نتائج البحث عن (تجلو)

1-شمس العلوم (الإِثْمِد)

الكلمة: الإِثْمِد. الجذر: ثمد. الوزن: إِفْعِل.

[الإِثْمِد]: حجر يكتحل به.

وفي الحديث: «كان النبي عليه‌ السلام يكتحل بالإِثْمِد وهو صائم» قال النابغة:

تَجْلُو بِقَادِمَتَيْ حَمَامَةِ أَيْكَةٍ *** بَرَدًا أُسِفَّ لِثَاتُه بالإِثْمِدِ

والإِثمد: بارد يابس في الدرجة الرابعة، وهو يقوّي البصر، ويدفع أوجاع العين، وينقي قروحها.

وإِذا سحق معه شيء من مسك نفع الشيوخ الذين ضعف بصرهم من الكبر.

والإِثمد يقطع الرُّعَاف وينقي اللحم الزائد في القروح.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


2-شمس العلوم (الدِّمَام)

الكلمة: الدِّمَام. الجذر: دمم. الوزن: فِعَال.

[الدِّمَام]: كُلُّ ما طُلِي به، قال:

تَجْلُو بقادِمَتَيْ حَمَامَ أيكَةٍ *** بَرَدًا أُسِفَّ لِثَاتُهُ بِدِمامِ

أراد: النَّؤورَ لُطِّخَتْ به حتى رَشَحَ.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


3-شمس العلوم (الإِسفاف)

الكلمة: الإِسفاف. الجذر: سفف. الوزن: الْإِفْعَال.

[الإِسفاف]: أسففت الخوصَ: جعلته سفائف، لغةٌ في سَفَفْتُ.

وأَسَفُ الطائرُ: دنا من الأرض، وكذلك السحابة، قال يصف سحابًا:

دانٍ مُسِفٌ فُوَيْقَ الأرض هَيْدَبُه *** يكاد يدفَعُه من قام بالراحِ

ويقال: أسفَ الرجل إِلى مداقّ الأمور: أي دنا.

وأسَفَ جَسَدَه: إِذا ذَرَّ عليه الشيءَ، قال:

تجلو بقادمتيْ حمامةِ أيكةٍ *** بردًا أُسِفَ لِثاتُه بدمامِ

وفي الحديث: «أُتي النبي عليه‌ السلام برجلٍ قد سرق ليقطعه، فكأنما أُسِفَ وجه النبي عليه‌ السلام»: أي كأنه ذر عليه شيء فغيَّره.

وأسَفَ النظرَ: أي أدامه.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


4-شمس العلوم (الشتيت)

الكلمة: الشتيت. الجذر: شتت. الوزن: فَعِيل.

[الشتيت]: الشيء المتفرق.

وثغر شتيت: أي مفلّج حسن، قال سويد بن أبي كاهل:

حُرّة تجلو شتيتًا باردًا *** كشعاع البرقِ في الغيم سَطَعْ

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


5-شمس العلوم (الشَّيَّان)

الكلمة: الشَّيَّان. الجذر: شيي. الوزن: فَعْلَان.

[الشَّيَّان]: دم الأخوين، وهو باردٌ في الدرجة الثالثة قابض يحبس الدم، وينقي القروح والجراحات، وأصل الشجرة التي يعمل منها دم الأخوين، وهي شجرة الأترج، نافع للجراحات الرديئة، وإِن عُجن بِخلٍّ أذهب البَهَق، وعصارته تجلو غشاوة العين.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


6-شمس العلوم (الظَّلْم)

الكلمة: الظَّلْم. الجذر: ظلم. الوزن: فَعْل.

[الظَّلْم]: ماء الأسنان، قال كعب بن زهير:

تجلو عوارضَ ذي ظَلْم إذا ابتسمَتْ *** كأنه منهلٌ بالراحِ معلولُ

ويقال: الظَّلْم: صفاء الأسنان وبريقها، وهو الأصح.

ويقال: الظَّلْم: الثلج.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


7-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (شبام)

شبام

قال ياقوت: (وشبام حضرموت: إحدى مدينتيها، والأخرى تريم.

قال عمارة اليمنيّ: وكان حسين بن سلامة ـ وهو عبد نوبيّ وزر لأبي الجيش بن زياد صاحب اليمن ـ أنشأ الجوامع الكبار، والمنائر الطّوال من حضرموت إلى مكّة، وطول المسافة الّتي بنى فيها ستّون يوما، وحفر الآبار المروية، والقلب العاديّة، فأوّلها شبام وتريم مدينتا حضرموت، واتّصلت عمارة الجوامع منها إلى عدن عشرون مرحلة، في كلّ مرحلة جامع ومئذنة وبئر) اه

وقد سبق في شبوة ما لاحظناه على ابن الحائك في تسميتها، وفي «روضة الألباب» للشّريف أبي علامة اليمانيّ: أنّ تريما وشباما وسنا.. هم بنو السّكون بن الأشرس بن كندة. وفيها ـ أيضا ـ: أنّ تريما والأسنى بحضرموت.

وأكثر النّاس على أنّ شباما لقب عبد الله بن أسعد بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيران بن نوف بن همدان، وبهذه القبيلة سمّيت المدينة اليمانيّة الواقعة في قضاء كوكبان، وبها أيضا سمّيت القلعة الواقعة بقمّة الجبل الخشام، المسمّى باسمها أيضا، وهو واقع في قضاء حراز ما بين الحديدة وصنعاء، وقد نزل بعض تلك القبيلة بحضرموت، وسكنوا شباما فسمّيت بهم أيضا، وبه يتأكّد أنّ أهل شبام وأهل قارة آل عبد العزيز من نهد همدان، لا من نهد قضاعة.

أمّا حنظلة بن عبد الله الشّباميّ الّذي قتل مع الحسين عليه السّلام.. فيحتمل أنّه من شبام حضرموت، ويحتمل أنّه من شبام اليمن.

ومن العجب أنّ صاحب «التّاج» قال في مادّة (كثر): (وآل باكثير ـ كأمير ـ: قبيلة بحضرموت، فيهم محدّثون، منهم: الإمام المحدّث المعمّر عبد المعطي بن حسن بن عبد الله باكثير الحضرميّ، المتوفّى ب (أحمدآباد)، ولد سنة (905 ه‍) وتوفّي سنة (989 ه‍)، أجازه شيخ الإسلام زكريّا، وعنه أخذ عبد القادر بن شيخ بالإجازة.

ومنهم: عبد الله بن أحمد بن محمّد بن عمر باكثير الشّباميّ، ممّن أخذ عن البخاريّ) اه

ووجود اسم عمر في عمود هذا النّسب ممّا يتأكّد به ما قرّرته في قول شيخنا المشهور، وشيخه أحمد الجنيد ـ: إنّ العلويّين كانوا يجتنبون اسم أبي بكر وعمر؛ لأنّ أهل حضرموت شيعة ـ من تخصيص التّشيّع بالعلويّين ومن على شاكلتهم.

وإنّي بتمعّني العموم، وأكثر أهل حضرموت إذ ذاك إباضيّة، وقد راجعت «تهذيب التّهذيب» للحافظ ابن حجر فلم أر لعبد الله بن أحمد هذا ذكرا، ولكن.. من حفظ حجّة على من لم يحفظ.

ولكنّي تبيّنت بعد ـ كما يأتي في تريس ـ أنّ البخاريّ في «التّاج» ليس إلّا محرّفا تحريفا مطبعيا عن السّخاوي، فقد جاء في «الضّوء اللّامع» له ذكر: عبد الله بن أحمد هذا وأنّه أخذ عنه، ويتأكّد بتأخير «التّاج» له عن عبد المعطي، ولو كان قديما.. لقدّمه عليه.

أمّا عبد الجبّار بن العبّاس الهمدانيّ الشّباميّ، المحتمل النّسبة إلى شبام هذه وإلى غيرها.. فقد أخرج له التّرمذيّ وأبو داود في (القدر)، والبخاريّ في «الأدب المفرد»

وفي شبام جماعة كثيرة من آل باكثير، منهم: الشّيخ عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن سلمة باكثير، ترجم له السّيّد محمّد بن زين بن سميط في كتابه: «غاية القصد والمراد»، وكان من خواصّ القطب الحدّاد، وله منه مكاتبات كثيرة، توجد في «مجموعها»، توفّي بشبام.

ومن «تاريخ باشراحيل» أنّه: (وقع وباء شديد في سنة «784 ه‍»، مات منه خلق كثير بشبام، كان منهم: الشّيخ محمّد بن عبد الله باجمّال، والشّيخ عبد الرّحمن ابن عبد الله باعبّاد، والشّيخ عبد الله ابن الفقيه محمّد بن أبي بكر عبّاد، والفقيه عمر بن عبد الله بامهرة، والفقيه أحمد بن أبي بكر حفص، والفقيه ابن مزروع، ودام ذلك الوباء نحوا من أربعة أشهر.. ثمّ زال) اه

ومن هذه السّياقة.. تعرف ما كانت عليه شبام من الثّروة العلميّة.

ومن فقهاء شبام وعلمائها: الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد، كان الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف يقصده من تريم إلى شبام للقراءة عليه.

وفي الحكاية (308) من «الجوهر» [2 / 58]: عن محمّد بن أبي سلمة باكثير قال: (صعدت مع بعض آل باوزير إلى شبام، فبينما نحن عند العارف بالله محمّد بن أبي بكر عبّاد ـ وهو في آخر عمره ـ إذ جاء الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف، فأجلّه واحترمه، وأخذا يتذاكران من الضّحى إلى الاصفرار، لا يرفعان مجلسهما إلّا للضّروريّات، وكان الفقيه باعبّاد شيخ السّقّاف، ولكنّه يحترمه) اه بمعناه.

وفي سنة (752 ه‍) قدم الشّيخ يحيى بن أبي بكر بن عبد القويّ التّونسيّ إلى شبام في رجب، وسافر في رمضان من تلك السّنة، وقد ترجمه الطّيّب بامخرمة، وذكرت في «الأصل» أنّ قدومه إلى حضرموت كان في سنة (772 ه‍) بناء على ما وجد بخطّ سيّدنا الأستاذ الأبرّ، لكنّ الّذي في «سفينة البضائع» للحبيب عليّ بن حسن العطّاس و «عقود اللآل» لسيّدي الأستاذ الأبر: أنّ قدومه لم يكن إلّا سنة (752 ه‍)، وتكرّر عنه أخذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد.

ونقل الطّيّب أنّه وقع موت كثير بحضرموت أوائل سنة (930 ه‍)، وفيها توفّي الفقيه شجاع الدّين عمر بن عقيل بلربيعة، وعبد الله بن عمر باعقبة، وأخوه أحمد بن عمر باعقبة، وعمر بن أبي بكر باذيب في نحو أربع مئة جنازة من شبام وحدها.

وكان الشّيخ أبو بكر بن سالم يتردّد إلى شبام للأخذ عن الشّيخ معروف باجمّال، وكذلك السّيّد أحمد بن حسين بن عبد الله العيدروس المتوفّى سنة (968 ه‍) يتردّد على الشّيخ معروف، والسّيّد أحمد بن حسين هذا من كمّل الرّجال، قال الشّيخ عمر بن زيد الدّوعنيّ: (خرجت من بلدي أطلب مربّيا، فلمّا دخلت إلى تريم.. دلّوني على الشّيخ أحمد بن حسين، فخدمته ولازمته، وفتح عليّ من الفضل والخير ما لم يبق فيّ اتّساعا للغير).

والشّيخ معروف أوحد صوفيّة شبام في زمانه، ولقيته محن شديدة.. فزال عن شبام ثلاث مرّات:

ـ الأولى: سنة (944 ه‍) إلى السّور، وكان معه في هذه المرّة عشرة من تلاميذه وفقرائه؛ منهم: محمّد بن عمر جمّال، وعمر بن محمّد جمّال، ومحمّد بن شعيب، وأحمد معدان، وأحمد مصفّر، وحيدرة بن عمر، ومحمّد باكحيل، وعمر قعيطيّ، وامبارك بازياد. وأقام بالسّور نحو سنة، ثمّ عاد إلى شبام سنة (945 ه‍).

ـ ثمّ خرج إلى عندل بالكسر أواخر عمد سنة (945 ه‍)، وعاد بعد سنة.

ـ ولمّا استولى بدر بوطويرق على شبام.. أهانه إهانة بالغة، حتّى لقد طافوا به في شوارع شبام وفي جيده حبل من مسد، فخرج إلى بضه في سنة (957 ه‍)، وبقي بها في ضيافة أمير دوعن الشّيخ الجليل عثمان بن أحمد العموديّ إلى أن توفّي بها سنة (969 ه‍) عن ستّ وسبعين عاما.

وكان محلّ دعوة الشّيخ معروف بشبام.. هو مسجد الخوقة.

ثمّ في سنة (932 ه‍) أمر بعمارة مسجد المقدشيّ، وكان بناؤه في سنة (936 ه‍)، ولكنّه اندثر، ولم يبق له أثر، حتّى جدّده الشّيخ معروف.

وكان الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ يذهب إلى شبام كلّ خميس وكلّ إثنين ماشيا؛ للقراءة على الشّيخ الأنور: أحمد بن عبد الله باشراحيل، وكان يثني عليه، ويسند كثيرا من مرويّاته إليه، والشّيخ أحمد هذا من الآخذين عن الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس، ثمّ عن تلميذه القطب الحدّاد، وله أخذ أيضا عن الحبيب عبد الله بن أحمد بلفقيه.

ومن الصّالحين المشار إليهم بالولاية في شبام: الشّيخ أبو بكر بن عبد الله باصهي. والشّيخ المجذوب أحمد بن جبير شراحيل.

ومن أكابر علماء شبام: العلّامة الفقيه عمر بن عبد الله الشّباميّ، مؤلّف كتاب «قوارع القلوب»، وهو إمام جليل، من أكابر أعيان القرن العاشر، معاصر للفقيه عبد الله بلحاج وابن مزروع. قاله أحمد مؤذن، ونقله عنه جدّنا طه بن عمر في «مجموعه».

"ومن علماء شبام:

الشّيخ عمر بن سالم باذيب. والشّيخ سالم بن عليّ عبّاد. والشّيخ عمر باشراحيل، له ذكر في «مجموع الأجداد».

ونقل المناويّ في «طبقاته» عن الشّيخ أحمد بن عقبة الشّباميّ الحضرميّ أنّه قال: (ارتفعت التّربية بالاصطلاح من سنة (824 ه‍) ولم يبق إلّا الإفادة).

وآل عقبة الشّباميّون من كندة، وهم غير آل عقبة الخولانيّين السّابق ذكر شاعرهم بالهجرين.

ومنهم: العلّامة الفقيه عليّ بن عمر عقبة تلميذ الشّيخ محمّد بن أبي بكر عباد.

ومن «رحلة السّيّد يوسف بن عابد الحسني» [ص 105 ـ 106] أنّ الشّيخ أحمد بن عبد القادر بن عقبة انتفع بالشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس، وهو الّذي أشار عليه بالسّفر من شبام إلى الحجاز، ثمّ جاء إلى مصر واستوطنها، وفيها اتّفق بالشّيخ زرّوق، وكان من أمرهما ما اشتهر في رسائل زرّوق و «مناقب الشّيخ أحمد عقبة».

وممّن سكن شباما: السّادة آل سميط، وأوّلهم: العلّامة الجليل محمّد بن زين بن علويّ بن سميط، وصلها لغرض السّفر منها إلى القبلة، فأبطأت عليه القوافل، فأشار عليه الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ أن يتديّرها للإرشاد والتّعليم، وقال له: إنّ آل شبام أهل اعتقاد وانتقاد، فامتثل وبقي بها إلى أن توفّي بها سنة (1172 ه‍)، ترجمه الشّيخ معروف بن محمّد باجمال بكتاب كامل سمّاه: «مجمع البحرين».

وكان الشّيخ عليّ بن محمّد لعجم يسير إلى حذية عند الشّيخ عمر باهرمز، فإذا أنشد قول القائل [من الوافر]:

«سألت النّاس عن خلّ وفيّ *** فقالوا ما إلى هذا سبيل »

«تمسّك إن ظفرت بودّ حرّ *** فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل »

.. يقول باهرمز: تدري من الحرّ اليوم يا عليّ؟ فيقول باهرمز: إنّه محمّد بن زين بن سميط. وخلّف ولدين: أحدهما: عبد الرّحمن، وقد تزوّج بابنة سيّدنا عليّ بن عبد الله السّقّاف، وأخذ عنه، وانتفع به. والثّاني: زين، وكان من الصّالحين. وأعقبه بها أخوه الفاضل البدل عمر بن زين، المتوفّى سنة (1207 ه‍) عن تسعين عاما قضاها في الخير ونشر الدّعوة إلى الله، وكانت سكناه بشبام لمّا توفّي أخوه محمّد، وترك ـ أعني الحبيب عمر ـ ستّة أولاد ذكورا، وهم: عليّ وعبد الرّحمن وحسين وأبو بكر وأحمد ومحمّد، ومن كلامه ـ كما يرويه ابنه العلّامة أحمد بن عمر ـ: أن تسعة أعشار أهل حضرموت كانوا لا يصلّون، والعشر الّذي يصلّي لا أدري ما صلاته.

قال سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر: إنّ الحبيب عمر بن زين مكث سبعة عشر عاما لا يضع جنبه على الأرض؛ اجتهادا في العلم والعبادة، وكان ولده أحمد بن عمر أكثر من يقرأ عليه الكتب، وإذا غلبه النّوم.. أعطاه شيئا من اللّوز والزّبيب؛ ليطرد به النّعاس وينشط للقراءة.

وممّن أثنى عليه العلّامة السّيّد عبد الله بن حسين بن طاهر من آل سميط: الفاضل الجليل عبد الرّحمن بن محمّد بن سميط، وابنه العبّاد الإمام عليّ بن عبد الرّحمن.

ومنهم: القطب المجدّد الدّاعي إلى الله ابنه أحمد بن عمر بن زين بن سميط، لقد كان علم هدى، ونبراس دجى، ونور إسلام، وفرد أعلام، أردت أن أتمثّل له بما يناسب، ولكن رأيت مقاما عظيم الشّأن حيّرني، فلم يحضرني إلّا قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» 2 / 298 ـ 299 من الرّمل]:

«إرث آباء علوا، فاقتعدوا *** عجز المجد، وأعطوه السّناما»

«شغلوا قدما عن النّاس العلا *** ورموا عن ثغر المجد الأناما»

«لم يعش من عاش مذموما ولا *** مات أقوام إذا ماتوا كراما»

«يعظم النّاس، فإن جئنا بكم *** كنتم الرّاعين، والنّاس السّواما»

وهو الّذي اهتمّ بإقامة دولة ل (حضرموت)، واشتدّ لذلك أسفه، وتوالى لهفه، ولئن مات بحسرة على ذلك.. فقد كلّل الله أعماله بالنّجاح في نشر الدّعوة إلى الله، حتّى انقشعت الجهالة، واندفعت الضّلالة، وانتبه الجمّاء من النّوم، وتقيّل آثاره أراكين القوم؛ كسادتي: حسن بن صالح البحر، وجدّي المحسن، والحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر وغيرهم، حتّى لقد مرّ بعضهم وإحدى بنات آل همّام بحصن تريم تقول: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتكرّر حديث الدّين، فقال: (ما كان جبريل ليدخل دار آل همّام لو لا أحمد بن عمر). توفّي بشبام سنة (1257 ه‍).

وخلفه على منهاجه العلّامة الجليل، الصّادع بالحقّ، النّاطق بالصّدق، عمر بن محمّد ابن سميط.

«القائل الحقّ فيه ما يضرّ به *** والواحد الحالتين السّرّ والعلن »

فكان يغلظ القول للسّلطان عوض بن عمر وهو إلى جانب منبر شبام في جامعها، ويقول: إنّ العدنيّ يقول من قصيدة [في «ديوانه» 188]:

«نرميه باسهمنا ولا يرانا ***...»

ونحن نرميه بأسهمنا وهو يرانا، والسّلطان عوض يحتمل ذاك؛ لأنّه يعظّم أهل الدّين، والعلماء إذ ذاك يكرّمون أنفسهم، ويصونون العلم، ومقامه كبير في العيون، جليل في الصّدور، ولم يزل ناشر الدّعوة، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، حتّى توفّي بشبام سنة (1285 ه‍)، ووقع رداؤه على ابنه ـ الخليفة القانت الأوّاب، الّذي لا يداهن ولا يهاب ـ: عبد الله بن عمر، المتوفّى بها سنة (1312 ه‍).

ومنهم: السّمح الكريم، الرّاوية لأخبار السّلف الطّيّب: حسن بن أحمد بن زين بن سميط، المتوفّى بها سنة (1323 ه‍)، وقد رثيته بقصيدة توجد بمحلّها من «الدّيوان».

ومنهم: السّيّد الواعظ الفقيه: طاهر بن عبد الله بن عبد الرّحمن، المتوفّى بها سنة (1331 ه‍).

ومنهم: السّيّد الجليل المقدار: أحمد بن حامد بن عمر بن زين، المتوفّى بها سنة (1331 ه‍).

ومنهم:

«علّامة العلماء واللّجّ الّذي *** لا ينتهي ولكلّ لجّ ساحل »

الفاضل الجليل العلّامة المحقّق المتفنّن: أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن محمّد بن زين، ولد بأنزيجة من السّواحل الأفريقيّة، وبها تعلّم، وأخذ العلوم عن أبيه وعن غيره، وقدم حضرموت عدّة مرّات، منها: سنة (1298 ه‍)، ومنها: سنة (1316 ه‍)، وآخر مرّة قدمها سنة (1325 ه‍) وشهد زيارة هود عليه السّلام، وكان له بوالدي اتّصال عظيم، وارتباط وثيق، وأخذ تامّ، وله مؤلّفات كثيرة، وأشعار جزلة:

«من كلّ قافية فيها إذا اجتنيت *** من كلّ ما يشتهيه المدنف الوصب »

«حسيبة في صميم المدح منصبها *** إذ أكثر الشّعر ملقى ما له حسب »

توفّي في زنجبار سنة (1343 ه‍).

ومن اللّطائف: أنّني عملت احتفالا لتأبينه والتّعزية به في مسجد طه، وأعددت كلمة في نفسي، وإذا بمؤبّر نخلي يكرّر ويتغنّى بقوله: (لا حلّ للموت) فقط، فبقيت على أحرّ من الجمر في انتظار الباقي، حتّى قال:

«لا حلّ للموت ما *** خلّى كبد ساليه »

«شلّ الوجيه الرضي *** يّه واللّحى الغاليه »

فذهب ما في نفسي، وأخذني شأن عظيم درّ به كلام أحسن وأبلغ وأنجع ممّا كنت أعددته؛ لأنّ ذلك الوصف منطبق عليه.

«ولم ينس سعي العلم خلف سريره *** بأكسف بال يستقيم ويظلع »

«وتكبيره خمسا عليه معالنا *** على أنّ تكبير المصلّين أربع »

فعظمت بموته الرّزيّة، ولكن كان ولده عمر بقيّة.

«فإنّه نحوه في حسن سيرته *** منذ الشّبيبة وهو الآن مكتهل »

«أضحى لنا بدلا عن فقد والده *** والشّبل من ليثه إمّا مضى بدل »

فخلاه اللّوم؛ إذ سدّ مسدّ القوم، لم ينقطع رشاه، ولا قالوا: فلان رشاه.

وما رأيت أحدا بعد أستاذي الأبرّ عيدروس بن عمر، وسيّدي عبد الله بن حسن البحر يستجهر النّاس بفرط الوسام، وبسطة الأجسام؛ كالسّادة آل سميط، لا يراهم النّاظر.. إلّا تذكّر قول جرير [في «ديوانه»: 456 من الطّويل]:

«تعالوا ففاتونا ففي الحقّ مقنع *** إلى الغرّ من أهل البطاح الأكارم »

«فإنّي أرضي عبد شمس وما قضت *** وأرضي الطّوال البيض من آل هاشم »

فأولئك البيض الطّوال، وثمّة الهمم العوال.

«آراؤهم ووجوههم وعلومهم *** في الحادثات إذا دجون نجوم »

«فيها معالم للهدى ومصابح *** تجلو الدّجى والأخريات رجوم »

فأحوالهم جليلة، وأخلاقهم جميلة، وأخبارهم عريضة طويلة، ينطبق عليهم قول المسيّب بن علس [من المتقارب]:

«وكالشّهد بالرّاح أخلاقهم *** وأحلامهم منهما أعذب »

«وكالمسك ترب مقاماتهم *** وترب قبورهم أطيب »

ومن متأخّري علماء شبام: الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باصهي، أحد تلاميذ والدي، وشيخ العلّامة الجليل الأمير محمّد بن عليّ الإدريسيّ، وكان هو همزة الوصل بيني وبينه في المعرفة الّتي كان أوّلها تعزية منه لي بواسطته في والدي، ثمّ استمرّت المواصلات والمراسلات بما آثارها من القصائد موجودة بمواضعها من «الدّيوان» [371 و 384].

ومن علماء شبام ـ فيما رأينا بأبصارنا ـ أربعة إخوان، كلّهم علماء؛ وهم: أحمد، ومحمّد، وعمر، وعبد الرّحمن أبناء أبي بكر باذيب.

ومن كبار علمائهم ومصاقع شعرائهم: الشّيخ أحمد بن محمّد باذيب، المتوفّى بسنغافورة في حدود سنة (1279 ه‍).

وعن الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان وغيره: أنّ سبب سفره من شبام هو أنّ خطيب الجمعة تأخّر مرّة، فأشار عليه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط أن يقوم بأداء الواجب من أركان الخطبة، فارتجل ما ملأ الأسماع إعجابا، والنّفوس إطرابا، فخشي عليه العين، فأمره بمغادرة البلاد وكان آخر العهد به وكان أهل شبام معروفين بالإصابة بالعين. ومن أواخرهم المتّهمين بذلك: الشّيخ معروف باذيب، والشّيخ سالم بن هادي التّويّ.

ومن عيون صلحائها وأفاضلها الشّيخ عوض بن محمّد باذيب، وأولاده عليّ وأحمد ومحمّد، لهم مروءة حيّة، واعتبار تامّ، ودين ثابت، وكانت الأعيان تزور الشّيخ عوض وتتبّرك برؤيته ودعائه.

ومن متأخّري علمائها: الشّيخ عبد الرّحمن حميد، وولده عبد الله.

ومن آل شبام: آل جبر، وآل التّويّ، وآل باعبيد، وهم أربعة إخوة: محمّد وعمر وعوض وأحمد بنو سالم باعبيد، إليهم الآن أزمّة التّجارة بشبام، ولهم مراكز في عدن وغيرها، وقد مات عمّا قريب أحبّهم إليّ، وهو أحمد، فرحمه الله وأخلفه بخلف صالح.

وممّن تديّر شباما الحبيب علويّ بن أحمد بن زين الحبشيّ، وبها توفي.

وفي «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط»: أنّ والده لمّا مات.. قال: مات من يستحيا منه، وإنّ آل شبام كانوا يهابونه، وكان آل أحمد بن زين يزورونه في محرّم من كلّ سنة، ومتى قاربوا شبام.. تنابز غوغاؤهم مع آل شبام بالألقاب، وقالوا: (الهر لعل القعيطي يفر) فأوقفهم منصّر بن عبد الله طائفة من النّهار في الشّمس، فتركوا الزّيارة، ولمّا زال منصّر وشيكا.. كتب لهم صلاح بن محمّد بالاعتذار، فأعادوها.

ومن أدبائهم وأكابر أولي المروءة منهم: الشّيخ سالم بن عبد الرّحمن باسويدان.

وفي مبحث صلاة الجمعة من «مجموع الأجداد»: (أنّ شباما من كراسي حضرموت، بل لا مدينة في حضرموت إلّا هي وتريم، هاتان المدينتان المذكورتان في التّواريخ فقط، ويكاد أن يكون ما يتعلّق بشبام ومن سكنها من المشايخ والعلماء، ومن له فيها أثر من مسجد وغيره من دائم النّفع، يكوّن نبذة صالحة) اه

ولأهلها مناقب كثيرة، ومحاسن شهيرة، ولا سيّما في الورع وصدق المعاملة مع الله، وحمل الكلّ، وفعل المعروف، والإعانة على نوائب الحقّ، أخبرني المكرّم الشّيخ كرامة بن أحمد بن عبد الله بركات قال: كنت بمقدشوه في سنة (1334 ه‍) فأرسلت بثلاث مئة وخمسين ربّية برعما ـ وهو نوى القطن ـ إلى عدن عند الشّيخ أحمد بن عمر بلفقيه، فباعه لي وأربحني النّصف، وأبرق إليّ: أن خذ كلّ ما تقدر عليه منه وحوّل لي بالثّمن، فاشتريت أوّلا بنحو من ألف ربّية، وثانيا بمثله، وقدّمت له حسابا في ثمنه وسائر مصاريفه، وخدمته ولم يبق لي عنده بحسب ما قرّرته في دفتري إلّا أربعون ربّية فقط، ولمّا وصلت عدن بعد خمس سنوات.. أعطاني كاتبه ـ وهو الشّيخ محمّد بن سالم باعبيد ـ تحويلا إلى شبام في ألفين ونحو خمس مئة ربّية، فشككت فيها، وتوهّمته غالطا، ولمّا قدمت شباما.. أخبرت الوالد أحمد بن عمر بلفقيه، فأخذ بأذني وقال: إذا لم نربّك نحن.. فمن يربّيكم؟ وقد ربّانا ناس على مثل هذا، فنحن مدينون به.

وإذا به قيّد لي أرباح البرعم بأسرها، فرحمة الله على هذا الإنسان وعلى جميع أهل الإحسان.

وبلغني أنّ الشّيخ عوض بن عبد الله باذيب اشترى خرابة من الأمير عليّ بن صلاح، قيل: إنّ بعض أهلها معروف في غيبته الطّويلة، وأنفق على بنائها سبعة آلاف ريال، ولمّا احتاج ورثته لبيعها.. لم تنفق إلّا على واحد من آل باهرمز بألفين من الرّيالات فقط؛ لأنّ آل شبام ـ بما بقي في قلوبهم من هيبة الدّين والورع ـ تحاموها، وإلى الآن وهم يتحامون عن شراء التّمر الّذي يجمعه من المكس صاحب السّدّة؛ مع أنّه أرخص من غيره بثلث القيمة.

وبلغني أنّ لبعضهم رسائل في سير آل شبام وأخبارهم الشّاهدة بالتّقوى والورع، وهي من أنفع ما يكون لهم لو تدارسوها على عادتهم في درس يوم الثّلاثاء الّذي رتّبه الحبيب أحمد بن عمر بن سميط، ـ متنقلا في ديارهم؛ سياسة في حضورهم؛ إذ هي خير حافز للأحفاد على ترسّم آثار الأجداد، ومن كلامه المنثور: إنّ شباما كانت بلاد المنقود، وأنّ أحد أهل شبام أخذ دراهم من أحمد ناصر اليافعيّ، فهجروه حتّى ردّها.

وأنّ ثمانين حملا من الحوير وردت شباما، وفيها حمل لأحد آل كثير بن سلامة، فاشتروها بأسرها إلّا ذلك الحمل لم يأخذه أحد وعاد به صاحبه.

وفي كلامه ثناء كثير على محمّد بن عوض باذيب، وعلى أخيه عبود، وأنّه حصل عليهما خلل فشاورا الحبيب عبد الله الحدّاد فقال لهما: بيعا جميع ما معكما ولو لم يخلف لكم إلّا حليّ نسائكم، فباعاه وقضيا ما عليهما من الدّيون، وبقيت ثلاث مئة ريال، فذهبا إلى الحاوي، ولمّا وصلا.. قال محمد لعبود: إن وافقتني.. أعطينا الحبيب عبد الله مئة واقتنعنا بالمئتين، فوافقه، فقبلها الحبيب وأشار على محمّد بالسّفر إلى الشّحر، وبقي يتردّد إليها، ويقيم بها شهرين أيّام الموسم، ويمرّ في ذهابه وإيابه بالحاوي.

ولمّا علم الحبيب عمر البارّ بقصّة المئة.. قال لمن حضره: أيصحّ أنّ أحدا يتصدّق بثلث ماله؟! وكان عنده دلّال من آل باخيضر. فقال: إن كان من آل شبام.. فنعم.

