نتائج البحث عن (بِدَنِّهَا)

1-العربية المعاصرة (غاص)

غاصَ في يَغُوص، غُصْ، غَوْصًا، فهو غائص، والمفعول مَغُوصٌ فيه.

* غاص في الماء: نزل تحته، غطس وانغمس فيه (يغوص الغوّاصون بحثًا عن اللؤلؤ- غاص في رمال متحرِّكة/الوحل- {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} [قرآن]) (*) غاص في المعاني: بلغ غايتها القُصْوى حتى استخرج ما بعدها- غاص في الموضوع: تعمّق فيه.

غوَّصَ يغوّص، تغويصًا، فهو مُغوِّص، والمفعول مغوَّص.

* غوَّصه في الماء: جعله يغوص فيه، غَمَسه، غطّسه (غوَّص ولدًا في البحر/جسمًا في الماء).

غائص [مفرد]: جمعه غائصون وغاصَة وغُوَّاص، والمؤنث غائصة، والجمع المؤنث غائصات وغوائِصُ: اسم فاعل من غاصَ في.

* غائص سفينة: جزء هيكلها المغمور بالماء، بدنها، معيار عُمْق سفينة بحسب حمولتها.

غوْص [مفرد]: مصدر غاصَ في (*) كثير الغَوْص وراء المعاني: يبتكر فيها.

غَوَّاص [مفرد]:

1 - صيغة مبالغة من غاصَ في: كثير الغَطْس (غوّاص في بحر النَّغَم- {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [قرآن]).

2 - من حرفته الغوص، يغوص في البحر بحثًا عن اللؤلؤ والإسفنج ونحوهما أو في سبيل الرِّياضة أو العلم (أخرج الغوّاصون بعض محتويات السَّفينة الغارقة).

3 - [في الأحياء] طائر مائيّ محتال في تدبير معيشته.

* داء الغوَّاص/شلل الغوَّاص: مرض أو اعتلال يصيب الغواصين وعمال الأنفاق، يسبِّبه تكوّن فقاعات النيتروجين في الدم يتبعه نقصان سريع في الضغط، وينتج عنه آلام شديدة في المفاصل والصدر وتهيُّج البشرة ومغص حادّ وشلل.

غَوَّاصة [مفرد]:

1 - مؤنَّث غَوَّاص.

2 - [في العلوم العسكرية] سفينة حربيّة مُهيّأة للغوص في الماء والبقاء تحته مدَّة طويلة، وعملها قذف سفن العدوّ بالطُّربيد (غوّاصة نوويّة لإطلاق القذائف) (*) غوّاصة الأعماق: جهاز مستقلّ ذاتيًّا يُمكّن من ارتياد أعماق البحر- قانصة الغوَّاصات: سفينة صغيرة وسريعة مجهّزة بمعدّات لملاحقة ومهاجمة الغوّاصات.

غِياصة [مفرد]: حرفة الغوّاص.

مَغاص [مفرد]: جمعه مغاوِصُ: اسم مكان من غاصَ في (*) مَغاص اللؤلؤ: مكان استخراج اللُّؤلؤ.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-المعجم الوسيط (الجَمْعَاءُ)

[الجَمْعَاءُ] من البَهَائم: التي لم يذهب من بَدنها شيءٌ.

ومن النُّوق: الهَرِمَة.

(والجمع): جُمْعٌ.

وجَمْعاءُ: من أَلفاظِ توكيد الشُّمُول للمؤنَّث.

تقول: جاءَت القبيلَةُ جَمْعَاء.

(والجمع): جُمَعُ.

تقول: جاءَتِ القبائلُ جُمَعُ.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


3-شمس العلوم (الجَمْعاء)

الكلمة: الجَمْعاء. الجذر: جمع. الوزن: فَعْلَاء.

[الجَمْعاء] من البهائم: التي لم يذهب من بدنها شيء؛ وفي حديث النبي عليه‌ السلام: «كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه كما نتائج الإِبل من بهيمة جمعاء» أراد: أن الأصل السلامة من الكفر.

ويقال في توكيد المؤنث: هذه لك جمعاء.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


4-شمس العلوم (المَحْسَنة)

الكلمة: المَحْسَنة. الجذر: حسن. الوزن: مَفْعَلَة.

[المَحْسَنة]: يقال: هذا طعامٌ مَحْسَنة للجسم.

وأما قولهم: محاسن المرأة: وهي المواضع الحسنة من بدنها.

ومحاسن الأعمال: نقيض مساوئها، فيقال: إِنه جمعٌ لا واحد له من لفظه، وإِنما هو جمع حَسن على غير قياس.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


5-شمس العلوم (مَرْمارة)

الكلمة: مَرْمارة. الجذر: مرمر. الوزن: فَعْلَالَة.

[مَرْمارة]: امرأةٌ مرمارةٌ: يتمرمر بدنُها إِذا مشت: أي يرتجّ.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


6-معجم متن اللغة (والرئة)

والرئة: نبت "لغة في الخاء".

الرغما.

الشاة على طرف أنفها لون يخالف بدنها.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


7-معجم متن اللغة (زبيدة)

زبيدة: أم الأمين بنت جعفر ابن الخليفة المنصور العباسي، من شهيرات نساء العرب، سميت به لنعمةٍ كانت في بدنها.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


8-معجم متن اللغة (امرأة فدشاء)

امرأة فدشاء: لا لحم على يديها أو على بدنها.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


9-جمهرة اللغة (بجبج)

البَجْبَجَة من قولهم: بَدَن بَجْباج، وهو الممتلىء شحمًا.

قال الراجز:

«بَجباجة في بدْنِها البَجباج»

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


10-جمهرة اللغة (رجرج)

ومن معكوسه؛ كتيبة رَجْراجَة: إذا كانت تَرَجْرَجُ من كثرة أهلها.

وامرأة رَجْراجَة، إذا كان بَدَنُها يترجرج من نعمتها.

قال الشاعر:

«رَجْراجَةُ البُدْن مِلء الدِّرْع خَرْعَبَة*** كأنَّها رَشَأ ظـمـآنُ مـذعـورُ»

والرِّجْرِجَة: ما بقي في حوض الإبل من الماء الذي تُسْئره فيَخْثُر.

قال الراجزْ:

«فأسْأرَتْ في الحوض حِضْجًا حاضِجا*** تتركه أنـفـاسُـهـا رَجـارِجـا»

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


11-جمهرة اللغة (جضف جفض ضجف ضفج فجض فضج)

انفضجَ الشيءُ، إذا عَرُضَ كالمُنشدِخ.

وتفضَّج بَدَنُ الناقة، إذا تخدَّد لحمُها.

قال الراجز:

«تَعْدو إذا ما بُدْنها تفضَّجا *** إذا حِجاجا مُقْلَتَيْها هَجَّجا»

التهجُّج: التوقف.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


12-القاموس المحيط (الجمع)

الجمعُ، كالمَنْعِ: تأْليفُ المُتَفَرِّقِ، والدَّقَلُ، أو صِنْفٌ من التَّمْرِ، أو النَّخْلُ خرجَ من النَّوى لا يُعْرَفُ اسمُهُ، والقِيامَةُ، والصمغُ الأحمرُ، وجماعةُ الناسِ، ج: جُموعٌ،

كالجَميعِ، ولبنُ كلِّ مَصْرورَةٍ ـ والفُواقُ: لبنُ كُلِّ باهِلةٍ ـ كالجَميعِ، وبلا لامٍ: المُزْدَلِفَةُ،

ويومُ جَمْعٍ: يومُ عَرَفَةَ،

وأيامُ جمعٍ: أيامُ مِنىً.

والمَجْموعُ: ما جُمِعَ من هَاهُنا وهَاهُنا وإن لم يُجْعَلْ كالشيءِ الواحِدِ.

والجَميعُ: ضِدُّ المُتَفَرِّقِ، والجَيْشُ، والحَيُّ المُجْتَمِعُ، وعَلَمٌ،

كجامِعٍ.

وأتانٌ جامِعٌ: حَمَلَتْ أوَّلَ ما تَحْمِلُ.

وجملٌ جامِعٌ،

وناقَةٌ جامِعَةٌ: أخْلَفَا بُزولًا، ولا يقالُ هذا إلا بَعْدَ أربعِ سنينَ

ودابَّةٌ جامِعٌ: تَصْلُحُ للإِكافِ والسَّرْجِ.

وقِدْرٌ جامِعٌ وجامِعَةٌ وجِماعٌ، ككِتابٍ: عَظيمةٌ، ج: جُمْعٌ، بالضم.

والجامِعَةُ: الغُلُّ.

ومَسْجِدُ الجامِعِ، والمسجدُ الجامِعُ، لُغَتانِ، أي: مَسْجِدُ اليومِ الجامِعِ، أو هذِهِ خَطَأ.

وجامِعُ الجارِ: فُرْضَةٌ لأهْلِ المدينةِ.

والجامِعُ: ة بالغُوطَة.

والجامِعانِ: الحِلَّةُ المَزْيَدِيَّةُ.

وجَمَعَتِ الجارِيَةُ الثِّيابَ: شَبَّتْ.

وجُمَّاعُ الناسِ، كرُمَّانٍ: أخْلاطُهُم من قبائِلَ شَتَّى، ومن كلِّ شيءٍ: مُجْتَمَعُ أصْلِه، وكلُّ ما تَجَمَّعَ وانضمَّ بعضُه إلى بعض.

والمَجْمَعُ، كَمَقْعَدٍ ومَنْزِلٍ: موضِعُ الجَمْعِ، وكَمَقْعَدَةٍ: الأرضُ القَفْر، وما اجْتَمَعَ من الرِّمالِ،

وع بِبلادِ هُذَيْلٍ له يومٌ.

وجُمْعُ الكَفِّ، بالضم: وهو حين تَقْبِضُها، ج: أجْماعٌ.

وأمرُهُمْ بِجُمْعٍ، أي: مَكْتومٌ مَسْتُورٌ،

وهي من زَوْجِها بجُمْعٍ، أي: عَذْراءُ،

وذَهَبَ الشهرُ بجُمْعٍ، أي: كُلُّهُ، ويكسرُ فيهنَّ،

وماتَتْ بِجُمْع، مثلثَةً: عَذْراءَ أو حاملًا أو مُثْقَلَةً.

وجُمْعَةٌ من تَمْرٍ، بالضم: قُبْضَةٌ منه.

والجُمْعَةُ: المَجْموعَةُ.

ويومُ الجُمْعَةِ، وبضمَّتين، وكهُمَزَةٍ: م، ج: كصُرَدٍ، وجُمُعاتٌ بالضم، وبضمَّتين، وتفتحُ الميمُ.

وأدامَ اللهُ جُمْعَةَ ما بَيْنَكُما، بالضم: أُلْفَةَ مَا بَيْنَكُما.

والجَمْعاءُ: الناقةُ الهَرِمَةُ،

وـ من البَهائِم: التي لم يَذْهَبْ من بَدَنِها شيءٌ، وتأنيثُ أجْمَعَ، وهو واحِدٌ في معنَى جَمْعٍ،

وجَمْعُهُ: أجْمَعونَ، وهو تَوْكيدٌ مَحْضٌ، وتَقَدَّمَ في: ب ت ع.

وجاؤوا بأجمَعِهِم، وتضمُّ الخِباءِ: كُلُّهُم.

وجِماعُ الشيءِ: جَمْعُه، يقالُ: جِماعُ الخِباءِ الأخْبِيَةُ، أي: جَمْعُها، لأَنَّ الجِماعَ: ما جَمَعَ عَدَدًا، وفي الحديثِ: "أوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ"، أي: القرآنَ، وكان يَتَكَلَّمُ بِجَوامِعِ الكَلِمِ، أي كانَ كثيرَ المَعَانِي، قَليلَ الألْفاظِ، وسَمَّوْا: كشَدَّادٍ وقَتادَةَ وثُمامَةَ.

وما جَمَعْتُ بامرأةٍ قَطُّ،

وـ عن امرأةٍ: ما بَنَيْتُ.

والإِجْماعُ: الاتِّفاقُ، وصَرُّ أخْلافِ الناقَةِ جُمَعَ، وجَعْلُ الأمرِ جَميعًا بعدَ تَفَرُّقِهِ، والإِعدادُ، والتَّجْفيفُ والإِيباسُ، وسَوْقُ الإِبِلِ جَميعًا، والعَزْمُ على الأمرِ، أجمَعْتُ الأمرَ، وعليه، والأمرُ مُجْمَعٌ. وكمُحْسِنٍ: العامُ المُجْدِبُ.

وقوله تعالى: {فأجمِعوا أمرَكُمْ وشُرَكَاءَكُمْ}، أي: وادْعوا شُرَكاءَكُمْ، لأنه لا يقالُ: أجمِعوا شُرَكَاءَكُمْ، أو المعنَى: أجمِعوا مع شُرَكائِكُمْ على أمْرِكُمْ.

والمُجْمَعَةُ، بِبِناءِ المَفْعولِ مُخَفَّفَةً:

الخُطْبَةُ التي لا يَدْخُلُها خَلَلٌ. وأجمعَ المَطَرُ الأرضَ: سالَ رَغابُها وجَهادُها كُلُّها.

والتَّجْميعُ: مُبالَغَةُ الجَمْعِ، وأن تَجْمَعَ الدَّجاجَةُ بَيْضَها في بَطْنِها.

واجْتَمَعَ: ضِدُّ تَفَرَّقَ،

كاجْدَمَعَ وتَجَمَّعَ واسْتَجْمَعَ،

وـ الرجُلُ: بَلَغَ أشُدَّهُ، واسْتَوَتْ لِحْيَتُهُ.

واسْتَجْمَعَ السيلُ: اجْتَمَعَ من كلِّ موضِعٍ،

وـ له أمورُهُ: اجْتَمَعَ له كُلُّ ما يَسُرُّه،

وـ الفَرَسُ جَرْيًا: بالَغَ.

وتَجَمَّعوا: اجْتَمَعوا من هَاهُنا.

والمُجامَعَةُ: المُباضَعَةُ.

وجامَعَهُ على أمرِ كذا: اجْتَمَعَ معه.

ومَشَى مُجْتَمِعًا: مُسْرِعًا في مَشْيِهِ.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


13-القاموس المحيط (الرغم)

الرَّغْمُ: الكُرْهُ، ويُثَلَّثُ،

كالمَرْغَمَةِ،

ورَغِمَه، كعَلِمَه ومنَعه: كرِهَه،

و=: التُّرابُ،

كالرَّغامِ، والقَسْرُ، والذُّلُّ.

ورَغَمَ أنْفِي لله تعالى، مُثَلَّثَةً: ذَلَّ عن كُرْهٍ، وأرْغَمَه الذُّلُّ. وكمَقْعَدٍ ومَجْلِسٍ: الأنْفُ.

ورغَّمَهُ تَرْغيمًا: قال له رُغْمًا رُغْمًا.

وراغِمٌ داغِمٌ: إتْباعٌ.

وأرْغَمَهُ الله تعالى: أسْخَطَه، وأدغَمَه، بالدالِ: سَوَّدَه.

وشاةٌ رَغْماءُ: على طَرَفِ أنْفها بياضٌ، أو لَوْنٌ يُخالِفُ سائرَ بَدَنِها.

والمِرْغامةُ: المُغْضِبَةُ لبَعْلِها.

والرَّغامُ: تُرابٌ لَيِّنٌ، أو رَمْلٌ مُخْتلِطٌ بتُرابٍ، واسْمُ رَمْلَةٍ بعَيْنِها، وبالضم: لغةٌ في العينِ، أو لُثْغَةٌ.

والمُراغَمَةُ: الهِجْرانُ، والتَّباعُد، والمُغاضَبةُ.

وراغَمَهم: نابَذَهُم، وهَجَرَهُم، وعاداهُم.

وتَرَغَّمَ: تَغَضَّبَ.

والرُّغامَى: زِيادةُ الكَبِدِ، لغةٌ في العينِ، ونَبْتٌ،

لغةٌ في الرُّخامَى، والأنْفُ، وقَصَبَةُ الرِئَةِ.

والمُراغَمُ، بالضم وفتح الغين: المَذْهَبُ، والمَهْرَبُ، والحِصْنُ، والمُضْطَرَبُ.

ورَغْمانُ: رَمْلٌ.

ورُغَيْمانُ: ع. وكزُبَيْرٍ: اسْمٌ.

ورَغَمْتُه: فَعَلْتُ شيئًا على رَغْمِه.

والمَرْغَمَةُ، كَمَرْحَلَةٍ: لُعْبَةٌ لهم. وكثُمامةٍ: الطَّلِبةُ.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


14-القاموس المحيط (خضن)

خَضَنَ ناقَتَهُ: حَمَلَ عليها، وعَضَّ من بَدَنِها. وكمِنْبَرٍ: مَنْ يُهْزِلُ الدَّوابَّ ويُذَلِّلُها.

وخُضِنَتْ عنه المُرُوءَةُ، كعُنِيَ: صُرِفَتْ.

والمُخاضَنَة: المُغازَلَةُ، والتَّرامِي بقَوْلِ الفُحْشِ.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


15-القاموس المحيط (الحشو)

و: الحَشْوُ: صِغارُ الإِبِلِ،

كالحاشِيَةِ، وفَضْلُ الكلامِ، ونَفْسُ الرجُلِ، ومَلءُ الوِسادَةِ وغَيْرِها بشيء، ـ وما يُجْعَلُ فيها حَشْوٌ أيضًا.

والحَشِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: الفِراشُ المَحْشُوُّ، ومِرْفَقَةٌ أو مِصْدَغَةٌ تُعَظِّمُ بها المرأةُ بَدَنَها أَو عَجِيزَتَها،

كالمِحْشَى.

واحْتَشَتْها،

وـ بها: لَبِسَتْها،

وـ الشيءُ: امْتَلأَ،

وـ المُسْتَحَاضَةُ: حَشَتْ نَفْسَها بالمَفارِمِ.

وأتاهُ فَما أَجَلَّهُ ولا حاشاهُ: ما أعْطاهُ جَلِيلَةً ولا حاشِيَةً.

والحَشا: ما في البَطْنِ

ج: أحْشاءٌ.

وحَشاهُ: أصابَ حَشاهُ.

والمَحْشَى: موضِعُ الطَّعامِ في البَطْنِ.

وما أكثَرَ حُشْوَةَ أرْضِهِ، بالضم والكسر، أي: حَشْوَها ودَغَلَها.

وأرضٌ حَشاةٌ: سَوْداءُ لا خَيْرَ فيها.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


16-المعجم الاشتقاقي المؤصل (بدن)

(بدن): {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36]

بَدَن الإنسان - محركة: جَسَدُه.. ما سوى الرأس والشَّوَى. ورجَلٌ بادِن ومبدَّن - كمعظَّم: سمينٌ جسيم. والمِبْدان - كمنحار: الشَّكورُ السريع السِّمَن.

° المعنى المحوري

كتلة عُظْم الحيّ التي تتفرع منها أطرافه وتمتد: كجِذْع الإنسان، وسِمَنِ الجسم "بَدُنَ الرجل (كقعد وكرم): ضَخُم وسَمِن ". ومنه: البَدَن - محركة: الدِّرْع القصيرة على قدر الجسد (يملؤها الجسم وتمتد منها أطرافه، أو سُمِّيَتْ باسم ملبوسها للمجاورة). {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس: 92]: بدِرْعك، أو بجسمك أي بلا روح. ومن الامتلاء: "بدّن الرجل - ض: كبِر وأَسَنّ. والبَدَن - محركة: الوَعِل المُسِنّ " (تراكم زمني يلزمه عادة عِظَم الجسم). ومن ذلك المعنى: "البَدَنة: ناقة أو بقرة تُنحَر بمكة ج بُدْن - بالضم " (لعله لُحظ في تسميتها أنهم كانوا يستسمنونها، أو أن المقصود من تقديمها بَدَنُها (فالبَدَنة: ذات البَدَن ناقة أو بقرة) {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


17-المعجم الاشتقاقي المؤصل (جسس)

(جسس): {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12].

جَسَّ الشخص بعينه (رد): أحدّ النظر إليه ليسْتَبينه ويسْتثبته.

° المعنى المحوري

نفاذٌ إلى باطن الشيء بدقة ولطف (1). كما ينفذ حِسّ العين منها خلال المرئي. ومنه "التجسس: التفتيش عن بواطن الأمور (في لطف). وجس الخبر وتجسسه: بحث عنه وفحص (في خفية) والجاسوس: العيْن يتجسس الأخبار ثم يأتي بها {وَلَا تَجَسَّسُوا} وأما قولهم: "جَسّه بيده: مسه

ولمسه "فالمراد غمزه بالأصابع لتبين السمن مثلًا، فهو تعرّفٌ على باطن الشيء بطريقة خفية أي دون كشفه كأنما اخترقه. ولا يقصد مجرد التحسس لظاهره. يؤيد هذا قولهم "واسع المَجَسّ وضيق المَجَسّ " (بمعنى واسع الصدر وضيقه) حيث يفسر المَجَس بالسَرْب وهو الصدر - وهو تجويف خلال الجسم. وقد جاء في تاج العروس "الجَسّاس: الأسدُ المؤثر في الفريسة ببراثنه " (يغرس براثنه في بدنها). (وجس البهائم البقر والجواميس الآن يكون بدس الجساس يده في حيائها إلى رحمها ليتبين إن كانت عُشراء).

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


18-المعجم الاشتقاقي المؤصل (جلب)

(جلب): {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64].

"الجَلْب: سَوْق الشيء من موضع إلى آخر/ يَجْلِبون الإبل والغنم للبيع. والجَلَب - بالتحريك: ما جُلب من خَيل وإِبِلٍ ومتاع/ من غَنَمٍ أو سَبْى.

والجليب: الذي يُجْلَب من بلد إلى غيره. الجُلْبة - بالضم: الجِلدة التي توضع على القَتَب. وجُلُبَّانُ السلاح: شبه الجراب من الأَدَم يوضع فيه السيف مُغْمَدًا في جرابه، ويَطْرح فيه الراكب سَوطه وأداته ويعلقه من آخرة الكَوْر أو في واسطته."

° المعنى المحوري

إلحاق الشيء بمكان أو مقر غريب عنه يلزمه مع اتساع في ذلك أو كثاقة ما. كجَلْب الإبل والغنم من مقرها عند أصحابها إلى حيث تباع في سوق أو نحوه (ومن الشواهد على أن الأصل كان أن يقع ذلك الجلب بالجملة (أي بكثرة لا فرادى وهذا اتساع) قولهم في المثل "النفاض (كسحاب وغراب) يُقَطِّر الجَلَب "أي أنه إذا أنفضَ القومُ أي نفِدَت أزوادهم قَطّروا إبلهم (أي ربطوا بعضها في إثر بَعض قُطُرًا لكثرتها ثم ساقوها لتباع)، وكالجُلْبة المذكورة تُقْطَع من إهاب، ثم تُلْصَق على القَتَب فتغشاه وتمسكه (وكذلك جُلْبة السكين التي تَضُمُّ النِصَاب على الحديدة, وجُلْبَة القَدَح: حديدة صغيرة يُرْقَع بها (بدل الجلدة)، والجُلْبة العُوذة التي تُخْرَز عليها جلدة. وكذلك "تجليب الضرع "هو تغطيته بطبقة كثيفة من طين أو عجين تشمل جميع أَطْبائه لمنع الإرضاع، وجُلُبّان السلاح: جراب واسع لحفظه عند السفر يه وهو يغطيه تغطية كاملة، وكل ذلك غريب عن مقره الأصلي.

ومن ذلك الجِلْبابُ وجمعه جلابيب، وهو ثوب يلزم ما يغطَّى به كأنه لاصق. لكن هناك اختلافًا في صورته التي سماها العرب جلبابا: أهو "الثوب الذي تغطى به ما عليك من الثياب نحو المِلْحَفَة "أي "المُلاءة التي تشتمل بها المرأة "أي فوق ثيابها. فهذا بيان للجلباب يمكن أن نضم معه تفسير الجلباب بالقميص، لأن القميص عند العرب قريب مما نسميه الآن جلابية إلا أن طوق القميص عند العرب لم يكن له شق رأسي أي فتحة أمامية طويلة كالتي توجد في

ما يسمى الآن جلابية أفرنجي. والذي له فتحة طويلة هكذا كان يسمى الدِرع وهو من ملابس النساء. المهم أن القميص قريب من معنى الجلباب من حيث الشمول، فهذا هو التفسير الأول للجلباب. والتفسير الآخر هو أن الجلباب "خمار واسع تغطي به المرأة رأسها وصدرها [وفي ل إضافة]: وظهرها).

والذي يؤدي إليه التحرير أن الجلباب هو الملحفة أي الملاءة التي تغطي تغطية خارجية شاملة. وليس هو الخمار بأي حال. ووصف الجلباب بأنه كالملحفة هو الذي قال به الأخفش الأوسط (226 هـ) والجوهري، وهو قول الأزهري حيث فسّر قول ابن الأعرابي إن الجلباب: الإزار بأن قال إن ابن الأعرابي لم يُردْ به إزار الحَقْو (أي الذي يشد في الخَصْر ويغطَّى به نصفُ البدن الأسفل) ولكنه أراد به "الإزار الذي يُشْتَمَلُ به فيجَلِّلُ جميع الجسد، وكذلك إزارُ الليل هو الثوب السابغ الذي يشتمل به النائم فيغطي جَسَده كله "اهـ وفي نظام الغريب للربعي ص 110 "التلفّع: التغطِّى بالثوب، ومثله التجلبُب والتزمُّل والتدثّر "اهـ وفي المخصص 4/ 77 "الجلباب: الملاءة, وفي 84 منه "الجلباب: القميص، وقد تقدم أنه الملاءة "اهـ. فهذه أقوال الأئمة. والقول بأن الجلباب هو الخمار منسوب لأعرابية تسمى العامرية. وهذه الأعرابية ليس لها في معجم لسان العرب إلا ثمانية نقول - أي أنها ليست ذات إسهام يعتدّ به في المعرفة باللغة. وليس معها في قولها إلا قول الليث "الجلباب ثوب أوسع من الخمار - دون الرداء تغطي به المرأة رأسها وصدرها "والخلاصة إلى هنا أن الجلباب ثوب يغطَّى به البدن كله فوق الثياب، ثم هناك من قال إن التغطية به تشمل الرأس. والخطب هنا سهل. وتحريرنا لغوي مبني على أن صدر التركيب (جل) أي الفصل المعجمي يعبر عن الاتساع العظيم كما مر، (والباء للإلصاق)

وهذا يناسب أقوال الأئمة الذين ذكرناهم [ينظر الألفاظ لابن السكيت تح قباوة 493، والمقاييس 1/ 470 وتهذيب اللغة واللسان وتاج جلب، وقر 14/ 243]. ولم نأخذ بتأويلهم للشاهد في تشبيه مشي النسور إلى القتيل بـ (مَشى العذارى عليهن الجلابيب) فإن القائلة تشبه النسور في مشيتها إليه من حيث إرخاء أجنحتها على جوانبها بالعذارى اللاتي يجررن جلابيبهن السابغة على أرجلهن وخلفهن. لا من حيث "إنها آمنة لا تعجل "كما قالوا.

هذا وفي قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] يمكن أن يفسر إدناء الجلابيب على أنه كناية عن لزومها لا استبعادها الذي يؤدي إلى التكشف وإلى أن يُوصَفَ بدنُها، ويمكن أن يقصد بها سبوغ الجلابيب على السوق. لكن في [طب التركي 19/ 181] ما خلاصته أن المقصود تغطية ما عدا عينا واحدة. وفي [بحر 7/ 240] عدة أقوال لابن عباس وبعض التابعين تؤيد ما في الطبري. وبعضها يتسق مع معنى الجلباب الذي حررناه، أقْرَبُها ما يؤخذ من قول الكسائي "يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن " (أراد بالانضمام معنى الإدناء) اهـ. والقناع كالخمار فمعنى عبارته أن الجلباب يشمل الرأس مع البدن، وهذا ما يتأتى بالملاءة. لكن ليس في عبارة الكسائي، ولا في ما أسلفنا عن اللغويين من معنى الجلباب ما يصرح أو يقضي بتغطية الوجه عدا عين أو عينين. وهنا ترجع المسألة إلى علم الفقه، وتقوّم الأدلة، ويُتبع ما يقضي به الشرع.

وقوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] فسر بـ "اجْمَع عليهم وتوعدهم بالشر "وفي [الغريبين 1/ 373] "اجْمع عليهم ما قَدَرْت من جندك ومكائدك "والجمع هنا حشر (نقل طبقة كثيفة) من مواطن وجهات.

وقالوا أيضًا: "أَجْلَبَ عليه: إذا صاح به واستحثه في الرِهان: يأتى المراهن بفرس آخر ويُركِبُه رجلًا فإذا قَرُبَ من الغاية تبع ذلك الآخر فرسَ الرِهان المقصود فجَلّب عليه وصاح به (حثًّا) ليكون هو السابق "، ولعل استعمال الجَلَبة في اختلاط الأصوات والصياح مأخوذ من جَلْب ذلك الفرس الآخر ثم الصياح خلف فرس الرهان لأن الصياح هو المقصود هنا.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


19-المعجم الاشتقاقي المؤصل (رغم)

(رغم): {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]

الرَغْم -بالفتح وكسحاب: دُقَاقُ التراب. وقيل التراب عامة،، قيل الثَرَى وهو التراب النَدِىّ، وكسَحَاب وغُراب: المُخَاطُ. والرُغَامَى -كحُبَارَى: الأَنْف كالمَرْغَم -بالفتح والغين مفتوحة ومكسورة.

° المعنى المحوري

تراكم مادة (مخاطية أو ترابية) على الظاهر تُكْرَه أو يُتَقَزَّز منها: كتراب الأرض يغطي ظاهرها، وهو يُكْره لأنه بثور ويشوب الهواء وبه تتسخ الملابس وغيرها، وكالمُخَاط والأنفُ مصدر له. ومن ذلك على التشبيه "شاةٌ رَغماء -بالفتح: على طرف أنفها بياضٌ أو لونٌ يخالف سائر بدنها " [ق]. ومن دفع الشيء إلى الظاهر كراهةً له: ما في حديث الشاة المسمومة: "فلما أَرْغَم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَرْغَم بِشْرٌ ما في فيه "المراد: لَفَظَ اللحمةَ لما بها من السُمّ. ومن هذه الكراهة: "رَغِمَتْ السائمةُ المَرْعَى (كفرح)، وأَنِفَ: كَرِهَتْه. والرَُغْم -مثلثة، والمَرْغَمَة -بالفتح: الكُرْه. والسِقْط يراغم ربَّه أي يغاضبه. ما: أرْغَمُ من

ذلك شيئًا: ما أَنِقمُه وما أكرهه. وقَدِمَتْ راغمةً اي غاضبة. وتَرَغَّمَ: غَضِبَ. وامرأة مِرْغامة -بالكسر: مُغْضِبة لبعْلها. وفَعَلْتُه على رَغْمه: على غَضَبه. وأرغمته: أغضبته. وأرْغَمَه: حَمَله على ما لا يقدر أن يمتنع منه " (أي أكرهه). وفي الحديث: إذا صلى أحدكم فليُلْزم جَبْهته وأنفَه الأرضَ حتى يَخرُجَ منه الرَغْم "-بالفتح أي حتى يخضع ويذل ويخرج منه كبر الشيطان ". اه (الرغم هنا الأنفة وهي كراهة خاصة). و "المراغمة: المغاضبة/ الهجران والتباعد " {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} (أي مهاجَرًا يمكّنه من رد الرغم) ويحفظ له إباءه.

أما قولهم "على رغم أنفه، وإن رغم أنفه إلخ: أي إن كره -فلأن الأنف كان مناطَ الغضب والشموخ عندهم (وَرِمَ أنفُه، شَمَخ بأنفه إلخ)، فوضعه في الرَغام إكراه وإذلال.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


20-المعجم الاشتقاقي المؤصل (إرم)

(إرم): {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 6، 7]

"الأَرُومة والأَرُوم - بفتح فضم: أصل الشَجَرِة والقَرْن. ولآرام: ملتقى

قبائل الرأس. رأس مُؤَرّم - كمُعَظّم: ضخم القبائل. وبيضة (= خوذة) مُؤرّمة: واسعة الأعلى."

° المعنى المحوري

تَضَامّ الشيء كتلةً (مضغوطة) صُلْبة مُنْتَصِبَة أو ناصبة. كأصل الشجرة والقَرْن، وكتضامّ جَوانب الرأس والبَيْضة.

ومن حسِّيِّه "الإرم - كعنب: واحد الآرام: حجارةٌ تُجمَع وتُنْصَب عَلمًا في المفازة (هي الأهرام) كما قالوا في واحدها أَرِم كفرح وأَيْرمى - بالفتح، وكعَدَوِىّ ورِبَوِى، ويَرَمِىّ كعَدَوىّ. وكذا قالوا: "الأُرْمة - بالضم: العَلَم ". وسمى الضِرس أَرْمًا - بالفتح والكسر (وجمعه أُرَّم - بزنة سكر، وأُرُوم) لأن ضغط المأكول بين الأضراس نوع من الضم، ولكنه ضم إلى درجة الطحن أو العصر. ومنه كذلك "أَرَمَ ما على المائدة (ضرب): أكله كُلَّه ولم يدع منه شيئًا. وأَرَمَت الإبلُ: أكلت، وعلى الشيء: عَضّ عليه "ومنه "أرَمَت السنَةُ بأموالنا: أكلت كلّ شيء "على أن الأكل والعضّ ضمّ. ثم قالوا "أَرِمَ المالُ - كتعب: فَنِى وذَهَب " (جُمِع وذُهب به - يلحظ أثر الصيغة)، وفي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} الواضح أنها أخذت اسمها من هذه العماد وفيها قراءات أخرى [انظر قر 20/ 44] وفي تعيين المكان [انظر ق، ودائرة المعارف الإِسلامية 3/ 14]. والذي أراه أنها كانت بجنوب الجزيرة بالأحقاف حيث عاشت عاد وحيث اشتهر الجنوبيون قديمًا بالتغالي في رفع المباني، وقصر غُمْدَان شاهد لهذا. وقد نَعَى القرآن عليهم ذلك {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 128, 129].

ومن معنويه قولهم: "جارية مَأْرومة: حَسَنة الأَرْم مجدولة الخَلْق "،

فالمجدولة بدنُها وأعضاؤها مُدْمَجة متضامة ليست مترهلةً ولا عارية العظام متفاوتة.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


21-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سل)

° معنى الفصل المعجمي (سل): هو انسحاب الشيء ممتدًّا من أثناء أو فيها

بطول ورفق: يتمثل ذلك في سل الشعر من العجين ونحوه - في (سلل)، وفي السِمَن حيث يتربى الشحم في أثناء البدن ممتدًّا مادة أو دوامًا - في (سلو/ ى)، وفي استرخاء أسفل السحاب والبطن والدلو الثقيلة إلى أسفل - في (سول)، وفي امتداد ماء السيل من مجمعه إلى أماكن بعيدة - في (سيل)، وفي امتداد الوُصْلة بين المتوسِّل والمتوسَّل إليه - في (وسل)، وكذا استلال الإبل من أماكنها إلى ما يريده اللص سرقة، وفي استخراج العطية والسُؤْل ممن يملكه - في (سأل)، وكذلك تجريد الشجر من قشره والقتيل من سلاحه وثيابه - في (سلب)، وفي امتداد جسم السيف ونحوه من السلاح، وخروج اللبن بغزارة من النوق - في (سلح)، وفي امتداد إهاب الناقة نزعًا من بدنها - في (سلخ)، وفي خروج الزيت من حَبّه والدهن من السمسم بتوال عصرًا مع تمدد مادتهما أو امتداد السُلْطة والقهر - في (سلط)، وفي جريان سلافة الخمر من العنب قبل اعتصاره - في (سلف)، وفي ذهاب غليظ باطن الشيء لحدّة خالطت عمقه كالسلق المطمئن من الأرض - في (سلق)، وفي امتداد الخيط الذي يخاط به - في (سلك)، وفي امتداد عيدان شجر السلم وهي مستوية، والحجارة العريضة الصلبة أي غير المكسورة - في (سلم).

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


22-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قصد)

(قصد): {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19]

المُقَصَّد من الرجال: الذي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم. القَصِيدُ من المخ: دون السمين وفوق المهزول (الذي) كالماء. وسنام قَصِيدٌ: سَمين. وعظم قصيد: مُمِخّ. وناقة قَصِيدٌ وقصيدة: سمينة ممتلئة، جسيمة بها نِقْيٌ أي مخّ. بيننا وبين الماء ليلة قاصدة: هيئة السير لا تعب ولا بطء.

° المعنى المحوري

توسط الشيء في حاله أو توسطه بالأَمّ والاتجاه. كالرجل والمخ الموصوفين والناقة التي (بها نِقْى) أي ليست بالغة السِمَن، واللحم اليابس غير القديد فهو متوسط. والعظمُ المخ ممتلئ الوسط. "وسمي العُنُق قَصَدَة "- بالتحريك، لتوسط طوله عند الآدميين وأكثر الحيوانات، فهو ليس في طول الذراع مثلًا. ومنه "سَفَرٌ قاصد: سهل قريب "فهو متوسط ليس بعيدًا {وَسَفَرًا قَاصِدًا} [التوبة: 42] وطريق قاصد: سَهْل مستقيم (أي فهو أقرب) {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9] أي (تَبْيِينُ) الطريق المستقيم الذي لا حرج فيه والدعاءُ إليه بالحُجج والبراهين الواضحة {وَمِنْهَا جَائِرٌ} غيرُ قاصد ". فيه غُلوّ أو ضلال {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 19]: توسط فيه بين الإسراع والبطء [قر 14/ 71] {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]. هذه الآية في أمة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - (والمقتصد بين الظالم نفسه والسابق) [وانظر قر 14/ 347] {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ} [المائدة: 66] وهذه في أهل الكتاب: إيمانهم وقولهم في سيدنا محمَّد وسيدنا عيسى - عليهما السلام - ما يليق بهما، أو عدم استهزائهم [قر 6/ 241] و "الاقتصاد: التوسط، والقَصْدُ: الوَسَط بين طرفين. والقصد في المعيشة بين الإسراف والتقتير ". وكل ما في القرآن من التركيب فهو من معنى التوسط والاعتدال.

ومن التوسط الاستقامة كما قيل "طريق قاصد: مستقيم ". ومنه "قَصَدْت له وإليه وقَصَدْته: اعتمدته وأَمَمته " (اتجهت إليه باستقامة دون ميل هنا أو هنا). ومن الاستقامة شكلا وجودة "القصيدة ذكروا أنها المنقَّحة، وأنها فوق القطعة (وهي ما بين ثلاثة أبيات وخمسة عشر) ثم لا شك أنها دون المعلقات. وهذا هو الذي أرجحه. وفي [ل] كلام لابن جني في هذه النقطة لا أتفق معه فيه. ومن الاستقامة "الإقصاد أن ترمي الشيء أو تَضْربه فيموت مكانه "- كما نقول (مباشرةً).

ومن مادي الأصل "قَصَدْتُ العُودَ: كَسَرْته بالنصف، وانقصد الرمح: انكسر بنصفين حتى يَبِين. وكل قطعة قِصْدة - بالكسر (فهذا من تقصير امتداده (استرساله) وجعلِه قَصْدًا أي وسطا، أو هو من إصابة وسطه. ثم عمموه في كسر الممتدّ. ومن التوسط "القِصَد: براعيم العضاه وما لان منه قبل أن يعسو "، "القصيد: العصا " (متوسطة الطول عادة) وقالوا: المُقْصَدة من النساء: العظيمة التامة التي لا يراها أَحدٌ إلا أعجبته "فهذه من أن كلًّا من أعضاء بدنها في أحسن حالاته, لأن الوسط مستحسن.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


23-المعجم الاشتقاقي المؤصل (لمس)

(لمس): {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]

"إكاف ملموس الأحناء: إذا لُمِسَت بالأيدى حتى تستوي / الذي قد أُمِرّ عليه اليد ونُحِتَ ما كان فيه من ارتفاع وأوَد. (الإكاف: البرذعة والمقصود خَشبُهُ).

ناقة لَمُوس: شُكَّ في سَنامها أبها طِرْقٌ أم لا، فتُلمَس. وبَيع الملامسة هو أن يَلمَس المتاعَ من وراء الثوب (أي من ظاهر الكيس) ولا يَنظر إليه ثم يُوقِع البيعَ."

° المعنى المحوري

أَخْذٌ بلطف من ظاهر الشيء تهيئةً لحسن استعماله- كما يُنحَتُ (يؤخذ) النتوء من أحناء الإكاف حتى يصير ناعما للراكب وكجَسّ الناقة الموصوفة بالأصابع من ظاهر بدنها لمعرفة مدى سِمَنها (لشراء أو معرفة حال)، وكجسّ السلعة من ظاهر كيسها في بيع الملامسة ونحوه لمعرفة الحال من أجل الشراء.

ومن الأخذ بلطف (خفة) ما جاء في الحديث عن نوعين من الثعابين "فإنهما يَلْمِسان البصرَ "أي يذهبان به بخفة كالخطف.

ومنه أيضًا "اللَمس باليد / أن تطلب شيئًا ها هنا وههنا " (دفع اليد في كل اتجاه للعثور على الشيء فهذا تحصيل بلطف) والتَمس الشيءَ: طلبه: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} [الحديد: 13]، {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8]: طلبنا خبرَها كما جرت عادتُنا [قر 19/ 11] ويجوز أنهم طلبوا الوصول إليها لنفس الغرض فلم يستطيعوا لأنها مُلئت.. {فَلَمَسُوهُ بِأَيدِيهِمْ} [الأنعام: 7] أي لو أنهم مع رؤيتهم جَسّوه بأيديهم لم يزدهم ذلك إلا تكذيبًا. وذكر اللمس لثلا يقولوا {سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الحجر: 15] وذكر اليد لئلا يظن أن المقصود باللمس الفحص [ينظر بحر 4/ 82] ومنه "لمَسَ الجاريةَ: جامعها (كناية). والتي "لا تَرُدّ يدَ لامس "، تُزَنّ بالفجور، لأن اللمس جَسٌ باليد. وقوله تعالى: {لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43 والمائدة: 6] يصدُق بالجماع (كناية)، وهو واضح وعليه فريق كبير [ينظر طب 8/ 398] ويؤيده ما في التركيب من معنى الطلب. ويصدُق توسعًا على ذوق الجسم باليد ونحوها، كما في لمس الناقة، وعليه آخرون. ومنه "اللميس: المرأة اللينة الملمس ".

أما "اللُمَاسة- كرُخَامة: الحاجة المُقارِبة "فمن الأصل؛ لأنها يُطلَب ضمُّها بلطف.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


24-المعجم الاشتقاقي المؤصل (مرر مرمر)

(مرر- مرمر): {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 6]

المَرّ -بالفتح: الحَبْلُ. والمَرِير من الحبال: ما لطُف وطال واشتد فتلُه، والمفتول على أكثر من طاق. وقد أمررته: أجدت قَتلَه وشددته فهو مُمرّ -بضم ففتح. وكل قوّة من قُوَى الحبل مِرّة- بالكسر، ومَرِيرة. والأَمَرّ: المصارين يجتمع فيها الفَرْث. والمرير: الأرض التي لا شيء فيها مرّ عليه، وبه: اجتاز.

° المعنى المحوري

استرسال اطرادي أو اجتيازي مع شدّة أثناء أو ضِيق وحبس (1) كالحبل الدقيق المفتول فتلًا شديدًا، وكالمصارين. وشدة الأثناء

متحققة في الحبل والمصارين وفي الأرض التي لا تنبت (لا تتشقق بالنبات). والمرور استرسال اجتيازي وفيه امتداد الوجود إلى مكان آخر كالاطرادي. وشدة الأثناء فيه واضحة في آيات المرور التي سنذكرها.

ومن شدة الأثناء مع الاسترسال "المرمر الرُخام "وصلابتُه من شدة تركُّز ذرّاته، ويتضح اطراده بعد تسويته، "والمرارة "فيها- مع شدة المذاق المركزة التي تمتدّ- أنها تمرئ الطعام أي تساعد على هضمه فيسري في البدن. ومما فيه ذلك المذاق "المُرار- كغراب: شجر مرٌّ إذا أكلتْه الإبلُ قَلَصتْ عنه مشافرُها "ومن ذلك أيضًا "المِرّة- بالكسر: القوة وشدة العقل {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} واستمرَّ مَرِيرُه: قَويَ بعد ضعف ""هو يُمارّ فلانًا، ويمِرّه- من أَمَرّ: يعالجه / يتلوَّى عليه ويديره ليصرعه ". ولعل هذا المعنى الأخير ناظر إلى قولهم "أَمَرَّ الناقةَ بذَنَبها: صَرَفها شِقًّا لشِقّ (بِلَيّ ذَنَبها): يَستمكن من ذَنَبها، ثم يوتِّد قدميه في الأرض كي لا تَجُرّه إذا أرادت الإفلاتَ منه. فإذا ذُلِّلتْ بالإمرار أرسلها إلى الرائض ". (فهي حينئذٍ تقبل أن تراض فتطرد في عملها).

ومن المرور المذكور "امترّ به وعليه: اجتاز. ومرّ: جاء وذهب كاستمر "- ومنه في حديث الوحي "كان إذا نَزَلَ سَمعت الملائكةُ صوتَ مِرار- ككتاب- السِلْسلة على الصفا، أي كصوت انجرارها واطِّرادها على الصخر "، "والمَرّة "- بالفتح، من هذا، أي هي واحدةُ مرور الأَمْر وجريانه. قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} [البقرة: 259] وكل (مرّ) فهي من (المرور) الاجتياز عدا ما ننبّه عليه، {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة: 13] أي أول وقوع] وجرَيَانٍ للقتال من أفعالهم بمكة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبالمؤمنين، أو معونتهم بني بكر على خزاعة، أو فعلهم يوم بدر [بحر 5/ 18] وكذا كل (مرة) فمعناها (وقوع للحدث أو الأمر) {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَينِ} [الإسراء: 5] أولاهما قتلهم زكريا أو شعيا وحبس أرميا وقصد قتل عيسى، والأخرى قتلهم يحيى [بحر 6/ 8، 10]، و "استَمرَّ الشيءُ: مضى على طريقة واحدة " (استرسال) {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] أي ذاهب، من مَرّ واستَمرّ: ذهب. وقيل: محُكم قويّ شديد، من المِرَّة- بالكسر: القوة / وقيل دائم.. [قر 17/ 127، 135] (أي مسترسل مع بقاء أثره. وأميل إلى أنها من الشدة مِرّةً أو مَرارة، وكذا ما في [القمر: 19، 46]). {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس: 12]: أي استَمرّ على كفره [قر 8/ 317] (ويجوز: استرسل شديدًا عند نفسه كأنه لم يشك من ضُر). {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف: 189]: استمرت بذلك الحَمْل تقوم وتقعد لا تكترِت بحَمله إلى أن ثقُلت [قر 7/ 337] (أي من المرور: الذهاب ويلحظ ما يعطيه السياق في الآيتين من ضرورة كون

المرور فيه قوة. وهو يكفي لإثبات أن ما خلا من تلك الضرورة مجتزَأ عنه). {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل 88] في [بحر 7/ 94] أن ذلك يوم القيامة. والنظر إلى الآية السابقة يرجحه. لكن توجيه الخطاب والتنويه بصنع الله الذي أتقن كل شيء يناسب لفت أهل هذه الحياة الدنيا لذلك ليؤمنوا.

أما قولهم: "امرأة مَرْمارة- بالفتح: ترتجّ عند القيام "، فمن رخاوة الشحم في بدنها واحتباسه فيه؛ فتتردد حركةُ ما يتراكم فيه ذلك من بَدَنها. واللفظ يعبر عن ذلك التردد).

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


25-المعجم الاشتقاقي المؤصل (أمس)

(أمس): {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ} [القصص: 82]

"الأمس: اليوم الذي قبل يومك بليلة [ق] وأَمَس الرجل: خَالف [من تاج عن هامشه].

° المعنى المحوري

التخلف -كاليوم الماضي فهو مخلَّف، والرأي المخالف فهو غير لاحق برأي الجماعة. ولم يأت في القرآن من التركيب إلا (أمس) والأقرب أن يكون بمعنى اليوم السابق خاصة هو {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} [القصص: 18، وكذا ما في 19 منها] أما {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ

بِالْأَمْسِ} [يونس: 24] {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ} [القصص: 82] فهما بمعنى ما مضى من الزمان [ينظر بحر 5/ 146]. وقد أرجع ابن الأنباري والكسائي (أمس) بمعنى البارحة إلى المساء أخذًا من قولهم أمس بخير ثم سمى به [ل أمس 304/ 23، 305/ 6]. وقد علل البصريون بناءها بأنها ضارعت الفعل الماضي.

• (مسح):

{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]

المَسْحاء من الأَرَضين: المستويةُ ذاتُ الحَصَى الصغار لا نبات فيها، ومن النساء: الرَسْحَاء. والمَسْحاءُ الثديِ: التي ليس لثديها حَجْم. وعَضُدٌ ممسوحة: قليلة اللحم. وخُصًى ممسوح: سُلِتَت مذاكيرُه. ورجل أمسح القَدَم: قَدمُه مستوية لا أَخْمَص لها. والمِسْحُ- بالكسر: الكساء من الشعر. والأَمْسَح: الأعور الأبخق. والتِمْسَح والتِمساح: خَلْقٌ على شكل السُلَحْفاة معروف ""."

° المعنى المحوري

انبساط باستواء ظاهر أي خلو من النتوء كأنما عن ضغط بعرض. كالأرض والمرأة والعضد والقدم والكساء والأعور وهيأة التمساح المذكورات.

ومن ذلك "مَسَحْت السيف: استللته " (فبرز ممتدًا مستويًا)، وكذلك "المَسَح -محركة- أن تَمسح إحدى الفخذين باطنَ الأخرى (أي في المشْي) فيحدثَ لذلك مَشقٌ وتشقق... "ومنه "مَسَحْت الناقة (فتح، ض): هَزَلتها وأدْبرتها (أذهبت شحمها وتجمع اللحم في بدنها فدقّ وعَرُضت بلا انتبار) والمَسْح: المَشْط (لبسطه الشعر)، وذَرْعُ الأرض (بيان مدى انبساطها)، وإمرارك يدك على

الظاهر (المنبسط) من أحد تريد تأليفه، أو لبلل أو نحوه تريد إذهابه بذلك، كمسحك رأسَك من الماء وجبينَك من الرشح، أو ببلل تريد إمساسه " {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيدِيكُمْ} [النساء: 43] فهذا مسح بالصعيد الطيب. ومثله ما في آخر الآية التالية: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} وهذا مسح بلل اليد بالرأس. وقد فَسّر بعضهُم مَسْحَ الرجلين على قراءة الجر بالغَسْل [ل]. وهو تأويل لحُظ فيه جزء المعنى، وهو إمرار اليد دون كثرة الماء المناسبة للغسل، فهو تفسير بعيد لغويًّا. {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33]، فُسِّر مسح السوق والأعناق بقطعها، وبإمرار اليد [ل 433، وقر 15/ 195] وقصة القطع رواها الكلبي -هو متكلَّم فيه، ومقاتل- وقد ضعفوه (1) والخلاف معروف. ونضيف ملحظًا هو أن تعدية المسح بالباء جاءت في القرآن الكريم لامرار اليد على عضوٍ لمسِّه بما على اليد من بلل أو تراب {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] - أما استعمال المسح في القطع فجاء في [ل 433/ 8، ق، المنجد] متعديًا بنفسه. ووَجْهُه إزالة النتوء والغلظ المتمثل في الجزء المقطوع فيصبح ما دونه مستويًا. فتفسير المسح في الآية (وهو معدي بالباء كما في آيتي المسح بالماء والتراب) بقطع السوق والأعناق = بعيدٌ بحكم اللغة لمخالفته الاستعمال، ولعدم تحقق الاستواء بعده، ثم بحكم السياق، وبحكم العقل والحكمة. فالأقرب في حصيلة المعنى: لَزِمْت

مكاني حبًّا في الخير بسبب ذكر نعمة ربي - ثم استعادها ليمسَحَ بيده عليها لهذا المعنى أو نحوه، وقد روى نحو ما رجّحناه عن ابن عباس والزهري، ورجحه الطبري وغيره. ونزّه أبو حيان منصب النبوة عن معنى التفسير بقطع السوق والأعناق [بحر 7/ 379 - 380] - وانظر تركيب (حبب) في هذا الكتاب.

ومن الأصل التَمْساح - بالفتح: الكذب (إخراج -أي اختلاق- شيء مؤلَّف مستوٍ (كما أن التزوير من التحسين). وقد قالوا إن المسيح (الدجال تعني الكذاب -أو الأعور لأنه ممسوح جانب الوجه) [ل 432].

أما (المسيح) بن مريم فقالوا في اشتقاق اسمه الكثير [ل 431] وقال المجد في [ق] إنه ذكر في اشتقاقه خمسين قولًا [ق: مسح] واختار منه أنه من مَسْحِه الأرض (أي سياحته فيها) أو أنه كان لا يمسح بيده ذا عاهه إلا برأ " [تاج] {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 45]، فيكون من تسميته بما سيقع منه. وليس في القرآن من التركيب إلا ما ذكرنا.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


26-المعجم الاشتقاقي المؤصل (مسك)

(مسك): {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين: 26]

المَسْك - بالفتح: الجِلْد، وبالتحريك: الأَسْورة والخلاخيل من الذَبْل والعاج واحدته مَسَكة - بالتحريك. والمسك - بالتحريك: الموضع الذي يُمْسِك الماء كالمَسَاك- كسحاب. وبلغ مَسَكة البئر - محركة، وبالضم: أي مَكانًا صُلْبًا لا يحتاج أن يُطْوَى (= يُبْنَى). سقاء مَسِيك: يَحْبِس الماء فلا ينضح.

° المعنى المحوري

ضبط الشيء أو حبسُه حَبْسًا قويًّا - في حيّزٍ فلا يتسيّب. كالجِلْد يَحْبِس ويضبط ما بداخله من الجسم وكالسوار والخلاخيل

تَمْتَسِك في مواضعها في اليد والرِجْل وهما تنفذان من دائرتها، ومَسَكة البئر صُلبة لا يُخشَى أن تنهار، والسقاء الموصوف لا يتسيب منه الماء. ومنه المِسْك - بالكسر: ضَرْبٌ من الطيب حيث يوجد متجمعًا في هنة معلقة في عنق الغَزال أو في سُرَّة ما يشبهه [انظر ل فأر] كما قال: [فإن المِسْك بعضُ دَم الغزال] فالتعلق والتجمع إمساك وتماسك، وكذا علوق رائحته بمن يطيب به، وجذبه من يشمه كلها ملاحظ مترادفة تقطع بسلامة أخذ اسمه من التركيب. وقد ذكرنا قبلًا أنهم "أطبقوا على أن التفرقة بين اللفظ العربي والعجميّ بصحة الاشتقاق " [كلبات أبي البقاء 116] ووزن الكلمة مألوف، كما أن الغِزْلان التي يؤخذ منها المسك كثيرة ومألوفة في أرض العرب، والطريقة موصوفة ومناسبة لحياتهم، واللفظ ورد في شعر أمرئ القيس والأعشى [شرح السبع الطوال الجاهليات ص 29، 30 وكذلك الخصائص 2/ 117] فزعم الجواليقي (1) والجوهري والليث [ل 306، 7] تعريبه- غريب. {خِتَامُهُ مِسْكٌ} رائحة آخره رائحة المسك.. [قر 19/ 265].

ومن حسِّيّ الأصل "المَسَكة - محركة، والماسكة: جلدة تكون على رأس الولد وأطراف يديه (حين الولادة) (تحيط وتمسك به وتحفظه).

ومن الأصل ذلك الاستعمال المشهور: "أمسك الشيء: قبضه باليد {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيكُمْ} [المائدة: 4] (أي مما اصطادت لكم الجوارح التي عَلَّمْتُموها الصيد). ومن هذا القبض إمساك الشيء بمعنى حَبْسه {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك: 21]، (أي حبس عنكم ما تعودتم أن يرزقكم إياه).

{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيرِ حِسَابٍ} [ص: 39]، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] وكذلك ما في [الزمر: 38] "وأمسك الشيء على نفسه: حَبَسه " (أي استبقاه في حوزته) {أَمْسِكْ عَلَيكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37]، (أي اسْتَبْقِها زوجة لك لا تطلقها) [ومن إمساك الزوجة هذا ما في [البقرة: 229، 231، الممتحنة: 10، الطلاق: 2] ومن معنى الاستبقاء هذا {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل: 59] ومن صور ذلك الاستبقاء {فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: 15]، وكذا إبقاء الطير في الهواء {مَا يُمْسِكُهُنَّ إلا اللَّهُ} [النحل: 79، وكذا ما في الملك: 19] {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيهَا الْمَوْتَ} [الزمر: 42] (أي يستبقي الروح التي توفاها سبحانه لا يردها إلى بدنها إذا كان قد قضى عليها الموت). "المُسك والمسكة - بالضم: ما يمسك الأبدان من الطعام والشراب، أي يبقيها حية. وقالوا "رجل ذو مُسْكة - بالضم: أي رأى وعقل يُرْجَع إليه "كما قالوا: لُبّ. وفي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41]، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إلا بِإِذْنِهِ} [الحج: 65]، قال [قر في 14/ 365] عن الأولى يمنعهما أن تزولا، وعن الثانية [12/ 63] وإمساكه لها خلق السكون لها حالًا بعد حال "وأقول إن هذا حسب علم المتقدمين بالكون، والمحدثون كشفوا أن الله تعالى خلق في الأرض والأجرام السماوية جاذبية تضبط أوضاعها. وعلى هذا فإمساكه لها هو إبقاء هذه الضوابط، فإذا أراد زوالها فمن سُبُل ذلك إبطال هذه الضوابط.

واستعمل في الاعتصام بالشيء إن كان عقيدة أو توجيهات أي مراعاته والالتزام به ومنه على المثل {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256، لقمان: 22]، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} [الأعراف: 170]، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيكَ} [الزخرف: 43].

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


27-المعجم الاشتقاقي المؤصل (ملك)

(ملك): {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]

قوائم كُلِّ دابةٍ مُلُكه -بضمتين مَلَّك النبعةَ- ض: صَلَّبها وذاك إذا يَبّسَها في الشمس مع قِشْرها. ومَلَكَتْ المرأةُ العَجين (ضرب): شَدّدَتْ عَجنَه أجادت عَجْنَه حتى يأخذَ بعضُه بَعضًا. ويقال للعجين إذا كان متماسكًا متينًا مملوك ومُمْلَك. ومَلَك الخِشْفُ أمه: قَوي وقَدَر أن يتبعها. وناقة مِلاك الإبل- ككتاب: إذا كانت تتبعها.

° المعنى المحوري

إمساك أو امتساكٌ بشدة أو قوة مع شمول؛ كتَصْلِيب النَبْعة في ذاتها أو في شدة لصوق لحائها المحيط بها، بأن يصير كأنه من صميم جرمها، وقوائمُ الدابة تحملها وتنصبها كلها فهي قِوام بدنها. واتباعُ الخِشفِ أمّه, والناقةِ الإبلَ لحَاقٌ كالامتساك. وفي التعبير عن هذا اللحاق بـ (ملك) و (ملاك) مبالغة ما. (وقد جاء تفسيرٌ لمُلُك الدابة -بضمتين: بأنها القوائم والهادي. ولا أرجحه لما ورد في قولهم "ارحموا هذا الشيخ الذي ليس له مُلُك ولا بَصَر "فالهادي (= العنق) لا مدخل له هنا. وأيضًا لا مدخل له في قولهم "جَاءنا تقودُه مُلُكُه ". وفسروها بالقوائم والهادي).

ومنه "مِلاك الشيء -ككتاب وسحاب: ما يقوم به قِوَامه ونظامه ومعتمده ". (يجعله كيانًا ذا نفع أو وظيفة بذاته). و "الزم مِلْك الطريق، وخَلّ عن مِلْك الطريق- مثلثة: وَسَطه ومعظمه (الذي يجوز سالكيه ولا يخرجون عنه) وتمالكَ عن الشيء: مَلَك نفسه. واملِك عليك لسانك. وما تمالك أن قال... أي ما تماسك. وما تمالك أن وقع في كذا ". (لم يستطع أن يحبس نفسه).

ومنه "الملك- مثلثة: احتواء الشيء أو القدرة على الاستبداد به (إمساك له في حيز القدرة والتصرف. ومعنى الاستبداد الانفراد أي يكون له لا لغيره تبعية الشيء والتصرف فيه. جاء في [بحر 1/ 136] "والملك- بالضم هو القهر والتسلط على من تتأتى منه الطاعة، ويكون ذلك باستحقاق وبغير استحقاق (يعني كمن استولى على ملك بلد بغير حق) والمِلك -أي بالكسر: هو القهر على من تتأتى منه الطاعة ومن لا تتأتى منه (يعني كالبهائم والدور الخ) ويكون ذلك باستحقاق فبينهما عموم وخصوص من وجه ". والمَملوك: العبد. والمَلْك-

بالفتح: ما مَلَكَت اليد من مال وخول {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ} [النساء: 3]، {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: 61]. أي مما اختزنتم وصار في قبضتكم، وعُظْم ذلك ما مَلكه الرجل في بيته وتحت غَلَقِهِ.. ويدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأُجَراء [قر 12/ 315] {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100]، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [يونس: 49] -ومن هذا المِلكُ لولي المرأة- مثلثة: حَظْره إياها ومِلْكه لـ (أمر) ها. ومَلَكَ المرأة وأملِكها- للمفعول: تزوجها ".

ومن ذلك "المُلك "بالضم: (التسلط على باعة والتصرف في أمرهم -فهو من إمساكه بأمورهم حُكمًا وتدبيرًا)، {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]، {أَلَيسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51]، {وَآتَينَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26]. والذي في القرآن من التركيب بعضه من امتلاك الشيء وبعضه من الملك- بالضم. والسياقات واضحة. وأما (الملكوت) ففي [تاج] ما يفهم منه أنه المُلْك العظيم، ولذا قال إنه مختص بمُلك الله عزَّ وجلَّ {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 75] ويقال للملكوت مَلكُوَة مثل ترقوة بمعنى العز والسلطان، ثم كأنه ناقض فقال "يقال "له ملكوت العراق وملكُوَته أي عزه وسلطانه " {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83]، أي سلطانه وعظمته. وقال الزجاج: أي تنزيه الله عن أن يوصف بغير القدرة. وملكوت كل شيء القدرة على كل شيء "اهـ. وفي

[بحر 7/ 333] وقرأ الجمهور (ملكوت) وطلحة والأعمش (مَلَكة) على وزن شجرة. ومعناه ضبط كل شيء والقدرة عليه. وقرئ (مملكة)، (مِلك) والمعنى أنه متصرف فيه على ما أراد وقضى اهـ. وهذا المعنى الأخير يتأتى لزوميًّا إن لم يكن أصليًّا.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


28-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نعم)

(نعم): {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} [آل عمران: 171]

النعامةُ: هذا الطائر معروف، وباطنُ القدم، والجِلْدَةُ التي تغطي الدماغ. والظُلّة. والتَنْعيمة: شجرة ناعمة الورق ورقها كورق السِلْق، ولا تنبت إلا على ماء، ولا ثمرَ لها، وهي خضراء غليظة الساق. وثوبٌ ناعم: لين. دَقَقْتُ الدواء فأنعمت دَقّه. نَعُم الشيء- ككرُم: صار ناعمًا لينًا.

° المعنى المحوري

رقة الشيء أو ليونته وخلوُّه من الغِلَظ والخشونة: كباطن القدم بالنسبة لغِلَظ ظاهره، والنعامة طائر يؤكل لحمه، وريشها في غاية النعومة رغم عِظَم بدنها وجَفاء ساقِها، وهي مضرب المثل في التحفة والجُبن

(أَشْرَدُ... أَجْبَنُ.. أَعْدَى.. أمْوَق من نعامة) وهذا كله ضَعْف يناسب الرقة. ويقال: "إنه لخفيف النعامة: ضعيف العقل "كأنما يقصدون الدماغ نفسه حيث إن النعامة هي الجلدة التي تغطيه، والدماغ نفسه طري) ونعامةُ الفَرَس: دماغُه، والظلُّ يقترن بالطراوة... ومن ذلك "النِعْمة -بالكسر، والنَعْماء والنَعيم، والنُعْمى- بالضم: الخَفْضُ والدَعَة وغضارة العيش، والمالُ (ليِنٌ ويُسْر). وعبارة أبي حيان "النِعمة لين العيش وخفضه "ويشغي أن يصرح بأن كل مادة لذلك تعد (نِعمة) من مال وولدٍ وجاه وعلم وصحة وفضيلة خاصة {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل: 19]، {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: 15]، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} [الغاشية: 8] (أي متنعمة) ({وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة: 65]. وبهذا المعنى كل (نَعَّم)، (أنعم). والنَعمة -بالفتح: التنعم والتَّرفُّه، وجمع النِعمة -بالكسر (نِعَم) و (أَنْعُم). و (نعيم) الله تعالى: عطيتُه الكثيرة الوافرة. {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيهِ} [الأحزاب: 37] أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه بالعتق والتبني، ثم بتقريبه حتى زوجه زينب بنت جحش الأسدية. نِعْم: فِعْلُ مدح للمخصوص به من حيثية جنس فاعله (والمدح من جنس الرقة طيب الأمر) {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24].

ومن هذا "امرأة ناعمة ومُنَعَّمَة -كمعظمة، ومُنَاعَمة: حَسَنةُ العيش والغِذاء مُتْرَفَة. والتَّنَعُّم: التَّرَفُه، ونَعَّمَ أولادهَ- ض: رَفَّهَهُم ". (والرَفاهة رقة بالغة).

والنَعَمُ -محركة: المال الراعي. والأنعام (جمعُه): الإبلُ والبقرُ والغنم -

من ذلك "لطراوة عيش صاحبها بها "هذا ما قالوه. وأقول إنه يضاف إلى ذلك حِلُّ لحومها وألبانها ومنافعُ أصوافها وأوبارها وجلودها وكل ذلك منافع طيبة مستحبة في مقابل حُرْمة لحوم البغال والحمير وكذا لحوم الخيل على المشهور {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] أي فجزاء من النعم مماثل لما قتل من الصيد، {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلا مَا يُتْلَى عَلَيكُمْ} [المائدة: 1].

ومن مادّي الأصل "النَعامة: الظُلّة (ظِلٌّ وطراوة)، والطريقُ (مَسْلك)، وخشبتان فوق البئر تُعَلَّق بهما البَكَرة (تيسر خروج الدلو). والنُعَامَى- كسُكارى: ريح الجنوب، لأنها أَبَلُّ الرياح وأرْطبها. والناعمة: الروضة ".

ومن إنعام الشيء بالدق جاء معنى الدقيق "أَنْعَم النظر في الشيء: أطال الفكرة فيه وتدبر، وأنعَمْتُ الشيءَ: بالغْت (في إحكام عمله)، أنعَمتْ الشمسُ: بالغتْ في الطلوع (تغلغلت في جوف الأفق). وأَنْعم أن يُحْسِن أو يُسِيء: زاد ". وفي الحديث الشريف "وإن أبا بكر وعمر منهم (أي من أهل عليين) وأَنْعَمَا " (دخلا في وسطهم وتغلغلا لا أنهما لحقا بهم بمشقة حتى كادا لا يلحقان).

ومن الأصل نَعَم -بالتحريك وككتف- في الجواب بالإيجاب، إذ هي تعبر عن تصديق ما تقدم: ماضيا أو مستقبلا مثبتا أو منفيا [مصباح] وهذه سهولة ويسر لأنها موافقة. وكل ذلك مما يناسب الليونة والرقة والطراوة في الأصل.

{فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44].

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


29-المعجم الاشتقاقي المؤصل (هلل هلهل)

(هلل - هلهل): {حُرِّمَتْ عَلَيكُمُ الْمَيتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3].

الهلال: غُرَّة القمر، والجملُ المَهْزول من ضِرابِ أو سَير، والغُبار، وما بَقِيَ في الحوض من الماء الصافي، والحيةُ إذا سُلِخت. وقد عبر بعض اللغويين هنا بأن الهلال سِلْخُ الحية بكسر السين وهو القميص الذي يتربى حول بدَنِها ثم

تَنْصوُه آنا بعد آن. وهذا هو المعنى الصحيح عندي.

° المعنى المحوري

ذَهابُ وَسَط الشيء ومعظم أثنائه مع بَقاء سائره شاغلًا مكانه (1) كهلال السماء تَبقى بَعضُ حافته ولا يظهر وسطه، والجملُ المهزولُ ذاب شحمه وأثناؤه وبقى هيكلُه، والغبارُ يشغل حيزًا عظيمًا وأثناؤه فارغة. وكماء الحوض ذهب معظمه وبقي ما يشغل الحوض، وكسِلْخ الحية. ومنه "هَلّ المطرُ والسحابُ بالمطر - وهو شدة انصبابه " (أكثره وعُظْمه يسقط).

* و (هل) الاستفهامية تعبير عن فراغ من العلم عن مدخولها. ويلزم من إعلان ذلك طلب العلم عنه.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


30-المعجم العربي لأسماء الملابس (الحشية)

الحَشِيَّة: بفتح الحاء وكسر الشين؛ مِرْفَقَة أو مِصْدَغة أو نحوها تعظِّم بها المرأة بَدَنَها أو عجيزتها؛ لِتُظَنَّ مُبَدَّنة أو عجزاء؛ وهو من ذلك؛ وأنشد ثعلب:

«إذا ما الزُّلُّ ضاعفْنَ الحشايا *** كفاها أن يُلاث بها الإزارُ»

قال الأزهرى: الحشيَّة: رفاعة المرأة، وهو ما تضعه على عجيزتها تعظِّمها به.

ويشير دوزى إلى أن الحشية هى العِظَامة؛ وكذلك: ما تضعه المرأة على ثديها لتظهره أضخم.

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


31-موسوعة الفقه الكويتية (أنوثة 2)

أُنُوثَةٌ -2

هـ- حَقُّ الْعَمَلِ:

14- الْأَصْلُ أَنَّ وَظِيفَةَ الْمَرْأَةِ الْأُولَى هِيَ إِدَارَةُ بَيْتِهَا وَرِعَايَةُ أُسْرَتِهَا وَتَرْبِيَةُ أَبْنَائِهَا وَحُسْنُ تَبَعُّلِهَا، يَقُولُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا».وَهِيَ غَيْرُ مُطَالَبَةٍ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا، فَنَفَقَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَى أَبِيهَا أَوْ زَوْجِهَا؛ لِذَلِكَ كَانَ مَجَالُ عَمَلِهَا هُوَ الْبَيْتُ، وَعَمَلُهَا فِي الْبَيْتِ يُسَاوِي عَمَلَ الْمُجَاهِدِينَ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ مِنَ الْعَمَلِ فَلَهَا أَنْ تَبِيعَ وَتَشْتَرِيَ، وَأَنْ تُوَكِّلَ غَيْرَهَا، وَيُوَكِّلَهَا غَيْرُهَا، وَأَنْ تُتَاجِرَ بِمَالِهَا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ مَا دَامَتْ مُرَاعِيَةً أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَآدَابَهُ، وَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهَا كَشْفُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، قَالَ الْفُقَهَاءُ: لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى إِبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِلَى إِبْرَازِ الْكَفِّ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ.

وَفِي الِاخْتِيَارِ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إِلاَّ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ...لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهَا عِنْدَ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَجَانِبِ؛ لِإِقَامَةِ مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِأَسْبَابِ مَعَاشِهَا.

وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى جَوَازِ عَمَلِ الْمَرْأَةِ كَثِيرَةٌ، وَالَّذِي يُمْكِنُ اسْتِخْلَاصُهُ مِنْهَا، أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْحَقَّ فِي الْعَمَلِ بِشَرْطِ إِذْنِ الزَّوْجِ لِلْخُرُوجِ، إِنِ اسْتَدْعَى عَمَلُهَا الْخُرُوجَ وَكَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْإِذْنِ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا.

جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: إِذَا أَعْسَر الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ وَتَحَقَّقَ الْإِعْسَارُ فَالْأَظْهَرُ إِمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ، وَلِلزَّوْجَةِ- وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً- الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ نَهَارًا لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ بِنَحْوِ كَسْبٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي مُقَابِلِ النَّفَقَةِ.

وَفِي مُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ: إِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ خُيِّرَتِ الزَّوْجَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ مَعَ مَنْعِ نَفْسِهَا، فَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَمَكَّنَتْهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَلَا يَمْنَعُهَا تَكَسُّبًا، وَلَا يَحْبِسُهَا مَعَ عُسْرَتِهِ إِذَا لَمْ تَفْسَخْ لِأَنَّهُ إِضْرَارٌ بِهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إِذَا كَفَاهَا الْمَئُونَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْعَمَلُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ.جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَابِلَةً، أَوْ كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى آخَرَ، أَوْ لآِخَرَ عَلَيْهَا حَقٌّ تَخْرُجُ بِالْإِذْنِ وَبِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ سَعْدِي جَلَبِي عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ.إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ مَا فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَفِي الْبَحْرِ عَنِ الْخَانِيَّةِ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ.

هَذَا، وَإِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ فَلَهَا أَنْ تُتَاجِرَ بِهِ مَعَ غَيْرِهَا، كَأَنْ تُشَارِكَهُ أَوْ تَدْفَعَهُ مُضَارَبَةً دُونَ إِذْنٍ مِنْ أَحَدٍ.جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الْإِكْلِيلِ: قِرَاضُ الزَّوْجَةِ أَيْ دَفْعُهَا مَالًا لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ، فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهَا فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مِنَ التِّجَارَةِ.

15- ثُمَّ إِنَّهَا لَوْ عَمِلَتْ مَعَ الزَّوْجِ كَانَ كَسْبُهَا لَهَا.جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ: أَفْتَى الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي زَوْجَيْنِ سَعَيَا وَحَصَّلَا أَمْوَالًا أَنَّهَا لَهُ؛ لِأَنَّهَا مُعِينَةٌ لَهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ لَهَا كَسْبٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَهَا ذَلِكَ.وَفِي الْفَتَاوَى: امْرَأَةٌ مُعَلَّمَةٌ، يُعِينُهَا الزَّوْجُ أَحْيَانًا فَالْحَاصِلُ لَهَا، وَفِي الْتِقَاطِ السُّنْبُلَةِ إِذَا الْتَقَطَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا.

كَمَا أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَجِّهَ ابْنَتَهُ لِلْعَمَلِ: جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: لِلْأَبِ أَنْ يَدْفَعَ ابْنَتَهُ لِامْرَأَةٍ تُعَلِّمُهَا حِرْفَةً كَتَطْرِيزٍ وَخِيَاطَةٍ.

وَإِذَا عَمِلَتِ الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُدُودٍ لَا تَتَنَافَى مَعَ مَا يَجِبُ مِنْ صِيَانَةِ الْعِرْضِ وَالْعَفَافِ وَالشَّرَفِ.وَيُمْكِنُ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِمَا يَأْتِي:

(1) أَلاَّ يَكُونَ الْعَمَلُ مَعْصِيَةً كَالْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ، وَأَلاَّ يَكُونَ مَعِيبًا مُزْرِيًا تُعَيَّرُ بِهِ أُسْرَتُهَا.جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: إِذَا آجَرَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِمَا يُعَابُ بِهِ كَانَ لِأَهْلِهَا أَنْ يُخْرِجُوهَا مِنْ تِلْكَ الْإِجَارَةِ، وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ: تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلْ بِثَدْيَيْهَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ- رحمه الله- (فِي امْرَأَةٍ نَائِحَةٍ أَوْ صَاحِبِ طَبْلٍ أَوْ مِزْمَارٍ اكْتَسَبَ مَالًا فَهُوَ مَعْصِيَةٌ.

(2) أَلاَّ يَكُونَ عَمَلُهَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ خَلْوَةٌ بِأَجْنَبِيٍّ.جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ: كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِخْدَامَ الْمَرْأَةِ وَالِاخْتِلَاءَ بِهَا؛ لِمَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، أَمَّا الْخَلْوَةُ؛ فَلِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مَعْصِيَةٌ، وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَالْوُقُوعُ فِي الْمَعْصِيَةِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ.

(3) أَلاَّ تَخْرُجَ لِعَمَلِهَا مُتَبَرِّجَةً مُتَزَيِّنَةً بِمَا يُثِيرُ الْفِتْنَةَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إِلَى مَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وَفِي الْحَدِيثِ: «الرَّافِلَةُ فِي الزِّينَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا كَمَثَلِ ظُلْمَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا نُورَ لَهَا».

ثَالِثًا: الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْأُنْثَى:

لِلْأُنْثَى أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ مُتَنَوِّعَةٌ فَمِنْهَا مَا يَخْتَصُّ بِالْعَوْرَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا، وَمِنْهَا الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِزَوْجٍ، وَمِنْهَا الْأَحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِالْعِبَادَاتِ أَوِ الْوِلَايَاتِ أَوِ الْجِنَايَاتِ..وَهَكَذَا.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

بَوْلُ الْأُنْثَى الرَّضِيعَةِ الَّتِي لَمْ تَأْكُلِ الطَّعَامَ:

16- يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي إِزَالَةِ نَجَاسَةِ بَوْلِ الْأُنْثَى الرَّضِيعَةِ الَّتِي لَمْ تَأْكُلِ الطَّعَامَ عَنْ بَوْلِ الذَّكَرِ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.فَيُجْزِئُ عِنْدَهُمْ فِي التَّطْهِيرِ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ نَضْحُهُ بِالْمَاءِ (أَيْ أَنْ يَرُشَّهُ بِالْمَاءِ) وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي إِزَالَةِ بَوْلِ الْأُنْثَى، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «أُمِّ قَيْسِ بْنِ مُحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ».مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ».

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا فَيُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ بَوْلُ كُلٍّ مِنَ الصَّبِيِّ أَوِ الصَّيِّبَةِ لِنَجَاسَتِهِ؛ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ».

الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَّصِلُ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ مِنْ حَيْضٍ وَحَمْلٍ:

17- مِنَ الْفِطْرَةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِنْسَانَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ يَمِيلُ إِلَى الْآخَرِ، وَجَعَلَ الِاتِّصَالَ الشَّرْعِيَّ بَيْنَهُمَا وَسِيلَةً لِامْتِدَادِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ بِالتَّنَاسُلِ وَالتَّوَالُدِ.

وَاخْتَصَّ الْأُنْثَى مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَحِيضُ وَتَحْمِلُ وَتَلِدُ وَتُرْضِعُ.

وَهَذِهِ الْأُمُورُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ نُوجِزُهَا فِيمَا يَلِي:

(1) يُعْتَبَرُ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ مِنْ عَلَامَاتِ بُلُوغِ الْأُنْثَى.

(2) التَّخْفِيفُ عَنْهَا فِي الْعِبَادَةِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، فَتَسْقُطُ عَنْهَا الصَّلَاةُ أَثْنَاءَ الْحَيْضِ دُونَ قَضَاءٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِفْطَارُ مَعَ الْقَضَاءِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ، وَجَوَازُ الْإِفْطَارِ أَثْنَاءَ الْحَمْلِ أَوِ الرَّضَاعَةِ، إِنْ كَانَ الصِّيَامُ يَضُرُّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا.

(3) وَالِاعْتِبَارُ بِالْحَيْضِ وَبِالْحَمْلِ فِي احْتِسَابِ الْعِدَّةِ.

(4) وَالِامْتِنَاعُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَعَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَعَنْ تَمْكِينِ زَوْجِهَا مِنْهَا أَثْنَاءَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.

(5) وَوُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ.

وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (حَيْضٍ، حَمْلٍ، نِفَاسٍ، رَضَاعٍ). لَبَنُ الْأُنْثَى:

18- لَا يَخْتَلِفُ لَبَنُ الْأُنْثَى بِالنِّسْبَةِ لِطَهَارَتِهِ عَنْ لَبَنِ الذَّكَرِ- لَوْ كَانَ لَهُ لَبَنٌ- فَلَبَنُ الْأُنْثَى طَاهِرٌ بِاتِّفَاقٍ.وَلَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ عَنْهُ فِي أَنَّ لَبَنَ الْأُنْثَى يَتَعَلَّقُ بِهِ مَحْرَمِيَّةُ الرَّضَاعِ.

أَمَّا الرَّجُلُ فَلَوْ كَانَ لَهُ لَبَنٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ (الرَّضَاعُ، وَالنِّكَاحُ).

خِصَالُ الْفِطْرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُنْثَى:

19- تَخْتَصُّ الْمَرْأَةُ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ بِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهَا إِزَالَةُ لِحْيَتِهَا لَوْ نَبَتَتْ.وَالسُّنَّةُ فِي عَانَتِهَا النَّتْفُ.وَلَا يَجِبُ خِتَانُهَا فِي وَجْهٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ.وَتُمْنَعُ مِنْ حَلْقِ رَأْسِهَا.

عَوْرَةُ الْأُنْثَى:

20- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ بَدَنَ الْأُنْثَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ كُلَّهُ عَوْرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَجْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَفَّيْنِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى هُمَا عَوْرَةٌ.

وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ، فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُمَا عَوْرَةٌ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ، وَاعْتَمَدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ.

وَأَمَّا الْقَدَمَانِ فَهُمَا عَوْرَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ غَيْرَ الْمُزَنِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ، وَهُوَ رَأْيُ الْمُزَنِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٍ).

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بَدَنَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» وَقَوْلُهُ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ» وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ الْبَالِغَةُ.

انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ الْأُنْثَى:

21- يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ الرَّجُلِ لِلْأُنْثَى الْمُشْتَهَاةِ.

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُنْتَقَضُ بِاللَّمْسِ؛ لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَمَسْرُوقٍ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ إِنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا حِينَ اللَّمْسِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ- رحمه الله-، وَهُوَ أَنَّ لَمْسَ النِّسَاءِ لِشَهْوَةٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ إِنْ كَانَ اللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ.وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَالشَّعْبِيِّ.

وَالْقُبْلَةُ بِالْفَمِ تَنْقُضُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، أَيْ دُونَ تَقْيِيدٍ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجْدَانِهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ فَلَا تَنْقُضُ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِعُمُومِ قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}.

وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْأُنْثَى الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِيهِ الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ.وَلَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ كَذَلِكَ بِلَمْسِ الْمَحْرَمِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ عَلَى الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.يُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (وُضُوءٍ).

حُكْمُ دُخُولِ الْمَرْأَةِ الْحَمَّامَاتِ الْعَامَّةِ.

22- يَنْبَنِي حُكْمُ دُخُولِ النِّسَاءِ الْحَمَّامَاتِ الْعَامَّةِ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَسِتْرِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَوْرَةُ مَسْتُورَةً، وَلَا تَرَى وَاحِدَةٌ عَوْرَةَ الْأُخْرَى فَالدُّخُولُ جَائِزٌ، وَإِلاَّ كَانَ الدُّخُولُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا، كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ.وَلَمْ يَسْتَحْسِنْهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيلَ: يُكْرَهُ.وَقِيلَ: يَحْرُمُ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الْحَنَابِلَةُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا حَمَّامَاتٍ، فَامْنَعُوا نِسَاءَكُمْ إِلاَّ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ».وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دُخُولُ الْحَمَّامِ لِعُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ.

الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَظَاهِرِ الْأُنُوثَةِ:

23- يَعْتَنِي الْإِسْلَامُ بِجَعْلِ الْأُنْثَى تُحَافِظُ عَلَى مَظَاهِرِ أُنُوثَتِهَا، فَحَرَّمَ عَلَيْهَا التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ فِي أَيِّ مَظْهَرٍ مِنْ لِبَاسٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ أَيِّ تَصَرُّفٍ.وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ.وَفِي الطَّبَرَانِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا، فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ».

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ: تَرَجُّلَ الْمَرْأَةِ وَتَخَنُّثَ الرَّجُلِ.

وَقَدْ أَبَاحَ لَهَا الْإِسْلَامُ أَنْ تَتَّخِذَ مِنْ وَسَائِلِ الزِّينَةِ مَا يَكْفُلُ لَهَا الْمُحَافَظَةَ عَلَى أُنُوثَتِهَا، فَيَحِلُّ ثَقْبُ أُذُنِهَا لِتَعْلِيقِ الْقُرْطِ فِيهِ.يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: لَا بَأْسَ بِثَقْبِ آذَانِ النِّسْوَانِ، وَلَا بَأْسَ بِثَقْبِ آذَانِ الْأَطْفَالِ مِنَ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْأُنْثَى مُحْتَاجَةٌ لِلْحِلْيَةِ فَثَقْبُ الْأُذُنِ مَصْلَحَةٌ فِي حَقِّهَا.

وَيُبَاحُ لَهَا التَّزَيُّنُ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ دُونَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «حَرَامٌ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، وَأُحِلّ لِإِنَاثِهِمْ» قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: أُبِيحَ التَّحَلِّي فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِحَاجَتِهَا إِلَى التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ وَالتَّجَمُّلِ عِنْدَهُ.كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْضِبَ يَدَيْهَا، وَأَنْ تُعَلِّقَ الْخَرَزَ فِي شَعْرِهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ ضُرُوبِ الزِّينَةِ.

وُجُوبُ التَّسَتُّرِ وَعَدَمُ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ:

24- إِذَا خَرَجَتِ الْمَرْأَةُ لِحَاجَتِهَا لَا تَخْرُجُ إِلاَّ مُتَسَتِّرَةً.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ، وَعَدَمِ تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إِلَى مَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}.

قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ تَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الرِّجَالِ، فَذَلِكَ تَبَرُّجُ الْجَاهِلِيَّةِ.وَقَالَ قَتَادَةَ: كَانَتْ لَهُنَّ مِشْيَةُ تَكَسُّرٍ وَتَغَنُّجٍ، فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثِّيَابُ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا أَمَامَ النَّاسِ مِمَّا يَظْهَرُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِهَا الْوَاجِبِ سِتْرُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ يَشِفُّ عَمَّا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَبَانَ جَسَدُهَا كَانَتْ كَاسِيَةً عَارِيَّةً حَقِيقَةً.وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ».

وَفِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي: لَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ مِنَ الرَّقِيقِ مَا يَصِفُهُنَّ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ، وَالْخُرُوجُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ مَا يُرَى مِنْهُ جَسَدُهَا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ.

وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْتِيَ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُلْفِتُ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الِافْتِتَانُ بِهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَتْ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَفِي رِجْلِهَا خَلْخَالٌ صَامِتٌ لَا يُعْلَمُ صَوْتُهُ، ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا الْأَرْضَ فَيَسْمَعُ الرِّجَالُ طَنِينَهُ، فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنَاتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ زِينَتِهَا مَسْتُورًا، فَتَحَرَّكَتْ بِحَرَكَةٍ لِتُظْهِرَ مَا هُوَ خَفِيٌّ دَخَلَ فِي هَذَا النَّهْيِ لقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ}.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تُنْهَى عَنِ التَّعَطُّرِ وَالتَّطَيُّبِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا فَيَشُمُّ الرِّجَالُ طِيبَهَا، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا» يَعْنِي زَانِيَةً.

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُنَّ يُنْهَيْنَ عَنِ الْمَشْيِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ؛ لِمَا رَوَى حَمْزَةُ بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَقَدِ اخْتَلَطَ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِلنِّسَاءِ: اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ».

وَلَا تَجُوزُ خَلْوَةُ الْمَرْأَةِ بِالْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ فِي عَمَلٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَلْوَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ فِي مَكَانٍ يَأْمَنَانِ فِيهِ مِنْ دُخُولِ ثَالِثٍ. (ر: خَلْوَةٌ).

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ امْرَأَةً حُرَّةً يَسْتَخْدِمُهَا وَيَخْلُو بِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعْصِيَةٌ.وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا».وَيُمْنَعُ الِاخْتِلَاطُ الْمُرِيبُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (اخْتِلَاطٌ).

الْأَحْكَامُ الَّتِي تَخُصُّ النِّسَاءَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ:

25- الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ.

إِلاَّ أَنَّهُ نَظَرًا لِكَوْنِهَا مَأْمُورَةً بِالتَّسَتُّرِ وَعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ الْمُرِيبِ بِالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ فِي عِبَادَاتِهَا.وَمِنْ ذَلِكَ:

(1) الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ: فَالْأَصْلُ أَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ وَلَا تُقِيمُ (ر: أَذَانٌ.إِقَامَةٌ).

(2) وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ، بَلْ يُكْرَهُ لَهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ أَنْ تَؤُمَّ النِّسَاءَ. (ر: إِمَامَةٌ).

(3) وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِإِمَامَةِ إِحْدَاهُنَّ، فَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَهُنَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِنَدْبِهَا لَهُنَّ، وَلَوْ لَمْ يَؤُمَّهُنَّ رِجَالٌ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي (صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ).

(4) وَمِنْهَا حُضُورُ الْمَرْأَةِ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَصَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ: فَيَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ حُضُورُ الْمَرْأَةِ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا حُضُورُهَا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ.وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ (صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ.صَلَاةَ الْجُمُعَةِ.صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ).

هـ- هَيْئَتُهَا فِي الصَّلَاةِ:

26- الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الْعِبَادَاتِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْهَيْئَاتِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي:

يُسْتَحَبُّ أَنْ تَجْمَعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ، فَتَضُمَّ مِرْفَقَيْهَا إِلَى الْجَنْبَيْنِ وَلَا تُجَافِيهِمَا، وَتَنْحَنِيَ قَلِيلًا فِي رُكُوعِهَا، وَلَا تَعْتَمِدَ، وَلَا تُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهَا، بَلْ تَضُمُّهَا، وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا، وَتَحْنِي رُكْبَتَهَا، وَتُلْصِقُ مِرْفَقَيْهَا بِرُكْبَتَيْهَا.

وَفِي سُجُودِهَا تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهَا، وَتَنْضَمُّ وَتَلْزَقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتُرُ لَهَا، فَلَا يُسَنُّ لَهَا التَّجَافِي كَالرِّجَالِ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ، فَقَالَ: إِذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إِلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ».

وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ فَالْأَلْيَقُ بِهَا الِانْضِمَامُ.كَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيَهُ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً، لِئَلاَّ تَصِفَهَا ثِيَابُهَا، وَأَنْ تَخْفِضَ صَوْتَهَا، وَتَجْلِسَ مُتَرَبِّعَةً؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ تَسْدُلَ رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ التَّرَبُّعِ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ فِعْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- وَأَشْبَهُ بِجِلْسَةِ الرَّجُلِ، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ.

كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ عَقِبَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الرِّجَالِ، حَتَّى لَا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ.

فَقَدْ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ.قَالَتْ: نَرَى- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ».

و- الْحَجُّ:

27- مَا يَتَّصِلُ بِفَرْضِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: بِالنِّسْبَةِ لِلْوُجُوبِ.وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي:

مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ- بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَغَيْرِهِمَا- مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ: أَنْ يَكُونَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ؛ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ دُونَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ.فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ؛ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا زَوْجٌ وَلَا مَحْرَمٌ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، إِذِ النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ، إِلاَّ مَا ذُبَّ عَنْهُ.وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (حَجٌّ).

وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ، أَمَّا النَّفَلُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لَهُ دُونَ الزَّوْجِ أَوِ الْمَحْرَمِ.

الثَّانِي: بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَعْمَالِ فَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، إِلاَّ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمِنْ ذَلِكَ:

- أَنَّهَا تَلْبَسُ الْمَخِيطَ كَالْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ وَمَا هُوَ أَسْتَرُ لَهَا؛ لِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ، وَلَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ.وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ (ر: إِحْرَامٌ).

- وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ رَمَلٌ فِي طَوَافِهَا، وَلَا إِسْرَاعٌ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ فِي السَّعْيِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا اضْطِبَاعٌ أَيْضًا.

وَالْمَشْرُوعُ لِلْمَرْأَةِ التَّقْصِيرُ دُونَ الْحَلْقِ. (ر: حَجٌّ).

- وَلَا تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا. (ر: حَجٌّ.تَلْبِيَةٌ).

ز- الْخُرُوجُ مِنَ الْمَنْزِلِ:

28- إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُتَزَوِّجَةً فَإِنَّهَا تَرْتَبِطُ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الْمَنْزِلِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا.وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ امْرَأَةً أَتَتْ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ؟ قَالَ: حَقُّهُ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَهَا اللَّهُ وَمَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْغَضَبِ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَرْجِعَ»؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ وَاجِبٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ.

وَخُرُوجُ الزَّوْجَةِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا يَجْعَلُهَا نَاشِزًا، وَيُسْقِطُ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ زِيَارَةِ أَبَوَيْهَا وَعِيَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الزِّيَارَةِ نَوْعٌ مِنَ الْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ.

كَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَحُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَدُرُوسِ الْوَعْظِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا». لَكِنْ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا أَمِنَ عَلَيْهَا، وَكَانَ لَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ مِنْ خُرُوجِهَا، فَإِنْ كَانَ يَخْشَى الْفِتْنَةَ فَلَهُ مَنْعُهَا.وَكَرِهَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ خُرُوجَهَا وَلَوْ عَجُوزًا لِفَسَادِ الزَّمَانِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

ح- التَّطَوُّعُ بِالْعِبَادَاتِ:

29- الزَّوْجَةُ مُرْتَبِطَةٌ كَذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فِي التَّطَوُّعِ بِالْعِبَادَاتِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا إِذَا كَانَ زَوْجُهَا حَاضِرًا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِصَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوِ اعْتِكَافٍ بِدُونِ إِذْنِهِ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَشْغَلُهَا عَنْ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِنَفْلٍ؛ وَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ أَوِ الْحَجِّ أَوِ الِاعْتِكَافِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ أَيْ حَاضِرٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ».رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَإِنْ تَطَوَّعَتْ بِصَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوِ اعْتِكَافٍ دُونَ إِذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَهَا فِي الصَّوْمِ، وَيُحَلِّلَهَا مِنَ الْحَجِّ، وَيُخْرِجَهَا مِنَ الِاعْتِكَافِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَكَانَ لِرَبِّ الْحَقِّ الْمَنْعُ.

وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ الصَّوْمَ الرَّاتِبَ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ، فَلَا يَمْنَعْهَا مِنْهُ لِتَأَكُّدِهِ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لِقِصَرِ زَمَنِهِ.

وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ لَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِصَوْمٍ أَوِ اعْتِكَافٍ أَوْ حَجٍّ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الصَّوْمِ أَوِ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ كَانَتْ شُرِعَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ (فِي الِاعْتِكَافِ، ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ فِيهِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ فَأَذِنَ لَهَا، وَسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أَمَرَتْ بِبِنَاءٍ فَبُنِيَ لَهَا.قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَى بِنَائِهِ، فَأَبْصَرَ الْأَبْنِيَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: بِنَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ.فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: آلْبِرَّ أَرَدْنَ بِهَذَا؟ مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ».

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهَا فَقَدْ مَلَّكَهَا مَنَافِعَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ ذَلِكَ.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مَا لَمْ تَشْرَعْ فِي الْعِبَادَةِ، فَإِنْ شَرَعَتْ فَلَا يَمْنَعْهَا.

وَمَا أَوْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِنَذْرٍ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.

وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ.

وَإِنْ كَانَ فِي زَمَانٍ مُبْهَمٍ، فَلَهُ الْمَنْعُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


32-موسوعة الفقه الكويتية (تبرج)

تَبَرُّجٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّبَرُّجُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَبَرَّجَ، يُقَالُ: تَبَرَّجَتِ الْمَرْأَةُ: إِذَا أَبْرَزَتْ مَحَاسِنَهَا لِلرِّجَالِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ يَكْرَهُ عَشْرَ خِلَالٍ، مِنْهَا: التَّبَرُّجُ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّهَا» وَالتَّبَرُّجُ: إِظْهَارُ الزِّينَةِ لِلرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَهُوَ الْمَذْمُومُ.أَمَّا لِلزَّوْجِ فَلَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: لِغَيْرِ مَحَلِّهَا.وَهُوَ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أَيْ غَيْرَ مُظْهِرَاتٍ وَلَا مُتَعَرِّضَاتٍ بِالزِّينَةِ لِيُنْظَرَ إِلَيْهِنَّ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْعَدِهَا عَنِ الْحَقِّ.وَأَصْلُ التَّبَرُّجِ: التَّكَشُّفُ وَالظُّهُورُ لِلْعُيُونِ.

وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} حَقِيقَةُ التَّبَرُّجِ: إِظْهَارُ مَا سَتْرُهُ أَحْسَنُ.

قِيلَ: مَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ- عليهما السلام-: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الدِّرْعَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ غَيْرَ مَخِيطِ الْجَانِبَيْنِ، وَتَلْبَسُ الثِّيَابَ الرِّقَاقَ، وَلَا تُوَارِي بَدَنَهَا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّزَيُّنُ:

2- التَّزَيُّنُ: اتِّخَاذُ الزِّينَةِ، وَهِيَ مَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِجْلَابًا لِحُسْنِ الْمَنْظَرِ مِنَ الْحُلِيِّ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} أَيْ حَسُنَتْ وَبَهَجَتْ بِالنَّبَاتِ.فَأَمَّا التَّبَرُّجُ: فَهُوَ إِظْهَارُ تِلْكَ الزِّينَةِ لِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا.

مَا يُعْتَبَرُ إِظْهَارُهُ تَبَرُّجًا:

3- التَّبَرُّجُ: إِظْهَارُ الزِّينَةِ وَالْمَحَاسِنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِيمَا يُعْتَبَرُ عَوْرَةً مِنَ الْبَدَنِ: كَعُنُقِ الْمَرْأَةِ وَصَدْرِهَا وَشَعْرِهَا، وَمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الزِّينَةِ.أَوْ كَانَ فِيمَا لَا يُعْتَبَرُ عَوْرَةً: كَالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، إِلاَّ مَا وَرَدَ الْإِذْنُ بِهِ شَرْعًا كَالْكُحْلِ، وَالْخَاتَمِ، وَالسِّوَارِ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالَ: مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الْكُحْلُ، وَالْخَاتَمُ، وَالسِّوَارُ.وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى كَشْفِ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ، عَلَى أَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ الْعَوْرَةِ خِلَافًا يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّبَرُّجِ:

تَبَرُّجُ الْمَرْأَةِ:

4- تَبَرُّجُ الْمَرْأَةِ عَلَى أَشْكَالِهِ الْمُخْتَلِفَةِ، سَوَاءٌ مَا كَانَ مِنْهُ بِإِظْهَارِ الزِّينَةِ وَالْمَحَاسِنِ لِغَيْرِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نَظَرُ ذَلِكَ، أَوْ مَا كَانَ بِالتَّبَخْتُرِ وَالِاخْتِيَالِ، وَالتَّثَنِّي فِي الْمَشْيِ، وَلُبْسِ الرَّقِيقِ مِنَ الثِّيَابِ الَّذِي يَصِفُ بَشَرَتَهَا، وَيُبَيِّنُ مَقَاطِعَ جِسْمِهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ- مِمَّا يَبْدُو مِنْهَا مُثِيرًا لِلْغَرَائِزِ وَمُحَرِّكًا لِلشَّهْوَةِ- حَرَامٌ إِجْمَاعًا لِغَيْرِ الزَّوْجِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}

وَقَوْلِهِ {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} وَذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى كُنَّ يَخْرُجْنَ فِي أَجْوَدِ زِينَتِهِنَّ وَيَمْشِينَ مِشْيَةً مِنَ الدَّلاَّلِ وَالتَّبَخْتُرِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِتْنَةً لِمَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ.حَتَّى الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ، وَهُنَّ الْعَجَائِزُ وَنَحْوُهُنَّ مِمَّنْ لَا رَغْبَةَ لِلرِّجَالِ فِيهِنَّ، نَزَلَ فِيهِنَّ: قوله تعالى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} فَأَبَاحَ لَهُنَّ وَضْعَ الْخِمَارِ، وَكَشْفَ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ، وَنَهَاهُنَّ مَعَ ذَلِكَ عَنِ التَّبَرُّجِ.

تَبَرُّجُ الرَّجُلِ:

تَبَرُّجُ الرَّجُلِ إِمَّا بِإِظْهَارِ عَوْرَتِهِ أَوْ تَزَيُّنِهِ، وَالتَّزَيُّنُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلشَّرِيعَةِ، أَوْ مُخَالِفًا لَهَا.

أ- التَّبَرُّجُ بِإِظْهَارِ الْعَوْرَةِ:

5- يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ كَشْفُ عَوْرَتِهِ أَمَامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ غَيْرِ زَوْجَتِهِ، أَوْ لِحَاجَةِ التَّدَاوِي وَالْخِتَانِ، عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ الْعَوْرَةِ.يُنْظَرُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ).

وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَيْهِ مِنَ الرَّجُلِ إِذَا أَمِنَتِ الشَّهْوَةَ؛ لِاسْتِوَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى التَّحْرِيمِ.

كَمَا يُكْرَهُ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى فَرْجِهِ عَبَثًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.

ب- التَّبَرُّجُ بِإِظْهَارِ الزِّينَةِ:

6- إِظْهَارُ الزِّينَةِ مِنَ الرَّجُلِ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا- لِلشَّرِيعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهَا.فَالتَّزَيُّنُ الْمُخَالِفُ لِلشَّرِيعَةِ، كَالْأَخْذِ مِنْ أَطْرَافِ الْحَاجِبِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وَكَوَضْعِ الْمَسَاحِيقِ عَلَى الْوَجْهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وَكَالتَّزَيُّنِ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالتَّخَتُّمِ بِهِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَهُنَاكَ صُوَرٌ مِنَ التَّزَيُّنِ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِهَا.تُنْظَرُ فِي (اخْتِضَابٌ) وَفِي (لِحْيَةٌ وَتَزَيُّنٌ).

وَأَمَّا التَّزَيُّنُ الَّذِي أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْهُ تَزَيُّنٌ حَضَّتْ عَلَيْهِ: كَتَزَيُّنِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ كَتَزَيُّنِهَا لَهُ، وَتَسْرِيحِ الشَّعْرِ أَوْ حَلْقِهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْقَزَعُ، وَيُسَنُّ تَغْيِيرُ الشَّيْبِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ.

وَيَجُوزُ التَّزَيُّنُ بِالتَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنَ الْفِضَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْخَاتَمِ وَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَخَتُّمٌ).

تَبَرُّجُ الذِّمِّيَّةِ:

7- الذِّمِّيَّةُ الْحُرَّةُ عَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةِ، حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقِ الْفُقَهَاءُ فِي إِطْلَاقِهِمْ لِلْحُرَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِهَا، كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ عَوْرَةِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الذِّمِّيِّ رَجُلًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ سَتْرُ عَوْرَتِهَا وَالِامْتِنَاعُ عَنِ التَّبَرُّجِ الْمُثِيرِ لِلْفِتْنَةِ؛ دَرْءًا لِلْفَسَادِ وَمُحَافَظَةً عَلَى الْآدَابِ الْعَامَّةِ.

مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ مَنْعُ التَّبَرُّجِ؟

8- عَلَى الْأَبِ أَنْ يَمْنَعَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ عَنِ التَّبَرُّجِ إِذَا كَانَتْ تُشْتَهَى، حَيْثُ لَا يُبَاحُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِبِنْتِهِ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ مَتَى كَانَتْ فِي وِلَايَتِهِ، إِذْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِجَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ، وَيَنْهَاهَا عَنْ جَمِيعِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَمِثْلُ الْأَبِ فِي ذَلِكَ وَلِيُّهَا عِنْدَ عَدَمِهِ.

وَعَلَى الزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، فَلَهُ تَأْدِيبُهَا وَضَرْبُهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا، إِذَا لَمْ تَسْتَجِبْ لِنُصْحِهِ وَوَعْظِهِ، مَتَى كَانَ مُتَمَشِّيًا مَعَ الْمَنْهَجِ الشَّرْعِيِّ.وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْهَى عَنِ التَّبَرُّجِ الْمُحَرَّمِ، وَلَهُ أَنْ يُعَاقِبَ عَلَيْهِ، وَعُقُوبَتُهُ التَّعْزِيرُ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّأْدِيبُ، وَيَكُونُ بِالضَّرْبِ أَوْ بِالْحَبْسِ أَوْ بِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ، أَوْ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ، بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِ مَنْ يَقُومُ بِهِ وَفْقَ مُقْتَضَيَاتِ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُطْلَبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَعْزِيرٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


33-موسوعة الفقه الكويتية (تصوير 3)

تَصْوِيرٌ -3

47- وَالْحُجَّةُ لِذَلِكَ مَا مَرَّ «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ فَلْيَقْطَعْ حَتَّى يَكُونَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ فِي الْبَيْتِ سِتْرًا، وَفِي الْحَائِطِ تَمَاثِيلَ، فَاقْطَعُوا رُءُوسَهَا فَاجْعَلُوهَا بِسَاطًا أَوْ وَسَائِدَ فَأَوْطِئُوهُ، فَإِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ»

وَلَا يَكْفِي أَنْ تَكُونَ قَدْ أُزِيلَ مِنْهَا الْعَيْنَانِ أَوِ الْحَاجِبَانِ أَوِ الْأَيْدِي أَوِ الْأَرْجُلُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعُضْوُ الزَّائِلُ مِمَّا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ، كَقَطْعِ الرَّأْسِ أَوْ مَحْوِ الْوَجْهِ، أَوْ خَرْقِ الصَّدْرِ أَوِ الْبَطْنِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْقَطْعُ بِخَيْطٍ خُيِّطَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ، أَوْ بِطَلْيِهِ بِمُغْرَةٍ، أَوْ بِنَحْتِهِ، أَوْ بِغَسْلِهِ.وَأَمَّا قَطْعُ الرَّأْسِ عَنِ الْجَسَدِ بِخَيْطٍ مَعَ بَقَاءِ الرَّأْسِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ مِنَ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ.

وَقَالَ صَاحِبُ شَرْحِ الْإِقْنَاعِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ قُطِعَ مِنَ الصُّورَةِ رَأْسُهَا فَلَا كَرَاهَةَ، أَوْ قُطِعَ مِنْهَا مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ بَعْدَ ذَهَابِهِ فَهُوَ كَقَطْعِ الرَّأْسِ كَصَدْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا، أَوْ جَعَلَ لَهَا رَأْسًا مُنْفَصِلًا عَنْ بَدَنِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ.

وَقَالَ صَاحِبُ مِنَحِ الْجَلِيلِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ مَا يَحْرُمُ مَا يَكُونُ كَامِلَ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا يَعِيشُ بِدُونِهَا وَلَهَا ظِلٌّ.

غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ كَانَ الْبَاقِي الرَّأْسَ، عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَالْآخَرُ: لَا يَحْرُمُ.وَقَطْعُ أَيِّ جُزْءٍ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ يُبِيحُ الْبَاقِيَ، كَمَا لَوْ قُطِعَ الرَّأْسُ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ.

جَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ وَحَاشِيَتِهِ: وَكَذَا إِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا، قَالَ: الكوهكيوني: وَكَذَا حُكْمُ مَا صُوِّرَ بِلَا رَأْسٍ، وَأَمَّا الرُّءُوسُ بِلَا أَبْدَانٍ فَهَلْ تَحْرُمُ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ.وَالْحُرْمَةُ أَرْجَحُ.قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهُوَ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي، وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ لَا نَظِيرَ لَهُ: إِنْ جَوَّزْنَاهُ جَازَ ذَلِكَ وَإِلاَّ فَلَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَفِي حَاشِيَةِ الشِّرْوَانِيِّ وَابْنِ قَاسِمٍ: إِنَّ فَقْدَ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ كَفَقْدِ الرَّأْسِ.

48- وَيَكْفِي لِلْإِبَاحَةِ أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ قَدْ خُرِقَ صَدْرُهَا أَوْ بَطْنُهَا، بِذَلِكَ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ مَثْقُوبَةَ الْبَطْنِ مَثَلًا: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّقْبُ كَبِيرًا يَظْهَرُ بِهِ نَقْصُهَا فَنَعَمْ، وَإِلاَّ فَلَا، كَمَا لَوْ كَانَ الثَّقْبُ لِوَضْعِ عَصًا تُمْسَكُ بِهَا، كَمِثْلِ صُوَرِ خَيَالِ الظِّلِّ الَّتِي يُلْعَبُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مَعَهُ صُورَةً تَامَّةً، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي صُوَرِ الْخَيَالِ خَالَفَهُ فِيهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، فَرَأَوْا أَنَّ الْخَرْقَ الَّذِي يَكُونُ فِي وَسَطِهَا كَافٍ فِي إِزَالَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ إِبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِيُّ وَيَأْتِي النَّقْلُ عَنْهُ فِي بَحْثِ النَّظَرِ إِلَى الصُّوَرِ

ج- اسْتِعْمَالُ وَاقْتِنَاءُ الصُّوَرِ الْمَنْصُوبَةِ وَالصُّوَرِ الْمُمْتَهَنَةِ:

49- يَرَى الْجُمْهُورُ أَنَّ الصُّوَرَ لِذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ- مُجَسَّمَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُجَسَّمَةٍ- يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهَا عَلَى هَيْئَةٍ تَكُونُ فِيهَا مُعَلَّقَةً أَوْ مَنْصُوبَةً، وَهَذَا فِي الصُّوَرِ الْكَامِلَةِ الَّتِي لَمْ يُقْطَعْ فِيهَا عُضْوٌ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْهَا عُضْوٌ- عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ- جَازَ نَصْبُهَا وَتَعْلِيقُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُسَطَّحَةً جَازَ تَعْلِيقُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَنُقِلَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِجَازَةُ تَعْلِيقِ الصُّوَرِ الَّتِي فِي الثِّيَابِ، وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي لَعْنِ الْمُصَوِّرِينَ، وَكَانَ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِقْهًا وَوَرَعًا.

وَأَمَّا إِذَا اقْتُنِيَتِ الصُّورَةُ- وَهِيَ مُمْتَهَنَةٌ- فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ أَوْ فِرَاشٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ أَيْضًا، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: إِنَّهَا حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى.

وَوَجَّهُوا التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمَنْصُوبِ وَالْمُمْتَهَنِ: بِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مَرْفُوعَةً تَكُونُ مُعَظَّمَةً وَتُشْبِهُ الْأَصْنَامَ.أَمَّا الَّذِي فِي الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُشْبِهُهَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَصْنَامِ يَنْصِبُونَهَا وَيَعْبُدُونَهَا وَلَا يَتْرُكُونَهَا مُهَانَةً.

وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَقَاءُ الصُّورَةِ الْمَقْطُوعَةِ مَنْصُوبَةً، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا، وَهُوَ مَا نَقَلْنَاهُ سَابِقًا مِنْ «أَنَّ جِبْرِيلَ- عليه السلام- قَالَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ فَلْيُقْطَعْ حَتَّى يَكُونَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوِ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوِ اجْعَلْهَا بُسُطًا» فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَقَائِهَا بَعْدَ الْقَطْعِ مَنْصُوبَةً.

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى بَقَاءِ الصُّورَةِ الْمُمْتَهَنَةِ فِي الْبَيْتِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «أَنَّهَا قَطَعَتِ السِّتْرَ وَجَعَلَتْهُ وِسَادَتَيْنِ، وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَتَّكِئُ عَلَيْهِمَا وَفِيهِمَا الصُّوَرُ».

وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ مَا نُصِبَ مِنَ التَّمَاثِيلِ وَلَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِمَا وَطِئَتْهُ الْأَقْدَامُ.وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَتَّكِئُ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا تَصَاوِيرُ.

وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ ذِكْرِ قَطْعِ رَأْسِ التِّمْثَالِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَرْجِيحُ قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ: مَا تَكُونُ فِيهِ مَنْصُوبَةً بَاقِيَةً عَلَى هَيْئَتِهَا.أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُمْتَهَنَةً، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُمْتَهَنَةٍ لَكِنَّهَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا إِمَّا بِقَطْعِ رَأْسِهَا أَوْ بِقَطْعِهَا مِنْ نِصْفِهَا فَلَا امْتِنَاعَ.

50- وَالنَّصْبُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَيُّ نَصْبٍ كَانَ.حَتَّى إِنَّ اسْتِعْمَالَ إِبْرِيقٍ فِيهِ صُوَرٌ تَرَدَّدَ فِيهِ صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ، وَمَالَ إِلَى الْمَنْعِ، أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَنْصُوبًا.وَقَالُوا فِي الْوِسَادِ: إِنِ اسْتُعْمِلَتْ مَنْصُوبَةً حَرُمَ، وَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ غَيْرَ مَنْصُوبَةٍ جَازَ.

وَذَهَبَ بَعْضٌ آخَرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ النَّصْبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ خَاصَّةً مَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّعْظِيمُ، فَقَدْ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إِنَّ مَا عَلَى السُّتُورِ وَالثِّيَابِ مِنَ الصُّوَرِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ امْتِهَانٌ لَهُ.وَهَذَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إِنَّ نَصْبَ الصُّوَرِ فِي حَمَّامٍ أَوْ مَمَرٍّ لَا يَحْرُمُ، بِخِلَافِ مَا كَانَ مَنْصُوبًا فِي الْمَجَالِسِ وَأَمَاكِنِ التَّكْرِيمِ.أَيْ لِأَنَّهَا فِي الْمَمَرِّ وَالْحَمَّامِ مُهَانَةٌ، وَفِي الْمَجَالِسِ مُكَرَّمَةٌ.وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُغْنِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ نَصْبَ الصُّوَرِ فِي الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ مُحَرَّمٌ.

هَذَا، وَمِمَّا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الصُّوَرِ الْمُهَانَةِ: مَا كَانَ فِي نَحْوِ قَصْعَةٍ وَخِوَانٍ وَطَبَقٍ.

وَيُلْتَحَقُ بِالْمُمْتَهَنَةِ- عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ- الصُّوَرُ الَّتِي عَلَى النُّقُودِ.قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ الدَّنَانِيرَ الرُّومِيَّةَ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّوَرُ مِنَ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يُنْكَرُ، لِامْتِهَانِهَا بِالْإِنْفَاقِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ- رضي الله عنهم- يَتَعَامَلُونَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلَمْ تَحْدُثِ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ إِلاَّ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.وَقَالَ مِثْلَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

51- هَذَا بَيَانُ حُكْمِ مَا ظَهَرَ فِيهِ التَّعْظِيمُ، أَوْ ظَهَرَتْ فِيهِ الْإِهَانَةُ.أَمَّا مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَيٌّ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ الصُّورَةِ الْمَطْبُوعَةِ فِي كِتَابٍ، أَوِ الْمَوْضُوعَةِ فِي دُرْجٍ أَوْ خِزَانَةٍ أَوْ عَلَى مِنْضَدَةٍ، مِنْ غَيْرِ نَصْبٍ.فَفِي كَلَامِ الْقَلْيُوبِيِّ نَقْلًا عَنِ ابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ: يَجُوزُ لُبْسُ مَا عَلَيْهِ صُورَةُ الْحَيَوَانِ وَدَوْسُهُ وَوَضْعُهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ مُغَطًّى.

وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى قَصْرِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْمَنْصُوبِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَصُورَةُ ذَاتِ رُوحٍ إِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً وَرَوَى ابْنُ شَيْبَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ وَلَا بَأْسَ بِهَا (أَيْ بِالتَّمَاثِيلِ) فِي سَمَاءِ الْبَيْتِ (أَيِ السَّقْفِ)، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْهَا مَا نُصِبَ نَصْبًا.

وَأَصْلُ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهم-، فَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَالِمٍ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ فِيهَا تَمَاثِيلُ طَيْرٍ وَوَحْشٍ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ يُكْرَهُ هَذَا؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْهَا مَا نُصِبَ نَصْبًا.

اسْتِعْمَالُ لُعَبِ الْأَطْفَالِ الْمُجَسَّمَةِ وَغَيْرِ الْمُجَسَّمَةِ:

52- تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ جَوَازُ صِنَاعَةِ اللُّعَبِ الْمَذْكُورَةِ.فَاسْتِعْمَالُهَا جَائِزٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ جَوَازَهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ الْقَاضِي: يُرَخَّصُ لِصِغَارِ الْبَنَاتِ.

وَالْمُرَادُ بِصِغَارِ الْبَنَاتِ مَنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ مِنْهُنَّ.وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا أَرْخَصَ لِعَائِشَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي الْجَزْمِ بِهِ نَظَرٌ، لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ، لِأَنَّ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- كَانَتْ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِنْتَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَأَمَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ فَكَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَطْعًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْخِيصَ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى مَنْ دُونَ الْبُلُوغِ مِنْهُنَّ، بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى مَرْحَلَةِ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ مَا دَامَتِ الْحَاجَةُ قَائِمَةً لِذَلِكَ.

53- وَالْعِلَّةُ فِي هَذَا التَّرْخِيصِ تَدْرِيبُهُنَّ عَنْ شَأْنِ تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ، وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنِ الْحَلِيمِيِّ: أَنَّ مِنَ الْعِلَّةِ أَيْضًا اسْتِئْنَاسَ الصِّبْيَانِ وَفَرَحَهُمْ.وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُمْ بِهِ النَّشَاطُ وَالْقُوَّةُ وَالْفَرَحُ وَحُسْنُ النُّشُوءِ وَمَزِيدُ التَّعَلُّمِ.فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ قَاصِرًا عَلَى الْإِنَاثِ مِنَ الصِّغَارِ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى الذُّكُورِ مِنْهُمْ أَيْضًا.وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ: فَفِي الْقُنْيَةِ عَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُ اللُّعْبَةِ، وَأَنْ يَلْعَبَ بِهَا الصِّبْيَانُ.

54- وَمِمَّا يُؤَكِّدُ جَوَازَ اللُّعَبِ الْمُصَوَّرَةِ لِلصِّبْيَانِ- بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْبَنَاتِ- مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الْأَنْصَارِيَّةِ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ».فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ- وَفِي رِوَايَةٍ: «فَنَصْنَعُ- لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ إِيَّاهُ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ».

55- وَانْفَرَدَ الْحَنَابِلَةُ بِاشْتِرَاطِ أَنْ تَكُونَ اللُّعْبَةُ الْمُصَوَّرَةُ بِلَا رَأْسٍ، أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَاقِي الرَّأْسَ، أَوْ كَانَ الرَّأْسُ مُنْفَصِلًا عَنِ الْجَسَدِ جَازَ، كَمَا تَقَدَّمَ.وَقَالُوا: لِلْوَلِيِّ شِرَاءُ لُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ لِصَغِيرَةٍ تَحْتَ حِجْرِهِ مِنْ مَالِهَا نَصًّا، لِلتَّمْرِينِ.

لُبْسُ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ:

56- يُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لُبْسُ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ، قَالَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: صُلِّيَ فِيهَا أَوْ لَا.لَكِنْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا لَوْ لَبِسَ الْإِنْسَانُ فَوْقَ الصُّورَةِ ثَوْبًا آخَرَ يُغَطِّيهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ لُبْسُ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا صُوَرٌ حَيْثُ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ فِي الثَّوْبِ الْمَلْبُوسِ مُنْكَرٌ، لَكِنَّ اللُّبْسَ امْتِهَانٌ لَهُ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ.كَمَا لَوْ كَانَ مُلْقًى بِالْأَرْضِ وَيُدَاسُ.وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الشِّرْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنَ الْمُنْكَرِ إِذَا كَانَ مُلْقًى بِالْأَرْضِ (أَيْ مُطْلَقًا).

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: التَّحْرِيمُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ.وَالْآخَرُ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ وَلَيْسَ مُحَرَّمًا، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ».

اسْتِعْمَالُ وَاقْتِنَاءُ الصُّوَرِ الصَّغِيرَةِ فِي الْخَاتَمِ وَالنُّقُودِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ:

57- يُصَرِّحُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الصُّوَرَ الصَّغِيرَةَ لَا يَشْمَلُهَا تَحْرِيمُ الِاقْتِنَاءِ وَالِاسْتِعْمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ عُبَّادِ الصُّوَرِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهَا كَذَلِكَ.وَضَبَطُوا حَدَّ الصِّغَرِ بِضَوَابِطَ مُخْتَلِفَةٍ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إِلاَّ بِتَبَصُّرٍ بَلِيغٍ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ لَا تَبْدُوَ مِنْ بَعِيدٍ.وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ: هِيَ الَّتِي لَا تَتَبَيَّنُ تَفَاصِيلُ أَعْضَائِهَا لِلنَّاظِرِ قَائِمًا وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ.وَقِيلَ: هِيَ مَا كَانَتْ أَصْغَر مِنْ حَجْمِ طَائِرٍ.وَهَذَا يَذْكُرُونَهُ فِي بَيَانِ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي.لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: ظَاهِرُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا أَنَّ مَا لَا يُؤَثِّرُ كَرَاهَةً فِي الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ إِبْقَاؤُهُ.وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الصُّورَةَ الصَّغِيرَةَ لَا تُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ، وَنُقِلَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذُبَابَتَانِ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةَ: لَوْ كَانَ عَلَى خَاتَمِ فِضَّةٍ تَمَاثِيلُ لَا يُكْرَهُ، وَلَيْسَتْ كَتَمَاثِيلَ فِي الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ صَغِيرٌ.وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا الصُّوَرَ فِي الْخَوَاتِمِ، فَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رضي الله عنه- رَجُلًا مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِ حُذَيْفَةَ- رضي الله عنه- كُرْكِيَّيْنِ، وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ- رضي الله عنه- أَيَّلٌ.

وَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الصُّوَرِ الصَّغِيرَةِ عَنِ الصُّوَرِ الْكَبِيرَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ.إِلاَّ أَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا لِصِغَرِهَا، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا مُمْتَهَنَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لُبْسُ الْخَاتَمِ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ.

النَّظَرُ إِلَى الصُّوَرِ:

58- يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَى الصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.لَكِنْ إِذَا كَانَتْ مُبَاحَةَ الِاسْتِعْمَالِ- كَمَا لَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً أَوْ مُهَانَةً- فَلَا يَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهَا.

قَالَ الدَّرْدِيرُ فِي تَعْلِيلِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ: لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ.

وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَى الصُّورَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ صُوَرٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ النَّصَارَى صَنَعُوا لِعُمَرَ- رضي الله عنه- حِينَ قَدِمَ الشَّامَ طَعَامًا فَدَعَوْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْكَنِيسَةِ.فَأَبَى أَنْ يَذْهَبَ: وَقَالَ لِعَلِيٍّ- رضي الله عنه-: امْضِ بِالنَّاسِ فَلْيَتَغَدَّوْا.فَذَهَبَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- بِالنَّاسِ فَدَخَلَ الْكَنِيسَةَ، وَتَغَدَّى هُوَ وَالنَّاسُ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَنْظُرُ إِلَى الصُّوَرِ، وَقَالَ: مَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ دَخَلَ فَأَكَلَ.

وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ.لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إِلَى الصُّورَةِ الْمَنْقُوشَةِ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ، وَلَمْ أَرَهُ، فَلْيُرَاجَعْ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ لَا يَحْرُمُ.

عَلَى أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ دُونَ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّهَا تَنْشَأُ بِذَلِكَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ؛ لَكِنْ لَوْ نَظَرَ إِلَى صُورَةِ الْفَرْجِ فِي الْمِرْآةِ فَلَا تَنْشَأُ تِلْكَ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ رَأَى عَكْسَهُ لَا عَيْنَهُ.فَفِي النَّظَرِ إِلَى الصُّورَةِ الْمَنْقُوشَةِ لَا تَنْشَأُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

59- وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ- وَلَوْ بِشَهْوَةٍ- فِي الْمَاءِ أَوِ الْمِرْآةِ.قَالُوا: لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ خَيَالِ امْرَأَةٍ وَلَيْسَ امْرَأَةً.وَقَالَ الشَّيْخُ الْبَاجُورِيُّ: يَجُوزُ التَّفَرُّجُ عَلَى صُوَرِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَرْفُوعَةٍ.أَوْ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تَعِيشُ مَعَهَا، كَأَنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ أَوِ الْوَسَطِ، أَوْ مُخَرَّقَةَ الْبُطُونِ.قَالَ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَازُ التَّفَرُّجِ عَلَى خَيَالِ الظِّلِّ الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهَا شُخُوصٌ مُخَرَّقَةُ الْبُطُونِ.

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ، يَجِيءُ بِكَ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: عِنْدَ الْآجُرِّيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ: «لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي فِي رَاحَتِهِ حِينَ أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَتَزَوَّجَنِي» فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا، مَا لَمْ تَكُنِ الصُّورَةُ مُحَرَّمَةً، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ.وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الدُّخُولُ إِلَى مَكَان فِيهِ صُوَرٌ:

60- يَجُوزُ الدُّخُولُ إِلَى مَكَان يَعْلَمُ الدَّاخِلُ إِلَيْهِ أَنَّ فِيهِ صُوَرًا مَنْصُوبَةً عَلَى وَضْعٍ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ دَخَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ.

هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ عَنْهُ، لِمَنْ سَأَلَهُ قَائِلًا: إِنْ لَمْ يَرَ الصُّوَرَ إِلاَّ عِنْدَ وَضْعِ الْخِوَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ.أَيَخْرُجُ؟ قَالَ: لَا تُضَيِّقْ عَلَيْنَا.إِذَا رَأَى الصُّوَرَ وَبَّخَهُمْ وَنَهَاهُمْ.يَعْنِي: وَلَا يَخْرُجُ.قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، قَالَ: لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَرَأَى فِيهَا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَسْتَقْسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ، فَقَالَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ» قَالُوا: وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي شُرُوطِ عُمَرَ- رضي الله عنه- عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُوَسِّعُوا أَبْوَابَ كَنَائِسِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، لِيَدْخُلُوهَا لِلْمَبِيتِ بِهَا، وَلِلْمَارَّةِ بِدَوَابِّهِمْ.وَذَكَرُوا قِصَّةَ عَلِيٍّ فِي دُخُولِهَا بِالْمُسْلِمِينَ وَنَظَرِهِ إِلَى الصُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.قَالُوا: وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ»؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ عَلَيْنَا تَحْرِيمَ دُخُولِهِ، كَمَا لَا يُوجِبُ عَلَيْنَا الِامْتِنَاعَ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُهُ.

61- وَمِثْلُ هَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ عَلَى وَضْعٍ مُحَرَّمٍ عِنْدَهُمْ، أَوْ غَيْرِ الْمُجَسَّمَةِ.أَمَّا الْمُحَرَّمَةُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ وُجُوبَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ عَلَى مَا يَأْتِي.وَلَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُبَيِّنُ حُكْمَ الدُّخُولِ إِلَى مَكَان هِيَ فِيهِ.

62- وَاخْتَلَفَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ- وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- أَنَّهُ يَحْرُمُ الدُّخُولُ إِلَى مَكَان فِيهِ صُوَرٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى وَضْعٍ مُحَرَّمٍ.قَالُوا: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ.قَالَ الشَّافِعِيُّ- رحمه الله-: إِنْ رَأَى صُوَرًا فِي الْمَوْضِعِ ذَوَاتَ أَرْوَاحٍ لَمْ يَدْخُلِ الْمَنْزِلَ الَّذِي فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرُ إِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً لَا تُوطَأُ، فَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: عَدَمُ تَحْرِيمِ الدُّخُولِ، بَلْ يُكْرَهُ.وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ، وَالْإِمَامِ، وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ، وَالْإِسْنَوِيِّ.

قَالُوا: وَهَذَا إِنْ كَانَتِ الصُّوَرُ فِي مَحَلِّ الْجُلُوسِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَمَرِّ أَوْ خَارِجَ بَابِ الْجُلُوسِ لَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ كَالْخَارِجَةِ مِنَ الْمَنْزِلِ.وَقِيلَ: لِأَنَّهَا فِي الْمَمَرِّ مُمْتَهَنَةٌ.

إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى مَكَانٍ فِيهِ صُوَرٌ:

63- إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ- وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ- وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِحَدِيثِ «مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَقِيلَ هِيَ: سُنَّةٌ.وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ لِغَيْرِهَا مُسْتَحَبَّةٌ.

وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إِذَا كَانَ فِي الْمَكَانِ صُوَرٌ عَلَى وَضْعٍ مُحَرَّمٍ- وَمِثْلُهَا أَيُّ مُنْكَرٍ ظَاهِرٍ- وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْمَدْعُوُّ قَبْلَ مَجِيئِهِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِجَابَةَ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ يَكُونُ قَدْ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِارْتِكَابِهِ الْمُنْكَرَ، فَتُتْرَكُ الْإِجَابَةُ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا عَنْ فِعْلِهِ.وَقَالَ الْبَعْضُ- كَالشَّافِعِيَّةِ-: تَحْرُمُ الْإِجَابَةُ حِينَئِذٍ.

ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِحُضُورِهِ تُزَالُ، أَوْ يُمْكِنُهُ إِزَالَتُهَا، فَيَجِبُ الْحُضُورُ لِذَلِكَ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ تَحْتَ عِنْوَانِ (دَعْوَةٌ)

مَا يُصْنَعُ بِالصُّورَةِ الْمُحَرَّمَةِ إِذَا كَانَتْ فِي شَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ:

64- يَنْبَغِي إِخْرَاجُ الصُّورَةِ عَنْ وَضْعِهَا الْمُحَرَّمِ إِلَى وَضْعٍ تَخْرُجُ فِيهِ عَنِ الْحُرْمَةِ، وَلَا يَلْزَمُ إِتْلَافُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ يَكْفِي حَطُّهَا إِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً.فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ بَقَائِهَا فِي مَكَانِهَا، فَيَكْفِي قَطْعُ الرَّأْسِ عَنِ الْبَدَنِ، أَوْ خَرْقُ الصَّدْرِ أَوِ الْبَطْنِ، أَوْ حَكُّ الْوَجْهِ مِنَ الْجِدَارِ، أَوْ مَحْوُهُ أَوْ طَمْسُهُ بِطِلَاءٍ يُذْهِبُ مَعَالِمَهُ، أَوْ يَغْسِلُ الصُّورَةَ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ غَسْلُهُ.وَإِنْ كَانَتْ فِي ثَوْبٍ مُعَلَّقٍ أَوْ سَتْرٍ مَنْصُوبٍ، فَيَكْفِي أَنْ يَنْسِجَ عَلَيْهَا مَا يُغَطِّي رَأْسَهَا.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَوْ أَنَّهُ قَطَعَ الرَّأْسَ عَنِ الْجَسَدِ بِخَيْطٍ- مَعَ بَقَاءِ الرَّأْسِ عَلَى حَالِهِ- فَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ مِنَ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ.

65- وَالدَّلِيلُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُسَوِّيَ كُلَّ قَبْرٍ، وَيَكْسِرَ كُلَّ صَنَمٍ، وَيَطْمِسَ كُلَّ صُورَةٍ».

وَفِي رِوَايَاتِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ لِلْحَدِيثِ وَرَدَتِ الْعِبَارَاتُ الْآتِيَةُ: أَنْ يُلَطِّخَ الصُّورَةَ، أَوْ أَنْ يُلَطِّخَهَا، أَوْ يَنْحِتَهَا، أَوْ يَضَعَهَا، وَرِوَايَةُ الْوَضْعِ صَحِيحَةٌ.وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ كَسْرُ الصُّورَةِ أَوْ إِتْلَافُهَا كَمَا نَصَّ عَلَى كَسْرِ الْأَصْنَامِ.وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي شَأْنِ السِّتْرِ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَخِّرِيهِ عَنِّي»، وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ هَتَكَهُ بِيَدِهِ»، وَفِي أُخْرَى «أَنَّهُ أَمَرَ بِجَعْلِهِ وَسَائِدَ».

الصُّوَرُ وَالْمُصَلِّي:

66- اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى وَفِي قِبْلَتِهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ مُحَرَّمَةٌ فَقَدْ فَعَلَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ سُجُودَ الْكُفَّارِ لِأَصْنَامِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّشَبُّهَ.أَمَّا إِنْ كَانَتِ الصُّورَةُ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ: كَأَنْ كَانَتْ فِي الْبِسَاطِ، أَوْ عَلَى جَانِبِ الْمُصَلِّي فِي الْجِدَارِ، أَوْ خَلْفَهُ، أَوْ فَوْقَ رَأْسِهِ فِي السَّقْفِ، فَقَدِ اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ فِي ذَلِكَ.

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ- كَمَا فِي الدُّرِّ وَحَاشِيَةِ الطَّحْطَاوِيِّ- يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي لُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ذِي رُوحٍ، وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ، أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ بِحِذَائِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، أَوْ مَحَلَّ سُجُودِهِ تِمْثَالٌ.وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا كَانَ التِّمْثَالُ خَلْفَهُ.وَالْأَظْهَرُ: الْكَرَاهَةُ.وَلَا يُكْرَهُ لَوْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ أَوْ مَحَلَّ جُلُوسِهِ إِنْ كَانَ لَا يَسْجُدُ عَلَيْهَا، أَوْ فِي يَدِهِ، أَوْ كَانَتْ مُسْتَتِرَةً بِكِيسٍ أَوْ صُرَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُعْبَدُ، فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْوَثَنِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ- كَمَا فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ- عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا فِيهِ تَصْوِيرٌ، وَأَنْ يُصَلِّيَ إِلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إِلَى صُورَةٍ مَنْصُوبَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتِ الصُّورَةُ صَغِيرَةً لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إِلَيْهَا، وَلَا تُكْرَهُ إِلَى غَيْرِ مَنْصُوبَةٍ، وَلَا يُكْرَهُ سُجُودٌ وَلَوْ عَلَى صُورَةٍ، وَلَا صُورَةَ خَلْفَهُ فِي الْبَيْتِ، وَلَا فَوْقَ رَأْسِهِ فِي السَّقْفِ أَوْ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ.وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الصُّورَةِ فَيُكْرَهُ عِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ يَعْنِي ابْنَ تَيْمِيَّةَ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى إِلَيْهَا.وَيُكْرَهُ حَمْلُهُ فَصًّا فِيهِ صُورَةٌ أَوْ حَمْلُهُ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ كَدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ فِيهِ صُورَةٌ.

وَلَمْ نَجِدْ لِلْمَالِكِيَّةِ تَعَرُّضًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا تَزْوِيقَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا.

الصُّوَرُ فِي الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ وَأَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ:

67- يَنْبَغِي تَنْزِيهُ أَمَاكِنِ الْعِبَادَةِ عَنْ وُجُودِ الصُّوَرِ فِيهَا، لِئَلاَّ يَئُولَ الْأَمْرُ إِلَى عِبَادَتِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَصْلَ عِبَادَةِ قَوْمِ نُوحٍ لِأَصْنَامِهِمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا صَالِحِينَ، فَلَمَّا مَاتُوا صَوَّرُوهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ.وَأَيْضًا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ، وَلَوْ كَانَتْ إِلَى جَانِبِ الْمُصَلِّي أَوْ خَلْفَهُ أَوْ فِي مَكَانِ سُجُودِهِ.وَالْمَسَاجِدُ تُجَنَّبُ الْمَكْرُوهَاتِ كَمَا تُجَنَّبُ الْمُحَرَّمَاتِ.

68- وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَوَجَدَ فِيهَا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ- عليهما السلام- فَقَالَ: أَمَّا هُمْ فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ- عليهما السلام- بِأَيْدِيهِمَا الْأَزْلَامُ.فَقَالَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالْأَزْلَامِ قَطُّ».

وَوَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِالصُّوَرِ كُلِّهَا فَمُحِيَتْ، فَلَمْ يَدْخُلِ الْكَعْبَةَ وَفِيهَا مِنَ الصُّوَرِ شَيْءٌ».

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا اشْتَكَى ذَكَرَ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ» فَهَذَا يُفِيدُ تَحْرِيمَ الصُّوَرِ فِي الْمَسَاجِدِ.وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الصُّوَرُ فِي الْكَنَائِسِ وَالْمَعَابِدِ غَيْرِ الْإِسْلَامِيَّةِ:

69- الْكَنَائِسُ وَالْمَعَابِدُ الَّتِي أُقِرَّتْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِالصُّلْحِ لَا يُتَعَرَّضُ لِمَا فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ مَا دَامَتْ فِي الدَّاخِلِ.

وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ دُخُولِ الْمُسْلِمِ الْكَنِيسَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَتَقَدَّمَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ عَلِيًّا- رضي الله عنه- دَخَلَ الْكَنِيسَةَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذَ يَتَفَرَّجُ عَلَى الصُّوَرِ.وَأَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُوَسِّعُوا أَبْوَابَ كَنَائِسِهِمْ، لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمَارَّةُ.

وَلِذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ: لِلْمُسْلِمِ دُخُولُ الْكَنِيسَةِ وَالْبِيَعَةِ، وَالصَّلَاةُ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ: يُكْرَهُ دُخُولُهَا لِأَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ.

وَقَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ: يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَدْخُلَ الْكَنِيسَةَ الَّتِي فِيهَا صُوَرٌ مُعَلَّقَةٌ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


34-موسوعة الفقه الكويتية (حمام)

حَمَّامٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْحَمَّامُ مُشَدَّدًا وَالْمُسْتَحَمُّ فِي الْأَصْلِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ بِالْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ، ثُمَّ قِيلَ لِلِاغْتِسَالِ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ «اسْتِحْمَامٌ».وَالْعَرَبُ تُذَكِّرُ الْحَمَّامَ وَتُؤَنِّثُهُ، وَالْحَمَّامِيُّ صَاحِبُهُ، وَاسْتَحَمَّ فُلَانٌ: دَخَلَ الْحَمَّامَ.وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ».

وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَمَّامِ:

بِنَاءُ الْحَمَّامِ، وَبَيْعُهُ، وَإِجَارَتُهُ وَالْكَسْبُ الْحَاصِلُ مِنْهُ:

2- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ بِنَاءِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ، وَيُكْرَهُ إِذَا كَانَ فِيهِ ذَلِكَ.وَيَجُوزُ أَيْضًا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، وَإِجَارَتُهُ وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ.

وَيَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ، وَلَمْ تُعْتَبَرِ الْجَهَالَةُ فِي قَدْرِ الْمُكْثِ وَغَيْرِهِ، لِتَعَارُفِ النَّاسِ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، لِمَا وَرَدَ: «مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ».

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اتِّخَاذِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذِ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَظْهَرُ، لِأَنَّهُنَّ يَحْتَجْنَ إِلَى الِاغْتِسَالِ عَنِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَلَا يَتَمَكَّنَّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ تَمَكُّنَ الرِّجَالِ.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِجَارَةُ الْحَمَّامِ لِلنِّسَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزَةٌ إِنْ كَانَتْ عَادَتُهُنَّ سَتْرَ جَمِيعِ الْجَسَدِ، وَغَيْرُ جَائِزَةٍ إِذَا كَانَتْ عَادَتُهُنَّ عَدَمَ السَّتْرِ، وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَتْ عَادَتُهُنَّ الدُّخُولَ بِالْمَآزِرِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ إِجَارَةَ الْحَمَّامِ وَبَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ مَكْرُوهٌ.قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ كَرْيِ الْحَمَّامِ؟ قَالَ: أَخْشَى، كَأَنَّهُ كَرِهَهُ.وَقِيلَ لَهُ: فَإِنِ اشْتُرِطَ عَلَى الْمُكْتَرِي أَنْ لَا يَدْخُلَهُ أَحَدٌ بِغَيْرِ إِزَارٍ، فَقَالَ: وَيُضْبَطُ هَذَا؟ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ فِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَدُخُولِ النِّسَاءِ إِلَيْهِ.

وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ لِي غِلْمَانًا وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ: فَكَرِهَ لَهُ غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ، وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ، وَقَالَ: إِنَّهُ بَيْتُ الشَّيَاطِينِ، «وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- شَرَّ بَيْتٍ».

وَكَسْبُ الْحَمَّامِيِّ مَكْرُوهٌ، وَحَمَّامِيَّةُ النِّسَاءِ أَشَدُّ كَرَاهَةً.

قَالَ أَحْمَدُ فِي الَّذِي يَبْنِي حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ: لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَحَمَلَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى غَيْرِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الزَّيْلَعِيِّ: أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَصَّلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرَّجُلِ وَحَمَّامِ النِّسَاءِ.

الشُّفْعَةُ فِي الْحَمَّامِ:

3- لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْحَمَّامِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ: أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَتَثْبُتُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِالْمَأْخُوذِ بِالشُّفْعَةِ.

قَالَ الْمَحَلِّيُّ: كُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بِطَلَبِ مَنْفَعَتِهِ الْمَقْصُودَةِ كَحَمَّامٍ وَرَحًى صَغِيرَيْنِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ.وَمُقَابِلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَدُومُ، وَكُلٌّ مِنَ الضَّرَرَيْنِ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ بِالْبَيْعِ لَهُ، فَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِي الْحَمَّامِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقَدْرِهِ، لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّأَذِّي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: «شُفْعَةٌ».

قِسْمَةُ الْحَمَّامِ:

4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقِسْمَةِ جَبْرًا عَدَمَ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْقِسْمَةِ، وَلِذَا لَا يُقَسَّمُ حَمَّامٌ وَنَحْوُهُ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا، أَمَّا عِنْدَ رِضَا الْجَمِيعِ فَتَجُوزُ قِسْمَتُهُ، لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمْ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ فِيمَا شَاءَ كَأَنْ يَجْعَلَهُ بَيْتًا.

وَقَيَّدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ جَوَازِ قِسْمَةِ الْحَمَّامِ بِأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا.وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ «قِسْمَةٌ».

دُخُولُ الْحَمَّامِ:

5- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ دُخُولَ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

وَقَدْ دَخَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَمَّامَ حِمْصَ، وَدَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ.وَكَانَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ يَدْخُلَانِ الْحَمَّامَ.وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ، مَعَ مُرَاعَاةِ مَا يَلِي:

6- إِذَا كَانَ الدَّاخِلُ رَجُلًا فَيُبَاحُ لَهُ دُخُولُهُ إِذَا أَمِنَ وُقُوعَ مُحَرَّمٍ: بِأَنْ يَسْلَمَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَاتِ النَّاسِ وَمَسِّهَا، وَيَسْلَمَ مِنْ نَظَرِهِمْ إِلَى عَوْرَتِهِ وَمَسِّهَا، وَإِنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُقُوعَهُ فِي الْمَحْظُورِ، فَإِنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَمُشَاهَدَتَهَا حَرَامٌ، لِمَا «رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا.قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا.قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ».

وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِي الْحَمَّامِ عَلَيْهِ إِزَارٌ، قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِي الْحَمَّامِ عَلَيْهِ إِزَارٌ فَادْخُلْهُ، وَإِلاَّ فَلَا تَدْخُلْ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: دُخُولُ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إِزَارٍ حَرَامٌ.لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ».

وَأَيْضًا رُوِيَ «مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ لَعَنَهُ الْمَلَكَانِ»

قَالَ ابْنُ نَاجِي مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: دُخُولُ الرَّجُلِ الْحَمَّامَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: دُخُولُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ، أَوْ وَحْدَهُ فَمُبَاحٌ، الثَّانِي: دُخُولُهُ مَعَ قَوْمٍ لَا يَسْتَتِرُونَ فَمَمْنُوعٌ، الثَّالِثُ: دُخُولُهُ مَعَ قَوْمٍ مُسْتَتِرِينَ فَمَكْرُوهٌ، إِذْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ بَعْضُهُمْ فَيَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ.وَقِيلَ فِي هَذَا الْوَجْهِ: إِنَّهُ جَائِزٌ.

7- إِذَا كَانَ الدَّاخِلُ امْرَأَةً فَيُبَاحُ لَهَا دُخُولُهُ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا سَبَقَ، وَبِوُجُودِ عُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ حَاجَةٍ إِلَى الْغُسْلِ، وَأَنْ لَا يُمْكِنَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِي بَيْتِهَا لِخَوْفِهَا مِنْ مَرَضٍ أَوْ ضَرَرٍ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إِلاَّ بِالْأُزُرِ، وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إِلاَّ مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» وَلِخَبَرِ «مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ أَثْيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا».

وَلِأَنَّ أَمْرَ النِّسَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السِّتْرِ، وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنَ الْفِتْنَةِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عُذْرٌ كُرِهَ لَهَا دُخُولُ الْحَمَّامِ.وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنْ إِحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنْ لَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي زَمَانِنَا لَا شَكَّ فِي الْكَرَاهَةِ لِتَحَقُّقِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا مُنِعَ دُخُولُهُنَّ حِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ حَمَّامَاتٌ مُنْفَرِدَةٌ، فَأَمَّا مَعَ انْفِرَادِهِنَّ عَنِ الرِّجَالِ فَلَا بَأْسَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اعْتَادَتِ الْحَمَّامَ وَشَقَّ عَلَيْهَا تَرَكَتْ دُخُولَهُ إِلاَّ لِعُذْرٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دُخُولُهُ.

دُخُولُ الذِّمِّيَّةِ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ:

8- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِذَا كَانَتْ فِي الْحَمَّامِ مَعَ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ أَنْ تَكْشِفَ عَنْ بَدَنِهَا مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ، وَهُوَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.

وَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَجِبُ عَلَيْهَا فِي الْحَمَّامِ أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا هَتَكَتْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ».

أَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَلَيْسَ لَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الْمُسْلِمَةِ إِلاَّ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْهَا، وَلِهَذَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الذِّمِّيَّةَ تُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ النِّسَاءِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ- رضي الله عنه- إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَامْنَعْ مِنْ ذَلِكَ.وَحُلْ دُونَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَرَى الذِّمِّيَّةُ عَرِيَّةَ الْمُسْلِمَةِ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَرَاهَا يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ لِئَلاَّ تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا.

آدَابُ الدُّخُولِ إِلَى الْحَمَّامِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ:

9- مِنْ آدَابِهِ:

- أَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ أَوَّلًا أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ، ذَكَرَ هَذَا الشَّافِعِيَّةُ.

- وَأَنْ يَقْصِدَ بِدُخُولِهِ التَّنْظِيفَ وَالتَّطْهِيرَ لَا التَّرَفُّهَ وَالتَّنَعُّمَ.

- وَأَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي دُخُولِهِ، وَالْيُمْنَى فِي خُرُوجِهِ.

- وَيَقْصِدَ مَوْضِعًا خَالِيًا، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ.

- وَيُقَلِّلَ الِالْتِفَاتَ تَجَنُّبًا لِرُؤْيَةِ عَوْرَةٍ.

- وَلَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ، وَيَتَحَيَّنَ بِدُخُولِهِ وَقْتَ الْفَرَاغِ أَوِ الْخَلْوَةِ إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ.

- وَلَا يُطِيلُ الْمَقَامَ، وَيَمْكُثَ فِيهِ مُكْثًا مُتَعَارَفًا، وَأَنْ يَصُبَّ صَبًّا مُتَعَارَفًا مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ.

طَهَارَةُ مَاءِ الْحَمَّامِ

10- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ بِمَاءِ الْحَمَّامِ، وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي حَوْضِ الْحَمَّامِ وَعَلَيْهَا نَجَاسَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ سَاكِنًا لَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأُنْبُوبِ، وَلَا يَغْتَرِفُ النَّاسُ بِالْقَصْعَةِ، يَتَنَجَّسُ مَاءُ الْحَوْضِ، وَإِنْ كَانُوا يَغْتَرِفُونَ مِنَ الْحَوْضِ بِقِصَاعِهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ مِنَ الْأُنْبُوبِ مَاءٌ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُنَجِّسُ مَاءَ الْحَوْضِ.

وَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَغْتَرِفُونَ بِقِصَاعِهِمْ، وَيَدْخُلُ الْمَاءُ مِنَ الْأُنْبُوبِ، اخْتَلَفُوا فِيهِ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ.وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي صُبَّ عَلَى وَجْهِ الْحَمَّامِ (أَيْ أَرْضِهِ) فَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ طَاهِرٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ فِيهِ خَبَثًا، حَتَّى لَوْ خَرَجَ إِنْسَانٌ مِنَ الْحَمَّامِ وَقَدْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ، وَلَمْ يَغْسِلْهُمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ وَصَلَّى جَازَ.

وَإِذَا تَنَجَّسَ حَوْضُ الْحَمَّامِ فَدَخَلَ فِيهِ الْمَاءُ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً يَطْهُرُ، لِغَلَبَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ.

السَّلَامُ فِي الْحَمَّامِ:

11- لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ لِأَنَّ أَحْوَالَهُ لَا تُنَاسِبُ ذَلِكَ، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ، وَقِيلَ: لَا يَرُدُّ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ أَنَّنِي سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا، وَيَرَى بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْأَوْلَى جَوَازُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدُ فِيهِ نَصٌّ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ.

قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ فِي الْحَمَّامِ:

12- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الْحَمَّامِ تُكْرَهُ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِكَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَيُفْعَلُ فِيهِ مَا لَا يَحْسُنُ فِي غَيْرِهِ، فَيُصَانُ الْقُرْآنُ عَنْهُ.

إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوا الْكَرَاهَةَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ الْكَرَاهَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-، وَبِهِ قَالَ أَبُو وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَأَمَّا إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ خَارِجَ الْحَمَّامِ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غُسَالَةُ النَّاسِ نَحْوِ مَجْلِسِ الْحَمَّامِيِّ وَالثِّيَابِيِّ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ.وَيُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ كَرَاهِيَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْحَمَّامِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ.

13- وَأَمَّا الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ فِي الْحَمَّامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمُسْتَتِرِ فِيهِ، فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنٌ فِي كُلِّ مَكَان مَا لَمْ يَرِدِ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- دَخَلَ الْحَمَّامَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ «أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ».

الصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ وَعَلَيْهِ وَإِلَيْهِ

14- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَمَّامِ صَحِيحَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ نَجَسًا، لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَفِي لَفْظٍ: «أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ».وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ طَاهِرٌ فَصَحَّتِ الصَّلَاةُ فِيهِ كَالصَّحْرَاءِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَمَّامِ لَا تَصِحُّ بِحَالٍ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ»، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ النَّجَاسَاتِ، فَعَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ دُونَ حَقِيقَتِهِ.وَيُصَلَّى فِيهِ لِعُذْرٍ، كَأَنْ حُبِسَ فِيهِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ، ثُمَّ لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ وَلَوْ زَالَ الْعُذْرُ فِي الْوَقْتِ وَخَرَجَ مِنْهَا، لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ.وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ فِي الْحَمَّامِ بَيْنَ مَكَانِ الْغُسْلِ وَصَبِّ الْمَاءِ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُنْزَعُ فِيهِ الثِّيَابُ وَالْأَتُونُ، وَكُلُّ مَا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ الْحَمَّامِ، لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ.

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّلَاةُ عَلَى سَطْحِ الْحَمَّامِ، لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ.

15- وَفِي الصَّلَاةِ إِلَى الْحَمَّامِ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ إِلَى الْحَمَّامِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَائِطَ الْحَمَّامِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْمَحَمُّ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُصَبُّ فِيهِ الْحَمِيمُ، وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ الْأَنْجَاسِ.وَاسْتِقْبَالُ الْأَنْجَاسِ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ.وَأَمَّا إِنِ اسْتَقْبَلَ حَائِطَ الْحَمَّامِ فَلَمْ يَسْتَقْبِلِ الْأَنْجَاسَ وَإِنَّمَا اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ وَالْمَدَرَ، فَلَا يُكْرَهُ.

قَطْعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ:

16- فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: فَإِذَا سَرَقَ مِنَ الْحَمَّامِ لَيْلًا قُطِعَ، لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْحِرْزِ، وَإِذَا سَرَقَ مِنْهُ نَهَارًا لَا يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِالدُّخُولِ فِيهِ نَهَارًا، فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ، وَمَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ بَعْضَ اللَّيْلِ فَهُوَ كَالنَّهَارِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ نِصَابًا مِنْ آلَاتِهِ أَوْ مِنْ ثِيَابِ الدَّاخِلِينَ يُقْطَعُ: إِنْ كَانَ دَخَلَهُ لِلسَّرِقَةِ لَا لِلِاسْتِحْمَامِ، أَوْ نَقَبَ حَائِطَهُ وَدَخَلَ مِنَ النَّقْبِ أَوْ تَسَوَّرَ وَسَرَقَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْحَمَّامِ حَارِسٌ أَمْ لَا.أَمَّا إِنْ سَرَقَ الْحَمَّامَ مِنْ بَابِهِ أَوْ دَخَلَهُ مُغْتَسِلًا فَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ خَائِنٌ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُقْطَعُ سَارِقُ الْحَمَّامِ إِنْ كَانَ لِلْمَتَاعِ حَافِظٌ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ الثِّيَابِ الْمَسْرُوقَةِ أَوْ غَيْرَهُ.فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَافِظٌ فَلَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ، فَجَرَى مَجْرَى سَرِقَةِ الضَّيْفِ مِنَ الْبَيْتِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي دُخُولِهِ.وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَنَّهُ مَتَاعٌ لَهُ حَافِظٌ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: «سَرِقَةٌ».

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


35-موسوعة الفقه الكويتية (رائحة)

رَائِحَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الرَّائِحَةُ وَالرِّيحُ فِي اللُّغَةِ: النَّسِيمُ طَيِّبًا كَانَ أَوْ نَتِنًا.يُقَالُ: وَجَدْتُ رَائِحَةَ الشَّيْءِ وَرِيحَهُ.وَالرَّائِحَةُ عَرَضٌ يُدْرَكُ بِحَاسَّةِ الشَّمِّ.وَقِيلَ: لَا يُطْلَقُ اسْمُ الرِّيحِ إِلاَّ عَلَى الطَّيِّبِ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ أَيِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ النَّوْمِ».

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

تَرِدُ كَلِمَةُ «رَائِحَةٌ» فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فِي أَبْوَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا.

أ- الرَّائِحَةُ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ:

2- الْأَصْلُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ الْخَبَثِ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}.

وَاشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بَقَاءَ أَوْصَافِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ: اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ.فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، كَرَائِحَتِهِ، بِشَيْءٍ خَالَطَهُ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ عُرْفًا، بَلْ يُضَافُ إِلَيْهِ قَيْدٌ لَازِمٌ، كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَسْلُبُ عَنْهُ الطَّهُورِيَّةَ، فَيُصْبِحُ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ إِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا، فَلَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا يُزِيلُ خَبَثًا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَاءً مُطْلَقًا.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنِ الْمَاءِ تَغَيُّرُ أَوْصَافِهِ إِنْ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ طَبْعُ الْمَاءِ.وَطَبْعُ الْمَاءِ: كَوْنُهُ سَيَّالًا مُرَطِّبًا مُسَكِّنًا لِلْعَطَشِ.

أَمَّا إِذَا حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِمُجَاوِرٍ لِلْمَاءِ لَمْ يُخَالِطْهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَرَوُّحٍ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (مِيَاهٌ).

ب- رَائِحَةُ الطِّيبِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ:

3- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُحْظَرُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَيُقْصَدُ بِهِ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهِمَا، أَمَّا مَا لَا تُقْصَدُ رَائِحَتُهُ، كَالتُّفَّاحِ وَالْأُتْرُجِّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ كَانَتْ رَائِحَتُهُ طَيِّبَةً.وَانْظُرْ (إِحْرَامٌ).

ج- الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ وَالرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ فِي الْمَسَاجِدِ:

4- يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ الْمَسَاجِدِ، وَيُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ مِنْ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، كَمَا يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ وَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَهُ صُنَانٌ أَوْ بَخَرٌ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ إِخْرَاجِ مَنْ بِهِ ذَلِكَ إِزَالَةً لِلْأَذَى؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنَ الْمَسْجِدِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»،، وَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا- أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا».

وَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبْنَا فِي الْمَسْجِدِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَا يَقْرَبْ مُصَلاَّنَا».

وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِخْرَاجُ الرِّيحِ فِي الْمَسْجِدِ بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ بِالرَّائِحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ لِخَبَرِ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ».

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ ذَلِكَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُنَزَّهُ عَنِ النَّجَاسَةِ الْعَيْنِيَّةِ.وَانْظُرْ: (مَسَاجِدُ).

د- التَّلَفُ بِسَبَبِ الرَّائِحَةِ:

5- إِذَا اتَّخَذَ مِنْ دَارِهِ- بَيْنَ الدُّورِ الْمَسْكُونَةِ- مَعْمَلًا لَهُ رَائِحَةٌ مُؤْذِيَةٌ، فَشَمَّهُ أَطْفَالٌ أَوْ غَيْرُهُمْ فَمَاتُوا بِذَلِكَ ضَمِنَ صَاحِبُ الدَّارِ، لِمُخَالَفَتِهِ الْعَادَةَ.وَإِنْ قَلَى أَوْ شَوَى فِي دَارِهِ مَا يُسَبِّبُ إِجْهَاضَ الْحَامِلِ إِنْ لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ إِلَيْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهَا الْإِجْهَاضَ بِعِوَضٍ إِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى الْعِوَضِ، وَإِلاَّ فَبِلَا عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ مِنْهُ، فَإِنْ قَصَّرَ ضَمِنَ دِيَةَ الْجَنِينِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي بَابِ الدِّيَاتِ، وَمُصْطَلَحِ: (إِجْهَاضٌ، ف9).

هـ- ثُبُوتُ حَدِّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ:

6- لَا يَثْبُتُ حَدُّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ فِي فَمِ الشَّارِبِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ: الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ.وَقَالُوا: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِالْخَمْرِ أَوْ حَسِبَهَا مَاءً فَلَمَّا صَارَتْ فِي فَمِهِ مَجَّهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا، أَوْ شَرِبَ شَرَابَ التُّفَّاحِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ، وَبِوُجُودِ الِاحْتِمَالِ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَثْبُتُ حَدُّ الشُّرْبِ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ جَلَدَ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رَائِحَةَ الْخَمْرِ؛ وَلِأَنَّ الرَّائِحَةَ تَدُلُّ عَلَى شُرْبِهِ لِلْخَمْرِ، فَأُجْرِيَ مَجْرَى الْإِقْرَارِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي: (سُكْرٌ).

و- تَغَيُّرُ رَائِحَةِ لَحْمِ الْجَلاَّلَةِ أَوْ لَبَنِهَا:

7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْجَلاَّلَةِ وَشُرْبُ لَبَنِهَا إِذَا تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُمَا بِالنَّجَاسَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ بِالتَّحْرِيمِ.وَانْظُرْ: (أَطْعِمَةٌ، جَلاَّلَةٌ).

ز- مَنْعُ الزَّوْجَةِ مِنْ أَكْلِ مَا يَتَأَذَّى الزَّوْجُ مِنْ رَائِحَتِهِ:

8- لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ كَالثُّومِ، وَالْبَصَلِ وَنَحْوِهِمَا.

كَمَا لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى إِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ مِنْ بَدَنِهَا، وَثَوْبِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ كَمَالَ الِاسْتِمْتَاعِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (نِكَاحٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


36-موسوعة الفقه الكويتية (شارد)

شَارِد

التَّعْرِيفُ:

1- الشَّارِدُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ شَرَدَ، يُقَالُ: شَرَدَ الْبَعِيرُ شُرُودًا: نَدَّ وَنَفَرَ، الِاسْمُ الشِّرَادُ، بِالْكَسْرِ.وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْآبِقُ:

2- الْآبِقُ: هُوَ الْعَبْدُ الْمُنْطَلِقُ تَمَرُّدًا عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كِبَرٍ فِي الْعَمَلِ، وَيُطْلِقُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لَفْظَ الْآبِقِ عَلَى مَنْ ذَهَبَ مُتَخَفِّيًا مُطْلَقًا لِسَبَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَفْظُ الْآبِقِ خَاصٌّ بِالْإِنْسَانِ، وَالشَّارِدُ خَاصٌّ بِالْحَيَوَانِ. (انْظُرِ الْمَوْسُوعَةَ: إِبَاق).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

(1) بَيْعُ الشَّارِدِ أَوْ إجَارَتُهُ:

3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَمَلِ الشَّارِدِ وَنَحْوِهِ، مِمَّا لَا يَقْدِرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لِلْمُشْتَرِي لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْبَيْعِ هُوَ تَمْلِيكُ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ.

وَلَا يَجُوزُ كَذَلِكَ أَنْ يُؤَجِّرَ بَعِيرًا شَارِدًا أَوْ نَحْوَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ التَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع، إِجَارَة).

(2) ذَبْحُ الْحَيَوَانِ الشَّارِدِ:

4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَوَحَّشَ الْحَيَوَانُ الْآنِسُ الْمَأْكُولُ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى ذَبْحِهِ فِي مَحَلِّ الذَّكَاةِ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، أَوِ الْبَقَرَةِ أَوِ الشَّاةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَكُلُّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ مَحَلٌّ لِذَكَاتِهِ، فَإِذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ سَوَاءٌ الْخَاصِرَةُ أَوِ الْفَخِذُ أَوْ غَيْرِهِمَا فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ؛ أَيْ أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَبْحِهِ أَيُّ جُرْحٍ يُفْضِي إِلَى الزَّهُوقِ كَيْفَ كَانَ؛ لِمَا رَوَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: فَأَصَابَ النَّاسُ غَنَمًا وَإِبِلًا فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ هَذِهِ الْبَهَائِمَ لَهَا أَوَابِدُ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا»، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: مَا أَعْجَزَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَحُّشِ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاتِ بَلْ مَتَى تَيَسَّرَ اللُّحُوقُ بِهِ بِعَدْوٍ أَوِ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يُمْسِكُهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ تَوَحُّشًا وَلَا يَحِلُّ حِينَئِذٍ إِلاَّ بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ.

وَفَرَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ الْفِرَارِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْفِرَارِ فِي الْمِصْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّاةِ.

فَقَالُوا: إِذَا شَرَدَتِ الشَّاةُ فِي الصَّحْرَاءِ تُذْبَحُ اضْطِرَارًا، وَلَهُ أَنْ يَجْرَحَهَا مِنْ أَيِّ مَكَانٍ مِنْ بَدَنِهَا حَتَّى وَإِنْ أَصَابَ فِي قَرْنِهَا أَوْ ظِلْفِهَا وَأَدْمَاهَا ثُمَّ مَاتَتْ حَلَّ أَكْلُهَا لِتَعَذُّرِ ذَبْحِهَا الْعَادِيِّ.

أَمَّا إِذَا شَرَدَتْ فِي الْمِصْرِ فَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا اضْطِرَارًا لِأَنَّ ذَكَاتَهَا الْعَادِيَّةَ غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ.

وَإِلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ ذَهَبَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَكَذَا ابْنُ حَبِيبٍ مِنْهُمْ فِي الْبَقَرَةِ الشَّارِدَةِ خَاصَّةً.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَرَبِيعَةُ إِلَى أَنَّ الشَّارِدَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا، لَا يَحِلُّ إِلاَّ بِذَكَاتِهِ فِي مَوْضِعِ الذَّبْحِ الْمُعْتَادِ- الْحَلْقِ أَوِ اللَّبَّةِ- وَلَا يَتَغَيَّرُ مَوْضِعُ الذَّكَاةِ بِشُرُودِهِ وَتَوَحُّشِهِ.لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ»

انْظُرْ: (ذَبْح، ذَكَاة، صَيْد).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


37-موسوعة الفقه الكويتية (صغر)

صِغَرٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الصِّغَرُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذٌ مِنْ صَغُرَ صِغَرًا: قَلَّ حَجْمُهُ أَوْ سِنُّهُ فَهُوَ صَغِيرٌ، وَالْجَمْعُ: صِغَارٌ.وَفِيهِ- أَيْضًا- الْأَصْغَرُ اسْمُ تَفْضِيلٍ.

وَالصِّغَرُ ضِدُّ الْكِبَرِ، وَالصُّغَارَةُ خِلَافُ الْعِظَمِ.

وَاصْطِلَاحًا: هُوَ وَصْفٌ يَلْحَقُ بِالْإِنْسَانِ مُنْذُ مَوْلِدِهِ إِلَى بُلُوغِهِ الْحُلُمَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الصِّبَا:

2- يُطْلَقُ الصِّبَا عَلَى مَعَانٍ عِدَّةٍ مِنْهَا: الصِّغَرُ وَالْحَدَاثَةُ، وَالصَّبِيُّ الصَّغِيرُ دُونَ الْغُلَامِ، أَوْ مَنْ لَمْ يُفْطَمْ بَعْدُ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الصَّبِيُّ مُنْذُ وِلَادَتِهِ إِلَى أَنْ يُفْطَمَ.وَعَلَى هَذَا فَالصِّبَا أَخَصُّ مِنِ الصِّغَرِ.

التَّمْيِيزُ:

3- هُوَ أَنْ يَصِيرَ لِلصَّغِيرِ وَعْيٌ وَإِدْرَاكٌ يَفْهَمُ بِهِ الْخِطَابَ إِجْمَالًا.

الْمُرَاهَقَةُ:

4- الرَّهَقُ: جَهْلٌ فِي الْإِنْسَانِ وَخِفَّةٌ فِي عَقْلِهِ.

يُقَالُ: فِيهِ رَهَقٌ أَيْ حِدَّةٌ وَخِفَّةٌ.

وَرَاهَقَ الْغُلَامُ: قَارَبَ الْحُلُمَ

الرُّشْدُ:

5- الرُّشْدُ: أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ حَدَّ التَّكْلِيفِ صَالِحًا فِي دِينِهِ مُصْلِحًا لِمَالِهِ.

مَرَاحِلُ الصِّغَرِ:

6- تَنْقَسِمُ مَرَاحِلُ الصِّغَرِ إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ:

(1) - مَرْحَلَةِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ.

(2) - مَرْحَلَةِ التَّمْيِيزِ:

الْمَرْحَلَةُ الْأُولَى: عَدَمُ التَّمْيِيزِ:

7- تَبْدَأُ هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ مُنْذُ الْوِلَادَةِ إِلَى التَّمْيِيزِ.

الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَرْحَلَةُ التَّمْيِيزِ:

8- تَبْدَأُ هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ مُنْذُ قُدْرَةِ الصَّغِيرِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، بِمَعْنَى: أَنْ يَكُونَ لَهُ إِدْرَاكٌ يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ.

وَيُلَاحَظُ: أَنَّ التَّمْيِيزَ لَيْسَ لَهُ سِنٌّ مُعَيَّنَةٌ يُعْرَفُ بِهَا، وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَى التَّمْيِيزِ أَمَارَاتُ التَّفَتُّحِ وَالنُّضُوجِ، فَقَدْ يَصِلُ الطِّفْلُ إِلَى مَرْحَلَةِ التَّمْيِيزِ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إِلَى مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَتَنْتَهِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ بِالْبُلُوغِ.

أَهْلِيَّةُ الصَّغِيرِ:

تَنْقَسِمُ أَهْلِيَّةُ الصَّغِيرِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أ- أَهْلِيَّةِ وُجُوبٍ.

ب- أَهْلِيَّةِ أَدَاءً.

(أ) أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ:

9- هِيَ صَلَاحِيَةُ الْإِنْسَانِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَنَاطُهَا الْإِنْسَانِيَّةُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ.

(ب) أَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ:

10- هِيَ صَلَاحِيَةُ الْإِنْسَانِ لِصُدُورِ الْفِعْلِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا، وَمَنَاطُهَا التَّمْيِيزُ.

أَهْلِيَّةُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ:

11- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَدَى هَذِهِ الْأَهْلِيَّةِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: مُصْطَلَحِ (أَهْلِيَّةٌ).

أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالصَّغِيرِ:

أَوَّلًا- التَّأْذِينُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ:

12- يُسْتَحَبُّ الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى، وَالْإِقَامَةُ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى؛ لِمَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ»

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَذَان).

ثَانِيًا: تَحْنِيكُ الْمَوْلُودِ:

13- يُسْتَحَبُّ تَحْنِيكُ الْمَوْلُودِ، وَالتَّحْنِيكُ: هُوَ دَلْكُ حَنَكِ الْمَوْلُودِ بِتَمْرَةٍ مَمْضُوغَةٍ، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْنِيكِ، مَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ غُلَامًا، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-.فَأَتَيْتُهُ بِهِ- وَأَرْسَلَ مَعِي بِتَمَرَاتٍ- فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ: عَبْدَ اللَّهِ».انْظُرْ: (تَحْنِيك) ثَالِثًا- تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ:

14- تُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ بِاسْمٍ مُسْتَحَبٍّ، لِمَا رَوَاهُ سَمُرَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» انْظُرْ: (تَسْمِيَة).

رَابِعًا- عَقِيقَةُ الْمَوْلُودِ:

15- الْعَقِيقَةُ لُغَةً: مَعْنَاهَا الْقَطْعُ.

وَشَرْعًا: مَا يُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى.

وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلْمَانِ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «أَمَرَهُمْ عَنِ الْغُلَامِ: شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ».

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا.

فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِهَا، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْعَقِيقَةَ نُسِخَتْ بِالْأُضْحِيَّةِ؛ فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ.

خَامِسًا: الْخِتَانُ:

16- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- فِي الْمُعْتَمَدِ- إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.انْظُرْ: (خِتَان).

حُقُوقُ الصَّغِيرِ:

مِنْ حُقُوقِ الصَّغِيرِ مَا يَأْتِي:

17- أ- أَنْ يُنْسَبَ إِلَى أَبِيهِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَسَبٌ).

ب- أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).

ج- تَعْلِيمُهُ وَتَأْدِيبُهُ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (تَعْلِيمٌ، وَتَأْدِيبٌ).

مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الصَّغِيرِ مَالِيًّا:

18- يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَا يَلِي: قِيمَةُ الْمُتْلَفَاتِ، وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ، وَالْعُشْرُ، وَالْخَرَاجُ، وَزَكَاةُ الْمَالِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَالْأُضْحِيَّةُ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلَافٍ يُنْظَرُ فِي الْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ بِهَا، وَيُطَالَبُ الْوَلِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ بِتَنْفِيذِ هَذِهِ الِالْتِزَامَاتِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ.

الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرِ:

19- الْوِلَايَةُ فِي اللُّغَةِ: الْقِيَامُ بِالْأَمْرِ أَوْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هِيَ النُّصْرَةُ وَالْمَعُونَةُ.

وَاَلَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوِلَايَةَ:

هِيَ سُلْطَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَتَمَكَّنُ بِهَا صَاحِبُهَا مِنَ الْقِيَامِ عَلَى شُؤُونِ الصِّغَارِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ.

وَتَبْدَأُ الْوِلَايَةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى الصَّغِيرِ مُنْذُ وِلَادَتِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا

، وَمِنْ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَكُونُ عَلَى الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَعَلَى الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوِلَايَةُ وَاجِبَةٌ لِمَصْلَحَةِ كُلِّ قَاصِرٍ؛ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ غَيْرَ صَغِيرٍ.

أَقْسَامُ الْوِلَايَةِ:

تَنْقَسِمُ الْوِلَايَةُ بِحَسَبِ السُّلْطَةِ الْمُخَوَّلَةِ لِلْوَلِيِّ إِلَى قِسْمَيْنِ: وِلَايَةٍ عَلَى النَّفْسِ، وَوِلَايَةٍ عَلَى الْمَالِ.

أ- الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ:

20- يَقُومُ الْوَلِيُّ بِمُقْتَضَاهَا بِالْإِشْرَافِ عَلَى شُؤُونِ الصَّغِيرِ الشَّخْصِيَّةِ، مِثْلِ: التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّطْبِيبِ إِلَى آخِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ أُمُورٍ، وَكَذَا تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ فَالتَّزْوِيجُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ.

ب- الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَالِ:

21- يَقُومُ الْوَلِيُّ بِمُقْتَضَاهَا بِالْإِشْرَافِ عَلَى شُؤُونِ الصَّغِيرِ الْمَالِيَّةِ: مِنْ إِنْفَاقٍ، وَإِبْرَامِ عُقُودٍ، وَالْعَمَلِ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ وَتَنْمِيَتِهِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ فِي تَقْسِيمِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَرَاتِبِهِمْ، يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وِلَايَةٌ).

تَأْدِيبُ الصِّغَارِ وَتَعْلِيمُهُمْ:

22- يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُ الصِّغَارِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ؛ الَّتِي تَغْرِسُ فِي نَفْسِ الطِّفْلِ الْأَخْلَاقَ الْكَرِيمَةَ وَالسُّلُوكَ الْقَوِيمَ، كَالْأَمْرِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ فِي طَوْقِهِ: يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (تَأْدِيبٌ، تَعْلِيمٌ).

تَطْبِيبُ الصَّغِيرِ:

23- لِلْوَلِيِّ عَلَى النَّفْسِ وِلَايَةُ عِلَاجِ الصَّغِيرِ وَتَطْبِيبُهُ وَخِتَانُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ اللاَّزِمَةِ لِلصِّغَارِ لِتَعَلُّقِهَا بِصِحَّتِهِ وَيَتَحَقَّقُ هَذَا بِالْإِذْنِ لِلطَّبِيبِ فِي تَقْدِيمِ الْعِلَاجِ اللاَّزِمِ لِلصِّغَارِ، وَالْإِذْنِ فِي إِجْرَاءِ الْعَمَلِيَّاتِ الْجِرَاحِيَّةِ لَهُمْ.

قَالَ الْفُقَهَاءُ: هَذَا خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ عَلَى النَّفْسِ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَالِ ذَلِكَ، فَلَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ عَلَى الْمَالِ لِلطَّبِيبِ بِإِجْرَاءِ عَمَلِيَّةٍ لِلصَّغِيرِ فَهَلَكَ، فَعَلَى الْوَلِيِّ الدِّيَةُ لِتَعَدِّيهِ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ مُلِحَّةٌ فِي إِجْرَاءِ الْعَمَلِيَّةِ لِإِنْقَاذِ حَيَاةِ الصَّغِيرِ، وَتَغَيَّبَ الْوَلِيُّ عَلَى النَّفْسِ فَلِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَالِ الْإِذْنُ فِي إِجْرَاءِ الْعَمَلِيَّةِ، أَوْ لِأَيِّ أَحَدٍ مِنْ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ إِنْقَاذَ الْآدَمِيِّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.

تَصَرُّفَاتُ الْوَلِيِّ الْمَالِيَّةُ:

24- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَتَصَرَّفُ وُجُوبًا فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِمُقْتَضَى الْمَصْلَحَةِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} كَمَا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَلِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}.

وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا؛ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ.

وَوَرَدَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَلِيَ يَتِيمٌ؟ قَالَ: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ، وَلَا مُبَاذِرٍ، وَلَا مُتَأَثِّلٍ، وَلَا تَخْلِطْ مَالَكَ بِمَالِهِ» وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وِلَايَةٌ).

أَحْكَامُ الصَّغِيرِ فِي الْعِبَادَاتِ:

الطَّهَارَةُ:

25- تَجِبُ الطَّهَارَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إِذَا تَحَقَّقَ سَبَبُهَا، أَمَّا الصَّغِيرُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ الْوَلِيُّ بِهَا أَمْرَ تَأْدِيبٍ وَتَعْلِيمٍ. بَوْلُ الصَّغِيرِ:

26- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ إِذَا أَكَلَا الطَّعَامَ وَبَلَغَا عَامَيْنِ فَإِنَّ بَوْلَهُمَا نَجِسٌ كَنَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَبِيرِ؛ يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ إِذَا أَصَابَهُ هَذَا الْبَوْلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَةِ الْبَوْلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ».

أَمَّا بَوْلُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إِذَا لَمْ يَأْكُلَا الطَّعَامَ، وَكَانَا فِي فَتْرَةِ الرَّضَاعَةِ؛ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي وُجُوبِ التَّطَهُّرِ مِنْهُ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُرْضِعَةِ أَوْ جَسَدَهَا مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطِ الطِّفْلِ؛ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أُمَّهُ أَمْ غَيْرَهَا، إِذَا كَانَتْ تَجْتَهِدُ فِي دَرْءِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا حَالَ نُزُولِهَا، بِخِلَافِ الْمُفَرِّطَةِ، لَكِنْ يُنْدَبُ غَسْلُهُ إِنْ كَثُرَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ فَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ بَوْلُ الصَّغِيرِ اكْتَفَى بِنَضْحِهِ بِالْمَاءِ، وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ بَوْلُ الصَّغِيرَةِ وَجَبَ غَسْلُهُ؛ لِحَدِيثِ «أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا: أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ، فَبَالَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا» وَلِحَدِيثِ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ».

وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مِنَ اتِّفَاقٍ وَاخْتِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَوْلِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ يَنْطَبِقُ تَمَامًا عَلَى قَيْءِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ. أَذَانُ الصَّبِيِّ:

27- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ أَذَانِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَا يَفْعَلُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَذَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ إِلاَّ إِذَا اعْتَمَدَ عَلَى بَالِغٍ فِي إِخْبَارِهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنْ أَذَّنَ الصَّغِيرُ بِلَا اعْتِمَادٍ عَلَى بَالِغٍ وَجَبَ عَلَى الْبَالِغِينَ إِعَادَةُ الْآذَانِ.

أَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: فَيَصِحُّ أَذَانُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (أَذَانٌ).

صَلَاةُ الصَّغِيرِ:

28- لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ».

وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الصَّغِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِالصَّلَاةِ تَعْوِيدًا لَهُ، إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ؛ زَجْرًا لَهُ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».

عَوْرَةُ الصَّغِيرِ:

29- مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَلَقَدْ تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنْ تَحْدِيدِ عَوْرَةِ الْكِبَارِ مِنِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَيْفِيَّةِ سَتْرِهَا، كَمَا تَكَلَّمُوا عَنْ تَحْدِيدِ عَوْرَةِ الصِّغَارِ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا.

وَلَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ عَوْرَةِ الصِّغَارِ وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ أَقْوَالِهِمْ مِنْ خِلَالِ مَذَاهِبِهِمْ:

أَوَّلًا- الْحَنَفِيَّةُ:

لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَيُبَاحُ النَّظَرُ إِلَى بَدَنِهِ وَمَسُّهُ، أَمَّا مَنْ بَلَغَ أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ، وَلَمْ يُشْتَهَ فَعَوْرَتُهُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ، ثُمَّ تَغْلُظُ عَوْرَتُهُ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ.أَيْ تُعْتَبَرُ عَوْرَتُهُ: الدُّبُرُ وَمَا حَوْلَهُ مِنِ الْأَلْيَتَيْنِ، وَالْقُبُلُ وَمَا حَوْلَهُ.وَبَعْدَ الْعَاشِرَةِ: تُعْتَبَرُ عَوْرَتُهُ مِنِ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ كَعَوْرَةِ الْبَالِغِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، إِذَا كَانَ ذَكَرًا.وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى بَالِغَةً فَجَسَدُهَا كُلُّهُ عَوْرَةٌ إِلاَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ.

ثَانِيًا- الْمَالِكِيَّةُ:

يُفَرِّقُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى:

أ- فِي الصَّلَاةِ:

عَوْرَةُ الصَّغِيرِ الْمَأْمُورِ بِالصَّلَاةِ، وَهُوَ بَعْدَ تَمَامِ السَّبْعِ هِيَ: السَّوْأَتَانِ، وَالْأَلْيَتَانِ، وَالْعَانَةُ، وَالْفَخِذُ، فَيُنْدَبُ لَهُ سَتْرُهَا كَحَالَةِ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ مِنَ الْبَالِغِ.

وَعَوْرَةُ الصَّغِيرَةِ الْمَأْمُورَةِ بِالصَّلَاةِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيُنْدَبُ لَهَا سَتْرُهَا كَالسَّتْرِ الْمَطْلُوبِ مِنَ الْبَالِغَةِ.

ب- خَارِجَ الصَّلَاةِ:

ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ فَأَقَلَّ لَا عَوْرَةَ لَهُ، فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَتَغْسِيلُهُ مَيِّتًا.وَابْنُ تِسْعٍ إِلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ تَغْسِيلُهُ، وَابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَكْثَرَ عَوْرَتُهُ كَعَوْرَةِ الرِّجَالِ.

وَبِنْتُ سَنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ لَا عَوْرَةَ لَهَا وَبِنْتُ ثَلَاثِ سِنِينَ إِلَى أَرْبَعٍ لَا عَوْرَةَ لَهَا فِي النَّظَرِ؛ فَيُنْظَرُ إِلَى بَدَنِهَا وَلَهَا عَوْرَةٌ فِي الْمَسِّ، فَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَهَا، وَالْمُشْتَهَاةُ بِنْتُ سَبْعِ سَنَوَاتٍ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَتِهَا، وَلَا تَغْسِيلُهَا.

ثَالِثًا- الشَّافِعِيَّةُ:

عَوْرَةُ الصَّغِيرِ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَالرَّجُلِ (مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ)، وَعَوْرَةُ الصَّغِيرَةِ كَالْكَبِيرَةِ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا.

رَابِعًا- الْحَنَابِلَةُ:

لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ؛ فَيُبَاحُ النَّظَرُ إِلَيْهِ وَمَسُّ جَمِيعِ بَدَنِهِ.وَابْنُ سَبْعٍ إِلَى عَشْرٍ عَوْرَتُهُ الْفَرْجَانِ فَقَطْ؛ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَبِنْتُ سَبْعٍ إِلَى عَشْرٍ: عَوْرَتُهَا فِي الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهَا الِاسْتِتَارُ وَسَتْرُ الرَّأْسِ كَالْبَالِغَةِ احْتِيَاطًا، وَأَمَامَ الْأَجَانِبِ: عَوْرَتُهَا جَمِيعُ بَدَنِهَا إِلاَّ الْوَجْهَ، وَالرَّقَبَةَ، وَالرَّأْسَ، وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَالسَّاقَ، وَالْقَدَمَ.وَبِنْتُ عَشْرٍ كَالْكَبِيرَةِ تَمَامًا.

انْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ بِالصَّغِيرِ:

30- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ- فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ- إِلَى انْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِإِمَامٍ وَصَبِيٍّ فَرْضًا وَنَفْلًا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ صَبِيٌّ فِي التَّهَجُّدِ».

أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: فَلَا تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِصَغِيرٍ فِي فَرْضٍ.أَمَّا إِمَامَةُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (إِمَامَةٌ).

غُسْلُ الْمَوْلُودِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ:

31- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ غُسْلِ الصَّغِيرِ إِنْ وُلِدَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ.وَيُنْظَرُ: التَّفْصِيلُ فِي (تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ، اسْتِهْلَالٌ).

الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ:

32- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى وُجُوبِهَا فِي مَالِ الصَّغِيرِ إِذَا كَانَ الْمَالُ زُرُوعًا وَثِمَارًا وَعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِ.

صَوْمُ الصَّغِيرِ:

33- لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إِلاَّ بِبُلُوغِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ فِيهَا مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى الصِّغَارِ، وَلَمْ يُكَلَّفُوا بِأَدَائِهَا شَرْعًا لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِمْ لِذَلِكَ؛ فَإِنْ صَامَ الصَّغِيرُ صَحَّ صَوْمُهُ، وَيَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّوْمِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، وَيَضْرِبَهُ إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سَنَوَاتٍ لِكَيْ يَعْتَادَ عَلَى الصَّوْمِ؛ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ يَتَحَمَّلُ أَدَاءَ الصَّوْمِ بِلَا مَشَقَّةٍ، فَإِنْ كَانَ لَا يُطِيقُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِالصَّوْمِ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (صَوْمٌ).

حَجُّ الصَّبِيِّ:

34- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا إِلاَّ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَيَقَعُ نَفْلًا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. (يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي حَجٌّ).

يَمِينُ الصَّغِيرِ وَنَذْرُهُ:

35- لَا يَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَلَا نَذْرُهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ؛ يَسْتَوِي فِي هَذَا الْحُكْمِ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ.انْظُرْ: (أَيْمَان، وَنَذْر).

اسْتِئْذَانُ الصَّغِيرِ:

36- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ: (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَطَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ، وَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ) إِلَى وُجُوبِ أَمْرِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ بِالِاسْتِئْذَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَخَفُّفِ النَّاسِ فِيهَا مِنَ الثِّيَابِ.

وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الِاسْتِئْذَانِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ فِي الِاسْتِئْذَانِ عِنْدَ كُلِّ خُرُوجٍ وَدُخُولٍ.وَالصَّغِيرُ مِمَّنْ يَكْثُرُ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ؛ فَهُوَ مِنَ الطَّوَّافِينَ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

وَذَهَبَ أَبُو قِلَابَةَ إِلَى أَنَّ اسْتِئْذَانَ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ مَنْدُوبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّمَا أُمِرُوا بِهَذَا نَظَرًا لَهُمْ».

أَحْكَامُ الصَّغِيرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ:

أ- وَقْتُ تَسْلِيمِ الصَّغِيرِ أَمْوَالَهُ:

37- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُسَلَّمُ لِلصَّغِيرِ أَمْوَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ رَاشِدًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِ عَلَى شَرْطَيْنِ: هُمَا الْبُلُوغُ، وَالرُّشْدُ فِي قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِمَا.

فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ فَإِمَّا أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ.

فَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا مُصْلِحًا لِلْمَالِ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالُهُ؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ».وَإِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ لقوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}.

وَلِلصَّغِيرَةِ أَحْكَامٌ مِنْ حَيْثُ وَقْتُ تَرْشِيدِهَا وَيُنْظَرُ فِي: (حَجْرٌ، وَرُشْدٌ). 38- وَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ غَيْرَ رَشِيدٍ فَلَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بَلْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ السَّفَهِ بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}.

إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ عَلَى الْبَالِغِ غَيْرِ الرَّشِيدِ إِلَى بُلُوغِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ يُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَالُهُ وَلَوْ لَمْ يَرْشُدْ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذِهِ السِّنِّ إِهْدَارًا لِكَرَامَتِهِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُعْرَفُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجْرٌ، وَرُشْدٌ).

ب- الْإِذْنُ لِلصَّغِيرِ بِالتِّجَارَةِ:

39- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اخْتِبَارِ الْمُمَيِّزِ فِي التَّصَرُّفَاتِ؛ لِمَعْرِفَةِ رُشْدِهِ، لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ، وَاخْتِبَارُهُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ اخْتُبِرَ بِالْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الزُّرَّاعِ اخْتُبِرَ بِالزِّرَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ أَصْحَابِ الْحِرَفِ اخْتُبِرَ بِالْحِرْفَةِ، وَالْمَرْأَةُ تُخْتَبَرُ فِي شُؤُونِ الْبَيْتِ مِنْ غَزْلٍ وَطَهْيِ طَعَامٍ وَصِيَانَتِهِ وَشِرَاءِ لَوَازِمِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهَا.

وَاخْتَلَفُوا فِي إِذْنِ الْوَلِيِّ لِلصَّغِيرِ بِالتِّجَارَةِ وَفِي أَثَرِ الْإِذْنِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ- فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ- وَالْحَنَابِلَةُ- فِي الرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ- يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَالِ الْإِذْنُ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ إِذَا أَنِسَ مِنْهُ الْخِبْرَةَ لِتَدْرِيبِهِ عَلَى طُرُقِ الْمَكَاسِبِ، لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} أَيِ اخْتَبِرُوهُمْ لِتَعْلَمُوا رُشْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاخْتِبَارُ بِتَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ إِلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْمُمَيِّزَ عَاقِلٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَيَرْتَفِعُ حَجْرُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِهَذَا الْإِذْنِ فَلَوْ تَصَرَّفَ بِلَا إِذْنٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ- وَلَمْ يَنْفُذْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَالْإِذْنُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، مِثْلَ: أَذِنْتُ لَكَ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ دَلَالَةً كَمَا لَوْ رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ دَلِيلُ الرِّضَا، وَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ سُكُوتُهُ لأَدَّى إِلَى الْإِضْرَارِ بِمَنْ يُعَامِلُونَهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ- مِنَ الْحَنَفِيَّةِ-: لَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ مُحْتَمِلٌ لِلرِّضَا وَلِعَدَمِ الرِّضَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إِلَيْهِ الْمَالُ وَيُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ وَعُقُودَهُ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ تَوَافُرِ الْعَقْلِ الْكَافِي لِتَقْدِيرِ الْمَصْلَحَةِ فِي مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْعُقَلَاءِ قَبْلَ وُجُودِ مَظِنَّةِ كَمَالِ الْعَقْلِ.

الْوَصِيَّةُ مِنَ الصَّغِيرِ:

40- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: - فِي أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ- عَلَى اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ؛ وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا، إِذْ هِيَ تَبَرُّعٌ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ.

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَصِيَّةَ الْمُمَيِّزِ وَهُوَ مَنْ أَتَمَّ السَّابِعَةَ إِذَا كَانَتْ لِتَجْهِيزِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَجَازَ وَصِيَّةَ صَبِيٍّ مِنْ غَسَّانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ أَوْصَى لِأَخْوَالِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي جَوَازِ وَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ سَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَصِيَّةَ الْمُمَيِّزِ؛ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا، دُونَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، إِذَا عَقَلَ الْمُمَيِّزُ الْقُرْبَةَ؛ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ يُحَقِّقُ نَفْعًا لَهُ فِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ، فَصَحَّ مِنْهُ كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ.

قَبُولُ الصَّغِيرِ لِلْوَصِيَّةِ:

41- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ يَرُدُّ عَنْهُ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَاقِصِ الْأَهْلِيَّةِ- وَهُوَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ- فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَهُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ نَفْعٌ مَحْضٌ لَهُ كَالْهِبَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِي الْوَقْفِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِوَلِيِّهِ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ فَلَا يَمْلِكُونَهُ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: أَمْرُ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ عَنْ نَاقِصِ الْأَهْلِيَّةِ لِوَلِيِّهِ يَفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ.

تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ:

42- لِلصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى الزَّوَاجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَلَكِنْ لَا يُبَاشِرُ عَقْدَ الزَّوَاجِ بِنَفْسِهِ، بَلْ يَقُومُ وَلِيُّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ وَتَزْوِيجِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُزَوَّجُ ذَكَرًا يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ تَزْوِيجُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى زُوِّجَتْ مِنْ إِنْسَانٍ صَالِحٍ يُحَافِظُ عَلَيْهَا وَيُدَبِّرُ شُؤُونَهَا.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (نِكَاح):

طَلَاقُ الصَّغِيرِ:

43- الطَّلَاقُ رَفْعُ قَيْدِ الزَّوَاجِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْتِزَامَاتٌ مَالِيَّةٌ، فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُ الصَّبِيِّ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ طَلَاقَ مُمَيِّزٍ يَعْقِلُ الطَّلَاقَ وَلَوْ كَانَ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ، بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ إِذَا طَلَّقَهَا، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُمَيِّزِ فِي الطَّلَاقِ وَتَوَكُّلُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ مُبَاشَرَةُ شَيْءٍ، صَحَّ أَنْ يُوَكَّلَ وَأَنْ يَتَوَكَّلَ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنْ يُطَلِّقَ الْوَلِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ بِلَا عِوَضٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ضَرَرٌ.

عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ:

44- الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا بِطَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ، كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَلَمَّا كَانَ زَوَاجُ الصَّغِيرَةِ جَائِزًا صَحَّ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، فَإِذَا طَلُقَتِ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَلْزَمُهَا، وَتَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ.وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ «بَعْضَ الصَّحَابَةِ سَأَلُوا النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ عِدَّةِ الصَّغِيرَاتِ فَنَزَلَ قوله تعالى: {وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} ».

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغِيرَاتِ فَتَكُونُ عِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.وَإِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ وَفَاةٍ: تَكُونُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بِدَلِيلِ قوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَزْوَاجًا} لَفْظٌ عَامٌّ يَشْمَلُ الْكَبِيرَاتِ وَالصَّغِيرَاتِ، فَتَكُونُ عِدَّةُ الصَّغِيرَاتِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.وَلِلصَّغِيرَةِ فِي الْعِدَّةِ حَقُّ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى عَلَى زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ يُعْرَفُ فِي مُصْطَلَحِ: (عِدَّةٌ). قَضَاءُ الصَّغِيرِ:

45- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الصَّغِيرِ الْقَضَاءَ، وَبِالتَّالِي لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ.انْظُرْ: (قَضَاء).

شَهَادَةُ الصَّغِيرِ:

46- يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَاقِلًا بَالِغًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}.وَقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وَالصَّغِيرُ مِمَّنْ لَا تُرْضَى شَهَادَتُهُ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَأْثَمُ بِكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ.

وَأَمَّا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي الْجِرَاحِ، وَفِي الْقَتْلِ؛ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

أَحْكَامُ الصَّغِيرِ فِي الْعُقُوبَاتِ:

47- لَقَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ مَرَاحِلَ الصِّغَرِ إِلَى قِسْمَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ:

الْأَوَّلِ: الصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَهَذَا لَا تُطَبَّقُ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةِ أَصْلًا؛ لِانْعِدَامِ مَسْئُولِيَّتِهِ.

الثَّانِي: الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ لَا تُطَبَّقُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ، وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ؛ بِالتَّوْبِيخِ وَالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُتْلِفِ أَمَّا إِذَا ارْتَكَبَ الصَّغِيرُ فِعْلًا مِنْ شَأْنِهِ إِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ، وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَ إِنْسَانًا خَطَأً وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، هَذَا هُوَ الْمَبْدَأُ الْعَامُّ الَّذِي يُحَدِّدُ عَلَاقَةَ الصِّغَارِ بِالْعُقُوبَاتِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ- دِيَةٌ- قِصَاصٌ).

حَقُّ الصَّغِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ:

48- حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ يَثْبُتُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ (وَرَثَتِهِ) وَالْأَوْلِيَاءُ قَدْ يَكُونُونَ جَمَاعَةً، أَوْ يَكُونُ وَاحِدًا مُنْفَرِدًا، وَالْجَمَاعَةُ قَدْ يَكُونُونَ جَمِيعًا كِبَارًا، أَوْ كِبَارًا وَصِغَارًا.وَالْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ قَدْ يَكُونُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا.

أَوَّلًا- إِذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ صَغِيرًا مُنْفَرِدًا:

49- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْتِظَارِ بُلُوغِهِ: فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ، وَالثَّانِيَةُ: يَسْتَوْفِي الْقَاضِي الْقِصَاصَ نِيَابَةً عَنِ الصَّغِيرِ.

أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ، وَلِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَوْ وَصِيِّهِ النَّظَرُ بِالْمَصْلَحَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ أَوْ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ كَامِلَةً.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، فَحَقُّهُ التَّفْوِيضُ إِلَى اخْتِيَارِ الْمُسْتَحِقِّ؛ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.

ثَانِيًا- إِذَا كَانَ الصَّغِيرُ مُشْتَرَكًا مَعَ جَمَاعَةٍ كِبَارٍ:

فَلِلْكِبَارِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقِصَاصِ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ وَالِاسْتِقْلَالِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ.

انْظُرْ: (قِصَاص).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


38-موسوعة الفقه الكويتية (عانة)

عَانَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْعَانَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ فَوْقَ الْفَرْجِ، وَتَصْغِيرُهَا عُوَيْنَةٌ وَقِيلَ: هِيَ الْمَنْبَتُ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْعَدَوِيُّ وَالنَّفْرَاوِيُّ: الْعَانَةُ: هِيَ مَا فَوْقَ الْعَسِيبِ وَالْفَرْجِ وَمَا بَيْنَ الدُّبُرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ الَّذِي فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ الَّذِي حَوَالَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَانَةِ:

حَلْقُ الْعَانَةِ:

2- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَلْقَ الْعَانَةِ سُنَّةٌ، وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبَ حَلْقِ الْعَانَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ إِذَا أَمَرَهَا زَوْجُهَا بِذَلِكَ.

الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ حَلْقِ الْعَانَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ الْإِزَالَةِ:

3- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ إِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ بِأَيِّ مُزِيلٍ مِنْ حَلْقٍ وَقَصٍّ وَنَتْفٍ وَنَوْرَةٍ لِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَتَأَدَّى بِالْإِزَالَةِ بِأَيِّ مُزِيلٍ كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِإِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ.

أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي حَقِّهَا النَّتْفُ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي قَوْلٍ إِلَى تَرْجِيحِ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي «النَّهْيِ عَنْ طُرُوقِ النِّسَاءِ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغَيَّبَةُ».

قَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا بَأْسَ بِالْإِزَالَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَفْضَلِيَّةَ الْحَلْقِ.

تَوْقِيتُ حَلْقِ الْعَانَةِ:

4- يُسْتَحَبُّ حَلْقُ الْعَانَةِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، وَجَازَ فِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشْرَ، وَكُرِهَ تَرْكُهُ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ تَحْدِيدٌ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ، وَلَا يَمْنَعُ تَفَقُّدَ ذَلِكَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ: الِاحْتِيَاجُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، وَالضَّابِطُ: الْحَاجَةُ فِي هَذَا وَفِي جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ (أَيْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ).

دَفْنُ شَعْرِ الْعَانَةِ:

5- يُسْتَحَبُّ دَفْنُ مَا أُخِذَ مِنْ شَعْرِ الْعَانَةِ وَمُوَارَاتُهُ فِي الْأَرْضِ.

قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ؟ قَالَ يَدْفِنُهُ، قُلْتُ: بَلَغَكَ فِيهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْفِنُهُ.

وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِ.الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا دَفْنَهَا لِكَوْنِهَا أَجْزَاءً مِنَ الْآدَمِيِّ.

حَلْقُ عَانَةِ الْمَيِّتِ:

6- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ الْمَيِّتِ وَهَذَا مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ أَوْرَدَ الزَّرْقَانِيُّ أَثَرًا بِلَفْظِ «يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ مَا يُصْنَعُ بِالْعَرُوسِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُحْلَقُ وَلَا يُنَوَّرُ».

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ شَعْرِ عَانَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَمْسِ عَوْرَتِهِ وَرُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نَظَرِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَلَا يُرْتَكَبُ مِنْ أَجْلِ مَنْدُوبٍ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْجَدِيدِ اسْتِحْبَابَ أَخْذِ شَعْرِ عَانَةِ الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَقُولُونَ بِكَرَاهَتِهِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: شَعْر).

النَّظَرُ إِلَى الْعَانَةِ لِلضَّرُورَةِ:

7- يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْعَانَةِ وَإِلَى الْعَوْرَةِ عَامَّةً لِحَاجَةٍ مُلْجِئَةٍ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يُبَاحُ لِلطَّبِيبِ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ بَدَنِهَا (بَدَنِ الْمَرْأَةِ) مِنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ (وَمِثْلُ ذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ) لِحَدِيثِ «عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ، فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يَنْبُتْ لَمْ يُقْتَلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يَنْبُتْ»، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تَنْبُتْ، فَجَعَلُونِي مِنَ السَّبْيِ».

وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ فَقَالَ: انْطُرُوا إِلَى مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ.

وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَأَمَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَالنَّظَرُ وَاللَّمْسُ مُبَاحَانِ لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ وَلَوْ فِي فَرْجٍ لِلْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ حَرَجًا، فَلِلرَّجُلِ مُدَاوَاةُ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ.

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي شُرُوطِ جَوَازِ مُعَالَجَةِ الطَّبِيبِ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً يُنْظَرُ: (عَوْرَة)

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ حَلْقَ الْعَانَةِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُهُ ضِمْنَ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُجِيزُ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ.

دَلَالَةُ ظُهُورِ شَعْرِ الْعَانَةِ عَلَى الْبُلُوغِ:

8- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَنَّ الْإِنْبَاتَ- وَهُوَ ظُهُورُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ لِلْعَانَةِ- عَلَامَةُ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا.

وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدِ اعْتَبَرَ الْإِنْبَاتَ أَمَارَةً عَلَى الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْلِمِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: بُلُوغ فِقْرَةُ 10).

الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَانَةِ:

9- تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي قَطْعِ عَانَةِ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ عَانَةُ الرَّجُلِ، لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا يُمْكِنُ إِهْدَارُهَا فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ حُكُومَةِ الْعَدْلِ وَكَيْفِيَّةِ تَقْدِيرِهَا يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (حُكُومَةُ عَدْلٍ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


39-موسوعة الفقه الكويتية (عورة)

عَوْرَة

التَّعْرِيفُ:

1- الْعَوْرَةُ فِي اللُّغَةِ: الْخَلَلُ فِي الثَّغْرِ وَفِي الْحَرْبِ، وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ مُنَكَّرًا، فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ.وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا} فَهُنَا وَرَدَ الْوَصْفُ مُفْرَدًا وَالْمَوْصُوفُ جَمْعًا.

وَتُطْلَقُ عَلَى السَّاعَةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِيهَا الْعَوْرَةُ عَادَةً لِلُّجُوءِ فِيهَا إِلَى الرَّاحَةِ وَالِانْكِشَافِ، وَهِيَ سَاعَةٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَسَاعَةٌ عِنْدَ مُنْتَصَفِ النَّهَارِ، وَسَاعَةٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرِ، وَفِي التَّنْزِيلِ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وَكُلُّ شَيْءٍ يَسْتُرُهُ الْإِنْسَانُ أَنَفَةً وَحَيَاءً فَهُوَ عَوْرَةٌ.

وَهِيَ فِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يَحْرُمُ كَشْفُهُ مِنَ الْجِسْمِ سَوَاءٌ مِنَ الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ، أَوْ هِيَ مَا يَجِبُ سِتْرُهُ وَعَدَمُ إِظْهَارِهِ مِنَ الْجِسْمِ، وَحَدُّهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَبِاخْتِلَافِ الْعُمْرِ، كَمَا يَخْتَلِفُ مِنَ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحْرَمِ وَغَيْرِ الْمَحْرَمِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي يَأْتِي، وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: هِيَ مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

السِّتْرُ:

2- السِّتْرُ لُغَةً: مَا يُسْتَرُ بِهِ، وَالسُّتْرَةُ بِالضَّمِّ مِثْلُهُ، وَيُقَالُ لِمَا يَنْصِبُهُ الْمُصَلِّي قُدَّامَهُ عَلَامَةً لِمُصَلاَّهُ مِنْ عَصًا وَغَيْرِهَا سُتْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْمَارَّ مِنَ الْمُرُورِ أَيْ يَحْجُبُهُ وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَالسِّتْرِ أَنَّ السِّتْرَ مَطْلُوبٌ لِتَغْطِيَةِ الْعَوْرَةِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَوْرَةِ:

تَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَةِ أَحْكَامٌ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا:

عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ:

3- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ جِسْمَ الْمَرْأَةِ كُلَّهُ عَوْرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إِلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ وَإِلَى الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ لَكِنْ جَوَازُ كَشْفِ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِأَمْنِ الْفِتْنَةِ.

وَوَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ إِظْهَارِ قَدَمَيْهَا؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى عَنْ إِبْدَاءِ الزِّينَةِ وَاسْتَثْنَى مَا ظَهَرَ مِنْهَا.وَالْقَدَمَانِ ظَاهِرَتَانِ وَيَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عُرْفًا وَاسْتِعْمَالًا لَا يَشْمَلُ ظَهْرَهُ.

وَوَرَدَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ إِظْهَارِ ذِرَاعَيْهَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا يَبْدُوَانِ مِنْهَا عَادَةً.

وَجَازَ كَشْفُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِمَا بِدَلِيلِ قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَيْ مَوَاضِعَهَا، فَالْكُحْلُ زِينَةُ الْوَجْهِ، وَالْخَاتَمُ زِينَةُ الْكَفِّ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنهما-، دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ»

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَدْرِ الْمُسْتَثْنَى فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ظَاهِرُ الزِّينَةِ هُوَ الثِّيَابُ، وَزَادَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْوَجْهَ.وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا وَعَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَالثِّيَابُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: ظَاهِرُ الزِّينَةِ هُوَ الْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخِضَابُ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَالْقُرْطُ وَالْفَتْخُ.

وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا عَرَكَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ إِلاَّ وَجْهَهَا، وَإِلاَّ مَا دُونَ هَذَا، وَقَبَضَ عَلَى ذِرَاعِ نَفْسِهِ، فَتَرَكَ بَيْنَ قَبْضَتِهِ وَبَيْنَ الْكَفِّ مِثْلَ قَبْضَةٍ أُخْرَى»

وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَشَرْطُ السَّاتِرِ مَنْعُ إِدْرَاكِ لَوْنِ الْبَشَرَةِ لَا حَجْمِهَا، فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَلَا مُهَلْهَلٌ لَا يَمْنَعُ إِدْرَاكَ اللَّوْنِ.

وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَنْهَا حَتَّى ظُفْرَهَا وَرُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَنْ يُبِينُ زَوْجَتَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهَا لِأَنَّهُ مَعَ الْأَكْلِ يَرَى كَفَّهَا، وَقَالَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَحْرُمُ نَظَرُ الْأَجْنَبِيِّ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ.وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلْحُرْمَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ» وَمَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- كَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَجِّ فَجَاءَتْهُ الْخَثْعَمِيَّةُ تَسْتَفْتِيهِ، فَأَخَذَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ هِيَ إِلَيْهِ، فَصَرَفَ- عليه الصلاة والسلام- وَجْهَ الْفَضْلِ عَنْهَا».

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْعَجُوزُ الَّتِي لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا غَالِبًا لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} وَفِي مَعْنَى الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَمَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ مِنَ الرِّجَالِ لِكِبَرٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالْخَصِيُّ وَالشَّيْخُ وَالْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا شَهْوَةَ لَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَوِي الْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ لقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ}.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ، إِذْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ حَتَّى إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: ظُهُورُ الْمَرْأَةِ بِالزِّينَةِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَالَّذِي لَا يَعْرِفُ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ لَا بَأْسَ بِهِ لقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} وَأَمَّا الَّذِي يَعْرِفُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا وَقَارَبَ الْحُلُمَ فَلَا يَجُوزُ لَهَا إِبْدَاءُ زِينَتِهَا لَهُ.

وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: مَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا سَوَاءٌ أَذِنَتْ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا بِهِ أَمْ لَمْ يَأْذَنَا بِهِ لِأَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ- رضي الله عنه- حِينَمَا خَطَبَ امْرَأَةً: «انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»

وَلِلْمَرْأَةِ أَيْضًا النَّظَرُ إِلَى مَا هُوَ غَيْرُ عَوْرَةٍ مِنَ الرَّجُلِ إِنْ أَرَادَتْ الِاقْتِرَانَ بِهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خِطْبَة ف 26، 29)

أَمَّا صَوْتُ الْمَرْأَةِ فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَيَجُوزُ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَقَالُوا: وَنُدِبَ تَشْوِيهُهُ إِذَا قُرِعَ بَابُهَا فَلَا تُجِيبُ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ.

عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ الْكَافِرَةِ:

4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ الْكَافِرَةَ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى بَدَنِهَا، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَتَجَرَّدَ بَيْنَ يَدَيْهَا، لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} أَيِ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ فَلَوْ جَازَ نَظَرُ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ لَمَا بَقِيَ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- الْأَمْرُ بِمَنْعِ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَرَى الْكَافِرَةُ مِنَ الْمُسْلِمَةِ مَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ الْمِهْنَةِ، وَفِي رَأْيٍ آخَرَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَرَى مِنْهَا مَا تَرَاهُ الْمُسْلِمَةُ مِنْهَا وَذَلِكَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَالرِّجَالِ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي النَّظَرِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: لَا تَنْظُرُ الْكَافِرَةُ إِلَى الْفَرْجِ مِنَ الْمُسْلِمَةِ وَلَا تَكُونُ قَابِلَةً لَهَا.وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَكْشِفُ قِنَاعَهَا عِنْدَ الذِّمِّيَّةِ وَلَا تَدْخُلُ مَعَهَا الْحَمَّامَ.

عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ:

5- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ هِيَ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ، أَيْ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلِذَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا عَدَا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ، وَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا، وَلَكِنْ يَحْرُمُ ذَلِكَ مَعَ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ.

عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحَارِمِ:

6- الْمُرَادُ بِمَحْرَمِ الْمَرْأَةِ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ لِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ (مُصَاهَرَةٍ) أَوْ رَضَاعٍ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ: إِنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَجُلٍ مَحْرَمٍ لَهَا هِيَ غَيْرُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا كَشْفُ صَدْرِهَا وَثَدْيَيْهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى مَحَارِمِهَا كَأَبِيهَا رُؤْيَةُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَتَلَذُّذٍ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ حُكْمَ الرَّجُلِ مَعَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ هُوَ كَحُكْمِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ.

وَعَوْرَةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ هُوَ مَحْرَمٌ لَهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إِلَى رُكْبَتِهَا، وَكَذَا ظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا أَيْ يَحِلُّ لِمَنْ هُوَ مَحْرَمٌ لَهَا النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مِنْهَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَخُلُوِّ نَظَرِهِ مِنَ الشَّهْوَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} وَالْمُرَادُ بِالزِّينَةِ مَوَاضِعُهَا لَا الزِّينَةُ نَفْسُهَا لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى أَصْلِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقًا، فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ، وَالْوَجْهُ مَوْضِعُ الْكُحْلِ، وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعَا الْقِلَادَةِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ، وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ، وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ، وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ، وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ، وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ، بِخِلَافِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعٍ لِلزِّينَةِ؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَمْرٌ شَائِعٌ وَلَا يُمْكِنُ مَعَهُ صِيَانَةُ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ عَنِ الْإِظْهَارِ وَالْكَشْفِ.

وَكُلُّ مَا جَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْهُنَّ دُونَ حَائِلٍ جَازَ لَمْسُهُ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَإِلاَّ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَلْوَةِ بِإِحْدَاهُنَّ مُنْفَرِدَيْنِ تَحْتَ سَقْفٍ وَاحِدٍ فَالرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُقَبِّلُ فَاطِمَة- رضي الله عنها-.

وَلَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى ظَهْرِ أَوْ بَطْنِ أَوْ فَخِذِ مَنْ هِيَ مَحْرَمٌ لَهُ فَضْلًا عَنْ حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، كَمَا لَمْ يَحِلَّ لَمْسُ أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لِعُمُومِ قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}؛ وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا، وَهُوَ- أَيِ الظِّهَارُ- تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ النَّظَرُ إِلَى ظَهْرِ الْأُمِّ وَبَطْنِهَا أَوْ لَمْسُهَا حَرَامًا لَمْ يَكُنِ الظِّهَارُ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا.

وَكُلُّ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ يَحِلُّ مِثْلُهُ لَهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ هُوَ مَحْرَمٌ لَهَا، وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ يَحْرُمُ عَلَيْهَا.

وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ جَوَازَ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى مَاعَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ مَحَارِمِهِ مِنَ النِّسَاءِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ صَحِيحَةٍ، وَقِيلَ: يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ فَقَطْ إِلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا عَادَةً فِي الْعَمَلِ دَاخِلِ الْبَيْتِ، أَيْ إِلَى الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ وَالْيَدِ إِلَى الْمِرْفَقِ وَالرِّجْلِ إِلَى الرُّكْبَةِ.

وَهُمْ يُقِرُّونَ هَذَيْنِ الِاتِّجَاهَيْنِ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِنَظَرِهَا إِلَى مَنْ هُوَ مَحْرَمٌ لَهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْكَافِرُ مَحْرَمٌ لِقَرِيبَتِهِ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى الْمَدِينَةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ فَطَوَتْ فِرَاشَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِئَلاَّ يَجْلِسَ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَحْتَجِبْ مِنْهُ وَلَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم-.

عَوْرَةُ الْأَمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ:

7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْرَةِ الْأَمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ.

فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ عَوْرَتَهَا هِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: عَوْرَتُهَا مِثْلُ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَحَارِمِهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ عَوْرَتَهَا كَعَوْرَةِ الْحُرَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلاَّ مَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الْحُرَّةِ.

عَوْرَةُ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ:

8- عَوْرَةُ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ- سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا لَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ- هِيَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَيَسْتَدِلُّونَ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَحْتَ السُّرَّةِ عَوْرَةٌ» وَالسُّرَّةُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ- رضي الله عنهما- أَبْدَى سُرَّتَهُ فَقَبَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-، وَلَكِنَّ الرُّكْبَةَ عَوْرَةٌ عِنْدَهُمْ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «الرُّكْبَةُ مِنَ الْعَوْرَةِ». وَمَا جَازَ نَظَرُهُ مِنَ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ جَازَ لَمْسُهُ.

وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ يَرَوْنَ أَنَّ الرُّكْبَةَ وَالسُّرَّةَ لَيْسَتَا مِنَ الْعَوْرَةِ فِي الرَّجُلِ، وَإِنَّمَا الْعَوْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ.

لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنَ الْعَوْرَةِ، وَمَا أَسْفَلَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنَ الْعَوْرَةِ».

وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا الْفَرْجَانِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَى أَنَسٌ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- حَسِرَ يَوْمَ خَيْبَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى أَنِّي لأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِهِ- عليه الصلاة والسلام- ».

وَجَوَازُ نَظَرِ الرَّجُلِ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى مَا هُوَ غَيْرُ عَوْرَةٍ مِنْهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ وُجُودِ الشَّهْوَةِ وَإِلاَّ حَرُمَ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهَا فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ عِنْدَ مَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ بِدَلِيلِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَشَفَ فَخِذَهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما-.وَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ- رضي الله عنه- سَتَرَهُ وَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ»

عَوْرَةُ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ:

9- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ.

فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ لَهَا النَّظَرَ إِلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ إِنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْفِتْنَةَ.

وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ لَهَا النَّظَرَ إِلَى مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنْ مَحْرَمِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْأَطْرَافُ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَا يُجِيزُونَ لَهَا النَّظَرَ إِلَى مَا هُوَ عَوْرَةٌ وَإِلَى مَا هُوَ غَيْرُ عَوْرَةٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ بِدَلِيلِ عُمُومِ آيَةِ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} وَبِدَلِيلِ مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ «كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: احْتَجِبَا مِنْهُ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ».

وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُجِيزُ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ».

عَوْرَةُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ:

10- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنْ لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جِدًّا، وَحَدَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا الصِّغَرَ بِأَرْبَعِ سَنَوَاتٍ فَمَا دُونَهَا، ثُمَّ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ يُعْتَبَرُ فِي عَوْرَتِهِ مَا غَلُظَ مِنَ الْكَبِيرِ، وَتَكُونُ عَوْرَتُهُ بَعْدَ الْعَشْرِ كَعَوْرَةِ الْبَالِغِينَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ السَّبْعِ، لِأَمْرِهِمَا بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَا هَذِهِ السِّنَّ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الصَّغِيرَ ابْنَ ثَمَانِ سَنَوَاتٍ فَأَقَلَّ لَا عَوْرَةَ لَهُ، فَلِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ حَيًّا وَأَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا، وَلَهَا النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ مَنْ هُوَ بَيْنَ التَّاسِعَةِ وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهَا غُسْلُهُ، وَالْبَالِغُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَمَا فَوْقَ عَوْرَتُهُ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ.

أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَهِيَ إِلَى سِنِّ السَّنَتَيْنِ وَثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ فَلَا عَوْرَةَ لَهَا إِذَا كَانَتْ رَضِيعَةً، وَأَمَّا غَيْرُ الرَّضِيعَةِ إِنْ كَانَتْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَلَا عَوْرَةَ لَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّظَرِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسِّ فَعَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ فَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَهَا، أَمَّا الْمُشْتَهَاةُ فَعَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّظَرِ وَالتَّغْسِيلِ.

وَعَوْرَةُ الصَّغِيرِ فِي الصَّلَاةِ السَّوْأَتَانِ وَالْعَانَةُ وَالْأَلْيَتَانِ، فَيُنْدَبُ لَهُ سَتْرُهَا، أَمَّا عَوْرَةُ الصَّغِيرَةِ فَهِيَ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ سَتْرُهُ عَلَى الْحُرَّةِ فَمَنْدُوبٌ لَهَا فَقَطْ.

وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حِلُّ النَّظَرِ إِلَى صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَظِنَّةَ الشَّهْوَةِ، إِلاَّ الْفَرْجُ فَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَفَرْجُ الصَّغِيرِ كَفَرْجِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْقَطَّانِ الْأُمَّ زَمَنَ الرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُرْضِعَةُ غَيْرَ الْأُمِّ كَالْأُمِّ

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُرَاهِقَ فِي نَظَرِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ كَالرَّجُلِ الْبَالِغِ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَبْرُزَ لَهُ لقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ مَعَهَا كَالْبَالِغِ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُرَاهِقِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يَحْكِي مَا يَرَاهُ فَكَالْعَدِمِ.أَوْ بَلَغَهُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ كَالْمَحْرَمِ، أَوْ بِشَهْوَةٍ فَكَالْبَالِغِ، وَقَالُوا: إِنَّ عَوْرَةَ الصَّغِيرِ فِي الصَّلَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُرَاهِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ كَعَوْرَةِ الْمُكَلَّفِ فِي الصَّلَاةِ.

وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: إِنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ لَا عَوْرَةَ لَهُ، فَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ وَمَسُّهُ، وَمَنْ زَادَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى مَا قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَعَوْرَتُهُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَعَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ.وَأَمَّا خَارِجُهَا فَعَوْرَتُهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحَارِمِ هِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْأَجَانِبِ مِنَ الرِّجَالِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إِلاَّ الْوَجْهَ وَالرَّقَبَةَ وَالرَّأْسَ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ.

عَوْرَةُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْآخَرِ:

11- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ أَيُّ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِ الزَّوْجَةِ عَوْرَةً بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجِ وَكَذَلِكَ أَيُّ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ بِالنِّسْبَةِ لَهَا، وَعَلَيْهِ يَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ جِسْمِ الْآخَرِ وَمَسُّهُ حَتَّى الْفَرْجُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مُبَاحٌ، فَيَكُونُ نَظَرُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْآخَرِ مُبَاحًا بِشَهْوَةٍ وَبِدُونِ شَهْوَةٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَصْلُ فِيهِ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وَمَا وَرَدَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ».

لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: يُكْرَهُ نَظَرُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى فَرْجِ الْآخَرِ، وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ أَشَدُّ كَرَاهَةً.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مِنَ الْأَدَبِ أَنْ يَغُضَّ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرَ عَنْ فَرْجِ صَاحِبِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ، وَلَا يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ» عَوْرَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ:

12- الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ الرَّقِيقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَالْأَمَةِ، وَالْحُرُّ كَالْحُرَّةِ، أَيْ فِيمَا هُوَ عَوْرَةٌ مِنْهَا وَفِيمَا هُوَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْشِفَ الْخُنْثَى لِلِاسْتِنْجَاءِ وَلَا لِلْغُسْلِ عِنْدَ أَحَدٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا إِنْ كَشَفَتْ عِنْدَ رَجُلٍ احْتَمَلَ أَنَّهَا أُنْثَى، وَإِنْ كَشَفَتْ عِنْدَ أُنْثَى احْتَمَلَ أَنَّهَا ذَكَرٌ.

وَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ يُعَامَلُ بِأَشَدِّ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَيُجْعَلُ مَعَ النِّسَاءِ رَجُلًا وَمَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ وَلَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِامْرَأَةٍ فَهُوَ مَعَهَا كَعَبْدِهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَالرَّجُلِ، لِأَنَّ سَتْرَ مَا زَادَ عَلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ مُحْتَمَلٌ فَلَا نُوجِبُ عَلَيْهِ حُكْمًا بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ مُتَرَدَّدٍ فِيهِ، وَالْعَوْرَةُ الْفَرْجَانِ اللَّذَانِ فِي قُبُلِهِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْجٌ حَقِيقِيٌّ، وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ تَغْطِيَتُهُ يَقِينًا إِلاَّ بِتَغْطِيَتِهِمَا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يَجِبُ سِتْرُ مَا قَرُبَ مِنَ الْفَرْجَيْنِ ضَرُورَةَ سَتْرِهِمَا. الْعَوْرَةُ فِي الصَّلَاةِ:

13- يَجِبُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ لِكِلَا الْجِنْسَيْنِ فِي حَالِ تَوَفُّرِ السَّاتِرِ لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ فِي الْآيَةِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ.وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ» أَيِ الْبَالِغَةِ، وَالثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْعَوْرَةِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِانْكِشَافِ الْعَوْرَةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلَاة ف 12.)

مَا تَسْتُرُهُ الْمَرْأَةُ فِي الْإِحْرَامِ:

14- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَا دَامَتْ مُحْرِمَةً لَيْسَ لَهَا أَنْ تُغَطِّيَ وَجْهَهَا إِذْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- مَوْقُوفًا عَلَيْهِ: إِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا.وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَلْبَسَ الْقُفَّازَيْنِ.

وَالتَّفْصِيلُ يُنْظَرُ فِي (إِحْرَام 67- 68).

لَمْسُ الْأَجْنَبِيِّ أَوِ الْأَجْنَبِيَّةِ:

15- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ مَسِّ الرَّجُلِ شَيْئًا مِنْ جَسَدِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْحَيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ شَابَّةً أَمْ عَجُوزًا، لِمَا وَرَدَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ تَمَسَّ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ».وَلِأَنَّ الْمَسَّ أَبْلَغُ مِنَ النَّظَرِ فِي اللَّذَّةِ وَإِثَارَةِ الشَّهْوَةِ.

وَوَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ فِي حُكْمِ لَمْسِ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ.وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْعَجُوزِ وَمَسِّ يَدِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ.

عَوْرَةُ الْمَيِّتِ:

16- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْمَيِّتِ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهَا كَحُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْحَيِّ «لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ- رضي الله عنه-: لَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ».

أَمَّا لَمْسُ الْمَيِّتِ لِتَغْسِيلِهِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ ف 11 وَمَا بَعْدَهَا.)

النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَةِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ:

17- يُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِجَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَعِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.وَكَذَلِكَ لَهَا النَّظَرُ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يَجُوزُ النَّظَرُ لِلشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً، هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ يَخَفِ الْفِتْنَةَ فَإِنْ خَافَهَا لَمْ يَنْظُرْ إِلاَّ إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَيَنْظُرُ وَيَضْبِطُ نَفْسَهُ، كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى وَالْوِلَادَةِ، وَإِلَى الثَّدْيِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الرَّضَاعِ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلِلشَّاهِدِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَيْنِهَا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا.وَإِنْ عَامَلَ امْرَأَةً فِي بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ فَلَهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا لِيَعْلَمَهَا بِعَيْنِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّابَّةِ دُونَ الْعَجُوزِ، وَلَعَلَّهُ كَرِهَهُ لِمَنْ يَخَافُ الْفِتْنَةَ أَوْ يَسْتَغْنِي عَنِ الْمُعَامَلَةِ، فَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِ الشَّهْوَةِ فَلَا بَأْسَ.

وَيُصَرِّحُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى امْرَأَةٍ.وَلِلشَّاهِدِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَإِنْ خَافَ الِاشْتِهَاءَ، لِلْحَاجَةِ إِلَى إِحْيَاءِ الْحُقُوقِ عَنْ طَرِيقِ الْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ.

أَمَّا النَّظَرُ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَقِيلَ يُبَاحُ وَإِنْ أَدَّى إِلَى الِاشْتِهَاءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ.إِذْ يُوجَدُ مَنْ يُؤَدِّيهَا دُونَ الِاشْتِهَاءِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ وَفِي حَالَةِ الزِّنَى تَنْهَضُ الْحَاجَةُ لِلنَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ثُمَّ أَدَائِهَا، إِذْ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَى بِدُونِ النَّظَرِ إِلَى هَذِهِ الْعَوْرَةِ.وَالْحُرْمَةُ تَسْقُطُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ. كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ:

18- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مِنَ الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ، لِأَيٍّ مِنْ جِنْسِهِمَا أَوْ مِنَ الْجِنْسِ الْآخَرِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَابِلَةِ النَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ أَوْ لِمَعْرِفَةِ الْبَكَارَةِ فِي امْرَأَةِ الْعِنِّينِ أَوْ نَحْوِهَا، وَيَجُوزُ لِلطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ إِنْ لَمْ تُوجَدْ طَبِيبَةٌ أَنْ يُدَاوِيَ الْمَرِيضَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ الْمُسْلِمَةَ.وَيَنْظُرَ مِنْهَا وَيَلْمِسَ مَا تُلْجِئُ الْحَاجَةُ إِلَى نَظَرِهِ أَوْ لَمْسِهِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ طَبِيبَةٌ وَلَا طَبِيبٌ مُسْلِمٌ جَازَ لِلطَّبِيبِ الذِّمِّيِّ ذَلِكَ.

وَيَجُوزُ لِلطَّبِيبَةِ أَنْ تَنْظُرَ وَتَلْمِسَ مِنَ الْمَرِيضِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ الْمُلْجِئَةُ إِلَى نَظَرِهِ إِنْ لَمْ يُوجَدْ طَبِيبٌ يَقُومُ بِمُدَاوَاةِ الْمَرِيضِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى مُؤْتَزَرِهِ، فَنَظَرُوا وَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ نَظَرُ الطَّبِيبِ إِلَى مَحَلِّ الْمَرَضِ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إِذَا كَانَ فِي الْوَجْهِ أَوِ الْيَدَيْنِ، قِيلَ وَلَوْ بِفَرْجِهَا لِلدَّوَاءِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْقَابِلَةِ نَظَرُ الْفَرْجِ، قَالَ التَّتَّائِيُّ: وَلِي فِيهِ وَقْفَةٌ، إِذِ الْقَابِلَةُ أُنْثَى وَهِيَ يَجُوزُ لَهَا نَظَرُ فَرْجِ الْأُنْثَى إِذَا رَضِيَتْ.

كَشْفُ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ:

19- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ.وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ...».

أَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِتَار ف 8 وَمَا بَعْدَهَا)

السَّلَامُ عَلَى مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ:

20- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ وَلَوْ كَانَ الِانْكِشَافُ لِضَرُورَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَقْضِي حَاجَتَهُ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ- صلى الله عليه وسلم- ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (سَلَام ف 17)

الْإِنْكَارُ عَلَى مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ

21- قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ رَأَى شَخْصٌ غَيْرَهُ مَكْشُوفَ الرُّكْبَةِ يُنْكِرُ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَلَا يُنَازِعُهُ إِنْ لَجَّ، وَفِي الْفَخِذِ يُعَنِّفُهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ.وَلَا يَضْرِبْهُ إِنْ لَجَّ، وَفِي السَّوْأَةِ يُؤَدِّبُهُ إِنْ لَجَّ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ يَلْزَمُهُ الْإِنْكَارُ عَلَى مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ؛ إِذْ هُوَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


40-موسوعة الفقه الكويتية (فرج)

فَرْج

التَّعْرِيفُ:

1- الْفَرْجُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِجَمْعِ سَوْآتِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ مِنَ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا مِنَ الْخَلْقِ.

وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: الْفَرْجُ مِنَ الْإِنْسَانِ يُطْلَقُ عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُنْفَرِجٌ أَيْ مُنْفَتِحٌ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْعُرْفِ فِي الْقُبُلِ.

وَالْفَرْجُ أَيْضًا الْخَلَلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَالثَّغْرُ الْمَخُوفُ، وَالْعَوْرَةُ.

وَاصْطِلَاحًا: قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْفَرْجَ لَا يَشْمَلُ الدُّبُرَ لُغَةً، وَإِنَّمَا يَشْمَلُهُ حُكْمًا، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَطَّابُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَرْجَ حَيْثُ أَطْلَقَتْهُ الْعَرَبُ فَلَا يُرِيدُونَ بِهِ إِلاَّ الْقُبُلَ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: الْفَرْجُ يُطْلَقُ عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفَرْجِ:

لِلْفَرْجِ- بِمَا يَشْمَلُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ- أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ فِي الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْهَا:

الْفَرْجُ عَوْرَةٌ:

2- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْفَرْجَ مِنَ الْعَوْرَةِ، بَلْ هُوَ أَشَدُّهَا.وَهُوَ عَوْرَةٌ مُغَلَّظَةٌ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَة).

رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ:

3- رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ هِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعِرْقِ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ الْخَارِجَةِ مِنْ بَاطِنِهِ، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ رُطُوبَةٌ دَاخِلِيَّةٌ، أَمَّا الْخَارِجَةُ مِنْ ظَاهِرِ الْفَرْجِ وَهُوَ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْغُسْلِ وَالِاسْتِنْجَاءِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ مُطْلَقًا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (نَجَاسَة).

الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ:

4- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْفَرْجِ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ مَسَّ الْفَرْجِ بِالْكَفِّ فِي الْجُمْلَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ».

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا، وَهَذَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ قَالُوهُ عَنْ تَوْقِيفٍ.

وَاشْتَرَطُوا لِلنَّقْضِ عَدَمَ الْحَائِلِ، لِلْحَدِيثِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَسَّ الْفَرْجِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لِمَا رَوَى طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلاَّ مُضْغَةٌ مِنْهُ أَوْ بَضْعَةٌ مِنْهُ».

قَالُوا: لَكِنْ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ يَغْسِلُ يَدَهُ نَدْبًا لِحَدِيثِ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» أَيْ لِيَغْسِلْ يَدَهُ، جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «هَلْ هُوَ إِلاَّ مُضْغَةٌ مِنْهُ».

ثُمَّ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ مَسُّ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَكَذَا حَلْقَةُ الدُّبُرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي الْجَدِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الَّذِي بِمَسِّهِ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الذَّكَرُ فَقَطْ، فَلَا نَقْضَ عِنْدَهُمْ بِمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا إِلاَّ إِنْ قَبَضَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَتْ يَدَهَا فِيمَا بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ، فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَهُمُ اتِّفَاقًا 5- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْفَرْجِ الْمَقْطُوعِ أَوْ مَحَلِّهِ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الْفَرْجِ الْمَقْطُوعِ، لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ، وَكَذَا مَسُّ مَحَلِّهِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فَرْجًا.

وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَسَّ الْفَرْجِ الْبَائِنِ مِنَ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ يَنْقُضُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ الْمُنْفَصِلِ- كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ- يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلاَّ مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ، إِذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ، وَأَمَّا الدُّبُرُ وَقُبُلُ الْمَرْأَةِ فَإِنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِمَا نُقِضَ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِمَا، وَإِلاَّ فَلَا، لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ.

وَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِمَسِّ مَحَلِّ قَطْعِ الْفَرْجِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (وُضُوء).

وَطْءُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ:

6- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي الْفَرْجِ، لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ» وَلِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ مَا هُوَ إِلاَّ دَمُ حَيْضٍ مُحْتَبِسٌ لِأَجْلِ الْحَمْلِ، فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ.وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَنْ بِهِ شَبَقٌ لَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ.

7- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ، لِمَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: «أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا».

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ.

(ر: اسْتِحَاضَةٌ ف 26، وَوَطْء) عَصْبُ الْمُسْتَحَاضَةِ فَرْجَهَا لِلصَّلَاةِ:

8- إِذَا أَرَادَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ غَسَلَتْ فَرْجَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ وَحَشَتْهُ بِقُطْنَةٍ وَخِرْقَةٍ دَفْعًا لِلنَّجَاسَةِ وَتَقْلِيلًا لَهَا، فَإِنْ كَانَ دَمُهَا قَلِيلًا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِذَلِكَ وَحْدَهُ شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِهَا وَتَلَجَّمَتْ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ- رضي الله عنها- أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ، فَقَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَتَلَجَّمِي».

فَسَادُ الصَّوْمِ بِإِدْخَالِ شَيْءٍ فِي الْفَرْجِ:

9- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ بِإِدْخَالِ شَيْءٍ فِي الْفَرْجِ أَوْ عَدَمِ فَسَادِهِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ فِي حَالِ إِفْسَادِ الصَّوْمِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ جِمَاعَ الصَّائِمِ غَيْرِ النَّاسِي فِي الْفَرْجِ يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَا تَجِبُ مَعَ ذَلِكَ إِلاَّ إِذَا تَوَفَّرَتِ الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ:

1- أَنْ يَكُونَ عَامِدًا.

2- أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا.

3- أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا.

4- أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ بِغَيْرِ صُنْعِهِ.

5- أَنْ يَكُونَ قَدْ نَوَى الصِّيَامَ لَيْلًا.

6- أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

7- أَنْ يَكُونَ أَدَاءً.

8- أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ بِهِ آدَمِيًّا فَلَا يَجِبُ فِي الْجِنِّ.

9- أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى عَلَى الْكَمَالِ فَلَا كَفَّارَةَ بِجِمَاعِ بَهِيمَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَلَوْ أَنْزَلَ، وَبِجِمَاعِ الصَّغِيرَةِ خِلَافٌ، فَالْأَوْجَهُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا كَفَّارَةَ بِجِمَاعِهَا.

10- أَنْ تَتَوَارَى الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ.

11- أَنْ يَكُونَ الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ، أَمَّا الْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ فَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَقْذَرٌ وَمَنْ لَهُ طَبِيعَةٌ سَلِيمَةٌ لَا يَمِيلُ إِلَيْهِ، وَفِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الدُّبُرِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا جَامَعَهَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، وَإِذَا أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا عُودًا أَوْ أُصْبُعًا أَوْ نَحْوَهُمَا، أَوْ أَدْخَلَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ نَحْوَ ذَلِكَ فِي دُبُرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأُصْبُعُ مُبْتَلَّةً أَوْ غَيَّبَ الْعُودَ وَنَحْوَهُ فِي الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ فَسَدَ الصَّوْمُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأُصْبُعُ يَابِسَةً أَوْ بَقِيَ طَرَفُ الْعُودِ أَوْ نَحْوِهِ خَارِجَ الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ فَلَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لَوْ أَدْخَلَتِ الصَّائِمَةُ أُصْبُعَهَا فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا لَا يَفْسُدُ عَلَى الْمُخْتَارِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ عَنْ طَرِيقِ الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ يُفْسِدُ الصِّيَامَ الْوَاجِبَ وَالتَّطَوُّعَ، وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ إِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ التَّالِيَةُ:

1- أَنْ يَكُونَ الْجِمَاعُ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ، فَوَطْءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ لَا قَضَاءَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَا مَذْيٌ، وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ كَذَلِكَ عَلَى امْرَأَةٍ وَطِئَهَا صَبِيٌّ وَلَمْ تُنْزِلْ.

2- أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا.

3- أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا.

4- أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ.

5- أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ الَّذِي أَفْسَدَهُ فِي رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي أَضْدَادِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَمُحْتَرَزَاتِهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إِلَى جَوْفِ الصَّائِمِ شَيْءٌ عَنْ طَرِيقِ الْفَرْجِ أَوِ الدُّبُرِ بَطَلَ صَوْمُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهُ أَوْ أَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ أُصْبُعَهَا أَوْ غَيْرَهَا دُبُرَهَا أَوْ قُبُلَهَا...بَطَلَ الصَّوْمُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمَةِ أَنْ لَا تُبَالِغَ بِأُصْبُعِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ، فَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا إِذَا قَعَدَتْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ فَيَلْزَمُهَا تَطْهِيرُهُ وَلَا يَلْزَمُهَا مُجَاوَزَتُهُ، فَإِنْ جَاوَزَتْهُ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهَا زِيَادَةً عَلَيْهِ بَطَلَ صَوْمُهَا، وَلَا كَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ إِلاَّ عَلَى مَنْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ أَوْ مُكْرَهٍ أَوْ جَاهِلِ التَّحْرِيمِ، وَلَا عَلَى مُفْسِدِ غَيْرِ رَمَضَانَ، أَوْ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَلَا عَلَى مُسَافِرٍ جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْلَ فَبَانَ نَهَارًا، وَلَا عَلَى مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَلَا عَلَى مَنْ زَنَى نَاسِيًا.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، أَوْ كَانَ الْجِمَاعُ دُونَ الْفَرْجِ وَأَنْزَلَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْجِمَاعَ دُونَ الْفَرْجِ وَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ الْإِنْزَالُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا كَالْعَامِدِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجِمَاعِ فِي الْقُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْوَطْءِ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْآدَمِيَّةِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَمُخَالِفٌ لِوَطْءِ الْآدَمِيَّةِ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِهِ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْطُوءَةِ زَوْجًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَيَفْسُدُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهَا أَوْ أُصْبُعِ غَيْرِهَا فِي فَرْجِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: لَا يَفْسُدُ صَوْمُهَا إِلاَّ بِالْإِنْزَالِ.

نَظَرُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى فَرْجِ الْآخَرِ:

10- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ نَظَرِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى فَرْجِ الْآخَرِ مُطْلَقًا، لِمَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ، قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ، فَجَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ.

لَكِنْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَدَبًا تَرْكُ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ وَلَا يَتَجَرَّدْ تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ»، وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «مَا نَظَرْتُ أَوْ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَطُّ» وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا رَآهُ مِنِّي».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ نَظَرِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الْفَرْجَ مِنَ الْآخَرِ وَمِنْ نَفْسِهِ بِلَا حَاجَةٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ بِالنَّظَرِ إِلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُكْرَهُ النَّظَرُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ بَلْ يَجُوزُ.

لَمْسُ فَرْجِ الزَّوْجَةِ:

11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ مَسُّ فَرْجِ زَوْجَتِهِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: سَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنِ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ تَمَسُّ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّكَ عَلَيْهَا هَلْ تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؟ قَالَ: لَا، وَأَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ.

وَقَالَ الْحَطَّابُ: قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْفَرْجِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَيَلْحَسَهُ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ.

وَقَالَ الْفَنَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ لِلزَّوْجِ كُلُّ تَمَتُّعٍ مِنْهَا بِمَا سِوَى حَلْقَةِ دُبُرِهَا، وَلَوْ بِمَصِّ بَظْرِهَا وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِجَوَازِ تَقْبِيلِ الْفَرْجِ قَبْلَ الْجِمَاعِ، وَكَرَاهَتِهِ بَعْدَهُ.

إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا:

12- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا.لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ».وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَطْء)

أَثَرُ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ فِي التَّحْرِيمِ:

13- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ، وَانْفَرَدَ الْحَنَفِيَّةُ بِالْقَوْلِ بِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ نَظَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى ذَكَرِ رَجُلٍ بِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ هُوَ إِلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ مَا لَمْ يُنْزِلْ، فَلَوْ أَنْزَلَ فَلَا حُرْمَةَ، لِأَنَّ النَّظَرَ مُؤَدٍّ إِلَى الْجِمَاعِ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، فَإِذَا أَنْزَلَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ فَلَا حُرْمَةَ، وَلِلشَّرْعِ مَزِيدُ اعْتِنَاءٍ فِي حُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَامَ شُبْهَةَ الْبَعْضِيَّةِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَقَامَ حَقِيقَتِهَا فِي إِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنَ التَّوَارُثِ، وَمَنْعِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَمَنْعِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَأُقِيمَ السَّبَبُ الدَّاعِي مَقَامَ الْمَدْعُوِّ احْتِيَاطًا.

وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمُ النَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ عِنْدَ اتِّكَاءِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: النَّظَرُ إِلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ مُحَرَّمٌ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشِّقِّ.

وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْفَرْجِ، وَالدَّاخِلُ فَرْجٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْخَارِجُ فَرْجٌ مِنْ وَجْهٍ، وَأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ مُتَعَذِّرٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ.

فَسْخُ النِّكَاحِ بِعَيْبِ الْفَرْجِ:

14- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ كَالْقَرَنِ وَالرَّتَقِ وَالْعَفَلِ لِلْمَرْأَةِ، وَالْجَبِّ وَالْخِصَاءِ وَالْعُنَّةِ لِلرَّجُلِ، فَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ سَنَدٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ

خَصِيٌّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَعْلَمْتَهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَعْلِمْهَا ثُمَّ خَيِّرْهَا وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبٍ فِي فَرْجِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي زِيَادٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَوْلُهُ: «لَا تُرَدُّ الْحُرَّةُ بِعَيْبٍ» وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِعَيْبٍ».

وَلِلزَّوْجَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ طَلَبُ التَّفْرِيقِ لِعَيْبٍ فِي فَرْجِ زَوْجِهَا، وَهُوَ الْعُنَّةُ وَالْخِصَاءُ وَالْجَبُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (طَلَاقٌ ف 93، 94).

النَّظَرُ إِلَى الْفَرْجِ لِأَجْلِ التَّدَاوِي:

15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ لِلتَّطْبِيبِ إِلَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ حِينَئِذٍ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، إِذِ الضَّرُورَاتُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الْجَوْهَرَةِ: إِذَا كَانَ الْمَرَضُ فِي سَائِرِ بَدَنِهَا غَيْرِ الْفَرْجِ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الدَّوَاءِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْلَمَ امْرَأَةٌ تُدَاوِيهَا، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ وَخَافُوا عَلَيْهَا أَنْ تَهْلِكَ أَوْ يُصِيبَهَا وَجَعٌ لَا تَحْتَمِلُهُ يَسْتُرُوا مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ مَوْضِعَ الْعِلَّةِ ثُمَّ يُدَاوِيهَا الرَّجُلُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ إِلاَّ عَنْ مَوْضِعِ الْجُرْحِ، وَيَنْبَغِي هُنَا لِلْوُجُوبِ.

وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ امْرَأَةٍ يُمْكِنُهَا تَعَاطِي ذَلِكَ مِنَ امْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ذِمِّيًّا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمٍ، وَقِيَاسُهُ مَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ لَا تَكُونَ كَافِرَةً أَجْنَبِيَّةً مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ لَمْ نَجِدْ لِعِلَاجِ الْمَرْأَةِ إِلاَّ كَافِرَةً وَمُسْلِمًا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْكَافِرَةَ تُقَدَّمُ، لِأَنَّ نَظَرَهَا وَمَسَّهَا أَخَفُّ مِنَ الرَّجُلِ.

وَفِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: وَلِطَبِيبٍ نَظَرُ وَلَمْسُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى نَظَرِهِ وَلَمْسِهِ حَتَّى فَرْجِهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا.

دِيَةُ الْفَرْجِ:

16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ فِي الذَّكَرِ أَوِ الْحَشَفَةِ دِيَةً كَامِلَةً وَفِي شُفْرِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَفِي الشُّفْرَيْنِ دِيَةً كَامِلَةً.كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي إِفْضَاءِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: فِي الْإِفْضَاءِ ثُلُثُ الدِّيَةِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف 38، 40، 51).

الْخِتَانُ:

17- الْخِتَانُ فِي الرَّجُلِ: قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ، بِحَيْثُ تَنْكَشِفُ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا، وَفِي الْمَرْأَةِ- وَيُسَمَّى خِفَاضًا- قَطْعُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنَ الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ.

وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الرِّجَالِ، مَكْرُمَةٌ فِي النِّسَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي النِّسَاءِ أَيْضًا، وَوَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ، وَالْحَنَابِلَةِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِتَانٌ ف 2، 3).

الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ:

18- مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ قَاعِدَةُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ.

فَإِذَا تَقَابَلَ فِي الْمَرْأَةِ حِلٌّ وَحُرْمَةٌ غَلَبَتِ الْحُرْمَةُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ كَمَا يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ.

قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَلِهَذَا امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ فِيمَا إِذَا اخْتَلَطَتْ مُحَرَّمَةٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ مَحْصُورَاتٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلُهُنَّ الْإِبَاحَةَ حَتَّى يَتَأَيَّدَ الِاجْتِهَادُ بِاسْتِصْحَابِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ النِّكَاحُ فِي صُورَةِ غَيْرِ الْمَحْصُورَاتِ رُخْصَةً مِنَ اللَّهِ لِئَلاَّ يَنْسَدَّ بَابُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ.

وَفِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ: إِذَا طَلَّقَ إِحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ نَسِيَهَا، وَكَذَلِكَ إِنْ مُتْنَ كُلُّهُنَّ إِلاَّ وَاحِدَةً لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا غَيْرُ الْمُطَلَّقَةِ.

وَصَرَّحَ ابْنُ نُجَيْمٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا إِذَا كَانَ فِي الْمَرْأَةِ سَبَبٌ مُحَقِّقٌ لِلْحُرْمَةِ، فَلَوْ كَانَ فِي الْحُرْمَةِ شَكٌّ لَمْ يُعْتَبَرْ، وَلِذَا قَالُوا لَوْ أَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فِي فَمِ رَضِيعَةٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي وُصُولِ اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِهَا لَمْ تَحْرُمْ، لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


41-موسوعة الفقه الكويتية (لباس المرأة)

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ

التَّعْرِيفُ:

1- اللباس مَا يَسْتُرُ الْجِسْمَ.جَمْعُهُ أَلْبِسَةٌ وَلُبُسٌ.يُقَالُ: لَبِسَ الثَّوْبَ لُبْسًا اسْتَتَرَ بِهِ، وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِبَاسٌ لِلْآخَرِ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} وَلِبَاسُ كُلِّ شَيْءٍ غِشَاؤُهُ، وَلِبَاسُ التَّقْوَى الْإِيمَانُ أَوِ الْحَيَاءُ أَوِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ.وَيُقَالُ: رَجُلٌ لِبَاسٌ: كَثِيرُ اللِّبَاسِ وَكَثِيرُ اللُّبْسِ.وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الزِّينَةُ:

2- الزينة فِي اللُّغَةِ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَيَوْمُ الزِّينَةِ يَوْمُ الْعِيدِ، وَالزَّيْنُ ضِدُّ الشَّيْنِ وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالزِّينَةُ أَعَمُّ مِنَ اللِّبَاسِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ مِنَ الْمَلَابِسِ مَا يُغَطِّي جَمِيعَ عَوْرَتِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَيْ لَا يُظْهِرْنَ شَيْئًا مِنَ الزِّينَةِ لِلْأَجَانِبِ إِلاَّ مَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَالرِّدَاءِ وَالثِّيَابِ يَعْنِي عَلَى مَا كَانَ يَتَعَاطَاهُ نِسَاءُ الْعَرَبِ مِنَ الْمُقَنَّعَةِ الَّتِي تُجَلِّلُ ثِيَابَهَا وَمَا يَبْدُو مِنْ أَسَافِلِ الثِّيَابِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فِيهِ لِأَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ.وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنهما- دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ».وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي (سَتْرُ الْعَوْرَةِ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا) وَ (عَوْرَةٌ ف 3 وَمَا بَعْدَهَا).

اللِّبَاسُ الَّذِي يَصِفُ أَوْ يَشِفُّ

4- لِبَاسُ الْمَرْأَةِ قَدْ يَكْشِفُ عَنِ الْعَوْرَةِ، وَقَدْ يَسْتُرُهَا وَلَكِنَّهُ يَصِفُ حَجْمَهَا، وَهُوَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ غَيْرُ شَرْعِيٍّ.فَإِنْ كَانَ يَكْشِفُ عَنْهَا بِحَيْثُ يُرَى لَوْنُ الْجِلْدِ مِنْ تَحْتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَمَامَ زَوْجِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الْأَجَانِبِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (أَلْبِسَةٌ ف 15) و (سَتْرُ الْعَوْرَةِ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا)، وَ (صَلَاةٌ ف 120)، وَ (عَوْرَةٌ ف 3 وَمَا بَعْدَهَا).

اللِّبَاسُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

5- يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ اللِّبَاسَ الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ لِلْحَاجَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَثُرَ أَوْ قَلَّ، وَسَوَاءٌ زَادَ الطَّرْزُ عَلَى قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُطَرَّزُ قَدْرَ الْعَادَةِ أَمْ لَا.

وَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي مُوسَى- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ:.«أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا».فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَكَذَلِكَ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ بِسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ.

تَشَبُّهُ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ فِي اللِّبَاسِ:

6- يَحْرُمُ تَشَبُّهُ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ فِي زِيِّهِنَّ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلْبَسَ لِبَاسًا خَاصًّا بِالرِّجَالِ لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- «لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: فَلَوِ اخْتَصَّتِ النِّسَاءُ أَوْ غَلَبَ فِيهِنَّ زِيٌّ مَخْصُوصٌ فِي إِقْلِيمٍ، وَغَلَبَ فِي غَيْرِهِ تَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِذَلِكَ الزِّيِّ- كَمَا قِيلَ إِنَّ نِسَاءَ قُرَى الشَّامِ يَتَزَيَّنَّ بِزِيِّ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَعَاطَوْنَ الْحَصَادَ وَالزِّرَاعَةَ وَيَفْعَلْنَ ذَلِكَ- فَهَلْ يَثْبُتُ فِي كُلِّ إِقْلِيمٍ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهِ بِهِ، أَوْ يُنْظَرُ لِأَكْثَرِ الْبِلَادِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.وَقَدْ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي لِبَاسِ وَزِيِّ كُلٍّ مِنَ النَّوْعَيْنِ حَتَّى يَحْرُمَ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهِ بِعُرْفِ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَسَنٌ.

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ أَمَامَ الْخَاطِبِ

7- الْمَخْطُوبَةُ أَجْنَبِيَّةٌ عَنِ الْخَاطِبِ وَعَلَى ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَلْبَسَ مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهَا خَلَا الْقَدْرِ الَّذِي يُبَاحُ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ.وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِطْبَةٌ ف 29).

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ فِي الْإِحْدَادِ:

8- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْمُحَدِّةِ لِبَعْضِ الثِّيَابِ عَلَى وَجْهِ الزِّينَةِ، وَفِي لُبْسِ الْحُلِيِّ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْدَادٌ ف 13 وَمَا بَعْدَهَا).

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ فِي الصَّلَاةِ

9- يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي حَالِ تَوَفُّرِ السَّاتِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ»: أَيِ الْبَالِغَةِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ ف 13).

لِبَاسُ الْمَرْأَةِ فِي الْإِحْرَامِ

10- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ لُبْسُ مَا يُغَطِّي وَجْهَهَا.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ تُغَطِّيهِ بِالسُّدْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ اخْتِلَافًا وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ ف 66 وَمَا بَعْدَهَا).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


42-موسوعة الفقه الكويتية (منكر)

مُنْكَرٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُنْكَرُ لُغَةً: بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَنْكَرَ وَهُوَ: خِلَافُ الْمَعْرُوفِ.

وَالْمُنْكَرُ: الْأَمْرُ الْقَبِيحُ.

وَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ إِنْكَارًا: إِذَا عِبْتَهُ وَنَهَيْتَهُ، وَأَنْكَرْتُ حَقَّهُ: جَحَدْتَهُ.

وَالْمُنْكَرُ فِي الِاصْطِلَاحِ: مَا لَيْسَ فِيهِ رِضَا اللَّهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.

وَالْمُنْكَرُ مِنَ الْحَدِيثِ: الْفَرْدُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَتْنُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ رَاوِيهِ فَلَا مُتَابِعَ لَهُ فِيهِ بَلْ وَلَا شَاهِدَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْمَعْرُوفُ:

2- الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ: الْخَيْرُ وَالرِّفْقُ وَالْإِحْسَانُ وَهُوَ ضِدُّ الْمُنْكَرِ.

الْمَعْرُوفُ اصْطِلَاحًا: هُوَ مَا قَبِلَهُ الْعَقْلُ وَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ وَوَافَقَهُ كَرَمُ الطَّبْعِ.وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمَعْرُوفِ التَّضَادُّ.

ب- الْمَعْصِيَةُ:

3- الْمَعْصِيَةُ لُغَةً: الْخُرُوجُ مِنَ الطَّاعَةِ وَمُخَالَفَةُ الْأَمْرِ.

وَاصْطِلَاحًا: مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ قَصْدًا.وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمَعْصِيَةِ أَنَّ الْمُنْكَرَ أَعَمُّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُنْكَرَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

فَمِنَ الْكِتَابِ قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.

وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».

وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ف 3).

5- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ هَلْ هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ نَافِلَةٌ؟ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ف 3).

شُرُوطُ الْمُنْكَرِ:

6- يُشْتَرَطُ فِي الْمُنْكَرِ الْمَطْلُوبِ تَغْيِيرُهُ مَا يَلِي:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا فِي الشَّرْعِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ بِأَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ مُسْتَمِرًّا عَلَى فِعْلِ الْمُنْكَرِ فَإِنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ تَرْكُ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْفِعْلِ لَمْ يَجُزْ إِنْكَارُ مَا وَقَعَ عَلَى الْفِعْلِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ ظَاهِرًا بِغَيْرِ تَجَسُّسٍ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مَعْلُومًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمُنْكَرُ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهِ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا يَقْتَصِرُ الْإِنْكَارُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بَلْ يَجِبُ النَّهْيُ عَنِ الصَّغَائِرِ أَيْضًا.

قَالَ الزُّرْقَانِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي يَجِبُ تَغْيِيرُهُ: مَعْرِفَتُهُ، وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مَفْسَدَةً، وَأَنْ يُظَنَّ الْإِفَادَةُ.

وَالْأَوَّلَانِ شَرْطَانِ لِلْجَوَازِ فَيَحْرُمُ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَالثَّالِثُ لِلْوُجُوبِ فَيَسْقُطُ عِنْدَ عَدَمِ ظَنِّ الْإِفَادَةِ، وَيَبْقَى الْجَوَازُ إِنْ لَمْ يَتَأَذَّ فِي بَدَنِهِ أَوْ عِرْضِهِ، وَإِلاَّ انْتَفَى الْجَوَازُ أَيْضًا.

وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي يَجِبُ تَغْيِيرُهُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ ضَعُفَ مَدْرَكُ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ، وَأَمَّا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ فَلَا يُنْكَرُ عَلَى مُرْتَكِبِهِ إِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ بِتَقْلِيدِهِ الْقَائِلَ بِالْحِلِّ.

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِذْنُ الْإِمَامِ وَلَا عَدَالَةُ الْآمِرِ أَوِ النَّاهِي عَلَى الْمَشْهُورِ لِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى نَعْمَلَ بِهِ وَلَا نَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى نَجْتَنِبَهُ كُلَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: بَلْ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبُوهُ كُلَّهُ».

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حِسْبَةٌ ف 28- 33).

شُرُوطُ الْإِنْكَارِ

7- مِنْ شُرُوطِ الْإِنْكَارِ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفْضِي إِلَى مَفْسَدَةٍ وَأَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ خَوْفَ التَّلَفِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ف 4).

الْإِنْكَارُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ

8- قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لِلظَّنِّ حَالَتَانِ: حَالَةٌ تُعْرَفُ وَتَقْوَى بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الدَّلَالَةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، وَأَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقَعَ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِ فَهَذَا هُوَ الشَّكُّ فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ.

وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجِبُ إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ فِي مِثْلِ الْحَالَاتِ التَّالِيَةِ:

الْأُولَى: لَوْ رَأَى إِنْسَانًا يَسْلُبُ ثِيَابَ إِنْسَانٍ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الْمَسْلُوبِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ رَأَى رَجُلًا يَجُرُّ امْرَأَةً إِلَى مَنْزِلِهِ يَزْعُمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ رَأَى إِنْسَانًا يَقْتُلُ إِنْسَانًا يَزْعُمُ أَنَّهُ كَافِرٌ حَرْبِيٌّ دَخَلَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَهُوَ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ، وَالدَّارُ دَالَّةٌ عَلَى إِسْلَامِ أَهْلِهَا لِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، فَفِي هَذِهِ الْحَالَاتِ وَأَمْثَالِهَا يُعْمَلُ بِالظُّنُونِ فَإِنْ أَصَابَ مَنْ قَامَ بِهَا فَقَدْ أَدَّى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يُصِبْ كَانَ مَعْذُورًا وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ.

أَقْسَامُ الْمُنْكَرِ

9- الْمُنْكَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.

وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.

فَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا تَعَلَّقَ بِالْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي: مَا تَعَلَّقَ بِالْمَحْظُورَاتِ، وَالثَّالِثُ: مَا تَعَلَّقَ بِالْمُعَامَلَاتِ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ حُكْمِ كُلِّ فَرْعٍ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحِ (حِسْبَةٌ ف 34).

وُجُودُ الْمُنْكَرِ فِي الْوَلِيمَةِ

10- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وُجُودَ الْمُنْكَرِ فِي الْوَلِيمَةِ يُبِيحُ عَدَمَ إِجَابَةِ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهَا إِلاَّ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ إِزَالَةَ هَذَا الْمُنْكَرِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (وَلِيمَةٌ).

إِبَاحَةُ الْغِيبَةِ لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ

11- قَالَ النَّوَوِيُّ: تُبَاحُ الْغِيبَةُ بِسِتَّةِ أَسْبَابٍ وَعَدَّ مِنْهَا: الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَابِ فَيَقُولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتَهُ عَلَى إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ: فُلَانٌ يَعْمَلُ كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَقْصُودُهُ إِزَالَةَ الْمُنْكَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا.

وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (غِيبَةٌ ف 10).

الْكِتَابَةُ إِلَى ذِي وِلَايَةٍ لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ

12- جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: رَجُلٌ عَلِمَ أَنَّ فُلَانًا يَتَعَاطَى مِنَ الْمُنْكَرِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى أَبِيهِ بِذَلِكَ؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إِلَى أَبِيهِ يَمْنَعْهُ الْأَبُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ لَوْ أَرَادَ مَنْعَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَكْتُبُ.

وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ وَالْحَشَمِ إِنَّمَا يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَهُ.كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ.

وَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَأْمُرَ وَلَدَهُ بِشَيْءٍ وَيَخَافُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ لَا يَمْتَثِلُ أَمْرَهُ يَقُولُ لَهُ: يَا وَلَدِي إِنْ فَعَلْتَ كَذَا أَوْ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا يَكُونُ حَسَنًا وَلَا يَأْمُرُهُ حَتَّى لَا يَلْحَقَهُ عُقُوبَةُ الْعُقُوقِ.

إِظْهَارُ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ

13- يَتَضَمَّنُ عَقْدُ الذِّمَّةِ شُرُوطًا يَلْزَمُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الِالْتِزَامُ بِهَا وَمِنْهَا عَدَمُ إِظْهَارِ الْمُنْكَرِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَهْلُ الذِّمَّةِ ف9).

التَّدَرُّجُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ

14- تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ لَهُ مَرَاتِبُ إِذْ يَتَدَرَّجُ مِنَ التَّنْبِيهِ وَالتَّذْكِيرِ إِلَى الْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ، ثُمَّ الزَّجْرِ وَالتَّأْنِيبِ، ثُمَّ التَّغْيِيرِ بِالْيَدِ، ثُمَّ إِيقَاعِ الْعُقُوبَةِ بِالنَّكَالِ وَالضَّرْبِ، وَأَخِيرًا الِاسْتِعْدَاءُ وَرَفْعُ الْأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (حِسْبَةٌ ف 42- 48).

صُوَرٌ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ

أ- مُنْكَرَاتُ الْمَسَاجِدِ

15- قَالَ الْغَزَالِيُّ: مِمَّا يُشَاهَدُ كَثِيرًا فِي الْمَسَاجِدِ إِسَاءَةُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ مُنْكَرٌ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ فَيَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ وَمَنْ رَأَى مُسِيئًا فِي صَلَاتِهِ فَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ شَرِيكُهُ فِي الْحُرْمَةِ هَكَذَا وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَفِي الْخَبَرِ النَّبَوِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «الْمُغْتَابُ وَالْمُسْتَمِعُ شَرِيكَانِ فِي الْإِثْمِ».

