نتائج البحث عن (بِخِبْرَةِ)
1-العربية المعاصرة (بس)
بسَّ/بسَّ ب/بسَّ من بَسَسْتُ، يَبُسّ، ابْسُسْ/بُسَّ، بَسًّا، فهو باسّ، والمفعول مَبْسوس.* بسَّ الحَجَرَ: فتّته {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [قرآن] (*) بسَّ إليه من يتخبَّر خبرَه: دسّ إليه من يأتيه بخبره- بَسَّ عليه عقاربَه: أرسل عليه نمائمه وآذاه.
* بسَّ الدَّقيقَ:
1 - بلّله بالماءِ.
2 - خلطه بسَمْن أو زيْت أو نحوهما، ليصنع منه البسيسة.
* بسَّ الإبلَ/بسَّ بالإبل: زجرها بقوله: بِسْ بِسْ.
* بسَّ من الشَّيء: نال منه (*) بسَّت منه الأيَّامُ: نالت منه.
بَسّ [مفرد]:
1 - مصدر بسَّ/بسَّ ب/بسَّ من.
2 - هِرّ، سِنَّوْر أليف.
بَسيسَة [مفرد]:
1 - حَلْوَى تُصنَع من دقيق الذُّرة والسُّكّر والسَّمن وغير ذلك.
2 - خبز يُجفَّف ويُدقّ ثم يُسفّ.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (خبر)
خبَرَ يَخبُر، خُبْرًا وخِبْرَةً، فهو خابِر وخبير، والمفعول مَخْبور.* خبَر الحياةَ: علِمها وعرَف حقيقتَها عن تجربة (لقد خَبَرْتك وعرفت صدقَ طويّتك- {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} [قرآن]) (*) مِنْ أين خَبَرْت هذا الأمر؟: أي من أين عرفت حقيقتَه؟.
* خبَرَ الرَّجُلَ: اختبره، امتحنه ليعرفَ حقيقتَه.
خبُرَ/خبُرَ ب يخبُر، خُبْرًا وخِبْرَةً، فهو خبير، والمفعول مَخْبُور به.
* خبُر الشَّخصُ: صار خبيرًا.
* خبُر بالأمرِ: عرفه معرفة جيِّدة (صاحب الكلام أخبر بمعناه- {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [قرآن]).
خبِرَ يَخبِر، خَبَرًا، فهو خابر، والمفعول مَخْبور.
* خبِر الشَّيءَ والشَّخصَ: علمه وعرفه على حقيقته.
أخبرَ يُخبر، إخبارًا، فهو مُخبِر، والمفعول مُخبَر.
* أخبره وقائع المؤتمر/أخبره بوقائع المؤتمر/أخبره عن وقائع المؤتمر: أعلمه وأنبأه بها (أخبر شخصًا بالتفاصيل- أخبرني عن جليّة الأمر: حقيقته).
اختبرَ يختبر، اختبارًا، فهو مختبِر، والمفعول مختبَر.
* اختبر الدَّواءَ: جرَّبه، أخضعه للاختبار، فحصه ليعرف حقيقتَه (اختبر السِّلاحَ).
* اختبر الشَّخصَ: امتحنه (اختبره في القراءة/الكتابة/القيادة/المعلومات العامّة- عقد المدرس اختبارًا مفاجئًا لطلابه).
* اختبر اللهُ النَّاسَ: ابتلاهم امتحانًا لقوّة إيمانهم، وهو أعلم بها.
استخبرَ يستخبر، استخبارًا، فهو مستخبِر، والمفعول مستخبَر.
* استخبره عن الأمر: طلب منه أن يخبره حقيقتَه، سأله عنه والتمس معرفتَه (استخبره عن صحّة/أحوال أبيه- استخبره عمّا يجري في فلسطين).
تخابرَ يتخابر، تخابُرًا، فهو متخابِر.
* تخابر مع صديقه: تبادل معه الأخبارَ (تخابر الشخصان هاتفيًّا- قُبض عليه بتهمة التخابر مع دولة أجنبيّة: بتهمة إمدادها بمعلومات عن بلده).
تخبَّرَ يتخبَّر، تخبُّرًا، فهو متخبِّر، والمفعول متخبَّر.
* تخبَّر الأمرَ: تعرَّفه على حقيقته.
خابرَ يخابر، مُخابَرَةً، فهو مخابِر، والمفعول مخابَر.
* خابر صديقَه:
1 - باحثه، بادله الأخبار (خابره في الأمر فوجد لديه كلّ تفهُّم).
2 - كالمه، اتّصل به هاتفيًّا (أرجو أن تخابرني حال نجاحك).
* خابر المالكُ الفلاَّحَ: [في القانون] سلّمه أرضَه لاستثمارها على نصيب معيّن كالثلث والربع وغيرهما، شاركه في زراعة أرض على نصيب معيَّن.
خبَّرَ يخبِّر، تخبيرًا، فهو مخبِّر، والمفعول مخبَّر.
* خبَّره الأمرَ/خبَّره بالأمر/خبَّره عن الأمر: أخبره به، أعلمه إيّاه وأبلغه به، أنبأه به (من خبَّر بنبأ فقد أنار- خبّره ما جرى في غيابه).
إخبار [مفرد]:
1 - مصدر أخبرَ.
2 - [في القانون] قيام سلطة رسميّة أو موظّف، أو قيام من شاهد اعتداء على الأمن العام أو حياة الناس بإبلاغ المدعي العام التابع له محلّ وقوع الجريمة.
أخباريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى أخبار: على غير قياس: مؤرِّخ (الطبري من أبرز الأخباريِّين العرب) (*) صحيفة أخباريّة: تُعنى بالأخبار والأحداث.
إخباريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى إخبار: إعلاميّ، مهتمّ بنشر الأخبار (شريط إخباريّ- قام الإخباريّون بتغطية أحداث الحفل وبثِّه على الهواء مباشرة).
* الإخباريّ من الأفعال: الذي يعبِّر عن إخبار، كالفعل قال أو روى.
إخبارِيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى إخبار: (نشرة إخباريّة) (*) رسالة إخباريّة: تقرير مطبوع يُزوَّد بأخبار ومعلومات ذات أهميّة لجماعة مُعيَّنة.
2 - مصدر صناعيّ من إخبار: خبر منقول بطريقة سرِّيَّة (وصلت إلى الشُّرطة إخباريّة بوجود مهرِّبين على الحدود).
3 - [في الفلسفة والتصوُّف] فرقة من الإماميّة، وهم فرقة من الشِّيعة قالوا بالنصِّ الجليّ على إمامة علي رضي الله عنه، وكفَّروا الصحابةَ ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق.
اختبار [مفرد]: جمعه اختبارات (لغير المصدر):
1 - مصدر اختبرَ.
2 - امتحان، تجربة (اجتاز الاختبارات جميعها بنجاح باهر- جرّبه على سبيل الاختبار- الاختبار مُعلِّم أخرس) (*) اختبار الطَّريق: اختبار يُجرى للمركبات لمعرفة مقدار صلاحيتها للسير على الطرق، فحص للشَّخص الذي يسعى للحصول على رُخصة قيادة لمعرفة قدرته على القيادة في الطرق- اختبار قيادة: امتحان في آداب المرور وقيادة السَّيارة- اختبار معاكس: اختبار يهدف إلى التحقق من أن نتائج اختبار أوَّلٍ صحيحةٌ- بالون اختبار: امتحان أو تجربة لجسّ نبض الرأي العام- تحت الاختبار: موضوع تحت الملاحظة؛ لمعرفة مدى صلاحيته- حَقْل اختبار: حقل للاختبارات الزراعيّة، ومجازًا: إخضاع مجتمع أو جماعات لتجربة أو تجارب يكون الغرض منها تحقيق شعارات- على سبيل الاختبار: للتجربة- ورقة اختبار: ورقة مشبَّعة بصبغة عبَّاد الشمس؛ لإجراء اختبارات كيميائيّة.
* اختبار القُدْرة: قياس قدرة العامل على أداء واجبات معيَّنة كالقدرة الميكانيكيّة، والقدرة الكتابيَّة، والقدرة الفنِّية.
* الاختبار الأحيائيّ: [في الكيمياء والصيدلة] تحديد نوع القوّة أو النَّشاط الحيويّ لمادَّة كالعقار أو الهرمون بمقارنة نتائجه مع تلك التي أجريت على حيوان في مختبر.
* أنبوب اختبار: [في الكيمياء والصيدلة] مخبار، أنبوب زجاجيّ أسطوانيّ مفتوح من جانب ودائريّ من الجانب الآخر ويستخدم في التَّجارب المخبريّة.
* اختبار الحساسيَّة: [في الطب] اختبار لبيان مدى التَّأثُّر بدواء مُعيّن أو بمرض مُعْدٍ، بوضع لزقات على الجلد، أو بإحداث خدوش جلديّة وتعريضِها لجرعاتٍ تُسَبِّبُ المرض أو العدوى.
* اختبار الذَّكاء: [في علوم النفس] نوع من الاختبارات لقياس مستوى الذكاء والقدرات العقليّة، اختبار معياريّ لتحديد مُستوى الذكاء عن طريق قياس القدرة الفرديّة على تكوين المفاهيم وحلّ المشكلات واكتساب المعلومات وتأدية عمليّات ذهنيّة أخرى.
اختباريّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى اختبار: تجريبيّ، قائم على الاختبار والملاحظة (أسلوب اختباريّ).
2 - استقرائيّ، ناتج عن بحث وتتبُّع (حُكم اختباريّ).
اختباريَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى اختبار: (يقضي المعيّنون الجدد فترة اختباريّة مدّتها ستة أشهر- حفرت الشَّركة عشرين بئرًا اختباريّة تنقيبًا عن البترول).
2 - مصدر صناعيّ من اختبار: قابلية شيء للسَّبْر والامتحان (اختباريّة ذاكرة).
3 - تجريبيّة، مذهب يقول بأن المعرفة كلّها مستمدّة من التّجربة والاختبار.
استخبار [مفرد]: جمعه استخبارات (لغير المصدر):
1 - مصدر استخبرَ.
2 - مُحَرَّر يتضمّن أسئلة عن شئون خاصَّة بالمسئول للإجابة عنها (*) إدارة الاستخبارات/دائرة الاستخبارات: مركز لجمع المعلومات عن العدوّ حماية لأمن الدولة والسلامة العامّة- الاستخبارات العسكريَّة: مركز لجمع المعلومات العسكريَّة.
* جهاز الاستخبارات: مباحث، جهاز رسميّ يتولَّى أعمال التجسُّس على العدوّ والكشف عمّا يعرّض أمن الدولة الداخليّ والخارجيّ للاضطرابات (جنّدتهم أجهزة استخبارات العدوّ عملاء لها).
استخباراتيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى استخبارات: على غير قياس (زعمت مصادر استخباراتيّة أمريكيّة أن لدى العراق أسلحة دمار شامل).
2 - مصدر صناعيّ من استخبارات: معلوماتيّة؛ مجموع التقنيَّات المتعلِّقة بالمعلومات ونقلها.
استخباريَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى استخبار: (تم القبض عليه بتهمة القيام بنشاطات استخباريّة لصالح بلد أجنبيّ).
2 - مصدر صناعيّ من استخبار: تجسُّسيّة.
* دوائر استخباريَّة: مراكز لجمع المعلومات من أيّ مكان لحماية أمن الدَّولة أو المؤسَّسة العسكريّة.
خابور [مفرد]: جمعه خَوَابيرُ:
1 - قطعة من خشب أو مطّاط يُسَدّ بها ثقب في الحائط ليسهل دقّ المسمار وتثبيته فيه.
2 - قطعة معدنيّة مدبّبة تمكّن من قرن محورين بالطَّرف أو من فك تقارنهما (خابور ربط).
3 - [في النبات] شجيرة طبيَّة وتزيينيَّة ذات زهر أصفر طيِّب الرائحة وثمارها سوداء.
خَبَر [مفرد]: جمعه أخابيرُ (لغير المصدر) وأخبار (لغير المصدر):
1 - مصدر خبِرَ.
2 - نبأ، ما يُعَبَّر به عن واقعة ما، ما ينقل من معلومات ويُتحدَّث بها قولًا أو كتابةً وتعبّر غالبًا عن أحداث جديدة كتلك المذكورة في الصحف والإذاعة والتليفزيون (تسرّبت الأخبار- نشر خبرًا- سأله عن أخباره- عند جُهَيْنة الخَبَر اليقين [مثل]: يُضرب في معرفة حقيقة الأمر- {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} [قرآن]) (*) أخبار مَحَلِّيَّة: داخليَّة أو خاصَّة ببلدٍ ما، عكسها أخبار أو شئون عالميَّة- أصبح في خبر كان: هلَك وفَنِي- تشويه الأخبار- خبر صاعق: سيِّئ، مفاجئ وغير منتظَر- سأله عن أخباره: استفسر عن أحواله- صادق الخبر: صحيح النبأ، صَدُوق المقال- على هامش الأخبار: تعليق على الأخبار- مُرَمّات الأخبار: أكاذيبها- نشرة الأخبار: ما يقرأه المذيع في الراديو والتلفاز من أخبار محليَّة وخارجيَّة ليطّلع عليها الجمهور أو الرأي العام.
3 - حديث نبويّ (*) خبر متواتر: حديث ترويه جماعة عن جماعة.
4 - عمل {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [قرآن].
5 - [في البلاغة] قول يحتمل الصِّدق والكذب لذاته.
6 - [في النحو والصرف] لفظ مجرد عن العوامل اللفظيّة، أُسند إلى المبتدأ متمّمًا معناه ويصحّ السكوت عليه.
* خبر آحاد: حديث انفرد به راوٍ واحد وإن تعددتِ الطرق إليه.
خُبْر [مفرد]: مصدر خبَرَ وخبُرَ/خبُرَ ب (*) لأَخْبُرنَّ خُبْرك: لأعلمنَّ علمَك.
خِبْرة [مفرد]: جمعه خِبْرات (لغير المصدر) وخِبَر (لغير المصدر):
1 - مصدر خبَرَ وخبُرَ/خبُرَ ب (*) أهل الخِبْرة: الخُبراء ذوو الاختصاص الذين يعود لهم حقّ الاقتراح والتقدير.
2 - نتاج ما مرّ به الشَّخص من أحداث أو رآه أو عاناه، مجموع تجارب المرء وثقافته ومعرفته (له خِبْرة بالاقتصاد العالميّ- الشباب تنقصهم الخِبْرة) (*) تبادُل الخِبْرات: استفادة كلِّ شخص بخِبْرة الآخر.
* شهادة الخِبْرة: مستند لإثبات الخِبْرة.
خَبَرِيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى خبَرَ.
2 - مصدر صناعيّ من خَبَر: نبأ (وصلته خبريّة كاذبة).
* الجملة الخبريَّة: (نح، بغ) الجملة التي تحتمل الصِّدق أو الكذب.
خَبير [مفرد]: جمعه خُبَراءُ:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خبَرَ وخبُرَ/خبُرَ ب: (هم خبراءُ في مجال الطاقة/الزراعة- اختير خبيرًا بمجمع اللُّغة العربيَّة) (*) خبير تربويّ: مختصّ في نظريّات التربية والتعليم- هيئة الخُبَراء: مجموعة من الخُبراء غير الرسميِّين الذين يقومون بإسداء النصح والمشورة لواضعي السياسات خاصّة في حكومة.
2 - عارف بالأمر على حقيقته، عالم بالبواطن والظواهر {إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [قرآن].
3 - [في القانون] مُخْبِر، شخص تعيِّنه محكمة وتكلِّفه بالكشف عن بعض الوقائع وإبداء ملاحظاته في تقرير تستند إليه في حكمها (فجّر تقرير الخبير مفاجأة في القضيّة) (*) خبير مُحلَّف: الذي يؤدِّي اليمينَ أمام المحكمة.
* الخبير: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: العالم بكُنْه الشّيء، المطّلع على حقيقته، الذي لا تخفى عليه خافية {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [قرآن].
مُخابرات [جمع]: مفرده مُخابرة: اتِّصالات لجمع الأخبار (مخابرات سرِّيّة).
* جهاز المخابرات: جهاز الاستخبارات، جهاز رسميّ يتولّى جمع الأخبار لصالح دولة معيّنة لحفظ أمنها، والكشف عمّا يعرِّض أمنها الداخليّ والخارجيّ للاضطرابات (*) إدارة المخابرات/دائرة المخابرات/قلم المخابرات: مركز لجمع المعلومات حمايةً لأمن الدولة.
مخابراتيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى مُخابرات: على غير قياس (تلقَّى دورة مخابراتيّة في إحدى الدول الكبرى).
2 - مصدر صناعيّ من مُخابرات: استخباراتية، معلوماتيّة.
مُخابرة [مفرد]:
1 - مصدر خابرَ (*) مخابرة تليفونيّة/مخابرة سريّة.
2 - [في القانون] أن يُعطي المالكُ الفلاحَ أرضًا يزرعها على بعض ما يخرج منها كالرّبع أو الثلث.
مِخْبار [مفرد]: جمعه مَخابيرُ:
1 - اسم آلة من خبَرَ.
2 - [في الكيمياء والصيدلة] إناء أسطوانيّ مدرّج على شكل أنبوب تقاس به حجوم السوائل والمحاليل في المعامل (مخبار مدرّج).
مَخْبَر [مفرد]: جمعه مَخابِرُ: اسم مكان من خبَرَ: مكان الفحص والمراقبة والتحرِّي وإجراء التجارب (يعمل هذا الشابُّ في مخبر كيميائيّ).
* مَخْبَر الشّخص: دخيلته وحقيقته، عكس مظهره أو منظره (مخبر شيطان في مظهر ملائكيّ- منظره خير من مخبره).
مُخْبِر [مفرد]:
1 - اسم فاعل من أخبرَ.
2 - من يقوم بمهمّة جمع المعلومات أو الأخبار لغرض معيَّن (استعانت الشرطة بالمخبرين في القبض على اللصوص) (*) مُخبر خاصّ: من يقدم خدمات لأفراد أو شركات- مُخبر صحفيّ: من يزوّد الصَّحيفةَ بالأخبار.
مِخْبَرَة [مفرد]: جمعه مَخابِرُ:
1 - اسم آلة من خبَرَ.
2 - [في الطبيعة والفيزياء] أداة تتركّب من موصل يُجعل عادة على شكل قرص صغير، له يد عازلة تُستخدم في اختبار الشُّحنات الكهربائيّة.
مُخْتَبَر [مفرد]:
1 - اسم مفعول من اختبرَ.
2 - اسم مكان من اختبرَ.
3 - [في الكيمياء والصيدلة] مَعْمَل، مكان مجهَّز تُجرى فيه التجاربُ العلميَّة والاختبارات والتحليلات الكيماويَّة وغيرها (مختبر الكيمياء/الفيزياء/اللغة/الفضاء- مختبر نوويّ).
مُخْتَبَرِيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى مُخْتَبَر: قائم على التجربة والاختبار في المعامل والمُختبرات (أبحاث/تحاليل مختبريّة).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-المعجم الوسيط (بَسَّ)
[بَسَّ] الرَّجُلُ-ُ بَسًّا: طَلَبَ وجَهَدَ.و: اتَّخذَ البَسِيسَة، ويقال: بَسَّها.
و- البسيسَةَ: صَنَعَها.
و- الشيءَ: فَتَّتَهُ.
وفي التنزيل العزيز: {وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5].
و- الشيءَ، وفيه: فرَّقه وأذهب منه شيئا.
ويقال: بَسَّتْ منه الأيامُ: نالت منه.
وفي حديث المُتعَة: «ومعي بُرْدَةُ قد بُسَّ منها» [حديث نبوي]: نِيلَ منها وبَلِيَتْ.
ويقال: بَسّ عليه عَقاربهُ: أرسل عليه نَمائِمَة وأذاهُ.
ويقال: بَسَّ له من يَتَخَيَّرُ خبرَه: دسَّ إِليه من يأَتيه بِخَبرِه.
و- الإبلَ، وبها: ساقَها سَوْقا َسَهْلا.
و- زجَرَها بقوله: بِسْ بِسْ.
و- بالناقةِ: صَوَّت لها متلطِّفا بقوله: بُسْ بُسْ (وكسر الباء)، لِتَسْكُنَ وتَدِرّ.
و- الرَّجُلَ: طَرَدَه و نَحَّاهُ.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
4-شمس العلوم (بَاثَّه)
الكلمة: بَاثَّه. الجذر: بثث. الوزن: الْمُفَاعَلَة.[بَاثَّه] بخبره: أي أَبثَّه إِيَّاه.
وأصل باثَّه: باثَثَهُ يُبَاثِثُه مُباثَثَةً، فهو مُبَاثِثٌ بإِظهار التضعيف، فأدغم.
وكذلك نحوه من المضاعف.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
5-شمس العلوم (التسامع)
الكلمة: التسامع. الجذر: سمع. الوزن: التَّفَاعُل.[التسامع]: تسامع بخبره الناسُ: أي شاع فيهم.
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
6-مرافعات قضائية (تعويض)
تعويض: تعويض -حادث مرور -خسائر مادية -تقديره على أساس الخبرة -تسبيب كاف -مطالبة بخبرة مضادة -سلطة تقديرية -نعم -رفضلا يجوز تعويض أي ضرر مادي مسبب لمركبة إذا لم تكن المركبة المتضررة موضوع خبرة مسبقة وعليه فإن قضاة الموضوع قرارهم بتحديد مبالغ التعويض على أساس الخبرة المنجزة من قبل الخبير المعين من شركة التأمين يعد تطبيقا سليما للقانون، وأن المطالبة بخبرة مضادة أمر يخضع لسلطتهم التقديرية.ومتى كان كذلك استوجب رفض الطعن
مرافعات قضائية
7-مرافعات قضائية (أمر قاضي التحقيق)
أمر قاضي التحقيق: أوامر قاضي التحقيق- خبرة- تأييدها- قصور في التعليل.إن غرفة الاتهام بتأييدها للأمر الصادر عن قاضي التحقيق المبني على خبرة غير نهائية، و دون مناقشة التهم و الأعباء و الأمر بخبرة ثانية طالما أن الأولى جاءت ناقصة قد تعرض قرارها للقصور في الأسباب ينجر عنه النقض.
مرافعات قضائية
8-مرافعات قضائية (مسؤولية طبية)
مسؤولية طبية: مسؤولية طبية –عناية فقط-لا-خبرة وجوبية -نعم."تسبيب القاضي المتمثل في استبعاد مسؤولية الطبيب على أساس بذل عناية وليس تحقيق نتيجة غير مقبول قانونا.
الاستعانة بخبرة فنية وجوبية.
مرافعات قضائية
9-التوقيف على مهمات التعاريف (الشهادة)
الشهادة: رؤية خبرة باطن الشيء ودخلته ممن له غنى في أمره فلا شهادة إلا بخبرة وغناء ممن له اعتدال في نفسه بأن لا يحيف على غيره، فيكون ميزان عدل، ذكره الحرالي. وقال بعضهم: الشهادة كالشهود الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة، وقد يقال للحضور منفردا. ومشاهد الحج مواطنه التي تحضرها الملائكة والأخيار من الناس. وقيل هو مواضع النسك والشهادة: إخبار عن عيان بلفظالتوقيف على مهمات التعاريف-زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري-توفي: 1031هـ/1622م
10-القاموس المحيط (النقع)
النَّقْعُ، كالمَنْعِ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وشَقُّ الجَيْبِ، والقَتْلُ، ونَحْرُ النَّقيعَةِ،كالإِنْقاعِ والانْتقاعِ، وصوْتُ النَّعامَةِ، وأَن تَجْمَعَ الرِّيقَ في فَمِكَ، والماءُ المُسْتَنْقِعُ، ج: أنْقُعٌ.
و" إِنَّهُ لَشَرَّابٌ بأنْقُعٍ": يُضْرَبُ لِمَنْ جَرَّبَ الأَمُورَ، أو للداهِي المُنْكَرِ، لأَنَّ الدَّليلَ إذا عَرَفَ الفَلَواتِ حَذَقَ سُلوكَ الطُّرُقِ إلى الأَنْقُعِ، والغُبارُ، ج: نِقاعٌ ونُقُوعٌ،
وع قُرْبَ مَكَّةَ، والأَرْضُ الحُرَّةُ الطينِ يَسْتَنْقِعُ فيها الماءُ، ج: كجِبالٍ وأجْبُلٍ، والقاعُ،
كالنَّقْعاءِ فيهما، ج: كجِبالٍ.
و"الرَّشْفُ أنْقَعُ، أي: أقْطَعُ للعَطَشِ: يُضْرَبُ في تَرْكِ العَجَلَةِ.
وسَمٌّ ناقِعٌ: بالغٌ
ثابِتٌ.
ودَمٌ ناقِعٌ: طَرِيٌّ.
وماءٌ ناقِعٌ ونَقِيعٌ: ناجِعٌ.
ونُقاعَةُ كُلِّ شيءٍ، بالضمِّ: الماءُ الذي يُنْقَعُ فيه.
وما نَقَعْتُ بخَبَرِهِ نُقُوعًا: لَم أُصَدِّقْهُ.
والنَّقْعاءُ: ع خَلْفَ المَدينَةِ،
وة لِبَنِي مالِكِ بنِ عَمْرٍو، وسَمَّى كُثَيِّرٌ مَرْجَ راهِطٍ نَقْعاءَ في قوله:
أبوكَ تَلاقَى يوْمَ نَقْعاءِ راهِطٍ
وكشَدادٍ: المُتَكَثِّرُ بما ليسَ عندَهُ من الفَضَائِلِ. وكصَبُورٍ: صِبْغٌ فيه من أفْواهِ الطِيبِ، ومن المياهِ: العذْبُ البارِدُ، أو الشَّروبُ،
كالنَّقيعِ، فيهما، وما يُنْقَعُ في الماءِ من الدَّواءِ والنَّبيذِ، وذلك الإِناءُ مِنْقَعٌ ومِنْقَعَةٌ، بكسرهما.
ومِنْقَعُ البُرَمِ أيضًا: وِعاءُ القِدْرِ. وكمُكْرَمٍ: الدَّنُّ، وفَضْلَةٌ في البِرَامِ، وتَوْرٌ صغيرٌ من حِجارَةٍ، أو النِّكْثُ تَغْزِلُهُ المرأةُ ثانِيَةً وتَجْعَلُهُ في البِرامِ، لأنه لا شيءَ لها غيرُها. وكمُكْرَمٍ، وشَدُّ قافِهِ غَلَطٌ: صَحابِيٌّ تَميمِيٌّ غيرُ مَنْسوبٍ، أو هو ابنُ الحُصَيْنِ ابنِ يَزِيدَ، والمُنْقَعُ بنُ مالِكٍ: ماتَ في حَياتِهِ، صلى الله عليه وسلم، وتَرَحَّمَ عليه. وكمِكْنَسَةٍ ومَرْحَلَةٍ، وهذه عن كُراعٍ، ومُنْخُلٍ بضَمَّتَيْنِ: بُرْمَةٌ صَغِيرَةٌ يُطْرَحُ فيها اللبَنُ والتَّمْرُ ويُطْعَمُه الصَّبيُّ. وكمَجْمَعٍ: البَحْرُ، والمَوْضِعُ يَسْتَنْقِعُ فيه الماءُ،
كالمَنْقَعَةِ، والرِيُّ من الماءِ.
ورجُلٌ نَقُوعُ أُذُنٍ: يُؤْمِنُ بكلِّ شيءٍ.
والنَّقِيعُ: البئْرُ الكَثيرَةُ الماءِ، ج: أنْقِعَةٌ، وشَرابٌ من زَبيبٍ، أو كلُّ ما يُنْقَعُ تَمْرًا أو زَبيبًا أو غيرَهُما،
وـ: المَحْضُ من اللَّبَنِ يُبَرَّدُ،
كالمُنْقَعِ، كمُكْرَمٍ، فيهما،
وـ: الحَوْضُ يُنْقَعُ فيه التَّمْرُ، والصُّراخُ،
وع بِجَنَباتِ الطائِفِ،
وع بِبلادِ مُزَيْنَةَ على لَيْلَتَيْنِ من المدينةِ، وهو نَقيعُ الخَضِماتِ الذي حَماهُ عُمَرُ أو مُتَغايِرانِ،
والرجُلُ ـ: أُمُّهُ من غيرِ قَوْمِه. وكسَفِينَةٍ: طَعامُ القادِمِ من سَفَرِه، وكلُّ جَزُورٍ جُزِرَتْ للضِيافَةِ،
ومنه: الناسُ نَقائعُ المَوْتِ، أي: يَجْزُرُهُم جَزْرَ الجَزَّارِ النَّقِيعَةَ، وطَعامُ الرَّجُلِ لَيْلَةَ يُمْلِكُ،
وع بين بِلادِ بَني سَليطٍ وضَبَّةَ.
والأُنْقُوعَةُ: وَقْبَةُ الثَّريدِ يكونُ فيها الوَدَكُ، وكلُّ مَكانٍ سالَ إليه الماءُ من مَثْعَبٍ ونحوِهِ.
وعَدْلٌ مَنْقَعٌ، كمقْعَدٍ، أي: مَقْنَعٌ. وأبو المَنْقَعَةِ الأَنْمارِيُّ: بَكْرُ بنُ الحَارِثِ، صَحابِيٌّ.
وسَمٌّ مُنْقَعٌ، كمُكْرَمٍ: مُرَبًّى.
ونَقَعَ الموتُ، كمَنَعَ: كثُرَ،
وـ فلانًا بالشَّتْمِ: شَتَمَهُ قَبيحًا،
وـ بالخَبَرِ والشَّرابِ: اشْتَفَى منه،
وـ الدَّواءَ في الماءِ: أقَرَّه فيه،
وـ الصارِخُ بصوتِه: تابَعَه،
كأَنْقَعَ، فيهما،
وـ الصوتُ: ارْتَفَعَ،
كاسْتَنْقَعَ.
وأنْقعَه الماءُ: أرْواهُ،
وـ الماءُ: اصْفَرَّ وتَغَيَّرَ،
كاسْتَنْقَعَ،
وـ له شَرًّا: خَبَأهُ،
وـ فلانا: ضَرَبَ أنْفَه بإصبعِه،
وـ المَيِّتَ: دَفَنَه،
وـ البيتَ: زَخْرَفَه، أو جَعَلَ أعْلاهُ أسْفَلَهُ،
وـ الجاريةَ: افْتَرَعَها.
وانْتُقِعَ لَوْنُه مَجْهولًا: تَغَيَّرَ.
واسْتَنْقَعَ في الغَدير: نَزَلَ واغْتَسَلَ، كأَنه ثَبَتَ فيه ليَتَبَرَّدَ،
والموضِعُ: مُسْتَنْقَعٌ،
وـ الماءُ في الغَديرِ: اجْتَمَعَ،
وـ رُوحُه: خَرَجَتْ، أو اجْتَمَعَتْ في فيه كما يَسْتَنْقِعُ الماءُ في مكانٍ.
واسْتُنْقِعَ لَوْنُه، مَجْهولًا: تَغَيَّرَ،
وـ الشيءُ في الماءِ: أُنْقِعَ.
والمُسْتَنْقِعُ من الضُّرُوعِ: الذي يَخْلُو إذا حُلِبَتْ، ويَمْتَلِئُ إذا حُفِّلَتْ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
11-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (خبر)
(خبر) - في حديث أَبِى هريرة، رضي الله عنه: "لا آكُلُ الخَبِيرَ".: أي الخُبزَ المأدومَ. والخُبرةُ: الإِدامُ، وقيل: هي الطَّعام من اللَّحم وغيره، وقيل: هي قَصعَة فيها لَحْم وخُبزٌ بين أربعةٍ وخَمْسَة، والجَفْنَة أَكبرُ من ذلك.
ويقال: اخْبُر طَعامَك: أي دَسِّمْه يقال: أَتانَا بخُبْرة بلا خُبْزة، من الخُبْز، أو هِى الأَرضُ السَّهلة.
وروى: "لا آكُلُ الخَمِير".
- في الحديث: "فدفَعْننَا في خَبارٍ ".
الخَبَار: الأَرضُ الَّليِّنة، وأنشد:
« والخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عوابِسًا »
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
12-معجم النحو (الضمير وعوده على متأخر لفظا ورتبة)
الضّمير وعوده على متأخّر لفظا ورتبة: الأصل ألّا يعود الضّمير على متأخّر لفظا ورتبة، وقد يعود، وذلك إذا كان الضمير مبهما محتاجا إلى تفسير وذلك:(1) ببدله نحو «أكرمته ضيفي».
(2) بتمييزه وذلك في باب «نعم رجلا» و «ربّه رجلا».
(3) بخبره المفرد نحو {إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا}.
(4) بخبره الجملة وهو ضمير الشّأن والقصّة، ويجوز فيه التأنيث والتذكير، ويكون مستترا في باب «كاد» نحو {مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} وبارزا متصلا في باب «إنّ» نحو {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} وبارزا منفصلا إذا كان عامله معنويّا نحو {هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ويجب حذفه مع «أن» المفتوحة المخفّفة نحو {وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي إنه، وأمّا المتّصل بالفاعل المتقدّم المفسر بالمفعول المتأخّر، فالصّحيح قصره على السماع نحو:
«كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد***ورقّى نداه ذا النّدى في ذرى المجد»
معجم النحو-عبدالغني الدقر-صدر: 1395هـ/1975م
13-المعجم المفصّل في الإعراب (ظل)
ظلّ ـتأتي:
1 ـ فعلا ماضيا ناقصا، يدخل على الجملة الاسميّة، فيرفع المبتدأ اسما له وينصب الخبر خبرا له، ويفيد اتّصاف اسمه بخبره وقت الظلّ أي: وقت النهار، نحو: «ظلّ خالد يحرث الأرض طوال نهاره» («ظلّ»: فعل ماض ناقص مبنيّ على الفتحة الظاهرة. «خالد»: اسم «ظلّ» مرفوع بالضمّة الظاهرة. «يحرث»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو. وجملة «يحرث» في محلّ نصب خبر «ظلّ». «الأرض»: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة).
وقد تأتي «ظلّ» بمعنى «صار» فلا تفيد وقتا محددا، وتبقى عاملة في رفع المبتدأ ونصب الخبر، نحو ما جاء في قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ}.
(«ظلّت»: فعل ماض ناقص مبنيّ على الفتح والتاء للتّأنيث. «أعناقهم»: اسم «ظلّ» مرفوع بالضمّة الظاهرة. وهو مضاف. و «هم»: ضمير متصل مبنيّ على السكون في محلّ جرّ بالإضافة. «لها»: اللّام حرف جرّ مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب. و «ها» ضمير متّصل مبنيّ على السكون في محلّ جرّ بحرف الجر. «خاضعين»: خبر «ظلّ» منصوب بالياء لأنّه جمع مذكّر سالم). و «ظل» فعل تام التصرّف، إذ يستعمل ماضيا ومضارعا وأمرا ومصدرا واسم فاعل واسم مفعول.
2 ـ فعلا تامّا، إذا جاءت بمعنى: دام أو استمرّ، نحو: «ظلّ الهدوء» («ظلّ»: فعل ماض مبنيّ على الفتحة الظاهرة. «الهدوء»: فاعل «ظلّ» مرفوع بالضمّة الظاهرة على آخره).
ملحوظة: يمكن أن يتّصل بـ «ظلّ» ضمير الرفع المتحرّك فنقول: ظللنا، وظللت.
المعجم المفصّل في الإعراب-طاهر يوسف الخطيب-صدر: 1412هـ/1991م
14-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (فائدة الخبر)
فائدة الخبر:الفائدة: ما أفاد الله تعالى العبد من خير يستفيده ويستحدثه، والفائدة: ما استفدت من علم أو مال، أفدت المال أي اعطيته غيري وأفدته: استفدته.
فائدة الخبر هو الغرض الأساسيّ من إلقاء أسلوب الخبر، وذلك أنّ قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب نفس الحكم. مثل: «زيد قائم» لمن لا يعلم أنّه قائم.
وهذا هو الأصل في الخبر إلّا إذا أريد به لازم الفائدة أو خرج الى غرض مجازيّ.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
15-موسوعة الفقه الكويتية (تقليد 1)
تَقْلِيدٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- التَّقْلِيدُ لُغَةً: مَصْدَرُ قَلَّدَ، أَيْ جَعَلَ الشَّيْءَ فِي عُنُقِ غَيْرِهِ مَعَ الْإِحَاطَةِ بِهِ.
وَتَقُولُ: قَلَّدْتُ الْجَارِيَةَ: إِذَا جَعَلْتَ فِي عُنُقِهَا الْقِلَادَةَ، فَتَقَلَّدَتْهَا هِيَ، وَقَلَّدْتُ الرَّجُلَ السَّيْفَ فَتَقَلَّدَهُ: إِذَا جَعَلَ حَمَائِلَهُ فِي عُنُقِهِ.وَأَصْلُ الْقَلْدِ، كَمَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، لَيُّ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ، نَحْوُ لَيُّ الْحَدِيدَةِ الدَّقِيقَةِ عَلَى مِثْلِهَا، وَمِنْهُ: سِوَارٌ مَقْلُودٌ.
وَفِي التَّهْذِيبِ: تَقْلِيدُ الْبَدَنَةِ أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِهَا عُرْوَةُ مَزَادَةٍ، أَوْ حِلَقُ نَعْلٍ، فَيُعْلَمُ أَنَّهَا هَدْيٌ.وَقَلَّدَ فُلَانًا الْأَمْرَ إِيَّاهُ.وَمِنْهُ تَقْلِيدُ الْوُلَاةِ الْأَعْمَالَ.
وَيُسْتَعْمَلُ التَّقْلِيدُ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ بِمَعْنَى الْمُحَاكَاةِ فِي الْفِعْلِ، وَبِمَعْنَى التَّزْيِيفِ، أَيْ صِنَاعَةِ شَيْءٍ طِبْقًا لِلْأَصْلِ الْمُقَلَّدِ.وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّقْلِيدِ لِلْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ يَفْعَلُ مِثْلَ فِعْلِ الْمُقَلَّدِ دُونَ أَنْ يَدْرِيَ وَجْهَهُ.وَالْأَمْرُ التَّقْلِيدِيُّ مَا يُفْعَلُ اتِّبَاعًا لِمَا كَانَ قَبْلُ، لَا بِنَاءً عَلَى فِكْرِ الْفَاعِلِ نَفْسِهِ، وَخِلَافُهُ الْأَمْرُ الْمُبْتَدَعُ.
وَيَرِدُ التَّقْلِيدُ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ بِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ:
أَوَّلُهَا: تَقْلِيدُ الْوَالِي أَوِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا، أَيْ تَوْلِيَتُهُمَا الْعَمَلَ، وَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَوْلِيَةٌ).
ثَانِيهَا: تَقْلِيدُ الْهَدْيِ بِجَعْلِ شَيْءٍ فِي رَقَبَتِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ.
ثَالِثُهَا: تَقْلِيدُ التَّمَائِمِ وَنَحْوِهَا.
رَابِعُهَا: التَّقْلِيدُ فِي الدِّينِ وَهُوَ الْأَخْذُ فِيهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ.أَوْ هُوَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْإِشْعَارُ:
2- الْإِشْعَارُ حَزُّ سَنَامِ الْبَدَنَةِ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهَا الدَّمُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ لِلْكَعْبَةِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا أَحَدٌ.
أَحْكَامُ التَّقْلِيدِ:
أَوَّلًا- تَقْلِيدُ الْهَدْيِ:
3- الْهَدْيُ مَا يُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْحَجِّ لِيُذْبَحَ بِمَكَّةَ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.وَتَقْلِيدُ الْبَهِيمَةِ أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا هَدِيَّةٌ إِلَى الْبَيْتِ، فَيُتْرَكُ التَّعَرُّضُ لَهَا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ تَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ وَمَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ.وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَالشَّعَائِرُ: جَمْعُ شَعِيرَةٍ وَهِيَ الْبَدَنَةُ تُهْدَى إِلَى الْبَيْتِ، وَإِشْعَارُهَا أَنْ يُحَزَّ سَنَامُهَا لِيَسِيلَ مِنْهَا الدَّمُ فَيُعْلَمُ أَنَّهَا هَدْيٌ.وَالْقَلَائِدُ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا: مَا كَانَ النَّاسُ يَتَقَلَّدُونَهُ أَمَنَةً لَهُمْ.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ.وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَلَائِدِ: مَا يُعَلَّقُ عَلَى أَسْنِمَةِ الْهَدَايَا وَأَعْنَاقِهَا عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى، مِنْ نَعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ.وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أَيْ جَعَلَ الْمَذْكُورَاتِ صَلَاحًا وَمَعَاشًا يَأْمَنُ النَّاسُ فِيهَا وَبِهَا.وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: عَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي قُلُوبِهِمُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ هَيْبَتَهُ، وَعَظَّمَ بَيْنَهُمْ حُرْمَتَهُ، فَكَانَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مَعْصُومًا بِهِ، وَكَانَ مَنِ اضْطُهِدَ مَحْمِيًّا بِالْكَوْنِ فِيهِ.وَكَذَلِكَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ.ثُمَّ قَالَ: وَشَرَعَ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ الْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ، فَكَانُوا إِذَا أَخَذُوا بَعِيرًا أَشْعَرُوهُ دَمًا أَوْ عَلَّقُوا عَلَيْهِ نَعْلًا، أَوْ فَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِنَ التَّقْلِيدِ، لَمْ يُرَوِّعْهُ أَحَدٌ حَيْثُ لَقِيَهُ، وَكَانَ الْفَيْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ طَلَبَهُ وَظَلَمَهُ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ.وَيُذْكَرُ مِنْ حِكْمَةِ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ أَيْضًا أَنْ يَعْلَمَ الْمَسَاكِينُ بِالْهَدْيِ، فَيَجْتَمِعُوا لَهُ، وَإِذَا عَطِبَتِ الْهَدِيَّةُ الَّتِي سِيقَتْ إِلَى الْبَيْتِ تُنْحَرُ، ثُمَّ «تُلْقَى قِلَادَتُهَا فِي دَمِهَا» كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى كَوْنِهَا هَدْيًا يُبَاحُ أَكْلُهُ لِمَنْ شَاءَ.
حُكْمُ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ:
4- تَقْلِيدُ الْهَدْيِ كَانَ مُتَّبَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهِيَ سُنَّةٌ إِبْرَاهِيمِيَّةٌ بَقِيَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَقَرَّهَا الْإِسْلَامُ.وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» فَتَقْلِيدُ الْهَدْيِ سُنَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ.وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ تَرَكَ الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ التَّقْلِيدِ عَلَى الْإِشْعَارِ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُفْعَلُ كَذَلِكَ خَوْفًا مِنْ نِفَارِهَا لَوْ أُشْعِرَتْ أَوْ لَا.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ، وَمَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ تَقْدِيمُ الْإِشْعَارِ.
مَا يُقَلَّدُ مِنَ الْهَدْيِ وَمَا لَا يُقَلَّدُ:
5- لَا خِلَافَ فِي أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ إِنْ كَانَ مِنَ الْإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ.أَمَّا الْغَنَمُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَقْلِيدِهَا، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تُقَلَّدُ، وَلَيْسَ تَقْلِيدُهَا سُنَّةً، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْلِيدِهَا، إِذْ فَائِدَةُ التَّقْلِيدِ عَدَمُ ضَيَاعِ الْهَدْيِ، وَالْغَنَمُ لَا تُتْرَكُ بَلْ يَكُونُ مَعَهَا صَاحِبُهَا.قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ، وَنَصُّهُ، قَالَتْ: «أَهْدَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مَرَّةً إِلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا» أَوْ بَلَغَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ لِانْفِرَادِ الْأَسْوَدِ بِهِ عَنْ عَائِشَةَ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا أَيْضًا، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّهَا هَدْيٌ فَتُقَلَّدُ، كَالْإِبِلِ.وَيَنُصُّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ كُلُّ أَنْوَاعِ الْهَدْيِ تُقَلَّدُ، بَلْ يُقَلَّدُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَهَدْيُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إِظْهَارُهُ وَتَشْهِيرُهُ فَيَلِيقُ بِهِ.وَلَمْ نَجِدْ هَذَا التَّفْصِيلَ لِغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ.وَلَا يُقَلَّدُ دَمُ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ سَتْرَهَا أَلْيَقُ، وَيُلْحَقُ بِهَا دَمُ الْإِحْصَارِ، لِأَنَّهَا دَمٌ يُجْبَرُ بِهِ النَّقْصُ.
