نتائج البحث عن (بِتَمْرِ)
1-العربية المعاصرة (فطر)
فطَرَ يَفطُر، فَطْرًا، فهو فاطِر، والمفعول مَفْطور.* فطَر الحزنُ قلبَه: مزّقه، شقّه، أثّر فيه تأثيرًا عميقًا (كان منظرها يَفطُر القلب).
* فطَر الشَّيءَ: اخترعه، أوجده، أنشأه، ابتدأه (فطر الله الخلق: خلقهم- {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [قرآن] - {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [قرآن]).
فطَرَ يَفطُر، فُطورًا، فهو فاطِر، والمفعول مفطور (للمتعدِّي).
* فطَر الصَّائمُ: أكل وشرب، قطع صيامه بتناول الطعام ونحوه (فاطر في نهار رمضان).
* فطَر إصبعَ فلان: ضربها فانفطرت دمًا.
أفطرَ/أفطرَ ب/أفطرَ على يُفطر، إفطارًا، فهو مُفطِر، والمفعول مُفطَر (للمتعدِّي).
* أفطر الرَّجلُ:
1 - تناول وجبة الصباح.
2 - قطع صيامه بتناول الطعام والشراب أو أكل وشرب بعد انتهاء صيامه (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ يومًا [حديث]: الهلال).
3 - دخل في وقت الإفطار.
* أفطر الصَّائمَ: أفسد صيامه (التدخين يُفطر الصائم).
* أفطر بتمرٍ/أفطر على تمرٍ: جعله فَطُوره (*وبسُنَّة الله الرَّضيَّة تُفْطِر*).
انفطرَ ينفطر، انفطارًا، فهو مُنفطِر.
* انفطر الشَّيءُ: مُطاوع فطَرَ وفطَرَ2: انشقَّ (انفطر قلبُه حُزْنًا- {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [قرآن] - {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} [قرآن]).
تفطَّرَ يتفطَّر، تفطُّرًا، فهو مُتفطِّر.
* تفطَّرَ الشَّيءُ: تشقَّق، تصدّع (تفطّر قلبه حزنًا على صديقه- تفطّرت قدمه- {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [قرآن]).
* تفطَّر الثَّوبُ: تشقَّق من القِدَم والبِلى.
فطَّرَ يفطِّر، تفطيرًا، فهو مُفَطِّر، والمفعول مُفَطَّر.
* فطَّر فلانًا: قدم له وجبة الصَّباح أو وجبة الإفطار في رمضان (فطَّر عددًا من زملائه في رمضان طمعًا في الثواب).
* فطَّر الصَّائمَ: أفسد صيامه، جعله يُفْطر (التدخين يفطِّر الصائم- فطَّر الصَّائمَ مرضٌ ألمَّ به).
إفطار [مفرد]:
1 - مصدر أفطرَ/أفطرَ ب/أفطرَ على.
2 - طعام الصباح، أول وجبة طعام في اليوم تُؤكل في العادة صباحًا (تناول إفطاره ثم انطلق مسرعًا للعمل).
3 - طعام الصائم بعد غروب الشمس (دعا صديقه على الإفطار).
انفطار [مفرد]: مصدر انفطرَ.
* الانفطار: اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 82 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها تسع عشرة آية.
فاطِر [مفرد]:
1 - اسم فاعل من فطَرَ وفطَرَ.
2 - اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 35 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها خمسٌ وأربعون آية.
* الفاطِر: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الخالق المُوجد المُبدع على غير مثال سابق {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [قرآن].
فطايريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى فطائر: وسُهِّلت الهمزة للتخفيف: صانع الفطائر وبائعها.
فَطْر [مفرد]: جمعه فُطُور (لغير المصدر):
1 - مصدر فطَرَ.
2 - شَقٌّ، صَدْع {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [قرآن].
فُطْر [جمع]: وجمع الجمع أفطار وفُطُور، ومفرده فُطْرة: [في النبات] اسم جنس يطلق على طائفة من اللازهريّات، منها ما يؤكل، وما هو سام، وما هو طفيليّ على النبات أو الحيوان، ومنها المترمِّم، ومن أنواعه الكمأة (*) الفُطر الجلديّ: أي من أنواع الفطور التي يمكن أن تتسبَّب بمرض أو عدوى طفيليَّة جلديّة- الفُطر الطُّحْلُبيّ: أي من فطريات عديدة تشبه الطحالب كالعفن وعفن النبات- فُطْر شعاعيّ: أي من الكائنات الحيَّة العضوية الدقيقة الخيطيَّة أو العضوية الموجودة في التربة والمسبِّبة لمرض الحارش.
فِطْر [مفرد]: إفطار؛ طعام الصائم بعد غروب الشمس (فانعمْ بيوم الفِطْر عينًا إنَّه.. يومٌ أعزُّ من الزَّمان مُشَهَّر) (*) صدقة الفطر/زكاة الفطر: صدقة واجبة يقدمها المسلمون للمحتاجين بمناسبة عيد الفطر- عيد الفِطْر: العيد الذي يَعقُب صومَ رمضان.
فِطْرة [مفرد]: جمعه فِطْرات وفِطَر:
1 - خِلْقة، صفة يتَّصف بها المخلوق أول خلقه؛ صفة الإنسان الطبيعيّة (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ [حديث] - {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [قرآن]: ما ركَّزه الله في الإنسان من قدرة على معرفة الإيمان) (*) بالفِطرة: مُتَّصف بصفة أو موهبة معيَّنة منذ الولادة.
2 - [في علوم النفس] خلقة يكون عليها كلّ موجود أوّل خلقه.
* الفِطْرة السَّليمة: [في الفلسفة والتصوُّف] استعداد لإصابة الحُكم والتَّمييز بين الحق والباطل.
فُطْريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى فُطْر: (نبات فُطْريّ- يفضل البعضُ أكل الكمأة وهي نوع من الفُطْريات).
* العفن الفُطْريّ: [في الأحياء] فُطريات تتكوَّن سطحيًّا على النَّباتات والموادّ العضويَّة.
* فُطريَّات: [في النبات] فُطر؛ طائفة من اللازهريّات منها ما يُؤكل وما هو سامّ وما هو طفيليّ على النبات أو الحيوان، ومنها المترمِّم على الكائنات الميِّتة.
* علم الفطريّات: [في النبات] علم يعنى بدراسة أنواع الفطريات كالعفن والخمائر وأمراض البياض وخصائصها وحياتها.
فِطْريّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى فِطْرة: [في الأحياء] ما يخص طبيعة الكائن الحي ويصاحبه من نشأته، غريزيّ، طبيعيّ، عكسه مكتسَب (رد فعل/سلوك فِطريّ).
2 - من يتصرَّف بتلقائيَّة دون خبرة ومعرفة.
فِطْريَّة [مفرد]:
1 - مصدر صناعيّ من فِطْرة.
2 - [في الفلسفة والتصوُّف] مذهب فلسفيّ يقول بأنّ الأفكار والمبادئ جِبِلِّيَّة، موجودة في النفس قبل التعلم والتلقين.
فَطور [مفرد]:
1 - طعام الصباح (تناول فُطوره مبكرًا).
2 - طعام الصائم بعد أذان المغرب (دعاه على الفطور).
3 - تناوُل الصائم طعامه بعد غروب الشمس، وتناول طعام الصباح.
فُطور [مفرد]:
1 - مصدر فطَرَ.
2 - فَطور؛ طعام الصباح (تناول فطوره مبكرًا- تناول وجبة الفُطور).
3 - فَطور؛ طعام الصائم بعد أذان المغرب (دعاه على الفُطور).
4 - تناوُل الصائم طعامه بعد غروب الشمس، وتناول طعام الصباح.
فَطير [مفرد]: كلّ ما أعجل به قبل نضجه، خلاف الخمير (عجين/خبز فطير) (*) جِلْدٌ فَطير: لم يُلْق في الدِّباغ- رأي فطير: أُبدِيَ بلا رَوِيَّة، بديهي قُدِّم دون تمحيص- رأيه فطير ولبه مستطير- عيد الفَطير: من أعياد اليهود.
فطيرة [مفرد]: جمعه فطائر وفَطير:
1 - رُقاقة من العجين تُحشى باللحم أو الخُضر أو الفاكهة أو أيّ مكونات أخرى وتُثنى وتُخبز.
2 - ما يُعجن بالسمن أو الزيت أو نحوهما.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-المعجم الوسيط (الرَّبيكةُ)
[الرَّبيكةُ]: أقِطٌ بتمر وسمن، وربما صُبّ عليها الماءُ فشُربت.و- الماء المختلط بالطين.
و- الزُّبدة التي لا يفارقها اللبنُ.
(والجمع): رَبَائكُ.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
3-شمس العلوم (السَّخينة)
الكلمة: السَّخينة. الجذر: سخن. الوزن: فَعِيلَة.[السَّخينة]: أرقُّ من العصيدة؛ وكانت السخينة طعام قريش في الجاهلية فسمَّتها العرب سخينة، قال كعب بن مالك:
زعمتْ سَخينةُ أَنْ ستغلِبُ ربَّها *** ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ
وفي الحديث: مازح معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس التميمي فما رُئي متمازحان أوقر منهما.
قال معاوية للأحنف: ما الشيء الملفَّف في البِجاد؟ قال: هو السخينة، يا أمير المؤمنين، أراد معاوية قول الشاعر:
إِذا ما مات مَيْتٌ من تميم *** فسرَّك أن يعيش فَجِئْ بزادِ
بخبز أو بتمرٍ أو بسمنٍ *** أو الشيء الملفف في البِجاد
تراه يطوف في الآفاق حرصًا *** ليأكل رأس لقمان بن عاد
الشيء الملفف في البجاد: هو سقاء اللبن.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
4-شمس العلوم (العَرِيَّة)
الكلمة: العَرِيَّة. الجذر: عري. الوزن: فَعِيلَة.[العَرِيَّة]: يقولون: إن عشيتنا هذه لَعَرِيَّة: أي باردة.
والعَرِيَّة: الريح الباردة.
والعَرِيَّة: النخلة التي يُعَرِّيها صاحبُها رجلًا: أي يجعل له ثَمَرَها عامَها؛ وفي الحديث: «رَخَّص النبي عليه السلام في بيع العرايا».
قيل: هو أن يبتاع صاحب النخلة ثمرها من المُعَرِّي بتمرٍ لموضع حاجته، وهكذا.
قال أبو عبيد: قال: ومنه ما روي أنه كان إذا بعث الخُرّاص قال: خفِّفوا في الخرص فإن في المال العريَّةَ والوصية، وأنشد:
ولكن عرايا بالسنين الجوائح
وهذا قول أبي حنيفة ومالك في العريَّة.
وقال الشافعي: العَريَّة: بيعُ التمر على رؤوس النخل بخرصه من التمر إذا كان دون خمسة أَوْسُق، ولا يجوز إذا كان أكثر من خمسة أَوْسُق، فإن كان خمسة أَوْسُق ففيه قولان.
وقيل: العَرِيَّة: النخلة تكون للرجل وسط نخلٍ كثير لرجلٍ آخر فيتأذى صاحب النخل الكثير بدخول صاحب النخلة الواحدة، فرخَّص له أن يشتري تمر نخلته بتمرٍ لدفع الضرر.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
5-معجم متن اللغة (زقم زقمصا اللقمة)
زقم- زقمصا اللقمة: ابتلعها.و- فلان: أكل الزقوم- زبد بتمر-.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
6-معجم متن اللغة (السخينة)
السخينة: الطعام الحار: طعام رقيق يتخذ من سمن ودقيق, أو من دقيق وتمر, دون العصيدة وفوق الحساء وهي السخونة.و-: دقيق يلقى على ماء أو على لبن فيطبخ ثم يؤكل بتمر أو بحسا, وهو الحساء, والحريرة أرق منها "تاج: خ ز ر" وكانت قريش تعير بأكلها وإكثارها منها؛ وربما أطلق اسم السخينة على قريش.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
7-جمهرة اللغة (رفق رقف فرق فقر قرف قفر)
استُعمل من وجوهها؛ الرِّفْق: ضد الخُرْق، رَفَقَ يرفُق رِفْقًا فهو رفيق بكذا وكذا.وفلان رفيق بفلان ورافِق به، وهو اللطف وحُسْن الصنيع إليه.
وأرفقَه يُرفقه إرفاقًا، إذا أوصل إليه رِفْقًا.
والمِرْفَق من الإنسان والدابّة: مَوْصِل الذّراع في العَضُد.
والمِرْفَق: الأمر الرافق بك، وكذلك فُسِّر في التنزيل.
وقال البصريون: بل المِرْفَق في الوجهين جميعًا، والكوفيون يقولون: مَرْفِق الإنسان، والمِرْفَق: الأمر الرفيق بك، والجمع منهما المَرافق.
والمِرْفَقَة: التي يرتفق بها، أي يُتّكأ عليها.
وبعير مرفوق، إذا اشتكى مَرْفِقه.
والرِّفاق: حبل يشَدّ في مَرْفِق البعير إلى وظيفه، والجمع الرُّفُق.
والرُّفْقَة: القوم المترافقون في السفر، والجمع رِفاق ورُفَق.
والرَّفيق: الذي يرافقك في سَفَرك.
ومثل من أمثالهم: "الرفيق ثمّ الطريق ".
والرافِقة: موضع.
وأولى فلان فلانًا رافقةً ومَرْفِقًا، أي رِفْقًا.
والفقْر: ضدّ الغِنى، والرجل فقير، وأفقره الله إفقارًا.
وفقرت البعير أفقِره وأفقُره فَقْرًا، إذا حززت خَطْمَه ثم جعلت فيه الجَرير ليَذِلَّ بذلك، والبعير مفقور.
ويقال: إرْم الصَيْدَ فقد أفْقَرَك، أي أمكنك من فَقاره.
وفَقار الظهر: العظام المنتظمة في النّخاع التي تسمّى خرزَ الظهر، الواحدة فِقْرَة، والجمع فِقر وفَقار وفَقارة.
وأفقرتُ فلانًا ناقتي إفقارًا، إذا دفعتها إليه ليركبها ثم يردها إليك.
ويقال: رماه اللّه بفاقرة، أي بداهية تقصم فَقاره.
وفسروا قول الشاعر:
«لمّا رأى لُبَدُ النُّسورَ تطايرت***رَفَعَ القوادمَ كالفقير الأعزلِ»
أي المكسور الفَقار.
والفَقير، والجمع فُقر، وهي ركايا تحفر ثم يُنفذ بعضها إلى بعض حتى يجتمع ماؤها في رَكِيّ أو يسيح.
قال الشاعر:
«بضِراب تأذَنُ الجنُّ لـه***وطعانٍ مثل أفواه الفُقُرْ»
والفَقير: رَكِيّ معروفة.
قال الراجز:
«ما ليلةُ الفَقير إلاّ شَيطانْ *** يُدعى بها القومُ دعاءَ الصمّانْ»
وفقّرتُ للفَسيل تفقيرًا، إذا حفرت له ثم غرسته.
وفقّرت الخَرَز، إذا ثقّبته لتَنْظِمَه.
قال الشاعر:
«غَرائرُ في كِن وصَوْنٍ ونَعْمَةٍ***يحلَّين ياقوتًا وشذْرًا مفقَّـرا»
وسدَّ الله مفاقرَه، أي أغناه.
قال الشاعر:
«وإنّ الذي ساقَ الغِنى لابن عامرٍ***لَرَبّي الذي أرجو لِسَدّ مَفاقري»
والفَرْق: فَرْق الرأس.
وكلِ شيئين فصلت بينهما فقد فرَقتهما فَرْقًا، وكل ناحية منهما فرْق وفَريق.
والفِرْق: القطيع من الغنم.
وفَرَقَتِ الناقةُ، إذا ضربها المخاضُ فمرّت على وجهها حتى تنْتج حيث لا يُعرف مكانها، فهي فارق، والجمع فرَّق وفوارق.
قال الراجز:
«إعْجَلْ بغَرْبٍ مثل غَرْبِ طارق *** ومنْجَنُونٍ كالأتانِ الفارقِ»
المَنْجَنُون: المَحالة الكبيرة التي يسنى عليها، غير مهموز.
وقال الآخر:
«له فُرَّق منه ينتَّجن حـولـه***يفقِّئن بالمِيث الدِّماثِ السَّوابيا»
يصف سحابًا فشبّه ما تفرق منه بالنُّوق الفوارق، والمِيثاء: الأرض السهلة، والدِّماث: جمع دمَث، وهي الأرض السّهلة أيضًا، ويفقِّئن: يشقِّقن، مِن فقأتُ عينَه، إذا بَخَصْتَها، والسوابي: جمع سابِياء، وهي المَشيمة التي يكون فيها الولد.
وناقة مُفْرِق، إذا فارقها ولدُها بذبح أو بموت.
قال الشاعر:
«وإعطائي المَفارقَ والحِقاقا»
ومَفْرِق الرأس: أحد شِقَّيْه، والجمع مفارق.
وفَرِقَ الإنسانُ يفرَق فَرَقًا، إذا خاف.
وأفرق من مرضه إفراقًا، إذا بَرَأ منه ولا يكون الإفراق إلاّ من مرض لا يصيب الإنسان إلاّ مرة واحدة، نحو الجُدَريّ والحَصبة وما أشبههما.
ورجل أفْرَقُ، إذا كان بين ثنيّتيه انفراج.
وفرس أفرَقُ، إذا كانت إحدى حَجَبتيه أعظم من الأخرى، الحَجَبَة: رأس الوَرِك.
والفاروق من الناس: الذي يَفْرُق بين الأمور ويفصلها.
وسُمّي عمر بن الخَطّاب رضي الله عنه فاروقًا لأنه أظهر الإسلام بمكّة ففَرَقَ بين الإيمان والكفر.
وديك أفرَقُ: الذي انفرق عُرْفُه.
وتيس أفرَقُ، إذا تباعد طرفا قرنيه.
وتفارقَ القومُ فِراقًا وتفارقًا، وافترقوا فُرقة وافتراقًا.
والفُروق: موضع.
وسُمّي القرآن فرْقانًَا لأنه فَرَقَ بين الحقّ والباطل.
وللفُرقان في التنزيل مواضع، فمنه قوله جلّ وعزّ: {نَزَّلَ الفُرقان}، أي القرآن، والفُرْقان: النصر، ومنه قوله جلّ ثناؤه: {وما أنزلْنا على عبدِنا يومَ الفُرْقان}، أي يوم النصر، يعني يوم بدر، والفُرْقان: البُرْهان، وهذا مستقصى في كتاب لغات القرآن.
ورجل فَروقة، وكذلك المرأة، أخرج مُخرج نسّابة وعلاّمة وبَصيرة وما أشبه ذلك.
قال الشاعر:
«ولقد حَلَلْتِ وكنتِ جدَّ فروقةٍ***بلدًا يمرّ به الشجاع فيفزعُ»
وقد جاء مصدر فارقه فِراقًا وفرقه تفرقةً.
والفَرَق الذي جاء في الحديث: (ما أسكرَ الفَرَقُ فالجُرعةُ منه حرام) فزعموا أنه مِكيال يُعرف بالمدينة، وقد قيل فَرْق، بالتسكين.
والفَريقة: حُلبة تُطبخ بتمر ويُسقاها المريض أو النُّفَساء.
قال الشاعر:
«ولقد وَرَدْت الماءَ يَرْكدُ فوقه***مثلُ الفَريقة صُفيَتْ للمُدْنَفِ»
والفروقة: شحم الكُلى.
قال الشاعر:
«فبِتنا وباتت قِدْرُهم ذاتَ هِزَّةٍ***يَبينُ لنا شحمُ الفَروقة والكلَى»
وفِرْقَة من الناس، والجمع فِرَق.
والقرْف: مصدر قرفتُ القَرحة وغيرَها أقرِفها قَرْفًا، إذا نكأتها حتى تدمى.
والقِرْفَة: التُّهمة، يقال: فلان قِرفتي، أي تُهمتي.
وقَرَفْتُ فلانًا بكذا وكذا، إذا سبعتَه به.
وفرس مُقْرِف: خلاف العتيق، ثم قالوا: رجل مُقْرِف أيضًا، إذا نُسب إلى لؤم الأصل، والجمع مَقارف، والمصدر الإقراف.
والقِرْفة: ضرب من أفواه الطِّيب أو نحوه.
وقِرْف كل شيء: قِشره.
واقترف فلان سيئةً، إذا اكتسبها.
والقُروف: أوعية من أدم يُنتبذ فيها.
قال الشاعر:
«وذبيانـيةٍ أوصَـتْ بَـنـيهـا***بأنْ كَذبَ القَراطفُ والقُروفُ»
أي عليكم بها، أي خذوها في غنيمتكم، والقَراطف: جمع قَرْطَف، وهي القطف.
والقَرَف، بالتحريك: مداناة المرض.
والقَفْر من الأرض: الخالي من الأنيس، والجمع قِفار.
والإقفار: مصدر أقفرتِ الأرضُ، ويقال: أرض قَفْر وأرَضون قَفْر وقِفار.
وأكلتُ خبزًا قَفارًا، وقالوا قِفارًا: بلا أدْم.
ودابّة قَفِرٌ وقَفْرٌ وقَفِرَة: قليل اللحم ضئيل الجسم، وكذلك هو من الناس.
ونزلنا ببني فلان فبتنا القَفْرَ، إذا لم يَقْرونا.
والقَفير: الزَّبيل، لغة يمانية.
والتقفير: جمعُك الشيءَ نحو التراب وغيره، قفَّرته تقفيرًا.
واقتفرت الأثرَ اقتفارًا، مثل قَفوْت سواء.
والقُفَر: الشعر، زعموا.
قال الراجز:
«قد علمتْ خَوْدٌ بساقَيها القُفَرْ *** لَتُرْوَيَنْ أو لَتَبِيدَنَّ الشُّجُر»
«أو لأروحنْ أصُلًا لا أتزِرْ»
الشُّجُر: جمع الشِّجار، وهي خشب البئر.
والقَفور: ضرب من النبت، وربما سمّي الكافور قَفُّورًا وقافورًا.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
8-جمهرة اللغة (باب ما تذكر العرب من الأطعمة)
الوَليقة: طعام يُتّخذ من دقيق وسمن ولبن.والأَلُوقة: كل ما لُيِّن من الطعام.
وفي الحديث: (وما آكُلُ إلاّ ما لُؤَق)، أي ما لُيِّن.
والصِّقَعْل: تمر يُحلب عليه لبن.
والرَّهِيّة: بُرّ يُطحن بين حجرين ويُصبّ عليه لبن، ارتهى الراعي، إذا فعل ذلك.
والآصِيّة: دقيق يُعجن بتمر ولبن، ويقال الآصِيَة بالتخفيف.
والخَزيرة: شحم يذاب ويُصبّ عليه ماء ويُطرح عليه دقيق فيُلبك به، والخَزيرة والسَّخينة واحد.
واللَّفيتة: العَصيدة.
والرَّغيغة، وهو حسو رقيق.
والثُّرُعْطُطة: نحو الرَّغيغة.
والحَيس: تمر وأقط وسَمن.
قال الراجز:
«التَمْرُ والسَّمْنُ جميعًا والأقِطْ *** الحَيْسُ إلاّ أنّه لم يختـلِـطْ»
وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال لي الرشيد: فُطمت على الحَيْس والموز.
والغَذيرة: دقيق يُحلب عليه لبن ثم يُحمى بالرَّضْف.
والخُلاصة والقِشْدة والقِلْدة: تمر وسَويق يُخلص به السَّمن.
والسَّرْبَلة: الثريد الكثير الدَّسَم، والسَّغْبَلة مثله.
والعَكيس: لبن يُصَبّ على إهالة؛ والإهالة: الشحم المذاب.
والوَطِيّة: عَصيدة التمر واللبن.
والمَجيع: التمر واللبن.
والفِئْرة: حُلْبة تُطبخ بتمر وتُسقاه النُّفَساء.
والفَريقة: حُلبة ودواء يصفّى فيسقاه المريض.
قال الشاعر:
«مثلُ الفَريقة صُفِّيَتْ للمُدْنَفِ»
واللحم المعرّض: الذي يُشتوى على الرماد فلا يستتمّ نُضجه، فإذا غيّبته في الجمر فهو مملول، فإذا شويته فوق الجمر فهو المضهَّب.
والمحنوذ: المشتوَى على الحجارة المُحْماة.
والفئيد: الذي يُدفن في الجمر.
وقال مرة أخرى: والمفؤود والملهوج: الذي فيه بعض مائه.
والعَلَس: شِواء مَسْمون، وهو الذي يؤكل بالسَّمن، هكذا يقول الخليل، رحمه اللّه.
والشُّنْدُخيّ: طعام الإملاك، وقالوا الشَّنْدَخيّ، واشتقاقه من قولهم: فرس شنْدُخ، وهو الذي يتقدّم الخيل في سيره، فأرادوا أن هذا الطعام يتقدّم العُرْس.
والوَليمة: طعام العُرْس.
والتَّوكير: طعام في بناء دار أو بيت.
والعَقيقة: ما يُذبح عن المولود.
والخرْسة: ما يُتّخذ للنّفَساء.
والوَضيمة: طعام المأتم.
قال أبو بكر: وليس كل أهل اللغة عرف هذا.
والعَذيرة: طعام الختان، ويقال الإعذار أيضًا.
قال الراجز:
«كل الطعام تشتهي ربيعَهْ *** الخُرْسَ والإعذارَ والنَّقيعَهْ»
والنَّقيعة: طعام قدوم المسافر.
وقال مرة أخرى: طعام القُدّ ام.
وأنشد:
«إنّا لنضرب بالسيوف رؤوسَهم*** ضَرْبَ القُدارِ نَقيعةَ القُـدّام»
والمأدُبة والمَدْعاة: طعام أيّ وقت كان.
والقَشيمة: هَبيد يُحلب عليه لبن.
قال أبو بكر: الهَبيد: حبّ الحَنْظَل يُنقع في ماء حارّ أو في مُهَراق دلوٍ أيامًا حتى تذهب مرارتُه ثم يُقلى ويؤكل.
جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م
9-العباب الزاخر (لفف)
لففلَفَفْتُ الشيء ألُفُّه لَفًّا.
ولَفَّ الكتيبة بالأخرى: إذا خلط بينهما في الحرب، وأنشد ابن دريد:
«ولَكَمْ لَفَفْتُ كَتِيْبَةً بـكَـتِـيْبَةٍ *** ولَكَمْ كَمِيٍّ قد تَرَكْتُ مُعَفَّرا»
ولفَّهُ حَقَّه: أي منعه.
وفي حديث أم زرع: زوجي إن أكَلَ لفَّ. أي قمَش وخلَّط من كل شيء، وقد كُتِبَ الحديث "بتمامه" في تركيب ز ر ن ب.
واللِّفَافَةُ: ما يُلَفُّ به على الرِّجل وغيرها، والجمْع: اللَّفائفُ.
وجاؤا ومن لَفَّ لِفَّهُم: أي ومن عُدَّ فيهم وتأشَّب إليهم، قال الأعشى:
«وقد مَلأَتْ بَكْرٌ ومَنْ لَفَّ لِفَّها *** نُبَاكًا فَقَوًّا فالرَّجا فالنَّواعِصا»
وأنشد ابن دريد:
«سَيَكْفِيْكُمُ أوْدًا ومَنْ لَـفَّ لِـفَّـهـا *** فَوَارِسُ من جَرْمِ بن رَبّانَ كالأُسْدِ»
وأجاز أبو عمرو فتح اللاّم. وقال المُفَضّل الضبيُّ: اللِّفُّ الصِّنْفُ من الناس من خير أو شر.
والألْفَافُ: الأشجار يَلْتَفُّ بعضها على بعض، ومنه قوله تعالى: (وجَنّاتٍ ألْفافا) واحدُها لِفٌّ بالكسر-، ومنه قولهم: كنا لِفًّا: أي مجتمعين في موضع.
وقال الليث: اللِّفُّ: ما لُفُّوا من ها هنا وها هنا كما يَلُفُّ الرجل شُهود زُوْر.
قال: وحديقة لِفَّةٌ، ويقال لِفٌّ.
واللِّفُّ: الحِزب والطائفة، ومنه الحديث: فكان عُمر وعثمان وابن عُمر لِفًّا. وقد كُتب الحديث بتمامه في تركيب ن ص ب.
واللَّفِيْفُ: ما اجتمع من الناس من قبائل شتّى، يقال: جاؤوا بِلِفِّهم ولَفيفِهم: أي واخلاطِهم. وقوله تعالى: (جِئْنا بكم لَفِيْفا) أي مجتمعين مختلطين من كل قبيلة.
وطعام لَفِيْفٌ: إذا كان مَخلوطًا من جنسين فصاعدًا.
وباب من العربية يقال له: اللَّفِيْفُ؛ لاجتماع الحرفين المعتلين في ثُلاثِّيه، وهو نوعان: مَقْرون ومفْروق؛ فالمقرون ك"طوَى" و"روى" والمفروق ك"وَحى" و"وعى".
واللَّفِيْفَةُ: لحم المَتْنِ الذي تحت العقَبِ من البَعير.
وقال الليث: المِلفّ؛ لِحاف يُلتفّ به.
ورجل ألَفّ بيِّن اللَّفَفِ: أي عَييّ بطيءُ الكلام إذا تكلّم ملأ لِسانه فاه، فال الكَميْتُ:
«وِلايَةَ سِـلَّـغْـدٍ ألَـفَّ كـأنَّـهُ *** من الرَّهَقِ المَخْلُوطِ بالنُّوْكِ أثْوَلُ»
والألفُّ أيضًا-: الرجل الثَّقيل البَطِيءُ، قال زهير بن أبي سُلمى:
«مَتى تَسْدُدْ به لَهَوات ثَغْرٍ *** يُشَارُ إليه جانِبُهُ سَقِـيْمُ»
«مَخُوْفٍ بَأْسُهُ يَكْلاكَ منه *** قويٌّ لا ألَفُّ ولا سؤومُ»
وأنشد ابن دريد:
«رَأْيْتُكُما يا ابنَيْ عياذٍ عَـدَوْتُـمـا *** على مال ألوى لا سنيد ولا ألَفْ»
«ولا مالَ لي إلاّ عطافٌ ومِـدْرَعٌ *** لكم طَرَفٌ منه حَدِيْدٌ ولي طَرَفْ»
وامرأة لفّاء: ضخمة الفَخِذَيْنِ، وفَخِذانِ لَفّاوانِ، قال الحَكَم بن معمر الخضريُّ:
«تَسَاهَمَ ثَوْباها ففـي الـدِّرْعِ رادَةٌ *** وفي المِرْطِ لَفّاوانِ رِدْفُهُما عَبْلُ»
تَساهم: تقارع. وأنشد ابن فارس:
«عِرَاضُ القَطا مُلْتَفَّةٌ رَبَلاتُهـا *** وما اللُّفُّ أفْخاذًا بِتارِكَةٍ عَقْلا»
والألَفُّ: عِرقٌ يكون في وظِيف اليد بين العُجاية في باطن الوظيف، قال:
«يا رِيَّها إنْ لم تَخُنّي كَـفّـي *** أو يَنْقَطِعْ عِرْقٌ من الألَفِّ»
وقال ابن الأعرابيِّ: اللِّفَفُ: أن يلتوي عِرق في ساعد العامل فيُعطِّله عن العمل، وأنشد:
«الدَّلْوُ دَلْوي إنْ نَجَتْ من اللَّجَفْ *** وإنْ نَجا صاحِبُها من اللَّفَفْ»
وقال المُفَضل الضبِّي: اللُّفُّ بالضم-: الشَّوَابِل من الجواري وهُنَّ السِّمان الطِّوال.
وقال الأصمعي: الألَفُّ: الموضِع المُلتفُّ الكثير الأهل، قال ساعدة بن جُؤيَّةَ الهُذلي:
«ومَقامِهِنَّ إذا حُبِسْنَ بـمَـأْزِمٍ *** ضَيْقٍ ألَفَّ وصَدَّهُنَّ الخشَبُ»
وشجرة لَفّاءُ: أي مُلْتَفَّةُ الأغصان. وقال بعضهم في قوله تعالى: (وجَنّاتٍ ألْفافا) أنّها جمْع لُفٍّ وهو جمْع جَنة لفّاء، فهي جمْع الجمْعِ.
ورجل ألَفُّ: مَقروْنُ الحاجبين.
وقال أبو عمرو: اللَّفُوْفُ من الغنم: التي يذبحها صاحبها وكا يرى أنها لا تُنْقي فأصابها مُنقيَةً.
ولَفْلَف مثال نَفْنَفٍ-: موضع بين تيماء وجبليْ طيِّءٍ.
وقال ابن دريد: رجل لَفْلَفٌ ولَفْلافٌ: إذا كان ضعيفًا.
وقال الليث: ألَفَّ الرجل ثوبه كما يُلِفُّ الطائر رأسه: إذا جعله تحت جناحه، قال أمية بن أبي الصَّلْتِ يذكر الملائكة:
«ومنهم مَلِفٌّ في جَنَاحَيْهِ رَأْسَـهُ *** يَكادُ لِذِكْى رَبِّـهِ يَتَـقـصَّـدُ»
«من الخَوْفِ لا ذو سَأْمَةٍ من عِبَادَةٍ *** ولا هو من طُوْلِ التَّعَبُّدِ يُجْهَـدُ»
وفي أرض بني فلان تَلافيفُ من عُشب: أي نبات مُلْتَفٌّ.
والتَّلْفِيْفُ: مبالغة اللَّفِّ.
والشيء المُلَفَّفُ في البِجَادِ: وطبُ اللبن؛ في قول أبي المُهَوِّش الأسدي:
«إذا ما ماتَ مَيْتٌ من تَـمِـيْمٍ *** فَسَرَّكَ أنْ يَعِيْشَ فَجِئْ بِزَادِ»
«بِخُبْزٍ أو بِتَمْـرٍ أو بِـلَـحْـمٍ *** أو الشَّيْءِ المُلّفَّفِ في البِجادِ»
«تَراهُ يُطَوِّفُ الآفاقَ حِرْصـًا *** ليَأْكُلَ رَأسَ لُقْمانَ بنِ عـادِ»
وفي حديث معاوية رضي الله عنه- أنه مازح الأحنف بن قيس فما رُؤي مازحان أوْقَر منهما، قال له: يا أحنف ما الشيء المُلَفَّفُ في البِجادِ؟ فقال: هو السَّخِينة يا أمير المؤمنين. ذهب معاوية رضي الله عنه- إلى قول أبي المُهَوِّشِ، والأحنف إلى السخينة التي كانت تُعيَّرها قريش؛ وهي شيء يُعمل من دقيق وسمن؛ لأنهم كانوا يُولعون بها حتى جَرت مجرى النَّبز لهم، وهي دون العصيدة في الرِّقة وفوق الحساء، وكانوا يأكُلونها في شدة الدهر وغلاء السعر وعَجَف المال، قال كعب بن مالك رضي الله عنه:
«زَعَمَتْ سَخِيْنَةُ أنْ سَتَغْلِبُ رَبَّها *** ولَيُغْلَبَنَّ مُغَالِـبُ الـغَـلاّبِ»
وقال آخر:
«يا شَدَّةً ما شَدَدْنا غَـيْرَ كـاذِبَةٍ *** على سَخِيْنَةَ لولا اللَّيْلُ والحَرَمُ»
وقال ابن الأعرابي: لَفْلَفَ الرجل: إذا استقصى الأكل.
ولَفْلَفَ: إذا اضطرب ساعِده من التواءِ العِرْق.
وتَلَفَّفَ في ثوبه والتَفَّ بثوبه. وفي حديث أم زرع: وإن رَقد التَفَّ. أي إذا نام الْتَفَّ ونام في ناحية ولم يُضاجِعني، وقد كُتب الحديث بتمامه في تركيب ز ر ن ب.
وقالت امرأة لزوجها ذامّةً له: إنّ ضِجْعَتَك لانجِعاف، وإنّ شِمْلَتك لالتْفافٌ؛ وإنَّ شُرْبَك لاشتِفافٌ؛ وإنك لَتَشبع ليلة تُضافُ؛ وتأمن ليلة تُخافُ.
والتِفَافُ النَّبْتِ: كَثْرَتُه.
والتركيب يدل على لَفِّ شيء.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
10-القاموس المحيط (لفه)
لَفَّهُ: ضِدُّ نَشَرَه، كلَفَّفَه،وـ الكَتيبَتَيْنِ: خَلَطَ بينَهما بالحَرْبِ،
وـ فلانًا حَقَّه: مَنَعَه،
وـ في الأكْلِ: أكْثَرَ مُخَلِّطًا من صُنوفِه، مُسْتَقْصِيًا، أو قَبَّحَ فيه،
وـ الشيءَ بالشيءِ: ضَمَّه إليه، ووَصَلَه به.
واللِفافَةُ، بالكسر: ما يُلَفُّ به على الرِجْلِ وغيرِها، ج: لَفَائِفُ.
وجاؤوا ومَن لَفَّ لَفَّهُم، بالكسر والفتح، أو يُثَلَّثُ، أي: مَن عُدَّ فيهم، وبالكسر: الصِنْفُ من الناسِ، والحِزْبُ، والقومُ المُجْتَمِعُونَ، ج: لُفوفٌ،
وـ: ما يُلَفُّ من هاهُنا وهاهُنا، أي: يُجْمَعُ، كما يُلَفِّفُ الرجلُ شُهودَ الزُّورِ،
وـ: الرَّوْضَةُ المُلْتَفَّةُ النَّباتِ، والبُسْتَانُ المُجْتَمِعُ الشجرِ.
وجاؤوا بلَفِّهِم ولفِيفِهِم: أخْلاطِهِم.
وحَديقَةٌ لِفٌّ ولِفَّةٌ، ويُفْتَحانِ: مُلْتَفَّةٌ.
والأَلْفافُ: الأشجارُ المُلْتَفَّةُ، واحدُها: لِفٌّ، بالكسر والفتح، أو بالضم: التي هي جمعُ لَفَّاءَ، فيكونُ الأَلْفافُ:
جج، وقد لَفَّتْ لَفًّا.
و {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا}: مُجْتَمِعِينَ مُخْتَلِطِينَ من كلِّ قَبيلةٍ.
وطعامٌ لفيفٌ: مَخْلوطٌ من جِنْسَيْنِ فَصاعدًا. وقولُ الجوهريِّ لَفيفُه: صَديقُهُ، غَلَطٌ، والصوابُ: لَغِيفُه، بالغينِ.
واللَّفيفُ في الصَّرْفِ: مَقْرُونٌ: كطَوَى، ومَفْرُوقٌ: كوَعَى، لاجْتِمَاعِ المُعْتَلَّيْنِ في ثُلاثِيِّه، وبهاءٍ: لَحْمُ المَتْنِ تحتَ العَقَبِ من البعير.
والمِلَفُّ، كمِقَصٍّ: لِحافٌ يُلْتَفُّ به،
ورجلٌ ألَفُّ، بَيِّنُ اللَّفَفِ: عَيِيٌّ بَطيءُ الكلامِ، إذا تَكَلَّمَ مَلأَ لسانُهُ فمَهُ، والثقيلُ البَطِيءُ، والمقرونُ الحاجبينِ.
واللَّفَّاءُ: الضَّخْمَةُ الفَخِذَيْنِ، والفَخِذُ الضَّخْمَةُ،
وـ من الرِياضِ: الأَغْصَانُ المُلْتَفَّةُ.
والأَلَفُّ: عِرْقٌ في وَظيفِ اليَدِ، والمَوْضِعُ الكثيرُ الأهْلِ، والرجلُ الثقيلُ اللسانِ، والعَيِيُّ بالأُمورِ.
واللَّفَفُ، محرَّكةً: أنْ يَلْتَوِي عِرْقٌ في ساعِدِ العامِلِ فَيُعَطِّلَهُ عن العَمَلِ.
واللُّفُّ، بالضم: الجَوارِي السِمانُ الطِوالُ، وجَمْعُ اللَّفَّاءِ، وجَمْعُ الأَلَفِّ.
ولَفْلَفٌ: ع بينَ تَيْمَاءَ وجبَلَيْ طَيِّئٍ.
ورجُلٌ لَفْلَفٌ ولَفْلافٌ: ضَعيفٌ.
وألفَّ الطائِرُ رأسَهُ: جَعَلَهُ تَحْتَ جَناحَيْهِ،
وـ فلانٌ: جَعَلَهُ في جُبَّتِه.
وهنا تَلافيفُ من عُشْبٍ: نَباتٌ مُلْتَفٌّ.
والمُلَفَّفُ في قولِ أبي المُهَوِّسِ الأَسَدِيِّ:
«بِخُبْزٍ أو بِتَمْرٍ أو بِلَحْمٍ *** أو الشيءَ المُلَفَّفِ في البِجادِ»
وَطْبُ اللَّبَنِ، وإنْشَادُ الجَوْهَرِيِّ مُخْتَلٌّ.
ولَفْلَفَ: اسْتَقْصَى الأكلَ،
وـ البَعيرُ: اضْطَرَبَ ساعِدُهُ من التِواءِ عِرْقٍ.
والتَفَّ
في ثوبِهِ: تَلَفَّفَ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
11-القاموس المحيط (الدك)
الدَّكُّ: الدَّقُّ والهَدْمُ، وما اسْتَوَى من الرَّمْلِ،كالدَّكَّةِ، ج: دِكاكٌ، والمُسْتَوي من المَكانِ، ج: دُكوكٌ، وتَسْوِيَةُ صَعودِ الأَرْضِ وهَبوطِها، وقد انْدَكَّ المَكانُ،
و=: كَبْسُ التُّرابِ وتَسوِيَتُه، ودَفْنُ البِئْرِ وطَمُّها، والتَلُّ، وبالضم: الشديدُ الضَّخمُ، والجَبَلُ الذَّليلُ، ج: كقِرَدَةٍ،
وجَمْعُ الأَدَكِّ: للفَرَسِ العَريضِ الظَّهْرِ.
والدَّكَّاءُ: الرابِيَةُ من الطينِ لَيْسَتْ بالغَليظَةِ، ج: دَكَّاواتٌ، ولا واحِدَ لها، والتي لا سَنامَ لَها، أو لم يُشْرِفْ سَنامُها،
وهو أدَكُّ، والاسمُ: الدَّكَكُ.
وفَرَسٌ مَدْكوكٌ: لا إِشْراف لِحَجَبَتِه.
وأدَكُّ: عَرِيضُ الظَّهْرِ.
والدَّكَّةُ، بالفتح،
والدُّكَّانُ، بالضم: بناءٌ يسطَّحُ أعْلاهُ للمَقْعَدِ.
والدَّكْدَكُ، ويُكْسَرُ،
والدَّكْداكُ من الرَّمْلِ: ما تَكَبَّسَ واسْتَوَى، أو ما الْتَبَدَ منه بالأرضِ، أو هي أرضٌ فيها غِلَظٌ، ج: دَكادكُ ودَكاديكُ.
وأرْضٌ مُدَكْدَكَةٌ: مَدْعُوكَةٌ.
ومَدْكوكَةٌ: لا أسْنادَ لها، تُنْبِتُ الرِمْثَ.
ودُكَّ، مَجْهولًا: مَرِضَ، أوْ دَكَّهُ المَرَضُ.
وأمَةٌ مِدَكَّةٌ، كمِصَكَّةٍ: قَويَّةٌ على العَمَلِ، وهو مِدَكٌّ.
ويَوْمٌ دَكيكٌ: تامٌّ.
وحَنْظَلٌ مُدَكَّكٌ، كمُعَظَّمٍ: وهو أنْ يُؤْكَلَ بِتَمْرٍ وغيرِهِ.
ودَكَّكَهُ: خَلَطَهُ.
والدَّكَّةُ: ع بِغُوطَةِ دمَشْقَ.
والدُّكَّانُ، بالضم: ة بهَمذانَ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
12-القاموس المحيط (ربكه)
رَبَكَهُ: خَلَطَهُ فارْتَبَكَ،وـ الثَّريدَ: أصْلَحَهُ،
وـ فُلانًا: ألْقاهُ في وَحَلٍ فارْتَبَكَ فيه.
وـ الرَّبيكَةَ: عَمِلَها، وهي: أقِطٌ بِتَمْرٍ وسَمْنٍ، ورُبَّما صُبَّ عليه ماءٌ فَشُرِبَ، أو تَمْرٌ وأقِطٌ، أو رُبٌّ بدَقيقٍ أو سَويقٍ، أو طَبيخٌ من تَمْرٍ وبُرٍّ، أو دَقيقٌ وأقِطٌ يُلْبَكُ بسَمْنٍ،
كالرَّبيكِ في الكُلِّ.
ورَجُلٌ رُبَكٌ، كصُرَدٍ وأميرٍ وهِجَفٍّ: مُخْتَلِطٌ في أمرِهِ. وككَتِفٍ: ضَعيفُ الحيلَةِ.
وارْتَبَكَ: اخْتَلَطَ عليه أمْرُهُ،
كَرَبِكَ، كَفرِحَ،
وـ في كَلامِهِ: تَتَعْتَعَ،
وـ الصَّيْدُ في الحِبالَةِ: اضْطَرَبَ.
وارْباكَّ عن الأمْرِ: وقَفَ،
وـ رأيُهُ: اخْتَلَطَ.
وأرْبُكُ، بضم الباءِ، ويقالُ: أرْبُقُ: ة بخوزِسْتانَ، منها: علِيُّ بنُ أحمدَ بنِ الفَضْلِ الأرْبُكيُّ. وكَسفينَةٍ: الماءُ المُخْتَلِطُ بالطينِ، والزُّبْدَةُ التي لا يُزايلُها اللَّبَنُ،
وفي المَثَلِ: "غَرْثانُ فارْبُكوا له": أتَى أعْرابِيٌّ أهْلَهُ، فَبُشِّرَ بغُلامٍ وُلِدَ له، فقال: ما أصْنَعُ به؟ أآكُلُهُ أم أشْرَبُهُ؟ فقالَت امْرَأتُهُ ذلك، فلمَّا شَبعَ، قال: كَيْفَ الطَّلاَ وأُمُّهُ.
والأرْبَكُ من الإِبِلِ: الأَسْوَدُ مُشْرَبًا كُدْرَةً، أو الشَّديدُ سَوادِ الأُذُنَيْنِ والدُّفوفِ، وما عَدا ذلك مُشْرَبٌ كُدْرَةً.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
13-القاموس المحيط (البكل)
البَكْلُ: الخَلْطُ، والغَنيمَةُ،كالتَّبَكُّلِ، وهذا اسمٌ لا مَصْدَرٌ،
واتِّخاذُ البَكيلَةِ، كَسفينَةٍ وسَحابَةٍ: للدَّقيقِ بالرُّبِّ، أَو
بالسَّمْنِ والتمرِ، أَو سَويقٌ يُبَلُّ بَلاًّ، أَو سَويقٌ بِتَمْرٍ ولَبَنٍ، أَو دَقيقٌ يُخْلَطُ بِسَويقٍ ويُبَلُّ بماءٍ وسَمْنٍ أَو زَيْتٍ، أَو الأَقِطُ الجافُّ يُخْلَطُ به الرُّطَبُ، أَو طَحينٌ وتَمْرٌ يُخْلَطانِ بِزَيْتٍ.
والتَّبْكيلُ: التَّخْليطُ. وكسَفينَةٍ: الضأنُ والمَعَزُ يَخْتَلِطُ، والغَنَمُ إذا أَلْقَيْتَ عليها غَنَما أُخْرى، والغَنيمَةُ.
والبِكْلَةُ، بالكَسْرِ: الطَّبيعَةُ،
كالبَكيلَةِ، والهَيْئَةُ والزِيُّ، والحالُ والخِلْقَةُ.
وبَنو بِكالٍ، ككِتابٍ: بَطْنٌ من حِمْيَرَ، منهم: نَوْفُ بنُ فُضَالَةَ التابِعِيُّ. وكأَميرٍ: حَيٌّ من هَمْدانَ.
والتَّبَكُّلُ: مُعارَضَةُ شيءٍ بشيءٍ، كالبَعيرِ بالأَدَمِ.
وجَميلٌ بَكيلٌ: مُتَنَوِّقٌ في لُبْسِهِ ومَشْيِهِ. وذو بَكْلانَ بنُ ثابِتٍ: من رُعَيْنٍ.
وتَبَكَّلَهُ، وعليه: عَلاهُ بالشَّتْمِ والضَّرْبِ والقَهْرِ،
وـ في الكَلامِ: خَلَّطَ،
وـ في مِشْيَتِهِ: اخْتالَ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
14-القاموس المحيط (الزبن)
الزَّبْنُ، كالضَّرْبِ: الدَّفْعُ، وبَيْعُ كلِّ ثَمَرٍ على شَجَرِهِ بتَمْرٍ كَيْلًا.وبَيْتٌ زَبْنٌ: مُتَنَحٍّ عن البُيوتِ، وبالكسر: الحاجةُ.
وقد أَخَذَ زِبْنَهُ من المالِ: حاجَتَه، وبالتحريكِ: ثَوْبٌ على تَقْطيعِ البَيْتِ كالحَجَلَةِ، والناحِيةُ. وكَعُتُلٍّ: الشديدُ الزَّبْنِ.
وناقةٌ زَبونٌ: دَفوعٌ.
وزُبُنَّتاها كحُزُقَّةٍ: رِجْلاها.
وحَرْبٌ زَبونٌ: يَدْفَعُ بعضُها بعضًا كَثْرَةً.
وزابَنَه: دافَعَه.
والزابِنَةُ: أَكَمَةٌ في وادٍ يَنْعَرِجُ عنها.
والزِّبْنِيَةُ، كهِبْرِيَةٍ: مُتَمَرِّدُ الجِنِّ والإِنْسِ، والشديدُ، والشُّرَطِيُّ
ج: زَبانيَةٌ، أو واحدُها: زِبْنِيٌّ. وكسِكِّينٍ: مُدافِعُ الأخْبَثَيْنِ، أو مُمْسِكُهما على كُرْهٍ.
وزُبانَيَا العَقْرَبِ: قَرْناها، وكَوْكَبانِ نَيِّرانِ في قَرْنَيِ العَقْرَبِ.
والمُزابنَةُ: بَيْعُ الرُّطَبِ في رُؤُوس النَّخْلِ بالتَّمْرِ، وعن مالِكٍ: كلُّ جِزافٍ لا يُعْلَمُ كَيْلُه ولا عَدَدُه ولا وَزْنُه بِيعَ بمُسَمًّى من مَكِيلٍ ومَوْزونٍ ومَعْدودٍ، أو بَيْعُ مَعْلومٍ بمَجْهولٍ
من جِنْسِه، أَو بَيْعُ مَجْهولٍ بمَجْهولٍ من جِنْسِه، أَو هي بَيْعُ المُغابَنَةِ في الجِنْسِ الذي لا يجُوزُ فيه الغَبْنُ.
والزَّبُّونةُ، مُشدَّدةً وتضم: العُنُقُ.
وبنو زَبِينَةَ، كسَفينةٍ: حَيٌّ، والنِّسْبة: زَبانِيٌّ، مُخَفَّفَةً.
وأبو الزَّبَانِ الزَّبَانِيُّ: محدِّثٌ.
وزَبانُ بنُ مُرَّةَ: من الأزْدِ.
وزَبانُ ابنُ امرِئِ القَيْسِ. وكشَدَّادٍ: لَقَبُ أبي عَمْرِو بنِ العَلاءِ المازِنِيِّ.
وزَبَّانُ بنُ قائِدٍ،
ومحمدُ بنُ زَبَّانِ بنِ حبيبٍ،
وأحمدُ بنُ سليمانَ بنِ زَبَّانٍ: رُواةٌ.
والزَّبونُ: الغَبِيُّ، والحَريفُ، مُوَلَّدٌ، والبئْرُ في مَثَابَتِها اسْتِئْخارٌ.
وانْزَبَنوا: تَنَحَّوْا.
والزَّبِنُ: الشديدُ الزَّبْنِ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
15-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (جذم)
(جذم) - في الحَدِيثِ: "لا تُدِيمُوا النَّظَر إلى المَجْذُومِين".- وفي حَديثٍ آخر "أَنَّ وفْدَ ثَقِيف كان فيهم مَجْذُومٌ، فأَرسلَ إليه، ارجِع فقد بايَعْناك".
قِيلَ: الجُذام: دَاءٌ يَعْتَرِض في الرَّأس يتشَوَّه منه الوَجهُ، وأَصلُ الجَذْم: القَطْع. وقيلَ: سُمِّي جُذامًا لتقَطُّع الأَصابع منه، وقد جُذِم فهو مَجْذوم، وفي المُبالَغة: مُجَذَّم. والأَجْذَم: المَقْطُوع اليَدِ، ويَدٌ جَذماءُ ومَجْذُومَة: بَيِّنه الجَذْم، وأَجذَمه الله تَعالَى فجُذِم.
فأَمَّا مَعنَى الحَدِيثِ، فإنَّ الرَّجل إذا أَدامَ النَّظَرَ إلى مِثلِه استَنْكره وحَقَره، ورَأَى لِنَفسِه فَضلًا عليه، أو إذا أَدامَ النَّظرَ إليه اكْتأَب المنَظورُ إليه، ويَقِلّ شُكره، بأَن ابْتَلَاه الله وعَافَى غَيرَه.
فَفِي الوَجْه الأَوَّل: كُرِه لِئَلَّا يدخُل على النَّاظِر عُجبٌ وزَهْوٌ.
وفي الثَّانِي: لئَلَّا يَحْزَن المَنظْورُ إليه بِرُؤية مَنْ فَضَل عليه، كما كُرِه أن يَسمَع المُبتَلَى الحَمدَ على العافِيَةِ مِمَّا ابتَلاه اللهُ به.
وله وَجهٌ ثَالِث؛ وهو أنَّه إنما كَرِهَه لِما يُخافُ على النَّاظِر أن يَصِل إليه من دَائِه كما يَتَّصلُ المَعِينُ الذي رَثَا له.
وقد زَعَم الأصمَعِيُّ عن أعرابِيٍّ كان شَدِيدَ العَيْن قال: إذا رَأيتُ شيئًا يُعجِبُني انْفَصَل من عَينِي حَرارةٌ شدِيدة، فَكأَنَّ تِلكَ الحَرارةَ
تَتَّصِل بالمَعِين وتُؤَثِّر فيه. وإنّما قال للثَّقَفِي: ارجِع لِئَلَّا يَنْظُر إليه فيحصُل أَحدُ هذه المَعانِي الثَّلاثَة، أو لِئَلَّا يَحدُث بأَحَدهم هَذَا الدَّاءُ فَيُظَنَّ أَنَّه أَعداه.
- وفي حديثٍ آخر: "أَنَّه أَخَذَ بيَد مَجْذُومٍ فوَضَعها مع يَدِه في القَصْعَة. فَقال: كُلْ ثِقةً باللهِ وتَوَكَّلًا عليه".
وإنّما فَعَل ذلك ليُعلِم النَّاسَ أن شَيئًا من ذَلِك لا يَكُون إلَّا بتَقْدِير اللهِ عز وجَلّ، وأَمَر بالأَوَّل لِئَلَّا يَأْثَم فيه النَّاسُ، لأَنَّ يَقِيِنَهم يَقصُر عن يَقِينِه.
- في الحَدِيث: "كُلُّ خُطبَةٍ لَيْست فيها شَهادَةٌ فهي كاليَدِ الجَذْماء".
: أي المَقْطُوعَة، والجَذْم: سُرعَةُ القَطْعِ.
- في حَدِيثِ حَاطِب: "لم يَكُن رَجُلٌ من قُريْشٍ إلَّا وَلَهُ جِذْم".
الجِذْمُ: الأَصلُ، والجَمْع أَجذَامٌ، يرُيِد به الأَهلَ والعَشِيرة.
- في الحديثِ: "أَنَّه أُتِي بتَمرٍ من تَمْر اليَمَامَةِ، فقال: ما هَذَا؟ فَقِيل: الجُذَامِيّ، قال: اللَّهُمَّ بَارِك في الجُذَامِيّ".
قِيلَ: الجُذَامِيُّ: نَوعٌ من تَمْرِ اليَمامة أَحمرُ اللَّون.
- في حَدِيثِ زَيدِ بنِ ثَابِت: "أنَّه كَتَب إلى مُعاوِيَة: إنّ أَهلَ المَدِينة طَالَ عليهم الجَذْمُ والجَدْب".
: أي انْقِطاع المِيرة عنهم.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
16-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (جنب)
(جنب) - في حَديثِ أبِي هُرَيْرة، رضِي الله عنه، في الرَّجل الذي أصابَتْه الفاقَةُ: "فَخَرَج إلى البَرِّيَّة فَدَعَا، فإذا الرَّحا تَطحَن، والتَّنُّور مَمْلُوء جُنُوبَ شِواء".الجُنُوب: جَمْع جَنْب، وقد جَرَتِ العَادَةُ بأن يُشْوَى الجَنْب، وكان القِياسُ أن يُقال: جَنْبَ شِواء، لأنه نَصْبٌ على التَّمْيِيز، والتَّمْيِيز يكون مُوحَّد اللَّفظ قَلَّ ما يُجمَع.
على أَنَّه قد جاء بلَفْظِ الجَمْع في قَولِه تَبارَك وتَعالَى: {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}. وأَرادَ أنَّه كان في التَّنُّور جُنوبٌ كَثِيرَة، لا جَنْبٌ واحد، فلِهذَا جَمَعَه مع كَونِه تَمْيِيزًا.
- في حَديثِ الحَارِثِ بنِ عَوْف أنَّه جاء إلى نَجَبَة بنِ الحَارِث فقال: "إن الِإِبلَ جُنِّبَت قِبلَنا العَامَ".
: أي لم تَلْقَح فيَكُون لها أَلْبانٌ، قال الأَصمَعِيُّ: جَنَّب بَنُو فلان فَهُم مُجَنَّبُون، إذا لم يكن في إِبلهم لَبنٌ، وهو عام تَجْنِيب، وجَنَّبَ النَّخلُ: لم يَحمِلْ.
- في الحَدِيث "ذُو الجَنْب شَهِيد".
: أي الذي يَطُولُ مَرضُه واضْطِجَاعُه.
- وفي حديث آخر: "ذَاتُ الجَنْب شَهادَةٌ".
وقد فُسِّر في كِتابِ أبِي عُبَيْد الهَرَوِيّ.
- في حَدِيث الشَّعْبِيّ: "أنَّ الحَجَّاجَ سَأَل رَجُلا: هل كَانَ وَراءَك غَيثٌ؟ قال: كَثُر الِإعصار، وأُكِل ما أَشرفَ من الجَنْبَة".
الجَنْبَة: رَطْبُ الصِّلِّيان، فإذا يَبِس فهو الصِّلِّيان. وقيل: الجَنْبَة. يَقَع على عَامَّة الشَّجَر المُتَربِّلة في الصَّيف، وقيل: هي ما فَوقَ البَقْل ودُونَ الشَّجَر.
- في حَديِث الضَّحَّاك: "قال لِجارِية: هل من مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ قالت: على الجَانِبِ الخَبَرُ".
: أي على الغَرِيب القَادِم. يقال: جَنَب فُلانٌ في بَنِي فُلان، إذا نَزَل فيهم غَرِيبًا، ورَجلٌ جانِبٌ، وقَومٌ جُنَّابٌ. وقال بَعضُهم: رَجلٌ جُنُب: غَرِيبٌ، والجَمْع أَجنابٌ، وجَارُ الجَنابَة: جارُ الغُربَة.
- في حديث جُبَيْر، رضي الله عنه: "أَتاه بتَمرٍ جَنِيبٍ".
: هو نَوعٌ من أجود التُّمور، وقيل الجَنِيبُ: التَّمْر المَكْبوسُ، وقيل: هو التِّين.
- في حَدِيث الشَّعْبِي: "أَجدَب بنا الجَنابُ".
الجَناب: ما حَولَ القَوْم، وجَناب الشَّيءِ: ناحِيَتُه، وجَنابُ الدَّار: فِناؤُها.
- وفي حديث آخر: "استَكَفُّوا جَنابَيْه".
: أي حَوالَيْه.
- في الحَدِيثِ "لا تَدخُل المَلائِكة بيتًا فيه جُنُب، ولا كَلبٌ، ولا صُوَرَة".
الجُنُب - قيل هو الذي يَتْرك الاغْتِسالَ من الجَنابة عادةً، فيكُون أَكثرُ أَوقاتِه جُنُبًا.
وأما الكَلْب إذا اتَّخذَه لِلَّهو لا لِحاجةٍ وضَرُورة كحِراسةِ زَرْع، أو غَنَم أو صَيْد.
فأَمَّا الصُّورة فكل ما يُصَوَّر من الحَيوَان سَواءٌ في ذلك، المَنْصُوبَة القَائِمة التي لها أَشْخاص، وما لا شَخص له من المَنقُوشَة في الجُدُر، والصُّورَة فيها، وفي الفُرُش، والأَنْماطِ.
وقد رَخَّص بَعضُهم فيما كان منها في الأَنماط التي تُوطَأ وتُداسُ بالأَرجُل، وهذه الرُّخْصَة، إنما هي لمَنْ تَكُون في بيْتهِ، فأما في تَصْوِيرِه فُكلُّها سَواءٌ. وقيل: يَعنِي بالمَلائِكَة في هذا الحدِيثِ غَيرِ الحَفَظة، وقيل لا تَحضُره المَلائِكَةُ بالخَيْر وذَلِك في رِواية.
وقيل: هو للجُنُب الذي لم يَتوضَّأ بعدَ الجَنَابةِ.
- في حَدِيثِ ذى المِشْعَارِ: "وأَهلِ جِنابِ الهَضْب" وهو مَوضِع.
- في الحَديثِ: "ثم ابتَع بالدَّراهِم جَنِيبًا".
هو جِنْس جَيِّد من التَّمْر.
- في حديث مُجاهِد في تَفسِيرِ السَّيَّارة من قوله تعالى: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} أَجْناب النَّاس".
: أي الغُرَباء جَمْع جُنُب، قالت الخَنْساء:
« وابْكِي أَخاكِ إذا جاوَرْت أجْنابا »
- في الحديث: "الجَانِبُ المُسْتَغْزِرُ يُثابُ من هِبَته" يَعنِي الغَرِيبَ.
- في الحَدِيثِ: "لا جَلَب ولا جَنَب".
ذكر أبو عُبَيْد: أَنَّ الجَلَب يَكُون في السِّباق والصَّدَقَة، وذَكَر الجَنَب في السِّباق، ولم يَذْكُر وَجْهَه في الصَّدَقة، وهو أن يُجْنِب
بماله ويُبْعِد حتَّى يَحْتَاجَ المُصَدِّقُ إلى الِإبْعادِ في اتِّباعِه وطَلَبِه، والله أعلم.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
17-المعجم الاشتقاقي المؤصل (حتت حتحت)
(حتت- حتحت): {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا...} [الزمر: 73]"جاء بتَمْرٍ حَتٍّ -بالفتح: لا يلتزق بعضُه ببعض. والحَتُوت من النخل: التي يَتَناثَرُ بُسْرها. وأَحَثَّ الأَرْطَى (وهو من شَجَر الرَمْل يُدْبَغُ بوَرَقه): يَبِس.
(page)
والحَتَت- محركة: داءٌ يصيبُ الشجرَ تحات أوراقُها منه. والحُتات -كصُداع: أن يأخذ البعيرَ هَلْسٌ (: سُلال شديد من الهُزَال) فيَتَغَيرَ لحمُه وطَرْقه ولونُه وَيتَمَعَّطَ شَعَرُه. وانحتّ شَعَره عن رأسه، وانحَصَّ: تَسَاقط. وحَتُّ الجَرَاد بالفتح: مَيْتُه. حَتَّ الدَّمَ اليابِسَ والمَنِىَّ ونحوَه عن الثَوْب: فَرَكَه وقَشَرَه فَرَكه شَيئًا بعد شيء وحَكّه."
° المعنى المحوري
تفتت ما هو كالطبقة الرقيقة الجافة أو تسيبه شيئًا بعد شيء دقاقا متفرقة بحكّ أو ضغط (1): كحكّ الدم اليابس والمنى، وكتسيب ذلك التمر الذي شأنه أن يتماسك ولكنه ليس كذلك في حاله هذه، وكانحتات ورق الشجر إذا جف -لهبوب الريح مثلًا. والأرْطي ينحت هَديْه في القيظ [ينظر النبات لأبي حنيفة 5/ 25]. فالصيغة هنا لدخول زمن انحتاته. وكتمعط الشعر. والاستعمالات التي ليس فيها حكّ حقيقي استعملت ألفاظ التركيب فيها لجزء المعنى.
ومن ذلك أُخِذ "الحَتّ: العَجَلةُ في كل شيء (تسيب) وحته دراهم: عجّل له النقد (سيَّبَها له بيسر). وفرس حَتٌّ: جَوَاد سريع كثير العدْو (تسيب، كما أن
الجري بذل لمذخور القوة) وكذا بعير وظليم حَتٌّ وحَتْحَتٌ "-بفتح الحاءات.
ومن هذا التركيب (على رأي ابن سيده والجوهري) حَتّى وهي بمعنى الغاية والانتهاء (وهو انقطاع للمُغَيّا وفراغٌ منه شيئًا بعد شيء -إلى بلوغ الغاية) {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ} [الكهف: 86]، {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32].
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
18-معجم البلدان (تمر)
تَمَرُ:بالتحريك: قرية باليمامة لعديّ التّيم وأنشد ثعلب قال أنشدني ابن الأعرابي:
«يا قبّح الله وقيلا ذا الحذر *** وأمّه، ليلة بتنا بتمر، »
باتت تراعي ليلها ضوء القمر
قال: تمر موضع معروف.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
19-موسوعة الفقه الكويتية (أطعمة 2)
أَطْعِمَةٌ -2النَّوْعُ السَّادِسُ: الطَّائِرُ الَّذِي لَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجِيَفَ غَالِبًا:
33- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْغُرَابِ الْأَسْوَدِ الْكَبِيرِ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ.وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَنْعُ الشَّارِعِ الْأَكْلَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَلِيلَ الْمَنْعِ لَيْسَ قَطْعِيًّا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّحْرِيمِ وَبِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ.وَكِلَا النَّوْعَيْنِ لَا يَأْكُلُ غَالِبًا إِلاَّ الْجِيَفَ، فَهُمَا مُسْتَخْبَثَانِ عِنْدَ ذَوِي الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا النَّوْعِ النَّسْرُ، لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ سِوَى اللَّحْمِ مِنْ جِيَفٍ وَسِوَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا مِخْلَبٍ صَائِدٍ.
34- وَيَحِلُّ غُرَابُ الزَّرْعِ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: الزَّاغُ وَهُوَ غُرَابٌ أَسْوَدُ صَغِيرٌ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ.
وَثَانِيهِمَا: الْغُدَافُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ غُرَابٌ صَغِيرٌ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الرَّمَادِ، وَكِلَاهُمَا يَأْكُلُ الزَّرْعَ وَالْحَبَّ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ.وَبِحِلِّهِمَا أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
35- وَأَمَّا الْعَقْعَقُ، وَهُوَ غُرَابٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ حَجْمًا، طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِلُّهُ، لِأَنَّهُ يُخْلَطُ فَيَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالْحَبَّ، فَلَا يَكُونُ مُسْتَخْبَثًا.
36- وَلَيْسَتِ الْعِبْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْأَسْمَاءِ، وَلَا بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَلَا بِالْأَلْوَانِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِنَوْعِ غِذَائِهِ: فَاَلَّذِي لَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجِيَفَ غَالِبًا مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَاَلَّذِي يَخْلِطُ حَلَالٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَاَلَّذِي لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ حَلَالٌ اتِّفَاقًا، هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
37- وَالْمَالِكِيَّةِ أَبَاحُوا الْغِرْبَانَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ.وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَدَمُ جَوَازِ آكِلَةِ الْجِيَفِ.
38- وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ الْغِرْبَانِ أَوْ كَرَاهَتِهَا التَّحْرِيمِيَّةِ (إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ) حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَمْسُ فَوَاسِقَ تُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا».وَحَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ».
فَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ أُبِيحَ قَتْلُهُ، وَكَذَا سَائِرُ الْغِرْبَانِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا عُمُومُ لَفْظِ «الْغُرَابِ» فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى.
وَمَا أُبِيحَ قَتْلُهُ فَلَا ذَكَاةَ لَهُ، لِأَنَّ كَلِمَةَ الْقَتْلِ مَتَى أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إِلَى إِزْهَاقِ الرُّوحِ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ اسْتَطَاعَهَا الْإِنْسَانُ، فَلَوْ حَلَّ بِالذَّكَاةِ لَكَانَ إِزْهَاقُ رُوحِهِ بِغَيْرِهَا إِضَاعَةً لِلْمَالِ، وَقَدْ نَهَى- عليه الصلاة والسلام- عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَاسِقًا؟ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَرِهَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الْحِدَاءِ وَالْغُرَابِ حَيْثُ سَمَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَوَاسِقِ الدَّوَابِّ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ.
39- وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ إِبَاحَةَ الْقَتْلِ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} الْآيَةَ.وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُرَابَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ، فَيَكُونُ مُبَاحَ الْأَكْلِ.
40- وَحُجَّةُ مَنِ اسْتَثْنَى إِبَاحَةَ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ مِنَ الْغِرْبَانِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا وَصْفُ الْغُرَابِ بِالْأَبْقَعِ أَشْعَرَتْ أَنَّ الْغُرَابَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِصِفَةٍ تُوجِبُ خُبْثَهُ، وَقَدْ لُوحِظَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ كَوْنُهُ لَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجِيفَةَ غَالِبًا، فَحُمِلَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِالْأَبْقَعِ مَا مَاثَلَهُ وَهُوَ الْغُدَافُ الْكَبِيرُ.وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَقْعَقِ تَبَعًا لِاخْتِلَافِ أَنْظَارِهِمْ فِي كَوْنِهِ يُكْثِرُ مِنْ أَكْلِ الْجِيفَةِ أَوْ لَا يُكْثِرُ.
النَّوْعُ السَّابِعُ: كُلُّ طَائِرٍ ذِي دَمٍ سَائِلٍ، وَلَيْسَ لَهُ مِخْلَبٌ صَائِدٌ، وَلَيْسَ أَغْلَبُ أَكْلِهِ الْجِيَفَ:
41- وَذَلِكَ كَالدَّجَاجِ، وَالْبَطِّ، وَالْإِوَزِّ، وَالْحَمَامِ مُسْتَأْنَسًا وَمُتَوَحِّشًا، وَالْفَوَاخِتِ، وَالْعَصَافِيرِ، وَالْقَبَجِ، وَالْكُرْكِيِّ، وَالْخُطَّافِ، وَالْبُومِ، وَالدُّبْسِيِّ، وَالصُّلْصُلِ، وَاللَّقْلَقِ، وَاللِّحَامِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ، وَالْخُفَّاشِ (الْوَطْوَاطِ).
فَكُلُّ هَذَا مَأْكُولٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
42- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِبَاحَةِ هَذَا النَّوْعِ كُلِّهِ وَلَوْ جَلاَّلَةً فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ، إِلاَّ الْخُفَّاشُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ فِيهِ الْكَرَاهَةُ، وَقِيلَ بِكَرَاهَةِ الْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالْهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ».وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْخُطَّافِ أَيْضًا، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْكَرَاهَةَ فِيهِ بِمَا يُعَشِّشُ فِي الْبُيُوتِ احْتِرَامًا لِمَنْ عُشِّشَ عِنْدَهُ.
43- وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي فِي هَذَا النَّوْعِ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَمَرَ الشَّارِعُ بِقَتْلِهِ، وَمَا نَهَى عَنْ قَتْلِهِ، وَمَا اسْتُخْبِثَ، وَيَحِلُّ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّطْبِيقِ: فَالرَّخَمَةُ وَالْخُفَّاشُ وَاللَّقْلَقُ وَالْخُطَّافُ وَالسِّنُونُو تَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالْبُغَاثَةُ تَحْرُمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْبَبَّغَاءُ وَالطَّاوُوسُ يَحْرُمَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِخُبْثِ غِذَائِهِمَا، وَيَحِلاَّنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالْأَخْيَلُ، وَيُسَمَّى: الشَّقْرَاقَ يَحْرُمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِخُبْثِهِ، وَيَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَأَبُو زُرَيْقٍ، وَيُسَمَّى: الدِّرْبَابَ أَوِ الْقَيْقَ، نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِخُبْثِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَحِلُّ.
وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ يَحْرُمَانِ فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمَا.
وَيَحْرُمُ الْعَقْعَقُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ (ر: ف 33).
وَالنَّعَامَةُ، وَالْكُرْكِيُّ، وَالْحُبَارَى، وَالدَّجَاجُ، وَالْبَطُّ، وَالْإِوَزُّ، وَالْغَرَنِيقُ، وَسَائِرُ طُيُورِ الْمَاءِ- سِوَى اللَّقْلَقِ- كُلُّهَا مِمَّا يُؤْكَلُ عَلَى الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا الْحَمَامُ، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ كَالْقَمَرِيِّ، وَالدُّبْسِيِّ، وَالْيَمَامِ، وَالْفَوَاخِتِ، وَالْقَطَا، وَالْحَجَلِ.وَكَذَلِكَ الْعُصْفُورُ
وَكُلُّ مَا عَلَى شَكْلِهِ، كَالْعَنْدَلِيبِ الْمُسَمَّى بِالْهَزَارِ، وَالصَّعْوَةِ، وَالزُّرْزُورِ، حَلَالٌ فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، (كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ فِي بَعْضٍ مِنْهَا عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ).
النَّوْعُ الثَّامِنُ: الْخَيْلُ:
44- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى إِبَاحَةِ الْخَيْلِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عِرَابًا أَمْ بَرَاذِينَ.
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما-، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ».وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنهما- قَالَتْ: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، إِلَى حِلِّ أَكْلِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ.
وَحُجَّتُهُمْ هِيَ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي الْبَابِ وَاخْتِلَافِ السَّلَفِ، فَذَهَبُوا إِلَى كَرَاهَةِ الْخَيْلِ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ فِي أَكْلِهَا تَقْلِيلَ آلَةِ الْجِهَادِ.
45- وَبِنَاءً عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ يُقَرِّرُ الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ سُؤْرَ الْفَرَسِ وَلَبَنَهَا طَاهِرَانِ، لِأَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِ الْخَيْلِ لَيْسَتْ لِنَجَاسَتِهَا، بَلْ لِاحْتِرَامِهَا، لِأَنَّهَا آلَةُ الْجِهَادِ، وَفِي تَوْفِيرِهَا إِرْهَابُ الْعَدُوِّ، كَمَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ إِلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَنَحْوُهُ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ بِالتَّحْرِيمِ، وَبِهِ جَزَمَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْكُولَةً، إِذْ لَوْ كَانَتْ مَأْكُولَةً لَقَالَ: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، كَمَا قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.وَكَذَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ».
وَلَمَّا كَانَتْ دَلَالَةُ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى التَّحْرِيمِ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَتِهَا (تَحْرِيمًا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ الْمَنْعُ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِمَا كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا.
النَّوْعُ التَّاسِعُ: الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ:
46- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ لِلْمَالِكِيَّةِ- إِلَى حُرْمَةِ أَكْلِهِ.وَنَحْوُهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَسَوَاءٌ أَبَقِيَ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ أَمْ تَوَحَّشَ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ، فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ».
وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمْرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ».
وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ نَقَلَ تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ طَرِيقِ تِسْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَسَانِيدَ كَالشَّمْسِ، فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَيِ التَّنْزِيهِيَّةِ.
47- وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ: أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ: إِنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَرِهُوا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ، وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ فِي تَحْرِيمِهَا، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَانَا يَقُولَانِ بِظَاهِرِ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}.تَلَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: مَا خَلَا هَذَا فَهُوَ حَلَالٌ، وَأَنَّ عِكْرِمَةَ وَأَبَا وَائِلٍ لَمْ يَرَيَا بِأَكْلِ الْحُمُرِ بَأْسًا.
وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّ بِشْرًا الْمَرِيسِيَّ قَالَ بِإِبَاحَتِهَا.
وَصَفْوَةُ الْقَوْلِ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ:
(الْأَوَّلُ) التَّحْرِيمُ أَوِ الْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ.
(وَالثَّانِي) الْكَرَاهَةُ التَّنْزِيهِيَّةُ.
(وَالثَّالِثُ) الْإِبَاحَةُ.
النَّوْعُ الْعَاشِرُ: الْخِنْزِيرُ:
48- الْخِنْزِيرُ حَرَامٌ لَحْمُهُ وَشَحْمُهُ وَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ، لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}.
49- قَالَ الْأَلُوسِيُّ: «خَصَّ اللَّحْمَ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ بَقِيَّةَ أَجْزَائِهِ أَيْضًا حَرَامٌ، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَا يُؤْكَلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ كَالتَّابِعِ لَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ الْأَلُوسِيُّ أَنَّهُ خَصَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ بِالذِّكْرِ، مَعَ أَنَّ بَقِيَّةَ أَجْزَائِهِ حَرَامٌ، لِإِظْهَارِ حُرْمَةِ مَا اسْتَطَابُوهُ وَفَضَّلُوهُ عَلَى سَائِرِ اللُّحُومِ وَاسْتَعْظَمُوا وُقُوعَ تَحْرِيمِهِ».
50- وَالضَّمِيرُ فِي قوله تعالى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}، فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ رَاجِعٌ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إِلَيْهِ وَهُوَ الْخِنْزِيرُ نَفْسُهُ، فَصَحَّ بِالْقُرْآنِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ بِعَيْنِهِ رِجْسٌ، فَهُوَ كُلُّهُ رِجْسٌ وَبَعْضُ الرِّجْسِ رِجْسٌ، وَالرِّجْسُ حَرَامٌ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ، فَالْخِنْزِيرُ كُلُّهُ حَرَامٌ، لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ شَعْرُهُ وَلَا غَيْرُهُ.
النَّوْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ: الْحَشَرَاتُ:
51- الْحَشَرَاتُ قَدْ تُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْهَوَامِّ فَقَطْ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى صِغَارِ الدَّوَابِّ كَافَّةً مِمَّا يَطِيرُ أَوْ لَا يَطِيرُ.وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الثَّانِي الْأَعَمُّ.وَالْحَشَرَاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
(أ) مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ (ذَاتِيٌّ) وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: الْحَيَّةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْخُلْدُ، وَالضَّبُّ، وَالْيَرْبُوعُ، وَابْنُ عُرْسٍ، وَالْقُنْفُذُ.
(بِ) مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ (ذَاتِيٌّ) وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: الْوَزَغُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْعَظَاءَةُ، وَالْحَلَزُونُ الْبَرِّيُّ، وَالْعَنْكَبُوتُ، وَالْقُرَادُ، وَالْخُنْفُسَاءُ، وَالنَّمْلُ، وَالْبُرْغُوثُ، وَالْجَرَادُ، وَالزُّنْبُورُ، وَالذُّبَابُ وَالْبَعُوضُ.
52- وَهَذَا التَّقْسِيمُ فِي الْحَشَرَاتِ إِلَى ذَوَاتِ دَمٍ سَائِلٍ وَغَيْرِ سَائِلٍ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي كَوْنِهَا مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ فِي مَوْضُوعِ الْأَطْعِمَةِ هُنَا، وَلَكِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ هُوَ نَجَاسَتُهَا وَطَهَارَتُهَا، فَذَاتُ الدَّمِ السَّائِلِ تَنْجُسُ مَيْتَتُهَا.وَتَتَنَجَّسُ بِهَا الْمَائِعَاتُ الْقَلِيلَةُ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ، وَلِذَلِكَ جُمِعَ النَّوْعَانِ فِي مَوْضُوعِ الْأَطْعِمَةِ هُنَا لِوَحْدَةِ الْحُكْمِ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ جَوَازُ الْأَكْلِ أَوْ عَدَمِهِ.
وَلَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنَ الْجَرَادِ وَالضَّبِّ وَالدُّودِ حُكْمٌ خَاصٌّ بِكُلٍّ مِنْهَا حَسُنَ إِفْرَادُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ.
الْجَرَادُ:
53- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى حِلِّ الْجَرَادِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حِلِّهِ الْحَدِيثُ الْقَائِلُ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالطِّحَالُ وَالْكَبِدُ».
- وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَذْكِيَةِ الْجَرَادِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا بُدَّ مِنْ تَذْكِيَتِهِ بِأَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهُ بِتَسْمِيَةٍ وَنِيَّةٍ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ كَرِهُوا ذَبْحَ الْجَرَادِ وَقَطْعَهُ حَيًّا.وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ قَلْيِهِ مَيْتًا دُونَ إِخْرَاجِ مَا فِي جَوْفِهِ، وَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الدُّهْنُ.
وَيَحْرُمُ عِنْدَهُمْ قَلْيُهُ وَشَيُّهُ حَيًّا عَلَى الرَّاجِحِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ التَّعْذِيبِ، وَقِيلَ: يَحِلُّ ذَلِكَ فِيهِ كَمَا يَحِلُّ فِي السَّمَكِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ حَيَاةَ الْجَرَادِ مُسْتَقِرَّةٌ لَيْسَتْ كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ، بِخِلَافِ السَّمَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنَّ حَيَاتَهُ كَحَيَاةِ الْمَذْبُوحِ.
وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَلْيِهِ وَشَيِّهِ حَيًّا، فَذَهَبُوا إِلَى مِثْلِ الْقَوْلِ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ إِبَاحَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا تَعْذِيبٌ، لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَاجَةِ، فَإِنَّ حَيَاتَهُ قَدْ تَطُولُ فَيَشُقُّ انْتِظَارُ مَوْتِهِ.
الضَّبُّ:
54- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الضَّبِّ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ.قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَنْظُرُ».
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى تَحْرِيمِهِ، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ: أَنَّهُمْ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ فِي إِحْدَى الْغَزَوَاتِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ الصَّحَابَةُ ضِبَابًا فَحَرَشُوهَا وَطَبَخُوهَا، فَبَيْنَمَا كَانَتِ الْقُدُورُ، تَغْلِي بِهَا عَلِمَ بِذَلِكَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَهُمْ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ فَأَلْقُوا بِهَا».
وَاعْتَبَرَ الْجُمْهُورُ مَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِهِ مَنْسُوخًا، لِأَنَّ حَدِيثَ الْإِبَاحَةِ مُتَأَخِّرٌ، لِأَنَّهُ حَضَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ.
وَمِمَّنْ كَرِهَ الضَّبَّ مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُمَا تَحْرِيمِيَّةً، وَهَذَا عِنْدَئِذٍ يَتَّفِقُ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ تَنْزِيهًا تَعَارُضُ أَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا احْتِيَاطًا.
الدُّودُ:
55- تَنَاوَلَتْ كُتُبُ الْفِقْهِ تَفْصِيلَاتٍ عَنِ الدُّودِ إِيجَازُهَا فِيمَا يَلِي: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ دُودَ الزُّنْبُورِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ أَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ، فَإِنْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ.وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْجُبْنِ أَوِ الْخَلِّ أَوِ الثِّمَارِ بِدُودِهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ مَاتَ الدُّودُ وَنَحْوُهُ فِي طَعَامٍ وَتَمَيَّزَ عَنِ الطَّعَامِ أُخْرِجَ مِنْهُ وُجُوبًا، فَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ، وَلَا يُطْرَحُ الطَّعَامُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْهُ، لِأَنَّ مَيْتَتَهُ طَاهِرَةٌ.
وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِأَنِ اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ وَتَهَرَّى طُرِحَ الطَّعَامُ، لِعَدَمِ إِبَاحَةِ نَحْوِ الدُّودِ الْمَيِّتِ بِهِ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا، فَيُلْقَى لِكَلْبٍ أَوْ هِرٍّ أَوْ دَابَّةٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الدُّودُ غَيْرَ الْمُتَمَيِّزِ قَلِيلًا.
وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فِي الطَّعَامِ جَازَ أَكْلُهُ مَعَهُ.
هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ يَكُنِ الدُّودُ وَنَحْوُهُ تَوَلَّدَ فِي الطَّعَامِ (أَيْ عَاشَ وَتَرَبَّى فِيهِ)، سَوَاءٌ أَكَانَ فَاكِهَةً أَمْ حُبُوبًا أَمْ تَمْرًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَكْلُهُ مَعَهُ عِنْدَهُمْ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، مَاتَ فِيهِ أَوْ لَا، تَمَيَّزَ أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَلْحَظُونَ فِيهِ حِينَئِذٍ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَحِلُّ أَكْلُ الدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ فِي طَعَامٍ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ:
الْأُولَى: - أَنْ يُؤْكَلَ مَعَ الطَّعَامِ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، فَإِنْ أُكِلَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَحِلَّ.
الثَّانِيَةُ: - أَلاَّ يُنْقَلَ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ نُقِلَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ.وَهَاتَانِ الشَّرِيطَتَانِ مَنْظُورٌ فِيهِمَا أَيْضًا إِلَى مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ.
الثَّالِثَةُ: - أَلاَّ يُغَيِّرَ طَعْمَ الطَّعَامِ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ إِنْ كَانَ مَائِعًا، فَإِنْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ، لِنَجَاسَتِهِ حِينَئِذٍ.
وَيُقَاسُ عَلَى الدُّودِ السُّوسُ الْمُتَوَلِّدُ فِي نَحْوِ التَّمْرِ وَالْبَاقِلَاءِ إِذَا طُبِخَا، فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا لَمْ يُغَيِّرِ الْمَاءَ.
وَكَذَا النَّمْلُ إِذَا وَقَعَ فِي الْعَسَلِ وَنَحْوِهِ فَطُبِخَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْبَاقِلَاءِ الْمُدَوَّدِ: تَجَنُّبُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَذَّرْ فَأَرْجُو.وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ: لَا بَأْسَ بِهِ.وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ أُتِيَ بِتَمْرٍ عَتِيقٍ فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ».قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهُوَ أَحْسَنُ.
بَقِيَّةُ الْحَشَرَاتِ:
56- لِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ بَقِيَّةِ الْحَشَرَاتِ، مَا عَدَا الْجَرَادَ وَالضَّبَّ، وَالدُّودَ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ:
الْأَوَّلُ: - حُرْمَةُ أَصْنَافِ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا، لِأَنَّهَا تُعَدُّ مِنَ الْخَبَائِثِ لِنُفُورِ الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ مِنْهَا.وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ.
الثَّانِي: - حِلُّ أَصْنَافِهَا كُلِّهَا لِمَنْ لَا تَضُرُّهُ.وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، لَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي الْحِلِّ تَذْكِيَتَهَا: فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ذُكِّيَتْ كَمَا يُذَكَّى الْجَرَادُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ ذُكِّيَتْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ أَمَامِ الْعُنُقِ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْفَأْرِ إِذَا عُلِمَ وُصُولُهُ إِلَى النَّجَاسَةِ: إِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وُصُولُهُ إِلَيْهَا فَهُوَ مُبَاحٌ.
الثَّالِثُ: - التَّفْصِيلُ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ أَصْنَافِهَا دُونَ بَعْضٍ: فَالشَّافِعِيَّةُ: قَالُوا بِإِبَاحَةِ الْوَبَرِ، وَأُمِّ حُبَيْنٍ، وَالْيَرْبُوعِ، وَابْنِ عُرْسٍ، وَالْقُنْفُذِ.أَمَّا أُمُّ حُبَيْنٍ فَلِشَبَهِهَا بِالضَّبِّ، وَأَمَّا الْبَقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَخْبَثَةٍ.
وَالْحَنَابِلَةُ خَالَفُوا الشَّافِعِيَّةَ فِي الْقُنْفُذِ وَابْنِ عُرْسٍ، فَقَالُوا بِحُرْمَتِهِمَا، وَلَهُمْ رِوَايَتَانِ فِي الْوَبَرِ وَالْيَرْبُوعِ أَصَحُّهُمَا الْإِبَاحَةُ.
النَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ: الْمُتَوَلِّدَاتُ، وَمِنْهَا: الْبِغَالُ:
57- يُقْصَدُ بِالْمُتَوَلِّدَاتِ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ.وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ حَلَالَيْنِ.وَهُوَ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مُحَرَّمَيْنِ أَوْ مَكْرُوهَيْنِ تَحْرِيمًا.وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا بِلَا خِلَافٍ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَالثَّانِي حَلَالٌ مَعَ الْإِبَاحَةِ أَوْ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ.وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الصِّنْفِ: الْبِغَالُ.وَفِي حُكْمِهَا تَفْصِيلٌ:
58- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْبَغْلَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُتَوَلِّدَاتِ يَتْبَعُ أَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ.وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ هَذِهِ التَّبِيعَةَ إِنَّمَا هِيَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّوَلُّدِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ.وَعَلَى هَذَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ كَلْبَةً دُونَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا نَزَا عَلَيْهَا كَلْبٌ فَإِنَّهَا تَحِلُّ، لِعَدَمِ الْيَقِينِ بِتَوَلُّدِهَا مِنْ كَلْبٍ، لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْخِلْقَةُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ تَرْكَهَا.
وَحُجَّتُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ يَتْبَعُ أَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ، أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُمَا فَيَجْتَمِعُ فِيهِ حِلٌّ وَحُرْمَةٌ، فَيُغَلَّبُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا.وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ الْمَانِعُ وَالْمُقْتَضِي، أَوِ الْحَاظِرُ وَالْمُبِيحُ، غُلِّبَ جَانِبُ الْمَانِعِ الْحَاظِرِ احْتِيَاطًا.
59- وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْبِغَالُ تَابِعَةٌ لِلْأُمِّ، فَالْبَغْلُ الَّذِي أُمُّهُ أَتَانٌ (حِمَارَةٌ) يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِهِ تَحْرِيمًا تَبَعًا لأُِمِّهِ، وَاَلَّذِي أُمُّهُ فَرَسٌ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِيهِ الْخَيْلُ: فَيَكُونُ مَكْرُوهًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُبَاحًا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ.فَلَوْ فُرِضَ تَوَلُّدُهُ بَيْنَ حِمَارٍ وَبَقَرَةٍ، أَوْ بَيْنَ حِصَانٍ وَبَقَرَةٍ فَهُوَ مُبَاحٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْحَنَفِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، تَبَعًا لأُِمِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمَا يُقَالُ فِي الْبِغَالِ يُقَالُ فِي كُلِّ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَالتَّبَعِيَّةُ لِلْأُمِّ هِيَ الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَيُعْرَفُ مِنَ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَاشِيَتِهِ لِابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ وَلَوْ وَلَدَتِ الْمَأْكُولَةُ مَا صُورَتُهُ صُورَةُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ ذِئْبًا فَإِنَّهُ يَحِلُّ.
60- وَالْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا يَقُولُونَ بِقَاعِدَةِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ فِي الْحُكْمِ مَعَ بَعْضِ اخْتِلَافٍ: فَهُمْ يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِأَلاَّ يَأْتِيَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ عَلَى صُورَةِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنَّهُ عِنْدَئِذٍ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُمُّ مُبَاحَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الشَّاةُ خِنْزِيرًا.وَكَذَلِكَ لَا يُجَوِّزُونَ أَكْلَ مُبَاحٍ وَلَدَتْهُ مُحَرَّمَةٌ، كَشَاةٍ مِنْ أَتَانٍ (وَفْقًا لِلْقَاعِدَةِ) وَلَا عَكْسُهُ أَيْضًا، كَأَتَانٍ مِنْ شَاةٍ (عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ) وَلَكِنَّ هَذَا الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى صُورَةِ الْمُبَاحِ إِذَا نَسَلَ يُؤْكَلُ نَسْلُهُ عِنْدَهُمْ حَيْثُ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْمُبَاحِ، لِبُعْدِهِ عَنْ أُمِّهِ الْمُحَرَّمَةِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْبَغْلِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّحْرِيمُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.وَثَانِيهِمَا: الْكَرَاهَةُ دُونَ تَفْرِيقٍ أَيْضًا بَيْنَ كَوْنِ أُمِّهِ فَرَسًا أَوْ أَتَانًا، اعْتِمَادًا عَلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى فِي خُصُوصِ الْبَغْلِ غَيْرِ قَاعِدَةِ التَّوَلُّدِ.
61- وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْبَغْلَ يَتْبَعُ أُمَّهُ أَنَّهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا: حِلًّا، وَحُرْمَةً، وَكَرَاهَةً، فَيَبْقَى هَذَا الْحُكْمُ بَعْدَ خُرُوجِهِ اسْتِصْحَابًا.
وَحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ أَوِ الْكَرَاهَةَ التَّحْرِيمِيَّةَ.مِنَ الْكِتَابِ قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}.فَقَدْ بَيَّنَتِ الْآيَةُ مَزَايَاهَا أَنَّهَا رَكَائِبُ وَزِينَةٌ، وَسَكَتَتْ عَنِ الْأَكْلِ فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ.
وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَعْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ- لُحُومَ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ وَلُحُومَ الْبِغَالِ، وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ».
وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ».
وَحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ هِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَبَيْنَ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} فَقَالُوا: إِنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةٌ، عَمَلًا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَيْسَتْ وَاضِحَةَ الْإِبَاحَةِ لِلْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْأَحَادِيثِ، فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا}.
وَقَالَ أَيْضًا: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا فَصْلَ تَحْرِيمَ الْبَغْلِ، فَهُوَ حَلَالٌ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْحِمَارِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ قَوْلٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مُنْذُ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ هُوَ مُغَايِرٌ لِلْحِمَارِ، وَلَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ.
النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: كُلُّ حَيَوَانٍ لَمْ يَعْرِفْهُ الْعَرَبُ فِي أَمْصَارِهِمْ:
62- الْمُرَادُ بِهَذَا النَّوْعِ مَا كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ مِنْ قَبْلُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فِي أَمْصَارِهِمْ وَأَشْبَهَ مَا اسْتَطَابُوهُ أَوِ اسْتَخْبَثُوهُ.
فَمَا كَانَ مُشَبَّهًا لِمَا اسْتَطَابُوهُ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ.وَمَا كَانَ مُشَبَّهًا لِمَا اسْتَخْبَثُوهُ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} أَيْ مَا اسْتَطَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، لِأَنَّهُ هُمُ السَّائِلُونَ الَّذِينَ وُجِّهَ إِلَيْهِمُ الْجَوَابُ.وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} أَيْ مَا اسْتَخْبَثُوهُ، فَاَلَّذِينَ تُعْتَبَرُ اسْتِطَابَتُهُمْ وَاسْتِخْبَاثُهُمْ إِنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَخُوطِبُوا بِهِ أَوَّلًا.وَالْمُعْتَبَرُ مِنْهُمْ أَهْلُ الْأَمْصَارِ لَا أَهْلُ الْبَوَادِي، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْكُلُونَ لِلضَّرُورَةِ مَا يَجِدُونَ مَهْمَا كَانَ.
فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَيَوَانِ فِي أَمْصَارِ الْحِجَازِ يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ مَا يُشْبِهُهُ فِي بِلَادِهِمْ.فَإِنْ أَشْبَهَ مَا اسْتَطَابُوهُ حَلَّ، وَإِنْ أَشْبَهَ مَا اسْتَخْبَثُوهُ حَرُمَ.وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا مِمَّا عِنْدَهُمْ حَلَّ، لِدُخُولِهِ تَحْتَ قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الْآيَةَ.
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.وَصَرَّحَ بِنَحْوِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ اخْتِلَافَاتٍ يَسِيرَةٍ تُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كُتُبِهِمْ.
63- وَالْمَالِكِيَّةُ يُحِلُّونَ كُلَّ مَا لَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
فَالْمَالِكِيَّةُ لَا يَعْتَبِرُونَ اسْتِطَابَةَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَلَا اسْتِخْبَاثَهُمْ وَلَا الْمُشَابَهَةَ أَسَاسًا فِي تَفْسِيرِ الطَّيِّبَاتِ.
وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مَجْمُوعُ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ التَّالِيَةِ، هِيَ قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}، وَقَوْلُهُ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَمِنْهَا يُعْرَفُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ الْأُولَى، فَيَبْقَى مَا سِوَاهُ دَاخِلًا فِي عُمُومِهَا الْمُبِيحِ.
مَا يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لِسَبَبٍ عَارِضٍ:
64- هُنَاكَ حَالَاتٌ عَارِضَةٌ تَجْعَلُ بَعْضَ أَنْوَاعٍ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا أَكْلُهَا شَرْعًا، وَلَوْ ذُكِّيَتِ التَّذْكِيَةَ الْمَقْبُولَةَ شَرْعًا.فَإِذَا زَالَتْ أَسْبَابُ الْحُرْمَةِ أَوِ الْكَرَاهَةِ الْعَارِضَةِ عَادَ الْحَيَوَانُ حَلَالًا دُونَ حَرَجٍ.
هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ مِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ، وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ نَفْسِهِ، وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِهِمَا مَعًا.وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:
أَسْبَابُ التَّحْرِيمِ الْعَارِضَةِ:
أ- الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ:
65- هَذَا سَبَبٌ يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ، فَحَالَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ تُجْعَلُ مِنَ الْمَحْظُورِ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدُ حَيَوَانِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ، مَا دَامَ الشَّخْصُ مُحْرِمًا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إِحْرَامِهِ.فَإِذَا قَتَلَ حَيَوَانًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ صَيْدًا، أَوْ أَمْسَكَهُ فَذَبَحَهُ، كَانَ كَالْمَيْتَةِ حَرَامُ اللَّحْمِ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُحْرِمِ نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ اصْطَادَهُ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ أَوْ خَارِجَهُ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الْآيَةَ.
66- وَالْمُرَادُ بِحَيَوَانِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْحَيَوَانُ الْمُتَوَحِّشُ الْمُمْتَنِعُ، أَيْ غَيْرُ الْآهِلِ كَالظِّبَاءِ وَالْحَمَامِ.
أَمَّا الْآهِلُ كَالدَّوَاجِنِ مِنَ الطُّيُورِ، وَالْأَنْعَامِ مِنَ الدَّوَابِّ فَهُوَ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ.وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ الْمَائِيُّ حَلَالٌ مُطْلَقًا، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}.وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ.
ب- وُجُودُ حَيَوَانِ الصَّيْدِ فِي نِطَاقِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ:
67- وَيَشْمَلُ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَالْأَرْضَ الْمُحِيطَةَ بِهَا إِلَى الْحُدُودِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَحْكَامِ الْحَجِّ، وَالْمَعْرُوفَةَ بِحُدُودِ الْحَرَمِ.وَهَذَا سَبَبٌ يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ فِي حِمَايَةِ الْحَرَمِ الْآمِنِ.فَكُلُّ حَيَوَانٍ مِنْ حَيَوَانِ الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْمَأْكُولِ يَقْطُنُ فِي نِطَاقِ الْحَرَمِ، أَوْ يَدْخُلُ فِيهِ دُونَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ امْتِلَاكٌ سَابِقٌ، فَإِنَّهُ إِذَا قُتِلَ أَوْ ذُبِحَ أَوْ عُقِرَ كَانَ لَحْمُهُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ، وَلَوْ كَانَ قَاتِلُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْمَكَانِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}،
وَبِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ».
هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
20-موسوعة الفقه الكويتية (بيع الجزاف)
بَيْعُ الْجُزَافِالتَّعْرِيفُ:
1- الْجُزَافُ اسْمٌ مِنْ جَازَفَ مُجَازَفَةً مِنْ بَابِ قَاتَلَ، وَالْجُزَافُ بِالضَّمِّ خَارِجٌ عَنِ الْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ بِكَسْرِ الْجِيمِ.
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْجَزْفِ، أَيِ الْأَخْذُ بِكَثْرَةٍ، وَجَزَفَ فِي الْكَيْلِ جَزْفًا: أَكْثَرَ مِنْهُ.وَيُقَالُ لِمَنْ يُرْسِلُ كَلَامَهُ إِرْسَالًا مِنْ غَيْرِ قَانُونٍ: جَازَفَ فِي كَلَامِهِ، فَأُقِيمَ نَهْجُ الصَّوَابِ فِي الْكَلَامِ مَقَامَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.
وَبَيْعُ الْجُزَافِ اصْطِلَاحًا: هُوَ بَيْعُ مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ، أَوْ يُعَدُّ، جُمْلَةً بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَلَا عَدٍّ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2- الْأَصْلُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَفِي بَيْعِ الْجُزَافِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ، كَبَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ، دُونَ مَعْرِفَةِ كَيْلِهَا أَوْ وَزْنِهَا، وَبَيْعِ قَطِيعِ الْمَاشِيَةِ دُونَ مَعْرِفَةِ عَدَدِهَا، وَبَيْعِ الْأَرْضِ دُونَ مَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهَا، وَبَيْعِ الثَّوْبِ دُونَ مَعْرِفَةِ طُولِهِ.
وَبَيْعُ الْجُزَافِ اسْتُثْنِيَ مِنَ الْأَصْلِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَاضْطِرَارِهِمْ إِلَيْهِ، بِمَا يَقْتَضِي التَّسْهِيلَ فِي التَّعَامُلِ.قَالَ الدُّسُوقِيُّ: الْأَصْلُ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ مَنْعُهُ، وَلَكِنَّهُ خُفِّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ مِنَ الْمَعْدُودِ، أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ».وَفِي رِوَايَةٍ: «رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا ابْتَاعُوا الطَّعَامَ جُزَافًا يَضْرِبُونَ فِي أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ، وَذَلِكَ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «يُحَوِّلُوهُ» وَفِي أُخْرَى: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- كَانَ يَشْتَرِي الطَّعَامَ جُزَافًا فَيَحْمِلُهُ إِلَى أَهْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِبَيْعِ الْجُزَافِ، فَيَكُونُ هَذَا دَالًّا عَلَى جَوَازِهِ، وَأَلْفَاظُ الرِّوَايَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-، مِمَّا يُفِيدُ حُكْمَ الرَّفْعِ.
وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
شُرُوطُ بَيْعِ الْجُزَافِ:
3- اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِجَوَازِ بَيْعِ الْجُزَافِ سِتَّةَ شُرُوطٍ:
(أ) أَنْ يُرَى الْمَبِيعُ جُزَافًا حَالَ الْعَقْدِ، أَوْ قَبْلَهُ إِذَا اسْتَمَرَّ عَلَى حَالِهِ إِلَى وَقْتِ الْعَقْدِ دُونَ تَغْيِيرٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى الرُّؤْيَةِ فَسَادُ الْمَبِيعِ، كَقِلَالِ الْخَلِّ الْمُطَيَّنَةِ يُفْسِدُهَا فَتْحُهَا، فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَتِهَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ.
(ب) أَنْ يَجْهَلَ الْمُتَبَايِعَانِ مَعًا قَدْرَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا فَلَا يَصِحُّ.
(ج) أَنْ يَحْزِرَا وَيُقَدِّرَا قَدْرَهُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ.
(د) أَنْ تَسْتَوِيَ الْأَرْضُ الَّتِي يُوضَعُ عَلَيْهَا الْمَبِيعُ.
(هـ) أَلَا يَكُونَ مَا يُرَادُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَثِيرًا جِدًّا، لِتَعَذُّرِ تَقْدِيرِهِ.سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا.
كَمَا يُشْتَرَطُ أَلَا يَقِلَّ جِدًّا إِنْ كَانَ مَعْدُودًا، لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ بِالْعَدِّ.
أَمَّا إِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَيَجُوزُ وَإِنْ قَلَّ جِدًّا.
وَأَنْ يَشُقَّ عَدُّهُ وَلَا تُقْصَدُ أَفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، سَوَاءٌ قَلَّ ثَمَنُهُ أَوْ لَمْ يَقِلَّ كَالْبَيْضِ.وَإِذَا قُصِدَتْ أَفْرَادُهُ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا إِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ.وَمُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ جُزَافًا إِنْ لَمْ يَقِلَّ ثَمَنُهَا كَالثِّيَابِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَشُقَّ عَدُّهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، سَوَاءٌ أَقُصِدَتْ أَفْرَادُهُ أَمْ لَمْ تُقْصَدْ، قَلَّ ثَمَنُهَا أَوْ لَمْ يَقِلَّ.
وَانْفَرَدَ الْمَالِكِيَّةُ فِي تَفْصِيلِ الشُّرُوطِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا مَا شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ فِي اعْتِبَارِهَا، كَمَا فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالرَّابِعِ.كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
وَلِبَيْعِ الْجُزَافِ صُوَرٌ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
بَيْعُ الصُّبْرَةِ جُزَافًا:
4- الصُّبْرَةُ هِيَ: الْكَوْمَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنَ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ.وَالصُّبْرَةُ الْمَجْهُولَةُ الْقَدْرِ الْمَعْلُومَةُ بِالرُّؤْيَةِ، إِمَّا أَنْ تُبَاعَ بِثَمَنٍ إِجْمَالِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ تُبَاعَ عَلَى أَسَاسِ السِّعْرِ الْإِفْرَادِيِّ، كَمَا لَوْ قَالَ: كُلُّ صَاعٍ مِنْهَا بِكَذَا.
فَأَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِي جَوَازِهِ خِلَافًا إِنْ كَانَ مِمَّا يَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ.وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ إِذَا بِيعَ شَيْءٌ مِنْهَا بِجِنْسِهِ كَمَا يَأْتِي.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الَّتِي يُجْهَلُ مِقْدَارُ كَيْلِهَا أَوْ وَزْنِهَا عَلَى أَسَاسِ سِعْرِ وَحْدَةِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى جَوَازِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ الَّتِي يُجْهَلُ عَدَدُ صِيعَانِهَا مُجَازَفَةً، بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ مِنَ الطَّعَامِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الصُّبْرَةِ تَكْفِي فِي تَقْدِيرِهَا، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ بِالْإِمْكَانِ مَعْرِفَتُهُ بِالتَّفْصِيلِ بِكَيْلِ الصُّبْرَةِ، فَيَرْتَفِعُ الْغَرَرُ، وَتَزُولُ الْجَهَالَةُ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَجُوزُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي الصُّبْرَةِ كُلِّهَا، إِلاَّ إِذَا عُرِفَ عَدَدُ الصِّيعَانِ، وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ صَرْفِ الْبَيْعِ إِلَى الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، فَيُصْرَفُ إِلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ مَعْلُومٌ.
فَإِذَا زَالَتِ الْجَهَالَةُ بِتَسْمِيَةِ جُمْلَةِ الْقُفْزَانِ، أَوْ بِأَنْ تُكَالَ الصُّبْرَةُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، جَازَ بَيْعُ الصُّبْرَةِ وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ جُزَافًا.
تَسَاوِي مَوْضِعِ صُبْرَةِ الطَّعَامِ عِنْدَ بَيْعِهَا جُزَافًا:
5- لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ فِي بَيْعِ صُبْرَةِ الطَّعَامِ جُزَافًا أَنْ يَضَعَهَا عَلَى مَوْضِعٍ يَنْقُصُهَا، كَأَنْ تَكُونَ عَلَى دِكَّةٍ أَوْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَلِكَ السَّمْنُ وَنَحْوُهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ الَّتِي تُبَاعُ بِوَضْعِهَا فِي ظَرْفٍ أَوْ إِنَاءٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ- إِنْ بَاعَهَا جُزَافًا- أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ مِمَّا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ رِقَّةً وَغِلَظًا؛ لِأَنَّ هَذَا غِشٌّ يُؤَدِّي إِلَى الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَالنِّزَاعِ، فَلَا يُمْكِنُ مَعَهُ تَقْدِيرُهَا بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا.
فَإِذَا كَانَتِ الصُّبْرَةُ عَلَى دِكَّةٍ أَوْ رَبْوَةٍ أَوْ حَجَرٍ لِيُنْقُصَهَا سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْبَائِعُ أَمْ لَمْ يَقْصِدُ، فَاشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِذَلِكَ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَمُلْزِمٌ لِلْبَائِعِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ، أَوِ الرُّجُوعِ بِالنَّقْصِ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، بِأَنْ تُقَوَّمَ الصُّبْرَةُ مَغْشُوشَةً مَعَ وَضْعِهَا عَلَى دِكَّةٍ أَوْ حَجَرٍ، وَتُقَوَّمَ بِدُونِ ذَلِكَ، فَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ.
وَإِنْ بَاعَهُ صُبْرَةَ الطَّعَامِ، وَظَهَرَ أَنَّ تَحْتَهَا حُفْرَةً فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ، لِأَنَّهُ سَيَزِيدُ فِي قَدْرِهَا.
وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُفْرَةِ.
بَيْعُ الْمَذْرُوعَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ جُزَافًا:
6- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ أَنْ يُبَاعَ قَطِيعُ الْمَاشِيَةِ مَعَ الْجَهْلِ بِعَدَدِهِ، كُلُّ رَأْسٍ بِكَذَا.وَأَنْ تُبَاعَ الْأَرْضُ وَالثَّوْبُ جُزَافًا، كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا، مَعَ الْجَهْلِ بِجُمْلَةِ الذُّرْعَانِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَبَيْنَ الْمَعْدُودَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ: أَنَّ الْأُولَى لَا تَتَفَاوَتُ أَجْزَاؤُهَا فِي الْعَادَةِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا إِذَا فُرِّقَتْ، فَتَكْفِي رُؤْيَتُهَا جُمْلَةً.
أَمَّا الْمَعْدُودَاتُ وَالْمَذْرُوعَاتُ كَالْمَاشِيَةِ وَالْأَرْضِ، فَتَتَفَاوَتُ أَجْزَاؤُهَا إِذَا فُرِّقَتْ، وَلَا تَكْفِي رُؤْيَتُهَا جُمْلَةً.
الْبَيْعُ جُزَافًا مَعَ عِلْمِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ:
7- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ بَيْعِ الْجُزَافِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَبَايِعَانِ يَجْهَلَانِ قَدْرَ الْمَبِيعِ جَمِيعًا، أَوْ يَعْلَمَانِهِ جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ جُزَافًا مَعَ عِلْمِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ دُونَ الْآخَرِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَهُمْ: مَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْجُزَافِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ فِيمَا يُبَاعُ تَخْمِينًا وَحَزْرًا، فَإِذَا عُرِفَ قَدْرُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا إِذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا جُزَافًا، إِذَا عَلِمَ بِعِلْمِ الْبَائِعِ بِقَدْرِهَا، وَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْعَقْدِ إِذَا عَلِمَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي بِقَدْرِهَا.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ عِلْمِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِكَرَاهَتِهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِهِ، مُرَاعَاةً لِخِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ.
بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ جُزَافًا:
8- لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْمَالُ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً.لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ.يَدًا بِيَدٍ»
فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ إِلاَّ بِتَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا، وَإِلاَّ بِالتَّقَابُضِ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْبَيْعِ الْجُزَافِ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ عَلَى التَّخْمِينِ وَالتَّقْدِيرِ، فَيَبْقَى احْتِمَالُ الرِّبَا قَائِمًا، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ الرُّطَبِ بِالثَّمَرِ الْجَافِّ»، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ تَمْرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ».
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ إِذَا جَفَّ، فَيَكُونُ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ.
وَالْقَاعِدَةُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ: أَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ.
ضَمُّ مَعْلُومٍ فِي الْبَيْعِ أَوْ جُزَافٍ إِلَى جُزَافٍ:
9- إِذَا ضُمَّ جُزَافٌ إِلَى جُزَافٍ فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثَمَنَيْنِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْجُزَافِ الْوَاحِدِ، مِنْ حَيْثُ تَنَاوُلُ الرُّخْصَةِ لَهُمَا.كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ صُبْرَتَيِ التَّمْرِ وَالْحَبِّ هَاتَيْنِ، أَوْ بِعْتُكَ ثَمَرَةَ حَائِطَيَّ هَذَيْنِ جُزَافًا بِثَلَاثِ دَنَانِيرَ، أَوْ قَالَ: أُولَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَالثَّانِيَةُ بِدِينَارَيْنِ.
وَكَذَا لَوْ ضَمَّ إِلَى الْجُزَافِ سِلْعَةً مِمَّا لَا يُبَاعُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَهَذِهِ الدَّابَّةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ.
أَمَّا إِنْ ضُمَّ فِي الْبَيْعِ إِلَى الْجُزَافِ مَعْلُومٌ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ، فَقَدْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى فَسَادِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ انْضِمَامَهُ إِلَيْهِ يُصَيِّرُ فِي الْمَعْلُومِ جَهْلًا لَمْ يَكُنْ.
وَقَدْ قَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ انْضِمَامَ الْمَعْلُومِ الْقَدْرِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ إِلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ: لِأَنَّ الْجُزَافَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِيهِ- بِحَسَبِ الْعُرْفِ- أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا كَالْأَرْضِ، أَوْ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّقْدِيرِ كَالْكَيْلِ لِلْحُبُوبِ.وَكَذَلِكَ الْمَعْلُومُ الْقَدْرِ الْمُنْضَمُّ إِلَيْهِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، أَوْ أَنْ يُبَاعَ بِالتَّقْدِيرِ: فَإِنْ كَانَ الْجُزَافُ أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، وَالْمَعْلُومُ الْقَدْرِ أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ بِالْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدِّ، كَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ، صَحَّ الْبَيْعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِيعَ عَلَى أَصْلِهِ.
وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأُخْرَى، لِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ فِي كِلَيْهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَأَمْثِلَتُهَا:
أ- جُزَافُ حَبٍّ مَعَ مَكِيلِ أَرْضٍ (أَيْ أَرْضٍ مُقَدَّرَةٍ بِالْمِسَاحَةِ).
ب- جُزَافُ حَبٍّ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ.
ج- جُزَافُ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ أَرْضٍ.
هَذَا كُلُّهُ فِي الْجُزَافِ إِذَا بِيعَ عَلَى غَيْرِ كَيْلٍ أَوْ نَحْوِهِ.
أَمَّا إِنْ بِيعَ الْجُزَافُ عَلَى كَيْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ مُطْلَقًا، كَأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، عَلَى أَنَّ مَعَ الْمَبِيعِ سِلْعَةَ كَذَا مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ لَهَا، بَلْ ثَمَنُهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَرَى بِهِ الصُّبْرَةَ؛ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ السِّلْعَةَ مِنَ الثَّمَنِ حِينَ الْبَيْعِ مَجْهُولٌ، وَمَعْنًى مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَتِ السِّلْعَةُ مِنْ جِنْسِ الصُّبْرَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، لِأَنَّهُ إِذَا سَمَّى الثَّمَنَ فَبَانَ أَنَّهُ يُسَاوِي أَكْثَرَ، وَسَامَحَ فِيهِ الْبَائِعُ مِنْ أَجْلِ إِتْمَامِ الصَّفْقَةِ جُزَافًا، كَانَتِ التَّسْمِيَةُ كَعَدَمِهَا، لِأَنَّهُ صَارَ بِمَثَابَةِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ.
وَإِذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنَهَا، كَانَ مَا يَخُصُّ السِّلْعَةَ مِنَ الثَّمَنِ مَجْهُولًا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَقَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ الْأُخْرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَحَّ.
أَمَّا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ، كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ.قَالُوا: لِإِفْضَائِهِ إِلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ فِي التَّفْصِيلِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَفِيزًا وَشَيْئًا بِدِرْهَمٍ، وَالشَّيْءُ لَا يَعْرِفَانِهِ، لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمَا بِكَمِّيَّةِ مَا فِي الصُّبْرَةِ مِنَ الْقُفْزَانِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي صُورَةِ مَا إِذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ الْأُخْرَى.لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْجَهَالَةِ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ صَاعًا وَشَيْئًا بِدِرْهَمٍ، وَالشَّيْءُ لَا يُعْرَفُ، لِلْجَهَالَةِ بِكَمِّيَّةِ مَا فِي الصُّبْرَةِ مِنَ الصِّيعَانِ.