ومنه: أنّ محمّد لعجم من السّابقين؛ لأنّه سبق سلفه.

ومنه: أنه لمّا توفّي أحمد بكار لعجم.. قال والدي: توفّي وهو خير من بالبلد.

ولمّا توفّي عبد الله بن عمر لعجم.. قال الحبيب أحمد بن عمر بن سميط: إنّه من الأخيار الّذين يدفع الله بهم البلاء، ومن الّذين يحييهم ويميتهم الله في عافية، وكانت وفاته بسبب الوباء الّذي وقع بشبام وسيئون وبور في سنة (1250 ه‍).

ومنه: أنّ الحبيب محمّد بن زين بن سميط قال: ما تحقّقت أنّ أحدا يحبّ للمسلمين ما يحبّ لنفسه إلّا عبد الله بن زين الحبشيّ صاحب ثبيّ، وبكّار بن عوض لعجم؛ فإنّ هذا يقوم إليّ في الدّرس ويقول: تكلّم في كذا؛ فإنّ النّاس واقعون فيه.

ومنه: أنّ الشّيخ أحمد صلعان ممّن ترجم له الحبيب محمّد بن سميط، وأن محمّد صلعان كثيرا ما يستشهد بحكم ابن عطاء الله يكاد يحفظها، وأنّ القرآن معجون بمحمّد بن عقبة سديس.

ومنه: أنّ المرحوم محمّد بن أحمد بايوسف ـ جدّ آل بايوسف ـ من الصّالحين، وكذلك ولده أحمد.

ومنه: أخبرني عبد الله باسعود عن الحبيب جعفر بن أحمد بن زين قال: أدركنا أهل شبام ثلاث طبقات: أوّل طبقة لباسهم كوافي بيض وأردية شمال، وثاني طبقة كوافي سوسي وملاحف بيض، وثالث طبقة كوافي صنعانيات من نصف ريال وملاحف سود.

قال: ومن بعد توسّعوا مصانف وكوافي صنعانيّات من ريالين.

ومنه: أنّه لمّا توفّي عمر بن أحمد معاشر.. قال: إنّه من الّذين يمشون على الأرض هونا، وقال مثل ذلك لمّا مات أحمد بن محمّد جبر.

ونقل الشّيخ عليّ بن عبد الرّحيم بن قاضي في ترجمته لنفسه: أنّ والده تولّى القضاء بشبام أكثر من سنتين، وأنّه يثني على أهلها بالتّناصف والتّعاون على الحقّ، وأنّه كان يزورهم ويأتي إليهم من تريم لحسن حالهم. اه

ولو أرسلنا القلم ملء فروجه في مكارم الشّيخ عبد الرّحمن باصهي، الملقّب بالطّويل.. لاندقّت عنقه قبل أن نبلغ منه ما نريد، وهي مشهورة، وآخرها: وصيّته بأن تبقى يده مكشوفة مع تشييعه في الجنازة؛ لاستخراج الاعتبار بأنّه مع ما كان من ثروته الطّائلة لم يخرج من الدّنيا إلّا صفر اليد وقد نفّذوها على ما فيها من الاختلاف بين الرّمليّ وابن حجر؛ لما في ذلك من المصلحة والعظة البالغة.

وكان سيّدي حسن بن أحمد بن سميط يتفتّح عن ثبج بحر عندما يفيض فيها، إلّا أنّ تلك المكارم انطوى نشرها، ولم يبق إلّا ذكرها.

«ونذكر تلك المكرمات وحسنها *** وآخر ما يبقى من الذّاهب الذّكر »

ولآل شبام عامّة وآل باصهي خاصّة، نجوع إلى صنعاء وإلى البيضاء من أرض الظّاهر، وقد وقفت على وثيقة من الإمام المهديّ لدين الله، هذا نصّها:

الخطّ الكريم والرّسم العالي الفخيم الإماميّ المهدويّ أعزّه الله، وأقرّ عين المتمسّكين به وأرضاه، وأنفذه في جميع الأقطار الإماميّة وأسماه، إن شاء الله، بيد الحاجّ الأكرم جمال الدين سالم بن عبد الله باصهي وكافّة إخوته وبني عمّه، قاض لهم بالإجلال والإكرام، والرّعاية والاحترام، والإعزاز والإعظام، فيجرون على أجمل العوائد وأتمّ القواعد، ليس عليهم حال يخشونه، ولا أمر يتوقّونه، وأنّهم منّا وإلينا، وممّن تحوطه شفقتنا، وأنّ واجباتهم الشّرعيّة يسلّمونها بالأمانة، ليس على أموالهم حيث كانت حرص ولا اعتراض بمحروس البيضاء وحضرموت.

وأنّهم يخرجون ما دخل فيه غيرهم من الفرق والمطالب والسّوائب والنّوائب.

وليس عليهم إلّا الحقّ الواجب وزكاة الأموال وزكاة التّجارة والفطرة، يسلّمونها إلى العمّال بالأمانة من غير واسطة.

وليس عليهم مجبى أينما توجّهوا في البلاد الإماميّة، في جميع الأسواق والمراسي والطّرقات والبنادر، فلا يعترضوا بشيء من ذلك، وذلك لما هم عليه من المحبّة والنّصيحة لهم ولسلفهم، فيجرون على ذلك وتقرّ أعينهم بما هنالك، وعليهم التّوقّف على أمرنا، والكون عند رأينا، وموالاة الموالي، ومعاداة المعادي، فليثقوا بذلك، وبالله الثّقة، وبه الحول والقوّة، وهو حسبنا وكفى، ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النّصير.

حرّر في محرّم الحرام عام سبعة وثمانين وألف (1087 ه‍)، وكان الشّيخ عبد الرّحمن باصهي معاصرا للحبيب أحمد بن زين الحبشيّ، وعرض عليه أن يحجّ هو ومن معه على نفقته، فلم يقبل، كما في «كلام الحبيب أحمد بن عمر بن سميط».

ولم يبق بأيدي آل شبام اليوم من المناقب الشّريفة السّابقة لأهلهم.. إلّا حسن التّأسّي فيما بينهم، ومساعدة الضّعيف، وقضاء الحاجة، وجبر المنكوب، حتّى لقلّما ترفع من أولي مروءتهم دعوى إلى القاضي، وإنّما يسوّون أمورهم فيما بينهم بالإصلاح، وهذا ليس بالقليل مع تراذل الزّمان.

وذكر ابن الحائك: (أنّ مصبّ مياه الأودية الغربيّة كلّها كان في شمال شبام، بينها وبين القارة).

وهو صادق في ذلك؛ لأنّه الواقع فيما قبل.. حتّى كان السّيل العظيم الهائل في سنة (699 ه‍) فأخرب الأحجاز، وأخذ كثيرا من البشر ومن المواشي، وانتقل بقوّته من شمال شبام واتّخذ له أخدودا بجنوبها؛ إذ قد اجتاح كثيرا من الخبّة الّتي كانت متّصلة بشبام، ثمّ عمّرت شيئا فشيئا، وما زالت معمورة حتّى اجتاحها سيل الإكليل الجارف في سنة (1049 ه‍).

ثمّ أحبّ آل شبام التّنزّه.. فعمّروها واحدا واحدا، حتّى صارت قرية، وعند ذلك ابتنى السّيّد عقيل بن عليّ السّقّاف مسجدا في حدود سنة (1063 ه‍)، وأحبّ أن يجمّع فيه، فاختلف عليه العلماء ـ حسبما فصّلناه ب «الأصل» ـ فامتنعت الجمعة

وما يفهمه قول ياقوت السّابق: (إنّ الحسين بن سلامة ابتنى جامع شبام) محمول على التّجديد أو التّرميم، وإلّا.. فقد كان جامعها مبنيّا قبل ذلك بزمان؛ ففي تاريخ القاضي محمّد بن عبد الرّحمن باشراحيل أنّه (بني في سنة «215 ه‍»، وأنّه كالقطب الّذي تدور عليه غالب شعائر الدّين بشبام).

وله أوقاف تنسب إلى هارون الرّشيد، وهو شاهد بأنّ بناءه كان متقدّما على هذا التّاريخ الّذي ذكره باشراحيل؛ لأنّ وفاة الرّشيد كانت في سنة (193 ه‍).

وممّا يدلّ لتقدّمه: ما نقله الشّيخ العلّامة عبد الله بلحاج، عن العلّامة الشّيخ محمّد بن سعيد باشكيل: (أنّ آل باذيب من الأزد، وأصلهم من البصرة، ثمّ استوطنوا شباما.

قال: وذكر عمر بن عبد الله باجمّال الشّباميّ: أنّ آل باذيب خرجوا من البصرة إلى حضرموت في أيّام الحجّاج، وبقيت طائفة منهم بالبصرة، ولهم حافّة عظيمة بالبصرة، يقال لها: حافّة الأسد ـ بالسّين، لغة في الأزد، بالزّاي ـ ولمّا وصلوا حضرموت.. آواهم أمير شبام وأجلّهم، وكان فيهم قضاة الدّين وقضاة الدّولة بشبام، وقد اجتمع منهم في زمن واحد سبعة مفتون، وقاضيان: شافعيّ وحنفيّ) اه

وهذه فائدة نفيسة، ونقل عزيز نحتاجه في كثير من المواضع، ونضرب عليها بنغمات متعدّدة، وبعيد أن ينتشر فيها الإسلام والمسلمون ثمّ لا يبنى بها جامع إلّا في آخر القرن الثّاني، هذا ما لا يتمعنى بحال، لا سيّما وأنّها كانت دار إقامة زياد بن لبيد الصّحابيّ المشهور، كما في «مفتاح السّعادة والخير» لمؤلّف «القلائد»، وغيره.

وفي سنة (532 ه‍) عمّر مقدّم جامع شبام، وجدّد منبره بأمر الملك المنصور الرّسوليّ، وذلك المنبر هو الّذي يخطب عليه إلى اليوم. وكانت هذه العمارة على يد عبد الرّحمن بن راشد في ولاية نصّار بن جميل السعديّ.

وفي موضع من «صفة جزيرة العرب» لابن الحائك [ص 169] يقول: (وأمّا شبام: فهي مدينة الجميع الكبيرة، ويسكنها حضرموت، وبها ثلاثون مسجدا، ونصفها خراب، أخربته كندة، وهي أوّل بلد حمير ثمّ. وساكن شبام: بنو فهد من حمير) اه

وأقول: أمّا فهد.. فهو ابن القيل بن يعفر بن مرّة بن حضرموت بن أحمد بن قحطان بن العوم بن عبد الله بن محمّد بن فهد بن القيل.. إلى آخر النّسب.

وسيأتي بيت نشوان مع ما يتعلّق به عمّا قليل.

أمّا مسجدهم الباقي بين منازلهم الخاصّة في جانب خبّة شبام الغربيّ المسمّى الآن: مسجد الطّيّب.. فقد بقي بأيديهم، والظّاهر أنّه وقع فيما اجتاحه سيل سنة (699 ه‍) الآتي ذكره، وإلّا.. لما طمع السّيّد عقيل ـ حسبما يأتي ـ في التّجميع بمسجده الّذي بناه بجانب خبّة شبام الشّرقيّ، إلّا أن يكون اختلاف المذهب داخلا تحت عسر الاجتماع، المسوّغ للتّعدّد.. فللبحث مجال، وبين العلماء اختلاف حتّى بين المتأخّرين من الحضارم؛ كابن يحيى، وبلفقيه، والسّيّد عثمان بن يحيى، وبعض علماء الحجاز، وهو معمور إلى الآن.

وأمّا كثرة المساجد بها.. فإنّما كانت قبل أن تجتاح أطرافها السّيول، ويكون مجراها في جنوبها. وكان مسجد الخوقة بشبام هو مسجد الإباضيّة إلى أن غلبهم الأشاعرة عليه في سنة (591 ه‍).

ومن أشعار إمام الإباضيّة بحضرموت في القرن الخامس إبراهيم بن قيس قوله [من الطّويل]:

«فقلت: وما يبكيك يا خود؟ لا بكت *** لك العين ما هبّت رياح زعازع »

«فقالت: بكيت الدّين إذ رثّ حبله *** وللعلما لمّا حوتهم بلاقع »

«فأين الألى إن خوطبوا عن دقائق *** من العلم.. أفتوا سائليهم وسارعوا؟!»

«فقلت لها: هم في شبام ومنهم *** بميفعة قوم حوتهم ميافع »

«وفي هينن منهم أناس ومنهم *** بذي أصبح حيث الرّضا والصّمادع »

«ومنهم بوادي حضرموت جماعة *** وأرض عمان سيلهم ثمّ دافع »

وفي أوائل القرن التّاسع كان قضاء شبام للشّيخ عبد الرّحمن باصهي، وله قصّة مع عليّ بن سعيد باصليب، الملقّب بالرّخيلة، مذكورة في الحكاية (457) من «الجوهر الشّفّاف».

ومن قضاة شبام في القرن الثّاني عشر: السّيّد عليّ بن علويّ عيديد.

وكان بشبام جماعة من آل بامهرة فيهم العلماء والقضاة، وجماعة من آل شعيب مشهورون بالعلم؛ منهم:

الشّيخ عبد الرّحمن بن عبد الله شعيب. والشّيخ أبو بكر بن شعيب، له شرح على «المنهاج». ولا اتّصال لهؤلاء بآل باشعيب الآتي ذكرهم في الواسط.

وذكر الطّيّب بامخرمة في «تاريخ عدن»: (أنّ العلماء آل الشّمّاخ أصل جدّهم من حضرموت، تفقّه بزبيد، ولمّا أراد الرّجوع.. رغّبه السّلطان عمر بن المظفّر فأقام هناك إلى أن مات، فآل الشّمّاخ من ذرّيّته) اه

وقريب جدّا أن يكون آل شمّاخ الموجودون بشبام إلى اليوم متفرّعين عن ذلك الأصل الّذي نجع منه جدّ آل الشّمّاخ إلى زبيد.

ولمّا ذكر علّامة اليمن السّيّد عبد الرّحمن بن سليمان الأهدل عادة آل زبيد في قراءة «البخاريّ» بشهر رجب.. قال: إنّها ـ فيما أحسب ـ من أيّام الشّيخين: أحمد بن أبي الخير منصور الشّمّاخيّ، ووالده الفقيه أبي الخير منصور الشّمّاخيّ السّعديّ نسبا، الحضرميّ أصلا، الزّبيديّ مهاجرا، الآخذ عن جماعة من أصحاب الحافظ السّلفيّ، توفّي بمدينة زبيد سنة (680 ه‍).

ولآل شبام نوادر، لو لم يكن إلّا ما يروى عن السّيّد زين بن أحمد بن سميط.. لكفى، فمن ذلك:

أنّ لآل الشّحر اعتقادا فيه، حتّى إنّهم ببساطتهم يمكّنون نساءهم من مصافحته، مع أنّه لا يتورّع بعض الأحيان من غمز إحداهنّ، فدخل عليه الشّيخ أبو بكر بن سعيد الزّبيديّ وعنده فتاة جميلة، فعلقتها نفسه، وتبعها هواه، فتوسّل إليه أن يخطبها له، فقال له: يمنعك عنها بخلك. فقال له: اطلب لها ما تريد. فخرج، ثمّ عاد، وقال: إنّ أهلها يطلبون ثلاث مئة ريال. فنجع بها طيّبة نفسه، فواعده أن يجيء إلى ذلك المكان من آخر ليلته، وعقد له بعجوز قد تغضّن وجهها، وانتثرت أسنانها، وانطبق عليها قول البحتريّ [في «ديوانه»: 2 / 272 من المنسرح]:

«والسّنّ قد بيّنت فناءك في *** شدق على الماضغين منخسف »

ودفع لتلك العجوز عشرة ريالات، وهرب هو بالباقي إلى شبام حضرموت، وكانت سفرة طيّبة، ووقع الشّيخ في الشّبكة.

ومنها: أنّ الجمعدار عبد الله كان يأنس به، ويتسلّى بأحاديثه عن أنكاد حوادث صداع، ومعه السّيّد حسين بن حامد المحضار، وكان لا يصبر لهم إلّا إذا سلّموا له إمامة الصّلاة، فأذعنوا له بها، حتّى جاءهم أحد العلماء.. فاستحيوا أن يقدّموا عليه زينا؛ مع ما عرف به من التّهاون في الطّهارة ونواقض الوضوء، فصلّى بهم الشّيخ العشاء، وقرأ في الأولى (الضّحى) فلم يجد إليه زين سبيلا، ولمّا قرأ في الثّانية ب (الزّلزلة).. سنحت له الفرصة، فقطع الصّلاة، وقال له: زلزل الله بوالديك يا شرّ المشايخ! وهل للزّلزلة مكان بعد ما نحن فيه؟ الجمعدار مزلزل، والمحضار مبهذل، وأنا مسفّل، ثمّ تأتي لنا فوق ذلك بالزّلزلة.

وهكذا سمعتها، ولكنّ وجود السّيّد حسين بن حامد لذلك العهد بصفة النّديم أو نحوه للجمعدار عبد الله.. لا يخلو من البعد.. فلعلّ النّظر انتقل عن أبيه أو غيره إليه.

ومنها: أنّه مرّ بشباميّ ويهوديّ يتلاطمان في عدن، فلمّا أراد أن يبطش بالّذي هو عدوّ لهما.. انسلّ الشّباميّ، وترك زينا مع اليهوديّ، حتّى حجز بينهما الشّرط، وساقوهما إلى السّجن، فسأل زين عن المقرّبين لدى الحكومة، فقيل له: صالح جعفر، فأرسل إليه.. فوصل، فاستخفّ روحه، فضمن عليه وأخذه إلى داره وأكرم مثواه، فرأى عنده من النّعمة ما لا يعرف شيئا منه في بيوت آل شبام بعدن، فانقطع عنهم، وما زالوا يبحثون عنه حتّى ظفروا به، فسبّهم وقال: لقد خرجت من النّار إلى الجنّة. قالوا: لكنّك لا تدري ما حال صالح جعفر. قال: وما حاله؟ قالوا: يبغض الشّيخين أبا بكر وعمر. فاستعظمها، وقال: إذا كان يبغض هذين.. فأيّ دين له، ومن يحبّ؟ قالوا: لا يحبّ إلّا فاطمة وزوجها وأولادها رضي الله عنهم. فازدهر وجهه بعد العبوس، وقال: أمّا إذا كان يحبّ أهلي.. فليبغض من شاء، وأنا كبدي محترقة من بو بكر لعجم وعمر بن بو بكر باذيب، فسألعنهما جبرا لخاطره.

ثمّ نهض من فوره ودخل على صالح جعفر فأوهم أنّه عثر.. فقال: لعنة الله على أبي بكر وعمر.

وللشّيخ أحمد بركات من هذا القبيل ما ليس بالقليل، إلا أنّه لم يكن كالسّيّد زين في خفّة الظّلّ؛ لأنّ عنده شيئا من الكلفة؛ من نوادره:

أنّ شيخنا الشّهير أحمد بن حسن العطّاس مرّ بداره فناداه: أعندك رطوبة نطلع لها؟

قال له: احذف الطّاء واطلع. يعني أنّ عنده روبة.

وبها ذكرت أنّ ابن عمّار قال للدّاني: اجلس يا داني بلا (ألف)، فقال: نعم يا ابن عمار بلا (ميم).

وكان سنة (1318 ه‍) بدوعن في منزل استأجره، فاتّفق أنّ بنتا لأهل المنزل استعارت ثوبا من أمها لتلبسه في وليمة زواج، ففقد لهم عقد من الفضّة يسمّونه (مريّة)، فاتّهموا بها الشّيخ أحمد، فقال لهم: كم ثمنها؟ فقالوا: ستّة ريال. فدفعها لهم، ولمّا عادت البنت بالثّوب.. ألفوا المريّة معها؛ لأنها كانت بين طيّات الثّوب، فردّوا ريالات الشّيخ أحمد واعتذروا له، ولمّا انتهى الخبر إلى باصرّة.. عاتب الشّيخ أحمد وقال: لو رضيت برفعهم أمرك إليّ.. لما ألزمتك بشيء، فقال: من يدفع التّهمة بعد الرّفع؛ إذ لا بدّ من علوقها على أيّ حال، فاخترت السّتر احتفاظا بالمروءة، لا سيّما والمبلغ زهيد.

ودخل أحد أهل شبام على صديق له بها وهو يتغدّى، فقال له: أما عندك ثمانية وسبعون؟ يعني لحم.

قال: لا، ولكن عندي مئة وخمسون. وأحضر له عكّة السّمن، وكلّ ذلك على الرّويّة من دون تفكير.

وكان لهم ـ كما سبق عن الحبيب أحمد بن عمر ـ في نقد الرّجال الفهم الوقّاد، وعندهم من الإزكان والتّخمين ما لا يحصره التّعداد. من ذلك:

أنّ امرأة لأحدهم كثيرا ما تأكل اللّحم وتعتذر بالهرّة، فلم يكن منه إلّا أن وزن الهرّة عند السّاعة الّتي يتّهمها فيها بأكل اللّحم، وخرج من الدّار، ثمّ عاد وقال لها: أين اللّحم؟ فقالت: أكلته الهرّة. فوزنها ثانيا، فلم يزد فيها شيء، فانكشف الخيم، وانهتك الحريم.

وآل شبام يغضبون من وزن الهرّة إلى اليوم لذلك السّبب، بل يكرهون من غيرهم لفظ الوزن وإن لم يذكر معه الهرّ.

حدّثني المرحوم الوالد أحمد بن عمر بن يحيى قال: كتب إليّ بعض أهل التّيمور يطلب كميّة من البقر فأخذتها، وفي العشيّ كنت أنا والشّيخ الفاضل سالم بن عبد الرّحمن باسويدان بمنزل أمير الإحسان، السّيّد محمّد بن أحمد السّقّاف بسنغافورة، فذكرت شراء البقر، فقالوا: كيف كان شراؤك لها؟

فقلت لهم: بالوزن. فغضب الشّيخ سالم، وظنّ أنّ فيه تنكيتا عليه، وأنا لم أتعمّد شيئا من ذلك، وإنّما أرسلتها بحسب السّجيّة، وبقي على غضبه مدّة ليست باليسيرة.

ولسماسرة شبام اليد الطّولى في سنّ الفاتر، وتعيير العائب، إلّا أنّهم لا يسلمون من التّحريش بين النّاس؛ بينما أحد شعرائهم بالسّوق ـ واسمه عليّ ـ.. إذ ظهر قرنه الّذي يهاجيه ـ وهو بازياد ـ فأشلوه عليه، فتفطّن لها بازياد وقال:

«يا علي خذ لك نصيحه *** من رفيقك بازياد»

«الشّتم بيني وبينك *** والضّحك لاهل البلاد»

فارعوى عليّ، وكان ذلك سبب الصّلح بينهما.

ولشبام ذكر عند الطّيّب بامخرمة ولكنّه قليل؛ إذ لم يزد على قوله: (شبام مدينة عظيمة بحضرموت، بينها وبين تريم سبعة فراسخ، إليها ينسب جمع كثير، وخرج منها جماعة من الفضلاء والعلماء والصّالحين، منهم: الفقهاء بنو شراحيل، والفقيه أبو بكر بامهرة، والفقيه الإمام محمّد بن أبي بكر عبّاد، والفقيه الصّالح برهان الدّين إبراهيم بن محمّد الشّباميّون. ومنهم: الفقيه وجيه الدّين عبد الرّحمن بن مزروع، والفقيه الصّالح محمّد بن عبد الرّحمن باصهي) اه أمّا أحوال شبام السّياسيّة: فقد تقلّبت كسائر بلاد حضرموت؛ إذ كانت أوّلا لحمير، ثمّ تجاذبت فيها الحبال قبيلتا كندة وحضرموت، وقد ذكرنا من ملوكهم ما انتهى إليه العلم في «الأصل»، على ما في تلك الأخبار من الاضطراب والتّناقض.

ونزيد هنا ما جاء في «النّفحة الملوكيّة» (ص 84): (أنّ مدّة ملوك كندة بالحجاز كانت من سنة (450) إلى سنة (530) ميلاديّة، وأوّل من ملك منهم: حجر بن عمرو آكل المرار.

وكانت كندة ـ قبل أن يملّك عليهم ـ فوضى، يأكل قويّهم ضعيفهم، فلمّا تملّك حجر عليهم.. سدّد أمورهم، وانتزع ما كان بأيدي اللّخميّين من أرض بكر بن وائل.

وكان ابتداء ملكه ـ حسبما مرّ ـ من سنة (450) ميلاديّة، ولمّا مات.. تملّك بعده ابنه عمرو بن حجر، الملقّب بالمقصور؛ لأنّه اقتصر على ملك أبيه فلم يتجاوزه.

وأقام ما شاء الله في الملك، إلى أن ق

إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه‍/1956م


8-العباب الزاخر (سوس)

سوس

السُّوْسُ -بالضم-: الطبيعة، يقال: الفصاحة من سُوْسِهِ: أي من طَبْعِه.

والسُّوْسُ: الأصل، يقال: فلان من سُوْسِ صِدْقٍ ومن تُوْسِ صِدْقٍ: أي من أصلِ صِدْقٍ، قال رؤبة يمدح أبانَ بن الوليد البَجَليّ:

«شَرَّفَ باني عَرْشِكَ التَّأْسيسـا *** المَحْضَ مَجْداَ والكَريْمَ تُوْسا»

«إذا المُلِمّاتُ اعْتَصَرْنَ السُّوْسا»

وقال الدِّينَوَري: السُّوْس، الواحِدة سوسَة، وهو هذا السوس المعروف الذي تُغَمّى به البُيُوتُ، ويَدْخُلُ عصيره في الدواء، وفي عُروقه حلاوة شديدة، وفي فروعه مرارة، وهو من الشَّجَر، وهو بأرض العرب كثير، قال: وسَألْتُ عنه أعْرابِيًّا فقال: نحن نُسَمِّيه المَتْكَ، وهو عندنا كثير، ويجعلون ورقة في النبيذ كما يُجْعَل الدّاذِيُّ فيَشْتَدّ.

والسُّوْسُ: دودٌ في الصوف والطعام، والسّاسُ: لُغَةٌ فيه، يقال: ساسَ الطعام يَسَاسُ سَوْسًا -بالفتح-، وزادَ ابن عبّاد: سَوِسَ، وزاد يونُس في كتاب اللغات: سِيْسَ.

وسُوْسُ المرأة وقُوقُها: صَدْعُ فَرْجِها.

والسُّوْسُ: من كُوَر الأهواز، وفيه قبر دانيال -صلوات الله عليه-. وقال ابن المقفَّع: أوَّلُ سورٍ وُضِعَ بعدَ الطُّوفان سورُ السُّوْسِ وتُسْتَرَ، قال: ولا يُدْرى مَنْ بَنى سُوْرَ السُّوْسِ وتُسْتَرَ. وقال ابن الكَلْبِيِّ: بَنَاها السُّوْسُ بن سام بن نوح.

والسَّوس -أيضًا-: بلد بالمغرب، وهنالك السُّوسُ الأقصى، وبين السُّوسَيْنِ مَسِيْرَةُ شَهرَيْن.

والسُّوْسُ: بلدة بما وراء النهر.

وسُوْسَة: بلد بالمغرب.

والسُّوْسَة: فرس النعمان بن المنذر، وهي التي أخذها الحَوْفَزان بن شَرِيْك لمّا أغارَ على هجائنِه.

وسُوسِيَة: كورة بالأردن.

وقال ابن شميل: السُّوَاس: داءٌ يأخذ الخيل في أعناقها فَيُيَبِّسُها.

ومحمد بن مُسلِم بن سُسْ -كالأمر من السياسة-: من أصحاب الحديث. وسُسْتُ الرَّعِيَّة سِياسَة. وفلان مُجَرِّب قد ساسَ وسيسَ عليه: أي أمَرَ وأُمِرَ عليه.

وقال أبو زيد: ساسَتِ الشاةُ تَسَاسُ سَوَسًا: إذا كَثُرَ قَمْلُها.

والسَّوَسُ -أيضًا-: مصدر الأسْوَسِ وهو داءٌ يكون في عَجَزِ الدّابّة من الوِرك والفخذِ يورِثُه ضَعْفَ الرِّجْلِ.

وقال الليث: أبو ساسان: كُنْيَةُ كِسرى، قال: مَن جَعَلَه فَعْلانَ قال في تصغيرِه سُوَيسان. وفي حديث سَطيحٍ الكاهن: بعَثَكَ مَلِك بني ساسان، لارْتِجاس الايوان، وخُمُودِ النِّيران، ورؤيا المُْبَذَان. وقد كُتِبَ الحديث بتمامه في تركيب و ب ذ، وهو اسمٌ أعجَميُّ. وساسان الأكبَر: هو ابن بَهْمَنَ بن إسْفَنْديارَ المَلِك. وأمّا أبو الأكاسِرة: فهو ساسانُ الأصغر بن بابَك ابن مُهَرْمِش بن ساسان الأكبر. وأرْدَشِيْر بن بابَك بن ساسان الأصغر.

وسَوَاسٌ -مثال سَحَابٍ-: جَبَلٌ، وقال ابن دريد: سَوَاسٌ: جَبَلٌ أو موضِع.

وذاة السَّوَاسي: جَبَل لِبَني جَعْفَر. وقال الأصمعي: ذاةُ السُّوَاسي: شُعَبٌ يَصْبُبْنَ في يَنُوْفَ.

وقال الليث: السَّوَاسُ: شجر، الواحدة: سَوَاسَة، وهو من أفضَل ما اتُّخِذَ منه زَنْدٌ يكون واريًا، وقَلَّ ما يَصْلِد، قال الطِّرِمّاح يصف الرَّماد وآثار الديار:

«وأخْرَجَ أُمُّهُ لِسَوَاسِ سَلْـمـى *** لِمَعْفُوْرِ الضَّنى ضَرِمِ الجَنينِ»

«تَنَكَّدَ رَسْـمُـهـا إلاّ بـقـايا *** عَفا عنها جَدَا هَمِعٍ هَتُـوْنِ»

الأخْرَجُ: الرَّماد؛ لأنَّ فيه بياضًا وسَوادًا، وأُمُّه: زَنْدَتُه، وسَلْمى: أحد جَبَلَي طَيِّئٍ، والضَّنى: النار بمنزلة الوَلَدِ.

وقال الدِّيْنَوَريُّ: قال أبو زياد: من العِضَاهِ السَّوَاسُ، شبيهٌ بالمَرْخ، له سِنَفَة مِثل سِنَفَةِ المَرْخ، وله شوك ولا ورق له، وهو يُقْتَدَح بِزَنْدِه. قال: وقد وَصَفْنا ذلك في باب الزِّناد، قال: ويَطول في السماء، ويُسْتَظَلُّ تَحتَه، وقد تأكل أطراف عيدانه الدقيقة الإبل والغنم. قال: وسَمِعْتُ أعرابيًا يقول: السَّوَاسِي -يُريد: السَّوَاسَ-، فسألتُه عنه فقال: المَرْخُ والسَّوَاسُ والمَنْجُ، وهؤلاء الثلاثة متشابهة، وقال المَنْجُ: اللوز الصغار المُرُّ، قال: وسَمِعتُ من غيرِه: المِزْجَ؛ وهو الذي يُسَمّى بالفارسية: البَاذامَكْ، ولا وَرَقَ له، إنَّما نباتُه قضبان حُمُر في خُضْرَة البَقْلِ سُلُبٌ عارية تُتَّخَذُ منها السِّلافلُ، وهو من نبات القِفاف والجِبال.

والسّاسُ: القادِح في السِّنِّ، قال العجّاج:

«تَجْلو بِعُودِ الإسْحِلِ المُقَصَّمِ *** غُرُوبَ لا ساسٍ ولا مُثَلَّمِ»

السّاس: الذي قد أُكِلَ، وأصْلُه سائس، مثال هَارٍ وهائرٍ وصافٍ وصائفٍ.

وقال العجّاج أيضًا:

«صافي النُّحاسِ لم يُوَشَّعْ بالكَدَرْ *** ولم يُخالِط عُوْدَه ساسُ النَّخَرْ»

أي: أكْلُ النَّخر.

وقال أبو زيد: أسَاسَتِ الشّاة: إذا كَثُرَ قَمْلُها، مِثْلُ ساسَتْ.

وأساسْوه: أي سَوَّسُوْهُ.