مَا يُقَلَّدُ بِهِ، وَكَيْفِيَّةُ التَّقْلِيدِ:
6- يَكُونُ التَّقْلِيدُ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي أَعْنَاقِ الْهَدَايَا النِّعَالُ، أَوْ آذَانُ الْقِرَبِ وَعُرَاهَا، أَوْ عِلَاقَةُ إِدَاوَةٍ، أَوْ لِحَاءُ شَجَرَةٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا «كَانَتْ تَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ عِهْنٍ» وَالْعِهْنُ: الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، قَالَ: ارْكَبْهَا.قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُسَايِرُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا».وَفِيهِ أَنَّهُ «قَلَّدَ بُدْنَهُ بِيَدِهِ» وَفِي التَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ (يُقَلِّدُ بِمَا شَاءَ.وَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَقْلِيدَ الْأَوْتَارِ) أَيْ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي النَّهْيِ عَنْهُ، وَنَصُّهُ «قَلِّدُوا الْخَيْلَ وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ».
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: كَيْفِيَّةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَفْتِلَ خَيْطًا مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ وَيَرْبِطَ بِهِ نَعْلًا أَوْ عُرْوَةَ مَزَادَةٍ، وَهِيَ السُّفْرَةُ مِنْ جِلْدٍ، أَوْ لِحَاءِ شَجَرَةٍ أَيْ قِشْرَهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ هَدْيٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يَكُونُ تَقْلِيدُهَا وَهِيَ مُسْتَقْبِلَةَ الْقِبْلَةِ، وَيُقَلِّدُ الْبَدَنَةَ وَهِيَ بَارِكَةٌ.وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا قَلَّدَ نَعْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا قِيمَةٌ لِيَتَصَدَّقَ بِهِمَا.
تَقْلِيدُ الْهَدْيِ هَلْ يَكُونُ بِهِ الْإِنْسَانُ مُحْرِمًا؟:
7- لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ إِلاَّ بِنِيَّةِ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ.وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ تَلْبِيَةٌ أَوْ ذِكْرٌ مُعَيَّنٌ أَوْ خُصُوصِيَّةٌ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْإِحْرَامِ كَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ.وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ).
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ لِيَكُونَ الرَّجُلُ مُحْرِمًا عِنْدَهُمْ، مَعَ نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ خُصُوصِيَّةٍ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْإِحْرَامِ.وَالْخُصُوصِيَّاتُ مِنْهَا: أَنْ يُشْعِرَ بُدْنَهُ، أَوْ يُقَلِّدَهَا، تَطَوُّعًا، أَوْ نَذْرًا، أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَيَتَوَجَّهُ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ.فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْرَمَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَلْبِيَةٌ.
قَالُوا: لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَلَّدَ بُدْنَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ».
وَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ فِي إِظْهَارِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إِلاَّ مُرِيدُ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، وَإِظْهَارُ الْإِجَابَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ، فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِفِعْلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ.وَلَوْ قَلَّدَ هَدْيًا دُونَ أَنْ يَنْوِيَ، أَوْ دُونَ أَنْ يَسُوقَهُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْبَيْتِ، فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا.وَلَوْ قَلَّدَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ وَلَمْ يَسُقْهُ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَيَبْعَثُ بِهِ ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا» قَالُوا: ثُمَّ إِنْ تَوَجَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَ الْهَدْيَ، لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّوَجُّهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إِلاَّ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ، فَلَا يَصِيرُ بِهَا مُحْرِمًا، إِلاَّ هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحْرِمًا بِتَقْلِيدِهِ وَبِالتَّوَجُّهِ وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ الَّذِي بَعَثَهُ أَمَامَهُ.هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ الَّذِي قَلَّدَهُ وَسَاقَهُ مِنَ الْغَنَمِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحْرِمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَنَمَ لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ. تَعَيُّنُ الْهَدْيِ وَلُزُومُهُ بِالتَّقْلِيدِ:
8- يَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ بِالنِّيَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِهْدَاؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ.قَالَ الدَّرْدِيرُ: يَجِبُ إِنْفَاذُ مَا قَلَّدَ مَعِيبًا لِوُجُوبِهِ بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ لَمْ يُجْزِهِ.أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ بِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ نَذْرٍ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مَا قُلِّدَ مِنَ الْهَدْيِ يُبَاعُ فِي الدُّيُونِ السَّابِقَةِ مَا لَمْ يُذْبَحْ، وَلَا يُبَاعُ فِي الدُّيُونِ اللاَّحِقَةِ.قَالُوا: وَلَوْ وُجِدَ الْهَدْيُ الْمَسْرُوقُ أَوِ الضَّالُّ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ نَحَرَ الْمَوْجُودَ أَيْضًا إِنْ قُلِّدَ، لِتَعَيُّنِهِ بِالتَّقْلِيدِ.وَإِنْ وُجِدَ الضَّالُّ قَبْلَ نَحْرِ الْبَدَلِ نَحَرَهُمَا مَعًا إِنْ قَلِّدَا لِتَعَيُّنِهِمَا بِالتَّقْلِيدِ.وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُقَلَّدَيْنِ أَوْ كَانَ الْمُقَلَّدُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، يَتَعَيَّنُ الْمُقَلَّدُ.وَجَازَ بَيْعُ الْآخَرِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ.
وَيَنُصُّ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ يَجِبُ بِهِ ذَلِكَ الْهَدْيُ، إِذَا نَوَى أَنَّهُ هَدْيٌ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ إِنَّهُ هَدْيٌ، فَيَتَعَيَّنُ بِذَلِكَ وَيَصِيرُ وَاجِبًا مُعَيَّنًا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِعَيْنِهِ دُونَ ذِمَّةِ صَاحِبِهِ.وَحُكْمُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ كَالْوَدِيعَةِ يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ وَإِيصَالُهُ إِلَى مَحَلِّهِ، فَإِنْ تَلِفَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَلَّ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيُصَرِّحُونَ بِأَنَّ تَقْلِيدَ الرَّجُلِ نَعَمَهُ وَإِشْعَارَهَا لَا يَكُونُ بِهِ النَّعَمُ هَدْيًا، وَلَوْ نَوَاهُ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِذَلِكَ، عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، كَمَا لَوْ كَتَبَ الْوَقْفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ.
ثَانِيًا: تَقْلِيدُ التَّمَائِمِ وَمَا يُتَعَوَّذُ بِهِ:
9- الْمُرَادُ بِتَقْلِيدِ التَّمَائِمِ وَالتَّعْوِيذَاتِ جَعْلُهَا فِي عُنُقِ الصَّبِيِّ أَوِ الصَّبِيَّةِ أَوِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا.كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَجْلِبُ الْخَيْرَ أَوْ تَدْفَعُ الْأَذَى وَالْعَيْنَ.وَيُنْظَرُ حُكْمُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَعْوِيذَةٌ).
ثَالِثًا: تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ:
10- التَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، كَأَخْذِ الْعَامِّيِّ مِنَ الْمُجْتَهِدِ فَالرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَيْسَ تَقْلِيدًا، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْإِجْمَاعِ لَيْسَ تَقْلِيدًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ إِلَى مَا هُوَ الْحُجَّةُ فِي نَفْسِهِ. حُكْمُ التَّقْلِيدِ:
11- أَهْلُ التَّقْلِيدِ لَيْسُوا طَبَقَةً مِنْ طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ، فَالْمُقَلِّدُ لَيْسَ فَقِيهًا، فَإِنَّ الْفِقْهَ مَمْدُوحٌ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالتَّقْلِيدُ مَذْمُومٌ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعٌ مِنَ التَّقْصِيرِ.
أ- حُكْمُ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقَائِدِ:
12- التَّقْلِيدُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْعَقَائِدِ، كَوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَوُجُوبِ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَمَعْرِفَةِ صِدْقِ رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم- فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْعِلْمِ وَإِلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَمَعْرِفَةِ أَدِلَّةِ ذَلِكَ.وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ فِي الْعَقِيدَةِ بِمِثْلِ قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} وَلَمَّا نَزَلَ قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُِولِي الْأَلْبَابِ} قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ.وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا».
وَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ فِي ذَلِكَ يَجُوزُ الْخَطَأُ عَلَى مُقَلَّدِهِ، وَيَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي إِخْبَارِهِ، وَلَا يَكْفِي التَّعْوِيلُ فِي ذَلِكَ عَلَى سُكُونِ النَّفْسِ إِلَى صِدْقِ الْمُقَلَّدِ، إِذْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سُكُونِ أَنْفُسِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَلَّدُوا أَسْلَافَهُمْ وَسَكَنَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ، فَعَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّقْلِيدِ فِي الْعَقَائِدِ، وَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى الظَّاهِرِيَّةِ.
ثُمَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُلْحَقُ بِالْعَقَائِدِ فِي هَذَا الْأَمْرِ كُلُّ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَلَا تَقْلِيدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ يَحْصُلُ بِالتَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْأَخْذُ بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ.
ب- حُكْمُ التَّقْلِيدِ فِي الْفُرُوعِ:
13- اخْتُلِفَ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى رَأْيَيْنِ:
الْأَوَّلُ: جَوَازُ التَّقْلِيدِ فِيهَا وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ قَالُوا: لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِيهَا إِمَّا مُصِيبٌ وَإِمَّا مُخْطِئٌ مُثَابٌ غَيْرُ آثِمٍ، فَجَازَ التَّقْلِيدُ فِيهَا، بَلْ وَجَبَ عَلَى الْعَامِّيِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْعَمَلِ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا خَفَاءٌ يُحْوِجُ إِلَى النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَتَكْلِيفُ الْعَوَّامِ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ يُؤَدِّي إِلَى انْقِطَاعِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَتَعْطِيلِ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ، فَيُؤَدِّي إِلَى الْخَرَابِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ- رضي الله عنهم- كَانَ يُفْتِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيُفْتُونَ غَيْرَهُمْ، وَلَا يَأْمُرُونَهُمْ بِنَيْلِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ.وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ فِي قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
الثَّانِي: إِنَّ التَّقْلِيدَ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ.قَالَ بِذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَالشَّوْكَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} وَقَوْلِهِ {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَدْ نَهَوْا عَنْ تَقْلِيدِهِمْ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَاهُ.وَقَالَ الْمُزَنِيُّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ: اخْتَصَرْتُ هَذَا مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ مَعَ إِعْلَامِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيُنْظَرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تُقَلِّدْنِي، وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ، وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا.
وَفِي بَعْضِ كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ أَنَّ التَّقْلِيدَ الَّذِي يَرَى امْتِنَاعَهُ هُوَ (اتِّخَاذُ أَقْوَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ نُصُوصِ الشَّارِعِ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلٍ سِوَاهُ، بَلْ لَا إِلَى نُصُوصِ الشَّارِعِ، إِلاَّ إِذَا وَافَقَتْ نُصُوصَ قَوْلِهِ.قَالَ فَهَذَا هُوَ التَّقْلِيدُ الَّذِي أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْأُمَّةِ إِلاَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ).
وَأَثْبَتَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالشَّوْكَانِيُّ فَوْقَ التَّقْلِيدِ مَرْتَبَةً أَقَلَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ، هِيَ مَرْتَبَةُ الِاتِّبَاعِ، وَحَقِيقَتُهَا الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ، عَلَى حَدِّ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَقَالَتَنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا).غَيْرَ أَنَّ التَّقْلِيدَ يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.وَمِنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَظْفَرِ الْعَالِمُ بِنَصٍّ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ قَوْلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، فَيُقَلِّدُهُ.أَمَّا التَّقْلِيدُ الْمُحَرَّمُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَعْدِلُ إِلَى التَّقْلِيدِ، فَهُوَ كَمَنْ يَعْدِلُ إِلَى الْمَيْتَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُذَكَّى.
وَالتَّقْلِيدُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ، أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَجِدِ الْوَقْتَ لِذَلِكَ، فَهِيَ حَالُ ضَرُورَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ.وَقَدْ أَفْتَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ: إِذَا سُئِلْتُ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا خَبَرًا أَفْتَيْتُ فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ إِمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا، فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأَُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا».
شُرُوطُ مَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ:
14- لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَسْتَفْتِيَ إِلاَّ مَنْ يَعْرِفُهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ، أَمَّا مَنْ عَرَفَهُ بِالْجَهْلِ فَلَا يَسْأَلُهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَا يَسْأَلُ مَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ.وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِمَا يَرَاهُ مِنَ انْتِصَابِهِ لِلْفُتْيَا وَأَخْذِ النَّاسِ عَنْهُ بِمَشْهَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَا يَلْمَحُهُ فِيهِ مِنْ سِمَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالسَّتْرِ، أَوْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ.قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى إِلاَّ مَنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ.
أَمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ فِي الْعِلْمِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إِذْ قَدْ يَكُونُ أَجْهَلَ مِنَ السَّائِلِ.
وَأَمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ فِي الْعَدَالَةِ فَقَدْ قِيلَ: لَا بُدَّ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ مِنْ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ كَذِبَهُ وَتَدْلِيسَهُ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُلَمَاءِ الْعَدَالَةُ.
وَلَا يُقَلِّدُ مُتَسَاهِلًا فِي الْفُتْيَا، وَلَا مَنْ يَبْتَغِي الْحِيَلَ الْمُحَرَّمَةَ، وَلَا مَنْ يَذْهَبُ إِلَى الْأَقْوَالِ الشَّاذَّةِ الَّتِي يُنْكِرُهَا الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ:
15- تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ هُوَ الْعَامِّيُّ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ الْقَادِرِينَ عَلَى الِاجْتِهَادِ.وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ إِذَا اسْتَشْعَرَ الْفَوَاتَ لَوِ اشْتَغَلَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ، فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا.
فَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ لَوْ أَرَادَ التَّقْلِيدَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَإِمْكَانِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ.وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ. وَدَلِيلُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يُضَاهِي النَّصَّ، فَلَا يَعْدِلُ عَنِ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ إِمْكَانِهِ، كَمَا لَا يَعْدِلُ عَنِ النَّصِّ إِلَى الْقِيَاسِ.أَمَّا إِنِ اجْتَهَدَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلِاجْتِهَادِ، فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَصِيرَ إِلَى الْعَمَلِ أَوِ الْإِفْتَاءِ بِقَوْلِ غَيْرِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَ صَاحِبُ مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ: «إِجْمَاعًا» أَيْ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ مَا عَلِمَهُ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَتْرُكُهُ لِقَوْلِ أَحَدٍ.وَلَكِنْ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُجْتَهِدَ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ نَفَذَ حُكْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةٍ، وَلَمْ يَنْفُذْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَلَا عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِتَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ أَنْ يُقَلِّدَ فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهِ، فَيَكُونُ مُجْتَهِدًا فِي الْبَعْضِ مُقَلِّدًا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَلَكِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مَا دَامَ عَالِمًا فَلَا يُقَلِّدُ إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الصِّحَّةِ، بِأَنْ يُظْهِرَهُ لَهُ الْمُجْتَهِدُ الْآخَرُ.
وَأَيْضًا قَدْ يُقَلِّدُ الْعَالِمَ فِي الثُّبُوتِ، كَمَنْ قَلَّدَ الْبُخَارِيَّ فِي تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ يَجْتَهِدُ فِي الدَّلَالَةِ أَوِ الْقِيَاسِ أَوْ دَفْعِ التَّعَارُضِ بِنَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِ.
تَعَدُّدُ الْمُفْتِينَ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى الْمُقَلِّدِ:
16- إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إِلاَّ مُفْتٍ وَاحِدٌ وَجَبَ عَلَى الْمُقَلِّدِ مُرَاجَعَتُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا أَفْتَاهُ بِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ.وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُفْتُونَ وَكُلُّهُمْ أَهْلٌ، فَلِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَلَا يَلْزَمُهُ مُرَاجَعَةُ الْأَعْلَمِ، وَذَلِكَ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْعَوَامَّ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَسْأَلُونَ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ، وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَى أَحَدٍ فِي سُؤَالِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.فَلَا يَلْزَمُ إِلاَّ مُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ.
لَكِنْ إِذَا تَنَاقَضَ قَوْلُ عَالِمَيْنِ، فَأَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ.فَوَاجِبُهُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْمُقَلَّدِينَ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ.قَالَ صَاحِبُ مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى: يَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إِجْمَاعًا.وَهَذَا لِأَنَّ الْغَلَطَ عَلَى الْأَعْلَمِ أَبْعَدُ وَمِنَ الْأَقَلِّ عِلْمًا أَقْرَبُ.وَلَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ مَا شَاءَ وَيَتْرُكُ مَا شَاءَ، وَخَاصَّةً إِذَا تَتَبَّعَ الرُّخَصَ لِيَأْخُذَ بِمَا يَهْوَاهُ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي.وَذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ وَاجِبُهُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ لَهُ التَّخَيُّرُ مِنْهَا اتِّفَاقًا.وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا التَّخَيُّرَ- وَهُمْ قِلَّةٌ- إِنَّمَا أَجَازُوهُ عِنْدَ عَدَمِ إِمْكَانِ التَّرْجِيحِ.وَيُنْظَرُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ، إِذْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ.
تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ:
17- قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: اخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّقْلِيدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَلْزَمُهُ، وَاخْتَارَهُ إِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ.وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَالنَّوَوِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ- رضي الله عنهم- لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى الْعَامَّةِ تَقْلِيدَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَبَعْضِهِمْ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ.وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُقَلِّدُونَ مَنْ شَاءُوا قَبْلَ ظُهُورِ الْمَذَاهِبِ.وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ، إِلاَّ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ.قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ، وَلَا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ عَنْهُ بِتَقْلِيدٍ سَائِغٍ، أَيْ بِتَقْلِيدِ عَالِمٍ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَفْتَاهُ.
أَثَرُ الْعَمَلِ بِالتَّقْلِيدِ الصَّحِيحِ:
18- مَنْ عَمِلَ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ فَلَا إِنْكَارَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا إِنْكَارَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ.وَدَعْوَى الْحِسْبَةِ أَيْضًا لَا تَدْخُلُ فِيهَا، وَلِذَلِكَ فَلَا يَمْنَعُهُ الْحَاكِمُ مَا فَعَلَ.وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا ضَرَرُهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقَلِّدِ نَفْسِهِ، كَمَنْ مَسَّ فَرْجَهُ ثُمَّ صَلَّى دُونَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي فِعْلِهِ ضَرَرٌ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحَاكِمَ أَوِ الْمُحْتَسِبَ إِنْ كَانَ يَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ مَعْنَى عَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ تَرْكَ الْبَيَانِ لَهُ مِنْ عَالِمٍ يَرَى مَرْجُوحِيَّةَ فِعْلِهِ، وَكَانَ الْبَيَانُ دَأْبَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا يَزَالُ، فَضْلًا عَنِ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.وَقَدْ يُخَطِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَخَاصَّةً مَنْ خَالَفَ نَصًّا صَحِيحًا سَالِمًا مِنَ الْمُعَارَضَةِ.وَهَذَا وَاضِحٌ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُمُ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ.إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ يَكُونُ مَعَ تَمْهِيدِ الْعُذْرِ لِلْمُخَالِفِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحِفْظِ رُتْبَتِهِ وَإِقَامَةِ هَيْبَتِهِ.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.وَأَيْضًا لَا تَمْنَعُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى مُقَلِّدٍ رُفِعَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ بِمَا يَرَاهُ طِبْقًا لِاجْتِهَادِهِ، إِذْ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ
إِفْتَاءُ الْمُقَلِّدِ:
19- يُشْتَرَطُ فِي الْمُفْتِي عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ شَرْطَ صِحَّةٍ وَلَكِنَّهُ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ، تَسْهِيلًا عَلَى النَّاسِ.
وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ إِفْتَاءَ الْمُقَلِّدِ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِ وُجُودِ الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ- مِنَ الْحَنَابِلَةِ- بِالضَّرُورَةِ.وَنَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ اشْتِرَاطَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي أَهْلًا لِلنَّظَرِ مُطَّلِعًا عَلَى مَأْخَذِ مَا يُفْتِي بِهِ وَإِلاَّ فَلَا يَجُوزُ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا سَمِعَ إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفْتِيًا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْبِرٌ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ مَعْمُولًا بِخَبَرِهِ لَا بِفُتْيَاهُ.وَصَحَّحَ الشَّوْكَانِيُّ أَنَّ مَا يُلْقِيهِ الْمُقَلِّدُ عَنْ مُقَلَّدِهِ إِلَى الْمُسْتَفْتِي لَيْسَ مِنَ الْفُتْيَا فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ نَقْلِ قَوْلٍ.قَالَ: الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُقَلِّدَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ، أَوْ عَنِ الْحَقِّ، أَوْ عَمَّا يَحِلُّ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يَدْرِي بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، بَلْ لَا يَعْرِفُهَا إِلاَّ الْمُجْتَهِدُ.وَهَذَا إِنْ سَأَلَهُ السَّائِلُ سُؤَالًا مُطْلَقًا.وَأَمَّا إِنْ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ قَوْلِ فُلَانٍ وَرَأْيِ فُلَانٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْقُلَ إِلَيْهِ ذَلِكَ وَيَرْوِيهِ لَهُ إِنْ كَانَ عَارِفًا بِمَذْهَبِهِ.
وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الْحَلِيمِيِّ وَالرُّويَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُذَكِّرَهُ فِي صُورَةِ مَا يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، بَلْ يُضَيِّفُهُ وَيَحْكِيهِ عَنْ إِمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ.قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: فَعَلَى هَذَا مَنْ عَدَدْنَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمُفْتِينَ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ لَيْسُوا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنَ الْمُفْتِينَ، وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَهُمْ وَأَدَّوْا عَنْهُمْ. هَلِ الْمُقَلِّدُ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ؟
20- يَرَى جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يُعْتَبَرُ فَقِيهًا، وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ رَأْيَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، إِذِ الْجَامِعُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هُوَ الرَّأْيُ، وَلَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ رَأْيٌ إِذْ رَأْيُهُ هُوَ عَنْ رَأْيِ إِمَامِهِ.وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَى أَسَاسِ قَاعِدَةِ جَوَازِ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ، يُعْتَدُّ بِالْمُقَلِّدِ فِي الْإِجْمَاعِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْتَهِدُ فِيهَا.
قَضَاءُ الْمُقَلِّدِ:
21- يَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا.وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وقوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وَفَاقِدُ الِاجْتِهَادِ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ وَلَا يَعْرِفُ الرَّدَّ إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَيَحْكُمَ بِقَوْلِ سِوَاهُ، سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيهِ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ، وَسَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَمْ يَضِقْ.وَقَالَ سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا، لِئَلاَّ تَتَعَطَّلَ أَحْكَامُ النَّاسِ، وَعَلَّلَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ غَرَضَ الْقَضَاءِ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ فَإِذَا تَحَقَّقَ بِالتَّقْلِيدِ جَازَ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ تَعَذَّرَ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ جَازَ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَتَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ بِأَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يُوَلِّيَهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ، بِخِلَافِ نَائِبِ السُّلْطَانِ، كَالْقَاضِي الْأَكْبَرِ، فَلَا تُعْتَبَرُ تَوْلِيَتُهُ لِقَاضٍ مُقَلِّدٍ ضَرُورَةً.وَيَحْرُمُ عَلَى السُّلْطَانِ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ.ثُمَّ لَوْ زَالَتِ الشَّوْكَةُ انْعَزَلَ الْقَاضِي بِزَوَالِهَا.
الثَّانِي: أَنْ لَا يُوجَدَ مُجْتَهِدٌ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَإِنْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ، وَلَمْ تَنْفُذْ تَوْلِيَتُهُ.وَعَلَى قَاضِي الضَّرُورَةِ أَنْ يُرَاجِعَ الْعُلَمَاءَ، وَهَذَا مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ، وَعَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَذْكُرَ مُسْتَنَدَهُ فِي أَحْكَامِهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
16-موسوعة الفقه الكويتية (تمييز)
تَمْيِيزٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّمْيِيزُ لُغَةً مَصْدَرُ مَيَّزَ.يُقَالُ: مَازَ الشَّيْءَ إِذَا عَزَلَهُ وَفَرَزَهُ وَفَصَلَهُ، وَتَمَيَّزَ الْقَوْمُ وَامْتَازُوا صَارُوا فِي نَاحِيَةٍ.وَامْتَازَ عَنِ الشَّيْءِ تَبَاعَدَ مِنْهُ وَيُقَالُ: امْتَازَ الْقَوْمُ إِذَا تَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ: سِنُّ التَّمْيِيزِ، وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ تِلْكَ السِّنُّ الَّتِي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا الصَّغِيرُ عَرَفَ مَضَارَّهُ وَمَنَافِعَهُ، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَيَّزْتَ الْأَشْيَاءَ إِذَا فَرَّقْتَ بَيْنَ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا.
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (أَهْلِيَّةٌ).
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْإِبْهَامُ:
2- الْإِبْهَامُ مَصْدَرُ أَبْهَمَ الْخَبَرَ إِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْهُ، وَطَرِيقٌ مُبْهَمٌ إِذَا كَانَ خَفِيًّا لَا يَسْتَبِينُ، وَكَلَامٌ مُبْهَمٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ وَجْهٌ يُؤْتَى مِنْهُ، وَبَابٌ مُبْهَمٌ مُغْلَقٌ لَا يُهْتَدَى لِفَتْحِهِ فَهُوَ ضِدُّ التَّمْيِيزِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالتَّمْيِيزِ:
إِسْلَامُ الْمُمَيِّزِ وَرِدَّتُهُ:
3- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ إِسْلَامَ الْمُمَيِّزِ يَصِحُّ اسْتِقْلَالًا مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ تَبَعِيَّتِهِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَعَا عَلِيًّا- رضي الله عنه- إِلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَا زَالَ فِي صِبَاهُ فَأَسْلَمَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ؛ وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ»؛ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَصَحَّتْ مِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ أَنَّ إِسْلَامَ الْمُمَيِّزِ اسْتِقْلَالًا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ».
وَلِأَنَّ نُطْقَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إِمَّا خَبَرٌ أَوْ إِنْشَاءٌ، فَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَإِنْ كَانَ إِنْشَاءً فَهُوَ كَعُقُودِهِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّ إِسْلَامَهُ يَصِحُّ اسْتِقْلَالًا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَإِنْ بَلَغَ وَاسْتَمَرَّ فِي إِسْلَامِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ مِنْ يَوْمَئِذٍ، وَإِنْ أَفْصَحَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْبُلُوغِ تَبَيَّنَ أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ لَغْوًا.
أَمَّا رِدَّتُهُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ إِلاَّ أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ رِدَّتَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَفِيهِ: «عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ وَلَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، وَالرِّدَّةَ مَحْضُ مَضَرَّةٍ وَمَفْسَدَةٍ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رِدَّةٌ).
عِبَادَةُ الْمُمَيِّزِ:
الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوِ الصَّوْمُ أَوِ الْحَجُّ وَنَحْوُهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَلَكِنْ تَصِحُّ مِنْهُ، وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ لِيَتَعَوَّدَهَا؛ لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ».
إِمَامَةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي الصَّلَاةِ:
4- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ إِمَامَةَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ فِي الْفَرْضِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ حَالُ كَمَالٍ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ الْإِخْلَالُ بِشَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ إِمَامَتَهُ لِلْبَالِغِ صَحِيحَةٌ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» وَلِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- كَانُوا يَؤُمُّونَ أَقْوَامَهُمْ وَهُمْ دُونَ سِنِّ الْبُلُوغِ- أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ- فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ.
وَأَمَّا إِمَامَتُهُ فِي النَّفْلِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى صِحَّتِهَا لِأَنَّ النَّافِلَةَ يَدْخُلُهَا التَّخْفِيفُ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ إِمَامَتَهُ فِي النَّفْلِ لَا تَجُوزُ كَإِمَامَتِهِ فِي الْفَرْضِ.
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ وُجُوبَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَسْقُطُ بِأَدَاءِ الْمُمَيِّزِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ وُجُوبُ رَدِّ التَّحِيَّةِ وَوُجُوبُ الْأَذَانِ بِفِعْلِ الْمُمَيِّزِ عَلَى الرَّأْيِ الَّذِي يَقُولُ بِوُجُوبِهِ.
شَهَادَةُ الْمُمَيِّزِ وَإِخْبَارُهُ:
5- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ) إِلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ فِي شَيْءٍ لقوله تعالى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَالصَّبِيُّ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّجُلِ.
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَصِحُّ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيُؤَدِّيَ.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي الْجِرَاحِ فَتُقْبَلُ إِذَا شَهِدُوا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَجَارَحُوا عَلَيْهَا فِي الدِّمَاءِ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَشُرُوطٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَةٌ).
وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ- رحمه الله- بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ.
وَيَرَى بَعْضُ السَّلَفِ وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ عَلِيٌّ وَشُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مَقْبُولَةٌ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمْ.
هَذَا فِي الشَّهَادَةِ، أَمَّا فِي الْإِخْبَارِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْمُسْتَأْذِنَ بِالْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عُمِلَ بِخَبَرِهِ مَعَ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوِ الظَّنَّ مِنْ قَرِينَةٍ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ لِاعْتِمَادِ السَّلَفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
تَصَرُّفَاتُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَإِيصَالُهُ الْهَدِيَّةَ:
6- أَمَّا تَصَرُّفَاتُ الصَّبِيِّ:
1- فَمَا كَانَ مِنْهَا نَافِعًا لَهُ نَفْعًا مَحْضًا صَحَّ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ.
2- وَمَا كَانَ ضَارًّا بِهِ ضَرَرًا مَحْضًا، فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ أَذِنَ وَلِيُّهُ.
3- وَمَا كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا لَا يَمْلِكُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ.
عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ (أَهْلِيَّةٌ، عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ).
وَإِذَا أَوْصَل الْمُمَيِّزُ هَدِيَّةً إِلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ هِيَ مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا، عُمِلَ بِخَبَرِهِ إِذَا كَانَ مَعَهُ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوِ الظَّنَّ لِاعْتِمَادِ السَّلَفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
مَا يَحِلُّ لِلْمُمَيِّزِ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَرْأَةِ:
7- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُمَيِّزَ لَا يَنْظُرُ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوِ الْمَحَارِمِ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَظَرِ الْمُمَيِّزِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى الْآرَاءِ التَّالِيَةِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ رَاهَقَ (أَيْ قَارَبَ الْبُلُوغَ) فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ الِاسْتِتَارِ مِنْهُ وَتَحْرِيمِ نَظَرِهِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ لِلْمُمَيِّزِ النَّظَرَ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُمَيِّزَ لَهُ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْحَنَابِلَةِ أَنَّ حُكْمَ الْمُمَيِّزِ حُكْمُ ذِي الْمَحْرَمِ فِي النَّظَرِ، أَيْ يَنْظُرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالرَّقَبَةِ وَالرَّأْسِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: مَتَى تُغَطِّي الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا مِنَ الْغُلَامِ؟ فَقَالَ: إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ)، (نَظَرٌ).
تَخْيِيرُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْأَبِ فِي الْحَضَانَةِ:
8- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَتَمَّ الطِّفْلُ سَبْعَ سِنِينَ خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ فَكَانَ مَعَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ شُرُوطُ الْحَضَانَةِ مُتَوَفِّرَةً فِيهِمَا مَعًا.
أَمَّا إِذَا تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْحَضَانَةِ فِي أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ فَالْحَقُّ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ».
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ مَدَارَ الْحُكْمِ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى سِنٍّ بِخُصُوصِهِ وَإِنْ كَانَ سِنُّ التَّمْيِيزِ غَالِبًا سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا حَصَلَ التَّمْيِيزُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَالْمَدَارُ عَلَيْهِ، أَمَّا الْبِنْتُ الْمُمَيِّزَةُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي التَّخْيِيرِ.
وَلَا تَخْيِيرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لِلْمُمَيِّزِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبِنْتِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَخْيِيرٌ).
مَنَاطُ التَّكْلِيفِ التَّمْيِيزُ أَوِ الْبُلُوغُ:
9- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ الْبُلُوغُ وَلَيْسَ التَّمْيِيزَ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلَا يُعَاقَبُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ».
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ صَحَّ كَإِسْلَامِهِ، وَالْعَاقِلُ هُوَ الْمُمَيِّزُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيُمَيِّزُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي «أَهْلِيَّةٌ».
تَمْيِيزُ الْمُسْتَحَاضَةِ:
10- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَهِيَ مَنْ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ هَلْ تَعْمَلُ بِعَادَتِهَا أَوْ تَمْيِيزِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُبْتَدِأَةُ فِي تَمْيِيزِ حَيْضِهَا مِنِ اسْتِحَاضَتِهَا
عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحَاضَةٌ)،
(حَيْضٌ).
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
17-موسوعة الفقه الكويتية (تنزيه)
تَنْزِيهٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّنْزِيهُ عَنِ الْمَكْرُوهِ: التَّبْعِيدُ عَنْهُ.
وَتَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى: تَبْعِيدُهُ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ النَّقَائِصِ،
وَأَصْلُ النَّزْهِ: الْبُعْدُ.
وَالتَّنَزُّهُ: التَّبَاعُدُ وَمِنْهُ فُلَانٌ يَتَنَزَّهُ عَنِ الْأَقْذَارِ: أَيْ يُبَاعِدُ نَفْسَهُ عَنْهَا.
قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: وَأَرْضٌ نَزْهَةٌ وَنَزِهَةٌ وَنَزِيهَةٌ: بَعِيدَةٌ عَنِ الرِّيفِ وَغَمَقِ الْمِيَاهِ وَذِبَّانِ الْقُرَى وَوَمَدِ الْبِحَارِ وَفَسَادِ الْهَوَاءِ.
وَمِثْلُ التَّنْزِيهِ التَّقْدِيسُ وَالتَّكْرِيمُ وَمِنْهُ اسْمُهُ تَعَالَى (الْقُدُّوسُ) وَمِنْهُ (الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ).
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِلْكَلِمَةِ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
1- تَنْزِيهُ اللَّهِ تَعَالَى:
2- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ وَتَوَاتَرَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الشَّرِيكِ، وَعَنِ الْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ، وَالزَّوْجِ، وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَهُوَ كَافِرٌ.قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}.
3- كَمَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَا فِي ذَاتِهِ، وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْطِقَ فِي ذَاتِ اللَّهِ بِشَيْءٍ، بَلْ يَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَاعْتِقَادُ اتِّصَافِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالنَّقْصِ صَرِيحًا كُفْرٌ، وَأَمَّا اعْتِقَادُ أَمْرٍ يَلْزَمُ مِنْهُ النَّقْصُ أَوْ يُفْهَمُ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْقَوْلِ لَيْسَ بِقَوْلٍ.
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ قَالُوا: هُمْ فُسَّاقٌ عُصَاةٌ ضُلاَّلٌ.
4- وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا سَبَّ اللَّهَ يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، وَأَسْوَأُ مِنَ الْكَافِرِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ يُعَظِّمُ الرَّبَّ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ الْبَاطِلِ لَيْسَ بِاسْتِهْزَاءٍ بِاَللَّهِ وَلَا مَسَبَّةٍ لَهُ.
وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى قَبُولِهَا.
وَكَذَا مَنْ سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِوَعْدِهِ، أَوْ وَعِيدِهِ كَفَرَ.
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ (أَيْ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ) وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ إِقْرَارُ نُصُوصِ أَحْمَدَ عَلَى حَالِهَا وَهُوَ قَدْ نَصَّ فِي مَسَائِلِ سَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى انْتِقَاضِ الْعَهْدِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَعَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (سَبٌّ).
2- تَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ- ((:
أ- عَنِ الْخَطَأِ أَوِ الْكَذِبِ فِي الرِّسَالَةِ:
5- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ- وَلَوْ قَلَّتْ- وَالْعِصْمَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ.
وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَلاَّ يُبَلِّغُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، أَوْ يُخْبِرُوا عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ، لَا قَصْدًا وَعَمْدًا، وَلَا سَهْوًا، وَغَلَطًا فِيمَا يُبَلِّغُ.
أَمَّا تَعَمُّدُ الْخُلْفِ فِي ذَلِكَ فَمُنْتَفٍ، بِدَلِيلِ الْمُعْجِزَةِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ قَوْلِ اللَّهِ فِيمَا قَالَ- اتِّفَاقًا- وَبِإِطْبَاقِ أَهْلِ الْمِلَّةِ- إِجْمَاعًا- وَكَذَا لَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ عَلَى جِهَةِ الْغَلَطِ- إِجْمَاعًا-
وَالنَّبِيُّ مَعْصُومٌ عَنِ الْكَذِبِ فِي أَقْوَالِهِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ مَتَى عُرِفَ مِنْ أَحَدٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ- عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ- اُسْتُرِيبَ بِخَبَرِهِ وَاتُّهِمَ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَقَعْ قَوْلُهُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعًا.
ب- تَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ السَّبِّ وَالِاسْتِهْزَاءِ:
6- كُلُّ مَنْ سَبَّ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ عَابَهُ، أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ، أَوْ نَسَبِهِ أَوْ دِينِهِ، أَوْ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِهِ، أَوْ عَرَّضَ بِهِ، أَوْ شَبَّهَهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ لَهُ، أَوِ الْإِزْرَاءِ بِهِ، أَوِ التَّصْغِيرِ لِشَأْنِهِ، أَوِ الْغَضِّ مِنْهُ، أَوِ الْعَيْبِ لَهُ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَكَذَلِكَ مَنْ لَعَنَهُ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِ، أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّةً لَهُ، أَوْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، أَوْ عَبِثَ فِي جِهَتِهِ الْعَزِيزَةِ بِسُخْفٍ مِنَ الْكَلَامِ وَهَجْرٍ، وَمُنْكَرٍ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٍ، أَوْ عَيَّرَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحْنَةِ عَلَيْهِ، أَوْ غَمَصَهُ بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ الْبَشَرِيَّةِ الْجَائِزَةِ وَالْمَعْهُودَةِ لَدَيْهِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولًا مِنْ رُسُلِهِ، أَوْ دَفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِكُلِّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.
وَالسَّابُّ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُقْتَلُ، وَلَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى إِظْهَارِ ذَلِكَ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (سَبٌّ).
تَنْزِيهُ الْمَلَائِكَةِ:
7- أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُؤْمِنُونَ مُكَرَّمُونَ، وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ حُكْمُ النَّبِيِّينَ فِي الْعِصْمَةِ وَالتَّبْلِيغِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمُرْسَلِينَ مِنْهُمْ، وَالصَّوَابُ عِصْمَةُ جَمِيعِهِمْ، وَتَنْزِيهُ مَقَامِهِمِ الرَّفِيعِ عَنْ جَمِيعِ مَا يَحُطُّ مِنْ رُتْبَتِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ عَنْ جَلِيلِ مِقْدَارِهِمْ.
وَأَدِلَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قوله تعالى {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَقَوْلُهُ {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ}
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ أَوْ جُمْلَتِهِمْ يُقْتَلُ.
تَنْزِيهُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
أ- تَنْزِيهُ الْقُرْآنِ عَنِ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ:
8- الْقُرْآنُ مَحْفُوظٌ عَنِ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.
فَمَنْ جَحَدَ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ آيَةً، أَوْ كَذَّبَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ كَذَّبَ بِشَيْءٍ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِيهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ، أَوْ أَثْبَت مَا نَفَاهُ، أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ.
ب- تَنْزِيهُ الْقُرْآنِ عَنِ الِامْتِهَانِ:
9- مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْقُرْآنِ أَوِ الْمُصْحَفِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ سَبَّ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ أَلْقَاهُ فِي الْقَاذُورَاتِ، أَوْ أَلْقَى وَرَقَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ لَطَّخَ الْمُصْحَفَ بِنَجَسٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِهْزَاءِ- وَإِنْ ضَعُفَتْ- فَهُوَ كَافِرٌ، بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَا تَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِشَيْءٍ نَجِسٍ،
كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ.
ج- تَنْزِيهُ الْقُرْآنِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ:
10- تَحْرُمُ الْمُسَافَرَةُ بِالْمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ».
وَيَحْرُمُ بَيْعُ الْمُصْحَفِ مِنَ الْكَافِرِ.
تَنْزِيهُ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ:
11- يَجِبُ تَنْزِيهُ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ عَنِ الِامْتِهَانِ.
فَمَنْ أَلْقَى وَرَقَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، أَوِ اسْمُ نَبِيٍّ، أَوْ مَلَكٍ، فِي نَجَاسَةٍ، أَوْ لَطَّخَ ذَلِكَ بِنَجَسٍ- وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ- حُكِمَ بِكُفْرِهِ، إذَا قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْإِهَانَةَ لِلشَّرْعِ. وَرَأَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وُجُوبَ صِيَانَةِ كُتُبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ عَنِ الْوُقُوعِ بِأَيْدِي الْكُفَّارِ- سَوَاءٌ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ- خَوْفًا عَلَيْهَا مِنَ الِامْتِهَانِ.وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ وَيُرْجَعُ إلَيْهَا فِي أَبْوَابِ الْجِهَادِ وَالْبَيْعِ.
تَنْزِيهُ الصَّحَابَةِ:
12- قَالَ السُّيُوطِيّ: الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ، مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ وَغَيْرَهُمْ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ» قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أَيْ عُدُولًا، وَقَالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وَالْخِطَابُ فِيهَا لِلْمَوْجُودِينَ حِينَئِذٍ، وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي».
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالسَّبَبُ فِي عَدَمِ الْفَحْصِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ: أَنَّهُمْ حَمَلَةُ الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ ثَبَتَ تَوَقُّفٌ فِي رِوَايَتِهِمْ لَانْحَصَرَتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى عَصْرِهِ- صلى الله عليه وسلم- وَلمَا اسْتَرْسَلَتْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْصَارِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: بَعْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ.
وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: عُدُولٌ إلاَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا، وَقِيلَ: إذَا انْفَرَدَ، وَقِيلَ: إلاَّ الْمُقَاتِلَ وَالْمُقَاتَلَ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِصَوَابٍ إحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ وَحَمْلًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْمَأْجُورِ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمْ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: لَسْنَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا: الصَّحَابَةُ عُدُولٌ «كُلَّ مَنْ رَآهُ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا مَا أَوْ زَارَهُ لِمَامًا، أَوِ اجْتَمَعَ بِهِ لِغَرَضٍ وَانْصَرَفَ، وَإِنَّمَا نَعْنِي بِهِ الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ.قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ يُخْرِجُ كَثِيرًا مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالصُّحْبَةِ وَالرِّوَايَةِ عَنِ الْحُكْمِ بِالْعَدَالَةِ، كَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ وَفَدَ عَلَيْهِ- صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يُقِمْ عِنْدَهُ إلاَّ قَلِيلًا وَانْصَرَفَ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ إلاَّ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِقْدَارُ إقَامَتِهِ مِنْ أَعْرَابِ الْقَبَائِلِ، وَالْقَوْلُ بِالتَّعْمِيمِ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلَاتٌ أُخْرَى تُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ الْحَنْبَلِيُّ: يَجِبُ حُبُّ كُلِّ الصَّحَابَةِ، وَالْكَفُّ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ- كِتَابَةً، وَقِرَاءَةً، وَإِقْرَاءً، وَسَمَاعًا، وَتَسْمِيعًا- وَيَجِبُ ذِكْرُ مَحَاسِنِهِمْ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ، وَالْمَحَبَّةُ لَهُمْ، وَتَرْكُ التَّحَامُلِ عَلَيْهِمْ، وَاعْتِقَادُ الْعُذْرِ لَهُمْ، وَأَنَّهُمْ إنَّمَا فَعَلُوا مَا فَعَلُوا بِاجْتِهَادٍ سَائِغٍ لَا يُوجِبُ كُفْرًا وَلَا فِسْقًا، بَلْ رُبَّمَا يُثَابُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ سَائِغٌ.
13- وَسَبُّ آلِ بَيْتِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَتَنَقُّصُهُمْ حَرَامٌ.قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي، فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ».
وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ:
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا سَبَّهُ لِأَمْرٍ خَاصٍّ بِهِ.أَمَّا لَوْ سَبَّهُ لِكَوْنِهِ صَحَابِيًّا فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِتَكْفِيرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الصُّحْبَةِ، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.
وَاخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ تَكْفِيرُ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ عَلَى خِلَافِهِ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيَّ: إذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- عِنْدَنَا حَقٌّ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ، وَإِنَّمَا أَدَّى إلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَجْرَحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَالْجَرْحُ أَوْلَى بِهِمْ، وَهُمْ زَنَادِقَةٌ.
تَنْزِيهُ نِسَاءِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-:
14- مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ.
رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ جُلِدَ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَة قُتِلَ، قِيلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: مَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وَهَلْ تُعْتَبَرُ سَائِرُ زَوْجَاتِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- كَعَائِشَةَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَسَابِّ غَيْرِهِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْ قَذَفَ وَاحِدَةً مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ كَقَذْفِ عَائِشَةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ عَارٌ وَغَضَاضَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَذًى لَهُ أَعْظَمُ مِنْ أَذَاهُ بِنِكَاحِهِنَّ بَعْدَهُ قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.
وَاخْتَارَ الثَّانِيَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
تَنْزِيهُ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ:
15- يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ تَرْكِ الْمَعَاصِي فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ وَحَرَمِهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ أَشَدُّ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا لقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
قَالَ مُجَاهِدٌ: تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ.
وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنِ الْقِتَالِ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ فِيهِ، فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ».
16- وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ حَمْلِ السِّلَاحِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ».
17- وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنْ دُخُولِ الْكُفَّارِ.قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}
فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ، لَا مُقِيمًا وَلَا مَارًّا بِهِ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنِ اسْتِيطَانِ مَكَّةَ، وَلَكِنْ لَوْ دَخَلَ بِتِجَارَةٍ جَازَ وَلَا يُطِيلُ.
تَنْزِيهُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ:
18- يَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَدِينَةِ عَنْ إرَادَةِ أَهْلِهَا بِسُوءٍ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إلاَّ أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ».
وَيَجِبُ تَنْزِيهُهَا عَنِ الْإِحْدَاثِ فِيهَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ:
19- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَلَى وُجُوبِ تَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ عَنِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ.
فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ أَنْ يَدْخُلَهُ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ نَجَاسَةٌ، أَوْ جِرَاحَةٌ، وَقَيَّدَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِخَشْيَةِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ بِمُتَنَجِّسٍ.
وَلَا يَجُوزُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ فِيهِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ».
وَاخْتُلِفَ فِي اتِّخَاذِ إنَاءٍ لِلْبَوْلِ فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ:
فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْمَنْعُ، وَهُوَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ جَائِزٌ إذَا اتَّخَذَهُ الْبَائِتُ لَيْلًا فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَهُ الْبَوْلُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَتَحْرُمُ الْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ فِيهِ الْجِمَاعُ لقوله تعالى:
{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.
وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا أَمِنَ تَلْوِيثَهُ بِغُسَالَتِهِ، وَلَا تَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْعَالِقَةِ بِالْأَعْضَاءِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى عَدَمِ حُرْمَةِ الْفُسَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ».
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى التَّحْرِيمِ حَمْلًا لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ.
وَلَا يَجُوزُ الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا». وَيُكْرَهُ إدْخَالُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ إلَى الْمَسَاجِدِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ فَلْيَعْتَزِلْ مَسَاجِدَنَا».
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (مَسْجِدٌ وَنَجَاسَةٌ).
تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ دُخُولِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ:
20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ- مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ- عَلَى تَحْرِيمِ دُخُولِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْمَسْجِدَ وَتَحْرِيمِ مُكْثِهِمَا فِيهِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}.أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ حَالَةَ السُّكْرِ وَالْجَنَابَةِ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِنَا شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَصْنَعِ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ لَهُمْ رُخْصَةٌ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ».
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ مُرُورِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ مِنَ الْمَسْجِدِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهُويَهْ إِلَى تَحْرِيمِ مُرُورِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ.وَاسْتَدَلُّوا بِإِطْلَاقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدِ التَّحْرِيمُ بِشَيْءٍ فَبَقِيَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ الْمُكْثِ وَالْمُرُورِ.
إِلاَّ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُمَا الْمُرُورُ لِلضَّرُورَةِ كَالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ.
وَحَمَلُوا قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} عَلَى الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ فَيَتَيَمَّمُ.
وَالْمُرَادُ بِكَلِمَةِ» إِلاَّ «فِي الْآيَةِ» لَا «أَيْ: لَا عَابِرِي سَبِيلٍ. (وَالصَّلَاةُ) فِي الْآيَةِ الْمَقْصُودُ بِهَا حَقِيقَتُهَا لَا مَوَاضِعُهَا.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا اُضْطُرَّ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمُكْثِ فِيهِ لِخَوْفٍ تَيَمَّمَ وُجُوبًا.نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْعِنَايَةِ: مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا لَوِ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ تَيَمَّمَ نَدْبًا، فَالْحَنَفِيَّةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.وَالْأَوْلَى عَدَمُ الْعُبُورِ إلاَّ لِحَاجَةٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَكَذَلِكَ جَوَازُ مُرُورِ الْحَائِضِ بِشَرْطِ أَنْ تَأْمَنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ حَرُمَ عَلَيْهَا الْمُرُورُ.
وَبِجَوَازِ مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا الْعُبُورُ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ».
وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ إِلَى جَوَازِ مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا.مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ» وَبِأَنَّ الْمُشْرِكَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ، فَالْمُسْلِمُ الْجُنُبُ أَوْلَى، وَبِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ لِمَنْ حَرَّمَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ الْأَحْكَامِ فِي مُصْطَلَحِ: (مَسْجِدٌ، جَنَابَةٌ، حَيْضٌ).
تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنِ الْخُصُومَةِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ:
21- تُكْرَهُ الْخُصُومَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ، وَنِشْدَانُ الضَّالَّةِ، وَالْبَيْعُ، وَالْإِجَارَةُ، وَنَحْوُهَا مِنَ الْعُقُودِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك».
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ كَرَاهَةٍ وَتَحْرِيمٍ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مَسْجِدٌ).
تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنِ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ:
22- يُكْرَهُ إدْخَالُ الْبَهَائِمِ، وَالْمَجَانِينِ، وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُمْ إيَّاهُ.وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ- رضي الله عنهما- وَكَذَلِكَ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ».
وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (مَسْجِدٌ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
18-موسوعة الفقه الكويتية (نشوز 2)
نُشُوزٌ -2ب- الْهَجْرُ:
15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُؤَدِّبُ الرَّجُلُ بِهِ امْرَأَتَهُ إِذَا نَشَزَتِ الْهَجْرَ، لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَكُونُ بِهِ الْهَجْرُ الْمَشْرُوعُ، وَفِي غَايَتِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَعَظَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ نَجَعَتْ فِيهَا الْمَوْعِظَةُ وَتَرَكَتِ النُّشُوزَ وَإِلاَّ هَجَرَهَا، وَقِيلَ: يُخَوِّفُهَا بِالْهَجْرِ أَوَّلًا وَالِاعْتِزَالِ عَنْهَا وَتَرْكِ الْجِمَاعِ وَالْمُضَاجَعَةِ، فَإِنْ تَرَكَتْ وَإِلاَّ هَجَرَهَا، لَعَلَّ نَفْسَهَا لَا تَحْتَمِلُ الْهَجْرَ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْهَجْرِ، قِيلَ: يَهْجُرُهَا بِأَنْ لَا يُجَامِعَهَا وَلَا يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشِهِ، وَقِيلَ: يَهْجُرُهَا بِأَنْ لَا يُكَلِّمَهَا فِي حَالِ مُضَاجَعَتِهِ إِيَّاهَا، لَا أَنْ يَتْرُكَ جِمَاعَهَا وَمُضَاجَعَتَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ مَا عَلَيْهَا، فَلَا يُؤَدِّبُهَا بِمَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَيُبْطِلُ حَقَّهُ، وَقِيلَ: يَهْجُرُهَا بِأَنْ يُفَارِقَهَا فِي الْمَضْجَعِ وَيُضَاجِعَ أُخْرَى فِي حَقِّهَا وَقَسْمِهَا، لِأَنَّ حَقَّهَا عَلَيْهِ فِي الْقَسْمِ فِي حَالِ الْمُوَافَقَةِ وَحِفْظِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي حَالِ التَّضْيِيعِ، وَقِيلَ: يَهْجُرُهَا بِتَرْكِ مُضَاجَعَتِهَا وَجِمَاعِهَا لِوَقْتِ غَلَبَةِ شَهْوَتِهَا وَحَاجَتِهَا لَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا، لِأَنَّ هَذَا لِلتَّأْدِيبِ وَالزَّجْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّبَهَا لَا أَنْ يُؤَدِّبَ نَفْسَهُ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْمُضَاجَعَةِ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْهَجْرُ أَنْ يَتْرُكَ مَضْجَعَهَا، أَيْ يَتَجَنَّبَهَا فِي الْمَضْجَعِ فَلَا يَنَامُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ، لَعَلَّهَا أَنْ تَرْجِعَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ، وَهَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَحَسَّنَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَغَايَةُ الْهَجْرِ الْمُسْتَحْسَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ شَهْرٌ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ أَجَلًا عُذْرًا لِلْمُولِي.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ نَشَزَتِ الزَّوْجَةُ وَعَظَهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ، أَمَّا الْهُجْرَانُ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَجُوزُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِحَدِيثِ: «لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» إِلاَّ إِنْ قَصَدَ رَدَّهَا أَوْ إِصْلَاحَ دِينِهَا، إِذِ الْهَجْرُ- وَلَوْ دَائِمًا وَلِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ- جَائِزٌ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَفِسْقٍ وَابْتِدَاعٍ وَإِيذَاءٍ وَزَجْرٍ وَإِصْلَاحٍ.
وَالْمُرَادُ بِالْهَجْرِ أَنْ يَهْجُرَ فِرَاشَهَا فَلَا يُضَاجِعَهَا فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ تَرْكُ الْوَطْءِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا هُجْرًا أَيْ إِغْلَاظًا فِي الْقَوْلِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: لَا غَايَةَ لَهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ صَلَاحِهَا، فَمَتَى لَمْ تَصْلُحْ تُهْجَرْ وَإِنْ بَلَغَ سِنِينَ وَمَتَى صَلَحَتْ فَلَا هَجْرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَظْهَرَتِ الْمَرْأَةُ النُّشُوزَ هَجَرَهَا زَوْجُهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ، لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُضَاجِعُهَا فِي فِرَاشِكَ، وَقَدْ «هَجَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- نِسَاءَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا» وَهَجْرُهَا فِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- السَّابِقِ وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: هَجْر.
ج- الضَّرْبُ:
16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُؤَدِّبُ بِهِ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ عِنْدَ نُشُوزِهَا الضَّرْبَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ وَمَا يَلْزَمُ تَوَافُرُهُ لِمُبَاشَرَتِهِ.
فَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَرْبِ التَّأْدِيبِ الْمَشْرُوعِ إِنْ نَشَزَتِ الزَّوْجَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُدْمٍ وَلَا مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ وَلَا مُخَوِّفٍ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً كَاللَّكْزَةِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الصَّلَاحُ لَا غَيْرَ.
وَقَالُوا: الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ هُوَ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا، أَوْ مَا يُخْشَى مِنْهُ تَلَفُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ، أَوْ مَا يُورِثُ شَيْئًا فَاحِشًا، أَوِ الشَّدِيدُ، أَوِ الْمُؤَثِّرُ الشَّاقُّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّهُ مِنْ بَرِحَ الْخَفَاءُ إِذَا ظَهَرَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اتَّقَوُا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ».
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ النَّاشِزَةَ إِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ وَتَدَعِ النُّشُوزَ إِلاَّ بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ أَوِ الْخَوْفِ لَمْ يَجُزْ لِزَوْجِهَا تَعْزِيرُهَا لَا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ وَلَا بِغَيْرِهِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: لَا يَجُوزُ الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ النُّشُوزَ إِلاَّ بِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ وَالْقِصَاصُ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي هَيْئَةِ الضَّرْبِ:
فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَضْرِبُ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ الَّتِي تَحَقَّقَ نُشُوزَهَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَهَالِكِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ» وَقَالَ الْهَيْتَمِيُّ: لَا تَضْرِبْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى بَدَنِهَا، وَلَا يُوَالِيِهِ فِي مَوْضِعٍ لِئَلاَّ يَعْظُمَ ضَرَرُهُ، وَقَالُوا: لَا يَبْلُغُ ضَرْبُ حُرَّةٍ أَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا عِشْرِينَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجْتَنِبُ الْوَجْهَ تَكْرِمَةً لَهُ، وَالْبَطْنَ وَالْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةَ خَشْيَةَ الْقَتْلِ، وَالْمَوَاضِعَ الْمُسْتَحْسَنَةَ لِئَلاَّ يُشَوِّهَهَا، وَيَكُونُ الضَّرْبُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ.
لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ».
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَوْجُهِ الْمُعْتَمَدَةِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ: إِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ إِنْ نَشَزَتْ بِضَرْبِهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا مُدْمٍ وَلَا شَائِنٍ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ: يُؤَدِّبُهَا بِضَرْبِهَا بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ أَوْ بِمِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ أَوْ بِيَدِهِ، لَا بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصًا وَلَا بِخَشَبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّأْدِيبُ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ- إِنْ جَازَ لَهُ الضَّرْبُ لِتَأْدِيبِ امْرَأَتِهِ لِنُشُوزِهَا- فَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ وَلِمَصْلَحَتِهِ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَرْكُ الضَّرْبِ بِالْكُلِّيَّةِ أَفْضَلُ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْأَوْلَى تَرْكُ ضَرْبِهَا إِبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ.
وَفِي ضَرْبِ الْمَرْأَةِ لِلنُّشُوزِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابِهِ بِالضَّرْبِ صَرَاحَةً إِلاَّ هُنَا- أَيِ الضَّرْبِ لِلتَّعْزِيرِ عَلَى النُّشُوزِ- وَفِي الْحُدُودِ الْعِظَامِ، فَسَاوَى مَعْصِيَتَهُنَّ بِأَزْوَاجِهِنَّ بِمَعْصِيَةِ الْكَبَائِرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ الْمُسْتَحِقُّ فِيهِ مَنْ مَنَعَهُ حَقَّهُ غَيْرَ هَذَا، وَالرَّقِيقُ يَمْتَنِعُ مِنْ حَقِّ سَيِّدِهِ.
هَلْ يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ النُّشُوزِ حَتَّى يُشْرَعَ الضَّرْبُ:
17- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ تَكْرَارِ نُشُوزِ الْمَرْأَةِ لِضَرْبِهَا: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الضَّرْبَ لِتَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ النَّاشِزَةِ مَشْرُوعٌ بِتَحَقُّقِ نُشُوزِهَا وَلَوْ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ دُونَ أَنْ يَتَكَرَّرَ النُّشُوزُ، لِظَاهِرِ قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} فَتَقْدِيرُهُ: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، فَإِنْ نَشَزْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} وَالْأَوْلَى بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ صَرَّحَتْ بِنُشُوزِهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا ضَرْبُهَا كَمَا لَوْ أَصَرَّتْ، وَلِأَنَّ عُقُوبَاتِ الْمَعَاصِي لَا تَخْتَلِفُ بِالتَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ كَالْحُدُودِ.
وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزُ الزَّوْجَةِ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَمْ يَظْهَرْ إِصْرَارُهَا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالتَّكْرَارِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ زَجْرُهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْأَسْهَلِ.
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِمَشْرُوعِيَّةِ ضَرْبِ النَّاشِزَةِ أَنْ يَعْلَمَ الزَّوْجُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَوْ يَظُنَّ أَنَّ الضَّرْبَ يُفِيدُ فِي تَأْدِيبِهَا وَرَدْعِهَا عَنِ النُّشُوزِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ضَرْبُهَا وَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ مُسْتَغْنًى عَنْهَا.
وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ ضَرْبَ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ النَّاشِزَةَ بِنَفْسِهِ لِكَفِّهَا عَنِ النُّشُوزِ وَتَأْدِيبِهَا بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، وَإِلاَّ فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إِلَى الْقَاضِي لِتَأْدِيبِهَا.
الضَّمَانُ بِضَرْبِ التَّأْدِيبِ:
18- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ ضَرْبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِنُشُوزِهَا- بِالْقُيُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ- هُوَ ضَرْبُ تَأْدِيبٍ يُقْصَدُ مِنْهُ الصَّلَاحُ لَا غَيْرَ، فَإِنْ أَفْضَى إِلَى تَلَفٍ أَوْ هَلَاكٍ وَجَبَ الْغُرْمُ وَالضَّمَانُ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ضَرْبُ إِتْلَافٍ لَا إِصْلَاحٍ، وَيَضْمَنُ الزَّوْجُ مَا تَلِفَ بِالضَّرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، لِأَنَّ ضَرْبَ التَّأْدِيبِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ النَّاشِزَةَ إِنْ تَلِفَتْ مِنْ ضَرْبِ زَوْجِهَا الْمَشْرُوعِ لِلتَّأْدِيبِ عَلَى نُشُوزِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا.
التَّرْتِيبُ فِي التَّأْدِيبِ:
19- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْتِزَامِ الزَّوْجِ التَّرْتِيبَ فِي تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ حَسَبَ وُرُودِهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَيْضًا رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ تَأْدِيبَ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ لِنُشُوزِهَا يَكُونُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ، فَيَبْدَأُ بِالْوَعْظِ ثُمَّ الْهَجْرِ ثُمَّ الضَّرْبِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لِلزَّوْجِ وِلَايَةُ تَأْدِيبِ امْرَأَتِهِ لِنُشُوزِهَا لَكِنْ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَعِظُهَا أَوَّلًا عَلَى الرِّفْقِ وَاللِّينِ، فَإِنْ نَجَعَتْ فِيهَا الْمَوْعِظَةُ وَإِلاَّ هَجَرَهَا، وَقِيلَ: يُخَوِّفُهَا بِالْهَجْرِ أَوَّلًا وَالِاعْتِزَالِ عَنْهَا وَتَرْكِ الْجِمَاعِ وَالْمُضَاجَعَةِ، فَإِنْ تَرَكَتْ وَإِلاَّ هَجَرَهَا لَعَلَّ نَفْسَهَا لَا تَحْتَمِلُ الْهَجْرَ، فَإِنْ تَرَكَتِ النُّشُوزَ وَإِلاَّ ضَرَبَهَا، فَإِنْ نَفَعَ الضَّرْبُ وَإِلاَّ رَفَعَ إِلَى الْقَاضِي.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} فَظَاهِرُ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ الْوَاوِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْجَمْعِ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجَمْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ، وَالْوَاوُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ.
وَقَالُوا: وَسَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ: أَنَّ الْآمِرَ يَبْدَأُ بِالْمَوْعِظَةِ عَلَى الرِّفْقِ وَاللِّينِ دُونَ التَّغْلِيظِ فِي الْقَوْلِ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَإِلاَّ غَلَّظَ الْقَوْلَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَإِلاَّ بَسَطَ يَدَهُ فِيهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَعِظُ الزَّوْجُ مَنْ نَشَزَتْ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يُفِدِ الْوَعْظُ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يُفِدِ الْهَجْرُ جَازَ لَهُ ضَرْبُهَا، وَلَا يَنْتَقِلُ لِحَالَةٍ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا لَا تُفِيدُ، وَيَفْعَلُ مَا عَدَا الضَّرْبَ وَلَوْ لَمْ يَظُنَّ إِفَادَتَهُ- بِأَنْ شَكَّ فِيهِ لَعَلَّهُ يُفِيدُ- لَا إِنْ عَلِمَ عَدَمَ الْإِفَادَةِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ فَلَا يَجُوزُ إِلاَّ إِذَا ظَنَّ إِفَادَتَهُ لِشِدَّتِهِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَ يَعِظُ زَوْجَتَهُ إِنْ جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا أَوْ شَكَّ فِيهَا، فَإِنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهَا هَجَرَهَا إِنْ جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا أَوْ شَكَّ فِيهَا، فَإِنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهَا ضَرَبَهَا إِنْ جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا، لَا إِنْ شَكَّ فِيهَا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: إِذَا ظَهَرَ مِنَ الزَّوْجَةِ أَمَارَاتُ النُّشُوزِ وَعَظَهَا، فَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْأَدَبِ حَرُمَ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ لِزَوَالِ مُبِيحِهِمَا، وَإِنْ أَصَرَّتْ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ، وَهَجَرَهَا فِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا، فَإِنْ أَصَرَّتْ وَلَمْ تَرْتَدِعْ بِالْهَجْرِ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا بَعْدَ الْهَجْرِ فِي الْفِرَاشِ وَتَرْكِهَا مِنَ الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ طُرُقِ التَّأْدِيبِ الْوَارِدَةِ فِي الْآيَةِ دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: مَرَاتِبُ تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ ثَلَاثٌ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يُوجَدَ مِنْهَا أَمَارَاتُ النُّشُوزِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا، بِأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَيِّنًا، أَوْ يَجِدَ مِنْهَا إِعْرَاضًا وَعُبُوسًا بَعْدَ طَلَاقَةٍ وَلُطْفٍ، فَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ، يَعِظُهَا وَلَا يَضْرِبُهَا وَلَا يَهْجُرُهَا.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَحَقَّقَ نُشُوزُهَا، لَكِنْ لَا يَتَكَرَّرُ، وَلَا يَظْهَرُ إِصْرَارُهَا عَلَيْهِ، فَيَعِظُهَا وَيَهْجُرُهَا، وَفِي جَوَازِ الضَّرْبِ قَوْلَانِ، رَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ الْمَنْعَ، وَرَجَّحَ صَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالشَّامِلِ الْجَوَازَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» الْمَنْعَ، وَالْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْجَوَازُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَكَرَّرَ وَتُصِرَّ عَلَيْهِ، فَلَهُ الْهِجْرَانُ وَالضَّرْبُ بِلَا خِلَافٍ، هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ.وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ ابْنُ كَجٍّ قَوْلًا فِي جَوَازِ الْهِجْرَانِ وَالضَّرْبِ عِنْدَ خَوْفِ النُّشُوزِ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ فِي حَالَةِ ظُهُورِ النُّشُوزِ، ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ.
أَحَدُهَا: لَهُ الْوَعْظُ وَالْهِجْرَانُ وَالضَّرْبُ، وَالثَّانِي: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَلَا يَجْمَعُ.وَالثَّالِثُ: يَعِظُهَا، فَإِنْ لَمْ تَتَّعِظْ هَجَرَهَا، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ ضَرَبَهَا.
اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي النُّشُوزِ:
20- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ مِنْهُمَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي وُقُوعِ النُّشُوزِ.
فَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي وُقُوعِ النُّشُوزِ أَوْ عَدَمِ وُقُوعِهِ، فَادَّعَاهُ الرَّجُلُ وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَالْقَوْلُ لَهَا فِي عَدَمِ النُّشُوزِ بِيَمِينِهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ وَكَانَتْ فِي بَيْتِهِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نُشُوزٍ فِي الْحَالِ، أَمَّا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهَا سُقُوطَ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي شَهْرٍ مَاضٍ- مَثَلًا- لِنُشُوزِهَا فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا أَيْضًا لِإِنْكَارِهَا مُوجِبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا، وَلَوِ ادَّعَتْ أَنَّ خُرُوجَهَا إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَأَنْكَرَ، أَوْ ثَبَتَ نُشُوزُهَا ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ- مَثَلًا- أَذِنَ لَهَا بِالْمُكْثِ هُنَاكَ هَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِتَحَقُّقِ الْمُسْقِطِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ مَنْعَ الْوَطْءِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ لِعُذْرٍ وَأَكْذَبَهَا الزَّوْجُ أَثْبَتَتْهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَأَمَّا مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَلَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ كَخُرُوجِهَا بِلَا إِذْنٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ: هِيَ تَمْنَعُنِي مِنْ وَطْئِهَا حَيْثُ قَالَتْ: لَمْ أَمْنَعْهُ وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهَا فِي النَّفَقَةِ.
وَقَالُوا: إِنْ ضَرَبَهَا، فَادَّعَتِ الْعَدَاءَ وَادَّعَى الْأَدَبَ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ، وَحِينَئِذٍ يُعَزِّرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَاءِ مَا لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ، وَإِلاَّ قُبِلَ قَوْلُهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ مُغْنِي الْمُحْتَاجِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزٍ وَادَّعَتْ عَدَمَهُ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ: وَالَّذِي يَقْوَى فِي ظَنِّي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ، وَالْوَلِيُّ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا فَلَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَعْلَمْ جَرَاءَتَهُ وَتَعَدِّيَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يُصَدَّقْ وَصُدِّقَتْ هِيَ، وَقَيَّدَ الشَّرْقَاوِيُّ تَصْدِيقَهُ بِيَمِينِهِ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ: إِنِ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي نُشُوزِهَا بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالتَّسْلِيمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ.
نُشُوزُ الزَّوْجِ أَوْ إِعْرَاضُهُ:
21- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ خَافَتْ مِنْ زَوْجِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا لِرَغْبَتِهِ عَنْهَا، إِمَّا لِمَرَضٍ بِهَا أَوْ كِبَرٍ أَوْ دَمَامَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ حُقُوقِهَا تَسْتَرْضِيَهُ بِذَلِكَ، لقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا} وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَتِ: «الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ».
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَلَى وُجُوبِ الْكَوْنِ عِنْدَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ وَاحِدَةٌ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ كَعْبَ بْنَ سُورٍ قَضَى بِأَنَّ لَهَا يَوْمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِحَضْرَةِ عُمَرَ- رضي الله عنه- فَاسْتَحْسَنَهُ وَوَلاَّهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ، وَأَبَاحَ اللَّهُ أَنْ تَتْرُكَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَأَنْ تَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا مِنْ نِسَائِهِ، وَعُمُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى تَرْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ لَهَا بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهَا إِسْقَاطُ مَا وَجَبَ مِنَ النَّفَقَةِ لِلْمَاضِي، فَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَتْ مِنَ الْوَطْءِ لَمْ يَصِحَّ إِبْرَاؤُهَا وَكَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِطِيبِ نَفْسِهَا بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّفَقَةِ وَبِالْكَوْنِ عِنْدَهَا، فَأَمَّا أَنْ تُسْقِطَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فَلَا، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهَا عِوَضًا عَلَى تَرْكِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ أَوِ الْوَطْءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، أَوْ ذَلِكَ حَقٌّ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَنْوَاعُ الصُّلْحِ كُلُّهَا مُبَاحَةٌ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، بِأَنْ يُعْطِيَ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ تَصْبِرَ هِيَ، أَوْ تُعْطِيَ هِيَ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَ الزَّوْجُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَ وَيَتَمَسَّكَ بِالْعِصْمَةِ، أَوْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْأَثَرَةِ مِنْ غَيْرِ عَطَاءٍ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَتَعَدَّى عَلَى امْرَأَتِهِ، وَإِنَّمَا يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لَكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَيُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ لَهَا اسْتِعْطَافُهُ بِمَا يُحِبُّ، كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا، كَمَا تَرَكَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ- رضي الله عنهما- لَمَّا خَافَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا- صلى الله عليه وسلم-، كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إِذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ خَافَتِ امْرَأَةٌ نُشُوزَ زَوْجِهَا وَإِعْرَاضَهُ عَنْهَا لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَرَضٍ أَوْ دَمَامَةٍ، فَوَضَعَتْ عَنْهُ بَعْضَ حُقُوقِهَا أَوْ كُلَّ حُقُوقِهَا، تَسْتَرْضِيهِ بِذَلِكَ جَازَ، لِأَنَّهُ حَقُّهَا وَقَدْ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهِ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ فِي ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا رُجُوعَ لَهَا فِي الْمَاضِي، وَإِنْ شَرَطَا مَالًا يُنَافِي نِكَاحًا لَزِمَ وَإِلاَّ فَلَا، فَلَوْ صَالَحَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ نَفَقَتِهَا أَوْ قَسْمِهَا، أَوْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جَازَ، فَإِنْ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَغِيبُ عَنِ امْرَأَتِهِ فَيَقُولُ لَهَا: إِنْ رَضِيتِ عَلَى هَذَا وَإِلاَّ فَأَنْتِ أَعْلَمُ، فَتَقُولُ: قَدْ رَضِيتُ، فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ.
تَعَدِّي الزَّوْجِ:
22- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ تَعَدَّى عَلَى زَوْجَتِهِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ أَوِ الْقَاضِيَ يَكُفُّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَنَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ أَنْ يُعَزِّرَ الزَّوْجَ، وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ يُسَاكِنُهَا، فَشَكَتْ إِلَى الْقَاضِي أَنَّ الزَّوْجَ يَضْرِبُهَا وَيُؤْذِيهَا، سَأَلَ الْقَاضِي جِيرَانَهَا، فَإِنْ أَخْبَرُوا بِمَا قَالَتْ- وَهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ- فَالْقَاضِي يُؤَدِّبُهُ وَيَأْمُرُهُ بِأَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا، وَيَأْمُرُ جِيرَانَهُ أَنْ يَتَفَحَّصُوا عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَالْجِيرَانُ قَوْمًا صَالِحِينَ أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُحَوِّلَهَا إِلَى جِيرَانٍ صَالِحِينَ، فَإِنْ أَخْبَرُوا الْقَاضِيَ بِخِلَافِ مَا قَالَتْ أَقَرَّهَا هُنَاكَ وَلَمْ يُحَوِّلْهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ تَعَدَّى الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ لِغَيْرِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ بِضَرْبٍ أَوْ سَبٍّ وَنَحْوِهِ، وَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ بِوَعْظٍ فَتَهْدِيدٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْوَعْظِ ضَرَبَهُ إِنْ ظَنَّ إِفَادَتَهُ فِي زَجْرِهِ وَمَنْعِهِ، وَإِلاَّ فَلَا، وَهَذَا إِذَا اخْتَارَتِ الْبَقَاءَ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَعَظَهُ فَقَطْ دُونَ ضَرْبٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَنَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ حَقًّا لَهَا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ إِذَا طَلَبَتْهُ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، بِخِلَافِ نُشُوزِهَا فَإِنَّ لِلزَّوْجِ إِجْبَارَهَا عَلَى إِفَاءِ حَقِّهِ لِقَدْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ مُكَلَّفًا أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أُلْزِمَ وَلَيُّهُ تَوْفِيَتَهُ.
فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يُعَزِّرُهُ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ وَطَلَبَتْ تَعْزِيرَهُ مِنَ الْقَاضِي عَزَّرَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ إِذَا طَلَبَتْهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ إِسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا، فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ وَأَسْكَنَهُ بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنَ التَّعَدِّي عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَ إِلَى الْعَدْلِ، وَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهَا وَشَهَادَةُ الْقَرَائِنِ.
وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَقَالَ: إِنْ ظَنَّ الْحَاكِمُ تَعَدِّيَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا- لِكَوْنِهِ جَسُورًا- حَالَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدْلٌ، إِذْ لَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ نَظَرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَهُوَ نُشُوزٌ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنَ الرَّجُلِ أَسْكَنَهُمَا إِلَى جَنْبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِضْرَارِ بِهَا وَالتَّعَدِّي عَلَيْهَا.
تَعَدِّي كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ:
23- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَنَّ صَاحِبَهُ تَعَدَّى عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَمْرَهُمَا يُرْفَعُ إِلَى الْقَاضِي فَيَنْظُرُهُ، وَيَأْمُرُ فِيهِ بِمَا يَمْنَعُ الِاعْتِدَاءَ وَيَزْجُرُ الْمُتَعَدِّي، وَإِلاَّ نَصَّبَ حَكَمَيْنِ لِلنَّظَرِ فِي الشِّقَاقِ وَمُحَاوَلَةِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ وَادَّعَى الزَّوْجُ النُّشُوزَ، وَادَّعَتْ هِيَ عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَتَقْصِيرَهُ فِي حُقُوقِهَا، حِينَئِذٍ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا لِيَتَوَلَّيَا النَّظَرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَيَرُدَّا إِلَى الْحَاكِمِ مَا يَقِفَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمَا، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ الْحَكَمَانِ لِيَعِظَا الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَيُنْكِرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَإِعْلَامَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ لِيَأْخُذَ هُوَ عَلَى يَدِهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ ثَبَتَ تَعَدِّي كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ- عِنْدَ الْحَاكِمِ- وَعَظَهُمَا ثُمَّ ضَرَبَهُمَا بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ فَالْوَعْظُ فَقَطْ، وَسَكَّنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ يُوصَوْنَ عَلَى النَّظَرِ فِي حَالِهِمَا لِيُعْلَمَ مَنْ عِنْدَهُ ظُلْمٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ أُشْكِلَ الْأَمْرُ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ قَالَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ: إِنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا، تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَهُمَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ يُخْبِرُهُمَا وَيَكُونُ جَارًا لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَسْكَنَهُمَا فِي جَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إِلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ، وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُمَا مَنَعَ الظَّالِمَ مِنْ عَوْدِهِ لِظُلْمِهِ، وَطَرِيقِهُ فِي الزَّوْجِ مَا سَلَفَ فِي «تَعَدِّي الزَّوْجِ» وَفِي الزَّوْجَةِ بِالزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ كَغَيْرِهَا.
وَاكْتُفِيَ هُنَا بِثِقَةِ وَاحِدٍ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ، لِمَا فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنَ الْعُسْرِ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ شَهَادَةٍ بَلْ يَكْفِي عَدْلَ الرِّوَايَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمِ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ.
وَقَالُوا: إِنِ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنِ اسْتَمَرَّ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ، وَدَامَ التَّسَابُّ وَالتَّضَارُبُ، وَفَحُشَ ذَلِكَ، بَعَثَ الْقَاضِي حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ نَظَرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ بَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَدٍّ، أَوِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ ظَلَمَهُ، أَسْكَنَهُمَا إِلَى جَانِبِ مِنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا وَيُلْزِمُهُمَا الْإِنْصَافُ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ ذَلِكَ وَتَمَادَى الشَّرُّ بَيْنَهُمَا، وَخِيفَ الشِّقَاقُ عَلَيْهِمَا وَالْعِصْيَانُ، بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا.
التَّحْكِيمُ عِنْدَ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:
24- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ خِلَافُ الزَّوْجَيْنِ، وَأَشْكَلَ أَمْرُهُمَا، وَلَمْ يُدْرَ مِمَّنِ الْإِسَاءَةُ مِنْهُمَا، وَخِيفَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا إِلَى حَدٍّ يُؤَدِّي إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّ التَّحْكِيمَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.
وَمَشْرُوعِيَّةُ التَّحْكِيمِ فِي الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ بِهَا الْفُقَهَاءُ، اتِّبَاعًا لِلْحُكْمِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ، وَعَمَلًا بِهِ.
وَقَدْ بَسَطَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ التَّحْكِيمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي مَسَائِلَ، مِنْهَا:
أ- الْحَالُ الَّتِي يُبْعَثُ عِنْدَهَا الْحَكَمَانِ:
25- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِنْ نَشَزَتْ وَلَمْ يُجْدِ فِي تَأْدِيبِهَا وَكَفِّهَا عَنِ النُّشُوزِ الضَّرْبُ أَوْ مَا يَسْبِقُهُ مِنْ وَسَائِلِ التَّأْدِيبِ وَالرَّدْعِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْفَعُ أَمْرَهَا إِلَى الْقَاضِي لِيُوَجِّهَ إِلَيْهِمَا الْحَكَمَيْنِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يُدْرَ مِمَّنِ الْإِسَاءَةُ مِنْهُمَا، وَاسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ بَعْدَ إِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، أَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمُ ابْتِدَاءً، أَوْ لَمْ يُمْكِنِ السُّكْنَى بَيْنَهُمْ، أَوْ إِذَا اشْتَدَّ الْخِلَافُ وَالشِّقَاقُ وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا، وَدَامَ التَّسَابُّ وَالتَّضَارُبُ وَفَحُشَ ذَلِكَ، وَتَمَادَى الشَّرُّ بَيْنَهُمَا وَخَشَى أَنْ يُخْرِجَهُمَا إِلَى الْعِصْيَانِ بَعَثَ الْقَاضِي الْحَكَمَيْنِ.
ب- الْخِطَابُ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَحُكْمُهُ:
26- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} لِلْحُكَّامِ وَالْأُمَرَاءِ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَيَمْنَعُونَ مِنَ التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ.
وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَقِيلَ: لِلزَّوْجَيْنِ، فَيَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلِلزَّوْجَيْنِ إِقَامَةُ حَكَمَيْنِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ مَنْ عَيَّنَهُمَا الْقَاضِي لِذَلِكَ.
وَنَصَّ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ بَعْثَ الْحَكَمَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ أَوِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ آيَةَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، فَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبٌ، وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الظِّلَامَاتِ، وَهُوَ مِنَ الْفُرُوضِ الْعَامَّةِ عَلَى الْقَاضِي، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ الْأَذْرُعِيُّ: ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ.
وَنَصُّ الْأُمِّ هُوَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا ارْتَفَعَ الزَّوْجَانِ الْمَخُوفُ شِقَاقُهُمَا إِلَى الْحَاكِمِ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
19-موسوعة الفقه الكويتية (وزارة 2)
وِزَارَةٌ-2شُرُوطُ وِزَارَةِ التَّنْفِيذِ:
17- يُشْتَرَطُ فِي وَزِيرِ التَّنْفِيذِ الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ، وَهِيَ الْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَالرُّشْدُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْكِفَايَةُ فِيمَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ مُبَلِّغٍ وَمُنَفِّذٍ لِأَوَامِرِ الْإِمَامِ أَوْ وَزِيرِ التَّفْوِيضِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي وَزِيرِ التَّنْفِيذِ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ، تَتَعَلَّقُ بِعَمَلِهِ، وَهِيَ:
أ- الثِّقَةُ: يُشْتَرَطُ فِي وَزِيرِ التَّنْفِيذِ أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا، بِحَيْثُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّ مِلَاكَ أَمْرِهِ إِخْبَارُ الْجُنْدِ وَالرَّعَايَا بِمَا يُنَفِّذُهُ الْإِمَامُ، وَهَذَا يَسْتَدْعِي الْوَرَعَ وَالْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ.
ب- الْأَمَانَةُ: وَذَلِكَ حَتَّى لَا يَخُونَ فِيمَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ، وَلَا يَغُشَّ فِيمَا اسْتُنْصِحَ فِيهِ.
ج- صِدْقُ اللَّهْجَةِ: حَتَّى يُوثَقَ بِخَبَرِهِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ، وَيُعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يُنْهِيهِ.
د- قِلَّةُ الطَّمَعِ: حَتَّى لَا يَرْتَشِيَ فِيمَا يَلِي، وَلَا يَنْخَدِعَ فَيَتَسَاهَلَ فِي عَمَلِهِ.
هـ- الْمُسَالَمَةُ وَعَدَمُ الْعَدَاوَةِ وَالشَّحْنَاءِ، فَيَسْلَمُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ عَدَاوَةٍ وَشَحْنَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تَصُدُّ عَنِ التَّنَاصُفِ، وَتَمْنَعُ مِنَ التَّعَاطُفِ.
و- الذِّكْرُ وَعَدَمُ النِّسْيَانِ، لِيَكُونَ ذَكُورًا لِمَا يُؤَدِّيهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَمَا يُؤَدِّيهِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وَعَلَيْهِ.
ز- الذَّكَاءُ وَالْفِطْنَةُ وَالْكِيَاسَةُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ الْأَخْبَارَ وَالْأَعْبَاءَ وَالْأَعْمَالَ، فَيَحْتَاجُ إِلَى إِدْرَاكِ مَعَانِيهَا لِيَنْقُلَهَا، فَلَا يُؤْتَى عَنْ غَفْلَةٍ وَذُهُولٍ، وَلَا تُدَلَّسُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ فَتَشْتَبِهُ، وَلَا تُمَوَّهُ عَلَيْهِ فَتَلْتَبِسُ، فَلَا يَصِحُّ مَعَ اشْتِبَاهِهَا عَزْمٌ، وَلَا يَصْلُحُ مَعَ الْتِبَاسِهَا حَزْمٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَطِنًا لَمْ يُوثَقْ بِفَهْمِهِ لِمَا يُؤَدِّيهِ، وَلَا يُؤْمَنُ خَطَؤُهُ فِيمَا يُبَلِّغُهُ وَيُؤَدِّيهِ.
ح- أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَيُخْرِجَهُ الْهَوَى عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَدَلَّسَ عَلَيْهِ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ؛ لِأَنَّ الْهَوَى خَادِعُ الْأَلْبَابِ، وَصَارِفٌ لَهُ عَنِ الصَّوَابِ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي، وَيُصِمُّ».
ط- الْحُنْكَةُ وَالتَّجْرِبَةُ وَالْخِبْرَةُ: وَهَذَا الشَّرْطُ إِذَا كَانَ وَزِيرُ التَّنْفِيذِ مُشَاوِرًا فِي الرَّأْيِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْحُنْكَةِ وَالتَّجْرِبَةِ الَّتِي تُوصِلُ إِلَى صِحَّةِ الرَّأْيِ وَصَوَابِ التَّدْبِيرِ، فَإِنَّ فِي التَّجَارِبِ خِبْرَةً بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، فَإِنْ لَمْ يُشَارِكْ فِي الرَّأْيِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا الْوَصْفِ، وَإِنْ كَانَ يَكْتَسِبُهُ مَعَ كَثْرَةِ الْمُمَارَسَةِ.
ي- الذُّكُورَةُ: يُشْتَرَطُ فِي وَزِيرِ التَّنْفِيذِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُومَ بِوِزَارَةِ التَّنْفِيذِ امْرَأَةٌ- وَإِنْ كَانَ خَبَرُهَا مَقْبُولًا- لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْوِزَارَةُ مَعْنَى الْوِلَايَاتِ الْمَصْرُوفَةِ عَنِ النِّسَاءِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» وَلِأَنَّ فِيهَا مِنْ طَلَبِ الرَّأْيِ وَثَبَاتِ الْعَزْمِ مَا تَضْعُفُ عَنْهُ النِّسَاءُ، وَمِنَ الظُّهُورِ فِي مُبَاشَرَةِ الْأُمُورِ مَا هُوَ عَلَيْهِنَّ مَحْظُورٌ.
ك- الْإِسْلَامُ: وَهَذَا شَرْطٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَأَجَازَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى تَعْيِينَ الذِّمِّيِّ فِي وِزَارَةِ التَّنْفِيذِ دُونَ وِزَارَةِ التَّفْوِيضِ، فَقَالَا: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَزِيرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ وَزِيرُ التَّفْوِيضِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ وَزِيرَ التَّنْفِيذِ يَتَصَرَّفُ فِي حُدُودِ مَا أُمِرَ بِتَنْفِيذِهِ مِنَ الْإِمَامِ، عَلَى عَكْسِ وَزِيرِ التَّفْوِيضِ الَّذِي يُفَوَّضُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَفْقَ اجْتِهَادِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَنَقَلَ أَبُو يَعْلَى عَنِ الْخِرَقِيِّ فَقَالَ: وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَزِيرُ التَّنْفِيذِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ إِعْطَاءَهُمْ جُزْءًا مِنَ الزَّكَاةِ إِنْ كَانُوا مِنَ الْعَامِلِينَ فِيهَا، فَيُعْطَوْا بِحَقِّ مَا عَمِلُوا، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وِلَايَتِهِمْ وَعِمَالَتِهِمْ.
وَخَالَفَهُمُ الْجُوَيْنِيُّ وَقَالَ: فَإِنَّ الثِّقَةَ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَتِهَا، وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ مَوْثُوقًا فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَتَصَارِيفِ أَحْوَالِهِ، وَرِوَايَتُهُ مَرْدُودَةٌ، وَكَذَلِكَ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُسْنِدُهُ وَيَعْزُوهُ إِلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ؟
وَاسْتَدَلَّ الْجُوَيْنِيُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} وقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} وقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- اشْتَدَّ نَكِيرُهُ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لَمَّا اتَّخَذَ كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا.