وَلَمْ نَطَّلِعْ عَلَى تَفْصِيلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
10- لَوْ بَاعَ هَذِهِ الصُّبْرَةَ أَوْ نَحْوَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، كُلَّ صَاعٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ الْبَيْعُ، إِنْ خَرَجَ مَا بَاعَهُ مِائَةً، لِتَوَافُقِ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ فَلَا غَرَرَ وَلَا جَهَالَةَ.وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِائَةً، بِأَنْ خَرَجَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجُمْلَةِ وَالثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ.
ظُهُورُ الْمَبِيعِ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ مِنَ الْمُسَمَّى:
11- مَنِ ابْتَاعَ صُبْرَةَ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَوَجَدَهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَمَنِ ابْتَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَوَجَدَهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ الْمَبِيعُ زَائِدًا أَمْ نَاقِصًا عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ فِي الْعَقْدِ.
وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا أَمْ أَرْضًا مِنَ الْمَذْرُوعَاتِ، أَوْ صُبْرَةَ طَعَامٍ مِنَ الْمَكِيلَاتِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ، إِذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَرْضًا أَوْ ثَوْبًا، وَذَلِكَ لِاخْتِلَالِ الْوَصْفِ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ، لِأَنَّهُ اشْتَرَى الْكُلَّ.كَمَا لَا يُجْبَرَانِ عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ- مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ- عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فِي حَالَ الزِّيَادَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي فِي حَالِ النُّقْصَانِ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بَيْنَ مَا يُبَاعُ ذَرْعًا كَالثَّوْبِ وَالْأَرْضِ، وَبَيْنَ مَا يُبَاعُ كَيْلًا كَصُبْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَهُمَا، بَلْ أَثْبَتُوا الْخِيَارَ لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ مُطْلَقًا.
فَفِي صُورَةِ مَا إِذَا ابْتَاعَ صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَهَا أَقَلَّ.ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخْذَ الْمَوْجُودِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ الْمِثْلِيِّ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَلَمْ يَتِمَّ رِضَا الْمُشْتَرِي بِهِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا تَمَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ أَخْذِ الْمَوْجُودِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَكَانَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا.
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْبَاقِي مِنَ الْكَيْلِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِكُلِّ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْفَسْخِ.
وَإِذَا وَجَدَ الصُّبْرَةَ أَكْثَرَ مِمَّا تَمَّ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ: رَدَّ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ تَضَرَّرَ بِالزِّيَادَةِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ.وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِيمَا إِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: لَا تَفْسَخْ، وَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ، أَوْ أَنَا أُعْطِيكَ ثَمَنَ الزَّائِدِ.
وَإِذَا كَانَ مَا يُبَاعُ جُزَافًا مَذْرُوعًا كَالثَّوْبِ وَالْأَرْضِ، وَظَهَرَ أَنَّهُ أَقَلُّ مِمَّا اتُّفِقَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْبَيْعَ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إِذَا حَطَّ الْبَائِعُ مِنَ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أَوْ أَنْ يَتْرُكَ الْبَيْعَ.
وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَبِيعَ أَكْثَرُ مِمَّا اتُّفِقَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الذَّرْعَ كَالْوَصْفِ، وَالْأَوْصَافُ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ تَفْصِيلٌ فِي مَذْهَبِهِمْ:
فَذَهَبُوا إِلَى تَخْيِيرِ الْبَائِعِ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ زَائِدًا، وَبَيْنَ تَسْلِيمِ الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ.فَإِنْ رَضِيَ بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا.وَإِنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ زَائِدًا، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ أَوِ الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَقِسْطِ الزَّائِدِ.
فَإِنْ رَضِيَ بِالْأَخْذِ أَخَذَ الْعَشَرَةَ، وَالْبَائِعُ شَرِيكٌ لَهُ فِي الذِّرَاعِ.
وَفِي تَخْيِيرِ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ وَجْهَانِ.
الْأَوَّلُ: لَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي الْمُشَارَكَةِ.
الثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ بِهَذَا الثَّمَنِ.
فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ الثَّمَنُ مَعَ بَقَاءِ جُزْءٍ لَهُ فِيهِ كَانَ زِيَادَةً عَلَى مَا رَضِيَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الْفَسْخَ.فَإِنْ بَذَلَهَا الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ، أَوْ طَلَبَهَا الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ، لَمْ يَلْزَمِ الْآخَرَ الْقَبُولُ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّرَاضِي مِنْهُمَا، فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ.وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ.
وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَذْرُوعَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ: أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْمَكِيلَاتِ هُوَ الْقَدْرُ، أَمَّا فِي الْمَذْرُوعَاتِ فَهُوَ الْوَصْفُ.
وَالْقَدْرُ يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ، أَمَّا الْوَصْفُ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْمَبِيعِ، وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ.وَلِهَذَا يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، إِذَا فَاتَ الْقَدْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ.وَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ كَامِلًا، إِذَا فَاتَ الْوَصْفُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ.فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، فَوَجَدَهَا نَاقِصَةً، فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِحِصَّتِهَا مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.
لِأَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِلْمَبِيعِ، إِلاَّ أَنَّهُ صَارَ أَصْلًا، لِأَنَّهُ أُفْرِدَ بِذِكْرِ الثَّمَنِ، فَيُنَزَّلُ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَهُ ثَوْبٍ مُسْتَقِلٍّ.
لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لِكُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ.فَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، لِأَنَّهُ إِنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الذَّرْعِ تَلْزَمُهُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ، فَكَانَ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
21-موسوعة الفقه الكويتية (بيع العرايا)
بَيْعُ الْعَرَايَاالتَّعْرِيفُ:
1- الْعَرَايَا: جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وَهِيَ: النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا، فَيَجْعَلُ لَهُ ثَمَرَهَا عَامَهَا، فَيَعْرُوهَا، أَيْ يَأْتِيهَا، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَدَخَلَتِ الْهَاءُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ ذُهِبَ بِهَا مَذْهَبَ الْأَسْمَاءِ، مِثْلَ النَّطِيحَةِ وَالْأَكِيلَةِ، فَإِذَا جِيءَ بِهَا مَعَ النَّخْلَةِ حُذِفَتِ الْهَاءُ، وَقِيلَ: نَخْلَةٌ عَرِيٌّ، كَمَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ، وَالْجَمْعُ: الْعَرَايَا
قَالَ فِي الْفَتْحِ: هِيَ فِي الْأَصْلِ عَطِيَّةُ ثَمَرِ النَّخْلِ دُونَ الرَّقَبَةِ: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَدْبِ تَتَطَوَّعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا ثَمَرَ لَهُ.
وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ اصْطِلَاحًا: بِأَنَّهَا بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا: بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَرْصًا، بِمَالِهِ يَابِسًا، بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ، كَيْلًا مَعْلُومًا لَا جُزَافًا.
حُكْمُهَا:
2- بَيْعُ الْعَرَايَا جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مَالِكًا لَيْسَ مَعَهُمْ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ الْمُجِيزُونَ بِمَا يَلِي:
أ- بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ، أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا، يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا»
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَالرُّخْصَةُ: اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْحَاظِرِ، فَلَوْ مُنِعَ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ مِنَ الِاسْتِبَاحَةِ، لَمْ يُبْقِ لَنَا رُخْصَةً بِحَالٍ.
ب- وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا، فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ».
قَالَ الْمَحَلِّيُّ- مِنَ الشَّافِعِيَّةِ-: شَكَّ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَحَدُ رُوَاتِهِ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ، فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ.
3- وَالْحَنَفِيَّةُ- وَكَذَا مَالِكٌ فِي التَّحْقِيقِ- لَمْ يَسْتَجِيزُوا، بَيْعَ الْعَرَايَا، وَذَلِكَ: لِلنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ: بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا
وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ-.قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: «فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ».
فَهَذِهِ النُّصُوصُ، وَأَمْثَالُهَا لَا تُحْصَى، كُلُّهَا مَشْهُورَةٌ، وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَلَا الْعَمَلُ بِمَا يُخَالِفُهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ، وَالتَّفَاضُلُ مُحَرَّمٌ بِهِ، وَكَذَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، وَلَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَخِّرًا، كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَهَذَا لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّفَاضُلِ ثَابِتٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَاضَلَا بِيَقِينٍ، أَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ فِي الْأَرْضِ.
4- وَمَعْنَى الْعَرَايَا، وَتَأْوِيلُهَا عِنْدَ الْمَانِعِينَ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ:
أ- أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ النَّخْلَةُ أَوِ النَّخْلَتَانِ، فِي وَسَطِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ لِرَجُلٍ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ، خَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ إِلَى حَوَائِطِهِمْ، فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ، فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ، فَرَخَّصَ- صلى الله عليه وسلم- لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَهُ خَرْصَ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ تَمْرًا، لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ، رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ.
ب- وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنْ يُعْرِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ نَخْلَةً مِنْ نَخْلِهِ، فَلَا يُسَلِّمُ ذَلِكَ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ، فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ذَلِكَ، وَيُعْطِيَهُ مَكَانَهُ بِخَرْصِهِ تَمْرًا مَجْذُوذًا بِالْخَرْصِ بَدَلَهُ.
وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- كَمَا قَالُوا- لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ، لَمْ يَمْلِكِ الثَّمَرَةَ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، فَصَارَ بَائِعًا مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ بَيْعًا مَجَازًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، فَيَكُونُ بِرًّا مُبْتَدَأً.كَمَا يَقُولُ الْمَرْغِينَانِيُّ.
5- وَقَدْ شَرَطَ الْحَنَابِلَةُ شُرُوطًا جَمَّةً لِجَوَازِ بَيْعِ الْعَرَايَا، وَوَافَقَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى بَعْضِهَا.
وَلِاسْتِكْمَالِ شُرُوطِ الْعَرَايَا، وَأَحْكَامِهَا، وَصُوَرِهَا.رَاجِعْ مُصْطَلَحِ (عرايا).
- رحمه الله-
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
22-موسوعة الفقه الكويتية (البيع الفاسد 1)
الْبَيْعُ الْفَاسِدُ -1التَّعْرِيفُ:
1- الْبَيْعُ: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَالْفَسَادُ: ضِدُّ الصَّلَاحِ.
وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ فِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يَكُونُ مَشْرُوعًا أَصْلًا لَا وَصْفًا.وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ: الصِّيغَةُ، وَالْعَاقِدَانِ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ.وَبِالْوَصْفِ: مَا عَدَا ذَلِكَ.
وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ.فَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُمْ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ.وَلِهَذَا يُفِيدُ الْحُكْمَ، إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، لَكِنَّهُ مَطْلُوبُ التَّفَاسُخِ شَرْعًا.
أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَالْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ سِيَّانِ، فَكَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ فَكَذَلِكَ الْفَاسِدُ لَا أَثَرَ لَهُ عِنْدَهُمْ.وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ وَافَقُوا الْحَنَفِيَّةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ حَيْثُ قَالُوا: إِنْ رَجَعَ الْخَلَلُ إِلَى رُكْنِ الْعَقْدِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى شَرْطِهِ فَفَاسِدٌ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْبَيْعُ الصَّحِيحُ:
2- الْبَيْعُ الصَّحِيحُ هُوَ: الْبَيْعُ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَيُفِيدُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ إِذَا خَلَا عَنِ الْمَوَانِعِ.فَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، مِنْ حُصُولِ الْمِلْكِ وَالِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ.وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ.
ب- (الْبَيْعُ الْبَاطِلُ:
3- الْبَيْعُ الْبَاطِلُ: مَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ، فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ، وَلَا تَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ مُنْعَقِدًا، فَلَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلَا وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ شَرْعًا، وَإِنْ وُجِدَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، كَالْبَيْعِ الْوَاقِعِ مِنَ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ، وَكَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالْحُرِّ، وَكُلِّ مَا لَا يُعْتَبَرُ مَالًا.
(ر: بُطْلَانُ، الْبَيْعِ الْبَاطِلِ).
ج- الْبَيْعُ الْمَكْرُوهُ:
4- الْمَكْرُوهُ لُغَةً: خِلَافُ الْمَحْبُوبِ.وَالْبَيْعُ الْمَكْرُوهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، لَكِنْ نُهِيَ عَنْهُ لِوَصْفٍ مُجَاوِرٍ غَيْرِ لَازِمٍ.كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ، وَبَيْعِ الْمُسْلِمِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَنَحْوِهِمَا.
وَالْبَيْعُ الْمَكْرُوهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، كَثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ فِي الْبَدَلَيْنِ، لَكِنْ فِيهِ إِثْمٌ إِنْ كَانَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا عَلَى اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ، لِوُرُودِ النَّهْيِ فِيهِ لِوَصْفٍ عَارِضٍ، وَهُوَ اقْتِرَانُهُ بِوَقْتِ النِّدَاءِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا.أَمَّا الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا فَلَا إِثْمَ فِيهِ كَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَصِحُّ بَيْعٌ بَعْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ عَقِبَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.
(ر: بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).
د- الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ:
5- الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ هُوَ: مَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَيُفِيدُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَامْتَنَعَ تَمَامُهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، كَبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ.وَيُسَمَّى الْبَائِعُ حِينَئِذٍ فُضُولِيًّا، لِتَصَرُّفِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ شَرْعِيٍّ.فَمَنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ يَكُونُ الْبَيْعُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، إِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ، إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ وَالْمُتَبَايِعَانِ بِحَالِهِمْ.
وَالْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ بَيْعٌ صَحِيحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ.وَبَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ.
(ر: الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ).
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6- يَحْرُمُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إِذَا كَانَ الْمُتَصَرِّفُ عَالِمًا بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً شَرْعِيَّةً وَلَوْ فِي وَصْفِ الْعَقْدِ، وَالْفَاسِدُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُبَاحٍ.
أَسْبَابُ الْفَسَادِ:
7- مَا يَلِي مِنَ الْأَسْبَابِ تُفْسِدُ الْعَقْدَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا تُبْطِلُهُ، وَالْبَيْعُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يُفِيدُ الْحُكْمَ بِشَرْطِ الْقَبْضِ، وَيُطَبَّقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْفَاسِدِ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ تُعْتَبَرُ مِنْ أَسْبَابِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ أَصْلًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَحَيْثُ إِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ هُوَ مُصْطَلَحُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَطْ فَيُقْتَصَرُ عَلَى ذِكْرِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ عِنْدَهُمْ:
أ- عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ إِلاَّ بِتَحَمُّلِ الضَّرَرِ:
8- مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ الْبَائِعَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَلْزَمُ بِالْتِزَامِ الْعَاقِدِ إِلاَّ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَا وَرَاءَهُ فَلَا.
وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا بَاعَ جِذْعًا فِي سَقْفٍ، أَوْ آجُرًّا فِي حَائِطٍ، أَوْ ذِرَاعًا فِي دِيبَاجٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِالنَّزْعِ وَالْقَطْعِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ.فَكَانَ بَيْعُ مَا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ شَرْعًا، فَيَكُونُ فَاسِدًا.
فَإِنْ نَزَعَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ جَازَ الْبَيْعُ، حَتَّى يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ.
وَلَوْ بَاعَ حِلْيَةَ سَيْفِهِ، فَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إِلاَّ بِضَرَرٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، إِلاَّ إِذَا فَصَلَ وَسَلَّمَ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَبَيْعُ فَصِّ خَاتَمٍ مُرَكَّبٍ فِيهِ، وَكَذَا بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ ثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ، لِلضَّرَرِ فِي تَسْلِيمِ ذَلِكَ كُلِّهِ.
ب- جَهَالَةُ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوِ الْأَجَلِ:
9- مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَعْلُومَيْنِ عِلْمًا يَمْنَعُ مِنَ الْمُنَازَعَةِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إِلَى الْمُنَازَعَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ.فَإِذَا قَالَ: بِعْتُكَ شَاةً مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ، أَوْ ثَوْبًا مِنْ هَذَا الْعِدْلِ فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ مِنَ الْقَطِيعِ أَوِ الثَّوْبَ مِنَ الْعِدْلِ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُفْضِيَةً إِلَى الْمُنَازَعَةِ، لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ، وَثَوْبٍ وَثَوْبٍ فَيُوجِبُ الْفَسَادَ.لَكِنْ إِذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ شَاةً أَوْ ثَوْبًا وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، وَرَضِيَ بِهِ جَازَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً بَيْعًا بِالْمُرَاضَاةِ.
وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، انْصَرَفَ إِلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، لَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ عِدَّةُ نُقُودٍ غَالِبَةٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ إِذِ الْبَعْضُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ.
10- وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ فِيهِ أَجَلٌ، يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ جَهَالَةُ الْأَجَلِ فَاحِشَةً، كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ وَقُدُومِ فُلَانٍ وَمَوْتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَمْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالنَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ غَرَرُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِمَّا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ فَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ.
ج- الْبَيْعُ بِالْإِكْرَاهِ:
11- الْإِكْرَاهُ إِذَا كَانَ مُلْجِئًا، أَيْ بِالتَّهْدِيدِ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ أَوِ الْعُضْوِ مَثَلًا، يُعْدِمُ الرِّضَا وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ، فَيَبْطُلُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَسَائِرُ الْعُقُودِ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
أَمَّا الْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ، كَالتَّهْدِيدِ بِالْحَبْسِ وَالضَّرَرِ الْيَسِيرِ، فَيُفْسِدُ الْبَيْعَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا يُبْطِلُهُ، فَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ، وَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا لَازِمًا بِإِجَازَةِ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ غَيْرَ الْمُلْجِئِ لَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ (الَّذِي هُوَ: تَرْجِيحُ فِعْلِ الشَّيْءِ عَلَى تَرْكِهِ)، وَإِنَّمَا يُعْدِمُ الرِّضَا (الِارْتِيَاحُ إِلَى الشَّيْءِ) وَالرِّضَا لَيْسَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ.كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي بَحْثِ (إِكْرَاه).
وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ فَاسِدٌ، كَمَا إِذَا اضْطُرَّ شَخْصٌ إِلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي إِلاَّ بِشِرَائِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ.
د- الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ:
12- مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ.
مِنْهَا مَا فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ، نَحْوُ مَا إِذَا اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ عِظَمَ الْبَطْنِ وَالتَّحَرُّكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعَارِضٍ، فَكَانَ فِي الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ غَرَرٌ يُوجِبُ فَسَادَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم-: أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».
وَيَرْوِي الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْبَيْعَ بِهَذَا الشَّرْطِ جَائِزٌ، لِأَنَّ كَوْنَهَا حَامِلًا بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ خَيَّاطًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَذَا جَائِزٌ، فَكَذَا هَذَا.
وَقَدْ أَلْحَقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَذَا الْمِثَالِ شِرَاءَ بَقَرَةٍ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ، أَوْ قُمْرِيَّةً عَلَى أَنَّهَا تُصَوِّتُ، أَوْ كَبْشًا عَلَى أَنَّهُ نِطَاحٌ، أَوْ دِيكًا عَلَى أَنَّهُ مُقَاتِلٌ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَرٌ.
وَفِي الْمَوْضُوعِ أَمْثِلَةٌ خِلَافِيَّةٌ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَظَانِّهَا.
وَمِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي تُفْسِدُ الْعَقْدَ: كُلُّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ بِمُلَائِمٍ وَلَا مِمَّا جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ.نَحْوُ: إِذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا، فَالْبَيْعُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَنْفَعَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ رِبًا، لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ رِبًا فَاسِدٌ.وَكَذَا مَا فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا، فَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ. (ر: ربا).
وَمِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ: شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَبَّدٍ فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَقَّتٍ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً، كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ مَثَلًا، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَرْط).
هـ- اشْتِمَالُ الْعَقْدِ عَلَى التَّوْقِيتِ:
13- مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ: أَلَا يَكُونَ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا، فَإِنْ أَقَّتَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعُقُودُ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً، وَلِهَذَا عَرَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْبَيْعَ بِأَنَّهُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ يُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ عَلَى التَّأْبِيدِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (أَجَل، تَأْقِيت).
و- اشْتِمَالُ الْعَقْدِ عَلَى الرِّبَا:
14- مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ: الْخُلُوُّ عَنِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ رِبًا فَاسِدٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّبَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ خَالِيًا عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، وَاحْتِمَالِ الرِّبَا.قَالَ الْكَاسَانِيُّ: حَقِيقَةُ الرِّبَا كَمَا هِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ، فَاحْتِمَالُ الرِّبَا مُفْسِدٌ لَهُ أَيْضًا، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ احْتِيَاطًا، وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم-: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ».
ز- الْبَيْعُ بِغَرَرٍ:
15- الْغَرَرُ هُوَ خَطَرُ حُصُولِ الشَّيْءِ أَوْ عَدَمُ حُصُولِهِ، فَإِذَا كَانَ الْغَرَرُ فِي أَصْلِ الْمَبِيعِ، بِأَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، كَبَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ، وَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصْطَادَ، فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَوْصَافِهِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَقْطُوعٍ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمَبِيعِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (غَرَر)
ح- بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ:
16- مَنِ اشْتَرَى عَيْنًا مَنْقُولَةً لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مِنَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُقْبَضَ».
وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، فَيَنْفَسِخُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ، وَسَوَاءٌ أَبَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ نِصْفَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ الَّذِي اشْتَرَاهُ، فَأَشْرَكَ رَجُلًا فِيمَا اشْتَرَاهُ جَازَ فِيمَا قَبَضَ، وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ نَوْعُ بَيْعٍ وَالْمَبِيعُ مَنْقُولٌ، فَلَمْ يَكُنْ غَيْرَ الْمَقْبُوضِ مَحَلًّا لَهُ شَرْعًا، فَلَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ الْمَقْبُوضِ، وَصَحَّ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ. (ر: قَبْض).
تَجَزُّؤُ الْفَسَادِ:
17- الْأَصْلُ اقْتِصَارُ الْفَسَادِ عَلَى قَدْرِ الْمُفْسِدِ، فَالصَّفْقَةُ إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ يَقْتَصِرُ الْفَسَادُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْمُفْسِدِ، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ الْفَسَادُ طَارِئًا.
وَقَدْ وَرَدَ فِي صُوَرِ بَيْعِ الْعِينَةِ: مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِعَشَرَةٍ وَلَمْ يَقْبِضِ الثَّمَنَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ لَمْ يَجُزْ، أَمَّا إِذَا اشْتَرَى ذَلِكَ الشَّيْءَ مَضْمُومًا إِلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَصِحُّ. جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنَ الْبَائِعِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا،
فَيَكُونَ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَهُوَ فَاسِدٌ بِشُبْهَةِ الرِّبَا.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُمَا لَا يُفَرِّقَانِ بَيْنَ الْفَسَادِ الطَّارِئِ وَالْفَسَادِ الْمُقَارِنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بِمُفْسِدٍ مُقَارِنٍ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا يَصِيرُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْفَاسِدِ شَرْطَ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَيُؤَثِّرُ فِي الْكُلِّ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْفَسَادِ الطَّارِئِ، فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْمُفْسِدِ.
وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ نَسِيئَةً، ثُمَّ نَقَدَ بَعْضَ الْعَشَرَةِ دُونَ الْبَعْضِ فِي الْمَجْلِسِ فَسَدَ الْكُلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ، فَيُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْكُلِّ.وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ بِقَدْرِ مَا قَبَضَ وَيَفْسُدُ فِي الْبَاقِي، بِنَاءً عَلَى اقْتِصَارِ الْفَسَادِ عَلَى قَدْرِ الْمُفْسِدِ. أَمْثِلَةٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
18- ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ- بَعْدَ بَيَانِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ- أَمْثِلَةً عَنِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: بَيْعُ مَا سُكِتَ فِيهِ عَنِ الثَّمَنِ، كَبَيْعِهِ بِقِيمَتِهِ، وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» وَبَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، وَاللَّحْمِ فِي الشَّاةِ، وَجِذْعٍ فِي سَقْفٍ، وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ.
أَمَّا اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ فَلِلْجَهَالَةِ وَاخْتِلَاطِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا الصُّوفُ عَلَى الظَّهْرِ، وَلِاحْتِمَالِ وُقُوعِ التَّنَازُعِ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ، وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ». وَأَمَّا اللَّحْمُ فِي الشَّاةِ وَالْجِذْعُ فِي السَّقْفِ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِضَرَرٍ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ.وَكَذَلِكَ ذِرَاعٌ مِنْ ثَوْبٍ وَحِلْيَةٌ فِي سَيْفٍ، وَإِنْ قَلَعَهُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ جَازَ.
وَلَوْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا إِلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ شُرِعَ فِي الْأَثْمَانِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُشْتَرِي، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ، وَأَنَّهُ مَعْدُومٌ فِي الْأَعْيَانِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا.
وَمِنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ لِنَهْيِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم- عَنْهُمَا وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا فِيهِمَا.وَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُقْرِضَ الْمُشْتَرِيَ دَرَاهِمَ أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، «لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»، وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَالْبَيْعُ إِلَى النَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إِذَا جَهِلَ الْمُتَبَايِعَانِ ذَلِكَ فَاسِدٌ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ إِلَى الْحَصَادِ وَالْقِطَافِ وَالدِّيَاسِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ، وَهِيَ تَقْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَإِنْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، خِلَافًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ: الْفَاسِدُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.
19- هَذَا، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ: الْبَيْعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، أَوْ بَيْعُهُمَا مُقَايَضَةً بِالْعَيْنِ، فَإِذَا قُوبِلَا بِالْعَيْنِ كَمَا إِذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِالْخَمْرِ، أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، أَمَّا إِنْ قُوبِلَا بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ: أَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوَّمٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكِ إِعْزَازِهِ، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ إِعْزَازٌ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهَا بِالدَّرَاهِمِ فَالدَّرَاهِمُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِمَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَمْرُ، فَسَقَطَ التَّقَوُّمُ أَصْلًا فَبَطَلَ الْعَقْدُ، بِخِلَافِ مُشْتَرِي الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ فِيهِ إِعْزَازًا لِلثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ.وَكَذَا إِذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ شِرَاءَ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ، لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً.
20- وَهُنَاكَ صُوَرٌ أُخْرَى اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي اعْتِبَارِهَا بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ بَيْعِهَا بَاطِلًا، كَبَيْعِ الْحَمْلِ، وَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ قَبْلَ اصْطِيَادِهِمَا لَوْ قُوبِلَا بِالْعَرْضِ، وَبَيْعِ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ وَالْغَائِصِ.وَبَيْعِ لُؤْلُؤٍ فِي صَدَفٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْآبِقِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ.
آثَارُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
21- تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فِي الْجُمْلَةِ، فَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ شَرْعًا، كَمَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ عِنْدَهُمْ.
وَلَمَّا قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَفَسَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَسَّرَهُ الدَّرْدِيرُ بِقَوْلِهِ: أَيْ بَطَلَ، أَيْ لَمْ يَنْعَقِدْ، سَوَاءٌ أَكَانَ عِبَادَةً، كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، أَمْ عَقْدًا، كَنِكَاحِ الْمَرِيضِ وَالْمُحْرِمِ، وَكَبَيْعِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوْ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.
وَكَتَبَ عَلَى نَصِّ خَلِيلٍ الدُّسُوقِيِّ قَوْلَهُ: أَيْ مَنْهِيٌّ عَنْ تَعَاطِيهِ.وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ شَامِلَةٌ لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَهِيَ الْعُقُودُ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ حَذَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ، وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ، لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا، إِذْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ.وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْفَاسِدَ عِنْدَهُمْ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، كَالْبَاطِلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.وَقَدْ أَخَذَ الْقَلْيُوبِيُّ وَالْجَمَلُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رحمه الله- (- أَنَّهُ أَهْمَلَ هُنَا فَصْلًا فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَذَكَرُوا أَحْكَامَهُ مُخْتَصَرَةً.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ، وَيَعْتَبِرُونَ الْفَاسِدَ مُنْعَقِدًا خِلَافًا لِلْبَاطِلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، وَلَهُ أَحْكَامٌ سَبَقَتْ فِي مُصْطَلَحِهِ. أَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَلَهُ أَحْكَامٌ نُجْمِلُهَا فِيمَا يَلِي:
أَوَّلًا- انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ:
22- الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا إِذَا قَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَسَكَتَ الْبَائِعُ، فَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ، بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إِجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إِلاَّ الِانْتِفَاعَ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا مَلَكَهُ تَثْبُتُ لَهُ كُلُّ أَحْكَامِ الْمِلْكِ إِلاَّ خَمْسَةً: لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهُ، وَلَا لُبْسُهُ، وَلَا وَطْؤُهَا- إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَمَةً- وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْهُ الْبَائِعُ، وَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ لَوْ عَقَارًا.
وَدَلِيلُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ فَاسِدًا حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رضي الله عنها-، حَيْثُ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فَأَبَى مَوَالِيهَا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلاَّ بِشَرْطِ: أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَقَالَ لَهَا: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّ- الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَاشْتَرَتْهَا مَعَ شَرْطِ الْوَلَاءِ لَهُمْ».فَأَجَازَ الْعِتْقَ مَعَ فَسَادِ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ. وَلِأَنَّ رُكْنَ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ، صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الْمُخَاطَبُ مُضَافًا إِلَى مَحَلِّهِ وَهُوَ الْمَالُ عَنْ وِلَايَةٍ، إِذِ الْكَلَامُ فِيهِمَا، فَيَنْعَقِدُ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى الْمَصَالِحِ، وَالْفَسَادُ لِمَعْنًى يُجَاوِرُهُ، كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، وَالنَّهْيُ لَا يَنْفِي الِانْعِقَادَ بَلْ يُقَرِّرُهُ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا لَا يُتَصَوَّرُ، وَعَنْ غَيْرِ الْمَقْدُورِ قَبِيحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ.
وَاشْتَرَطُوا لِإِفَادَةِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمِلْكَ شَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْقَبْضُ، فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ، لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْفَسْخِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَفِي وُجُوبِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ، فَإِنْ قَبَضَ بِغَيْرِ إِذْنٍ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ.
23- هَذَا، وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي كَيْفِيَّةِ حُصُولِ الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا.قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَسْلِيطِ الْبَائِعِ لَهُ، لَا بِاعْتِبَارِ تَمَلُّكِ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَكْلُ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا.وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِنَاءً عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا إِذَا اشْتَرَى دَارًا بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَقَبَضَهَا، فَبِيعَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا لَمَّا اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ.لَكِنْ لَا تَجِبُ فِيهِ شُفْعَةٌ لِلشَّفِيعِ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ.
أَيْ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي الْفَسْخَ.
انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمُسَمَّى:
24- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ حُصُولَ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي مُقَابِلِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، لَا الثَّمَنِ الْمُسَمَّى الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الطَّرَفَانِ.وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ فَلَا يَجِبُ الْمُسَمَّى، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِيمَةِ يَوْمُ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَيَوْمُ الْإِتْلَافِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
ثَانِيًا: اسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ:
25- الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَالْفَسَادُ مُقْتَرِنٌ بِهِ، وَدَفْعُ الْفَسَادِ وَاجِبٌ فَيَسْتَحِقُّ فَسْخَهُ، وَلِأَنَّ الْفَاسِدَ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ، إِزَالَةً لِلْخَبَثِ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ.وَلِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اشْتِرَاطَ الرِّبَا وَإِدْخَالَ الْآجَالِ الْمَجْهُولَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ وَالزَّجْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ يَصْلُحُ زَاجِرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفْسَخُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي فَسْخِهِ قَضَاءُ قَاضٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ.وَلَكِنْ لَوْ أَصَرَّا عَلَى إِمْسَاكِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فَلَهُ فَسْخُهُ جَبْرًا عَلَيْهِمَا، حَقًّا لِلشَّرْعِ.
شُرُوطُ الْفَسْخِ:
26- الْفَسْخُ مَشْرُوطٌ بِمَا يَلِي:
أ- أَنْ يَكُونَ بِعِلْمِ الْمُتَعَاقِدِ الْآخَرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ: ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الْأَسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.
ب- أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.
ج- أَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الرَّدُّ.
مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ:
27- الْفَسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ:
أ- فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَكَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الِامْتِنَاعِ مِنَ الْقَبُولِ وَالْإِيجَابِ، فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّهُ- كَمَا يَقُولُ الزَّيْلَعِيُّ- يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ.
ب- وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْقَبْضِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِمَا:
(1) فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ: الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ الرَّاجِعَ إِلَى الْبَدَلِ رَاجِعٌ إِلَى صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، لِأَنَّهُ لَا قِوَامَ لِلْعَقْدِ إِلاَّ بِالْبَدَلَيْنِ، فَكَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، فَيُؤَثِّرُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا.
(2) وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى الْبَدَلَيْنِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، كَالْبَيْعِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا:
- فَالْأَسْبِيجَابِيُّ قَرَّرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ لِصَاحِبِ الشَّرْطِ، بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ الَّذِي لَا يَرْجِعُ إِلَى الْبَدَلِ، لَا يَكُونُ قَوِيًّا فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْطِ، فَلَا يَلْزَمُهُ- وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ:
فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، لِعَدَمِ اللُّزُومِ، بِسَبَبِ الْفَسَادِ.
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: الْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ، فَلَوْ فَسَخَهُ الْآخَرُ، لأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، هَذَا لَا يَجُوزُ.
طَرِيقُ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
28- يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ بِطَرِيقِينَ:
الْأَوَّلُ: بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ نَقَضْتُهُ، فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضَا الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ ثَبَتَ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ.
الثَّانِي: بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ بَائِعِهِ- حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَالتَّخْلِيَةِ- فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
23-موسوعة الفقه الكويتية (بيع المزابنة)
بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ1- الْمُزَابَنَةُ: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الزَّبْنِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الدَّفْعُ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ وَالْمُدَافَعَةِ.أَيْ بِسَبَبِ الْغَبْنِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ: عَرَّفَهَا الْجُمْهُورُ بِأَنَّهَا: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ، مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا. (أَيْ ظَنًّا وَتَقْدِيرًا) وَالْخَرْصُ: الْحَزْرُ.وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَدَّرَ الرُّطَبُ الَّذِي عَلَى النَّخْلِ بِمِقْدَارِ مِائَةِ صَاعٍ مَثَلًا، بِطَرِيقِ الظَّنِّ وَالْحَزْرِ، فَيَبِيعَ بِقَدْرِهِ مِنَ التَّمْرِ.فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ رُطَبًا فَهُوَ جَائِزٌ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ.وَعَرَّفَهَا الدَّرْدِيرُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا: بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ، رِبَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ.أَوْ: بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ.
وَعَرَّفَهَا ابْنُ جُزَيٍّ، مِنْهُمْ أَيْضًا، بِأَنَّهَا: بَيْعُ شَيْءٍ رُطَبٍ، بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ رِبَوِيًّا، أَمْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ.
حُكْمُ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ:
2- لَمْ يَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ.فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَلَا يَصِحُّ، وَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي:
(أ) حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ».
(ب) وَلِشُبْهَةِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ بَيْعُ مَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ، مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا بِالْكَيْلِ.
وَيُصَرِّحُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ فِيهِمَا الرِّبَا، لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا.
(ج) وَلِلْغَرَرِ- كَمَا عَلَّلَهُ ابْنُ جُزَيٍّ-.
وَمِثْلُ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، بَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، زِيَادَةً عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: «وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَعَنْ كُلِّ تَمْرٍ بِخَرْصِهِ»
وَأَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ (لَعَلَّهُ لِذَلِكَ) عَدَمَ جَوَازِ بَيْعِ كُلِّ رَطْبٍ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ، لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مِثْلًا بِمِثْلٍ، حَتَّى الْحُبُوبِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
24-موسوعة الفقه الكويتية (بيع منهي عنه 2)
بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ -2بَيْعُ آلَاتِ اللَّهْوِ وَالْمَعَازِفِ:
19- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ آلَاتِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالْمَعَازِفِ إِلاَّ مَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْهَا، وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا.
وَالتَّقْيِيدِ بِالْمُحَرَّمَةِ، لِإِخْرَاجِ بَيْعِ الشِّطْرَنْجِ، الَّذِي يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ بِحِلِّهِ، وَطَبْلِ الْغُزَاةِ وَنَحْوِهِ، فَمِنَ الْمُحَرَّمَاتِ: الطُّنْبُورُ، وَالْمِزْمَارُ، وَالشَّبَّابَةُ (وَهِيَ النَّايَةُ) وَالْعُودُ، وَالصَّنْجُ وَالرَّبَابُ.
فَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَرَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الْآلَاتِ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ، فَبَطَلَ تَقَوُّمُهَا، وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهَا، كَالْخَمْرِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ قَرَّرُوا أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا، وَإِنْ قَلَّ كَالتُّرَابِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لَا تَجُوزُ فَهِيَ كَآلَاتِ اللَّهْوِ.
وَالشَّافِعِيَّةُ قَرَّرُوا أَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمَةَ لَا يُقْصَدُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا نَفْعَ بِهَا شَرْعًا.
وَالْحَنَابِلَةُ قَرَّرُوا أَنَّ كَسْرَ هَذِهِ الْآلَاتِ لَا يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ، وَأَنَّهَا كَالْمَيْتَاتِ.
وَتَحْرِيمُ بَيْعِ الْمَعَازِفِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بِتَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِبَاحَتِهَا إِذَا لَمْ يُلَابِسْهَا مُحَرَّمٌ، فَيَكُونُ بَيْعُهَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ مُبَاحًا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مَعَازِفُ).
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ- خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ- أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ آلَاتِ اللَّهْوِ كُلِّهَا، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، مُقَيَّدٌ بِأَنْ يُمْكِنَ اعْتِبَارُ مُكَسَّرِهَا مَالًا، فَفِيهَا نَفْعٌ مُتَوَقَّعٌ عِنْدَئِذٍ.
وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَرَى الصَّاحِبَانِ أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ مُعَدَّةٌ لِلْمَعْصِيَةِ، مَوْضُوعَةٌ لِلْفِسْقِ وَالْفَسَادِ
- كَمَا هُوَ تَعْبِيرُ الْكَاسَانِيِّ- فَلَا تَكُونُ أَمْوَالًا فَيَبْطُلُ تَقَوُّمُهَا، كَالْخَمْرِ.يَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَتِهَا لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، بِأَنْ تُجْعَلَ ظُرُوفًا لِأَشْيَاءَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ، وَإِنْ صَلَحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ فَصَارَتْ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَسَادَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ.وَجَوَازُ الْبَيْعِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ.
بَيْعُ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا:
20- الْخِلَافُ الْمَارُّ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فِي بَيْعِ آلَاتِ اللَّهْوِ، جَارٍ هُنَا فِي بَيْعِ الْأَصْنَامِ.
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ عَلَى التَّحْرِيمِ انْتِقَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ شَرْعًا، وَنَصُّ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ».
وَدَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقِلَّةِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْجَوَازِ: الِانْتِفَاعُ بِهَا بَعْدَ الْكَسْرِ، فَنَفْعُهَا مُتَوَقَّعٌ، فَوُجِدَتِ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ فِي الْمَالِ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِمَا.
وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ يَجْرِيَانِ فِي الْأَصْنَامِ وَالصُّوَرِ وَكَذَا الشَّوْكَانِيُّ
وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ مَا يُلْحَقُ بِالْأَصْنَامِ مَعَ بَعْضِ أَحْكَامِهَا: نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الصُّوَرِ وَالصُّلْبَانِ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلَانِ فِي الصُّوَرِ لِلصِّغَارِ صِحَّةً وَضَمَانًا.
وَنَصُّوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ النَّقْدِ الَّذِي عَلَيْهِ صُوَرٌ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مَا.
وَتَرَدَّدُوا فِي الصَّلِيبِ الْمُتَّخَذِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، هَلْ يُلْحَقُ بِالْأَصْنَامِ، أَوْ بِالنَّقْدِ الَّذِي عَلَيْهِ صُوَرٌ؟
(أ) فَرَجَّحُوا إِلْحَاقَهُ بِالصَّنَمِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ مِنْ شِعَارِهِمُ الْمَخْصُوصِ بِتَعْظِيمِهِمْ.
(ب) وَرَجَّحُوا إِلْحَاقَهُ بِالنَّقْدِ الَّذِي عَلَيْهِ صُوَرٌ إِنْ أُرِيدَ بِهِ ابْتِذَالُهُ بِالِاسْتِعْمَالِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.
21- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ أَوْ مُوَكِّلِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْعَاقِدُ يَبِيعُ بِالْأَصَالَةِ أَوِ النِّيَابَةِ.أَمَّا إِذَا كَانَ فُضُولِيًّا بِأَنْ يُصَرِّحَ أَنَّهُ يَبِيعُ مِلْكَ غَيْرِهِ دُونَ إِذْنٍ، فَلَا يَكُونُ شَرْطَ انْعِقَادٍ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْفُضُولِيِّ).
وَدَلِيلُ هَذَا الشَّرْطِ مَا رُوِيَ «عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ- رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ، لَيْسَ عِنْدِي مَا أَبِيعُهُ، ثُمَّ أَبْتَاعُهُ مِنَ السُّوقِ، فَقَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ».
قَالُوا: الْمُرَادُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِكَ وَقُدْرَتِكَ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: النَّهْيُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا.
وَمَا رُوِيَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ».
وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ، فَلَا يَنْعَقِدُ فِيمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ.
وَبِنَاءً عَلَيْهِ: لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْكَلَأِ فِي مَنَابِتِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِالنَّصِّ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ فِي مَنَابِعِهِ مَا لَمْ يُحْرَزْ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» وَكَذَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، وَالسَّمَكُ فِي الْمَاءِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ، لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِيهِ، وَهُوَ الْإِحْرَازُ.
فَإِذَا جُمِعَ الْكَلأُ، وَصِيدَ الطَّيْرُ وَالسَّمَكُ، وَحُمِلَ الْمَاءُ مِنَ الْيَنَابِيعِ وَالْأَنْهَارِ الْعَامَّةِ مُلِكَ، وَجَازَ بَيْعُهُ.وَفِي هَذَا يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ إِلاَّ مَا حُمِلَ مِنْهُ».
وَنَذْكُرُ هُنَا فُرُوعًا فِقْهِيَّةً تَطْبِيقِيَّةً لِهَذَا الشَّرْطِ:
أ- بَيْعُ الْفُضُولِيِّ:
22- وَهُوَ مَنْ لَيْسَ بِوَكِيلٍ وَلَا وَلِيٍّ عَنِ الْمَالِكِ، وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِ: - فَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ بَعْدَ ذَلِكَ.لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ سَابِقًا «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَا لَا يَمْلِكُ، وَبَيْعُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ.
- وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا: أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَارَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ وَرَدَّهُ بَطَلَ.وَذَلِكَ لِإِطْلَاقَاتِ النُّصُوصِ فِي حِلِّ الْبَيْعِ، مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْأَصِيلِ وَالْوَكِيلِ، ابْتِدَاءً أَوْ بَقَاءً وَانْتِهَاءً.وَلِحَدِيثِ «عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، ثُمَّ عَادَ بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ».وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ عَنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِهِ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الشَّرْطِ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِبُطْلَانِ بَيْعِ مَا يَلِي:
(1) بَيْعُ الْوَقْفِ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِبُطْلَانِهِ، حَتَّى الْحَنَفِيَّةُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ، فَلَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ (ر مُصْطَلَحُ: وَقْف)
(2) - بَيْعُ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ: فَقَدْ قَرَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى رَقَبَتِهَا أَحْكَامُ الْوُقُوفِ الْمُؤَبَّدَةِ (ر مُصْطَلَحُ: أَرْض) وَأَرَاضِي الْجِزَى (ر مُصْطَلَحُ: جِزْيَة).
(3) بَيْعُ الْمَسَاجِدِ، وَرِبَاعُ مَكَّةَ، وَالْحَرَمِ، وَبِقَاعِ الْمَنَاسِكِ عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ.ر مُصْطَلَحَاتِ: (مَسْجِد، حَرَم، مَكَّة).
(4) الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ وَالْجَامِدَةُ، فِي الْأَرَاضِيِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْمُحَيَّاةِ.وَخِلَافُ الْفُقَهَاءِ مَعْرُوفٌ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا.ر مُصْطَلَحُ: (أَرْض، مَعْدِن، إِحْيَاء).
(5) ضَرْبَةُ الْغَائِصِ:
23- الْغَائِصُ: مَنْ يَغُوصُ لِاسْتِخْرَاجِ اللآَّلِئِ مِنَ الْبَحْرِ، يَقُولُ: أَغُوصُ غَوْصَةً، فَمَا أَخْرَجْتُهُ مِنَ اللآَّلِئِ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا.وَمِثْلُهُ الْقَانِصُ، وَهُوَ الصَّائِدُ، يَقُولُ: بِعْتُكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ إِلْقَاءِ هَذِهِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً، بِكَذَا.
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضُرُوعِهَا إِلاَّ بِكَيْلٍ، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ».
وَلَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي فَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُمْلَكْ، وَبَيْعُ مَجْهُولٍ، وَبَيْعُ غَرَرٍ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِبُطْلَانِهِ.وَنَصَّ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ، لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَكَانَ غَرَرًا، وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ.
وَكَذَلِكَ الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ
(6) بَيْعُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ:
24- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَشْتَرِطُونَ الْقَبْضَ فِي التَّبَرُّعَاتِ، كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا، فَمَا لَمْ تُقْبَضْ لَا تَلْزَمُ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ «النَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ» وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ.
وَهَذَا خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَآخَرِينَ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، مِنَ اللُّزُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا الْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامٍ- كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ- لَا شَرْطُ صِحَّةٍ، وَالِانْعِقَادُ وَاللُّزُومُ بِالْقَوْلِ.وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا، خِلَافًا لِمَا مُلِكَ بِالْمُعَاوَضَةِ وَلَمْ يُقْبَضْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ.
(7) بَيْعُ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ:
25- مِمَّا يَتَّصِلُ بِبَيْعِ مَا لَمْ يُمْلَكْ، مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْمُجَاهِدِ نَصِيبَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَهُ لَهُ الْإِمَامُ.
وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِهَا فِي خُصُوصِهَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ..وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ» الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الْغَنَائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ».
وَيَرَى الْفُقَهَاءُ إِبَاحَةَ أَخْذِ الْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَقْوَاتِ مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا لِلْحَاجَةِ بِوَجْهٍ عَامٍّ، وَلَمْ يُبِيحُوا تَمَلُّكَهَا، وَلَا تَمَوُّلَهَا- كَمَا عَبَّرَ الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ- فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ بَحَثُوا حُكْمَ بَيْعِهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهَا.
26- فَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْغَنَائِمَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ لِلْحَاجَةِ، وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ بِالْبَيْعِ، وَهَذَا نَصُّ الْمَرْغِينَانِيِّ فِي بِدَايَتِهِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنَ الْمَذْكُورَاتِ الْمُبَاحَةِ لَهُ، كَانَ بَيْعُهُ فُضُولِيًّا عِنْدَهُمْ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْإِمَامُ رَدَّ ثَمَنَهُ إِلَى الْمَغَانِمِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَغَانِمُ قَدْ قُسِمَتْ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ إِنْ كَانَ غَيْرَ فَقِيرٍ، لِأَنَّهُ لِقِلَّتِهِ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَتَعَذَّرَ إِيصَالُهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَيُتَصَدَّقُ بِهِ كَاللُّقَطَةِ.وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَهُ. 27- وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: يَجُوزُ- مَعَ- الْكَرَاهَةِ- مُبَادَلَةُ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِتَفَاضُلٍ أَوْ تَأْخِيرٍ فِي الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ الْمُتَّحِدِ الْجِنْسِ.
28- وَالشَّافِعِيَّةُ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ، وَقَرَّرُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَرْفُ الطَّعَامِ إِلَى حَاجَةٍ أُخْرَى، بَدَلًا عَنْ طَعَامِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِلاَّ أَكْلَهُ فَقَطْ، لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ لَا التَّمْلِيكِ.
وَهَذَا كَالنَّصِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ.
هَذَا مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَحْثِ الْغَنَائِمِ، لَكِنْ فِي بَحْثِ حُكْمِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، قَرَّرُوا خِلَافَهُ.وَلِمَا قَرَّرَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ أَنَّ الشَّخْصَ لَهُ بَيْعُ مَا لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةً، كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ، وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ، عَلَّقَ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى قَوْلَةِ: «كَوَدِيعَةٍ» بِمَا نَصُّهُ: وَمُثْلَةُ غَلَّةُ وَقْفٍ وَغَنِيمَةٍ، فَلِأَحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوِ الْغَانِمِينَ، بَيْعُ حِصَّتِهِ قَبْلَ إِفْرَازِهَا.قَالَهُ شَيْخُنَا.بِخِلَافِ حِصَّتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْلَ إِفْرَازِهَا وَرُؤْيَتِهَا، وَاكْتَفَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِالْإِفْرَازِ فَقَطْ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ.
فَكَلَامُ الْقَلْيُوبِيِّ هُنَا، نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ، يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ لَا التَّمْلِيكِ.
فَيَبْدُو أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي مِلْكِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ:
أَوَّلُهَا: أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إِلاَّ بِالْقِسْمَةِ، لَكِنْ لَا بِمُجَرَّدِهَا، بَلْ إِنْ قَبِلَ مَا أُحْرِزَ لَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ، وَلَا بُدَّ مِنَ اللَّفْظِ بِأَنْ يَقُولَ: اخْتَرْتُ مِلْكَ نَصِيبِي.وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ.
الثَّانِي: وَقِيلَ يَمْلِكُونَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِالِاسْتِيلَاءِ مِلْكًا ضَعِيفًا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ، وَوَجَّهَ هَذَا الشَّيْخُ عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: بِأَنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ قَدْ زَالَ، وَبَعِيدٌ بَقَاؤُهُ بِلَا مَالِكٍ.
الثَّالِثُ: إِنْ سَلِمَتِ الْغَنِيمَةُ إِلَى الْقِسْمَةِ، بَانَ (أَيْ ظَهَرَ مِلْكُهُمْ) بِالِاسْتِيلَاءِ، وَإِلاَّ بِأَنْ تَلِفَتْ أَوْ أَعْرَضُوا فَلَا مِلْكَ لَهُمْ.
فَيَبْدُو أَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ عِنْدَ شَيْخِ الْقَلْيُوبِيِّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، بِنَاءً عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ.
29- أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيُّ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تُعْلَفُ فَضْلًا عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمُقْسَمِ.
وَعَلَّلُوا وُجُوبَ رَدِّ مَنْ فَضَلَ مَعَهُ طَعَامٌ كَثِيرٌ مِنَ الْغَنَائِمِ وَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ، إِلَى مُقَسِّمِ تِلْكَ الْغَزْوَةِ بِأَنَّهُ: أَخَذَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُهُ، لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، كَسَائِرِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ مَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، فَمَا زَادَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ بَيْعُهُ.
وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ هَذَا الْأَثَرَ، وَهُوَ: أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ- رضي الله عنه-: إِنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ.فَكَتَبَ إِلَيْهِ: دَعِ النَّاسَ يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمُسٌ لِلَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ
وَفَصَّلَ الْقَاضِي مِنْ أَئِمَّتِهِمْ تَفْصِيلًا دَقِيقًا، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدِ ارْتَضَوْهُ، فَقَالَ: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَازٍ أَوْ غَيْرِهِ.
- فَإِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ يَبِيعُ مَالَ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، فَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ، وَنَقْضُ الْبَيْعِ.فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، رَدَّ قِيمَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ، إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إِلَى الْمَغْنَمِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ حُمِلَ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ
- وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ لَمْ يَحِلَّ، إِلاَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ بِطَعَامٍ أَوْ عَلَفٍ، مِمَّا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: - فَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِهِ، فَلَيْسَ هَذَا بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ، إِنَّمَا سَلَّمَ إِلَيْهِ مُبَاحًا وَأَخَذَ مِثْلَهُ مُبَاحًا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْتِفَاعُ بِمَا أَخَذَ، وَصَارَ أَحَقَّ بِهِ، لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ، وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ.وَإِنْ بَاعَهُ نَسِيئَةً، أَوْ أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ فَأَخَذَهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِيفَاؤُهُ، فَإِنْ وَفَّاهُ أَوْ رَدَّهُ إِلَيْهِ، عَادَتِ الْيَدُ إِلَيْهِ.
- وَإِنْ بَاعَهُ بِغَيْرِ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، فَالْبَيْعُ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ، لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ.وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ وَجَبَ رَدُّهُ إِلَيْهِ.
30- وَمِنْ هَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ الِاتِّجَاهَ الْعَامَّ فِي الْفِقْهِ
- بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّا رُوِيَ مِنْ قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَعَنْ حَالِ مُبَادَلَةِ الطَّعَامِ بِالْمِثْلِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- هُوَ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْمَغَانِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، الَّذِي نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ.
وَفِي هَذَا يَقُولُ الشَّوْكَانِيُّ: مُقْتَضَى النَّهْيِ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ- عَلَى مَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ- لِأَحَدٍ مِنَ الْغَانِمِينَ قَبْلَهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. 31- هَذَا حُكْمُ بَيْعِ الْغُزَاةِ الْغَانِمِينَ أَنْصِبَتَهُمْ وَمَا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْغَنَائِمِ، قَبْلَ الْقِسْمَةِ.
أَمَّا حُكْمُ بَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَقَدْ عَرَضَ لَهُ الْحَنَفِيَّةُ فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ.
لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَقَلُّهَا تَخْفِيفُ إِكْرَاهِ الْحَمْلِ عَلَى النَّاسِ، أَوْ عَنِ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ، وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ، فَيَقَعُ عَنِ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ، فَلَا يَقَعُ جُزَافًا، فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا.
كَمَا عَرَضَ لَهُ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا، وَلَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: وُجُوبُ بَيْعِ الْإِمَامِ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ مِنَ الْغَنَائِمِ، لِيَقْسِمَهَا بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْأَثْمَانِ أَقْرَبُ إِلَى الْمُسَاوَاةِ، لِمَا يَدْخُلُ التَّقْوِيمَ مِنَ الْخَطَأِ.
الْآخَرُ: عَدَمُ الْوُجُوبِ، بَلِ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ، فَإِنْ شَاءَ بَاعَ وَقَسَمَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَ الْأَعْيَانَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ.
32- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ كَوْنَهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، بَعْدَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا.فَقَدْ يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ مَالًا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالْجَمَلِ الَّذِي شَرَدَ مِنْ صَاحِبِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِأَنَّ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَبِيهٌ بِالْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ- كَمَا تَقَدَّمَ- فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ.
وَمِمَّا يُمَثِّلُ بَيْعَ غَيْرِ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ: السَّمَكُ إِذَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ امْتِلَاكِهِ، وَالطَّيْرُ الْمَمْلُوكُ إِذَا طَارَ فِي الْهَوَاءِ، وَالصَّيْدُ إِذَا انْفَلَتَ بَعْدَ صَيْدِهِ، وَمِنْهُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ.
وَالْآبِقُ: مَنْ تَرَكَ سَيِّدَهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدِّ عَمَلٍ.
وَلِهَذَا قِيلَ: إِنْ كَانَ هُرُوبُهُ مِنْ خَوْفٍ أَوْ تَعَبٍ، يُقَالُ لَهُ: هَارِبٌ.
33- وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْعَقْدِ وَإِنْ تَرَدَّدَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ مَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ: مِنْ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ يَرُدُّ الْعَقْدَ صَحِيحًا، لِقِيَامِ الْعَقْدِ مَعَ الْفَسَادِ، بِخِلَافِ ارْتِفَاعِ الْمُبْطِلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَعْدُومٌ مَعَهُ وَإِنْ رَجَّحَ الْكَمَالُ مِنْهُمُ الْفَسَادَ، لِانْعِدَامِ الْقُدْرَةِ فِيهِ عَلَى التَّسْلِيمِ.
وَعَلَّلُوا فَسَادَ هَذَا الْعَقْدِ:
- بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ...وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ».- وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَهُوَ شَرْطُ جَوَازِهِ.
34- وَمَعَ ذَلِكَ، لَوْ حَصَلَ بَيْعُ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، فَفِيهِ هَذِهِ الصُّوَرُ التَّفْصِيلِيَّةُ الْمَذْهَبِيَّةُ:
الْأُولَى: أَنْ يَبِيعَهُ الْمَالِكُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ قَطْعًا كَمَا يُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ: إِنْ حَصَلَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ جَازَ بَيْعُهُ، لِإِمْكَانِ تَسْلِيمِهِ لَكِنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِ.
غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ فَصَّلُوا فِي صَيْرُورَةِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ قَابِضًا بَعْدَ الْبَيْعِ:
أ- فَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْآبِقَ حِينَ وَجَدَهُ لِنَفْسِهِ، لَا لِيَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى قَبْضِهِ لِسَيِّدِهِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا، لِأَنَّ قَبْضَهُ هَذَا قَبْضُ غَصْبٍ، وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ، كَقَبْضِ الْمَبِيعِ.
ب- وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى قَبْضِهِ عِنْدَمَا وَجَدَهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ هُوَ قَبْضُ أَمَانَةٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى سَيِّدِهِ لَا يَضْمَنُهُ، فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَهُوَ قَبْضُ الْمَبِيعِ، لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَالِكِهِ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ الْمَالِكُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ.وَهَذِهِ الصُّورَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِزَاعِ وَالتَّحْصِيلِ- لَكِنْ بِسُهُولَةٍ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمَالِكِيَّةِ- وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْمُصَوَّبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقْتَضَى نَصِّ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ.
لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ نَصُّوا عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْآخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِعَجْزِ الْبَائِعِ عَنِ التَّسْلِيمِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ الْمَالِكُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي يَدِ أَحَدٍ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
لَكِنَّ الْقَلْيُوبِيَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، قَيَّدَهَا بِأَنْ يَكُونَ الْمُشْرِي قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، وَبِلَا مُؤْنَةٍ لَهَا وَقْعٌ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَدَمُ جَوَازِهَا.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ.
وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا، وَهِيَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ.
35- وَيَتَّصِلُ بِبَيْعِ الْآبِقِ، بَيْعُ الْمَغْصُوبِ:
أ- فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَاصِبِهِ، جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَعَبَّرَ الشَّافِعِيَّةُ بِالْجَوَازِ هُنَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُسَلَّمٌ بِالْفِعْلِ إِلَى الْمُشْتَرِي (وَقَبْضُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، كَقَبْضِهِ قَبْلَهُ، فِي الْمَضْمُونِيَّةِ)..وَقَيَّدَهُ- مَعَ ذَلِكَ- الْمَالِكِيَّةُ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْغَاصِبَ عَزَمَ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ.
ب- وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ أَوْ رَدِّهِ صَحَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.لَكِنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِتَيَسُّرِ وُصُولِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي بِلَا مُؤْنَةٍ وَلَا مَشَقَّةٍ مَلْحُوظَةٍ عَلَيْهِ فَإِنِ احْتَاجَ الرَّدُّ إِلَى مُؤْنَةٍ انْتَفَى الْمَنْعُ.كَمَا قَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِكَوْنِ الْغَاصِبِ مُقِرًّا مَقْدُورًا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ لَا.لِأَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ مَنْعُ شِرَاءِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ.وَالْمُقَرَّرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَهُمْ إِلاَّ مِنْ غَاصِبٍ كَالْحَنَابِلَةِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِعَجْزِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ عَنِ التَّسْلِيمِ.وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ بَيْعَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى التَّسْلِيمِ، فَلَوْ سَلَّمَ نَفَذَ، وَإِلاَّ لَا. وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَيْعِ الْآبِقِ- فَإِنَّهُ فَاسِدٌ بَلْ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ- وَبَيْنَ بَيْعِ الْمَغْصُوبِ- فَإِنَّهُ صَحِيحٌ- بِأَنَّ الْمَالِكَ فِي بَيْعِ الْمَغْصُوبِ قَادِرٌ عَلَى التَّسْلِيمِ بِقُدْرَةِ الْحَاكِمِ، إِلاَّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ لِلْحَالِ لِقِيَامِ يَدِ الْغَاصِبِ صُورَةً، فَإِذَا سَلَّمَ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْآبِقِ، لِأَنَّهُ- كَمَا قَالَ الْكَاسَانِيُّ-: مَعْجُوزُ التَّسْلِيمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إِذْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَدُ أَحَدٍ، لِمَا أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ، فَكَانَ الْعَجْزُ مُتَقَرِّرًا، وَالْقُدْرَةُ مُحْتَمَلَةً مَوْهُومَةً، فَلَا يَنْعَقِدُ مَعَ الِاحْتِمَالِ، فَأَشْبَهَ بَيْعُ الْآبِقِ بَيْعَ الطَّيْرِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ وَبَيْعَ السَّمَكِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، كَذَا هَذَا.
الْأَسْبَابُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِلَازِمِ الْعَقْدِ
وَهِيَ:
الرِّبَا، وَمَا هُوَ ذَرِيعَةٌ إِلَيْهِ، وَالْغَرَرُ.
وَفِيمَا يَلِي أَسْبَابُ النَّهْيِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرِّبَا.
36- الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: فَضْلٌ- وَلَوْ حُكْمًا- خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ، مَشْرُوطٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فِي الْمُعَاوَضَةِ.وَقَيْدُ الْحُكْمِيَّةِ، لِإِدْخَالِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَأَكْثَرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّ الرِّبَا نَوْعَانِ: رَبَا الْفَضْلِ، وَرِبَا النَّسِيئَةِ.
وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الرِّبَا مُحَرَّمٌ بِنَوْعَيْهِ: الْفَضْلِ وَالنَّسِيئَةِ، وَيَجْرِي رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسِيئَةِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الصَّرْفِ وَتَفْصِيلُهُ فِي (الصَّرْفِ).
وَالرِّبَا مِنَ الْكَبَائِرِ، وَلَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} وَفِي الْحَدِيثِ «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ.وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ» وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا ذِكْرُ أَحْكَامِ الرِّبَا وَشُرُوطِهِ وَمَسَائِلِهِ، بَلْ يُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ تَحْتَ عِنْوَانِ (رِبا).
وَالْقَصْدُ هُنَا التَّعَرُّفُ عَلَى أَحْكَامِ بَعْضِ الْبُيُوعِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا فِي السُّنَّةِ، وَمِنْ هَذِهِ الْبُيُوعِ مَا يَلِي: أ- بَيْعُ الْعِينَةِ:
37- هُوَ: بَيْعُ الْعَيْنِ بِثَمَنٍ زَائِدٍ نَسِيئَةً لِيَبِيعَهَا الْمُسْتَقْرِضُ بِثَمَنٍ حَاضِرٍ أَقَلَّ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ، كَمَا عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُنَاكَ تَعْرِيفَاتٌ وَصُوَرٌ أُخْرَى اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا وَفِي حُكْمِهَا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْعِينَةِ).
ب- بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ.
38- الْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا (أَيْ ظَنًّا وَتَقْدِيرًا) وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَدَّرَ الرُّطَبُ الَّذِي عَلَى النَّخِيلِ بِمِقْدَارِ مِائَةِ صَاعٍ مَثَلًا بِطَرِيقِ الظَّنِّ وَالْحَزْرِ، فَيَبِيعَهُ بِقَدْرِهِ مِنَ التَّمْرِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَسَادِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْبَيْعِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ).
ج- بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ:
39- الْمُحَاقَلَةُ: بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُحَاقَلَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ».
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ) د- بَيْعُ الْعَرَايَا:
40- هُوَ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْعَرَايَا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعُ الْعَرَايَا)
هـ- بَيْعُ الْعُرْبُونِ:
41- بَيْعُ الْعُرْبُونِ هُوَ: أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ وَيَدْفَعَ إِلَى الْبَائِعِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَذَ السِّلْعَةَ احْتَسَبَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَهُوَ لِلْبَائِعِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (بَيْعُ الْعُرْبُونِ).
و- النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ:
42- وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ- رضي الله عنه-.قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ، حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» وَفِي مَعْنَاهُ وَرَدَ أَيْضًا حَدِيثُ «عُثْمَانَ- رضي الله عنه-.قَالَ: كُنْتُ أَبْتَاعُ التَّمْرَ مِنْ بَطْنٍ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَأَبِيعُهُ بِرِبْحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ إِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكْتَلْ، وَإِذَا بِعْتَ فَكِلْ».
كَمَا وَرَدَ أَيْضًا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، «أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ- رضي الله عنهما-.كَانَا يَبْتَاعَانِ التَّمْرَ، وَيَجْعَلَانِهِ فِي غَرَائِرَ، ثُمَّ يَبِيعَانِهِ بِذَلِكَ الْكَيْلِ، فَنَهَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيعَاهُ حَتَّى يَكِيلَا لِمَنِ ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا».
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا مُكَايَلَةً، وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ إِلَى غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُهُ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ، حَتَّى يَكِيلَهُ عَلَى مَنِ اشْتَرَاهُ ثَانِيًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي.
وَنَصَّ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ- رضي الله عنهم-.
وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ الْقَبْضَ قَبْلَ بَيْعِ الْمَبِيعِ فِي الْجُمْلَةِ.فَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ- كَمَا يُعَبِّرُ الْحَنَفِيَّةُ- أَوْ هُوَ شَرْطٌ فِي (صِحَّةِ) قَبْضِ الْمَنْقُولِ مَعَ نَقْلِهِ.كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ.
لَكِنْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَيْلِ فِيمَا بِيعَ جُزَافًا.وَاسْتِثْنَاءُ الْجُزَافِ مِنَ الشَّرْطِ كَانَ أَخْذًا مِنْ مَعْنَى النَّصِّ، أَوْ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
25-موسوعة الفقه الكويتية (بيع منهي عنه 4)
بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ -4بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ:
63- وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ- رضي الله عنه-، «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا إِذًا» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِيَابِسٍ» وَلَا يَسْتَجِيزُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا الْبَيْعَ، وَنَحْوَهُ: كَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَاللَّبَنِ بِالْجُبْنِ، وَالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْيَابِسَةِ، وَذَلِكَ:
لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، قَالُوا: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ، وَإِلاَّ فَالنَّقْصُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَهِيَ مَجْهُولَةٌ الْآنَ.
وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ فِيهِ الرِّبَا، بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالنُّقْصَانِ، فَلَمْ يَجُزْ.
وَعِبَارَةُ الْخِرَقِيِّ وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنَ الرَّطْبِ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ، إِلاَّ الْعَرَايَا.
وَرُبَّمَا اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ- بِتَفْسِيرِ ابْنِ جُزَيٍّ- بَيْعُ شَيْءٍ رَطْبٍ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ رِبَوِيًّا أَمْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ، فَتَمْتَنِعُ فِي الرِّبَوِيِّ، لِتَوَقُّعِ التَّفَاضُلِ وَالْغَرَرِ، وَتَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهَا فِي الْحَدِيثِ، وَلِلْغَرَرِ.
64- وَتَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ- رحمه الله- (- بِالْقَوْلِ بِالْجَوَازِ- كَمَا يَقُولُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَمُتُونُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَيْهِ.
وَنَصَّ الْحَصْكَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ: يَجُوزُ بَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ، أَوْ بِتَمْرٍ مُتَمَاثِلًا..فِي الْحَالِ لَا الْمَآلِ، خِلَافًا لَهُمَا، فَلَوْ بَاعَ مُجَازَفَةً لَمْ يَجُزِ اتِّفَاقًا.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».
فَفِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ:
الرُّطَبُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا، أَوْ لَا يَكُونَ.فَإِنْ كَانَ تَمْرًا، جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ»، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ تَمْرٍ، جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَيْضًا، لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «إِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ».وَلَمْ يَأْخُذْ بِحَدِيثِ النَّهْيِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ دَائِرٌ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَزَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ
وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً» وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا.
وَلِاسْتِكْمَالِ مَبْحَثِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ التَّفَاصِيلِ وَالْأَحْكَامِ.يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ (رِبا).
بَيْعٌ وَسَلَفٌ:
65- وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ أَحَادِيثَ، أَفَتَأْذَنُ لَنَا بِكِتَابَتِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.فَكَانَ أَوَّلَ مَا كَتَبَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ: لَا يَجُوزُ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِدٍ، وَلَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ جَمِيعًا، وَلَا بَيْعُ مَا لَمْ يُضْمَنْ»...الْحَدِيثَ.
وَقَدْ فَسَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ- رحمه الله- (السَّلَفَ وَالْبَيْعَ بِأَنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُكَ دَارِي هَذِهِ بِكَذَا وَكَذَا، عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا وَكَذَا.
وَبِهَذَا تَئُولُ الْمَسْأَلَةُ إِلَى مَوْضُوعِ الْبَيْعِ بِشَرْطٍ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ بِذَلِكَ، فِي الْجُمْلَةِ.
وَصَرَّحَ ابْنُ جُزَيٍّ بِأَنَّ الْبَيْعَ بِاشْتِرَاطِ السَّلَفِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنْ يَكُنْ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ رِوَايَةً وَاحْتِمَالًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالْمَالِكِيَّةِ، حِينَمَا تَحَدَّثُوا عَنْ بُيُوعِ الْآجَالِ- وَهِيَ بُيُوعٌ ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ، لَكِنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى مَمْنُوعٍ- مَنَعُوا بَيْعَ مَا كَثُرَ قَصْدُ النَّاسِ إِلَيْهِ، تَوَصُّلًا إِلَى الرِّبَا الْمَمْنُوعِ، كَأَنْ كَانَ جَائِزًا فِي الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ لِلتُّهْمَةِ، وَسَدِّ الذَّرِيعَةِ، وَمَثَّلُوا لَهَا: بِاجْتِمَاعِ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، أَوْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، أَوْ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ.
وَصَوَّرُوا الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ بِصُوَرٍ ثَلَاثٍ:
الْأُولَى: بَيْعٌ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ يُؤَدِّي- كَمَا يَقُولُ الدَّرْدِيرُ- إِلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ لِلتُّهْمَةِ، عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا الْبَيْعَ وَالسَّلَفَ الْمَمْنُوعَ.
وَذَلِكَ كَأَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ لِشَهْرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ نَقْدًا، فَآلَ الْأَمْرُ إِلَى أَنَّ الْبَائِعَ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ سِلْعَةً وَدِينَارًا نَقْدًا؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهَا مُلْغَاةٌ كَمَا يَقُولُ الدُّسُوقِيُّ ثُمَّ أَخَذَ عَنْهُمَا عِنْدَ الْأَجَلِ دِينَارَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَنِ السِّلْعَةِ وَهُوَ بَيْعٌ، وَالْآخَرُ عَنِ الدِّينَارِ وَهُوَ سَلَفٌ.
فَهَذِهِ الصُّورَةُ تُؤَدِّي إِلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي مَنْعِهِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَابِعُوهُ، وَغَيْرُهُمْ.
وَحَيْثُ تَكَرَّرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْبَيْعُ، مُنِعَتْ عِنْدَهُمْ، لِتُهْمَةِ قَصْدِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ.
الثَّانِيَةُ: بَيْعٌ وَسَلَفٌ بِشَرْطٍ مِنَ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي.وَهَذِهِ الصُّورَةُ مَمْنُوعَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْقَرْضِ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ، إِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْبَائِعِ، أَوْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُثَمَّنِ- أَيِ الْمَبِيعِ- إِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْمُشْتَرِي، فَفِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.
الثَّالِثَةُ: بَيْعٌ وَسَلَفٌ بِلَا شَرْطٍ، لَا صَرَاحَةً وَلَا حُكْمًا، وَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
بَيْعٌ وَشَرْطٌ:
66- وَرَدَ النَّهْيُ فِي السُّنَّةِ عَنْ (بَيْعٍ وَشَرْطٍ) وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ».وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْع، وَشَرْط)
أَسْبَابُ النَّهْيِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْغَرَرِ
67- هَذَا هُوَ السَّبَبُ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ النَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِلَازِمِ الْعَقْدِ، وَكَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الرِّبَا.
وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ، فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَغَيْرِهِ مِمَّا سَيَأْتِي.
وَالْغَرَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ: الْخَطَرُ.
وَلَهُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ تَعْرِيفَاتٌ شَتَّى.
فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا طُوِيَ عَنْكَ عِلْمُهُ.
وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: التَّرَدُّدُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْغَرَضِ، وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ، أَوْ: مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَغْلَبِهِمَا أَخْوَفُهُمَا.
وَيَرَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْغَرَرَ وَالْخَطَرَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا جُهِلَتْ عَيْنُهُ.
وَيَرَى الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ: فَالْخَطَرُ: مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ وُجُودُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي فَرَسَكَ بِمَا أَرْبَحُ غَدًا.
وَالْغَرَرُ: مَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ، وَيُشَكُّ فِي تَمَامِهِ، كَبَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.
68- وَقَدْ تَقَدَّمَتْ صُوَرٌ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا الْغَرَرُ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ شُرُوطِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ، مِنْهَا: كَوْنُ الْمَبِيعِ مَالًا مَوْجُودًا مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَا مَا سَيُخْرِجُهُ الصَّيَّادُ فِي شَبَكَتِهِ، وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا الْجَمَلِ الشَّارِدِ.إِلَخْ.
وَالْغَرَرُ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَرْجِعُ إِلَى أَصْلِ وُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ مِلْكِيَّةِ الْبَائِعِ لَهُ، أَوْ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَهَذَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ، فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَالْآخَرُ: مَا يَرْجِعُ إِلَى وَصْفٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ مِقْدَارِهِ، أَوْ يُورِثُ فِيهِ أَوْ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْأَجَلِ جَهَالَةً.
فَهَذَا مَحَلُّ خِلَافٍ.تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (غَرَر).
وَفِيمَا يَلِي صُوَرُ الْغَرَرِ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ فِيهَا بِخُصُوصِهَا، وَالْحُكْمُ الْفِقْهِيُّ فِيهَا، مِنَ الْبُطْلَانِ أَوِ الْفَسَادِ.إِذِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ- كَمَا يَقُولُ النَّوَوِيُّ- أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ جِدًّا.مِنْهَا: بَيْعُ الْحَصَاةِ وَبَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَبَيْعُ الْمُنَابَذَةِ.وَتُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
وَمِنْهَا مَا يَلِي:
أ- بَيْعُ الْجَنِينِ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ:
69- وَهُوَ بَيْعُ الْحَمْلِ، كَمَا عَبَّرَتْ بَعْضُ الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَالْجَنِينُ هُوَ: الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَجِنَّةً، كَدَلِيلٍ وَأَدِلَّةٍ.وَمِثْلُ الْجَنِينِ أَيْضًا: الْمَلْقُوحُ وَالْمَلْقُوحَةُ، وَجَمْعُهُمَا مَلَاقِيحُ، وَهِيَ: مَا فِي الْأَرْحَامِ وَالْبُطُونِ مِنَ الْأَجِنَّةِ، بِتَفْسِيرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْمَلَاقِيحِ بِمَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ.
وَوَرَدَ النَّهْيُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ بَيْعِ الْجَنِينِ مَا دَامَ مُجْتَنًّا حَتَّى يُولَدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه-، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ».
وَتَقَدَّمَ الْإِجْمَاعُ- كَمَا صَرَّحَ ابْنُ الْمُنْذِرِ- عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْبَيْعِ (ر: ف 5) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَلِلْغَرَرِ، فَعَسَى أَنْ لَا يُولَدَ، وَلِأَنَّ فِيهِ جَهَالَةً فِي صِفَتِهِ وَحَيَاتِهِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ.
وَذِكْرُهُ هُنَا لِلْغَرَرِ فَقَطْ، لَكِنَّهُ مِنَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، وَهُوَ الْغَرَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ، مِنْ حَيْثُ أَصْلُ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ مُسْتَوْجِبًا لِلْبُطْلَانِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، حَتَّى فِي اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ، الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْبُطْلَانِ- وَبَيْنَ الْفَسَادِ.
ب- بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ:
70- وَيُسَمَّى أَيْضًا الْمُخَاضَرَةَ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ النُّصُوصِ.
وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ»
وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ، وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ».
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تَبْتَاعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا».
وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَعَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، قِيلَ: مَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ».وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَنَسٍ حَتَّى تُزْهَى، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تُزْهَى؟ قَالَ: تَحْمَرُّ..
كَمَا جَاءَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا».«وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا، قَالَ: حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا».
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ».
وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ التَّعْبِيرُ بِلَفْظٍ ثَالِثٍ، وَهُوَ: التَّشْقِيحُ، وَهَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ فَقِيلَ: مَا تُشَقِّحُ؟.قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ، وَيُؤْكَلُ مِنْهَا».
مَعْنَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ:
71- فَسَّرَ الْفُقَهَاءُ بُدُوَّ الصَّلَاحِ بِمَعَانٍ شَتَّى: فَالْحَنَفِيَّةُ قَالُوا فِي تَفْسِيرِهِ: أَنْ تُؤْمَنَ الْعَاهَةُ وَالْفَسَادُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ- كَالْكَرْلَانِيِّ- فَسَّرَهُ بِأَنْ تَصْلُحَ الثَّمَرَةُ لِتَنَاوُلِ بَنِي آدَمَ، وَعَلَفِ الدَّوَابِّ.
وَالْمَالِكِيَّةُ فَسَّرُوهُ تَفْسِيرًا مُخْتَلِفًا نِسْبِيًّا: فَهُوَ فِي التَّمْرِ: أَنْ يَحْمَرَّ وَيَصْفَرَّ وَيَزْهُوَ، وَفِي الْعِنَبِ: أَنْ يَسْوَدَّ وَتَبْدُوَ الْحَلَاوَةُ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِمَا مِنَ الثِّمَارِ: حُصُولُ الْحَلَاوَةِ، وَفِي الْخَسِّ وَالْعُصْفُرِ: أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِمَا، وَفِي سَائِرِ الْبُقُولِ: أَنْ تَطِيبَ لِلْأَكْلِ، وَفِي الزَّرْعِ وَالْحَبِّ: أَنْ يَيْبَسَ وَيَشْتَدَّ.
وَأَرْجَعَ الشَّافِعِيَّةُ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ كَالزَّرْعِ، إِلَى ظُهُورِ مَبَادِئِ النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ، فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ مِنْهُ، أَمَّا فِيمَا يَتَلَوَّنُ فَبِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوِ السَّوَادِ أَوِ الصُّفْرَةِ.وَذَكَرُوا ثَمَانِي عَلَامَاتٍ يُعْرَفُ بِهَا بُدُوُّ الصَّلَاحِ.أَحَدُهَا: اللَّوْنُ، فِي كُلِّ ثَمَرٍ مَأْكُولٍ مُلَوَّنٍ، إِذَا أَخَذَ فِي حُمْرَةٍ، أَوْ سَوَادٍ أَوْ صُفْرَةٍ، كَالْبَلَحِ وَالْعُنَّابِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ.
ثَانِيهَا: الطَّعْمُ، كَحَلَاوَةِ الْقَصَبِ وَحُمُوضَةِ الرُّمَّانِ.
ثَالِثُهَا: النُّضْجُ وَاللِّينُ، كَالتِّينِ وَالْبِطِّيخِ.
رَابِعُهَا: بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ، كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ.
خَامِسُهَا: بِالطُّولِ وَالِامْتِلَاءِ، كَالْعَلَفِ وَالْبُقُولِ.
سَادِسُهَا: الْكِبَرُ كَالْقِثَّاءِ، بِحَيْثُ يُؤْكَلُ.
سَابِعُهَا: انْشِقَاقُ أَكْمَامِهِ، كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ.
ثَامِنُهَا: الِانْفِتَاحُ، كَالْوَرْدِ.وَمَا لَا أَكْمَامَ لَهُ كَالْيَاسَمِينِ، فَظُهُورُهُ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْأَخِيرِ.وَوَضَعَ لَهُ الْقَلْيُوبِيُّ هَذَا الضَّابِطَ، وَهُوَ: بُلُوغُ الشَّيْءِ إِلَى صِفَةٍ أَيْ حَالَةٍ يُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا.
وَوَضَعَ الْحَنَابِلَةُ هَذَا الضَّابِطَ: مَا كَانَ مِنَ الثَّمَرَةِ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ عِنْدَ صَلَاحِهِ، كَثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ الْأَسْوَدِ وَالْإِجَّاصِ، فَبُدُوُّ صَلَاحِهِ بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعِنَبُ أَبْيَضَ فَصَلَاحُهُ بِتَمَوُّهِهِ، وَهُوَ: أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ الْمَاءُ الْحُلْوُ وَيَلِينَ وَيَصْفَرَّ لَوْنُهُ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَلَوَّنُ كَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهِ، فَبِأَنْ يَحْلُوَ وَيَطِيبَ.وَإِنْ كَانَ بِطِّيخًا أَوْ نَحْوِهِ، فَبِأَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ.وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، وَيُؤْكَلُ طَيِّبًا صِغَارًا وَكِبَارًا، كَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، فَصَلَاحُهُ بُلُوغُهُ أَنْ يُؤْكَلَ عَادَةً.
وَحِكْمَةُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ: هِيَ خَوْفُ تَلَفِ الثَّمَرَةِ، وَحُدُوثُ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا قَبْلَ أَخْذِهَا.
وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- «أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟»
حُكْمُ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ:
72- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- بِوَجْهٍ عَامٍّ- عَلَى أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا صَحِيحٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَصَّلُوا فِيهِ الْقَوْلَ، تَبَعًا لِتَقْيِيدِ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ وَإِطْلَاقِهِ، وَلَا يَخْلُو بَيْعُ الثَّمَرَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ:
الْأُولَى: أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ الظُّهُورِ وَالْبُرُوزِ، أَيْ قَبْلَ انْفِرَاكِ الزَّهْرِ عَنْهَا وَانْعِقَادِهَا ثَمَرَةً، فَهَذَا الْبَيْعُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ الظُّهُورِ، قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، بِشَرْطِ التَّرْكِ وَالتَّبْقِيَةِ عَلَى الشَّجَرِ حَتَّى تَنْضَجَ، فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ الْغَيْرِ.
أَوْ هُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ أَوْ هُوَ إِعَارَةٌ أَوْ إِجَارَةٌ فِي بَيْعٍ.
وَعَلَّلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.
قَالُوا: وَمِثْلُ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ التَّرْكِ، بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ الظُّهُورِ، قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، فَهَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَعَلَّلَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْبَيْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، إِنَّمَا كَانَ خَوْفًا مِنْ تَلَفِ الثَّمَرَةِ، وَحُدُوثِ الْعَاهَةِ عَلَيْهَا قَبْلَ أَخْذِهَا، بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَارِّ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِيهِ: «أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَهَذَا مَأْمُونٌ فِيمَا يُقْطَعُ، فَصَحَّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ بَدَا صَلَاحُهُ.
قَالُوا: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْمَنْعِ فِي مَفْهُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.وَفَارَقَ مَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، لِأَمْنِ الْعَاهَةِ فِيهِ غَالِبًا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَبِهَذَا الْفَارِقِ يُشْعِرُ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ وَهُوَ: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ- أَيْ آفَةٌ أَهْلَكَتِ الثَّمَرَةَ- فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ».
73- غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ قَيَّدُوا هَذَا الْحُكْمَ، وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، بِقُيُودٍ بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهَا انْفَرَدَ بِهِ فَرِيقٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، نُشِيرُ إِلَيْهَا فِيمَا يَلِي:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ مُنْتَفَعًا بِهِ:
أ- فَالْحَنَفِيَّةُ- فِي الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِهِمْ- وَكَذَا الْمَالِكِيَّةُ عَلَى إِطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِشُمُولِ الِانْتِفَاعِ لِمَا هُوَ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَآلُ، أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ- كَمَا يُعَبِّرُونَ.
فَمِثْلُ الْقَصِيلِ (وَهُوَ الْفَصْفَصَةُ الَّتِي يُعْلَفُ بِهَا الْحَيَوَانُ) وَالْحِصْرِمِ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ، لِانْتِفَاعِ الْحَيَوَانِ وَانْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِهِ.
ب- وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، قَيَّدُوا الْجَوَازَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْحَالِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ تَقْيِيدَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْوَجْهِ الَّذِي يُرَادُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْهُ كَمَا فِي الْحِصْرِمِ، بِخِلَافِ الْكُمَّثْرَى؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ فِي الْحَالِ إِضَاعَةُ مَالٍ- كَمَا عَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ- وَبِخِلَافِ ثَمَرَةِ الْجَوْزِ، وَزَرْعِ التُّرْمُسِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ نَفْسِهِ، لِعَدَمِ النَّفْعِ بِالْمَبِيعِ- كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَابِلَةُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكْثُرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَتَمَالَئُوا عَلَيْهِ.
وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الْمَالِكِيَّةُ، فَإِنْ تَخَلَّفَ وَاحِدٌ، مُنِعَ الْبَيْعُ كَمَا يُمْنَعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ الْمَارِّ أَوِ الْإِطْلَاقِ، كَمَا يَأْتِي.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا بِيعَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُشَاعًا، بِأَنْ يَشْتَرِيَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مُشَاعًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُ مَا يَمْلِكُهُ، إِلاَّ بِقَطْعِ مَا لَا يَمْلِكُهُ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
74- وَقَدْ أَجَازَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا، إِضَافَةً إِلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْجَائِزَةِ، وَهِيَ بَيْعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ، هَذِهِ الصُّوَرَ:
(1) أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا مَعَ الشَّجَرِ، أَوِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ مَعَ الْأَرْضِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْفُقَهَاءُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ فِيهَا وَالزَّرْعَ تَابِعَانِ لِلشَّجَرِ وَالْأَرْضِ، اللَّذَيْنِ لَا تَعْرِضُ لَهُمَا عَاهَةٌ، كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ.
(2) أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ لِمَالِكِ الْأَصْلِ وَهُوَ الشَّجَرُ، أَوْ يَبِيعَ الزَّرْعَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ إِذَا بِيعَ مَعَ أَصْلٍ دَخَلَ تَبَعًا فِي الْبَيْعِ، فَلَمْ يَضَعِ احْتِمَالَ الْغَرَرِ فِيهِ، كَمَا احْتُمِلَتِ الْجَهَالَةُ فِي بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ مَعَ الشَّاةِ.
نَصَّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَنَابِلَةُ، كَمَا نَصَّ عَلَى الْأُولَى الْجَمِيعُ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ الصُّورَةَ التَّالِيَةَ:
(3) أَنْ يَبِيعَ الْأَصْلَ، وَهُوَ الشَّجَرُ أَوِ الْأَرْضُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَتْرَةٍ مَا، قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ، وَقَبْلَ خُرُوجِهِمَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، يَلْحَقُ الثَّمَرُ أَوِ الزَّرْعُ بِالْأَصْلِ الْمَبِيعِ قَبْلَهُ.
75- الرَّابِعَةُ مِنْ أَحْوَالِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ:
أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ- عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ: بِظُهُورِ النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ وَالتَّمَوُّهِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَبِأَمْنِ الْعَاهَةِ وَالْفَسَادِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَمَا هُوَ نَصُّ ابْنِ الْهُمَامِ، وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ.
وَسَيَأْتِي بَعْضُ التَّفْصِيلِ الْمَذْهَبِيِّ فِيمَا إِذَا تَنَاهَى عِظَمُ الثَّمَرَةِ أَوْ لَمْ يَتَنَاهَ.
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَيَّدُوا الْجَوَازَ فِي هَذِهِ الْحَالِ- زِيَادَةً عَلَى بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِتَفْسِيرِهِ عِنْدَهُمْ- بِأَنْ لَا يَسْتَتِرَ بِأَكْمَامِهِ، كَالْبَلَحِ وَالتِّينِ وَالْعِنَبِ، وَالْفُجْلِ وَالْكَرَّاتِ وَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ.فَهَذَا النَّوْعُ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَوَزْنًا بِالْأَوْلَى.
أَمَّا مَا اسْتَتَرَ بِأَكْمَامِهِ- أَيْ بِغِلَافِهِ- كَالْقَمْحِ فِي سُنْبُلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ جُزَافًا، وَيَجُوزُ كَيْلًا.وَإِنْ بِيعَ بِقِشْرِهِ أَيْ تِبْنِهِ، جَازَ جُزَافًا وَكَذَا كَيْلًا بِالْأَوْلَى.
أَمَّا مَا اسْتَتَرَ بِوَرَقِهِ كَالْفُولِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، لَا مُنْفَرِدًا وَلَا مَعَ وَرَقِهِ، وَيَجُوزُ كَيْلًا.
76- الْخَامِسَةُ: أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا، فَلَا يَشْتَرِطُ قَطْعًا وَلَا تَبْقِيَةً، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:
(أ) فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- وَإِنْ صَرَّحَ ابْنُ جُزَيٍّ بِأَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ- أَنَّ بَيْعَهَا كَذَلِكَ بَاطِلٌ: لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَلِأَنَّ الْعَاهَةَ تُسْرِعُ إِلَيْهِ حِينَئِذٍ، لِضَعْفِهِ، فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ، مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ.
(ب) وَفَصَّلَ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَرَّرُوا أَنَّهُ:
إِنْ كَانَ الثَّمَرُ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْأَكْلِ وَلَا فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ، فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ: قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَنَسَبَهُ قَاضِيخَانُ لِعَامَّةِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ لِلنَّهْيِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَخْتَصُّ بِمَالٍ مُتَقَوَّمٍ، وَالثَّمَرُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ (أَيِ الْمَآلِ) إِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ.
وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَوْ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، إِذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، أَوْ مُطْلَقًا.
وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ.وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، هَذِهِ الصُّورَةَ أَيْضًا.
77- السَّادِسَةُ: إِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ، وَقَدْ بَدَا صَلَاحُهَا وَنُضْجُهَا، وَلَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا، وَشَرَطَ التَّرْكَ وَالتَّبْقِيَةَ إِلَى أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهَا:
(أ) فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ- كَمَا يَنُصُّ ابْنُ قُدَامَةَ- جَوَازُ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بَلْ جَوَازُهُ بِإِطْلَاقٍ.
- لِأَنَّ الْحَدِيثَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، فَمَفْهُومُهُ إِبَاحَةُ بَيْعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عِنْدَهُمُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَائِزًا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِبُدُوِّ الصَّلَاحِ غَايَةٌ، وَلَا فَائِدَةٌ فِي ذِكْرِهِ.
- «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَتَأْمَنَ الْعَاهَةَ» وَتَعْلِيلُهُ بِأَمْنِ الْعَاهَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُقْطَعُ فِي الْحَالِ لَا يُخَافُ الْعَاهَةُ عَلَيْهِ، وَإِذَا بَدَا الصَّلَاحُ فَقَدْ أُمِنَتِ الْعَاهَةُ، فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ مُبْقًى، لِزَوَالِ عِلَّةِ الْمَنْعِ.
وَلِأَنَّ النَّقْلَ وَالتَّحْوِيلَ يَجِبُ فِي الْمَبِيعِ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، فَإِذَا شَرَطَهُ جَازَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ نَقْلَ الطَّعَامِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ.
(ب) وَالْحَنَفِيَّةُ قَرَّرُوا مُفَصِّلِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:
إِذَا شَرَطَ التَّرْكَ، وَلَمْ يَتَنَاهَ الْعِظَمُ وَالنُّضْجُ، فَقَدْ شَرَطَ فِيهِ الْجُزْءَ الْمَعْدُومَ، وَهُوَ الَّذِي يَزِيدُ بِمَعْنًى مِنَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، فَكَأَنَّهُ ضَمَّ الْمَعْدُومَ إِلَى الْمَوْجُودِ، وَاشْتَرَاهُمَا، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ.
وَإِذَا شَرَطَ التَّرْكَ، وَقَدْ تَنَاهَى عِظَمُهَا، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ أَيْضًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ شَغْلُ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَمِثْلُهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ فِي الْمَبِيعِ زِيَادَةُ جَوْدَةٍ وَطَرَاوَةٍ، وَلِلْمُشْتَرِي فِيهِ نَفْعٌ.
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقَدِ اسْتَحْسَنَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَالَ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، لِتَعَارُفِ النَّاسِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا، لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْجُزْءِ الْمَعْدُومِ.
وَمَعَ أَنَّ الْبَابَرْتِيَّ وَالْكَرْلَانِيَّ، مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ، لَمْ يُسَلِّمَا بِالتَّعَامُلِ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْكِ، بَلْ قَرَّرَا أَنَّ الْمُعْتَادَ هُوَ التَّرْكُ بِلَا شَرْطٍ، وَالْإِذْنُ فِي تَرْكِهِ بِلَا شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ، لَا شَرْطِ التَّرْكِ.فَفِي نَقْلِ الْكَرْلَانِيِّ عَنِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، لِعُمُومِ الْبَلْوَى.
78- وَإِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ مُطْلَقًا، فَلَمْ يَشْتَرِطِ التَّرْكَ وَلَا الْقَطْعَ، وَلَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا: فَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِإِذْنٍ مُجَرَّدٍ مِنَ الْبَائِعِ، طَابَ لَهُ الْفَضْلُ وَالْأَكْلُ.وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِإِذْنٍ فِي ضِمْنِ الْإِجَارَةِ، بِأَنِ اسْتَأْجَرَ الْأَشْجَارَ إِلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ، طَابَ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَاطِلَةٌ، لِعَدَمِ التَّعَارُفِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ، وَلِعَدَمِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي إِلَى اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ شِرَاءُ الثِّمَارِ مَعَ أُصُولِهَا، وَالْأَصْلُ فِي الْقِيَاسِ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ، وَأُجِيزَتْ شَرْعًا لِلْحَاجَةِ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَلَا تَعَامُلَ فِي إِجَارَةِ الْأَشْجَارِ الْمُجَرَّدَةِ، فَبَقِيَ الْإِذْنُ.
أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِمَا زَادَ فِي ذَاتِهِ، لِحُصُولِهِ بِجِهَةِ مَحْظُورِهِ، وَهِيَ حُصُولُهَا بِقُوَّةِ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، فَيُقَوَّمُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَبَعْدَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا.
أَمَّا إِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَمَا تَنَاهَى عِظَمُهَا، وَتَرَكَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَغَيُّرُ حَالَةٍ، لَا تَحَقُّقُ زِيَادَةٍ.
هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بُدُوُّ صَلَاحِ كُلِّهِ؟
79- يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِوَجْهٍ عَامٍّ، أَنَّهُ يَكْفِي لِصِحَّةِ الْبَيْعِ بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ- وَإِنْ قَلَّ- لِبَيْعِ كُلِّهِ، بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَقْدِ وَالْجِنْسِ وَالْبُسْتَانِ، وَالْحَمْلِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ- كَالشَّافِعِيَّةِ- أَوِ الْجِنْسِ عِنْدَ آخَرِينَ- كَالْمَالِكِيَّةِ- وَإِنْ شَرَطَ بَعْضُهُمْ خِلَافًا لآِخَرِينَ صَلَاحَ كُلِّهِ، فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إِلاَّ بَيْعُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ.وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلًا: إِنْ كَانَتْ شَجَرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي بَعْضِ ثَمَرِهَا، جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا بِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا.
ثَانِيًا: وَإِنْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ سَائِرِ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِ الثَّمَرِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَوَجْهُهُ: - أَنَّهُ بَدَا الصَّلَاحُ مِنْ نَوْعِهِ مِنَ الْبُسْتَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَجَازَ بَيْعُ جَمِيعِهِ، كَالشَّجَرَةِ الْوَاحِدَةِ.
- وَأَنَّ اعْتِبَارَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي جَمِيعِهِ يَشُقُّ، وَيُؤَدِّي إِلَى الِاشْتِرَاكِ وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي، فَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعَ الَّذِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ.
وَالْمَالِكِيَّةُ شَرَطُوا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، أَنْ لَا تَكُونَ النَّخْلَةُ بَاكُورَةً، وَهِيَ الَّتِي تَسْبِقُ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ تَتَابُعُ الطَّيِّبِ، فَإِنْ كَانَتْ بَاكُورَةً لَمْ يَجُزْ بَيْعُ ثِمَارِ الْبُسْتَانِ بِطَيِّبِهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَحْدَهَا.
الْآخَرُ: هُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلاَّ بَيْعُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ.
لِأَنَّ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، فَأَشْبَهَ الْجِنْسَ الْآخَرَ، وَأَشْبَهَ الْجِنْسَ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ الْآخَرِ- كَمَا سَيَأْتِي –
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
26-موسوعة الفقه الكويتية (تحنيك)
تَحْنِيكٌالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي التَّحْنِيكِ فِي اللُّغَةِ: أَنْ يُدَلِّكَ بِالتَّمْرِ حَنَكَ الصَّبِيِّ مِنْ دَاخِلِ فِيهِ، بَعْدَ أَنْ يَلِينَ.
وَالتَّعْرِيفُ الِاصْطِلَاحِيُّ يَشْتَمِلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَعَلَى غَيْرِهِ، كَتَحْنِيكِ الْمَيِّتِ وَغَيْرِهِ.
2- فَتَحْنِيكُ الْمَيِّتِ هُوَ: إِدَارَةُ الْخِرْقَةِ تَحْتَ الْحَنَكِ وَتَحْتَ الذَّقَنِ.وَتَفْصِيلُهُ فِي (الْجَنَائِزُ).
3- وَتَحْنِيكُ الْوُضُوءِ هُوَ: مَسْحُ مَا تَحْتَ الْحَنَكِ وَالذَّقَنِ فِي الْوُضُوءِ.وَتَفْصِيلُهُ فِي (الْوُضُوءِ).
4- وَتَحْنِيكُ الْعِمَامَةِ (وَيُسَمَّى التَّلَحِّي) هُوَ: إِدَارَةُ الْعِمَامَةِ مِنْ تَحْتِ الْحَنَكِ كَوْرًا أَوْ كَوْرَيْنِ.
تَحْنِيكُ الْمَوْلُودِ:
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
5- التَّحْنِيكُ مُسْتَحَبٌّ لِلْمَوْلُودِ، لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى- رضي الله عنهما- قَالَ: «وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ».
6- وَيَتَوَلَّى تَحْنِيكَ الصَّبِيِّ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ».
وَأَوْرَدَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَمَرَ امْرَأَةً بِتَحْنِيكِهِ.
7- وَيُحَنَّكُ الْمَوْلُودُ بِتَمْرٍ، لِمَا وَرَدَ «عَنْ أَسْمَاءَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهما- قَالَتْ: خَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءَ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءَ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ»
فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ تَمْرٌ فَرُطَبٌ، وَإِلاَّ فَشَيْءٌ حُلْوٌ، وَعَسَلُ نَحْلٍ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِمَّا يُفْطِرُ الصَّائِمَ.
8- وَيُحَنَّكُ الْغُلَامُ غَدَاةَ يُولَدُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقُيِّدَ بِالْغَدَاةِ اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَالْغَدَاةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ هُنَا.
وَيَنْبَغِي عِنْدَ التَّحْنِيكِ أَنْ يَفْتَحَ الْمُحَنِّكُ فَمَ الصَّبِيِّ، حَتَّى تَنْزِلَ حَلَاوَةُ التَّمْرِ أَوْ نَحْوِهِ إِلَى جَوْفِهِ.
التَّحْنِيكُ فِي الْعِمَامَةِ:
9- تَحْنِيكُ الْعِمَامَةِ أَنْ يُدَارَ مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ كَوْرٌ أَوْ كَوْرَانِ، وَيُسَنُّ تَحْنِيكُهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ تَحْنِيكٍ وَلَا عَذَبَةٍ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، فَإِنْ وُجِدَا فَهُوَ الْأَكْمَلُ وَهُوَ السُّنَّةُ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ، فَقِيلَ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ.
وَلَا يُسَنُّ تَحْنِيكُ الْعِمَامَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَتُسَنُّ الْعَذَبَةُ لَا غَيْرُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
27-موسوعة الفقه الكويتية (تعاطي)
تَعَاطِيالتَّعْرِيفُ:
1- التَّعَاطِي لُغَةً: مَصْدَرُ تَعَاطَى، بِمَعْنَى: تَنَاوَلَ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ، مِنَ الْعَطْوِ، وَهُوَ بِمَعْنَى التَّنَاوُلِ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} وَتَفْسِيرُهَا: أَنَّهُ تَنَاوَلَ آلَةَ الْعَقْرِ، وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِهَا أَيْضًا: أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْفِعْلَ بَعْدَ أَنْ أَعَدَّ لَهُ عُدَّتَهُ، بِأَنْ كَمَنَ لِلنَّاقَةِ فَرَمَاهَا بِسَهْمِهِ، ثُمَّ ضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتَلَهَا.
وَاصْطِلَاحًا: التَّعَاطِي فِي الْبَيْعِ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الْمُعَاطَاةُ: أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَيَدْفَعَ لِلْبَائِعِ الثَّمَنَ، أَوْ يَدْفَعَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ فَيَدْفَعَ لَهُ الْآخَرُ الثَّمَنَ، مِنْ غَيْرِ تَكَلُّمٍ وَلَا إِشَارَةٍ.وَيَكُونُ التَّعَاطِي فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُعَاوَضَاتِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْعَقْدُ:
2- الْعَقْدُ: عُقُودُ الْبَيْعِ مِنْهَا مَا يَتِمُّ بِاللَّفْظِ (وَهُوَ الصِّيغَةُ) وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَمِنْهَا مَا يَتِمُّ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ التَّعَاطِي.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي:
3- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى: جَوَازِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي.وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اشْتِرَاطُ الصِّيغَةِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ.وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِجَوَازِ الْمُعَاطَاةِ فِي الْمُحَقَّرَاتِ.
وَلِبَيْعِ الْمُعَاطَاةِ صُورَتَانِ:
الْأُولَى: أَنْ يَتِمَّ التَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ تَكَلُّمٍ وَلَا إِشَارَةٍ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْجَوَازَ بِخِلَافِ الْمَذْهَبِ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتِمَّ التَّعَاطِي بِتَكَلُّمِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَيَتِمُّ التَّسْلِيمُ، وَهُوَ تَعَاطٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَلَمْ يَعُدَّهُ الْحَنَفِيَّةُ تَعَاطِيًا.
4- وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَشْرُوعِيَّةِ بَيْعِ التَّعَاطِي: إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْبَيْعَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فِي الْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ وَالتَّفَرُّقِ.وَالْمُسْلِمُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَبِيَاعَاتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ.وَلِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا بَيْنَهُمْ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامًا، وَأَبْقَاهُ عَلَى مَا كَانَ، فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ- مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمْ- اسْتِعْمَالُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَوِ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي بِيَاعَاتِهِمْ لَنُقِلَ نَقْلًا شَائِعًا.وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَوَجَبَ نَقْلُهُ، وَلَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُمْ إِهْمَالُهُ وَالْغَفْلَةُ عَنْ نَقْلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَوِ اشْتُرِطَ لَهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَبَيَّنَهُ- صلى الله عليه وسلم- بَيَانًا عَامًّا، وَلَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى وُقُوعِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ كَثِيرًا وَأَكْلِهِمُ الْمَالَ بِالْبَاطِلِ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ.وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ بِالْمُعَاطَاةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ.
وَلَمْ يُنْقَلْ إِنْكَارُهُ قَبْلَ مُخَالِفِينَا، فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِيهِ، وَقَدْ أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-.وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ: أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ.قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ.وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَكَلَ مَعَهُمْ» وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ- رضي الله عنه- حِينَ «جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بِتَمْرٍ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، رَأَيْتُكَ أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ.فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ ثُمَّ أَتَاهُ ثَانِيَةً بِتَمْرٍ فَقَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذَا شَيْءٌ أَهْدَيْتُهُ لَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: بِسْمِ اللَّهِ، وَأَكَلَ» وَلَمْ يُنْقَلْ قَبُولٌ وَلَا أَمْرٌ بِإِيجَابٍ، وَإِنَّمَا سَأَلَ لِيَعْلَمَ: هَلْ هُوَ صَدَقَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ؟ وَفِي أَكْثَرِ الْأَخْبَارِ لَمْ يُنْقَلْ إِيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ، وَلَيْسَ إِلاَّ الْمُعَاطَاةُ، وَالتَّفَرُّقُ عَنْ تَرَاضٍ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ شَرْطًا فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَشَقَّ ذَلِكَ، وَلَكَانَتْ أَكْثَرُ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ فَاسِدَةً، وَأَكْثَرُ أَمْوَالِهِمْ مُحَرَّمَةً؛ وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ إِنَّمَا يُرَادَانِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّرَاضِي، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسَاوَمَةِ وَالتَّعَاطِي قَامَ مَقَامَهُمَا وَأَجْزَأَ عَنْهُمَا؛ لِعَدَمِ التَّعَبُّدِ فِيهِ.
الْإِقَالَةُ بِالتَّعَاطِي:
5- جَوَّزَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِقَالَةَ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي، وَقَالُوا: الْإِقَالَةُ تَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي أَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ.
الْإِجَارَةُ بِالتَّعَاطِي:
6- جَوَّزَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَقَالُوا: إِنَّمَا هِيَ كَالْبَيْعِ، وَقَدِ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْمَنَافِعِ دُونَ الْعَيْنِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ لِيَخِيطَهُ أَوْ يُقَصِّرَهُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَا تَعْرِيضٍ بِأَجْرٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: خُذْ هَذَا فَاعْمَلْهُ، وَكَانَ الْخَيَّاطُ وَالْقَصَّارُ مُنْتَصِبَيْنِ لِذَلِكَ، فَفَعَلَا ذَلِكَ فَلَهُمَا الْأَجْرُ، لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِذَلِكَ.وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا أَجْرَ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ جَعَلَ لَهُمَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَبَرَّعَا بِعَمَلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ السَّفِينَةَ أَوْ يَحْتَجِمُ أَوْ يَفْتَصِدُ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ أَوْ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ، ثُمَّ يَدْفَعُ الْأُجْرَةَ وَثَمَنَ الْمَاءِ؟ فَقَالَ: يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْعَقْدِ قَبْلَ ذَلِكَ.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
7- يُفَصِّلُ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ التَّعَاطِي بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ فِي مَوْضِعِهَا، وَمِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ: الْبُيُوعُ، وَالْإِقَالَةُ، وَالْإِجَارَةُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
28-موسوعة الفقه الكويتية (تفرق)
تَفَرُّقٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّفَرُّقُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ: تَفَرَّقَ ضِدُّ تَجَمَّعَ، يُقَالُ: تَفَرَّقَ الْقَوْمُ تَفَرُّقًا، وَمِثْلُهُ افْتَرَقَ الْقَوْمُ افْتِرَاقًا وَالتَّفْرِيقُ: خِلَافُ التَّجْمِيعِ، يُقَالُ: فَرَّقَ الشَّيْءَ تَفْرِيقًا وَتَفْرِقَةً: بَدَّدَهُ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ، أَمَّا التَّفَرُّقُ فَلَازِمٌ.وَالتَّفْرِيقُ أَبْلَغُ مِنَ الْفَرْقِ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّكْثِيرِ.وَالتَّفَرُّقُ فِي الِاصْطِلَاحِ لَا يَخْرُجُ مَعْنَاهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ):
التَّجَزُّؤُ:
2- التَّجَزُّؤُ: مِنْ تَجَزَّأَ الشَّيْءُ تَجَزُّؤًا، وَجَزَّأَ الشَّيْءَ تَجْزِئَةً: حَمَلَهُ أَجْزَاءً.وَالتَّفَرُّقُ يَكُونُ بَيْنَ الْأَبْدَانِ، وَالتَّجَزُّؤُ فِي الْأُمُورِ.
حُكْمُهُ:
3- تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ التَّفَرُّقِ بِاخْتِلَافِ مَوْضُوعِهِ: فَيَسْقُطُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِتَفَرُّقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنَ الْفُقَهَاءِ.
وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ.كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَبَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمُتَّحِدٍّ مَعَهُ فِي الْعِلَّةِ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ التَّفَاصِيلِ.
التَّفَرُّقُ الْمُؤَثِّرُ وَحُكْمُهُ:
4- التَّفَرُّقُ الْمُؤَثِّرُ هُوَ: أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَرْجِعُ فِيهِ عُرْفُ النَّاسِ، وَعَادَتُهُمْ فِيمَا يَعُدُّونَهُ تَفَرُّقًا، لِأَنَّ الشَّارِعَ نَاطَ عَلَيْهِ حُكْمًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ، كَكُلِّ مَا أَطْلَقَهُ الشَّارِعُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْقَبْضِ، وَالْإِحْرَازِ.
هَذَا وَيَسْقُطُ بِالتَّفَرُّقِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالرِّبَوِيِّ، وَيَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ.
أَمَّا هَلْ يَقُومُ التَّخَايُرُ مَقَامَ التَّفَرُّقِ فِي إِسْقَاطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ التَّخَايُرُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ، وَآرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ؟ فَيُرْجَعُ فِيهَا إِلَى مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْمَجْلِسِ).
تَفَرُّقُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ:
5- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ التَّفَرُّقَ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ لِخَبَرِ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا».
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَأَقَامَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَالْخِيَارُ بِحَالِهِ، وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ.لِمَا رَوَى أَبُو الْوَضِيءِ- عَبَّادُ بْنُ نُسَيْبٍ-: «غَزَوْنَا غَزْوَةً، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا بِغُلَامٍ، ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنَ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ يُسَرِّجُهُ فَنَدِمَ، فَأَتَى الرَّجُلُ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ، فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَقَالَا لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَمَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا».
الْإِكْرَاهُ عَلَى التَّفَرُّقِ:
6- إِنْ أُكْرِهَ الشَّخْصُ عَلَى التَّفَرُّقِ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ- وَهُمَا رِوَايَتَانِ لِلْحَنَابِلَةِ-
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ، لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْفَسْخُ بِالتَّخَايُرِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ، فَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ.
الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنَ السُّكُوتِ، وَالسُّكُوتُ لَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ.وَلَمْ يَأْخُذْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَصْلًا.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْمَجْلِسِ).
التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ:
7- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا بِيعَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِالْآخَرِ يَجِبُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ.
وَإِلاَّ يَبْطُلِ الْعَقْدُ لِخَبَرِ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشْفُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشْفُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ».
أَمَّا غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُرْمَةِ التَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ وَيَحْرُمُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، إِنِ اتَّحَدَ الْجِنْسُ، أَوِ اتَّحَدَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِيهِمَا، وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ الْمُعَيَّنِ، وَيَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي (رِبًا، قَبْضٌ).
التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ:
8- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ.وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ وَلِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ.
التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا:
9- الْعَرَايَا: جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وَهِيَ بَيْعُ مَا عَلَى النَّخْلَةِ مِنْ رُطَبٍ بِتَمْرٍ عَلَى الْأَرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ.وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا.
تَفَرُّقُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْمَشْرُوطِ:
10- لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْمُتَنَاضِلَانِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَا الْمِقْدَارَ الْمَشْرُوطَ التَّنَاضُلُ بِهِ فِي الزَّمَنِ الْمُحَدَّدِ إِلاَّ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، أَوْ رِيحٍ عَاصِفَةٍ أَوْ بِالتَّرَاضِي.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُنَاضَلَةٍ.
تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ:
11- تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا، وَهَذَا بِكَذَا، فَيَقْبَلُ الْآخَرُ، وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، أَوِ الْبَائِعِ، وَبِالْجَمْعِ فِي صَفْقَةٍ بَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَخَلٍّ، وَخَمْرٍ.وَمَعْنَى تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ تَفْرِيقُهَا فِي الْحُكْمِ.فَفِي حَالَةِ تَفْصِيلِ الثَّمَنِ مَثَلًا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي قَبُولُ أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ وَرَدُّ الْآخَرِ، وَفِي حَالَةِ تَعَدُّدِ الْعَاقِدَيْنِ، لَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ وَإِبْقَاءُ الْآخَرِ، وَفِي حَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي صَفْقَةٍ، يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الْحَلَالِ، وَيَبْطُلُ فِي الْحَرَامِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.
تَفَرُّقُ الْمُجْتَمِعِينَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ:
12- إِذَا تَفَرَّقَ الْمُجْتَمِعُونَ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ، أَوْ نَقَصَ عَدَدُهُمْ لَمْ يُحْسَبِ الْجُزْءُ الْمُؤَدَّى مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ فِي غَيْبَتِهِمْ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
تَفَرُّقُ الْعُرَاةِ عِنْدَ الصَّلَاةِ:
13- إِذَا اجْتَمَعَ عُرَاةٌ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي ظَلَامٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً، وَإِلاَّ تَفَرَّقُوا وُجُوبًا، وَصَلَّوْا أَفْذَاذًا وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ).
تَفَرُّقُ جَمْعٍ وَظُهُورُ قَتِيلٍ:
14- إِذَا تَفَرَّقَ جَمْعٌ وَظَهَرَ فِي الْمَكَانِ قَتِيلٌ، يَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُمُ الْجُنَاةُ، وَيَثْبُتُ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يُحَلِّفَهُمْ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (الْقَسَامَةِ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
29-موسوعة الفقه الكويتية (حيلة)
حِيلَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْحِيلَةُ لُغَةً: الْحِذْقُ فِي تَدْبِيرِ الْأُمُورِ، وَهُوَ تَقْلِيبُ الْفِكْرِ حَتَّى يَهْتَدِيَ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَأَصْلُ الْيَاءِ وَاوٌ، وَهِيَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى حَالَةٍ مَا، فِي خُفْيَةٍ.
وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا فِي تَعَاطِيهِ خُبْثٌ.وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا فِيهِ حِكْمَةٌ.
وَأَصْلُهَا مِنَ الْحَوْلِ، وَهُوَ التَّحَوُّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ بِنَوْعِ تَدْبِيرٍ وَلُطْفٍ يُحِيلُ بِهِ الشَّيْءَ عَنْ ظَاهِرِهِ، أَوْ مِنَ الْحَوْلِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ.وَتُجْمَعُ الْحِيلَةُ عَلَى الْحِيَلِ.
أَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ الْحِيلَةَ بِمَعْنًى أَخَصَّ مِنْ مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ، فَهِيَ نَوْعٌ مَخْصُوصٌ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي يَتَحَوَّلُ بِهِ فَاعِلُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا عُرْفًا فِي سُلُوكِ الطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى حُصُولِ الْغَرَضِ، بِحَيْثُ لَا يُتَفَطَّنُ لَهَا إِلاَّ بِنَوْعٍ مِنَ الذَّكَاءِ وَالْفَطِنَةِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْخُدْعَةُ:
2- أَصْلُ الْخُدْعَةِ إِخْفَاءُ الشَّيْءِ أَوِ الْفَسَادُ.وَيُرَادُ بِهَا إِظْهَارُ مَا يُبْطَنُ خِلَافُهُ، أَرَادَ اجْتِلَابَ نَفْعٍ، أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَدَبُّرٍ، وَنَظَرٍ، وَفِكْرٍ، وَهَذَا مَا يُفَرِّقُهُ عَنِ الْحِيلَةِ.