وأساسَ الطّعام: أي ساسَ، وكذلك سَوَّسَ، قال زُرارَة بن صَعْبِ بن دَهْرٍ يُخاطِب العامِرِيَّة:

«قد أطْعَمَتْني دَقَلًا حَوْلِيّا *** نُفَايَةً مُسَوِّسًا حَجْرِيّا»

وسُوِّسَ الرجل أمور الناس- على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه-: إذا مُلِّكَ أمْرَهم، قال الحُطَيْئةُ يهجو أُمَّه:

«جَزاكِ الله شَرًّا من عَجوزٍ *** ولَقّاكِ العُقُوقَ من البَنينِ»

«لقد سُوِّسْتِ أمْرَ بَنِيْكِ حتى *** تَرَكْتِهِم أدَقَّ من الطَّحِينِ»

ويروى: "سَوَّسْتِ" بفتحتين، وقال الفرّاء: سَوَّسْتِ خطأ.

وقال أبو زيد: سَوَّسَ فُلانٌ لفُلانٍ أمْرًا فَرَكِبَه، كما تقول: سَوَّلَ له وزَيَّنَ له.

والتركيب يدل على فساد في شيء وعلى جِبِلَّةٍ وخَلِيْقَةٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


9-العباب الزاخر (ريط)

ريط

الرَّيطةُ: المُلاَءةُ إذا كانت واحدةً ولم تكن لفقْينِ، والجمعُ ريطّ، قال سلِمي بن ربيعة:

«والبيضْ يرْفلنَ كالدمى في *** الريِطْ والمذهبِ المصونِ»

وعن النضرّ بن عبد الله أن قيسْ بن عبد الله وفّد على معاويةَ- رضي الله عنهما- فَكَساه رَيطةْ فَفَتق علمهاَ وارْتداها. وقال ابن السكُيت: قال بعضُ الأعْراب:

«كل ثَوْبٍ رقَيقٍ لّينٍ فهو رَيْطةّ.»

وريطة بنتُ الحارثِ بن جبيْلةَ -رضي الله عنهما-: لهما صُحبةُ. وقال لبيدّ رضي الله عنه:

«يرْوي قوامحَ مثلَ الصبْح صادِقةً *** أشباهَ جنّ عليها الريطُ والأزُرُ»

وقال امرؤ القيس:

«وقد أذْعَرُ الوحْشِ الرتاعَ بفقـرةٍ *** وقد أجتْلي بيضْ الخدور الرّوائقا»

«نواعمِ تجْلو عن مـتـوُنٍ نـقِـيةٍ *** عبيرًا وريطًا جاسدًا وشقـائقـا»

وقال ابن دريدٍ: فأمّا قولهم "رائطةُ" في أسْماء النساء فَخطًا. قال الصغانيّ مؤلفُ هذا الكتاب: أجمعْ نقلةُ السيرِ ومنْ له معرْفة بأسامي الرّواة أنّ رائطة بنت سفْيانَ بن الحارثِ الخزاعيةِ ورائطةَ بنتَ عبد الله امرْأةَ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- كلتاهما بالألف.

وقد قالوا للريْطة الملاَءة: رائطةُ، وفي حديث عمرَ -رضي الله عنه-: أنه أتي برائطةٍ يتمندلُ بها بعد الطعام فكرههاَ، قال سُفْيانُ: يْعني بمنْديلٍ، قال: وأصحابُ العربيةِ يقولون: ريطةَ.

وريطْة: موْضعّ من أرضِ شَنوءةَ، قال عبدُ الله بن سلْيمة الغامدِيّ.

«لمنِ الديارُ بتوْلعٍ فَـيبـوسِ *** فَبياض ريْطةَ غيرُ ذاةِ أنْسِ»

وتجمعُ الريْطة رياطًا أيضًا، قال المتنخلُ الهذلي:

«فإماّ تُعرِضـنَّ أمَـيْمَ عّـنّـي *** ويَنْزغْكِ الوُشاةُ اولو النّـبـاطِ»

«فَحُورٍ قد هَـوتُ بـهـنَّ عـيِْنٍ *** نَواعمِ في المرُوْطِ وفي الرّياطِ»

«هوَْتُ بنّ إذ مَـلـقـي مَـلـيحّ *** وإذْ أنا في المخيْلةِ والشطَـاطِ»

ورِياطّ: من الأعلام، قال:

«صُبَّعلى آل أبـي رِياطِ *** ذُؤالةُ كالأقْدحُ المرِاطِ»

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


10-العباب الزاخر (زطط)

زطط

الزّط: جيلّ من النّاسِ، الواحد زطيّ؛ مثل الزّنجِ والزنجيّ والرومّ والروميّ، قال أبو النجم:

«جاريةّ إحدى بنات الزّط *** ذاةُ جهازٍ مضْغطٍ ملطِ»

وقال ابن دريدٍ: الزّط: هذا الجيلْ وليس بعربيّ محْضٍ وقد تكلمتْ به العربَ، وأنشدَ:

«فَجتنا بحّـييْ وائلٍ ويلّـفـهـا *** وجاءتْ تميّم زُطها والأساورِ»

«والبيضْ يرْفلنَ كالدمى في *** الريِطْ والمذهبِ المصونِ»

وعن النضرّ بن عبد الله أن قيسْ بن عبد الله وفّد على معاويةَ- رضي الله عنهما- فَكَساه رَيطةْ فَفَتق علمهاَ وارْتداها. وقال ابن السكُيت: قال بعضُ الأعْراب:

«كل ثَوْبٍ رقَيقٍ لّينٍ فهو رَيْطةّ.»

وريطة بنتُ الحارثِ بن جبيْلةَ -رضي الله عنهما-: لهما صُحبةُ. وقال لبيدّ رضي الله عنه:

«يرْوي قوامحَ مثلَ الصبْح صادِقةً *** أشباهَ جنّ عليها الريطُ والأزُرُ»

وقال امرؤ القيس:

«وقد أذْعَرُ الوحْشِ الرتاعَ بفقـرةٍ *** وقد أجتْلي بيضْ الخدور الرّوائقا»

«نواعمِ تجْلو عن مـتـوُنٍ نـقِـيةٍ *** عبيرًا وريطًا جاسدًا وشقـائقـا»

وقال ابن دريدٍ: فأمّا قولهم "رائطةُ" في أسْماء النساء فَخطًا. قال الصغانيّ مؤلفُ هذا الكتاب: أجمعْ نقلةُ السيرِ ومنْ له معرْفة بأسامي الرّواة أنّ رائطة بنت سفْيانَ بن الحارثِ الخزاعيةِ ورائطةَ بنتَ عبد الله امرْأةَ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- كلتاهما بالألف.

وقد قالوا للريْطة الملاَءة: رائطةُ، وفي حديث عمرَ -رضي الله عنه-: أنه أتي برائطةٍ يتمندلُ بها بعد الطعام فكرههاَ، قال سُفْيانُ: يْعني بمنْديلٍ، قال: وأصحابُ العربيةِ يقولون: ريطةَ.

وريطْة: موْضعّ من أرضِ شَنوءةَ، قال عبدُ الله بن سلْيمة الغامدِيّ.

«لمنِ الديارُ بتوْلعٍ فَـيبـوسِ *** فَبياض ريْطةَ غيرُ ذاةِ أنْسِ»

وتجمعُ الريْطة رياطًا أيضًا، قال المتنخلُ الهذلي:

«فإماّ تُعرِضـنَّ أمَـيْمَ عّـنّـي *** ويَنْزغْكِ الوُشاةُ اولو النّـبـاطِ»

«فَحُورٍ قد هَـوتُ بـهـنَّ عـيِْنٍ *** نَواعمِ في المرُوْطِ وفي الرّياطِ»

«هوَْتُ بنّ إذ مَـلـقـي مَـلـيحّ *** وإذْ أنا في المخيْلةِ والشطَـاطِ»

ورِياطّ: من الأعلام، قال:

«صُبَّعلى آل أبـي رِياطِ *** ذُؤالةُ كالأقْدحُ المرِاطِ»

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


11-العباب الزاخر (فرط)

فرط

فرطَ في الأمر يفرُط -بالضم-: أي قصر به وضيعهُ، فرطًا.

وفرط عليه: أي عجلَ وعدا، ومنه قوله تعالى: (إننا نخافُ أن يفرطَ علينا) أي يبادرَ بعقوبتنا.

وقال ابن عرفةَ: أي يعجل فيتقدم منه مكروه، وقال مجاهد: يبسط، وقال الضحاكُ يشط.

وفرط مني إليه قول: أي سبق.

وفرطتُ القوم أفراطهمُ: أي سبقتهمُ إلى الماء وتقدمتهمُ إليه لأهيئ الدلاء والأرشية: فأنا فارط وفرط، والمصدرُ: فرط وفروط. ومنه حديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنا فرطكمُ على الحوض، ويروى: أن فارط لكم. وفي حديثه الآخر حين سئلَ عم مدفن بن مظعون. وفي حديث آخر: يا عائشةُ من كان له فرطانِ من أمتي دخلَ آخر، قلت: ومن كانَ له فرط؟، قال: ومن كان له فرط. وفي حديث آخر: أنا النبيون فراط لقاصفين، أي: متقدمونَ في الشفاعة، وقيل: فراط إلى الحوض. والمرادُ بالقاصفينَ: منَ يتزاحمُ على أثارهم من الأمم الذين يدخلونَ الجنة.

وقال القطامي:

«فاستعجلوناَ وكانوا من صحابتنا *** كما تعجل فـراط لـوارد»

وقال أبو ذؤيب الهذلي:

«وقد أرسلوا فراطهمْ فتاثلـوا *** قليبًا سفاها كالإماء القواعد»

«مطأطأة لم ينبطوها وإنـهـا *** ليرضى بها فراطها أم واحد»

وقد يذكرُ الفراطُ ويرادُ به الفراطُ.

وقال بريدةُ بن الحصيب -رضى الله عنه-: كان رسول الله يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهمُ: السلامُ عليكم أهل لاحقونَ، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، نسأل الله لنا ولكم العافية.

وفراطُ القطا: متقدماتها، قال رجل من بني مازنٍ، وقال ابن السيرافي: هو لنقاده الأسدي:

«ومنهل وردته الـتـقـاطـا *** لم ألق إذا وردتهُ فراطـًا»

«إلا الحمام الورق والغطاطا»

وكان الحسنُ البصري إذا صلى على الصبي قال: اللهم أجعله لنا سلفًا وفرطًا وأجرًا.

وقد يجمعُ الفارطُ على فوارط، وهو نادر، كفارس وفوارس، قال ارفوه الاودي:

«كنا فوارطهـا الـذين دعـاَ *** داعي الصباحِ اليهمُ لا يفزعُ»

والفارطان: كوكبان متباينان أمام سرسر بنات نعش، ثقاله الليث، قال: وإنما شبها بالفراط الذي يسبق القوم لحفر القبر.

وفرطَ -بالكسر الراءء-: إذا سبق؛ مثلُ فرطَ- بفتحها.

والفراطُ والفراطةُ: الماء يكون شرعًا بين عدة أحياءٍ أيهم سبق اليه فهو له.

وفرطتُ في الحوض: أي ملأته. وعن سراقة -رضى الله عنه- قال: دخلتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: الرجلُ يفرطُ في حوضه فيردُ عليه الهملُ من الإبل، قال: لك في كل كبد حري أجر. وقال ابن عمرو فغي حوضه لغنمه فجاءَ رجلَ فأوردهاَ فنزتْ نازية فأخذ فأسًا فقتله.

والفرط -بسكون الراء-: الاسمُ من الإفراط، يقال: إياك والفراط في الأمر.

وقواهم: لقيته في الفرط بعدَ الفرط: أي الحينَ بعد الحينْ. وأتيته فرط يومٍ أو يومينِ، قال لبيد -رضى الله عنه-:

«هَلَ النفسُ إلا متعةٌ مُستعارةٌ *** تُعارُ فتأتي ربها فَرْطَ أشْهُرِ»

وقال أبو عُبيدةٍ: لا يكونُ الفَرْطُ في أكثر من خَمسَ عشرةَ ليلةً.

والفَرْطُ: موضِعٌ بتهامةَ قُربَ الحجاز، قال فاسِلُ بن غُزيةَ الجُربيُ:

«سَرَتْ من الفَرْطَ أو من نخلتينِ فلم *** يَنْشَبْ بها جانبا نَعمانَ فالنـجـدُ»

وقال عبدُ مَناف بن ربعٍ الهذليُ:

«فما لكُمُ والفرْطَ لا تقربُونهُ *** وقد خلْتُهُ أدنى مأبٍ لقافِلِ»

ويروى: "مَرَدّ".

وقال أبو عمرو: الفَرْطُ: طريقٌ. والفَرْطَةُ: المرةُ الواحدةُ من الخُروج والتقَدمُ. والفُرْطَةُ بالضم- الاسمُ، ومنها حديثُ أم سلمةَ لِعائشةَ -رضي الله عنهما-: قد نَهاكِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- عن الفُرْطَةِ في البلاد، وقد كُتبَ الحديثُ بتمامهِ في تركيب تمدح.

وأمرٌ فُرُطٌ: أي مُجاوَزٌ فيه الحدُ، قال الله تعالى: (وكانَ أمرُهُ فُرُطا)، وقيل: نَدَمًا، وقيل: سَرَفًا، وقيل: ضائعًا؛ يُقال: أمْرٌ فُرُطٌ. أي مُضيعٌ مُتهاونٌ به.

والفُرُطُ والفُرْطُ ايضاَ: واحِدُ الأفْراطِ وهي آكامٌ شبيهاتٌ بالحبال، قال حسانُ بن ثابتٍ - رضي الله عنه-:

«ضاقَ عَنا الشعْبُ إذ نجْزَعُهُ *** ومِلأنا الفُرْطُ منهم والرجَلْ»

والجمعُ: أفْرُطٌ وأفرَاطٌ، وأنشد الأصمعيُ:

«والبُومُ يبكي شَجوةُ في أفرُطِهْ»

يُقال: البُوْمُ تَنُوحُ على الإفراط: عن أبي نصرٍ، وأنشدَ ابنُ دريدٍ:

«وصَاحَ من الأفْراطِ: بُوْمٌ جَوَاثِمُ»

وقد أنشدَ عَجُزَه ابن دريدٍ غير منسُوبٍ.

وأنشدَ ابنُ الأعرابي في نوادرهِ لِوعلةَ الجرمي:

«سائلْ مُجَاوِرَ جَرْمٍ هل جَنَيْتُ لهـم *** حربًا تُزيلُ بين الجيرةِ الخُـلُـطِ»

«أم هلْ سَموتُ بجرارٍ له لَـجَـبٌ *** يَغشى مخارِمَ بين السهلِ والفُرُطِ»

وأفراطُ الصبحِ -أيضًا-: أوائلُ تباشيرهِ قال الليثُ، قال: والواحدُ منها فَرَطٌ، وأنشدَ لرؤبة:

«باكرتُهُ قبلَ الغَطَاطِ اللُغـطِ *** وقبلَ جُوني القطا المخَططِ»

«وقبلَ أفراطِ الصباحِ الفُرطِ»

قال: وأما قولُ ابنِ براقةَ الهمداني:

«إذا الليلُ أرخى واستقلتْ نُجُومهُ *** وصاحَ من الأفراطِ هامٌ جَوَاثِمُ»

فاختلفوا في هذا، فقال بعضهم: أرادَ به أفراطَ الصبح لأن الهامَ إذا أحس بالصباح صَرَخَ، وقال آخرونَ: الفَرَطُ: العَلَمُ المستقيمُ من أعلام الأرض التي يُهتدى بها.

والفُرُطُ: الفَرَسُ السريعةُ التي تَتَفَرطُ الخيلَ: أي تتقدمها، قال لبيدٌ -رضي الله عنه-:

«ولَقَدْ حَمَيْتُ الحي تَحملُ شكتـي *** فُرُطٌ وشاحي إذ غَدوتُ لِجامها»

وقال أبو زيادٍ: الفُرُطُ: طَرَفُ العارضِ: عارضِ اليمامةِ، وأنشدَ بيتَ وعلةَ الجرمي الذي ذَكرتهُ آنفًا.

وقال ابنُ عبادٍ: رجلٌ فُرطيٌ: إذا كان صعبًا لم يذل، وبعيرٌ فُرْطيٌ وفَرَطِيٌ: كذلك.

والماءُ الفِراطُ: الذي يكونُ لمن سبقَ اليه من الأحياء.

وقال أبو عمرو: فَرَطَتِ النخلةُ: إذا تُرِكَتْ فلم تُلْقَحْ حتى يعسُو طلعها، وأفرطتها أنا.

وأفْرَطَتِ السحَابُ بالوسمي: عَجِلَتْ به.

وأفْرَطَه: أي أعجله.

وقولهُ تعالى: " وأنهم مُفْرَطون" قال مُجاهدِ: أي منسبون، وقيل: مترُوكون في النار، وقال الأزهريُ: الأصلُ فيه أنهم مُقدمون إلى النار مُعجلون اليها؛ يُقال: أفرطتهُ: أي قدمتهُ؛ وأفرطَتِ المرأةُ أولادًا: قدمتهم. وقرأ قُتيبةُ وأبو جعفرَ ونافعٌ: مُفْرِطون- بكسر الراء-: أي مُتجاوزون لما حُد لهم، يُقال: أفرطَ في الأمر: أي جاوزَ فيه الحدَ.

وروى زاذانُ عن علي -رضي الله عنه- أنهُ قال: مثلي فيكم كمثل عيسى -صلواتُ الله عليه- أحبته طائفةٌ فأفْرَطُوا في حبه فهلكوا وأبغَضته طائفةٌ فأفْرَطُوا في بُغْضِه فهلكوا.

وقال الكسائيُ: يُقال: ما أفرَطْتُ من القوم أحدًا: أي ما تركتُ.

وقال الأعرابيُ: الإفراط: أن تبعثَ رسولًا خاصًا في حوائجك.

وقال ابنُ دريدٍ: أفْراطَ الرجُلُ بيدِهِ إلى سيفهِ ليستَله.

وأفرَطَ القِربةَ: ملأها حتى أسالَ الماءَ، قال كعبُ بن زهيرٍ -رضي الله عنه-:

«تنفي الرياحُ القذى عنه وأفرَطَهُ *** من صوبِ ساريةٍ بيضٌ يعالِيلُ»

ويروى: "تجلُو الرياحُ"، وروى الأصمعيُ: " من نَوءِ ساريةٍ".

وقال ساعدةُ بن جُويةَ الهُذليُ يصفُ مُشتارَ العَسَل:

«فأزَالَ ناصِحَها بأبيضَ مُفْرَطٍ *** من ماءِ الهابٍ بهن التألبُ»

ويروى: "عليه التألبُ". وقال آخرُ: بَج المَزادِ مُفرطًا توكيرا وأنشدَ إبراهيم بن إسحاق الحربيُ -رحمه الله تعالى-:

«على جانبي حائرٍ مُفْرَطٍ *** بِبَرْثٍ تبَوأتُهُ معشِـبِ»

وانشد ابنُ دريدٍ:

«يُرَجعُ بين خُرْمٍ مُفْرَطاتٍ *** صَوَافٍ لم تُكدرها الدلاءُ»

قال: الخُزْمُ: غُدُرٌ يتخرمُ بعضها إلى بعض.

والتفريطُ: التقصيرُ، قال الله تعالى: (يا حسرتا على ما فَرطتُ في جنْبِ الله) أي: في أمرِ الله. وفي حديثِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: ليسَ في النومِ تفريطٌ؛ إنما التفريطُ أن لا يُصلي حتى يدخلَ وقْتُ الأخرى.

وفَرطتهُ: تركتهُ وتقدمتُه، قال ساعِدَةُ بن جُوية الهُذليُ يصفُ مُشتارَ العَسَل:

«مَعَهُ سِقاءٌ لا يُفرطُ حـمـلـهُ *** صُفْنٌ وأخراصٌ يَلُحنَ ومِسأبُ»

أي: لا يتركُ حملهَ ولا يُفارقُه.

وقال أبو عمرو: فَرطْتُكَ في كذا وكذا: تركتكَ وقال غيرهُ: تقولُ: فَرطْتُ إليه رسولًا: إذا أرسلته إليه في خاصتكَ أو جعلته جريًا لك في خُصومةٍ؛ مِثلُ أفرطتُ.

وفَرطْتُ الرجُلَ: أي مدحتهُ حتى أفرطتُ في مدحهِ؛ مثلُ قرظتهُ -بالقافِ والظاء المعجمة-.

وقال الخليلُ: يُقال: فرطَ الله عنه ما يكرهُ: أي نحاه؛ وقل ما يستعملُ إلا في الشعر، قال المُرقشُ الأكبرُ واسمهُ عمرو بن سعدٍ:

«يا صاحبي تلبثا لا تـعْـجَـلا *** إن الرحيلَ رهينُ ألا تعذلا»

«فلعل بُطأ كما يُفـرطُ سـيئًا *** أو يسبقُ الإسراع سيبًا مُقبلا»

ويروى: "ريثكما" "أو يسبقُ الإفراط".

وتَفَارَطَ: أي سبقَ وتسرعَ، قال النابغةُ الذبياني:

«وقفتُ بها القَلُوص على اكتئابٍ *** وذاكَ تَفَارُطُ الشوق المعنـي»

ويُروى: "لِفارطِ".

وتَفَرطَ الغزوُ وتَفَارطَ: أي تأخرَ وقتهُ فلم يلحقه من أراده، ومنه حديثُ كعب بن مالكٍ الأنصاري -رضي الله عنه- في تخلفهِ عن غزوةِ تبوك: فأصبحَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه ولم أقضِ من جهازي شيئًا؛ فقلتُ أتجهزُ بعده بيومٍ أو يومينِ ثم ألحقهم، فغدوتُ بعد أن فصلوا لأتجهزَ فرجعتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يزل بي حتى أسرعُوا وتَفَارطَ الغزوُ.

وتَفارَطته الأمورُ والهمُومُ: أي لا تصيبهُ الهمومُ إلا في الفَرْط.

والتفارطُ: التسابقُ، وقال بشرُ بن أبي خازم:

«يُنازعنَ الأعنةَ مُصغياتِ *** كما يتفارطُ الثمدَ الحمامُ»

وفارطهَ: أي ألفاهُ وصادفهَ.

وفارطَهَ: سابقهَ.

وتكلمَ فِراطاَ: أي سبقتْ منه كلمةٌ.

وفلانٌ لا يُفترطُ إحسانهُ وبره: أي لا يفترصُ ولا يُخافُ فوتهُ.

ويُقال: افترطَ فلانٌ فَرَطًا: إذا ماتَ له ولدٌ صغيرٌ قبل أن يبلغَ الحُلُمَ.

والتركيب يدلُ على إزالةِ الشيءِ عن مكانهِ وتنحيته عنه.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


12-المعجم العربي لأسماء الملابس (البرشم)

البُرْشُم: بضم الباء وسكون الراء وضم الشين كلمة معرية، وأصلها في الفارسية: برشامه، ومعناها: البُرْقُع.

والبُرْشُم كقنفذ: البُرْقُع عن ثعلب، وأنشد:

«غداة تجلو واضحا مُوَشَّما *** عَذْبًا لها تجرى عليه البُرْشُما »

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


13-المعجم العربي لأسماء الملابس (التخدار)

التخدار: التخدار بالتاء أو الدخدار بالدال: كلمة فارسية معربة؛ أصلها في الفارسية: تخت دار ومعناها: صِين في التخت، أو يمسكه التخت. ولما نُقلت إلى العربية صارت تعنى: نوعًا من الثياب البيضاء النفيسة، قال الكميت يصف سحابًا:

تجلو البوارق عنه صفح دخدار.

وقيل: الدخدار: الذهب لصيانته في التخوت، ومن ذلك قولهم: دخدر القرط إذا ذهَّبه؛ أى طلاه به

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


14-المعجم العربي لأسماء الملابس (الدخدار)

الدَّخْدار: بفتح فسكون ففتح كلمة

فارسية معرَّبة؛ وأصلها في الفارسية: تخت دار؛ وهى مركبة من: تخت بمعنى وعاء؛ ومن: دار بمعنى: ذو أو يمسك؛ والمعنى الكلى: ذو تخت؛ أو يمسكه التخت "الوعاء"؛ وكل ماصين في التخت.

والدخدار هو ثوب أبيض مصون لم يُلبس؛ وقيل ثوب أسود؛ وقد جاء في الشعر القديم؛ قال الكميت يصف سحابًا:

تجلو البوارق عنه صفح دخدار.

وقال عدى بن زيد:

«تلوحُ المَشْرفيَّةُ في ذراه *** ويجلو صَفْح دخدارٍ قشيب »

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


15-المعجم العربي لأسماء الملابس (اليلمق)

اليَلْمَق: اليَلْمَق بفتح فسكون ففتح: كلمة تركية فارسية مُعرَّبة، وأصلها في اللغتين: يلمه، ومعناها: قباء الحرب. واليلمق في العربية: القباء المحشو، قال ذو الرمة يصف الثور الوحشى:

«تَجْلو البَوارِقُ عن مُجْرَنْثَمٍ لَهقٍ *** كأنه مُتَقَبِّى يَلْمَقٍ عَزَبِ»

وجمع اليلمق: اليلامق، قال عمارة:

كأنَّما يَمْشِينَ في اليَلَامِقِ.

واليلمق: القباء الأبيض، وقيل هو القباء السمط غير المبطَّن.

والقباء ثوب يلبس فوق الثياب أو فوق القميص ويُتمنطق عليه.

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


16-معجم البلدان (برك الغماد)

بِرْكُ الغِمَادِ:

بكسر الغين المعجمة، وقال ابن دريد: بالضم، والكسر أشهر، وهو موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وقيل: بلد باليمن دفن عنده عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، قال الشاعر:

«سقى الأمطار قبر أبي زهير، *** إلى سقف، إلى برك الغماد»

وقال ابن خالويه: أنشدنا ابن دريد لنفسه فقال:

«لست ابن عمّ القاطنين *** ولا ابن أمّ للبلاد»

«فاجعل مقامك، أو مقرّ *** ك جانبي برك الغماد»

«وانظر إلى الشمس التي *** طلعت على إرم وعاد»

«هل تؤنسنّ بقيّة *** من حاضر منهم وباد؟»

وفي حديث عمار: لو ضربونا حتى بلغوا بنا برك الغماد لعلمنا اننا على الحقّ وانهم على الباطل. وفي كتاب عياض: برك الغماد، بفتح الباء، عن الأكثرين، وقد كسرها بعضهم وقال: هو موضع في أقاصي أرض هجر، قال الراجز:

«جارية من أشعر أو عكّ، *** بين غمادي نبّة وبرك، »

«هفهافة الأعلى رداح الورك، *** ترجّ ودكا رجرجان الرّكّ، »

«في قطن مثل مداك الرّهك، *** تجلو بحماوين، عند الضّحك، »

«أبرد من كافورة ومسك، *** كأنّ، بين فكّها والفكّ، »

فأرة مسك ذبحت في سكّ

وقال ابن الدّمينة: في الحديث أن سعد بن معاذ والمقداد بن عمرو قالا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: لو اعترضت بنا البحر لخضناه ولو قصدت بنا برك الغماد لقصدناه، وفي حديث آخر عن أبي الدرداء: لو أعيتني آية من كتاب الله فلم أجد أحدا يفتحها عليّ إلا رجل ببرك الضماد لرحلت إليه، وهو أقصى حجر باليمن، قال: وقد ذكر برك الغماد محمد بن أبان بن جرير الحنفري، وهو في بلد الحنفريين في ناحية جنوبي منعج، فقال:

«فدع عنك من أمسى يغور، محلّها *** ببرك الغماد بين هضبة بارح»

قال: وهذه مواضع في منقطع الدمينة وحرازة من سفلى المعافر، قال: والبرك حجارة مثل حجارة الحرّة خشنة يصعب المسلك عليها وعرة، وقال الحارث بن عمرو الجزلي من جزلان:

«فأجلوا مفرقا وبني شهاب، *** وجلّوا في السهول وفي النجاد»

«ونحو الخنفرين وآل عوف *** لقصوى الطّوق، أو برك الغماد»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


17-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (التبيين)

التّبيين:

تبين الشيء: ظهر وتبينته أنا، ويقال: بان الشيء واستبان وتبيّن وأبان وبيّن بمعنى واحد، والتبيين: الايضاح والوضوح.

والتبيين هو التوشيح، قال العسكري: «سمي هذا النوع التوشيح، وهذه التسمية غير لازمة بهذا المعنى ولو سمّي تبيينا لكان أقرب. وهو أن يكون مبتدأ الكلام ينبىء عن مقطعه، وأوله يخبر بآخره، وصدره يشهد بعجزه حتى لو سمعت شعرا أو عرفت رواية ثم سمعت صدر بيت منه وقفت على عجزه قبل بلوغ السماع اليه، وخير الشعر ما تسابق صدوره وأعجازه ومعانيه وألفاظه، فتراه سلسا في النظام، جاريا على اللسان لا يتنافى ولا يتنافر كأنه سبيكة مفرغة أو وشي منمنم أو عقد منظم من جوهر متشاكل، متمكن القوافي غير قلقة، وثابتة غير مرجة، ألفاظه متطابقة، وقوافيه متوافقة، ومعانيه متعادلة، كل شيء منه موضوع في موضعه وواقع في موقعه فاذا نقض بناؤه وحلّ نظامه وجعل نثرا لم يذهب حسنه ولم تبطل جودته في معناه ولفظه فيصلح نقضه لبناء مستأنف وجوهره لنظام مستقبل».

ولكنّ الآخرين يطلقون التبيين على فن آخر غير التوشيح والارصاد، فالتبريزي قال إنّه كقول الفرزدق:

«لقد خنت قوما لو لجأت اليهم ***طريد دم حاملا ثقل مغرم »

«لألفيت فيهم معطيا ومطاعنا***وراءك شزرا بالوشيج المقوّم »

فلو اقتصر على البيت الأول لكان جيدا ودخل في باب ما حذف جوابه فبيّن قوله: «حاملا ثقل مغرم» بقوله: «لألفيت فيهم معطيا» وقوله: «طريد دم» بقوله: «ومطاعنا». ونقل هذا المثال والتعليق عليه البغدادي. وقال ابن مالك: «ويسمى تفسير الخفي وهو أن يكون في مفردات كلامك لفظ مبهم المعنى لكونه مطلقا أو غير تام التقييد مرادا به بعض ما تناوله فتتبعه ما يفسره ويشرح معناه من وصف فيه تفصيل»، وهو نوعان:

الأول: تبيين أحد ركني الاسناد بالآخر كقول محمد بن وهيب الحميري:

«ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها***شمس الضّحى وأبو اسحاق والقمر”

«يحكي أفاعيله في كلّ نائبة***الغيث والليث والصّمصامة الذّكر»

الثاني: تبيين أحد ركني الاسناد أو غيره بالنعت أو نحوه كقول ابن الرومي:

«آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ***في الحادثات إذا دجون نجوم »

«فيها معالم للهدى ومصابح ***تجلو الدّجى والأخريات رجوم »

ومنه بيتا الفرودق السابقان: «لقد خنت قوما...».

وذكر القزويني البيت الاول من بيتي الحميري في تقديم المسند وذلك للتشويق الى ذكر المسند اليه.

وذكره في الجامع الوهمي، وفي الجمع، وتبعه في ذلك شراح التلخيص. وذكر القزويني أبيات الفرزدق وابن الرومي أمثلة للضّرب الأول من اللف والنشر، وهو أن يأتي النشر على ترتيب اللف.

وعدّ السبكي بيتي ابن الرومي من التقسيم، قال بعد أن ذكر كلام القزويني: «وفيه نظر من وجوه منها أنّه اشترط فيما سبق أن لا يكون في النشر تعيين فرد منها لفرد من أفراد اللف، وهذا فيه تعيين الأخير للأخير بقوله: «والأخريات رجوم» فيكون من التقسيم الذي سيأتي لا من اللف والنشر».