قَالَ أَبُو يَعْلَى: وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ سُئِلَ: نَسْتَعْمِلُ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلِ الْخَرَاجِ؟ فَقَالَ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وَزِيرِ التَّنْفِيذِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي الْأَحْكَامِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ افْتِتَاحُ أَمْرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّفِيرِ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالرَّعِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَسْتَعِينُ بِرَأْيِهِ فِيمَا يَقَعُ، فَهُوَ مُجَرَّدُ مُسْتَشَارٍ مُبَلِّغٍ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْوِلَايَةِ
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وَزِيرِ التَّنْفِيذِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَفْصِلَ فِي الدَّعَاوَى الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى عِلْمٍ، وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُ نَظَرُهُ عَلَى الْأَدَاءِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، وَالْأَدَاءِ عَنْهُ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وَزِيرِ التَّنْفِيذِ الْحُرِّيَّةُ، فَتَصِحُّ مِنَ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالْوِلَايَةِ، وَلَا بِتَقْلِيدِ الْوَظَائِفِ إِلَى غَيْرِهِ، قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَلَا يَضُرُّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ هَذَا الْمَنْصِبِ عَبْدًا مَمْلُوكًا، فَإِنَّ الَّذِي يُلَابِسُهُ لَيْسَ وِلَايَةً، وَإِنَّمَا هُوَ إِنْبَاءٌ وَإِخْبَارٌ، وَالْمَمْلُوكُ مِنْ أَهْلِ وِلَايَةِ الْإِخْبَارِ.
انْتِهَاءُ الْوِزَارَةِ بِالْعَزْلِ، وَالتَّغْيِيرِ:
18- إِنَّ تَعْيِينَ الْوَزِيرِ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَفْسَخَهُ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ وَزِيرَ التَّفْوِيضِ، وَوَزِيرَ التَّنْفِيذِ، وَأَنْ يُغَيِّرَهُمَا بِآخَرَ، لِسَبَبٍ أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ، مَا دَامَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْأُمَّةِ، وَيَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَعْزِلَ وَزِيرَ التَّنْفِيذِ الَّذِي عَيَّنَهُ.
كَمَا يَحِقُّ لِكُلٍّ مِنْ وَزِيرَيِ التَّفْوِيضِ وَالتَّنْفِيذِ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، سَوَاءٌ كَانَ لِسَبَبٍ أَمْ لِغَيْرِ سَبَبٍ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِي ذَلِكَ.
كَمَا يَحِقُّ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَزِيرَ إِذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ، أَوْ فَقَدَ مُقَوِّمَاتِ تَعْيِينِهِ، أَوْ قَصَّرَ فِي وَاجِبَاتِهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِمَامِ، فَقَدْ نَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ عَلَى الرَّعِيَّةِ حَقَّانِ: الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ، وَالَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْإِمَامَةِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا جَرْحٌ فِي عَدَالَتِهِ وَالثَّانِي نَقْصٌ فِي بَدَنِهِ فَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَزِيرِ.
كَمَا يَحِقُّ لِلْخَلِيفَةِ عَزْلُ الْوَزِيرِ وَإِنْ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْأُمَّةِ يُقَدِّرُهَا الْإِمَامُ، أَوْ وَجَدَ الْأَكْفَأَ وَالْأَحْسَنَ لِإِدَارَةِ الدَّوْلَةِ وَمَصَالِحِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا جُزْءٌ مِنْ وَظِيفَةِ الْإِمَامِ فِي مُرَاقَبَةِ الْوَزِيرِ، وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ، وَمُؤَاخَذَتِهِ إِنْ أَسَاءَ أَوْ ظَلَمَ أَوْ قَصَّرَ، وَعَزْلِهِ إِنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً.
وَيَجِبُ عَزْلُ الْوَزِيرِ لِخِيَانَةٍ ظَهَرَتْ، فَيُعْزَلُ وَيُعَاقَبُ، كَمَا يُعْزَلُ لِتَقْصِيرٍ، أَوْ لِعَجْزٍ، وَيُقَلَّدُ عَمَلًا أَسْهَلَ، كَمَا يُعْزَلُ لِظُلْمٍ أَوْ تَجَاوُزٍ لِحَقٍّ أَوْ لِينٍ وَقِلَّةِ هَيْبَةٍ، أَوْ يُضَمُّ لَهُ مَنْ يُعَاوِنُهُ وَتَتَكَامَلُ بِهِ الْقُوَّةُ وَالْهَيْبَةُ، أَوْ يُعْزَلُ لِقُصُورِ الْعَمَلِ عَنْ كَفَاءَتِهِ، وَيُرَقَّى إِلَى عَمَلٍ أَعْلَى.
* * *
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
20-معجم الرائد (ظنون)
ظنون:1- الذي يسيء الظن كثيرا.
2- ما لا يوثق به.
3- «رجل ظنون»: ضعيف.
4- «رجل ظنون»: لا يوثق بخبره.
5- «دين ظنون»: لا يدري صاحبه أيأخذه أم لا.
6- «بئر ظنون»: لا يعلم أفيها ماء أم لا.
الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
21-تاج العروس (خبر)
[خبر]: الخَبَرُ، مُحرَّكَةً: النَّبَأُ، هكذا في المُحْكَم. وفي التَّهْذِيب: الخَبَر: ما أَتَاكَ مِن نَبَإِ عَمَّن تَسْتَخْبِرُ. قال شَيْخُنَا: ظاهِرُه بل صَرِيحُه أَنَّهُما مُتَرادِفَان، وقد سَبق الفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وأَنَّ النَّبَأَ خَبَرٌ مُقَيَّدٌ بكَوْنِه عن أَمْر عَظيم كما قَيَّد به الرَّاغِب وغيرُه من أَئِمَّة الاشْتِقَاقِ والنَّظَرِ في أُصولِ العَرَبِيَّة. ثم إِنَّ أَعلامَ اللُّغَةِ والاصْطِلاح قَالوا: الخَبَر عُرْفًا ولُغَة: ما يُنْقَل عن الغَيْر، وزادَ فيه أَهْلُ ما يُنْقَل عن الغَيْر، وزادَ فيه أَهْلُ العَرَبِيَّة: واحْتَمَلَ الصِّدْقَ والكَذِبَ لِذَاتِه.والمُحَدِّثُون استَعْمَلُوه بمَعْنَى الحَدِيث. أَو الحَدِيثُ: ما عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، والخَبَر: ما عَنْ غَيْرِه.
وقال جَماعَة من أَهْلِ الاصْطِلاح: الخَبَر أَعَمُّ، والأَثَرُ هو الذي يُعَبَّرُ به عن غَيْر الحَدِيث كما لِفُقَهاءِ خُراسَانَ. وقد مَرَّ إِيماءٌ إِليه في «أَثر» وبَسْطه في عُلُوم اصْطِلاح الحَدِيث. الجمع: أَخْبارٌ. وجج؛ أَي جَمْع الجَمْع أَخابِيرُ.
ويقال: رَجُلٌ خَابِرٌ وخَبِيرٌ: عالِمٌ بالخَبَر. والخَبِيرُ: المُخْبِر.
[وخَبِرٌ] * قال أَبُو حَنِيفَة في وَصْف شَجَر: أَخْبَرَني بذلِك الخَبِرُ. فجاءَ به ككَتِف. قال ابنُ سِيده: وهذا لا يَكَادُ يُعْرَف إِلّا أَنْ يُكونَ على النَّسَب. ويُقَالُ: رَجُلٌ خُبْرٌ، مثل جُحْر؛ أَي عَالِمٌ بِهِ؛ أَي بالخَبَر، على المُبَالَغَة، كزيد عَدْل.
وأَخْبَره خُبُورَه، بالضّمّ؛ أَي أَنْبَأَه ما عِنْدَه. والخُبْرُ والخُبْرَة، بكَسْرِهِما ويُضَمَّان، والمَخْبَرةُ، بفَتْح المُوَحَّدة، والمَخْبُرَة بضَمِّها: العِلْمُ بالشَّيْءِ، تقول: لي به خُبْرٌ وخُبْرة، كالاخْتِبار والتَّخَبُّرِ. وقد اخْتَبَرَه وتَخَبَّرَه. يقال: مِنْ أَيْنَ خَبَرْتَ هذا الأَمرَ؟ أَي من أَيْن عَلِمْت. ويقال: «صَدَّقَ الخَبَرَ الخُبْرُ». وقال بَعضُهم: الخُبْر، بالضَّمّ: العِلْمُ بالباطِن الخَفِيِّ، لاحْتِياج العِلْم به للاخْتبار. والخِبْرَةُ: العِلْم بالظَّاهر والباطنِ، وقيلَ: بالخَفَايَا البَاطِنَةِ ويَلْزَمُها مَعْرِفَةُ الأُمورِ الظَّاهِرة. وقد خَبُرَ الرَّجُلُ، ككَرُمَ، خُبُورًا، فهو خَبيرٌ.
والخَبْرُ، بفَتْح فَسُكُون: المَزَادَةُ العَظِيمَة، كالخَبْرَاءِ، مَمْدُودًا، الأَخِير عن كُرَاع.
ومِنَ المَجَازِ: الخَبْرُ: النَّاقَةُ الغَزِيرَةُ اللَّبنِ، شُبِّهت بالمَزَادة العَظِيمة في غُزْرِها، وقد خَبَرَتْ خُبُورًا عن اللِّحْيَانِيّ، ويُكْسرُ، فِيهِمَا، وأَنْكَر أَبو الهَيْثم الكَسْرَ في المَزادَة، وقال غيرُه: الفَتْحُ أَجْودُ.
ج؛ أَي جمْعهما، خُبُورٌ.
والخَبْرُ: قرية: بِشِيرازَ، بها قَبْرُ سَعِيدٍ أَخِي الحَسَن البَصْرِيّ. مِنْهَا أَبُو عَبْدِ الله الفَضْلُ بنُ حَمَّادٍ الخَبْرِيّ الحافظ صاحِبُ المُسْنَد، وكان يُعَدُّ من الأَبدَال، ثِقَةٌ ثَبتٌ، يَرْوِي عن سَعِيد بن أَبي مَرْيَمَ وسَعِيدِ بنِ عُفَير، وعَنْه أَبُو بَكْر بْنُ عَبدانَ الشِّيرازِيّ، وأَبو بَكْر عبد الله بن أَبي داوود السِّجِسْتَانيّ، وتُوفِّيَ سنة 264، والخَبْرُ: قرية باليَمَن، نَقَلَه الصَّاغانِيُّ.
والخَبْرُ: الزَّرْعُ.
والخَبْرُ: مَنْقَعُ الماءِ في الجَبَل، وهو ما خَبِرَ المسِيلُ في الرُّءُوس، فتَخُوضُ فيه.
والخَبْرُ: السِّدْرُ والأَرَاكُ وما حَوْلَهُمَا من العُشْب. قال الشاعر:
فجادَتْكَ أَنواءُ الرَّبِيعِ وهَلَّلَتْ *** عليكَ رِيَاضٌ من سَلَامٍ ومِن خَبْرِ
كالخَبِر، ككَتِفٍ، عن اللَّيث واحِدَتُهما خَبْرة وخَبِرَةٌ.
والخَبْرَاءُ: القاعُ تُنْبِتُه؛ أَي السِّدْرَ، كالخَبِرَة، بفَتْح فكَسْر، وجمْعُه خَبِرٌ. وقال اللّيث: الخَبْراءُ شَجْراءُ في بَطْنِ رَوْضَةٍ يَبْقَى فِيها المَاءُ إِلى القَيْظ، وفيها يَنْبُت الخَبْرُ وهو شَجَر السِّدْرِ والأَراكِ وحَوالَيْهَا عُشْبٌ كَثِيرٌ، وتُسَمَّى الخَبِرةَ، الجمع: الخَبَارى، بفتح الرّاءِ، والخَبَارِي، بكَسْرِهَا مثل الصَّحَارَى والصَّحَارِي. والخَبْراواتُ والخبَارُ، بالكَسْرِ.
وفي التَّهْذِيب في «نَقْع»: النَّقَائع: خَبَارَى في بِلادِ تَميم.
والخَبْرَاءُ: منْقَعُ المَاءِ. وخَصَّ بَعْضُهم به مَنْقَعَ المَاءِ في أُصُولِهِ؛ أَي السِّدرِ. وفي التَّهْذِيب الخَبْرَاءُ: قَاعٌ مُسْتَدِيرٌ يَجْتَمِع فيه المَاءُ.
والخَبَارُ كسَحَاب: مَالانَ مِنَ الأَرْضِ واسْتَرْخَى وكانَت فِيهَا جِحَرَةٌ، زاد ابْنُ الأَعْرَابِيّ: وتَحَفَّر. وقال غيره: هو ما تَهوَّرَ وساخَتْ فيه القَوَائِمُ. وفي الحَدِيث «فدَفَعْنَا في خَبَارٍ من الأَرض»؛ أَي سَهْلَةٍ لَيِّنة. وقال بَعضُهم: الخَبَارُ: أَرضٌ رِخْوَة تَتعْتَع فيها الدَّوابُّ، وأَنشد:
تَتَعْتع في الخَبَارِ إِذَا عَلَاه *** وتَعْثُرُ في الطَّرِيق المُسْتَقِيمِ
والخَبَارُ: الجرَاثِيمُ، جَمْعُ جُرْثُومٍ؛ وَهُوَ التُّرابُ المُجْتَمِع بأُصولِ الشَّجرِ. والخَبَارُ: حِجَرَةُ الجُرْذانِ، واحدَتُه خَبَارَةٌ. و«مَنْ تَجَنَّبَ الخَبَارَ أَمِنَ العِثَارَ» مَثَلٌ ذَكَرَه المَيْدَانِيّ في مَجْمَعِه والزَّمَخْشَريّ في المُسْتَقْصَى والأَساس.
وخَبِرَتِ الأَرْضُ خَبَرًا، كفَرِح كَثُر خَبَارُهَا. وخَبِر المَوْضِعُ، كفَرِحَ، فَهُو خَبِرٌ: كَثُرَ به الخَبْرُ، وهو السِّدْر.
وأَرضٌ خَبِرَةٌ، وهذا قَدْ أَغفلَهَ المُصنِّفُ.
وفَيْفَاءُ أَو فَيْفُ الخَبَارِ: موضع بِنَواحِي عَقِيقِ المَدِينَةِ، كانَ عَلَيْه طَرِيقُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ يُرِيدُ قُرَيشًا قبل وَقْعَة بَدْرٍ، ثم انْتَهَى منه إِلى يَلْيَلَ.
والمُخَابَرَةُ: المُزَارَعَةُ*، عَمَّ بها اللِّحْيَانيّ. وقال غَيْره: على النِّصْفِ ونَحْوِه؛ أَي الثُّلُث. وقال ابنُ الأَثير:
المُخَابَرةُ: المُزارَعَة على نَصِيبٍ مُعَيَّن، كالثُّلُث والرُّبع وغَيْرِهما.
وقال غَيرُه: هو المُزارَعَة ببَعْض ما يَخْرُج من الأَرض، كالخِبْرِ، بالكَسْر. وفي الحَدِيث: «كُنَّا نُخَابِرُ ولا نَرى بِذلك بَأْسًا حتّى أَخْبَرَ رافِعٌ أَنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا» قيل: هو من خَبِرَتِ الأَرْضُ خَبَرًا: كَثُر خَبَارُهَا. وقيل: أَصْلُ المُخَابَرة من خَيْبَر، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّها في أَيْدِي أَهْلِهَا على النِّصف من مَحْصُولِها، فقيل: خَابَرَهُم؛ أَي عامَلَهُم في خَيْبر.
والمُخَابَرَة أَيْضًا المُؤَاكَرَةُ: والخَبِيرُ: الأَكَّارُ، قال:
تَجُزُّ رُءُوس الأَوْسِ من كُلِّ جانِبٍ *** كجَزِّ عَقَاقِيلِ الكُرُومِ خَبِيرُها
رفع خَبِيرُهَا على تَكْرِيرِ الفِعْل. أَراد جَزَّه خَبِيرُها؛ أَي أَكَّارُها.
والخَبِيرُ: العالِمُ بالله تَعَالَى، بمَعْرِفَة أَسمائِه وصِفَاتِه، والمُتَمكِّن من الإِخْبار بما عَلِمَه والذي يَخْبُرُ الشَّيْءَ بعِلْمه.
والخَبِير: الوَبَرُ يَطْلُع على الإِبِل، واستعاره أَبو النّجم لحمِير وَحْشٍ فقال:
حَتَّى إِذا ما طَارَ من خَبِيرِهَا
ومن المَجَاز في حَدِيثِ طَهْفَة: «نَسْتَخْلِبُ الخَبِيرَ»؛ أَي نَقْطَع النَّبَات والعُشْب ونأْكلُه. شُبِّه بخَبِير الإِبِل وهو وَبَرُهَا، لأَنَّه يَنْبُت كما يَنْبُت الوَبَر؛ واستِخْلابُه: احتِشاشُه بالمِخْلَبِ وهو المِنْجلُ.
والخَبِيرُ: الزَّبَدُ، وقيل: زَبَدُ أَفْوَاهِ الإِبِلِ. وأَنْشَدَ الهُذَلِيّ:
تَغَذَّمْنَ في جَانِبَيْه الخَبِي *** ر لَمَّا وهَي مُزْنهُ واستُبِيحَا
تَغَدَّمْنَ يَعْنِي الفُحُول؛ أَي مَضَغْن الزَّبَدَ وعَمَيْنَه.
والخَبِيرُ: نُسَالَةُ الشَّعرِ. قال المُتَنَخِّلُ الهُذَلِيّ:
فآبُوا بالرِّماح وهُنَّ عُوجٌ *** بِهِنّ خَبَائِرُ الشَّعَرِ السِّقَاطِ
وخَبِير: جَدُّ والدِ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرانَ بنِ مُوسَى بنِ خَبِير الغَوَيْدِينِيّ المُحَدِّثِ النَّسَفِيّ، عن مُحَمّد بنِ عَبْدِ الرحمن الشّاميّ وغَيْرِه.
والخَبِيرَةُ، بالهاءِ، اسمُ الطَّائِفَة مِنْه؛ أَي من نُسَالَةِ الشعر.
والخَبِيرَةُ: الشَّاةُ تُشْتَرَى بَيْن جماعةٍ بأَثْمانِ مُخْتَلفة، فتُذْبَحُ ثم يقْتَسِمُونها، فيُسْهِمُون، كُلُّ واحد على قَدْر ما نَقَد، كالخُبْرة، بالضَّمِّ، وتَخَبَّروا خُبْرةً فَعَلُوا ذلِك أَي اشتَرُوا شاةَ فذَبَحُوها واقْتَسَمُوها. وشاةٌ خَبِيرَةٌ: مُقْتَسَمَةٌ. قال ابنُ سِيدَه: أُرَاهُ على طَرْحِ الزَّائد.
والخُبْرة: الصُّوفُ الجَيِّد من أَوَّل الجَزِّ، نقله الصّاغانِيّ.
والمَخْبَرَةُ، بفتح المُوَحّدة: المَخْرأَةُ، موضع الخِراءَة، نقلَه الصَّاغانِيّ.
والمَخْبَرةُ: نَقِيضُ المَرْآةِ، وضَبَطه ابنُ سِيدَه بضَمِّ المُوَحَّدَة. وفي الأَساس: ومن المَجاز: تُخْبِرُ عن مَجْهُولِه مَرْآتُه.
والخُبْرَة، بالضَّمِّ: الثَّرِيدَةُ الضَّخْمَةُ الدَّسِمة.
والخُبْرَة: النَّصِيبُ تَأْخذُه من لَحْمٍ أَو سَمَكٍ، وأَنْشَد:
باتَ الرَّبِيعِيُّ والخامِيزُ خُبْرَتُه *** وطَاحَ طَيْ مِن بَنِي عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ
والخُبْرَة: ما تَشْتَرِيه لأَهْلِك، وخَصَّه بعضُهم باللَّحْم، كالخُبْرِ بغير هَاءٍ، يقال للرّجال ما اخْتَبَرْتَ لأَهْلك؟
والخُبْرَة: الطَّعامُ من اللَّحْم وغَيْرِه. وقيل: هو اللَّحْمُ يَشْتَرِيه لأَهْلِه، والخُبْرة: مَا قُدِّمَ مِنْ شَيْءٍ، وحَكَى اللِّحْيَانيّ أَنَّه سمِع العرب تقول: اجْتَمعوا على خُبْرَته، يَعْنُون ذلك، وقيل: الخُبْرَة: طَعَامٌ يَحْمِلُه المُسَافِرُ في سُفْرَتِه يَتَزوَّدُ به، والخُبْرَة: قَصْعَةٌ فِيهَا خُبْزٌ ولَحْمٌ بينَ أَرْبَعَةٍ أَو خَمْسَةٍ.
والخَابُورُ: نَبْتٌ أَو شَجَر له زَهْرٌ زَاهِي المَنْظَرِ أَصفرُ جَيِّدُ الرائِحَةِ، تُزيَّنُ به الحَدائِقُ، قال شيخُنا: ما إِخَالُه يُوجَد بالمَشْرِق. قال:
أَيَا شجَر الخَابُورِ مَا لَك مُورِقًا *** كأَنَّكَ لم تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ
والخَابُورُ: نَهرٌ بَيْنَ رَأْسِ عَيْنٍ والفُراتِ مَشْهُور.
والخَابُورُ: نَهْرٌ آخَرُ شَرقِيَّ دِجْلَةِ المَوْصِلِ، بينه وبين الرَّقَّة، عليه قُرًى كَثِيرةٌ وبُلَيْدَاتٌ. ومنها عَرَابَان منها أَبُو الرّيّان سريح بن رَيّان بن سريح الخَابُورِيّ، كَتَبَ عنه السَّمْعَانيّ.
والخَابُورُ: وَادٍ بالجَزِيرة وقيل بسِنْجَار، منه هِشام القَرْقسائيّ الخَابُورِيّ القَصّار، عن مَالِك، وعنه عُبَيْد بن عَمرٍو الرَّقِّيّ. وقال الجوهريّ: مَوْضِع بناحية الشَّام؛ وقيل بَنواحِي ديِاربَكْرٍ، كما قاله السّيد والسّعد في شَرْحَيِ الْمِفْتَاح والمُطَوَّل، كما نَقَله شيخُنَا. ومُرادُه في شَرْحِ بَيْت التَّلْخِيص والمِفْتَاح:
أَيَا شَجَرَ الخَابُورِ مَا لَك مُورِقًا
المُتَقَدّم ذِكْرُه.
وخَابُورَاءُ: موضع. ويضاف إِلى عَاشُورَاءَ وما مَعَه.
وخَيْبَرُ، كصَيْقَل: حِصْنٌ م؛ أَي معروف، قُرْبَ المَدِينَةِ المُشَرَّفَة، على ثَمَانِيةِ بُرُدٍ منها إِلى الشّام، سُمِّيَ باسم رَجُل من العَمَالِيقِ، نزَل بها، وهُو خَيْبَرُ بن قَانِيَة بن عَبِيل بن مهلان بن إِرَم بن عَبِيل، وهو أَخُو عَاد. وقال قوْم: الخَيْبَر بلسَان اليَهُودِ: الحِصْن، ولذا سُمِّيَت خَبائِرَ، أَيْضًا، وخَيْبَرُ مَعْرُوفٌ، غَزَاه النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وله ذِكْرٌ في الصَّحِيح وغيره، وهو اسْمٌ للوِلَايَة، وكانت به سَبْعَةُ حُصُونٍ، حَوْلَها مَزارِعُ ونَخْلٌ، وصادفت قوله صلى الله عليه وسلم: «الله أَكْبَر، خَرِبَت خَيْبَر». وهذه الحُصُونُ السَّبْعَة أَسماؤُهَا: شِقّ ووَطِيح ونَطَاة وقَمُوص وسُلَالِم وكَتِيبة ونَاعِم.
وأَحمَدُ بْنُ عَبْدِ القَاهِر اللَّخْمِيّ الدِّمَشْقِيّ، يَرْوِي عن مُنَبِّه بنِ سُلَيْمَان. قلت: وهو شَيْخٌ للطَّبَرَانِيّ. ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيز أَبو مَنْصُور الأَصْبهانيّ، سَمِع من أَبي مُحَمّد بن فارِس، الخَيْبَرِيَّانِ، كأَنَّهُمَا وُلِدَا بِهِ، وإِلّا فلَم يخرُجْ منه مَنْ يُشارُ إِليه بالفَضْل.
وعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْبَرَ، مُحَدِّثٌ، وَهُو شَيْخٌ لأَبِي إِسْحَاق المُسْتَمْلِي.
والخَيْبَرَى، بفتحِ الرَّاءِ وأَلِفٍ مَقْصُورَة، ومِثْلُه في التَّكْمِلَة، وفي بعضِ النُّسَخ بكَسْرِها ويَاءِ النِّسْبَة: الحَيَّةُ السَّوْدَاءُ. يُقَال: بَلَاه الله بالخَيْبَرَى، يَعْنُون به تِلْك، وكَأَنَّه لَمَّا خَرِبَ صار مَأْوَى الحَيَّاتِ القَتّالة.
وخَبَرَه خُبْرًا، بالضَّمّ، وخِبرَةً، بالكَسْرِ: بَلَاهُ وجَرَّبَه، كاخْتَبَرَه: امْتَحَنَه.
وخَبَرَ الطَّعَامَ يَخْبُره خَبْرًا: دَسَّمَه. ويقال: اخْبُر طَعَامَك؛ أَي دَسِّمْه. ومنه الخُبْرَةُ: الإِدام. يقال: أَتَانَا بخُبْزَة، ولم يأْتِنَا بخُبْرة. ومنه تَسْمِيَة الكَرج المُلاصِقِ أَرضهم بعِراق العَجَم التمرَ خُبْرَةً، هذا أَصْل لُغَتِهم، ومِنْهم من يَقْلِب الرَّاءَ لامًا.
وخابَرَانُ، بفتح المُوحَّدة: نَاحِيَةٌ بَيْنَ سَرَخْسَ وأَبيوَرْد، ومن قُراها مِيهَنَةُ. ومِمَّن نُسِب إِلى خَابَرَانَ أَبُو الفَتْحِ فَضْلُ الله بنُ عَبْد الرَّحْمن بْنِ طَاهِرٍ الخَابَرانِيّ المُحَدِّث. وخَابَرَانُ موضع آخَرُ.
واسْتَخْبَرَه: سأَلَه عن الخَبَر وطلَب أَن يُخْبِرَه، كتَخَبَّرَه.
يقال: تَخَبَّرْتُ الخَبَرَ واستَخْبرْتُه، ومِثْله تَضَعَّفْت الرَّجلَ واستَضْعَفْته. وفي حدِيث الحُدَيْبِيَة: «أَنَّه بَعَث عَيْنًا من خُزَاعَةَ يَتَخَبَّر له خَبَرَ قُرَيْشٍ» أَي يَتَعَرَّف ويَتَتَبَّع. يقال: تَخَبَّر الخَبَرَ واستَخْبَرَ، إِذا سَأَل عن الأَخبار ليَعْرِفَها. وخَبَّره تَخْبِيرًا: أَخْبَرَه. يقال: اسْتَخْبَرْتُه فأَخْبَرَنِي وخَبَّرَني.
وخَبْرِينُ، كقَزْوِينَ: قرية بِبُسْتَ. ومنها أَبُو عَليّ الحُسَيْن بْنُ اللَّيْث بن فُدَيْك الخَبْرِينِيّ البُسْتِيّ، من تاريخ شِيرَازَ.
والمخْبُورُ: الطَّيِّب الإِدَامِ، عن ابْنِ الأَعْرابِيّ؛ أَي الكَثِيرُ الخُبْرَةِ؛ أَي الدَّسم.
وخَبُورٌ، كصبُورٍ: الأَسَدُ.
وخَبِرَةُ، كنَبِقَة: ماءٌ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ في حِمَى الرَّبذَةِ، وعنده قَلِيبٌ لأَشْجَعَ.
وخَبْرَاءُ العِذْقِ: موضع بالصَّمَّانِ، في أَرْضِ تَمِيم لِبَنِي يَرْبُوع.
والخَبَائِرَةُ مِن وَلَد ذِي جَبَلَة بْنِ سَواءٍ، أَبُو بَطْن من الكُلَاع، وهو خَبَائِرُ بْنُ سَوَاد بنِ عَمْرِو بْنِ الكلاع بن شَرَحْبِيل. مِنْهُم أَبُو عَلِيّ يُونُس بْن ياسِر بن إِيَادٍ الخَبَائِرِيّ، روى عنه سَعِيدُ بْنُ كثير بن عُفَيْر، في الأَخبار. وسُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ أَبو يَحْيَى الخَبَائِرِيّ، تَابِعيٌّ مِنْ ذِي الكَلَاعِ، عن أَبَي أُمَامَةَ، وعنه مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، وعَبْدُ الله بْنُ عَبدِ الجَبَّارِ الخَبَائِرِيُّ الحِمْصيّ، لَقَبُه زُرَيْق، عن إِسْمَاعِيل بنِ عَيّاش، وعنه مُحَمَّد بنُ عَبْد الرحمن بن يُونُس السّرّاج، وأَبُو الأَحْوَص، وجَعْفَرٌ الفِرْيَابيّ، قالَه الدَّارَقُطْنِيّ.
وقَوْلُهم: لأَخْبُرَنَّ خَبَرَكَ، هكذا هو مَضْبُوطٌ عِنْدَنَا محرّكةً: وفي بعْضِ الأُصول الجَيِّدة بضَمٍّ فَسُكُون؛ أَي لأَعْلَمَنَّ عِلْمَك. والخُبْرُ والخَبَرُ: العِلْم بالشَّيْءِ، والحَدِيثُ الّذِي رَوَاه ابُو الدَّرْدَاءِ وأَخْرَجَه الطَّبَرانِيّ في الكَبِير، وأَبُو يَعْلَى في المُسْنَد «وَجَدْتُ النَّاسَ اخْبُرْ تَقْلَهِ» أَي وَجَدْتُهُم مَقُولًا فِيهِم هَذا القَوْلُ. أَي مَا مِنْ أَحَد إِلَّا وهو مَسْخُوطُ الفِعْلِ عِنْدَ الخِبْرَة والامْتِحانِ، هكذَا في التَّكْمِلة، وفي اللِّسَانِ والأَساسِ وتَبِعَهُم المُصَنِّفُ في البَصَائِر: يُرِيدُ أَنَّك إِذَا خَبَرْتَهُم قَلَيْتَهُم؛ أَي أَبْغَضْتَهم، فأَخْرَجَ الكلامَ علَى لَفْظِ الأَمْرِ، وَمَعْنَاه الخَبَر.
وأَخْبَرْتُ اللِّقْحَةَ: وَجدْتُهَا مَخْبُورَةً؛ أَي غَزِيرَةً، نقله الصَّاغانِيّ كأَحْمَدْته: وَجَدْتُه مَحْمُودًا.
ومُحَمَّدُ بْنُ عَليٍّ الخَابِرِيُّ، مُحَدِّثٌ، عن أَبي يَعْلَى عَبْدِ المُؤْمن بْنِ خَلَف النَّسَفِيّ، وعنه عَبْدُ الرَّحِيم بنُ أَحمدَ البُخَارِيّ.
* ومما يُسْتَدْرَك عليه:
الخَبِير مِن أَسْمَاءِ الله عَزَّ وجَلَّ: العالِمُ بِما كَانَ وبِمَا يَكُون. وفي شَرْح التِّرْمَذِيّ: هو العَلِيم ببَواطِنِ الأَشْيَاءِ.
والخَابِرُ: المُخْتَبِرُ المُجَرِّب.
والخَبِيرُ: المُخْبِر.
ورجلٌ مَخْبَرانِيٌّ: ذو مَخْبَرٍ، كما قالوا: مَنْظَرَانِيّ: ذُو مَنْظَرٍ.
والخَبْرَاءُ: المُجَرَّبَة بالغُزْرِ.
والخَبِيرُ: الزَّرْعُ.
والخَبِيرُ: الفَقِيه، والرَّئِيسُ.
والخَبِير: الإِدَام، والخَبِيرُ: المَأْدُومُ: ومنهحَدِيثُ أَبي هُرَيْرَة: «حينَ لا آكُل الخَبيرَ». وجَمَلٌ مُخْتَبِرٌ: كَثيرُ اللَّحْمِ. ويقال: عليه الدَّبَرَى وحُمَّى خَيْبَرى. وحُمَّى خَيْبَرَ، مُتَنَاذَرَةٌ، قال الأَخْنَس بْنُ شِهَاب:
كَمَا اعْتَادَ مَحْمُومًا بخَيْبَرَ صالِبُ
والأَخْبَارِيّ المُؤَرّخ، نُسِب للفْظ الأَخْبَار، كالأَنْصَارِي والأَنْماطي وشِبْههما. واشْتَهَر بها الهَيْثَم بنُ عَديّ الطَّائيّ.
والخَبَائرَةُ: بَطْنٌ من العَرَب، ومَساكنُهُم في جِيزةِ مِصْر.
ومن أَمْثَالهم: «لا هُلْكَ بوَادِي خبرٍ» بالضَّمّ.
والخَبِيرَة: الدَّعْوَةُ على عَقِيقَة الغُلام، قاله الحَسَنُ بنُ عَبْد الله العَسْكَرِيّ في كتاب «الأَسْمَاء والصِّفات».
والخَيَابِرُ: سَبْعَةُ حُصُونٍ، تقدَّم ذِكرُهُم.
وخَيْبَرِيّ بن أَفْلَت بن سِلْسِلَة بن غَنْم بن ثَوْب بن مَعْن، قبيلة في طَيِّئ، منهم إِياسُ بنُ مَالِك بنِ عَبْدِ الله بن خَيْبَرِيّ الشاعر، وله وِفَادَة، قاله ابنُ الكَلْبيّ. وخَيْبَرُ بنُ أُوَام بن حَجْوَر بن أَسْلم بن عَلْيَانَ: بَطْن من هَمْدَان.
وخَيْبَر بنُ الوَلِيد، عن أَبيه عن جَدِّه عن أَبي موسى، ومُدْلِجُ بنُ سُوَيْد بن مَرْثَد بن خَيْبَرِيّ الطَّائيّ، لقَبُه مُجِيرُ الجَرادِ. والخَيْبرِيّ بنُ النُّعمان الطائِيّ: صحابيّ. وسِمَاكٌ الإِسرائِيلِيُّ الخَيْبَرِيُّ، ذَكَره الرُّشاطِيّ في الصَّحَابَة.
وإِبْراهِيمُ بنُ عبدِ الله بْنِ عُمَر بن أَبي الخَيْبَرِيّ القَصَّار العَبْسِيّ الكُوفِيّ، عن وَكِيع وغيرِه. وجَمِيل بن مَعْمَر بنِ خَيْبَرِيّ العُذْرِيّ الشَّاعِرُ المَشْهُور.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
22-تاج العروس (قزع)
[قزع]: قَزَعَ الظَّبْيُ قُزُوعًا، كمَنَعَ: أَسْرَع وعَدَا عَدْوًا شَدِيدًا، وكذلك البَعِيرُ والفَرَسُ.وِيُقَال: قَزَعَ: خَفَّ في العَدْوِ هَارِبًا.
وِقال ابنُ عَبَّادٍ: قَزَعَ أَيْضًا، إذا أَبْطَأَ؛ أَي سار سَيْرًا مَهْلًا: ضِدٌّ.
وِالقَزَعُ، مُحَرَّكَةً: قِطَعٌ مِن السَّحَابِ رِقَاقٌ، كأَنَّهَا ظِلٌّ إِذَا مَرَّتْ مِنْ تَحْتِ السَّحَابَةِ الكَبِيرَةِ الوَاحِدَةُ قَزَعَةٌ بهَاءٍ، ومنه حَدِيثُ الاسْتِسْقَاءِ: «ومَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ»، أَي: قِطْعَةٌ مِن الغَيْمِ، وقال الشاعِرُ:
مَقانِبُ بعْضُهَا يَبْرِي لِبَعْضٍ *** كأَنَّ زُهَاءَها قَزَعُ الظِّلالِ
وقِيل: القَزَعُ: السَّحَابُ المُتَفَرِّقُ، وما فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ؛ أَي لَطْخَةُ غَيْمٍ.
وِفِي كَلامِ عليٍّ رَضِيَ الله تَعالَى عنه حين ذَكَر الفِتَنَ فقال: «إِذا كانَ ذلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بذَنَبِه، فَيَجْتَمِعُون إِلَيْه كما يَجْتَمِعُ قَزَعُ الخَرِيفِ»؛ أَي قِطَعُ السَّحَابِ؛ لأَنَّه أَوَّلُ الشِّتَاءِ، والسَّحابُ يَكُونُ فيه مُتَفَرِّقًا غَيْرَ مُتَرَاكِمٍ ولا مُطْبِقٍ، ثمّ يَجْتَمِعُ بعضُه إِلى بَعْضٍ بَعْدَ ذلِكَ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ يصِفُ ماءً في فَلَاةٍ:
تَرَى عُصَبَ القَطَا هَمَلًا عَلَيْه *** كَأَنَّ رِعَالَهُ قَزَعُ الجَهَامِ
لا فِي الحَدِيثِ، كما تَوَهَّمِ الجَوْهَرِيُّ قال شيخُنَا: قُلْت: بل المُتَوَهِّمُ هو ابنُ خالَةِ المُصَنِّفِ، وإِلَّا فاللَّفْظُ حَدِيثٌ خَرَّجَه الجماهِير عن علِيٍّ رضِيَ الله عنه، وذَكَرَهُ ابنُ الأَثِيرِ وغيرُه، وليس بمَثَلٍ، كما توهَّمَه المُصَنِّفُ، وقد أَشارَ إِلى ذلِكَ في النامُوسِ، ولكِنَّه لم يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَه ولا صَحابَتَه، والله أَعْلَم.
قلتُ: وهذا مِن شيْخِنَا تَحَامُلٌ مَحْضٌ، وتَعَصُّبٌ للجَوْهَرِيِّ من غيرِ مَعْنًى، والصّوابُ ما قَالَهُ المُصَنِّف، فإِنَّ الَّذِي ذَكَرَه أَصْحابُ الغَرِيبِ ـ كابنِ الأَثِيرِ وغَيْرِه ـ عَزَوْهُ لسيِّدنا عليّ رضي الله عنه، ولم يَعْزُوه إِلى المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، وهو من جُمْلَةِ خُطَبِهِ المُخْتَارَةِ، وكَلامِهِ المَأْثُور الذِي شَرَحَه العَلّامةُ ابنُ أَبِي الحَدِيد في شَرْحِه على نَهْجِ البَلَاغَة، وليس في كَلَامِ المُصَنِّفِ ما يَدُلُّ على أَنَّه مَثَلٌ حَتّى يُوَهَّم، فتَأَمَّل.
وِالقَزَعُ: صِغَارُ الإِبِلِ، نقله الجَوهَرِيّ، وهو مَجازٌ.
وِمن المَجَاز: القَزَعُ: أَنْ يُحْلَقَ رَأْسُ الصَّبِيِّ، ويُتْرَكَ* مَوَاضِعُ منهُ مُتَفَرِّقَةً غيرَ مَحْلُوقَةٍ، تَشْبِيهًا بقَزَع السَّحَابِ، ومنهالحَدِيثُ: «نَهَى عَنِ القَزَعِ» يَعْنِي: أَخْذَ بَعْضِ الشَّعَرِ وتَرْكَ بَعْضِه، وهو مَجازٌ، وقالَ ابنُ الرِّقاعِ:
حَتَّى اسْتَتَمَّ علَيْهَا تامِكٌ سَنِمٌ *** وِطَارَما انْسَلَت عن جِلْدِها قَزَعَا
وِالقَزَعُ مِنَ الصُّوفِ: ما يَتَحاتُّ ويَتَنَاتَفُ فِي الرَّبِيعِ فيَسْقُط.
وِمن المَجَازِ: القَزَعُ: غُثَاءُ الوَادِي، يُقَالُ: رمَى الوَادِي بالقَزَع، قالَهُ أَبُو سَعِيدٍ والزَّمَخْشَرِيُّ.
وِمن المَجَازِ: الفَحْلُ يَرْمِي بالقَزَعِ، وهو: لُغَامُ الجَمَلِ وزَبَدُه على نُخْرَتِه، قالَهُ أَبو سَعِيد والزَّمَخْشَرِيُّ.
وِالقَزَعَةَ، بهاءٍ: وَلَدُ الزِّنَا، كذا في النَّوَادِرِ.
وِقَزَعَةُ، بِلا لامٍ: عَلم: جَماعَةٍ من المُحَدِّثِينَ، ذَكَرَهُم صاحبُ التَّقْرِيب، ويُسَكَّنُ للتَّخْفِيفِ، حكاهُ ثَعْلَبٌ.
وِكُزبَيْرٍ: قُزَيْعُ بنُ فِتْيَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ مُعاوِيَةَ بنِ الغَوْثِ بنِ أَنْمَارِ بنِ إِراشٍ.
وِالرُّبَيْعُ بن قُزَيْعٍ، كزُبَيْرٍ فيهما: التابَعِيُّ، عن ابْنِ عُمَرَ، وعنه شُعْبَةُ، وقد تَقَدَّم ذلِكَ للمُصَنِّفِ في «ر ب ع» ونَسبَه إِلى غَطَفانَ. قلتُ: وولَدُه قَيْسُ بنُ الرُّبَيْعِ، حَدَّث أَيْضًا.
وِكَبْشٌ أَقْزَعُ، تَنَاتَفَ صُوفُه فِي أَيّامِ الرَّبِيعِ، ذَهَب بَعْضٌ وَبَقِيَ بَعْضٌ، وكذلِكَ شَاةٌ قَزْعاءُ، كما في العُبَابِ، وفي اللِّسَانِ: ونَاقَةٌ قَزْعاءُ كذلِك.
وِقالَ ابنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ: ما عِنْدَه قَزَعَةٌ، مُحَرَّكَةً؛ أَي شَيءٌ من الثِّيَابِ، وكذلِكَ مَا عَلَيْه قِزاعٌ، ككِتَابٍ: قِطْعَةُ خِرْقَةٍ، وقد تَقَدَّم أَنَّه صَحَّفَه بَعْضُهُم بالذّالِ المُعْجَمَة.
وِالقَزِيعَة، كشَرِيفَةٍ: القُنْزُعَةُ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ، وهي وَاحِدَةُ القَنَازِع، وسيُذْكَر. وزادَ ابنُ عَبّادٍ: وكذلِكَ القُزَّعَةُ، مثلُ قُبَّرَةٍ بحَذْفِ إِحْدَى النُّونَيْنِ، وإِدْغامِها فِي الزّايِ، وضَبَطَهُ غيرُه بضَمٍّ فسُكُونٍ، ومِثْلُه في اللِّسانِ، وهي الخُصْلَة من الشَّعرِ تُتْرَكُ على رَأْسِ الصَّبِيِّ، وهي كالذَّوائِبِ فِي نَوَاحِي الرَّأْسِ، أَو القَلِيلُ من الشَّعرِ في وَسَطِ الرَّأْسِ خاصَّةً، كالقُنْزُعَةِ، بإِظْهَارِ النُّونِ ويُذْكَر في «ق ن ز ع»، لاخْتِلافِهِم في نُونِه، وهُنَا ذَكَره الجَوْهَرِيُّ وغيرُه من أَئِمَّةِ التَّصْرِيفِ، وحَكَمُوا على زِيَادَةِ نُونِه.
وِقولُهم: قُلِّدْتُمْ قَلائِدَ قَوْزَعٍ كجَوْهَرٍ، أَو لأُقلِّدَنَّكَ يا هذا قَلائِدَ قَوْزَعٍ؛ أَي طُوِّقْتُم أَطْوَاقًا لا تُفَارِقُكُم أَبدًا، قالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ على ما فِي العُبَابِ، وأَنْشَدَ:
قلائدَ قَوْزَعٍ جَرَّتْ عَلَيْكُم *** مَواسِمَ مِثْلَ أَطْوَاقِ الحَمَامِ
وقال مَرَّةً: «قلائدَ بَوْزَعٍ» ثم رَجَع إِلى القافِ، وفي اللِّسَان: قالَ الكُمَيْتُ بنُ مَعْرُوفٍ، وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: هو للكُمَيْتِ بنِ ثَعْلَبَةَ الفَقْعَسِيِّ:
أَبَتْ أُمُّ دِينَارٍ فأَصْبَح فَرْجُهَا *** حَصَانًا، وقُلِّدْتُمْ قَلائِدَ قَوْزَعَا
خُذُوا العَقْلَ إِنْ أَعْطَاكُمُ العَقْلَ قَوْمُكُمْ *** وِكُونُوا كمَنْ سَنَّ الهَوَانَ فأَرْبَعَا
وِلا تُكْثِرُوا فِيه الضِّجَاجَ فإِنَّه *** مَحَا السَّيْفُ ما قَالَ ابنُ دَارَةَ أَجْمَعَا
فَمَهْمَا تَشَأْ منه فَزَارَةُ تُعْطِكْم *** وِمَهْمَا تَشَأْ منه فَزَارَةُ تَمْنَعَا
وِقالَ أَبو تُرابٍ ـ حِكايةً عن العَرَبِ ـ: أَقْزَعَ لهُ فِي المَنْطِقِ، وأَقْذَعَ، وأَزْهَفَ: إِذا تَعَدَّى في القَوْلِ.