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ نَجَاسَةٍ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ لَا يَرَاهَا أَوِ انْحِرَافٍ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ بِسَبَبِ ظَلَامٍ أَوْ عَمَى الْبَصَرِ، فَكُلُّ ذَلِكَ تَجِبُ الْحِسْبَةُ فِيهِ وَيَجِبُ إِرْشَادُهُ بِذَلِكَ.

وَمِنْهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّحْنِ أَيْ بِالْخَطَأِ يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ وَيَجِبُ تَلْقِينُ الصَّحِيحِ وَتَكْرَارُهُ لَهُ حَتَّى يَعْرِفَهُ. وَمِنْهَا تَرَاسُلُ الْمُؤَذِّنِينَ فِي الْأَذَانِ وَتَطْوِيلُهُمْ فِي كَلِمَاتِهِ بِحَيْثُ يَضْطَرِبُ عَلَى الْحَاضِرِينَ جَوَابُ الْأَذَانِ لِتَدَاخُلِ الْأَصْوَاتِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْكَرَاتٌ مَكْرُوهَةٌ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا إِيَّاهُمْ وَإِرْشَادُهُمْ إِلَى مَا يُسَنُّ فِي الْأَذَانِ وَآدَابِهِ.

وَمِنْ مُنْكَرَاتِ الْمَسَاجِدِ: كَلَامُ الْقُصَّاصِ وَالْوُعَّاظِ الَّذِينَ يَمْزُجُونَ بِكَلَامِهِمُ الْبِدْعَةَ مِمَّا لَيْسَ فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فَالْقَاصُّ إِنْ كَانَ يَكْذِبُ فِي أَخْبَارِهِ لِلْحَاضِرِينَ فَهُوَ فِسْقٌ، وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ لِئَلاَّ يُعْتَمَدَ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ.

وَكَذَا الْوَاعِظُ الْمُبْتَدِعُ يَجِبُ مَنْعُهُ وَلَا يَجِبُ حُضُورُ مَجْلِسِهِ إِلاَّ عَلَى قَصْدِ الْإِنْكَارِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ فِي بِدْعَتِهِ.

وَمِنْهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَيْنَ يَدَيِ الْوُعَّاظِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْكَرَاسِيِّ مَعَ التَّمْدِيدِ الْمُفْرِطِ وَهُوَ تَمْطِيطُ الْحُرُوفِ حَتَّى تَتَجَاوَزَ عَنْ مَخَارِجِهَا الْأَصْلِيَّةِ، عَلَى وَجْهٍ يُغَيِّرُ نَظْمَ الْقُرْآنِ وَيُجَاوِزُ حَدَّ التَّرْتِيلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَهَذَا مُنْكَرٌ قَبِيحٌ مَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ أَنَكْرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَمِنْهَا الْحِلَقُ: أَيِ اتِّخَاذُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ جَمْعُ حَلْقَةٍ لِبَيْعِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالتَّعْوِيذَاتِ وَالْمَصْنُوعَاتِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْخَرَزِ.

وَكَقِيَامِ السُّؤَّالِ فِي وَسَطِ الصُّفُوفِ أَوْ عَلَى الْأَبْوَابِ وَقِرَاءَتِهِمُ الْقُرْآنَ وَنَشِيدِهِمُ الْأَشْعَارَ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهَا مَا هُوَ حَرَامٌ؛ لِكَوْنِهِ تَلْبِيسًا أَوْ كَذِبًا فَهَذَا حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَيَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَخُصُوصًا فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ، بَلْ كُلُّ بَيْعٍ فِيهِ كَذِبٌ وَتَلْبِيسٌ وَإِخْفَاءُ عَيْبٍ مِنْ عُيُوبِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَهُوَ حَرَامٌ.

وَمِنْهَا: دُخُولُ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَالسَّكَارَى فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَسْلُوبُو الِاخْتِيَارِ لَا يَتَحَفَّظُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَالْمَجَانِينُ قَدْ يُخْشَى مِنْهُمْ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِنَحْوِ مُخَاطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ شَتْمِهِمْ وَنُطْقِهِمْ بِمَا هُوَ فُحْشٌ أَوْ تَعَاطِيهِمْ لِمَا هُوَ مُنْكَرٌ كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ.

وَمِنْهَا: خُرُوجُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ مُتَزَيِّنَةً مُتَعَطِّرَةً فَهَذَا مُنْكَرٌ لَا يُسْكَتُ عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَأْكُلَ الثُّومَ أَوِ الْبَصَلَ وَيَأْتِيَ إِلَى الْمَسْجِدِ.

وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه-: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ».

ب- مُنْكَرَاتُ الْأَسْوَاقِ

16- مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ فِي الْأَسْوَاقِ: الْكَذِبُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَإِخْفَاءُ الْعَيْبِ فِي السِّلَعِ وَكَذَا فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ فِيهَا فَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْعُقُودِ أَوْ مُبْطِلَةٌ عَلَى رَأْيٍ، وَكَذَا فِي الرِّبَوِيَّاتِ كُلِّهَا وَهِيَ غَالِبَةٌ فِي الْأَسْوَاقِ، وَكَذَا سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِنْكَارُ فِيهَا، وَمِنْهَا بَيْعُ الْمَلَاهِي أَيْ: آلَاتُهَا، كَالْعُودِ وَالْقَانُونِ وَالطُّنْبُورِ وَالرَّبَابَةِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ كَسْرُهَا وَالْمَنْعُ مِنْ بَيْعِهَا كَالْمَلَاهِي، وَكَذَا بَيْعُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَقَلَانِسِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَيُعْلَمُ بِعَادَةِ الْبَلَدِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهِ إِلاَّ الرِّجَالُ، فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ مَحْظُورٌ يَجِبُ الْمَنْعُ عَنْهُ.

ج- مُنْكَرَاتُ الشَّوَارِعِ

17- الشَّوَارِعُ هِيَ الطُّرُقُ الْعَامَّةُ شُرِعَتْ لِسُلُوكِ النَّاسِ وَمُرُورِهِمْ فِيهَا لِحَاجَاتِهِمْ.

فَمِنَ الْمُعْتَادِ فِيهَا وَضْعُ الْأُسْطُوَانَاتِ وَهِيَ الْأَعْمِدَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ بِنَاءٍ وَكَذَا غَرْسُ الْأَشْجَارِ وَوَضْعُ الْخَشَبِ وَوَضْعُ أَحْمَالِ الْحُبُوبِ وَالْأَطْعِمَةِ عَلَى الطُّرُقِ فَكُلُّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ إِنْ كَانَ يُؤَدِّي إِلَى تَضْيِيقِ الطُّرُقِ وَاسْتِضْرَارِ الْمَارَّةِ بِهَا.

وَكَذَلِكَ رَبْطُ الدَّوَابِّ عَلَى الطَّرِيقِ بِحَيْثُ يَضِيقُ عَلَى الْمَارَّةِ وَيُنَجِّسُ الْمُجْتَازِينَ بِالْبَوْلِ وَالرَّوْثِ، فَهَذَا مُنْكَرٌ يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ إِلاَّ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ.

وَكَذَلِكَ تَحْمِيلُ الدَّوَابِّ مِنَ الْأَحْمَالِ مَا لَا تُطِيقُهَا مُنْكَرٌ يَجِبُ مَنْعُ الْمُلاَّكِ مِنْهُ وَيُؤْمَرُ بِتَخْفِيفِهَا.

وَكَذَلِكَ الْقَصَّابُ إِذَا كَانَ يَذْبَحُ فِي الطَّرِيقِ فَيُلَوِّثُ الطَّرِيقَ بِالدَّمِ وَالْفَرْثِ مُنْكَرٌ يَجِبُ الْمَنْعُ مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ طَرْحُ الْقُمَامَةِ مِثْلُ الْحَيَوَانِ الْمَيِّتِ مِنْ هِرَّةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ عَلَى جَوَانِبِ الطَّرِيقِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ.

وَكَذَلِكَ إِرْسَالُ الْمَاءِ مِنَ الْمَزَارِيبِ وَهِيَ مَسَايِلُ الْمِيَاهِ مِنَ السُّطُوحِ.

وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ عَقُورٌ عَلَى بَابِ دَارِهِ يُؤْذِي النَّاسَ وَيَعْقِرُهُمْ فَهَذَا مُنْكَرٌ يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْهُ لِأَنَّ الشَّوَارِعَ إِنَّمَا جُعِلَتْ مُشْتَرَكَةَ الْمَنَافِعِ بَيْنَ النَّاسِ.

د- مُنْكَرَاتُ الْحَمَّامَاتِ

18- مُنْكَرَاتُ الْحَمَّامَاتِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: الصُّوَرُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ أَوْ دَاخِلَ الْحَمَّامِ يَجِبُ إِزَالَتُهَا عَلَى كُلِّ مَنْ يَدْخُلُهَا إِنْ قَدِرَ، فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ.

وَمِنْ مُنْكَرَاتِ الْحَمَّامَاتِ كَشْفُ الْعَوْرَاتِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا قَصْدًا وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَشْفُ الدَّلاَّكِ عَنِ الْفَخِذِ وَمَا تَحْتَ السُّرَّةِ فِي تَنْحِيَةِ الْوَسَخِ بَلْ مِنْ جُمْلَتِهَا إِدْخَالُ الْيَدِ تَحْتَ الْإِزَارِ فَإِنَّ مَسَّ عَوْرَةِ الْغَيْرِ حَرَامٌ كَالنَّظَرِ إِلَيْهَا فَهَذَا كُلُّهُ مَكْرُوهٌ وَمُنْكَرٌ.

وَكَذَلِكَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلْحَجَّامِ وَالْفَصَّادِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ بَدَنَهَا لِلذِّمِّيَّاتِ فِي الْحَمَّامِ.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَدَاخِلِ بُيُوتِ الْحَمَّامِ وَمَجَارِي مِيَاهِهَا حِجَارَةٌ مُلْسٌ مُزْلِقَةٌ لِلْأَقْدَامِ فَهُوَ مُنْكَرٌ يَجِبُ قَلْعُهُ وَإِزَالَتُهُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْحَمَّامِيِّ إِهْمَالُهُ.

وَكَذَلِكَ تَرْكُ السِّدْرِ وَالصَّابُونِ الْمُزْلِقِ لِلْأَقْدَامِ عَلَى أَرْضِ الْحَمَّامِ مُنْكَرٌ يَجِبُ إِزَالَتُهُ.

هـ- مُنْكَرَاتُ الضِّيَافَةِ

19- مِنْ مُنْكَرَاتِ الضِّيَافَةِ فَرْشُ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَذَلِكَ تَبْخِيرُ الْبَخُورِ فِي مِجْمَرَةٍ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوِ الشُّرْبُ مِنْهُمَا أَوِ اسْتِعْمَالُ مَاءِ الْوَرْدِ مِنْهُمَا.

وَمِنْهَا إِسْدَالُ السُّتُورِ وَعَلَيْهَا الصُّوَرُ.

وَمِنْهَا سَمَاعُ الْأَوْتَارِ أَوْ سَمَاعُ الْقَيْنَاتِ فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ مُسْقِطٌ لِوُجُوبِ الدَّعْوَةِ.

وَمِنْهَا اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ عَلَى السُّطُوحِ وَفِي الرَّوَاشِنِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى مَقَاعِدِ الرِّجَالِ لِلنَّظَرِ لِلرِّجَالِ فَكُلُّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ وَمُنْكَرٌ يَجِبُ تَغْيِيرُهُ.

وَمَنْ عَجَزَ عَنْ تَغْيِيرِهِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَلَا رُخْصَةَ فِي مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرَاتِ.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فِي الضِّيَافَةِ مُبْتَدِعٌ يَتَكَلَّمُ فِي بِدْعَتِهِ وَيَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ يَضْحَكُ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ لَمْ يَجِبِ الْحُضُورُ وَعِنْدَ الْحُضُورِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ.

وَمِنْهَا الْإِسْرَافُ فِي الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مُنْكَرٌ.

وَمِنْهَا صَرْفُ الْمَالِ إِلَى النَّائِحَةِ فِي الْمَوْتِ وَالْغِنَاءِ وَالطَّرَبِ فِي الْأَفْرَاحِ فَهَذِهِ مُنْكَرَاتٌ كُلُّهَا. و- الْمُنْكَرَاتُ الْعَامَّةُ

20- قَالَ الْغَزَالِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قَاعِدٍ فِي بَيْتِهِ أَيْنَمَا كَانَ فَلَيْسَ خَالِيًا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَنْ مُنْكَرٍ مِنْ حَيْثُ التَّقَاعُدُ عَنْ إِرْشَادِ النَّاسِ وَتَعْلِيمِهِمْ وَحَمْلِهِمْ عَلَى الْمَعْرُوفِ، وَكُلُّ مَنْ رَأَى مُنْكَرًا مِنْ مَنَاكِيرِ الشَّرْعِ عَلَى الدَّوَامِ أَيْ مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّ فِي السُّوقِ مُنْكَرًا أَوْ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقُعُودِ فِي الْبَيْتِ بَلْ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ.

فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ الْجَمِيعِ وَهُوَ يَحْتَرِزُ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَعْضِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ.

وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْحُضُورُ لِمُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ.

فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ فَيُصْلِحَهَا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ يُعَلِّمُ ذَلِكَ أَهْلَ بَيْتِهِ: زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ وَخَادِمَهُ، ثُمَّ يَتَعَدَّى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمْ إِلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إِلَى مَحَلَّتِهِ ثُمَّ إِلَى أَهْلِ بَلَدِهِ ثُمَّ إِلَى السَّوَادِ- أَيِ الرِّيفِ- الْمُكْتَنِفِ لِبَلَدِهِ أَيِ: الْمُحِيطِ بِهِ فَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ وَمُثَابٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


43-موسوعة الفقه الكويتية (نشوز 2)

نُشُوزٌ -2

ب- الْهَجْرُ:

15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُؤَدِّبُ الرَّجُلُ بِهِ امْرَأَتَهُ إِذَا نَشَزَتِ الْهَجْرَ، لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَكُونُ بِهِ الْهَجْرُ الْمَشْرُوعُ، وَفِي غَايَتِهِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا وَعَظَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ نَجَعَتْ فِيهَا الْمَوْعِظَةُ وَتَرَكَتِ النُّشُوزَ وَإِلاَّ هَجَرَهَا، وَقِيلَ: يُخَوِّفُهَا بِالْهَجْرِ أَوَّلًا وَالِاعْتِزَالِ عَنْهَا وَتَرْكِ الْجِمَاعِ وَالْمُضَاجَعَةِ، فَإِنْ تَرَكَتْ وَإِلاَّ هَجَرَهَا، لَعَلَّ نَفْسَهَا لَا تَحْتَمِلُ الْهَجْرَ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْهَجْرِ، قِيلَ: يَهْجُرُهَا بِأَنْ لَا يُجَامِعَهَا وَلَا يُضَاجِعَهَا عَلَى فِرَاشِهِ، وَقِيلَ: يَهْجُرُهَا بِأَنْ لَا يُكَلِّمَهَا فِي حَالِ مُضَاجَعَتِهِ إِيَّاهَا، لَا أَنْ يَتْرُكَ جِمَاعَهَا وَمُضَاجَعَتَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ مَا عَلَيْهَا، فَلَا يُؤَدِّبُهَا بِمَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ وَيُبْطِلُ حَقَّهُ، وَقِيلَ: يَهْجُرُهَا بِأَنْ يُفَارِقَهَا فِي الْمَضْجَعِ وَيُضَاجِعَ أُخْرَى فِي حَقِّهَا وَقَسْمِهَا، لِأَنَّ حَقَّهَا عَلَيْهِ فِي الْقَسْمِ فِي حَالِ الْمُوَافَقَةِ وَحِفْظِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي حَالِ التَّضْيِيعِ، وَقِيلَ: يَهْجُرُهَا بِتَرْكِ مُضَاجَعَتِهَا وَجِمَاعِهَا لِوَقْتِ غَلَبَةِ شَهْوَتِهَا وَحَاجَتِهَا لَا فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا، لِأَنَّ هَذَا لِلتَّأْدِيبِ وَالزَّجْرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّبَهَا لَا أَنْ يُؤَدِّبَ نَفْسَهُ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْمُضَاجَعَةِ فِي حَالِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْهَجْرُ أَنْ يَتْرُكَ مَضْجَعَهَا، أَيْ يَتَجَنَّبَهَا فِي الْمَضْجَعِ فَلَا يَنَامُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ، لَعَلَّهَا أَنْ تَرْجِعَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ، وَهَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَحَسَّنَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

وَغَايَةُ الْهَجْرِ الْمُسْتَحْسَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ شَهْرٌ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ أَجَلًا عُذْرًا لِلْمُولِي.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ نَشَزَتِ الزَّوْجَةُ وَعَظَهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ، أَمَّا الْهُجْرَانُ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَجُوزُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِحَدِيثِ: «لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» إِلاَّ إِنْ قَصَدَ رَدَّهَا أَوْ إِصْلَاحَ دِينِهَا، إِذِ الْهَجْرُ- وَلَوْ دَائِمًا وَلِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ- جَائِزٌ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَفِسْقٍ وَابْتِدَاعٍ وَإِيذَاءٍ وَزَجْرٍ وَإِصْلَاحٍ.

وَالْمُرَادُ بِالْهَجْرِ أَنْ يَهْجُرَ فِرَاشَهَا فَلَا يُضَاجِعَهَا فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ تَرْكُ الْوَطْءِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا هُجْرًا أَيْ إِغْلَاظًا فِي الْقَوْلِ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: لَا غَايَةَ لَهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ صَلَاحِهَا، فَمَتَى لَمْ تَصْلُحْ تُهْجَرْ وَإِنْ بَلَغَ سِنِينَ وَمَتَى صَلَحَتْ فَلَا هَجْرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَظْهَرَتِ الْمَرْأَةُ النُّشُوزَ هَجَرَهَا زَوْجُهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ، لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُضَاجِعُهَا فِي فِرَاشِكَ، وَقَدْ «هَجَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- نِسَاءَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا» وَهَجْرُهَا فِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- السَّابِقِ وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: هَجْر.

ج- الضَّرْبُ:

16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُؤَدِّبُ بِهِ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ عِنْدَ نُشُوزِهَا الضَّرْبَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}.

وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّرْبِ وَمَا يَلْزَمُ تَوَافُرُهُ لِمُبَاشَرَتِهِ.

فَاشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَرْبِ التَّأْدِيبِ الْمَشْرُوعِ إِنْ نَشَزَتِ الزَّوْجَةُ: أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُدْمٍ وَلَا مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ وَلَا مُخَوِّفٍ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً كَاللَّكْزَةِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الصَّلَاحُ لَا غَيْرَ.

وَقَالُوا: الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ هُوَ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا، أَوْ مَا يُخْشَى مِنْهُ تَلَفُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ، أَوْ مَا يُورِثُ شَيْئًا فَاحِشًا، أَوِ الشَّدِيدُ، أَوِ الْمُؤَثِّرُ الشَّاقُّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّهُ مِنْ بَرِحَ الْخَفَاءُ إِذَا ظَهَرَ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اتَّقَوُا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ».

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ النَّاشِزَةَ إِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ وَتَدَعِ النُّشُوزَ إِلاَّ بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ أَوِ الْخَوْفِ لَمْ يَجُزْ لِزَوْجِهَا تَعْزِيرُهَا لَا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ وَلَا بِغَيْرِهِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: لَا يَجُوزُ الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ النُّشُوزَ إِلاَّ بِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فَلَهَا التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ وَالْقِصَاصُ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي هَيْئَةِ الضَّرْبِ:

فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَضْرِبُ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ الَّتِي تَحَقَّقَ نُشُوزَهَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَهَالِكِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ» وَقَالَ الْهَيْتَمِيُّ: لَا تَضْرِبْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى بَدَنِهَا، وَلَا يُوَالِيِهِ فِي مَوْضِعٍ لِئَلاَّ يَعْظُمَ ضَرَرُهُ، وَقَالُوا: لَا يَبْلُغُ ضَرْبُ حُرَّةٍ أَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا عِشْرِينَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجْتَنِبُ الْوَجْهَ تَكْرِمَةً لَهُ، وَالْبَطْنَ وَالْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةَ خَشْيَةَ الْقَتْلِ، وَالْمَوَاضِعَ الْمُسْتَحْسَنَةَ لِئَلاَّ يُشَوِّهَهَا، وَيَكُونُ الضَّرْبُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَأَقَلَّ.

لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ».

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَوْجُهِ الْمُعْتَمَدَةِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ: إِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ إِنْ نَشَزَتْ بِضَرْبِهَا بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا مُدْمٍ وَلَا شَائِنٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ: يُؤَدِّبُهَا بِضَرْبِهَا بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ أَوْ بِمِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ أَوْ بِيَدِهِ، لَا بِسَوْطٍ وَلَا بِعَصًا وَلَا بِخَشَبٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّأْدِيبُ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ- إِنْ جَازَ لَهُ الضَّرْبُ لِتَأْدِيبِ امْرَأَتِهِ لِنُشُوزِهَا- فَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ وَلِمَصْلَحَتِهِ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَرْكُ الضَّرْبِ بِالْكُلِّيَّةِ أَفْضَلُ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْأَوْلَى تَرْكُ ضَرْبِهَا إِبْقَاءً لِلْمَوَدَّةِ.

وَفِي ضَرْبِ الْمَرْأَةِ لِلنُّشُوزِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابِهِ بِالضَّرْبِ صَرَاحَةً إِلاَّ هُنَا- أَيِ الضَّرْبِ لِلتَّعْزِيرِ عَلَى النُّشُوزِ- وَفِي الْحُدُودِ الْعِظَامِ، فَسَاوَى مَعْصِيَتَهُنَّ بِأَزْوَاجِهِنَّ بِمَعْصِيَةِ الْكَبَائِرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ الْمُسْتَحِقُّ فِيهِ مَنْ مَنَعَهُ حَقَّهُ غَيْرَ هَذَا، وَالرَّقِيقُ يَمْتَنِعُ مِنْ حَقِّ سَيِّدِهِ.

هَلْ يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ النُّشُوزِ حَتَّى يُشْرَعَ الضَّرْبُ:

17- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ تَكْرَارِ نُشُوزِ الْمَرْأَةِ لِضَرْبِهَا: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الضَّرْبَ لِتَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ النَّاشِزَةِ مَشْرُوعٌ بِتَحَقُّقِ نُشُوزِهَا وَلَوْ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ دُونَ أَنْ يَتَكَرَّرَ النُّشُوزُ، لِظَاهِرِ قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} فَتَقْدِيرُهُ: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، فَإِنْ نَشَزْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} وَالْأَوْلَى بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ صَرَّحَتْ بِنُشُوزِهَا فَكَانَ لِزَوْجِهَا ضَرْبُهَا كَمَا لَوْ أَصَرَّتْ، وَلِأَنَّ عُقُوبَاتِ الْمَعَاصِي لَا تَخْتَلِفُ بِالتَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ كَالْحُدُودِ.

وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزُ الزَّوْجَةِ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَمْ يَظْهَرْ إِصْرَارُهَا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالتَّكْرَارِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ زَجْرُهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْأَسْهَلِ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِمَشْرُوعِيَّةِ ضَرْبِ النَّاشِزَةِ أَنْ يَعْلَمَ الزَّوْجُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَوْ يَظُنَّ أَنَّ الضَّرْبَ يُفِيدُ فِي تَأْدِيبِهَا وَرَدْعِهَا عَنِ النُّشُوزِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ضَرْبُهَا وَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ مُسْتَغْنًى عَنْهَا.

وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ ضَرْبَ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ النَّاشِزَةَ بِنَفْسِهِ لِكَفِّهَا عَنِ النُّشُوزِ وَتَأْدِيبِهَا بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ، وَإِلاَّ فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إِلَى الْقَاضِي لِتَأْدِيبِهَا.

الضَّمَانُ بِضَرْبِ التَّأْدِيبِ:

18- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ ضَرْبَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِنُشُوزِهَا- بِالْقُيُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ- هُوَ ضَرْبُ تَأْدِيبٍ يُقْصَدُ مِنْهُ الصَّلَاحُ لَا غَيْرَ، فَإِنْ أَفْضَى إِلَى تَلَفٍ أَوْ هَلَاكٍ وَجَبَ الْغُرْمُ وَالضَّمَانُ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ضَرْبُ إِتْلَافٍ لَا إِصْلَاحٍ، وَيَضْمَنُ الزَّوْجُ مَا تَلِفَ بِالضَّرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، لِأَنَّ ضَرْبَ التَّأْدِيبِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ النَّاشِزَةَ إِنْ تَلِفَتْ مِنْ ضَرْبِ زَوْجِهَا الْمَشْرُوعِ لِلتَّأْدِيبِ عَلَى نُشُوزِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا.

التَّرْتِيبُ فِي التَّأْدِيبِ:

19- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْتِزَامِ الزَّوْجِ التَّرْتِيبَ فِي تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ حَسَبَ وُرُودِهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَيْضًا رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ تَأْدِيبَ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ لِنُشُوزِهَا يَكُونُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ، فَيَبْدَأُ بِالْوَعْظِ ثُمَّ الْهَجْرِ ثُمَّ الضَّرْبِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لِلزَّوْجِ وِلَايَةُ تَأْدِيبِ امْرَأَتِهِ لِنُشُوزِهَا لَكِنْ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَعِظُهَا أَوَّلًا عَلَى الرِّفْقِ وَاللِّينِ، فَإِنْ نَجَعَتْ فِيهَا الْمَوْعِظَةُ وَإِلاَّ هَجَرَهَا، وَقِيلَ: يُخَوِّفُهَا بِالْهَجْرِ أَوَّلًا وَالِاعْتِزَالِ عَنْهَا وَتَرْكِ الْجِمَاعِ وَالْمُضَاجَعَةِ، فَإِنْ تَرَكَتْ وَإِلاَّ هَجَرَهَا لَعَلَّ نَفْسَهَا لَا تَحْتَمِلُ الْهَجْرَ، فَإِنْ تَرَكَتِ النُّشُوزَ وَإِلاَّ ضَرَبَهَا، فَإِنْ نَفَعَ الضَّرْبُ وَإِلاَّ رَفَعَ إِلَى الْقَاضِي.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} فَظَاهِرُ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ بِحَرْفِ الْوَاوِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْجَمْعِ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجَمْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ، وَالْوَاوُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ.

وَقَالُوا: وَسَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ: أَنَّ الْآمِرَ يَبْدَأُ بِالْمَوْعِظَةِ عَلَى الرِّفْقِ وَاللِّينِ دُونَ التَّغْلِيظِ فِي الْقَوْلِ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَإِلاَّ غَلَّظَ الْقَوْلَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَإِلاَّ بَسَطَ يَدَهُ فِيهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَعِظُ الزَّوْجُ مَنْ نَشَزَتْ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يُفِدِ الْوَعْظُ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ، ثُمَّ إِذَا لَمْ يُفِدِ الْهَجْرُ جَازَ لَهُ ضَرْبُهَا، وَلَا يَنْتَقِلُ لِحَالَةٍ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا لَا تُفِيدُ، وَيَفْعَلُ مَا عَدَا الضَّرْبَ وَلَوْ لَمْ يَظُنَّ إِفَادَتَهُ- بِأَنْ شَكَّ فِيهِ لَعَلَّهُ يُفِيدُ- لَا إِنْ عَلِمَ عَدَمَ الْإِفَادَةِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ فَلَا يَجُوزُ إِلاَّ إِذَا ظَنَّ إِفَادَتَهُ لِشِدَّتِهِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَ يَعِظُ زَوْجَتَهُ إِنْ جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا أَوْ شَكَّ فِيهَا، فَإِنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهَا هَجَرَهَا إِنْ جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا أَوْ شَكَّ فِيهَا، فَإِنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهَا ضَرَبَهَا إِنْ جَزَمَ بِالْإِفَادَةِ أَوْ ظَنَّهَا، لَا إِنْ شَكَّ فِيهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: إِذَا ظَهَرَ مِنَ الزَّوْجَةِ أَمَارَاتُ النُّشُوزِ وَعَظَهَا، فَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْأَدَبِ حَرُمَ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ لِزَوَالِ مُبِيحِهِمَا، وَإِنْ أَصَرَّتْ هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ مَا شَاءَ، وَهَجَرَهَا فِي الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا فَوْقَهَا، فَإِنْ أَصَرَّتْ وَلَمْ تَرْتَدِعْ بِالْهَجْرِ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا بَعْدَ الْهَجْرِ فِي الْفِرَاشِ وَتَرْكِهَا مِنَ الْكَلَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ طُرُقِ التَّأْدِيبِ الْوَارِدَةِ فِي الْآيَةِ دُونَ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: مَرَاتِبُ تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ ثَلَاثٌ:

إِحْدَاهَا: أَنْ يُوجَدَ مِنْهَا أَمَارَاتُ النُّشُوزِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا، بِأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَيِّنًا، أَوْ يَجِدَ مِنْهَا إِعْرَاضًا وَعُبُوسًا بَعْدَ طَلَاقَةٍ وَلُطْفٍ، فَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ، يَعِظُهَا وَلَا يَضْرِبُهَا وَلَا يَهْجُرُهَا.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَحَقَّقَ نُشُوزُهَا، لَكِنْ لَا يَتَكَرَّرُ، وَلَا يَظْهَرُ إِصْرَارُهَا عَلَيْهِ، فَيَعِظُهَا وَيَهْجُرُهَا، وَفِي جَوَازِ الضَّرْبِ قَوْلَانِ، رَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ الْمَنْعَ، وَرَجَّحَ صَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالشَّامِلِ الْجَوَازَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» الْمَنْعَ، وَالْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْجَوَازُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَكَرَّرَ وَتُصِرَّ عَلَيْهِ، فَلَهُ الْهِجْرَانُ وَالضَّرْبُ بِلَا خِلَافٍ، هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ.وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ ابْنُ كَجٍّ قَوْلًا فِي جَوَازِ الْهِجْرَانِ وَالضَّرْبِ عِنْدَ خَوْفِ النُّشُوزِ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ فِي حَالَةِ ظُهُورِ النُّشُوزِ، ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ.

أَحَدُهَا: لَهُ الْوَعْظُ وَالْهِجْرَانُ وَالضَّرْبُ، وَالثَّانِي: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَلَا يَجْمَعُ.وَالثَّالِثُ: يَعِظُهَا، فَإِنْ لَمْ تَتَّعِظْ هَجَرَهَا، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ ضَرَبَهَا.

اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي النُّشُوزِ:

20- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ مِنْهُمَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي وُقُوعِ النُّشُوزِ.

فَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي وُقُوعِ النُّشُوزِ أَوْ عَدَمِ وُقُوعِهِ، فَادَّعَاهُ الرَّجُلُ وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَالْقَوْلُ لَهَا فِي عَدَمِ النُّشُوزِ بِيَمِينِهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ وَكَانَتْ فِي بَيْتِهِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نُشُوزٍ فِي الْحَالِ، أَمَّا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهَا سُقُوطَ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي شَهْرٍ مَاضٍ- مَثَلًا- لِنُشُوزِهَا فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ لَهَا أَيْضًا لِإِنْكَارِهَا مُوجِبَ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا، وَلَوِ ادَّعَتْ أَنَّ خُرُوجَهَا إِلَى بَيْتِ أَهْلِهَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَأَنْكَرَ، أَوْ ثَبَتَ نُشُوزُهَا ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ- مَثَلًا- أَذِنَ لَهَا بِالْمُكْثِ هُنَاكَ هَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لَهَا أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَهُ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِتَحَقُّقِ الْمُسْقِطِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ مَنْعَ الْوَطْءِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ لِعُذْرٍ وَأَكْذَبَهَا الزَّوْجُ أَثْبَتَتْهُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَأَمَّا مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَلَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ كَخُرُوجِهَا بِلَا إِذْنٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ: هِيَ تَمْنَعُنِي مِنْ وَطْئِهَا حَيْثُ قَالَتْ: لَمْ أَمْنَعْهُ وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهَا فِي النَّفَقَةِ.

وَقَالُوا: إِنْ ضَرَبَهَا، فَادَّعَتِ الْعَدَاءَ وَادَّعَى الْأَدَبَ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ، وَحِينَئِذٍ يُعَزِّرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ الْعَدَاءِ مَا لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ، وَإِلاَّ قُبِلَ قَوْلُهُ.

وَقَالَ صَاحِبُ مُغْنِي الْمُحْتَاجِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزٍ وَادَّعَتْ عَدَمَهُ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ: وَالَّذِي يَقْوَى فِي ظَنِّي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ، وَالْوَلِيُّ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا فَلَا، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَعْلَمْ جَرَاءَتَهُ وَتَعَدِّيَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يُصَدَّقْ وَصُدِّقَتْ هِيَ، وَقَيَّدَ الشَّرْقَاوِيُّ تَصْدِيقَهُ بِيَمِينِهِ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ: إِنِ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي نُشُوزِهَا بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالتَّسْلِيمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ.

نُشُوزُ الزَّوْجِ أَوْ إِعْرَاضُهُ:

21- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ خَافَتْ مِنْ زَوْجِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا لِرَغْبَتِهِ عَنْهَا، إِمَّا لِمَرَضٍ بِهَا أَوْ كِبَرٍ أَوْ دَمَامَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ حُقُوقِهَا تَسْتَرْضِيَهُ بِذَلِكَ، لقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا} وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَتِ: «الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ».

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَلَى وُجُوبِ الْكَوْنِ عِنْدَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ وَاحِدَةٌ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ كَعْبَ بْنَ سُورٍ قَضَى بِأَنَّ لَهَا يَوْمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِحَضْرَةِ عُمَرَ- رضي الله عنه- فَاسْتَحْسَنَهُ وَوَلاَّهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ، وَأَبَاحَ اللَّهُ أَنْ تَتْرُكَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَأَنْ تَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا مِنْ نِسَائِهِ، وَعُمُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي جَوَازَ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى تَرْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ لَهَا بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهَا إِسْقَاطُ مَا وَجَبَ مِنَ النَّفَقَةِ لِلْمَاضِي، فَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَتْ مِنَ الْوَطْءِ لَمْ يَصِحَّ إِبْرَاؤُهَا وَكَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهَا مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِطِيبِ نَفْسِهَا بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّفَقَةِ وَبِالْكَوْنِ عِنْدَهَا، فَأَمَّا أَنْ تُسْقِطَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ فَلَا، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهَا عِوَضًا عَلَى تَرْكِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ أَوِ الْوَطْءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، أَوْ ذَلِكَ حَقٌّ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ وَهُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَنْوَاعُ الصُّلْحِ كُلُّهَا مُبَاحَةٌ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ، بِأَنْ يُعْطِيَ الزَّوْجُ عَلَى أَنْ تَصْبِرَ هِيَ، أَوْ تُعْطِيَ هِيَ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَ الزَّوْجُ، أَوْ عَلَى أَنْ يُؤْثِرَ وَيَتَمَسَّكَ بِالْعِصْمَةِ، أَوْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْأَثَرَةِ مِنْ غَيْرِ عَطَاءٍ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَتَعَدَّى عَلَى امْرَأَتِهِ، وَإِنَّمَا يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لَكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَيُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ لَهَا اسْتِعْطَافُهُ بِمَا يُحِبُّ، كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا، كَمَا تَرَكَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ- رضي الله عنهما- لَمَّا خَافَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا- صلى الله عليه وسلم-، كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إِذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ خَافَتِ امْرَأَةٌ نُشُوزَ زَوْجِهَا وَإِعْرَاضَهُ عَنْهَا لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَرَضٍ أَوْ دَمَامَةٍ، فَوَضَعَتْ عَنْهُ بَعْضَ حُقُوقِهَا أَوْ كُلَّ حُقُوقِهَا، تَسْتَرْضِيهِ بِذَلِكَ جَازَ، لِأَنَّهُ حَقُّهَا وَقَدْ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهِ، وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ فِي ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا رُجُوعَ لَهَا فِي الْمَاضِي، وَإِنْ شَرَطَا مَالًا يُنَافِي نِكَاحًا لَزِمَ وَإِلاَّ فَلَا، فَلَوْ صَالَحَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ نَفَقَتِهَا أَوْ قَسْمِهَا، أَوْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جَازَ، فَإِنْ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَغِيبُ عَنِ امْرَأَتِهِ فَيَقُولُ لَهَا: إِنْ رَضِيتِ عَلَى هَذَا وَإِلاَّ فَأَنْتِ أَعْلَمُ، فَتَقُولُ: قَدْ رَضِيتُ، فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ.

تَعَدِّي الزَّوْجِ:

22- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ تَعَدَّى عَلَى زَوْجَتِهِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ أَوِ الْقَاضِيَ يَكُفُّهُ عَنْ ذَلِكَ.

وَنَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ أَنْ يُعَزِّرَ الزَّوْجَ، وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ كَانَتِ الزَّوْجَةُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ يُسَاكِنُهَا، فَشَكَتْ إِلَى الْقَاضِي أَنَّ الزَّوْجَ يَضْرِبُهَا وَيُؤْذِيهَا، سَأَلَ الْقَاضِي جِيرَانَهَا، فَإِنْ أَخْبَرُوا بِمَا قَالَتْ- وَهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ- فَالْقَاضِي يُؤَدِّبُهُ وَيَأْمُرُهُ بِأَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا، وَيَأْمُرُ جِيرَانَهُ أَنْ يَتَفَحَّصُوا عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَالْجِيرَانُ قَوْمًا صَالِحِينَ أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يُحَوِّلَهَا إِلَى جِيرَانٍ صَالِحِينَ، فَإِنْ أَخْبَرُوا الْقَاضِيَ بِخِلَافِ مَا قَالَتْ أَقَرَّهَا هُنَاكَ وَلَمْ يُحَوِّلْهَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ تَعَدَّى الزَّوْجُ عَلَى الزَّوْجَةِ لِغَيْرِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ بِضَرْبٍ أَوْ سَبٍّ وَنَحْوِهِ، وَثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ بِوَعْظٍ فَتَهْدِيدٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْوَعْظِ ضَرَبَهُ إِنْ ظَنَّ إِفَادَتَهُ فِي زَجْرِهِ وَمَنْعِهِ، وَإِلاَّ فَلَا، وَهَذَا إِذَا اخْتَارَتِ الْبَقَاءَ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَعَظَهُ فَقَطْ دُونَ ضَرْبٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَنَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ حَقًّا لَهَا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ إِذَا طَلَبَتْهُ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، بِخِلَافِ نُشُوزِهَا فَإِنَّ لِلزَّوْجِ إِجْبَارَهَا عَلَى إِفَاءِ حَقِّهِ لِقَدْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ مُكَلَّفًا أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أُلْزِمَ وَلَيُّهُ تَوْفِيَتَهُ.

فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يُعَزِّرُهُ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ وَطَلَبَتْ تَعْزِيرَهُ مِنَ الْقَاضِي عَزَّرَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ إِذَا طَلَبَتْهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّ إِسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا، فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ وَأَسْكَنَهُ بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنَ التَّعَدِّي عَلَيْهَا.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَ إِلَى الْعَدْلِ، وَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهَا وَشَهَادَةُ الْقَرَائِنِ.

وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَقَالَ: إِنْ ظَنَّ الْحَاكِمُ تَعَدِّيَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا- لِكَوْنِهِ جَسُورًا- حَالَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدْلٌ، إِذْ لَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ نَظَرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَهُوَ نُشُوزٌ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنَ الرَّجُلِ أَسْكَنَهُمَا إِلَى جَنْبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِضْرَارِ بِهَا وَالتَّعَدِّي عَلَيْهَا.

تَعَدِّي كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ:

23- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَنَّ صَاحِبَهُ تَعَدَّى عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَمْرَهُمَا يُرْفَعُ إِلَى الْقَاضِي فَيَنْظُرُهُ، وَيَأْمُرُ فِيهِ بِمَا يَمْنَعُ الِاعْتِدَاءَ وَيَزْجُرُ الْمُتَعَدِّي، وَإِلاَّ نَصَّبَ حَكَمَيْنِ لِلنَّظَرِ فِي الشِّقَاقِ وَمُحَاوَلَةِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ وَادَّعَى الزَّوْجُ النُّشُوزَ، وَادَّعَتْ هِيَ عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَتَقْصِيرَهُ فِي حُقُوقِهَا، حِينَئِذٍ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا لِيَتَوَلَّيَا النَّظَرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَيَرُدَّا إِلَى الْحَاكِمِ مَا يَقِفَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمَا، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ الْحَكَمَانِ لِيَعِظَا الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَيُنْكِرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَإِعْلَامَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ لِيَأْخُذَ هُوَ عَلَى يَدِهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ ثَبَتَ تَعَدِّي كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ- عِنْدَ الْحَاكِمِ- وَعَظَهُمَا ثُمَّ ضَرَبَهُمَا بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ فَالْوَعْظُ فَقَطْ، وَسَكَّنَهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ يُوصَوْنَ عَلَى النَّظَرِ فِي حَالِهِمَا لِيُعْلَمَ مَنْ عِنْدَهُ ظُلْمٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ أُشْكِلَ الْأَمْرُ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ قَالَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ: إِنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا، تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَهُمَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ يُخْبِرُهُمَا وَيَكُونُ جَارًا لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَسْكَنَهُمَا فِي جَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إِلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ، وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُمَا مَنَعَ الظَّالِمَ مِنْ عَوْدِهِ لِظُلْمِهِ، وَطَرِيقِهُ فِي الزَّوْجِ مَا سَلَفَ فِي «تَعَدِّي الزَّوْجِ» وَفِي الزَّوْجَةِ بِالزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ كَغَيْرِهَا.

وَاكْتُفِيَ هُنَا بِثِقَةِ وَاحِدٍ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ، لِمَا فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنَ الْعُسْرِ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ شَهَادَةٍ بَلْ يَكْفِي عَدْلَ الرِّوَايَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمِ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ.

وَقَالُوا: إِنِ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنِ اسْتَمَرَّ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ، وَدَامَ التَّسَابُّ وَالتَّضَارُبُ، وَفَحُشَ ذَلِكَ، بَعَثَ الْقَاضِي حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ نَظَرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ بَانَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعَدٍّ، أَوِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الْآخَرَ ظَلَمَهُ، أَسْكَنَهُمَا إِلَى جَانِبِ مِنْ يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا وَيُلْزِمُهُمَا الْإِنْصَافُ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ ذَلِكَ وَتَمَادَى الشَّرُّ بَيْنَهُمَا، وَخِيفَ الشِّقَاقُ عَلَيْهِمَا وَالْعِصْيَانُ، بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا.

التَّحْكِيمُ عِنْدَ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:

24- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ خِلَافُ الزَّوْجَيْنِ، وَأَشْكَلَ أَمْرُهُمَا، وَلَمْ يُدْرَ مِمَّنِ الْإِسَاءَةُ مِنْهُمَا، وَخِيفَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا إِلَى حَدٍّ يُؤَدِّي إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّ التَّحْكِيمَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.

وَمَشْرُوعِيَّةُ التَّحْكِيمِ فِي الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ بِهَا الْفُقَهَاءُ، اتِّبَاعًا لِلْحُكْمِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ، وَعَمَلًا بِهِ.

وَقَدْ بَسَطَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ التَّحْكِيمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي مَسَائِلَ، مِنْهَا:

أ- الْحَالُ الَّتِي يُبْعَثُ عِنْدَهَا الْحَكَمَانِ:

25- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِنْ نَشَزَتْ وَلَمْ يُجْدِ فِي تَأْدِيبِهَا وَكَفِّهَا عَنِ النُّشُوزِ الضَّرْبُ أَوْ مَا يَسْبِقُهُ مِنْ وَسَائِلِ التَّأْدِيبِ وَالرَّدْعِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْفَعُ أَمْرَهَا إِلَى الْقَاضِي لِيُوَجِّهَ إِلَيْهِمَا الْحَكَمَيْنِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يُدْرَ مِمَّنِ الْإِسَاءَةُ مِنْهُمَا، وَاسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ بَعْدَ إِسْكَانِهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ، أَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمُ ابْتِدَاءً، أَوْ لَمْ يُمْكِنِ السُّكْنَى بَيْنَهُمْ، أَوْ إِذَا اشْتَدَّ الْخِلَافُ وَالشِّقَاقُ وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا، وَدَامَ التَّسَابُّ وَالتَّضَارُبُ وَفَحُشَ ذَلِكَ، وَتَمَادَى الشَّرُّ بَيْنَهُمَا وَخَشَى أَنْ يُخْرِجَهُمَا إِلَى الْعِصْيَانِ بَعَثَ الْقَاضِي الْحَكَمَيْنِ.

ب- الْخِطَابُ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَحُكْمُهُ:

26- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} لِلْحُكَّامِ وَالْأُمَرَاءِ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَيَمْنَعُونَ مِنَ التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ.

وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَقِيلَ: لِلزَّوْجَيْنِ، فَيَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلِلزَّوْجَيْنِ إِقَامَةُ حَكَمَيْنِ لِلْحُكْمِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ مَنْ عَيَّنَهُمَا الْقَاضِي لِذَلِكَ.

وَنَصَّ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ بَعْثَ الْحَكَمَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ أَوِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ آيَةَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، فَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبٌ، وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الظِّلَامَاتِ، وَهُوَ مِنَ الْفُرُوضِ الْعَامَّةِ عَلَى الْقَاضِي، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ الْأَذْرُعِيُّ: ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ.

وَنَصُّ الْأُمِّ هُوَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا ارْتَفَعَ الزَّوْجَانِ الْمَخُوفُ شِقَاقُهُمَا إِلَى الْحَاكِمِ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


44-موسوعة الفقه الكويتية (نظر 1)

نَظَرٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- النَّظَرُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ نَظَرَ، وَمَعْنَاهُ حَسُّ الْعَيْنِ أَوْ تَأَمُّلُ الشَّيْءِ بِهَا أَوْ تَقْلِيبُ حَدَقَةِ الْعَيْنِ نَحْوَ الْمَرْئِيِّ الْتِمَاسًا لِرُؤْيَتِهِ.

وَمِنْ مَعَانِيهِ الْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ، يُقَالُ نَظَرَ الشَّيْءَ: حَفِظَهُ وَرَعَاهُ، وَمِنْ مَعَانِيهِ أَيْضًا تَقْلِيبُ الْبَصِيرَةِ لِإِدْرَاكِ الشَّيْءِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ} وَمَعْنَاهُ تَأَمَّلُوا.

وَاسْتِعْمَالُ النَّظَرِ فِي الْبَصَرِ أَكْثَرُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَفِي الْبَصِيرَةِ أَكْثَرُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ، وَإِذَا قُلْتَ: نَظَرْتُ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِالْعَيْنِ، وَإِذَا قُلْتَ: نَظَرْتُ فِي الْأَمْرِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَفَكُّرًا وَتَدَبُّرًا بِالْقَلْبِ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الرُّؤْيَةُ:

2- الرُّؤْيَةُ لُغَةً: إِدْرَاكُ الشَّيْءِ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرُّؤْيَةُ النَّظَرُ بِالْعَيْنِ وَالْقَلْبِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمُشَاهَدَةُ بِالْبَصَرِ حَيْثُ كَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَالنَّظَرُ أَعَمُّ مِنَ الرُّؤْيَةِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّظَرِ:

تَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

يَخْتَلِفُ حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ بِاخْتِلَافِ حَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ:

3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} وَبِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ: فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ».

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الْعَوْرَةِ الَّتِي يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهَا عَلَى أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ:

4- يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ، وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهَا، وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَهَذَا الْقَوْلُ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَقْصِدُ بِالْكَفِّ بَاطِنَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا ظَهْرُهُ فَيُعْتَبَرُ عَوْرَةً لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ وَبَاطِنِهِمَا، فَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ، وَلَمْ تُخْشَ الْفِتْنَةُ بِسَبَبِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تُبْدِيَ لَهُ أَيَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، وَيُعْتَبَرُ جَمِيعُ جَسَدِهَا عَوْرَةً بِالنِّسْبَةِ لَهُ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ- رضي الله عنهم- أَنَّ الْمَقْصُودَ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ.قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ظُهُورُهُمَا عَادَةً وَعِبَادَةً وَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا.

وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنهما- دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ».وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ، وَأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِمَا.

وَبِمَا وَرَدَ «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- جُلُوسًا، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، فَخَفَضَ فِيهَا الْبَصَرَ وَرَفَعَهُ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: أَعِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ.قَالَ: وَلَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ: وَلَا خَاتَمٌ، وَلَكِنْ أَشُقُّ بُرْدَتِي هَذِهِ فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ وَآخُذُ النِّصْفَ.قَالَ: لَا، هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- نَظَرَ إِلَيْهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الرَّاوِي: «فَخَفَضَ فِيهَا الْبَصَرَ وَرَفَعَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ.

وَاسْتَدَلَّ السَّرَخْسِيُّ بِمَا وَرَدَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه- فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا لَا تُغَالُوا فِي أَصْدِقَةِ النِّسَاءِ، قَالَتِ امْرَأَةٌ سَعْفَاءُ الْخَدَّيْنِ: أَنْتَ تَقُولُهُ بِرَأْيِكَ أَمْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ فَإِنَّا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا تَقُولُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} فَبَقِيَ عُمَرُ- رضي الله عنه- بَاهِتًا وَقَالَ: كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ حَتَّى النِّسَاءُ فِي الْبُيُوتِ.فَذَكَرَ الرَّاوِي أَنَّهَا كَانَتْ سَعْفَاءَ الْخَدَّيْنِ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُسْفِرَةً عَنْ وَجْهِهَا، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ امْرَأَةً مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ فَقَبَضَ يَدَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَدَدْتُ يَدِي إِلَيْكَ بِكِتَابٍ فَلَمْ تَأْخُذْهُ، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَدْرِ أَيَدُ امْرَأَةٍ هِيَ أَوْ رَجُلٍ؟ قَالَتْ: بَلْ يَدُ امْرَأَةٍ، قَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ».

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ، فَلَمْ يَحْرُمِ النَّظَرُ إِلَيْهِمَا كَوَجْهِ الرَّجُلِ، وَبِأَنَّ فِي إِظْهَارِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ضَرُورَةً، لِحَاجَةِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَعَطَاءً وَبَيْعًا وَشِرَاءً، وَلَا يُمْكِنُهَا ذَلِكَ عَادَةً إِلاَّ بِكَشْفِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، فَيَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي:

5- يَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا سَوَاءٌ أَخَافَ الْفِتْنَةَ مِنَ النَّظَرِ بِاتِّفَاقِ الشَّافِعِيَّةِ أَمْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَقَدْ قَالَ: لَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا، كَيْفَ يَأْكُلُ مَعَهَا يَنْظُرُ إِلَى كَفِّهَا، لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُبَاحًا لَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَلأَبَاحَ لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُنَّ مُوَاجَهَةً، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي مَسْأَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ، أَوْ مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتِينَ بِهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ النِّسَاءِ بِالْمَعْنَى، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ أُصُولُ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ، بَدَنَهَا وَصَوْتَهَا، فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ دَاءٍ يَكُونُ بِبَدَنِهَا، أَوْ سُؤَالِهَا عَمَّا يَعْرِضُ وَتَعَيَّنَ عِنْدَهَا وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَالْآيَةِ السَّابِقَةِ، فَقَالَ: قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ بِلَا جِلْبَابٍ يَرَى الرَّجُلُ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا، وَكَانَ إِذْ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَكَانَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهَا، لِأَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا إِظْهَارُهُ، ثُمَّ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} حُجِبَ النِّسَاءُ عَنِ الرِّجَالِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ تَنْهَى عَنِ النَّظَرِ الْمُتَعَمَّدِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى النَّظْرَةِ الْأُولَى، وَهِيَ نَظَرُ الْفُجَاءَةِ، وَقَدْ جَاءَتْ عَامَّةً تَشْمَلُ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ مَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ أَوِ الْحَاجَةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُولِ مِنْ جِهَتَيْنِ:

الْأُولَى: أَنَّ اتِّفَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ أَوْ عِنْدَ خَوْفِ حُدُوثِهَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ خَوْفَ الْفِتْنَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ مَوْجُودٌ دَائِمًا، وَبِخَاصَّةٍ إِلَى الْوَجْهِ، لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَخَوْفُ الْفِتْنَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: إِنَّ إِبَاحَةَ نَظَرِ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَخْطُبَهَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ إِرَادَةِ خِطْبَتِهَا، إِذْ لَوْ كَانَ مُبَاحًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ:

6- يَحْرُمُ النَّظَرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ حَاجَةٍ إِلَى بَدَنِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَيُكْرَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِمَا، وَيُنْدَبُ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَصْحَابِ الْفَتَاوَى، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الْأَحْوَطَ عَدَمُ النَّظَرِ مُطْلَقًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ:

7- يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الذِّرَاعَيْنِ أَيْضًا عِنْدَ الْغَسْلِ وَالطَّبْخِ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى السَّاقَيْنِ إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّظَرُ عَنْ شَهْوَةٍ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ النَّظَرِ إِلَى الْقَدَمَيْنِ بِالْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ، أَمَّا الْأَثَرُ فَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَلْبُ وَالْفَتْخَةُ، وَالْفَتْخَةُ خَاتَمُ إِصْبَعِ الرِّجْلِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى الْقَدَمَيْنِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقِيَاسِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَمَا تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ وَجْهِهَا فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ وَبِإِبْدَاءِ كَفَّيْهَا فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، فَإِنَّهَا تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ قَدَمَيْهَا، وَرُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ.

وَوَجْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الذِّرَاعِ هُوَ ظُهُورُ ذَلِكَ مِنْهَا عَادَةً عِنْدَ الْقِيَامِ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَسْتَعْمِلُ الْمَرْأَةُ فِيهَا ذِرَاعَيْهَا كَالْغَسْلِ وَالطَّبْخِ، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قَالُوا: ظَاهِرُ الزِّينَةِ هُوَ الْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخِضَابُ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَالْقِرَطَةِ وَالْفَتْخَةِ وَنَحْوِ هَذَا، وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَثْنَى فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ، قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُخْرِجَ يَدَهَا إِلاَّ إِلَى هَهُنَا وَقَبَضَ نِصْفَ الذِّرَاعِ» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا عَرَكَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ إِلاَّ وَجْهَهَا، وَإِلاَّ مَا دُونَ هَذَا وَقَبَضَ عَلَى ذِرَاعِ نَفْسِهِ فَتَرَكَ بَيْنَ قَبْضَتِهِ وَبَيْنَ الْكَفِّ مِثْلَ قَبْضَةٍ أُخْرَى».قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَظْهَرُ لِي بِحُكْمِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَلاَّ تُبْدِيَ، وَأَنْ تَجْتَهِدَ فِي الْإِخْفَاءِ لِكُلِّ مَا هُوَ زِينَةٌ، وَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ بِحُكْمِ ضَرُورَةِ حَرَكَةٍ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ إِصْلَاحِ شَأْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَمَا ظَهَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا تُؤَدِّي إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ فِي النِّسَاءِ فَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ.

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الْعَجُوزِ:

8- لَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ إِلَى الْعَجُوزِ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ مَعَ وِجْدَانِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا قَصْدِ التَّلَذُّذِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إِذَا كَانَتْ لَا تُشْتَهَى وَغَيْرَ مُتَبَرِّجَةٍ بِزِينَةٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَمَعَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ نَصًّا فِي كُتُبِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا عِبَارَاتِهِمْ عِنْدَ كَلَامِهِمْ عَنْ حُكْمِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَقَالُوا بِجَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ، وَقَدْ أَجَازُوا مَسَّ الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَيْهَا جَائِزٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسِّ أَغْلَظُ مِنَ النَّظَرِ.

وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا جَوَازَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَجُوزُ وَالشَّابَّةُ.إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ فَرَقَّ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ، فَقَالَ بِجَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ وَكَفَّيْهَا بِشَرْطِ عَدَمِ الِاسْتِدَامَةِ وَالتَّرْدَادِ فِيهِ، وَأَمَّا النَّظَرُ إِلَى الْعَجُوزِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ.

وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ كَالرُّويَانِيِّ وَالْأَذْرُعِيِّ، فَقَالُوا بِجَوَازِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَكَفَّيْهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَكَفَّيْهَا وَالشَّوْهَاءِ وَكَذَلِكَ الْبَرْزَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَالْمَرِيضَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا مِنَ الْعَجُوزِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سُمَيْعٍ عَلِيمٌ} وَالْقَوَاعِدُ هُنَّ الْعَجَائِزُ اللَّوَاتِي قَعَدْنَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِسَبَبِ كِبَرِ السِّنِّ، وَقَعَدْنَ عَنِ الْوَلَدِ وَالْمَحِيضِ، وَذَهَبَتْ شَهْوَتُهُنَّ، فَلَا يَشْتَهِينَ وَلَا يُشْتَهَيْنَ، فَأُبِيحَ لَهُنَّ وَضْعُ الْجِلْبَابِ وَالْخِمَارِ، لِانْصِرَافِ الْأَنْفُسِ عَنْهُنَّ، وَعَدَمِ الْتِفَاتِ الرِّجَالِ إِلَيْهِنَّ، فَأُبِيحَ لَهُنَّ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِنَّ، فَجَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِنَّ وَمُصَافَحَتُهُنَّ لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُنَّ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ، أَيْ مُظْهِرَاتٍ وَلَا مُتَعَرِّضَاتٍ بِالزِّينَةِ لِيُنْظُرَ إِلَيْهِنَّ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا، فَيَحْرُمُ كُلُّهُ، وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ الْعَجُوزِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُشْتَهَى، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَا تَنْضَبِطُ بِضَابِطٍ.

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الصَّغِيرَةِ:

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الصَّغِيرَةِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ، مَهْمَا كَانَ عُمْرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ الْعُضْوُ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ سِوَى الْفَرْجِ مِنْهَا.ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَفِي تَقْدِيرِ السِّنِّ الَّتِي تَبْلُغُ فِيهَا حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَفِيمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٍ ف 10).

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ:

10- ذَوَاتُ مَحَارِمِ الرَّجُلِ هُنَّ جَمِيعُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّوَاجُ مِنْهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رِضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ.

وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا، وَعَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إِلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنْهُنَّ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الَّتِي يُبَاحُ نَظَرُ الرِّجَالِ إِلَيْهَا مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِمْ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٍ ف 6).

نَظَرُ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

11- غَيْرُ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ حُكْمُهُمْ فِي النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ كَحُكْمِهِمْ فِي النَّظَرِ إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِمْ، وَهُوَ جَوَازُهُ إِلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنْهُنَّ لقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} وَالْعَطْفُ بَأَوْ يُفِيدُ التَّسَاوِيَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالْإِرْبَةُ هِيَ حَاجَةُ الرِّجَالِ إِلَى النِّسَاءِ وَمَيْلُهُمْ إِلَيْهِنَّ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ مَا يَدْخُلُ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الصِّنْفِ مِنَ الرِّجَالِ:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {غَيْر ِأُولِي الْإِرْبَةِ} مِنَ الْمُتَشَابِهِ، وَلَا يَكَادُونَ يَبْحَثُونَ فِيمَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ النَّاسِ، وَيَمِيلُونَ إِلَى عَدَمِ إِجْرَاءِ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمَعْنَى، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّجَالِ الَّذِي يَدْخُلُونَ فِي وَصْفِ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ قَدْ تَنَاوَلَهُ نَصٌّ مُحْكَمٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهُوَ قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، فَيَنْبَغِي الْأَخْذُ بِالْمُحْكَمِ وَتَرْكُ الْمُتَشَابِهِ.

وَلِذَلِكَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْخَصِيَّ.وَالْمَجْبُوبَ.وَالْمُخَنَّثَ وَالْعِنِّينَ كُلُّهُمْ رِجَالٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ النَّظَرُ إِلَى غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنَ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَلَا يُقْطَعُ بِدُخُولِهِمْ أَوْ دُخُولِ أَحَدِهِمْ فِي قوله تعالى: {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ}، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِشُمُولِ النَّصِّ الْمُحْكَمِ لَهُمْ، فَيُؤْخَذُ بِهِ فِي حَقِّهِمْ.

ثُمَّ اسْتَدَلُّوا عَلَى قَوْلِهِمْ هَذَا بِأَدِلَّةٍ تَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ، فَقَالُوا فِي الْخَصِيِّ: إِنَّهُ نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْخَصِيَّ ذَكَرٌ يَشْتَهِي وَقَدْ يُجَامِعُ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ مِنْهُ وَيُعَامَلُ فِي أَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ وَالْمَوَارِيثِ كَالْفَحْلِ، وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ فِيمَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ مُتَحَقِّقٌ، وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُسَاحِقُ فَيُنْزِلُ، وَالْمُخَنَّثُ إِذَا قُصِدَ بِهِ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ فِي الزِّيِّ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَحْلٌ فَاسِقٌ، فَيَنْبَغِي إِبْعَادُهُ عَنِ النِّسَاءِ، وَإِذَا قُصِدَ بِهِ مَنْ كَانَ فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاءَ فَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الرِّجَالِ مُخَاطَبٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، وَهُوَ ذَكَرٌ مِنْ ذُكُورِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَعَلُّقُ هَذَا النَّصِّ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَعَلُّقِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ فِي قوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُحْكَمٌ وَالثَّانِيَ مُتَشَابِهٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْعِنِّينِ.

لَكِنَّ الْكَاسَانِيَّ أَشَارَ إِلَى جَوَازِ النَّظَرِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ الْكَبِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ حُدُوثُ الشَّهْوَةِ فِيهِمَا، كَمَا أَنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ الْمُخَنَّثُ الَّذِي خُلِقَ فِي أَعْضَائِهِ لِينٌ وَتَكَسُّرٌ، وَحُرِمَ مِنِ اشْتِهَاءِ النِّسَاءِ، فَهَذَا يُتْرَكُ مَعَ النِّسَاءِ، وَيُبَاحُ لَهُنَّ إِبْدَاءُ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ لَهُ، وَيَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِنَّ كَالرَّجُلِ مَعَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ.

وَكَذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِالْمَجْبُوبُ الَّذِي جَفَّ مَاؤُهُ وَانْقَطَعَتْ شَهْوَتُهُ لِشَيْخُوخَتِهِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ أَيْ غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ، وَاخْتَلَفَ فِي مَعْنَى قوله تعالى أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِوَالِاخْتِلَافُ كُلُّهُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى وَيَجْتَمِعُ فِيمَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا هِمَّةَ يَنْتَبِهُ بِهَا إِلَى أَمْرِ النِّسَاءِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ حُكْمَ أُولِي الْإِرْبَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالنَّظَرِ إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِمْ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيمَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ وَصْفُ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ، فَذَهَبُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ وَجْهَيْنِ إِلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَمْسُوحُ، وَهُوَ ذَاهِبُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، فَيَجُوزُ نَظَرُهُ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَاشْتَرَطُوا أَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مَيْلٌ إِلَى النِّسَاءِ أَصْلًا، وَأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ الْمَنْظُورُ إِلَيْهَا مُسْلِمَةً، وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ كَالْفَحْلِ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ، لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ الَّذِي ذَهَبَ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ، وَالْخَصِيُّ الَّذِي بَقِيَ ذَكَرُهُ وَذَهَبَتْ أُنْثَيَاهُ، وَالْعِنِّينُ، وَالْمُخَنَّثُ الْمُشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ وَالشَّيْخُ الْهِمُّ.فَلَا يَحِلُّ لَهُمُ النَّظَرُ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَهُمْ كَالْفَحْلِ فِي ذَلِكَ، كَذَا أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ.وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى اسْتِثْنَاءِ الْخَصِيِّ الَّذِي يَكْبُرُ وَيَهْرَمُ وَتَذْهَبُ شَهْوَتُهُ، وَكَذَا الْمُخَنَّثُ إِذَا صَارَ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي الْخَصِيِّ وَالْمُخَنَّثِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا كَالْمَمْسُوحِ، وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كَالْفَحْلِ الْأَجْنَبِيِّ.وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّيْخَ الَّذِي ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ يُعْتَبَرُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْسُوحًا وَلَا خَصِيًّا وَلَا مَجْبُوبًا وَلَا مُخَنَّثًا.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ هُمْ كُلُّ مَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِكِبَرٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالْخَصِيُّ وَالْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا شَهْوَةَ لَهُ، وَأَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ ذَوِي الْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، فَلَهُمُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا مِنَ النِّسَاءِ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّقَبَةُ وَالْيَدُ وَالْقَدَمُ وَالسَّاقُ وَالرَّأْسُ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَطَعَ بِهِ ابْنُ قُدَامَةَ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُمُ النَّظَرُ إِلاَّ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ لَهُمُ النَّظَرُ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ.

نَظَرُ الصَّغِيرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ:

12- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَظَرِ الصَّغِيرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ، وَلَا يَعْرِفُ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُبْدِينَ مَوَاضِعَ الزِّينَةِ مِنْهُنَّ لَهُ.

وَصَحَّحَ الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْأَطْفَالِ لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ سَتْرُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا أَمَامَهُ، وَحَكَى قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا سَتْرُ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، لِأَنَّهَا قَدْ تَشْتَهِي هِيَ إِذَا أَبْدَتْ عَوْرَتَهَا لَهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لَا حِجَابَ مِنْهُ، لَكِنْ فَرَّقَ الْإِمَامُ فِي نَظَرِ الصَّبِيِّ بَيْنَ ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: الْأُولَى: أَنْ لَا يَبْلُغَ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَرَى فَهَذَا حُضُورُهُ كَغَيْبَتِهِ، وَيَجُوزُ التَّكَشُّفُ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْلُغَ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَرَى، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ فِيهِ ثَوَرَانُ شَهْوَةٍ وَتَشَوُّفٍ نَحْوَ النِّسَاءِ، فَهَذَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبْدِيَ أَمَامَهُ مَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ أَمَامَ مَحَارِمِهَا، وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَبْلُغَ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَرَى وَيَكُونَ فِيهِ ثَوَرَانُ شَهْوَةٍ وَتَشَوُّفٍ فَهَذَا كَالْبَالِغِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الطِّفْلَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يَجِبُ الِاسْتِتَارُ مِنْهُ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذِي شَهْوَةٍ فَلَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا شَهْوَةَ لَهُ فَأَشْبَهَ الطِّفْلَ، لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا.وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَالْمَحْرَمِ لَا يَنْظُرُ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ سِوَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَوَجْهُهَا مَا يُفْهَمُ مِنْ قوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} حَيْثُ جَاءَ عَطْفُهُ عَلَى ذَوِي الْمَحَارِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِ ذَوِي الْمَحَارِمِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كَذِي الْمَحْرَمِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَاتٌ أُخْرَى.

نَظَرُ الْمُرَاهِقِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

13- الْمُرَاهِقُ هُوَ مَنْ قَارَبَ الِاحْتِلَامَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ، بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ تَشَوُّفٌ إِلَى النِّسَاءِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمُوَاقَعَةِ وَالْجِمَاعِ، وَقَدَّرَ بَعْضُهُمُ الْمُرَاهَقَةَ بِمَا يُقَارِبُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ نَظَرِهِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الصَّبِيِّ أُمِرَ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نَظَرُهُ إِلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} أَيِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ وَلَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَ الْعَوْرَةَ وَبَلَغُوا حَدَّ الشَّهْوَةِ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ زِينَتَهَا لَهُمْ، وَيَجِبَ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ النَّظَرِ كَمَا يَلْزَمُهُ مَنْعُهُ سَائِرَ الْمُحَرَّمَاتِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْمُرَاهِقَ، فِي النَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، كَالْبَالِغِ مَعَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} فَأَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَبْلُغِ الْأَطْفَالُ الْحُلُمَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ لَهُمُ النَّظَرُ إِلَى مَوَاضِعَ زَائِدَةٍ عَمَّا يَحِلُّ لِلْبَالِغِ لَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْحِجَامَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا، قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ».

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْعُضْوِ الْمُنْفَصِلِ مِنَ الْمَرْأَةِ:

14- لَا خِلَافَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ نَظَرَ الرَّجُلِ إِلَى أَيِّ عُضْوٍ مُنْفَصِلٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ انْفِصَالُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ.

كَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إِلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنَ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ انْفِصَالُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهُ، فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ يَدًا وَلَا ذِرَاعًا وَلَا شَعْرَ رَأْسٍ وَلَا سَاقًا وَإِنْ أُبِينَ ذَلِكَ مِنْهَا حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً، بَلْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَظْمِ ذِرَاعٍ أَوْ سَاقٍ أَوْ قُلَامَةِ ظُفْرٍ الرِّجْلِ دُونَ الْيَدِ، وَقَاسُوا الْمُنْفَصِلَ عَلَى الْمُتَّصِلِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ وَأَجْزَائِهِ لَا تُفَارِقُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَعُبِّرَ عَنْهُ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ بِالْأَصَحِّ.وَكَذَلِكَ ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ.

الثَّانِي: يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا أُبِينَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا، لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْجِسْمِ.وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ انْفِصَالُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَقَالُوا بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى أَجْزَاءِ الْأَجْنَبِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً، وَمَنَعُوا النَّظَرَ فِي الْقُبُورِ مَخَافَةَ مُصَادَفَةِ مَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ.

الثَّالِثُ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عُضْوٍ مَبَانٍ مِنَ الْمَرْأَةِ، لِزَوَالِ حُرْمَتِهِ بِالِانْفِصَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةِ لَكِنِ احْتَمَلَ الْإِمَامُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَمَيَّزِ الْمُبَانُ مِنَ الْمَرْأَةِ بِصُورَتِهِ وَشَكْلِهِ عَمَّا لِلرَّجُلِ، كَقُلَامَةِ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ وَالْجِلْدِ لَمْ يَحْرُمِ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ تَمَيَّزَ حَرُمَ، وَقَدْ ضَعَّفَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْقَوْلَ، بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلتَّمْيِيزِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ جُزْءٌ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


45-موسوعة الفقه الكويتية (نظر 2)

نَظَرٌ -2

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ عَنْ طَرِيقِ الْمَاءِ وَالْمِرْآةِ:

15- نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى صُورَةِ مَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَى عَيْنِهِ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَشَارَ إِلَى حُكْمِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ، حَيْثُ قَالَ: لَمْ أَرَ مَا لَوْ نَظَرَ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنَ الْمِرْآةِ أَوِ الْمَاءِ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ فَرْجٍ مِنْ مِرْآةٍ أَوْ مَاءٍ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالُهُ لَا عَيْنُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَظَرَ مِنْ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ هِيَ فِيهِ، لأَنَّ الْبَصَرَ يَنْفُذُ فِي الزُّجَاجِ وَالْمَاءِ فَيَرَى مَا فِيهِ، وَمُفَادُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ نَظَرُ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنَ الْمِرْآةِ أَوِ الْمَاءِ، إِلاَّ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ شُدِّدَ فِي شُرُوطِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحَلُّ، بِخِلَافِ النَّظَرِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ وَالشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَرَجَّحَ الْحُرْمَةَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ شَارِحًا لِقَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ: وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إِلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، خَرَجَ مِثَالُهَا، فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ فِي نَحْوِ مِرْآةٍ، كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا...مَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً.

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ:

16- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا كَحُكْمِهِ فِي حَيَاتِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى غَيْرِ مَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ حَالَ الْحَيَاةِ، إِلاَّ إِذَا وُجِدَتْ ضَرُورَةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْحُرْمَةُ، بَلْ تَتَأَكَّدُ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَالْآدَمِيُّ مُحْتَرَمٌ شَرْعًا حَيًّا وَمَيِّتًا.

وَانْظُرْ (تَغْسِيلَ الْمَيِّتِ ف 11 وَمَا بَعْدَهَا).

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ:

17- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّلَذُّذِ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَلَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَيَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا سِوَاهَا، لِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ».

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ عَوْرَةِ الرَّجُلِ الَّتِي يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَقَدْ ذَهَبَ مُعْظَمُهُمْ إِلَى أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ كُلٍّ مِنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فِي عَوْرَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْفَخِذُ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٍ ف 8).

نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ:

18- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى الْأَمْرَدِ عَنْ شَهْوَةٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّلَذُّذِ وَالتَّمَتُّعِ بِمَحَاسِنِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَدِ الصَّبِيحِ وَغَيْرِهِ، بَلْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْأَمْرَدِ بِشَهْوَةٍ أَشَدُّ إِثْمًا مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْأَمْرَدِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا قَصْدِ التَّلَذُّذِ فَإِمَّا أَنْ يَخَافَ مِنَ النَّظَرِ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ، أَوْ يَأْمَنَ مِنْ ثَوَرَانِهَا، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (أَمْرَدَ ف 4).

نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ:

يَخْتَلِفُ حُكْمُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ بِاخْتِلَافِ كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا أَوْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا:

نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ:

19- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى أَيِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ حَرَامًا إِذَا قَصَدَتْ بِهِ التَّلَذُّذَ أَوْ عَلِمَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا وُقُوعُ الشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ احْتِمَالُ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِ حُدُوثِهَا مُتَسَاوِيَيْنِ، لِأَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ إِلَى مَنْ لَا يَحِلُّ بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ نَوْعُ زِنًا، وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.

وَفِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا عَمَّا سِوَى الْعَوْرَةِ مِنَ الرَّجُلِ إِذَا عَلِمَتْ وُقُوعَ الشَّهْوَةِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا ذَلِكَ أَوْ شَكَّتْ فِيهِ، بِمَعْنَى أَنَّ نَظَرَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَلَيْسَ مُحَرَّمًا، بِخِلَافِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ نَظَرَهُ إِلَى مَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَرْأَةِ بِدُونِ شَهْوَةٍ يَحْرُمُ إِذَا كَانَ مَعَ الشَّهْوَةِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُهَا، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بِحَسَبِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَى النِّسَاءِ غَالِبَةٌ، وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ مُشْتَهِيًا وُجِدَتِ الشَّهْوَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ: فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْرُوضُ، وَفِي جَانِبِهَا اعْتِبَارًا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِالْفِعْلِ، لِقِيَامِ الْغَلَبَةِ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ، وَإِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ مُشْتَهِيَةً لَمْ تُوجَدِ الشَّهْوَةُ مِنْ جَانِبِهِ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ، وَلَا اعْتِبَارَ لِعَدَمِ الْغَلَبَةِ، فَكَانَتِ الشَّهْوَةُ مِنْ جَانِبِهَا فَقَطْ، وَالْمُتَحَقِّقُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إِلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنَ الْمُتَحَقِّقِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لَا مَحَالَةَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ يَقِينًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَحِلُّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ إِلَى مَا سِوَى عَوْرَتِهِ أَيْ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ، حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنَ الرَّجُلِ، وَأَمَّا السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ وَالْفَخِذُ مِنْهُ فَفِي كَوْنِهَا مِنَ الْعَوْرَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَمَنِ اعْتَبَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَوْرَةً قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ كَذَلِكَ قَالَ بِالْجَوَازِ وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَة ف 8).

وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ أَيْضًا وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا السُّنَّةُ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ» وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ» كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَةِ الْعِيدِ أَتَى إِلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلَالٌ إِلَى بَيْتِهِ».

وَمِنَ الْمَعْقُولِ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النِّسَاءَ لَوْ مُنِعْنَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الرِّجَالِ مُطْلَقًا لَوَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ الْحِجَابُ كَمَا وَجَبَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ يَسْتَوِي فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ مَادَامَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ، فَكَانَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الرَّجُلِ مَا لَيْسَ عَوْرَةً، كَمَا لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ نَظَرُهُنَّ إِلَى الرِّجَالِ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُنَّ بِحُضُورِ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ حُكْمُهُ كَحُكْمِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى مَحَارِمِهِ، فَيَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى مِثْلِ مَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا ذَلِكَ، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْحَنَفِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ (وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إِلَى مَا يَبْدُو مِنْهُ فِي الْمِهْنَةِ.

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ حُكْمَ النَّظَرِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ غِلَظٌ فِي الشَّرْعِ عَنْ حُكْمِهِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، مِمَّا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ أَغْلَظَ فِي الْحُكْمِ مِنْ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ، حَتَّى إِنَّهُ لَا يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ كَالرَّجُلِ فِي النَّظَرِ إِلَى الرَّجُلِ لَجَازَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ حُكْمَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ كَحُكْمِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا، فَلَا يَحِلُّ أَنْ تَرَى مِنْهُ إِلاَّ مَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرَى مِنْهَا، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ، وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ قَدَّمَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَطَعَ بِهَا ابْنُ الْبَنَّا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، لَكِنَّ النَّوَوِيَّ جَعَلَهَ هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْأَصْحَابِ وَمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا، وَأَنَّ مُقَابِلَهُ جَوَازُ نَظَرِهِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.وَبِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي حُكْمِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ يَكُونُ مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ فِي حُكْمِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ هُوَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا، لَكِنْ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَاتَّفَقَتِ الْأَوْجُهُ عَلَى جَوَازِ نَظَرِهَا إِلَى وَجْهِ الرَّجُلِ وَكَفَّيْهِ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الْفِتْنَةِ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى النِّسَاءَ بِغَضِّ أَبْصَارِهِنَّ كَمَا أَمَرَ الرِّجَالَ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَمَيْمُونَةَ، إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ هَذَا أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟».فَلَوْ كَانَ نَظَرُ النِّسَاءِ إِلَى الرِّجَالِ مُبَاحًا لَمَا أَمَرَهُمَا الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- بِالِاحْتِجَابِ عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ- رضي الله عنه- وَهُوَ أَعْمَى وَلَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمَا النَّظَرَ إِلَيْهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّ النِّسَاءَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْآدَمِيِّينَ، فَحَرُمَ عَلَيْهِنَّ النَّظَرُ إِلَى النَّوْعِ الْآخَرِ، قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ، يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمَ لِلنَّظَرِ هُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرِّجَالِ، بَلْ أَشَدُّ شَهْوَةً وَأَسْرَعُ افْتِتَانًا.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ الرَّجُلِ وَكَفَّيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا النَّظَرُ إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَاعْتَبَرَهُ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْقَاضِي.

نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى مَحَارِمِهَا مِنَ الرِّجَالِ:

20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنْ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى مَحَارِمِهَا مِنَ الرِّجَالِ لَا يَحِلُّ إِذَا كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الرَّجُلِ الْمَحْرَمِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ مَحْرَمِهَا إِلَى مَا سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ تُفَرِّقْ عِبَارَاتُهُمْ فِي حُكْمِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ بَيْنَ الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ إِلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ، أَيْ إِلَى السُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا، وَمَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إِلاَّ إِلَى مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهَا أَنْ تَنْظُرَ إِلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالَ الْمَرْدَاوِيُّ: يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلَى مَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا، وَإِلَى الرَّأْسِ وَالسَّاقَيْنِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَحُكْمُ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ حُكْمُ الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ فِي النَّظَرِ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ.

ثُمَّ قَالَ الْمَرْدَاوِيُّ: وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى مَحَارِمِهَا حُكْمُهُمْ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ إِلَى أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى ذِي مَحْرَمِهَا كَنَظَرِهِ إِلَيْهَا.

نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

21- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى الْمَرْأَةِ مَهْمَا كَانَتْ إِذَا كَانَ هَذَا النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّلَذُّذِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَقَدْ فَرَّقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ نَظَرِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرِ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَفِي نَظَرِ الْمُسْلِمَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَاجِرَةِ وَالْعَفِيفَةِ:

نَظَرُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ:

22- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَى مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنَ الرَّجُلِ، فَيَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ».وَذَلِكَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- بَيَّنَ عَوْرَةَ الرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ مِثْلُهُ، لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَمَا عَدَا الْعَوْرَةَ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ، فَيَبْقَى النَّظَرُ إِلَيْهِ جَائِزًا.

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ بِجَامِعِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَعَدَمِ الْخَوْفِ مِنَ الشَّهْوَةِ وَالْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ، وَبِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَ لِلنِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ تَجْرِيدَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَمُوتُ لِغُسْلِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ مَحَارِمِهَا، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، كَذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَ النِّسَاءِ.الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُسْلِمَةَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الْمَرْأَةِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، حَتَّى لَا يُبَاحَ لَهَا النَّظَرُ إِلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا وَرَدَ مِنْ نَهْيِ النِّسَاءِ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ بِمِئْزَرٍ وَبِغَيْرِ مِئْزَرٍ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إِلاَّ بِالْأُزُرِ، وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إِلاَّ مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ».

نَظَرُ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ:

23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَمْكِينِ الْمُسْلِمَةِ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا عَلَى أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ فِي نَظَرِهَا إِلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَهَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا سِوَى مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اعْتَبَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ هُوَ الْأَصَحُّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ.

وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ يَرَوْنَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَ الْكَافِرَةَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَ الْكَافِرَةَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا، وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ إِذَا كَانَتِ الْكَافِرَةُ غَيْرَ مَحْرَمٍ لِلْمُسْلِمَةِ (أَيْ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الرَّجُلِ الْمَحْرَمِ) وَغَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا، أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إِلَيْهَا.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} فَقَدْ فَسَّرَهَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهُنَّ النِّسَاءُ الْمُسْلِمَاتُ الْحَرَائِرُ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- مِنْ قَوْلِهِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: هُنَّ الْمُسْلِمَاتُ لَا تُبْدِيهِ لِيَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لِلْكَافِرَةِ النَّظَرُ إِلَى الْمُسْلِمَةِ لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْصِيصِ الْوَارِدِ فِي الْآيَةِ بِالْإِضَافَةِ فَائِدَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صِنْفٌ مِنَ النِّسَاءِ هُنَّ الْمُسْلِمَاتُ.وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ- رضي الله عنه-: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَمَعَهُنَّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَامْنَعْ ذَلِكَ وَحُلْ دُونَهُ وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهَا إِلاَّ أَهْلَ مِلَّتِهَا أَيْ مَا يُعَرَّى وَيَنْكَشِفُ مِنْهَا.

وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَضَعُ الْمُسْلِمَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ مُشْرِكَةٍ، وَلَا تُقَبِّلُهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} فَلَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِنَّ.كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ كَشْفَ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ عَنْ بَدَنِهَا أَمَامَ الْكَافِرَةِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ دِينَهَا لَا يَمْنَعُهَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُسْلِمَةُ فَإِنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فَتَنْزَجِرُ عَنْهُ.

وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُقَبِّلَ النَّصْرَانِيَّةُ الْمُسْلِمَةَ أَوْ تَرَى عَوْرَتَهَا وَيَتَأَوَّلُ {أَوْ نِسَائِهِنَّ}.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ كَنَظَرِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدِ اسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَقَدْ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِنِسَائِهِنَّ مَنْ يَصْحَبُهُنَّ مِنَ الْحَرَائِرِ مَسْلَمَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، وَالنِّسَاءُ كُلُّهُنَّ فِي حِلِّ نَظَرِ بِعْضِهِنَّ إِلَى بَعْضٍ سَوَاءٌ.وَيُسْتَفَادُ مِثْلُ هَذَا مِنْ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ: إِنْ كَانَ مَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ عَلَّمُوهَا الْغُسْلَ لِتُغَسِّلَهَا، لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُوَافَقَةِ فِي الدِّينِ وَالْمُخَالَفَةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اعْتَبَرَهُ الْغَزَالِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَنَصَرَاهُ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي، وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ، حَيْثُ نَقَلَ عَنْهُ الْأَلُوسِيُّ أَنَّهُ قَالَ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا كَالْمُسْلِمَةِ، وَالْمُرَادُ بِنِسَائِهِنَّ جَمِيعُ النِّسَاءِ، وَقَوْلُ السَّلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.وَكَذَلِكَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، حَيْثُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِجَمِيعِ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِالضَّمِيرِ لِلِاتِّبَاعِ، فَإِنَّهَا آيَةُ الضَّمَائِرِ، إِذْ فِيهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ضَمِيرًا، لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لَهَا نَظِيرٌ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ كُنَّ يَدْخُلْنَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، فَلَمْ يَكُنَّ يَتَحَجَّبْنَ وَلَا أُمِرْنَ بِحِجَابٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى نَظَرِ الرَّجُلِ الْكَافِرِ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ بِجَامِعِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَكَمَا لَمْ يُفَرَّقْ فِي حُكْمِ النَّظَرِ بَيْنَ الرِّجَالِ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِهِ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مُنِعَ بِهِ الرِّجَالُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النَّظَرِ بَيْنَ النِّسَاءِ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الدِّينُ أَمِ اخْتَلَفَ، وَلِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيَرْفَعُ حَرَجًا عَنْهُمْ، إِذْ لَا يَكَادُ يُمْكِنُ احْتِجَابُ الْمُسْلِمَاتِ عَنِ الذِّمِّيَّاتِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَ الْكَافِرَةَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَحَارِمُهَا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَصَفَهُ النَّوَوِيُّ بِالْأَشْبَهِ وَالرَّمْلِيُّ وَالْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ بِالْمُعْتَمِدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

نَظَرُ الْفَاجِرَةِ إِلَى الْعَفِيفَةِ:

24- نَصَّ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهَا الْمَرْأَةُ الْفَاجِرَةُ، لِأَنَّهَا تَصِفُهَا عِنْدَ الرِّجَالِ، فَلَا تَضَعُ جِلْبَابَهَا وَلَا خِمَارَهَا أَمَامَهَا.

وَذَهَبَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْفَاسِقَةَ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَالْكَافِرَةِ مَعَ الْمُسْلِمَةِ، يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَةَ الْعَفِيفَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الْفَاسِقَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى بَدَنِهَا، وَتَابَعَهُ آخَرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ كَالزَّرْكَشِيِّ، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَصَرَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْفَاسِقَاتِ هُنَّ الْمُسَاحِقَاتِ، أَوْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُنَّ مَيْلٌ إِلَى النِّسَاءِ، وَعَمَّمَهُ آخَرُونَ عَلَى كُلِّ فَاسِقَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِسْقُهَا بِسَبَبِ تَعَاطِي السِّحَاقِ أَمْ بِسَبَبِ الزِّنَا أَمْ بِسَبَبِ الْقِيَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّ أَكْثَرَ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ يَرَوْنَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ الْفَاسِقَةَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالْفِسْقُ لَا يُخْرِجُهَا عَنِ الْإِيمَانِ.

وَدَلِيلُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هُوَ قِيَاسُ الْفَاجِرَةِ عَلَى الْكَافِرَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَظِنَّةُ نَقْلِ مَا تَرَاهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ الْعَفِيفَةِ إِلَى زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ، فَيَحْرُمُ نَظَرُهَا وَيَحْرُمُ تَمْكِينُهَا مِنَ النَّظَرِ كَالرَّجُلِ.

النَّظَرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ:

25- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ صَاحِبِهِ بِدُونِ كَرَاهَةٍ سِوَى الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا، مَادَامَتِ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً بَيْنَهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ نَظَرِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا إِلَى فَرْجِ الْآخَرِ أَوْ دُبُرِهِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيُّ عُضْوٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} فَاسْتَثْنَى سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ، الزَّوْجَاتِ وَالْمَمْلُوكَاتِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِ الْمَسِّ وَالْوَطْءِ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَذَلِكَ النَّظَرُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ «عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الزَّوْجَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلزَّوْجَيْنِ أَنْ لَا يَنْظُرَ أَحَدُهُمَا إِلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا نَظَرْتُ أَوْ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَطُّ.

وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ حِلِّ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرَ إِلَى فَرْجِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا، وَقَالَا: يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَى الشَّعْرِ وَالظَّهْرِ وَالصَّدْرِ مِنْهَا، وَتَرَدَّدَ صَاحِبُ الدُّرِّ فِي حِلِّ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِ الْحَائِضِ مَعَ الْقَطْعِ بِتَحْرِيمِ قُرْبَانِهَا فِيمَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ النَّظَرِ إِلَى الْفَرْجِ حَالَ الْحَيْضِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي نَظَرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إِلَى فَرْجِ صَاحِبِهِ إِلَى مِثْلِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَيَحِلُّ بِدُونِ كَرَاهَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَى الدُّبُرِ، فَقَالَ الْأَقْفَهَسِيُّ: لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بِهِ، فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ الْآخَرِ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَ النَّظَرُ إِلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَطُّ أَوْ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَطُّ.

ثُمَّ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إِلَى فَرْجِ الزَّوْجَةِ النَّظَرَ إِلَى فَرْجِ الزَّوْجَةِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءِ أَجْنَبِيٍّ بِشُبْهَةٍ، فَهَذِهِ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ مِنْهَا إِلاَّ إِلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الدُّبُرِ وَالتَّلَذُّذِ بِهِ بِمَا سِوَى الْإِيلَاجِ، وَذَهَبَ الدَّارِمِيُّ مِنْهُمْ إِلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى الدُّبُرِ، أَيْ إِلَى حَلْقَتِهِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِحَالِ الْحَيَاةِ.

وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إِلَى فَرْجِ زَوْجِهَا إِذَا مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ نَقَلَهُ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ وَاسْتَظْهَرَهُ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّوَقُّفُ فِيهِ.

نَظَرُ الْإِنْسَانِ إِلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ:

26- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ نَظَرِ الشَّخْصِ إِلَى فَرْجِ نَفْسِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَنَظَرُهُ إِلَى بَاطِنِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً.وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ».

نَظَرُ الْخُنْثَى:

27- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْخُنْثَى يُعَامَلُ فِي نَظَرِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَفِي نَظَرِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ بِالْأَحْوَطِ، فَيُعْتَبَرُ مَعَ النِّسَاءِ رَجُلًا أَوْ مُرَاهِقًا، وَيَعْتَبَرُ مَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةً أَوْ مُرَاهِقَةً، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُسْتَنَدُهُمْ وُجُوبُ الْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ سَبَبِ الْحَظْرِ وَسَبَبِ الْإِبَاحَةِ، وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِتَسَاوِي احْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَكَرًا مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ يُقَابِلُ الْأَصَحَّ، وَهُوَ أَنَّهُ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ حُكْمُ الصِّغَرِ، فَيُعَامَلُ بِمَا كَانَ يُعَامَلُ بِهِ فِي الصِّغَرِ، وَلِلْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ فِي حُكْمِ الْخُنْثَى:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَالرَّجُلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا تَشَبَّهَ بِذَكَرٍ عُومِلَ كَالرَّجُلِ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِأُنْثَى عُومِلَ كَالْمَرْأَةِ.

التَّرْخِيصُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَالَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ:

28- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ فِي الْأَصْلِ يُبَاحُ فِي مَوْضِعَيْنِ:

الْأَوَّلُ: إِذَا وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْفَجْأَةِ.

الثَّانِي: إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ، وَفِيمَا يَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ:

نَظَرُ الْفُجَاءَةِ:

29- الْفُجَاءَةُ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ، وَكَذَلِكَ الْفَجْأَةُ وِزَانُ تَمْرَةٍ، هِيَ الْبَغْتَةُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سَبَبٍ وَيُقْصَدُ بِنَظَرِ الْفَجْأَةِ النَّظَرُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنَ النَّاظِرِ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ هَذَا النَّظَرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَا إِثْمَ فِيهِ، لِمَا وَرَدَ «عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِثْمَ فِي اسْتِدَامَةِ النَّظَرِ بَعْدَ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ أَيُّ إِثْمٍ، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ بُرَيْدَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ: يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ».فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّظْرَةَ الْأُولَى إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا إِثْمَ فِيهَا.

نَظَرُ الْحَاجَةِ:

30- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي تَحْدِيدِ الْحَاجَاتِ الْمُبِيحَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَشُرُوطِ الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَاجَاتِ الْمُبِيحَةِ لِلنَّظَرِ: الْخِطْبَةَ وَالتَّدَاوِيَ وَالْقَضَاءَ وَالشَّهَادَةَ وَالْمُعَامَلَةَ وَالتَّعْلِيمَ وَغَيْرَهَا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


46-معجم الرائد (جمعاء)

جمعاء:

1- من الحيوانات: التي لم يذهب من بدنها شيء.

2- ناقة هرمة.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


47-معجم الرائد (رغماء)

رغماء: شاة على طرف أنفها بياض أو لون يخالف سائر بدنها.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


48-لغة الفقهاء (التهتك)

التهتك: من هتك الستر: مزقه وكشف المستور.

[*] المرأة المتهتكة: التي ألقت حجابها وكشفت عن أجزاء من بدنها بغير حياء... Barefaced woman, shameless woman

معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م


49-تاج العروس (زب زبب زبزب)

[زبب]: الزَّبَبُ، مُحَرَّكَة والزّغَبُ وهو فينا مَعْشَر الناسِ: كثرةُ الشَّعَر وطوله، وفي الإِبِل: كَثْرَةُ شَعَرِ الوَجْهِ والعُثْنُونِ، كذا قاله ابنُ سِيدَه. وقيلَ: الزَّبَبُ في النّاس: كَثْرَةُ الشَّعر في الأُذنَيْن والحاجِبَيْن، وفي الإِبِل: كَثْرَة شَعَر الأُذُنِ والعَيْنَيْن. والزَّبَبُ أَيضًا: مصدر الأَزَبّ، وهو كَثْرَةُ شَعَرِ الذِّراعَيْن والحاجِبَيْن والعَيْنَيْن، والجَمْعُ الزُّبُّ. وقَدْ زَبَّ يَزَبُّ زَبِيبًا. قال شَيْخُنَا: مُقْتَضَى اصْطِلَاحِهِ أَن يَكُونَ كَضَرَب، وهو غَيْرُ صَوَابٍ فإِنَّه مِنْ بَاب فَرِح بدَلِيلِ تَحْرِيكِ مَصْدَرِهِ والإِتْيانِ بِوَصْفِهِ على أَفْعَل والواجِبُ ضَبْطُهُ، انْتهى.

فَهُوَ أَزَبُّ وبَعيرٌ أَزَبُّ، وفي المَثَل: «كُلُّ أَزَبَّ نَفُورٌ»، قال:

أَزَبُّ القَفَا والمَنْكِبَيْن كأَنَّه *** من الصَّرْصَرَانِيّاتِ عَوْدٌ مُوَقَّعُ

ولا يكاد يَكُون الأَزَبُّ إِلا نَفُورًا، لأَنه يَنْبُتُ على حاجِبَيْه شُعَيْرَاتٌ، فإِذا ضَرَبَتْهُ، الرِّيحُ نَفَرَ، قال الكُمَيْتُ:

بَلَوْنَاكَ في هَبَواتِ العَجَاج *** فَلَمْ تَكُ فِيهَا الأَزَبَّ النَّفُورَا

على ما رواه ابْنُ بَرِّيّ.

وزَبَّتِ الشَّمْسُ زَبًّا: دَنَتْ للغُرُوب وهو مَجازٌ مأْخُوذٌ من الزَّبَبِ؛ لأَنَّها تَتَوارَى كَمَا يَتَوَارَى لَوْنُ العُضْوِ بالشَّعَر كَأَزَبَّت وَزَبَّبَتْ.

وقَدْ زَبَّ القِرْبَةَ، كمدَّ زَبًّا: مَلأَهَا إِلى رأْسِها فازْدَبَّتْ.

ومن المَجَازِ: عَامٌ أَزَبُّ: مُخْصِبٌ كَثِيرُ النَّبَاتِ.

والأَزَبُّ: مِنْ أَسْمَاء الشَّيَاطِين وقد تَقَدَّم ما يَتَعَلَّقُ به في حَرْفِ الهَمْزَة. ومِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْر مُخْتَصَرًا أَورَدَهُ ابن الأَثِير في النِّهَايَة مُطَوَّلًا أَنَّه، بالفَتْح ويجوز الكَسْر على الابتداءِ. وَجَدَ رَجُلًا طُولُه شِبْرَان، فأَخَذَ السَّوْطَ فأَتَاه، فقال: مَنْ أَنْت؟ فقال: أَزَبُّ، قال: وَمَا أَزَبُّ؟ قال: رَجُلٌ من الجِنّ، فَقَلَب السَّوْطَ فَوَضَعَهُ في رَأْس أَزَبَّ حَتّى بَاصَ؛ أَي اسْتتر وهَرَبَ. وفي حديث بَيْعَةِ العَقَبَةِ هُوَ شَيْطَانٌ اسْمه أَزَبُّ العَقَبَة، وقيل: هو حَيَّة، كما في النهاية. وأَبُو نُعَيم محمدُ بنُ عَلِيِّ بْن زَبْزَبٍ الوَاسِطِيُّ، مُحَدِّثٌ، سَمِع منه السِّلفِيُّ في واسِط، وذكره في الأَرْبَعين.

والزَّبَّاءُ: الاسْتُ بِشَعَرِهَا. وامرأَةٌ زَبّاءُ: كَثِيرَة شَعَر الحاجِبَيْن والذراعين واليَدَيْن. وأُذُنٌ زَبَّاءُ: كَثِيرَةُ الشَّعَرِ.

والزَّبّاءُ من الدَّواهِي: الشَّدِيدَةُ المُنْكَرَةُ، وهو أَيْضًا مَجَاز، يقال: داهِيَةٌ زَبَّاءُ، كما قالوا: شَعْرَاءُ، ومنْه المثَل: «جاءَ بالشَّعْرَاءِ والزَّبَّاءِ» أَوردَهُ المَيْدَنِيُّ. «وفي حَدِيثِ الشَّعْبيّ أَنه سُئِلَ عَنْ مَسْأَلةٍ، فقال: زَبّاءُ ذَاتُ وَبَر أَعْيَت قائِدَها وسائِقَها، لو أُلْقِيَتْ عَلَى أَصْحابِ مُحَمَّد صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لأَعْضَلَت بِهِم». أَرَادَ أَنّها صَعْبَة مُشْكِلَة، شَبَّهَها بالنَّاقَةِ النَّفُورِ من كل شي‌ءٍ، كأَنّ الناس لم يأْنَسُوا بهذه المسْأَلَة ولَمْ يَعْرِفُوها.

والزَّبَّاءُ: بلد على شَاطِئِ الفُرَات، نقله الصَّاغَانِيُّ، سُمَّيَت بالزَّبّاءِ قَاتِلةِ جَذِيمَة.

والزَّبَّاء: فرسُ الأُصَيْدِف الطائيّ نَقَلَه الصاغَانِيّ.

ومَاءَةٌ لِطُهَيَّةَ نقله الصَّاغَانِيّ، وهي قَبِيلَة من تَمِيم. وَمَاءٌ أَيْضًا من مِيَاه أَبي بَكْرِ بنِ كِلَابٍ في جَانِبِ ضَرِيَّةَ.

والزَّبَّاءُ: اسم الملكة الرُّومِيَّةِ، تُمَدّ وتُقْصَر، وهي مَلِكَةُ الجَزيرة، وتُعَدّ من مُلُوك الطَّوائف، لُقِّبَتْ بها لكثْرَة شَعَرها؛ لأَنَّها كان لها شَعَر إِذا أَرسلَتْه غَطَّى بَدَنَها كُلَّه، فَقِيلَ لها الزَّبَّاءُ، كأَنَّه تأْنِيثُ الأَزَبِّ لِلْكَثِير الشَّعَر، واختلَفُوا في اسمها، فقيل: بارِعَةُ، وقِيلَ: نَابِلَةُ، وقيل: مَيْسُونُ، وهي بنتُ عَمْرو بن الظَّرِب أَحدِ أَشْرافِ العرب وحُكَمَائِهم، خدعَه جَذِيمةُ الأَبْرَشُ وأَخذ عليه مُلْكَه وقَتَله، وقامت هي بأَخذ ثَأْرِه، في قِصَّة مَشْهُورَة مُشْتَمِلَةٍ على أَمْثَالٍ كَثِيرةٍ لها ولقَصِيرِ بنْ سَعْد، أَورَدَهَا المَيْدَانِيّ والزَّمَخْشَرِيّ، كذا قاله شَيْخُنا.

وماءَةٌ لِبَنِي سَلِيط بْنِ يَرْبُوعٍ، وفي لسان العَرَب: هي شُعْبَةُ مَاءٍ لبَنِي كُلَيْب. قال غَسَّانٌ السَّلِيطِيُّ يَهْجُو جَرِيرًا:

أَمَّا كُلَيْبٌ فإِنَّ اللُّؤْمَ حَالَفَهَا *** ما سالَ في حَفْلَةِ الزَّبَّاء وَادِيها

والزَّبَّاءُ: عَيْنٌ بالْيَمَامَة منها شَرِب الحِضْرِمَةُ والصَّعْفُوقة.

والزَّبَّاءُ: أَحدُ لِقَاح رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وهُنَّ عَشْرُ لَقَائحَ أُهْدِينَ إِليه. والزُّبُّ بالضم: الذَّكَرُ بلُغَةِ أَهْلِ اليَمَن؛ أَي مُطْلَقًا. وفي فقه اللغة لأَبي مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِيِّ في تقسيم الذُّكورِ: الزُّبُّ للصَّبيّ، أَو هُوَ خَاصٌّ بالإِنْسَان قَالَه ابن دُرَيْد، وقال: إِنَّه عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، وأَنْشَد:

قَدْ حَلَفَتْ باللهِ لا أُحِبُّهُ *** أَنْ طَالَ خُصْيْاهُ وقَصْرَ زُبُّهُ

وفي التَّهْذِيب: الزُّبُّ: ذكر الصَّبيّ بلُغَة اليمن، وفي المِصْباح: تصغِيره زُبَيْب، عَلَى القِيَاس، وربّما دَخَلَتْه الهاءُ فَقِيل زُبَيْبَة، عَلَى مَعْنَى أَنَّه قِطْعَة من البَدَن، فَالْهاءُ للتَّأْنِيثِ.

الجمع: أَزُبُّ وأَزْبَابٌ وَزَبَبَةٌ محرّكةً والأَخِيرُ من النوادر.

والزُّبُّ: اللِّحْيَةُ يَمَانِية أَو مُقَدَّمُها عند بَعض أَهْل اليَمَن، ومثْله في كتاب المجرَّد لكُرَاع، وأَنْشد الخَلِيلُ:

فَفاضت دُمُوعُ الحَجْمَتَيْنِ بِعَبْرَةٍ *** على الزُّبِّ حتَّى الزُّبُّ في الماءِ غامِسُ

ومِثْلُه في شِفاء الغَلِيل.

قال شَمِر: وقِيلَ: الزُّبُّ: الأَنْفُ بِلُغَةِ أَهْلِ اليَمَنِ.

وزُبُّ القاضِي: من عُيُوب المَبِيع، فَسَّره الفُقَهَاءُ بِما يَقَع ثَمَرُهُ سَرِيعًا، قاله شَيْخُنَا.

والزُّبُّ: تَمْرٌ من تُمُورِ البَصْرة، ذكره المَيْدَانِيُّ.

وزُبُّ رُبَاحٍ، ورَدَ في قَوْل [أَبي] الشَّمَقْمَقِ:

شَفِيعِي إِلى مُوسَى سَمَاحُ يَمِينِه *** وحَسْبُ امِرِئٍ من شَافِع بِسَمَاحِ

وشِعْرِيَ شِعْرٌ يَشْتَهِي الناسُ أَكْلَه *** كَما يُشْتَهَى زُبْدُ بِزُبِّ رُبَاحِ

وقِصَّتُه في كِتَابِ الأَمثَالِ.

والزَّبيبُ: ذَاوِي العِنَب أَي يابِسه، مَعْرُوفٌ. واحِدَتُه زَبِيبَة. وقال أَبو حنيفة: واستَعْمَل أَعْرابيُّ مِن أَعْرَاب السَّرَاةِ الزَّبِيبَ في التِّين، فقال: الفَيْلَحَانِيّ: تين شديدُ السَّوَادِ جَيِّد للزَّبيب يعني يَابِسَه. وقد زَبَّبَ التينُ، عن أَبي حنيفة أَيضًا. وبهذا سقط قَوْلُ شَيْخنا؛ لأَنَّ الزَّبِيبَ إِنَّما يُعْرَف من العِنَبِ فَقَط، وقد أَزَبَّهُ أَي العنبَ والتِّين وَزَبَّبَه تَزْبِيبًا فَتَزَبَّبَ. ومن المجاز قَوْلُهُم: تَزَبَّبَ قَبْلَ أَن يَتَحَصْرَم.

وإِلى بَيْعِه أَي الزَّبيب نُسِبَ إِبراهيم بْنُ عَبْدِ اللهِ العَسْكِريُّ أَبُو الحُسَيْن، يَرْوِي عن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ. وعبْدُ اللهِ بنُ إِبراهيمَ بْنِ جَعْفَر بنِ بيَّانٍ البَغْدَادِيّ البزَّار، سَمِع الحَسَنَ بْنَ عَلَوَيْهِ والفِرْيَابِيّ، وعنه البَرْمَكِيّ.

وأَبُو نُعَيْم الرَّاوِي عن مُحَمّد بْنِ شَرِيك، وعنه سَهْلُ بنُ مُحَمَّد السُّكَّرِيّ وعَلِيُّ بن عُمَرَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، المُحَدِّثُونَ الزَّبِيبِيُّون، الأَخِيرُ عن المُسْتَغْفِريّ. وفَاتَه الحَسَنُ بنُ مُحَمَّد بنِ الفَضْلِ الطَّلْحِيُّ الزَّبِيبِيُّ أَخُو إِسماعيلَ، سمع ابنَ مَنْدَه، نقله السَّمْعَانِيّ.

والزّبِيبُ: زَبَدُ المَاءِ. ومنه قَوْلُه:

حَتَّى إِذا تَكَشَّف الزَّبِيبُ

والزَّبيبُ: السُّمُّ في فم الحيَّة نقله الصّاغَانِيّ.

ومن المجاز: خرجَت على يدِه زَبِيبَةٌ، بهاءٍ وهي قَرْحَةٌ تخرجُ في اليَدِ كالعَرْفَة. وَزَبَدَةٌ تخرج في فَم مُكْثِرِ الكَلَام. ومن المجاز: غَضِبَ فَثَار له زَبِيبَتَانِ: زَبَدَتان في شِدْقيه. وقَدْ زَبَّبَ فَمُ الرَّجُل، وتكَلَّم فُلانٌ حَتَّى زَبَّبَ شِدْقاه أَي خرج الزَّبَدُ عليهما.

والزَّبِيبَةُ؛ اجتماعُ الرِّيقِ في الصَّامِغَيْنِ، وزَبَّبَ شِدْقَاهُ: اجتمع الرِّيق في صامِغَيْهِما، واسمُ ذلك الرِّيقِ الزَّبِيبَتَان، وقَدْ زَبَّبَ فَمُه [عند الغَيْظِ] إِذا رَأَيْتَ له زَبِيبَتَين عند مُلْتَقَى شَفَتَيْه مما يَلِي اللِّسانَ، يَعْنِي رِيقًا يابِسًا.

وهما أَيضًا أَي الزِّبِيبَتَان نُقْطَتَان سَوْدَاوَان فَوْقَ عَيْنَيِ الحَيَّة، ومنه الحَيَّةُ ذو الزَّبِيتَيْن. وفي الحَدِيث «يَجِي‌ءُ كَنْزُ أَحَدِكم يَوْمَ القِيَامَة شُجَاعًا أَقْرَعَ له زَبِيبَتَان» قال أَبو عُبَيْد: وهو أَوْحَشُ ما يكون من الحَيَّاتِ وأَخْبَثُه. قال ابن الأَثِيرِ: الزَّبِيبَةُ: نُكْتَةٌ سوداءُ فوق عَيْنِ الحَيَّة، و [قيل]: هما نُقْطَتَان تَكْتَنِفَانِ فَاهَا، وقِيل: هما زَبَدَتان في شِدْقَيْها.

والزَّبِيبَتَان فوق عَيْنَيِ الكَلْب كَزَنَمَتَيِ البَعِيرِ أَو لَحْمَتَان في الرَّأْس كالقَرْنَيْنِ، وقيل: نَابَانِ يَخْرُجَان من الفَم، وقيل غيرُ ذلك كما نَقَلَه أَهْلُ الغَرِيب وأَورده شيخنا في الحية.

والتَّزَبُّبُ: التَّزَبُّدُ في الكلام، وتَزَبَّبَ الرجلُ إِذا امْتَلأَ غَيْظًا، قاله شَمِر.

ورُوِي عن أُمِّ غَيْلانَ ابْنَةِ جَرِيرٍ أَنَّها قالت: رُبَّما أَنشدتُ أَبِي حَتَّى تَزبَّبَ شِدْقايَ، قال الراجز:

إِنِّي إِذا ما زَبَّبَ الأَشْدَاقُ *** وكَثُر الضِّجَاجُ واللَّقْلَاقُ

ثَبْتُ الجَنَانِ مِرْجَمٌ ودَّاقُ

والزَّبَابُ كسَحَاب: فأْرٌ عَظِيمٌ أَصَمُّ قال الحارثُ بن حِلِّزَةَ:

وهُمُ زَبَابٌ حائِرٌ *** لا تَسْمَعُ الآذَانُ رَعْدا

أَي لا تسمَعْ آذانُهم صوتَ الرَّعْد؛ لأَنَّهُم صُمٌّ طُرْشٌ. أَو هو فأْرٌ أَحْمَرُ حَسَن الشَّعَر أَو هو بِلَا شَعَر.

والعَرَبُ تَضْرِبُ بها المَثَل فتَقُولُ: «أَسْرَقُ مِنْ زَبَابَة» ويُشَبَّه به الجاهل واحِدَتُه، زَبَابَةٌ، وفِيها طَرَشٌ، ويُجْمَعُ زَبَابًا وزَبَابَات. وقِيلَ: الزَّبَابُ: ضَرْبُ من الجُرَذِ عِظَامٌ، وأَنْشدَ:

وَثْبَةَ سُرْعُوبٍ رَأَى زَبَابا

السُّرْعُوبُ: ابنُ عُرْس؛ أَي رَأَى جُرَذًا ضَخْمًا. وفي حديثِ عَلِيّ ـ كَرَّم الله وَجْهَه ـ «أَنَا واللهِ إِذًا مِثْلُ الَّذِي أُحِيطَ بها فقيل: زَبَابِ زَبَاب» كأَنَّهم يُؤنِسُونَها بذلك.

المعنى: لا أَكونُ مثل الضَّبُع تُخَادَعُ عن حَتْفِها. والزَّبَابُ: جِنْس من الفَأْرِ لا تَسْمَع، لَعَلّهَا تأْكُلُه كما تأْكُلُ الجُرَذَ.

وزَبَابُ بنُ رُمَيْلَةَ الشَّاعِر وهو أَخُو الأَشْهَب، أَبُوهُما ثَوْرٌ، ورُمَيْلَةُ أُمُّهُما. وإِيّاهُ عَنَى الفَرَزْدَقُ بقوله:

دَعَا دَعْوَةَ الحُبْلَى زَبَابٌ وقد رَأَى *** بَنِي قَطَنٍ هَزُّوا القَنَا فَتَزَعْزَعَا

وضبطه الحافِظُ كشَدَّادِ.

وزُبَيْب كَزُبَيْرٍ: ابنُ ثَعْلَبَةَ بن عَمْرو صَحَابِيٌّ عَنْبَرِيّ من بني تَميم، له وِفَادَةٌ، كان ينزل بطَرِيق مَكَّةَ، روى عنه بَنَّوه: عُبَيْدُ اللهِ ودُجَيْنٌ وولَدَاهُما شُعَيْثُ بنُ عُبَيْدِ الله والعدون بن دُجَيْن، كذا في المعجم.

قلت: وأَخذ عن شُعَيْث هذا أَبُو سَلَمَة النَّبُوذَكِيّ وحَفِيدُه سَعِيدُ بن عَمَّار ابنِ شُعَيْث، رَوَى عن آبائه وعنه محمد بن صالح النَّرْسِيّ.

وعبدُ اللهِ بنُ زُبَيْب كَزُبَيْر تابِعِيٌّ جَنَدِيٌّ. إِلى قَرْيَة باليمن، روى مَعْمر عن رجل عنه. حديثُه مُرْسَل، قال الحافظ في التَّبْصِيرِ: بل مُخْتَلَفٌ في صُحْبَتِهِ. قلتُ: ولذا ذكره ابن فَهْد في مُعْجَم الصَّحَابة، قلت: وروى عنه كثير بن عطاء.

والزَّبّابُ كشَدّادٍ: بائعُ الزَّبِيب كَالزَّبِيبِيّ، وقد تقدم. وحُجَيْرُ بنُ زَبَّابٍ نَسَبُه في بني عَامِر بن صَعْصَعَةَ، وحَفِيدَتُه صَفِيَّةُ بنتُ جُنْدَبِ بْنِ حُجَيْر أُمُّ الحَارِث بْنِ عَبْدِ المُطَّلِب بْنِ هَاشِم. وعَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيمَ الزَّبَّابُ: مُحَدِّثٌ عن عمر بن علك المَرْوَزِيّ، وعنه أَبُو زُرْعة رَوْح بنُ محمد.

والزَّبِيبِيَّةُ: مَحَلَّةٌ ببَغْدَادَ، منها أَبُو بَكْر عَبْدُ الله بْنُ طَالِب، كذا في النسخ، والصواب ابن أَبي طالب الزَّبِيبِيُّ البَغْدَادِيّ المحدِّث عن شهدة.

وَزِبِيبَى بكسر الزّاي والبَاء الأُولَى: جَدُّ أَبي الفَضْل مُحَمّدِ بْنِ عَلِيِّ بن أَبي طَالِب ابْنِ مُحَمَّد بنِ زِبِيبَى الزِّبِيبِيِّ المُحَدِّثِ سَمع أَبا عَلِيّ الحَسَن بْن عَلِيّ بن المُذهِب التَّميميّ القطيعيّ، تُوُفِّيَ سنة 511 ترجمه أَبُو الفتح البنداريّ ترجمة واسعة في الذَّيْل على تاريخ بغداد، وهو عندي، وولده ذو الشَّرَفَيْن أَبو طالب الحُسَيْن بن محمد مُحَدِّث، رَوَى عن القَاضِي أَبي القَاسِم التَّنُوخِيّ وغيره.

والزَّبِيبِيُّ بالفَتْح: النَّقِيعُ المُتَّخَذُ مِنَ الزَّبِيبِ نقله الصاغاني.

والزَّبْزَبُ: دابَّةٌ كالسِّنَّوْر تأْخُذُ الصِّبْيَان من المُهُودِ، نقله الصَّاغَانِيّ، ذكرهُ ابن الأَثِيرِ في الكَامِل في حوادث سنة 304 وهو حَيَوانٌ أَبْلَقُ بسَوَادٍ قَصِيرُ اليَدَيْنِ والرِّجْلَيْن، كذا في حياة الحيوان.

والزَّبْزَبُ: ضَرْبٌ من السُّفُن.

وَزَبْزَبَ إِذا غَضِب، أَو زَبْزَبَ إِذا انْهَزَمَ في الحَرْب، كِلَاهُما عَن أَبِي عَمْرو.

والمُزَبِّبُ، كمُحَدِّثٍ: الكَثِيرُ المال، كالمُزِبِّ، بالضَّمِّ.

ويقال: آلُ فلان مُزِبُّون، إِذا كثرت أَموالُهم وكَثُروا هم.

وعَبْد الرَّحْمن بْنُ زَبِيبَةَ كحَبِيبَة وفي نسخة شيخنا كجُهَيْنَة، والأَوَّلُ الصَّوَابُ، تابِعِيّ، عن ابن عُمَر.

والزَّبَّاوَان: رَوْضَتَان لآل عَبْدِ اللهِ بنِ عامر بن كُرَيْزٍ، ويقال: ابن الحَنْظَلِيَّة: وتلك بمَهَبِّ الشمال من النِّبَاج عن يَمِينِ المُصْعِد إِلى مَكَّةَ من طَرِيق البَصْرَة من مَغِيض أَوْدِيَةِ حِلَّةِ النِّبَاج.

وبَنُو زَبِيبَة: بَطْن.

وزَبّان: اسم، فمن جعل ذلك فَعّالا من زبن صَرَفَه، ومَنْ جَعَلَه فَعْلَان مِنْ زَبّ لم يَصرِفْه. ويقال: زَبَّ الحِمْلَ وزَأَبَهُ وازْدَبَّه: حَمَلَه. قال الشَّاعر:

هجوتُ زَبّان ثم جِئتُ مُعْتَذِرًا *** من هَجْو زَبّان لم أَهْجُ ولم أَدَعِ

وزَبَّان بن قَسْور الكلفيّ: صحابيّ له حديث واه، قاله الدَّارقُطْنِيّ، وضبطه عبد الغنيّ بن سعيد، ويحيى بن الطحان بالراء بدل النون. وزُبَيْبٌ الضِّبابيّ كزُبَيْر: شاعرٌ إِسلامِيّ. وزَبِيبَةُ: أُمُّ عَنْتَرَةِ العَبْسِيِّ وجَدّةُ عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ سَمُرة.

وزَبّان اسمُ مَوْضِع بالحجاز، كذا في مُخْتَصَر المَراصِد.

ونِهْيَازُ باب بالضم: ما آنِ لِبَنِي كِلاب.

ودير الزبيب في نواحي خُناصرة تجاه دير إِسحاق، نقلته من تاريخ ابن العديم.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


50-تاج العروس (زبد)

[زبد]: الزَّبَدُ، محَرَّكةً، للماءِ وغيرِه كالبعيرِ، والفِضَّة، وغيرِهَا. والزَّبَد: زَبَدُ الجَملِ الهائِجِ، وهو لُغَامُه الأَبيضُ الّذي تَتلطَّخ به مَشافِرُه إِذا هاج، وللبحرِ زَبَدٌ إِذا هاج مَوْجُه.

وزَبَدٌ: جَبَلٌ باليَمَن، عن ابن حَبيب.

وزَبَدُ: قرية، بِقِنَّسْرِينَ لِبنِي أَسد، كما في التكملة، والتبصير. وهي الّتي أَوردها المصنّف في ر ي د.

وزَبَدُ اسْمُ حِمْصَ القديمُ، وبه فُسِّرَ قَول صَخْرِ الغيِّ:

مآبُهُ الرَّدمُ أو تنوخُ أَو الْ *** الآطامُ من صَوَّرانَ أَو زَبَدُ

أَو زَبَدُ: قرية، بهَا؛ أَي بقُرْبها، ويُرْوى بالنون أَيضًا.

والزَّبَد: موضع غَرْبِي بَغْدَادَ.

وقد أَزْبَدَ البحرُ إِزبادًا فهو مُزْبِدٌ، قاله اللَّيْث، وبَحْر مُزْبِدٌ؛ أَي مائج يَقْذِف بالزَّبَد، وزبَدُ الماءِ والجِرَّةِ واللُّعَابِ: طُفَاوَتُه وقَذَاه، والجمْع: أَزْبَادٌ.

ومن المجاز: أَزْبَدَ السِّدْرُ إِزبادًا، إِذا نَوَّرَ أَي طَلَعَتْ له ثَمرةٌ بيضاءُ كالزَّبَد على الماءِ، وزَبَّدَ القَتَادُ وأَزْبدَ: نَدَرَتْ خُوصَتُه واشْتَدَّ عُودُه، واتَّصلتْ بَشرَتُه وأَثمرَ، قال أَعرابيّ: تَركْت الأَرضَ مُخضَرَّة كأَنها حُوَلاءُ، بها فَصِيصَةٌ رقطاءُ، وعَرْفجَة خاضِبة، وقَتَادة مُزْبِدَةٌ، وعَوْسَجٌ كأَنّه النَّعَامُ من سَواده. وكلّ ذلك مُفسَّرٌ في مواضعه. كذا في اللسان.

والزُّبْدُ، بالضّمّ، وكرُمَّانٍ، الأَخيرة عن الصاغانيّ: زُبْدُ السَّمْنِ قبل أَن يُسْلَأَ والقِطْعَة منه زُبْدَةٌ، وهو ما خَلُصَ من الَّلبَن إِذا مُخِضَ. وزَبَدُ اللَّبَنِ: رَغْوَتُه.

وفي المحكم: الزُّبْدُ خُلَاصة اللَّبَنِ والزُّبْدَةُ أَخصُّ من الزَّبَدِ. وقد زَبَّدَ اللَّبَنُ. وزَبدهُ يَزْبِدُه زَبْدًا: أَطْعَمَه إِيَّاهُ؛ أَي الزُّبْدَ وزَبَدَ السِّقَاءَ: مَخَضَه ليَخْرُجَ زُبْدُه. والمُزْدَبِدُ: صاحِبُهُ. وزَبَدَ لهُ يَزْبِدُه زَبْدًا: رَضَخَ له من مالِهِ، والزَّبْد، بفتْح فسكون: الرِّفْد والعَطاءُ.

وفي الحديث: «أَنَّ رَجُلًا من المُشْرِكِين أَهْدَى إِلى النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم هَديَّةً فَرَدَّها، وقال: إِنّا لا نَقْبَل زَبْدَ المُشْرِكين». أَي رِفْدَهم.

وقال الأَصمعيُّ: يقال زَبَدْت فلانًا أَزْبِدُه، بالكسر، زَبْدًا، إِذا أَعْطَيْته، فإِن أَعْطَيْته زُبْدًا قلت: أَزْبُدُهُ زَبْدًا، بضمّ الباءِ من أَزْبُدُه؛ أَي أَطْعَمْته الزُّبْدَ.

وقال اللِّحْيَانيُّ: وكلّ شيْ‌ءٍ إِذا أَردْت أَطعَمْتهم أَو وَهَبْت لهم، قلْت: فعَلْتهم وإِذا أَردت أَن ذلك قد كَثُر عندهم قلت: أَفْعَلوا.

وتَزَبَّدَ الإِنسانُ، إِذا غَضِبَ وظَهَرَ على صِمَاغيْهِ زَبَدَتانِ.

وزَبَّدَ شِدْقُهُ تَزْبِيدًا: تَزَبَّدَ، وتَزَبَّدْت السَّوِيقَ وزَبَدْته أَزبِدُه، وسَوِيقٌ مزبودٌ.

والزُّبَّاد والزُّبَّادَى كرُمَّان وحُوَّارَى: نَبْتٌ سُهْلِيٌّ، له وَرَقٌ عِراضٌ وسِنْفَةٌ، وقد يَنبُت في الجَلَدِ، يأْكله النّاسُ، وهو طَيِّبٌ. وقال أَبو حنيفة: له وَرَقٌ صغيرٌ منْقبِضٌ غبْرٌ مثْل وَرَقِ المَرْزَنْجُوش، تَنفرِش أَفنانُه قال: وقال أَبو زيد: الزُّبَّاد من الأَحرار، كالزَّبَادِ، كسَحاب.

وزُبَّادُ اللَّبَنِ، كرُمَّان: ما لَا خيْرَ فيه.

وقالوا في مَوضع الشِّدَة: «اخْتلط الخاثِرُ بالزُّبَّادِ» أَي اختلطَ الخَيْرُ بالشَّرّ، والجَيِّدُ بالردي‌ءِ، والصّالحُ بالطالِحِ، وذلك إِذا ارتَجَنَ. يُضْرب مَثلًا لاختلاطِ الحقِّ بالباطِل.

ومُزبِّدٌ، كمُحَدِّثٍ: اسم رَجلٍ صاحب النّوادرِ، وضبطه عبدُ الغنيّ وابن ماكولا: كمعظَّم، وكذا وُجِدَ بخطّ الشَّرف الدِّمياطيّ، وقال: إِنه وَجَدَه بخطِّ الوزير المغربيّ. قال الحافظ: ووُجِدَ بخطّ الذَّهَبِيّ ساكن الزّاي مكسور الموحّدة.

وزُبَيْد كزُبَيْرٍ، ابن الحارِثِ أَبو عبد الرَّحمن اليامِيّ، نِسْبَة إِلى يَامٍ القبِيلةِ، مات سنة 126 وليس في الصَّحِيحَيْنِ غَيرُهُ.

وفي أَسماءِ رِجالِ الصَّحيحَيْن للبرماويّ: وليس في الصَّحيح زُبَيْدٌ غيره.

وزُبَيْد بَطْنٌ من مَذْحِجٍ. وهو مُنبِّه الأَكبر بن صَعْب بن سَعْد العَشيرةِ بن مالِكٍ، وهو جِمَاع مَذْحِج. وزُبَيْد الأَصغرُ هو مُنبّه بن رَبِيعة بن سَلَمَة بن مازِن بن رَبيعة بن زُبَيْد الأَكبرِ. قال ابن دُريد: زُبَيْد تصغيرُ زَبْد وهو العَطِيّة. وهم رَهْط عَمْرِو بن مَعْدِيكرِبَ بن عبدِ الله بن عَمْرِو بن عُصْمِ بن عَمْرِو بن زُبَيْد الأَصغر، كُنْيَته أَبو ثَوْر، قَدِم في وَفْد زُبَيْد وأَسلَمَ سنةَ تِسْع، وشَهِدَ الفُتوحَ، وقُتِل بالقادسيَّةِ، وقيل بنَهَاوَنْدَ، رضي ‌الله‌ عنه.

منهم: مُحَمَّدُ بن الوَلِيدِ بن عامر الزُّبَيْدِيّ القاضي أَبو الهُذيْل الحِمْصِيّ صاحِبُ محمّد بن شِهَاب الزَّهْريِّ قال أَحمد بن عوف: هو من ثِقاتِ المسلمين، مات سنة 148 عن سبعين سنةً.

ومَحْمِيَّة بنُ جَزْء بن عبد يَغوث بن جريج بن عَمرو بن زُبيد الأَصغر. قال الكلبيّ: حَليفُ بنِي جُمَحَ، وقيل بني سَهْمٍ. قال أَبو عمرو: هو عمّ عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ، قَدِيم الإِسلامِ من مهاجرة الحَبشة.

ومحمد بن الحُسَيْن الأَندلسيّ صاحب القاليّ وابناهُ اللُّغَوِيُونَ وفي نسخة الزُّبَيْدِيُّون ومنهم محمد بن عبيد الله بن مَذْحج بن محمد بن عبد الله بن بشر الزُّبيْدي الأَشبيليّ اللغويّ نزيل قرطبة.

وزَبِيدٌ، كأَمِير: د، باليمن مشهور، اختَطّه محمد بن زياد مولى المهديّ في زمن الرّشيد العَبّاسيّ، إِذ بعَثَه إِلى اليمن فاختار هذه البُقْعَةَ، واختَطَّ بها هذه المدينَةَ المباركةَ، وَسوَّرَها، وجعلَ لها أَبوابًا ثم مات سنة 245. ثم خلَفَه ابنُه إِبراهِيمُ بن زِيادٍ، واستَمرّ إِلى سنة 289. وخلَفَه ابنُه زِيَادُ بن إِبراهِيمَ، ثم أَخوه إِسحاق ومات سنة 391. ثم ابنُه زياد وهو طِفْل، فتوزَّرَ له حُسين بن سَلامة، وهو بانِي السُّورِ، ثم أَدار عليها سُورًا ثانيًا الوزيرُ أَبو منصور الفاتكيّ، ثم أَدار عليها سُورًا ثالثًا سيفُ الإِسلام طغتكين بن أَيّوب في سنة 589 وهو الذي ركَّبَ على السور أَربعةَ أَبواب. قال ابن المُجَاوِر: عَددتُ أَبراجَ مَدينة زَبِيدَ فوجدتُهَا مائةَ بُرْجٍ وسَبْعَةَ أَبراجٍ، بين كلّ بُرْجٍ وبُرْج ثمانون ذراعًا. قال: ويَدخل في كلّ بُرْج عشرون ذِراعًا، فيكون دور البلد عشرة آلاف ذراعٍ وتِسْعَمائةُ ذِراعٍ. وقد تكفّلَ بتفصيل أَخبارها ابنُ سمرة الجنديّ في «تاريخ اليمن» وكذا صاحب المفيد في تَاريخ زَبِيد. منه موسَى بنُ طارِقٍ أَبو قُرَّةَ قاضي زَبِيدَ، روى عن إِسحاق بن راهَوَيه، وابنِ جُرَيج، والثَّوْرِيّ.

ومحمدُ بن يُوسُف كُنْيَتُه أَبو حَمَّةَ، رَوَى عن موسى بن طارق وغيرِه. وتلميذُه: محمَّد بن شُعَيْب بن الحَجّاج شيخ للطَّبرانيّ المُحدِّثون.

