْعَقَدَتْ لَهُ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ، فَكُلُّ مَا تَنْعَقِدُ لَهُ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ جَازَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُقْتَدِي، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ ظُهْرٌ خَلْفَ عَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ ظُهْرٍ قَضَاءً خَلْفَ ظُهْرٍ أَدَاءً، وَلَا ظُهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَظُهْرِ يَوْمِ السَّبْتِ خَلْفَ ظُهْرِ الْأَحَدِ الْمَاضِيَيْنِ، إِذْ لَا بُدَّ مِنَ الِاتِّحَادِ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ وَصِفَتِهَا وَزَمَنِهَا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ- عليه السلام-: « إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ».

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ تَوَافُقُ نَظْمِ صَلَاتَيْهِمَا فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الصَّلَاتَيْنِ.وَعَلَى ذَلِكَ تَصِحُّ قُدْوَةُ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَمُؤَدِّي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ، وَبِالْمَعْكُوسِ.أَيْ الْقَاضِي بِالْمُؤَدِّي، وَالْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَفِي الْعَصْرِ بِالظُّهْرِ، نَظَرًا لِاتِّفَاقِ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ النِّيَّةُ. وَكَذَا يَجُوزُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، وَتَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَهُ حِينَئِذٍ الْخُرُوجُ بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ أَوِ الِانْتِظَارِ لِيُسَلِّمَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ.لَكِنَّ الْأَوْلَى فِيهَا الِانْفِرَادُ.

فَإِنِ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جَنَازَةٍ، لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ، لِمُخَالَفَتِهِ النَّظْمَ، وَتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ مَعَهَا.

أَمَّا اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ فَجَائِزٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.

هـ- عَدَمُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامِ:

14- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامِ فَاصِلٌ كَبِيرٌ.

وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ وَالتَّفَاصِيلِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

بُعْدُ الْمَسَافَةِ:

15- فَرَّقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ الْمَسْجِدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسَافَةِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى الْإِمَامَ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ، أَوْ يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ وَهُمَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَإِنْ بَعُدَتِ الْمَسَافَةُ.أَمَّا فِي خَارِجِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَتِ الْمَسَافَةُ قَدْرَ مَا يَسَعُ صَفَّيْنِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ.وَلَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ بُعْدُ الْمَسَافَةِ فِي خَارِجِ الْمَسْجِدِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ رُؤْيَةَ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ مَنْ وَرَاءَهُ.فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إِنْ لَمْ يَرَ الْمَأْمُومُ أَحَدَهُمَا، وَإِنْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَمَهْمَا كَانَتِ الْمَسَافَةُ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا، فَقَالُوا بِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ إِذَا أَمْكَنَ رُؤْيَةُ الْإِمَامِ أَوِ الْمَأْمُومِ أَوْ سَمَاعُ الْإِمَامِ وَلَوْ بِمُسَمِّعٍ.

وُجُودُ الْحَائِلِ، وَلَهُ عِدَّةُ صُوَرٍ:

16- الْأُولَى: إِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامِ نَهْرٌ كَبِيرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ (وَلَوْ زَوْرَقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ النَّهْرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ.فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: النَّهْرُ الصَّغِيرُ هُوَ مَا لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: هُوَ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الْإِمَامِ، أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ، أَوْ رُؤْيَةِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ النَّهْرُ الَّذِي يُمْكِنُ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَر فَيْهِ إِلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ سِبَاحَةٍ بِالْوُثُوبِ فَوْقَهُ، أَوِ الْمَشْيِ فِيهِ، وَفِي حُكْمِهِ النَّهْرُ الْمُحْوِجُ إِلَى سِبَاحَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ.

17- الثَّانِيَةُ: يَمْنَعُ مِنَ الِاقْتِدَاءِ طَرِيقٌ نَافِذٌ يُمْكِنُ أَنْ تَجْرِيَ فِيهِ عَجَلَةٌ، وَلَيْسَ فِيهِ صُفُوفٌ مُتَّصِلَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَانَ عَلَى الطَّرِيقِ مَأْمُومٌ وَاحِدٌ- لَا يَثْبُتُ بِهِ الِاتِّصَالُ، وَبِالثَّلَاثِ يَثْبُتُ، وَفِي الْمُثَنَّى خِلَافٌ.

وَلَا يَضُرُّ الطَّرِيقُ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ سَمَاعِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ رُؤْيَةِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِجَوَازِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَإِنْ فَرَّقَتِ الطُّرُقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِمَامِهِمْ.وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَضُرُّ، لِأَنَّهُ قَدْ تَكْثُرُ فِيهِ الزَّحْمَةُ فَيَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَحْوَالِ الْإِمَامِ.

هَذَا، وَأَجَازَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ الْفَصْلَ بِطَرِيقٍ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ وَنَحْوِهَا، وَالتَّفْصِيلُ فِي مَوَاضِعِهَا.

18- الثَّالِثَةُ: صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ، بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جِدَارٌ كَبِيرٌ أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ يَمْنَعُ الْمُقْتَدِيَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى إِمَامِهِ لَوْ قَصَدَ الْوُصُولَ إِلَيْهِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَيَصِحُّ إِذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَمْنَعُ، أَوْ كَبِيرًا وَلَهُ ثُقْبٌ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ سَمَاعًا أَوْ رُؤْيَةً، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- « كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- وَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ ».

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ كَالشُّبَّاكِ أَوْ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ لَا الْمُرُورَ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ فَوَجْهَانِ.

وَعَلَى هَذَا الِاقْتِدَاءُ فِي الْمَسَاكِنِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَبْوَابِهَا مِنْ خَارِجِهِ- صَحِيحٌ، إِذَا لَمْ يَشْتَبِهْ حَالُ الْإِمَامِ لِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ إِلاَّ الْجِدَارُ، كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِهِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ حَائِطٌ مُقْتَدِيًا بِإِمَامٍ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ مِنَ الْمُكَبِّرِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ.وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ عَلَى السَّطْحِ بِمَنْ هُوَ فِي الْبَيْتِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُهُ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْجِدَارُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا، فَقَالُوا بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ سَمَاعِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ رُؤْيَةِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا.

و- اتِّحَادُ الْمَكَانِ:

19- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَنْ يَجْمَعَ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامَ مَوْقِفٌ وَاحِدٌ، إِذْ مِنْ مَقَاصِدِ الِاقْتِدَاءِ اجْتِمَاعُ جَمْعٍ فِي مَكَانٍ، كَمَا عُهِدَ عَلَيْهِ الْجَمَاعَاتُ فِي الْأَعْصُرِ الْخَالِيَةِ، وَمَبْنَى الْعِبَادَاتِ عَلَى رِعَايَةِ الِاتِّبَاعِ فَيُشْتَرَطُ لِيَظْهَرَ الشِّعَارُ.وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَطْبِيقِ هَذَا الشَّرْطِ تَفْصِيلٌ، وَفِي بَعْضِ الْفُرُوعِ خِلَافٌ كَالْآتِي:

أَوَّلًا- الْأَبْنِيَةُ الْمُخْتَلِفَةُ:

20- تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَبْنِيَةِ الْمُنْفَصِلَةِ.

ثَانِيًا- الِاقْتِدَاءُ فِي السُّفُنِ الْمُخْتَلِفَةِ:

21- يُشْتَرَطُ فِي الِاقْتِدَاءِ أَلاَّ يَكُونَ الْمُقْتَدِي فِي سَفِينَةٍ وَالْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى غَيْرِ مُقْتَرِنَةٍ بِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَلَوِ اقْتَرَنَتَا صَحَّ اتِّفَاقًا، لِلِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ.وَالْمُرَادُ بِالِاقْتِرَانِ: مُمَاسَّةُ السَّفِينَتَيْنِ، وَقِيلَ رَبْطُهُمَا.

وَتَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فِي جَوَازِ اقْتِدَاءِ ذَوِي سُفُنٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا رَبْطَ السَّفِينَتَيْنِ، وَلَا الْمُمَاسَّةَ، وَلَمْ يُحَدِّدُوا الْمَسَافَةَ حَيْثُ قَالُوا: جَازَ اقْتِدَاءُ ذَوِي سُفُنٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي الْمَرْسَى بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فِي بَعْضِهَا يَسْمَعُونَ أَقْوَالَهُ أَوْ أَقْوَالَ مَنْ مَعَهُ فِي سَفِينَتِهِ مِنْ مَأْمُومِينَ، أَوْ يَرَوْنَ أَفْعَالَهُ أَوْ أَفْعَالَ مَنْ مَعَهُ فِي سَفِينَتِهِ مِنْ مَأْمُومِينَ.وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتِ السُّفُنُ سَائِرَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ طُرُوءِ مَا يُفَرِّقُهَا مِنْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ.

لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فِي السَّفِينَةِ الَّتِي تَلِي الْقِبْلَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ صَحَّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ لَمْ تَكُونَا مَكْشُوفَتَيْنِ، وَلَمْ تُرْبَطْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، بِشَرْطِ أَلاَّ تَزِيدَ الْمَسَافَةُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَعَدَمِ الْحَائِلِ.وَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا كَالنَّهْرِ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُمْكِنُ اجْتِيَازُهُ سِبَاحَةً وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الِالْتِصَاقَ وَلَا الرَّبْطَ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْمُخْتَارِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

ثَالِثًا: عُلُوُّ مَوْقِفِ الْمُقْتَدِي عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَكْسُهُ:

22- يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ الْمَأْمُومِ عَالِيًا- وَلَوْ بِسَطْحٍ- عَنِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.فَصَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بِالْإِمَامِ الَّذِي يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ، لِإِمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ.

وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ عَالِيًا عَنْ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ ارْتِفَاعِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، فَشَرَطُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُحَاذَاةَ بَعْضِ بَدَنِ الْمَأْمُومِ بَعْضَ بَدَنِ الْإِمَامِ، وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِالطُّولِ الْعَادِيِّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إِمَامِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ وُقُوفُهُمَا بِمُسْتَوًى وَاحِدٍ، وَعَكْسُهُ كَذَلِكَ، إِلاَّ لِحَاجَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ، كَتَبْلِيغٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إِسْمَاعُ الْمَأْمُومِينَ وَتَعْلِيمُهُمْ صِفَةَ الصَّلَاةِ، فَيُسْتَحَبُّ ارْتِفَاعُهُمَا لِذَلِكَ، تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ.

وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ.

أَمَّا الْجَبَلُ الَّذِي يُمْكِنُ صُعُودُهُ كَالصَّفَا أَوِ الْمَرْوَةِ أَوْ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْمَسَافَةِ الَّتِي سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهَا وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ.

فَالِاقْتِدَاءُ فِيهِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَعْلَى مِنَ الْإِمَامِ.

ز- عَدَمُ تَوَسُّطِ النِّسَاءِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ:

23- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَدَمُ تَوَسُّطِ النِّسَاءِ، فَإِنْ وَقَفَتِ الْمَرْأَةُ فِي صَفِّ الرَّجُلِ كُرِهَ، وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا، وَلَا صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا، وَلَا مَنْ خَلْفَهَا.لِأَنَّهَا لَوْ وَقَفَتْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، فَكَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ « عَائِشَةَ- رضي الله عنها- كَانَتْ تَعْتَرِضُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَائِمَةً وَهُوَ يُصَلِّي ».وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ، وَلِهَذَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا فَصَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا أَوْلَى.وَهَكَذَا إِنْ كَانَ هُنَاكَ صَفٌّ تَامٌّ مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ خَلْفَهُنَّ مِنَ الرِّجَالِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامِ صَفٌّ مِنَ النِّسَاءِ بِلَا حَائِلٍ قَدْرَ ذِرَاعٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّفِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَفِي رِوَايَةٍ الْمُرَادُ بِالصَّفِّ الثَّلَاثُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا:

(1) الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ، وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهَا وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهَا وَآخَرَ خَلْفَهَا، وَلَا تُفْسِدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

(2) وَالْمَرْأَتَانِ تُفْسِدَانِ صَلَاةَ أَرْبَعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِمَا، وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِمَا، وَصَلَاةَ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا.

(3) وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَفْسَدْنَ صَلَاةَ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِنَّ، وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِنَّ وَثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إِلَى آخِرِ الصُّفُوفِ.

وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: الثَّلَاثُ كَالصَّفِّ، تُفْسِدُ صَلَاةَ كُلِّ الصُّفُوفِ خَلْفَهُنَّ إِلَى آخِرِ الصُّفُوفِ، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جَمْعٌ كَامِلٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الثِّنْتَيْنِ كَالثَّلَاثِ.وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى جَعَلَ الثَّلَاثَ كَالِاثْنَتَيْنِ.

ح- الْعِلْمُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ:

24- يُشْتَرَطُ فِي الِاقْتِدَاءِ عِلْمُ الْمَأْمُومِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ، بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِلْإِمَامِ أَوْ لِبَعْضِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ، لِئَلاَّ يُشْتَبَهَ عَلَى الْمُقْتَدِي حَالُ الْإِمَامِ فَلَا يَتَمَكَّنَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ، فَلَوْ جَهِلَ الْمَأْمُومُ أَفْعَالَ إِمَامِهِ الظَّاهِرَةَ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ، وَمَعَ الْجَهْلِ أَوِ الِاشْتِبَاهِ لَا تُمْكِنُ الْمُتَابَعَةُ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

زَادَ الْحَنَفِيَّةُ: وَكَذَا عِلْمُهُ بِحَالِ إِمَامِهِ مِنْ إِقَامَةٍ أَوْ سَفَرٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا فِيمَا لَوْ صَلَّى الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ.

هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ لَا يُجَوِّزُونَ الِاقْتِدَاءَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بِالسَّمَاعِ وَحْدَهُ.بَلْ يَشْتَرِطُونَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ رُؤْيَةَ الْمَأْمُومِ لِلْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْغَالِبِ.

وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَالْحَنَابِلَةُ يَكْتَفُونَ بِالْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بِالسَّمَاعِ أَوْ بِالرُّؤْيَةِ.

ط- صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ:

25- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَلَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فِسْقًا مِنْهُ، أَوْ نِسْيَانًا لِمُضِيِّ مُدَّةِ الْمَسْحِ، أَوْ لِوُجُودِ الْحَدَثِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي زَعْمِ الْإِمَامِ فَاسِدَةً فِي زَعْمِ الْمُقْتَدِي لِبِنَائِهِ عَلَى الْفَاسِدِ فِي زَعْمِهِ.

وَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ هُنَا: الْفِسْقُ الَّذِي يُخِلُّ بِرَكْنٍ أَوْ شَرْطٍ فِي الصَّلَاةِ، كَأَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ سَكْرَانُ، أَوْ هُوَ مُحْدِثٌ مُتَعَمِّدًا.

أَمَّا الْفِسْقُ فِي الْعَقِيدَةِ، أَوْ بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ، وَقَدْ شَدَّدَ فِيهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ دَاعِيًا إِلَى بِدْعَتِهِ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْمُقْتَدِي، فَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَذْهَبِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ لَا يَدْعُو إِلَى بِدْعَتِهِ، وَهُوَ مَسْتُورُ الْحَالِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنِ اقْتَدَى بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ مَكْرُوهَةٌ، وَلَا إِعَادَةَ فِيهَا.لِحَدِيثِ: « صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ».وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ.وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ كَانَا يُصَلِّيَانِ خَلْفَ مَرْوَانَ وَوَرَاءَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ.

وَمِثْلُهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا: لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ تَبَيَّنَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَنَّهُ كَافِرٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ فَاسِقٌ (عَلَى خِلَافٍ فِيهِ) أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ، إِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ عَلِمَ الْمُؤْتَمُّ بِحَدَثِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا، أَوِ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَلَوْ نَاسِيًا.

وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، كَمَنْ عَلِمَ بِكُفْرِهِ أَوْ حَدَثِهِ أَوْ نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ فَكَيْفَ يَقْتَدِي بِهِ، وَكَذَا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ يَعْتَقِدُ الْمُقْتَدِي بُطْلَانَ صَلَاتِهِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِكَافِرٍ وَلَوْ بِبِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ وَلَوْ أَسَرَّهُ وَجَهِلَ الْمَأْمُومُ كُفْرَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ.وَكَذَلِكَ مَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ أَوْ حَدَثَهُ، وَلَوْ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ فَيُعِيدُ الْمَأْمُومُ، لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ.

لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: لَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي بِحَدَثِ إِمَامِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا بُطْلَانَ.كَمَا أَنَّ الْحَنَابِلَةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا، فَقَالَ بَعْدَ الصَّلَاةِ: هُوَ كَافِرٌ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهَا.

وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَوْ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ الْمَأْمُومُ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَئِمَّتُكُمْ يُصَلُّونَ لَكُمْ وَلَهُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ ».فَجَعَلَ خَطَأَ الْإِمَامِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَهُمْ، وَقَدْ صَلَّى عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- وَهُوَ جُنُبٌ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ، فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَأْمُومِينَ بِالْإِعَادَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا يَسُوغُ عِنْدَهُ، وَهُوَ عِنْدَ الْمَأْمُومِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، مِثْلَ أَنْ يَفْتَصِدَ وَيُصَلِّيَ وَلَا يَتَوَضَّأَ، أَوْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ، أَوْ يَتْرُكَ الْبَسْمَلَةَ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ صَلَاتَهُ تَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ، وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، بَلْ فِي أَنَصِّهِمَا عَنْهُ.وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، اخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ.

وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِهَذَا الِاتِّجَاهِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ- ( (- كَانَ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ.وَأَنَّ الْمَسَائِلَ الْخِلَافِيَّةَ لَا تَخْلُو إِمَّا أَنْ يُصِيبَ الْمُجْتَهِدُ فَيَكُونَ لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ اجْتِهَادِهِ وَأَجْرُ إِصَابَتِهِ، أَوْ أَنْ يُخْطِئَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَجْرُ اجْتِهَادِهِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


6-موسوعة الفقه الكويتية (حيض 2)

حَيْضٌ -2

انْقِطَاعُ الدَّمِ دُونَ الْعَادَةِ:

18- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمُعْتَادَةِ دُونَ عَادَتِهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ وَلَا تُتَمِّمُ عَادَتَهَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ انْقِطَاعُ الدَّمِ دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ.وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ وَطْأَهَا حِينَئِذٍ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنِ اغْتَسَلَتْ.قَالُوا: لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ.

وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا.وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ

وَمَتَى كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ- عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ- فَلَيْسَ ذَلِكَ الدَّمُ بِحَيْضٍ فِي حَقِّهَا لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّهَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا تُصَلِّي كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ، لَكِنْ تَنْتَظِرُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وُجُوبًا فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْوَقْتِ تَتَوَضَّأُ فَتُصَلِّي وَكَذَا تَصُومُ إِنِ انْقَطَعَ لَيْلًا، فَإِنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا فَتَقْعُدُ عَنِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.وَالْفَرْقُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ الْعَادَةِ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ- وَهُوَ أَقَلُّ الْحَيْضِ عِنْدَهُمْ- وَانْقِطَاعُهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ أَنَّهَا تُصَلِّي، بِالْغُسْلِ كُلَّمَا انْقَطَعَ قَبْلَ الْعَادَةِ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا بِالْوُضُوءِ.لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ كَوْنُهَا حَائِضًا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ ثَلَاثَةً فَأَكْثَر، بِخِلَافِ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهَا تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّمَ دَمُ فَسَادٍ لَا دَمُ حَيْضٍ.

وَإِنْ عَادَ الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ فِي مُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ- عَشَرَةِ أَيَّامٍ- وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا.وَأَنْ تَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ طَاهِرًا أَقَلّ الطُّهْرِ- خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا- فَلَوْ تَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ نَقَصَ الطُّهْرُ عَنْ ذَلِكَ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا فَقَطْ.وَلَوِ اعْتَادَتْ فِي الْحَيْضِ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا هَكَذَا إِلَى الْعَشَرَةِ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ.وَإِذَا طَهُرَتْ فِي الثَّانِي تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ وَفِي الثَّالِثِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ.وَفِي الرَّابِعِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَهَكَذَا إِلَى الْعَشَرَةِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا لَوْ عَادَ الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ الِانْقِطَاعِ لَا يَبْلُغُ أَقَلّ الطُّهْرِ أُلْغِيَ وَلَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، وَأُضِيفَ الدَّمُ الْأَوَّلُ إِلَى الثَّانِي، وَجُعِلَ حَيْضَةً مُنْقَطِعَةً تَغْتَسِلُ مِنْهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ إِدْبَارِ الدَّمِ وَإِقْبَالِ الطُّهْرِ، يَوْمًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، وَتُصَلِّي فَإِذَا عَادَ الدَّمُ إِلَيْهَا كَفَّتْ عَنِ الصَّلَاةِ وَضَمَّتْهُ إِلَى أَيَّامِ دَمِهَا، وَعَدَّتْهُ مِنْ حَيْضَتِهَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَادَ الدَّمُ بَعْدَ النَّقَاءِ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ- الدَّمُ وَالنَّقَاءُ- بِشُرُوطٍ: وَهِيَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ تَنْقُصِ الدِّمَاءُ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّقَاءُ مُحْتَوَشًا بَيْنَ دَمَيِ الْحَيْضِ.وَهَذَا الْقَوْلُ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ قَوْلَ السَّحْبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَهُمْ هُوَ أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ، لِأَنَّ الدَّمَ إِذَا دَلَّ عَلَى الْحَيْضِ وَجَبَ أَنْ يَدُلَّ النَّقَاءُ عَلَى الطُّهْرِ وَيُسَمَّى هَذَا الْقَوْلُ قَوْلَ اللَّقْطِ وَقَوْلَ التَّلْفِيقِ.وَمَحَلُّ التَّلْفِيقِ عِنْدَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ الْعِدَّةِ، فَلَا يُجْعَلُ النَّقَاءُ طُهْرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِإِجْمَاعِهِمْ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا إِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا طُهْرًا خَالِصًا وَلَوْ أَقَلّ مُدَّةٍ فَهِيَ طَاهِرٌ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَاتُ، وَلَا يُكْرَهُ وَطْءُ الزَّوْجِ لَهَا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ زَمَنَ الدَّمِ مِنَ الْعَادَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ، لِأَنَّهُ صَادَفَ زَمَنَ الْعَادَةِ.

مُجَاوَزَةُ الدَّمِ لِلْعَادَةِ:

19- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا جَاوَزَ دَمُ الْمُعْتَادَةِ عَادَتَهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا رَأَتِ الْمُعْتَادَةُ مَا يُخَالِفُ عَادَتَهَا، فَإِمَّا أَنْ تَنْتَقِلَ عَادَتُهَا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا، فَيُجْعَلُ الْمَرْئِيُّ فِيهَا حَيْضًا وَمَا جَاوَزَ الْعَادَةَ اسْتِحَاضَةً، وَإِنِ انْتَقَلَتْ فَالْكُلُّ حَيْضٌ- وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْعَادَةِ- فَإِذَا اسْتَمَرَّ دَمُ الْمُعْتَادَةِ وَزَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَطُهْرُهَا وَحَيْضُهَا مَا اعْتَادَتْ فَتُرَدُّ إِلَيْهَا فِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِنْ كَانَ طُهْرُهَا أَقَلّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ طُهْرُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّرُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عَادَةً فَيُرَدُّ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلاَّ سَاعَةً تَحْقِيقًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ طُهْرِ الْحَيْضِ وَطُهْرِ الْحَمْلِ وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ.وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ.قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.وَفِي التَّتَارَخَانِيّةِ: (وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْحَاكِمُ).قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ وَاخْتَرْنَا قَوْلَ الْمَيْدَانِيِّ لِقُوَّةِ قَوْلِهِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَمَادَى دَمُ الْحَيْضِ عَلَى الْمُعْتَادَةِ، فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ الزَّائِدِ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا، ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا اعْتَادَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوَّلًا، ثُمَّ تَمَادَى، مَكَثَتْ ثَمَانِيَةً، فَإِنْ تَمَادَى فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ مَكَثَتْ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ تَمَادَى فِي الرَّابِعَةِ مَكَثَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ.فَإِنْ تَمَادَى فِي مُرَّةٍ أُخْرَى فَلَا تَزِيدُ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ.وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَسْتَظْهِرُ يَوْمَيْنِ.وَمَنْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا اسْتِظْهَارَ عَلَيْهَا، وَقَاعِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ الَّتِي أَيَّامُ عَادَتِهَا اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا فَدُونَ ذَلِكَ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ بِيَوْمَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ.وَأَمَّا الَّتِي عَادَتُهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ تَحِيضُ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي آخَرَ أَقَلّ أَوْ أَكْثَر إِذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ.وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَلِّ الْعَادَةِ.وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ كَأَيَّامِ الْحَيْضِ، وَالدَّمُ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ فِيمَا بَيْنَ عَادَتِهَا وَنِصْفِ شَهْرٍ اسْتِحَاضَةٌ.

وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْحَيْضِ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا خَرَجَ عَنْ عَادَتِهَا قَبْلَ تَكَرُّرِهِ، فَمَا تَكَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِلاَّ فَلَا، فَتَصُومُ وَتُصَلِّي قَبْلَ التَّكْرَارِ.

وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ ثَانِيًا.فَإِذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ صَارَ عَادَةً فَتُعِيدُ مَا صَامَتْهُ وَنَحْوَهُ مِنْ فَرْضٍ.وَيَرَى ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهَا تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- لِلنِّسَاءِ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ رَدَّ النَّاسَ إِلَى الْعُرْفِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْعُرْفُ بَيْنَ النِّسَاءِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ لأَنْ يَكُونَ حَيْضًا اعْتَقَدَتْهُ حَيْضًا، وَإِنْ عَبَرَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ أَحْكَامِهَا فِي مُصْطَلَحِ اسْتِحَاضَةٌ. انْتِقَالُ الْعَادَةِ:

مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي انْتِقَالِ الْعَادَةِ:

20- إِذَا رَأَتِ الْمُعْتَادَةُ مَا يُخَالِفُ عَادَتَهَا فِي الْحَيْضِ.فَإِذَا لَمْ يُجَاوِزِ الدَّمُ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامَ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَانْتَقَلَتِ الْعَادَةُ عَدَدًا فَقَطْ إِنْ طَهُرَتْ بَعْدَهُ طُهْرًا صَحِيحًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامَ رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا، لِأَنَّهُ صَارَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي.وَهَذَا فِيمَا إِذَا لَمْ تَتَسَاوَ الْعَادَةُ وَالْمُخَالَفَةُ حَيْثُ يَصِيرُ الثَّانِي عَادَةً لَهَا.فَإِنْ تَسَاوَتِ الْعَادَةُ وَالْمُخَالَفَةُ فَالْعَدَدُ بِحَالِهِ، سَوَاءٌ رَأَتْ نِصَابًا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا، أَوْ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ بَعْضُهُ فِي أَيَّامِهَا، وَبَعْضُهُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، لَكِنْ إِنْ وَافَقَ زَمَانًا وَعَدَدًا فَلَا انْتِقَالَ أَصْلًا.وَإِلاَّ فَالِانْتِقَالُ ثَابِتٌ عَلَى حَسَبِ الْمُخَالِفِ.

فَإِذَا جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ وَوَقَعَ نِصَابٌ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ.فَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ فَقَطْ حَيْضٌ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ.ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى كَانَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ مُسَاوِيًا لِعَادَتِهَا عَدَدًا، فَالْعَادَةُ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ الْعَدَدِ وَالزَّمَانِ مَعًا.فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَاوِيًا لِعَادَتِهَا انْتَقَلَتِ الْعَادَةُ عَدَدًا إِلَى مَا رَأَتْهُ نَاقِصًا.وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالنَّاقِصِ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ فِي الْعَادَةِ زَائِدًا عَلَيْهَا.

وَإِذَا جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ وَلَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ نِصَابٌ بِأَنْ لَمْ تَرَ شَيْئًا، أَوْ رَأَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ انْتَقَلَتِ الْعَادَةُ زَمَانًا، وَالْعَدَدُ بِحَالِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ.

انْتِقَالُ الْعَادَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ:

21- صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَنْتَقِلُ، فَتَتَقَدَّمُ أَوْ تَتَأَخَّرُ، أَوْ يَزِيدُ قَدْرُ الْحَيْضِ أَوْ يَنْقُصُ.وَمِنْ أَمْثِلَةِ انْتِقَالِ الْعَادَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا إِذَا تَمَادَى دَمُ الْمُعْتَادَةِ وَزَادَ عَلَى عَادَتِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى عَادَتِهَا، وَيَصِيرُ الِاسْتِظْهَارُ عَادَةً لَهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً عَلَى انْتِقَالِ الْعَادَةِ، نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي: إِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الشَّهْرِ، فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ، الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ الْأُولَى دَمًا وَانْقَطَعَ، فَقَدْ تَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا، وَلَمْ يَزِدْ حَيْضُهَا، وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ نَقَصَ طُهْرُهَا فَصَارَ عِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، أَوِ الْخَامِسَةِ أَوِ السَّادِسَةِ، فَقَدْ تَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا، وَلَمْ يَزِدْ حَيْضُهَا، وَلَمْ يَنْقُصْ، وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا، وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا، فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَتَأَخَّرَتْ.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ يَوْمٍ مِنَ الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ، فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَادَتُهَا.

وَإِنْ رَأَتْهُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنَ الْخَمْسَةِ الْأُولَى فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا.وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، أَوْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا.

وَالْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَابِلَةُ فِي انْتِقَالِ الْعَادَةِ لَا تَخْرُجُ عَنِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيَّةُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْعَادَةِ الْمُنْتَقِلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْتِقَالُ الْعَادَةِ يَثْبُتُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ.وَهَذَا إِنْ كَانَتْ مُتَّفِقَةً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي الْحَيْضِ، فَرَأَتِ الدَّمَ فِي غَيْرِ عَادَتِهَا لَمْ تَعْتَبِرْ مَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ حَيْضًا حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ.وَسَوَاءٌ رَأَتِ الدَّمَ قَبْلِ عَادَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، مَعَ بَقَاءِ الْعَادَةِ، أَوِ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِيهَا، أَوْ فِي بَعْضِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَجْلِسُ فِي غَيْرِ أَيَّامِهَا حَتَّى يَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِذَا تَكَرَّرَ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَيْضٌ مُتَنَقِّلٌ فَتَصِيرُ إِلَيْهِ، أَيْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فِيهِ، وَيَصِيرُ عَادَةً لَهَا، وَتَتْرُكُ الْعَادَةَ الْأُولَى.وَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ مَا صَامَتْهُ مِنَ الْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي أَمَرْنَاهَا بِالصِّيَامِ فِيهَا، لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا صَامَتْهُ فِي حَيْضٍ، وَالصَّوْمُ فِي الْحَيْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ.وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ.وَقِيلَ: لَا حَاجَةَ إِلَى التَّكْرَارِ، وَتَنْتَقِلُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا.فَعَلَيْهِ: تَجْلِسُ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ قَبْلَ عَادَتِهَا وَبَعْدَهَا مَا لَمْ يَزِدْ عَنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ تَجَاوَزَتِ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ وَنَرُدُّهَا إِلَى عَادَتِهَا، وَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا تَرَكَتْهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِيمَا زَادَ عَنْ عَادَتِهَا.

وَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فَرَأَتِ الدَّمَ أَكْثَر مِنْهَا وَجَاوَزَ أَكْثَر الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَحَيْضُهَا مِنْهُ قَدْرُ الْعَادَةِ لَا غَيْرُ.وَلَا تَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الشُّهُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إِلاَّ قَدْرَ الْعَادَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ مَنِ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ. أَنْوَاعُ الْعَادَةِ:

22- الْعَادَةُ ضَرْبَانِ: مُتَّفِقَةٌ، وَمُخْتَلِفَةٌ.