والتبيين عند الحموي هو التفسير، قال: «هذا النوع أعني التفسير من مستخرجات قدامة وسمّاه قوم التبيين، وهو أن يأتي المتكلم أو الشاعر في بيت بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة فحواه دون تفسيره إما في البيت الآخر أو في بقية البيت إن كان الكلام يحتاج الى التفسير في أوله. والتفسير يأتي بعد الشرط وما هو في معناه وبعد الجار والمجرور وبعد المبتدأ الذي يكون تفسيره خبره بشرط أن يكون المفسر مجملا والمفسر مفصلا» وذكر أبيات الفرزدق والحميري وابن الرومي وهو ما ذكره قدامة في التفسير الذي قال عنه: «ومن أنواع المعاني صحة التفسير وهي أن يضع الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها في شعره الذي يصنعه فاذا ذكرها أتى بها من غير أن يخالف معنى ما أتى به منها ولا يزيد أو ينقص» وذكر بيتي الفرزدق، وقول الحسين بن مطير الأسديّ:

«فله بلا حزن ولا بمسرّة***ضحك يراوح بينه وبكاء»

ففسر «بلا حزن» بـ «ضحك»، و «لا بمسرّة» بـ «بكاء».

وبحثه المدني في التفسير وقال: «سمّاه ابن مالك وآخرون التبيين». والحقيقة أنّ العسكريّ ذكر مصطلح «التبيين» وقرنه بالتوشيح وأفرد له التبريزي والبغدادي بابا ثم جاء بعدهما ابن مالك وسماه تبيينا أيضا.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


18-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (التتميم)

التّتميم:

تمّ الشيء يتمّ تما وتما وتمامة وتماما وتمامة وتماما وتماما وتمّة، وأتمّه غيره وتممه واستتمه بمعنى، وتممّه الله تتميما وتتمة، وتمام الشيء وتمامته وتتمته: ما تمّ به.

وهو التمام أو اعتراض كلام في كلام، قال المصري: «وسمّاه الحاتمي في الحلية التتميم»، وقال الحموي: «كان اسمه التمام وإنّما سماه الحاتمي التتميم»، وقال المدني: «ومنهم من سماه التمام وسماه ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه، والتسمية الاولى للحاتمي وهي أولى». وقد سماه الحاتمي تتميما وقال عنه: «هو أن يذكر الشاعر معنى فلا يغادر شيئا يتم به ويتكامل الاشتقاق معه فيه إلا أتى به».

وكان الجاحظ قد عقد بابا قال في أوله: «وباب آخر ويذكرون الكلام الموزون ويمدحون به ويفضلون إصابة المقادير ويذمون الخروج من التعديل».

وقال: «وقال طرفة في المقدار وإصابته:

«فسقى ديارك ـ غير مفسدها ـ ***صوب الربيع وديمة تهمي »

طلب الغيث على قدر الحاجة لأنّ الفاضل ضارّ». وهذا هو الاعتراض عند ابن المعتز، ولكنّ قدامة قال: «ومن أنواع نعوت المعاني التتميم، وهو أن يذكر الشاعر المعنى فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته وتكمل معها جودته شيئا إلا أتى به».

وذكر له عدة أمثله منها بيت طرفة: «فسقى ديارك...» وقال: «فقوله: «غير مفسدها» إتمام لجودة ما قاله؛ لانه لو لم يقل «غير مفسدها» لعيب كما عيب ذو الرمة في قوله:

«ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى ***ولا زال منهلّا بجرعائك القطر»

فان الذي عابه في هذا القول إنما هو بأن نسب قوله هذا الى أنّ فيه إفسادا للدار التي دعا لها وهو أن تغرق بكثرة المطر».

وعقد العسكري فصلا سماه «التتميم والتكميل» وهو: «أن توفي المعنى حظّه من الجودة وتعطيه نصيبه من الصحة ثم لا تغادر معنى يكون فيه تمامه إلا تورده أو لفظا يكون فيه توكيده إلا تذكره». كقوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً}، فبقوله تعالى: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} تمّ المعنى. ومنه قول عمرو بن براق:

«فلا تأمننّ الدهر حرّا ظلمته ***فما ليل مظلوم كريم بنائم »

فقوله: «كريم» تتميم؛ لأنّ اللئيم يغضي على العار وينام على الثار، ولا يكون منه دون المظالم تكبر. ومنه قول الخنساء:

«وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ***كأنّه علم في رأسه نار»

فقولها: «في رأسه نار» تتميم، وقالوا: لم يستوف أحد هذا المعنى استيفاءها. والتتميم عند المرزوقي الزيادة على المعنى وقد سماه «تتميم المقطع»، وذكر ابن رشيق أنّه التمام وأنّ بعضهم يسمي ضربا منه احتراسا واحتياطا. وقال: «ومعنى التتميم أن يحاول الشاعر معنى فلا يدع شيئا يتم به حسنه إلا أورده وأتى به إمّا مبالغة وإمّا احتياطا واحتراسا من التقصير».

وقال التبريزي: «التتميم أن يأخذ الشاعر في معنى فيورده غير مشروح فيقع له أنّ السامع لا يتصوره بحقيقته فيعود راجعا الى ما قدّمه فاما أن يؤكده واما أن يجلي الشبهة فيه» كقول الشاعر:

«أقمنا أكلنا أكل استلاب ***هناك وشربنا شرب يدار»

ثم علم أنّه لم يتم المعنى وانه لبّسه فقال:

«ولم يك ذاك سخفا غير أنّي ***رأيت الشّرب سخفهم وقار»

وقال ابن الرومي:

«آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ***في الحادثات إذا دجون نجوم »

«فيها معالم للهدى ومصابح ***تجلو الدجى والاخريات رجوم “

وهذا هو اللف والنشر الذي ذكره المتأخرون.

وذكر البغدادي تعريفين الاول هو: «ومن نعوت المعاني التتميم وهو أن توجد في المعنى كتابة أو خطابة فيوفي بجميع المعاني المتممة لصحته المكملة لجودته من غير أن يخلّ ببعضها ولا أن يغادر شيء منها. كقول القائل: «فحلّقت به أسباب الجلالة غير مستشعر فيها لنخوة، وترامت به أحوال الصرامة غير مستعمل فيها لسطوة، هذا مع زماتة في غير حصر ولين جانب من غير خور». فقد أتى هذا المتكلم بتتميمات المعاني التي جاء بها من غير أن يخل بشيء منها». والثاني هو تعريف التبريزي وأمثلته. ولم يخرج ابن منقذ كثيرا على ما ذكره العسكري في التعريف والأمثلة، قال: «اعلم أنّ التتميم أن يذكر الشاعر معنى ولا يغادر شيئا يتم به إلا أتى به فيتكامل له الحسن والاحسان ويبقى البيت ناقص الكلام فيحتاج الى ما يتممه به من كلمة توافق ما في البيت من تطبيق أو تجنيس».

ونقل الصّنعاني تعريف ابن رشيق وقال إنّ التتميم من أنواع الفصاحة. ونقل ابن الزملكاني تعريف التبريزي ومثّل له ببيتي ابن الرومي: «آراؤكم ووجوهكم...» وعقد له المصري بابا باسم التمام وقال: «وهو الذي سماه الحاتمي التتميم وسماه ابن المعتز قبله اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود المتكلم فيتمه. وشرح حدّه: أنّه الكلمة التي إذا طرحت من الكلام نقص حسن معناه أو مبالغته مع أنّ لفظه يوهم بأنّه تام». وهو ضربان:

الأول: في المعاني، وهو تتميم المعنى ويأتي للمبالغة والاحتياط، ويجيء في المقاطع كما يجيء في الحشو كقوله تعالى: {وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، فجاءت الفاصلة كلها تتميما لأنّ المعنى ناقص بغيرها لكنه متى جاء في المقاطع سمي إيغالا ويكثر مجيئه في الحشو ومثاله قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً} فقوله تعالى: {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى} تتميم وقوله: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} تتميم ثان في غاية البلاغة التي بذكرها تمّ الكلام وجرى على الصحة، ولو حذفت هاتان الجملتان نقص معناه واختل منه حسن البيان. ومثال ما جاء للاحتياط قول الغنوي:

«أناس إذا لم يقبل الحق منهم ***ويعطوه عاذوا بالسيوف القواضب »

ومثال ما جاء للمبالغة قول زهير:

«من يلق يوما على علّاته هرما***يلق السماحة منه والنّدى خلقا»

فقوله: «على علاته» تتميم جاء للمبالغة.

الثاني: في الالفاظ وهو الذي يؤتى به لاقامة الوزن بحيث لو طرحت الكلمة انتقل معنى البيت بسواها، وهي نوعان: كلمة لا يفيد مجيئها إلا أقامة الوزن فقط، وإخرى تفيد مع الوزن ضربا من المحاسن، والأولى من العيوب والثانية من النعوت مثل قول المتنبي:

«وخفوق قلب لو رأيت لهيبه *** ـ يا جنتي ـ لرأيت فيه جهنّما»

فانه جاء بقوله: «يا جنتي» لاقامة الوزن وقصدها دون غيرها ممّا يسدّ مسدّها ليكون بينهما وبين قافية البيت مطابقة لو كان موضعها غيرها لم تحصل.

وفرّق المصري بين التتميم والإيغال من ثلاثة أوجه:

الاول: أنّ التتميم لا يرد إلا على كلام ناقص شيئا ما، أما حسن معنى أو أدب أو ما أشبه ذلك كبيت الغنوي: «أناس إذا...» فانّ المعنى من غير «يعطوه» ناقص، والايغال لا يرد إلّا على معنى تام من كل وجه.

الثاني: اختصاص الايغال بالمقاطع دون الحشو مراعاة لاشتقاقه؛ لأنّ الموغل في الارض هو الذي قد بلغ أقصاها أو قارب بلوغه، فلما اختص الايغال بالطرف لم يبق للتميم إلّا الحشو.

الثالث: أنّ الايغال لا بدّ من أن يتضمن معنى من معاني البديع، والتتميم قد يتضمن أولا يتضمن، وأكثر ما يتضمن الايغال التشبيه والمبالغة. والتتميم يتضمن المبالغة طورا والاحتياط طورا آخر ويأتي غير متضمن شيئا سوى تتميم ذلك المعنى.

ولم يخرج ابن مالك على السابقين في تقسيم التتميم الى تتميم المعاني وتتميم الألفاظ، وهو ما ذكره المصري. ونقل الحلب والنويري تعريف المصري وتقسيمه وبعض أمثلته. وعاد ابن الاثير الحلبي الى تعريف قدامة وشواهده، وأدخله القزويني في علم المعاني وبحثه في الاطناب وقال: «هو أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ} أي: مع حبه، والضمير للطعام أي مع اشتهائه والحاجة اليه». وهذا التعريف يبتعد عن أقوال السابقين وإن قال إنّه يفيد نكتة كالمبالغة وهو ما أشار اليه معظم البلاغيين. وتبعه شراح تلخيصه والسيوطي.

والتتميم عند العلوي على ثلاثة أوجه: إما للمبالغة وإما للصيانة أي الاحتراز وإما لاقامة الوزن. وهذا ما أشار اليه السابقون.

وقال ابن قيم الجوزية: «هو أن تردف الكلام بكلمة ترفع عنه اللبس وتقربه الى الفهم وتزيل عنه الوهم وتقرره في النفس».

وقال الزركشي: «هو أن يتم الكلام فيلحق به ما يكمله إما مبالغة او احترازا أو احتياطا. وقيل: هو أن يأخذ في معنى فيذكره غير مشروح وربما كان السامع لا يتأمله ليعود المتكلم اليه شارحا».

ورجع الحموي الى ذكره المصري وأشار الى الخلط بينه وبين التكميل فقال: «ولقد وهم جماعة من المؤلفين وخلطوا التكميل بالتتميم وساقوا في باب التتميم شواهد التكميل وبالعكس. والفرق بين التكميل والتتميم، أنّ التتميم يرد على الناقص فيتمه، والتكميل يرد على المعنى التام فيكمله إذ الكمال أمر زائد على التمام. وأيضا أنّ التمام يكون متمما لمعاني النقص لا لأغراض الشعر ومقاصده والتكميل يكملها».

ولم يخرج المدني على السابقين وفضل تسمية الحاتمي لهذا الفن. وقال ابن شيث القرشي: «إنه مصدر تمم يتمم تتميما إذا بلغ بالشيء غايته، وهو أن يأتي الكاتب في كلامه المنثور بكلمة لام الفعل فيها حرف علة ثم يأتي بكلمة من بعدها لام الفعل فيها حرف صحيح يشبّع للاعتماد عليه للإعراب فيحصل من ذلك تتميم اللفظ وتحصيل معنى تمّ به في تلك الكلمة الاولى التي أتى بها في صدر كلامه وهو قولك: «فلان عال عالم، وقاض قاضب، وغال غالب، وغاف غافل». ومنه:

«يمدّون في أيد عواص عواصم ***تصول بأسياف قواض قواضب »

وهذا نوع من الجناس عند البلاغيين الآخرين سماه عبد القاهر التجنيس الناقص المطرف.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


19-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (تشبيه شيء بشيء)

تشبيه شيء بشيء:

وهو معظم التشبيهات المعروفة التي يكون الربط فيها بين مشبه واحد ومشبه به واحد. ويأتي على وجوه منها: تشبيه الشيء بالشيء صورة كقوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}.

ومنها تشبيه الشيء بالشيء لونا وحسنا كقوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} ومنها تشبيهه به لونا وسبوغا كقول امرئ القيس:

«ومشدودة السّكّ موضونة***تضاءل في الطيّ كالمبرد»

«يفيض على المرء أردانها***كفيض الأتيّ على الجدجد »

ومنها تشبيهه بها لونا وصورة كقول النابغة:

«تجلو بقادمتي حمامة أيكة***بردا أسفّ لثاته بالإثمد »

«كالأقحوان غداة غبّ سمائه ***جفّت أعاليه وأسفله ند»

ومنها ما يتضمن معنى اللون وحده كقول زهير:

«زجرت عليه حرّة أرحبية***وقد كان لون الليل مثل اليرندج »

ومنها ما تشبيهه به حركة كقول عنترة:

«غردا يحكّ ذراعه ***قدح المكبّ على الزّناد الأجذم »

ومنها تشبيهه به معنى كقول النابغة:

«فانك شمس والملوك كواكب ***إذا طلعت لم يبد منهن كوكب »

وقوله:

«فانك كالليل الذي هو مدركي ***وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع »

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


20-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (التنبيه)

التّنبيه:

نبّهه وأنبهه من النوم فتنبّه وانتبه، وانتبه من نومه: استيقظ، والتنبيه مثله. ونبّهه من الغفلة فانتبه وتنبّه: أيقظه، وتنبّه على الأمر: شعر به ونبّهته على الشي: وقّفته عليه فتنبه هو عليه.

قال التبريزي: «هو أن يقول الشاعر بيتا يرسله إرسال غير متحرز من المنتقد عليه ثم يتنبّه على ذلك فيستدرك موضع الطعن عليه بما يصلحه وربما كان ذلك في الشطر الأول من البيت فيتلافاه في الشطر الثاني وربما كان في بيت فيتلافاه في الثاني»، كقول بعضهم:

«هو الذئب أو للذئب أو فى أمانة***وما منهما إلا أزلّ خؤون »

كأنه لما قال: «أو للذئب أو فى أمانة» تنبه على أنّ قائلا يقول له: وأية أمانة في الذئب؟ فقال مستدركا لخطئه: «وما منهما إلا أزلّ خؤون» فسلم له البيت.

ومن ذلك:

«إذا ما ظمئت الى ريقها***جعلت المدامة منه بديلا»

«وأين المدامة من ريقها***ولكن أعللّ قلبا عليلا»

فنبّه بقوله: «وأين المدامة من ريقها» على قول القائل: وهل تكون المدامة بدلا عن ريقها، فاستدرك عند ذلك بقوله: «ولكن أعللّ قلبا عليلا».

وبعد أن ذكر العلوي ما ذكره التبريزي وابن الزملكاني قال: «ومما هو منسحب في أذيال التنبيه التتميم، وهو أن نأخذ في بيان معنى فيقع في نفسك أنّ السامع لم يتصوره على حدّ حقيقته وإيضاح معناه فتعود اليه مؤكدا له فيندرج تحت ما ذكرناه من خاصة التنبيه». وهذا كقول ابن الرومي:

«آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ***في الحادثات إذا دجون نجوم »

«منها معالم للهدى ومصابح ***تجلو الدّجى والأخريات رجوم »

فقوله: «نجوم» ورد غير مشروح لأنّه يفهم منه ما ذكره من التفصيل في البيت الآخر فلهذا كان مبهما فلما شرح تقاسيم النجوم في البيت الثاني جاء متمما له ومكملا لمعناه. قال العلوي: «فلا جرم كان معنى التتميم فيه حاصلا وكان فيه التنبيه على ما ذكرناه فلهذا أوردناه على أثر التنبيه لما كان قريبا منه وملتصقا به، فكان أحقّ بالايراد على أثره».

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


21-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الطي والنشر)

الطّيّ والنّشر:

الطيّ، نقيض النشر، طويته طيا وطية الطيّ والنشر هو اللفّ والنشر، وقد سمّاه بذلك الحموي، ولكنّ معظم البلاغيين يسمونه: «اللف والنشر». وكان المبرد من أوائل الذين التفتوا الى هذا النوع وقال: «والعرب تلف الخبرين المختلفين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة بأنّ السامع يردّ إلى كل خبره» كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، وكرر الاستشهاد بهذه الآية، وقال معلقا عليها: «علما بأنّ المخاطبين يعرفون وقت السكون ووقت الاكتساب». وقال معلّقا على بيت امرىء القيس:

«كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا***لدى وكرها العنّاب والحشف البالي »

«فهذا مفهوم المعنى فان اعترض معترض فقال: فهّلا فصل فقال: كأنه رطبا العناب وكأنه يابسا الحشف؟

قيل له: العربي الفصيح الفطن اللقن يرمي بالقول مفهوما ويرى ما بعد ذلك من التكرير عيا».

وسمّاه ابن جني «المجمل الذي يفصله العلم به» وذكر الآية السابقة: «ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار...» وبيت امرىء القيس: «كأنّ قلوب الطير...» وعلق عليهما بمثل تعليق المبرد، ثم قال: «وهذا في القرآن والشعر كثير اذا تفطنت له وجدته». وتحدث ابن سنان عنه في التناسب وقال: «ومن التناسب ايضا حمل اللفظ على اللفظ في الترتيب ليكون ما يرجع الى المقدم مقدما والى المؤخر مؤخرا» كقوله الشريف الرضي:

«قلبي وطرفي منك هذا في حمى ***قيظ وهذا في رياض ربيع »

فانه لما قدّم «قلبي» وجب أن يقدّم وصفه بأنّه في حمى قيظ، فلو كان قال: «طرفي وقلبي منك» لم يحسن في الترتيب أن يؤخر قوله: «في رياض الربيع» والطرف مقدم.

وقال الزّمخشري تعليقا على قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: «شرع ذلك يعني جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر وأمر المرخص له بمراعاة عدة ما أفطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر. فقوله: {لِتُكْمِلُوا} علة الأمر بمراعاة العدة {وَلِتُكَبِّرُوا} علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} علة الترخيص والتيسير. وهذا نوع من اللف لطيف المسلك لا يكاد يهتدي الى تبينه إلا النقاب المحدث من علماء البيان».

وقال عن قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ..}. (القصص 73) «زواج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة: لتسكنوا في احدهما وهو الليل، ولتبتغوا من فضل الله في الآخر وهو النهار، ولارادة شكركم». وقال عن الآية التي بعدها:

{وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟}: «وقد سلكت بهذه الآية التي بعدها اللف في تكرير التوبيخ باتخاذ الشركاء، إيذان بأن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده».

فالزمخشري يسمّي هذا النوع لفّا، وهو المصطلح الذي تعارف عليه البلاغيون ولكنهم أضافوا اليه «النشر». قال الرازي: «اللف والنشر هو أن تلف شيئين ثم ترمي بتفسيرهما جملة ثقة بأنّ السامع يردّ الى كل واحد منهما ماله».

وأدخله السّكّاكي في المحسّنات المعنوية وقال: «اللف والنشر، وهي أن تلف بين شيئين في الذكر ثم تتبعهما كلاما مشتملا على متعلق بواحد وبآخر من غير تعيين ثقة بأنّ السامع يردّ كلا منهما الى ما هو له».

وتبعه في ذلك ابن مالك والحلبي والنّويري، والقزويني الذي قال: «هو ذكر متعدد على جهة التفصيل أو الاجمال ثم ذكر ما لكل واحد من غير تعيين ثقة بأنّ السامع يردّه اليه»، ثم قال: فالأول ضربان، لأنّ النشر إما على ترتيب اللف كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، وقول ابن حيوس:

«فعل المدام ولونها ومذاقها***في مقلتيه ووجنتيه وريقه »

وقول ابن الرومي:

«آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ***في الحادثات إذا دجون نجوم »

«فيها معالم للهدى ومصابح ***تجلو الدّجى والأخريات رجوم »

وإما على غير ترتيبه كقول ابن حيوس:

«كيف أسلو وأنت حقف وغصن ***وغزال لحظا وقدّا وردفا»

وقول الفرزدق:

«لقد خنت قوما لولجأت اليهم ***طريد دم أو حاملا ثقل مغرم »

«لألفيت فيهم معطيا أو مطاعنا***وراءك شزرا بالوشيج المقوّم »

والثاني: كقوله تعالى: {وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُودًا أَوْ نَصارى} فان الضمير في {قالُوا} لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، والمعنى وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والنصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فلفّ بين القولين ثقة بأنّ السامع يردّ الى كل فريق قوله وأمنا من الالتباس، لما علم من التعادي بين الفريقين وتضليل كل واحد منهما لصاحبه.

وسار شرّاح التلخيص على هدي القزويني، ولم يخرج الآخرون على ما ذكره أو ما أشار اليه المتقدّمون.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


22-موسوعة الفقه الكويتية (تشوف)

تَشَوُّفٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّشَوُّفُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَشَوَّفَ.يُقَالُ: تَشَوَّفَتِ الْأَوْعَالُ: إِذَا عَلَتْ رُءُوسَ الْجِبَالِ تَنْظُرُ السَّهْلَ وَخُلُوَّهُ مِمَّا تَخَافُهُ لِتَرِدَ الْمَاءَ.وَمِنْهُ قِيلَ تَشَوَّفَ فُلَانٌ لِكَذَا: إِذَا طَمَحَ بَصَرُهُ إِلَيْهِ.ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي تَعَلُّقِ الْآمَالِ، وَالتَّطَلُّبِ.

وَالْمُشَوِّفَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُظْهِرُ نَفْسَهَا لِيَرَاهَا النَّاسُ.

وَتَشَوَّفَتِ الْمَرْأَةُ: تَزَيَّنَتْ وَتَطَلَّعَتْ لِلْخِطَابِ- مِنْ شفتُ الدِّرْهَمَ: إِذَا جَلَوْتَهُ.

وَدِينَارٌ مُشَوَّفٌ: أَيْ مَجْلُوٌّ- وَهُوَ أَنْ تَجْلُوَ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَ خَدَّيْهَا.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِلَفْظِ تَشَوُّفٍ عَنْ مَعَانِيهِ الْوَارِدَةِ فِي اللُّغَةِ.

وَقِيلَ: التَّشَوُّفُ بِمَعْنَى التَّزَيُّنِ خَاصٌّ بِالْوَجْهِ، وَالتَّزَيُّنُ عَامٌّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

أ- تَشَوُّفُ الشَّارِعِ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ:

2- مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلَحَاقِ النَّسَبِ، لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى الدَّعَائِمِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْأُسْرَةُ، وَيَرْتَبِطُ بِهِ أَفْرَادُهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}.

وَلِاعْتِنَاءِ الشَّرِيعَةِ بِحِفْظِ النَّسَبِ وَتَشَوُّفِهَا لِإِثْبَاتِهِ تَكَرَّرَ فِيهَا الْأَمْرُ بِحِفْظِهِ عَنْ تَطَرُّقِ الشَّكِّ إِلَيْهِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ ذَرَائِعِ التَّهَاوُنِ بِهِ.

وَلِمُرَاعَاةِ هَذَا الْمَقْصِدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ النَّادِرَةِ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ، لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِإِثْبَاتِهِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: نَسَبٌ).

ب- التَّشَوُّفُ إِلَى الْعِتْقِ:

3- مِنْ مَحَاسِنِ الْإِعْتَاقِ أَنَّهُ إِحْيَاءٌ حُكْمِيٌّ، يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنْ كَوْنِهِ مُلْحَقًا بِالْجَمَادَاتِ إِلَى كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْكَرَامَاتِ الْبَشَرِيَّةِ، مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ.وَيَقَعُ الْعِتْقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ كُلِّ: مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ- وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ هَازِلًا وَلَوْ دُونَ نِيَّةٍ- لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَيَجِبُ لِعَارِضٍ، وَيَحْصُلُ بِهِ الْقُرْبَةُ لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَقَوْلُه عز وجلُ {فَكُّ رَقَبَةٍ}.

وَلِخَبَرِ «أَيُّمَا مُسْلِمٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ» (ر: عِتْقٌ، إِعْتَاقٌ).

ج- التَّشَوُّفُ فِي الْعِدَّةِ:

4- الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ؛ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لِلزَّوْجِ، لِقِيَامِ نِكَاحِهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَالرَّجْعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالتَّزَيُّنُ حَامِلٌ عَلَيْهَا فَيَكُونُ مَشْرُوعًا.وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِحْدَادُ.فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهَا التَّزَيُّنُ.وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَوْلَى أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إِلَى رَجْعَتِهَا. (ر: عِدَّةٌ)

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الزِّينَةِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مُدَّةَ عِدَّتِهَا؛ لِوُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا الْمُبَانَةُ فِي الْحَيَاةِ بَيْنُونَةً كُبْرَى، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةُ، حِدَادًا وَأَسَفًا عَلَى زَوْجِهَا، وَإِظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةِ مَئُونَتِهَا، وَلِحُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الرَّجْعَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِحْدَادُ.وَفِي قَوْلٍ: الْإِحْدَادُ وَاجِبٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: لَا إِحْدَادَ إِلاَّ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَطْ.وَمُفَادُهُ: لَا إِحْدَادَ عَلَى الْمُبَانَةِ وَإِنِ اسْتُحِبَّ لَهَا فِي عِدَّتِهَا.

وَلَا يُسَنُّ لَهَا الْإِحْدَادُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَجَنَّبَ مَا يُرَغِّبُ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنَ الزِّينَةِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: عِدَّةٌ).

د- التَّشَوُّفُ لِلْخِطَابِ:

5- يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلَّتِي تَكُونُ صَالِحَةً لِلْخُطْبَةِ وَالزَّوَاجِ أَنْ تَتَزَيَّنَ اسْتِعْدَادًا لِرُؤْيَةِ مَنْ يَرْغَبُ فِي خِطْبَتِهَا وَالزَّوَاجِ بِهَا.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَرَى بِنَفْسِهِ مَنْ يَرْغَبُ فِي زَوَاجِهَا لِكَيْ يَقْدَمَ عَلَى الْعَقْدِ إِنْ أَعْجَبَتْهُ، وَيَحْجُمَ عَنْهُ إِنْ لَمْ تُعْجِبْهُ، لِخَبَرِ «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْأُلْفَةِ وَالْوِئَامِ.

«وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لَا.فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا».

وَيَرَى أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، لِأَنَّ رُؤْيَتَهُمَا تُحَقِّقُ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْجَمَالِ وَخُصُوبَةِ الْجَسَدِ وَعَدَمِهَا.فَيَدُلُّ الْوَجْهُ عَلَى الْجَمَالِ أَوْ ضِدُّهُ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَالْكَفَّانِ عَلَى خُصُوبَةِ الْبَدَنِ.

وَأَجَازَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ النَّظَرَ إِلَى الرَّقَبَةِ وَالْقَدَمَيْنِ.وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ النَّظَرَ إِلَى مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْقِيَامِ بِالْأَعْمَالِ، وَهِيَ سِتَّةُ أَعْضَاءٍ: الْوَجْهُ، وَالرَّأْسُ، وَالرَّقَبَةُ، وَالْيَدُ، وَالْقَدَمُ، وَالسَّاقُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَلِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: نِكَاحٌ، خِطْبَةٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


23-المغرب في ترتيب المعرب (‏شوف-‏المطلقة‏)

‏ (‏شوف‏) ‏‏

(‏الْمُطَلَّقَةُ‏) ‏ طَلَاقًا رَجْعِيًّا تَتَشَوَّفُ لِزَوْجِهَا أَيْ تَتَزَيَّنُ بِأَنْ تَجْلُوَ وَجْهَهَا وَتَصْقُلَ خَدَّيْهَا مِنْ شَافَ الْحَلْيَ إذَا جَلَاهُ‏.

المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م


24-المنجد في اللغة (الإحريض)

والإحْرِيض أيضًا: هو الحَرَّاض الذي يُوْقِدُ على الحُرُضِ، وهو الأُشْنانُ؛ قال الراجز: [الرجز]

«بَرْقٌ سَرَى في عارضٍ نَهُوضِ *** مُلْتَهِبٌ كَلَهَبِ الإحْرِيضِ»

وقال عَدِيُّ بنُ زيد: [الخفيف]

«مِثلُ نارِ الحَرَّاضِ تَجْلُو ذُرَى المُزْ *** نِ لِمَنْ شَامَهُ إذا يَسْتَطيرُ»

وقال الطِّرِمّاح: [الخفيف]

«مُلْبَساتِ القتَام يُمْسِي عليها *** مِثلُ ساجِي دواخِنِ الحَرَّاضِ»

ويقال: إنه الذي يَطْبُخ الجِصَّ.

المنجد في اللغة-علي بن الحسن الهُنائي الأزدي، أبو الحسن الملقب بـ «كراع النمل»-توفي بعد: 309هـ/921م


25-المعجم الغني (أجْلَى)

أجْلَى- [جلي]، (فعل: رباعي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، أجْلَيْتُ، أُجْلِي، أجْلِ، المصدر: إِجْلَاءٌ.

1- "أَجْلَى السُّكَّانَ عَنْ دِيَارِهِمْ": أخْرَجَهُمْ مِنْهَا.

2- "أَجْلَى عَنْ بَلَدِهِ": خَرَجَ.

3- "هَلْ لَكَ أنْ تَجْلُوَ عَنِّي الهَمَّ": أنْ تَكْشِفَهُ عَنِّي.

4- "وَقَعَتْ حَادِثَةٌ رَهِيبَةٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأجْلَى بَعْضُ الرِّجَالِ مَنَازِلَهُمْ": تَرَكُوهَا خَوْفًا.

5- "أَجْلَى الجُمْهورُ عن السَّاحَةِ": تَفَرَّقُوا عَنْهَا.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


26-المعجم الغني (عَارِضٌ)

عَارِضٌ(عَارِضَةٌ )- الجمع: عَوَارِضُ، عَارِضَاتٌ. [عرض]، (اسم فاعل مِنْ: عَرَضَ):

1- "عَارِضٌ فِي الأُفُقِ": مَا اعْتَرَضَ فِي الأُفُقِ مِنْ جَرَادٍ أَوْ نَحْوِهِ فَسَدَّهُ.

2- {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]: سَحَابٌ مُمْطِرٌ.

3- "عَارِضُ الْوَجْهِ"، "عَارِضَةُ الْوَجْهِ": صَفْحَةُ الْخَدِّ، جَانِبُ الْوَجْهِ، وَهُمَا عَارِضَانِ.

4- "خَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ": أَيْ شَعَرُ عَارِضَيْهِ قَلِيلٌ.

5- "عَارِضُ الْفَمِ"، "عَارِضَةُ الْفَمِ": الثَّنِيَّةُ مِنَ الأَسْنَانِ.

6- "اِمْرَأَةٌ نَقِيَّةُ الْعَوَارِضِ": نَقِيَّةُ عُرْضِ الْفَمِ. "تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ". (كعب بن زهير):

7- "عَارِضُ الْعُنُقِ": صَفْحَةُ الْعُنُقِ.

8- "إِجَازَةٌ عَارِضَةٌ": إِجَازَةٌ تُمْنَحُ لِلْمُوَظَّفِ لِشَيْءٍ طَرَأَ عَلَيْهِ.

9- "عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مَنَعَهُ مِنَ الْحُضُورِ": مَانِعٌ، حَاجِزٌ، حَائِلٌ.

10- "تَسَلَّقَ الْعَارِضَ": الْجَبَلَ.