فَهُوَ بِمَعْنَى الْخَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَابَةُ.
الْغُرُورُ:
3- الْغُرُورُ: إِيهَامٌ يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِ مَا يَضُرُّهُ.
التَّدْبِيرُ:
4- التَّدْبِيرُ تَقْوِيمُ الْأَمْرِ عَلَى مَا يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ عَاقِبَتِهِ.
وَأَصْلُهُ مِنَ الدُّبُرِ، وَأَدْبَارُ الْأُمُورِ عَوَاقِبُهَا.
فَيَشْتَرِكُ التَّدْبِيرُ وَالْحِيلَةُ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِي كُلٍّ إِحَالَةُ شَيْءٍ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَاخْتَصَّ التَّدْبِيرُ بِمَا يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ الْعَاقِبَةِ، أَمَّا الْحِيلَةُ فَتَعُمُّ الصَّلَاحَ وَالْفَسَادَ.
الْكَيْدُ:
5- الْكَيْدُ إِيقَاعُ الْمَكْرُوهِ بِالْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ.
وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الِاحْتِيَالِ وَقَدْ يَكُونُ مَذْمُومًا أَوْ مَمْدُوحًا، وَفِي الْأَوَّلِ أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِدْرَاجُ وَالْمَكْرُ وَبَعْضُ ذَلِكَ مَمْدُوحٌ كَمَا فِي قوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}
الْمَكْرُ:
6- الْمَكْرُ صَرْفُ الْغَيْرِ عَمَّا يَقْصِدُهُ بِحِيلَةٍ، وَمِنْهُ الْمَحْمُودُ وَالْمَذْمُومُ.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْحِيلَةِ.
التَّوْرِيَةُ وَالتَّعْرِيضُ:
7- التَّوْرِيَةُ وَالتَّعْرِيضُ: أَنْ تُطْلِقَ لَفْظًا ظَاهِرًا فِي مَعْنًى، وَتُرِيدَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ يَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ.
وَأَصْلُ التَّوْرِيَةِ السِّتْرُ، وَالتَّعْرِيضُ خِلَافُ التَّصْرِيحِ.
الذَّرِيعَةُ:
8- الذَّرِيعَةُ: الْوَسِيلَةُ إِلَى الشَّيْءِ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ قَطْعُ الْأَسْبَابِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْمُحَرَّمِ.
تَقْسِيمُ الْحِيَلِ:
تَنْقَسِمُ الْحِيَلِ بِاعْتِبَارِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلَى حِيَلٍ مَشْرُوعَةٍ وَحِيَلٍ مُحَرَّمَةٍ.
الْحِيَلُ الْمَشْرُوعَةُ:
9- وَهِيَ الْحِيَلُ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ الْمَآثِمِ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى الْحَلَالِ، أَوْ إِلَى الْحُقُوقِ، أَوْ إِلَى دَفْعِ بَاطِلٍ، وَهِيَ الْحِيَلُ الَّتِي لَا تَهْدِمُ أَصْلًا مَشْرُوعًا وَلَا تُنَاقِضُ مَصْلَحَةً شَرْعِيَّةً.
وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أ- أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مُحَرَّمَةً وَيُقْصَدَ بِهَا الْوُصُولُ إِلَى الْمَشْرُوعِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيَجْحَدَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَيُقِيمُ صَاحِبُ الْحَقِّ شَاهِدَيْ زُورٍ يَشْهَدَانِ بِهِ وَلَا يَعْلَمَانِ ثُبُوتَ هَذَا الْحَقِّ.
وَمُتَّخِذُ هَذَا الْقِسْمِ مِنَ الْحِيَلِ يَأْثَمُ عَلَى الْوَسِيلَةِ دُونَ الْقَصْدِ.
وَيُجِيزُ هَذَا مَنْ يُجِيزُ مَسْأَلَةَ الظَّفَرِ بِالْحَقِّ، فَيَجُوزُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ دُونَ بَعْضٍ.
ب- أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مَشْرُوعَةً وَتُفْضِيَ إِلَى مَشْرُوعٍ.
وَمِثَالُهَا الْأَسْبَابُ الَّتِي نَصَبَهَا الشَّارِعُ مُفْضِيَةً إِلَى مُسَبَّبَاتِهَا، كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ وَأَنْوَاعِ الْعُقُودِ الْأُخْرَى، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّحَيُّلُ عَلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ.
ج- أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ لَمْ تُوضَعْ وَسِيلَةً إِلَى الْمَشْرُوعِ فَيَتَّخِذُهَا الْمُتَحَيِّلُ وَسِيلَةً إِلَى ذَلِكَ، وَمِثَالُهُ الْمَعَارِيضُ الْجَائِزَةُ فِي الْكَلَامِ.
وَمِنَ الْحِيَلِ الْمَشْرُوعَةِ مَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَإِشْكَالٍ وَمَوْضِعُ خِلَافٍ.
الْحِيَلُ الْمُحَرَّمَةُ:
10- وَهِيَ الْحِيَلُ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلتَّوَصُّلِ بِهَا إِلَى مُحَرَّمٍ، أَوْ إِلَى إِبْطَالِ الْحُقُوقِ، أَوْ لِتَمْوِيهِ الْبَاطِلِ أَوْ إِدْخَالِ الشُّبَهِ فِيهِ.وَهِيَ الْحِيَلُ الَّتِي تَهْدِمُ أَصْلًا شَرْعِيًّا أَوْ تُنَاقِضُ مَصْلَحَةً شَرْعِيَّةً.وَالْحِيَلُ الْمُحَرَّمَةُ مِنْهَا مَا لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَخِلَافٍ.
وَالْحِيَلُ الْمُحَرَّمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَهِيَ:
أ- أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مُحَرَّمَةً وَيُقْصَدَ بِهَا مُحَرَّمٌ:
وَمِثَالُهُ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَأَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ عَارِ التَّحْلِيلِ، فَإِنَّهُ يُحَالُ لِذَلِكَ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ، أَوِ الشُّهُودِ فَلَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ.
ب- أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مُبَاحَةً فِي نَفْسِهَا وَيُقْصَدَ بِهَا مُحَرَّمٌ.
كَمَا يُسَافِرُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ.
ج- أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ لَمْ تُوضَعْ وَسِيلَةً إِلَى الْمُحَرَّمِ بَلْ إِلَى الْمَشْرُوعِ، فَيُتَّخَذُهَا الْمُحْتَالُ وَسِيلَةً إِلَى الْمُحَرَّمِ.
كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ لِوَارِثِهِ، فَيَحْتَالَ لِذَلِكَ بِأَنْ يُقِرَّ لَهُ، فَيَتَّخِذَ الْإِقْرَارَ وَسِيلَةً لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ.
أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ:
11- تَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِالْحِيَلِ الْمَشْرُوعَةِ وَهَذَا بَيَانٌ لِأَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا:
أ- قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} أَرَادَ بِالْحِيلَةِ التَّحَيُّلَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ مَحْمُودَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا مَنْ عَمِلَهَا.
ب- مُبَاشَرَةُ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ حِيلَةٌ عَلَى حُصُولِ مُسَبَّبَاتِهَا، كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَاللُّبْسِ وَالسَّفَرِ الْوَاجِبِ، وَكَذَلِكَ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ وَاجِبُهَا وَمُسْتَحَبُّهَا وَمُبَاحُهَا كُلُّهَا حِيلَةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْحِيلَةُ سَبَبًا مَشْرُوعًا وَمَا تُفْضِي إِلَيْهِ مَشْرُوعٌ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهَا.
ج- إِنَّ الْعَاجِزَ الَّذِي لَا حِيلَةَ عِنْدَهُ لِجَهْلِهِ بِطُرُقِ تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ مَذْمُومٌ، لِأَنَّهُ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِطُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ خَفِيِّهَا وَظَاهِرِهَا، فَيُحْسِنُ التَّوَصُّلَ إِلَى مَقَاصِدِهِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ، وَيَعْرِفُ طُرُقَ الشَّرِّ الظَّاهِرَةَ وَالْخَفِيَّةَ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى خِدَاعِهِ وَالْمَكْرِ بِهِ فَيَحْتَرِزُ مِنْهَا.وَقَدْ كَانَ «حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ- رضي الله عنه- أَعْلَمَ النَّاسِ بِالشَّرِّ وَالْفِتَنِ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ، وَكَانَ هُوَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَهُ».
د- إِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ حُرِّمَتِ الْحِيَلُ هُوَ أَنَّهَا تَهْدِمُ الْأُصُولَ الشَّرْعِيَّةَ، وَتُنَاقِضُ الْمَصَالِحَ الشَّرْعِيَّةَ، فَإِذَا انْتَفَى هَذَا الْمَعْنَى وَكَانَتِ الْحِيَلُ مِمَّا لَا يُنَاقِضُ الْأُصُولَ الشَّرْعِيَّةَ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهَا بَلْ كَانَتْ مِنَ الْمَشْرُوعِ.
هـ- أَجَازَتِ الشَّرِيعَةُ لِلْمُكْرَهِ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِحْرَازًا لِدَمِهِ، وَفِي هَذَا تَحَيُّلٌ عَلَى إِحْرَازِ الدَّمِ، وَالتَّحَيُّلُ هُنَا كَالتَّحَيُّلِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ إِحْرَازًا لِلدَّمِ، كَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: - صلى الله عليه وسلم- «فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا» فَكُلٌّ مِنَ الْحَالَتَيْنِ نَطَقَ بِكَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ مَعْنَاهَا تَوَصُّلًا إِلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، وَهُوَ إِحْرَازُ الدَّمِ، فَأُجْرِيَتْ عَلَيْهِمَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ.
و- إِنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ وَالتَّخَلُّصَ مِنَ الْمَآثِمِ أَمْرٌ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَالتَّحَيُّلُ لَهُ بِاِتِّخَاذِ الْوَسَائِلِ وَالْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيْهِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ شَرْعًا كَذَلِكَ، وَلَا تَخْرُجُ الْحِيَلُ الْمُبَاحَةُ عَنْ هَذَا.
مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} وَهِيَ حِيلَةٌ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْحِنْثِ، وَقَدْ عَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَقِّ الضَّعِيفِ الَّذِي زَنَى، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ فِي السُّنَنِ، حَيْثُ إِنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ «اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أَضْنَى، فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ، فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَالَ: اسْتَفْتُوا لِي رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنِّي قَدْ وَقَعَتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ، لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ، مَا هُوَ إِلاَّ جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ، فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً».
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا».
وَفِي أَمْرِهِ- صلى الله عليه وسلم- بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ تَمْرًا، وَنَهْيِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِهِ خُرُوجٌ مِمَّا لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّبَا إِلَى مَا يَحِلُّ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَهُوَ خُرُوجٌ مِنَ الْإِثْمِ.
أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ:
12- إِنَّ الْحِيَلَ الْمُحَرَّمَةَ تَقُومُ عَلَى الْمُخَادَعَةِ وَالتَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسِ، وَعَلَى اتِّخَاذِ الْوَسَائِلِ الْمَشْرُوعَةِ، وَغَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ، لِلْوُصُولِ إِلَى الْحَرَامِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: 1- قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ».
لِأَنَّ فِيهِ اسْتِحْلَالَ الزِّنَى بِاسْمِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُحَلِّلِ تَزَوَّجْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، أَوْ قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ، وَهُوَ غَيْرُ مُبْطِنٍ لِحَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَلَا يَقْصِدُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ، وَلَا هِيَ مَرِيدَةٌ لِذَلِكَ وَلَا الْوَلِيُّ، فَقَدْ تَوَسَّلَ بِاللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ إِلَى مَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ، أَوْ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ، وَهُوَ عَوْدُ الْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ.
وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ: لَا، إِلاَّ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ، وَلَا اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ يَذُوقُ عُسَيْلَتَهَا».
2- قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمِ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا» فَاحْتَالُوا عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ الشُّحُومِ بِأَكْلِ أَثْمَانِهَا.
3- قَوْلُ الْمُرَابِي بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا كَمَا فِي بَيْعِ الْعِينَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَرِيدًا لِحَقِيقَةِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي غَرَضٌ فِي السِّلْعَةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْبَائِعُ عَوْدَ السِّلْعَةِ إِلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ.
وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنِ الْعِينَةِ، فَقَالَا إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْدَعُ هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَسَمَّيَا ذَلِكَ خِدَاعًا.
4- لَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْيَهُودَ عَلَى تَحَايُلِهِمْ عَلَى الْحَرَامِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} فَلَقَدْ حَرَّمَ عَلَى الْيَهُودِ أَنْ يَعْمَلُوا فِي السَّبْتِ شَيْئًا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَحْفِرُ الْحَفِيرَةَ، وَيَجْعَلُ لَهَا نَهَرًا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ فَتَحَ النَّهَرَ فَأَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ يَضْرِبُهَا حَتَّى يُلْقِيَهَا فِي الْحَفِيرَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ، جَاءُوا فَأَخَذُوا مَا تَجَمَّعَ فِي الْحَفِيرَةِ مِنْ حِيتَانٍ وَقَالُوا: إِنَّمَا صِدْنَاهُ يَوْمَ الْأَحَدِ، فَعُوقِبُوا بِالْمَسْخِ قِرَدَةً لِأَنَّهُمُ اسْتَحَلُّوا الْحَرَامَ بِالْحِيلَةِ.
وَلَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنِ ارْتِكَابِ الْحِيَلِ، كَمَا فَعَلَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ».
وَمَعْنَى أَدْنَى الْحِيَلِ، أَيْ أَسْهَلِهَا وَأَقْرَبِهَا، كَمَا فِي الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا، فَمِنَ السَّهْلِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مَالًا لِمَنْ يَنْكِحُ مُطَلَّقَتَهُ لِيُحِلَّهَا لَهُ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الَّتِي هِيَ نِكَاحُ الرَّغْبَةِ، فَإِنَّهَا يَصْعُبُ مَعَهَا عَوْدُهَا إِلَيْهِ.وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَمِنْ أَدْنَى الْحِيَلِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا إِلاَّ دِرْهَمًا بِاسْمِ الْقَرْضِ، وَيَبِيعَهُ خِرْقَةً تُسَاوِي دِرْهَمًا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٍ، فَإِنَّهَا مِنْ أَدْنَى الْحِيَلِ إِلَى الرِّبَا وَأَسْهَلِهَا، كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ فِي الِاعْتِدَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ.
5- قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تَابِعَةٌ لِمَقَاصِدِهَا وَنِيَّاتِهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ إِلاَّ مَا نَوَاهُ وَأَبْطَنَهُ لَا مَا أَعْلَنَهُ وَأَظْهَرَهُ، فَمَنْ نَوَى الرِّبَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَأَدَّى إِلَى الرِّبَا كَانَ مُرَابِيًا، وَكُلُّ عَمَلٍ قُصِدَ بِهِ التَّوَصُّلُ إِلَى تَفْوِيتِ حَقٍّ كَانَ مُحَرَّمًا.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَخَارِجُ).
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
30-موسوعة الفقه الكويتية (ربا 1)
رِبًا -1التَّعْرِيفُ:
1- الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو رَبْوًا، وَرُبُوًّا وَرِبَاءً.
وَأَلِفُ الرِّبَا بَدَلٌ عَنْ وَاوٍ، وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ: رِبَوِيٌّ، وَيُثَنَّى بِالْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ فَيُقَالُ: رِبَوَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: رِبَيَانِ- بِالْيَاءِ- لِلْإِمَالَةِ السَّائِغَةِ فِيهِ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ.
وَالْأَصْلُ فِي مَعْنَاهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: رَبَا الشَّيْءُ إِذَا زَادَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِيالصَّدَقَاتِ}.وَأَرْبَى الرَّجُلُ: عَامَلَ بِالرِّبَا أَوْ دَخَلَ فِيهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مَنْ أَجْبَى فَقَدْ أَرْبَى» وَالْإِجْبَاءُ: بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ.
وَيُقَالُ: الرِّبَا وَالرَّمَا وَالرَّمَاءُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- قَوْلُهُ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَا، يَعْنِي الرِّبَا.
وَالرُّبْيَةُ- بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ- اسْمٌ مِنَ الرِّبَا، وَالرُّبِّيَّةُ: الرِّبَاءُ، وَفِي الْحَدِيثِ «عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي صُلْحِ أَهْلِ نَجْرَانَ: أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ رُبِّيَّةٌ وَلَا دَمٌ».
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَالْيَاءِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِهَا الرِّبَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالدِّمَاءَ الَّتِي كَانُوا يَطْلُبُونَ بِهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمْ كُلَّ رِبًا كَانَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ رُءُوسَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَهَا.
وَالرِّبَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ:
عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ.
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا.
وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: تَفَاضُلٌ فِي أَشْيَاءَ، وَنَسْءٌ فِي أَشْيَاءَ، مُخْتَصٌّ بِأَشْيَاءَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا- أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا- نَصًّا فِي الْبَعْضِ، وَقِيَاسًا فِي الْبَاقِي مِنْهَا.
وَعَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا عَلَى حِدَةٍ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْبَيْعُ:
2- الْبَيْعُ لُغَةً: مَصْدَرُ بَاعَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ.
وَالْبَيْعُ مِنَ الْأَضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَفْظُ بَائِعٍ، وَلَكِنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ فَالْمُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ، وَيُطْلَقُ الْبَيْعُ عَلَى الْمَبِيعِ فَيُقَالُ: بَيْعٌ جَيِّدٌ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهُ الْقَلْيُوبِيُّ بِأَنَّهُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ تُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَبَقَتْ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ).
وَالْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ حَلَالٌ، وَالرِّبَا حَرَامٌ.
ب- الْعَرَايَا:
3- الْعَرِيَّةُ لُغَةً: النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا غَيْرَهُ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهَا فَيَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا، أَوْ هِيَ النَّخْلَةُ الَّتِي أُكِلَ مَا عَلَيْهَا، وَالْجَمْعُ عَرَايَا، وَيُقَالُ: اسْتَعْرَى النَّاسُ أَيْ: أَكَلُوا الرُّطَبَ.
وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْعَ الْعَرَايَا بِأَنَّهُ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ.
وَيَذْهَبُ آخَرُونَ فِي تَعْرِيفِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَحُكْمِهِ مَذَاهِبَ يُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ: (تَعْرِيَةٌ) (وَبَيْعُ الْعَرَايَا) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ 9 91.
وَبَيْعُ الْعَرَايَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَفِيهِ مَا فِي الْمُزَابَنَةِ مِنَ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتِهِ، لَكِنَّهُ أُجِيزَ بِالنَّصِّ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا»،، وَفِي لَفْظٍ: «عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ: «النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا».
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4- الرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَلَمْ يُؤْذِنِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَاصِيًا بِالْحَرْبِ سِوَى آكِلِ الرِّبَا، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ فَقَدْ كَفَرَ- لِإِنْكَارِهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ- فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ، أَمَّا مَنْ تَعَامَلَ بِالرِّبَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ الرِّبَا لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لقوله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ.
وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنَ الْكِتَابِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}.
5- قَالَ السَّرَخْسِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لآِكِلِ الرِّبَا خَمْسًا مِنَ الْعُقُوبَاتِ:
إِحْدَاهَا: التَّخَبُّطُ..قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}.
الثَّانِيَةُ: الْمَحْقُ..قَالَ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} وَالْمُرَادُ الْهَلَاكُ وَالِاسْتِئْصَالُ، وَقِيلَ: ذَهَابُ الْبَرَكَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ حَتَّى لَا يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَا وَلَدُهُ بَعْدَهُ.
الثَّالِثَةُ: الْحَرْبُ..قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
الرَّابِعَةُ: الْكُفْرُ..قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّبَا: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أَيْ: كَفَّارٍ بِاسْتِحْلَالِ الرِّبَا، أَثِيمٍ فَاجِرٍ بِأَكْلِ الرِّبَا.
الْخَامِسَةُ: الْخُلُودُ فِي النَّارِ.قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وَكَذَلِكَ- قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًامُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أَضْعَافًامُضَاعَفَةً} لَيْسَ لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ بِهِ، بَلْ لِمُرَاعَاةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَادَةِ تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ، إِذْ كَانَ الرَّجُلُ يُرْبِي إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ لِلْمَدِينِ: زِدْنِي فِي الْمَالِ حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الْأَجَلِ، فَيَفْعَلُ، وَهَكَذَا عِنْدَ مَحَلِّ كُلِّ أَجَلٍ، فَيَسْتَغْرِقُ بِالشَّيْءِ الطَّفِيفِ مَالَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
6- وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنَ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:
مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ».
وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ».
وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَصْلِ تَحْرِيمِ الرِّبَا.
وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ مَسَائِلِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَتَفْسِيرِ شَرَائِطِهِ.
7- هَذَا، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُقْرِضُ أَوْ يَقْتَرِضُ أَوْ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي أَنْ يَبْدَأَ بِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَهَا، حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً وَبَعِيدَةً عَنِ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَتَرْكُهُ إِثْمٌ وَخَطِيئَةٌ، وَهُوَ إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ هَذِهِ الْأَحْكَامَ قَدْ يَقَعُ فِي الرِّبَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الْإِرْبَاءَ، بَلْ قَدْ يَخُوضُ فِي الرِّبَا وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّهُ تَرَدَّى فِي الْحَرَامِ وَسَقَطَ فِي النَّارِ، وَجَهْلُهُ لَا يُعْفِيهِ مِنَ الْإِثْمِ وَلَا يُنَجِّيهِ مِنَ النَّارِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ وَالْقَصْدَ لَيْسَا مِنْ شُرُوطِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الرِّبَا، فَالرِّبَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ- مِنَ الْمُكَلَّفِ- مُوجِبٌ لِلْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِهِ الْمُرَابِينَ، يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الرِّبَا إِلاَّ عَلَى مَنْ قَصَدَهُ مَا حُرِّمَ إِلاَّ عَلَى الْفُقَهَاءِ.
وَقَدْ أُثِرَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنَ الِاتِّجَارِ قَبْلَ تَعَلُّمِ مَا يَصُونُ الْمُعَامَلَاتِ التِّجَارِيَّةَ مِنَ التَّخَبُّطِ فِي الرِّبَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ- رضي الله عنه-: لَا يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إِلاَّ مَنْ فَقِهَ، وَإِلاَّ أَكَلَ الرِّبَا، وَقَوْلُ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: مَنِ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ، أَيْ: وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشِبَ.
وَقَدْ حَرَصَ الشَّارِعُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَكُلُّ ذَرِيعَةٍ إِلَى الْحَرَامِ هِيَ حَرَامٌ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: مَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ فَلْيُؤْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِنَّمَا حُرِّمَتِ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْمُزَابَنَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْمُحَاقَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ فِي الْحَقْلِ بِالْحَبِّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، إِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا شَاكَلَهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَمِنْ هَذَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ بِمَا فَهِمُوا مِنْ تَضْيِيقِ الْمَسَالِكِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا وَالْوَسَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَتَفَاوَتَ نَظَرُهُمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.
8- وَبَابُ الرِّبَا مِنْ أَشْكَلِ الْأَبْوَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا، يَعْنِي- كَمَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا شَائِبَةُ الرِّبَا، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- قَالَ: مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ، وَعَنْهُ- رضي الله عنه- قَالَ: ثَلَاثٌ لأَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَيَّنَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْكَلَالَةُ، وَالرِّبَا، وَالْخِلَافَةُ.
حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا:
9- أَوْرَدَ الْمُفَسِّرُونَ لِتَحْرِيمِ الرِّبَا حِكَمًا تَشْرِيعِيَّةً:
مِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَقْتَضِي أَخْذَ مَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَبِيعُ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً تَحْصُلُ لَهُ زِيَادَةُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَمَالُ الْمُسْلِمِ مُتَعَلِّقُ حَاجَتِهِ، وَلَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ» وَإِبْقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَمْرٌ مَوْهُومٌ، فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، وَأَخْذُ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ مُتَيَقَّنٌ، وَتَفْوِيتُ الْمُتَيَقَّنِ لِأَجْلِ الْمَوْهُومِ لَا يَخْلُو مِنْ ضَرَرٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْمَكَاسِبِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الدِّرْهَمِ إِذَا تَمَكَّنَ بِوَاسِطَةِ عَقْدِ الرِّبَا مِنْ تَحْصِيلِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً خَفَّ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ وَجْهِ الْمَعِيشَةِ، فَلَا يَكَادُ يَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَاتِ الشَّاقَّةِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ الَّتِي لَا تَنْتَظِمُ إِلاَّ بِالتِّجَارَاتِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْعِمَارَاتِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الرِّبَا إِذَا حُرِّمَ طَابَتِ النُّفُوسُ بِقَرْضِ الدِّرْهَمِ وَاسْتِرْجَاعِ مِثْلِهِ، وَلَوْ حَلَّ الرِّبَا لَكَانَتْ حَاجَةُ الْمُحْتَاجِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ، فَيُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمُوَاسَاةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ...فَرِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَالِ، حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً، وَفِي الْغَالِبِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلاَّ مُعْدِمٌ مُحْتَاجٌ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ، وَيُدَافِعُ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ، فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ، وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ، فَيَرْبُو الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ، وَيَزِيدُ مَالُ الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ مِنْهُ لِأَخِيهِ، فَيَأْكُلُ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ، وَيَحْصُلُ أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا...
10- وَأَمَّا الْأَصْنَافُ السِّتَّةُ الَّتِي حُرِّمَ فِيهَا الرِّبَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ».
11- أَمَّا هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَقَدْ أَجْمَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ حِكْمَةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِي الْأَثْمَانِ- أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ- بِجِنْسِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الْأَثْمَانِ، وَمَنَعُوا التِّجَارَةَ فِي الْأَقْوَاتِ- أَيِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ- بِجِنْسِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الْأَقْوَاتِ.
وَفَصَّلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هِيَ الثَّمَنِيَّةُ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ تَقْوِيمُ الْأَمْوَالِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا مَضْبُوطًا لَا يَرْتَفِعُ وَلَا يَنْخَفِضُ، إِذْ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ كَالسِّلَعِ لَمْ يَكُنْ لَنَا ثَمَنٌ نَعْتَبِرُ بِهِ الْمَبِيعَاتِ، بَلِ الْجَمِيعُ سِلَعٌ، وَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ثَمَنٍ يَعْتَبِرُونَ بِهِ الْمَبِيعَاتِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إِلاَّ بِسِعْرٍ تُعْرَفُ بِهِ الْقِيمَةُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِثَمَنٍ تُقَوَّمُ بِهِ الْأَشْيَاءُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ، إِذْ يَصِيرُ سِلْعَةً يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ، فَتَفْسُدُ مُعَامَلَاتُ النَّاسِ وَيَقَعُ الْخُلْفُ وَيَشْتَدُّ الضَّرَرُ...فَالْأَثْمَانُ لَا تُقْصَدُ لِأَعْيَانِهَا، بَلْ يُقْصَدُ التَّوَصُّلُ بِهَا إِلَى السِّلَعِ، فَإِذَا صَارَتْ فِي أَنْفُسِهَا سِلَعًا تُقْصَدُ لِأَعْيَانِهَا فَسَدَ أَمْرُ النَّاسِ.
وَأَضَافَ: وَأَمَّا الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ الْمَطْعُومَةُ فَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَاتُ الْعَالَمِ، فَمِنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَنْ مُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إِلَى أَجَلٍ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوِ اخْتَلَفَ، وَمُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ حَالًّا مُتَفَاضِلًا وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا، وَجُوِّزَ لَهُمُ التَّفَاضُلُ مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا.
فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَسِرُّ ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ لَوْ جَوَّزَ بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ إِذَا رَبِحَ، وَحِينَئِذٍ تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِبَيْعِهَا حَالَّةً لِطَمَعِهِ فِي الرِّبْحِ، فَيَعِزُّ الطَّعَامُ عَلَى الْمُحْتَاجِ وَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، فَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ الشَّارِعِ بِهِمْ وَحِكْمَتِهِ أَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِيهَا كَمَا مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِي الْأَثْمَانِ؛ إِذْ لَوْ جَوَّزَ لَهُمُ النَّسَاءَ فِيهَا لَدَخَلَهَا «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» فَيَصِيرُ الصَّاعُ الْوَاحِدُ لَوْ أُخِذَ قُفْزَانًا كَثِيرَةً، فَفُطِمُوا عَنِ النَّسَاءِ، ثُمَّ فُطِمُوا عَنْ بَيْعِهَا مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، إِذْ تَجُرُّهُمْ حَلَاوَةُ الرِّبْحِ وَظَفَرُ الْكَسْبِ إِلَى التِّجَارَةِ فِيهَا نَسَاءً وَهُوَ عَيْنُ الْمَفْسَدَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْجِنْسَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ فَإِنَّ حَقَائِقَهُمَا وَصِفَاتِهِمَا وَمَقَاصِدَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي إِلْزَامِهِمُ الْمُسَاوَاةَ فِي بَيْعِهَا إِضْرَارٌ بِهِمْ، وَلَا يَفْعَلُونَهُ، وَفِي تَجْوِيزِ النَّسَاءِ بَيْنَهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» فَكَانَ مِنْ تَمَامِ رِعَايَةِ مَصَالِحِهِمْ أَنْ قَصَرَهُمْ عَلَى بَيْعِهَا يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شَاءُوا، فَحَصَلَتْ لَهُمُ الْمُبَادَلَةُ، وَانْدَفَعَتْ عَنْهُمْ مَفْسَدَةُ «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا بِيعَتْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ نَسَاءً فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْهُ لأَضَرَّ بِهِمْ، وَلَامْتَنَعَ السَّلَمُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ فِيمَا هُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تَأْتِي بِهَذَا، وَلَيْسَ بِهِمْ حَاجَةٌ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ إِلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا، فَأُبِيحَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَتُهُمْ وَلَيْسَ بِذَرِيعَةٍ إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ، وَمُنِعُوا مِمَّا لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَيُتَذَرَّعُ بِهِ غَالِبًا إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ.
أَقْسَامُ الرِّبَا:
رِبَا الْبَيْعِ (رِبَا الْفَضْلِ):
12- وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ الرِّبَوِيَّةِ، وَالَّذِي عُنِيَ الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفِهِ وَتَفْصِيلِ أَحْكَامِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ أَنْوَاعِهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ:
1- رِبَا الْفَضْلِ..وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ.
2- رِبَا النَّسِيئَةِ...وَهُوَ: فَضْلُ الْحُلُولِ عَلَى الْأَجَلِ، وَفَضْلُ الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ رِبَا الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
1- رِبَا الْفَضْلِ..وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنِ الْآخَرِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ.
2- رِبَا الْيَدِ..وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ.
3- رِبَا النَّسَاءِ..وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَجَلٍ وَلَوْ قَصِيرًا فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ.
وَزَادَ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى رِبَا الْفَضْلِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: إِنَّهُ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَعَلَّلَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا جُعِلَ رِبَا الْقَرْضِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ- يَعْنِي الْبَيْعَ-؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنَّهُ بَاعَ مَا أَقْرَضَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ مِنْهُ حُكْمًا.
رِبَا النَّسِيئَةِ:
13- وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ نَظِيرَ الْأَجَلِ أَوِ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الرِّبَا رِبَا النَّسِيئَةِ مِنْ أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ: أَخَّرْتُهُ- لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ مُقَابِلُ الْأَجَلِ أَيًّا كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا.
وَسُمِّيَ رِبَا الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ حُرِّمَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًامُضَاعَفَةً}.
ثُمَّ أَكَّدَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَحْرِيمَهُ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ وَفِي أَحَادِيثَ أُخْرَى.
ثُمَّ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
وَسُمِّيَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّ تَعَامُلَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِالرِّبَا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِهِ كَمَا قَالَ الْجَصَّاصُ.
وَالرِّبَا الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ وَتَفْعَلُهُ إِنَّمَا كَانَ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إِلَى أَجَلٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى مِقْدَارِ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى مَا يَتَرَاضَوْنَ بِهِ.
وَسُمِّيَ أَيْضًا الرِّبَا الْجَلِيَّ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْجَلِيُّ: رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَهُ فِي الْمَالِ حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً.. 14- وَرِبَا الْفَضْلِ يَكُونُ بِالتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا إِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا، أَوْ بَيْعِ صَاعِ قَمْحٍ بِصَاعَيْنِ مِنَ الْقَمْحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَيُسَمَّى رِبَا الْفَضْلِ لِفَضْلِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَإِطْلَاقُ التَّفَاضُلِ عَلَى الْفَضْلِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.
وَيُسَمَّى رِبَا النَّقْدِ فِي مُقَابَلَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ:
وَيُسَمَّى الرِّبَا الْخَفِيَّ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الرِّبَا نَوْعَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ، فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ، وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ، لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجَلِيِّ، فَتَحْرِيمُ الْأَوَّلِ قَصْدًا، وَتَحْرِيمُ الثَّانِي لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ، فَأَمَّا الْجَلِيُّ فَرِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَتَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ» وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا، فَمَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِمَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا بَاعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ- وَلَا يُفْعَلُ هَذَا إِلاَّ لِلتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ النَّوْعَيْنِ- إِمَّا فِي الْجَوْدَةِ، وَإِمَّا فِي السِّكَّةِ، وَإِمَّا فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ- تَدَرَّجُوا بِالرِّبْحِ الْمُعَجَّلِ فِيهَا إِلَى الرِّبْحِ الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ عَيْنُ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهَذَا ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ جِدًّا، فَمِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أَنْ سَدَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الذَّرِيعَةَ، وَهِيَ تَسُدُّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْمَفْسَدَةِ.
أَثَرُ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ:
15- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي يُخَالِطُهُ الرِّبَا مَفْسُوخٌ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، وَأَنَّ مَنْ أَرْبَى يُنْقَضُ عَقْدُهُ وَيُرَدُّ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَنَهَى عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْفَسَادَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «جَاءَ بِلَالٌ- رضي الله عنه- بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ فَقَالَ بِلَالٌ: مِنْ تَمْرٍ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٍ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» فَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا» أَيْ هُوَ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ نَفْسُهُ لَا مَا يُشْبِهُهُ، وَقَوْلُهُ: «فَهُوَ رَدٌّ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فَسْخِ صَفْقَةِ الرِّبَا وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِوَجْهٍ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ».
وَقَالَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الرَّدُّ وَالْإِبْطَالُ.
وَفَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: مَنْ بَاعَ بَيْعًا أَرْبَى فِيهِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِلرِّبَا فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ إِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا كَانَ قَائِمًا، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كُلَّ ثَلَاثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا، أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلَاثَةٍ عَيْنًا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا».
فَإِنْ فَاتَ الْبَيْعُ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَأْسُ مَالِهِ قَبَضَ الرِّبَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْبَى ثُمَّ تَابَ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَأْسُ مَالِهِ، وَمَا قَبَضَ مِنَ الرِّبَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى مَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ رِبًا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ فَهُوَ لَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَأَمَّا إِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضِ الرِّبَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا أَعْلَمُهُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: اشْتِرَاطُ الرِّبَا فِي الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ، لَكِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ فِي الْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ، فَيُمْلَكُ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ، وَلَا يُمْلَكُ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِالْقَبْضِ، يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: الْفَسَادُ وَالْبُطْلَانُ فِي الْعِبَادَاتِ سِيَّانِ، أَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهَا فَهُوَ الْبُطْلَانُ، وَإِنْ تَرَتَّبَ فَإِنْ كَانَ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا فَهُوَ الْفَسَادُ، وَإِلاَّ فَهُوَ الصِّحَّةُ.
وَالْبَيْعُ الرِّبَوِيُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، وَحُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِوَضَ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَجِبُ رَدُّهُ لَوْ قَائِمًا، وَرَدُّ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَوْ مُسْتَهْلَكًا، وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الزِّيَادَةِ الرِّبَوِيَّةِ لَوْ قَائِمَةً، لَا رَدُّ ضَمَانِهَا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ، حَقَّ الْعَبْدِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَمِثْلِهِ لَوْ هَالِكًا، وَحَقَّ الشَّرْعِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لِنَقْضِ الْعَقْدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَبَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ لَا يَتَأَتَّى رَدُّ عَيْنِهِ فَتَعَيَّنَ رَدُّ الْمِثْلِ وَهُوَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إِنَّ رَدَّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا فِيمَا لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الزَّائِدِ، أَمَّا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزَادَهُ دَانِقًا هِبَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ.
الْخِلَافُ فِي رِبَا الْفَضْلِ:
16- أَطْبَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ إِذَا اجْتَمَعَ التَّفَاضُلُ مَعَ النَّسَاءِ، وَأَمَّا إِذَا انْفَرَدَ نَقْدًا فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ: صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنهم- إِبَاحَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- مَعَ رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- رضي الله عنهم-، وَفِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ- رضي الله عنه- شَيْءٌ مُحْتَمَلٌ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ- رضي الله عنهما- مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا التَّابِعُونَ: فَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ.
انْقِرَاضُ الْخِلَافِ فِي رِبَا الْفَضْلِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ:
17- نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ، وَلَا بُرٍّ بِبُرٍّ، وَلَا شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ، وَلَا تَمْرٍ بِتَمْرٍ، وَلَا مِلْحٍ بِمِلْحٍ، مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَلَا نَسِيئَةً، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْبَى وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، قَالَ: وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَجَمَاعَةٍ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَنَاقَشَ السُّبْكِيُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، وَانْتَهَى إِلَى الْقَوْلِ: فَعَلَى هَذَا امْتَنَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لَكِنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَغْنُونَ عَنِ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَضَافِرَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى الْإِجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ خَفِيَّةٍ سَنَدُهَا قِيَاسٌ أَوِ اسْتِنْبَاطٌ دَقِيقٌ.
الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ:
18- رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ
مِنْهَا: مَا رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ».
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ، فَلْيَصْرِفْهَا بِذَهَبٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِوَرِقٍ، وَالصَّرْفُ هَاءَ وَهَاءَ».
وَمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: مِثْلُ هَذَا يُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْكَمَالِ وَأَنَّ الرِّبَا الْكَامِلَ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّسِيئَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْإِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وَكَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ، قَالَ: قِيلَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: «لَا رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ» الرِّبَا الْأَغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمِ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إِلاَّ زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَلِ لَا نَفْيُ الْأَصْلِ. وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَفْهُومَ حَدِيثِ أُسَامَةَ عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الْأَجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ أَمْ لَا، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَنْطُوقِهَا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
31-موسوعة الفقه الكويتية (ربا 2)
رِبًا -2الْأَجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا:
19- الْأَجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا سِتَّةٌ وَهِيَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ عَلَيْهَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنْ أَتَمِّهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ السَّابِقُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ السُّنَّةِ، وَعَلَيْهَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ مَالِكًا جَعَلَهُمَا صِنْفًا وَاحِدًا، فَلَا يَجُوزُ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَأَضَافَ مَالِكٌ إِلَيْهِمَا السُّلْتَ.
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَجْرِي إِلاَّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَجْرِي فِي الْجِنْسَيْنِ وَلَوْ تَقَارَبَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ».
وَخَالَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَالَ: كُلُّ شَيْئَيْنِ يَتَقَارَبُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا، كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالزَّبِيبِ، لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبُ نَفْعُهُمَا فَجَرَيَا مَجْرَى نَوْعَيِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.
الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ:
20- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا سِوَى الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- رضي الله عنه-، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، هَلْ يَحْرُمُ الرِّبَا فِيهَا كَمَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ أَمْ لَا يَحْرُمُ؟.
فَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ، بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى مَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةٍ، فَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، فَتُسْتَخْرَجُ عِلَّةُ الْحُكْمِ وَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وُجِدَتْ عِلَّتُهُ فِيهِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَإِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ رَوَيَا حَدِيثَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَعْيَانِ السِّتَّةِ وَفِي آخِرِهِ «وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ» فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إِلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الرَّمَا» أَيِ الرِّبَا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الصَّاعِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الصَّاعِ، كَمَا يُقَالُ خُذْ هَذَا الصَّاعَ أَيْ مَا فِيهِ، وَوَهَبْتُ لِفُلَانٍ صَاعًا أَيْ مِنَ الطَّعَامِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَكُلُّ تَمْرَ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لَا، وَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ».
يَعْنِي مَا يُوزَنُ بِالْمِيزَانِ، فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْآثَارِ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ مِنَ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ إِلَى غَيْرِهَا.وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَالَ الرِّبَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ حُكْمَ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ.
وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلَاتِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ نَبِيعُ الْأَوْسَاقَ وَنَبْتَاعُهَا» وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ مِمَّا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَهِيَ الْأَجْنَاسُ الْمَذْكُورَةُ.
وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَنُفَاةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُمْ قَصَرُوا التَّحْرِيمَ عَلَى الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا، وَقَالُوا إِنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِهَا بَلْ إِنَّهُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ: أَنَّ الشَّارِعَ خَصَّ مِنَ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَالْأَقْوَاتِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي كُلِّ الْمَكِيلَاتِ أَوْ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ لَقَالَ: لَا تَبِيعُوا الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ مُتَفَاضِلًا أَوْ: لَا تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ مُتَفَاضِلًا، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا وَأَكْثَرَ فَائِدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَعَدَّ الْأَرْبَعَةَ عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا.وَأَنَّ التَّعْدِيَةَ مِنْ مَحَلِّ النَّصِّ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ لَا تُمْكِنُ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ عِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ غَيْرُ جَائِزٍ.
عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا:
21- اتَّفَقَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَعَدَّى إِلَى مَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ، وَأَنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاحِدَةٌ، وَعِلَّةَ الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ الْأُخْرَى وَاحِدَةٌ..ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ.
22- فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْعِلَّةُ: الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ، وَقَدْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ» وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَيَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنَ فِيمَا يُوزَنُ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ»،، وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ»،، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَكِيلٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِمَّا إِجْمَاعًا (أَيْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) أَوْ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ حَقِيقَةً لَا يُعْرَفُ إِلاَّ بِهِمَا، وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ إِجْمَاعًا أَوْ هُوَ مُعَرِّفٌ لِلتَّسَاوِي حَقِيقَةً أَوْلَى مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي حَقِيقَةً فِيهِ؛ وَلِأَنَّ التَّسَاوِيَ وَالْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «مِثْلًا بِمِثْلٍ»، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «سَوَاءً بِسَوَاءٍ» أَوْ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى أَتَمُّ، وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يُوجِبُ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً، وَالْجِنْسُ يُوجِبُهَا مَعْنًى، فَكَانَ أَوْلَى.
23- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَقِيلَ: غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ: مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْنَعِ الرِّبَا فِيهَا لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ النَّاسُ.
وَعِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِي الطَّعَامِ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالِاقْتِيَاتُ مَعْنَاهُ قِيَامُ بِنْيَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ- أَيْ حِفْظُهَا وَصِيَانَتُهَا- بِحَيْثُ لَا تَفْسُدُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَى الِاقْتِيَاتِ إِصْلَاحُ الْقُوتِ كَمِلْحٍ وَتَوَابِلَ، وَمَعْنَى الِادِّخَارِ عَدَمُ فَسَادِهِ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى الْأَجَلِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً، وَلَا حَدَّ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَالْمَرْجِعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الِادِّخَارُ مُعْتَادًا، وَلَا عِبْرَةَ بِالِادِّخَارِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ.
وَإِنَّمَا كَانَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ عِلَّةَ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ لِخَزْنِ النَّاسِ لَهُ حِرْصًا عَلَى طَلَبِ وُفُورِ الرِّبْحِ فِيهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.
وَعِلَّةُ رِبَا النَّسَاءِ مُجَرَّدُ الطَّعْمِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي، فَتَدْخُلُ الْفَاكِهَةُ وَالْخُضَرُ كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
24- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا جِنْسَ الْأَثْمَانِ غَالِبًا- كَمَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ- وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِجِنْسِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا أَوْ بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا، وَهَذِهِ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا تَتَعَدَّاهُمَا إِذْ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا، فَتَحْرِيمُ الرِّبَا فِيهِمَا لَيْسَ لِمَعْنًى يَتَعَدَّاهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَعْنًى يَتَعَدَّاهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَجُزْ إِسْلَامُهُمَا فِيمَا سِوَاهُمَا مِنَ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا لَا يَجُوزُ إِسْلَامُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَلَمَّا جَازَ إِسْلَامُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَمْوَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا لِمَعْنًى لَا يَتَعَدَّاهُمَا وَهُوَ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ.
وَذُكِرَ لَفْظُ «غَالِبًا» فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلِاحْتِرَازِ مِنَ الْفُلُوسِ إِذَا رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا، وَيَدْخُلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا الْأَوَانِي وَالتِّبْرُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: الْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَمَعَهُمَا، قَالَ: وَكُلُّهُ قَرِيبٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: جَزَمَ الشِّيرَازِيُّ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَقُومُ بِهَا، وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا بِعَيْنِهِمَا لَا لِعِلَّةٍ، حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ.
وَمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِهَا..لَا رِبَا فِيهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا.
وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَالدَّلِيلُ مَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَقَدْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمَطْعُومِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالْمُشْتَقِّ مُعَلَّلٌ بِمَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ كَالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالسَّارِقِ وَالزَّانِي.وَلِأَنَّ الْحَبَّ مَا دَامَ مَطْعُومًا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا، فَإِذَا زُرِعَ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْعُومًا لَمْ يَحْرُمْ فِيهِ الرِّبَا، فَإِذَا انْعَقَدَ الْحَبُّ وَصَارَ مَطْعُومًا حَرُمَ فِيهِ الرِّبَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُهُ مَطْعُومًا، فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا يُطْعَمُ.
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ مَكِيلَةٌ أَوْ مَطْعُومَةٌ مَوْزُونَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْرُمُ الرِّبَا إِلاَّ فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ.
وَالْجَدِيدُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَتَفْرِيعُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا قُصِدَ لِطَعْمِ الْآدَمِيِّ غَالِبًا، بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطَّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إِلاَّ نَادِرًا، وَالطَّعْمُ يَكُونُ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا، وَالثَّلَاثَةُ تُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ، فَإِنَّهُ نُصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ، وَنُصَّ فِيهِ عَلَى التَّمْرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ، وَنُصَّ فِيهِ عَلَى الْمِلْحِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى وَالسَّقَمُونْيَا وَالزَّنْجَبِيلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ وَمَا يُصْلِحُ الْبَدَنَ، فَالْأَغْذِيَةُ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالْأَدْوِيَةُ لِرَدِّ الصِّحَّةِ.
25- وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْأَجْنَاسِ السِّتَّةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: أَشْهَرُهَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وَفِي الْأَجْنَاسِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَكِيلَاتِ جِنْسٍ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ، وَلَا يَتَأَتَّى وَزْنُهُ كَمَا دُونَ الْأَرْزَةِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا، مَطْعُومًا كَانَ الْمَكِيلُ أَوِ الْمَوْزُونُ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، وَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالْمَعْدُودَاتِ مِنَ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةٍ وَخِيَارَةٍ وَبِطِّيخَةٍ بِمِثْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا، لَكِنْ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَقَالَ: لَا يَصْلُحُ إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ، وَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِيمَا لَا يُوزَنُ عُرْفًا لِصِنَاعَتِهِ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ غَيْرَ الْمَعْمُولِ مِنَ النَّقْدَيْنِ كَالْمَعْمُولِ مِنَ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ، كَالْخَوَاتِمِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَثْمَانِ الثَّمَنِيَّةُ، وَفِيمَا عَدَاهَا كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ فَيَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا عَدَاهَا؛ لِمَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَلِأَنَّ الطَّعْمَ وَصْفُ شَرَفٍ إِذْ بِهِ قِوَامُ الْأَبْدَانِ، وَالثَّمَنِيَّةَ وَصْفُ شَرَفٍ إِذْ بِهَا قِوَامُ الْأَمْوَالِ، فَيَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي الْأَثْمَانِ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ إِسْلَامُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا الْفَضْلِ يَكْفِي فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: الْعِلَّةُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَلَا يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهَا، وَلَا فِيمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَثَرًا، وَالْحُكْمُ مَقْرُونٌ بِجَمِيعِهَا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ؛ وَلِأَنَّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْجِنْسَ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَحْقِيقِهَا فِي الْعِلَّةِ مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لَا مَا تَحَقَّقَ شَرْطُهُ.
وَالطَّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ بِهِ لِعَدَمِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَلِهَذَا وَجَبَتِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّعْمُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَتَقْيِيدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْآخَرِ، «فَنَهْيُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ» يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَطْعُومِ الْمَنْهِيِّ عَنِ التَّفَاضُلِ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا فَرْقَ فِي الْمَطْعُومَاتِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ قُوتًا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، أَوْ أُدْمًا كَالْقُطْنِيَّاتِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، أَوْ تَفَكُّهًا كَالثِّمَارِ، أَوْ تَدَاوِيًا كَالْإِهْلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا، فَإِنَّ الْكُلَّ فِي بَابِ الرِّبَا وَاحِدٌ.
مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا:
26- إِذَا تَحَقَّقَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي مَالٍ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ حُرِّمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».
وَهَذَا قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَفِيمَا عَدَاهُ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعِلَّةِ.
وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُ أَحْكَامِ الرِّبَا فِي كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ.
27- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، فَإِنْ وُجِدَا حُرِّمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ، وَلَا بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ وَأَحَدُهُمَا نَسَاءٌ، وَإِنْ عُدِمَا- أَيِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ- حَلَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَيِ الْقَدْرُ وَحْدَهُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، أَوِ الْجِنْسُ وَحْدَهُ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِهَرَوِيٍّ مِثْلِهِ حَلَّ الْفَضْلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ.قَالُوا: أَمَّا إِذَا وُجِدَ الْمِعْيَارُ وَعُدِمَ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، فَلِقَوْلِهِ- عليه السلام- «إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ، وَيُرْوَى النَّوْعَانِ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَأَمَّا إِذَا وُجِدَتِ الْجِنْسِيَّةُ وَعُدِمَ الْمِعْيَارُ كَالْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ، فَإِنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤَجَّلِ وَلَهُ فَضْلٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ التَّعْجِيلُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ فَضْلٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَهُوَ مَشْرُوطٌ فِي الْعَقْدِ فَيَحْرُمُ.
وَيَحْرُمُ بَيْعُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَنَسِيئَةً وَلَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، كَجِصٍّ كَيْلِيٍّ أَوْ حَدِيدٍ وَزْنِيٍّ، وَيَحِلُّ بَيْعُ ذَلِكَ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا وَبِلَا مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُقَدِّرِ الْمِعْيَارَ بِالذَّرَّةِ وَبِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الصَّاعِ، وَكَذَرَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ.وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فَرَأَى تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ.
وَجَيِّدُ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ سَوَاءٌ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ»؛ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ فَيَلْغُو، وَاسْتَثْنَوْا مَسَائِلَ لَا يَجُوزُ فِيهَا إِهْدَارُ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ، وَهِيَ: مَالُ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ وَالْمَرِيضِ فَلَا يُبَاعُ الْجَيِّدُ مِنْهُ بِالرَّدِيءِ.وَيَجُوزُ بَيْعُ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ وَالْقُلْبِ وَالْمَرْهُونِ إِذَا انْكَسَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِخِلَافِ جِنْسِهِ.
وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِكَيْلِهِ فَكَيْلِيٌّ أَبَدًا، وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِوَزْنِهِ فَوَزْنِيٌّ أَبَدًا اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ النَّصِّ وَأَشَارَ ابْنُ عَابِدِينَ إِلَى تَقْوِيَتِهِ، وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوِ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلاَّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إِذْ ذَاكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ- صلى الله عليه وسلم- بِالْعَكْسِ لَوَرَدَ النَّصُّ مُوَافِقًا لَهُ، وَلَوْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فِي حَيَاتِهِ لَنَصَّ عَلَى تَغَيُّرِ الْحُكْمِ.
وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْعُ قُطْنٍ بِغَزْلِ قُطْنٍ فِي الْأَصَحِّ، وَبَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا، وَبَيْعُ لُحُومٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَبَنُ بَقَرٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ، وَلَا بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ.
وَلَا رِبَا بَيْنَ مُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ عِنَانٍ إِذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ.
28- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ بِذَهَبٍ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ، وَالطَّعَامُ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَشِبْهِهَا مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَوْ إِدَامٍ لَا يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إِلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ، وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ، كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ، كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ.
وَلَا بَأْسَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَمَا لَا يُدَّخَرُ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنَ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَسَائِرِ الْإِدَامِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ الْمَاءَ وَحْدَهُ، وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ إِلاَّ فِي الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ، وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ، وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَالتَّمْرُ كُلُّهُ صِنْفٌ، وَالْقُطْنِيَّةُ أَجْنَاسٌ فِي الْبُيُوعِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنَ الْأَنْعَامِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ كَالْغَزَالِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَلُحُومُ الطَّيْرِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ كُلُّهَا جِنْسٌ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ شَحْمٍ فَهُوَ كَلَحْمِهِ، وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْإِنْسِيِّ مِنْهُ وَالْوَحْشِيِّ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ جُبْنُهُ وَسَمْنُهُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنْسٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا.
29- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إِنْ كَانَا جِنْسًا اشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَدَقِيقُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخَلُّهَا وَدُهْنُهَا أَجْنَاسٌ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ أُصُولِهَا، وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ.وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ.
وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ بَلَدُ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يُتَخَيَّرُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اعْتُبِرَ.
وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ؛ لِأَنَّهُ «- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» أَشَارَ- صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: «أَيَنْقُصُ» إِلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ وَإِلاَّ فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا إِبْقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يَتَأَتَّى ادِّخَارُهُ عَلَيْهَا كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ، فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ، لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَصْلًا قِيَاسًا عَلَى الرُّطَبِ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رُطَبًا؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ فِي رُطُوبَتِهِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ.
وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ وَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَهُمَا جِنْسَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ سِتَّةَ أَشْيَاءَ وَحَرَّمَ فِيهَا التَّفَاضُلَ إِذَا بِيعَ كُلٌّ مِنْهَا بِمَا وَافَقَهُ فِي الِاسْمِ وَأَبَاحَ فِيهِ التَّفَاضُلَ إِذَا بِيعَ بِمَا خَالَفَهُ فِي الِاسْمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الِاسْمِ فَهُمَا جِنْسٌ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الِاسْمِ فَهُمَا جِنْسَانِ.
30- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: كُلُّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ إِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً، وَالدَّلِيلُ حَدِيثُ عُبَادَةَ السَّابِقُ، وَمَا كَانَ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ- فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ- وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنَ الرُّطَبِ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ إِلاَّ الْعَرَايَا، فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الرُّطُبِ بِمِثْلِهِ فَيَجُوزُ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَأَمَّا مَا لَا يَيْبَسُ كَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلًا، وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إِلَى الْعُرْفِ بِالْحِجَازِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ».
وَمَا لَا عُرْفَ فِيهِ بِالْحِجَازِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ.
وَالثَّانِيَ: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ.وَالتُّمُورُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا، وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ.هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِشَيْءٍ مِنْ فُرُوعِهَا: السَّوِيقُ، وَالدَّقِيقُ فِي الصَّحِيحِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالدَّقِيقِ، فَأَمَّا بَيْعُ بَعْضِ فُرُوعِهَا بِبَعْضٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِنَوْعِهِ مُتَسَاوِيًا، فَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّحْمَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ، وَفِي اللَّبَنِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ.
وَالثَّانِيَةُ: هُوَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ كَاللَّحْمِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي جَوَازَهُ، وَبَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ بِأُصُولِهَا وَالْعَصِيرِ بِأَصْلِهِ.
وَبَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمُعْتَصَرَاتِ بِجِنْسِهِ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَكَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا بِالْكَيْلِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَمْ نِيئَيْنِ، أَمَّا بَيْعُ النِّيءِ بِالْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ.
مِنْ مَسَائِلِ الرِّبَا:
31- مَسَائِلُ الرِّبَا كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ، وَالْعِلَّةُ هِيَ الْأَصْلُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَامَّةُ مَسَائِلِ الرِّبَا.
أَوْ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعَهُ مُنْتَشِرَةٌ، وَالَّذِي يَرْبِطُ لَكَ ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا اعْتَبَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا.وَفِيمَا يَلِي أَمْثِلَةٌ وَمُخْتَارَاتٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ:
الْمُحَاقَلَةُ:
32- بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ مِنَ التِّبْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ جَهْلِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ) (وَمُحَاقَلَةٌ).
الْمُزَابَنَةُ:
33- بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ).
الْعِينَةُ:
34- بَيْعُ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ، إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ شِرَاؤُهَا مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- لِأَنَّهُ مِنَ الرِّبَا أَوْ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْعِينَةِ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
32-موسوعة الفقه الكويتية (سلم 3)
سَلَم -3ب- التَّصَرُّفُ فِي دَيْنِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ:
30- بِنَاءً عَلَى كَوْنِ دَيْنِ السَّلَمِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوِ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ، فَكَانَ كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ».قَالُوا: وَهَذَا يَقْتَضِي أَلاَّ يَبِيعَ الْمُسْلِمُ دَيْنَ السَّلَمِ لَا مِنْ صَاحِبٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ هَذَا فِي الْبَيْعِ أَمَّا غَيْرُهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فَفِيهَا خِلَافٌ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: «لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ لِرَبِّ السَّلَمِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَشَرِكَةٍ وَمُرَابَحَةِ تَوْلِيَةٍ، وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ».
وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: «لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، بِأَنْ يَأْخُذَ رَبُّ السَّلَمِ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَهُوَ مَبِيعٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ..وَتَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِوُجُودِ رُكْنِ الْحَوَالَةِ مَعَ شَرَائِطِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ بِهِ...وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً، وَالرَّهْنُ بِالدَّيْنِ- أَيُّ دَيْنٍ كَانَ- جَائِزٌ».
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: «وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ، وَهَلْ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِهِ بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِحَقِّهِ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ إِتْلَافٍ، أَوِ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يُحِيلَ الْمُسْلِمُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ إِتْلَافٍ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: لَا.وَالثَّانِي: نَعَمْ.وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ بِهِ».
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: «لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ...وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ غَيْرِهِ، أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ مَكَانَهُ...وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِثْلَهُ فِي الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ- أَيْ بِدَيْنِ السَّلَمِ- لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَمْ تَجُزْ كَالْبَيْعِ.وَلَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلاَّ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ، وَالسَّلَمُ عُرْضَةٌ لِلْفَسْخِ».
31- وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ حَيْثُ أَجَازَا بَيْعَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ لَا أَكْثَرَ مِنْهُ حَالًّا.وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَسْلَفْتَ فِي شَيْءٍ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ أَخَذْتَ مَا أَسْلَفْتَ فِيهِ، وَإِلاَّ فَخُذْ عِوَضًا أَنْقَصَ مِنْهُ، وَلَا تَرْبَحْ مَرَّتَيْنِ.
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مِنَ الْمَدِينِ أَوِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِسِعْرِ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ هُوَ عَدَمُ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ، حَيْثُ إِنَّ حَدِيثَ «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.وَحَتَّى لَوْ ثَبَتَ فَمَعْنَى «فَلَا يَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» أَيْ: لَا يَصْرِفُهُ إِلَى سَلَمٍ آخَرَ، أَوْ لَا يَبِعْهُ بِمُعَيَّنٍ مُؤَجَّلٍ..وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِي التَّحْرِيمِ وَلَا إِجْمَاعَ وَلَا قِيَاسَ، وَأَنَّ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ يَقْتَضِيَانِ الْإِبَاحَةَ.
أَمَّا دَلِيلُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ فَلِأَنَّ دَيْنَ السَّلَمِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِزِيَادَةٍ، فَقَدْ رَبِحَ رَبُّ السَّلَمِ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ».
32- وَنَهَجَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَضِيَّةِ مَسْلَكًا وَسَطًا، إِذْ أَجَازُوا بَيْعَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ طَعَامًا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: «وَأَمَّا بَيْعُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فَيَجُوزُ بِكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ بِهِ التَّبَايُعُ، مَا لَمْ يَكُنْ طَعَامًا؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ».
أَمَّا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، أَوْ بَيْعُهُ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فَقَدْ أَجَازُوهُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، بَيَّنَهَا الْخَرَشِيُّ بِقَوْلِهِ: «يَجُوزُ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ السَّلَمَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، سَوَاءٌ حَلَّ الْأَجَلُ أَمْ لَا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِمَّا يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا فِي حَيَوَانٍ، فَأَخَذَ عَنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ دَرَاهِمَ؛ إِذْ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِمَّا يُبَاعُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ فِي ثَوْبٍ مَثَلًا، فَأَخَذَ عَنْهُ طَسْتَ نُحَاسٍ؛ إِذْ يَجُوزُ بَيْعُ الطَّسْتِ بِالثَّوْبِ يَدًا بِيَدٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ.كَمَا لَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ فِي حَيَوَانٍ، فَأَخَذَ عَنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ ثَوْبًا، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ يُسْلِمَ الدَّرَاهِمَ فِي الثَّوْبِ».
قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: «مَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ غَيْرَ طَعَامٍ، وَلَا أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ.فَإِنْ أَسْلَمَ فِي غَيْرِ طَعَامٍ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَهُ إِذَا قَبَّضَهُ الْجِنْسَ الْآخَرَ مَكَانَهُ.
فَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ عَنِ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ لِمَصِيرِهِ إِلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ طَعَامًا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مَعَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ كَزَبِيبٍ أَبْيَضَ عَنْ أَسْوَدَ، إِلاَّ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ مِنَ الْآخَرِ أَوْ أَدْنَى، فَيَجُوزُ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الرِّفْقِ وَالْمُسَامَحَةِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الدُّونِ وُضِعَ عَلَى التَّعْجِيلِ، وَفِي الْأَجْوَدِ عِوَضٌ عَنِ الضَّمَانِ» وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «يَجُوزُ بَيْعُ الْعِوَضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ بَائِعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ لَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي الْأَكْثَرِ بِسَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً.وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ بِالْمِثْلِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا يَجُوزُ بِالتَّأْخِيرِ لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ نَقْدًا لَجَازَ».
ج- إِيفَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ:
33- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا حَلَّ أَجَلُ السَّلَمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِيفَاءُ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
فَإِنْ جَاءَ بِهِ وَفْقَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْعَقْدِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ أَتَاهُ بِحَقِّهِ فِي مَحِلِّهِ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
فَإِنْ أَبَى قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَقْبِضَ حَقَّكَ، وَإِمَّا أَنْ تُبَرِّئَ مِنْهُ.فَإِنِ امْتَنَعَ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ لِلْمُسْلِمِ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِوِلَايَتِهِ.
أَمَّا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ مُطَالَبَةُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِالدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
وَلَكِنْ إِذَا أَتَى بِهِ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أ- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَتَى بِهِ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، فَيُنْظَرُ فِيهِ:
فَإِنْ كَانَ مِمَّا فِي قَبْضِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ ضَرَرٌ- عَلَى الْمُسْلِمِ- إِمَّا لِكَوْنِهِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ، كَالْفَاكِهَةِ، وَالْأَطْعِمَةِ كُلِّهَا، أَوْ كَانَ قَدِيمُهُ دُونَ حَدِيثِهِ، كَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَلْزَمِ الْمُسْلِمَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَأْخِيرِهِ، بِأَنْ يَحْتَاجَ إِلَى أَكْلِهِ أَوْ إِطْعَامِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ تَلَفَهُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ دُونَ مَا قَبْلَهُ.وَهَذَا إِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إِلَى مُؤْنَةٍ، كَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ، أَوْ كَانَ الْوَقْتُ مَخُوفًا يَخْشَى نَهْبُ مَا يَقْبِضُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي قَبْضِهِ، وَلَمْ يَأْتِ مَحَلُّ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ، فَجَرَى مَجْرَى نَقْصِ صِفَةٍ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ.بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ، كَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ الزَّيْتُ وَالْعَسَلُ، وَلَا فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ لِخَوْفٍ وَلَا تَحَمُّلِ مُؤْنَةٍ، فَعَلَيْهِ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ حَاصِلٌ مَعَ زِيَادَةِ تَعْجِيلِ الْمَنْفَعَةِ، فَجَرَى مَجْرَى زِيَادَةِ الصِّفَةِ وَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ غَرَضٌ فِي الِامْتِنَاعِ وَكَانَ لِلْمُسْلَمِ إِلَيْهِ غَرَضٌ آخَرُ سِوَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِأَنْ كَانَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ أُجْبِرَ الْمُسْلِمُ عَلَى الْقَبُولِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِلاَّ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْبَرُ.
ب- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: «إِذَا دَفَعَ الْمُسْلَمَ فِيهِ قَبْلَ الْأَجَلِ، جَازَ قَبُولُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ.وَأَلْزَمَ الْمُتَأَخِّرُونَ قَبُولَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ».
34- وَلَوْ أَحْضَرَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ الدَّيْنَ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ.فَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ، كَمَا لَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مَالِكٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبْضُهُ، مِثْلُ أَنْ يُسْلِمَ فِي قَطَائِفِ الشِّتَاءِ فَيَأْتِي بِهَا فِي الصَّيْفِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.
وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ مَنْشَأَ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُلْزِمْهُ بِقَبْضِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ رَأَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعُرُوضِ إِنَّمَا كَانَ وَقْتَ الْأَجَلِ لَا غَيْرَهُ.أَمَّا مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ وَأَلْزَمَهُ بِقَبْضِهِ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
أَمَّا إِذَا أَتَى الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَحِلِّهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ، فَيُنْظَرُ: فَإِنْ أَحْضَرَهُ بِجِنْسِهِ وَنَوْعِهِ، وَلَكِنْ عَلَى صِفَةٍ دُونَ صِفَتِهِ الْمَشْرُوطَةِ جَازَ لِلْمُسْلِمِ قَبُولُهُ، لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِسْقَاطًا لِحَقِّهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ.
وَإِنْ أَحْضَرَهُ بِجِنْسِهِ وَنَوْعِهِ، وَبِصِفَةٍ أَجْوَدَ مِنَ الْمَوْصُوفِ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ وَزِيَادَةٍ تَابِعَةٍ لَهُ، فَيَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ، إِذْ لَمْ يَفُتْهُ غَرَضٌ.
وَإِنْ أَتَى بِنَوْعٍ آخَرَ مِنْ نَفْسِ الْجِنْسِ، كَأَنْ أَسْلَمَ بِتَمْرٍ خُضَرِيٍّ، فَأَحْضَرَ الْبَرْنِيَّ، أَوْ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ، فَأَتَى بِمَرْوِيٍّ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: أَصَحُّهَا: يَحْرُمُ قَبُولُهُ.
وَالثَّانِي: يَجِبُ.وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ قَالَ الْمَحَلِّيُّ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ أَيِ الِاعْتِيَاضَ عَنْ رِبَوِيٍّ بِجِنْسِهِ مَعَ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: «لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ مَا وَصَفْنَاهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي شَرَطَاهَا، وَقَدْ فَاتَ بَعْضُ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ النَّوْعَ صِفَةٌ، وَقَدْ فَاتَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَاتَ غَيْرُهُ مِنَ الصِّفَاتِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَةِ مَعَ اتِّفَاقِ النَّوْعِ».
أَمَّا الْمِعْيَارُ الَّذِي يُحْتَكَمُ إِلَيْهِ فِي حَدِّ الصِّفَةِ الْوَاجِبِ تَوَفُّرُهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَدْ بَيَّنَهُ ابْنُ قُدَامَةَ بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ لَهُ- أَيْ: لِلْمُسْلِمِ- إِلاَّ أَقَلُّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ سَلَّمَ إِلَيْهِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ، فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ.
35- وَحَيْثُ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ تَسْلِيمُ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ الِامْتِنَاعُ عَنْ تَسَلُّمِهِ فِيهِ.فَإِنْ شَاءَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ أَدَاءَهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أ- فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ قَبُولُهُ بِغَيْرِ مَحِلِّهِ، وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَهُ بِغَيْرِ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ، وَيَأْخُذُ كِرَاءَ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجَلَيْنِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ سَلَّمَ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ، فَلِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَأْبَى لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ».فَإِنْ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخَذَ الْأَجْرَ عَلَى نَقْلِ مِلْكِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، فَيَرُدُّ الْأَجْرَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ حَتَّى يُسَلَّمَ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي التَّسْلِيمِ فِيهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ إِلاَّ بِعِوَضٍ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَبَقِيَ حَقُّهُ فِي التَّسْلِيمِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ.
ب- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: (إِذَا أَتَى الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ فَامْتَنَعَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَخْذِهِ، فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا، لَمْ يُجْبَرْ.وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْمَحِلِّ.فَلَوْ رَضِيَ وَأَخَذَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا إِجْبَارُهُ).
د- تَعَذُّرُ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ:
36- إِذَا انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، بِحَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ إِيفَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِ فِي وَقْتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أ- فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ رَبُّ السَّلَمِ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ إِلَى وُجُودِهِ، فَيُطَالَبُ بِهِ عِنْدَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ السَّلَمَ وَيَرْجِعَ بِرَأْسِ مَالِهِ إِنْ وُجِدَ، أَوْ عِوَضِهِ إِنْ عُدِمَ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ.قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: «لِأَنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ، وَالْعَجْزَ طَارِئٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، فَصَارَ كَإِبَاقِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ».
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: «وَحُجَّتُهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ثِمَارِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ شَرَطَهُ الْمُسْلِمِ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ».
وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ ضَابِطَ الِانْقِطَاعِ بِقَوْلِهِ: «فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الْمُسْلَمُ فِيهِ أَصْلًا، بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يَنْشَأُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ مُسْتَأْصِلَةٌ، فَهَذَا انْقِطَاعٌ حَقِيقِيٌّ.وَلَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ، لَكِنْ يَفْسُدُ بِنَقْلِهِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ عِنْدَ قَوْمٍ امْتَنَعُوا مِنْ بَيْعِهِ، فَهُوَ انْقِطَاعٌ.وَلَوْ كَانُوا يَبِيعُونَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ، فَلَيْسَ بِانْقِطَاعٍ، بَلْ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ.وَلَوْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ، وَجَبَ إِنْ كَانَ قَرِيبًا».
ب- وَقَالَ زُفَرُ وَأَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: يَنْفَسِخُ السَّلَمُ ضَرُورَةً، وَيَسْتَرِدُّ رَبُّ السَّلَمِ رَأْسَ الْمَالِ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مُعَلِّلًا رَأَى أَشْهَبَ: «وَكَأَنَّهُ رَآهُ مِنْ بَابِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ».وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ مُعَلِّلًا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا: «لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ثَمَرَةُ هَذَا الْعَامِ، وَقَدْ هَلَكَتْ، فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ، فَهَلَكَتِ الصُّبْرَةُ».وَهِيَ نَفْسُ حُجَّةِ زُفَرَ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْهُمَامِ مَبْسُوطَةً أَنَّ الْبُطْلَانَ لِلْعَجْزِ عَنِ التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، لَا يَبْقَى عِنْدَ فَوَاتِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ، ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، يَبْطُلُ الْعَقْدُ، فَكَذَا هُنَا.
ج- وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَيْسَ لِرَبِّ السَّلَمِ فَسْخُ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَصْبِرَ إِلَى الْقَابِلِ.
هـ- الْإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ:
37- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ.فَإِذَا أَقَالَهُ رَبُّ السَّلَمِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَدُّ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيمِيًّا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي جَمِيعِ مَا أُسْلِمَ فِيهِ جَائِزَةٌ.وَيُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ (إِقَالَة).
وَلَوِ اتَّفَقَ الْعَاقِدَانِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ عِوَضًا عَنْ رَأْسِ الْمَالِ مِنَ الْأَعْيَانِ أَوِ الْأَثْمَانِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أ- فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
وَدَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ»، وَلِأَنَّ هَذَا مَضْمُونٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِعَقْدِ السَّلَمِ، فَلَمْ يَجُزِ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.وَحُجَّةُ مَالِكٍ «أَنَّ هَذِهِ الْإِقَالَةَ ذَرِيعَةٌ إِلَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ».
ب- وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ «لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُسْتَقَرٌّ فِي الذِّمَّةِ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ قَرْضًا.وَلِأَنَّهُ مَالٌ عَادَ إِلَيْهِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ إِذَا فُسِخَ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَضْمُونٌ بَعْدَ فَسْخِهِ.وَالْخَبَرُ أَرَادَ بِهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ هَذَا».
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: «فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ كَانَ قَرْضًا أَوْ ثَمَنًا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ سَلَمًا فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَيَجُوزُ فِيهِ مَا يَجُوزُ فِي الْقَرْضِ وَأَثْمَانِ الْبِيَاعَاتِ إِذَا فُسِخَتْ».
وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: «فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَهُ فِي شَيْءٍ آخَرَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ عَيْنًا، نَظَرْتَ: فَإِنْ كَانَ تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا كَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ وَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ عَيْنًا بِعَيْنٍ.وَإِنْ لَمْ تَجْمَعْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا، كَالدَّرَاهِمِ بِالْحِنْطَةِ وَالثَّوْبِ بِالثَّوْبِ فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، كَمَا يَجُوزُ إِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ عَيْنًا بِعَيْنٍ أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ.وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ عِوَضِهِ، كَالْمُسْلَمِ فِيهِ».
و- تَوْثِيقُ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ:
38- لَا يَخْفَى أَنَّ تَوْثِيقَ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أ- إِمَّا بِتَأْكِيدِ حَقِّ رَبِّ السَّلَمِ فِي الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِالْكِتَابَةِ أَوِ الشَّهَادَةِ، لِمَنْعِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ مِنَ الْإِنْكَارِ وَتَذْكِيرِهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ، وَلِلْحَيْلُولَةِ، دُونَ ادِّعَائِهِ أَقَلَّ مِنَ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوْثِيق).
ب- وَإِمَّا بِالْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ.فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَوْثِيقِ الدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِالْكَفَالَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
(1) ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ.وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرَأْيُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْحَكَمِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: «السَّلَمُ: السَّلَفُ- وَبِذَلِكَ أَقُولُ- لَا بَأْسَ فِيهِ بِالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالرَّهْنِ، فَأَقَلُّ أَمْرِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ إِبَاحَةً لَهُ، فَالسَّلَمُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ».
(2) وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ وَلَا كَفِيلٍ عَنِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ «لِأَنَّ الرَّاهِنَ إِنْ أَخَذَ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الرَّهْنَ وَالضَّمِينَ، فَقَدْ أَخَذَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ مَلَكَهُ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ.وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَالرَّهْنُ إِنَّمَا يَجُوزُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنَ الرَّهْنِ وَلَا مِنْ ذِمَّةِ الضَّامِنِ.وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ بِعُدْوَانٍ، فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» وَلِأَنَّهُ يُقِيمُ مَا فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ مَقَامَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ أَخْذِ الْعِوَضِ وَالْبَدَلِ عَنْهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ».
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ كَرَاهَةُ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: «إِذَا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ ضَمَانِ السَّلَمِ فَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَأَيُّهُمَا قَضَاهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا مِنْهُ، فَإِنْ سَلَّمَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ الْمُسْلَمَ فِيهِ إِلَى الضَّامِنِ لِيَدْفَعَهُ إِلَى الْمُسْلِمِ جَازَ وَكَانَ وَكِيلًا.وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ عَنِ الَّذِي ضَمِنْتَ عَنِّي، لَمْ يَصِحَّ، وَكَانَ قَبْضًا فَاسِدًا مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ بَعْدَ الْوَفَاءِ، فَإِنْ أَوْصَلَهُ إِلَى الْمُسْلِمِ بَرِئَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ إِلَيْهِ مَا سَلَّطَهُ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى ذَلِكَ».
وَأَيْضًا «إِنْ أَخَذَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا بِالْمُسْلَمِ فِيهِ، ثُمَّ تَقَايَلَا السَّلَمَ، أَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، بَطَلَ الرَّهْنُ؛ لِزَوَالِ الدَّيْنِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ، وَبَرِئَ الضَّامِنُ.
وَعَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ».
ز- الِاتِّفَاقُ عَلَى تَقْسِيطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى نُجُومٍ:
39- إِذَا أَسْلَمَ شَخْصٌ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَقْبِضَهُ بِالتَّقْسِيطِ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَجْزَاءً مَعْلُومَةً، كَسَمْنٍ يَأْخُذُ بَعْضَهُ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ وَبَعْضَهُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَبَعْضَهُ فِي مُنْتَصَفِ شَوَّالٍ مَثَلًا.
فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أ- فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ.«لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ إِلَى أَجَلَيْنِ وَآجَالٍ كَالْأَثْمَانِ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ».
ب- وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ ثَانٍ لَهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ «لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ أَبْعَدَهُمَا أَجَلًا أَقَلُّ مِمَّا يُقَابِلُ الْآخَرَ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَجُزْ».
ج- وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى التَّفْصِيلِ حَيْثُ قَالُوا: «يَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ إِلَى أَجَلَيْنِ، كَسَمْنٍ يَأْخُذُ بَعْضَهُ فِي رَجَبٍ وَبَعْضَهُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ جَازَ إِلَى أَجَلٍ جَازَ إِلَى أَجَلَيْنِ وَآجَالٍ إِنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ الْأَبْعَدَ لَهُ زِيَادَةُ وَقْعٍ عَلَى الْأَقْرَبِ، فَمَا يُقَابِلُهُ أَقَلُّ.فَاعْتُبِرَ مَعْرِفَةُ قِسْطِهِ وَثَمَنِهِ.فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ.
وَيَصِحُّ أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ كَلَحْمٍ وَخُبْزٍ وَعَسَلٍ يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مَعْلُومًا مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ قِسْطٍ أَوْ لَا؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ».
«فَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ مِمَّا أَسْلَمَ فِيهِ لِيَأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا، وَتَعَذَّرَ قَبْضُ الْبَاقِي، رَجَعَ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَلَا يُجْعَلُ الْبَاقِي فَضْلًا عَلَى الْمَقْبُوضِ، لِأَنَّهُ مَبِيعٌ وَاحِدٌ مُتَمَاثِلُ الْأَجْزَاءِ، فَقِسْطُ الثَّمَنِ عَلَى أَجْزَائِهِ بِالسَّوِيَّةِ.كَمَا لَوْ اتَّحَدَ أَجَلُهُ».
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
33-موسوعة الفقه الكويتية (قدر)
قَدْرٌالتَّعْرِيفُ:
1- قَدْرُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ مَبْلَغُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ الْمُوجِبِ لِلْمُمَاثَلَةِ صُورَةً وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، قَالَ الرَّاغِبُ: الْقَدْرُ وَالتَّقْدِيرُ تَبْيِينُ كَمْيَّةِ الشَّيْءِ، وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْهِلَالِ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» أَيْ قَدِّرُوا عَدَدَ الشَّهْرِ حَتَّى تُكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدْرِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أ- الْقَدْرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَةِ:
2- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَجَازَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُ.
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الدَّمِ وَمَا مَعَهُ مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ وَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَيَقُولُونَ بِالْعَفْوِ عَنْ قَدْرِ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْهُ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا بِالْعَفْوِ عَنِ الْيَسِيرِ مِنَ الدَّمِ وَالْقَيْحِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا الطَّرَفُ، وَإِنَّمَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَفْوٌ ف 7).
ب- قَدْرُ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ وَقَدْرُ الْوَاجِبِ فِيهَا:
3- يَخْتَلِفُ قَدْرُ النِّصَابِ فِي أَنْوَاعِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَنِصَابِ زَكَاةِ الْأَنْعَامِ، فَفِي الْإِبِلِ إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا شَاةٌ وَفِي الْبَقَرِ إذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَفِي الْغَنَمِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةٌ.
وَفِي زَكَاةِ الذَّهَبِ إذَا بَلَغَ النِّصَابُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَالْفِضَّةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَالْمِقْدَارُ الْوَاجِبُ فِيهِمَا رُبْعُ الْعُشْرِ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ تُقَوَّمُ ثُمَّ تُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
وَفِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ إذَا بَلَغَتْ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فِيهَا الْعُشْرُ إنْ سُقِيَتْ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ سُقِيَتْ بِكُلْفَةٍ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاةٌ ف 44، 51، 57، 72، 87، 115).
ج- الْقَدْرُ مِنَ الْعِلَلِ الرِّبَوِيَّةِ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ...».
كَمَا اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَأَنَّ فِيهَا مَعْنًى وَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاحِدَةٌ، وَعِلَّةَ الْأَعْيَانِ الْأَرْبَعَةِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْجِنْسِيَّةُ وَالْقَدْرُ، عُرِفَتِ الْجِنْسِيَّةُ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ» وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَيَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنَ فِيمَا يُوزَنُ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ.
وَرُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ وَأَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا وُزِنَ مِثْلٌ بِمِثْلٍ إذَا كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَمَا كِيلَ فَمِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ»، وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ- عليه الصلاة والسلام- رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمَا عِلَّةُ الْحُكْمِ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يُنْبِئُ عَنْ عِلِّيَّةِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مِثْلًا بِمِثْلٍ بِسَبَبِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ مَعَ الْجِنْسِ، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ إنَّا نَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَقَالَ: فِي الْمِيزَانِ مِثْلُ ذَلِكَ»، أَيْ فِي الْمَوْزُونِ، إذْ نَفْسُ الْمِيزَانِ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا، وَهُوَ أَقْوَى حُجَّةً فِي عِلِّيَّةِ الْقَدْرِ، وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْزُونَ كُلَّهُ الثَّمَنَ وَالْمَطْعُومَ وَغَيْرَهُمَا.
هَذَا وَلِمَعْرِفَةِ أَقْوَالِ بَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (رِبَا ف 21- 25).
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
34-موسوعة الفقه الكويتية (نكاح 2)
نِكَاحٌ -2خَصَائِصُ عَقْدِ النِّكَاحِ:
يَتَمَيَّزُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِخَصَائِصَ مِنْهَا:
أ- التَّأْبِيدُ:
15- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ، فَلَا يَصِحُّ تَوْقِيتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ أَمْ بِغَيْرِهِ مِنْ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّأْقِيتُ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ أَمْ قَصِيرَةٍ، مَعْلُومَةٍ أَمْ مَجْهُولَةٍ.
16- أَمَّا إِذَا كَانَ التَّأْقِيتُ مُضْمَرًا فِي نَفْسِ الزَّوْجِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ.وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَالشَّافِعِيَّةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا بِكَرَاهَتِهِ وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ حُكِيَ بِقِيلَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ بَهْرَامَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَأْقِيت ف 14- 16، نِكَاحٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ).
ب- اللُّزُومُ:
17- النِّكَاحُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَمِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ لَهُ رَفْعَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهِ، أَمَّا فَسْخُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسْخِ فَلَا يَتَأَتَّى لَا مِنَ الرَّجُلِ وَلَا مِنَ الْمَرْأَةِ.
مَا يُسَنُّ فِي النِّكَاحِ:
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ تُسَنُّ فِي النِّكَاحِ أُمُورٌ، اتَّفَقُوا عَلَى بَعْضِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
أ- أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ:
18- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ، إِنْ حَصَلَ بِهَا الْإِعْفَافُ لِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْمُحَرَّمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ إِلَى إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ».
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ أَعَفَّتْهُ وَاحِدَةٌ لَكِنَّهَا عَقِيمٌ اسْتُحِبَّ لَهُ نِكَاحُ وَلُودٍ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ إِبَاحَةَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ إِلَى أَرْبَعٍ إِذَا أَمِنَ عَدَمَ الْجَوْرِ بَيْنَهُنَّ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ لقوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.
ب- أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي شَوَّالٍ وَيَدْخُلَ فِيهِ:
19- نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي شَوَّالَ وَيَدْخُلَ فِيهِ، «لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ».وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَبَعْضُ الْعَوَامِّ يَكْرَهُونَ التَّزَوُّجَ وَالتَّزْوِيجَ فِي شَوَّالَ وَيَتَطَيَّرُونَ بِذَلِكَ لِمَا فِي اسْمِ شَوَّالٍ مِنَ الْإِشَالَةِ وَالرَّفْعِ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّرْغِيبُ فِي صَفَرٍ، لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- زَوَّجَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ عَلِيًّا- رضي الله عنهما- فِي شَهْرِ صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُسَنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي شَوَّالٍ حَيْثُ كَانَ يُمْكِنُهُ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنْ وُجِدَ سَبَبٌ لِلنِّكَاحِ فِي غَيْرِهِ فَعَلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْبِنَاءُ وَالنِّكَاحُ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ جَائِزٌ، وَكُرِهَ الزِّفَافُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّه- عليه الصلاة والسلام- تَزَوَّجَ بِالصِّدِّيقَةِ- رضي الله عنها- فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِهَا فِيهِ.
ج- أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ فِي الْمَسْجِدِ:
20- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُنْدَبُ عَقْدُ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ لِحَدِيثِ: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ».
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ جَائِزٌ.
د- أَنْ يَكُونَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ:
21- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ عَقْدُ النِّكَاحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ، مِنْهُمْ ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ وَحَبِيبُ بْنُ عُتْبَةَ، وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ شَرِيفٌ، وَيَوْمُ عِيدٍ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ- عليه السلام-.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِخَبَرِ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْإِمْسَاءُ بِالنِّكَاحِ أَوْلَى، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَمْسُوا بِالْمِلَاكِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمَقْصُودِهِ وَأَقَلُّ لِانْتِظَارِهِ، وَلِأَنَّ فِي آخِرِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمْعَةِ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ.
وَنَقَلَ الْمَالِكِيَّةُ عَنِ الطِّرَازِ وَأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الْخِطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ وَسُكُونِ النَّاسِ فِيهِ وَالْهُدُوءِ فِيهِ.
هـ- أَنْ يَكُونَ بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ:
22- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الْمَرْأَةِ بِلَا أَحَدٍ مِنْ عَصَبَتِهَا، وَلَا مَعَ عَصَبَةِ فَاسِقٍ، وَلَا عِنْدَ شُهُودٍ غَيْرِ عُدُولٍ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي يَرَى أَنَّ الَّذِي يُجْرِي الْعَقْدَ وَلِيُّهَا.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ تَفْوِيضُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجُ الْعَقْدَ لِفَاضِلٍ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وَأَمَّا تَفْوِيضُ الْعَقْدِ لِغَيْرِ فَاضِلٍ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى
وَ- أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ يُرِيدُ نِكَاحَهَا:
23- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ يُرِيدُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا، وَلِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِي ذَلِكَ.
وَالْمَذْهَبُ عَنِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ هَذَا النَّظَرَ مُبَاحٌ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِطْبَة ف 24- 29).
ز- ذِكْرُ الصَّدَاقِ وَحُلُولُهُ:
24- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، لِمَا فِيهِ مِنَ اطْمِئْنَانِ النَّفْسِ وَدَفْعِ تَوَهُّمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَمَحَلُّ نَدَبِهِ إِنْ كَانَتِ الصِّيغَةُ: أَنْكَحْتُ وَزَوَّجْتُ، لَا وَهَبْتُ فَيَجِبُ ذِكْرُهُ.
وَقَالُوا: يُنْدَبُ حُلُولُ كُلِّهِ بِلَا تَأْجِيلٍ لِبَعْضِهِ، وَتَأْجِيلُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا خِلَافُ الْأَوْلَى، حَيْثُ أُجِّلَ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَإِلاَّ فَلَا يَجُوزُ
ح- الِاسْتِدَانَةُ لِلنِّكَاحِ:
25- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِدَانَةُ لِلنِّكَاحِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، لِأَنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ».
ط- الْخُطْبَةُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَالْعَقْدِ:
26- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي النِّكَاحِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفَصَّلُوا:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُنْدَبُ قَبْلَ إِجْرَاءِ الْعَقْدِ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ، وَلَا تَتَعَيَّنُ بِأَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ، بَلْ يُجْزِئُ الْحَمْدُ وَالتَّشَهُّدُ، وَإِنْ خَطَبَ بِمَا وَرَدَ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَمِنْهُ مَا نُقِلَ مِنْ لَفْظِهِ- صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِخُطْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهِيَ كَمَا قَالَ- رضي الله عنه-: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضَلِّلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وَ {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} ».
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بَعْدَ خُطْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-، يَخْطُبُهَا الْعَاقِدُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْحَاضِرِينَ قَبْلَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: وَإِنْ أَخَّرَ الْخُطْبَةَ عَنِ الْعَقْدِ جَازَ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: يَنْبَغِي أَنْ تُقَالَ- مَعَ النِّسْيَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَانَ أَحْمَدُ إِذَا حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ وَلَمْ يُخْطَبْ فِيهِ بِهَا قَامَ وَتَرَكَهُمْ، وَهَذَا مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابِهَا لَا عَلَى الْإِيجَابِ، فَإِنَّ حَرْبَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ خُطْبَةُ النِّكَاحِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ فَوَسَّعَ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً لِأَنَّ «رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: زَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» وَلَمْ يَذْكُرْ خُطْبَةً، وَرُوِيَ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: خَطَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ» وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ خُطْبَةٌ كَالْبَيْعِ.
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى خُطْبَةٍ هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ إِذَا دُعِيَ لِيُزَوِّجَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ فُلَانًا يَخْطُبُ إِلَيْكُمْ فُلَانَةً، فَإِنْ أَنْكَحْتُمُوهُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِنْ رَدَدْتُمُوهُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ.
وَالْمُسْتَحَبُّ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- وَعَنِ السَّلَفِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَوْلَى مَا اتُّبِعَ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يُسْتَحَبُّ فِي النِّكَاحِ أَرْبَعُ خُطَبٍ: الْأُولَى: خُطْبَةٌ قَبْلَ الْخِطْبَةِ مِنَ الْخَاطِبِ أَوْ نَائِبِهِ تَتَضَمَّنُ الْتِمَاسَ النِّكَاحِ.
الثَّانِيَةُ: خُطْبَةٌ مِنَ الْوَلِيِّ أَوْ نَائِبِهِ تَتَضَمَّنُ إِجَابَةَ الْخَاطِبِ أَوْ الِاعْتِذَارَ لَهُ.
وَفِيهَا تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (خِطْبَة ف 37).
الثَّالِثَةُ: قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنَ الْوَلِيِّ بِالْإِيجَابِ.
الرَّابِعَةُ: قَبْلَ تَمَامِ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنَ الزَّوْجِ بِالْقَبُولِ.
وَقَالُوا: الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِخُطْبَةِ الزَّوَاجِ مُغْتَفَرٌ، لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةُ الْقَبُولِ مَعَ قِصَرِهِ، فَلَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ.
ي- إِعْلَانُ النِّكَاحِ:
27- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ، أَيْ إِظْهَارُ عَقْدِهِ، حَتَّى يُشْهَرَ وَيُعْرَفَ وَيَبْعُدَ عَنْ تُهْمَةِ الزِّنَا لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ».
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِعْلَان ف 7).
ك- الْوَلِيمَةُ لِلنِّكَاحِ:
28- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ- وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ- مُسْتَحَبٌّ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِثُبُوتِهَا عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَوْلًا وَفِعْلًا، «فَعَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» «وَأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ».
«وَأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَفِي تَفْصِيلِ حُكْمِ الْوَلِيمَةِ وَوَقْتِهَا، وَمَا يُجْزِئُ مِنْهَا، وَالْإِجَابَةُ إِلَيْهَا، وَمَا يَجُوزُ أَوْ لَا يَجُوزُ فِيهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (وَلِيمَة).
ل- الدُّعَاءُ لِلزَّوْجَيْنِ وَالتَّهْنِئَةُ:
29- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلزَّوْجَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ بِالْبَرَكَةِ وَالسَّعَةِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَيُنْدَبُ تَهْنِئَةُ الزَّوْجَيْنِ وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ عَلَيْهِمَا.
وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَالَ لِلزَّوْجِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ: بَارَكَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا فِي صَاحِبِهِ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَفَّأَ إِنْسَانًا إِذَا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ».
وَفِي لَفْظِ التَّهْنِئَةِ بِالنِّكَاحِ، وَوَقْتِ التَّهْنِئَةِ، وَمَنْ تُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَهْنِئَة ف 6- 8).
م- دُعَاءُ مَنْ زُفَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ:
30- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ زُفَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرَهَا، وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ شَرِّهَا، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمِّيَ- الزَّوْجُ- اللَّهَ تَعَالَى، وَيَأْخُذَ بِنَاصِيَةِ الزَّوْجَةِ أَوَّلَ مَنْ يَلْقَاهَا، وَيَقُولَ: بَارَكَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فِي صَاحِبِهِ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلَتْهَا عَلَيْهِ، وَأُعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلَتْهَا عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ».
وَنَقَلَ الْحَطَّابُ عَنِ النَّوَادِرِ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ: رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِيمَنِ ابْتَنَى بِزَوْجَتِهِ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تُصَلِّيَ خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ».
وَوَرَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي أُسَيْدٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَحُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم- فَقَالُوا لَهُ: إِذَا أُدْخِلَ عَلَيْكَ أَهْلُكَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَمُرْهَا فَلْتُصَلِّ خَلْفَكَ، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَسَلِ اللَّهَ خَيْرًا، وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا.
.وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ (عُرْس ف 5).
مَا يُسْتَحَبُّ فِي الزَّوْجَةِ مِنْ أَوْصَافٍ:
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ النِّكَاحَ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمَرْأَةَ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا الْأَوْصَافُ التَّالِيَةُ، أَوْ بَعْضُهَا:
أ- أَنْ تَكُونَ ذَاتَ دِينٍ:
31- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِلنِّكَاحِ الْمَرْأَةَ ذَاتَ الدِّينِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» أَيِ اسْتَغْنَيْتَ إِنْ فَعَلْتَ، أَوِ افْتَقَرْتَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ.
وَفَسَّرَ الشَّافِعِيَّةُ ذَاتَ الدِّينِ بِالَّتِي تُوجَدُ فِيهَا صِفَةُ الْعَدَالَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْعِفَّةِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، لَا الْعِفَّةِ عَنِ الزِّنَا فَقَطْ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُنْدَبُ أَنْ يَخْتَارَ الزَّوْجُ مَنْ فَوْقَهُ خُلُقًا وَأَدَبًا وَوَرَعًا.
ب- أَنْ تَكُونَ بِكْرًا:
32- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ اخْتِيَارُ الْبِكْرِ لِلنِّكَاحِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ، فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» أَيْ أَطْيَبُ كَلَامًا وَأَكْثَرُ أَوْلَادًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ.
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَوْلَى لِمَنْ لَهُ مَصْلَحَةٌ أَرْجَحُ فِي نِكَاحِ الثَّيِّبِ فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْبِكْرِ مُرَاعَاةً لِلْمَصْلَحَةِ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الِافْتِضَاضِ، وَمِنْ عِنْدِهِ عِيَالٌ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ كَمَا اسْتَصْوَبَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه-، فَقَدَ «رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: فَهَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ فَقَالَ جَابِرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي- أَوِ اسْتُشْهِدَ- وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلَا تُؤَدِّبَهُنَّ وَلَا تَقُومَ عَلَيْهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا.وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُمَشِّطُهُنَّ.فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: أَصَبْتَ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَقَالَ جَابِرٌ: إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ، وَلَكِنِ امْرَأَةً تُمَشِّطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: أَصَبْتَ».ج- أَنْ تَكُونَ حَسِيبَةً:
33- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ الرَّجُلُ لِنِكَاحِهِ الْمَرْأَةَ الْحَسِيبَةَ النَّسِيبَةَ، أَيْ طَيِّبَةَ الْأَصْلِ، وَذَاتُ الْحَسَبِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ أُصُولُهَا ذَوِي شَرَفٍ وَكَرَمٍ وَدِيَانَةٍ، لِنِسْبَتِهَا إِلَى الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، «لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِيمَا تُنْكَحُ لَهُ الْمَرْأَةُ: لِحَسَبِهَا» وَلِيَكُونَ وَلَدُهَا نَجِيبًا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا وَنَزَعَ إِلَيْهِمْ.
لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: يُنْدَبُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ دُونَ زَوْجِهَا حَسَبًا لِتَنْقَادَ لَهُ وَلَا تَحْتَقِرَهُ، وَإِلاَّ تَرَفَّعَتْ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِلاَّ لِيَغُضَّ بَصَرَهُ، أَوْ لِيُحْصِنَ فَرْجَهُ أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ».
وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: وَسُنَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ وَالْقَنَاعَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ دِينِهَا وَقَنَاعَتِهَا.
د- أَنْ تَكُونَ وَدُودًا وَلُودًا:
34- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تُخْتَارُ لِلنِّكَاحِ وَدُودًا وَلُودًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِكَوْنِهَا مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِذَلِكَ.
هـ- أَنْ تَكُونَ جَمِيلَةً:
35- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُخْتَارَ لِلنِّكَاحِ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ ذَاتُ الْجَمَالِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ».وَلِمَا رَوَى يَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خَيْرُ فَائِدَةٍ أَفَادَهَا الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَهَا، وَتَحْفَظُهُ فِي غَيْبَتِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهَا.»، وَلِأَنَّ جَمَالَ الزَّوْجَةِ أَسْكَنُ لِنَفْسِ الزَّوْجِ وَأَغَضُّ لِبَصَرِهِ وَأَكْمَلُ لِمَوَدَّتِهِ، وَلِذَلِكَ جَازَ النَّظَرُ إِلَيْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ.
و- أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً حَسَنَةَ الْخُلُقِ:
36- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تُخْتَارُ لِلنِّكَاحِ وَافِرَةَ الْعَقْلِ، حَسَنَةَ الْخُلُقِ، لَا حَمْقَاءَ وَلَا سَيِّئَةَ الْخُلُقِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلْعِشْرَةِ الْحَسَنَةِ، وَلَا تَصْلُحُ الْعِشْرَةُ مَعَ الْحَمْقَاءِ، وَلَا يَطِيبُ مَعَهَا عَيْشٌ، وَرُبَّمَا تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى وَلَدِهَا، وَقَدْ قِيلَ: اجْتَنِبُوا الْحَمْقَاءَ فَإِنَّ وَلَدَهَا ضَيَاعٌ وَصُحْبَتَهَا بَلَاءٌ.
ز- أَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً:
37- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيمَنْ تُخْتَارُ لِلنِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ أَجْنَبِيَّةً مِنَ الزَّوْجِ وَلَا تَكُونَ ذَاتَ قَرَابَةٍ قَرِيبَةٍ، وَقَالُوا: يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ عَشِيرَتِهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْأَجْنَبِيَّةِ يَكُونُ أَنْجَبَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الطَّلَاقَ فَيُفْضِي مَعَ الْقَرَابَةِ إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا.
ح- أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةَ الْمَهْرِ وَالْمُؤْنَةِ:
38- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَرَّى الرَّجُلُ فِيمَنْ يَنْكِحُهَا أَنْ تَكُونَ أَيْسَرَ النِّسَاءِ خِطْبَةً وَمُؤْنَةً، وَأَنْ تَكُونَ خَفِيفَةَ الْمَهْرِ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا، » وَقَالَ عُرْوَةُ: وَأَنَا أَقُولُ مِنْ أَوَّلِ شُؤْمِهَا أَنْ يَكْثُرَ صَدَاقُهَا.
ط- أَنْ لَا تَكُونَ ذَاتَ وَلَدٍ:
39- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَرَّى الرَّجُلُ فِيمَنْ يَنْكِحُهَا أَنْ لَا تَكُونَ ذَاتَ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ لِمَصْلَحَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَةٌ فَلَا قَيْدَ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَزَوَّجَ أَمَّ سَلَمَةَ وَمَعَهَا وَلَدُ أَبِي سَلَمَةَ- رضي الله عنهما- ».
ي- أَنْ لَا تَكُونَ مُطَلَّقَةً وَلَا فِي حِلِّهَا خِلَافٌ:
40- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ الَّتِي يُرَادُ نِكَاحُهَا مُطَلَّقَةً، لَهَا إِلَى مُطَلِّقِهَا رَغْبَةٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي حِلِّهَا لِمَنْ يُرِيدُ نِكَاحَهَا خِلَافٌ فِقْهِيٌّ كَأَنْ زَنَى أَوْ تَمَتَّعَ بِأُمِّهَا، أَوْ بِهَا، فَرْعَهُ أَوْ أَصْلَهُ، أَوْ شَكَّ بِنَحْوِ رَضَاعٍ.
تَرْتِيبُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَمَا يَسْأَلُ عَنْهُ أَوَّلًا:
41- نَصَّ شَمْسُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَتِ الصِّفَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِيمَنْ تُخْتَارُ لِلنِّكَاحِ فَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ ذَاتِ الدِّينِ مُطْلَقًا، ثُمَّ الْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ، ثُمَّ النَّسَبِ، ثُمَّ الْبَكَارَةِ، ثُمَّ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ الْجَمَالِ، ثُمَّ مَا الْمَصْلَحَةُ فِيهِ أَظْهَرُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً سَأَلَ عَنْ جَمَالِهَا أَوَّلًا، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنْ دِينِهَا، فَإِنْ حُمِدَ تَزَوَّجَ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ يَكُونُ رَدًّا لِأَجْلِ الدِّينِ، وَلَا يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ أَوَّلًا، فَإِنْ حُمِدَ سَأَلَ عَنِ الْجَمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ رَدَّهَا لِلْجَمَالِ لَا لِلدِّينِ.
مَا يُسْتَحَبُّ فِي الزَّوْجِ مِنْ أَوْصَافٍ:
42- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَوْصَافًا تُتَحَرَّى فِي الرَّجُلِ عِنْدَ إِنْكَاحِهِ:
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَخْتَارُ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ الدَّيِّنَ الْحَسَنَ الْخُلُقِ، الْجَوَادَ الْمُوسِرَ، وَلَا تَتَزَوَّجُ فَاسِقًا، وَلَا يُزَوِّجُ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الشَّابَّةَ شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا رَجُلًا دَمِيمًا، وَيُزَوِّجُهَا الْكُفْءَ، فَإِنْ خَطَبَهَا لَا يُؤَخِّرُهَا.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ إِلاَّ مِنْ بِكْرٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ.وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَلِوَلِيِّهَا أَنْ يَتَحَرَّى كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الزَّوْجِ الصِّفَاتِ الَّتِي يُسَنُّ تَحَرِّيهَا فِي الْمَرْأَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا وَسِيمًا حَسَنَ الصُّورَةِ، وَلَا يُزَوِّجَهَا دَمِيمًا، وَقَالُوا: وَمِنَ التَّغْفِيلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الشَّيْخُ صَبِيَّةً أَيْ شَابَّةً.
الْمَرْأَةُ الَّتِي يُكْرَهُ نِكَاحُهَا:
43- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَوْصَافٍ فِي الْمَرْأَةِ تَجْعَلُ نِكَاحَهَا مَكْرُوهًا، وَمِنْ ذَلِكَ:
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: كُرِهَ تَزَوُّجُ امْرَأَةٍ مَشْهُورَةٍ بِالزِّنَا وَلَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، أَيْ هَذَا إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، بَلْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ، وَأَمَّا مَنْ يُتَكَلَّمُ فِيهَا وَلَيْسَتْ مَشْهُورَةً بِذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي زَوَاجِهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ تَزَوُّجُ الْمَرْأَةِ الَّتِي اشْتَهَرَتْ بِالزِّنَا إِذَا لَمْ تُحَدَّ، أَمَّا إِذَا حُدَّتْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي زَوَاجِهَا.
وَقَالُوا: وَكُرِهَ تَزَوُّجُ امْرَأَةٍ صَرَّحَ لَهَا بِالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ، وَنُدِبَ فِرَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تُكْرَهُ بِنْتُ الزِّنَا وَالْفَاسِقِ- أَيْ يُكْرَهُ نِكَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا- وَأُلْحِقَ بِهِمَا اللَّقِيطَةُ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا، لِخَبَرِ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَأَنْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ» وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُعَيَّرُ بِكُلٍّ مِنْهُنَّ لِدَنَاءَةِ أَصْلِهَا، وَرُبَّمَا اكْتَسَبَتْ مِنْ طِبَاعِ أَبِيهَا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَنْبَغِي تَزَوُّجُ بِنْتِ زِنًا وَلَقِيطَةٍ وَدَنِيئَةِ نَسَبٍ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا.
حُكْمُ الزِّفَافِ:
44- الزِّفَافُ: إِهْدَاءُ الْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا، أَيْ نَقْلُ الْعَرُوسِ مِنْ بَيْتِ أَبَوَيْهَا إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ عُرْفًا.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ- فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ- عَلَى أَنَّ الزِّفَافَ إِذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ.
قَالَ الْكَمَالُ: اخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» وَعَنْهَا قَالَتْ: «زُفَّتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ» وَرُوِيَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم-: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ عَنِ الذَّخِيرَةِ: ضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ كَضَرْبِ الدُّفِّ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِمَاع ف 22، عُرْس ف 7، مَعَازِف ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).
أَرْكَانُ النِّكَاحِ:
45- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ النِّكَاحِ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَقَطْ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَهُ: وَلِيٌ، وَمَحَلٌّ (زَوْجٌ وَزَوْجَةٌ)، وَصِيغَةٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَهُ خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ، وَزَوْجٌ، وَزَوْجَةٌ، وَشَاهِدَانِ، وَوَلِيٌّ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَهُ ثَلَاثَةٌ: زَوْجَانِ، وَالْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي إِيضَاحِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ.
أَوَّلًا: الصِّيغَةُ فِي النِّكَاحِ:
46- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَذَلِكَ بِاللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ.
أَمَّا الْإِيجَابُ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- هُوَ مَا يَصْدُرُ مِنْ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ، وَالْقَبُولُ هُوَ مَا يَصْدُرُ مِنَ الزَّوْجِ أَوْ وَكِيلِهِ.
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ يَسْتَوِي عِنْدَهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مَا دَامَ قَدْ تَحَدَّدَ الْمُوجِبُ وَالْقَابِلُ، فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي أَوْ تَزَوَّجْتُ بِنْتَكَ كَانَ قَبُولًا، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ: زَوَّجْتُكَ أَوْ أَنَكَحْتُكَ كَانَ إِيجَابًا، وَانْعَقَدَ النِّكَاحُ بِذَلِكَ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: يُنْدَبُ تَقَدَّمُ الْإِيجَابِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِيجَابُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَيْهِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْقَبُولَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ، فَمَتَى وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا لِعَدَمِ مَعْنَاهُ فَلَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُ ابْنَتَكَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكَهَا، لَمْ يَصِحَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْإِيجَابُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يَصْدُرُ أَوَّلًا، سَوَاءً أَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ كَلَامَ الزَّوْجِ أَمْ كَانَ كَلَامَ الزَّوْجَةِ أَوْ وَلِيِّهَا، وَالْقَبُولُ هُوَ مَا يَصْدُرُ مُؤَخَّرًا، سَوَاءً أَكَانَ صُدُورُهُ مِنَ الزَّوْجِ أَمْ كَانَ مِنَ الزَّوْجَةِ أَوْ وَلِيِّهَا.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: زَوِّجْنِي أَوْ تَزَوَّجْتُ بِنْتَكَ كَانَ إِيجَابًا، فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ أَوِ الزَّوْجَةُ: قَبِلْتُ كَانَ قَبُولًا، وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
35-الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي (إلا العرايا)
937 - (إِلَّا العَرَايا)، العَرايا: جمع عَرِيَّة فعيلةٌ بمعنى مفْعُولَة، وهي في اللُّغة: كلُّ شَيْءٍ أُفْرِدَ من جُمْلَة.قال أبو عبيد: "مِنْ عَراهُ تَعْرِيةً، إذا قَصَدَهُ".
قال صاحب "المطلع": "ويُحْتَمل أنْ تكون فعيلة بمعنى فَاعِلة، من عَرِيَ يَعْرَى، إِذا خلع ثِيَابَه، كأَنَّها عَرِيَتْ من جُمْلَة التحريم: أي خَرجت".
قلتُ: وهي في اللّغة أيضًا: ما يُعْرَى من النخل.
قال الشاعر:
«ليْسَت بِسَنْهَاءَ ولا رَجْبِيَّةٍ... ولكن عَرايَا في السِّنين الخَوَالِفُ»
قال جماعة من أصحابنا منهم الشيخ: "العرايا: بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر خرصا لمن به حاجة إلى أكل الرطب ولا ثمن معه".
وقال ابن عقيل: "بيْعُ رطَب في رؤوس نخله بتمر كَيْلًا"، وهذا على الصحيح في المذهب، مِنْ أنَّ العَرِيَّة مختصة بالرُّطَب بالتمر دون سائر الثِمار.
وفي صحيح البخاري أظن عن ابن عمر أنه سئل عن معنى العَرِيَّة قال: "هي نَخْلاَتٌ كانت توهَب للفقراء ثم يتَضَرَّر أهل النخل بدُخُولِهم عَلَيْهم، فرخَّص لهم أنْ يَبْتَاعُوا ذلك منهم بِخَرصِة من التَّمر".
الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي-جمال الدين أبو المحاسن الحنبلي الدمشقي الصالحي المعروف بـ «ابن المبرد»-توفي: 909هـ/1503م
36-الغريبين في القرآن والحديث (حفز)
(حفز)وفي الحديث: (أنه أتى بتمر وهو متحفز فجعل يقسمه) أي: وهو مستعجل مستوفر غير متمكن، والاحتفاز: الاستيفاز، وقال الليث: الحفز حئك الشيء من خلفه.
ومنه حديث أبي بكرة: (أنه دب إلى الصف راكعًا وقد حفزه النفس) أي: اشتد به، والرجل يحتفز في جلوسه كأنه يثور إلى القيام، واحتفز الأمر إذا انتصب له وتشمر.
ومنه حديث ابن عباس (أنه ذكر عنده القدر فاحتفز) أي: استوى جالسًا على وركيه.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
37-الغريبين في القرآن والحديث (قبص)
(قبص)في الحديث: (وعنده قبص من الناس) أي عدد كبير.
في الحديث: (فدعا بتمر فجعل بلال يجيء به قبصا قبصا) القبص: جمع قبصة، وهو من القبص، وهو الأخذ بأطراف الأصابع، والقبض بالكف كلها.
وقرأ الحسن: {فقبصت قبصة من أثر الرسول}.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
38-المعجم الغني (رَبِيكَةٌ)
رَبِيكَةٌ- الجمع: رَبَائِكُ. [ربك]:1-: مَاءٌ مُخْتَلِطٌ بِالطِّينِ".
2- "بِهِ رَبِيكةٌ": أمْرُهُ مُخْتَلِطٌ عَلَيْهِ.
3-: جُبْنٌ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَرُبَّمَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ لِيُشْرَبَ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
39-معجم الرائد (ربوك)
ربوك: جبن بتمر وسمن وربما صب عليه ماء ليشرب.الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
40-معجم الرائد (ربيك)
ربيك:1- من الرجال: المختلط في أمره، المضطرب.
2- جبن بتمر وسمن وربما صب عليه ماء ليشرب.
الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
41-معجم الرائد (ربيكة)
ربيكة:1- ماء مختلط بالطين.
2- زبدة لا يفارقها اللبن.
3- أمر مختلط على المرء.
4- جبن بتمر وسمن وربما صب عليه ماء ليشرب.
الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
42-التعريفات الفقهية (تحنكي الولد)
تحنكي الولد: هو مضغُ التمر والدلك به حنك الولد، والحَنَك: ما تحت الذقن أو على داخل الفم أو الأسفل في طرف مقدم اللَّحيين قال في "المجمع": واتفقوا على تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإذن تعذر فبما في معناه من الحلو فيمضغ حتى يصير مائعًا فيضع في فيه ليصل شيء إلى جوفه، ويستحب كون المُحَنِّك من الصالحين وأن يدعو للمولود بالبركة".التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
43-التعريفات الفقهية (المُزَابنة)
المُزَابنة: هي بيعُ الرطب على النخيل بتمر مجذوذ مثلِ كيله تقديرًا.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
44-لغة الفقهاء (المزابنة)
المزابنة: بضم الميم مفاعلة من الزبن: الدفع.[*] بيع معلوم القدر بمجهول القدر من جنسه، أو بيع مجهول القدر بمجهول القدر من جنسه، كبيع الطرب على النخل بتمر مجذوذ علم مقدار أحدهما أم لم يعلم... (*) A contract of barter in dates
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
45-تعريفات الجرجاني (المزابنة)
المزابنة: هي بيع الرطب على النخيل بتمر مجذوذ، مثل كيله، تقديرًا.التعريفات-علي بن محمد الجرجاني-توفي: 816هـ/1413م
46-تاج العروس (كثب)
[كثب]: الكَثْبُ: الجَمْعُ من قُرْبٍ، وفي حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «كُنْتُ في الصُّفَّةِ، فبَعَثَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم، بتَمْرِ عَجْوَةٍ فكُثِبَ بَيْنَنَا، وقِيلَ: كُلُوهُ، ولا تُوَزِّعُوهُ» أَي: تُركَ بينَ أَيْدينا مجموعًا. ومنهالحديثُ: «جِئتُ عَلِيًّا، وبَيْنَ يَدَيْه قَرَنْفُلٌ مكثُوبٌ»، أَي: مُجْمُوع والكَثْبُ: الاجْتِمَاعُ، يُقالُ: كَثَبَ القَوْمُ، إِذا اجتمَعُوا، فهم كاثِبُونَ: مجتمِعونَ. والكَثْبُ: الصَّبُّ، يُقال: كَثَبَ الشَّيْءَ كَثْبًا: إِذا جَمَعَه من قُرْبٍ، وصَبَّهُ، قالَ الشّاعرُ:على السَّيِّدِ الصَّعْبِ لَوْ أَنَّه *** يَقُومُ على ذِرْوَةِ الصّاقِبِ
لأَصْبَحَ رَتْمًا دُقاقُ الحَصَى *** مَكَانَ النَّبِيِّ مِنَ الكاثِبِ
الكاثِبُ: الجَامِعُ لِما نَدَر من الحَصَى، والنَّبِيّ: ما نَبَا منه إِذا دُقَّ، وسيأْتي الكلام عليه. والكَثْبُ: الدُّخُولُ، يُقَال: كَثَبُوا لَكُمْ أَي: دَخَلُوا بينَكُمْ وفيكُمْ، وهو من القُرْبِ يَكْثُبُ بالضَّمّ، ويَكْثِبُ بالكسر، في كُلِّ ما ذُكر.
والكَثْبُ: وادٍ لِطَيِّئٍ القبيلةِ المشهورة.
والكَثَبُ، بالتَّحْرِيكِ: القُرْبُ وهُوَ كَثَبَك: أَي، قُرْبَكَ.