وِالتَّقْزِيعُ: الحُضْرُ الشَّدِيدُ، وقال الأَصْمَعِيُّ: قَزَعَ الفَرَسُ يَعْدُو، ومَزَعَ يَعْدُو، إِذا أَحْضَرَ. انْتَهَى. وكأَنَّه شُدِّدَ للمُبَالَغةِ.
وِمن المجَازِ: التَّقْزِيعُ: تَجْرِيدُ الشَّخْصِ لأَمْرٍ مُعَيَّنٍ، وكذا: إِرْسَالُ الرَّسُولِ، شَبَّهُوه بقَزَعِ السَّحَابِ، أَرادَ أنَّه يَسْعَى بخَبَرِه مُسْرِعًا إِسْراعَ البَرِيدِ. ومن المَجَازِ: المُقَزَّعُ، كمُعَظَّمٍ: السَّرِيعُ الخَفِيفُ من الأَفْراسِ والرُّسُلِ، قالَ مُتَمِّمُ بنُ نُوَيْرَةَ ـ رضِيَ الله عنه ـ:
أَآثَرْتَ هِدْمًا بَالِيًا وسَوِيَّةً *** وِجِئْتَ به تَعْدُو بَشِيرًا مُقَزَّعَا
ويُرْوَى: «بَرِيدًا» والبَشِيرُ المُقَزَّع: الَّذِي جُرِّدَ للبِشَارَةِ ومن كُلِّ شيْءٍ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ صائدًا:
مُقَزَّعٌ أَطْلَسُ الأَطْمَارِ لَيْسَ لَهُ *** إِلّا الضِّراءَ وإِلَّا صَيْدَها نَشَبُ
وِالمُقَزَّعُ مِنَ الخَيْلِ: ما تُنْتَف ناصِيَتُه حتَّى تَرِقَّ، قالَ الشاعِر:
نَزائعَ للصَّرِيحِ وأَعْوَجِيٍّ *** من الجُرْدِ المُقَزَّعَةِ العِجَالِ
وِقِيلَ: هو الخَفِيفُ، كما فِي العُبَابِ، وفي اللِّسَانِ: الرَّقِيقُ الناصِيَةِ خِلْقَةً، وقِيلَ: هُوَ المَهْلُوبُ الَّذِي جُزَّ عُرْفُه ونَاصِيَتُه.
وِالمُقَزَّعُ أَيْضًا: مَنْ لَيْسَ على رَأْسِه إِلّا شَعَرَاتٌ مُتَفَرِّقاتٌ تَطَايَرُ فِي الرِّيحِ قالَهُ اللِّيثُ: وأَنْشَدَ قولَ ذِي الرُّمَّةِ السّابِقَ، وقالَ لَبِيدٌ ـ رضِيَ الله عَنْه ـ:
أَنا لَبِيدٌ ثُمَّ هذِي المِنْزَعَهْ *** يا رُبَّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ مِن دَعَهْ
أَكُلَّ يَوْمٍ هامَتِي مَقَزَّعَهْ
وقالَ الجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ مُقَزَّعٌ: رَقِيقُ شَعرِ الرَّأْسِ، مُتَفَرِّقُه.
قالَ: وتَقَزَّعَ الفَرَسُ؛ أَي تَهَيَّأَ للرَّكْضِ، وقَزَّعَه تَقْزِيعًا: هَيَّأَه لِذلِكَ.
قالَ: وقَزَّعَ رَأْسَهُ تَقْزِيعًا: حَلَقَه. وفِي الصّحاحِ: حَلَقَ شَعرَه وبَقِيَتْ منه بَقَايَا فِي نَوَاحِيهِ، وهو مَجازٌ، وقد نُهِيَ عن ذلِكَ؛ لِما فيه من تَشْوِيهِ الخِلْقَةِ، أَو لِانَّه زِيُّ الشَّيْطَانِ، أَو شِعارُ اليَهُودِ، أَو غيرُ ذلِكَ ممّا هو مَبْسُوطٌ فِي شُرُوحِ الصَّحِيحَيْنِ.
وِقالَ أَبو عَمْرٍو: كُلُّ مَنْ جَرَّدْتَه لِشَيْءٍ، ولَمْ تَشْغَلْهُ بغَيْرِه، فقدْ قَزَّعْتَهُ، وهو مَجازٌ.
وِمَقْزُوعٌ: اسْمٌ.
ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:
قَزَعُ السَّهْمِ، بالتَّحْرِيكِ: ما رَق مِنْ رِيشِهِ.
وسَهْمٌ مُقَزَّعٌ: رِيشَ برِيشٍ صِغارٍ.
وِالقُزْعَةُ، بالضَّمِّ: خُصْلَةٌ من الشَّعْرِ.
ورَجُلٌ قُزْعَةٌ، بالضَّمِّ: للصَّغِيرِ الدَّاهِيَةِ، عامِّيَّة.
وكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ قِطَعًا مُتَفَرِّقةً فهو قَزَعٌ، مُحَرَّكَةً.
ورَجُلٌ مُتَقَزِّعٌ: رقِيقُ شَعرِ الرَّأْسِ، مُتَفَرِّقُه.
وِالقَزَعَةُ، مُحَرَّكَةً: مَوْضِعُ الشَّعْرِ المُتَقَزِّع من الرَّأْسِ.
وفَرَسٌ مُقَزَّعٌ: شَدِيدُ الخَلْقِ والأَسْرِ، عن أَبِي عُبَيْدَةَ.
وِقَوْزَعَ الدِّيكُ قَوْزَعَةً، إِذا غُلِبَ فهَرَب، أَوْ فَرَّ مِن صاحِبِه، قالَ يَعْقُوبُ: ولا تَقُلْ: قَنْزَعَ، فإِنَّ الأَصْلَ فيهِ قَزَعَ: إِذَا عَدَا هَارِبًا، ونَسَبَهُ الأَصمَعِيُّ للعامَّةِ، وسَيَأْتِي ذِكْرُه في «ق ن ز ع» مُفَصَّلًا، وهذا مَحَلُّ ذِكْرِه.
وِقَوْزَعٌ، كجَوْهَرٍ: اسمُ الخِزْيِ والعَارِ، عن ثَعْلَبٍ، ومنه المَثَلُ: «قَلَّدْتُه قَلائِدَ قَوْزَع» وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: أَي الفَضَائح.
وقال ابنُ بَرِّيّ: القَوْزَعُ: الحِرْبَاءُ وذَكَر المَثَلَ، وقالَ المَيْدَانِيُّ، فِي مَجْمَعِ الأَمْثَالِ: قَوْزَعٌ: الدّاهِيَةُ والعارُ.
وِقُزَيْعَةُ، كجُهَيْنَة: اسمٌ.
وِتَقَزَّعَ السَّحَابُ، وتَقَشَّعَ، بمَعْنًى.
ورَجُلٌ مُقَزَّعٌ، كمُعَظَّمٍ: ذَهَبَ مَالُه ولَمْ يَبْقَ إِلَّا القَزَع، وهي صِغارُ الإِبِلِ، وهو مَجَازٌ، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
وتَقَزَّعُوا: تَفَرَّقُوا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
23-تاج العروس (نقع)
[نقع]: النَّقْعُ، كالمَنْعِ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وبه فُسِّرَ قَوْلُ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عنه ـ حِينَ قِيلَ: أَنَّ النِّسَاءَ قَد اجْتَمَعْنَ يَبْكِينَ عَلَى خالِدِ بنِ الوَلِيدِ، فقَالَ: «ومَا عَلَى نِسَاءِ بَنِي المُغِيرَةِ أَنْ يَسْفِكْنَ مِن دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ وهُنَّ جُلُوسٌ، ما لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ» وقِيلَ: عَنَى بالنَّقْعِ: أَصْوَاتَ الخُدُودِ إِذا لُطِمَتْ، وقَالَ لَبِيدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ:فمَتَى يَنْقَعْ صُرَاخٌ صادِقٌ *** يُحْلِبُوهَا ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ
وِقِيلَ: هُوَ شَقُّ الجَيْبِ، قالَ المَرّارُ بنُ سَعِيدٍ:
نَقَعْنَ جُيُوبَهُنَّ عَلَيَّ حَيًّا *** وِأَعْدَدْنَ المَرَاثِيَ والعَوِيلَا
ويُرْوَى: «نَزَفْنَ دُمُوعَهُنَّ» وهذِه الرِّوايَةُ أَكْثَرُ وأَشْهَرُ، وبِهِ فُسِّرَ أَيْضًا قَوْلُ سَيِّدِنا عُمَرَ السّابِقُ.
وِالنَّقْعُ: القَتْلُ يُقَالُ: نَقَعَهُ نَقْعًا، أَي: قَتَلَه، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.
وِالنَّقْعُ: نَحْرُ النّقِيعَةِ وقَدْ نَقَعَ يَنْقَعُ نُقُوعًا، كالإِنْقاعِ وِالإنتقاعِ*، وقَدْ نَقَعَ، وأَنْقَع، وانْتَقَعَ: إِذا نَحَرَ، وفي كَلامِ العَرَبِ ـ إِذا لَقِيَ الرَّجُلُ مِنْهُم قَوْمًا ـ يَقُولُ: مِيلُوا يُنْقَعْ لَكُم، أَي: يُجْزَرْ لَكُمْ، كأَنَّهُ يَدْعُوهُم إِلى دَعْوَتِه.
وِقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: النَّقْعُ: صَوْتُ النَّعَامَةِ.
قال: والنَّقْعُ أَيْضًا: أَنْ تَجْمَعَ الرِّيقَ فِي فَمِكَ.
وِقَالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: النَّقْعُ، الماءُ النّاقِعُ: هو المُسْتَنْقِعُ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «اتَّقُوا المَلاعِنَ الثّلاثَ، فذَكَرهُنّ: يَقْعُدُ أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ يُسْتَظَلُّ بهِ، أَو فِي طَريقٍ، أَو نَقْعِ ماءٍ» وهو مَحْبِسُ الماءِ، وقِيلَ: مُجْتَمَعُه ج: أَنْقَعٌ كأَفْلِسٍ.
وِفي المَثَلِ: إِنَّهُ لشَرّابٌ بِأَنْقُعٍ وَوَرَدَ أَيْضًا في حَدِيثِ الحَجّاجِ: «إِنَّكُمْ يا أَهْلَ العِرَاقِ شَرّابُونَ عَلَيَّ بأَنْقُعِ» قالَ ابنُ الأَثِيرِ: يُضْرَبُ لِمَنْ جَرَّبَ الأُمُورَ ومَارَسَها، زَادَ ابنُ سِيدَه: حَتَّى عَرَفَهَا، وقَالَ الأَصْمَعِيُّ: يُضْرَبُ للمُعَاوِدِ لِلأُمُورِ الّتي تُكْرَهُ، يَأْتِيهَا حَتّى يَبْلُغَ أَقْصَى مُرَادِه، أَو يُضْرَبُ للدّاهِي المُنْكَرِ، قالَ ابنُ بَرِّيّ: وحَكَى أَبُو عُبَيْد، أَنَّ هذَا المَثَلَ لابْنِ جُرَيْجٍ، قالَهُ في مَعْمَرِ بنِ راشِدٍ، وكانَ ابنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَفْصَحِ النّاسِ، يَقُول: إِنَّهُ؛ أَي مَعْمَرًا، أَراهُ في الحَدِيثِ مَاهِرًا رَكِبَ في طَلَبِه كُلَّ حَزْنٍ، وكَتَبَ من كُلِّ وَجْهٍ، لأَنَّ الدَّلِيلَ إِذا عَرَفَ الفَلَواتِ أَي المِيَاهَ الَّتِي فِيهَا، وَوَرَدَهَا وشَرِبَ مِنْهَا حَذَقَ سُلُوكَ الطُّرُقِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الأَنْقُع قَالَ الأَزْهَرِيُّ: وهو جَمْعُ نَقْعٍ، وهُوَ كُلُّ ماءٍ مُسْتَنْقِعٍ مِنْ عدٍّ أَوْ غَدِيرٍ يَسْتَنْقِعُ فِيه الماءُ، وفِي الأَساسِ والعُبَابِ: وأَصْلُهُ الطّائِرُ الَّذِي لا يَرِدُ المَشَارِعَ؛ لأَنَّهُ يَفْزَعُ من القَنّاصِ، فيَعْمِدُ إِلى مُسْتَنْقَعَاتِ المِيَاهِ في الفَلَواتِ.
وِالنَّقْعُ: الغُبَارُ السّاطِعُ المُرْتَفِعُ، قالَ اللهُ تَعَالَى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} وأَنْشَدَ اللَّيْثُ للشُّوَيْعِرِ:
فهُنَّ بِهِم ضَوامِرُ فِي عَجَاجٍ *** يُثِرْنَ النَّقْعَ أَمْثَالَ السَّراحِي
ج: نِقَاعٌ، ونُقُوعٌ كحَبْلٍ وحِبالٍ، وبَدْرٍ وبُدُورٍ، قالَ القُطامِيُّ يَصِفُ مَهَاةً سُبِعَ وَلَدُهَا:
فساقَتْهُ قَلِيلًا ثُمَّ وَلَّتْ *** لَها لَهَبٌ تُثِيرُ بهِ النِّقاعَا
وقالَ المَرّارُ بنُ سَعِيدٍ:
فَما فاجَأْنَهُمْ إِلّا قَرِيبًا *** يُثِرْنَ، وقد غَشِينَهُمُ، النُّقُوعَا
وقِيلَ ـ
في قَوْلِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه السابق ـ: «ما لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ» ـ هو وَضْعُ التُّرَابِ عَلَى الرَّأْسِ، ذَهَبَ إِلى النَّقْعِ. وهُوَ الغُبَارُ، قالَ ابْنُ الأَثِيرِ: «وهذا أَوْلَى؛ لأَنَّه قَرَنَ بهِ اللَّقْلَقَةَ، وهِيَ الصَّوْتُ، فحَمْلُ اللَّفْظَتَيْنِ على مَعْنَيَيْنِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهما عَلَى مَعْنًى واحِدٍ.
وِالنَّقْعُ: موضع، قُرْبَ مَكَّةَ، حَرَسَهَا اللهُ تَعَالَى، في جَنَبَاتِ الطّائِفِ، قالَ العَرْجِيُّ:
لِحَيْنِي والبَلاءِ لَقِيتُ ظُهْرًا *** بأَعْلَى النَّقْعِ أُخْتَ بَنِي تَمِيمِ
وِالنَّقْعُ: الأَرْضُ الحُرَّةُ الطِّينِ، لَيْسَ فِيها ارْتِفَاعٌ ولا انْهِبَاطٌ، ومِنْهُم مَنْ خَصَّصَ فقالَ: الَّتِي يَسْتَنْقِعُ فِيها الماءُ، وقِيلَ: هُوَ ما ارْتَفَعَ مِنَ الأَرْضِ، ج: نِقَاعٌ وأَنْقُعٌ كجِبَالٍ، وأَجْبُلٍ هكَذَا في سائِرِ الأُصُولِ، والأَوْلَى كبِحَارٍ وأَبْحُرٍ، كَما فِي الصِّحاحِ، والعُبَابِ، واللِّسَانِ؛ لأَنَّ واحِدَ الجِبالِ بالتَّحْرِيكِ، قلا يُطَابِقُ ما هُنَا، فَتَأَمَّلْ.
وِقِيلَ: النَّقْعُ مِنَ الأَرْضِ: القاعُ، كالنَّقْعاءِ فِيهِما أَي في مَعْنَيِ القاعِ يُمْسِكُ الماءَ، وفي الأَرْضِ الحُرَّةِ الطِّينِ، المُسْتَوِيَةِ لَيْسَتْ فِيها حُزُونَةٌ، ج: نِقاعٌ كجِبالٍ، هكَذا بالجيمِ، ولو كانَ بالحاءِ يَكُونُ جَمْعَ حَبْلٍ بالفَتْحِ، وهُوَ أَحْسَنُ، قالَ مُزَاحِمٌ العُقَيْلِيُّ في النِّقَاعِ، بمَعْنَى قِيعانِ الأَرْضِ:
يَسُوفُ بأَنْفَيْهِ النِّقَاعَ كأَنَّهُ *** عَنِ الرَّوْضِ مِنْ فَرْطِ النَّشاطِ كَعِيمُ
وِفي المَثَلِ: «الرَّشْفُ أَنْقَعُ» أَي: أَقْطَعُ للعَطَشِ، والمَعْنَى: أَنَّ الشَّرابَ الَّذِي يُتَرَشَّفُ قَلِيلًا أَقْطَعُ لِلْعَطَشِ، وأَنْجَعُ، وإِنْ كانَ فِيهِ بُطْءٌ، يُضْرَبُ في تَرْكِ العَجَلَةِ، كما في العُبَابِ.
وِيُقَال: سُمٌّ ناقِعٌ [أي: بَالِغٌ] * قاتِلَ، مِنْ نَقَعَه: إِذا قَتَلَه، وقالَ أَبو نَصْرٍ، أَي: ثابِتٌ مُجْتَمِعٌ، مِنْ نَقَعَ الماءُ: إِذا اجْتَمَعَ، قالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ:
فبِتُّ كأَنِّي ساوَرَتْنِي ضَئيلَةٌ *** مِنَ الرُّقْشِ في أَنْيَابِها السّمٌ ناقِعُ
وِدَمٌ ناقِعٌ: طَرِيٌّ، أَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للشّاعِرِ، وهو قَسامُ بنُ رَوَاحَةَ السِّنْبِسِيُّ:
وِما زالَ مِنْ قَتْلَى رِزاحٍ بعَالِجٍ *** دَمٌ ناقِعٌ أَو جاسِدٌ غيرُ ماصِحِ
قالَ أَبُو سَعِيدٍ: يُرِيدُ بالنّاقِعِ الطَّرِيَّ، وبالجَاسدِ: القَدِيمَ.
وِماءٌ ناقِعٌ، ونَقِيعٌ: ناجِعٌ يَقْطَعُ العَطَشَ ويُذْهِبُه ويُسَكِّنُه، والّذِي في الصّحاحِ: ماءٌ ناقِعٌ: ناجِعٌ، وقالَ قَبْلَ ذلِكَ: والنَّقِيعُ أَيْضًا: الماءُ النّاقِعُ، فهو أَرادَ بِذلِكَ المُجْتَمِعَ فِي عِدٍّ أَو غَدِيرٍ، وظَنَّ المُصَنِّفُ أَنّه أَرادَ بهِ النّاجِعَ، وليسَ كَذلِكَ، فتَأَمَّلْ.
وِنُقاعَةُ كُلِّ شَيْءٍ، بالضَّمِّ: الماءُ الّذِي يُنْقَعُ فيهِ، كنُقَاعَةِ الحِنَّاءِ، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ، ومِنْهُ الحَدِيثُ في صِفَةِ بِئْرِ ذَرْوَانَ، «وكَأَنَّ ماءَهَا نُقَاعَةُ الحِنّاءِ، وكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّياطِينِ» وقالَ الشّاعِرُ:
بِهِ مِنْ نِضاحِ الشَّوْلِ رَدْعٌ كأَنَّهُ *** نُقاعَةُ حِنّاءٍ بماءِ الصَّنَوْبَرِ
وِيُقَالُ: ما نَقَعْتُ بخَبَرِه نُقُوعًا، بالضَّمِّ، أَيْ: ما عُجْتُ بكَلامِه ولَمْ أُصَدِّقْهُ، وقيلَ: لَمْ اشْتَفِ بهِ، يُسْتَعْمَلُ في الخَيْرِ وفِي الشَّرِّ، قَالَهُ الأَصْمَعِيَّ.
وِالنَّقْعَاءُ: موضع، خَلْفُ المَدِينَةِ، عَلَى ساكِنِها أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، عِنْدَ النَّقِيعِ مِنْ دِيارِ مُزَيْنَةَ، وكانَتْ طَرِيق رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، في غَزْوِهِ بَنِي المُصْطَلِقِ.
وِنَقْعَاءُ: قرية، لِبَنِي مالِكِ بنِ عَمْرٍو، كَما فِي العُبَابِ، وفِي المُعْجَمِ: مَوْضِعٌ من دِيَارِ طَيِّئٍ بنَجْد.
وِسَمَّى كُثَيِّرُ عَزَّةَ الشّاعرُ مَرْجَ راهِطٍ: نَقْعَاءَ راهِطٍ في قَوْلِهِ يَمْدَحُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ:
أَبُوكَ تَلاقَى يَوْمَ نَقْعَاءِ راهِطٍ *** بَنِي عَبْدِ شَمْسِ وهْي تُنْفَى وتُقْتَلُ
وِالنَّقّاعُ كشَدّادٍ: المُتَكَثِّرُ بِما لَيْسَ عِنْدَه مِنْ مَدْحِ نَفْسِه بالشَّجَاعَةِ والسَّخاءِ، وما أَشْبَهَهُ مِنَ الفَضَائِلِ، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.
وِقالَ الأَصْمَعِيُّ: النَّقُوعُ، كصَبُورٍ: صِبْغٌ يُجْعَلُ فِيهِ مِنْ أَفْواهِ الطِّيبِ، يُقَالُ: صَبَغَ ثَوْبَه بِنَقُوعٍ.
وِالنَّقُوعُ مِنَ المِيَاهِ: العَذْبُ البارِدُ، أَو الشَّرُوبُ، كالنَّقِيعِ فِيهِما، قالَ اللَّيْثُ: ومِثْلُه سَبْعَةُ أَشْياءَ: ماءٌ شَرُوبٌ وشَرِيبٌ، وطَعِيمٌ وطَعُومٌ، وفَرَسٌ وَدُوقٌ ووَدِيقٌ، ومَدِيفٌ ومَدُوفٌ، وقَبُولٌ وقَبِيلٌ، وسَلُولٌ وسَلِيلٌ؛ للوَلَدِ، وفَتُوتٌ وفَتِيتٌ، قالَ الصّاغَانِيُّ: قولُه: مَدُوفٌ ومَدِيفٌ لا يَدْخُلُ فِي السَّبْعَةِ، لأَنَّ مِيمَيْهِما زائِدَتَانِ، ولو قَالَ مَكَانَهَا: بَرُودٌ وبَرِيدٌ، أَو سَخُونٌ وسَخِينٌ، كانَ مُصِيبًا، ومِثْلُهَا كَثِيرٌ.
وِالنَّقُوع: ما يُنْقَعُ في الماءِ مِنَ الدَّواءِ والنَّبِيذِ، كَذا نَصّ العُبَابِ، وفي اللِّسَانِ: ما يُنْقَعُ في الماءِ مِنَ اللَّيْلِ لدَواءٍ أَو نَبِيذٍ، ويُشْرَبُ نهارًا، وبِالعَكْسِ، وفي حَدِيثِ الكَرْمِ: «تَتَّخِذُونَه زَبِيبًا تَنْقَعُونَه» أَي تَخْلِطُونَه بالماءِ ليَصِيرَ شَرَابًا وذلِكَ الإِناءُ مِنْقَعٌ، ومِنْقَعَةٌ، بكَسْرِهِمَا، وعلى الأَوَّلِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ.
وِمِنْقَعُ البُرَمِ أَيْضًا: وِعَاءُ القِدْرِ قالَ طَرَفَةُ:
أَلْقَوْا إِلَيْكَ بكُلِّ أَرْمَلَةٍ *** شَعْثاءَ تَحْمِلُ مِنْقَعَ البُرَم
البُرَمُ هنا: جَمْعُ بُرْمَةٍ.
وِقِيلَ: مُنْقَعُ البُرَمِ، كمُكْرَمٍ: الدَّنُّ، وقِيلَ: هو فَضْلَةٌ فِي البِرَامِ كَمَا في العُبَابِ، وقِيلَ: هُوَ تَوْرٌ صَغِيرٌ، قالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ولا يَكُونُ إِلّا مِنْ حِجَارَةٍ، وضَبَطَهُ الجَوْهَرِيُّ بكَسْرِ المِيمِ، أَو مُنْقَعُ البُرَمِ: النِّكْثُ تَعْزِلُه المَرْأَةُ ثانِيَةً، وتَجْعَلُه فِي البِرَامِ؛ لأَنَّهَ لا شَيْءَ لَهَا غَيْرُهَا، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
وِالمُنْقَعُ، كمُكْرَمٍ كذا ضَبَطَهُ ابنُ نُقْطَةَ، وشَدُّ قافِه عَن الأَمِير ابنِ ماكُولَا، وهُوَ غَلَطٌ، وقد تَعَقَّبَه ابنُ نُقْطَةَ: صَحَابِيٌّ تَمِيمِيٌّ غيرُ مَنْسُوبٍ، وهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الفَزَعُ الّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُه، أَو هُوَ ابْنُ الحُصَيْنِ بنِ يَزيدَ والصَّحِيحُ أَنَّه غَيْرُه، وهو تَمِيمِيٌّ شَهِدَ القادِسِيَّةَ، وقد ضُبِطَ بوَزْنِ مُحَمَّدٍ.
وِالمُنْقَعُ بنُ مالِكِ بن أُمِيَّةَ الأَسْلَمِيّ ماتَ فِي حَياتِه صلى الله عليه وسلم، وتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، كَذا في مُعْجَمِ الذَّهَبِيِّ وابنِ فَهْدٍ.
وِالمِنْقَعَةُ، كمِكْنَسَةٍ ومَرْحَلَةٍ، وهذِه عَنْ كُراعٍ، ومُنْقُعٌ مِثْلُ مُنْخُلٍ، بضَمَّتَيْنِ: بُرْمَةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ حِجَارَةٍ، يُطْرَحُ فِيها اللَّبَنُ والتَّمْرُ، ويُطْعَمُه الصَّبِيُّ ويُسْقَاهُ، والجَمْعُ المَنَاقِعُ، قالَ حُجْرُ بنُ خالِدٍ:
نُدَهْدِقُ بَضْعَ اللَّحْمِ لِلْباعِ والنَّدَى *** وِبَعْضُهُمُ تَغْلِي بذَمٍّ مَنَاقِعُهْ
وِالمَنْقَعُ كمَجْمَعٍ: البَحْرُ عن أَبِي عَمْرٍو.
وِقالَ غَيْرُه: هو المَوْضِعُ الَّذِي يَسْتَنْقِعُ فيهِ الماءُ أَي: يَجْتَمِعُ، كالمَنْقَعَةِ، والجَمْعُ: المَنَاقِعُ، وهي خِلافُ المَشارِعِ.
وِالمنْقَعُ: الرِّيُّ مِنَ الماءِ وهُو مَصْدَرُ نَقَعَ الماءُ غُلَّتَه، أَي: أَرْوَى عَطَشَه.
وِيُقَالُ: رَجُلٌ نَقُوعُ أُذُنٍ: إِذا كانَ يُؤْمِنُ بكُلِّ شَيْءٍ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
وِالنَّقِيعُ: البِئْرُ الكَثِيرَةُ الماءِ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: مُذَكَّرٌ، وج: أَنْقِعَةٌ. والنَّقِيعُ: شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ زَبِيبٍ يُنْتَقَعُ في الماءِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، كالنَّقُوعِ، وقِيلَ في السَّكَرِ: إِنَّهُ نَقِيعُ الزَّبِيبِ، أَو كُلُّ ما يُنْقَعُ تَمْرًا كانَ أَو زَبِيبًا، أَو غَيْرَهُمَا كالعُنّابِ والقَرَاصِيَا والتِّينِ وما أَشْبَهَها، ثم يُصَفَّى ماءً ويُشْرَبُ: نَقِيعَ.
وِالنَّقِيعُ: المَحْضُ مِنَ اللَّبَنِ يُبَرَّدُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وكَذلِكَ النَّقِيعَةُ، وأَنْشَدَ الصّاغَانِيُّ لِعَمْرُو بنِ مَعْدِيكَرِبَ ـ رضِيَ اللهُ عنهُ ـ يَصِفُ امْرَأَةً:
تَرَاهَا الدَّهْرَ مُقْتِرَةً كِباءً *** وِمَقْدَحُ صَفْحَةٍ فِيهَا نَقِيعُ
وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ قَوْلَ الشّاعِرِ:
أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي *** إِلَى أُمِّي، ويَكْفِينِي النَّقِيعُ
كالمُنْقَعِ، كمُكْرَمٍ فِيهِمَا؛ أَي في المَحْضِ مِنَ اللَّبَنِ، وفِيما يُنْقَعُ مِنْ تَمْرٍ وغَيْرِه، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ شاهِدَ الأَوَّلِ قَوْلَ الشّاعِرِ يَصِفُ قَوْسًا:
قانَى لَهُ في الصَّيْفِ ظِلَّ بارِدٌ *** وِنَصِيُّ ناعِجَةٍ ومَحْضٌ مُنْقَعُ
قالَ ابنُ بَرِّيّ: صوابُ إِنْشَادِه: «ونَصِيُّ باعِجَةٍ» بالباءِ، وهي الوَعْسَاءُ ذاتُ الرِّمْثِ والحَمْضِ، وقانَى له، أَي: دامَ له، قالَ الأَزْهَرِيُّ: أَصْلُه مِنْ أَنْقَعْتُ اللَّبَنَ، فهُوَ نَقِيعٌ، ولا يُقَالُ: مُنْقَعٌ، ولا يَقُولُونَ: نَقَعْتُه، قالَ: وهذَا سَماعِي مِنَ العَرَبِ.
وِالنَّقِيعُ: الحَوْضُ يُنْقَعُ فِيهِ التَّمْرُ.
وِالنَّقِيعُ: الصُّراخُ.
وِالنَّقِيعُ: موضع بجَنَباتِ الطّائِفِ وهُوَ غَيْرُ النَّقْع الَّذِي تَقَدَّمَ.
وِالنَّقِيعُ: موضع، ببِلادِ مُزَيْنَةَ على لَيْلَتَيْنِ، وفي نُسْخَةٍ «عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ»، وفي المُعْجَمِ والعُبَابِ: عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا مِنَ المَدِينَةِ، عَلَى ساكِنِها أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، وِهُوَ نَقِيعُ الخَضِماتِ الّذِي حَماهُ عُمَرُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لِنَعَمِ الفَيْءِ، وخَيْلِ المُجَاهِدِينَ، فلا يَرْعَاهُ غَيْرُهَا، كما قالَهُ ابنُ الأَثِيرِ والصّاغَانِيُّ، قالَ ابنُ الأَثِيرِ: ومِنْهُ الحَدِيثُ: «أَنَّ عُمَرَ حَمَى غَرَزَ النَّقَيعِ»، وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ في الإِسْلامِ بالمَدِينَةِ فِي نَقِيعِ الخَضِمَاتِ»، هكَذَا ضَبَطَهُ غيرُ واحِدٍ، أَو مُتَغايِرَانِ، وكِلاهُمَا بالنُّونِ، كما في العُبَابِ، وضَبَطَهُ ابنُ يُونُسَ عن ابْنِ إِسْحاقَ بالباءِ المُوَحَّدَةِ، كذَا في الرَّوْضِ لِلسُّهَيْلِيِّ، وقد تَقَدَّمَ ذلِكَ.
وِالرَّجُلُ نَقِيعٌ: إِذا كانَتْ أُمُّهُ مِنْ غَيْرِ قَوْمِه.
وِالنَّقِيعَةُ، كسَفِينَةٍ: طَعامُ القادِمِ مِنْ سَفَرِه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لِمُهَلْهِلٍ:
إِنّا لَنَضْرِبُ بالسُّيُوفِ رُؤُوسَهُمَ *** ضَرَب القُدارِ نَقِيعَةَ القُدّامِ
قالَ أَبُو عُبَيْدٍ: القُدّامُ: القادِمُونَ مِنْ سَفَرٍ، ويُقَالُ: القُدّامُ: المَلِكُ.
وِيُقَال: كُلُّ جَزُورٍ جُزِرَتْ لِلضِّيافَةِ فهِيَ نَقِيعَةٌ، ومِنْهُ قَوْلُهُم: النّاسُ نَقائِعُ المَوْتِ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: أَي: يَجْزُرُهُمْ جَزْرَ الجَزّارِ النَّقِيعَةَ، وهُوَ مَجازٌ.
وِحَكَى أَبُو عَمْرٍو عَنِ السُّلَمِيِّ: النَّقِيعَةُ: طَعامُ الرَّجُلِ لَيْلَةَ يُمْلِكُ إِمْلاكًا، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ:
كُلُّ الطَّعَامِ تَشْتَهِي رَبِيعَهْ *** الخُرْسُ والإِعْذَارُ والنَّقِيعَهْ
والجَمْعُ: النُّقُعُ بضَمَّتَيْنِ، قالَ الشّاعِرُ:
مَيْمُونَةُ الطَّيْرِ لَمْ تَنْعِقْ أَشائِمُها *** دائِمَةُ القِدْرِ بالأَفْرَاعِ والنُّقُعِ
وِالنَّقِيعَةُ: موضع، وقالَ عُمَارَةُ بنُ بِلالِ بنِ جَرِيرٍ: خَبْراءُ بَيْنَ بِلادِ بَنِي سَلِيطٍ وضَبَّةَ قالَ جَرِيرٌ:
خَلِيلَيَّ هِيجَا عَبْرَةً وقِفَا بِنَا *** عَلَى مَنْزِلٍ بَيْنَ النَّقِيعَةِ والحَبْلِ
الأُنْقُوعَةُ بالضمِّ: وَقْبَةُ الثَّرِيدِ يَكُونُ فِيها الوَدَكُ.
وِقالَ اللَّيْثُ: كُلُّ مَكان سالَ إِلَيْهِ الماءُ مِنْ مِثْعَبٍ ونَحْوِه فهُوَ أُنْقُوعَةٌ، وفِي بَعْضِ النُّسَخِ: «مِنْ شِعْبٍ»، وهو غَلَطٌ.
وِيُقَالُ: هو عَدْلٌ مَنْقَعٌ، كمَقْعَدٍ، أَي: مَقْنَعٌ مَقْلُوبٌ منه، كما في العُبابِ.
وِأَبو المَنْقَعَةِ الأَنْمَارِيُّ اسمُه بَكْرُ بنُ الحارِثِ ويُقَالُ: نَصْرُ بنُ الحارِثِ: صحابِيٌّ نَزَلَ حِمْصَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وهو غَيْرُ أَبِي مَنْقَعَةَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُه.
وِسمٌّ مُنْقَعٌ، كمُكْرَمٍ: مُرَبًّى وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للشّاعِرِ:
فِيهَا ذَرَاريحُ وسَمٌّ مُنْقَعُ
يَعْنِي: فِي كَأْسِ المَوْتِ، وقالَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ العَبْشَمِيُّ يَعِظُ بَنِيهِ:
وِاعْصُوا الَّذِي يُزْجِي النَّمَائِمَ بَيْنَكُمَ *** مُتَنَصِّحًا، ذاكَ السِّمَامُ المُنْقَعُ
وِنَقَعَ المَوْتُ، كمَنَعَ: كَثُرَ.
وِيُقَالُ: نَقَعَ فُلانًا بالشَّتْمِ: إِذا شَتَمَهُ شَتْمًا قَبِيحًا.
وِقالَ الأَصْمَعِيُّ: نَقَعَ بالخَبَرِ والشَّرَابِ، أَي: اشْتَفَى مِنْهُ، ومِنْه قَوْلُهُم: ما نَقَعْتُ بخَبَرِه، وقد تَقَدَّمَ.
وِنَقَعَ الدَّواءَ فِي الماءِ: إِذا أَقَرَّهُ فِيه لَيْلًا، ويُشْرَبُ نَهَارًا، وبالعَكْسِ.
وِنَقَعَ الصَّارِخُ بصَوْتهِ نُقُوعًا: تابَعَهُ وأَدامَهُ، كأَنْقَعَ فِيهِمَا؛ أَي في الصَّوْتِ والدَّواءِ، ونصُّ الصِّحاحِ: حَكَى الفَرّاءُ: نَقَعَ الصَّارِخُ بصَوْتِه، وأَنْقَعَ صَوْتَه: إِذا تابَعَهُ، ومِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ».
قُلْتُ: وقَدْ تَقَدَّمَ ذلِكَ، وأَمّا الإِنْقَاعُ في الدَّواءِ، فيُقَالُ: أَنْقَعَ الدَّوَاءَ وغَيْرَهُ في الماءِ، فهُوَ مُنْقَعٌ، ويُقَالُ: نَقَعَهُ نَقْعًا في الماءِ، فَهُوَ نَقِيعٌ، وأَنْقَعَهُ: نَبَذَهُ.
وِنَقَعَ الصَّوْتُ: ارْتَفَعَ [كاسْتَنْقَعَ] * وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِلَبِيدٍ:
فمَتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ *** يُحْلِبُوها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ
أَيْ: مَتَى يَرْتَفِعْ، والهاءُ للحَرْبِ.
وِأَنْقَعَهُ الماءُ: أَرْواهُ، يُقَال: أَنْقَعَهُ الرِّيُّ، ونَقَعَ بهِ.
وِأَنْقَعَ الماءُ: اصْفَرَّ وتَغَيَّرَ، لِطُولِ مُكْثِه، كاسْتَنْقَعَ، يُقالُ: طالَ إِنْقَاعُ الماءِ، أَي: اسْتِنْقَاعُه حَتّى اصْفَرَّ.
وِحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ: أَنْقَعَ له شَرًّا، أَي: خَبَأَهُ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: وهُوَ اسْتِعارَةٌ، وفي الأَساسِ: أَنْقَعَ لَهُ الشَّرَّ:
أَثْبَتَهُ وأَدامَهُ، وأَنْقَعُوا لَهُمْ مِنَ الشَّرِّ ما يَكْفِيهِم.
قالَ الأَزْهَرِيُّ: ووجَدْتُ للمُؤَرِّجِ حُرُوفًا في الإِنْقَاعِ ما عُجْتُ بِهَا، ولا عَلِمْتُ راوِيَهَا عَنْهُ، يُقَال: أَنْقَعَ فُلانًا: إِذا ضَرَبَ أَنْفَهُ بإِصْبَعِه.
وِأَنْقَعَ المَيِّتَ: دَفَنَه.
وِأَنْقَعَ البَيْتَ: زَخْرَفَهُ، أَو جَعَلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ.
وِأَنْقَعَ الجارِيَةَ: افْتَرَعَها قال: وهذِه حُرُوفٌ مُنْكَرَةٌ كُلُّها، لا أَعْرِفُ مِنْها شَيْئًا. انْتَهَى كَلامُ الأَزْهَرِيِّ، وكأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إِلَيْه بسَنَدٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ، والمُصَنِّفُ لمّا سَمّى كِتَابَهُ بالبَحْرِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الصَّحِيحُ وغَيْرُ الصَّحِيحِ، وما أَدَقَّ نَظَرَ الجَوْهَرِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وِانُتُقِعَ لَوْنُه، مَجْهُولًا، فهو مُنْتَقَعٌ: تَغَيَّرَ مِنْ هَمٍّ أَوْ فَزَعٍ، والميمُ أَعْرَفُ، وقالَ الجَوْهَرِيُّ: لُغَةٌ فِي امْتُقِعَ، بالمِيمِ، وقالَ ابنُ فارِسٍ: هُوَ مِنْ بابِ الإِبْدَالِ، وأَصْلُه بالمِيمِ، وهكَذا قالَهُ ابنُ السِّكِّيتِ أَيْضًا، وقالَ النَّضْرُ: انْتُقِعَ لَوْنُه يُقَالُ ذلِكَ: إِذا ذَهَبَ دَمُهُ، وتَغَيَّرَتْ جِلْدَةُ وَجْهِه، إِمّا مِنْ خَوْفٍ، وإِمّا مِنْ مَرَضٍ.
وِاسْتَنْقَعَ فِي الغَدِيرِ: إِذا نَزَلَ فِيهِ واغْتَسَلَ، كَأَنَّهُ ثَبَتَ فيهِ ليَتَبَرَّدَ، والمَوْضِعُ مُسْتَنْقَعٌ كما فِي الصِّحاحِ، ومِنْهُ: «كانَ عَطَاءٌ يَسْتَنْقِعُ فِي حِياضِ عَرَفَةَ» أَي يَدْخُلُها ويَتَبَرَّدُ بمائِها، وقالَ الحادِرَةُ:
بغَرِيضِ سارِيَةٍ أَدَرَّتْهُ الصَّبَا *** مِنْ ماءِ أَسْجَرَ طَيِّبِ المُسْتَنْقَعِ
وقالَ مُتَمِّمُ بنُ نُوَيْرَةَ رضي الله عنه:
وِلَقَدْ حَرَصْتُ عَلَى قَلِيلِ مَتَاعِها *** يَوْمَ الرَّحِيلِ، فدَمْعُها المُسْتَنْقِعُ
ويُرْوَى: «المُسْتَنْفَعُ» و«المُسْتَمْنَعُ».
وِاسْتَنْقَعَ الماءُ فِي الغَدِيرِ: اجْتَمَعَ وثَبَتَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
وِاسْتَنْقَعَتْ رُوحُه أَي: خَرَجَتْ وهو مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ أَنَّهُ قالَ: «إِذا اسْتَنْقَعَتْ نَفْسُ المُؤْمِنِ جاءَهُ مَلَكٌ» إِلى آخِرِ الحَدِيثِ، وفَسَّرُوهُ هكَذا، وقالَ شَمِرٌ: لا أَعْرِفُ هذَا أَو المَعْنَى: اجْتَمَعَتْ فِي فِيهِ تُرِيدُ الخُرُوجَ كما يَسْتَنْقِعُ الماءُ في مَكانٍ وأَرادَ بالنَّفْسِ الرُّوحَ، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، قالَ: ومَخْرَجٌ آخَرُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَقَعْتُه: إِذا قَتَلْتَهُ.
وِاسْتُنْقِعَ لَوْنُه ـ مَجْهُولًا ـ: تغَيَّرَ كانْتُقِعَ، ولو ذَكَرَهُمَا فِي مَحَلٍّ واحِدٍ كانَ مُصِيبًا.
وِاسْتُنْقِعَ الشَّيْءُ فِي الماءِ: أُنْقِع.
وِقَالَ الأَصْمَعِيُّ: المُسْتَنْقِعُ مِنَ الضُّرُوعِ: الّذِي يَخْلُو إِذا حُلِبَتْ، ويَمْتَلِئُ إِذا حُفِّلَتْ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
النُّقُوع، بالضَّمِّ: اجْتِمَاعُ الماءِ في المَسِيلِ ونَحْوِه.
وِالنَّقْعُ، بالفَتْحِ: مَحْبِسُ الماءِ.
وِنَقْعُ البِئْرِ: الماءُ المُجْتَمِعُ فِيها قَبْلَ أَنْ يُسْتَقَى، وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ فَضْلُ مائِه الّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ، قَبْلَ أَنْ يُصَبَّ منه فِي وِعاءٍ.
وِنَقَعَ السّمُّ في أَنْيَابِ الحَيَّةِ: اجْتَمَعَ، وأَنْقَعَتْهُ الحَيَّةُ، ويُقَال: سُمٌ مَنْقُوعٌ، كناقِعٍ.
وِالنَّقْعُ: الرِّيُّ، يُقَال: نَقَعَ من الماءِ، وبهِ نُقُوعًا، رَوِيَ، يُقَال: شَرِبَ حَتّى نَقَعَ وبَضَعَ، أَي: شَفَى غَلِيلَهُ وَرَوِيَ.
ويُقَال: نَقَعَتْ بذلِكَ نَفْسِي، أَي: اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ، ورَوِيَتْ بِه.
وِنَقَعَ الماءُ العَطَشَ نَقْعًا: سَكَّنَهُ وأَذْهَبَه.
وِأَنَقَعَ العَطَشُ نَفْسُه: سَكَنَ، قالَ جَرِيرٌ:
لَوْ شِئْتُ قَدْ نَقَعَ الفُؤادُ بشَرْبَةٍ *** تَدَعُ الصَّوادِيَ لا يَجِدْنَ غَلِيلَا
وفلانٌ مُنْقَعٌ، كمُكْرَمٍ، أَي: يُسْتَشْفَى برَأْيِه، وهو مَجازٌ.