وقد بَقِيَ عليه ممن نُسِبَ، إِلى زَبيد: موسى بن عيسى شيخٌ للطبرانيّ، وقد وَهِمَ فيه ابن ماكولا فسمّاه مُحمَّدًا، نَبَّه على ذلك ابنُ نقطةَ. ومحمّد بن يحيَى بن مهرانَ شيخُ مُسْلم، ذكرَ ابنُ طاهر أَنه من زَبِيدِ اليمنِ. ومحمّد بن يحيى بن عليّ بن المسلم الزَّبِيديّ الزاهد، نزيلُ بغدادَ، وأَولاده إِسماعيلُ وعمرُ ومباركٌ، حَدّثوا. والحسن والحسين ابنا المبارك الزَّبِيديّ، سمعَا من أَبي الوَقت صحيحَ البخاريّ، واتصل عنه بالعُلوّ بالديار المصرية والشاميّة من طريقِ الحسين، وابن أَخيهما عبد العزيز بن يحيَى بن المبارك الزَّبِيدي، سمعَ منه منصورٌ وذكرَه في الذّيل وأَبوه يحيى سمعَ أَبا الفُتوح الطائيّ، وأَخواه أَحمد ومحمد ابنَا يحيى، وإِسماعيل بن محمّد، وإِبراهيم بن أَحمد بن محمد بن يحيى، حدّثوا كلّهم. وأَحمد وإِسماعيل ابنا عبد الرحمن بن إِسماعيلَ الزَّبِيديّ، سمعَا إِسماعِيلَ بنَ الحَسن بن المبارك الزَّبِيديّ. ذَكَرَه أَبو العلا الفَرَضيّ. وأَبو بكر بن المضرب الزَّبِيديّ، انتشر عنه مذهب الشافعيّ باليمن على رأْس الأَربعمائة. والحسن بن محمد بن أَبي عَقَامة الزَّبِيديّ قاضي اليمن زمن الصُّليحيّ، وابن أَخيه أَبو الفتوح بن عبد الله بن أَبي عَقَامة أَوْحَدُ عَصرِهِ، نقلَ عنه صاحبُ البيان. وآل بيته وهم أَجلُّ بيتٍ بِزَبيد. وعبد الله بن عيسى بن أَيمنَ الهرميّ من جِلَّة فقهاءِ زَبِيدَ، كان يحفظ «المهذب» وعلي بن القاسم بن العليف الحكميّ الزَّبِيديّ صاحب «مشكلات المهذب»، يقال خَرجَ من تلامذته ستّون مدرسًا، توفي سنة 640، وتلميذه محمد بن أَبي بكر الزَّوقريّ الحطّاب الزَّبيديّ، وأَبو الخير بن منصور بن أَبي الخير الشَّماخ الزَّبِيديّ السَّعْدِيّ، سمعَ من ابن الجُمّيزيّ، وكان حَسن الضَّبْط توفي سنة 680. وابنه أَحمد سمع عليه الملك المؤيد داوود، سننَ أَبي داوود وتُوفِّيَ سنة 729 كذا في «التبصير» للحافظ.

وزَيْبُدانُ كفَيْعُلَان، بضمّ العين موضع، قال القرافيّ: في قوله بضمّ العين غِنًى عن قوله كفَيْعُلان، لأَن الباءَ عَيْن الكلمة.

وزَبَادٌ كسَحاب: طِيبٌ معروف مفرد يَتوَلّد من السِّنَّورِ الآتي ذِكْرُه وغَلِطَ الفقهاءُ واللُّغوِيُّون في قولهم: الزَّبَاد دَابَّة يُحْلَب منها الطِّيب، قال القَرافيّ: ولك أَن تقول إِنما سَمَّوا الدَّابّة باسم ما يَحْصل منها ومثْلُ ذلك لا يُعَدّ غَلَطًا، وإِنّمَا هو مَجَاز، علاقَتُه المجاورةُ، كما في قوله تعالى: {فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَبًا} انتهى.

قلت: وقد وقع التعبير بهذا في كلام الثِّقَات، كالزمخشريّ وأَضرابِه من أَئمّة اللِّسَان، وقال ابنُ أَبي الحَدِيد في «شرح نهج البلاغَة»: قال الزَّمَخْشَرِيّ الزَّبَادُ: حِرَّةٌ. ويقال للزَّيْلَع، وهم الّذين يَحْلبون الزَّبَاد: يا زَيْلَع: يا زَيْلَع، الزَّبَادَةُ ماتتْ. فيغْضَب وإِنّمَا الدَّابَّةُ: السِّنَّوْرُ أَي البَرِّيّ، وهو كالأَهليّ، لكنه أَطولُ منه وأكبرُ جُثَّةً، وَوَبَرُه أَمْيَلُ إِلى السَّواد، ويُجْلَبُ من بلاد الهِند والحَبشة. وفي كتاب «طبائع الحيوان»: ومن السَّنانير ما يقال له الزَّبَادَةُ.

والزَّبَادُ: الطِّيبُ وهو رَشْحٌ شَبِيهٌ بالوَسَخ الأَسودِ اللَّزِجِ يَجتَمعُ تَحْتَ ذَنَبِها على المَخْرَجِ، وفي باطِنِ أَفخاذِهَا أَيضًا. كما في «عين الحياة» للدّمامينيّ فَتُمْسَكُ الدَّابّةُ وتُمْنَعُ الاضْطِرَابَ ويُسْلَتُ ذلك الوَسَخُ المُجْتَمِعُ هُنَاكَ بِلِيطَةٍ أَو مِلْعَقَة، وهو الأَكثر أَو خِرْقَة أَو دِرْهَم رقيق، وقد نَظَر القَرَافيُّ في قوله «على المخرج» بقوله: إِذ لو كان كذلك لكان مُتنجِّسًا. وفي كتاب طبائع الحيوان: وإِذا تُفُقِّدَتْ أَرفاغُه ومغابِنُه وخَواصِرُه وُجِدَ فيها رُطُوبةٌ تُحَكُّ منها فتكون لها رائحةُ المِسْكِ الزكيُّ، وهو عَزِيزُ الوُجُودِ.

وفي اللسان: الزَّبَاد: مِثْلُ السِّنَّور الصغيرِ، يُجلَب من نواحِي الهندِ، وقد يأْنس فيُقْتَنى ويُحتَلب شيئًا شبيهًا بالزُّبْد يَظْهَر على حَلَمَته بالعصْر، مثْل ما يَظهر على أُنوفِ الغِلْمَان المراهِقين، فيَجْتَمع وله رائحةٌ طَيِّبة، وهو يَقَعُ في الطِّيب.

كلّ ذلك عن أَبي حنيفَةَ.

وزَبَادُ: د، بالمَغْرِب، منه مالك ابن خَيْر الإِسكندرانيّ، قاله أَبو حاتم بن حِبَّان.

وزَبَادُ بنُ كَعْبٍ جاهليٌّ. وقال عبد الغنيّ بن سعيدٍ:

زَبَادٌ: بطْن مِن وَلدِ كَعْبِ بن حجر بن الأَسود بن الكَلَاعِ، منهم خالدُ بن عبد الله الزَّبَادِيّ.

وزَبَاد بنْتُ بسْطَام بْنِ قَيْس، وهي امرأَةُ الوَليدِ بن عبدِ الملك التي قال فيها الشاعر:

لَعَمْرُ بَنِي شَيْبَانَ إِذ يُنْكِحُونَه *** زَبَادَ لقد ما قَصَّروا بِزَبَادِ

ذكره المبرّد في «الكامل».

ومُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ زَبَادٍ المَذَارِيّ، عن عَمْرِو بن عاصم أَو زَبْدَاءَ. والثاني أَشْهَرُ، وهكذا ذَكره الحافظ في «التبصير»، نقلًا عن أَبي بكرِ بنِ خُزيمةَ. وأَحمد بن يحيَى التُّسْتَرِيّ وآخَرينَ، وقد وقع في مُسنَد البَزَّار: حدَّثنا محمّد بن زَبَادٍ عن عَمْرو بن عاصمٍ.

وأَبو الزُّبْدِ، بالضّمّ: مُحَمّد بن المُبَارَكِ بن أَبي الخَير العامِرِيُّ، هكذا ضبطَه الحافظ في «التبصير» والصاغانيُّ.

وتَزَبَّدَه ابْتَلَعَهُ ابتلاعَ الزُّبْدةِ، كقولِهِم: «حَذَّهَا حَذَّ العَيْرِ الصِّلِّيَانَةَ» أَو تَزَبَّده: أَخَذ صَفْوَتَهُ، وكلّ ما أُخِذَ خالِصُه فقد تُزُبِّد، وإِذا أَخَذَ الرَّجلُ صَفْوَ الشيْ‌ءِ قيل تَزَبَّدَه.

وعن أَبي عَمْرو: تَزَبَّدَ فُلانٌ اليَمِينَ فهو مُتَزبِّد، إِذَا حَلَفَ بها وأَسرعَ إِليها، وأَنشد:

تَزَبَّدَها حَذَّاءَ يَعْلَم أَنَّه *** هو الكاذِبُ الآتِي الأُمُورَ البَجَارِيَا

الحَذَّاءُ: اليمينُ المُنْكَرةُ.

والزَّبِدُ كَكَتِف اسم فَرَس الحَوْفَزَانِ بن شَرِيكٍ. واسم الحِوْفَزَانِ: الحارث. والزَّعْفَرَان أَيضًا له. وهو الزَّعْفَرَان بن الزَّبِدِ.

وزُبْدَة بنْت الحارِثِ، بالضّمّ، أُمّ عليٍّ أُخت بِشْر الحافِي، قُدِّس سِرُّه.

والحَسَن بْن مُحَمّد بن زُبْدَة، بالضّمّ: مُحَدِّث كُنيته أَبو عليّ القَيرَاوانيّ، عن عليّ بن مُنِير الخَلَّال.

وزَبْدُ بنُ سِنَانٍ، بالفتح فالسكون، وقال الحافظ: ومنهم من ضَبطَه بالتحتية.

وزَبَدٌ بالتحريك: اسم أُمّ وَلَدِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ، رضي ‌الله‌ عنه.

وزُبَيْدَةُ، مصغّرًا، لَقَبُ امرأَة الرَّشِيدِ الخليفةِ العباسِيّ، لنَعْمَةٍ كانت في بَدنِهَا، وهي بِنْتُ جَعْفَر بنِ المَنْصُورِ وأُمُّ الأَمِينِ محمَّدِ بن هارونَ.

وزُبَيْدة بنت إِسماعيلَ بنِ الحسنِ البغدادِيّة، أَجازَ لها أَبو الوَقْت، تُوفِّيَتْ سنة 628.

والزُّبَيْدِيَّةُ، بالضَّمِّ: بِرْكَةُ ماءٍ بطرِيقِ مَكَّةَ المشرَّفة، قُرْبَ المُغيثَة.

والزُّبَيْدِيّة: قرية، بالجِبَال، وأُخرَى بوَاسِطَ. وهي أَيضًا مَحَلَّةٌ بِبَغْدَادَ وأُخْرَى أَسْفَلَ مِنْهَا، نِسْبَةُ كلٍّ منها إِلى زُبَيْدَةَ المذكورةِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

من الأَمثال: «قد صَرَّحَ المَحْضُ عن الزَّبَدِ» في الصِّدْق يحصُل بعد الخَبَرِ المظنون.

ويقال: «ارْتَجَنَت الزُّبْدةُ» إِذا اختلَطَتْ باللَّبن، فلم تَخلُصْ منه. يُضْرَب في الأَمرِ المُشْكل لا يُهتَدَى لإِصلاحه.

وتَزَبَّدَ الإِنسانُ، إِذا غَضِبَ وظَهَر على صِمَاغَيْه زَبَدَتانِ.

وأَزْبَدَ الشَّرابُ.

ومن المجاز: زَبَّدَت المرأَةُ القُطْنَ: نَفَشَتْه وَجوَّدَتْه حتّى يَصْلُح لأَن تَغْزِلَهُ، والتَّزْبِيد: التنفيش. وكان لقاؤُك زُبْدَةَ العُمُرِ.

وزَبَّدتُه ضَرْبَةً أَو رَمْيَةً: عجَّلتُهَا له، كَأَنّي أَطعَمْتُه بها زُبْدةً. وفلانٌ يُزَابِدُ فُلانًا: يُقَارِضُه الكلامَ ويوازِرُه به.

وأَزْبدَ: اشتدَّ بَيَاضُه، وأَبيضُ مُزْبِدٌ، نَحْو يَقَقٍ، وكلُّ ذلك مَجَاز.

وزَبِيدُ، كأَمير: قَرْيَةٌ من بلاد أَفريقيَّة بساحلِ المَهْدِيَّة.

وزُبْدَان، كعُثْمَانَ: مَنزِلٌ بينَ بَعْلَبَكَّ ودِمَشْقَ، والزَّبْدَانِيّ، بفتح فسكون: نَهْرٌ من أَنهار دِمَشْقَ.

وأَبو طالبٍ يحيَى بن سعيدِ بنِ زَبَادَةَ، كسَحابَةَ: شيخُ الإِنشاءِ، مات سنة 594.

وهِبَةُ اللهِ بن محمّد بن جَرِيرٍ الزَّبَدَانِيّ، محرَّكَةً، روَى عن ابن مُلاعبٍ حُضورًا.

وإِبراهيُم بنُ عبد الله بن العَلَاءِ بن زَيْدٍ الزَّبيديّ، بفتح فسكون: محدِّث.

والمنسوب إِلى الزُّبْد المأْكول: الشَّمْسُ عليُّ بنُ سُلَيْمَانَ بن الزُّبْدِيّ البغداديّ، سَمعَ من عبد الصّمد بن أَبي الجَيْش. وتُوفِّيَ سنة 666.

والأَنجب بن أَبي مَنصورٍ الزُّبْديّ، روَى عن أَبي الحُسَينِ بنِ يوسفَ.

وأَمينُ الدِّينِ محمَّدُ بنُ عليّ بن يُوسفَ الزُّبْديّ، رَوَى عنه قُطْبُ الدِّينِ الحَلبيّ.

والزِّبْدِيَّة، بالكسر: صَحْفةٌ من خَزَف، والجمع. الزَّبادِيُّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


51-تاج العروس (تر ترر ترتر)

[ترر]: تَرَّ العَظْمُ، ومنهم مَن عَمَّ به الشيْ‌ءَ، يَتُرُّ، بالضَّمِّ على الشُّذُوذ، ويَتِرُّ، بالكسر على القِياس، وكلاهما مَذْكُورٌ في الصّحاح والمُحكَمِ والأَفعالِ وغيرِهَا، وعليهما جَرَى الشيخُ ابنُ مالكٍ في اللّامِيَّة والكافِيَة، تَرًّا بالفتح، وتُرُورًا، بالضمِّ: بان وانْقَطَعَ بِضَرْبِه.

وتَرَّتْ يَدُه تَتِرُّ وتَتُرُّ تُرُورًا، وأَتَرَّها هو وتَرَّهَا تَرًّا، الأَخيرةُ عن ابن دُرَيْدٍ، قال: وكذلك كلُّ عُضْوٍ قُطِعَ بضَرْبِه فقد تُرَّ تَرًّا، كأَتَرَّ، وأَنشدَ لطرفةَ يصفُ بعيرًا عَقَرَه:

تقولُ وقد تُرَّ الوَظِيفُ وساقُها *** أَلستَ تَرَى أَنْ قد أَتَيْتَ بمُؤْيِدِ

تُرَّ الوَظِيفُ: انقطعَ فبانَ وسَقَطَ، قال ابن سِيدَه: والصَّوابُ أَتَرَّ الشَّي‌ءَ وتَرَّ هو بنَفسِه، وكذلك روايةُ الأَصمعيِّ:

تَقُولُ وقد تَرَّ الوَظِيفُ وساقُها

بالرَّفع.

وتَرَّ الرَّجلُ عن بَلَدِه: تَبَاعَدَ.

وأَتَرَّه القَضَاءُ إِترارًا. أَبْعَدَه.

وتَرَّ الرجلُ: امتلأَ جِسْمُه، وتَرَوَّى عَظْمُه، يَتِرُّ ويَتُرُّ تَرًّا وتُرُورًا وتَرَارَةً. والتَّرَارَةُ: امتلاءُ الجِسْمِ من اللَّحْمِ ورِيُّ العَظْمِ.

وفي النَّوادر: التَرُّ: السَّرِيع الرَّكْضِ من البَرَاذِينِ كالمُنْتَرِّ.

وقالوا: التَّرُّ: المُعْتَدِلُ الأَعضاءِ الخَفِيفُ الدَّرِيرُ مِن الخَيْل وأَنشدَ:

وقد أَغْدُو مَع الفِتْيَا *** نِ بالمُنْجَرِدِ التَّرِّ

والتَّرُّ: المَجْهُودُ، ومنه قولُهم: لأَضْطَرَّنَّكَ إِلى تَرِّكَ؛ أَي إِلى مَجْهُودِك، قالَهُ ابن سِيدَه.

والتَّرُّ: إِلقاءُ النَّعَامِ ما في بَطْنِه، وقد تَرَّ يَتِرُّ.

والتُّرُّ بالضمِّ: الأَصْلُ، وبه فَسَّر بعضٌ قولَهم: لأَضْطَرَّنَّكَ إِلى تُرِّكَ.

والتُّرُّ: الخَيْطُ الذي يُقَدِّر به البَنَّاءُ، فارسيٌّ معرَّب، قال الأَصمعيُّ: هو الخَيْطُ الذي يُمَدُّ على البِنَاءِ فَيُبْنَى عليه، وهو بالعربيَّةِ: الإِمامُ. وفي التَّهذِيب عن اللَّيْث: التُّرُّ كلمةٌ تَكَلَّم بها العربُ إِذا غَضِبَ أَحدُهم على الآخَر، قال: واللهِ لأُقِيمَنَّكَ على التُّرِّ. وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: وهو مَجازٌ.، وقال ابن الأَعرابيِّ: التُّرُّ ليس بعربيٍّ. والتُّرَّةُ، بالضمِّ: الجارِيَةُ الحَسناءُ الرَّعْنَاءُ. وعن ابن الأَعرابيِّ: التَّراتِيرُ: الجَوارِي الرُّعْنُ. ويقال: جاريةٌ تارَّةٌ: في بَدَنِها تَرَارَةٌ، وهو السِّمَنُ والبَضَاضَةُ، يقال منه: تَرِرْتَ ـ بالكسر ـ أَي صِرْتَ تارًّا، وهو المُمْتَلِئ.

والتَّرْتَرَةُ: التَّحْرِيكُ والتَّعْتَعَةُ، وقال اللَّيْثُ: هو أَن تَقْبِضَ على يَديْ رجلٍ تُتَرْتِرُهُ؛ أَي تُحَرِّكُه.

والتَّرْتَرَةُ: إِكثارُ الكلامِ، قال:

قلتُ لِزَيْدٍ: لا تُتَرْتِرْ فإِنَّهمْ *** يَرَوْنَ المَنْايا دُونَ قَتْلِكَ أَو قَتْلِي

وعن ابن الأَعْرابيِّ: التَّرْتَرَةُ: استرخاءٌ في البَدَنِ والكلامِ.

والتُّرْتُورُ، بالضمِّ: الجِلْوازُ، وطائِرٌ.

والأُتْرُورُ، بالضمِّ: الشُّرَطِي نفسُه، قالَه اللَّيْثُ، وأَنشدَ:

أَعُوذُ بالله وبالأَمِيرِ *** مِن صاحِبِ الشُّرْطَةِ والأُتْرُورِ

وقيل: الأُتْرُورُ غُلامُ الشُّرَطِيِّ لا يَلْبَسُ السَّوادَ، قالت الدَّهْنَاءُ امرأَةُ العَجّاجِ:

والله لَوْ لَا خَشْيَةُ الأَمِيرِ *** وخَشْيَةُ الشُّرْطِيِّ والأُتْرُورِ

لَجُلْتُ بالشَّيْخِ مِن البَقِيرِ *** كَجَوَلانِ الصَّعْبَةِ العَسِيرِ

ويقال: فلانٌ عقلُه عقلُ أُتْرُورٍ.

قال ابن شُمَيْلٍ: الأُتْرُورُ: الغُلام الصَّغِيرُ.

والتَّتَرْتُرُ: التَّزَلْزُلُ والتَّقَلْقُلُ، قال زيدُ الفَوارِسِ:

أَلَمْ تَعْلَمِي أَنِّي إِذا الدَّهْرُ مَسَّنِي *** بِنائِبَةٍ زَلَّتْ ولم أَتَتَرْتَرِ

أَي لم أَتَزَلْزَلْ ولم أَتَقَلْقَلْ.

والحَربُ فيها التَّرَاتِرُ؛ أَي الشَّدَائِدُ والأُمورُ العِظَامُ.

والتُّرَّى كالعُوَّى: اليَدُ المَقْطُوعَةُ، عن ابن الأَعرابيِّ، مِن تَرَّتْ تَتِرُّ.

وفي حديث ابنِ مسعودٍ في الرجل الذي ظُنَّ أَنه شَرِبَ الخَمْرَ فقال: «تَرْتِرُوه ومَزْمِزُوه».

يقال: تَرْتَرُوا السَّكْرَانَ، إِذا حَرَّكُوه وزَعْزَعُوه واسْتَنْكَهُوه. حتى تُوجَدَ منه الرِّيحُ، لِيُعْلَمَ ما شَرِبَ. قالَه أَبو عمرٍو، وهي التَّرْتَرَةُ والمَزْمَزَةُ والتَّلْتَلَةُ، وفي رواية: «تَلْتِلُوه»، ومعنى الكلِّ التَّحْرِيك.

وعن أَبي العَبّاس: التّارُّ: المُسْتَرْخِي من جُوعٍ أَو غيرِه.

وأُتْرانُ، بالضَّمِّ: د، معروف أَي بلدٌ معروفٌ، هكذا بالنُّون في نُسْختِنَا، وفي بعضِ النُّسَخ المصحَّحة أُتْرَارُ، بِرَاءَيْنِ، وهو الأَشْبَهُ بالمادّة، فإِن كانت هي فقد ذَكَرها المصنِّفُ في أَترِ؛ بناءً على أَصالةِ الهمزةِ، وقال: إِنّها بلدةٌ معروفةٌ بتُرْكِسْتَانَ.

فلْيُنْظَرْ.

* ومّما يُستدرَكُ عليه:

يقال: ضَرَبَ فُلانٌ يَدَ فلانٍ بالسَّيْف فأَتَّرَّهَا وأَطَرَّها وأَطَنَّها. أَي قَطَعَها وأَنْدَرَها.

والتُّرُورُ: وَثْبَةُ النَّوَاةِ من الحَيْس. وتَرَّت النَّوَاةُ مِن مِرْضاخِها تَتِرُّ وتَتُرُّ تُرُورًا: وَثَبَتْ ونَدَرَتْ.

وأَتَرَّ الغُلامُ القُلَةَ بمِقْلاتِه، والغُلامُ يُتِرُّ القُلَةَ بالمِقْلَى.

والتّارُّ: المُمْتَلِئُ: ويقال للغُلام الشّابِّ. وفي حديث ابنِ زِمْلٍ: «رَبْعَة مِن الرِّجَال تارٌّ»؛ التَّارُّ: الممتلئُ البَدَنِ، ورجلٌ تارٌّ وتَرٌّ: طويلٌ. قال ابن سِيدَه: وأُرى تَرًّا فَعِلًا.

وتَرَّ بسَلْحِه وهَذَّ بِه وهَرَّ به، إِذا رَمَى به، وتَرَّ بِسَلْحِه يَتِرُّ: قَذَفَ به.

وتُرَّ في يَدِه: دُفِعَ.

وقال الأَصمعيّ: التّارُّ: المُنْفَرِدُ عن قومِه. تَرَّ عنهم، إِذا انفردَ.

وقول الشاعر:

ونُصبِحُ بالغَدَاة أَتَرَّ شَيْ‌ءٍ *** ونُمْسِي بالعَشِيِّ طَلَنْفَحِينا

أَي أَرْخَى شيْ‌ءٍ، من امتلاءِ الجَوْفِ، ونُمْسِي بالعَشِيّ جِيَاعًا قد خَلَتْ أَجْوافُنا. وقال أَبو العَبّاس: أَتَرَّ شيْ‌ءٍ: أَرْخَى شيْ‌ءٍ من التَّعَبَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


52-تاج العروس (جهز)

[جهز]: جَهَازُ المَيِّتِ والعَرُوسِ والمُسَافِرِ، بالكَسْر والفتح: ما يَحْتَاجُون إِلَيهْ، قال اللَّيْثُ: وسمِعْتُ أَهلَ البَصْرَة يُخَطِّئون الجِهَازَ، بالكَسْر. قال الأَزهريّ: والقُرّاءُ كلُّهُم على فَتْحِ الجِيم في قوله تعالى: {فَلَمّا} جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قال: وجِهَاز، بالكَسْر، لُغَةٌ رديئةٌ. قال عُمَرُ بن عبد العزِيز:

تَجَهَّزِي بجِهَازٍ تَبْلُغِينَ به *** يا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا

وقد جَهَّزَهُ تَجْهِيزًا فتَجَهَّزَ.

وجَهَّزَ القَوْمَ تَجْهِيزًا، إِذا تَكَلَّفَ لهم بجَهَازِهِم للسَّفَرِ.

وتَجْهِيزُ الغَازِي: تَحْمِيلُه وإِعدادُ ما يَحْتَاج إِليْه في غزْوِه.

وجَهَّزْتُ فُلانًا: هَيَّأَتُ جَهَازَ سَفَرِه.

وتَجَهَّزْتُ لأَمْرِ كذا؛ أَي تَهَيَّأْتُ له، الجمع: أَجْهِزَةٌ، وجج؛ أَي جَمْع الجَمْع أَجْهِزاتٌ، قال الشاعر:

يَبِتْنَ يَنْقُلْنَ بأَجْهِزَاتِهَا

والجَهَازُ، بالفَتْحِ: ما عَلَى الرَّاحِلَةِ. والجَهَازُ: حَيَاءُ المَرْأَةِ، وهو فَرْجُهَا.

وجَهَزَ عَلَى الجَرِيحِ، كمَنَعَ، جَهْزًا: قَتَلَه، قاله ابنُ دُريد، وقال غيرُه: جَهَزَ عليه وأَجْهَزَ: أَثْبَتَ قَتْلَهُ. وقال الأَصمعيّ: أَجْهَزَ على الجَرِيح، إِذا أَسْرَعَهُ؛ أَي القَتْلَ، وقد تَمَّمَ عَلَيْه، وفي حديث عليّ رضي ‌الله‌ عنه: «لا تُجْهِزُوا على جَرِيحِهم» أَي مَن صُرِعَ وكُفِيَ قِتَالُه لا يُقْتَل، لأَنَّهُم مُسْلمون، والقَصْد من قِتالِهم دَفْعُ شَرِّهِم، فإِذا لم يكنْ ذلك إِلاّ بِقَتْلِهِم قُتِلُوا. وفي حَدِيث ابنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّه أَتَى على أَبِي جَهْل وهو صَرِيعٌ فأَجْهَزَ عَلَيْه». وقال ابنُ سِيده: ولا يقال أَجازَ عليه. وقد تَقَدَّم.

ومَوْتٌ مُجْهِزٌ وجَهِيزٌ؛ أَي وَحِيٌّ سَرِيعٌ، ومنه‌ الحديثُ: «هل تَنْظُرُونَ إِلاَّ مَرَضًا مُفْسِدًا أَو مَوْتًا مُجْهِزًا». وفَرَسٌ جَهِيزٌ؛ أَي خَفِيفٌ، وقال أَبو عُبَيْدَة: فَرَسٌ جَهِيزُ الشَدِّ؛ أَي سريعُ العَدْوِ، وأَنشد:

ومُقَلِّص عَتَد جَهِيز شَدُّه *** قَيْد الأَوابِدِ في الرِّهان جَوادِ

وجَهِيزَةُ اسمُ امرأَة رَعْناء تُحَمَّقُ، ويُقَال: إِنّه اجْتَمَعَ قَوْمٌ يَخطبُون في الصُّلْحِ بين حَيَّيْنِ في دَمٍ كَيْ يَرْضَوْا بالدِّيَة، فبَيْنَما هم كذلك قالتْ جَهِيزَةُ، ظَفِرَ بالقَاتِلِ وَلِيٌّ للمَقْتُولِ فَقَتَلَهُ، فَقَالُوا عند ذلِك:

قَطَعَتْ جَهِيزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيبِ

فضُرِبَ به المَثَلُ.

وجَهِيزَةُ عَلمٌ للذِّئْبِ أَو عِرْسِه؛ أَي أَنْثاهُ أَو الضَّبُعِ، قاله أَبو زَيْد؛ أَو الدُّبَّة أَو الدُّبِّ، والجِبْسُ أُنْثَاه، أَوْ جِرْوِها وقيل: جَهِزَةُ: امرأَةٌ حَمْقَاءُ، قيل: هي أُمُّ شَبِيبٍ الخارِجِيّ، وكان أَبُوهُ؛ أَي أَبو شَبِيبٍ من مُهَاجِرَةِ الكُوفَةِ، اشْتَراها من السَّبْيِ، وكانت حَمْرَاءَ طَوِيلةً جَمِيلَةً، فأَرادها على الإِسْلام فَأَبَت، فَوَاقَعَها فحَمَلَتْ، فَتَحَرَّكَ الوَلَدُ في بَطْنِها فقالتْ: في بَطْنِي شَيْ‌ءٌ يَنْقُزُ فقِيلَ، وفي بعض النُّسَخ: فقالوا: «أَحْمَقُ من جَهِيزَةَ» قال ابنُ عَدِيّ وابنُ بَرِّيّ، وهذا هو المَشْهُور في هذا المَثَل: «أَحْمَقُ من جَهِيزَةَ» غير مَصْرُوفٍ. وذكر الجَاحظُ أَنّه «أَحْمَقُ من جَهِيزَةٍ»، بالصَّرْف. أَو المُرَادُ بالجَهِيزَةِ عِرْسُ الذِّئب؛ أَي أُنْثَاهُ، وهي تُحَمَّقُ، قال الجاحظ: لأَنَّهَا تَدَعُ وَلَدَها وتُرْضِعُ وَلَدَها الضَّبعِ من الأَلْفَةِ كفِعْل النَّعامة ببَيْضِ غَيْرِهَا، وعلى ذلك قَوْلُ ابن جِذْلِ الطِّعانِ:

كمُرْضِعَةٍ أَوْلادَ أُخْرَى وضَيَّعَتْ *** بَنِيها فَلَمْ تَرْقَعْ بذلك مَرْقَعَا

ويُقَالُ: إِذا صِيدَت الضَّبُعُ كَفَلَ الذِّئْبُ وَلَدَها ويَأْتِيه باللَّحْمِ، قال الكُمَيْت:

كما خامَرَتْ في حِضْنِها أُمُّ عامِرٍ *** لِذِي الحَبْلِ حَتَّى عالَ أَوْسٌ عِيَالَها

وقولُه: لِذِي الحَبْل؛ أَي للصَّائد الَّذِي يُعَلِّقُ الحَبْلَ في عُرْقُوبِها. وقال الليثُ: كانت جَهِيزَةُ امرأَةً خَلِيقَةً في بَدَنِها، رَعْنَاءَ، يُضْرَب بها المَثَلُ في الحُمْق وأَنشد:

كَأَنَّ صَلَا جَهِيزَةَ حين قامَتْ *** حَبَابُ الماءِ حالًا بَعْدَ حالِ

وأَرْضٌ جَهْزاءُ: مُرْتَفِعَةٌ، وعَيْنٌ جَهْزَاءُ: خارِجَةُ الحَدَقةِ.

وبالرّاءِ أَعْرَفُ، وقد ذُكِر في مَوْضِعه.

ويقال: تَجَهَّزْت للأَمْرِ واجْهَازَزْتُ؛ أَي تَهَيَّأْتُ لَهُ، وقد جَهَّزْتُه تَجْهِيزًا: هَيَّأْتُه.

ومِنْ أَمْثَالِهِم في الشَّيْ‌ءِ إِذا نَفَرَ فلم يَعُدْ: «ضَرَبَ في جَهَازِه». بالفَتْح. أَي نَفَرَ فلم يَعُدْ. وأَصْلُه في البَعِير يَسْقُطُ‌ عن ظَهْرِه القَتَبُ بأَداتِه فيَقَعُ بين قَوَائمِهِ فينْفِرُ منه، وفي بعض النُّسَخ: عَنْه حَتَّى يَذْهَبَ في الأَرْضِ. وفي التَّهْذِيب: العَرَبُ تقولُ: «ضَرَبَ البعِيرُ في جَهَازِه» إِذا جَفَلَ فنَدَّ في الأَرْضِ والْتَبَطَ حَتَّى طَوَّحَ مَا عَلَيْه من أَدَاةٍ وحِمْلٍ، وضَرَبَ بمَعْنَى سارَ، و«في» مِنْ صِلَةِ المَعْنَى؛ أَي صار عاثِرًا في جَهَازِهِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


53-تاج العروس (فدش)

[فدش]: فَدَشَ رَأْسَهُ بِالحَجَرِ فَدْشًا، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: أَيْ شَدَخَهُ.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: رَجُلٌ فَدْشٌ مَدْشٌ؛ أَي بالفَتْحِ فِيهِمَا، كَما يَقْتَضِيه سِياقُهُ، وضَبَطَه الصّاغَانِيُّ ككَتِفٍ فِيهما، وهُوَ الصَّوابُ؛ أَي أَخْرَقُ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:

امْرَأَةٌ فَدْشَاءُ، كمَدْشاءَ: لا لَحْمَ عَلَى بَدَنِهَا.

والفَدْشُ: أُنْثَى العَنَاكِبِ عَنْ كُراع، وكَأَنَّه لُغَةٌ في السِّينِ، وقَدْ ذُكِرَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


54-تاج العروس (رض رضض رضرض)

[رضض]: الرَّضُّ: الدَّقُّ والجَرْشُ، وقد رَضَّهُ يَرُضُّهُ رَضًّا، وهو رَضِيضٌ ومَرْضُوضٌ، وقيل: رَضَّهُ رَضًّا إِذا كَسَرَهُ.

والرَّضُّ: تَمْرٌ يُدَقُّ ويُخَلَّصُ من النَّوَى، ثم يُنْقَعُ في المَخْضِ؛ أَي اللَّبَنِ فتُصْبِحُ الجارِيةُ فتَشْرَبُه، وأَنْشَد الجَوْهَرِيُّ قولَ الرّاجِز:

جَارَيَةٌ شبِّتْ شَبَابًا غَضَّا *** تُصْبَحُ مَحْضًا وتُعَشَّى رَضَّا

ما بَيْنَ وِرَكَيْها ذِرَاعًا عَرْضَا *** لا تُحْسِنُ التَّقْبِيلُ إِلاَّ عَضَّا

كالْمُرِضَّةِ، بضمِّ المِيمِ وكَسْرِ الرَّاءِ، وتُكْسَرُ المِيمُ وتُفْتَحُ الرَّاءُ، عن ابنِ السِّكِّيت، قال. وهي الكُدَيْراءُ.

ورُضَاضُ الشَّي‌ء؛ أَي بالضَّمِّ: ما رُضَّ مِنْه، عن ابنِ دُرَيدٍ. وفي الصّحاح: رُضَاضُ الشَّيْ‌ءِ: فُتَاتُه.

والرَّضْرَاضُ: الحَصَى، عن ابنِ دُرَيْد، أَو صِغَارُهَا؛ أَي ما دَقَّ مِنْهَا الَّذِي يَجْري عليه المَاءُ، وهذا أَكْثَرُ في الاسْتِعْمَال، ومنه قولُ الرَّاجِز:

يَتْرُكْنَ صَوَّانَ الحَصَى رَضْرَاضَا

وفي حَدِيث الكَوْثَر «طِينُه المِسْكُ، ورَضْرَاضُهُ التُّومُ» ‌أَي الدُّرّ، وكذا قَوْلُهم: نَهْرٌ ذُو سِهْلَة و [ذو] رَضْرَاضٍ.

السَّهْلَةُ: رَمْلُ القَنَاةِ الَّذِي يَجْرِي عليه الماءُ، كالرَّضْرَضِ مَقْصُورٌ منه.

والرَّضْرَاضُ أَيْضًا: الأَرْضُ المَرْضُوضَةُ بالحِجَارَةِ، وأَنشد ابن الأَعْرَابِيّ:

يَلُتُّ الحَصَى لَتَّا بُسُمْرٍ كَأَنَّها *** حِجَارَةُ رَضْرَاضٍ بِغَيْلٍ مُطَحْلِبِ

كما في الصّحاح.

والرَّضْرَاضُ: الرَّجلُ اللَّحِيمُ، ومنه‌ الحَدِيثُ: «أَنَّ رَجُلًا قال له مَرَرْتُ بجُبُوبِ بَدْرٍ فإِذا برَجُلٍ أَبْيَضَ رَضْرَاضٍ، وإِذا رَجُلٌ أَسْوَدُ بِيَدِهِ مِرْزَبَةٌ يَضْرِبُه، فقال: ذَاكَ أَبُو جَهْل» وهي بَهَاءٍ.

وقال أَبُو عَمْرٍو: الرَّضْرَاضُ: القَطْرُ من المَطَرِ الصِّغارُ.

وهو أَيضًا الكَفَلُ المُرْتَجُّ، عند المَشْي. قال رُؤْبَةُ.

أَزْمانَ ذاتُ الكَفَلِ الرَّضْرَاضِ *** رَقْرَاقَةُ في بُدْنِهَا الفَضْفَاضِ

وقال ابن عَبَّاد: الأَرَضُّ: القَاعِدُ الذي لا يَرِيمُ ولا يَبْرَحُ. وأَرَضَّ الرَّجُلُ إِرْضَاضًا: أَبْطأَ وثَقُلَ، وأَنشد الجَوْهَرِيّ للعَجّاج:

«ثُمَّ اسْتَحَثُّوا مُبْطِئًا أَرَضَّا

وأَرَضَّتِ: الرَّثِيئَةُ: خَثَرَتْ، نقله الجَوْهَرِيّ.

وقال ابن عباد، وابنُ السِّكّيت: أَرَضَّ، إِذَا عَدَا عَدْوًا شَدِيدًا، فهو مع إِبطاءٍ وثِقَلٍ، ضِدّ.

والمُرِضَّةُ، بضَمَّ المِيمِ وكَسْرِ الرّاء: الأُكْلَة والشُّرْبَةُ الَّتِي إِذا أَكَلْتَهَا أَو شَرِبْتَها رَضَّت عَرَقَك فأَسَالتْه، قاله أَبو زَيْدٍ. ونَصُّه: أَرَضَّتْ عَرَقَك.

ورَضْرَضَهُ: كَسَرَهُ، وقيل: دَقَّهُ ولم يُنْعِمْ، وكذلِكَ رَضَّهُ.

والرَّضْرَاضَةُ: الحِجَارَةُ تَتَرَضْرضُ على وَجْهِ الأَرْضِ؛ أَي تَتَحَرَّكُ ولا تَلْبَثُ. وقال الأَزْهَرِيّ: وقِيلَ: تَتَكَسَّرُ، ومِثْلُه قولُ الجَوْهَرِيّ.

* وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه:

ارْتَضَّ الشَّيْ‌ءُ: تَكَسَّرَ. والمِرَضَّةُ، بالكَسْر: الَّتِي يُرَضُّ بِهَا.

وأَرَضَّ التَّعَبُ العَرَقَ: أَسَالَهُ.

ويُقَال للرّاعِيَةِ إِذا رَضَّتِ العُشْبَ أَكْلًا وهَرْسًا: رَضَارِضُ، قال:

يَسْبُتُ رَاعِيهَا وَهِي رَضَارِضُ *** سَبْتَ الوَقِيذِ والوَرِيدُ نابِضُ

وفي الصّحاح: إِبِل رَضَارِضُ: رَاتِعَةٌ كأَنَّهَا تَرُضُّ العُشْبَ.

والمُرِضَّةُ، بالضَّمّ وكَسْرِ الرَّاءِ: اللَّبَنُ الحَلِيبُ يُحْلَبُ على الحَامِضِ، وقِيل: هو قَبْلَ أَنْ يُدْرَكَ، وهي الرَّثِيئَةُ الخَاثِرَةُ.

وقال أَبو عُبَيْدٍ: إِذا صُبَّ لَبَنٌ حَلِيبٌ على لَبَنٍ حَقِينٍ فهو المُرِضَّةُ والمُرْتَثِئَةُ. وقال ابنُ السِّكّيت: سأَلْتُ بعضَ بَنَي عامِرٍ عن المُرِضَّةِ فقال: هو اللَّبَنُ الحَامِضُ الشَّدِيدُ الحُمُوضَةِ، إِذا شَرِبَهُ الرَّجُلُ أَصْبَح قَد تَكَسَّرَ. قال ابنُ أَحْمَر يَذُمّ رَجُلًا ويَصِفُه بالبُخْلِ، كما في الصّحاح، وقال ابنُ بَرّيّ: هو يُخَاطِبُ امْرَأَتَه، وفي العُباب: يُحَذِّرُها أَنْ تَتَزَوَّج بَخِيلًا:

ولَا تَصِلِي بِمَطْرُوقٍ إِذا مَا *** سَرَى في القَوْمِ أَصْبَحَ مُسْتَكِينَا

يَلُومُ ولا يُلامُ ولا يُبَالِي *** أَغَثًّا كان لَحْمُكِ أَمْ سَمِينَا

إِذا شَرِبَ الْمُرِضَّةَ قال: أَوْكِي *** على ما فِي سِقَائِكِ قد رَوِينَا

قال ابن بَرّيّ: كذا أَنْشَدَه أَبو عَليّ لابْنِ أَحْمَرَ. رَوينَا، على أَنَّه من القَصِيدَة النُّونِيّة.

وفي شِعْرِ عمْرِو بن هُمَيْلٍ اللَّحْيانِيّ، وفي العُبَابِ: الهُذليّ [قد رَوِيتُ] في قَصِيدَة أَوَّلها:

أَلَا مَنْ مُبْلِغُ الكُعْبِيّ عَنّي *** رَسُولًا أَصلُهَا عِنْدِي ثَبِيتُ

وفي العُبَاب: يَهْجُو عَمْرَو بْنَ جُنَادَةَ الخُزَاعيّ، ومِنْهَا:

تَعَلَّمْ أَنَّ شَرَّ فَتَى أَنَاسٍ *** وأَوْضَعَه خُزَاعِيٌّ كَتِيتُ

إِذَا شَرِبَ المُرِضّةَ قال: أَوْكِي *** على مَا فِي سِقَائك قد رَوِيتُ

قال الصّاغَانِيّ: وهذَا من تَوَارُدِ الخَاطِرُ.

وقال الأَصْمَعِيّ: أَرَضَّ الرجلُ إِرْضَاضًا، إِذا شَرِبَ المُرِضَّةَ فثَقُلَ عَنْهَا، وأَنشد قَوْلَ العَجّاج:

ثمّ استَحثُّوا مُبْطِئًا أَرَضَّا

وعن أَبي عُبَيْدَةَ: المُرِضَّةُ من الخَيْلِ: الشَّدِيدَةُ العَدْوِ.

وعن ابنِ السِّكِّيت: أَرَضَّ في الْأَرْضِ أَيْ ذَهَبَ.

والرَّضْرَاضُ: الصَّفَا، عن كُرَاع.

وبَعِيرٌ رَضْرَاضٌ: كَثيرُ اللَّحْمِ، عن الجَوْهَرِيّ، وأَنْشَدَ قَوْلَ الجَعْدِيّ يَصِفُ فَرَسًا:

فعَرفْنَا هِزَّةً تَأْخُذُهُ *** فَقَرَنَّاهُ بِرَضرَاضٍ رِفَلّ

أَيْ أَوثَقْنَاهُ بِبَعِيرٍ ضَخْمٍ.

ومن المَجَاز: سَمِعْتُ بِمَا نَزَل بِك ففَتَّ كَبِدِي ورَضَّ عِظَامِي، كما في الأَساسِ.

ورَضْرَاضَةُ: مَوْضِعٌ بسَمَرْقَنْدَ، منه أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ مَحْمُودِ بن عبْدِ اللهِ الرَّضْراضِيّ، رَوَى عنهُ أَحْمَدُ بنُ صَالِحِ بنِ عُجَيْف.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


55-تاج العروس (فض فضض فضفض)

[فضض]: الفَضُّ: الكَسْرُ بالتَّفْرِقَة، وقد فَضَّهُ يَفُضُّهُ كما في الصّحاح، وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:

إِذَا اجْتَمَعُوا فَضَضْنَا حُجْرَتَيْهِمْ *** ونَجْمَعُهمْ إِذا كانُوا بَدَادِ

ويُقَالُ: الفَضُّ: تَفْرِيقُكَ حَلْقَةً من النَّاسِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ. يُقال: فَضَضْتُهُمْ فانْفَضُّوا؛ أَي فَرَّقْتهم فتَفَرَّقُوا.

وقال المُؤَرِّجُ: الفَضُّ: الكَسْرُ. ورُوِيَ لخِدَاشِ بْنِ زُهَيْر:

فلا تَحْسَبِي أَنِّي تَبَدَّلْتُ ذِلَّةً *** ولا فَضَّنِي في الكُورِ بَعْدَكِ صَائِغُ

والفَضُّ: فَكُّ خاتَمِ الكِتَابِ. يُقَالُ: فَضَضْتُ الخَاتَمَ عن الكِتَابِ، وفَضَضْتُ خَتْمَهُ وفَكَكْتُه؛ أَي كَسَرْتُهُ، وكُلُّ شَيْ‌ءٍ كَسَرْتَهُ فقد فَضَضْتَهُ، ومنه الحَديث: «قُلْ، لا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ» ‌قَالَه للعَبَّاس حِينَ استَأْذَنَهُ في الامْتِدَاحِ، أَيْ لا يَكْسِرْ أَسْنَانَك، والفَمُ هُنَا الأَسْنَانُ، كما يُقَالُ سَقَطَ فُوهُ يَعْنُون الأَسْنانَ وكذا لِلنّابغةِ الجعْدِيّ حِين أَنشد. قَولَهُ «أَجَدْتَ لا يَفْضُضِ الله فَاكَ» فنَيَّفَ على المائَةِ، وكَأَنَّ فاهُ البَرَدُ المُنْهَلُّ، تَرِفُّ غُرُوبُه، ويُرْوَى: فما سَقَطَت له سِنٌّ إِلاَّ فَغَرَتْ مَكَانَهَا سِنٌّ. ويُرْوَى: فغَبَرَ مائَةَ سَنَةٍ لم تَنْفَضَّ له سِنٌّ. قال الجَوْهَرِيُّ: ولا تَقُل يُفْضِضْ. قُلْت: وجَوَّزَه بَعْضُهُمْ وتَقْدِيره: «لا يَكْسِرِ الله أَسْنَانَ فِيكَ»، فحَذَفَ المُضَافَ.

ويُقَالُ: الإِفْضَاءُ: سُقُوطُ الأَسْنَانِ من أَعْلَى وأَسْفَلَ، والقَوْلُ الأَوَّلُ أَكْثَرُ.

والفَضُّ: النَّفَرُ المُتَفَرِّقُونَ، يُقَالُ: بهَا فَضٌّ من النَّاسِ؛ أَي نَفَرٌ مُتَفَرِّقُونَ.

والمِفَضَّةُ والمِفْضَاضُ، بِكَسْرِهِما: ما يُفَضُّ به المَدَرُ؛ أَي مَدَرُ الأَرْضِ المُثَارَةِ، الأُولَى ذَكَرَها الجَوْهَرِيُّ والثانِيَةُ الصَّاغَانِيّ.

والفُضَاضُ، بالضَّمِّ: ما تَفَرَّقَ مِنَ الشَّيْ‌ءِ عِنْدَ الكَسْرِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. قال الصّاغَانِيّ: ويُكْسَرُ، وأَنْشَدَ للنَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيّ:

تُطِيرُ فُضَاضًا بَيْنَهُمْ كُلُّ قَوْنَسٍ *** ويَتْبَعُها منْهُم فَرَاشُ الحَوَاجِبِ

والفُضَاضُ أَيْضًا: موضع، قال قَيْسُ بنُ العَيْزارَة [الهذلي]:

وَرَدْنَا الفُضَاضَ قَبْلَنَا شَيِّفَاتُنَا *** بأَرْعَنَ يَنْفِي الطَّيْرَ عَنْ كُلِّ مَوْقِعِ

وفَضَّاضٌ، ككَتَّانٍ، اسمُ رَجُلٍ، وهو منْ أَسْمَاءِ العَرَبِ. قال رُؤْبةُ:

فَلَوْ رَأَتْ بِنْتُ أَبِي فَضَّاضِ *** شَزْرِي العِدَا منْ شَنْأَةِ الإِبْغاضِ

وفَضَّاضٌ أَيضًا: لَقَبُ مَوْأَلةَ بنِ عامِرِ بنِ مالِكٍ، هكذا في سائِرِ النُّسَخ وهو غَلَطٌ، والصَّوابُ أَنَّهُ لَقَبُ مَوْأَلَةَ بنِ عَائِذِ بنِ ثَعْلَبَةَ، ومَوْأَلَةُ بنُ عَامِرِ بنِ مَالِكٍ جَدُّه لِأُمّه، فإِنَّ أُمَّهُ رُهْمُ بِنْتُ مَوْأَلَةَ هذَا. ومِنْ إِخْوَةِ فَضَّاضٍ عَبْدُ الله ورَبِيعَةُ، ابْنَا عَائِذٍ، وأُمُّهُمَا هُجَيْمَةُ بِنْتُ جَحْدَرِ بْن ضُبَيْعَةَ بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَة، كَذَا حَقَّقَه ابنُ الكَلْبِيِّ ونَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ في العُبَاب.

والفَضَضُ مُحَرَّكَةً: ما انْتَشَر مِنَ الماءِ إِذا تُطُهِّرَ بِهِ، كالفَضِيض، وهُمَا فَعَلٌ وفَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ. قال امْرُؤُ القَيْسِ:

بمِيثٍ دِمَاثٍ في رِيَاضٍ دَمِيثَةٍ *** تُحِيلُ سَواقِيهَا بماءٍ فَضِيضِ

وكُلُّ مُتَفَرِّقٍ ومُنْتَشِرٍ فَضَضٌ. ومنه‌ «قَولُ عائِشَةَ، رَضيِ الله عَنْهَا، لِمَرْوَانَ حينَ كَتَبَ إِلَيْه مُعَاوِيَةُ ليُبَايِعَ النَّاسُ لِيَزِيدَ، فَقَال عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ: أَجِئْتُمْ بها هِرَقْلِيَّةً قُوقِيَّةً تُبَايِعُون لأَبْنائكم. فقال مَرْوَانُ: أَيها النّاسُ، هذَا الَّذِي قالَ الله فيه: {وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما} الآية فغَضِبَتْ عائِشَةُ، رَضِيَ الله عَنْهَا، وقالتْ: والله ما هُوَ بِه، ولو شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ، ولكِنَّ الله لَعَنَ أَباكَ وأَنْتَ في صُلْبِه، فأَنْتَ فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ الله» ويُرْوَى: فُضُضٌ، كعُنُقٍ، وفُضَاضٌ‌ مِثل غُرَاب، الأَخِيرَةُ عن شَمِرٍ. أَي قِطْعَةٌ وطائِفَةٌ منها؛ أَي مِنْ لَعْنَةِ الله ورَسُولهِ صَلى الله عليه وآله وسلّم. هكَذَا فَسَّرَهُ شَمِرٌ، وقال ثَعْلَبٌ: أَيْ خَرَجْتَ مِنْ صُلْبِهِ مُتَفَرِّقًا، يَعْنِي ما انْفَضَّ من نُطْفَةِ الرَّجُلِ وتَرَدَّدَ في صُلْبِهِ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.

ورَوَى بَعْضُهُم في هذا الحَدِيثِ: «فَأَنْتَ فُظَاظَةٌ» بظَاءَيْن، من الفَظِيظِ وهو ماءُ الكَرِشِ، وانْكَرهُ الخَطَّابِيّ. وقال الزَّمَخْشَرِيّ: افْتَظَظْتُ الكَرِشَ إذا اعْتَصَرْتَ مَاءَها، كَأَنَّه عُصَارَةٌ من اللَّعْنَة أَو فُعَالَةٌ من الفَظِيظِ: ماءِ الفَحْلِ، أَيْ نُطْفَةٌ من اللَّعْنَة.

والفَضِيضُ: الماءُ العَذْبُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، أَو الماءُ الغَرِيضُ سَاعَةَ يَخْرُجُ مِنَ العَيْنِ، أَو يَصُوبُ من السَّحَابِ، كما في العُبَابِ. أَو هو الماءُ السّائلُ: قاله أَبو عُبَيْدٍ، ونَقَلَه الجَوْهَرِيّ.

وفي حَدِيثِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيز: «أَنَّهُ سُئلَ عنَ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً فَتَشَاجَرُوا فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، فقالَ الفَتَى: هِيَ طَالِقٌ إِنْ نَكَحْتُهَا حَتَّى آكُلَ الفَضِيضَ»، وهو الطَّلْعُ أَوَّلَ مَا يَطْلُعُ، كما رَوَاه أَبو سُلَيْمَانَ الخَطَّابِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ وأَبو عُبَيْدٍ الهَرَوِيُّ، واللَّفْظُ للخَطَّابِيّ. ومِنْ كِتَابِه نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيّ، ورَوَاهُ إِبْراهيمُ الحَرْبِيُّ: الغَضِيضُ، بالغَيْنِ، قال الصَّاغَانِيّ: وهو الصَّوابُ، والفَاءُ تَصْحِيفٌ.

والطَّلْعُ هو الغَضِيضُ لا غَيْرُ، ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ في المُصَنِّفِ» وأَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ في اليَواقِيتِ عن ثَعْلَبٍ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ، والأَزْهَرِيّ في «التَّهْذِيب»، وابْنُ فارسٍ في «المُجْمَلِ». قُلْتُ: وكَذلِكَ الجَوْهَرِيّ في الصّحاح.

والفَضِيضُ: كُلُّ مُتَفَرِّقٍ من ماءِ المَطَرِ والبَرَدِ والعَرَقِ. قال ابنُ مَيَّادَةَ:

تَجْلُو بأَخْضَرَ مِنْ فُرُوعِ أَرَاكَةٍ *** حَسَنَ المُنَصَّبِ كالفَضِيضِ البَارِدِ

والفِضَّةُ، بالكَسْرِ، م، من الجَوَاهِرِ، جَمْعُهُ فِضَضٌ. وفي التّهْذِيبِ: وقولُه تَعَالَى: {كانَتْ قَوارِيرَا} قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ {قَدَّرُوها تَقْدِيرًا} يَسْأَلُ السّائلُ فيَقُولُ: كَيْفَ تَكُون القَوَارِيرُ من فِضَّة وجَوْهَرُها غَيْرُ جَوْهَرها: قال الزَّجّاجُ: أَصْلُ‌ القوارِيرِ الَّتِي في الدُّنْيا من الرَّمْلِ، فأَعْلم الله عزّ وجلّ فَضْلَ تِلْك القَوَارِيرِ، أَنَّ أَصْلَها مِنْ فِضَّةٍ يُرَى مِنْ خَارِجِها مَا فِي دَاخِلِهَا. قال الأَزْهَرِيّ أَيْ تَكُونُ مَع صفَاءِ قَوَارِيرِهَا آمِنَةً مِن الكَسْرِ، قَابِلَةً للجَبْرِ، مِثل الفِضَّةِ، قال: وهذا [من] أَحْسَنِ ما قِيل فِيهِ.

وقال ابنُ عَبَّادٍ: الفِضَّةُ: الحَرَّةُ الشّاهِقَةُ وتُفْتَحُ، الجمع: فِضَضٌ، وفِضَاضٌ.

قال: وفِضَاضُ الجِبَالِ: الصَّخْرُ المَنْثُورُ بَعْضُه على بَعْضٍ جَمْعُ فَضَّةٍ، بالفَتْح.

وقال الفَرَّاءُ: الفَاضَّةُ: الدَّاهِيَةُ، الجمع: فَوَاضُّ، كَأَنَّهَا تَفُضُّ ما أَصَابَتْ وتَهُدُّه.

ودِرْعٌ فَضْفَاضٌ وفَضْفَاضَةٌ: وَاسِعَةٌ. قال عَمْرُو بنُ مَعْدِيكَرِبَ:

وأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ فَضْفَاضَةً *** كَأَنَّ مَطَاوِيَهَا مِبْرَدُ

وقال آخرُ:

وأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ فَضْفَاضَةً *** دِلَاصًا تَثَنَّى عَلَى الرَّاهِشِ

والفَضْفَاضَةُ: الجَارِيَةُ اللَّحِيمَةُ الجَسِيمَةُ: الطَّوِيلَةُ. قال رُؤْبَةُ:

أَزمانَ ذَاتُ الكَفَل الرَّضْرَاضِ *** رَقْراقَةٌ في بُدْنِها الفَضْفَاضِ

وافْتَضَّهَا: افْتَرَعَها، مِثْلُ اقْتَضَّهَا، بالقَافِ.

وافْتَضَّ الماءَ: صَبَّه شَيْئًا بَعْدَ شَيْ‌ءٍ. ومنه‌ حَدِيثُ غَزْوَةِ هَوَازِنَ: «فَجَاءَ رَجُلٌ بنُطْفَةٍ من إِدَاوَةٍ فافْتَضَّهَا، فأَمَرَ بها رَسُولُ الله صَلى الله عليه وآله وسلّم فصُبَّتْ في قَدَح فتَوَضَّأْنا كُلُّنَا» ‌ويُرْوَى بالقافِ أَيضًا؛ أَي فَتَحَ رَأْسَهَا. أَو افْتَضَّهُ: أَصَابَهُ ساعَةَ يَخْرُجُ، كما في الصّحاح، أَيْ من العَيْنِ، أَوْ يَصُوبُ من السَّحَابِ.

وافتَضَّت المَرْأَةُ: كَسَرَتْ عِدَّتَهَا بمَسِّ الطِّيبِ أَوْ بغَيْرِه، كقَلْمِ الظُّفرِ، أَو نَتْفِ الشَّعرِ من الوَجْهِ، أَو دَلَكَتْ جَسَدَها بدَابَّةٍ أَو طَيْرٍ لِيَكُونَ ذلِكَ خُرُوجًا عن العِدَّةِ، أَوْ كَانَتْ مِنْ عادَتِهم أَنْ تَمْسَح قُبُلَها بطَائِرٍ وتَنْبِذَه فلا يَكَادُ يَعِيشُ.

وفي حَدِيثِ أُمِّ سلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «جَاءَت امرأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلى الله عليه وسلّم فقَالَت: إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا وقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا، أَفَتَكْحُلُهُما؟ فقالَ: لا، مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاثًا إِنَّمَا هي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا. وقد كَانَت إِحْداكُنَّ تَرْمِي بالبَعرَةِ على رَأْسِ الحَوْلِ»، ومَعْنَى الرَّمْيِ بالبَعَرَةِ أَنَّ المَرْأَةَ كانَتْ إِذَا تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا ولَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا حَتَّى تَمُرَّ بها سَنَةٌ، ثمّ تُؤْتَى بدَابَّةٍ شَاةٍ أَو طائِرٍ فتَفْتَضُّ بها، فقَلَّمَا تَفْتَضُّ بشَي‌ءٍ إِلاّ ماتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فتُعْطَى بَعرَةً فتَرْمِي بِهَا.

وقال ابنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الحِجَازِيِّينَ عن الاقْتِضاضِ، فَذَكَرُوا أَنَّ المُعْتَدَّةَ كانَتْ لا تَغْتَسِلُ ولا تَمَسُّ مَاءً، ولا تَقْلِمُ ظُفرًا، ولا تَنْتِفُ من وَجْهِهَا شَعرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الحَوْلِ بأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثمّ تَفْتَضُّ بطائِرٍ تَمْسَحُ به قُبُلَها وتَنْبِذُه فَلا يَكَادُ يَعِيشُ. أَي تَكْسِرُ مَا هي فيه مِنَ العِدَّةِ بذلِكَ، قَالَ: وهو مِنْ فَضَضْتُ الشَّيْ‌ءَ؛ أَي كَسَرْتُهُ، كَأَنَّهَا تَكُونُ في عِدَّةٍ من زَوْجِهَا فتَكْسِرُ مَا كَانَتْ فيه، وتَخْرُجُ منه بالدَّابَّة. قال ابنُ الأثِيرِ: ويُرْوَى بالقَافِ والبَاءِ المُوَحَّدَةِ. وقال الأَزْهَرِيُّ: وقد رَوَى الشافِعِيُّ هذَا الحَدِيثَ، غَيْرَ أَنَّه رَوَى هذَا الحَرْفَ بالقَافِ والضَّادِ؛ أَي من القَبْضِ، وهو الأَخْذُ بأَطْرافِ الأَصَابعِ.

والفَضْفَضَةُ: سَعَةُ الثَّوْبِ، والدِّرْع، والعَيْشِ: يُقَالُ: ثَوْبٌ فَضْفَاضٌ، وعَيْشٌ فَضْفَاض، ودِرْعٌ فَضْفَاضَةٌ؛ أَي وَاسِعَةٌ. كما في الصّحاح. وفي حَدِيثِ سَطِيح:

أَبْيَضُ فَضْفاضُ الرِّدَاءِ والبَدَنِ

أَرادَ: وَاسِعَ الصَّدْرِ والذِّرَاعِ. فكَنَى عَنْهُ بالرِّدَاءِ والبَدَنِ، وقِيلَ أَرادَ كَثْرَةَ العَطَاءِ.

* ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:

المَفْضُوضُ: المَكْسُورُ، كالفَضِيضِ، وهو المُفَرَّقُ أَيْضًا.

والفُضَاضَةُ، كثُمَامَةٍ: الفُضَاضُ.

وفي حَدِيثِ ذِي الكِفْلِ: «لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ» ‌وهو كِنَايَةٌ عن الوَطْءِ.

وانْفَضَّ الشَّيْ‌ءُ: انْكَسَرَ، وقِيلَ: تَفَرَّقَ.

وانْفَضَّ القَوْمُ: تَفَرَّقُوا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.

وفي الحَدِيث: «لَوْ أَنَّ أَحَدًا انْفَضَّ انْفِضَاضًا ممَّا صُنِعَ بابْن عَفَّانَ لَحَقَّ لَهُ» ‌أَيْ انْقَطَعَتْ أَوْصَالُه وتَفَرَّقَتْ جَزَعًا وحَسْرَةً. قال ذُو الرُّمَّةِ:

تَكَادُ تَنْفَضُّ مِنْهُنَّ الحَيازِيمُ

أَي تَنْقَطِعُ. ويُرْوَى الحَدِيثُ بالقَافِ أَيْضًا.

وتَفَضَّضَ القَوْمُ: تَفَرَّقُوا، كانْفَضُّوا، وكَذلِكَ تَفَضَّضَ الشَّيْ‌ءُ، إِذا تَفَرَّقَ.

وطَارَتْ عِظَامُهُ فِضَاضًا، إِذَا تَطَايَرَتْ عِنْدَ الضَّرْبِ.

وتَمْرٌ فَضٌّ: مُتَفَرِّقٌ لا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ.

وفَضَضْتُ مَا بَيْنَهُمَا: قَطَعْتُ.

والفَضِيضُ من النَّوَى: الَّذِي يُقْذَفُ من الفَمِ.

ومَكَانٌ فَضِيضٌ: كَثِيرُ المَاءِ.

وفَضَّ المَاءُ: سالَ.

وفَضَّهُ: صَبَّهُ.

ورَجُلٌ فَضْفَاضٌ: كَثِيرُ العَطَاءِ. شُبِّهَ بالمَاءِ الفَضْفَاضِ.

وتَفَضْفَضَ بَوْلُ النَّاقَةِ، إِذَا انْتَشَرَ على فَخِذَيْهَا.

ونَاقَةٌ كَثِيرَةٌ فَضِيضِ اللَّبَنِ. يَصِفُونَهَا بالغَزَارَةِ.

ورَجُلٌ كَثِيرُ فَضيضِ الكَلَامِ. يَصِفُونَه بالكَثَارَة.

وأَفَضَّ العَطَاءَ: أَجْزَلَهُ.

وشَيْ‌ءٌ مُفَضَّضٌ: مُمَوَّهٌ بِالفِضَّةِ. ولِجَامٌ مُفَضَّضٌ: مُرَصَّعٌ بِالْفِضَّةِ. نَقَلَه الجَوْهَرِيّ. وحَكَى سِيبَوَيْه: تَفَضَّيْت، من الفِضَّة، أَرادَ تَفَضَّضْتُ. قال ابنُ سِيدَه: ولا أَدْرِي ما عَنَى به، اتَّخَذْتُهَا أَمْ استَعْمَلْتُهَا، وهو من مُحَوَّلِ التَّضْعِيف.

ودِرْعٌ فُضَافِضَةٌ؛ أَي وَاسِعةٌ.

وأَرْضٌ فَضْفَاضٌ: قد عَلَاهَا الماءُ من كَثْرَةِ المَطَرِ.

وفَضْفَضَ الثَّوْبَ والدِّرْعَ: وَسَّعَهُمَا. قال كُثَيِّرٌ:

فَنَبَذْتُ ثَمَّ تَحِيَّةً فأَعادَهَا *** غَمْرُ الرِّدَاءِ مُفَضْفَضُ السَّرْبَالِ

والفَضْفَاضُ: الكَثِيرُ الوَاسِعُ. قال رُؤْبَةُ:

يَسْعُطْنَهُ فَضْفَاضَ بَوْلٍ كالصَّبِرْ

وسَحَابَةٌ فَضْفَاضَةٌ: كَثِيرةُ المَطَرِ.

وقال اللَّيْثُ: فُلانٌ فُضَاضَةُ وَلَدِ أَبِيهِ؛ أَي آخِرُهُم. وقال الأَزْهَرِيُّ: والمَعْرُوفُ: نُضَاضَةُ وَلَدِ أَبِيهِ، بالنُّون بهذَا المَعْنَى.

وفَضَّ المالَ على القَوْمِ: فَرَّقَهُ.

وفَضَّ الله فاهُ، وأَفَضَّهُ. وقد تَقَدَّمَ إِنْكَارُ الجَوْهَرِيّ إِيَّاهُ، ونَقَلَهُ ابنُ القَطَّاع هكَذَا.

وخَرَزٌ فَضٌّ: مُنْتَثِرٌ، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيّ.

وكمُحَدِّثٍ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المُفَضِّضُ الشَّرْوَانِيّ، كَتَبَ عنه أَبو طَاهِرٍ السِّلَفِيّ في مُعْجَمِ السَّفَرِ وأثْنَى عَليه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


56-تاج العروس (نحض)

[نحض]: النَّحْضُ: اللَّحْمُ نَفْسُه، قاله اللَّيْثُ، أَو النَّحْضُ والنَّحْضَةُ: المُكْتَنِزُ منه كلحْمِ الفَخِذِ، قاله الجَوْهَرِيُّ. وأَنشدَ الصّاغَانِيُّ للنابِغَة:

مَقْذُوفَةٍ بدَخِيسِ النَّحْضِ بَازِلُهَا *** لَهُ صَرِيفٌ صَرِيفَ القَعْوِ بالمَسَدِ

وفي الأَسَاسِ: أَطْعَمَهم النَّحْضَ، وسَقاهُمُ المَحْضَ، وهو اللَّحْمُ المُكْتَنِزُ.

ويُقال: اشْوِ لنا هذِه النَّحْضَةَ، بهاءٍ: القِطْعَة الكَبِيرَة منه، قاله اللَّيْثُ، وكُلُّ بَضْعَةِ لَحْمٍ لا عَظْمَ فيها: لَفِئَةٌ، نحو النَّحْضَةِ، والهَبْرةِ، والوذْرَةِ، ج: نُحُوضٌ ونِحَاضٌ.

وأَنشدَ الجَوْهَرِيُّ لعَبِيدِ بنِ الأَبْرَصِ:

ثمّ أَبْرِي نِحَاضَهَا فتَرَاهَا *** ضَامِرًا بَعْدَ بُدْنِهَا كالهِلَالِ

وقد نَحُضَ، ككَرُمَ، نَحَاضَةً: كَثُرَ لَحْمُ بَدَنِهِ. وفي الصّحاحِ: اكْتَنَزَ لَحْمُه، فهو نَحِيضٌ، وهي نَحِيضَةٌ.

والمَنْحُوضُ، والنَّحِيضُ: الذَّاهِبَا اللَّحْمِ، أَو الكَثِيراهُ.

ضِدُّ، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: النَّحِيضُ من الأَضداد، يَكُون الكَثِيرَ اللَّحْم، ويكونُ القَلِيلَ اللَّحْمِ، كأَنَّهُ نُحِضَ، كعُنِيَ نَحْضًا؛ أَي قَلَّ لَحْمُه، وقد نَحُضَا نَحَاضَةً: كَثُرَ لَحْمُهُما.

وقال الأَزْهَرِيُّ: ونَحَاضَتُهما: كَثْرةُ لحْمِهما، وهي مَنْحُوضَةٌ ونَحِيضٌ.

ونُحِضَ، كعُنِيَ، فهو مَنْحُوضٌ: ذَهَبَ لَحْمُه، كانْتُحِضَ، بالضَّمِّ.

ونَحَضَ، كمَنَعَ، يَنْحَضُ نُحُوضًا: نَقَصَ لَحْمُه، كانْتُحِضَ، بالضَّمِّ.

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: رَجُلٌ نَحْضٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ، ونَحِيضٌ: قليلُ اللَّحْمِ، وانْتُحِضَ الرَّجُلُ، على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه؛ أَي ذَهَبَ لَحْمُه.

ونَحَضَ اللَّحْمَ، كمَنَعَ، وضَرَب، يَنْحَضُه، ويَنْحِضُه نَحْضًا: قَشَرَهُ فهُوَ مَنْحُوضٌ.

ومن المجَاز: نَحَضَ فُلانًا، إِذا أَلَحَّ عَلَيْهِ في سُؤَالِهِ حَتَّى يكونَ ذلِكَ السُّؤالُ كنَحْضِ اللَّحْمِ عن العَظْمِ. وفي الأَسَاسِ: نَحَضَهُ، إِذا نَهَكَه بالسٌّؤالِ.

ومن المَجَاز: نَحَضَ السِّنَانَ وكذا النَّصْلَ، إِذَا رَقَّقَهُ وأَرْهَفَهُ وأَحَدَّهُ على المِسَنِّ، فهو نَحِيضٌ ومَنْحُوضٌ، كأَنَّكَ لمَّا رَقَّقْتَه أَخَذْتَ نَحْضَهُ، قال أَبُو سَهْم الهُذَليَّ:

وشَقُّوا بمَنْحُوضِ القِطَاعِ فُؤادَه *** لَهُمْ قِتَراتٌ قد بُنِينَ مَحَاتِدُ

وفي الصّحاح: قال امْرُؤُ القَيْسِ يَصِفُ الجَنْبَ، قال ابنُ بَرِّيّ: صَوابُه يَصِفُ الخَدَّ، وصَدْرُه: ‌

يُبَارِي شَبَاةَ الرُّمْحِ خدًّ مُذَلَّقٌ *** كصَفْحِ السِّنَانِ الصُّلَّبِي النَّحِيضِ

ونَحَضَ العَظْمَ نُحُوضًا: أَخَذَ لَحْمَهُ، كانْتَحَضَهُ، وفي الصّحاحِ: نَحَضْتُ ما على العَظْمِ من اللَّحْمِ، وانْتَحَضْتُه؛ أَي اعْتَرَقْتُهُ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

المُنَاحضَةُ: المُمَاحَكَةُ واللَّوْمُ، كما في التَّكْمِلَةِ. وفي الأَساسِ: ناحَضْتُه: مَاحَكْتُهُ ولَاحَيْتُهُ، وهو مَجازٌ. ونقَلَ ابنُ بَرِّيّ عن أَبي زَيْدٍ: نَحَضَ الرَّجُلَ: سأَلَهُ ولَامَهُ، وأَنْشَدَ لسَلَامةَ بنِ عُبَادةَ الجعْدِيِّ:

أَعْطَى بِلا مَنٍّ ولا تَقَارُضِ *** ولا سُؤَالٍ معَ نَحْضِ النّاحِضِ

ونَحضَ الشَّي‌ءَ نُحُوضًا: قَلَّمَه، عن ابنِ القَطّاعِ.

ونَحضَهُ الدَّهْرُ: أَضَرَّ به، وهو مَجَازٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


57-تاج العروس (حبط)

[حبط]: الحَبَطُ مُحَرَّكَةً: آثَارُ الجُرْحِ أَو السِّيَاطِ بالبَدَنِ. وقال الجَوْهَرِيُّ: حَبِطَ الجُرْحُ حَبَطًا، بالتَّحْرِيكِ؛ أَي عَرِب ونُكِسَ. وقال ابنُ عَبّادٍ: حَبِط الجُرْحُ، إِذَا بَقِيَتْ له آثَارٌ بَعْدَ البُرْءِ، أَو الآثَارُ أَي آثارُ السِّيَاطِ الوَارِمَةُ التي لم تَشَقَّقْ، فإِنْ تَقَطَّعَتْ ودَمِيَتْ فعُلُوبٌ، بالضَّمِّ، وقد تَقَدَّم في مَوْضِعِهِ، وهذَا قَوْلُ العَامِريِّ، ونَقَلَه الصّاغَانِيُّ.

وقال ابنُ سِيدَه: الحَبَطُ: وَجَعٌ ببَطْنِ البَعِيرِ من كَلَاءٍ يَسْتَوْبِلُهُ؛ أَي يسْتَوْخِمُه، كذا في المُحْكَم. أَو من كَلَاءٍ يُكْثِرُ منه، فتَنْتَفِخُ منه بُطُونُهَا فلا يَخْرُجُ منها شَيْ‌ءٌ، وهذَا قَوْلُ الجَوْهَرِيِّ. وقال الأَزْهَرِيُّ: وإِنّما تَحْبَطُ المَاشِيَةُ إِذا لم تَثْلِطْ، ولم تَبُلْ، واعْتُقِل بَطْنُها. وقد حَبِطَ بَطْنُه كفَرِخَ، إِذا انتَفَخَ، فِيهِنَّ، يَحْبَط حَبَطًا فهُو حَبِطٌ، من إِبِلٍ حَبَاطَى وحَبِطَةٍ، كما في المُحْكَم. أَو حَبَطُ المَاشِيَةِ: انْتِفَاخُ البَطْنِ عن أَكْلِ الذُّرَقِ وهو الحَنْدَقُوقُ، يُقَال: حَبِطَت الشّاةُ، بالكَسْرِ، كما نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيتِ، قال: ومنه‌ الحَدِيثُ: «وإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَو يُلِمُّ» واسمُ ذلِكَ الدّاءِ: حُبَاطٌ، بالضَّمِّ، قال الأَزْهَرِيُّ: ورَوَاه بعضهم بالخَاءِ المُعْجَمَةِ، من التَّخَبُّط، وهو الاضْطِرَابُ.

والحَبَطُ: وَرَمٌ في الضَّرْعِ أَو غَيْرِهِ، والذي في المُحْكَمِ: الحَبَطُ في الضَّرْعِ: أَهْوَنُ الوَرَمِ، وقيل: الحَبَطُ: الانْتِفاخُ أَيْن كانَ من داءٍ أَو غَيْرِه. وحَبِطَ جِلْدُه: وَرِمَ.

ومن المَجَازِ: حَبِطَ عَمَلُهُ، كسَمِعَ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وغيرُهُ من الأَئمَّة، وزاد أَبو زَيْدٍ: حَبَطَ عَمَلُه، مثل ضَرَبَ. وحَكَى عن أَعْرَابِيٍّ أَنَّه قرأَ فَقَدْ حَبطَ عَمَلُه، بفَتْحِ الباءِ قال الأَزْهَرِيُّ: ولم أَسْمَع هذا لغَيْرِه والقِراءَةُ: {فَقَدْ} حَبِطَ {عَمَلُهُ} بكَسْرِ الباءِ، حَبْطًا بالفَتْح، وحُبُوطًا، بالضَّمِّ، نَقَلَهُمَا الجَوْهَرِيُّ، ومُقْتَضَى سِيَاقِه أَنَّهُمَا مَصْدَرانِ لِحَبِطَ كسَمِع، والَّذِي في التَّهْذِيبِ: أَنَّ الحُبُوطَ مَصْدرُ حَبَطَ، كضَرَبَ، على ما نَقَلَه أَبو زَيْدٍ: بَطَلَ ثَوَابُه، كما في الصّحاحِ.

وقَالَ الأَزْهَرِيُّ: إِذا عَمِلَ الرَّجُلُ عَمَلًا ثمّ أَفْسَدَه قيل: حَبِطَ عَمَلُه، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: فهو حَبْطٌ، بسُكُونِ الباءِ، قال الزَّمَخْشَرِيُّ وابنُ الأَثِيرِ: هو من حَبَطَت الدّابَّةُ حَبطًا، إِذا أَصابَتْ مَرْعًى طيِّبًا فأَفْرَطَتْ في الأَكْلِ حَتّى تَنْتَفِخَ فتَمُوتَ.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: ومنه أَيْضًا: حَبِطَ دَمُ القَتِيلِ إِذا هَدَرَ وبَطَلَ، وهو من حَدِّ سَمِعَ فقط، ومُقْتَضَى العَطْفِ أَنْ يكونَ من البَابَيْنَ، وليسَ كذلِكَ، ومَصْدَرُه الحَبَطُ بالتَّحْرِيكِ، وقال الأَزْهَرِيُّ: ولا أَرى حَبْطَ العَمَلِ وبُطْلانَه مَأْخُوذًا إِلاّ من حَبَطِ البَطْنِ؛ لأَنَّ صاحِبَ البَطْنِ يَهْلِكُ، وكذلِكَ عَمَلُ المُنافِقِ [والمشركِ] يَحْبَطُ، غيرَ أَنَّهُم سَكَّنُوا البَاءَ من قوْلهم: حَبِطَ عَمَلُه يَحْبَطُ حَبْطًا، وحَرَّكُوها من حَبِطَ بَطْنُه حَبَطًا، كذلِكَ أُثْبِتَ لنا عن ابْنِ السِّكِّيتِ وغيرِه.

ومِن المَجَازِ: أَحْبَطَهُ الله تَعَالى؛ أَي أَبْطَلَهُ، وقد جاءَ في الحَدِيثِ هكذا، وفي التَّنْزِيلِ العزِيزِ: فَأَحْبَطَ {أَعْمالَهُمْ} قيل: أَفْسَدَها، وقيلَ: أَبْطَلَها، وتقُولُ: إِنْ عَمِل عَمَلًا صالِحًا أَتْبَعَهُ ما يُحْبِطُه، وإِنْ أَرْسَلَ كَلِمًا طَيِّبًا أَرْسَلَ خَلْفَه ما يُهْبِطُه.

وعن أَبِي عَمْرٍو: أَحْبَطَ ماءُ الرَّكِيَّة، إِذا ذَهَب ذَهَابًا لا يَعُودُ كما كان.

وأَحْبَطَ عن فُلانٍ: أَعْرَضَ، يُقال: قد تَعَلَّق بهِ ثُمَّ أَحْبَطَ عنه، إِذا تَرَكَه وأَعْرض عنه. عن أَبِي زَيْدٍ.

والحَبْطَةُ، بالفَتْح: بَقِيَّةُ الماءِ في الحَوْضِ، عن ابنِ عَبّادٍ، أَو الصَّوابُ الخِبْطَةُ، بالخَاءِ المُعْجَمة وبالكَسْرِ، وأَجازَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ فتْحَها، كما نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، وسَيُذْكَرُ في مَحَلِّه.

والحَبَنْطَاةُ: القَصِيرَةُ الدَّمِيمَةُ البَطِينَةُ، ويُرْوَى بالهَمْزِ.

والحَبَنْطَى: القَصِيرُ الغَلِيظُ، كما في الصّحاحِ.

وحكى اللِّحْيَانِيُّ عن الكِسائِيِّ: رجلٌ حَبَنْطًى، مقصورٌ، وحِبَنْطًى، مَكسورٌ، وحَبَنْطَأٌ، وحَبَنْطأَةٌ؛ أَي المُمْتَلِئُ غَيْظًا، أَو بِطْنَةً، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ للرّاجِزِ:

إِنِّي إِذَا أَنْشَدْتُ لا أَحْبَنْطِي *** ولا أُحِبُّ كَثْرَةَ التَّمَطِّي

وقد يُهْمَزُ، وأَنْشَدَ:

ما لَكَ تَرْمِي بالخَنَى إِلَيْنَا *** مُحْبَنْطِئًا مُنْتَقِمًا عَلَيْنا

وقد تَرْجَمَ الجَوْهَريُّ على «حَبْطَأَ» وصَوابُه أَنْ يُذْكَرَ في «حبط» لأَنَّ الهَمْزَةَ زائِدَةٌ ليست بأَصْليّة، وقد احْبَنْطَأْتُ واحْبَنْطَيْت، وكلُّ ذلِكَ من الحَبَط الَّذِي هُو الوَرَمُ، ولذلِكَ حُكِم على نُونِه وهَمْزَتهِ أَو يائِه أَنَّهما مُلْحِقَتَانِ له ببِنَاءِ سَفَرْجَل.

قال الجَوْهَرِيُّ: فإِن حَقَّرْتَ فأَنْتَ بالخِيَارِ، إِنْ شِئْتَ حَذَفْتَ النُّونَ وأَبْدَلْت من الأَلِفِ ياءً، فقُلْتَ: حُبَيْطٍ، بكسرِ الطّاءِ مُنَوّنًا، لأَنَّ الأَلِفَ ليست للتَّأْنِيثِ فيُفْتَح ما قَبْلها، كما يُفْتَح في تَصْغِيرِ حُبْلَى وبُشْرَى، وإِنْ بَقَّيْتَ النُّونَ وحَذَفْتَ الأَلِفَ قُلْتَ: حُبَيْنِطٌ، وكذلِكَ كُلُّ اسْمٍ فيه زِيَادَتانِ للإِلْحاقِ، فاحْذِفْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ، وإِن شِئْتَ عَوَّضْتَ من المَحْذُوفِ في المَوْضِعَيْنِ، وإِن شِئْتَ لم تُعَوِّضْ. فإِنْ عَوَّضْتَ في الأَوّلِ قُلتَ: حُبَيِّطٍ، بتَشْدِيدِ الياءِ والطّاءِ مكسورةٌ، وقُلْتَ في الثّانِي: حُبَيْنِيطٌ، وكذلِكَ القَوْلُ في عَفَرْنَى. انتهى. ونَقَل الصّاغَانِيُّ في العُبَابِ هذِه العِبَارَةَ بعَينِهَا.

والحَبِطُ، ككَتِفٍ ويُحَرَّكُ، والَّذِي في الصِّحاحِ: بالتَّحْرِيكِ والفَتْح، وهو الحَارِثُ بنُ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ، كما في الصّحاحِ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: هو الحَارِثُ بنُ مالِكِ بنِ عَمْرِو بن تَمِيمٍ فزادَ مالِكًا بينَ الحارِث وعَمْرو. وفي أَنْسَابِ أَبي عُبَيْدٍ مثلُ ما للجَوْهَرِيِّ، واخْتُلِفَ في سَبَبِ تَلْقِيبِه إِيّاه، فقيل: لأَنَّه كانَ في سَفَرٍ فأَصَابَهُ مِثْلُ الحَبَط الذِي يُصِيبُ المَاشِيَةَ، كما في الصّحاحِ. وقال ابنُ الكَلْبِيّ: كان أَكَلَ طَعَامًا فأَصَابَهُ منه هَيْضَةٌ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: كان أَكَل صَمْغًا فحَبِطَ عنه ـ ويُسَمَّى بَنُوه الحَبِطَاتِ، بفتحِ الباءِ وبكَسْرِهَا، والنِّسْبَةُ إِلَيْهِم، كذَا في بَعْضِ نُسَخِ الصّحاحِ، وفي بَعْضِهَا: إِلَيْه، حَبَطِيٌّ مُحَرَّكةً، كالنِّسْبَةِ إِلى بَنِي سَلِمَةَ، وبَنِي شَقِرَةَ، فتقول: سَلَمِيٌّ وشَقَرِيّ، بفتح الّلامِ والقافِ، وذلِكَ لأَنَّهُم كَرِهُوا كَثْرَةَ الكَسَرَاتِ ففَتَحُوا؛ أَي والقِيَاسُ الكَسْرُ.

وقِيلَ: الحَبَطَاتُ: الحارِثُ بنُ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ، والعَنْبَرُ بنُ عَمْرو، والقُلَيْبُ بنُ عَمْرٍو، ومازِنُ بنُ مالِكِ بن عَمْرٍو.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ، ولَقِيَ دَغْفَلٌ رجلًا، فقَال له: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قال: مِنْ بَنِي عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ. قال: إِنَّمَا عَمْرٌو عُقَابٌ جاثِمَة، فالحَبِطاتُ عُنُقُهَا، والقُلَيْبُ رأْسُهَا، وأُسَيِّدٌ والهُجَيْمُ جَنَاحَاها، والعَنْبَرُ جِثْوَتُهَا، ومَازِنٌ مِخْلَبُهَا، وكَعْبٌ ذَنَبُهَا. يَعِني بالجثْوَةِ بَدَنَها. قلتُ: وهذَا هو الَّذِي صَرَّحَ به النَّسّابةُ، والهُجَيْمُ وأُسَيِّدٌ هُمَا إِخْوَةُ العَنْبَرِ، وكَعْبٌ، والقُلَيْبُ، وأُلَيْهَةُ، وكذلِكَ بَنُو الهُجَيْم الخَمْسَةُ: عامِرٌ وسَعْدٌ ورَبِيعَةُ وأَنْمَارٌ وعَمْرو، يُعْرَفُون بالحَبِطاتِ.

والمُحْبَوْبِطُ: الجَهُولُ السَّرِيعُ الغَضَبِ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.

والحَبَطِيطَةُ، مُحَرَّكَةً، كحَمَصِيصَةٍ: الشَّيْ‌ءُ الحَقِيرُ الصَّغِيرُ.

ويُقَال: احْبَنْطَى الرَّجُلُ، إِذا انْتَفَخَ بَطْنُهُ ومِنْهُ‌ الحَدِيثُ في السِّقْطِ: «يَظَلُّ مُحْبَنْطِئًا على باب الجَنَّةِ» ‌يُرْوَى بالهَمْزِ وبِغَيْرِ الهَمْزِ، وقال أَبُو زَيْدٍ: المُحْبَنْطِئُ، مهموزٌ وغيرُ مَهْمُوز: المُمْتَلِئُ غَضَبًا، وقال غيرُه في تَفْسِيرِ الحَدِيث: المُحْبَنْطِي، هو المُتَغَضِّبُ، وقيل: هو المُسْتَبْطِئُ للشَّيْ‌ءِ، وبالهَمْزِ: العَظِيمُ البَطْنِ. وقال ابنُ الأَثِيرِ: المُحْبَنْطِئُ، بالهَمْز وتَرْكِه: المُتَغَضِّبُ المُسْتَبْطِئُ للشَّيْ‌ءِ، وقِيلَ: هو المُمْتَنِعُ امْتِنَاعَ طَلَبٍ لا امْتِنَاعَ إِباءٍ. وحكَى ابنُ بَرِّيّ: المُحْبَنْطِي، بغيرِ همْزٍ: المُتَغَضِّبُ، وبالهَمْزِ: المُنْتَفِخُ.

* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:

أَحْبَطَه الضَّرْبُ: أَثَّرَ فيه.

وإِبِلٌ حَبَطَةٌ، مُحَرَّكةً، كحَبَاطَى، نَقَلَه ابنُ سِيدَه.

والحَبَطُ، مُحَرَّكةً: اللَّحْمُ الزّائِدُ على النُّدُوب، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ.

وحَبِط ماءُ البِئْرِ، كفَرِحَ: مثلُ أَحْبَطَ، قال:

فحَبِطَ الجَفْرُ وما إِنْ جَمَّا

ويُقَال: فَرَسٌ حَبِطُ القُصَيْرَى، إِذا كان مُنْتَفِخَ الخاصِرَتَيْنِ، ومنه قَوْلُ [النابغة] الجَعْدِيِّ:

فَلِيقُ النَّسَا حَبِطُ المَوْقِفَيْ *** نِ يَسْتَنُّ كالصَّدَعِ الأَشْعَبِ

ولا يَقُولُون: حَبِطَ الفَرَسُ، حتّى يُضِيفُوه إِلى القُصَيْرىَ، أَو إِلى الخَاصِرَةِ، أَو إِلى المَوْقِفِ؛ لأَنَّ حَبَطَه: انْتِفَاخُ بَطْنِه، نَقَلَه ابنُ سِيدَه والزَّمَخْشرِيُّ.

ورجُلٌ حِبَنْطًى، بالكَسْرِ مقصُورٌ: لغةٌ في حَبَنْطًى، بالفَتْحِ، حَكَاهُ اللِّحْيانِيُّ عن الكِسائِيِّ.

والمُحْبَنْطِي: اللاّزِقُ بالأَرْضِ.

وحَبَطَةُ، مُحَرَّكَةً: ابن للفَرَزْدَقِ، وهو أَخُو كَلَطَةَ ولَبَطَةَ، وقد ذَكَرَه المُصَنّفُ في «ل ب ط» اسْتِطْرادًا.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


58-تاج العروس (جمع)

[جمع]: الجَمْعُ، كالمَنْعِ: تَأْلِيفُ المُتَفَرِّقِ. وفِي المُفْرَدَاتِ للرّاغِب ـ وتَبِعَهُ المُصَنِّفُ في البَصَائِر ـ: الجَمْعُ: ضَمُّ الشَّيْ‌ءِ بتَقْرِيبِ بَعْضِه مِن بَعْضٍ. يُقَالُ: جَمَعْتُه فاجْتَمَعَ.

وِالجَمْعُ أَيْضًا: الدَّقَلُ: يُقَالُ: ما أَكْثَرَ الجَمْعَ فِي أَرْضِ بَنِي فُلانٍ، أَوْ هو صِنْفٌ من التَّمْرِ مُخْتَلِطٌ مِنْ أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة، ولَيْسَ مَرْغُوبًا فيه، وما يُخْلَطُ إِلّا لِرَدَاءَتِهِ. ومِنْهُ الحَدِيثُ: «بِع الجَمْعَ بالدَّراهِمِ، وابْتَعْ بالدَّراهِمِ جَنِيبًا».

أَو هو النَّخْلُ خَرَجَ مِن النَّوَى لا يُعْرَفُ اسْمُه. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: كُلُّ لَوْنٍ مِن النَّخْلِ لا يُعْرَفُ اسْمُهُ فهو جَمْعٌ.

وِقال ابنُ دريدٍ: يوم الجمع يوم القيامة.

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: الجَمْعُ: الصَّمْغُ الأَحْمَرُ. والجَمْعُ: جَماعَةُ النّاسِ، ج: جُمُوعٌ، كبَرْقٍ وبُرُوقٍ، كالجَمِيع، كَما في العُبَابِ. وفي الصّحاحِ: الجَمْعُ قد يَكُونُ مَصْدَرًا، وقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِجَمَاعَةِ النّاسِ، ويُجْمَعُ عَلَى جُمُوع، زادَ في اللِّسَانِ: والجَمَاعَةُ، والجَمِيعُ، والمَجْمَعُ، والمَجْمَعَةُ، كالجَمْعِ، وقد اسْتَعْمَلُوا ذلِكَ في غَيْرِ النّاسِ حَتَّى قالُوا: جَمَاعَةُ الشَّجَرِ، وجَمَاعَةُ النَّبَاتِ.

وِالجَمْعُ: لَبَنُ كُلِّ مَصْرُورَة، والفُوَاقُ: لَبَنُ كُلِّ بَاهِلَةٍ، وَسَيَأْتِي في مَوْضِعِهِ، وإِنّمَا ذُكِرَ هُنَا اسْتِطْرَادًا، كالجَمِيع.

وِجَمْع بِلا لامٍ: المُزْدَلِفَةُ، مَعْرِفَةٌ، كعَرَفَاتٍ، لاجْتِمَاعِ النّاسِ بها، وفي الصّحاح: فيها. وقَالَ غَيْرُه: لِأَنَّ آدَمَ وحَوَّاءَ لمّا أُهْبِطا اجْتَمَعا بها. قالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

فَبَاتَ بِجَمْع، ثُمَّ تَمَّ إِلَى مِنًى *** فَأَصْبَحَ رَادًا يَبْتَغِي المَزْجَ بِالسَّحْلِ

وِقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: يَوْمُ جَمْع: يَوْمُ عَرَفَةَ، وأَيَّامُ جَمْعٍ: أَيَّام مِنًى.

وِالمَجْمُوعُ: ما جُمِعَ مِنْ ها هُنَا وها هُنَا، وإِنْ لَمْ يُجْعَلْ كالشَّيْ‌ءِ الوَاحِدِ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ وصَاحِبُ اللِّسَان.

وِالجَمِيعُ: ضِدُّ المُتَفَرِّقِ، قالَ قَيْسُ بنُ ذَرِيحٍ:

فَقَدْتُكِ مِنْ نَفْسٍ شَعَاع، فإِنَّنِي *** نَهَيْتُكِ عَنْ هذَا، وأَنْتِ جَمِيعُ

وِالجَمِيعُ: الجَيْشُ. قالَ لَبِيدٌ رضي ‌الله‌ عنه:

في جَمِيع حَافِظِي عَوْرَاتهِمْ *** لا يَهُمُّونَ بإِدْعاقِ الشَّلَلْ

وِالجميعُ الحَيُّ المُجتَمعُ. قَالَ لَبِيدٌ رضي ‌الله‌ عنه يَصِفُ الدِّيارَ:

عَرِيَتْ، وكان بِهَا الجَمِيعُ فَأَبْكَرُوا *** مِنْهَا، فَغُودِرَ نُؤْيُها وثُمَامُهَا

وِجَمِيعٌ: عَلَمٌ، كجَامِع، وهُمَا كَثِيرَانِ في الأَعْلام.

وِفي الصّحاح والعُبَاب: أَتانٌ جَامِعٌ: إِذا حَمَلَتْ أَوَّلَ ما تَحْمِلُ.

وِقالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: جَمَلٌ جَامِعٌ، ونَاقَةٌ جَامِعَةٌ، إِذا أَخْلَفا بُزُولًا قال: ولا يُقَالُ هذا إِلّا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ. هكَذَا في النُّسَخِ، وصَوَابُهُ عَلَى ما فِي العُبَابِ والتَّكْمِلَةِ: «ولا يُقَالُ هذا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ»، مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الاسْتِثْناءِ.

وِدَابَّةٌ جامِعٌ: إِذا كانَتْ تَصْلُحُ للإِكافِ والسَّرْجِ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ.

وِقِدْرٌ جامِعٌ، وجَامِعَةٌ، وجِمَاعٌ، ككِتَابٍ، أَيْ عَظِيمَة، ذَكَرَ الصّاغَانِيُّ الأُولَى والثّانِيَةَ. واقْتَصَر الجَوْهَرِيُّ على الثّانِيَةِ، ونَسَبَ صاحِبُ اللِّسَانِ الأَخِيرَةَ إِلى الكِسَائِيّ. قالَ الكِسَائيّ: أَكبرُ البِرَامِ الجِمَاعُ، ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا المِئْكَلة.

وقِيلَ: قِدْرٌ جِمَاعٌ وجَامِعَةٌ: هي الَّتِي تَجْمَعُ الجَزُورَ، وفي الأَسَاسِ: الشَّاةَ، ج: جُمْعٌ، بالضَّمِّ.

وِالجَامِعَةُ: الغُلُّ لأَنَّهَا تَجْمَعُ اليَدَيْنِ إِلَى العُنُق، كَمَا في الصّحاح، والجَمْعُ: الجَوَامِع، قال:

وِلَو كُبِّلَتْ في سَاعِدَيَّ الجَوَامِعُ

وِمَسْجِدُ الجَامِعِ، والمَسْجِدُ الجَامِعُ: الَّذِي يَجْمَعُ أَهْلَهُ، نَعْتٌ له، لأَنَّهُ عَلَامَةٌ للاجْتِمَاعِ، لُغَتَانِ، أَيْ مَسْجِدُ اليَوْمِ الجامِعِ، كقَوْلِكَ حَقُّ اليَقِينِ، والحَقُّ اليَقِينُ، بِمَعْنَى حَقّ الشَّيْ‌ءِ اليَقِين، لِأَنَّ إِضَافَةَ الشَّيْ‌ءِ إِلَى نَفْسِهِ لا تَجُوزُ إِلَّا عَلَى هذَا التَّقْدِير. أَو هذِهِ؛ أَي اللُّغَةُ الأُولَى خَطَأٌ، نَقَلَ ذلِكَ الأَزْهَرِيُّ عَنِ اللَّيْث، ثُمَّ قالَ الأَزْهَرِيّ: أَجازُوا جَمِيعًا ما أَنْكَرَهُ اللَّيْثُ، والعَرَبُ تُضِيفُ الشَّيْ‌ءَ إِلَى نَفْسِهِ وإِلَى نَعْتِهِ إِذا اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ، كَما قَالَ تَعَالَى: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، ومَعْنَى الدَّين المِلَّة، كأَنَّهُ قالَ: وذلِكَ دِينُ المِلَّةِ القَيِّمةِ. وكَمَا قَالَ تَعالَى: {وَعْدَ الصِّدْقِ} و {وَعْدَ الْحَقِّ}. قالَ: ومَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ النَّحْوِيِينَ أَبَى إِجَازَتَهُ غَيْرَ اللَّيْثِ. قالَ: وإِنَّمَا هُوَ الوَعْدُ الصِّدقُ والمَسْجِدُ الجامِعُ.

وَجَامِعُ الجَارِ: فُرْضَةٌ لِأَهْلِ المَدِينَةِ، على ساكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، كَمَا أَنَّ جُدَّةَ فُرْضَةُ لأَهْلِ مَكَّةَ حَرَسَهَا الله تَعَالى.

وِالجَامِعُ: قرية، بالغُوطَةِ، بالمَرْجِ.

وِالجَامِعَانِ، بِكَسْرِ النُّونِ: الحِلَّةُ المَزيدِيَّةُ الَّتِي عَلَى الفُرَاتِ بَيْن بَغْدَادَ وبين الكُوفَةِ.

وِمن المَجَازِ: جَمَعَت الجارِيَة الثِّيَابَ: لَبِثسَتِ الدِّرْعَ والمِلْحَفَةَ والخِمَارَ. يُقَالُ ذلِكَ لها إِذا شَبِّتْ يُكنَى به عَنْ سِنِّ الاسْتِوَاءِ.

وِجُمَّاعُ النّاسِ، كرُمّان: أَخْلاطُهُمِ، وهم الاشَابَةُ من قَبائلَ شَتَّى، قال قَيْسُ بنُ الأَسْلَتِ السُّلَمَيّ يَصِفُ الحَرْب:

حَتَّى انْتَهَيْنَا وَلَنَا غَايَةٌ *** مِنْ بَيْنِ جَمْعِ غَيْرِ جُمَّاعِ

وِالجُمَّاعُ مِنْ كُلِّ شَي‌ءِ: مُجْتَمَعُ أَصْلِهِ، قالَ ابنُ عَبَّاس رَضِىَ الله عَنْهُمَا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ} قالَ: الشُّعُوبُ: الجُمَّاع، والقَبَائِلُ: الأَفْخَاذُ: أَرادَ بالجُمّاع مُجْتَمَعَ أَصْلِ كُلِّ شَيْ‌ء، أَرادَ مَنْشَأَ النَّسَبِ، وأَصْلَ المَوْلِدِ. وقِيلَ: أَرادَ بِهِ الفِرَقَ المُخْتَلِفَةَ مِن النّاس، كالأَوْزاعِ والأَوْشَابِ. ومنه‌الحَدِيثُ: «كانَ في جَبَلِ تِهَامَةَ جُمَّاعٌ غَصَبُوا المَارَّةَ» أَيْ جَماعَاتٌ من قَبائلَ شَتَّى مُتَفَرَّقَة.

وِكُلُّ ما تَجَمَّعَ وانْضَمَّ بَعْضُه إِلَى بَعْضٍ جُمَّاعٌ، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ وأَنْشَد:

وِنَهْبٍ كَجُمَّاعِ الثُّرَيّا حَوَيْتُهُ

هكَذَا هُوَ في العُبَابِ، وشَطْرُه الثّاني:

غِشَاشًا بمُجْتابِ الصَّفَاقَيْنِ خَيْفَقِ

وقد أَنْشَدَه ابنُ الأَعْرَابِيّ، وفَسَّرَهُ بالَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى مَطَرِ الثُّرَيَّا، وهو مَطَرُ الوَسْمِيّ، يَنْتَظِرُون خِصبَه وكَلأَهُ، وقال ذُو الرُّمَّة:

وَرَأْسٍ كجُمَّاعِ الصُّرَيّا ومِشْفَرٍ *** كسِبْتِ اليَمَانِيَ قِدُّه لَمْ يُجَرَّدِ

وِالمَجْمع، كمَقْعَدٍ ومَنْزِلِ: مَوْضِعُ الجَمْعِ، الأَخِيرُ نادِرُ كالمَشْرِقِ والمَغْرِب، أَعْنِي أَنَّهُ شَذَّ في بابِ فَعَلَ يَفْعَل، كما شَذَّ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ ونَحْوُهما من الشاذَّ في بابِ فَعَل يَفْعُلُ. وذَكَرَ الصّاغَانِيّ في نَظَائره أَيْضًا: المَشْرِبُ، والمَسْكَنُ، والمَنْسَكُ ومِنْسِجُ الثَّوْبِ، ومَغْسِلُ المَوْتَى، والمَحْشِرُ. فإِنَّ كُلَّا مِنْ ذلِكَ جَاءَ بالوَجْهَيْنِ، والفَتْحُ هو القِيَاسُ. وقَرَأَ عَبْدُ الله بنُ مُسْلِمٍ: حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمِعَ البَحْرَيْن بالكَسْر. وفي الحَدِيثِ: «فضَرَبَ بيَدِهِ مَجْمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وكَتِفِي» أَيْ حَيْثُ يَجْتَمِعَانِ، وكَذلِكَ مَجْمَع البَحْرَيْنِ، وقالَ الحادِرَةُ:

أَسُمَيَّ، وَيْحَكِ، هَلْ سَمِعْتِ بِغَدْرَةٍ *** رُفِعَ اللَّوَاءُ لَنَا بِهَا في مَجْمَعِ

وِقالَ أَبو عَمْرٍو: المَجْمَعَةُ كَمَقْعَدَةٍ: الأَرْضُ القَفْرُ وأَيْضًا ما اجْتَمَعَ من الرَّمَالِ، جَمْعُه المَجَامِعُ، وأَنْشَدَ:

بَاتَ إِلَى نَيْسَبِ خَلَّ خَادِعِ *** وَعْثِ النَّهَاضِ قَاطِعِ المَجَامِعِ

بالأَمَّ أَحيانًا وبالمُشَايِعِ

وِالمَجْمَعَةُ: موضع، بِبِلادِ هُذَيْلٍ، ولَهُ يَوْمٌ مَعْرُوف.

وِجُمْعُ الكَفِّ، بالضَّمَّ، وهو حِينَ تَقْبِضُها، يُقَالُ: ضَرَبْتُه بجُمْعِ كَفَّي، وجاءَ فُلانٌ بِقُبْضَةٍ مِل‌ءِ جُمْعِهِ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وأَنْشَدَ لِلشّاعِرِ، وهو نُصَيْحُ بنُ مَنْظُورٍ الأَسَدِيّ:

وِمَا فَعَلَتْ بِي ذاكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا *** تُقَلَّب رَأْسًا مِثْلَ جُمْعِي عَارِيَا

وفي الحَدِيثِ: «رَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ كَأَنَّه جُمْعٌ» يُرِيدُ مثل جُمْعِ الكَفَّ، وهو أَنْ تَجْمَعَ الأَصَابِعَ وتَضُمَّهَا، وتَقُولُ: أَخَذْتُ فُلانًا بجُمْعِ ثِيَابِهِ، وبِجُمْعِ أَرْادَفِهِ.

ج: أَجْمَاعٌ يُقَالُ: ضَرَبُوه بِأَجْمَاعِهِم، إِذا ضَرَبُوا بِأَيْدِيهِم. وقَالَ طَرَفَةُ بنُ العَبْد:

بَطِي‌ءٍ عَنِ الجُلَّى، سَرِيعٍ إِلى الخَنَا *** ذَلُولٍ بِأَجْماعِ الرَّجَالِ مُلَهَّدِ

وِيُقَالُ: أَمْرُهُمْ بجُمْعٍ، أَيْ مَكْتُومٌ مَسْتُورٌ، لَمْ يُفْشُوه، ولَمْ يَعْلَمْ به أَحَدٌ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. وقِيلَ: أَيْ مُجْتَمِعٌ فلا يُفَرَّقُونَهُ، وهو مَجَازٌ.

وِيُقَال: هي من زَوْجِهَا بِجُمعٍ، أَيْ عَذْرَاءُ لَمْ تُقْتَضَّ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ. قَالَتْ دَهْنَاءُ بِنْتُ مِسْحَلٍ ـ امْرَأَةُ العَجّاج ـ للعَامِلِ: «أَصْلَحَ الله الأَمَيرَ، إِنِّي مِنْهُ بِجُمْعٍ ـ أيْ عَذْرَاءُ ـ لَمْ يَقْتَضَّني». نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ. وإِذا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرأَتَهُ وهي عَذْرَاءُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ: «طُلّقَتْ بِجُمْعٍ»، أي طُلَّقَت، وهي عَذْراءُ.

وِذَهَبَ الشهر بِجُمْعٍ؛ أَي ذَهَبَ كُلُّهُ، ويُكْسَر فِيهنَّ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِي ما عَدَا جُمْعَ الكَفَّ، عَلَى أَنَّهُ وُجِدَ في بَعْضِ نُسَخِ الصّحاحِ. وجُمْعُ الكَفَّ، بالضَّمّ والكَسْرِ، لُغَتَان، هكَذَا رَأَيْتُه فِي هامِشِ نُسْخَتِي.

وِماتَت المَرْأَةُ بجُمْعٍ، مُثَلَّثَةً، نَقَلَ الجَوْهَرِيُّ الضَّمَّ والكَسْرَ، وكَذا الصّاغَانِيّ. وفي اللِّسَان: الكَسْرُ عن الكِسَائيّ؛ أَي عَذْرَاءَ، أَيْ أَنْ تَمُوتَ ولَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ، ورُوِىَ ذلِكَ في الحَدِيث: «أَيُّمَا أَمَرأَةٍ ماتَتْ بجُمْعٍ لَمْ تُطْمَثْ دَخَلَتِ الجَنَّةَ» هذَا يُريدُ به البِكْرَ أَوْ حَامِلًا أَيْ أَنْ تَمُوتَ وفي بَطْنِهَا وَلَدٌ، كَما نَقَلَهُ الجَوهَرِيّ.

وقالَ أَبُو زَيْدٍ: ماتَتِ النَّسَاءُ بأَجْماعٍ، والوَاحِدَةُ بجُمْعٍ، وذلِكَ إِذا ماتَتْ ووَلَدُها في بَطْنِهَا، ماخِضًا كانَتْ أَوْ غَيْرَ مَاخِضٍ. و* قال غَيْرُهُ: ماتَتِ المَرْأَةُ بجُمْعٍ وجِمْعٍ، أَيْ مُثْقَلَة. وبه فُسَّرَ حَدِيثُ الشُّهَدَاءِ: «ومِنْهُمْ أَنْ تَمُوتَ المَرْأَةُ بجُمْعٍ». قالَ الراغِبُ: لِتَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا. قال الصّاغَانِيّ: وحَقِيقَةُ الجُمْعِ والجِمْعِ أَنَّهُمَا بمَعْنَى المفعولِ كالذُّخَرِ والذَّبْحِ والمعنى أَنَّهَا ماتَتْ مع شَيْ‌ءِ مَجْمُوع فيها، غَيْرَ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا، مِن حَمْلٍ أَو بَكَارَةٍ. وقالَ اللَّيْثُ: ومِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ، رضي ‌الله‌ عنه، حِينَ وَجَّههُ رَسُولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌وآله في سَرِيَّةٍ فقال: «إِنَّ امْرَأَتِي بجُمْعِ» قالَ: «فاخْتَرْ لَهَا مَنْ شِئتَ مِنْ نِسَائِي تَكُونُ عِنَدَهَا»، فَاخْتَارَ عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنيِنَ، رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهَا، فَوَلَدَتْ عائشَةَ بِنْتَ أَبِي مُوسَى فِي بَيْتِهَا، فسَمَّتْها باسْمِهَا، فَتَزَوَّجَهَا السائبُ ابنُ مالِكٍ الأَشْعَرِيّ. ويُقَالُ: جُمْعَةٌ مِنْ تَمْرٍ، بالضَّمَّ؛ أَي قُبْضَةٌ منه.. والجُمْعَةُ أَيْضًا: المَجْمُوعَةُ ومِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ، رضي ‌الله‌ عنه: «أَنَّهُ صَلَّى المَغْرِبَ فلَمَّا انْصَرَفَ دَرَأَ جُمْعَةً مِنْ حَصَى المَسْجِدِ، وأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ واسْتَلْقَى» أَى سَوَّاهَا بيَدِهِ وبَسَطَهَا.

وِيَوْمُ الجُمْعَةِ، بالضَّمّ، لُغَةُ بَنِي عُقَيْلٍ، وبِضَمَّتَيْنِ، وهي الفُصْحَى، والجُمَعَة كهُمَزَةٍ لُغَةُ بَنِي تَمِيم، وهِي قِرَاءَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رضي ‌الله‌ عنهما والأَعْمَشِ، وسَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وابْنُ عَوْفٍ، وابْنِ أَبِي عَبْلَةُ، وأَبيِ البَرَهْسَمِ، وأَبِي حَيْوَةَ. وفي اللّسَانِ: قَوْلُه تَعالَى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} خَفَّفَها الأَعْمَشُ، وثَقَّلَهَا عاصمٌ وأَهْلُ الحِجَاز، والأَصل فيها التَّخْفِيفُ. فَمَنْ ثَقَّلَ أَتْبَعَ الضَّمَّةَ، ومَنْ خَفَّفَ فعَلَى الْأَصْلِ، والقُرَّاءُ قَرَأُوهَا بالتَّثْقِيل. والَّذِينَ قالُوا: الجُمَعَةَ ذَهَبُوا بها إِلَى صِفَةِ اليَوْمِ. أَنَّهُ يَجْمَعُ النّاسَ كَثِيرًا كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ هُمَزَةٌ لُمَزَةٌ ضُحَكةٌ: معروف أَيْ مَعْرُوفٌ، سُمَّيَ لأَنّهَا تَجْمَعُ النّاسَ، ثُمّ أَضِيفَ إِلَيْهَا اليَوْمُ كدَارِ الآخِرَةِ. وزَعَمَ ثَعْلَبُ أَنّ أَوَّلَ مَنْ سَمَّاهُ به كَعْبُ بنُ لُؤَيّ، وكانَ يُقَال لَهَا: العَرُوبَةَ. وذَكَر السُّهَيْلِيّ في الرَّوْضِ: أَنَّ كَعْبَ بنَ لُؤَيّ أَوّلُ مَنْ جَمَّع يَوْمَ العَرُوبَةِ، ولَمْ تُسَمَّ العَرُوبَةُ الجُمُعَةَ إلَّا مُذْ جاءَ الإسلامُ، وهو أَوَّلُ مَنْ سَمّاها الجُمُعَةَ، فكانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ في هذَا اليَوْمِ، فَيَخْطُبُهُمْ ويُذَكَّرُهُم بمَبْعَثِ سَيَّدنا رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌وآله، ويُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ مِن وَلَدِهِ، ويَأمُرُهُمْ باتَّبَاعِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وآله والإيمانِ به، ويُنْشِدُ فِي هذا أَبْيَاتًا منها:

يا لَيْتَنِي شَاهِدُ فَحْوَاءَ دَعْوَتِهِ *** إذا قُرَيْشُ تُبَغَّي الحَقَّ خِذْلانا

قُلْتُ: ورُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَيْضًا: إِنَّمَا سُمَّي يَوْمَ الجُمعَةِ، لأَنَّ قُرَيْشًا كانَتْ تَجْتَمِعُ إلَى قُصَيّ في دارِ النَّدْوَةِ، والجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ هذا والَّذِي تَقَدَّم ظاهِرُ. وقالَ أَقْوَامُ: إِنَّمَا سُمَّيَت الجُمُعَةَ في الإسلام، وذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهم في المَسْجِدِ، وفي حَدِيثِ الكَشَّيّ أَنَّ الأَنْصَارَ سَمَّوْهُ جُمُعَةً لإجْتِمَاعِهِم فيه. ورُوِيَ عَن ابْنِ عَبّاس، رضي ‌الله‌ عنهما، أَنَّهُ قال: «إنّما سُمّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، لأَنّ الله تَعَالَى جَمَعَ فيه خَلْقَ آدَمَ عَلَيْه السَّلامُ» وأَخْرَجَه السُّهَيْلي في الرَّوْضِ مِن طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ.

فائدَةٌ:

قالَ اللَّحْيَانِيّ: كانَ أَبو زِيَادٍ وأَبُو الجَرّاح يَقُولان: مَضتِ الجُمُعَةُ بِمَا فِيها، فَيُوَحَّدانِ ويُؤَنَّثَان، وكانَا يَقُولانِ: مَضَى السَّبْتُ بما فيه، ومَضَى الأحَدُ بِمَا فيه، فيُوَحَّدَانِ ويُذَكَّرَان.

واخْتَلَفا فِيمَا بَعْدَ هذا، فكانَ أَبُو زِيَادٍ يَقُولُ: مَضَى الاثْنانِ بِمَا فيه، ومَضَى الثّلاثاءُ بما فيه، وكَذلِكَ الأَرْبَعَاءُ والخَمِيس. قالَ: وكانَ أَبُو الجَرَّاحِ يَقُول: مَضَى الاثْنَانِ بما فيهما، ومَضَى الثلاثاءُ بما فيهِنَّ، ومَضَى الأَرْبَعَاءُ بما فِيهِنَّ، ومضَى الخَميسُ بما فيهنَّ، فيَجْمَعُ ويُؤَنَّثُ، يُخْرِجُ ذلِك مُخْرَجَ العَدَد.

قَالَ أَبُو حاتِمٍ: مَنْ خَفَّفَ قالَ في ج: جُمَعٌ، كصُرَدٍ وغُرَفٍ، وجُمْعَات، بالضم، وبضمتين كغُرْفات، وَغُرُفات وتُفْتَحُ المِيمُ في جَمْع الجُمَعَة، كهُمَزَةٍ: قَالَ: ولا يَجُوزُ جُمْعٌ في هذا الوَجْه.

وِيُقَالُ: أَدامَ الله جُمْعَةَ مَا بَيْنكُمَا بالضَّمَّ، كما يُقَالُ: أُلْفَةَ ما بَيْنَكُمَا قالَهُ أَبُو سَعِيدٍ.

وِالجَمْعَاءُ: النّاقَة الكَافَّةُ الهَرِمَةُ، عَن ابنِ الأَعْرَابِيّ.

وِالجَمْعَاءُ من البَهَائِم: الَّتِي لَمْ يَذْهَبْ من بَدَنِهَا شَيْ‌ءٌ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ» أَيْ سَلِيمَةً مِن العُيُوبِ، مُجْتَمِعَةَ الأَعْضَاءِ كامِلَتَها، فلَا جَدْعَ ولا كَيَّ.

وِجَمْعَاءُ: تَأْنِيثُ أَجْمَعَ، وهو وَاحِدٌ في مَعْنَى جَمْعٍ، وجَمْعُهُ: أَجْمَعُونَ. في الصّحاح: جُمَع جَمْعُ جُمْعَة، وجَمْعُ جَمْعَاءَ في تَوْكِيدِ المُؤَنَّثِ تَقُولُ: رَأَيْتُ النَّسْوَةَ جُمَعَ، غَيْرَ مَصْرُوفٍ، وهو مَعْرِفَةٌ بِغَيْر الأَلِفِ والّلامِ، وكَذلِكَ ما يَجْرِي مَجْرَاهُ من التَّوكِيدِ، لأَنَّهُ تَوْكِيدٌ للْمَعْرِفَةِ، وأَخَذْتُ حَقَّي أَجْمَعَ، في تَوْكِيدِ المُذَكَّرِ وهو تَوْكِيدٌ مَحْضُ، وكَذلِكَ أَجْمَعُونَ وجَمْعَاءُ وجُمَعُ، وأَكْتَعُونَ، وأَبْتَعُونَ، وأَبْصَعُونَ، لا يَكُونُ إِلّا تَأْكَيدًا تابِعًا لِما قَبْلَهُ، لا يُبْتَدَأَ ولا يُخْبَرُ به، ولا عَنْهُ، ولا يَكُونُ فاعِلًا ولا مَفْعُولا، كما يَكُونُ غَيْرُهُ مِن التَّوَاكِيدِ اسْمًا مَرَّةً، وتَوْكِيدًا أُخْرَى، مِثْلُ: نَفْسه وعَيْنه وكُلّه. وأَجْمَعُونَ: جَمْعُ أَجْمَعَ، وأَجْمَعُ وَاحِدٌ في مَعْنَى جَمْعٍ، وَلَيْسَ لَهُ مُفرَدٌ مِن لَفْظِهِ، والمُؤَنّثُ جَمْعَاءُ، وكانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعُوا جَمْعَاءَ بالأَلِفُ والتّاءِ، كَمَا جَمَعُوا أَجْمَعَ بالوَاو والنُّونِ، ولكِنَّهُمْ قالُوا فِي جَمْعِهَا: جُمَعُ. انتهى، ونَقَلَهُ الصّاغَانِيّ أَيْضًا هكَذا.

وفي اللَّسَانِ: وجَمِيعٌ يُؤَكَّدُ به، يُقَالُ: جاؤُوا جَمِيعًا: كُلَّهُمْ، وأَجْمَعُ مِنْ الأَلْفَاظِ الدّالَّةِ عَلَى الإحَاطَةِ ولَيْسَتْ بصِفَةٍ، ولكِنَّهُ يُلَمُّ به ما قَبْلَهُ من الأَسْمَاءِ ويُجْرَى عَلَى إِعْرَابِهِ، فلذلِكَ قالَ النَّحْوِيُّون: صِفَة، والدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ قَوْلُهُمْ أَجْمَعُون، فلَوْ كانَ صِفَةً لَمْ يَسْلَمْ جَمْعُه ولَوْ كَانَ مُكَسَّرًا، والأُنْثَى جَمْعَاءُ، وكِلاهُمَا مَعْرِفَةٌ لا يُنكرُ عند سيبويه. وأَمَّا ثعلبُ فحكى فيهمَا التَّنكِيرَ والتَّعْرِيفَ جَمِيعًا، يَقُولُ: أَعْجَبَنِي القَصْرُ أَجْمَعُ وأَجْمَعَ، الرَّفْعُ عَلَى التَّوكِيدِ والنَّصْبُ على الحالِ، والجَمْعُ، «جُمَعُ» مَعْدولٌ عن جَمْعاوَاتٍ، أَو جَمَاعَى، ولا يَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ جُمْعٍ، لأَنَّ أَجْمَعَ لَيْسَ بِوَصْف، فَيَكُونُ كأَحْمَرَ وحُمْرٍ. قالَ أَبُو عَلِيّ: بابُ أَجْمَعَ وجَمْعَاءَ، وأَكْتَعَ وكَتْعَاءَ وما يَتْبَع ذلِكَ مِنْ بَقِيَّته، إِنَّمَا هو اتّفَاقٌ وتَوَارُدٌ وَقَعَ في اللُّغَةِ علَى غَيْرِ ما كَانَ في وَزْنِهِ مِنْهِا، لأَنَّ بَابَ أَفْعَلَ وفَعْلاء إِنّمَا هُوَ للصَّفاتِ، وجَمِيعُهَا يَجِي‌ءُ علَى هذا الوَضْعِ نَكِرَاتٍ نَحْو أَحْمَرَ وحَمْرَاء، وأَصْفَرُ وصَفْرَاء، وهذا ونَحْوُه صِفَاتٌ نَكِرَاتٌ، فأَمَّا أَجْمَعُ وجَمْعَاءُ فاسْمَانِ مَعْرفَتَانِ، لَيْسا بصَفَتَيْنِ، فإنَّمَا ذلِكَ اتَّفَاقٌ وَقَعَ بَيْنَ هذِه الكَلِمَة المُؤَكَّدِ بها، ويُقَالُ: لك هذا المالُ أَجْمَعُ، ولك هذِهِ الحِنْطَةُ جَمْعَاءُ. وتَقَدَّم البَحْثُ في ذلِكَ في بَ ت ع. وفي الصّحاح: يُقَالُ: جاءُوا بأَجْمَعِهِم وتُضَمُّ المِيمُ، كما تَقُولُ: جَاءُوا بأَكْلُبِهِمْ جَمْعُ كَلْبٍ، أَيْ كُلّهم. قَالَ ابنُ بَرَّيّ: وشَاهِدُ الأَخِيرِ قَوْلُ أبِي دَهْبَلٍ.

فَلَيْتَ كَوانِينًا مِنَ اهْلِي وأَهْلِها *** بأَجْمُعِهِمْ في لُجَّةِ البَحْرِ لَجَّجُوا

وِجِمَاعُ الشَّيْ‌ءِ، بالكَسْرِ: جَمْعُهُ، يُقَالُ: جِمَاعُ الخِبَاءِ الأَخْبِيَةُ؛ أَي جَمْعُهَا، لأَنَّ الجِمَاعَ: ما جَمَعَ عَدَدًا. يُقَالُ: «الخَمْرُ جِمَاعُ الإثْم» كَمَا في الصّحاح، أَيْ مَجْمَعُه ومَظِنَّتُهُ. قُلْتُ: وهُوَ حَدِيثٌ، ومِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ الحَسَن البَصْرِيّ رَحِمَةُ الله تَعَالَى: «اتَّقُوا هذِهِ الأَهْوَاءَ فإِنَّ جِمَاعَهَا الضَّلالَةُ، ومَعَادَهَا النار» وكَذلِكَ الجَمِيعُ، إِلّا أَنّهُ اسْمٌ لازِمُ. وفِي الحَدِيثِ: «حَدَّثْنِي بِكَلِمَةٍ تَكُونُ جِمَاعًا، فقالَ: اتَّقِ الله فيما تَعْلَم» أَيْ كَلِمَةٍ تَجْمَعُ كَلِمَاتٍ.

وِفي الحَدِيثِ: «أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ» ويُرْوَى: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ» أَي القُرْآن، جَمَع الله بلُطْفِه له في الألْفَاظِ اليَسِيرَةِ مِنْهُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً، كقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {خُذِ العَفْوَ، وأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ} وكَذلِكَ ما جَاءَ فِي صِفَتِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وآله أنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ.

أَي أنَّهُ كانَ كَثِيرَ المَعَانِي، قَلِيلَ الأَلْفَاظِ، ومِنْهُ أَيْضًا قَوْلُ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ: «عَجِبْتُ لِمَنْ لاحَنَ الناسَ كَيْفَ لا يَعْرِفُ جَوَامِعَ الكَلِمِ»، مَعْنَاه: كَيْفَ لا يَقْتَصِرُ عَلَى الإيجازِ وتَرْكِ الفُضُولِ مِن الكَلامِ.

وِسَمَّوْا جَمّاعًا، وجَمَاعَةَ، وجُمَاعَةَ، كشَدّادٍ وقَتَادَةَ وثُمَامَةَ، فمِنَ الثّانِي جَمَاعَةُ بنُ عَلِيَّ بنِ جَمَاعَةَ بنِ حازِمِ بنِ صَخْرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ جَمَاعَةَ، مِنْ وَلَدِ مالِك بنِ كِنَانَةَ، بَطْنٌ، مِنْ وَلَدِهِ: البُرْهَانُ إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدِ الله بنِ أَبِي الفَضْلِ سَعْدِ للهِ بنِ جَمَاعَةَ، وُلِدَ بِحَماةَ سَنَةَ خَمْسِمَائَةٍ وسِتَّةٍ وتِسْعِينَ، وهو أَوَّلُ مَنْ سَكَنَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سِتّمائةٍ وخَمْسَةٍ وسَبْعِين، ووَلَدَاهُ: أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ الله، وأَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمنِ. فمِن ولَدِ الأَخِيرِ قاضِي القُضَاةِ البَدْرُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، تُوُفِّيَ بمِصْرَ سَنَةَ سَبْعِمِائَة وثَلاثَةٍ وثَلاثِينَ. وحَفِيداهُ: السَّراجُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ مَحَمَّدٍ، والبُرْهَانُ إِبْرَاهِيمُ بنُ عَبْد الرَّحِيمِ بنِ مُحَمَّدِ، مَشْهُورانِ، الأَخِيرُ حَدَّث عَن الذَّهَبِيّ، وتُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعِمَائَة وتِسْعِينَ، وتُوُفِّيَ السَّرَاجُ عُمَرُ سنة سَبْعِمَائَةِ وسِتَّةٍ وسَبْعِينَ، ووَلَدُهُ المُسْندُ الجَمَالُ عَبْدُ الله بنِ عُمَرَ، أَجازَ لَهُ وَالِدُهُ وجَدُّهُ. ومِنْهُم الحافِظُ المُحَدَّثُ أَبُو الفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الله بن حَمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ عبدِ الرَّحْمنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدِ الله بنِ جَمَاعَةَ، حَدَّثَ عن الحافِظِ بنِ حَجَرٍ. ومِنْ وَلَدِه شَيخُ مَشَايخِنَا أُعْجُوبَةُ العَصْرِ عَبْدُ الغَنِيَّ بن إِسْمَاعِيلَ بن عَبْد الغَنِيَّ بن إِسْمَاعِيلَ، بن أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ إِسْمَاعِيل وُلِدَ سَنَةَ أَلف ومِائَةٍ وثَلاثَةٍ وأَرْبَعِينَ، عَنْ ثَلاثَةٍ وتِسْعِينَ، حَدَّثَ عَنْ وَالِدِهِ، وعَنِ الشَّيْخِ تَقِيَّ الدَّينِ بن عَبْدِ الباقي الأَتْرِبِيّ، وعَنِ النَّجْمِ الغَزِّيّ، والضَّيَاءِ الشَّبْرَاملسِيّ، وغَيْرِهِم، رَوَى عنه عِدَّةٌ مِن مَشَايِخنَا، وبالجُمْلَةِ فَبَيْتُ بَنِي جَمَاعَةُ بن الحَسَن، حدَّثَ عَنْهُ سَعِيدُ بن غُفَيْر. وخَلِيلُ بن جُمَاعَةَ، رَوَى عن رُشْد بن سعد، وعنه يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ بنِ صالِح، قالَهُ ابنُ يونُس، وضَبَطَهُ ابنُ نُقْطَةَ. وجُشَم بن بِلالِ بن جُمَاعَةَ الضُّبَعِيّ جَدٌّ للمُسَيَّب بنِ عَلَسٍ الشاعِر، ذَكَرَه الرُّشَاطِيّ.

وِقالَ الكِسَائيُّ: يُقَالُ: ما جَمَعْتُ بِامْرَأَةِ قَطُّ، وعَن امْرَأَةٍ، أَيْ ما بَنَيْتُ.

وِالإِجْمَاعَ؛ أَي إِجْمَاعُ الأُمَّةِ: الإِتَّفَاقُ، يقال: هذتا أَمْرُ مُجْمَعٌ عَلَيْه: أَيْ مُتَّفَقٌ عليه. وقالَ الرّاغِبُ: أَي اجْتَمَعَتْ آرَاؤُهُم علَيْه.

وِالإجْمَاعُ: صَرُّ أَخْلافِ النَّاقَةِ جُمَعَ، يُقَالُ: أَجْمَعَ النّاقَةَ، وأَجْمَعَ بها، وكَذلِكَ أَكْمَشَ بِهَا.

وقالَ أَبُو الهَيْثَمِ: الإِجْمَاعُ: جَعْلُ الأَمْرِ جَمِيعًا بَعْدَ تَفَرُّقِهِ. قالَ: وتَفَرُّقُهُ أَنَّهُ جَعَلَ يُدِيرُهُ فَيَقُولُ مَرَّةً أَفْعَلُ كَذَا، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ مُحْكَم أَجْمَعَهُ، أَيْ جَعَلَهُ جَمِيعًا، قالَ: وكذَلِكَ يُقَالُ: أَجْمَعْتُ النَّهْبَ، والنَّهْبُ: إِبلُ القَوْمِ الَّتِي أَغارَ عَلَيْهَا اللُّصُوصُ، فكَانَتْ مُتَفَرَّقَةً في مَرَاعِيهَا، فجَمَعُوها مِن كُلَّ ناحِيَة، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لَهُمْ، ثُمَّ طَرَدُوهَا وسَاقُوها، فإذا اجْتَمَعَتْ قِيلَ: أَجْمَعُوها، وأَنْشَدَ لأَبِي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حُمُرًا:

فَكَأَنَّهَا بالجِزْعِ بَيْنَ نُبَايِعٍ *** وِأَولَاتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبُ مُجْمَعُ

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: الإِجْمَاعُ: الإِعْدَادُ يُقَالُ: أَجْمَعْتُ كَذَا، أَيْ أَعْدَدْتُهُ. قُلْتُ: وهُوَ قَوْلُ الفَرّاءِ.

وِالإِجْمَاعُ أَيْضًا: التَّجْفِيفُ والإِيباسُ ومِنْهُ قَوْلُ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيّ:

وِأَجْمَعَتِ الهَوَاجِرُ كُلَّ رَجْعِ *** مِنَ الأَجْمَادِ والدَّمَثِ البَثَاءِ

أَجْمَعَتْ، أَيْ أَيْبَسَتْ. والرَّجْعُ: الغَدِيرُ. والبَثَاءُ: السَّهْلُ.

وِالإِجْمَاعُ: سَوْقُ الإِبِلِ جَمِيعًا، وبه فُسَّرَ أَيْضًا قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ.