فَالْمُتَّفِقَةُ مَا كَانَتْ أَيَّامًا مُتَسَاوِيَةً، كَسَبْعَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَهَذِهِ تَجْلِسُ أَيَّامَ عَادَتِهَا وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا.وَالْمُخْتَلِفَةُ هِيَ مَا كَانَتْ أَيَّامًا مُخْتَلِفَةً، وَهِيَ قِسْمَانِ مُرَتَّبَةٌ، بِأَنْ تَرَى فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي أَرْبَعَةٍ، وَفِي الثَّالِثِ خَمْسَةً، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ.فَهَذِهِ، إِذَا اسْتُحِيضَتْ فِي شَهْرٍ وَعَرَفَتْ نَوْبَتَهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ.وَإِنْ نَسِيَتْ نَوْبَتَهُ جَلَسَتِ الْأَقَلَّ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ.

وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ: بِأَنْ تَتَقَدَّمَ هَذِهِ مَرَّةً، وَهَذِهِ أُخْرَى كَأَنْ تَحِيضَ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً، وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةً.فَإِنْ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ هُوَ، فَالَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ رُدَّتْ إِلَى مَا قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَجْلِسُ الْأَقَلَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ.

وَتَلْفِيقُ الْحَيْضِ:

23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا، وَالطُّهْرَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا، بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ لَهَا طُهْرٌ كَامِلٌ، اخْتِلَافًا يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إِلَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ: وَيُسَمَّى قَوْلَ التَّلْفِيقِ أَوِ اللَّقْطَ، وَهُوَ أَنْ تُلَفِّقَ حَيْضَهَا مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ فَقَطْ، وَتُلْغِيَ أَيَّامَ الطُّهْرِ فَتَكُونَ فِيهَا طَاهِرًا، تُصَلِّيَ وَتَصُومَ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَيُسَمِّيهِ الشَّافِعِيَّةُ قَوْلَ السَّحْبِ، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ أَيَّامَ الدَّمِ، وَأَيَّامَ الطُّهْرِ كُلَّهَا أَيَّامَ حَيْضٍ.وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ ذَكَرُوهَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَلْفِيقٌ).

الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْضِ:

(1) أَقَلُّ الطُّهْرِ وَأَكْثَرُهُ:

24- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا.

وَقَدْ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً.حَكَى أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ امْرَأَةً فِي زَمَنِهِ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَلّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا، لِأَنَّ الشَّهْرَ غَالِبًا لَا يَخْلُو مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ.وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا.لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ- قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا- فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ.فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ.قُلْ فِيهَا.فَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْجَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ.وَإِلاَّ فَهِيَ كَاذِبَةٌ.فَقَالَ عَلِيٌّ: قَالُونُ- أَيْ جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ- قَالُوا: وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إِلاَّ تَوْقِيفًا، وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اشْتُهِرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ.وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا.قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ الْعِدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إِذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ.وَغَالِبُ الطُّهْرِ بَاقِي الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ بَعْدَ غَالِبِ الْحَيْضِ، وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، أَوْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ.

(2) عَلَامَةُ الطُّهْرِ:

25- الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْضِ يَتَحَقَّقُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا انْقِطَاعِ الدَّمِ، أَوْ رُؤْيَةِ الْقَصَّةِ.

وَالْمَقْصُودُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ الْجَفَافُ بِحَيْثُ تَخْرُجُ الْخِرْقَةُ غَيْرَ مُلَوَّثَةٍ بِدَمٍ، أَوْ كُدْرَةٍ، أَوْ صُفْرَةٍ.فَتَكُونُ جَافَّةً مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ بَلَلُهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ.

وَالْقَصَّةُ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ يَأْتِي فِي آخِرِ الْحَيْضِ.قَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- عَنْهَا: لَمَّا كَانَتِ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ (اللِّفَافَةِ) فِيهَا الْكُرْسُفُ (الْقُطْنُ) فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ.لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْغَايَةَ الِانْقِطَاعُ، فَإِذَا انْقَطَعَ طَهُرَتْ، سَوَاءٌ خَرَجَتْ بَعْدَهُ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَا.

وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ مُعْتَادَةِ الْجُفُوفِ، وَمُعْتَادَةِ الْقَصَّةِ، وَمُعْتَادَةِ الْقَصَّةِ مَعَ الْجُفُوفِ.فَمُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ إِذَا رَأَتِ الْقَصَّةَ أَوَّلًا، لَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ وَإِذَا رَأَتِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا، لَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ.

وَأَمَّا مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ الْجُفُوفِ إِذَا رَأَتِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا، نُدِبَ لَهَا انْتِظَارُ الْقَصَّةِ لآِخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ.وَإِنْ رَأَتِ الْقَصَّةَ أَوَّلًا فَلَا تَنْتَظِرُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ.فَالْقَصَّةُ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا، وَلِمُعْتَادَتِهَا مَعَ الْجُفُوفِ أَيْضًا. حُكْمُ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ:

26- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ، هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَوْ طُهْرٌ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ حَيْضٌ.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ طُهْرٌ.وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ بَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَلْفِيقٌ).

(4) دَمُ الْحَامِلِ:

27- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دَمِ الْحَامِلِ هَلْ هُوَ دَمُ حَيْضٍ، أَوْ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ؟.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ.«وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ- لَمَّا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ- مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا».فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ كَالطُّهْرِ.

وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْحَنَابِلَةُ لِلْحَامِلِ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ عَنْهَا احْتِيَاطًا، وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضٌ، إِنْ تَوَافَرَتْ شُرُوطُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ لِخَبَرِ: «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ: أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ دَمَيِ الْجِبِلَّةِ وَالْعِلَّةِ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ بَلْ إِذَا وُجِدَ مَعَهُ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا، وَإِنْ نَدَرَ فَكَذَا لَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ. وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ لِلْحَامِلِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَتْرَةِ الْحَيْضِ.

(5) أَنْوَاعُ الطُّهْرِ:

28- قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الطُّهْرَ إِلَى صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ، وَإِلَى تَامٍّ، وَنَاقِصٍ.

فَالطُّهْرُ الصَّحِيحُ: هُوَ النَّقَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَر لَا يَشُوبُهُ خِلَالَهَا دَمٌ مُطْلَقًا لَا فِي أَوَّلِهِ، وَلَا فِي وَسَطِهِ، وَلَا فِي آخِرِهِ، وَيَكُونُ بَيْنَ دَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَالطُّهْرُ الْفَاسِدُ مَا خَالَفَ الصَّحِيحَ فِي أَحَدِ أَوْصَافِهِ، بِأَنْ كَانَ أَقَلّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ خَالَطَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ دَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ.

فَإِذَا كَانَ الطُّهْرُ أَقَلّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ، وَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي.وَلَوْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لَكِنْ خَالَطَهُ دَمٌ صَارَ طُهْرًا فَاسِدًا، كَمَا لَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَالطُّهْرُ هُنَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ اسْتَكْمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ، لَكِنَّهُ فَاسِدٌ مَعْنًى، لِأَنَّ الْيَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ تُصَلِّي فِيهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الطُّهْرِ.فَقَدْ خَالَطَ هَذَا الطُّهْرَ دَمٌ فِي أَوَّلِهِ فَفَسَدَ.

وَإِذَا كَانَ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ اسْتِحَاضَتَيْنِ، أَوْ بَيْنَ حَيْضَيْنِ وَنِفَاسٍ، أَوْ بَيْنَ نِفَاسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ، أَوْ بَيْنَ طَرَفَيْ نِفَاسٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ طُهْرًا فَاسِدًا.

وَالطُّهْرُ التَّامُّ مَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَر سَوَاءٌ أَكَانَ صَحِيحًا، أَمْ فَاسِدًا.

وَالطُّهْرُ النَّاقِصُ: مَا نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الطُّهْرِ الْفَاسِدِ.

مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَيْضِ:

(1) الْبُلُوغُ:

29- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا التَّكْلِيفُ، فَإِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، أَصْبَحَتْ بَالِغَةً مُكَلَّفَةً يَجِبُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَى الْبَالِغَاتِ الْمُكَلَّفَاتِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ».فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ لِبُلُوغِهَا بِالْحَيْضِ.فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ.وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ الَّذِي يَنْزِلُ بِنَفْسِهِ، أَمَّا إِذَا تَسَبَّبَ فِي جَلْبِهِ، فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً.

(2) التَّطَهُّرُ:

30- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَةُ الْحَائِضِ، فَإِذَا اغْتَسَلَتِ الْحَائِضُ لِرَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ، إِنِ اغْتَسَلَتْ لِلْجَنَابَةِ زَمَنَ حَيْضِهَا صَحَّ غُسْلُهَا، وَاسْتُحِبَّ تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ، وَيَزُولُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ.لِأَنَّ بَقَاءَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ لَا يَمْنَعُ ارْتِفَاعَ الْآخَرِ.كَمَا لَوِ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَر.وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَيْضُهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.

(أ) غُسْلُ الْحَائِضِ:

31- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ مُوجِبٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ لِاسْتِبَاحَةِ مَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِالْحَيْضِ، «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَأَمَرَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ وَسَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ وَغَيْرَهُنَّ.وَيُؤَيِّدُهُ قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} أَيْ إِذَا اغْتَسَلْنَ، فَمَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الِانْقِطَاعَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، إِمَّا حَقِيقَةً، بِأَنْ أَرَادَتْ صَلَاةَ مَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْت مِنْ نَافِلَةٍ أَوْ مَقْضِيَّةٍ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، إِذْ بِدُخُولِهِ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَيَجِبُ تَحْصِيلُ شُرُوطِهَا وَإِنْ لَمْ تُرِدِ الْفِعْلَ فَهِيَ مُرِيدَةٌ حُكْمًا لِكَوْنِ الشَّارِعِ أَلْجَأَهَا إِلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْإِرَادَةِ فَهِيَ مُرِيدَةٌ بِالْقُوَّةِ.

وَغُسْلُ الْحَيْضِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ، غَيْرِ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحِدَّةِ تَطْيِيبُ مَوْضِعِ الدَّمِ.لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَة- رضي الله عنها- «أَنَّ أَسْمَاءَ- رضي الله عنها-، سَأَلْتِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ؟ فَقَالَ: تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ.ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ.ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا.فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ.تَطَهَّرِينَ بِهَا.فَقَالَتْ عَائِشَةُ.كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ.وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ.ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ.حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا.ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ.فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ».

(ب) طَهَارَةُ الْحَائِضِ:

32- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي طَهَارَةِ جَسَدِ الْحَائِضِ، وَعَرَقِهَا، وَسُؤْرِهَا، وَجَوَازِ أَكْلِ طَبْخِهَا وَعَجْنِهَا، وَمَا مَسَّتْهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ، وَالْأَكْلُ مَعَهَا وَمُسَاكَنَتُهَا، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَا يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ.فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: » اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ «فَأَنْكَرَتِ الْيَهُودُ ذَلِكَ.فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَذَا كَذَا، فَلَا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا».

وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَائِشَةَ: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ.قَالَ: إِنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك».«وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَشْرَبُ مِنْ سُؤْرِ عَائِشَةَ وَهِيَ حَائِضٌ، وَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيهَا».وَكَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ حَائِضٌ.

وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.

(3) الصَّلَاةُ:

33- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنَ الْحَائِضِ إِذِ الْحَيْضُ مَانِعٌ لِصِحَّتِهَا.كَمَا أَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَدَاؤُهَا.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» كَمَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَنْهَا.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْحَائِضِ.

كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ مَا فَاتَ الْحَائِضَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِمَا رَوَتْ مُعَاذَةُ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ.وَلَكِنْ أَسْأَلُ.فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ قَضَائِهَا لِلصَّلَاةِ إِذَا أَرَادَتْ قَضَاءَهَا.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ قَضَائِهَا، وَتَنْعَقِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا ثَوَابَ فِيهِ، لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، لِذَاتِ الصَّلَاةِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِذَاتِهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ.وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ بِحُرْمَتِهَا.وَخَالَفَ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ بِصِحَّتِهَا وَانْعِقَادِهَا عَلَى قَوْلِ الْكَرَاهَةِ الْمُعْتَمَدِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ طَلَبِ الْعِبَادَةِ عَدَمُ انْعِقَادِهَا.وَقِيلَ لِأَحْمَد فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ.وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إِلاَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ.

إِدْرَاكُ وَقْتِ الصَّلَاةِ:

الْحَائِضُ إِمَّا أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَكُونَ طَاهِرًا ثُمَّ يَطْرَأَ الْحَيْضُ، أَوْ تُدْرِكَ آخِرَ الْوَقْتِ بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا ثُمَّ تَطْهُرَ.

(أ) إِدْرَاكُ أَوَّلِ الْوَقْتِ:

34- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا أَدْرَكَتِ الْحَائِضُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، بِأَنْ كَانَتْ طَاهِرًا ثُمَّ حَاضَتْ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ طَرَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ سَقَطَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَلَوْ بَعْدَ مَا افْتَتَحَتِ الْفَرْضَ.

أَمَّا لَوْ طَرَأَ وَهِيَ فِي التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ حَدَثَ الْحَيْضُ فِي وَقْتٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ سَقَطَتِ الصَّلَاتَانِ، وَإِنْ حَدَثَ فِي وَقْتٍ مُخْتَصٍّ بِإِحْدَاهُمَا، سَقَطَتِ الْمُخْتَصَّةُ بِالْوَقْتِ وَقُضِيَتِ الْأُخْرَى.فَمِثْلًا إِنَّ أَوَّلَ الزَّوَالِ مُخْتَصٌّ بِالظُّهْرِ إِلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ تَشْتَرِكُ الصَّلَاتَانِ إِلَى أَنْ تَخْتَصَّ الْعَصْرُ بِأَرْبَعٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي الْحَضَرِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ.فَلَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي وَقْتِ الِاشْتِرَاكِ سَقَطَتِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتِ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَصْرِ وَكَانَتْ لَمْ تُصَلِّ الظُّهْرَ وَلَا الْعَصْرَ سَقَطَ عَنْهَا قَضَاءُ الْعَصْرِ وَحْدَهَا، وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتِ الِاخْتِصَاصِ بِالظُّهْرِ سَقَطَتْ، وَإِنْ تَمَادَى الْحَيْضُ إِلَى وَقْتِ الِاشْتِرَاكِ سَقَطَتِ الْعَصْرُ، فَإِنِ ارْتَفَعَ قَبْلَهُ وَجَبَتْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ طَرَأَ الْحَيْضُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ فَقَطْ إِنْ أَدْرَكَتْ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَلَا تَجِبُ مَعَهَا الصَّلَاةُ الَّتِي تَجْمَعُ مَعَهَا بَعْدَهَا، وَيَجِبُ الْفَرْضُ الَّذِي قَبْلَهَا أَيْضًا، إِنْ كَانَتْ تَجْمَعُ مَعَهَا وَأَدْرَكَتْ قَدْرَهُ وَلَمْ تَكُنْ قَدْ صَلَّتْهُ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَدْرَكَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ طَرَأَ الْحَيْضُ لَزِمَهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي أَدْرَكَتِ التَّكْبِيرَةَ مِنْ وَقْتِهَا فَقَطْ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى مُكَلَّفٍ، لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا.فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ.وَلَا تَلْزَمُهَا غَيْرُ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ طُرُوءِ الْحَيْضِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ وَقْتِهَا، وَلَا مِنْ وَقْتِ تَبَعِهَا فَلَمْ تَجِبْ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


7-موسوعة الفقه الكويتية (طهارة 1)

طَهَارَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ: النَّظَافَةُ، يُقَالُ: طَهُرَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا يَطْهُرُ بِالضَّمِّ طَهَارَةً فِيهِمَا، وَالِاسْمُ: الطُّهْرُ بِالضَّمِّ، وَطَهَّرَهُ تَطْهِيرًا، وَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ، وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ أَيْ: يَتَنَزَّهُونَ مِنَ الْأَدْنَاسِ، وَرَجُلٌ طَاهِرُ الثِّيَابِ، أَيْ: مُنَزَّهٌ.

وَفِي الشَّرْعِ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.

وَعُرِفَتْ أَيْضًا بِأَنَّهَا: زَوَالُ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ، أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ إِزَالَةُ النَّجِسِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا أَوْ عَلَى صُورَتِهِمَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ، أَوْ فِيهِ، أَوْ لَهُ.فَالْأَوَّلَانِ يَرْجِعَانِ لِلثَّوْبِ وَالْمَكَانِ، وَالْأَخِيرُ لِلشَّخْصِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْغَسْلُ:

2- الْغَسْلُ بِالْفَتْحِ: مَصْدَرُ غَسَلَ، وَالْغُسْلُ بِالضَّمِّ: اسْمٌ مِنَ الْغَسْلِ- بِالْفَتْحِ- وَمِنْ الِاغْتِسَالِ، وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الِاغْتِسَالِ.

وَيُعَرِّفُونَهُ لُغَةً: بِأَنَّهُ سَيَلَانُ الْمَاءِ عَلَى الشَّيْءِ مُطْلَقًا.

وَشَرْعًا: بِأَنَّهُ سَيَلَانُهُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ بِنِيَّةٍ.

وَالطَّهَارَةُ أَعَمُّ مِنَ الْغَسْلِ.

ب- التَّيَمُّمُ:

3- التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ: مُطْلَقُ الْقَصْدِ، وَفِي الشَّرْعِ: قَصْدُ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ وَاسْتِعْمَالُهُ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ.

وَالتَّيَمُّمُ أَخَصُّ مِنَ الطَّهَارَةِ.

ج- الْوُضُوءُ:

4- الْوُضُوءُ بِضَمِّ الْوَاوِ: اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَهُوَ: اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا: اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَضَاءَةِ، وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ وَالضِّيَاءُ مِنْ ظُلْمَةِ الذُّنُوبِ.

وَفِي الشَّرْعِ: أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالنِّيَّةِ.

وَالطَّهَارَةُ أَعَمُّ مِنْهُ.

تَقْسِيمُ الطَّهَارَةِ:

5- الطَّهَارَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: طَهَارَةٌ مِنَ الْحَدَثِ، وَطَهَارَةٌ مِنَ النَّجِسِ، أَيْ: حُكْمِيَّةٌ وَحَقِيقِيَّةٌ.

فَالْحَدَثُ هُوَ: الْحَالَةُ النَّاقِضَةُ لِلطَّهَارَةِ شَرْعًا، بِمَعْنَى أَنَّ الْحَدَثَ إِنْ صَادَفَ طَهَارَةً نَقَضَهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ طَهَارَةً فَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.

وَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ؛ أَمَّا الْأَكْبَرُ فَهُوَ: الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، وَأَمَّا الْأَصْغَرُ فَمِنْهُ: الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَالْهَادِي وَهُوَ: الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ وِلَادَتِهَا.

وَأَمَّا النَّجِسُ (وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْخَبَثِ أَيْضًا) فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ النَّجَاسَةِ الْقَائِمَةِ بِالشَّخْصِ أَوِ الثَّوْبِ أَوِ الْمَكَانِ.

وَالْأُولَى مِنْهُمَا- وَهِيَ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ- شُرِعَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} الْآيَةَ، وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ».

وَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا- وَهِيَ طَهَارَةُ الْجَسَدِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ مِنَ النَّجِسِ- شُرِعَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وقوله تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وَبِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي».

وَالطَّهَارَةُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ.

وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِ الطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ- وَهِيَ الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ- إِلَى مَوَاطِنِهَا فِي مُصْطَلَحَاتِ: (حَدَث، وُضُوء، جَنَابَة، حَيْض، نِفَاس).

مَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ:

6- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ طَهَارَةُ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ.لِمَا مَرَّ فِي الْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ.

وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ».

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَسُنَّةٌ مَعَ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ.

وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِحُكْمِهَا، أَوْ جَاهِلاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِزَالَتِهَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ أَبَدًا، وَمَنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا أَوْ عَاجِزًا عَنْ إِزَالَتِهَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ.

وَأَيْضًا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ فِي الْمَيِّتِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُصَلِّي.

وَتُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ كَذَلِكَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الطَّوَافِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى اشْتِرَاطِهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ، فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إِلاَّ بِخَيْرٍ».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي الطَّوَافِ.

قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.

وَانْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.

تَطْهِيرُ النَّجَاسَاتِ:

7- النَّجَاسَاتُ الْعَيْنِيَّةُ لَا تَطْهُرُ بِحَالٍ، إِذْ أَنَّ ذَاتَهَا نَجِسَةٌ، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمُتَنَجِّسَةِ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ طَاهِرَةً فِي الْأَصْلِ وَطَرَأَتْ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا.

وَالْأَعْيَانُ مِنْهَا مَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَمِنْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.

وَمِمَّا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَجَاسَتِهِ: الدَّمُ الْمَسْفُوحُ، وَالْمَيْتَةُ، وَالْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ مِنَ الْآدَمِيِّ.

وَمِمَّا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ: الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ، حَيْثُ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ كَمَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ: إِنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا لَحْمُهُ نَجِسٌ.

وَلِمَعْرِفَةِ مَا يُعْتَبَرُ نَجِسًا أَوْ غَيْرَ نَجِسٍ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (نَجَاسَة).

النِّيَّةُ فِي التَّطْهِيرِ مِنَ النَّجَاسَاتِ:

8- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّطْهِيرَ مِنَ النَّجَاسَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، فَلَيْسَتِ النِّيَّةُ بِشَرْطٍ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ، وَيَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ بِغَسْلِهِ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ عَنِ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى النِّيَّةِ كَمَا عَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَلِأَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ تَعَبُّدٌ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى.

وَقَالَ الْبَابَرْتِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَاءُ طَهُورٌ بِطَبْعِهِ، فَإِذَا لَاقَى النَّجِسَ طَهَّرَهُ قَصَدَ الْمُسْتَعْمِلُ ذَلِكَ أَوْ لَا، كَالثَّوْبِ النَّجِسِ.

مَا تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ:

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ مُزِيلٌ لِلْخَبَثِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} وَلِحَدِيثِ أَسْمَاءَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ».

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ، كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ مِمَّا إِذَا عُصِرَ انْعَصَرَ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: (مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا) أَيْ حَكَّتْهُ.وَلِأَنَّهُ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الطَّهَارَةَ كَالْمَاءِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْلَعُ لَهَا، وَلِأَنَّا نُشَاهِدُ وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَائِعَ يُزِيلُ شَيْئًا مِنَ النَّجَاسَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَلِهَذَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ بِهِ، وَالنَّجَاسَةُ مُتَنَاهِيَةٌ، لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ مُتَنَاهِيَةٍ، فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاؤُهَا بَقِيَ الْمَحَلُّ طَاهِرًا لِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ.

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى طَهَارَةِ الْخَمْرِ بِالِاسْتِحَالَةِ، فَإِذَا انْقَلَبَتِ الْخَمْرُ خَلًّا بِنَفْسِهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ، لِأَنَّ نَجَاسَتَهَا لِشِدَّتِهَا الْمُسْكِرَةِ الْحَادِثَةِ لَهَا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَفَتْهَا، فَوَجَبَ أَنْ تَطْهُرَ، كَالْمَاءِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِالتَّغَيُّرِ إِذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ».

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ.لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ، قَالَ: وَأَنَا غُلَامٌ- قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ».

وَعَدَّ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْمُطَهِّرَاتِ: الدَّلْكَ، وَالْفَرْكَ، وَالْمَسْحَ، وَالْيُبْسَ، وَانْقِلَابَ الْعَيْنِ، فَيَطْهُرُ الْخُفُّ وَالنَّعْلُ إِذَا تَنَجَّسَ بِذِي جِرْمٍ بِالدَّلْكِ، وَالْمَنِيُّ الْيَابِسُ بِالْفَرْكِ، وَيَطْهُرُ الصَّقِيلُ كَالسَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِالْمَسْحِ، وَالْأَرْضُ الْمُتَنَجِّسَةُ بِالْيُبْسِ، وَالْخِنْزِيرُ وَالْحِمَارُ بِانْقِلَابِ الْعَيْنِ، كَمَا لَوْ وَقَعَا فِي الْمَمْلَحَةِ فَصَارَا مِلْحًا.

الْمِيَاهُ الَّتِي يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهَا، وَاَلَّتِي لَا يَجُوزُ:

10- قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْمَاءَ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ التَّطْهِيرِ بِهِ وَرَفْعُهُ لِلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، أَوْ عَدَمُ ذَلِكَ، إِلَى عِدَّةِ أَقْسَامٍ:

أ- مَاءٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَهُوَ الْمَاءُ الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ، أَوْ هُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ مَا يَصِيرُ بِهِ مُقَيَّدًا.

وَالْمَاءُ الْمُطْلَقُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَالْخَبَثَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَيُلْحَقُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَا تَغَيَّرَ بِطُولِ مُكْثِهِ، أَوْ بِمَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ كَالطُّحْلُبِ.

ب- مَاءٌ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ مَكْرُوهٌ، وَخَصَّ كُلُّ مَذْهَبٍ هَذَا الْقِسْمَ بِنَوْعٍ مِنَ الْمِيَاهِ: فَخَصَّ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ حَيَوَانٌ مِثْلُ الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمُخْلَاةِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ، وَكَانَ قَلِيلاً، وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْأَصَحُّ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَرْخِيُّ مُعَلِّلاً ذَلِكَ بِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْكَرَاهَةَ إِنَّمَا هِيَ عِنْدَ وُجُودِ الْمُطْلَقِ، وَإِلاَّ فَلَا كَرَاهَةَ أَصْلاً.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمَاءَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ فِي إِزَالَةِ حُكْمِ خَبَثٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَهَارَةِ حَدَثٍ كَوُضُوءٍ أَوِ اغْتِسَالٍ مَنْدُوبٍ لَا فِي إِزَالَةِ حُكْمِ خَبَثٍ، وَالْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِأَمْرَيْنِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ قَلِيلاً كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ فَلَا كَرَاهَةَ، كَمَا يُكْرَهُ عِنْدَهُمُ الْمَاءُ الْيَسِيرُ- وَهُوَ مَا كَانَ قَدْرَ آنِيَةِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ فَمَا دُونَهَا- إِذَا حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ كَالْقَطْرَةِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: الْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ سَبْعَةٍ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ يَسِيرًا، وَأَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ الَّتِي حَلَّتْ فِيهِ قَطْرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، وَأَنْ لَا تُغَيِّرَهُ، وَأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ جَارِيًا، وَأَنْ يُرَادَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهُورٍ، كَرَفْعِ حَدَثٍ حُكْمَ خَبَثٍ وَوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَنْدُوبٍ، فَإِنِ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْهَا فَلَا كَرَاهَةَ.

وَمِنَ الْمَكْرُوهِ أَيْضًا: الْمَاءُ الْيَسِيرُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ وَلَوْ تَحَقَّقَتْ سَلَامَةٌ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَسُؤْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْمَاءُ الْمَكْرُوهُ ثَمَانِيَةٌ: الْمُشَمَّسُ، وَشَدِيدُ الْحَرَارَةِ، وَشَدِيدُ الْبُرُودَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ ثَمُودَ إِلاَّ بِئْرُ النَّاقَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ، وَمَاءُ أَرْضِ بَابِلَ، وَمَاءُ بِئْرِ ذَرْوَانَ.

وَالْمَكْرُوهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِغَيْرِ مُمَازِجٍ، كَدُهْنٍ وَقَطِرَانٍ وَقِطَعِ كَافُورٍ، أَوْ مَاءٍ سُخِّنَ بِمَغْصُوبٍ أَوْ بِنَجَاسَةٍ، أَوِ الْمَاءُ الَّذِي اشْتَدَّ حَرُّهُ أَوْ بَرْدُهُ، وَالْكَرَاهَةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ، فَإِنْ احْتِيجَ إِلَيْهِ تَعَيَّنَ وَزَالَتِ الْكَرَاهَةُ.

وَكَذَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ الْبِئْرِ الَّذِي فِي الْمَقْبَرَةِ، وَمَاءٌ فِي بِئْرٍ فِي مَوْضِعِ غَصْبٍ، وَمَا ظُنَّ تَنَجُّسُهُ، كَمَا نَصُّوا عَلَى كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ مَاءِ زَمْزَم فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ دُونَ طَهَارَةِ الْحَدَثِ تَشْرِيفًا لَهُ.

ج- مَاءٌ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُطَهِّرٍ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ، وَعَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ: مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوِ اسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ، بِخِلَافِ الْخَبَثِ، وَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً عِنْدَهُمْ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنِ الْجَسَدِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ بِمَحَلٍّ.

وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- هُوَ: الْمَاءُ الْمُغَيَّرُ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمَا خَالَطَهُ مِنَ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إِطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ وَنَفْلِهَا عَلَى الْجَدِيدِ.

وَصَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْخَبَثِ أَيْضًا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَرْفَعُ حُكْمَ الْخَبَثِ.

د- مَاءٌ نَجِسٌ، وَهُوَ: الْمَاءُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَكَانَ قَلِيلاً، أَوْ كَانَ كَثِيرًا وَغَيَّرَتْهُ، وَهَذَا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا النَّجِسَ بِالِاتِّفَاقِ.

هـ- مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ، وَانْفَرَدَ بِهَذَا الْقِسْمِ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ: مَا شَرِبَ مِنْهُ بَغْلٌ أَوْ حِمَارٌ.

و- مَاءٌ مُحَرَّمٌ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَانْفَرَدَ بِهِ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ: مَاءُ آبَارِ دِيَارِ ثَمُودَ- غَيْرِ بِئْرِ النَّاقَةِ- وَالْمَاءُ الْمَغْصُوبُ، وَمَاءٌ ثَمَنُهُ الْمُعَيَّنُ حَرَامٌ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (مِيَاه).

تَطْهِيرُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ:

11- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَا يَحْصُلُ بِهِ طَهَارَةُ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ.

فَإِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً فَإِنَّهُ يَطْهُرُ الْمَحَلُّ الْمُتَنَجِّسُ بِهَا بِزَوَالِ عَيْنِهَا وَلَوْ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ غَلِيظَةً، وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْغُسْلِ، لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهَا، فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا.

وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّهُ يُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ، وَعَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: ثَلَاثًا بَعْدَهُ، وَيُشْتَرَطُ زَوَالُ الطَّعْمِ فِي النَّجَاسَةِ، لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِ النَّجَاسَةِ الَّذِي يَشُقُّ زَوَالُهُ، وَكَذَا الرِّيحُ وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ زَوَالُهُ.

وَهَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى النَّجَاسَةِ، أَوْ غَسَلَهَا فِي الْمَاءِ الْجَارِي.

أَمَّا لَوْ غَسَلَهَا فِي إِجَّانَةٍ فَيَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ إِذَا عُصِرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.

وَإِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ الْمَحَلُّ بِغَسْلِهَا ثَلَاثًا وُجُوبًا، وَالْعَصْرُ كُلَّ مَرَّةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، تَقْدِيرًا لِغَلَبَةِ الظَّنِّ فِي اسْتِخْرَاجِهَا.

قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: وَيُبَالِغُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ التَّقَاطُرُ، وَالْمُعْتَبَرُ قُوَّةُ كُلِّ عَاصِرٍ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عَصَرَ غَيْرَهُ قَطَّرَ طَهُرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلَوْ لَمْ يَصْرِفْ قُوَّتَهُ لِرِقَّةِ الثَّوْبِ قِيلَ: يَطْهُرُ لِلضَّرُورَةِ.وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ وَهُوَ اخْتِيَارُ قَاضِيخَانْ.

وَفِي رِوَايَةٍ: يُكْتَفَى بِالْعَصْرِ مَرَّةً.

ثُمَّ إِنَّ اشْتِرَاطَ الْغَسْلِ وَالْعَصْرِ ثَلَاثًا إِنَّمَا هُوَ إِذَا غَمَسَهُ فِي إِجَّانَةٍ، أَمَّا إِذَا غَمَسَهُ فِي مَاءٍ جَارٍ حَتَّى جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ أَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ كَثِيرٌ، بِحَيْثُ يَخْرُجُ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَاءِ وَيَخْلُفُ غَيْرُهُ ثَلَاثًا، فَقَدْ طَهُرَ مُطْلَقًا بِلَا اشْتِرَاطِ عَصْرٍ وَتَكْرَارِ غَمْسٍ.