قال سِيبَوَيْه: لا يُستعْمَلُ إِلّا ظَرْفًا. ويُقال: هو يَرْمِي مِنْ كَثَبٍ، أَي: من قُرْب، وتَمَكُّنٍ. أَنشدَ ابْنُ إِسحاقَ:
فهذانِ يَذُودانِ *** وذا مِنْ كَثَبٍ يَرْمِي
والكَثَبُ: موضع بدِيارِ بني طَيِّئٍ. وهو غيرُ الكَثْبِ، بفتحٍ فسكونٍ، المتقدم ذِكْرُهُ وهكذا بالتَّحْرِيك، ضَبَطَهُ صاحبُ المُعْجَمِ والصّاغانيُّ.
وكَثَبَ عَلَيْهِ: إِذَا قَارَبَهُ، حَمَل وكَرَّ.
وكَثَبَ كِنَانَتَهُ ـ بالكسر: الجَعْبَةَ ـ: نَكَثَها هكَذا في النُّسْخَة والصَّوابُ: نَكَبَهَا؛ أَي نَثَرَها، كما سيأْتي.
وعن أَبي حاتِمٍ: احْتَلَبُوا كُثَبًا، أَي: من كُلِّ شاةٍ شيئًا قليلًا.
وقد كَثَبَ لَبَنُها: إِذا قَلَّ، إِمّا عند غَزارَةٍ، وإِمَّا عِنْدَ قِلَّةٍ.
والكَثِيبُ: هو التَّلُّ المُسْتَطِيلُ المُحْدَوْدِبُ من الرَّمْل.
وقيل: الكَثِيبُ من الرَّمْل: القِطْعَةُ تَنقادُ مُحْدَوْدِبَةً. وقيل: هو ما اجتمع واحْدَوْدَبَ الجمع: أَكْثِبَةٌ، وكُثُبٌ بضمَّتَيْن في الثَّاني، وكُثْبَانٌ كعُثْمان، وفي التَّنْزيل العزيز: {وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيبًا مَهِيلًا}. قال الفَراءُ: الكَثِيبُ: الرَّمْل، والمَهِيل: الَّذي يُحَرَّكُ أَسفَلُه فيَنْهالُ عليك من أَعْلَاهُ. وفي الحديثِ: «ثَلَاثَةٌ على كُثُب المِسْكِ»، وفي روايةٍ: على كُثْبَانِ المِسْك. والكَثِيبُ: موضع بساحِلِ بَحْرِ اليَمَنِ، فيه مَسْجِدٌ مُتَبَّركٌ به.
وقَرْيَتانِ بالبَحْرَيْنِ وفي التَّكْمِلة: قَرْيَةٌ بالبَحْرَيْنِ.
قلتُ: والكَثِيبُ أَيضًا جَبَلٌ نَجْدِيّ، وقيل: ماءٌ للضِّباب في قِبْلَةِ طَخْفَةَ قُرْبَ ضَرِيَّةَ. والكَثِيبُ الأَحمَرُ: حيثُ دُفِنَ سيِّدُنا مُوسَى الكَلِيمُ، عليه وعلى نبيّنا أَتَمُّ الصَّلاةِ والتَّسليم.
والكثْبَةُ، بالضَّمِّ: القَليلُ من المَاءِ واللَّبَنِ، أَو هي مِثْلُ الجُرْعَةِ تَبْقَى في الإِناءِ. وقيل: قَدْرُ حَلْبَةٍ، أَو مِلْءُ القَدَحِ من اللّبَن، وهذا قول أَبِي زيد، ومنه قولُ العرب في بعضِ ما يَقَعُ على أَلْسنةِ البَهائمِ، قالتِ الضّائِنَةُ: أُوَلَّدُ رُخَالًا، وأُجَرُّ جُفَالًا، وأُحْلَبُ كُثَبًا ثِقَالًا، ولَمْ تَرَ مِثْلي مالًا. أَو مِلْءُ القَدَحِ مِنْهما أَي: الماءِ واللَّبَنِ. فِي حديثِ ماعَزِ بْنِ مالِكٍ: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِرَجْمِهِ، ثمّ قَال: «يَعْمِدُ أَحَدُكُم إِلى المَرْأَةِ المُغِيبَةِ فَيَخْدَعُهَا بالكُثْبَة، لا أُوتَى بأَحَدِ منهم فَعَل ذلك، إِلّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا». قال أَبُو عُبَيْدٍ: قال شُعْبَةُ: سأَلْتُ سِمَاكًا عن الكُثْبَةِ فقالَ: القَليلُ من اللَّبَنِ. قال أَبو عُبَيْدٍ: وهو كذلك في غيرِ اللَّبَنِ.
وكُثْبَةُ: موضع، نقله الصّاغانيُّ.
والكُثْبَةُ الطَّائِفَةُ مِنْ طَعَامٍ أَو تَمْرٍ، أَوتُرابٍ، أوغَيْرِهِ، ذلك بعدَ أَن يكونَ قليلًا. وقيلَ: الكُثْبَةُ: كُلًّ مُجْتَمِعٍ من طَعَامٍ أَو غيره، بعدَ أَن يكون قليلا، ومنه سُمِّيَ الكَثِيبُ من الرَّمْلِ، لِأَنَّهُ انْصَبَّ في مَكَانٍ، فاجتمعَ فيه. والجمْعُ الكُثَبُ، قالَ الرّاجزُ:
بَرَّحَ بالعَيْنَيْنِ خَطَّابُ الكُثَبْ *** يَقُولُ: إِنِّي خاطِبٌ، وقد كَذَبْ
وإِنَّمَا يَخْطُبُ عُسًّا مِنْ حَلَبْ
يَعني الرَّجُلَ يَجيءُ بعِلَّةِ الخِطْبَةِ، وإِنما يُرِيدُ القِرَى. قال ابْنُ الأَعْرَابِيّ: يُقَالُ للرَّجُل إِذا جاءَ يَطْلُبُ القِرَى بعِلَّةِ الخِطْبَةِ: إِنَّهُ لَيَخْطُبُ كُثْبَةً؛ وأَنشدَ الأَزْهَرِيُّ لِذي الرُّمَّةِ:
مَيْلَاءَ من مَعْدِنِ الصِّيرانِ قاصِيَةٍ *** أَبْعَارُهُنَّ على أَهْدَافِها كُثَبُ
والكُثْبَةُ: المُطْمَئِنَّةُ المُنْخَفِضَة مِنَ الأَرْضِ بَيْنَ الجِبَالِ.
وأَكْثَبَهُ الرَّجُلُ: سَقَاهُ كُثْبَةً من لَبَن. وأَكْثَبَ فُلانٌ إِلى القَوْمِ: إِذا دَنَا منهم، وأَكْثَبَ إِلى الجَبَل: أَي دَنَا مِنْهُ، عنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ. وفي حَدِيثِ بَدْرٍ: «إِنْ أَكْثَبَكُمُ القومُ، فانْبُلُوهُمْ». وفي روايةٍ: إِذا أَكْثَبُوكُمْ فارْمُوهُمْ بالنَّبْلِ مِنْ كَثَب. وأَكْثَبَ إِذا قَارَبَ. والهمزة في «أَكْثَبَكُمْ» لتَعْدِيةِ كَثَبَ، فلذلك عَدّاها إِلى ضميرهم. وفي حديث عائشةَ تَصِفُ أَباها، رضي الله عنهما: «وظَنَّ رِجَالٌ أَنْ قد أَكْثَبَتْ أَطْمَاعُهُمْ» أَي: قَرُبَتْ، كَأَكْثَبَ لَهُ: دنا منه وأَمْكَنَهُ. وأَكْثَبَ مِنْه.
والكُثَابُ، كغُرَابٍ: الكَثِيرُ ونَعَمٌ كُثابٌ: أَي كثيرٌ. وهو لُغَةٌ في المُوَحَّدَة، وقد تقدّم.
والكُثَابُ: موضع بنَجْدٍ، نقله الصّاغانيُّ.
والكُثَّابُ، كَرُمَّانٍ وشَدَّادٍ، الأَوَّلُ ضَبْط الصّاغانيِّ: السَّهْمُ عامّةً وعن الأَصْمَعِيِّ: الكُثَّاب: سَهْمٌ لا نَصْلَ لَهُ ولا رِيشَ، يَلْعَبُ به الصِّبيانُ؛ وأَنشدَ في صفة الحَيَّةِ:
كَأَنَّ قُرْصًا من طَحِينٍ مُعْتَلِثْ
هَامَتُهُ في مِثْلِ كُثَّابِ العَبِثْ *** تَرْجُفُ لَحْياهُ بِمَوْتٍ مُسْتَحِثّ
تَلَمُّظَ الشَّيْخِ إِذا الشَّيْخُ غَرِثْ
كالكُتَّاب، بالتّاءِ المُثنّاةِ الفوقيّة. وقد تقدَّم الإِيماءُ إِلى أَنّ الفوقيَّةَ لُغَةٌ مرجوجةٌ في المُثَلَّثَة، ولا تَنافِيَ بين كلامِي المُؤَلِّفِ كما زَعَمَهُ شيخُنا.
والكاثِبَةُ من الفرَسِ: المِنْسَجُ. وقيل: هو ما ارتفَعَ من المِنْسَج. وقيل: هو مُقَدَّمُ المِنْسَجِ حيثُ تَقَعُ عليه يَدُ الفارِس. ج؛ أَي الجمعُ: الكَوَاثِبُ. وقيل: هي من أَصْل الْعُنُق إِلى ما بينَ الكَتِفَيْنِ، قالَ النّابغةُ:
لَهُنَّ عليْهِمْ عادَةٌ قد عَرَفْنَها *** إِذا عُرِضَ الخَطِّيُّ فَوْقَ الكَوَاثِبِ
وقد قيل: إِنّ جمعَهُ أَكْثابٌ، قال ابْنُ سِيدَه: ولا أَدري كيفَ ذلك. وفي الحديثِ: «يضَعُونَ رِماحَهُمْ على كَوَاثِبِ خَيْلِهم» وهي من الفَرَس مُجْتمَعُ كَتِفَيْهِ قُدّامَ السَّرْجِ.
والكاثِبُ: موضع، أَو جَبَلٌ؛ قال أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ يَرْثِي فَضَالَةَ بْنَ كَلدَةَ الأَسَدِيّ:
على السَّيِّدِ الصَّعْبِ لو أَنَّه *** يَقُومُ على ذِرْوَةِ الصاقِبِ
لأَصْبَح رَتْمًا دُقاقُ الحَصَى *** مَكَانَ النَّبِيّ من الكاثِبِ
النَّبِيّ: مَوْضِعٌ، وقيل: هو ما نَبا فارتَفعَ، قال ابْنُ بَرّيّ: النَّبِيُّ رَمْلٌ معروفٌ، ويقال: هو جمعُ نابٍ، كغازٍ وغَزِيّ.
يقول: لو علا فَضالةُ هذا على الصّاقب، وهو جَبَلٌ معروف في بلاد بني عامرٍ، لأَصْبَح مدقوقًا مكسورًا، يُعَظّمُ بذلك أَمْرَ فَضالَة وقيل: إِنّ [قوله] يَقومُ بمعنى يُقَاوِمُهُ، كذا في لسان العرب.
والكَثْباءُ، مَمْدودٌ: من أَسْماءِ التُّرَابِ.
والتَّكْثِيبُ: القِلَّة، يُقَالُ: كَثَّبَ لَبَنُ النّاقةِ: إِذا قَلَّ، نقله الصّاغانيُّ. وفي المَثَلِ: كَثَبَكَ الصَّيْدُ، هكذا فِي النُّسَخِ بغَيْر أَلف، والصَّوابُ أَكْثَبَك الصَّيْدُ والرَّمْيُ، وأَكْثَبَ لَكَ فَارْمِهِ.
أَي: دنا منك، أَمْكَنَكَ كما في غير ديوانٍ، وإِنْ كان كَثَبَ وأَكْثَبَ بمعنًى كما تقدَّم، مِنْ كاثِبَتِهِ أَي: من مَنْسِجِه، هكذا في النُّسَخ.
وفي المَثَل: مَا رُمِيَ بِكَثابٍ. المضبوطُ في نسختنا بالكسر، على وزْنِ كِتَابٍ، ونَصُّ المَثَلِ: ما رماه بكُثَّابٍ، أَيْ: شَيْءٍ: سَهْمٍ، وغيرِه. وفي لسان العرب: أَي سهْم. وقيل: هو الصَّغِيرُ من السِّهام هاهُنا.
وكاثَبْتُهُمْ، مُكَاثَبَةً: دَنَوْتُ مِنْهُمْ. فالمُفَاعلَةُ ليست على بابها.
* وممَّا يُستدركُ عليه: قال اللَّيْثُ: كَثَبْتُ التُّرَابَ، فانْكَثَب: إِذا نَثَرْتَ بعضَهُ فوقَ بعضٍ. وعن أَبي زيدٍ: كَثَبْتُ الطَّعَامَ أَكْثُبُهُ كَثْبًا، وَنَثَرْتُه نَثْرًا، وهُمَا واحدٌ. وكُلّ ما انْصَبَّ في شَيْءٍ واجتمعَ، فقد انْكَثَبَ فيه.
وفي المَثَلِ: «إِنّهُ لَيَخْطُبُ كُثْبَةً». وقد تقدَّمَ شَرْحُه.
وجاءَ يَكْثُبُه: أَي يَتْلُوهُ.
وكُثّابَةُ البَكْر والفَصِيلِ، كرُمَّانةٍ: المَكانُ الَّذي كان فيه الفَصِيلُ ببلادِ ثَمُودَ، نقله الصّاغانيُّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
47-تاج العروس (حت حتت حتحت)
[حتت]: حَتَّهُ؛ أَي الشَّيْء، عن الثَّوْب وغيرِه، يَحُتُّهُ، حَتًّا: فَرَكَهُ، وقَشَرَهُ، فانْحَتَّ، وتَحَاتَّ، واسْمُ ما تَحاتَّ منه: الحُتاتُ كالدُّقاق. وهذا البِناءُ من الغالب على مثل هذا، وعامَّتُه بالهَاءِ. وكُلُّ ما قُشِرَ، فقد حُتَّ. وفي الحديث أَنَّه قال لِامْرَأَةٍ سأَلْته عن الدَّمِ يُصِيبُ ثَوْبَها، فقال لها: «حُتِّيه ولو بِضِلَعٍ» معناه: حُكِّيه وأَزِيليه. والضِّلَعُ: العُودُ. والحَتُّ والحَكُّ، والقَشْرُ، سواءٌ. وقال الشّاعر:وما أَخذَا الدِّيوانَ حَتَّى تَصَعْلَكا *** زمانًا وحَتَّ الأَشْهَبَانِ غناهُمَا
حَتَّ: قَشَرَ وحَكَّ. وفي حديث كَعْب: يُبْعَثُ من بَقيع الغَرْقَد سبعونَ أَلفًا، هم خيارُ مَنْ يَنْحَتُّ عن خَطْمه المَدَرُ» أَي: يَنْقَشرُ ويسقُطُ عن أُنُوفهم التُّرابُ.
والحَتُّ، والانْحتاتُ، والتَّحاتُّ، والتَّحَتْحُتُ: سُقُوطُ الوَرَقِ عن الغُصْن وغيرِه.
وفي الحديث: «تَحَاتَّتْ عنه ذُنُوبُه» أَي: سَقَطَتْ.
وشَجَرَةٌ مِحْتَاتٌ: أَي مِنْثارٌ.
والحَتَتُ: داءٌ يُصيبُ الشَّجرَ، تَحاتُّ أَوراقُهَا منه.
كانْحَتَّتْ، وتَحَاتَّتْ، وتَحَتْحَتَتْ قال شيخنا: أَنَّث باعتبارِ المعنى، وهو الأَفصحُ في اسم الجِنس الجمعيّ، والتّذكيرُ فصيحٌ.
وتَحَاتَّ الشَّيْءُ: أَي تَنَاثَرَ، وفي الحديث: «ذاكِرُ اللهِ في الغافلينَ مثلُ الشَّجَرَةِ الخَضْراءِ وَسَطَ الشَّجَرِ الّذي تَحَاتَّ وَرَقُهُ من الضَّريبِ»، أَي: تساقَطَ. والضَّرِيبُ: الجَلِيدُ.
وحَتَّ الشَّيْءَ: حَطَّهُ.
ومن المَجَاز: الحَتُّ: الجَوَادُ من الفَرَسِ الكثيرُ العَرَقِ، وقيل: السَّرِيعُ العرقِ منه. وفَرَسٌ حَتٌّ: سَريعٌ، كأَنّه يَحُتُّ الأَرْضَ. والحَتُّ: سريعُ السَّيْرِ مِنَ الإِبِلِ، والخَفِيفَةُ، كالحَتْحَتِ وكذلك الظَّلِيمُ، وقال الأَعْلَمُ بنُ عبدِ اللهِ الهُذَلِيّ:
على حَتِّ البُرَايَةِ زَمْخَرِيِّ السَّ *** وَاعِدِ ظَلَّ في شَرْيٍ طِوَالِ
وإنَّمَا أَرادَ حَتًّا عندَ البُرَايَة، أَي: سَريعٌ عندَ ما يَبْريه من السَّفَرِ وقيل: أَراد حَتَّ البَرْيِ، فوضعَ الاسْم موضعَ المصدرِ. وخالَف قومٌ من البصريّين تفسيرَ هذا البيت فقالوا: يَعنِي بعيرًا، فقال الأَصمعيّ: كيف يكونُ ذلك، وهو يقولُ قبلَهُ:
كَأَنَّ مُلاءَتَيَّ على هِجَفٍّ *** يَعِنُّ مع العَشِيَّةِ لِلرِّئالِ
قال ابْنُ سِيدَهْ: وعندي [أَنه] إنّما هو ظَلِيم، شَبَّهَ [به] فَرسَه أَو بَعيرَه، أَلا تَراه قال: هِجَفّ. وهذا من صفة الظَّلِيم. وقال: ظَلَّ في شَرْي طِوَالِ، والفَرسُ أَو البعيرُ لا يأْكُلانِ الشَّرْيَ، إِنَّمَا يَهْتَبِدُه النَّعامُ. والشَّرْيُ: شَجرُ الحَنْظَل. وقال ابنُ جِنّي: الشَّرْيُ: شجرٌ تُتَّخذُ منه القِسِيُّ.
قال: وقوله: ظَلَّ في شرْيٍ طِوالِ، يريد أَنهنَّ إِذا كُنَّ طِوالًا سَتَرْنَهُ، فزادَ استيحاشُه، ولو كُنَّ قِصَارًا لسَرّحَ بَصَرَهُ، وطابتْ نَفسُه، فَخَفَّضَ عَدْوَه. كذا في لسان العرب.
والحَتُّ، أَيضًا: الكريمُ العتيقُ، هكذا فسّرَه غيرُ واحد.
والحَتُّ: المَيِّتُ من الجَرادِ، والجمع: أَحْتاتٌ لا تُجاوزُ به هذا البناءَ، حُمِلَ على المُعْتَلِّ، لأَنّه تَقرّرَ أَن فَعْلًا بالفتح، لا يُجْمَعُ على أَفْعالٍ، إلّا في أَلفاظ ثلاثة: أَحْمَال، وأَزْنَاد، وأَفْرَاخ، وجاءَت أَلفاظٌ معتلَّةٌ أَو مضاعَفَةٌ تُوجَد مع الاستقراءِ، قاله شيخُنا.
والحَتُّ: ما لا يَلْتَزِقُ من التَّمْرِ، يقال: جاءَ بتَمْرٍ حَتٍّ: لا يَلْتَزِقُ بعضُهُ ببعض.
والحَتُّ: سَيْفُ أَبِي دُجَانَةَ سِماكِ بنِ خَرَشَةَ الأَنْصارِيّ، رضي الله عنه وسَيْفُ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ الكِنْدِيّ.
والحُتُّ، بالضَّمِّ: المَلْتُوتُ من السَّويقِ، كذا في النُّسَخ. والّذي في التّكْملة، سوِيقٌ حُتٌّ: أَي غير مَلْتُوت.
والحُتُّ: قَبِيلَةٌ من كِنْدَةَ، تُنْسَبُ إِلى بَلَد، لا إِلى أَب، أَوْ أُمٍّ. وعبارة ابن منظور: ليس بأُمٍّ، ولا أَبٍ.
والحُتُّ: جَبَلٌ من القَبَلِيَّةِ محرَّكَةً، كذا هو مضبوط.
وحَتَّ، مَبْنيًّا على الكسر: زَجْرٌ للطَّيْرِ.
قال ابْنُ سِيدَهْ: وحَتَّى: حَرْفٌ من حروف الجرِّ، كإِلَى، ومعناه لِلغَايَةِ، كقولك: [سِرْتُ] اليومَ حتَّى اللَّيْلِ، أَي: إِلى اللَّيْل، ومثَّلُوا لها أَيضًا بقوله تَعَالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى} و {حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} وغيرِهما. وتأْتي لِلتَّعْلِيل، نحو: أَسْلمْ حتَّى تَدْخُلَ الجَنَّةَ {وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ} أَي: كي يَرُدُّوكُمْ، أَقرّه ابْنُ هشَام وابنُ مالِك وأَبو حَيّان، وأَنكره الأَنْدَلُسِيُّ في شرح المفصَّل، ونقله الرَّضِيّ وسلّمه، وزعموا أَنّها إنّما تكون دائمًا بمعنى «إِلى» الغائِيَّة. وتأْتي بِمَعْنَى إلَّا في الاسْتِثْناءِ، أَي: لا في الوَصْف، ولا في الزِّيادة. هكذا قَيَّدُوا، صرَّحَ به ابْنُ هِشَامٍ الخَضْرَاوِيُّ وابْنُ مالك، ونقلهُ أَبو البَقَاءِ عن بعضهم، وأَدَلُّ الأَمثلة على المُرَاد ما أَنشده ابنُ مالك من قول الشّاعر:
لَيْسَ العَطَاءُ من الفُضُولِ سَماحَةً *** حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَديْكَ قَلِيلُ
وهو حَرْفٌ يَخْفِضُ، عدَّهَا الجماهيرُ من حُروف الجرّ، وإنما تَجُرُّ الظّاهِرَ الوَاقِعَ غايَةً لِذِي أَجزاءٍ، أَو ما يقوم مَقَامهُ، على ما أَوضحَه ابنُ هِشَامٍ في المُغْنِي والتَّوْضِيح وغيرِهما ويَرْفَعُ إِذا وقَعَ في ابتداءِ الكلام. وفي الصَّحاح: وقد تكون حرف ابتداء، يُستأْنَفُ بها الكلامُ بعدَهَا، كما قال:
فما زَالتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِماءَهَا *** بِدجْلَةَ حَتَّى ماءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ
وهو قولُ جريرٍ يهجو الأَخطَلَ، ويذكر إيقاعَ الجَحّافِ بقومه، وبعدَهُ:
لنَا الفَضْلُ في الدُّنْيا وأَنْفُك راغِمٌ. *** ونحنُ لكم يومَ القِيامَةِ أَفْضَلُ
وفي المُغْنِي: الثّالثُ من وجوه حَتَّى: أَنْ تكونَ حرفَ ابتداءٍ؛ أَي حرفًا تُبْدَأُ بعدَهُ الجُمَلُ، أَي: تُستأْنَفُ، فتدخل على الجملة الاسميّة، وأَنشد: قولَ جرير السّابقَ، وقولَ الفَرَزْدَقِ:
فوَا عَجبًا حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي *** كَأَنَّ أَبَاهَا نَهْشَلٌ ومُجاشِعُ
ولا بُدَّ من تقدير محذوفٍ قبلَ حتَّى في هذا البيت، أَي: فواعَجَبًا: يَسُبُّنِي النّاسُ حتَّى كُلَيْبٌ: وتدخُل على الفعليّة الّتي فعلُها مضارعٌ كقراءَة نافع: حَتَّى يَقُول الرَّسُولُ، وكقول حَسّانَ:
يُغْشَوْنَ حَتَّى ما تَهِرُّ كِلابُهُمْ *** لا يَسْأَلُونَ عن السَّوَاد المُقْبِلِ
وعلى الفعليّة الماضَويَّة، نحو: {حَتّى عَفَوْا وَقالُوا} ويَنْصِبُ، أَي: يَقَعُ الفعلُ المضارِعُ بعدَهَا منصوبًا بشروطه الّتي منها: أَن يكونَ مستقبَلًا، باعْتبار التكلُّم، أَو باعتبار ما قبلَها.
وفي الصّحاح، ولسان العرب: وإن أَدخلتَها على الفعل المستقْبَل، نصبتَه بإضمار أَنْ تقول: سِرْت إِلى الكوفة حتّى أَدخُلَهَا، بمعنَى إِلى أَنْ أَدخُلَهَا، فإن كنتَ في حالِ ويقولُ. فمن نصَبَ، جعله غاية؛ ومن رَفَعَ، جعله حالًا بمعنى حَتَّى الرَّسُولُ هذه حالُهُ. قال شيخُنا: وظاهرُ كلامه أَنّ لها دَخْلًا في رفع ما بعدَهَا، وليس كذلك كما عَرَفْت: وأَنّها هي النّاصبة وهو مرجوع عند البصريِّين، وإنّما النّاصِبُ عندَ الجُمْهُور «أَنْ» مقدَّرَة بعدَ «حتَّى» كما هو مشهور في المبادئ.
ولِهذا؛ أَي لأَجل أَنّها عاملة أَنواعَ العَمَل في أَنواع المُعْرَبَات، وهي الأَسماءُ والفعل المضارع، قالَ الفَرَّاءُ: أَمُوتُ، وفي نَفْسِي مِنْ حتّى شَيْءٌ، لأَنَّ القواعدَ المقرَّرَةَ بين أَئمّة العربيّة أَنّ العواملَ الّتي تعملُ في الأَسماء، لا يُمكن أَن تكون عاملة في الأَفعال ذلك العملَ ولا غيرَهُ، ولذلك حَكَموا على الحروف العاملة في نوع بأَنّها خاصّةٌ به، فالنّواصبُ خاصَّة بالأَفعال، كالجوازم لا يُتَصَوَّرُ وِجْدَانُها في الأَسماءِ، كما أَنّ الحروف العاملة في الأَسماءِ كحروف الجَرّ، وإنّ وأَخواتِها خاصة بالأَسماء، لا يُمْكِن أَن يوجد لها عملٌ في غيرِهَا، وحَتَّى كأَنَّهَا جاءَت على خلاف ذلك، فعَملتِ الرّفعَ والنَّصْبَ والجَرَّ في الأَسماءِ والأَفعال، وهو على قواعد أَهل العربيّة مُشْكلٌ.
والصّواب أَنّه لا إِشكالَ ولا عَمَل، وحَتَّى عندَ المُحَقِّقِينَ إنّما تعمل الجرَّ خاصةً بشروطها. وأَمّا الرفعُ، فقد أَوضحنا أَنَّها يقالُ لها الابتدائيّة، وما بعدَها مرفوع بما كان مرفوعًا به قبلَ دخولها، ولا أَثَرَ لها فيه أَصلًا، وإنّما نَصْبُ الفعلِ بعدَهَا له شروط، إِن وُجِدَت، نُصِبَ، وإلّا بقي الفعلُ على رفعه، لتجرُّدِه من النّاصب والجازم. وأَمّا النّاصبة، فهي الجارَّةُ في الحقيقة، لأَنَّ نَصْبَ الفعلِ بعدَها إِنّمَا هو بأَنْ مقدّرة على ما عُرِف، ولذلك يُؤَوَّلُ الفعلُ الواقِع بعدَهَا بمصدر يكون هو المجرورَ بها، فقوله تعالى: {حَتّى يَرْجِعَ}، تقديرُه: حتى أَنْ يَرْجِعَ، وأَنْ والفِعْلُ: مُؤَوَّلانِ بِالمصدر، وهي في المعنى، كإِلَى الدّالَّة على الغاية.
والتّقدير: إِلى رجوع موسى إلينا، وبه تعلم ما في كلام المصنِّف من التقصير والقُصُور، والتّخليط الّذي لا يُمَيَّز به المشهورُ من غير المشهور، ولا يُعْرَفُ منه الشّاذُّ من كلام الجمهور، قاله شيخُنا، وهو تحقيقٌ حسَنٌ.
وفي لسان العرب: وتدخُل على الأَفعال الآتية، فتَنْصبُها بإضمارِ «أَنْ»، وتكونُ عاطفةً بمعنى الواو.
وقال الأَزهريُّ: وقال النَّحْوِيُّونَ: «حَتَّى» تجيءُ لوقتٍ مُنْتَظَر، وتجيءُ بمعنى إِلى، وأَجمعوا أَنَّ الإِمالَةَ فيها غيرُ مستقيم، وكذلك في عَلَى. ولِحَتَّى في الأَسماءِ والأَفعال، أَعمالٌ مختلفة.
وقال بعضهم: حَتَّى، فَعْلَى، من الحَتِّ، وهو الفَرَاغُ من الشَّيْءِ، مثل: شَتَّى من الشَّتِّ. قال الأَزهَرِيُّ: وليس هذا القولُ ممّا يُعَرَّجُ عليه؛ لأَنّها لو كانت فَعْلَى من الحَتِّ، كانت الإِمالةُ جائزةً، ولكِنَّها حرفُ أَداة، وليست باسْمٍ ولا فِعل.
وفي الصَّحاح، وغيره: وقولُهُم: حَتّامَ، أَصلُه: حَتّى ما، فحذفت أَلف ما للاستفهام، وكذلك كلُّ حرف من حروف الجَرِّ يُضَاف في الاستفهام إِلى ما، فإنّ أَلف ما يُحْذَفُ فيه، كقوله تَعالَى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}، و {فِيمَ كُنْتُمْ}، و {عَمَّ يَتَساءَلُونَ}.
وهُذَيْلٌ تقول: عَتَّى، في: حَتَّى، كذا في اللّسان.
وحَتَّى: جَبَلٌ بِعُمَانَ.
وحَتّاوَةُ: قرية بعَسْقَلانَ، منها أَبو صالح عَمْرُو بنُ خَلَفٍ عن رَوّاد بن الجَرّاحِ، وعنه محمّد بن الحُسَيْن بن قُتَيْبَة، روى له المالِينيُّ، وذكره ابنُ عَدِيٍّ في الضُّعَفاءِ.
وتقول: ما في يدِي مِنْهُ حَتٌّ كما تقُولُ: ما في يَدِي منه شَيْءٌ. وفي الأَساس: ما في يَدِي منه حُتاتَةٌ.
والحَتُّ: سُقُوطُ الوَرَقِ عن الغُصْن وغيرِه.
والحَتُوتُ، كصَبُورٍ من النَّخْلِ: المُتَنَاثِرُ البُسْرِ، كالمِحْتَاتِ.
يقالُ شَجَرَةٌ مِحْتَاتٌ: أَي مِنْثَارٌ.
وتَحاتَّ الشَّيْءُ: تَنَاثَرَ. وتحاتَّتْ أَسنانُهُ: تَنَاثَرَتْ.
والحتَات، كسَحَاب: الجَلَبَة، محرَّكَةً، نقله الصّاغانيُّ عن الفَرّاءِ.
وكغُرَاب: قَطِيعَةٌ بالبَصْرَةِ، نقله الصّاغانيُّ.
والحِتَاتُ، بالكسر: من أَعراضِ المدينة.
والحُتَاتُ بْنُ عَمْرٍو الأَنصاريُّ أَخُو أَبِي اليُسْرِ كَعْبِ بن عَمْرٍو، مات في حياة رسولِ الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أَسلم. أَو هو الحُبَاب بباءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ، وهو الّذِي صحَّحه جماعةٌ، وصرَّح ابنُ المَدِينِيّ بأَنه المشهور.
وأَما قولُ الفَرَزْدَقِ: فإِنَّكَ واجِدٌ دُونِي صَعُودًا جَرَاثِيمَ الأَقارعِ والحُتَاتِ فيعني به الحُتَاتَ بْنَ يزيدَ، لا ابْنَ زَيْدٍ المُجَاشِعيّ، وحُتَاتٌ: لَقَبٌ، واسمُه بِشْرٌ، ذكر ابْنُ إِسحاقَ، وابْنُ الكَلْبِيّ، وابْنُ هِشام: أَنّ النَّبيَّ، صلى الله عليه وآله وسلم، واخى بينَ الحُتَاتِ ومُعاوِيَةَ، فمات الحُتات عندَ مُعاوِيَةَ في خلافته، فوَرِثَهُ بالأُخُوَّة، فخرج إِليه الفَرَزْدَقُ، وهو غلامٌ، فأَنشدَه: أَبُوكَ وعمِّي يا مُعَاوِيَ أُورِثَا تُراثًا فيَحْتَازُ التُّراثَ أَقارِبُهْ فما بالُ ميراث الحُتَات أَكَلْتَهُ ومِيراثُ حَرْبٍ جامدٌ لك ذائِبُه؟ الأَبيات. فدفَعَ إِليه مِيرَاثَهُ، ووَهِمَ الجَوْهَرِيُّ، وهما صَحابِيّان.
وفي الإصابة. الحُتَاتُ، بالضَّمّ، هو ابنُ زَيْد بن علقمةَ بن جري بن سُفْيَانَ بْن مُجَاشع بن دارِم التَّميميّ الدّارِميّ المُجَاشِعيّ، ذكره ابنُ إِسحاقَ وابْنُ الكلبيّ وابنُ هشام فيمن وَفَد من بني تَمِيمٍ عَلى النّبيّ، صلى الله عليه وآله وسلم. ووجدت في هامش لسان العرب، ما نَصُّه: وأَورد هذا البيتَ، يعني: الجوهريُّ، بيتَ الفَرَزْدَق، في ترجمة قَرَعَ، وقال: الحُتاتُ بِشْرُ بنُ عَامِرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، فليُراجَعْ.
والحُتَاتُ بنُ يَحْيَى بْنِ جُبَيْرٍ اللَّخْميُّ: مُحَدِّثٌ.
وَرِمْدةُ حَتّانَ: سيأْتي في ر معروف د.
والحَتْحَتَةُ: السُّرْعَةُ، والعَجَلةُ في كلّ شيْءٍ. وهو مَجاز، ومنه: حَتَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ: ضربَه، وعَجّلَ ضَرْبَه. وحَتّهُ دَراهِمَه: عَجَّلَ له النَّقْدَ. ومنه المثَل: «شَرُّ السَّيْرِ الحَتْحَتَةُ».
والحَتْحَاتُ: بمعنى الحَثْحاثِ بالمُثَلَّثة، وسيأْتي ذكرُه.
وأَحَتَّ الأَرْطَى، وهو شَجَرٌ: أَي يَبِسَ.
* ومما يُستدرَكُ عليه: انْحَتَّ شَعَرُه عن رأْسه، وانْحَصَّ: إِذا تَساقطَ.
والحَتَّةُ: القَشْرَةُ.
وحَتَّ الله مالهُ حَتًّا: أَذهبَه فأَفقرَه، على المَثَل.
وتَرَكُوهُمْ حَتًّا بَتًّا، وحَتًّا فَتًّا: أَي أَهْلَكُوهم.
ومن المَجَاز أَيضًا: حَتَّهُ عن الشَّيْءِ، يَحُتُّه، حَتًّا: رَدَّه.
وفي الحديث: أَنّه قال لسعد، يومَ أُحُدٍ: «احْتُتْهُم، يا سعْدُ، فِداك أَبي وأُمِّي»، يعني: ارْدُدْهم. قال الأَزهَرِيّ: إِنْ صحَّت هذه اللَّفْظَةُ، فهي مَأْخوذَة من حَتّ الشَّيْء، وهو قَشْرُه شيئًا بعدَ شَيْءٍ، وحَكُّهُ. والحَتُّ: القَشْرُ.
والحُتَاتُ من أَمراض الإِبلِ: أَنْ يَأْخُذَ البعيرَ هَلْسٌ، فيتغيَّر لَحْمُه وطَرْقُهُ ولَوْنُهُ، ويتَمَعَّط شَعَرُه، عن الهَجَرِيّ.
وقال الفَرَّاءُ؛ حَتَّاهُ، أَي: حَتَّى هُوَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
48-تاج العروس (نفت)
[نفت]: نَفَتَ الرَّجُلُ يَنْفِتُ نَفْتًا ونَفِيتًا ونُفَاتًا ونَفَتَانًا: غَضِبَ.وقيلَ: النَّفَتَانُ شَبِيهٌ بالسُّعَالِ.
أَو نَفَتَ الرَّجُلُ، إِذا نَفَخَ غَضَبًا، ويقال: إِنّه ليَنْفِتُ عليهِ غَضَبًا ويَنْفِطُ، كقولك: يَغْلِي عليهِ غَضَبًا.
وفي الأَساس: من المجازِ: صَدْرُهُ يَنْفِتُ بالعَدَاوَةِ: ونَفَتَتِ القِدْرُ تَنْفِتُ نَفْتًا وَنَفَتَانًا ونَفِيتًا، إِذا غَلَتْ فصارَتْ تَرْمِي بِمِثْلِ السِّهَامِ.
أَو نَفَتَتْ إِذَا لَزِقَ المَرَقُ بِجَوَانِبِهَا، وعبارة اللسان: إِذا غَلا المَرَقُ فِيها، فَلَزِقَ بجَوَانِبِ القِدْرِ ما يَبِسَ عليه، فذلك النَّفْتُ، والقِدْرُ تَنَافَتُ وتَنَافَطُ، ومِرْجَلٌ نَفُوتٌ.
ونَفَتَ الدَّقِيقُ ونَحْوُه يَنْفِتُ نَفْتًا، إِذا صُبَّ عَلَيْهِ الماءُ فَتَنَفَّخَ.
والنَّفِيتَةُ: طَعَامٌ ويُسَمَّى الحَرِيقَة، وهي أَنْ تَذُرَّ الدَّقِيقَ على ماءٍ أَوْ لَبَن حَلِيبٍ حتى يَنْفِتَ ويُتَحَسَّى [من نَفْتِهَا] وهي أَغْلَظُ من السَّخِينَةِ يَتَوَسَّعُ بِها صاحبُ العِيَالِ لِعيالِه.
إِذا غَلَب عليه الدَّهْرُ، وإِنّمَا يَأْكُلُون النَّفِيتةَ والسَّخِينَةَ في شِدَّة الدَّهْرِ، وغَلَاءِ السعْرِ، وعَجَفِ المَال.
وقال الأَزْهَرِيّ في تَرْجَمَةِ حَذْرَقَ ـ: السَّخِينَةُ دَقِيقٌ يُلْقَى على ماءٍ أَو لَبَن، فيُطْبخُ ثُمَّ يُؤْكَلُ بِتَمْرٍ أَو بِحَسَاءٍ [وهو الحَسَاءُ]، قال: وهي السَّخُونَةُ أَيضًا، والنَّفِيتَةُ والحُدْرُقّة [والخزِيرة]. والحَرِيرَةُ [أَرَقُّ منها]، والنَّفِيتَةُ حَسَاءٌ بينَ الغَلِيظَةِ والرَّقِيقَةِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
49-تاج العروس (حث حثث حثحث)
[حثث]: حَثَّهُ يَحُثُّهُ حَثًّا، إِذا أَعْجَلَهُ في اتِّصَالٍ، وقيل: هو الاسْتِعْجَالُ ما كان.وحثَّه علَيْهِ، واسْتحَثَّهُ اسْتِحْثاثًا، وأَحثَّهُ إِحْثَاثًا، واحْتَثَّهُ احْتِثَاثًا، وحَثَّثَهُ تَحْثِيثًا، وحَثْحَثَهُ حَثْحَثَةً، كلُّ ذلك بمعنَى حَضَّهُ عليه، ونَدَبَه له وإِليه، وهذا ظاهرٌ في كَوْنِ الحَثِّ والحضّ مُتَرَادِفَيْنِ.
وزعم الحَرِيريّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، وأَنَّ الحَثَّ في السَّيْرِ، والحَضَّ في غيرِه، ونقله عن الخليل. قالَهُ شيخُنا.
ويقالُ: حَثَّثَ فُلانًا فاحْتَثَّ، لازِمٌ، مُتَعدٍّ، قال ابن جِنّي: أَما قولُ تأَبَّطَ شَرًّا:
كأَنَّمَا حَثْحَثُوا حُصًّا قَوادِمُه *** أَو أُمَّ خِشْفٍ بذِي شَتٍّ وطُبَّاقِ
إِنه أَرادَ حَثَّثُوا فأَبْدل من الثَّاءِ الوُسطَى حاءً، فمردودٌ عندنا، قال: وإِنما ذَهَب إِلى هذا البَغْدَادِيّون، قال: وسأَلتُ أَبا عليٍّ عن فَساده، فقال: العِلَّةُ أَنّ أَصلَ البَدَلِ في الحُروفِ إِنما هو فيما تَقَارَبَ منها، وذلك نحو الدّال والطّاء والتّاء، والظّاء والذّال والثاءِ، والهاءِ والهمزة، والميمِ والنُّون، وغير ذلك مما تَدَانَتْ مَخارِجُه، وأَما الحاءُ فبعيدةٌ من الثاء، وبينهما تَفَاوُتٌ يَمْنَعُ من قَلْبِ إِحداهُمَا إِلى أُخْتِها، كذا في اللسان. وأَشار له شيخُنَا مُخْتَصِرًا، ونُقِلَ القَلْبُ عن ابن القَطّاع في كتاب الأَبْنِيَةِ.
والحُثْحُوثُ بالضمّ: الكَثِيرُ، عن أَبي عَمْرٍو.
وهو أَيْضًا السَّرِيعُ ما كان.
والحُثْحُوثُ: المُنْكَرَةُ من المِعْزَى. نقله الصاغانيّ.
والحُثْحُوثُ: الحَضُّ، كالحَثِّ، بالفتح.
والحِثِّيثَى بالكسر، وفي الصّحاحِ: الحِثِّيثَى: الحَثُّ، وكذلك الحُثْحُوثُ.
وقال ابنُ سِيدَه: الحُثْحُوثُ: الكَتِيبَةُ، أَرَى.
والحَثُوثُ، كصَبُورٍ: السَّرِيعُ، كالحَثِيثِ، رجل حَثِيثٌ، وحَثُوثٌ: حادٌّ سَرِيعٌ في أَمْرِهِ، كأَنّ نَفْسَه تَحُثُّه.
وَولَّى حَثِيثًا؛ أَي مُسْرِعًا حَرِيصًا، وقومٌ حِثَاثٌ.
وامرأَة حَثِيثَةٌ، في موضعِ حَاثَّةٍ.
وَحَثِيثٌ، في موضعِ محْثُوثَة، قال الأَعْشَى:
تَدَلَّى حَثِيثًا كَأَنَّ الصُّوَا *** رَ يَتْبَعُه أَزْرَقِيٌّ لَحِمْ
شَبَّه الفَرَس في السُّرْعَةِ بِالبَازِيّ.
والحَثْحَاثِ، بالفَتْح معطُوفٌ على ما قَبْلَهُ. يقال: خِمْسٌ حَثْحَاثٌ، وحَذْحَاذٌ وقَسْقَاسٌ كلّ ذلك: السَّيْرُ الذي لا وَتِيرَةَ فيه، وقَرَبٌ حَثْحَاثٌ، وثَحْثَاحٌ، وحَذْحَاذٌ، ومُنَحِّبٌ؛ أَي شديد، وقَرَبٌ حَثْحَاثٌ؛ أَي سريعٌ ليس فيه فُتُورٌ، وخِمْسٌ قَعْقَاعٌ، وحَثْحَاثٌ، إِذا كانَ بَعِيدًا، والسَّيْرُ فيهِ مُتْعِبًا لا وَتِيرَةَ فيه؛ أَي لا فُتُورَ فِيه.
ولا يَتَحَاثُّونَ على طَعَامِ المسْكِينِ التَّحَاثُّ: التَّحَاضُّ أَي لا يَتَحاضُّون. والتَّقْوَى أَفْضَلُ ما تَحَاثَّ الناسُ عليه، وتَدَاعَوْا إِليْه.
وما ذُقْتُ حَثَاثًا ولا حِثَاثًا؛ أَي ما ذُقْتُ نَوْمًا، وما اكْتَحَلَ حَثَاثًا، بالفَتْحِ، قال أَبو عُبَيْدةَ: هو أَصحُّ وبالكَسْرِ رأْيُ الأَصمعيِّ، وأَورَدَهُما ثَعْلَبٌ معًا، ونقلَ الكسْرَ عن الفَرّاءِ، قال شيخُنَا: ونَسَبُوا الفَتْحَ إِلى أَبي زَيْد أَيضًا؛ أَي ما نَامَ، أَنشد ثعلبٌ:
ولِلّه ما ذَاقَتْ حَثَاثًا مَطِيَّتِي *** ولا ذُقْتُه حتى بَدَا وَضَحُ الفَجْر
وقد يُوصَفُ به، فيقال: نَوْمٌ حِثَاثٌ؛ أَي قليل، كما يقال: نَوْمٌ غِرَارٌ، وما كُحِلَتْ عيني بِحَثاثٍ؛ أَي بنَوْمٍ، وقال [الزُّبَيْر] الحَثْحَاثُ والحُثْحُوثُ: النَّوْمُ، وأَنشد:
ما نِمْتُ حُثْحُوثًا ولا أَنامُهُ *** إِلّا على مُطَرَّدٍ زِمَامُهُ
وقال زَيْدُ بنُ كَثْوَةَ: ما جَعَلْتُ في عيْنِي حِثَاثًا، عند تَأْكِيدِ السَّهَرِ.
وحَثَّثَ الرَّجُلُ: نامَ.
وقال ابنُ دُرُسْتَوَيْه: الحَثَاثُ: النَّومُ الحَثِيثُ؛ أَي الخَفِيفُ، فمن كسرَ الحَاءَ شَبَّهَه بالغِرَارِ، وهو القَلِيلُ من النَّوْمِ، ومن فَتَحَه شَبَّهَه بالغَمَاضِ والذَّوَاقِ واللَّمَاجِ؛ لأَنَّهَا أَسماءُ القَلِيلِ من الأَكْلِ والشُّرْبِ والنَّوْمِ، قال: وروى عن أَعْرابِيٍّ أَنه قال: الحَثَاثُ: القَلِيلُ من الكُحْلِ، وهو عند غيرِه: القَلِيلُ من النَّوْمِ، وكذلك في نَوادِر اللِّحْيانيّ، ونقلَ عن الفِهْرِيّ: الحَثَاثُ: البَرُودُ، وهو الكُحْلُ، ونقلَهُ ابنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيّ وسَلَّمهُ، ونقل ابنُ خَالَويْه ما يُخَالفه.
والحُثُّ بالضمّ: حُطَامُ التِّبْنِ، وهو ما تَكَسَّر منه.
والحُثُّ أَيضًا: المُتَرَقْرِقُ، هكذا في نسختنا، وفي اللّسان: المدْقُوق من كُلِّ شيْءٍ، وفي التَّكْمِلَة: الخَفِيّ المُتَفَرِّقُ من الرَّمْلِ والتُّرَابِ وليس بطِينَةٍ صَمِغَةٍ، أَو اليَابِسُ الغَلِيظُ الخَشِنُ من الرَّمْلِ وأَنشد الأَصمعيّ:
حتّى يُرَى في يَابِسِ الثَّرْياءِ حُثّ *** يَعْجِزُ عن رِيّ الطُّلَى المُرْتَغِثْ
هكذا أَنشده ابنُ دُريْد، عن عبدَ الرّحمن بن عبدِ الله، عن عمّه الأَصمعيّ.
والحُثُّ: الخُبْزُ القَفَارُ، عن أَبي عُبيْد.
ومَا لَمْ يُلَتَّ من السَّوِيقِ، يقال: سَوِيقٌ حُثٌّ؛ أَي ليس بِدَقِيقِ الطَّحْنِ، وقيل: غيرُ مَلْتُوت، وكُحْلٌ حُثٌّ، مِثْلُه، وكذلك مِسْكُ حُثٌّ، وأَنشد ابنُ الأَعْرابيّ:
إِنَّ بأَعْلاكِ لَمِسْكًا حُثَّا
وحَثْحَثَ المِيلَ في العَيْنِ: حَرَّكَ.
والحَثْحَثَةُ: الحَرَكَةُ المُتَدَارِكةُ، يقال: حَثْحَثُوا ذلك الأَمرَ ثمّ تَرَكُوهُ؛ أَي حَرَّكُوه.
وحَيَّةٌ حَثْحَاثٌ، ونَضْنَاضٌ: ذو حرَكَةٍ دَائِمة، وفي حَدِيث سَطِيح:
كأَنَّما حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَي ثَكَنْ
أَي حُثَّ وأُسْرعَ.
وحَثْحَثَ: البَرْقُ: اضْطَرَبَ وخَصّ بعضُهم به اضطرابَ البَرْقِ في السَّحابِ وانْتِخَالَ المَطَرِ، أَو البَردِ أَو الثَّلْجِ من غيرِ انْهِمَارٍ.
والأَحَثُّ: موضع في بلادِ هُذَيْلٍ، ولهم فيه يومٌ مَشْهُورٌ، قال أَبو قِلَابَةَ الهُذَلِيّ:
يا دارُ أَعْرِفُهَا وَحْشًا مَنَازِلُها *** بَيْنَ القَوَائِم مِن رَهْطٍ فأَلْبَانِ
فدِمْنَةٍ برُحَيَّاتِ الأَحَثِّ إِلى *** ضَوْجَىْ دُفَاقٍ كسَحْقِ المَلْبَسِ الفانِي
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الحِثَاثَةٌ بالكسر: الحَرُّ والخُشُونَةُ يَجِدُهُمَا الإِنْسَانُ في عَيْنَيْهِ، قال راوِيَةُ أَمالِي ثَعْلَب: لم يَعْرِفْهَا أَبو العَبّاس.
وتَمْرٌ حُثٌّ: لا يَلْزَقُ بعضُهُ بِبَعْضٍ، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: وجاءَنَا بِتَمْرٍ فَذٍّ، وفَضٍّ، وحُثٍّ أَي لا يَلْزَقُ بعضُه بِبَعْضٍ.
وفَرَسٌ جَوادُ المَحَثَّةِ؛ أَي إِذا حُثَّ جاءَه جَرْيٌ بعدَ جَرْيٍ.
وحُثَّ الرَّجُلُ، بالضمّ، لُغَةٌ في جُثَّ بالجيم؛ أَي ذُعِر، فهو مَحْثُوثٌ: مَذْعُور.
والحِثَاثُ، ككِتَابٍ: مَوضِعٌ من أَعْرَاضِ المدِينَةِ.
والحُثُّ، بالضَّمّ: من مَنَازِل بَنِي غِفَارٍ بالحِجَاز.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
50-تاج العروس (خزر)
[خزر]: الخَزَرُ، مُحَرَّكَة: كَسْرُ العَيْنِ بَصَرَهَا خِلْقَةً وضِيقُها أَو صِغَرُهَا، أَو هو النَّظَرُ الذي كأَنَّه في أَحَدِ الشِّقَّيْن، أَو هو أَنْ يَفْتَح عَيْنَيْه ويُغَمِّضَهُمَا. ونَصُّ المُحْكمِ: عَيْنَه ويُغَمِّضَها، أَو هو حَوَلُ إِحْدَى العَيْنَيْنِ، والأَحْوَل: الذِي حَوِلَت عَيْنَاه جَمِيعًا، وقد خَزِر، كفَرِحَ، فهو أَخْزَرُ بَيِّنُ الخَزَرِ وقَوْمٌ خُزْرٌ. وهذه الأَقوال الخَمْسَة مُصَرَّحٌ بها في أُمَّهات الُّلغَة، وذَكَر أَكْثَرَها شُرَّاحُ الفَصِيح.وقيل: الأَخْزَر: الذي أَقْبَلَت حَدَقَتاه إِلى أَنْفِه. والأَحْوَل: الَّذي ارتَفَعَت حَدَقَتَاه إِلى حاجِبَيه. ويقال: هُو أَن يَكُون الإِنْسَان كَأَنَّه يَنْظُر بمُؤْخِرِها. قال حاتِم:
ودُعِيتُ في أُولَى النَّدِيِّ ولم *** يُنْظَر إِلَيَّ بأَعْيُنٍ خُزْرِ
والخَزَرُ، ويقال لهم الخَزَرَةُ أَيضًا: اسْمُ جِيل من كَفَرَةِ التُّرْك، وقيلَ: مِنَ العَجَم، وقيل: مِنَ التَّتار، وقيل: من الأَكْرَادِ، من وَلَدِ خَزَر بنِ يافِث بن نُوحٍ عَلَيْه السّلام، وقيل: هم من وَلد كَاشِح بن يافِث، وقيل: هم والصَّقَالِبة من ولد ثوبال بن يافث. وفي حَدِيث حُذَيْفَة: «كَأَنِّي بهم خُنْسُ الأُنُوفِ خُزْرُ العُيُون». وَرجلٌ خَزَرِيٌّ، وقَومٌ خُزْرٌ.
والخَزَر: الحَسَا مِنَ الدَّسَمِ والدقيق، كالخَزِيرَةِ.
والّذِي صُرِّح به في أُمَّهات اللُّغَة: أَنّ الحَسَا من الدَّسَم هو الخَزِير والخَزِيرة، ولم يَذكُر أَحَدٌ الخَزَرَ مُحَرَّكةً، فليُنْظَر.
والخَزْر، بسُكُونِ الزَّاي: النَّظَرُ بلَحْظِ العَيْن، وفي الأُصول الجَيِّدَة: بلَحَاظ العَيْن، يَفعله الرَّجُلُ ذلك كِبْرًا واستِخْفَافًا للمَنْظُور إِليه. وهذا الَّذِي استَدْرَكَه شيخنَا وزَعَم أَن المُصَنِّف قد غَفَلَ عنه، وقد خَزَره يَخْزُره خَزْرًا إِذا نَظَر كذلك. وأَنشد اللَّيْث:
لا تَخْزُرِ القَوْمَ شَزْرًا عن مُعَارَضَةٍ
ولو قال المُصَنِّف: وبالفَتْح، على ما هو قَاعِدَتُه لكانَ أَحْسَن، كما لا يَخْفَى.
والخِنْزِيرُ، بالكَسْر م؛ أَي معروف، وهو من الوَحْشِ العادِي، وهو حَيوانٌ خَبيثٌ، يقال إِنه حُرِّم على لسان كُلِّ نَبِيّ، كما في المِصْبَاح. واختُلِف في وَزْنِه، فقال أَهْلُ التَّصْرِيف: هو فِعْلِيل، بالكَسْر، رُبَاعِيّ مَزِيد فيه الياءُ، والنُّونُ أَصْلِيَّة، لأَنَّهَا لا تُزاد ثانِيَةً مُطَّرِدةً، بخِلاف الثَّالِثة كقَرَنْفُل فإِنَّها زائدة، وقيل: وَزْنه فِنْعِيل، فإِنَّ النُّونَ قَدْ تُزادُ ثَانِيَةً، وحَكَى الوَجْهَيْن ابنُ هِشامٍ اللَّخْمِيّ في شَرْح الفَصِيح، وسَبَقه إِلى ذلِك الإِمَامُ أَبُو زَيْد، وأَوردَه الشَّيْخ أَكملُ الدّين البَابَرْتيّ من عُلَمائنا في شَرْح الهِداية، بالوَجْهَيْن، وكذا غَيْرُه، ولم يُرَجِّحُوا أَحدَهما. وذَكَرَه صاحب اللِّسَان في المَوْضِعَيْن، وكأَنَّ المُصَنّفَ اعتَمدَ زيادة النُّون، لأَنَّه الَّذِي رواه أَهلُ العَرَبِيّة عن ثَعْلَب، وسَاعَدَه على ذلك اتّفاقهم على أَنّه مُشْتَقّ من الخَزَر، لأَنَّ الخَنَازِير كُلَّها خُزْرٌ، فَفِي الأَساس: وكُلُّ خِنْزِيرٍ أَخْزَرُ. ومنه خَنْزَرَ الرَّجُلُ: نَظَر بمُؤْخِر عَيْنِه.
قلتُ: فجَعله فَنْعَل من الأَخْزَر، وكلّ مُومِسَةٍ أَخْزَرُ.
وقال كُراع: هو من الخَزَرِ في العين، لأَنَّ ذلك لازِمٌ له، وقد صَرَّحَ بهذا الزُّبَيْديُّ في المُخْتَصر وعَبْدُ الحَقّ والفِهْريّ واللَّبْليّ وغيرهم.
والخِنْزِيرُ: موضع باليَمَامَة أَو جَبَلٌ. قال الأَعْشَى يَصِف الغَيْث:
فالسَّفْحُ يَجْرِي فَخِنْزِيرٌ فبُرْقَتُه *** حتّى تَدافَعَ منه السَّهْلُ والجَبَلُ
وذَكَره أَيضًا لَبيدٌ فقال:
بالغُرَابَات فَزَرَّافاتِها *** فبِخِنْزِيرٍ فأَطْرافِ حُبَلْ
والخَنَازِيرُ الجَمْعُ، على الصَّحِيح. وزعمَ بَعْضُهم أَنَّ جَمْعَه الخُزْر، بضمٍّ فسُكُون، واستدَلَّ بقَوْل الشَّاعر:
لا تَفْخَرُنّ فإِنَّ الله أَنْزَلَكمْ *** يا خُزْرَ تَغْلِبَ دَارَ الذُّلِّ والهُونِ
وقد رُدّ ذلك.
والخَنَازِيرُ: قُرُوحٌ صُلْبَةٌ تَحْدُثُ في الرَّقَبَةِ، وهي عِلَّة مَعْرُوفَة.
والخَزِيرُ والخَزِيرَةُ: شِبْهُ عَصِيدَةٍ، وهو اللَّحْم الغَابُّ يُقَطّعِ صِغارًا في القِدْرِ، ثمّ يُطْبَخ بالماءِ الكثير والمِلْح، فَإِذا أُمِيتَ طَبْخًا ذُرَّ عليه الدَّقِيق فعُصِدَ به، ثمّ أُدِمَ بأَيّ إِدامٍ شِيءَ، ولا تَكُونُ الخَزِيرَةُ إِلَّا بِلَحْم. وإِذا كانَت بِلا لَحْمٍ فهي عَصِيدَةً. قال جَرِير:
وُضِعَ الخَزِيرُ فقِيلَ: أَيْنَ مُجاشعٌ؟ *** فَشَحَا جَحَافِلَه جُرَافٌ هِبلَعُ
أَو هي مَرقَةٌ من بُلالَةِ النُّخَالَةِ، وهي أَنْ تُصَفَّى البُلالَةُ ثم تُطْبَخ. وكَتَب أَبو الهَيْثَم عن أَعْرَابِيّ قال: السَّخِينَةُ: دَقِيقٌ يُلْقَى على مَاءٍ أَو عَلَى لَبَنٍ، فيُطْبَخ ثمّ يُؤْكَلُ بتَمْرٍ أَو بِحَسًا، وهو الحَسَاءُ، قال: وهي السَّخُونَة أَيضًا، وهي النَّفِيتَة، والحُدْرُقَّة، والخَزِيرَةُ، والحَرِيرَةُ أَرَقُّ مِنها. ومن سَجَعات الأَساسِ: وقَرَّبَ لهم قَصْعَةَ الخَزِير، ونَظَرَ إِلَيْهِم نَظَر الخَزِيرِ.
والخَزْرَةُ، بالفَتْحِ، وكهُمَزَة، الأَخِيرَةُ عن ابْنِ السِّكِّيت: وَجَعٌ يأْخُذ في مُسْتَدَقِّ الظَّهْرِ بِفَقْرَةِ القَطَن، والجَمْعُ خَزَرَاتٌ. قال يَصف دَلْوًا.
دَاوِ بها ظَهْرَك من تَوْجَاعِه *** من خُزَرَاتٍ فيه وانْقِطَاعِه
والخَيْزَرَى والخَوْزَرَى والخَيْزَلَى والخَوْزَلَى: مِشْيَةٌ بِتَفَكُّكٍ واضْطِرَاب واستِرْخَاءٍ، كَأَنَّ أَعضاءَه يَنْفَكُّ بَعْضُها مِنْ بَعْض، أَو هي مِشْيَةٌ بِظَلَع أَو تَبَخْتُرٍ. قال عُرْوَةُ بْنُ الوَرْد:
والنَّاشِئاتِ المَاشِيَاتِ الخَوْزَرَى *** كعُتُقِ الآرامِ أَوْفَى أَوْ صَرَى
أَوْفَى أَي أَشْرف، وصَرَى: رَفَع رَأْسَه.
والخَيْزُرَانُ، بضَمِّ الزَّايِ؛ أَي مع فَتْح الخَاءِ، والعامَّةُ تَفْتَح الزَّاي: شَجَرٌ هِنْدِيٌّ، وقال ابنُ سِيدَه: لَا يَنْبُت بِبِلَاد العَرَب، وإِنَّمَا يَنْبُت بِبِلاد الرُّوم. ولِذلِك قال النَّابِغَة الجَعْدِيّ:
أَتَانِي نَصْرُهمْ وهُمُ بَعِيدٌ *** بِلادُهُمُ بِلادُ الخَيْزُرَانِ
وذلك أَنَّه كان بالبَادِيَة وقَوْمُه الَّذِين نَصَرُوه بالأَرْيَافِ والحَوَاضِر. وقيل: أَرَادَ أَنَّهم بَعِيدٌ مِنه كبُعْدِ بِلادِ الرُّوم.
وهو عُرُوقٌ ممتدَّةٌ في الأَرْضِ. وقال ابنُ سِيدَه: نباتٌ لَيِّنُ القُضْبَانِ أَمْلَسُ العِيدَانِ، كالخَيْزُورِ، هكذا جَعَلَه الرَّاجِز في قَوْلِه [يصف حيّةً].
مُنْطَوِيًا كالطَّبَقِ الخَيْزُورِ
ومنه أَخَذَ ابنُ الوَرْدِيّ في قَصِيدَتِه اللَّامِيَّة:
أَنَا كالخَيْزُورِ صَعْبٌ كَسْرُه *** وهْوَ لَدْنٌ كَيْفَمَا شِئْت انفَتَلْ
والخَيْزُرَانُ: القَصَبُ. قال الكُمَيْتُ يَصِف سَحابًا:
كأَنَّ المَطَافِيلَ المَوالِيهَ وَسْطَهُ *** يُجَاوِبُهُنَّ الخَيْزُرَانُ المُثَقَّبُ
وقال أَبو زُبَيدٍ فجَعلَ المِزْمار خَيْزُرَانًا لأَنَّه من اليَراع يَصِفُ الأَسَد:
كأَنَّ اهْتِزَامَ الرَّعْد خَالَطَ جَوْفَه *** إِذَا حَنَّ فيه الخَيْزُرَانُ المُثَجَّرُ
والمُثَجَّر: المُثَقَّب المُفَجَّر. يقول كأَنَّ في جَوْفِه المَزَامِيرَ.
وكُلُّ عُودٍ لَدْنٍ خَيْزُرانٌ. وقال أَبو الهَيْثَم: كُلُّ لَيِّن من كُلّ خَشَبةٍ خَيْزُرَانٌ. وقال المُبَرِّد: كُلُّ غُصْنٍ لَيِّنٍ يَتَثَنَّى خَيْزُرانٌ. وقال غَيْره: كُلُّ غُصْنٍ مُتَثَنٍّ خَيْزُرَانٌ، قال: ومنه شِعْر الفَرْزدَق في الإِمام عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْن زَيْنِ العابِدِين، رَضِيَ الله عَنه:
في كَفِّه خَيْزُرانٌ رِيحُه عَبِقٌ *** من كَفِّ أَرْوَعَ في عِرْنِينِه شَمَمُ
والخَيْزُرَانُ: الرِّمَاحُ لتَثَنِّيها ولِينِها. أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:
جَهِلْتُ من سَعْدٍ ومن شُبَّانِها *** تَخْطِرُ أَيْدِيها بِخَيْزُرَانِها
يَعْنِي رِمَاحَها. وأَراد جَمَاعَةً تَخْطِر، والجَمْعُ الخَيَازِرُ.
وقال المُبَرِّدُ: الخَيْزُرَانُ؛: مُرْدِيُّ السَّفِينَةِ إِذَا كان يَتَثَنَّى، ويقال له الخَيْزَارَة أَيضًا، وعن أَبِي عُبَيْدٍ الخَيْزُران: سُكَّانُها، وهو كَوْثَلُهَا، ويقال له: خَيْزُرَانَةٌ أَيضًا. وقال: قال النابِغَة يَصِفُ الفُرَاتَ وَقْتَ مدِّه.
يَظَلُّ من خَوْفِه المَلَّاحُ مُعْتَصِمًا *** بالخَيْزُرَانَةِ بعد الأَيْنِ والنَّجَدِ
وقال غَيْرُه:
فكَأَنَّها والمَاءُ يَنْطَحُ صَدْرَهَا *** والخَيْزُرَانَةُ في يَدِ المَلَّاحِ
وقال عَمْرو بنُ بَحْرٍ: الخَيْزُرانُ: لِجَامُ السَّفِينَة الَّتي بها يَقُومُ السُّكَّانُ، وهو في الذَّنَب. وفي الحَدِيث: «أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا دَخَل سَفِينةَ نُوحٍ عَلَيْه السَّلامُ قال: اخْرُج يا عَدُوَّ الله من جَوْفِها، فصَعِدَ على خَيْزُرانِ السَّفِينة» أَي سُكَّانِها.
ودَارُ الخَيْزُرانِ: معروف بِمَكَّة. زِيدَتْ شَرَفًا، بَنَتْهَا خَيْزُرَانُ جَارِيَةُ الخَلِيفَةِ العَبَّاسِي.
والخَازِرُ: الرَّجلُ الدَّاهِيَةُ، قاله أَبُو عَمْرٍو.
والخَازِرُ: نَهْرٌ بَيْنَ المَوْصِلِ وإِرْبِلَ. وفي التَّكْمِلَة: مَوْضِع كانت به وَقْعَة بَيْن إِبراهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ وعُبَيْدِ الله بْنِ زِيادٍ، ويَوْمَئذ قُتِل ابْنُ زِياد.
وعن ابن الأَعْرَابِيّ: خَزَرَ، إِذا تَدَاهَى. وخَزِرَ إِذا هَرَبَ، الثّانِيَةُ كفَرِحَ، كما هو مَضْبُوط بخَطِّ الصَّاغانِيّ.
والأَخْزَرِيُّ والخَزَرِيُّ، مُحَرَّكَةً: عَمَائِمُ مِنْ نِكْثِ الخَزِّ.
والنِّكْثُ، بالكَسْر: نَقْضُ أَخْلَاقِ الأَكْسِيَة لتُغْزَل ثانِيًا. وخَزَرٌ، مُحَرَّكةً: لَقَبُ يُوسُفَ بْنِ المُبَارَك الرَّازِيِّ المُقْرِي، عن مهْرَان بن أَبي عُمَر، قاله الأَمِير. والقَاسمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ خَزَرٍ الفارِقِيّ المُقْرِي، عن سَهْل بن صُقَير، قاله الأَمِير. وأَبو بكرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَزَرٍ الصُّوفِيّ الخَزَريّ العالِم بهَمَذَان، رَوَى تَفسير السّدّيّ عاليًا: قُلتُ: وقد حَدّث عن إِبراهِيم بنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ وجَعْفَرٍ الخلديّ، وعنه الخليليّ، وقال: كان قد نَيَّف على المِائَةِ، مُحَدِّثُونَ.
وخُزَارٌ، كغُرَاب: موضع قُرْبَ وَخْشَ، قَرِيب من نَسَفَ. منه أَبو هَارُونَ مُوسَى بن جَعْفر بن نُوحٍ الخُزَارِيّ. وأَبو عُجَيْف هُشَيْم بنُ شاهِد بن بُرَيْدَةَ الخُزَارِيّ، مُحَدِّثانِ.
ودَارَةُ الخَنَازِيرِ ودارَةُ خَنْزَرٍ، عن كُراع، وتكسر هذه.
ودَارَةُ الخِنْزِيرَيْن تثْنِيَة الخِنْزِير، ويقال الخَنْزَرتَيْنِ تَثْنِيَة الخَنْزَرة: مَواضِعُ. قال الجَعْدِيّ:
أَلَمَّ خَيالٌ من أُمَيْمَةَ مَوْهِنًا *** طُرُوقًا وأَصْحَابِي بدَارَةِ خِنْزَرِ
وقال الحُطَيْئَةُ:
إِنّ الرّزِيَّةَ لا أَبَالَك هَالِكٌ *** بَيْنَ الدُّمَاخِ وبَيْن دَارَةِ خَنْزَرِ
وأَنشد سِيبَوَيْه:
أَنْعَتُ عَيرًا من حَمِيرِ خَنْزَرهْ *** في كُلِّ عَيْر مِائَتَانِ كَمَرَهْ
وأَنْشَدَ أَيضًا:
أَنْعَتُ أَعْيَارًا رَعَيْن الخَنْزَرَا *** أَنْعَتُهُنَّ آيُرًا وكَمَرَا
والخَزَنْزَرُ، كسَفَرْجل، هكذا هو في النُّسخ بالنُّون بَيْن الزَّاءَيْن. وفي اللّسَان: خَزَبْزَرٌ بالموحّدة بدَل النُّون وهو غَلَط: السَّيِّءُ الخُلُقِ من الرِّجَال، نَقَلَه الصَّاغانِيّ.
والتَّخْزِيرُ: التَّضْيِيقُ. قال ابن الأَعْرَابِيّ: الشَّيْخُ يُخَزِّر عَيْنَيْه ليَجْمَع الضَّوْءَ حتّى كأَنَّهما خِيطَتَا، والشَّابُّ إِذا خَزَّرَ عَيْنَيْه فإِنّه يَتَدَاهَى بِذلك.
وتَخَازَرَ: نَظَر بمُؤْخِرِ عَيْنِه. والتَّخَازُرُ: اسْتِعْمَال الخَزَرِ، على ما اسْتَعْمَلَه سِيبَوَيْه في بَعْض قَوَانِين تَفَاعَلَ قال:
إِذَا تَخَازَرْتُ ومَا بِي مِنْ خَزَرْ
فقوله: ومَا بِي مِنْ خَزَر، يَدُلُّك عَلَى أَنَّ التَّخَازُرَ هنا إِظْهَار الخَزَر واسْتِعْمَاله. وتَخَازَرَ الرَّجلُ، إِذا ضَيَّقَ جَفْنَه ليُحَدِّدَ النَّظَرَ، كقولِك: تَعَامَى وتَجَاهَلَ.
* ومما يُسْتَدْرَكَ عليه:
الخُزْرَة، بالضَّمّ: انْقِلَابُ الحَدَقَةِ نَحوَ اللَّحَاظِ، وهو أَقْبَحُ الحَوَل.
وعَدُوٌّ أَخْزَرُ العَيْن: يَنْظُر عن مُعَارَضَة كالأَخْزَر العَيْنِ.
وخَيْزَرٌ، كصَيْقَل، اسْمٌ.
وخَزَارَى: اسم مَوْضِع. قال عَمْرو بنُ كُلْثُوم:
ونَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ في خَزَارَى *** رَفَدْنَا فَوْق رَفْدِ الرَّافِدِينَا
وخِزَّار ككَتَّان: نهرٌ عَظِيم بالبَطِيحة بَيْن وَاسِطَ والبَصْرَةِ.
والخُزَيْرَة، مُصَغَّرًا: مَاءَة بَيْن حِمْص والفُرات.
وأَبو البَدْر صاعِدُ بنُ عَبْدِ الرحمن بن مُسْلم الخَيْزُرَانِيّ، قَاضِي مازَنْدَرَان، رَوَى عنه السَّمْعَانِيّ وأَبو المُظَفَّر أَسْعَدُ بنُ هِبَة الله بْنِ إِبْرَاهيم البَغْدَاديّ الخَيْزُرَانِيّ المُؤَدِّب، حَدَّثَ.
والخَيْزُرَانِيَّة: مَقْبرَة ببَغْدادَ.
ودَرْبَنْد خَزران، بالفَتْح: مَوْضع من الثُّغُور عند السَّدّ لِذِي القَرْنَيْن. إِليه نُسبَ عَبْدُ الله بْنُ عِيسَى الخَزَرِيّ، رَوَى عنه الطَّسْتيّ. وكانوا يُضَعِّفُونه. وأَحمد بن مُوسَى البَغْدَادِيّ، عُرِف بابن خَزريّ. وأَبُو القَاسِم عَيَّاش بنُ الحَسَن بنِ عَيَّاش البَغْدادِيّ يُعرف بالخَزَريّ. وأَبو أَحمد عبد الوهّاب بن الحَسَن بن عليّ الحَرْبِيّ، عُرِف بابن الخَزريّ: مُحدِّثون.
الخَيْزُرَانِيَّة: قَرْيَة بمِصْر من الجِيزَة. وأَمَّا قَوْلُ أَبِي زُبَيْد يَصِف الأَسَد:
كأَنَّ اهْتِزَامَ الرَّعْدِ خَالَطَ جَوْفَه *** إِذا حَنَّ فيه الخَيْزُرَانُ المُثَجَّرُ
فإِنَّه جَعَلَ المِزْمَارَ خَيْزُرَانًا لأَنَّه من اليَرَاع. يَقُولُ: كأَنَّ في جَوْفهِ المَزَامِيرَ. والمُثَجَّرُ: المُفَجَّر.
والخَنْزَرَة: الغِلَظُ، عن ابْنِ دُرَيْد. قال: ومنه اشْتِقَاق الخِنْزِير.
والخَنْزَرَة، أَيضًا: فَأْسٌ غَلِيظَةٌ للحِجَارَةِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
51-تاج العروس (حفز)
[حفز]: حَفَزَهُ يَحْفِزه، من حَدّ ضَرَب: دَفَعَهُ مِنْ خَلْفِه وحَفَزَهُ بالرُّمْحِ: طَعَنَهُ، ومنه الحَوْفَزَان، كما سيأْتي.وقال ابن دُرَيْدٍ: حَفَزَه عَنِ الأَمْرِ يَحْفِزُهُ حَفْزًا: أَعْجَلَهُ وأَزْعَجَه وحَثَّه، ومنه حديثُ أَبي بَكرَةَ رضي الله عنه: «أَنّه دَبّ إِلى الصَّفِّ راكِعًا وقد حَفَزَهُ النَّفَسُ»؛ أَي أَعْجَلَه.
وحَفَزَ اللَّيْلُ النَّهَارَ حَفْزًا: حَثَّه عَلَيْه وساقَهُ، قال رُؤبة:
حَفْزَ اللَّيَالِي أَمَدَ التَّزْيِيفِ
وأَصْلُ الحَفْزِ: حَثُّكَ الشَّيْءَ مِن خَلْفِه سَوْقًا وغيرَ سَوْقٍ، قال الأَعْشَى:
لَهَا فَخِذَانِ يَحْفِزَانِ مَحَالَةً *** ودَأْيًا كبُنْيَانِ الصُّوَى مُتَلاحِكَا
وحَفَزَ المَرْأَةَ: جامَعَها، نقله الصّاغانيّ.
والحَوْفَزانُ، فَوْعَلانٌ من الحَفْزِ، وهو لَقَبُ الحَارِثِ بن شَرِيكٍ الشَّيْبَانِيّ أَخي النُّعْمَان ومَطَر رَهْطِ مَعْنِ بن زائدةَ، لُقِّبَ به لأَنَّ قَيْسَ بنَ عاصِمٍ المِنْقَرِيّ التَّمِيمِيّ الصحابيّ رَضِيَ الله تعالَى عَنْهُ حَفَزَهُ بالرُّمْح؛ أَي طَعَنَه به حِينَ خافَ أَنْ يَفُوتَهُ فعَرِجَ من تِلْكَ الحَفْزَةِ فسُمِّيَ بتلك الحَفْزَةِ حَوْفَزَانًا، حكاهُ ابن قُتَيْبَة، كذا في المُحْكَم؛ وفي التَّهْذِيبِ: هو لَقَبٌ لجَرَّارٍ من جَرّارِي العَرَبِ، وكانت العربُ تقولُ للرَّجُل إِذا قادَ أَلْفًا: جَرّارًا. وقال الجَوهريُّ: لُقّب بذلك لِأَنَّ بُسْطامَ بنَ قَيْسٍ طَعَنَهُ فأَعْجَلَه. وأَنشدَ ابنُ سِيدَه لِجَرِيرٍ يَفْتَخِر بذلك:
ونَحْنُ حَفَزْنَا الحَوْفَزَانَ بطَعْنَةٍ *** سَقَتْه نَجِيعًا من دَمِ الجَوْفِ أَشْكَلَا
قال الجَوْهريُّ، وقولُهم: إِنّمَا حَفَزَه بِسْطَامُ بنُ قَيْس غَلَطٌ لأَنّه شَيْبَانِيٌّ فكيف يَفْتَخِر جَرِيرٌ به. قال ابنُ بَرِّيّ: ليس البَيْتُ لجَرِيرٍ وإِنّمَا هو لسَوّار بنِ حِبّانَ الْمِنْقَرِيّ، قالَهُ يَوْمَ جَدُودَ. زاد الصاغانيّ: وفي النّقَائض أَنّه لِقَيْسِ بنِ عاصِمٍ، والصَّوَابُ أَنَّه لِسَوّار، وبَعْدَه:
وحُمْرَانَ قَسْرًا أَنْزَلَتْه رِماحُنَا *** فعَالَجَ غُلًّا في ذِرَاعَيْه مُثْقَلَا
وقال ابنُ بَرِّيّ: وقال الأَهْتَمُ بنُ سُمَيٍّ الْمِنْقَرِيّ أَيضًا:
ونَحْنُ حَفَزْنَا الحَوْفَزانَ بطَعْنَةٍ *** سَقَتْه نَجِيعًا من دَمِ الجَوفِ آنِيَا
والحَفَزُ بالتَّحْرِيك: الأَمَدُ والأَجَلُ، في لُغَة بني سَعْد، قال ابنُ الأَعْرابيّ: يُقَال: جَعَلْتُ بَيْنِي وبَيْنَ فُلانٍ حَفَزًا؛ أَي أَمَدًا، قال:
واللهِ أَفْعَلُ ما أَرَدْتُمْ طائعًا *** أَوْ تَضْرِبُوا حَفَزًا لِعَامٍ قابِلِ
واحْتَفَزَ: اسْتَوْفَز، ومنه حَدِيثُ أَنَسٍ: «أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بتَمْرٍ فجَعَلَ يَقْسِمُه وهو مُحْتَفِزٌ»؛ أَي مُسْتَعْجِل مُسْتَوْفِزٌ، يريد القِيَامَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ من الأَرْض. يقال: رَأَيْتُهُ مُحْتَفِزًا؛ أَي مُسْتَوْفِزًا، كتَحَفَّزَ، ومنه حَدِيثُ الأَحْنَف: «كان يُوَسِّعُ لِمَنْ أَتاهُ، فإِذا لم يَجِدْ مُتَّسَعًا تَحَفَّزَ له تَحَفُّزًا».
واحْتَفَزَ في مِشْيَتِه: احْتَثَّ واجْتَهَدَ، عن ابن الأَعرابيّ، وأَنشد:
مُجَنّبٌ مِثْلُ تَيْسِ الرَّبْلِ مُحْتَفِزٌ *** بالقُصْرَيَيْنِ على أَوَلاهُ مَصْبُوبُ
مُحْتَفِزٌ؛ أَي مُجْتَهِدٌ في مَدِّ يَدَيْه.
واحْتَفَزَ: تَضَامَّ في سُجُودِه وجُلُوسِه، ومنه حديث عليّ رَضِي الله عنه: «إِذا صَلَّى الرَّجُلُ فَلْيُخَوِّ، وإِذا صَلَّتِ المَرْأَةُ فَلْتَحْتَفِزْ»؛ أَي تَتَضامَّ إِذا جَلَسَتْ وتَجْتَمِع إِذا سَجَدَت ولا تُخَوِّي كما يُخَوِّي الرجُلَ» وقال مُجَاهِدٌ: ذُكِر القَدَرُ عند ابْنِ عَبّاسِ رَضِيَ الله عنهما فاحْتَفَزَ وقال: لَوْ رَأَيْتُ أَحَدَهُم لَعَضَضْتُ بأَنْفِه»؛ أَي اسْتَوَى جالسًا على وَرِكَيْه، هكذا فَسَّره النَّضْر، وقال ابنُ الأَثِير: قَلِقَ وشَخَصَ ضَجَرًا؛ وقيل: اسْتَوَى جالسًا على رُكْبَتَيْه كأَنّه يَنْهَضُ. وقال غيرُه: الرجُلُ يَحْتَفِزُ في جُلُوسِه يُرِيدُ القِيَامَ والبَطْشَ بشَيْءٍ.
وحَافَزَهُ مُحافَزَةً: جاثاهُ، قال الشَّمّاخُ:
ولَمَّا رَأَى الإِظْلامَ بادَرَهُ بِهَا *** كَمَا بَادَرَ الخَصْمَ اللَّجُوجَ المُحَافِزُ
وقال الأَصمعيّ، معنَى حافَزَهُ: دَانَاهُ والحَوْفَزَى: لُعْبَةٌ، وهي أَنْ تُلْقِيَ الصَّبِيَّ على أَطْرَافِ رِجْلَيْكَ فتَرْفَعَهُ، وقد حَوْفَزَ، نقله الصّاغانيّ.
والحافِزُ: حَيْثُ يَنْثَنِي من الشِّدْق، نقله الصّاغانيّ.
* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:
رجُلٌ مُحْفَزٌ: حافِزٌ، وأَنشد ابنُ الأَعْرابيّ:
ومُحْفِزَة الحِزَامِ بمرْفَقَيْهَا *** كشَاةِ الرَّبْلِ أَفْلَتَتِ الكِلَابَا
مُفْعِلَةٌ من الحَفْزِ وهو الدَّفْع.
وقَوْسٌ حَفُوزٌ: شَديدةُ الحَفْزِ والدَّفْعِ للسَّهْم، عن أَبي حَنِيفَة، وقَوْلُ الراجِز:
تُرِيحُ بعْدَ النَّفَسِ المَحْفُوزِ
يُرِيدُ النَّفَس الشَّدِيد المُتَتَابع كأَنَّه يُحْفَزُ أَي يُدْفَعُ من سِيَاق. وقال العُكْلِيُّ: رأَيتُ فُلانًا مَحْفُوزَ النَّفَسِ، إِذا اشْتَدَّ بِه. وفي حَدِيث أَنَسٍ: «من أَشْراطِ السَّاعةِ حَفْزُ المَوْتِ.
قيل: وما حَفْزُ المَوْت؟ قال: مَوْتُ الفَجْأَةِ.
وقال بعضُ الكِلابِيِّين: الحَفْزُ: تَقَارُبُ النَّفَس في الصَّدْرِ.
والحَوْفزانُ. نَبتٌ، نقله الصاغانيّ.
وقال شُجَاعٌ الأَعرابيّ: حَفَزُوا عَلَيْنَا الخَيْلَ والرِّكابَ، إِذا صَبُّوها.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
52-تاج العروس (خبص)
[خبص]: خَبَصَه يَخْبِصُه، مِن حَدِّ ضَرَبَ: خَلَطَهُ، فهو خَبيصٌ ومَخْبُوصٌ، ومِنْه الخَبيصُ: المَعْمُولُ مِنَ التَّمْرِ والسَّمْنِ، حَلْواءُ مَعْرُوفٌ يُخْبَصُ بَعْضُه في بَعْضِ، والخَبِيصَةُ أَخَصُّ مِنْهُ، كَمَا حَقَّقَه شُرّاحُ المَقَامَاتِ عِنْدَ قَوْله: لَبِسْتُ الخَمِيصَةَ، أَبْغِي الخَبِيصَةَ. أَخْصَرُ مِنْ هذا عِبَارَةُ الأَسَاس: المَعْمُولُ بتَمْرٍ وسَمْنٍ.وخَبِيصُ: قرية بكِرْمَانَ، ومِنْهَا الخَبِيصِيُّ النَّحْوِيُّ شَارِحُ القَطْرِ، وغَيْرُه.
والمِخْبَصَةُ، بالكَسْرِ: مِلْعَقَةٌ يُقْلَبُ الخَبِيصُ بِهَا في الطِّنْجِيرِ، وقِيلَ: هيَ الَّتِي يُقلب فِيهَا الخَبِيصُ، والوَجْهَان ذَكَرَهُمَا صاحِبُ اللِّسَانِ.
وقَدْ خَبَصَ يَخْبِصُ، إِذَا قَلَّبَ وخَلَطَ وعَمِلَ.
وكَذلِكَ خَبَّصَ تَخْبِيصًا، فهُوَ مُخَبِّصٌ.
وتَخَبَّصَ فُلانٌ واخْتَبَصَ، إِذا اتَّخَذَ لِنَفْسِه خَبِيصًا.
* وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه:
خَبَصَ خَبْصًا: مَاتَ، كَمَا في اللِّسَان، وقَدْ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ، وصَوَابُه: جَنَّصَ، بالجِيم والنُّونِ، كما تَقَدَّم.
واسْتَخْبَصَ ضَيْفُهُم: طَلَبَ الخَبِيصَةَ، كَمَا في الأَسَاسِ. والتَّخْبِيصُ: الرُّعْبُ في قَوْل عُبَيْد المُرِّيّ:
وكَادَ يَقْضِي فَرَقًا وخَبَّصَا
هكَذَا في أَصْلِ ابنِ بَرّيّ «وخَبَّصا» بالتَّشْدِيدِ، قَالَ صاحِبُ اللِّسَانِ: ورَأَيْتُ بِخَطِّ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدّينِ عَبْدِ الخَالِقِ بنِ زَيْدَانَ: وخَبَصَا، بالتَّخْفِيف، وبَعْدَهُ: والخَبَصُ: الرُّعْبُ، قَالَ: وهذا الحَرْفُ لَمْ يَذْكُرْه الجَوْهَرِيُّ.
قُلْتُ: وهُوَ تَصْحِيفٌ، والصَّوَاب «وجَنَّصَا»، بالجِيم والنُّون، كَمَا ضَبَطَه الصّاغَانِيُّ وغيرُه.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
53-تاج العروس (قبص)
[قبص]: قَبَصَه يَقْبِصُهُ قَبْصًا: تَنَاوَلَه بأَطْرَافِ أَصابِعهِ، كما في الصّحاحِ، وهُو دُونَ القَبْضِ، كقَبَّصَهُ تَقْبِيصًا.وهذا عن ابْنِ عَبَّادٍ. وذلِكَ المُتَنَاوَلُ بأَطْرَافِ الأَصَابِع: القَبْصَةُ، بالفَتْحِ والضَّمِّ. وعَلَى الأَوّل قِرَاءَةُ ابْنِ الزُّبَيْر وأَبِي العَالِيَةِ وأَبِي رَجَاءٍ وقَتَادَةَ، ونَصْرِ بن عَاصم [قوله تَعَالَى]: فَقَبَصْتُ قَبْصَةً من أَثَر الرَّسُولِ بفَتْح القَاف. وعلى الثَّاني قرَاءَة الحَسَنِ البَصْرِيّ، مِثَالُ غُرْفَة. وقِيلَ: هو اسْمُ الفِعْل، وقِرَاءَةُ العَامَّة بالضَّاد المُعْجَمَة.
وقال الفَرّاءُ: القَبْضَةُ بالكَفِّ كُلِّهَا، والقَبْصَةُ بأَطْرَافِ الأَصَابع. والقُبْصَةُ والقَبْصَةُ: اسمُ ما تَناوَلْتَهُ بعَيْنِه.
وقَبَصَ فُلانًا، وكَذَا الدَّابَّةَ، يَقْبِصُهُ قَبْصًا: قَطَعَ عَلَيْه شُرْبَهُ قَبْلَ، أَنْ يَرْوَى.
وقال أَبو عُبَيْدٍ: قَبَصَ الفَحْلُ: نَزَا، وأَنْشَدَ لِذي الرُمَّةِ يَصِفُ رِكَابًا:
ويَقْبِصُ من عَادٍ وسادٍ ووَاخِدٍ *** كما انْصَاعَ بالسِّيِّ النَّعامُ النَّوافِرُ
وقَبَصَ التِّكَّةَ يَقْبِصُهَا قَبْصًا: أَدْخَلَها في السَّراوِيلِ فجَذَبَها، عن ابنِ عَبَّادٍ.
والقَبْصَةُ، بالفَتْح: الجَرَادَةُ الكَبِيرَةُ، عن كُرَاع.
والقَبْصَةُ من الطَّعَام: ما حَمَلَت كَفَّاك، ويُضَمُّ، والجَمْعُ قُبَصٌ، مِثْلُ غُرْفَةٍ وغُرَفٍ، ومنه الحَدِيثُ: «أَنَّه دَعَا بِلالًا، رَضِيَ الله تَعَالَى عنه، بتَمْرٍ فجَعَلَ يَجِيءُ به قُبَصًا قُبَصًا، فقال: يا بِلَالُ أَنْفقْ ولا تَخْشَ من ذي العَرْش إِقْلالًا». وقال مُجَاهدٌ في قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} يعني القُبَصَ الَّتِي تُعْطَى عِنْدَ الحَصَاد للْفُقَرَاءِ.
قال ابنُ الأَثيرِ: هكَذا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ حَدِيثَ بِلَال ومُجَاهِدٍ في الصَّاد المُهْمَلَة، وذَكَرَهُمَا غَيْرُه في الضَّادِ المُعْجَمَة. قال: وكلاهُمَا جَائزَان، وإِن اخْتَلَفَا.
والقَبِيصَةُ: التُّرَابُ المَجْمُوع، وزادَ ابنُ عَبّادٍ: والحَصَى، وقال غَيْرُه: وكَذلِك القَبِيص.
والقَبِيصَةُ: قرية، شَرْقيَّ المَوْصِل من أَعْمَالِه. وأَيضًا: قرية، قربَ سُرَّ مَنْ رَأَى، هكذا مُقْتَضَى سِياقِه. والصَّوابُ فيهما القَبِيصِيَّة، بزِيَادَة الياءِ المُشَدَّدَة، كما هو في العُبَابِ والتَّكْمِلَة مُجَوَّدًا مَضْبُوطًا.
وقَبِيصَةُ بْنُ الأَسْوَد بنِ عَامِرِ بنٍ جُوَيْن الجَرْميّ ثمّ الطَّائِيّ، له وِفادَة، قالَه ابنُ الكَلْبيّ. وقَبِيصَةُ بنُ البَرَاءِ، رَوَى عنه مُجاهدٌ، ولا تَصحُّ له صُحْبَةٌ، وقد أَرْسَلَ.
وقَبِيصَةُ بنُ جَابِر، أَدْرَكَ الجاهِلِيَّةَ. وقَبِيصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ الخُزَاعِيُّ الكَعْبِيّ، أَبُو سَعِيدِ وأَبُو إِسْحَاقَ، وُلِدَ في حَياةِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كذا في مُعْجَم ابْنِ فَهْد. قُلْتُ: ويُقَالُ عَامَ الفَتْح، وتُوفِّيّ سنة 86. رَوَى عن أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وأَبِي الدَّرْدَاءِ، وعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت، وبِلالٍ رَضي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعين. وقَبِيصَةُ بنُ شُبْرُمَةَ، أَو هو ابنُ بُرْمَةَ بنِ مُعَاوِيَةَ الأَسَدِيّ. قال أَبو حَاتِمٍ: حَدِيثُه مُرْسَلٌ. قُلْتُ: لأَنَّه يَرْوِي عن ابْنِ مَسْعُودٍ، والمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وهُوَ وَالِد يَزِيدَ بْنِ قَبِيصَة [وقبيصة] * بنُ الدَّمُونِ أَخُو هُمَيْلٍ، ذَكَرَهُمَا ابنُ مَاكُولَا، أَنْزَلَهُمَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في ثَقيف، وقَبِيصَةُ بنُ المُخَارِقِ بنِ عَبْدِ الله بن شَدَّادٍ العَامِريُّ الهِلَالِيُّ، أَبو بِشْرٍ له وِفَادَةٌ، رَوَى له مُسْلم. قُلْتُ: وقد نَزَلَ البَصْرَةَ، ورَوَى عنه ابنُه قَطَنْ بنُ قَبِيصَةَ. وقَبِيصَةُ بن وَقَّاصٍ السُّلَميّ، نَزَلَ البَصْرَةَ، رَوَى عَنْه صَالح بنُ عُبَيْد، شيخُ أَبي هَاشِم الزَّعْفَرَانِيّ لا يُعْرَفُ إِلا بهذا الحَدِيث، ولم يَقُل فيه سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فلِذَا تَكَلَّمُوا في صُحْبَته لجَوَازِ الإِرْسَال. قُلْتُ: ولم يُخَرِّج حَدِيثَه غَيْرُ أَبِي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ: صَحابِيَّون.
وفَاتَهُ: قَبِيصَةُ البَجَلِيُّ، رَوَى عنه أَبُو قِلابَةَ في الكُسُوفِ، وقَبِيصَةُ المَخْزُومِيّ، يُقَال هو الَّذِي صَنَعَ مِنْبَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَره بَعضُ المَغَارِبَة. وقَبِيصَةُ، وَالِدُ وَهْب، رَوَى عنه ابنُه: «العِيَافَة والطَّرْق والجِبْتُ من عَمَلِ الجَاهِلِيَّة». وقَبِيصَةُ، رَجُلٌ آخَرُ، رَوَى عنه ابنُ عَبّاسٍ، ذَكَرَهم الذَّهَبِيُّ وابنُ فَهْدٍ في مُعْجَمِ الصَّحابَةِ.
وقَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ السُّوَائيُّ الكُوفِيّ، خرَّج له البُخَارِيّ ومُسْلِم، تُوُفِّيَ بالكُوفَة سنة 215 وإِياسُ بنُ قَبِيصَةَ الطَّائيّ، الَّذي ذَكَرَه الجَوْهَرِيّ، فَهُوَ ابْنُ قَبِيصَةَ بن الأسْوَدِ الَّذِي أَوْرَدَهُ المُصَنِّف، رَحمَه الله تَعَالَى، في أَوّلِ هذِه الأَسْمَاءِ.
وقال ابنُ عَبّاد: القَبُوصُ، كصَبُورٍ، كما في العُبَابِ، وَوَقَع في التَّكْمِلَةِ: القَبِيصُ، كأَمِيرٍ: الفَرَسُ الوَثِيقُ الخَلْقِ. وقيل: هو الَّذِي إِذا رَكَضَ لم يُصِبِ الأَرْضَ إِلاّ أَطْرَافُ سَنَابِكِهِ من قُدُمٍ. قال الشاعر:
سَلِيمُ الرَّجْعِ طَهْطَاهٌ قَبُوصُ
وهو مَأْخُوذ من قَوْلِهِم: قد قَبَصَ الفَرَسُ، يَقْبِصُ، من حَدِّ ضَرَب: إِذا خَفَّ ونَشِطَ، وهو مَجازٌ، ولو قَالَ بَدَلَ خَفَّ ونَشِطَ: عَدَا ونَزَا، كانَ أَحْسَنَ، فإِنّ الخِفَّةَ والنَّشَاطَ من مَعانِي القَبَصِ، مُحَرَّكَة، وهو من باب فَرِح، كما حَقَّقه الجَوْهَرِيّ. وَسَيَأْتِي الكَلامُ عَلَيْه. وأَمّا الَّذِي من حَدّ ضَرَبَ فهو القَبْصُ بمَعْنَى العَدْوِ والنَّزْوِ، أَو بمَعْنَى الإِسْرَاع، كما سَيَأْتي أَيضًا.
والقِبْصُ، بالكَسْرِ: العَدَدُ الكَثِيرُ عن أَبي عُبَيْدَةَ، وزادَ الجَوْهَرِيُّ: من النَّاسِ، ومنه الحَدِيثُ: «أَن عُمَرَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وعِنْدَهُ قِبْصٌ من النّاسِ»؛ أَي عَدَدٌ كَثِيرٌ. وقال الكُمَيْتُ:
لَكُمْ مَسْجِدَا الله المَزُورانِ والحَصَى *** لَكُمْ قِبْصُه من بَيْنِ أَثْرَى وأَقْتَرَا
وهو فِعْلٌ بمْعنَى مَفْعُول من القَبْصِ. وفي العُبَاب والفَائِقِ: إِطْلاقُه على العَدَد الكَثِيرِ من جِنْس ما صَغَّروه من المُسْتَعْظَم.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ: القِبْصُ: الأَصْلُ يُقَال: هو كَرِيمُ القِبْصِ. قُلْتُ: وسَيَأْتِي في النُّون أَيضًا القِنْصُ: الأَصْلُ، ومَرّ في السِّين المُهْمَلَة أَيضًا.
وقال ابنُ عَبَّادٍ: القِبْصُ: مَجْمَعُ الرَّمْلِ الكَثيرِ، ويُفْتَحُ.
يُقَال: هو في قِبْصِ الحَصَى وقَبْصِها؛ أَي فيما لا يُسْتَطاع عَدَدُه من كَثْرَته، هكذا نَقَلَه الصّاغَانِيُّ في العُبَاب. والَّذي في كتَاب العَين: القِبْصُ: مُجْتَمَعُ النَّمْلِ الكَبير الكَثيرِ.
يُقَالُ: إِنَّهُمِ لَفي قِبْصِ الحَصَى، أَيْ في كَثْرَتِهَا. وقولُه: ويُفْتَحُ؛ أَي في هذه اللُّغَةِ الأَخيرَة، هكذا سِيَاقُ عِبَارَته. والصَّوابُ أَنّه يُفْتَحُ فيه وفي مَعْنَى العَدَدِ الكَثير من النَّاسِ أَيْضًا، كما صَرَّح به ابنُ سِيدَه، فتَأَمَّلْ.
والمِقْبَصُ، كمنْبَرٍ، وضُبطَ في نُسْخَةِ الصّحاحِ أَيضًا كمَجْلِسٍ: الحَبْلُ يُمَدُّ بَيْنَ يَدَيِ الخَيْلِ في الحَلْبَةِ، عِنْدَ المُسَابَقَةِ، وهو الْمِقْوَسُ، أَيضًا. ومنه قَوْلُهُم: أَخَذْتُهُ على المِقْبَص. وقال الشّاعِر:
أَخَذْتُ فُلانًا على المِقْبَصِ
قال الصّاغَانِيُّ: أَي على قَالَبِ الاسْتِواءِ، وقيلَ: بَلْ إِذا أَخَذْتَهُ في بَدْءِ الأَمْر.
والقَبَصُ، مُحَرَّكَةً: وَجَعٌ يُصيبُ الكَبِدَ من أَكْلِ التَّمْرِ عَلَى الرِّيقِ، ثمّ يُشْرَبُ علَيْه المَاءُ. قال الراجزُ:
أَرُفْقَةٌ تَشْكُو الجُحَافَ والقَبَصْ *** جُلُودُهُمْ أَلْيَنُ من مَسِّ القُمُصْ
والقَبَصُ، أَيضًا: ضِخَمُ الهَامَةِ وارْتِفاعُها، قَبِصَ، كفَرِحَ، فهو أَقْبَصُ الرَّأْسِ: ضَخْمٌ مُدَوَّرٌ، وهَامَةٌ قَبْصَاءُ:
ضَخْمَةٌ مُرْتَفِعَةٌ: قال الرّاجِزُ:
بهَامَةٍ قَبْصَاءَ كالمِهْرَاسِ
كما في الصّحاح. وفي العُبَابِ. قال أَبُو النَّجْم:
يُدِيرُ عَيْنَيْ مُصْعَبٍ مُسْتَفْيِلِ *** تَحْتَ حِجَاجَيْ هامَةٍ لم تُعْجَلِ
قَبْصاءَ لم تُفْطَحْ ولم تُكَتَّلِ *** مَلْمُومَةٍ لَمًّا كَظَهْرِ الجُنْبُلِ
مُسْتَفِيلٌ: مثْلُ الفِيلِ لِعِظَمه. والجُنْبُلُ: العُسُّ العَظيم.
والقَبَصُ، أَيضًا: الخِفَّةُ والنَّشَاطُ، عن أَبي عَمْرٍو، وقد قُبِصَ، كعُنِيَ، وفي الصّحاح: كفَرِحَ، فَهُوَ قَبصٌ، ومِثْلُه في العُباب.
والأَقْبَصُ: الَّذي يَمْشِي فيَحْثِي التُّرَابَ بصَدْرِ قَدَمِه فيَقَعُ عَلَى مَوْضِعِ العَقِبِ، عن ابن عَبَّاد.
قال: وقَبِصَتْ رَحِمُ النّاقَةِ، كفَرِحَ: انْضَمَّتْ.
وقَبِصَ الجَرَادُ على الشَّجَرِ: تَقَبَّصَ.
وحَبْلٌ قَبِصٌ، ككَتِفٍ، ومُتَقَبِّصٌ؛ أَي غَيْرُ مُمْتَدٍّ، عن أَبِي عَمْرٍو. قال الرجيلُ بنُ القربِ السمينيّ:
أَرُدُّ السائِلَ الشَّهْوَانَ عَنْهَا *** خَفِيفًا وَطْبُه قَبِصَ الحِبَالِ
وقِيلَ حَبْلٌ مُتَقَبِّصٌ. إِذا كان مَطْوِيًّا.
والقِبِصَّى، كزِمِكَّى: العَدْوُ الشَّدِيدُ، وقِيلَ: عَدْوٌ كَأَنَّهُ يَنْزُو فِيه، وقد قَبَصَ يَقْبَصُ، قال الأَزْهَرِيّ في ترجمة «ق ب ض»:
وتَعْدُو القِبِضَّى قَبْلَ عَيْرٍ وما جَرَى *** ولم تَدْرِ ما بالِي ولَمْ أَدْرِ ما لَهَا
قال: والقِبِضَّى والقِمِصَّى: ضَرْبٌ مِنَ العَدْوِ فِيه نَزْوٌ.
وقال غَيْرُهُ: قَبَصَ بالصَّادِ المُهْمَلَة يَقْبِصُ: إِذا نَزَا. فَهُمَا لُغَتَان. قال: وأَحْسَبُ بَيْتَ الشَّمّاخ يُرْوَى: وتَعْدُو القِبِصَّى بالصاد المُهْمَلَة. وقال ابنُ بَرّيّ: أَبُو عَمْرٍو يَرْويه القِبِضَّى بالضَّاد المُعْجَمَة، مَأْخُوذٌ من القَبَاضَةِ وهي السُّرْعَة. ووَجْه الأَوَّلِ أَنَّه مَأْخُوذ من القَبَصِ، وهو النَّشَاط. ورَوَاهُ المُهَلَّبيُّ: القِمِصَّى، بالميم، وجَعَلَه من القِمَاص.
وانْقَبَصَ غُرْمولُ الفَرَسِ: انْقَبَضَ وبَيْنَهُمَا جِناس. وقال الصّاغانِيّ: والتَّركيبُ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ وسُرْعَةٍ، وعَلَى تَجَمُّعٍ، وقد شَذَّ عن هذَا التَّرْكيبِ: القَبَصُ: وجَعُ الكَبِد.
* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:
القَبِيصَةُ: ما تَناوَلْتَهُ بأَطْرَافِ أَصابعِكَ، كما في الصّحاح، وتَرَكَه المُصَنِّف قُصُورًا.
والقَبِيصُ: التُّرَابُ المَجْمُوعُ، كالقَبِيصَة.
وقِبْصُ النَّمْلِ وقَبْصُه: مُجْتَمَعُهُ.
والقَوَابِصُ: الطَّوَائفُ، والجَمَاعَة، وَاحدُهَا قابصَةٌ.
والقَبْصُ: العَدْوُ الشَّديدُ، كالقِبِصَّى.
وهم يَقْبِصُون قَبْصًا، أَيْ يَجْتَمِعُ بَعْضُهُم إِلى بَعْضٍ، من شِدَّةٍ أَو كَرْبٍ.
والأَقْبَصُ: العَظيمُ الرَّأْس.
وقَبَصَ الغُلامُ: شَبَّ وارْتَفَعَ.
ومن المَجَاز: اقْتَبَصَ منْ آثارِه قُبْصَةً.
والقُبَيْصَةُ، كجُهَيْنةَ: مَوْضِعٌ.
وعُبَيْد بنُ نِمْرَانَ القَبَصيُّ «مُحَرَّكَةً» رُعَيْنِيٌّ، شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وابْنُه زِيَادٌ، رَوَى عَنْه حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، رَحِمَهُم الله تَعَالَى.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
54-تاج العروس (ربض)
[ربض]: الرَّبَضُ، مُحَرَّكَةً: الأَمْعَاءُ، كما في الصّحاح.أَو هو كُلُّ ما فِي البَطْن من المَصَارِين وغَيْرِهَا، سِوَى القَلْبِ والرِّئَة. ويُقَال: رَمَى الجَزَّارُ بالحَشْوِ والرَّبَضِ. ويُقَال: اشْتَرَيْتُ منه رَبَضَ شَاتِهِ وهو مَجَازٌ. وقال اللَّيْثُ: الرَّبَضُ: ما تَحَوَّى من مَصَارِينِ البَطْنِ، ومِثْلُه قولُ أَبي عُبَيْد.
وقال أَبو حاتِم: الَّذِي يَكُونُ في بُطُونِ البَهَائِم مُتَثَنِّيًا: المَرْبِضُ، والذي أَكبَرُ منها: الأَمْغَالُ. وَاحِدُهَا مُغْل.
والذي مثل الأَثْنَاءِ. حَفِثٌ وفَحِثٌ. والجَمْعُ أَحْفَاثٌ وأَفْحَاثٌ.
ومن المَجَاز: الرَّبَضُ: سُورُ المَدِينَة وما حَوْلَهَا. ومنه الحَدِيث «أَنا زعيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِي وأَسْلَم وهَاجَر بِبَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّة» وقيل: الرَّبَض: الفَضَاءُ حَوْلَ المَدِينَة.
ويقَال: نَزَلُوا في رَبَضِ المَدِينَةِ والقَصْرِ أَي ما حَوْلَهَا من المَسَاكن.
والرَّبَضُ: مَأْوَى الغَنَمِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، وأَنشد للعَجّاجِ يَصِفُ الثَّوْرَ الوَحْشِيّ:
واعْتَادَ أَرْبَاضًا لَهَا آرِيُّ *** مِنْ مَعْدِنِ الصَّيرانِ عُدْمُلِيُّ
العُدْمُلِيُّ: القَدِيمُ. وأَراد بِالْأَرْبَاضِ جَمْعَ رَبَضٍ. شَبَّهَ كِنَاسَ الثَّوْرِ بمَأْوَى الغَنَمِ.
وفي الحَدِيث: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالشَّاةِ بَيْنَ الرَّبَضَيْنِ، إِذَا أَتَتْ هذِه نَطَحَتْهَا، وإِذَا أَتَتْ هذه نَطَحَتْهَا» كما فِي العُبَابِ.
قُلتُ: ويُرْوَى: بينَ الرِّبَيضَيْن. والرَّبِيضُ: الغَنَمُ نَفْسُها، كَمَا يَأْتِي. فالمَعْنَى عَلَى هذا أَنَّه مُذَبْذَبٌ كالشَّاةِ الوَاحِدَةِ بَيْن قَطِيعَيْنِ مِنَ الغَنَمِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَأْوَى الغَنَمِ رَبَضًا لِأَنَّهَا تَرْبِضُ فيه. وكَذلِكَ رَبَضُ الوَحْشِ: مَأْوَاه وكِنَاسُهُ.
ومن المَجَاز: الرَّبَضُ: حَبْلُ الرَّحْلِ الَّذِي يُشَدُّ به، أَو ما يَلِي الأَرْضَ مِنْه؛ أَي من حَبْلِ الرَّحْلِ، لا ما فَوْقَ الرَّحْلِ.
وقال اللَّيْثُ: الرَّبَضُ: ما وَلِيَ الأَرْضَ مِنَ البَعِير إِذا بَرَكَ، والجَمْع الْأَرْبَاض. وأَنْشَدَ:
أَسْلَمَتْهَا مَعَاقِدُ الأَرْبَاضِ
أَي مَعَاقِدُ الجِبَالِ على أَرْبَاضِ البُطُونِ. وقال الطِّرِمَّاح:
وأَوَتْ بِلَّةُ الكَظُومِ إِلَى الفَظِّ *** وجَالَتْ مَعَاقِدُ الْأَرْبَاضِ
وإِنَّمَا تَجُولُ الْأَرْبَاضُ من الضُّمْرِ، هكذَا قَالَهُ اللَّيْث: وغَلَّطَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وقال: إِنَّمَا الْأَرْبَاضُ الْحِبَالُ. وبه فَسَّرَ أَبو عُبَيْدَة قَوْلَ ذِي الرُّمَّة:
إِذَا مَطَوْنَا نُسُوعَ الرَّحْلِ مُصعِدَةً *** يَسْلُكْنَ أَخْرَاتَ أَرْبَاضِ المَدَارِيجِ
قال: والأَخْرَاتُ: حَلَقُ الحِبَالِ. قُلتُ: وفَسَّرَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْأَرْبَاضِ في البَيْت ببُطُونِ الْإِبِلِ، كما ذَهَبَ إِليه اللَّيْثُ.
ومن المَجَازِ: الرَّبَضُ: قُوتُك الَّذِي يُقِيمُك ويَكْفِيكَ من اللَّبَن، نقله الجَوْهَريُّ. قال: ومِنه المَثَلُ: «مِنْكَ رَبَضُكَ وإِنْ كانَ سَمَارًا» أَي مِنْكَ أَهْلُك وخَدَمُكَ ومَنْ تَأْوِي إِليه وإِنْ كانُوا مُقَصِّرِينَ. قال: وهذا كقَوْلِهِم: «أَنْفُكَ مِنْك ولَوْ كانَ أجْذَعَ». وزادَ في العُبَاب: وكَذَا «مِنْك عِيصُكَ وإِنْ كان أَشِبًا». وفي اللِّسَان: السَّمَارُ: اللَّبَنُ الكَثِيرُ المَاءِ.
والمَعْنَى: قَيِّمُكَ منك لأَنّه مُهْتَمٌّ بك، وإِنْ لَمْ يَكُن حَسَنَ القيَامِ عَلَيْكَ. ثمّ إِنّ قَوْلَه في المَثَل: رَبَضُكَ، مُحَرَّكَةً كما يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ المُصَنِّف وهكَذَا وُجِدَ بخَطِّ الجَوْهَرِيّ.
ورأَيتُ في هَامِش الصّحاح ما نَصَّه: وَجَدْت في كتابِ المِعْزَى لأَبِي زَيْد نُسْخَةً مَقْروءة على أَبِي سَعِيدٍ السِّيرَافِيّ ويقال: «مِنْكَ رُبُضُكَ وإِن كان سَمَارًا» هكذَا بضَمَّتَيْنِ صُورَةً لا مُقَيَّدًا، يقول: مِنْكَ فَصِيلَتُكَ، وهم بَنُو أَبِيه، وإِنْ كانُوا قومَ سُوءٍ لَا خَيْرَ فِيهِم. قال: ووَجَدْتُ في التَّهْذِيب للأَزْهَرِيِّ بخَطّه ما نَصُّه: ثَعْلَب عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ: «منك رُبْضُك» هكذا بضمّ الراءِ غير مُقَيَّدٍ بوَزْنٍ، قال: والرُّبْض: قَيِّمُ بَيْته. وهكَذَا وَجَدتُ أَيضًا في كتاب الأَمْثَال للأَصْمَعِيّ.
والرَّبَضُ: النَّاحِيَةُ من الشَّيْءِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الكِسائيّ.
وقال أَبو زَيْدٍ: الرَّبَضُ: سَفِيفٌ كالنَّطَاقِ يُجْعَل في حِقْوَيِ النَّاقَةِ حَتَّى يُجَاوِزَ الوَرِكَيْنِ من الناحِيَتَيْن جَمِيعًا وفي طَرَفَيْه حَلْقَتَانِ يُعْقَدُ فيهِمَا الأَنْسَاعُ ويُشَدُّ به الرَّحْلُ.
ومن المَجَازِ: الرَّبَضُ: كُلُّ مَا يُؤْوَى إِلَيْه ويُسْتَرَاحُ لَدَيْه، مِنْ أَهْلٍ، وقَرِيب، ومالٍ، وبَيْتٍ، ونَحْوِه، كالغَنَمِ، والمَعِيشةِ، والقُوتِ، ومنه قَولُ الشَّاعِر:
جَاءَ الشِّتَاءُ ولَمّا أَتَّخِذْ رَبَضًا *** يَا وَيْحَ كَفَّيَّ من حَفْرِ القَرامِيصِ
قال الجَوْهَرِيُّ: ومنه أُخِذَ الرَّبَضُ لِمَا يَكْفِي الإِنْسَانَ مِنَ اللَّبَنِ، كما تَقَدَّمَ.
وقوله: «من أَهْلٍ» يَشْمَلُ المَرأَةَ وغَيْرَهَا، فقد قَالُوا أَيْضًا: الرَّبَضُ: كُلُّ امرأَةٍ قَيِّمَةِ بَيْتٍ، وقد رَبَضَتْه تَرْبِضُه، من حَدِّ ضَرَبَ: قامَت في أمُورِه وأَوَتْه، ونُقِلَ عن ابْن الأَعْرَابِيّ: تَرْبُضُهُ أَيْضًا؛ أَي من حَدِّ نَصَرَ، ثمّ رَجَعَ عن ذلِكَ، الجمع: الكُلِّ أَرْبَاضٌ، كسَبَب وأَسْبابٍ.
والرِّبْضُ، بالكَسْر، منَ البَقَر: جَمَاعَتُهُ حَيْثُ تَرْبِضُ أَي تَأْوِي وتَسْكُنُ. نُقِلَ ذلِكَ عن صاحِبِ كِتَاب المُزْدَوَجِ من اللُّغَات فَقَط. ونَقَلَه صاحِبُ اللِّسَان أَيضًا، ونَصُّه: الرِّبْضُ والرِّبْضَةُ للغَنَم، ثمّ استُعمِلَ في البَقَرِ والنّاس.
والرُّبْضُ، بالضَّم: وَسَطُ الشَّيْءِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الكِسَائِيّ. قال الصّاغَانِيّ: وكَذلِكَ قَوْلُ الأَصْمَعِيّ، وأَنْكَرَه شَمِرٌ، كما في التَّهْذِيب.
وقال بَعْضُهُم: الرُّبْضُ: أَساسُ البِنَاءِ والمَدِينَةِ، وضَبَطَهُ ابن خالَوَيْه «بضَمَّتَيْن» وقيل: هو والرَّبَضُ بالتَّحْرِيك سَوَاءٌ مِثْلُ سُقْم وسَقَمٍ.
وقال شَمِرٌ: الرُّبْضُ: ما مَسَّ الأَرْضَ مِنَ الشَّيْءِ. وقال ابنُ شُمَيْلٍ: رُبْضُ الأَرْضِ: ما مَسَّ الأَرْض مِنْه.
وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: الرُّبْضُ: الزَّوْجَةُ، وكذلك الرُّبُضُ، بضَمَّتَيْن، ويُفْتح ويُحَرَّكُ، فَهِيَ أَربعُ لُغَات، وليْس في نَصِّ الصَّاغَانِيّ في كِتَابَيْه الرُّبُض، بضَمَّتَيْن عن لُغَات فَقَط، وهكَذَا في اللِّسَان أَيضًا قال لأَنَّهَا تُرَبَّضُ زَوْجَهَا؛ أَي تَقُومُ في أُموره وتُؤْوِيهِ. قال: أَو الأُمُّ أَو الأُخْتُ تُعزِّبُ ذا قَرَابَتِهَا؛ أَي تَقُومُ عَلَيْه. ومِن ذلِك قولهم: ماله رُبْضٌ يَرْبِضُه.
وفي الأَسَاسِ: ومن المَجَاز: مَا رَبَضَ امْرَأَةً أَمْثَلُ من أُخْتٍ؛ أَي كَانَتْ رُبْضًا له ومَسْكَنًا، كما تَقُول أَبَوْتُه وأَمَمْتُه؛ أَي كُنتُ لَه أَبًا وأُمًّا.
والرُّبْضُ: عَيْن ماءٍ.
والرُّبْضُ: جَمَاعَةُ الطَّلْحِ والسَّمُرِ، وقِيلَ: جَمَاعَةُ الشَّجَرِ المُلْتَفِّ.