وِقالَ الفَرّاءُ: الإِجْمَاعُ: العَزْمُ علَي الأَمْرِ والإِحْكَامُ عَلَيْه. تَقُولُ: أَجْمَعْتُ الخُرُوجَ، وأَجْمَعْتُ عَلَيْه، وبه فُسَّرَ قَوْلُهُ تَعَالَي: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} قال: ومَنْ قَرَأَ «فاجْمَعُوا» فمَعْنَاه، لا تَدَعُوا شَيْئًا مِن كَيْدِكُمْ إِلّا جِئْتُم به. وفي صَلاةِ المُسَافِرِ: «ما لَمْ أَجْمَعْ مُكْثًا»، أَىْ ما لَمْ أَعْزِمٍ عَلَي الْإِقَامَةِ. وأَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وأَزْمَعْتُه، وعَزَمْتُ عَلَيْه: بمَعْني. ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عَن الكِسَائِيّ، يُقَالُ: أَجْمَعْتُ الأَمْرَ وعَلَيْهِ، إِذا عَزَمْتَ عَلَيْهِ. زادَ غَيرهُ: كَأَنَّهُ جَمَعَ نَفْسَهُ له. والأَمْرُ مُجْمَعُ، زادك الجَوْهَرِي: ويُقَالُ أَيْضًا: أَجْمِعْ أَمْرَكَ ولا تَدَعْهُ مُنْتَشِرًا. قال الشّاعِرُ وهو أَبُو الحَسْحاسِ:

تُهِلُّ وتَسْعَى بالمَصَابِيحِ وَسْطَها *** لَها أَمْرُ حَزْمٍ لا يُفَرَّقُ، مُجْمَعُ

وقالَ آخَرُ:

يا لَيْتَ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَعُ *** هَلْ أَغدُونْ يَوْمًا وأَمْرِي مُجْمَعُ؟

وأَنْشَدَ الصّاغَانِيّ لذِي الإِصْبَع العَدْوَانِيّ:

وِأَنْتُمُ مَعْشَرُ زَيْدُ عَلَى مِائَةٍ *** فأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ طُرَّا فِكيدُونِي

وقَالَ الرّاغِبُ: وأَكْثَرُ ما يُقَالُ فِيما يَكُونُ جَمْعًا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بالنَّكِرَة.

وِقال الكِسَائِيُّ: المُجْمِعُ كمُحْسِنٍ: العَامُ المُجْدِبُ، لاجْتِمَاعِهمْ في مَوْضِعِ الخِصْب. وقَوْلُهُ تَعَالَي: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} قالَ ابنُ عَرَفَةَ: أَيْ اعْزِمُو عَلَيْه. زادَ الفَرّاءُ: وأَعِدُّوا له. وقالَ أَبُو الهَيْثَمِ: أَي اجْعَلُوهُ جَمِيعًا. وأَمَّا قَوْلُه: وَشُرَكاءَكُمْ، فقالَ الجَوْهَرِيُّ: أَيْ: وَادْعُوَ شُرَكَاءَكُمْ، وهو قَوْلُ الفَرّاءِ، وكَذلِكَ، قِرَاءَةُ عَبْدِ الله ونُصِبَ {شُرَكاءَكُمْ} بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ لأَنَّه لا يُقَالُ: أَجْمِعُوا شُرَكَاءَكم ونَصُّ الجَوْهَرِيّ: لِأَنَّهُ لا يُقَالُ: «أَجْمَعْتُ شُرَكَائِي، إِنَّمَا يُقَالُ: جَمَعْتُ». قال الشاعِرُ:

يا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا *** مُتَقَلَّدا سَيْفًا ورُمْحَا

أَيْ وحَامِلًا ورُمْحًا، لأَنَّ الرُّمْحَ لا يُتَقَلَّدُ. أَو المَعْني أَجْمِعُوا مع شُرَكَائِكُمْ علي أَمْرِكُم قالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ. قالَ: والواوُ بِمَعْنَي مع، كَمَا يُقَالُ: لَوْ تَرَكْتَ الناقَةَ وفَصِيلَها لرَضَعَها. أَيْ مع فَصِيلِها. قالَ: والَّذِي قالَهُ الفَرّاءُ غَلَطُ، لأَنَّ الكَلامَ لا فَائِدَةَ لَهُ، لأَنَّهُمْ كانُوا يَدْعُونَ شُرَكَاءَهُمْ، لِأَن يُجْمِعُوا أَمْرَهُمْ، وإِذا كانَ الدُّعَاءُ لِغَيْرِ شَيْ‌ءٍ فلا فائِدَةِ فِيهِ.

وِالمُجْمَعَةُ، بِبنَاءِ المَفْعُولِ مُخَفَّفَةً: الخُطْبَة الَّتِي لا يَدْخُلُهَا خَلَلُ، عَن ابنِ عَبّادٍ.

وِأَجْمَعَ: المَطَرُ الأَرْضَ، إِذا سالَ رَغَابُهَا وجَهَادُهَا كُلُّهَا وكَذلِكَ أَجْمَعَتِ الأَرْضُ سائلَةً.

وِالتَّجْمِيع: مُبَالِغَةُ الجَمْعِ. وقالَ الفَرّاء: إِذا أَرَدْتَ جَمْعَ المُتَفَرَّقِ قُلْتَ: جَمَعْتُ القَوْمَ فهم مَجْمُوعُونَ، قالَ الله تَعَالَي: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ} قَالَ: وإِذَا أَرَدْتَ كَسْبَ المالِ قُلْتَ: جَمَّعْتُ المَالَ، كقَوْلِه تَعَالَي: جَمَّعَ مَالًا وَعَدَّدَه وقد يجُوز {جَمَعَ مالًا} بالتَّخْفِيفِ. قال الصَّاغَانِيّ: وبالتَّشْدِيدِ قَرَأَ غَيْرُ المَكِّيّ والبَصْرِيّين ونافِعٍ وعاصِمٍ.

وِالتَّجْمِيعُ: أَنْ تَجْمَعَ الدَّجَاجَةُ بَيْضَهَا فِي بَطْنِها، وقَدْ جَمَّعَتْ.

وِاجْتَمَعَ: ضِدُّ تَفَرَّقَ، وقَدْ جَمَعَهُ يَجْمَعُه جَمْعًا، وجَمَّعَهُ، وأَجْمَعَهُ فاجْتَمَعَ، كالجَدْمَعَ، بالدّالِ، وهي مُضَارَعَةٌ، وكَذلِكَ تَجَمَّع واسْتَجْمَعَ واجْتَمَعَ الرَّجُلُ: إِذا بَلغ أَشُدَّهُ، أَيْ غايَةَ شَبَابِهِ واسْتَوَتْ لِحْيَتُهُ،، فهُو مُجْتَمِعُ، ولا يُقَالُ ذلِكَ للنَّسَاءِ، قالَ سُحَيْمُ بنُ وَثِيلٍ الرَّيَاحِيّ:

أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي *** وِنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ

وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

قَدْ سادَ وهُوَ فَتًي حَتَّي إِذا بَلَغَتْ *** أَشُدُّهُ وَعلا في الأَمْرِ وَاجْتَمَعَا

وِاسْتَجْمَعَ السَّيْلُ: اجْتَمَعَ مِن كُلَّ مَوْضِع. ويُقَالُ: اسْتَجْمَعَ الوَادِي، إِذا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ إِلَّا سالَ.

وِاسْتَجْمَعَت لَهُ أُمُورُهُ: إِذا اجْتَمَعَ لَهُ كُلُّ ما يَسُرُّهُ مِن أُمُورِهِ. قالَهُ اللَّيْثُ، وأَنْشَدَ.

إِذا اسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ فِيهَا أُمُورُهُ *** كَبَا كَبْوَةً لِلْوَجْهِ لا يَسْتَقِيلُهَا

وِاسْتَجْمَعَ الفَرَسُ جَرْيًا: تَكَمَّشَ لَهُ وبالَغَ. قالَ الشاعِرُ يَصِفُ سَرَابَا.

وِمُسْتَجْمِعٍ جَرْيًا ولَيْسَ ببَارِحٍ *** تُبَارِيهِ في ضَاحِي المِتَانِ سَوَاعِدُه.

كَمَا في الصّحاح، يَعْنِي السّرَابَ. وسَوَاعِدُه: مَجَارِي الماءِ.

وِتَجَمَّعُوا، إِذا اجْتَمَعُوا مِنْ هاهُنَا وهاهُنَا.

وِالمُجَامَعَةُ: المُبَاضَعَةُ، جامَعَهَا مُجَامَعَةً وجِمَاعًا: نَكَحَهَا، وهُوَ كِنايَةٌ.

وِجَامَعَهُ عَلَى أَمْرِ كَذا: ما لأَهُ عَلَيْهِ، واجْتَمَعَ مَعَهُ، والمَصْدَرُ كالمَصْدَرِ. و‌في صِفَتِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وآله: «كَانَ إِذا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا أَيْ مُسرِعًا شَدِيدَ الحَرَكَةِ، قَوِىَّ الأَعْضَاءِ، غَيْرَ مُسْتَرْخٍ في مَشْيهِ.

* وممّا يُسْتَدْركُ عَلَيْه:

مُتَجَمَّعُ البَيْدَاءِ: مُعْظَمُهَا ومُحْتَفَلُهَا. قالَ مُحَمَّدُ بنُ شحاذ الضَّبِّيُّ:

فِي فِتْيَةٍ كُلَّمَا تَجَمَّعَتِ البَيْدَاءُ *** لَمْ يَهْلَعُوا ولَمْ يَخِموا

ورَجُلُ مِجْمَعٌ وجَمّاعٌ، كمِنْبَرٍ وشَدّادٍ. وقَوْمٌ جَمِيعٌ: مُجْتَمِعُونَ.

وِالجَمْعُ: يَكُونُ اسْمًا لِلنَّاسِ، وللمَوْضِع الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فيه.

ويُقَالُ: هذَا الكَلامُ أَوْلَجُ في المسامع، وأَجْوَلُ في المَجَامِع.

وأَمْرٌ جَامِعٌ: يَجْمَعُ النّاسَ. قالَ الرَاغِبُ: أَمْرٌ جامِعٌ، أَى أَمْرٌ لَهُ خَطَرٌ اجْتَمَعَ لأَجْلِهِ النَّاسُ، فكَأَنَّ الأَمْرَ نَفْسَهُ جَمَعَهُمْ.

وِالجَوَامِعُ مِن الدُّعَاءِ: الَّتِي تَجْمَعُ الأَغْرَاضَ الصّالِحَةَ، والمَقَاصِدَ الصَّحِيحَةَ، وتَجْمَعُ الثَّناءَ عَلَى الله تَعَالَى وآدَابَ المَسْأَلَةِ.

وفِي أَسْمَاءِ اللهِ تَعالَى الحُسْنَى: الجامِعُ، قالَ ابنُ الأَثِير: هو الَّذِي يَجْمَعُ الخَلائقَ ليَوْمِ الحِسَابِ، وقِيلَ: هو المُؤَلَّفُ بَيْنَ المُتَماثِلاتِ والمُتَضادّاتِ في الوُجُودِ.

وقَوْلُ امْرِي‌ءِ القَيْس:

فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَموتُ جَمِيعَةً *** وِلكِنَّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطَ أَنْفُسَا

إِنَّمَا أَرادَ جَمِيعًا، فبالَغَ بإِلْحاقِ الهاءِ، وحَذَفَ الجَوَابَ للْعِلْمِ بِه، كأَنَّهُ قالَ: لَفَنِيَتْ واسْتَراحَتْ.

ورَجُلٌ جَمِيعُ الَّلْامَة، أَيْ مُجْتَمِعُ السِّلَاح.

وِالجَمْعُ: الجَيْشُ. ومِنْهُ الحَدِيثُ: «لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ» أَيْ كسَهْمِ الجَيْشِ مِنْ الغَنِيمَةِ.

وإِبلٌ جَمَّاعَةٌ، بالفَتْح مُشَدَّدَةً: مُجْتَمِعَةٌ. قال:

لا مَالَ إِلَّا إِبلٌ جَمَّاعَهْ *** مَشْرَبُها الجِيَّةُ أَوْ نُعَاعَه.

وِالمَجْمَعَةُ: مَجْلِسُ الاجْتِمَاعِ. قالَ زُهَيْرٌ:

وِتُوقِدُ نارُكُمْ شَرَرًا ويُرْفَعْ *** لَكُمْ في كُلِّ مَجْمَعَةٍ لِوَاءُ

ويُقَالُ: جَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَه، أَيْ لَبِسَهَا.

وِالجَمَاعَةُ: عَدَدُ كُلَّ شَيْ‌ءٍ وكَثْرَتُهُ.

وفي حَدِيثِ أَبِي ذَرِّ: «ولا جِمَاعَ لَنَا فِيمَا بَعْد» أَيْ اجْتِمَاعَ لنا.

ورَجُلٌ جَمِيعٌ، كَأَمِير: مُجْتَمعُ الخَلْقِ قَوِيُّ لَمْ يَهْرِمْ ولَمْ يَضْعُفْ. ورَجُلٌ جَمِيعُ الرَّأْيِ ومُجْتَمِعُهُ: شَدِيدُهُ لَيْسَ بمُنْتَشِرِه.

وِجُمَّاعُ جَسَدِ الإِنْسَانِ، كرُمَّانٍ: رَأْسُهُ.

وِجُمّاعُ الثَّمَرِ: تَجَمُّعُ بَرَاعِيمِه في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَلَى حَمْلِهِ.

وامْرَأَةٌ جُمَّاعُ: قَصِيرَةٌ.

ونَاقَةٌ جُمْعٌ، بالضَّمّ: في بَطْنِهَا وَلَدٌ. قال الشّاعِرُ:

وَرَدْنَاهُ في مَجْرَى سُهَيْلٍ يَمَانِيًا *** بصُعْرِ البُرَى ما بَيْنَ جُمْعِ وخَادِجِ

والخادِجُ: الَّتِى أَلْقَتْ وَلَدَهَا. وقالَ الصّاغَانِيّ: هو بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ أَيْ منْ بَيْن ذِي جُمْعٍ وَخَادِجٍ.

وامْرَأَةٌ جَامِعٌ: في بَطْنِهَا وَلَدٌ.

ويُقَالُ: فُلانٌ جِمَاعٌ: فى بَطنِهَا وَلَدٌ.

ويُقَالُ: جِمَاعٌ لِبَنِي فُلانٍ، ككِتَابٍ، إِذا كانُوا يَأْوُونَ إِلَى رَأْيِهِ وسُؤْدُدِه، كَمَا يُقَال: مَرَبُّ لَهُمْ.

وِاسْتَجْمَعَ البَقْلُ: إِذا يَبِسَ كُلُّهُ. واسْتَجْمَعَ الوَادِي، إِذا لَمْ يَبْقَ منه مَوْضِعٌ إلَّا سَالَ. واسْتَجْمَع القَوْمُ، إِذا ذَهَبُوا كُلُّهُم لَمْ يَبْقَ منهم أَحَدٌ. كَمَا يَسْتَجْمِعُ الوَادِي بالسَّيْلِ.

ويُقَالُ للمُسْتَجِيشِ: اسْتَجْمَعَ كُلَّ مَجْمَعٍ، نقله الجَوْهَرِيّ.

وفي الأسَاسِ: وجَمَعُوا لِبَنِي فُلان: إِذا حَشَدُوا لِقِتَالِهِمْ، ومنه {إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}.

وَجَمَعَ أَمْرَهُ: عَزَمَ عَلَيْه، كَأَنَّهُ جَمَعَ نَفْسَهُ لَهُ. ومِنْهُ الحَدِيثُ: «مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيامَ مِن اللَّيلِ فَلا صِيَامَ لَهُ». والإجْمَاعُ: أَنْ تَجْمَعَ الشَّيْ‌ءَ المُتْفَرِّقَ جَمِيعًا، فإذا جَعَلْتَهُ جَمِيعًا بَقِيَ جَمِيعًا، ولَمْ يَكَدْ يَتَفَرَّقْ، كالرَّأْيِ المَعْزُومِ عَلَيْهِ المُمْضَى.

وِأَجْمَعَت الأَرْضُ سائلَةً: سَالَ رَغَابُهَا.

وفَلَاةُ مُجْمِعَةٌ ومُجَمِّعَةٌ، كمُحْسِنَةٍ ومُحَدِّثَةٍ: يَجْتَمِعُ فيها القَوْمُ ولا يَتَفَرَّقُونَ خَوْفَ الضَّلَالِ ونَحْوِه، كأَنَّهَا هي الَّتِي تَجْمَعُهُمْ.

وِجَمَّعَ النَّاسُ تَجْمِيعًا: شَهِدُوا الجُمْعَة، وقَضَوا الصَّلاةَ فيها. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، ومنه: «أَوّلُ جُمْعة جُمِّعَتْ في الإسْلامِ بَعْد المَدِينَةِ بجُؤَاثَى». واسْتَأْجَرَ الأَجِيرَ مُجَامَعَة، وجِمَاعًا، عن اللِّحْيَانِيّ: كُلَّ: جُمْعَةٍ بكِرَاءٍ.

وحَكَى ثَعْلَبٌ عَن ابْنِ الأَعْرَابِيّ: «لَاتكُ جُمَعِيًّا» بفَتْحِ المِيمِ، أَيْ مِمَّنْ يَصُومُ الجُمُعَةَ وَحْدَهُ.

وأَرْضٌ مُجْمِعَةٌ، كمُحْسِنَةٍ: جَدْبٌ لا تتَفَرَّقُ فِيها الرِّكَابُ لرَعْيٍ.

وِالجَامِعُ: البَطْنُ، يَمَانِيَةٌ.

وِأَجْمَعَتِ القِدْرُ: غَلَتْ، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيّ.

وِمُجَمِّعٌ، كمُحَدِّثٍ: لَقَبُ قُصَيِّ بنِ كِلَابٍ، لأَنَّه كانَ جَمَّعَ قَبائلَ قُرَيْشٍ، وأَنْزَلَها مَكَّةَ، وبَنَى دارَ النَّدْوَة، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. وفيه يَقُولُ حُذَافَةُ ابنُ غانِمٍ لأبِي لَهَبٍ:

أبُوكُمْ قُصَيُّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا *** بِهِ جَمَّعَ الله القبائلَ مِنْ فِهْرِ

وِالجُمَيْعَى كسُمَيْهَى: مَوْضعٌ. وقَدْ سَمَّوْا جُمُعَةَ، بضَمَّتَيْن، وجُمَيْعًا، وجُمَيْعَةَ، وجُمَيْعانَ: مُصَغَّرِاتٍ، وجِمَاعًا، ككِتَابٍ، وجَمْعَانَ، كسَحْبَانَ.

وابْنُ جُمَيْعٍ العِنَانِيّ، كزُبَيْرٍ، صاحِبُ المُعْجَمِ: مُحَدِّثٌ مَشْهُورٌ.

وِجُمَيْعُ بن ثَوْبٍ الحَمْصِيّ [رَوَى] عَنْ خالِدِ بنِ مَعْدان، رُوِيَ كزُبَيْرٍ، وكَأَمِيرٍ، وكَذلِكَ الحَكَمُ بنُ جُمَيْعٍ، شَيْخٌ لأَبِي كُرَيْبٍ، رُوِيَ بالوَجْهَيْنِ.

وبَنُو جُمَاعَةَ، بالضَّمِّ: بَطْنٌ مِنْ خَوْلانَ، مِنْهُمْ عُمْرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيّ بن إِسْمَاعِيلَ بنِ يُوسُفَ بنِ عَلْقَمَةَ بنِ الجُمَاعِيّ الخَوْلانيّ، أَخَذَ عَنْهُ العِمْرَانِيّ ـ صاحِبُ البَيَانِ ـ عِلْمَ النَّحْوِ، ومات سَنَةَ خَمْسَمَائَةٍ وإِحْدَى وخَمْسِينَ، كَذَا في تَارِيخ اليَمَنِ لِلجَنَدِيّ. قُلْتُ: ومنهم صاحِبُنَا المُفِيدُ أَبُو القَاسِمِ بنُ عَبْدِ اللهِ الجُمَاعِيّ، صاحِبُ الدُّرَيْهِمِيّ، لِقَرْيَةٍ باليَمَنِ لَقِيتُهُ ببَلَدِهِ، وأَخَذْتُ مِنْهُ، وأَخَذَ مِنِّي، وأبُو جُمُعَةَ سَعِيدُ بنُ مَسْعُودٍ الماغُوسِيّ الصّنْهاجِيّ المَرَّاكُشِيّ وُلِدَ بَعْدَ الخَمْسِينَ وتِسْعِمائَةٍ، وجالَ في البِلادِ، وأخَذَ بمِصْرَ عَنْ عَلِيِّ بنِ غَانِمٍ، والنَّاصِرِ الطَّبْلاوِيّ، ولَقِيَهُ المَقَّرِيُّ وأَجازَهُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


59-تاج العروس (شرف)

[شرف]: الشَّرَفُ، مُحَرَّكَةً: الْعُلُوُّ، والْمَكانُ الْعَالِي، نقلهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ:

آتِي النَّدِيَّ فلا يُقرَّبُ مَجْلِسِي *** وَأَقُودُ للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِمَارِي

يقول: إِنِّي خَرِفْتُ فلا يُنْتفعُ برَأْيِي، وكبِرْتُ فلا أَسْتطِيعُ أَنْ أَرْكبَ مِن الأَرْضِ حِمَارِي، إِلَّا مِن مَكانٍ عَالٍ.

وَقال شمِرٌ: الشَّرَفُ: كُلُّ نَشْزٍ مِن الأَرْضِ، قد أَشْرَف على ما حَوْلَهُ، قادَ أو لم يَقُدْ، وإِنَّما يَطُولُ نَحْوًا مِن عَشْرِ أذْرُعٍ، أو خمْسٍ، قلَّ عَرْضُ ظهْرِهِ أو كَثُرَ.

وَيُقال: أَشْرَفَ لي شرَفٌ فما زِلْتُ أَرْكُضُ حتى عَلوْتُهُ، وَمنه قوْلُ أُسَامَة الهُذلِيُّ:

إذا مَا اشْتَأَى شَرَفًا قبْلهُ *** وَوَاكَظَ أَوْشك منه اقْتِرَابا

والشَّرَفُ: الْمَجْدُ، يُقال: رَجُلٌ شرِيفٌ، أي: مَاجِدٌ، أَو لا يَكُونُ الشَّرَفُ والمَجْدُ إِلَّا بالْآبَاءِ، يُقال: رَجُلٌ شَرِيفٌ، ورَجُلٌ مَاجِدٌ: له آباءٌ متقدِّمون في الشَّرَفِ؛ وأما الحَسَبُ والكرَمُ فيكونان في الرَّجُلِ، وإِن لم يَكنْ له آباءٌ، قالهُ ابنُ السِّكِّيتِ.

أو الشَّرَفُ: عُلُوُّ الْحَسَبِ، قالُه ابنُ دُرَيْدٍ.

والشَّرَفُ مِن الْبَعِيرِ: سَنامُهُ، وَهو مَجازٌ، وأَنْشَدَ:

شرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ

والشَّرَفُ: الشَّوْطُ، يُقَال: عَدَا شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ.

أَو الشَّرَفُ: نَحْوُ مِيلٍ وهو قَوْلُ الفَرَّاءِ، ومنه الحديث: «الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، ولِرَجُلٍ سِتْرٌ، وعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فأَمَّا الذي له أَجْرٌ: فرَجُلٌ رَبَطَهَا في سَبِيلِ الله، فأَطَالَ لها في مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ، فما أَصَابَتْ في طِيَلِهَا ذلك مِنَ المَرْجِ أو الرَّوْضَةِ كانَتْ له حَسَنَاتٍ، ولو أَنَّه انْقَطَعَ طِيَلُهَا فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ، كانتْ له آثارُهَا وأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ، ولو أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ منه ولم يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا، كان ذلك حَسَنَاتٍ له، فهي لِذلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ» الحديثُ.

ومِن المَجَازِ: الشَّرَفُ: الْإِشْفَاءُ علَى خَطَرٍ مِن خَيْرٍ أَو شَرٍّ، يُقَال في الخَيْرِ: هو علَى شَرَفٍ مِن قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَيُقَال في الشَّرِّ: هو علَى شَرَفٍ مِن الهَلَاك.

وشَرَفٌ: جَبَلٌ قُرْبَ جَبَلِ شُرَيْفٍ، كزُبَيْرٍ، وشُرَيْفٌ هذا أَعْلَى جَبَلٍ بِبِلَادِ الْعَرَبِ، هكذا تَزْعُمُه العربُ، زاد المُصَنِّفُ: وقد صَعِدْتُهُ، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: الشَّرَفُ: كَبِدُ نَجْدٍ، وكان مِن مَنازِلِ المُلُوكِ مِن بَنِي آكِلِ المُرَارِ مِن كِنْدَةَ، وفي الشَّرَفِ حِمَى ضَرِيَّةَ وضَرِيَّةُ: بِئْرٌ، وفي الشَّرَفِ الرَّبَذَةُ، وَهي الحِمَى الأَيْمَنُ، وفي الحديثِ: «أنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ، والرَّبَذَةَ».

والشَّرَفُ: موضع بِإشْبَيلِيَّة، مِن سَوَادِهَا، كَثِيرُ الزَّيْتُونِ، كما في العُبَابِ، وقال الشَّقُنْدِيُّ: شَرَفُ إِشْبِيلِيَةَ: جَبَلٌ عظيمٌ، شَرِيفُ البُقْعَةِ، كَرِيمُ التُّرْبَةِ، دائمُ الخُضْرَةِ، فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ طُولًا وعَرْضًا، لا تكادُ تُشْمِسُ فيه بُقْعَةٌ، لِالْتِفافِ أَشْجَارِهِ، ولا سِيَّمَا الزَّيْتُون، وقال غيرُه: إِقْلِيمُ الشَّرَفِ علَى تَلٍّ أَحْمَرَ عالٍ مِن تُرَابٍ أَحْمَرَ، مَسافَتُه أَرْبَعُون مِيلًا في مِثلِهَا، يَمْشِي به السَّائِرُ في ظِلِّ الزَّيْتُونِ والتِّينِ، وقال صاحِبُ «مَبَاهِجِ الفِكَرِ»: وأَمَّا جَبَلُ الشَّرَفِ، وهو تُرَابٌ أَحْمَرُ، طُولُه مِن الشِّمَالِ إِلَى الجَنُوبِ أَربعون مِيلًا، وَعَرْضُه مِن المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ اثْنا عَشَرَ مِيلًا، يشْتَمِلُ علَى مائتين وعشرين قَرْيَةً، قد الْتَحَفَ بأَشْجَارِ الزَّيْتُونِ، وَالْتَفَّتْ عَلَيه، منه: الحاكمُ أَبُو إِسحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بنُ محمدٍ الشَّرَفيُّ، خَطِيبُ قُرْطُبَةَ، وصَاحِبُ شُرْطَتِها، وهذا عَجِيبٌ، وَله شِعْرٌ فَائِقٌ، مات سنة 396.

وأَمِينُ الدِّينِ أَبو الدُّرِّ يَاقُوتُ بنُ عبدِ الله الشَّرَفيُّ، وَيُعْرَفُ أَيْضًا بالنُّورِيِّ، وبالمَلِكِيِّ، الْمَوْصِليُّ الْكَاتِبُ، أَخَذَ النَّحْوَ عن ابنِ الدَّهّانِ النَّحْوِيِّ، واشْتَهَرَ في الخَطِّ حتى فَاقَ، ولم يكنْ في آخِرِ زَمانِهِ مَن يُقَارِبُه في حُسْنِ الخَطِّ، وَلا يُؤَدِّي طَرِيقَةَ ابنِ البَوَّابِ في النَّسْخِ مِثْلُه، مع فَضْلٍ غَزِيرٍ، وكان مُغْرىً بنَقْلِ صِحَاحِ الجَوهرِيِّ، فكتَب منه نُسَخًا كثيرةً، تُبَاعُ كُلُّ نُسْخَةٍ بمائةِ دينارٍ، تُوُفِّيَ بِالمَوْصِلِ، سنة 618، وقد تَغَيَّرَ خَطُّه مِن كِبَرِ السِّنِّ، هكذا تَرْجَمَهُ الذَّهَبِيُّ في التَّارِيخِ، والحافِظُ في التَّبْصِيرِ مُخْتَصِرًا، وقد سمِعَ منه أَبو الفَضْلِ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ دِيوَانَ المُتَنَبِّي، بحَقِّ سمَاعِهِ مِن ابنِ الدَّهّانِ.

والشَّرَفُ: مَحَلَّةُ بِمِصْرَ، وَالذي حَقَّقَهُ المَقْرِيزِيُّ في الخِطَطِ، أنَّ المُسَمَّى بالشَّرَفِ ثَلاثَةُ مَوَاضِعَ بمصرَ، أَحدُهَا المَعْرُوفُ بجَبَلِ الرَّصْدِ.

منها أَبو الحسن عَلِيُّ بنُ إبراهيمَ الضَّرِيرُ الْفَقِيهُ، رَاوِي كتابِ المُزَنِيِّ عن أَبي الفَوَارِسِ الصَّابُونِي، عنه، مات سنةَ 408.

وأَبو عُثْمَانَ سَعِيدُ بنِ سَيِّدٍ الْقُرَشِيُّ الحاطِبِيُّ، عن عبدِ الله بن محمدٍ البَاجِيِّ، وعنه أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البرِّ.

وأَبو بكرٍ عَتِيقُ بنُ أَحمدَ الْمِصْرِيُّ، عن إِبي إِسحاقَ بنِ سُفْيَانَ الفَقِيهِ، وغيرِه،: الْمُحَدِّثُونَ الشَّرَفيُّونَ.

وفَاتَهُ: أَبو العَبَّاسِ بنُ الحُطَيْئَةِ الفَقِيهُ المَالِكِيُّ الشَّرَفيُّ.

وَمحمودُ بنُ أَيتكين الشَّرَفيُّ، سَمِعَ منه ابنُ نُقْطَةَ، وقال؛ مات سنة 615.

وَأَرمانُوسُ بنُ عبدِ اللهِ الشَّرَفيُّ، عن إِبي المُظَفَّرِ بنِ الشِّبْلِيِّ، وغيرِه، مات سنةَ 606، قَالَهُ الحافِظُ.

وشَرَفُ الْبَيَاضِ: مِن بِلَادِ خَوْلَانَ، مِنْ جِهَةِ صَعْدَةَ.

وشَرَفُ قِلْحَاحٍ: قُلْعَةٌ علَى جَبَلِ قِلْحَاحٍ، وقُرْبَ زَبِيدَ، حَرَسَها الله تعالَى، وسائرَ بلادِ المُسْلِمِين.

والشَّرَفُ الأَعْلَى: جَبَلٌ آخَرُ هُنَالِكَ، عليه حِصْنٌ مَنِيعٌ، يُعْرَفُ بحِصْنِ الشَّرَفِ.

والشَّرَفُ: موضع، بِدِمَشْقَ، وَهو جَبَلٌ علَى طَرِيقِ حاجِّ الشَّامِ، ويُعْرَفُ بشَرَفِ البَعْلِ، وقيل: هو صُقْعٌ مِن الشَّامِ.

وشَرَفُ الْأَرْطَى: مَنْزِلٌ لِتَمِيمٍ مَعْرُوفٌ.

وشَرَفُ الرَّوْحَاءِ: بَيْنَها وبين مَلَلٍ مِن الْمَدِينَةِ المُشَرَّفَةِ، عَلَى سِتَّةٍ وثَلاثِينَ مِيلًا، كَمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ، في تَفْسِيرِ حديثِ عائشة رضي ‌الله‌ عنها: «احْتَجَمَ رَسُولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم يَوْمَ الْأَحَدِ بِمَلَل، علَى لَيْلَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ رَاحَ فتَعَشَّى بشَرَفِ السَّيَّالَةِ، وصَلَّى الصُّبْحَ بعِرْقِ الظُّبْيَةِ» أو أَرْبَعِينَ أو ثَلاثِينَ، على اخْتِلافٍ فيه.

ومَوَاضِعُ أُخَرُ، سُمِّيتْ بالشَّرَفِ.

وشَرَفُ بنُ محمدٍ الْمَعَافِريُّ، وعليُّ بنُ إبراهيمَ الشَّرَفيُّ، كَعَرَبِيٍّ: مُحَدِّثَانِ، أَمَّا الأخِيرُ فهو الفَقِيهُ الضَّرِير، الذي رَوَى كتابَ المُزَنِيِّ عنه بِوَاسِطَةِ أَبِي الفَوَارِسِ، وقد تقَدَّم له قَرِيبًا، فهو تَكْرَارٌ ينْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيه.

وشُرَيْفٌ، كَزُبَيْرٍ: جَبَلٌ، قد تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قريبًا.

وأَيضًا: مَاءٌ لِبَنِي نُمَيْرٍ، بِنَجْدٍ، وَمنه الحديثُ: «مَا أُحِبُّ أَنْ أَنْفُخَ في الصَّلاةِ وأَنْ لِي مَمَرّ الشَّرَفِ». والشُّرَيْفُ لَهُ يَوْمٌ، أو هو مَاءٌ يُقَال له: التَّسْرِيرُ، ومَا كان عَنْ يَمِينِهِ إلى الغَرِبِ شَرَفٌ، وما كان عَنْ يَسَارِهِ إلى الشَّرْقِ شُرَيْفٌ، قال الأَزْهَرِيُّ: وقَوْلُ ابنُ السِّكِّيتِ في الشَّرَفِ وَالشُّرَيْفِ صَحِيحٌ.

وإِسْحَاقُ بنُ شَرْفَى، كَسَكْرَى: مِن المُحَدِّثين، وهو شَيْخٌ لِلثَّوْرِيِّ، كما في التَّبْصِيرِ.

وشَرُفَ الرَّجُلُ، كَكَرُمَ، فهو شَرِيفٌ الْيَوْمَ، وشَارِفٌ عَن قليل كذا في بَعضِ نُسَخِ الكتابِ، وهو الصَّوابُ، وَمِثْلُه نَصُّ الجَوهَرِيِّ والصَّاغَانِيِّ، وصاحبِ اللِّسَانِ، وفي أَكْثَرِهَا: عن قَرِيبٍ: أي سَيَصِيرُ شَرِيفًا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، عن الفَرّاءِ، ج: شُرَفَاءُ، كأَمِيرٍ، وأُمَرَاءَ، وأَشْرَافٌ، كيَتِيمٍ، وَأَيْتَامٍ، وعَلَيه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ.

وشَرَفٌ، مُحَرَّكَةً، ظاهرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ مِن جُمْلَةِ جُمُوعِ الشَّرِيفِ، ومِثْلُه في العُبَابِ، فإنَّه قال: والشَّرَفُ: الشُّرَفَاءُ، وَلكن الذي في اللِّسَانِ: أنَّ شَرَفًا، مَحَرَّكَةً، بمَعْنَى شَرِيفٍ، وَمنه قَوْلُهم: هو شَرَفُ قَوْمِهِ، وكَرَمُهم، أي شَرِيفُهم، وَكَرِيمُهم، وبه فُسِّرَ مَا جَاءَ في حديثِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّه قيل للأَعْمَشِ: لِمَ لمْ تَسْتَكْثِر عن الشَّعْبِي؟ قال: كان يَحْتَقِرُنِي، كنتُ آتِيهِ مع إِبْرَاهِيمَ، فيُرَحِّبُ به، ويقُول لي: اقْعُدْ ثَمَّ أَيُّهَا العَبْدُ، ثم يقول:

لَا نَرَفْعُ الْعَبْدَ فَوْقَ سُنَّتِهِ *** مَا دَامَ فِينا بِأَرْضِنَا شَرَفُ

أي: شَرِيفٌ، فتَأَمَّلْ ذلك.

والشَّارِفُ مِن السَّهَامِ: الْعَتِيقُ الْقَدِيمُ، نَقَلَهُ الجَوْهِريُّ، وَأَنْشَدَ لأَوْسٍ يَصِفُ صَائِدًا:

يُقَلِّبُ سَهْمًا رَاشَهُ بِمَنَاكِبٍ *** ظُهَارٍ لُؤَامٍ فهْو أَعْجَفُ شَارِفُ

ويقَالُ: سَهْمٌ شَارِفٌ، إذا كان بَعِيدَ العهدِ بالصِّيانَةِ، وَقيل: هو الذي انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هو الدَّقيقُ الطَّوِيلُ.

والشَّارِفُ مِن النُّوقِ: الْمُسِنَّةُ الْهَرِمَةُ، وَقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هي النَّاقَةُ الهِمَّةُ، وفي الأَسَاسِ: هي الْعَالِيَةُ السِّنِّ، ومنه حديثُ ابن زِمْلِ: «وإذا أَمامَ ذلك نَاقَةٌ عَجْفَاءُ شَارِفٌ» كَالشَّارِفَةِ، وقد شَرُفَتْ، شُرُوفًا، بالضَّمِّ، كَكَرُمَ، وَنَصَرَ، وَالمصدرُ الذي ذكَره مِن باب نَصَرَ قِياسًا، ومن بابِ كَرُمَ بخِلافِ ذلك: الجمع: شَوَارِفُ، وشُرُفٌ، ككُتُبٍ، ورُكَّعٍ، وَقال الجَوْهَرِيُّ: بضمِّ فسُكُونٍ، ومِثْلُه بَازِلٌ، وبُزْلٌ وعَائِدٌ وَعُوذٌ، وشُرُوفٌ، مِثْل عُدُولٍ، وَلا يُقَالُ للجَمَلِ: شَارِفٌ، وَأَنْشَدَ اللَّيْثُ:

نَجَاة مِنَ الْهُوجِ الْمَرَاسِيلِ هِمَّة *** كُمَيْت عَلَيْهَا كَبْرَةٌ فَهْيَ شَارِفُ

وَنَقَلَ شيخُنَا عن تَوْشِيحِ الجَلالِ، أَنَّهُ يُقَالُ للذَّكَرِ أَيضًا، وَفي حديثِ عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه: «أَصَبْتُ شَارِفًا مِن مَغْنَمِ بَدْرٍ، وأَعْطَانِي رسولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، [شارفًا] فأَنَخْتُهُمَا ببابِ رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ، وحَمْزَةُ في البَيْتِ، ومعه قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ:

أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النَّوَاءِ *** فَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ

ضَعِ السِّكِّينِ في اللِّبَاتِ منها *** وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بالدِّماءِ

وَعَجِّلْ مِن أَطَايِبِها لشرفٍ *** طَعَامًا مِن قَدِيدٍ أو شِوَاءِ

فَخَرَجَ إِليهما فَجَبَّ أَسْنِمَتَهما، وبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وأَخَذَ أَكْبَادَهُمَا، فنَظَرْتُ إلى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، فخَرَجَ ومعه زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ رضي ‌الله‌ عنه، حتى وَقَفَ عَلَيه، وتَغَيَّظَ، فرَفَعَ رَأْسَهُ إِليه، وقال: هَل أَنْتُمْ إِلَّا عَبيدُ آبَائِي؟ فرَجَعَ رسولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم يُقَهْقِرُ» قال ابنُ الأَثِيرِ: هي جَمْعُ شَارِفٍ، وتُضَمُّ رَاؤُهَا وتُسَكَّن تَخْفِيفًا، ويُرْوَى: ذَا الشَّرَفِ، بفَتْحِ الرَّاءِ والشِّينِ، أي: ذا العَلاءِ والرِّفْعَةِ.

وفي الحديث: «أَتَتْكُمُ» كما هو نَصُّ العُبابِ والرِّوَايَةُ: «إِذَا كَانَ كَذَا وكَذَا أَنَّى أَنْ تَخْرُجَ بكُمُ الشُّرُفُ الجُونُ» بضَمَّتَيْنُ أي: الْفِتَنُ الْمُظْلِمَةُ، وَهو تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، حين سُئِل: وما الشُّرُفُ الجُونُ يا رَسُولَ الله؟ قال: «فِتَنٌ كقِطْعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ». وقال أبو بكرٍ: الشُّرْفُ: جَمْعُ شَارف، وَهي النَّاقَةُ الهَرِمَةُ، شَبَّهُ الفِتَنَ في اتِّصالِهَا، وامْتِدَادِ أَوْقَاتِهَا بالنُّوقِ المُسِنَّةِ السُّودِ، والجُونُ: السُّودُ، قال ابنُ الأَثِيرِ: هكذا يُرْوى، بسُكُونِ الرَّاءِ، وهو جَمْعٌ قَلِيلٌ في جَمْعِ فاعِلٍ، لم يَرِدْ إِلَّا في أَسْمَاءٍ مَعْدُودَةٍ ويُرْوَى: «الشُّرْقُ الْجُونُ»، بِالْقَافِ، جَمْعُ شَارِقٍ، أي: الْفِتَنْ الطَّالِعَةُ، مِن نَاحِيَةِ المَشْرِقِ، نَادِرٌ لم يَأْتِ مِثْلُه إِلا أَحْرُفٌ مَعْدُودَةٌ، مِثْل بَازِلٍ وبُزْلٍ، وحَائِلٍ وحُولٍ، وعَائِذٍ وعُوذٍ، وعَائِطٍ وعُوطٍ.

والشُّرْفُ أَيْضًا مِن الْأَبْنِيَةِ: مَا لَها شُرَفٌ، الْوَاحِدَةُ شَرْفَاءُ، كحَمْرَاءَ وحُمْرٍ، ومنه حديثُ ابنُ عَبَّاسٍ: رضي ‌الله‌ عنهما: «أُمِرْنَا أَنْ نَبْنِي المَسَاجِدَ جُمًّا، والمَدائِنَ شُرْفًا» وَفي النِّهَايَةِ: أرادَ بالشُّرْفِ التي طُوِّلَتْ أَبْنَيتُهَا بالشُّرَفِ، الوَاحِدَةُ شُرْفَةٌ.

والشَّوَارِفُ: وِعَاءُ الخَمْرِ مِن خابِيةٍ ونحوها.

والشَّارُوف: جَبَلٌ، قال الجَوْهَرِيُّ: مُوَلَّدٌ.

قال: والمِكْنَسَةُ تُسَمَّى شَارُوفًا، وهو مُعَرَّبُ جَارُوبْ، وَأَصْلُه جَاى رُوبْ، أي كَانِسُ المَوْضِعِ.

وشَرَافِ، كَقَطَامِ: موضع بَيْنَ وَاقِصَةَ والفَرْعَاءِ، أَوْ مَاءَةٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَمنه حديثُ ابنِ مَسْعُودٍ رضي ‌الله‌ عنه: «يُوشِك أَنْ لا يَكُونَ بَيْنَ شَرَافِ وأَرْضِ كذا وكذا جَمَّاءُ، ولا ذَاتُ قَرْنٍ، قيل: وكيف ذاك؟ قال: «يكونُ النَّاسُ صُلَامَاتٍ، يَضْرِبُ بَعْضُهُم رِقَابَ بَعْضٍ»، وقال المُثَقِّبُ العَبْدِيُّ:

مَرَرْنَ عَلَى شَرَافِ فَذَاتِ رَجْلٍ *** وَنَكَّبْنَ الذَّرَانِحَ بالْيَمِينِ

وبِنَاؤُه علَى الكَسْرِ هو قَولُ الأَصْمَعِيِّ، وأَجْرَاهُ غيرُه مُجْرَى ما لا يَنصَرِفُ مِن الأَسْمَاءِ، أَو هو: جَبَلٌ عَالٍ، أَو يُصْرَفُ، ومنه قَوْلُ الشَّمَّاخِ:

مَرَّتْ بنَعْفَىْ شَرَافٍ وهي عَاصِفَةٌ *** تَخْدِي علَى بَسَرَاتٍ غيْرِ أَعْصَالِ

أو هو كَكِتَابٍ، مَمْنُوعًا من الصَّرْفِ، فصار فيه ثَلاثُ لُغَاتٍ.

وشُرَافٌ، كَغُرَابٍ: مَاءٌ غيرُ الذي ذُكِرَ.

وشَرَفَهُ، كَنَصَرَهُ، شَرْفًا: غَلَبَهُ شَرَفًا، فهو مَشْرُوفٌ، زاد الزَّمَخْشَرِيُّ: وكذا: شَرُفْتُ عَلَيه، فهو مَشْرُوفٌ عَلَيه، أَو طَالَهُ في الْحَسَبِ، وَقال ابنُ جِنِّي: شَارَفَهُ فَشَرَفَهُ، يَشْرُفُه: فَاقَه في الشَّرَفِ، وشَرَفَ الْحَائِطَ، يَشْرُفُه، شَرْفًا: جَعَلَ لَهُ شُرْفَةً، بالضَّمِّ، وسَيَأْتِي قريبًا. وقَوْلُ بِشْرِ بنِ المُعْتَمِر:

وَطَائِرٌ أَشْرَفُ ذُو جُرْدَةٍ *** وَطَائِرٌ ليْسَ له وَكْرُ

قال عمرو: الْأَشْرَفُ مِن الطَّيرِ: الْخُفَّاشُ لأَنَّ لأُذُنَيْهِ حَجْمًا ظاهِرًا، وهو مُتَجَرِّدٌ مِن الزِّفِّ والرِّيشِ، وهو طائرٌ يَلِدُ ولا يَبِيضُ، وقَوْلُهُ: وطَائِرٌ آخَرُ ولا وَكْرَ له هكذا هو في النُّسَخِ، ولا يَخْفَى أَنَّه تَفسِيرٌ للمِصْرَاعِ الأَخِيرِ مِنَ البَيْتِ، الذي ذَكَرْنَاه لِبِشْرٍ، لأَنَّه من مَعَانِي الأَشْرَفِ، وانْظُرْ إلى نَصِّ اللِّسَانِ، والعُبَابِ، بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ بِشْرٍ، ما نَصُّه: وَالطائِر الذِي لا وَكْرَ له، هو طائِرٌ يُخْبِرُ عنه البَحْرِيُّون أَنَّه لا يَسْقُطُ إِلَّا رَيْثَمَا يَجْعَلُ لِبَيْضِهِ أُفْحُوصًا مِن تُرَابٍ، ويِبَيضُ، وَيُغطِّي عَلَيْهِ، ولا يَخْفَى أنَّ قَوْلَهُ: ويَبِيضُ، ليس فيما نَصَّ عَليه الصَّاغَانِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ عن البَحْرِيِّين، وهو بَعْدَ قَوْلِه: لِبَيْضِهِ، غيرُ مُحْتَاجَ إليه، ويَطِيرُ أي: ثُمَّ يَطِيرُ في الهَوَاءِ، وبَيْضُهُ يتَفَقَّسُ، وفي بعض النسخ: يَنْفَقِشُ بِنَفْسِهِ، عندَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فإِذا أَطَاقَ فَرْخُهُ الطَّيَرَانَ كَانَ كَأَبَوَيْهِ في عَادَتِهِمَا، فهذه العِبَارَةُ سِيَاقُهَا في وَصْفِ الطَّيْرِ الآخَرِ، الذِي قَالَهُ بِشْرٌ في المِصْرَاعِ الأَخِيرِ، فتَأَمَّلْ ذلك.

ومَنْكِبٌ أَشْرَفُ. عَالٍ، وَهو الذي فيه ارْتِفَاعٌ حَسَنٌ، وهُوَ نَقِيضُ الأَهْدَإِ.

وأُذُنٌ شَرْفَاءُ: طَوِيلَةٌ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وزاد غيرُه: قَائِمَةٌ مُشْرِفَةٌ، وكذلك الشُّرَافِيَّةُ.

قال: وشُرْفَةُ الْقُصْرِ، بِالضَّمِّ: معروف معروف، الجمع: شُرَفٌ، كَصُرَدٍ، جَمْعُ كَثْرَةٍ، ومنه حديث المَوْلِدِ: «ارتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، فَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً» ويُجْمَع أَيضًا على شُرفاتٍ، بضَمِّ الرَّاءِ وفَتْحِهَا وسُكُونِها، ويُقَال أَيضًا: إِنَّهَا جَمْعُ شُرُفَةٍ، بضَمَّتَيْنِ، وهو جَمْعُ قِلَّةٍ، لأَنَّهُ جَمْعُ سَلامَةٍ، قال الشِّهَابُ: شُرُفَاتُ القَصْرِ: أَعالِيهِ، هكذا فَسَّرُوه، وإِنَّما هي ما يُبْنَى على أَعْلَى الحائطِ مُنْفَصِلًا بَعْضُه مِن بَعْضٍ، علَى هَيْئَةٍ مَعْرُوفَةٍ.

وقال الأَصْمَعِيُّ: شُرْفَةُ الْمَالِ: خِيَارُهُ.

وقَوْلُهُم: إِنِّي أَعُدُّ إِتْيَانَكُمْ شُرْفَةً، بِالضَّمِّ، وَأَرَى ذلك شُرْفَةً، أيْ فَضْلًا، وشَرَفًا أَتَشَرَّفُ به.

وشُرُفَاتُ الْفَرَسِ، بِضَمَّتَيْنِ: هَادِيهِ، وقَطَاتُهُ.

وأُذُنٌ شُرَافِيَّةٌ، وشُفَارِيَّةٌ: إذا كَانَتْ عَالِيَةً طويلةً، عليها شَعَرُ.

وقال غيرُه: نَاقَةٌ شُرافِيَّةٌ: ضَخْمَةُ الْأُذُنَيْنِ، جَسِيمَةٌ، وَكذلك نَاقَةٌ شَرْفَاءُ.

والشُّرَافيُّ، كغُرَابِيٍّ: ثِيَابٌ بِيضُ، أَو هو مَا يُشْتَرى مِمَّا شارَفَ أَرْضَ الْعَجَمِ مِن أَرْضِ الْعَرَبِ، وَهذا قَوْلُ الأصْمَعِيِّ.

ومِن المَجَازِ: أَشْرَافُكَ: أُذُنَاكَ وأَنْفُكَ، هكذا ذكَرُوا، وَلم يذْكُرُوا لها واحدًا، والظَّاهرُ أنَّ وَاحِدَهَا شَرَفٌ، كسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الأُذُنُ والأَنْفُ شَرْفَاءَ، لِبُرُوزِهَا وَانْتِصَابِهَا، وقَال عَدِيُّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ:

كَقَصِيرٍ إذْ لم يَجِدْ غَيْرَ أَنْ جَدْ *** دَعَ أَشْرَافَهُ لشُكْرٍ قَصِيرُ

وَفي المُحْكَمِ: الأَشْرَافُ: أَعْلَى الإِنْسَانِ، واقْتَصَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ على الأَنْف.

والشِّرْيَافُ، كَجِرْيالٍ: وَرَقُ الزَّرْعِ إذا طَالَ وكَثُرَ، حتى يُخَافَ فَسَادُهُ، فَيُقْطَعَ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ، وقد شَرْيَفَهُ، والنُّونُ بَدَل اليَاءِ، لُغَةٌ فيه، وهما زَائِدَتان كما سيأتي.

ومَشَارِفُ الأَرْضِ: أَعَالِيهَا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.

ومَشَارِفُ الشَّامِ: قُرًى مِن أَرْضِ العَرَبِ، تَدْنُو مِن الرِّيفِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، عن أبي عُبَيْدَةَ، وقال غَيْره: مِن أَرْضِ اليَمَنِ، وقد جاءَ في حديثِ سَطِيحٍ: «كان يسكُن مَشَارِفَ الشَّامِ» وهي: كُلُّ قَرْيَةٍ بَيْنَ بلادِ الرِّيفِ وبَيْنَ جَزِيرَةِ العَرَبِ، لأَنَّهَا أَشْرَفَتْ علَى السَّوادِ، ويُقَال لها أَيضًا: المَزَارِعُ، كما تقدَّم، والبَرَاغِيلُ كما سَيَأْتِي، قال أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْهَا السُّيُوفُ الْمَشْرَفِيَّةُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، يُقَال: سَيْفٌ مَشْرَفيٌّ، وَلا يُقَال: مَشَارِفيٌّ، لأَنَّ الجَمْعَ لا يُنْسَبُ إِليه إذا كان علَى هذا الوَزْنِ، لا يُقَال: مَهَالِبِيٌّ، ولا: جَعَافِرِيٌّ، ولا: عَبَاقِرِيٌّ، كما في الصِّحاحِ، وقال كُثَيِّرٌ:

فما تَرَكُوهَا عَنَوَةً عن مَوَدَّةٍ *** وَلكنْ بحَدِّ المَشْرَفيِّ اسْتَقالَها

وَقال رُؤْبَةُ:

والحَرْبُ عَسْرَاءُ اللِّقَاحِ المُغْزِي *** بالمَشْرِفِيَّاتِ وطَعْنٍ وَخْزِ

وَفي ضِرَامِ السِّقْطِ: مَشْرَفٌ: اسْمُ قَيْنٍ، كان يَعْمَلُ السُّيُوفَ.

وأَبو الْمَشْرَفيِّ، بفَتْحِ المِيمِ والرَّاءِ، بِاسْمِ السَّيْفِ: عَمْرُو بنُ جَابِرِ الحِمْيَرِيُّ، يُقَال: إنَّه أَوَّلُ مَوْلُودٍ بِوَاسِطَ.

وأَبو المَشْرَفيِّ: كُنْيَةُ لَيْثٍ، شَيْخِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَخَالِدٍ الحَذَّاءِ الرَّاوِي عَن أَبي مَعْشَرٍ زِيَادِ بنِ كُلَيْبٍ التمِيمِيِّ الكُوفيِّ، الرَّاوِي عن إِبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ، قلتُ: وهو لَيْثُ بنُ أَبي سُلَيْمٍ اللَّيْثِيُّ الكُوفيُّ، هكذا ذَكَرَه المُزَنِيُّ. وقد ضَعَّفُوه لِاخْتِلاطِهِ، كما في ديوان الذَّهَبِيِّ.

وشَرِفَ الرَّجُلُ، كَفَرِحَ: دَامَ علَى أَكْلِ السَّنَامِ.

وشَرِفَتِ الْأُذُنُ، شَرَفًا، وكذا شَرِفَ الْمَنْكِبُ: أي ارْتَفَعَا، وَأَشْرَفَا، وقيل: انْتَصَبا في طُولٍ.

وشَرُفَ الرَّجُلُ، كَكَرُمَ شَرَفًا، مُحَرَّكَةً، وَشَرَافَةً: علَا في دِينٍ أو دُنْيَا، فهو شَرِيفٌ، والجَمْعُ: أَشْرَافٌ، وقد تقدَّم.

وأَشْرَفَ الْمَرْبَأَ: عَلَاهُ، كَشَرَّفَهُ، تَشْرِيفًا، هكذا في النُّسَخِ، والصَّوابُ، كتَشَرَّفَهُ، وشَارَفَهُ، مُشَارِفَةً، وفي الصِّحاحِ: تَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ، وأَشْرَفْتُهُ: أي عَلَوْتُهُ، قال العَجَّاجُ:

ومَرْبَإِ عَالٍ لِمَنْ تَشَرَّفَا *** أَشْرَفْتُهُ بلا شَفًى أو بِشَفَى

وَفي اللِّسَانِ: وكذلك أَشْرَفَ علَى المَرْبَإِ: عَلاهُ.

وأشْرَفَ عَلَيْهِ: اطَّلَعَ عَلَيه مِن فَوْقٍ، وذلك الْمَوْضِعُ مُشْرَفٌ، كَمُكْرَمٍ، وَمنه الحديثُ: «ما جاءَك مِن هذا المَالِ وَأنْتَ غَيْرَ مشْرِفٍ ولا سَائِلٍ، فَخُذْهُ».

وأَشْرَفَ الْمَرِيضُ علَى الْمَوْتِ: إذا أَشْفَى عليه.

وأَشْرَفَ عَلَيْهِ: أَشْفَقَ، قال الشَّاعِرُ، أَنْشَدَهُ اللَّيْثُ:

وَمِنْ مُضَرَ الْحَمْرَاءِ إِشْرَافُ أَنْفُسٍ *** علينا وحَيَّاهَا إِلَيْنَا تَمَضَّرَا

ومُشْرِفٌ، كَمُحْسِنٍ: رَمْلٌ بِالدَّهْنَاءِ قال ذُو الرُّمَّةِ:

إِلَى ظُعُنٍ يَعْرِضْنَ أَجْوَازَ مُشْرِفٍ *** شِمَالًا وعَنْ أَيْمَانِهِنَّ الْفَوَارِسُ

ومُشَرَّفٌ، كَمُعَظَّمٍ: جَبَلٌ. قال قَيْسُ بن عَيْزارَةَ:

فإِنَّكَ لَوْ عَالَيْتَهُ في مُشَرَّفٍ *** مِن الصُّفْرِ أَوْ مِن مُشْرِفَاتِ القَّوائِم

هكذا فَسَّرَه أَبو عمرٍو، وقال غيرُه: أي في قَصْرٍ ذِي شُرُفٍ مِن الصُّفْرِ.

وشَرِيفَةُ، كَسَفِينَةٍ بنتُ محمدِ بنِ الفَضْلِ الفُرَاوِيِّ، حَدَّثَتْ عن جَدّها لأُمِّهَا طَاهِرٍ الشَّحَامِيِّ، وعنها ابنُ عَسَاكِرَ.

وشَرَّفَ الله الْكَعْبَةَ، تَشْرِيفًا، مِن الشَّرَفِ، مُحَرَّكَةً، وهو المَجْدُ.

وشَرَّفَ فُلَانٌ بَيْتَهُ، تَشْرِيفًا: جَعَلَ له شُرَفًا، وَلَيْسَ مِن الشَّرَفِ.

وتَشَرَّفَ الرَّجُلُ: صَارَ مُشَرَّفًا مِن الشَّرَفِ.

وتُشُرِّفَ الْقَوْمُ، بِالضَّمِّ، أي مَبْنِيًّا للمَجْهُولِ: قُتِلَتْ أَشْرَافُهُم، نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ.

واسْتَشْرَفَهُ حَقَّهُ: ظَلَمَهُ، وَمنه قَوْلُ ابنِ الرِّقَاعِ:

وَلَقَدْ يَخْفِضُ الْمُجَاوِرُ فيهمْ *** غَيْرَ مُسْتَشْرَفٍ ولَا مَظْلُومِ

واسْتَشْرَفَ الشَّيْ‌ءَ: رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيْهِ، وبَسَطَ كَفَّهُ فَوْقَ حَاجِبهِ، كَالْمُسْتَظِلِّ مِن الشَّمْسِ، نَقَلهُ الجوْهَرِيُّ، قال: وَمنه قَولُ الحُسَيْنِ بنِ مُطَيْرٍ الأَسَدِيّ:

فَيَا عَجَبًا للنَّاسِ يَسْتَشْرِفُونَنِي *** كَأَنْ لم يَرَوْا بَعْدِي مُحِبًّا ولا قَبْلِي

وَأَصْلُه مِن الشَّرَفِ: العُلُوّ؛ فإِنَّه يُنْظَر إليه مِن مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، فيكونُ أَكْثَرَ لإِدْرَاكِه، وفي حديثِ الفِتَنِ: «ومَنْ تَشَرَّفَ لها تَسْتَشْرِفْهُ، فمَن وَجَدَ مَلْجَأً أو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِه» ومنه حديثُ الأَضْحِيَةِ، عن عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه: «أُمِرْنَا أَن نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ والأُذُنَ»: أي نَتَفَقَّدَهُما، ونَتَأَمَّلَهُمَا، أي نَتَأَمَّلُ سلامَتَها مِن آفَةٍ بهما، لِئَلَّا يَكُون فِيهِما نَقْصٌ، مِن عَوَرٍ أو جَدْع، فآفَةُ العَيْنِ العَوَرُ، وآفَةُ الأُذُنِ الجَدْعُ، فإِذا سَلِمَتِ الأُضْحِيَةُ منهما جَازَ أَنْ يُضَحَّى [بها]، وقيل: مَعْنَاه أيْ نَطْلُبَهُمَا شَرِيفَيْنِ، هكذا في النُّسَخِ، والصَّوابُ: شَرِيفَتَيْن بِالتَّمَامِ سلَامةِ، وقيل: هو مِن الشُّرْفَةِ، وهو خِيَارُ المالِ، أي: أُمِرْنَا أَن نَتَخَيَّرَهُمَا.

وشَارَفَهُ، مُشارَفَةً: فَاخَرَهُ في الشَّرَفِ، أَيُّهما أَشْرَفُ، فَشَرَفَهُ: إذا غَلَبَهُ في الشَّرَفِ.

واسْتَشْرَفَ: انْتَصَبَ، وَمنه حديثُ أَبِي طَلْحَةَ، رضي الله تعالَى عنه: «أَنَّه كانَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فكان إذا رَمَى اسْتَشْرَفَهُ النَّبيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، لِيَنْظُرَ إِلَى مَواقِعِ نَبْلِهِ» قال:

تَطَالَلْتُ واسْتَشْرَفْتُهُ فَرَأَيْتُهُ *** فقُلْتُ له: آأَنْتَ زَيْدُ الأَرَامِلِ؟

وفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ: أي مُشْرِفُ الْخُلْقِ. وشَرْيَفَهُ: قَطَعَ شِرْيَافَه* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الاشْتِرَافُ: الانْتِصَابُ، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.

وَالتَّشْرِيفُ: الزِّيَادَةُ، ومنه قَوْلُ جَرِيرٍ:

إذا ما تَعَاظَمْتُمْ جُعُورًا فَشَرِّفُوا *** جَحِيْشًا إِذَا أَبَتْ مِنَ الصَّيْفِ عِيرُهَا

قال ابنُ سِيدَهُ: أَرَى أنَّ مَعْنَاهُ: إذا عَظُمَتْ في أَعْيُنِكم هذه القَبِيلةُ مِن قبَائِلِكم، فَزِيدُوا منها في جَحِيشِ هذه القَبِيلَةِ القَلِيلَةِ.

وَالجَمْعُ أَشْرَافٌ، كسَبَبٍ وأَسْبَابٍ، قال الأَخْطَلُ:

وَقد أَكَلَ الْكِيرَانُ أَشْرَافَهَا الْعُلَى *** وَأُبْقِيَتِ الْأَلْوَاحُ والْعَصَبُ السُّمْرُ

قال ابنُ بُزُرْجَ: قالُوا: لك الشُّرْفَةُ في فُؤَادِي علَى النَّاسِ.

وَأَشْرَفَ علَى الشَّيْ‌ءِ، كتَشَرَّف عَلَيه.

وَنَاقَةٌ شَرْفَاءُ: شُرَافِيَّةٌ.

وَضَبٌّ شُرَافيٌّ: ضَخْمُ الأُذُنَيْنِ، جَسِيمٌ، ويَرْبُوعٌ شُرَافيٌّ: كذلك، قال:

وَإِنِّي لأَصْطَادُ الْيَرَابِيعَ كُلَّهَا *** شُرَافِيَّهَا والتَّدْمُرِيَّ الْمُقَصَّعَا

وَأَشْرَفَ لك الشَّي‌ءُ: أَمْكَنَكَ.

وشَارَفَ الشَّيْ‌ءَ: دَنَا منه، وقَارَبَ أَنْ يَظْفَرَ به، وقيل: تَطَلَّعَ إِلَيْهِ، وحَدَّثَتْهُ نَفْسُه بِهِ، وتَوَقَّعَهُ.

وَمنه: فُلانٌ يتَشَرَّف إِبِلَ فُلانٍ، أي: يَتَعَيَّنُهَا، نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.

وَشَارَفُوهُمْ: أَشْرَفُوا عليهم.

وَالإِشْرَافُ: الحِرْصُ والتَّهَالُكُ، ومنه‌الحديثُ: «مَنْ أَخَذَ الدُّنْيَا بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَم يُبَارَكْ له فيها»، وقال الشاعر:

لَقَدْ عَلِمْتُ ومَا الْإِشْرَافُ مِنْ طَمَعِي *** أنَّ الذي هُوَ رِزْقي سَوْفَ يَأْتِينِي

وَنُهْبَةٌ ذَاتُ شَرَفٍ: أي ذَاتُ قَدْرٍ وقِيمَةٍ ورِفْعَةٍ، يَرْفَعُ النَّاسُ أَبْصَارَهم إِليها، ويَسْتَشْرِفُونَهَا، ويُرْوَى بالسِّينِ، وقد أَشَارَ له المُصَنِّفُ في «س ر ف».

وَاسْتَشْرَفَ إِبِلَهم: تَعَيَّنَها لِيُصِيبَها بالعَيْنِ.

وَدَنٌّ شَارِفٌ: قَدِيمُ الخَمْرِ، قال الأَخْطَلُ:

سُلَافَةٌ حَصَلَتْ مِنْ شَارِفٍ حَلِقٍ *** كَأَنَّمَا فَارَ منها أَبْجَرٌ نَعِرُ

وَشَرَّفَ النَّاقَةَ، تَشْرِيفًا: كادَ يَقْطَعُ أَخْلافَهَا بالصَّرِّ، قالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيِّ، وأَنْشَدَ:

جَمَعْتُهَا مِنْ أَيْنُقٍ غِزَارِ *** مِن اللَّوا شُرِّفْنَ بِالصِّرَارِ

أرادَ: مِنَ اللَّوَاتِي، وإِنَّمَا يُفْعَلُ ذلك بها ليَبْقَى بُدْنُها وَسِمَنُهَا، فيُحْمَل عليها في السَّنَةِ المُقْبِلَةِ.

وَثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ أَحْمَرُ، وقال أَيضًا: العُمَرِيَّةُ: ثِيَابٌ مَصْبُوغَةٌ بالشَّرَفِ، وهو طِينٌ أَحْمَرُ، وثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ بالشَّرَفِ، وأَنْشَدَ:

أَلا لا يَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيَّةٌ *** علَى غَمْلَجٍ طَالَتْ وتَمَّ قَوَامُهَا

وَيُقال: شَرْفٌ وشَرَفٌ للْمَغْرَةِ، وقال اللَّيْثُ: الشَّرَفُ: [شجرٌ له] صِبْغٌ أَحْمَرُ، يُقال له: الدَّارْ بَرْنَيان، وقال الأَزْهَرِيُّ: والقَوْلُ ما قَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ في المُشَرَّفِ.

وَكَعْبُ بنُ الأشْرَفِ، مِن رؤَسَاءِ اليهُودِ.

وَأَبو الشَّرْفَاءِ: مِن كُنَاهم، قال:

أَنا أبو الشَّرْفَاءِ مَنَّاعُ الْخَفَرْ

أَراد: مَنَّاعَ أَهْلِ الخَفَرِ.

وَالشُّرَفَا، والأَشْرَفِيَّاتُ، ومُنْيَةُ شَرَفٍ، ومُنْيَةُ شَرِيفٍ: قُرًى بمصرَ، من أَعْمَالِ المَنْصُورَةِ، ومُنْيَةُ شَرِيفٍ: أُخْرَى من الغَرْبِيَّةِ، وأُخْرَى مِن المَنُوفِيَّةِ.

وَمُشَيْرَفُ، مُصَغَّرًا: قَرْيَةٌ بالمَنُوفِيَّةِ، وهي في الدِّيوانِ: شُمَيْرَفُ، بتَقْدِيمِ الشّينِ، كما سيأتِي.

وَكزُبَيْرٍ: شُرَيْفُ بنُ جِرْوَةَ بنِ أُسَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ.

في نَسَبِ حَنْظَلَةَ الكاتبِ.

وَإِبراهيمُ بنُ شُرَيْفٍ، عن أبي طالبِ بنِ سَوادَةَ، وعنه عُمَرُ بنُ إبراهيمَ الحَدَّادُ.

وَشِرَافَةُ، بالكَسْرِ: قَرْيَةٌ بالمَوْصِلِ، ذكَرَه ابنُ العَلاءِ الفَرَضِيِّ.

وَشُرَّافَةُ المَسْجِدِ، كتُفَّاحةٍ، والجَمْعُ: شَرَارِيفُ، هكذا اسْتَعْمَلَهُ الفُقَهَاءُ، قال شيخُنَا: وهو من أَغْلاطِهِم، كما نَبَّه عليه ابنُ بَرِّيّ، ونَقَلَهُ الدَّمَامِينِيُّ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ.

وَقَطَع الله شُرُفَهُمْ ـ بضَمَّتَيْنِ ـ أي: أُنُوفَهم، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


60-تاج العروس (حل حلل حلحل)

[حلل]: حَلَّ المكانَ. وحَلَّ به يَحُلُّ ويَحِلُّ من حَدّيْ نَصَرَ وضَرَبَ وهو ممَّا جاءَ بالوَجْهَين كما ذَكَرَه الشيْخُ ابنُ مالِكٍ أَيْضًا حَلًّا وحُلولًا وحَلَلًا محرَّكةً بفَك التَّضْعِيفِ وهو نادِرٌ أَي نَزَلَ به.

وقالَ الرَّاغبُ: أَصْلُ الحلّ حَلُّ العُقْدةِ، ومنه {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي}.

وحَلَلْتُ: نَزَلْتُ، من حَلِّ الأَحْمالِ عنْدَ النُّزُولِ ثم جردَ اسْتِعْمَاله للنُّزُولِ فقيلَ: حَلُّ حُلولًا نَزَلَ.

وفي المِصْباح: حَلَّ العَذَابُ يَحُلُّ ويَحِلُّ حُلولًا، هذه وحْدُها بالضمِ والكسرِ والباقي بالكسرِ فقط فتأَمَّلْ كاحْتَلَّةُ، واحْتَلَّ به قالَ الكُمَيْتُ:

واحتلّ بركَ الشتاءِ منزلَهُ *** وبات شيخُ العيالِ يَصْطَلِبُ

قالَ ابنُ سِيْدَه: وكذا حَلَّ بالقَوْمِ وحَلَّهُم واحْتَلَّ بِهِم واحْتَلَّهُم، فإِمَّا أَنْ تكونا لُغَتَين، أَو الأَصْلُ حَلَّ به، ثم حُذِفَتِ الباءُ وأُوصلَ الفِعْل فقيلَ: حَلَّه فهو حَالُّ الجمع: حُلولٌ وحُلَّالٌ كعُمَّالٍ ورُكَّعٍ قالَ:

وقد أرى بالحي حيًّا حللا

وأَحَلَّهُ المكانَ وأَحَلَّهُ به وحَلَّلَهُ إِياهُ وحَلَّ به: جَعَلَهُ يَحُلُّ، عاقَبَتِ الباءُ الهَمْزَةَ، كذا في المُحْكَمِ، قالَ قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ:

دِيَار التي كانت تَحُلُّ على مِنًى *** تَحُلُّ بنا لولا نَجَاءُ الرَّكائِبِ

أي تَجْعلُنا نَحُلُّ. وقالَ تعالَى: {الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ}.

وحالَّهُ حَلَّ معه في دارِهِ.

وحَليلَتُكَ امْرَأَتُكَ وأنتَ حَليلُها لأَنَّ كلًّا يُحَالُّ صاحِبَه، وهو أَمْثَل من قولِ إنَّه من الحَلالِ أي يَحِلُّ لها وتَحِلُّ لهُ لأَنَّه ليسَ باسم شرعيٍّ إنَّما هو من قديمِ الأْسْماءِ، والجَمْعُ الحَلائِلُ، قالَ الله تعالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ} وقالَ أَوْسُ بنُ حجرٍ:

ولَسْتُ بأَطْلَسِ الثَّوْبَيْنِ يُصْبي *** حَلِيلَته إذا هَجَعَ النِّيَامُ

وقيلَ: حَلِيلَتُه: جارَتُه وهو منه لأَنَّهما يَحِلَّان بموضِعٍ واحِدٍ، وشاهِدُ الحَلِيلِ بمعْنَى الزَّوْجِ قَوْلُ عَنْتَرَة العَبْسِيّ:

وحَلِيل غانيةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلًا *** تَمْكُو فَرِيصَتُه كشِدْقِ الأَعْلَمِ

ويقالُ للمُؤَنَّثِ حَليلٌ أَيْضًا كما في المُحْكَمِ.

والحَلَّةُ قرية بناحيةِ دُجَيْلٍ من بَغْدادَ وأَيْضًا قُفٌّ من الشُّرَيْفِ بين ضَرِيَّةَ واليمامةِ في دِيارِ عكْلٍ أو موضع حَزْنٌ وصُخورٌ ببلادِ ضَبَّةَ مُتَّصِلٌ برملٍ.

والحَلَّةُ في اصْطِلاحِ أَهْلِ بغْدادَ كهَيْئةِ الزِنْبيلِ الكبيرِ من القَصَبِ يُجْعَلُ فيه الطعامُ نَقَلَه الصَّاغانيُّ.

قُلْتُ: وفي اصْطِلاحِ مِصْرَ يُطْلقُ على قدرِ النُّحاسِ لأَنَّه يَحلُّ فيها الطعامُ.

والحَلَّةُ: المَحَلَّةُ أي مَنْزلُ القَوْمِ.

والحلَّةُ: موضع بالشأمِ.

وحَلَّةُ الشَّي‌ءِ ويُكْسَرُ جِهَتُه وقَصْدُه قالَ سِيْبَوَيْه: زيد حِلةُ الغَوْرِ أي قَصْدُه وأَنْشَدَ لبشْرِ بن عَمْرٍو بنِ مَرْثد:

سَرَى بَعْدَ ما غَارَ الثريا وبَعْدَ ما *** كأَنَّ الثريّا حِلّةَ الغور مُنْخُل

والحِلَّةُ: بالكسرِ القومُ النُّزولُ اسمٌ للجَمْعِ، وأَيْضًا هيئةُ الحُلول، وأَيْضًا جماعةُ بُيوتِ الناسِ لأَنَّها تُحَلُّ، أو هي مائةُ بَيْتٍ جَمْعُ حِلالٍ بالكسرِ ويقالُ: حيُّ حِلالٌ أي كثيرٌ قالَ زُهَيْرُ:

لحَيٍّ حِلالٍ يَعْصِمُ الناسَ أَمْرُهُم *** إِذا طَرَقَت إِحْدى اللَّيَالي بمُعْظَمِ

والحِلَّةُ: أَيْضًا المَجْلِسُ؛ وأَيْضًا المُجْتَمَعُ الجمع: حِلالٌ بالكسرِ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: الحِلَّةُ شجرةٌ إذا أَكَلَتْها الإِبِلُ سَهُلَ خُرُوجُ لبَنِها. وقالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هي شجرةٌ شاكَةٌ أَصْغَرُ من العَوْسَجَةِ إلَّا أَنَّها أَنْعم ولا ثَمَرَ لها ولها وَرَقٌ صِغَارٌ وهي مَرْعَى صِدْقٍ ومَنَابِتُها غِلَظُ الأَرْضِ، وهي كثيرةٌ في مَنَابِتِها؛ قالَ في وَصْفِ بَعيرٍ:

يَأْكُلُ من خِصْبٍ سَيالٍ وسَلَمْ *** وحِلَّة لَمَّا يُوَطِّئْهَا النَّعَمْ

وقالَ غيرُه: هي التي يُسَمِّيها أَهْلُ البادِيَةِ الشِّبْرِق، وهي غَبْراءُ سَرِيعةُ النَّباتِ تنْبِتُ بالجَدَدِ والآكَامِ والحَصْباءِ ولا تَنْبِتُ في سَهْلٍ ولا جَبَلٍ.

وقالَ أَبُو عَمْرٍو: والحِلَّةُ القُنْبُلانِيَّة وهي الكَراخَةُ نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ. وقالَ الصَّاغَانيُّ: الكَراخَةُ بلغَةِ أَهْلِ السَّوادِ الشُّقَّةُ من البَوارِي. ولكن وُجِدَ في نسخِ التَّهْذِيبِ مَضْبوطًا بفتحِ الحاءِ وكذا يدُلُّ له سِيَاق العُبَابِ.

والحِلَّةُ المَزْيَدِيَّةُ: بلد بَناهُ أَميرُ العَرَبِ سَيْفُ الدَّولةِ أَبُو الحَسَنِ صَدَقَةُ بنُ مَنْصورِ بنِ دُبَيْسِ بنِ عليِّ بنِ مَزْيَدٍ بنِ مَرْثدٍ بنِ الدَّيَّانِ بنِ خالِدِ بنِ حيِّ بنِ زنجيّ بنِ عَمْرٍو بنِ خالِدٍ بنِ مالِكٍ بنِ عَوْفِ بن مالِكٍ بنِ ناشِرَة بن نَصْر بنِ سَوَاءَة بنِ سَعْد بن مالِكٍ بنِ ثَعْلَبةَ بنِ دُودَان بن أَسْدٍ الأَسَدِيُّ خَطَبَ له من الفُراتِ إلى البَحْرِ ولُقِّبَ بمَلِكِ العَرَبِ قُتِلَ في سَنَة 501، ووَلَدَاه تاجُ المُلُوكِ أَبُو النَّجْمِ بَدْران له شِعْرٌ حَسَنٌ جَمَعَه بعضُ الفُضَلاءِ في دِيوانٍ، وسَيْفُ الدَّولةِ أَبُو الأَغَرِّ دُبَيْسُ مَلِكُ الجَزِيرةِ إلى ما بَيْن الأَهوازِ ووَاسِط، ووَالِدُه أَبُو كامِلٍ بهاءُ الدَّوْلةِ مَنْصور وَلِيَ بعْدَ أَبيهِ أَرْبَع سِنِين تُوفي سَنَة 494، ووَالِدُه أَبُو الأَغَرِّ نُورُ الدَّولةِ دُبَيْس وَلِيَ سِتًّا وسِتِّين سَنَةً وله أَيادٍ على العَرَبِ تُوفي سَنَة 494، ووالِدُه سَنَدُ الدَولةِ عليّ مَلَكَ جَزِيرةِ بَنِي دُبَيْس سَنَة 445، ومَاتَ سَنَة 448.

وأَيْضًا قرية قُرْبَ الحُوَيْرَةِ بَنَاهَا ملكُ العَرَب أَبُو الأَغَرِّ دُبَيْسُ بنُ عَفَيفٍ الأَسَدِيُّ يَجْتَمِع مع المَزْيَدِيِّين في ناشرة ملك الجزيرةِ والأَهْوازِ ووَاسِط وتُوفي سَنَة 386 وخَلَفَ ثَلاثَةَ عَشَرَ ابْنًا آخِرُهم همامُ الدَّولةِ أَبُو الحَسَنِ صَدَقَةُ بنُ مَنْصورِ بنِ حُسَيْن بنِ دُبَيْس مَاتَ سَنَة 474 وانْقَرَضَ به ذلِكَ البَيْتُ.

وحِلَّةُ ابنُ قَيْلَةَ بلدٌ من أَعْمالِ المَذارِ والحُلَّةُ بالضمِ إِزارٌ ورِدَاءٌ بُرْدٌ أَو غيرُه كما في المُحْكَمِ. ويقالُ أَيْضًا لكل واحدٍ منهما على انْفِرَادِهِ حُلَّةٌ؛ وقيلَ: رِداءٌ وقميصٌ وتمامُها العِمامَةُ. وقيلَ: لا يَزَالُ الثَّوبُ الجَيِّدُ يقالُ له من الثِيابِ حُلَّةٌ، فإذا وَقَعَ على الإِنْسانِ ذَهَبَتْ حُلَّتُه حتى يَجْمَعهنَّ له إمَّا اثنانِ أَوْ ثَلَاثَة.

وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الحُلَلُ بُرودُ اليَمَنِ من مَوَاضِعَ مخْتَلِفَةٍ منها، فُسِّرَ الحدِيثُ: «خَيْرُ الكَفَنِ الحُلَّةُ». وقالَ غيرُه: الحُلَلُ الوَشْيُ والحبْرُ والخَزُّ والقَزُّ والقُوهِيُّ والمَرْوِيُّ والحَرِيرُ. وقيلَ: الحُلّةُ: كلُّ ثوب جِيِّدٍ جَديدٍ تَلْبسه غليظٍ أو رقيقٍ، قيلَ: ولا تكونُ حُلَّةً إلَّا من ثَوْبَيْنِ كما في المُحْكَمِ؛ زَادَ غيرُه: من جنسٍ واحِدٍ كما قيّد به في المِصْباحِ والنِّهايَةِ، سُمِّيَتْ حُلَّةٌ لأَنَّ كلَّ واحِدٍ من الثَّوْبَيْنِ يَحلُّ على الآخَر كما في إِرْشادِ السَّارِي أَوْ لأَنَّها من ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْن كما حلّ طَيّهُما ثم اسْتَمر عليها ذلِكَ الإسم كما قالَهُ الخَطَابيُّ ونَقَلَه السهيليُّ في الرَّوضِ؛ أو من ثَوبٍ له بِطانَةٌ، وعنْدَ الأَعْرَابِ من ثلاثَةِ أَثْوابٍ القَمِيصُ والإِزارُ والرِّداءُ.

والحُلَّةُ السِّلاحُ يقالُ: لَبِسَ فلانٌ حُلّتَه أي سِلاحُه نَقَلَه الصَّاغانيُّ الجمع: حُلَلٌ وحِلالٌ كقُلَلٍ وقِلالٍ.

وذو الحُلَّةِ لَقَبُ عَوْف بن الحَارِثِ بنِ عبدِ مَناةَ بن كنانَةَ بن خُزَيْمة بن مُدْركَةَ بن إلياس بن مُضَرَ.

والمَحَلَّةُ المَنْزِلُ ينْزِلُه القَوْمُ قال النابغَةُ الذُّبْيانيُّ:

مَحَلّتُهمْ ذاتُ الإلَهِ ودينُهُم *** قويمٌ فما يَرجُونَ غيرَ العَوَاقِبِ

يُريدُ: مَحَلَّتهم بَيْت المَقْدِسِ، ويُرْوَى مَجَلّتهم أَي كِتَابُهم الإِنْجِيل وقد تقدَّمَ، ويُرْوَى مَخَافَتهم.

والمَحَلَّةُ: بلد بمِصْرَ وهي مَحَلَّةُ دَقَلا وتُعْرَفُ بالكَبِيرةِ وهي قاعِدَةُ الغَرْبيَّةِ الآنَ مَدِينةٌ كَبيرةٌ ذاتَ أَسْواقٍ وحَمَّامات وبها تُصْنَعُ ثيابُ الحَرِيرِ المَوَشَّاة والدِّيباجُ وفاخِرُ الأَنْماطِ دَخَلْتُها مِرَارًا، وقد نُسِبَ إليها جماعَةٌ كثيرةٌ من المحدِّثِين وغَيْرِهم منهم الكَمالُ أَبُو الحَسَنِ عليُّ بنُ شجاعِ بنِ سَالِمِ العَبَّاسيّ المَحَلِيُّ سَبْط الإِمام الشاطِبيّ المُقْرئ حدَّثَ عن أَبِي القاسِمِ هِبَة الله بن عليِّ بنِ مَسْعود الأَنْصارِيّ وغَيْرِه، وعنه الشَّرفُ الدِّمْياطِيُّ وذَكَرَه في مُعْجَمِ شيُوخِه، ومن المُتَأَخِرين علَّامَةُ العَصْرِ الجَلال محمَّد بن أَحْمد المَحَليّ الشافِعِيّ شَارِح جَمْعِ الجَوَامِعِ، وعَبْدُ الجَوَادِ بنُ القاسِمِ بنِ محمَّدٍ المَحَلِيُّ الشافِعِيُّ الضَّريرُ وُلِدَ بها سَنَة 1050 وقَدِمَ مِصْرَ فقَرَأَ على الشبراملسي وسلطان المزاحي، أَخَذَ عنه شيْخُ شيوخِنَا مُصْطَفَى بنُ فَتْحِ الله الحَمَويّ وعَبْدُ الرَّحْمن بنُ سُلَيمان المَحَلِيُّ الشافِعِيُّ الشيْخُ المُحَقِّقُ، وُلِدَ بها وقَدِمَ مِصْرَ وأَخَذَ عن الشبراملسي ونَزِلَ دِمْياط وله حاشِيَةٌ على البَيْضَاويّ تُوفي بها سَنَة 1097.

والمَحَلَّةُ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا أخَرَ، وقالَ بعضُهم: خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، قالَ الحافِظُ في التَّبصيرِ: بلْ بمِصْرَ نحو مائَة قَرْيةٍ يقالُ لكلٍّ منها مَحَلَّةُ كذا.

قلْتُ: وتَفْصِيلُ ذلِكَ: مَحَلَّةُ دمنا، ومَحَلَّةُ إِنْشَاق كِلَاهما في الدَّقْهَلِيَّة وقَدْ دَخَلْتُهما، ومَحَلَّةُ مَنُوف، ومَحَلَّةُ كرمين، ومَحَلَّتا أَبي الهَيْثَمِ وعليٍّ، ومَحَلَّةُ المَحْرُومِ وتُعْرفُ الآنَ بالمَرْحُومِ وسَتَأْتي في حَرَمَ، ومَحَلَّةُ مسيرٍ، ومَحَلَّةُ الدَّاخِلِ، ومَحَلَّةُ أَبي الحَسَنِ، ومَحَلَّةُ روح وقَدْ دَخَلْتُها، ومَحَلَّةُ أَبي عليٍّ المُجَاورَة لشبشير، ومَحَلَّةُ أَبي عليٍّ، ومَحَلَّةُ نَسِيبٍ، ومَحَلَّةُ إسْحقَ، ومَحَلَّةُ مُوسَى، ومَحَلَّةُ العَلَويِّ، ومَحَلَّةُ القَصَبِ الغَرْبِيةِ، ومَحَلَّتا مالِكٍ وإسْحقَ، ومَحَلَّتا أَبْكم وأَمَّ عِيْسَى، ومَحَلَّةُ قلاية وهي الكَنِيْسةُ، ومَحَلَّةُ الجنْدِيّ، ومَحَلَّةُ أَبي العطاف، ومَحَلَّتا يحْنَس ونَامُون، ومَحَلَّةُ جُرَيْح، ومَحَلّتا كميسٍ والخَادِمِ، ومَحَلَّةُ سُلَيْمان، ومحلةُ حَسَنٍ، ومَحَلَّةُ بُصْرَى، ومَحَلَّةُ بطيطٍ، ومَحَلَّةُ نُوحٍ، ومَحَلَّةُ سموا، ومَحَلَّةُ عليٍّ من كفورِ دِمْيَاط، هَؤُلاء كُلُّها في الغَرْبيةِ، ومَحَلَّةُ أَبِي عليّ القَنْطَرة، ومَحَلَّتا زِيادٍ ومقارة، ومَحَلَّةُ البُرْجِ، ومَحَلَّةُ خَلَف، ومَحَلَّةُ عَيَّاد هَؤُلاء في السَّمْنُودية؛ ومَحَلَّةُ بطرة في الدنجاوية، ومَحَلَّةُ سبك في المَنُوفية ومَحَلَّةُ اللَّبَنِ في جَزِيرةِ بَنِي نَصْر، ومَحَلَّتا نَصْر ومَسْرُوقٍ، ومَحَلَّةُ عَبْدِ الرَّحْمن، ومَحَلَّةُ الأَميرِ، ومَحَلَّةُ صا، ومَحَلَّةُ دَاوُد، ومَحَلَّةُ كيل، ومَحَلة مُرْقس، ومَحَلَّةُ زيال، ومَحَلَّةُ قَيْسٍ، ومَحَلَّةُ فرنوا، ومَحَلَّةُ مارِيَّةَ، ومَحَلَّتا الشيْخِ ومصِيلٍ، ومَحَلَّةُ نكلا، ومَحَلَّةُ حَسَنٍ، ومَحَلَّةُ الكُرُومِ مَرَّتَيْن، ومَحَّلَةُ متْبُولٍ، ومَحَلَّةُ بشْرٍ، ومَحَلَّةُ باهتٍ، ومَحَلَّةُ عُبَيْدٍ هَؤُلاء في البُحَيْرةِ، ومَحَلَّةُ حفْصَ، ومَحَلَّةُ حَسَنِ، ومَحَلَّةُ بَنِي وَاقدٍ، ومَحَلَّةُ جَعْفَرٍ، ومَحَلَّةُ بييجٍ، ومَحَلَّةُ أَحْمدَ من حوف رَمْسِيس، ومَحَلَّةُ نُمَيْرٍ من الكفور الشاسِعَةِ؛ ومن مَحَلَّةِ عَبْدِ الرَّحْمن السَّيِّدُ الفَاضِلُ دَاوُد بنُ سُلَيْمان الرحمانيُّ الشافِعِيُّ وُلِدَ بها سَنَة 1025 وقَدِم مِصْرَ وأَخَذَ من الشَّوْبريِّ والبَابِلِيِّ والمزاحيِّ والشبراملسيِّ وعنه شيْخُ شيوخِنا مُصْطَفَى بن فَتْح اللهِ الحَمَويّ تُوفي سَنَة 1078؛ ومن مَحَلَّةِ الدَّاخِلِ الشَّهابُ أَحْمدُ بنُ أَحْمدَ الدَّوَاخِلِيُّ الشافِعِيُّ أَخَذَ عنه الشهابُ العجميّ؛ وغالِبُ من يُنْسَبُ إلى هذه المَحَلَّات فإلى الجزءِ الأَخيرِ إلَّا المَحلَّة الكُبْرَى فإنَّه يقالُ في النِّسْبَةِ إليها المَحَليُّ كما تقدَّمَ.

ورَوْضَةٌ مِحْلالٌ أَكْثَرَ الناسُ الحُلولُ بها، نَقَلَه الصَّاغانيُّ؛ قالَ ابنُ سِيْدَه: وعنْدِي أَنَّها تُحَلُّ الناسِ كثيرًا لأَنَّ مفعالًا إنَّما هو في معْنَى فاعِلٍ لا مَفْعولٍ. وكذا أَرْضٌ مِحُلالٌ وهي السَّهْلَةُ اللَّيِّنَةُ قالَ امْرَؤُ القَيْسِ:

وتَحْسِبُ سَلمى لا تَزَالُ تَرى طلًّا *** من الوَحش أَو بَيْضًا بميثاءِ مِحْلالِ

وقالَ الأَخْطَلُ:

وشَرِبْتها بأَرِيضَة مِحْلال الأَرِيضَةُ: المُخْصِبة، والمِحْلَالُ: المُخْتارَة للحِلَّةِ والنُّزُولِ. وقيلَ: لا يقالُ للرَّوْضةِ والأَرْضِ مِحْلالٌ حتى تُمْرِعَ وتُخْصِبَ ويكون نَبَاتُها ناجِعًا للمالِ، قالَ ذو الرُّمَّةِ:

بأَجْرَعَ مِحْلالٍ مِرَبٍّ مُحَلَّل

وقالَ ابنُ السِّكِّيت: المُحِلَّتان بضمِ الميمِ وكسرِ الحاءِ القِدْرُ والرَّحَى، وإذا قيلَ: المُحِلَّاتُ فهي هُما أَي القِدْرُ والرُّحَى والدَّلُو والقِرْبَةُ والجَفْنَةُ والسِّكِّينُ والفَأْسُ والزَّنْدُ لأَنَّ من كُنَّ مَعَه حَلَّ حيث شَاءَ وإلَّا فلا بُدَّ له من أَنْ يُجَاوِرَ الناسَ ليَسْتَعِيرَ بعضَ هذه الأَشْياءَ منهم وأَنْشَدَ:

لا تَعْدِلَنَّ أَتاوِيِّين تَضْرِبُهم *** نَكْباءُ صِرُّ بأَصْحابِ المُحِلَّاتِ

الأَتَاوِيُّون: الغُرَباءُ، هذه رِوَايةُ ابن السِّكِّيت، ورَوَاه غيرُه: لا يَعْدِلنَّ كما في العُبَابِ.

وتَلْعَةٌ مُحِلَّةٌ تَضُمُّ بَيْتًا أَو بَيْتَيْنِ كما في العُبَاب.

وحَلَّ من إِحْرامِهِ يَحِلُّ، من حدِّ ضَرَبَ، حِلًّا بالكسرِ وحَلالًا. وأَحَلَّ خَرَجَ منه مُسْتعارٌ من حَلّ العُقْدَة قالَ زُهَيْر:

جَعَلْن القَنانَ عن يَمينٍ وجَزْنَه *** وكم بالقَنانِ من مُحِلٍّ ومُحْرِم

فهو حَلالٌ لا حالُّ وهو القِياسُ لكنَّه غيرُ وَارِدٍ في كَلامِهِم بعد الاسْتِقْراءِ فلا ينافى أَنَّ القِياسَ يَقْتَضِيه لأَنَّه ليسَ كلّ ما يَقْتَضِيه القِياسُ يجوزُ النُّطْق به واسْتِعْمَاله كما علم في أُصُولِ النَّحو وهناك طائِفَةٌ يُجَوِّزون القِيَاسَ مُطْلقًا وإنْ سُمِعَ غيرُه، والمَعْرُوفُ خِلافَه قالَهُ شيْخُنا.

واسْتُعِير من الحُلُولِ بمعْنَى النُّزُولِ قَوْلهم حَلَّ الهَدْيُ يَحِلُّ، من حَدِّ ضَرَبَ حِلَّةً بالكسرِ وحُلولًا بالضمِ بَلَغَ المَوْضِعَ الذي يَحِلُّ فيه نَحْرُهُ، وأَخْصَر منه إذا بَلَغَ مَوْضِعَ حل نَحْره. واسْتُعِير من حُلُول العُقْدَةِ: حَلَّتِ المرْأَةُ حِلَّا وحولًا خَرَجَتْ من عِدَّتِها.

ويقالُ: فَعَلَهُ في حِلِّهِ وحِرْمِهِ بالكسرِ والضمِ فيهما أي في وَقْتِ إحْلالِهِ وإِحْرامِهِ.

والحِلُّ بالكسرِ ما جاوَزَ الحَرَمَ، ومنه الحدِيثُ: خَمْس يُقْتَلْن في الحِلِّ والحَرَمِ».

ورجُلٌ مُحِلُّ مُنْتَهِكٌ للحَرامِ أو الذي لا يَرَى للشَّهْرِ الحَرامِ حُرْمَةٌ، وفي حدِيثِ النَّخعِيّ: «أَحِلَّ بمن أَحَلَّ بكَ»، أي من تَرَك الإحْرامَ وأَحَلَّ بكَ وقاتَلَكَ فأَحْلِل به وقاتِلْه وإِنْ كنْتَ مُحْرمًا. قالَ الصَّاغَانِيُّ: وفيه قَوْلٌ آخَر وهو، أَنَّ كلَّ مُسْلم مُحْرمٌ عن أخيهِ المُسْلم مُحرَّمٌ عليه عِرْضُه وحُرْمته ومالُه يقولُ: فإذا أَحَلَّ رجُلٌ بما حَرُم عليه منك فادْفَعْه عن نفْسِك بما قَدِرْتَ عليه.

والحَلالُ ويكُسَرُ ضِدُّ الحَرامِ مُسْتَعار من حَلِّ العُقْدَةِ وهو ما انْتَفَى عنه حُكْم التَّحْريمِ فيَنْتَظم بذلِكَ ما يُكْرَه وما لا يُكْرَه ذَكَرَه الحراليُّ، وقالَ غيرُه: ما لا يُعَاقَبُ عليه كالحِلّ بالكسرِ.

والحَلِيلُ كأَميرٍ وقد حَلَّ يَحِلُّ حِلًّا بالكسرِ وأَحَلَّه الله وحَلَّلَهُ إحْلالًا وتَحْليلًا، يقالُ: هو حِلُّ لك أي حَلَالٌ، وقيلَ: طَلْقٌ. ومن كَلامِ عَبْدِ المُطَّلبِ في زَمْزَمَ: «لا أُحِلُّها لمُغْتَسِلٍ وهي لشَارِب» حِلُّ وبِلُّ»، قيلَ: بِلُّ إتْبَاع، وقيلَ: مُبَاحٌ، حِميَرِيَّةٌ، وقد ذُكِرَ في الباءِ الموحَّدَةِ.

واسْتَحَلَّهُ اتَّخَذَهُ حَلالًا، وفي العُبَابِ: عَدَّه حَلالًا، ومنه الحدِيثُ: «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ الله الثَّمَرَ بم تَسْتَحِلّ مالَ أَخِيك»؛ أو اسْتَحَلَّه سأَلَهُ أَنْ يُحِلَّهُ له كما في المُحْكَمِ.

وكسَحابٍ الحَلالُ بنُ ثَوْرِ بنِ أَبي الحَلالِ العَتَكِيُّ عن عَبْدِ المَجيدِ بنِ وَهَبٍ رَوَى عنه أَخُوه عُبَيْدُ الله بنِ ثَوْرٍ، وأَبُو الحَلالِ جَدُّهما اسْمُه رَبِيعةُ زَرَارَة تابِعِيُّ بَصْرِيُّ من عُثْمان بن عَفَّان رَضِيَ اللهُ تعالى عنه، وعنه هَشِيم وقد قيلَ اسْمُه زرَارَةُ بنُ رَبِيعَةَ قالَهُ ابنُ حَبَّان، والحَلالُ بنُ أَبي اسْمُه زرَارَةُ بنُ رَبِيعَةَ قالَهُ ابنُ حَبَّان، والحَلالُ بنُ أَبي الحَلالِ العَتَكِيُّ يَرْوِي المَرَاسِيلَ، رَوَى عنه قَتَادَةُ قالَهُ ابنُ حَبّان، وبِشْرُ بنُ حَلالٍ العَدَوِيُّ من أَتْباعِ التابِعِيْن رَوَى عن‌ الحَسَنِ البَصْرِيِّ جالَسَهُ عِشْرِينَ سَنَةٍ وعنه عِيْسَى بنُ عُبَيْدٍ المَرُوزِيُّ قالَهُ ابنُ حَبَّان، وأَحَمْدُ بنُ حَلالٍ حدِيثُه عنْدَ المِصْرِيِّين، مُحَدِّثونَ.

ومن المجازِ: الحُلْوُ الحَلالُ: الكَلامُ الذي لا رِيْبَةَ فيه أَنْشَدَ ثَعْلَب:

تَصَيَّدُ بالحُلْوِ الحَلالِ ولا تُرَى *** على مَكْرَهٍ يَبْدو بها فيَعِيب

والحِلالُ بالكسرِ مَرْكَبٌ للنِّساءِ قالَهُ اللَّيْثُ، وأَنْشَدَ لطُفَيْل الغنويّ:

وراكضةٍ ما تَسْتَجِنُّ بحُنَّة *** بغير حِلالٍ غادَرَتْه مُجَعْفَلِ

وأَيْضًا مَتاعُ الرَّحْلِ من البَعيرِ، ويُرْوَى بالجيمِ أَيْضًا وفسَّرَ قَوْلُه:

ومُلْوِيَةٍ تَرى شَماطِيطَ غارة *** على عَجَلٍ ذَكَّرْتُها بِحِلالِها

بثيابِ بدَنِها وما على بَعِيرِها، والمَعْرُوفُ أَنَّه المَرْكَبُ أَو مَتاعُ الرَّحْلِ لا ثيابُ المَرْأَةِ، ومعْنَى البَيْتِ على ذلِكَ: قُلْتُ لها ضُمِّي إليكِ ثِيابَك وقد كانَتْ رَفَعَتْها من الفَزْع. وقالَ الأَعْشَى:

فكأَنَّها لم تَلْقَ سِتَّة أَشْهر *** ضُرًّا إذا وَضَعَتْ إليك حِلالَها

وحَلَّلَ اليَمينَ تَحْليلًا وتحِلَّةً وتَحِلًّا، وهذه شاذَّةٌ، كَفَّرَها، والاسمُ من ذلِكَ الحِلُّ بالكسرِ قالَ:

ولا أَجْعَلُ المَعْرُوفَ حِلَّ أَلِيَّةٍ *** ولا عِدَّةً في الناظِرِ المُتَغَيَّب

والتَّحِلَّةُ: ما كُفِّرَ به ومنه قَوْلُه تعالَى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}؛ وقَوْلُهم لأَفْعَلَنَ كذا إلَّا حِلُّ ذلك أَنْ أَفْعَلَ كذا، أي ولكن حِلُّ ذلك، فحِلُّ مُبْتَدأَةٌ وما بعْدَها مَبْنيُّ عليها، وقيلَ: معْنَاه تَحِلَّةُ قَسَمِي أو تَحْلِيلُه أَنْ أَفْعَلَ كذا. وفي الحدِيثِ: «لا يموتُ للمُؤْمِنِ ثلاثَةُ أَوْلادٍ فتَمَسَّه النارُ إلَّا تَحِلَّة القَسَم»؛ قالَ أَبُو عُبَيْدٍ: معْنَاهُ قَوْل الله تعالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها}، فإذا مَرَّ بها وجَازَها فقَدْ أَبَرَّ الله قَسَمَه. قالَ القتيبيُّ: لا قسم في قَوْله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها} فيكون له تَحِلَّة؛ ومعْنَى قَوْله إلَّا تَحِلَّة القَسَمِ إلَّا التَّعْزِيز الذي لا يَبْدَؤُه منه مَكْرُوهٌ، وأَصْلُه من قَوْلِ العَرَبِ: ضَرَبَه تَحْليلًا وضَرَبَه تَعْزِيرًا إذا لم يُبَالِغ في ضَرْبِه، ومنه قَوْلُ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ رَضِيَ الله تعالَى عنه:

تَخْدِي على يَسَرات وهي لاحِقَة *** ذَوَابِلَ وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْلِيل

وأَصْلُه من قَوْلِهم: تَحَلَّلَ في يَمينِهِ إذا حَلَفَ ثم اسْتَثْنَى اسْتِثْناءً مُتَّصِلًا قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

ويومًا على ظهرِ الكثيبِ تَعَذَّرَتْ *** عليّ وآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ

وقالَ غيرُه:

أَرَى إِبِلِي عافَتْ جَدُودَ فلم تَذُقْ *** بها قَطْرَةً إلَّا تَحِلَّة مُقْسِم

وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:

قليلًا لتحليلِ الألى ثمّ قَلصَتْ *** به شيمةٌ ردعاءُ تقليصَ طائرِ

ثم جُعِلَ مَثَلًا لكلِّ شي‌ءٍ يَقلُّ وَقْتُه. وقالَ بعضُهم القَوْلُ ما قالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ لأنَّ تفْسِيرَه جَاءَ مَرْفوعًا. وفي حدِيثٍ آخَرَ: «من حَرَسَ لَيلةً من وَرَاء المُسْلمين مُتَطَوِّعًا لم يأْخذْه السُّلطانُ لم يَرَ النارَ إلَّا تَحِلَّة القَسَم»؛ قالَ الله تعالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها}. قالَ: ومَوْضِعُ القَسَم مَرْدُودٌ إلى قَوْلِه {فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ}، والعَرَبُ تُقْسِمُ وتُضْمِرُ المُقْسَم به. ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ}.

وأَعْطِه حُلَّانَ يَمينِه بالضمِ أي ما يُحَلِّلُها نَقَلَه ابنُ سِيْدَه، وهي الكَفَّارَةُ، قالَ: والمُحَلِّلُ كمُحَدِّثٍ من الخَيْلِ الفَرَسُ الثالِثُ في ـ وفي المُحْكَمِ: من ـ خَيْلِ الرِّهانِ، وهو أَنْ يَضَعَ رَجُلانِ رَهْنَين ثم يَأْتي آخَرُ فيُرْسِلُ مَعَهما فَرَسَه بِلا رَهْنٍ إنْ سَبَقَ أَحَدُ الأَوَّلَيْن أَخَذَ رَهْنَيْهما وكان حَلالًا لأَجْلِ الثالِثِ وهو المُحَلِّلُ، وإنْ سَبَقَ المُحَلِّلُ أَخَذَهُما، وإنْ سُبِقَ فما عليه شي‌ءٌ، ولا يكونُ إلَّا فيمَنْ يُؤْمَن أَنْ يَسْبق، وأَمَّا إنْ كانَ بَلِيدًا بَطِيئًا قَدْ أُمِن أَنْ يَسْبِق فهو القِمَارُ، ويُسَمَّى أَيْضًا الدَّخِيلُ.

والمُحَلِّلُ في النِكاحِ: مُتَزَوِّجُ المُطَلَّقَةِ ثلاثًا لِتَحِلَّ للزَّوْجِ الأَوَّلِ، وفي الحدِيثِ: «لَعَنَ الله المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له». وجاء في تفسِيرِه: أنَّه الذي يَتَزَوَّجُ المُطَلَّقَةَ ثلاثًا بشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَها بعْدَ وَطْئِها لتَحِلَّ للأَوَّلِ. وقد حَلَّ له امْرَأَتَه فهو حَالُّ وذَاكَ مَحْلُولٌ له إذا نَكَحَها لتَحِلَّ للزَّوْجِ الأَوَّلِ.

وضَرَبَهُ ضَرْبًا تَحْليلًا أي كالتَّعْزِيزِ وقد سَبَقَ أَنَّه مُشْتَقُّ من تَحْليلِ اليَمين ثم أُجْرِي في سائِرِ الكَلامِ حتى قيلَ في وَصْفِ الإِبِلِ إذا بَرَكَتْ.

وحَلَّ العُقْدَةَ يَحُلُّها حَلٍّا نَقَضَها وفَكَّها وفَتَحَها، هذا هو الأَصْلُ في مَعْنَى الحَلِّ كما أَشَارَ إِليه الرَّاغِبُ وغَيْرُه، فانْحَلَّتْ انْفَتَحَتْ وانْفَكَّتْ.

وكلُّ جامِدٍ أُذيبَ فقد حُلَّ حَلٍّا كما في المُحْكَمِ، ومنه قَوْلُ الفَرَزْدقِ:

فما حِلَّ من جَهْلٍ حُبَا حُلَمَائِنا *** ولا قائلُ المَعْرُوفِ فِيْنا يُعَنَّفُ

أَرادَ حُلَّ بالضمِ فطَرَحَ كَسْرَةَ اللامِ على الحاءِ؛ قالَ الأَخْفَشُ: سَمِعْنا من ينْشِدُه هكذا.

وحُلَّ المكانُ مَبْنِيًا للمَفْعولِ أَي سُكِنَ ونُزِلَ به.

والمُحَلَّلُ كمُعَظَّمٍ الشي‌ءُ اليَسيرُ قالَ امْرُؤُ القَيْسِ يَصِفُ جارِيَةً:

كبِكْرِ المُقاناةِ البَيَاض بصُفْرة *** غَذَاها نَمِير الماءِ غَيْر مُحَلَّلِ

أَي غَذَاها غِذَاءً، ليسَ بمُحَلَّل أَي ليسَ بيَسِيرٍ ولكنَّه مُبَالَغ فيه.

وكلُّ ماءٍ حَلَّتْهُ الإِبِلُ فَكَدَّرَتْهُ مُحَلَّلٌ ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ امْرُؤُ القَيْسِ أَرَادَ بقَوْلِه هذا المَعْنَى أَي غَيْر مَحْلول عليه أَي لم يَحل عليه فيُكَدَّرُ. وقيلَ: أَرَادَ ماءَ البَحْرِ لأَنَّ البَحْرَ لا يُنْزَل عليه لأَنَّ ماءَه زُعَاقٌ لا يُذَاقُ فهو غَيْرٌ مَحَلَّلٍ أَي غَيْر مَنْزولٍ عليه، ومَنْ قالَ غَيْر قَلِيلٍ فليسَ بشي‌ءٍ لأَنَّ ماءَ البَحْرِ لا يُوصَفُ بقِلَّةِ ولا كَثْرةٍ لمجاوِزَةِ حدِّه الوصْفَ. وفي العُبَابِ: عَنَى بالبِكْرِ دُرَّة غَيْر مَثْقُوبَةٍ.

وحَلَّ أَمْرُ الله عليه يَحِلَّ حُلولًا وجَبَ هو من حَدِّ ضَرَبَ، وقيلَ إِذا قُلْت حَلَّ بهم العذابُ كانَتْ يَحُلُّ لا غَيْر، وإِذا قُلْت عَليَّ أَو يَحِلُّ لَكَ فهو بالكسرِ؛ ومن قَرَأَ يَحُلُّ عَلَيكُم غَضَبٌ من ربِّكُم فَمَعْنَاهُ يَنْزِلُ. وفي العُبَابِ: حَلَّ العَذَابُ يَحِلُّ بالكسرِ أَي وَجَبَ، ويَحُلُّ بالضمِ أَي نَزَلَ. وقَرَأَ الكِسائيُّ قَوْلَه تعالَى: فيَحُلُّ عَلَيكُم غَضَبي، ومَنْ يَحْلُل بضمِ الحاءِ واللامِ والبَاقُون بكسرِها. وأَمَّا قَوْلُه تعالَى {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دارِهِمْ} فبالضمِ أَي تَنْزِلُ. وفي المِصْباحِ: حَلَّ العَذابُ يَحِلُّ ويَحُلُّ حُلولًا هذه وحْدُها بالضمِ والكسرِ والباقي بالكسرِ فقط وقد مَرَّ ذلك في أَوَّلِ المادَّةِ.

وأَحَلَّه الله عليه: أَوْجَبَه.

ومن المجازِ: حَلَّ حَقِّي عليه يَحِلُّ بالكسرِ مَحِلًّا بكسرِ الحاءِ وَجَبَ أَحَدُ ما جَاءَ مَصْدَرُهُ على مَفْعَلٍ كالمَرْجِعِ والمَحِيْصِ ولا يُطَّرَدُ بل يُقْتَصَرُ على ما سُمِعَ وحَلَّ الدَّيْنُ صَارَ حالًّا أَي انْتَهَى أَجَلُه فوَجَبَ أَدَاؤُه، وكانَت العَرَبُ إِذا رَأَتِ الهلالَ قالَتْ: لا مَرْحَبًا بمُحِلِّ الدَّين ومُقَرِّب الآجَالِ.

وأَحَلَّتِ الشاةُ والناقَةُ: قَلَّ لَبَنُها. وفي المُحْكَمِ: دَرَّ لَبَنُها، أَو يَبِسَ فأَكَلَتِ الرَّبيعَ فَدَرَّتْ وهي مُحِلٌّ، وفي العُبَابِ: إِذا نزِل اللَّبَنُ في ضَرْعِ الشاةِ من غَيْرِ نِتاجٍ فقَدْ أَحَلَّتْ قالَ أَمَيَّةُ بنُ أَبي الصَّلْتِ:

غُيوث تَلتَقِي الأَرحامُ فيها *** تُحِلُّ بها الطَّروقةُ واللِّجاب

قال ابنُ سِيْدَه: هكذا عبره بعضُهم وهُما مُتَقَارِبان؛ قالَ: وأَحَلَّتِ الناقَةُ على ولدِها: دَرَّ لبنُها، عُدِّي بعلَى لأَنَّه في مَعْنَى دَرَّتْ.

وتَحَلَّلَ السَّفَرُ بالرَّجُل إِذا اعْتَلَّ بعدَ قُدُومِهِ كما نَقَلَه ابنُ سِيْدَه قالَ: والإِحْليلُ والتِّحْليلُ بكسرِهما مَخْرَجُ البَوْلِ من ذَكَرِ الإِنْسانِ ولو اقْتَصر على الذَّكَرِ أَو عَلَى مِن الإِنْسانِ كما فَعَلَه ابنُ سِيْدَه كانَ أَخْصَر. قالَ الرَّاغِبُ: سُمِّي به لكَوْنِه مَحْلُول العُقْدَةِ. وأَيْضًا مَخْرَجُ اللَّبَن من الثّدْي والضَّرْعِ والجَمْعُ أَحَالِيلُ قالَ كَعْبُ بنُ زهَيْرٍ رَضِيَ الله تعالى عنه:

تُمِرُّ مثلَ عَسِيب النَّحْل ذا خُصَلٍ *** في غارِز لم تُخَوِّنه الأَحَالِيل

والحَلَلُ محرَّكةً رَخاوَةٌ في قَوائِمِ الدَّابَّةِ أَو واسْتِرخَاءٌ في العَصَبِ وضَعْفٌ في النّسَا مَعَ رَخاوَةِ الكَعْبِ. يقالُ: فَرَسٌ أَحَلُّ وذِئْبٌ أَحَلُّ بَيِّنُ الحَلَلِ أَو يَخُصُّ الإِبِلَ، وفي العُبَابِ: هو ضَعْفٌ في عُرْقُوبِ البَعِيرِ، وفي المُحْكَمِ: عُرْقُوبي البَعيرِ، فهو بَعِيرٌ أَحَلُّ بَيِّنُ الحَلَلِ وإِن كانَ في رِجْلِه فهو الطَّرَق. والأَحَلُّ الذي في رِجْلِه اسْتِرخاءٌ، وهو مَذْمومٌ في كلِّ شي‌ءٍ إِلَّا الذِّئْبِ، قالَ الطِّرِمَّاحُ:

يُحِيلُ به الذِّئْبُ الأَحَلُّ وَقُوتُه *** ذَوات المَرادِي من مَناقٍ ورُزَّحِ

يُحِيلُ به أَي يُقِيمُ به حَوْلًا وليسَ بالذِّئْبِ عَرَجٌ وإِنمَّا يُوصَفُ به بجَمَعٍ يُؤْنَسُ منه إِذا عَدا.

والحَلَلُ أَيْضًا الرَّسَحُ، وامْرَأَةٌ حَلَّاءُ رَمْحاءُ. وأَيْضًا وَجَعٌ في الوَرِكَيْنِ والرُّكْبَتَيْنِ وقيلَ: هو أَنْ يكونَ مَنهُوس المُؤْخِر أَرْوَح الرِّجْلين. وقد حَلِلْتَ يا رجُلُ كفَرِحَ حَلَلًا والنَّعْتُ في كلِّ ذلِكَ للمُذَكَّرِ أَحَلُّ، وللمُؤَنَّثِ حَلَّاءُ، وفيه حَلَّةٌ بالفتحِ ويُكْسَرُ، ضُبِطَ بالوَجْهَيِنِ في المُحْكَمِ أَي ضَعْفٌ وفَتورٌ وتَكَسُّرٌ.

والحِلُّ: بالكسرِ الغَرَضُ الذي يُرْمَى إِليه.

والحُلُّ: بالضمِ جَمْعُ الأَحَلِّ من الخَيْلِ والإِبِلِ والذِّئابِ.

والحَلُّ: بالفتحِ الشَّيْرَجُ وهو دُهْنُ السّمْسمِ والحُلَّانُ بالضمِ الجَدْيُ أَو الحَمَلُ الصَّغيرُ، وهو الخَرُوفُ، وقيلَ: هو لغَةٌ في الحلام وهو ولدُ المِعْزَى قالَهُ الأَصْمَعِيُّ، ورُوِي أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ الله تعالَى عنه قَضَى في الأَرْنَبِ إِذا قَتَلَه المُحْرِمُ بحُلَّانِ وفُسِّرَ بجَدْيٍ ذَكَرٍ؛ وأَنَّ عُثْمانَ رَضِيَ الله تعالَى عنه قَضَى في أُمِّ حبين بحُلَّانٍ وفُسِّرَ بحَمَلٍ، أَو خاصُّ بما يُشَقُّ عن بَطْنِ أُمِّه فَيُخْرَجُ، وفي المُحْكَمِ: عنه بَطْنُ أُمُّه، زَادَ غيرُه: فوَجَدْته قد حمم وشعر وقيلَ: إِنَّ أَهْلَ الجاهِلِيَّةَ كانُوا إِذا ولدوا شاةً شَرَطُوا أُذُنَ السَّخْلَةِ وقالُوا حُلَّان أَي حَلالٌ بهذا الشِّرْطِ أَنْ يُؤْكَلَ وذَكَرَه اللّيْثُ في هذا التَّرْكيبِ وقالَ: جَمْعُه حلالين وأَنْشَدَ لابنِ أَحْمر:

تُهدِي إِليه ذِراعَ الجَفْرِ تَكْرِمَةً *** إِمّا ذَبيحًا وإِمّا كان حُلّانَا

وسَيَأْتي ذِكْرُه في النُّونِ أَيْضًا.

ويقالُ: دَمُهُ حُلَّانٌ أَي باطِلٌ.

وإِحْليلٌ: بالكسرِ وادٍ في بلادِ كنانَةَ ثم لبَنِي نفاثة منهم قالَ: كانِفٌ الفَهْمي:

فلو تَسْأَلي عَنَّا لأُنْبِئْتِ أَنَّنَا *** بإِحْلِيلَ لا نُزْوَى ولا نَتَخَشَّع

وقالَ نَصْر: هو وادٍ تهاميُّ قُرْبَ مَكَّةَ.

وإِحْليلاءُ بالمدِّ جَبَلٌ عن الزَّمَخْشَرِيّ، وأَنْشَدَ غيرُه لرجُلٍ من عكْلٍ:

إِذا ما سقى الله البلادَ فلا سقى *** شناخيبَ إِحليلاءَ من سَبَل القَطْرِ

وإِحْلِيلَى بالقَصْرِ شِعْبٌ لبَنِي أَسَدٍ فيه نَخْلٌ لهم، وأَنْشَدَ عَرَّام بنُ الأَصْبَغِ:

ظَلِلْنا باحلِيلَى بيوم تَلُفُّنا *** إِلى نَخَلات قد ضَوَيْنَ سَمُومُ

وجَعَلَ نَصْر إحْلِيل وإِحْلِيلاء واحِدًا، قالَ: وفي بعضِ الشِّعْرِ ظَللنا باحْليلاء للضَّرُورَةِ كذا رَوَاه مَمْدُودًا.

والمَحِلُّ بكسرِ الحاءِة باليَمنِ.

وحَلْحَلَهُم: أَزالَهُم عن مَواضِعِهِم وأَزْعَجَهُم عنها وحَرَّكَهُم فَتَحَلْحَلُوا تحَرَّكُوا وذَهَبُوا، ولو قالَ: حَلْحَلَهُ أَزَالَهُ عن مَوضِعِه وحَرَّكَه فَتَحَلْحَلَ، كانَ أَخْصَر. وتَحَلْحَلَ عن مَكَانِه: زَالَ قالَ الفَرَزْدَقُ:

فادْفَعْ بكَفِّك إنْ أَرَدْتَ بنَاءَنا *** ثَهْلانَ ذا الهَضَبات هل يَتَحَلْحل

ومِثْلُه يَتَلَحْلَح.

وحَلْحَلَ بالإِبِلِ قالَ لها حَلٍ حَلٍ مُنَوَّنَتَيْنِ أَو حَلْ مُسَكَّنَة، وكذلِكَ حَلى، وقيلَ: حَل في الوَصْلِ وكلُّ ذلِكَ زَجْرٌ لإِنَاثِ الإِبِلِ خاصَّةً. ويقالُ: حَلَى وحَلِيَ لا حَلِيت واشْتُقّ منه اسمٌ فقيلَ: الحَلْحَال؛ قالَ كُثَيِّرُ عَزَّة:

نَاجٍ إِذا زُجِر الركائبُ خَلْفَه *** فَلَحِقْنه وثُنِينَ بالحَلْحال

والحُلاحِلُ بالضمِ موضع، والجيمُ أَعْلى، وأَيْضًا السَّيِّدُ الشُّجاعُ الرَّكِيْن، وقيلَ: الرَّكِيْن في مَجْلِسِه السَّيِّدُ في عَشِيرتِه، أَو الضَّخْمُ الكثيرُ المروءَةِ أَو الرَّزِينُ في ثَخانَةٍ يَخُصُّ الرِّجالَ، ولا يقالُ للنِّساءِ. وحُكِي المُحَلْحَلُّ بالبِنَاءِ للمفعولِ بِمعناهُ وكذلِكَ مُلَحْلَح والجَمْعُ حَلاحِلٌ بالفتحِ، وقالَ النابغَةُ الذُّبْيانيُّ يَرْثي أَبَا حجر النُّعْمانُ بنُ الحَارِثِ الغَسَّانيّ:

أَبو حجر ذاك المليك الحلاحل

وقالَ آخَرُ:

وعربة أَرضٍ ما يحلُّ حَرَامَها *** من الناسِ إلّا اللَّوْذَعيُّ الحُلَاحِلُ

يعْنِي به رَسُولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم.

وحَلْحَلَةُ اسمٌ.

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: حَلْحَلٌ كجَعْفَرٍ. موضع وقالَ غيرُه: حَلْحولُ بالفتحِ قرية قُرْبَ جَيْرونَ بالشامِ بها قَبْرُ يونُسَ بن مَتّى عليه الصّلاة والسلامُ، هكذا يقُولُونه بالفتحِ، والقِياسُ ضَمُّ حائِهِ لنُدْرَةِ هذَا البِنَاء نَبَّه عليه الصَّاغَانيُّ.

والحُلَيْلُ: كزُبَيْرٍع لِسُلَيْمٍ في دِيارِهم كانَتْ فيه وَقائِعُ قالَهُ نَصْر.

والحُلَيْلُ: فرسٌ من نَسْلِ الحَرونِ، الصوابُ من ولدِ الوَثيمِ جَدُّ الحَرونِ لمِقْسَمِ بنِ كثيرٍ رجُلٌ من حِمْيَر من آلِ ذي أَصْبَح وله يقُولُ:

ليتَ الفتاةَ الأصبحيةَ أَبْصَرَتْ *** صَبْرَ الحُلَيْلِ على الطَّريقِ اللَّاحِبِ

كذا في كتابِ الخَيْلِ لابنِ الكَلْبي.

وحُلَيْلُ: اسمٌ وهو حُلَيَلُ بنُ حبشية بن سَلُول رَأْسٌ في خزَاعَة يُنْسَبُ إليه جماعَةٌ منهم بِنْتُه حُبَّى زوجَةُ قصَيّ بنُ كلابٍ، ومنهم كرزُ بنُ عَلْقَمَة الصحابيُّ وغيرُ واحِدٍ، وعُبَيْدُ اللهِ بنُ حُلَيْلٍ مِصْرِيُّ تابِعِيُّ، ويَزِيدُ بنُ حُلَيْلٍ النَّخعِيُّ رَوَى سَلَمَة بن كهيلٍ عن ذَرّ عنه.

والحَلْحالُ بنُ دُرِّيٍّ الضَّبِّيُّ تابِعِيُّ نَقَلَه الصَّاغانيُّ في العُبَابِ رَوَى عنه ابنُه كُلَيْب ووَالِدُه بالذَّالِ المعْجَمةِ وفَتْح الراءِ الخفيفةِ كذا ضَبَطَه الحافِظٌ.

وأَحَلَّ الرجُلُ دَخَلَ في أَشْهُرِ الحِلِّ أَو خَرَجَ إلى الحِلِّ؛ وقيلَ: أَحَلَّ خَرَجَ من شُهُورِ الحُرُمِ أَو خَرَجَ من ميثاقٍ وعهدٍ كانَ عليه وبه فسّرَ قَوْل الشاعِرِ:

وكم بالقنانِ من مُحِلّ ومُحْرِم

والمُحِلُّ: الذي لا عَهْدَ له ولا حُرْمَة، وأَحَلَّ بنَفْسِه اسْتَوْجَبَ العُقُوبَةَ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

في المَثَل: يا عاقِدُ اذْكُرْ حَلًّا، ويُرْوَى: يا حابِلُ، وهذه عن ابنِ الأَعْرَابيّ، يُضْرَبُ للنظرِ في العواقبِ، وذلِكَ أَنَّ الرجُلَ يَشُدُّ الحمْلَ شَدًّا يُسْرِفُ في اسْتِيثَاقِه فإذا أَرَادَ الحَلَّ أَضَرَّ بِنَفْسِه وبَرَاحِلَتِه.

والمَحِلُّ بكسْرِ الحاءِ مَصْدَرُ حَلَّ حلولًا إذا نَزلَ قالَ الأعْشَى:

إنَّ مَحَلًّا وإن مُرْتَحَلا *** وإنَّ في السَّفْر إذ مَضُوا مَهَلا

وقَوْلُه تعالَى: {حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، قيل: محل مَن كان حاجًّا يَوْمَ النَّحْرِ، ومحل مَن كانَ مُعْتمرًا يَوْمَ يدْخُلُ مَكَّةَ، وقيلَ: الموْضِعُ الذي يَحِلُّ فيه نَحْرُه.

ومَحِلُّ الدَّيْن: أَجَلُه.

والمَحَلُّ بفتحِ الحاءِ المَكَانُ الذي تَحِلُّه وتَنْزِلُه ويكونُ مَصْدرًا جَمْعُه المَحَالُّ، وجَمْعُ المَحَلَّةِ مَحَلَّات.

والمُحَيْلَةُ بالتَّصْغيرِ قَرْيةٌ بمِصْرَ من المَنُوفيَّةِ وقد رَأَيْتُها. وحَلَلْت إلى القَوْمِ بمعْنَى حَلَلْت بهم.

والحِلَّةُ بالكسرِ جَمْعُ الحالُّ بمعْنَى النازِلِ قالَ الشاعِرُ:

لقد كان في شَيْبان لو كُنْتَ عالمًا *** قِبَابٌ وحَيُّ حِلَّةٌ دَارَهِمُ

وفي الحدِيثِ: «أَنَّه لمَّا رَأَى الشَّمْسَ قد وَقَبَتْ قالَ هذا حِيْن حلّها» أَي الحِيْنُ الذي يَحلُّ فيه أَدَاؤُها يعْنِي صَلاة المَغْرِبِ.

والحَالُّ المُرْتَحِلُ هو الخاتِمُ المُفْتَتِحُ وهو المواصِلُ لتِلاوَةِ القُرْآنِ يَخْتمُه ثم يَفْتَتِحُه شُبِّه بالمسْفَارِ الذي لا يقدِمُ على أَهْلِه أَو هو الغازِي الذي لا يَغْفُلُ عن غَزْوِه.

والحلال بن عاصمِ بنِ قَيْسِ شاعِرٌ من بَنِي بَدْرِ بن رَبِيعَةَ بن عَبْدِ الله بن الحارِثِ بن نُمَيْرٍ يُعَرفُ بابنِ ذُؤَيْبَةَ وهي أُمُّه، وإيَّاه عَنَى الرَّاعِي:

وعَيَّر في تلك الحَلالُ ولم يكُنْ *** ليَجْعَلَها لابنِ الخَبِيثةِ خالِقُه

ورجُلٌ حِلُّ من الإِحْرامِ أَي حَلالٌ أَو لم يُحْرِمْ.

وأَنْتَ في حِلٍّ منِّي أَي طَلْق.

والحِلُّ الحَالُّ وهو النازِلُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ.

ويقالُ للمُمْعِنِ في وَعِيدٍ أَو مُفْرِط في قَوْلٍ: حلا أَبا فلانٍ أَي تَحَلَّلْ في يَمِينِك، جَعَلَه في وعيدِه كالحالِفِ فأمره بالإسْتِثْنَاء، وكذا قَوْلُهم يا حالِفُ اذْكُرْ حَلًّا.

وحَلَّلَهُ الحلَّةَ أَلْبَسَه إيَّاها.

والحُلَّةُ بالضمِ كنايةٌ عن المَرْأَةِ وأَرْسَلَ عليُّ رَضِيَ الله تعالَى عنه أُمَّ كُلْثُومٍ إلى عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه وهي صغيرةٌ فقالَتْ إنَّ أَبي يقُولُ لَكَ هلَ رَضِيْتَ الحُلَّةَ؟ فقالَ: نَعَم رَضِيْتُها.

والحُلَّانُ بالضمِ أَنْ لا يقْدِر على ذَبْحِ الشاةِ وغيرِها فيَطْعَنها من حيثُ يدْرِكُها، وقيلَ: هو البَقِيرُ الذي يَحِلُّ لَحْمُه بذَبْحِ أُمِّه.

وأَحَالِيلُ: موضِعٌ شَرْقي ذات الإِصاد ومن ثم أَجرى دَاحس والغَبْراء قالَ ياقُوتُ: يَظْهَرُ أَنَّه جَمْعُ الجَمْعِ لأَنَّ الحِلَّةُ هم القَوْمُ النُّزول وفيهم كَثْرَةٌ والجَمْعُ حِلالٌ وجمعُ حِلالٍ أَحالِيلُ على غيرِ قِياسٍ، لأَنَّ قياسَه أَحْلالٌ وقد يُوصَفُ بحلالٍ المُفْرد فيقَالُ: حيُّ حلالٌ انْتَهَى وفيه نَظَرٌ.

والحَلِيلَةُ: الجارَةُ، وفي الحدِيثِ: «أَحِلُّوا لله يغفرُ لَكُم» أَي أَسْلِمُوا له أَو اخْرُجُوا من حَظْر الشِّركِ وضِيقِه إلى حِلِّ الإِسْلامِ وسَعَتِه، ويُرْوَى بالجِيمِ وقد تقدَّم.

ومكانٌ مُحَلَّلٌ كمُعَظَّمٍ أَكْثَرَ الناسُ به النُّزولَ وبه فُسِّرَ أَيْضًا قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ السابقِ.

غَذَاها نَمِير الماءِ غَيْر مُحَلَّل

وتَحَلَّله جَعَلَه في حِلٍّ من قِبَلِه، ومنه الحَدِيثُ: أَنَّ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنها قالَتْ لامْرَأَةٍ مَرَّتْ بها: ما أَطْول ذَيْلَها! فقالَ: اغْتَبْتِيها قُومِي إليها فَتَحلَّلِيها.

والمُحِلُّ من يَحِلُّ قَتْلُه، والمُحْرِمُ من يَحْرَمُ قَتْلُه.

وتَحَلَّلَ من يَمِينه إِذا خَرَجَ منها بكَفَّارةٍ أَو حِنْث يُوجبُ الكَفَّارَةَ أَو اسْتِثْناء.

وحل يَحلُّ حلًّا إِذا عَدا.

وكشَدَّادٍ من يَحلُّ الزِّيج منهم الشيْخُ أَمِين الدِّيْن الحَلَّالُ، قالَ الحافِظُ: وقد رَأَيْتُه وكانَ شَيخًا مُنَجِّمًا.

والحلحالُ: عشْبَةُ هكذا يُسَمِّيها أَهْلُ تونُسَ وهي اللحْلاحُ.

ومحل بنُ محرر الضَّبِّيُّ عن أَبي وائِلٍ صَدُوقٌ.

وحُلَيلُ كزُبَيْرٍ موضِعٌ قَرِيبٌ من أَجياد؛ وأَيْضًا في دِيار باهِلَة بنِ أَعْصر قَرِيبٌ من سرفة، وهي قارةٌ هناك مَعْرُوفَةٌ؛ وأَيْضًا ماءٌ في بَطْنِ المرّوت من أَرْضِ يَرْبوع قالَهُ نَصْر.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


61-تاج العروس (ظل ظلل ظلظل)

[ظلل]: الظِلُّ بالكسرِ: نَقِيضُ النضْجِ أَو هو الفَيْ‌ءُ.

وقالَ رُؤْبَة: كلُّ مَوْضعٍ تكونُ فيه الشمسُ فَتَزولُ عنه فهو ظِلٌّ وفي‌ءٌ، أَو هو أَي الظِلُّ بالغَداةِ والفَيْ‌ءُ بالعَشِيِّ فالظِلُّ ما كانَ قَبْلَ الشمسِ، والفَيْ‌ءُ ما فاءَ بَعْدُ.

وقالُوا: ظِلُّ الجَنَّة، ولا يقالُ فَيْئها لأَنَّ الشمسَ لا تُعاقِبُ ظِلَّها فيكونُ هناك فَي‌ءُ، إنَّما هي أَبدًا ظِلٌّ، ولذلِكَ قالَ عزّ وجلّ: {أُكُلُها دائِمٌ} {وَظِلُّها}، أَرَادَ وظِلُّه دائمٌ أَيْضًا.