وَيُقْصَدُ بِالنَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ عِنْدَهُمْ: مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ، وَغَيْرُ الْمَرْئِيَّةِ: مَا لَا يُرَى بَعْدَهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ بِغَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ عَدَدٍ، بِشَرْطِ زَوَالِ طَعْمِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ عَسُرَ، لِأَنَّ بَقَاءَ الطَّعْمِ دَلِيلٌ عَلَى تَمَكُّنِ النَّجَاسَةِ مِنَ الْمَحَلِّ فَيُشْتَرَطُ زَوَالُهُ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ زَوَالُ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ إِنْ تَيَسَّرَ.ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَعَسَّرَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ عَيْنًا أَوْ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ.

فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَيْنًا فَإِنَّهُ يَجِبُ إِزَالَةُ الطَّعْمِ، وَمُحَاوَلَةُ إِزَالَةِ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ، فَإِنْ عَسِرَ زَوَالُ الطَّعْمِ، بِأَنْ لَمْ يَزُلْ بِحَتٍّ أَوْ قَرْصٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عُفِيَ عَنْهُ مَا دَامَ الْعُسْرُ، وَيَجِبُ إِزَالَتُهُ إِذَا قَدَرَ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ عَسُرَ زَوَالُهُ فَيُعْفَى عَنْهُ، فَإِنْ بَقِيَا مَعًا ضَرَّ عَلَى الصَّحِيحِ، لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ.

وَإِنْ لَمْ تَكُنِ النَّجَاسَةُ عَيْنًا- وَهِيَ مَا لَا يُدْرَكُ لَهَا عَيْنٌ وَلَا وَصْفٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِخَفَاءِ أَثَرِهَا بِالْجَفَافِ، كَبَوْلٍ جَفَّ فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ وَلَا أَثَرَ لَهُ وَلَا رِيحَ، فَذَهَبَ وَصْفُهُ، أَمْ لَا، لِكَوْنِ الْمَحَلِّ صَقِيلاً لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَالْمِرْآةِ وَالسَّيْفِ- فَإِنَّهُ يَكْفِي جَرْيُ الْمَاءِ عَلَيْهِ مَرَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ كَمَطَرٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسَاتُ بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ مُنَقِّيَةٍ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: «أُمِرْنَا أَنْ نَغْسِلَ الْأَنْجَاسَ سَبْعًا» وَقَدْ أُمِرَ بِهِ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، فَيُلْحَقُ بِهِ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَصُّ بِمَوْرِدِ النَّصِّ، بِدَلِيلِ إِلْحَاقِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ بِهِ.

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: فَعَلَى هَذَا يُغْسَلُ مَحَلُّ الِاسْتِنْجَاءِ سَبْعًا كَغَيْرِهِ، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، لَكِنْ نَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ عَدَدٌ، اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، لَا فِي قَوْلِهِ وَلَا فِعْلِهِ.

وَيَضُرُّ عِنْدَهُمْ بَقَاءُ الطَّعْمِ، لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ وَلِسُهُولَةِ إِزَالَتِهِ وَيَضُرُّ كَذَلِكَ بَقَاءُ اللَّوْنِ أَوِ الرِّيحِ أَوْ هُمَا مَعًا إِنْ تَيَسَّرَ إِزَالَتُهُمَا، فَإِنْ عَسُرَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ.

وَهَذَا فِي غَيْرِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، أَمَّا نَجَاسَتُهُمَا فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهَا تَفْصِيلٌ آخَرُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

تَطْهِيرُ مَا تُصِيبُهُ الْغُسَالَةُ قَبْلَ طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ:

12- الْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ بِأَحَدِ أَوْصَافِ النَّجَاسَةِ نَجِسَةٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ».قَالَ الْخَرَشِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: سَوَاءٌ كَانَ تَغَيُّرُهَا بِالطَّعْمِ أَوِ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ وَلَوِ الْمُتَعَسِّرَيْنِ، وَمِنْ ثَمَّ يَنْجُسُ الْمَحَلُّ الَّذِي تُصِيبُهُ الْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ، وَيَكُونُ تَطْهِيرُهُ كَتَطْهِيرِ أَيِّ مَحَلٍّ مُتَنَجِّسٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

لَكِنَّ الْحَنَابِلَةَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ الْمَحَلُّ الْمُتَنَجِّسُ إِلاَّ بِغُسْلِهِ سَبْعًا، فَيُغْسَلُ عِنْدَهُمْ مَا نَجِسَ بِبَعْضِ الْغَسَلَاتِ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ بَعْدَ تِلْكَ الْغَسْلَةِ، فَلَوْ تَنَجَّسَ بِالْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ مَثَلاً غُسِلَ ثَلَاثَ غَسَلَاتٍ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ تَطْهُرُ فِي مَحَلِّهَا بِمَا بَقِيَ مِنَ الْغَسَلَاتِ، فَطَهُرَتْ بِهِ فِي مِثْلِهِ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْغُسَالَةَ غَيْرَ الْمُتَغَيِّرَةِ طَاهِرَةٌ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: لَوْ غُسِلَتْ قَطْرَةُ بَوْلٍ مَثَلاً فِي جَسَدٍ أَوْ ثَوْبٍ وَسَالَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ فِي سَائِرِهِ وَلَمْ تَنْفَصِلْ عَنْهُ كَانَ طَاهِرًا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْغُسَالَةُ غَيْرُ الْمُتَغَيِّرَةِ إِنْ كَانَتْ قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَهُمَا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَظْهَرُهَا: أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَحَلِّ بَعْدَ الْغَسْلِ، إِنْ كَانَ نَجِسًا بَعْدُ فَنَجِسَةٌ، وَإِلاَّ فَطَاهِرَةٌ غَيْرُ مُطَهِّرَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ غُسِلَتْ بِالطَّهُورِ نَجَاسَةٌ فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا بِهَا، أَوِ انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، كَالْمُنْفَصِلِ مِنَ الْغَسْلَةِ السَّادِسَةِ فَمَا دُونَهَا وَهُوَ يَسِيرٌ فَنَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ مُلَاقٍ لِنَجَاسَةٍ لَمْ يُطَهِّرْهَا.

وَإِنِ انْفَصَلَ الْقَلِيلُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ مَحَلٍّ طَهُرَ أَرْضًا كَانَ الْمَحَلُّ أَوْ غَيْرُهَا، فَطَهُورٌ إِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ دُونَ قُلَّتَيْنِ فَطَاهِرٌ.

تَطْهِيرُ الْآبَارِ:

13- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ مَاءُ الْبِئْرِ، فَإِنَّ تَطْهِيرَهُ يَكُونُ بِالتَّكْثِيرِ إِلَى أَنْ يَزُولَ التَّغَيُّرُ، وَيَكُونُ التَّكْثِيرُ بِالتَّرْكِ حَتَّى يَزِيدَ الْمَاءُ وَيَصِلَ إِلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ، أَوْ بِصَبِّ مَاءٍ طَاهِرٍ فِيهِ حَتَّى يَصِلَ هَذَا الْحَدَّ.

كَمَا ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اعْتِبَارِ النَّزْحِ طَرِيقًا لِلتَّطْهِيرِ أَيْضًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ مَاءُ الْبِئْرِ فَإِنَّ تَطْهِيرَهُ يَكُونُ بِالنَّزَحِ فَقَطْ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (آبَار ف 21 وَمَا بَعْدَهَا).

الْوُضُوءُ وَالِاغْتِسَالُ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ:

14- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ وَالِاغْتِسَالَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ مَكْرُوهٌ خَشْيَةَ أَنْ يَتَنَجَّسَ بِهِ الْمُتَوَضِّئُ أَوِ الْمُغْتَسِلُ، وَتَوَقِّي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَسَةَ فَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فِيهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ».

تَطْهِيرُ الْجَامِدَاتِ وَالْمَائِعَاتِ:

15- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي جَامِدٍ، كَالسَّمْنِ الْجَامِدِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ تَطْهِيرَهُ يَكُونُ بِرَفْعِ النَّجَاسَةِ وَتَقْوِيرِ مَا حَوْلَهَا وَطَرْحِهِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي طَاهِرًا، لِمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ- رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: أَلْقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ».

وَإِذَا وَقَعَتِ النَّجَاسَةُ فِي مَائِعٍ فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ، وَلَا يَطْهُرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَيُرَاقُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى إِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ بِالْغَلْيِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُوضَعَ فِي مَاءٍ وَيَغْلِي، فَيَعْلُو الدُّهْنُ الْمَاءَ، فَيُرْفَعُ بِشَيْءٍ، وَهَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَوْسَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.

وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مَا يَتَأَتَّى تَطْهِيرُهُ بِالْغَلْيِ- كَالزَّيْتِ- يَطْهُرُ بِهِ كَالْجَامِدِ، وَطَرِيقَةُ ذَلِكَ: جَعْلُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ يُخَاضُ فِيهِ، حَتَّى يُصِيبَ الْمَاءُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يَعْلُوَ عَلَى الْمَاءِ، فَيُؤْخَذُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا يَطْهُرُ غَيْرُ الْمَاءِ مِنَ الْمَائِعَاتِ بِالتَّطْهِيرِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِلاَّ الزِّئْبَقَ، فَإِنَّهُ لِقُوَّتِهِ وَتَمَاسُكِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْجَامِدِ.وَاسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ «بِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ السَّمْنِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ، وَلَوْ كَانَ إِلَى تَطْهِيرِهِ طَرِيقٌ لَمْ يَأْمُرْ بِإِرَاقَتِهِ».

تَطْهِيرُ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ:

16- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ يَكُونُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَمُكَاثَرَتِهَا حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ.

وَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِنَزْحِ بَعْضِهِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ، قِيلَ: إِنَّ الْمَاءَ يَعُودُ طَهُورًا، وَقِيلَ: بِاسْتِمْرَارِ نَجَاسَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَرْجَحُ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُزَالُ إِلاَّ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَلَيْسَ حَاصِلاً، وَحِينَئِذٍ فَيَسْتَمِرُّ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ.

وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ الَّذِي زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَزْحِ بَعْضِهِ، أَمَّا الْقَلِيلُ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى تَنَجُّسِهِ بِلَا خِلَافٍ.

كَمَا يَطْهُرُ الْمَاءُ النَّجِسُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِإِضَافَةِ طَاهِرٍ، وَبِإِلْقَاءِ طِينٍ أَوْ تُرَابٍ إِنْ زَالَ أَثَرُهُمَا، أَيْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِهِمَا فِيمَا أُلْقِيَا فِيهِ، أَمَّا إِنْ وُجِدَ فَلَا يَطْهُرُ، لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِمَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّ الْمَاءَ إِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ إِلاَّ إِذَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» وَتَطْهِيرُهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ، سَوَاءٌ زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ: كَأَنْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ، أَوْ بِإِضَافَةِ مَاءٍ إِلَيْهِ.

قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: وَهَذَا فِي التَّغَيُّرِ الْحِسِّيِّ، وَأَمَّا التَّقْدِيرِيُّ: كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجِسٌ لَا وَصْفَ لَهُ فَيُقَدَّرُ مُخَالِفًا أَشَدَّ، كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ، فَإِنْ غَيَّرَهُ فَنَجِسٌ، وَيُعْتَبَرُ الْوَصْفُ الْمُوَافِقُ لِلْوَاقِعِ، وَيُعْرَفُ زَوَالُ التَّغَيُّرِ مِنْهُ بِزَوَالِ نَظِيرِهِ مِنْ مَاءٍ آخَرَ، أَوْ بِضَمِّ مَاءٍ إِلَيْهِ لَوْ ضُمَّ لِلْمُتَغَيِّرِ حِسًّا لَزَالَ، أَوْ بَقِيَ زَمَنًا ذَكَرَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الْحِسِّيُّ.

وَلَا يَطْهُرُ الْمَاءُ إِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِمِسْكٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ خَلٍّ، لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ أَوِ اسْتَتَرَ، وَالظَّاهِرُ الِاسْتِتَارُ، مِثْلُ ذَلِكَ زَوَالُ التَّغَيُّرِ بِالتُّرَابِ وَالْجِصِّ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ نُزِحَ مِنَ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ الْكَثِيرُ، وَبَقِيَ بَعْدَ الْمَنْزُوحِ كَثِيرٌ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ لِزَوَالِ عِلَّةِ تَنَجُّسِهِ، وَهِيَ التَّغَيُّرُ.وَكَذَا الْمَنْزُوحُ الَّذِي زَالَ مَعَ نَزْحِهِ التَّغَيُّرُ طَهُورٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ.

وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ، وَتَطْهِيرُهُ يَكُونُ بِإِضَافَةِ الْمَاءِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْقُلَّتَيْنِ وَلَا تُغَيَّرُ بِهِ وَلَوْ كُوثِرَ بِإِيرَادِ طَهُورٍ فَلَمْ يَبْلُغْ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يَطْهُرْ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (مِيَاه).

تَطْهِيرُ الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَاتِ:

17- الْآنِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَظْمِ حَيَوَانٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مُذَكًّى يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهَا.

وَأَمَّا الْآنِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَفِيهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (آنِيَة) ج 1 ف 10 وَمَا بَعْدَهَا.

تَطْهِيرُ مَا كَانَ أَمْلَسَ السَّطْحِ:

18- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَتِ النَّجَاسَةُ شَيْئًا صَقِيلاً- كَالسَّيْفِ وَالْمِرْآةِ- فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ، وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْأَنْجَاسِ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ غَسْلاً.

قَالَ الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ قُطِعَ بِالسَّيْفِ الْمُتَنَجِّسِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَسْحِهِ وَقَبْلَ غَسْلِهِ مَا فِيهِ بَلَلٌ كَبِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ نَجَّسَهُ، لِمُلَاقَاةِ الْبَلَلِ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنْ كَانَ مَا قَطَعَهُ بِهِ رَطْبًا لَا بَلَلَ فِيهِ كَجُبْنٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَمَا لَوْ قُطِعَ بِهِ يَابِسًا لِعَدَمِ تَعَدِّي النَّجَاسَةِ إِلَيْهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ مَاءً نَجِسًا، ثُمَّ غَسَلَهَا طَهُرَ ظَاهِرُهَا، وَهَلْ يَطْهُرُ بَاطِنُهَا بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ أَمْ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَسْقِيَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً بِمَاءٍ طَهُورٍ؟ وَجْهَانِ: قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَجِبُ سَقْيُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِالْغَسْلِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا كَانَ أَمْلَسَ السَّطْحِ، كَالسَّيْفِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهِمَا، إِنْ أَصَابَهُ نَجِسٌ فَإِنَّ تَطْهِيرَهُ يَكُونُ بِالْمَسْحِ بِحَيْثُ يَزُولُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ وَهُمْ يَحْمِلُونَهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَزُولُ بِالْمَسْحِ.

قَالَ الْكَمَالُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ عَلَى ظُفْرِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا طَهُرَتْ.

فَإِنْ كَانَ بِالصَّقِيلِ صَدَأٌ يَتَشَرَّبُ مَعَهُ النَّجَاسَةَ، أَوْ كَانَ ذَا مَسَامَّ تَتَشَرَّبُهَا، فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ إِلاَّ بِالْمَاءِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا كَانَ صُلْبًا صَقِيلاً، وَكَانَ يُخْشَى فَسَادُهُ بِالْغَسْلِ كَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهُ مِنَ الدَّمِ الْمُبَاحِ وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا، خَوْفًا مِنْ إِفْسَادِ الْغَسْلِ لَهُ.

قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَسَوَاءٌ مَسَحَهُ مِنَ الدَّمِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، أَيْ خِلَافًا لِمَنْ عَلَّلَهُ بِانْتِفَاءِ النَّجَاسَةِ بِالْمَسْحِ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ مِنَ الدَّمِ الْمُبَاحِ إِلاَّ إِذَا مُسِحَ، وَإِلاَّ فَلَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: لَا يُعْفَى عَمَّا أَصَابَ الظُّفْرَ وَالْجَسَدَ مِنَ الدَّمِ الْمُبَاحِ لِعَدَمِ فَسَادِهِمَا بِالْغَسْلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: يُعْفَى عَمَّا أَصَابَهَا مِنْهُ إِذَا مُسِحَ.

وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ الْعَفْوَ بِأَنْ يَكُونَ الدَّمُ مُبَاحًا، أَمَّا الدَّمُ الْعُدْوَانُ فَيَجِبُ الْغَسْلُ مِنْهُ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: قَالَ الْعَدَوِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاحِ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ دَمٌ مَكْرُوهُ الْأَكْلِ إِذَا ذَكَّاهُ بِالسَّيْفِ، وَالْمُرَادُ: الْمُبَاحُ أَصَالَةً، فَلَا يَضُرُّ حُرْمَتُهُ لِعَارِضٍ كَقَتْلِ مُرْتَدٍّ بِهِ، وَقَتْلِ زَانٍ أَحْصَنَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ.

كَمَا قَيَّدُوا الْعَفْوَ بِأَنْ يَكُونَ مَصْقُولاً لَا خَرْبَشَةَ فِيهِ، وَإِلاَّ فَلَا عَفْوَ.

تَطْهِيرُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ مِنَ الْمَنِيِّ

19- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى نَجَاسَتِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ.

وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِهِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ مَحَلِّ الْمَنِيِّ يَكُونُ بِغَسْلِهِ إِنْ كَانَ رَطْبًا، وَفَرْكِهِ إِنْ كَانَ يَابِسًا، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ يَابِسًا، وَأَغْسِلُهُ إِذَا كَانَ رَطْبًا».

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ بِعِلْمِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- خُصُوصًا إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهَا مَعَ الْتِفَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى طَهَارَةِ ثَوْبِهِ وَفَحْصِهِ عَنْ حَالِهِ.

وَلَا فَرْقَ فِي طَهَارَةِ مَحَلِّهِ بِفَرْكِهِ يَابِسًا وَغَسْلِهِ طَرِيًّا بَيْنَ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّ «عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا كَانَتْ تَحُتُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّي»، وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تَحْتَلِمُ، فَيَلْزَمُ اخْتِلَاطُ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ بِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ مَنِيِّهَا بِالْفَرْكِ بِالْأَثَرِ، لَا بِالْإِلْحَاقِ.

كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ مَحَلِّ الْمَنِيِّ يَكُونُ بِالْغَسْلِ لَا غَيْرُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (مَنِيّ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


8-موسوعة الفقه الكويتية (مزفت)

مُزَفَّتٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُزَفَّتُ- بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَالْفَاءِ- فِي اللُّغَةِ: الْوِعَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ- بِكَسْرِ الزَّايِ- وَهُوَ الْقَارُ.

وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْحَنْتَمُ:

2- الْحَنْتَمُ فِي اللُّغَةِ: جِرَارٌ مَدْهُونَةٌ خُضْرٌ كَانَتْ تُحْمَلُ الْخَمْرُ فِيهَا إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَقِيلَ لِلْخَزَفِ كُلِّهِ حَنْتَمٌ، وَاحِدَتُهَا حَنْتَمَةٌ.

وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

قَالَ الْعَدَوِيُّ: الْحَنْتَمُ مَا طُلِيَ مِنَ الْفَخَّارِ بِالزُّجَاجِ كَالْأَصْحُنِ الْخُضْرِ الْمَعْرُوفَةِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَنْتَمَ وَالْمُزَفَّتَ يَشْتَرِكَانِ فِي سُرْعَةِ اشْتِدَادِ الْأَنْبِذَةِ فِيهِمَا.

النَّقِيرُ:

3- النَّقِيرُ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِي اللُّغَةِ: خَشَبَةٌ تُنْقَرُ وَيُنْبَذُ فِيهَا.

وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ، قَالَ الْعَدَوِيُّ: النَّقِيرُ هُوَ جِذْعُ النَّخِيلِ يُنْقَرُ وَيُجْعَلُ ظَرْفًا كَالْقَصْعَةِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ هُوَ إِسْرَاعُ الْإِسْكَارِ إِلَى مَا انْتُبِذَ فِيهِمَا.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

الِانْتِبَاذُ فِي الْمُزَفَّتِ

4- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِبَاذُ- وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ حَبَّاتٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِيَحْلُوَ وَيُشْرَبَ- فِي الْمُزَفَّتِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْعِيَةِ وَيَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهَا مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا، لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ لَا تَشْرَبُوا إِلاَّ فِي ظُرُوفِ الْأُدُمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا».وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ النَّهْيِ وَلَا حُكْمَ لِلْمَنْسُوخِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُزَفَّتِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ» كَانَ الِانْتِبَاذُ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ (الْمُزَفَّتِ وَالدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ) مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا فِيهَا وَلَا نَعْلَمُ بِهِ لِكَثَافَتِهَا فَتُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ، وَرُبَّمَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا فَيَصِيرُ شَارِبًا لِلْمُسْكِرِ وَكَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِإِبَاحَةِ الْمُسْكِرِ فَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَاشْتُهِرَ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نَفُوسِهِمْ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ لَهُمُ الِانْتِبَاذُ فِي كُلِّ وِعَاءٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مُسْكِرًا، وَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِه- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةُ الْمَذْكُورِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: النَّهْيُ عَنِ الْأَوْعِيَةِ إِنَّمَا كَانَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ فَلَمَّا قَالُوا: لَا نَجِدُ بُدًّا مِنَ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ قَالَ: «انْتَبِذُوا وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُهِيَ عَنْهُ بِمَعْنَى النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ فَلَمَّا قَالُوا لَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا، قَالَ: «أَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ».

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم- إِلَى كَرَاهَةِ الِانْتِبَاذِ فِي الْمُزَفَّتِ.

قَالَ الْعَدَوِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ بِكَرَاهَةِ الِانْتِبَاذِ فِي الْمُزَفَّتِ، وَالنَّهْيُ فِي هَاتَيْنِ: أَعْنِي الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ وَلَوْ كَانَ الْمَنْبُوذُ شَيْئًا وَاحِدًا، وَأَمَّا تَنْبِيذُ شَيْئَيْنِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَوْ فِي نَحْوِ الصِّينِيِّ، وَمَحَلُّ نَهْيِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ احْتَمَلَ الْإِسْكَارَ لَا أَنْ قُطِعَ بِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَإِلاَّ حَرُمَ فِي الْأَوَّلِ وَجَازَ فِي الثَّانِي.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُزَفَّتَ إِنِ انْتُبِذَ فِيهِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْخَمْرِ فَلَا إِشْكَالَ فِي حِلِّهِ وَطَهَارَتِهِ، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَمْرُ ثُمَّ انْتُبِذَ فِيهِ، يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتُشْرَبَ الْخَمْرُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ غَسْلِ مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُمْلأُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إِذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رَائِحَةً حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا مِثْلُ ظَرْفِ الْخَمْرِ بَعْدَمَا صُبَّ مِنْهُ الْخَمْرُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُصَبَّ مِنْهُ الْخَمْرَ حَتَّى صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا مَا حَالُ الظَّرْفِ؟ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي الْأَصْلِ.

وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا يُوَارِي الْإِنَاءَ مِنَ الْخَلِّ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَطْهُرُ، لِأَنَّ مَا يُوَارِي الْخَلُّ مِنَ الْإِنَاءِ فِيهِ أَجْزَاءُ الْخَلِّ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَأَمَّا أَعْلَى الْحَبِّ الَّذِي انْتُقِصَ مِنَ الْخَمْرِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ خَلًّا فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا، لِأَنَّ مَا يُدَاخِلُ أَجْزَاءَ الْحَبِّ مِنَ الْخَمْرِ لَمْ يَصِرْ خَلًّا بَلْ يَبْقَى فِيهِ كَذَلِكَ خَمْرًا فَيَكُونُ نَجِسًا فَيَجِبُ أَنْ يُغْسَلَ أَعْلَاهُ بِالْخَلِّ حَتَّى يَطْهُرَ الْكُلُّ، لِأَنَّ غَسْلَ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِمَا سِوَى الْخَمْرِ مِنَ الْمَائِعَاتِ الَّتِي تُزِيلُ النَّجَاسَةَ جَائِزٌ عِنْدَنَا- أَيْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- فَإِذَا غَسَلَ أَعْلَى الْحَبِّ بِالْخَلِّ صَارَ مَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ فَيَطْهُرُ الْحَبُّ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُفْعَلْ هَكَذَا حَتَّى مُلِئَ مِنَ الْعَصِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ الْعَصِيرُ وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ، لِأَنَّهُ عَصِيرٌ خَالَطَهُ خَمْرٌ إِلاَّ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


9-موسوعة الفقه الكويتية (نجاسة 2)

نَجَاسَةٌ -2

ز- الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ:

23- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى نَجَاسَةِ الدَّمِ، لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ- رضي الله عنهما-: «إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنَ الْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَالدَّمِ» وَكَذَلِكَ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ.

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ دَمَ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ فَقَالُوا بِطَهَارَتِهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِقَتْلَى أُحُدٍ: «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلاَّ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ».فَإِنِ انْفَصَلَ الدَّمُ عَنِ الشَّهِيدِ كَانَ الدَّمُ نَجِسًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ دَمِ الْإِنْسَانِ الَّذِي لَا يَسِيلُ عَنْ رَأْسِ جُرْحِهِ، وَيُعْفَى أَيْضًا عَنْ دَمِ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَفِيهِ حَرَجٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا دُونَ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ إِذَا انْفَصَلَ عَنِ الْحَيَوَانِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ فِي الْعُرْفِ مِنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَفْسِهِ كَأَنِ انْفَصَلَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، إِلاَّ دَمَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعَ أَحَدِهِمَا فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِ نَجَاسَتِهِ، وَأَمَّا دَمُ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الَّذِي لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ كَدَمِ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، انْتَشَرَ بِعَرَقٍ أَمْ لَا.

وَيُعْفَى عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَمَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنِ اخْتَلَطَتْ بِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمٌ أَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ.

وَأَمَّا مَا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ مِنَ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دَمٍ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَمَطْعُومٍ، أَيْ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يَسْلَمُ مِنْهُ وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَقَدْرُ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ هُوَ مَا لَا يَفْحُشُ فِي النَّفْسِ، وَالْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ مِنَ الدَّمِ، وَالْمَعْفُوُّ عَنْهُ هُوَ مَا كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ خَارِجًا مِنْ غَيْرِ سَبِيلٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ سَبِيلٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَلَا يُعْفَى عَنِ الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَيُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي ثَوْبٍ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ فَحُشَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَيُعْفَى عَنْ دَمِ بَقٍّ وَقَمْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً. (ر: عَفُوف 7 وَمَا بَعْدَهَا، مَعْفُوَّات ف 3 وَمَا بَعْدَهَا).

ح- دَمُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ:

24- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَجَاسَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي».

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ فِي مَنْعِ الْعِبَادَاتِ تَنْظُرُ مُصْطَلَحَاتِ: (اسْتِحَاضَة ف 25 وَمَا بَعْدَهَا، حَيْض ف 33 وَمَا بَعْدَهَا، نِفَاس).

ط- الْمِسْكُ وَالزَّبَادُ وَالْعَنْبَرُ:

25- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمِسْكَ طَاهِرٌ حَلَالٌ، فَيُؤْكَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَا نَافِجَتُهُ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا، وَبَيْنَ مَا انْفَصَلَ مِنَ الْمَذْبُوحَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ كَوْنِهَا بِحَالِ لَوْ أَصَابَهَا الْمَاءُ فَسَدَتْ أَوْ لَا.

وَكَذَا الزَّبَادُ طَاهِرٌ لِاسْتِحَالَتِهِ إِلَى الطِّيبِيَّةِ.

وَكَذَا الْعَنْبَرُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ نَاقِلًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: الزَّبَادُ طَاهِرٌ، وَفِي الْمِنْهَاجِيَّةِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمَسَائِلِ: الْمِسْكُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَمًا لَكِنَّهُ تَغَيَّرَ، وَكَذَا الزَّبَادُ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْعَنْبَرُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمِسْكَ- كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ- طَاهِرٌ، وَفِي فَأْرَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي حَيَاةِ الظَّبْيَةِ وَجْهَانِ: الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ كَالْجَنِينِ، فَإِنِ انْفَصَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا فَنَجِسَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَاللَّبَنِ، وَطَاهِرَةٌ فِي وَجْهٍ كَالْبَيْضِ الْمُتَصَلِّبِ.

وَالزَّبَادُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ أَوْ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ شَعَرٍ فِيهِ عُرْفًا فِي مَأْخُوذٍ جَامِدٍ، وَفِي مَأْخُوذٍ مِنْهُ مَائِعٍ.

وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ نَبَاتٌ بَحْرِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ، نَعَمْ مَا يَبْتَلِعُهُ مِنْهُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ ثُمَّ يُلْقِيهِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مِنَ الْقَيْءِ وَيُعْرَفُ بِسَوَادِهِ.

وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي طَهَارَةِ الْمِسْكِ وَحِلِّ أَكْلِهِ، وَهُوَ الدَّمُ الْمُنْعَقِدُ يُوجَدُ عِنْدَ بَعْضِ الْحَيَوَانِ كَالْغَزَالِ وَاسْتَحَالَ إِلَى صَلَاحٍ، وَكَذَا فَأْرَتُهُ وَهِيَ وِعَاؤُهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَخْصُوصِ، لِأَنَّه- عليه الصلاة والسلام- تَطَيَّبَ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا تَطَيَّبَ بِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْمِسْكُ وَفَأْرَتُهُ طَاهِرَانِ وَهُوَ سُرَّةُ الْغَزَالِ، وَكَذَا الزَّبَادُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ، وَفِي الْإِقْنَاعِ نَجِسٌ، لِأَنَّهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ أَكْبَرَ مِنَ الْهِرِّ، وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ.

ي- الْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ:

26- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ وَعَذِرَةِ الْآدَمِيِّ وَبَوْلِ وَرَوْثِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ» وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْقَيْءِ وَالدَّمِ وَالْمَنِيِّ».

وَاخْتَلَفُوا فِي نَجَاسَةِ بَوْلِ وَرَوْثِ الْحَيَوَانِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَكَذَا خُرْءُ الطَّيْرِ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى طَهَارَتِهِمَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ أَوْ بَعْدَ ذَكَاتِهِ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فَإِنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَلِصَلَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَوْلُ وَرَوْثُ الْحَيَوَانِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ نَجِسًا لَتَنَجَّسَتِ الْحُبُوبُ الَّتِي تَدُوسُهَا الْبَقَرُ فَإِنَّهَا لَا تَسْلَمُ مِنْ أَبْوَالِهَا.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، أَمَّا رَوْثُهُ فَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجَاسَتُهُ خَفِيفَةٌ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مِنَ الْخَفِيفَةِ وَقِلَّةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مِنَ الْغَلِيظَةِ، لَا فِي كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْغِلَظِ وَالْخِفَّةِ.

وَأَمَّا خُرْءُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الطُّيُورِ فَهُوَ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَخُرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الطُّيُورِ طَاهِرٌ إِلاَّ الدَّجَاجَ وَالْبَطَّ الْأَهْلِيَّ وَالْأَوِزَّ فَنَجَاسَةُ خُرْئِهَا غَلِيظَةٌ لِنَتْنِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ بَوْلَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ نَجِسٌ وَكَذَلِكَ رَوْثُهُ، وَكَذَا ذَرْقُ الطَّيْرِ، لِمَا وَرَدَ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» وَالرِّكْسُ النَّجَسُ.

وَأَمَّا أَمْرُهُ- صلى الله عليه وسلم- الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ فَكَانَ لِلتَّدَاوِي، وَالتَّدَاوِي بِالنَّجِسِ جَائِزٌ عِنْدَ فَقْدِ الطَّاهِرِ إِلاَّ خَالِصَ الْخَمْرِ، وَلِأَنَّ أَبْوَالَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَأَرْوَاثَهَا مِمَّا اسْتَحَالَ بِالْبَاطِنِ، وَكُلُّ مَا اسْتَحَالَ بِالْبَاطِنِ نَجِسٌ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (ذَرْق ف 3- 5، رَوْث ف 2- 3).

ك- الْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ:

27- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى نَجَاسَةِ الْمَذْيِ، لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ وَالْوُضُوءِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- قَالَ: «كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، وَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ لَا يَخْلُقُ مِنْهُ طَاهِرٌ فَهُوَ كَالْبَوْلِ.

وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى نَجَاسَةِ الْوَدْيِ كَذَلِكَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ أَوْ طَهَارَتِهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى نَجَاسَتِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى طَهَارَتِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مَذْي ف 4، وَمَنِيّ ف 5، وَوَدْي).