والرُّبْضَةُ بالضَّمِّ: القِطْعَةُ العَظِيمَةُ مِنَ الثَّرِيدِ، عن ابن دُرَيْد.
والرُّبْضَةُ: الرَّجُلُ المُتَرَبِّضُ؛ أَي المُقِيمُ العَاجِزُ، كالرُّبَضَةِ، كهُمَزَةٍ، وهو مَجَاز.
وقال اللَّيْث: الرِّبْضَةُ، بالكَسْر: مَقْتَلُ كُلِّ قَوْمٍ قُتِلُوا في بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وضَبَطَه الصّاغَانِيّ في التَّكْمِلَة «بالتَّحْرِيك» فوَهِم، وَهُو في العُبَاب على الصحّة. قال إِبْرَاهِيمُ الحَرْبِيّ: قَالَ بَعْضُهم: رَأَيْتُ القُرَّاءَ يَوْمَ الجَمَاجِمِ رِبْضَةً.
والرِّبْضَةُ: الجُثَّةُ. قال ابن دُرَيْد: ومنه قَوْلُهُم: ثَرِيدٌ كَأَنَّهُ رِبْضَةُ أَرْنَبٍ؛ أَي جُثَّتُه. هكذَا في النُّسَخ، والصَّوَاب جُثَّتُهَا، بدَلِيل قَوْلِه فيما بَعْد: جاثِمَةً؛ أَي حالة كَونها جاثِمَةً: وبارِكَةً. قال ابنُ سِيدَه: ولم أَسْمَعْ به إِلاَّ في هذَا المَوْضِعِ. ويُقَال: أَتَانَا بتَمْر مِثْلِ رِبْضَةِ الخَرُوفِ؛ أَي قَدْرِ الخَرُوفِ الرَّابِضِ. ومنه أَيضًا: كرُبْضَةِ العَنْزِ، بالضَّمِّ والكَسْر؛ أَي جُثَّتها إِذَا بَرَكَتْ.
والرِّبْضَةُ من النَّاسِ: الجَمَاعَةُ مِنْهُم، وكَذَا من الغَنَمِ.
يقال: فيها رِبْضَةٌ من النَّاس، والأَصْلُ للغَنَمِ، كما في اللِّسَان.
وقال ابنُ دُرَيْد: رَبَضَتِ الشَّاةُ وغَيْرُهَا من الدَّوَابِّ، كالبَقَر والفَرَسِ والكَلْبِ تَرْبِضُ، ومن حَدّ ضَرَبَ، رَبْضًا ورَبْضَةً، بفَتْحِهِمَا، ورُبُوضًا، بالضَّمّ، ورِبْضَةً حَسَنَةً، بالكَسْرِ، كبَرَكَت، في الإبلِ، وجَثُمَتْ، في الطَّيْر.
ومَوْضِعُهَا مَرَابِضُ، كالمَعَاطِنِ للإِبل. وو أَربَضَها غَيْرُهَا، كَذَا في النُّسَخِ. ولو قَال: «هُوَ»، بَدَلَ «غَيْرها» كان أَخصَرَ.
وأَمّا قولُه صلى الله عليه وسلم للضَّحّاكِ بن سُفْيانَ بنِ عَوْن العامِرِيّ أَبِي سَعِيدٍ وقد بَعَثَهُ إِلى قَوْمِه بَنِي عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ بْن كِلاب: «إِذَا أَتَيْتَهُمْ فارْبِضْ في دارِهم ظَبْيًا».
قال ابنُ سِيدَه: قِيلَ في تَفْسِيره قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَيْ أَقمْ في دِيَارِهِم آمِنًا كالظَّبْيِ الآمِنِ في كِنَاسِه، قد أَمِنَ حَيْثُ لا يَرَى إِنْسِيًّا، وهو قَولُ ابنِ قُتَيْبَةَ عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ. أَو المَعْنَى: لَا تَأْمَنْهُم، بل كُنْ يَقِظًا مُتَوَحِّشًا مُسْتَوْفِزًا، فإِنَّكَ بَيْنَ أَظْهُرِ الكَفَرَةِ، فإِذا رَابَكَ مِنْهُم رَيْبٌ، نَفَرْتَ عَنْهُم شَارِدًا، كما يَنْفِرُ الظَّبْيُ، وهو قَوْلُ الأَزْهَرِيّ: و«ظَبْيًا» في القَوْلَيْنِ مُنْتَصِبٌ على الحالِ، وأَوقَعَ الاسْمَ مَوْقِعَ اسْمَ الفَاعِل، كَأَنَّه قَدَّرَه مُتَظَبِّيًا كما حَكَاه الهَرَوِيّ في الغَرِيبَيْن.
قُلتُ: والَّذِي
صَرَّحَ به الحافِظُ الذَّهَبِيُّ وغَيْرُه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَرْسَلَه إِلى مَنْ أَسْلَم مِنْ قَوْمِه، وكَتَب إِليه أَن يُوَرَّثَ امرأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابيّ من دِيَةِ زَوْجِهَا، فالوَجْهُ الأَوَّلُ هو المُنَاسِبُ للمَقَام، ولأَنَّه كان أَحَدَ الأَبْطَال مَعْدُودًا بِمِائَةِ فارِس، كما رُوِيَ ذلك، وكان مُسْتَوْحِشًا منهم، فَطَمَّنَهُ صلى الله عليه وسلم، وأَزالَ عنه الوَحْشَةَ والخَوْفَ، وأَمَرَهُ بأَن يَقَرَّ في بُيُوتِهِم قَرَارَ الظَّبْي في كِنَاسِه، ولا يَخْشَى من بَأْسِهِم، فتَأَمَّلْ.
وفي حَدِيث الفِتَنِ رُوِيَ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه ذَكَرَ: «من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَنْطِقَ الرُّوَيْبِضَةُ في أُمُورِ العَامَّة» وهو تَصْغِير الرَّابِضَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَرْعَى الرَّبِيضَ، كما نَقَلَه الأزْهَرِيّ.
وبَقِيَّةُ الحَدِيثِ: «قِيلَ: وما الرُّوَيبِضَةُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: الرَّجُلُ التَّافِهُ ـ أَي الحَقِيرُ ـ يَنْطِقُ في أَمْرِ العَامَّةِ».
وهذا تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْكَلِمةِ. بأَبِي وأُمّي، وليس في نَصِّه كَلمةُ «أَيْ»، بَيْنَ التّافِه والحَقِير. قلتُ: وقَرَأْتُ في الكَامل لابن عَدِىٍّ في تَرْجَمَة مُحَمّد بْنِ إِسحاقَ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَار عن أَنس، «قِيلَ: يا رَسُولَ الله، ما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: الفاسقُ يَتَكَلَّم في أَمرِ العَامَّة».
انْتَهَى. وقال أَبو عُبَيْد: ومِمّا يُثْبِتُ حَدِيثَ الرُّوَيْبَضَةِ الحَدِيثُ الآخَرُ من أَشرَاطِ السَّاعَةِ «أَن يُرَى رعَاءُ الشاءِ رُؤُوسَ النَّاسِ».
وقال الأزْهَرِيُّ: الرُّوَيْبِضَةُ هو الَّذِي يَرْعَى الغَنَم، وقيل: هو العَاجِز الَّذِي رَبَضَ عن مَعَالِي الأُمُورِ وقَعَدَ عن طَلَبِهَا: وزِيَادَةُ الهاءِ في الرّابضَةِ لِلْمُبَالَغَةِ. كما يُقَال دَاهِيَة ـ قال: والغَالِبُ عِنْدِي أَنَّه قِيلَ للتّافِهِ من النّاسِ: رابِضَةٌ ورُوَيْبِضَةٌ، لِرُبُوضه في بَيْتِه وقِلَّةِ انْبِعَاثِه في الأمُور الجَسِيمَةِ. قال: ومنه قيل: رَجُلٌ رُبُضٌ على، هكَذَا في النُّسَخ، وصَوَابُه عن الحَاجَاتِ والأَسْفَار، بضَمَّتَيْن، إِذا كَانَ لَا يَنْهَضُ فِيهَا، وهو مَجاز. وقال اللِّحْيَانِيّ: أَي لا يَخْرُج فيها. ومن المَجَازِ: قال اللَّيْثُ: فانْبَعَثَ لَه وَاحدٌ من الرّابِضَة، قال: الرّابِضَة: ملائِكَةٌ أَهْبِطُوا مع آدمَ عَلَيْه السَّلامُ يَهْدُون الضُّلاَّلَ. قال: ولَعَلَّه من الإِقامَةِ.
وفي الصّحاح: الرَّابِضَةُ بَقِيَّةُ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، لا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْهُم. وهو في الحَدِيث، ونَصُّ الصحاح: منه الأَرْضُ.
ومن المَجَازِ: الرَّبُوضُ، كصَبُورٍ: الشَّجَرَةُ العَظِيمَةُ، قاله أَبو عُبَيْد، زاد الجَوْهَرِيّ: الغَلِيظَةُ، وزاد غَيْرُه: الضَّخْمَةِ. وقوله: الوَاسِعَة. مَا رَأَيْتُ أَحَدًا من الأَئِمَّةِ وَصَفَ الشَجَّرَةَ بِهَا، وإِنَّمَا وَصَفُوا بها الدِّرْعَ والقِرْبَةَ، كما سَيَأْتي.
وأَنشدَ الجَوْهَرِيّ قَوْلَ ذِي الرُّمَّة:
تَجَوَّفَ كُلَّ أَرْطَاةٍ رَبُوضٍ *** مِنَ الدَّهْنَا تَفَرَّعَتِ الحِبَالا
والحِبَالُ: الرِّمالُ المُسْتَطِيلَةُ.
ج: رُبُضٌ، بضَمَّتَيْن. ومنه قَولُ العَجَّاج يَصِف النِّيرَان:
فهُنَّ يَعْكِفْنَ بهِ إِذا حَجَا *** برُبُضِ الأَرْطَى وحِقْفٍ أَعْوَجَا
عَكْفَ النَّبِيطِ ويَلْعَبُون الفَنْزَجَا.
والرَّبُوضُ: الكَثُيرَةُ الأَهْل من القُرَى، نَقَله الصّاغَانِيّ.
ويقال: قَرْيَةُ رَبُوضٌ: عَظِيمَةٌ مُجْتَمِعَةٌ. ومنه الحدِيث: «إِنّ قَوْمًا من بَني إِسرائيلَ بَاتُوا بقَرْيَةٍ رَبُوضٍ».
ومن المَجَاز: الرَّبُوضُ: الضَّخْمَةُ مِنَ السَّلاسلِ، وأَنشَدَ الأَصْمَعيّ:
وقالوا رَبُوضٌ ضَخْمَةٌ في جِرَانِهِ *** وأَسْمَرُ من جِلْدِ الذِّرَاعَيْنِ مُقْفَلُ
أَراد بالرَّبُوضِ سِلْسِلَةً رَبُوضًا أُوثِقَ بها، جَعَلَهَا ضَخْمَةً ثَقِيلَةً. وأَرادَ بالأَسْمَرِ قِدَّا غُلَّ به فيَبِسَ عليه.
ومنه حَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ رَضِيَ الله عَنْه: «أَنَّه ارْتَبَطَ بسِلْسلَةٍ رَبُوض إِلى أَن تَابَ الله عَلَيْه» قال القُتَيْبِيّ: هي الضَّخْمَة الثَّقِيلَةُ، زاد غَيْرُه: الَّلازِقَةُ بصَاحِبِهَا، وفَعُولٌ منْ أَبْنِيَة المُبَالَغَة يَسْتوِي فيه المُذَكَّر والمُؤَنَّث.
ومن المَجَازِ: الرَّبُوضُ: الوَاسِعَةُ من الدُّرُوعِ، ويقال: هي الضَّخْمَة، كما في الأَساس.
قلت: وقد رَوَى الصّاغَانِيُّ حَدِيثَ أَبي لُبَابَةَ بتَمَامِه بسَنَدٍ له مُتَّصِل، وذَكَرَ فيه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هو الَّذِي حَلَّه. وقَرَأْتُ في الرَّوْض للسُّهَيْلي أَنَّ الَّذِي حَلَّه فاطمةُ، رَضِيَ الله عنها، ولمَّا أَبَى لِأَجْلِ قَسَمِه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضُعَةُ مِنِّي» فحَلَّتْهُ. فانْظُره.
وفي حَدِيثِ مُعَاوَيَةَ: «لا تَبْعَثُوا الرَّابِضَيْنِ» الرَّابِضَانِ: التُّرْكُ والحَبَشَةُ أَي المُقِيمَيْنِ السَّاكِنَيْن، يُرِيد: لا تُهَيِّجوهم عَلَيْكم ما دَامُوا لا يَقْصدُونَكُم.
قلت: وهُو مِثْلُ الحَدِيث الآخر: «اتْرُكُوا التُّرْكَ ما تَرَكُوكُم، ودَعُوا الحَبَشَةَ ما وَدَعُوكُم».
والرَّبِيضُ، كأَميرٍ: الغَنَمُ برُعَاتهَا المُجْتَمعَةُ في مَرَابِضها، كأَنَّه اسمٌ للجَمْع، كالرَّبْضَة، بالكَسْر. يُقَال: هذا رَبِيضُ بَنِى فُلانٍ ورِبْضَتُهم. قال امرْؤُ القَيْسِ:
ذَعَرْتُ به سِرْبًا نَقِيًّا جُلُودُه *** كما ذَعَرَ السِّرْحَانُ جَنْبَ الرَّبِيضِ
والرَّبِيضُ مُجْتَمَعُ الحَوايا كالمَرْبَضِ، كمَجْلِسٍ ومَقْعَدٍ، والرَّبَض، مُحَرَّكَةً أَيضًا، كُلُّ ذلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيّ.
والرَّبَّاض، ككَتّانٍ: الأَسَدُ الَّذِي يَرْبِضُ على فَرِيسَتِه.
قال رُؤْبَةُ:
كَمْ جَاوَزَتْ مِنْ حَيَّةٍ نَضْنَاضِ *** وأَسَد في غَيلِهِ قَضْقَاضِ
لَيْث على أَقْرَانِه رَبَّاضِ
وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: رَبَضَه يَرْبِضُهُ ويَرْبُضُهُ: أَوَى إِلَيْه كذا في العُبَاب، وقد سَبَقَ أَنَّ ابنَ الأَعْرَابِيّ رَجَعَ عن اللُّغَة الثَّانِيَةِ.
ومن المَجَارِ: رَبَضَ الكَبْشُ عن الغَنَمِ يَرْبِضُ رُبُوضًا: تَرَكَ سِفَادَهَا. وفي الأَسَاسِ: ضِرَابَهَا، ومِثْلُه في الصّحاح. وحَسَرَ وعَدَلَ عنها، أَو عَجَزَ عَنْهَا، ولا يُقَال فيه: جَفَرَ. وقال ابن عَبّادٍ والزَّمَخْشَرِيّ: يُقَال للغَنَم إِذا أَفْضَتْ وحَمَلَتْ: قَدْ رُبِضَ عَنْهَا.
ورَبَضَ الأَسَدُ على فَرِيسَتِه، ورَبَضَ القِرْنُ على قِرْنِه، إِذا بَرَكَ عَلَيْه، وهو رَبَّاضٌ، فيهما.
ومن المَجَازِ: رَبَضَ اللَّيْلُ: أَلقَى بنَفْسِه ولَيْلٌ رَابِضٌ على المَثَلِ، قال:
كأَنَّهَا وقَدْ بَدَا عُوَارِضُ *** واللَّيْلُ بَيْنَ قَنَوَيْنِ رَابِضُ
بجَلْهَةِ الوَادِي قَطًا رَوَابِضُ
والتِّرْباضُ، بالكَسْرِ: العُصْفُرُ، عن ابن الأَعْرَابِيّ.
وقال ابنُ عَبّاد: أَرْبَضَ أَهْلَهُ وأَصْحَابَه، إِذا قَامَ بنَفَقَتِهم.
كما في العُبَاب.
وفي الصّحاح: أرْبَضَتِ الشَّمْسُ، إِذا اشْتَدَّ حَرُّهَا حَتَّى يَرْبِضَ الظَّبْيُ والشَّاةُ؛ أَي مِنْ شِدَّةِ الرَّمْضَاءِ، وهو قَوْلُ الرِّيَاشيّ. وفي العُبَاب: أَرْبَضَت الشَّمْسُ: أَقامَتْ كما تَرْبِضُ الدَّابَّةُ، فبَلَغَتْ غَايَةَ ارْتفَاعهَا، ولَمْ تَبْدَأْ للنُّزولِ، وبه فُسِّرَ حَديثُ الأَنْصَارِيَّة. وهو مَجاز.
ومن المَجازِ: أَرْبَضَ الإِناءُ القَوْمَ: أَرْوَاهُم. يُقَال: شَرِبُوا حتى أَرْبَضَهُمُ الشَّرَابُ. أَي أَثْقَلَهُمْ من الرِّيِّ حَتَّى رَبَضُوا؛ أَي ثَقُلُوا، ونَامُوا مُمْتَدَّين عَلَى الأَرْض. وإِناءٌ مُرْبِضٌ.
وفي حَدِيث أُمّ مَعْبَدٍ: «أَنّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا قَالَ عِنْدَهَا دَعَا بإِنَاءٍ يُرْبضُ الرَّهْطَ».
قال أَبو عُبَيْد: مَعْنَاه يُرْويهم حَتَّى يُثْقلَهُمْ فيَرْبضُوا فيَنَامُوا، لكَثْرَة اللَّبَن الَّذي شَربُوه، ويَمْتَدُّوا على الأَرْضِ. ومَنْ قال: يُرْيضُ الرَّهْطَ فهُوَ من أَراضَ الوَادِي. وقَدْ ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ الوَجْهَيْنِ. وقال: وقَوْلُهم: دَعَا بإِنَاءٍ، إِلَى آخِرِه. والصَّحِيحُ أَنَّه حَدِيثٌ، كما عَرَفْتَ، وقد نَبَّه عليه الصّاغَانِيّ في التَّكْمِلَةِ.
وَتَرْبِيضُ السَّقَاءِ بالمَاءِ: أَنْ تَجْعَلَ فِيهِ ما يَغْمُرُ قَعْرَهُ، نَقَلَه الصَّاغَانيُّ عن ابنِ عَبّاد، وقد رَبَّضَه تَرْبِيضًا.
* وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه:
رَبَّضَ الدَّابَّةَ تَرْبِيضًا كَأَرْبَضَها ويقال للدَّابَّة: هي ضَخْمَةُ الرِّبْضَةِ، أَيْ ضَخْمَةُ آثَارِ المرْبَطِ.
وأَسَدٌ رَابِضٌ، كرَبّاضِ، ومنه المَثَلُ: «كَلْبٌ جَوَّالٌ خَيْرٌ من أَسَدٍ رَابِضِ. وفي رِوَايَة: من أَسَدٍ رَبَضَ.
ورَجلٌ رَابِضٌ: مَرِيضٌ، وهو مَجَازٌ.
والرُّبُوضُ، بالضَّمّ، مَصْدَرُ الشَّيْءِ الرَّابِض، وأَيْضًا جَمْعُ رَابِضٍ. ومنه حَديثُ عَوْف بن مَالك رَضيَ الله عنه: «أَنَّهُ رَأَى في المَنَامِ قُبَّةً من أَدَمٍ حَوْلَها غَنَمٌ رُبُوضٌ» أَي رَابِضَة.
والرِّبْضَةُ، بالكَسْرِ: الرَّبِيضُ. ويُقَال للأَفْطَسِ: أَرْنَبتُهُ رَابِضَةٌ على وَجْهِه؛ أَي مُلْتَزِقَةٌ، وهو مَجَاز، قاله اللَّيْثُ.
والرَّبَضُ، بالتَّحْرِيك: الدُّوَّارَةُ من بَطْنِ الشَّاةِ، وقيل: الرَّبَضُ: أَسْفَلُ من السُّرَّةِ. والمَرْبِضُ: تَحْتَ السُّرَّةِ وفَوْقَ العَانَةِ. ورَبَضُ النَّاقَةِ: بَطْنُهَا، قاله اللَّيْثُ، وقد تَقَدَّم عن الأَزْهَرِيّ إِنْكَارُه، وقيل: إِنَّمَا سُمِّيَ بذلِكَ لأَنَّ حُشْوَتَها في بَطْنِهَا.
ورَبَّضْتُه بالمَكَانِ تَرْبِيضًا: ثَبَّتُّه. قيلَ: ومنه الرَّبَضُ: امْرَأَةُ الرَّجُلِ، لأَنَّهَا تُثَبِّتُهُ فلا يَبْرَحُ. وتَرَكْتُ الوَحْشَ رَوَابِضَ. وهو مَجَاز.
وحَلَبَ مِنَ اللَّبَنِ ما يُرْبِضُ القَوْمَ؛ أَي يَسَعُهُم. وهو مَجَاز.
وقِرْبَةٌ رَبُوضٌ: كَبِيرَةٌ لا تَكَادُ تُقَلُّ، فهي رَابِضَةٌ أَو تَرْبِضُ مَنْ يُريدُ إِقْلالَهَا وهو مَجَازٌ.
ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عن ابن السِّكِّيت: يُقَال: فُلانٌ ما تَقُومُ رَابِضَتُهُ، إِذا كان يَرْمِي فَيَقْتُلُ، أَو يَعِينُ فيَقْتُل؛ أَي يُصِيبُ بالعَيْن. قال: وأَكْثَرُ مَا يُقَال في العَيْنِ. انْتَهَى. وكَذلِكَ: «مَا تَقومُ لَهُ رَابِضَةٌ»، وهُوَ مَثَلٌ، وعَجِيبٌ من المُصَنِّف تَرْكُه.
والرّابِضَةُ: العَاجِزُ عن مَعالِي الأُمورِ.
وفي الحَدِيث: «كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ» أي كالغَنَمِ الرُّبَّضِ.
وصَبَّ الله عليه حُمَّى رَبِيضًا.
ويقال: أَقامَتِ امْرَأَةُ العِنِّينِ عِنْدَه رُبْضَتَهَا، بالضَّمِّ؛ أَي قَدْرَ ما عَلَيْهَا أَنْ تَرْبِضَ عِنْدَه، وهي سَنَةٌ، وهو مَجَاز.
ويقال: صدْتُ أَرْنَبًا رَبُوضًا؛ أَي بَارِكَةً.
ويقال: الْزَمُوا رَبَضَكُمْ، وهو مَسْكَنُ القَوْمِ على حِيَالِه، وهو مَجَازٌ.
ورِبَاضٌ ومُرَبِّضٌ ورَبَّاضٌ، ككِتَابٍ ومُحَدَّثٍ وشَدَّادٍ: أسماءٌ.
والرَّبَضُ، مُحَرِّكَةٌ: مَوْضِعٌ قبلَ قُرْطُبَةَ. وموضعٌ آخر مُتَّصِلٌ بقَصْرِ قُرْطُبَةَ، منه يُوسُفُ بنُ مَطْرُوحٍ الرَّبَضِيّ، تَفَقَّه على أَصحابِ مالِكٍ.
وقال ابْنُ الأَثِير: الرَّبَضُ: حَيٌّ من مَذْحِج.
والرَّبَضُ: اسمُ ما حَوْلَ الرَّقَّةِ. منه الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمن الرَّبَضِيّ الرَّقِّيّ البَزَّاز، نقله السَّمْعانِيّ.
ومِنْ رَبَضِ أَصْبَهَانَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنْ عَلِيّ الرَّبَضِيُّ.
ومن رَبَضِ مَرْو: أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بنُ بَكْرِ بنِ يُونُسَ الرَّبَضِيُّ المَرْوَزِيُّ.
ومن رَبَضِ بَغْدَادَ، أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ الضَّرِيرُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
55-تاج العروس (لف لفف لفلف)
[لفف]: لَفَّه يَلُفُّه لَفًّا: ضِدُّ نَشَرَه، كَلَفَّفَه قال الجَوْهِريُّ: شُدِّدَ للمُبالَغَةِ.ولَفَّ الكَتِيبَتَيْنِ يَلُفُّهُما لَفًّا: خَلَطَ بيْنَهُما بالحَرْبِ وهو مَجازٌ، وأَنشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ:
ولَكَمْ لَفَفْتُ كَتِيبَةً بكَتِيبَةٍ *** وَلَكَمْ كَمِيٍّ قد تَرَكْتُ مُعَفَّرَا
ولَفَّ فُلانًا حَقَّه يلُفُّه لَفًّا: مَنَعَه نقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وقال أَبو عُبَيْدٍ ـ في تَفْسِيرِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: ـ «زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ» ـ اللَّفُّ في الأَكْلِ: إذا أَكْثَرَ مِنْه مُخَلِّطًا من صُنُوفِه مُسْتَقْصِيًا لا يُبْقِي منه شَيْئًا. أَو مَعْنَى لَفَّ: قَبَّحَ فِيه. ولَفَّ الشّيْءَ بالشّيْءِ: إذا ضَمَّه إِلَيْه وجَمَعَه ووَصَلَه بِهِ.
واللِّفافَةُ بالكسرِ: ما يُلَفُّ بِهِ على الرِّجْلِ وغَيْرِها، ج: لَفائِفُ نَقَلَه الجَوْهَري، يُقال: لَبسَ الخُفَّ باللُّفافَة.
قال: وقولُهم: جاءُوا ومَنْ لَفَّ لِفَّهُم، بالكسرِ، وَالفَتْحِ واقتصرَ الجوهَرِيُّ على الكَسْرِ، وجَمَع بَيْنَهُما ابنُ سِيدَه، قال: وإِن شِئْتَ رَفَعْتَ، والقولُ فيه كالقَوْلِ في: «ومَنْ أَخَذَ إِخْذَهُم وأَخْذَهُم» قال الصاغانِيُّ: وأَجازَ أَبو عَمْرٍو فتحَ اللّامِ أَو يُثَلَّثُ. قلتُ: والضمُّ غَرِيبٌ: أي مَنْ عُدَّ فِيهِم وتَأَشَّبَ إِلَيْهِم، قال الأَعْشَى:
وَقد مَلَاتْ بَكْرٌ ومَنْ لَفَّ لِفَّها *** نُباكًا فقَوًّا فالرَّجَا فالنَّواعِصَا
وَأَنْشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ:
سَيَكْفِيكُمُ أَوْدًا ومَنْ لَفَّ لِفَّها *** فَوارسُ منْ حَرْمِ بن رَيّانَ كالأُسْدِ
وقال المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ: اللِّفُّ بالكَسْر: الصِّنْفُ من النّاس من خَيْرٍ أو شَرٍّ.
واللِّفُّ: الحزْبُ والطّائفَةُ، يُقالِ: كانَ بَنُو فُلانٍ لِفًّا، وَبَنُو فُلانِ لقَوْمٍ آخَرينَ لِفًّا: إذا تَحَزَّبُوا حزْبين وفي حَديث نابلٍ: «سافَرْتُ معَ مَولايَ عُثْمانَ وعُمَرَ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ، فكانَ عُمَرُ وعُثْمانُ وابنُ عُمَرَ لِفًّا، وكنتُ أَنا وابنُ الزُّبَيْرِ في شَبَبَةٍ مَعَنا لِفًّا، فكُنّا نَتَرامَى بالحَنْظَلِ، فما يَزِيدُنا عُمَرُ عَلَى أَن يَقُولَ: كذاك لا تَذْعَرُوا عَلَيْنا إِبِلَنا».
واللِّفُّ: القَوْمُ المُجْتَمِعُونَ في موضعٍ ج: لُفُوفٌ وَأَلْفافٌ، قال أَبُو قِلابَةَ:
إِذْ عارَت النَّبْلُ والْتَفُّوا اللُّفُوفَ وإِذْ *** سَلُّوا السُّيُوفَ عُراةً بَعْدَ اشْجانِ
وقال اللَّيْثُ: اللِّفُّ: ما يُلَفُّ من ههُنا وههُنا: أي يُجْمَعُ، كما يُلَفِّفُ الرَّجُلُ شُهُودَ الزُّورِ.
قال: واللِّفُّ: الرَّوْضَةُ المُلْتَفَّةُ النَّباتِ، وكذلك البُسْتانُ المجْتَمِعُ الشَّجَرِ.
ويُقال: جاؤُوا بِلِفهِم ولَفِيفِهِمْ: أي أَخْلاطِهِم وَاللَّفِيفُ: ما اجْتَمَعَ من النّاسِ من قَبائِلَ شَتَّى.
وَيُقال للقَوْمِ إذا اخْتَلَفُوا: لِفٌّ، ولَفِيفٌ.
وحَدِيقَةٌ لِفٌّ ولِفَّةٌ بكسرِهِما ويُفْتَحانِ: أي مُلْتَفَّة الأَشْجارِ.
والأَلْفافُ: الأَشْجَارُ المُلْتَفَّةُ بعضُها ببعضٍ، وقالَ الزَّجّاجُ في قولِه تعالَى: {وَجَنّاتٍ أَلْفافًا} أي وبَساتِينَ مُلْتَفَّة واحِدُها لَفٌّ، بالكَسْرِ والفَتْحِ ونَظِيرُ المكسورِ عِدٌّ وَأَعْدادٌ أَو واحِدُها بالضّمِّ التي هي جَمْعُ لَفّاءَ قال أَبو العَبّاس: لم نَسْمَعْ شجرةٌ لَفَّةٌ، لكن واحدُها لَفّاءُ، وَجَمعُها لُفٌّ، فيكونُ الأَلْفافُ جمع الجمع: أي جمع الجمعِ وقَدْ لَفَّتْ لَفًّا وقال أَبو إِسْحاقَ: هو جمعُ لَفِيفٍ، كنَصِيرٍ وأَنْصارٍ.
وقوله تعالى: جِئْنا بِكُمْ لَفِيفًا أي مُجْتَمِعِينَ مُخْتَلِطِينَ كما في الصِّحاحِ، وقال أَبو عَمْرٍو: اللَّفِيفُ: الجمعُ العَظيمُ من أَخْلاطٍ شَتَّى، فيهم الشَّرِيفُ والدَّنِيءُ، وَالمُطِيعُ والعاضِي، والقَوِيُّ والضَّعِيفُ، ومَعْنَى الآية: أي أَتَيْنا بِكُم من كُلِّ قَبِيلَةٍ. وقالَ شيخُنا: اللَّفِيفُ: جَماعةٌ انْضَمَّ بعضُهُم إلى بَعْضٍ، من لَفَّهُ: إذا طَواهُ، قيل: اسمُ جَمْعٍ كالجَمِيعِ، لا واحِدَ له، ويَرِدُ مَصْدَرًا، يُقال: لفَّ لَفًّا ولَفِيفًا.
وطَعامٌ لَفِيفٌ: مَخْلُوطُ من جِنْسَيْنِ فصاعِدًا نَقَلَهُ الجوهَرِيُّ.
وقولُ الجَوْهَرِيِّ: فُلانٌ لَفِيفُه: أي صَدِيقُه، غَلَطٌ، وَالصّوابُ: لَغِيفُه، بالغَيْنِ نَبَّه عَلَيه الصاغانِيُّ في التَّكْمِلَةِ.
واللَّفِيفُ في بابِ الصَّرْفِ على نوعين: مقْرُونٌ وهو: ما اقْتَرَنَ فيه حَرْفا العِلَّةِ كطَوَى يَطْوِي طَيًّا، ومَفْرُوقٌ وهو: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الحَرفْين حَرْفٌ آخَرُ كوَعَى بَعِي وعَيًْا؛ لاجْتِماعِ المُعْتَلَّيْنِ في ثُلاثيّةِ.
وَقال اللَّيْثُ: اللَّفِيفُ من الكلامِ: كلُّ كلمَةٍ فيها مُعْتَلّانِ، أو مُعْتَلٌّ ومُضاعَفٌ.
واللَّفِيفَةُ بهاءٍ: لَحْمُ المَتْنِ تحتَ العَقَبِ من البَعِيرِ ووقعَ في التَّكْمِلَةِ «الّذِي تَحْتَهُ العَقَبُ».
وقال اللَّيْثُ: المِلَفُّ، كمِقَصّ: لِحافٌ يُلْتَفُّ بِهِ والفتحُ عامِّيّة.
ورَجُلٌ أَلَفُّ بَيِّنُ اللَّفَفِ: عَيِىٌّ بَطِيءُ الكَلامِ، إذا تَكَلَّمَ مَلأَ لِسانُه فَمَهُ قال الكُمَيْتُ:
وِلايَةُ سِلَّغْدٍ أَلَفَّ كأَنَّهُ *** من الرَّهَقِ المَخْلُوطِ بالنَّوْكِ أَثْوَلُ
نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.
قال: والأَلَفُّ أَيضًا: الثَّقِيلُ البَطِيءُ قال زُهَيْرٌ:
مَخُوفٌ بَأْسُه يَكْلاكَ مِنْهُ *** قَوِيٌّ لا أَلَفُّ ولا سَؤُومُ
والأَلَفُّ: المَقْرُونُ الحاجبَيْن نَقَلَهُ الصّاغانيُّ.
والامْرَأَةُ اللَّفّاءُ: الضَّخْمَةُ الفَخِذَيْنِ المُكْتَنزَةُ، كما في الصِّحاحِ وقال غيرُه: امْرَأَةٌ لَفّاءُ: مُلْتَفَّةُ الفَخذَيْنِ.
واللَّفّاءُ: الفَخِذُ الضَّخْمَةُ قال الجَوْهَرِيُّ: فَخِذانِ لَفّاوانِ، قال الحَكَمُ بنُ مَعْمَرٍ الخُضْرِيُّ:
تَساهَمَ ثَوْباها ففي الدِّرْعِ رَأْدَةٌ *** وَفي المِرْطِ لَفّاوانِ رِدْفُهُما عَبْلُ
وقال ابنُ الأَثِيرِ: تَدانِي الفَخِذَيْنِ من السِّمَنِ، قال الزَّمَخْشَرِيُّ: وهوَ عَيْبٌ في الرّجُلِ، مَدْحٌ في المَرْأَةِ.
واللَّفّاءُ من الرِّياضِ: الأَغْصانُ المُلْتَفَّةُ يُقال: شَجَرةٌ لَفّاءُ.
وَحَدِيقَةٌ لَفَّةٌ: أي مُلْتَفَّةُ الأَغْصانِ.
والأَلَفُّ عِرْقٌ يَكُون في وَظِيفِ اليَدِ بَيْنَه وبَيْنَ العُجَايَةِ في باطِنِ الوَظِيفِ، قال:
يا رِيَّها إِنْ لَم تَخُنِّي كَفِّي *** أَو يَنْقَطِعْ عِرْقٌ مِنَ الأَلفِّ
وقال الأَصْمَعِيُّ: الأَلَفُّ: المَوْضِعُ الكَثِيرُ الأَهْلِ قال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ:
وَمُقامِهِنَّ إِذَا حُبِسْنَ بمَأْزِمٍ *** ضَيْقٍ أَلَفَّ وصَدَّهُنَّ الأَخْشَبُ
نقله الجَوْهريُّ.
وَقال السُّكَّرِيُّ في شرحِ الدِّيوانِ: مَكَانٌ أَلَفُّ: أي مُلْتَفٌّ، وبه فَسّرَ البَيْتَ.
والأَلَفُّ: الرَّجُلُ الثَّقِيلُ اللِّسانِ عن الأَصْمَعِيِّ.
وقال أَبو زَيْدٍ: هو العَيِيُّ بالأُمُورِ ولا يَخْفَى أَنّ هذا قد تَقَدَّم للمصَنِّفِ بعينِه، فهو تَكْرارٌ.
وقال ابنُ الأَعرابِيِّ: اللَّفَفُ مُحَرَّكَةً: أَنْ يَلْتَوِيَ عِرْقٌ في ساعِدِ العامِلِ فيُعَطِّلَه عنِ العَمَلِ وأَنْشَدَ:
الدَّلْوُ دَلْوِي إِنْ نَجَتْ من اللَّجَفْ *** وإِنْ نَجَا صاحِبُها من اللَّفَفْ
وقال المُفَضَّل الضَّبِّيُّ: اللُّفُّ بالضّمِّ: الشوابل من الجَوارِي وهُنَّ السِّمانُ الطِّوالُ كذا في التّهْذِيبِ.
واللُّفُّ: جَمْعُ اللَّفّاءِ وهي الضَّخْمَةُ الفَخِذَيْنِ، وأَنشَدَ ابنُ فارِسٍ:
عِراضُ القَطَا مُلْتَفَّةٌ رَبَلاتُها *** وَما اللُّفُّ أَفْخاذًا بتارِكَةٍ عَقْلَا
واللُّفُّ أَيضا: جَمْعُ الأَلَفِّ بالمَعانِي التي تَقَدَّمَتْ. ولَفْلَفٌ: موضع، بَيْنَ تَيْماءَ وجَبَلَيْ طَيِّئٍ قال القَتّالُ:
عَفَا لَفْلَفٌ من أَهْلِهِ فالمُضَيَّحُ *** فلَيْسَ بِهِ إِلا الثَّعالِبُ تَضْبَحُ
وقال ابنُ دُرَيْدٍ: رَجُلٌ لَفْلَفٌ ولَفْلَافٌ: أي ضَعِيفٌ.
وقال اللَّيْثُ: أَلَفَّ الطّائِرُ رَأْسَه فهو مُلِفٌّ: جَعَلَه تَحْتَ جَناحَيْهِ.
قال: وأَلَفَّ فُلانٌ: أي يَعْنِي رَأْسَه: جَعَلَه في جُبَّتِهِ قال أُمَيّةُ بنُ أَبِي الصَّلْتِ يَذْكُرُ المَلائِكَةَ:
وَمِنْهُم مُلِفٌّ في جَناحَيْهِ رَأْسَه *** يَكادُ لذِكْرَى رَبِّه يَتَفَصَّدُ
ويُقال: هُنا تَلافِيفُ مِنْ عُشْبٍ: أي نَباتٌ مُلْتَفٌّ لا واحِد له.
والشَّيْءُ المُلَفَّفُ في البِجادِ في قَوْلِ أَبِي المُهَوِّسِ كمُحَدِّثٍ الأسَدِيِّ:
إذا ما ماتَ مَيْتٌ مِنْ تَمِيمٍ *** وَسَرَّكَ أَن يَعِيشَ فجِئْ بِزادِ
بخُبْزٍ أو بَتَمْرٍ أو بِلَحْمٍ *** أو الشَّيْءِ المُلَفَّفِ في البِجادِ
تَراهُ يُطَوِّفُ الآفاقَ حِرْصًا *** ليَأْكُلَ رَأْسَ لُقْمانَ بنِ عادِ
: وَطْبُ اللَّبَنِ قال ابنُ بَرِّيٍّ يقال: إِنّ هذَيْنِ البَيْتَيْنِ لأَبِي المُهَوِّسِ الأَسَدِيّ، ويُقالُ: إِنّهما ليَزِيدَ بنِ عَمْرِو بنِ الصَّعِقِ، قال: وهو الصَّحِيحُ، ومثله في حَلْيِ النَّواهِد للصَّلاحِ الصَّفَدِيِّ وإِنشادُ الجَوْهَريِّ.
بخُبْزٍ أو بسَمْنٍ أو بَتَمْرٍ
مُخْتَلٌّ وقولُ الشّيخِ علِيٍّ المَقْدِسِيِّ في حَواشِيه: إِنّ الجَوْهَرِيَّ أَنشَدَه كالمُصَنِّفِ، فلا أَدْرِي وَجْه اخْتِلالِه ما هو، إِلا غَفْلَةٌ ظاهِرَةٌ، وسهوٌ واضِحٌ لمن تأَمَّلَه، وفي حَدِيثِ معاوِيَةَ رضي الله عنه أَنّه مازَحَ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ فما رُئِي مازِحانِ أَوْقَرَ مِنْهُما، قال لَه: يا أَحْنَفُ. ما الشّيْءُ المُلَفَّفُ في البِجادِ؟ فقَالَ: هو السَّخِينَةُ يا أَميرَ المُؤمِنينَ، ذهبَ مُعاوِيَةُ رضي الله عنه إلى قَوْلِ أَبِي المُهَوِّسِ، والأَحْنَفُ إلى السَّخِينَةِ الّتِي كانَتْ تُعَيَّرُ بها قُرَيْشٌ، وهي شَيْءٌ يَعْمَلُ من دَقِيقٍ وسَمْنٍ؛ لأَنَّهُم كانُوا يُولَعُونَ بِها، حتّى جَرَتْ مَجْرَى النَّبْزِ لَهُم، وهي دُونَ العَصِيدَةِ في الرِّقَّةِ، وفوقَ الحَسَاءِ، وكانُوا يَأْكُلُونَها في شِدَّةِ الدَّهْرِ، وغَلاءِ السِّعْرِ، وَعَجَفِ المالِ، قال كَعْبُ بنُ مالِكٍ رضي الله عنه:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّها *** وَلَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلّابِ
وقال ابنُ الأَعرابِيِّ: لَفْلَفَ الرّجُلُ: إذا اسْتَقْصَى الأَكْلَ وَالعَلَفَ.
وقال في موضعٍ آخر: لَفْلَفَ البَعِيرُ: إذا اضْطَرَبَ ساعِدُه مِن الْتِواءِ عِرْقٍ فيه، وكذلِكَ الرَّجُلُ، وهُوَ اللَّفَفُ.
والْتَفَّ في ثَوْبِه، وتَلَفَّفَ في ثَوْبِه بمعنًى واحِدٍ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
رَجَلٌ أَلَفُّ: ثَقِيلٌ فَدْمٌ.
وَجَمْعٌ لَفِيفٌ: مُجْتَمِعٌ مُلْتَفٌّ من كُلِّ مَكانٍ، قال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ:
فالدَّهْرُ لا يَبْقَى على حَدَثانِه *** أَنَسٌ لَفِيفٌ ذُو طَرائِفَ حَوْشَبُ
وجاءَ القَوْمُ بلَفَّتِهِم: أي بجَماعَتِهمْ.
وَجاءُوا أَلْفافًا: طَوائِفَ.
وَالْتَفَّ الشَّيْءُ: تجَمَّعَ وتَكاثَفَ، وقد لَفَّه لَفًّا.
وَيُقال: الْتَفُّوا علَيْه، وتَلَفَّفُوا: إذا تَجَمَّعُوا.
وَهو يَتَلَفَّفُ له على حَنَقٍ، وهو مَجازٌ.
وَاللَّفِيفُ: الكَثِيرُ من الشَّجَرِ يَجْتَمِعُ في موضِعٍ ويَلْتَفُّ.
وَالْتَفَّ الشَّجَرُ بالمَكانِ: كَثُرَ وتَضايَقَ، قالَه أَبو حَنِيفَةَ.
وَاللَّفَفُ في الأَكْلِ: إِكْثارٌ وتَخْلِيطٌ.
وَقال المَبَرِّدُ: اللَّفَفُ: إِدْخالُ حَرْف في حَرْفٍ.
وَلَفْلَفَ في ثَوْبِه، كالْتَفَّ به. وفي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: «وإِنْ رَقَدَ الْتَفَّ» أي: نامَ في ناحِيَةٍ ولم يُضاجِعْها، وقالت امْرَأَةٌ لزَوْجِها: «إنَّ ضِجْعَتَكَ لانْجِعاف، وإِنّ شِمْلَتَك لالْتِفاف، وَإنَّ شُرْبَكَ لاشْتِفاف، وإِنَّك لتَشْبَعُ ليلَةَ تُضاف، وتَأْمَنُ ليلَةَ تَخاف».
وَقال الأَزْهَرِيُّ ـ في تَرْجَمة «عمت» ـ يُقالُ: فُلانٌ يَعْمِتُ أَقْرانَه: إذا كانَ يَقْهَرُهُم ويَلُفُّهم، يُقالُ ذلِكَ في الحَرْبِ، وجَوْدَة الرَّأْيِ، والعِلْمِ بأَمْرِ العَدُّوِّ، وإِثْخانِه، قال الهُذَلِيُّ:
يَلُفُّ طَوائِفَ الفُرْسا *** نِ وهْوَ بِلَفِّهمْ أَرِبُ
وَقوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ} قيل: إِنّه اتِّصالُ شِدَّةِ الدُّنْيا بشِدَّةِ الآخرةِ، والمَيِّتُ يُلَفُّ في أَكْفانِه: إذا أُدْرِجَ فِيها.
وَاللَّفِيفُ: حَيٌّ من اليَمَنِ.
وَاللَّفَفُ: ما لَفُّوا من هُنا ومن هُنا.
وقالَ أَبو عَمْرٍو: اللَّفُوفُ من الغَنَم: التي يَذْبَحُها صاحِبُها وَكانَ يَرَى أَنّها لا تُنْقِي فأَصابَها مُنْقِيَةً، كما في العُباب.
وَرَجُلٌ مُلَفَّفٌ: عَيِيٌّ.
وَبِلِسانِه لَفْلَفَةٌ.
وَالْتَفَّت اللُّفُوفُ.
وَمن المَجازِ: الْتَفَّ وَجْهُ الغُلامِ، وغُلامٌ مُلْتَفُّ الوَجْهِ: اتَّصَلَتْ لِحْيَتُه.
وَأَرْسَلْتُ الصَّقْرَ على الصَّيْدِ فَلافَّهُ: التَفَّ عَلَيه، وجَعَلَه تَحْتَ رِجْلَيْهِ.
وَما تَصافُّوا حتَّى تَلافُّوا.
وَلافَفْناهُم.
وَطارَتْ لَفائِفُ النَّباتِ، وهي قِشْرُه.
وَهَمٌّ يُذِيبُ لَفائفَ القُلُوبِ: جمعُ لِفافَةٍ، وهي شَحْمَةٌ تَلْتَفُّ على القَلْب، كما في الأَساسِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
56-تاج العروس (دك دكك دكدك)
[دكك]: الدَّكُّ الدَّقُّ والهَدْمُ وقالَ اللَّيْثُ: كَسْر الحائطِ والجَبَلِ ودَكَّ الشيءَ يدُكّهُ دَكًّا ضَرَبَه وكَسَرَه حتى سَوَّاه بالأَرْضِ كما في الصِّحاحِ ومنه قَوْلُه تعالى: {فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً} أي دُقَّتَا دَقَّةً واحِدَةً فَصَارَتا هَبَاءً منبئًا.والدَّكُّ ما اسْتَوَى من الرَّمْلِ وسَهُلَ كالدَّكَّةِ بالهاءِ الجمع: دِكاكٌ بالكسرِ والدَّكَّ المُسْتَوي من المَكانِ ومنه قَوْلُه تعالى: {جَعَلَهُ دَكًّا}. قالَ الأَزْهَرِيُّ: أَفادَني ابنُ اليَزِيدِيّ عن أَبي زَيْدٍ جَعَلَه دَكًّا أي مُسْتَوِيًا، قالَ المُفَسِّرُون: سَاخَ في الأَرْضِ فهو يَذْهَبُ إلى الآنَ. وقَوْلُه تعالَى: {إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا} قالَ ابنُ عَرَفَة أي مُسْتَوِيَة لا أَكَمَةٌ فيها، وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسَائي: جَعَلَه دَكّاء بالمدِّ في الأَعْرَافِ وفي الكَهْفِ ووَافَقَهما عاصِمٌ في الكَهْفِ أي جَعَلَه أَرْضًا دَكًّا، فَحَذَفَ لأنَّ الجَبَلَ مُذَكَّرٌ؛ وقالَ الأَخْفَشُ في قَوْلِ مَنْ نَوَّنَ كأَنَّه دَكَّهُ دَكًّا مَصْدَرٌ مُؤَكَدٌ الجمع: دُكوكٌ بالضمِ والدَّكُّ تَسْوِيَةُ صَعودِ الأَرْضِ وهَبوطِها وقَدْ دَكّها دَكًّا وقد انْدَكَّ المَكانُ والدَّكُّ كَبْسُ التُّرابِ وتَسوِيَتُه وقالَ أبو حَنِيْفة عَنْ أبي زَيْدٍ: إذا كبس السَّطح بالتّرَابِ قِيلَ: دَكَّ التُّرَاب عَلَيه دَكًّا. ودَكَّ التُّرَابُ عَلَى الميتِ دَكًّا هالَهُ. والدَّكُّ دَفْنُ البِئْرِ وطَمُّها بالتُّراب كالدَكْدَكَةِ والدَّكُّ التَّلُّ هكَذا باللّامِ وهو الصَّوَاب وفي اللِسَانِ شِبْه التَّلِّ؛ وفي بعضِ النسَخِ التَّكُّ بالكافِ وهو غَلَطٌ. والدُّكُّ بالضم الشديدُ الضَّخْمُ يُقال: إنَّه لدَكُّ نَقَلَه ابنُ عَبَّادٍ.
والدَّكُّ الجَبَلُ الذَّليلُ الجمع: دِكَكَةٌ كقِرَدَةٍ مِثَال حُجْرٌ وحِجَرَةٌ.
وقالَ الأَصْمَعِيُّ: وفي الأَرْضِ الدَّككَةُ، والواحدُ دُكّ وهي رَوَاب مُشْرِفةٌ مِنْ طِيْنٍ فيها شيْءٌ مِنْ غِلَظٍ؛ وقال غَيْرُه الدَّكَكُ: القَيْرَانُ المُنْهَالَة؛ وقِيلَ: الهِضَابُ المفسَّخَةُ والدَّكُّ أَيْضًا جَمْعُ الأَدَكِّ لِلفَرَسِ المُتَدَاني العَريضِ الظَّهْرِ ومنه حدِيثُ أبي موسَى: كتَبَ إلى عُمَرَ رضي الله عنهما: «إنَّا وَجَدْنا بالعِرَاقِ خَيْلًا عِرَاضًا دُكًّا فَمَا يَرَى أَمِيْر المُؤْمِنيْن في أَسْهَامِها» أي عِرَاض الظّهورِ قِصَارها. يُقالُ: فَرَسٌ أَدَكٌّ إذا كانَ عَرِيضَ الظَّهْرِ قَصِيْرًا؛ حَكَاه أبو عُبَيْدٍ عَنِ الكِسَائِي قالَ: وهي البَرَاذِين. والدَّكَّاءُ الرابِيَةُ من الطينِ لَيْسَتْ بالغَلِيظَةِ كما في المُحْكَمِ وهي التي لا تَبْلَغُ أن تكونَ جَبَلًا الجمع: دَكَّاواتٌ أَجْرُوه مَجْرَى الأَسْمَاءِ لغَلَبَتِه كقَوْلِهم: ليْسَ في الخَضْرَوَات صَدَقَة؛ وأَكَمَةٌ دَكَّاءُ اتَّسَعَ أَعْلَاها، والجَمْعُ كالجمع وهذا نادِرٌ لأَنَّ هذا صِفَة أو الدَّكَّاواتُ: تِلَالٌ خَلِقَةٌ لا واحِدَ لها. قالَ ابنُ سِيْدَه: هذا قَوْلُ أَهْلِ اللغَةِ؛ قالَ وعِنْدِي أَنَّ واحِدَها دَكَّاء كما تقدَّمَ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الدَّكَّاواتُ مِنَ الأَرْضِ الواحِدَةُ دَكَّاء، وهي رَوَابٍ مِنْ طِيْنٍ ليْسَتْ بالغِلَاظِ. والدَّكَّاءُ: الناقَةُ التي لا سنَامَ لها أو التي لم يُشْرِفْ سَنامُها بل افْتَرش في جَنْبَيْها والجَمْع دُكَّ ودَكَّاوات مِثْل حُمْر وحَمْرَاوَات كذا في الصِّحَاحِ والعُبَابِ وهو أَدَكُّ لا سَنامَ له والاسمُ الدَّكَكُ وقَدْ انْدَكَّ وقالَ ابنُ بَرِّيّ: حَمْرَاء لا يُجْمَعُ بالأَلِفِ والتاء فيُقالُ: حَمْرَاوَات كما لا يجْمَعُ مُذَكّره بالواوِ والنونِ فيُقالُ: أَحْمَرُون، وأمَّا دَكَّاء فليْسَ لها مذكَّرٌ ولذَلِكَ جَازَ أَنْ يُقالَ دَكَّاوَات. وفَرَسٌ مَدْكوكٌ لا اشْراف لِحَجَبَتِه وفَرَسٌ أدَكُّ عَرِيضُ الظَّهْرِ وهذا قَدْ تقدَّمَ قَرِيبًا فهو تِكْرَارٌ والدَّكَّةُ بالفتحِ والعامَّةُ تكسِرُه والدُّكَّانُ بالضمِ بناءٌ يُسطَّحُ أعْلاهُ للمَقْعَدِ قالَ الليْثُ: اخْتَلَفُوا في الدُّكَان فقِيلَ: هو فُعْلان مِنَ الدَّكِّ، وقالَ بعْضَهُم: فَعَّال مِنَ الدَّكَنِ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للمُثَقَّبِ العَبْدِيِّ:
فأَبْقَى باطِلِي والجِدُّ منها *** كدُكَّان الدَّرَابِنَةِ المَطِيْن
والدَّرَابِنَة: البَوَّابُون. والدَّكْدَكُ كجَعْفَرٍ ويُكْسَرُ والدَّكْدَاكُ من الرَّمْلِ ما تَكَبَّسَ واسْتَوَى وقِيلَ: هو بَطْنٌ مِنَ الأَرْضِ مُسْتَوٍ أو الدَّكْدَاكُ ما الْتَبَدَ منه بَعْضُه عَلَى بعضٍ بالأَرْضِ ولم يَرْتَفع كَثِيْرًا قالَهُ الأَصْمَعِيُّ، وعَلَيْه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وقالَ أَبو حَنِيْفَة: هو رَمْلٌ ذُو تُرَابٍ يَتَلَبَّدُ. وفي الحَدِيثِ: أَنَّه سَأَلَ جَرِير بن عَبْد اللهِ عَنْ مَنْزِلهِ فقالَ: سَهْلٌ ودَكْدَاكٌ وسَلَمٌ وأَرَاكٌ أي أَنَّ أَرْضَهم ليْسَتْ بذَاتِ حُزُونة قالَ لَبِيْدُ:
وغَيْثٌ بدَكْدَاكٍ يَزِينُ وِهَادَهُ *** نباتٌ كوَشْي العَبْقَريِّ المُخَلَّبِ
أو هي أي الدَّكْدَكُ بلُغَتَيْهِ والدِّكْدَاكُ: أَرضٌ فيها غِلَظٌ الجمع: دَكادكُ ودَكاديكُ شاهِدُ الأَوَّلِ في حدِيثِ عَمْرو بن مرَّة:
إليك أَجُوبُ القُوْرَ بَعْدَ الدَّكادِكِ
وشاهِدُ الثاني قَوْل الرَّاجِزِ أَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ:
يا دَارميَّ بالدَّكَادِيْكِ البُرَقْ *** سَقْيًا فَقَدْ هَيَّجْتِ المُشْتَأَقْ
وأَرْضٌ مُدَكْدَكَةٌ كَثُرَ بها الناسُ ورُعاةُ المالِ حتَّى يَفْسِدها ذلِكَ وتُكْثَرُ فيها آثارُ المالِ وأَبْوالُه مِثْل مَدْعُوكَةٌ وهم يَكْرَهُون ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْمَعَهم أَثَرَ سَحَابَةٍ فلا يَجِدُون منه بُدًّا؛ وكذلِكَ مَدْكُوكَةٌ. وقالَ أبو حَنِيْفَة: أَرْضٌ مَدْكُوكَةٌ لا أسْنادَ لَها تُنْبِتُ الرِّمْثَ وقالَ أبو زَيْدٍ: دُكَّ الرَّجُلُ مجهولًا فهو مَدْكُوكٌ مَرِضَ أوْ دَكَّهُ المَرَضُ ونَصّ أبي زَيْدٍ: دَكَّتْه الحُمَّى أي أَضْعَفَتْه وهو مَجَازٌ وأُمةٌ مِدَكَّةٌ كمِصَكَّةٍ أي بكسرِ الميمِ قَويَّةٌ على العَمَلِ كما في الصِّحَاحِ وهو مَجَازٌ، وهو مِدَكٌّ بكسرِ الميمِ أي قويٌّ شدِيدُ الوطءِ للأَرْضِ كما في الصِّحَاح ويَوْمٌ دَكيكٌ تامٌّ وكذَلِكَ الشَّهْر والحَوْلُ. يُقالُ: أَقَمْتُ عِنْدَه حَوْلًا دَكِيْكًا وقالَ:
أَقَمْتُ بجُرْجَانَ حَوْلًا دَكِيْكًا
وحَنْظَلٌ مُدَكَّكٌ كمُعَظَّمٍ وهو أن يُؤْكَلَ بِتَمْرٍ أو غيرهِ ودَكَّكَهُ إذا خَلَطَهُ يُقالُ: دَكِّكُوا لنا كما في العُبَاب واللِسَانِ والدَّكَّةُ موضع بِغُوطَةِ دِمَشْقَ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ قالَ: والدُّكَّانُ بالضَّمِّ: قرية بهَمذِانَ بالقُرْبِ منها.
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:
تَدَكْدَكَتِ الجبَالُ صارَتْ دَكَّاوَاتٍ والدُّكُكُ بضمَّتَيْن النُّوقُ المنفضِخَةُ الأَسنِمَة. وانْدَكّ الرَّملُ تَلبَّدَ. وجَمْع الدكان دَكَاكِيْن. ودَكْدَكَ الرّكِيّ دَفَنَه بالتّرَابِ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: دَكّه وصَكّه ولَكَّه كُلّه إذا رَفَعَه.
وتَدَاكّ عَلَيْه القَوْم إذا ازْدَحَمُوا عَلَيه، وفي حدِيثِ عَلِيٍّ: رضي الله عنه: ثم تَدَاكَكْتُم على تَدَاكُكَ الإِبِلِ الهِيم عَلَى حياضِها أي ازْدَحَمْتُم.
والدُّكَكَةُ بضمٍ ففتحٍ شيْءٌ يُتَّخَذُ مِنَ الهَبِيْدِ والدَّقِيْقِ إذا قلَّ الدَّقِيْقُ عَنِ ابنِ عَبَّادٍ قالَ: والدَّكُّ: إِرْسَال الإِبِل جَمْعًا؛ وقالَ أبو عَمْرو: دَكَّ الرَّجُلُ جارِيَتَه إذا جَهِدَها بإلقائِهِ ثقْلَه عَلَيها إذا أَرَادَ جَمَاعَها وهو مَجَازٌ وأَنْشَدَ الإيادِيُّ.
فَقَدْتُكَ مِنْ بَعْلٍ عَلامَ تَدُكُّنِي *** بصَدْرِكَ لا تُغْنِي فَتِيْلًا ولا تُعْلِي؟
لا تُعْلِي: أي لا تَقُومَ عَنِّي، مِنْ قَوْلِكَ أَعْلِ عَنِ الوِسَادَةِ أي قُمْ.
والمدكوك: مَوْضِعٌ بمِصْرَ.
ودَكَّ الدَّابَّةَ بالسَّيْرِ أَجْهَدَها وهو مَجَازٌ.
وتَدَاكَّتْ عَلَيْهم الخَيْل تَزَاحَمَتْ؛ وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: الفَحْلُ يُدَكْدِكُ النَّاقَةَ إذا ضَرَبَها.
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: انْدَكَّ سَنَامُ البَعِيْر افترش في ظَهْرِه.
والدكَاكُ كسَحَابٍ قريةٌ بخِوزِسْتَان جاءَ ذكْرُها في قَوْل النّعْمَان بن مقرن رضي الله عنه قالَ:
عوتْ فارسٌ واليومَ حامَ أواره *** بمحتفل بين الدكاكِ وأربكِ
والدكوك قريةٌ بمِصْرَ مِنْ أَعْمَالِ الغَرْبيةِ.
والمِدَكّ كمِصَكٍّ لُغَة في المِتَكِّ لما يُرْبَطُ به السَّرَاويل، قالَ مَنْظُور الأَسَدِيّ:
يا حبَّذَا جاريةٌ من عكِّ *** تُعْقدُ المِرْطَ على المدكِّ
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
57-تاج العروس (ربك)
[ربك]: رَبَكَهُ يَرْبكه رَبْكًا خَلَطَهُ فارْتَبَكَ اخْتَلَطَ ورَبَكَ الثَّريدَ يَرْبكُهُ رَبْكًا أَصْلَحَهُ وخَلَطَهُ بغيرِه وقال الليْثُ: رَبَكَ فلانًا رَبْكًا أَلْقاهُ في وَحَلٍ فارْتَبَكَ فيه أي نَشَبَ فيه. ورَبَكَ الرَّبيكَةَ يَرْبكُها رَبْكًا عَمِلَها وهي أَقِطٌ بِتَمْرٍ وسَمْنٍ يُعْمَلُ رخْوًا ليْسَ كالحَيْسِ فيُؤْكَلُ، وهو قَوْل غَنِيَّة أُمُّ الحَمَارِسِ الكِلَابِيَّةِ. قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: ورُبَّما صُبَّ عليه ماءٌ فَشُرِبَ شُرْبًا أو هو تَمْرٌ وأقِطٌ يُعْجَنانِ مِن غَيْرِ سَمْنٍ، أو رُبٌّ يُخْلَطُ بدَقيقٍ أو سَويقٍ أو طَبيخٌ من تَمْرٍ وبُرٍّ أو دَقيقٌ وأقِطٌ مَطْحونٌ يُلبَكُ بسَمْنٍ مختلطٍ بالرُّبِّ، وهذا قَوْل الدُّبَيْرِية وقَدْ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ عَلَى قَوْلِها وقَوْل أُمِّ الحُمَارِس، أو هو رُبٌّ وأَقِطٌ بسَمنٍ وهذا مِثْل قَوْل الدُّبَيْرِيةِ سَوَاء، فصارَتِ الأَقْوَال سَبْعَة كالرَّبيكِ في الكُلِّ قالَ أبو الرهيم العَنْبَريُّ:فإنْ تَجْزَعْ فغيرُ مَلُومِ فِعْلٍ *** وإِنْ تَصْبِرْ فمن حُبُكِ الرَّبِيكِ
ويُضْرَبُ مثلًا للقومِ يَجْتَمِعُون مِن كلّ وتقدَّم عن الجَوْهَرِيِّ في ب ر ك: أَنَّ البَرِيكَةَ الخَبِيْص وليْسَ هو الرَّبِيْكَة وهي الحَيْسُ أو البَرِيْك الرَّطب يُؤْكَلُ بالزبدِ عن أبي عَمْرو وتَقَدَّمَ في ح ي س الكَلام فيه مُشْبعًا فرَاجِعْه.
ورَجُلٌ رُبَكٌ كصُرَدٍ ورَبِيْك مِثْل أميرٍ ورِبَكٌ مِثْل هِجَفٍّ الثاني على النَّسَبِ مُخْتَلِطُ في أمرِهِ وشاهِدُ الأخِيْر قَوْل رُؤْبَة:
أَغْبِطُ بالنَّوْمِ الخلِيَّ الرَّاقِدَا *** لاقَى الهُوَيْنَا والرَّبَك الرِّاغِدَا
قال ابنُ دُرَيْدٍ ورَجُلٌ رَبِكٌ ككَتِفٍ ضَعِيفُ الحيلَةِ على النَّسَبِ. وارْتَبَكَ الرجُلُ اخْتَلَطَ عليه أَمْرُهُ وهو مَجَازٌ كَرَبِكَ كفَرِحَ رَبْكًا ومنه حدِيثُ عليٍّ رضي الله عنه: «تحيّر في الظلمَاتِ وارْتَبَكَ في الهَلَكَاتِ» أي وَقَعَ فيها ولم يَكَدْ يخْلص منها. وفي حدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «وارْتَبَكَ والله الشيخُ».
وارْتَبَكَ في كلامِهِ إذا تَتَعْتَعَ وهو مَجَازٌ. وارْتَبَكَ الصَّيْدُ في الحِبالَةِ اضْطَرَبَ وهو مَجَازٌ، وقالَ ابنُ عَبَّادٍ ارْباكَّ فلانٌ عن الأَمْر اربِيكاكًا وَقَفَ عنه قالَ: وارْباكَّ رأيُهُ عَلَيه إذا اخْتَلَطَ وأَرْبُكُ بضمِ الباءِ ويقالُ أُرْبُقُ بالقافِ وتفتحُ الباءُ أَيْضًا كما قَالَهُ يَاقُوت قرية بخوزِسْتانَ مِن نَواحِي الأَهْوَاز، بل ناحِيَة مُسْتَقِلة ذات قُرىً ومَزَارِع وعِنْدها قَنْطَرَة مَشْهُورَة لها ذِكْر في كتُبِ السِّيَرِ وأَخْبَارِ الخَوَارِجِ فتحَها المُسْلِمون عامَ سَبْع عَشَرَة في خِلَافَةِ سَيِّدِنا عُمَرَ رضي الله عنه قَبْل نَهَاوَنْد، وأَمِيْر الجَيْشِ يَوْمَئِذٍ النّعْمَان بنُ مُقَرَّنٍ المزنيّ رضي الله عنه وقالَ في ذلِكَ:
عَوَتْ فارس واليومُ حامِ أوارُهُ *** بمُحتفَل بين الدكاك وأَرْبَك
فلا غرو إلَّا حين ولّوا وأدركتْ *** جموعَهم خيلُ الربيس بن أربك
وأفلتهنّ الهُرمُزان موائلا *** به نَدَبٌ من ظاهر اللون أعتك
منها أبو طاهِرٍ عليُّ بنُ أحمَدَ بنِ الفَضْلِ الرَّامهرمزيُّ الأَرْبُكِيُّ ويُقالُ الأَرْبَقِيُّ، قالَ يَاقُوت: وقَرَأْتُ في كتابِ المُفَاوَضَةِ لأبي الحَسَنِ محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ نَصْر الكاتِبِ: حدَّثني القاضِي أبو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ الحَسَن الأَرْبَقِيّ بأَرْبَقَ وكانَ رَجُلًا فاضِلًا قاضِي البَلَدِ وخَطِيْبه وإِمَامه في شَهْرِ رَمَضَان، ومِن الفضل على منزلة قالَ: تقلَّدَ بَلَدَنا بَعْض جُفَاةِ العَجَمِ والتفَّ به جَمَاعَة ممَّن حَسَدَني وكَرِهَ تقدُّمِي فصَرَفنِي عن القَضاءِ ورَامَ صَرْفي عن الخَطَابةِ والإِمَامَةِ فثارَ الناسُ ولم يُساعِدْه المُسْلِمُون فكتَبْتُ إليه:
قل لِلَّذين تأَلَّبُوا وتحزَّبُوا: *** قَدْ طبت نفسًا عَنْ وِلَايةِ أَرْبق
هَبْنِي صُدِدْتُ عن القضاءِ تعدّيًا *** أَأُصدُّ عَنْ حِذْقِي به وتَحَقُّقِي
وعن الفَصَاحةِ والنَّزاهةِ والنُّهَى *** خلقًا خَصَصْت به وفَصْل المَنْطِق
والرَّبيْكَةُ: كسَفينَةٍ الماءُ المُخْتَلِطُ بالطينِ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ.
والرَّبِيْكَةُ: الزُّبْدَةُ التي لا يُزايلُها اللَّبَنُ فهي مُرْتَبِكَةٌ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ وفي المَثَلِ: غَرْثانُ فارْبُكوا له ورَوَى ابنُ دُرَيْدٍ: فابْكُلُوا له باللَّام يُقالُ: أتَى أَعْرابِيٌّ أَهْلَهُ، كما في الصِّحاحِ، أي مِن سَفَرٍ يُقالُ: هو ابن لسانِ الحُمْرَةِ كما في العُبَابِ، فَبُشِّرَ بغُلامٍ وُلِدَ له فقال ما أَصْنَعُ به أآكُلُهُ أم أشْرَبُهُ فقالَتْ امْرَأتُهُ ذلك القَوْلَ، فلمَّا شَبعَ قال كَيْفَ الطَّلَا وأُمُّهُ ومَعْنَى المَثَلِ أي هو جائِعٌ فسَوُّوا له طَعَامًا يَهْجَأْ غَرَثُه، ثم بَشِّرُوه بالمَوْلُودِ. قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: يُضْرَبُ لمَنْ ذَهَبَ هَمّه وتَفَرَّغ لغَيْرِه. والأَرْبَكُ من الإِبِلِ الأَسْوَدُ مُشْرَبًا كُدْرَةً أو الشَّديدُ سَوادِ الأُذُنَيْنِ والدُّفوفِ وما عَدا ذلك أي أذُنَيْهِ ودُفُوفه مُشْرَبٌ كُدْرَةً والجَمْعُ رُبْكٌ وهي الرُّمْكُ بالميمِ، قالَ شَمِرٌ: والميمُ أَعْرَفُ، وقالَ الصَّاغَانيُّ: أَقْوَى؛ وبِهمَا رُوِيَ حدِيثُ أبي أُمَامة رضي الله عنه في صِفَةِ أَهْلِ الجَنَّةِ «أَنَّهم يَرْكَبُون المَيَاثِر على النُّوقِ الرُّبْكِ عليها الحَشَايَا».
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:
رَمَاه بالرَّبِيْكَةِ أي بأَمْرٍ ارْتَبَكَ عَلَيه.
والرَّبُوكُ: كصَبُورٍ تَمْرٌ يُعْجَنُ بسَمنٍ وأَقِطٍ فيُؤْكَلُ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ.
وجَبَلٌ أَرْبَكُ أَرْمَك.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
58-تاج العروس (بكل)
[بكل]: البَكْلُ الخَلْطُ يقالُ: بَكَلْتُ السَّوِيق بالدَّقيقِ أي خَلَطْتُه، وكذلِكَ لَبَكْته.والبَكْلُ: الغَنَيمَةُ وضَبَطَه الصَّاغَانيُّ بالتَّحْرِيكِ وأَنْشَدَ لأَبي المُثَلَّم الهُذَلِيّ:
كُلُوا هنيئًا فإنْ أُثقِفْتُم بَكَلًا *** مما تُصيب بَنُو الرَّمْدَاءِ فابْتَكِلُوا
كالتَّبَكُّلِ وهذا اسمٌ لا مَصْدَرٌ ونَظِيرُه التَّنَوُّط. وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ التَّبَكُّلُ: التَّغَنَّمُ، قالَ أوْسُ بنُ حَجَرَ:
عَلى خَيْرِ ما أَبْصَرْتها من بِضَاعة *** لِمُلْتَمِسٍ بَيْنعًا بها أو تَبَكُّلا
والبَكْلُ: اتَّخاذُ البَكِيلَة كسَفينَةٍ وسَحابَةٍ وهذه عن أَبي زَيْدٍ والأُمَويّ للدَّقيقِ يُخْلَطُ بالرُّبِّ أو يُخْلَطُ بالسَّمْنِ والتمرِ. أو البَكِيلَة سَويقٌ يُبَلُّ بَلًّا أو سَويقٌ بِتَمْرٍ يُؤْكَلان في إِناءٍ واحدٍ. وقد بلّا في لَبَنٍ قالَهُ ابنُ السِّكِّيت أو دَقيقٌ يُخْلَطُ بِسَويقٍ ويُبَلُّ بماءٍ وسَمْنٍ أو زَيْتٍ قالَهُ أَبُو زَيْدٍ، أَو الأَقِطُ الجافُّ يُخْلَطُ به الرُّطَبُ أو طَحينٌ وتَمْرٌ يُخْلَطانِ بزَيْتٍ. وقالَ الأُمَوِيُّ: البَكِيلَة: السَّمْنُ يُخْلَطُ بالأَقِطِ وأَنْشَدَ:
غَضْبَانُ لم تُؤْدَمْ له البَكِيلة
وقال الكلابي: البَكِيلَة الأَقِطُ المَطْحونُ تَبْكلُه بالماءِ فتَشْربه به كأَنَّكَ تُريدُ أَنْ تَعْجِنَه وقَوْلُ الرَّاجزِ:
ليس بغَشٍّ هَمُّه فيمَا أَكَل *** وأَزْمةٌ وَزْمتُه من البَكَل
إِنما أَرَادَ البَكْلِ فحرَّكَه للضَّرورَةِ. والتَّبْكِيلُ التَّخْلِيطُ، والبَكِيلَةُ كسَفِينَةٍ الضَّأنُ والمَعَزُ يَخْتَلِطُ يقالُ: ظَلَّت الغَنَم بَكِيْلةً واحِدَةً وعَبِيْثَة واحِدَةً إذا اخْتَلَطَ بعضُها ببعضِ. والبَكِيلَةُ: الغَنَمُ إذا أَلْقَيْتَ عليها غَنَمًا أُخْرَى فاخْتَلَط بعضَها ببعضٍ. والبَكِيلَةُ: الغَنيمَةُ والبِكْلَةُ بالكسرِ الطَّبيعَةُ والخُلُقُ كالبَكِيلَةِ والبِكْلَةُ: الهَيْئَةُ والزِيُّ وأَيْضًا الحالُ والخِلْقَةُ حَكَاه ثَعْلَب وأَنْشَدَ:
لَسْتُ إذًا لِزَعْبَله *** إنْ لم أُغَيِّرْ بِكْلَتَي
إنْ لم أُسَاوَ بالطُّوَلْ
قال ابنُ بَرِّيّ: هذا البَيْت من مُسَدَّس الرَّجَز جاءَ على التَّمام.
وبَنُو بِكالٍ ككِتابٍ بَطْنٌ من حِمْيَرَ وهم بَنُو بِكالِ بن دعمي بن غَوْث بن سَعْد، منهم نَوْفُ بنُ فُضالَةَ أَبُو يَزِيد أَبُو أَبي عَمْرٍو أَو أَبُو رشيد الحِمْيَري البِكَالِيُّ التَّابِعِيُّ هكذا ضَبَطَه المحدِّثونَ بالكسرِ، ومنهم من ضَبَطَه كشَدَّادٍ وأُمّه كانت امْرَأَةَ كَعْب يَرْوِي القصَصَ، رَوَى عنه أَبُو عُمْران الجونيّ والناس. وبَكِيلُ: كأَميرٍ حَيٌّ من هَمْدانَ وهو بَكِيلُ بنُ جُشَم بن خيران بن نَوْف بن هَمدان قالَ الكُمَيْتُ:
يقُولُونَ لم يُورَثْ ولولا تُرَاثُه *** لقد شركَتْ فيهم بَكِيلٌ وأَرْحَبُ
والتَّبَكُّلُ مُعارَضَةُ شيءٍ بشيءٍ كالبَعيرِ بالأَدَمِ ويقالُ: رجُلٌ جَمِيلٌ بَكيلٌ أي مُتَنَوِّقٌ في لُبْسِهِ ومَشْيِهِ وذو بَكْلانَ كسَحْبانَ بنُ ثابِتٍ بن زَيْد بن رُعَيْن الرُّعَيْنِي من اذواء رُعَيْنٍ وتَبَكَّلَهُ وتَبَكَّلَ عليه إذا عَلاهُ بالشَّتْمِ والضَّرْبِ والقَهْرِ وتَبَكَّلَ في الكَلامِ خَلَّطَ وتَبكلَ في مِشْيَتِهِ اخْتالَ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
الابْتِكَال: الاغْتِنَامُ وشاهِدُه قَوْل أَبي المثلم الهُذَلِيّ الذي تقدَّمَ.
وبَكَلَ علينا حدِيْثَه وأَمْرَه: جاءَ به على غَيرِ وَجْهِه، والاسمُ البَكِيلَةُ.
وبَكَّلَه تَبْكِيلًا نَحَّاه قَبْلَه كائِنًا ما كان.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
59-تاج العروس (دمل)
[دمل]: الدَّمالُ: كسَحابٍ التَّمْرُ العَفِنُ الأَسْوَدُ القَديمُ؛ يقالُ: جَاءَ بتَمْرٍ دَمالٍ، كما في المُحْكَمِ، وهو قَوْلُ الأَصْمَعِيّ.وفي التّهْذِيبِ: الدَّمَالُ: ما رَمَى بهِ البَحْرُ من خُشارَةِ ما فيه من الخَلْق مَيِّتًا نحو الأَصْدافِ والمَناقِيف والنّبَّاحِ قالَهُ اللَّيْثُ، وأَنْشَدَ:
دَمالُ البُحورِ وحِيتانُها
والدَّمَالُ: السِّرْقينُ ونحوُه، كما في التَّهْذِيبِ.
والدَّمَالُ: ما وَطِئَتْهُ الدَّوابُّ من البَعْرِ والوَأْلةِ، وهي البَعْرُ من التُّرابِ، كما في المُحْكَمِ، وأَنْشَدَ:
فَصَبَّحَتْ أَرْعَلَ كالنِّقال *** ومُظْلِمًا ليس على الدَّمال
والدَّمَالُ: فَسادُ الطَّلْعِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ حتى يَسْوَدَّ.
ونصُّ ابنِ دُرَيْدٍ: الدَّمَالُ يُصِيبُ النَّخْلَ فيَسْوادّ طَلْعُه قَبْلَ أَنْ يلْقَحَ ويقالُ له أَيْضًا: الدَّمَانُ، واللامُ يُشَارِك النّوَنَ في مَوَاضِعَ.
ودَمَلَ الأَرْضَ دَمْلًا بالفتحِ ودَمَلانًا محرَّكةً أَصْلَحَها بالدَّمالِ، أَو دَمَلَها أَصْلَحَها، وأَدْمَلَها: سَرْقَنَها، كما في المحْكَمِ؛ ومنه حدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ الله تعالَى عنه: «أَنّه كان يَدْمُل أَرْضه بالعُرَّةِ، وكانَ يقولُ: مكتل عرّة مكتل برة».
فَتَدَمَّلَتْ: صَلَحَتْ به.
قالَ:
وقد جَعَلَتْ منازِلُ آل لَيْلى *** وأُخْرَى لم تُدَمَّلْ يَسْتَوِينا
ومن المجازِ: دَمَلَ بَيْنهم دَمْلًا: إِذا أَصْلَحَ، قالَ الكُمَيْت:
رَأَى أَرَةً منها تُحَشُّ لفِتْنة *** وإِيقاد راجٍ أَنْ يكونَ دَمالَها
يقولُ: يَرْجو أَنْ يكونَ سببُ هذه الحَرْب كما أَنَّ الدَّمَالَ يكون سببًا لإِشْعالِ النارِ كدَوْمَلَ بَيْنهم، وهذه عن ابنِ عَبَّادٍ.
وتَدَامَلوا: تَصالَحوا، عن ابنِ دُرَيْدٍ.
والدُّمَّلُ: كسُكَّرٍ وصُرَدٍ الخُرَاجُ لأَنَّه إِلى البُرْءِ والانْدِمَالِ ما هو، نَقَلَه الأَزْهَرِيّ.
وفي العُبَابِ: سُمِّي به تَفَاؤُلًا بالصَّلاحِ كما سُمِّيَت المَهْلكةُ مَفَازَةٌ واللَّديغُ سَلِيمًا، هذا قَوْلُ البَصْرِيِّين وقد خَالَفَ قَوْمٌ من أَهْلِ اللغَةِ ذلِكَ، قالَ أَبُو النَّجْمِ:
وقام جنيّ السنامِ الأَمْيَلِ *** وامْتَهَدَ الغارِبُ فِعْلَ الدُّمَّلِ
الجمع: دَماميلُ نادِرٌ.
ودَمِلَ جرْحَه كسَمِعَ بَرِئَ كانْدَمَلَ وذلِكَ إِذا تَمَاثَل، قالَهُ اللّيْثُ.
ويقالُ: انْدَمَلَ المَرِيضُ، وانْدَمَلَ من وَجَعِه ودَمَلَهُ الدَّواءُ يَدْمُلُه، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، وأَنْشَدَ:
وجُرْحُ السيفِ تَدْمُلُه فيَبْرا *** وجُرْحُ الدَّهْر ما جَرَحَ اللِّسانُ
قلْتُ: ومنه أَخَذَ الشاعِرُ:
جِرَاحَات السِّنَانِ لها الْتِئامُ *** ولا يلْتَامُ ما جَرَحَ اللِّسانُ
والدَّمْلُ: الرِّفْقُ.
ودَامَلَهُ: دَارَاهُ ليُصْلحَ وهو مجازٌ، قالَ أَبُو الحَسَنِ:
شَنِئْتُ مِنَ الإِخْوانِ من لستُ زائلًا *** أُدامِلُه دَمْلَ السِّقاء المُخَرَّقِ
جَاءَ بالمصْدرِ على غيرِ فِعْلِه.
* وممّا يُسْتَدْركُ عَلَيْه:
اليَدْمُلَةُ: وادٍ من أَوْديَةِ العَرَبِ.
ودُمَّيْلَى اليَرْبُوع: كسُمَّيْهَى دَأْمَاؤُها، عن ابنِ عَبَّادٍ.
ويقالُ: ادْمُلِ القَوْمَ أي اطْوِهم على ما فيهم.
وأَدْمَلَ الأَرْض إدمَالًا: سَرْقَنَها، عن اللَّيْثِ وابنِ عَبَّادٍ.
والمُدامَلَةُ: كالمُدَاجَاة.
وادَّمَلَ الجُرْحُ على افْتَعَل تَمَاثَل، عن أَبِي عَمْرٍو.
وقد سَمَّوُا دَمَّالًا ودُمَيْلًا كشَدَّادٍ وزُبَيْرٍ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
60-تاج العروس (زبن)
[زبن]: الزَّبْنُ، كالضَّرْبِ: الدَّفْعُ، كما في الصِّحاحِ.وفي المُحْكَم: دَفْعُ الشيءِ عن الشيءِ، كالناقَةِ تَزْبِنُ ولَدَها عن ضرْعِها برِجْلِها وتَزْبِنُ الحالِبَ.
زَبَنَ الشيءَ يَزْبِنُه زَبْنًا وزَبَنَ به: دَفَعَه.
والزَّبْنُ: بَيْعُ كلِّ ثَمَرِ على شجرِهِ بِتَمْرٍ كَيْلًا، ومنه المُزابَنَةُ كما سَيَأْتي، وقد نَهَى عنه لمَا فيه مِنَ الغبنِ والجَهالَةِ، سُمِّي به لأنَّ أَحَدَهما إذا ندِمَ زَبَنَ صاحِبَه عمَّا عَقَدَ عليه أَي دَفَعَهُ.
وبَيْتٌ زَبْنٌ: مُتَنَحٍّ عن البُيوتِ كأَنَّه مَدْفوعٌ عنها.
والزِّبْنُ، بالكسْرِ: الحاجةُ، وقد أَخَذَ زِبْنَهُ من المالِ والطَّعامِ: أَي حاجَتَه.
والزَّبَنُ، بالتَّحريكِ: ثَوْبٌ على تَقْطِيعِ البيتِ كالحَجَلةِ، ومنه الزبونُ الذي يقطعُ على قدْرِ الجَسَدِ ويلبَسُ.
والزَّبَنُ: النَّاحِيَةُ. يقالُ: حلَّ زِبْنًا مِن قوْمِهِ: أَي نَبْذَةً، كأَنَّه انْدَفَعَ مِن مكانِهم، ولا يكادُ يُسْتَعْمل إلَّا ظَرْفًا أَو حالًا.
والزُّبُنُّ، كعُتُلٍّ: الشَّديدُ الزَّبْنِ؛ أَي الدَّفْع.
وناقَةٌ زَبونٌ: دَفُوعٌ تَضْرِبُ حالِبَها وتَدْفَعُه. وقد زَبَنَتْ بثَفناتِ رِجْلِها عنْدَ الحَلبِ، فالزَّبْنُ بالثَّفَناتِ، والرَّكْضُ بالرِّجْلِ، والخبْطُ باليَدِ كما في الصِّحاحِ.
وقيلَ: يقالُ لها ذلِكَ إذا كانَ مِن عادَتِها دَفْع الحالِبِ.
وزُبُنَّتاها، كحُزُقَّةٍ: رِجْلاها؛ لأنَّها تَزْبِنُ بهما، قالَ طُرَيْحٌ:
غُبْسٌ خَنَابِسُ كلُّهنَّ مُصَدَّرٌ *** نَهْدُ الزُّبُنَّةِ كالعَرِيشِ شَتِيمُ
ومِن المجازِ: حَرْبٌ زَبُونٌ: تَزْبِنُ الناسَ أَي تَصْدِمُهم وتَدْفعُهم؛ كما في الصِّحاحِ، وهو على التَّشْبِيهِ بالناقَةِ.
وفي الأَساسِ: صَعْبَةٌ، كالناقَةِ الزّبونِ في صُعوبَتِها.
وقيلَ: المعْنَى يَدْفَعُ بعضُها بعضًا كَثْرَةً.
وزَابَنَه مُزابَنَةً: دَافَعَهُ؛ قالَ:
بمِثْلِي زابَنِي حِلْمًا ومَجْدًا *** إذا الْتَقَتِ المَجامِعُ للخُطوبِ
والزَّابِنَةُ: أَكَمَةٌ شَرَعَتْ في وادٍ يَنْعَرِجُ عنها كأنَّها دَفَعَتْه. والزِّبْنِيَةُ، كهِبْرِيَةٍ، نَقَلَه الأَخْفَشُ عن بعضِهم، ونَقَلَه الزَّجَّاجُ أَيْضًا كلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الجِنِّ والإِنْسِ.
وأَيْضًا: الشَّديدُ، عن السَّيرافيّ، وكِلَاهُما مِن الدّفْعِ.
وأَيْضًا: الشُّرَطِيُّ، الجمع: زَبانِيَةٌ.
قالَ قتادَةُ: سُمِّي بذلِكَ بعضُ الملائِكَةِ لِدَفْعِهم أَهْلَ النارِ إليها؛ ومنه قوْلُه تعالَى: {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} وهم يَعْملُونَ بالأَيدِي والأَرْجُلِ فهم أَقْوى.
وقالَ الزَّجَّاجُ: الزَّبانِيَةُ: الغِلاظُ الشِّدادُ، واحِدُهُم زِبْنِيَّة، وهُم هؤلاء الملائِكَة الذين قالَ الله فيهم: {عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ}، وَهُم الزَّبانِيَةُ، ومِنَ الزَّبانِيَةِ بمعْنَى الشُّرَطِ قَوْل حَسَّان:
زَبانِيَةٌ حولَ أَبياتِهم *** وخُورٌ لَدَى الحرْبِ في المَعْمَعَه
أَو واحدُها زِبْنِيٌّ، بالكسْرِ عن الكِسائيِّ.
قالَ الأَخْفَشُ: والعَرَبُ ولا تكادُ تعْرِفُ هذا وتَجْعلُه مِنَ الجَمْعِ الذي لا واحِد له، مثْلُ أَبابِيلَ وعَبادِيدَ.
والزِّبِّينُ، كسِكِّينٍ: مُدافِعُ الأَخْبَثَيْنِ البَوْل والغَائِط؛ عن ابنِ الأعْرابيِّ. ومنه الحدِيثُ: «خَمْسةٌ لا تُقْبَلُ لهم صلاةٌ: رجلٌ صلَّى بقومٍ وهُم له كارِهُونَ، وامرأَةٌ تَبِيتُ وزَوْجُها عليها غَضْبانٌ، والجارِيَةُ البالِغَةُ تصلِّي بغيرِ خِمارٍ، والعَبْدُ الآبِقُ حتى يعودَ إلى مَوْلاهُ، والزِّبِّينُ»؛ ويُرْوَى: الزِّنِّين بالنُّونِ، وهو المَشْهورُ كما سَيَأْتي؛ أَو مُمْسِكُهما على كُرْهٍ.
وزُبانَيَا العَقْرَبِ، بالضَّمِّ: قَرْناها؛ كما في الصِّحاحِ.
وقيلَ: طَرَفُ قَرْنَيْها، كأنَّها تَدْفَعُ بهما، وهو المَشْهورُ كما سَيَأْتي.
والزُّبانيَان: كَوْكَبانِ نَيِّرانِ في قَرْنَي العَقْرَبِ.
وفي الصِّحاحِ: هُما قَرْنَا العَقْرَبِ ينزلُهُما القَمَرُ.
وقالَ ابنُ كناسَةَ: هُما كَوْكَبانِ مُتَفَرِّقانِ أَمامَ الإِكْليلِ، بَيْنهما قَيْدَ رُمْحٍ أَكْثَر مِن قامَةِ الرَّجُلِ.
والمُزابَنَةُ: بَيْعُ الرُّطَبِ في رَؤُوسِ النَّخْلِ بالتَّمْرِ كَيْلًا؛ وكذلِكَ كلُّ تَمرٍ بيعَ على شَجَرِهِ بتَمْرٍ كَيْلًا، وأَصْلُه مِنَ الزَّبنِ الدَّفْع، وقد نَهَى عنه في الحدِيثِ لأنَّه بَيْعُ مُجازَفَةٍ من غيرِ كَيْلٍ ولا وَزْنٍ.
قالَ ابنُ الأثيرِ: كأنَ كلُّ واحِدٍ من المُتبايعَيْنَ يَزْبِنُ صاحِبَه عن حَقِّه بما يَزْدادُ منه؛ وإنَّما نَهَى عنها لمَا يقَعُ فيها مِن الغَبنِ والجَهَالةِ.
ورُوِي عن الإمامِ مالِكٍ، رَضِيَ الله تعالى عنه أنَّه قالَ: المُزابَنَةُ: كلُّ جِزافٍ لا يُعْرَفُ كَيْلُه ولا عَدَدُهُ ولا وَزْنُه بِيعَ بمُسَمَّى من مَكِيلٍ ومَوْزونٍ ومَعْدودٍ؛ أَو هي بَيْعُ مَعْلومٍ بمَجْهولٍ من جِنْسِه؛ أو بَيْعُ مَجْهولٍ بمَجْهولٍ مِنِ جِنْسِهِ، أَو هي بَيْعُ المُغابَنَةِ في الجنْسِ الذي لا يَجُوزُ فيه الغَبْنُ، لأنَّ البَيِّعَيْن إذا وَقَفا فيه على الغَبْنِ أَرادَ المَغْبونُ أَن يفْسَخَ البَيْعَ، وأَرادَ الغابِنُ أن يُمْضِيَه فتَزابَنا فتَدَافَعَا فاخْتَصَما.
والزَّبُّونَةُ، مُشدَّدَةً وتُضَمُّ، كِلاهُما عن ابنِ الأعْرابيِّ: العُنُقُ؛ قالَ: يقالُ: خُذْ بقرونِه وبزَبُّونَتِه أَي عُنُقه.
وبنُو زَبِينَة، كسَفِينَة: حيٌّ مِنَ العَرَبِ، وهم بنُو زَبِينَة ابن جندعِ بنِ ليْثِ بنِ بكْرِ بنِ عبْدِ مَنَاة بنِ كنانَةَ وولدُهُ عَبْد اللهِ يقالُ له سرْبالُ المَوْتِ، مِن وَلدِ أُمَيةَ بنِ الحارِثِ بنِ الأسْكرِ له صُحْبَةٌ وولدهِ كلابِ وأُبيّ، لهما ذِكْرٌ؛ والنِّسْبَةُ زَبانِيٌّ مُخَفَّفَةً، عن سِيْبَوَيْهِ على غيرِ قِياسٍ، كأنَّهم أَبْدلُوا الألِفَ مَكان الياءِ في زَبِينيٍّ.
وقالَ الرَّشاطيُّ فيه زَبْنيُّ، كرَبْعيّ ورَبيعَةَ.
وأَبو الزَّبَانِ الزَّبَانِيُّ محدِّثٌ عن أَبي حازِمٍ الأعْرَج، وعنه عبدُ الجبَّارِ بنِ عبْدِ الرَّحْمن الصَّبحيِّ.* قُلْتُ: ظاهِرُ سِياقِهِ أَنَّه بالتّخْفيفِ وضبَطَه الحافِظُ بالتّشْديدِ في الاسْمِ والنسْبَةِ.
وزَبانُ بنُ مُرَّةَ في الأَزْدِ، وزَبانُ بنُ امِرئِ القَيْسِ في بني القَيْنِ؛ وظاهِرُ سِياقِه أَنَّهما كسَحابٍ، وضَبَطَهما الحافِظُ ككِتابٍ.
وكشَدَّادٍ: لَقَبُ أَبي عَمْرو بنِ العَلاءِ المازِنِيِّ النَّحويِّ اللّغَوِيِّ المُقْرِئِ، وقيلَ: اسْمُه وقد اخْتُلِفَ في اسْمهِ على أَقْوالٍ فقيلَ: زَبانُ وهو الأكْثَر، وقيلَ العريانُ، وقيلَ يَحْيَى، وقيلَ غيرُ ذلِكَ، قَرَأَ القُرآنَ على مجاهِدٍ، وعنه هرونُ بنُ موسَى النّحويّ. وزَبَّانُ بنُ قائِدٍ المصْرِيُّ عن سهْلِ بنِ معاذٍ، وعنه الليْثُ وابنُ لُهَيْعة، فاضِلٌ خَيْرٌ ضَعِيفٌ تُوفي سَنَة 155.
ومحمدُ بنُ زَبَّانِ بنِ حبيبِ عن محمدِ بنِ رمحٍ الحَافِظ وأَحمدُ بنُ سُلَيمان بنِ زَبَّانِ الدِّمَشْقيُّ منهم وآخَرُون رُواةُ الحدِيثِ، وأَنْشَدَنا الشُّيوخُ:
هَجَوْتُ زَبَّان ثم جِئْتُ مُعْتذرًا *** من هَجْوِ زَبَّان لم أَهْجو ولم أَدَعِ
والزَّبونُ: الغَبيُّ والحَريفُ مُوَلَّدٌ. وفي الصِّحاح: ليسَ مِن كَلامِ أَهْلِ البادِيَةِ، والمُرادُ بالغَبيِّ الذي يتَوَهَّمُ كثيرًا ويغبي.
والزَّبونُ: البئرُ التي في مَثَابَنِها اسْتِئْخارٌ.
وانْزَبَنُوا: تَنَحَّوْا، وهو مُطاوعُ زَبَنَهم إذا دَفَعَهُم ونَحَّاهُم.
والزَّبِنُ، ككَتِفٍ: الشَّديدُ الزَّبْنِ؛ أَي الدَّفْع.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
رجُلٌ فيه زَبُّونةٌ، بالتَّشْديدِ: أَي كِبْرٌ.
وذُو زَبُّونَةٍ: أَي مانِعٌ جانِبَه، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ وأَنْشَدَ لسَوَّارِ بنِ مُضَرِّب:
بذَنِّي الذَّمِّ عن أَحْسابِ قَومِي *** وزَبُّوباتِ أَشْوَسَ تَيَّحانِ
ويقالُ: الزَّبُّونَة مِن الرِّجالِ: المانِعُ لَما وَرَاء ظَهْرهِ وتَزابَنَ القوْمُ: تَدافَعُوا.
وحَلَّ زِبْنًا مِن قوْمِه، بالكسْرِ والفتْحِ: أَي جانِبًا عنهم.
ويقالُ واحِدُ الزَّبانِيَةِ زَبانى، كسكارَى وقالَ بعضُهم: زابنٌ، نقَلَهُما الأخْفَشُ عن بعضٍ؛ كما في الصِّحاحِ.
وزَبَنْتَ عَنَّا هَدِيَّتَك ومَعْرُوفَكَ زَبْنًا: دَفَعْتَها وصَرَفْتَها.
قالَ اللّحْيانيُّ: حَقِيقَتُها صَرَفْتَ هَدِيّتك ومَعْرُوفَك عن جِيرانِك ومَعارِفِك إلى غيْرِهِم.
وفي الأساسِ: زَوَيتَها وكَفَفْتَها، وهو مجازٌ وقَوْلُه أَنْشَدَه ابنُ الأعْرابيِّ:
عَضَّ بأطْرافِ الزُّباني قَمَرُهْ
يقولُ: هو أَقْلفُ ليسَ بمَخْتُون إلَّا ما قَلَّصَ منه القَمَرُ، وشبّه قلْفَته بالزُّباني؛ قالَ: ويقالُ: مَنْ وُلِدَ في القَمَرِ في العَقْرِبِ فهو نَحْسٌ.
قالَ ثَعْلَب: هذا القَوْلُ يقالُ عن ابنِ الأعْرابيّ، وسَأَلْته عنه فأَبَى هذا القَوْلَ وقالَ: لا، ولكنَّه اللَّئِيمُ الذي لا يطعمُ في الشِّتاءِ، وإذا عَضَّ القمرُ بأَطْرافِ الزُّبانَى كانَ أَشَدَّ البرْدِ.
* قلْتُ: والقَوْلُ الأوَّل إنْ صحَّ سَنَدُه إليه فكأنَّه رجعَ عنه ثانِيًا.
ومَقامٌ زَبْنٌ: ضَيِّقٌ لا يَسْطِيعُ الإِنْسانُ أَن يقومَ عليه في ضِيقِه وزَلَقِه؛ قالَ مُرَقَّشُ:
ومنزلِ زَبْنٍ ما أُرِيدُ مَبيتَه *** كأَنّي به مِن شِدَّة الرَّوْعِ آنِسُ
وأَزْبِنُوا بيوتَكُم: نَحُّوها عن الطَّريقِ.
وما بها زِبِّينٌ، كسِكِّيت: أَي أَحدٌ، عن ابنِ شُبْرُمَة.
والحَزِيمَتانِ والزَّبِينتانِ: من باهِلَةَ بنِ عَمْرو بنِ ثعْلَبَةَ، وهُما حَزِيمةُ وزَبِينَةُ، وهُم الحَزائِمُ والزَّبائِنُ تقدَّمَ في حَزَمَ وأَشارَ له الجَوْهرِيُّ هنا.
واسْتَزْبَنَه وتَزَبَّنَه، كاسْتَغْلَبَه وتَغَلَّبَه، أَو اسْتَغْبَاه وتَغَبَّاه.
وزِبَّانُ بنُ كَعْبٍ، بالكسْرِ مُشدّدًا: في بَني غنى، ضَبَطَه الحافِظُ.
وزَبِينةُ بنُ عصمِ بنِ زَبِينَة، كسَفِينَة: مِن أَجْدادِ الهُذَيْلِ ابنِ عبْدِ اللهِ الشاعِرُ الكُوفيُّ في زَمَنِ التابِعِين.
وأَوْسُ بنُ مالِكِ بنِ زَبِينَة بنِ مالِكٍ القُضَاعيّ كانَ شَرِيفًا، ذَكَرَه الرَّشاطيُّ.
وزِبنيانٌ، بالكسْرِ قَرْيةٌ بالرَّيِّ، منها: القوامُ أَبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ عليِّ الرُّازي الصُّوفيُّ ذَكَرَه المقْرِيزيُّ في المقفي.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
61-تاج العروس (سخن)
[سخن]: السُّخْنُ، بالضَّمِّ: الحارُّ، ضدُّ البارِدِ.سَخَنَ الشَّيءُ والماءُ، مُثَلَّثَةً، الكَسْرُ لُغَةُ بَني عامِرٍ، واقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ على الفتْحِ والضَّمِّ؛ سُخُونَةً فيهما، كما في الصِّحاحِ، وسُخْنَةً وسُخْنًا، بضَمِّهِنَّ؛ أَي في مَصادِرِ سَخَنَ كنَصَرَ، وسَخانَةً وسَخَنًا محرَّكةً في مَصادِرِ سَخِنَ كفَرِحَ، وأَسْخَنَ الماءَ وسَخَّنَهُ، بالتَّشْديدِ، بمعْنًى.
وماءٌ سَخِينٌ، كأَميرٍ وسِكِّينٍ ومُعَظَّمٍ، كذا في النُّسخِ، والصَّوابُ ومُكْرَمٍ كما هو نَصُّ ابنِ الأعْرابيِّ في الصِّحاحِ قالَ: ماءٌ مُسْخَنٌ وسَخِينٌ مثْلُ مُتْرَصٍ وتَرِيصٍّ ومُبْرَمٌ وبَرِيمٌ؛ وأَنْشَدَ لعَمْرِو بنِ كُلثُوم:
مُشَعْشَعَة كأَنَّ الحُصَّ فيها *** إذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينا
قالَ: وأَمَّا قوْلُ مَنْ قالَ: سَخِينًا جُدْنا، بأَمْوالِنِا فليسَ بشيءٍ.
قالَ ابنُ بَرِّي يعْني أَنْ الماءَ إذا خالَطَها اصْفَرَّتْ؛ قالَ: وهذا هو الصَّحيحُ وكان الأصْمعيُّ يَذْهبُ إلى أنَّه من السّخاءِ لأنَّه يقولُ بعْدَ هذا البيتِ:
ترى اللَّحِزَ الشَّدِيدَ إذا أُمِرَّتْ *** عليه لمالِهِ فيها مُهِينا
قالَ: وليسَ كما ظنَّ لأنَّ ذلك لَقَبٌ لها، وذا نَعْت لفعْلِها؛ قالَ: وهو الذي عَنَاه ابنُ الأعْرابيّ بقوْلِه: وقوْلُ مَنْ قالَ: الخ لأَنَّه كانَ ينكرُ أَنْ يَكونَ فَعِيل بمعْنَى مُفْعَل، ليبْطلَ به قَوْل ابنِ الأَعْرابيِّ في صفَةِ: المَلْدُوغ سَلِيم، إنَّه بمعْنَى مُسْلَم لما به قالَ: وقد جاءَ كثيرًا، أَعْنِي فَعِيلًا بمعْنَى مُفْعَلٍ، وهي أَلْفاظٌ كَثيرَةٌ مَعْدودَةٌ؛ ذَكَرَ بعضَها في «س ل م».
وماءٌ سُخاخِينُ، بالضَّمِّ، ولا فُعاعِيلَ في الكَلامِ غَيْرُهُ، كما في الصِّحاحِ، ونَقَلَه كُراعٌ أَيْضًا: أَي حارٌّ هو تَفْسيرٌ لكلِّ مِنَ الأَلفاظِ التي تقدَّمَتِ.
ويَوْمٌ ساخِنٌ وسَخْنانٌ، ويُحَرَّكُ، وسُخْنٌ وسُخُنانٌ، بضمِّهما، وقد سَخَنَ بتَثْلِيثِ الخاءِ: أَي حارُّ، واللَّيْلَةُ، بالهاءِ، سُخْنَةٌ وساخِنَةٌ وسَخْنانَةٌ: أي حارَّةٌ، واقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ في اليوْمِ على السُّخْن والسَّاخِنِ، والسّخْنان؛ وفي الَّليْلَةِ على السّخْنَةِ والسّخنانَةِ.
وتَجِدُ في نفْسِك سَخْنَةً، مُثَلَّثَةِ السِّيْنِ ويُحَرَّكُ، وسَخْنًا، بالفتْحِ، وسُخُونَةً، بالضَّمِّ، وسَخْناء مَمْدودًا؛ أَي حُمَّى أَو حَرَّا.
وقيلَ: فَضْلُ حَرارَةٍ يَجِدُها مِن وَجَعٍ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ واقْتَصَرَ على التحْرِيكِ.
وسُخْنَةُ العَيْنِ، بالضَّمِّ: نَقِيضُ قُرَّتِها، وقد سَخِنَتُ كفَرِحَ، كما في الصِّحاحِ سَخْنًا، بالفتْحِ ويُحَرَّكُ، وسُخُونًا وسُخْنَةً، بضمِّهما، فهو سَخِينٌ العَيْنِ.
ويقالُ: سَخَنَتِ العَيْن بالفتْحِ؛ وقيلَ: الكسْرُ والفتْحُ في سَخِنَتِ الأرْضُ؛ أَمَّا العَيْنُ فالكَسْر لا غَيْر.
وأَسْخَنَ الله عَيْنَهُ وبعَيْنِه: أَي أَبْكَاه، نَقِيضُ أَقَرَّ عَيْنَه وبعَيْنِه.
والسَّخُونُ: مَرَقٌ يُسَخَّنُ؛ قالَ:
يُعْجبُه السَّخونُ والعَصِيدُ *** والتَّمْرُ حُبًّا ماله مَزِيدُ
والسَّخِينَةُ، كسَفِينَةٍ: طَعَامٌ رَقِيقٌ يُتَّخَذُ مِن سَمنٍ ودَقيقٍ؛ وقيلَ: دَقيقٍ وتَمرٍ وهو دُونَ العَصِيدَةِ في الرقَّةِ وفَوْقَ الحَسَاءِ.
ورُوِي عن أبي الهَيْثم أنَّه كَتَبَ عن أَعْرابيّ قالَ: السَّخِينَة دَقيقٌ يُوضَعُ على ماءٍ أَو لبنٍ فيُطْبَخ ثم يُؤْكَلُ بتَمْرٍ أو يُحْسَى، وهو الحَسَاءُ، وإنَّما كانوا يأْكلُون السَّخِينَةَ في شدَّةِ الدَّهْرِ وغَلاءِ السِّعْرِ وعَجَفِ المالِ.
وسَخِينَةُ: لَقَبٌ لقُرَيْشٍ لاتِّخَاذِها إيَّاهُ؛ أَي لأنَّهم كانوا يكْثِرُونَ مِن أَكْلِها ولذا كانَتْ تُعَيَّرُ به.
وفي الحدِيثِ: أنَّه دَخَلَ على حَمْزَة، رَضِيَ اللهُ تعالى عنه، فصُنِعَتْ لهم سَخِينَةٌ فأَكَلُوا منها؛ قالَ كعْبُ بنُ مالِكٍ:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّها *** ولَيُغْلَبَنَّ مَغالِبُ الغَلَّابِ
وفي حدِيثِ مُعاوِيةً، رَضِيَ اللهُ تعالى عنه: أنَّه مازَحَ، الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ فقالَ: «ما الشيءُ المُلَفَّف في البِجَادِ؟
فقالَ: هو السَّخِينَةُ يا أمِير المُؤْمِنِين»، المُلَفَّفُ في البِجَادِ: وَطْبُ اللَّبَنِ يُلَفُّ به ليَحْمَى ويُدْرِكَ، وكانتْ تَمِيمُ تُعَيَّرَ به، والسَّخِينَةُ: الحَسَاءُ المَذْكورُ، يُؤْكَلُ في الجَدْبِ، وكانتْ قُرَيْش تُعَيَّرُ بها، فلمَّا مازَحَه مُعاوِيَة بما يُعابُ به قَوْمه مازَحَه الأَحْنَفُ بمثْلِه.
وضَرْبٌ سَخِينٌ: مُؤْلِمٌ حارٌّ شَدِيدٌ؛ كذا في النسخِ، والصَّوابُ كسِكِّين، وبه فُسِّر قَوْلُ ابنِ مُقْبِلٍ السَّابِق في سَجَنَ أَيْضًا.
والمِسْخَنَةُ من البِرامِ، كمِكْنَسَةٍ: قدْرٌ شِبْهُ التَّوْرِ يُسَخَّن فيها الطَّعامُ.
قالَ ابنُ شُمَيْلٍ: هي الصَّغيرَةُ التي يُطْبَخ فيها للصَّبيِّ؛ ومنه الحدِيثُ: «نعم أُنْزِل عليَّ طَعامٌ في مِسْخَنَةٍ».
والتَّسَاخِينُ: المَراجِلُ؛ عن ابنِ دُرَيْدٍ.
وفي الصِّحاحِ: الخِفافُ؛ وفي الحدِيثِ: بَعثَ سَرِيَّةً فأَمَرَهم أَنْ يَمْسَحُوا على المُشاوِذ والتَّساخِين؛ المَشاوِذ: العَمائِمُ، والتَّساخِين: الخِفَافُ.
قالَ ابنُ الأَثيرِ: وقالَ حَمْزَةُ الأَصْفهانيُّ في كتابِ المُوازَنَةِ: التسَّاخِينُ شيءٌ كالطَّيالِسِ مِن أَغْطِيَةِ الرأْسِ كانَ العُلَماءُ والمَوَابِذةُ يأْخذُونهم على رُؤُوسهم خاصَّةً دُونَ غيْرِهم؛ قالَ: وجاءَ ذِكْرُه في الحدِيثِ، فقالَ مَنْ تَعاطَى تَفْسِيرَه هي الخِفافُ حيثُ لم يَعْرِفْ فارِسِيَّتَه، قالَ: وتَسْخان مُعَرَّبُ تَشْكَن.
قالَ الجَوْهرِيُّ: بِلا واحِدٍ مثْلُ التَّعاشِيبِ.
وقالَ ثَعْلَب: ليسَ للتَّساخِين واحِدٌ مِن لَفْظِها كالنِّساءِ لا واحِد لها؛ أَو واحِدُها تَسْخَنٌ وتَسْخانٌ.
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: لا واحِد لها مِن لَفْظِها إلَّا أنَّه يقالُ: تَسْخانٌ، ولا أَعْرِفُ صحَّةَ ذلك.
والسَّخاخِينُ: المَساحِي بلُغَةِ عبْدِ القَيْسِ، الواحِدُ كسِكِّينٍ لا كأَميرٍ كما تَوَهَّمَ الجوْهرِيُّ، هكذا وُجِدَ بخطِّه في نسخِ الصِّحاحِ ولم يُنَبَّه عليه ابنُ بَرِّي؛ وهي مِسْحاةٌ مُنْعطِفَةٌ، كما في الصِّحاحِ وفي بعضِ نسخِها: مُنْعقِفَةٌ.
والسَّخاخِينُ: سَكاكِينُ الجَزَّارِ أَو عامٌّ.
قالَ ابنُ الأعْرابيِّ: يقالُ للسِّكِّين: السِّخِّينَةُ والشِّلْقاءُ.
والسِّكِّينُ: مَقْبضُ المحْرَاثِ؛ وقالَ ابنُ الأعْرابيِّ: هو مَرُّ المِحْراثِ، يَعْني ما يَقْبِضُ عليه الحَرَّاثُ منه.
وسُخَيْنَةٌ، كجُهَيْنَةَ: بلد بينَ عُرْضَ وتَدْمُرَ والعامَّةُ تقولُ سُخْنَةٌ، وهكذا نَقَلَه نَصْر؛ وهو بَلَدٌ بينَ تَدْمُرَ والرقَّةِ، وعلى التَّحديدِ بينَ أركَةَ وعُرْضَ. والإسْخِنَةُ بالكسْرِ: ضِدُّ الإبْرِدَةِ أي بكسر الأوَّل والثَّاني فيهما.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
سَخَنَتِ الأرْضُ وسَخِنَتْ، كنَصَرَ وفَرِحَ، وسَخُنَتْ عليه الشمْسُ، ككَرُمَ، عن ابنِ الأعْرابيِّ؛ قالَ: وبنُو عامِرٍ يَكْسِرُونَ.
وفي الحدِيثِ: «شَرُّ الشّتاءِ السَّخِين» أَي الحارُّ الذي لا بَردَ فيه.
وجاء في غَرِيبِ الحَرْبيّ: السُّخَيْخِين، قالَ: ولعلَّه تَحْريفٌ.
وسَخِينَتا الرجُلِ، كسَفِينَة: بَيْضَتَاه لحَرارَتِهما.
وطَعامٌ سُخاخِينٌ، بالضمِّ: أَي حارٌّ، وكذلِكَ يَوْمٌ سُخاخِين، وحبٌّ سُخاخِين: موجِعٌ مُؤْذٍ؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأعْرابيِّ:
أُحِبُّ أُمَّ خالِدٍ وخالِدا *** حُبًّا سُخاخِينًا وحُبًّا بارِدا
وفسّرَ البارِدَ بأنّه الذي يَسْكُنُ إليه قلْبُه.
والسَّخْناءُ، بالمدِّ، والسُّخُونَةُ، بالضمِّ: الحُمَّى.
ويقالُ: عليكَ بالأمْرِ عنْدَ سُخْنَتِه: أَي في أَوّلِه قبْلَ أنْ يَبْرُدَ؛ وهو مجازٌ.
وقالَ أَبو عَمْرٍو: ماءٌ سَخِيمٌ وسَخِينٌ: ليسَ بحارٍّ ولا بارِدٍ.
والسَّخُونَةُ: السَّخِينَةُ؛ عن الأَزْهرِيّ.
والسَّخِينَةُ الطَّعامُ الحارُّ.
وسَخَنَتِ الدابَّةُ، كنَصَرَ وكَرُمَ: أُجْرِيَتْ فسَخُنَتْ في عِظامِها وخَفَّتْ في حُضْرِها؛ ومنه قوْلُ لبيدٍ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه:
رَفَّعْتُها طَرَدَ النَّعامِ وفوْقَهُ *** حتى إذا سَخْنَتْ وخَفَّ عِظامُها
رُوِي بالوَجْهَيْن كما في الصِّحاحِ.
وعينٌ سَخِينَةٌ. وسخَّنه بالضَّرْبِ: ضَرَبَه ضَرْبًا مُوجِعًا وما أسخن ضربه والمُسْخِنُ، كمُحْسِنٍ: المُتَحرِّكُ في كَلامِهِ وحَرَكاتِهِ، لُغَةٌ شامِيَّة.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
62-المصباح المنير (زبن)
زَبَنَتْ النَّاقَةُ حَالِبَهَا زَبْنًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ دَفَعَتْهُ بِرِجْلِهَا فَهِيَ زَبُونٌ بِالْفَتْحِ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِثْلُ: ضَرُوبٍ بِمَعْنَى ضَارِبٍ وَحَرْبٌ زَبُونٌ بِالْفَتْحِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَدْفَعُ الْأَبْطَالَ عَنْ الْإِقْدَامِ خَوْفَ الْمَوْتَ وَزَبَنْتُ الشَّيْءَ زَبْنًا إذَا دَفَعْتُهُ فَأَنَا زَبُونٌ أَيْضًا وَقِيلَ لِلْمُشْتَرِي زَبُونٌ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ غَيْرَهُ عَنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَهِيَ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَمِنْهُ الزَّبَانِيَةُ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ أَهْلَ النَّارِ إلَيْهَا وَزُبَانَى الْعَقْرَبِ قَرْنُهَا وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ كَيْلًا.المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
63-لسان العرب (كثب)
كثب: الكَثَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: القُرْبُ.وَهُوَ كَثَبَك أَي قُرْبَكَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُستعمل إِلَّا ظَرْفًا.
وَيُقَالُ: هُوَ يَرْمِي مِنْ كَثَبٍ، ومِنْ كَثَمٍ أَي مِنْ قُرْبٍ وتَمَكُّنٍ؛ أَنشد أَبو إِسحاق:
فهذانِ يَذُودانِ، ***وَذَا، مِنْ كَثَبٍ، يَرْمِي
وأَكْثَبَك الصيدُ والرَّمْيُ، وأَكْثَبَ لَكَ: دَنَا منكَ وأَمْكَنَك، فارْمِه.
وأَكْثَبُوا لَكُمْ: دَنَوْا مِنْكُمْ.
النَّضْرُ: أَكْثَبَ فلانٌ إِلى الْقَوْمِ أَي دَنَا مِنْهُمْ؛ وأَكْثَبَ إِلى الجَبل أَي دَنَا مِنْهُ.
وكاثَبْتُ القومَ أَي دَنَوْتُ مِنْهُمْ.
وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ: «إِنْ أَكْثَبَكُمُ القومُ فانْبِلوهم»؛ وَفِي رِوَايَةٍ: إِذا كَثَبُوكم فارْمُوهُمْ بالنَّبْل مِنْ كَثَب.
وأَكْثَبَ إِذا قارَبَ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَكْثَبكم لِتَعْدِيَةِ كَثَبَ، فَلِذَلِكَ عَدّاها إِلى ضَمِيرِهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «وظَنَّ رجالٌ أَنْ قَدْ أَكْثَبَتْ أَطْماعُهم»أَي قَرُبَتْ.
وَيُقَالُ: كَثَبَ القومُ إِذا اجتَمعوا، فَهُمْ كاثِبُون.
وكَثَبُوا لَكُمْ: دخَلوا بَيْنَكُمْ وَفِيكُمْ، وَهُوَ مِنَ القُرْب.
وكَثَبَ الشيءَ يَكْثِبُه ويَكْثُبه كَثْبًا: جَمَعَه مِنْ قُرْبٍ وصبَّه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لأَصْبَحَ رَتْمًا دُقاقُ الحَصَى، ***مكانَ النبيِّ من الكائِبِ
قَالَ: يُرِيدُ بالنبيِّ، مَا نَبا مِنَ الحَصَى إِذا دُقَّ فَنَدَر.