وِالنَّقْعُ: دَواءٌ يُنْقَعُ ويُشْرَبُ.
وِالنَّقِيعَةُ مِن الإِبِلِ: العَبِيطَةُ تُوَفَّرُ أَعْضاؤُهَا، فتُنْقَعُ في أَشْياءَ.
وِنَقَعَ نَقِيعَةً: عَمِلَهَا.
وِالنَّقِيعَةُ: ما نُحِرَ مِنَ النَّهْبِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَسَمَ، قالَ:
مِيلُ الذُّرا لُحِبَتْ عَرَائِكُهَا *** لَحْبَ الشِّفَارِ نَقِيعَةَ النَّهْبِ
وِانْتَقَعَ القَوْمُ نَقِيعَةً، أَي: ذَبَحُوا مِنَ الغَنِيمَةِ شَيْئًا قَبْلَ القَسْمِ، أَو جاءُوا بناقَةٍ مِنْ نَهْبٍ فنَحَرُوهَا.
وِالنَّقْعَاءُ: الغُبَارُ، والصَّوْتُ، جَمْعَه نِقاعٌ، بالكَسْرِ.
وِنَقِيعُ بنُ جُرْمُوزٍ العَبْشَمِيُّ، كأَمِيرٍ، ذَكَرَه ابنُ الأَعْرَابِيِّ.
وِالنَّقاعُ، كسَحَابٍ: إِناءٌ يُنْقَعُ فِيهِ الشَّيْءُ، كما فِي التَّكْمِلَةِ.
وِالنَّقَائِعُ: خَبارَى فِي بلادِ بَنِي تَمِيمٍ، والخَبَارَى: جَمْعُ خَبْرَاءَ، وهي قاعٌ مُسْتَدِيرٌ يَجْتَمِعُ فِيه الماءُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
24-تاج العروس (ظن ظنن ظنظن)
[ظنن]: الظَّنُّ: التَّرَدُّدُ الرَّاجِحُ بين طَرَفَي الاعْتِقادِ الغيرِ الجازِمِ.وفي المُحْكَم: هو شَكٌّ ويَقِينٌ إلَّا أنه ليسَ بيَقِينِ عِيانٍ، إنَّما هو يَقِينُ تَدَبُّرٍ، فَأَمَّا يَقِينُ العِيانِ فلا يُقالُ فيه إلَّا عَلَم.
وفي التَّهْذِيبِ؛ الظَّنُّ: يَقِينٌ وشَكٌّ؛ وأَنْشَدَ أَبو عُبَيْدَةَ:
ظَنِّي بهم كعَسَى وهم بتَنُوفَةٍ *** يَتَنازَعُون جَوائِزَ الأَمْثالِ
يقولُ: اليَقِينُ منهم كعَسَى، وعسى شَكّ.
وقالَ شَمِرٌ: قالَ أبو عَمْرٍو: مَعْناهُ ما يُظَنُّ بهم مِن الخيْرِ فهو واجِبٌ وعَسَى مِن الله واجِبٌ.
وقالَ المَناوِيُّ: الظَّنُّ الاعْتِقادُ الراجِحُ احْتِمالِ النَّقِيضِ، ويُسْتَعْمل في اليَقِينِ والشَّكِّ.
وقالَ الرَّاغبُ: الظنُّ اسمٌ لمَا يَحْصَل مِن أَمارَةٍ، ومتى قَوِيَتْ أَدَّتْ إلى العِلْم، ومتى ضَعُفَتْ لم تُجاوِز حَدّ الوَهْمِ، ومتى قَوِي أو تَصَوَّرَ بصورَةِ القَويّ اسْتعْمل معه أنَّ المُشَدَّدَة أو المُخَفَّفَة، ومتى ضَعُفَ اسْتُعْمل معه أن المُخْتصَّة بالمَعْدُومِين مِن القَوْلِ والفِعْل، وهو يكونُ اسْمًا ومَصْدرًا.
وج الظَّنِّ الذي هو الاسمُ: ظُنونٌ؛ ومنه قوْلُه تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا}؛ وأَظانِينُ، على غيرِ القِياسِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأعْرابيِّ:
لأَصْبَحَنْ ظَالِمًا حَرْبًا رَباعِيةً *** فاقْعُد لها ودَعَنْ عنك الأَظَانِينا
قالَ ابنُ سِيْدَه: وقد يكونُ الأَظانِينُ جَمْعُ أُظْنُونَةٍ إلَّا أَني لا أَعْرِفها.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: الظَّنُّ: مَعْروفٌ، وقد يُوضَعُ مَوْضِعَ العِلْم.
قالَ دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّة:
فقلت لهم ظُنُّوا بألْفَيْ مُدَحَّج *** سَرَاتُهُمُ في الفارِسِيِّ المُسَرَّدِ
أي اسْتَيْقِنُوا، وإنَّما يخوِّفُ عَدُوَّه باليَقِينِ لا بالشَّكِّ.
وفي حدِيثِ أُسَيْد بن حُضَيْر: «وظَنَنَّا أنْ لم يَجُدْ عليهما»، أي عَلِمْنَا.
وفي حدِيثِ عُبَيدة، عن أَنَس سَأَلْته عن قوْلِه تعالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ}، فأَشَارَ بيدِهِ فظَنَنْتُ ما قالَ أي عَلِمْتُ.
وقالَ الرَّاغبُ في قوْلِه تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ} أنَّه اسْتَعْمل فيه الظَّنّ، بمعْنَى العِلْم.
وفي البَصائِرِ: وقد وَرَدَ الظّنُّ في القُرْآن مُجْملًا على أَرْبَعةِ أَوْجهٍ: بمعْنَى اليَقِينِ، وبمعْنَى الشَّكّ، وبمعْنَى التّهْمةِ، وبمعْنَى الحسْبَان، ثم ذَكَرَ الآيات.
قالَ شيْخُنا، رحِمَه الله تعالَى: وحرر محشو البَيْضاوي والمُطَوَّل: أنَّ الظَّنَّ لا يُسْتَعْمل بمعْنَى اليَقِين والعِلْم فيمَا يكونُ مَحْسوسًا، وجَزَمَ أَقْوامٌ بأَنَّه مِن الأَضْدادِ كما في شُرُوحِ الفَصِيح.
والظِّنَّةُ، بالكسْرِ: التُّهَمَةُ؛ وكذلِكَ الظِّنَّةُ، قَلَبُوا الظاءَ طاءً هنا قَلْبًا وإن لم يكنْ هنالِكَ إدْغامٌ لاعْتِيادِهم اطَّنَّ ومُطَّنٌ واطِّنانٌ، الجمع: الظِّنَنُ، كعِنَبٍ، ومنه الظَّنينُ:
المُتَّهَمُ، ومنه قُرِئَ قوْلُه تعالَى: وما هو على الغَيْبِ بظَنِينٍ، أي بمُتَّهَمٍ، يُرْوى ذلِكَ عن عليٍّ رضِيَ الله تعالَى عنه.
وقالَ المُبَرَّدُ: أَصْلُ الظَّنِين المَظْنُون، وهو مِن ظَنَنْتُ الذي يَتَعدَّى إلى مَفْعولٍ واحِدٍ، تقولُ: ظَنَنْتُ بزَيْدٍ وظَنَنْتُ زيْدًا، أي اتَّهَمْتُ؛ قالَ نهارُ بنُ تَوْسِعَةٍ:
فلا ويَمينُ الله لا عَنْ جِنايةٍ *** هُجِرْتُ ولكِنَّ الظَّنِينَ ظَنِينُ
وفي الحدِيثِ: «لا تجوزُ شهادَةُ ظَنِينٍ»، أي مُتَّهَم في دِينِه.
وأَظَنَّهُ وأَطَنَّه: اتَّهَمَهُ.
وقوْلُ محمدِ بنِ سِيرينَ، رحِمَه الله تعالى: لم يكنْ عليٌّ يُظَّنُّ في قَتْلِ عُثْمانَ، وكانَ الذي يُظَّنُّ في قَتْلِه غيرِهِ، هو يُفْتَعَلُ مِن تَظَنَّنَ فأُدْغِمَ، كذا في النُّسخ، والصَّوابُ في العِبارَةِ يُفْتَعَلُ مِن الظَّنِّ، وأَصْلُه يُظْنَنُّ، فثُقِّلَتِ الظا مع التاءِ فقُلِبَتْ ظاء فشُدِّدَتْ حينَ أُدْغِمَتْ، ويُرْوَى بالطاءِ المهْمَلَةِ وقد تقدَّمَ، أي لم يكنْ يُتَّهَمُ.
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: والتَّظَنِّي: إعمالُ الظَّنِّ، وأَصْلُه التَّظَنُّنُ فكَثرتِ النُّونات فقُلِبَتْ إحدَاهما ياءْ كما قالوا قَصَّيْتُ أَظْفارِي والأَصْلُ قَصَّصْتُ، قالَهُ أَبو عُبَيْدَةَ.
والظَّنُونُ، كصَبْورٍ: الرَّجلُ الضَّعيفُ؛ ومنه قوْلُ بعضِ قُضَاعَةَ رُبَّما دَلَّكَ على الرّأْي الظَّنُونُ.
وقيلَ: الظَّنُونُ: القَليلُ الحيلةِ.
ومِن النِّساءِ: المرأَةُ لها شَرَفٌ تَتَزَوَّجُ طَمَعًا في ولدِها وقد أَسَنَّتْ، سُمِّيت ظَنُونًا لأنَّ الولَدَ يُرْتَجى منها.
والظَّنُونُ: البِئْرُ لا يُدْرَى أَفيها ماءٌ أَمْ لا؛ ومنه قوْلُ الأعْشى:
ما جُعِلَ الجُدُّ الظَّنُونُ الذي *** جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ المَاطِرِ
مِثْلَ الفُراتِيِّ إذا ما طَما *** يَقْذِفُ بالبُوصِيِّ والماهِرِ
وقيلَ: القَليلةُ الماءِ.
وقيلَ: هي التي يُظَنُّ أنَّ فيها ماءً.
وقيلَ: التي لا يُوثَقُ بمائِها.
والظَّنُونُ مِن الدُّيونِ: ما لا يُدْرَى أَيَقْضِيهِ آخِذُه أمْ لا كأَنَّه الذي لا يَرْجُوه؛ قالَهُ أَبو عُبَيْدٍ؛ ومنه حدِيثُ عُمَرَ، رضِيَ الله تعالَى عنه: «لا زَكاةَ في الدَّيْنِ الظَّنُونِ».
ومَظِنَّةُ الشَّيءِ، بكسْرِ الظَّاءِ: مَوْضِعٌ يُظَنُّ فيه وُجودُه.
وفي الصِّحاحِ: مَوْضِعُه ومَأْلَفُه الذي يُظَنُّ كَوْنه فيه، والجَمْعُ المَظانُّ.
يقالُ: موضِعُ كذا مَظِنَّة مِن فلانٍ، أي مُعْلَم منه؛ قالَ النابغَةُ:
فإنْ يَكُ عامِرٌ قد قالَ جَهْلًا *** فإنَّ مَظِنَّةَ الجَهْلِ الشَّبَابُ
ويُرْوَى: السِّبَابُ.
وقالَ ابنُ بَرِّي: قالَ الأصْمعيّ: أَنْشَدَني أَبو عُلْبة الفَزَارِيُّ بمَحْضَرٍ مِن خَلَفِ الأحْمرِ:
فإن مَطِيّة الجَهْلِ الشَّبَاب
لأنَّه يَسْتَوْطِئه كما تُسْتَوْطأُ المَطِيَّةُ.
وقالَ ابنُ الأَثيرِ: المَظِنَّةُ مَفْعِلَةٌ مِن الظَّنِّ بمعْنَى العِلْم، وكان القِياسُ فتْح الظاءِ وإنّما كُسِرَتْ لأَجْل الهاءِ.
وأَظْنَنْتُه: عَرَّضْتُهُ للتُّهَمَةِ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
اظْطَنَّ الشيءَ: ظَنَّه.
وحَكَى اللّحْيانيُّ عن بَني سُلَيْم: لقد ظَنْتُ ذلِكَ، أي ظَنَنْتُ ذلِكَ، فحذَفُوا كما حَذَفُوا ظَلْتُ ومَسْتُ.
قالَ سِيْبَوَيْه: وأَمَّا قوْلُهم: ظَنَنْتُ به فمعْناهُ جَعَلْته مَوْضِع ظَنِّي، وأَمَّا ظَنَنْتُ ذلِكَ فَعَلَى المَصْدرِ، وأَظْنَنْتُه: اتَّهَمْتُه.
والظِّنَانَةُ، ككِتابَةٍ: التُّهَمَةُ.
والأَظِنَّاءُ جَمْعُ ظَنِينٍ، والظَّنِينُ: الضَّعيفُ، وبه فُسِّرت الآيَةُ أَيْضًا، أي هو مُحْتَمِلٌ له.
وتقولُ: ظَنَنْتُكَ زيْدًا وظَنَنْتُ زيْدًا إيَّاك، تَضَعُ المُنْفَصِل موْضِعَ المُتَّصِل في الكِتابَةِ عن الاسمِ والخبرِ لأنَّهما مُنْفَصِلان في الأَصْل، لأنَّهما مُبْتدأٌ وخبرُهُ.
والمِظَنَّةُ بفتْح الظاءِ: لُغَةٌ في المَظِنّة على القِياسِ، نَقَلَه ابنُ مالِكٍ وغيرُهُ.
والمِظَنَّةُ بكسْرِ المِيمِ لُغَةٌ ثالثَةٌ. ويقالُ: نَظَرْتُ إلى أَظَنِّهم أنْ يَفْعلَ ذلِكَ، أي إلى أَخْلَقِهم أن أَظُنَّ به ذلِكَ.
وأَظْنَنْتُه الشيءَ: أَوْهَمْتُه إيَّاه.
وأَظْنَنْتُ به الناسَ: عَرَّضْتُه للتُّهَمَةِ.
والظَّنِينُ: المُعادِي لسُوءِ ظَنِّه وسُوءِ الظَّنِّ به.
والظَّنُونُ: الرجلُ السَّيِّءُ الظَّنِّ بكلِّ أَحدٍ.
والظَّنَّانُ: الكثيرُ الظنان السَّيِّئه كالظُّنَنِ، بضمٍ ففتْحٍ.
وامْرأَةٌ ظَنُون: مُتَّهَمَةٌ في نَسَبِها.
ونَفْسٌ ظناءُ: مُتَّهَمَةٌ.
وكلُّ مَنِيَّة ظَنُونٌ إلَّا القَتْل في سَبِيلِ اللهِ، أي قَليلَةُ الخيْرِ والجَدْوَى.
ورجلٌ ظَنُونٌ: قَليلُ الخَيْرِ.
والظَّنِينُ: الذي تَسْأَلُه وتَظُنُّ به المَنْع فيكونُ كما ظَنَنْتَ.
ورجلٌ ظَنُونٌ: لا يُوثَقُ بخبَرِهِ: قالَ زُهَيْرٌ:
أَلا أَبْلِغْ لدَيْكَ بَني تَمِيمٍ *** وقد يَأْتِيك بالخَبرِ الظَّنُونُ
وقالَ أَبو طالبٍ: الظَّنُونُ: المُتَّهَمُ في عَقْلِه، وكلُّ ما لا يُوثَقُ به مِن ماءٍ أو غيرِهِ فهو ظَنُونٌ وظَنِينٌ.
وعِلْمُهُ بالشيءِ ظَنُونٌ: أي لا يُوثَقُ به؛ قالَ:
كصَخْرَةٍ إذ تُسائِلُ في مَرَاحٍ *** وفي حَزْمٍ وعِلْمُهما ظَنُونُ
والماءُ الظَّنُونُ: الذي تَتّهمُهُ ولسْت على ثقَةٍ منه.
والظِّنَّةُ، بالكسْرِ: القَليلُ مِن الشيءِ؛ قالَ أَوْس:
يَجُودُ ويُعْطِي المالَ من غير ظِنَّة *** ويَحْطِمُ أَنْفَ الأَبْلَجِ المُتَظَلِّمِ
وطَلَبَهُ مَظانَّةً: أي ليلًا ونهارًا.
وعنْدَه ظِنَّتِي، وهو ظِنَّتي أي مَوْضِعُ تهمتِي.
وظنّةٌ: قَبيلَةٌ مِنَ العَرَبِ، منها: أبو القاسِمِ تمامُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ المُظَفَّرِ بنِ عبدِ اللهِ السرَّاج الدِّمَشْقيُّ مِن شيوخِ ابنِ عَسَاكِر، وقد ذكر هذه النِّسْبة.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
25-لسان العرب (خبر)
خبر: الخَبِيرُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ.وخَبُرْتُ بالأَمر.
أَي عَلِمْتُهُ.
وخَبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ إِذا عَرَفْتَهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا}؛ أَي اسأَل عَنْهُ خَبِيرًا يَخْبُرُ.
والخَبَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: وَاحِدُ الأَخبْار.
والخَبَرُ: مَا أَتاك مِنْ نَبإٍ عَمَّنْ تَسْتَخْبِرُ.
ابْنُ سِيدَهْ: الخَبَرُ النَّبَأُ، وَالْجَمْعُ أَخْبَارٌ، وأَخابِير جَمْعُ الْجَمْعِ.
فأَما قَوْلُهُ تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها}؛ فَمَعْنَاهُ يَوْمَ تُزَلْزَلُ تُخْبِرُ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا.
وخَبَّرَه بِكَذَا وأَخْبَرَه: نَبَّأَهُ.
واسْتَخْبَرَه: سأَله عَنِ الخَبَرِ وَطَلَبَ أَن يُخْبِرَهُ؛ وَيُقَالُ: تَخَبَّرْتُ الخَبَرَ واسْتَخْبَرْتُه؛ وَمِثْلُهُ تَضَعَّفْتُ الرَّجُلَ واسْتَضْعَفْتُه، وتَخَبَّرْتُ الْجَوَابَ واسْتَخْبَرْتُه.
والاسْتِخْبارُ والتَّخَبُّرُ: السُّؤَالُ عَنِ الخَبَر.
وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ: «أَنه بَعَثَ عَيْنًا مِنْ خُزَاعَةَ يَتَخَبَّر لَهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ»؛ أي يَتَعَرَّفُ؛ يُقَالُ: تَخَبَّرَ الخَبَرَ واسْتَخْبَر إِذا سأَل عَنِ الأَخبْارِ لِيَعْرِفَهَا.
والخابِرُ: المُخْتَبِرُ المُجَرِّبُ وَرَجُلٌ خَابِرٌ وخَبِير: عَالِمٌ بالخَبَرِ.
والخَبِيرُ: المُخْبِرُ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ فِي وَصْفِ شَجَرٍ: أَخْبَرَني بِذَلِكَ الخَبِرُ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى مِثَالِ فَعِلٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إِلَّا أَن يَكُونَ عَلَى النَّسَبِ.
وأَخْبَرَهُ خُبُورَهُ: أَنْبأَهُ مَا عِنْدَهُ.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: مَا يُدْرَى لَهُ أَيْنَ خَبَرٌ وَمَا يُدْرَى لَهُ مَا خَبَرٌ أَي مَا يُدْرَى، وأَين صِلَةٌ وَمَا صِلَةٌ.
والمَخْبَرُ: خِلَافُ المَنْظَرِ، وَكَذَلِكَ المَخْبَرَةُ والمَخْبُرَةُ، بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ نَقِيضُ المَرْآةِ والخِبْرُ والخُبْرُ والخِبْرَةُ والخُبْرَةُ والمَخْبَرَةُ والمَخْبُرَةُ، كُلُّهُ: العِلْمُ بِالشَّيْءِ؛ تَقُولُ: لِي بِهِ خِبْرٌ، وَقَدْ خَبَرَهُ يَخْبُره خُبْرًا وخُبْرَةً [خِبْرَةً] وخِبْرًا واخْتَبَره وتَخَبَّرهُ؛ يُقَالُ: مَنْ أَين خَبَرْتَ هَذَا الأَمر أَي مِنْ أَين عَلِمْتَ؟ وَقَوْلُهُمْ: لأَخْبُرَنَّ خُبْرَكَ أَي لأَعْلَمَنَّ عِلْمَك؛ يُقَالُ: صَدَّقَ الخَبَرَ الخُبْرُ.
وأَما قَوْلُ أَبي الدَّرْدَاءِ: وجدتُ الناسَ اخْبُرْ نَقْلَه؛ فَيُرِيدُ أَنك إِذا خَبَرْتَهُم قَلَيْتَهُمْ، فأَخرج الْكَلَامَ عَلَى لَفْظِ الأَمر، وَمَعْنَاهُ الخَبَرُ.
والخُبْرُ: مَخْبُرَةُ الإِنسان.
والخِبْرَةُ: الاختبارُ؛ وخَبَرْتُ الرَّجُلَ أَخْبُرُه خُبْرًا [خِبْرًا] وخُبْرَةً [خِبْرَةً].
والخَبِيرُ: الْعَالِمُ؛ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سَمِعْتُ ثَعْلَبًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " كَفَى قَوْمًا بِصاحِبِهمْ خَبِيرا "فَقَالَ: هَذَا مَقْلُوبٌ إِنما يَنْبَغِي أَن يَقُولَ كَفَى قَوْمًا بِصَاحِبِهِمْ خُبْرًا؛ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يَقُولُ كَفَى قَوْمٌ.
والخَبِيرُ: الَّذِي يَخْبُرُ الشَّيْءَ بِعِلْمِهِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ: " وشِفَاءُ عِيِّكِ خابِرًا أَنْ تَسْأَلي "فَسَّرَهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ مَا تَجِدِينَ فِي نَفْسِكَ مِنَ الْعِيِّ أَن تَسْتَخْبِرِي.
وَرَجُلٌ مَخْبَرانِيٌّ: ذُو مَخْبَرٍ، كَمَا قَالُوا مَنْظَرانِيّ أَي ذُو مَنْظَرٍ.
والخَبْرُ والخِبْرُ: المَزادَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْجَمْعُ خُبُورٌ، وَهِيَ الخَبْرَاءُ أَيضًا؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ وَيُقَالُ: الخِبْرُ، إِلَّا أَنه بِالْفَتْحِ أَجود؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الخَبْرُ، بِالْفَتْحِ، الْمَزَادَةُ، وأَنكر فِيهِ الْكَسْرَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: نَاقَةٌ خَبْرٌ إِذا كَانَتْ غَزِيرَةً.
والخَبْرُ والخِبْرُ: النَّاقَةُ الْغَزِيرَةُ اللَّبَنِ.
شُبِّهَتْ بِالْمَزَادَةِ فِي غُزْرِها، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ؛ وَقَدْ خَبَرَتْ خُبُورًا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
والخَبْراءُ: المجرَّبة بالغُزْرِ.
والخَبِرَةُ: الْقَاعُ يُنْبِتُ السِّدْرَ، وَجَمْعُهُ خَبِرٌ، وَهِيَ الخَبْراءُ أَيضًا، وَالْجَمْعُ خَبْراوَاتٌ وخَبَارٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وخَبَارٌ كَسَّرُوها تَكْسِيرَ الأَسماء وَسَلَّموها عَلَى ذَلِكَ وإِن كَانَتْ فِي الأَصل صِفَةً لأَنها قَدْ جَرَتْ مَجْرَى الأَسماء.
والخَبْراءُ: مَنْقَعُ الْمَاءِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ مَنْقَعَ الْمَاءِ فِي أُصول السِّدْرِ، وَقِيلَ: الخَبْراءُ الْقَاعُ يُنْبِتُ السِّدْرَ، وَالْجَمْعُ الخَبَارَىوالخَبارِي مِثْلُ الصحارَى والصحارِي وَالْخَبْرَاوَاتُ؛ يُقَالُ: خَبِرَ الموضعُ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ خَبِرٌ؛ وأَرض خَبِرَةٌ.
والخَبْرُ: شَجَرُ السِّدْرِ والأَراك وَمَا حَوْلَهُمَا مِنَ العُشْبِ؛ وَاحِدَتُهُ خَبْرَةٌ.
وخَبْراءُ الخَبِرَةِ: شَجَرُهَا؛ وَقِيلَ: الخَبْرُ مَنْبِتُ السِّدْرِ فِي القِيعانِ.
والخَبْرَاءُ: قَاعٌ مُسْتَدِيرٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَجَمْعُهُ خَبَارَى وخَبَاري.
وَفِي تَرْجَمَةِ نَقَعَ: النَّقائعُ خَبَارَى فِي بِلَادِ تَمِيمٍ.
اللَّيْثُ: الخَبْراءُ شَجْراءُ فِي بَطْنِ رَوْضَةٍ يَبْقَى فِيهَا الْمَاءُ إِلى الْقَيْظِ وَفِيهَا ينْبت الخَبْرُ، وَهُوَ شَجَرُ السِّدْرِ والأَراك وَحَوَالَيْهَا عُشْبٌ كَثِيرٌ، وَتُسَمَّى الخَبِرَةَ، وَالْجَمْعُ الخَبِرُ.
وخَبْرُ الخَبِرَةِ: شجرُها قَالَ الشَّاعِرُ:
فَجادَتْكَ أَنْواءُ الرَّبيعِ، وهَلَّلَتْ ***عليكَ رِياضٌ مِنْ سَلامٍ وَمِنْ خَبْرِ
والخَبْرُ مِنْ مَوَاقِعِ الْمَاءِ: مَا خَبِرَ المَسِيلُ فِي الرُّؤُوسِ فَتَخُوضُ فِيهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَدَفعنا فِي خَبَارٍ مِنَ الأَرض»؛ أَي سَهْلَةٍ لَيِّنَةٍ.
والخَبارُ مِنَ الأَرض: مَا لانَ واسْتَرخَى وَكَانَتْ فِيهِ جِحَرَةٌ.
والخَبارُ: الجَراثيم وجِحَرَةُ الجُرْذانِ، وَاحِدَتُهُ خَبارَةٌ.
وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ تَجَنَّبَ الخَبَارَ أَمِنَ العِثارَ.
والخَبارُ: أَرض رِخْوَةٌ تَتَعْتَعُ فِيهِ الدوابُّ؛ وأَنشد:
تَتَعْتَع فِي الخَبارِ إِذا عَلاهُ، ***ويَعْثُر فِي الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ
ابْنُ الأَعرابي: والخَبارُ مَا اسْتَرْخَى مِنَ الأَرض وتَحَفَّرَ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهُوَ مَا تَهَوَّرَ وساخَتْ فِيهِ الْقَوَائِمُ.
وخَبِرَتِ الأَرضُ خَبَرًا: كَثُرَ خَبارُها.
والخَبْرُ: أَن تُزْرَعَ عَلَى النِّصْفِ أَو الثُّلْثِ مِنْ هَذَا، وَهِيَ المُخابَرَةُ، وَاشْتُقَّتْ مِنْ خَيْبَرَ لأَنها أَول مَا أُقْطِعَتْ كَذَلِكَ.
والمُخابَرَةُ: الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرض، وَهُوَ الخِبْرُ أَيضًا، بِالْكَسْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «كُنَّا نُخابر وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بأْسًا حَتَّى أَخْبَرَ رافعٌ أَن رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا».
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه نَهَى عن المُخابرة»؛ قِيلَ: هِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى نَصِيبٍ مُعَيَّنٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الخَبارِ، الأَرض اللَّيِّنَةُ، وَقِيلَ: أَصل المُخابرة مِنْ خَيْبر، " لأَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقرها فِي أَيدي أَهلها عَلَى النِّصْفِ مِنْ مَحْصُولِهَا "؛ فَقِيلَ: خابَرَهُمْ أَي عَامَلَهُمْ فِي خَيْبَرَ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الْمُزَارَعَةُ فَعَمَّ بِهَا.
والمُخَابَرَةُ أَيضًا: الْمُؤَاكَرَةُ.
والخَبِيرُ: الأَكَّارُ؛ قَالَ:
تَجُزُّ رؤُوس الأَوْسِ مِنْ كلِّ جانِبٍ، ***كَجَزِّ عَقاقِيلِ الكُرومِ خَبِيرُها
رَفَعَ خَبِيرَهَا عَلَى تَكْرِيرِ الْفِعْلِ، أَراد جَزَّه خَبِيرُها أَي أَكَّارُها.
والخَبْرُ الزَّرْعُ.
والخَبِيرُ: النَّبَاتُ.
وَفِي حَدِيثِ طَهْفَةَ: «نَسْتَخْلِبُ الخَبِيرَ»أَي نَقْطَعُ النَّبَاتَ وَالْعُشْبَ ونأْكله؛ شُبّهَ بِخَبِيرِ الإِبل، وَهُوَ وبَرُها لأَنه يَنْبُتُ كَمَا يَنْبُتُ الْوَبَرُ.
وَاسْتِخْلَابُهُ: احْتِشاشُه بالمِخْلَبِ، وَهُوَ المِنْجَلُ.
والخَبِيرُ: يَقَعُ عَلَى الْوَبَرِ وَالزَّرْعِ والأَكَّار.
والخَبِيرُ: الوَبَرُ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ يَصِفُ حَمِيرَ وَحْشٍ: " حَتَّى إِذَا مَا طَارَ مِنْ خَبِيرِها "والخَبِيرُ: نُسَالة الشِّعْرِ، والخَبِيرَةُ: الطَّائِفَةُ مِنْهُ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:
فَآبُوا بالرماحِ، وهُنَّ عُوجٌ، ***بِهِنَّ خَبائِرُ الشَّعَرِ السِّقَاطُ
والمَخْبُورُ: الطَّيِّب الأَدام.
والخَبِيرُ: الزَّبَدُ؛ وَقِيلَ: زَبَدُ أَفواه الإِبل؛ وأَنشد الْهُذَلِيِّ:
تَغَذّمْنَ، فِي جانِبيهِ، الخَبِيرَ ***لَمَّا وَهَى مُزنُهُ واسْتُبِيحَا
تَغَذَّمْنَ يَعْنِي الْفُحُولَ أَي مَضَغْنَ الزَّبَدَ وعَمَيْنَهُ.
والخُبْرُ والخُبْرَةُ: اللَّحْمُ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ لأَهله؛ يُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا اختَبَرْتَ لأَهلك؟ والخُبْرَةُ: الشَّاةُ يَشْتَرِيهَا الْقَوْمُ بأَثمان مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ يَقْتَسِمُونَهَا فَيُسْهِمُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا نَقَدَ.
وتَخَبَّرُوا خُبْرَةً: اشْتَرَوْا شَاةً فَذَبَحُوهَا وَاقْتَسَمُوهَا.
وَشَاةٌ خَبِيرَةٌ: مُقْتَسَمَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ.
والخُبْرَةُ، بِالضَّمِّ: النَّصِيبُ تأْخذه مِنْ لَحْمٍ أَو سَمَكٍ؛ وأَنشد:
باتَ الرَّبِيعِيُّ والخامِيز خُبْرَتُه، ***وطاحَ طَيُّ بَنِي عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «حِينَ لَا آكلُ الخَبِيرَ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ؛ أي المَأْدُومَ.
والخَبير والخُبْرَةُ: الأَدام؛ وَقِيلَ: هُوَ الطَّعَامُ مِنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ؛ وَيُقَالُ: اخْبُرْ طَعَامَكَ أَي دَسِّمْهُ؛ وأَتانا بِخُبْزَةٍ وَلَمْ يأْتنا بخُبْرَةٍ.
وَجَمَلٌ مُخْتَبِرٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ.
والخُبْرَةُ: الطَّعَامُ وَمَا قُدِّم مِنْ شَيْءٍ.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ أَنه سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ: اجْتَمَعُوا عَلَى خُبْرَتِه، يَعْنُونَ ذَلِكَ.
والخُبْرَةُ: الثَّرِيدَةُ الضَّخْمَةُ.
وخَبَرَ الطعامَ يَخْبُرُه خَبْرًا: دَسَّمَهُ.
والخابُور: نَبْتٌ أَو شَجَرٌ؛ قَالَ:
أَيا شَجَرَ الخابُورِ مَا لَكَ مُورِقًا؟ ***كأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابنِ طَرِيفِ
والخابُور: نَهْرٌ أَو وَادٍ بِالْجَزِيرَةِ؛ وَقِيلَ: مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ.
وخَيْبَرُ: مَوْضِعٌ بِالْحِجَازِ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ.
وَيُقَالُ: عَلَيْهِ الدَّبَرَى.
وحُمَّى خَيْبَرى.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
26-لسان العرب (نقع)
نقع: نَقَعَ الماءُ فِي المَسِيلِ وَنَحْوِهِ يَنْقَعُ نُقُوعًا واسْتَنْقَعَ: اجْتَمَعَ.واسْتَنْقَعَ الماءُ فِي الغَدِيرِ أَي اجْتَمَعَ وَثَبَتَ.
وَيُقَالُ: استنقَعَ الماءُ إِذا اجْتَمَعَ فِي نِهْيٍ أَو غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ نَقَعَ يَنْقَعُ نُقُوعًا.
وَيُقَالُ: طالَ إِنْقاعُ الماءِ واسْتِنْقاعُه حَتَّى اصْفَرَّ.
والمَنْقَعُ، بِالْفَتْحِ: المَوْضِعُ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الماءُ، وَالْجَمْعُ مَناقِعُ.
وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: «إِذا اسْتَنْقَعَتْ نَفْسُ المؤمنِ جاءَه ملَكُ الموتِ»أَي إِذا اجْتَمَعَتْ فِي فِيهِ تُرِيدُ الْخُرُوجَ كَمَا يَسْتَنْقِعُ الماءُ فِي قَرارِه، وأَراد بالنفْسِ الرُّوحَ؛ قَالَ الأَزهري: وَلِهَذَا الْحَدِيثِ مَخْرَجٌ آخَر وهو من قَوْلُهُمْ نَقَعْتُه إِذا قَتَلْتَهُ، وَقِيلَ: إِذا اسْتَنْقَعَتْ، يَعْنِي إِذا خرجَت؛ قَالَ شَمِرٌ: وَلَا أَعرفها؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ: " مُسْتَنْقِعانِ عَلَى فُضُولِ المِشْفَرِ قَالَ أَبو عَمْرٍو: يَعْنِي نَابَيِ النَّاقَةِ أَنهما مُسْتَنْقِعانِ فِي اللُّغامِ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبةَ: مُصَوِّتانِ.
والنَّقْعُ: مَحْبِسُ الماءِ.
والنَّقْعُ: الماءُ الناقِعُ أَي المُجْتَمِعُ.
ونَقْعُ البئرِ: الماءُ المُجْتَمِعُ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يُسْتَقَى.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ البئرِ وَلَا رَهْوُ الماءِ».
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَقْعُدْ أَحدُكم فِي طريقٍ أَو نَقْعِ ماءٍ»، يَعْنِي عِنْدَ الحَدَثِ وقضاءِ الحاجةِ.
والنَّقِيعُ: البئرُ الكثيرةُ الماءِ، مُذَكَّر والجمعُ أَنْقِعةٌ، وكلُّ مُجْتَمَعِ ماءٍ نَقْعٌ، وَالْجَمْعُ نُقْعانٌ، والنَّقْعُ: القاعُ مِنْهُ، وَقِيلَ: هِيَ الأَرض الحُرَّةُ الطينِ لَيْسَ فِيهَا ارْتفاع وَلَا انْهِباط، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَ وَقَالَ: الَّتِي يسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض، وَالْجَمْعُ نِقاعٌ وأَنْقُعٌ مِثْلُ بَحْرٍ وبِحارٍ وأَبْحُرٍ، وَقِيلَ: النِّقاعُ قِيعانُ الأَرض؛ وأَنشد:
يَسُوفُ بأَنْفَيْهِ النِّقاعَ كأَنَّه، ***عَنِ الرَّوْضِ مِنْ فَرْطِ النَّشاطِ، كَعِيمُ
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: نَقْعُ البئرِ فَضْلُ مائِها الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهَا أَو مِنَ الْعَيْنِ قَبْلَ أَن يَصِيرَ فِي إِناء أَو وِعاء، قَالَ: وَفَسَّرَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الماءِ لِيَمْنَع بِهِ فَضْلَ الكَلإِ مَنَعَه اللَّهُ فَضْلَه يومَ القيامةِ "؛ وأَصل هَذَا فِي الْبِئْرِ يَحْتَفِرُهَا الرَّجُلُ بالفَلاةِ مِنَ الأَرض يَسْقِي بِهَا مَواشِيَه، فإِذا سَقاها فَلَيْسَ لَهُ أَن يَمْنَعَ الماءَ الفاضِلَ عَنْ مَواشِيهِ مَواشِيَ غَيْرِهِ أَو شَارِبًا يَشْرَبُ بشَفَتِه، وإِنما قِيلَ لِلْمَاءِ نَقْعٌ لأَنه يُنْقَعُ بِهِ العَطَشُ أَي يُرْوَى بِهِ.
يُقَالُ: نَقَعَ بِالرِّيِّ وبَضَعَ.
ونَقَعَ السّمُّ فِي أَنْيابِ الحيَّةِ: اجْتَمعَ، وأَنْقَعَتْه الحيّةُ؛ قَالَ:
أَبَعْدَ الَّذِي قَدْ لَجَّ تَتَّخِذِينَني ***عَدُوًّا، وَقَدْ جَرَّعْتِني السّمَّ مُنْقَعا؟
وَقِيلَ: أَنْقَعَ السمَّ عَتَّقَه.
وَيُقَالُ: سُمٌّ ناقِعٌ أَي بالِغٌ قاتِلٌ، وَقَدْ نَقَعَه أَي قَتَلَه، وَقِيلَ: ثَابِتٌ مُجْتَمِعٌ مِنْ نَقْعِ الْمَاءِ.
وَيُقَالُ: سُمٌّ مَنْقُوعٌ ونَقِيعٌ وناقِعٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
فَبِتُّ كأَنِّي ساوَرَتْني ضَئِيلةٌ ***مِنَ الرُّقْشِ، فِي أَنْيابِها السُّمُّ ناقِعُ
وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ: «رأَيتُ البَلايا تَحْمِلُ الْمَنَايَا»، نَواضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ السُّمَّ الناقِعَ.
وموْتٌ ناقِعٌ أَي دائِمٌ.
ودمٌ ناقِعٌ أَي طَرِيٌّ؛ قَالَ قَسّام بْنُ رَواحةَ:
وَمَا زالَ مِنْ قَتْلَى رِزاحٍ بعالِجٍ ***دَمٌ ناقِعٌ، أَو جاسِدٌ غيرُ ماصِحِ
قَالَ أَبو سَعِيدٍ: يُرِيدُ بالناقِعِ الطَّرِيَّ وبالجاسِدِ القَدِيمَ.
وسَمٌّ مُنْقَعٌ أَي مُرَبًّى؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " فِيهَا ذَراريحٌ وسَمٌّ مُنْقَعُ "يَعْنِي فِي كأْس الْمَوْتِ.
واسْتَنْقَعَ فِي الْمَاءِ: ثَبَتَ فِيهِ يَبْتَرِدُ، وَالْمَوْضِعُ مُسْتَنْقَعٌ، وَكَانَ عَطَاءُ يَسْتَنْقِعُ فِي حِياضِ عَرَفةَ أَي يدخلُها ويَتَبَرَّد بِمَائِهَا.
واسْتُنْقِعَ الشَّيْءُ فِي الْمَاءُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه.
والنَّقِيعُ والنَّقِيعةُ: المَحْضُ مِنَ اللَّبَنِ يُبَرَّدُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أُطَوِّفُ، مَا أُطَوِّفُ، ثُمَّ آوِي ***إِلى أُمِّي، ويَكْفِيني النَّقِيعُ
وَهُوَ المُنْقَعُ أَيضًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ فَرَسًا:
قانَى لَهُ فِي الصَّيْفِ ظِلٌّ بارِدٌ، ***ونَصِيُّ ناعِجةٍ ومَحْضٌ مُنْقَعُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده ونصِيُّ باعِجةٍ، بِالْبَاءِ؛ قَالَ أَبو هِشَامٍ: الباعِجةُ هِيَ الوَعْساءُ ذاتُ الرِّمْثِ والحَمْضِ، وَقِيلَ: هِيَ السَّهْلةُ المُسْتَوِيةُ تُنْبِتُ الرِّمْثَ والبَقْلَ وأَطايِبَ العُشْبِ، وَقِيلَ: هِيَ مُتَّسَعُ الوادِي، وَقَانَى لَهُ أَي دامَ لَهُ؛ قَالَ الأَزهريّ: أَصلُه مِنْ أَنْقَعْتُ اللبَنَ، فَهُوَ نَقِيعٌ، وَلَا يُقَالُ مُنْقَعٌ، وَلَا يَقُولُونَ نَقَعْتُه، قَالَ: وَهَذَا سَماعي مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: ووجدْتُ للمُؤَرِّجِ حُرُوفًا فِي الإِنقاعِ مَا عُجْت بِهَا وَلَا علِمْت راوِيها عَنْهُ.
يُقَالُ: أَنْقَعْتُ الرجُلَ إِذا ضَرَبْتَ أَنْفَه بإِصْبَعِكَ، وأَنْقَعْتُ الميِّتَ إِذا دَفَنْته، وأَنْقَعْتُ البَيْتَ إِذا زَخْرَفْتَه، وأَنْقَعْتُ الجاريةَ إِذا افْتَرَعْتَها، وأَنْقَعْتُ الْبَيْتَ إِذا جَعَلْتَ أَعلاه أَسفلَه، قَالَ: وَهَذِهِ حُروفٌ مُنْكَرةٌ كلُّها لَا أَعرِفُ مِنْهَا شَيْئًا.
والنَّقُوعُ، بِالْفَتْحِ: مَا يُنْقَعُ فِي الْمَاءِ مِنَ اللَّيْلِ لِدواءٍ أَو نَبِيذٍ ويُشْرَبُ نَهَارًا، وَبِالْعَكْسِ.
وَفِي حَدِيثِ الكَرْمِ: «تَتَّخِذُونَهُ زَبِيبًا تُنْقِعُونه»؛ أي تَخْلِطونه بِالْمَاءِ لِيَصِيرَ شَرابًا.
وَفِي التَّهْذِيبِ: النَّقُوعُ مَا أَنْقَعْتَ مِنْ شَيْءٍ.
يُقَالُ: سَقَوْنا نَقُوعًا لِدواءٍ أُنْقِعَ مِنَ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ الإِناء مِنْقَعٌ، بِالْكَسْرِ.
ونَقَعَ الشيءَ فِي الماءِ وَغَيْرِهِ يَنْقَعُه نَقْعًا، فَهُوَ نَقِيعٌ، وأَنْقَعَه: نَبَذَه.
وأَنْقَعْتُ الدّواءَ وَغَيْرَهُ فِي الْمَاءِ، فَهُوَ مُنْقَعٌ.
والنَّقِيعُ والنَّقُوعُ: شَيْءٌ يُنْقَعُ فِيهِ الزَّبِيبُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ يُصَفَّى ماؤُه ويُشْرَبُ، والنُّقاعةُ: مَا أَنْقَعْتَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والنُّقاعةُ اسْمُ مَا أُنْقِعَ فِيهِ الشيءُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بِهِ مِنْ نِضاخِ الشَّوْلِ رَدْعٌ، كأَنَّه ***نُقاعةُ حِنّاءٍ بماءِ الصَّنَوْبَرِ
وكلُّ مَا أُلقِيَ فِي ماءٍ، فَقَدْ أُنْقِعَ.
والنَّقُوعُ والنَّقِيعُ: شَرابٌ يُتَّخَذُ مِنْ زَبِيبٍ يُنْقَعُ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، وَقِيلَ فِي السَّكَر: إِنه نَقِيعُ الزَّبيبِ.
والنَّقْعُ: الرَّيُّ، شَرِبَ فَمَا نَقَعَ وَلَا بَضَعَ.
ومثَلٌ مِنَ الأَمثالِ: حَتَّامَ تَكْرَعُ وَلَا تَنْقَعُ؟ ونَقَعَ مِنَ الْمَاءِ وَبِهِ يَنْقَعُ نُقُوعًا: رَوِيَ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
لَوْ شِئْتِ، قَدْ نَقَعَ الفُؤادُ بشَرْبةٍ، ***تَدَعُ الصَّوادِيَ لَا يَجِدْنَ غَلِيلا
وَيُقَالُ: شَرِبَ حَتَّى نَقَعَ أَي شَفى غَلِيلَه ورَوِيَ.
وماءٌ ناقِعٌ: وهو كالناجِعِ؛ وَمَا رأَيت شَرْبةً أَنْقَعَ مِنْهَا.
ونَقَعْتُ بِالْخَبَرِ وبالشّرابِ إِذا اشْتَفَيْتَ مِنْهُ.