ل- رُطُوبَةُ الْفَرْجِ:

28- ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ الدَّاخِلِيِّ كَسَائِرِ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى نَجَاسَتِهِ.

أَمَّا رُطُوبَةُ الْفَرْجِ الْخَارِجِيِّ فَطَاهِرَةٌ اتِّفَاقًا.

وَإِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا فَلَا عِبْرَةَ بِهَا بِاتِّفَاقٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ مُبَاحِ الْأَكْلِ نَجِسَةٌ، أَمَّا مِنْ مُبَاحِ الْأَكْلِ فَطَاهِرَةٌ مَا لَمْ يَتَغَذَّ بِنَجِسٍ، وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ مِنَ الْآدَمِيِّ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ لَيْسَتْ بِنَجِسٍ فِي الْأَصَحِّ بَلْ طَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا كَعَرَقِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ يَنْجُسُ بِهَا ذَكَرُ الْمُجَامِعِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ رُطُوبَةَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ طَاهِرَةٌ لِلْحُكْمِ بِطَهَارَةِ مَنِيِّهَا، فَلَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا لَزِمَ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّهَا.

وَقَالُوا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ- اخْتَارَهَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ- إِنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ نَجِسَةٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: مَا أَصَابَ مِنْهُ فِي حَالِ الْجِمَاعِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنَ الْمَذْيِ.

حُكْمُ الْخَمْرِ:

29- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ، لِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا وَتَسْمِيَتِهَا رِجْسًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} وَالرِّجْسُ فِي اللُّغَةِ: الشَّيْءُ الْقَذِرُ أَوِ النَّتِنُ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ شَيْخُ مَالِكٍ وَالصَّنْعَانِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ إِلَى طَهَارَتِهَا تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ، وَحَمَلُوا الرِّجْسَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْقَذَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (أَشْرِبَة ف 30- 32 وَمَا بَعْدَهَا، وَتَخْلِيل ف 13- 14).

مَا تُلَاقِيهِ النَّجَاسَةُ:

أ- تَلَاقِي الْجَافَّيْنِ أَوِ الطَّاهِرِ الْجَافِّ بِالنَّجِسِ الْمَائِعِ أَوِ الْمُبْتَلِّ وَعَكْسِهِ:

30- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوِ ابْتَلَّ فِرَاشٌ أَوْ تُرَابٌ نَجِسَانِ مِنْ عَرَقِ نَائِمٍ أَوْ بَلَلِ قَدَمٍ وَظَهَرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالْقَدَمِ تَنَجَّسَا وَإِلاَّ فَلَا، كَمَا لَا يَنْجُسُ ثَوْبٌ جَافٌّ طَاهِرٌ لُفَّ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ رَطْبٍ لَا يَنْعَصِرُ الرَّطْبُ لَوْ عُصِرَ، وَلَا يَنْجُسُ ثَوْبٌ رَطْبٌ بِنَشْرِهِ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ يَابِسَةٍ فَتَنَدَّتْ مِنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهَا فِيهِ، وَلَا بِرِيحٍ هَبَّتْ عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَصَابَتِ الثَّوْبَ إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ أَيِ الثَّوْبِ، وَقِيلَ: يَنْجُسُ إِنْ كَانَ مَبْلُولًا لِاتِّصَالِهَا بِهِ.

وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ وَمَقْعَدَتُهُ مَبْلُولَةٌ فَالصَّحِيحُ طَهَارَةُ الرِّيحِ الْخَارِجَةِ فَلَا تُنَجِّسُ الثِّيَابَ الْمُبْتَلَّةَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَنِ الْمَحَلِّ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ مِنْ مُضَافٍ وَبَقِيَ بَلَلُهُ، فَلَاقَى جَافًّا، أَوْ جَفَّ وَلَاقَى مَبْلُولًا لَمْ يَتَنَجَّسْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، إِذْ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْحُكْمُ وَهُوَ لَا يَنْتَقِلُ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُضَافَ قَدْ يَتَنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ فَالْبَاقِي نَجِسٌ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: أَنَّهُ إِذَا لَاقَى الْمَحَلُّ الْمَبْلُولُ جَافًّا، أَوْ لَاقَى الْمَحَلَّ الْجَافَّ شَيْءٌ مَبْلُولٌ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْأَعْيَانَ الطَّاهِرَةَ إِذَا لَاقَاهَا شَيْءٌ نَجِسٌ وَأَحَدُهُمَا رَطْبٌ وَالْآخَرُ يَابِسٌ فَيُنَجَّسُ الطَّاهِرُ بِمُلَاقَاتِهَا.

ب- وُقُوعُ النَّجَاسَةِ فِي مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ:

31- إِذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي سَمْنٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهَا تُلْقَى وَمَا حَوْلَهَا وَيُنْتَفَعُ بِالْبَاقِي، لِمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ- رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ» أَمَّا إِذَا كَانَ السَّمْنُ وَنَحْوُهُ مَائِعًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ يَنْجُسُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ لَا يَنْجُسُ إِلاَّ بِمَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ.

32- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ فِي إِمْكَانِ تَطْهِيرِ الْمَائِعِ مِنَ النَّجَاسَةِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُ الْمَائِعِ مِنَ النَّجَاسَةِ.لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ.

وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُ الْمَائِعِ مِنَ النَّجَاسَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مَائِع ف 3- 4، وَطَهَارَة ف 15).

ج- الْمِيَاهُ الَّتِي تُلَاقِي النَّجَاسَةَ:

33- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَغَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ كَانَ نَجِسًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ لِلْمَاءِ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رَائِحَةً أَنَّهُ نَجِسٌ مَا دَامَ كَذَلِكَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَاءِ إِذَا خَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ عَلَى أَقْوَالٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مِيَاه ف 17- 23).

د- الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ:

34- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَاءِ الَّذِي أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ خَبَثٌ مِنْ حَيْثُ بَقَاؤُهُ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ أَوْ فَقْدُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَمِنْ حَيْثُ نَجَاسَتُهُ أَوْ عَدَمُ نَجَاسَتِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مِيَاه ف9- 12).

هـ- تَنَجُّسُ الْآبَارِ:

35- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْبِئْرَ الصَّغِيرَةَ- وَهِيَ مَا دُونَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةٍ- يَنْجُسُ مَاؤُهَا بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِيهَا، وَإِنْ قَلَّتِ النَّجَاسَةُ مِنْ غَيْرِ الْأَرْوَاثِ كَقَطْرَةِ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ، وَلِكَيْ تَطْهُرَ يُنْزَحُ مَاؤُهَا كَمَا تُنْزَحُ بِوُقُوعِ خِنْزِيرٍ فِيهَا وَلَوْ خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يُصِبْ فَمُهُ الْمَاءَ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ.

وَتُنْزَحُ بِمَوْتِ كَلْبٍ فِيهَا، فَإِذَا لَمْ يَمُتْ وَخَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يَصِلْ فَمُهُ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ.

كَمَا تُنْزَحُ أَيْضًا بِمَوْتِ شَاةٍ أَوْ مَوْتِ آدَمِيٍّ فِيهَا، لِنَزْحِ مَاءِ زَمْزَمَ بِمَوْتِ زِنْجِيٍّ وَأَمْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهم- بِهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

وَتُنْزَحُ بِانْتِفَاخِ حَيَوَانٍ وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا لِانْتِشَارِ النَّجَاسَةِ، فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا نُزِحَ مِنْهَا وُجُوبًا مِائَتَا دَلْوٍ وَسَطٍ، وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، وَقَدَّرَ مُحَمَّدٌ- رحمه الله- الْوَاجِبَ بِمِائَتَيْ دَلْوٍ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا، وَأَفْتَى بِهِ لَمَّا شَاهَدَ آبَارَ بَغْدَادَ كَثِيرَةَ الْمِيَاهِ لِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ.

وَإِنْ مَاتَ فِي الْبِئْرِ دَجَاجَةٌ أَوْ هِرَّةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا فِي الْجُثَّةِ وَلَمْ يَنْتَفِخْ لَزِمَ نَزْحُ أَرْبَعِينَ دَلْوًا بَعْدَ إِخْرَاجِ الْوَاقِعِ مِنْهَا، رُوِيَ التَّقْدِيرُ بِالْأَرْبَعِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- فِي الدَّجَاجَةِ، وَمَا قَارَبَهَا يُعْطَى حُكْمَهَا، وَتُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ إِلَى خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ.

وَإِنْ مَاتَ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ نَحْوُهَا كَعُصْفُورٍ وَلَمْ يَنْتَفِخْ لَزِمَ نَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا بَعْدَ إِخْرَاجِهِ، لِقَوْلِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- فِي فَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ وَأُخْرِجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا: يُنْزَحُ عِشْرُونَ دَلْوًا، وَتُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ إِلَى ثَلَاثِينَ لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الدَّلْوِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَثَرِ عَلَى مَا قُدِّرَ بِهِ مِنَ الْوَسَطِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَنْزُوحُ طَهَارَةً لِلْبِئْرِ وَالدَّلْوِ وَالرِّشَا وَالْبَكَرَةِ وَيَدِ الْمُسْتَسْقَى، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ، لِأَنَّ نَجَاسَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَتْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، فَتَكُونُ طَهَارَتُهَا بِطَهَارَتِهِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ، كَطَهَارَةِ دَنِّ الْخَمْرِ بِتَخَلُّلِهَا، وَطَهَارَةِ عُرْوَةِ الْأَبْرِيقِ بِطَهَارَةِ الْيَدِ إِذَا أَخَذَهَا كُلَّمَا غَسَلَ يَدَهُ.

وَلَا تُنَجَّسُ الْبِئْرُ بِالْبَعْرِ وَهُوَ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالرَّوْثِ- لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَالْخِثْيِ لِلْبَقَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ آبَارِ الْأَمْصَارِ وَالْفَلَوَاتِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَالصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ، فَلَا تُنَجَّسُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، وَهُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ أَوْ أَنْ لَا يَخْلُوَ دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ.

وَلَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ بِخُرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ، وَلَا بِمَوْتِ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ كَسَمَكٍ وَضُفْدَعٍ، وَلَا بِوُقُوعِ آدَمِيٍّ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مُتَيَقَّنَةً، وَلَا بِوُقُوعِ بَغْلٍ وَحِمَارٍ وَسِبَاعِ طَيْرٍ وَوَحْشٍ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ وَصَلَ لُعَابُ الْوَاقِعِ إِلَى الْمَاءِ أَخَذَ حُكْمَهُ، وَوُجُودُ حَيَوَانٍ مَيِّتٍ فِيهَا يُنَجِّسُهَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمُنْتَفِخٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ وَلَيَالِيهَا إِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ وُقُوعِهِ.

36- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ فِي بِئْرٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا وَجَبَ نَزْحُهُ حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ وَيَعُودَ كَهَيْئَتِهِ أَوَّلًا طَاهِرًا مُطَهِّرًا، فَإِنْ زَالَ بِنَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ إِلَى أَصْلِهِ، فَيَصِيرُ طَهُورًا خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْبُنَانِيُّ: الْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَالْأَجْهُورِيُّ، وَقَالَ عَبْدُ الْبَاقِي: لَا يَطْهُرُ، وَرَجَّحَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ.وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ النَّزْحُ بِقَدْرِ الْمَاءِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، وَالْحَيَوَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا، وَأَمَّا إِنْ وَقَعَ حَيًّا أَوْ طُرِقَ مَيِّتًا وَأُخْرِجَ فَلَا نَزْحَ وَلَا كَرَاهَةَ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: إِنْ مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِمَاءٍ لَا مَادَّةَ لَهُ كَالْجُبِّ لَا يُشْرَبُ مِنْهَا وَلَا يُتَوَضَّأُ، وَيُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ، بِخِلَافِ مَا لَهُ مَادَّةٌ.

وَفِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ فِي ثِيَابٍ أَصَابَهَا مَاءُ بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ وَتَسَلَّخَتْ: يُغْسَلُ الثَّوْبُ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ.

وَقَالَ الدَّرْدِيرُ عَلَى أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ: وَإِذَا مَاتَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَوِ الْكَثِيرِ لَهُ مَادَّةٌ أَوْ لَا كَالصَّهَارِيجِ- وَكَانَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَيْ دَمٌ يَجْرِي مِنْهُ إِذَا جُرِحَ- فَإِنَّهُ يُنْدَبُ النَّزْحُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَيَوَانِ مَنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ، وَبِقَدْرِ الْمَاءِ مِنْ قِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، إِلَى ظَنِّ زَوَالِ الْفَضَلَاتِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ فِيهِ حَالَ خُرُوجِ رُوحِهِ فِي الْمَاءِ.

وَيُنْقِصُ النَّازِحُ الدَّلْوَ لِئَلاَّ تَطْفُوَ الدُّهْنِيَّةُ فَتَعُودَ لِلْمَاءِ ثَانِيًا، وَالْمَدَارُ عَلَى ظَنِّ زَوَالِ الْفَضَلَاتِ.

فَلَوْ أُخْرِجَ الْحَيَوَانُ مِنَ الْمَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَيِّتًا، أَوْ كَانَ جَارِيًا أَوْ مُسْتَبْحِرًا كَغَدِيرٍ عَظِيمٍ جِدًّا، أَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ بَحْرِيًّا كَحُوتٍ، أَوْ بَرِّيًّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَعَقْرَبٍ وَذُبَابٍ، لَمْ يُنْدَبِ النَّزْحُ، فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ بَعْدَ النَّزْحِ.هَذَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ بِالْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا تَنَجَّسَ لِأَنَّ مَيْتَتَهُ نَجِسَةٌ. 37- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ مَاءَ الْبِئْرِ كَغَيْرِهِ فِي قَبُولِ النَّجَاسَةِ وَزَوَالِهَا، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَتَنَجَّسَ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ الطَّهُورُ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ وَإِنْ نُزِحَ فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى نَجِسًا، وَقَدْ تَنْجُسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ أَيْضًا بِالنَّزْحِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ لِيَزْدَادَ فَيَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ.

وَإِنْ كَانَ نَبْعُهَا قَلِيلًا لَا تُتَوَقَّعُ كَثْرَتُهُ صُبَّ فِيهَا مَاءٌ لِيَبْلُغَ الْكَثْرَةَ وَيَزُولَ التَّغَيُّرُ إِنْ كَانَ تَغَيَّرَ.

وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا طَاهِرًا وَتَفَتَّتَ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا فَقَدْ يَبْقَى عَلَى طَهُورِيَّتِهِ لِكَثْرَتِهِ وَعَدَمِ التَّغَيُّرِ، لَكِنْ يَتَعَذَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَنْزَحُ دَلْوًا إِلاَّ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَقَى الْمَاءُ كُلُّهُ لِيَخْرُجَ الشَّعْرُ مِنْهُ.

فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فَوَّارَةً وَتَعَذَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ نَزَحَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ خَرَجَ كُلُّهُ مَعَهُ، فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ وَمَا يَحْدُثُ طَهُورٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَيْقِنِ النَّجَاسَةِ وَلَا مَظْنُونِهَا، وَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُ بَقَاءِ الشَّعْرِ.

فَإِنْ تَحَقَّقَ شَعْرًا بَعْدَ ذَلِكَ حَكَمَ بِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ النَّزْحِ إِلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو كُلُّ دَلْوٍ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَةِ لَكِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهُ فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ قَوْلَانِ.

38- وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَدْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ بِئْرٍ بَالَ فِيهَا إِنْسَانٌ؟ قَالَ: تُنْزَحُ حَتَّى تَغْلِبَهُمْ، قُلْتُ: مَا حَدُّهُ؟ قَالَ: لَا يَقْدِرُونَ عَلَى نَزْحِهَا، وَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْغَدِيرُ يُبَالُ فِيهِ، قَالَ: الْغَدِيرُ أَسْهَلُ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ فِي الْبِئْرِ يَكُونُ لَهَا مَادَّةٌ: هُوَ وَاقِفٌ لَا يَجْرِي لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَجْرِي، يَعْنِي أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالْبَوْلِ فِيهِ إِذَا أَمْكَنَ نَزْحُهُ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَوْلِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ بِئْرٍ غَزِيرَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ خِرْقَةٌ أَصَابَهَا بَوْلٌ.قَالَ: تُنْزَحُ، وَقَالَ فِي قَطْرَةِ بَوْلٍ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ: لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَائِرَ النَّجَاسَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَإِذَا كَانَتْ بِئْرُ الْمَاءِ مُلَاصِقَةً لِبِئْرٍ فِيهَا بَوْلٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَشَكَّ فِي وُصُولِهَا إِلَى الْمَاءِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ، قَالَ أَحْمَدُ: يَكُونُ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْبَالُوعَةِ مَا لَمْ يُغَيِّرْ طَعْمًا وَلَا رِيحًا، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ أَحَبَّ عِلْمَ حَقِيقَةِ ذَلِكَ فَلْيَطْرَحْ فِي الْبِئْرِ النَّجِسَةِ نِفْطًا، فَإِنْ وَجَدَ رَائِحَتَهُ فِي الْمَاءِ عَلِمَ وُصُولَهُ إِلَيْهِ وَإِلاَّ فَلَا.

وَإِذَا نَزَحَ مَاءَ الْبِئْرِ النَّجِسَ فَنَبَعَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَاءٌ أَوْ صُبَّ فِيهِ فَهُوَ طَاهِرٌ، لِأَنَّ أَرْضَ الْبِئْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَجُسَتْ جَوَانِبُ الْبِئْرِ فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ نَجِسٌ فَأَشْبَهَ رَأْسَ الْبِئْرِ.

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ لِلْمَشَقَّةِ اللاَّحِقَةِ بِذَلِكَ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَسْفَلِ الْحِذَاءِ.

صَلَاةُ حَامِلِ النَّجَاسَةِ وَمَنْ تُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ:

39- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ صَلَّى حَامِلًا بَيْضَةً مَذِرَةً صَارَ مُحُّهَا دَمًا جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْدِنِهِ، وَالشَّيْءُ مَا دَامَ فِي مَعْدِنِهِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ قَارُورَةً مَضْمُومَةً فِيهَا بَوْلٌ فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهِ.

وَلَوْ أَصَابَ رَأْسُهُ خَيْمَةً نَجِسَةً تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ سُقُوطَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُصَلِّي فِي صَلَاةٍ وَلَوْ نَفْلًا مُبْطِلٌ لَهَا وَيَقْطَعُهَا- وَلَوْ مَأْمُومًا- إِنِ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَمْ تَكُنْ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَّسِعَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ اخْتِيَارِيًّا أَوْ ضَرُورِيًّا بِأَنْ يَبْقَى مِنْهُ مَا يَسَعُ وَلَوْ رَكْعَةً، وَأَنْ يَجِدَ لَوْ قَطَعَ مَا يُزِيلُهَا بِهِ أَوْ ثَوْبًا آخَرَ يَلْبَسُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَا فِيهِ النَّجَاسَةُ مَحْمُولًا لِغَيْرِهِ وَإِلاَّ فَلَا يَقْطَعُ لِعَدَمِ بُطْلَانِهَا، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ تَعَلَّقَ صَبِيٌّ نَجِسُ الثِّيَابِ أَوِ الْبَدَنِ بِمُصَلٍّ- وَالصَّبِيُّ مُسْتَقِرٌّ بِالْأَرْضِ- فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ عَلَى الظَّاهِرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا فِي صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» وَلِأَنَّ مَا فِي الْحَيَوَانِ مِنَ النَّجَاسَةِ فِي مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي، وَإِنْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ وَقَدْ سَدَّ رَأْسَهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْهَا كَمَا لَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حَمَلَ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا فَأَشْبَهَ مَا إِذَا حَمَلَ النَّجَاسَةَ فِي كُمِّهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ مَسْدُودَةٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَمَلَهَا فِي كُمِّهِ.

وَقَالُوا إِذَا سَقَطَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ أَوْ أَزَالَهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا عَلِمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي نَعْلَيْهِ خَلَعَهُمَا وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ» وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ زَمَنِهَا كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ.

تَوَقِّي النَّجَاسَاتِ:

40- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ إِلْقَاؤُهُ فِي نَجَاسَةٍ أَوْ تَلْطِيخُهُ بِنَجِسٍ.

وَلَا يَجُوزُ كَذَلِكَ إِلْقَاءُ شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَوِ الْحَدِيثِ أَوِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فِي نَجَاسَةٍ أَوْ تَلْطِيخُهُ بِنَجِسٍ.

وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى وُجُوبِ تَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ عَنِ النَّجَاسَاتِ، فَلَا يَجُوزُ إِدْخَالُ النَّجَاسَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ دُخُولُ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ نَجَاسَةٌ، وَقَيَّدَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِخَشْيَةِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ بِنَجِسٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ.

وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى وُجُوبِ تَوَقِّي النَّجَاسَةِ فِي الْأَبْدَانِ وَالثِّيَابِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ الصَّلَاةِ.

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَوَقِّي الْمَلَاعِنِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْبَرَازُ فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ مَوْرِدِ مَاءٍ أَوْ ظِلٍّ يُنْتَفَعُ بِهِ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» وَكَذَلِكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ تَطْهِيرُ النَّجَاسَاتِ:

41- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ تَطْهِيرَ النَّجَاسَاتِ وَاجِبٌ مِنْ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَثَوْبِهِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ: «تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ»

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (طَهَارَة ف 7 وَمَا بَعْدَهَا).

تَطْهِيرُ الدُّبَّاءِ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ الْخَمْرُ:

42- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا انْتُبِذَ فِي الدُّبَّاءِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْآنِيَةِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَمْرِ فَلَا إِشْكَالَ فِي حِلِّهِ وَطَهَارَتِهِ.وَإِنِ اسْتُعْمِلَ فِيهَا الْخَمْرُ ثُمَّ انْتُبِذَ فِيهَا يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتَشَرُّبِ الْخَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ غَسْلِ مَا لَا يَنْعَصِرُ بِالْعَصْرِ.

وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُمْلأَُ مَاءً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إِذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رَائِحَةً حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


10-المعجم الغني (وُسْطَى)

وُسْطَى- مؤنث أَوْسَط. [وسط]:

1- "الأُصْبُعُ الوُسْطَى": الأُصْبُعُ الأَوْسَطُ وَالأَطْوَلُ مَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالبِنْصَرِ.

2- "الصَّلَاةُ الوُسْطَى": صَلَاةُ العَصْرِ، الْحُسْنَى.

3- "هُوَ مِنَ الطَّبَقَةِ الوُسْطَى": طَبَقَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ لَهَا إِمْكَانَاتٌ اقْتِصَادِيَّةٌ لَا بَأْسَ بِهَا.

4- "دَرَسَ تَارِيخَ القُرُونِ الوُسْطَى": الْمَرْحَلَةُ التَّارِيخِيَّةُ الْمُمْتَدَّةُ مَا بَيْنَ 476 م إلى 1453م وَتُعْرَفُ أَيْضًا بِالعَصْرِ الوَسِيطِ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


11-تاج العروس (زبد)

[زبد]: الزَّبَدُ، محَرَّكةً، للماءِ وغيرِه كالبعيرِ، والفِضَّة، وغيرِهَا. والزَّبَد: زَبَدُ الجَملِ الهائِجِ، وهو لُغَامُه الأَبيضُ الّذي تَتلطَّخ به مَشافِرُه إِذا هاج، وللبحرِ زَبَدٌ إِذا هاج مَوْجُه.

وزَبَدٌ: جَبَلٌ باليَمَن، عن ابن حَبيب.

وزَبَدُ: قرية، بِقِنَّسْرِينَ لِبنِي أَسد، كما في التكملة، والتبصير. وهي الّتي أَوردها المصنّف في ر ي د.

وزَبَدُ اسْمُ حِمْصَ القديمُ، وبه فُسِّرَ قَول صَخْرِ الغيِّ:

مآبُهُ الرَّدمُ أو تنوخُ أَو الْ *** الآطامُ من صَوَّرانَ أَو زَبَدُ

أَو زَبَدُ: قرية، بهَا؛ أَي بقُرْبها، ويُرْوى بالنون أَيضًا.

والزَّبَد: موضع غَرْبِي بَغْدَادَ.

وقد أَزْبَدَ البحرُ إِزبادًا فهو مُزْبِدٌ، قاله اللَّيْث، وبَحْر مُزْبِدٌ؛ أَي مائج يَقْذِف بالزَّبَد، وزبَدُ الماءِ والجِرَّةِ واللُّعَابِ: طُفَاوَتُه وقَذَاه، والجمْع: أَزْبَادٌ.

ومن المجاز: أَزْبَدَ السِّدْرُ إِزبادًا، إِذا نَوَّرَ أَي طَلَعَتْ له ثَمرةٌ بيضاءُ كالزَّبَد على الماءِ، وزَبَّدَ القَتَادُ وأَزْبدَ: نَدَرَتْ خُوصَتُه واشْتَدَّ عُودُه، واتَّصلتْ بَشرَتُه وأَثمرَ، قال أَعرابيّ: تَركْت الأَرضَ مُخضَرَّة كأَنها حُوَلاءُ، بها فَصِيصَةٌ رقطاءُ، وعَرْفجَة خاضِبة، وقَتَادة مُزْبِدَةٌ، وعَوْسَجٌ كأَنّه النَّعَامُ من سَواده. وكلّ ذلك مُفسَّرٌ في مواضعه. كذا في اللسان.

والزُّبْدُ، بالضّمّ، وكرُمَّانٍ، الأَخيرة عن الصاغانيّ: زُبْدُ السَّمْنِ قبل أَن يُسْلَأَ والقِطْعَة منه زُبْدَةٌ، وهو ما خَلُصَ من الَّلبَن إِذا مُخِضَ. وزَبَدُ اللَّبَنِ: رَغْوَتُه.

وفي المحكم: الزُّبْدُ خُلَاصة اللَّبَنِ والزُّبْدَةُ أَخصُّ من الزَّبَدِ. وقد زَبَّدَ اللَّبَنُ. وزَبدهُ يَزْبِدُه زَبْدًا: أَطْعَمَه إِيَّاهُ؛ أَي الزُّبْدَ وزَبَدَ السِّقَاءَ: مَخَضَه ليَخْرُجَ زُبْدُه. والمُزْدَبِدُ: صاحِبُهُ. وزَبَدَ لهُ يَزْبِدُه زَبْدًا: رَضَخَ له من مالِهِ، والزَّبْد، بفتْح فسكون: الرِّفْد والعَطاءُ.

وفي الحديث: «أَنَّ رَجُلًا من المُشْرِكِين أَهْدَى إِلى النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم هَديَّةً فَرَدَّها، وقال: إِنّا لا نَقْبَل زَبْدَ المُشْرِكين». أَي رِفْدَهم.

وقال الأَصمعيُّ: يقال زَبَدْت فلانًا أَزْبِدُه، بالكسر، زَبْدًا، إِذا أَعْطَيْته، فإِن أَعْطَيْته زُبْدًا قلت: أَزْبُدُهُ زَبْدًا، بضمّ الباءِ من أَزْبُدُه؛ أَي أَطْعَمْته الزُّبْدَ.

وقال اللِّحْيَانيُّ: وكلّ شيْ‌ءٍ إِذا أَردْت أَطعَمْتهم أَو وَهَبْت لهم، قلْت: فعَلْتهم وإِذا أَردت أَن ذلك قد كَثُر عندهم قلت: أَفْعَلوا.

وتَزَبَّدَ الإِنسانُ، إِذا غَضِبَ وظَهَرَ على صِمَاغيْهِ زَبَدَتانِ.

وزَبَّدَ شِدْقُهُ تَزْبِيدًا: تَزَبَّدَ، وتَزَبَّدْت السَّوِيقَ وزَبَدْته أَزبِدُه، وسَوِيقٌ مزبودٌ.

والزُّبَّاد والزُّبَّادَى كرُمَّان وحُوَّارَى: نَبْتٌ سُهْلِيٌّ، له وَرَقٌ عِراضٌ وسِنْفَةٌ، وقد يَنبُت في الجَلَدِ، يأْكله النّاسُ، وهو طَيِّبٌ. وقال أَبو حنيفة: له وَرَقٌ صغيرٌ منْقبِضٌ غبْرٌ مثْل وَرَقِ المَرْزَنْجُوش، تَنفرِش أَفنانُه قال: وقال أَبو زيد: الزُّبَّاد من الأَحرار، كالزَّبَادِ، كسَحاب.

وزُبَّادُ اللَّبَنِ، كرُمَّان: ما لَا خيْرَ فيه.

وقالوا في مَوضع الشِّدَة: «اخْتلط الخاثِرُ بالزُّبَّادِ» أَي اختلطَ الخَيْرُ بالشَّرّ، والجَيِّدُ بالردي‌ءِ، والصّالحُ بالطالِحِ، وذلك إِذا ارتَجَنَ. يُضْرب مَثلًا لاختلاطِ الحقِّ بالباطِل.

ومُزبِّدٌ، كمُحَدِّثٍ: اسم رَجلٍ صاحب النّوادرِ، وضبطه عبدُ الغنيّ وابن ماكولا: كمعظَّم، وكذا وُجِدَ بخطّ الشَّرف الدِّمياطيّ، وقال: إِنه وَجَدَه بخطِّ الوزير المغربيّ. قال الحافظ: ووُجِدَ بخطّ الذَّهَبِيّ ساكن الزّاي مكسور الموحّدة.

وزُبَيْد كزُبَيْرٍ، ابن الحارِثِ أَبو عبد الرَّحمن اليامِيّ، نِسْبَة إِلى يَامٍ القبِيلةِ، مات سنة 126 وليس في الصَّحِيحَيْنِ غَيرُهُ.

وفي أَسماءِ رِجالِ الصَّحيحَيْن للبرماويّ: وليس في الصَّحيح زُبَيْدٌ غيره.

وزُبَيْد بَطْنٌ من مَذْحِجٍ. وهو مُنبِّه الأَكبر بن صَعْب بن سَعْد العَشيرةِ بن مالِكٍ، وهو جِمَاع مَذْحِج. وزُبَيْد الأَصغرُ هو مُنبّه بن رَبِيعة بن سَلَمَة بن مازِن بن رَبيعة بن زُبَيْد الأَكبرِ. قال ابن دُريد: زُبَيْد تصغيرُ زَبْد وهو العَطِيّة. وهم رَهْط عَمْرِو بن مَعْدِيكرِبَ بن عبدِ الله بن عَمْرِو بن عُصْمِ بن عَمْرِو بن زُبَيْد الأَصغر، كُنْيَته أَبو ثَوْر، قَدِم في وَفْد زُبَيْد وأَسلَمَ سنةَ تِسْع، وشَهِدَ الفُتوحَ، وقُتِل بالقادسيَّةِ، وقيل بنَهَاوَنْدَ، رضي ‌الله‌ عنه.

منهم: مُحَمَّدُ بن الوَلِيدِ بن عامر الزُّبَيْدِيّ القاضي أَبو الهُذيْل الحِمْصِيّ صاحِبُ محمّد بن شِهَاب الزَّهْريِّ قال أَحمد بن عوف: هو من ثِقاتِ المسلمين، مات سنة 148 عن سبعين سنةً.

ومَحْمِيَّة بنُ جَزْء بن عبد يَغوث بن جريج بن عَمرو بن زُبيد الأَصغر. قال الكلبيّ: حَليفُ بنِي جُمَحَ، وقيل بني سَهْمٍ. قال أَبو عمرو: هو عمّ عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ، قَدِيم الإِسلامِ من مهاجرة الحَبشة.

ومحمد بن الحُسَيْن الأَندلسيّ صاحب القاليّ وابناهُ اللُّغَوِيُونَ وفي نسخة الزُّبَيْدِيُّون ومنهم محمد بن عبيد الله بن مَذْحج بن محمد بن عبد الله بن بشر الزُّبيْدي الأَشبيليّ اللغويّ نزيل قرطبة.