والكاثِبُ: الجامِعُ لِمَا ندَر مِنْهُ؛ وَيُقَالُ: هُمَا مَوْضِعَانِ، وسيأْتي فِي أَثناء هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَيضًا.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «كنتُ فِي الصُّفَّةِ»، فبَعَثَ النبيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بتَمْرِ عَجْوةٍ فكُثِبَ بَيْنَنَا، وَقِيلَ: كُلُوه وَلَا تُوَزِّعُوه أَي تُرِكَ بَيْنَ أَيدينا مَجْموعًا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: جئتُ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَرَنْفُلٌ مَكْثوبٌ أَي مَجْمُوعٌ.
وانْكَثَبَ الرَّمْلُ: اجْتَمع.
والكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ: القِطْعةُ تَنْقادُ مُحْدَوْدِبةً.
وَقِيلَ: هُوَ مَا اجتَمع واحْدَوْدَبَ، وَالْجَمْعُ: أَكْثِبةٌ وكُثُبٌ وكُثْبانٌ، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ تلالُ الرَّمْلِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيبًا مَهِيلًا}.
قَالَ الْفَرَّاءُ: الكَثيبُ الرَّمْل.
والمَهِيلُ: الَّذِي تُحَرِّكُ أَسْفَلَه، فيَنْهالُ عَلَيْكَ مِنْ أَعلاه.
اللَّيْثُ: كَثَبْتُ الترابَ فانْكَثَب إِذا نَثَرْتَ بعضَه فوقَ بَعْضٍ.
أَبو زَيْدٍ: كَثَبْتُ الطعامَ أَكْثُبه كَثْبًا، ونَثَرْتُه نَثْرًا، وَهُمَا واحدٌ.
وكلُّ مَا انْصَبَّ فِي شيءٍ وَاجْتَمَعَ، فَقَدِ انْكَثَب فِيهِ.
والكُثْبة مِنَ الْمَاءِ واللَّبن.
القَلِيلُ مِنْهُ؛ وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ الجَرْعَةِ تَبْقَى فِي الإِناءِ؛ وَقِيلَ: قَدْرُ حَلْبة.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: ملْءُ القَدَح مِنَ اللَّبن؛ وَمِنْهُ قولُ الْعَرَبِ، فِي بَعْضِ مَا تَضَعُه عَلَى أَلسنة الْبَهَائِمِ، قَالَتِ الضَّائنةُ: أُوَلَّدُ رُخالًا، وأُجَزُّ جُفَالًا، وأُحْلَبُ كُثَبًا ثِقالًا، وَلَمْ تَرَ مِثْلي مَالًا.
وَالْجَمْعُ الكُثَبُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
بَرَّحَ بالعَيْنَيْنِ خطَّابُ الكُثَبْ، ***يقولُ: إِني خاطِبٌ وَقَدْ كَذَبْ،
وإِنما يَخْطُبُ عُسًّا منْ حَلَبْ
يَعْنِي الرجلَ يَجيءُ بعِلَّةِ الخِطْبةِ، وإِنما يُريدُ القِرَى.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ للرَّجُل إِذا جاءَ يَطْلُبُ القِرَى، بعِلَّةِ الخِطْبة: إِنه ليَخْطُبُ كُثْبةً؛ وأَنشد الأَزهري لِذِي الرُّمَّةِ:
مَيْلاءَ، مِنْ مَعْدِنِ الصِّيرانِ، قاصِيَةً، ***أَبْعارُهُنَّ عَلَى أَهْدافِها كُثَبُ
وأَكْثَبَ الرجلَ: سَقَاهُ كُثْبةً مِنْ لَبَن.
وكلُّ طائفةٍ مِنْ طَعَامٍ أَو تَمْرٍ أَو تُرَابٍ أَو نَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ كُثْبةٌ، بَعْدَ أَن يَكُونَ قَلِيلًا.
وَقِيلَ: كلُّ مُجْتَمِعٍ مِنْ طعامٍ، أَو غَيْرِهِ، بَعْدَ أَن يَكُونَ قَلِيلًا، فَهُوَ كُثْبةٌ.
وَمِنْهُ سُمِّيَ الكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ، لأَنه انْصَبَّ فِي مكانٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «ثلاثةٌ عَلَى كُثُبِ المِسْكِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى كُثْبانِ المِسْك، هُمَا جَمْعُ كَثِيبٍ».
والكَثِيبُ: المُسْتَطيلُ المُحْدَوْدِبُ.
وَيُقَالُ للتَّمْر، أَو للبُرِّ وَنَحْوِهِ إِذا كَانَ مَصْبوبًا فِي مَوَاضِعَ، فكُلُّ صُوبةٍ مِنْهَا: كُثْبة.
وَفِي حَدِيثِ ماعزِ بْنِ مالكٍ: «أَن النَّبِيَّ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَر بِرَجْمِه حِينَ اعْتَرَفَ بِالزِّنَى، ثُمَّ قَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكم إِلى المرأَة المُغِيبَة، فيَخْدَعُها بالكُثْبَة، لَا أُوتى بأَحدٍ مِنْهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ، إِلَّا جعلْتُه نَكالًا.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ قَالَ شُعْبةُ: سأَلتُ سِماكًا عَنِ الكُثْبة، فَقَالَ: القليلُ مِنَ اللَّبن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ اللَّبَنِ.
أَبو حَاتِمٍ: احْتَلَبوا كُثَبًا أَي مِنْ كلِّ شاةٍ شَيْئًا قَلِيلًا.
وَقَدْ كَثَبَ لَبَنُها إِذا قَلَّ إِمَّا عِنْدَ غزارةٍ، وإِما عِنْدَ قِلَّةِ كَلإٍ.
والكُثْبة: كلُّ قَلِيلٍ جَمَعْتَه مِنْ طَعَامٍ، أَو لَبَنٍ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ.
والكَثْباءُ، مَمْدُودٌ: التُّرابُ.
ونَعَمٌ كُثابٌ: كَثِيرٌ.
والكُثَّابُ: السَّهْمُ عامَّةً، وَمَا رَمَاهُ بكُثَّابٍ أَي بسَهْمٍ؛ وَقِيلَ: هُوَ الصَّغِيرُ مِنَ السِّهام هَاهُنَا.
الأَصمعي: الكُثَّابُ سَهْمٌ لَا نَصْلَ لَهُ، وَلَا ريشَ، يَلْعَبُ بِهِ الصِّبيان؛ قَالَ الرَّاجِزُ فِي صِفَةِ الْحَيَّةِ.
كأَنَّ قُرْصًا مِنْ طَحِينٍ مُعْتَلِثْ، ***هامَتُه فِي مِثْلِ كُثَّابِ العَبِثْ
وجاءَ يَكْثُبه أَي يَتْلُوه.
والكاثِبةُ مِنَ الفَرس: المَنْسِجُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ المَنْسِج؛ وَقِيلَ: هُوَ مُقَدَّمُ المَنْسِج، حَيْثُ تَقَع عَلَيْهِ يَدُ الفارِس، والجمعُ الكواثِبُ؛ وَقِيلَ: هِيَ مِنْ أَصل العُنُق إِلى مَا بَيْنَ الكَتِفَيْن؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
لَهُنَّ عَلَيْهِمْ عادةٌ قَدْ عَرَفْنَها، ***إِذا عُرِضَ الخَطِّيُّ فَوْقَ الكَواثِبِ
وَقَدْ قِيلَ فِي جَمْعِهِ: أَكْثابٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ ذَلِكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «يَضَعُونَ رِماحَهم عَلَى كَواثِبِ خَيْلِهِمْ»، وَهِيَ مِنَ الفَرس، مُجْتَمع كَتِفَيْه قُدَّامَ السَّرْج.
والكاثِبُ: موضعٌ، وَقِيلَ: جَبَلٌ؛ قَالَ أَوْسُ بنُ حَجَر يَرْثي فَضالةَ بنَ كِلْدَة الأَسَدِيَّ:
عَلَى السَّيِّدِ الصَّعْبِ، لَوْ أَنه ***يَقُوم عَلَى ذِرْوَةِ الصَّاقِبِ
لأَصْبَحَ رَتْمًا دُقاقُ الحَصى، ***مَكانَ النَّبِيِّ مِنَ الكاثِبِ
النبيُّ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: هُوَ مَا نَبا وارْتَفَع.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: النبيُّ رَمْل مَعْرُوفٌ؛ وَيُقَالُ: هُوَ جمعنابٍ، كغازٍ وغَزِيٍّ.
وَقَوْلُهُ: لأَصْبَحَ، هُوَ جَوَابُ لَوْ فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ يَقُولُ: لَوْ عَلا فَضالةُ هَذَا عَلَى الصاقِبِ، وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ فِي بِلَادِ بَنِي عَامِرٍ، لأَصْبَحَ مَدْقُوقًا مَكْسُورًا، يُعَظِّم بِذَلِكَ أَمْرَ فَضالةَ.
وَقِيلَ: إِن قَوْلَهُ يقوم، بمعنى يُقاومُه.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
64-لسان العرب (حتت)
حتت: الحَتُّ: فَرْكُكَ الشيءَ اليابسَ عَنِ الثَّوْب، وَنَحْوِهِ.حَتَّ الشيءَ عَنِ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ يَحُتُّه حَتًّا: فَركَه وقَشَره، فانْحَتَّ وتَحاتَّ؛ واسمُ مَا تَحاتَّ مِنْهُ: الحُتاتُ، كالدُّقاقِ، وَهَذَا الْبِنَاءُ مِنَ الْغَالِبِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وعامَّتِه الهاءُ.
وكلُّ مَا قُشِرَ، فَقَدْ حُتَّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه قَالَ لامرأَة سأَلته عَنِ الدَّمِ يُصيب ثَوبَها، فَقَالَ لَهَا: حُتِّيه وَلَوْ بضِلَعٍ»؛ مَعْنَاهُ: حُكِّيه وأَزِيليه.
والضِّلَعُ: العُودُ.
والحَتُّ والحَكُّ والقَشْرُ سَوَاءٌ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا أَخَذَ الدِّيوانَ، حَتَّى تَصَعْلَكا ***زَمانًا، وحَتَّ الأَشْهبانِ غِناهُما
حَتَّ: قَشَر وحَكَّ.
وتَصَعْلَك: افْتَقَر.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «أَنَّ أَسْلَمَ كانَ يأْتيه بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْر، فَيَقُولُ: حُتَّ عَنْهُ قِشْرَه»أَي اقْشِرْه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْب: يُبْعَثُ مِنْ بَقِيعِ الغَرْقَدِ سَبْعُونَ أَلفًا، هُمْ خِيارُ مَن يَنْحَتُّ عَنْ خَطْمه المَدَرُ
أَي يَنْقَشِرُ ويَسْقُط عَنْ أُنوفهم المَدَرُ، وَهُوَ التُّراب.
وحُتاتُ كُلّ شَيْءٍ: مَا تَحاتَّ مِنْهُ؛ وأَنشد:
تَحُتُّ بِقَرنَيْها بَرِيرَ أَراكةٍ، ***وتَعْطُو بِظِلْفَيْها، إِذا الغُصْنُ طالَها
والحَتُّ دُونَ النَّحْت.
قَالَ شَمِرٌ: تَرَكْتُهم حَتًّا فَتًّا بَتًّا إِذا اسْتَأْصَلْتَهم.
وَفِي الدُّعاء: تَرَكَه اللَّهُ حَتًّا فَتًّا لَا يَمْلأُ كَفًّا أَي مَحْتُوتًا أَو مُنْحَتًّا.
والحَتُّ، والانْحِتاتُ، والتَّحاتُّ، والتَّحَتْحُتُ: سُقوطُ الْوَرَقِ عَنِ الغُصن وَغَيْرِهِ.
والحَتُوتُ مِنَ النَّخْلِ: الَّتِي يَتَناثَرُ بُسْرُها، وَهِيَ شَجَرَةٌ مِحْتاتٌ مِنْثارٌ.
وتَحاتَّ الشيءُ أَي تَناثَرَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «ذاكرُ اللَّهِ فِي الغافِلينَ مَثَلُ الشَّجرة الخَضْراء وَسَطَ الشَّجَر الَّذِي تَحاتَّ وَرَقُه مِنَ الضَّريبِ»؛ أَي تَساقَطَ.
والضَّريبُ: الصَّقِيعُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «تَحاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبه»أَي تَساقَطَتْ.
والحَتَتُ: دَاءٌ يُصيب الشَّجَرَ، تَحاتُّ أَوراقُها مِنْهُ.
وانْحَتَّ شَعَرُه عَنْ رأْسه، وانْحَصَّ إِذا تَساقَطَ.
والحَتَّةُ: القَشْرَةُ.
وحَتَّ اللَّهُ مَالَهُ حَتًّا: أَذْهَبَه، فأَفْقَره، عَلَى الْمِثْلِ.
وأَحَتَّ الأَرْطى: يَبِسَ.
والحَتُّ: العَجلَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وحَتَّه مائةَ سَوْطٍ: ضَربَه وعَجَّلَ ضَرْبَه.
وحَتَّه دَرَاهِمَهُ: عَجَّل لَهُ النَّقْدَ.
وَفَرَسٌ حَتٌّ: جَواد سَرِيعٌ، كَثِيرُ العَدْو؛ وَقِيلَ: سريعُ العَرَقِ، وَالْجَمْعُ أَحْتاتٌ، لَا يُجاوَزُ بِهِ هَذَا البناءُ.
وبَعِير حَتٌّ وحَتْحَتٌ: سريعُ السَّيْرِ خفيفٌ، وَكَذَلِكَ الظَّلِيمُ؛ وَقَالَ الأَعْلم بْنُ عَبْدِ اللَّه الْهُذَلِيُّ:
عَلَى حَتِّ البُرايةِ، زمْخَرِيِّ السَواعِدِ، ***ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ
وإِنما أَراد حَتًّا عِنْدَ البُرايةِ أَي سَريع عند ما يَبْريه مِنَ السَّفَر؛ وَقِيلَ: أَرادَ حَتَّ البَرْيِ، فَوَضَعَ الاسمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ؛ وَخَالَفَ قَوْمٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ تَفْسِيرَ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالُوا: يَعْنِي بَعِيرًا، فَقَالَ الأَصمعي: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ قَبْلَهُ:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ عَلَى هِجَفٍّ، ***يَعِنُّ مَعَ العَشِيَّةِ للرِّئالِ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه إِنما هُوَ ظَلِيمٌ، شَبَّه بِهِ فَرَسَه أَو بعيرَه، أَلا تَراه قَالَ: هِجَفٍّ، وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الظَّلِيمِ، وَقَالَ: ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ، والفرسُ أَو البَعِيرُ لَا يأْكلانِ الشَّرْيَ، إِنما يَهْتَبِدُه النَّعامُ، وَقَوْلُهُ: حَتِّ البُراية، لَيْسَ هُوَ مَا ذَهَبَ إِليه مِنْ قَوْلِهِ: إِنه سَرِيعٌ عند ما يَبْريه مِنَ السَّفَر، إِنما هُوَ مُنْحَتُّ الرِّيشِ لِمَا يَنْفُضُ عَنْهُ عِفاءَه مِنَ الرَّبِيعِ، ووَضَع الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ الحَتُّ موضعَ الصِّفَةِ الَّذِي هُوَ المُنْحَتُّ؟ والبُراية: النُّحاتةُ.
وزَمْخَريُّ السَّواعِدِ: طويلُها.
والحَتُّ: السريعُ أَي هُوَ سَرِيعٌ عِنْدَمَا بَرَاهُ السَّيْرُ.
والشَّرْيُ: شجرُ الحَنْظلِ، وَاحِدَتُهُ شَرْيَة.
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: الشَّرْيُ شَجَرٌ تُتَّخذ مِنْهُ القِسيُّ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ، يُريد أَنهنَّ إِذا كُنَّ طِوالًا سَتَرْته فَزَادَ اسْتِيحاشُه، وَلَوْ كُنَّ قِصارًا لَسَرَّح بَصَرَه، وطابَتْ نفسُه، فَخَفَّضَ عَدْوَهُ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَصمعي: شَبَّه فَرَسَهُ فِي عَدْوه وهَرَبِه بِالظَّلِيمِ، واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ عَلَى هِجَفٍ قَالَ: وَفِي أَصل النُّسْخَةِ شَبَّه نَفْسَه فِي عَدْوه، قَالَ: وَالصَّوَابُ شَبَّه فَرسَه.
والحَتْحَتَةُ: السُّرْعة.
والحَتُّ أَيضًا: الْكَرِيمُ العَتِيقُ.
وحَتَّه عَنِ الشَّيْءِ يَحُتُّه حَتًّا: رَدَّهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه قَالَ لسَعْدٍ يَوْمَ أُحُدٍ: احْتُتْهم يَا سَعْدُ، فِداك أَبي وأُمي»؛ يَعْنِي ارْدُدْهم.
قَالَ الأَزهري: إِن صَحَّت هَذِهِ اللفظةُ، فَهِيَ مأْخوذة مِنْ حَتَّ الشيءَ، وَهُوَ قَشْرُه شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وحَكُّه.
والحَتُّ: القَشْر.
والحَتُّ: حَتُّكَ الورقَ مِنَ الغُصْن، والمَنِيَّ مِنَ الثَّوْبِ وَنَحْوُهُ.
وحَتُّ الجَراد: مَيِّته.
وَجَاءَ بتَمْرٍ حَتٍّ: لَا يَلْتَزِق بعضُه بِبَعْضٍ.
والحُتاتُ مِنْ أَمراض الإِبل: أَن يأْخُذَ البعيرَ هَلْسٌ، فَيَتَغَيَّرُ لَحمُه وطَرْقُه ولَوْنُه، ويَتَمعَّطُ شَعَرُه؛ عَنِ الهَجَرِيِّ.
والحَتُّ: قَبِيلَةٌ مِنْ كِنْدَةَ، يُنْسَبون إِلى بَلَدٍ، لَيْسَ بأُمّ وَلَا أَب؛ وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
فإِنكَ واجِدٌ دُونِي صُعُودًا، ***جَراثِيمَ الأَقارِع والحُتاتِ
فيَعْني بِهِ حُتاتَ بنَ زيْدٍ المُجاشِعيَّ؛ وأَورد هَذَا اللَّيْثُ فِي تَرْجَمَةِ قَرَع، وَقَالَ: الحُتاتُ بِشْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَلْقمة.
وحَتِّ: زَجْرٌ لِلطَّيْرِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحَتَّى حرف من حروف الجر كإِلى، وَمَعْنَاهُ الْغَايَةُ، كَقَوْلِكَ: سِرْتُ اليومَ حَتَّى الليلِ أَي إِلى اللَّيْلِ، وَتَدْخُلُ عَلَى الأَفعال الْآتِيَةِ فَتَنْصِبُهَا بإِضمار أَن، وَتَكُونُ عَاطِفَةً؛ وَقَالَ الأَزهري: قَالَ النَّحْوِيُّونَ حَتَّى تَجِيءُ لِوَقْتٍ مُنْتَظَر، وَتَجِيءُ بِمَعْنَى إِلى، وأَجمعوا أَنَّ الإِمالة فِيهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ، وَكَذَلِكَ فِي عَلَى؛ ولِحَتى فِي الأَسماء والأَفعال أَعمالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَمْ يُفَسِّرْهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى فَعْلى مِنَ الحَتِّ، وَهُوَ الفَراغُ مِنَ الشَّيْءِ، مِثْلُ شَتَّى مِنَ الشَّتِّ؛ قَالَ الأَزهري: وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِمَّا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ، لأَنها لَوْ كَانَتْ فَعْلى مِنَ الحتِّ، كَانَتِ الإِمالةُ جَائِزَةً، وَلَكِنَّهَا حرفُ أَداةٍ، وَلَيْسَتْ بِاسْمٍ، وَلَا فِعْلٍ؛ وقالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَتَّى فَعْلى، وَهِيَ حَرْفٌ، تَكُونُ جارَّةً بِمَنْزِلَةِ إِلى فِي الِانْتِهَاءِ وَالْغَايَةِ، وَتَكُونُ عَاطِفَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَقَدْ تَكُونُ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ، يُسْتأْنف بِهَا الكلامُ بَعْدَهَا؛ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو الأَخْطل، وَيَذْكُرُ إِيقاع الجَحَّافِ بِقَوْمِهِ:
فَمَا زَالَتِ القَتْلى تَمُجُّ دماءَها ***بدِجْلَةَ، حَتَّى ماءُ دِجْلةَ أَشْكَلُ
لَنَا الفَضلُ فِي الدُّنيا، وأَنْفُكَ راغِمٌ، ***ونحنُ لَكُمْ، يومَ القيامةِ، أَفْضَلُ
والشَّكَلُ: حُمْرة فِي بَيَاضٍ؛ فإِن أَدخلتها عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ، نَصَبْتَهُ بإِضمار أَن، تَقُولُ: سِرْتُ إِلى الْكُوفَةِ حَتَّى أَدخُلَها، بِمَعْنَى إِلى أَن أَدخلها؛ فإِن كنتَ فِي حالِ دخولٍ رَفَعْتَ.
وَقُرِئَ: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ، ويقولُ، فمَن نَصَبَ جَعَلَهُ غَايَةً، ومَن رَفَعَ جَعَلَهُ حَالًا، بِمَعْنَى حَتَّى الرسولُ هَذِهِ حالهُ؛ وَقَوْلُهُمْ: حَتَّامَ، أَصلُه حَتَّى مَا، فَحُذِفَتْ أَلف مَا لِلِاسْتِفْهَامِ؛ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ يُضَافُ فِي الِاسْتِفْهَامِ إِلى مَا، فإِن أَلف مَا تُحْذَفُ فِيهِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ؟} و {فِيمَ كُنْتُمْ؟} و {لِمَ تُؤْذُونَنِي؟} و {عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟} وهُذَيْلٌ تَقُولُ: عَتَّى في حتَّى}.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
65-لسان العرب (نفت)
نفت: نَفَتَ الرجلُ يَنفِتُ نَفْتًا ونَفِيتًا ونُفاتًا ونَفَتانًا: غَضِبَ؛ وَقِيلَ: النَّفَتانُ شَبِيهٌ بالسُّعالِ والنَّفخ عند الغضب.وَيُقَالُ: إِنه لَيَنْفِتُ عَلَيْهِ غَضَبًا ويَنْفِطُ، كَقَوْلِكَ: يَغْلي عَلَيْهِ غَضبًا.
ونَفَتَتِ القِدْرُ تَنْفِتُ نَفْتًا ونَفَتانًا ونَفِيتًا إِذا كانتْ تَرْمِي بِمِثْلِ السِّهَامِ مِنَ الغَليِ، وَقِيلَ: نَفَتَتِ القِدْرُ إِذا غَلى المَرقُ فِيهَا، فلَزِقَ بجَوانب القِدْر مَا يَبِسَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ النَّفْتُ.
قَالَ: وَانْصِمَامُهُ النَّفَتان حَتَّى تَهِمَّ القِدْرُ بالغَلَيان.
والقِدْرُ تَنافَتُ وتَنافَطُ، ومِرْجَل نَفُوتٌ.
ونَفَتَ الدقيقُ ونحوُه يَنْفِتُ نَفْتًا إِذا صُبَّ عَلَيْهِ الماءُ فتَنَفَّخَ.
والنَّفِيتةُ: الحَريقَة، وَهِيَ أَن يُذَرَّ الدقيقُ عَلَى مَاءٍ أَو لَبَنٍ حليبٍ حَتَّى تَنْفِتَ، ويُتَحَسَّى مِنْ نَفْتِها، وَهِيَ أَغلظ مِنَ السَّخِينة، يَتَوسَّعُ بِهَا صاحبُ العيالِ لِعِيَالِهِ إِذا غَلَب عَلَيْهِ الدَّهْرُ، وإِنما يأْكلون النَّفِيتةَ والسَّخِينةَ فِي شِدَّة الدَّهْر، وغَلاء السِّعْر، وعَجَفِ الْمَالِ.
وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَذْرَقَ: السَّخِينةُ دَقِيقٌ يُلْقَى عَلَى مَاءٍ أَو لَبن فيُطْبَخُ، ثُمَّ يؤْكل بِتَمْرٍ أَو بحَساءٍ، وَهُوَ الحَساءُ، قَالَ: وَهِيَ السَّخُونة أَيضًا، والنَّفِيتةُ، والحُدْرُقَّة، والخَزيرة، والحريرةُ أَرَقُّ مِنْهَا، والنَّفِيتةُ: حَساءٌ بين الغَليظة والرَّقيقةِ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
66-لسان العرب (حثث)
حثث: الحَثُّ: الإِعْجالُ فِي اتِّصالٍ؛ وَقِيلَ: هَوَ الاستعجالُ مَا كَانَ.حَثَّهُ يَحُثُّهُ حَثًّا.
واسْتَحَثَّه واحْتَثَّه، والمُطاوع مِنْ كُلِّ ذَلِكَ احْتَثَّ.
والحِثِّيثَى: الاسْمُ نَفْسُه؛ يُقَالُ: اقْبَلُوا دِلِّيلى رَبِّكُمْ وحِثِّيثاهُ إِياكم.
وَيُقَالُ: حَثَثْتُ فُلَانًا، فاحْتَثَّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحِثِّيثَى الحَثُّ، وَكَذَلِكَ الحُثْحُوثُ.
وحَثْحَثَه كحَثَّه، وحَثَّثَه أَي حَضَّه؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ تأَبط شَرًّا:
كأَنما حَثْحَثُوا حُصًّا قَوادِمُه، ***أَو أُمَّ خِشْفٍ بِذِي شَثٍّ وطُبّاقِ
إِنه أَراد حَثَّثُوا، فأَبدل مِنَ الثَّاءِ الوُسْطَى حَاءً، فمردودٌ عِنْدَنَا؛ قَالَ: وإِنما ذَهَبَ إِلى هَذَا الْبَغْدَادِيُّونَ، قَالَ: وسأَلت أَبا عَلِيٍّ عَنْ فسادِه، فَقَالَ: الْعِلَّةُ أَن أَصل الْبَدَلِ فِي الْحُرُوفِ إِنما هُوَ فِيمَا تَقَارَبَ مِنْهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ الدَّالِ وَالطَّاءِ، وَالتَّاءِ وَالظَّاءِ، وَالذَّالِ وَالثَّاءِ، وَالْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ، وَالْمِيمِ وَالنُّونِ، وَغَيْرِ ذلك مماتَدَانَتْ مَخَارِجُهُ.
وأَما الْحَاءُ فَبَعِيدَةٌ مِنَ الثَّاءِ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَمْنَعُ مِنْ قَلْبِ إِحداهما إِلى أُختها.
وحَثَّثَهُ تَحْثِيثًا، وحَثْحَثَه، بِمَعْنًى.
وَولَّى حَثِيثًا أَي مُسْرِعًا حَريصًا.
وَلَا يَتَحاثُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ أَي لَا يَتَحاضُّون.
وَرَجُلٌ حَثيثٌ ومَحْثُوثٌ: حادٌّ سَريعٌ فِي أَمره كأَنَّ نَفْسَه تَحُثُّه.
وَقَوْمٌ حِثاثٌ، وامرأَة حَثِيثة فِي موضعِ حاثَّةٍ، وحَثِيثٌ فِي موضعِ مَحْثُوثةٍ؛ قَالَ الأَعشى:
تَدَلَّى حَثِيثًا، كأَنَّ الصُّوارَ ***يَتْبَعُه أَزْرَقِيٌّ لَحِمْ
شبَّه الْفَرَسَ فِي السُّرْعة بِالْبَازِي.
والطائرُ يَحُثُّ جَناحَيْه فِي الطَّيَران: يُحَرِّكُهما؛ قَالَ أَبو خِراشٍ: يُبادِرُ جُنْحَ اللَّيْلِ، فَهُوَ مُهابِدٌ، يَحُثُّ الجَناحَ بالتَّبَسُّطِ والقَبْضِ وَمَا ذُقْتُ حَثاثًا وَلَا حِثاثًا أَي مَا ذُقْتُ نَوْمًا.
وَمَا اكْتَحَلْتُ حَثاثًا وحِثاثًا، بِالْكَسْرِ، أَي نَوْمًا.
قَالَ أَبو عُبيد: وَهُوَ بِالْفَتْحِ أَصحُّ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وللهِ مَا ذاقَتْ حَثَاثًا مَطِيَّتي، ***وَلَا ذُقْتُه، حَتَّى بَدا وَضَح الفَجْر
وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: نَوْمٌ حِثاثٌ أَي قليلٌ، كَمَا يُقَالُ: نومٌ غِرارٌ.
وَمَا كُحِلَتْ عَيْنِي بِحَثاث أَي بنَوْم.
وَقَالَ الزُّبَيْر: الحَثْحاثُ والحُثْحُوثُ: النَّوْمُ: وأَنشد:
مَا نِمْتُ حُثْحُوثًا، وَلَا أَنامُه ***إِلا عَلَى مُطَرَّدٍ زِمامُه
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ كَثْوَةَ: مَا جَعَلْتُ فِي عَيْني حِثَاثًا؛ عِنْدَ تأْكيد السَّهَرِ.
وحَثَّثَ الرجلُ إِذا نَامَ.
والحِثاثَةُ، بِالْكَسْرِ: الحَرُّ والخُشُونة يَجدُها الإِنسانُ فِي عَيْنَيْه.
قَالَ راويةُ أَمالي ثَعْلَب: لَمْ يَعْرِفها أَبو الْعَبَّاسِ.
والحُثُّ: الرَّمْلُ الغَلِيظُ اليابِسُ الخَشِنُ؛ قَالَ:
حَتَّى يُرَى فِي يابِس الثَّرْياء حُثّ، ***يَعْجِزُ عَنْ رِيِّ الطُّلَيِّ المُرْتَغِثْ
أَنشده ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ الأَصمعي.
وسَوِيقٌ حُثٌّ: لَيْسَ بدَقِيقِ الطَّحْنِ، وَقِيلَ: غيرُ مَلْتُوتٍ؛ وكُحْلٌ حُثٌّ، مِثلُه؛ وَكَذَلِكَ مِسْكٌ حُثٌّ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِنّ بأَعْلاكَ لَمِسْكًا حُثَّا، ***وغَلَبَ الأَسْفَلُ إِلَّا خُبْثا
عَدَّى غَلَبَ هُنَا، لأَن فِيهِ مَعْنَى أَبى.
وَمَعْنَاهُ: أَنه كَانَ إِذا أَخَذَه وحَمله سَلَحَ عَلَيْهِ.
والحُثُّ، بِالضَّمِّ: حُطامُ التِّبْنِ، والرملُ الخَشِنُ، والخُبْزُ القَفارُ.
وتَمْرٌ حُثٌّ: لَا يَلْزَقُ بَعْضُه بِبَعْضٍ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ: وَجَاءَنَا بتَمْرٍ فَذٍّ، فَضٍّ، وحُثٍّ أَي لَا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
والحَثْحَثَةُ: الاضطرابُ؛ وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ اضطرابَ البَرْق فِي السَّحاب، وانْتِخالَ الْمَطَرِ وَالْبَرَدِ وَالثَّلْجِ مِنْ غَيْرِ انْهِمار.
وخِمْسٌ حَثْحاثٌ، وحَذْحاذ، وقَسْقاسٌ، كلُّ ذَلِكَ: السَّيْرُ الَّذِي لَا وَتِيرة فِيهِ.
وقَرَبٌ حَثْحاث، وثَحْثاحٌ، وحَذْحاذٌ، ومُنَحِّبٌ أَي شَدِيدٌ.
وقَرَبٌ حَثْحاثٌ أَي سَرِيعٌ، لَيْسَ فِيهِ فُتُور.
وخِمْس قَعْقاع وحَثْحاث إِذا كَانَ بَعِيدًا والسيرُ فِيهِمُتْعِبًا لَا وَتِيرَةَ فِيهِ أَي لَا فُتُور فِيهِ.
وَفَرَسٌ جَوادُ المَحَثَّة أَي إِذا حُثَّ جَاءَهُ جَريٌ بَعْدَ جَرْيٍ.
والحَثْحَثَة: الْحَرَكَةُ المُتَداركة.
وحَثْحَثَ المِيلَ فِي الْعَيْنِ: حَرَّكه؛ يُقَالُ: حَثْحَثوا ذَلِكَ الأَمْرَ ثُمَّ تَركُوه أَي حَرَّكُوه.
وحَيَّة حَثْحاثٌ ونَضْناضٌ: ذُو حَرَكَةٍ دَائِمَةٍ.
وَفِي حَدِيثِ سَطِيح: «كأَنما حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَن»؛ أي حُثَّ وأُسْرِعَ.
يُقَالُ: حَثَّه عَلَى الشيءِ وحَثْحَثَه، بِمَعْنًى.
وَقِيلَ: الْحَاءُ الثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنْ إِحدى الثاءَين.
والحُثْحُوث: الدَّاعِي بسُرْعة، وَهُوَ أَيضًا السَّرِيعُ مَا كَانَ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والحُثْحُوثُ الكَتيبة.
أُرَى: والحُثُّ المَدْقُوق مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
67-لسان العرب (خزر)
خزر: الخَزَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: كسْرُ الْعَيْنِ بَصَرَها خِلْقَةً وَقِيلَ: هُوَ ضِيقُ الْعَيْنِ وَصِغَرُهَا، وَقِيلَ: هُوَ النَّظَرُ الَّذِي كأَنه فِي أَحد الشِّقَّينِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَفْتَحَ عَيْنَهُ وَيُغْمِضَهَا، وَقِيلَ: الخَزَرُ هُوَ حَوَلُ إِحدى الْعَيْنَيْنِ، والأَحْوَلُ: الَّذِي حَوِلَتْ عَيْنَاهُ جَميعًا، وَقِيلَ: الأَخْزَرُ الَّذِي أَقبلت حَدَقَتاه إِلى أَنفه، والأَحول: الَّذِي ارْتَفَعَتْ حَدَقَتَاهُ إِلى حَاجِبَيْهِ؛ وَقَدْ خَزِرَ خَزَرًا، وَهُوَ أَخْزَرُ بَيِّنُ الخَزَرِ، وَقَوْمٌ خُزْرٌ؛ وَيُقَالُ: هُوَ أَن يَكُونَ الإِنسان كأَنه يَنْظُرُ بمُؤْخُرِها؛ قَالَ حَاتِمٌ:ودُعيتُ فِي أُولى النَّدِيِّ، وَلَمْ ***يُنْظَرْ إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ خُزْرِ
وتَخازَرَ: نَظَرَ بمُؤْخُرِ عَيْنِهِ.
والتَّخازُرُ: استعمالُ الخَزَرِ عَلَى مَا اسْتَعْمَلَهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَعْضِ قَوَانِينِ تَفاعَلَ؛ قَالَ: " إِذا تَخازَرْتُ وَمَا بِي مِنْ خَزَرْ "فَقَوْلُهُ وَمَا بِي مِنْ خَزَرٍ يَدُلُّكَ عَلَى أَن التَّخازُرَ هَاهُنَا إِظهار الخَزرِ وَاسْتِعْمَالُهُ.
وتَخازَرَ الرجلُ إِذا ضَيَّقَ جَفْنَهُ لِيُحَدِّدَ النَّظَرَ، كَقَوْلِكَ: تعامَى وتَجاهَلَ.
ابْنُ الأَعرابي: الشيخ يُخَزِّرُ عَيْنَيْهِ لِيَجْمَعَ الضَّوْءَ حَتَّى كأَنهما خِيطَتَا، والشابُّ إِذا خَزَّرَ عَيْنَيْهِ فإِنه يَتَداهَى بِذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا وَيْحَ هَذَا الرأْسِ كَيْفَ اهْتَزَّا، ***وحِيصَ مُوقاهُ وقادَ العَنْزَا؟
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا انْحَنَى مِنَ الكِبَرِ: قادَ العَنْزَ، لأَن قَائِدَهَا يَنْحَنِي.
والخَزَرُ: جِيلٌ خُزْرُ الْعُيُونِ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «كأَني بِهِمْ خُنْسُ الأُنُوف خُزْرُ الْعُيُونِ».
والخُزْرَةُ: انقلابُ الْحَدَقَةِ نَحْوَ اللِّحاظ، وَهُوَ أَقبح الحَوَلِ؛ وَرَجُلٌ خَزَرِي وَقَوْمٌ خُزْرٌ.
وخَزَرَهَ يَخْزُرُه خَزْرًا: نَظَرَهُ بِلِحاظِ عَيْنِهِ؛ وأَنشد: " لَا تَخْزُرِ القومَ شَزْرًا عَنْ مُعارَضَةٍ وعدوٌّ أَخْزَرُ الْعَيْنِ: يَنْظُرُ عَنْ مُعَارَضَةٍ كالأَخْزَرِ الْعَيْنِ.
أَبو عَمْرٍو: الخازِرُ الدَّاهِيَةُ مِنَ الرِّجَالِ.
ابْنُ الأَعرابي: "خَزَر.
إِذا تَداهَى، وخَزِرَ إِذا هَرَبَ.
والخِنْزِيرُ: مِنَ الْوَحْشِ الْعَادِيِّ مَعْرُوفٌ، مأْخوذ مِنَ الخَزَرِ لأَن ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ رُبَاعِيٌّ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي تَرْجَمَتِهِ.
والخَزِيرَةُ والخَزِيرُ: اللَّحْمُ الغابُّ يؤْخذ فَيُقَطَّعُ صِغَارًا فِي القِدْرِ ثُمَّ يُطْبَخُ بِالْمَاءِ الْكَثِيرِ وَالْمِلْحِ، فإِذا أُميت طَبْخًا ذرَّ عَلَيْهِ الدَّقِيقَ فَعُصِدَ بِهِ ثُمَّ أُدِمَ بأَيِّ أَدَامٍ شِيءَ، وَلَا تَكُونُ الخَزِيرَةُ إِلا وَفِيهَا لَحْمٌ، فإِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا لَحْمٌ فَهِيَ عَصِيدَة، قَالَ جَرِيرٌ:
وُضِعَ الخَزِيرُ فَقِيلَ: أَيْنَ مُجاشِعُ؟ ***فَشَحَا جَحافِلَهُ جُرافٌ هِبْلَعُ
وَقِيلَ: الخَزِيرَةُ مَرَقَة، وَهِيَ أَن تُصَفَّى بُلالَةُ النُّخالة ثُمَّ تُطْبَخَ، وَقِيلَ: الخَزِيرَةُ والخَزِيرُ الحَسَا مِنَ الدَّسَمِ وَالدَّقِيقِ، وَقِيلَ: الحَسَا مِنَ الدَّسَمِ؛ قَالَ:
فَتَدْخُلُ أَيْدٍ فِي حَناحِرَ أُقْنِعَتْ، ***لِعادَتِها، مِنَ الخَزِيرِ المُعَرَّفِ
أَبو الْهَيْثَمِ: أَنه كَتَبَ عَنْ أَعرابي قَالَ: السَّخِينَةُ دَقِيقٌ يُلْقَى عَلَى مَاءٍ أَو عَلَى لَبَنٍ فَيُطْبَخُ ثُمَّ يُؤْكَلُ بِتَمْرٍ أَو بحَسًا، وَهُوَ الحَسَاء، قَالَ: وَهِيَ السَّخُونَةُ أَيضًا، وَهِيَ النَّفِيتَةُ والحُدْرُقَّةُ والخَزِيرَةُ، والحَرِيرَةُ أَرَقُّ مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ عِتْبان: «أَنه حَبَسَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَلَى خَزِيرَةٍ تُصْنَعُ لَهُ»، وَهُوَ مَا فَسَّرْنَاهُ، وَقِيلَ: إِذا كَانَتْ مِنْ لَحْمٍ فَهِيَ خَزِيرَةٌ، وَقِيلَ: إِن كَانَتْ مِنْ دَقِيقٍ فَهِيَ حَرِيرَةٌ، وإِن كَانَتْ مِنْ نُخَالَةٍ فَهِيَ خَزِيرَةٌ.
والخُزرَةُ، مِثْلُ الهُمَزة، وَذَكَرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ فُعَلةٍ: دَاءٌ يأْخذ فِي مُسْتَدَقِّ الظَّهْرِ بِفَقْرَةِ القَطَنِ؛ قَالَ يَصِفُ دَلْوًا:
دَاوِ بِهَا ظَهْرَكَ مِنْ تَوْجاعِه، ***مِنْ خُزَراتٍ فِيهِ وانْقِطَاعِه
وَقَالَ: بِهَا يَعْنِي الدَّلْوَ، أَمره أَن يَنْزِعَ بِهَا عَلَى إِبله، وَهَذَا لَعِبٌ منه وهزؤ.
والخَيْزَرَى والخَوْزَرَى والخَيْزَلى والخَوْزَلى: مِشْيَةٌ فِيهَا ظَلَعٌ أَو تَفَكُّكٌ أَو تَبَخْتُرٌ؛ قَالَ عُرْوَةُ بنُ الوَرْدِ:
والنَّاشِئات المَاشِيات الخَوْزَرَى، ***كَعُنُقِ الآرامِ أَوْفَى أَوْ صَرَى
مَعْنَى أَوفى: أَشرف، وصَرَى: رَفَعَ رأْسه.
والخَيْزُرانُ: عُودٌ مَعْرُوفٌ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الخَيْزُرَانُ نَبَاتٌ لَيِّنُ القُضْبَانِ أَمْلَسُ الْعِيدَانِ لَا يَنْبُتُ بِبِلَادِ الْعَرَبِ إِنما يَنْبُتُ بِبِلَادِ الرُّومِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
أَتَاني نَصْرُهُمْ، وهُمُ بَعِيدٌ، ***بِلادُهُمُ بِلادُ الخَيْزُرانِ
وَذَلِكَ أَنه كَانَ بِالْبَادِيَةِ وَقَوْمُهُ الَّذِينَ نَصَرُوهُ بالأَرياف وَالْحَوَاضِرِ، وَقِيلَ: أَراد أَنهم بَعِيدٌ مِنْهُ كَبُعْدِ بِلَادِ الرُّومِ، وَقِيلَ: كلُّ عُودٍ لَدْنٍ مُتَثَنٍّ خَيْزُرانٌ، وَقِيلَ: هُوَ شَجَرٌ، وَهُوَ عُرُوقُ القَنَاةِ، وَالْجَمْعُ الخَيازِرُ.
والخَيْزُرانُ: الْقَصَبُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ سَحَابًا:
كأَنَّ المَطافِيلَ المَوالِيهَ وَسْطَهُ، ***يُجاوِبُهُنَّ الخَيْزُرانُ المُثَقَّبُ
وَقَدْ جَعَلَهُ الرَّاجِزُ خَيْزُورًا فَقَالَ: مُنْطَوِيًا كالطَّبقِ الخَيْزُورِ "والخَيْزُرانُ: الرِّمَاحُ لتثنِّيها وَلِينِهَا؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
جَهِلْتُ مِنْ سَعْدٍ وَمِنْ شُبَّانِها، ***تَخْطِرُ أَيْدِيها بِخَيْزُرانها
يَعْنِي رِمَاحَهَا.
وأَراد جَمَاعَةً تَخْطِرُ أَو عُصْبَةً تَخْطِرُ فَحَذَفَ الْمَوْصُوفَ وأَقام الصِّفَةَ مَقَامَهُ.
والخَيْزُرانَةُ: السُّكَّانُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ يَصِفُ الفُراتَ وَقْتَ مَدِّهِ:
يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ المَلَّاحُ مُعْتَصِمًا ***بالخَيْزُرانَةِ، بعدَ الأَيْنِ والنَّجَدِ
أَبو عُبَيْدٍ: الخَيْزُرانُ السُّكَّانُ، وَهُوَ كَوْثَلُ السَّفِينَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن الشَّيْطَانَ لَمَّا دَخَلَ سَفِينَةَ نُوحٌ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ: اخْرُجْ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ جَوْفِها فَصَعِدَ عَلَى خَيْزُرانِ السَّفِينَةِ»؛ هُوَ سُكَّانُها، وَيُقَالُ لَهُ خَيْزُرانَةٌ، وكلُّ غُصْنٍ مُتَثَنٍّ: خَيْزُرانٌ؛ وَمِنْهُ شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ زَيْنَ الْعَابِدِينَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
فِي كَفِّه خَيْزُرانٌ، رِيحُهُ عَبِقٌ ***مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ، فِي عِرْنِينِهِ شَمَمُ
المُبَرِّدُ: الخَيْزُرانُ المُرْدِيُّ؛ وأَنشد فِي صِفَةِ المَلَّاحِ: " والخَيْزُرانَةُ فِي يَدِ المَلَّاحِ "يَعْنِي المُرْدِيَّ.
قَالَ الْمُبَرِّدُ: والخَيْزُرانُ كُلُّ غُصْنٍ لَيِّنٍ يَتَثَنَّى.
قَالَ: وَيُقَالُ للمُرْدِيِّ خَيْزُران إِذا كَانَ يَتَثَنَّى؛ وَقَالَ أَبو زُبَيْدٍ، فَجُعِلَ المِزمار خَيْزُرانًا لأَنه مِنَ الْيَرَاعِ، يَصِفُ الأَسد:
كأَنَّ اهْتِزامَ الرَّعْدِ خالَطَ جَوْفَهُ، ***إِذا جَنَّ فِيهِ الخَيْزُرانُ المُثَجَّرُ
والمُثَجَّرُ: المُثَقَّبُ المُفَجَّرُ؛ يَقُولُ: كأَنَّ فِي جَوْفِهِ الْمَزَامِيرَ.
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: كُلُّ لَيِّنٍ مِنْ كُلِّ خَشَبَةٍ خَيْزُران.
قَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ: الخَيْزُرانُ لِجَامُ السَّفِينَةِ الَّتِي بِهَا يَقُومُ السُّكَّانُ، وَهُوَ فِي الذَّنَبِ.
وخَيْزَرٌ: اسْمٌ.
وخَزَارَى: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
ونَحْنُ غَداةَ أُوقِدَ فِي خَزَارَى، ***رَفَدْنا فوقَ رَفْدِ الرَّافِدِينا
وخازِرٌ: كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ بَيْنَ إِبراهيم بْنِ الأَشتر وَبَيْنَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَيَوْمَئِذٍ قُتِلَ ابْنُ زياد.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
68-لسان العرب (حفز)
حفز: الحَفْزُ: حَثُّك الشَّيْءَ مِنْ خَلْفِهِ سَوْقًا وَغَيْرَ سَوْقٍ، حَفَزَه يَحْفِزُه حَفْزًا؛ قَالَ الأَعشى:لَهَا فَخِذانِ يَحْفِزانِ مَحالَةً ***وَدَأْيًا، كبُنْيان الصُّوى، مُتلاحِكا
وَفِي حَدِيثِ البُراقِ: «وَفِي فَخِذَيْهِ جَنَاحَانِ يَحْفِزُ بِهِمَا رِجْلَيْهِ».
وَمِنْ مَسَائِلِ سِيبَوَيْهِ: مُرْهُ يَحْفِزُها، رُفِعَ عَلَى أَنه أَراد أَن يَحْفِزَها، فَلَمَّا حَذَفَ أَن رَفَعَ الْفِعْلَ بَعْدَهَا.
وَرَجُلٌ مُحْفِزٌ: حافِزٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
ومُحْفِزَة الحِزامِ بِمِرْفَقَيْها ***كَشاة الرَّبْلِ أَفْلَتَت الكِلابا
مُحْفزة هَاهُنَا: مُفْعِلَة مِنَ الحَفْز، يَعْنِي أَن هَذِهِ الْفَرَسَ تَدْفع الْحِزَامَ بِمَرْفِقَيْهَا مِنْ شِدَّةِ جَرْيِهَا.
وَقَوْسٌ حَفُوز: شَدِيدَةُ الحَفْز وَالدَّفْعِ لِلسَّهْمِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
وحَفَزَه أَي دَفَعَهُ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفِزُه حَفْزًا؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " تُرِيحُ بَعْدَ النَّفَسِ المَحْفوزِ "يُرِيدُ النَّفَس الشَّدِيدَ المتتابِع كأَنه يُحفز أَي يَدْفَعُ مِنْ سِيَاقٍ.
وَقَالَ الْعُكْلِيُّ: رأَيت فُلَانًا مَحْفُوزَ النَّفَس إِذا اشْتَدَّ بِهِ.
والليلُ يَحفِز النهارَ حَفْزًا: يَحُثُّه عَلَى اللَّيْلِ وَيَسُوقُهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " حَفْز اللَّيالي أَمَدَ التَّزْيِيفِ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَنس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ أَشراط السَّاعَةِ حَفْزُ الْمَوْتِ، قيل: وَمَا حَفْزُ الْمَوْتِ؟ قَالَ: مَوْتُ الفَجْأَة.
والحَفْزُ: الحَثّ والإِعْجال.
وَالرَّجُلُ يَحْتَفِزُ فِي جُلُوسِهِ: يُرِيدُ الْقِيَامَ والبطشَ بِشَيْءٍ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: الاحْتِفاز والاستِيفازُ والإِقْعاء وَاحِدٌ.
وَرَوَى الأَزهري عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ذُكِرَ القَدَرُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فاحْتَفَزَ وَقَالَ: لَوْ رأَيت أَحدَهم لعَضَضْت بأَنفه؛ قَالَ النَّضْرُ: احْتَفَزَ اسْتَوَى جَالِسًا عَلَى ورِكَيْه؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير: قَلِقَ وشَخَص ضَجَرًا، وَقِيلَ: اسْتَوَى جَالِسًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ كأَنه يَنْهَضُ.
واحْتَفَزَ فِي مَشْيِهِ: احْتَثَّ وَاجْتَهَدَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
مُجَنّب مِثْلَ تَيْسِ الرَّبل مُحْتَفِز ***بالقُصْرَيَيْنِ، عَلَى أُولاهُ مَصْبُوب
مُحْتَفِز أَي يَجْهَدُ فِي مَدِّ يَدَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: عَلَى أُولاه مَصْبُوبُ، يَقُولُ: يَجْرِي عَلَى جَرْيِهِ الأَوّل لَا يَحُولُ عَنْهُ؛ وَلَيْسَ مِثْلَ قَوْلِهِ: " إِذا أَقْبَلَتْ قلتَ دبَّاءَةٌ ذَاكَ إِنما يُحْمَدُ مِنَ الإِناث.
وَكُلُّ دَفْع حَفْز.
وَفِي حَدِيثِ أَنس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَن رَسُولَ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِتَمْرٍ فَجَعَلَ يَقْسمه وَهُوَ مُحْتَفِزٌ أَي مُسْتَعْجِلٌ مُسْتَوْفِزٌ يُرِيدُ الْقِيَامَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِنَ الأَرض.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكَرَةَ: «أَنه دَبَّ إِلى الصَّفِّ رَاكِعًا وَقَدْ حَفَزَه النَّفَس».
وَيُقَالُ: حافَزْت الرَّجُلَ إِذا جاثيْتَه؛ وَقَالَ الشَّمَّاخُ: كَمَا بادَرَ الخَصْمُ اللَّجُوجُ المُحافِزُ وَقَالَ الأَصمعي: مَعْنَى حافَزْته دَانَيْتُه.
وَقَالَ بَعْضُ الْكِلَابِيِّينَ: الحَفْزُ تَقَارُبُ النَّفَس فِي الصَّدْرِ.
وَقَالَتِ امرأَة مِنْهُمْ: حَفَزَ النَّفَس حِينَ يَدْنُو مِنَ الْمَوْتِ.
والحَوْفَزان: اسْمُ رَجُلٍ، وَفِي التَّهْذِيبِ: لَقَبٌ لجَرَّارٍ مِنْ جَرَّارِي الْعَرَبِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا قادَ أَلْفًا جَرَّار، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَوْفَزانُ اسم الحرث بْنِ شَرِيكٍ الشَّيْبَانِيِّ، لُقّب بِذَلِكَ لأَن بِسْطام بْنَ قَيْس طَعَنَهُ فأَعْجَله؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ التَّمِيمِيَّ حَفَزَه بِالرُّمْحِ حِينَ خَافَ أَن يَفُوتَهُ فَعَرَج مِنْ تِلْكَ الحَفْزَة فَسُمِّيَ بِتِلْكَ الحَفْزَة حَوْفَزانًا؛ حَكَّاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ؛ وأَنشد: جَرِيرٌ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ:
وَنَحْنُ حَفَزْنا الحَوْفَزانَ بِطَعْنَةٍ ***سَقَتْهُ نَجِيعًا مِنْ دَمِ الجَوْفِ أَشْكَلا
وحَفَزْتُه بِالرُّمْحِ: طَعَنْتُه.
والحَوْفَزانُ: فَوْعلان مِنَ الحَفْز.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما قَوْل مَنْ قَالَ إِنما حَفَزه بِسطامُ بنُ قَيْسٍ فَغَلَطٌ لأَنه شَيْبَانِيٌّ، فَكَيْفَ يَفْتَخِرُ جريرٌ بِهِ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَيْسَ البيتُ لِجَرِيرٍ وإِنما هُوَ لسَوّار بْنِ حِبَّانَ المِنْقَري، قَالَهُ يَوْمَ جَدُودٍ؛ وَبَعْدَهُ:
وحُمْرانُ أَدَّتْه إِلينا رِماحُنا ***يُنازِع غُلًّا فِي ذِراعَيْه مُثْقَلا
يَعْنِي بحُمْران ابْنَ حُمْرانَ بنِ عبدِ بنِ عَمْرَو بنِ بِشْرِ بْنِ عَمْرِو بنِ مَرْثَدٍ؛ قَالَ: وأَما قَوْلُ الْآخَرِ:
وَنَحْنُ حَفَزْنَا الْحَوْفَزَانَ بِطَعْنَةٍ ***سَقَتْهُ نَجِيعًا مِنْ دَمِ الْجَوْفِ آنِيَا
فَهُوَ الأَهتم بْنُ سُمَيٍّ المِنْقَري؛ وأَول الشَّعْرِ:
لَمَّا دَعَتْني للسِّيادة مِنْقَرٌ ***لَدَى مَوْطِنٍ أَضْحَى لَهُ النجمُ بادِيا
شَدَدْت لَهَا أُزْرِي، وَقَدْ كنتُ قَبْلها ***أَشُدُّ لأَحْناءِ الأُمُور إِزاريا
ورأَيته مُحْتفِزًا أَي مُستوفِزًا.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذا صَلَّى الرجلُ فَلْيُخَوّ وإِذا صلَّت المرأَة فَلْتَحْتَفِزْ أَي تتضامَّ وتَجْتمع إِذا جَلَسَتْ وإِذا سَجَدَتْ، ولا تُخَوِّي كَمَا يُخَوِّي الرجلُ.
وَفِي حَدِيثِ الأَحْنف: «كَانَ يُوَسِّعُ لِمَنْ أَتاه فإِذا لَمْ يَجِدْ مُتَّسَعًا تَحَفَّزَ لَهُ تَحَفُّزًا».
والحَفَز: الأَجَل فِي لُغَةِ بَنِي سَعْدٍ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ هَذَا الْبَيْتَ:
واللهِ أَفْعَل مَا أَرَدْتُمْ طائِعًا ***أَو تَضْرِبوا حَفَزًا لِعامٍ قابِلِ
أَي تَضْرِبُوا أَجَلًا.
يُقَالُ: جَعَلْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ حَفَزًا أَي أَمدًا، والله أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
69-لسان العرب (قبص)
قبص: القَبْصُ: التناوُلُ بالأَصابع بأَطْرافِها.قَبَصَ يَقْبِصُ قَبْصًا: تناوَلَ بأَطراف الأَصابع، وَهُوَ دُونَ القَبْضِ.
وقرأَ الْحَسَنُ: فقَبَصْت قُبْصةً مِنْ أَثَر الرَّسُولِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ الْفِعْلِ، وقراءَة الْعَامَّةِ: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً.
الْفَرَّاءُ: القَبْضةُ بالكفِّ كُلِّهَا، والقَبْصة بأَطراف الأَصابع، والقُبْصَة والقَبْصةُ: اسْمُ مَا تَناوَلْتَه بِعَيْنِهِ، والقَبِيصةُ: مَا تناوَلْته بأَطراف أَصابعك، والقَبْصةُ مِنَ الطَّعَامِ: مَا حَمَلَتْ كَفَّاك.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه دَعَا بتَمْرٍ فَجَعَلَ بِلالٌ يجيءُ بِهِ قُبَصًا قُبَصًا»؛ هِيَ جَمْعُ قُبْصةٍ، وَهِيَ مَا قُبِصَ كالغُرْفةِ لِمَا غُرِفَ.
وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: « {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} »، يَعْنِي القُبَصَ الَّتِي تُعْطَى الفُقراءَ عِنْدَ الْحَصَادِ.
ابْنُ الأَثير: هَكَذَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ حديثَ بِلَالٍ وَمُجَاهِدٍ فِي الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَذَكَرَهُمَا غَيْرُهُ فِي الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ: وَكِلَاهُمَا جَائِزَانِ وإِن اخْتَلَفَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي بُرْدَةَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبي بَكْرٍ ففَتَح بَابًا فَجَعَلَ يَقْبِصُ لِي مِنْ زَبِيب الطَّائِفِ.
والقَبِيصُ والقَبِيصةُ: الترابُ الْمَجْمُوعُ.
وقِبْصُ النملِ وقَبْصُه: مُجْتَمعُه.
اللَّيْثُ: القِبْصُ مُجْتَمَعُ النَّمْلِ الْكَبِيرُ الْكَثِيرُ.
يُقَالُ: إِنهم لَفِي قِبْصِ الْحَصَى أَي فِي كَثْرَتِهَا لَا يُسْتطاع عَدُّه مِنْ كَثْرَتِهِ.
والقِبْصُ والقَبْصُ: العدَد الْكَثِيرُ، وَفِي الصِّحَاحِ: العددُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَتَخْرُجُ عَلَيْهِمْ قَوَابِص»أَي طَوَائِفُ وَجَمَاعَاتٌ، واحدَتُها قابِصةٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
لَكُمْ مَسْجِدا اللَّهِ المزُوران، وَالْحَصَى ***لَكُمْ قِبْصُه مِنْ بَيْنِ أَثْرَى وأَقْتَرا
أَي مِنْ بَيْنِ مُثْر ومُقِلٍّ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَتى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ قِبْصٌ مِنَ النَّاسِ»؛ أَبو عُبَيْدَةَ: هُوَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ، وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنْ القَبْص.
يُقَالُ: إِنهملَفِي قِبص الْحَصَى.
والقَبَصُ: الخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو.
وَقَدْ قَبِصَ الرجلُ، فَهُوَ قَبِصٌ.
والقَبْصُ والقِبِصَّى: عَدْوٌ شديدٌ، وَقِيلَ: عَدْوٌ كأَنه يَنْزُو فِيهِ، وَقَدْ قَبَصَ يَقْبِصُ؛ قَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ قَبَضَ:
وتَعْدُو القِبِضَّى قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جَرَى، ***وَلَمْ تَدْرِ مَا بالِي، وَلَمْ أَدْرِ مَا لَهَا
قَالَ: والقِبِضَّى والقِمِصَّى ضَرْبٌ مِنَ العَدْوِ فِيهِ نَزْوٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: قَبَصَ، بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، يَقْبِصُ إِذا نزَا، فَهُمَا لُغَتَانِ، قَالَ: وأَحسب بَيْتَ الشَّمَّاخِ يُرْوَى: وتَعْدُو القِبِصَّى، بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَبو عَمْرٍو يَرْوِيه القِبِضَّى، بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، مأْخوذ مِنَ القَباضة وَهِيَ السُّرعة، وَوَجْهُ الأَول أَنه مأْخوذ مِنَ القَبَص وَهُوَ النَّشَاطُ، وَرَوَاهُ المُهَلَّبيُّ القِمِصَّى وَجَعَلَهُ مِنَ القِماصِ.
وَفِي حَدِيثُ الإِسراء والبُراقِ: " فعَمِلَت بأُذُنَيها وقَبَصَت أَي أَسرعت.
وَفِي حَدِيثِ الْمُعْتَدَّةِ لِلْوَفَاةِ: «ثُمَّ تُؤْتى بدابةٍ شاةٍ أَو طيرٍ فتَقْبِصُ بِهِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الأَزهري رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ؛ أي تعدُو مُسْرِعَةً نحوَ مَنْزِل أَبَوَيْها لأَنها كالمُسْتَحْيِيَةِ مِنْ قُبْحِ مَنْظَرِها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ.
التَّهْذِيبِ: يُقَالُ قَبَصَ الفرسُ يَقْبِصُ إِذا نَزَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ رِكَابًا:
فيَقْبِصْنَ مِنْ سادٍ وعادٍ وواخدٍ، ***كَمَا انْصاعَ بالسِّيِّ النعامُ النوافرُ
والقَبُوصُ مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي إِذا رَكَض لَمْ يَمَسَّ الأَرض إِلا أَطرافُ سَنابِكه مِنْ قُدُم؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " سَلِيم الرَّجْع طَهْطاه قَبُوص "وَقِيلَ: هُوَ الوَثِيقُ الخَلْق.
والقَبْصُ والقَبَصُ: وجَعٌ يُصِيبُ الْكَبِدَ عَنْ أَكل التَّمْرِ عَلَى الرِّيقِ وشُرْب الْمَاءِ عَلَيْهِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَرُفْقَةٌ تَشْكُو الجُحافَ والقَبَصْ، ***جلودُهم أَلْيَنُ مِنْ مَسِّ القُمُصْ
ويروى الحُجاف، تَقُولُ مِنْهُ: قَبِصَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ.
وَفِي حَدِيثِ أَسماء قَالَتْ: «رأَيت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فسأَلني: كَيْفَ بَنُوكِ؟ قلتُ: يُقْبَصُون قَبْصًا شديدًا، فأَعطاني حَبّة سَوْدَاءَ كالشُّونِيز شِفاء لَهُمْ، وَقَالَ: أَما السامُ فَلَا أَشْفي مِنْهُ»، يُقْبَصُون؛ أي يُجْمع بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ مِنْ شِدَّةِ الحُمّى.
والأَقْبَصُ مِنَ الرِّجَالِ: العظيمُ الرأْس، قَبِصَ قَبَصًا.
والقَبَصُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ هامةٌ قَبْصاءُ عظيمةٌ ضَخْمَةٌ مُرْتُفِعَةٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " بهامةٍ قَبْصاءَ كالمِهْراسِ "والقَبَصُ فِي الرأْس: ارتفاعٌ فِيهِ وعِظَم؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " قَبْصاء لَمْ تُفْطَحْ وَلَمْ تُكَتّل يَعْنِي الْهَامَةَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مِنْ حينَ قَبِصَ»أَي شَبَّ وَارْتَفَعَ.
والقَبَصُ: ارتفاعٌ فِي الرأْس وعِظَمٌ.
والقَبْصةُ: الجرادةُ الْكَبِيرَةُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
والمِقْبَصُ: المِقْوَسُ وَهُوَ الحَبْل الَّذِي يُمدّ بَيْنَ أَيدي الْخَيْلِ فِي الحَلْبة إِذا سُوبِقَ بَيْنَهَا؛ وَمِنْهُ" قَوْلُهُمْ: أَخَذْتُ فُلَانًا عَلَى المقْبَص وقَبِيصةُ: اسْمُ رَجُلٍ وَهُوَ إِياس بْنُ قَبِيصة الطائي.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
70-لسان العرب (ربوض)
رَبُوضٌ: ضَخْمة، والحِبالُ: جَمْعُ حَبْلٍ وَهُوَ رَمْلٌ مُسْتَطِيلٌ، وَفِي تَفَرَّعت ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الأَرْطاة، وتَجَوَّفَ: دَخَلَ جَوْفها، وَالْجَمْعُ مِنْ رَبُوض رُبُضٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:وَقَالُوا: رَبُوضٌ ضَخْمةٌ فِي جِرانِه، ***وأَسْمَرُ مِنْ جِلْدِ الذِّراعَينِ مُقْفَلُ
أَراد بالرَّبُوضِ سِلْسلةً رَبُوضًا أُوثِقَ بِهَا، جَعَلَهَا ضَخْمَةً ثَقِيلَةً، وأَراد بالأَسْمَرِ قِدًّا غُلَّ بِهِ فَيَبِسَ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي لُبابة: «أَنه ارْتَبَط بِسِلْسِلَةٍ رَبُوض إِلى أَن تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ»، وَهِيَ الضَّخْمَةُ الثَّقِيلَةُ اللَّازِقة بِصَاحِبِهَا.
وفَعُولٌ مِنْ أَبنية الْمُبَالَغَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.
وقَرْيَةٌ رَبُوضٌ: عَظِيمَةٌ مُجْتَمِعَةٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن قَوْمًا مِنْ بَنِي إِسرائيل بَاتُوا بقَرْيةٍ رَبوضٍ».
ودِرْعٌ رَبُوضٌ: واسِعَة.
وقِرْبةٌ رَبُوضٌ: وَاسِعَةٌ.
وحَلَبَ مِنَ اللبنِ مَا يُرْبِضُ الْقَوْمَ أَي يسَعُهم.
وَفِي حَدِيثِ أُمّ مَعْبد: «أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، لَمَّا قَالَ عِنْدَهَا دَعَا بإِناءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَنه يُرْوِيهم حَتَّى يُثْقِلَهم فَيَرْبِضُوا فينامُوا لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبُوهُ ويمتدُّوا عَلَى الأَرض، مِنْ رَبَضَ بِالْمَكَانِ يَرْبِضُ إِذا لَصِقَ بِهِ وأَقامَ مُلازمًا لَهُ، وَمَنْ قَالَ" يُريضُ الرَّهْطَ "فَهُوَ مِنْ أَراض الْوَادِي.
والرَّبَضُ: مَا وَلِيَ الأَرض مِنْ بَطْنِ الْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ.
والرَّبَضُ: مَا تحَوَّى مِنْ مَصارِين الْبَطْنِ.
اللَّيْثُ: الرَّبَضُ مَا وَلِيَ الأَرض مِنْ الْبَعِيرِ إِذا بَرَك، وَالْجَمْعُ الأَرْباضُ؛ وأَنشد: " أَسْلَمَتْها مَعاقِدُ الأَرْباضِ "قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: غَلِطَ اللَّيْثُ فِي الرَّبَضِ وَفِيمَا احْتَجَّ بِهِ لَهُ، فأَما الرَّبَضُ فَهُوَ مَا تحَوَّى مِنْ مَصارِين الْبَطْنِ، كَذَلِكَ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ، قَالَ: وأَما مَعاقِدُ الأَرْباض فالأَرْباضُ الْحِبَالُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
إِذا مَطَوْنا نُسُوعَ الرَّحْلِ مُصْعِدةً، ***يَسْلُكْنَ أَخْراتَ أَرْباضِ المَدارِيج
فالأَخْراتُ: حَلَقُ الحِبال، وَقَدْ فَسَّرَ أَبو عُبَيْدَةَ الأَرْباضَ بأَنها حِبال الرحْل.
ابْنُ الأَعرابي: الرَّبَضُ والمَرْبَضُ والمَرْبِضُ والرَّبِيضُ مجتَمَعُ الحَوايا.
والرَّبَضُ: أَسفلُ مِنَ السُّرَّةِ.
والمَرْبض: تَحْتَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الْعَانَةِ.
والرَّبَضُ: كُلُّ امرأَة قيِّمةِ بَيْتٍ.
ورَبَضُ الرَّجُلِ: كُلُّ شيءٍ أَوَى إِليه مِنَ امرأَة أَو غَيْرِهَا؛ قَالَ:
جاءَ الشِّتاءُ، ولَمّا أَتَّخِذْ رَبَضًا، ***يَا وَيْحَ كَفِّي مِنْ حَفْرِ القَرامِيصِ
ورُبْضُه كَرَبَضِه.
ورَبَضَتْه تَرْبِضُه: قَامَتْ بأُموره وآوَتْه.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: تُرْبِضُه، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لقُوت الإِنسان الَّذِييُقِيمُه ويَكْفِيه مِنَ اللَّبَنِ: رَبَضٌ.
والرَّبَضُ: قَيِّمُ الْبَيْتِ.
الرِّياشي: أَرْبَضَتِ الشَّمْسُ إِذا اشتدَّ حَرُّها حَتَّى تَرْبِضَ الشاةُ والظبْيُ مِنْ شدَّة الرَّمْضَاءِ.
وَفِي الْمَثَلِ: رَبَضُك مِنْكَ وإِن كَانَ سَمارًا؛ السَّمار: الْكَثِيرُ الْمَاءِ، يَقُولُ: قيِّمُكَ مِنْكَ لأَنه مُهْتَمٌّ بِكَ وإِن لَمْ يَكُنْ حسَنَ القِيام عَلَيْكَ، وَذَلِكَ أَن السَّمارَ هُوَ اللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالْمَاءِ، والصَّرِيحُ لَا مَحالة أَفضلُ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ أَرباضٌ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: مَعْنَى الْمَثَلِ أَي مِنْكَ أَهلك وخَدَمُك وَمَنْ تأْوِي إِليه وإِن كَانُوا مُقَصِّرِين؛ قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ أَنْفُك مِنْكَ وإِن كَانَ أَجْدَعَ.
والرَّبَضُ: مَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: هُوَ الفَضاءُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ؛ قَالَ بَعْضُهُمُ: الرّبضُ والرُّبْضُ، بِالضَّمِّ، وسَط الشَّيْءِ، والرَّبَضُ، بِالتَّحْرِيكِ، نَوَاحِيهِ، وَجَمْعُهَا أَرْباضٌ، والرَّبَضُ حَرِيم الْمَسْجِدِ.
قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: رُبُض الْمَدِينَةِ، بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاءِ، أَساسها، وَبِفَتْحِهِمَا: مَا حَوْلَهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنا زَعِيمٌ يَبِيتُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ»؛ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، مَا حَوْلَهَا خَارِجًا عَنْهَا تَشْبِيهًا بالأَبنية الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْمُدُنِ وَتَحْتَ القِلاع؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبِنَاءِ الْكَعْبَةِ: فأَخذ ابْنُ مُطِيعٍ العَتَلةَ مِنْ شقِّ الرُّبْضِ الَّذِي يَلِي دارَ بَنِي حُمَيد "؛ الرُّبْض، بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ: أَساسُ الْبِنَاءِ، وَقِيلَ وَسَطُهُ، وَقِيلَ هُوَ والرَّبَضُ سواءٌ كسُقْم وسَقَم.
والأَرْباضُ: أَمعاء الْبَطْنِ وحِبال الرَّحْل؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذا غَرَّقَتْ أَرباضُها ثِنْيَ بَكْرةٍ ***بِتَيْماءَ، لَمْ تُصْبحْ رَؤُومًا سَلُوبُها
وَعَمَّ أَبُو حَنِيفَةَ بالأَرْباض الحِبال، وَفَسَّرَ ابْنُ الأَعرابي قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ: يَسْلُكْنَ أَخْراتَ أَرْباضِ المَداريجِ بأَنها بُطُونُ الإِبل، وَالْوَاحِدُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ رَبَضٌ.
أَبو زَيْدٍ: الرَّبَضُ سَفِيفٌ يُجْعَلُ مِثْلَ النِّطاقِ فَيُجْعَلُ فِي حَقْوَي الناقةِ حَتَّى يُجاوِزَ الوَرِكَينِ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ جَمِيعًا، وَفِي طَرَفَيْهِ حَلْقَتَانِ يُعْقَدُ فِيهِمَا الأَنْساع ثُمَّ يُشَدُّ بِهِ الرَّحْلُ، وَجَمْعُهُ أَرْباض.
التَّهْذِيبُ: أَنكر شَمِرٌ أَن يَكُونَ الرُّبْضُ وسَط الشَّيْءِ، قَالَ: والرُّبْضُ مَا مَسَّ الأَرض، وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: رُبْض الأَرض، بِتَسْكِينِ الْبَاءِ، مَا مَسَّ الأَرض مِنْهُ.
والرُّبْضُ، فِيمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَساسُ الْمَدِينَةِ وَالْبِنَاءِ، والرَّبَضُ: مَا حَوْله مِنْ خَارِجٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمَا لُغَتَانِ.
وَفُلَانٌ مَا تَقُومُ رابِضَتُه وَمَا تَقُومُ لَهُ رَابِضَةٌ أَي أَنه إِذا رَمَى فأَصابَ أَو نَظَرَ فعانَ قَتَلَ مكانَه.
وَمِنْ أَمثالهم فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الأَشياء فَيُصِيبُهَا بِعَيْنِهِ قَوْلُهُمْ: لَا تقومُ لِفُلَانٍ رابضةٌ، وَذَلِكَ إِذا قَتَلَ كُلَّ شيءٍ يُصِيبُهُ بِعَيْنِهِ، قَالَ: وأَكثر مَا يُقَالُ فِي الْعَيْنِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه رأَى قُبَّةً حَوْلَهَا غَنَمٌ رُبُوضٌ، جَمْعُ رَابِضٍ».
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ: رأَيت كأَني على ضَرْبٍ وحَوْلي بَقَرٌ رُبُوضٌ.
وَكُلُّ شيءٍ يَبْرُكُ عَلَى أَربعة، فَقَدْ رَبَضَ رُبُوضًا.
وَيُقَالُ: رَبَضَتِ الْغَنَمُ، وَبَرَكَتِ الإِبل، وجَثَمَتِ الطَّيْرُ، وَالثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ يَرْبِضُ فِي كِناسِه.
الْجَوْهَرِيُّ: ورُبُوضُ البَقَرِ والغَنمِ والفَرسِ وَالْكَلْبِ مثلُ بُروكِ الإِبل وجُثُومِ الطَّيْرِ، تَقُولُ مِنْهُ: رَبَضَتِ الغنمُ تَرْبِضُ، بِالْكَسْرِ، رُبُوضًا.
والمَرابِضُ لِلْغَنَمِ: كالمَعاطِنِ للإِبل، وَاحِدُهَا مَرْبِض مثال مَجْلِس.
والرِّبْضةُ: مَقْتَلُ قَوْمٍ قُتِلُوا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ.
والرُّبْضُ: جَمَاعَةُ الطَّلْحِ والسَّمُرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الرَّابِضةُ مَلَائِكَةٌ أُهْبِطُوا مَعَ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَهْدُونَ الضُّلَّالَ»؛ قَالَ: وَلَعَلَّهُ مِنَ الإِقامة.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرابِضةُ بَقِيَّةُ حَمَلَةِ الْحُجَّةِ لَا تَخْلُو مِنْهُمُ الأَرضُ، وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ فِي الْفِتَنِ: «رُوِيَ عَنِ» النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه ذكرَ مِنْ أَشراط السَّاعَةِ أَنْ تَنْطقَ الرُّوَيْبِضَةُ فِي أَمْرِ العامّةِ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرجل التَّافِهُ الْحَقِيرُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ العامّةِ "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمِمَّا يُثْبِتُ حَدِيثَ الرُّوَيْبِضَة الحديثُ الآخرُ: " مِنْ أَشراطِ السَّاعَةِ أَن تُرَى رعاءُ الشاءِ رُؤوسَ الناسِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الرُّبَيْضةُ تَصْغِيرُ رابضةٍ وَهُوَ الَّذِي يَرْعَى الْغَنَمَ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَاجِزُ الَّذِي رَبَضَ عَنْ معَالي الأُمور وقَعَد عَنْ طَلبها، وَزِيَادَةُ الْهَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ، جَعَلَ الرابِضَة راعِيَ الرَّبِيض كَمَا يُقَالُ دَاهِيَةٌ، قَالَ: وَالْغَالِبُ أَنه قِيلَ لِلتَّافِهِ مِنَ النَّاسِ رَابِضَةٌ وَرُوَيْبِضَةٌ لِرُبُوضِهِ فِي بَيْتِهِ وَقِلَّةِ انْبِعَاثِهِ فِي الأُمور الْجَسِيمَةِ، قَالَ: وَمِنْهُ يُقَالُ رَجُلٌ رُبُضٌ عَنِ الْحَاجَاتِ والأَسْفار إِذا كَانَ لَا يَنْهَضُ فِيهَا.
والرُّبْضةُ: القِطْعةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الثَّريدِ.
وَجَاءَ بِثَرِيدٍ كأَنه رُبْضةُ أَرْنب أَي جُثَّتُها؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ أَسمع بِهِ إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَيُقَالُ: أَتانا بِتَمْرٍ مِثْلِ رُبْضةِ الخَرُوفِ أَي قَدْرِ الْخَرُوفِ الرَّابِضِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «فَفَتَحَ الْبَابَ فإِذا شِبْهُ الفَصِيل الرَّابِضِ»أَي الْجَالِسِ الْمُقِيمِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كَرُبْضةِ العَنْزِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ؛ أي جُثَّتِهَا إِذا بَرَكَتْ».
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ الله عنه: «والناسُ حَوْلي كَرَبِيضةِ الْغَنَمِ»؛ أي كَالْغَنَمِ الرُّبَّضِ.
وَفِي حَدِيثِ القُرّاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا يومَ الجماجِم: «كَانُوا رِبْضة»؛ الرِّبْضةُ: مَقْتَلُ قَوْمٍ قُتِلُوا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَصَبَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حُمَّى رَبِيضًا أَي مَنْ يَهْزَأُ بِهِ.
ورِباضٌ ومُرَبِّضٌ ورَبَّاضٌ: أَسماءٌ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
71-لسان العرب (جمع)
جمع: جَمَعَ الشيءَ عَنْ تَفْرِقة يَجْمَعُه جَمْعًا وجَمَّعَه وأَجْمَعَه فاجتَمع واجْدَمَعَ، وَهِيَ مُضَارَعَةٌ، وَكَذَلِكَ تجمَّع واسْتجمع.وَالْمَجْمُوعُ: الَّذِي جُمع مِنْ هاهنا وهاهنا وإِن لَمْ يُجْعَلْ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.
واسْتجمع السيلُ: اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ.
وجمَعْتُ الشَّيْءَ إِذا جِئْتَ بِهِ من هاهنا وهاهنا.
وتجمَّع الْقَوْمُ: اجْتَمَعُوا أَيضًا من هاهنا وهاهنا.
ومُتجمَّع البَيْداءِ: مُعْظَمُها ومُحْتَفَلُها؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شَحّاذٍ الضَّبّيّ:
فِي فِتْيَةٍ كلَّما تَجَمَّعَتِ البَيْداء، ***لَمْ يَهْلَعُوا وَلَمْ يَخِمُوا
أَراد وَلَمْ يَخِيمُوا، فَحَذَفَ وَلَمْ يَحْفَل بِالْحَرَكَةِ الَّتِي مِنْ شأْنها أَن تَرُدَّ المحذوف هاهنا، وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ إِنما هُوَ شَاذٌّ؛ وَرَجُلٌ مِجْمَعٌ وجَمّاعٌ.
والجَمْع: اسْمٌ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ.
والجَمْعُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ جَمَعْتُ الشَّيْءَ.
والجمْعُ: المجتمِعون، وجَمْعُه جُموع.
والجَماعةُ والجَمِيع والمَجْمع والمَجْمَعةُ: كالجَمْع وَقَدِ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّاسِ حَتَّى قَالُوا جَماعة الشَّجَرِ وَجَمَاعَةُ النَّبَاتِ.
وقرأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ: " حَتَّى أَبلغ مَجْمِعَ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ نَادِرٌ كالمشْرِق والمغرِب، أَعني أَنه شَذَّ فِي بَابِ فَعَل يَفْعَلُ كَمَا شذَّ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الشَّاذِّ فِي بَابِ فَعَلَ يَفْعُلُ، وَالْمَوْضِعُ مَجْمَعٌ ومَجْمِعٌ مِثَالُ مَطْلَعٍ ومَطْلِع، وَقَوْمٌ جَمِيعٌ: مُجْتَمِعون.
والمَجْمَع: يَكُونُ اسْمًا لِلنَّاسِ وَلِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَضَرَبَ بِيَدِهِ مَجْمَعَ بَيْنَ عُنُقي وَكَتِفِي» أَي حَيْثُ يَجْتمِعان، وَكَذَلِكَ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ مُلْتَقاهما.
وَيُقَالُ: أَدامَ اللهُ جُمْعةَ مَا بَيْنَكُمَا كَمَا تَقُولُ أَدام اللَّهُ أُلْفَةَ مَا بَيْنَكُمَا.
وأَمرٌ جامِعٌ: يَجمع الناسَ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الجُمعة قَالَ: هُوَ، وَاللَّهُ أَعلم، أَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمر الْمُؤْمِنِينَ إِذا كَانُوا مَعَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلى الْجَمَاعَةِ فِيهِ نَحْوَ الْحَرْبِ وَشَبَهِهَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلى الجَمْعِ فِيهِ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يستأْذنوه.
وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَجِبْت لِمَنْ لاحَنَ الناسَ كَيْفَ لَا يَعْرِفُ جَوامِعَ الْكَلِمِ؛ مَعْنَاهُ كَيْفَ لَا يَقْتَصِر عَلَى الإِيجاز ويَترك الفُضول مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلُ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِم يَعْنِي الْقُرْآنَ وَمَا جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلُطْفِهِ مِنَ الْمَعَانِي الجَمَّة فِي الأَلفاظ الْقَلِيلَةِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}.
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ يَتَكَلَّمُ بجَوامِعِ الكَلِم أَي أَنه كَانَ كَثِيرَ الْمَعَانِي قَلِيلَ الأَلفاظ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ يَستحِبُّ الجَوامع مِنَ الدُّعَاءِ»؛ هِيَ الَّتِي تَجْمع الأَغْراض الصالحةَ والمَقاصِدَ الصَّحِيحَةَ أَو تَجْمع الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَآدَابَ المسأَلة.
وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ لَهُ أَقْرِئني سُورَةً جَامِعَةً، فأَقرأَه: إِذا زُلْزِلَتِ، » أَي أَنها تَجْمَعُ أَشياء مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «حَدِّثْني بِكَلِمَةٍ تَكُونُ جِماعًا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فِيمَا تَعْلَمُ»؛ الجِماع ما جَمَع عَددًا أَي كَلِمَةٌ تَجْمَعُ كَلِمَاتٍ.
وَفِي أَسماء اللَّهِ الْحُسْنَى: الجامعُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي يَجْمع الْخَلَائِقَ لِيَوْمِ الحِساب، وَقِيلَ: هُوَ المؤَلِّف بَيْنَ المُتماثِلات والمُتضادّات فِي الْوُجُودِ؛ وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَلَوْ أَنَّها نفْسٌ تموتُ جَميعةً، ***ولكِنَّها نفْسٌ تُساقِطُ أَنْفُسا
إِنما أَراد جَمِيعًا، فَبَالَغَ بإِلحاق الْهَاءِ وَحَذَفَ الْجَوَابَ لِلْعِلْمِ بِهِ كأَنه قَالَ لفَنِيت واسْتراحت.
وَفِي حَدِيثِ أُحد: «وإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَمِيعَ اللأْمةِ»؛ أي مُجْتَمِعَ السِّلاحِ.
والجَمِيعُ: ضِدُّ المتفرِّق؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ مَجْنُونُ بَنِي عَامِرٍ:
فقدْتُكِ مِن نَفْسٍ شَعاعٍ، فإِنَّني ***نَهَيْتُكِ عَنْ هَذَا، وأَنتِ جَمِيعُ
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَهُ سَهم جَمع»أَي لَهُ سَهْمٌ مِنَ الْخَيْرِ جُمع فِيهِ حَظَّانِ، وَالْجِيمُ مَفْتُوحَةٌ، وَقِيلَ: أَراد بِالْجَمْعِ الْجَيْشَ أَي كسهمِ الجَيْشِ مِنَ الْغَنِيمَةِ.
والجميعُ: الجَيْشُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فِي جَمِيعٍ حافِظِي عَوْراتِهم، ***لَا يَهُمُّونَ بإِدْعاقِ الشَّلَلْ
والجَمِيعُ: الحيُّ المجتمِع؛ قَالَ لَبِيدٌ:
عَرِيَتْ، وَكَانَ بِهَا الجَمِيعُ فأَبْكَرُوا ***مِنْهَا، فغُودِرَ نُؤْيُها وثُمامُها
وإِبل جَمّاعةٌ: مُجْتَمِعة؛ قَالَ:
لَا مالَ إِلَّا إِبِلٌ جَمّاعهْ، ***مَشْرَبُها الجِيّةُ أَو نُقاعَهْ
والمَجْمَعةُ: مَجلِس الِاجْتِمَاعِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
وتُوقدْ نارُكُمْ شَرَرًا ويُرْفَعْ، ***لَكُمْ فِي كلِّ مَجْمَعَةٍ، لِواءُ
والمَجْمعة: الأَرض القَفْر.
والمَجْمعة: مَا اجتَمع مِنَ الرِّمال وَهِيَ المَجامِعُ؛ وأَنشد:
باتَ إِلى نَيْسَبِ خَلٍّ خادِعِ، ***وَعْثِ النِّهاضِ، قاطِعِ المَجامِعِ
بالأُمّ أَحْيانًا وبالمُشايِعِ المُشايِعُ: الدَّلِيلُ الَّذِي يُنَادِي إِلى الطَّرِيقِ يَدْعُو إِليه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَجَمعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي» أَي لبستُ الثيابَ الَّتِي يُبْرَزُ بِهَا إِلى النَّاسِ مِنِ الإِزار والرِّداء وَالْعِمَامَةِ والدِّرْعِ والخِمار.
وجَمَعت المرأَةُ الثيابَ: لَبِسَتِ الدِّرْع والمِلْحَفةَ والخِمار، يُقَالُ ذَلِكَ لِلْجَارِيَةِ إِذا شَبَّتْ، يُكْنى بِهِ عَنْ سِنِّ الاسْتواء.
والجماعةُ: عددُ كُلِّ شيءٍ وكثْرَتُه.
وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: «وَلَا جِماعَ لَنَا فِيمَا بَعْدُ»؛ أي لَا اجْتِمَاعَ لَنَا.
وجِماع الشَّيْءِ: جَمْعُه، تَقُولُ: جِماعُ الخِباء الأَخْبِيةُ لأَنَّ الجِماعَ مَا جَمَع عدَدًا.
يُقَالُ: الخَمر جِماعُ الإِثْم أَي مَجْمَعهُ ومِظنَّتُه.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتَّقوا هَذِهِ الأَهواء الَّتِي جِماعُها الضلالةُ ومِيعادُها النَّارُ "؛ وَكَذَلِكَ الْجَمِيعُ، إِلا أَنه اسْمٌ لَازِمٌ.
وَالرَّجُلُ المُجتمِع: الَّذِي بَلغ أَشُدَّه وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ.
واجْتَمَعَ الرجلُ: اسْتَوت لِحْيَتُهُ وَبَلَغَ غايةَ شَبابِه، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْجَارِيَةِ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا اتَّصَلَتْ لِحْيَتُهُ: مُجْتَمِعٌ ثُمَّ كَهْلٌ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:
قَدْ سادَ وَهُوَ فَتًى، حَتَّى إِذا بلَغَت ***أَشُدُّه، وَعَلَا فِي الأَمْرِ واجْتَمَعا
وَرَجُلٌ جميعٌ: مُجْتَمِعُ الخَلْقِ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه سَمِعَ أَنس بْنِ مَالِكٍ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ أَي مُجْتَمِعُ الخَلْقِ قَوِيٌّ لَمْ يَهْرَم وَلَمْ يَضْعُفْ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلى أَنس.
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ إِذا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا أَي شَدِيدَ الْحَرَكَةِ قويَّ الأَعضاء غَيْرَ مُسْتَرْخٍ فِي المَشْي.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن خَلْقَ أَحدِكم يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمه أَربعين يَوْمًا»أَي أَن النُّطفة إِذا وقَعت فِي الرَّحِمِ فأَراد اللَّهُ أَن يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طارتْ فِي جِسْمِ المرأَة تَحْتَ كُلِّ ظُفُر وشعَر ثُمَّ تمكُث أَربعين لَيْلَةً ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرحِم، فَذَلِكَ جَمْعُها، وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ بالجَمْع مُكْث النُّطْفَةِ بِالرَّحِمِ أَربعين يَوْمًا تَتَخَمَّرُ فِيهَا حَتَّى تتهيَّأَ لِلْخَلْقِ وَالتَّصْوِيرِ ثُمَّ تُخَلَّق بَعْدَ الأَربعين.
وَرَجُلٌ جميعُ الرأْي ومُجْتَمِعُهُ: شديدُه لَيْسَ بمنْتشِره.
والمسجدُ الجامعُ: الَّذِي يَجمع أَهلَه، نَعْتٌ لَهُ لأَنه عَلَّامَةٌ لِلِاجْتِمَاعِ، وَقَدْ يُضاف، وأَنكره بَعْضُهُمْ، وإِن شِئْتَ قُلْتَ: مسجدُ الجامعِ بالإِضافة كَقَوْلِكَ الحَقُّ الْيَقِينُ وحقُّ اليقينِ، بِمَعْنَى مَسْجِدِ اليومِ الجامعِ وحقِّ الشَّيْءِ اليقينِ لأَن إِضافة الشَّيْءِ إِلى نَفْسِهِ لَا تَجُوزُ إِلا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: الْعَرَبُ تُضيف الشيءَ إِلى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَقُلْتُ: انْجُوَا عَنْهَا نَجا الجِلْدِ، إِنه ***سَيُرْضِيكما مِنْهَا سَنامٌ وغارِبُهْ
فأَضاف النَّجا وَهُوَ الجِلْد إِلى الْجِلْدِ لَمَّا اخْتَلَفَ اللفظانِ، وَرَوَى الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: وَلَا يُقَالُ مسجدُ الجامعِ، ثُمَّ قَالَ الأَزهري: النَّحْوِيُّونَ أَجازوا جَمِيعًا مَا أَنكره اللَّيْثُ، وَالْعَرَبُ تُضِيفُ الشيءَ إِلى نفْسه وإِلى نَعْتِه إِذا اخْتَلَفَ اللفظانِ كَمَا قَالَ تعالى: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}؛ وَمَعْنَى الدِّين المِلَّةُ كأَنه قَالَ وَذَلِكَ دِين الملَّةِ القيِّمةِ، وَكَمَا قَالَ تعالى: {وَعْدَ الصِّدْقِ} و {وَعْدَ الْحَقِّ}، قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَبى إِجازته غيرَ اللَّيْثِ، قَالَ: وإِنما هُوَ الوعدُ الصِّدقُ والمسجِدُ الجامعُ والصلاةُ الأُولى.
وجُمّاعُ كُلِّ شَيْءٍ: مُجْتَمَعُ خَلْقِه.
وجُمّاعُ جَسَدِ الإِنسانِ: رأْسُه.
وجُمّاعُ الثمَر: تَجَمُّعُ بَراعيمِه فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَلَى حَمْلِهِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
ورأْسٍ كَجُمّاعِ الثُّرَيّا، ومِشْفَرٍ ***كسِبْتِ اليمانيِّ، قِدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ
وجُمّاعُ الثريَّا: مُجْتَمِعُها؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
ونَهْبٍ كجُمّاعِ الثُرَيّا، حَوَيْتُه ***غِشاشًا بمُجْتابِ الصِّفاقَيْنِ خَيْفَقِ
فَقَدْ يَكُونُ مُجتمِعَ الثُّريا، وَقَدْ يَكُونُ جُمَّاع الثُّرَيَّا الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى مَطَرِ الثُّرَيَّا، وَهُوَ مَطَرُ الوَسْمِيّ، يَنْتَظِرُونَ خِصْبَه وكَلأَه، وَبِهَذَا الْقَوْلِ الأَخير فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي.
والجُمّاعُ: أَخلاطٌ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هُمُ الضُّروب الْمُتَفَرِّقُونَ مِنَ النَّاسِ؛ قَالَ قَيْسِ بْنِ الأَسلت السُّلَمِيّ يَصِفُ الْحَرْبَ:
حَتَّى انْتَهَيْنا، ولَنا غايةٌ، ***مِنْ بَيْنِ جَمْعٍ غيرِ جُمّاعِ
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ}؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشُّعوبُ الجُمّاعُ والقَبائلُ الأَفْخاذُ؛ الجُمَّاع، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: مُجْتَمَعُ أَصلِ كُلِّ شَيْءٍ، أَراد مَنْشأَ النَّسَبِ وأَصلَ المَوْلِدِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ الفِرَقَ المختلفةَ مِنَ النَّاسِ كالأَوْزاعِ والأَوْشابِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كَانَ فِي جَبَلِ تِهامةَ جُمّاع غَصَبُوا المارّةَ» أَي جَماعاتٌ مِنْ قَبائلَ شَتَّى مُتَفَرِّقَةٍ.
وامرأَة جُمّاعٌ: قَصِيرَةٌ.
وكلُّ مَا تَجَمَّعَ وَانْضَمَّ بعضُه إِلى بَعْضٍ جُمّاعٌ.
وَيُقَالُ: ذَهَبَ الشَّهْرُ بجُمْعٍ وجِمْعٍ أَي أَجمع.
وَضَرَبَهُ بِحَجَرٍ جُمْعِ الْكَفِّ وجِمْعِها أَي مِلْئها.
وجُمْعُ الْكَفِّ، بِالضَّمِّ: وَهُوَ حِينُ تَقْبِضُها.
يُقَالُ: ضَرَبُوهُ بأَجماعِهم إِذا ضَرَبُوا بأَيديهم.
وَضَرَبْتُهُ بجُمْع كَفِّي، بِضَمِّ الْجِيمِ، وَتَقُولُ: أَعطيته مِنَ الدَّرَاهِمِ جُمْع الْكَفِّ كَمَا تَقُولُ مِلْءَ الْكَفِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «رأَيت خَاتَمَ النبوَّة كأَنه جُمْعٌ»، يُريد مِثْلَ جُمْع الْكَفِّ، وَهُوَ أَن تَجمع الأَصابع وتَضُمَّها.
وَجَاءَ فُلَانٌ بقُبْضةٍ مِلْء جُمْعِه؛ وَقَالَ مَنْظُورُ بْنُ صُبْح الأَسديّ:
وَمَا فعَلتْ بِي ذاكَ حَتَّى تَركْتُها، ***تُقَلِّبُ رأْسًا مِثْلَ جُمْعِيَ عَارِيا
وجُمْعةٌ مِنْ تَمْرٍ أَي قُبْضة مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: «صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمَّا انْصَرَفَ دَرَأَ جُمْعةً مِنْ حَصى الْمَسْجِدِ»؛ الجُمْعةُ: المَجموعةُ.
يُقَالُ: أَعطِني جُمعة مِنْ تَمْر، وَهُوَ كالقُبْضة.
وَتَقُولُ: أَخذْت فُلَانًا بجُمْع ثِيَابِهِ.
وأَمْرُ بَنِي فُلَانٍ بجُمْعٍ وجِمْعٍ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، فَلَا تُفْشُوه»؛ أي مُجتمِعٌ فَلَا تفرِّقوه بالإِظهار، يُقَالُ ذَلِكَ إِذا كَانَ مَكْتُومًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحد، وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه ذَكَرَ الشُّهَدَاءَ فَقَالَ: «وَمِنْهُمْ أَن تَمُوتَ المرأَة بجُمْع»؛ يَعْنِي أَن تموتَ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَكَسَرَ الْكِسَائِيُّ الْجِيمَ، وَالْمَعْنَى أَنها مَاتَتْ مَعَ شَيْءٍ مَجْموع فِيهَا غَيْرِ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا مِنْ حَمْل أَو بَكارة، وَقَدْ تَكُونُ المرأَة الَّتِي تَمُوتُ بجُمع أَن تموتَ وَلَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ: «أَيُّما امرأَة ماتتْ بجُمع لَمْ تُطْمَثْ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ "؛ وَهَذَا يُرِيدُ بِهِ البكْر.
الْكِسَائِيُّ: مَا جَمَعْتُ بامرأَة قَطُّ؛ يُرِيدُ مَا بَنَيْتُ.
وباتتْ فلانةُ مِنْهُ بجُمْع وجِمْع أَي بِكْرًا لَمْ يَقْتَضَّها.
قَالَتْ دَهْناء بِنْتُ مِسْحلٍ امرأَة الْعَجَّاجِ لِلْعَامِلِ: أَصلح اللَّهُ الأَمير إِني منه بجُمع وجِمْع أَي عَذْراء لَمْ يَقْتَضَّني.
وَمَاتَتِ المرأَة بجُمع وجِمع أَي مَاتَتْ وَوَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، وَهِيَ بجُمع وجِمْع أَي مُثْقلة.
أَبو زَيْدٍ: مَاتَتِ النِّسَاءُ بأَجْماع، وَالْوَاحِدَةُ بِجُمَعٍ، وَذَلِكَ إِذا مَاتَتْ وولدُها فِي بَطْنِهَا، ماخِضًا كَانَتْ أَو غَيْرَ ماخِضٍ.
وإِذا طلَّق الرجلُ امرأَته وَهِيَ عَذْرَاءُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ: طُلِّقَتْ بِجُمْعٍ أَي طُلِّقَتْ وَهِيَ عَذْرَاءُ.
وَنَاقَةٌ جِمْعٌ: فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ؛ قَالَ:
ورَدْناه فِي مَجْرى سُهَيْلٍ يَمانِيًا، ***بِصُعْرِ البُرى، مَا بَيْنَ جُمْعٍ وخادجِ
والخادِجُ: الَّتِي أَلقت وَلَدَهَا.
وامرأَة جامِعٌ: فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَكَذَلِكَ الأَتان أَوّل مَا تَحْمِلُ.
وَدَابَّةٌ جامِعٌ: تصلحُ للسرْج والإِكافِ.
والجَمْعُ: كُلُّ لَوْنٍ مِنَ التمْر لَا يُعرف اسْمُهُ، وَقِيلَ: هُوَ التَّمْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ النَّوَى.
وجامَعها مُجامَعةً وجِماعًا: نَكَحَهَا.
والمُجامعةُ والجِماع: كِنَايَةٌ عَنِ النِّكَاحِ.
وجامَعه عَلَى الأَمر: مالأَه عَلَيْهِ واجْتمع مَعَهُ، وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ.
وقِدْرٌ جِماعٌ وجامعةٌ: عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الجَزُور؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَكبر البِرام الجِماع ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا المِئكلةُ.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ جماعٌ لِبني فُلَانٍ إِذا كَانُوا يأْوُون إِلى رأْيه وسودَدِه كَمَا يُقَالُ مَرَبٌّ لَهُمْ.
واسْتَجمع البَقْلُ إِذا يَبِس كُلُّهُ.
وَاسْتَجْمَعَ الْوَادِي إِذا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ إِلا سَالَ.
وَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ إِذا ذَهَبُوا كُلُّهُمْ لَمْ يَبْق مِنْهُمْ أَحد كَمَا يَستجمِع الْوَادِي بِالسَّيْلِ.
وجَمَعَ أَمْرَه وأَجمعه وأَجمع عَلَيْهِ: عَزَمَ عَلَيْهِ كأَنه جَمَع نَفْسَهُ لَهُ، والأَمر مُجْمَع.
وَيُقَالُ أَيضًا: أَجْمِعْ أَمرَك وَلَا تَدَعْه مُنْتشرًا؛ قَالَ أَبو الحَسْحاس:
تُهِلُّ وتَسْعَى بالمَصابِيح وسْطَها، ***لَهَا أَمْرُ حَزْمٍ لَا يُفرَّق مُجْمَع
وَقَالَ آخَرُ:
يَا ليْتَ شِعْري، والمُنى لَا تَنفعُ، ***هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا، وأَمْري مُجْمَع؟
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ}؛ أَي وادْعوا شُرَكَاءَكُمْ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ لأَنه لَا يُقَالُ أَجمعت شُرَكَائِي إِنما يُقَالُ جَمَعْتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا ليتَ بَعْلَكِ قَدْ غَدا ***مُتَقلِّدًا سيْفًا ورُمحا
أَراد وَحَامِلًا رُمْحًا لأَن الرُّمْحَ لَا يُتقلَّد.
قَالَ الْفَرَّاءُ: الإِجْماعُ الإِعْداد والعزيمةُ عَلَى الأَمر، قَالَ: ونصبُ شُركاءكم بِفِعْلٍ مُضْمر كأَنك قُلْتَ: فأَجمِعوا أَمركم وادْعوا شُرَكَاءَكُمْ؛ قَالَ أَبو إِسحق: الَّذِي قَالَهُ الْفَرَّاءُ غَلَطٌ فِي إِضْماره وادْعوا شُرَكَاءَكُمْ لأَن الْكَلَامَ لَا فَائِدَةَ لَهُ لأَنهم كَانُوا يَدْعون شُرَكَاءَهُمْ لأَن يُجْمعوا أَمرهم، قَالَ: وَالْمَعْنَى فأَجْمِعوا أَمرَكم مَعَ شُرَكَائِكُمْ، وإِذا كَانَ الدُّعَاءُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، قَالَ: وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِكَ لَوْ تَرَكْتَ النَّاقَةَ وفَصِيلَها لرضَعَها؛ الْمَعْنَى: لَوْ تَرَكْتَ النَّاقَةَ مَعَ فصيلِها، قَالَ: وَمَنْ قرأَ" فاجْمَعوا أَمركم وَشُرَكَاءَكُمْ بأَلف مَوْصُولَةٍ فإِنه يَعْطِفُ شُرَكَاءَكُمْ عَلَى أَمركم، قَالَ: وَيَجُوزُ فاجْمَعوا أَمرَكم مَعَ شُرَكَائِكُمْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا أَردت جَمْعَ المُتَفرّق قُلْتَ: جَمَعْتُ الْقَوْمَ، فَهُمْ مَجْمُوعُونَ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ}، قَالَ: وإِذا أَردت كَسْبَ المالِ قُلْتَ: جَمَّعْتُ المالَ كَقَوْلِهِ تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ، وَقَدْ يَجُوزُ: جمَع مَالًا، بِالتَّخْفِيفِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}، قَالَ: الإِجماعُ الإِحْكام وَالْعَزِيمَةُ عَلَى الشَّيْءِ، تَقُولُ: أَجمعت الْخُرُوجَ وأَجمعت عَلَى الْخُرُوجِ؛ قَالَ: وَمَنْ قرأَ فاجْمَعوا كيدَكم، فَمَعْنَاهُ لَا تدَعوا شَيْئًا مِنْ كَيْدِكُمْ إِلّا جِئْتُمْ بِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ لَمْ يُجْمِع الصِّيامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيام لَهُ»؛ الإِجْماعُ إِحكامُ النيةِ والعَزيمةِ، أَجْمَعْت الرأْي وأَزْمَعْتُه وعزَمْت عَلَيْهِ بِمَعْنًى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ" كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَجْمَعْتُ صِدْقَه.
وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ: «مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا»؛ أي مَا لَمْ أَعْزِم عَلَى الإِقامة.
وأَجْمَعَ أَمرَه "أَي جعلَه جَميعًا بعدَ ما كَانَ مُتَفَرِّقًا، قَالَ: وتفرّقُه أَنه جَعَلَ يُدِيرُهُ فَيَقُولُ مَرَّةً أَفعل كَذَا ومرَّة أَفْعل كَذَا، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى أَمر مُحْكَمٍ أَجمعه أَي جَعَلَهُ جَمْعًا؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ أَجْمَعتُ النَّهْبَ، والنَّهْبُ: إِبلُ الْقَوْمِ الَّتِي أَغار عَلَيْهَا اللُّصُوص وَكَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَرَاعِيهَا فجَمَعوها مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لَهُمْ، ثُمَّ طَرَدوها وساقُوها، فإِذا اجْتَمَعَتْ قِيلَ: أَجْمعوها؛ وأَنشد لأَبي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حُمُرًا:
فكأَنها بالجِزْعِ، بَيْنَ نُبايِعٍ ***وأُولاتِ ذِي العَرْجاء، نَهْبٌ مُجْمَعُ
قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ جَمَعْت أَمرِي.
والجَمْع: أَن تَجْمَع شَيْئًا إِلى شَيْءٍ.
والإِجْماعُ: أَن تُجْمِع الشَّيْءَ المتفرِّقَ جَمِيعًا، فإِذا جَعَلْتَهُ جَمِيعًا بَقِي جَمِيعًا وَلَمْ يَكد يَتفرّق كالرأْي المَعْزوم عَلَيْهِ المُمْضَى؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِ أَبي وجْزةَ السَّعْدي:
وأَجْمَعَتِ الهواجِرُ كُلَّ رَجْعٍ ***منَ الأَجْمادِ والدَّمَثِ البَثاء
أَجْمعت أَي يَبَّسَتْ، والرجْعُ: الغديرُ.
والبَثاءُ: السهْل.
وأَجْمَعْتُ الإِبل: سُقْتها جَمِيعًا.
وأَجْمَعَتِ الأَرضُ سَائِلَةً وأَجمعَ المطرُ الأَرضَ إِذا سالَ رَغابُها وجَهادُها كلُّها.
وفَلاةٌ مُجْمِعةٌ ومُجَمِّعةٌ: يَجتمع فِيهَا الْقَوْمُ وَلَا يَتَفَرَّقُونَ خَوْفَ الضَّلَالِ وَنَحْوِهِ كأَنها هِيَ الَّتِي تَجْمَعُهم.
وجُمْعةٌ مِنْ تَمْرٍ أَي قُبْضة مِنْهُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}؛ خَفَّفَهَا الأَعمش وَثَقَّلَهَا عَاصِمٌ وأَهل الْحِجَازِ، والأَصل فِيهَا التَّخْفِيفُ جُمْعة، فَمَنْ ثَقَّلَ أَتبع الضمةَ الضَّمَّةَ، وَمَنْ خَفَّفَ فَعَلَى الأَصل، والقُرّاء قرؤوها بِالتَّثْقِيلِ، وَيُقَالُ يَوْمُ الجُمْعة لُغَةُ بَنِي عُقَيْلٍ وَلَوْ قُرِئ بِهَا كَانَ صَوَابًا، قَالَ: وَالَّذِينَ قَالُوا الجُمُعَة ذَهَبُوا بِهَا إِلى صِفة اليومِ أَنه يَجْمع الناسَ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ هُمَزةٌ لُمَزَةٌ ضُحَكة، وَهُوَ الجُمْعة والجُمُعة والجُمَعة، وَهُوَ يَوْمُ العَرُوبةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهِ، ويُجْمع عَلَى جُمُعات وجُمَعٍ، وَقِيلَ: الجُمْعة عَلَى تَخْفِيفِ الجُمُعة والجُمَعة لأَنها تَجْمَعُ النَّاسَ كَثِيرًا كَمَا قَالُوا: رَجُلٌ لُعَنة يُكْثِر لعْنَ النَّاسِ، وَرَجُلٌ ضُحَكة يُكْثُرُ الضَّحِك.
وَزَعَمَ ثَعْلَبٌ أَن أَوّل مَنْ سَمَّاهُ بِهِ كعبُ بْنُ لُؤَيٍّ جدُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ العَرُوبةُ، وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْض الأُنُف أَنَّ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ أَوّلُ مَنْ جَمَّع يَوْمَ العَرُوبةِ، وَلَمْ تسمَّ العَروبةُ الجُمعة إِلا مُذ جَاءَ الإِسلام، وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا الْجُمُعَةَ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تجتمِعُ إِليه فِي هَذَا الْيَوْمِ فيَخْطُبُهم ويُذَكِّرُهم بمَبْعَث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويُعلمهم أَنه مِنْ وَلَدِهِ ويأْمرهم باتِّبَاعِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإِيمان بِهِ، ويُنْشِدُ فِي هَذَا أَبياتًا مِنْهَا:
يَا لَيْتَنِي شاهِدٌ فَحْواء دَعْوَتِه، ***إِذا قُرَيْشٌ تُبَغِّي الحَقَّ خِذْلانا
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَوَّلُ جُمُعةٍ جُمِّعَت بِالْمَدِينَةِ»؛ جُمّعت بِالتَّشْدِيدِ أَي صُلّيت.
وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: «أَنه وَجَدَ أَهل مَكَّةَ يُجَمِّعُون فِي الحِجْر فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ»؛ يُجمِّعون؛ أي يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةَ وإِنما نَهَاهُمْ عَنْهُ لأَنهم كَانُوا يَستظِلُّون بفَيْء الحِجْر قَبْلَ أَن تَزُولَ الشَّمْسُ فَنَهَاهُمْ لِتَقْدِيمِهِمْ فِي الْوَقْتِ.
وَرُوِيَ عَنِ" ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: إِنما سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَع فِيهِ خَلْق آدَمَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَقوام: إِنما سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ فِي
الإِسلام وَذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لأَن قُرَيْشًا كَانَتْ تَجْتَمِعُ إِلى قُصَيّ فِي دارِ النَّدْوةِ.
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كَانَ أَبو زِيَادٍ...وأَبو الجَرّاح يَقُولَانِ مضَت الْجُمُعَةُ بِمَا فِيهَا فيُوَحِّدان وَيُؤَنِّثَانِ، وَكَانَا يَقُولَانِ: مَضَى السَّبْتُ بِمَا فِيهِ وَمَضَى الأَحد بِمَا فِيهِ فيُوَحِّدان ويُذَكِّران، وَاخْتَلَفَا فِيمَا بَعْدَ هَذَا، فَكَانَ أَبو زِيَادٍ يَقُولُ: مَضَى الاثْنانِ بِمَا فِيهِ، وَمَضَى الثَّلاثاء بِمَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ الأَربعاء وَالْخَمِيسُ، قَالَ: وَكَانَ أَبو الْجَرَّاحِ يَقُولُ: مَضَى الِاثْنَانِ بِمَا فِيهِمَا، وَمَضَى الثُّلَاثَاءُ بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الأَرْبعاء بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الْخَمِيسُ بِمَا فِيهِنَّ، فيَجْمع ويُؤنث يُخْرج ذَلِكَ مُخْرج الْعَدَدِ.
وجَمَّع الناسُ تَجْمِيعًا: شَهِدوا الْجُمُعَةَ وقَضَوُا الصَّلَاةَ فِيهَا.
وجَمَّع فُلَانٌ مَالًا وعَدَّده.
واستأْجرَ الأَجِيرَ مُجامعة وجِماعًا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: كُلُّ جُمْعَةٍ بِكراء.
وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: لَا تَكُ جُمَعِيًّا، بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَي مِمَّنْ يَصُومُ الْجُمُعَةَ وحْده.
ويومُ الْجُمُعَةِ: يومُ الْقِيَامَةِ.
وجَمْعٌ: المُزْدَلِفةُ مَعْرفة كعَرَفات؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فباتَ بجَمْعٍ ثُمَّ آبَ إِلى مِنًى، ***فأَصْبَحَ رَأْدًا يَبْتَغِي المَزْجَ بالسَّحْلِ
وَيُرْوَى: ثُمَّ تَمّ إِلى مِنًى.
وَسُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةُ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَل مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ؛ جَمْعٌ عَلَمٌ للمُزْدلفة، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَن آدمَ وَحَوَّاءَ لَمَّا هَبَطا اجْتَمَعا بِهَا.
وَتَقُولُ: اسْتَجْمَعَ السيْلُ واسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ أُموره.
وَيُقَالُ للمُسْتَجِيش: اسْتَجْمَع كلَّ مَجْمَعٍ.
واسْتَجْمَع الفَرَسُ جَرْيًا: تكَمَّش لَهُ؛ قَالَ يَصِفُ سَرَابًا:
ومُسْتَجْمِعٍ جَرْيًا، وَلَيْسَ ببارِحٍ، ***تُبارِيهِ فِي ضاحِي المِتانِ سَواعدُه
يَعْنِي السَّرَابَ، وسَواعِدُه: مَجارِي الْمَاءِ.
والجَمْعاء: النَّاقَةُ الْكَافَّةُ الهَرِمَةُ.
وَيُقَالُ: أَقمتُ عِنْدَهُ قَيْظةً جَمْعاء وَلَيْلَةً جَمْعاء.
والجامِعةُ: الغُلُّ لأَنها تَجْمَعُ الْيَدَيْنِ إِلى الْعُنُقِ؛ قَالَ: " وَلَوْ كُبِّلَت فِي ساعِدَيَّ الجَوامِعُ وأَجْمَع الناقةَ وَبِهَا: صَرَّ أَخلافَها جُمَعَ، وَكَذَلِكَ أَكْمَشَ بِهَا.
وجَمَّعَت الدَّجاجةُ تَجْمِيعًا إِذا جَمَعَت بيضَها فِي بَطْنِهَا.
وأَرض مُجْمِعةٌ: جَدْب لَا تُفَرَّقُ فِيهَا الرِّكاب لِرَعْي.
والجامِعُ: الْبَطْنُ، يَمانِيةٌ.
والجَمْع: الدَّقَلُ.
يُقَالُ: مَا أَكثر الجَمْع فِي أَرض بَنِي فُلَانٍ لِنَخْلٍ خَرَجَ مِنَ النَّوَى لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنه أُتِيَ بِتَمْرٍ جَنِيب فَقَالَ: مِنْ أَين لَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: إِنا لنأْخُذُ الصاعَ مِنْ هَذَا بالصاعَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَفْعَلُوا، بِعِ الجَمْع بِالدَّرَاهِمِ وَابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا.
قَالَ الأَصمعي: كُلُّ لَوْنٍ مِنَ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ فَهُوَ جَمع.
يُقَالُ: قَدْ كَثُرَ الْجَمْعُ فِي أَرض فُلَانٍ لِنَخْلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّوَى، وَقِيلَ الْجَمْعُ تَمُرٌّ مُخْتَلَطٌ مِنْ أَنواع مُتَفَرِّقَةٍ وَلَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ وَمَا يُخْلَطُ إِلا لِرَدَاءَتِهِ.
والجَمْعاء مِنَ الْبَهَائِمِ: الَّتِي لَمْ يَذْهَبْ مِنْ بَدَنِها شَيْءٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كَمَا تُنتَجُ البَهِيمةُ بَهِيمةً جَمْعاء» أَي سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ مُجتمِعة الأَعضاء كَامِلَتَهَا فَلَا جَدْعَ بها ولا كيّ.
وأَجْمَعْت الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ جَمِيعًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حُمرًا: " وأُولاتِ ذِي العَرْجاء نَهْبٌ مُجْمَع "وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وأُولاتُ ذِي الْعَرْجَاءِ: مواضعُ نَسَبَهَا إِلى مَكَانٍ فِيهِ أَكمةٌ عَرْجاء، فَشَبَّهَ الحُمر بإِبل انْتُهِبتْ وخُرِقتْ مِنْ طَوائِفها.
وجَمِيعٌ: يُؤَكَّدُ به، يقال: جاؤوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ.
وأَجْمعُ: مِنَ الأَلفاظ الدَّالَّةِ عَلَى الإِحاطة وَلَيْسَتْ بِصِفَةٍ وَلَكِنَّهُ يُلَمّ بِهِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الأَسماء ويُجْرَى عَلَى إِعرابه، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّحْوِيُّونَ صِفَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنه لَيْسَ بِصِفَةٍ قَوْلُهُمْ أَجمعون، فَلَوْ كَانَ صِفَةً لَمْ يَسْلَم جَمْعُه وَلَكَانَ مُكسّرًا، والأُنثى جَمْعاء، وَكِلَاهُمَا مَعْرِفَةٌ لَا ينكَّر عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وأَما ثَعْلَبٌ فَحَكَى فِيهِمَا التَّنْكِيرَ وَالتَّعْرِيفَ جَمِيعًا، تَقُولُ: أَعجبني القصرُ أَجمعُ وأَجمعَ، الرفعُ عَلَى التَّوْكِيدِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، والجَمْعُ جُمَعُ، مَعْدُولٌ عَنْ جَمعاوات أَو جَماعَى، وَلَا يَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ جُمْع لأَن أَجمع لَيْسَ بوصف فيكون كأَحْمر وحُمْر، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: بابُ أَجمعَ وجَمْعاء وأَكتعَ وكتْعاء وَمَا يَتْبَع ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّتِهِ إِنما هُوَ اتِّفَاقٌ وتَوارُدٌ وَقَعَ فِي اللُّغَةِ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي وَزْنِهِ مِنْهَا، لأَن بَابَ أَفعلَ وفَعلاء إِنما هُوَ لِلصِّفَاتِ وجميعُها يَجِيءُ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ نَكراتٍ نَحْوَ أَحمر وَحَمْرَاءَ وأَصفر وَصَفْرَاءَ، وَهَذَا وَنَحْوُهُ صفاتٌ نَكِرَاتٌ، فأَمَّا أَجْمع وَجَمْعَاءَ فاسمانِ مَعْرفَتان لَيْسَا بِصِفَتَيْنِ فإِنما ذَلِكَ اتِّفَاقٌ وَقَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ المؤكَّد بِهَا.