وَمَا نَقَعْتُ بِخَبَرِهِ أَي لَمْ أَشْتَفِ بِهِ.
وَيُقَالُ: مَا نَقَعْتُ بخبَر فُلَانٍ نُقوعًا أَي مَا عُجْتُ بكلامِه وَلَمْ أُصَدِّقْه.
وَيُقَالُ: نَقَعَتْ بِذَلِكَ نفْسِي أَي اطْمَأَنَّتْ إِليه ورَوِيَتْ بِهِ.
وأَنْقَعَني الماءُ أَي أَرْواني.
وأَنْقَعَني الرَّيُّ ونَقَعْتُ بِهِ ونَقَعَ الماءُ العَطَشَ يَنْقَعُه نَقْعًا ونُقُوعًا: أَذْهَبَه وسَكَّنَه؛ قَالَ حَفْصٌ الأُمَوِيُّ:
أَكْرَعُ عِنْدَ الوُرُودِ فِي سُدُمٍ ***تَنْقَعُ مِنْ غُلَّتي، وأَجْزَأُها
وَفِي الْمَثَلِ: الرَّشْفُ أَنْقَعُ أَي الشَّرابُ الَّذِي يُتَرَشَّفُ قَلِيلًا قَليلًا أَقْطَعُ للعطَشِ وأَنْجَعُ، وإِن كَانَ فِيهِ بُطءٌ.
ونَقَعَ الماءُ غُلَّتَه أَي أَرْوى عَطَشَه.
وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: إِنه لَشَرَّابٌ بأَنْقُعٍ.
ووَرَدَ أَيضًا فِي حديثِ الحَجّاجِ: إِنَّكُم يَا أَهلَ العِراقِ شَرَّابُونَ عَلَيَّ بأَنْقُعٍ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَرَّبَ الأُمُورَ ومارَسها، وقيل للذي يُعادُ الأُمور المَكْرُوهةَ، أَراد أَنهم يَجْتَرئُونَ عَلَيْهِ ويَتَناكَرون.
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ مَثَلٌ يُضْرَبُ للإِنسان إِذا كَانَ متعادًا لِفِعْلِ الْخَيْرِ والشرِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه قَدْ جَرَّبَ الأُمور ومارَسها حَتَّى عَرَفَهَا وَخَبِرَهَا، والأَصل فِيهِ أَن الدَّلِيلَ مِنَ الْعَرَبِ إِذا عَرَفَ المِياهَ فِي الفَلَواتِ ووَرَدَها وَشَرِبَ مِنْهَا، حَذَقَ سُلُوكَ الطريقِ الَّتِي تُؤَدّيه إِلى الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه مُعاوِدٌ للأُمور يأْتيها حَتَّى يَبْلُغَ أَقْصَى مُرادِه، وكأَنَّ أَنْقُعًا جَمْعُ نَقْعٍ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَنْقُعٌ جَمْعُ قِلَّة، وَهُوَ الماءُ الناقِعُ أَو الأَرض الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ، وأَصله أَنَّ الطَّائِرَ الحَذِرَ لَا يَرِدُ المَشارِعَ، وَلَكِنَّهُ يأْتي المَناقِعَ يَشْرَبُ مِنْهَا، كَذَلِكَ الرَّجُلُ الحَذِرُ لَا يَتَقَحّمُ الأُمورَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى أَبو عُبَيْدٍ أَن هَذَا الْمَثَلَ لِابْنِ جُرَيْجٍ قَالَهُ فِي مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَفصح النَّاسِ، يَقُولُ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنه رَكِب فِي طلَبِ الْحَدِيثِ كلَّ حَزْن وَكَتَبَ مِنْ كُلِّ وجْهٍ، قَالَ الأَزهريُّ: والأَنْقُعُ جَمْعُ النَّقْعِ، وَهُوَ كُلُّ ماءٍ مُسْتَنْقِعٍ مِنْ عِدٍّ أَوغَدِيرٍ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ مُنْقَعٌ أَي يُسْتَشْفى بِرأْيه، وأَصله مِنْ نَقَعْتُ بِالرَّيِّ.
والمِنْقَعُ والمِنْقَعةُ: إِناءٌ يُنْقَعُ فِيهِ الشَّيْءُ.
ومِنْقَعُ البُرَمِ: تَوْرٌ صَغِيرٌ أَو قُدَيْرةٌ صَغِيرَةٌ مِنْ حِجارة، وجمعه مَناقِعُ، تَكُونُ لِلصَّبِيِّ يَطْرَحُون فِيهِ التمْر واللبَنَ يُطْعَمُه ويُسْقاهُ؛ قَالَ طَرَفةُ:
أَلْقَوْا إِلَيْكَ بِكُلِّ أَرْمَلةٍ ***شَعْثاءَ، تَحْمِلُ مِنْقَعَ البُرَمِ
البُرَمُ هَاهُنَا: جَمْعُ بُرْمةٍ، وَقِيلَ: هِيَ المِنْقَعةُ والمِنْقَعُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا تَكُونُ إِلا مِنَ حِجَارَةٍ.
والأُنْقُوعةُ: وَقْبَةُ الثَّرِيدِ الَّتِي فِيهَا الوَدَكُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ سالَ إِليه الماءُ مِنْ مَثْعَبٍ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ أُنْقُوعةٌ.
ونُقاعةُ كُلِّ شَيْءٍ: الماءُ الَّذِي يُنْقَعُ فِيهِ.
والنَّقْعُ: دَواءٌ يُنْقَعُ ويُشْربُ.
والنَّقِيعةُ مِنَ الإِبل: العَبِيطةُ تُوَفَّر أَعْضاؤها فَتُنْقَعُ فِي أَشياءَ.
ونَقَعَ نَقِيعةً: عَمِلَها.
والنَّقِيعةُ: مَا نُحِرَ مِنَ النَّهْبِ قَبْلَ أَن يُقْتَسَمَ؛ قَالَ:
مِيلُ الذُّرى لُحِبَتْ عَرائِكُها، ***لَحْبَ الشِّفارِ نَقِيعةَ النَّهْبِ
وانْتَقَعَ القومُ نَقيعةً أَي ذَبَحوا مِنَ الغنيمةِ شَيْئًا قَبْلَ القَسْمِ.
وَيُقَالُ: جاؤُوا بناقةٍ مِنْ نَهْبٍ فَنَحَرُوهَا.
والنَّقِيعةُ: طَعَامٌ يُصْنَعُ للقادِم مِنَ السفَر، وَفِي التَّهْذِيبِ: النَّقِيعَةُ مَا صنَعَه الرجُل عِنْدَ قُدُومِهِ مِنَ السَّفَرِ.
يُقَالُ: أَنْقَعْتُ إِنْقاعًا؛ قَالَ مُهَلْهِلٌ:
إِنَّا لَنَضْرِبُ بالصَّوارِمِ هامَهُمْ، ***ضَرْبَ القُدارِ نَقِيعةَ القُدَّامِ
وَيُرْوَى: إِنَّا لَنَضْرِبُ بالسُّيوفِ رُؤوسَهم "القُدَّامُ: القادِمُون مِنْ سفَر جَمْعُ قادِمٍ، وَقِيلَ: القُدَّامُ المَلِكُ، وَرُوِيَ القَدَّامُ، بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ المَلِكُ.
والقُدارُ: الجَزَّارُ.
والنَّقِيعةُ: طَعامُ الرجلِ ليلةَ إِمْلاكِه.
يُقَالُ: دَعَوْنا إِلى نَقِيعَتهم، وَقَدْ نَقَعَ يَنْقَعُ نُقُوعًا وأَنْقَعَ.
وَيُقَالُ: كُلُّ جَزُورٍ جَزَرتَها للضِّيافةِ، فَهِيَ نَقِيعةٌ.
يُقَالُ: نَقَعْتُ النَّقِيعةَ وأَنْقَعْتُ وانْتَقَعْتُ أَي نَحَرْتُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذَا الْمَكَانِ:
كلُّ الطَّعامِ تَشْتَهي رَبِيعهْ: ***الخُرْسُ والإِعْذارُ والنَّقِيعهْ
وَرُبَّمَا نَقَعُوا عَنْ عدّةٍ مِنَ الإِبل إِذا بَلَغَتْها جَزُورًا أَي نَحَرُوهُ، فَتِلْكَ النَّقِيعةُ؛ وأَنشد:
مَيْمونةُ الطَّيْر لَمْ تَنْعِقْ أَشائِمُها، ***دائِمَةُ القِدْرِ بالأَفْراعِ والنُّقُعِ
وإِذا زُوِّجَ الرجلُ فأَطْعَمَ عَيْبَتَه قِيلَ: نَقَعَ لَهُمْ أَي نَحَرَ.
وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: إِذا لَقِيَ الرجلُ مِنْهُمْ قَوْمًا يَقُولُ: مِيلُوا يُنْقَعْ لَكُمْ أَي يُجْزَرْ لَكُمْ، كأَنه يَدْعُوهم إِلى دَعْوَتِه.
وَيُقَالُ: الناسُ نَقائِعُ الموْتِ أَي يَجْزُرُهم كَمَا يَجْزُرُ الجَزَّارُ النَّقِيعةَ.
والنقْعُ: الغُبارُ الساطِعُ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}؛ أَي غُبَارًا، وَالْجَمْعُ نِقاعٌ.
ونَقَعَ الموتُ: كَثُرَ.
والنَّقِيعُ: الصُّراخُ.
والنَّقْعُ: رَفْعُ الصوتِ.
ونَقَعَ الصوتُ واسْتَنْقَعَ أَي ارْتَفَع؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فَمَتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ، ***يُحْلِبُوها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ
مَتَى يَنْقَعْ صُراخٌ أَي مَتَى يَرْتَفِعْ، وَقِيلَ: يَدُومُ وَيَثْبُتُ، وَالْهَاءُ للحرْب وإِن لَمْ يَذْكُرْهُ لأَن فِي الْكَلَامِ دَلِيلًا عَلَيْهِ، وَيُرْوَى يَحْلِبُوها مَتَى مَا سَمِعُوا صارِخًا؛ أَحْلَبُوا الحرْبَ أَي جَمَعُوا لَهَا.
ونَقَعَ الصارِخُ بِصَوْتِهِ يَنْقَعُ نُقُوعًا وأَنْقَعَه، كِلَاهُمَا: تابَعَه وأَدامَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنه قَالَ فِي نساءٍ اجْتَمَعْنَ يَبْكِينَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: وَمَا عَلَى نِسَاءِ بَنِي الْمُغِيرَةِ أَنْ يُهْرِقْنَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: يَسْفِكْنَ مِنْ دُموعِهِنَّ عَلَى أَبي سُلَيْمانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ وَلَا لَقْلَقةٌ "، يَعْنِي رَفْعَ الصوتِ، وَقِيلَ: يَعْنِي بالنقْعِ أَصواتَ الخُدودِ إِذا ضُرِبَتْ، وَقِيلَ: هُوَ وَضْعُهُنَّ عَلَى رؤُوسهن النَّقْعَ، وَهُوَ الغبارُ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا أَولى لأَنه قَرَنَ بِهِ اللَّقْلَقَةَ، وَهِيَ الصَّوْتُ، فحَمْلُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَوْلى مِنْ حَمْلِهِمَا عى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ: النَّقْعُ هَاهُنَا شَقُّ الجُيُوبِ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَجَدْتُ بَيْتًا لِلْمَرَّارِ فِيهِ:
نَقَعْنَ جُيُوبَهُنَّ عليَّ حَيًّا، ***وأَعْدَدْنَ المَراثيَ والعَوِيلا
والنَّقَّاعُ: المُتَكَثِّرُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ مدْحِ نفْسِه بالشَّجاعة والسَّخاءِ وَمَا أَشبهه.
ونَقَعَ لَهُ الشَّرَّ: أَدامَه.
وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ: أَنْقَعْتُ لَهُ شَرًّا، وَهُوَ اسْتِعارةٌ.
وَيُقَالُ: نَقَعَه بِالشَّتْمِ إِذا شَتَمَهُ شَتْمًا قَبِيحًا.
والنَّقائِعُ: خَبارَى فِي بِلادِ تَمِيمٍ، والخَبارَى: جُمَعُ خَبْراءَ، وَهِيَ قاعٌ مُسْتَدِيرٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الماءُ.
وانْتُقِعَ لونُه: تَغَيَّرَ مِنْ هَمٍّ أَو فزَعٍ، وَهُوَ مُنْتَقَعٌ، وَالْمِيمُ أَعرف، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن مِيمَ امْتُقِعَ بَدَلٌ مِنْ نُونِهَا.
وَفِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ: «أَنه أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملكانِ فأَضْجَعاه وشَقَّا بَطنَه فرجعَ وَقَدِ انْتُقِعَ لونُه»؛ قَالَ النَّضِرُ: يُقَالُ ذَلِكَ إِذا ذَهَبَ دَمُه وَتَغَيَّرَتْ جِلْدَةُ وَجْهِهِ إِما مِنْ خوْفٍ وإِما مِنْ مَرَضٍ.
والنَّقُوعُ: ضَرْبٌ مِنَ الطِّيب.
الأَصمعي: يُقَالُ صَبَغَ فُلَانٌ ثوبَه بنَقُوعٍ، وَهُوَ صِبْغٌ يُجْعَلُ فِيهِ مِنْ أَفْواه الطِّيبِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ عُمَرَ حَمَى غَرَزَ النَّقِيعِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مَوْضِعٌ حمَاه لِنَعَمِ الفيءِ وخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ فَلَا يَرْعاه غَيْرُهَا، وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ أَي يَجْتَمِعُ؛ قَالَ: وَمِنْهُ الْحَدِيثُ" أَول جُمُعةٍ جُمِّعَتْ فِي الإِسلام بِالْمَدِينَةِ فِي نَقِيعِ الخَضِماتِ "؛ قَالَ: هُوَ مَوْضِعٌ بِنَوَاحِي الْمَدِينَةِ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
27-لسان العرب (ضمن)
ضمن: الضَّمِينُ: الْكَفِيلُ.ضَمِنَ الشيءَ وَبِهِ ضَمْنًا وضَمَانًا: كَفَل بِهِ.
وضَمَّنَه إِياه: كَفَّلَه.
ابْنُ الأَعرابي: فُلَانٌ ضامِنٌ وضَمِينٌ وسامِنٌ وسَمِين وناضِرٌ ونَضِير وَكَافِلٌ وكَفِيلٌ.
يُقَالُ: ضَمِنْتُ الشيءَ أَضْمَنُه ضَمانًا، فأَنا ضامِنٌ، وَهُوَ مَضْمون.
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضامِنٌ عَلَى اللَّهِ أَن يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ »أَي ذُو ضَمَانٍ عَلَى اللَّهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}؛ قَالَ: هَكَذَا خَرَّجَ الْهَرَوِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ، وَالْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ فِي الصِّحاح عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ، فَمِنْ طُرُقه تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلا جِهَادًا فِي سَبِيلِي وإِيمانًا بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ عليَّ ضامنٌ أَنْ أُدْخِلَه الجنةَ أَو أُرْجِعَه إِلى مسكنه الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نالَ مِنْ أَجر أَو غَنِيمَةٍ.
وضَمَّنته الشيءَ تَضْمِينًا فتَضَمَّنه عَنِّي: مِثْلُ غَرَّمْتُه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
ضَوامِنُ مَا جارَ الدليلُ ضُحَى غَدٍ، ***مِنَ البُعْدِ، مَا يَضْمَنَّ فَهُوَ أَداءُ
فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ إِن جَارَ الدَّلِيلُ فأَخطأَ الطريقَ ضَمِنَتْ أَن تَلْحَقَ ذَلِكَ فِي غَدِها وتَبْلُغَه، ثُمَّ قَالَ: مَا يَضْمَنَّ فَهُوَ أَداء أَي مَا ضَمِنَّه مِنْ ذَلِكَ لرَكْبِها وفَيْنَ بِهِ وأَدَّيْنَه.
وضَمَّنَ الشيءَ الشيءَ: أَوْدَعه إِياه كَمَا تُودِعُ الوعاءَ المتاعَ والميتَ القبرَ، وَقَدْ تضَمَّنه هُوَ؛ قَالَ ابْنُ الرِّقَاعِ يَصِفُ نَاقَةً حَامِلًا:
أَوْكَتْ عَلَيْهِ مَضِيقًا مِنْ عَواهِنِها، ***كَمَا تضَمَّنَ كَشْحُ الحُرَّةِ الحَبَلا
عَلَيْهِ: عَلَى الْجَنِينِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ فِي وِعَاءٍ فَقَدْ "ضمَّنتَه إِياه.
اللَّيْثُ: كُلُّ شيءٍ أُحرِزَ فِيهِ شَيْءٌ فَقَدْ ضُمِّنَه؛ وأَنشد: " لَيْسَ لِمَنْ ضُمِّنَه تَرْبِيتُ ".
ضُمِّنَه: أُودِعَ فِيهِ وأُحرِزَ يَعْنِي الْقَبْرَ الَّذِي دُفِنَتْ فِيهِ المَوْؤُودَةُ.
وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنه قَالَ: لَا تَشْتَرِ لَبَنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مُضَمَّنًا لأَن اللَّبَنَ يَزِيدُ فِي الضَّرْعِ وَيَنْقُصُ، وَلَكِنِ اشْترِه كَيْلًا مُسَمًّى؛ قَالَ شَمِرٌ: قَالَ أَبو مُعَاذٍ يَقُولُ لَا تَشْتَرِهِ وَهُوَ فِي الضَّرْعِ لأَنه فِي ضِمْنِه، يُقَالُ: شَرَابُك مُضَمَّنٌ إِذا كَانَ فِي كُوزٍ أَو إِناء.
والمَضامِينُ: مَا فِي بُطُونِ الْحَوَامِلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كأَنهن تضَمَّنَّه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ: « أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ المَلاقيح والمَضامين »، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ المَلاقيح، وأَما المَضامِين فإِن أَبا عُبَيْدٍ قَالَ: هِيَ مَا فِي أَصلاب الْفُحُولِ، وَهِيَ جَمْعُ مَضْمُون؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
إِنَّ المضامينَ الَّتِي فِي الصُّلْبِ ***ماءُ الفُحولِ فِي الظُّهورِ الحُدْبِ
وَيُقَالُ: ضَمِنَ الشيءَ بِمَعْنَى تَضَمَّنَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَضْمُونُ الْكِتَابِ كَذَا وَكَذَا، والمَلاقِيحُ: جَمْعُ مَلْقُوح، وَهُوَ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفَسَّرَهُمَا مَالِكٌ فِي الموطأِ بِالْعَكْسِ؛ حَكَاهُ الأَزهري عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَحَكَاهُ أَيضًا عَنْ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: إِذا كَانَ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ حَمْلٌ فَهِيَ ضامِنٌ ومِضْمانٌ، وهنَّ ضَوَامِنُ ومَضامِينُ، وَالَّذِي فِي بَطْنِهَا مَلْقوح ومَلْقُوحة.
وَنَاقَةٌ ضامِنٌ ومِضْمان: حَامِلٌ، مِنْ ذَلِكَ أَيضًا.
ابْنُ الأَعرابي: مَا أَغْنى فلانٌ عَنِّي ضِمْنًا وَهُوَ الشِّسْعُ أَي مَا أَغنى شَيْئًا وَلَا قَدْرَ شِسْعٍ.
والضَّامِنَةُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ: مَا تَضَمَّنَ وسَطَه.
والضامِنَةُ: مَا تَضَمَّنَتْه القُرَى والأَمْصارُ مِنَ النَّخْلِ، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مُفْعُولَةٍ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُكَيْدِرِ بن عبد الْمَلِكِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: لأُكَيْدِر دُومةِ الجَنْدَل، وَفِي الصِّحَاحِ: " أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِحَارِثَةَ بْنِ قَطَنٍ وَمَنْ بدُومَةِ الجَنْدَلِ مِنْ كَلْبٍ: إِن لَنَا الضَّاحيَةَ مِنَ البَعْلِ.
والبُورَ والمَعامِيَ، وَلَكُمُ الضَّامِنةُ مِنَ النَّخْلِ والمَعِينُ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الضَّاحية مِنَ الضَّحْل مَا ظَهر وبَرَزَ وَكَانَ خَارِجًا مِنَ العِمارة فِي البَرِّ مِنَ النَّخْلِ، والبَعْلُ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سقْيٍ.
والضَّامِنَة مِنَ النخل: مَا تَضَمَّنَها أَمْصارُهم وَكَانَ دَاخِلًا فِي العِمَارة وأَطاف بِهِ سُورُ الْمَدِينَةِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سُمِّيَتْ ضَامِنَةً لأَن أَربابها قَدْ ضَمِنُوا عمارَتَها وَحَفِظَهَا، فَهِيَ ذاتُ ضَمانٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ}؛ أَي ذاتِ رِضًا، والضَّامِنَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « الإِمام ضامِنٌ والمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ »؛ أَراد بالضَّمَان هَاهُنَا الحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ لَا ضَمان الْغَرَامَةِ لأَنه يَحْفَظُ عَلَى الْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ، وَقِيلَ: إِن صَلَاةَ الْمُقْتَدِينَ بِهِ فِي عُهْدَتِهِ وَصِحَّتِهَا مَقْرُونَةٌ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ، فَهُوَ كَالْمُتَكَفِّلِ لَهُمْ صِحَّةَ صَلَاتِهِمْ.
والمُضَمَّنُ مِنَ الشِّعْرِ: مَا ضَمَّنْتَهُ بَيْتًا، وَقِيلَ مَا لَمْ تَتِمَّ مَعَانِي قَوَافِيهِ إِلا بِالْبَيْتِ الَّذِي يَلِيهِ كَقَوْلِهِ:
يَا ذَا الَّذِي فِي الحُبِّ يَلْحَى، أَما ***واللهِ لَوْ عُلِّقْتَ مِنْهُ كَمَا
عُلِّقْتُ مِنْ حُبِّ رَخِيمٍ، لَمَا ***لُمْتَ عَلَى الحُبِّ، فَدَعْني وما
قَالَ: وَهِيَ أَيضًا مَشْطُورَةٌ مُضَمَّنَة أَي أُلْقِيَ مِنْ كُلِّ بَيْتٍ نِصْفٌ وبُنِيَ عَلَى نِصْفٍ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: المُضَمَّنُ مِنْ أَبيات الشِّعْرِ مَا لَمْ يَتِمَّ مَعْنَاهُ إِلا فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ، قَالَ: وَلَيْسَ بِعَيْبٍ عِنْدَ الأَخفش، وأَن لَا يكونَ تَضْمِينٌ أَحْسَنُ؛ قَالَ الأَخفش: وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يُوجَدُ مَا هُوَ أَحسن مِنْهُ قَبِيحًا كَانَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَتُبْدي لَكَ الأَيامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا، ***ويأْتيك بالأَخْبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
رَدِيئًا إِذا وَجَدْتَ مَا هُوَ أَشْعر مِنْهُ، قَالَ: فَلَيْسَ التَّضْمِينُ بِعَيْبٍ كَمَا أَن هَذَا لَيْسَ بِرَدِيءٍ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هَذَا الَّذِي رَآهُ أَبو الْحَسَنِ مِنْ أَن التَّضْمِينَ لَيْسَ بِعَيْبٍ مَذْهَبٌ تَرَاهُ الْعَرَبُ وَتَسْتَجِيزُهُ، وَلَمْ يَعْدُ فِيهِ مذهبَهم مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما السَّمَاعُ، وَالْآخَرُ الْقِيَاسُ، أَما السَّمَاعُ فَلِكَثْرَةِ مَا يَرِدُ عَنْهُمْ مِنَ التَّضْمِينِ، وأَما الْقِيَاسُ فلأَن الْعَرَبَ قَدْ وَضَعَتِ الشِّعْرَ وَضْعًا دَلَّتْ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّضْمِينِ عِنْدَهُمْ؛ وَذَلِكَ مَا أَنشده صَاحِبُ الْكِتَابِ وأَبو زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ قَوْلِ الرَّبيعِ بْنِ ضَبُعٍ الفَزَاري:
أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السلاحَ، وَلَا ***أَملك رأْس البعيرِ، إِن نَفَرا
والذئبَ أَخْشاه، إِن مَرَرْتُ بِهِ ***وَحْدِي، وأَخْشَى الرياحَ والمَطَرا
فنَصْبُ الْعَرَبِ الذِّئْبَ هُنَا، واختيارُ النَّحْوِيِّينَ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ قَبْلَهُ جُمْلَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ لَا أَملك، يَدُلُّكَ عَلَى جَرْيِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالنَّحْوِيِّينَ جَمِيعًا مَجْرَى قَوْلِهِمْ: ضَرَبْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا لَقِيتُهُ، فكأَنه قَالَ: وَلَقِيتُ عَمْرًا لِتَتَجَانَسَ الْجُمْلَتَانِ فِي التَّرْكِيبِ، فَلَوْلَا أَن الْبَيْتَيْنِ جَمِيعًا عِنْدَ الْعَرَبِ يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ لَمَا اخْتَارَتِ الْعَرَبُ وَالنَّحْوِيُّونَ جَمِيعًا نَصْبَ الذِّئْبِ، وَلَكِنْ دَلَّ عَلَى اتِّصَالِ أَحد الْبَيْتَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَكَوْنِهِمَا مَعًا كَالْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَن يَجْرِيَا مَجْرَى الْعُقْدَةِ الْوَاحِدَةِ، هَذَا وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي حُسْنِ التَّضْمِينِ، إِلا أَن بإِزائه شَيْئًا آخَرَ يَقْبُحُ التَّضْمِينُ لأَجله، وَهُوَ أَن أَبا الْحَسَنِ وَغَيْرَهُ قَدْ قَالُوا: إِن كُلَّ بَيْتٍ مِنَ الْقَصِيدَةِ شِعْرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، فَمِنْ هُنَا قَبُحَ التَّضْمِينُ شَيْئًا، وَمِنْ حَيْثُ ذَكَرْنَا مِنِ اخْتِيَارِ النَّصْبِ فِي بَيْتِ الرَّبِيعِ حَسُنَ، وإِذا كَانَتِ الْحَالُ عَلَى هَذَا فَكُلَّمَا ازْدَادَتْ حَاجَةُ الْبَيْتِ الأَول إِلى الثَّانِي وَاتَّصَلَ بِهِ اتِّصَالًا شَدِيدًا كَانَ أَقبح مِمَّا لَمْ يَحْتَجِ الأَول فِيهِ إِلى الثَّانِي هَذِهِ الْحَاجَةَ؛ قَالَ: فَمِنْ أَشدّ التَّضْمِينِ قَوْلُ الشَّاعِرِ رُوِيَ عَنْ قُطْرُب وَغَيْرِهِ:
وَلَيْسَ المالُ، فاعْلَمْهُ، بمالٍ ***مِنَ الأَقْوامِ إِلا للَّذِيِ
يُرِيدُ بِهِ العَلاءَ ويَمْتَهِنْهُ ***لأَقْرَبِ أَقْرَبِيه، وللقَصِيِ
فضَمَّنَ بِالْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ عَلَى شِدَّةِ اتِّصَالِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
وَهُمْ وَرَدُوا الجِفارَ عَلَى تميمٍ، ***وَهُمْ أَصحابُ يومِ عُكاظَ،
إِنِّي شَهِدْتُ لَهُمْ مَواطِنَ صادِقاتٍ، ***أَتَيْتُهُمُ بِوُدِّ الصَّدْرِ مِنِّي
وَهَذَا دُونَ الأَول لأَنه لَيْسَ اتصالُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِخَبَرِهِ فِي شِدَّةِ اتِّصَالِ الْمَوْصُولِ بِصِلَتِهِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ القُلاخ لسَوَّار بْنِ حَيّان المَنْقَريّ:
وَمِثْلُ سَوَّارٍ ردَدْناه إِلى ***إِدْرَوْنِه ولُؤْمِ إِصِّه عَلَى
أَلرَّغْمِ مَوْطوءَ الحِمى مُذَلَّلا "والمُضَمَّنُ مِنَ الأَصوات: مَا لَا يُسْتَطَاعُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ حَتَّى يُوصَلَ بِآخَرَ.
قَالَ الأَزهري: و [المُضَمَّنُ] مِنَ الأَصوات أَن يَقُولَ الإِنسان قِفْ فُلَ بإِشمام اللَّامِ إِلى الْحَرَكَةِ.
والضَّمانةُ والضَّمانُ: الزَّمانة وَالْعَاهَةُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بعَيْنَينِ نَجْلاوَينِ لَمْ يَجْرِ فِيهِمَا ***ضمانٌ، وجِيدٍ حُلِّيَ الشذْرَ شامِس
والضَّمَنُ والضَّمانُ والضُّمْنة والضَّمانة: الدَّاءُ فِي الْجَسَدِ مِنْ بَلَاءٍ أَو كِبر؛ رَجُلٌ ضَمَنٌ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ: مَرِيضٌ، وَكَذَلِكَ ضَمِنٌ، وَالْجَمْعُ ضَمِنُون، وضَمِينٌ وَالْجَمْعُ ضَمْنى، كُسِّر عَلَى فَعْلى وإِن كَانَتْ إِنما يُكَسَّرُ بِهَا الْمَفْعُولُ نَحْوَ قَتْلى وأَسْرَى، لَكِنَّهُمْ تَجَوَّزُوهُ عَلَى لَفْظِ فاعِل أَو فَعِلٍ عَلَى تَصَوُّرِ مَعْنَى مَفْعُولٍ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: كُسِّر هَذَا النَّحْوُ عَلَى فَعْلى لأَنها مِنَ الأَشياء الَّتِي أُصيبوا بِهَا وأُدْخلوا فِيهَا وَهُمْ لَهَا كَارِهُونَ.
وَقَدْ ضَمِنَ بِالْكَسْرِ، ضَمَنًا: كمَرِض وزَمِن، فَهُوَ ضَمِنٌ أَي مُبْتَلًى.
والضَّمانة: الزَّمانة.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: « مَنِ اكْتَتَب ضَمِنًا بَعَثَهُ اللَّهُ ضَمِنًا يَوْمِ الْقِيَامَةِ »أَي مَنْ سأَل أَن يَكْتُبَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الزَّمْنى، ليُعْذَرَ عَنِ الْجِهَادِ وَلَا زَمانة بِهِ، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَمِنًا، وَاكْتَتَبَ: سأَل أَن يُكْتَبَ فِي جُمْلَةِ الْمَعْذُورِينَ، وخرَّجه بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ، وإِذا أَخذ الرجلُ مِنْ أَمير جُنْدِه خَطًّا بزَمانته.
والمُؤَدِّي الْخَرَاجَ يَكْتَتبُ البراءَة بِهِ.
والضَّمِنُ: الَّذِي بِهِ ضَمانة فِي جَسَدِهِ مِنْ زَمَانَةٍ أَو بلاءٍ أَو كَسْر وَغَيْرِهِ، تَقُولُ مِنْهُ: رَجُلٌ ضَمِنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا خِلْتُني زِلْتُ بعْدَكمْ ضَمِنًا، ***أَشكو إِليكم حُمُوَّة الأَلَمِ
وَالِاسْمُ الضَّمَن، بِفَتْحِ الْمِيمِ، والضَّمان؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر وَقَدْ كَانَ سُقِيَ بطنُه:
إِليك، إِلهَ الخَلْقِ، أَرْفَعُ رَغْبتي ***عِياذًا وخَوْفًا أَن تُطيلَ ضَمانِيا
وَكَانَ قَدْ أَصابه بَعْضُ ذَلِكَ، فالضَّمان هُوَ الدَّاءُ نَفْسُهُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: « أَن يَكْتَتِبَ الرجلُ أَنَّ بِهِ زَمَانَةً لِيَتَخَلَّفَ عَنِ الْغَزْوِ وَلَا زَمَانَةَ بِهِ، وإِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ اعْتِلَالًا، وَمَعْنَى يَكتتِب يأْخذ لِنَفْسِهِ خَطًّا مِنْ أَمير جَيْشِهِ لِيَكُونَ عُذْرًا عِنْدَ وَالِيهِ».
الْفَرَّاءُ: ضَمِنَتْ يدُه ضَمانة بِمَنْزِلَةِ الزَّمَانَةِ.
وَرَجُلٌ مَضْمون الْيَدِ: مِثْلُ مَخْبون الْيَدِ.
وَقَوْمٌ ضَمْنى أَي زَمْنى.
الْجَوْهَرِيُّ: والضُّمْنة، بِالضَّمِّ، مِنْ قَوْلِكَ كَانَتْ ضُمْنةُ فُلَانٍ أَربعة أَشهر أَي مَرَضُه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَير: « مَعْبوطةٌ غيرُ ضَمِنةٍ»؛ أي أَنها ذُبِحَتْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه كَانَ لِعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ابْنٌ أَصابته رَمْيةٌ يومَ الطَّائِفِ فضَمِنَ مِنْهَا» أَي زَمِنَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « كَانُوا يَدْفعون الْمَفَاتِيحَ إِلى ضَمْناهم وَيَقُولُونَ: إِن احْتَجْتُمْ فكُلوا »؛ الضَّمْنى: الزَّمْنى، جَمْعُ ضَمِنٍ.
والضَّمانةُ: الحُبُّ؛ قَالَ ابْنِ عُلَّبة:
وَلَكِنْ عَرتْني مِنْ هَواكِ ضَمانةٌ، ***كَمَا كنتُ أَلقى منكِ إِذ أَنا مُطْلقُ
وَرَجُلٌ ضَمِنٌ: عَاشِقٌ.
وَفُلَانٌ ضَمِنٌ عَلَى أَهله وأَصحابه أَي كلٌّ؛ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ فُلَانٌ ضَمِنٌ عَلَى أَصحابه وكَلٌّ عَلَيْهِمْ وَهُمَا وَاحِدٌ.
وإِني لَفِي غَفَلٍ عَنْ هَذَا وغُفُولٍ وغَفْلة بِمَعْنًى واحد؛ قال لبيد:
يُعْطي حُقوقًا عَلَى الأَحساب ضامِنةً، ***حَتَّى يُنَوِّرَ فِي قُرْيانِه الزَّهَرُ
كأَنه قَالَ مَضْمُونَةً؛ وَمِثْلُهُ: " أَناشِرَ لَا زالَتْ يَمينُك آشِرَه.
يُرِيدُ مأْشورة أَي مَقْطُوعَةً.
وَمِثْلُهُ: أَمْرٌ عارفٌ أَي مَعْرُوفٌ، والراحلةُ: بِمَعْنَى المَرْحولة، وَتَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ أَي مُبانة.
وفَهِمْت مَا تضَمَّنه كِتَابُكَ أَي مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي ضِمْنه.
وأَنفَذْتُه ضِمْن كِتَابِي أَي فِي طَيّه.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
28-لسان العرب (ظنن)
ظنن: الْمُحْكَمُ: الظَّنُّ شَكٌّ وَيَقِينٌ إِلَّا أَنه لَيْسَ بيقينِ عِيانٍ، إِنما هُوَ يقينُ تَدَبُّرٍ، فأَما يَقِينُ العِيَانِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إِلَّا عَلِمَ، وَهُوَ يَكُونُ اسْمًا وَمَصْدَرًا، وجمعُ الظَّنِّ الَّذِي هُوَ الِاسْمُ ظُنُون، وأَما قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا "، بِالْوَقْفِ وَتَرْكِ الْوَصْلِ، فإِنما فعلوا ذلك لأَن رؤُوس الآيات عندهم فواصل، ورؤُوس الْآيِ وَفَوَاصِلُهَا يَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي أَواخِرِ الأَبياتِ وَالْفَوَاصِلِ، لأَنه إِنما خُوطِبَ الْعَرَبُ بِمَا يَعْقِلُونَهُ فِي الْكَلَامِ المؤَلف، فيُدَلُّ بِالْوَقْفِ فِي هَذِهِ الأَشياء وَزِيَادَةِ الْحُرُوفِ فِيهَا نَحْوِ الظُّنُونا والسَّبيلا والرَّسولا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ قَدْ تمَّ وَانْقَطَعَ، وأَنَّ مَا بَعْدَهُ مستأْنف، وَيَكْرَهُونَ أَن يَصلُوا فيَدْعُوهم ذَلِكَ إِلى مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ.وأَظَانِينُ، عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
لأَصْبَحَنْ ظَالِمًا حَرْبًا رَباعيةً، ***فاقْعُد لَهَا ودَعَنْ عَنْكَ الأَظَانِينا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الأَظَانين جَمْعَ أُظْنُونة إِلَّا أَني لَا أَعرفها.
التَّهْذِيبُ: الظَّنُّ يقينٌ وشَكّ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ:
ظَنِّي بِهِمْ كعَسَى، وَهُمْ بتَنُوفَةٍ ***يَتَنازَعُون جَوائزَ الأَمْثالِ
يَقُولُ: الْيَقِينَ مِنْهُمْ كَعَسَى، وَعَسَى شَكٌّ؛ وَقَالَ شِمْرٌ: قَالَ أَبو عَمْرٍو مَعْنَاهُ مَا يُظَنُّ بِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ}؛ أَي عَلِمْتُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا؛ أَي عَلِمُوا، يَعْنِي الرُّسُلَ، أَنَّ قَوْمَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ فَلَا يَصْدُقُونَهُمْ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبي عَمْرٍو وَابْنِ كَثِيرٍ وَنَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ بِالتَّشْدِيدِ، وَبِهِ قرأَت عَائِشَةُ وَفَسَّرَتْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
الْجَوْهَرِيُّ: الظَّنُّ مَعْرُوفٌ، قَالَ: وَقَدْ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْعِلْمِ، قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّة:
فَقُلْتُ لَهُمْ: ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج، ***سَرَاتُهُمُ فِي الفارِسِيِّ المُسَرَّدِ
أَي اسْتَيْقِنُوا، وإِنما يخوِّف عَدُوَّهُ بِالْيَقِينِ لَا بِالشَّكِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « إِياكم والظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أَكذبُ الْحَدِيثِ »؛ أَراد الشكَّ يَعْرِضُ لَكَ فِي الشَّيْءِ فَتُحَقِّقُهُ وَتَحْكُمُ بِهِ، وَقِيلَ: أَراد إِياكم وَسُوءَ الظَّن وتحقيقَه دُونَ مَبَادِي الظُّنُون الَّتِي لَا تُمْلَكُ وَخَوَاطِرِ الْقُلُوبِ الَّتِي لَا تُدْفع؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « وإِذا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ »؛ قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ الظَّن بِمَعْنَى الْعِلْمِ؛ وَفِي حَدِيثِ أُسَيْد بْنِ حُضَيْر: « وظَنَنَّا أَنْ لَمْ يَجُدْ عَلَيْهِمَا»؛ أي عَلِمْنا.
وَفِي حَدِيثِ "عُبَيدة: « قَالَ أَنس سأَلته عَنْ قَوْلِهِ تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} »؛ فأَشار بِيَدِهِ فظَنَنْتُ مَا قَالَ أَي عَلِمْتُ.
وظَنَنْتُ الشيءَ أَظُنُّه ظَنًّا واظَّنَنْتُه واظْطَنَنْتُه وتَظَنَّنْته وتَظَنَّيْتُه عَلَى التَّحْوِيلِ؛ قَالَ:
كالذِّئْبِ وَسْطَ العُنَّه، ***إِلَّا تَرَهْ تَظَنَّهْ
أَراد تَظَنَّنْه، ثمَّ حَوَّلَ إِحدى النُّونَيْنِ يَاءً، ثُمَّ حَذَفَ لِلْجَزْمِ، وَيُرْوَى تَطَنَّه.
وَقَوْلُهُ: تَرَه أَراد "إِلَّا تَرَ، ثُمَّ بيَّن الْحَرَكَةَ فِي الْوَقْفِ بِالْهَاءِ فَقَالَ تَرَهْ، ثُمَّ أَجرى الْوَصْلَ مُجْرَى الْوَقْفِ.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ بَنِي سُلَيْم: لَقَدْ ظَنْتُ ذَلِكَ أَي ظَنَنْتُ، فَحَذَفُوا كَمَا حَذَفُوا ظَلْتُ ومَسْتُ وَمَا أَحَسْتُ ذَاكَ، وَهِيَ سُلَمِيَّةٌ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما قَوْلُهُمْ ظَنَنْتُ بِهِ فَمَعْنَاهُ جَعَلْتُهُ مَوْضِعَ ظَنِّي، وَلَيْسَتِ الْبَاءُ هُنَا بمنزلتها فِي: كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا، إِذ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ السَّكْتُ عَلَيْهِ كأَنك قُلْتَ ظَنَنْتُ فِي الدَّارِ، وَمِثْلُهُ شَككت فِيهِ، وأَما ظَنَنْتُ ذَلِكَ فَعَلَى الْمَصْدَرِ.
وظَنَنْتُه ظَنًّا وأَظْنَنْتُه واظْطَنَنْتُه: اتَّهَمْتُه.
والظِّنَّة: التُّهَمَة.
ابْنُ سِيدَهْ: وَهِيَ الظِّنَّة والطِّنَّة، قَلَبُوا الظَّاءَ طَاءً هَاهُنَا قَلْبًا، وإِن لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إِدغام لِاعْتِيَادِهِمُ اطَّنَّ ومُطَّنٌ واطِّنانٌ، كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ الدِّكرَ، حَمْلًا عَلَى ادَّكَر.
والظَّنِينُ: المُتَّهم الَّذِي تُظَنُّ بِهِ التُّهْمَةُ، وَمَصْدَرُهُ الظِّنَّة، وَالْجَمْعُ الظِّنَنُ؛ يُقَالُ مِنْهُ: اظَّنَّه واطَّنَّه، بِالطَّاءِ وَالظَّاءِ، إِذا اتَّهَمَهُ.
وَرَجُلٌ ظَنِين: مُتَّهم مِنْ قَوْمٍ أَظِنَّاء بَيِّنِي الظِّنَّة والظِّنَانَةِ.
وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِظَنِينٍ، أَي بمُتَّهَمٍ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: مَعْنَاهُ مَا هُوَ عَلَى مَا يُنْبِئُ عَنِ اللَّهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ بِمُتَّهَمٍ، قَالَ: وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُقَالُ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظَنِين أَي بِضَعِيفٍ، يَقُولُ: هُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الضَّعِيفِ أَو الْقَلِيلِ الْحِيلَةِ: هُوَ ظَنُون؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ بعضَ قُضَاعة يَقُولُ: رُبَّمَا دَلَّكَ عَلَى الرَّأْي الظَّنُونُ؛ يُرِيدُ الضَّعِيفَ مِنَ الرِّجَالِ، فإِن يَكُنْ مَعْنَى ظَنِين ضَعِيفًا فَهُوَ كَمَا قِيلَ مَاءٌ شَروبٌ وشَرِيبٌ وقَرُوني وقَرِيني وقَرُونَتي وقَرِينَتي، وَهِيَ النَّفْسُ والعَزِيمة.
وَقَالَ" ابْنُ سِيرِينَ: مَا كَانَ عليٌّ يُظَّنُّ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ وَكَانَ الَّذِي يُظَّنُّ فِي قَتْلِهِ غَيْرِهِ "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ يُظَّنُّ يَعْنِي يُتَّهم، وأَصله مِنَ الظَّنِّ، إِنما هُوَ يُفْتَعل مِنْهُ، وَكَانَ فِي الأَصل يُظْتَنُّ، فَثَقُلَتِ الظَّاءُ مَعَ التَّاءِ فَقُلِبَتْ ظَاءً مُعْجَمَةً، ثُمَّ أُدْغِمَتْ، وَيُرْوَى بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تقدَّم؛ وأَنشد:
وَمَا كلُّ مَنْ يَظَّنُّني أَنا مُعْتِبٌ، ***وَلَا كُلُّ مَا يُرْوى عَلَيَّ أَقُولُ
وَمِثْلُهُ:
هُوَ الجَوادُ الَّذِي يُعْطِيك نائلَه ***عَفْوًا، ويُظْلَمُ أَحيانًا فَيَظَّلِمُ
كَانَ فِي الأَصل فيَظْتَلِمُ، فَقُلِبَتِ التَّاءُ ظَاءً وأُدغمت فِي الظَّاءِ فَشُدِّدَتْ.
أَبو عُبَيْدَةَ: تَظَنَّيْت مِنْ ظَننْتُ، وأَصله تَظَنَنَّتْ، فَكَثُرَتِ النُّونَاتُ فَقُلِبَتْ إِحداها يَاءً كَمَا قالو قَصَّيْتُ أَظفاري، والأَصل قصَّصتُ أَظفاري، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ عَنِ الْفَرَّاءِ: مَا كُلُّ مَنْ يَظْتَنُّنِي.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الظَّنِينُ المُتَّهَم، وأَصله المَظْنُون، وَهُوَ مِنْ ظَنَنْتُ الَّذِي يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ.