وزَبِيدٌ، كأَمِير: د، باليمن مشهور، اختَطّه محمد بن زياد مولى المهديّ في زمن الرّشيد العَبّاسيّ، إِذ بعَثَه إِلى اليمن فاختار هذه البُقْعَةَ، واختَطَّ بها هذه المدينَةَ المباركةَ، وَسوَّرَها، وجعلَ لها أَبوابًا ثم مات سنة 245. ثم خلَفَه ابنُه إِبراهِيمُ بن زِيادٍ، واستَمرّ إِلى سنة 289. وخلَفَه ابنُه زِيَادُ بن إِبراهِيمَ، ثم أَخوه إِسحاق ومات سنة 391. ثم ابنُه زياد وهو طِفْل، فتوزَّرَ له حُسين بن سَلامة، وهو بانِي السُّورِ، ثم أَدار عليها سُورًا ثانيًا الوزيرُ أَبو منصور الفاتكيّ، ثم أَدار عليها سُورًا ثالثًا سيفُ الإِسلام طغتكين بن أَيّوب في سنة 589 وهو الذي ركَّبَ على السور أَربعةَ أَبواب. قال ابن المُجَاوِر: عَددتُ أَبراجَ مَدينة زَبِيدَ فوجدتُهَا مائةَ بُرْجٍ وسَبْعَةَ أَبراجٍ، بين كلّ بُرْجٍ وبُرْج ثمانون ذراعًا. قال: ويَدخل في كلّ بُرْج عشرون ذِراعًا، فيكون دور البلد عشرة آلاف ذراعٍ وتِسْعَمائةُ ذِراعٍ. وقد تكفّلَ بتفصيل أَخبارها ابنُ سمرة الجنديّ في «تاريخ اليمن» وكذا صاحب المفيد في تَاريخ زَبِيد. منه موسَى بنُ طارِقٍ أَبو قُرَّةَ قاضي زَبِيدَ، روى عن إِسحاق بن راهَوَيه، وابنِ جُرَيج، والثَّوْرِيّ.

ومحمدُ بن يُوسُف كُنْيَتُه أَبو حَمَّةَ، رَوَى عن موسى بن طارق وغيرِه. وتلميذُه: محمَّد بن شُعَيْب بن الحَجّاج شيخ للطَّبرانيّ المُحدِّثون.

وقد بَقِيَ عليه ممن نُسِبَ، إِلى زَبيد: موسى بن عيسى شيخٌ للطبرانيّ، وقد وَهِمَ فيه ابن ماكولا فسمّاه مُحمَّدًا، نَبَّه على ذلك ابنُ نقطةَ. ومحمّد بن يحيَى بن مهرانَ شيخُ مُسْلم، ذكرَ ابنُ طاهر أَنه من زَبِيدِ اليمنِ. ومحمّد بن يحيى بن عليّ بن المسلم الزَّبِيديّ الزاهد، نزيلُ بغدادَ، وأَولاده إِسماعيلُ وعمرُ ومباركٌ، حَدّثوا. والحسن والحسين ابنا المبارك الزَّبِيديّ، سمعَا من أَبي الوَقت صحيحَ البخاريّ، واتصل عنه بالعُلوّ بالديار المصرية والشاميّة من طريقِ الحسين، وابن أَخيهما عبد العزيز بن يحيَى بن المبارك الزَّبِيدي، سمعَ منه منصورٌ وذكرَه في الذّيل وأَبوه يحيى سمعَ أَبا الفُتوح الطائيّ، وأَخواه أَحمد ومحمد ابنَا يحيى، وإِسماعيل بن محمّد، وإِبراهيم بن أَحمد بن محمد بن يحيى، حدّثوا كلّهم. وأَحمد وإِسماعيل ابنا عبد الرحمن بن إِسماعيلَ الزَّبِيديّ، سمعَا إِسماعِيلَ بنَ الحَسن بن المبارك الزَّبِيديّ. ذَكَرَه أَبو العلا الفَرَضيّ. وأَبو بكر بن المضرب الزَّبِيديّ، انتشر عنه مذهب الشافعيّ باليمن على رأْس الأَربعمائة. والحسن بن محمد بن أَبي عَقَامة الزَّبِيديّ قاضي اليمن زمن الصُّليحيّ، وابن أَخيه أَبو الفتوح بن عبد الله بن أَبي عَقَامة أَوْحَدُ عَصرِهِ، نقلَ عنه صاحبُ البيان. وآل بيته وهم أَجلُّ بيتٍ بِزَبيد. وعبد الله بن عيسى بن أَيمنَ الهرميّ من جِلَّة فقهاءِ زَبِيدَ، كان يحفظ «المهذب» وعلي بن القاسم بن العليف الحكميّ الزَّبِيديّ صاحب «مشكلات المهذب»، يقال خَرجَ من تلامذته ستّون مدرسًا، توفي سنة 640، وتلميذه محمد بن أَبي بكر الزَّوقريّ الحطّاب الزَّبيديّ، وأَبو الخير بن منصور بن أَبي الخير الشَّماخ الزَّبِيديّ السَّعْدِيّ، سمعَ من ابن الجُمّيزيّ، وكان حَسن الضَّبْط توفي سنة 680. وابنه أَحمد سمع عليه الملك المؤيد داوود، سننَ أَبي داوود وتُوفِّيَ سنة 729 كذا في «التبصير» للحافظ.

وزَيْبُدانُ كفَيْعُلَان، بضمّ العين موضع، قال القرافيّ: في قوله بضمّ العين غِنًى عن قوله كفَيْعُلان، لأَن الباءَ عَيْن الكلمة.

وزَبَادٌ كسَحاب: طِيبٌ معروف مفرد يَتوَلّد من السِّنَّورِ الآتي ذِكْرُه وغَلِطَ الفقهاءُ واللُّغوِيُّون في قولهم: الزَّبَاد دَابَّة يُحْلَب منها الطِّيب، قال القَرافيّ: ولك أَن تقول إِنما سَمَّوا الدَّابّة باسم ما يَحْصل منها ومثْلُ ذلك لا يُعَدّ غَلَطًا، وإِنّمَا هو مَجَاز، علاقَتُه المجاورةُ، كما في قوله تعالى: {فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَبًا} انتهى.

قلت: وقد وقع التعبير بهذا في كلام الثِّقَات، كالزمخشريّ وأَضرابِه من أَئمّة اللِّسَان، وقال ابنُ أَبي الحَدِيد في «شرح نهج البلاغَة»: قال الزَّمَخْشَرِيّ الزَّبَادُ: حِرَّةٌ. ويقال للزَّيْلَع، وهم الّذين يَحْلبون الزَّبَاد: يا زَيْلَع: يا زَيْلَع، الزَّبَادَةُ ماتتْ. فيغْضَب وإِنّمَا الدَّابَّةُ: السِّنَّوْرُ أَي البَرِّيّ، وهو كالأَهليّ، لكنه أَطولُ منه وأكبرُ جُثَّةً، وَوَبَرُه أَمْيَلُ إِلى السَّواد، ويُجْلَبُ من بلاد الهِند والحَبشة. وفي كتاب «طبائع الحيوان»: ومن السَّنانير ما يقال له الزَّبَادَةُ.

والزَّبَادُ: الطِّيبُ وهو رَشْحٌ شَبِيهٌ بالوَسَخ الأَسودِ اللَّزِجِ يَجتَمعُ تَحْتَ ذَنَبِها على المَخْرَجِ، وفي باطِنِ أَفخاذِهَا أَيضًا. كما في «عين الحياة» للدّمامينيّ فَتُمْسَكُ الدَّابّةُ وتُمْنَعُ الاضْطِرَابَ ويُسْلَتُ ذلك الوَسَخُ المُجْتَمِعُ هُنَاكَ بِلِيطَةٍ أَو مِلْعَقَة، وهو الأَكثر أَو خِرْقَة أَو دِرْهَم رقيق، وقد نَظَر القَرَافيُّ في قوله «على المخرج» بقوله: إِذ لو كان كذلك لكان مُتنجِّسًا. وفي كتاب طبائع الحيوان: وإِذا تُفُقِّدَتْ أَرفاغُه ومغابِنُه وخَواصِرُه وُجِدَ فيها رُطُوبةٌ تُحَكُّ منها فتكون لها رائحةُ المِسْكِ الزكيُّ، وهو عَزِيزُ الوُجُودِ.

وفي اللسان: الزَّبَاد: مِثْلُ السِّنَّور الصغيرِ، يُجلَب من نواحِي الهندِ، وقد يأْنس فيُقْتَنى ويُحتَلب شيئًا شبيهًا بالزُّبْد يَظْهَر على حَلَمَته بالعصْر، مثْل ما يَظهر على أُنوفِ الغِلْمَان المراهِقين، فيَجْتَمع وله رائحةٌ طَيِّبة، وهو يَقَعُ في الطِّيب.

كلّ ذلك عن أَبي حنيفَةَ.

وزَبَادُ: د، بالمَغْرِب، منه مالك ابن خَيْر الإِسكندرانيّ، قاله أَبو حاتم بن حِبَّان.

وزَبَادُ بنُ كَعْبٍ جاهليٌّ. وقال عبد الغنيّ بن سعيدٍ:

زَبَادٌ: بطْن مِن وَلدِ كَعْبِ بن حجر بن الأَسود بن الكَلَاعِ، منهم خالدُ بن عبد الله الزَّبَادِيّ.

وزَبَاد بنْتُ بسْطَام بْنِ قَيْس، وهي امرأَةُ الوَليدِ بن عبدِ الملك التي قال فيها الشاعر:

لَعَمْرُ بَنِي شَيْبَانَ إِذ يُنْكِحُونَه *** زَبَادَ لقد ما قَصَّروا بِزَبَادِ

ذكره المبرّد في «الكامل».

ومُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ زَبَادٍ المَذَارِيّ، عن عَمْرِو بن عاصم أَو زَبْدَاءَ. والثاني أَشْهَرُ، وهكذا ذَكره الحافظ في «التبصير»، نقلًا عن أَبي بكرِ بنِ خُزيمةَ. وأَحمد بن يحيَى التُّسْتَرِيّ وآخَرينَ، وقد وقع في مُسنَد البَزَّار: حدَّثنا محمّد بن زَبَادٍ عن عَمْرو بن عاصمٍ.

وأَبو الزُّبْدِ، بالضّمّ: مُحَمّد بن المُبَارَكِ بن أَبي الخَير العامِرِيُّ، هكذا ضبطَه الحافظ في «التبصير» والصاغانيُّ.

وتَزَبَّدَه ابْتَلَعَهُ ابتلاعَ الزُّبْدةِ، كقولِهِم: «حَذَّهَا حَذَّ العَيْرِ الصِّلِّيَانَةَ» أَو تَزَبَّده: أَخَذ صَفْوَتَهُ، وكلّ ما أُخِذَ خالِصُه فقد تُزُبِّد، وإِذا أَخَذَ الرَّجلُ صَفْوَ الشيْ‌ءِ قيل تَزَبَّدَه.

وعن أَبي عَمْرو: تَزَبَّدَ فُلانٌ اليَمِينَ فهو مُتَزبِّد، إِذَا حَلَفَ بها وأَسرعَ إِليها، وأَنشد:

تَزَبَّدَها حَذَّاءَ يَعْلَم أَنَّه *** هو الكاذِبُ الآتِي الأُمُورَ البَجَارِيَا

الحَذَّاءُ: اليمينُ المُنْكَرةُ.

والزَّبِدُ كَكَتِف اسم فَرَس الحَوْفَزَانِ بن شَرِيكٍ. واسم الحِوْفَزَانِ: الحارث. والزَّعْفَرَان أَيضًا له. وهو الزَّعْفَرَان بن الزَّبِدِ.

وزُبْدَة بنْت الحارِثِ، بالضّمّ، أُمّ عليٍّ أُخت بِشْر الحافِي، قُدِّس سِرُّه.

والحَسَن بْن مُحَمّد بن زُبْدَة، بالضّمّ: مُحَدِّث كُنيته أَبو عليّ القَيرَاوانيّ، عن عليّ بن مُنِير الخَلَّال.

وزَبْدُ بنُ سِنَانٍ، بالفتح فالسكون، وقال الحافظ: ومنهم من ضَبطَه بالتحتية.

وزَبَدٌ بالتحريك: اسم أُمّ وَلَدِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ، رضي ‌الله‌ عنه.

وزُبَيْدَةُ، مصغّرًا، لَقَبُ امرأَة الرَّشِيدِ الخليفةِ العباسِيّ، لنَعْمَةٍ كانت في بَدنِهَا، وهي بِنْتُ جَعْفَر بنِ المَنْصُورِ وأُمُّ الأَمِينِ محمَّدِ بن هارونَ.

وزُبَيْدة بنت إِسماعيلَ بنِ الحسنِ البغدادِيّة، أَجازَ لها أَبو الوَقْت، تُوفِّيَتْ سنة 628.

والزُّبَيْدِيَّةُ، بالضَّمِّ: بِرْكَةُ ماءٍ بطرِيقِ مَكَّةَ المشرَّفة، قُرْبَ المُغيثَة.

والزُّبَيْدِيّة: قرية، بالجِبَال، وأُخرَى بوَاسِطَ. وهي أَيضًا مَحَلَّةٌ بِبَغْدَادَ وأُخْرَى أَسْفَلَ مِنْهَا، نِسْبَةُ كلٍّ منها إِلى زُبَيْدَةَ المذكورةِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

من الأَمثال: «قد صَرَّحَ المَحْضُ عن الزَّبَدِ» في الصِّدْق يحصُل بعد الخَبَرِ المظنون.

ويقال: «ارْتَجَنَت الزُّبْدةُ» إِذا اختلَطَتْ باللَّبن، فلم تَخلُصْ منه. يُضْرَب في الأَمرِ المُشْكل لا يُهتَدَى لإِصلاحه.

وتَزَبَّدَ الإِنسانُ، إِذا غَضِبَ وظَهَر على صِمَاغَيْه زَبَدَتانِ.

وأَزْبَدَ الشَّرابُ.

ومن المجاز: زَبَّدَت المرأَةُ القُطْنَ: نَفَشَتْه وَجوَّدَتْه حتّى يَصْلُح لأَن تَغْزِلَهُ، والتَّزْبِيد: التنفيش. وكان لقاؤُك زُبْدَةَ العُمُرِ.

وزَبَّدتُه ضَرْبَةً أَو رَمْيَةً: عجَّلتُهَا له، كَأَنّي أَطعَمْتُه بها زُبْدةً. وفلانٌ يُزَابِدُ فُلانًا: يُقَارِضُه الكلامَ ويوازِرُه به.

وأَزْبدَ: اشتدَّ بَيَاضُه، وأَبيضُ مُزْبِدٌ، نَحْو يَقَقٍ، وكلُّ ذلك مَجَاز.

وزَبِيدُ، كأَمير: قَرْيَةٌ من بلاد أَفريقيَّة بساحلِ المَهْدِيَّة.

وزُبْدَان، كعُثْمَانَ: مَنزِلٌ بينَ بَعْلَبَكَّ ودِمَشْقَ، والزَّبْدَانِيّ، بفتح فسكون: نَهْرٌ من أَنهار دِمَشْقَ.

وأَبو طالبٍ يحيَى بن سعيدِ بنِ زَبَادَةَ، كسَحابَةَ: شيخُ الإِنشاءِ، مات سنة 594.

وهِبَةُ اللهِ بن محمّد بن جَرِيرٍ الزَّبَدَانِيّ، محرَّكَةً، روَى عن ابن مُلاعبٍ حُضورًا.

وإِبراهيُم بنُ عبد الله بن العَلَاءِ بن زَيْدٍ الزَّبيديّ، بفتح فسكون: محدِّث.

والمنسوب إِلى الزُّبْد المأْكول: الشَّمْسُ عليُّ بنُ سُلَيْمَانَ بن الزُّبْدِيّ البغداديّ، سَمعَ من عبد الصّمد بن أَبي الجَيْش. وتُوفِّيَ سنة 666.

والأَنجب بن أَبي مَنصورٍ الزُّبْديّ، روَى عن أَبي الحُسَينِ بنِ يوسفَ.

وأَمينُ الدِّينِ محمَّدُ بنُ عليّ بن يُوسفَ الزُّبْديّ، رَوَى عنه قُطْبُ الدِّينِ الحَلبيّ.

والزِّبْدِيَّة، بالكسر: صَحْفةٌ من خَزَف، والجمع. الزَّبادِيُّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


12-تاج العروس (عبط)

[عبط]: عَبَطَ الذَّبِيحَةَ يَعْبِطُها، من حَدِّ ضَرَبَ، عَبْطًا؛ نَحَرَهَا من غَيْرِ عِلَّةٍ من داءٍ أَو كَسْرٍ، وهي سَمِينَةٌ فَتِيَّةٌ، فهو، هكَذَا في النُّسَخِ بتَذْكِيرِ الضَّمِير عَبِيطٌ، وفي الصّحَاحِ: فهي عَبِيطَةٌ، ج: عُبُطٌ، وعِبَاطٌ، ككُتُبٍ ورِجَالٍ، ومن الأَوَّلِ قولُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ:

فتَخالَسَا نَفْسَيْهِمَا بنَوَافِذٍ *** كَنَوَافِذِ العُبُطِ الَّتِي لا تُرْقَعُ

فإِنَّهُ أَرادَ بها جَمْعَ عَبِيطٍ، وهو الَّذِي يُنْحَرُ لغَيْرِ عِلَّةٍ. فإِذا كانَ كذلِكَ كانَ خُرُوجُ الدَّمِ أَشَدَّ، وفيه وَجْهٌ آخرُ يَأْتِي بَيَانُه. ومن الثاني أَنشَدَ سِيبَوَيْه قولَ المُتَنَخّل الهُذَلِيّ:

أَبِيتُ على مَعَارِيَ وَاضِحاتٍ *** بِهِنَّ مُلَوّبٌ كَدَمِ العِبَاطِ

ويُرْوَى: «على مَعَاصِمَ».

وعَبَط فُلانٌ: غَابَ، من الغَيْبَةِ لا من الغَيْبُوبَة، عن ابن الأَعْرَابِيِّ، وهي العَبْطَةُ، وهو مَجَازٌ.

وعَبَطَت الرِّيحُ وَجْهَ الأَرْضِ: قَشَرَتْه، وهو مَجَازٌ أَيضًا.

وعَبَطَ الأَرْضَ: حَفَرَ منها مَوْضِعًا لم يُحْفَرْ قَبْل ذلِك، وهو مَجَازٌ أَيْضًا، قال المَرّارُ بنُ مُنْقِذٍ العَدَوِيُّ يَصِفُ حِمَارًا:

ظَلَّ في أَعْلَى يَفَاعٍ جاذِلًا *** يَعْبِطُ الأَرْضَ اعْتِبَاطَ المُحْتَفِرْ

وعَبَطَ الكُذِبَ عَلَيَّ: افْتَعَلَهُ، وهو مَجَازٌ أَيضًا، كاعْتَبَطَ، في الكُلِّ، يُقَال: اعْتَبَطَ البَعِيرَ: نَحَرهُ بلا عِلَّة، ونَاقَةٌ عَبِيطةٌ ومُعْتَبَطَةٌ، قال رُؤْبَةُ:

عَلَيَّ أَنْمَارٌ من اعْتِبَاطِي *** كالحَيَّةِ المُجْتَابِ بالأَرْقاطِ

واعْتَبَطَ فُلانٌ: اغتابَ.

وعَلَيْه الكَذِبَ: افْتَعَلَه صُرَاحًا من غَيْرِ عُذْرٍ.

واعْتَبَطَ الأَرْضَ: حَفَرَها، قال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:

إِذَا سَنَابِكُها أَثَرْنَ مُعْتَبَطًا *** من التُّرَابِ كَبَتْ فيها الأَعَاصِيرُ

أَراد التُرَابَ الَّذِي أَثارَتْهُ كان ذلِك في مَوْضِعٍ لم يَكُنْ فيه قَبْلُ.

ومن المَجَاز: عَبَطَ فُلانٌ نَفْسَه وبنَفْسِه في الحَرْبِ: أَلْقَاهَا فِيها غَيْرَ مُكْرَهٍ.

وعَبَطَ الِحمَارُ التُّرَابَ بحَوَافِرهِ: أَثَارَهُ، كاعْتَبَطَه، والتُّرَابُ عَبِيطٌ.

وعَبَطَ عَرَقَ الفَرَس، إِذا أَجْرَاهُ حَتَّى عَرِقَ، وهو مَجَازٌ، قال النَّابِغَةُ [الجَعْدِيُّ].

مَزَحْتَ وأَطْرافُ الكَلالِيبِ تَلْتَقِي *** وقد عَبَطَ المَاءَ الحَمِيمَ فأَسْهَلَا

وعَبَطَ الضَّرْعَ: أَدْماهُ، وهو مَجَازٌ. ومنه‌ الحَدِيثُ: «مُرِي بَنِيكِ أَنْ يُقَلِّمُوا أَظْفَارَهُم أَنْ يُوجِعُوا أَو يَعْبِطُوا ضُرُوعَ الغَنَمِ» ‌أَي لا يُشَدِّدُوا الحَلَبَ فيَعْقِرُوها ويُدْمُوها بالعَصْرِ، من العَبِيطِ، وهو الدَّمُ الطَّرِيُّ، أَو لَا يَسْتَقْصُون حَلَبَهَا حتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ بعدَ اللَّبَنِ. والمُرَادُ أَن لا يَعْبِطُوها.

وعَبَطَ الشِّيْ‌ءَ والثَّوْبَ يَعْبِطُه عَبْطًا: شَقَّهُ شَقًّا صَحِيحًا، فهو مَعْبُوطٌ وعَبِيطٌ وجَمْعُ العَبِيطِ: عُبُطٌ، بضَمَّتَيْنِ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ قولَ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

فَتَخَالَسَا نَفْسَيْهما...

إِلخ.

وقد تَقَدَّم ذِكْرُه، قال: يَعْنِي كشَقِّ الجُيُوبِ وأَطْرَافِ الأَكْمَامِ والذُّيُولِ؛ لأَنَّهَا تُرْقَعُ بعدَ العَبْطِ. كذا في النُّسَخِ، وفي بَعْضِهَا: لا تُرْقَعُ بعدَ العَبْطِ. وفي بَعْضِهَا: لا تُرْقَعُ إِلاّ بعدَ العَبْطِ. قلْتُ: ويُرْوَى: كنوافِذِ العُطُب. وهو القُطْن، وأَرادَ الثَّوْبَ من قُطْن. وقالَ أَبُو نَصْرٍ: لا أَعْرِفُ هذا، كذا في شَرْحِ الدِّيوانِ، فعَبَطَ هو بنَفْسِه يَعْبِطُ، من حَدِّ ضَرَب؛ أَي انْشَقَّ، لازِمٌ مُتَعَدّ. قال القُطَامِيُّ:

وظَلَّتْ تَعْبِط الأَيْدِي كُلُومًا *** تَمُجُّ عُرُوقُهَا عَلَقًا مُتَاعا

ومن المَجَازِ: عَبَطَت الدَّوَاهِي الرَّجُلَ، إِذا نَالَتْهُ، وزادَ اللَّيْثُ: من غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لذلِكَ.

ويُقَال: مَاتَ فُلانٌ عَبْطَةً بالفَتْحِ؛ أَي شابًّا، وقِيل: شابًّا صَحِيحًا. وفي الصّحاحِ: صِحِيحًا شَاباًّ، وأَنْشَدَ لأُمَيّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ:

مَنْ لا يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَمًا *** لِلْمَوْتِ كَأْسٌ فالمَرْءُ ذائِقُهَا

ويُرْوَى: لِلْمَوْت كَأْسٌ والمَرْءُ، وقد تَقَدَّم تَحْقِيقُه في «ك وس» وبَعْدَه:

يُوشِكُ مَنْ فَرَّ من مَنِيَّتِهِ *** في بَعْضِ غِرّاتِهِ يُوَافِقُهَا

ويُقَال أَعْبَطَه المَوْتُ واعْتَبَطَهُ، إِذا أَخَذَه شَابًّا صَحِيحًا لَيْسَت به عِلَّةٌ ولا هَرَمٌ.

ولَحْمٌ عَبِيطٌ بَيِّنُ العُبْطَةِ: سَلِيمٌ من الآفاتِ إِلاّ الكَسْر، قاله ابنُ بُزُرْج، قال: ولا يُقَال لِلَّحْم الدَّوِيِّ المَدْخُول مِن آفةٍ: عَبِيطٌ، وفي الحَدِيث: «فقَاءَتْ لَحْمًا عَبِيطًا» ‌قال ابنُ الأَثِيرِ: هو الطَّرِيُّ غير النَّضِيجِ، ومِنْهُ‌ حَدِيثُ عُمَرَ: «فَدَعَا بِلَحْمٍ عَبِيطٍ» والَّذِي في غَرِيبِ الخَطّابِيِّ ـ على اخْتلافِ نُسَخِه: «فَدَعَا بِلَحْمٍ غَلِيظ» ‌يريدُ لَحْمًا خَشِنًا عاسِيًا لا يَنْقَادُ في المَضْغِ. قال ابنُ الأَثِيرِ: وكأَنَّه أَشْبَهُ.

وفي الأَسَاسِ: يُقَالُ للجَزّارِ: أَعِبيطٌ أَمْ عارِضٌ؟ يُرَاد: أَمَنْحُورٌ عَلَى صِحَّةٍ، أَو مِنْ دَاءٍ؟.

وكذلِكَ: دَمٌ عَبِيطٌ بَيِّنُ العُبْطَة: خَالِصٌ طَرِيٌّ.

قال اللَّيْثُ: ويُقَالُ: زَعْفَرَانٌ عَبِيطٌ بَيِّنُ العُبْطَةِ، بالضَّمِّ؛ أَي طَرِيٌّ، يُشَبَّهُ بالدَّمِ العَبِيطِ.

والعَوْبَطُ، كجَوهَرٍ: الدّاهِيَةُ، جَمْعُهُ: عَوَابِطُ، قال حُمَيْدٌ الأَرْقَطُ:

بمَنْزِلٍ عَفٍّ ولم يُخَالِطِ *** مُدَنِّساتِ الرِّيَبِ العَوَابِطِ

والعَوْبَطُ: لُجَّةُ البَحْرِ، مقلوبٌ عن العَوْطَب.

* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:

العَبْطُ: أَخْذُكَ الشَّي‌ءَ طَرِيٍّا، هذا هو الأَصْلُ.

والمَعْبُوطَةُ: الشّاةُ المَذْبُوحَةُ صَحِيحَةً.

ولَحْمٌ مَعْبُوطٌ: لم يُنَبِّبْ فيه سَبُعٌ، ولم تُصِبْه عِلَّةٌ، نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ. وأَنْشَدَ للَبِيدٍ:

ولا أَضِنُّ بمَعْبُوطِ السَّنَامِ إِذا *** كانَ القُتَارُ كما يُسْتَرْوَحُ القُطُرُ

واعْتَبَطَ فُلانًا: قَتَلَه ظُلْمًا لا عَنْ قِصَاصٍ، قاله الخَطّابِيُّ، وهو مَجَازٌ. وقال الصّاغَانِيُّ: اسْتَعار الاعْتِباطَ، وهو الذَّبْحُ بغيرِ عِلَّةٍ، للقَتْلِ بغَيْر جِنَايَةٍ.

والعَبْطُ: الرِّيبَة.

وأَديمٌ عَبِيطٌ: مَشْقوقٌ.

وعَبَطَ النَّبَاتُ الأَرْضَ: شَقَّها.

والعَابِطُ: الكَذَّابُ.

واعْتَبَطَ عِرْضَه: شَتَمَه وتَنَقَّصَه، وكذلِكَ عَبَطَه، وهو مَجَازٌ وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ:

وعَبْطِهِ عِرْضِي أَوَانَ مَعْبَطِهْ

والاعْتِبَاطُ: الوَعْكُ، وقد اعْتُبِطَ، إِذا وُعِكَ.

واعْتُبِطَ: جُرِحَ.

والعَبِيطُ: الأَهْوَجُ، كالمَعْبُوطِ، ومَصْدَرُه العَبَاطَةُ، بالفَتْحِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


13-تاج العروس (موه)

[موه]: الماءُ: اسمُ جنْسٍ إفراديّ، كما قالَهُ الفاكِهِيُّ ونَقلَ ابنُ وَلَّاد في المَقْصورِ والمَمْدودِ أَنَّه جَمْعيٌّ يفرقُ بَيْنه وبينَ واحِدِهِ بالهاءِ.

وفي المُحْكَم: الماءُ والماهُ والماءَةُ واحِدٌ، وهَمْزَةُ الماءِ مُنْقَلِبَةٌ عن هاءٍ بدَلالَةِ ضُروبِ تَصَارِيفِه من التَّصغِيرِ والجَمْعِ.

وقالَ اللَّيْثُ: الماءُ مدَّتُه في الأَصْلِ زِيادَةٌ، وإِنَّما هي خلف مِن هاءٍ مَحْذُوفَة، ومِن العَرَبِ مَنْ يقولُ: ماءَةٌ كبَني تمِيمِ يعْنُونَ الرَّكِيَّةَ بمائِها، فمنهم مَنْ يَرْوِيها مَمْدودَةً ماءَةٌ، ومنهم مَنْ يقولُ هذه ماةٌ، مَقْصورٌ، وماءٌ على قياسِ شَاة وشَاء.

وقالَ الأَزْهرِيُّ: أَصْلُ الماءِ ماهٌ بوَزْنِ قاهٍ، فثَقُلَتِ الياءُ مع الساكِنِ قَبْلَها فقَلَبُوا الهاءَ مدَّةً فقالوا ماءٌ كما ترى.

وقالَ الفرَّاءُ: يُوقَفُ على المَمْدودَ بالقَصْرِ والمدِّ شَرِبْت ماءً، قالَ: وكانَ يجِبُ أَنْ تكونَ فيه ثلاثُ أَلِفاتٍ، قالَ: وسَمِعْتُ هؤلاء يَقولُونَ شَرِبْت مَيْ يا هذا، فشَبَّهُوا المَمْدودَ بالمَقْصورِ والمَقْصورَ بالمَمْدودِ؛ وأَنْشَدَ:

يا رُبَّ هَيْجا هي خَيْرٌ مِنْ دَعَهْ

فقَصَر وهو مَمْدودٌ، وشَبَّهَه بالمَقْصورِ.

* قُلْتُ: ولعلَّ الفُرْسَ من هنا أَخَذُوا تَسْمِيَة الخمر بمَيْ، معروف مَعْروفٌ؛ أَي الذي يُشْرَبُ.

وقالَ قوْمٌ: هو جَوْهَرٌ لا لَوْنَ له، وإنّما يتكيَّفُ بلَوْنٍ مَقَابِله قيلَ: والحقُّ خِلافُه، فقيلَ أَبْيَضُ، وقيلَ أَسْودُ؛ نَقَلَهُ ابنُ حَجَر المكِّيُّ في شرْحِ الهَمْزيَّة.

قالَ شيْخُنا: والعَرَبُ لا تَعْرفُ هذا ولا تَخُوضُ فيه، بل هو عنْدَهُم مِنَ الأَمْرِ المَعْروفِ الذي لا يحتاجُ إلى الشَّرْحِ.

وسُمِعَ اسْقِنِي مًا بالقَصْرِ على أَنَّ سِيْبَوَيْه قد نَفَى أَنْ يكونَ اسمٌ على حَرْفَيْن أَحَدهما التَّنْوين.

وقيلَ: أَصْلُ الماءِ مَاهٌ، والواحِدَةُ ماءَةٌ وَماهَةٌ.

وقالَ الجَوْهري: أَصْلُهُ مَوَهٌ، بالتّحْرِيكِ، الجمع: أَمْواهٌ في القلَّةِ، ومِياهٌ في الكَثْرةِ، مثْلُ جَمَلٍ وأَجْمالٍ وجِمالٍ، والذاهِبُ منه الهاءُ بدَليلِ قَوْلهم: عنْدِي مُوَيْهٌ، وإذا أَنَّثْتَه قُلْتَ ماءَةٌ مثْلُ ماعَةٍ. وفي الحدِيثِ: «كانَ موسَى، عليه‌السلام، يَغْتسلُ عنْدَ مُوَيْهٍ».

وتَصْغيرُ الماءَةِ مُوَيْهَةٌ، والنِّسْبةُ إلى الماءِ مائِيٌّ وماوِيٌّ في قَوْلِ مَنْ يقولُ عَطاوِيّ؛ كما في الصِّحاحِ.

وفي التَّهْذِيبِ: ماهِيٌّ.

* قُلْتُ: ومنه تَسْمِيَة الفُرْسِ للسَّمكِ ماهِيٌّ.

وجَزَمَ عبدُ القادِرِ البَغْدادِيّ في حاشِيَةِ الكعْبيَّةِ أَنَّه لا يقالُ ماوِيٌّ.