وَيُقَالُ: لَكَ هَذَا الْمَالُ أَجْمعُ وَلَكَ هَذِهِ الحِنْطة جَمْعَاءُ.
وَفِي الصِّحَاحِ: وجُمَعٌ جَمْعُ جُمْعةٍ وجَمْعُ جَمْعاء فِي تأْكيد الْمُؤَنَّثِ، تَقُولُ: رأَيت النِّسْوَةَ جُمَعَ، غَيْرَ مُنَوَّنٍ وَلَا مَصْرُوفٍ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِ الأَلف وَاللَّامِ، وَكَذَلِكَ مَا يَجري مَجراه منه التَّوْكِيدِ لأَنه لِلتَّوْكِيدِ لِلْمَعْرِفَةِ، وأَخذت حَقِّي أَجْمَعَ فِي تَوْكِيدِ الْمُذَكَّرِ، وَهُوَ تَوْكِيدٌ مَحْض، وَكَذَلِكَ أَجمعون وجَمْعاء وجُمَع وأَكْتعون وأَبْصَعُون وأَبْتَعُون لَا تَكُونُ إِلا تأْكيدًا تَابِعًا لِمَا قَبْلَهُ لَا يُبْتَدأُ وَلَا يُخْبر بِهِ وَلَا عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ فَاعِلًا وَلَا مَفْعُولًا كَمَا يَكُونُ غَيْرُهُ مِنَ التَّوَاكِيدِ اسْمًا مَرَّةً وَتَوْكِيدًا أُخرى مِثْلَ نفْسه وعيْنه وَكُلِّهِ وأَجمعون: جَمْعُ أَجْمَعَ، وأَجْمَعُ وَاحِدٌ فِي مَعْنَى جَمْعٍ، وَلَيْسَ لَهُ مُفْرَدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْمُؤَنَّثُ جَمعاء وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَجْمَعُوا جَمْعاء بالأَلف وَالتَّاءِ كَمَا جَمَعُوا أَجمع بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي جَمْعها جُمَع، وَيُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ بأَجمعهم، وأَجْمُعهم أَيضًا، بِضَمِّ الْمِيمِ، كما تقول: جاؤوا بأَكلُبهم جَمْعُ كَلْبٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَوْلِهِ جَاءَ الْقَوْمُ بأَجْمُعهم قَوْلُ أَبي دَهْبل:
فليتَ كوانِينًا مِنَ اهْلِي وأَهلِها، ***بأَجمُعِهم فِي لُجّةِ الْبَحْرِ، لَجَّجُوا
ومُجَمِّع: لَقَبُ قُصيِّ بْنِ كِلَابٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ جَمَّع قَبائل قُرَيْشٍ وأَنزلها مكةَ وَبَنَى دَارَ النَّدْوةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبُوكم: قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا، ***بِهِ جَمَّع اللَّهُ القَبائلَ مِنْ فِهْرِ
وجامِعٌ وجَمّاعٌ: اسمان.
والجُمَيْعَى: موضع.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
72-لسان العرب (غرف)
غرف: غَرَفَ الماءَ والمَرَقَ وَنَحْوَهُمَا يَغْرُفُه غَرْفًا واغْتَرَفَه واغْتَرَفَ مِنْهُ، وَفِي الصِّحَاحِ: غَرَفتُ الْمَاءَ بِيَدِي غَرْفًا.والغَرْفَةُ والغُرْفَة: مَا غُرِف، وَقِيلَ: الغَرْفة المرَّة الْوَاحِدَةُ، والغُرْفة مَا اغْتُرِف.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَلَا مَنِ اغْتَرَفَ غَرْفَة}، وغُرْفَةً "؛ أَبو الْعَبَّاسِ: غُرْفَةً قِرَاءَةُ عُثْمَانَ وَمَعْنَاهُ الْمَاءُ الَّذِي يُغْترَفُ نَفْسُهُ، وَهُوَ الِاسْمُ، والغَرْفة المرَّة مِنَ الْمَصْدَرِ.
وَيُقَالُ: الْغُرْفَةُ، بِالضَّمِّ، مِلء الْيَدِ.
قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ لَوْ كَانَ موضعُ اغْتَرَفَ غَرَفَ اخْتَرْتُ الْفَتْحَ لأَنه يخرُج عَلَى فَعْلة، وَلَمَّا كَانَ اغْتَرَفَ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى فَعْلة.
وَرُوِيَ عَنْ يُونُسَ أَنه قَالَ: غَرْفَة وغُرْفَة عَرَبِيَّتَانِ "، غَرَفْت غَرفة، وَفِي القدْر غُرْفة، وحَسَوْتُ حَسْوةً، وَفِي الإِناء حُسْوة.
الْجَوْهَرِيُّ: الغُرْفَة، بِالضَّمِّ، اسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ لأَنك مَا لَمْ تَغْرِفه لَا تُسَمِّيهِ غُرفة، وَالْجَمْعُ غِراف مِثْلَ نُطْفة ونِطاف.
والغُرافَة: كالغُرْفة، وَالْجَمْعُ غِرافٌ.
وَزَعَمُوا أَن ابْنةَ الجُلَنْدَى وضَعَتْ قِلادتها عَلَى سُلَحْفاة فانْسابت فِي الْبَحْرِ فَقَالَتْ: يَا قَوْمِ، نَزافِ نَزَافِ لَمْ يَبْقَ فِي الْبَحْرِ غَيْرَ غِراف.
والغِرَافُ أَيضًا: مِكيال ضَخْم مثْل الجِراف، وَهُوَ القَنْقَل.
والمِغْرفةُ: مَا غُرِفَ بِهِ، وَبِئْرٌ غَرُوف: يُغْرَف مَاؤُهَا بِالْيَدِ.
وَدَلْوٌ غَرِيفٌ وغَرِيفَة: كَثِيرَةُ الأَخذ مِنَ الْمَاءِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الغَرْف غَرْفُك الْمَاءَ بِالْيَدِ أَو بالمِغْرفة، قَالَ: وغَرْبٌ غَرُوفٌ كَثِيرُ الأَخذ لِلْمَاءِ.
قَالَ: ومَزادةٌ غَرْفِيَّةٌ وغَرَفِيَّةٌ، فالغَرْفِيَّة رَقيقةٌ مِنْ جُلود يُؤتى بها من الْبَحْرَيْنِ، وغَرَفِيَّة دُبغت بالغَرَف.
وَسِقَاءٌ غَرْفَى أَي مَدْبوغ بالغَرف.
وَنَهْرٌ غَرَّافٌ: كَثِيرُ الْمَاءِ.
وَغَيْثٌ غَرَّاف: غَزِيرٌ؛ قَالَ: لَا تَسْقِه صَيِّبَ غَرَّافٍ جُؤَرْ وَيُرْوَى عزَّاف، وقد تقدم.
وغَرَفَ الناصِيةَ يَغْرِفُها غَرْفًا: جزَّها وحلَقها.
وغَرَفْتُ ناصيةَ الفَرس: قطعتُها وجَزَزْتُها، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْغَارِفَةِ»، قَالَ الأَزهري: هُوَ أَن تُسَوِّي نَاصِيَتَهَا مَقْطُوعة عَلَى وسَط جَبينِها.
ابْنُ الأَعرابي: غَرَف شَعْرَهُ إِذَا جَزَّه، وملَطه إِذَا حلَقه.
وغَرَفْتُ العَوْدَ: جَزَزْته والغُرْفةُ: الخُصلةُ مِنَ الشَّعْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسٍ: تَكادُ تَنْغَرِفُ أَي تَنْقَطِعُ.
قَالَ الأَزهري: والغارفةُ فِي الْحَدِيثِ اسْمٌ مِنَ الغَرْفَة جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ كَقَوْلِهِمْ سَمِعْتُ راغِيةَ الإِبل، وَكَقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً}، أَي لَغْوًا، وَمَعْنَى الغَارِفَةِ غَرْفُ الناصيةِ مُطَرَّزَةً عَلَى الْجَبِينِ: والغَارِفَة فِي غَيْرِ هَذَا: النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ السَّيْرِ، سُمِّيَتْ غَارِفَة لأَنها ذَاتُ قَطْع؛ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ بالغَارِفَة الَّتِي تَجُزُّ نَاصِيَتَهَا عِنْدَ المُصِيبة.
وغَرَفَ شعَره إِذَا جَزَّه، وَمَعْنَى الغَارِفَة فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعولة ك عِيشَةٍ راضِيَةٍ.
وَنَاقَةٌ غَارِفَة: سَرِيعَةُ السَّيْرِ.
وإبلٌ غَوَارِفُ وَخَيْلٌ مَغارِف: كأَنها تَغْرِفُ الجَرْيَ غَرْفًا، وَفَرَسٌ مِغْرَفٌ؛ قَالَ مُزَاحِمٌ: " بأَيدي اللَّهامِيم الطِّوالِ المَغَارِف "ابْنُ دُرِيدٍ: فَرَسٌ غَرَّافٌ رَغيبُ الشَّحْوةِ كَثِيرُ الأَخذ بِقَوَائِمِهِ مِنَ الأَرض.
وغَرَفَ الشيءَ يَغْرِفُه غَرْفًا فانغرَفَ: قَطَعَه فانْقَطَعَ.
ابْنُ الأَعرابي: الغَرْفُ التَّثَني والانقصافُ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم:
تَنامُ عَنْ كِبْر شأْنِها، فَإِذَا ***قامَتْ رُوَيْدًا تَكادُ تَنْغَرِفُ
قَالَ يَعْقُوبُ: مَعْنَاهُ تتثَنَّى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَنْقصِف مِنْ دِقَّة خَصْرها.
وانْغَرَف الْعَظْمُ: انْكَسَرَ، وَقِيلَ: انْغَرَفَ العُود انْفَرَضَ إِذَا كُسِر وَلَمْ يُنْعم كَسْرُه.
وانْغَرَفَ إِذَا مَاتَ.
والغُرْفة: العِلِّيّةُ، وَالْجَمْعُ غُرُفَات وغُرَفَات وغُرْفَات وغُرَف.
والغُرْفَة: السَّمَاءُ السَّابِعَةُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
سَوَّى فأَغلَقَ دونَ غُرْفةِ عَرْشِهِ، ***سَبْعًا طباقًا، وفوق فَرْع المَنْقَلِ
كَذَا ذُكِرَ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: فَوْقَ فَرْعِ المَعْقِل؛ قَالَ: " وَيُرْوَى المَنْقل "، وَهُوَ ظَهْرُ الْجَبَلِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِهِ: دُونَ عِزَّة عَرشه.
والمَنْقلُ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ.
والغُرْفَةُ: حَبْل معْقود بأُنْشوطةٍ يُلقَى فِي عُنُق الْبَعِيرِ.
وغَرَف البعيرَ يَغرِفُه ويَغْرُفه غَرْفًا: أَلقى فِي رأْسه الغُرفة، يَمَانِيَةٌ.
والغَرِيفَةُ: النعْلُ بِلُغَةِ بَنِي أَسَد، قَالَ شمر: وطيِء تَقُولُ ذَلِكَ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الغَرِيفَةُ النعْلُ الخَلَقُ.
والغَرِيفَة: جِلْدةٌ مُعَرَّضةٌ فَارِغَةٌ نَحْوٌ مِنَ الشِّبْر مِنْ أَدَم مُرَتَّبة فِي أَسفَلِ قِراب السَّيْفِ تَتَذَبْذَب وَتَكُونُ مُفَرَّضة مُزَيَّنة؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ وَذَكَرَ مِشْفرَ الْبَعِيرِ:
تُمِرُّ عَلَى الوِراكِ، إِذَا المَطايا ***تَقايَسَتِ النِّجادَ مِنَ الوَجينِ
خَريعَ النَّعْوِ مُضْطَرِب النَّواحي، ***كأَخْلاقِ الغَريفةِ ذِي غُضُونِ
وخَريع مَنصوب بِتُمِرُّ أَي تُمِرُّ عَلَى الوِراكِ مِشْفرًا خَريع النَّعْو؛ والنَّعْوُ شَقُّ المِشفر وَجَعْلُهُ خَلَقًا لنعُومته.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الغَرِيفَة فِي هَذَا الْبَيْتِ النعْل الْخَلَقُ، قَالَ: وَيُقَالُ لِنَعْلِ السَّيْفِ إِذَا كَانَ مِنْ أَدَم غَرِيفَة أَيضًا.
والغَرِيفَةُ والغَرِيفُ: الشَّجَرُ المُلْتَفُّ، وَقِيلَ: الأَجَمَةُ مِنَ البَرْدِيِّ والحَلْفاء والقَصَبِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَقَدْ يَكُونُ مِنَ السَّلَمِ والضَّالِ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:
يأْوي إِلَى عُظْمِ الغَرِيف، ونَبْلُه ***كسَوامِ دَبْرِ الخَشْرَمِ المُتَثَوِّر
وَقِيلَ: هُوَ الْمَاءُ الَّذِي فِي الأَجَمة؛ قَالَ الأَعشى:
كبَرْدِيّة الغِيلِ، وَسْطَ الغَرِيف، ***قَدْ خالَطَ الماءُ مِنْهَا السَّريرا
السَّريرُ: سَاقُ البَرْديّ.
قَالَ الأَزهري: أَما مَا قَالَ اللَّيْثُ فِي الغَرِيف إِنَّهُ مَاءُ الأَجَمةِ فَهُوَ بَاطِلٌ.
والغَرِيفُ: الأَجمة نفْسُها بِمَا فِيهَا مِنْ شَجَرِهَا.
والغَرِيف: الجماعةُ مِنَ الشَّجَرِ المُلْتفّ مِنْ أَي شَجَرٍ كَانَ؛ قَالَ الأَعشى:
كَبَرْدِيَّةِ الغِيل، وَسْطَ الغَرِيف، ***ساقَ الرِّصافُ إِلَيْهِ غَديرا
أَنشده الْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: عَجُزُ بَيْتِ الأَعشى لِصَدْرٍ آخَرَ غَيْرِ هَذَا وَتَقْرِيرُ الْبَيْتَيْنِ:
كَبَرْدِيَةِ الْغِيلِ، وَسْطَ الغَرِيف، ***إِذَا خَالَطَ الْمَاءُ مِنْهَا السُّرورا
وَالْبَيْتُ الْآخَرُ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ بِبَيْتَيْنِ وَهُوَ:
أَوِ اسْفَنْطَ عانَةَ بَعْدَ الرُّقادِ، ***ساقَ الرِّصافُ إِلَيْهِ غَدِيرًا
والغَرْفُ والغَرَفُ: شَجَرٌ يُدْبَغُ بِهِ، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الثُّمام، وَقِيلَ: الغَرَف مِنْ عِضاه الْقِيَاسِ وَهُوَ أَرَقُّها، وَقِيلَ: هُوَ الثُّمَامُ مَا دَامَ أَخضر، وَقِيلَ: هُوَ الثُّمَامُ عَامَّةً؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
أَمْسَى سُقامٌ خَلاءً لَا أَنِيسَ بِهِ ***غَيرُ الذِّئابِ، ومَرّ الرِّيح بالغَرَف
سقامٌ: اسْمُ وَادٍ، وَيُرْوَى غَيْرُ السِّبَاعِ "؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِجَرِيرٍ:
يَا حَبّذا الخَرْجُ بَيْنَ الدَّامِ والأُدَمى، ***فالرِّمْثُ مِنْ بُرْقة الرَّوْحانِ فالغَرَفُ
الأَزهري: الغَرْف، سَاكِنُ الرَّاءِ، شجرةٌ يُدْبَغُ بِهَا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ الغَرْفُ وَالْغُلْفُ، وأَمّا الغَرَفُ فَهُوَ جِنْسٌ مِنَ الثُّمام لَا يُدبغ بِهِ.
والثُّمام أَنواع: مِنْهُ الغَرَف وَهُوَ شَبيه بالأَسَل وتُتّخذ مِنْهُ المَكانس وَيُظَلَّلُ بِهِ المزادُ فيُبَرِّد الْمَاءَ؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ لَجإٍ فِي الغَرْف:
تَهْمِزهُ الكَفُّ عَلَى انْطِوائها، ***هَمْز شَعِيب الغَرفِ مِنْ عَزْلائها
يعني مَزادةً دُبغت بالغَرْف.
وَقَالَ الباهِليُّ فِي قَوْلُ عَمْرِو بْنِ لَجَإٍ: الغَرْف جُلُودٌ لَيْسَتْ بقَرَظِية تُدْبغ بهَجَر، وَهُوَ أَن يُؤْخَذَ لَهَا هُدْب الأَرْطى فَيُوضَعُ فِي مِنْحاز ويُدَقّ، ثُمَّ يُطرح عَلَيْهِ التَّمْرُ فَتَخْرُجُ لَهُ رَائِحَةُ خَمْرة، ثُمَّ يُغْرَفُ لِكُلِّ جِلْدٍ مِقْدَارٌ ثُمَّ يُدْبَغُ بِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يُغرف يُقَالُ لَهُ الغَرْف، وكلُّ مِقدار جِلْدٍ مِنْ ذَلِكَ النَّقِيعِ فَهُوَ الغَرْف، وَاحِدُهُ وَجَمِيعُهُ سَوَاءٌ، وأَهل الطَّائِفِ يُسَمُّونَهُ النَّفْس.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَعْطِني نَفْسًا أَو نَفْسَيْن أَي دِبْغةً من أَخْلاطِ الدِّباع يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرَ كَفٍّ مِنَ "الغَرْفة وَغَيْرِهِ مِنْ لِحاء الشَّجَرِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والغَرْف الَّذِي يُدْبغ بِهِ الْجُلُودُ مَعْرُوفٌ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ، قَالَ: وَقَدْ رأَيته، قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن الْجُلُودَ الغَرْفِيَّة مَنْسُوبَةٌ إِلَى الغَرْف الشَّجر لَا إِلَى مَا يُغْرف بِالْيَدِ.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: والغَرَف الثُّمام بِعَيْنِهِ لَا يُدبغ بِهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي صَحِيحٌ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذَا جَفَّ الغَرَف فمضغْتَه شَبَّهْتَ رَائِحَتَهُ بِرَائِحَةِ الْكَافُورِ.
وَقَالَ مَرَّةً: الغَرْف، سَاكِنَةُ الرَّاءِ، مَا دُبغ بِغَيْرِ القَرَظ، وَقَالَ أَيضًا: الغَرْف، سَاكِنَةُ الرَّاءِ ضُرُوبٌ تُجمع، فَإِذَا دُبِغَ بِهَا الْجِلْدُ سُمِّيَ غَرْفًا.
وَقَالَ الأَصمعي: الغرْف، بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، جُلُودٌ يُؤْتَى بِهَا مِنَ الْبَحْرَيْنِ.
وَقَالَ أَبو خَيْرة: الغَرْفِيَّة يَمَانِيَةٌ وبَحْرانية، قَالَ: والغَرَفِيَّة، مُتَحَرِّكَةُ الرَّاءِ، مَنْسُوبَةٌ إِلَى الغَرَف.
وَمَزَادَةٌ غَرْفِيَّة: مَدْبُوَغَةٌ بالغَرْف؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَفْراء غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوارِزُها ***مُشَلْشَلٌ ضَيَّعَتْه بَيْنَهَا الكُتَبُ
يَعْنِي مُزَادَةً دُبِغَتْ بالغَرْف؛ ومُشَلشَل: مِنْ نَعْتِ السَّرَب فِي قَوْلِهِ:
مَا بالُ عَيْنِكَ مِنْهَا الْمَاءُ يَنْسَكبُ، ***كأَنَّه مِنْ كُلَى مَفْرِيَّة سَرَبُ؟
قَالَ ابْنُ دُرِيدٍ: السرَبُ الْمَاءُ يُصَبُّ فِي السِّقاء لِيَدْبُغَ فتغْلُظ سُيوره؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ وَقَالَ: مَنْ رَوَى سَرِبُ، بِالْكَسْرِ، فَقَدْ أَخطأَ وَرُبَّمَا جَاءَ الغَرَف بِالتَّحْرِيكِ؛ وأَنشد: " ومَرِّ الرِّيحِ بالغَرَف "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَة قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الغَرْف ضُرُوبٌ تُجْمَعُ، فَإِذَا دُبِغَ بِهَا الْجِلْدُ سُمِّيَ غَرْفًا.
أَبو حَنِيفَةَ: والغَرَف شَجَرٌ تُعمل مِنْهُ القِسِيّ وَلَا يدبُغ بِهِ أَحد.
وَقَالَ الْقَزَّازُ: يَجُوزُ أَن يُدْبَغَ بِوَرَقِهِ وَإِنْ كَانَتِ القِسِيُّ تُعمل مِنْ عِيدَانِهِ.
وَحَكَى أَبو مُحَمَّدٍ عَنِ الأَصمعي: أَن الغَرْف يُدْبَغُ بِوَرَقِهِ وَلَا يُدْبَغُ بِعِيدَانِهِ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ: وفْراء غَرْفِيَّة؛ وَقِيلَ: الغَرْفِيَّة هَاهُنَا المَلأَى، وَقِيلَ: هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالتَّمْرِ والأَرْطى والملحِ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: مَزَادَةٌ غَرَفِيَّة وقرْبة غَرَفِيَّة؛ أَنشد الأَصمعي:
كأَنَّ خُضْرَ الغَرَفِيَّاتِ الوُسُعْ ***نيطتْ بأَحْقى مُجَرْئشَّاتٍ هُمُعْ
وغَرَفْت الْجِلْدَ: دَبَغْته بِالْغَرَفِ.
وغَرِفَتِ الإِبل، بِالْكَسْرِ، تَغْرَفُ غَرَفًا: اشْتَكَتْ مِنْ أَكل الغَرَف.
التَّهْذِيبُ: وأَما الغَرِيف فَإِنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَكْثُرُ فِيهِ الحَلْفاء والغَرْف والأَباء وَهِيَ الْقَصَبُ والغَضا وَسَائِرُ الشَّجَرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
ويَحُشُّ تَحْتَ القِدْرِ يُوقِدُها ***بغَضَا الغَرِيفِ، فأَجْمَعَتْ تَغْلي
وأَما الغِرْيَفُ فَهِيَ شَجَرَةٌ أُخرى بِعَيْنِهَا.
والغِرْيَفُ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَتَسْكِينِ الرَّاءِ: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ، وَقِيلَ: مِنْ نَبَاتِ الْجَبَلِ؛ قَالَ أُحَيْحة بْنُ الجُلاحِ فِي صِفَةِ نَخْلٍ:
إِذَا جُمادَى مَنَعَتْ قَطْرَها، ***زانَ جَنابي عَطَنٌ مُعْصِفُ
مُعْرَوْرِفٌ أَسْبَلَ جَبَّاره، ***بِحافَتَيْهِ، الشُّوعُ والغِرْيَفُ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو نَصْرٍ الغِرْيَفُ شَجَرٌ خَوّار مِثْلُ الغَرَبِ، قَالَ: وَزَعَمَ غَيْرُهُ أَن الغِرْيَفَ البرْدِيّ؛ " وأَنشد أَبو حَنِيفَةَ لِحَاتِمٍ:
رَوَاءٌ يَسِيل الماءُ تَحْتَ أُصولِهِ، ***يَمِيلُ بِهِ غِيلٌ بأَدْناه غِرْيَفُ
والغِرْيَفُ: رَمْلٌ لِبَنِي سَعْدٍ.
وغُرَيْفٌ وغَرَّافٌ: اسْمَانِ.
والغَرَّافُ: فَرَسُ خُزَزَ بْنِ لُوذان.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
73-لسان العرب (لفف)
لفف: اللَّفَف: كثرةُ لَحْمِ الفَخذين، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ نَعْتٌ، وَفِي الرِّجَالِ عَيْبٌ.لَفَّ لَفًّا ولَفَفًا، وَهُوَ "أَلَفُّ.
وَرَجُلٌ أَلَفُّ: ثَقِيلٌ.
ولَفَّ الشَّيْءَ يَلُفُّه لَفًّا: جَمَعُهُ، وَقَدِ الْتَفَّ، وجمعٌ لَفِيفٌ: مُجْتَمِعٌ مُلتَفٌّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ؛ قَالَ ساعدةُ بْنُ جؤيَّة:
فالدَّهْر لَا يَبْقى عَلَى حَدَثانِه ***أَنَسٌ لَفِيفٌ، ذُو طَرائفَ، حَوْشَبُ
واللُّفُوف: الْجَمَاعَاتُ؛ قَالَ أَبو قِلَابَةَ:
إذْ عارَتِ النَّبْلُ والْتَفُّوا اللُّفُوف، وإذْ ***سَلُّوا السيوفَ عُراةً بَعْدَ أَشْجانِ
وَرَجُلٌ أَلَفُّ: مَقْرون الْحَاجِبَيْنِ.
وامرأَة لَفَّاء: مُلْتَفَّةُ الْفَخْذَيْنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: ضَخْمَةُ الْفَخْذَيْنِ مُكْتَنِزَةٌ؛ وَفَخْذَانِ لَفَّاوَان؛ قَالَ الحكَم الخُضْري:
تَساهَم ثَوْباها، فَفِي الدِّرْعِ رَأْدةٌ، ***وَفِي المِرْطِ لَفَّاوَانِ، رِدْفُهما عَبْلُ
قَوْلُهُ تَساهم أَي تَقارع.
وَفِي حَدِيثِ أَبي المَوالي: «إِنِّي لأَسمع بَيْنَ فَخِذَيها مِنْ لَفَفِها مِثْلَ قَشِيشِ الحَرابش»؛ اللَّفُّ واللَّفَفُ: تَداني الْفَخْذَيْنِ مِنَ السِّمَن.
وَجَاءَ الْقَوْمُ بلَفِّهم ولَفَّتِهِم ولَفِيفِهم أَي بِجَمَاعَتِهِمْ وأَخلاطهم، وَجَاءَ لِفُّهم ولَفُّهم ولَفِيفُهم كَذَلِكَ.
واللَّفِيفُ: الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى لَيْسَ أَصلهم واحدًا.
وجاؤوا أَلفافًا أَي لَفِيفًا.
وَيُقَالُ: كَانَ بَنُو فُلَانٍ لَفًّا وَبَنُو فُلَانٍ لِقَوْمٍ آخَرين لَفًّا إِذَا تَحَزَّبُوا حِزْبين.
وقولهم: جاؤوا ومَن لَفَّ لَفَّهم [لِفَّهم] أَي ومَن عُدَّ فِيهِمْ وتأَشَّب إِلَيْهِمْ.
ابْنُ سِيدَهْ: جَاءَ بَنُو فُلَانٍ ومَن لَفَّ لَفَّهم ولِفَّهم وَإِنْ شِئْتَ رفَعت، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي: وَمَنْ أَخذ إخْذهم وأَخْذهم.
واللَّفِيفُ: مَا اجْتَمَعَ مِنَ النَّاسِ مِنْ قبائلَ شتَّى.
أَبو عَمْرٍو: اللَّفِيف الْجَمْعُ الْعَظِيمُ مِنْ أَخْلاط شتَّى فِيهِمُ الشَّرِيفُ والدَنيء وَالْمُطِيعُ وَالْعَاصِي وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {جِئْنا بِكُمْ لَفِيفًا}، أَي أَتينا بِكُمْ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، وَفِي الصِّحَاحِ: أَي مُجْتَمِعِينَ مُخْتَلِطِينَ.
يُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذَا اخْتَلَطُوا: لَفٌّ ولَفِيفٌ.
واللِّفّ: الصِّنف مِنَ النَّاسِ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ.
وَفِي حَدِيثِ نَابِلٍ: «قَالَ سافرتُ مَعَ مَوْلَايَ عُثْمَانَ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي حَجٍّ أَو عُمْرَةٍ فَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنِ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لِفًّا، وَكُنْتُ أَنا وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي شَبَبة مَعَنَا لِفًّا، فَكُنَّا نَتَرَامَى بِالْحَنْظَلِ فَمَا يَزِيدُنَا عُمَرُ عَنْ أَن يَقُولَ كَذَاكَ لَا تَذْعَرُوا عَلَيْنَا»؛ اللِّفُّ: الحِزْب وَالطَّائِفَةُ مِنَ الالْتِفَاف، وَجَمْعُهُ أَلْفَاف؛ يَقُولُ: حسْبُكم لَا تُنَفِّرُوا عَلَيْنَا إِبِلَنَا.
والْتَفَّ الشَّيْءُ: تَجَمَّعَ وتكاثَف.
الْجَوْهَرِيُّ: لَفَفْتُ الشَّيْءَ لَفًّا ولَفَّفْتُه، شُدّد لِلْمُبَالَغَةِ، ولَفَّه حَقَّهُ أَي مَنَعَهُ.
وَفُلَانٌ لَفِيف فُلَانٍ أَي صَديقه.
وَمَكَانٌ أَلَفَّ: مُلْتَفٌّ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جؤيَّة:
ومُقامِهنّ، إِذَا حُبِسْنَ بمَأْزِمٍ ***ضَيْقٍ أَلَفَّ، وصَدَّهنَّ الأَخْشَبُ
واللَّفِيف: الْكَثِيرُ مِنَ الشَّجَرِ.
وَجَنَّةٌ لَفَّة ولَفٌّ: مُلْتَفَّةٌ.
وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: لَمْ نَسْمَعْ شَجَرَةً لَفَّة لَكِنْ وَاحِدَتُهَا لَفَّاء، وَجَمْعُهَا لُفٌّ، وَجَمْعُ لِفٍّ أَلْفَاف مِثْلُ عِدّ وأَعْداد.
والأَلْفَاف: الأَشجار يَلْتَفُّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وجنَّاتٌ أَلْفَاف، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَجَنَّاتٍ أَلْفافًا}؛ وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَلْفَاف جَمْعَ لُفٍّ فَيَكُونَ جَمْعُ الْجَمْعِ، قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: وَهُوَ جَمْعُ لَفِيف كنَصِير وأَنصار.
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَجَنَّاتٍ أَلْفافًا" أَي وَبَسَاتِينَ ملتفَّة.
والْتِفَافُ النبْت: كَثْرَتُهُ.
الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَنَّاتٍ أَلْفافًا: واحدها لِفٌّ، بِالْكَسْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ كُنَّا لِفًّا أَي مُجْتَمِعِينَ فِي مَوْضِعٍ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الْتَفَّ الشَّجَرُ بِالْمَكَانِ كَثُرَ وَتَضَايَقَ، وَهِيَ حَدِيقَةٌ لَفَّةٌ وَشَجَرٌ لَفٌّ، كِلَاهُمَا بِالْفَتْحِ، وَقَدْ لَفَّ يَلَفُّ لَفًّا.
واللَّفِيف: ضُرُوبُ الشَّجَرِ إِذَا الْتَفَّ وَاجْتَمَعَ.
وَفِي أَرض بَنِي فُلَانٍ تَلافِيفُ مِنْ عُشب أَي نَبَاتٍ مُلْتَفٍّ.
قَالَ الأَصمعي: الأَلَفُّ الْمَوْضِعُ الْمُلْتَفُّ الْكَثِيرُ الأَهل، وأَنشد بَيْتَ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ:
ومُقامِهن، إِذَا حُبِسْن بمأْزمٍ ***ضَيْقٍ أَلفَّ، وصدَّهنَّ الأَخشبُ
التَّهْذِيبُ: اللُّفُّ الشَّوابِل مِنَ الْجَوَارِي وَهُنَّ السِّمانُ الطِّوَالُ.
واللَّفُّ: الأَكل.
وَفِي حَدِيثِ أُم زَرْعٍ وذَواتِها: «قَالَتِ امرأَة: زَوْجِي إِنْ أَكل لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفّ»أَي قَمَش وخلَط مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: اللَّفُّ فِي المَطعم الإِكثار مِنْهُ مِنَ التَّخْلِيطِ مِنْ صُنُوفِهِ لَا يُبقي مِنْهُ شَيْئًا.
وَطَعَامٌ لَفِيف إِذَا كَانَ مَخْلُوطًا مِنْ جِنْسَيْنِ فَصَاعِدًا.
ولَفْلَفَ الرجلُ إِذَا اسْتَقْصَى الأَكل والعلَف.
واللَّفَفُ فِي الأَكل: إِكْثَارٌ وَتَخْلِيطٌ، وَفِي الْكَلَامِ: ثِقَل وعِيٌّ مَعَ ضَعْف.
وَرَجُلٌ أَلَفَّ بيِّن اللَفَف أَي عَييٌّ بَطِيءُ الْكَلَامِ إِذَا تَكَلَّمَ ملأَ لسانُه فَمَهُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وِلايةُ سِلَّغْدٍ أَلَفَّ كأَنه، ***مِنَ الرَّهَقِ المَخْلُوطِ بالنُّوكِ، أَثْوَل
وَقَدْ لَفَّ لَفَفًا وَهُوَ أَلفُّ، وكذلك اللَّفْلَفُ واللَّفْلافُ، وَقَدْ لَفْلَفَ.
أَبو زَيْدٍ: الأَلَفُّ العَيِيُّ، وَقَدْ لَفِفْت لَفَفًا؛ وَقَالَ الأَصمعي: هُوَ الثَّقِيلُ اللِّسَانِ.
الصِّحَاحُ: الأَلَفُّ الرَّجُلُ الثَّقِيلُ الْبَطِيءُ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: اللَّفَف إِدْخَالُ حَرْفٍ فِي حَرْفٍ.
وَبَابٌ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ لَهُ اللَّفِيف لِاجْتِمَاعِ الْحَرْفَيْنِ الْمُعْتَلَّيْنِ فِي ثَلَاثِيهِ نَحْوُ دَوِيّ وحَيِيّ.
ابْنُ بَرِّيٍّ: اللَّفِيف مِنَ الأَفعال المُعْتَلّ الْفَاءِ وَاللَّامِ كوَقَى وودَى.
اللَّيْثُ: اللَّفِيف مِنَ الْكَلَامِ كُلُّ كَلِمَةٍ فِيهَا معتلَّان أَو مُعْتَلٌّ وَمُضَاعَفٌ، قَالَ: واللَّفَفُ مَا لفَّفوا مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا كَمَا يُلَفِّفُ الرَّجُلُ شَهَادَةَ الزُّورِ.
وأَلَفَّ الرَّجُلُ رأْسه إِذَا جَعَلَهُ تَحْتَ ثَوْبِهِ، وتَلَفَّفَ فُلَانٌ فِي ثَوْبِهِ والْتَفَّ بِهِ وتَلَفْلَفَ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ أُم زَرْعٍ: «وَإِنْ رَقد الْتَفَ»أَي إِذَا نَامَ تلفَّف فِي ثَوْبٍ وَنَامَ نَاحِيَةً عَنِّي.
واللِّفَافَة: مَا يُلفّ عَلَى الرِّجل وَغَيْرِهَا، وَالْجَمْعُ اللَّفَائِف.
واللَّفِيفَة: لَحْمُ المَتن الَّذِي تَحْتَهُ العقَب مِنَ الْبَعِيرِ؛ وَالشَّيْءُ المُلَفَّف فِي الْبِجَادِ وَطْبُ اللَّبَنِ فِي قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذَا مَا مَاتَ مَيْتٌ مِنْ تميمٍ، ***وسَرَّكَ أَن يعِيشَ، فَجئْ بزادِ
بخُبْزٍ أَو بسمْن أَو بتمْرٍ، ***أَو الشَّيْءُ المُلَفَّف فِي البِجادِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ إِنَّ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ لأَبي المُهَوِّس الأَسدي، وَيُقَالُ إِنَّهُمَا لِيَزِيدَ بْنُ عَمْرِو بْنِ الصَّعِق، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ قَالَ: وَقَالَ أَوس بْنُ غَلفاء يَرُدُّ عَلَى ابْنِ الصَّعِق:
فإنَّك، فِي هِجاء بَنِي تميمٍ، ***كمُزْدادِ الغَرامِ إِلَى الغَرامِ
وَهُمْ ترَكُوكَ أَسْلَح مِنْ حُبارى ***رأَتْ صَقْرًا، وأَشْرَدَ مِنْ نَعامِ
وأَلَفَّ الطائرُ رأْسه: جَعَلَهُ تَحْتَ جَنَاحِهِ؛ قَالَ أُميَّة" ابن أَبي الصلْت:
وَمِنْهُمْ مُلِفٌّ رأْسَه فِي جَناحِه، ***يَكادُ لذِكرى رَبّه يتفَصَّدُ
الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عَمَتَ: يُقَالُ فُلَانٌ يَعْمِتُ أَقرانه إِذَا كَانَ يَقهَرهم ويَلُفهم، يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ وجَوْدة الرأْي وَالْعِلْمِ بأَمر الْعَدُوِّ وَإِثْخَانِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ للَفَائِف الصُّوفِ عُمُتٌ لأَنها تُعْمَت أَي تُلَفّ؛ قَالَ الهذلي:
يَلُفُّ طَوائفَ الفُرْسانِ، ***وَهُوَ بلَفِّهِم أَرِبُ
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}؛ إِنَّهُ لفُّ ساقَي الْمَيِّتِ فِي كفَنه، وَقِيلَ: إِنَّهُ اتِّصال شِدَّةِ الدُّنْيَا بِشِدَّةِ الْآخِرَةِ.
والميّتُ يُلَفُّ فِي أَكفانه لَفًّا إِذَا أُدْرِجَ فِيهَا.
والأَلَفَّان: عِرْقان يستبطِنان العضُدين وَيُفْرَدُ أَحدهما مِنَ الْآخَرِ؛ قَالَ:
إنْ أَنا لَمْ أُرْوِ فشَلَّتْ كَفِّي، ***وانْقطَع العِرْقُ مِنَ الأَلَفِ
ابْنُ الأَعرابي: اللَّفَف أَن يَلتوِي عِرْق فِي سَاعِدِ الْعَامِلِ فيُعَطِّله عَنِ الْعَمَلِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الأَلَفُّ عِرق يَكُونُ بَيْنَ وَظِيف الْيَدِ وَبَيْنَ العُجاية فِي بَاطِنِ الوَظِيف؛ وأَنشد:
يَا رِيَّها، إِنْ لَمْ تَخُنِّي كفِّي، ***أَو يَنْقَطِعْ عِرْقٌ مِنَ الأَلَفّ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَفْلَفَ الرجلُ إِذَا اضْطَرب ساعِدُه مِنَ التِواء عِرْق فِيهِ، وَهُوَ اللَّفَفُ؛ وأَنشد:
الدَّلْوُ دَلْوِي، إنْ نَجَتْ مِنَ اللَّجَفْ، ***وَإِنْ نَجَا صاحبُها مِنَ اللَّفَفْ
واللَّفِيفُ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ.
ولَفْلَف: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الْقَتَّالُ:
عَفا لَفْلَفٌ مِنْ أَهله فالمُضَيَّحُ، ***فَلَيْسَ بِهِ إِلَّا الثعالِبُ تَضْبَحُ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
74-لسان العرب (حدرق)
حدرق: الأَزهري عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه كَتَبَ عَنْ أَعرابي قَالَ: السَّخِينة دقِيقٌ يُلْقَى عَلَى ماءٍ أَو عَلَى لَبَنٍ فَيُطْبَخُ ثُمَّ يؤْكل بِتَمْرٍ أَو يُحْسَى وَهُوَ الحَساء، قَالَ: وَهِيَ السَّخونة أَيضًا وَهِيَ النَّفِيتةُ والحُدْرُقَّةُ والخَزِيرةُ والحَرِيرةُ أَرقُّ مِنْهَا، قَالَ: وَقَالَتْ جَارِيَةٌ لأُمِّها: يَا أُمّياه أَنَفِيتَة تُتَّخَذُ أَم حُدْرُقَّة؟ والحُدرقَّة: مِثْلُ زَرْق الطَّيْرِ فِي الرِّقَّة.لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
75-لسان العرب (دكك)
دكك: الدَّكُّ: هَدْمُ الْجَبَلِ وَالْحَائِطِ وَنَحْوِهِمَا، دَكَّه يَدُكُّه دَكًّا.اللَّيْثُ: الدَّكّ كَسْرُ الْحَائِطِ وَالْجَبَلِ.
وَجَبَلٌ دُكٌّ: ذَلِيلٌ، وَجَمْعُهُ دِكَكَةٌ مِثْلُ جُحْر وجِحرَة.
وَقَدْ تَدَكْدَكَتِ الجبالُ أَي صَارَتْ دَكَّاوَات، وَهِيَ رَواب مِنْ طِينٍ، وَاحِدَتُهَا دَكَّاء.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: دَكُّها زَلْزَلَتُهَا، وَلَمْ يَقُلْ فدكِكْنَ لأَنه جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ، وَلَوْ قَالَ فدُكَّتْ دَكَّةً لَكَانَ صَوَابًا.
قَالَ ابْنُ الإِعرابي: دَكَّ هَدَم ودُكَّ هُدِمَ.
والدِّكَكُ: القيرانُ المُنْهالة.
والدِّكَكُ: الهِضاب المفسَّخة.
والدَّكُّ: شَبِيهٌ بِالتَّلِّ.
والدَّكَّاءُ: الرَّابيةمِنَ الطِّينِ لَيْسَتْ بِالْغَلِيظَةِ، وَالْجَمْعُ دَكَّاوَاتٌ، أَجروه مَجْرَى الأَسماء لِغَلَبَتِهِ كَقَوْلِهِمْ لَيْسَ فِي الخَضْرَاواتِ صَدَقَةً.
وأَكَمة دَكَّاء إِذَا اتَّسَعَ أَعلاها، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ نَادِرٌ لأَن هَذَا صِفَةٌ.
والدَّكَّاواتُ: تلال خلقة، لَا يُفْرَدُ لَهَا وَاحِدٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن وَاحِدَتَهَا دَكَّاء كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الأَصمعي: الدَّكَّاوَاتُ مِنَ الأَرض الْوَاحِدَةُ دَكَّاء وَهِيَ رَوَابٍ مِنْ طِينٍ لَيْسَتْ بالغِلاظ، قَالَ: وَفِي الأَرض الدِّكَكَةُ، وَالْوَاحِدُ دُكّ، وَهِيَ رَوابٍ مُشْرِفَةٌ مِنْ طِينٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ غِلَظٍ، ويُجْمَع الدَّكَّاءُ مِنَ الأَرض دَكَّاوات ودُكًّا، مِثْلَ حَمْراوات وحُمْر.
والدُّكُكُ: النُّوقُ المنفضِخة الأَسْنِمَةِ.
وَبَعِيرٌ أَدَكُّ: لَا سَنَامَ لَهُ، وَنَاقَةٌ دَكَّاء كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ دُكّ ودَكَّاوات مثل حُمْر حَمْراوات قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَمْراء لا يجمعع بالأَلف وَالتَّاءِ فَيُقَالُ حَمْراوات كَمَا لَا يُجْمَعُ مُذَكَّرُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ فَيُقَالُ أَحْمَرُون، وأَما دَكَّاء فَلَيْسَ لَهَا مُذَكَّرٌ وَلِذَلِكَ جَازَ أَن يُقَالَ دَكَّاوَات، وَقِيلَ: نَاقَةٌ دَكَّاءُ لِلَّتِي افْتَرَشَ سَنَامُهَا فِي جَنْبَيْهَا وَلَمْ يُشْرِف، وَالِاسْمُ الدَّكَكُ، وَقَدِ انْدَكَّ.
وَفَرَسٌ مَدْكُوك: لَا إشْرَاف لِحَجَبَتِه.
وَفَرَسٌ أَدَكُّ إِذَا كَانَ مُتدانيًا عَرِيضَ الظَّهْرِ.
وَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ: إنَّا وَجَدْنَا بالعِراق خَيْلًا عِرَاضًا دُكًّا فَمَا يَرَى أَمير الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَسهامها "أَي عِراض الظُّهُورِ قِصَارَهَا.
وَخَيْلٌ دُكٌّ وَفَرَسٌ أَدَكّ إِذَا كَانَ عَرِيضَ الظَّهْرِ قَصِيرًا؛ حَكَاهُ أَبو عبيدة عَنِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ: وَهِيَ البَرَاذين.
والدَّكَّةُ: بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعلاه.
وانْدَكَّ الرَّمْلُ: تَلَبَّدَ، والدُّكَّانُ مِنَ الْبِنَاءِ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ.
اللَّيْثُ: اخْتَلَفُوا فِي الدُّكَّان فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ فُعْلان مِنَ الدَّكّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ فُعّال مِنَ الدَّكَن، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الدَّكَّة والدُّكَّانُ الَّذِي يُقْعَدُ عَلَيْهِ؛ قَالَ المُثَقّب الْعَبْدِيُّ:
فأَبقَى باطِلِي، والجِدُّ مِنْهَا، ***كدُكَّانِ الدَّرَابِنَةِ المَطِين
قَالَ: وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَ النُّونَ أَصلية، والدَّرَابِنَة: البَوَّابُون، وَاحِدُهُمْ دَرْبانٌ.
والدَّكُّ والدَّكَّةُ: مَا اسْتَوَى مِنَ الرَّمْلِ وَسَهُلَ، وَجَمْعُهَا دِكاكٌ.
وَمَكَانٌ دَكٌّ مسْتَوٍ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {حَتَّى إِذا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكًّا}؛ قَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ دَكًّا بِالتَّنْوِينِ قَالَ: كأَنه قَالَ دَكَّهُ دَكًّا مَصْدَرٌ مؤَكد، قَالَ: وَيَجُوزُ جَعْلُهُ أَرضًا ذَا دَكٍّ كقوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}، قَالَ: وَمَنْ قرأَها دَكَّاءَمَمْدُودًا أَراد جَعَله مِثْلَ دَكَّاءَ وَحَذَفَ مِثْلَ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى مِثْلَ وإِنما الْمَعْنَى جَعَلَ الْجَبَلَ أَرضًا دَكَّاء وَاحِدًا، قَالَ: وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ إِذَا ذَهَبَ سنَامها.
قَالَ الأَزهري: وأَفادني ابْنُ الْيَزِيدِيِّ عَنْ أَبي زَيْدٍ جَعَلَهُ دَكًّا"، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ سَاخَ فِي الأَرض فَهُوَ يَذْهَبُ حَتَّى الْآنَ، وَمَنْ قرأَ دَكَّاءَ عَلَى التأَنيث فلتأْنيث الأَرض جَعَله أَرضًا دَكَّاء.
الأَخفش: أَرض دَكٌّ وَالْجَمْعُ دُكُوك.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {جَعَلَهُ دَكًّا}، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مَصْدَرًا لأَنه حِينَ قَالَ جَعَلَهُ كأَنه قَالَ دَكَّه فَقَالَ دَكًّا، أَو أَراد جَعله ذَا دَكٍّ فَحَذَفَ، وَقَدْ قُرئ بِالْمَدِّ، أَيْ جَعَلَهُ أَرْضًا دَكَّاء فَحَذَفَ لأَن الْجَبَلَ مُذَكَّرٌ.
ودَكَّ الأَرضَ دَكًّا: سَوّى صَعُودَها وهَبُوطها، وَقَدِ انْدَكَّ الْمَكَانُ.
ودَكَّ الترابَ يَدُكُّه دَكًّا: كَبَسَهُ وسَوّاه.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: إِذا كَبَسَ السَّطْحَ بِالتُّرَابِ قِيلَ دَكّ التُّرَابَ عَلَيْهِ دَكًّا.
ودَكَّ التُّرَابَ عَلَى الْمَيِّتِ يَدُكُّه دَكًّا: هَالَهُ.
ودَكَكْتُ التُّرَابَ عَلَى الْمَيِّتِ أَدُكُّه إِذا هِلْته عَلَيْهِ.
ودَكْدَكْتُ الرَّكِيَّ أَي دَفَنْتُهُ بِالتُّرَابِ.
ودَكَّ الرَّكِيّة دَكًّا: دَفَنَهَا وطَمَّها.
والدَّك: الدَّقُّ، وَقَدْ دَكَكْتُ الشَّيْءَ أَدُكُّه دَكًّا إِذَا ضَرَبْتَهُ وَكَسَرْتَهُ حَتَّى سَوَّيْتَهُ بالأَرض؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً}.
والدِّكْدِكُ والدَّكْدَكُ والدَّكْدَاكُ مِنَ الرَّمْلِ.
مَا تَكَبَّس وَاسْتَوَى، وَقِيلَ: هُوَ بَطْنٌ مِنَ الأَرض مُسْتَوٍ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ رَمْلٌ ذُو تُرَابٍ يَتَلَبَّدُ.
الأَصمعي: الدَّكْدَاكُ مِنَ الرَّمْلِ مَا الْتَبَد بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بالأَرض وَلَمْ يَرْتَفِعْ كَثِيرًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه سأَل جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْزِلِهِ فَقَالَ: سَهْلٌ ودَكْدَاكٌ وسَلَمٌ وأَراكٌ»أَي أَن أَرضهم لَيْسَتْ ذَاتَ خُزُونة؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وغيث بدَكْدَاكٍ، يَزِينُ وِهَادَهُ ***نباتٌ كوَشْي العَبْقَريِّ المُخَلَّب
وَالْجَمْعُ الدَّكادِك والدَّكادِيك؛ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: «إِلَيْكَ أَجُوبُ القُورَ بَعْدَ الدَّكادِكِ» وقال الراجز:
يَا دَارَ سَلْمَى بدَكادِيكِ البُرَقْ ***سَقْيًا فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْق المُشْتَأَقْ
والدَّكْدَك والدِّكْدَكُ والدِّكْدَاكُ: أَرض فِيهَا غِلَظٌ.
وأَرض مَدْكوكة إِذَا كَثُرَ بِهَا النَّاسُ ورُعاة المال حتى يفسدها ذَلِكَ وَتَكْثُرَ فِيهَا آثَارُ الْمَالِ وأَبواله، وَهُمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ إِلَّا أَن يَجْمَعَهُمْ أَثر سَحَابَةٍ فَلَا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرض مَدْكوكة لَا أَسناد لَهَا تُنْبتُ الرِّمْث.
ودُكَّ الرَّجُلُ، عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَهُوَ مَدْكوك إِذَا دَكَّتْه الحُمَّى وأَصابه مَرَضٌ.
ودَكَّتْه الْحُمَّى دَكًّا: أَضْعَفَتْهُ.
وأَمة مِدَكَّةٌ: قَوِيَّةٌ عَلَى الْعَمَلِ.
وَرَجُلٌ مِدَكٌّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: شَدِيدُ الْوَطْءِ عَلَى الأَرض.
الأَصمعي: صَكَمْتُه ولَكَمْتُه وصَكَكْتُه ودَكَكْتُه ولَكَكْتُه كُلُّهُ إِذَا دَفَعْتَهُ.
وَيَوْمٌ دَكِيك: تَامٌّ، وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ وَالْحَوْلُ.
يُقَالُ: أَقمت عِنْدَهُ حَوْلًا دَكيكًا أَي تَامًّا.
ابْنُ السِّكِّيتِ: عامٌ دَكِيكٌ كَقَوْلِكَ حَوْلٌ كَرِيتٌ أَي تامٌّ؛ قَالَ: " أَقمت بجُرْجَانَ حَوْلًا دَكِيكا وحَنْظل مُدَكَّكٌ: يُؤْكَلُ بِتَمْرٍ أَو غَيْرِهِ.
ودَكَّكه: خَلَطَهُ.
يُقَالُ: دَكِّكُوا لَنَا.
وتَدَاكَّ عَلَيْهِ الْقَوْمُ إِذَا ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «ثُمَّ تَدَاكَكْتم عليَّ تَدَاكُكَ الإِبل الهِيم عَلَى حِيَاضِهَا» أَي ازْدَحَمْتُمْ، وأَصل الدَّكّ الْكَسْرُ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «أَنا أَعلم النَّاسِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، قَالَ فتَدَاكَّ النَّاسُ عَلَيْهِ.
أَبو عَمْرٍو: دَكَّ الرَّجُلُ جَارَيْتَهُ إِذَا جَهِدَهَا بِإِلْقَائِهِ ثِقَلَهُ عَلَيْهَا إِذَا أَراد جماعها؛ وأَنشد الإِبادي:
فقَدْتُكَ مِنْ بَعْلٍ عَلامَ تَدُكُّني ***بِصَدْرِكَ، لَا تُغْني فَتِيلًا ولا تُعْلي؟
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
76-لسان العرب (دمل)
دمل: الدَّمَالُ: التَّمْرُ العَفِن الأَسود الَّذِي قَدْ قَدُم، يُقَالُ: جَاءَ بِتَمْرٍ دَمَال، والدَّمَالُ فَسَادُ الطَّلْعِ قَبْلَ إِدْراكه حَتَّى يَسْوَدّ.والدَّمَال: مَا رَمَى بِهِ البحرُ مِنَ الصَّدَف والمناقِيف والنَّبَّاح.
اللَّيْثُ: الدَّمال السِّرْقِينُ ونحوُه، وَمَا رَمَى بِهِ البحرُ مِنْ خُشارة مَا فِيهِ مِنَ الخَلْق مَيِّتًا نَحْوَ الأَصداف والمَناقِيف والنَّبَّاح، فَهُوَ دَمَال؛ وأَنشد: " دَمالُ البُحورِ وحِيتانُها وَقَوْلُ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ الهُذَلي:
خَيال لعَبْدَة قَدْ هاجَ لِي ***خَبالًا مِنَ الدَّاء، بعدَ انْدِمالِ
قَالَ: الاندمالُ الذَّهابُ.
انْدَمَلَ القَوْمُ إِذا ذَهَبُوا.
والدَّمال: مَا تَوَطَّأَتْهُ الدَّابَّةُ مِنَ الْبَعْرِ والوَأْلةِ وَهِيَ الْبَعْرُ مَعَ التُّرَابِ؛ قَالَ:
فَصَبَّحَتْ أَرْعَلَ كالنِّقال، ***ومُظْلِمًا لَيْسَ عَلَى دَمال
وَقَدْ فُسِّرَ هَذَا الْبَيْتُ فِي مَوْضِعِهِ.
والدَّمال، بِالْفَتْحِ: السِّرجين وَنَحْوُهُ.
ودَمَلَ الأَرضَ يَدْمُلُها دَمْلًا ودَمَلانًا وأَدْمَلَها: أَصْلَحها بالدَّمال، وَقِيلَ: دَمَلَها أَصْلَحها، وأَدْمَلَها: سَرْقَنَها.
والدَّمَّال: الَّذِي يُدْمِل الأَرض يُسَرْقِنُها.
وتَدَمَّلَتِ الأَرضُ: صَلَحت بالدَّمال؛ أَنشد يَعْقُوبُ:
وَقَدْ جَعَلَتْ منازِلُ آلِ لَيْلى، ***وأُخْرَى لَمْ تُدَمَّلْ يَسْتَوِينا
وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاص: «أَنه كَانَ يَدْمُل أَرْضه بالعُرَّة»؛ قَالَ الأَحمر: يَدْمُلُ أَرْضَه؛ أي يُصْلِحُها ويُحْسِن مُعَالَجَتَهَا بِهَا وَهِيَ السِّرْجِين؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجُرْحِ: قَدِ انْدَمَلَ إِذا تَماثَل وصَلَح.
ودَمَلَ بَيْنَ الْقَوْمِ يَدْمُلُ دَمْلًا: أَصْلح.
وتَدَامَلوا: تَصَالَحُوا؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
رَأَى إِرَةً مِنْهَا تُحَشُّ لِفتْنة، ***وإِيقاد راجٍ أَن يَكُونَ دَمَالَها
يَقُولُ: يَرْجُو أَن يَكُونَ سَبَبَ هَذِهِ الْحَرْبِ كَمَا أَن الدَّمَالَ يَكُونُ سَبَبًا لإِشعال النَّارِ.
والدُّمَّلُ: وَاحِدُ دَمَامِيل القُروح.
والدُّمَلُ: الخُرَاجُ "عَلَى التَّفاؤل بالصَّلاح، وَالْجَمْعُ دَمَامِيلُ نَادِرٌ.
ودَمِلَ جُرحُه وانْدَمَلَ بَرِئَ والتَحم وتَماثَل؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
فكيفَ بِنَفْسٍ كُلَّما قلتُ: أَشْرَفَتْ ***عَلَى البُرْءِ مِنْ دَهْماء، هِيضَ اندِمَالُها؟
ودَمَلَه الدَّواءُ يَدْمُلُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وجُرْحُ السيفِ تَدْمُلُه فَيَبْرا، ***ويَبْقَى الدَّهْرَ، مَا جَرَح اللِّسانُ
والانْدِمَال: التَّماثُل مِنَ الْمَرَضِ والجُرْحِ، وَقَدْ دَمَلَه الدَّواءُ فانْدَمَلَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي سَلمةَ: «دَمِلَ جُرْحُه عَلَى بَغْيٍ وَلَا يَدْري بِهِ»أَي انخَتَم عَلَى فَسَادٍ وَلَا يُعْلَمُ بِهِ.
والدُّمَّل: مُسْتَعْمَلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ يُجْمَعُ دَمَامِيل؛ وأَنشد: " وامْتَهَدَ الغارِبُ فِعْلَ الدُّمَّلِ ".
وَقِيلَ لِهَذِهِ القُرْحَة دُمَّل لأَنها إِلى البُرْء والانْدِمال مَا هِيَ.
وانْدَمَلَ الْمَرِيضُ: تماثَل، وانْدَمَلَ مِنْ وجَعه كَذَلِكَ، وَمِنْ مرَضه إِذا ارْتَفَعَ مِنْ مرضِه وَلَمْ يَتِمَّ بُرْؤه.
والدَّمْل: الرِّفْق.
ودَامَلَ الرجلَ: دَارَاهُ ليُصْلح مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ قَالَ أَبو الأَسود:
شَنِئْتُ مِنَ الإِخْوان مَنْ لستُ زائِلًا ***أُدامِلُه دَمْلَ السِّقاء المُخَرَّقِ
والمُدَامَلَةُ: كالمُداجاة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ الطَّيْفان الدارِمي والطَّيْفانُ أُمُّه:
ومَوْلًى كمَوْلى الزِّبْرِقان دَمَلْتُه، ***كَمَا اندَمَلَتْ ساقٌ يُهاضُ بِهَا الكَسْر
وَيُقَالُ: ادْمُل القومَ أَي اطْوِهم عَلَى مَا فِيهِمْ، وَيُقَالُ للسِّرْجين الدَّمَال لأَن الأَرض تُصْلَح به.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
77-لسان العرب (قتل)
قتل: القَتْل: مَعْرُوفٌ، قَتَلَه يَقْتُلُه قَتْلًا وتَقْتَالًا وقَتَل بِهِ سَوَاءٌ عِنْدَ ثَعْلَبٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَا أَعرفها عَنْ غَيْرِهِ وَهِيَ نَادِرَةٌ غَرِيبَةٌ، قَالَ: وأَظنه رَآهُ فِي بَيْتٍ فحسِب ذَلِكَ لُغَةً؛ قَالَ: وإِنما هُوَ عِنْدِي عَلَى زِيَادَةِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِ: " سُودُ المَحاجِرِ لَا يَقْرَأْنَ بالسُّوَر "وإِنما هُوَ يقرأْن السُّوَر، وَكَذَلِكَ قَتَّلَه وقَتَل بِهِ غيرَه أَي قَتَلَهَ مَكَانَهُ؛ قَالَ:قَتَلتُ بِعَبْدِ اللَّهِ خيرَ لِداتِه ***ذُؤابًا، فَلَمْ أَفخَرْ بِذَاكَ وأَجْزَعا
التَّهْذِيبِ: قَتَلَه إِذا أَماته بضرْب أَو حجَر أَو سُمّ أَو علَّة، وَالْمَنِيَّةُ قَاتِلَة؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ وَبَلَغَهُ مَوْتُ زِيَادٍ، وَكَانَ زِيَادٌ هَذَا قَدْ نَفَاهُ وَآذَاهُ وَنَذَرَ قَتْلَهُ فَلَمَّا بَلَغَ مَوْتُهُ الْفَرَزْدَقَ شَمِتَ بِهِ فَقَالَ:
كَيْفَ تَرَانِي قالِبًا مِجَنِّي، ***أَقْلِب أَمري ظَهْره لِلْبَطْنِ؟
قَدْ قَتَلَ اللهُ زِيَادًا عَنِّي "عَدَّى قَتَلَ بعنْ لأَنَّ فِيهِ مَعْنَى صَرَفَ فكأَنه قَالَ: قَدْ صَرَف اللَّهُ زِيَادًا، وَقَوْلُهُ قالِبًا مِجَنِّي أَي أَفعل مَا شِئْتُ لَا أَتَرَوَّع وَلَا أَتَوقَّع.
وَحَكَى قُطْرُبٌ فِي الأَمر اقْتُل، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الشُّذُوذِ، جَاءَ بِهِ عَلَى الأَصل؛ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ جِنِّيٍّ عَنْهُ، وَالنَّحْوِيُّونَ يُنْكِرُونَ هَذَا كَرَاهِيَةَ ضَمَّةٍ بَعْدَ كَسْرَةٍ لَا يحجُز بِينَهُمَا إِلا حَرْفٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ حَصِينٍ.
وَرَجُلٌ قَتِيل: مَقْتول، وَالْجَمْعُ قُتَلاء؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وقَتْلَى وقَتَالى؛ قَالَ مَنْظُورُ بْنُ مَرْثَد:
فظلَّ لَحْمًا تَرِبَ الأَوْصالِ، ***وَسْطَ القَتَالَى كالهَشِيم الْبَالِي
وَلَا يُجْمَعُ قَتِيل جمعَ السَّلَامَةِ لأَن مُؤَنَّثَهُ لَا تَدْخُلُهُ الْهَاءُ، وقَتَلَه قِتْلة سَوء، بِالْكَسْرِ.
وَرَجُلٌ قَتِيل: مَقْتول.
وامرأَة قَتِيل: مَقْتولة، فإِذا قُلْتَ قَتيلة بَني فُلَانٍ قُلْتَ بِالْهَاءِ، وَقِيلَ: إِن لَمْ تُذْكَرِ المرأَة قُلْتَ هَذِهِ قَتِيلة بَنِي فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ مَرَرْتُ بقَتِيلة لأَنك تَسْلُكَ طَرِيقَ الِاسْمِ.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ يَجُوزُ فِي هَذَا طرْح الْهَاءِ وَفِي الأَوّل إِدخال الْهَاءِ يَعْنِي أَن تَقُولَ: هَذِهِ امرأَة قَتِيلة ونِسْوة قَتْلى.
وأَقْتَلَ الرجلَ: عرَّضه للقَتْل وأَصْبَره عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرة لامرأَته يَوْمَ قَتَلَه خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَقْتَلْتِني أَي عرَّضْتِني بحُسْن وَجْهِكِ للقَتْل بِوُجُوبِ الدِّفَاعِ عَنْكِ والمُحاماة عَلَيْكِ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً فقَتَلَه خَالِدٌ وتزوَّجها بَعْدَ مَقْتَله، فأَنكر ذَلِكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ وَمِثْلُهُ: أَبَعْتُ الثَّوْب إِذا عَرَّضْته لِلْبِيعِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَشدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَو قَتَلَه نبيٌ»؛ أَراد مَنْ قَتَله وَهُوَ كَافِرٌ كقَتْله أُبيَّ بْنَ خَلَف يَوْمَ بدْر لَا كمَن قَتَله تَطْهِيرًا لَهُ فِي الحَدِّ كماعِزٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يُقْتَل قُرَشيٌّ بَعْدَ الْيَوْمِ صبْرًا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِن كَانَتِ اللَّامُ مَرْفُوعَةً عَلَى الخَبر فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا أَباح مِنْ قَتْل القُرَشيّين الأَربعة يَوْمَ الفَتْح، وَهُمُ ابْنُ خَطَل ومَنْ مَعَهُ أَي أَنهم لَا يَعُودُونَ كفَّارًا يُغْزوْن ويُقْتَلون عَلَى الْكُفْرِ كَمَا قُتِل هَؤُلَاءِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ الْآخَرِ: " لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ الْيَوْمِ أَي لَا تعودُ دَارَ كُفْرٍ تُغْزى عَلَيْهِ، وإِن كَانَتِ اللَّامُ مَجْزُومَةً فِيكُونُ نَهْيًا عَنْ قَتْلهم فِي غَيْرِ حَدٍّ وَلَا قِصاص.
وَفِي حَدِيثِ سَمُرة: «مَنْ قَتَلَ عَبْده قَتَلْناه وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْناه»؛ قَالَ ابْنَ الأَثير: ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ" الْحَسَنِ أَنه نَسِيَ هَذَا الْحَدِيثَ فَكَانَ يَقُولُ لَا يُقْتَلَ حرٌّ بِعَبْدٍ "، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ الْحَسَنُ لَمْ يَنْسَ الْحَدِيثَ، وَلَكَنَّهُ كَانَ يتأَوَّله عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الإِيجاب وَيَرَاهُ نَوْعًا مِنَ الزَّجْر ليَرْتَدِعوا وَلَا يُقْدِموا عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ: إِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ أَو الْخَامِسَةِ فاقتُلوه، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِيهَا فَلَمْ يَقْتله، قَالَ: وتأَوَّله بَعْضُهُمْ أَنه جَاءَ فِي عَبْد كَانَ يملِكه مرَّة ثُمَّ زَالَ مِلْكه عَنْهُ فَصَارَ كُفؤًا لَهُ بالحُرِّية، قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَحد إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ سُفْيَانَ والمرويُّ عَنْهُ خِلَافُهُ قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلى القِصاص بَيْنَ الحرِّ وَعَبْدِ الْغَيْرِ، وأَجمعوا عَلَى أَن القِصاص بَيْنَهُمْ فِي الأَطراف سَاقِطٌ، فَلَمَّا سقَط الجَدْع بالإِجماع سَقَطَ القِصاص لأَنهما ثَبَتا مَعًا، فَلَمَّا نُسِخا نُسِخا مَعًا، فِيكُونُ حَدِيثُ سَمُرة مَنْسُوخًا؛ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ، قَالَ: وَقَدْ يَرِدُ الأَمر بالوَعيد رَدْعًا وزَجْرًا وَتَحْذِيرًا وَلَا يُراد بِهِ وَقُوعُ الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ" جَابِرٍ فِي السَّارِقِ: أَنه قُطِع فِي الأُولى وَالثَّانِيةِ وَالثَّالِثَةِ إِلى أَن جِيءَ بِهِ فِي الْخَامِسَةِ فَقَالَ اقتُلوه، قَالَ جَابِرٌ: فقَتَلْناه، وَفِي إِسناده مَقال قَالَ: وَلَمْ يَذْهَبْ أَحد مِنَ الْعِلْمَاءِ إِلى قَتْل السَّارِقِ وإِن تَكَرَّرَتْ مِنْهُ السَّرقة.
وَمِنْ أَمثالهم: مَقْتَلُ الرَّجُلِ بَيْنَ فَكَّيْه أَي سَبَبُ قَتْله بَيْنَ لَحْيَيْه وَهُوَ لِسانه.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَرسَل إِليَّ أَبو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهل الْيَمَامَةِ»؛ المَقْتَل مَفْعَل مِنَ القَتْل، قَالَ: وَهُوَ ظَرْفُ زَمَانٍ هَاهُنَا؛ أي عِنْدَ قَتْلهم فِي الوَقْعة الَّتِي كَانَتْ بِالْيَمَامَةِ مَعَ أَهل الرِّدَّة فِي زَمَنِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وتَقَاتَلَ الْقَوْمُ واقتَتَلُوا وتَقَتَّلوا وقَتَّلوا وقِتَّلوا، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَدْ أَدغم بَعْضُ الْعَرَبِ فأَسكن لمَّا كَانَ الْحَرْفَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَكُونَا مُنفَصِلين، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ يَقِتِّلون وَقَدْ قِتَّلوا، وَكَسَرُوا الْقَافَ لأَنهما سَاكِنَانِ الْتَقَيَا فشبِّهت بِقَوْلِهِمْ رُدِّ يَا فَتى، قَالَ: وَقَدْ قَالَ آخَرُونَ قَتَّلوا، أَلقَوْا حَرَكَةَ الْمُتَحَرِّكِ عَلَى السَّاكِنِ، قَالَ: وَجَازَ فِي قَافِ اقْتَتَلوا الوَجْهان ولم يكن بمنزلة عَصَّ وقِرَّ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لأَنه لَا يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ فِيهِ الإِظهار والإِخْفاء والإِدغام، فَكَمَا جَازَ فِيهِ هَذَا فِي الْكَلَامِ وتصرَّف دَخَله شيئَان يَعْرضان فِي الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَتُحْذَفُ أَلف الوَصْل حَيْثُ حرِّكت الْقَافُ كَمَا حُذِفَتِ الأَلف الَّتِي فِي رُدَّ حَيْثُ حُرِّكَتِ الرَّاءُ، والأَلف الَّتِي فِي قلَّ لأَنهما حَرْفَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَحِقَهَا الإِدغام، فَحُذِفَتِ الأَلف كَمَا حُذِفَتْ فِي رُبَّ لأَنه قَدْ أُدْغِم كَمَا أُدْغم، قَالَ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ" الْحَسَنِ: إِلا مَنْ خَطَّف الخَطْفة "؛ قَالَ: وَمَنْ قَالَ يَقَتِّلُ قَالَ مُقَتِّل، وَمَنْ قَالَ يَقِتِّلُ قَالَ مُقِتِّل، وأَهل مَكَّةَ يَقُولُونَ مُقُتِّل يُتْبِعون الضَّمَّةَ الضَّمَّةَ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وحدثني الخليل وهرون أَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ مُرُدِّفين يُرِيدُونَ مُرْتَدِفين أَتبَعُوا الضمةَ الضَّمَّةَ؛ وَقَوْلُ مَنْظُورُ بْنُ مَرْثَدٍ الأَسدي:
تَعَرَّضَتْ لِي بِمَكَانٍ حِلِّ، ***تَعَرُّضَ المُهْرةِ فِي الطِّوَلِّ،
تَعَرُّضًا لَمْ تَأْلُ عَنْ قَتْلَلِّي أَراد عَنْ قَتْلي، فَلَمَّا أَدخل عَلَيْهِ لَامًا مشدَّدة كَمَا أَدخل نُونًا مشدَّدة فِي قَوْلِ دَهْلَب بْنُ قُرَيْعٍ:
جَارِيَةٌ ليسَتْ مِنَ الوَخْشَنِّ ***أُحِبُّ منكِ مَوْضِع القُرْطنِ
وَصَارَ الإِعراب فِيهِ فتَحَ اللامَ الأُولى كَمَا تُفْتَحُ فِي قَوْلِكَ مَرَرْتُ بتَمْرٍ وبتَمْرَةٍ وبرجُلٍ وبرَجُلَين؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَالْمَشْهُورُ فِي رَجَزِ مَنْظُورٍ: " لَمْ تَأْلُ عَنْ قَتْلًا لِي "عَلَى الحِكاية أَي عَنْ قَوْلِهَا قَتْلًا لَهُ أَي اقتُلوه.
ثُمَّ يُدغم التَّنْوِينُ فِي اللَّامِ فِيصِيرُ فِي السَّمْع عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: وَلَيْسَ الأَمر عَلَى مَا تأَوَّله.
وقَاتَلَه مُقَاتَلةً وقِتالًا، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَفَّروا الْحُرُوفَ كَمَا وَفَّروها فِي أَفْعَلْت إِفْعالًا.
قَالَ: والتَّقْتال القَتْل وَهُوَ بِنَاءٌ مَوْضُوعٌ للتَّكثير كأَنك قُلْتَ فِي فَعَلْت فَعَّلْت، وَلَيْسَ هُوَ مَصْدَرُ فَعَّلْت، وَلَكِنْ لَمَّا أَردت التَّكْثير بَنَيْت الْمَصْدَرَ عَلَى هَذَا كَمَا بَنَيْتَ فَعَّلْت عَلَى فَعَلْت.
وقتَّلوا تقْتيلًا: شدِّد لِلْكَثْرَةِ.
والمُقَاتَلَة: الْقِتَالُ؛ وَقَدْ قَاتَلَه قِتالًا وقِيتالًا، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ المُقاتَل؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
أُقَاتِلُ حَتَّى لَا أَرى لِي مُقاتَلًا، ***وأَنجو إِذا غُمَّ الجَبانُ مِنَ الكَرْب
وَقَالَ زَيْدُ الْخَيْلِ:
أُقاتِلُ حَتَّى لَا أَرى لِي مُقاتَلًا، ***وأَنجُو إِذا لَمْ يَنْجُ إِلا المُكَيّس
والمُقَاتِلَة: الَّذِينَ يَلُون القِتال، بِكَسْرِ التَّاءِ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْقَوْمُ الَّذِينَ يَصْلحون لِلْقِتَالِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}؛ أَي لَعَنَهم أَنَّى يُصْرَفون، وَلَيْسَ هَذَا بِمَعْنَى القِتال الَّذِي هُوَ مِنَ المُقاتلة وَالْمُحَارَبَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسانُ مَا أَكْفَرَهُ}؛ مَعْنَاهُ لُعِن الإِنسان، وقَاتَلَه اللَّهُ لعَنه اللَّهُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا قَتَله.
وَيُقَالُ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا أَي عَادَاهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «قَاتَلَ اللهُ اليهودَ»؛ أي قَتَلَهُم اللَّهُ، وَقِيلَ: لعَنهم اللَّهُ، وَقِيلَ: عَادَاهُمْ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَحد هَذِهِ الْمَعَانِي، قَالَ: وَقَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِمْ: تَرِبَتْ يَدَاهُ، قَالَ: وَقَدْ تَرِدُ وَلَا يُرَادُ بِهَا وُقوعُ الأَمر، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرة»؛ وسَبِيلُ فاعَلَ أَن يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي الْغَالِبِ، وَقَدْ يَرِدُ مِنَ الْوَاحِدِ كسافرْت وطارَقْت النعْل.
وَفِي حَدِيثِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي: «قَاتِلْه فإِنه شَيْطَانٌ» أَي دافِعْه عَنْ قِبْلَتِك، وَلَيْسَ كُلُّ قِتال بِمَعْنَى القَتْل.
وَفِي حَدِيثِ السَّقِيفة: «قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا فإِنه صَاحِبُ فِتْنَةٍ وشرٍّ»أَي دَفَعَ اللَّهُ شرَّه كأَنه إِشارة إِلى مَا كَانَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ الإِفْك، وَاللَّهُ أَعلم؛ وَفِي رِوَايَةٍ: " أَن عُمَرَ قَالَ يَوْمَ السَّقِيفة اقْتُلُوا سَعْدًا قَتَلَه اللَّهُ؛ أي اجْعَلُوهُ كَمَنْ قُتِل واحْسِبوه [احْسُبوه] فِي عِداد مَنْ مَاتَ وَهَلَكَ، وَلَا تَعْتَدُّوا بمَشْهَده وَلَا تُعَرِّجوا عَلَى قَوْلِهِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَيضًا: «مَنْ دَعا إِلى إِمارة نفسِه أَو غَيْرِهِ مَنِ الْمُسْلِمِينَ فاقْتُلُوه» أَي اجْعَلُوهُ كَمَنْ قُتِلَ وَمَاتَ بأَن لَا تَقْبَلوا لَهُ قَوْلًا وَلَا تُقِيموا لَهُ دَعْوَةً، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: إِذا بُويِع لخَلِيفتين فاقْتُلُوا الأَخير مِنْهُمَا أَي أَبْطِلوا دَعْوَتَهُ وَاجْعَلُوهُ كمَنْ قَدْ مَاتَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «عَلَى المُقْتَتِلِين أَن يَنْحَجِزوا الأَوْلى فالأَوْلى، وإِن كَانَتِ امرأَة»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَن يَكُفُّوا عَنِ القَتْل مِثْلَ أَن يُقْتَل رَجُلٌ لَهُ وَرَثة فأَيهم عَفَا سَقَطَ القَوَدُ، والأَوْلى هُوَ الأَقرب والأَدنى مِنْ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ، وَمَعْنَى المُقْتَتِلِين أَن يطلُب أَولياء القَتِيل القَوَد فِيمْتَنِعَ القَتَلة فِينْشَأَبَيْنَهُمُ القِتال مِنْ أَجله، فَهُوَ جَمْعُ مُقْتَتِل، اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ اقْتَتَلَ، وَيُحْتَمَلُ أَن تَكُونَ الرِّوَايَةُ بِنَصْبِ التَّاءَيْنِ عَلَى الْمَفْعُولِ؛ يُقَالُ: اقْتُتِلَ، فَهُوَ مُقْتَتَل، غَيْرَ أَن هَذَا إِنما يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَنْ قَتَله الحُبُّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا حَدِيثٌ مُشْكِلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ أَقوال الْعِلْمَاءِ فَقِيلَ: إِنه فِي المُقْتَتِلِين مِنْ أَهل القِبْلة عَلَى التأْويل فإِن البَصائر رُبَّمَا أَدْرَكت بعضَهم فَاحْتَاجَ إِلى الِانْصِرَافِ مِنْ مَقامه الْمَذْمُومِ إِلى الْمَحْمُودِ، فإِذا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا يمرُّ فِيهِ إِليه بَقِيَ فِي مَكَانِهِ الأَول فَعَسَى أَن يُقْتَل فِيهِ، فأُمِرُوا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إِنه يَدْخُلُ فِيهِ أَيضًا المُقْتَتِلون مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتالهم أَهل الْحَرْبِ، إِذ قَدْ يَجُوزُ أَن يَطْرأَ عَلَيْهِمْ مَنْ مَعَهُ الْعُذْرُ الَّذِي أُبِيح لَهُمُ الِانْصِرَافُ عَنْ قِتاله إِلى فِئة الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَتَقَوَّون بِهَا عَلَى عدوِّهم، أَو يَصِيرُوا إِلى قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَون بِهِمْ عَلَى قِتال عدوِّهم فيقاتِلونهم مَعَهُمْ.
وَيُقَالُ: قُتِلَ الرَّجُلُ، فإِن كَانَ قَتَله العِشْق أَو الجِنُّ قِيلَ اقْتُتِل.
ابْنُ سِيدَهْ: اقْتُتِل فُلَانٌ قَتَلَهُ عَشِقُ النِّسَاءَ أَو قَتَله الجِنُّ، وَكَذَلِكَ اقْتَتَلَتْه النِّسَاءُ، لَا يُقَالُ فِي هَذَيْنِ إِلا اقْتُتِلَ.
أَبو زَيْدٍ: اقْتُتِلَ جُنَّ، واقْتَتَلَه الجِنُّ خُبِل، واقْتُتِلَ الرَّجُلُ إِذا عَشِق عِشْقًا مُبَرِّحًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذا مَا امْرُؤٌ حاوَلْن أَن يَقْتَتِلْنه، ***بِلا إِحْنةٍ بَيْنَ النُّفوس، وَلَا ذَحْل
هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ؛ وَقَدْ قَالُوا قَتَلَه الجِنّ وَزَعَمُوا أَن هَذَا الْبَيْتَ:
قَتَلْنا سَيِّد الخَزْرَج ***سعدَ بْنَ عُباده
إِنما هُوَ لِلْجِنِّ.
والقِتْلة: الْحَالَةُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهلُ الإِيمان»؛ القِتْلَة، بِالْكَسْرِ: الْحَالَةُ مِنَ القَتْل، وَبِفَتْحِهَا المرَّة مِنْهُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ويفهَم الْمُرَادُ بِهِمَا مِنْ سِيَاقِ اللَّفْظِ.
ومَقاتِل الإِنسان: الْمَوَاضِعُ الَّتِي إِذا أُصيبت مِنْهُ قَتَلَتْه، وَاحِدُهَا مَقْتَل.
وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي عَنْ أَبي الْمُجِيبِ: لَا وَالَّذِي أَتَّقِيه إِلا بمَقْتَلِه أَي كُلُّ مَوْضِعٍ مَنِّي مَقْتَل بأَيِّ شيءٍ شَاءَ أَن ينزِل قَتْلي أَنزله، وأَضاف المَقْتَل إِلى اللَّهِ لأَن الإِنسان كُلَّهُ مِلْك لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فمَقاتِله مِلْكٌ لَهُ.
وَقَالُوا فِي المَثل: قَتَلَتْ أَرْضٌ جاهلَها وقَتَّلَ أَرضًا عالِمُها.
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمثالهم فِي الْمَعْرِفَةِ وحمدِهم إِياها قولُهم قَتَّلَ أَرضًا عالمُها وقَتَلَتْ أَرضٌ جَاهِلَهَا، قَالَ: قَوْلُهُمْ قَتَّلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ مُقَتَّل مُضَرَّس، وَقَالُوا قَتَلَه عِلْمًا عَلَى المَثل أَيضًا، وقَتَلْت الشيءَ خُبْرًا.
قَالَ تعالى: {وَما قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}؛ أَي لَمْ يُحيطوا بِهِ عِلْمًا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْهَاءُ هَاهُنَا لِلْعِلْمِ كَمَا تَقُولُ قَتَلْتُه عِلْمًا وقَتَلْتَه يَقِينًا للرأْي وَالْحَدِيثِ، وأَما الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ، فَهُوَ هَاهُنَا لِعِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى مَا قَتَلُوا علْمَهم يَقِينًا كَمَا تَقُولُ أَنا أَقْتُل الشَّيْءَ عِلْمًا تأْويله أَي أَعْلم عِلْمًا تَامًّا.
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُوَ قَاتِل الشَّتَوات أَي يُطعِم فِيهَا ويُدْفِئُ النَّاسَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الَّذِي قَدْ جرَّب الأُمور: هُوَ مُعاوِد السَّقْي سَقَى صَيِّبًا.
وقَتَلَ غَليلَه: سَقَاهُ فَزَالَ غَليلُه بالرِّيِّ، مَثَّلَ بِمَا تَقَدَّمَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
والقِتْل، بِالْكَسْرِ: العدوُّ؛ قَالَ:
واغْتِرابي عَنْ عامِر بْنِ لُؤَيٍّ ***فِي بلادٍ كَثِيرَةِ الأَقْتال
الأَقْتَال: الأَعداء، وَاحِدُهُمْ قِتْل وَهُمُ الأَقْران؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيّات، ولُؤَي بِالْهَمْزِ تَصْغِيرُ اللأْيِ، وَهُوَ الثَّوْرُ الوحشيُّ.
والقَتالُ والكَتَالُ: الكِدْنة والغِلظ، فإِذا قِيلَ نَاقَةٌ نَقِيَّة القَتال فإِنما يُرِيدُ أَنها، وإِن هُزِلت، فإِن عملَها باقٍ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
ذعرْت بِجَوْس نَهْبَلَةٍ قِذَافٍ ***مِنَ العِيدِيِّ باقِية القَتَال
والقِتْل: القِرْن فِي قِتال وَغَيْرِهِ.
وَهُمَا قِتْلان أَي مِثْلان وحَتْنان [حِتْنان].
وقِتْل الرَّجُلِ: نَظِيرُهُ وابنُ عَمِّهِ.
وإِنه لقِتْل شرٍّ أَي عَالِمٌ بِهِ، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَقْتال.
وَرَجُلٌ مُقَتَّل: مجرِّب للأُمور.
أَبو عَمْرٍو: المجرِّبُ والمُجَرَّس والمُقَتَّل كُلُّهُ الَّذِي جرَّب الأُمور وَعَرَفَهَا.
وقَتَل الْخَمْرَ قَتْلًا: مَزَجَهَا فأَزال بِذَلِكَ حِدَّتها؛ قَالَ الأَخطل:
فقلتُ: اقْتُلوها عنكُم بمِزاجِها، ***وحُبَّ بِهَا مَقْتولة، حِينَ تُقْتَل
وقال حسان:
إِنَّ الَّتِي عاطَيْتَني فَرَدَدْتُها ***قُتِلَتْ، قُتِلْتَ فهاتِها لَمْ تُقْتَل
قَوْلُهُ قُتِلْتَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ أَي قَتَلك اللَّهُ لِمَ مَزَجْتَهَا؛ وَقَوْلُ دُكَيْنٌ:
أُسْقَى بَراوُوقِ الشَّباب الخاضِلِ، ***أُسْقَى مِنَ المَقْتولَةِ القَواتِلِ
أَي مِنَ الخُمور المَقْتولة بالمَزْج القَواتِل بحدَّتها وإِسكارها.
وتَقَتَّل الرَّجُلُ للمرأَة: خضَع.
وَرَجُلٌ مُقَتَّل أَي مُذَلَّل قَتَله الْعِشْقُ.
وقلْب مُقَتَّل: قُتِل عِشْقًا، وَقِيلَ مذلَّل بِالْحُبِّ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِ: " بسَهْمَيْكِ فِي أَعْشارِ قَلْب مُقَتَّل "قَالَ: المُقَتَّل العَوْد المُضَرَّس بِذَلِكَ الْفِعْلِ كَالنَّاقَةِ المُقَتَّلة المُذَلَّلة لِعَمَلٍ مِنَ الأَعمال وَقَدْ رِيضت وذُلِّلَتْ وعُوِّدت؛ قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْخَمْرِ مَقْتُولَة إِذا مُزِجت بِالْمَاءِ حَتَّى ذَهَبَتْ شدَّتها فَصَارَ رِياضة لَهَا.
والمُقَتَّل: المَكْدود بِالْعَمَلِ المُذَلَّلُ.
وَجَمَلٌ مُقَتَّل: ذَلول؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
كأَنَّ عَيْنيَّ فِي غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ، ***مِنَ النواضِحِ، تَسْقي جَنَّةً سُحُقَا
واسْتَقْتَل أَي اسْتَمات.
التَّهْذِيبِ: المُقَتَّل مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي ذَلَّ ومَرَن عَلَى الْعَمَلِ.
وَنَاقَةٌ مُقَتَّلَة: مُذَلَّلَةٌ.
وتَقَتَّلَت المرأَةُ لِلرَّجُلِ: تَزَيَّنَتْ.
وتَقَتَّلت: مَشَتْ مِشْية حَسَنَةً تقلَّبت فِيهَا وتثنَّت وتكسَّرت؛ يُوصَفُ بِهِ الْعِشْقُ؛ وَقَالَ:
تَقَتّلْتِ لِي، حَتَّى إِذا مَا قَتَلْتِني ***تنسَّكْتِ، مَا هَذَا بفِعْل النَّواسِكِ
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ للمرأَة هِيَ تَقَتَّل فِي مِشْيتها؛ قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ تَدَلُّلها واخْتيالها.
واسْتَقْتَلَ فِي الأَمر: جدَّ فِيهِ.
وتَقَتَّلَ لِحَاجَتِهِ: تهيَّأ وجدَّ.
والقَتَال: النَّفْس، وَقِيلَ بقيَّتها؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَلم تَعْلَمِي يَا مَيُّ أَني، وَبَيْنَنَا ***مَهاوٍ يَدَعْنَ الجَلْسَ نَحْلًا قَتَالُها،
أُحَدِّثُ عنكِ النَّفْسَ حَتَّى كأَنني ***أُناجِيكِ مِنْ قُرْبٍ، فيَنْصاحُ بالُها؟
ونَحْلًا: جَمْعُ ناحِل، تَقُولُ مِنْهُ قَتْله كَمَا تَقُولُ صَدرَه ورأَسَه وفَأَدَه.
والقَتَال: الجسمُ واللحمُ، وَقِيلَ: القَتال بقيَّة الْجِسْمِ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: العُجُوس مَشْيُ العَجَاساء وَهِيَ النَّاقَةُ السَّمِينَةُ تتأَخَّر عَنِ النُّوق لثِقَل قَتالها، وقَتالُها شحمُها ولحمُها.
وَدَابَّةٌ ذَاتُ قَتال: مُسْتَوِيَةُ الخَلْق وَثِيقة.
وَبَقِيَ مِنْهُ قَتَال إِذا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ الهُزال غِلَظ أَلواح.
وامرأَة قَتُول أَي قَاتِلَةٌ؛ وَقَالَ مُدْرِكُ بْنُ حُصَيْنٍ:
قَتُول بعَيْنَيْها رَمَتْكَ، وإِنما ***سِهامُ الغَواني القاتِلاتُ عُيونُها
والقَتُول وقَتْلَة: اسْمَانِ؛ وإِياها عَنَى الأَعشى بِقَوْلِهِ:
شاقَتْك مِنْ قَتْلَة أَطْلالُها، ***بالشَّطِّ فالوِتْر [فالوُتْر] إِلى حاجِرِ
والقَتَّال الكِلابي: من شُعَرائهم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
78-لسان العرب (جذم)
جذم: الجَذْم: القَطْع.جَذَمه يَجْذِمه جَذْمًا: قطَعه، فَهُوَ جذِيم.
وجَذَّمه فانْجَذم وتَجَذَّم.
وجَذَب فلانٌ حَبْلَ وِصَالِهِ وجَذَمه إِذَا قطَعه؛ " قَالَ الْبُعَيْثُ: أَلَا أَصْبَحَت خَنْساءُ جاذِمةَ الوَصْلِ "والجَذْمُ: سُرْعَةُ القَطْع؛ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ أَهل الْمَدِينَةِ طَالَ عَلَيْهِمُ الجَذْم والجَذْبُ»أَيِ انْقِطاعُ المِيرة عَنْهُمْ.
والجِذْمة: القِطْعة مِنَ الشَّيْءِ يُقْطع طَرَفُه وَيَبْقَى جَذْمُه، وَهُوَ أَصله.
والجِذْمة: السَّوْط لأَنه يَتَقَطَّعُ ممَّا يُضْرَب بِهِ.
والجِذْمة مِنَ السَّوْط: مَا يُقْطع طرفُه الدَّقِيق وَيَبْقَى أَصله؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
يُوشُونَهُنَّ، إِذَا مَا آنَسوا فَزَعًا ***تَحْتَ السَّنَوَّر، بالأَعْقابِ والجِذَم
ورجلٌ مِجْذامٌ ومِجذامةٌ: قَاطِعٌ للأُمور فَيْصل.
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ مِجْذامة لِلْحَرْبِ والسَّير والهَوَى أَيْ يَقْطَعُ هَواه ويَدَعُه.
الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ مِجْذامة أَيْ سَرِيعُ الْقَطْعِ للمَوَدَّة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
وَإِنِّي لبَاقِي الوُدِّ مِجْذامةُ الهَوَى، ***إِذَا الإِلف أَبْدَى صَفْحه غَيْرَ طَائِلِ
والأَجْذَمُ: الْمَقْطُوعُ اليَد، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي ذَهَبَتْ أنامِلُه، جَذِمَتْ يَدُه جَذَمًا وجَذَمها وأَجْذَمها، والجَذْمةُ والجَذَمةُ: مَوْضِعُ الجَذْم مِنْهَا.
والجِذْمة: القِطعة مِنَ الْحَبْلِ وَغَيْرِهِ.
وَحَبْلٌ جِذْمٌ مَجْذومٌ: مَقْطُوعٌ؛ قَالَ:
هَلَّا تُسَلِّي حاجةٌ عَرَضَتْ ***عَلَقَ القَرينةِ، حَبْلُها جِذْمُ
والجَذَم: مَصْدَرُ الأَجْذَم اليَدِ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَتْ أَصابعِ كَفَّيْهِ.
وَيُقَالُ: مَا الَّذِي جَذَّمَ يدَيه وَمَا الَّذِي أَجْذمه حَتَّى جَذِم.
والجُذام مِنَ الدَّاء: مَعْرُوفٌ لتَجَذُّم الأَصابع وتقطُّعها.
وَرَجُلٌ أَجْذَمَ ومُجَذَّم: نَزَل بِهِ الجُذام؛ الأَوّل عَنْ كُرَاعٍ؛ غَيْرُهُ: وَقَدْ جُذِم الرَّجُلُ، بِضَمِّ الْجِيمِ، فَهُوَ مَجْذوم.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ أَجْذَمَ.
والجاذِمُ: الَّذِي وَلِيَ جَذْمَه.
والمُجذَّم: الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ ذَلِكَ، وَالِاسْمُ الجُذام.
وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّم الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيه لَقِيَ اللهَ يومَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ أَجْذَم».
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأَجْذَم المَقْطوع الْيَدِ.
يُقَالُ: جَذِمَت يدُه تَجْذَمُ جَذَمًا إِذَا انْقَطَعَتْ فَذَهَبت، فَإِنْ قَطَعْتها أَنت قُلْتَ: جَذَمْتُها أَجْذِمُها جَذْمًا؛ قَالَ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ مَنْ نَكَثَ بَيْعَتَه لَقِي اللَّهَ وَهُوَ أَجْذم لَيْسَتْ لَهُ يَدٌ "، فَهَذَا تَفْسِيرُهُ؛ وَقَالَ المُتَلَمِّسُ.
وَهَلْ كنتُ إلَّا مِثْلَ قاطِعِ كَفِّه ***بِكَفٍّ لَهُ أُخْرى، فأَصْبَحَ أَجْذَما؟
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الأَجْذَم فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي ذَهَبَتْ أَعضاؤه كُلُّهَا، قَالَ: وَلَيْسَتْ يَدُ الناسِي لِلْقُرْآنِ أَولى بالجَذْم مِنْ سَائِرِ أَعضائه.
وَيُقَالُ: رَجُلٌ أَجْذَمُ ومَجْذوم ومُجَذَّم إِذَا تَهافَتَتْ أَطْرافُه مِنْ دَاءِ الجُذام.
قَالَ الأَزهري: وَقَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ قَرِيبٌ مِنَ الصَّوَابِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَالَ ابْنُ الأَنباري رَدًّا عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ: لَوْ كَانَ الْعِقَابُ لَا يقَعُ إلَّا بِالْجَارِحَةِ الَّتِي بَاشَرَتِ الْمَعْصِيَةَ لَما عُوقب الزَّانِي بالجَلْد والرَّجْم فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنه لَقِيَ اللهَ وَهُوَ أَجْذَمُ الحُجَّةِ، لَا لِسانَ لَهُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي يَدِهِ.
وَقَوْلُ" عَلِيٍّ: لَيْسَتْ لَهُ يَدٌ؛ أي لَا حُجَّة لَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَقِيَه وَهُوَ مُنْقَطِعُ السَّبَب، يدلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: القرآنُ سَبَبٌ بيدِ اللَّهِ وسَبَبٌ بأَيديكم، فَمن نَسِيه فَقَدْ قَطع سَبَبَه "؛ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الأَعرابي، وَهُوَ أَنَّ مَنْ نَسِيَ الْقُرْآنَ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى خاليَ الْيَدِ مِنَ الْخَيْرِ، صِفْرَها مِنَ الثَّوَابِ، فَكَنَّى بِالْيَدِ عَمَّا تَحْوِيهِ وَتَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي تَخْصِيصِ حَدِيثِ عَلِيٍّ بذكْر اليَدِ مَعْنَى لَيْسَ فِي حَدِيثِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ، لأَن البَيْعَة تُباشِرُها الْيَدُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الأَعضاء، وَهُوَ أَنْ يَضَع المُبايِعُ يَدَهُ فِي يَدِ الإِمام عِنْدَ عَقْدِ البَيْعة وأَخذِها عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كُلُّ خُطْبة لَيْسَ فِيهَا شَهادة كَالْيَدِ الجَذْماء أَيِ الْمَقْطُوعَةِ».
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لمَجْذُوم فِي وَفْدِ ثَقيفٍ: ارْجِعْ فَقَدْ بايَعْناك "؛ المَجْذومُ: الَّذِي أَصابه الجُذام، كأَنه مِنْ جُذِمَ فَهُوَ مَجْذوم، وَإِنَّمَا ردَّة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يَنْظُرُ أصحابُه إِلَيْهِ فَيزْدَرُوه ويَرَوْا لأَنفسهم فضْلًا عَلَيْهِ، فيَدْخُلهم العُجْبُ والزَّهْو، أَوْ لِئَلَّا يَحْزَن المَجْذومُ بِرُؤْيَةِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وأَصحابه وَمَا فَضَلوا عَلَيْهِ فيَقِلّ شُكْرُهُ عَلَى بَلاء اللَّهِ، وَقِيلَ: لأَن الجُذام مِنَ الأَمراض المُعْدِية، وَكَانَ الْعَرَبُ تتطيَّرُ مِنْهُ وتَتَجَنَّبُه، فردَّه لِذَلِكَ، أَو لِئَلَّا يَعْرِض لأَحدهم جُذام فيظنَّ أَن ذَلِكَ قَدْ أَعْداه، ويَعْضُد ذَلِكَ حَدِيثُهُ الْآخَرُ: " أَنه أَخذ بِيَدِ مَجْذوم فَوضعها مَعَ يَدِهِ فِي القَصْعة وَقَالَ: كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وتَوكُّلًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فَعل ذَلِكَ ليُعْلِم الناسَ أَن شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ورَدَّ الأَوَّلَ لِئَلَّا يَأْثَم فِيهِ الناسُ، فإنَّ يَقِينهم يَقْصُر عَنْ يَقِينه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُدِيمُوا النظَر إِلَى المَجْذومين، لأَنه إِذَا أَدام النَّظَرَ إِلَيْهِ حَقَرَه، ورأَى لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ فَضْلًا، وتأَذَّى بِهِ المَنْظور إِلَيْهِ».
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَربعٌ لَا يَجُزْنَ فِي البَيْع وَلَا النِّكَاحِ: المَجْنونةُ والمَجْذومةُ والبَرْصاءُ والعفْلاء»، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ جَذْمى مِثْلُ حَمْقى ونَوْكَى.
وجَذِمَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، جَذَمًا: صَارَ أَجْذَمَ، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ اليَدِ.
والجِذْمُ، بِالْكَسْرِ: أَصل الشَّيْءِ، وَقَدْ يُفْتَحُ.
وجِذْمُ كُلِّ شَيْءٍ: أَصلُه، وَالْجَمْعُ أَجْذامٌ وجُذُومٌ.
وجِذْمُ الشَّجَرَةِ: أَصلُها، وَكَذَلِكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وجِذْمُ الْقَوْمِ: أَصلُهم.
وَفِي حَدِيثِ حاطِب: «لَمْ يَكُنْ رجُل مِنْ قُرَيْش إلَّا لَهُ جِذْمٌ بمكَّة»؛ يُرِيدُ الأَهْلَ والعَشِيرةَ.
وجِذْمُ الأَسْنان: مَنابِتُها؛ وقال الحَرِث بْنُ وَعْلة الذُّهْليُّ:
أَلآنَ لمَّا ابيَضَّ مَسْرُبَتي، ***وعَضِضْتُ منْ نَابِي عَلَى جِذْمِ
أَيْ كَبِرت حَتَّى أَكلْت عَلَى جِذْم نَابِي.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الأَذان: «أَنه رأَى فِي الْمَنَامِ كأَنَّ رجُلًا نزلَ مِنَ السَّمَاءِ فعَلا جِذْمَ حَائِطٍ فأَذَّن»؛ الجِذْمُ: الأَصلُ، أَراد بقيَّة حَائِطٍ أَوْ قِطْعة مِنْ حَائِطٍ.
والجَذْمُ والخَذْمُ: القَطْعُ.
والانْجِذامُ: الانْقِطاعُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
بانَتْ سُعادُ فأَمسى حَبْلُها انْجَذما، ***واحْتَلَّتِ الشِّرْعَ فالأَجْراعَ مِنْ إضَما
وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: « {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} »، قَالَ: انْجَذَمَ أَبو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ أَيِ انقطَع بِهَا.
مِنَ الرَّكْب.
وسارَ وأَجْذمَ السيرَ: أَسرع فِيهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ: " صَائِبُ الجِذْمةِ مِنْ غَيْرِ فَشَلْ "ابْنُ الأَعرابي: الجِذْمة فِي بَيْتِهِ الإِسْراعُ، جَعَلَهُ اسْمًا مِنَ الإِجْذام، وَجَعَلَهُ الأَصمعي بقيَّة السَّوْط وأَصلَه.
اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ: الإِجْذامُ السرعةُ فِي السَّيْرِ.
وأَجذم البعيرُ فِي سَيْرِهِ أَيْ أَسرع.
وَرَجُلٌ مِجْذامُ الرَّكْض فِي الحرْب: سريعُ الرَّكْض فِيهَا.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَجْذَمَ الفرسُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَعْدُو اشْتَدَّ عَدْوُه.
والإِجْذام: الإِقْلاع عَنِ الشَّيْءِ؛ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ:
وحَرَّقَ قَيْسٌ عَليَّ البِلادَ، ***حَتَّى إِذَا اضْطَرَمَتْ أَجْذَما
وَرَجُلٌ مُجَذَّمٌ: مُجَرّب؛ عَنْ كُرَاعٍ.
والجَذَمةُ: بَلَحاتٌ يَخْرُجْنَ فِي قَمِع وَاحِدٍ، فَمَجْمُوعُهَا يُقَالُ لَهُ جَذَمةٌ.
والجُذامةُ مِنَ الزَّرْعِ: مَا بَقِيَ بَعْدَ الحَصْد.
وجُذْمان: نخلٌ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم:
فَلَا تَقْرَبُوا جُذْمانَ، إِنَّ حَمامَهُ ***وجَنَّتَه تَأْذى بِكُمْ فَتَحَمَّلُوا
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «أَنه أُتِيَ بِتَمْرٍ مِنْ تَمر اليَمامة فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: الجُذامِيُّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بارِكْ فِي الجُذامِيّ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ هُوَ تَمْرٌ أَحمرُ اللَّوْن، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ جَدَمٍ، بِالدَّالِ الْيَابِسَةِ، شَيْئًا مِنْ هَذَا.
والجَذْماء: امرأَة مِنْ بَنِي شَيْبان كَانَتْ ضَرَّة للبَرْشاء، وَهِيَ امرأَة أُخرى، فَرَمَت الجَذْماءُ البَرْشاءَ بِنَارٍ فأَحرقتها فسُمِّيَت البَرْشاءَ، ثُمَّ وثَبَتْ عَلَيْهَا البَرْشاءُ فقطعتْ يدَها فسُمِّيت الجَذْماءَ.
وَبَنُو جَذيمَة: حَيٌّ مِنْ عَبْد القَيْس، وَمَنَازِلُهُمُ البَيْضاءُ بِنَاحِيَةِ الخَطِّ مِنَ البَحْرين.
وجُذامُ: قَبِيلَةٌ مِنَ اليَمن تَنْزِلُ بِجِبَالِ حِسْمَى، وتَزْعُم نُسَّابُ مُضَرَ أَنهم مِنْ مَعَدٍّ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَذْكُرُ انْتِقَالَهُمْ إِلى اليَمن بنسَبهم:
نَعَاءِ جُذامًا غَيْرَ موتٍ وَلَا قَتْلِ، ***وَلَكِنْ فِراقًا للدَّعائم والأَصْلِ
ابْنُ سِيدَهْ: جُذامٌ حَيٌّ مِنَ اليَمنِ، قِيلَ: هُمْ مِنْ وَلَدِ أَسَد بْنِ خُزَيمة؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
كأَن ثِقالَ المُزْن بَيْنَ تُضارُعٍ ***وشابَةَ بَرْكٌ، مِنْ جُذامَ، لَبِيجُ
أَراد بَرْك مِنْ إِبِلِ جُذام؛ وخَصَّهم لأَنهم أَكْثَرُ النَّاسِ إِبِلًا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ الجعْديِّ:
فأَصْبَحَتِ الثِّيرانُ غَرْقى، وأَصْبحتْ ***نِساءُ تَمِيمٍ يَلْتَقِطْنَ الصَّياصِيا
ذَهَبَ إِلى أَن تَمِيمًا حاكةٌ، فنِساؤهم يَلْتَقِطْن قُرونَ البَقر المَيْتَة فِي السَّيْل.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِن قَالُوا وَلَدَ جُذامٌ كَذَا وَكَذَا صَرَفته لأَنك قصدْت قَصْدَ الأَب، قَالَ: وإِن قُلْتَ هَذِهِ جُذامُ فَهِيَ كسَدُوسَ.
وجَذِيمةُ: قبيلةٌ؛ وَالنَّسَبُ إِلَيْهَا جُذَمِيٌّ، وَهُوَ مِنْ نَادِرِ مَعْدول النسَب.
وجَذِيمةُ: مَلِك مِنْ مُلُوكِ الْعَرَبِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَذِيمةُ الأَبْرَشُ ملِك الحِيرة صاحبُ الزَّبَّاء، وَهُوَ جَذيمة بنُ مَالِكِ بنِ فَهْم بْنِ دَوْسٍ مِنَ الأَزْدِ.
الْجَوْهَرِيُّ: جَذيمة قَبِيلَةٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ينسَب إِلَيْهِمْ جَذَمِيٌّ، بِالتَّحْرِيكِ، وَكَذَلِكَ إِلى جَذيمةِ أَسَدٍ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَحَدَّثَنِي بعضُ مَنْ أَثِق بِهِ يَقُولُ فِي بَنِي جَذيمة جُذَميّ، بِضَمِّ الْجِيمِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ حَدَّثَنِي مَنْ أَثق بِهِ فإِنما يَعْنِيني.
وَيُقَالُ: مَا سَمِعت لَهُ جُذْمة أَيْ كَلِمَةً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَتْ بالثَّبَت انتهى.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
79-لسان العرب (لقم)
لقم: اللَّقْمُ: سُرعة الأَكل والمُبادرةُ إِليه.لَقِمَه لَقْمًا والْتَقَمَه وأَلْقَمَه إِياه، ولَقِمْت اللُّقْمةَ أَلْقَمُها لَقْمًا إِذا أَخَذْتَها بِفِيك، وأَلْقَمْتُ غَيْرِي لُقْمةً فلَقِمَها.
والْتَقَمْت اللُّقْمةَ أَلْتَقِمُها الْتِقَامًا إِذا ابْتَلَعْتها فِي مُهْلة، ولَقَّمْتها غَيْرِي تَلْقِيمًا.
وَفِي الْمَثَلِ: سَبَّه فكأَنما أَلْقَمَ فَاهُ حَجَرًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن رَجُلًا أَلْقَمَ عينَه خَصاصةَ الْبَابَ» أَي جَعَلَ الشَّقَّ الَّذِي فِي الْبَابِ يُحاذي عينَه فكأَنه جَعَلَهُ لِلْعَيْنِ كاللُّقمة لِلْفَمِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « فَهُوَ كالأَرْقم إِن يُتْرك يَلْقَم »أَي إِن تَتْرُكه يأْكلك.
يُقَالُ: لَقِمْتُ الطعامَ أَلْقَمُه وتَلَقَّمْتُه والْتَقَمْتُه.
ورجُل تِلْقَام وتِلْقَامَة: كَبِيرُ اللُّقَم، وَفِي الْمُحْكَمِ: عَظِيمُ اللُّقَم، وتِلْقَامَة مِنَ المُثُل الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الْكِتَابِ.
واللَّقْمَة واللُّقْمَة: مَا تُهيِّئه لِلّقم؛ الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
التَّهْذِيبُ: واللُّقْمَة اسْمٌ لِمَا يُهيِّئه الإِنسان لِلِالْتِقَامِ، واللَّقْمَةُ أَكلُها بِمَرَّةٍ، تَقُولُ: أَكلت لُقْمَة بلَقْمَتَيْنِ، وأَكلت لُقْمَتَيْنِ بلَقْمَة، وأَلْقَمْت فُلَانًا حجَرًا.
ولَقَّمَ البعيرَ إِذا لَمْ يأْكل حَتَّى يُناوِلَه بِيَدِهِ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: أَلْقَمَ البعيرُ عَدْوًا بَيْنَا هُوَ يَمْشِي إِذْ عَدا فَذَلِكَ الإِلْقَام، وَقَدْ أَلْقَمَ عَدْوًا وأَلْقَمْتُ عَدْوًا.
واللَّقَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: وَسَطُ الطَّرِيقِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْكُمَيْتِ:
وعبدُ الرحِيمِ جماعُ الأُمور، ***إِليه انتَهى اللَّقَمُ المُعْمَلُ
ولَقَمُ الطَّرِيقِ ولُقَمُه؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: مَتْنُه وَوَسَطُهُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الأَسد:
غابَتْ حَلِيلتُه وأَخْطأَ صَيْده، ***فَلَهُ عَلَى لَقَمِ الطريقِ زَئِير
واللَّقْمُ، بِالتَّسْكِينِ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ لَقَمَ الطريقَ وَغَيْرَ الطَّرِيقِ، بِالْفَتْحِ، يَلْقُمُه، بِالضَّمِّ، لَقْمًا: سدَّ فَمَهُ.
ولَقَمَ الطريقَ وغيرَ الطَّرِيقِ يَلْقُمُه لَقْمًا: "سدَّ فَمَهُ.
واللَّقَمُ، محرَّك: مُعْظم الطَّرِيقِ.
اللَّيْثُ: لَقَمُ الطَّرِيقِ مُنْفَرَجُه، تَقُولُ: عَلَيْكَ بلَقَمِ الطَّرِيقِ فالْزَمْه.
ولُقْمَانُ: صَاحِبُ النُّسور تَنْسُبُهُ الشعراءُ إِلَى عَادٍ؛ وَقَالَ:
تَراه يُطوِّفُ الآفاقَ حِرْصًا ***ليأْكل رأْسَ لُقْمَانَ بنِ عادِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قِيلَ إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لأَبي الْمُهَوَّشِ الأَسَديّ، وَقِيلَ: لِيَزِيدَ بْنُ عَمْرِو بْنِ الصَّعِق، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَقَبْلَهُ:
إِذَا مَا ماتَ مَيْتٌ مِنْ تَميمٍ ***فسَرَّك أَن يَعِيش، فجِئْ بِزادِ
بخُبْزٍ أَو بسَمْنٍ أَو بتَمْرٍ، ***أَو الشَّيْءُ المُلَفَّفِ فِي البِجادِ
وَقَالَ أَوس بْنُ غَلْفاء يَرُدُّ عَلَيْهِ:
فإنَّكَ، فِي هِجاء بَنِي تَميمٍ، ***كمُزْدادِ الغَرامِ إِلَى الغَرامِ
هُمُ ضَرَبوكَ أُمَّ الرأْسِ، حَتَّى ***بَدَتْ أُمُّ الشُّؤُونِ مِنَ العِظام
وهمْ ترَكوكَ أَسْلَح مِن حُبارَى ***رأَت صَقْرًا، وأَشْرَدَ مِنْ نَعامِ
ابْنُ سِيدَهْ: ولُقْمَان اسْمٌ؛ فأَما لُقْمَان الَّذِي أَثنى عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، وَقِيلَ: كَانَ حَكِيمًا لِقَوْلِ اللَّهُ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ}؛ وَقِيلَ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَقِيلَ: كَانَ خَيّاطًا، وَقِيلَ: كَانَ نَجَّارًا، وَقِيلَ: كَانَ رَاعِيًا؛ وَرُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ" أَن إِنْسَانًا وَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ قال: أَلَسْتَ الَّذِي كنتَ تَرْعَى مَعِي فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا؟ قال: بلى، فقال: فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: صِدْقُ الْحَدِيثِ وأَداءُ الأَمانةِ والصَّمْتُ عَمَّا لَا يَعْنِيني "، وَقِيلَ: كَانَ حَبَشِيًّا غَلِيظَ المَشافر مشقَّق الرِّجْلَيْنِ؛ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الزَّجَّاجِ، وَلَيْسَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَن اللَّهَ شَرَّفَهُ بالحِكْمة.
ولُقَيم: اسْمٌ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَصْغِيرُ لُقْمَان عَلَى تَصْغِيرِ التَّرْخِيمِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ تَصْغِيرَ اللُّقَمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لُقَيم اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لُقَيم بْنُ لُقْمانَ مِنْ أُخْتِه، ***وَكَانَ ابنَ أُخْتٍ لَهُ وابْنَما
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
80-لسان العرب (سخن)
سخن: السُّخْنُ، بِالضَّمِّ: الحارُّ ضِدَّ الْبَارِدِ، سَخُنَ الشيءُ والماءُ، بِالضَّمِّ، وسَخَنَ، بِالْفَتْحِ، وسَخِنَ؛ الأَخيرة لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ، سُخونة وسَخانةً وسُخْنة وسُخْنًا وسَخَنًا وأَسْخَنَه إِسْخانًا وَسخَّنَه وسَخُنَتْ الأَرض وسَخِنَتْ وسَخُنَت عَلَيْهِ الشَّمْسُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَبَنُو عَامِرٍ يَكْسِرون.وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرّة: « شَرُّ الشِّتَاءِ السَّخينُ»؛ أي الْحَارُّ الَّذِي لَا بَرْدَ فِيهِ.
قَالَ: وَالَّذِي جَاءَ فِي غَرِيبِ الحَرْبيّ: شرُّ الشتاءِ السُّخَيْخِين، وَشَرْحُهُ أَنه الْحَارُّ الَّذِي لَا بَرْدَ فِيهِ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّقَلة.
وَفِي حَدِيثِ أَبي الطُّفَيْل: « أَقبل رهْطٌ مَعَهُمُ امرأَة فَخَرَجُوا وَتَرَكُوهَا مَعَ أَحدهم فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: رأَيت سَخينَته تَضْرب اسْتَها يَعْنِي بَيْضَتيه لِحَرَارَتِهِمَا».
وَفِي حَدِيثِ وَاثِلَةَ: « أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَعا بقُرْصٍ فَكَسَرَهُ فِي صَحْفة ثُمَّ صَنَعَ فِيهَا مَاءً سُخْنًا »؛ مَاءٌ سُخْن، بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْخَاءِ؛ أي حَارٌّ.
وَمَاءٌ سَخِينٌ ومُسَخَّنٌ وسِخِّين وسُخاخِينٌ: سُخْنٌ، وَكَذَلِكَ طَعَامٌ سُخاخِين.
ابْنُ الأَعرابي: ماءٌ مُسْخَنٌ وسَخِين مِثْلَ مُتْرَص وتَريصٍ ومُبرَم وبَريمٍ؛ وأَنشد لِعَمْرِو بْنُ كُلْثُومٍ:
مُشَعْشَعة كأَنَّ الحُصَّ فِيهَا، ***إِذَا مَا الماءُ خالَطَها سَخِينا
قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ جُدْنا بأَموالنا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي أَنّ الْمَاءَ الْحَارَّ إِذَا خَالَطَهَا اصْفَرَّت، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ وَكَانَ الأَصمعي يَذْهَبُ إِلَى أَنه مِنَ السَّخاء لأَنه يَقُولُ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ:
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ، إِذَا أُمِرَّتْ ***عَلَيْهِ لمالِهِ فِيهَا مُهِينا
قَالَ: وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ لأَن ذَلِكَ لَقَبٌ لَهَا وَذَا نَعْتٍ لِفِعْلِهَا، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ ابْنُ الأَعرابي بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ جُدْنا بأَموالنا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لأَنه كَانَ يَنْكَرُ أَن يَكُونَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعَل، لِيُبْطِلَ بِهِ قَوْلَ ابْنِ الأَعرابي فِي صِفَتِهِ: الْمَلْدُوغُ سَلِيمٌ؛ إِنَّهُ بِمَعْنَى مُسْلَم لِمَا بِهِ.
قَالَ: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ كَثِيرًا، أَعني فَعَيْلًا بِمَعْنَى مُفْعَل مِثْلَ مُسْخَن وسَخِين ومُتْرَص وتَرِيص، وَهِيَ أَلفاظ كَثِيرَةٌ مَعْدُودَةٌ.