وقالَ أَبُو حَيَّان، في ظلل: هذه المادّةُ بالظاءِ ان أفهمت سترًا أَو إقامةً أَو مصيرًا فتناول ذلِكَ كَلِمات كَثِيرَةٌ منها الظِلُّ وهو ما اسْتَتَرَتْ عنه الشمسُ الجمع: ظِلالٌ، بالكسرِ، وظُلُولٌ وأَظْلالٌ، وقد جَعَلَ بعضُهم للجَنَّةِ فَيْأً غَيْر أَنَّه قَيَّدَه بالظِلِّ، فقالَ يَصِفُ حالَ أَهْلِ الجنَّةِ وهو النابِغَةُ الجعديُّ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه:

فَسلامُ الإلهِ يَغْدُو عليهم *** وفُيُوءُ الفِرْدَوْسِ ذاتُ الظِّلال

وقالَ كُثَيِّرُ:

لقد سِرْتُ شَرْقيَّ البِلادِ وغَرْبَها *** وقد ضَرَبَتْني شَمْسُها وظُلُولُها

وقالَ أَبُو الهَيْثمِ: الظِّلُّ كلُّ ما لم تَطْلُع عليه الشمسُ والفَيْ‌ءُ لا يُدْعَى فَيْأً إلَّا بعْدَ الزَّوال إذا فاءَتِ الشمسُ أَي رَجَعَتْ إلى الجانِبِ الغَرْبيِّ، فما فاءَتْ منه الشمسُ، وبَقِيَ ظِلًّا فهو فَيْ‌ءٌ، والفَيْ‌ءُ شرقيٌّ والظِّلُّ غَرْبيٌّ، وإِنَّما يُدْعى الظِّلُّ ظِلًّا من أَوَّل النَّهار إلى الزَّوالِ، ثم يُدْعى فَيْأَ بعْدَ الزَّوالِ إلى اللَّيْلِ، وأَنْشَدَ:

فلا الظِّلّ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُه *** ولا الفَيْ‌ءُ من بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ

والظّلُّ: الجَنَّةُ، قيلَ: ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ،} وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، حَكَاهُ ثَعْلَبٌ قالَ: والحَرورُ النارُ، قالَ: وأَنَا أَقولُ الظِّلُّ الظِّلُّ بعَيْنِه، والحَرورُ الحَرُّ بعَيْنِه.

وقالَ الرَّاغِبُ: وقد يقالُ ظِلٌّ لكلِّ شي‌ءٍ ساتِرٌ مَحْمودًا كان أَو مَذْمومًا، فمن المَحْمودِ قَوْلُه عزّ وجلّ: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ}، من المَذْمومِ قَوْلُه تعالَى: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ}.

والظِّلُّ أَيْضًا: الخَيالُ من الجِنِّ وغيرِه يُرَى.

وفي التَّهْذِيبِ: شِبْه الخَيَالِ من الجِنِّ.

والظِّلُّ أَيْضًا: فَرَسُ مَسْلَمَةَ بنِ عبدِ المَلِكِ بنِ مَرْوان.

ويُعَبَّرُ بالظِّلِّ عن العِزِّ والمَنَعَةِ والرَّفاهِيَةِ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ}؛ أَي في عِزَّةٍ ومناعَةٍ، وكذا قَوْلُه تعالَى: {أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها}، وقَوْلُه تعالَى: {هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ}.

وأَظَلَّني فلانٌ أَي حَرَسَنِي وجَعَلَنِي في ظِلِّه أَي عِزّهِ ومناعَتِه، قالَهُ الرَّاغِبُ.

والظِّلُّ: الزِّئْبِرُ، عن ابنِ عَبَّادٍ.

والظِّلُّ: اللَّيلُ نَفْسُه، وهو قَوْلُ المْنَجمين زَعَمُوا ذلِكَ قالُوا: وإنّما اسْوَدَّ جِدًّا لأَنَّه ظِلُّ كُرَةِ الأَرْضِ، وبَقَدرِ ما زَادَ بَدَنُها في العِظَمِ ازْدَادَ سَوَادُ ظلِّها.

وقالَ أَبْو حَيَّان: وظِلُّ كلِّ شي‌ءٍ ذُرَاه وسِتْرُه، ولذلِكَ سُمِّي اللَّيلُ ظِلًّا.

أَو ظِلُّ اللَّيلِ: جُنْحُهُ، وفي الصِّحاحِ والفرق لابنِ السَّيِّدِ: سَوَادُه.

يقالُ: أَتَانَا في ظلِّ اللَّيلِ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ:

قد أَعْسِفُ النَّازِحَ المَجْهولَ مَعْسِفُه *** في ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هامَهُ البُومُ

قالَ الجَوْهَرِيُّ: هو اسْتِعارَةٌ لأَنَّ الظِّلَّ في الحَقيقَةِ إنَّما هو ضَوْءَ شُعاعِ الشمسِ دُوْنَ الشُّعاعِ، فإذا لم يَكُنْ ضَوْء فهو ظُلْمةٌ وليْسَ بظِلٍّ.

والظِّلُّ من كلِّ شي‌ءٍ شَخْصُه لمَكانِ سَوَادِه، ومنه قَوْلُهم: لا يُفارِقُ ظِلِّي ظِلَّكَ، كما يقولُون: لا يُفارِقُ سَوَادِي سَوَادَك.

وقالَ الرَّاغِبُ: قالَ بعضُ أَهْلِ اللُّغةِ: يقالُ للشَّخصِ ظِلٌّ، قالَ: ويدلُّ على ذِلكَ قَوْلُ الشاعِرِ:

لمّا نَزَلْنَا رَفَعْنَا ظِلَّ أَخْبِئَةٍ

وقالَ: ليْسَ يَنْصِبُون الظِّلَّ الذي هو الفَيْ‌ءُ إنما يَنْصِبُون الأَخْبِئَة.

وقالَ آخَرُ:

تَتْبَعُ أَفْيَاءَ الظِّلالِ عَشِيَّةً

أَي أَفْياء الشّخُوص، وليْسَ في هذا دَلالَةٌ، فإنَّ قَوْلَه رَفَعْنا ظِلَّ أَخْبئَة معْناهُ رَفَعْنا الأَخْبِئَة فرَفَعْنا به ظِلَّها فكأَنّه رَفَعَ الظّلَّ، وقَوْلُه: أَفْياء الظِّلالِ فالظِّلالُ عامٌّ والفَيْ‌ءُ خاصٌّ ففيه إضافَةُ الشي‌ءِ إلى جنْسِه، فتأَمَّل. أَو ظِلُّ الشي‌ءِ: كِنُّه.

والظِّلُّ من الشَّبابِ: أَوَّلُه، هكذا في النسخِ، والصَّوابُ على ما في نوادِرِ أَبي زَيْدٍ: يقالُ كان ذلِكَ في ظِلِّ الشتاءِ أَي في أَوّلِ ما جَاءَ من الشِّتاءِ.

والظِّلُّ من القَيْظِ: شِدَّتُه قالَ أَبُو زَيْدٍ: يقَالُ فَعَل ذلِكَ في ظِلِّ القَيْظِ أَي في شِدَّةِ الحَرِّ، وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ:

غَلَّسْتُه قبل القَطا وفُرَّطِه *** في ظِلِّ أَجَّاج المَقِيظِ مُغْبِطِه

والظِّلُّ من السَّحابِ: ما وَارَى الشّمسَ منه، أَو ظِلُّه: سَوادُهُ.

والشّمسُ مُسْتَظِلَّةٌ أَي هي في السَّحابِ.

وكلُّ شي‌ءٍ أَظَلَّك فهو ظُلَّةٌ.

والظِّلُّ من النَّهارِ: لَوْنُه إذا غَلَبَتْه الشّمسُ.

ويقالُ: هو يعيشُ في ظِلِّهِ أَي في كَنَفِهِ وناحِيَتِه أَي في عِزِّه ومَنَعَتِه وهو مجازٌ.

ومن أَمْثالِهم: اتْرُكْهُ، ويُرْوَى. لأَتْرُكَنَّه، تَرْكَ الظَّبْيِ ظِلَّهُ أَي مَوْضِع ظِلّهِ، كما في العُبَابِ، يُضْرَبُ للرَّجُلِ النُّفورِ لأَنَّ الظَّبْيَ إذا نَفَرَ من شي‌ءٍ لا يعودُ إليه أَبدًا، والأَصْلُ في ذلِكَ أَنَّ الظَّبْيَ يَكْنِس في الحَرِّ ويَأْتِيه السَّامي فيُثِيرُه ولا يعودُ إلى كِناسِه، فيُقالُ تَرَكَ الظَّبْيُ ظِلَّه، ثم صَارَ مَثَلًا لكلِّ نافِرٍ من شي‌ءٍ لا يعودُ إليه.

وقالَ الميْدانيّ: الظِّلُّ في المَثَلِ الكِناسُ الذي يُسْتَظَل به في شِدَّةِ الحَرِّ، يُضْرَبُ في هَجْرِ الرجُلِ صاحِبِه.

وتَرْكَ بسكونِ الرَّاءِ لا بفتْحِه كما وَهِمَ الجوهريُّ.

قلْتُ: هو في العُبَابِ والتَّهْذِيبِ كما أَوْرَدَه الجَوْهَرِيُّ بنَصِّه وكفى له شاهِدًا إيْراد هؤُلاء هكذا مَعَ أَنَّهم قد يَرْتكِبُون في الأَمْثالِ ما لا يرتكبُ في غيرِها فلا وَهْمَ حيْنَئِذٍ وأَحْسن من وَلَعِه بهذا التَّوْهِيم لو ذكر بَقِيَّة الأَمْثالِ الوَارِدَة فيه ممَّا ذَكَرَه الأَزْهَرِيُّ وغيرُه منها: أَتَيْته حِيْن شَدّ الظَّبي ظِلّه، وذلك إذا كنِس نصْفَ النَّهارِ فلا يَبْرَحُ مكْنَسَه، ومنها أَتَيْته حِيْن ينْشِدُ الظَّبْيُّ ظِلَّه؛ أَي حِيْن يشْتدُّ الحَرُّ فيَطْلبُ كِناسًا يَكْتَنّ فيه من شِدَّةِ الحَرِّ.

ومكانٌ ظَلِيلٌ: ذو ظِلٍّ، وفي العُبَابِ: وَارِفٌ، أَو دائِمُهُ قد دَامَتْ ظِلالَتُه.

وقَوْلُهم: ظِلٌّ ظَليلٌ يكونُ منه، وفي بعضِ النسخِ جنة وهو تَحْريفٌ صَوابُه منه كما ذَكَرْنا، أو مُبالَغَةٌ كقَوْلِهم: شِعْر شاعِرٌ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}.

وقالَ الرَّاغِبُ: هو كِنايَةٌ عن غَضَارَةِ العَيْشِ، وقَوْلُ أُحَيْحَة بن الجُلاح يَصِفُ النَّخْلَ:

هِيَ الظِّلُّ في الحَرِّ حَقُّ الظلِي *** لِ والمَنْظَرُ الأَحْسَنُ الأَجْمَلُ

قالَ ابنُ سِيْدَه: المعْنَى عنْدِي هي الشَّي‌ءُ الظَّلِيلُ، فوَضَعَ المَصْدرَ مَوْضِعَ الاسمِ.

وأَظَلَّ يَوْمُنا: صارَ ذا ظِلٍّ، وفي العُبَابِ والصِّحاحِ: كانَ ذا ظِلٍّ.

واسْتَظَلَّ بالظِلِّ: اكْتَنَّ به، وقيلَ: مالَ إليه وقَعَدَ فيه، وبالشَّجَرَةِ: اسْتَذْرَى بها.

واسْتَظَلَّ من الشَّي‌ءِ وبه أَي تَظَلَّلَ.

واسْتَظَلَّ الكَرْمُ: الْتَفَّتْ نَوامِيه.

واسْتَظَلَّتِ العُيونُ، وفي المحيطِ: عَيْنُ الناقةِ، غارَتْ، قالَ ذو الرُّمَّةِ:

على مُسْتَظِلَّاتِ العُيونِ سَوَاهِمٍ *** شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُرَاها لُغَامُها

يقولُ: غارَتْ عُيونُها فهي تَحْتَ العَجَاجِ مُسْتَظِلَّةٌ، وشَوَيْكِيَةٌ حِيْن طَلَعَ نَابُها.

واسْتَظَلَّ الدَّمُ: كان في الجَوْفِ وهو المُسْتَظَلُّ، ومنه قَوْلُه:

مِنْ عَلَق الجَوْفِ الذي كان اسْتَظَلَّ

وأَظَلَّنِي الشَّي‌ءُ: غَشِيَنِي، والاسمُ منه الظِّلُّ، بالكسرِ، وبه فَسَّرَ ثَعْلَب قَوْلَه تعالَى: {إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} أَو أَظَلَّنِي فلانٌ إذا دَنَا مِنّي حتى أَلْقَى عليَّ ظِلَّهُ من قُرْبه، ثم قيلَ: أَظَلَّك أَمْرٌ، ومنه الحدِيثُ: «أَيُّها الناسُ قد أَظَلَّكُم شَهْرٌ عظيمٌ؛ أَي أَقْبَلَ عَلَيكُم ودَنَا منْكُم كأَنّه أَلْقَى عَلَيكُم ظِلَّهُ.

وظَلَّ نَهَارَهُ يَفْعَلُ كذا وكذا، ولا يقالُ ذلِكَ إلَّا بالنَّهارِ، كما لا يقُولُون بَاتَ يَبِيتُ إلَّا باللَّيلِ، قالَهُ اللَّيْثُ وغيرُه، وهو المَفْهومُ من كَلامٍ سِيْبَوَيْه.

وقالَ غيرُهم: يقالُ أَيْضًا ظَلَّ لَيْلَهُ يَفْعَلُ كذا لأَنَّه قد سُمِع في بعضِ الشِّعْرِ، وهو قَوْلُ الأَعْشَى:

يَظَلّ رَجيمًا لرَيْبِ المَنُونِ

وقد رَد عليه ذلِكَ وأَجَابُوا عنه بأَنَّ ظَلَّ بمعْنَى صَارَ، ويُسْتَعْملُ في غيرِ النَّهارِ كما ذَكَرَه المصنّفُ في البلغة.

يَظَلُّ، بالفتحِ؛ أَي فهو من حَدِّ مَنَعَ، وهي لُغَةٌ نَقَلَها الصَّاغانيُّ ولا وَهْمَ فيه كما زَعَمَه شيْخُنا، ظَلَّا وظُلُولًا، بالضم.

وظَلِلْتُ أَعْمَلُ كذا، بالكسرِ؛ أَي من حَدِّ تَعِبَ، أَظَلّ ظُلولًا، وعلى هذه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وصاحِبُ المِصْباحِ.

قالَ اللَّيْثُ: ومِنَ العَرَبِ من يحذِفُ لامَ ظَلِلْت ونَحْوها فيقُولُون ظَلْتُ، كَلَسْتُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}، وهو من شَواذِّ التَّخفيفِ. وكذا قَوْلُه تعالَى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا}، والأَصْلُ فيه ظَلِلْت، حُذِفَتِ اللامُ لثِقَلِ التَّضْعيفِ والكَسْرِ وبَقِيَتِ الظاءُ على فَتْحِها.

وقالَ الصَّاغانيُّ: أَسْقَطُوا الأُوْلَى اسْتِثْقالًا لاجْتِمَاعِ اللَّامَيْن وتَرَكُوا الظاء على فَتْحِها واكْتَفُوا بتعارُفِ مَوْضِعِه وقِيَام الثانِيَة مَقَامُها.

ويقُولُونَ: ظِلْتُ كَمِلْتُ وبه قَرَأَ ابنُ مَسْعودٍ والأَعْمَشُ وقَتَادَةُ وأَبُو البرهسم وأَبُو حَيْوَة وابنُ أَبي عَبَلَة، هي لُغَةُ الحجازِ على تَحْويلِ كَسْرةِ اللامِ على الظاءِ، ويجوزُ في غيرِ المكْسُورِ نَحْو هَمْت بذلِكَ أَي هَمَمْت، وأَحَسْتُ بذلِكَ أَي أَحْسَسْت، وهذا قَوْلُ حُذَّاق النَّحويِّين.

وقالَ ابنُ سِيْدَه: قالَ سِيْبَوَيْه: أَمَّا ظِلْتُ أَصْلُه ظَلِلْتُ إلّا أَنَّهم حَذَفُوا فأَلْقُوا الحَرَكَةَ على الفاءِ كما قالُوا خِفْت وهذا النّحْوُ شاذٌّ، وأَمَّا ما أَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ لرجُلٍ من بنِي عقيل:

أَلَمْ تَعْلَمِي ما ظِلْتُ بالقومِ واقِفًا *** على طَلَلٍ أَضْحَتْ مَعَارِفُه قَفْرا

قالَ ابنُ جنيِّ: قالَ كَسَرُوا الظاءَ في إنْشادِهم وليْسَ من لُغَتِهم.

وقالَ الرَّاغِبُ: يُعَبَّرُ بظَلّ عَمَّا يُفْعَل بالنّهارِ ويُجْرَى مجرى صرْت، قالَ تعالَى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا} انتَهَى.

قالَ الشِّهابُ: فهو فعْلٌ ناقِصٌ لثُبُوتِ الخَبَرِ في جميعِ النَّهارِ، كما قالَ الرَّضيّ لأَنَّه لوقت فيه ظلّ الشمس من الصَبَاحِ للمَساءِ أَو من الطُّلوعِ للغُرُوبِ فإذا كانَتْ بمعْنَى صَارَ عَمَّتِ النَّهارَ وغيرِه، وكذا إذا كَانَتْ تامَّةً بمعْنَى الدَّوام، كذا في شَرْحِ الشفاءِ.

وقالَ الرَّضِي: قالُوا لم تستعمل ظَلَّ إلَّا ناقِصَة.

وقالَ ابنُ مالِكٍ: تكونُ تامَّةً بمعْنَى طَالَ ودَامَ، وقد جاءَتْ ناقِصَةً بمعْنَى صَارَ مُجَرَّدَة عن الزَّمانِ المَدْلولِ عليه بتَرْكِيبِه، قالَ تعالَى: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا.

والظَّلَّةُ: الإِقامةُ.

وأَيْضًا الصِحَّةُ، هكذا في النسخِ ولم أَجِدْه في الأُصولِ التي بأَيْدِينا، وأَنَا أَخْشَى أَنْ يكونَ تَحْريفًا، فإِنَّ الأَزْهَرِيَّ وغيرَه ذَكَرُوا من مَعَاني الظُّلّةُ، بالضمِّ، الصَّيْحَةُ فتأَمَّلْ.

والظُّلَّةُ، بالضمِ: الغاشِيَةُ.

وأَيْضًا: البُرْطُلَّةُ، وفي التَّهْذِيبِ: والمِظَلَّةُ البُرْطُلَّةُ، قالَ: والظُّلَّةُ والمِظَلَّةُ سواءٌ، وهو ما يُسْتَظَلُّ به من الشمسِ. قلْتُ: وقد تقدَّمَ للمصنِّفِ أَنَّ البُرْطُلَّة المِظَلَّة الضَّيَّقَة، وتقدَّمَ أَنَّها كَلِمَةٌ نَبَطِيَّة.

والظُّلَّةُ: أَوَّلُ سَحابَةٍ تُظِلُّ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن أَبي زَيْدٍ.

قالَ الرَّاغِبُ: وأَكْثَرُ ما يقالُ فيما يُسْتَوْخَم ويُكْرَهُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}، ونَصّ الصِّحاحِ: يظل، وفي بعضِ الأُصُولِ أُوْلِى سَحابَةٍ ومنه الحدِيثُ «البقرةُ وآلُ عمرانَ كأَنَّهما ظُلَّتانِ أَو غَمَامَتانِ».

وأَيْضًا: ما أَظَلَّكَ من شجرٍ، وقيلَ: كلُّ ما أَطْبَقَ عليك، وقيلَ: كلُّ ما سَتَرَكَ من فَوْق.

وفي التَّنْزيلِ العَزِيزِ: فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ.

قالَ الجَوْهَرِيُّ: قالوا غَيْم تحتَهُ سَمومٌ.

وفي التَّهْذِيبِ: أَو سَحابَةٌ أَظَلَّتْهُم فاجْتَمَعُوا تحتَها مُسْتَجيرينَ بها ممَّا نَالَهُم من الحَرِّ فأَطْبَقَتْ عليهم وهَلكُوا تحتَها.

ويقالُ: دَامتْ ظِلالَةُ الظِلِّ، بالكسرِ، وظُلَّتُه، بالضمِ؛ أَي ما يُسْتَظَلُّ به من شَجَرٍ أَو حَجَرٍ أَو غيرِ ذلِكَ.

والظُّلَّةُ أَيْضًا: شي‌ءٌ كالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ به من الحَرِّ والبَرْدِ، نَقَلَه الأَزْهرِيُّ، الجمع: ظُلَلٌ كغُرْفَةٍ وغُرَفٌ، وظِلالٌ كعُلْبَةٍ وعِلابٍ، ومن الأوَّلِ قَوْلُه تعالَى: إِلّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ أَي يَأْتِيَهُم عَذَابَه، وقُرِئَ أَيْضًا في ظِلالٍ، وقَرَأَ حَمْزَةُ والكِسائي وخَلَف: في ظُلَلٍ على الأَرَائِكِ مُتَّكِئُون.

وقَوْلُه تعالَى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ، قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: هي ظُلَلٌ لمَنْ تحتهم وهي أَرْضٌ لَهُم، وذلِكَ أَنَّ جهنَّم أَدْرَاكٌ وأَطْباقٌ، فبِسَاطُ هذه ظُلَّةٌ لمَنْ تحتها، ثم هَلُمَّ جَرّا حتى ينْتهوا إِلى القَعْرِ.

وفي الحدِيثِ: أَنَّه ذَكَرَ فِتَنًا كأَنَّها الظُّلَلُ، أَرَادَ كأَنَّها الجِبَالُ والسُّحُب، قالَ الكُمَيْتُ:

فكَيْفَ تقولُ العَنْكَبُوتُ وبَيْتُها *** إِذا ما عَلَتْ مَوْجًا من البَحْرِ كالظُّلَلِ؟

والظِّلَّةُ، بالكسرِ: الظِلالُ وكأَنَّه جَمْعُ ظَلِيلٍ كطِلَّةٍ وطَلِيلٍ.

والمَظَلَّةُ، بالكسرِ والفتحِ؛ أَي بكسرِ الميمِ وفَتْحِها، الأَخِيرَةُ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ على الكَسْرِ، وهو قَوْلُ أَبي زَيْدٍ.

قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: وإِنّما جَازَ فيها فَتْحُ الميمِ لأَنَّها تُنْقَلُ بمنْزِلَةِ البَيْتِ وهو الكَبيرُ من الأَخْبِيَةِ.

قيلَ: لا تكونُ إِلّا من الثيابِ وهي كَبيرَةٌ ذاتُ رُواقٍ ورُبّما كانَتْ شُقَّة وشُقَّتين وثلاثًا، ورُبَّما كان لها كِفَاةٌ وهو مؤخَّرُها.

وقالَ ثَعْلَبُ: المِظَلَّةُ من الشَّعَرِ خاصَّةً.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: الخَيْمَة تكونُ من أَعْوادٍ تُسْقَفُ بالثُّمامِ ولا تكونُ من ثيابٍ، وأَمَّا المَظَلَّةُ فمن ثيابٍ.

وقالَ أَبُو زَيْدٍ: من بيوتِ الأَعْرابِ المَظَلَّةُ، وهي أَعْظَمُ ما يكونُ من بيوتِ الشَّعَرِ ثم الوَسُوط نَعْت المَظَلَّة، ثم الخِبَاء وهو أَصْغَرُ بيوتِ الشَّعَر.

وقالَ أَبُو مالِكٍ: المِظَلَّةُ والخِبَاءُ يكونُ صغيرًا وكبيرًا.

ومن أَمْثَالِهم: عِلَّةٌ ما عِلَّة أَوْتادٌ وأَخِلَّة، وعَمَدُ المِظَلَّة، أَبْرِزُوا لصِهْرِكم ظُلّه، قالَتْهُ جارِيَةٌ زُوِّجَتْ رَجُلًا فأَبْطأَ بها أَهْلُها على زَوْجِها وجَعَلُوا يَعْتَلُّون بجَمْعِ أَدَوَاتِ البَيْتِ فقالَتْ ذلِكَ اسْتِحْثاثًا لهُم، والجمْعُ المَظالُّ، وأَمّا قَوْلُ أُمَيَّة بن أَبي عائذ الهُذَليُّ:

ولَيْلٍ كأَنَّ أَفَانِينَه *** صَراصِرُ جُلِّلْنَ دُهْمَ المَظالي

إِنّما أَرَادَ المَظالَّ فخفَّفَ اللّامَ، فإِمَّا حَذَفَها وإِمَّا أَبْدَلَها ياءً لاجْتِماعِ المَثَلَيْن، وعلى هذا تُكْتَبُ بالياءِ.

والأَظَلُّ: بَطْنُ الإِصْبَعِ ممَّا يَلِي صَدْرَ القَدَمِ من أَصْلِ الإِبْهامِ إِلى أَصْلِ الخِنْصَرِ نَقَلَه ابنُ سِيْدَه، وقالَ: يَقُولُون: أَظَلَّ الإنْسَانُ بُطُونَ أَصَابِعِه، هكذا عَبَّرُوا عَنه ببُطُونٍ والصَّوابُ عنْدِي أَنَّ الأَظَلَّ بَطْنُ الإِصْبَعِ ممَّا يلِي ظَهْر القَدَمِ.

والأَظَلُّ من الإِبِلِ: باطِنُ المَنْسِمِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وقالَ أَبُو حَيَّان: باطِنُ خُفَّ البَعير سُمِّي به لاسْتِتَارِه ويُسْتَعارُ لغَيرِه، ومنه المَثَلُ: إِنْ يَدْمَ أَظَلُّكَ فقد نَقِبَ خُفَّي، يقالُ للشَّاكي لمَنْ هو أَسْوأُ حالًا منه، وقالَ ذو الرُّمَّة:

دامي الأَظَلِّ بَعِيد الشَّأْوِ مَهْيُوم

وأَنْشَدَ الصَّاغانيُّ للَبِيدٍ رضي ‌الله‌ عنه:

وتصلّ المَرْوَ لما هَجَّرَتْ *** بنَكِيبٍ مَعِرٍ دامي الأَظَلّ

الجمع: ظُلُّ بالضمِ وهو شاذٌّ لأَنَّهم عامَلُوه مُعَامَلَة الوَصْفِ.

قالَ الجَوْهَرِيُّ: وأَظْهَرَ العجَّاجُ التَّضْعيفَ في قَوْلِه:

تَشْكو الوَجَى من أَظْلَلٍ وأَظْلَلِ *** مِنْ طُولِ إِمْلالٍ وظَهْرٍ أَمْلَل

ضَرُوْرَةً واحْتَاجَ إِلى فَكِّ الإدْغامِ كقَوْلِ قَعْنَب بن أُمِّ صاحب:

مَهْلًا أَعاذِلَ قد جَرَّبْتِ من خُلُقِي *** أَنِّي أَجُودُ لأَقوامٍ وإِن ضَنِنُوا

والظَّلِيلَةُ، كسَفِينَةٍ، مُسْتَنْقَع الماءِ في أَسْفَلِ مَسيلِ الوَادِي.

وفي التَّهْذِيبِ: مُسْتَنْقَعُ ماءٍ قَلِيلٍ في مَسِيلٍ ونَحْوِه.

وقالَ أَبُو عَمْرٍو هي: الرَّوْضَةُ الكثيرةُ الحَرَجاتِ، والجمع: ظَلائِلُ وهي شِبْه حُفْرة في بَطْنِ مَسِيلِ ماءٍ فيَنْقَطِعُ السَّيْل ويَبْقى ذلِكَ الماءُ فيها، قالَ رُؤْبَة:

بخَصِرَاتٍ تَنْقَعُ الغَلائِلا *** غادَرَهُنَّ السَّيْلُ في ظَلائِلا

قَوْلُه بخَصِرَاتٍ، يعْنِي أَسْنانًا بَوَارِدَ تَنْقَعُ الغَلِيلَ.

ومُلاعِبُ ظِلِّهِ: طائِرٌ مَعْروفٌ سُمِّي بذلِكَ، وهما مُلاعِبا ظِلِّهما وملاعِباتُ ظِلِّهنَّ هذا في لَغَةٍ، فإِذا نَكَرْتَهُ أَخْرَجْتَ الظِّلَّ على العِدَّةِ فَقُلْتَ هُنَّ مُلاعِباتٌ أَظْلالَهُنَّ، كذا في المُحْكَمِ والعُبَابِ.

والظَّلالَةُ، كسَحابَةٍ، الشَّخْصُ، وكذلِكَ الطَلالَةُ بالطاءِ.

والظِلالَةُ، بالكسرِ: السَّحابَةُ تَرَاها وَحْدَها وتَرَى ظِلّها على الأَرْضِ، قالَ أَسْماءُ بنُ خارِجَةَ:

لي كل يَوْمٍ ضَيْقَة *** فَوْقي تَأَجلُ كالظِّلَالَه

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: الظَلالُ، كسَحابٍ: ما أَظَلَّكَ من سَحابٍ ونَحْوِه.

وظَليلاءُ، بالمدِّ، موضع، وذَكَرَه المصنِّفُ أَيْضًا: ضَلِيلاءُ بالضادِ والصَّوابُ أَنَّه بالظاءِ.

وأَبُو ظِلالٍ، ككِتابٍ: هلالُ بنُ أَبي هِلالٍ وعليه اقْتَصَرَ ابنُ حَيَّان، ويقالُ: ابنُ أَبي مالِكٍ القَسْمَلِيُّ الأَعْمَى تابِعِيٌّ رَوَى عن أَنَس، وعنه مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَة ويَزِيدُ بنُ هَارُون.

قالَ الذَّهبيُّ في الكَاشِفِ: ضَعَّفُوه. وشَدَّ ابنُ حَبَّانٍ فقَوَّاه.

وقالَ في الدِّيوانِ: هلالُ بنُ مَيْمون، ويقالُ: ابنُ سُوَيْد أَبُو ظِلالٍ القَسْمَلِيُّ.

قالَ ابنُ عَدِيٍّ: عامَّةُ ما يَرْوِيه لا يُتَابَعُ عليه:

قلْتُ: ويقالُ له أَيْضًا: هلالُ بنُ أَبي سُوَيْد. وهو من رجالِ التَّرْمذيّ ورَوَى عنه أَيْضًا يَحْيَى بنُ المُتَوَكِّلِ كما قالَهُ ابنُ حَبَّانٍ، وعبدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلم كما قالَهُ المزيّ في الكُنَى.

وقالَ الفرَّاءُ: الظِّلالُ ظِلالُ الجَنَّةِ، وفي بعضِ النسخِ: الظِلالُ الجَنَّةُ وهو غَلَطٌ، ومنه قَوْلُ العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه يَمْدَحه صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم:

مِنْ قَبْلِها طِبْتَ في الظِّلالِ وفي *** مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ

أَي كُنْتَ طَيِّبًا في صُلْبِ آدَمَ حيثُ كانَ في الجَنَّةِ، ومِنْ قَبْلِها أَي مِنْ قَبْل نُزُولِك إلى الأَرْضِ فكَنَى عنها، ولم يَتَقَدَّم ذِكْرها لبَيَانِ المعْنَى.

والظِّلالُ من البَحْرِ: أَمْواجُهُ لأَنّها تُرْفَع فتُظِلُّ السَّفِينَةَ ومَنْ فيها.

والظَّلَلُ، محرَّكةً: الماءُ الذي يكونُ تَحْتَ الشَّجَرِ لا تُصيبُهُ الشَّمسُ، كما في العُبَابِ، وقد تقدَّمَ له أَيْضًا مِثْلُ ذلِكَ في «ض ل ل».

وظَلَّلَ بالسَّوْطِ: أَشَارَ به تَخْويفًا، عن ابنِ عَبَّادٍ.

والظُّلْظُلُ، بالضمِ: السُّفُنُ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، هكذا عَبَّر بالسُّفُن وهو جَمْعٌ.

وظَلَّالٌ، كشَدَّادٍ: موضع ويُخَفَّفُ كما في العُبَابِ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

ظَلَّ يَفْعَلُ كذا أَي دام نَقَلَه ابنُ مالِكٍ، وهي لُغَةُ أَهْلِ الشامِ.

ويَوْمٌ مُظِلٌّ: ذو سَحابٍ، وقيلَ: دائمُ الظِّلِّ.

ويقالُ: وَجْهُه كَظِلِّ الحَجَرِ: أَي أَسْودُ قالَ الرَّاجِزُ:

كأَنَّمَا وَجْهُكَ ظِلٌّ من حَجَر

قالَ بعضُهم: أَرَادَ الوقاحةَ وقيل أَرَادَ أَنَّه كانَ أَسْودَ الوَجْهِ، والعَرَبُ تقولُ: ليْسَ شي‌ءٌ أَظَلَّ من حَجَر، ولا أَدْفَأَ من شَجَر، ولا أَشَدَّ سَوَادًا من ظِلُّ.

وكلُّ ما كانَ أَرْفَع سَمْكًا كانَ مَسْقطُ الشمسِ أَبْعَد، وكلُّ ما كانَ أَكْثَر عَرْضًا وأَشَدّ اكْتِنازًا كانَ أَشَدّ لسَوادِ ظِلِّه.

وأَظَلَّتْنِي الشَّجَرَةُ وغيرُها.

ومنه الحدِيثُ: «ما أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ ولا أَقَلَّتِ الغَبْراءُ أَصْدَق لَهْجَة من أَبي ذرٍّ».

واسْتَظَلَّ بها: اسْتَذْرّى.

ويقالُ للمَيِّثِ قد ضَحى ظلُّه.

وعَرشٌ مُظَلَّل من الظّلِّ.

وفي المَثَلِ: لكن على الأَثْلاثِ لَحْم لا يظَلّل قالَهُ بَيْهَس في إخْوتِه المَقْتُولِين لمَّا قالُوا: ظَلِّلوا لَحْمَ جَزُورِكم، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وقَوْلُه تعالَى: وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ، قيلَ: سَخَّرَ اللهُ لهُم السَّحابَ يُظِلُّهم حتى خَرَجُوا إلى الأَرْضِ المقدَّسَةِ، والاسمُ الظَّلالَةُ بالفتحِ.

وقَوْلُهم: مَرَّ بنا كأَنَّه ظِلُّ ذِئْبٍ أَي سَرِيعًا كَسُرْعَةِ الذِّئْبِ.

والظُّلَلُ، بُيوتُ السِّجْنِ، وبه فُسِّرَ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

وَيْحَكَ يا عَلْقَمَةُ بنُ ماعِزِ *** هَلْ لَكَ في اللَّواقِحِ الحَرَائِزِ

وفي اتِّباعِ الظُّلَل الأَوَارِزِ؟ وفي الحدِيثِ: «الجَنَّةُ تحْتَ ظلالِ السُّيوفِ، كِنايةٌ عن الدُّنُوِّ من الضِّرَابِ في الجِهادِ حتى يَعْلُوَه السَّيفُ ويَصِيرَ ظِلُّه عليه.

وفي آخَرَ: السُّلْطانُ ظِلُّ اللهِ في الأَرْضِ لأَنَّه يَدْفَعُ الأَذَى عن الناسِ كما يَدْفَعُ الظِّلُّ أَذَى حَرِّ الشمسِ، وقيلَ: معْناهُ سِتْر اللهِ، وقيلَ: خاصَّة اللهِ، وقَوْلُ عَنْتَرَةَ:

ولقد أَبِيتُ على الطَّوى وأَظلّه *** حتى أَنالَ به كَرِيمَ المأْكَلِ

أَرَادَ: وأَظَلُّ عليه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

ويقالُ: انْتَعَلَتِ المَطَايا ظِلالُها إذا انْتَصَفَ النَّهارُ في القَيْطِ فلم يَكُنْ لها ظِلٌّ، قالَ الرَّاجِزُ:

قد وَرَدَتْ تَمْشِي على ظِلالِها *** وذَابَتِ الشَّمْس على قِلالِها

وقالَ آخَرُ مِثْلِه:

وانْتَعَلَ الظِّلَّ فكانَ جَوْرَبا

والمِظل: ماءٌ في دِيارِ بَنِي أَبي بَكْرِ بنِ كِلابٍ قالَهُ نَصْر.

والمُسْتَظِلُّ: لَحْمٌ رَقيقٌ لازِقٌ ببَاطِنِ المَنْسِم من البَعيرِ، نقله الأَزْهَرِيُّ عن أَعْرَابيٍّ من طيِّ‌ءٍ قالَ: وليْسَ في البَعيرِ مُضْغة أَرَقُّ ولا أَنْعَم منها غَيْر أَنَّه لا دَسَم فيه. وقالَ أَبو عُبَيْدٍ في بابِ سُوءِ المُشَاركَةِ في اهْتمامِ الرَّجُل بشأْنِ أَخِيه: قالَ أَبو عُبَيْدَةَ: إذا أَرَادَ المَشْكُوُّ إليه أَنَّه في نَحْوٍ ممَّا فيه صاحِبُه الشاكي قالَ له إن يَدْمَ أَظَلُّكَ فقد نَقِبَ خُفَّي، يقولُ: إنَّه في مِثْل حالِكَ. والمِظَلَّةُ ما تَسْتَظِلُّ به المُلُوك عنْدَ رُكُوبِهم، وهي بالفارِسِيَّةِ جتر.

والظّلّيلة، مُشَدَّدَة اللامِ: شي‌ءٌ يَتَّخذُه الإِنْسان من شَجَرٍ أَو وثَوْبٍ يَسْتَتِرُ به من حَرِّ الشمسِ عامِيَّةٌ. وأَيْكَة ظلِّيلةٌ: مُلْتَفّة.

وهذا مناخِي ومَحَلّي وبَيْتي ومظلِّي. ورَأَيْت ظِلَالةً من الطَّيرِ، بالكسرِ، أي غَيَابَة.

وانْتَقَلْت عن ظلِّي أَي هُجِّرْتُ عن حالَتِي وهو مجازٌ. وكذا هو يَتْبَعُ ظِلّ نَفْسه وأَنْشَدَنا بعضُ الشيوخِ:

مثل الرزق الذي تتبعه *** مثل الظل الذي يمشي مَعَكْ

أَنتَ لا تُدْركه متبعًا *** فإذا وليتَ عنه تَبعَكْ

وهو يُبَارِي ظِلّ رأْسِه إذا اخْتَالَ وهو مجازٌ كما في الأَسَاسِ.

وأَظَلّه: أَدْخَلَه في ظِلِّه أَي كَنَفِهِ.

وقَوْلُه تعالَى: لا ظَلِيلٍ أي لا يفيد فائدة الظل في كونِه راقِيًا عن الحَرِّ ويُرْوَى أَنَّ النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم: كان إذا مَشَى لم يَكُن له ظِلّ، ولهذا تَأْوِيل يَخْتَص بغير هذا الكتابِ.

وظلّ اليَوْمِ وأَظَلّ: صَارَ ذا ظلٍّ وأَيْضًا دَامَ ظِلّه.

وظلّ الشي‌ءُ طَالَ.

والظُّلْظُلُ، كقُنْقُذٍ: ما يُسْتَرُ به من الشمسِ قالَهُ اللّيْثُ.

واسْتَظَلَّتِ الشمسُ اسْتَتَرَت بالسَّحابِ.

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

ظَالَ يَظُولُ، أي ظلَّ أَهْمَلَهُ الجماعَةُ. وأَوْرَدَه الصَّاغانيُّ هكذا في العُبَابِ هنا مُسْتقِلًّا قالَ: وقَرَأَ يَحْيَى بنُ يَعْمَر:

ظُلْت عليه عاكفًا بضمِ الظاءِ، وقيلَ: إنَّه أَرَادَ ما لم يُسَمَّ فاعِلُه؛ أَي ظَلَلْت أي فَعَلَ ذلِكَ لَكَ ثم أُسْقِطَتِ اللامُ الْأُوْلَى.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


62-تاج العروس (رغم)

[رغم]: الرَّغْمُ، الكُرْهُ، ويُثَلَّثُ كالمَرْغَمَةِ. وفي الحَدِيْث: «بُعِثْتُ مَرْغَمَةً»؛ أَي هَوانًا وذُلًّا للمُشْرِكِيْن عن كُرْهٍ، وهو مجازٌ.

وفَعَلَهُ رَغْمًا ولأَنْفِه الرُّغْم والمَرْغَمَة.

وقد رَغِمَه، كَعَلِمَهُ ومَنَعَهُ، رَغْمًا: كرِهَهُ؛ ومنه رَغِمَتِ السائِمَةُ المَرْعَى وأَنِفَتْه: كَرِهَتْه؛ قالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وكُنَّ بالرَّوْضِ لا يَرْغَمْنَ واحدةً *** من عَيْشهنَّ ولا يَدْرِين كيف غدُ

ويقالُ: ما أَرْغَمُ من ذلِكَ شيئًا أَي ما أَكْرَه؛ أَي ما آنَفُه.

وما أَرْغَمُ منه إلَّا الكَرَم، وهو مجازٌ.

والرَّغْمُ: التُّرابُ؛ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، كالرَّغامِ، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ:

ولم آتِ البُيوتَ مُطَنَّباتٍ *** بأَكْثِبَةٍ فَرَدْنَ من الرَّغامِ

أَي انْفَرَدْن.

والرَّغْمُ: القَسْرُ بالسِّيْن المهْمَلَةِ، وهو قَرِيبٌ مِن معْنَى الكُرْهِ، وفي بعضِ النسخِ بالشِّيْن المُعْجمةِ، والْأُوْلى الصَّوابُ كما هو نَصُّ ابنِ الأعْرَابيِّ.

والرَّغْمُ: الذُّلُ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، وهو مجازٌ. وفي حدِيْث مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ: رَغِمَ أَنْفِي للهِ تعالَى؛ أَي لأَمْرِهِ، مُثَلَّثَةً، الضمُّ عن الهَجَري أَي ذَلَّ عن كُره وهو مجازٌ.

ويقالُ: فُلانٌ غَرِمَ أَلْفًا ورَغِمَ أَنْفًا. وفَعَلَه على رَغْمِه والرَّغْمِ منه.

وقالَ ابنُ شُمَيْل: على رَغْمِ مَنْ رَغَمَ، بالفتْحِ. وفي الحَدِيْث: «إذا صَلَّى أَحَدُكم فليُلْزِمْ جَبْهَتَه وأَنْفَه الأَرضَ حتى يَخْرُجَ منه الرَّغْمُ»؛ أَي يَخْضَعَ ويَذِلّ ويَخْرُج منه كِبْرُّ الشَّيْطان.

وأَرْغَمَه الذُّلُّ: أَلْصَقَهُ بالرَّغامِ؛ هذا هو الأَصْلُ ثم اسْتُعْمِلَ بمعْنَى الذُّلِّ والانْقِيادِ على كُرْهٍ.

والمَرْغَمُ، كمَقْعَدٍ ومَجْلِسٍ: الأَنْفُ، وهو المَرْسِنُ والمَخْطِمُ والمَعْطِشُ، والجَمْعُ مَرَاغِمُ، يُعْتبرُ فيه ما حَوْلَ الأَنْفِ؛ ومنه قوْلُهم: لأَطَأَنَّ مَرَاغِمَك.

ورَغَمَّهُ تَرْغِيمًا: قالَ له رُغْمًا رُغْمًا، هكذا في النسخِ.

والذي في المُحْكَمِ: رَغَّمَهُ: قالَ له رَغْمًا ودَغْمًا، وهو راغِمٌ داغِمٌ.

وراغِمٌ داغِمٌ: إِتْباعٌ.

ويقالُ: أَرْغَمَهُ اللهُ تعالَى؛ أَي أَسْخَطَهُ، وأَدْغَمَهُ مِثْلُه.

وقيلَ: أَدْغَمَهُ، بالدَّالِ: سَوَّدَهُ، وقد تقدَّمَ ذلِكَ في «د غ م».

وشاةٌ رَغْماءُ: على طَرَفِ أَنْفِها بَياضٌ أَو لَوْنٌ يُخالِفُ سائِرَ بَدَنِها.

والمِرْغامَةُ: المُغْضِبَةُ لبَعْلِها، وهو مجازٌ. وفي الحَدِيْث: «إنَّها حمقاءُ مِرْغامَة، أَكُولُ قامَة، ما تَبْقَى لها خَامَة».

والرَّغامُ: الثَّرَى. وقيلَ: تُرابٌ لَيِّنٌ وليسَ بدَقِيقٍ، أَو رَمْلٌ مُخْتلِطٌ بتُرابٍ.

وقالَ الأَصْمَعيُّ: الرَّغامُ مِن الرَّمْلِ ليسَ بالذي يَسِيلُ مِن اليَدِ.

وقالَ أَبو عَمْرو: هو دُقاقُ التُّرابِ.

والرَّغَامُ: اسمُ رَمْلَةٍ بعَيْنِها.

والذي حَكَى ابنُ بَرِّي عن أَبي عَمْرو قالَ: الرَّغامُ رَمْلٌ يَغْشي البَصَرَ؛ فليسَ فيه ما يدلُّ على أَنَّه اسمُ رَمْلٍ بعَيْنِه فتأَمَّلْ.

والرُّغامُ، بالضمِّ: ما يَسِيلُ مِن الأَنْفِ وهو المُخاطُ، والجَمْعُ أَرْغِمَةٌ، وخَصَّ اللَّحْيانيُّ به الغَنَم والظِّباءَ؛ لُغَةٌ في العَيْنِ المهْمَلَةِ، كما في المُحْكَمِ. أَو لُثْغَةٌ، ونَقَلَه اللَّيْثُ أَيْضًا هكذا.

وقالَ الأزْهَرِيُّ: هو تَصْحِيفٌ والصَّوابُ بالعَيْنِ. ومِثْلُه قَوْل ثَعْلَب. وكأَنَّ الزَّجَّاجَ أَخَذَ هذا الحَرْف مِن كتابِ اللَّيْثِ فوَضَعَه في كتابِهِ وتَوَهَّمَ أَنَّه صَحِيحٌ. قالَ: وأَرَاه عَرَضَ الكِتابَ على المبرِّدِ والقَوْلُ ما قالَهُ ثَعْلَب.

ورَوَى بعضُهم حَدِيْث أَبي هُرَيْرَةَ: «وامْسَحِ الرُّغامَ عنها».

قالَ ابنُ الأَثيرِ: إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فيَجوزُ أَنْ يكونَ أَرادَ مَسْحَ التُّرابِ عنها رِعايَةً لها وإِصلاحًا لشَأْنِها.

ومِن المجازِ: المُراغَمَةُ: الهِجرانُ والتَّباعدُ والمُغاضَبةُ؛ ومنه حَدِيْث السَّقْط: «إنَّه ليرُاغِمُ رَبَّه إن أَدْخَل أَبَوَيْه النارَ»؛ أَي يُغاضِبُه.

وراغَمَهُم: نابَذَهُم وخَرَجَ عنهم وهَجَرَهُم وعادَاهُم؛ ولمَّا كانَ العاجِزُ الذَّليلُ لا يَخْلو مِن غَضَبٍ قالوا: تَرَغَّمَ إذا تَغَضَّبَ بكَلامٍ، وغيرِهِ، ورُبَّما جاءَ بالزَّاي؛ نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

قالَ ابنُ بَرِّي: ومنه قَوْلُ الحُطَيْئَةِ:

تَرى بين لَحْيَيْها إذا ما تَرَغَّمَتْ *** لُغامًا كبيتِ العَنكَبُوتِ المُمَدَّدِ

قلْتُ: وقد رُوِي بيتُ لَبيدٍ بالوَجْهَيْن:

على خَيْر ما يُلْقى به مَن تَرَغَّما

والرُّغامَى، بالضمِّ: زِيادَةُ الكَبِدِ؛ لُغَةٌ في العَيْنِ، والغَيْنُ أَعْلَى؛ وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ للشمَّاخِ يَصِفُ الحُمُرَ:

يُحَشْرِجُها طَوْرًا وطَوْرًا كأَنَّما *** لها بالرُّغامى والخَياشِيم جارِزُ

والرُّغامَى: نَبْتٌ؛ لُغَةٌ في الرُّخامَى، بالخاءِ.

والرُّغامَى: الأَنْفُ؛ زادَ ابنُ القوطِيَّةِ: وما حَوْلَه.

ويقالُ: الرُّغامَى: قَصَبَةُ الرِّئَةِ، كذا في الصِّحاحِ، ونَقَلَه ابنُ بَرِّي عن ابنِ دُرَيْدٍ وأَنْشَدَ:

يَبُلُّ من ماءِ الرُّغامى لِيتَهُ *** كما يَرُبُّ سالئٌ حَمِيتَهُ

وقالَ أَبو وَجْزَةَ:

شاكَتْ رُغامَى قَذُوفِ الطَّرْفِ خائِفةٍ *** هَوْلَ الجَنانِ وما هَمَّتْ بإِدْلاجِ

والمُرَاغَمُ، بالضمِّ وفتحِ الغَيْن: المَذْهَبُ والمَهْرَبُ في الأَرْضِ، وبه فُسِّرَ قَوْله تعالَى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا}.

والمُراغَمُ: الحِصْنُ كالعَصَرِ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ وأَنْشَدَ للجَعْدِيِّ:

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأَرْكانِهِ *** عَزِيزِ المُراغَمِ والمَهْرَبِ

والمُراغَمُ: السَّعَةُ والمُضْطَرَبُ، وبه فُسِّرَتِ الآيَةُ أَيْضًا.

وقالَ أَبو إسْحق: مُراغَمًا أَي مُهاجَرًا، المَعْنَى يَجِدْ في الأَرْضِ مُهاجَرًا، لأَنَّ المُهاجِرَ لقَوْمِه والمُراغِمَ بمنْزِلَةٍ واحِدَةٍ وإنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظانِ، وأَنْشَدَ:

إلى بَلَدٍ غيرِ داني المَحَل *** بعيدِ المُراغَمِ والمُضْطَرَبْ

قالَ: وهو مَأْخوذٌ مِن الرَّغامِ وهو التُّرابُ. ورَغْمانُ: رَمْلٌ بعَيْنِه.

والذي نَقَلَه ابنُ بَرِّي عن أَبي عَمْرو: أَنَّ الرَّغامَ والرَّغْمانَ رَمْلٌ يَغْشى البَصَرَ، وأَنْشَدَ لنُصَيْب:

فلا شكَّ أَنَّ الحيَّ أَدْنَى مَقِيلِهِمْ *** كُناثِرُ أَو رِغْمانُ بِيضِ الدَّوائر

والدَّوائرُ: ما اسْتَدَارَ مِن الرَّمْلِ. ورُغَيْمانُ، مُصَغَّرًا: موضع.

ورَغَيْمٌ، كزُبَيْرٍ: اسمُ رجُلٍ. ورَغَمْتُه رَغْمًا: فَعَلْتُ شيئًا على رَغْمِه أَي كُرْهِه وغَضَبِه ومَساءَتِه.

والمَرْغَمَةُ، كمَرْحَلَةٍ: لُعْبَةٌ لهم. والرُّغامَةُ، كثُمامَةٍ: الطَّلِبةُ. يقالُ: لي عنه رُغامَة.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

رَغَمَ فُلانٌ: إذا لم يَقْدِرْ على الانْتِصافِ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

وفي حَدِيْث سَجْدَتَي السَّهْو: «كانَتا تَرْغِيمًا للشَّيْطانِ».

والرَّاغِمُ: الغاضِبُ والمُتَسَخِّطُ والكَارِهُ والهارِبُ.

وأَرْغَمَ اللّقْمَة مِن فيه: أَلْقاها في التُّرابِ.

وأَرْغَمَهُ: حَمَلَه على ما لا يَقْدِر أَنْ يَمْتَنِعَ منه.

ورَغمَ أَنْفَه تَرْغِيمًا، كأَرْغَمَهُ.

ورَغِمَ الأَنْفُ نفْسُه: لزقَ بالرَّغامِ.

وأَرْغَمَ أَهْلَه: هَجَرَهُم على رَغْمِ.

وأَرْغَمَهُ: أَغْضَبَهُ، قالَ المُرَقِّشُ:

ما دِيننا في أَنْ غَزَا مَلِكٌ *** من آلِ جَفْنَةَ حازِمٌ مُرْغِمْ

أَي مُغْضَب.

وعبدٌ مُراغَمٌ، بفتحِ الغَيْنِ؛ أَي مُضْطَرِبٌ على مَوَالِيه.

والمَرْغَمُ، كمَقْعَدٍ: الرَّغْم.

ولي عنْدَه مَرْغَمَةٌ أَي طِلْبَة.

والمُتَرَغِّمُ والمَرْغَمُ كالمُراغَمِ.

وفلانٌ لا يُراغِمُ شَيئًا أَي لا يُعْوِزه شي‌ءٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


63-تاج العروس (عضم)

[عضم]: العَضْمُ: مَقْبِضُ القَوْسِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، الجمع: عِضامٌ، بالكسْرِ، أَنْشَدَ أَبو حنيفَةَ:

زادَ صَبِيَّاها على التَّمامِ *** وِعَضْمُها زادَ على العِضَامِ

وِالعَضْمُ: خَشَبَةٌ ذاتُ أَصابعَ يُذَرَّى بها الطَّعامُ.

ولم يَذْكُر الجَوْهَرِيُّ: ذاتُ أَصابِعَ.

وذَكَرَه ابنُ سِيْدَه وقالَ: الحِنْطَةَ بَدَلَ الطَّعام.

وفي التَّهْذِيبِ: هو الحِفْراةُ التي يُذَرَّى بها، الجمع: أَعْضِمَةٌ وِعُضْمٌ، بالضمِّ وكِلاهُما نادِرَانِ، والصَّحيحُ أَنَّهم كَسَّرُوا العَضْمَ على عِضامٍ، ثم كَسَّرُوا عِضامًا على أَعْضِمَةٍ وِعُضُمٍ كما كَسَّرُوا مِثَالًا على أَمْثلةٍ ومُثُلٍ، والظاءُ في كلِّ ذلِكَ لُغَةٌ، حَكَاه أَبُو حنيفَةَ بعدَ أَنْ قدَّمَ الضَّاد.

وِالعَضْمُ: عَسيبُ الفَرَسِ والبَعيرِ، وهي العُكْوةُ واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ على البَعيرِ، وابنُ سِيْدَه على الفَرَسِ، كالعِضامِ، بالكسْرِ، والصَّادُ لُغَةٌ فيه كما تقدَّمَ، والجَمْعُ القَلِيلُ أَعْضِمَةٌ، والكَثيرُ: عُضْمٌ.

وِالعَضْمُ: الأَرْوَى، وبه فُسِّرَ قوْلُه:

رُبَّ عَضْمٍ رَأَيْتُ في وَسْطِ ضَهْرِ

والضَّهْرُ: بُقْعَةٌ من الجَبَلِ يُخالِفُ لونُها سائِرَ لَوْنِه.

وِالعَضْمُ لَوْحُ الفَدَّانِ العَريضُ الذي في رأْسِه الحَديدُ الذي يَشُقُّ الأَرْضَ ويُرْوَى بالظَّاءِ أَيْضًا عن أَبي حنَيفَةَ.

وِالعَضْمُ: خَطٌّ في الجَبَلِ يُخالِفُ. سائِرَ لَوْنِهِ، وبه فُسِّرَ قوْلَ الشاعِرِ أَيْضًا:

رُبَّ عَضْمٍ رَأَيْتُ في وَسْطِ ضَهْرِ

وقالَ بعضُهم: إنَّما أَرادَ الشَّاعِرُ أَنَّه رَأَى عُودًا في ذلِكَ المَوْضِعِ فقَطَعَه وعَمِلَ به قَوْسًا.

وِالعَضومُ: النَّاقَةُ الصُّلْبَةُ في بدنِها القَوِيَّةُ على السَّفَرِ.

وِالعَيْضومُ: الأَكولُ مِن النِّساءِ، عن كُراعٍ، والصادُ أَعْلَى، وقد أَشارَ إلى الوَجْهَيْن الجَوْهَرِيُّ.

وِالعَيْضومُ: العَضوضُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


64-تاج العروس (خضن)

[خضن]: خَضَنَ ناقَتَهُ يَخْضنُها خَضْنًا: حَمَلَ عليها.

وخَضَنَها: عَضَّ من بَدَنِها.

والمِخْضَنُ، كمِنْبَرٍ: مَنْ يُهْزِلُ الدَّوابَّ ويُذَلِّلُها، عن ابنِ الأَعْرابيِّ.

وقد خَضَنَهُ خَضْنًا، إذا ذَلَّلَهُ؛ قالَ رُؤْبَةُ:

تَعْتَزُّ أَعْناقَ الصِّعابِ اللُّحَّنِ *** من الأوابي بالرِّياضِ المِخْضَنِ

وحكَى اللَّحْيانيُّ: ما خُضِنَتْ عنه المُرُوءَةُ إلى غيرِهِ، كعُنِيَ؛ أَي ما صُرِفَتْ.

والمُخاضَنَة: المُغازَلَةُ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ.

وقالَ غيرُه: هو التَّرامِي بقَوْلِ الفُحْشِ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ للطِّرِمَّاح:

وأَلقتْ إليَّ القولَ منهنَّ زَوْلَةٌ *** تُخاضِنُ أَو تَرْنُو لقَوْلِ المُخاضِن

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي:

وبَيْضاءَ مِثْل الرِّيم لو شِئْتُ قد صَبَتْ *** إليَّ وفيها للمُخاضِنِ مَلْعَبُ

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


65-تاج العروس (حشو)

[حشو]: والحَشْوُ: صغارُ الإِبِلِ التي لا كِبارَ فيها، كالحاشِيَةِ، سُمِّيَت بذلِكَ لأنَّها تَحْشُو الكِبارَ أَي تَتَخَلَّلُها، أَو لإِصابَتِها حشى الكِبارِ إذا انْضَمَّتْ إلى جَنْبِها؛ وكذلِكَ الحاشِيَةُ مِن الناسِ، والجَمْعُ الحَواشِي.

وفي حدِيثِ الزَّكاةِ: «خُذْ مِن حَواشِي أَمْوالِهم».

قالَ ابنُ الأثيرِ: هي صِغارُ الإِبِلِ كابنِ المَخاضِ وابنِ اللَّبُونِ.

والحَشْوُ: فَضْلُ الكَلامِ الذي لا يُعَتَمَدُ عليه.

والحَشْوُ: نَفْسُ الرَّجُلِ على المَثَلِ.

والحَشْوُ: مل‌ءُ الوِسادَةِ وغَيْرِها بشي‌ءٍ، كالقُطْنِ ونحوِهِ، وقد حَشاها يَحْشُوها حَشْوًا؛ وما يُجْعَلُ فيها حَشْوٌ أَيْضًا على لَفْظِ المصْدَرِ.

والحَشِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: الفِراشُ المَحْشُوُّ، والجَمْعُ الحَشَايا.

والحَشِيَّةُ: مِرْفَقَةٌ أَو مِصْدَغَةٌ أو نحوُها تُعَظِّمُ بها المَرْأَةُ بَدَنَها أَو عَجِيزَتَها لتُظَنَّ مُبْدَنَةً أَو عَجْزاء، والجَمْعُ الحَشَايا، أَنْشَدَ ثَعْلَب:

إذا ما الزُّلُّ ضاعَفْنَ الحَشَايا *** كَفاها أنْ يُلاثَ بها الإِزارُ

كالمِحْشَى، كمِنْبَرٍ، والجَمْعُ المَحاشِي؛ قالَ الشَّاعِرُ:

جُمًّا غَنيَّاتٍ عن المَحاشِي

واحْتَشَتْها واحْتَشَتْ بها: كِلاهُما لَبِسَتْها؛ عن ابنِ الأعرابيِّ؛ وأَنْشَدَ:

لا تَحْتَشِي إلَّا الصَّميمَ الصّادِقا

يَعْنِي أنَّها لا تَلْبَسُ الحَشَايا لأنَّ عِظَمَ عَجِيزَتها يُغْنيها عن ذلِكَ؛ وأَنْشَدَ في التَّعدِّي بالباءِ:

كانتْ إذا الزُّلُّ احْتَشَينَ بالنُّقَبْ *** تُلْقِي الحَشايا ما لَها فيها أَرَبْ

واحْتَشَى الشَّي‌ءُ: امْتَلأَ؛ كاحْتِشاءِ الرَّجُلِ من الطَّعامِ.

واحْتَشَتِ المُسْتَحاضَةُ: حَشَتْ نَفْسَها بالمَفارِمِ ونحوِها، وكَذلِكَ الرَّجُلُ ذُو الإِبْرِدَةِ.

وفي الحدِيثِ: قال لامرأَةٍ: احْتَشِي كُرْسُفًا، وهو القُطْنُ تَحْشُو به فَرْجَها. وفي الصِّحاحِ: والحائِضُ تَحْتَشِي بالكُرْسُفِ لتَحْبسَ الدَّمَ.

ويقالُ: أتَاهُ فما أَجَلَّهُ ولا حاشاهُ، أَي: ما أَعْطاهُ جَلِيلَةً ولا حاشِيَةً.

والحَشا: ما في البَطْنِ، وتَثْنِيتُه حَشَوان، وهو مِن ذَواتِ الواوِ والياءِ لأنَّه ممَّا يُثَنَّى بالياءِ وبالواوِ، الجمع: أَحْشاءٌ.

وحَشاهُ سَهْمًا حَشْوًا: أصَاب حَشاهُ.

والمَحْشَى: مَوْضِعُ الطَّعامِ في البَطْنِ، والجَمْعُ المَحاشِي.

وقالَ الأَصمعيُّ: أَسْفَلُ مَواضِع الطَّعام الذي يُؤَدِّي إلى المَذْهَبِ المَحْشاةُ، والجَمْعُ المَحاشِي، وهو المَبْعَرُ مِن الدَّوابِ.

وقالَ: إيَّاكُم وإتْيانَ النِّساءِ في مَحاشِيهنَّ فإنَّ كلَّ مَحْشاةٍ حَرامٌ.

وفي الحدِيثِ: «مَحاشِي النِّساء حَرامٌ».

قالَ ابنُ الأثيرِ: هكذا جاءَ في رِوايَةٍ، وهي جَمْعُ مَحْشاةٍ لأَسْفَل مَوَاضِع الطَّعامِ مِن الأَمْعاءِ فكَنَى به عن الأَدْبارِ.

وحكَى اللحْيانيُّ: ما أَكْثَر حِشْوَةَ أَرْضِه، بالضَّمِّ والكَسْر: أَي حَشْوَها، وما فيها مِن دَغَلِها، وهو مَجازٌ.

وأَرضٌ حَشاةٌ: سَوْداءُ لا خَيْرَ فيها، وهو مجازٌ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

حُشْوَةُ البَطْنِ وحُشْوَتُه، بالضمِّ والكسْرِ: أَمْعاوهُ.

وقال الأزهريُّ والشافِعِيُّ جَمِيعُ ما في البَطْنِ حِشْوَةٌ ما عَدَا الشَّحْم فإنَّه ليسَ من الحِشْوَةِ.

وقالَ الأصمعيُّ: الحُشْوَةُ مَواضِعُ الطَّعامِ وفيه الأَحْشاءُ والأَقْصابُ.

والحَشْوُ: القُطْنُ وحَشَا الغَيْظَ يَحْشُو حَشْوًا؛ قالَ المرَّارُ:

وحَشَوْتُ الغَيْظَ في أَضْلاعِه *** فهو يَمْشِي خطلانًا كالنَّقِرْ

وحُشِيَ الرَّجُل غَيْظًا وكِبْرًا كِلاهُما على المَثَلِ؛ وأنْشَدَ ثَعْلَب:

ولا تَأْنَفا أنْ تَسْأَلا وتُسَلِّما *** فما حُشِيَ الإِنْسانُ شَرًّا من الكِبْرِ

وحُشِيَ الرَّجُلُ بالنَّفْس وحُشِيَها؛ قالَ يزيدُ بنُ الحَكَم الثَّقَفِيُّ:

وما بَرِحَتْ نَفْسٌ لَجُوجٌ حُشِيتُها *** بِذَنْبك حتى قيلَ هل أَنتَ مُكْتَوي

وحَشْوُ البَيْتِ مِن الشِّعْر: أَجْزاؤُه غَيْر عَرُوضِه وضَرْبِهِ.

وحُشْوَةُ الناسِ رُذالُهم.

والحشْوُ: ما يُحْشَى به بَطْنُ الخَرُوفِ مِن التَّوابِلِ، والجَمْعُ المحاشِي على غيرِ قياسٍ.

والمَحاشِي: أَكْسِيَةٌ خَشِنَةٌ تَحلِقُ الجِلْدَ، واحِدُها مِحْشاةٌ؛ عن الأصْمعيّ.

وتقدَّمَ ذلكَ للمصنِّفِ في الهَمْزةِ؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ، قالَ: وقَوْلُ الشاعِرِ، وهو النابِغَةُ.

اجْمَعْ مِحاشَكَ يا يَزِيدُ فإنَّني *** أَعْدَدْتُ يَرْبوعًا لكم وَتَمِيما

قالَ: هو مِن الحَشْوِ. قال ابنُ برِّي: وهو غَلَطٌ قَبيحٌ إنّما هو مِن المَحْش وهو الحَرْقُ، وقد فَسَّر هذه اللَّفَظْةَ في فَصْل مَحَش، وتقدَّمَ ما يَتَعلَّقُ به هناك.

واحْتَشَتِ الرُّمَّانَةُ بالحبِّ: امْتَلأَتْ.

ورُمَّانةٌ مُحْتَشِيَةٌ.

وبَنُو حشيبر: قَبيلَةٌ باليَمَنِ، والأَصْلُ فيه حشى برا، وقد ذُكِرَتْ في الراءِ.

والحشويَّةُ: طائِفَةٌ من المُبْتدعَةِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


66-المصباح المنير (بدن)

الْبَدَنُ مِنْ الْجَسَدِ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَالشَّوَى قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ هُوَ مَا سِوَى الْمُقَاتِلِ وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ أَصْلُهَا شَرِكَةٌ بِالْأَبْدَانِ لَكِنْ حُذِفَتْ الْبَاءُ ثُمَّ أُضِيفَتْ لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا أَبْدَانَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْمَكَاسِبِ وَبَدَنُ الْقَمِيصِ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ دُونَ الْكُمَّيْنِ وَالدَّخَارِيصِ وَالْجَمْعُ أَبْدَانٌ.

وَالْبَدَنَةُ قَالُوا هِيَ نَاقَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ وَزَادَ الْأَزْهَرِيُّ أَوْ بَعِيرٌ ذَكَرٌ قَالَ وَلَا تَقَعُ الْبَدَنَةُ عَلَى الشَّاةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْبَدَنَةُ هِيَ الْإِبِلُ خَاصَّةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَإِنَّمَا أُلْحِقَتْ الْبَقَرَةُ بِالْإِبِلِ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ» فَفَرَّقَ الْحَدِيثُ بَيْنَهُمَا بِالْعَطْفِ إذْ لَوْ كَانَتْ الْبَدَنَةُ فِي الْوَضْعِ تُطْلَقُ عَلَى الْبَقَرَةِ لَمَا سَاغَ عَطْفُهَا لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ اشْتَرَكْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ سَبْعَةٌ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ أَنَشْتَرِكُ فِي الْبَقَرَةِ مَا نَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ فَقَالَ مَا هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ وَالْمَعْنَى فِي الْحُكْمِ إذْ لَوْ كَانَتْ الْبَقَرَةُ مِنْ جِنْسِ الْبُدْنِ لَمَا جَهِلَهَا أَهْلُ اللِّسَانِ وَلَفُهِمَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ بَدَنَاتٌ مِثْلُ: قَصَبَةٍ وَقَصَبَاتٍ وَبُدُنٌ أَيْضًا بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانُ

الدَّالِ تَخْفِيفٌ وَكَأَنَّ الْبُدْنَ جَمْعُ بَدِينٍ تَقْدِيرًا مِثْلُ: نَذِيرٍ وَنُذُرٍ قَالُوا وَإِذَا أَطْلَقْت الْبَدَنَةَ فِي الْفُرُوعِ فَالْمُرَادُ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَبَدَنَ بُدُونًا مِنْ بَابِ قَعَدَ عَظُمَ بَدَنُهُ بِكَثْرَةِ لَحْمِهِ فَهُوَ بَادِنٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ بُدَّنٌ مِثْلُ: رَاكِعٍ وَرُكَّعٍ وَبَدُنَ بَدَانَةً مِثْلُ: ضَخُمَ ضَخَامَةً كَذَلِكَ فَهُوَ بَدِينٌ وَالْجَمْعُ بُدُنٌ وَبَدَّنَ تَبْدِينًا كَبِرَ وَأَسَنَّ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


67-المصباح المنير (قرم)

الْقِرَامُ مِثْلُ كِتَابٍ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ وَفِيهِ رَقْمٌ وَنُقُوشٌ وَالْمِقْرَمُ وِزَانُ مِقْوَدٍ وَالْمِقْرَمَةُ بِالْهَاءِ أَيْضًا مِثْلُهُ وَالْقِرْمِيدُ بِالْكَسْرِ رُومِيٌّ يُطْلَقُ عَلَى الْآجُرِّ وَعَلَى مَا يُطْلَى بِهِ لِلزِّينَةِ كَالْجِصِّ وَالزَّعْفَرَانِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَثَوْبٌ مُقَرْمَدٌ بِالطِّيبِ وَالزَّعْفَرَانِ أَيْ مَطْلِيٌّ بِهِ وَبِنَاءٌ مُقَرْمَدٌ مَبْنِيٌّ بِالْآجُرِّ قِيلَ أَوْ الْحِجَارَةِ.

قرن قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ بَابِ قَتَلَ.

وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْمُ الْقِرَانُ بِالْكَسْرِ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرَنَ الشَّخْصُ لِلسَّائِلِ إذَا جَمَعَ لَهُ بَعِيرَيْنِ فِي قِرَانٍ وَهُوَ الْحَبْلُ وَالْقَرَنُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةٌ فِيهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ لَا يُقَالُ لِلْحَبْلِ قَرَنٌ حَتَّى يُقْرَنَ فِيهِ بَعِيرَانِ وَقَرَنْتُ الْمُجْرِمِينَ فِي الْقَرَنِ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَقَرْنُ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ جَمْعُهُ قُرُونٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَشَاةٌ قَرْنَاءُ خِلَافُ جَمَّاءَ وَالْقَرْنُ أَيْضًا الْجِيلُ مِنْ النَّاسِ قِيلَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الَّذِي عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْقَرْنَ أَهْلُ كُلِّ مُدَّةٍ كَانَ فِيهَا نَبِيٌّ أَوْ طَبَقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ قَلَّتْ السُّنُونَ أَوْ كَثُرَتْ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» يَعْنِي أَصْحَابَهُ «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» يَعْنِي التَّابِعِينَ «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أَيْ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ عَنْ التَّابِعِينَ الْقَرْنُ مِثْلُ فَلْسٍ أَيْضًا الْعَفَلَةُ وَهُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ الْغَلِيظَةِ وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا وَيُحْكَى أَنَّهُ اُخْتُصِمَ إلَى الْقَاضِي شُرَيْحٍ فِي جَارِيَةٍ بِهَا قَرْنٌ فَقَالَ أَقْعِدُوهَا فَإِنْ أَصَابَ الْأَرْضَ فَهُوَ عَيْبٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْفَارَابِيُّ وَالْقَرْنُ كَالْعَفَلَةِ.

وَفِي التَّهْذِيبِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْقَرْنُ كَالْعَفَلَةِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْقَرْنُ الْعَفَلَةُ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَالْقَرَنُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ قَرِنَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ بَابِ تَعِبَ قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ قَرِنَتْ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَ فِي فَرْجِهَا قَرْنٌ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهُ الْقَلَعِيُّ فِي كِتَابِهِ عَلَى غَرِيبِ الْمُهَذَّبِ: (الْقَرَنُ) بِفَتْحِ

الرَّاءِ بِمَنْزِلَةِ الْعَفَلَةِ فَأَوْقَعَ الْمَصْدَرَ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَهُوَ سَائِغٌ وَقَرْنٌ بِالسُّكُونِ أَيْضًا مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَهُوَ جَبَلٌ مُشْرِفٌ عَلَى عَرَفَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَقَالُوا قَرَنٌ بِالْفَتْحِ قَبِيلَةٌ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو قَرَنٍ وَأُوَيْسٌ مِنْهَا وَالصَّوَابُ فِي الْمِيقَاتِ السُّكُونُ قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ

أَلَمْ تَسْأَلْ الرَّبْعَ أَنْ يَنْطِقَا *** بِقَرْنِ الْمَنَازِلِ قَدْ أَخْلَقَا

وَالْقَرَنُ بِفَتْحَتَيْنِ الْجَعْبَةُ مِنْ جُلُودٍ تَكُونُ مَشْقُوقَةً لِتَصِلَ الرِّيحُ إلَى الرِّيشِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ وَيُقَالُ هِيَ جَعْبَةٌ صَغِيرَةٌ تُضَمُّ إلَى الْكَبِيرَةِ وَيُقَالُ هُوَ عَلَى قَرْنِهِ مِثْلُ فَلْسٍ أَيْ عَلَى سِنِّهِ.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ قَرْنُهُ فِي السِّنِّ أَيْ مِثْلُهُ وَالْقِرْنُ مَنْ يُقَاوِمُكَ فِي عِلْمٍ أَوْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْجَمْعُ أَقْرَانٌ مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَرَجُلٌ قَرْنَانُ وِزَانُ سَكْرَانَ لَا غَيْرَةَ لَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَأَقْرَنَ الرَّجُلُ رُمْحَهُ رَفَعَهُ كَيْ لَا يُصِيبَ النَّاسَ فَالرُّمْحُ مُقْرَنٌ عَلَى الْأَصْلِ وَجَاءَ مَقْرُونٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَأَقْرَنْتُ الشَّيْءَ إقْرَانًا أَطَقْتُهُ وَقَوِيتُ عَلَيْهِ.

قري قَرَيْتُ الضَّيْفَ أَقْرِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى قِرًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ وَالِاسْمُ الْقَرَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالْقَرْيَةُ هِيَ الضَّيْعَةُ.

وَقَالَ فِي كِفَايَةِ الْمُتَحَفِّظِ: الْقَرْيَةُ كُلُّ مَكَان اتَّصَلَتْ بِهِ الْأَبْنِيَةُ وَاتُّخِذَ قَرَارًا وَتَقَعُ عَلَى الْمُدُنِ وَغَيْرِهَا وَالْجَمْعُ قُرًى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى فَعْلَةٍ مِنْ الْمُعْتَلِّ فَبَابُهُ أَنْ يُجْمَعَ عَلَى فِعَالٍ بِالْكَسْرِ مِثْلُ ظَبْيَةٍ وَظِبَاءٍ وَرَكْوَةٍ وَرِكَاءٍ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا قَرَوِيٌّ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

وَالْقَارِيَةُ مُخَفَّفٌ طَائِرٌ وَالْجَمْعُ الْقَوَارِي.

وَالْقُرْءُ فِيهِ لُغَتَانِ الْفَتْحُ وَجَمْعُهُ قُرُوءٌ وَأَقْرُؤٍ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَأَفْلُسٍ وَالضَّمُّ وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ قَالَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَحَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَيُقَالُ إنَّهُ لِلطُّهْرِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الطَّاهِرَ كَأَنَّ الدَّمَ اجْتَمَعَ فِي بَدَنِهَا وَامْتَسَكَ وَيُقَالُ إنَّهُ لِلْحَيْضِ وَيُقَالُ أَقْرَأَتْ إذَا حَاضَتْ وَأَقْرَأَتْ إذَا طَهُرَتْ فَهِيَ مُقْرِئٌ وَأَمَّا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ فَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هَذِهِ الْإِضَافَةُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْقِيَاسُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ لِأَنَّهُ جَمْعُ قِلَّةٍ مِثْلُ ثَلَاثَةُ أَفْلُسٍ وَثَلَاثَةُ رَجْلَةٍ وَلَا يُقَالُ ثَلَاثَةُ فُلُوسٍ وَلَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ.

وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: هُوَ عَلَى التَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرُ ثَلَاثَةٌ مِنْ قُرُوءٍ لِأَنَّ الْعَدَدَ يُضَافُ إلَى

مُمَيِّزِهِ وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ قَلِيلٌ وَالْمُمَيَّزُ هُوَ الْمُمَيِّزُ فَلَا يُمَيَّزُ الْقَلِيلُ بِالْكَثِيرِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنَّهُ قَدْ وُضِعَ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ اتِّسَاعًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى هَذَا مَا نُقِلَ عَنْهُ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مُمَيِّزَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ كَثْرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَيُقَالُ خَمْسَةُ كِلَابٍ وَسِتَّةُ عَبِيدٍ وَلَا يَجِبُ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يُقَالَ خَمْسَةُ أَكْلُبٍ وَلَا سِتَّةُ أَعْبُدٍ.

وَقَرَأْتُ أُمَّ الْكِتَابِ فِي كُلِّ قَوْمَةٍ وَبِأُمِّ الْكِتَابِ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ قِرَاءَةً وَقُرْآنًا ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ الْقُرْآنُ اسْمًا مِثْلَ الشُّكْرَانِ وَالْكُفْرَانِ وَإِذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ شَرْعًا إلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ وَلُغَةً إلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُقْرَأُ نَحْوُ كَتَبْتُ الْقُرْآنَ وَمَسِسْتُهُ وَالْفَاعِلُ قَارِئٌ وَقَرَأَةٌ وَقُرَّاءٌ وَقَارِئُونَ مِثْلُ كَافِرٌ وَكَفَرَةٌ وَكُفَّارٌ وَكَافِرُونَ وَقَرَأْتُ عَلَى زَيْدٍ السَّلَامَ أَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ قِرَاءَةً وَإِذَا أَمَرْتَ مِنْهُ قُلْتَ اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَتَعْدِيَتُهُ بِنَفْسِهِ خَطَأٌ فَلَا يُقَالُ اقْرَأْهُ السَّلَامَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى اُتْلُ عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّاعِ أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ رُبَاعِيًّا فَيُقَالُ فُلَانٌ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَاسْتَقْرَأْتُ الْأَشْيَاءَ تَتَبَّعْتُ أَفْرَادَهَا لِمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهَا وَخَوَاصِّهَا.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


68-لسان العرب (ذرب)

ذرب: الذَّرِبُ: الحادُّ مِنْ كلِّ شيءٍ.

ذَرِبَ يَذْرَبُ ذَرَبًا وذَرابةً فَهُوَ ذَرِبٌ؛ قَالَ شَبيب بْنُ البَرْصاء:

كأَنها مِنْ بُدُنٍ وإيقارْ، ***دَبَّتْ عَلَيْهَا ذَرِباتُ الأَنْبارْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَي كأَنَّ هَذِهِ الإِبِلَ مِنْ بُدْنِها وسِمَنِها وإيقارِها بِاللَّحْمِ، قَدْ دَبَّتْ عَلَيْهَا ذَرِباتُ الأَنْبارِ؛ والأَنْبارُ: جمعُ نَبْرٍ، وَهُوَ ذُبابٌ يَلْسَعُ فيَنْتَفِخُ مكانُ لَسْعِه، فَقَوْلُهُ ذَرِبات الأَنْبار أَي حَديداتُ اللَّسْع، ويُروى وَإِيفَارْ، بالفاءِ أَيضًا.

وقَوْمٌ ذُرُبٌ.

ابْنُ الأَعرابي: ذَرِبَ الرَّجلُ إِذا فَصُحَ لسانُه بعدَ حَصرِه.

ولسانٌ ذَرِبٌ: حديدُ الطَّرَف؛ وَفِيهِ ذرابةٌ أَي حِدَّةٌ.

وذَرَبُه: حِدَّتُه.

وذَرَبُ المَعِدَة: حِدَّتُها عَنِ الجوعِ.

ذَرِبَتْ مَعِدَتُه تَذْرَبُ ذَرَبًا فَهِيَ ذَرِبة إِذا فسَدَتْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فِي أَلبانِ الإِبِل وأَبْوالِها شِفاءُ الذَّرَبِ»؛ هُوَ بالتحريكِ، الدَّاءُ الَّذِي يَعْرِضُ للمَعدة فَلَا تَهْضِمُ الطَّعامَ، ويَفْسُدُ فِيهَا وَلَا تُمْسِكُه.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للغُدَّةِ ذِرْبَةٌ، وجَمْعُها ذِرَبٌ.

والتَّذْريبُ: التَّحْديدُ.

يُقَالُ لسانٌ ذَرِبٌ، وسِنانٌ ذَرِبٌ ومُذَرَّبٌ؛ قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ:

بمُذَرَّباتٍ، بالأَكُفِّ، نواهِلٍ، ***وبكلِّ أَبْيَضَ، كالغَديرِ، مُهَنَّدِ

وَكَذَلِكَ المَذْروبُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَقَدْ كَانَ ابنُ جَعْدَةَ أَرْيَحِيًّا ***عَلَى الأَعْداءِ، مَذْروبَ السِّنانِ

وذَرَبَ الحَديدةَ يَذْرُبُها ذَرْبًا وذرَّبَها: أَحدَّها فَهِيَ مَذرُوبَة.

وقَوم ذَرْبٌ: أَحِدَّاءُ.

وامرأَةٌ ذِرْبَةٌ، مثلُ قِرْبَة، وذَرِبَةٌ أَي صَخَّابَةٌ، حديدةٌ، سَلِيطَةُ اللِّسانِ، فاحِشَة، طَويلَة اللِّسانِ.

وذَرَبُ اللِّسانِ: حِدَّتُه.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ

حُذَيْفَةَ قَالَ: كنتُ ذَرِبَ اللِّسانِ عَلَى أَهلِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لأَخْشَى أَنْ يُدْخِلَنِي النارَ؛ فَقَالَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأَيْنَ أَنتَ مِنَ الاسْتِغْفارِ؟ إِنِّي لأَستَغْفِرُ اللهَ فِي اليومِ مائَةً؛ فذكرْتُه لأَبي بُرْدَة فَقَالَ: وأَتُوبُ إِليه.

قَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قولِهم فلانٌ ذَرِبُ اللسانِ، قَالَ: سمعتُ أَبا العباسِ يَقُولُ: معناهُ فاسِدُ اللِّسانِ، قَالَ: وَهُوَ عَيْبٌ وذَمٌّ.

يُقَالُ: قَدْ ذَرِبَ لسانُ الرَّجُلِ يَذْرَبُ إِذا فَسَد.

ومِنْ هَذَا ذَرِبَتْ مَعِدَتُه: فَسَدَتْ؛ وأَنْشد:

أَلم أَكُ باذِلًا وِدِّي ونَصْري، ***وأَصْرِفُ عَنْكُمُ ذَرَبِي ولَغْبِي

قَالَ: واللَّغْبُ الرَّدِيءُ مِنَ الكلامِ.

وَقِيلَ: الذَّرِبُ اللسانِ هُوَ الحادُّ اللِّسَانِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلى الفَسادِ؛ وَقِيلَ: الذَّرِبُ اللِّسانِ الشَّتَّامُ الفاحِشُ.

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الذَّرِبُ اللِّسان الفاحِشُ البَذِيُّ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «ذَرِبَ النِّساءُ عَلَى أَزْواجِهِنَ»أَي فَسَدَتْ أَلسِنَتُهُنَّ وانْبَسَطْنَ عَلَيْهِمْ فِي الْقَوْلِ؛ وَالرِّوَايَةُ ذَئِرَ بِالْهَمْزِ، وَسَنَذْكُرُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنّ أَعشى بَنِي مَازِنٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ»، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأَنشد أَبياتًا فِيهَا:

يا سَيِّدَ الناسِ، ودَيَّانَ العَرَبْ، ***إِلَيْكَ أَشْكُو ذِرْبةً، مِنَ الذِّرَبْ

خَرَجْتُ أَبْغِيها الطَّعَامَ فِي رَجَبْ، ***فخَلَفَتْنِي بنِزاعٍ وحَرَبْ

أَخْلَفَتِ العَهْدَ، ولَطَّتْ بالذَّنَبْ، ***وتَرَكَتْنِي، وَسْطَ عِيصٍ، ذِي أَشَبْ

تَكُدُّ رِجْلَيَّ مَساميرُ الخَشَبْ، ***وهُنَّ شَرُّ غالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد بالذِّرْبَةِ امرأَتَه، كَنَى بِهَا عَنْ فسادِها وخِيانَتِها إِيَّاه فِي فَرْجِها، وجَمْعُها ذِرَبٌ، وأَصلُه مِنْ ذَرَبِ المَعِدة، وَهُوَ فسادُها؛ وذِرْبَةٌ مَنْقُولٌ مِنْ ذَرِبَةٍ، كمِعْدَةٍ مِنْ مَعِدَة؛ وَقِيلَ: أَراد سَلاطة لسانِها، وفسادَ مَنْطِقِها، مِنْ قَوْلِهِمْ ذَرِبَ لسانُه إِذا كَانَ حادَّ اللِّسانِ لَا يُبالِي مَا قَالَ.

وَذَكَرَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَن هَذَا الرَّجَزَ للأَعْوَرِ بنِ قُرَادِ بنِ سُفْيَانَ، مِنْ بَنِي الحِرْمازِ، وَهُوَ أَبو شَيْبانَ الحِرْمازِيّ، أَعْشَى بَنِي حِرْمازٍ؛ وَقَوْلُهُ: فخَلَفَتْنِي أَي خالَفَتْ ظَنِّي فِيهَا؛ وَقَوْلُهُ: لَطَّتْ بالذَّنَب، يُقَالُ: لَطَّت النَّاقَةُ بذَنَبِها أَي أَدْخَلَتْهُ بَيْنَ فَخِذَيْها، لتَمْنَع الحالِبَ.

وَيُقَالُ: أَلْقَى بينَهم الذَّرَبَ أَي الاخْتِلافَ والشَّرَّ.

وسُمٌّ ذَرِبٌ: حديدٌ.

والذُّرَابُ: السُّمُّ، عَنْ كُرَاعٍ، اسمٌ لَا صِفَةٌ.

وَسَيْفٌ ذَرِبٌ ومُذَرَّبٌ: أُنْقِعَ فِي السُّمِّ، ثُمَّ شُحِذَ.

التَّهْذِيبُ: تَذْريبُ السَّيف أَن يُنْقَعَ فِي السُّمِّ، فإِذا أُنْعِمَ سَقْيُهُ، أُخْرِجَ فشُحِذَ.

قَالَ: وَيَجُوزُ ذَرَبْتُه، فَهُوَ مَذْرُوبٌ؛ قَالَ عُبَيْدٌ:

وخِرْقٍ، مِنَ الفِتْيانِ، أَكرَمَ مَصْدَقًا ***مِنَ السَّيْفِ، قَدْ آخَيْتُ، ليسَ بِمَذْرُوبِ

قَالَ شَمِرٌ: ليسَ بفاحِشٍ.

والذَّرَبُ: فسادُ اللِّسانِ وبَذَاؤُه.

وَفِي لسانِهِ ذَرَبٌ: وَهُوَ الفُحْشُ.

قَالَ: وليسَ مِنْ ذَرَبِ اللِّسانِ وحِدَّتِه؛ وأَنشد:

أَرِحْني واسْتَرِحْ منِّي، فإِني ***ثَقِيلٌ مَحْمِلي، ذَرِبٌ لِساني

وَجَمْعُهُ أَذْرابٌ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لِحَضْرَمِيّ ابن عامرٍ الأَسَدي:

ولَقَدْ طَوَيْتُكُمُ عَلَى بَلُلاتِكُمْ، ***وعَرَفْتُ مَا فِيكُمْ مِنَ الأَذْرابِ

كَيْمَا أُعِدَّكُمُ لأَبْعَدَ مِنْكُمُ، ***وَلَقَدْ يُجاءُ إِلى ذَوِي الأَلبابِ

مَعْنَى مَا فِيكُم مِن الأَذرابِ: مِن الفسادِ، وَرَوَاهُ ثَعْلَبٌ: الأَعيابِ، جَمعُ عَيْبٍ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَى ابْنُ الأَعرابي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، عَلَى غَيْرِ هَذَا

الحَوْكِ، وَلَمْ يُسَمِّ قائِلَهما؛ وَهُمَا:

وَلَقَدْ بَلَوْتُ الناسَ فِي حالاتِهِم، ***وعَلِمْتُ مَا فِيهم مِنَ الأَسبابِ

فإِذا القَرابَةُ لَا تُقَرِّبُ قاطِعًا، ***وإِذا المَوَدَّةُ أَقْرَبُ الأَنْسابِ

وَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ طَوَيْتُكُمُ عَلَى بَلُلاتِكُم أَي طَوَيْتُكُم عَلَى مَا فِيكُم مِن أَذًى وعَداوَةٍ؛ وبَلُلاتٌ، بِضَمِّ اللَّامِ، جمعُ بَلُلَةٍ، بِضَمِّ اللَّامِ أَيضًا، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْويه عَلَى بَلَلاتِكُم، بِفَتْحِ اللَّامِ، الواحِدَةُ بَلَلة، أَيضًا بِفَتْحِ اللَّامِ؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عَلَى بَلَلاتِكُم: إِنه يُضْرَبُ مَثَلًا لإِبْقاءِ المَوَدَّة، وإِخْفاءِ مَا أَظْهَرُوه مِنْ جَفائِهِمْ، فَيَكُونُ مثلَ قَوْلِهِمْ: اطْوِ الثَّوْبَ عَلَى غَرِّه، لينضَمَّ بعضُه إِلى بعضٍ وَلَا يَتبايَنَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَيضًا: اطْوِ السِّقاءَ عَلَى بَلَلِه، لأَنه إِذا طُوِيَ وَهُوَ جافٌّ تَكَسَّر، وإِذا طُوِيَ عَلَى بَلَلِه، لَمْ يَتَكَسَّر، وَلَمْ يَتَبايَنْ.

والتَّذْريبُ: حَمْلُ المَرْأَةِ وَلَدَها الصَّغيرَ، حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَه.

ابْنُ الأَعرابي: أَذْرَبَ الرَّجُلُ إِذا فَسَدَ عَيْشُه.

وذَرِبَ الجُرْحُ ذَرَبًا، فَهُوَ ذَرِبٌ: فَسَد وَاتَّسَعَ، وَلَمْ يَقْبَل البُرْءَ والدَّواءَ؛ وَقِيلَ: سالَ صَديدًا، والمَعْنَيان مُتَقارِبانِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا الطَّاعُون؟ قَالَ: ذَرَبٌ كالدُّمَّل».

يُقَالُ: ذَرِبَ الجُرْحُ إِذا لَمْ يَقْبَلِ الدَّواءَ؛ وَمِنْهُ الذَّرَبَيَّا، عَلَى فَعَلَيَّا، وَهِيَ الدَّاهِيَةُ؛ قَالَ: الكُمَيْتُ:

رَمَانِيَ بالآفاتِ، مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ***وبالذَّرَبَيَّا، مُرْدُ فِهْرٍ وَشِيبُها

وَقِيلَ: الذَّرَبَيَّا هُوَ الشَّرُّ والاخْتِلافُ؛ ورَمَاهُم بالذَّرَبِينَ مثلُه.

ولَقِيتُ مِنْهُ الذَّرَبَى والذَّرَبَيَّا والذَّرَبِينَ أَي الداهِيَةَ.

وذَرِبَتْ مَعِدَتُه ذَرَبًا وذَرَابَةً وذُرُوبَةً، فَهِيَ ذَرِبَة، فَسَدَتْ، فَهُوَ مِنَ الأَضْدادِ.

والذَّرَبُ: المَرَضُ الَّذِي لَا يَبْرَأُ.

وذَرَب أَنْفُه ذَرابةً: قَطَرَ.

والذِّرْيَبُ: الأَصْفَرُ مِنَ الزَّهْرِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ الأَسود ابن يَعْفُرَ، ووصَف نَبَاتًا:

قَفْرٌ حَمَتْهُ الخَيْلُ، حتَّى كأَنْ ***زاهِرَه أُغْشِيَ بالذِّرْيَبِ

وأَما مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَتَأْلَمُنَّ النَّومَ عَلَى الصُّوفِ الأَذْرَبِيِّ، كَمَا يَأْلَمُ أَحَدُكُمْ النَّومَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدانِ»؛ فإِنه ورَد فِي تَفْسِيرِهِ: الأَذْرَبيّ مَنْسوبٌ إِلى أَذْرَبِيجانَ، عَلَى غيرِ قِيَاسٍ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَقُولَ أَذَرِيٌّ، بِغَيْرِ باءٍ، كَمَا يُقَالُ فِي النَّسَبِ إِلى رَامَ هُرْمُزَ، رَامِيٌّ وَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي النَّسب إلى الأَسماءِ المركبة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


69-لسان العرب (زبد)

زبد: الزُّبْدُ: زُبْدُ السمنِ قَبْلَ أَن يُسْلأَ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ زُبْدَة وَهُوَ مَا خلُص مِنَ اللَّبَنِ إِذا مُخِضَ، وزَبَدُ اللَّبَنِ: رغْوتَه.

ابْنُ سِيدَهْ: الزُّبْدُ، بِالضَّمِّ، خُلَاصَةُ اللَّبَنِ، وَاحِدَتُهُ زُبْدَة يَذْهَبُ بِذَلِكَ إِلى الطَّائِفَةِ، والزُّبْدة أَخص مِنَ الزُّبْدِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

فِيهَا عجوزٌ لَا تُساوي فَلْسا، ***لَا تأْكلُ الزُّبْدة إِلا نَهْسا

يَعْنِي أَنه لَيْسَ فِي فَمِهَا سِنٌّ فَهِيَ تَنْهَس الزُّبْدَةَ، وَالزُّبْدَةُ لَا تُنهس لأَنها أَلين مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا تَهْوِيلٌ وإِفراط، كَقَوْلِ الْآخَرِ: لَوْ تَمْضَغُ البَيْضَ إِذًا لَمْ يَنْفَلِقْ

وَقَدْ زَبَّدَ اللبنَ وزَبَدَه يَزْبِدُه زَبْدًا: أَطعمه الزُّبْدَ.

وأَزبَدَ القومُ: كثُرَ زُبْدُهم؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَكَذَلِكَ كَلُّ شيءٍ إِذا أَردت أَطعَمْتهم أَو وهَبْت لَهُمْ قُلْتَ فَعَلْتُهُمْ بِغَيْرِ أَلف، وإِذا أَردت أَن ذَلِكَ قَدْ كَثُرَ عِنْدَهُمْ قُلْتَ أَفعَلوا.

وَقَوْمٌ زَابِدُونَ: ذَوُو زُبْد، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْمٌ زَابِدُونَ كَثُرَ زُبدهم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

وتَزَبَّدَ الزُّبْدَة: أَخذها.

وَكُلُّ مَا أُخِذ خَالِصُهُ، فَقَدَ تُزُبِّد.

وإِذا أَخذ الرَّجُلُ صَفْوَ الشيءِ قِيلَ: تَزَبَّده.

وَمِنْ أَمثالهم: قَدْ صَرَّحَ المحْضُ عَنِ الزَّبَد؛ يَعْنُونَ بالزَّبَد رَغْوَةَ اللَّبَنِ.

وَالصَّرِيحُ: اللَّبَنُ الَّذِي تَحْتَهُ المحْضُ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلصِّدْقِ يَحْصُلُ بَعْدَ الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ.

وَيُقَالُ: ارتَجَنَتِ الزُّبْدَة إِذا اخْتَلَطَتْ بِاللَّبَنِ فَلَمْ تَخْلُصْ مِنْهُ؛ وإِذا خَلَصَتِ الزُّبْدَةُ فَقَدْ ذَهَبَ الِارْتِجَانُ، يُضْرَبُ هَذَا مَثَلًا للأَمر الْمُشْكِلِ لَا يُهتدى لإِصلاحه.

وزَبَدَت المرأَة سقاءَها أَي مَخَضَته حَتَّى يَخْرُجَ زُبْدُه.

وزُبَّاد اللَّبَنِ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: مَا لَا خَيْرَ فِيهِ.

والزُّبَّادُ: الزُّبْدُ.

وَقَالُوا فِي مَوْضِعِ الشدَّة: اختَلَط الخاثرُ بالزُّبَّاد أَي اخْتَلَطَ الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَالْجِيدُبِالرَّدِيءِ وَالصَّالِحُ بِالطَّالِحِ، وَذَلِكَ إِذا ارْتَجَنَ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِاخْتِلَاطِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ.

اللَّيْثُ: أَزْبَدَ الْبَحْرُ إِزبادًا فَهُوَ مُزْبِدٌ وتَزَبَّدَ الإِنسان إِذا غضِب وَظَهَرَ عَلَى صِماغَيْه زَبدَتان.

وزَبَّدَ شِدْق فُلَانٍ وتَزَبَّد بِمَعْنًى.

والزَّبَد: زَبَد الْجَمَلِ الْهَائِجِ وَهُوَ لُغامُه الأَبيض الَّذِي تَتَلَطَّخُ بِهِ مَشَافِرُهُ إِذا هَاجَ.

وَلِلْبَحْرِ زَبَد إِذا هَاجَ موجُه.

الْجَوْهَرِيُّ: الزَّبَدُ زَبَد الماءِ وَالْبَعِيرِ والفضةِ وَغَيْرِهَا، والزُّبْدة أَخص مِنْهُ، تَقُولُ: أَزبَد الشرابُ.

وبَحْرٌ مُزْبِدٌ أَي مَائِجٍ يَقْذِفُ بالزَّبَد، وزَبَدُ الماءِ والجِرَّةِ واللُّعاب: طُفاوتُه وقَذاه، وَالْجَمْعُ أَزْباد.

والزَّبْدة: الطَّائِفَةُ مِنْهُ.

وزَبَد وأَزْبَدَ وتَزَبَّدَ: دَفَعَ بزَبَدِه.

وزَبَدَه يَزْبِدُه زَبْدًا: أَعطاه وَرَضَخَ لَهُ مِنْ مَالٍ.

والزَّبْدُ، بِسُكُونِ الباءِ: الرِّفْد وَالْعَطَاءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَهدى إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، هَدِيَّةً فردَّها وَقَالَ: إِنا لَا نَقْبَلُ زَبْد المشركين»أَي رِفْدَهم.

الأَصمعي: يُقَالُ زَبَدْتُ فُلَانًا أَزْبِدُه، بِالْكَسْرِ، زَبْدًا إِذا أَعطيته، فَإِنْ أَعطيته زُبدًا قُلَتَ: أَزبُدُه زَبْدًا، بِضَمِّ الباءِ، مِنْ أَزْبُده أَي أَطعمته الزُّبْد؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخًا لأَنه قَدْ قَبِلَ هَدِيَّةَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَهدى لَهُ الْمُقَوْقِسُ مارِيَة وَالْبَغْلَةَ، وأَهدى لَهُ أُكَيْدِرُ دومةَ فَقَبِلَ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: إِنما ردَّ هَدِيَّتَهُ لِيَغِيظَه بِرَدِّهَا فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الإِسلام، وَقِيلَ: رَدَّهَا لأَن لِلْهَدِيَّةِ مَوْضِعًا مِنَ الْقَلْبِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَن يَمِيلَ إِليه بِقَلْبِهِ فَرَدَّهَا قَطْعًا لِسَبَبِ الْمَيْلِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا لِقَبُولِ هَدِيَّةِ النَّجَاشِيِّ وأُكيدر دَوْمَةَ وَالْمُقَوْقِسِ لأَنهم أَهل كِتَابٍ.

والزَّبْدُ: العَونُ والرِّفْد.

أَبو عَمْرٍو: تَزَبَّدَ فُلَانٌ يَمِينًا فَهُوَ مُتَزَبِّد إِذا حَلَفَ بِهَا وأَسرع إِليها؛ وأَنشد:

تَزَبَّدَها حَذَّاءَ، يَعلم أَنه ***هُوَ الكاذبُ الْآتِي الأُمور البُجاريا

الحذَّاءُ: الْيَمِينُ المنكرة.

وتَزَبَّدَها: ابْتَلَعَهَا ابْتِلَاعَ الزُّبْدَة، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ جَذَّها جَذَّ العَير الصِّلِّيانة.

والزُّبَّاد: نَبْتٌ مَعْرُوفٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والزُّبَّادُ والزُّبَّادى والزُّباد كُلُّهُ نَبَاتٌ سُهْلي لَهُ وَرَقٌ عِرَاضٌ وسِنْفَة، وَقَدْ يَنْبُتُ فِي الجَلَدَ يأْكله النَّاسُ وَهُوَ طَيِّبٌ؛ وَقَالَ أَبو حَنَيِفَةَ: لَهُ وَرَقٌ صَغِيرٌ مُنْقَبِضٌ غُبر مِثْلُ وَرَقِ المَرْزَنْجُوش تَنْفَرِشُ أَفنانه.

قَالَ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الزُّبَّادُ مِنَ الأَحرار.

وَقَدْ زَبَّد القَتادُ وأَزبَد: نَدَرت خُوصتُه وَاشْتَدَّ عُوده وَاتَّصَلَتْ بَشَرته وأَثمر.

قَالَ أَعرابي: تَرَكْتُ الأَرض مُخْضَرَّةً كأَنها حُوَلاءُ بِهَا فَصِيصَة رَقْطاء وعَرْفَجَة خاصِبة وقَتادة مُزْبِدَة وَعَوْسَجٌ كأَنه النَّعَامُ مِنْ سَوَادِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفَسَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ.

وأَزْبَدَ السِّدرُ أَي نوَّر.

وتَزْبيدُ الْقُطْنِ: تَنْفِيشُهُ.

وزَبَّدت المرأَة القطنَ: نَفَشَتْهُ وجوَّدته حَتَّى يَصْلُحَ لأَن تَغْزِلَهُ.

والزَّباد: مِثْلُ السِّنَّوْر.

الصَّغِيرِ يُجْلَبُ مِنْ نَوَاحِي الْهِنْدِ وَقَدْ يأْنس فَيُقْتَنَى وَيُحْتَلَبُ شَيْئًا شَبِيهًا بالزُّبْد، يَظْهَرُ عَلَى حَلَمَتِهِ بِالْعَصْرِ مِثْلَ مَا يَظْهَرُ عَلَى أُنوف الْغِلْمَانِ الْمُرَاهِقِينَ فَيَجْتَمِعُ، وَلَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَهُوَ يَقَعُ فِي الطِّيبِ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

وزُبَيْدة: لَقَبُ امرأَة قِيلَ لَهَا زُبَيْدة لِنِعْمَةٍ كَانَتْ فِي بَدَنِهَا وَهِيَ أُم الأَمين محمد بن هرون، وَقَدْ سَمَّتْ زُبَيْدًا وزابِدًا ومُزَبِّدًا وزَبْدًا.

التَّهْذِيبِ: وزُبَيْدُ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ.

وزُبَيد، بِالضَّمِّ: بَطْنٌ مِنْ مَذْحِج رَهْطُ عَمْرِو بْنِ معديكرب الزُّبَيدي.

وزَبِيدُ، بِفَتْحِ الزَّايِ: مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ.

وزَبْيَدان: مَوْضِعٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


70-لسان العرب (حوذ)

حوذ: حاذَ يَحُوذ حَوْذًا كَحَاطَ حَوْطًا، والحَوْذُ: الطَّلْقُ.

والحَوْذُ والإِحْواذُ: السيرُ الشَّدِيدُ.

وَحَاذَ إِبله يَحُوذُهَا حَوْذًا: سَاقَهَا سَوْقًا شَدِيدًا كَحَازَهَا حَوْزًا؛ وَرُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ: " يَحُوذُهُنَّ وَلَهُ حُوذيُ "فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ بأَن مَعْنَى قَوْلِهِ حُوذِيٌّ امْتِنَاعٌ فِي نَفْسِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف هَذَا إِلا هَاهُنَا، وَالْمَعْرُوفُ: " يَحُوزُهُنَّ وَلَهُ حُوزِيُّ وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ: «فَمَنْ فَرَّغَ لَهَا قَلْبَهُ وَحَاذَ عَلَيْهَا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ»أَي حَافِظٌ عَلَيْهَا، مِنْ حَاذَ الإِبل يَحُوذُهَا إِذا حَازَهَا وَجَمَعَهَا لِيَسُوقَهَا.

وطَرَدٌ أَحْوَذُ: سَرِيعٌ؛ قَالَ بَخْدَجٌ:

لَاقَى النخيلاتُ حِناذًا مِحْنَذا ***مِنِّي، وَشَلًا للأَعادي مِشْقَذا،

وطَرَدًا طَرْدَ النَّعَامِ أَحْوَذا "وأَحْوَذَ السيرَ: سَارَ سَيْرًا شَدِيدًا.

والأَحْوَذِيُّ: السَّرِيعُ فِي كُلِّ مَا أَخَذَ فِيهِ، وأَصله فِي السَّفَرِ.

والحَوْذُ: السَّوْقُ السَّرِيعُ، يُقَالُ: حُذْت الإِبل أَحُوذُها حَوْذًا وأَحْوَذْتها مِثْلُهُ.

والأَحْوَذِيّ: الْخَفِيفُ فِي الشَّيْءِ بحذفه؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو، وَقَالَ يَصِفُ جَنَاحَيْ قَطَاةٍ:

عَلَى أَحْوَذِيَّينِ اسْتَقَلّتْ عَلَيْهِمَا، ***فَمَا هِيَ إِلا لَمْحَة فَتَغيب

وقال آخر:

أَتَتْكَ عَبْسٌ تَحْمِل المَشِيَّا، ***مَاءً مِنَ الطَّثْرَةِ أَحْوَذيَّا

يَعْنِي سَرِيعَ الإِسهال.

والأَحْوَذيّ: الَّذِي يَسِيرُ مَسِيرَةَ عَشْرٍ فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ وأَنشد:

لَقَدْ أَكونُ عَلَى الحاجاتِ ذَا لَبَثِ، ***وأَحْوَذِيًّا إِذا انضمَّ الذّعالِيبُ

قَالَ: انْضِمَامُهَا انْطِوَاءُ بَدَنِهَا، وَهِيَ إِذا انْضَمَّتْ فَهِيَ أَسرع لَهَا.

قَالَ: وَالذَّعَالِيبُ أَيضًا ذُيُولُ الثِّيَابِ.

وَيُقَالُ: أَحْوَذَ ذَاكَ إِذا جَمَعَهُ وَضَمَّهُ؛ وَمِنْهُ يُقَالُ: اسْتَحْوَذَ عَلَى كَذَا إِذا حَوَاهُ.

وأَحْوَذ ثَوْبَهُ: ضَمَّهُ إِليه؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ حِمَارًا وأُتنًا:

إِذا اجْتَمَعَتْ وأَحْوَذَ جانِبَيْها ***وأَوردَهَا عَلَى عُوجٍ طِوال

قَالَ: يَعْنِي ضَمَّهَا وَلَمْ يَفُتْهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَعَنَى بالعُوج الْقَوَائِمَ.

وأَمر مَحُوذ: مَضْمُومٌ مُحْكَمٌ كَمَحُوز، وجادَ مَا أَحْوَذ قصيدتَه أَي أَحكمها.

وَيُقَالُ: أَحوذ الصَّانِعُ القِدْح إِذا أَخفه؛ وَمِنْ هَذَا أُخِذَ الأَحْوذيّ الْمُنْكَمِشُ الْحَادُّ الْخَفِيفُ فِي أُموره؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فَهُوَ كَقِدْحِ المَنِيح أَحْوَذَه الصَّانعُ، ***يَنْفِي عَنْ مَتْنِه القُوَبَا

والأَحْوَذِيُّ: الْمُشَمِّرُ فِي الأُمور الْقَاهِرُ لَهَا الَّذِي لَا يَشِذُّ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ.

والحَويذُ مِنَ الرِّجَالِ: الْمُشَمِّرُ؛ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حَطَّان:

ثَقْفٌ حَويذٌ مُبِينُ الكَفِّ ناصِعُه، ***لَا طَائِشُ الْكَفِّ وَقّاف وَلَا كَفِلُ

يُرِيدُ بالكَفِلِ الكِفْلَ.

والأَحْوَذِيّ: الَّذِي يَغْلِب.

واستَحْوَذ: غَلَبَ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَصِفُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كَانَ وَاللَّهِ أَحْوَذيًّا نَسِيجَ وحْدِه».

الأَحْوذِيّ: الْحَادُّ الْمُنْكَمِشُ فِي أُموره الْحَسَنُ لِسِيَاقِ الأُمور.

وَحَاذَهُ يَحُوذه حَوْذًا: غَلَبَهُ.

واستَحْوذ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَاسْتَحَاذَ أَي غَلَبَ، جَاءَ بِالْوَاوِ عَلَى أَصله، كَمَا جَاءَ اسْتَرْوحَ وَاسْتَصْوَبَ، وَهَذَا الْبَابُ كُلُّهُ يَجُوزُ أَن يُتَكَلَّم بِهِ عَلَى الأَصل.

تَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَصاب واسْتَصْوَب واستَجاب واسْتَجْوب، وَهُوَ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ عِنْدَهُمْ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ}؛ أَي أَلم نَغْلِبْ عَلَى أُموركم وَنَسْتَوْلِ عَلَى مَوَدَّتِكُمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلا وَقَدِ اسْتَحْوَذ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ»أَي اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ وَحَوَاهُمْ إِليه؛ قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَحد مَا جَاءَ عَلَى الأَصل مِنْ غَيْرِ إِعلال خارِجَةً عَنْ أَخواتها نَحْوَ اسْتَقَالَ وَاسْتَقَامَ.

قَالَ ابْنُ جِنِّي: امْتَنَعُوا مِنِ اسْتِعْمَالِ اسْتَحْوَذَ مُعْتَلًّا وإِن كَانَ الْقِيَاسُ دَاعِيًا إِلى ذَلِكَ مُؤْذِنًا بِهِ، لَكِنْ عَارَضَ فِيهِ إِجماعهم عَلَى إِخراجه مُصَحَّحًا لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَى أُصول مَا غُيّر مِنْ نَحْوِهِ كَاسْتَقَامَ وَاسْتَعَانَ.

وَقَدْ فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قَوْلَهُ تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ}، فَقَالَ: غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ.

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، حِكَايَةً عَنِ الْمُنَافِقِينَ يُخَاطِبُونَ بِهِ الْكُفَّارَ: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ "؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَى أَلم نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ: أَلم نَسْتَوْلِ عَلَيْكُمْ بِالْمُوَالَاةِ لَكُمْ.

وحاذَ الحمارُ أُتُنَه إِذا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَجَمَعَهَا وَكَذَلِكَ حَازَهَا؛ وأَنشد: " يَحُوذُهُنَّ وَلَهُ حُوذِيُ "قَالَ وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: اسْتَحْوَذَ خَرَجَ عَلَى أَصله، فَمَنْ قَالَ حَاذَ يَحُوذ لَمْ يَقُلْ إِلا اسْتَحَاذَ، وَمَنْ قَالَ أَحْوذَ فأَخرجه عَلَى الأَصل قَالَ اسْتَحْوَذَ.

والحاذُ: الْحَالُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «أَغبط النَّاسِ المؤمنُ الخفيفُ الحاذِ»أَي خَفِيفُ الظَّهْرِ.

والحاذانِ: مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الذنَب مِنْ أَدبار الْفَخِذَيْنِ، وَقِيلَ: خَفِيفُ الْحَالِ مِنَ الْمَالِ؛ وأَصل الحاذِ طَرِيقَةُ الْمَتْنِ مِنَ الإِنسان؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «ليأْتين عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُغْبَط الرَّجُلُ فِيهِ لِخِفَّةِ الحاذِ كَمَا يُغْبَطُ اليومَ أَبو العَشَرة»؛ ضربه مثلًا لقلة المال وَالْعِيَالِ.

شَمِرٌ: يُقَالُ كَيْفَ حالُك وحاذُك؟ ابْنُ سِيدَهْ: والحاذُ طَرِيقَةُ الْمَتْنِ، وَاللَّامُ أَعلى مِنَ الذَّالِ، يُقَالُ: حالَ مَتْنُه وحاذَ مَتْنُه، وَهُوَ مَوْضِعُ اللِّبْدِ مِنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ.

قَالَ: وَالْحَاذَانِ مَا اسْتَقْبَلَكَ مِنْ فَخِذَيِ الدَّابَّةِ إِذا اسْتَدْبَرْتَهَا؛ قَالَ:

وتَلُفُّ حاذَيْها بِذِي خُصَل ***رَيّانَ، مِثْلَ قَوادِمِ النَّسْر

قَالَ: والحاذانِ لحمتانِ فِي ظَاهِرِ الْفَخِذَيْنِ تَكُونَانِ فِي الإِنسان وَغَيْرِهِ؛ قَالَ:

خَفِيفُ الحاذِ نَسّالُ الفَيافي، ***وعَبْدٌ لِلصّحابَةِ غَيْرُ عَبْد

الرِّيَاشِيُّ قَالَ: الحاذُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الذنَب مِنَ الْفَخِذَيْنِ مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَذَا الْجَانِبِ؛ وأَنشد:

وتَلُفّ حاذَيْها بِذِي خُصَل ***عَقِمَتْ، فَنِعْمَ بُنَيّةُ العُقْم

أَبو زَيْدٍ: الْحَاذُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الذَّنَبُ مِنْ أَدبار الْفَخِذَيْنِ، وَجَمْعُ الْحَاذِ أَحْواذ.

والحاذُ والحالُ مَعًا: مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اللِّبْدِ مِنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ؛ وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ" مؤمنٌ خَفِيفُ الحاذِ قلةَ اللَّحْمِ "، مَثَلًا لِقِلَّةِ مَالِهِ وَقِلَّةِ عِيَالِهِ كَمَا يُقَالُ خَفِيفُ الظَّهْرِ.

وَرَجُلٌ خَفِيفُ الْحَاذِ أَي قَلِيلُ الْمَالِ، وَيَكُونُ أَيضًا الْقَلِيلَ الْعِيَالِ.

أَبو زَيْدٍ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَنفع اللَّبَنِ مَا وَليَ حاذَيِ النَّاقَةِ أَي سَاعَةَ تُحْلَبُ مِنْ غَيْرِ أَن يَكُونَ رضعها حُوار [حِوار] قَبْلَ ذَلِكَ.

والحاذُ: نَبْتٌ، وَقِيلَ: شَجَرٌ عِظَامٌ يَنْبُت نِبْتَة الرِّمْثِ لَهَا غِصَنَةٌ كَثِيرَةُ الشَّوْكِ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الْحَاذُ مِنْ شَجَرِ الحَمْض يَعْظُمُ وَمَنَابِتُهُ السَّهْلُ وَالرَّمْلُ، وَهُوَ نَاجِعٌ فِي الإِبل تُخصِب عَلَيْهِ رَطْبًا وَيَابِسًا؛ قَالَ الرَّاعِي وَوَصَفَ إِبله:

إِذا أَخْلَفَتْ صَوْبَ الربيعِ وَصَالها ***عَرادٌ وحاذٌ مُلْبِسٌ كُلَّ أَجْرَعا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَلف الْحَاذِ وَاوٌ، لأَن الْعَيْنَ وَاوًا أَكثر مِنْهَا يَاءً.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الْحَاذُ شَجَرٌ، الْوَاحِدَةُ حَاذَةٌ مِنْ شَجَرِ الجنَبَة؛ وأَنشد: " ذواتِ أَمْطِيٍّ وذاتِ الحاذِ "والأَمطيّ: شَجَرَةٌ لَهَا صَمْغٌ يَمْضُغُهُ صِبْيَانُ الأَعراب، وَقِيلَ: الْحَاذَةُ شَجَرَةٌ يأْلفها بقَرُ الْوَحْشِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

وهُنَّ جُنُوحٌ لِذِي حاذَة، ***ضَوارِبُ غِزْلانِها بالجُرن

وَقَالَ مُزَاحِمٌ:

دَعاهُنّ ذِكْرُ الحاذِ مِنْ رَمْل خَطْمةٍ ***فَمارِدُ فِي جَرْدائِهِنَّ الأَبارِقُ

والحَوْذانُ: نبت يَرْتَفِعُ قَدْرَ الذِّرَاعِ لَهُ زَهْرَةٌ حَمْرَاءُ فِي أَصلها صُفْرَةٌ وَوَرَقَتُهُ مُدَوَّرَةٌ وَالْحَافِرُ يَسْمُنُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ نَبَاتِ السَّهْلِ حُلْوٌ طَيِّبُ الطَّعْمِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ: " آكُلُ مِنْ حَوْذانِه وأَنْسَلْ "والحوْذانُ: نَبَاتٌ مِثْلُ الهِنْدِبا يَنْبُتُ مُسَطَّحًا فِي جَلَد الأَرض وَلِيَانِهَا لَازِقًا بِهَا، وَقَلَّمَا يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ، وَلَهَا زَهْرَةٌ صَفْرَاءُ.

وَفِي حَدِيثِ قُسِّ عُمَيْرٍ حَوْذان: «الْحَوْذَانُ نَبْتٌ لَهُ وَرَقٌ وَقَصَبٌ ونَور أَصفر».

وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ هَوَذَ: وَالْهَاذَةُ شَجَرَةٌ لَهَا أَغصان سَبْطَةٌ لَا وَرَقَ لَهَا، وَجَمْعُهَا الْهَاذُ؛ قَالَ الأَزهري: رَوَى هَذَا النَّضْرُ وَالْمَحْفُوظُ فِي بَابِ الأَشجار الْحَاذُ.

وحَوْذان وأَبو حَوْذان: أَسماء رِجَالٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ:

أَتتك قَوافٍ مِنْ كِرِيمٍ هَجَوْتَهُ، ***أَبا الحَوْذِ، فَانْظُرْ كَيْفَ عَنْكَ تَذودُ

إِنما أَراد أَبا حَوْذَانَ فَحَذَفَ وَغَيَّرَ بِدُخُولِ الأَلف وَاللَّامِ؛ وَمِثْلُ هَذَا التَّغْيِيرِ كَثِيرٌ فِي أَشعار الْعَرَبِ كَقَوْلِ الْحُطَيْئَةِ: " جَدْلاء مُحْكَمَة مِنْ صُنْع سَلَّام "يُرِيدُ سُلَيْمَانَ فَغَيَّرَ مَعَ أَنه غَلِطَ فَنَسَبَ الدُّرُوعَ إِلى سُلَيْمَانَ وإِنما هِيَ لِدَاوُدَ؛ وَكَقَوْلِ النَّابِغَةِ: " ونَسْج سُلَيْمٍ كُلَّ قَضَّاءَ ذَائِلِ "يَعْنِي سُلَيْمَانَ أَيضًا، وَقَدْ غَلِطَ كَمَا غَلِطَ الْحُطَيْئَةُ؛ وَمِثْلُهُ فِي أَشعار الْعَرَبِ الْجُفَاةِ كَثِيرٌ، وَاحِدَتُهَا حَوْذانة وَبِهَاسُمِّي الرَّجُلُ؛ أَنشد يَعْقُوبُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي الْهَمَّازِ:

لَوْ كَانَ حَوْذانةُ بالبلادِ، ***قَامَ بِهَا بالدّلْو والمِقَاطِ،

أَيّامَ أَدْعُو يَا بَنِي زِيَادِ ***أَزْرَقَ بَوّالًا عَلَى الْبِسَاطِ

مُنْجَحِرًا مُنْجَحَرَ الصُّدَّادِ "الصُّدَّادُ: الوزَغُ؛ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: بأَبي زِيَادٍ؛ وَرُوِيَ: " أَوْرَقَ بَوَّالًا عَلَى الْبِسَاطِ وَهَذَا هو الأَكفأُ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


71-لسان العرب (جهز)

جهز: جَهاز العَرُوس وَالْمَيِّتِ وجِهازهما: مَا يَحْتَاجَانِ إِليه، وَكَذَلِكَ جِهَازُ الْمُسَافِرِ، يُفْتَحُ وَيُكْسَرُ؛ وَقَدْ جَهَّزَه فَتَجَهَّز وجَهَّزْتُ العروسَ تَجْهِيزًا، وَكَذَلِكَ جَهَّزت الْجَيْشَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ لَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُجَهِّزْ غَازِيًا»؛ تَجْهِيزُ الْغَازِي: تَحْمِيله وإِعداد مَا يَحْتَاجُ إِليه فِي غَزْوِهِ، وَمِنْهُ تَجْهِيزُ الْعَرُوسِ: وتَجْهِيز الْمَيِّتِ.

وجَهَّزت الْقَوْمَ تَجْهِيزًا إِذا تكلَّفت لَهُمْ بِجهازِهِمْ لِلسَّفَرِ، وَكَذَلِكَ جِهَاز الْعَرُوسِ وَالْمَيِّتِ، وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ لَهُ فِي وَجْهِهِ، وَقَدْ تَجَهَّزُوا جَهازًا.

قَالَ اللَّيْثُ: وَسَمِعْتُ أَهل الْبَصْرَةِ يخطئُون الجِهَازَ، بِالْكَسْرِ.

قَالَ الأَزهري: وَالْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ عَلَى فَتْحِ الْجِيمِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ}؛ قَالَ: وجِهَاز، بِالْكَسْرِ، لُغَةٌ رَدِيئَةٌ؛ قَالَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ:

تَجَهَّزي بِجهازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ ***يَا نَفْسُ، قَبْلَ الرَّدَى، لَمْ تُخْلَقي عَبَثا

وجَهاز الرَّاحِلَةِ: مَا عَلَيْهَا.

وجَهَاز المرأَة: حَياؤُها، وَهُوَ فَرْجها.

وَمَوْتٌ مُجْهِز أَي وَحِيٌّ.

وجَهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ وأَجْهَزَ: أَثْبَت قَتْله.

الأَصمعي: أَجْهَزْتُ عَلَى الْجَرِيحِ إِذا أَسرعت قَتْلَهُ وَقَدْ تَمَّمت عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يُقَالُ أَجاز عَلَيْهِ إِنما يُقَالُ أَجازَ عَلَى اسْمِهِ أَي ضَرَب.

وَمَوْتٌ مُجْهِز وجَهِيز أَي سَرِيعٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «هَلْ تَنْظُرون إِلا مَرَضًا مُفْسدًا أَو مَوْتًا مُجْهِزًا» أَي سَرِيعًا.

وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: لَا يُجْهَز عَلَى جَريحهم أَي مَنْ صُرِع مِنْهُمْ وكُفِيَ قِتالُه لَا يُقْتل لأَنهم مُسْلمون، وَالْقَصْدُ مِنْ قِتَالِهِمْ دَفْعُ شَرِّهِمْ، فإِذا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلا بِقَتْلِهِمْ قُتِلوا.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه أَتى عَلَى أَبي جَهْلٍ وَهُوَ صَرِيع فأَجْهَزَ عَلَيْهِ».

وَمِنْ أَمثالهم فِي الشَّيْءِ إِذا نَفَر فَلَمْ يَعُدْ: ضَرَب فِي جَهَازه، بِالْفَتْحِ، وأَصله فِي الْبَعِيرِ يَسْقُطُ عَنْ ظَهْرِهِ القَتَب بأَداته فَيَقَعُ بَيْنَ قَوَائِمِهِ فَيَنْفِرُ عَنْهُ حَتَّى يَذْهَبَ فِي الأَرض، وَيُجْمَعُ عَلَى أَجْهِزَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " يَبِتْنَ يَنْقُلْنَ بأَجْهِزاتِها قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ ضَرَب البعيرُ فِي جَهازِه إِذا جَفَلَ فَنَدَّ فِي الأَرض والْتَبَط حَتَّى طَوَّحَ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَداة وحِمْل.

وضَرَبَ فِي جَهازٍ البعيرُ إِذا شَرَدَ.

وجَهَّزت فُلَانًا أَي هَيَّأْتَ جَهاز سَفَرِهِ.

وتَجَهَّزْت لأَمْرِ كَذَا أَي تهيأَت لَهُ.

وَفَرَسٌ جَهِيز: خَفِيفٌ.

أَبو عُبَيْدَةَ: فَرَسٌ جَهِيز الشَّدِّ أَي سَرِيعُ الْعَدْوِ، وأَنشد:

ومُقَلِّص عَتَد جَهِيز شَدُّهُ ***قَيْد الأَوَابِدِ فِي الرِّهانِ جَواد

وجَهِيزَةُ: اسْمُ امرأَة رَعْناءَ تُحَمَّق.

وَفِي الْمَثَلِ: أَحْمَقُ مِنْ جَهِيزَةَ؛ قِيلَ: هِيَ أُم شبِيبٍ الخَارجي، كَانَ أَبو شَبِيبٍ مِنْ مُهاجِرَة الْكُوفَةِ اشْتَرَى جَهِيزَةَ مِنَ السَّبي، وَكَانَتْ حَمْرَاءَ طَوِيلَةً جَمِيلَةً فأَرَادَها عَلَى الإِسلام فَأَبَتْ، فَوَاقَعَهَا فَحَمَلَتْ فَتَحَرَّكَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا، فَقَالَتْ: فِي بَطْني شَيْءٌ يَنْقُز، فَقِيلَ: أَحمق مِنْ جَهِيزَة.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ هَذَا الْمَثَلِ: أَحمق مِنْ جَهِيزَةَ، غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وَذَكَرَ الْجَاحِظُ أَنه أَحمق مِنْ جَهِيزَةٍ، بِالصَّرْفِ.

والجَهِيزَة: عِرْسُ الذِّئْبِ يَعْنون الذِّئْبَةَ، وَمِنْ حُمْقها أَنها تَدَعُ ولدَها وتُرْضع أَولاد الضَّبُعِ كَفِعْلِ النَّعَامَةِ بِبَيْض غَيْرِهَا؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابنِ جِذْلِ الطَّعَانِ:

كَمُرْضِعَةٍ أَولادَ أُخرى، وضَيَّعَتْ ***بَنِيها، فَلَمْ تَرْقَعْ بِذَلِكَ مَرْقَعا

وَكَذَلِكَ النَّعَامَةُ إِذا قَامَتْ عَنْ بَيْضها لِطَلَبِ قُوتِها فَلَقِيَتْ بَيْضَ نَعَامَةٍ أُخرى حَضَنَتْه فَحُمِّقَتْ بِذَلِكَ؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ هرمة:

إِنِّي وتَرْكي نَدى الأَكْرَمِينَ ***وقَدْحي بِكَفَّيّ زَنْدًا شَحاحا

كتارِكَةٍ بَيْضها بالعَراء ***ومُلْبِسَةٍ بَيْض أُخرى جَناها

قَالُوا: وَيَشْهَدُ لِمَا بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ مِنَ الأُلْفَةِ أَن الضَّبُعَ إِذا صِيدَتْ أَو قُتِلت فإِن الذِّئْبَ يَكْفُل أَولادها ويأْتيها بِاللَّحْمِ؛ وأَنشدوا فِي ذَلِكَ لِلْكُمَيْتِ:

كَمَا خامَرَتْ فِي حِضْنِها أُمُّ عامِر ***لِذِي الحَبْل، حَتَّى عَالَ أَوْسٌ عِيالَها

وَقِيلَ فِي قَوْلِهِمْ أَحمق مِنْ جَهِيزَةَ: هِيَ الضَّبُعُ نَفْسُهَا، وَقِيلَ: الجَهِيزَةُ جِرْوُ الدُّبِّ والجِبْسُ أُنْثاه، وَقِيلَ: الجَهِيزة الدُّبَّةُ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: كَانَتْ جَهِيزَة امرأَة خَلِيقَةً فِي بَدَنِهَا رَعْناء يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْحُمْقِ؛ وأَنشد:

كأَنَّ صَلا جَهِيزَة، حِينَ قامتْ ***حِبابُ الْمَاءِ حَالًا بَعْدَ حالِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


72-لسان العرب (رضض)

رضض: الرَّضُّ: الدَّقُّ الجَرِيشُ.

وَفِي الْحَدِيثِ حَدِيثِ الجاريةِ الْمَقْتُولَةِ عَلَى أَوْضاحٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رأْس جاريةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ "؛ هُوَ مِنَ الدَّقِّ الجَرِيشِ.

رَضَّ الشيءَ يَرُضُّه رَضًّا، فَهُوَ مَرْضُوضٌ ورَضِيضٌ ورَضْرَضَه: لَمْ يُنْعِمْ دَقَّه، وَقِيلَ: رَضَّه رَضًّا كسَره، ورُضاضُه كُسارُه.

وارتَضَّ الشيءُ: تَكَسَّرَ.

اللَّيْثُ: الرّضُّ دقُّك الشيءَ، ورُضاضُه قِطَعه.

والرَّضْراضةُ: حِجارة تَرَضْرَضُ عَلَى وَجْهِ الأَرض أَي تَتَحَرَّكُ وَلَا تَلْبَثُ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقِيلَ أَي تَتَكَسَّرُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الرَّضْراضُ مَا دَقَّ مِنَ الحَصى؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " يَتْرُكْنَ صَوَّانَ الحَصَى رَضْراضا وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفةِ الكَوْثرِ: طِينُه المِسْكُ ورَضْراضُه التُّومُ "؛ الرَّضْراضُ: الحَصَى الصِّغارُ، والتُّوم: الدُّرُّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: نَهر ذُو سِهْلةٍ وَذُو رَضْراضٍ، فالسِّهْلةُ رَمْلُ القَناة الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَالرَّضْرَاضُ أَيضًا الأَرض الْمَرْضُوضَةُ بِالْحِجَارَةِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

يَلُتُّ الحَصَى لَتًّا بِسُمْرٍ، كأَنَّها ***حِجارةُ رَضْراضٍ بِغَيْلٍ مُطَحْلِب

ورُضاضُ الشَّيْءِ: فُتاتُه.

وكلُّ شيءٍ كسَّرته، فَقَدْ رَضْرَضْتَه.

والمِرَضَّةُ: الَّتِي يُرَضُّ بِهَا.

والرَّضُّ: التَّمْرُ الَّذِي يُدَقُّ فَيُنَقَّى عَجَمُه ويُلْقَى فِي المَخْضِ أَي فِي اللَّبَنِ.

والرَّضُّ: التمرُ والزُّبْدُ يُخْلَطَانِ؛ قَالَ:

جاريةٌ شَبَّتْ شَبابًا غَضّا، ***تَشْرَبُ مَحْضًا، وتَغَذَّى رَضّا

مَا بَيْنَ ورْكَيْها ذِراعًا عَرْضا، ***لَا تُحْسِنُ التَّقْبِيلَ إِلا عَضّا

وأَرَضَّ التعَبُ العرَقَ: أَساله.