11- "هُوَ قَوِيُّ الْعَارِضَةِ": ذُو جَلَدٍ وَصَرَامَةٍ، وَقُدْرَةٍ عَلَى الْكَلَامِ.

12- "جَاءَ بِعَارِضَةٍ": بِرَأْيٍ جَيِّدٍ.

13- "وَضَعَ جُمْلَةً بَيْنَ عَارِضَتَيْنِ": بَيْنَ خَطَّيْنِ هَكَذَا. (-...-): بَيْنَ شَرْطَتَيْنِ.

14- "الْعَوَارِضُ فِي الْمِيكَانِيكَا": سَطْحٌ مِنْ مَادَّةٍ لَا تَتَأَثَّرُ بِالْحَرَارَةِ تَعْتَرِضُ سَيْرَ الاِحْتِرَاقِ.

15- "عَارِضَةُ الأَزْيَاءِ": الْمَرْأَةُ الَّتِي تَعْرِضُ مَلَابِسَ جَدِيدَةً بِارْتِدَائِهَا فِي قَاعَةِ الْعَرْضِ أَمَامَ الْجُمْهُورِ لِيَخْتَارَ مِنْهَا مايُنَاسِبُهُ.

16- "عَوَارِضُ خَشَبِيَّةٌ": خَشَبُ سَقْفِ الْبَيْتِ.

17- "عَارِضَةُ الْبَابِ": الْخَشَبَةُ الْعُلْيَا الَّتِي يَدُورُ فِيهَا الْبَابُ.

18- "عَارِضَةُ الطَّرِيقِ": الْوَاجِهَةُ.

19- "اِرْتَطَمَتِ الْكُرَةُ بِالعَارِضَةِ":.

الْخَشَبَةُ العُلْيَا بِمَرْمَى حَارِسِ كُرَةِ القَدَمِ. 20. "عَارِضَةٌ فِي رِيَاضَةِ الْجِمْبَازِ": خَشَبَةٌ أُفُقِيَّةٌ تُحَدِّدُ مُسْتَوَى الْعُلُوِّ الْمَطْلُوبِ اجْتِيَازُهُ عِنْدَ القَفْزِ عُلُوًّا أَوْ بِالْعَصَا. 2

1- "عَارِضَةٌ عُلْيَا": عُدَّةٌ رِيَاضِيَّةٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ عَارِضَةٍ أُفُقِيَّةٍ، مُدَعَّمَةٍ بِدِعَامَتَيْنِ عَمُودِيَّتَيْنِ. 2

2- "عَارِضَةُ الْمُتَوَازِيَاتِ": عُدَّةٌ رِيَاضِيَّةٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ عَارِضَتَيْنِ مُثْبَتَتَيْنِ بِالتَّوَازِي بِالْعُلُوِّ نَفْسِهِ عَلَى دِعَامَتَيْنِ عَمُودِيَّتَيْنِ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


27-التعريفات الفقهية (التشوُّف للزوج)

التشوُّف للزوج: هو التزيُّن بأن تجلو وجهها وتصقل خديها.

التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م


28-تاج العروس (سيب)

[سيب]: السَّيْبُ: العَطَاءُ، والعُرْفُ. والنَّافِلَةُ. وفي حَدِيثِ الاسْتِسْقَاءِ: «واجْعَلْه سَيْبًا نافِعًا» أَي عَطَاءً، ويَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ مَطَرًا سَائِبًا أَي جَارِيًا. ومن المجاز: فَاضَ سَيْبُهُ عَلى النَّاسِ أَي عطاؤه، كَذَا في الأَسَاس.

والسَّيْبُ: مُرْدِيُّ السَّفِينَة.

والسَّيْبُ: شَعَرُ ذَنَبِ الفَرَسِ والسَّيْبُ: مَصْدَرُ سَاب المَاءُ يَسِيبُ سَيْبًا. جَرَى.

وساب يَسِيب: مَشَى مُسْرِعًا. ومن المَجَازِ: سَابَتِ الحيَّة تَنْسَابُ وتَسِيبُ إذَا مَضَت مُسْرِعَةً. أَنشد ثعلب:

أَتَذْهَبُ سَلْمَى في اللِّمَامِ فَلَا تُرَى *** وباللَّيْلِ أَيْمٌ حَيْثَ شَاءَ يَسِيبُ

وكَذلِكَ انْسَابَتْ [تنسابُ]. وسَابَ الأَفْعَى وانْسَابَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكْمَنِه. وفي الحَدِيثِ «أَنَّ رَجُلًا شَرِبَ من سِقَاءٍ فانْسَابَتْ في بَطْنِه حَيَّة، فَنُهِيَ عن الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ».

أَي دَخَلَتْ وجَرَت مَعَ جَرَيَانِ المَاء. يقال: سَابَ المَاءُ إذا جَرَى. كانْسَابَ.

وانْسَابَ فُلَان نَحْوَكُم: رَجَع. وفي قَوْلِ الحَرِيريّ في الصَّنْعَانِيَّةِ «فَانْسَابَ فِيَها غِرَارة» أَي دخل فيها دخول الحَيَّة في مكمنها. و‌في كِتَابِه صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: «وَفِي السُّيُوب الخُمُسُ».

قال أَبو عُبَيْد: هِيَ الرِّكاز وهو مَجَازٌ. قال: ولا أَرَاه أُخِذَ إلَّا مِنَ السَّيْبِ، وَهُوَ العَطِيَّة. وأَنشد:

فما أَنَا مِنْ رَيْبِ المَنُونِ بجُبَّإ *** وَمَا أَنَا من سَيْبِ الإلَه بآيِس

وفي لِسَانِ العَرَبِ: السُّيُوبُ: الرِّكَازُ لأَنَّهَا من سَيْبِ اللهِ وَعَطَائِه. وقَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ المَعَادنُ. وقال أَبُو سَعِيد: السُّيُوبُ: عُرُوقٌ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّة تَسِيبُ في المَعْدِن؛ أَي تَتَكَوَّنَ فِيهِ وتَظْهَر، سُمِّيَتْ سُيُوبًا لانْسيَابِها في الأَرْض.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: السُّيُوبُ [الركاز] جمع سَيْبٍ يُرِيدُ بِهِ المَالَ المَدْفُونَ في الجَاهِليَّة أَوِ المَعْدِن [وهو العطاء]، لأَنَّه مِنْ فَضْلِ اللهِ وَعَطَائِه لمَن أَصَابَه. ويُوجَد هُنَا في بَعْضِ النُّسَخ: السِّيَاب، وهو خَطَأٌ.

وذَاتُ السَّيْب: رَحَبَة لإضم. وفي التكملة: مِنْ رِحَاب إضَم.

والسِّيبُ بالكَسْرِ: مَجْرَى الماءِ جَمْعه سُيُوبٌ.

ونَهْرٌ بخُوارَزْم. ونهر بالبَصْرَة عليه قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ.

وآخَرُ في ذُنَابَةِ الفُرَاتِ بقُرْب الحِلَّة وعليه بَلَدٌ. منه صَبَاحُ بْنُ هَارُونَ، ويَحْيَى بْن أَحْمَدَ المُقْري صاحب الحماميّ، وهِبَةُ الله بنُ عَبْدِ الله مُؤَدِّبُ أَمِير المؤمنين المُقْتَدِر هَكَذَا في النُّسَخ. وفي التَّبْصِير مُؤدِّب المُقْتَدِي، سمع أَبَا الحُسَيْن بْن بشران، وعنه ابْن السَّمْرَقَنْدِيّ. وأَبو البركات أَحمدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ السِّيبِيّ عن الصريفينيّ وهو مُؤَدِّبُ أَمِيرِ المؤمنين المُقْتَفِي لأَمرِ اللهِ العَبَّاسِيّ، وعنه أَخذ، لا أَبُوهُ أَي وَهِم مَنْ جَعَلَ شيخَ المُقْتَفِي عَبْدَ الوَهَاب يَعْنِي بِذَلك أَبَا سَعْد بْن السمعانيّ.

قلت: وأَخُوه عَلِيّ بْنُ عَبْدِ الوَهَاب حَدَّث عَن أَبِي الحَسَن العلَّاف، وأَبُوهُمَا عبد الوَهَّابِ سَمِعَ أَبَاه وعَنْه أَبُو الفَضْلِ الطُّوسِيُّ وحَفِيدُه أَحمَدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ حَدَّثَ، ومحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الوَهَّاب السِّيبيّ حَدَّثَ عَنْ أَبِي الوقت، وإسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ فَارِسِ بْنِ السِّيبِيّ عَنْ أَبِي الفَضْلِ الأَرْمَوِيّ، وابْنُ نَاصِر مات بِدِنِيسر سنة 614 وأَخُوه عُثْمَان سَمِع مَعَهُ وَمَاتَ قَبْلَهُ سنة 610 والمُبَارَكُ بْنُ إبْرَاهيمِ بْنِ مُخْتَارٍ الدَّقَاق بْنِ السِّيبِيّ عَن أَبِي القَاسِم بْن الحُصَينِ، وابنُه عُبيدُ الله بْنُ المُبَارَكِ عَن أَبي الفَتْح بْنِ البَطِّي. قال ابْن نُقْطَةَ: سَمِعْتُ مِنْه، وفِيه مَقَالٌ.

مَاتَ سَنَةَ 619. وابْنُه المُظَفَّر سَمِعَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ بيان.

وأَبُو مَنْصُور مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ السِّيبِيّ رَوَى عنه نِظَامُ المُلكِ. وأَحمَدُ بْنُ أَحمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عليّ القصْرِيّ السِّيبِيّ، حَدَّثَ عَنِ ابْن ماس وغَيرِه. ذكره الذَهَبِيّ، تُوُفِّي سَنَة 439. وأَبُو القَاسِم عَبد الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُسينٍ السِّيبِيُّ، سَمِعَ منه أَبو المَيْمُونِ عَبْدُ الوَهابِ بْنُ عتِيق بْنِ وَرْدَان مُقْرِئ مصر، ذكره المُنْذِرِيّ في التَّكْمِلَةِ.

والسِّيب بالكَسْرِ: التُّفَّاحُ فَارِسيُّ. قال أَبُو العَلَاء: وَمِنْه سِيبَوَيْه أَي سِيبُ: تُفَّاحٌ، وَوَيْه: رَائِحَتُه فكأَنه رَائِحَةُ تُفَّاح، قَالَه السِّيرَافِيُّ. وأَصْلُ التَّرْكيب تُفَّاح رَائِحَة، لأَنَّ الفُرْسَ وغَيْرهم عَادَتُهم تَقْدِيمُ المُضَافِ عَلَى المُضَافِ إلَيْه غَالِبًا.

وقال شَيْخُنا: وَفِي طَبَقَاتِ الزُّبيدِيّ. حَدَّثَنِي أَبو عَبْدِ الله مُحَمَّد بن طَاهِرٍ العَسْكَرِيّ قال: سِيبَوَيه: اسمٌ فَارِسِيٌّ، والسِّي: ثَلَاثون، وبوَيْه: رَائِحَة، فكأَنَّه في المَعْنى ثَلاثُونَ رَائِحة أَي الَّذي ضُوعِفَ طِيب رَائِحتِه ثَلاثِين، وكَانَ فِيمَا يُقالُ حَسَنَ الوَجه طَيِّبَ رَائِحة، انْتَهَى. وقال جَمَاعة: سِيبَوَيه بالكَسْرِ، وويه: اسْم صَوتٍ بُنِي عَلَى الكَسْرِ، وكَرِه المحدِّثُون النُّطقَ بِهِ كأَضْرَابِه فَقَالُوا: سِيبُويَه، فضموا المُوَحَّدَة، وسَكَّنوا الوَاوَ، وفَتَحُوا التَّحْتِيَّةَ، وأَبْدَلُوا الهَاءَ فَوْقِيَّة يُوقَفُ عَلَيْها، وهَذَا قَوْلُ الكُوفِيِّينَ. وهو لَقَبُ أَبِي بِشْر عَمْرو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ قَنْبرٍ الشِّيرازِيّ كَانَ مَوْلًى لِبَنِي الحَارِث بْنِ كَعْبٍ، وُلِد بِالبَيْضَاءِ من قُرَى شِيرَاز، ثم قَدِم البَصْرَةَ لِرِوَايَة الحَدِيثِ، ولَازَم الخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ، وقَضَايَاهُ مَعَ الكِسَائِيّ مَشْهُورَةٌ، وهو إمَامُ النُّحَاة بلا نِزَاعٍ، وكِتَابه الإمَامُ في الفَنِّ، تُوفي بالأَهْوازِ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمَائَةٍ عَن اثْنَيْن وثَلَاثِين، قَالَه الخَطِيبُ، وقيل غَيْر ذلِكَ. وسِيبَوَيْهِ أَيْضًا: لَقَبُ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن مُوسَى بْنِ عَبْدِ العَزِيز الكِنْدِيّ الفَقِيهِ المِصْرِيّ عُرِفَ بابْن الحَبَى، سَمِعَ من النّسَائِيّ والمُبَارَكِ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّلميّ الجبيّ والطَّحَاوِيِّ. وغيرهم، ذَكَرَهُ الذَّهَبِيّ. مَاتَ في صفر سنة 358 ه‍ ـ.

قُلْتُ: وقد جَمَعَ له ابنُ زولاق ترجمة في مُجَلَّد لَطِيف، وهُوَ أَيْضًا لَقَبُ عَبْد الرَّحْمَن بن مادر المَدَائِنِيّ، ذكره الخَطِيبُ في تَارِيخه. وأَيْضًا لَقَبُ أَبي نَصْر مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ العَزِيز بْنِ مُحَمَّد بْن مَحْمُودِ بْنِ سَهْلٍ التَّيميّ الأَصبهانِيّ النَّحْوِيّ، كما في طَبقاتِ النحاةِ للسُّيُوطِيِّ.

ومِنَ المَجَاز: سَابَتِ الدَّابَّة: أُهْمِلَت، وسَيَّبْتُها. وسَيَّبْتُ الشي‌ءَ: تركْتُه يَسِيبُ حَيْث شَاءَ. والسائِبَةُ: المُهْمَلَةُ، ودَوَابُّهم سَوَائِبُ وسُيِّبٌ. وعِنْدَه سَائِبةٌ منَ السَّوائِب.

والسَّائِبَةُ: العَبْدُ يُعْتَقُ على أَن لَا وَلَاءَ له أَي عَلَيْه.

وقال الشَّافِعِيُّ: إذَا أَعْتقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً، فماتَ العَبْدُ وخَلَّفَ مَالًا ولم يَدَعْ وَارِثًا غَيْر مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَه، فمِيراثُه لمُعْتِقِه، لأَنَّ النبيَّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ جَعَلَ الوَلَاءَ لُحْمَةً كلُحْمَةِ النَّسَبِ [فكما أَن لُحمةَ النّسبِ] لا تَنْقَطِع كَذلِكَ الوَلَاءُ.

وقَال صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ: «الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَق». ورُوي عَنْ عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه أَنَّه قَالَ: «السَّائِبَةُ والصَّدَقَةِ ليَوْمِهما». قال أَبُو عُبَيْدَة أَي يَوْم القيَامة فلا يُرجَعُ إلَى الانتِفَاع بِشَيْ‌ءٍ منهما بعد ذَلِكَ في الدُّنْيَا، وذلِكَ كالرَّجل يُعْتِقُ عبده سَائِبَةً فَيَمُوتُ العَبْد وَيَتْرُكَ مَالًا ولا وَارِثَ لَه، فلا يَنْبَغِي لمُعْتِقَه أَن يَرْزَأَ مِنْ مِيرَاثِه شَيْئًا إلا أَنْ يَجْعَلَه في مِثْله. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الله: «السَّائِبَة يَضَعُ مَالَه حَيْثُ شَاءَ» أَي العَبْدُ الَّذِي يُعْتَقُ سَائِبَةً ولا يَكُونُ وَلَاؤُه لِمُعْتِقِه ولا وَارِثَ لَهُ فيضَعُ مَالَه حَيْثُ شَاءَ، وهُوَ الذي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ.

والسّائِبَةُ: البَعِيرُ يُدْرِكُ نِتَاجَ نِتَاجه، فيُسَيَّبُ؛ أَي يُتْرَكُ ولا يُرْكَبُ ولا يُحْمَلُ عَلَيْهِ. والسَّائِبَةُ الَّتِي في القُرآنِ العَزيزِ في قَوْلِهِ تَعَالى: {ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ}.

النَّاقَةُ التي كَانَتْ تُسَيَّبُ في الجَاهِليَّةِ لنَذْرٍ ونَحْوِه كَذَا في الصِّحَاح. أو أَنَّهَا هِيَ أُمُّ البَحِيرَةِ كَانَت النَاقَةُ إذا وَلَدَت عَشَرَةَ أَبْطُن كُلّهُن إنَاثٌ سُيِّبَتْ فلم تُرْكَبْ ولم يَشرب لَبَنَها إلا وَلَدُها أَو الضَّيْفُ حَتَّى تَمُوتَ، فإذا مَاتَت أَكَلَهَا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ جَمِيعًا، وبُحِرَت أُذُن بِنْتِهَا الأَخِيرَة فتُسَمَّى البَحِيرَةَ، وَهِي بِمَنْزِلَةِ أُمِّهَا في أَنَّها سَائِبَةٌ، والجَمْعُ سُيَّبٌ مِثْل نَائِمَةٍ ونُوِّمٍ، ونائِحَة ونُوَّحٍ.

أَو السَّائِبَةُ ـ على ما قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: كَانَ الرَّجُلُ إذَا قَدَمَ مِنْ سَفَرٍ بَعِيدٍ أَو بَرِئَ مِنْ عِلَّة، أَوْ نَجَتْ وفي لِسَانِ العَرَب نَجَّتْه دَابَّتُه مِن مَشَقة أو حَرْبٍ قَالَ: هِي أَي نَاقَتي سائِبَةٌ أَي تُسَيَّبُ، فلا يُنْتَفَعُ بِظَهْرِهَا، ولا تُحَلَّاءُ عَنْ مَاءٍ، ولا تُمْنَعُ مِنْ كَلا، ولا تُرْكَب. أَو كان يَنْزَعُ من ظَهْرِها فقَارَة أَو عَظْمًا فتُعْرَفُ بِذَلِكَ وَكَانت لا تُمْنَع عَنْ مَاءٍ ولا كَلٍا ولا تُرْكَب ولا تُحْلَبُ، فأغِير عَلَى رَجُلٍ من العَرَب فلم يَجِدْ دَابَّةً يَرْكَبُهَا فركِبَ سَائِبَةً، فقِيلَ: أَتَرْكَبُ حَرَامًا؟ فَقَال: «يَرْكَبُ الحرامَ مَنْ لا حَلَالَ له» فذَهَبَتْ مَثَلًا. وفي الحَدِيث: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ يَجُرّ قُصْبَة فِي النَّارِ» وكان أَوَّل مَنْ سَيَّب السَّوَائب. وهي الَّتي نَهَى اللهُ عَنْهَا بقَوْلِه: {ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ}. فالسَّائِبَةُ: بِنْتُ البَحِيرَة.

والسَّائِبَتَان: بَدَنَتَان أَهْدَاهُما النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ إلَى البَيْتِ، فأَخَذَهُما وَاحِدٌ من المُشْرِكين فَذَهَب بِهِمَا، سَمَّاهُمَا سَائِبَتَيْن، لأَنَّه سيَّبَهما للهِ تَعَالى.

وقَدْ جَاءَ في الحديث «عُرِضَت عَلَيَّ النَّارُ فَرَأَيتُ صَاحبَ السَائِبَتَيْن يُدْفَعُ بِعَصًا».

* ومما بَقِي عَلَى المُؤلِّف مِنَ المَجَازِ: سَابَ الرَّجُلُ في مَنْطِقِه إذَا ذَهَبَ فِيه بِكُلِّ مَذْهَبٍ. وعِبَارَةُ الأَسَاسِ: أَفَاضَ فيهِ بِغَيْرِ رَوِيَّة، وفي حديث عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عَوْف «أَنَّ الحيلةَ بِالمَنْطِق أَبْلَغُ منَ السُّيُوبِ في الكَلِم».

السُّيُوبُ: ما سُيِّبَ وخُلِّيَ. [فسابَ؛ أَي ذهب] سَابَ في الكَلام: خَاضَ فِيه بهَذْرٍ. أَي التَّلَطُّفُ والتَّقَلُّلُ منه أَبْلَغُ من الإكْثَار، كَذَا فِي لِسَانِ العَرَب.

والسَّيَابُ كسَحَاب ويُشَدَّدُ مَعَ الفتح. والسُّيَّابُ كَرُمَّان إذا فُتِحَ خُفِّفَ، وإذا شَدَّدْتُه ضَمَمْتَه ـ وَوَهِمَ شَيْخُنَا في الاقْتِصَارِ على الفَتْح ـ البَلَحُ أَو البُسْرُ الأَخْضَرُ، قالَه أَبو حَنِيفة، وَاحِدَتُه سَيَابَة وسَيَّابَة، وبِهَا سُمِّي الرَّجُلُ. قال أُحَيْحَةُ: أَقْسَمْتُ لَا أُعْطِيكَ في كَعْبٍ ومَقْتَلِه سَيَابَهْ.

وقال أَبو زُبيد:

أَيَّامَ تَجْلُو لَنَا عَن بَارِدٍ رَتل *** تَخَال نَكْهَتَهَا باللَّيْلِ سُيَّابا

أراد نَكْهَةَ سُيَّابٍ.

وعن الأصْمَعِيّ: إذَا تَعَقَّد الطَّلْعُ حَتَّى يَصِيرَ بَلَحًا فهو السَّيَابُ مُخَفَّف، وَاحدَته سَيَابَةٌ. وقال شَمِر: هُوَ السَّدَاءُ مَمْدُودٌ بِلُغَةِ أَهْلِ المَدِينَة، وهَيِ السَّيَابَة بلُغةِ وَادِي القُرَى.

وأَنْشَدَ لِلَبِيدٍ:

سَيَابَةٌ مَا بِهَا عَيْبٌ وَلَا أَثَرُ

قال: وسَمِعْتُ البَحْرَانِيِّين تَقُولُ: سُيَّابٌ وسُيَّابَةٌ. وفي حَدِيث أُسَيْدِ بْنِ خُضَيْر: «لو سَأَلْتَنَا سَيَابَةً ما أَعْطَيْنَاكَهَا» هِيَ مُخَفَّفَةٌ وسَيَابَةٌ كَسَحَابَةٍ: الخَمْرُ. وسَيْبَانُ بْنُ الغَوْثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْف بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْد بن شَدد بن زُرْعة، وهو حمْيَرُ الأَصْغَرُ، وهو بالفَتحِ والكَسْرُ قَلِيلٌ: أَبْو قَبِيلَةٍ مِنْ حِمْيَر: منها* أبُو العَجْمَاءِ كذا في النُّسَخ، وصَوَابُه أَبو العَجْفَاءِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله الدَّيْلميُّ عن عَوفِ بْنِ مَالِك.

وأَبُو زُرْعَةَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرو. قَال أَبو حَاتمِ: ثِقَةٌ.

وأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد الرَّمْلِيُّ قُلْتُ: ويروي أَبو العَجْفَاءِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عُمَر، نَقَله الفَرَضِيّ عن الحَازِمِيّ. وكَتَب الفَرَضِيُّ مِيمًا عَلَى عَبْد الله، وأَجْرَى عَلَى عَمْرو مَكَانَه هُوَ عَمْرو بْنُ عَبْدِ اللهِ المُتَقَدّمُ بِذِكْرِه. وأَبُو عَمْرو وَالدُ يَحيَى حَدَّثَ أَيْضًا، ومات ابْنُه يَحْيَى سنة 148 قَالَه ابن الأَثِير.

وذَكَر الذّهَبِيّ أَنَّ الفرضيّ ضَبَطَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللهِ السِّيبَانِيّ المُتَقَدِّم بِذِكْره «بكسر السين» والمَشْهُور، بفَتحها. وضَبَطَه الرَّضِيّ الشَّاطِبِيّ أَيْضًا «بالكسْر» كالهَمْدَانِيّ النَّسَّابةُ. وهم يَنْتَسِبُون إلى سَيْبَانَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْغَوْث. وأَسْقَطَ ابنُ حَبِيبٍ أَسْلَم وزَيْدًا مِنْ نَسَبه فَقَال: هو سَيْبَانُ بْنُ الغَوْثِ كما تَقَدَّم فاعْرِفْ ذَلِكَ.

وسَيْبَان بالفَتْح وَحْدَه: جَبَل وَرَاءَ وَادِي القُرَى.

ودَيْرُ السَّابانِ والذي ذَكَره ابْنُ العَدِيم: سَابَان بِلَا لَام: موضع بين حَلَب وأَنْطَاكِيَةَ قَرِيبَان من دَيْر عَمَان يُعَدَّان من أَعْمَال حَلَب، وهما خَرِبَان الآن، وفِيهمَا بِنَاءٌ عَجِيبٌ وقُصُورٌ مُشرِفَة. وَبَيْنَهُمَا قَرْيَةُ أَحدِ الديرين مِنْ قِبَلِ القَرْيَة، والآخَرُ من شَمَالِّيَها، وَفِيهما يَقُول حَمْدَان الأَثَارِبِيّ:

دَيْرُ عَمَان ودَيْر سَابَانِ *** هِجْن غَرَامي وزدْنَ أَشْجَائِي

إذَا تذَكَّرتُ فِيهما زَمَنا *** قَضَّيْتُه في عُرام رَيْعَانِي

يا لَهْفَ نَفْسي مِمَّا أُكَابِدُه *** إن لَاح بَرقٌ من دَيْر حَشْيَانِ

وَمَعْنَى دَيْر سَابَان بالسُّريَانِيَّة: دَيْر الجَمَاعَة، ومَعْنَى دير عَمَان دَيْر الشَّيْخ، كذا في تَارِيخ حَلَبَ لابْنِ العَدِيم.

والمَسِيبُ كَمَسِيلٍ: وَادٍ والمُسَيَّبُ كمُعَظَّم: ابنُ عَلَسٍ مُحَرّكَة الشَّاعِر والمُسَيَّبُ بن رَافِع وهو كمُحمَّد بلا خِلَاف. وطيّ ابن المُسَيَّب بن فَضَالَة العَبْدِيِّ مِن رِجَالِ عَبْدِ القَيْس.

وسَيَابَةُ بنُ عَاصِم بْنِ شَيْبان السُّلميّ صَحَابِيُّ فَرْدٌ لَهُ وِفَادَة، رَوَى حَدِيثَه عَمْرُو بْنُ سَعِيد قوله: «أَنَا ابْنُ العَوَاتِك» كذا في المعجم.

وجَعفَر بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيّ بن بيان بْنِ زَيْدِ بْنِ سَيَابَة الغَافِقِيّ المِصْرِيّ مُحَدِّث، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لا يُسَاوِي شَيْئًا.

وسَيَابَةُ: تابِعِيَّةٌ عَنْ عَائِشَة، وعَنْهَا نَافِع، ويُقَال: هِيَ سَائِبَةُ.

والسَائِبُ: اسْمٌ من سَابَ يَسِيب إذَا مَشَى مُسْرِعًا أَو مِنْ سَابَ المَاءُ إذَا جَرَى.

والسَائِبُ: ثَلَاثَةٌ وعِشْرُونَ صَحَابِيًّا، انظر تَفْصِيلهم في الإِصَابة، وفي مُعْجَم الحَافِظ تَقِيِّ الدِّين بْنِ فَهْدٍ الهَاشِميّ.

وأَبو السَّائِب: صَيْفيُّ بْن عَائِذٍ من بَني مَخْزُومٍ، قِيلَ: كَانَ شَرِيكًا للنبيّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ قَبْلَ مبْعَثِه.

والسَّائِبُ بن عُبَيْد أَبُو شَافع المُطَّلبِيّ جَدّ الإمَام الشَّافِعِيّ رضي ‌الله‌ عنه، قيلّ لَهُ صُحْبَةٌ.

والسُّوبان: اسم وَادٍ، وقد تَقَدَّمَ في السُّوبَة.

والمُسَيِّبُ بن حَزْن بن أَبِي وَهْب المَخْزُومِيّ كمحَدِّث: وَالِد الإمام التَّابِعِيّ الجَلِيل سَعِيد له صُحْبَةٌ، رَوَى عنهُ ابنُه ويُفْتَح قال بَعْضُ المُحدِّثين: أَهْل العِرَاق يَفْتَحُون، وأَهْل المَدِينَة يَكْسِرُون، ويَحْكُون عَنْه أَنه كَانَ يَقُول: سَيَّب اللهُ مَنُ سَيَّبَ أَبِي، والكَسْر حَكَاهُ عِيَاض وابْن المَدِيني، قاله شيخنا.

ومما بقي عليه المُسَيَّبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ بْنِ عَبْدِ الله المَخْزُومِيّ أَخُو السَّائِبِ، أَسْلَم بَعْدَ خَيْبَر. والمُسَيَّبُ ابنُ عَمْرو أُمِّر عَلَى سَرِيَّة، يُرْوَى ذلِكَ عن مُقاتِل بْنِ سُلَيْمَان، كَذَا قَالَه ابْنُ فَهْد. وسَيَابَةُ أُمُّ يَعْلى بْنِ مُرَّة بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيّ، وبِهَا يُعْرَفُ ويُكْنَى أَبا المَرَازِم.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


29-تاج العروس (حبر)

[حبر]: الحِبْرُ، بالكسر: النِّقْسُ وَزْنًا ومعنًى. قال شيخُنا: وهذا من باب تفسيرِ المشهورِ بما ليس بمشهورٍ؛ فإِن الحبْرَ معروفٌ أَنه المِدَادُ الذي يُكْتَبُ به، وأما النِّقْسُ، فلا يعرفُه إِلّا مَن مارَسَ اللغةَ وعَرَفَ المُطَّرِدَ منها، وتَوَسَّع في المُتَرادِفِ، فلو فَسَّرَه كالجَمَاهِير بالمِداد لكان أَوْلَى. واخْتُلِفَ في وَجْه تَسْمِيَتِه، فقيل: لأَنه ممّا تُحَبَّرُ به الكتبُ؛ أَي تُحَسَّنُ، قالَه محمّدُ بنُ زَيْد. وقيل: لتَحْسِينه الخَطَّ وتَبْيينِه إِيّاه، نَقَلَه الهَرَوِيُّ عن بعضٍ. وقيل: لتأْثيرِه في الموضعِ الذي يكونُ فيه، قالَه الأَصمعيُّ. ومَوْضِعُه المَحْبَرَةَ، بالفتح لا بالكسر، وغَلِطَ الجوهريُّ؛ لأَنَّه لا يُعرَفُ في المكانِ الكسر ـ وهي الآنِيَةُ التي يُجْعَلُ فيها الحِبْرُ، مِن خَزَفٍ كان أَو مِن قَوارِيرِ. والصحيحُ أَنّهما لغتان أَجودُهما الفتح، ومَن كسر المِيم قال إِنها آلَةٌ، ومثلُه مَزْرَعَةٌ ومِزْرَعَةٌ، وحَكاها ابنُ مالكٍ وأَبو حَيّانَ. وحُكِيَ مَحْبُرَةٌ، بالضَّمِّ، كمَقْبُرَةٍ ومَأْدُبَةٍ. وجمْعُ الكلِّ مَحابِرُ، كمَزَارِعَ ومَقَابِرَ. وقال الصَّاغانيُّ: قال الجوهريُّ الْمِحْبَرَةُ، بكسر الميم، وإِنما أَخَذَها من كتاب الفارابيِّ، والصَّوابُ بفتح الميمِ وضمِّ الباءِ ثم ذَكَرَ لها ثلاثِينَ نَظَائِرَ ممّا وَردتْ بالوَجْهَيْن: المَيْسرَةُ، والمَفْخرَةُ، والمَزْرعَةُ، والمَحْرمَةُ، والمَأْدبَةُ، والمَعْركَةُ، والمَشْرقَةُ، والمَقْدرَةُ، والمَأْكلَةُ، والمَأْلكَةُ، والمَشْهدَةُ، والمَبْطخَةُ، والمَثْقأَةُ، والمَقْنأَةُ والمَقْمأَةُ، والمَزْبلَةُ، والمَأْثرةُ، والمَخْرأَةُ، والمَمْلكَةُ، والمَأْربَةُ، والمَسْربَةُ، والمَشْربةُ، والمَقْبرَةُ، والمَخْبرَةُ، والمَقْربَةُ، والمَصْنعَةُ، والمَخْبزَةُ، والمَمْدرَةُ، والمَدْبغَةُ.