يُقَالُ: أَعْقَدْتُ العسلَ فَهُوَ مُعْقَدُ وعَقِيد، وأَحْبَسْته فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ مُحْبَسٌ وحَبِيس، وأَسْخَنْتُ الماءَ فَهُوَ مُسْخَنٌ وسَخِين، وأَطْلَقْتُ الأَسيرَ فَهُوَ مُطْلَقٌ وطَلِيق، وأَعْتَقْت العبدَ فَهُوَ مُعْتَق وعَتِيق، وأَنْقَعْتُ الشرابَ فَهُوَ مُنْقَع ونَقِيع، وأَحْبَبْتُ الشيءَ فَهُوَ مُحَبٌّ وحَبِيبٌ، وأَطْرَدْتُه فَهُوَ مُطْرَد وطَرِيد أَي أَبعدته، وأَوْجَحْتُ الثوبَ إِذَا أَصْفَقْته فَهُوَ مُوجَحٌ ووَجِيحٌ، وأَتْرَصْتُ الثوبَ أَحْكمته فَهُوَ مُترَص وتَرِيص، وأَقْصَيْتُه فَهُوَ مُقْصىً وقَصِيٌّ، وأَهْدَيْت إِلَى الْبَيْتِ هَدْيًا فَهُوَ مُهْدًى وهَدِيٌّ، وأَوصيت لَهُ فَهُوَ مُوصىً ووَصِيٌّ، وأَجْنَنْتُ الميتَ فَهُوَ مُجَنٌّ وجَنين، وَيُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ النَّاقِصِ الخَلْق مُخْدَجٌ وخَديجٌ؛ قَالَ: ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ، وَكَذَلِكَ مُجْهَضٌ وجَهِيض إِذَا أَلقته مِنْ شِدَّةِ السَّيْرِ، وأُبْرَمْتُ الأَمرَ فَهُوَ مُبْرَمٌ وبَرِيمٌ، وأَبْهَمْتُه فَهُوَ مُبْهَم وبَهِيمٌ، وأَيْتَمه اللَّهُ فَهُوَ مُوتَم ويَتِيم، وأَنْعَمه اللَّهُ فَهُوَ مُنعَمٌ ونَعِيم، وأُسْلِمَ الملْسُوعُ لِمَا بِهِ فَهُوَ مُسْلَم وسَلِيم، وأَحْكَمْتُ الشيءَ فَهُوَ مُحْكَم وحَكيم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ}؛ وأَبْدَعْته فَهُوَ مُبْدَع وبَدِيع، وأَجْمَعْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ مُجْمَع وجَمِيع، وأَعْتَدْتُه بِمَعْنَى أَعْدَدْته فَهُوَ مُعْتَد وعَتيد؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}؛ أَي مُعْتَدٌ مُعَدٌّ؛ يُقَالُ: أَعددته وأَعتدته وأَعتدته بِمَعْنَى، وأَحْنَقْتُ الرَّجُلَ أَغضبته فَهُوَ مُحْنَقٌ وحَنِيقٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَلاقَيْنا بغِينةِ ذِي طُرَيْفٍ، ***وبعضُهُم عَلَى بعضٍ حَنِيقُ
وأَفْرَدْته فَهُوَ مُفْرَد وفَرِيد، وَكَذَلِكَ مُحْرَدٌ وحَرِيد بِمَعْنَى مُفْرد وفَريد، قَالَ: وأَما فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِل فمُبْدِعٌ وبَدِيع، ومُسْمِع وسَمِيع، ومُونِقٌ وأَنيق، ومُؤْلِم وأَلِيم، ومُكِلٌّ وكَلِيل؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ: " حَتَّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلُ غَيْرُهُ: وَمَاءٌ سُخَاخِينٌ عَلَى فُعاليل، بِالضَّمِّ، وَلَيْسَ فِي "الْكَلَامِ غَيْرُهُ.
أَبو عَمْرٍو: مَاءٌ سَخِيم وسَخِين لِلَّذِي لَيْسَ بحارٍّ وَلَا بَارِدٍ؛ وأَنشد: " إِنِّ سَخِيمَ الماءِ لَنْ يَضِيرا ".
وتَسْخين الْمَاءِ وإِسْخانه بِمَعْنًى.
ويومٌ سُخاخينٌ: مِثْلَ سُخْن؛ فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنَ قَوْلِهِ:
أُحِبُّ أُمَّ خالِدٍ وخالِدًا، ***حُبًّا سُخاخِينًا وحُبًّا بَارِدَا
فإِنه فَسَّرَ السُّخاخين بأَنه الْمُؤْذِي المُوجِع، وَفَسَّرَ الْبَارِدَ بأَنه الَّذِي يَسْكُنُ إِلَيْهِ قَلْبُهُ، قَالَ كُرَاعٌ: وَلَا نَظِيرَ لسُخَاخِين.
وَقَدْ سَخَنَ يومُنا وسَخُن يَسْخُن، وَبَعْضٌ يَقُولُ يَسْخَنُ، وسَخِنَ سُخْنًا وسَخَنًا.
وَيَوْمٌ سُخْن وساخِن وسُخْنانٌ وسَخْنانٌ: حارٌّ.
وَلَيْلَةٌ سُخْنة وَسَاخِنَةٌ وسُخْنانة وسَخْنانة وسَخَنَانة، وسَخُنَتِ النارُ والقِدْر تَسْخُنُ سُخْنًا وسُخُونة، وَإِنِّي لأَجِدُ فِي نفْسي سُخْنة وسِخْنة وسَخْنة وسَخَنَةً، بِالتَّحْرِيكِ، وسَخْناءَ، مَمْدُودٌ، وسُخونة أَي حَرًّا أَو حُمَّى، وَقِيلَ: هِيَ فَضْلُ حَرَارَةٍ يَجِدُهَا مِنْ وَجَعٍ.
وَيُقَالُ: عَلَيْكَ بالأَمر عِنْدَ سُخْنته أَي فِي أَوله قَبْلَ أَن يَبْرُد.
وضَرْبٌ سِخِّين: حارٌّ مُؤْلِم شَدِيدٌ؛ قَالَ ابن مقبل: " ضَرْبًا تَواصَتْ بِهِ الأَبْطالُ سِخِّينا والسَّخينةُ: الَّتِي ارْتَفَعَتْ عَنِ الحَسَاء وثَقُلَتْ عَنْ أَن تُحْسَى، وَهِيَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ الدَّقِيقِ دُونَ الْعَصِيدَةِ فِي الرِّقَّةِ وفوقَ الحَساء، وَإِنَّمَا يأْكلون السَّخِينة والنَّفِيتَة فِي شدَّة الدَّهْرِ وغَلاءِ السِّعْرِ وعَجَفِ المالِ.
قَالَ الأَزهري: وَهِيَ السَّخُونة أَيضًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبي الهَيْثم أَنه كتب أَعْرَابِيٍّ قَالَ: السَّخِينة دَقِيقٌ يُلْقَى عَلَى ماءٍ أَو لَبَنٍ فَيُطْبَخُ ثُمَّ يؤْكل بِتَمْرٍ أَو يُحسَى، وَهُوَ الحَسَاءِ.
غَيْرُهُ: السَّخِينة تُعْمَلُ مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ.
وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: « أَنها جَاءَتِ النَّبِيَّ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببُرْمَةٍ فِيهَا سَخِينة أَي طَعَامٌ حَارٌّ، وَقِيلَ: هِيَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ، وَقِيلَ: دَقِيقٌ وَتَمْرٌ أَغلظ مِنَ الحَسَاء وأَرق مِنَ الْعَصِيدَةِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُكْثِرُ مِنْ أَكلها فعُيِّرَتْ بِهَا حَتَّى سُمُّوا سَخِينَة.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه دَخَلَ عَلَى عَمِّهِ حَمْزَةَ فصُنِعَتْ لَهُمْ سَخِينَةٌ فأَكلوا مِنْهَا».
وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: « أَنه مازَحَ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا الشيءُ المُلَفَّفُ فِي البِجَادِ؟ قَالَ: هُوَ السَّخِينة يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ »؛ المُلَفَّفُ فِي البِجاد: وَطْبُ اللَّبَنِ يُلَفُّ فِيهِ ليَحْمَى ويُدْرِكَ، وَكَانَتْ تَمِيمٌ تُعَيَّرُ بِهِ.
والسَّخِينة: الحَساءِ الْمَذْكُورُ، يؤْكل فِي الجَدْب، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَيَّرُ بِهَا، فَلَمَّا مَازَحَهُ مُعَاوِيَةُ بِمَا يُعَابُ بِهِ قَوْمُهُ مَازَحَهُ الأَحْنَفُ بِمِثْلِهِ.
والسَّخُونُ مِنَ الْمَرَقِ: مَا يُسَخَّنُ؛ وَقَالَ:
يُعْجبُه السَّخُونُ والعَصِيدُ، ***والتَّمْرُ حُبًّا مَا لَهُ مَزِيدُ
وَيُرْوَى: حَتَّى مَا لَهُ مَزِيدُ.
وسَخِينةُ: لَقَبُ قُرَيْشٍ لأَنها كَانَتْ تُعاب بأَكْل السَّخينة؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَن سَتَغْلِبُ رَبَّها، ***ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ
والمِسْخَنَةُ مِنَ البِرامِ: القِدْرُ الَّتِي كأَنها تَوْر؛ ابْنُ شُميل: هِيَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يطبخُ فِيهَا لِلصَّبِيِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أُنزِل عَلَيْكَ طعامٌ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أُنزل عَلَيَّ طَعَامٌ فِي مِسْخَنة »؛ قَالَ: هِيَ قِدْر كالتَّوْرِ يُسَخَّن فِيهَا الطَّعَامُ.
وسُخْنَةُ الْعَيْنِ: نقيضُ قُرَّتها، وَقَدْ سَخِنَت عينه، بِالْكَسْرِ، تَسْخَنُ سَخَنًا وسُخْنَةً وسُخُونًا وأَسْخَنها وأَسْخَنَ بِهَا؛ قَالَ:
أَوهِ أَدِيمَ عِرْضِه، وأَسْخِنِ ***بعَيْنِه بَعْدَ هُجوعِ الأَعْيُنِ
وَرَجُلٌ سَخِينُ الْعَيْنِ، وأَسْخَن اللَّهُ عينَه أَي أَبكاه.
وَقَدْ سخُنَتْ عَيْنُهُ سُخْنَة وسُخُونًا، وَيُقَالُ: سَخِنَتْ وَهِيَ نَقِيضُ قَرّت، وَيُقَالُ: سَخِنَت عَيْنُهُ مِنْ حَرَارَةٍ تَسْخَن سُخْنَةً؛ وأَنشد: " إِذَا الماءُ مِنْ حالِبَيْه سَخِنْ "قَالَ: وسَخِنَت الأَرض وسَخُنت، وأَما الْعَيْنُ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ.
والتَّساخين: المَراجل، لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: إِلَّا أَنه قَدْ يُقَالُ تِسْخان، قَالَ: وَلَا أَعرف صِحَّةَ ذَلِكَ.
وسَخُنَت الدَّابَّةُ إِذا أُجْرِيَت فسَخُنَ عِظامُها وخَفَّتْ فِي حُضْرِها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
رَفَّعْتُها طَرَدَ النَّعامِ وفوْقَهُ، ***حَتَّى إِذَا سَخُنَتْ وخَفَّ عِظامُها
وَيُرْوَى سُخِّنَتْ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ.
والتَّساخِينُ: الخِفافُ، لَا وَاحِدَ لَهَا مِثْلَ التَّعاشِيب.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَيْسَ للتَّساخين وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهَا كَالنِّسَاءِ لَا وَاحِدَ لَهَا، وَقِيلَ: الْوَاحِدُ تَسْخان وتَسْخَن.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فأَمَرهم أَن يَمْسَحُوا عَلَى المَشاوِذ والتَّساخين »؛ المَشاوذُ: الْعَمَائِمُ، والتَّساخِين: الخِفَاف.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَالَ حَمْزَةُ الأَصبهاني فِي كِتَابِ المُوازنة: التَّسْخان تَعْرِيبُ تَشْكَن، وَهُوَ اسْمُ غِطاء مِنْ أَغطية الرأْس، كَانَ العلماءُ والمَوَابِذة يأْخذونه على رؤوسهم خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ، قَالَ: وَجَاءَ ذِكْرُ التَّساخين فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ مَنْ تعاطَى تفسيرَه هُوَ الخُفُّ حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُ فَارِسِيَّتَهُ وَالتَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ.
والسَّخاخِينُ المَساحِي، وَاحِدُهَا سِخِّينٌ، بِلُغَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهِيَ مِسْحاة مُنْعَطِفة.
والسِّخِّينُ: مَرُّ المِحْراث؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، يَعْنِي مَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ الحَرَّاثُ مِنْهُ؛ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ المِعْزَق والسِّخُّينُ، وَيُقَالُ للسِّكِّين السِّخِّينة والشِّلْقاء، قَالَ: والسَّخاخِين سَكاكين الجَزَّار.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
81-لسان العرب (عرا)
عرا: عَرَاهُ عَرْوًا واعْتَرَاه، كِلَاهُمَا: غَشِيَه طَالِبًا مَعْرُوفَهُ، وَحَكَى ثَعْلَبٌ: أَنه سَمِعَ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ إِذا أَتيْت رجُلًا تَطْلُب مِنْهُ حَاجَةً قلتَ عَرَوْتُه وعَرَرْتُه واعْتَرَيْتُه واعْتَرَرْتُه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَرَوْتُه أَعْرُوه إِذا أَلْمَمْتَ بِهِ وأَتيتَه طَالِبًا، فَهُوَ مَعْرُوٌّ.وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: « مَا لَك لَا تَعْتَرِيهمْ وتُصِيبُ مِنْهُمْ؟ »هُوَ مِنْ قَصْدِهم وطَلَبِ رِفْدِهم وصِلَتِهِم.
وَفُلَانٌ تَعْرُوه الأَضْيافُ وتَعْتَرِيهِ أَي تَغْشاهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
أَتيتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيابي، ***عَلَى خَوْفٍ، تُظَنُّ بيَ الظُّنونُ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانُوا كَذَّبوه يَعْنِي هُودًا، ثُمَّ جعَلوه مُخْتَلِطًا وادَّعَوْا أَنَّ آلهَتَهم هِيَ الَّتِي خَبَّلَتْه لعَيبِه إِيَّاها، فهُنالِكَ قَالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ مَا نَقُولُ إِلا مَسَّكَ بعضُ أَصْنامِنا بجُنون لسَبِّكَ إِيّاها.
وعَراني الأَمْرُ يَعْرُوني عَرْوًا واعْتَرَانِي: غَشِيَني وأَصابَني؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعِي:
قالَتْ خُلَيْدةُ: مَا عَرَاكَ؟ ولمْ تكنْ ***بَعْدَ الرُّقادِ عن الشُّؤُونِ سَؤُولا
وَفِي الْحَدِيثِ: « كَانَتْ فَدَكُ لِحُقوقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي تَعْرُوه» أَي تَغْشَاهُ وتَنْتابُه.
وأَعْرَى القومُ صاحِبَهُم: تَرَكُوهُ فِي مَكَانِهِ وذَهَبُوا عَنْهُ.
والأَعْرَاءُ: الْقَوْمُ الَّذِينَ لَا يُهِمُّهم مَا يُهِمُّ أَصحابَهم.
وَيُقَالُ: أَعْرَاه صَدِيقُه إِذا تَبَاعَدَ عَنْهُ وَلَمْ يَنْصُرْه.
وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ لكلِّ شَيْءٍ أَهْمَلْتَه وخَلَّيْتَه "قَدْ عَرَّيْته؛ وأَنشد:
أَيْجَعُ ظَهْري وأُلَوِّي أَبْهَرِي، ***لَيْسَ الصحيحُ ظَهْرُه كالأَدْبَرِ،
وَلَا المُعَرَّى حِقْبةً كالمُوقَرِ "والمُعَرَّى: الجَمَل الَّذِي يرسَلُ سُدًى وَلَا يُحْمَل عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ يَصِفُ نَاقَةً:
فكَلَّفْتُها مَا عُرِّيَتْ وتأَبَّدَتْ، ***وَكَانَتْ تُسامي بالعَزيبِ الجَمَائِلا
قَالَ: عُرِّيت أُلْقي عَنْهَا الرحْل وتُرِكت مِنَ الحَمْل عَلَيْهَا وأُرْسِلَتْ تَرْعى.
والعُرَوَاءُ: الرِّعْدَة، مِثْلُ الغُلَواء.
وَقَدْ عَرَتْه الحُمَّى، وَهِيَ قِرَّة الحُمَّى ومَسُّها فِي أَوَّلِ مَا تأْخُذُ بالرِّعْدة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَسَدٌ تَفِرُّ الأُسْدُ مِنْ عُرَوَائِه، ***بمَدَافِعِ الرَّجَّازِ أَو بِعُيُون
الرَّجَّازُ: وَادٍ، وعُيُونٌ: موضعٌ، وأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمل فِيهِ صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه.
وَيُقَالُ: عَرَاه البَرْدُ وعَرَتْه الحُمَّى، وَهِيَ تَعْرُوه إِذا جاءَته بنافضٍ، وأَخَذَتْه الحُمَّى بعُرَوَائِها، واعْتَرَاهُ الهمُّ، عامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَالَ الأَصمعي: إِذا أَخَذَتِ المحمومَ قِرَّةٌ ووَجَدَ مسَّ الحُمَّى فَتِلْكَ العُرَوَاء، وَقَدْ عُرِيَ الرجلُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَهُوَ مَعْرُوٌّ، وإِن كَانَتْ نَافِضًا قِيلَ نَفَضَتْه، فَهُوَ مَنْفُوضٌ، وإِن عَرِقَ مِنْهَا فَهِيَ الرُّحَضاء.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العُرَواء قِلٌّ يأْخذ الإِنسانَ مِنَ الحُمَّى ورِعدَة.
وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ: « أَنه كَانَ تُصيبُه العُرَواءُ »، وَهِيَ فِي الأَصْل بَرْدُ الحُمَّى.
وأَخَذَتْه الحُمَّى بنافضٍ أَي برِعْدة وبَرْد.
وأَعْرَى إِذا حُمَّ العُرَوَاء.
وَيُقَالُ: حُمَّ عُرَواء وحُمَّ العُرَوَاء وحُمَّ عُرْوًا.
والعَرَاة: شِدَّةِ البرْد.
وَفِي حَدِيثِ أَبي سَلَمَةَ: « كنتُ أَرى الرُّؤْيا أُعْرَى مِنْهَا »أَي يُصيبُني البَرْدُ والرِّعْدَة مِنَ الخَوْف.
والعُرَوَاء: مَا بينَ اصْفِرارِ الشَّمْسِ إِلى اللَّيْلِ إِذا اشْتَدَّ البَرْدُ وهاجَتْ رِيحٌ باردةٌ.
ورِيحٌ عَرِيٌّ وعَرِيَّةٌ: بارِدَة، وَخَصَّ الأَزهري بِهَا الشَّمالَ فَقَالَ: شَمال عَرِيَّةٌ بَارِدَةٌ، وَلَيْلَةٌ عَريَّةٌ بَارِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي دُواد:
وكُهولٍ، عِنْدَ الحِفاظ، مَراجِيح ***يُبارُونَ كلَّ رِيحٍ عَرِيَّة
وأَعْرَيْنا: أَصابنا ذَلِكَ وَبَلَغْنَا بردَ الْعَشِيِّ.
وَمِنْ كلامِهم: أَهْلَكَ فقَدْ أَعْرَيْتَ أَي غَابَتِ الشَّمْسُ وبَرَدَتْ.
قَالَ أَبو عَمْرٍو: العَرَى البَرْد، وعَرِيَت لَيْلَتُنا عَرًى؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
وكأَنَّما اصْطَبَحَتْ قَرِيحَ سَحابةٍ ***بِعَرًى، تنازعُه الرياحُ زُلال
قَالَ: العَرَى مَكَانٌ بَارِدٌ.
وعُرْوَةُ الدَّلْوِ والكوزِ ونحوهِ: مَقْبِضُهُ.
وعُرَى المَزادة: آذانُها.
وعُرْوَةُ القَمِيص: مَدْخَلُ زِرِّه.
وعَرَّى القَمِيص وأَعْراه: جَعَلَ لَهُ عُرًى.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا تُشَدُّ العُرَى إِلَّا إِلى ثَلَاثَةِ مَساجِدَ »؛ هِيَ جمعُ عُرْوَةٍ، يريدُ عُرَى الأَحْمالِ والرَّواحِلِ.
وعَرَّى الشَّيْءَ: اتَّخَذَ لَهُ عُرْوَةً.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها}؛ شُبِّه بالعُرْوَة الَّتِي يُتَمسَّك بِهَا.
قَالَ الزَّجَّاجُ: العُرْوَة الوُثْقَى قولُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَقَدْ عَقَدَ لنَفْسِه مِنَ الدِّين عَقْدًا وَثِيقًا لَا تَحُلُّه حُجَّة.
وعُرْوَتا الفَرْجِ: لحْمٌ" ظاهِرٌ يَدِقُّ فيَأْخُذُ يَمْنَةً ويَسْرةً مَعَ أَسْفَلِ البَطْنِ، وفَرْجٌ مُعَرًّى إِذَا كَانَ كَذَلِكَ.
وعُرَى المَرْجان: قلائدُ المَرْجان.
وَيُقَالُ لطَوْق القِلادة: عُرْوَةٌ.
وَفِي النَّوَادِرِ: أَرضٌ عُرْوَةٌ وذِرْوَة وعِصْمة إِذا كَانَتْ خَصيبة خِصَبًا يَبْقَى.
والعُرْوَة مِنَ النَّباتِ: مَا بَقِي لَهُ خضْرة فِي الشِّتَاءِ تَتعلَّق بِهِ الإِبلُ حَتَّى تُدرِكَ الرَّبيع، وَقِيلَ: العُرْوَة الْجَمَاعَةُ مِنَ العِضاهِ خاصَّةً يَرْعَاهَا الناسُ إِذَا أَجْدَبوا، وَقِيلَ: العُرْوَةُ بَقِيَّةُ العِضاهِ والحَمْضِ فِي الجَدْبِ، وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنَ الشَّجَرِ عُرْوَةٌ إِلَّا لَهَا، غيرَ أَنه قَدْ يُشْتَقُّ لِكُلِّ مَا بَقِيَ مِنَ الشَّجَرِ فِي الصَّيْفِ.
قَالَ الأَزهري: والعُرْوَة مِنْ دِقِّ الشَّجَرِ مَا لَهُ أَصلٌ باقٍ فِي الأَرض مِثْلُ العَرْفَج والنَّصِيِّ وأَجناسِ الخُلَّةِ والحَمْضِ، فَإِذَا أَمْحَلَ الناسُ عَصَمت العُرْوةُ الماشيةَ فتبلَّغَت بِهَا، ضَرَبَهَا اللهُ مَثَلًا لِمَا يُعْتَصَم بِهِ مِنَ الدِّين فِي قَوْلِهِ تعالى: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى}؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
مَا كَانَ جُرِّبَ، عندَ مَدِّ حِبالِكُمْ، ***ضَعْفٌ يُخافُ، وَلَا انْفِصامٌ فِي العُرَى
قَوْلُهُ: انْفِصَامٌ فِي العُرَى أَي ضَعْف فِيمَا يَعْتَصِم بِهِ النَّاسُ.
الأَزهري: العُرَى ساداتُ النَّاسِ الَّذِينَ يَعْتَصِم بِهِمُ الضُّعفاء ويَعيشون بعُرْفِهم، شبِّهوا بعُرَى الشَّجَر الْعَاصِمَةِ الماشيةَ فِي الجَدْب.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعُرْوَة أَيضًا الشَّجَرُ المُلْتَفُّ الَّذِي تَشْتُو فِيهِ الإِبل فتأْكلُ مِنْهُ، وَقِيلَ: العُرْوَة الشيءُ مِنَ الشجرِ الَّذِي لَا يَزالُ بَاقِيًا فِي الأَرض وَلَا يَذْهَب، ويُشَبَّه بِهِ البُنْكُ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: العُرْوَة مِنَ الشَّجَرِ مَا يَكْفِي المالَ سَنَته، وَهُوَ مِنَ الشَّجَرِ مَا لَا يَسْقُط وَرَقُه فِي الشِّتاء مِثْلُ الأَراكِ والسِّدْرِ الَّذِي يُعَوِّلُ الناسُ عَلَيْهِ إِذا انْقَطَعَ الكلأَ، وَلِهَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ إِنَّهُ الشَّجَرُ الَّذِي يَلجأُ إِلَيْهِ المالُ فِي السَّنَةِ المُجْدبة فيَعْصِمُه مِنَ الجَدْبِ، والجمعُ عُرًى؛ قَالَ مُهَلْهِل:
خَلَع المُلوكَ وسارَ تَحْتَ لِوائِه ***شجرُ العُرَى، وعُراعِرُ الأَقوامِ
يَعْنِي قَوْمًا يُنتَفَع بِهِمْ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ الشَّجَرِ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى الْبَيْتُ لشُرَحْبِيل بنِ مالكٍ يمدَحُ معديكرب بْنَ عَكِبٍ.
قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَيُرْوَى عُراعِر وعَراعِر، فَمَنْ ضَمَّ فَهُوَ وَاحِدٌ، وَمَنْ فتَح جَعَلَهُ جَمْعًا، ومثلُه جُوالِق وجَوالِق وقُماقِم وقَماقِم وعُجاهِن وعَجاهِن، قَالَ: والعُراعِرُ هُنَا السيِّد؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
ولمْ أَجِدْ عُرْوَةَ الخلائقِ إلا ***الدِّينَ، لمَّا اعْتَبَرْتُ، والحَسبَا
أَي عِمادَه.
ورَعَيْنا عُرْوَة مكَّةَ لِما حولَها.
والعُرْوَة: النفيسُ مِنَ المالِ كالفَرَسِ الْكَرِيمِ وَنَحْوِهِ.
والعُرْيُ: خلافُ اللُّبْسِ.
عَرِيَ مِنْ ثَوْبه يَعْرَى عُرْيًا وعُرْيَةً فَهُوَ عارٍ، وتَعَرَّى هُوَ عُرْوة شَدِيدَةً أَيضًا وأَعْرَاهُ وعَرَّاه، وأَعْرَاهُ مِنَ الشيءِ وأَعْرَاه إِياهُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبلٍ فِي صِفَةِ قِدْحٍ:
بِهِ قَرَبٌ أَبْدَى الحَصَى عَنْ مُتونِه، ***سَفاسقُ أَعْرَاها اللِّحاءَ المُشَبِّحُ
ورَجلٌ عُرْيَانٌ، وَالْجَمْعُ عُرْيَانُون، وَلَا يُكسَّر، وَرَجُلٌ عارٍ مِنْ قومٍ عُرَاةٍ وامرأَة عُرْيَانَةٌ وعَارٍ وعَارِيَةٌ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَا كَانَ عَلَى فُعْلانٍ فَمُؤَنَّثُه بِالْهَاءِ.
وجاريةٌ حسَنة العُرْيةِ والمُعَرَّى والمُعَرَّاةِ أَيِ المُجَرَّدِ أَي حَسَنَة عندَ تَجْريدِها مِنْ ثِيَابِهَا، وَالْجَمْعُ المَعَارِي، والمَحاسِرُ مِنَ المرأةِ مِثْلُ المَعَاري، وعَرِيَ البَدَن مِنَ اللَّحْم كَذَلِكَ؛ " قَالَ قَيْسُ بنُ ذَريح:
وللحُبِّ آيَاتٌ تُبَيّنُ بالفَتى ***شُحوبًا، وتَعْرَى مِنْ يَدَيْه الأَشاجعُ
وَيُرْوَى: تَبَيَّنُ شُحُوبٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عارِي الثَّدْيَيْن "، وَيُرْوَى: الثَّنْدُوَتَيْن؛ أَراد أَنه لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَعْرٌ، وَقِيلَ: أَرادَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا لَحْمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَشْعَر الذراعَيْن والمَنْكِبَين وأَعْلى الصَّدرِ.
الْفَرَّاءُ: العُرْيَانُ مِنَ النَّبْتِ الَّذِي قَدْ عَرِيَ عُرْيًا إِذَا اسْتَبانَ لَكَ.
والمَعَارِي: مَبَادِي العِظامِ حيثُ تُرى مِنَ اللَّحْمِ، وَقِيلَ: هِيَ الوَجْهُ واليَدَانِ والرِّجْلانِ لأَنها باديةٌ أَبدًا؛ قَالَ أَبو كبِيرٍ الهُذَليّ يَصِفُ قَوْمًا ضُرِبُوا فسَقَطوا عَلَى أَيْديهم وأَرْجُلِهمْ:
مُتَكَوِّرِينَ عَلَى المَعَاري، بَيْنَهُم ***ضَرْبٌ كتَعْطاطِ المَزادِ الأَثْجَلِ
وَيُرْوَى: الأَنْجَلِ، ومُتَكَوِّرينَ أَي بعضُهم عَلَى بَعْضٍ.
قَالَ الأَزهري: ومَعَارِي رؤوس الْعِظَامِ حَيْثُ يُعَرَّى اللحمُ عَنِ العَظْم.
ومَعَارِي الْمَرْأَةِ: مَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ إظْهاره، واحدُها مَعْرًى.
وَيُقَالُ: مَا أَحْسَنَ مَعَارِيَ هَذِهِ المرأَة، وَهِيَ يَدَاها ورِجْلاها ووجهُها، وأَورد بَيْتِ أَبي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا يَنْظُر الرَّجُلُ إِلَى عِرْيَة المرأَةِ »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ، يُرِيدُ مَا يَعْرَى مِنْهَا ويَنْكَشِفُ، وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ" لَا يَنْظُر إِلَى عَوْرَة المرأَةِ "؛ وَقَوْلُ الرَّاعِي:
فإنْ تَكُ ساقٌ مِنْ مُزَيْنَة قَلَّصَتْ ***لِقَيْسٍ بحَرْبٍ لَا تُجِنُّ المَعَارِيا
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَراد العورةَ والفَرْجَ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ الهُذَلي:
أَبِيتُ عَلَى مَعَارِيَ واضِحَاتٍ، ***بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كَدَمِ العِباطِ
فَإِنَّمَا نَصَبَ الياءَ لأَنه أَجْراها مُجْرى الحَرْفِ الصَّحِيحِ فِي ضَرُورةِ الشِّعْرِ، وَلَمْ يُنَوّن لأَنه لا يَنْصرِف، وَلَوْ قَالَ مَعارٍ لَمْ ينكَسر البيتُ وَلَكِنَّهُ فرَّ مِنَ الزِّحَافِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمَعَارِي الفُرُش، وَقِيلَ: إنَّ الشَّاعِرَ عَناها، وَقِيلَ: عَنى أَجْزاءَ جِسْمِها واخْتار مَعَارِيَ عَلَى مَعَارٍ لأَنه آثَرَ إتْمامَ الوَزْنِ، وَلَوْ قَالَ معارٍ لمَا كُسر الْوَزْنُ لأَنه إِنَّمَا كَانَ يَصِيرُ مِنْ مُفاعَلَتُن إِلَى مَفاعِيلن، وَهُوَ العَصْب؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
فلَوْ كانَ عبدُ اللهِ مَولًى هَجَوْتُه، ***ولكِنَّ عبدَ اللهِ مَولى مَوَالِيا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ للمُتَنَخّل الْهُذَلِيِّ.
قَالَ: وَيُقَالُ عَرِيَ زيدٌ ثوبَه وكسِي زيدٌ ثَوْبًا فيُعَدِّيه إِلَى مَفْعُولٍ؛ قَالَ ضَمْرة بنُ ضَمْرَةَ:
أَرَأَيْتَ إنْ صَرَخَتْ بلَيلٍ هامَتي، ***وخَرَجْتُ مِنْها عَارِيًا أَثْوابي؟
وَقَالَ الْمُحْدَثُ:
أَمَّا الثِّيابُ فتعْرَى مِنْ مَحاسِنِه، ***إِذَا نَضاها، ويُكْسَى الحُسْنَ عُرْيَانا
قَالَ: وَإِذَا نَقَلْتَ أَعرَيْت، بِالْهَمْزِ، قُلْتَ أَعْرَيْتُه أَثْوَابَه، قَالَ: وأَما كَسِيَ فتُعَدِّيه مِنْ فَعِل إِلَى فَعَل فَتَقُولُ كَسَوْتُهُ ثَوْبًا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَعْرَيْته أَنا وعَرَّيْتُه تَعْرية فتَعَرَّى.
أَبو الْهَيْثَمِ: دَابَّةٌ عُرْيٌ وخَيْلٌ أَعْرَاءٌ ورَجلٌ عُرْيَان وامرأَةٌ عُرْيَانَةٌ إِذَا عَرِيا مِنْ أَثوابهما، وَلَا يُقَالُ رجلٌ عُرْيٌ.
ورجلٌ عارٍ إِذَا أَخْلَقَت أَثوابُه؛ وأَنشد: الأَزهري هُنَا بَيْتَ النَّابِغَةِ: أَتَيْتُك عارِيًا خَلَقًا ثِيابي "وَقَدْ تَقَدَّمَ.
والعُرْيانُ مِنَ الرَّمْل: نَقًا أَو عَقِدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَجَرٌ.
وفَرَسٌ عُرْيٌ: لَا سَرْجَ عَلَيْهِ، وَالْجَمْعُ أَعْراءٌ.
قَالَ الأَزهري: يُقَالُ: هُوَ عِرْوٌ مِنْ هَذَا الأَمر كَمَا يُقَالُ هُوَ خِلْوٌ مِنْهُ.
والعِرْوُ: الخِلْو، تَقُولُ أَنا عِرْوٌ مِنْهُ، بِالْكَسْرِ، أَيْ خِلْو.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ورجلٌ عِرْوٌ مِنَ الأَمْرِ لَا يَهْتَمُّ بِهِ، قَالَ: وأُرَى عِرْوًا مِنَ العُرْيِ عَلَى قَوْلِهِمْ جَبَيْتُ جِباوَةً وأَشاوَى فِي جَمْعِ أَشْياء، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فبابُه الياءُ، والجمعُ أَعْرَاءٌ؛ وَقَوْلُ لَبِيدٌ:
والنِّيبُ إنْ تُعْرَ منِّي رِمَّةً خَلَقًا، ***بَعْدَ المَماتِ، فَإِنِّي كُنتُ أَتَّئِرُ
وَيُرْوَى: تَعْرُ مِنِّي أَي تَطْلُب لأَنها رُبَّمَا قَضِمت العظامَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تُعْرَ منِّي مَنْ أَعْرَيْتُه النخلةَ إِذَا أَعطيته ثَمَرَتَهَا، وتَعْرُ مِنِّي تَطْلُب، مِنْ عَرَوْتُه، ويروى: تَعْرُمَنِّي، بِفَتْحِ الْمِيمِ، مِنْ عَرَمْتُ العظمَ إِذَا عَرَقْت مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنَّهُ أُتيَ بِفَرَسٍ مُعْرَوْرٍ »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي لَا سَرْج عَلَيْهِ وَلَا غَيْرَهُ.
واعْرَوْرَى فرسَه: رَكبه عُرْيًا، فَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، أَو يَكُونُ أُتي بِفَرَسٍ مُعْرَوْرىً عَلَى الْمَفْعُولِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: واعْرَوْرَى الفرسُ صارَ عُرْيًا.
واعْرَوْرَاه: رَكبَه عُرْيًا، وَلَا يُسْتَعْمل إِلَّا مَزِيدًا، وَكَذَلِكَ اعْرَوْرَى الْبَعِيرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ، تَرْكُضُه ***أُمُّ الْفَوَارِسِ بالدِّئْداء والرَّبَعَهْ
وَهُوَ افعَوْعَل؛ واسْتَعارَه تأَبَّطَ شَرًّا للمَهْلَكة فَقَالَ:
يَظَلُّ بمَوْماةٍ ويُمْسِي بغيرِها ***جَحِيشًا، ويَعْرَوْرِي ظُهورَ المَهالكِ
وَيُقَالُ: نَحْنُ نُعاري أَي نَرْكَبُ الْخَيْلَ أَعْرَاءً، وَذَلِكَ أَخفُّ فِي الْحَرْبِ.
وَفِي حَدِيثِ أَنس: « أَن أَهل الْمَدِينَةِ فَزِعوا لَيْلًا»، فَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لأَبي طَلْحَةَ عُرْيًا.
واعْرَوْرَى مِنِّي أَمرًا قَبِيحًا: رَكِبَه، وَلَمْ يَجِئ فِي الكلامِ افْعَوْعَل مُجاوِزًا غَيْرَ اعْرَوْرَيْت، واحْلَوْلَيْت المكانَ إِذَا اسْتَحْلَيْته.
ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِمْ أَنا النَّذير العُريان: هُوَ رَجُلٌ مَنْ خَثْعَم، حَمَل عَلَيْهِ يومَ ذِي الخَلَصة عوفُ بنُ عَامِرِ بْنِ أَبِي عَوْف بْنِ عُوَيْف بْنِ مَالِكِ بْنِ ذُبيان ابن ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَشْكُر فقَطع يدَه وَيَدَ امرأَته، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي عُتْوارة بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا مَثَلي ومَثَلُكم كَمَثَلِ رَجُلٍ أَنْذَر قومَه جَيْشًا فَقَالَ: أَنا النَّذير العُرْيان أُنْذِركم جَيْشًا »؛ خَصَّ العُرْيان لأَنه أَبْيَنُ لِلْعَيْنِ وأَغرب وأَشنع عِنْدَ المُبْصِر، وَذَلِكَ أَن رَبيئة الْقَوْمَ وعَيْنَهم يَكُونُ عَلَى مَكَانٍ عالٍ، فَإِذَا رَأَى العَدُوَّ وَقَدْ أَقبل نَزَع ثَوْبَهُ وأَلاحَ بِهِ ليُنْذِرَ قومَه ويَبْقى عُرْيانًا.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ عُرْيَان النَّجِيِّ إِذَا كَانَ يُناجي امرأَتَه ويُشاوِرها ويصَدُرُ عَنْ رَأْيها؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
أَصاخَ لِعُرْيانِ النَّجِيِّ، وإنَّه ***لأَزْوَرُ عَنْ بَعْض المَقالةِ جانِبُهْ
أَي اسْتَمع إِلَى امْرَأَتِهِ وأَهانني.
وأَعْرَيتُ المَكانَ: ترَكْتُ حضُوره؛ قَالَ ذُو الرمة: " ومَنْهَل أَعْرَى حَياه الْحُضَّرُ "والمُعَرَّى مِنَ الأَسماء: مَا لمْ يدخُلْ عَلَيه عاملٌ كالمُبْتَدإ.
والمُعَرَّى مِنَ الشِّعْر: مَا سَلِمَ مِنَ الترْفِيلِ والإِذالةِ والإِسْباغِ.
وعَرَّاهُ مِنَ الأَمرِ: خَلَّصَه وجَرَّده.
وَيُقَالُ: مَا تَعَرَّى فُلَانٌ مِنْ هَذَا الأَمر أَي مَا تخلَّص.
والمَعَارِي: الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ.
وَرَوَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: العَرَا الفِناء، مَقْصُورٌ، يُكْتَبُ بالأَلف لأَن أُنْثاه عَرْوَة؛ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ العَرَا الساحةُ والفِناء، سُمِّيَ عَرًا لأَنه عَرِيَ مِنَ الأَبنية والخِيام.
وَيُقَالُ: نَزَلَ بِعَراه وعَرْوَتِه وعَقْوَتِه أَي نزَل بساحَتهِ وَفِنَائِهِ، وَكَذَلِكَ نَزَل بِحَراه، وأَما العَراء، مَمْدُودًا، فَهُوَ مَا اتَّسَع مِنْ فَضَاءِ الأَرض؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ المكانُ الفَضاءُ لَا يَسْتَتِرُ فِيهِ شيءٌ، وَقِيلَ: هِيَ الأَرضُ الْوَاسِعَةُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ، وجَمْعُه أَعْرَاءٌ}؛ قَالَ ابْنَ جِنِّي: كَسَّروا فَعالًا عَلَى أَفْعالٍ حَتَّى كَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كسَّروا فَعَلًا، وَمِثْلُهُ جَوادٌ وأَجوادٌ وعَياءٌ وأَعْياءٌ، وأَعْرَى: سارَ فِيها؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُ عَراءٌ لأَنه لَا شَجَرَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ يُغَطِّيه، وَقِيلَ: إِنَّ العَرَاء وَجْه الأَرض الْخَالِي؛ وأَنشد:
وَرَفَعْتُ رِجلًا لَا أَخافُ عِثارَها، ***ونَبَذْتُ بالبَلَدِ العَرَاء ثِيَابِي
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: العَرَاء عَلَى وجْهين: مَقْصُورٌ، وَمَمْدُودٌ، فَالْمَقْصُورُ النَّاحِيَةُ، وَالْمَمْدُودُ الْمَكَانُ الْخَالِي.
والعَراء: مَا اسْتَوَى مِنْ ظَهْر الأَرض وجَهَر.
والعَراء: الجَهراء، مُؤَنَّثَةٌ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ.
والعَرَاء: مُذكَّر مَصْرُوفٌ، وهُما الأَرض الْمُسْتَوِيَةُ المُصْحرة وَلَيْسَ بِهَا شَجَرٌ وَلَا جبالٌ وَلَا آكامٌ وَلَا رِمال، وَهُمَا فَضاء الأَرض، وَالْجَمَاعَةُ الأَعْرَاء.
يُقَالُ: وَطِئْنا عَرَاءَ الأَرض والأَعْرِيَة.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: العَرَا مِثْلَ العَقْوَة، يُقَالُ: مَا بِعَرانا أَحَدٌ أَي مابعَقْوَتنا أَحدٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « فكَرِهَ أَن يُعْرُوا الْمَدِينَةَ »، وَفِي رِوَايَةٍ: أَن تَعْرَى أَي تَخْلُو وَتَصِيرُ عَرَاءً، وَهُوَ الْفَضَاءُ، فَتَصِيرُ دُورهُم فِي العَراء.
والعَراء: كلُّ شيءٍ أُعْرِيَ من سُتْرَتِه.
وتقول: اسُتُرْه عَنِ العَرَاء.
وأَعْرَاءُ الأَرض: مَا ظَهَر مِنْ مُتُونِها وظُهورِها، واحدُها عَرًى؛ وأَنشد: " وبَلَدٍ عارِيَةٍ أَعْرَاؤه "والعَرَى: الحائطُ، وقيلَ كلُّ مَا سَتَرَ مِنْ شيءٍ عَرًى.
والعِرْو: الناحيةُ، وَالْجَمْعُ أَعْرَاءٌ.
والعَرَى والعَرَاةُ: الجنابُ والناحِية والفِناء وَالسَّاحَةُ.
ونزَل فِي عَرَاه أَي فِي ناحِيَتِه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ جِنِّي: " أَوْ مُجْزَ عَنْهُ عُرِيَتْ أَعْراؤُه "فَإِنَّهُ يكونُ جمعَ عَرىً مِنْ قَوْلِكَ نَزَل بِعَراهُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمْعَ عَراءٍ وأَن يَكُونَ جَمع عُرْيٍ.
واعْرَوْرَى: سَارَ فِي الأَرضِ وَحْدَه وأَعْرَاه النَّخْلَةَ: وَهَبَ لَهُ ثَمرَة عامِها.
والعَرِيَّة: النَّخْلَةُ المُعْراةُ؛ قَالَ سُوَيدُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنصاري:
لَيْسَتْ بسَنْهاءَ وَلَا رُجَّبِيَّة، ***وَلَكِنْ عَرَايا فِي السِّنينَ الجَوائحِ
يَقُولُ: إنَّا نُعْرِيها الناسَ.
والعَرِيَّةُ أَيضًا: الَّتِي تُعْزَلُ عَنِ المُساومةِ عِنْدَ بَيْعِ النخلِ، وَقِيلَ: العَرِيَّة النَّخْلَةُ الَّتِي قَدْ أكِل مَا عَلَيْهَا.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: خَفِّفوا فِي الخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ العَرِيَّة والوَصِيَّة، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّهُ رَخَّص فِي العَرِيَّة والعَرَايا "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: العَرَاياوَاحِدَتُهَا عَرِيَّة، وَهِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيها صاحبُها رَجُلًا مُحْتَاجًا، والإِعراءُ: أَنْ يجعلَ لَهُ ثَمرَة عامِها.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ مِنَّا مَنْ يُعْرِي، قَالَ: وَهُوَ أَن يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ النخلَ ثُمَّ يَسْتَثْنِيَ نَخْلَةً أَو نَخْلَتَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْعَرَايَا ثَلَاثَةُ أَنواع، وَاحِدَتُهَا أَن يَجِيءَ الرَّجُلُ إِلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيَقُولُ لَهُ: بِعْني مِنْ حَائِطِكَ ثَمَرَ نَخلَات بأَعيانها بِخرْصِها مِنَ التَّمْر، فَيَبِيعُهُ إِيَّاهَا وَيَقْبِضُ التَّمر ويُسَلِّم إِلَيْهِ النخَلات يأْكلها وَيَبِيعُهَا ويُتَمِّرها وَيَفْعَلُ بِهَا مَا يَشَاءُ، قَالَ: وجِماعُ العَرَايا كلُّ مَا أُفْرِد لِيُؤْكَلَ خاصَّة وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةِ الْمَبِيعِ مِنْ ثَمَر الْحَائِطِ إِذَا بيعَتْ جُمْلتُها مِنْ وَاحِدٍ، وَالصِّنْفُ الثَّانِي أَن يَحْضُر رَبَّ الْحَائِطِ القومُ فَيُعْطِي الرجلَ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ وأَكثر عَرِيَّةً يأْكلها، وَهَذِهِ فِي مَعْنَى المِنْحة، قَالَ: وللمُعْرَى أَن يَبِيعَ ثَمرَها ويُتَمِّره وَيَصْنَعَ بِهِ مَا يَصْنَعُ فِي مَالِهِ لأَنه قَدْ مَلَكه، وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ مِنَ الْعَرَايَا أَن يُعْرِي الرجلُ الرجلَ النَّخلةَ وأَكثر مِنْ حَائِطِهِ ليأْكل ثَمَرَهَا ويُهْدِيه ويُتَمِّره وَيَفْعَلَ فِيهِ مَا أَحبَّ وَيَبِيعَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَرِ حَائِطِهِ مِنْهُ، فَتَكُونُ هَذِهِ مُفْرَدة مِنَ الْمَبِيعِ مِنْهُ جُمْلَةً؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: العَرَايا أَن يَقُولَ الغنيُّ لِلْفَقِيرِ ثَمَرُ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَو النَّخلات لَكَ وأَصلُها لِي، وأَما تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّهُ رخَّص فِي العَرَايا، فَإِنَّ التَّرْخِيصَ فِيهَا كَانَ بَعْدَ نَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن المُزابَنة "، وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، ورخَّصَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُزَابَنَةِ فِي الْعَرَايَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوسُق، وَذَلِكَ لِلرَّجُلِ يَفْضُل مِنْ قُوتِ سَنَته التَّمْرُ فيُدْرِك الرُّطَب وَلَا نَقْدَ بِيَدِهِ يَشْتَرِي بِهِ الرُّطَب، وَلَا نَخْلَ لَهُ يأْكل مِنْ رُطَبه، فَيَجِيءُ إِلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَيَقُولُ لَهُ بِعْنِي ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَو نَخْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثٍ بِخِرْصِها مِنَ التَّمْر، فَيُعْطِيهِ التَّمْرَ بثَمَر تِلْكَ النَّخلات ليُصيب مِنْ رُطَبها مَعَ النَّاسِ، فرَخَّص النبيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، مِنْ جُمْلَةِ مَا حَرَّم مِنَ المُزابَنة فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُق، وَهُوَ أَقلُّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَهَذَا مَعْنَى تَرْخِيصِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فِي العَرايا لأَن بَيْعَ الرُّطَب بالتَّمْر محرَّم فِي الأَصل، فأَخرج هَذَا الْمِقْدَارَ مِنَ الْجُمْلَةِ المُحَرَّمة لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ العَرِيَّة مأْخوذة مِنْ عَرِيَ يَعْرَى كأَنها عَرِيَتْ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْرِيمِ أَي حَلَّتْ وخَرَجَتْ مِنْهَا، فَهِيَ عَرِيَّة، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ المستثناةِ مِنَ الْجُمْلَةِ.
قَالَ الأَزهري: وأَعْرَى فُلَانٌ فُلَانًا ثَمَرَ نخلةٍ إِذَا أَعطاه إِيَّاهَا يأْكل رُطَبها، وَلَيْسَ فِي هَذَا بيعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلٌ وَمَعْرُوفٌ.
وَرَوَى شَمِرٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَحمد عَنْ أَبيه قَالَ: العَرايا أَن يُعْرِي الرجلُ مِنْ نَخْلِهِ ذَا قَرَابَتِهِ أَو جارَه مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ أَي يَهبَها لَهُ، فأُرْخص للمُعْرِي فِي بَيْعِ ثَمَرِ نَخْلَةٍ فِي رَأْسِهَا بِخِرْصِها مِنَ التَّمْرِ، قَالَ: والعَرِيَّة مستثناةٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِي عَنْ بَيْعِهِ مِنَ المُزابنَة، وَقِيلَ: يَبِيعُهَا المُعْرَى مِمَّنْ أَعراه إيَّاها، وَقِيلَ: لَهُ أَن يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ.
وَقَالَ الأَزهري: النَّخْلَةُ العَرِيَّة الَّتِي إِذَا عَرَضْتَ النخيلَ عَلَى بَيْع ثَمَرها عَرَّيْت مِنْهَا نَخْلَةً أَي عَزَلْتها عن الْمُسَاوَمَةِ.
وَالْجَمْعُ العَرَايا، وَالْفِعْلُ مِنْهُ الإِعْرَاء، وَهُوَ أَن تَجْعَلَ ثَمَرَتَهَا لِمُحْتاج أَو لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ عامَها ذَلِكَ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَرِيَّة فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَإِنَّمَا أُدخلت فِيهَا الْهَاءُ لأَنها أُفردت فَصَارَتْ فِي عِدَادِ الأَسماء مِثْلَ النَّطِيحة والأَكيلة، وَلَوْ جِئْتَ بِهَا مَعَ النَّخْلَةِ قُلْتَ نَخْلَةٌ عرِيٌّ؛ وَقَالَ: إِنَّ تَرْخِيصَهُ فِي بَيْعِ العَرايا بَعْدَ نَهْيِهِ عَنِ المُزابنة لأَنه ربَّما تأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى أَن يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ فرُخِّص لَهُ فِي ذَلِكَ.
واسْتعْرَى الناسُ فِي كلِّ وجهٍ، وَهُوَ مِنَ العَرِيَّة: أَكلوا الرُّطَبَ مِنْ ذَلِكَ، أَخَذَه مِنَ العَرايا.
قَالَ أَبُو عَدْنَانَ: قَالَ الْبَاهِلِيُّ العَرِيَّة مِنَ النَّخْلِ الفارِدَةُ الَّتِي لَا تُمْسِك حَمْلَها يَتَناثر عَنْهَا؛ وأَنشدني لِنَفْسِهِ:
فَلَمَّا بَدَتْ تُكْنَى تُضِيعُ مَوَدَّتي، ***وتَخْلِطُ بِي قَوْمًا لِئامًا جُدُودُها
رَدَدْتُ عَلَى تُكْنَى بَقِيَّةَ وَصْلِها ***رَمِيمًا، فأمْسَتْ وَهيَ رثٌّ جديدُها
كَمَا اعْتكرَتْ للَّاقِطِين عَرِيَّةٌ ***مِنَ النَّخْلِ، يُوطَى كلَّ يومٍ جَريدُها
قَالَ: اعْتِكارُها كثرةُ حَتِّها، فَلَا يأْتي أَصلَها دابَّةٌ إِلَّا وَجَدَ تَحْتَهَا لُقاطًا مِنْ حَمْلِها، وَلَا يَأْتِي حَوافيها إِلَّا وَجَد فِيهَا سُقاطًا مِنْ أَيّ مَا شاءَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « شَكا رجلٌ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَعًا فِي بَطْنِهِ فَقَالَ: كُلْ عَلَى الرِّيقِ سَبْعَ تَمَرات مِنْ نَخْلٍ غَيْرِ مُعَرّىً »؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: المُعَرَّى المُسَمَّد، وأَصله المُعَرَّر مِنَ العُرَّة، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ فِي عَرَرَ.
والعُرْيان مِنَ الْخَيْلِ: الفَرَس المُقَلِّص الطَّوِيلُ الْقَوَائِمِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبِهَا أَعراءٌ مِنَ الناسِ أَي جماعةٌ، واحدُهُم عِرْوٌ.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَتَتْنا أَعْرَاؤُهم أَي أَفخاذهم.
وَقَالَ الأَصمعي: الأَعْرَاء الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالْقَبَائِلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَاحِدُهُمْ عُرْيٌ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
وأَمْهَلْت أَهْلَ الدَّارِ حَتَّى تَظاهَرُوا ***عَليَّ، وَقَالَ العُرْيُ مِنْهُمْ فأَهْجَرَا
وعُرِيَ إِلَى الشَّيْءِ عَرْوًا: بَاعَهُ ثُمَّ اسْتَوْحَش إِلَيْهِ.
قَالَ الأَزهري: يُقَالُ عُريتُ إِلَى مالٍ لِي أَشدَّ العُرَوَاء إِذَا بِعْته ثُمَّ تَبِعَتْه نفسُكَ.
وعُرِيَ هَواه إِلَى كَذَا أَي حَنَّ إِلَيْهِ؛ وَقَالَ أَبو وَجْزة:
يُعْرَى هَواكَ إِلَى أَسْماءَ، واحْتَظَرَتْ ***بالنأْيِ والبُخْل فِيمَا كَانَ قَد سَلَفا
والعُرْوَة: الأَسَدُ، وبِه سُمِّي الرَّجُلُ عُرْوَة.
والعُرْيَان: اسْمُ رَجُلٍ.
وأَبو عُرْوَةَ: رجلٌ زَعَموا كَانَ يَصِيحُ بالسَّبُعِ فيَموت، ويَزْجُرُ الذِّئْبَ والسَّمْعَ فيَموتُ مكانَه، فيُشَقُّ بَطْنُه فيوجَدُ قَلْبُه قَدْ زالَ عَنْ مَوْضِعِهِ وخرَجَ مِنْ غِشائه؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
وأَزْجُرُ الكاشِحَ العَدُوَّ، إذا اغْتابَك، ***زَجْرًا مِنِّي على وَضَمِ
زَجْرَ أَبي عُرْوَةَ السِّباعَ، إِذَا ***أَشْفَقَ أَنْ يَلْتَبِسْنَ بالغَنَمِ
وعُرْوَةُ: اسمٌ.
وعَرْوَى وعَرْوَانُ: مَوْضِعَانِ؛ قَالَ ساعِدَة بْنُ جُؤيَّة:
وَمَا ضَرَبٌ بَيْضاءُ يَسْقِي دَبُوبَها ***دُفاقٌ، فعَرْوانُ الكَراثِ، فَضِيمُها؟
وَقَالَ الأَزهري: عَرْوَى اسْمُ جَبَلٍ، وَكَذَلِكَ عَرْوَانُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وعَرْوَى اسْمُ أَكَمة، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
كَطاوٍ بعَرْوَى أَلْجَأَتْهُ عَشِيَّةٌ، ***لَهَا سَبَلٌ فِيهِ قِطارٌ وحاصِبُ
وأَنشد لِآخَرَ:
عُرَيَّةُ ليسَ لَهَا ناصرٌ، ***وعَرْوَى الَّتِي هَدَمَ الثَّعْلَبُ
قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمزة وعَرْوَى اسْمُ أَرْضٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا وَيْحَ نَاقَتِيَ، الَّتِي كَلَّفْتُها ***عَرْوَي، تَصِرُّ وِبارُها وتُنَجِّم
أَي تَحْفِرُ عَنِ النَّجْمِ، وَهُوَ مَا نَجَم مِنَ النَّبْت.
قَالَ: وأَنْشَدَه المُهَلَّبي فِي المَقصور كلَّفْتها عَرَّى، بِتَشْدِيدِ الراءِ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا عَرَّى وادٍ.
وعَرْوَى: هَضْبَة.
وابنُ عَرْوَانَ: جبَل؛ قَالَ ابْنُ هَرْمة:
حِلْمُه وازِنٌ بَناتِ شَمامٍ، ***وابنَ عَرْوانَ مُكْفَهِرَّ الجَبينِ
والأُعْرُوَانُ: نَبْتٌ، مثَّل بِهِ سِيبَوَيْهِ وفسَّره السِّيرَافِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ عُرْوَة بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: « وَاللَّهِ مَا كلَّمتُ مسعودَ بنَ عَمْروٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنين والليلةَ أُكَلِّمُه»، فَخَرَجَ فَنَادَاهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُرْوَة، فأَقْبَل مسعودٌ وهو يقول:
أَطَرَقَتْ عَرَاهِيَهْ، ***أَمْ طَرَقَتْ بِداهِيهْ؟
حَكَى ابْنُ الأَثير عَنِ الْخَطَّابِيِّ قَالَ: هَذَا حرفٌ مُشْكِل، وَقَدْ كَتَبْتُ فِيهِ إِلَى الأَزهري، وَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ أَنه لَمْ يَجِدْه فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، والصوابُ عِنْده عَتاهِيَهْ، وهي الغَفْلة والدَّهَش أَي أَطَرَقْت غَفْلَةً بِلَا روِيَّة أَو دَهَشًا؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ لَاحَ لِي فِي هَذَا شيءٌ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الكَلِمة مُركَّبةً من اسْمَيْن: ظاهرٍ، ومكْنِيٍّ، وأَبْدَل فِيهِمَا حَرْفًا، وأَصْلُها إماَّ مِنَ العَراءِ وَهُوَ وَجْهُ الأَرض، وإِما منَ العَرا مقصورٌ، وَهُوَ الناحيَة، كأَنه قال أَطَرَقْتَ عَرائي أَي فِنائي زَائِرًا وضَيْفًا أَم أَصابتك داهِيَةٌ فجئْتَ مُسْتَغِيثًا، فالهاءُ الأُولى مِنْ عَرَاهِيَهْ مُبدلَة من الهمزة، وَالثَّانِيَةُ هاءُ السَّكْت زِيدَتْ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يحتمِل أَن يكونَ بِالزَّايِ، مصدرٌ مِنْ عَزِه يَعْزَهُ فَهُوَ عَزِةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرَبٌ فِي الطَّرَب، فَيَكُونُ.
مَعْنَاهُ أَطَرَقْت بِلَا أَرَبٍ وحاجةٍ أَم أَصابَتْك دَاهِيَةٌ أَحوجَتْك إِلَى الِاسْتِغَاثَةِ؟ وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي تَرْجَمَةِ عَرَا حَدِيثَ المَخْزومية الَّتِي تَسْتَعِيرُ المَتاع وتَجْحَدُه، وَلَيْسَ هَذَا مكانَه فِي ترتيبِنا نَحْنُ فَذَكَرْنَاهُ في ترجمة عَوَر.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
82-مجمل اللغة (زبن)
زبن: الزبْنُ: الدفع، ناقة زبون، إذا زبنت حالها.ويقال: الزبْنُ: البعد.
وزباني العقرب: قرناها.
والمزابنة: بيع التمر في رؤوس النخل بتمر.
والحرب تزبن الناس، إذا صدمتهم، وحربٌ زبون.
ورجل ذو زبونةٍ، إذا كان مانعًا لجانبه وقال:
وزبونات أشوسَ تيجانِ
ويقال: فيه زبونة، أي: كبرٌ.
والزبانية: سموا بذلك، لأنهم يدفعون أهل النار إليها.
مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
83-مجمل اللغة (عرى)
عرى: (يقال): عراني هذا الأمر، أي: غشيي واعتراه همه.وفلان عار من الثياب، وعرو من الذنوب.
فأما قوله:
فبتنا عراة لدى مهرنا
(ننزع من شفتيه الصفارا)
فقيل: أراد متجردين جدًا.
وقيل: أخذتهم العرواء، [أي: كأنهم ينتفضون من البرد] وما أحسن معاري هذه المرأة، وهي يداها ورجلاها ووجهها.
واعروريت الفرس: ركبته عريانًا وهي نادرة.
والعروة للكوز وغيره.
والعراء: المكان لا سترة به.
والعرا مقصور: الناحية.
والعرواء: الحمى برعدة.
وعروى: هضبة.
والعروة من النبات: شجر تبقى له خضرة في الشتاء تتعلق بها الإبل حتى تدرك بها الربيع، يقال: لها عروة.
وقال الفراء: العروة من الشجر: ما لا يسقط ورقه في الشتاء مثل الأراك ونحوه.
والعري: الريح الباردة، وهي العرية أيضًا.
والنخلة العرية: وهي التي إذا عرض النخل على بيع ثمرها عريت منها نخلة، أي: عزلت عن المساومة، والجمع العرايا.
وقال قوم: العرية: النخلة يعريها صاحبها رجلًا محتاجًا فيجعل له ثمر عامها، ورخص لرب النخل أن يبتاع ثمر النخلة من المعرى بتمر لموضع حاجته.
هذا تفسير الذي جاء في الحديث، من الرخصة فيه.
وقال آخرون: العرية: النخلة تكون لرجل وسط نخل كثير لرجل آخر فيتأذى صاحب النخل الكثير بدخول صاحب النخلة (الواحدة) نخلة، فرخص أن يشتري ثمر نخلته بثمر.
وأبو عبيد يختار الأول لقول الشاعر:
ليست بسنهاء ولا رجبية
ولكن عرايا في السنين الجوائح
مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
84-مقاييس اللغة (بجد)
(بَجَدَ) الْبَاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا دُِخْلَةُ الْأَمْرِ وَبَاطِنُهُ، وَالْآخَرُ جِنْسٌ مِنَ اللِّبَاسِ.فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَوْلُهُمْ: هُوَ عَالِمٌ بِبَجْدَةِ أَمْرِكَ وَبُجْدَتِهِ، أَيْ: دُِخْلَتِهِ وَبَاطِنِهِ.
وَيَقُولُونَ لِلدَّلِيلِ الْحَاذِقِ: هُوَ ابْنُ بَجْدَتِهَا، كَأَنَّهُ نَشَأَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ الْبِجَادُ، وَهُوَ كِسَاءٌ مُخَطَّطٌ، وَجَمْعُهُ بُجْدٌ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
بِخُبْزٍ أَوْ بِتَمْرٍ أَوْ بِسَمْنٍ *** أَوِ الشَّيْءِ الْمُلَفَّفِ فِي الْبِجَادِ
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بَجَدَ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
85-مقاييس اللغة (عروى)
(عَرَوَى) الْعَيْنُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ مُتَبَايِنَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى ثَبَاتٍ وَمُلَازِمَةٍ وَغِشْيَانٍ، وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى خُلُوٍّ وَمُفَارَقَةٍ."فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ: عَرَاهُ أَمْرٌ، إِذَا غَشِيَهُ وَأَصَابَهُ ; وَعَرَاهُ الْبَرْدُ."
وَيَقُولُونَ: إِذَا طَلَعَ السِّمَاكُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْرُوكَ مَا عَنَاكَ، مِنَ الْبَرْدِ الَّذِي يَغْشَاكَ.
وَعَرَاهُ الْهَمُّ وَاعْتَرَاهُ.
وَالْعُرَوَاءُ: قِرَّةٌ تَأْخُذُ الْمَحْمُومَ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْكُوزِ وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ عُرًى.
وَعَرَّيْتُ الشَّيْءَ: اتَّخَذْتُ لَهُ عُرْوَةً.
قَالَ لَبِيدٌ:
فَخْمَةٌ ذَفْرَاءُ تُرْتَى بِالْعُرَى قُرْدُمَانِيًّا وَتَرْكًا كَالْبَصَلْ.
وَقَالَ آخَرُ: وَاللَّهِ لَوْ عَرَّيْتَ فِي عِلْبَاوَيَّ مَا خَضَعْتُ لَكَ، أَيْ لَوْ جَعَلْتَ فِيهِمَا عُرْوَتَيْنِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُرْوَةً لِأَنَّهَا تُمْسَكُ وَتَلْزَمُهَا الْإِصْبَعُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعُرْوَةُ، وَهُوَ مِنَ النَّبَاتِ شَجَرٌ تَبْقَى لَهُ خُضْرَةٌ فِي الشِّتَاءِ، تَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِبِلُ حَتَّى يُدْرِكَ الرَّبِيعُ، فَهِيَ الْعُرْوَةُ وَالْعُلْقَةُ، وَقَالَ مُهَلْهَلٌ:
قَتَلَ الْمُلُوكَ وَسَارَ تَحْتَ لِوَائِهِ *** شَجَرُ الْعُرَى وَعَرَاعِرُ الْأَقْوَامِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعُرْوَةُ: الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعُرْوَةُ مِنَ الشَّجَرِ: مَا لَا يَسْقُطُ وَرَقُهُ.
وَكُلُّ هَذَا رَاجِعٌ إِلَى قِيَاسِ الْبَابِ، لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَكُونُ كَالْعُرْوَةِ وَسَائِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَرُبَّمَا سَمُّوا الْعِلْقَ النَّفِيسَ عُرْوَةً، كَمَا يُسَمَّى عِلْقًا، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ.
وَيُقَالُ: إِنَّ عُرْوَةَ الْإِسْلَامِ: بَقِيَّتُهُ، كَقَوْلِهِمْ: بِأَرْضِ بَنِي فُلَانٍ عُرْوَةٌ، أَيْ بَقِيَّةٌ مِنْ كَلَأٍ.
"وَهَذَا عِنْدِي كَلَامٌ فِيهِ جَفَاءٌ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - بَاقٍ أَبَدًا، وَإِنَّمَا عُرَى الْإِسْلَامِ شَرَائِعُهُ الَّتِي يُتَمَسَّكُ بِهَا، كُلُّ شَرِيعَةٍ عُرْوَةٌ."
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - عِنْدَ ذِكْرِ الْإِيمَانِ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256].
فَأَمَّا الْعَرِيُّ فَهِيَ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ، وَهِيَ عَرِيَّةٌ أَيْضًا.
وَسُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تَعْرُو وَتَعْتَرِي، أَيْ تَغْشَى.
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَهَلْ أَحْطِبَنَّ الْقَوْمَ وَهِيَ عَرِيَّةٌ *** أُصُولَ أَلَاءٍ فِي ثَرًى عَمِدٍ جَعْدِ
وَيَقُولُونَ: أَهْلَكَ فَقَدْ أَعْرَيْتَ، أَيْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَهَبَّتْ عَرِيًّا.
وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَخُلُوُّ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ.
مِنْ ذَلِكَ الْعُرْيَانُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ عَرِيَ مِنَ الشَّيْءِ يَعْرَى، وَجَمْعُ عَارٍ عُرَاةٌ.
قَالَ أَبُو دُوَادٍ:
فَبِتْنَا عُرَاةً لَدَى مُهْرِنَا *** تُنَزِّعُ مِنْ شَفَتَيْهِ الصَّفَارَا
أَيْ مُتَجَرِّدِينَ، كَمَا [يُقَالُ] تَجَرَّدَ لِلْأَمْرِ، إِذَا جَدَّ فِيهِ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ مِنَ الْعُرَوَاءِ، أَيْ كَأَنَّهُمْ يَنْتَفِضُونَ مِنَ الْبَرْدِ.
وَيُقَالُ مِنَ الْأَوَّلِ: مَا أَحْسَنَ عُرْيَةَ هَذِهِ.
الْجَارِيَةُ، أَيْ مُعَرَّاهَا وَمَا تَجَرَّدَ مِنْهَا.
وَعُرْيَتُهَا: جُرْدَتُهَا.
وَيُقَالُ: الْمَعَارِي: الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْوَجْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ بَادٍ أَبَدًا.
قَالَ أَبُو كَبِيرٍ:
مُتَكَوِّرِينَ عَلَى الْمَعَارِي بَيْنَهُمْ *** ضَرْبٌ كَتَعْطَاطِ الْمَزَادِ الْأَثْجَلِ
وَيُقَالُ: اعْرَوْرَيْتُ الْفَرَسَ، إِذَا رَكِبْتُهُ عُرْيًا [لَيْسَ] بَيْنَ ظَهْرِهِ وَبَيْنَكَ شَيْءٌ.
وَأَنْشَدَ:
وَاعْرَوْرَتِ الْعُلُطَ الْعُرْضَيَّ تَرْكُضُهُ *** أُمُّ الْفَوَارِسِ بِالدِّئْدَادِ وَالرَّبَعَهْ
وَيُقَالُ: فَرَسٌ عُرْيٌ وَرَجُلٌ عُرْيَانٌ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْعَرَاءُ: كُلُّ شَيْءٍ أَعْرَيْتَهُ مِنْ سُتْرَتِهِ.
وَيُقَالُ: اسْتُرْ عَنِ الْعَرَاءِ.
أَمَّا الْعَرَى مَقْصُورٌ فَمَا سَتَرَ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ.
تَقُولُ: تَرَكْنَاهُ فِي عَرَى الْحَائِطِ.
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ.
وَمِنَ الْبَابِ الثَّانِي: أَعْرَى الْقَوْمُ صَاحِبَهُمْ، إِذَا تَرَكُوهُ وَذَهَبُوا عَنْهُ.
وَمِنَ الْبَابِ الْعَرَاءُ: الْفَضَاءُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ مُذَكَّرٌ.
تَقُولُ: انْتَهَيْنَا إِلَى عَرَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ وَاسِعٌ.
وَأَعْرَاءُ الْأَرْضِ: مَا ظَهَرَ مِنْ مُتُونِهَا وَظُهُورِهَا.
وَيَقُولُونَ لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ: النَّجِيُّ الْعُرْيَانُ، أَيِ أَنَّهُ يُنَاجِيهَا فِي الْفِرَاشِ عُرْيَانَةً.
قَالَ:
لَيْسَ النَّجِيُّ الَّذِي يَأْتِيكَ مُؤْتَزِرًا *** مِثْلَ النَّجِيِّ الَّذِي يَأْتِيكَ عُرْيَانًا
وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ الطَّوِيلِ الْقَوَائِمِ عُرْيَانٌ، وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، يُرَادُ أَنَّ قَوَائِمَهُ مُتَجَرِّدَةٌ طَوِيلَةٌ.
وَأَمَّا الْعَرِيَّةُ مِنَ النَّخْلِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا فَإِنَّ قِيَاسَهُ قِيَاسُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ الثَّانِي، وَهُوَ خُلُوُّ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صُورَتِهَا، فَقَالَ قَوْمٌ هِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلًا مُحْتَاجًا، وَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ عَامِهَا، فَرَخَّصَ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَبْتَاعَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنَ الْمُعْرَى بِتَمْرٍ، لِمَوْضِعِ حَاجَتِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ نَخْلَةٌ وَسْطَ نَخْلٍ كَثِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، فَيُدْخِلُ رَبُّ النَّخْلَةِ إِلَى نَخْلَتِهِ فَرُبَّمَا كَانَ صَاحِبُ النَّخْلِ الْكَثِيرِ يُؤَدِّيهِ دُخُولُهُ إِلَى نَخْلِهِ، فَرُخِّصَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الْكَثِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِلْكَ النَّخْلَةِ مِنْ صَاحِبِهَا قَبْلَ أَنْ يَجُدَّهُ بِتَمْرٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَجْوَدُ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إِعْرَاءٌ، إِنَّمَا هِيَ نَخْلَةٌ.
يَمْلِكُهَا رَبُّهَا فَكَيْفَ تُسَمَّى عَرِيَّةً.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ شَاعِرِ الْأَنْصَارِ:
لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رُجْبِيَّةٍ *** وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ
وَمِنْهُ حَدِيثٌ آخَرُ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ الْخُرَّاصَ قَالَ لَهُمْ: خَفِّفُوا فِي الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اسْتَعْرَى النَّاسُ فِي كُلِّ وَجْهٍ، إِذَا أَكَلُوا الرُّطَبَ.
قَالَ: وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَرَايَا.
فَأَمَّا الْخَلِيلُ فَرُوِيَ عَنْهُ كَلَامٌ بَعْضُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهُ مِنَ الثَّانِي، إِلَّا أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، مِنْ أَنَّهُ قِيَاسُ سَائِرِ الْبَابِ، وَأَنَّهُ خُلُوُّ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ.
قَالَ الْخَلِيلُ: النَّخْلَةُ الْعَرِيَّةُ: الَّتِي إِذَا عَرَضْتَ عَلَى الْبَيْعِ ثَمَرَهَا عَرَّيْتَ مِنْهَا نَخْلَةً، أَيْ عَزَلْتَ عَنِ الْمُسَاوَمَةِ.
وَالْجَمْعُ الْعَرَايَا، وَالْفِعْلُ مِنْهُ إِعْرَاءٌ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ ثَمَرُهَا لِمُحْتَاجٍ عَامَهَا ذَلِكَ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
86-صحاح العربية (لف)
[لفف] لففت الشئ لفا ولففته، شدِّد للمبالغة.ولَفَّهُ حَقَّهُ، أي مَنَعَه.
وتَلَفَّفَ في ثوبه والتَفَّ بثوبه.
والتفاف النبت: كثرته.
والشئ المُلَفَّفُ في البِجادِ: وطْبُ اللبن، في قول الشاعر
إذا ما ماتَ مَيْتٌ من تَميمٍ فَسَرَّكَ أن يعيش فجئْ بزادِ بِخُبْزٍ أو بسَمْنٍ أو بتَمْرٍ أو الشئ الملفف في البجاد واللفافة: ما يُلَفُّ على الرِجْل وغيرها، والجمع اللفائِف.
وقولهم: جاءوا ومن لَفَّ لَفّهُمْ، أي ومن عُدَّ فيهم وتأشّب إليهم.
واللَفيفُ: ما اجتمع من الناس من قبائلَ شتَّى.
يقال: جاءوا بلَفِّهِمْ ولَفيفِهِمْ، أي وأخلاطهم.
وقوله تعالى: {جئنا بكم لَفيفًا} أي مجتمعين مختلطين.
وطعامٌ لَفيفٌ، إذا كان مخلوطًا من جِنْسين فصاعدًا.
وفلانٌ لفيفُ فلان، أي صديقه.
وباب من العربية يقال له اللفيف، لا جتماع الحرفين المعتلّين في ثُلاثيِّة، نحو ذَوي وحَيِيَ.
والألْفافُ: الأشجار يَلْتَفُّ بعضها ببعض، ومنه قوله تعالى: {وجَنَّاتٍ ألْفافا}، واحدها لِفٌّ بالكسر.
ومنه قولهم: كنّا لِفا، أي مجتمعين في موضع واحد.
ورجلٌ ألَفُّ بيِّن اللَّفَفِ، أي عَيٌّ بطئ الكلام، إذا تكلم ملا لسانه فمه.
قال الكميت: وِلاية سِلْغَدٍّ أَلَفَّ كأنه من الرهق المخلوط بالنوك أثول والالف أيضا: الرجال الثقيل البطئ.
وامرأة لفاء: ضخمة الفَخِذين مكتَنِزة، وفَخِذان لَفَّاوانِ.
قال الشاعر: تَساهَمَ ثَوْباها ففي الدِرْعِ رَأدَةٌ وفي المِرْطِ لَفّاوانِ رِدْفُهُما عَبْلُ قوله تَساهَمَ، أي تقارع.
ويقال ألَفَّ الطائرُ رأسه تحت جناحيه.
وفي أرض بني فلانٍ تَلافيفُ من عشب، أي نباتٌ مُلْتَفٌّ.
قال الأصمعي: الألَفُّ: الموضعُ المُلْتَفُّ الكثير الأهل.
وأنشد لساعدَة بن جؤية الهذلى
ومقامهن إذا حُبِسْنَ بمَأزِمٍ ضَيْقٍ ألَفَّ وَصَدَّهُنَّ الاخشب
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
87-صحاح العربية (قتل)
[قتل] القَتْلُ معروف.وقَتَلَهُ قَتْلًا وتَقْتالًا.
وقَتَلَهُ قِتْلَةَ سَوْءٍ، بالكسر.
ومَقاتِلُ الإنسانِ: المواضع التي إذا أصيبت قتلته.
يقال: " مقتل الرجل بين فكيه ".
وقتلت الشئ خبرا.
قال الله تعالى:
(وما قتلوه يَقينًا)، أي لم يُحيطوا به عِلمًا.
وقَتَلْتُ الشرابَ: مزجته بالماء.
قال حسان: إن التى ناولتنى فرددتها قتلت قتلت فهاتها لم تقتل والمُقاتلَةُ: القِتالُ.
وقد قاتلْتُهُ قِتالًا وقِيتالًا.
وهو من كلام العرب.
والمُقاتِلَةُ، بكسر التاء: القومُ الذين يصلحون للقِتالِ.
والقِتْلُ بالكسر: العَدُوُّ.
وقال: واغْتِرابي عن عامرِ بن لُؤَيٍّ في بلادٍ كثيرةِ الأقْتالِ ويقال أيضًا: هما قِتْلانِ، أي مِثْلانِ وحِتْنانِ.
وأقْتَلْتُ فلانًا، أي عرضته للقتل.
عن أبى عبيدة.
وقتلوا تقتيلا، شدد للكثرة.
ورجلٌ مقَتَّلٌ، أي مُجَرَّبٌ.
وقَلْبٌ مُقَتَّلٌ، أي مُذلَّلٌ قتَلَهُ العِشْقُ.
واسْتَقْتَلَ، أي اسْتماتَ.
ورجلٌ قتيل، أي مقتول.
وامرأة
قتيل، ورجال ونسوة قتلى.
فإن لم تذكر المرأة قلت هذه قتيلة بنى فلان، وكذلك مررت بقتيلة، لانك تسلك به طريقة الاسم.
وامرأة قتول، أي قاتِلَةٌ.
وقال: قَتولٌ بِعَيْنيها رَمَتْكَ وإنَّما سِهامُ الغواني القاتِلاتُ عُيونُها والقَتالُ، بالفتح: النَفْسُ، وبقيَّة الجسم.
وناقةٌ ذاتُ قَتالٍ، إذا كانت وثيقَةً.
قال ذو الرمّة:
مَهاوٍ يَدَعْنُ الجَلْسَ نَحْلًا قَتالُها *** تقول منه قَتَلَهُ، كما تقول: صَدَرَهُ، ورَأَسَهُ، وفَأَدَهُ.
ويقال: قُتلَ الرجل.
فإن كان قتله العشق أو الجن قيل اقتتل، حكاه الفراء عن الكسائي.
قال: ولا يقال في هذين إلا اقتتل.
قال ذو الرمة: إذا ما امرو حاولن إن يقتتلنه بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل
وتقتل الرجلُ بحاجتِهِ: تَأَتَّى لها.
وتَقَتَّلَتِ المرأةُ في مِشيتها، إذا تَقَلَّبَتْ وتَثَنَّتْ وتَكَسَّرَتْ.
وقال: تَقَتَّلْتِ لي حتى إذا ما قتلتنى تنسكت ما هذا بفعلِ النَواسِكِ وتَقاتَلَ القوم واقتتلوا بمعنى.
ولم يدغم لان التاء غير لازمة.
ومنهم من يدغم فيقول: قتلوا يقتلون فينقل حركة التاء إلى القاف فيهما، ويحذف الالف، لانها مجتلبة للسكون.
وتصديق ذلك قراءة الحسن: (إلا من خطف الخطفة).
ومنهم من يكسر القاف فيهما لالتقاء الساكنين.
والفاعل من الاول مقتل ومن الثاني مقتل بكسر القاف.
وأهل مكة يقولون: مقتل، يتبعون الضمة الضمة.
قال سيبويه: وحدثني الخليل وهارون، أن أناسا يقولون مردفين، يريدون مرتدفين، أتبعوا الضمة الضمة.
وقول الراجز: تعرضت لى بمكان حل تعرض المهرة في الطول تعرضا لم يأل عن قتلل أراد عن قتلى، فلما أدخل عليه لا ما مشددة كما أدخل نونا مشددة في قوله
أحب منك موضع القرطن *** وصار الاعراب عليه، فتح اللام الاولى كما تفتح في قولك: مررت بتمر وبتمرة، وبرجل وبرجلين.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
88-منتخب الصحاح (لفف)
لَفَفْتُ الشيء لَفًّا ولَفَّفْتُهُ، شدِّد للمبالغة.ولَفَّهُ حَقَّهُ، أي مَنَعَه.
وتَلَفَّفَ في ثوبه والتَفَّ بثوبه.
والتِفافُ النبتِ: كثرتُه.
والشيءُ المُلَفَّفُ في البِجادِ: وطْبُ اللبن، في قول الشاعر:
إذا ما ماتَ مَيْتٌ من تَميمٍ *** فَسَرَّكَ أن يعيش فجئْ بزادِ
بِخُبْزٍ أو بسَمْنٍ أو بتَمْرٍ *** أو الشيءِ المُلَفَّفِ في البِجادِ
واللِفافَةُ: ما يُلَفُّ على الرِجْل وغيرها، والجمع اللفائِف.
وقولهم: جاءوا ومن لَفَّ لَفّهُمْ، أي ومن عُدَّ فيهم وتأشّب إليهم.
واللَفيفُ: ما اجتمع من الناس من قبائلَ شتَّى.
يقال: جاءوا بلَفِّهِمْ ولَفيفِهِمْ، أي وأخلاطهم.
وقوله تعالى: جئنا بكم لَفيفًا أي مجتمعين مختلطين.
وطعامٌ لَفيفٌ، إذا كان مخلوطًا من جِنْسين فصاعدًا.
وفلانٌ لفيفُ فلانٍ، أي صديقه.
وبابٌ من العربيّة يقال له اللَفيفُ، لاجتماع الحرفين المعتلّين في ثُلاثيِّة، نحو ذَوي وحَيِيَ.
والألْفافُ: الأشجار يَلْتَفُّ بعضها ببعض، ومنه قوله تعالى: وجَنَّاتٍ ألْفافا، واحدها لِفٌّ بالكسر.
ومنه قولهم: كنّا لِفا، أي مجتمعين في موضع واحد.
ورجلٌ ألَفُّ بيِّن اللَّفَفِ، أي عَيٌّ بطيء الكلام، إذا تكلَّمَ ملأ لسانهُ فَمَه.
والألَفُّ أيضًا: الرجل الثقيل البطيء.
وامرأةٌ لَفَّاءُ: ضخمة الفَخِذين مكتَنِزة، وفَخِذان لَفَّاوانِ.
قال الشاعر:
تَساهَمَ ثَوْباها ففي الدِرْعِ رَأدَةٌ *** وفي المِرْطِ لَفّاوانِ رِدْفُهُما عَبْلُ
قوله تَساهَمَ، أي تقارع.
ويقال ألَفَّ الطائرُ رأسه تحت جناحيه.
وفي أرض بني فلانٍ تَلافيفُ من عشب، أي نباتٌ مُلْتَفٌّ.
قال الأصمعي: الألَفُّ: الموضعُ المُلْتَفُّ الكثير الأهل.
وأنشد لساعدَة بن جؤيَّة الهذَلي:
ومقامهنَّ إذا حُبِسْنَ بمَأزِمٍ *** ضَيْقٍ ألَفَّ وَصَدَّهُنَّ الأخْشَبُ
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
89-المحيط في اللغة (سخن)
سخن السخن نقيض البارد، سخن الماء سخونة وسخنة، فهو سخن سخين مسخَّن.وسخنت عينه سخنة وسخونًا، وسخنت.
وإني لأجد سخنًا وسخنة.
وأسخنه وأبرده.
ويوم سخنان شديد الحر.
وليلة سخناء حارة غمة.
وطعام سخاخين، ومطر كذلك إذا جاء في شدة حر القيظ.
والسِّخِّين المر الذي يعمل به في الطين.
والمسخنة القدر التي كأنها تور.
والتساخين الخفاف.
والسخينة دقيق بتمر، وقيل حساء من دقيق.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
90-المحيط في اللغة (ربض)
رَبَضُ البَطْنِ: ما وَلِيَ الأرْضَ من البَعِيرِ وغيرِه، والجميع الأرْباضُ، وقيل هو ما تَحَوّى من مَصَارِيْنِه، وقيل: هو الذي يُجْعَلُ مِثْلَ البِطَان في حَقْوَيِ الناقَةِ.والمَرْبِضُ مِثْلُه؛ وهو الذي فيه الثَّرْبُ.
وقد رَبَّضْتُه: نَزَعْتَ مَرْبِضَه.
ومَسْكَنُ كُلِّ قَوْمٍ على حِيَالِهم: رَبَضٌ.
وهو - أيضًا -: ما حَوْلَ مَدِيْنَةٍ أو قَصْرٍ من المَساكِنِ، والجَميعُ الأرْبَاضُ.
والرِّبْضَةُ: مَقْتَلُ قَوْمٍ قُتِلُوا في بُقْعَةٍ واحِدَةٍ.
والرَّبَضُ: طَرَف النِّسْعِ.
والربِيْضُ: شاءٌ برِعائها اجْتَمَعَتْ في مَرْبَضِها.
والرُّبوْضُ: مَصْدَرُ الشَّيْءِ الرابِضِ.
ورَبَضُ البَقَرِ: حَيْثُ يَرْبِضُ.
وأتَاني بتَمْرٍ قَدْرَ رِبْضَةِ الخَرُوْفِ: أي قَدْر الخَروفِ وهو رابِضٌ.
وأرْنَبَةٌ رابِضَةٌ على الوَجْهِ: مُلْتَزِقَةٌ.
والرُبُضُ: الأرْطاةُ الضَخْمةُ.
وإنَه لَرُبُضٌ عن الحاجات والأسْفَارِ: أي لا يَخْرُجُ فيها.
وقِرْبَةٌ رَبُوْضٌ: واسِعَةٌ.
وفي الحَديث: حُلِبَ من اللَّبَنِ (ما يُرْبِضُ الرًهْطَ) أي ما يَسَعُهم وُيُرْبِضُهم.
ودِرْعٌ رَبُوضٌ.
وشَجَرَةٌ رَبُوْضٌ.
وهي من الأرَانبِ: الضَّخْمَةُ.
وفي الحديث: (الرّابِضَةُ ملائكةٌ أُهْبِطُوا مَعَ آدَمَ - عليه السَّلام -).
والرويبِضَةُ - أيضًا - في الحَدِيث: الفُويسِقُ في أمْرِ العامَّة.
ويَقُولُونَ: لِفُلانٍ عَلَيَّ رَبِيْضَان: يُقال ذلك في الغَيْظِ.
والرَّبَضُ: كُلُ ما اسْتَرَحْتَ إليه؛ مِثْلُ الأُمِّ والخَالَةِ والأخْتِ.
وخُذْها بِرَبَضِها: أي بمَتاعِها وجَمِيعِ مالِها.
وهو - أيضًا -: مَنْ يَرْبِضُه لِيَخْدُمَه.
ويُقال: رُبْضٌ ورَبَضٌ؛ كسُقْمٍ وسَقَمٍ.
وفلانٌ يُرْبِضُ أصْحَابَه: إذا قامَ بنَفَقَتِهم.
والرَّبَضُ: القَيِّمُ، ومنه المَثَل: (منك رَبَضُك وإنْ كانَ سَمَارًا) أي قَيِّمُكَ وإنْ كانَ قَيِّمَ سَوْءٍ، وُيقالُ: رَبْضُكَ.
وقيل: هو ما يُقِيْمُ الإنسانَ من القُوْتِ وُيرْبِضُه: أي يَكْفِيْه ويَكُفُّه.
ويقولونَ - أيضًا - للرَّجُلِ إذا كانَ لا يَأْخُذُ شَيْئًا إلّا قَهَرَه: (ما يَنْهَضُ رابِضَتُه) أي رَمِيَّتُه، و (ما تَقُوْمُ رابِضَتُه) وذلك إذا كانَ يَرْمي فيَقْتُل أو يَعِيْنُ فَيَقْتُل.
ويُقال للنَّعْجَةِ إذا قَضَتْ وحَمَلَتْ: رُبِضَ عنها.
ورَبَضَ الكَبْشُ عن الغَنَمِ: تَرَكَ سِفَادَها.
والرَّبَضُ: المَرْأةُ.
وقيل: العَشِيْرَة.
وأَرْبِضِ السِّقَاءَ بالماء: أي اجْعَلْ فيه ما يَغْمُرُ قَعْرَه.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
91-تهذيب اللغة (لت)
لت: الجمعة تثقَّل والأصل فيها التخفيف جُمْعة.فمن ثقل أتبع الضمّةَ، ومن خفّف فعلى الأصل.
والقراء قرءوها بالتثقيل.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الشهداء
فقال: «ومنهم أن تموت المرأة بجُمْع»، قال أبو عبيد: قال أبو زيد والكسائيّ: يعني أن تموت وفي بطنها ولد.
وقال الكسائيّ: ويقال بجَمْعٍ أيضًا.
قال أبو عبيد: وقال غيرهما: وقد تكون التي تموت بجُمع أن تموت لم يمسَّها رجل.
قال: وروي ذلك في الحديث: «أيُّما امرأةٍ ماتت بجُمْع لم تُطمثْ دخلت الجنّة».
وأنشد أبو عبيد:
وردْناه في مجرى سُهيل يمانيًا *** بصُعرِ البُرَى من بين جُمعٍ وخادِجِ
قال: والجُمْع: الناقة التي في بطنها ولدٌ.
والخادج: التي ألقت ولدَها.
أبو العباس: الجُمَّاع: الضُّروب من الناس المتفرّقون.
وأنشد قول ابن الأسلت:
من بين جَمع غيرِ جُمّاعِ
والجمع: اسم لجماعة الناس.
ويُجمَع جموعًا.
وقال الليث: جُمَّاع كلّ شيء: مجتمع خَلْقِه.
من ذلك جُمّاع جسَدِ الإنسان.
قال: وجُمَّاع الثَّمرة ونحوها، إذا اجتمعت براعيم في موضعٍ واحدٍ على حملها.
وقال ذو الرمّة:
ورأس كجُمَّاع الثّريا ومِشفرٌ *** كسِبْتِ اليَمَاني قَدُّه لم يُحَرَّدِ
وروى ابن هانىء عن أبي زيد: ماتت النساءُ بأجماع، والواحدة بجُمْع، وذلك إذا ماتت وولدُها في بطنها، ماخضًا كانت أو غير ماخض.
قال: وإذا طلّق الرجلُ امرأته وهي عذراء لم يدخلْ بها قيل طُلِّقَتْ بجُمْع، أي طُلّقتْ وهي عذراء لم يدخل بها؛ وكذلك إذا ماتت وهي عذراء قيل: ماتت بجمع.
ويقال ضربوه بأجماعهم، إذا ضَربوه بأيديهم.
وضربه بِجُمْعِ كفِّه.
ويقال: أمركم بجُمْع فلا تُفشوه، أي أمركم مجتمع فلا تفرّقوه بالإظهار.
وقال أبو سعيد: يقال أدام الله جُمَعةَ بينكما، كقولك أدام الله ألفة ما بينكما.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي بتمرٍ جنيبٍ فقال: من أين لكم هذا؟ قالوا: إنا لنأخُذ الصَّاعَ من هذا بالصاعين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلا تفعلوا، بع الجَمْع بالدراهم وابتعْ بالدَّراهم جنيبًا».
قال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: كلُّ لونٍ من النخل لا يُعرف اسمه فهو جَمْع.
يقال قد كثُر الجَمْع في أرض فلانٍ، لنخلٍ يخرج من النوى.
ومزدلفة يقال لها جَمْع.
وقال ابن عباس: «بعثَني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثَّقَل من جَمع بلَيْل».
وقال الليث: يقال: ضربت فلانًا بجُمْع كفّي، ومنهم من يكسر فيقول بِجِمْع كفي.
وتقول أعطيتُك من الدراهم جُمْعَ الكفّ كما تقول مِلْء الكفّ.
وقال الليث: يقال المسجد الجامعُ نعتٌ له لأنه علامة للاجتماع يَجمع أهله.
قال: ولا يقال مسجد الجامع.
قلت: النحويون أجازوا جميعًا ما أنكره الليث.
والعرب تضيف الشيء إلى نفسه
وإلى نعته إذا اختلف اللفظان، كما قال الله جلّ وعزّ: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البَيّنَة: 5] ومعنى الدين المِلّة كأنه قال: وذلك دينُ الملّة القيِّمة.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: العرب تضيف الاسم إلى نعته كقوله جلّ وعزّ: {وَعْدَ الصِّدْقِ} [الأحقاف: 16] و {وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] وصلاةُ الأولى، ومسجد الجامعِ.
قلت: وما علمت أحدًا من النحويِّين أبَى إجازتَه، وإنما هو الوعد الصِّدقُ، والمسجدُ الجامعُ، والصلاة الأولى.
وقال الليث: المَجمَع يكون اسمًا للناس، وللموضع الذي يجتمعون فيه.
قال: والجماعة: عددُ كلِّ شيءٍ وكثرته.
والجِماع: ما جَمَع عددًا، كما تقول: جِماع الخباء أخبية.
وقال الحسن: «اتَّقوا هذه الأهواء التي جماعها الضلالة ومعادها النار».
وكذلك الجميع، لأنه اسم لازم.
وقال الليث: رجل جميع، أي مجتمع في خَلْقه.
وأما المُجتمِع فالذي استوت لحيتُه وبلغ غايةَ شبابه، ولا يقال للنساء.
وأنشد أبو عبيد:
قد سادَ وهو فتًى حتى إذا بلغَتْ *** أَشدُّهُ وغلا في الأمر واجتمعا
ويقال للرجل إذا استوت لحيته: مُجتمِع، ثم كَهْلٌ بعد ذلك.
وقال الليث: يقال: لك هذا المال أجمعُ، ولك هذه الحِنطة جمعاءُ، وهؤلاء نسوةٌ هنَ جُمَعُ لك، غير منوَّن ولا مصروف.
قال: وتقول: استجمعَ السَّيلُ، واستجمَعَتْ للمرء أمورُه، واستجمعَ الفرسُ جَرْيًا.
وأنشد:
ومستجمع جريًا وليس ببارحٍ *** تُباريه في ضاحي المِتانِ سواعدُه
يعني السَّراب.
وسواعده: مجاري الماء.
والمجامعة والجِماع: كناية عن النِّكاح.
وقال ابن الأعرابي: الجمعاء: الناقة الكافَّة الهرمة.
ابن بزرج: يقال أقمت عنده قَيظةً جمعاء وليلةً جمعاء.
وقال الأصمعي: قِدرٌ جِماعٌ وجامعة، وهي العظيمة.
وقال الكسائيّ: أكبر البِرام الجماع، ثم التي تَليها المِئكلة.
ويقال فلانٌ جماعٌ لبني فلان، إذا كانوا يأوُون إلى رأيه وسُودده، كما يقال مَرَبٌّ لهم.
واشترى دابّةً جامعًا: تصلُح للسَّرج والإكاف.
وأتان جامع: أوّلَ ما تحمل.
وقال اللحياني: ذهب الشهر بجُمْعٍ وبجمْع، أي أجمع.
وفلانٌ جميع الرأي، أي ليس بمنتشر الرأي.
وقال أبو عمرو: المَجمعة: الأرض القَفْر.
والمَجمَعة: ما اجتَمع من الرمال، وهي المَجامع.
وأنشد:
بات إلى نَيْسبِ خَلٍّ خادعِ *** وَعْثِ النِّهاض قاطعِ المجامع
بالأَمِّ أحيانًا وبالمُشايِعِ
المشايع: الدليل الذي ينادي إلى الطريق يدعو إليه.
وقال ابن السكيت: أجمع الرجلُ بناقته، إذا صَرَّ أخلافَها أجمع.
وكذلك أكمشَ بها.
وجمَّعتِ الدجاجةُ تجميعًا، إذا جَمعت بيضها في بطنها ويقال للجارية إذا شبّت؛ قد جمَعت، أي لبست الدِّرع والخمار.
ويقال استأجرته مشاهرةً ومجامَعة، أي كلَ جُمعةٍ بكذا.
واستجمع البقلُ: إذا يبس كلُّه.
واستجمع الوادي، إذا لم يبق منه موضعٌ إلّا سالَ.
واستجمع القومُ، إذا ذهبوا كلَّهم لم يبقَ منهم أحد، كما يستجمع الوادي بالسَّيل.
وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: «عجبتُ لمن لاحَنَ الناسَ كيف لا يعرف جوامعَ الكلم» يقول: كيف لا يقتصر على الإيجاز ويترك الفضولَ من الكلام.
وهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أوتيتُ جوامعَ الكَلِم» يعني القرآن وما جَمَع الله عزوجل بلطفه من المعاني الجَمَّة في الألفاظ القليلة، كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} [الأعرَاف: 199].
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
92-تهذيب اللغة (حث)
حث: قال الليث: الحَثّ: الإعجال في الاتّصال والحِثّيثَى الاسم نفسه.يقال: اقبلوا دِلِّيلَي ربّكم، وحِثِيثاه إيّاكم.
ويقال: حثثت فلانًا فاحْتَثَ، وهو حثيث محثوث.
جادّ سريع، وقوم حِثاث، وامرأة حَثيث في موضع حاثّة، وامرأة حَثيث في موضع محثوثة وقال الأعشى:
تدلّى حَثيثا كأن الصُوا *** ريتبعه أَزْرَقِيّ لِحمْ
شبه الفرس في السرعة بالبازي.
ثعلب عن ابن الأعرابي: جاءنا بتمر فَذّ، وفَضّ، وحُثّ أي لا يلزق بعضه ببعض.
وقال الليث الحَثُوث: السريع.
قال: والحَثْحَثة: اضطراب البرق في السحاب،
وانتخال المطر أو الثلج.
أبو عبيد عن الأصمعي: خِمْس حثحاث، وحَذحاذ، وقَسْقَاس: كل ذلك السَّيْر الذي لا وتيرة فيه.
عمرو عن أبيه قَرَب حثحاث وثحثاح وحذحاذ ومُنَحِّب أي شديد.
ويقال: ما ذقت حَثَاثا ولا حِثَاثا أي ما ذقت نومًا، قاله أبو عبيد وغيره.
وقال زيد بن كثوة: ما جعلت في عيني حِثاثا عند تأكيد السهر.
قال والحُثحوث: السريع يقال: حثحِثوا ذلك الأمر أي حركوه.
قال: وحيَّة حَثحاث وفَضفاض: ذو حركة دائمة.
قال والحُث: المدقوق من كل شيء.
وسويق حُثّ: غير ملثوث.
وحَثّثَ الرجلُ إذا نام، قاله أبو عمرو.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
93-تهذيب اللغة (حفز)
حفز: قال الليث: الحَفْزُ: حَثُّكَ الشيء من خَلْفه سَوْقًا أو غير سَوْق.وقال الأعشى:
لَهَا فَخذَان يَحْفِزانِ مَحَالَها *** وصُلْبًا كَبُنيَان الصُّوَى مُتَلَاحِكا
وروى أبو عُبَيد عن أبي نوح عن يُونس ابن أبي إسحاق عن أبيه عن علي صلوات الله عليه قال: «إذا صَلَّى الرجل فَلْيُخَوِّ، وإذا صَلَّت المرأة فلْتُحَفِّز» أي تَضَامَّ إذا جَلَست وإذا سَجَدت.
أبو عمر في «النوادر»: والحَفَزُ: الأَجَل في لغة بني سعد، وأنشد بعضهم هذا البيت:
* أو تَضْرِبوا حَفْزًا لِعَامٍ قابل*
أي: تضربوا أَجَلًا.
قال: والليل يَحْفِزُ النهارَ أي يسوقه، وفي حديث أَنَس أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بتَمْر وهو محْتَفِزٌ فجعل يَقْسِمه، قال شَمِر: يعني أنه كان يَقسُمه وهو مُسْتَعْجِل.
قال: ومنه حديث أبي بكرة أنه دَبَّ إلى الصَّفِّ راكِعًا وقد حَفزهُ النَّفَس.
قلتُ وأما قوله: وهو مُحْتفِز فمعناه أنه مُستوفِز غير متمكن من الأرض.
ويقال حافَزْتُ الرَّجُلَ، إذا جاثَيْتَه، وقال الشَّمَّاخُ:
* كما بادر الخَصْمُ اللَّجوجُ المُحَافِزُ*
وقال الأصمعي: معنى حافَزْتُه: دانَيْتُه.
وقال شمر: قال بعض الكِلابيين: الحَفْزُ: تَقَارُب النَّفَس في الصَّدر، وقالت امرأة منهم: حَفْزُ النَّفَس حِينَ يَدْنو الإنسانُ من الموت، وقال العُكْلِيُّ: رأيتُ فُلانًا مَحْفُوزَ النَّفَس إذا اشْتَدَّ به، وأنشد:
تُرِيحُ بعد النَّفَسِ المَحْفُوز *** إرَاحَة الجَدَاية النَّفُوزِ
قال: والرجل يَحْتَفِزُ في جلوسه كأنه يريد أن يثور إلى القيام.
وقال ابن شميل: الاحْتِفازُ والاسْتِيفَاز والإقْعَاء واحد.
وروى شعبة عن أبي بشر عن مجاهد، قال: ذُكِرَ القَدَرُ عند ابن عباس فاحْتَفَزَ وقال: «لو رأيت أحدَهم لعَضِضْتُ بأنفه».
قال النضر: احْتَفَزَ: استوى جالسًا على وَرِكَيْه.
وقال شمر: قال ابن الأَعْرَابي: يقال: جعلتُ بيني وبين فلان حَفَزًا أي أمَدًا، وأنشد غيره:
والله أفعلُ ما أردْتُم طَائِعًا *** أو تَضْرِبُوا حَفَزًا لعام قَابِلِ
والْحَوْفَزَان لقب لجَرَّارٍ من جَرَّارِي العرب، لُقِّبَ به لأن بِسْطَام بن قَيْس طَعَنَه فأعجله وهو من الْحَفزِ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
94-تهذيب اللغة (سخن)
[سخن]: أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه كتب عن أعرابيٍّ قال: السخينة دقيق يُلْقى على ماءٍ أو على لبن فيطبخ ثم يؤكل بتمر أو يُحسى وهو الحَسَاءُ قال: وهي السُّخُونة أيضًا وهي النفية.تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
95-تهذيب اللغة (سخن)
سخن: قال الليث: السُّخْنُ نَقِيضُ البارد تقول: سَخُنَ الْمَاءُ سُخُونةً وأَسْخَنْتُهُ إسْخانًا، وسَخَّنْتُه تَسْخِينًا فهو سُخْنٌ وسَخِينٌ ومُسَخَّنٌ ورجُلٌ سَخِينُ الْعَيْن وقد سَخُنَتْ عينُه سُخْنَةً وسُخُونًا.ويقال: سَخنَتْ، وهو نَقِيضُ قَرَّتْ.
أبو عبيد ـ عن الكسائيِّ ـ: يومٌ سُخْنٌ وسَاخِنٌ وسَخْنَانٌ، ولَيْلَةٌ سُخْنَةٌ وسَاخِنَةٌ، وسَخْنَانَةٌ، وقد سَخَنَ يومُنا يَسْخُنُ.
وبعضهُم يقول: سَخُنَ، وسَخِنَتْ عينُهُ ـ بالكسر ـ تَسْخَنُ.
شمِرٌ ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: إنِّي أجد سَخْنَةً ـ أي حُمَّى.
ويقالُ سَخِنَتْ عَينُه ـ من حرارةٍ ـ تَسْخَنُ سُخْنَة.
وأنشد:
إذَا الْمَاءُ مِنْ حَالِبَيْهِ سَخِن
قال: وسَخِنَتِ الأَرْضُ وسَخُنَت، وأَمَّا سَخِنَتِ العَيْنُ فبالكَسْر لا غَيْرُ.
ثعلب ـ عن ابن الأعرابي ـ: يَوْمٌ سُخَاخِينُ، مِثلُ سُخْنٍ.
وأنشد:
حُبًّا سُخاخِينَ وحُبًّا بَارِدَا
«سُخَاخِينُ»: يؤذي، و «بارِدٌ»: يَسْكُنُ إلَيْه قَلْبي.
وأخبرني المنذريُّ ـ عن أبي الْهَيْثَم ـ أنه قال ـ عن أعرابيِّ ـ: السَّخِينَةُ دَقِيقٌ يُلْقَى على ماءٍ، أو عَلَى لَبَنٍ، فيُطبَخُ ثم يؤكلُ بتَمْرٍ، أو يُحْسَى.
قال: وهي السُّخُونَةُ أيضًا.
وقال ابن السِّكِّيت: السَّخِينَةُ: التي ارتفعَتْ عن الْحَسَاءِ، وثَقُلَت أن تُحْسَى، وهما دُونَ العَصِيدَةِ.
قال: وإنّما يأكلونَ السخِينَةَ في شِدَّة الدَّهْرِ، وغَلَاءِ السِّعْرِ، وعَجَفِ المَالِ.
وقال غيرُه: السَّخِينَةُ تُعْمَلُ من دَقِيقٍ وسمْنٍ، وبِهَا عُيِّرَتْ قُرَيْشٌ فسُمِّيَتْ سَخِينَة.
وقال كَعْبُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّهَا *** وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ
والمِسْخَنَةُ: قُدَيْرَةٌ كأنَّها تَوْرٌ.
قالَهُ أبو عبيدٍ عن الكسائيِّ.
وقال ابن شميل: هي الصَّغِيرةُ التي يُطْبَخُ فيها للصَّبيِّ.
ويقال: سَخَنَتِ الدَّابَّة، وذلك إذا أُجْرِيتْ فسَخُنَ عِظَامُهَا وخَفَّت في حُضْرِهَا، ومنه قول لَبِيدٍ:
حَتّى إذَا سَخَنَتْ وَخَفَّ عِظَامُهَا
ويروى: سَخِنَتْ.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يمْسَحُوا عَلَى المُشَاوِذِ وَالتَّسَاخِينِ».
قال أبو عُبيد: التَّسَاخِينُ: الْخِفَافُ.
وقال أبو عمرو: قال المبرِّدُ: واحد التَّسَاخِينِ تَسْخَانٌ وتَسْخَنٌ.
قال: وقال ثعلبٌ: ليس للتَّسَاخِين واحد منْ لَفْظها ـ كالنِّسَاءِ.
.
.
لا واحد لها من لفظها.
وقال ثعلب ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: هو المِعْزَقُ والسِّخِّينُ.
قلت: وَسمعتُ غيرَ واحد من أعراب بني سعد يقولون لِلْمَرِّ الذي يُعمل به في الطِّينِ: السِّخِّينُ، وجَمْعُه السَّخَاخِينُ.
وقال أبو عمرو: يقال للسِّكِّينِ: السَّخِينَةُ والشِّلْقَاءُ.
قال: والسَّخَاخِينُ سَكاكِينُ الجَزَّار.
قال: وماءٌ سَخِيمٌ وسَخِينٌ ـ للَّذِي لَيْسَ بِحَارٍّ ولا بَارِدٍ.
وأنشد:
إنَّ سَخِيمَ الْمَاءِ لَنْ يَضِيرا
اللحياني: إني لأَجِدُ سُخْنَةً وسِخْنَةً وسَخْنَةً، وسَخْنَاء ـ ممدودٌ ـ كلُّ ذلك من حَرَارَةِ الْحُمَّى.
ورَوَى أبو العباس ـ عن ابن الأعرابي ـ قال: أَخْسَنَ الرجُلُ ـ إذا ذَلَّ بَعْدَ عِزٍّ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
96-تهذيب اللغة (ربض)
ربض: أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ قال: الرَّبْضُ والرُّبْضُ والرَّبَضُ: الزَّوجةُ أو الأم أو الأخْت تُقرِّب ذا قرابَتِها.قال: ويقال في مَثَل: مِنْك رَبضُك وإن كان سمارًا.
قال: والرّبَضُ: قيّم بيته.
والرَّبَضُ: امرأةٌ تُرْبضه ويأْوِي إليها، وأنشد البيت:
جاء الشّتاءُ ولمّا اتَّخِذْ رَبضًا *** يا وَيْحَ كَفِّيَ من حَفْر القَراميصِ
قال: والرّبْضُ والرُّبْض: وسَطُ الشيء.
والرَّبَضُ: حَريمُ المسجد، وقال اللَّحياني نحوه.
قال: ويقال: ما ربض امرؤٌ مثلَ أخت.
أبو عبيد عن الأصمعي قال: رَبضُ الرجل، ورُبضُه امرأته.
وقال اللحياني: يقال: إنه لرُبُضٌ عن الحاجات وعن الأسفار ـ على فُعُل ـ أي: لا يخرج فيها.
قال: والرَّبض فيما قال بعضُهم: أساسُ المدينة والبناء والرّبَض: ما حولَه من خارج.
وقال بعضهم: هما لُغَتان.
قال: والرِّبْضَة: الجماعة من الغَنَم والناس؛ يقال: فبها رِبْضَةٌ مِن الناس، ويقال: أتانا بتَمْرٍ مثل رُبضَة الخَروف، أي: قَدْرَ الخَروف الرابض.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل المنافِقَ مَثلُ الشّاة بين الرَّبْضَين، إذا أتتْ هذه نطحَتْها»، وبعضُهم رواه: «بين الرَّبِيضَيْن»، فمن قال: «بين الربضين» أراد مربضي غنمين، إِذا أتت مَربِض هذه الغنم نطحها غنمه، وإذا أتت مَرْبَض الأخرى نطحها غنمه.
ومن رواه: «بين الربيضين» فالرَّبَض: الغَنَمُ نفسُها، ومنه قول الحارث بن حِلِّزة:
عنتا باطِلًا وظُلْمًا كما يُعْتَرُ *** عن حَجْرة الرَّبِيضِ الظِّباءُ
أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المَثَل قولَ الله جلّ ثناؤه: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ} [النساء: 143].
وقال الليث: الرَّبيضُ: شاء برُعاتِها اجتَمعتْ في مَربِضها.
قال: والرُّبُوضُ: مَصْدَرُ الشيء الرَّابض،
وكلّ شيء يَبرُك على أربعةٍ فقد رَبَض رُبُوضًا.
ويقال: ربَضت الغنمُ، وبَركَت الإبل، وجَثَمت الطيرُ جُثُومًا.
والثَّورُ الوَحْشيّ يَربِض في كِناسه وقول العَجَّاج:
* واعتادَ أرباضًا لها آريُّ*
أراد بالأرباض جمع رَبَض، شبّه كِناسَ الثّور بمأوَى الغَنَم.
وقال ابن الأعرابي: الرّبَضُ والمَرْبَضُ والمَرْبِض والرّبِيض: مجتَمَع الحَوايا.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بَعثَ الضَحّاكَ بنَ سُفيانَ إلى قومه وقال: «إذا أتيتَهمْ فارْبِض في دارِهم ظَبْيًا»، قال القُتَيْبيّ: رُوِي عن ابن الأعرابي أنه أراد: أَقِمْ في دارِهِم آمِنًا لا تَبْرح، كأنّك ظبيٌ في كِناسه، قد أَمِن حَيثُ لا يَرَى إنسِيًّا.
قلت: وفيه وجهٌ آخر، وهو أنه عليهالسلام أَمَرَه أن يأتيَهم كالمتوجّس لأنه بين ظَهراني الكَفَرة، فمتى رَابَه منهم رَيْبٌ نَفر عنهم شارِدًا.
وفي حديث أمّ مَعْبَد «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لمّا قالَ عندها دَعا بإناء يُرْبِضُ الرَّهْط».
قال أبو عبيد: معناه: أنّه يروِيهم حتى يُختِّرهم فيَناموا لكَثْرة اللبن الّذي شَرِبوه.
وقال الرّياشيّ: أربضت الشَّمسُ: إذا اشتدّ حَرُّها حتى تَربِضَ الشاةُ من شدّة الرَّمْضاء.
وقال أبو عبيد: الأَرْباضُ: حِبالُ الرَّحْل، وقال ذو الرُّمة يذكر إِبِلًا:
إذا غَرَّقَتْ أَرباضُها ثِنْي بَكَرةٍ *** يتَيْماءَ لم تُصبِح رءُومًا سَلُوبُها
وقال الليث: ربَضُ البَطْن: ما وَلِيَ الأرض من البَعِير إذا بَرَك، والجميعُ الأَرْباض، وأنشد:
* أسْلَمَتْها مَعاقِدُ الأَرْباض *
قلتُ: غَلط الليثُ في الرَّبَض وفيما احتجّ له به، فأمّا الرَّبَضُ فهو ما تَحوَّى من مَصارِين البَطْن، كذلك قال أبو عبيد، وأمّا مَعاقِدُ الأرْباض فالأرباض ههنا الحِبال، ومنه قول ذي الرُّمّة:
إذا مَطَوْنا نَسُوعَ الرَّحْل مُصعَدَةً *** سَلكْن أخْراتَ أرْباضِ المَدِاريجِ
والأخَرات: حَلَقُ الحِبال.
وقال أبو عُبَيد: الرِّبُوضُ: الشجرة العظيمة، وقال ذو الرّمّة:
* تجوَّفَ كلَّ أرْطَاةٍ رُبُوضٍ *
وسِلسِلةٌ رَبوض: ضَخْمة، ومنه قولُه:
وفالوا رَبُوضٌ ضَخْمَةٌ في جِرانِه *** وأسمر من جِلْدِ الذِّراعيْن مُقْفَلُ
أراد بالرَّبوض: سِلسلةً أُوثِق بها، جعلها ضخمةً ثقيلةً.
وأراد الأسمَر: قِدًّا غُلَّتْ يدُه به فيَبِس عليه.
الليث: أرنَبَةٌ رابِضةٌ: إذا كانت ملتزِقة بالوَجْه، هو من أمثالهم في الرّجُل الذي يَتعَيَّنُ الأَشيَاء فيصيبُها بعَيْنه.
قولُهم: لا تقومُ لفُلان رابضة، وذلك إذا قَتَل كلَّ شيء يصيبه بعَيْنِه.
ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أشراطَ الساعة، ومنها يود أن تَنْطِق الرُّوَيْبِضَة في أمور العامّة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ يا رسولَ الله؟ قال: «الرجل التّافِه ينطق في أمر العامّة».
قال أبو عُبيد: وممّا يُثبت حديثَ الرُّوَيْبِضة الحديثُ الآخَرُ: «من أشراط الساعة أن يُرَى رِعاءُ الشاءِ رؤُوسَ النّاس».
قلتُ: الرُّوَيْبضة تصغيرُ الرابضةُ، كأنه جَعَل الرابضة راعِيَ الرَّبض، وأدخَل فيه الهاء مبالغةً في وصفه، كما يقال: رجل داهِية.
وقيل: إنه قيل للتافه من النّاس: رابِضة ورُوَيْبِضة، لرُبوضِه في بَيْته، وقلّة انبعاثِه في الأمور الجسيمة، ومنه يقال: رجل رُبُض عن الحاجات والأسفار: إذا كان يَنهَض فيها.
وقال أبو زيد: الرَّبَض: سَفِيفٌ يُجعَل مِثلَ البِطَان فيُجعل في حَقْوَيِ الناقة حتى يُحاوِزَ الوَرِكَين من الناحيتين جميعًا، وفي طرَفيْه حَلَقتان يُعقَد فيهما الأنساع، ثم يُشَدّ به الرَّحْل، وجمعُه أرْباض.
أبو عُبيد عن الكسائي: الرُّبْض: وَسَطُ الشيء، والرُّبض: نواحيه.
وأنكَر شَمِر أن يكون الرُّبْضُ وَسَط الشيء، وقال: الرُّبْض: ما مَسّ الأَرْض منه.
ويقال للدّابة هي فَخْمة الرِّبْضة، أي: فخمة آثار المَرْبض.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
97-معجم العين (فذ)
فذ: الفَذُّ أول سَهْم القداح.والفَذُّ: الفَرْدُ، ويقال: كلمةٌ شاذَّةٌ فَذَّة.
ويُجْمَع الفذُّ على الفُذُوذِ والفِذاذ.
وأتانا بتَمْرٍ فَذٍّ أي لم يأخُذْ بعضُه بعضًا.
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م