تَقُولُ: ظَنَنْتُ بِزَيْدٍ وَظَنَنْتُ زَيْدًا أَي اتَّهَمْتُ؛ وأَنشد لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ:
فَلَا ويَمينُ اللَّهِ، لَا عَنْ جِنايةٍ ***هُجِرْتُ، ولكِنَّ الظَّنِينَ ظَنِينُ
وَنَسَبَ ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْبَيْتُ لنَهارِ بْنِ تَوْسِعَة.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ظَنِين» أَي مُتَّهَم فِي دِينِهِ، فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ الظِّنَّة التُّهَمَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الآخَر: وَلَا ظَنِينَ فِي وَلاءٍ "، هُوَ الَّذِي يَنْتَمِي إِلى غَيْرِ مَوَالِيهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ.
وَتَقُولُ ظَنَنْتُك زَيْدًا وظَنَنْتُ زَيْدًا إِياك؛ تَضَعُ الْمُنْفَصِلَ مَوْضِعَ الْمُتَّصِلَ فِي الْكِنَايَةِ عَنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ لأَنهما مُنْفَصِلَانِ فِي الأَصللأَنهما مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ.
والمَظِنَّةُ والمِظَنَّة: بيتٌ يُظَنُّ فِيهِ الشَّيْءُ.
وَفُلَانٌ مَظِنَّةٌ مِنْ كَذَا ومَئِنَّة أَي مَعْلَمٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:
يَسِطُ البُيوتَ لِكَيْ يكونَ مَظِنَّةً، ***مِنْ حَيْثُ تُوضعُ جَفْنَةُ المُسْتَرْفِدِ
الْجَوْهَرِيُّ: مَظِنَّةُ الشَّيْءِ مَوْضِعه ومأْلَفُه الَّذِي يُظَنُّ كَوْنُهُ فِيهِ، وَالْجَمْعُ المَظانُّ.
يُقَالُ: مَوْضِعُ كَذَا مَظِنَّة مِنْ فُلَانٍ أَي مَعْلَم مِنْهُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
فإِنْ يكُ عامِرٌ قَدْ قالَ جَهْلًا، ***فإِنَّ مَظِنَّةَ الجَهْلِ الشَّبَابُ
وَيُرْوَى: السِّبَابُ، وَيُرْوَى: مَطِيَّة، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَصمعي أَنشدني أَبو عُلْبة بْنُ أَبي عُلْبة الفَزارِي بمَحْضَرٍ مِنْ خَلَفٍ الأَحْمرِ: فإِن مَطِيَّةَ الْجَهْلِ الشَّبَابُ.
لأَنه يَسْتَوْطِئه كَمَا تُسْتَوطأُ المَطِيَّةُ.
وَفِي حَدِيثِ صِلَةَ بْنِ أُشَيْمٍ: « طلبتُ الدُّنْيَا مِنْ مَظانِّ حَلَالِهَا »؛ المَظانُّ جَمْعُ مَظِنَّة، بِكَسْرِ الظَّاءِ، وَهِيَ مَوْضِعُ الشَّيْءِ ومَعْدِنه، مَفْعِلَةٌ مِنَ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَكَانَ الْقِيَاسُ فَتْحَ الظَّاءِ وإِنما كُسِرَتْ لأَجل الْهَاءِ، الْمَعْنَى طَلَبْتُهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعْلَمُ فِيهَا الْحَلَالُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « خَيْرُ النَّاسِ رجلٌ يَطْلُبُ الموتَ مَظَانَّهُ »أَي مَعْدِنَه وَمَكَانَهُ الْمَعْرُوفَ بِهِ أَي إِذا طُلِبَ وَجِدَ فِيهِ، وَاحِدَتُهَا مَظِنَّة، بِالْكَسْرِ، وَهِيَ مَفْعِلَة مِنَ الظَّنِّ أَي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُظَّنُّ بِهِ الشَّيْءُ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ مِنْ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « فَمَنْ تَظَنُ »أَي مَنْ تَتَّهِمُ، وأَصله تَظْتَنُّ مِنَ الظِّنَّة التُّهَمَةِ، فأَدغم الظاء فِي التَّاءِ ثُمَّ أَبدل مِنْهَا طَاءً مُشَدَّدَةً كَمَا يُقَالُ مُطَّلِم فِي مُظَّلِم؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَورده أَبو مُوسَى فِي بَابِ الطَّاءِ وَذَكَرَ أَن صَاحِبَ التَّتِمَّةِ أَورده فِيهِ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، قَالَ: وَلَوْ رُوِيَ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِجَازَ.
يُقَالُ: مُطَّلِم ومُظَّلِم ومُظْطَلِم كَمَا يُقَالُ مُدَّكر ومُذَّكر ومُذْدَكر.
وإِنه لمَظِنَّةٌ أَن يَفْعَلَ ذَاكَ أَي خَلِيقٌ مِنْ أَن يُظَنَّ بِهِ فِعْلُه، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
وَنَظَرْتُ إِلى أَظَنّهم أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ أَي إِلى أَخْلَقِهم أَن أَظُنَّ بِهِ ذَلِكَ.
وأَظْنَنْتُه الشيءَ: أَوْهَمْتُه إِياه.
وأَظْنَنْتُ بِهِ الناسَ: عَرَّضْتُه لِلتُّهْمَةِ.
والظَّنِينُ: المُعادِي لِسُوءِ ظَنِّه وسُوءِ الظَّنِّ بِهِ.
والظَّنُونُ: الرجل السَّيِءِ الظَّنِّ، وقيل: السَّيّءِ الظَّنِّ بِكُلِّ أَحد.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: « احْتَجِزُوا مِنَ النَّاسِ بسوءِ الظَّنِ »أَي لَا تَثِقُوا بِكُلِّ أَحد فإِنه أَسلم لَكُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الحَزْمُ سُوءُ الظَّنِّ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كرَّم الله وَجْهُهُ: « إِن الْمُؤْمِنَ لَا يُمْسي ولا يُصْبِحُ إِلّا ونَفْسُه ظَنُونٌ عِنْدَهُ»؛ أي مُتَّهَمَة لَدَيْهِ.
وَفِي حَدِيثُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَير: السَّوْآءُ بِنْتُ السَّيِّدِ أَحَبُّ إِليّ مِنَ الحسْناء بِنْتِ الظَّنُونِ "أَي المُتَّهَمة.
والظَّنُونُ: الرَّجُلُ الْقَلِيلُ الْخَيْرِ.
ابْنُ سِيدَهْ: الظَّنينُ الْقَلِيلُ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تسأَله وتَظُنُّ بِهِ الْمَنْعَ فَيَكُونُ كَمَا ظَنَنْتَ.
وَرَجُلٌ ظَنُونٌ: لَا يُوثَق بِخَبَرِهِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
أَلا أَبْلِغْ لدَيْكَ بَنِي تَميمٍ، ***وَقَدْ يأْتيك بالخَبَرِ الظَّنُونُ
أَبو طَالِبٍ: الظَّنُونُ المُتَّهَمُ فِي عَقْلِهِ، والظَّنُونُ كُلُّ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ مِنْ مَاءٍ أَو غَيْرِهِ.
يُقَالُ: عِلْمُه بِالشَّيْءِ ظَنونٌ إِذا لَمْ يُوْثَقُ بِهِ؛ قَالَ:
كصَخْرَةَ إِذ تُسائِلُ فِي مَرَاحٍ ***وَفِي حَزْمٍ، وعِلْمُهما ظَنُونُ
وَالْمَاءُ الظَّنُونُ: الَّذِي تَتَوَهَّمُهُ وَلَسْتُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْهُ.
والظِّنَّةُ: الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ بِئْرٌ ظَنُون: قَلِيلَةُ الْمَاءِ؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
يَجُودُ ويُعْطِي المالَ مِنْ غَيْرِ ظِنّة، ***ويَحْطِمُ أَنْفَ الأَبْلَجِ المُتَظَلِّمِ
وَفِي الْمُحْكَمِ: بِئْرٌ ظَنُون قَلِيلَةُ الْمَاءِ لَا يُوثَقُ بِمَائِهَا.
وَقَالَ الأَعشى فِي الظَّنُون، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي لَا يُدْرَى أَفيها مَاءٌ أَم لَا:
مَا جُعِلَ الجُدُّ الظَّنُونُ الَّذِي ***جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ المَاطِرِ
مِثْلَ الفُراتِيِّ، إِذا مَا طَما ***يَقْذِفُ بالبُوصِيِّ والماهِرِ
وَفِي الْحَدِيثِ: « فَنَزَلَ عَلَى ثَمَدٍ بوادِي الحُدَيْبية ظَنُون الْمَاءِ يَتَبَرَّضُه تَبَرُّضًا »؛ الْمَاءُ الظَّنُون: الذي تتوهمه وَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ، فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي يُظَنُّ أَن فِيهَا مَاءً.
وَفِي حَدِيثِ شَهْرٍ: « حَجَّ رجلٌ فَمَرَّ بماءِ ظَنُونٍ »، قَالَ: وَهُوَ رَاجِعٌ إِلى الظَّنِّ وَالشَّكِّ والتُّهَمَةِ.
ومَشْرَبٌ ظَنُون: لَا يُدْرَى أَبِهِ مَاءٌ أَم لَا؛ قَالَ: " مُقَحَّمُ السَّيرِ ظَنُونُ الشِّرْبِ ودَيْن ظَنُون: لَا يَدْرِي صاحبُه أَيأْخذه أَم لَا.
وَكُلُّ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ فَهُوَ ظَنُونٌ وظَنِينٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنه قَالَ: « فِي الدَّيْنِ الظَّنُونِ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى إِذا قَبَضَهُ »؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الظَّنُون الَّذِي لَا يُدْرَى صَاحِبُهُ أَيَقْضيه الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَم لَا، كأَنه الَّذِي لَا يَرْجُوهُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: « لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ الظَّنُونِ »؛ هُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي صَاحِبُهُ أَيصل إِليه أَم لَا، وَكَذَلِكَ كَلُّ أَمر تُطالبه وَلَا تَدْرِي عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنت مِنْهُ فَهُوَ ظَنونٌ.
والتَّظَنِّي: إِعمال الظَّنِّ، وأَصله التَّظَنُّنُ، أُبدل مِنْ إِحدى النُّونَاتِ يَاءً.
والظَّنُون مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَهَا شَرَفٌ تُتَزَوَّجُ طَمَعًا فِي وَلَدِهَا وَقَدْ أَسَنَّتْ، سُمِّيَتْ ظَنُونًا لأَن الْوَلَدَ يُرْتَجى مِنْهَا.
وَقَوْلُ أَبي بِلَالِ بنِ مِرْداسٍ وَقَدْ حَضَرَ جِنَازَةً فَلَمَّا دُفِنَتْ جَلَسَ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ ثُمَّ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ وَقَالَ: كلُّ مَنِيَّةٍ ظَنُونٌ إِلا القتلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لَمْ يُفَسِّرِ ابْنُ الأَعرابي ظَنُونًا هَاهُنَا، قَالَ: وَعِنْدِي أَنها الْقَلِيلَةُ الْخَيْرِ والجَدْوَى.
وطَلَبَه مَظانَّةً أَي ليلًا ونهارًا.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
29-المحيط في اللغة (نقع)
نَقَعَ الماءُ في مَنْقَعَةِ السًيْل؛ والسَمُّ في نابِ الحَيَّةِ؛ والإبلُ في الحَمْض: ثَبَتَتْ؛ نُقُوْعًا.ونَقَعَ نَقْعًَا ونُقُوْعًا: رَوِيَ من الماء.
ونَقَعَ الماءُ العَطَشَ نَقْعًا ونُقُوْعًا.
ونَقَعَ الصوْتُ واسْتَنْقَعَ: ارْتَفَعَ.
ونَقَعِ المَوْتُ: كَثُرَ.
وما نقَعْتُ بِخَبَرِه: أي ماعُجْتَ به ولا صدقت.
واسْتَنْقَعَ في الماءِ خاصةً: تَبَرد.
واسْتُنْقِعَ لَوْنه وانْتُقِعَ: تَغيَّر.
ومَوْضِعُ اللبَنِ من الضرْع؛ والماءِ: مُسْتَنْقَع.
والنقُوْعُ: الدواءُ يُنْقَعُ في الماء.
وماؤه نَقُوْع ونَقِيع.
وصَبَغ ثَوبَه بِنَقُوْع: لِصِبْغ يُجْعَلُ فيه الأفَاوِيْه.
ورَجُل نَقُوْع: أذُنٌ يؤمِنُ بكُل شيء.
والمِنْقَعُ والمِنْقَعَةُ والنقَاعُ: إناءٌ أو نحوه يُنْقَع فيه الشيْء.
والقُدَيْرَةً الصغيرة من الحِجارة.
فأمّا مُنْقَعُ البُرَم فَتَوْر صَغيرٌ، وهو الدن أيضًا، وقيل: هو فضْلَة في البِرَام، وقيل: هو النكْثُ تَغْزِلُه المرأةُ ثانيةً وتَجْعَلُه في البِرَام لأنه لا شَيْءَ لها غَيْرُها.
ورُوِيَ مِنْقَعُ البُرَم وفسر على وِعاءِ القِدْرِ.
والنَّقِيْعُ: شَرَابٌ يُتَخَذُ من الزًبِيبِ من غير طَبْخ.
وبِئْرٌ كَثيرةُ الماءِ، وَجَمْعُه.
أنْقِعَةٌ.
والنقِيْعَةُ والنقْعَةُ: العَبِيْطَة من الإبل تُوَفر أعضاؤها فَتُنْقَعُ في أشياءَ عِلاجًا لها.
ونَقَعُوْها وانْتَقعوْها وأنْقَعُوْها: نَحَرُوها.
والنقِيْعَةُ: المَحْضُ من اللبنِ.
والنقِيْعُ: حِياض يُنْقَعُ فيها التَمْر.
والأنْقُوْعَةُ: وَقْبَةُ الثريد.
وأنْقِعْ له الشرً: أدمْهُ له.
والنقع: القاعُ يمسِكُ الماءَ.
والأرض الحُرةُ المستوِيَةُ ليس فيها حُزونَة، وتُسمى النقْعَاءَ أيضًا.
والغُبَارُ.
والصوْتُ.
والجَمْعً في كلًهِ نِقَاع.
وفُلانٌ عَدْلٌ مَنْقع لك: وذلك إذا حَدثَك ورُوِيَت نفسُكَ إليه.
وانه لَشَرّابٌ بأنْقع: أي مُعِيد للأمرِ مرة بعد مرَّة؛ ويقال للحازم، لأن أنْكَرَ الطيْر الذي يَشْرَبُ من النقْع لأن الناسَ لا يحضرونَه.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
30-تهذيب اللغة (نقع)
نقع: أبو عبيد عن الأصمعي: النِّقاع، واحدها نَقْع، وهي الأرض الحُرَّة الطِّين الطيّبةُ التي لا حزونة فيها ولا ارتفاعَ ولا انهباط.وقال: والقاع مثله.
وقال غيره: النِّقاع: قِيعان الأرض.
وأنشد الأصمعي:
يَسُوف بأنفيه النِّقاعَ كأنّه *** عن الرَّوص من فَرط النَّشاط كعيمُ
قال: ويقال صبغَ فلانٌ ثوبَه بنَقُوع وهو صبغٌ يُجعَل فيه من أفواه الطِّيب.
قال: وسمٌ ناقع: ثابت.
وقال ابن الأعرابي: النقيع: السمُّ الثابت.
يقال سمٌ منقوع، ونقيع، وناقع.
وأنشد:
فبتُّ كأني ساورتني ضئيلة *** من الرُّقش في أنيابها السمُ ناقعُ
وقال غيره: يقال سمٌ مُنْقَع، وموتٌ ناقع: دائم.
أبو عبيد عن أبي زيد: نَقَعتُ بالماء ومنه أنقعُ نُقوعًا، إذا شربَ حتى يروى، وقد أنقعَني الماء.
قال: وسمعت أبا زيد يقول: الطعام الذي يُصنع عند الإملاك: النَّقيعة.
يُقال منه نَقَعت أنقَع نُقوعًا.
وقال الفراء: النَّقيعة: ما صَنَعه الرجلُ عند قدومه من السَّفَر، يقال أنقعتُ إنقاعًا.
وأنشد:
إنّا لنضربُ بالصوارم هامَهم *** ضَربَ القُدارِ نقيعة القُدّامِ
وقال شمر: قال ابن شميل: النقيعة طعام المِلاك.
يقال دعَونا على نقيعتهم.
قال: وربَّما نقَعوا عن عدّة من الإبل إذا بلغَتْها، جَزورًا منها، أي نَحروه، فتلك النَّقيعة.
وأنشد:
ميمونة الطير لم تَنعِقْ أشائمها *** دائمة القدر بالأفراع والنقُعِ
وقال خالد بن جَنْبة: إذا زُوِّج الرجل فأطعمَ عَيْبَتَه قلنا: نَقَع لهم، أي نحر.
وقال الأصمعي: النَّقيعة: ما نُحِر من النَّهب قبل القَسْم.
وقال ابن السكيت: النقيعة: المحض من اللبن يبرَّد.
حكاه عن بعض الأعراب.
وقال الأصمعيّ: يقال انتقَعَ بنو فلانٍ نقيعةً، إذا جاءوا بناقةٍ من نهبٍ فنحروها.
قلت: وقد ذكرت اختلافهم في النَّحيرة التي تُدعَى النَّقيعة، ومأخذها عندي من النَّقْع والنَّحر والقتل، يقال سمٌ ناقع، أي قاتل.
وقد نقَعه، إذا قَتله.
وأما اللبنُ الذي يبرَّد فهو النَّقيع والنقيعة، وأصله من أنقعتُ اللبن فهو نقيع، ولا يقال مُنْقَع ولا يقولون نقعتُه.
وهذا سماعي من العرب.
ووجدت للمؤرّج حروفًا في الإنقاع ما عِجْتُ بها، ولا علمتُ ثقةً من رواها عنه.
يقال أنقعت الرجل، إذا ضربتَ أنفَه بإصبعك.
وأنقعت الميت، إذا دفنتَه.
قال: وأنقعت البيت، إذا زخرفتَه.
وأنقعت الجارية، إذا افترعتَها.
وأنقعتُ البيت، إذا جعلت أعلاه أسفله.
قلت: وهذه حروفٌ لم أسمعها لغير المؤرّج.
وروي عن عمر أنه قال: «ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهنّ على أبي سليمان ما لم يكن نَقعٌ ولا لقلقة».
قال أبو عبيد: النَّقع: رفع الصوت.
قال لبيد:
فمتى يَنْقَع صُراخٌ صادقٌ *** يُحْلِبوها ذاتَ جَرسٍ وزَجَلْ
ويروى «يَجْلبوها»، يقول: متى سمعوا صارخًا، أي مستغيثًا، أحلبوا الحربَ، أي جمعوا لها.
والنَّقع في غير هذا: الغبار، قال الله جلّ وعزّ: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العَاديَات: 4] أي غبارًا.
وقال شمر: قال أبو عمرو: معنى فمتى ينقع صُراخٌ، أي يرتفع.
وقال غيره: يدوم ويثبت.
وقال الفراء: يقال نَقَع الصارخ بصوته وأنقع صوتَه، إذا تابعَه وأدامه.
شمر عن ابن الأعرابي: النَّقْع: الغبار المرتفع.
والنَّقْع: الصُّراخ المرتفع.
قال شمر: وقيل في قول عمر: «ما لم يكن نَقع ولا لقلقةٌ» إنه شقّ الجيوب.
قال: ووجدت للمرّار الأسَدي فيه بيتًا:
نقَعنَ جيوبهنَّ عليّ حيًّا *** وأعددنَ المرائيَ والعويلا
ويقال: فلان مِنْقَع، أي يُشتَفى برأيه، أصله من نَقعتُ بالريّ.
وقال أبو عبيد: مِنْقع البُرَم: تَوْرٌ صغير، وجمعه مَناقع، ولا يكون إلَّا من حجارة.
وقال أبو عمرو: هي المِنْقعة والمِنقع.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنّه «نَهَى أن يُمنَع نَقْع البئر»، قال أبو عبيد: نقع البئر: فَضْل مائه الذي يخرج منه أو من العَين قبل أن يصيَّر في إناءٍ أو وعاء.
قال: وفسّره الحديثُ الآخر: «مَن مَنَعَ فضْل الماء ليمنع به فَضْلَ الكلأ منَعَه الله فضلَه يوم القيامة».
قال: وأصل هذا في البئر يحتفرها الرجلُ بالفلاةِ من الأرض يسقي بها مواشيَه، فإذا سقاها فليس له أن يمنع الماء الفاضلَ عن مواشيه مواشي غيره، أو شاربًا يشرب بشفته.
وإنما قيل للماء نَقْعٌ لأنه ينقَع به أي يُروى به.
يقال: نَقَع بالريّ وبضَع.
ويقال: ما نقعت بخبره، أي لم أشتفِ به.
وقال الليث: النَّقع: البئر الكثيرة الماء، والجميع الأنقعة.
ويقال نقع الماء غُلّتَه، إذا أروى عطشَه.
ومن أمثال العرب: «إنّ فلانًا لشَرَّابٌ بأنقُع» يضرب مثلًا للرجل الذي قد جرّب الأمور وعَرفها ومارسَها حتّى خبرَها.
والأصل فيه أنّ الدليل من العرب في باديتها إذا عَرَف المياه الغامضة في الفلَوات ووردها وشرِب منها، حَذِق سُلوكَ الطرق التي تؤدّيه إلى المحاضر والأمواه.
والأنقُع: جمع النَّقْع، وهو كلُّ ماءٍ مستنقِع من ماءٍ عِدٍ أو غدير.
وقال الأصمعي: نقع الماء ينقع نُقوعًا، إذا ثبت.
والنَّقوع: ما أنقعتَ من شيء.
يقال سَقونا نَقوعًا، لدواءٍ أُنقِعَ من الليل.
وفي حديث محمد بن كعب القُرظيّ قال: «إذا استَنقَعتْ نفْسُ المؤمن جاءه مَلَكٌ فقال له السلام عليكَ وليَّ الله.
ثمّ نَزَع هذه الآية: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [النّحل: 32] وقال شمر: قوله إذا استنقعت نفس المؤمن، قال بعضهم: يعني إذا خرجَتْ.
قال شمر: ولا أعرفها.
وقال ابن مقبل:
مستنقِعان على فضول المِشْفرِ
قال: وقال أبو عمرو: يعني نابَي الناقة، أنهما مستنقعان في اللُّغام.
وقال خالد بن جَنْبَة: معناه مصوِّتان.
قلت: قوله «إذا استنقَعَتْ نفسُ المؤمن» له مخرجان؛ أحدهما أنها اجتمعت في فيه كما يستنقع الماء في مكان، والثاني خرجَتْ، من قوله نقعتُه، إذا قتلتَه.
وقال الليث: الأُنقوعة: وَقْبة الثريد التي فيها الودَك.
وكلُّ شيءٍ سالَ إليه الماء من مَثْعبٍ ونحوه فهو أُنقوعة.
قال: والنَّقيع: شراب يُتّخذ من الزبيب
يُنقَع في الماء من غير طبخ.
وقيل في السَّكَر إنّه نَقيع الزَّبيب.
والنَّقوع: شرابٌ ينقع فيه زبيب وأشياء ثم يصفَّى ماؤه ويُشرَب.
وذلك الماء اسمه النَّقوع.
ويقال استَنقع الماءُ، إذا اجتمعَ في نِهْي وغيره، وكذلك نَقَع ينقَع نُقوعًا.
وقال النضر: يقال نقَعه بالشَّتم، إذا شتَمه شتمًا قبيحًا.
قال: والنقائع: خَبارَى في بلاد بني تميم.
ويقال نقَعتْ بذاك نفسي، أي اطمأنَّتْ إليه وروِيَتْ به.
وفي حديث المَبْعث «أنّه أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَلَكانِ فأضجعاه وشَقَّا بطنَه، فرجَع وقد انتُقِع لونُه» في حديث طويل.
قال أبو عُبيدٍ واللِّحياني: يقال انتُقِع لونه وامتُقِع لونه، إذا تغيَّر.
وقال النضر: يقال ذلك إذا ذهب دمُه وتغيَّر لونُ بشرته، إمّا من خوف، وإما من مَرض.
حكاه بالنون عن أبي ذؤابة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
31-تهذيب اللغة (شيع)
شيع: قال الليث: شاع الشيءُ يشِيع مَشَاعًا وشَيْعُوعةً فهو شائع: إذا ظهر وتفرق.وأجاز غيره شاع شُيُوعًا.
وتقول: تَقْطُر قطرة من لبن في الماء فتشيع فيه أي تَفَرَّقُ فيه، قال: ونصيب فلان شائع في جميع هذه الدار، ومُشَاع فيها أي ليس بمقسوم ولا معزول.
وقال غيره: أشعت المال بين القوم، والقِدْرَ في الحي إذا فرّقته فيهم.
وأنشد أبو عبيدة:
فقلت أشيعا مَشرا القِدْرَ حولنا *** وأيَّ زمان قِدْرُنا لم تُمَشَّر
أبو عبيد عن الأصمعي: أشاعت الناقة ببولها وأوزغت وأزغلت كل هذا إذا رمت به رميًا وقطّعته، ولا يكون ذلك إلَّا إذا ضربها الفحل.
وقال أبو عبيد: يقال هذا شَيْعُ هذا أي مثله.
وقال شمر: لم أره منذ شهر وشَيْعِه أراد: ونحوه، وأنشدني أبو بكر:
قال الخليط غدًا تصدُّعُنا *** أو شَيْعَهُ أفلا تودّعنا
قال أبو شيعه: أو بعد غد.
وقال الليث: الشَّيْع من أولاد الأسد، ورجل مشياع، مذياع لا يكتم سرًّا.
يقال: أشعت السرّ وشِعْتُ به إذا أذعت به وفي لغة أشعت به.
وأما قول الله جلّ وعزّ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ} [الصَّافات: 83] فإن ابن الأعرابي قال: الهاء لمحمد صلى الله عليه وسلم أي إبراهيم خُبِّر بخبره فاتّبعه ودعا له.
وكذلك قال الفراء.
يقول: هو على منهاجه ودينه وإن كان إبراهيم سابقًا له.
وقال أبو الهيثم في قوله (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) إن من شيعته نوح ومن أهل مّلته.
قلت: وهذا القول أقرب؛ لأنه معطوف على قصّة نوح، وهو قول الزَّجاج.
والشيعة: أنصار الرجل وأَتْباعه.
وكلّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شِيعة.
والجماعة شِيَع وأشياع، وقال الله جلّ وعزّ: {كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سَبَإ: 54] والشيعة: قوم يَهْوَوْن هوى عِتْرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويوالونهم.
أبو عبيد عن أبي عبيدة قال: المُشَايع: اللاحق، وقال لَبيد:
* كما ضم أخرى التالياتِ المُشَايِعُ *
أبو عبيد عن الأصمعي: شيّعت النار تشييعًا إذا ألقيت عليها ما تُذَكِّيها به، ويقال: شيعت فلانًا أي خرجت معه لأودّعه، ويقال: شيعنا شهر رمضان بستّ من شوال أي أتبعناه بها.
وقال أبو عبيد المُشَيَّع: الشجاع من الرجال، قال وقال الأموي يقال شايعت بالإبل شِيَاعًا إذا دعوتها، وقال غيره: شايعت بها إذا دعوت بها لتجتمع وتنساق وأنشد قول جرير يخاطب الراعي:
فألقِ استك الهَلْباءَ فوق قَعُودها *** وشايعْ بها واضمم إليك التواليا
يقول صوِّت بها ليلحق أخراها أولاها.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن مريم بنت عمران سألت ربها أن يُطعمها لحمًا لا دم فيه فأطعمها الجراد، فقالت: أَعِشه بغير رضاع، وتابع بينه بغير شِياع»، المعنى تابع بينه في الطيران حتى يتتابع من غير أن يُشَايَعَ به كما يشايعُ الراعي بإبله لتجتمع ولا تتفرّق عليه.
وقال الليث: الشِّياع: صوت قصبة ينفخ فيها الراعي.
وأنشد:
* حَنين النِيب تطرب للشِّياع *
أبو العباس عن الأعرابي قال: الشِّياع: زَمَّارة الراعي.
وهو قول مريم في دعائها للجراد: اللهم سُقْه بلا شِيَاع أي بلا زَمَّارة راع.
وقيل: الشِّياع: الدعاء، ويقال: أشاعكم الله السلامَ.
وشاعكم السلامُ لُغَتان، وقال الشاعر:
ألا يا نخلة من ذات عرق *** بَرُودَ الظل شاعكم السلام
وقال أبو إسحاق: معنى شيَّعت فلانًا في اللغة اتَّبعت، والعرب تقول: شاعكم السلام أي تبعكم السلام وتقول: آتيك غدًا أو شَيْعه أي اليوم الذي يَتبعه.
قال ومعنى الشيعة: الذي يتبع بعضهم بعضًا ومعنى الشِّيَع: الفرق التي كل فرقة منهم يتبع بعضهم بعضًا وليس كلهم متفقين قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعًا} [الأنعَام: 159] قال معنى قوله: {وَكانُوا شِيَعًا} أي كانوا فرقًا في دينهم، كل فرقة تكفّر الفرق المخالفة لها، يعني اليهود والنصارى بعضها يكفر بعضًا، وكذلك اليهود، والنصارى تكفر اليهود، واليهود تكفرهم، وكانوا أُمروا بشيء واحد.
اللحيانيّ عن الكسائي: قال يونس: شاعكم الله بالسلام يشاعكم شَيْعًا أي ملأكم.
وقد قيل: أشاعكم الله بالسلام يُشيعكم إشاعة.
ويقال: شاعك الخير أي لا فارقك، قال لبيد:
فشاعهم حمد وزانت قبورهم *** أَسِرَّةُ رَيْحانٍ بقاعٍ مُنَوِّرِ
ويقال فلان يُشيِّعه على ذلك مال أي يقوّيه.
قال الأصمعي: ومنه تشييع النار بإلقاء الحطب عليها يقويها.
أبو سعيد: هما متشايعان ومشتاعان في دار أو أرض
إذا كانا شريكين فيها، وهم شُيعاء فيها، وكل واحد منهم شُيِّع لصاحبه، وهذه الدار شَيِّعة بينهم أي مُشَاعة، وقال: كل شيء يكون به تمام الشيء أو زيادته فهو شِيَاع له.
وقال الأصمعي: يقال لما انتشر من أبوال الإبل إذا ضربها الفحل فأشاعت ببولها: شاعٌ، وأنشد:
يقطّعن للإبْسَاس شاعًا كأنه *** جَدَايا على الأنساء منها بصائر
والجمل أيضًا يقطِّع ببوله إذا هاج، وبوله شاعٌ.
وأنشد:
ولقد رمى بالشاع عند مُنَاخِه *** ورغا وهدَّر أيَّما تهدير
أبو عبيد عن الأصمعي: جاءت الخيل شواعيّ وشوائع، متفرقة، وأنشد للأجدع ابن مالك أبي مسروق بن الأجدع.
وكأن صرعاها كِعَابُ مقامر *** ضُرِبَتْ على شُزُنٍ فهنّ شواعي
وقال شمر: شاعة الرجل: امرأته، وقال رجل لعبد المطلب: هل لك شاعة؟ أي امرأة.
ثعلب عن ابن الأعرابي أنه سمع أبا المكارم يذمّ رجلًا فقال: ضَبّ مَشِعٌ، أراد أنه مثل الضبّ الحقود لا ينتفع به، المَشِيع من قولك: شِعْتُه أشِيعه شَيْعًا إذا ملأته.
قال: والشاعة: الأخبار المنتشِرة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
32-تهذيب اللغة (جلا)
جلا: قال اللّيث: يقال جَلا الصيْقَلُ السَّيفَ جِلاءً، واجتَلاه لِنَفسه.قال لَبِيد:
جُنوحُ الهالِكيِّ على يَدَيْه *** مُكِبًّا يجتَلِي نُقَبَ النِّصَالِ
قال: والماشِطَة تَجلُو العروس جَلْوةً وجِلْوَة.
وقد جُلِيَتْ على زواجها.
واجتلَاها زوْجُها، أي نَظَر إليها.
وأمْرٌ جَلِيٌ: واضِحٌ.
وتقول: أَجْلِ لي هذا الأمرَ، أي أَوْضِحْهُ.
وقال زهير:
وإنَّ الْحَقَّ مَقطعُه ثَلاثٌ *** يمينٌ أوْ نِفَارٌ أَوْ جِلَاءُ
قال: يريد بالجِلاء الْبَيان، والنِّفار الْمحاكَمة، وأراد بالجِلاء البينَة والشُّهود.
وقال اللّيث: يقال ما أقَمتُ عندهم إلَّا جِلاءً يومٍ واحد، أي بَياضَ يَوْمٍ واحد.
وقال الراجز:
مَا ليَ إنْ أَقْصَيْتَنِي من مَقْعَدِ *** ولا بِهَذِي الأرْض من تَجلُّدِ
* إلَّا جلاءَ اليوم أو ضُحَى الْغَدِ*
ويقال للمريض: جَلَا اللهُ عنه المرض، أي كَشَفَه، والله يُجَلِّي السَّاعَة، أي يُظْهِرُها.
قال الله: {لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187].
والْبَازِي يُجَلِّي إذا آنس الصَّيْد، فرفع طَرْفَه ورأْسه، وتَجَلَّيْتُ الشَّيءَ، إذا نَظَرْتَ إليه.
وقول الله جلَّ وعَزَّ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143].
حَدَّثني المنذريّ، عن أبي بكر الخطّابيّ
عن هُدْبَة، عن حَمَّاد، عن ثابت، عن أَنسَ، قال: قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] قال: وَضَعَ إبْهامَهُ على قَريبٍ من طَرَفِ أَنْمُلَةِ خِنْصَرِه، فَساخَ الجبَل.
قال حمّاد: قلت لثابِت: تَقول هذا؟
فقال: يقوله: رسولُ الله، ويقوله أَنَس، وأَنا أكتُمْه.
وقال الزّجاج في قوله: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أيْ ظَهَرَ وَبَانَ، وهو قول أَهْلِ السُّنّة والجماعة.
وقال اللّيْث: قال الحسن: تَجَلَّى بَدَا لِلْجَبَلِ نُور العَرْش.
ثعلب، عن ابن الأعرابيّ: جَلاهُ عن وطَنِه، فَجَلا، أي طَرَدَهُ فَهَرَبَ، قال: وجَلَا أيضًا، إذا عَلا، وجَلَا، إذا اكتَحَل، قال: والجَلَا.
مَقصور، والجِلَاءُ مَمدود، والجِلَا مَقصور: الأثمِد، وأنشد:
أَكحُلْكَ بالصّابِ أو بالجِلا *** فَفَتِّحْ لذلك أو غَمِّضِ
ويقال: جَلَا القَومُ عن أَوْطَانِهم، يَجْلُون، وأَجْلَوْا ويُجلُون، وجَلّوا يُجِلُّون، إذا خَرجوا من بَلَدٍ إلى بَلد، ومنه يقال: استُعمِلَ فلانٌ على الجَالِيةَ؛ والجَالّةِ لُغَتان.
والجَلاءُ ممدود مَصدَرُ جَلا عَن وَطَنه، ويقال: أَجلاهم السُّلطان فأَجْلَوْا وجَلَوْا، أي أخرَجَهم فَخَرجوا.
وقيل لأهلِ الذِّمّة: الجالِيَة؛ لأنّ عمر بن الخطاب أَجلَاهُم عن جزيرة العرب لِما تَقَدّمَ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيهم؛ فسُمُّو جالِيَة.
ولزمهم هذا الاسم أيْنَ حَلُّوا ثُمّ لَزِمَ كُلّ من لَزِمتْه الجِزية من أهلِ الكتاب بكُلِّ بَلَد، وإن لم يُجلَوا عن أَوطانهم.
وقال الأصمعيّ: يقال: جَلّى فلانٌ امرَأَتَه وَصيفًا حين اجتَلاها، أي أعطاها وصيفًا عِندَ جَلْوَتِها.
ويقال: ما جِلْوَتُها بالكسر.
فيُقال: كَذَا وكَذَا.
وقال أبو زيد: يُقال: جَلَوْتُ بَصَرِي بالْكُحْلِ جَلْوًا.
وَانجَلى الْفَمُ انجلاءً.
وجَلَوتُ عَنِّي هَمِّي جَلوًا، إذا أَذهَبتَه.
وأَجْلَيتُ العمامَةَ عن رَأْسي، إذا رَفَعتها مع طَيِّها عن جَبِينك.
وقال أبو عبيد: إذا انحسر الشّعرُ عن جانِبي جَبْهَة الرّجُل، فهو أَنزَع، وإذا زاد قليلًا فهو أَجْلَح، فإذا بَلَغَ النِّصفَ ونحوه فهو أَجلَى، ثم هو أَجْلَهُ، وأَنشد:
* مَعَ الجَلَا ولائِحِ القَتِيرِ*
وقد جَلَى يَجْلِي جَلًى، فهو أَجْلَى، وانْجَلى الظّلامُ انْجِلاءً، إذا انكَشَفَ، ويقال للرجل إذا كان عَالي الشّرف، لا يَخْفَى مكانُه: هو ابْنُ جَلَا.
وقال القُلاخ:
أنا الْقُلَاخُ بنُ قُلاخِ بنِ جلَا *** ابنُ جَتَاثِيْر أَقُودُ الْجَمَلا
وقال سُحَيْم بن وَثيل الرّياحي:
أَنا ابْنُ جَلا وطَلّاعُ الثّنايا *** مَتَى أَضَعِ الْعِمامَةَ تَعْرِفوني
ويقال: تَجلّى فلانٌ مكانَ كَذا، إذا علاه، والأَصْل: تَجَلّله.
قال ذو الرمة:
فَلَمّا تَجَلّى قَرْعُها الْقاعَ سَمْعَه *** وبَانَ له وَسْطَ الأَشاءِ انْغِلالُها
قال أبو نصر: التّجَلِّي النّظَر بالأشراف.
وقال غيره: التّجَلِّي التّجَلُّل، أي تَجَلّلَ فَرْعُها سَمْعَه في الْقاع.
رواه ابن الأعرابيّ:
* تَجَلّى فَرْعُها الْقاعَ سَمْعَه*
وقال الله جَلّ وعَزّ: {وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها} [الشمس: 3].
قال الفراء: إذا جَلّى الظُّلْمة، فجازت الكِنَايَة عن الظّلْمة، ولم تُذْكَر في أوّله: لأنّ معناها مَعْروف، أَلا تَرى أنك تقول: أصْبَحت بارِدَةً، وأَمْسَتْ عَرِيّةِ؛ وهَبّتْ شَمالًا، فكَنّى عن مُؤَنّثات لم يَجْرِ لَهُنّ ذِكْر لأن مَعناهُن مَعْروف.
وقال الزّجّاج: إذا جَلّاها إذا بَيّنَ الشّمس؛ لأنّها تَتَبين إذا انْبسط النهار.
وقال الليث: أَجْلَيْتُ عنه الْهَمّ إذا فَرّجت عنه، وانْجلت عنه الهموم، كما تَنْجَلِي الظُّلمة.
ويقال: أَخْبرني عن جَلِيّةِ الأمْر، أي حَقِيقَتِه.
وقال النابغة:
وآبَ مُضِلُّوه بِعَيْنٍ جَلِيّةٍ *** وغُودِرَ بالجوْلَانِ حَزْمٌ وناثِلُ
يقول: كذّبُوا بخَبره أَول ما جاء.
فجاء دافِنوه بخبر ما عايَنُوه.
ابن السِّكِّيت: قال الكِسَائيّ: فعلت ذاك من إجلَاك، وأَجلَاك، ومن جلالِكَ، أي فعلته من جَرّاكَ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
33-معجم العين (نقع)
نقع: نَقَعَ الماء في مَنْقِعِةَ السَّيل يَنْقَعُ نَقْعًا ونُقُوعًا: اجتمع فيها وطال مَكثْهُ.وتجمعُ المَنْقَعةُ على المناقِع.
وهو المستَنقٍعُ: أي المجتَمِعٌ.
واسَتْنَقْعتُ في الماء: أي لَبِثتُ فيه مُتَبَرَّدًا.
وأنقَعْتُ الدواء في الماء إنقاعًا.
والنَّقُوع: شَيءٌ يُنْقَعُ فيه زَبيبٌ وأشياءُ ثم يُصَفَّى ماؤه ويُشْربُ.
واسم ذلك نَقُوع.
ونَقَعَ السُّمُّ في ناب الحيَّة: في أنيابِها السُمُّ ناقع اجتمع فيه كقوله.
وانْتُقِعَ لَوْنُ الرَّجُل وامْتُقِعَ أصوَبُ: تَغَيَّر.
والرَّجُل إذا شَرِبَ من الماء فَتَغَّير لونُه، يقال: نَقَعَ يَنْقَعُ نُقوعًا.
قال:
لو شِئْتُ قد نَقَعَ الفُؤادُ بشَرْبَةٍ *** تَدَعَ الصوادي لا يجِدْنَ غَليلا
والماء يَنْقَعُ العَطَشَ نقعًا ونُقُوعًا، قال حفص الأموي:
أكرَعُ عند الوُرُود في سُدُمٍ *** تَنْقَعُ من غُلَّتي وأجْزَؤها
والنَّقيعُ: شرابٌ يُتَّخَذُ من الزَّبيبِ يُنْقَعُ في الماء من غير طبخ.
والنَّقيعةُ هي العَبيطة من الإبل.
وهي جَزوُرٌ تُوَفَّر أعضاؤها فتُنْقَعُ في أشياء علاجًا لها، قال:
كلِّ الطَّعامِ تَشْتَهي رَبيعهَ *** الخُرْس والإعذارُ والنَّقيعَه
وقال المهلهل:
إنّا لنَضْرِبُ بالصوارم هامَهُم *** ضَربَ القُدارِ نَقيعةَ القُدّام
القُدّامُ: القادمون من سفر، جمع قادِم.
وقيلَ القَدام بفتح القاف وعن غير الخليل: والقُدَام: الجَزّار.
يقال: نَقَعُوا النَّقيعَةَ، ولا يقال: أَنْقَعُوا لأنه لا يُريدُ إنْقاعَها في الماء.
والنَّقْعُ: الغبار.
قال الشُوَيْعِرُ واسمه عبد العزى:
فهُنّ بهم ضوامِرُ في عجاجٍ *** يُثِرْنَ النَّقْعَ أمثال السَّراحي
قال لَيْثٌ: قُلتُ للخليل: ما السّراحي، قال: أراد الذِئاب، ولكنه حَذَف من السرحان الألف والنُّونَ فجَمَعَه على سراحي، والعَرَبُ تقول ذلك كثيرًا كما قال:
درس المنا بمتالع فأبان
أراد المنازل فحَذَفَ الزّاءَ واللامَ.
ونَقَعَ الصَّوْتُ: إذا ارتَفَعَ.
ونَقَعَ بصَوته، وأنْقَعَ صوْته: إذا تابَعَه
ومنه قول عُمَرَ (في نِسوةٍ اَجَتمعْنَ يبكين على خالد بن الوليد: وما على نِساءِ بني المُغيرةِ أن يُهْرِقْنَ من دُمُوعِهِنَّ على أبي سليمان) ما لم يكن نَقْعٌ أو لَقْلَقةٌ.
يعني بالنَّقْعِ أصوات الخُدُود إذا ضُرِبَتْ، قال لبيد:
فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ *** يُحلبوها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ
ونَقَعَ الموتُ يعني كَثُرَ.
وما نَقَعْتُ بخَبَرِه نُقُوعًا: أي ما عجِتُ به ولا صدَّقت ما عِجتُ به أي ما أخذْتُه ولا قَبِلْتُه.
والنَّقْع: ما اجتمع من الماء في القَليبِ.
والنَّقيعُ: البئر الكثيرة الماء، تُذَكِّرُه العَرَب، وجمعه أنْقِعَةٌ.
والمِنْقَعُ والمِنْقَعَةُ: إناءٌ يُنقَعُ فيه الشَّيءُ.
والأنْقوعَةُ: وَقْبَة الثَّريدِ التي فيها الوَدَكُ.
وكل شيءٍ سال إليه الماء من مَثْعَبٍ ونحوه فهو أنقوعة.
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م