ابْنُ السِّكِّيتِ: المُرِضّةُ تَمْرٌ يُنْقَعُ فِي اللَّبَنِ فتُصبح الْجَارِيَةُ فَتَشْرَبُهُ وَهُوَ الكُدَيْراءُ.

والمُرِضّةُ: الأُكْلةُ أَو الشُّرْبةُ الَّتِي تُرِضُّ الْعَرَقَ أَي تُسِيلُهُ إِذا أَكلتها أَو شَرِبْتَهَا.

وَيُقَالُ لِلرَّاعِيَةِ إِذا رَضَّتِ العُشْب أَكلًا وهرْسًا: رَضارِضُ؛ وأَنشد:

يَسْبُتُ راعِيها، وَهِيَ رَضارِضُ، ***سَبْتَ الوَقِيذِ، والوَرِيدُ نابِضُ

والمُرِضّة: اللَّبَنُ: الْحَلِيبُ الَّذِي يُحْلَبُ عَلَى الْحَامِضِ، وَقِيلَ: هُوَ اللَّبَنُ قَبْلَ أَن يُدْرِكَ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَذُمّ رَجُلًا ويَصِفُه بِالْبُخْلِ، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ يُخَاطِبُ امرأَته:

وَلَا تَصِلي بمَطْروقٍ، إِذا مَا ***سَرَى فِي القَوْمِ، أَصبحَ مُسْتَكِينا

يَلُومُ وَلَا يُلامُ وَلَا يُبالي، ***أَغَثًّا كَانَ لَحْمُكِ أَو سَمِينا؟

إِذا شَرِبَ المُرِضّةَ قَالَ: أَوْكي ***عَلَى مَا فِي سِقائِك، قَدْ رَوِينا

قَالَ: كَذَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ لِابْنِ أَحْمَرَ رَوِينا عَلَى أَنه مِنَ الْقَصِيدَةِ النُّونِيَّةِ لَهُ؛ وَفِي شِعْرِ عَمْرِو بْنِ هُمَيْلٍ اللِّحْيَانِيِّ قَدْ رَوِيتُ فِي قَصِيدَةٍ أَولها:

أَلا مَنْ مُبْلِغُ الكَعْبيِّ عَنِّي ***رَسُولًا، أَصلُها عِنْدِي ثَبِيتُ

والمِرَضَّةُ كالمُرِضّةِ، والرَّضْرَضةُ كالرَّضِّ.

والمُرِضّةُ، بِضَمِّ الْمِيمِ: الرَّثِيئةُ الخاثِرةُ وَهِيَ لَبَنٌ حَلِيبٌ يُصَبُّ عَلَيْهِ لَبَنٌ حَامِضٌ ثُمَّ يُتْرَكُ سَاعَةً فَيَخْرُجُ مَاءٌ أَصفر رَقِيقٌ فَيُصَبُّ مِنْهُ وَيُشْرَبُ الْخَاثِرُ.

وَقَدْ أَرَضَّت الرَّثِيئةُ تُرِضُّ إِرْضاضًا أَي خَثُرَتْ.

أَبو عُبَيْدٍ: إِذا صُبّ لَبَنٌ حَلِيبٌ عَلَى لَبَنٍ حَقِين فَهُوَ المُرِضّةُ والمُرْتَثِئةُ.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: سأَلت بَعْضَ بَنِي عَامِرٍ عَنِ المُرِضّةِ فَقَالَ: هُوَ اللَّبَنُ الْحَامِضُ الشَّدِيدُ الحُموضة إِذا شَرِبَهُ الرَّجُلُ أَصبح قَدْ تَكَسَّرَ، وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر.

الأَصمعي: أَرَضَّ الرجلُ إِرْضاضًا إِذا شَرِبَ المُرِضّةَ فَثَقُلَ عَنْهَا؛ وأَنشد: " ثُمَّ اسْتَحَثُّوا مُبْطِئًا أَرَضّا "أَبو عُبَيْدَةَ: المُرِضّةُ مِنَ الْخَيْلِ الشَّدِيدَةُ العَدْوِ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الإِرْضاضُ شِدَّةُ العَدْو.

وأَرَضَّ فِي الأَرض أَي ذَهَب.

والرَّضراضُ: الحصَى الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ الماءُ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَصَى الَّذِي لَا يُثْبَتُ عَلَى الأَرض وَقَدْ يُعَمّ بِهِ.

والرَّضْراضُ: الصَّفا؛ عَنْ كُرَاعٍ.

وَرَجُلٌ رَضْراضٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ، والأُنثى رَضْراضةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

أَزْمان ذَاتُ الكَفَلِ الرَّضْراضِ ***رَقْراقةٌ فِي بُدْنِها الفَضْفاضِ

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا قَالَ لَهُ مَرَرْتُ بجُبُوبِ بَدْر فإِذا بِرَجُلٍ أَبيض رَضْراضٍ وإِذا رَجُلٌ أَسودُ بِيَدِهِ مِرْزَبةٌ يَضْرِبُهُ، فَقَالَ: ذَاكَ أَبو جَهْلٍ»؛ الرّضْراضُ: الْكَثِيرُ اللَّحْمِ.

وَبَعِيرٌ رَضْراضٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ؛ وَقَوْلُ الْجَعْدِيِّ:

فَعَرَفْنا هِزّةً تأْخُذُه، ***فَقَرَنّاه بِرَضْراضِ رِفَلْ

أَراد فَقَرَنَّاهُ وأَوثقناه بِبَعِيرٍ ضَخْمٍ، وإِبل رَضارِضَ: رَاتِعَةٌ كأَنها تَرُضّ العُشب.

وأَرَضَّ الرجلُ أَي ثَقُلَ وأَبطأَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

فَجمَّعوا مِنْهُمْ قَضِيضًا قَضّا، ***ثُمَّ اسْتَحَثُّوا مُبْطِئًا أَرَضّا

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَصُبَّ عَلَيْكُمُ العذابُ صَبًّا ثُمَّ لَرُضّ رَضًّا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالصَّحِيحُ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


73-لسان العرب (فضض)

فضض: فَضَضْتُ الشيءَ أَفُضُّه فَضًّا، فَهُوَ مَفْضُوضٌ وفَضِيضٌ: كسرتُه وفَرَّقْتُه، وفُضاضُه وفِضاضُه وفُضاضَتُه: مَا تكسَّر مِنْهُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

تَطيِرُ فِضاضًا [فُضاضًا] بَيْنَها كلُّ قَوْنَسٍ، ***ويَتْبَعُها مِنْهُم فَراشُ الحَواجِبِ

وفَضَضْت الْخَاتَمَ عَنِ الْكِتَابِ أَي كسرْتُه، وَكُلُّ شَيْءٍ كسرْتَه، فَقَدْ فضَضْتَه.

وَفِي حَدِيثِ ذِي الكِفْلِ: «إِنه لَا يَحِلُّ لَكَ أَن تَفُضَّ الخاتَم»؛ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الوطْءِ.

وفَضَّ الخاتَمَ والخَتْمَ إِذا كَسره وفَتَحه.

وفُضاضُ وفِضاضُ الشَّيْءِ: مَا تَفَرَّقَ مِنْهُ عِنْدَ كَسْرِكَ إِياه.

وانْفَضَّ الشيءُ: انْكَسَرَ.

وَفِي حَدِيثُ الْحُدَيْبِيَةِ: " ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ لبَيْضَتِكَ تَفُضُّها "أَي تَكْسِرُها؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ: حَتَّى يَفُضَّ كُلَّ شيءٍ.

وَفِي الدُّعَاءِ: لَا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ "أَي لَا يَكْسِرْ أَسنانك، والفمُ هَاهُنَا الأَسنان كَمَا يُقَالُ: سقَط فُوهُ، يَعْنُونَ الأَسنان، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَا يُفْضِ اللهُ فَاكَ أَي لَا يَجْعَلُهُ فَضاء لَا أَسنان فِيهِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ لَا يُفْضِضِ اللَّهُ فاكَ، أَو تَقْدِيرُهُ لَا يَكْسِرُ اللَّهُ أَسنانَ فِيكَ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ.

يُقَالُ: فَضَّه إِذا كَسَرَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ لَمَّا أَنشده الْقَصِيدَةَ الرَّائِيَّةَ قَالَ: لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ، قَالَ: فَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً لَمْ تسقُط لَهُ سِنّ.

والإِفْضاءُ: سُقوطُ الأَسنانِ مِنْ أَعْلى وأَسفَل، والقولُ الأَول أَكثر.

وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنه قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِني أُريد أَن أَمْتَدِحَك»، فَقَالَ: قُلْ لَا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ، ثُمَّ أَنشده الأَبيات القافيَّة، وَمَعْنَاهُ لَا يُسْقِطِ اللهُ أَسنانَكَ، وَالْفَمُ يَقُومُ مَقَامَ الأَسنان.

وَهَذَا مِنْ فَضِّ الخاتَمِ والجمُوع وَهُوَ تَفْريقُها.

والمِفَضُّ والمِفْضاضُ: مَا يُفَضُّ به مَدَرُ الأَرصِ المُثارةِ.

والمِفَضَّةُ: مَا يُفَضُّ بِهِ المَدَرُ.

وَيُقَالُ: افْتَضَّ فُلَانٌ جاريَتَه واقْتَضَّها إِذا افْتَرَعَها.

والفَضَّةُ: الصخْرُ المَنْثُورُ بعضُه فَوْقَ بَعْضٍ، وَجَمْعُهُ فِضاضٌ.

وتَفَضَّضَ الْقَوْمُ وانْفَضُّوا: تَفَرَّقُوا.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، أَي تفرَّقوا، وَالِاسْمُ الفَضَضُ.

وتَفَضَّضَ الشَّيْءُ: تفرَّقَ.

والفَضُّ: تفريقُكَ حَلْقةً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ، يُقَالُ: فضَضْتُهم فانْفَضُّوا أَي فرَّقْتهم؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا اجْتَمَعُوا فضَضْنا حُجرَتَيهِمْ، ***ونَجْمَعُهم إِذا كَانُوا بَدادِ

وكلُّ شيءٍ تفرَّقَ، فَهُوَ فَضَضٌ.

وَيُقَالُ: بِهَا فَضٌّ مِنَ النَّاسِ أَي نفَر متفرِّقُون.

وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنه كَتَبَ إِلى مروانَ بن فَارِسَ: «أَما بَعْدُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّ خَدَمَتَكُم»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ كسَر وفرَّق جَمْعَكُمْ.

وَكُلُّ مُنكسر متفرِّق، فَهُوَ مُنْفَضٌّ.

وأَصل الخَدَمةِ الخَلْخالُ وَجَمْعُهَا خدامٌ، وَقَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ: أَنا أَولُ مَنْ فَضَّ خَدَمةَ العَجَم، يُرِيدُ كَسَرَهُمْ وفَرَّق جَمْعَهم.

وكلُّ شيءٍ كَسَرْتَه وفرَّقته، فَقَدْ فضَضْتَه.

وطارَت عِظامُه فُضاضًا وفِضاضًا إِذا تطايَرَتْ عِنْدَ الضَّرْبِ، وَقَالَ المؤرِّجُ: الفَضُّ الكسْرُ؛ وَرَوَى لخِداشِ بْنِ زُهَيْر:

فَلَا تَحْسَبي أَنِّي تَبَدَّلْتُ ذِلَّةً، ***وَلَا فَضَّني فِي الكُورِ بَعْدَكِ صائغُ

يَقُولُ: يأْبى أَن يُصاغَ ويُراضَ.

وتَمْر فَضٌّ: متفرِّق لَا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وفَضَضْتُ مَا بَيْنَهُمَا: قَطَعْتُ.

وَقَالَ تعالى: {قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيرًا}؛ يسأَل السائلُ فَيَقُولُ: كَيْفَ تَكُونُ القَوارِيرُ مِنْ فِضَّةٍ وجَوْهرُها غَيْرُ جَوْهَرِهَا؟ قَالَ الزجاج: معنىقَوْلِهِ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ أَصلُ القَوارِيرِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا مِنَ الرَّمْلِ، فأَعلم اللَّهُ فَضْلَ تِلْكَ القوارِيرِ أَن أَصلها مِنْ فِضَّة يُرى مِنْ خَارِجِهَا مَا فِي دَاخِلِهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَي تَكُونُ مَعَ صَفاء قَوَارِيرِهَا آمِنة مِنَ الْكَسْرِ قَابِلَةً لِلْجَبْرِ مِثْلَ الْفِضَّةِ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحسن مَا قِيلَ فِيهِ.

وَفِي حَدِيثِ الْمُسَيَّبِ: «فَقَبَضَ ثَلَاثَةَ أَصابع مِنْ فِضَّةٍ فِيهَا مِنْ شَعَرٍ»، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ فِضَّةٍ أَو قُصَّة، وَالْمُرَادُ بِالْفِضَّةِ شَيْءٌ مَصُوغٌ مِنْهَا قَدْ تُرِكَ فِيهِ الشَّعَرُ، فأَمّا بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَهِيَ الخُصْلةُ مِنَ الشَّعَرِ.

وكلُّ مَا انْقَطع مِنْ شيءٍ أَو تفرَّق: فَضَضٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ لِمَرْوَانَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ أَباكَ وأَنتَ فِي صُلْبه فأَنت فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ "؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ أَي خَرَجَتْ مِنْ صُلْبه مُتَفَرِّقًا، يَعْنِي مَا انْفَضَّ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وتَرَدَّدَ فِي صُلْبه، وَقِيلَ فِي قَوْلِهَا" فأَنت فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ: أَرادت إِنكَ قِطْعة مِنْهَا وَطَائِفَةٌ مِنْهَا.

وَقَالَ شَمِرٌ: الفُضُضُ اسْمُ مَا انْفَضَّ أَي تفرَّق، والفُضاضُ نَحْوُهُ.

وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فُظاظةٌ، بِظَاءَيْنِ، مِنَ الفَظِيظِ وَهُوَ ماءُ الكَرِشِ، وأَنكره الْخَطَّابِيُّ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: افْتَظَظْتُ الكَرِشَ اعْتَصَرْتُ ماءَها، كأَنه عُصارةٌ مِنَ اللَّعْنَةِ أَو فُعالةٌ مِنَ الفَظِيظِ ماء الفحل أَي نُطْفَةٌ مِنَ اللَّعنةِ.

والفَضِيضُ مِنَ النَّوَى: الَّذِي يُقْذَفُ مِنَ الْفَمِ.

والفَضِيضُ: الماءُ العَذْبُ، وَقِيلَ: الماءُ السَّائِلُ، وَقَدِ افْتَضَضْته إِذا أَصبته ساعةَ يَخْرُجُ.

وَمَكَانٌ فَضِيض: كَثِيرُ الْمَاءُ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «أَنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ عَنِ امرأَة خَطَبَهَا: هِيَ طَالِقٌ إِن نكَحْتُها حَتَّى آكلَ الفَضِيضَ»؛ هُوَ الطَّلْع أَولَ مَا يَظْهَرُ.

والفَضِيضُ أَيضًا فِي غَيْرِ هَذَا: الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنَ الْعَيْنِ أَو يَنْزِلُ مِنَ السَّحَابِ، وفَضَضُ الْمَاءِ: مَا انْتَشَرَ مِنْهُ إِذا تُطُهِّرَ بِهِ.

وَفِي حَدِيثِ غَزاةِ هَوازِنَ: «فَجَاءَ رَجُلٌ بنُطْفةٍ فِي إِداوَةٍ فافْتَضَّها»أَي صَبَّها، وَهُوَ افْتِعالٌ مِنَ الفَضِّ، وَيُرْوَى بِالْقَافِ؛ أي فَتَحَ رأْسها.

وَيُقَالُ: فَضَّ الماءَ وافْتَضَّه أَي صَبَّه، وفَضَّ الماءُ إِذا سالَ.

وَرَجُلٌ فَضْفاضٌ: كَثِيرُ الْعَطَاءِ، شُبِّه بِالْمَاءِ الفَضْفاض.

وتَفَضْفَضَ بولُ الناقةِ إِذا انْتَشَرَ عَلَى فَخِذَيْهَا.

والفَضَضُ: المتفرِّق مِنَ الْمَاءِ والعَرَق؛ وَقَوْلُ ابْنِ مَيّادةَ:

تَجْلُو بأَخْضَرَ مِنْ فُروعِ أَراكةٍ، ***حَسَن المُنَصَّبِ كالفَضِيضِ البارِدِ

قَالَ: الفَضِيضُ المتفرِّقُ مِنْ ماءِ المطرِ والبَرَدِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «أَنه رَمى الجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَياتٍ ثُمَّ مضَى فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ فَضَضِ الحَصى أَقبل على سُلَيْم ابن رَبيعةَ فكلَّمه»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَا تفرَّق مِنْهُ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُول، وَكَذَلِكَ الفَضِيضُ.

وَنَاقَةٌ كثيرةُ فَضِيضِ اللَّبَنِ: يَصِفُونها بالغَزارةِ، وَرَجُلٌ كَثِيرٌ فَضِيض الْكَلَامِ: يَصِفُونَهُ بالكَثارة.

وأَفَضَّ العَطاءَ: أَجْزَلَه.

والفِضَّةُ مِنَ الْجَوَاهِرِ: مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ فِضَضٌ.

وشيءٌ مُفَضَّضٌ: مُمَوَّه بِالْفِضَّةِ أَو مُرَصَّعٌ بِالْفِضَّةِ.

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: تَفَضَّيْتُ مِنَ الْفِضَّةِ، أَراد تَفَضَّضْت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا عنَى بِهِ أَتخذْتُها أَم استعملتُها، وَهُوَ مِنْ تَحْوِيلِ التَّضْعِيفِ.

وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: «لَوْ أَنَّ أَحدَكم انْفَضَّ مِمَّا صُنِعَ بِابْنِ عَفَّان لَحَقَّ لَهُ أَن يَنْفَضّ»؛ قَالَ شَمِرٌ:؛ أي يَنْقَطِعَ وَيَتَفَرَّقَ، وَيُرْوَى يَنْقَضّ، بِالْقَافِ، وَقَدِ انْفَضَّتْأَوصالُه إِذا تفرَّقت؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " تَكادُ تَنْفَضُّ منهنَّ الحَيازِيمُ وفَضّاضٌ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَرَبِ.

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَتِ امرأَة إِلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِن ابْنتي توُفِّيَ عَنْهَا زوجُها وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَها، أَفَتَكْحُلُها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا إِنما هِيَ أَربعةَ أَشهر وعَشْرًا وَقَدْ كَانَتْ إِحْداكنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمي بالبَعَرة عَلَى رأْس الْحَوْلِ»؛ قَالَتْ زينبُ بنتُ أُم سلَمَة: وَمَعْنَى الرَّمْيِ بِالْبَعَرَةِ أَنَّ المرأَة كَانَتْ إِذا توُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا ولَبِسَتْ شَرَّ ثِيابِها وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سنةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بدابّةٍ حمارٍ أَو شاةٍ أَو طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهَا فقَلَّما تَفْتَضُّ بشيءٍ إِلا ماتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمي بِهَا؛ وَقَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: سأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَنِ الافْتِضاضِ فَذَكَرُوا أَن المعتدَّة كَانَتْ لَا تَغْتَسِل وَلَا تَمَسُّ مَاءً وَلَا تَقْلِمُ ظُفُرًا وَلَا تَنْتِفُ مِنْ وَجْهِهَا شَعَرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الحوْلِ بأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثُمَّ تَفْتَضُّ بِطَائِرٍ وتَمْسَحُ بِهِ قُبُلَها وتَنْبِذُه فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ؛ أي تكسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ العِدَّة بِذَلِكَ؛ قَالَ: وَهُوَ مِنْ فَضَضْتُ الشيءَ إِذا كسَرْتَه كأَنها تَكُونُ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجِهَا فَتَكْسِرُ مَا كَانَتْ فِيهِ وَتَخْرُجُ مِنْهُ بِالدَّابَّةِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيُرْوَى بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ أَنه رَوَى هَذَا الْحَرْفَ فَتَقْبِصُ، بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.

وأَمرهم فَيْضُوضَى بَيْنَهُمْ وفَيْضُوضاء بَيْنَهُمْ وفَيْضِيضَى وفَيْضيضاء وفَوْضُوضَى وفَوْضُوضاء بَيْنَهُمْ؛ كُلُّهَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والفَضْفَضَةُ: سَعةُ الثوبِ والدِّرْعِ والعَيْشِ.

ودِرْعٌ فَضْفاضٌ وفَضْفاضةٌ وفُضافِضَةٌ: واسِعةٌ، وَكَذَلِكَ الثوبُ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِب:

وأَعْدَدْتُ للحَرْبِ فضْفاضةً، ***كأَنَّ مَطاوِيَها مِبْرَدُ

وقَمِيصٌ فَضْفاضٌ: واسعٌ؛ وَفِي حَدِيثِ سَطِيحٍ: «أَبْيَضُ فَضْفاضُ الرِّداءِ والبَدَنْ أَراد وَاسِعَ الصَّدْرِ وَالذِّرَاعِ فَكَنَّى عَنْهُ بِالرِّدَاءِ وَالْبَدَنِ»، وَقِيلَ: أَراد كَثْرَةَ الْعَطَاءِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَنَس فِي يَوْمِ مَطَرٍ والأَرض فَضْفاضٌ "أَي قَدْ عَلاها الْمَاءُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ.

وَقَدْ فَضْفَضَ الثوبَ والدِّرْعَ: وَسَّعَهما؛ قَالَ كثيِّر:

فنَبَذْتُ ثَمَّ تَحِيَّةً، فأَعادَها ***غَمْرُ الرِّداءِ مُفَضْفَضُ السِّرْبالِ

والفَضْفاضُ: الكثيرُ الواسعُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَسْعُطْنَه فَضْفاضَ بَوْلٍ كالصَّبِرْ "وعَيْشٌ فَضْفاضٌ: واسعٌ.

وسَحابةٌ فَضْفاضةٌ: كَثِيرَةُ الْمَاءِ.

وجارِيةٌ فَضْفاضة: كَثِيرَةُ اللَّحْمِ مَعَ الطُّولِ وَالْجِسْمِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " رَقْراقةٌ فِي بُدْنِها الفَضْفاضِ "اللَّيْثُ: فُلَانٌ فُضاضةُ وَلَدِ أَبيه أَي آخِرُهُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْمَعْرُوفُ فُلَانٌ نُضاضةُ ولدِ أَبيه، بِالنُّونِ، بِهَذَا الْمَعْنَى.

الْفَرَّاءُ: الفاضّةُ الدّاهِيةُ وهنّ الفواضُّ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


74-لسان العرب (نحض)

نحض: النَّحْضُ: اللحمُ نفْسُه، والقِطْعةُ الضخْمةُ مِنْهُ تُسَمَّى نَحْضةً.

والمَنْحُوضُ والنَّحِيضُ: الَّذِي "ذهَب لحمُه.

وَقِيلَ: هُمَا الكَثِيرا اللحْم، والأُنثى بِالْهَاءِ، وكلُّ بَضْعة لَحْمٌ لَا عَظْمَ فِيهَا لِفِئَةٍ نَحْوُ النَّحْضةِ والهَبْرَةِ والوَذْرةِ.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّحِيضُ مِنَ الأَضْدادِ يَكُونُ الكثيرَ اللحْمِ وَيَكُونُ القَليلَ اللحمِ كأَنَّه نُحِضَ نَحْضًا.

وَقَدْ نَحُضا نَحاضةً: كَثُرَ لحمُهما.

ونَحَضَ لحمُه يَنْحَضُ نُحوضًا: نقَص.

قَالَ الأَزهري: ونَحاضَتُهما كثرةُ لحمِهما، وَهِيَ مَنْحُوضةٌ ونَحِيضٌ.

ونَحَضَ اللحمَ يَنْحَضُه ويَنْحِضُه نَحْضًا: قشَره.

ونَحضَ العظمَ يَنْحَضُه نَحْضًا وانْتَحَضَه: أَخَذ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ واعْتَرَقه.

والنَّحْضُ والنحْضةُ: اللحمُ المُكْتَنِزُ كَلَحْمِ الْفَخْذِ؛ قَالَ عُبَيْدٌ:

ثُمَّ أَبري نِحاضَها فَتَرَاهَا ***ضامِرًا، بَعْدَ بُدْنِها، كالهِلالِ

وَقَدْ نَحُض، بِالضَّمِّ، فَهُوَ نَحِيضٌ أَي اكْتَنَزَ لَحْمُهُ.

وامرأَة نَحِيضةٌ وَرَجُلٌ نَحِيضٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ.

ونُحِضَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَهُوَ مَنْحُوضٌ أَي ذهَب لحمُه، وانْتُحِضَ مثلُه.

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: «فاعْمِد إِلى شاةٍ ممْتلئةٍ شحْمًا ونَحْضًا»؛ النَّحْضُ: اللَّحْمُ؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ: " عَيْرانةٍ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ "أَي رُمِيت بِاللَّحْمِ.

ونَحَضْتُ السِّنانَ والنَّصْلَ، فَهُوَ مَنْحُوضٌ ونَحِيضٌ إِذا رَقَّقْتَه وأَحْدَدْته؛ وأَنشد:

كمَوْقِف الأَشْقَرِ إِن تَقَدَّما، ***باشَرَ مَنْحُوضَ السِّنانِ لَهْذَما

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يصِفُ الخَدَّ، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِن الْجَوْهَرِيَّ قَالَ يَصِفُ الجَنْبَ، والصوابُ يصِفُ الْخَدَّ:

يُبارِي شَباة الرُّمْحِ خَدٌّ مُذَلَّقٌ، ***كحَدِّ السِّنانِ الصُّلَّبيّ النَّحِيضِ

ونَحَضْتُ فُلَانًا إِذا تَلَحَّحْتَ عَلَيْهِ فِي السؤَال حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ السؤالُ كنَحْضِ اللَّحْمِ عَنِ الْعَظْمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ نَحَضَ الرجلَ سأَلَه ولامَه؛ وأَنشد لِسَلَامَةَ بْنِ عُبَادَةَ الجَعْديّ:

أَعْطى بِلا مَنٍّ وَلَا تَقارُضِ، ***وَلَا سُؤالٍ مَعَ نَحْضِ النَّاحِضِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


75-لسان العرب (حبط)

حبط: الحَبَط مِثْلُ العَرَبِ: مِنْ آثارِ الجُرْحِ.

وَقَدْ حَبِطَ حَبَطًا وأَحْبَطَه الضرْبُ.

الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ حَبِط الجرحُ حَبَطًا، بِالتَّحْرِيكِ، أَي عَرِب ونُكس.

ابْنُ سِيدَهْ: والحَبَطُ وَجَعٌ يأْخذ الْبَعِيرَ فِي بطْنه مِنْ كَلإٍ يَسْتَوْبِلُه، وَقَدْ حَبِطَ حَبَطًا، فَهُوَ حَبِطٌ، وإِبِل حَباطَى وحَبَطةٌ، وحَبِطَت الإِبلُ تَحْبَطُ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَبَطُ أَن تأْكل الْمَاشِيَةُ فتُكْثِرَ حتى تَنْتَفِخَ لذلك بطونُها ولا يخرج عنها مَا فِيهَا.

وحَبِطتِ الشَّاةُ، بِالْكَسْرِ، حَبَطًا: انْتَفَخَ بَطْنُهَا عَنْ أَكل الذُّرَقِ، وَهُوَ الحَنْدَقُوقُ.

الأَزهري: حَبِطَ بطنُه إِذا انْتَفَخَ يحبَطُ حَبَطًا، فَهُوَ حَبِطٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «وإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَو يُلِمُ، وَذَلِكَ الدَّاء الحُباطُ، قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّخَبُّطِ، وَهُوَ الاضْطِرابُ».

قَالَ الأَزهريّ: وأَما قَوْلُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإِنَّ مِمَّا يُنبِت الربيعُ مَا يقْتُلُ حَبَطًا أَو يُلمّ، فإِن أَبا عُبَيْدٍ فَسَّرَ الحَبَطَ وَتَرَكَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَشياء لَا يَستغْني أَهلُ العلمِ عَنْ مَعْرِفتها، فَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ لأُفَسِّر مِنْهُ كلَّ مَا يحتاجُ مِنْ تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ وذَكر سَنَدَهُ إِلى "أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَلَسَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبر وجَلسنا حولَه فَقَالَ: إِني أَخاف عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهرةِ الدُّنْيَا وزِينتِها، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ أَوَيَأْتي الخيرُ بالشرّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأَيْنا أَنه يُنْزَلُ عَلَيْهِ فأَفاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحضاء وَقَالَ: أَين هَذَا السائلُ؟ وكأَنه حَمِدَه؛ فَقَالَ: إِنه لَا يأْتي الخيرُ بِالشَّرِّ، وإِنَّ مِمَّا يُنبِت الربيعُ مَا يَقتل حبَطًا أَو يُلمّ إِلّا آكِلةَ الخَضِر، فإِنها أَكلت حَتَّى إِذا امتلأَت خَاصِرَتَاهَا استَقْبَلَتْ عينَ الشمسِ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثُمَّ رتَعَتْ، وإِن هَذَا الْمَالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، ونِعْم صاحبُ المُسْلمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطى المِسْكينَ واليتيمَ وابنَ السبيلِ؛ أَو كَمَا قَالَ" رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإِنه مَن يأْخذه بِغَيْرِ حَقِّهِ فَهُوَ كَالْآكِلِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ الأَزهري: وإِنما تَقَصَّيْتُ رِوَايَةَ هَذَا الْخَبَرِ لأَنه إِذا بُتِرَ اسْتَغْلَقَ مَعْنَاهُ، وَفِيهِ مَثَلَانِ: ضرَب أَحدَهما للمُفْرِط فِي جَمْعِ الدُّنْيَا مَعَ مَنْعِ مَا جمَع مِنْ حَقِّهِ، وَالْمَثَلُ الْآخَرُ ضَرَبَهُ للمُقْتَصِد فِي جمْعِ الْمَالِ وبذْلِه فِي حقِّه، فأَما قَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإِنَّ مِمَّا يُنبت الربيعُ مَا يَقْتُلُ حبَطًا "، فَهُوَ مِثْلُ الحَرِيصِ والمُفْرِط فِي الجمْع والمنْع، وَذَلِكَ أَن الرَّبِيعَ يُنبت أَحْرار الْعُشْبِ الَّتِي تَحْلَوْلِيها الماشيةُ فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهَا حَتَّى تَنْتَفِخَ بُطُونُهَا وتَهْلِكَ، كَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الدُّنْيَا ويَحْرِصُ عَلَيْهَا ويَشِحُّ عَلَى مَا جمَع حَتَّى يمنَعَ ذَا الحقِّ حقَّه مِنْهَا يَهْلِكُ فِي الْآخِرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ واسْتِيجابِ العذابِ، وأَما مَثَلُ المُقْتَصِد الْمَحْمُودِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا آكِلةَ الخَضِر فإِنها أَكلت حَتَّى إِذا امتلأَتْ خَواصِرُها اسْتَقْبَلَتْ عينَ الشمسِ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ، وَذَلِكَ أَن الخَضِرَ لَيْسَ مِنْ أَحْرارِ الْبُقُولِ الَّتِي تَسْتَكْثِرُ مِنْهَا الْمَاشِيَةُ فتُهْلِكه أَكلًا، وَلَكِنَّهُ مِنَ الجَنْبةِ الَّتِي تَرْعاها بَعْدَ هَيْجِ العُشْبِ ويُبْسِه، قَالَ: وأَكثر مَا رأَيت الْعَرَبَ يَجْعَلُونَ الخَضِرَ مَا كَانَ أَخْضَرَ مِنَ الحَلِيِّ الَّذِي لَمْ يصفَرّ والماشيةُ تَرْتَعُ مِنْهُ شَيْئًا شَيْئًا وَلَا تَسْتَكْثِرُ مِنْهُ فَلَا تحبَطُ بطونُها عَنْهُ؛ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهُ طرَفةُ فَبَيَّنَ أَنه مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ فِي قَوْلِهِ:

كَبَناتِ المَخْرِ يَمْأَدْنَ، إِذا ***أَنْبَتَ الصيْفُ عَسالِيجَ الخَضِرْ

فالخَضِرُ مِنْ كَلإِ الصيفِ فِي القَيْظِ وَلَيْسَ مِنْ أَحرارِ بُقولِ الرَّبيع، والنَّعَمُ لَا تَسْتَوْبِلُه وَلَا تَحْبَطُ بطونُها عَنْهُ، قَالَ: وبناتُ مَخْرٍ أَيضًا وَهِيَ سحائبُ "يأْتِينَ قُبُلَ الصَّيْفِ، قَالَ: وأَما الخُضارةُ فَهِيَ مِنَ البُقول الشَّتْوِيّة وَلَيْسَتْ مِنَ الجَنْبة، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلةَ الخَضِرِ مَثَلًا لِمَنْ يَقْتَصِد فِي أَخذ الدُّنْيَا وجمْعِها وَلَا يُسْرِفُ فِي قَمِّها والحِرص عَلَيْهَا، وأَنه يَنْجُو مِنْ وَبالِها كَمَا نَجَتْ آكلةُ الخَضِر، أَلا تَرَاهُ قَالَ: فإِنها إِذا أَصابت مِنَ الخَضِر اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فثَلطت وَبَالَتْ؟ وإِذا ثَلَطَتْ فَقَدْ ذَهَبَ حبَطُها، وإِنما تَحْبَطُ الماشيةُ إِذا لَمْ تَثْلِطْ وَلَمْ تَبُلْ وأْتُطِمَت عَلَيْهَا بُطُونُهَا، وَقَوْلُهُ إِلا آكِلَةَ الْخَضِرِ مَعْنَاهُ لكنَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ.

وأَما قَوْلُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن هَذَا الْمَالَ خَضِرةٌ حُلْوة، هَاهُنَا النَّاعِمَةُ الغَضّةُ، وحَثَّ عَلَى إِعطاء المِسكين وَالْيَتِيمِ مِنْهُ مَعَ حَلاوتِه ورَغْبةِ النَّاسِ فِيهِ، ليَقِيَه اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وبالَ نَعْمَتِها فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ.

والحبَطُ: أَن تأْكل الماشية فتكثر حتى تَنْتَفِخَ لِذَلِكَ بُطُونُهَا وَلَا يخرج عنها ما فيها.

ابْنُ سِيدَهْ: والحبَطُ فِي الضَّرْعِ أَهْونُ الورَمِ، وَقِيلَ: الحبَطُ الانْتِفاخُ أَين كَانَ مِنْ دَاءٍ أَو غَيْرِهِ.

وحَبِطَ جِلدُه: وَرِمَ.

وَيُقَالُ: فَرَسٌ حَبِطُ القُصَيْرَى إِذا كَانَ مُنْتَفِخَ الْخَاصِرَتَيْنِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَعْدِيِّ:

فَلِيق النَّسا حَبِيط المَوْقِفَيْنِ، ***يَسْتَنُّ كالصَّدَعِ الأَشْعَبِ

قَالَ: وَلَا يَقُولُونَ حَبِط الفرسُ حَتَّى يُضِيفُوه إِلى القُصَيْرَى أَو إِلى الخاصِرةِ أَو إِلى المَوْقِفِ لأَن حبَطَه انتفاخُ بطنِه.

واحْبَنْطَأَ الرجلُ: انْتَفَخَ بَطْنُهُ.

والحَبَنْطَأُ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ: الغَلِيظ القَصِير البطِينُ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: المُحْبَنْطِئ، مَهْمُوزٌ وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ، الممْتَلئ غضَبًا، وَالنُّونُ وَالْهَمْزَةُ والأَلف وَالْبَاءُ زَوائدُ للإِلحاق، وَقِيلَ: الأَلف للإِلحاق بِسَفَرْجَلٍ.

وَرَجُلٌ حَبَنْطًى، بِالتَّنْوِينِ، وحَبَنْطاةٌ ومُحْبَنْطٍ، وَقَدِ احْبَنْطَيْتَ، فإِن حَقَّرْتَ فأَنت بِالْخِيَارِ إِن شِئْتَ حَذَفْتَ النُّونَ وأَبدلت مِنَ الأَلف يَاءً وَقُلْتَ حُبَيْطٍ، بِكَسْرِ الطَّاءِ مُنَوَّنًا لأَن الأَلف لَيْسَتْ للتأْنيث فَيُفْتَحُ مَا قَبْلَهَا كَمَا نَفْتَحُ فِي تَصْغِيرِ حُبْلى وبُشْرى، وإِن بقَّيت النُّونَ وَحَذَفْتَ الأَلف قُلْتَ حُبَيْنِطٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ فِيهِ زِيَادَتَانِ للإِلحاق فَاحْذِفْ أَيَّتَهما شِئْتَ، وإِن شئتَ أَيضًا عوَّضْتَ مِنَ الْمَحْذُوفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وإِن شئتَ لَمْ تُعَوِّضْ، فإِن عوَّضت فِي الأَوّل قُلْتَ حُبَيِّطٍ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَالطَّاءِ مَكْسُورَةً، وَقُلْتَ فِي الثَّانِي حُبَيْنِيطٌ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي عَفَرْنى.

وامرأَة حَبَنْطاةٌ: قَصِيرَةٌ دَمِيمةٌ عَظيمةُ البطْنِ.

والحَبَنْطى: المُمْتلئ غضَبًا أَو بِطْنَةً.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: رَجُلٌ حَبَنْطًى، مَقْصُورٌ، وحِبَنْطًى، مَكْسُورٌ مَقْصُورٌ، وحَبَنْطأٌ وحَبَنْطَأَةٌ أَي مُمْتلئ غَيْظًا أَو بِطنة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلرَّاجِزِ:

إِني إِذا أَنْشَدْتُ لَا أَحْبَنْطِي، ***وَلَا أُحِبُّ كَثْرةَ التَّمَطِّي

قَالَ وَقَالَ فِي الْمَهْمُوزِ:

مَا لَكَ تَرْمِي بالخَنى إِلينا، ***مُحْبَنْطِئًا مُنْتَقِمًا عَلَيْنَا؟

وَقَدْ تَرْجَمَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى حَبْطَأَ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ أَن يَذْكُرَ فِي تَرْجَمَةِ حبط لأَن الْهَمْزَةَ زَائِدَةٌ لَيْسَتْ بأَصلية، وَقَدِ احْبَنْطَأْت واحْبَنْطَيْت، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الحبَطِ الَّذِي هُوَ الورَمُ، وَلِذَلِكَ حَكَمَ عَلَى نُونِهِ وَهَمْزَتِهِ أَو يَائِهِ أَنهما مُلْحِقتان لَهُ بِبِنَاءِ سَفَرْجل.

والمُحْبَنْطِئُ: اللَّازِقُ بالأَرض.

وفي الحديث: «إِن السِّقط ليَظَلُّ مُحْبَنْطِيًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ»، فَسَّرُوهُ مُتَغَضِّبًا، وَقِيلَ: المُحْبَنْطِي المُتغَضِّبُ المُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ، وَبِالْهَمْزِ الْعَظِيمُ الْبَطْنِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: المُحْبَنْطِئُ، بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، المُتَغَضِّبُ المُسْتَبْطِئُ لِلشَّيْءِ، وَقِيلَ: هُوَ الممتنِعُ امتِناعَ طلَبٍ لَا امْتِنَاعَ إِباء.

يُقَالُ: احبنطأْت واحْبَنْطَيْت، وَالنُّونُ وَالْهَمْزَةُ والأَلف وَالْيَاءُ زَوَائِدُ للإِلحاق.

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ المُحْبَنطِي، بِغَيْرِ هَمْزٍ، المتغضِّبُ، وَبِالْهَمْزِ الْمُنْتَفِخُ.

وحَبِطَ حبْطًا وحُبوطًا: عَمِلَ عَملًا ثُمَّ أَفْسَدَه، وَاللَّهُ أَحْبَطه.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ}.

الأَزهري: إِذا عَمِلَ الرَّجُلُ عَمَلًا ثُمَّ أَفْسَدَه قِيلَ حَبِطَ عَمَلُه، وأَحْبَطَه صاحبُه، وأَحْبَطَ اللَّهُ أَعمالَ مَنْ يُشْرِكُ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ حَبِطَ عملُه يَحْبَطُ حبْطًا وحُبُوطًا، فَهُوَ حَبْطٌ، بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَطَلَ ثَوَابُهُ وأَحبطه اللَّهُ.

وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنه حَكَى عَنْ أَعرابي قرأَ: فَقَدْ حبَط عملُه، بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ: يَحْبِطُ حُبوطًا، قَالَ الأَزهري، وَلَمْ أَسمع هَذَا لِغَيْرِهِ، وَالْقِرَاءَةُ: فَقَدْ حَبِط عملُه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَحْبَط اللَّهُ عَمَلَهُ»أَي أَبْطَلَه، قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَحْبَطه غيرُه، قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَبِطَت الدابةُ حبَطًا، بِالتَّحْرِيكِ، إِذا أَصابت مَرْعًى طيِّبًا فأَفرطت فِي الأَكل حَتَّى تَنْتَفِخَ فَتَمُوتَ.

والحَبَطُ والحَبِطُ: الحرث بْنُ مازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَميم، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ فِي سَفَرٍ فأَصابه مِثْلُ الحَبَط الَّذِي يصيبُ الْمَاشِيَةَ فنَسَبُوا إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن بَطْنَهُ وَرِمَ مِنْ شَيْءٍ أَكله، والحَبِطاتُ والحَبَطاتُ: أَبناؤه عَلَى جِهَةِ النسَب، والنِّسْبة إِليهم حَبَطِيٌّ، وَهُمْ مِنْ تَمِيمٍ، وَالْقِيَاسُ الْكَسْرُ؛ وَقِيلَ: الحَبِطاتُ الحرثُ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَميم والعَنْبَرُ بْنُ عَمْرٍو والقُلَيْبُ بْنُ عَمْرٍو ومازِنُ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَلَقِيَ دَغْفَلٌ رَجُلًا فَقَالَ لَهُ: مِمَّنْ أَنت؟ قَالَ: مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: إِنما عَمْرٌو عُقابٌ جاثِمةٌ، فَالْحَبِطَاتُ عُنُقُها، والقُلَيْبُ رأْسها، وأُسَيِّدٌ والهُجَيْمُ جَناحاها، والعَنْبَرُ جِثْوتُها وجَثوتُها، ومازنٌ مِخْلَبُها، وكَعْب ذَنَبُهَا، يَعْنِي بِالْجَثْوَةِ بَدَنَهَا ورأْسها.

الأَزهري: اللَّيْثُ الحَبِطاتُ حَيٌّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْهُمُ المِسْوَرُ بْنُ عِبَادٍ الحَبَطِيُّ، يُقَالُ: فُلَانٌ الْحَبَطِيُّ، قَالَ: وإِذا نَسَبُوا إِلى الحَبِطِ قَالُوا حَبَطِيٌّ، وإِلى سَلِمةَ سَلَمِيّ، وإِلى شَقِرةَ شَقَرِيٌّ، وَذَلِكَ أَنهم كَرِهُوا كَثْرَةَ الْكَسْرَاتِ فَفَتَحُوا؛ قَالَ الأَزهري: وَلَا أَرى حَبْط العَمل وبُطْلانه مأْخوذًا إِلا مِنْ حبَط الْبَطْنِ لأَن صَاحِبَ الْبَطْنِ يَهْلِكُ، وَكَذَلِكَ عملُ الْمُنَافِقِ يَحْبَطُ، غَيْرَ أَنهم سَكَّنُوا الْبَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَبِطَ عَمَلُهُ يَحْبَطُ حبْطًا، وَحَرَّكُوهَا مِنْ حَبِطَ بَطْنُهُ يَحْبَطُ حَبَطًا، كَذَلِكَ أُثبت لَنَا؛ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ وَغَيْرِهِ.

وَيُقَالُ: حَبِطَ دَمُ الْقَتِيلِ يَحْبَطُ حَبْطًا إِذا هُدِرَ.

وحَبِطَتِ الْبِئْرُ حبْطًا إِذا ذَهَبَ ماؤُها.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الإِحْباطُ أَن تُذْهِب مَاءَ الرَّكِيَّةِ فَلَا يَعُودُ كَمَا كان.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


76-لسان العرب (جمع)

جمع: جَمَعَ الشيءَ عَنْ تَفْرِقة يَجْمَعُه جَمْعًا وجَمَّعَه وأَجْمَعَه فاجتَمع واجْدَمَعَ، وَهِيَ مُضَارَعَةٌ، وَكَذَلِكَ تجمَّع واسْتجمع.

وَالْمَجْمُوعُ: الَّذِي جُمع مِنْ هاهنا وهاهنا وإِن لَمْ يُجْعَلْ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.

واسْتجمع السيلُ: اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ.

وجمَعْتُ الشَّيْءَ إِذا جِئْتَ بِهِ من هاهنا وهاهنا.

وتجمَّع الْقَوْمُ: اجْتَمَعُوا أَيضًا من هاهنا وهاهنا.

ومُتجمَّع البَيْداءِ: مُعْظَمُها ومُحْتَفَلُها؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شَحّاذٍ الضَّبّيّ:

فِي فِتْيَةٍ كلَّما تَجَمَّعَتِ البَيْداء، ***لَمْ يَهْلَعُوا وَلَمْ يَخِمُوا

أَراد وَلَمْ يَخِيمُوا، فَحَذَفَ وَلَمْ يَحْفَل بِالْحَرَكَةِ الَّتِي مِنْ شأْنها أَن تَرُدَّ المحذوف هاهنا، وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ الْقِيَاسُ إِنما هُوَ شَاذٌّ؛ وَرَجُلٌ مِجْمَعٌ وجَمّاعٌ.

والجَمْع: اسْمٌ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ.

والجَمْعُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ جَمَعْتُ الشَّيْءَ.

والجمْعُ: المجتمِعون، وجَمْعُه جُموع.

والجَماعةُ والجَمِيع والمَجْمع والمَجْمَعةُ: كالجَمْع وَقَدِ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّاسِ حَتَّى قَالُوا جَماعة الشَّجَرِ وَجَمَاعَةُ النَّبَاتِ.

وقرأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ: " حَتَّى أَبلغ مَجْمِعَ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ نَادِرٌ كالمشْرِق والمغرِب، أَعني أَنه شَذَّ فِي بَابِ فَعَل يَفْعَلُ كَمَا شذَّ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الشَّاذِّ فِي بَابِ فَعَلَ يَفْعُلُ، وَالْمَوْضِعُ مَجْمَعٌ ومَجْمِعٌ مِثَالُ مَطْلَعٍ ومَطْلِع، وَقَوْمٌ جَمِيعٌ: مُجْتَمِعون.

والمَجْمَع: يَكُونُ اسْمًا لِلنَّاسِ وَلِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَضَرَبَ بِيَدِهِ مَجْمَعَ بَيْنَ عُنُقي وَكَتِفِي» أَي حَيْثُ يَجْتمِعان، وَكَذَلِكَ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ مُلْتَقاهما.

وَيُقَالُ: أَدامَ اللهُ جُمْعةَ مَا بَيْنَكُمَا كَمَا تَقُولُ أَدام اللَّهُ أُلْفَةَ مَا بَيْنَكُمَا.

وأَمرٌ جامِعٌ: يَجمع الناسَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الجُمعة قَالَ: هُوَ، وَاللَّهُ أَعلم، أَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمر الْمُؤْمِنِينَ إِذا كَانُوا مَعَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلى الْجَمَاعَةِ فِيهِ نَحْوَ الْحَرْبِ وَشَبَهِهَا مِمَّا يُحْتَاجُ إِلى الجَمْعِ فِيهِ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يستأْذنوه.

وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَجِبْت لِمَنْ لاحَنَ الناسَ كَيْفَ لَا يَعْرِفُ جَوامِعَ الْكَلِمِ؛ مَعْنَاهُ كَيْفَ لَا يَقْتَصِر عَلَى الإِيجاز ويَترك الفُضول مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلُ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلِم يَعْنِي الْقُرْآنَ وَمَا جَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلُطْفِهِ مِنَ الْمَعَانِي الجَمَّة فِي الأَلفاظ الْقَلِيلَةِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}.

وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ يَتَكَلَّمُ بجَوامِعِ الكَلِم أَي أَنه كَانَ كَثِيرَ الْمَعَانِي قَلِيلَ الأَلفاظ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ يَستحِبُّ الجَوامع مِنَ الدُّعَاءِ»؛ هِيَ الَّتِي تَجْمع الأَغْراض الصالحةَ والمَقاصِدَ الصَّحِيحَةَ أَو تَجْمع الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَآدَابَ المسأَلة.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ لَهُ أَقْرِئني سُورَةً جَامِعَةً، فأَقرأَه: إِذا زُلْزِلَتِ، » أَي أَنها تَجْمَعُ أَشياء مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «حَدِّثْني بِكَلِمَةٍ تَكُونُ جِماعًا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فِيمَا تَعْلَمُ»؛ الجِماع ما جَمَع عَددًا أَي كَلِمَةٌ تَجْمَعُ كَلِمَاتٍ.

وَفِي أَسماء اللَّهِ الْحُسْنَى: الجامعُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الَّذِي يَجْمع الْخَلَائِقَ لِيَوْمِ الحِساب، وَقِيلَ: هُوَ المؤَلِّف بَيْنَ المُتماثِلات والمُتضادّات فِي الْوُجُودِ؛ وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَلَوْ أَنَّها نفْسٌ تموتُ جَميعةً، ***ولكِنَّها نفْسٌ تُساقِطُ أَنْفُسا

إِنما أَراد جَمِيعًا، فَبَالَغَ بإِلحاق الْهَاءِ وَحَذَفَ الْجَوَابَ لِلْعِلْمِ بِهِ كأَنه قَالَ لفَنِيت واسْتراحت.

وَفِي حَدِيثِ أُحد: «وإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَمِيعَ اللأْمةِ»؛ أي مُجْتَمِعَ السِّلاحِ.

والجَمِيعُ: ضِدُّ المتفرِّق؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ مَجْنُونُ بَنِي عَامِرٍ:

فقدْتُكِ مِن نَفْسٍ شَعاعٍ، فإِنَّني ***نَهَيْتُكِ عَنْ هَذَا، وأَنتِ جَمِيعُ

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَهُ سَهم جَمع»أَي لَهُ سَهْمٌ مِنَ الْخَيْرِ جُمع فِيهِ حَظَّانِ، وَالْجِيمُ مَفْتُوحَةٌ، وَقِيلَ: أَراد بِالْجَمْعِ الْجَيْشَ أَي كسهمِ الجَيْشِ مِنَ الْغَنِيمَةِ.

والجميعُ: الجَيْشُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فِي جَمِيعٍ حافِظِي عَوْراتِهم، ***لَا يَهُمُّونَ بإِدْعاقِ الشَّلَلْ

والجَمِيعُ: الحيُّ المجتمِع؛ قَالَ لَبِيدٌ:

عَرِيَتْ، وَكَانَ بِهَا الجَمِيعُ فأَبْكَرُوا ***مِنْهَا، فغُودِرَ نُؤْيُها وثُمامُها

وإِبل جَمّاعةٌ: مُجْتَمِعة؛ قَالَ:

لَا مالَ إِلَّا إِبِلٌ جَمّاعهْ، ***مَشْرَبُها الجِيّةُ أَو نُقاعَهْ

والمَجْمَعةُ: مَجلِس الِاجْتِمَاعِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

وتُوقدْ نارُكُمْ شَرَرًا ويُرْفَعْ، ***لَكُمْ فِي كلِّ مَجْمَعَةٍ، لِواءُ

والمَجْمعة: الأَرض القَفْر.

والمَجْمعة: مَا اجتَمع مِنَ الرِّمال وَهِيَ المَجامِعُ؛ وأَنشد:

باتَ إِلى نَيْسَبِ خَلٍّ خادِعِ، ***وَعْثِ النِّهاضِ، قاطِعِ المَجامِعِ

بالأُمّ أَحْيانًا وبالمُشايِعِ المُشايِعُ: الدَّلِيلُ الَّذِي يُنَادِي إِلى الطَّرِيقِ يَدْعُو إِليه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَجَمعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي» أَي لبستُ الثيابَ الَّتِي يُبْرَزُ بِهَا إِلى النَّاسِ مِنِ الإِزار والرِّداء وَالْعِمَامَةِ والدِّرْعِ والخِمار.

وجَمَعت المرأَةُ الثيابَ: لَبِسَتِ الدِّرْع والمِلْحَفةَ والخِمار، يُقَالُ ذَلِكَ لِلْجَارِيَةِ إِذا شَبَّتْ، يُكْنى بِهِ عَنْ سِنِّ الاسْتواء.

والجماعةُ: عددُ كُلِّ شيءٍ وكثْرَتُه.

وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: «وَلَا جِماعَ لَنَا فِيمَا بَعْدُ»؛ أي لَا اجْتِمَاعَ لَنَا.

وجِماع الشَّيْءِ: جَمْعُه، تَقُولُ: جِماعُ الخِباء الأَخْبِيةُ لأَنَّ الجِماعَ مَا جَمَع عدَدًا.

يُقَالُ: الخَمر جِماعُ الإِثْم أَي مَجْمَعهُ ومِظنَّتُه.

وَقَالَ الْحُسَيْنُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتَّقوا هَذِهِ الأَهواء الَّتِي جِماعُها الضلالةُ ومِيعادُها النَّارُ "؛ وَكَذَلِكَ الْجَمِيعُ، إِلا أَنه اسْمٌ لَازِمٌ.

وَالرَّجُلُ المُجتمِع: الَّذِي بَلغ أَشُدَّه وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ.

واجْتَمَعَ الرجلُ: اسْتَوت لِحْيَتُهُ وَبَلَغَ غايةَ شَبابِه، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْجَارِيَةِ.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا اتَّصَلَتْ لِحْيَتُهُ: مُجْتَمِعٌ ثُمَّ كَهْلٌ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

قَدْ سادَ وَهُوَ فَتًى، حَتَّى إِذا بلَغَت ***أَشُدُّه، وَعَلَا فِي الأَمْرِ واجْتَمَعا

وَرَجُلٌ جميعٌ: مُجْتَمِعُ الخَلْقِ.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه سَمِعَ أَنس بْنِ مَالِكٍ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ أَي مُجْتَمِعُ الخَلْقِ قَوِيٌّ لَمْ يَهْرَم وَلَمْ يَضْعُفْ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلى أَنس.

وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ إِذا مَشَى مَشَى مُجْتَمِعًا أَي شَدِيدَ الْحَرَكَةِ قويَّ الأَعضاء غَيْرَ مُسْتَرْخٍ فِي المَشْي.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن خَلْقَ أَحدِكم يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمه أَربعين يَوْمًا»أَي أَن النُّطفة إِذا وقَعت فِي الرَّحِمِ فأَراد اللَّهُ أَن يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طارتْ فِي جِسْمِ المرأَة تَحْتَ كُلِّ ظُفُر وشعَر ثُمَّ تمكُث أَربعين لَيْلَةً ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرحِم، فَذَلِكَ جَمْعُها، وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ بالجَمْع مُكْث النُّطْفَةِ بِالرَّحِمِ أَربعين يَوْمًا تَتَخَمَّرُ فِيهَا حَتَّى تتهيَّأَ لِلْخَلْقِ وَالتَّصْوِيرِ ثُمَّ تُخَلَّق بَعْدَ الأَربعين.

وَرَجُلٌ جميعُ الرأْي ومُجْتَمِعُهُ: شديدُه لَيْسَ بمنْتشِره.

والمسجدُ الجامعُ: الَّذِي يَجمع أَهلَه، نَعْتٌ لَهُ لأَنه عَلَّامَةٌ لِلِاجْتِمَاعِ، وَقَدْ يُضاف، وأَنكره بَعْضُهُمْ، وإِن شِئْتَ قُلْتَ: مسجدُ الجامعِ بالإِضافة كَقَوْلِكَ الحَقُّ الْيَقِينُ وحقُّ اليقينِ، بِمَعْنَى مَسْجِدِ اليومِ الجامعِ وحقِّ الشَّيْءِ اليقينِ لأَن إِضافة الشَّيْءِ إِلى نَفْسِهِ لَا تَجُوزُ إِلا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: الْعَرَبُ تُضيف الشيءَ إِلى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَقُلْتُ: انْجُوَا عَنْهَا نَجا الجِلْدِ، إِنه ***سَيُرْضِيكما مِنْهَا سَنامٌ وغارِبُهْ

فأَضاف النَّجا وَهُوَ الجِلْد إِلى الْجِلْدِ لَمَّا اخْتَلَفَ اللفظانِ، وَرَوَى الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: وَلَا يُقَالُ مسجدُ الجامعِ، ثُمَّ قَالَ الأَزهري: النَّحْوِيُّونَ أَجازوا جَمِيعًا مَا أَنكره اللَّيْثُ، وَالْعَرَبُ تُضِيفُ الشيءَ إِلى نفْسه وإِلى نَعْتِه إِذا اخْتَلَفَ اللفظانِ كَمَا قَالَ تعالى: {وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}؛ وَمَعْنَى الدِّين المِلَّةُ كأَنه قَالَ وَذَلِكَ دِين الملَّةِ القيِّمةِ، وَكَمَا قَالَ تعالى: {وَعْدَ الصِّدْقِ} و {وَعْدَ الْحَقِّ}، قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَبى إِجازته غيرَ اللَّيْثِ، قَالَ: وإِنما هُوَ الوعدُ الصِّدقُ والمسجِدُ الجامعُ والصلاةُ الأُولى.

وجُمّاعُ كُلِّ شَيْءٍ: مُجْتَمَعُ خَلْقِه.

وجُمّاعُ جَسَدِ الإِنسانِ: رأْسُه.

وجُمّاعُ الثمَر: تَجَمُّعُ بَراعيمِه فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَلَى حَمْلِهِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ورأْسٍ كَجُمّاعِ الثُّرَيّا، ومِشْفَرٍ ***كسِبْتِ اليمانيِّ، قِدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ

وجُمّاعُ الثريَّا: مُجْتَمِعُها؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

ونَهْبٍ كجُمّاعِ الثُرَيّا، حَوَيْتُه ***غِشاشًا بمُجْتابِ الصِّفاقَيْنِ خَيْفَقِ

فَقَدْ يَكُونُ مُجتمِعَ الثُّريا، وَقَدْ يَكُونُ جُمَّاع الثُّرَيَّا الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى مَطَرِ الثُّرَيَّا، وَهُوَ مَطَرُ الوَسْمِيّ، يَنْتَظِرُونَ خِصْبَه وكَلأَه، وَبِهَذَا الْقَوْلِ الأَخير فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي.

والجُمّاعُ: أَخلاطٌ مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هُمُ الضُّروب الْمُتَفَرِّقُونَ مِنَ النَّاسِ؛ قَالَ قَيْسِ بْنِ الأَسلت السُّلَمِيّ يَصِفُ الْحَرْبَ:

حَتَّى انْتَهَيْنا، ولَنا غايةٌ، ***مِنْ بَيْنِ جَمْعٍ غيرِ جُمّاعِ

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ}؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشُّعوبُ الجُمّاعُ والقَبائلُ الأَفْخاذُ؛ الجُمَّاع، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: مُجْتَمَعُ أَصلِ كُلِّ شَيْءٍ، أَراد مَنْشأَ النَّسَبِ وأَصلَ المَوْلِدِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ الفِرَقَ المختلفةَ مِنَ النَّاسِ كالأَوْزاعِ والأَوْشابِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كَانَ فِي جَبَلِ تِهامةَ جُمّاع غَصَبُوا المارّةَ» أَي جَماعاتٌ مِنْ قَبائلَ شَتَّى مُتَفَرِّقَةٍ.

وامرأَة جُمّاعٌ: قَصِيرَةٌ.

وكلُّ مَا تَجَمَّعَ وَانْضَمَّ بعضُه إِلى بَعْضٍ جُمّاعٌ.

وَيُقَالُ: ذَهَبَ الشَّهْرُ بجُمْعٍ وجِمْعٍ أَي أَجمع.

وَضَرَبَهُ بِحَجَرٍ جُمْعِ الْكَفِّ وجِمْعِها أَي مِلْئها.

وجُمْعُ الْكَفِّ، بِالضَّمِّ: وَهُوَ حِينُ تَقْبِضُها.

يُقَالُ: ضَرَبُوهُ بأَجماعِهم إِذا ضَرَبُوا بأَيديهم.

وَضَرَبْتُهُ بجُمْع كَفِّي، بِضَمِّ الْجِيمِ، وَتَقُولُ: أَعطيته مِنَ الدَّرَاهِمِ جُمْع الْكَفِّ كَمَا تَقُولُ مِلْءَ الْكَفِّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «رأَيت خَاتَمَ النبوَّة كأَنه جُمْعٌ»، يُريد مِثْلَ جُمْع الْكَفِّ، وَهُوَ أَن تَجمع الأَصابع وتَضُمَّها.

وَجَاءَ فُلَانٌ بقُبْضةٍ مِلْء جُمْعِه؛ وَقَالَ مَنْظُورُ بْنُ صُبْح الأَسديّ:

وَمَا فعَلتْ بِي ذاكَ حَتَّى تَركْتُها، ***تُقَلِّبُ رأْسًا مِثْلَ جُمْعِيَ عَارِيا

وجُمْعةٌ مِنْ تَمْرٍ أَي قُبْضة مِنْهُ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: «صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمَّا انْصَرَفَ دَرَأَ جُمْعةً مِنْ حَصى الْمَسْجِدِ»؛ الجُمْعةُ: المَجموعةُ.

يُقَالُ: أَعطِني جُمعة مِنْ تَمْر، وَهُوَ كالقُبْضة.

وَتَقُولُ: أَخذْت فُلَانًا بجُمْع ثِيَابِهِ.

وأَمْرُ بَنِي فُلَانٍ بجُمْعٍ وجِمْعٍ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، فَلَا تُفْشُوه»؛ أي مُجتمِعٌ فَلَا تفرِّقوه بالإِظهار، يُقَالُ ذَلِكَ إِذا كَانَ مَكْتُومًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحد، وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه ذَكَرَ الشُّهَدَاءَ فَقَالَ: «وَمِنْهُمْ أَن تَمُوتَ المرأَة بجُمْع»؛ يَعْنِي أَن تموتَ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَكَسَرَ الْكِسَائِيُّ الْجِيمَ، وَالْمَعْنَى أَنها مَاتَتْ مَعَ شَيْءٍ مَجْموع فِيهَا غَيْرِ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا مِنْ حَمْل أَو بَكارة، وَقَدْ تَكُونُ المرأَة الَّتِي تَمُوتُ بجُمع أَن تموتَ وَلَمْ يَمَسَّهَا رَجُلٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ: «أَيُّما امرأَة ماتتْ بجُمع لَمْ تُطْمَثْ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ "؛ وَهَذَا يُرِيدُ بِهِ البكْر.

الْكِسَائِيُّ: مَا جَمَعْتُ بامرأَة قَطُّ؛ يُرِيدُ مَا بَنَيْتُ.

وباتتْ فلانةُ مِنْهُ بجُمْع وجِمْع أَي بِكْرًا لَمْ يَقْتَضَّها.

قَالَتْ دَهْناء بِنْتُ مِسْحلٍ امرأَة الْعَجَّاجِ لِلْعَامِلِ: أَصلح اللَّهُ الأَمير إِني منه بجُمع وجِمْع أَي عَذْراء لَمْ يَقْتَضَّني.

وَمَاتَتِ المرأَة بجُمع وجِمع أَي مَاتَتْ وَوَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، وَهِيَ بجُمع وجِمْع أَي مُثْقلة.

أَبو زَيْدٍ: مَاتَتِ النِّسَاءُ بأَجْماع، وَالْوَاحِدَةُ بِجُمَعٍ، وَذَلِكَ إِذا مَاتَتْ وولدُها فِي بَطْنِهَا، ماخِضًا كَانَتْ أَو غَيْرَ ماخِضٍ.

وإِذا طلَّق الرجلُ امرأَته وَهِيَ عَذْرَاءُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ: طُلِّقَتْ بِجُمْعٍ أَي طُلِّقَتْ وَهِيَ عَذْرَاءُ.

وَنَاقَةٌ جِمْعٌ: فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ؛ قَالَ:

ورَدْناه فِي مَجْرى سُهَيْلٍ يَمانِيًا، ***بِصُعْرِ البُرى، مَا بَيْنَ جُمْعٍ وخادجِ

والخادِجُ: الَّتِي أَلقت وَلَدَهَا.

وامرأَة جامِعٌ: فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَكَذَلِكَ الأَتان أَوّل مَا تَحْمِلُ.

وَدَابَّةٌ جامِعٌ: تصلحُ للسرْج والإِكافِ.

والجَمْعُ: كُلُّ لَوْنٍ مِنَ التمْر لَا يُعرف اسْمُهُ، وَقِيلَ: هُوَ التَّمْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ النَّوَى.

وجامَعها مُجامَعةً وجِماعًا: نَكَحَهَا.

والمُجامعةُ والجِماع: كِنَايَةٌ عَنِ النِّكَاحِ.

وجامَعه عَلَى الأَمر: مالأَه عَلَيْهِ واجْتمع مَعَهُ، وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ.

وقِدْرٌ جِماعٌ وجامعةٌ: عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَجْمَعُ الجَزُور؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَكبر البِرام الجِماع ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا المِئكلةُ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ جماعٌ لِبني فُلَانٍ إِذا كَانُوا يأْوُون إِلى رأْيه وسودَدِه كَمَا يُقَالُ مَرَبٌّ لَهُمْ.

واسْتَجمع البَقْلُ إِذا يَبِس كُلُّهُ.

وَاسْتَجْمَعَ الْوَادِي إِذا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَوْضِعٌ إِلا سَالَ.

وَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ إِذا ذَهَبُوا كُلُّهُمْ لَمْ يَبْق مِنْهُمْ أَحد كَمَا يَستجمِع الْوَادِي بِالسَّيْلِ.

وجَمَعَ أَمْرَه وأَجمعه وأَجمع عَلَيْهِ: عَزَمَ عَلَيْهِ كأَنه جَمَع نَفْسَهُ لَهُ، والأَمر مُجْمَع.

وَيُقَالُ أَيضًا: أَجْمِعْ أَمرَك وَلَا تَدَعْه مُنْتشرًا؛ قَالَ أَبو الحَسْحاس:

تُهِلُّ وتَسْعَى بالمَصابِيح وسْطَها، ***لَهَا أَمْرُ حَزْمٍ لَا يُفرَّق مُجْمَع

وَقَالَ آخَرُ:

يَا ليْتَ شِعْري، والمُنى لَا تَنفعُ، ***هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا، وأَمْري مُجْمَع؟

وَقَوْلُهُ تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ}؛ أَي وادْعوا شُرَكَاءَكُمْ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ لأَنه لَا يُقَالُ أَجمعت شُرَكَائِي إِنما يُقَالُ جَمَعْتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

يَا ليتَ بَعْلَكِ قَدْ غَدا ***مُتَقلِّدًا سيْفًا ورُمحا

أَراد وَحَامِلًا رُمْحًا لأَن الرُّمْحَ لَا يُتقلَّد.

قَالَ الْفَرَّاءُ: الإِجْماعُ الإِعْداد والعزيمةُ عَلَى الأَمر، قَالَ: ونصبُ شُركاءكم بِفِعْلٍ مُضْمر كأَنك قُلْتَ: فأَجمِعوا أَمركم وادْعوا شُرَكَاءَكُمْ؛ قَالَ أَبو إِسحق: الَّذِي قَالَهُ الْفَرَّاءُ غَلَطٌ فِي إِضْماره وادْعوا شُرَكَاءَكُمْ لأَن الْكَلَامَ لَا فَائِدَةَ لَهُ لأَنهم كَانُوا يَدْعون شُرَكَاءَهُمْ لأَن يُجْمعوا أَمرهم، قَالَ: وَالْمَعْنَى فأَجْمِعوا أَمرَكم مَعَ شُرَكَائِكُمْ، وإِذا كَانَ الدُّعَاءُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، قَالَ: وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ كَقَوْلِكَ لَوْ تَرَكْتَ النَّاقَةَ وفَصِيلَها لرضَعَها؛ الْمَعْنَى: لَوْ تَرَكْتَ النَّاقَةَ مَعَ فصيلِها، قَالَ: وَمَنْ قرأَ" فاجْمَعوا أَمركم وَشُرَكَاءَكُمْ بأَلف مَوْصُولَةٍ فإِنه يَعْطِفُ شُرَكَاءَكُمْ عَلَى أَمركم، قَالَ: وَيَجُوزُ فاجْمَعوا أَمرَكم مَعَ شُرَكَائِكُمْ، قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا أَردت جَمْعَ المُتَفرّق قُلْتَ: جَمَعْتُ الْقَوْمَ، فَهُمْ مَجْمُوعُونَ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ}، قَالَ: وإِذا أَردت كَسْبَ المالِ قُلْتَ: جَمَّعْتُ المالَ كَقَوْلِهِ تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ، وَقَدْ يَجُوزُ: جمَع مَالًا، بِالتَّخْفِيفِ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}، قَالَ: الإِجماعُ الإِحْكام وَالْعَزِيمَةُ عَلَى الشَّيْءِ، تَقُولُ: أَجمعت الْخُرُوجَ وأَجمعت عَلَى الْخُرُوجِ؛ قَالَ: وَمَنْ قرأَ فاجْمَعوا كيدَكم، فَمَعْنَاهُ لَا تدَعوا شَيْئًا مِنْ كَيْدِكُمْ إِلّا جِئْتُمْ بِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ لَمْ يُجْمِع الصِّيامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيام لَهُ»؛ الإِجْماعُ إِحكامُ النيةِ والعَزيمةِ، أَجْمَعْت الرأْي وأَزْمَعْتُه وعزَمْت عَلَيْهِ بِمَعْنًى.

وَمِنْهُ حَدِيثُ" كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَجْمَعْتُ صِدْقَه.

وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ: «مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا»؛ أي مَا لَمْ أَعْزِم عَلَى الإِقامة.

وأَجْمَعَ أَمرَه "أَي جعلَه جَميعًا بعدَ ما كَانَ مُتَفَرِّقًا، قَالَ: وتفرّقُه أَنه جَعَلَ يُدِيرُهُ فَيَقُولُ مَرَّةً أَفعل كَذَا ومرَّة أَفْعل كَذَا، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى أَمر مُحْكَمٍ أَجمعه أَي جَعَلَهُ جَمْعًا؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ أَجْمَعتُ النَّهْبَ، والنَّهْبُ: إِبلُ الْقَوْمِ الَّتِي أَغار عَلَيْهَا اللُّصُوص وَكَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَرَاعِيهَا فجَمَعوها مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لَهُمْ، ثُمَّ طَرَدوها وساقُوها، فإِذا اجْتَمَعَتْ قِيلَ: أَجْمعوها؛ وأَنشد لأَبي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حُمُرًا:

فكأَنها بالجِزْعِ، بَيْنَ نُبايِعٍ ***وأُولاتِ ذِي العَرْجاء، نَهْبٌ مُجْمَعُ

قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ جَمَعْت أَمرِي.

والجَمْع: أَن تَجْمَع شَيْئًا إِلى شَيْءٍ.

والإِجْماعُ: أَن تُجْمِع الشَّيْءَ المتفرِّقَ جَمِيعًا، فإِذا جَعَلْتَهُ جَمِيعًا بَقِي جَمِيعًا وَلَمْ يَكد يَتفرّق كالرأْي المَعْزوم عَلَيْهِ المُمْضَى؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِ أَبي وجْزةَ السَّعْدي:

وأَجْمَعَتِ الهواجِرُ كُلَّ رَجْعٍ ***منَ الأَجْمادِ والدَّمَثِ البَثاء

أَجْمعت أَي يَبَّسَتْ، والرجْعُ: الغديرُ.

والبَثاءُ: السهْل.

وأَجْمَعْتُ الإِبل: سُقْتها جَمِيعًا.

وأَجْمَعَتِ الأَرضُ سَائِلَةً وأَجمعَ المطرُ الأَرضَ إِذا سالَ رَغابُها وجَهادُها كلُّها.

وفَلاةٌ مُجْمِعةٌ ومُجَمِّعةٌ: يَجتمع فِيهَا الْقَوْمُ وَلَا يَتَفَرَّقُونَ خَوْفَ الضَّلَالِ وَنَحْوِهِ كأَنها هِيَ الَّتِي تَجْمَعُهم.

وجُمْعةٌ مِنْ تَمْرٍ أَي قُبْضة مِنْهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}؛ خَفَّفَهَا الأَعمش وَثَقَّلَهَا عَاصِمٌ وأَهل الْحِجَازِ، والأَصل فِيهَا التَّخْفِيفُ جُمْعة، فَمَنْ ثَقَّلَ أَتبع الضمةَ الضَّمَّةَ، وَمَنْ خَفَّفَ فَعَلَى الأَصل، والقُرّاء قرؤوها بِالتَّثْقِيلِ، وَيُقَالُ يَوْمُ الجُمْعة لُغَةُ بَنِي عُقَيْلٍ وَلَوْ قُرِئ بِهَا كَانَ صَوَابًا، قَالَ: وَالَّذِينَ قَالُوا الجُمُعَة ذَهَبُوا بِهَا إِلى صِفة اليومِ أَنه يَجْمع الناسَ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ هُمَزةٌ لُمَزَةٌ ضُحَكة، وَهُوَ الجُمْعة والجُمُعة والجُمَعة، وَهُوَ يَوْمُ العَرُوبةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهِ، ويُجْمع عَلَى جُمُعات وجُمَعٍ، وَقِيلَ: الجُمْعة عَلَى تَخْفِيفِ الجُمُعة والجُمَعة لأَنها تَجْمَعُ النَّاسَ كَثِيرًا كَمَا قَالُوا: رَجُلٌ لُعَنة يُكْثِر لعْنَ النَّاسِ، وَرَجُلٌ ضُحَكة يُكْثُرُ الضَّحِك.

وَزَعَمَ ثَعْلَبٌ أَن أَوّل مَنْ سَمَّاهُ بِهِ كعبُ بْنُ لُؤَيٍّ جدُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ العَرُوبةُ، وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْض الأُنُف أَنَّ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ أَوّلُ مَنْ جَمَّع يَوْمَ العَرُوبةِ، وَلَمْ تسمَّ العَروبةُ الجُمعة إِلا مُذ جَاءَ الإِسلام، وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَمَّاهَا الْجُمُعَةَ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تجتمِعُ إِليه فِي هَذَا الْيَوْمِ فيَخْطُبُهم ويُذَكِّرُهم بمَبْعَث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويُعلمهم أَنه مِنْ وَلَدِهِ ويأْمرهم باتِّبَاعِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإِيمان بِهِ، ويُنْشِدُ فِي هَذَا أَبياتًا مِنْهَا:

يَا لَيْتَنِي شاهِدٌ فَحْواء دَعْوَتِه، ***إِذا قُرَيْشٌ تُبَغِّي الحَقَّ خِذْلانا

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَوَّلُ جُمُعةٍ جُمِّعَت بِالْمَدِينَةِ»؛ جُمّعت بِالتَّشْدِيدِ أَي صُلّيت.

وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: «أَنه وَجَدَ أَهل مَكَّةَ يُجَمِّعُون فِي الحِجْر فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ»؛ يُجمِّعون؛ أي يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْجُمُعَةَ وإِنما نَهَاهُمْ عَنْهُ لأَنهم كَانُوا يَستظِلُّون بفَيْء الحِجْر قَبْلَ أَن تَزُولَ الشَّمْسُ فَنَهَاهُمْ لِتَقْدِيمِهِمْ فِي الْوَقْتِ.

وَرُوِيَ عَنِ" ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: إِنما سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَع فِيهِ خَلْق آدَمَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ أَقوام: إِنما سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ فِي

الإِسلام وَذَلِكَ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لأَن قُرَيْشًا كَانَتْ تَجْتَمِعُ إِلى قُصَيّ فِي دارِ النَّدْوةِ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كَانَ أَبو زِيَادٍ...وأَبو الجَرّاح يَقُولَانِ مضَت الْجُمُعَةُ بِمَا فِيهَا فيُوَحِّدان وَيُؤَنِّثَانِ، وَكَانَا يَقُولَانِ: مَضَى السَّبْتُ بِمَا فِيهِ وَمَضَى الأَحد بِمَا فِيهِ فيُوَحِّدان ويُذَكِّران، وَاخْتَلَفَا فِيمَا بَعْدَ هَذَا، فَكَانَ أَبو زِيَادٍ يَقُولُ: مَضَى الاثْنانِ بِمَا فِيهِ، وَمَضَى الثَّلاثاء بِمَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ الأَربعاء وَالْخَمِيسُ، قَالَ: وَكَانَ أَبو الْجَرَّاحِ يَقُولُ: مَضَى الِاثْنَانِ بِمَا فِيهِمَا، وَمَضَى الثُّلَاثَاءُ بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الأَرْبعاء بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الْخَمِيسُ بِمَا فِيهِنَّ، فيَجْمع ويُؤنث يُخْرج ذَلِكَ مُخْرج الْعَدَدِ.

وجَمَّع الناسُ تَجْمِيعًا: شَهِدوا الْجُمُعَةَ وقَضَوُا الصَّلَاةَ فِيهَا.

وجَمَّع فُلَانٌ مَالًا وعَدَّده.

واستأْجرَ الأَجِيرَ مُجامعة وجِماعًا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: كُلُّ جُمْعَةٍ بِكراء.

وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: لَا تَكُ جُمَعِيًّا، بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَي مِمَّنْ يَصُومُ الْجُمُعَةَ وحْده.

ويومُ الْجُمُعَةِ: يومُ الْقِيَامَةِ.

وجَمْعٌ: المُزْدَلِفةُ مَعْرفة كعَرَفات؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فباتَ بجَمْعٍ ثُمَّ آبَ إِلى مِنًى، ***فأَصْبَحَ رَأْدًا يَبْتَغِي المَزْجَ بالسَّحْلِ

وَيُرْوَى: ثُمَّ تَمّ إِلى مِنًى.

وَسُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةُ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَل مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ؛ جَمْعٌ عَلَمٌ للمُزْدلفة، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَن آدمَ وَحَوَّاءَ لَمَّا هَبَطا اجْتَمَعا بِهَا.

وَتَقُولُ: اسْتَجْمَعَ السيْلُ واسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ أُموره.

وَيُقَالُ للمُسْتَجِيش: اسْتَجْمَع كلَّ مَجْمَعٍ.

واسْتَجْمَع الفَرَسُ جَرْيًا: تكَمَّش لَهُ؛ قَالَ يَصِفُ سَرَابًا:

ومُسْتَجْمِعٍ جَرْيًا، وَلَيْسَ ببارِحٍ، ***تُبارِيهِ فِي ضاحِي المِتانِ سَواعدُه

يَعْنِي السَّرَابَ، وسَواعِدُه: مَجارِي الْمَاءِ.

والجَمْعاء: النَّاقَةُ الْكَافَّةُ الهَرِمَةُ.

وَيُقَالُ: أَقمتُ عِنْدَهُ قَيْظةً جَمْعاء وَلَيْلَةً جَمْعاء.

والجامِعةُ: الغُلُّ لأَنها تَجْمَعُ الْيَدَيْنِ إِلى الْعُنُقِ؛ قَالَ: " وَلَوْ كُبِّلَت فِي ساعِدَيَّ الجَوامِعُ وأَجْمَع الناقةَ وَبِهَا: صَرَّ أَخلافَها جُمَعَ، وَكَذَلِكَ أَكْمَشَ بِهَا.

وجَمَّعَت الدَّجاجةُ تَجْمِيعًا إِذا جَمَعَت بيضَها فِي بَطْنِهَا.

وأَرض مُجْمِعةٌ: جَدْب لَا تُفَرَّقُ فِيهَا الرِّكاب لِرَعْي.

والجامِعُ: الْبَطْنُ، يَمانِيةٌ.

والجَمْع: الدَّقَلُ.

يُقَالُ: مَا أَكثر الجَمْع فِي أَرض بَنِي فُلَانٍ لِنَخْلٍ خَرَجَ مِنَ النَّوَى لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنه أُتِيَ بِتَمْرٍ جَنِيب فَقَالَ: مِنْ أَين لَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: إِنا لنأْخُذُ الصاعَ مِنْ هَذَا بالصاعَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَا تَفْعَلُوا، بِعِ الجَمْع بِالدَّرَاهِمِ وَابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا.

قَالَ الأَصمعي: كُلُّ لَوْنٍ مِنَ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ فَهُوَ جَمع.

يُقَالُ: قَدْ كَثُرَ الْجَمْعُ فِي أَرض فُلَانٍ لِنَخْلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّوَى، وَقِيلَ الْجَمْعُ تَمُرٌّ مُخْتَلَطٌ مِنْ أَنواع مُتَفَرِّقَةٍ وَلَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ وَمَا يُخْلَطُ إِلا لِرَدَاءَتِهِ.

والجَمْعاء مِنَ الْبَهَائِمِ: الَّتِي لَمْ يَذْهَبْ مِنْ بَدَنِها شَيْءٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَمَا تُنتَجُ البَهِيمةُ بَهِيمةً جَمْعاء» أَي سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ مُجتمِعة الأَعضاء كَامِلَتَهَا فَلَا جَدْعَ بها ولا كيّ.

وأَجْمَعْت الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ جَمِيعًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حُمرًا: " وأُولاتِ ذِي العَرْجاء نَهْبٌ مُجْمَع "وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وأُولاتُ ذِي الْعَرْجَاءِ: مواضعُ نَسَبَهَا إِلى مَكَانٍ فِيهِ أَكمةٌ عَرْجاء، فَشَبَّهَ الحُمر بإِبل انْتُهِبتْ وخُرِقتْ مِنْ طَوائِفها.

وجَمِيعٌ: يُؤَكَّدُ به، يقال: جاؤوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ.

وأَجْمعُ: مِنَ الأَلفاظ الدَّالَّةِ عَلَى الإِحاطة وَلَيْسَتْ بِصِفَةٍ وَلَكِنَّهُ يُلَمّ بِهِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الأَسماء ويُجْرَى عَلَى إِعرابه، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّحْوِيُّونَ صِفَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنه لَيْسَ بِصِفَةٍ قَوْلُهُمْ أَجمعون، فَلَوْ كَانَ صِفَةً لَمْ يَسْلَم جَمْعُه وَلَكَانَ مُكسّرًا، والأُنثى جَمْعاء، وَكِلَاهُمَا مَعْرِفَةٌ لَا ينكَّر عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وأَما ثَعْلَبٌ فَحَكَى فِيهِمَا التَّنْكِيرَ وَالتَّعْرِيفَ جَمِيعًا، تَقُولُ: أَعجبني القصرُ أَجمعُ وأَجمعَ، الرفعُ عَلَى التَّوْكِيدِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، والجَمْعُ جُمَعُ، مَعْدُولٌ عَنْ جَمعاوات أَو جَماعَى، وَلَا يَكُونُ مَعْدُولًا عَنْ جُمْع لأَن أَجمع لَيْسَ بوصف فيكون كأَحْمر وحُمْر، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: بابُ أَجمعَ وجَمْعاء وأَكتعَ وكتْعاء وَمَا يَتْبَع ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّتِهِ إِنما هُوَ اتِّفَاقٌ وتَوارُدٌ وَقَعَ فِي اللُّغَةِ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي وَزْنِهِ مِنْهَا، لأَن بَابَ أَفعلَ وفَعلاء إِنما هُوَ لِلصِّفَاتِ وجميعُها يَجِيءُ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ نَكراتٍ نَحْوَ أَحمر وَحَمْرَاءَ وأَصفر وَصَفْرَاءَ، وَهَذَا وَنَحْوُهُ صفاتٌ نَكِرَاتٌ، فأَمَّا أَجْمع وَجَمْعَاءَ فاسمانِ مَعْرفَتان لَيْسَا بِصِفَتَيْنِ فإِنما ذَلِكَ اتِّفَاقٌ وَقَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ المؤكَّد بِهَا.

وَيُقَالُ: لَكَ هَذَا الْمَالُ أَجْمعُ وَلَكَ هَذِهِ الحِنْطة جَمْعَاءُ.

وَفِي الصِّحَاحِ: وجُمَعٌ جَمْعُ جُمْعةٍ وجَمْعُ جَمْعاء فِي تأْكيد الْمُؤَنَّثِ، تَقُولُ: رأَيت النِّسْوَةَ جُمَعَ، غَيْرَ مُنَوَّنٍ وَلَا مَصْرُوفٍ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِ الأَلف وَاللَّامِ، وَكَذَلِكَ مَا يَجري مَجراه منه التَّوْكِيدِ لأَنه لِلتَّوْكِيدِ لِلْمَعْرِفَةِ، وأَخذت حَقِّي أَجْمَعَ فِي تَوْكِيدِ الْمُذَكَّرِ، وَهُوَ تَوْكِيدٌ مَحْض، وَكَذَلِكَ أَجمعون وجَمْعاء وجُمَع وأَكْتعون وأَبْصَعُون وأَبْتَعُون لَا تَكُونُ إِلا تأْكيدًا تَابِعًا لِمَا قَبْلَهُ لَا يُبْتَدأُ وَلَا يُخْبر بِهِ وَلَا عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ فَاعِلًا وَلَا مَفْعُولًا كَمَا يَكُونُ غَيْرُهُ مِنَ التَّوَاكِيدِ اسْمًا مَرَّةً وَتَوْكِيدًا أُخرى مِثْلَ نفْسه وعيْنه وَكُلِّهِ وأَجمعون: جَمْعُ أَجْمَعَ، وأَجْمَعُ وَاحِدٌ فِي مَعْنَى جَمْعٍ، وَلَيْسَ لَهُ مُفْرَدٌ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْمُؤَنَّثُ جَمعاء وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَجْمَعُوا جَمْعاء بالأَلف وَالتَّاءِ كَمَا جَمَعُوا أَجمع بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي جَمْعها جُمَع، وَيُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ بأَجمعهم، وأَجْمُعهم أَيضًا، بِضَمِّ الْمِيمِ، كما تقول: جاؤوا بأَكلُبهم جَمْعُ كَلْبٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَوْلِهِ جَاءَ الْقَوْمُ بأَجْمُعهم قَوْلُ أَبي دَهْبل:

فليتَ كوانِينًا مِنَ اهْلِي وأَهلِها، ***بأَجمُعِهم فِي لُجّةِ الْبَحْرِ، لَجَّجُوا

ومُجَمِّع: لَقَبُ قُصيِّ بْنِ كِلَابٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ جَمَّع قَبائل قُرَيْشٍ وأَنزلها مكةَ وَبَنَى دَارَ النَّدْوةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَبُوكم: قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا، ***بِهِ جَمَّع اللَّهُ القَبائلَ مِنْ فِهْرِ

وجامِعٌ وجَمّاعٌ: اسمان.

والجُمَيْعَى: موضع.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


77-لسان العرب (شرف)

شرف: الشَّرَفُ: الحَسَبُ بِالْآبَاءِ، شَرُفَ يَشْرُفُ شَرَفًا وشُرْفَةً وشَرْفَةً وشَرَافَةً، فَهُوَ شَرِيفٌ، وَالْجَمْعُ أَشْرافٌ.

غَيْرُهُ: والشَّرَفُ والمَجْدُ لَا يكونانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ.

وَيُقَالُ: رَجُلٌ شريفٌ وَرَجُلٌ ماجدٌ لَهُ آباءٌ متقدِّمون فِي الشرَف.

قَالَ: والحسَبُ والكَرَمُ يكونانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ.

والشَّرَفُ: مَصْدَرُ الشَّريف مِنَ النَّاسِ.

وشَرِيفٌ وأَشْرَافٌ مِثْلُ نَصِيرٍ وأَنْصار وشَهِيد وأَشْهادٍ، الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ شُرَفَاء وأَشْرَافٌ، وَقَدْ شَرُفَ، بِالضَّمِّ، فَهُوَ شَرِيف الْيَوْمَ، وشَارِفٌ عَنْ قَلِيلٍ أَي سَيَصِيرُ شَرِيفًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ.

وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ: «قِيلَ للأَعمش: لمَ لمْ تَسْتَكْثِر مِنَ الشَّعْبِيِّ؟ قَالَ: كَانَ يَحْتَقِرُني كُنْتُ آتِيه مَعَ إِبْرَاهِيمَ فَيُرَحِّبُ بِهِ وَيَقُولُ لِيَ: اقْعُدْ ثَمَّ أَيُّها العبدُ ثُمَّ يَقُولُ:

لَا نَرْفَعُ العبدَ فَوْقَ سُنَّته، ***مَا دامَ فِينا بأَرْضِنا شَرَفُ»

أَي شَرِيفٌ.

يُقَالُ: هُوَ شَرَفُ قَوْمِهِ وكَرَمُهم أَي شَريفُهُم وكَريمهم، وَاسْتَعْمَلَ أَبو إِسْحَاقَ الشَّرَفَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: أَشْرَفُ آيةٍ فِي الْقُرْآنِ آيةُ الْكُرْسِيِّ.

والمَشْرُوفُ: الْمَفْضُولُ.

وَقَدْ شَرَفه وشَرَفَ عَلَيْهِ وشَرَّفَه: جَعَلَ لَهُ شَرَفًا؛ وَكُلُّ مَا فَضَلَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَدْ شَرَفَ.

وشارَفَه فَشَرَفَه يَشْرُفه: فاقَه فِي الشرفِ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي.

وَشَرفْتُه أَشْرُفه شَرْفًا أَي غَلَبْته بالشرَفِ، فَهُوَ مَشْرُوف، وَفُلَانٌ أَشْرَفُ مِنْهُ.

وشارَفْتُ الرَّجُلَ: فَاخَرْتُهُ أَيُّنا أَشْرَفُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا ذِئبان عادِيانِ أَصابا فَريقة غَنَمٍ بأَفْسَدَ فِيهَا مِنْ حُبِّ الْمَرْءِ المالَ والشَّرَفَ لِدِينه»؛ يُرِيدُ أَنه يَتَشَرَّفُ للمُباراةِ والمُفاخَرةِ والمُساماةِ.

الْجَوْهَرِيُّ: وشَرَّفَه اللَّهُ تَشْريفًا وتَشَرَّفَ بِكَذَا أَي عَدَّه شَرَفًا، وشَرَّفَ العظْمَ إِذَا كَانَ قَلِيلَ اللَّحْمِ فأَخذ لحمَ عَظْمٍ آخرَ ووضَعَه عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:

إِذَا مَا تَعاظَمْتُمْ جُعُورًا، فَشَرِّفُوا ***جَحِيشًا، إِذَا آبَتْ مِنَ الصَّيْفِ عِيرُها

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرى أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا عَظُمَتْ فِي أَعينكم هَذِهِ الْقَبِيلَةُ مِنْ قَبَائِلِكُمْ فَزِيدُوا مِنْهَا فِي جَحِيش هَذِهِ الْقَبِيلَةِ الْقَلِيلَةِ الذَّلِيلَةِ، فَهُوَ عَلَى نَحْوِ تَشْريفِ العظْمِ باللَّحم.

والشُّرْفَةُ: أَعلى الشَّيْءِ.

والشَّرَفُ: كالشُّرْفةِ، وَالْجَمْعُ أَشْرَافٌ؛ قَالَ الأَخطل:

وَقَدْ أَكل الكِيرانُ أَشْرافَها العُلا، ***وأُبْقِيَتِ الأَلْواحُ والعَصَبُ السُّمْرُ

ابْنُ بُزُرْجَ: قَالُوا: لَكَ الشُّرْفةُ فِي فُؤَادي عَلَى النَّاسِ.

شَمِرٌ: الشَّرَفُ كُلُّ نَشْزٍ مِنَ الأَرض قَدْ أَشْرَفَ عَلَى مَا حَوْلَهُ، قادَ أَو لَمْ يَقُد، سَوَاءٌ كَانَ رَمْلًا أَو جَبَلًا، وَإِنَّمَا يَطُولُ نَحْوًا مِنْ عشْر أَذرُع أَو خمس، قَلَّ عِرَضُ طهره أَو كَثُرَ.

وَجَبَلٌ مُشْرِفٌ: عالٍ.

والشَّرَفُ مِنَ الأَرض: مَا أَشْرَفَ لَكَ.

وَيُقَالُ: أَشْرَفَ لِي شَرَفٌ فَمَا زِلْتُ أَرْكُضُ حَتَّى عَلَوْتُهُ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

إِذَا مَا اشْتَأَى شَرَفًا قَبْلَه ***وواكَظَ، أَوْشَكَ مِنْهُ اقْتِرابا

الْجَوْهَرِيُّ: الشَّرَفُ العُلُوُّ وَالْمَكَانُ الْعَالِي؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

آتِي النَّدِيَّ فَلَا يُقَرَّبُ مَجْلِسي، ***وأَقُود للشَّرَفِ الرَّفِيعِ حِماري

يَقُولُ: إِنِّي خَرِفْت فَلَا يُنتفع برَأْيي، وكبِرْت فَلَا أَستطيع أَن أَركب مِنَ الأَرض حِمَارِي إِلَّا مِنْ مَكَانٍ عَالٍ.

اللَّيْثُ: المُشْرَفُ الْمَكَانُ الَّذِي تُشْرِفُ عَلَيْهِ وَتَعْلُوهُ.

قَالَ: ومَشارِفُ الأَرض أَعاليها.

وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَشارِفُ الشَّامِ.

الأَصمعي: شُرْفَةُ الْمَالِ خِيارُه، وَالْجَمْعُ الشُّرَفُ.

وَيُقَالُ: إِنِّي أَعُدُّ إتْيانَكم شُرْفةً وأَرى ذَلِكَ شُرْفةً أَي فَضْلًا وشَرَفًا.

وأَشْرافُ الإِنسان: أُذُناه وأَنْفُه؛ وَقَالَ عَدِيٌّ:

كَقَصِير إِذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ أَنْ جَدَّع ***أَشْرافَه لمَكْر قَصِير

ابْنُ سِيدَهْ: الأَشْرافُ أَعلى الإِنسانِ، والإِشرافُ: الانتصابُ.

وَفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ أَي مُشْرِفُ الخَلْق.

وَفَرَسٌ مُشْتَرِفٌ: مُشْرِفُ أَعالي الْعِظَامِ.

وأَشْرَف الشيءَ وَعَلَى الشَّيْءِ: عَلاه.

وتَشَرَّفَ عَلَيْهِ: كأَشْرَفَ.

وأَشْرَفَ الشيءُ: عَلَا وَارْتَفَعَ.

وشَرَفُ الْبَعِيرِ: سَنامه، قَالَ الشَّاعِرُ: شَرَفٌ أَجَبُّ وكاهِلٌ مَجْزُولُ "وأُذُن شَرْفَاء أَي طَوِيلَةٌ.

والشَّرْفَاء مِنَ الْآذَانِ: الطَّوِيلَةُ القُوفِ الْقَائِمَةُ المُشْرِفةُ وَكَذَلِكَ الشُّرافِيَّة، وَقِيلَ: هِيَ الْمُنْتَصِبَةُ فِي طُولٍ، وَنَاقَةٌ شَرْفَاء وشُرافِيَّةٌ: ضَخْمةُ الأُذنين جَسِيمَةٌ، وضَبٌّ شُرافيٌّ كَذَلِكَ، ويَرْبُوعٌ شُرافيّ؛ قَالَ:

وَإِنِّي لأَصْطادُ اليَرابيعَ كُلَّها: ***شُرافِيَّها والتَّدْمُريَّ المُقَصِّعا

وَمَنْكِبٌ أَشْرَفُ: عَالٍ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ ارْتِفَاعٌ حَسَنٌ وَهُوَ نقِيض الأَهدإِ.

يُقَالُ مِنْهُ: شَرِفَ يَشْرَفُ شَرَفًا، وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

جَزى اللهُ عَنَّا جَعْفَرًا، حِينَ أَشْرَفَتْ ***بِنَا نَعْلُنا فِي الواطِئين فَزَلَّتِ

لَمْ يُفَسِّرْهُ وَقَالَ: كَذَا أَنشدَناه عُمَرُ بْنُ شَبَّة، وقال: وَيُرْوَى حِينَ أَزْلَفَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ هَكَذَا أَنشدناه تَبَرُّؤٌ مِنَ الرِّوَايَةِ.

والشُّرْفةُ: مَا يُوضَعُ عَلَى أَعالي القُصور والمدُن، وَالْجَمْعُ شُرَفٌ.

وشَرَّفَ الحائطَ: جُعِلَ لَهُ شُرْفةً.

وَقَصْرٌ مُشَرَّفٌ: مطوَّل.

والمَشْرُوف: الَّذِي قَدْ شَرَفَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، يُقَالُ: قَدْ شَرَفَه فَشَرَفَ عَلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أُمِرْنا أَن نَبْني المَدائِنَ شُرَفًا والمساجِدَ جُمًّا»؛ أَراد بالشُّرَفِ الَّتِي طُوّلت أَبْنِيَتُها بالشُّرَفِ، الْوَاحِدَةُ شُرْفةٌ، وَهُوَ عَلَى شَرَفِ أَمر؛ أي شَفًى مِنْهُ.

والشَّرَفُ: الإِشْفاء عَلَى خَطَر مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ.

وأَشْرَفَ لَكَ الشيءُ: أَمْكَنَك.

وشارَفَ الشيءَ: دَنَا مِنْهُ وقارَبَ أَن يَظْفَرَ بِهِ.

وَيُقَالُ: سَارُوا إِلَيْهِمْ حَتَّى شَارَفُوهم أَي أَشْرَفُوا عَلَيْهِمْ.

وَيُقَالُ: مَا يُشْرِفُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه، وَمَا يُطِفُّ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه، وَمَا يُوهِفُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا أَخذه.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «أُمِرْنا فِي الأَضاحي أَن نَسْتَشْرفَ الْعَيْنَ والأُذن»؛ مَعْنَاهُ؛ أي نتأَمل سَلَامَتَهُمَا مِنْ آفةٍ تَكُونُ بِهِمَا، وآفةُ الْعَيْنِ عَوَرُها، وَآفَةُ الأُذن قَطْعها، فَإِذَا سَلِمَت الأُضْحِية مِنَ العَوَر فِي الْعَيْنِ والجَدْعِ فِي الأُذن جَازَ أَن يُضَحَّى بها، إذا كَانَتْ عَوْراء أَو جَدْعاء أَو مُقابَلَةً أَو مُدابَرَةً أَو خَرْقاء أَو شَرْقاء لَمْ يُضَحَّ بِهَا، وَقِيلَ: اسْتِشْرافُ الْعَيْنِ والأُذن أَن يَطْلُبَهُمَا شَريفَيْن بِالتَّمَامِ وَالسَّلَامَةِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الشُّرْفةِ وَهِيَ خِيارُ الْمَالِ؛ أي أُمِرْنا أَن نَتَخَيَّرَهَا.

وأَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وأَشْفى: قارَبَ.

وتَشَرَّفَ الشيءَ واسْتَشْرَفه: وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حاجِبِه كَالَّذِي يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ حَتَّى يُبْصِرَه ويَسْتَبِينَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُطَيْر:

فَيا عَجَبًا للناسِ يَسْتَشْرِفُونَني، ***كأَنْ لَمْ يَرَوا بَعْدي مُحِبًّا وَلَا قبْلي

وَفِي حَدِيثِ أَبي طَلْحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه كَانَ حسَنَ الرمْي فَكَانَ إِذَا رَمَى اسْتَشْرَفَه النبي»، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، لِيَنْظُرَ إِلَى مَواقِعِ نَبْله أَي يُحَقِّقُ نَظَرَهُ ويَطَّلِعُ عَلَيْهِ.

والاسْتِشْرافُ: أَن تَضَع يَدَكَ عَلَى حَاجِبِكَ وَتَنْظُرَ، وأَصله مِنَ الشَّرَف العُلُوّ كأَنه يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ مُرْتَفِع فَيَكُونُ أَكثر لإِدراكه.

وَفِي حَدِيثِ أَبي عُبَيْدَةَ: «قَالَ لِعُمَرَ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لَمَّا قَدِمَ الشامَ وَخَرَجَ أَهلُه يَسْتَقْبِلُونَهُ: مَا يَسُرُّني أَن أَهلَ هَذَا الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوك أَي خَرَجُوا إِلَى لِقَائِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لأَن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ مَا تَزَيَّا بِزِيِّ الأُمراء فَخَشِيَ أَن لَا يَسْتَعْظِمُوه.

وَفِي حَدِيثِ الفِتَن: «مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْ لَهُ»؛ أي مَنْ تَطَلَّعَ إِلَيْهَا وتَعَرَّضَ لَهَا واتَتْه فَوَقَعَ فِيهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُشْرِفْ يُصِبْك سَهْمٌ»أَي لَا تَتَشَرَّفْ مِنْ أَعْلى الْمَوْضِعِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «حَتَّى إِذَا شارَفَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتَهَا أَي قَرُبَت مِنْهَا وأَشْرَفَت عَلَيْهَا».

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبيه: أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَر الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: يَا رسولَ اللَّهِ أَعْطِه أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْه فتَمَوَّلْه أَو تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ لَهُ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْه نفسَك "، قَالَ سَالِمٌ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَه؛ وَقَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ" وأَنت غَيْرُ مُشْرِفٍ لَهُ "قَالَ: مَا تُشْرِفُ عَلَيْهِ وتَحَدَّثُ بِهِ نَفْسَكَ وَتَتَمَنَّاهُ؛ وأَنشد:

لَقَدْ عَلِمْتُ، وَمَا الإِشْرافُ مِنْ طَمَعي، ***أَنَّ الَّذِي هُو رِزْقي سَوْفَ يأْتيني

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِشْرافُ الحِرْصُ.

وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: «وأَنتَ غيرُ مُشْرِفٍ لَهُ أَو مُشارِفٍ فَخُذْهُ».

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اسْتَشْرَفَني حَقّي أَي ظَلمَني؛ وَقَالَ ابْنُ الرِّقاع:

وَلَقَدْ يَخْفِضُ المُجاوِرُ فيهمْ، ***غيرَ مُسْتَشْرَفٍ وَلَا مَظْلوم

قَالَ: غيرَ مُسْتَشْرَف أَي غيرَ مَظْلُومٍ.

وَيُقَالُ: أَشْرَفْتُ الشيءَ عَلَوْتُه، وأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ، أَراد مَا جَاءَكَ مِنْهُ وأَنت غيرُ مُتَطَلِّع إِلَيْهِ وَلَا طامِع فِيهِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: اسْتَشْرَفْتُ الشيءَ إِذَا رَفَعْتَ رأْسَك أَو بصَرك تَنْظُرُ إِلَيْهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَنْتَهِبُ نُهْبةً ذاتَ شَرَفٍ وَهُوَ مؤمِنٌ» أَي ذاتَ قَدْر وقِيمة ورِفْعةٍ يَرْفَعُ الناسُ أَبصارهم لِلنَّظَرِ إِلَيْهَا ويَسْتَشْرفونها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَشَرَّفُوا لِلْبَلَاءِ»؛ قَالَ شَمِرٌ: التَّشَرُّف لِلشَّيْءِ التَّطَلُّعُ والنظرُ إِلَيْهِ وحديثُ النفْسِ وتَوَقُّعُه؛ وَمِنْهُ: فَلَا يَتَشَرَّفُ إبلَ فُلَانٍ أَي يَتَعَيَّنُها.

وأَشْرَفْت عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ، وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُشْرَفٌ.

وشارَفْتُ الشَّيْءَ أَي أَشْرَفْت عَلَيْهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اسْتَشْرَفَ لَهُمْ ناسٌ»أَي رَفَعُوا رؤُوسَهم وأَبصارَهم؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ فِي حَدِيثِ سَالِمٍ: «مَعْنَاهُ وأَنت غَيْرُ طَامِعٍ وَلَا طامِحٍ إِلَيْهِ ومُتَوَقِّع لَهُ».

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: مَنْ أَخَذَ الدُّنْيَا بإشرافِ نفْس لَمْ يُبارَك لَهُ فِيهَا، وَمَنْ أَخذها بسخاوةِ نَفْس بُورِك لَهُ فِيهَا "، أَي بحرْصٍ وطَمَعٍ.

وتَشَرَّفْتُ المَرْبَأَ وأَشْرَفْتُه أَي عَلَوْتُهُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

ومَرْبَإٍ عالٍ لِمَن تَشَرَّفا، ***أَشْرَفْتُه بلا شَفًى أَو بِشَفى

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بِلَا شَفًى أَي حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، أَو بشَفًى أَي بقِيَتْ مِنَ الشَّمْسِ بقِيّة.

يُقَالُ عند "غُرُوبِ الشَّمْسِ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا شَفًى.

واسْتَشْرَفَ إبلَهم: تَعَيَّنَها ليُصِيبها بِالْعَيْنِ.

والشارِفُ مِنَ الإِبل: المُسِنُّ والمُسِنَّةُ، وَالْجَمْعُ شَوَارِفُ وشُرَّفٌ وشُرُفٌ وشُرُوفٌ، وَقَدْ شَرُفَتْ وشَرَفَتْ تَشْرُف شُرُوفًا.

والشارِفُ: الناقةُ الَّتِي قَدْ أَسَنَّتْ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الشَّارِفُ النَّاقَةُ الهِمّةُ، وَالْجَمْعُ شُرْفٌ وشَوَارِفُ مِثْلُ بازِلٍ وبُزْلٍ، وَلَا يُقَالُ لِلْجَمَلِ شارِفٌ؛ وأَنشد اللَّيْثُ:

نَجاة مِنَ الهُوجِ المَراسِيلِ هِمَّة، ***كُمَيْت عَلَيْهَا كَبْرةٌ، فَهِيَ شَارِفُ

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وحَمْزة، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:

«أَلا يَا حَمْزَ للشُّرُفِ النِّواء، ***فَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بالفِناء»

هِيَ جَمْعُ شَارِفٍ وتضمُّ راؤُها وَتُسَكَّنُ تَخْفِيفًا، وَيُرْوَى ذَا الشَّرَف، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ، أَي ذَا العَلاء والرِّفْعةِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْل: «وَإِذَا أَمام ذَلِكَ ناقةٌ عَجْفاء شَارِفٌ»؛ هِيَ المُسِنّةُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا أَنى أَن يَخْرُجَ بِكُمُ الشُّرْفُ الجُونُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّرْفُ الجُون؟ قَالَ: فِتَنٌ كقِطْعِ الليلِ المُظْلمِ»؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: الشُّرْفُ جَمْعُ شارِفٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الهَرِمةُ، شبَّه الفِتَنَ فِي اتِّصالها وامْتِداد أَوقاتها بالنُّوق المُسِنَّة السُّود، والجُونُ: السُّودُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يُرْوَى بِسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ جَمْعٌ قَلِيلٌ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ لَمْ يَردْ إِلَّا فِي أَسماء مَعْدُودَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى: " الشُّرْقُ الجُون "، بِالْقَافِ، وَهُوَ جَمْعُ شارِق وَهُوَ الَّذِي يأْتي مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِق، وشُرْفٌ جَمْعُ شَارِفٍ نَادِرٌ لَمْ يأْت مثلَه إِلَّا أَحرف مَعْدُودَةٌ: بازِلٌ وبُزْلٌ وحائلٌ وحُولٌ وعائذٌ وعُوذٌ وعائطٌ وعُوطٌ.

وَسَهْمٌ شَارِفٌ: بَعِيدُ الْعَهْدِ بالصِّيانةِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي انْتَكَثَ رِيشُه وعَقَبُه، وقيل: هُوَ الدَّقِيقُ الطَّوِيلُ.

غَيْرُهُ: وَسَهْمٌ شَارِفٌ إِذَا وُصِف بالعُتْق والقِدَم؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:

يُقَلِّبُ سَهْمًا راشَه بمَناكِبٍ ***ظُهار لُؤامٍ، فَهُوَ أَعْجَفُ شَارِفُ

اللَّيْثُ: يُقَالُ أَشْرَفَتْ عَلَيْنَا نفْسُه، فَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَيْنَا أَي مُشْفِقٌ.

والإِشْرَافُ: الشَّفَقة؛ وأَنشد:

وَمِنْ مُضَرَ الحَمْراء إشْرَافُ أَنْفُسٍ ***عَلَيْنَا، وحَيّاها إِلَيْنَا تَمَضُّرا

ودَنٌّ شَارِفٌ: قدِيمُ الخَمْر؛ قَالَ الأَخطل:

سُلافةٌ حَصَلَتْ مِنْ شَارِفٍ حَلِقٍ، ***كأَنَّما فارَ مِنْهَا أَبْجَرٌ نَعِرُ

وَقَوْلُ بِشْرٍ:

وطائرٌ أَشْرَفُ ذُو خُزْرةٍ، ***وطائرٌ لَيْسَ لَهُ وَكْرُ

قَالَ عَمْرٌو: الأَشْرَفُ مِنَ الطَّيْرِ الخُفّاشُ لأَنَّ لأُذُنيه حَجْمًا ظَاهِرًا، وَهُوَ مُنْجَرِدٌ مِنَ الزِّفِّ والرِّيش، وَهُوَ يَلِدُ وَلَا يَبِيضُ، وَالطَّيْرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَكْرٌ طَيْرٌ يُخبِر عَنْهُ الْبَحْرِيُّونَ أَنه لَا يَسْقط إِلَّا رَيْثَمَا يَجْعَلُ لبَيْضِه أُفْحُوصًا مِنْ تُرَابٍ ويُغَطِّي عَلَيْهِ ثُمَّ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَبَيْضُهُ يتفَقَّس مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهِ، فَإِذَا أَطاق فَرْخُه الطيَران كَانَ كأَبوَيه فِي عَادَتِهِمَا.

والإِشْرَافُ: سُرعةُ عَدْوِ الخيل.

وشَرَّفَ الناقةَ: كادَ يَقْطَعُ أَخلافها بالصَّرّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

جَمَعْتُها مِنْ أَيْنُقٍ غِزارِ، ***مِنَ اللَّوا شُرِّفْنَ بالصِّرارِ

أَراد مِنَ اللَّوَاتِي، وَإِنَّمَا يُفعل بِهَا ذَلِكَ ليَبْقى بُدْنُها وسِمَنُها فيُحْمَل عَلَيْهَا فِي السَّنَةِ المُقْبلة.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَيْسَ مِنَ الشَّرَف وَلَكِنْ مِنَ التَّشْرِيفِ، وَهُوَ أَن تَكادَ تُقْطَعُ أَخْلافها بالصِّرار فيؤثِّر فِي أَخْلافِها؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ يَذْكُرُ عَيْرًا يَطْرُد أُتُنه:

وإنْ حَداها شَرَفًا مُغَرِّبا، ***رَفَّهَ عَنْ أَنْفاسِه وَمَا رَبا

حَداها: سَاقَهَا، شَرَفًا أَي وجْهًا.

يُقَالُ: طَرَده شرَفًا أَو شَرَفَين، يُرِيدُ وجْهًا أَو وجْهَين؛ مُغَرِّبًا: مُتَباعدًا بَعِيدًا؛ رَفَّهَ عَنْ أَنفاسه أَي نَفَّسَ وفرَّجَ.

وعَدا شَرَفًا أَو شَرَفَينِ أَي شَوْطًا أَو شَوْطَيْنِ.

وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ: «فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفين»؛ عَدَتْ شَوْطًا أَو شَوْطَيْن.

والمَشارِفُ: قُرًى مِنْ أَرض الْيَمَنِ، وَقِيلَ: مِنْ أَرض الْعَرَبِ تَدْنُو مِنَ الرِّيف، والسُّيُوفُ المَشْرَفِيّةُ مَنْسوبة إِلَيْهَا.

يُقَالُ: سَيفٌ مَشْرَفيّ، وَلَا يُقَالُ مَشارِفيٌّ لأَن الْجَمْعَ لَا يُنسب إِلَيْهِ إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ، لَا يُقَالُ مَهالِبيّ وَلَا جَعَافِرِيٌّ وَلَا عَباقِرِيٌّ.

وَفِي حَدِيثِ سَطِيح: «يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ»؛ هِيَ كُلُّ قَرْيَةٍ بَيْنَ بِلَادِ الرِّيفِ وَبَيْنَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لأَنها أَشْرَفَتْ عَلَى السَّوَادِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيضًا المَزارِعُ والبَراغِيلُ، وَقِيلَ: هِيَ الْقُرَى الَّتِي تَقْرُب مِنَ الْمُدُنِ.

ابْنُ الأَعرابي: العُمَرِيَّةُ ثِيَابٌ مَصْبُوغَةٌ بالشَّرَفِ، وَهُوَ طِينٌ أَحمر.

وَثَوْبٌ مُشَرَّفٌ: مَصْبُوغٌ بالشَّرَف؛ وأَنشد:

أَلا لَا تَغُرَّنَّ امْرَأً عُمَرِيّةٌ، ***عَلَى غَمْلَجٍ طالَتْ وتَمَّ قَوامُها

وَيُقَالُ شَرْفٌ وشَرَفٌ للمَغْرةِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: الشَّرَفُ لَهُ صِبْغٌ أَحمر يُقَالُ لَهُ الدّارْبَرْنَيان؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي المُشَرَّفِ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنها سُئِلَتْ عَنِ الخِمار يُصْبَغُ بالشَّرْف فَلَمْ ترَ بِهِ بأْسًا»؛ قَالَ: هُوَ نَبْتٌ أَحمر تُصْبَغ بِهِ الثِّيَابُ.

والشُّرافيُّ: لَوْنٌ مِنَ الثِّيَابِ أَبيض.

وشُرَيفٌ: أَطولُ جَبَلٍ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ.

ابْنُ سِيدَهْ: والشُّرَيْف جَبَلٌ تَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنه أَطول جَبَلٍ فِي الأَرض.

وشَرَفٌ: جَبَلٌ آخرُ يَقْرُبُ مِنْهُ.

والأَشْرَفُ: اسْمُ رَجُلٍ: وشِرَافُ وشَرافِ مَبْنِيَّةً: اسْمُ مَاءٍ بِعَيْنِهِ.

وشَراف: مَوْضِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

لَقَدْ غِظْتَني بالحَزْمِ حَزْمِ كُتَيْفةٍ، ***ويومَ الْتَقَيْنا مِنْ وَرَاءِ شَرافِ

التَّهْذِيبُ: وشَرافِ مَاءٌ لَبَنِي أَسد.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الشَّرَفُ كَبِدُ نَجْدٍ، قَالَ: وَكَانَتِ الْمُلُوكُ مِنْ بَنِي آكِل المُرار تَنزِلُها، وَفِيهَا حِمَى ضَرِيّةَ، وضرِيّة بِئْرٌ، وَفِي الشَّرَفِ الرَّبَذةُ وَهِيَ الحِمَى الأَيمنُ، والشُّرَيْفُ إِلَى جَنْبِهِ، يَفْرُق بَيْنَ الشَّرَف والشُّرَيْفِ وادٍ يُقَالُ لَهُ التَّسْرِيرُ، فَمَا كَانَ مُشَرِّقًا فَهُوَ الشُّرَيْف، وَمَا كَانَ مغرِّبًا، فَهُوَ الشَّرَفُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وقولُ ابْنِ السِّكِّيتِ في الشَّرَف والشُّرَيْف" صَحِيحٌ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يُوشِكُ أَن لَا يكونَ بَيْنَ شَرَافِ وأَرضِ كَذَا جَمَّاءُ وَلَا ذاتُ قَرْن»؛ شَرَافِ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: مَاءٌ لَبَنِي أَسد.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ والرَّبَذَةَ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا رُوِيَ بِالشِّينِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِالْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أُحِبُّ أَن أَنْفُخَ فِي الصَّلَاةِ وأَن لِي مَمَرَّ الشَّرَفِ».

والشُّرَيْفُ، مُصَغّر: مَاءٌ لَبَنِي نُمير.

والشَّارُوفُ: جَبَلٌ، وَهُوَ موَلَّد.

والشَّارُوفُ: المِكْنَسةُ، وَهُوَ فارسيٌّ معرَّب.

وأَبو الشَّرْفَاء: مِنْ كُناهم؛ قَالَ: " أَنا أَبو الشَّرْفَاء مَنَّاعُ الخَفَرْ أَراد مَنّاع أَهل الخفر.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


78-لسان العرب (حلل)

والحِلال: مَتاع الرَّحْل؛ قَالَ الأَعشى:

وكأَنَّها لَمْ تَلْقَ سِتَّة أَشهر ***ضُرًّا، إِذا وَضَعَتْ إِليك حِلالَها

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: بَلَغَتْنِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْن، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ جِلالَها، بِالْجِيمِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

ومُلْوِيَةٍ تَرى شَماطِيطَ غَارَةٍ، ***عَلَى عَجَلٍ، ذَكَّرْتُها بِحِلالِها

فَسَّرَهُ فَقَالَ: حِلالُها ثِيابُ بَدَنِهَا وَمَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَالْمَعْرُوفُ أَن الحِلال المَرْكَب أَو مَتَاعُ الرَّحْل لَا أَن ثِيَابَ المرأَة مَعْدودة فِي الحِلال، وَمَعْنَى الْبَيْتِ عِنْدَهُ: قُلْتُ لَهَا ضُمِّي إِليك ثِيابَك وَقَدْ كَانَتْ رَفَعَتْها مِنَ الفَزَع.

وَفِي حَدِيثِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ نُزُولِهِ: «أَنه يَزِيدُ فِي الحِلال»؛ قِيلَ: أَراد أَنه إِذا نَزَل تَزَوَّجَ فَزَادَ فِيمَا أَحَلَّ اللهُ له؛ أي ازْدَادَ مِنْهُ لأَنه لَمْ يَنْكِح إِلى أَن رُفِع.

وَفِي الْحَدِيثِ: أَنه كَسَا عَلِيًّا، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، حُلَّة سِيَراء "؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبة: الحُلَّة رِداء وَقَمِيصٌ وَتَمَامُهَا العِمامة، قَالَ: وَلَا يَزَالُ الثَّوْبُ الجَيِّد يُقَالُ لَهُ فِي الثِّيَابِ حُلَّة، فإِذا وَقَعَ عَلَى الإِنسان ذَهَبَتْ حُلَّته حَتَّى يَجْتَمِعْنَ لَهُ إِمَّا اثْنَانِ وإِما ثَلَاثَةٌ، وأَنكر أَن تَكُونَ الحُلَّة إِزارًا ورِداء وَحْدَه.

قَالَ: والحُلَل الوَشْي والحِبرَة والخَزُّ والقَزُّ والقُوهِيُّ والمَرْوِيُّ والحَرِير، وَقَالَ اليَمامي: الحُلَّة كُلُّ ثَوْبٍ جَيِّد جَدِيدٍ تَلْبسه غليظٍ أَو دَقِيقٍ وَلَا يَكُونُ إِلّا ذَا ثوبَين، وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الحُلَّة الْقَمِيصُ والإِزار وَالرِّدَاءُ لَا تَكُونُ أَقل مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ شَمِرٌ: الحُلَّة عِنْدَ الأَعراب ثَلَاثَةُ أَثواب، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ للإِزار وَالرِّدَاءِ حُلَّة، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ حُلَّة؛ قَالَ الأَزهري: وأَما أَبو عُبَيْدٍ فإِنه جَعَلَ الحُلَّة ثَوْبَيْنِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: خَيْرُ الكَفَن الحُلَّة، وَخَيْرُ الضَّحِيَّة الْكَبْشُ الأَقْرَن.

والحُلَل: بُرود اليمن ولا تسمى حُلَّة حَتَّى تَكُونَ ثَوْبَيْنِ، وَقِيلَ ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثِ عُمَرَ: أَنه رأَى رَجُلًا عَلَيْهِ حُلَّة قَدِ ائتزرَ بأَحدهما وارْتَدى بِالْآخَرِ "فَهَذَانِ ثَوْبَانِ؛ وبَعَث" عمر إِلى مُعاذ بن عَفْراء بحُلَّة فَبَاعَهَا وَاشْتَرَى بِهَا خَمْسَةَ أَرؤس مِنَ الرَّقِيقِ فأَعتقهم ثُمَّ قَالَ: إِن رَجُلًا آثَرَ قِشْرَتَيْن يَلْبَسُهما عَلَى عِتْق هَؤُلَاءِ لَغَبينُ الرأْي: أَراد بالقِشْرَتَين الثَّوْبَيْنِ؛ قَالَ: والحُلَّة إِزار وَرِدَاءٌ بُرْد أَو غَيْرُهُ وَلَا يُقَالُ لَهَا حُلَّة حَتَّى تَكُونَ مِنْ ثَوْبَيْنِ وَالْجَمْعُ حُلَل وحِلال؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

لَيْسَ الفَتى بالمُسْمِن المُخْتال، ***وَلَا الَّذِي يَرْفُل في الحِلال

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَلْحَلْت بِالنَّاقَةِ إِذا قُلْتُ لَهَا حَلْ، قَالَ: وَهُوَ زَجْر لِلنَّاقَةِ، وحَوْبٌ زَجْر لِلْبَعِيرِ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ: " وَقَدْ حَدَوْناها بحَوْبٍ وحَلِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِن حَلْ لَتُوطِئُ النَّاسَ وتُؤْذِي وتَشْغَل عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، قَالَ: حَلْ زَجْر لِلنَّاقَةِ إِذا حَثَثْتَها عَلَى السَّيْرِ أَي إِن زَجْرَكَ إِياها عِنْدَ الإِفاضة مِنْ عَرَفَاتٍ يُؤَدِّي إِلى ذَلِكَ مِنَ الإِيذاء والشَّغْل عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَسِرْ عَلَى هِينَتِك.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


79-لسان العرب (ظلل)

ظلل: ظَلَّ نهارَه يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا يَظَلُّ ظَلًّا وظُلُولًا وظَلِلْتُ أَنا وظَلْتُ وظِلْتُ، لَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي النَّهَارِ لَكِنَّهُ قَدْ سُمِعَ فِي بَعْضِ الشِّعْرِ ظَلَّ لَيْلَه، وظَلِلْت أَعْمَلُ كَذَا، بِالْكَسْرِ، ظُلُولًا إِذا عَمِلْته بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}، وَهُوَ مِنْ شَواذِّ التَّخْفِيفِ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ ظَلَّ فُلَانٌ نهارَه صَائِمًا، وَلَا تَقُولُ الْعَرَبُ ظَلَّ يَظَلُّ إِلا لِكُلِّ عَمَلٍ بِالنَّهَارِ، كَمَا لَا يَقُولُونَ بَاتَ يَبِيتُ إِلا بِاللَّيْلِ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَحْذِفُ لَامَ ظَلِلْت وَنَحْوِهَا حَيْثُ يَظْهَرَانِ، فإِن أَهل الْحِجَازِ يَكْسِرُونَ الظَّاءَ عَلَى كَسْرَةِ اللَّامِ الَّتِي أُلْقِيَتْ فَيَقُولُونَ ظِلْنا وظِلْتُم المصدر الظُّلُول، والأَمر اظْلَلْ وظَلَّ؛ قَالَ تعالى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا}، وَقُرِئَ ظِلْتَ "، فَمَنْ فَتَح فالأَصل فِيهِ ظَلِلْت ولكن اللَّامَ حُذِفَتْ لثِقَل التَّضْعِيفِ وَالْكَسْرِ وَبَقِيَتِ الظَّاءُ عَلَى فَتْحِهَا، وَمَنْ قرأَ ظِلْتَ، بِالْكَسْرِ، حَوَّل كَسْرَةَ اللَّامِ عَلَى الظَّاءِ، وَيَجُوزُ فِي غير المكسور نحو هَمْت بِذَلِكَ أَي هَمَمْت وأَحَسْت بِذَلِكَ أَي أَحْسَسْت، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ حُذَّاق النَّحْوِيِّينَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ أَمَّا ظِلْتُ فأَصله ظَلِلْتُ إِلَّا أَنهم حَذَفُوا فأَلقوا الْحَرَكَةَ عَلَى الْفَاءِ كَمَا قَالُوا خِفْت، وَهَذَا النَّحْوُ شاذٌّ، قَالَ: والأَصل فِيهِ عَرَبِيٌّ كَثِيرٌ، قَالَ: وأَما ظَلْت فإِنها مُشَبَّهة بِلَسْت؛ وأَما مَا أَنشده أَبو زَيْدٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ:

أَلَمْ تَعْلَمِي مَا ظِلْتُ بِالْقَوْمِ وَاقِفًا ***عَلَى طَلَلٍ، أَضْحَتْ مَعارِفُه قَفْرا

قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ كَسَرُوا الظَّاءَ فِي إِنشادهم وَلَيْسَ مِنْ لُغَتِهِمْ.

وظِلُّ النهارِ: لونُه إِذا غَلَبَتْه الشمسُ.

والظِّلُّ: نَقِيضُ الضَّحِّ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الظِّلَّ الفَيْء؛ قال رؤبة: كلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ الشَّمْسُ فَتَزُولُ عَنْهُ فَهُوَ ظِلٌّ وفَيْء، وَقِيلَ: الْفَيْءُ بالعَشِيِّ والظِّلُّ بِالْغَدَاةِ، فالظِّلُّ مَا كَانَ قَبْلَ الشَّمْسِ، وَالْفَيْءُ مَا فَاءَ بَعْدُ.

وَقَالُوا: ظِلُّ الجَنَّة، وَلَا يُقَالُ فَيْؤها، لأَن الشَّمْسَ لَا تُعاقِب ظِلَّها فَيَكُونُ هُنَالِكَ فَيْءٌ، إِنما هِيَ أَبدًا ظِلٌّ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها}؛ أَراد وظِلُّها دَائِمٌ أَيضًا؛ وَجَمْعُ الظِّلِّ أَظلالٌ وظِلال وظُلُولٌ؛ وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ لِلْجَنَّةِ فَيْئًا غَيْرَ أَنه قَيَّده بالظِّلِّ، فَقَالَ يَصِفُ حَالَ أَهل الْجَنَّةِ وَهُوَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

فَسلامُ الإِلهِ يَغْدُو عَلَيْهِمْ، ***وفُيُوءُ الفِرْدَوْسِ ذاتُ الظِّلال

وَقَالَ كُثَيِّرٌ:

لَقَدْ سِرْتُ شَرْقيَّ البِلادِ وغَرْبَها، ***وَقَدْ ضَرَبَتْني شَمْسُها وظُلُولُها

وَيُرْوَى: لَقَدْ سِرْتُ غَوْرِيَّ البِلادِ وجَلْسَها "والظِّلَّة: الظِّلال.

والظِّلال: ظِلال الجَنَّة؛ وَقَالَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:

مِنْ قَبْلِها طِبْتَ فِي الظِّلال وَفِي ***مُسْتَوْدَعٍ، حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ

أَراد ظِلال الْجَنَّاتِ الَّتِي لَا شَمْسَ فِيهَا.

والظِّلال: مَا أَظَلَّكَ مِنْ سَحابٍ وَنَحْوِهِ.

وظِلُّ الليلِ: سَوادُه، يُقَالُ: أَتانا فِي ظِلِّ اللَّيْلِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّة:

قَدْ أَعْسِفُ النَّازِحَ المَجْهولَ مَعْسِفُه، ***فِي ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هامَهُ البُومُ

وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لأَن الظِّلَّ فِي الْحَقِيقَةِ إِنما هُوَ ضَوْءُ شُعاع الشَّمْسِ دُونَ الشُّعاع، فإِذا لَمْ يَكُنْ ضَوْءٌ فَهُوَ ظُلْمة وَلَيْسَ بظِلٍّ.

والظُّلَّةُ أَيضًا: أَوّل سَحَابَةٍ تُظِلُّ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ}؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الظِّلُّ كلُّ مَا لَمْ تَطْلُع عَلَيْهِ الشمسُ فَهُوَ ظِلٌّ، قَالَ: والفَيْء لَا يُدْعى فَيْئًا إِلا بَعْدَ الزَّوَالِ إِذا فَاءَتِ الشمسُ أَي رَجَعَتْ إِلى الْجَانِبِ الغَرْبيِّ، فَمَا فَاءَتْ مِنْهُ الشمسُ وبَقِيَ ظِلًّا فَهُوَ فَيْء، والفَيْءُ شرقيٌّ والظِّلُّ غَرْبيٌّ، وإِنما يُدْعى الظِّلُّ ظِلًّا مِنْ أَوَّل النَّهَارِ إِلى الزَّوَالِ، ثُمَّ يُدْعى فَيْئًا بَعْدَ الزَّوَالِ إِلى اللَّيْلِ؛ وأَنشد:

فَلَا الظِّلَّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُه، ***وَلَا الفَيْءَ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوق

قَالَ: وسَوادُ اللَّيلِ كلِّه ظِلٌّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ أَظَلَّ يومُنا هَذَا إِذا كَانَ ذَا سَحَابٍ أَو غَيْرِهِ وَصَارَ ذَا ظِلٍّ، فَهُوَ مُظِلٌّ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ أَظَلَّ مِنْ حَجَر، وَلَا أَدْفأَ مِنْ شَجَر، وَلَا أَشَدَّ سَوادًا مِنْ ظِلّ؛ وكلُّ مَا كَانَ أَرْفع سَمْكًا كَانَ مَسْقَطُ الشَّمس أَبْعَد، وكلُّ مَا كَانَ أَكثر عَرْضا وأَشَد اكْتِنَازًا كَانَ أَشد لسَوادِ ظِلِّه.

وظِلُّ اللَّيْلِ: جُنْحُه، وَقِيلَ: هُوَ اللَّيْلُ نَفْسُهُ، وَيَزْعُمُ المنجِّمون أَن اللَّيْلَ ظِلٌّ وإِنما اسْوَدَّ جِدًّا لأَنه ظِلُّ كُرَة الأَرض، وبِقَدْر مَا زَادَ بَدَنُها فِي العِظَم ازْدَادَ سَوَادُ ظِلِّها.

وأَظَلَّتْني الشجرةُ وغيرُها، واسْتَظَلَّ بِالشَّجَرَةِ: اسْتَذْرى بِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرةً يَسِير الراكبُ فِي ظِلِّها مائةَ عامٍ» أَي فِي ذَراها وَنَاحِيَتِهَا.