وقد تُشَدَّدُ الرّاءُ في شعرٍ ضرورةً.

وبائِعُه الحِبْرِيُّ لا الحَبّار، قاله الصّاغانيُّ، وقد حكاه بعضُهُم. قال آخَرُون: القِياسُ فيه كافٍ. وقد صَرَّحَ كثيرٌ من الصَّرْفِيِّين بأَن فَعّالا كما يكونُ للمبالغة يكونُ للنَّسَب، والدَّلالة على الحِرَفِ والصَّنائِعِ، كالنَّجّار والبَزّاز، قاله شيخُنَا.

والحِبْرُ: العالِمُ، ذِمِّيًّا كان، أَو مُسْلِمًا بعد أَن يكونَ مِن أَهل الكِتَابِ. وقيل: هو للعالِم بِتَحْبِير الكلامِ، قاله أَبو عُبَيْدٍ، قال الشَّمّاخ:

كما خَطَّ عِبْرَانِيَّةً بِيَمِينِه *** بتَيْماءَ حَبْرٌ ثم عَرَّضَ أَسْطُرَا

رَوَاه الرُّواةُ بالفَتْح لا غير، أَو الصّالِحُ، ويُفْتَحُ فيهما؛ أَي في معنى العالِم والصّالحِ، ووَهِمَ شيخُنَا فَرَدَّ ضَمِيرَ التَّثْنِيَةِ إلى المِدَاد والعالِم. وأَقامَ عليه النَّكِيرَ بجَلْبِ النُّقُولِ عن شُرّاح الفَصِيح، بإنكارهم الفتحَ في المِدَاد. وعن ابن سِيدَه في المُخَصص ـ نَقْلًا عن العَيْن ـ مثْلُ ذلك، وهو ظاهرٌ لمَن تَأَمَّلَ. وقال الأَزْهَرِيُّ: وسَأَلَ عبدُ الله بنُ سَلام كَعْبًا عن الحِبْرِ فقال: هو الرجُلُ الصّالحُ. الجمع: أَحْبارٌ وحُبُورٌ.

قال كَعْبُ بنُ مالك:

لقَد جُزِيَتْ بغَدْرَتِهَا الحُبُورُ *** كذاك الدَّهْرُ ذو صَرْفٍ يَدُورُ

قال أَبو عُبَيْد: وأَمّا الأَحْبَارُ والرُّهْبَانُ فإِنَّ الفُقَهاءَ قد اختلفوا فيهم، فبعضُهم يقولُ: حَبْرٌ، وبعضُهُم يقول: حِبْرٌ، وقال الفَرّاءُ: إِنما هو حِبْرٌ ـ بالكسر ـ وهو أَفصحُ؛ لأَنه يُجْمَعُ على أَفعالٍ، دُونَ فَعْلٍ؛ ويُقَال ذلك للعالِم. وقال الأَصمعيُّ لا أَدْرِي أَهو الحِبْرُ أَو الحَبْرُ للرَّجلِ العالمِ. قال أَبو عُبَيْد: والذي عندي أَنه الحَبْرُ ـ بالفتح ـ ومعناه العالِمُ بتَحْبِيرِ الكلامِ والعِلْمِ وتَحْسِينه، قال: وهكذا يَرْوِيه المُحَدِّثُون كلُّهم بالفتح، وكان أَبو الهَيْثَمِ يقول: واحِدُ الأَحْبَارِ حَبْرٌ لا غيرُ، ويُنْكِرُ الحِبْرَ. وقال ابن الأَعرابيّ: حِبْرٌ وحَبْرٌ للعالم، ومثلُه بِزْرٌ وبَزْرٌ، وسِجْفٌ وسَجْفٌ. وقال ابن دُرُسْتَوَيْهِ: وجَمْعُ الحِبْرِ أَحبارٌ، سواءٌ كان بمعنى العالِم أَو بمعنى المِدَاد.

والحِبْرُ: الأَثَرُ من الضَّرْبَة إِذا لم يَدم ـ ويُفْتَحُ ـ كالحَبَارِ ـ كسَحَابٍ ـ وحَبَرٍ، محرَّكةً. والجمع أَحبارٌ وحُبُورٌ.

وسيأْتي في كلام المصنّف ذِكْرُ الحَبَارِ والحَبْرِ مفرَّقًا، ولو جَمَعَهَا في مَحَلٍّ واحدٍ كان أَحسنَ، وأَنشدَ الأَزهريُّ لمُصَبِّحِ بنِ مَنْظُورٍ الأَسَدِيِّ، وكان قد حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِ امرأَتِه فرَفَعَتْه إِلى الوالِي، فجَلَدَه واعتَقَلَه، وكان له حِمَارٌ وجُبَّةٌ فدَفَعَهُما للوالِي، فسَرَّحه:

لقَد أَشْمَتَتْ بي أَهْلَ فَيْدٍ وغادَرَتْ *** بجِسْمِيَ حِبْرًا بِنْتُ مَصّانَ بَادِيَا

وما فَعَلَتْ بي ذاك حتّى تَرَكْتُهَا *** تُقَلِّبُ رَأْسًا مثْلَ جُمْعِيَ عارِيَا

وأَفْلَتَنِي منها حِمَارِي وجُبَّتي *** جَزَى الله خَيرًا جُبَّتِي وحِمَارِيَا

والحِبْرُ: أَثَرُ النِّعْمَةِ.

والحِبْرُ: الحُسْنُ والبَهَاءُ. وفي الحديث: «يَخْرُجُ رجلٌ مِن أَهل النّارِ قد ذَهَبَ حِبْرُه وسِبْرُه»؛ أَي لونُه وهَيْئتُه، وقيل: هيئتُه وسَحْنَاؤُه؛ مِن قولُهم: جاءَتِ الإِبلُ حَسَنَةَ الأَحْبَارِ والأَسبارِ. ويقال: فلانٌ حَسَنُ الحَبْرِ والسَّبْرِ، إِذا كان جَميلًا حَسَنَ الهيئةِ، قال ابن أَحمرَ، وذَكَرَ زمانًا:

لَبِسْنَا حِبْرَه حتى اقْتُضِينَا *** لأَعْمَالٍ وآجالٍ قُضِينَا

أَي لَبِسْنَا جمالَه وهيئتَه، ويُفْتَحُ. قال أَبو عُبَيْدَةَ: وهو عندي بالحَبْرِ أَشْبَهُ؛ لأَنه مصدرُ حَبَرْتُه حَبْرًا، إِذا حَسَّنْته، والأَولُ اسمٌ. وقال ابن الأَعرابيِّ. رجلٌ حَسَنُ الحِبْرِ والسِّبْرِ؛ أَي حَسَنُ البَشَرَةِ.

والحِبْرُ: الوَشْيُ، عن ابن الأَعرابيّ:

والحِبْرُ: صُفْرَةٌ تَشُوبُ بَيَاضَ الأَسنانِ كالحَبْرِ، بالفتح، والحَبْرَةِ، بزيادة الهاءِ، والحُبْرَةِ، بالضمِّ، والحِبِرِ والحِبِرَةِ، بكسرتين فيهما. قال الشاعر:

تَجْلُو بأَخْضرَ مِن نَعْمَانَ ذا أُشُرِ *** كعَارِضِ البَرْقِ لم يَسْتَشْرِبِ الحِبِرَا

وقال شَمِرٌ: أَوّلُه الحَبْرُ، وهي صُفْرَةٌ، فإِذا اخْضَرَّ فهو القَلَحُ، فإِذا أَلَحَّ علَى اللِّثَةِ حتَّى تَظْهَرَ الأَسْنَاخُ فهو الحَفَرُ والحَفْرُ، وفي الصّحاح: الحِبِرَةُ، بكسر الحاءِ والباءِ: القَلَحُ في الأَسْنَانِ. والجمعُ بطَرْحِ الهاءِ في القِياس.

وقد حَبِرَتْ أَسنانُه ـ كفَرِحَ تَحْبَرُ حَبَرًا ـ أَي قَلِحَتْ.

الجمع: أَي جمع الحبْر ـ بمعنى الأَثَرِ، والنِّعْمَةِ، والوَشْيِ، والصُّفْرَةِ ـ حُبُورٌ. وفي الأَول والثاني أَحبارٌ أَيضًا.

والحِبْرُ: الْمِثْلُ والنَّظِيرُ.

والحَبْرُ، بالفَتْح: السُّرُورُ، كالحُبُورِ وَزْنًا ومعنًى، والحَبْرَةِ، بفتحٍ فسكونٍ، والحَبَرَةِ، محرَّكةً، والحَبَرِ أَيضًا، وقد جاءَ في قول العجَّاج:

الحمدُ لله الذي أَعْطَى الحَبَرْ

وهكذا ضبطُوه بالتَّحْرِيك، وفَسَّرُوه: بالسُّرُور.

وأَحْبرَه الأَمرُ، وحَبَرَه: سَرَّه.

والحَبْرُ: النَّعْمَةُ، كالحَبْرَةِ وفي الكتاب العزيز: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أَي يُسرُّون. وقال اللَّيْث: أَي يُنَعَّمُونَ ويُكْرَمُون. وقال الأَزهَرِيُّ: الحَبْرَةُ في اللُّغَة: النَّعْمَةُ التّامَّةُ. وفي الحديث في ذِكْر أَهل الجَنَّة: «فَرَأَى ما فيها مِن الحَبْرَةِ والسُّرُور». قال ابن الأَثير: الحَبْرَةُ، بالفتح: النَّعْمَةُ وسَعَةُ العَيشِ، وكذلك الحُبُورُ. ومن سَجَعات الأَساسِ: وكلُّ حبْرَة بعدهَا عَبْرَة.

والحَبَرُ، بالتَّحْرِيك: الأَثَرُ من الضَّرْبَةِ إِذا لم يَدم، أَو العَملُ.

كالحَبَارِ والحِبَارِ، كسَحَابٍ وكِتَابٍ، قال الرّاجِز:

لا تَمْلإِ الدَّلْوَ وعَرِّقْ فيها *** أَلَا تَرَى حبَارَ مَنْ يَسْقِيها

وقال حُمَيْدٌ الأَرْقَطُ:

ولم يُقَلِّبْ أَرضَها البَيْطارُ *** ولا لِحَبْلَيْه بها حبَارُ

والجمعُ حباراتٌ ولا يُكَسّرُ.

وقد حُبِرَ جِلْدُه، بالضَّمّ: ضُرِبَ فَبَقِيَ أَثَرُه ـ أَو أَثَرُ الجُرْحِ ـ بعد البُرْءِ.

وقد أَحْبَرَتِ الضَّرْبَةُ جِلْدَه، وبجِلْدِه: أَثَّرَتْ فيه.

ومن سَجَعات الأَساسِ: وبِجلْدِه حَبَارُ الضَّرْب، وبيَدِه حَبَارُ العَمَلِ، وانظر إِلى حَبَارِ عَملِه، وهو الأَثَرُ.

وحَبَرَتْ يَدُه: بَرئَتْ على عُقْدَةٍ في العَظْم؛ مِن ذلك.

والحَبِرُ، ككَتِفٍ: الناعِمُ الجَدِيدُ، كالحَبِيرِ، وشيْ‌ءٌ حَبِرٌ: ناعمٌ، قال المَرّارُ العَدَوِيُّ:

قد لَبِسْتُ الدَّهْرَ مِن أَفْنَانِه *** كلَّ فَنٍّ ناعِمٍ منه حَبِرْ

وثَوْبٌ حَبِيرٌ: ناعِمٌ جَدِيدٌ، قال الشَّمَّاخ يَصفُ قَوْسًا كريمةً على أَهلها:

إِذا سَقَطَ الأَنْداءُ صِينَتْ وأُشْعِرَتْ *** حَبِيرًا ولم تُدْرَجْ عليها المعَاوِزُ

وكعِنَبَة، أَبو حِبَرةَ شِيحَةُ بنُ عبدِ الله بنِ قَيْسٍ الضُّبَعِيُّ: تابِعِيٌّ مِن أَصْحاب عليٍّ رضيَ اللهُ عنه، روَى عنه أَهلُ البَصرةِ؛ شِبْلُ بنُ عَزرةَ وغيرُه، ذَكَره ابنُ حِبَّانَ.

وحِبَرَةُ بنُ نَجْمٍ: محدِّثٌ، عن عبد الله بنِ وَهْب.

والحِبَرَةُ: ضَرْبٌ مِن بُرُودِ اليَمَنِ مُنَمَّرَةٌ، ويُحَركُ.

الجمع: حِبَرٌ وحِبَرَاتٌ، وحَبَرٌ وحَبَرَاتٌ. قال اللَّيْثُ: يقال: بُرْد حِبَرَة ـ على الوَصف والإِضافة ـ وبُرُود حِبَرَة، قال: وليس حِبَرَةٌ مَوضعًا أَو شيئًا معلومًا، إِنما هو وَشْيٌ، كقولك: ثوبٌ قِرْمِزٌ، والقِرْمِزُ صِبْغُه. وفي الحديث: «مثَلُ الحَوامِيمِ في القرآنِ كمَثَل الحِبَرَاتِ في الثِّيَابِ». وبائِعُها حِبَرِي لا حَبّارٌ، نَقَلَه الصَّاغانيُّ، وفي ما مَرّ أَن فَعّالًا مَقِيس في الصِّناعات، قاله شيخُنا.

والحَبِير، كأَمِيرٍ: السَّحاب، وقيل: الحَبيرُ مِن السَّحاب: المُنمَّر الذي تَرَى فيه كالتَّنْمير؛ مِن كَثْرة مائِه، وقد أَنكره الرِّياشيّ.

والحَبِير: البُرْدُ المُوَشَّى المُخطّطُ، يقال: بُرْد حَبير، على الوصف والإِضافة. وفي حديث أَبي ذَرٍّ: «الحمدُ لله الذي أَطْعَمَنا الخمِير، وأَلْبَسَنا الحَبير». وفي آخَرَ: «أَن النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم لمّا خطَبَ خَديجةَ رضيَ الله عنها، وأَجابته، استأْذنتْ أَباها في أَن تَتزوّجه، وهو ثَمِلٌ فأَذن لها في ذلك، وقال: هو الفَحْلُ لا يُقْرَعُ أَنفُه، فنحَرتْ بَعِيرًا، وخَلَّقتْ أَباها بالعَبِير، وكَسَتْه بُرْدًا أَحمرَ، فلمّا صَحَا من سُكْرِه قال: ما هذا الحَبِيرُ، وهذا العَبِير وهذا العَقيرُ؟».

والحَبِيرُ: الثَّوْبُ الجَدِيدُ النّاعِمُ، وقد تقدّم أَيضًا في قوله؛ فهو تَكرار. الجمع: حُبْرٌ، بضمٍّ فسكونٍ.

والحبِيرُ: أَبو بَطْنٍ، وهم بَنُو عَمْرِو بنِ مالكِ بنِ عبدِ الله بنِ تَيْمِ بنِ أُسَامَة بنِ مالكِ بنِ بكرِ بنِ حُبَيِّبٍ؛ وإِنما قيل لهم ذلك لأَن حَبَرَه بُرْدَانِ، كان يُجَدِّدُ في كلّ سَنة بُرْدَيْنِ، قاله السمْعانِيّ.

والحَبِيرُ: لَقبُ شاعرِ، هو الحَبِيرُ بنُ بَجْعَرةَ الحَبَطِيُّ؛ لتحْسِينه شِعْره وتَحْبِيرِه.

وقولُ الجوهريِّ: الحَبِيرُ: لُغَامُ البَعِيرِ، وتَبِعَه غيرُ واحدٍ من الأَئِمَّةِ، غَلَطٌ، والصّوابُ الخَبِيرُ، بالخاءِ المُعْجَمَةِ، غَلّطَه ابنُ بَرِّيٍّ في الحواشي والقَزّاز في الجامع، وتَبِعَهما المصنِّف. وقال ابن سِيدَه: والخاءُ أَعْلَى. وقال الأَزهريُّ عن الليْث: الحَبِيرُ مِن زَبَدِ اللُّغَام، إِذا صار على رأْس البَعِير، ثمّ قال الأَزهريُّ: صحّفَ الليْث هذا الحَرْفَ، قال: وصوابُهُ بالخَاءِ، لزَبَدِ أَفواهِ الإِبلِ، وقال: هكذا قال أَبو عُبَيْدٍ والرِّيَاشِيُّ.

ومطَرِّفُ بنُ أَبي الحُبَيْرِ، كزُبَيْرٍ نَقلَه الصّاغانيُّ، ويَحْيى بنُ المُظَفَّرِ بنِ عليِّ بنِ نُعَيْم السَّلاميُّ، المعروف با بنِ الحُبَيْرِ، متأَخِّر، مات سنةَ 639، محدِّثانِ.

قلْتُ: وأَخوه وأَبو الحَسَن عليُّ بن المظفَّر بنِ الحُبَيْرِ السّلاميُّ التاجرُ، عن أَبي البَطِّيِّ، توفِّي سنة 626، ذَكَرَه المُنْذِريُّ.

والحُبْرَة، بالضمّ: عُقْدَةٌ مِن الشَّجَر، وهي كالسِّلْعَةِ تَخرجُ فيه تُقْطَعُ قطعًا، ويُخْرَطُ منها الآنِيَةُ، مُوَشّاةً كأَحْسَنِ الخَلَنْجِ، أَنشدَ أَبو حنيفةَ.

والبَلْطُ يَبْرِي حُبَرَ الفَرْفارِ

والحَبْرَةُ، بالفتح: السَّمَاعُ في الجَنَّة، وبه فَسَّرَ الزَّجّاجُ الآيةَ، وقال أَيضًا: الحَبْرَةُ في اللغة: كُلُّ نَغْمَةٍ حَسَنَةٍ مُحَسَّنَة.

والحَبْرَةُ: المبالغةُ فيما وُصِفَ بجَمِيلٍ.

ومعنَى يُحْبَرُونَ؛ أَي يُكْرَمُون إِكرامًا يُبَالَغُ فيه.

والحُبَارَى، بالضمّ: طائرٌ طَوِيلُ العُنُقِ، رَمَادِيُّ اللَّوْنِ، على شَكْل الإِوَزَّةِ، في مِنْقارِه طُولٌ، ومن شَأْنِهَا أَن تُصَادَ ولا تَصِيدَ. يقالُ للذَّكَرِ والأُنثَى والواحِدِ والجَمْعِ، وأَلفُه للتأْنِيث، وغَلِطَ الجَوْهَرِيُّ، ونَصُّه في كتابه: وأَلِفُه ليستْ للتأْنيث ولا للإِلْحاقِ، وإِنما بُنِيَ الاسمُ لها فصارتْ كأَنها مِن نفس الكلمةِ، ولا تَنْصَرفُ في معرفةٍ ولا نَكِرَةٍ؛ أَي لا تُنَوَّنُ، انتَهَى. وهذا غريبٌ، إِذْ لو لم تكُنِ الأَلفُ له ـ أَي للتأْنيث ـ لانْصَرَفَتْ، وقد قال إِنها لا تَنصرفُ. قال شيخُنَا: ودَعْوَاه أَنها صارتْ مِن الكلمة، مِن غَرائبِ التَّعبيرِ، والجوابُ عنه عَسِيرٌ، فلا يحتاجُ إِلى تَعَسُّفٍ.

كَفَى المَرْءَ نُبْلًا أَن تُعَدَّ مَعَايِبُهْ

الجمع: حُبَارَيَاتٌ، وأَنشدَ بعضُ البَغْدَادِيِّين في صِفة صَقْر:

حَتْف الحُبَارَياتِ والكَراوِين

قال سِيبَوَيْه: ولم يُكَسَّر على حَبَارِيّ ولا عَلى حَبَائِرَ، ليُفَرِّقُوا بينها وبين فَعْلَاءَ وفَعَالَةٍ وأَخَواتها.

والحُبْرُورُ، بالضمّ، والحِبْرِيرُ، بالكسر، والحَبَرْبَرُ، بفتحتين، والحُبُرْبُورُ، بضمّتين، واليَحْبُورُ، يفْعُول، والحُبُّورَ، بضمّ اوَّلِه مع التشدِيد؛ فَرْخُه؛ أَي وَلَدُ الحُبَارَى. الجمع: حَبارِيرُ وحَبابِيرُ. قال أَبو بُرْدَةَ:

بازٌ جَرِي‌ءٌ على الخِزّانِ مُقْتَدِرٌ *** ومن حَبَابِيرِ ذي مَاوَانَ يَرْتَزِقُ

وقال زُهَيْرٌ:

تَحِنُّ إِلى مِثْلِ الحَبابِيرِ جُثَّمًا *** لَدَى سَكَنٍ مِن قَيْضِها المُتَفَلِّقِ

قال الأَزهريُّ: والحُبَارَى لا يَشربُ الماءَ، ويَبِيضُ في الرِّمال النّائِيَةِ، قال: وكُنَّا إِذا ظَعَنّا نَسِيرُ في حِبَال الدَّهْنَاءِ، فرُبَّمَا التَقَطْنَا في يومٍ واحدٍ مِن بَيْضِهَا ما بين الأَربعة إِلى الثَّمَانية، وهي تَبِيضُ أَربعَ بَيْضَاتٍ، ويَضْرِبُ لونُهَا إِلى الزُّرْقَة، وطَعْمُهَا أَلَذُّ مِن طَعْم بَيْضِ الدَّجَاج وبَيْضِ النَّعَامِ.

وفي حديث أَنَس: «إِن الحُبَارَى لتَمُوتُ هُزَالا بذَنْب بَنِي آدَمَ» يَعْنِي أَن الله يَحْبِسُ عنها القَطْرَ بشُؤْمِ ذُنُوبِهِم؛ وإِنما خَصَّها بالذِّكْر لأَنها أَبْعَدُ الطَّيْرِ نُجْعَةً، فرُبَّمَا تُذبَحُ بالبَصْرَة، فتُوجَدُ في حَوْصَلَتِها الحِبّةُ الخَضْراءُ، وبين البصرةِ ومَنَابِتِهَا مَسِيرَةُ أَيامٍ كثيرة.

وللعَرَب فيها أَمثالٌ جَمَّةٌ، منها قولُهم: «أَذْرَقُ مِن الحُبارَى»، و«أَسْلَحُ مِن حُبَارَى»؛ لأَنها تَرْمِي الصَّقْرَ بسَلْحِهَا إِذا أَراغَهَا ليَصِيدَهَا، فتُلَوِّث رِيشَه بلَثَق سَلْحِهَا، ويقال إِن ذلك يَشتدُّ على الصَّقْر؛ لمَنْعِه إِيّاه من الطَّيَرَان.

ونَقَلَ المَيْدَانِيُّ عن الجاحظِ أَن لها خِزَانَةً في دُبُرِهَا وأَمعائها، ولها أَبدًا فيها سَلْحٌ رَقيقٌ، فمتَى أَلَحَّ عليها الصقْرُ سَلَحَتْ عليه، فيَنْتَتِفُ رِيشُه كلُّه فيَهْلِكُ، فمِن حِكْمَة الله تعالَى بها أن جَعَلَ سِلَاحَها سَلْحَها، وأَنشدوا:

وهم تَرَكُوه أَسْلَحَ مِن حُبارَى *** رَأَى صَقْرًا وأَشْرَدَ مِن نَعَامِ

ومنها قولُهم: «أَمْوَقُ من الحُبَارَى قبل نَبَاتِ جَنَاحَيْه»، فتَطِيرُ مُعَارِضَةً لفَرْخِها، ليتَعَلَّمَ منها الطَّيَرانَ.

ومنها: كلُّ شيْ‌ءٍ يُحِبُّ وَلَدَه.

حتى الحُبَارَى وتَذِفُّ عَنَدَه.

أَي تَطِيرُ عَنَدَه؛ أَي تُعَارِضُه بالطَّيَرَان ولا طَيَرَانَ لهُ؛ لضَعْف خَوَافِيه وقَوَائِمِه، ووَرَدَ ذلك في حديثِ عُثْمَانَ رضيَ الله عنه.

ومنها: «فلانٌ مَيِّتٌ كَمَدَ الحُبَارَى»؛ وذلك أَنَّهَا تَحْسِرُ مع الطَّيْرِ أَيامَ التَحْسِيرِ، وذلك أَن تُلْقِيَ الرِّيشَ، ثم يُبْطِئ نَباتُ رِيِشها، فإِذا طار سائِرُ الطَّيْرِ عَجَزَتْ عن الطيَران فتموت كَمَدًا، ومنه قولُ أَبي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ:

يَزِيدٌ مَيِّتٌ كَمَدَ الحُبَارى *** إِذَا طَعَنَتْ أُمَيَّةُ أَو يُلمُّ

أَي يَموتُ أَو يَقرُب من المَوت.

ومنها: «الحُبَارَى خَالةُ الكَرَوَانِ» يُضْرَبُ في التَّنَاسُب، وأَنْشَدُوا:

شَهِدْتُ بأَنّ الخُبْزَ باللَّحْمِ طَيِّبٌ *** وأَنّ الحُبَارَى خالَةُ الكَروانَ

وقالُوا: «أَطْيبُ مِن الحُبَارَى»، و«أَحْرَصُ مِن الحُبَارَى»، و«أَخْصَرُ مِن إِبْهامِ الحُبَارَى»، وغيرُ ذلك ممّا أَوردَها أَهلُ الأَمثالِ.

واليَحْبُورُ بفتحِ التحتَّيةِ وسكونِ الحاءِ: طائرٌ آخَرُ، أَو هو ذَكَرُ الحُبَارَى، قال:

كأَنَّكُمُ رِيشُ يَحْبُورَةٍ *** قَلِيلُ الغَناءِ عن المُرْتَمِي

أَو فَرْخُه، كما ذَكَرَه المصنِّف، وسَبَقَ.

وحِبْرٌ، بالكسر: بلد ويقالُ هو بتشديدِ الرّاءِ، كما يأْتي.

وحِبْرِيرٌ، كقِنْدِيلٍ: جَبَلٌ معروفٌ بالبَحْرَيْنِ لعَبْدِ القَيْس، بِتُؤَامَ، يَشْتَرِكُ فيه الأَزْدُ وبنو حنيفةَ.

والمَحُبَّرُ، كمُعَظَّمٍ؛ فَرَسُ ضِرارِ بنِ الأَزْوَرِ الأَسديِّ، قاتلِ مالِكِ بنِ نُوَيْرَةَ أَخِي مُتَمِّمٍ، القائلِ فيه يَرثِيه:

وكُنّا كنَدْمانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً *** مِن الدَّهْرِ حتى قِيلَ لن يَتَصَدَّعَا

فلمّا تَفَرَّقنا كأَنِّي ومالكًا *** لطُولِ افتراقٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا

قال شيخُنَا: والمشهورُ في كُتُب السِّيَرِ أَن الذي قَتَلَه خالدُ بنُ الوَلِيد، ومثلُه في شَرْح مَقْصُورةِ ابنِ دُرَيْدٍ لابن هِشامٍ اللَّخْمِيِّ.

والمُحَبَّرُ: مَن أَكَلَ البَرَاغِيتُ جِلْدَه، فبَقِيَ فيه حَبَرٌ؛ أَي آثارٌ. وعبارة التَّهْذِيب: رجلٌ مُحَبَّرٌ، إِذا أَكَلَ البَرَاغِيثُ جِلْدَه، فصارَ لَه آثارٌ في جِلْدَه.

ويقال: به حُبُورٌ؛ أَي آثارٌ.

وقد أَحْبَرَ به؛ أَي تَرَكَ به أَثَرًا.

والمُحَبَّرُ: قِدْحٌ أُجِيدَ بَرْيُه.

وقد حَبَّرَه تَحْبِيرًا: أَجادَ بَرْيَه وحَسَّنَه.

وكذلك سَهْمٌ مُحَبَّرٌ، إِذا كان حَسَنَ البَرْيِ.

والمُحَبِّرُ، بكسر الباءِ لَقَبُ رَبيعةَ بنِ سُفْيَانَ، الشَّاعرِ الفارِسِ لتَحْبِيرِه شِعْرَه وتَزْيِينه، كأَنه حُبِّرَ. وكذلك لَقَبُ طُفَيْل بنِ عَوْفٍ الغَنَوِيِّ، الشَّاعرِ، في الجاهِليَّة، بَدِيع القَولِ.

وحِبِرَّى، كزِمِكَّى: وادٍ.

ونارُ إِحْبِيرٍ، كإِكْسِيرٍ: نارُ الحُبَاحِبِ، وذَكَرَه صاحبُ اللِّسَان في الجمع: ب ر، وقد تَقَدَّمت الإِشارة إِليه.

وحُبْرانُ، بالضمّ: أَبو قبيلةٍ باليَمن وهو حُبْرَانُ بنُ عَمْرِو بنِ قَيْسِ بنِ مُعاوِيَةَ بنِ جُشَمَ بنِ عبدِ شَمْسٍ، منهم: أَبو راشِدٍ، واسمُه أَخْضَرُ، تابِعِيٌّ، عِدَادُه في أَهل الشّام، رَوَى عنه أَهلُها، مشهورٌ بكُنْيَتِه.

وطائفةٌ، منهم: أَبو سعيدٍ عبدُ الله بنُ بِشْرٍ الحُبْرانِيُّ السَّكْسَكيُّ، عِدَادُه في الشّامِيّين، وهو تابِعِيٌّ صغيرٌ، سَكَنَ البَصْرَةَ.

وأَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ عليٍّ الحُبْرَانِيُّ، عن محمّدَ بن إِبراهيمَ بنِ جعفرٍ الجُرْجانِيِّ.

وأَحمدُ بنُ عليٍّ الحُبْرَانِيُّ، عن عبدِ الله بنِ أَحمدَ بن خَوْلَةَ.

ومحمودُ بنُ أَحمدَ أَبو الخَيْرِ الحُبْرَانِيُّ، عن رِزْقِ الله التَّمِيمِيِّ، وعنه ابنُ عَساكِرَ.

وعَمْرُو بنُ عبدِ الله بنِ أَحمَدَ الحُبْرَانِيُّ التَّمِيمِيُّ، عن أَبي بِشْرٍ المَرْوَزِيِّ، وعنه ابنُ مرْدَوية في تاريخِه، وقال: مات سنة 377.

ويُحَابِرُ ـ كيُقَاتِلُ: مُضَارِع قاتلَ ـ بنُ مالكِ بنِ أُدَدَ أَبو مُرَادٍ القبيلةِ المشهورةِ، ثم سُمِّيَتِ القبيلَةُ يُحَابِر، قال الشاعر:

وقد أَمَّنَتْنِي بعدَ ذاك يُحَابِرٌ *** بما كنتُ أُغْشِي المُنْدِياتِ يُحَابرَا

ويقال: ما أَصَبْتُ منه حَبَنْبَرًا ـ كذا في النُّسخ بمُوحَّدَتَيْن، وفي التَّكْمِلَة: حَبَنْتَرًا، بموحَّدةٍ فنونٍ فمُثَنّاةٍ ـ ولا حَبَرْبَرًا، كلاهما كسَفَرْجَل؛ أَي شيئًا. لا يُستَعمل إِلا في النَّفْي. التَّمْثِيلُ لسِيبَوَيْهِ، والتَّفْسِيرُ للسِّيرافِيِّ، ومثلُه قولُ الأَصمعيِّ. وكذلك قولُهم: ما أَغْنَى عَنِّي حَبَرْبَرًا؛ أَي شَيئًا.

وحَكَى سِيبَوَيْهِ: ما أَصابَ منه حَبَرْبَرًا، ولا تَبَرْبَرًا، ولا حَوَرْوَرًا؛ أَي ما أَصاب منه شيئًا.

ويقال: ما في الَّذِي يُحَدِّثُنا به حَبَرْبَرٌ؛ أَي شيْ‌ءٌ.

وقال أَبو سعيدٍ: يقال: ماله حَبَرْبَرٌ ولا حَوَرْوَرٌ.

وقال أَبو عَمْرٍو: ما فيه حَبَرْبَرٌ ولا حَبَنْبَرٌ؛ وهو أَن يُخْبِرَكَ بشيْ‌ءٍ، فتقول: ما فيه حَبَنْبَرٌ ولا حَبَرْبَرٌ.