والماوِيَّةُ: المِرْآةُ التي يُنْظَرُ فيها، صفَةٌ غالبَةٌ، كأَنَّها نُسِبَتْ إلى الماءِ لصَفائِها حتى كأَنَّ الماءَ يَجْرِي فيها، والجمع: ماوِيٌّ؛ قالَ الشاعِرُ:

تَرَى في سَنا المَاوِيِّ بالعَصْرِ والضُّحَى *** على غَفَلاتِ الزَّيْنِ والمُتَجَمّل

وماوِيَّةُ: اسمُ امْرأَةٍ؛ قالَ طرفَةُ:

لا يَكُنْ حُبُّكِ داءً قاتِلًا *** ليس هذا مِنْكِ ماوِيَّ بِحُرّ

وقالَ الحافِظُ: ماوِيَّةُ بنْتُ أَبي أَخْزَمَ، أُمُّ جُشَم وسَعْد العجليين؛ وماوِيَّةُ بنْتُ بُرْد بنِ أَفْصَى، هي أُمُّ حارِثَةَ وسَعْدٍ وعَمْرٍو وقَشْعٍ وربيعَةَ بَني دُلْفِ بنِ جُشَم المَذْكُور.

* قُلْتُ: وماوِيَّةُ بنْتُ كَعْبٍ؛ وماوِيَّةُ امْرأَةُ حاتِمٍ الطائِيّ.

قالَ شيْخُنا: سُمِّيَت المرْأَةُ ماوِيَّةَ تَشْبيهًا لها بالمرْآةِ في صفَائِها. وقُلِبَتْ هَمْزةُ الماءِ واوًا في مثْلِه، وإِن كانَ القِياسُ قَلْبها هاء لتَشْبيهِهِ بما هَمْزَته عن ياءٍ أَو واوٍ، وشُبِّهَتِ الهاءُ بحُرُوفِ المدِّ واللِّينِ فهُمِزَتْ؛ وقيلَ: ماوِيَّة العلم على النِّساءِ مَأْخُوذٌ مِن آوَيْتَه إذا ضَمَمْتَه إِليك، فالأصْلُ مَأْوِيّة بالهَمْزِ ثم سُهِّلَتْ، فهي اسمُ مَفْعولٍ.

وماهَتِ الرَّكِيَّةُ تَماهُ وتَمُوهُ وتَمِيهُ مَوْهًا ومَيْهًا ومُؤُوهًا وماهَةً، ومَيْهَةٌ فهي مَيِّهَةٌ، ككَيِّسَةٍ، وماهَةٌ؛ عن الكِسائي، كَثُرَ ماؤُها وظَهَرَ، ولَفْظةُ تَمِيه تأْتِي بعْدَ هذا في الياءِ هناك من بابِ باعَ يَبِيعُ، وهو هنا مِن بابِ حَسِبَ يَحْسِبُ كطَاحَ يَطِيحُ وتاهَ يَتِيهُ في قَوْلِ الخلِيلِ.

وهي أَمْيَهُ مِمَّا كانتْ وأَمْوَهُ مِمَّا كانتْ.

وماهَتِ السَّفِينَةُ تَماهُ وتَمُوهُ: دَخَلَها الماءُ.

ويقالُ: حَفَرَ البِئْرَ فأَمَاهَ وأَمْوَهَ؛ أَي بَلَغَ الماءَ، وكَذلِكَ أَمْهَى، وهو مَقْلوبٌ.

ومَوَّهَ المَوْضِعُ تَمْوِيهًا: صارَ ذا ماءٍ؛ ومنه قَوْلُ ذي الرُّمَّةِ:

تَمِيميَّة نَجْدِيَّة دارُ أَهْلِها *** إِذا مَوَّهَ الصَّمَّانِ مِن سَبَلِ القَطْرِ

ومَوَّهَ القِدْرَ: أَكْثَرَ مَاءَها.

ومِن المجازِ: مَوَّهَ الخَبَرَ عليه تَمْوِيهًا إذا أَخْبَرَهُ بخِلافِ ما سأَلَه.

ومنه حدِيثٌ مُمَوَّهٌ؛ أَي مُزَخْرفٌ.

ويقالُ: التَّمْويهُ التَّلْبِيسُ؛ ومنه قيلَ للمُخادِعِ: مُمَوِّهٌ.

وقد مَوَّهَ فلانٌ باطِلَه إِذا زَيَّنَه وأَراه في صورةِ الحقِّ.

والأصْلُ فيه: مَوَّهَ الشي‌ءَ تَمْويهًا إِذا طَلاهُ بفِضَّةٍ أَو ذَهَبِ، وما تَحْتَه شَبَهٌ أَو نُحاسٌ أَو حَديدٌ. ومنه سرجٌ مُمَوَّهٌ: أَي مَطْليٌّ بذَهَبٍ أَو فِضَّةٍ.

وأَمَاهُوا أَرْكِيَتَهُمْ: أَنْبَطُوا ماءَها.

وأَماهُوا دَوابَّهُمْ: سَقَوْها. يقالُ: أَمِيهُوا دَوابَّكُم؛ نَقَلَه الزَّمَخْشريُّ.

وأَمَاهُوا حَوْضَهُم: جَمَعُوا فيه الماءَ.

وأَمَاهَ السِّكِّينَ: سَقاهُ الماءَ، وذلكَ حينَ تَسُنُّه به، وكَذلِكَ الرَّجُلُ حينَ تسْقِيه الماءَ، كما في الصِّحاحِ، كأَمَهاهُ؛ قالَ ابنُ بَرِّي في قَوْلِ امْرئِ القَيْسِ:

ثم أمْهاهُ على حَجَره

هو مَقْلوبٌ مِن أَماهَهُ، ووزْنُه أَفْلَعه.

والمَها: الحَجَرُ، مَقْلوبٌ أَيْضًا؛ وكَذلكَ المَها: ماءُ الفَحْلِ في رحِمِ النَّاقَةِ.

ومِن المجازِ: أَماهَ الشي‌ءُ: خُلِطَ ولُبِسَ، وهذا أَشْبَه أَنْ يكونَ مَوَّهَ الشَّي‌ءَ. وكذا قَوْله: أَماهَتِ السَّماءُ؛ فالصَّوابُ فيه: مَوَّهَتِ السَّماءُ؛ إِذا أَسالَتْ ماءً كثيرًا؛ كما هو نَصُّ ابنِ بُزُرْج.

ورَجُلٌ ماهُ الفُؤَادِ وماهِيُّ الفُؤَادِ: أَي جَبَانٌ كأَنَّ قلْبَهُ في ماءٍ، الأوّل عن ابنِ الأعْرابيِّ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ.

قالَ: ورُجُلٌ ماهٌ: أَي كثيرُ ماءِ القَلْبِ، كقَوْلِكَ رجُلٌ مالٌ؛ وأَنْشَدَ للأَزْرَق الباهِلِيّ:

إِنَّك يا جَهْضَمُ ماهُ القلبِ *** ضَخْمٌ عريضٌ مُجْرَئِشُّ الجَنْبِ

وأَنْشَدَه غيرُهُ: ماهِيّ القَلْبِ، والأَصْلُ مائِهُ القَلْبِ لأَنَّه مِن مُهْتُ.

أَو ماهُ القَلْبِ: بَلِيدٌ أَحْمَقُ، وهو مجازٌ.

وماهَ الرَّجُلُ: خَلَطَ في كَلامِهِ.

وقالَ كُراعٌ: ماهَ الشي‌ءَ بالشي‌ءِ مَوْهًا: خَلَطَهُ.

وأَماهَ العَطْشانَ والسِّكِّينَ: سَقاهُما الماءَ؛ أَمَّا إِماهَةُ السِّكِّين فقد تقدَّمَ قَريبًا فهو تكْرارٌ، وأَمَّا إماهَةُ الرَّجُلِ فقالَ اللّحْيانيُّ: يقالُ امْهِنِي أَي اسْقِنِي.

وما أَحْسَن قَوْلُ الجوْهرِيّ: وأَمَهْتُ الرَّجُلَ والسِّكِّينَ إِذا سَقَيْتُهما.

وأَماهَ الفَحْلُ: أَلْقَى ماءَهُ في رَحِمِ الأُنْثى، وذلكَ المَاءُ يُسَمَّى المَها بالقَلْبِ كما تقدَّمَ وسَيَأْتِي.

وأَماهَ الحافِرُ: أَنْبَطَ الماءَ، وهو أَيْضًا مع قوْلِه في السابِقِ أَمَاهُوا أَرْكِيَتَهُم تكْرارٌ.

وأَماهَتِ الأَرضُ: نَزَّتْ بالماءِ.

وفي الصِّحاحِ: ظَهَرَ فيها النَّزُّ.

وأَماهَ الدَّواةَ: صَبَّ فيها الماءَ.

ومِن المجازِ: ما أَحْسَنَ مُوهَةَ وجْهِه ومُواهَتَهُ، بضمِّهما؛ أَي ماءَهُ ورَوْنَقَهُ وتَرَقْرقَهُ، أَو حُسْنُهُ وحَلاوَتُهُ.

والماهَةُ: الجُدَرِيُّ؛ حَكَاه اللَّحْيانيُّ عن الأَسَدِيّ؛ ومنه قَوْلُهم في الدُّعاءِ آهَةٌ وماهَةٌ، وقد تقدَّمَ.

والماهُ: قَصَبَةُ البَلَدِ، فارِسِيَّةٌ؛ ومنه ماهُ البَصْرَةِ، وماهُ الكُوفَةِ.

قالَ ابنُ الأعْرابيِّ: ومنه ضُرِبَ هذا الدِّينارُ بماهِ البَصْرَةِ وماهِ فارِسَ.

قالَ الأَزْهرِيُّ: كأَنَّه مُعَرَّبٌ.

* قُلْتُ: أَصْلُ ماه بالفارِسِيَّة القمر.

والماهانُ، مُثَنَّى مَاه، الدَّيْنَوَرُ ونَهاوَنْدُ، إِحْداهُما ماهُ الكُوفَةِ، والأُخْرى ماهُ البَصْرَةِ.

* قُلْتُ: والدَّينَوَرُ مِن كُورِ الجَبَلِ، وإنَّما سُمِّيَت مَاه الكُوفَةِ لأنَّ مالَها كانَ يُحْمَل في أَعْطياتِ أَهْلِ الكُوفَةِ؛ ومنها: يَحْيَى بنُ زكريَّا الماهِيُّ عن عليِّ بنِ عبيدَةَ الرّيحانيّ. وكَذلكَ الحالُ في نَهاوَنْد، فإِنَّ مالَها كانَ يُحْمَل في أَعْطياتِ أَهْلِ البَصْرَةِ.

ومَاهُ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، لا يَنْصرفُ لمَكانِ العُجْمةِ.

وماهُ دِينارٍ: بَلَدانِ، وهو مِن الأَسْماءِ المركَّبَةِ، وكَذلكَ ماهُ آباذَ لمحلِّةٍ كَبيرَةٍ بمَرْوَ.

وماهانُ: اسمُ رجُلٍ، وهو جَدُّ عبدِ اللهِ بنِ عيسَى ابنِ ماهانَ المَاهانِيّ، نَسَبَه صاحِبُ الأغاني؛ وابْنُه محمد حَدَّثَ؛ وابن عَمِّه عليّ بن رسْتُمِ بنِ ماهانَ، منْ ولدِهِ محمدُ بنُ حامِدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عليِّ تَفَقَّه على أَبي الحَسَنِ البَيْهقِيِّ، ورَوَى عن مكِّيِّ بنِ عَبَدَان.

وقالَ ابنُ جنِّي: هو؛ أَي ماهانُ إِنْ كانَ عَربيَّا لا يحلو إِمَّا أَنْ يكونَ مِن لَفْظِ هَوَمَ أَو هَيَمَ، فَوَزْنُهُ لَعْفانُ بتقْدِيمِ اللامِ على العَيْنِ؛ أَو مِن لَفْظِ وَهَمَ فَلَفْعانُ بتقْدِيمِ الفاءِ على العَيْنِ؛ أَو مِن لَفْظِ هَمَا فَعَلْفانُ بتقْدِيمِ اللامِ على الفاءِ؛ أَو مِن وَمَهُ، لو وُجِدَ هذا التَّركيبُ في الكَلامِ، فَعَفْلانُ بتَقْدِيمِ العَيْنِ على الفاءِ؛ أَو مِن نَهَمَ فلا عافٌ؛ أَو مِن لَفْظِ المُهَيْمِنِ فعَا فالٌ؛ أَو مِن مَنَهَ، لو وُجِدَ هذا التَّركيبُ في الكَلامِ، ففالاعٌ، أَو مِن نَمَهَ فَعَالافٌ، انتَهَى كَلامُ ابنِ جنِّي؛ وهي على ثَمانِيَةِ أَوْجُهٍ.

أَو وَزْنُه فَعْلانُ، ومحلُّهُ هذا التَّرْكِيب، والألِفُ والنّونُ زائِدَتانِ إن كانتْ عربيَّةً، وإِلا فمحلُّه «م هـ ن»، وقد أَشَرْنا إِليه.

والمُوهَةُ، بالضَّمِّ: الحُسْنُ والحَلاوَةُ. يقالُ: كَلامٌ عليه مُوهَةٌ، وهو مجازٌ.

وأَيْضًا: تَرَقْرُقُ الماءِ في وَجْهِ المرْأَةِ الشابَّةِ الجَميلَةِ كالمُواهَةِ، بالضَّمِّ أَيْضًا، وقد تقدَّمَ قَرِيبًا.

ومِهْتُهُ، بالكسْرِ وبالضمِّ: أَي سَقَيْتُه الماءَ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

يُجْمَعُ الماءُ على أَمْواءٍ؛ حَكَاهُ ابنُ جنِّي؛ قالَ: أَنْشَدَني أَبو عليِّ:

وبَلْدة قالِصَة أَمْواؤُها *** تَسْتَنُّ في رَأْدِ الضُّحَى أَفْياؤُها

كأَنَّما قد رُفِعَتْ سَماؤُها

أَي مَطَرُها.

وماءُ اللَّحْمِ: الدَّمُ؛ ومنه قَوْلُ ساعِدَةَ بنِ جُؤَيَّة يَهْجُو امْرأَةً:

شَرُوبٌ لماءِ اللحمِ في كلِّ شَتْوةٍ *** وإِن لم تَجِدْ مَنْ يُنْزِلُ الدَّرَّ تَحْلُبِ

وقيلَ: عَنَى به المَرَقَ تَحْسُوه دُونَ عِيالِها، وأَرادَ: وإن لم تَجِدْ مَن يَحْلُبُ لها حَلَبَتْ هي، وحَلْبُ النِّساءِ عارٌ عنْدَ العَرَبِ.

والماوِيَّةُ: البَقَرَةُ لبَياضِها.

وماوِيَّةٌ: مَوْلاةُ شيبَةَ الحجبيّ، رَوَتْ عنها صفيَّةُ بنتُ شيبَةَ.

وأَبو ماوِيَّةَ: عن عليِّ، وعنه أَبو إِسْحاق الشَّيْبانيُّ، واخْتُلِفَ في اسْمِه فقيلَ حُرَيْثُ بنُ مالِكٍ أَو مالِكُ بنُ حُرَيْثٍ، ويقالُ: ماوِيَّةُ بنُ حُرَيْثٍ؛ وفَرَّقَ ابنُ معين بَيْنه وبينَ أَبي ماوِيَّةَ.

وقالَ أَبو سعيدٍ: شجرٌ مَوَهِيٌّ إذا كانَ مَسْقَوِيًّا، وشجرٌ جَزَوِيٌّ يشْرَبُ بعُرُوقِه ولا يُسْقَى.

ومَوَّهَ حَوْضَه تَمْويهًا: جَعَلَ فيه الماءَ.

ومَوَّهَ السَّحابُ الوَقائِعَ مِن ذلكَ.

وأَماهَتِ السَّفينةُ بمعْنَى ماهَتْ.

ومَوَّهَتِ السَّماءُ: أَسألَتْ ماءً كَثيرًا؛ عن ابنِ بُزُرْج.

والتَّمْويهُ: التَّلْبِيسُ والمُخادَعَةُ وتَزْيينُ الباطِلِ.

والمُوهَةُ، بالضمِّ: لَوْنُ الماءِ؛ عن اللّيْثِ.

ووَجْهٌ مُمَوَّهٌ: مُزَيَّنٌ بماءِ الشَّبَابِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لرُؤْبَة:

لمَّا رَأَتْني خَلَقَ المُمَوَّهِ

ومُوهَةُ الشّبابِ: حُسْنُه وصَفاؤُهُ؛ وكَذلِكَ المُوَّهَةُ، كقُبَّرَةٍ.

وهو مُوهَةُ أَهْلِ بيْتِه.

وتَمَوَّهَ المالُ للسِّمَنِ: إِذا جَرَى في لحُومِهِ الرَّبيعُ.

وتَمَوَّهَ العِنَبُ: إِذا جَرَى فيهِ اليَنْعُ وحَسُنَ لَوْنُه، أَو امْتلَأَ ماءً وتَهَيَّأَ للنّضْجِ؛ وكَذلِكَ النَّخْلُ.

وتَمَوَّهَ المَكانُ: صارَ مُمَوَّهًا بالبَقْلِ؛ وبه فُسِّرَ قَوْلُ ذي الرُّمَّةِ السَّابِق أَيْضًا.

وثَوْبُ الماءِ: الغِرْسُ الذي يكونُ على المَوْلودِ؛ قالَ الرَّاعِي:

تَشُقُّ الظئر ثَوْبَ الماءِ عنه *** بُعَيْدَ حياتِه إلا الْوَتِينا

والسَّمْنُ المائِيُّ: مَنْسوبٌ إِلى مَوَاضِع يقالُ لها مَاهُ؛ قُلِبَ الهاءُ في النَّسَبِ هَمْزةً أَو ياءً.

وماوَيْه: ماءٌ لبَني العَنْبرِ ببطْنِ فَلْج؛ أَنْشَدَ ابنُ الأعرابيِّ:

وَرَدْنَ على ماوَيْه بالأَمْسِ نِسْوةٌ *** وهُنَّ على أَزْواجِهنَّ ربُوضُ

ومُوَيَّةُ، كسُمَيَّة: تَصْغيرُ ماوِيَّة؛ ومنه قَوْلُ حاتِمِ طيِّئ يَذْكُرُ امْرأَتَه ماوِيَّةَ:

فضارَتْه مُوَيُّ ولم تَضِرْني *** ولم يَعْرَقْ مُوَيُّ لها جَبينِي

يعْنِي الكَلِمةَ العَوْراء؛ كما في الصِّحاحِ.

وماءُ السَّماءِ: لَقَبُ عامِرِ بنِ حارِثَةَ الأزْديّ، وهو أَبو عَمْرو ومُزَيقِيَا الذي خَرَجَ من اليمنِ حينَ أَحسَّ بسَيْلِ العَرِمِ، سُمِّي بذلكَ لأنَّه كانَ إِذا أَجْدَبَ قوْمُه ما نَهُمْ حتى يأْتِيَهُم الخِصْبُ، فقالوا: هو ماءُ السَّماءِ لأنَّه خَلَفٌ منه، وقيلَ لولدِهِ: بنُو ماءِ السَّماءِ، وهُم مُلُوكُ الشأمِ؛ قالَ بعضُ الأَنصارِ:

أَنا ابنُ مُزَيْقِيَا عَمْرٍو وجَدِّي *** أَبوه عامرٌ ماءُ السَّماءِ

وماءُ السَّماءِ أَيْضًا: لَقَبُ أُمِّ المُنْذِرِ بنِ امْرئِ القَيْسِ بنِ عَمْرِو بنِ عدِيِّ بنِ ربيعَةَ بنِ نَصْرٍ اللَّخْمِيّ، وهي ابْنةُ عَوْفٍ بنِ جُشَمَ بنِ النَّمرِ بنِ قاسِطٍ، سُمِّيَت بذلكَ لجمالِها؛ وقيلَ لولدِها: بنُو ماءِ السَّماءِ، وهُم مُلُوكُ العِراقِ؛ قالَ زهيرُ بنُ جنابٍ:

ولازَمْتُ المُلوكَ مِنَ الِ نَصْرٍ *** وبعدَهُمُ بني ماءِ السَّماءِ

كلُّ ذلكَ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.

وبنُو ماءِ السَّماءِ: العَرَبُ لأنَّهم يَتَّبعُونَ قَطْرَ السَّماءِ فينْزلُونَ حيثُ كانَ.

وحكَى الكِسائيُّ: باتَتِ الشَّاةُ ليلَتَها مَأْمَأْ ومَاءْ مَاءْ ومَاهْ مَاهْ، وهو حِكَايَةُ صَوْتِها.

ومِياهُ الماشِيَةِ: باليَمامَةِ لبَني وعلَةَ حُلَفاء بَني نميرٍ.

ومياه: مَوْضِعٌ في بِلادِ عُذْرَةَ قُرْبَ الشأمِ.

ووادِي المياهِ: مِن أَكْرَم ماءٍ بنَجْدٍ لبَني نفيلِ بنِ عَمْرِو ابنِ كلابٍ؛ قالَ أعْرابيٌّ؛ وقيلَ: هو مَجْنونُ لَيْلى:

أَلا لا أَرى وادِي المِياهُ يَثِيبُ *** ولا القَلْبَ عن وادِي المِياهِ يَطِيبُ

أُحبُّ هبُوطَ الوَادِيَيْن وإِنَّني *** لمسْتَهْتِر يالوَادِيَيْن غَرِيبُ

وماءُ الحياةِ: المنيُّ؛ وقيلَ: الدّمُ؛ ومِن الأَوَّل:

ماءُ الحياةِ يُصَبُّ في الأَرْحامِ

ومِن الثاني:

فإِنَّ إِراقَةَ ماءِ الحَيا *** قريةِ دونَ إِراقَة ماءِ المُحيَّا

وبَلَدٌ ماهٌ: كَثيرُ الماءِ؛ عن الزَّمَخْشريّ.

وقالَ غيرُهُ: العَيْنُ المُمَوَّهَةُ، كمعَظَّمَةٍ: هي التي فيها الظفَرَةُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


14-المصباح المنير (ءذن)

أَذِنْت لَهُ فِي كَذَا أَطْلَقْت لَهُ فِعْلَهُ وَالِاسْمُ الْإِذْنُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ إذْنًا وَكَذَا الْإِرَادَةُ

نَحْوُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأَذِنْت لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ مَأْذُونٌ لَهُ وَالْفُقَهَاءُ يَحْذِفُونَ الصِّلَةَ تَخْفِيفًا فَيَقُولُونَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ كَمَا قَالُوا مَحْجُورٌ بِحَذْفِ الصِّلَةِ وَالْأَصْلُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَأَذِنْت لِلشَّيْءِ أَذَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ اسْتَمَعْت وَأَذِنْت بِالشَّيْءِ عَلِمْت بِهِ وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ آذَنْته إيذَانًا وَتَأَذَّنْت أَعْلَمْت وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ أَعْلَمَ بِهَا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَقَوْلُهُمْ أَذَّنَ الْعَصْرُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ أُذِّنَ بِالْعَصْرِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مَعَ حَرْفِ الصِّلَةِ وَالْأَذَانُ اسْمٌ مِنْهُ وَالْفَعَالُ بِالْفَتْحِ يَأْتِي اسْمًا مِنْ فَعَّلَ بِالتَّشْدِيدِ مِثْلُ وَدَّعَ وَدَاعًا وَسَلَّمَ سَلَامًا وَكَلَّمَ كَلَامًا وَزَوَّجَ زَوَاجًا وَجَهَّزَ جَهَازًا.

وَالْأُذُنُ بِضَمَّتَيْنِ وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْجَمْعُ الْآذَانُ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يَنْصَحُ الْقَوْمَ بِطَانَةً هُوَ أُذُنُ الْقَوْمِ كَمَا يُقَالُ هُوَ عَيْنُ الْقَوْمِ.

وَاسْتَأْذَنْته فِي كَذَا طَلَبْت إذْنَهُ فَأَذِنَ لِي فِيهِ أَطْلَقَ لِي فِعْلَهُ.

وَالْمِئْذَنَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَنَارَةُ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ يَاءً وَالْجَمْعُ مَآذِنُ بِالْهَمْزَةِ عَلَى الْأَصْلِ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


15-لسان العرب (زبد)

زبد: الزُّبْدُ: زُبْدُ السمنِ قَبْلَ أَن يُسْلأَ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ زُبْدَة وَهُوَ مَا خلُص مِنَ اللَّبَنِ إِذا مُخِضَ، وزَبَدُ اللَّبَنِ: رغْوتَه.

ابْنُ سِيدَهْ: الزُّبْدُ، بِالضَّمِّ، خُلَاصَةُ اللَّبَنِ، وَاحِدَتُهُ زُبْدَة يَذْهَبُ بِذَلِكَ إِلى الطَّائِفَةِ، والزُّبْدة أَخص مِنَ الزُّبْدِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

فِيهَا عجوزٌ لَا تُساوي فَلْسا، ***لَا تأْكلُ الزُّبْدة إِلا نَهْسا

يَعْنِي أَنه لَيْسَ فِي فَمِهَا سِنٌّ فَهِيَ تَنْهَس الزُّبْدَةَ، وَالزُّبْدَةُ لَا تُنهس لأَنها أَلين مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا تَهْوِيلٌ وإِفراط، كَقَوْلِ الْآخَرِ: لَوْ تَمْضَغُ البَيْضَ إِذًا لَمْ يَنْفَلِقْ

وَقَدْ زَبَّدَ اللبنَ وزَبَدَه يَزْبِدُه زَبْدًا: أَطعمه الزُّبْدَ.

وأَزبَدَ القومُ: كثُرَ زُبْدُهم؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَكَذَلِكَ كَلُّ شيءٍ إِذا أَردت أَطعَمْتهم أَو وهَبْت لَهُمْ قُلْتَ فَعَلْتُهُمْ بِغَيْرِ أَلف، وإِذا أَردت أَن ذَلِكَ قَدْ كَثُرَ عِنْدَهُمْ قُلْتَ أَفعَلوا.

وَقَوْمٌ زَابِدُونَ: ذَوُو زُبْد، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْمٌ زَابِدُونَ كَثُرَ زُبدهم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

وتَزَبَّدَ الزُّبْدَة: أَخذها.

وَكُلُّ مَا أُخِذ خَالِصُهُ، فَقَدَ تُزُبِّد.

وإِذا أَخذ الرَّجُلُ صَفْوَ الشيءِ قِيلَ: تَزَبَّده.

وَمِنْ أَمثالهم: قَدْ صَرَّحَ المحْضُ عَنِ الزَّبَد؛ يَعْنُونَ بالزَّبَد رَغْوَةَ اللَّبَنِ.

وَالصَّرِيحُ: اللَّبَنُ الَّذِي تَحْتَهُ المحْضُ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلصِّدْقِ يَحْصُلُ بَعْدَ الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ.

وَيُقَالُ: ارتَجَنَتِ الزُّبْدَة إِذا اخْتَلَطَتْ بِاللَّبَنِ فَلَمْ تَخْلُصْ مِنْهُ؛ وإِذا خَلَصَتِ الزُّبْدَةُ فَقَدْ ذَهَبَ الِارْتِجَانُ، يُضْرَبُ هَذَا مَثَلًا للأَمر الْمُشْكِلِ لَا يُهتدى لإِصلاحه.

وزَبَدَت المرأَة سقاءَها أَي مَخَضَته حَتَّى يَخْرُجَ زُبْدُه.

وزُبَّاد اللَّبَنِ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: مَا لَا خَيْرَ فِيهِ.

والزُّبَّادُ: الزُّبْدُ.

وَقَالُوا فِي مَوْضِعِ الشدَّة: اختَلَط الخاثرُ بالزُّبَّاد أَي اخْتَلَطَ الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَالْجِيدُبِالرَّدِيءِ وَالصَّالِحُ بِالطَّالِحِ، وَذَلِكَ إِذا ارْتَجَنَ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِاخْتِلَاطِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ.

اللَّيْثُ: أَزْبَدَ الْبَحْرُ إِزبادًا فَهُوَ مُزْبِدٌ وتَزَبَّدَ الإِنسان إِذا غضِب وَظَهَرَ عَلَى صِماغَيْه زَبدَتان.

وزَبَّدَ شِدْق فُلَانٍ وتَزَبَّد بِمَعْنًى.

والزَّبَد: زَبَد الْجَمَلِ الْهَائِجِ وَهُوَ لُغامُه الأَبيض الَّذِي تَتَلَطَّخُ بِهِ مَشَافِرُهُ إِذا هَاجَ.

وَلِلْبَحْرِ زَبَد إِذا هَاجَ موجُه.

الْجَوْهَرِيُّ: الزَّبَدُ زَبَد الماءِ وَالْبَعِيرِ والفضةِ وَغَيْرِهَا، والزُّبْدة أَخص مِنْهُ، تَقُولُ: أَزبَد الشرابُ.

وبَحْرٌ مُزْبِدٌ أَي مَائِجٍ يَقْذِفُ بالزَّبَد، وزَبَدُ الماءِ والجِرَّةِ واللُّعاب: طُفاوتُه وقَذاه، وَالْجَمْعُ أَزْباد.

والزَّبْدة: الطَّائِفَةُ مِنْهُ.

وزَبَد وأَزْبَدَ وتَزَبَّدَ: دَفَعَ بزَبَدِه.

وزَبَدَه يَزْبِدُه زَبْدًا: أَعطاه وَرَضَخَ لَهُ مِنْ مَالٍ.

والزَّبْدُ، بِسُكُونِ الباءِ: الرِّفْد وَالْعَطَاءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَهدى إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، هَدِيَّةً فردَّها وَقَالَ: إِنا لَا نَقْبَلُ زَبْد المشركين»أَي رِفْدَهم.

الأَصمعي: يُقَالُ زَبَدْتُ فُلَانًا أَزْبِدُه، بِالْكَسْرِ، زَبْدًا إِذا أَعطيته، فَإِنْ أَعطيته زُبدًا قُلَتَ: أَزبُدُه زَبْدًا، بِضَمِّ الباءِ، مِنْ أَزْبُده أَي أَطعمته الزُّبْد؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخًا لأَنه قَدْ قَبِلَ هَدِيَّةَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَهدى لَهُ الْمُقَوْقِسُ مارِيَة وَالْبَغْلَةَ، وأَهدى لَهُ أُكَيْدِرُ دومةَ فَقَبِلَ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: إِنما ردَّ هَدِيَّتَهُ لِيَغِيظَه بِرَدِّهَا فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الإِسلام، وَقِيلَ: رَدَّهَا لأَن لِلْهَدِيَّةِ مَوْضِعًا مِنَ الْقَلْبِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَن يَمِيلَ إِليه بِقَلْبِهِ فَرَدَّهَا قَطْعًا لِسَبَبِ الْمَيْلِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا لِقَبُولِ هَدِيَّةِ النَّجَاشِيِّ وأُكيدر دَوْمَةَ وَالْمُقَوْقِسِ لأَنهم أَهل كِتَابٍ.

والزَّبْدُ: العَونُ والرِّفْد.

أَبو عَمْرٍو: تَزَبَّدَ فُلَانٌ يَمِينًا فَهُوَ مُتَزَبِّد إِذا حَلَفَ بِهَا وأَسرع إِليها؛ وأَنشد:

تَزَبَّدَها حَذَّاءَ، يَعلم أَنه ***هُوَ الكاذبُ الْآتِي الأُمور البُجاريا

الحذَّاءُ: الْيَمِينُ المنكرة.

وتَزَبَّدَها: ابْتَلَعَهَا ابْتِلَاعَ الزُّبْدَة، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ جَذَّها جَذَّ العَير الصِّلِّيانة.

والزُّبَّاد: نَبْتٌ مَعْرُوفٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والزُّبَّادُ والزُّبَّادى والزُّباد كُلُّهُ نَبَاتٌ سُهْلي لَهُ وَرَقٌ عِرَاضٌ وسِنْفَة، وَقَدْ يَنْبُتُ فِي الجَلَدَ يأْكله النَّاسُ وَهُوَ طَيِّبٌ؛ وَقَالَ أَبو حَنَيِفَةَ: لَهُ وَرَقٌ صَغِيرٌ مُنْقَبِضٌ غُبر مِثْلُ وَرَقِ المَرْزَنْجُوش تَنْفَرِشُ أَفنانه.

قَالَ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الزُّبَّادُ مِنَ الأَحرار.