وَفِي قَوْلِ الْعَبَّاسِ: مِنْ قَبْلِها طِبْتَ فِي الظِّلال "؛ أَراد ظِلال الْجَنَّةِ أَي كنتَ طَيِّبًا فِي صُلْب آدَمَ حَيْثُ كَانَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَوْلُهُ مِنْ قَبْلِهَا أَي مِنْ قَبْلِ نُزُولِكَ إِلى الأَرض، فكَنى عَنْهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا لِبَيَانِ الْمَعْنَى.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ}؛ أَي ويَسْجُد ظِلالُهم؛ وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الْكَافِرُ يَسْجُدُ لِغَيْرِ اللَّهِ وظِلُّه يَسْجُدُ لِلَّهِ، وَقِيلَ ظِلالُهم أَي أَشخاصهم، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلتَّفْسِيرِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الْكَافِرُ يَسْجُد لِغَيْرِ اللَّهِ وظِلُّه يَسْجُد لِلَّهِ»؛ قَالُوا: مَعْنَاهُ يَسْجُد لَهُ جِسْمُه الَّذِي عَنْهُ الظِّلُّ.

وَيُقَالُ للمَيِّت: قَدْ ضَحَا ظِلُّه.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ}؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: قِيلَ الظِّلُّ هُنَا الْجَنَّةُ، والحَرور النَّارُ، قَالَ: وأَنا أَقول الظِّلُّ الظِّلُّ بِعَيْنِهِ، والحَرُور الحَرُّ بِعَيْنِهِ.

واسْتَظَلَّ الرجلُ: اكْتَنَّ بالظِّلِّ.

واسْتَظَلَّ بالظِّلِّ: مَالَ إِليه وقَعَد فيه.

وَمَكَانٌ ظَلِيلٌ: ذُو ظِلٍّ، وَقِيلَ الدَّائِمُ الظِّلِّ قَدْ دَامَتْ ظِلالَتُه.

وَقَوْلُهُمْ: ظِلٌّ ظَلِيل يَكُونُ مِنْ هَذَا، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ شِعْر شَاعِرٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}؛ وَقَوْلُ أُحَيْحَة بْنِ الجُلاح يَصِف النَّخْل:

هِيَ الظِّلُّ فِي الحَرِّ حَقُّ الظَّلِيلِ، ***والمَنْظَرُ الأَحْسَنُ الأَجْمَلُ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْمَعْنَى عِنْدِي هِيَ الشَّيْءُ الظَّلِيل، فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ}؛ قِيلَ: سَخَّر اللهُ لَهُمُ السحابَ يُظِلُّهم حَتَّى خَرَجُوا إِلى الأَرض المقدَّسة وأَنزل عَلَيْهِمُ المَنَّ والسَّلْوى، وَالِاسْمُ الظَّلالة.

أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ كَانَ ذَلِكَ فِي ظِلِّ الشِّتَاءِ أَي فِي أَوَّل مَا جَاءَ الشِّتَاءُ.

وفَعَلَ ذَلِكَ فِي ظِلِّ القَيْظ أَي فِي شِدَّة الحَرِّ؛ وأَنشد الأَصمعي:

غَلَّسْتُه قَبْلَ القَطا وفُرَّطِه، ***فِي ظِلِّ أَجَّاج المَقيظ مُغْبِطِه

وَقَوْلُهُمْ: مَرَّ بِنَا كأَنَّه ظِلُّ ذِئْبٍ أَي مَرَّ بِنَا سَرِيعًا كَسُرْعَة الذِّئب.

وظِلُّ الشيءِ: كِنُّه.

وظِلُّ السَّحَابِ: مَا وَارَى الشمسَ مِنْهُ، وظِلُّه سَوادُه.

والشمسُ مُسْتَظِلَّة أَي هِيَ فِي السَّحَابِ.

وكُلُّ شَيْءٍ أَظَلَّك فَهُوَ ظُلَّة.

وَيُقَالُ: ظِلٌّ وظِلالٌ وظُلَّة وظُلَل مِثْلُ قُلَّة وقُلَل.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ}.

وظِلُّ كلِّ شَيْءٍ: شَخْصُه لِمَكَانِ سَوَادِهِ.

وأَظَلَّني الشيءُ: غَشِيَني، وَالِاسْمُ مِنْهُ الظِّلُّ؛ وَبِهِ فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قَوْلَهُ تعالى: {إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ}، قَالَ: مَعْنَاهُ أَن النَّارَ غَشِيَتْهم لَيْسَ كظِلِّ الدُّنْيَا.

والظُّلَّة: الغاشيةُ، والظُّلَّة: البُرْطُلَّة.

وَفِي التَّهْذِيبِ: والمِظَلَّة البُرْطُلَّة، قَالَ: والظُّلَّة والمِظَلَّة سواءٌ، وَهُوَ مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ مِنَ الشَّمْسِ.

والظُّلَّة: الشَّيْءُ يُسْتَتر بِهِ مِنَ الحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَهِيَ كالصُّفَّة.

والظُّلَّة: الصَّيْحة.

والظُّلَّة، بِالضَّمِّ: كَهَيْئَةِ الصُّفَّة، وَقُرِئَ: فِي ظُلَلٍ عَلَى الأَرائك مُتَّكئون، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}؛ وَالْجَمْعُ ظُلَلٌ وظِلال.

والظُّلَّة: مَا سَتَرك مِنْ فَوْقٍ، وَقِيلَ فِي عَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّة، قِيلَ: يَوْمُ الصُّفَّة، وَقِيلَ لَهُ يَوْمُ الظُّلَّة لأَن اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ غَمامة حَارَّةً فأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ وهَلَكوا تَحْتَهَا.

وكُلُّ مَا أَطْبَقَ عَلَيْكَ فَهُوَ ظُلَّة، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا أَظَلَّك.

الْجَوْهَرِيُّ: عذابُ يَوْمِ الظُّلَّة قَالُوا غَيْمٌ تَحْتَهُ سَمُومٌ؛ وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هِيَ ظُلَلٌ لمَنْ تَحْتَهُمْ وَهِيَ أَرض لَهُمْ، وَذَلِكَ أَن جَهَنَّمَ أَدْرَاكٌ وأَطباق، فبِساطُ هَذِهِ ظُلَّةٌ لمَنْ تحتَه، ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا حَتَّى يَنْتَهُوا إِلى القَعْر.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه ذَكَرَ فِتَنًا كأَنَّها الظُّلَل»؛ قَالَ: هِيَ كُلُّ مَا أَظَلَّك، وَاحِدَتُهَا ظُلَّة، أَراد كأَنَّها الجِبال أَو السُّحُب؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

فكَيْفَ تَقُولُ العَنْكَبُوتُ وبَيتُها، ***إِذا مَا عَلَتْ مَوْجًا مِنَ البَحْرِ كالظُّلَل؟

وظِلالُ الْبَحْرِ: أَمواجُه لأَنها تُرْفَع فتُظِلُّ السفينةَ وَمَنْ فِيهَا، وَمِنْهُ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّة، وَهِيَ سحابة أَظَلَّتْهم فَلَجؤوا إِلى ظِلِّها مِنْ شِدَّة الحرّ فأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ وأَهْلَكَتْهم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «رأَيت كأَنَّ ظُلَّةً تَنْطِف السَّمْنَ والعَسَل» أَي شِبْهَ السَّحَابة يَقْطُرُ مِنْهَا السَّمْنُ والعسلُ، وَمِنْهُ: البقرةُ وآلُ عِمْرَانَ كأَنَّهما ظُلَّتانِ أَو غَمامتان "؛ وَقَوْلُهُ:

وَيْحَكَ، يَا عَلْقَمَةُ بنَ ماعِزِ ***هَلْ لَكَ فِي اللَّواقِح الحَرَائزِ،

وَفِي اتِّباعِ الظُّلَل الأَوَارِزِ؟ "قِيلَ: يَعْني بُيوتَ السَّجْن.

والمِظَلَّة والمَظَلَّة: بُيُوتُ الأَخبية، وَقِيلَ: المِظَلَّة لَا تَكُونُ إِلا مِنَ الثِّيَابِ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ ذَاتُ رُواقٍ، وَرُبَّمَا كَانَتْ شُقَّة وشُقَّتين وَثَلَاثًا، وَرُبَّمَا كَانَ لَهَا كِفَاءٌ وَهُوَ مؤخَّرها.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وإِنما جَازَ فِيهَا فَتْحُ الْمِيمِ لأَنها تُنْقل بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: المِظَلَّة مِنَ الشَّعْرِ خَاصَّةً.

ابْنُ الأَعرابي: الخَيْمة تَكُونُ مِنْ أَعواد تُسْقَف بالثُّمام فَلَا تَكُونُ الْخَيْمَةُ مِنْ ثِيَابٍ، وأَما المَظَلَّة فَمِنْ ثِيَابٍ؛ رَوَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: مِنَ بُيُوتِ الأَعراب المَظَلَّة، وَهِيَ أَعظم مَا يَكُونُ مِنَ بُيُوتِ الشَّعْرِ، ثُمَّ الوَسُوط نَعْتُ المَظَلَّة، ثُمَّ الخِباء وَهُوَ أَصغر بُيُوتِ الشَّعَر.

والمِظَلَّة، بِالْكَسْرِ: الْبَيْتُ الْكَبِيرُ مِنَ الشَّعَر؛ قَالَ:

أَلْجَأَني اللَّيْلُ، وَرِيحٌ بَلَّه ***إِلى سَوادِ إِبلٍ وثَلَّه،

وسَكَنٍ تُوقَد فِي مِظَلَّه "وعَرْشٌ مُظَلَّل: من الظِّلِّ.

وقال أَبو مَالِكٍ: المِظَلَّة وَالْخِبَاءُ يَكُونُ صَغِيرًا وَكَبِيرًا؛ قَالَ: وَيُقَالُ لِلْبَيْتِ الْعَظِيمِ مِظَلَّة مَطْحُوَّة ومَطْحِيَّة وطاحِيَة وَهُوَ الضَّخْم.

ومَظَلَّة ومِظَلَّة: دَوْحة.

وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: عِلَّةٌ مَا عِلَّه أَوْتادٌ وأَخِلَّه، وعَمَدُ المِظَلَّه، أَبْرِزُوا لصِهْرِكم ظُلَّه؛ قَالَتْهُ جَارِيَةٌ زُوِّجَتْ رَجُلًا فأَبطأَ بِهَا أَهْلُها عَلَى زَوْجِهَا، وجَعَلُوا يَعْتَلُّون بِجَمْعِ أَدوات الْبَيْتِ فَقَالَتْ ذَلِكَ اسْتِحْثاثًا لَهُمْ؛ وَقَوْلُ أُمَيَّة بْنُ أَبي عَائِذٍ الْهُذَلِيِّ:

ولَيْلٍ، كأَنَّ أَفانِينَه ***صَراصِرُ جُلِّلْنَ دُهْمَ المَظالي

إِنما أَراد المَظالَّ فخَفَّف اللَّامَ، فإِمَّا حَذَفها وإِمَّا أَبْدَلَها يَاءً لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ لَا سِيَّمَا إِن كَانَ اعْتَقَدَ إِظهار التَّضْعِيفِ فإِنه يَزْدَادُ ثِقَلًا ويَنْكَسِر الأَول مِنَ الْمِثْلَيْنِ فَتَدْعُو الكسرةُ إِلى الْيَاءِ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَن يُكْتب المَظالي بِالْيَاءِ؛ ومثْلُهُ سَواءً مَا أَنشده سِيبَوَيْهِ لعِمْران بْنِ حِطَّان:

قَدْ كُنْتُ عِنْدَك حَوْلًا، لَا يُرَوِّعُني ***فِيهِ رَوَائعُ مِنْ إِنْس وَلَا جانِ

وإِبدالُ الْحَرْفِ أَسهلُ مِنْ حَذْفِهِ.

وكُلُّ مَا أَكَنَّك فَقَدْ أَظَلَّكَ.

واسْتَظَلَّ مِنَ الشَّيْءِ وَبِهِ وتَظَلَّل وظَلَّله عَلَيْهِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ}.

والإِظْلالُ: الدُّنُوُّ؛ يُقَالُ: أَظَلَّك فُلَانٌ أَي كأَنه أَلْقى عَلَيْكَ ظِلَّه مِنْ قُرْبه.

وأَظَلَّك شهرُ رَمَضَانَ أَي دَنا مِنْكَ.

وأَظَلَّك فُلَانٌ: دَنا مِنْكَ كأَنه أَلْقى عَلَيْكَ ظِلَّه، ثُمَّ قِيلَ أَظَلَّك أَمرٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه خَطَبَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: أَيها النَّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ» أَي أَقْبَل عَلَيْكُمْ ودَنا مِنْكُمْ كأَنه أَلْقى عَلَيْكُمْ ظِلَّه.

وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: «فَلَمَّا أَظَلَّ قَادِمًا حَضَرَني بَثِّي».

وَفِي الْحَدِيثِ: «الجنَّةُ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ»؛ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الدُّنُوِّ مِنَ الضِّراب فِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَعْلُوَه السيفُ ويَصِيرَ ظِلُّه عَلَيْهِ.

والظِّلُّ: الفَيْءُ الْحَاصِلُ مِنَ الْحَاجِزِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّمْسِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا كَانَ مِنْهُ إِلى الزَّوَالِ، وَمَا كَانَ بَعْدَهُ فَهُوَ الْفَيْءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهم اللهُ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» أَي فِي ظِلِّ رَحْمَتِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: السُّلْطانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الأَرض لأَنه يَدْفَع الأَذى عَنِ النَّاسِ كَمَا يَدْفَع الظِّلُّ أَذى حَرِّ الشَّمْسِ "، قَالَ: وقد يُكْنى بالظِّلِّ عن الكَنَف وَالنَّاحِيَةُ.

وأَظَلَّك الشَّيْءُ: دَنا مِنْكَ حَتَّى أَلقى عَلَيْكَ ظِلَّه مِنْ قُرْبِهِ.

والظِّلُّ: الخَيال مِنَ الجِنِّ وَغَيْرِهَا يُرى، وَفِي التَّهْذِيبِ: شِبْه الْخَيَالِ مِنَ الجِنِّ، وَيُقَالُ: لَا يُجاوِزْ ظِلِّي ظِلَّك.

ومُلاعِب ظِلِّه: طائرٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ.

وَهُمَا مُلاعِبا ظِلِّهما ومُلاعِباتُ ظِلِّهن، كُلُّ هَذَا فِي لُغَةٍ، فإِذا جَعَلته نَكِرَةً أَخْرَجْتَ الظِّلَّ عَلَى العِدَّةِ فَقُلْتَ هُنَّ مُلاعِباتٌ أَظْلالَهُنَّ؛ وَقَوْلُ عَنْتَرَةَ:

وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطَّوى وأَظَلُّه، ***حَتَّى أَنالَ بِهِ كَرِيمَ المأْكَل

أَراد: وأَظَلُّ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: لأَتْرُكَنَّه تَرْكَ ظَبْيٍ ظِلَّه؛ مَعْنَاهُ كَمَا تَرَكَ ظَبْيٌ ظِلَّه.

الأَزهري: وَفِي أَمثال الْعَرَبِ: تَرَكَ الظَّبْيُ ظِلَّه؛ يُضْرَب لِلرَّجُلِ النَّفُور لأَن الظَّبْي إِذا نَفَر مِنْ شَيْءٍ لَا يَعُودُ إِليه أَبدًا، وَذَلِكَ إِذا نَفَر، والأَصل فِي ذَلِكَ أَن الظَّبْيَ يَكْنِس فِي الحَرّ فيأْتيه السَّامِي فيُثِيره وَلَا يَعُودُ إِلى كِناسِه، فَيُقَالُ تَرَكَ الظَّبْيُ ظِلَّه، ثُمَّ صَارَ مَثَلًا لِكُلِّ نَافِرٍ مِنْ شَيْءٍ لَا يَعُودُ إِليه.

الأَزهري: وَمِنْ أَمثالهم أَتيته حِينَ شَدَّ الظَّبْيُ ظِلَّه، وَذَلِكَ إِذا كَنَس نِصْف النَّهَارِ فَلَا يَبْرَح مَكْنِسَه.

وَيُقَالُ: أَتيته حِينَ يَنْشُدُ الظَّبْيُ ظِلَّه أَي حِينَ يشتدُّ الحَرُّ فَيَطْلُبُ كِناسًا يَكْتَنُّ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ.

وَيُقَالُ: انْتَعَلَتِ المَطايا ظِلالها إِذا انْتَصَفَ النَّهَارُ فِي القَيْظ فَلَمْ يكُن لَهَا ظِلٌّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

قَدْ وَرَدَتْ تَمْشِي عَلَى ظِلالِها، ***وذابَت الشَّمْس عَلَى قِلالها

وَقَالَ آخَرُ فِي مِثْلِهِ: وانْتَعَلَ الظِّلَّ فَكَانَ جَوْرَبا "والظِّلُّ: العِزُّ والمَنَعة.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي ظِلِّ فُلَانٍ أَي فِي ذَراه وكَنَفه.

وَفُلَانٌ يَعِيشُ فِي ظِلِّ فُلَانٍ أَي فِي كَنَفه.

واسْتَظَلَّ الكَرْمُ: التَفَّتْ نَوامِيه.

وأَظَلُّ الإِنسان: بُطونُ أَصابعه وَهُوَ مِمَّا يَلِي صَدْرَ القَدَم مِنْ أَصل الإِبهام إِلى أَصل الخِنْصَرِ، وَهُوَ مِنَ الإِبل بَاطِنُ المَنْسِم؛ هَكَذَا عَبَّروا عَنْهُ بِبُطُونٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَن الأَظَلَّ بَطْنُ الأُصبع؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة فِي مَنْسِم الْبَعِيرِ: " دَامِي الأَظلِّ بَعِيد الشَّأْوِ مَهْيُوم "قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابيًّا من طَيِءٍ يَقُولُ لِلَحْمٍ رقيقٍ لازقٍ بِبَاطِنِ المَنْسِم مِنَ الْبَعِيرِ هُوَ المُسْتَظِلَّاتُ، وَلَيْسَ فِي لَحْمِ الْبَعِيرِ مُضْغة أَرَقُّ وَلَا أَنعم مِنْهَا غَيْرَ أَنه لَا دَسَم فِيهِ.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ فِي اهْتِمَامِ الرَّجُلِ بشأْن أَخيه: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ إِذا أَراد المَشْكُوُّ إِليه أَنه فِي نَحْوٍ مِمَّا فِيهِ صاحبُه الشَّاكي قَالَ لَهُ إِن يَدْمَ أَظَلُّكَ فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي؛ يَقُولُ: إِنه فِي مِثْلِ حَالِكَ؛ قَالَ لَبِيدٌ: " بنَكِيبٍ مَعِرٍ دَامِي الأَظَلّ قَالَ: والمَنْسِمُ لِلْبَعِيرِ كالظُّفُر للإِنسان.

وَيُقَالُ "لِلدَّمِ الَّذِي فِي الْجَوْفِ مُسْتَظِلٌّ أَيضًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " مِنْ عَلَق الجَوْفِ الَّذِي كَانَ اسْتَظَلّ "وَيُقَالُ: اسْتَظَلَّت العينُ إِذا غَارَتْ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

عَلَى مُسْتَظِلَّاتِ العُيونِ سَوَاهِمٍ، ***شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُرَاها لُغَامُها

وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: كأَنَّما وَجْهُكَ ظِلٌّ مِنْ حَجَر "قَالَ بَعْضُهُمْ: أَراد الوَقاحة، وَقِيلَ: إِنه أَراد أَنه أَسودُ الْوَجْهِ.

غَيْرُهُ: الأَظَلُّ مَا تَحْتَ مَنْسِم الْبَعِيرِ؛ قَالَ العَجَّاج:

تَشْكو الوَجَى مِنْ أَظْلَلٍ وأَظْلَل، ***مِنْ طُولِ إِمْلالٍ وظَهْرٍ أَمْلَل

إِنما أَظهر التَّضْعِيفَ ضَرُورَةً وَاحْتَاجَ إِلى فَكِّ الإِدغام كَقَوْلِ قَعْنَب بْنُ أُمِّ صَاحِبٍ:

مَهْلًا أَعاذِلَ، قَدْ جَرَّبْتِ منْ خُلُقِي ***أَنِّي أَجُودُ لأَقوامٍ، وإِنْ ضَنِنُوا

وَالْجَمْعُ الظُّلُّ، عَامَلُوا الْوَصْفَ أَو جَمَعُوهُ جَمْعًا شَاذًّا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا أَسبق لأَني لَا أَعرف كَيْفَ يَكُونُ صِفَةً.

وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: لَكِنْ عَلَى الأَثَلاثِ لَحْمٌ لَا يُظَلَّل؛ قَالَهُ بَيْهَسٌ فِي إِخوته الْمَقْتُولِينَ لَمَّا قَالُوا ظَلِّلوا لَحْمَ جَزُورِكم.

والظَّلِيلة: مُسْتَنْقَع الْمَاءِ فِي أَسفل مَسِيل الْوَادِي.

والظَّلِيلة: الرَّوْضة الْكَثِيرَةُ الحَرَجات، وَفِي التَّهْذِيبِ: الظَّلِيلَة مُسْتَنْقَع ماءٍ قليلٍ فِي مَسِيل وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ الظَّلائل، وَهِيَ شِبْهُ حُفْرة فِي بطنِ مَسِيل ماءٍ فَيَنْقَطِعُ السَّيْلُ وَيَبْقَى ذَلِكَ الْمَاءُ فِيهَا؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " غادَرَهُنَّ السَّيْلُ فِي ظَلائلا.

ابْنُ الأَعرابي: الظُّلْظُل السُّفُن وَهِيَ المَظَلَّة.

والظِّلُّ: اسْمُ فَرَس مَسْلمة بْنُ عَبْدِ المَلِك.

وظَلِيلاء: مَوْضِعٌ، والله أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


80-لسان العرب (رغم)

رغم: الرَّغْم والرِّغْم والرُّغْمُ: الكَرْهُ، والمَرْغَمَةُ مِثْلُهُ.

قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ مَرْغَمَةً "؛ المَرْغَمَة: الرُّغْمُ أَي بُعِثْتُ هَوَانًا وذُلًّا لِلْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ رَغِمَهُ ورَغَمَهُ يَرْغَمُ، ورَغِمَتِ السَّائِمَةُ المَرْعَى تَرْغَمُه وأَنِفَتْه تأْنَفُهُ: كرهَته؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وكُنَّ بالرَّوْضِ لَا يَرْغَمْنَ وَاحِدَةً ***مِنْ عَيْشهنّ، وَلَا يَدْرِين كَيْفَ غدُ

وَيُقَالُ: مَا أَرْغَمُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا أَي مَا أَنْقِمُه وما أَكرهه.

والرُّغْمُ: الذِّلَّة.

ابْنُ الأَعرابي: الرَّغْم التُّرَابُ، والرَّغْم الذُّلُّ، والرَّغم القَسر.

قَالَ: وفي الحديث وإِن رَغَمَ أَنفُه "أَي ذَلَّ؛ رَوَاهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ؛ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: عَلَى رَغْمِ مَن رَغَمَ، بِالْفَتْحِ أَيضًا.

وَفِي حَدِيثِ مَعْقِل بْنِ يَسارٍ: «رَغِم أَنفي لأَمر اللَّهِ»أَي ذَلّ وَانْقَادَ.

ورَغِمَ أَنفي لله رَغْمًا ورَغَمَ يَرْغَمُ ويَرْغُمُ ورَغُمَ؛ الأَخيرة عَنِ الْهَجَرِيِّ، كُلُّهُ: ذلَّ عَنْ كُرْهٍ، وأَرغَمَه الذُّلُّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذا صَلَّى أَحدكم فليُلْزِمْ جَبْهَتَهُ وأَنفه الأَرض حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الرَّغْمُ»؛ مَعْنَاهُ حَتَّى يَخْضَعَ ويَذِلَّ وَيَخْرُجَ مِنْهُ كِبْرُ الشَّيْطَانِ، وَتَقُولَ: فَعَلْتُ ذَلِكَ عَلَى الرَّغم مِنْ أَنفه.

ورَغَمَ فُلَانٌ، بِالْفَتْحِ، إِذا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْتِصَافِ، وَهُوَ يَرْغَمُ رَغْمًا، وَبِهَذَا الْمَعْنَى رَغِمَ أَنفُه.

والمَرْغَمُ والمَرْغِمُ: الأَنف، وَهُوَ المَرْسِنُ والمَخْطِمُ والمَعْطِسُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ يَهْجُو جَرِيرًا:

تَبْكِي المَراغَةُ بالرَّغامِ عَلَى ابْنِهَا، ***والناهِقات يَهِجْنَ بالإِعْوالِ

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: رَغِمَ أَنفُه ثَلَاثًا، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ أَدرك أَبويه أَو أَحدهما حَيًّا وَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ».

يُقَالُ: أَرْغَم اللَّهُ أَنْفَه أَي أَلزقه بالرَّغام، وَهُوَ التُّرَابُ؛ هَذَا هُوَ الأَصل، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الذُّلِّ وَالْعَجْزِ عَنِ الِانْتِصَافِ وَالِانْقِيَادِ عَلَى كُرْهٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «وإِن رَغِمَ أَنف أَبي الدَّرْداء» أَي وإِن ذَلَّ، وَقِيلَ: وإِن كَره.

وَفِي حَدِيثِ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ: «كَانَتَا تَرْغيمًا لِلشَّيْطَانِ».

وَفِي حَدِيثِ أَسماء: «إِن أُمِّي قدِمتْ عليَّ راغِمَةً مُشْرِكَةً أَفَأَصِلُها؟ قَالَ: نَعَمْ»؛ لَمَّا كَانَ الْعَاجِزُ الذَّلِيلُ لَا يَخْلُو مِنْ غَضَبٍ، قَالُوا: تَرَغَّمَ إِذا غَضِبَ، وراغِمةً؛ أي غَاضِبَةً، تُرِيدُ أَنها قدِمَتْ عليَّ غَضْبَى لإِسلامي وَهِجْرَتِي مُتَسَخِّطَةً لأَمري أَو كَارِهَةً مَجِيئَهَا إِليَّ لَوْلَا مَسِيسُ الْحَاجَةِ، وَقِيلَ: هَارِبَةٌ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ قَوْلِهِ تعالى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا}؛ أي مَهْربًا ومُتَّسَعًا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِن السِّقْطَ ليُراغِمُ رَبَّهُ إِن أَدخل أَبويه النَّارَ؛ أي يُغَاضِبُهُ».

وَفِي حَدِيثِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ: «فَلَمَّا أَرْغَمَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْغَمَ بِشْرُ بْنُ البَراءِ مَا فِي فِيهِ»أَي أَلقى اللُّقْمَةَ مِنْ فِيهِ فِي التُّرَابِ.

ورَغَّمَ فُلَانٌ أَنفه: خَضَعَ.

وأَرْغَمَهُ: حَمَلَهُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ أَن يَمْتَنِعَ مِنْهُ.

ورَغَّمَهُ: قَالَ لَهُ رَغْمًا ودَغْمًا، وَهُوَ راغِمٌ داغِمٌ، ولأَفعلنَّ ذَلِكَ رَغْمًا وَهَوَانًا، نَصَبَهُ عَلَى إِضمار الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إِظهاره.

وَرَجُلٌ راغِمٌ داغِمٌ: إِتباع، وَقَدْ أَرْغَمَهُ اللَّهُ وأَدْغَمَه، وَقِيلَ: أَرْغَمَهُ أَسخطه، وأَدْغَمَهُ، بِالدَّالِ: سَوَّده.

وَشَاةٌ رَغْماء: عَلَى طَرَفِ أَنفها بَيَاضٌ أَو لَوْنٌ يُخَالِفُ سَائِرَ بَدَنِهَا.

وامرأَة مِرْغامة: مغضِبة لبَعْلِها؛ وَفِي الْخَبَرِ: " قَالَ بَيْنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذ رأَى رَجُلًا يَطُوفُ وَعَلَى عُنُقِهِ مِثْلُ المَهاةِ وَهُوَ يَقُولُ:

عُدْتُ لِهَذِي جَمَلًا ذَلولا، ***مُوَطَّأً أَتَّبِعُ السُّهولا،

أَعْدِلُها بالكَفِّ أَن تَمِيلا، ***أَحذَر أَن تَسْقُطَ أَو تَزُولَا،

أَرْجو بِذَاكَ نَائِلًا جَزِيلا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ هَذِهِ الَّتِي وَهَبْتَ لَهَا حَجَّكَ؟ قَالَ: امرأَتي، يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ إِنها حَمْقَاءُ مِرْغامة، أَكول قَامَةٌ، مَا تَبْقى لَهَا خَامَةٌ قَالَ: مَا لَكَ لَا تُطَلِّقُهَا؟ قَالَ: يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ، هِيَ حَسْنَاءُ فَلَا تُفْرَك، وأُم صِبْيَانٍ فَلَا تُتْرك قَالَ: فشأَنك بِهَا إِذًا.

والرَّغامُ: الثَّرَى.

والرَّغام، بِالْفَتْحِ: التُّرَابُ، وَقِيلَ: التُّرَابُ اللَّيِّنُ وَلَيْسَ بِالدَّقِيقِ؛ وَقَالَ:

وَلَمْ آتِ البُيوتَ، مُطَنَّباتٍ، ***بأَكثِبَةٍ فَرَدْنَ مِنَ الرَّغامِ

أَي انْفَرَدْنَ، وَقِيلَ: الرَّغامُ رَمْلٌ مُخْتَلِطٌ بِتُرَابٍ.

الأَصمعي: الرَّغامُ مِنَ الرَّمْلِ لَيْسَ بِالَّذِي يَسِيلُ مِنَ الْيَدِ.

أَبو عَمْرٍو: الرَّغامُ دُقاق التُّرَابِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَرْغَمْتُه أَي أَهَنْتُهُ وأَلزقته بِالتُّرَابِ.

وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: قَالَ أَبو عَمْرٍو الرَّغام رمل يَغْشى البصر، وَهِيَ الرِّغْمان؛ وأَنشد لنُصَيْب:

فَلَا شَكَّ أَنّ الْحَيَّ أَدْنَى مَقِيلِهِمْ ***كُناثِرُ، أَو رِغْمانُ بِيضِ الدَّوائر

وَالدَّوَائِرُ: مَا اسْتَدَارَ مِنَ الرَّمْلِ.

وأَرْغَمَ اللَّهُ أَنفه ورَغَّمه: أَلزقه بالرَّغام.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنها سُئِلَتْ عَنِ المرأَة توضأَتْ وَعَلَيْهَا الخِضابُ فَقَالَتْ: اسْلِتِيهِ وأَرغِمِيه»؛ مَعْنَاهُ أَهِينِيه وَارْمِي بِهِ عَنْكِ فِي التُّرَابِ.

ورَغَّمَ الأَنفُ نفسُه: لَزِقَ بالرَّغام.

وَيُقَالُ: رَغَمَ أَنفُه إِذا خَاسَ فِي التُّرَابِ.

وَيُقَالُ: رَغمَ فُلَانٌ أَنفه.

اللَّيْثُ: الرُّغامُ مَا يَسِيلُ مِنَ الأَنف مِنْ دَاءٍ أَو غَيْرِهِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا تَصْحِيفٌ، وَصَوَابُهُ الرُّعام، بِالْعَيْنِ.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: مِنْ قَالَ الرُّغام فِيمَا يَسِيلُ مِنَ الأَنف فَقَدْ صَحَّفَ، وَكَانَ أَبو إِسحاق الزَّجَّاجُ أَخذ هَذَا الْحَرْفَ مِنْ كِتَابِ اللَّيْثِ فَوَضَعَهُ فِي كِتَابِهِ وَتَوَهَّمَ أَنه صَحِيحٌ، قَالَ: وأَراه عَرَضَ الْكِتَابَ عَلَى الْمُبَرِّدِ وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ ثَعْلَبٍ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والرَّغامُ والرُّغامُ.

مَا يَسِيلُ مِنَ الأَنف، وَهُوَ الْمُخَاطُ، وَالْجَمْعُ أَرْغِمَةٌ، وَخَصَّ اللِّحْيَانِيُّ بِهِ الغَنم والظِّباء.

وأَرْغَمَتْ: سَالَ رُغامُها، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيضًا.

والمُراغَمَةُ: الهِجْرانُ وَالتَّبَاعُدُ.

والمُراغَمةُ: الْمُغَاضَبَةُ.

وأَرْغَمَ أَهله وراغَمَهُمْ: هَجَرَهُمْ.

وراغَم قَوْمَهُ: نَبَذهُم وَخَرَجَ عَنْهُمْ وَعَادَاهُمْ.

وَلَمْ أُبالِ رَغْم أَنفِه.

أَي وإِن لَصِقَ أَنفُه بِالتُّرَابِ.

والتَّرَغُّمُ: التغضُّب، وَرُبَّمَا جَاءَ بِالزَّايِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الحُطَيئَةِ:

تَرى بَيْنَ لَحْيَيها، إِذا مَا تَرَغَّمَتْ، ***لُغامًا كَبَيْتِ العَنْكَبُوتِ المُمَدَّدِ

والمُراغَمُ: السَّعَةُ والمضطَرَبُ، وَقِيلَ: المَذْهب والمَهْرب فِي الأَرض، وَقَالَ أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ تعالى: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا}؛ مَعْنَى مُراغَمًا مُهاجَرًا، الْمَعْنَى يَجِدْ فِي الأَرض مُهاجَرًا لأَن المُهاجِرَ لِقَوْمِهِ والمُراغِمَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وإِن اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ؛ وأَنشد:

إِلى بَلَدٍ غيرِ دَانِي المَحَل، ***بعيدِ المُراغَمِ والمُضْطَرَبْ

قَالَ: وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الرَّغام وَهُوَ التُّرَابُ، وَقِيلَ: مُراغَمًا مُضْطَرَبًا.

وَعَبْدٌ مُراغِمٌ.

أَي مضطربٌ "عَلَى مَواليه.

والمُراغَمُ: الْحِصْنُ كالعَصَرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد للجَعْدِيّ:

كَطَوْدٍ يُلاذُ بأَرْكانِهِ، ***عَزيزِ المُراغَمِ والمَهْرَبِ

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِسَالِمِ بْنِ دَارَةَ:

أَبْلِغْ أَبا سالمٍ أَن قَدْ حَفَرْت لَهُ ***بِئْرًا تُراغَمُ بَيْنَ الحَمْضِ والشَّجَرِ

وَمَا لِي عَنْ ذَلِكَ مَرْغَمٌ أَي مَنْعٌ وَلَا دَفْعٌ.

والرُّغامى: زِيَادَةُ الْكَبِدِ مِثْلُ الرُّعامى، بِالْغَيْنِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ: هِيَ قَصَبَةُ الرِّئة؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ السَّعْديّ:

شاكَتْ رُغامى قَذُوفِ الطَّرْف خائفةٍ ***هَوْلَ الجَنان، وَمَا هَمَّتْ بإِدْلاجِ

وَقَالَ الشَّمَّاخُ يَصِفُ الحُمُرَ:

يُحَشرِجُها طَوْرًا وطَوْرًا، كأَنَّما ***لها بالرُّغامى والخَياشِم جارِزُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الرُّغامى قَصَبُ الرئَةِ؛ وأَنشد:

يَبُلُّ مِنْ مَاءِ الرُّغامى لِيتَهُ، ***كَمَا يَرُبُّ سالئٌ حَمِيتَهُ

والرُّغامى مِنَ الأَنف؛ وَقَالَ ابْنُ القُوطِيَّة: الرُّغامى الأَنف وَمَا حَوْلَهُ.

والرُّغامى: نَبْتٌ، لُغَةٌ فِي الرُّخامى.

والتَّرَغُّمُ: الْغَضَبُ بِكَلَامٍ وَغَيْرِهِ والتَّزَغُّم بِكَلَامٍ؛ وَقَدْ رُوِيَ بَيْتُ لَبِيدٍ: " عَلَى خَيْرِ مَا يُلْقى بِهِ مَن تَرَغَّما "وَمَنْ تَزَعَّما.

وَقَالَ الْمُفَضَّلُ فِي قَوْلِهِ فَعَلْتُهُ عَلَى رَغْمِه: أَي عَلَى غَضَبِهِ وَمُسَاءَتِهِ.

يُقَالُ: أَرْغَمْتُه أَي أَغضبته؛ قَالَ مُرَقِّشٌ:

مَا دِيننا فِي أَنْ غَزا مَلِكٌ، ***مِنْ آلِ جَفْنَةَ، حازِمٌ مُرْغَمْ

مَعْنَاهُ مُغْضَب.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «صَلِّ فِي مُراح الْغَنَمِ وَامْسَحِ الرُّغامَ عَنْهَا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد مَسْحَ التُّرَابِ عَنْهَا رِعَايَةً لَهَا وإِصلاحًا لشأْنها.

ورُغَيْم: اسم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


81-لسان العرب (عضم)

عضم: العَضْمُ فِي القَوْسِ: المَعْجِس، وَهُوَ مَقْبِضُ القَوْسِ، والعَضْمُ والعَجْسُ والمَقْبِضُ كُلُّه بِمَعْنًى واحدٍ، والجمعِ عِضامٌ؛ أَنْشَدَ أَبُو حَنِيفَةَ:

زَادَ صَبِيَّاها عَلَى التَّمامِ، ***وعَضْمُها زَادَ عَلَى العِضَامِ

والعَضْمُ: خَشبةٌ ذاتُ أَصابع تُذَرَّى بِهَا الحِنْطةُ؛ قَالَ الأَزهري: والعَضْمُ الحِفْراة الَّتِي يُذَرَّى بِهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: العَضْمُ أصابعُ المِذْرَى.

وعَضْمُ الفدّانِ: لَوْحُه العريضُ الَّذِي فِي رأْسِه الحديدةُ الَّتِي تَشُقُّ الأَرض، والجمعُ أَعْضِمةٌ وعُضُمٌ، كِلَاهُمَا نادرٌ، وَعِنْدِي أَنهم كَسَّرُوا العَضْمَ الَّذِي هُوَ الخشبةُ وعَضْمَ الفَدّانِ عَلَى عِضامٍ، كَمَا كَسَّرُوا عَلَيْهِ عَضْمَ القَوْسِ، ثُمَّ كَسَّرُوا عِضامًا عَلَى أعْضِمة وعُضُمٍ كَمَا كَسَّروا مِثالًا عَلَى أَمْثِلَةٍ ومُثُلٍ، والظاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لغةٌ؛ حَكَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ الضَّاد.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: العَضْمُ شيءٌ مِنَ الْفَخِّ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيٌّ شيءٍ هُوَ مِنْهُ، قَالَ: وَلَمْ أَسمعه عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ الطِّرمَّاح، وَلَمْ يُنْشِدِ الْبَيْتَ.

والعَضْمُ: عَسِيبُ الفَرس، أصْلُ ذنَبهِ، وَهِيَ العُكْوةُ.

والعِضَامُ: عَسِيبُ البعيرِ وهو ذَنَبُه العظم لَا الهُلْبُ، وَالْجَمْعُ القليلُ أَعْضِمةٌ، وَالْجَمْعُ عُضُمٌ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعَضْمُ عَسِيبُ البعيرِ.

والعَضْمُ: خَطٌّ فِي الجَبَل يُخالفُ سائِرَ لَونه؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: " رُبَّ عَضْمٍ رَأَيْتُ فِي وَسْطِ ضَهْرٍ "قَالَ: الضَّهْرُ البُقْعةُ مِنَ الْجَبَلِ يُخالِفُ لونُها سائرَ لَوْنِهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ رُبَّ عَضْمٍ أَرَادَ أَنَّهُ رأَى عُودًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فقَطَعه وعَمِلَ بِهِ قَوْسًا.

والعَضُومُ: الناقةُ الصُّلْبَةُ فِي بدنِها القَوِيَّةُ عَلَى السَّفَر.

والعَصُومُ، بِالصَّادِ المُهْمَلة: الكثيرةُ الأَكلِ.

وامرأَةٌ عَيْضُومٌ: كثيرةُ الأَكلِ؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ قَالَ: " أُرْجِدَ رأْسُ شَيْخةٍ عَيْضُومِ "وَالصَّادُ أَعْلى؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: هَذَا تَصْحِيفٌ قَبِيحٌ، والصوابُ العَيْصُومُ، بِالصَّادِ؛ كَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هِيَ العَصُومُ للمرأَة إِذَا كَثُرَ أَكْلُها، وإِنما قِيلَ لَهَا عَصُومٌ وعَيْصُومٌ لأَن كثرةَ أَكْلِها تَعْصِمها مِنَ الهُزالِ وتُقَوِّيها، وَاللَّهُ أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


82-لسان العرب (حشا)

حشا: الحَشَى: مَا دُون الحِجابِ مِمَّا فِي البَطْن كُلّه مِنَ الكَبِد والطِّحال والكَرِش وَمَا تَبعَ ذَلِكَ حَشًى كُلُّه.

والحَشَى: ظَاهِرُ الْبَطْنِ وَهُوَ الحِضْنُ؛ وأَنشد فِي صِفَةِ امرأَة: " هَضِيم الحَشَى مَا الشمسُ فِي يومِ دَجْنِها "وَيُقَالُ: هُوَ لَطيفُ الحَشَى إِذا كَانَ أَهْيَفَ ضامِرَ الخَصْر.

وَتَقُولُ: حَشَوْتُه سَهْمًا إِذا أَصبتَ حَشَاه، وَقِيلَ: الحَشَى مَا بَيْنَ ضِلَعِ الخَلْف الَّتِي فِي آخِرِ الجَنْبِ إِلى الوَرِك.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الحَشَى مَا بَيْنَ آخِرِ الأَضْلاع إِلى رأْس الوَرِك.

قَالَ الأَزهري: وَالشَّافِعِيُّ سَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ حِشْوَةً، قَالَ: وَنَحْوَ ذَلِكَ حَفِظْتُهُ عَنِ الْعَرَبِ، تَقُولُ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ حِشْوَة، مَا عَدَا الشَّحْمَ فإِنه لَيْسَ مِنَ الحِشْوة، وإِذا ثَنَّيْتَ قُلْتَ حَشَيانِ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَشَى مَا اضْطَمَّت عَلَيْهِ الضُّلُوعُ؛ وقولُ المُعَطَّل الْهُذَلِيِّ:

يَقُولُ الَّذِي أَمْسَى إِلى الحَزْنِ أَهْلُه: ***بأَيّ الحَشَى أَمْسَى الخَلِيطُ المُبايِنُ؟

يَعْنِي الناحيةَ.

التَّهْذِيبُ: إِذا اشْتَكَى الرجلُ حَشَاه ونَساه فَهُوَ حَشٍ ونَسٍ، وَالْجَمْعُ أَحْشَاءٌ.

الْجَوْهَرِيُّ: حِشْوَةُ الْبَطْنِ وحُشْوته، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، أَمعاؤُه.

وَفِي حَدِيثِ المَبْعَثِ: « ثُمَّ شَقَّا بَطْني وأَخْرَجا حِشْوَتي »؛ الحُشْوَةُ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: الأَمعاء.

وَفِي" مَقْتل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْر: إِنْ حُشْوَتَه خَرَجَت.

الأَصمعي: الحُشْوَة مَوْضِعُ الطَّعَامِ وَفِيهِ الأَحْشَاءُ والأَقْصابُ.

وَقَالَ الأَصمعي: أَسفلُ مَوَاضِعِ الطَّعَامِ الَّذِي يُؤدِّي إِلى المَذْهَب المَحْشَاةُ، بِنَصْبِ الْمِيمِ، وَالْجَمْعُ المَحَاشِي، وَهِيَ المَبْعَرُ مِنَ الدَّوَابِّ، وَقَالَ: إِياكم وإِتْيانَ النساءِ فِي مَحَاشِيهنَّ فإِنَّ كُلَّ مَحْشَاةٍ حَرامٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « مَحَاشِي النِّسَاءِ حرامٌ».

قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ جَمْعُ مَحْشَاة لأَسفل مَوَاضِعِ الطَّعَامِ مِنَ الأَمْعاء فكَنَى بِهِ عَنِ الأَدْبار؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ المَحَاشِي جَمْعَ المِحْشَى، بِالْكَسْرِ، وَهِيَ العُظَّامَة الَّتِي تُعَظِّم بِهَا المرأَة عَجيزتها فكَنَى بِهَا عَنِ الأَدْبار.

والكُلْيتانِ فِي أَسفل الْبَطْنِ بَيْنَهُمَا المَثانة، ومكانُ الْبَوْلِ فِي المَثانة، والمَرْبَضُ تَحْتَ السُّرَّة، وَفِيهِ الصِّفَاقُ، والصِّفاقُ جِلْدَةُ الْبَطْنِ الباطنةُ كُلُّهَا، والجلدُ الأَسفل الَّذِي إِذا انْخَرَقَ كَانَ رَقِيقًا، والمَأْنَةُ مَا غَلُظَ تَحْتَ السُّرَّة.

والحَشَى: الرَّبْوُ؛ قَالَ الشَّمَّاخ:

تُلاعِبُني، إِذا مَا شِئْتُ، خَوْدٌ، ***عَلَى الأَنْماطِ، ذاتُ حَشًى قَطِيعِ

وَيُرْوَى: خَوْدٍ، عَلَى أَن يُجْعَلَ مِنْ نَعْتِ بَهْكنةٍ فِي قَوْلِهِ:

وَلَوْ أَنِّي أَشاءُ كَنَنْتُ نَفْسِي ***إِلى بَيْضاءَ، بَهْكَنةٍ شَمُوعِ

أَي ذَاتُ نَفَس مُنْقَطِعٍ من سِمَنها، وقَطِيعٍ نعتٌ لحَشًى.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: « أَن النَّبِيَّ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهَا وَمَضَى إِلى البَقِيع فتَبِعَتْهُ تَظُنُّ أَنه دَخَلَ بعضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بسَوادِها قصَدَ قَصْدَه فعَدَتْ فعَدَا عَلَى أَثرها فَلَمْ يُدْرِكْها إِلا وَهِيَ فِي جَوْفِ حُجْرَتِها، فَدَنَا مِنْهَا وَقَدْ وَقَع عَلَيْهَا البُهْرُ والرَّبْوُ فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَراكِ حَشْيَا.

رابيَةً "أَي مَا لَكِ قَدْ وقعَ عَلَيْكِ الحَشَى، وَهُوَ الرَّبْوُ والبُهْرُ والنَّهِيجُ الَّذِي يَعْرِض للمُسْرِع فِي مِشْيَته والمُحْتَدِّ فِي كَلَامِهِ مِنَ ارْتِفَاعِ النَّفَس وتَواتُره، وَقِيلَ: أَصله مِنْ إِصابة الرَّبْوِ حَشاه.

ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ حَشٍ وحَشْيَانُ مِنَ الرَّبْوِ، وَقَدْ حَشِيَ، بِالْكَسْرِ؛ قَالَ أَبو جُنْدُبٍ الْهُذَلِيُّ:

فنَهْنَهْتُ أُولى القَوْمِ عَنْهُمْ بضَرْبةٍ، ***تنَفَّسَ مِنْهَا كلُّ حَشْيَانَ مُجْحَرِ

والأُنثى حَشِيَةٌ وحَشْيا، عَلَى فَعْلى، وَقَدْ حَشِيا حَشًى.

وأَرْنب مُحَشِّيَة الكِلابِ أَي تَعْدُو الكلابُ خَلْفَهَا حَتَّى تَنْبَهِرَ.

والمِحْشَى: العُظَّامة تُعَظِّم بِهَا المرأَة عَجِيزتَها؛ وَقَالَ: " جُمًّا غَنيَّاتٍ عَنِ المَحَاشِي "والحَشِيَّةُ: مِرْفَقة أَو مِصْدَغة أَو نحوُها تُعَظِّم بِهَا المرأَة بدنَها أَو عَجِيزَتَهَا لتُظَنَّ مُبَدَّنةً أَو عَجْزاء، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

إِذا مَا الزُّلُّ ضاعَفْنَ الحَشَايَا، ***كَفاها أَن يُلاثَ بِهَا الإِزارُ

ابْنُ سِيدَهْ: واحْتَشَتِ المرأَةُ الحَشِيَّةَ واحْتَشَتْ بِهَا كِلَاهُمَا لَبِسَتْهَا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد: " لَا تَحْتَشِي إِلا الصَّميمَ الصَّادِقَا "يَعْنِي أَنها تَلْبَسُ الحَشَايا لأَن عِظَمَ عَجِيزَتِهَا يُغْنيها عَنْ ذَلِكَ؛ وأَنشد فِي التَّعدِّي بِالْبَاءِ:

كَانَتْ إِذا الزُّلُّ احْتَشَيْنَ بالنُّقَبْ، ***تُلْقِي الحَشايا مَا لَها فِيهَا أَرَبْ

الأَزهري: الحَشِيَّةُ رِفاعةُ المرأَة، وَهُوَ مَا تَضَعُهُ عَلَى عَجِيزَتِهَا تُعَظِّمُها بِهِ.

يُقَالُ: تحَشَّتِ المرأَةُ تحَشِّيًا، فَهِيَ مُتَحَشِّيةٌ.

والاحْتِشَاءُ: الامتلاءُ، تَقُولُ: مَا احْتَشَيْتُ فِي مَعْنَى امْتلأْتُ.

واحْتَشَتِ المُسْتحاضةُ: حَشَتْ نفْسَها بالمَفارِم وَنَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ ذُو الإِبْرِدَةِ.

التَّهْذِيبُ: والاحْتِشَاءُ احْتِشَاءُ الرَّجُلِ ذِي الإِبْرِدَةِ، والمُسْتحاضة تحْتَشِي بالكُرْسُفِ.

قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، لامرأَةٍ: احْتَشِي كُرْسُفًا، وَهُوَ الْقُطْنُ تحْشُو بِهِ فَرْجَهَا.

وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْحَائِضُ تَحْتَشِي بالكُرْسُفِ لِتَحْبِسَ الدَّمَ.

وفي حديث المُسْتحاضةِ: أَمرها أَن تَغْتَسِلَ فإِن رأَت شَيْئًا احْتَشَتْ "أَي اسْتَدْخَلَتْ شَيْئًا يَمْنَعُ الدَّمَ مِنَ الْقُطْنِ؛ قَالَ الأَزهري: وَبِهِ سُمِّيَ القُطْنُ الحَشْوَ لأَنه تُحْشَى بِهِ الفُرُش وَغَيْرُهَا.

ابْنُ سِيدَهْ: وحَشَا الوِسادة والفراشَ وَغَيْرَهُمَا يَحْشُوها حَشْوًا ملأَها، وَاسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الحَشْوُ، عَلَى لَفْظِ الْمَصْدَرِ.

والحَشِيَّةُ: الفِراشُ المَحْشُوُّ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: « مَنْ يَعْذِرُني مِنْ هؤلاءِ الضَّياطِرةِ يتَخَلَّفُ أَحدُهم يتَقَلَّبُ عَلَى حَشايَاهُ» أَي عَلَى فَرْشِه، واحدَتُها حَشِيَّة، بِالتَّشْدِيدِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لَيْسَ أَخو الْحَرْبِ مَنْ يَضَعُ خُورَ الحَشَايا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.

وحَشْوُ الرَّجُلِ: نفْسُه عَلَى المَثل، وَقَدْ حُشِيَ بِهَا وحُشِيَها؛ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الحَكَم الثَّقَفِيُّ:

وَمَا بَرِحَتْ نفْسٌ لَجُوجٌ حُشِيتَها ***تُذِيبُكَ حَتَّى قِيلَ: هَلْ أَنتَ مُكْتَوي؟

وحُشِيَ الرجلُ غَيْظًا وكِبْرًا كِلَاهُمَا عَلَى المَثَل؛ قَالَ المَرَّارُ:

وحَشَوْتُ الغَيْظَ فِي أَضْلاعِه، ***فَهْوَ يَمْشِي حَظَلانًا كالنَّقِرْ

وأَنشد ثَعْلَبٌ:

وَلَا تَأْنَفا أَنْ تَسْأَلا وتُسَلِّما، ***فَمَا حُشِيَ الإِنسانُ شَرًّا مِنَ الكِبْرِ

ابْنُ سِيدَهْ: وحُشْوَة الشاةِ وحِشْوَتُها جَوْفُها، وَقِيلَ: حِشْوة الْبَطْنِ وحُشْوَتُه مَا فِيهِ مِنْ كَبِدٍ وَطِحَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

والمَحْشَى: مَوْضِعُ الطَّعَامِ.

والحَشَا: مَا فِي الْبَطْنِ، وَتَثْنِيَتُهُ حَشَوانِ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ لأَنه مِمَّا يُثَنَّى بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ، وَالْجَمْعُ أَحْشَاءٌ.

وحَشَوْتُه: أَصَبْتُ حَشاه.

وحَشْوُ الْبَيْتِ مِنَ الشِّعْر: أَجزاؤُه غَيْرُ عَرُوضِهِ وَضَرْبِهِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

والحَشْوُ مِنَ الْكَلَامِ: الفَضْلُ الَّذِي لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ النَّاسِ.

وحُشْوَةُ النَّاسِ: رُذالَتُهم.

وَحَكَى اللَّحْيَانِيُّ: مَا أَكثر حِشْوَةَ أَرْضِكم وحُشْوَتها أَي حَشْوَها وَمَا فِيهَا مِنَ الدَّغَل.

وَفُلَانٌ مِنْ حِشْوَة بَنِي فُلَانٍ، بِالْكَسْرِ، أَي مِنْ رُذالهم.

وحَشْوُ الإِبل وحَاشِيَتُها: صِغارها، وَكَذَلِكَ حَوَاشِيها، وَاحِدَتُهَا حَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: صِغارها الَّتِي لَا كِبار فِيهَا، وَكَذَلِكَ مِنَ النَّاسِ.

والحَاشِيَتانِ: ابنُ المَخاض وَابْنُ اللَّبُون.

يُقَالُ: أَرْسَلَ بَنُو فُلَانٍ رَائِدًا فانْتَهى إِلى أَرض قَدْ شَبِعَتْ حاشِيَتاها.

وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ: « خُذْ مِنْ حَوَاشِي أَموالهم »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ صِغارُ الإِبل كَابْنِ المَخاض وَابْنِ اللَّبُون، وَاحِدَتُهَا حَاشِيَةٌ.

وحَاشِيَةُ كُلِّ شيءٍ: جَانِبُهُ وطَرَفُه، وَهُوَ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ: " اتَّقِ كرائمَ أَمْوالهم.

وحَشِيَ السِّقاءُ حَشًى: صَارَ لَهُ مِنَ اللَّبَن شِبْهُ الجِلْدِ مِنْ بَاطِنٍ فلَصِقَ بِالْجِلْدِ فَلَا يَعْدَمُ أَن يُنْتِنَ فيُرْوِحَ.

وأَرضٌ حَشَاةٌ: سَوْداء لَا خَيْرَ فِيهَا.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وأَرض حَشَاةٌ قَلِيلَةُ الْخَيْرِ سوداءُ.

والحَشِيُّ مِنَ النَّبْتِ: مَا فسَد أَصله وعَفِنَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

كأَنَّ صَوْتَ شَخْبِها، إِذا هَما، ***صَوتُ أَفاعٍ فِي حَشِيٍّ أَعْشَما

وَيُرْوَى: فِي خَشِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

وإِنَّ عِندي، إِن رَكِبْتُ مِسْحَلي، ***سَمَّ ذَراريحَ رِطابٍ وحَشِي

أَراد: وحَشِيٍّ فَخَفَّفَ الْمُشَدَّدَ.

وتَحَشَّى فِي بَنِي فُلَانٍ إِذا اضْطَمُّوا عَلَيْهِ وآوَوْهُ.

وَجَاءَ فِي حاشِيَتهِ أَي فِي قَوْمِهِ الَّذِينَ فِي حَشاه.

وَهَؤُلَاءِ حاشِيَتُه أَي أَهله وخاصَّتُه.

وَهَؤُلَاءِ حَاشِيَته، بِالنَّصْبِ، أَي فِي نَاحِيَتِهِ وظِلِّه.

وأَتَيْتُه فَمَا أَجَلَّني وَلَا أَحْشَانِي أَي فَمَا أَعطاني جَليلة وَلَا حاشِيةً.

وحَاشِيَتَا الثَّوْبِ: جَانِبَاهُ اللَّذَانِ لَا هُدْبَ فِيهِمَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: حاشِيَتا الثَّوْبِ جَنَبَتاه الطَّوِيلَتَانِ فِي طَرَفَيْهِمَا الهُدْبُ.

وحَاشِيَةُ السَّراب: كُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي حَاشِيَةِ المَقامِ »أَي جَانِبِهِ وطَرَفه، تَشْبِيهًا بحاشِيَة الثَّوْبِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" مُعاوية: لَوْ كنتُ مِنْ أَهل الْبَادِيَةِ لنزلتُ مِنَ الكَلإِ الحَاشِيَةَ.

وعَيْشٌ رقيقُ الحَوَاشِي أَي ناعِمٌ فِي دَعَةٍ.

والمَحَاشِي: أَكْسية خَشِنة تَحْلِقُ الجَسدَ، وَاحِدَتُهَا مِحْشَاةٌ؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبياني:

إِجْمَعْ مِحَاشَكَ يَا يَزِيدُ، فإِنني ***أَعْدَدْتُ يَرْبُوعًا لَكُمْ وتَمِيما

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مِنْ الحَشْوِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فِي المِحَاشِ إِنه مِنَ الحَشْوِ غَلَطٌ قَبِيحٌ، وإِنما هُوَ مِنَ المَحْش وَهُوَ الحَرْقُ، وَقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي فَصْلِ مَحَشَ فَقَالَ: المِحاشُ قَوْمٌ اجْتَمَعُوا مِنْ قَبَائِلَ وتحالَفُوا عِنْدَ النَّارِ.

قَالَ الأَزهري: المَحَاشُ كأَنه مَفْعَلٌ مِنَ الحَوْشِ، وَهُمْ قَوْمٌ لَفِيف أُشابَةٌ.

وأَنشد بَيْتَ النَّابِغَةِ: جَمِّعْ مَحاشَك يَا يَزِيدُ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: غَلِطَ اللَّيْثُ فِي هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما فَتْحُهُ الْمِيمَ وَجَعْلُهُ إِياه مَفْعَلًا مِنَ الحَوْش، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ وَالصَّوَابُ المِحاشُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبو عُبَيْدٍ وَابْنُ الأَعرابي: إِنما هُوَ جَمِّعْ مِحاشَكَ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، جَعَلُوهُ من مَحَشَتْه أَي أَحرقته لَا مِنَ الحَوْش، وَقَدْ فُسِّر فِي مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ أَنهم يَتَحَالَفُونَ عِنْدَ النَّارِ، وأَما المَحاشُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ، فَهُوَ أَثاثُ الْبَيْتِ وأَصله مِنَ الحَوْش، وَهُوَ جَمْع الشَّيْءِ وضَمُّه؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ للفِيفِ النَّاسِ مَحاشٌ.

والحَشِيُّ، عَلَى فَعِيل: اليابِسُ؛ وأَنشد الْعَجَّاجُ: " والهَدَب النَّاعِمُ والحَشِيّ "يُرْوَى بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ جَمِيعًا.

وحَاشَى: مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ تَجُرُّ مَا بَعْدَهَا كَمَا تَجُرُّ حَتَّى مَا بَعْدَهَا.

وحاشَيْتُ مِنَ الْقَوْمِ فُلَانًا: استَثنيْت.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: شَتمْتُهم وَمَا حاشَيْتُ مِنْهُمْ أَحدًا وَمَا تَحَشَّيْتُ وَمَا حَاشَيْتُ أَي مَا قَلْتُ حَاشَى لِفُلَانٍ وَمَا اسْتَثْنَيْتُ مِنْهُمْ أَحدًا.

وحَاشَى للهِ وحَاشَ للهِ أَي بَرَاءةً لِلَّهِ ومَعاذًا لِلَّهِ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: حُذِفَتْ مِنْهُ اللَّامُ كَمَا قَالُوا وَلَوْ تَرَ مَا أَهل مَكَّةَ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ.

الأَزهري: حاشَ لِلَّهِ كَانَ فِي الأَصل حاشَى لِلَّهِ، فكَثُر فِي الْكَلَامِ وَحُذِفَتِ الْيَاءُ وَجُعِلَ اسْمًا، وإِن كَانَ فِي الأَصل فِعْلًا، وَهُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ عَدَا وخَلا، وَلِذَلِكَ خَفَضُوا بحَاشَى كَمَا خُفِضَ بِهِمَا، لأَنهما جُعِلَا حَرْفَيْنِ وإِن كَانَا فِي الأَصل فِعْلَيْنِ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ}؛ هُوَ مِنْ حاشَيْتُ أُحَاشِي.

قَالَ ابْنُ الأَنباري: مَعْنَى حَاشَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَعْزِلُ فُلَانًا مِنْ وَصْفِ الْقَوْمِ بالحَشَى وأَعْزِلُه بِنَاحِيَةٍ وَلَا أُدْخِله فِي جُمْلتهم، وَمَعْنَى الحَشَى الناحيةُ؛ وأَنشد أَبو بَكْرٍ فِي الحَشَى النَّاحِيَةِ بَيْتَ المُعَطَّل الْهُذَلِيِّ: " بأَيِّ الحَشَى أَمْسى الحَبيبُ المُبايِنُ وَقَالَ آخَرُ:

حَاشَى أَبي مَرْوان، إِنَّ بِهِ ***ضَنًّا عَنِ المَلْحاةِ والشَّتْمِ

وَقَالَ آخَرُ: وَلَا أُحاشِي من الأَقْوامِ من أَحَدِ وَيُقَالُ: حَاشَى لِفُلَانٍ وحَاشَى فُلانًا وحَاشَى فلانٍ "وحَشَى فلانٍ؛ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ:

مَن رامَها، حَاشَى النَّبيِّ وأَهْلِه ***فِي الفَخْرِ، غَطْمَطَه هُنَاكَ المُزْبِدُ

وأَنشد الْفَرَّاءُ:

حَشا رَهْطِ النبيِّ، فإِنَّ منهمْ ***بُحورًا لَا تُكَدِّرُها الدِّلاءُ

فَمَنْ قَالَ حاشَى لِفُلَانٍ خَفْضَهُ بِاللَّامِ الزَّائِدَةِ، وَمَنْ قَالَ حَاشَى فُلَانًا أَضْمَر فِي حاشَى مَرْفُوعًا ونصَب فُلَانًا بحاشَى، وَالتَّقْدِيرُ حاشَى فِعْلُهم فُلَانًا، وَمَنْ قَالَ حَاشَى فُلَانٍ خفَض بإِضمار اللَّامِ لِطُولِ صُحبتها حاشَى، وَيَجُوزُ أَن يَخَفِضَهُ بِحَاشَى لأَن حَاشَى لَمَّا خَلَتْ مِنَ الصَّاحِبِ أَشبهت الِاسْمَ فأُضيفت إِلى مَا بَعْدَهَا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ حاشَ لِفُلَانٍ فَيُسْقِطُ الأَلف، وَقَدْ قُرِئَ فِي الْقُرْآنِ بِالْوَجْهَيْنِ.

وَقَالَ أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ تعالى: {قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ}؛ اشْتُقَّ مِنْ قَوْلِكَ كنتُ فِي حَشَا فُلَانٍ أَي فِي نَاحِيَةِ فُلَانٍ، وَالْمَعْنَى فِي حَاشَ لِلَّهِ بَراءةً لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وإِذا قُلْتَ حَاشَى لِزَيْدٍ هَذَا مِنَ التَّنَحِّي، وَالْمَعْنَى قَدْ تنَحَّى زيدٌ مِنْ هَذَا وتَباعَدَ عَنْهُ كَمَا تَقُولُ تنَحَّى مِنَ النَّاحِيَةِ، كَذَلِكَ تَحَاشَى مِنْ حاشيةِ الشَّيْءِ، وَهُوَ ناحيتُه.

وَقَالَ أَبو بَكْرِ بنُ الأَنْباري فِي قَوْلِهِمْ حَاشَى فُلَانًا: مَعْنَاهُ قَدِ استثنيتُه وأَخرجته فَلَمْ أُدخله فِي جُمْلَةِ الْمَذْكُورِينَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جعَلَه مِنْ حَشَى الشيءِ وَهُوَ نَاحِيَتُهُ؛ وأَنشد الْبَاهِلِيُّ فِي الْمَعَانِي:

وَلَا يَتَحَشَّى الفَحْلُ إِنْ أَعْرَضَتْ بِهِ، ***وَلَا يَمْنَعُ المِرْباعَ مِنْهَا فَصِيلُها

قَالَ: لَا يَتَحَشَّى لَا يُبالي مَنْ حَاشَى.

الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ حَاشَاكَ وحَاشَى لكَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.

وحَاشَى: كَلِمَةٌ يُسْتَثْنَى بِهَا، وَقَدْ تَكُونُ حَرْفًا، وَقَدْ تَكُونُ فِعْلًا، فإِن جَعَلْتَهَا فِعْلًا نَصَبْتَ بِهَا فَقُلْتَ ضَرَبْتُهُمْ حَاشَى زَيْدًا، وإِن جَعَلْتَهَا حَرْفًا خَفَضْتَ بِهَا، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا تَكُونُ إِلا حَرْفَ جَرٍّ لأَنها لَوْ كَانَتْ فِعْلًا لَجَازَ أَن تَكُونَ صِلَةً لِمَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي خَلَا، فَلَمَّا امْتَنَعَ أَن يُقَالَ جَاءَنِي الْقَوْمُ مَا حَاشَى زَيْدًا دَلَّتْ أَنها لَيْسَتْ بِفِعْلٍ.

وَقَالَ المُبرد: حَاشَى قَدْ تَكُونُ فِعْلًا؛ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّابِغَةِ:

وَلَا أَرى فاعِلًا فِي النَّاسِ يُشْبِهُه، ***وَمَا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوام مِنْ أَحَدِ

فتصرُّفه يَدُلُّ عَلَى أَنه فِعْلٌ، ولأَنه يُقَالُ حَاشَى لزيدٍ، فَحَرْفُ الْجَرِّ لَا يَجُوزُ أَن يَدْخُلَ عَلَى حَرْفِ الْجَرِّ، ولأَن الْحَذْفَ يَدْخُلُهَا كَقَوْلِهِمْ حَاشَ لزيدٍ، وَالْحَذْفُ إِنما يَقَعُ فِي الأَسماء والأَفعال دُونَ الْحُرُوفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ سِيبَوَيْهِ حَاشَى لَا تَكُونُ إِلا حَرْفَ جَرٍّ قَالَ: شَاهِدُهُ قَوْلُ سَبْرة بْنِ عَمْرٍو الأَسَدي:

حَاشَى أَبي ثَوْبانَ، إِنَّ بِهِ ***ضَنًّا عَنِ المَلْحاة والشَّتْمِ

قَالَ: وَهُوَ مَنْسُوبٌ فِي المُفَضَّلِيّاتِ للجُمَيْح الأَسَدي، وَاسْمُهُ مُنْقِذُ بْنُ الطَّمّاح؛ وَقَالَ الأُقَيْشِر:

فِي فِتْيةٍ جعَلوا الصليبَ إِلَهَهُمْ، ***حَاشَايَ، إِني مُسْلِمٌ مَعْذُورُ

الْمَعْذُورُ: المَخْتُون، وحَاشَى فِي الْبَيْتِ حَرْفُ جَرٍّ، قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ فِعْلًا لَقُلْتَ حَاشَانِي.

ابْنُ الأَعرابي: تَحَشَّيْتُ مِنْ فلان أَي تَذَمَّمْتُ؛ وَقَالَ الأَخطل:

لَوْلَا التَّحَشِّي مِنْ رِياحٍ رَمَيْتُها ***بكَالِمةِ الأَنْيابِ، باقٍ وُسُومُها

التَّهْذِيبُ: وَتَقُولُ: انْحَشَى صوتٌ فِي صوتٍ وانْحَشَى حَرْفٌ فِي حَرْف.

والحَشَى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:

إنَّ بأَجْزاعِ البُرَيْراءِ، فالحَشَى، ***فَوَكْدٍ إِلَى النَّقْعَيْنِ مِنْ وَبِعَانِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


83-أساس البلاغة (ترر)

ترر

جارية تارة، وفي بدنها ترارة، وهي امتلاؤه من اللحم وريّ العظم. وقصبة تارة، وغلام تار طار. وترت النواة من المرضاخ: ندرت. وضرب يده بالسيف فاترها، وضربها فترت. والغلام بتر القلة بالمقلاة.

وفي مثل «ضعف عصور، وقعل أترور» وهو الغلام الصغير. وقبض على يده يترتره. والحرب فيها التراتر أي الشدائد. قال هذيل الأشجعي:

وحتى تقولوا بعد ما يشمت العدا *** بكم إن أصل الحرب فيها التراتر

ومن المجاز: لأقيمنه على التر.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


84-مجمل اللغة (جمع)

جمع: جمعت الشيء جمعًا.

والجماع: الأشابة من قبائل شتى.

قال ابن الأسلت:

من بين جمع غير جماعِ

وماتت المرأة بجمعٍ، إذا ماتت وفي بطنها الولد، وقيل: هي التي تموت ولم يمسسها رجل.

يقال للأتان أول ما تحمل: جامع.

وقدر جماع وجامعة، وهي العظيمة.

والجمع: كل لون من النخل لا يعرف اسمه.

ويقال: ما أكثر الجمع بأرض فلان لنخل خرجَ من النوى.

وضربته بجمع كقي (وبجمع كفي).

ويقال: نهبٌ مجمع.

وفي شعر أبي ذويب:

نهبٌ مجمعُ.

وتقول: استجمع الفرس جريًا.

وجمع مكة، سمي لاجتماع الناس به.

وكذلك يوم الجمعة.

وتقول: اجمعت الأمر إجماعًا وعليه، إذا عزمت.

وفلاة مجمعة: يجتمع القوم فيها ولا يتفرقون خوف الضلال.

والجوامع: الأغلال.

والجمعاء من البهائم وغيرها: التي لم يذهب من بدنها شيء.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


85-مجمل اللغة (قرو)

قرو: القرو: مثل المعصرة.

والقرو: حوض ممدود عند الحوض الضخم ترده الإبل.

والقرو: كل شيء على طريقة واحدة، يقال: رأيت القوم على قرو واحد.

والقرو: القصد.

تقول: قروت وقريت، إذا سلكت.

واستقريت هذه الأرض قرية قرية.

والقري: الماء المجموع.

والقرية: معروفة.

والجمع قرى مثل كسوة وكسى.

والقرى: قرى الضيف والقرى: الظهر.

وناقة قرواء: شديدة الظهر، ولا يقال للبعير أقرى.

والمقراة: الحوض يجتمع فيه الماء.

والمقراة: الجفنة تقري الضيفان.

(ومن المهموز) قرأ القرآن، والقرآن من القرو، وهو الجمع، أو أن يخرج القارئ من آية إلى آية.

وقرأت الناقة: حملت.

وأقرأت المرأة، (إذا خرجت) من طهر إلى حيض أو (من) حيض إلى طهر.

والقروء: جمع قرء، (والقرء): وقت يكون للطهر مرة وللحيض مرة (وجمعه قروء).

ويقال: القرء: هو الطهر، وذلك أن المرأة الطاهر كأن الدم اجتمع وامتسك في بدنها، فهو من قريت الماء.

وقرى الآكل الطعام في شدقه، وقد يختلف اللفظان فيهمز أحدهما ولا يهمز الآخر والمعنى واحد، إذا كان الأصل واحدا.

وقوم يذهبون إلى أن القرء الحيض.

و (يقال): هبت الريح لقارئها (أي لوقتها) والقارية: طائر (غير مهموز).

والناس قواري الله في الأرض قال الخليل: هم الشهود (قال): والواحدة: قارية.

والقرة، المال من الإبل والغنم.

والقرة: العيال.

والقارية: طرف السنان، وحد كل شيء قاريته.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


86-مجمل اللغة (مر)

مر: مر يمر، إذا مضى.

وأمر الشيء يمر ومر، إذا صار مرا.

وأمررت الحبل، إذا فتلته، والمرة: شدة الفتل.

والمرير: المفتول وهو ممر.

والأمر: المصارين يجتمع فيها الفرث.

والمرار: شجر مر.

ولقيت منه الأمرين، أي: الدواهي.

والأمران: الهرم والمرض.

وامرأة مرمارة، إذا مشت تمرمر بدنها.

والمريرة: عزة النفس.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


87-مقاييس اللغة (جمع)

(جَمَعَ) الْجِيمُ وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى تَضَامِّ الشَّيْءِ.

يُقَالُ جَمَعْتُ الشَّيْءَ جَمْعًا.

وَالْجُمَّاعُ الْأُشَابَةُ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى.

وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ:

ثُمَّ تَجَلَّتْ وَلَنَا غَايَةٌ *** مِنْ بَيْنِ جَمْعٍ غَيْرِ جُمَّاعِ

وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ: مَاتَتْ بِجُمْعٍ.

وَيُقَالُ هِيَ أَنْ تَمُوتَ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَمْسَسْهَا رَجُلٌ.

وَمِنْهُ قَوْلُ الدَّهْنَاءِ إِنِّي مِنْهُ بِجُمْعٍ.

وَالْجَامِعُ: الْأَتَانُ أَوَّلَ مَا تَحْمِلُ.

وَقِدْرٌ جِمَاعٌ وَجَامِعَةٌ، وَهِيَ الْعَظِيمَةُ.

وَالْجَمْعُ: كُلُّ لَوْنٍ مِنَ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، يُقَالُ مَا أَكْثَرَ الْجَمْعَ فِي أَرْضِ بَنِي فُلَانٍ لِنَخْلٍ خَرَجَ مِنَ النَّوَى.

وَيُقَالُ ضَرْبَتُهُ بِجُمْعِ كَفِّي وَجِمْعُ كَفِّي.

وَتَقُولُ: نَهْبٌ مُجْمَعٌ.

قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

وَكَأَنَّهَا بِالْجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعْ *** وَأُولَاتُ ذِي الْخَرْجَاءِ نَهْبٌ مُجْمَعْ

وَتَقُولُ اسْتَجْمَعَ الْفَرَسُ جَرْيًا.

وَجَمْعُ: مَكَّةُ، سُمِّي لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهِ وَكَذَلِكَ يَوْمُ [الْجُمُعَةِ].

وَأَجْمَعْتُ عَلَى الْأَمْرِ إِجْمَاعًا وَأَجْمَعْتُهُ.

قَالَ الْحَارِثُ ابْنُ حِلِّزَةَ:

أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ بِلَيْلٍ فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ وَيُقَالُ فَلَاةٌ مُجْمِعَةٌ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهَا وَلَا يَتَفَرَّقُونَ خَوْفَ الضَّلَالِ.

وَالْجَوَامِعُ: الْأَغْلَالُ.

وَالْجَمْعَاءُ مِنَ الْبَهَائِمِ وَغَيْرِهَا: الَّتِي لَمْ يَذْهَبْ مِنْ بَدَنِهَا شَيْءٌ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


88-مقاييس اللغة (درع)

(دَرَعَ) الدَّالُ وَالرَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ شَيْءٌ [مِنَ اللِّبَاسِ]، ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَيْهِ تَشْبِيهًا.

فَالدِّرْعُ دِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ، وَالْجَمْعُ دُرُوعٌ، وَأَدْرَاعٌ.

وَدِرْعُ الْمَرْأَةِ: قَمِيصُهَا، مُذَكَّرٌ.

وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ.

ثُمَّ يُقَالُ: شَاةٌ دَرْعَاءُ، وَهِيَ الَّتِي اسْوَدَّ رَأْسُهَا، وَابْيَضَّ سَائِرُهَا.

"وَهُوَ الْقِيَاسُ; لِأَنَّ بَيَاضَ سَائِرِ بَدَنِهَا كَدِرْعٍ لَهَا قَدْ لَبِسَتْهُ."

وَمِنْهُ اللَّيَالِي الدُّرْعُ، وَهِيَ ثَلَاثٌ تَسْوَدُّ أَوَائِلُهَا وَيَبْيَضُّ سَائِرُهَا، شُبِّهَتْ بِالشَّاةِ الدَّرْعَاءِ.

فَهَذَا مُشَبَّهٌ بِمُشَبَّهٍ بِغَيْرِهِ.

وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْبَابِ الِانْدِرَاعُ: التَّقَدُّمُ فِي السَّيْرِ.

قَالَ:

أَمَامَ الْخَيْلِ تَنْدَرِعُ انْدِرَاعًا.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


89-صحاح العربية (نحض)

[نحض] النَحْضُ والنَحْضَةُ: اللحمُ المكتنز، كلحم الفخذ.

قال عبيد: ثم أبْري نِحاضَها فَتَراها *** ضامِرًا بعد بُدْنِها كالهِلالِ *** وقد نَحُضَ بالضم فهو نَحيضٌ، أي اكتنز لحمه.

والمرأةُ نَحيضَةٌ.

ونُحِضَ على ما لم يسمَّ فاعله، فهو مَنْحوضٌ، أي ذهب لحمه.

وانْتَحَضَ مثله.

ونَحَضْتُ ما على العظم من اللحم وانْتَحَضْتُهُ، أي اعترقته.

وسِنانٌ نَحيضٌ وقد نَحَّضْتُهُ، أي رَقَّقْتُهُ.

وهو المِسَنُّ.

قال امرؤ القيس يصف الجنب: يُباري شَباةَ الرُمْحِ خَدٌّ مُزَلَّقٌ *** كصَفْحِ السِنانِ الصُّلَّبيِّ النَحيضِ

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


90-صحاح العربية (جمع)

[جمع] جمعت الشئ المتفرق فاجتمع.

والرجلُ المُجْتَمِعُ: الذي بلغ أشُدَّهُ.

ولا يقال ذلك للنساء.

ويقال للجارية إذا شبت: قد جمعت الثياب، أي قد لبست الدرعَ والخمارَ والملحفةَ.

وتَجَمَّعَ القومُ، أي اجتمعوا من ههنا وههنا.

وجُمَّاعُ الناس بالضم: أَخْلاطُهُمْ، وهم الأُشابَةُ من قبائل شتى.

ومنه قول ابن الاسلت يصف الحرب: ثم تجلت ولنا غاية *** من بين جمع غير جماع *** والجمع: مصدر قولك جمعت الشئ.

وقد يكون اسمًا لجماعة الناس، ويُجْمَعُ على جموع، والموضع مجمع ومجمع، مثال مطلع ومطلع.

والجمع أيضًا: الدَقَلُ.

يقال: ما أَكْثَرَ

الجَمْعَ في أرض بني فلان: لنخلٍ يخرج من النَوى ولا يُعْرَفُ اسْمُهُ.

ويقال أيضًا: للمُزْدَلِفَةِ: جَمْعٌ، لاجتماع الناس فيها.

وجُمْعُ الكَفِّ بالضم، وهو حين تَقْبِضُها.

يقال: ضربته بجُمْعِ كفّي.

وجاء فلان بقُبضةٍ مِلْءِ جُمْعِهِ.

قال الشاعر: وما فَعَلَتْ بي ذاكَ حتّى تَرَكْتُها *** تُقَلِّبُ رأْسًا مثلَ جُمْعيَ عارِيا *** وتقول: أخذت فلانًا بجُمْعٍ ثيابه.

وأمرُ بَني فلانٍ بجَمْعٍ وجِمْعٍ، أي لم يَقْتَضَّها.

قالت دَهْناء بنت مِسْحَلٍ امرأةُ العجاج للعامل: " أصلح الله الأمير، إنِّي منه بجُمْعٍ "، أي عذراء لم يَقْتَضَّني.

وماتت فلانة بجُمْعٍ وجِمْعٍ، أي ماتت وولدُها في بطنها.

وجُمْعَةٌ من تمرٍ، أي قُبْضَةٌ منه.

ويومُ الجُمْعَةِ: يومُ العَروبةِ.

وكذلك يومُ الجُمُعَةِ بضم الميم.

ويُجْمَعُ على جُمُعاتٍ وجُمَعٍ.

وأتانٌ جامِعٌ، إذا حملتْ أوَّلَ ما تحمل.

وقدر جامعة، وهى العظيمة.

والجامِعَةُ: الغُلُّ ; لأنَّها تجمع اليدين إلى العنق.

والمسجدُ الجامِعُ، وإن شئت قلت مسجدُ الجامِع بالإضافة، كقولك: الحقُّ اليقينُ وحقُّ اليقينِ، بمعنى مسجدِ اليوم الجامعِ وحق الشئ اليقين ; لان إضافة الشئ إلى نفسه لا تجوز إلا على هذا التقدير.

وكان الفراء يقول: العرب تضيف الشئ إلى نفسه لاختلاف اللفظين، كما قال الشاعر: فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه *** سيرضيكما منها سنام وغاربه *** فأضاف النجا، وهو الجلد، إلى الجلد لما اختلف اللفظان.

والجمعاء من البهائم: التي لم يذهب من بدنها شئ.

وأجمع بناقته، أي صَرَّ أَخْلافَها جُمَعَ.

قال الكسائي: يقال أَجْمَعْتُ الأمرَ وعلى الأمرِ، إذا عزمتَ عليه ; والأمرُ مُجْمَعٌ.

ويقال أيضًا: أَجْمِعْ أمرَكَ ولا تَدَعْهُ منتشرًا، قال الشاعر: تُهِلُّ وتَسْعى بالمصابيح وَسْطَها *** لها أمْرُ حزم لا يفرق مجمع

وقال آخر: يا ليتَ شِعري والمُنى لا تنفع *** هل أَغْدُوَنْ يومًا وأمري مُجْمَعُ *** وقوله تعالى: {فأَجْمِعوا أَمْرَكُمْ وشُرَكاءَكُم} أي وادْعوا شركاءكم، لأنَّه لا يقال أَجْمَعْتُ شركائي، إنما يقال جمعت.

قال الشاعر: يا ليت زوجك قد غدا *** متقلدا سيفا ورمحا *** أي وحاملا رمحا، لان الرمح لا يتقلد.

وأجمعت الشئ: جعلته جميعا.

ومنه قول أبى ذؤيب يصف حمرا: فكأنها بالجزع بين نبايع *** وأولات ذى العرجاء نهب مجمع *** وأولات ذى العرجاء: مواضع، نسبها إلى مكان فيه أكمة عرجاء فشبه الحمر بإبل انتهبت وحزقت من طوائفها.

والمجموع: الذى جمع من ههنا وههنا وإن لمْ يجعل كالشئ الواحد.

وفلاة مجمعة: يجتمع القومُ فيها ولا يتفرَّقون، خوف الضلال ونحوِه، كأنَّها هي التي جمعتهم.

واستجمع السيل: اجتمع من كلِّ موضع.

ويقال للمُسْتَجيش: اسْتَجْمَعَ كلَّ مَجْمَعٍ.

واستَجْمَعَ الفرسُ جَرْيًا.

وقال يصف سرابًا.

ومُسْتَجْمِعٍ جَرْيًا وليس بِبارِحٍ *** تُباريه في ضاحي المِتانِ سَواعِدُهْ *** وجُمِعَ: جَمْعُ جُمْعَةٍ، وجَمْعُ جَمْعاءَ في توكيد المؤنَّث.

تقول: رأيت النسوة جمع غير مصروف، وهو معرفة بغير الالف واللام، وكذلك ما يجرى مجراه من التواكيد، لانه توكيد للمعرفة.

وأخذت حقى أجمع في توكيد المذكر، وهو توكيد محض.

وكذلك أجمعون وجمعاء وجمع، وأكتعون وأبتعون وأبصعون، لا يكون إلا تأكيدا تابعا لما قبله لا يبتدأ ولا يخبر به ولا عنه، ولا يكون فاعلا ولا مفعولا كما يكون غيره من التواكيد اسما مرة وتوكيدا أخرى، مثل نفسه وعينه وكله.

وأَجْمَعونَ: جَمْعُ أَجْمَعَ.

وأَجْمَعُ واحدٌ في معنى جَمْعٍ وليس له مفردٌ من لفظه.

والمؤنث جَمْعاءُ، وكان ينبغى أن يجمعوا جمعاء بالالف والتاء كما جمعوا أجمع بالواو والنون، ولكنهم قالوا في جمعها جمع.

ويقال: جاء القوم بأَجْمَعِهِمْ وبأَجْمُعِهِمْ أيضا بضم الميم، كما تقول جاءوا بأكلبهم جمع كلب.

وجميع يؤكد به، يقال جاءوا جميعًا، أي كلهم.

والجميع: ضد المتفرق.

قال الشاعر: فَقَدْتُكِ من نَفْسٍ شَعاعٍ فأنني *** نَهَيْتُكِ عن هذا وأنتِ جَميعُ *** والجميعُ: الجَيْشُ.

قال لبيد: عريت وكان بها الجميع فأبكروا *** منها وغودِرَ نُؤْيُها وثُمامُها *** وجِماعُ الشئ بالكسر: جمعه.

تقول: جماع الخِباءِ الأخبيةُ، لأنَّ الجِماعَ ما جَمَعَ عددًا، يقال: الخمرُ جِماعُ الإِثم.

وقِدْرٌ جِماعٌ أيضًا للعظيمة.

وجَمَّعَ القومُ تَجْميعًا، أي شهدوا الجُمْعَةَ وقَضَوا الصلاة فيها.

وجَمَعَ فلان مالا وعدده.

ومجمع: لقب قصى بن كلاب، سمى بذلك لانه جمع قبائل قريش وأنزلها مكة وبنى دار الندوة.

والمجامعة: المباضعة.

وجامَعَهُ على أمر كذا، أي اجتمع معه.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


91-منتخب الصحاح (جمع)

جَمَعْتُ الشيءَ المتفرقَ فاجْتَمَعَ.

والرجلُ المُجْتَمِعُ: الذي بلغ أشُدَّهُ.

ولا يقال ذلك للنساء.

ويقال للجارة إذا شَبَّتْ: قد جمعت الثياب، أي قد لبست الدرعَ والخمارَ والملحفةَ.

وتَجَمَّعَ القومُ، أي اجتمعوا من ههنا وههنا.

وجُمَّاعُ الناس بالضم: أَخْلاطُهُمْ، وهم الأُشابَةُ من قبائلَ شتَّى.

والجَمْعُ: مصدر قولك جَمَعْتُ الشيء.

وقد يكون اسمًا لجماعة الناس، ويُجْمَعُ على جُموعٍ، والموضِعُ مَجْمَعٌ ومَجْمِعٌ.

والجمع أيضًا: الدَقَلُ.

يقال: ما أَكْثَرَ الجَمْعَ في أرض بني فلان: لنخلٍ يخرج من النَوى ولا يُعْرَفُ اسْمُهُ.

ويقال أيضًا للمُزْدَلِفَةِ: جَمْعٌ، لاجتماع الناس فيها.

وجُمْعُ الكَفِّ بالضم، وهو حين تَقْبِضُها.

يقال: ضربته بجُمْعِ كفّي.

وجاء فلان بقُبضةٍ مِلْءِ جُمْعِهِ.

قال الشاعر:

وما فَعَلَتْ بي ذاكَ حتّى تَرَكْتُها *** تُقَلِّبُ رأْسًا مثلَ جُمْعيَ عارِيا

وتقول: أخذت فلانًا بجُمْعٍ ثيابه.

وأمرُ بَني فلانٍ بجَمْعٍ وجِمْعٍ، أي لم يَقْتَضَّها.

قالت دَهْناء بنت مِسْحَلٍ امرأةُ العجاج للعامل: أصلح الله الأمير، إنِّي منه بجُمْعٍ، أي عذراء لم يَقْتَضَّني.

وماتت فلانة بجُمْعٍ وجِمْعٍ، أي ماتت وولدُها في بطنها.

وجُمْعَةٌ من تمرٍ، أي قُبْضَةٌ منه.

ويومُ الجُمْعَةِ: يومُ العَروبةِ.

وكذلك يومُ الجُمُعَةِ بضم الميم.

ويُجْمَعُ على جُمُعاتٍ وجُمَعٍ.

وأتانٌ جامِعٌ، إذا حملتْ أوَّلَ ما تحمل.

وقِدْرٌ جامِعَةٌ، وهي العظيمة.

والجامِعَةُ: الغُلُّ؛ لأنَّها تجمع اليدين إلى العنق.

والمسجدُ الجامِعُ، وإن شئت قلت مسجدُ الجامِع بالإضافة، كقولك: الحقُّ اليقينُ وحقُّ اليقينِ، بمعنى مسجدِ اليوم الجامعِ وحقِّ الشيءِ اليقينِ.

والجَمْعاءُ من البهائم: التي لم يذهب من بدَنها شيء.

وأَجْمَعَ بناقته، أي صَرَّ أَخْلافَها جُمَعَ.

قال الكسائي: يقال أَجْمَعْتُ الأمرَ وعلى الأمرِ، إذا عزمتَ عليه؛ والأمرُ مُجْمَعٌ.

ويقال أيضًا: أَجْمِعْ أمرَكَ ولا تَدَعْهُ منتشرًا، قال الشاعر:

تُهِلُّ وتَسْعى بالمصابيح وَسْطَها *** لها أمْرُ حَزْمٍ لا يُفَرَّقُ مُجْمِعُ

وقال آخر:

يا ليتَ شِعري والمُنى لا تنفع *** هل أَغْدُوَنْ يومًا وأمري مُجْمَعُ

وقوله تعالى: فأَجْمِعوا أَمْرَكُمْ وشُرَكاءَكُم أي وادْعوا شركاءكم، لأنَّه لا يقال أَجْمَعْتُ شركائي، إنما يقال جَمَعْتُ.

وأَجْمَعْتُ الشيءَ: جعلتُه جَميعًا.

والمَجْموعُ: الذي جُمِعَ من ههنا وههنا وإن لمْ يُجْعَلْ كالشيء الواحد.

وفلاةٌ مُجْمِعَةُ: يجتمع القومُ فيها ولا يتفرَّقون، خوفَ

الضلال ونحوِه، كأنَّها هي التي جمعتهم.

واسْتَجْمَعَ السيلُ: اجتمع من كلِّ موضع.

ويقال للمُسْتَجيش: اسْتَجْمَعَ كلَّ مَجْمَعٍ.

واستَجْمَعَ الفرسُ جَرْيًا.

وقال يصف سرابًا:

ومُسْتَجْمِعٍ جَرْيًا وليس بِبارِحٍ *** تُباريه في ضاحي المِتانِ سَواعِدُهْ

وجُمِعَ: جَمْعُ جُمْعَةٍ، وجَمْعُ جَمْعاءَ في توكيد المؤنَّث.

وأَجْمَعونَ: جَمْعُ أَجْمَعَ.

وأَجْمَعُ واحدٌ في معنى جَمْعٍ وليس له مفردٌ من لفظه.

والمؤنث جَمْعاءُ.

ويقال: جاء القوم بأَجْمَعِهِمْ وبأَجْمُعِهِمْ أيضًا بضم الميم.

وجَميعٌ يُؤَكَّدُ به، يقال جاءوا جميعًا، أي كلهم.

والجَميعُ: ضدُّ المتفرِّق.

قال الشاعر:

فَقَدْتُكِ من نَفْسٍ شَعاعٍ فأنني=نَهَيْتُكِ عن هذا وأنتِ جَميعُ

والجميعُ: الجَيْشُ.

قال لبيد:

عَرِيَتْ وكان بها الجميعُ بَأَبْكَروا *** منها وغودِرَ نُؤْيُها وثُمامُها

وجِماعُ الشيء بالكسر: جَمْعُهُ.

تقول: جِماعُ الخِباءِ الأخبيةُ، لأنَّ الجِماعَ ما جَمَعَ عددًا، يقال: الخمرُ جِماعُ الإِثم.

وقِدْرٌ جِماعٌ أيضًا للعظيمة.

وجَمَّعَ القومُ تَجْميعًا، أي شهدوا الجُمْعَةَ وقَضَوا الصلاة فيها.

وجَمَعَ فلانٌ مالًا وعدَّدَهُ.

والمُجامَعَةُ: المُباضَعَةُ.

وجامَعَهُ على أمر كذا، أي اجتمع معه.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


92-منتخب الصحاح (نحض)

النَحْضُ والنَحْضَةُ: اللحمُ المكتنز، كلحم الفخذ.

قال عبيد:

ثم أبْري نِحاضَها فَتَراها *** ضامِرًا بعد بُدْنِها كالهِلالِ

وقد نَحُضَ بالضم فهو نَحيضٌ، أي اكتنز لحمه.

والمرأةُ نَحيضَةٌ.

ونُحِضَ على ما يسمَّ فاعله، فهو مَنْحوضٌ، أي ذهب لحمه.

وانْتَحَضَ مثله.

ونَحَضْتُ ما على العظم من اللحم وانْتَحَضْتُهُ، أي اعترقته.

وسِنانٌ نَحيضٌ وقد نَحَّضْتُهُ، أي رَقَّقْتُهُ.

وهو المِسَنُّ.

قال امرؤ القيس يصف الجنب:

يُباري شَباةَ الرُمْحِ خَدٌّ مُزَلَّقٌ *** كصَفْحِ السِنانِ الصُّلَّبيِّ النَحيضِ

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


93-المحيط في اللغة (رد)

الردُّ: مَصْدَرُ رَدَدْتُ.

واسْمٌ لِمَا رُدَّ بَعْدَ أخْذِه، والجَمِيعُ الرُّدُوْدُ.

وُيقال: رَدَدْتُ الشيْءَ وأرْدَدْتُه.

وليس لأمْرِ اللَّهِ مَرَد ولا مَرْدُوْدٌ: أي رَد.

وكلام ليستْ له راذَةٌ ولا مُرِدَّةٌ: أي فائدَةٌ ومَرْجُوْع.

والردُ: شِبْهُ الريْعِ، وكذلك المَرَدُّ.

ويجوزُ أنْ يكونَ قَوْلُه عَزَوجَلَّ: (وخَيْرٌ مَرَدّا) من هذا.

والردُ: ما تَرده الحَمُوْلَةُ من الإِبِلِ والظَّهْرِ.

وامْرَأةٌ مَرْدُوْدَةٌ: أي مُطَلَّقَةٌ.

والردُّ: ما صارَ عِمَادًا للشيْءِ يَرُدُّه ويَدْفَعُه.

والصِّنَاعَةُ يُحْبَسُ بها الماءُ، وجَمْعُه رُدُوْد.

والردَّةُ: مَصْدَرُ الارْتِدَادِ.

والصَوْتُ يَرْجِعُ إليكَ من الجَبَلِ.

والفُضَيْلَةُ البَقِيةُ من الشيْءِ.

وتَقَاعُسٌ في الذَّقَنِ.

وأن تَشْرَبَ الإِبلُ الماءَ عَلَلًا.

وأنْ تَرْتَد الألْبَانُ في ضُرُوعِها.

وبَحْر مُرِدّ: كثيرُ الماءِ.

وشاة مُرِد: إذا اجْتَمَعَ اللَّبَنُ في ضَرْعِها، أرَدَّتْ إرْدَادًا.

والإرْدَادُ: أنْ يَرِمَ ضرْعُ النّاقَةِ عن شُرْبِ الماء فَيَثْقُلَ بَدَنُها، ونُوْق مَرَاد.

من قَوْلهم رَدَّ وجْهُه: أي وَرِمَ.

ورَجُلٌ مُرِدّ: طالَتْ عُزُوْبَتُه فَتَرَدَّدَ ماءُ ظَهْرِه في صُلْبِه وكَثُرَ.

ورَدّادٌ: اسْمُ رَجُل مُجَبِّرٍ.

والرَّدِيْدُ: الجَفْلُ من السَّحَاب.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


94-تهذيب اللغة (عضم)

عضم: قال الليث: العَضْم في القوس: المَعجِس، وهو المَقبِض، والجميع العضام.

قال: والعضام: عَسِيب البعير، وهو ذَنَبُه العَظْم لا الهُلْب، والعدد أعضمة، والجميع العُضُم.

والعَضْمُ: الخَشْبة ذاتُ الأصابع يذرَّى بها.

وعَضْم الفدّان: لَوحُه العريض في رأسه الحديدة تُشقُّ به الأرض.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: هو العَضْم، والعَجْس، والمَقبِض، كله بمعنًى واحد وأنشدنا:

ربَ عَضْمٍ رأيتُ في وسط ضَهْر

قال: الضَّهر: البُقعة من الجبل يخالف لونُها سائر لونه.

قال: وقوله «رُبَ عَضْم» أرادَ أنه رأى عودًا في ذلك الموضع فقطعَه وعمِل منه قوسًا.

قال: والعَضْم: الحِفْراة التي يُذَرَّى بها.

عمرو عن أبيه قال: العَضُوم: الناقة الصُّلبة في بدنها، القويّة على السَّفر.

قال: والعَصوم بالصاد: الكثيرةُ الأكل.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


95-تهذيب اللغة (حوذ)

حوذ: أبو عبيد عن أبي زيد: الحَوْذُ والإحْوَاذُ السَّيْرُ الشديدُ، يقال: حُذْت الإبلَ أَحُوذُها، ورجل أحوذيّ: مُشَمِّرٌ في الأمور.

قال شمر: الحَوِيذُ من الرجال: المشَمِّر.

قال عمران بن حَطان:

ثِقْفٌ حُوَيْذٌ مُبِينُ الكَفِّ ناصِعُهُ *** لا طَائِشُ الكَفِّ وقَّافٌ ولا كَفِلُ

يريد بالكَفِل الكِفْلَ.

وقال أبو عبيد الله بن المبارك الأحوذيّ الذي يغلِب واستحوذ غلب.

وقال غيره: الأحوذي: الذي يسير مَسِيرة عشر في ثلاث ليال، وأنشد:

لقد أَكُونُ على الحاجَاتِ ذا لَبَثٍ *** وأَحْوَذِيًّا إذا انْضَمَّ الذَّعالِيبُ

قال: انضمامُها انطواء بَدَنِها، وهي إذا انضمَّت فهو أسرع لها، قال: والذَّعاليبُ، أيضًا ذُيُول الثِّياب.

وقال الليث: حاذَ يحُوذُ حَوْذًا، بمعنى: حاطَ يحوطُ حَوْطًا، واستحوذَ عليه الشيطانُ إذا غَلبَ عليه، ولغةً استحاذَ.

وقال الله جلَّ وعزَّ حكايةً عن المنافقين يخاطبُون بها الكفارَ: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النِّساء: 141].

قال الفرّاء: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ} أي غلب عليهم.

وقال أبو طالب: يقال أحْوَذَ الشيءَ، أي جمعَه وضمَّه؛ ومنه يقال استَحْوَذَ على كذا إذا حَوَاهُ.

وقال لبيد:

إذا اجْتَمعَتْ وأَحْوَذَ جانِبَيْها *** وأَوْرَدَها على عُوجٍ طِوَالِ

ويقال: أحوذ الصانع القِدْح إذا أخَفَّه ومن هذا أخذ الأحوذي المنكمش الحاد الخفيف في أموره.

وقال لبيد:

فَهْو كَقِدْحِ المَنِيحِ أَحْوَذَهُ الصَّا *** نِعُ يَنْفِي عن مَتْنِهِ القُوَبَا

وقال أَبو إسحاق في قوله: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} [النِّساء: 141] معناه ألم نستوْلِ عليكم بالمُوالاة لكم.

قال: وحاذَ الحِمَارُ أُتُنَهُ إذا استولى عليها وجمعها، وكذلك حازها.

وقال العجّاج:

يَحُوذُهُنَ وله حُوذِي

قال وقال النحويون: استَحْوَذَ خرج على أصله، فمن قال حَاذَ يَحوذُ، لم يقل إلا استَحاذ، ومن قال أحْوَذ فأخرجه على الأصل قال استَحْوَذَ.

وقال أبو عبيد قال الأصمعي: الحاذُ: شجر، والواحدة حَاذَةٌ من شجر الجَنَبَة؛ وأنشد:

ذَوَاتِ أُمْطِيٍّ وذَاتَ الْحَاذِ

والأُمْطِيُ شجرة لها صَمْغٌ يمضغُه صبيان الأعراب ونساؤهم، وقيل الحاذَةُ شجرة يألفها بَقَرُ الوحش.

قال ابن مقبل:

وَهُنَّ جُنوحٌ لذي حاذَةٍ *** ضَوَارِبَ غِزْلانُها بالْجُرنْ

وأخبرني المنذريُّ عن الرياشيِّ قال:

الحاذُ: الذي يقع عليه الذَّنَبُ من الفخذين من ذَا الجانبِ وذَا الجانبِ، وأنشد:

وتَلُفُ حَاذَيْهَا بذِي خُصَلٍ *** عَقِمَتْ فَنِعْمَ بُنَيَّةُ العُقْمِ

وقال أبو زيد العرب تقول: أنْفَعُ اللَّبَنِ ما وَلِي حَاذيَ النَّاقة، أَي ساعةَ يُحْلَبُ من غير أن يكونَ رَضَعها حُوَارٌ قبل ذلك.

قال: والحاذُ ما وقع عليه الذَّنب من أَدْبارِ الفخذين.

قال: وجمع الحاذِ أَحْواذٌ.

وفلان خفيف الحاذِ، أي: خفيفُ الحالِ من المالِ وأصل الحاذِ طريقة المتْنِ.

وفي الحديث «ليأتينّ على الناس زمانٌ يُغْبَطُ الرجلُ فيه بِخفَّة الحاذِ كما يُغْبَطُ اليوم أبو العشرة».

وقال شمر: يقال كيف حالُكَ وحاذُكَ؟ وفي حديث آخر: «المُؤْمِن خفيفُ الحاذِ».

وأنشد:

خَفِيفُ الحَاذِ نَسَّالُ الفَيَافي *** وعَبْدٌ لَلصَّحَابَةِ غَيْرُ عبد

وقال: الحالُ والحاذُ: ما وقع عليه اللّبد من ظهر الفرس.

وضربَ النبئُّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم في قوله: «المؤمنُ خفيفُ الحاذِ»: قِلَّةُ اللَّحْمِ مثلًا لقلّة ماله وقلّة عياله، كما يقال: هو خفيف الظّهر، ورجل خفيف الحاذِ أي قليلُ المال.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


96-تهذيب اللغة (جهز)

جهز: أبو عُبيدة: فَرسٌ جَهيز الشَّدّ: أي سريعُ العَدْوِ، وأنشد:

ومقلِّصٍ عَتِدٍ جَهيزٍ شَدُّه *** قيدِ الأوابد في الرِّهان جَوَادِ

ابن السكيت، عن الأصمعي: أجْهزْتُ على الجَريح، إذا أَسْرَعْتَ قتلَه وقد تمَّمْتَ عليه.

قال: وفرس جَهيزٌ، إذا كان سريعَ الشّد.

قال: والعرب تقول: أَحْمَقُ من جهيزة، قال: وهي أُمُّ شَبيب الخارجي، قال: وكان أبو شَبِيب من مهاجرة الكوفة، اشترى جَهيزة، وكانت هي حمراء طويلةً جميلةً فأدارها على الإسلام، فأبت فواقَعَها فحمَلتْ، فتحرّك الولدُ في بطنها فقالت: في بطني شيء يَنقُز، فقيل: أَحْمَقُ من جَهيزة.

وقال أبو العباس: قال ابن الأعرابيّ في قولهم: هو أَحْمَق من جَهيزة، قال: هي الدُّبَّة.

وقال الليث: كانت جَهيزة امرأةً خليقةً في بدنِها رَعْناءَ يضرَب بها المَثَل في الحُمْق، وأنشد:

كأنّ صَلَا جَهيزةَ حين قامت *** حَبابُ الماء حالًا بعد حال.

قال: وقيل: الجَهيزة: جرو الدُّبّ، والجِبسُ: أنثاه، وقيل: الجهيزة: عِرْس الذئب، يعنُون الذِّئبة، وقيل: حُمْقها أنها تدعُ ولدَها وتُرضِع وَلَد الضَّبُع.

قال:

كمُرْضَعَةٍ أولادَ أخرَى وضيَّعتْ *** بَنِيها فلم ترْقَعْ بذلك مَرْقعا

ويشهد على ذلك ما بين الذئب والضبع من الألفة، ويقال: إنَّ الضبُع إذا صِيدَت فإن الذئبَ يكفُل عيالَها، فيأتيها باللّحم، ومنه قوله:

لدَى الحبْل حتى عالَ أوسٌ عِيالها*

قال: وجهَّزْت القوم تجهيزًا: إذا تكلَّفت لهم جَهازَهم للسفر، وكذلك جَهاز العَرُوس والميّت: وهو ما يحتاج إليه في وَجْهه، وقد تَجهزوا جَهازًا.

قال: وسمعتُ أهلَ البَصْرة يخطِّئون الجِهاز بالكسر.

قلت: والقرّاء كلهم على فَتْح الجيم في قول الله جلَّ وعزَّ: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ} [يُوسُف: 59] وجِهاز بالكسر لغة ليست بجيدة، وموت مجهز: أي وَحِيٌّ.

والعرب تقول: ضرب البعيرُ في جهازه، إذا جَفَلَ فَنَدَّ في الأرض والتَبَط حتى طَوَّح ما عليه من أَداةٍ وحِمْل.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


97-تهذيب اللغة (رض)

رض: قال الليث: الرّضُ: دَقُّكَ الشيء، ورُضَاضُه: قطعه.

قال: والرَّضْراضَةُ: حجارة تُرَضْرَضُ على وجه الأرض، أي تتحرك ولا تثْبت.

قلت: وقال غيره: الرَّضْراض والرَّصراص: ما دَقَّ من الحصى.

وقال الباهليّ: الرّضُ: التَّمر الذي يُدَقُّ ويُنَقَّى من عَجَمِه، ويُلْقى في المَخْض.

وقال ابن السكيت: المُرِضَّة: تمر يُنقع في اللبن فتشربه الجارية، وهو الكُدَيْراء.

وقال: المُرِضَّةُ بهذا المعنى.

قال: وسألتُ بعض بني عامر عن المُرِضَّة، فقال: هي اللّبَن الشديد الحموضة الذي إذا شربه الإنسان أصبح قد تَكَسَّر.

وقال أبو عُبيد: إذا صْبّ لبنٌ حليب على لبن حَقين، فهو المرِضَّة والريْبَة، وأنشد قول ابن أحمر:

إذا شَرِبَ المُرِضّةَ قال: أَوْكِي *** على ما في سَقائِك قد رَوينَا

أبو عُبيد عن الأصمعيّ: الرَّضْرَاضَة: المرأة الكثيرة اللّحم.

قال رُؤْبَة:

أَزْمانَ ذاتُ الكفَلِ الرّضْراضِ *** رَقْرَاقَةٌ في بُدْنِها الفَضفاض

ورجل راضْراض، وبعير رضراض: كثير اللحم.

وقال الأصمعيّ: أرَضَ الرُّجُل إِرْضَاضًا: إذا شَرِبَ المُرِضَّةَ فَثَقُلَ عنها.

وأنشد:

* ثم اسْتَحَثُّوا مُبْطِئًا أَرَضا*

وقال أبو عُبيدة: المُرِضَّةُ من الخيل: الشَّديدة العَدْو.

وقال أبو زيد: المُرضَّةُ: الأُكلة والشُّرْبَةُ إذا أكلتها أوْ شَرِبتها

أَرَضَّتْ عَرَقَك، فأَسالته.

قال: ويقال للراعية إذا رضّت العشب أكلًا وهَرْسًا: رَضَارض، وأنشد:

يَسْبُتُ راعيها وهي رِضارضُ *** سَبْتَ الوَقيدِ والورِيدُ نابضُ

وقال الجَعدي يصف فرسًا:

فعَرَفْنا هزّة تأْخُذُه *** فقرنّاهُ برَضْرَاضٍ رِفَلْ

أراد: قرَنّاهُ ببعير ضخمٍ، والرّضُ: التّمر والزُّبْد يُخْلطان.

وقال:

جاريةٌ شَبّتْ شبابًا غَضًّا *** تشرب مَحْضًا وتَغَذَّى رَضّا

وقال ابن السكيت: الإرْضاض شِدةُ العَدْو، وأَرَضّ في الأرض: ذَهَب.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


98-تهذيب اللغة (فض)

فض: قال الليث: الفَضُ تفريقُك حَلقَةً من الناس بعد اجتماعهم، ويقال فَضَضْتُهم فانفضُّوا، وأنشد:

إذا اجْتَمَعُوا فَضَضْنَا حُجْرَتَيْهم *** ونَجْمَعُهُمْ إذا كانوا بَدَادِ

وفَضَضْتُ الخاتَم من الكتاب، أي كَسَرْته، ومنه قولهم: لا يَفْضُض اللهُ فاكَ.

ورُوِي في حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: «يا رسول الله، أي إريدُ أن أَمْتَدِحَكَ» فقال: «قل، لا يَفْضُض اللهُ فَاكَ»؛ ثم أنشده قصيدة مدحه بها، ومعناه: لا يُسقِط الله أَسْنانَك، والفَم يقوم مَقامَ الأسنان، وهذا من فَضّ الخاتم والجموع، وهو تَفْرِيقها.

قال الله جلّ وعَزّ: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] أي: تفرقوا.

وفي حديث خالد بن الوليد أنه كتب إلى مَرازبة فارس: «أما بعد؛ فالحمد للهِ الذي فَضّ خَدَمَتكم».

قال أبو عُبيد: معناه فرَّق جمعكم؛ وكل مُنْكَسِرٍ مُتَفَرِّق، فهو منفضّ، وأصل الخَدَمَة الخَلْخَال، وجمعها خِدَام.

والفِضة معروفة.

قال الله عزوجل: {قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيرًا} [الإنسان: 16].

يسأل السائل: فتقول: كيف تكون القوارير من فضة جوهَرُها غير جَوْهَرِها؟.

فقال الزَّجَّاج: معنى (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ): أصل القوارير الذي في الدنيا من الرَّمْل، فأَعْلَمَ الله أنَّ أفضلَ تلك القوارير أصْله من فضة يُرَى من خارجها ما في داخلها.

قلت: فجمع مع صفاء قواريره الأمْنَ من الكسْر، وقبوله الجبر مثل الفِضة، وهذا من أَحْسن ما قيل فيه.

وقال شمر: الفَضْفاضَةُ: الدِّرْعُ الواسِعَة.

وقال عمرو بن معدي كرب:

وأَعْدَدْتُ للْحَرْبِ فَضْفاضَةً *** كأَنَّ مَطَاوِيهَا مِبْرَدُ

قال: وقميص فَضفاض: واسعٌ، وجارية فضفاضة: كثيرة اللّحْم مع الطُّول والجسم.

وقال رؤبة:

* رَقْرَاقَةٌ في بُدْنِها الْفَضْفَاضِ *

والفَضفاض: الواسع.

وقال رؤبة:

* يُسْعِطْنَهُ فَضفَاضَ بَوْلٍ كالصَّبِرْ*

أبو عُبيد الفَضِيض: الماء السائل، والسّربُ مثله.

وقالت عائشة لمروان: «إن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، قال لأبيكَ كذَا وكذا؛ فأَنت فَضَضٌ منه».

أرادت أنك قطعة منه، وفَضَضُ الماء: ما انتشر منه إذا تُطُهِّرَ به.

وفي حديث أم سلمة أنها قالت: «جاءتْ امرأةٌ إلى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، فقالت: إنّ ابنَتي تُوُفِّيَ عنها، زوجُها وقد اشْتَكتْ عينها، أَفتَكْحُلُها؟ فقال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: لا، مَرَّتين أو ثلاثًا، إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكُنَّ ترمى بالبَعْرة على رأس الحوْل، قالت زينب بنت أم سلمة: ومعنى الرَّمْي بالبَعْرَةِ: أن المرأةَ كانت إذا تُوُفِّيَ عنها زَوْجُها دخلت خِفْشًا، ولَبِسَتْ شرّ ثيابها حتى تَمُرّ بها سنة، ثم تُؤْتى بدابّة: شاةٍ أو طَيْر، فتَفْتَضُ بها، فقلما تَفْتَضُ بشيء إلّا مات، ثم تَخْرُجُ فتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بها».

وقال القُتَيْبِي سألت الحجازيين عن الافْتضاض فذكروا أن المُعْتَدَّةَ كانت لا تَغْتَسِل، ولا تَمَسُّ ماءً، ولا تُقَلِّم ظُفْرًا، ولا تَنْتِفُ من وجهها شعرًا، ثم تخْرج بعد الحوْل بأَقْبَح مَنْظرٍ، ثم تَفْتَضُ بطائر تمسح به قُبُلَها وتَنْبِذُه، فلا يكاد يعيش.

قال: وهو من فضضتُ الشيء، أي كَسَرته، كأنها تكون في عِدّة من زوجها فتكسِر ما كانت فيه، وتخرج منه بالدَّابّة.

قلت: وقد رَوى الشافعيُّ هذا الحديث، غير أنه رَوى هذا الحرف بعيْنه، فَتَقْبِضُ به بالقاف والصاد، وقد مَرّ تفسيره في باب القاف.

ورجل فضفاض: كثير العطاء، شُبِّه بالماء الفضفاض، وتَفَضْفَضَ البول، إذا انتشر على فخذي الناقة.

والمِفَضُ ما يُفَضُ به مَدَرُ الأرض المُثَارَة، وهو المِفْضاض، ويقال: افْتَضّ فلانٌ جاريته واقْتَضَّها، إذا افْتَرعها.

وفَضَّاض: من أَسْماءِ العرب.

وقال الليث: فلان فُضَاضَةُ وَلَدِ أبيه، أي آخِرهم.

قلت: والمعروفُ بهذا المعنى فلان نُضَاضَةُ وَلَد أبيه بالنُّون.

أبو عُبيد، عن الفراء: الفاضّةُ: الداهِية، وهن الْفَوَاضّ.

وقال شِمر في قوله: «أنا أول من فَضّ خَدَمةَ الْعَجَم»: يريد كَسَرهم وفرّق جَمعهم، وكلُّ شيء كسرتَه وفَرَّقتْه فقد فَضَضتَه.

وطارت عِظامُه فُضاضًا، إذا تَطايَرَتْ عند الضَّرب.

قال: والفَضَضُ: المتفرق من الماء، والعَرق.

وأنشد لابن ميّادة:

تجلو بأَخْضَر من فُروعِ أَراكَةٍ *** حسن المُنَصَّبِ كالْفَضيضِ البارِدِ

قال: الفضض المتفرق من ماءِ الْبَرد أو المطر، وفي حديث عمر: حين انقطعنا من فضَض الحصا.

قال أبو عُبيد: يعني ما تفَرّق منه، وكذلك الفَضِيض.

وقال شمرِ في قول عائشة لمروان: «أنت فَضَضٌ من لعنة رسول الله».

قال: الْفَضض اسم ما انْفَضَ، أي تَفَرَّق.

والفِضاض نحوه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


99-تهذيب اللغة (زبد)

زبد: اللّيث: أَزْبَدَ البحرُ إزْبادا فهو مُزْبِد.

وتَزَبَّدَ الإنسان: إذا غَضِب فظَهر على صِماغَيْه زَبَدَتان، والزُّبْدُ: زُبْد السَّمن، قَبلَ يُسْلأ، والقِطْعة منه زُبْدة، وهو ما خَلَص من اللّبن إذا مُخِض، وإذا أَخذَ الرجلُ صفوَ الشيء قيل: قد تَزَبّده، ومن أمثالهم: قد صَرّح المَحْضُ عن الزَّبَد، يَعنُون بالزَّبَد رغْوَةَ اللّبن، والصَّريحُ: اللبنُ المَحْض الّذي تحت الرّغوة، يُضرَب مَثلا للصِّدق الّذي تتبين حقيقتُه بعد الشّك فيه.

ويقال: ارتجنَتِ الزُّبدةُ إذا اختلَطَت باللّبن فلم تخلَص منه، وإذا خَلَصت الزُّبدة فقد ذهب الارتجال، يُضرب هذا مَثَلا للأمر الذي يَلتبِس فلا يُهتدَى لوجه الصواب فيه.

والزَّبدُ: زبدُ الجمَل الهائج، وهو لُغامُه الأبيضُ الذي يجتمِع على مَشافره إذا هاج.

وللبحرِ زَبدٌ: إذا ثارَ مَوْجُه.

وزَبدُ اللّبن: رغْوَته.

وفي الحديث: أنّ رجلا من المشركين أهدَى النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم هديّة فَردَّها وقال: «إنا لا نقبَل زَبْدَ المشركين».

أبو عبيد عن الأصمعيّ: يقال: زَبدْتُ فلانا أزْبِدُه: إذا أعطيتَه، فإِن أطعمته زُبْدا قلتَ: أَزبُدُهُ زَبْدا ـ بضم الباء ـ من أَزْبُده.

أبو عمرو: تزبّدَ فلانٌ يَمينا فهو متزبِّد: إذا حَلف بها؛ وأَنشد:

تزَبَّدها حَذّاءَ يَعلمُ أنّه *** هو الكاذبُ الآتي الأمورَ البُجارِيَا

قال: الحَذّاء: الأُمور المنكَرة.

وتَزَبَّدها: ابتَلَعها ابتلاعَ الزُّبدة، ونحوٌ منه قولهم:

جَذَّها جَذَّ العَيْر الصِّلِّيانة.

والزُّبّاد: نبتٌ معروف، والزُّبّاد: الزُّبد، ومنه قولهم: اختَلَط الخاثِرُ بالزُّبّاد، وذلك إذا ارتَجَن، يُضرَب مَثلا لاختلاط الحقّ بالباطل.

وزُبَيد: قبيلةٌ من قبائل اليَمن.

وزَبِيد: مدينةٌ من مُدُن اليَمَن.

وزُبَيْدة: لقبُ امرأة، قيل لها: زُبَيدة لنَعْمة كانت في بَدَنها، وهي أمّ الأمين محمد.

ويقال: زَبّدَتِ المرأةُ قُطْنَها: إذا نَتَفَته وجوّدَتّه لَتغزِلَه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


100-تهذيب اللغة (ظل)

[ظل]: قال الليث: ظَلَ فلانٌ نهارَه صائما ولا تقول العربُ: ظلّ يَظَلُ إلا لكل عملٍ بالنهار، كما لا يقولون: باتَ يَبِيت إلّا

بالليل؛ ومن العرب من يحذف لام ظَلِلْتُ ونحوها حيث يظهران؛ فأَما أهل الحجاز فيكسِرون الظاء على كَسرة اللام التي أُلْقِيَتْ، فيقولون: ظِلْنا وظِلتُم والمصدر الظلول، والأمر منه ظَلَ واظْلَلْ، وقال الله جلّ وعزّ: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا} [طه: 97] وقرىء: {ظِلْتَ} عليه، فمن فتح فالأصل فيه ظَلِلْتَ عليه، ولكن اللام حُذفت لِثِقَل التَّضْعيف والكَسْر، وبَقِيتِ الظَّاءُ على فتحها ومن قرأ {ظِلْتَ} بالكسر حَوَّلَ كَسْرة اللام على الظاء، وقد يجوز في غير المكسور نحو هَمْتُ بذاك أي هَمَمْتُ، وأَحَسْتُ تريد أَحْسَسْتُ وحَلْتُ في بني فلان، بمعنى حَلَلْتُ وليس بقياس إنما هي أحرف قليلة معدودة.

وهذا قول حُذَّاق النحويين، وقوله عزوجل: {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ} [النحل: 48]، أخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: محل ما لم تطلع عليه الشمس، فهو ظِلٌ، قال: والليل كله ظِلّ، وإذا أسْفَر الفجر فمن لَدُن الإسفار إلى طُلوع الشمس كُلُّه ظِلٌ، قال: والفَيْءُ لا يسمى فَيْئا إلا بعد الزوال إذا فاءت الشمس، أي إذا رجعت إلى الجانب الغربي، فما فاءَتْ منه الشمس وبقي ظِلا فهو فَيْءٌ، والفَيّءُ شَرْقي والظِّلّ غَرْبي، وإنما يُدْعَى الظِّلَ ظلّا من أول النهار إلى الزوال، ثم يُدْعَى فيئا بعد الزوال إلى الليل وأنشد:

فلا الظِّلَ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطيعُه *** ولا الفَيْءَ من بَرْدِ العَشِيِّ تذُوقُ

قال: وسواد الليل كله ظِلٌ، وقال غيره يقال: أَظَلَ يَوْمُنا هذا إذا كان ذا سحاب أو غيره، فهو مُظِلّ، والعرب تقول: ليس شيء أظل من حَجَر، ولا أَدفأَ من شجر، ولا أشدَّ سوادا من ظل، وكلما كان أرفَعَ سمكا كان مسقط الشمس أبعد، وكلما كان أكثر عرضا وأشد اكتنازا كان أشد لسواد ظله، ويزعم المنجمون أن الليل ظِلٌ، وإنما اسود جدا، لأنه ظِل كرةِ الأرض، وبقدر ما زاد بدَنُها في العِظَم ازداد سواد ظلها، ويقال للميت: قد ضحا ظله.

ومن أمثال العرب: ترَك الظبيُ ظِلَّه، وذلك إذا نَفَرَ، والأصل في ذلك أن الظَّبْيَ يَكنِسُ في شِدّة الحرّ فيأتيه السَّامي فيُثيره فلا يعُودُ إلى كِناسِه فيقال: ترك ظِلّه، ثم صار مثلا لكل نافرٍ من شيء لا يعود إليه، ويقالُ: انتَعَلتْ المطايا ظِلالَهَا إذا انتصفَ النهار في القيظ، فلم يَكن لها ظِلّ، وقال الراجز:

قد وَرَدَتْ تَمْشِي على ظِلَالِها *** وذَابَتْ الشمسُ على قِلَالِها

وقال آخر في مثله:

* وانْتَعَلَ الظِّلَ فكان جَوْرَبَا*

وفي حديث النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه ذكر فِتَنا كأنها

الظُّلَل واحده ظُلَّة، وهي الجبال، وهي السحاب أيضا.

وقال الكميت:

وكيف تقول العنكبوت وبيتها *** إذا ما عنتْ موجا من البحر كالظُّلل

قال أبو عمرو: الظُّلل: السحاب.

وقال الفراء: أظل يومُنا إذا كان ذا سحاب والشمس مُستظِلَّة، أي هي في السحاب؛ وكل شيء أظلك فهو ظُلَّة؛ ويقال: ظِلٌ وظِلال وظُلّة وظُلَلٌ، مثل قُلة وقُلَل.

ومن أمثال العرب: أتيته حين شدَّ الظَّبي ظِله وذلك إذا كنس نصف النهار، فلا يبرحُ مكنسه ويقال: أتيته حين ينْشُد الظَّبي ظِلَّه، أي حين يشتد الحر فيطلب كِنَاسا، يكْتَن فيه من شدة الحر.

وقال أبو زيد: يقال: كان ذلك في ظِل الشتاءِ، أي في أوَّل ما جاء الشِّتاء، وفعلتُ ذلك في ظِل القَيْظ، أي في شدَّة الحر وأنشد الأصمعيّ:

غَلَسْتُه قَبْلَ القَطَا وفُرَّطِه *** في ظِلِ أَجَّاج المَقِيظ مُغْبِطِه

واسْتَظَلَ الرجلُ إذا اكْتَنَ بالظِّل، ويقال: فلان في ظِلّ فلان أي في ذَرَاه وفي كَنَفِه، وسمعتُ أعرابيا من طَيّىء يقول: لِلَحْمٍ رقيق لاصقٍ بباطن المنسم من البعير: هي المُسْتَظِلَّاتُ، وليس في لَحْمِ البعير مُضْغَةٌ أرقُ ولا أَنْعَمُ منها، غير أنهُ لا دَسَمَ فيها، ويُقال لِلدَّم الّذي في الجوف مُسْتَظِلٌ أيضا ومنه قوله: مِن عَلَقِ الجوفِ الّذي كان اسْتَظَلَ.

ويقال: اسْتَظَلَّتْ العينُ إذا غَارتْ وقال ذو الرمة:

على مُسْتَظَلَّاتِ العُيُونِ سَوَاهِمٍ *** شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُراها لُغَامُها

وقول الراجز:

* كأَنَّما وَجْهُك ظِلٌ من حَجَر*

قال بعضهم: أرادَ الوَقَاحة، وقال: أراد أنه أَسْودُ الوَجْه، وقال أبو زيد يقال: كان ذلك في ظِلِ الشتاء، أي في أول ما جاء، وقال الفراء: الظَّلَّة ما ستَرك مِن فوق، والظُّلَّةُ الصَّيْحةُ، والظُّلَّةُ الظِّلالُ، والظِّلالُ ظِلالُ الجنَّة، قال عباس بن عبد المطلب:

من قَبْلِها طِبْتَ فِي الظِّلال وفي *** مُسْتَودَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرقُ

أراد ظِلال الجِنان التي لا شَمْسَ فيها.

أراد أنه كان طيبا في صلب آدم في الجنة وظِلالُ البحْر أَمْواجُه لأنها ترتفع فتُظِلُ السفينة ومن فيها.

وقال الليث: مكانٌ ظليلٌ دائم الظِّل قد دَامتْ ظِلالُهُ، والظُّلَّة كَهيئة الصُّفّة، قال: و (عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) يقال والله أعلم: عذاب يوم الصُّفَة، وقال غيره: قيل (عَذابُ يَوْمِ)

الظُّلَّةِ.

لأن الله جلّ وعزّ بعثَ غَمامةً حارَّةً فأَطْبَقَتْ عليهم وهَلَكوا تحتها، وكلُّ ما أطبق عليك فهو ظُلّة، وكذلك كلُّ ما أَظَلَّكَ، وقول الله جلّ وعزّ في صفة أهل النار: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 16].

روى أبو العباس عن ابن الأَعرابيّ: هي ظُلَلٌ لمن تَحْتَهم وهي أَرْضٌ لهم، وذلك أن جهنم أَدْرَاكٌ وأطْباقٌ فبِساطُ هذه ظُلَّةٌ لمن تحتهم ثم هَلُمَّ جرَّا حتى ينتهوا إلى القَعْر.

وقال أبو عمرو: الظَّلِيلَةُ الروضةُ الكثيرة الحَرجاتِ.

وقال الليث: والمِظَلَّةُ البُرْطُلَّةُ قال: والظُّلَّة والمِظَلَّةُ سواء وهما ما يُسْتَظَل به من الشمس ويقال: مَظَلَّة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الخَيْمة تكون من أَعْوَادٍ تُسَقَّفُ بالثُّمامِ ولا تكون الخَيْمةُ من نباتٍ، وأما المَظَلَّة فمن ثيابٍ، رواه بِفتْح الميم.

وقال الليث: الإظلالُ: الدُّنُوُّ يقال: أَظَلَّكَ فلانٌ، أي كأنه ألقى عليك ظِلَّهُ من قُرْبِه، وأَظَلَ شهرُ رمضانَ أي دنا منك، ويقال: لا يجاوزُ ظِلِّي ظلَّك، قال: ومُلاعِبُ ظِلِّه طائرٌ يسمى بذلك، وهما مُلاعِبا ظلِّهما وملاعباتُ ظِلِّهن هذا في لغة، فإذا جعلتَه نَكرة أخرجتَ الظل على العِدَّة فقلت: هُنَّ ملاعباتُ أظلالهن.

قال ذو الرمة:

* دَامِي الأظَلِ بعيدِ الشَّأْوِ مَهْيُومِ*

والظِّل شِبْه الخيال من الجنّ.

وقال الليث: الظَّليلةُ مُسْتَنْقعُ ماءٍ قليلٍ من سيلٍ أو نحوه، والجميعُ الظّلائِلُ وهي شبه حُفْرةٍ في بَطْن مَسيلِ ماءٍ، فينقطع السيل ويبقى ذلك الماء فيها.

وقال رؤبة:

* غَادَرَهُنَّ السَّيْلُ في ظَلَائِلَا*

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: الظُّلْظُلُ: السُّفُن وهو المَظَلَّة.

وقال أبو زيد: من بيوت الأعراب: المِظَلَّةُ وهي أعظم ما يكون من بيوت الشَّعَر ثم الوَسُوطُ بَعْد المِظلة ثم الخِباء، وهو أصغر بيوت الشَّعَر.

وقال أبو مالك: المِظَلَّةُ والخِباء يكون صَغيرا وكبيرا.

قال: ويقال للبيت العظيم: مِظلة مَطْحَوَّة ومَطْحِيَّة وطَاحِيَةٌ وهو الضّخْمُ، ومِظَلَّةُ دَوْحَة.

ومن أمثال العرب: عِلةٌ ما عِلَّة، أَوْتَارٌ وأَخِلَّه، وعَمَدُ المِظَلَّةُ، أَبْرِزُوا لِصِهْركم ظُلَّة، قالَتْه جَارِيةٌ زُوِّجَتْ فأَبْطأَ بها أَهْلُها على زَوْجها، وجعلوا يَعْتَلَّون له بِجَمْعِ أَدَوَاتِ البَيْت فقالت ذلك اسْتِحثاثا لهم.

قال أبو عبيدة في بابُ سُوءِ المشارَكة في اهتمام الرجل بشأن صاحبه.

قال أبو عبيد: إذا أراد المشكو إليه أنه في نحوٍ مما فيه صاحبه الشاكي قال له: إن يَدْمَ أَظلُّك فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي؛ يقول: إني في مثل حالك.

وقال لبيد:

* بِنَكِيبٍ مَعِرٍ دامِي الأَظَلِ *

والأظَلُ والمَنْسِمُ للبعير كالظُّفْر للإنسان.

من قرأ {في ظلل على الأرائك} [يس: 56] فهو جمع ظُلّة، ومن قرأ {فِي ظِلالٍ} فهو جمع الظلِ، ومنه قوله: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ} [الزمر: 16].

وقال تعالى: {ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء: 57] أي يُظل من الريح والحرّ.

وقال ابن عرفة: (ظِلًّا ظَلِيلًا).

أي دائما طَيِّبا، يقال إنه لفي عَيْش ظَليلٍ، أي طيِّب.

قال جرير:

ولقد تُسَاعِفُنا الدِّيارُ وعَيْشنا *** لَو دَامَ ذاك كما تُحبُ ظلِيلُ

ومنه: {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ} [المرسلات: 31].

{وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} [الرعد: 15].

أي: مُسْتَمِرٌ ظلُّهم، يقال: هو جمع الظل ويقال: هو شُخُوصهم.

{وَظِلٍ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] يقال هو الدائم الّذي لا تنسخه الشمس، والجنة كلها ظل.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com