ويقال: ما على رَأْسِه حَبَرْبَرَةٌ؛ أَي ما على رَأْسِه شَعرَةٌ.

وحِبِرٌّ، كفِلِزٍّ؛ موضع معروفٌ بالبَادِيَة، وأَنشدَ شَمِرٌ عَجُزَ بيت:

... فقَفَا حِبِرٍّ

وأَبو حِبْرانَ الحِمَّانِيّ ـ بالكسرِ ـ موصوفٌ بالجَمال وحُسْنِ الهَيْئَةِ، ذَكَره المَدائنيُّ، ويُوجَدُ هنا في بعض النُّسَخ زيادةٌ:

وأَبو حِبَرَةَ ـ كَعِنَبَةٍ ـ شِيحَةُ بنُ عبدِ الله، تابِعِيٌّ. وهو تكرارٌ مع ما قبله.

وأَرْضٌ مِحْبارٌ: سريعةُ النَّبَاتِ حَسَنَتُه، كثيرةُ الكَلإِ، قال:

لنَا جِبَالٌ وحِمًى مِحيَارُ *** وطُرُقٌ يُبْنَى بها المَنَارُ

وقال ابن شُمَيْلٍ: الْمِحْبَارُ: الأَرضُ السَّرِيعةُ النَّبَاتِ، السَّهْلَةُ، الدَّفِئَةُ، التي ببُطُونِ الأَرضِ وَسرارتِها، وجمعُه مَحَابِيرُ.

وقد حَبِرَتِ الأَرضُ، كفَرِحَ: كَثُرَ نَبَاتُها، كأَحْبَرَتْ، بالضمّ. وحَبِرَ الجُرْحُ حَبَرًا: نُكِسَ، وَغَفِرَ، أَو بَرَأَ وبَقِيَتْ له آثَارٌ بَعْدُ.

والحَابُورُ: مَجْلسُ الفُسّاق، وهو مِن حَبَرَه الأَمرُ: سَرَّه، كذا في اللِّسَان.

وحُبْرُ حُبْرُ، بضمٍّ فسكونٍ فيهما: دُعَاءُ الشّاةِ للحَلْب، نقلَه الصَّاغانيُّ.

وتَحْبِيرُ الخَطِّ والشِّعْر وغيرهما كالمَنْطق والكلام: تَحْسِينُه وتَبْيينُه، وأَنشد الفَرّاءُ فيما رَوَى سَلَمَةُ عنه:

كتَحْبِيرِ الكتابِ بخَطِّ ـ يَومًا ـ *** يَهُوديٍّ يُقَارِبُ أَو يَزِيل

قيل: ومنه سُمِّيَ كَعْبُ الحِبْرِ؛ لتَحْسِينِه، قالَه ابنُ سِيدَه، ومنه أَيضًا سُمِّيَ المِدادُ حِبْرًا لتَحْسِينه الخَطَّ وتَبْيِينِه إِيّاه، نقَلَه الهَرَوِيُّ، وقد تَقَدَّم. وكُلُّ ما حَسُنَ مِن خَطٍّ أَو كلام أَو شعرٍ فقدْ حُبِرَ حَبْرًا وحُبِّرَ. وفي حديث أَبي موسى: «لو عَلِمْتُ أَنك تَسْمَعُ لقِراءَتِي لحَبَّرْتُها لكَ تَحْبِيرًا»؛ يُرِيدُ تَحْسِينَ الصَّوْتِ.

وحِبْرَةُ، بالكسر فالسكونِ: أُطُمٌ بالمدينةِ المشرَّفةِ، صلَّى الله على ساكِنها، وهي لليهودِ في دار صالح بنِ جعفر.

وحِبْرَةُ بنتُ أَبي ضَيْغَمٍ الشَّاعرةُ: تابِعِيَّةٌ، وقد ذَكَرَهَا المصنِّف أَيضًا في الجمع: ب ر، وقال إِنها شاعِرَةٌ تابِعِيَّة.

واللَّيْثُ بنُ حَبْرَوَيْهِ البُخَارِيُّ الفَرّاءُ، كحَمْدَوَيْهِ: محدِّثٌ، كُنْيَتُه أَبو نَصْر، عن يَحْيَى بنِ جعفرٍ البِكَنْدِيِّ، وطَبَقَتِه، مات سنة 286.

وسُورةُ الأَحْبَارِ: سورةُ المائدةِ، لقولِه تعالَى فيها: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ} وفي شِعْر جَرِير:

إِنّ البَعِيثَ وعَبْدَ آلِ مُقَاعِسٍ *** لَا يَقْرآنِ بسُورةِ الأَحْبَارِ

أَي لا يَفِيانِ بالعُهُود؛ يَعْنِي قولَه [تعالى]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.

وعن أَبي عَمْرو: الحَبَرْبَرُ: والحَبْحَبِيُّ: الجَمَلُ الصَّغِيرُ.

وفي التهذِيب في الخُماسِيِّ: الحَبَرْبَرَةُ، بهاءٍ: المرأَةُ القَمِيئَةُ المُنافِرَةُ، وقال: هذه ثُلاثِيَّةُ الأَصل أُلْحِقَتْ بالخُماسِيِّ، لتَكْرِيرِ بعضِ حُرُوفِهَا.

وأَحمدُ بنُ حَبْرُونَ، بالفتح: شاعرٌ أَنْدَلُسِيٌّ، كَتَبَ عنه ابنُ حَزْمٍ.

وشاةٌ مُحَبَّرَةٌ: في عَيْنَيْها تَحْبِيرٌ مِن سَوادٍ وَبياضٍ، نقلَه الصَّاغانيّ.

وحَبْرَى كسَكْرَى، وحَبْرُونُ كَزيْتُون اسمُ مدينةِ سيِّدنا إِبراهِيمَ الخَلِيل، صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم بالقُرْب من بيت المَقْدِس، وقد دَخلتُهَا، وبها غارٌ يقال له: غارُ حَبْرُونَ، فيه قَبْرُ إِبراهيمَ، وإِسحاقَ، ويعْقُوبَ، عليهم‌السلام، وقد غَلَبَ على اسْمِها الخَلِيلُ، فلا تُعْرَفُ إِلّا به، وقد ذَكَرَ اللُّغَتَيْن فيها ياقُوتٌ وصاحبُ المَرَاصِدِ. قال شيخُنَا: والأَوْلَى «وزِيْتُونٍ» فالكافُ زائدةٌ، ومثلُه يَذْكُرُه في الخُرُوج مِن معْنًى لغيرِه، وليس كذلك هنا. ورُوِيَ عن كَعْبٍ أَن البناءَ الذي بها مِن بناءٍ سُلَيْمَانَ بنِ داوودَ عليهما‌السلام.

قلتُ: وقرأْتُ في كتاب المَقْصُور لأَبي عليٍّ القالِي في باب ما جاءَ من المَقْصُور على مثال فِعْلَى بالكسر، وفيه: وحِبْرَى وعيْنُون: القَرْيَتَان اللَّتَانِ أَقْطَعَهما النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم تَمِيمًا الدّارِيِّ وأَهلَ بيتِه.

وكَعْبُ الحَبْرِ، بالفتح ويُكْسَرُ، ولا تَقُل: الأَحبارُ: معروف أَي معروفٌ، وهو كَعْبُ بنُ ماتِعٍ الحِمْيَرِيُّ، كُنْيَتُه أَبو إِسحاقَ: تابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ، أَدْرَكَ النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، وما رآه. مُتَّفَقٌ على عِلْمِه وتَوْثِيقِهِ، سَمِعَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ والعَبَادِلَةَ الأَرْبَعَةَ، وسَكَنَ الشَّأْمَ، وتُوُفِّيَ سَنَة 32 في خِلافة سيِّدِنا عُثْمَانَ، رضيَ الله عنه. وقد جاوَزَ المِائَةَ. خَرَّجَ له السِّتَّةُ إِلّا البُخَارِيَّ. ونُقِلَ عن ابن دُرُسْتَوَيْهِ أَنه قال: رَوَوْا أَنه يقال: كَعْب الحِبْر ـ بالكسر ـ فمَن جَعَلَه وَصْفًا له نَوَّنَ كَعْبًا، ومَن جَعَلَه المِدادَ لم ينَوِّن وأَضافَه إِلى الحِبْر. وفي شَرْح نَظْمِ الفَصِيح: الظاهرُ أَنه يقال: كَعْبُ الأَحْبَارِ؛ إِذْ لا مانعَ منه، والإِضافةُ تَقعُ بأَدْنَى سَبَبٍ، والسبب هنا قَوِيٌّ؛ سواءٌ جَعَلْنَاه جَمْعًا لِحَبْرٍ، بمعنى عالِمٍ، أَو بمعنَى المِدَاد. وقال النَّوَويّ في شَرْح مُسْلِم: كَعْبُ بنُ ماتِعٍ، بالميم والمُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ بعدَهَا عَيْنٌ. والأَحْبارُ: العُلماءُ، واحدُهم حَبْرٌ، بفتح الحاءِ وكسرها، لُغَتَان؛ أَي كَعْبُ العُلماءِ. كذا قالَه ابنُ قُتَيْبَةَ وغيرُه. وقال أَبو عُبَيْد: سُمِّيَ كَعْب الأَحْبارِ؛ لكَونِه صاحِبَ كُتُبِ الأَحبارِ، جَمع حِبْرٍ، مكسور، وهو ما يُكْتَبُ به. وكان كَعْبٌ مِن علماءِ أَهلِ الكتابِ، ثم أَسْلَمَ في زَمَنِ أَبي بكْرٍ أَو عُمَرَ، وتُوُفِّيَ بحِمْصَ سنة 32 في خلافة عثمانَ، وكان مِن فُضَلاءِ التّابِعين، رَوَى عنه جُمْلَةٌ مِن الصَّحَابة. ومثلُه في مَشَارِق عِياضٍ، وتَهْذِيب النَّوَوِيِّ، ومُثَلَّثِ ابنِ السِّيد، ونَقَلَ بعضَ ذلك شيخُ مشايخِنا الزُّرقانيّ في شَرْح المَواهِب. قال شيخُنا. فما قالَه المَجْدُ مِن إِنكاره الأَحبارَ فإِنها دَعْوَى نَفْيٍ غير مَسْمُوعةٍ.

* وممّا يُستدرَك عليه:

كان يُقال لابن عَبّاس: الحَبْرُ والبَحْرُ، لعِلْمِه.

ويقال: رجلٌ حِبْرٌ نِبْرٌ.

وقال أَبو عَمْرٍو: الحِبْرُ من النّاس: الدّاهِيَةُ.

ورجلٌ يَحْبُورٌ ـ يَفْعُولٌ ـ مِن الحُبُورِ.

وقال أَبو عَمْرٍو: اليَحْبُورُ: النَّاعِمُ مِن الرِّجال. وجَمْعُه اليَحابِيرُ.

وحَبَرَه فهو مَحْبُورٌ.

وفي حديث عبدِ الله: «آلُ عِمْرَانَ غِنًى والنِّسَاءُ مَحْبَرَةٌ»؛ أَي مَظِنَّةٌ للحُبُورِ والسُّرُور.

والحَبَارُ: هَيْئَةُ الرَّجلِ. عن اللِّحْيَانِيِّ، حَكَاه عن أَبي صَفْوَانَ، وبه فسّر قوله:

أَلَا تَرَى حَبَارَ مَنْ يَسْقِيها

قال ابن سِيدَه: وقيل: حَبَارُ هنا اسمُ ناقَةٍ، قال: ولا يُعْجِبُنِي.

والمُحَبَّرُ: كمُعَظَّمٍ أَيضًا: فَرَسُ ثابِتِ بنِ أَقْرَمَ، له ذِكْرٌ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ.

والحَنْبريت، صَرَّحَ ابن القَطَّاعِ وغيرُه أَنه فَنْعِليت؛ فموضعُ ذِكْره هنا، وقد ذَكَرَه المصنِّف في التاءِ بناءً على أَنه فَنْعليل، ومَرَّ الكلام هناك، قالَه شيخُنَا.

وبَدَلُ بنُ المُحَبَّرِ ـ كمُعَظَّمٍ ـ من شُيُوخِ البُخَارِيّ.

والمُحَبَّرُ بنُ قَحْذَمٍ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وابنُه داوودُ بنُ المُحَبَّر، مُؤَلِّفُ كتابِ العَقْل.

وأَبَانُ بنُ المُخَبَّر، واهٍ. قال ابن ماكُولا: وليس بين داوودَ وأَبانٍ وبَدَل قَرابَةٌ.

وأَبو عليّ أَحمدُ بنُ محمّدِ بن المحبَّر، شاعرٌ، حدَّث عنه محمّدُ بنُ عبدِ السميعِ الواسِطِيُّ.

ومِن المَجَاز: لبِسَ حَبِيرَ الحُبُور، واسْتوَى على سَرِيرِ السُّرُور.

ومحمّدُ بنُ جامعٍ الحَبّارُ، يَرْوِي عن عبد العزيزِ بنِ عبد الصَّمدِ. وأَبو عبدِ اللهِ محمّدُ بنُ محمّدِ بنِ أَحمدَ الحبّارُ، شيخُ السَّمْعَانِيِّ: مَنْسُوبانِ إِلى بَيْع الحِبْرِ الذي يُكْتبُ به.

وأَبو الحَسَنِ محمّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِ الله بنِ يَعْقُوبَ بنِ إِسماعيل بن عُتْبَة بنِ فَرْقَد السُّلمِيُّ، الوَرّاقُ الحِبْرِيّ، ثِقَةٌ، ذكرَه الخطيبُ في تاريخ بغداد.

وحِبْرانُ، بالكسر: جَبَلٌ، ذكره البَكْرِيٌّ.

وحَبِيرٌ، كأَمِير: مَوضعٌ بالحِجاز. والحِبَرِيُّ ـ إِلى بَيْعِ الحِبَرِ، وهي البُرُود ـ سَيْفُ بنُ أَسْلم الكُوفِيُّ، حدَّث عن الأَعْمَشِ، صالحُ الحديثِ.

والحُسَيْنُ بنُ الحَكمِ الحِبْرِيُّ.

وأَبو بكرٍ محمّدُ بنُ عُثْمَان المُقْرِئُ الحِبَرِيُّ، الأَصْبَهانِيُّ، ترْجَمه الخطيبُ.

والمُحبِّريُّ ـ بكسر الموحَّدةِ ـ محمّدُ بنُ حَبِيب، اللغويُّ، نُسِبَ إِلى كتابٍ أَلَّفه سَمّاه المحبِّرَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


30-تاج العروس (دخدر)

[دخدر]: الدَّخْدَارُ، بالفَتْح: ثَوبٌ أَبيضُ مَصُونٌ، أَو أَسْوَدُ. جاءَ في الشِّعْر القَدِيم، وهو مُعَرَّبُ تَخْتَ دَار، فارسيّة؛ أَي يُمْسِكه التَّخْتُ؛ أَي ذو تَخْتٍ. وقال بعضهم: أَصلُه تختار أَي صِينَ في التَّخْت، والأَوّل أَحْسَن. قال الكُمَيْت يَصِف سَحابًا:

تَجْلُو البَوارِقُ عنه صَفْحَ دَخْدَارِ

وقيل الدَّخْدَار: الذَّهَبُ، لصِيَانَته في التُّخُوت. ومن ذلك قولُهُم: دَخْدَرَ القُرْطَ، إِذا ذَهَّبَه؛ أَي طَلَاه به.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


31-تاج العروس (عوس)

[عوس]: العَوْس: الطَّوَفانُ باللَّيْل، كالعَوَسَانِ، محرّكةً، عاسَ يَعوس عَوْسًا وعَوَسَانًا، والذِّئب يَعُوس: يَطلُب شَيْئًا يَأْكُلُه، وكذلك: يَعْتَسُّ.

والعُوسُ، بالضَّمِّ: ضَرْبٌ من الغَنَم، ويقَال: هو كَبْشٌ عُوسِيٌّ، كذا في الصّحاح، وفي التَّهذيب: العُوسُ: الكِبَاش البِيضُ.

والعَوَس، بالتَحْريك: دُخُولُ الشِّدْقَيْن حتّى يكونَ فيهما كالهَزْمَتَيْن، يكون ذلك عنْدَ الضَّحِك وغيرهِ، قالَه ابنُ درَيْدٍ، وليسَ عندَه: «وغيره». ونَصُّ الأَزهريِّ وابن سيدَه: العَوَس: دخُولُ الخَدَّيْن حتَّى يكونَ فيهما كالهَزْمَتَيْن، وأَكْثَر ما يَكُونُ ذلكَ عند الضّحكِ. والنَّعْتُ أَعْوَسُ، وهي عَوْساءُ، إِذا كانَا كذلك.

وعاسَ علَى عِيَالِه يَعُوس عليهم، إِذا أَكَدَّ عليهم وكَدَحَ، هكذا في النُّسَخ: أَكَدَّ، ربَاعيّا، وصَوَابه كَدَّ، كما في الأُصول المصَحَّحَة من الأُمَّهات.

وقال شَمِرٌ: عاسَ عِيَالَه: قَاتَهُمْ كعَالَهمْ، قال الشّاعر:

خَلَّى يَتَامَى كان يُحْسِنُ عَوْسَهُمْ *** ويَقُوتُهُمْ في كُلِّ عامٍ جاحدِ

وعاسَ مالَه عَوْسًا وعِيَاسَةً، كسَاسَه سِيَاسَةً، إِذا أَحْسَنَ القِيَامَ عليه، ويقَال: إِنه لَسَائسُ مالٍ، وعائسُ مالٍ، بمَعْنًى وَاحدٍ. وقالَ الأَزْهَريُّ في ترجمة «عوس»: عُسْ مَعَاشَكَ وعُكْ مَعَاشَكَ، مَعَاسًا ومَعَاكًا: أَي أَصْلِحْهُ. وعاسَ فُلانٌ مَعَاشَه ورَقَّحَه بمَعْنًى وَاحدٍ.

وعاسَ الذِّئْبُ يَعُوس عَوْسًا: طَلَبَ شَيئًا يأْكُلُه، كاعْتَسَّ.

والعَوَاسَاءُ، كبَرَاكاءَ: الحَامِلُ من الخَنَافِس، حكاه أَبو عُبَيْدٍ عن القَنَانيِّ، قال: وأَنْشَدَ:

بِكْرًا عَوَاسَاءَ تَفَاسَى مُقْرِبَا

أَي دَنا أَنْ تَضَعَ، وأَنْشَدَ غيرُه:

أَقْسَمْتُ لا أَصْطادُ إِلاَّ عُنْظُبَا *** إِلاّ عَوَاسَاءَ تَفَاسَى مُقْرِبَا

ومثْلُه في المَقْصور والمَمدود لأَبي عليٍّ القَاليّ.

والعُوَاسَةُ، بالضّمِّ: الشَّرْبَةُ من اللَّبَن وغيرِه، عن ابن الأَعرابيّ.

وقال اللَّيْثُ: الأَعْوَسُ: الصَّيْقَلُ، قال: والوَصّافُ للشَّيْ‌ءِ أَعْوَسُ وَصَّافٌ، قال جَرير، يَصف السيوفَ:

تَجْلُو السُّيوفَ وغَيْركُمْ يَعْصَى بهَا *** يا ابْنَ القُيُونِ وذاكَ فِعْلُ الأَعْوَسِ

قال الأَزهَريُّ: رابَني ما قَالَه في الأَعْوَس، وتَفسيره، وإِبْدَالُه قافيَةَ هذا البَيْت بغَيرهَا، والرِّوَايَةُ:

وذاكِ فِعْلُ الصَّيْقَلِ

والقَصيدَةُ لجَريرٍ مَعْروفة، قال: وقوله: «الأَعْوَس: الصَّيْقَلُ» ليسَ بصحيحٍ عندي. انتهى.

وهذا الذي ذَكرَه فقد ذَكره ابنُ سِيدَه في المحْكَم.

وقد عاسَ الشْي‌ءَ يَعوسه: وَصَفَه، والعائسُ: الوَاصِفُ.

وقال ابنُ فارسٍ: يقولُون: الأَعْوَس: الصَّيْقَلُ، والوَصَّافُ للشيْ‌ءِ، وقال: كُلُّ ذلكَ ممّا لا يَكَاد القَلْب يَسْكُن إِلى صِحَّته.

* وممَّا يُسْتَدْرَك عليه:

المَعَاسُ إِصلاحُ المَعَاشِ، وفي المَثَل: «لا يَعْدَمُ‌ عائسٌ وَصْلَاتٍ» يُضْرَب للرَّجُل يُرْمِلُ من المال والزَّادِ فيَلْقَى الرَّجُلَ فيَنالُ منه الشَّيْ‌ءَ ثمّ الآخَرَ حتّى يَبْلُغَ أَهْلَه.

وعُوسٌ، بالضَّمِّ: مَوْضعٌ، وهذَا نَقَلَه الصاغانيُّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


32-تاج العروس (عرض)

[عرض]: العَرُوضُ، كصَبُورٍ: مَكَّةٌ والمَدِينَةُ، شَرَّفَهُمَا اللهُ تَعالَى وما حَوْلَهما، كما في الصّحاح، والعُباب، والمُحْكَم، والتَّهْذِيب، مُؤَنَّثُ، كما صَرَّح به ابن سِيدَهْ‌ ورُوِيَ عن مُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيّ الأَنْصَارِيِّ، رَضِيَ الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم خَرَج يَوْمَ عَاشُوراءَ وأَمَرَهُم أَن يُؤْذِنُوا أَهْلَ العَرُوضِ أَنْ يُتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِم».

قيل: أَرادَ مَنْ بأَكْنَافِ مَكَّةَ والمَدِينَةِ. وقَوْله: ما حَوْلهما داخِلٌ فيه اليَمَن، كما صَرَّحَ به غَيْرُ وَاحِد من الأَئِمَّةِ، وبِهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُم: اسْتُعْمِلَ فُلانٌ على الْعَرُوضِ؛ أَي مَكَّةَ والمَدِينَةِ والْيَمَنِ وما حَوْلَهُمْ. وأَنْشَدُوا قَولَ لَبِيدٍ:

وإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ القِتَالُ فإِنَّنَا *** نُقَاتِلُ ما بَيْنَ العَرُوضِ وخَثْعَمَا

أَي ما بَيْنَ مَكَّة واليَمَن.

وعَرَضَ الرَّجُلُ: أَتَاهَا؛ أَي العَرُوضَ. قال عَبْدُ يَغُوثَ بنُ وَقّاصٍ الحارِثيُّ:

فيا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فبَلِّغَنْ *** نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَنْ لَا تَلَاقِيَا

وقال الكُمَيْت:

فأَبْلِغْ يَزِيدَ إِنْ عَرَضْتَ ومُنْذِرًا *** وعَمَّيْهِمَا والمُسْتَسِرَّ المُنَامِسَا

يَعْنِي إنْ مَرَرْتَ به.

وقال ضابِئُ بْنُ الحارِث:

فيا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْت فَبلِّغَنْ *** ثُمَامَةَ عَنِّي والأَمُورُ تَدُورُ

والعَرُوضُ: النَّاقَةُ الَّتِي لم تُرَضْ، ومنه‌ حَدِيثُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه: «وأَضْرِبُ العَرُوضَ وأَزْجُرُ العَجُولَ» ‌وأَنشد ثَعْلَبٌ لحُمَيْدٍ:

فَمَا زَالَ سَوْطِي في قِرَابِي ومِحْجَنِي *** وما زِلْتُ منه في عَرُوضٍ أَذُودُهَا

وقال شَمِرٌ في هذَا البَيْت: أَي في ناحِيَةٍ أَدارِيه وفي اعْتِرَاضٍ.

وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيّ لعَمْرو بنِ أَحْمَر البَاهِليّ:

ورَوْحَةُ دُنْيَا بَيْنَ حَيَّيْنَ رُحْتُهَا *** أُخِبُّ ذَلُولًا أَو عَرُوضًا أَرُوضُها

كذا نَصّ العُبَابِ. ونَصُّ الصّحاح. أُسِير عَسِيرًا أَو عَرُوضًا. وقال: أُسِيرُ؛ أَي أُسَيِّر. قال: ويُقَال مَعْنَاه أَنّه يُنْشِدُ قَصِيدَتَيْن، إِحْدَاهُمَا قد ذَلَّلَها، والأُخْرَى فيها اعْتِرَاضٌ. قال ابنُ بَرِّيّ: والَّذِي فَسَّره هذا التَّفْسِيرَ رَوَى أُخِبُّ ذَلُولًا. قال: وهكَذا رِوَايَتُهُ في شِعْرِه وأَوَّلُه:

أَلا لَيْتَ شِعْري هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً *** صَحِيحَ السُّرَى والعِيسُ تَجْرِي عَرُوضُهَا

بتَيْهَاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كأَنَّهَا *** قَطَا الحَزْنِ قد كانَتْ فِرَاخًا بُيُوضُهَا

ورَوْحَةُ...

قُلتُ: وقَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، الَّذِي سَبَقَ وَصَفَ فيه نَفْسَه وسِيَاسَتَهُ وحُسْنَ النَّظَرِ لِرَعِيَّتِهِ فقال: إِنِّي أَضُمُّ العَتُودَ، وأُلْحِقُ القَطُوفَ، وأَزْجُرُ الْعَرُوضَ.

قَال شَمِر: الْعَرُوضُ: العُرْضِيَّةُ مِنَ الْإِبِلِ الصَّعْبَةُ الرَّأْسِ الذَّلُولُ وَسَطُهَا، التي يُحْمَلُ عَلَيْهَا، ثم تُسَاقُ وَسَطَ الإِبِلِ المُحَمّلَةِ، وإِنْ رَكِبَها رَجُلٌ مَضَتْ به قُدُمًا ولا تَصَرُّفَ لِرَاكِبِهَا، وإِنَّمَا قال: أَزْجُرُ العَرُوضَ لِأَنَّهَا تَكُونُ آخِرَ الإِبلِ.

وقال ابن الأَثِيرُ: العَرُوضُ: هي التي تَأْخذ يَمِينًا وشِمَالًا ولا تَلْزَمُ المَحَجَّةَ. يقُول: أَضْرِبُه حَتّى يَعُودَ إِلى الطَّرِيق، جَعَلَه مَثَلًا لحُسْنِ سِيَاسَتِه للأُمَّة.

وتقول: ناقَةٌ عَرُوضٌ، وفِيها عَرُوضٌ إِذا كانَتْ رَيِّضًا لَمْ تُذَلَّلْ.

وقال ابنُ السِّكّيت: نَاقَةٌ عَرُوضٌ، إِذَا قَبِلَتْ بَعْضَ الرِّياضَةِ ولم تَسْتَحْكِم.

و، من المَجَازِ: العَرُوضُ: مِيزَانُ الشِّعْرِ، كما في الصّحاح، سُمِّيَ به لِأَنَّهُ بِه يَظْهَرُ المُتَّزنُ مِنَ المُنْكَسِر عِنْدَ المُعَارَضَةِ بِهَا. وقوله: بِه هكَذا في النُّسَخ وصَوابُه: بِهَا، لأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ، كما سَيَأْتِي، أَو لأَنَّهَا ناحِيَةً من العُلُوم أَي من عُلُوم الشِّعْر، كما نَقَلَه الصَّاغَانِيّ، أَو لأَنَّهَا صَعْبَةٌ، فهي كالنّاقَة التي لم تُذَلَّل، أَوْ لِأَنَّ الشِّعْرَ يُعْرَض عَلَيْهَا، فما وَافقَهُ كان صَحِيحًا، وما خالَفَهُ كان فَاسِدًا، وهُوَ بعَيْنِه القَوْلُ الأَوَل، ونَصّ الصّحاح: لأَنَّهُ يُعَارِضُ بِهَا. أَو لأَنَّهُ أُلْهِمَهَا الخَليلُ بن أَحْمَد الفَرَاهِيدِيّ بمَكَّةَ، وهي العَرُوض. وهذا الوَجْهُ نَقَلَه بَعْضُ العَرُوضِيِّينَ.

وفي الصّحاح: العَرُوضُ أَيْضًا اسمٌ للجُزْءِ الأَخِيرِ من النِّصْفِ الأَوَّلِ من البَيْت، زاد المُصَنّف: سالِمًا كان أَوْ مُغَيَّرًا. وإِنَّمَا سُمِّيَ به لأَنّ الثَّانِيَ يُبْنَى على الأَوَّلِ، وهو الشَّطْرُ. ومنهم مَنْ يَجْعَلُ العَرُوضَ طَرَائِقَ الشِّعْرِ وعَمُودَه، مِثْل الطَّوِيل. يُقَال: هو عَرُوضٌ وَاحِدٌ، واخْتِلافُ قَوَافِيهِ تُسَمَّى ضُرُوبًا.

وقال أَبُو إِسْحَاقَ. وإِنَّمَا سُمِّيَ وَسَطُ البَيْت عَرُوضًا، لأَنَّ العَرُوضَ وَسَطُ البَيْت من البِنَاء، والبَيْتُ من الشِّعْر مَبْنِيٌّ في اللَّفْظ على بِنَاءِ البَيْتِ المَسْكُونِ لِلْعَرَبِ، فقِوَامُ البَيْتِ مِن الكَلامِ عَرُوضُه، كَمَا أَنّ قِوَامَ البَيْتِ من الخِرَقِ العَارِضَة التي في وسَطِه، فهي أَقْوَى مَا فِى بَيْتِ الخِرَقِ، فلِذلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكونَ العَرُوضُ أَقْوَى من الضَّرْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الضُّرُوبَ النَّقْصُ فيها أَكْثَرُ منه في الأَعَارِيضِ.

وهي مُؤَنَّثَةٌ، كما في الصّحاح، ورُبَّمَا ذُكِّرت، كما فِي اللّسَان، ولا تُجْمَعُ لِأَنَّهَا اسمُ جِنْس، كَمَا فِي الصَّحاح.

وقال في العَرُوضِ، بِمَعْنَى الجُزْءِ الأَخِيرِ إِنَّ ج: أَعَارِيضَ، على غَيْرِ قِيَاسٍ، كَأَنّهُم جَمَعُوا إِعْرِيضًا، وإِنْ شِئْتَ جَمَعْتَه على أَعَارِضَ، كما في الصّحاح.

والعَرُوضُ: النَّاحِيَةُ. يُقَال: أَخَذَ فُلانٌ في عَرُوضٍ ما تُعْجِبُني. أَي في طَرِيقٍ ونَاحِيَةٍ. كذا نَصّ الصّحاح. وفي العُبَابِ: أَنْتَ مَعِي في عَرُوضٍ لا تُلائِمُنِي؛ أَي في ناحِيَة.

وأَنشد:

فإِنْ يُعْرِضْ أَبُو العَبّاسِ عَنِّي *** ويَرْكَبْ بِي عَرُوضًا عن عرُوضِ

قال: ولِهذا سُمِّيَت النَّاقَةُ الَّتِي لم تُرَضْ عَرُوضًا، لأَنَّها تَأْخُذُ في نَاحِيَةٍ غَيْرِ النّاحِيَةِ الَّتِي تَسْلُكُهَا.

وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيّ للأَخْنَسِ بْنِ شِهَابٍ التَّغْلِبِيّ:

لكُلِّ أَنَاسٍ مِن مَعَدَّ عِمَارَةٌ *** عَرُوضٌ إِلَيْهَا يَلْجَؤُون وجانِبُ

يقول لِكُلّ حَيٍّ حِرْزٌ إِلاّ بَنِي تَغْلِبَ فإِنَّ حَرْزَهُم السُّيُوفُ.

وعِمَارة خَفْضٌ، لأَنَّه بَدَلٌ من أُناس، ومن رَواه عُرُوضٌ، بالضَّمّ جعله جَمْعَ عَرْضٍ، وهو الجَبَلُ، كما في الصّحاح.

قال الصَّاغَانِيّ: ورواية الكُوفِيّين عَمَارَةٌ بفَتْح العَيْن ورَفْع الهاءِ.

والعَرُوضُ: الطَّرِيقُ في عُرْضِ الجَبَلِ، وقِيلَ: ما اعْتَرَضَ منه في مَضِيقٍ، والجَمْع عُرْضٌ. ومنه‌ حَدِيثُ أَبِي‌ هُرَيْرَةَ: «فَأَخَذَ في عَرُوضٍ آخَرَ» ‌أَي في طَرِيقٍ آخَرَ من الكَلام.