وَقَدْ زَبَّد القَتادُ وأَزبَد: نَدَرت خُوصتُه وَاشْتَدَّ عُوده وَاتَّصَلَتْ بَشَرته وأَثمر.

قَالَ أَعرابي: تَرَكْتُ الأَرض مُخْضَرَّةً كأَنها حُوَلاءُ بِهَا فَصِيصَة رَقْطاء وعَرْفَجَة خاصِبة وقَتادة مُزْبِدَة وَعَوْسَجٌ كأَنه النَّعَامُ مِنْ سَوَادِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفَسَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ.

وأَزْبَدَ السِّدرُ أَي نوَّر.

وتَزْبيدُ الْقُطْنِ: تَنْفِيشُهُ.

وزَبَّدت المرأَة القطنَ: نَفَشَتْهُ وجوَّدته حَتَّى يَصْلُحَ لأَن تَغْزِلَهُ.

والزَّباد: مِثْلُ السِّنَّوْر.

الصَّغِيرِ يُجْلَبُ مِنْ نَوَاحِي الْهِنْدِ وَقَدْ يأْنس فَيُقْتَنَى وَيُحْتَلَبُ شَيْئًا شَبِيهًا بالزُّبْد، يَظْهَرُ عَلَى حَلَمَتِهِ بِالْعَصْرِ مِثْلَ مَا يَظْهَرُ عَلَى أُنوف الْغِلْمَانِ الْمُرَاهِقِينَ فَيَجْتَمِعُ، وَلَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَهُوَ يَقَعُ فِي الطِّيبِ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

وزُبَيْدة: لَقَبُ امرأَة قِيلَ لَهَا زُبَيْدة لِنِعْمَةٍ كَانَتْ فِي بَدَنِهَا وَهِيَ أُم الأَمين محمد بن هرون، وَقَدْ سَمَّتْ زُبَيْدًا وزابِدًا ومُزَبِّدًا وزَبْدًا.

التَّهْذِيبِ: وزُبَيْدُ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ.

وزُبَيد، بِالضَّمِّ: بَطْنٌ مِنْ مَذْحِج رَهْطُ عَمْرِو بْنِ معديكرب الزُّبَيدي.

وزَبِيدُ، بِفَتْحِ الزَّايِ: مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ.

وزَبْيَدان: مَوْضِعٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


16-لسان العرب (عبط)

عبط: عَبَطَ الذَّبِيحةَ يَعْبِطُها عَبْطًا واعْتَبَطَها اعْتِباطًا: نَحَرَها مِنْ غَيْرِ دَاءٍ وَلَا كَسْرٍ وَهِيَ سَمينة فَتِيَّةٌ، وَهُوَ العَبْطُ، وَنَاقَةٌ عَبِيطةٌ ومُعْتَبَطةٌ وَلَحْمُهَا عَبِيط، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ وَالْبَقَرَةُ، وَعَمَّ الأَزهريّ فَقَالَ: يُقَالُ لِلدَّابَّةِ عَبِيطةٌ ومُعْتَبَطةٌ، وَالْجَمْعُ عُبُطٌ وعِباطٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:

أَبِيتُ عَلَى مَعاريَ واضِحاتٍ، ***بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كَدَمِ العِباطِ

وَقَالَ ابْنُ بُزُرْجَ: العَبِيطُ مِنْ كُلِّ اللَّحْمِ وَذَلِكَ مَا كَانَ سَلِيمًا مِنَ الْآفَاتِ إِلا الْكَسْرَ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلَحْمِ الدَّوِي المدخُولِ مِنْ آفةٍ عَبِيطٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَقاءتْ لَحمًا عَبِيطًا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَبِيطُ الطَّرِيُّ غَيْرُ النَّضِيج.

وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ: فَدَعا بِلحْم عَبيط "أَي طَرِيٍّ غَيْرِ نَضيج؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالَّذِي جاءَ فِي غَرِيبِ الخطَّابي عَلَى اخْتِلَافِ نُسَخِهِ: " فَدَعَا بِلَحْمٍ غَلِيظ، بِالْغَيْنِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، يُرِيدُ لَحْمًا خَشِنًا عاسِيًا لَا يَنْقادُ فِي المَضْغِ، قَالَ: وكأَنه أَشْبه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مُرِي بَنِيكَ لَا يَعْبِطُوا ضُروعَ الْغَنَمِ»أَي لَا يُشَدِّدوا الحلَب فيَعْقرُوها ويُدْمُوها بِالْعَصْرِ، مِنَ العَبِيط وَهُوَ الدَّمُ الطَّرِيُّ، أَو لَا يَسْتَقْصُوا حَلْبَهَا حَتَّى يخرُج الدمُ بَعْدَ اللَّبَنِ، وَالْمُرَادُ أَن لَا يَعْبِطوها فحَذف أَن وأَعملها مُضمرة، وَهُوَ قَلِيلٌ، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ لَا نَاهِيَةً بَعْدَ أَمر فَحَذَفَ النُّونَ لِلنَّهْيِ.

وَمَاتَ عَبْطةً أَي شَابًّا، وَقِيلَ: شَابًّا صَحِيحًا؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي الصلْت:

مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَمًا؛ ***لِلْمَوت كأْسٌ، وَالْمَرْءُ ذائقُها

وَفِي حَدِيثُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ: مَعْبُوطة نفْسُها أَي مَذْبُوحَةٌ وَهِيَ شابّةٌ صَحِيحَةٌ.

وأَعْبَطَه الموتُ واعْتَبَطَه عَلَى المثَل.

وَلَحْمٌ عَبِيطٌ بيِّن العُبْطةِ: طَرِيٌّ، وَكَذَلِكَ الدمُ وَالزَّعْفَرَانُ؛ قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ لَحْمٌ عَبِيطٌ ومَعْبُوطٌ إِذا كَانَ طَرِيًّا لَمْ يُنَيِّبْ فِيهِ سَبْعٌ وَلَمْ تُصِبه عِلة؛ قَالَ لَبِيَدٌ:

وَلَا أَضَنُّ بِمَعْبُوطِ السَّنامِ، إِذا ***كَانَ القُتارُ كَمَا يُسْتَرْوَحُ القُطُر

قَالَ اللَّيْثُ: وَيُقَالُ زَعْفران عَبِيط يُشبَّه بِالدَّمِ العَبِيط.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتلًا فإِنه قَوَدٌ، » أَي قَتَله بِلَا جِناية كَانَتْ مِنْهُ وَلَا جَرِيرَةٍ تُوجِب قَتْلَهُ، فإِنَّ الْقَاتِلَ يُقاد بِهِ وَيُقْتَلُ.

وكلُّ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ عِلَّةٍ، فَقَدِ اعْتُبِطَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَن قَتَلَ مُؤْمِنًا فاعتبَط بقتْلِه لَمْ يَقبل اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عدْلًا»؛ هَكَذَا جَاءَ الحديثُ فِي سُنَن أَبي دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: قَالَ خَالِدُ بْنُ دهْقان، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ: سأَلت يَحْيَى بْنَ يَحْيَى الغَسّاني عَنْ قَوْلِهِ اعتبَط بِقَتْلِهِ، قَالَ: الَّذِينَ يُقاتَلون فِي الفِتْنة فَيَرَى أَنه عَلَى هُدى لَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَدُلُّ عَلَى أَنه مِنَ الغِبْطةِ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الفرَح والسُّرُور وحُسْن الْحَالِ لأَن القاتِل يَفْرَح بِقَتْل خَصْمِهِ، فإِذا كَانَ الْمَقْتُولُ مُؤْمِنًا وَفَرِحَ بِقَتْلِهِ دَخَلَ فِي هَذَا الْوَعِيدِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السنَن وشَرَح هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: اعْتَبَطَ قَتْلَه أَي قَتَله ظُلْمًا لَا عَنْ قَصَاصٍ.

وعَبَطَ فُلَانٌ بنَفْسِه فِي الْحَرْبِ وعَبَطَها عَبْطًا: أَلقاها فِيهَا غَيْرَ مُكْرهٍ.

وعَبَطَ الأَرضَ يَعْبِطُها عَبْطًا واعْتَبَطَها: حَفَر مِنْهَا مَوْضِعًا لَمْ يُحْفَر قبلَ ذَلِكَ؛ قَالَ مَرَّارُ بْنُ مُنْقِذ الْعَدَوِيُّ:

ظَلَّ فِي أَعْلى يَفاعٍ جاذِلًا، ***يَعْبِطُ الأَرضَ اعْتِباطَ المُحْتَفِرْ

وأَمّا بيتُ حُميدِ بْنُ ثَوْر:

إِذا سَنابِكُها أَثَرْنَ مُعْتَبَطًا ***مِنَ التُّرابِ، كَبَتْ فِيهَا الأَعاصِيرُ

فإِنه يُرِيدُ التُّرَابَ الَّذِي أَثارتْهُ، كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَبْلُ.

والعَبْطُ: الرّيبةُ.

والعَبْطُ: الشَّقُّ.

وعبَط الشيءَ والثوبَ يعبِطُه عبْطًا: شَقَّه صَحِيحًا، فَهُوَ مَعْبُوطٌ وعَبِيطٌ، وَالْجَمْعُ عُبُطٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فتَخالَسا نَفْسَيْهما بنَوافِذٍ، ***كنوافِذِ العُبُط الَّتِي لَا تُرْقَعُ

يَعْنِي كَشَقِّ الجُيوب وأَطراف الأَكْمام والذُّيول لأَنها لَا تُرْقَع بَعْدَ العَبْطِ.

وَثَوْبٌ عَبِيطٌ أَي مَشْقوقٌ؛ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَنشدني أَبو طَالِبٍ النَّحْوِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعَانِي لِلْفِرَّاءِ: كَنَوَافِذِ العُطُبِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُرْوَى كنوافذِ العُبُطِ، قَالَ: والعُطُبُ القُطْن والنوافِذُ الجُيوب، يعني جُيوبَ الأَقْمِصَة وأَخْراتَها لَا تُرْقَعُ، شبَّهَ سَعةَ الجِراحاتِ بِهَا، قَالَ: وَمَنْ رَوَاهَا العُبُط أَراد بِهَا جمعَ عَبيطٍ، وَهُوَ الَّذِي يُنْحَرُ لِغَيْرِ عِلَّةٍ، فإِذا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ خُروجُ الدَّمِ أَشَدَّ.

وعَبَطَ الشيءُ نَفْسُه يَعْبِطُ: انشقَّ؛ قَالَ الْقَطَّامِيُّ:

وظَلَّتْ تَعْبِطُ الأَيدي كُلُومًا، ***تَمُجُّ عُروقُها عَلَقًا مُتاعا

وعَبَطَ النباتُ الأَرضَ: شَقَّها.

والعابِطُ: الكذّابُ.

والعَبْطُ: الكَذبُ الصُّراح مِنْ غَيْرِ عُذر.

وعَبَطَ عليَّ الكذبَ يَعْبِطُه عَبْطًا "واعْتَبَطَه: افْتَعلَه، واعْتَبَطَ عِرْضَه: شتَمَه وتَنَقَّصَه.

وعَبَطَتْه الدَّواهي: نالَتْه مِنْ غَيْرِ اسْتِحقاق؛ قَالَ حُمَيْدٌ وَسَمَّاهُ الأَزهري الأُرَيْقِطَ:

بِمَنْزلٍ عَفٍّ، وَلَمْ يُخالِطِ ***مُدَنّساتِ الرِّيَبِ العَوابِطِ

والعَوْبَطُ: الدّاهِيةُ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عنها، قَالَتْ: «فَقَدَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا كَانَ يُجالِسُه فَقَالُوا: اعْتُبِطَ، فَقَالَ: قُوموا بِنَا نَعُوده»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَانُوا يُسمون الوَعْكَ اعْتِباطًا.

يُقَالُ: عَبَطَتْه الدَّوَاهِي إِذا نالَتْه.

والعَوْبَطُ: لُجَّةُ الْبَحْرِ، مَقْلُوبٌ عَنِ العَوْطَبِ.

وَيُقَالُ عَبَطَ الحِمارُ التُّرابَ بحَوافِره إِذا أَثارَه، والترابُ عَبيطٌ.

وعَبَطَتِ الرِّيحُ وجهَ الأَرضِ إِذا قَشَرَتْه.

وعَبَطْنا عَرَقَ الفرَسِ أَي أَجْرَيْناه حَتَّى عَرِقَ؛ قَالَ الجَعدِيّ: " وَقَدْ عَبَطَ الماءَ الحَمِيمَ فأَسْهَلا "عثلط: العُثَلِطُ: اللبنُ الْخَاثِرُ.

الأَصمعي: لَبَنٌ عُثَلِطٌ وعُجَلِطٌ وعُكَلِطٌ أَي ثَخِينٌ خاثِر، وأَبو عَمْرٍو مِثْلُهُ، وَهُوَ قَصْرُ عُثالِطٍ وعُجالِطٍ وعُكالِطٍ، وَقِيلَ: هُوَ المُتَكَبِّد الغَليظُ؛ وأَنشد: " أَخْرَس فِي مَخْرمه عُثالِط "عجلط: العُجَلِطُ: اللَّبَنُ الخاثِر الطَّيِّبُ، وَهُوَ مَحْذُوف مِنْ فُعالِل وَلَيْسَ فُعَلِلٌ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ بأَصل؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

كَيْفَ رأَيْتَ كُثْأَتَيْ عُجَلِطِهْ، ***وكُثْأَةَ الخامِطِ مِنْ عُكَلِطِهْ؟

كُثْأَةُ اللَّبَنِ: مَا عَلا الْمَاءَ مِنَ اللَّبَنِ الغَليظ وَبَقِيَ الْمَاءُ تَحْتَهُ صافِيًا؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:

وَلَوْ بَغى أَعْطاهُ تَيْسًا قافِطا، ***وَلَسَقاهُ لَبَنًا عُجالِطا

وَيُقَالُ لِلَّبَنِ إِذا خَثُر جَدًّا وتَكَبَّد: عُجَلِطٌ وعُجالِطٌ وعُجالِدٌ؛ وأَنشد:

إِذا اصْطَحَبْتَ رائِبًا عُجالِطا ***مِن لَبَنِ الضَأْنِ، فَلَسْتَ ساخِطا

وَقَالَ الزَّفَيان:

وَلَمْ يدَعْ مَذْقًا وَلَا عُجالِطا، ***لِشاربٍ حَزْرًا، وَلَا عُكالِطا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِمَّا جَاءَ عَلَى فُعَلِلٍ عُثَلِطٌ وعُكَلِطٌ وعُجَلِطٌ وعُمَهِجٌ: اللَّبَنُ الخاثِرُ، والهُدَبِدُ: الشَّبْكرةُ فِي الْعَيْنِ، وَلَيْلٌ عُكمِسٌ: شَدِيدُ الظُّلمةِ، وإِبل عُكَمِسٌ أَي كَثِيرَةٌ، ودِرْع دُلَمِصٌ أَي بَرّاقةٌ، وقِدْرٌ خُزَخِزٌ أَي كَبِيرَةٌ، وأَكل الذئبُ مِنَ الشَّاةِ الحُدَلِقَ، وماءٌ زُوَزِمٌ: بَيْنَ الْمِلْحِ وَالْعَذْبِ، ودُوَدِمٌ: شَيْءٌ يُشْبِهُ الدَّمَ يخرُجُ مِنَ السَّمُرة يَجْعَلُهُ النساء في الطِّرارِ، قَالَ: وَجَاءَ فَعَلُلٌ مِثَالٌ وَاحِدٌ عَرَتُنٌ مَحْذُوفٌ مِنْ عَرَنْتُنٍ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


17-لسان العرب (موه)

موه: الماءُ والماهُ والماءةُ: مَعْرُوفٌ.

ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى بَعْضُهُمُ اسْقِني مًا، مَقْصُورٌ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ قَدْ نَفَى أَن يَكُونُ اسمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ أَحدهما التَّنْوِينُ، وهمزةُ ماءٍ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ هَاءٍ بِدَلَالَةِ ضُروبِ تَصَارِيفِهِ، عَلَى مَا أَذكره الْآنَ مِنْ جَمْعِه وَتَصْغِيرِهِ، فَإِنَّ تَصْغِيرَهُ مُوَيْه، وجمعُ الماءِ أَمواهٌ ومِياهٌ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي فِي جَمْعِهِ أَمْواء؛ قَالَ أَنشدني أَبو عَلِيٍّ:

وبَلْدة قالِصة أَمْواؤُها، ***تَسْتَنُّ فِي رَأْدِ الضُّحَى أَفْياؤُها،

كأَنَّما قَدْ رُفِعَتْ سَماؤُها أَي مطرُها.

وأَصل الْمَاءِ ماهٌ، وَالْوَاحِدَةُ ماهةٌ وماءةٌ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الماءُ الَّذِي يُشْرَب وَالْهَمْزَةُ فِيهِ مُبَدَّلَةٌ مِنَ الْهَاءِ، وَفِي مَوْضِعِ اللَّامِ، وأَصلُه مَوَهٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه يُجْمَعُ عَلَى أَمْواه فِي القِلَّة ومِياهٍ فِي الْكَثْرَةِ مِثْلُ جَمَلٍ وأَجْمالٍ وجِمالٍ، والذاهبُ مِنْهُ الهاءُ، لأَن تَصْغِيرَهُ مُوَيْه، وَإِذَا أَنَّثْتَه قلتَ ماءَة مِثْلُ ماعةٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « كَانَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يغْتَسِلُ عِنْدَ مُوَيْهٍ »؛ هُوَ تَصْغِيرُ مَاءٍ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: أَصل الْمَاءِ مَوَهٌ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: الماءُ مدَّتُه فِي الأَصل زِيَادَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ خَلَفٌ مِنْ هاءٍ مَحْذُوفَةٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَن تصغيرَه مُوَيْهٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ مَاءَةٌ كَبَنِي تَمِيمٍ يعْنُون الرَّكِيَّةَ بِمَائِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيها ممدوةً مَاءَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ ماةٌ مَقْصُورَةٌ، وماءٌ كَثِيرٌ عَلَى قياسِ شَاةٍ وَشَاءَ.

وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَصلُ الْمَاءِ ماهٌ بِوَزْنِ قاهٍ، فثَقُلَت الْهَاءُ مَعَ السَّاكِنِ قَبْلَهَا فَقَلَبُوا الْهَاءَ مدَّةً، فَقَالُوا مَاءً كَمَا تَرَى: قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَن الأَصل فِيهِ الْهَاءُ قَوْلُهُمْ أَماهَ فلانٌ رَكِيَّتَه، وَقَدْ ماهَتِ الرَّكِيَّةُ، وَهَذِهِ مُوَيْهةٌ عَذْبةٌ، وَيُجْمَعُ مِياهًا.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُوقَفُ عَلَى الْمَمْدُودِ بِالْقَصْرِ والمدَّ شَرِبْت مَاءً، قَالَ: وَكَانَ يَجِبُ أَن يَكُونَ فِيهِ ثلاثُ أَلِفاتٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ شَرِبَتْ مَيْ يَا هَذَا، وَهَذِهِ بَيْ يَا هَذَا، وَهَذِهِ بَ حَسَنة، فشبَّهوا الممدودَ بِالْمَقْصُورِ والمقصورَ بِالْمَمْدُودِ؛ وأَنشد: " يَا رُبَّ هَيْجا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهْ "فقَصَر، وَهُوَ مَمْدُودٌ، وَشَبَّهَهُ بِالْمَقْصُورِ؛ وسَمَّى ساعدةُ بنُ جُؤَيَّة الدمَ ماءَ اللحمِ فَقَالَ يَهْجُو امرأَة:

شَرُوبٌ لماءِ اللحمِ فِي كلِّ شَتْوةٍ، ***وإِن لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنْزِل الدَّرَّ تَحْلُبِ

وَقِيلَ: عَنَى بِهِ المَرَق تَحْسُوه دُونَ عِيالِها، وأَراد: وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَن يَحلُب لَهَا حَلَبتْ هِيَ، وحَلْبُ النِّسَاءِ عارٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، والنسبُ إِلَى الْمَاءِ مائِيٌّ، وماوِيٌّ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ عَطاوِيّ.

وَفِي التَّهْذِيبِ: وَالنِّسْبَةُ إِلَى الْمَاءِ ماهِيٌّ.

الْكِسَائِيُّ: وبئرٌ ماهَةٌ ومَيِّهةٌ أَي كثيرةُ الْمَاءِ.

والماوِيَّةُ: المِرْآةُ صِفَةٌ غَالِبَةٌ.

كأَنها مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْمَاءِ لِصَفَائِهَا حَتَّى كأَنَّ الماءَ يَجْرِي فِيهَا، مَنْسُوبَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ ماوِيٌّ؛ قَالَ:

ترَى فِي سَنا الْمَاوِيِّ بالعَصْرِ والضُّحَى ***عَلَى غَفَلاتِ الزَّيْنِ والمُتَجَمّل

والماوِيَّةُ: البقرةُ لبياضِها.

وماهَتِ الرَّكِيَّةُ تَماهُ وتَموهُ وتَمِيهُ مَوْهًا ومَيْهًا ومُؤُوهًا وماهَةً ومَيْهةً، فَهِيَ مَيِّهةٌ وماهةٌ: ظَهَرَ مَاؤُهَا وَكَثُرَ، ولفظةُ تَمِيه تأْتي بعدَ هَذَا فِي الْيَاءِ هُنَاكَ مِنْ بَابِ بَاعَ يَبِيعُ، وَهُوَ هُنَا مِنْ بَابِ حَسِبَ يَحْسِبُ كطاحَ يَطِيحُ وتاهَ يَتِيهُ، فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ، وَقَدْ أَماهَتْها مادَّتُها وماهَتْها.

وحَفَر البئرَ حَتَّى أَماهَ وأَمْوَه أَي بَلَغَ الماءَ.

وأَماهَ الحافرُ أَي أَنْبَط الماءَ.

ومَوَّهَ الموضعُ: صارَ فِيهِ الماءُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

تَمِيميّة نَجْدِيّة دارُ أَهْلِها ***إِذَا مَوَّهَ الصَّمَّانُ مِن سَبَلِ القَطْرِ

وَقِيلَ: مَوَّهَ الصَّمَّانُ صَارَ مُمَوَّهًا بالبَقْل.

وَيُقَالُ: تَمَوَّهَ ثمرُ النَّخْلِ والعنبِ إِذَا امْتلأَ مَاءً وتَهَيّأَ للنُّضْجِ.

أَبو سَعِيدٍ: شجرٌ مَوَهِيٌّ إِذَا كانَ مَسْقَوِيًَّا، وَشَجَرٌ جَزَوِيٌّ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَلَا يُسْقَى.

ومَوَّهَ فلانٌ حَوْضَه تَمْوِيهًا إِذَا جَعَلَ فِيهِ الماءَ.

ومَوَّهَ السحابُ الوَقائعَ.

ورجلٌ ماهُ الفُؤادِ وَمَاهِي الفُؤادِ: جَبَانٌ كأَن قَلبه فِي مَاءٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد: " إنَّكَ يَا جَهْضَمُ مَاهِي القلبِ "قَالَ: كَذَا يُنْشِده، والأَصلُ مائِهُ القلبِ لأَنه مِن مُهْتُ.

وَرَجُلٌ ماهٌ أَي كثيرُ ماءِ الْقَلْبِ كَقَوْلِكَ رَجُلٌ مالٌ؛ وَقَالَ:

إنَّك يَا جَهْضَمُ ماهُ القلبِ، ***ضَخْمٌ عريضٌ مُجْرَئِشُّ الجَنْبِ

ماهُ القلبِ: بلِيدٌ، والمُجْرئشُّ: المنتفخُ الجَنْبَين.

وأَماهَتِ الأَرضُ: كثُر مَاؤُهَا وَظَهَرَ فِيهَا النَّزُّ.

وماهَتِ السفينةُ تَماهُ وتَموه وأَماهَتْ: دَخَلَ فِيهَا الماءُ.

وَيُقَالُ: أَماهَتِ السفينةُ بِمَعْنَى ماهَتْ.

اللِّحْيَانِيُّ: وَيُقَالُ امْهِنِي اسْقِني.

ومُهْتُ الرجلَ ومِهْتُه، بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا: سقَيْتُه الماءَ.

ومَوَّه القِدْرَ: أَكثر ماءَها.

وأَماهَ الرجلَ والسِّكِّينَ وغيرَهما: سَقاهُ الماءَ، وَذَلِكَ حينَ تَسُنُّه بِهِ.

وأَمَهْتُ الدواةَ: صَبَبْتُ فِيهَا الْمَاءَ.

ابْنُ بُزُرْج: مَوَّهَت السماءُ أَسالَتْ مَاءً كَثِيرًا.

وماهَت البئرُ وأَماهت فِي كَثْرَةِ مَائِهَا، وَهِيَ تَماهُ وتَموه إِذَا كثُر مَاؤُهَا.

وَيَقُولُونَ فِي حفْر الْبِئْرِ: أَمْهَى وأَماهَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: " ثُمَّ أَمْهاهُ عَلَى حَجَره "هُوَ مقلوبٌ مِنْ أَماهَه، وَوَزْنُهُ أَفلعه.

والمَها: الْحَجَرُ، مَقْلُوبٌ أَيضًا، وكذلكَ الْمَهَا ماءُ الْفَحْلِ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ.

وأَماهَ الفحلُ إِذَا أَلْقى ماءَه فِي رَحِم الأُنثى.

ومَوَّهَ الشيءَ: طَلاهُ بذهبٍ أَو بفضةٍ وَمَا تَحْتَ ذَلِكَ شَبَهٌ أَو نُحاسٌ أَو حديدٌ، وَمِنْهُ التَّمْوِيهُ وَهُوَ التلبيسُ، وَمِنْهُ قِيلَ للمُخادِع: مُمَوِّه.

وَقَدْ مَوَّهَ فلانٌ باطِلَه إِذَا زَيَّنه وأَراه فِي صورةِ الْحَقِّ.

ابْنُ الأَعرابي: المَيْهُ طِلاءُ السيفِ وغيرِه بِمَاءِ الذَّهَبِ؛ وأَنشد فِي نَعْتِ فَرَسٍ: " كأَنَّه مِيهَ بِهِ ماءُ الذَّهَبْ "اللَّيْثُ: المُوهةُ لونُ الْمَاءِ.

يُقَالُ: مَا أَحسن مُوهَةَ وجْهِهِ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ وَجْهٌ مُمَوَّهٌ أَي مُزَيَّنٌ بِمَاءِ الشَّباب؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " لَمَّا رَأَتْني خَلَقَ المُمَوَّهِ والمُوهةُ: تَرَقْرُقُ الْمَاءِ فِي وَجْهِ المرأَة الشَّابَّةِ.

ومُوهةُ الشبابِ: حُسْنُه وصَفاؤه.

وَيُقَالُ: عَلَيْهِ مُوهةٌ مِنْ حُسْنٍ ومُواهةٌ ومُوَّهةٌ إِذا مُنِحَه.

وتَمَوَّهَ المالُ للسِّمَنِ إِذا جَرَى فِي لحُومِه الربيعُ.

وتَمَوَّه "العنَبُ إِذا جَرَى فيهِ اليَنْعُ وحَسُنَ لَوْنُه.

وكلامٌ عَلَيْهِ مُوهةٌ أَي حُسْنٌ وحلاوةٌ، وفلانٌ مُوهةُ أَهلِ بيتِه.

ابْنُ سِيدَهْ: وثَوْبُ الْمَاءِ الغِرْسُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْمَوْلُودِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

تَشُقُّ الطَّيْرُ ثَوْبَ الْمَاءِ عَنْهُ، ***بُعَيْدَ حياتِه، إِلا الْوَتِينا

وماهَ الشيءَ بِالشَّيْءِ مَوْهًا: خَلَطَه؛ عَنْ كُرَاعٍ.

ومَوَّه عَلَيْهِ الخبرَ إِذا أَخْبَره بِخِلَافِ مَا سَأَلَه عَنْهُ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الأَسَدِيَّ: آهَة وماهَة، قَالَ: الآهَةُ الحَصْبةُ، والمَاهَةُ الجُدَرِيُّ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


18-لسان العرب (موا)

موا: المَاوِيَّة: المِرْآةُ، كأَنها نُسِبت إِلى الماءِ لصَفائها وأَن الصُّورَ تُرى فِيهَا كَمَا تُرى فِي الْمَاءِ الصَّافِي، وَالْمِيمُ أَصلية فِيهَا، وَقِيلَ: المَاوِيَّة حَجر البِلَّوْرِ، وَثَلَاثُ مَاوِيَّاتٍ، وَلَوْ تُكُلِّف مِنْهُ فِعْلٌ لَقِيلَ مُمْواةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْجَمْعُ مَأْوٍ نَادِرَةٌ حُكْمُهُ مَأَوٍ، وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي فِي جَمْعِهِ ماوِيٌّ؛ وأَنشد:

تَرَى فِي سَنى الماوِيِّ بالعَصْرِ والضُّحَى، ***عَلَى غَفَلاتِ الزَّيْنِ والمُتَجَمَّلِ

وُجُوهًا لَوَ انَّ المُدْلِجينَ اعْتَشَوْا بِها، ***صَدَعْنَ الدُّجى حتَّى تَرَى اللَّيْلَ يَنْجَلي

وَقَدْ يَكُونُ الماوِيُّ لُغَةً فِي الماوِيَّة.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: "ماوِيَّةٌ كَانَتْ فِي الأَصل مَائِيَّةً، فَقُلِبَتِ المدَّة وَاوًا فَقِيلَ مَاوِيَّةٌ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ شاوِيٌّ.

وماوِيَّة: اسْمُ امرأَة، وَهُوَ مِنْ أَسماء النِّسَاءِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

ماوِيّ، يَا رُبَّتَما غارةٍ ***شَعْواء، كاللَّذْعةِ بالمِيسَمِ

أَراد يَا ماوِيَّة فَرخَّم.

قَالَ الأَزهري: رأَيت فِي الْبَادِيَةِ عَلَى جادَّة الْبَصْرَةِ إِلى مَكَّةَ مَنْهلةً بَيْنَ حَفَرِ أَبي مُوسَى ويَنْسُوعةَ يُقَالُ لها ماوِيَّة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


19-معجم العين (عصر)

عصر: العَصْرُ: الدّهر، فإذا احتاجوا إلى تثقيله قالوا: عُصُر، وإذا سكنوا الصاد لم يقولوا

إلاّ بالفتح، كما قال

*************** وهل يَنْعَمَنْ من كان في العُصُرِ الخالي

والعصران: الليل والنهار.

قال حميد بن ثور:

ولا يَلْبِثُ العَصْرَانِ يومًا وليلةً *** إذا اختلفا أن يدركا ما تيمّما

والعَصر: العشيّ.

قال:

يروحُ بنا عمْروٌ وقد عَصَرَ العَصْرُ *** وفي الرَّوْحَةِ الأولَى الغنيمةُ والأجرُ

به سمّيت صلاة العصر، لأنّها تعصر.

والعصران: الغداة والعشيّ.

قال:

المطعم الناس اختلاف العَصْرَيْنِ *** جفان شيزى كجوابي الغربين

يعني للحدس التي يصيب فيها الغربان.

والعصارة ما تحلب من شيء تعصره.

قال العجاج:

عصارة الجزء الذي تحلبا

يعني بقية الرَّطْب في أجواف حمر الوحش التي تجزّأ بها عن الماء.

وهو العصير أيضًا.

قال:

وصار باقي الجزء من عصيره *** إلى سَرار الأرض أو قعوره

يعني العصير ما بقي من الرَّطب في بطون الأرض، ويبس ما سواه.

وكلّ شيء عُصِر ماؤه فهو عصير، بمنزلة عصير العنب حين يُعصر قبل أن يختمر.

والاعتصار أن تخرج من إنسان مالًا بغرم أو بوجه من الوجوه.

قال:

فمن واستبقى ولم يعتصر *** من فرعه مالًا ولا المكسر

مَكسِره لشيء أصله، يقول: منّ على أسيره فلم يأخذ منه مالًا من فرعه، أي: من حيث تفرّع في قومه، ولا من مكسره، أي: أصله، ألا ترى أنّك تقول للعود إذا كسَرته: إنّه لحسن المكسر فاحتاج إلى ذلك في الشّعر فوصف به أصله وفرعه.

والاعتصار أن يغصَّ الإنسان بطعام فيعتصر بالماء، وهو شربه إياه قليلًا قليلًا، قال الشاعر

لو بغير الماءِ حَلْقي شرِق *** كنتُ كالغَصَّانِ بالماء اعتصاري

أي: لو شرقت بغير الماء، فإذا شرقت بالماء فبماذا أعتصر؟ والجارية إذا حرُمت عليها الصلاة، ورأت في نفسها زيادة الشباب فقد أَعْصَرَتْ فهي مُعْصِر، بلغت عصر شبابها.

واختلفوا فقالوا: بلغت عَصْرَها وعُصُرَها وعصورَها.

قال

*************** وفنّقها المراضعُ والعصورُ

ويجمع معاصير.

قال أبو ليلى: إذا بلغت قرب حيضها، وأنشد:

جاريةٌ بِسَفَوان دارهَا *** تمشي الهُوَيْنا مائلًا خمارُها

يَنْحَلُّ من غُلْمَتِها إزارُها *** قد اعْصَرَتْ، أو قد دنا إعصارها

والمُعْصِرات: سحابات تُمْطِر.

قال الله عزّ وجلَ: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجًا.

وأعصر القوم: أُمْطِرُوا.

قال الله عزّ وجلّ: وَفِيهِ يَعْصِرُونَ.

ويقرأ يَعْصِرون، من عصير العنب.

قال أبو سعيد: يَعْصِرون: يستغلّون أَرَضِيهم، لأن الله يُغنيهم فتجيء عصارة أَرَضيهم، أي: غلّتها، لأنك إذا زرعتَ اعتصرتَ من زرعك ما رزقك الله.

والإعصار: الريح التي تثير السَّحاب.

أعصرتِ الرياح فهي مُعْصِرات، أي: مثيرات للسحاب.

والإعصار: الغبار الذي يستدير ويسطع.

وغبار العجاجة إعصار أيضا.

قال الله عز وجلّ: فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ

يعني العجاجة.

والعَصَرُ: الملجأ، والعُصْرةُ أيضًا، والمُتَعَصَّرُ والمعْتَصَرُ، وهذا خلاف ما زعم في

تفسير هذا البيت، في قوله:

وعصْفَ جارٍ هدَّ جارُ المعتَصَرْ

قالوا: أراد به كريم البلل والنَّدَى، وهو كناية عن الفعل، أي: عمل جارٍ وهدَّ جار المعتصر فهذا معني كَرُمَ، أي: أَكْرِمْ به من مُعْتَصَر، أي: أنك تعصر خيره تنظر ما عنده، كما يُعْصَر الشراب.

وقال عبد الله: هذا البيت عندي:

وعصَّ جارٍ هدَّ جارًا فاعتصر

أي: لجأ.

وقال أبو دُواد في وصف الفرس:

مِسَحٌّ لا يواري العير *** منه عَصَرُ اللِّهْبِ

قال أبو ليلى: اللِّهْب: الجبل، والعَصَرُ: الملجأ، يقول: هذا العَيْرُ إن اعتصر بالجبل لم ينج من هذا الفرس.

وقال بعضهم: يعني بالعَصَر جمع الإعصار، أي: الغبار: والعُصْرَةُ: الدِّنْيَةُ في قولك: هؤلاءِ موالينا عُصْرَةً، أي: دِنْيَةَ، دون مَنْ سواهم.

والمَعْصِرَةُ: موضع يُعْصَرُ فيه العنب.

والمِعْصار: الذي يُجْعَلُ فيه شيء يُعْصَر حتى يُتَحلَّب ماؤه.

وعَصَرْتُ الكرمَ، وعصرت العنب إذا وليته بنفسك، واعتصرت إذا عُصِرَ لك خاصة.

والعَصْرُ العطية، عَصَرَهُ عَصْرًا.

قال طرفة:

لو كان في إملاكنا واحدٌ *** يَعْصِرُنا مثل الذي تَعْصِرُ

والعرب تقول: إنّه لكريم العُصارة.

وكريم المعتَصَر، أي: كريم عند المسألة.

وكلّ شيء منعته فقد اعتصرته.

ومنه الحديث: يعتصر الوالد على ولده في ماله أي: يحبسه عنه، ويمنعه إياه.

وعَصرت الشيء حتى تحَلَّب.

قال مرار بن منقد:

وهي لو تعصر من أردانها *** عبقَ المسكِ لكادت تَنعَصِر

وبعير معصور قد عصره السّفر عصرًا.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


20-الحضارة (بانتاليكا)

بانتاليكا: pantalica.

موقع مدينة من عصر الحديد داخل سراكوز بصقلية.

واكتشف ه 5000 مقبرة صخرية تحيط بتل هناك.

وجد لها فخارأحمر محروق ومصنوع بالدولاب يرجع تاريخه لسنة 1200ق.

م.

بالعصر المسيني الأخير.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


21-الحضارة (مغرة)

مغرة: (Ochre) شكل من أشكال خامات الحديد وغالبا ماتوجد في الطبقات الرسوبية بالعصر الحجري منذ 100000سنة.

وكان يستخدم مسحوقها كصبغة ملونة لتلوين الجسم كما كان يفعل الهنود الحمر أو للزينة والزخرفة كما كان يفعل قدماء المصريين.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


22-الحضارة (فن تجريدي)

فن تجريدي: abstract art: في كهف بجنوب أفريقيا يرجع تاريخها إلي 70ألف سنة.

وهذا يدل علي أن الأفكار الحديثة نبعت منذ القدم.

وكانت قطعتان من الفن التجريدي قد تم العثور عليهما بالكهف جنوبي شاطيء (كاب تاون) المطل علي المحيط الهندي.

وهما عبارة عن قطعتين من حجارة المغرة (مغرة (إكسيد الحديد).

وقد سبق وأن وفد الفن التجريدي لفرنسا من أوروآسيا بالعصر الحجري منذ 35000 سنة.

ويرجح هذا بأنهما قد صنعا كرمزمعقد لايمكن تفسير مغزاه الغير معروف لنا.

لأن النقش في حد ذاته عبارة عن نموذج هندسي معقد.

لكن قد يكون معبرا عما كان يفهمه البشر وقتها.

وكانت أحجار المغرة المنقوشة قد جلبت من الطبقة الوسطي للعصر الحجري من منطقة كهف (بلومبوس) علي بعد 290 كم شرقي (كاب تاون).

وتم العثور علي 8000قطعة فنية من أحجار المغرة.

وأكثرها قد تم صقله لأخذ مسحوق إكسيد الحديد الذي يستخدم كصبغة ملونة..

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


23-الحضارة (كتابة زجاج)

كتابة زجاج: glass.

اكتشف الآشوريون وقدماء المصر يين صناعته ولاسيما صناعة الزجاج الملون.

ثم اكتشف الفينيقيون بلبنان طريقة النفخ.

فصنعوا بها الزجاج المفرغ في القرن الأول ق.

م.

وكان الزجاج يصنع قبل اكتشاف عملية النفخ بصب مصهوره في قوالب من الرمل.

والزجاج كالحجارة يقاوم الضغط وكالخشب هازل للحرارة.

ويتميز بأنه قابل للتشكيل والإلتحام بالمعادن ولايتآكل بسهولة.

لهذا وجدن آثار منه خلفتها الحضارات القديمة.

وقد إكتشفت صناعته بالعصر الحديدي كخبث كان يطفو فوق مصهور الحديد بالأفران.

وكان يتكون كحبيبات صنع منها الخرز والعقود والأساور التي كانت تتحلي بها النساء.

وفي معبد بني حسن بمصر توجد رسوم جدارية تظهر كيفية صنع الزجاج أيام قدماء المصريين وكل مراحل نفخ عجينته وتشكيلها أو صبه وهو في حالة السيولة كما كان يصب المعادن منذ 4000 سنة.

وكانت طيبة (مادة) أول مدينة صنعت الزجاج وانتقلت منها لبلاد فارس ثم للهند واليونان.

واكتشف الإغريق ميزة العدسات اللامة التي لوعرضت للشمس أحرقت ماتحتها وأطلق عليها العدسات الحارقة.

وقد خلفت الحضارات القدبمة أواني وأكواب وتماثيل زجاجية متقنة الصنع.

وقديما اشتهرتت سوريا وبيزنطة بصناعة الزجاج ولاسيما بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية.

وفي القرن 13برعت صناعة الزجاج بجزيرة مورانو بإيطاليا.

ثم تطورت بعدها صناعته علي أيدي الألمان.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


24-الحضارة (أفريقيا)

أفريقيا: africa أكبر ثاني قارة مساحة بعد قارة آسيا فوق الكرة الأرضية.

تتصل بآسيا عن طريق برزخ السويس بالبجر الأحمر.

ويعتقد أن البشر الأوائل إنحدروا منها حيث عاشوا بالعصر الحجري القديم وكان من سلالة الإنسان العاقل (مادة).

وهذا ما أظهرته الحفائر بشرق أفريقيا وجنوبها حيث عثر علي رماد فحم نباتي محترق وعصي وآلات حجرية حادة وجماجم وعظام لأشباه الإنسان عمرها 250 مليون سنة بمنطقة أولدفاي وحيدار بإثيوبيا وحول بحيرة فيكتوريا بأعالي النيل وسهل لاتوالي بتانزانيا.

وشهدت أفريقيا إبان العصر الحجري عدة حضارات بدائية كالحضارة السبخوية في وسط أفريقيا بأوغندة وأخدود كينيا وحضارة ستيلباي بشرق أفريقيا والحضارة القفصية بشمال أفريقيا ولاسيما بالفرزان بجنوب ليبيا والجزائر حيث عثر علي منقوشات ورسومات علي الصخور (انظر: فن ما قبل التاريخ.).

فلقد شةهدت رسومات للحيوانات كالزراف والفيلة وأفراس النهر والخرتيت والتمساح ولعض الحيوانات الصحراوية كالغزال في فزان.

كما وجدت كهوف عليها رسومات جدارية بشمال غرب أفريقيا والصحراء الكبري والصومال وشمال تنجانبقا وروديسيا.

(انظر: فن الكهوف) وانتشر الرسم والنقش علي الصخور من الشمال للجنوب بأفريقيا منذ 6500- 6000سنة ق.

م.

كما شهدت أفريقيا حضارة قدماء المصريين وهي من أكبر وأقدم الحضارات العالمية.

انظر: جنوب وشمال وشرق وغرب أفريقيا.

فن أفريقي.).

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


25-الحضارة (شبه الجزيرة العربية)

شبه الجزيرة العربية: Arabian Peninsula.

تضم حاليا عمان والبحرين والكويت وقطر والسعودية واليمن والإمارات العربية المتحدة.

في الأفلفية الثامنة ق.

م.

تحولت المناطق الرعوية في شيه الجزيرة العربية لمناطق صحراوية ز وكان البشر الأوائل قد إرتادوها ودخلوها منذ 5 آلاف سنة من ناحية الغرب.

وظهرت المستوطنات في قطربالشرق حيث عثر علي آلات صوانية وفخار من جنوب بلاد الرافدين.

وفي حوالي سنة 3100 ق.

م.

ظهرت الحبوب والبلح في أبو ظبي وظهرت ثقافات أم النار في في شبه جزيرة عمان وفي النصف الثاني من الألفية الثالثة ق.

م.

ظهرت صناعة النحاس علي نطاق واسع.

وبنهاية الألفية الثالثة كان الخليج (مادة) علي إتصال بحضارات بلاد الرفدين ووادي الهند وس.

ومنذ ينة 8000 ق.

م.

وحتي سنة 6000 ق.

م.

كانت الآلات الصوانية التي وجدت شمال ووسط شبه الجزيرة العربية لمجتمعات صيادين وجامعي ثمار.

وكانت رؤوس سهام.

وكانت الزراعة تمارس أيضا.

ومنذ سنة 6000 ق.

م.

حتي سنة 4500 ق.

م.

كان الساحل الشرقي قد إسنوطن لأول مرة وكان ينتج به الفخار.

وفي هذه الفترة كان قيائل البدو يخيمون حول منطقة الرياض وأكبرها كانت تمامة حبث كانت تعيش قرب وادي نهر موسمي ووجد به كميلت من أشكال الحجر المستدير circular stone.

وكان فخار من طراز عبيد (مادة) من بلاد الرافدين مرسوم, وقد ظهر بطول الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية حتي عمان (مادة) بالجنوب.

وكان قد جلبه صائدو الأسماك بالقوارب من جنوب العراق.

وكانوا يدهنون القوارب القصبية reed boats قرب الظهران بالقار bitumen.

و كانت تصنع من الغاب (البوص أو القصب).

وفي شرق شبه الجزيرة كانت تربية المواشي والغنم والماعز مابين سنتي 4000ق.

م.

و3000 ق.

م.

وكان العراقيون يطلقون علي هذه المنطقة الدلمون.

وعثر علي شاطيء الخليج أوان من الخزف مصنوعة محليا وتماثيل صغيرة من الحجر الجيري تشبه ماكان يصنع في بلاد الرافدين ورأس ثور من النحاس وفازات منقوشة في موقع تاروتومصنوعة من مادة الكلوريت chlorite.

وفي البحرين أكتشفت مواقع دفن بالمئات ترجع لسنتي 2400ق.

م.

و1700 ق.

م.

بالعصر البرونزي.

وكان الرجال والنساء والأطفال يوسدون فرادي ومعهم أوان خزفية وزيناتهم واسلحة وأكواب نحاسية وأوان حجرية.

وخلال سنتي 2200ق.

م.1800 ق.

م.

إزدهرت التجارة بين بلاد الرافدين والهند عبر الخليج.

وكان أهم التجارات أختام العلامات الدائرية circular stamp-seals لتي عرفت بالأختام الفارسية الممهرة بالحيوانات وتتسم بالتجريدية ز وبعضها كان عليه الثور المحدب وكتابات هندية.

وكانت مصنوعة من الحجر الناعم وكان لها نتوء مثقوب لتعليقها.

ومنذ حوالي سنة 2000 ق.

م.

إستبدلت الأختام الخليجية الفارسية بأختام دلمون Dilmun seals وكان نتوؤها أقل, ومحززة بثلاثة خطوط متوازية.

انظر: خلبج.

عمان.) شبه الجزيرة العربية: أنظر خليج.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


26-الحضارة (عصرحجري)

عصرحجري: stone Age فترة زمنية من عصر ماقبل التاريخ تطورت فيها التكنولوجيا عندما إستعمل الإنسان قديما الحجر كمادة أولية لصنع أدواته قبل ظهور المعادن.

وتختلف أزمان إستعمال الحجر حسب المناطق الجغرافية ووجود المجتمعات البشرية.

وقد بدأ العصر الحجري منذ 2، 5 مليون سنة وانتهي في بعض المناطق منذ 500 سنة وفي بعض المناطق مؤخرا.

وفي بعض المناطق المنعزلة مازالت مجتمعاتها تعتمد كثيرا علي الحجارة في صنع أدواتها لتحل محلها المصنوعات من الدول الصناعية.

ومنذ 5000سنة كان الإنسان في كل أنحاء الأرض يعيش في العصر الحجري.

ومر بالعصر الحجري عدة فترات من عصور الجليد المتعاقبة حيث كان الجليد يغطي أجزاء كبيرة من سطح الأرض والمحيطات وآخرها العضر الذي بدأ منذ 1,6 مليون سنة وانحسر منذ 10000سنة.

وهذه الحقبة يطلق عليها حقبة بليستوسينPleistocene.

بعدها تعاقبتحقبو هولوسين Holocene في أواخر العصر الجليدي منذ 10000سنة وظلت حتي اليوم.

والعصر الحجري يقسم لعدة مراحل مختلفة كل مرحلة لها نماذج من الأدوات والآلات التي كان يستخدمها الإنسان الأول وقد صنعها بيديه.

لهذا ينقسم العصر الحجري لثلاثة عصور متعاقبة هي: 1- العصر الباليوليثي Paleolithic (العصر الحجري القديم) حيث كان الإنسان صياد وجامع ثمار وصانع شفرات من الحجر.2-العصر الميزوليثي Mesolithic (العصر الحجري الوسيط) ويتميز بصنع المشغولات الحجرية اليدوية الدقيقةوالصغيرة وكانت تغرز في قطع من الخشب 3- العصر النيوليثي Neolithic (العصر الحجري الجديد) حيث كان الإنسان يزرع ويستعمل البلط من الحجر المصقول.

وكان يستعمل من قرون وعظام الوعول السهام والمناجل والحراب منذ 15000وحتي 10000سنة في نهاية عصر البلستوسين الجليدي.

فلقد شهدت البشرية ثلاثة عصور رئيسية هي العصر الحجري والعصر البرونزي والعصر الحديدي.

وكل عصر كانت له سماته الحضارية.

والعصر الحجري يتميز بإستخدام الحجر كمادة أولية لصنع الآلات.

وهذا كان منتشرا في عصر ماقبل التاريخ منذ 2,5 مليون سنة في كل أنحاء المعمورة.

وانتهي هذا العصر في بعض أجزاء من العالم منذ 5000 سنة.

وظلت بعض المجتمعات البدائية المعزولة تستخدم الحجر حتي يومنا هذا إلي أن حلت التكنولوجيا الحديثة محله.

وأثناء العصر الحجري مربالأرض عصور جليدية متعاقبة غطت معظم اليابسة والبحار.

وآخر هذه العصور إستمرت منذ 1,6 مليون سنة وحتي منذ 10000سنة والتي عرفت بحقبة بليستوسين Pleistocene Epoch (مادة).

بعدها بدأت حقبة الهولوسين Holocene Epoch واستمرت حتي يومنا.

ويقسن الأثريون العصر الحجري لعدة مراحل كل مرحلة تتسم بأنواع الآلات الحجربة وتقنبة صنعها ومراحل تطورية وحضارية للجنس البشري (انظر: إنسان).

ويقسم العصر الحجري لثلاث مراحل رئيسية هي العصر الحجري القديم (باليوثي (مادة) Paleolithic) والعصر الحجري الوسيط (ميزوليثي (مادة) Mesolithic) والعصر الحجري الحديبث (نيوايثي (مادة) Neolithic).

وهذه المراحل الثلاثة تطبق علي مراحل تطور الإنسان بعصر ماقبل التاريخ في معظم آسيا وأفريقيا وأستراليا وأوربا والأمريكتين (حيث نزوح البشر إليهما منذ ما بين20 ألف و12 ألف سنة).

انظر: شمال أمريكا).

(انظر: زمن جيولوجي.

باليوثي.

أشيبلينية.

أولدوانية.

فن ماقبل التارخ).

عصر: جيولوجي.

انظر: زمن جيولوجي.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


27-الحضارة (إنقراض جماعي)

إنقراض جماعي: mass extinction يقال من بين مئات الفرضيات عن أسباب حدوث الإنقراضات سواء الكبري أو الصغري بأنها وقعت بسبب التنافس بين الثدييات أو الأوبئة أو بسبب حساسية الأحياء للنباتات الزهرية التي تظهر حديثا أو بسبب حبوب لقاحها.

إلا أن هذه الفرضيات لاتفي بتوضيح كل أحداث وأشكال الإنقراضات التي حدثت.

لأنها وقعت لكائنات حية كانت تعيش فوق البر أو بالبحر مما يوحي بأن ثمة حادثا عرضيا قد وقع وأثر علي البيئة العالمية.

وضرب العلماء مثلا بالمذنب الذي ضرب الأرض منذ 65 مليون سنة وخلف وراء إرتطامه بشبه جزيرة ياكوتان بالمكسيك سحابة ترابية حجبت الشمس عن الأرض لمدة 6شهور مما أوقف التمثيل الضوئي للنباتات فوقها.

وماتت لهذا معظم النباتات.

فلم تجد الحيوانات ما تأكله من نباتات أو حيوانات كانت تعيش عليها.

فنفق معظمها ومن بينها الديناصورات العشبية أوآكلة اللحوم.

ولم يعش سوي الحيوانات الصغيرة الرمية كالحشرات والديدان التي أمكنها العيش علي الحيوانات النافقة أو مواد النباتات الميتة.

لهذا نجت.

لكن المعارضين لنظرية ضرب الأرض بأجسام فضائية يقولون بأن البيئة يمكنها بسهولة تخطي هذا التأثير ولاسيما وأن الحفريات في رسوبيات شرق مونتانا بشمال غرب داكوتا وعمرها 2,2مليون سنة حيث كانت تعيش هناك الديناصورات, وقد طمر ت رواسب الفيضانات الكاسحة عظام هذه الديناصورات التي أظهرت أن إندثارها كان تدريجيا خلال عدة ملايين من السنين بالعصر الطباشيري.

وقد قام العلماء بفحص قطاعات طولية في هذه الرسوبيات من أسفل لأعلي.

فوجدوا 2000 حفرية ديناصورية وكل عظمة ترجع إلي فصيلة من الديناصورات سواء أكانت آكلة للعشب أو اللحوم.

كما يقال أن من بين هذه الأسباب التي أدت إلي الإنقراضات الحماعية عوامل كوارثية كنظرية ضرب المذنبات أو بيئية كالبراكين أو العصور الجليدية أو تغير معدل الأكسجين أو الملوحة بالمحيطات او لتغير المناخ العالمي.

ورغم منطقية ومعقولية هذه الأسباب إلا أنها لا تفي ولا تقدم تأكيدات قاطعة.

لأنها فرضيات إستنتاجية أو تخمينية رغم أن هذه الأسباب ليست مؤكدة أو معلومة لدينا.

لأنه ليس من السهل قتل أحياء أو كائنات إحيائية كثيرة وعلي نطاق واسع إلا من خلال كارثة شاملة وكاسحة.

وقد إجتاح الأرض إنقراض كبيرمنذ 11 ألف سنة بسبب إستمرار العصر الجليدي الأخير الذي قضي علي ثلثي الأحياء بشمال أمريكا وبقية القارات.

وهذا العصر الجليدي لم ينحسر بعد من القطبين.

لكن ثمة أنواعا قاومت هذا الفناء الكبير ومن بينها نوع الإنسان الذي كان من الناجين وبلغ بعده لأعلي مراتبه.

فظهر الإنسان العاقل ونطوره للإنسان الحديث الصانع الماهر والمفكر.

لكن هل سينقرض نوع البشر؟.

ففد يحدث بسبب الأسباب عاليها أو بسبب الموت العشوائي أو بسبب التحول الوراثي لجنس آخر أو بسبب فقدان المعلومات الوراثية فجأة أو لأسباب بيئية غير متوقعة كالتعرض للإشعاعات النووية أو زيادة حرارة المناخ العالمي بسبب الدفيئة لنعيش في فرن كبير إسمه كوكب الأرض الملتهب حيث ترجع لسيرتها الأولي مما يقضي علي الحرث والنسل بعدها قد يبعث خلق جديد.

وقد يكون إنقراضنا بسبب التلاعب في الجينات أو لإستنساخ بشر معدلين وراثيا.

فكل شيء وارد ولاسيما والمهلكات لا حصر لها.

لأن الإنسان أكبر عابث ببيئته فوق الأرض.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


28-الحضارة (حضارات)

حضارات: civilisations.

ظهرت الحضارات والثقافات فوق الأرض منذ ظهور الإنسان الأول فوقها منذ فجر البشرية.

وشهدت الحضارة ثلاثة عصور تاريخية رئيسية هم عصر ماقبل التاريخ وعصر التاريخ والعصر الحالي عصر التاريخ الميلادي.

ولكل عصر سماته التاريخية.

لهذا قسم تاريخ البشر لثلاثة عصور تاريخية هم العصر القديم حيث ظهرت فية حضارات الإنسان القديمة منذ فجر البشر والحضارات القديمة كالسومرية والفرعونية والماياوية والهندية والصينية.

والعصر الوسيط حيث ظهرت به الحضارة الإريقية والفينيقية والرومانية والبيزمطية والإسلامية.

والعصر الحديث حيث ظهر عصر النهضة الأوربية وحتي اليوم.

لكن التاريخ الإنساني هو التاريخ منذ ظهر الإنسان علي الأرض.

لأنه سجل تاريخه فوق جدران الكهوف وأسطح الصخور.

وخلف من بعده آثاره من آلات وأوان وأسلحة.

وكان يمارس الصيد للحيوانات والأسماك وقام بالزراعة وفلاحة الأرض واكتشف النار قبل ظهور الحضارات القديمة.

والإنسان سجل تاريخه منذ باكورته فوق جدران الكهوف والصخور (انظر: فن ماقبل التاريخ).

فمن خلال الفن الكهفي والصخري عبر عن البيئة من حوله.

ودون رسوماته الجدارية بشكل واضح.

وهذه الرسومات تعتبر لونا من ألوان الكتابة التصويرية والتسجيلية.

فمن بين هذه الرسومات صور حيوانات إنقرضت ومراع إختفت وحيوانات رعوية ومائية كانت تعيش يالصحراء الكبري لشمال أفريقيا.

فهذه الرسومات رسالة من أغوار التاريخ تبين أن هذه الصحراء كانت بها المياه التي كانت تعيش بها التماسيح وأفراس النهر.

وقد ظهر أنها لم تكن منطقة غابات.

لأن الصور لم تظهر بها صور القرود.

أي أنها كانت أرضا رعوية.

والإنسان الأول بدأ في أفريقيا.

وساح في الأرض شرقا وشمالا وغريا وجنوبا.

وعبر المضايق من باب المندب لغرب آسيا.

كما عبر من مضيق بيرنج من شمال شرق آسيا لشمال غرب أمريكا.

وفي هجراته التاريخية حمل معه أدواته ومعداته وحضارته.

وكلما كان يتقدم الإنسان البدائي مكانيا كلما أخذ معه علومه وحضارته.

فالإنسان بدأ بحضارة الغابة في وسط أفريقيا ثم حضارة النهر كما في حضارة قدماء المصريين والسومريين والمكسيكيين.

فحضارة البحر والجزر كحضارة الكريتيين.

وحضارة الجليد عندما عاش الإنسان بالعصر الجليدي أو في أصقاع جليد سيبريا وآلاسكا.

وفي كل مرة كان يتكيف ويتفاعل مع بيئته.

هذا لايمكن وضع مقياس حضاري موحد لتقاس به حضارة أو نفضلها عن حضارات أخري.

لأن الحضارة تخضع لمعايير بيئية وإجتماعية ومكانية ومعيشية وحياتية وسياسية.

وهذا ماجعل حضارات قامت في أماكن منعزلة.

فالمؤثرات الحضارية لم تكن متشابهة.

وعندما نقيم الحضارات نقيمها من حيث الشكل والمظهر وليس من حيث المضمون والمحتوي الحضاري.

فكل الحضارات عبدت الشمس والقمر واتخذتهما إلهين من دون الله.

لهذا اقيمت المعابد الدينية تقربا وزلفي للآلهة وأقاموا لها التماثيل لعبادتها.

وكان المعبد مكمن القوة في نظر كل الشعوب القديمة.

لهذا كانوا يخدمونه ويقدسونه حتي في الأمريكتين أيام المايا والهنود الحمر.

وكانوا يقدمون القرابين ويذبحونها فوق المذبح به.

ولما رأوا في العالم قوي أكبر من قوتهم عبدوها كالمطر والبرق والرعد والشمس والفيضانات والنهر.

وظنوا أنها قوي حيوانية جسدوها لصنع التماثيل قربي لها.

وكان علي الكهنة تفسير هذه الغوامض المرعبة والكوارث الطبيعية المدمرة.

وكان عليهم درأها أو ردها زمنع غوائلها.

لهذا حظي الكهنة بالهيبة بين شعوبهم.

فالعقائد الدينية لهذا السبب ظهرت في باكورة حياة الإنسان البدائي.

فكان العمال يقيمون المعابد بالمكسيك ومصر والأبراج السومرية (زيقورات) والأهرامات من خلال عبادة طقوسية كانوا يؤدونها.

وكل الحضارات بدأت بالعصر الحجري حبث صنع الإنسان الأول أينما وجد آلاته وأدواته من الحجر واستخدم شظاياه في صنع الأسلحة والسكاكين أ و قطعها وشكلها وصقلها.

والملاحظ أن كل الحضارات التي ظهرت فوق الطين ظهر بها الفخار والمباني الطينية.

فهي حضارات طينية كحضارة السومريين وكل الحضارات التي وجد بها الصخور فهي حضارات صخرية ظهر بها الأواني الحجرية والمباني الحجرية كحضارة قدماء المصريين والإغريق والكريتيين.

وحضارة الإسكيمو صنعت الصنانير من العظام لصيد الأسماك لأنهم ليسوا جامعي ثمار واستخدمت الزحافات التي تجرها الكلاب فوق الجليد.

بينما في الشرق الأدني أخترعت الزحافات التي تجرها الثيران والعربات ذات العجل التي كانت تجرها الخيول.

فالبيئة أم الإختراع.

وحضارات الصخراء قد إتبعت الخياة البدوية الرعوية ولم تمارس بها الزراعة.

لأنها مناطق جافة.

لهذا كان البدو رحلا ينتقلون وراء الماء والكلأ أينما إتجهوا أوحلوا في رحلات رعوية منتظمة حسب المواسم المناخية والطقسية.

وفي دورات حياتية منتظمة ظلت لآلاف السنين.

والإسكبمو إتخذوا جلود الحيوانات لإتقاء البرد بصتع المعاطف والخيام وصنعوا السكاكين والمكاشط.

والبدو صنعوا من وبر الجمل وصوف الأغنام ملابسهم وخيامهم وكانت المناطق الزراعية تموج بالسكان عكس المناطق الصحراوية والجليدية أقل كثافة سكانية.

وفي العالم القديم والعالم الجديد واوربا تم العثور علي عصي الحفر.

وكان يحفر بها التربة وتقليبها.

وتطور بالشرق الأدني المحراث البدائي.

وكان الإنسان البدائي يعتمد علي القوة الحيوانية لعدة قرون.

فكان قدماء المصريين يجرون المحراث بالثيران.

وحضارة الشرق الأوسط قامت علي أكتاف القوة البشرية.

فارتفعت المعابد والأهرامات.

ونقل البشر حجارتها من المناجم ورفعوها.

فالإنسان الأول كان يستعمل القوة الحيوية في الأعمال والبناء وحراثة الأرض ورفع المياه.

وكانت الطواحين تدار بالعبيد والحيوانات حتي إخترع الرومان الدواليب المائبة لإدارة الطواحين بقوة المياه.

والإنسان كان هلوعا يخشي الغيب.

فكان يرعبه ندرة الماء كعنصر حياة له ولأرضه.

لهذا أقام السدود والخزانات لتوفير المياه عند الجفاف أو عند الحاجة إليها.

وشق القنوات والترع لتوصيلها لمدي أبعد لتوسيع الرقعة الزراعية لتوفير الغذاء.

وكانت الحضارات أينما وجدت, إما حضرات منعزلة جغرافيا أو حضارات ممتزجة ومتداولة.

لأنها كانت منفتحة علي الآخرين.

وغالبا كانت الحضارات المنعزلة محدودة عكس الحضارات الإندماجية, فإنها كانت تتطور وتنمو وتبتكر.

فكل الحضارات الكبري قامت من جعبة جيوشها وازدهار التجارة.

لأن القوة العسكرية تحقق الإستقرار وعدم وجود الفتن والإنقسامات الداخلية.

والإنسان في حضاراته نجده خاضعا أيضا.

للمقومات البيئية والمواد الخام التي يحتكرها أو يطوعها أو بصنعها.

وكانت القوافل تفي بالحاجة للمواد الخام.

فجلبت الحديد من آسيا الصغري والنحاس من قبرص والذهب من مصر والقصدير من إنجلترا وورق البردي حمله الفينيقيون لأثينا وروما.

وكلما تطورت المواصلات والإتصالات بين البشر كلما زادت سرعة العجلة الحضارية.

وخرج الإنسان الأول بقاربه من مصاب الأنهارإلي عرض البحار المفتوحة والبحيرات العظمي.

وكان لإختراع المجداف كقوة حركية بشرية للقارب وتوجيهه.

واستغل قوة الرياح في تسيره بإختراع الشراع.

ولعبت العجلة دورا كبيرا في تغيير الوجه الحضاري بتسيير العربات بسرعة ولمسافات بعيدة.

ولما اخترع الصفر جعل علم الجبر مقبولا ومفهوما.

وارتبطت الحرف بالدين.

فكان الحرفيون من المتصوفة والكهنة.

فمزجوا بين أعمالهم والفنون.

وهذا المزج ظهر في إبداعات العمارة الإسلامية.

لأن القبة ترمز للجمال الإلهي.

واتحدت العمارة بفن الخط العربي والزخرفة.

وهذا ما جعل المساجد السامقة في كل الدنيا ذات أساليب واحدة.

مهما إختلفت عصورها وديارها.

وتعبر عن روحانية تربط بين المساجد كلها مهما إختلفت أزمانها.

لأن فيها بساطة ونقاء.

ولعب.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com