والعَرُوضُ من الكَلَامِ: فَحْوَاهُ. قال ابنُ السِّكّيت: يُقَال عَرَفْتُ ذلِكَ في عَرُوضِ كَلامِه؛ أَي فَحْوَى كَلامِهِ ومَعْنَاهُ.

نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، وكَذَا مَعَارِضِ كَلامِه كما في اللّسَان.

والعَرُوضُ: المَكَانُ الَّذِي يُعَارِضُك إِذا سِرْتَ. كمَا في الصّحاح والعُبَاب.

والعَرُوضُ: الكَثيرُ مِنَ الشَّيْ‌ءِ. يُقَال: حَيٌّ عَرُوضٌ؛ أَي كَثِيرٌ، نَقَله ابنُ عَبّادٍ.

والعَرُوضُ: الغَيْمُ، هكذا في الأُصُولِ باليَاء التَّحْتِيَّة، وهو مع قَوْلِهِ: السَّحَابُ عَطْفُ مُرَادِفٍ، أَوْ هُوَ تَكْرارٌ، أَو الصَّوابُ الغَنَم بالنُّون، كما في اللّسَان، وهي الّتي تَعْرُضُ الشَّوْكَ، تَنَاوَلُ منه وتَأْكُلُهُ، تَقُولُ منه: عَرَضَتِ الشّاةُ الشَّوْكَ تَعْرُضُهُ. إِلاَّ أَنَّ قَوْلَه فِيما بَعْدُ: ومِن الغَنَم، يُؤيِّدُ القَوْلَ الأَوَّلَ، أَو الصّواب فيه: ومن الْإِبِلِ، كما سَيَأْتِي.

وقال الفَرَّاءُ: الْعَرُوضُ: الطَّعَامُ. نقله الصّاغَانِيّ.

والعَرُوضُ: فَرَسُ قُرَّةَ بنِ الأَحْنَفِ بنِ نُمَيْرٍ الأَسَديّ.

والعَرُوضُ من الغَنَمِ، كما في النُّسَخ، أَو الصَّوَاب من الْإِبِل، فإِنَّ الإِبِلَ تَعْرُضُ الشَّوْكَ عَرْضًا، وقيل: هو مِن الإِبِل والغَنَم: ما يعْتَرِضُ الشَّوْكَ فَيَرْعَاهُ، ويُقَال عَرِيضٌ عَرُوضٌ، إِذا فَاتَه النَّبْتُ اعْتَرَضَ الشَّوْكَ.

واعْتَرَضَ البَعِيرُ الشَّوْكَ: أَكَلَه.

وبَعِيرٌ عَرُوضٌ: يَأْخُذُه كَذلك.

وقِيلَ: العَرُوضُ: الَّذِي إِذا فاتَهُ الكَلأ أَكَلَ الشَّوْكَ، كما في الصِّحاح والعُبَاب.

ويُقَال: هو رَبُوضٌ بِلَا عَرُوضٍ، هكَذا في النُّسَخِ.

والَّذِي في الصّحاح والعُبَاب: رَكُوضٌ بِلا عَرُوضٍ؛ أَي بِلا حاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ. فالَّذِي صَحَّ من مَعْنَى العَرُوضِ في كَلام المُصَنَّفِ أَرْبَعَ عَشَرةَ مَعْنىً، على تَوَقُّفٍ في بَعْضِهَا، وسَيَأْتِي ما زِدْنا عليه في المُسْتَدْرَكَات.

وعَرَضَ الرَّجُلُ: أَتَى العَرُوضَ؛ أَي مَكَّةَ والمَدِينَةَ واليَمَنَ وما حَوْلَهُنّ، وهذا بعَيْنِه قد تَقَدَّم للمُصَنّف قَرِيبًا، فهو تَكْرَارٌ. وعَرَضَ لَهُ أَمْرُ كَذَا، يَعْرِضُ، من حَدِّ ضَرَبَ: ظَهَرَ عَلَيْه وبَدَا، كما في الصّحاح، ولَيْس فيه «عَلَيْه» و«بَدَا»، كعَرِضَ، كسَمِعَ، لُغَتَانِ جَيّدَتانِ، كما في الصّحاح. وقال الفَرّاءُ: مَرَّ بِي فُلانٌ فما عَرَضْتُ له، ولا تَعْرِضْ له، ولا تَعْرَضْ له، لُغتان جَيِّدَتانِ. وقال ابْنُ القَطّاع: فَصِيحَتانِ.

والَّذِي في التَّكْمِلَة عن الأَصْمَعِيّ: عَرِضْت له تَعْرِضُ، مثل حَسِبْتُ تَحْسِبُ، لُغَةٌ شاذَّةٌ سَمِعْتها.

وعَرَضَ الشَّيْ‌ءَ لَهُ عَرْضًا: أَظْهَرَه لَهُ، وأَبْرَزَهُ إِلَيْهِ. وعَرَضَ عَلَيْه أَمْرَ كَذَا: أَرَاهُ إِيّاهُ. ومنه قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ} عَرَضَهُمْ {عَلَى الْمَلائِكَةِ}.

ويقال: عَرَضْتُ لَهْ ثَوْبًا مَكَانَ حَقِّه.

وفي المَثَلِ: «عَرْضٌ سَابِرِيٌّ» لأَنَّهُ ثَوْبٌ جَيِّدٌ يُشْتَرَى بأَوَّلِ عَرْضٍ، ولا يُبَالَغُ فيه، كما في الصّحاح، وهكذا هو عَرْضُ سَابِرِيٍّ، بالإِضافَةِ. والَّذِي في «الأَمثال» لأَبِي عُبَيْدٍ بخَطِّ ابنِ الجَوَالِيقِي «عَرْض سَابِرِيّ».

وعَرَضَ العُودَ عَلَى الْإِنَاءِ. وعَرَضَ السَّيْفَ عَلَى فَخِذِه يَعْرِضُهُ ويَعْرُضُهُ، فِيهِمَا؛ أَي في العُود والسَّيْف، وهذا خِلافُ ما فِي الصّحاح، فإِنّه قال في: عَرَضَ السَّيْفَ: فَهذِه وَحْدَها بالضَّمِّ، والوَجْهَانِ فيهما عن الصّاغَانِيّ في العُبَابِ.

وفي الحَدِيثِ: «أُتِيَ بإِنَاءٍ من لَبَنٍ فَقَال: أَلَا خَمَّرْتَه ولَوْ بعُودٍ تَعْرضُه عَلَيْه» ‌رُوِيَ بالوَجْهَيْنِ، ويُرْوَى: لَوْ لَا خَمَّرْتَه. وهي تَحْضِيضِيَّةُ أَي تَضَعُهُ مَعْرُوضًا عَلَيْهِ؛ أَي بالعَرْض. وقال شَيْخُنَا: قَوْلَه: والعُود، إِلخ، كَلامُه كالصَّرِيح في أَنّه ككَتَبَ، وهو الَّذِي اقْتَصَرَ عليه ابنُ القَطّاع، والحَدِيث مَرْوِيُّ بالوَجْهَيْنِ، وكَلَامُ المُصَنِّف في عَرَضَ غَيْرُ مُحَرَّرٍ ولا مُهَذَّب، بل يُنَاقِضُ بَعْضُه بَعْضًا.

قُلتُ: أَمَّا ما ذَكَرَه عن ابْنِ القَطّاع فصَحِيحٌ، كما رأَيْتُه في كِتَابِ الأَبْنَيَة له. وأَمَّا ما نَسَبَهُ إِلى المُصَنِّفِ مِنَ القُصُورِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: يَعْرِضُهُ ويَعْرُضُهُ، فِيهِمَا، والمُرَادُ بِضَمِيرِ التَثْنِيَةِ العُودُ والسَّيْفُ، فقد صَرَّح بأَنَّهُ على الوَجْهَيْن، ولَعَلَّه سَقَط ذلِك من نُسْخَةِ شَيْخِنَا، أَوْ لم يَتَأَمَّلْ آخِرَ العِبَارَةِ. وأَمَّا قَوْلُه: كَلَامُه في عَرَضَ غَيْرُ مُحَرَّرٍ ولا مُهَذّب فمَنْظُورٌ فيه، بل هُوَ مُحَرَّرٌ في غَايَةِ التَّحْرِير، كما‌ يَعْرِفُه المَاهِرُ النِّحْرِيرُ، ولَيْسَ في المَادَّةِ ما يُخَالِفُ النُّصُوصَ، كما سَتَقِفُ عليه عِنْدَ المُرُورِ عليه. فتأَمَّلْ وأَنْصِفْ.

وعَرَضَ الجُنْدَ عَرْضَ عَيْنٍ، وفي الصّحاح: عَرْضَ العَيْنِ: أَمَرَّهُمْ عَلَيْه، ونَظَرَ ما حَالُهُمْ وقد عَرَضَ العَارِضُ الجُنْدَ، كما في الصّحاح.

وفي البَصَائِرِ: عَرَضْت الجَيْشَ عَرْضَ عَيْنٍ: إِذا أَمْررْتَه على بَصَرِك لِتَعْرِفَ مَنْ غابَ ومَنْ حَضَرَ.

وعَرَضَ لَهُ مِنْ حَقِّه ثَوْبًا أَو مَتَاعًا، يَعْرِضُه عَرْضًا من حَدِّ ضَرَبَ، وكَذَا عَرَضَ بِهِ، كما في كِتَابِ الأَرْمَوِيّ. وفي اللّسَان: و«مِنْ» في قَوْلك: مِنْ حَقِّه، بمَعْنَى البَدَل، كقَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: {وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} يقول: لو نَشَاءُ لَجَعَلْنَا بَدَلَكُمْ في الْأَرْضِ مَلَائِكةً. أَعْطَاهُ إِيّاهُ مَكَانَ حَقِّه.

وعَرَضَتْ له الغُولُ: ظَهَرَتْ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ عن أَبي زَيْدٍ.

وعَرَضَتِ الناقَةُ: أَصابَهَا كَسْرٌ أَو آفَةٌ، كما في الصّحاح. قال حُمَامُ بنُ زَيْدِ مَنَاةَ اليَرْبُوعِيّ:

إذا عَرَضَتْ مِنْهَا كَهَاةٌ سَمِينَةٌ *** فلا تُهْد مِنْهَا واتَّشقْ وتَجَبْجَبِ

كعَرِضَ، بالكَسْرِ فِيهِمَا؛ أَي في الغُولِ والنّاقَةِ، والأَوْلَى كعَرِضَتْ. أَمّا في الغُولِ فَنَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ عن أَبي زَيْدٍ، وأَمّا في النّاقَةِ فالصّاغَانِيّ في العُبَاب، وصاحِبُ اللّسَان.

وفي الحَدِيث: «أَنَّه بَعَثَ بَدَنَةً مع رَجُلٍ فقال: إنْ عَرَضَ لَهَا فانْحَرْهَا» ‌أَيْ إِنْ أَصابَهَا مَرَضٌ أَو كَسْرٌ. وقال شَمِرٌ: ويُقَال: عَرَضَتْ من إِبِلِ فُلانٍ عارِضَةٌ؛ أَي مَرِضَتْ. وقالَ بَعْضُهُم: عَرِضَتْ؛ أَي بالكَسْرِ، قال: وأَجْوَدُهُ عَرَضَتْ؛ أَي بالفَتْحِ.

وأَنشَدَ قَوْلَ حُمَامِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ السّابِقَ.

وعَرَضَ الفَرَسُ في عَدْوِه: مَرَّ عَارِضًا صَدْرَهُ ورَأْسَهُ، وقِيلَ: عَارِضًا؛ أَي مُعْتَرِضًا على جَنْبٍ وَاحِدٍ، يَعْرِضُ عَرْضًا، وسَيَأْتِي للمُصَنِّف ذِكْرُ مَصْدَرِه قَرِيبًا.

وعَرَضَ الشَّيْ‌ءَ يَعْرِضُه عَرْضًا: أَصابَ عُرْضَه.

وعَرَضَ بسِلْعَتِهِ يَعْرِضُ بها عَرْضَا عَارَضَ بها؛ أَي بادلَ بها فَأَعْطَى سِلْعَةً وأَخَذَ أُخْرَى. ويُقَالُ: أَخَذْتُ هذِه السِّلْعَةَ عَرْضًا، إذا أَعْطَيْتَ في مُقَابَلَتِهَا سِلْعَةً أُخْرَى.

وعَرَضَ القَوْمَ على السَّيْفِ: قَتَلَهُم، كما في الصّحاح، والأَسَاس. وعَرَضَهُمْ على السَّوْطِ: ضَرَبَهُم به، نَقَلَه ابْنُ القَطّاع.

وعَرَضَ الشَّيْ‌ءُ عَرْضًا: بَدَا وظَهَرَ.

وعَرَضَ الحَوْضَ والْقِرْبَةَ: مَلَأَهُمَا.

وعَرَضَتِ الشَّاةُ: ماتَتْ بمَرَضٍ عَرَضَ لَها.

وعَرَضَ البَعِيرُ عَرْضًا: أَكَلَ من أَعْرَاضِ الشَّجَرِ؛ أَي أَعالِيه وقال ثَعْلَبٌ: قال النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: سَمِعْتُ أَعَرابيًّا حِجَازيًّا وبَاعَ بَعِيرًا له، فقال: يأَكُلُ عَرْضًا وشَعْبًا. الشَّعْبُ: أَنْ يَهْتَضِمَ الشَّجَرَ مِنْ أَعْلَاه، وقد تَقَدَّم.

ويُقَال: عَرَضَ عَرْضَهُ، بالفَتْح، ويُضَمُّ أَيْ نَحَا نَحْوَهُ، وكَذلِكَ اعْتَرَضَ عَرْضَهُ.

والعَارِضُ: النّاقَةُ المَرِيضَةُ أَو الكَسِيرُ، وهِيَ الَّتِي أَصابَها كَسْرٌ أَو آفَةٌ.

وفي الحَدِيثِ: «ولَكُمُ الْعَارِضُ والفَرِيشُ» ‌ـ وقد تَقَدَّم في «ف ر ش» وفي «وط أَ» وقد عَرَضَت الناقَةُ ـ أَيْ إِنّا لا نَأْخُذُ ذَاتَ العَيْبِ فنَضُرُّ بالصَّدَقَةِ.

والْعَارِضُ: صَفْحَةُ الخَدِّ من الإِنْسَان، وهما عَارِضَانِ وقَوْلُهُم: فُلانٌ خَفِيفُ العَارِضَيْن، يُرَادُ به خِفَّة شَعرِ عَارِضَيْهِ، كَذَا في الصّحاح، وزاد في العباب: وخِفَّةُ اللِّحْيَةِ. وأَمّا‌ الحَدِيثُ الّذِي يُرْوَى: «مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ خِفَّةُ عارِضَيْهِ» ‌فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا كِنَايةٌ عن كَثْرَةِ الذِّكْرِ، أَيْ لا يَزَالُ يُحَرِّكُهُمَا بذِكْرِه تَعَالَى.

قُلْتُ: هكَذَا نَقَلَه ابنُ الأَثِير عن الخَطّابِيّ، قال: وأَمّا خَفَّةُ اللِّحْيَةِ فما أَرَاهُ مُنَاسبًا. كالعارِضَةِ فِيهِمَا أَيْ في النّاقَةِ والخَدّ. أَمّا في الخَدِّ فقد نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ في العُبَابِ، وصاحِبُ اللِّسَانِ، وأَمّا في النَّاقَةِ فَفِي الصّحاح: العَارضَةُ: الناقَةُ الَّتِي يُصِيبُهَا كَسْرٌ أَو مَرَضٌ فتُنْحَرُ، وكذلِكَ الشَّاةُ.

يُقَال: بَنُو فُلانٍ لا يَأْكُلُون إِلاّ العَوَارِضَ؛ أَي لا يَنْحَرُون الإِبِلَ إِلاّ مِن دَاءٍ يُصِيبُهَا. يَعِيبُهم بِذلك. وتَقُولُ العَرَب‌ للرَّجُل إِذا قَرَّب إلَيهم لَحْمًا: أَعَبِيطٌ أَمْ عَارِضَةٌ: فالعَبِيطُ: الذي يُنْحَرُ من غَيْرِ عِلَّة. وفي اللّسَان: ويُقَال: بَنُو فُلانٍ أَكّالُونَ العَوَارِضَ، إذا لم يَنْحَروا إِلاّ ما عَرَضَ له مَرَضٌ أَو كَسْرٌ خَوْفًا أَنْ يَمُوتَ فَلا يَنْتَفِعُون بِهِ. والعَرَبُ تُعَيِّرُ بأَكْلِهِ.

والعَارِضُ السَّحَابُ المُطِلُّ المُعْتَرِضُ في الأُفقِ. وقال أَبُو زَيْدٍ: العَارِضُ السَّحَابَةُ تَرَاهَا في ناحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، وهو مِثْلُ الجُلْبِ، إلاّ أَنَّ العَارِضَ يَكُونُ أَبْيَضَ، والجُلْبَ إِلى السَّوادِ، والجُلْبُ يَكُونُ أَضْيَقَ من العَارِض وأَبْعَدَ.

وقال الأَصْمَعِيّ: الحَبِيُّ: السَّحابُ يَعْترِضُ في السَّمَاءِ اعْترَاضَ الجَبَلِ قَبْلَ أَنْ يُطَبِّق السَّماءَ، وهو السَّحابُ العَارِضُ. وقال البَاهِليُّ: السَّحابُ يجي‌ءُ مُعَارِضًا في السماءِ بغَيْرِ ظنٍّ منك، وأَنشد لأَبي كَبِيرٍ الهُذَلِيّ:

وإذا نَظَرْتَ إِلَى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ *** بَرَقَتْ كبَرْقِ العَارِضِ المُتَهَلِّلِ

وقال الأَعْشَى:

يا مَنْ رَأْى عارِضًا قد بِتُّ أَرْمُقُهُ *** كأَنَّمَا البَرْقُ في حافَاتِهِ شُعَلُ

وقَوْلُه جَلَّ وَعَزَّ: {فَلَمّا رَأَوْهُ} عارِضًا {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا} عارِضٌ {مُمْطِرُنا}؛ أَي قالُوا: هذَا الَّذِي وُعِدْنا به، سَحَابٌ فِيهِ الغَيْثُ.

والعارِضُ: الجَبَلُ الشامِخُ: ويُقَالُ: سَلَكْتُ طَرِيقَ كَذَا فَعَرَضَ لِي في الطَّرِيقِ عارِضٌ؛ أَي جَبَلٌ شامخٌ، فقَطَعَ عَلَيَّ مَذْهَبِي على صَوْبِي. ومِنْهُ في الصّحاح: ويُقَال للْجَبَلِ: عارِضٌ. قال أَبُو عُبَيْدٍ: وبِهِ سُمِّيَ عَارِضُ اليَمَامَةِ وهو مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ وقَدْ جَاءَ ذِكْرُه في الحَدِيث.

والعَارِضُ: مَا عَرَضَ من الأَعْطِيةِ، قال أَبو مُحَمَّدٍ الفَقْعَسِيّ:

يا ليلُ أَسْقَاكِ البُرَيْقُ الوَامِضُ *** هلْ لَكِ والعَارِضُ مِنْكِ عائِضُ

في هَجْمَةٍ يُسْئرُ منها القَابِضُ

ويُرْوَى: في مِائَةٍ، بَدَلَ: في هَجْمَةِ، ويَغْدرُ، بَدَلَ: يُسْئرُ. قال الجَوْهَرِيّ: قال الأَصْمَعِيّ: يُخَاطِب امْرَأَةً رَغِبَ في نِكَاحِهَا، يَقُولُ: هَلْ لَكِ في مِائَةٍ من الإِبلِ أَجْعَلُهَا لَكِ مَهْرًا، يَتْرُكُ منها السائقُ بَعْضَهَا، لا يَقْدِرُ أَن يَجْمَعَهَا لكَثْرَتِهَا، وما عَرَضَ مِنْك من العَطَاءِ عَوَضْتُكِ به.

قلتُ: وكان الواجبُ عَلَى الجَوْهَرِيّ أَنْ يُوضِّحَهُ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَهُ الأَصْمَعِيُّ، لأَنَّ فِيه تَقْدِيمًا وتَأْخِيرًا. والمَعْنَى: هَلْ لَكِ فِي مِائَةٍ من الإِبِلِ يُسْئِرُ منها القَابِضُ؛ أَي قابِضُها الَّذِي يَسُوقُهَا لِكَثْرَتِهَا. ثُمّ قالَ: والعَارِضُ منه عائِضٌ، أَيْ المُعْطِي بَدَلَ بُضْعِكِ عَرْضًا عائضٌ أَي آخذٌ عِوَضًا منك بالتَّزْوِيج، يَكُون كِفَاءً لِمَا عَرَضَ مِنْكِ. يُقَال: عِضْتُ أَعَاضُ، إذا اعْتَضْتَ عِوَضًا. وعُضْتُ أَعُوضُ، إِذَا عَوَّضْتَ عِوَضًا؛ أَي دَفَعْتَ. وقولُهُ: عائضٌ، من عِضْتُ بالكَسْرِ، لا مِنْ عُضْتُ. ومَنْ رَوَى يَغْدِر أَرادَ يَتْرُكُ. قال ابن بَرِّي: والَّذِي في شِعْرِه: والعائِضُ مِنْكِ عائِضُ؛ أَي والعوَضُ مِنْكِ عَوَضٌ، كما تَقُولُ: الهِبَةُ مِنْكَ هِبَةٌ.

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: العَارِضَانِ صَفْحَتَا العُنُق، في بَعْضِ اللُّغَات.

وقال اللِّحْيَانِيّ: العارِضَانِ: جَانِبَا الوَجْهِ وقيلَ: شِقَّا الفَمِ، وقيل: جَانِبَا اللِّحْيَةِ.

والعَارِضُ: العَارِضَةُ. يُقَالُ: إِنَّهُ لَذُو عَارِضٍ وعَارِضَةٍ؛ أَي ذو جَلَدٍ.

والعَارِضُ: السِّنُّ الَّتِي في عُرْضِ الفَمِ بَيْنَ الثَّنَايَا والأَضْراسِ.

الجمع: الكُلّ عَوَارِضُ، قاله شَمِرٌ، وبه‌ فُسِّر الحَدِيثُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم بَعَثَ أُمِّ سُلَيْمٍ لِتَنْظُرَ إِلَى امرأَةٍ فقال: شَمِّي عَوَارِضَهَا» ‌أَمَرَهَا بِذلِكَ لِتَبُورَ به نَكْهَتَهَا ورِيحَ فَمِهَا، أَطَيِّبٌ أَمْ خَبِيثٌ. وقال كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ:

تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذا ابْتَسَمَتْ *** كأَنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ

يَصِفُ الثَّنَايَا ومَا بَعْدَهَا. أَي تَكْشِفُ عن أَسْنَانِهَا. قال شَيْخُنَا: وقد ذَكَرَ الشَّيْخُ ابنُ هِشَامٍ في شَرْحِ قوْلِ كَعْبٍ‌ هذَا ثَمانِيَةَ أَقْوَالٍ، واقْتَصَرَ المُصَنِّف على قَوْلٍ منها مع شُهْرَتِهَا، ففي كَلامِه قُصُورٌ ظَاهِرٌ.

قُلْت: بل ذَكَرَ المُصَنِّف قَوْلَيْنَ: أَحَدُهما هذَا، ويَأْتِي الثَّانِي قَرِيبًا، وهُو قَوْلُه: ومِنَ الوَجْه ما يَبْدُو، إِلى آخِرِه، ثُمَّ أَنَّ شَيْخَنا لم يَذْكُرْ بَقِيِّةَ الأَقْوالِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابنُ هِشَام، فأَوْقَعَ الخاطِرَ في شُغل، ونَحْنُ نُورِدُهَا لَكَ بالتَّمَامِ لِتَكْمِيلِ الإفَادَةِ والنِّظَامِ، فأَقُول: قِيلَ إنَّ العَوَارِضَ الثَّنَايَا سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا في عُرْض الفَمِ. وقِيلَ: العَوَارِضُ: ما وَلِيَ الشِّدْقَيْنِ من الأَسْنَانِ. وقِيلَ: هِيَ أَرْبَعُ أَسْنَانٍ تَلِي الأنْيَابَ، ثُمَّ الأَضْرَاسُ تَليِ العَوَارِضَ. قال الأَعْشَى:

غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها *** تَمْشِي الهُوَيْنَى كما يَمْشِي الوَجِي الوَجِلُ

وقال اللِّحْيَانِيّ: العَوَارِضُ: مِنَ الأَضْرَاسِ. وقيل: العَوَارِضُ: عُرْضُ الفَمِ. ومنه قَوْلُهم: امرأَةٌ نَقِيَّةُ العَوَارِضِ؛ أَي نَقِيَّةُ عُرْضِ الفَمِ: قال جَرِيرٌ:

أَتَذْكُرُ يَوْم تَصْقُلُ عَارِضَيْهَا *** بفَرْعِ بَشامَةٍ سُقِيَ البَشَامُ

قال أَبو نَصْرٍ: يَعْنِي به الأَسْنَان وما بَعْدَ الثَّنَايَا، والثَّنَايَا لَيْسَت من العَوَارِض.

وقال ابنُ السِّكِّيت: العَارِضُ: النّابُ والضِّرْسُ الَّذِي يَلِيه. وقال بَعْضُهُم: العارِضُ: ما بَيْنَ الثَّنِيَّةِ إِلى الضِّرْسِ، واحْتَجَّ بقَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ:

هَزِئَتْ مَيَّةُ أَنْ صاحَكْتُها *** فَرَأَتْ عارِضَ عَوْدٍ قد ثَرِمْ

قال: والثَّرَمُ لا يَكُونُ إِلاّ في الثَّنَايَا وقيل العَوَارِضُ: ما بَيْنَ الثَّنَايَا والأَضْرَاس. وقيل: العَوَارِض: ثَمَانِيَةٌ، في كُلِّ شِقِّ أَرْبَعَةٌ فَوْق، وأَرْبَعَةٌ أَسْفَل، فَهذِه نَحْوٌ من تِسْعَةِ أَقْوَالٍ، فَتأَمَّلْ ودَعِ المَلَالَ. وأَنْشَدَ ابْنُ الأَعْرَابِيّ في العارِضِ بمَعْنَى الأَسْنَان:

وعَارِضٍ كجَانِبِ العِرَاقِ *** أَبَنْتِ بَرَّاقًا من البَرَّاقِ

شَبَّهَ اسْتِواءَهَا باسْتِوَاءِ أَسْفَلِ القِرْبَةِ، وهو العِرَاقُ، للسَّيْرِ الَّذِي في أَسْفَلِ القِرْبَةِ. وقال يَصِفُ عَجُوزًا:

تَضْحَكُ عَنْ مِثْلِ عِرَاقِ الشَّنِّ

أَراد أَنَّه أَجْلَحُ، أَيْ عن دَرَادِرَ اسْتَوَتْ كأَنَّهَا عِرَاقُ الشَّنِّ، وهي القِربَةُ.

وكُلُّ مَا يَسْتَقْبِلُكَ مِنَ الشَّي‌ءِ فهو عَارِضٌ.

والعَارِضَةُ: الخَشَبَةُ العُلْيَا الَّتِي يَدُورُ فِيهَا البَابُ، كَمَا في العُبَابِ. وفي اللّسَانِ: عارِضَةُ البابِ: مِسَاكُ العِضَادتَيْن من فَوْق، مُحَاذِيَةً للأَسْكُفَّةِ.

والعَارِضُ: وَاحِدَةُ عَوَارِضِ السَّقْفِ، كما في العُبَابِ.

وفي اللِّسَان: العَارِضُ: سَقَائِفُ المَحْمَلِ. وعَوَارِضُ البَيْتِ: خَشَبُ سَقْفِه المُعَرَّضَة، الوَاحِدَةُ عارِضَةٌ.

وفي حَدِيثِ عائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا «نَصَبْتُ على بابِ حُجْرَتِي عَبَاءَةً مَقْدَمَهُ مِنْ غَزَاةِ خَيْبَرَ أَو تَبُوكَ، فَهَتَكَ العَرْضَ حَتَّى وَقَعَ بالأَرْضِ» ‌حَكَى ابنُ الأَثِيرِ عن الهَرَوِيّ قال: المُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بالضَّاد، وهُوَ بالصَّادِ والسّينِ وهو خَشَبٌ يُوضَعُ على البَيْتِ عَرْضًا إذا أَرادُوا تَسْقِيفَهُ ثمّ يُلْقَى عَلَيْه أَطْرَافُ الخَشَبِ القِصَارِ، والحَدِيث جَاءَ في سُنن أَبِي دَاوُود «بالضَّادِ المُعْجَمَةِ» وشَرَحَه الخَطّابِيّ في المَعَالِم، وفي غَرِيبِ الحَدِيثِ «بالصَّادِ المُهْمَلَةِ» قالَ: وقالَ الرّاوِي: العَرْض وهو غَلَطٌ. وقال الزَّمَخْشَرِيّ: هو العَرْصُ، «بالصَّادِ المُهْمَلَة». قالَ: وقد رُوِيَ «بالضَّادِ المعْجَمَة»، لِأَنَّه يُوضَعُ على البَيْتِ عَرْضًا، وقد تَقَدَّم البَحْثُ فيه في «ع ر ص»، فراجِعْه.

والعارِضُ: النّاحِيَةُ. يُقَال: إِنَّهُ لَشَدِيدُ العَارِضِ، أَيْ شَدِيدُ النّاحِيَةِ ذُو جَلَدٍ، وكَذلِكَ العَارِضَة.

وقال اللَّيْثُ: العارِضُ مِنَ الوَجْهِ، وفِي اللِّسَان: مِن‌ الفَمِ: ما يَبْدُو منه عِنْدَ الضَّحِكِ. وبه فُسِّرَ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، كما تَقَدَّم.

والعَارِضُ والعَارِضَةُ: البَيَانُ واللَّسَنُ؛ أَي الفَصَاحَةُ. قال ابنُ دُرَيْدٍ: رَجُلٌ ذُو عَارِضَةٍ؛ أَي ذُو لِسَانٍ وبَيَانٍ. وقال أَبو زَيْدٍ: فُلانٌ ذُو عَارِضَةٍ؛ أَي مُفَوَّهٌ.

والعَارِضُ والعَارِضَةُ: الجَلَدُ والصَّرَامَةُ. قال الخَلِيل: فُلانٌ شَدِيدُ العَارِضَةِ، أَيْ ذُو جَلَدٍ وصَرَامَةٍ. ومنه قَوْلُ عَمْرِو بنِ الأَهْتَمِ حِينَ سُئلَ عن الزِّبْرِقانِ بْنِ بَدْرٍ التَّمِيمِيّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فقالَ: مُطَاعٌ في أَدْنَيْهِ، شَدِيدُ العَارِضَةِ، مانِعٌ وَراءَ ظَهْرِه.

وعَرِضَ الشَّاءُ، كفَرِحَ: انْشَقَّ من كَثْرَةِ العُشْبِ.

والعَرْضُ: خِلافُ الطُّولِ، وقد عَرُضَ الشَّيْ‌ءُ ككَرُمَ يَعْرُضُ عِرَضًا، كعِنَبٍ، وعَرَاضَةً، بالفَتْح: صَارَ عَرِيضًا، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ وأَنْشَدَ،

إِذا ابْتَدَرَ النَّاسُ المَكَارِمَ بَذَّهُمْ *** عَرَاضَةُ أَخْلاقِ ابْنِ لَيْلَى وطُولُهَا

والبَيْتُ لجَرِيرٍ، وقِيلَ لكُثَيِّرٍ.

والعَرْضُ: المَتَاعُ، ويُحَرَّكُ، عن القَزَّازِ، صاحِبِ «الجامع». وفي اللّسَان: يُقَال: قد فَاتَهُ العَرْضُ والعَرَضُ، الأَخِيرَةُ أَعْلَى. قال يُونُسُ: فاتَهُ العَرَضُ، بالتَّحْرِيك، كما تَقُولُ: قَبَضَ الشَّيْ‌ءَ قَبْضًا، وأَلْقَاه في القَبَضِ؛ أَي فِيمَا قَبَضَه. وفي الصّحاح، قال يُونُسُ: قَدْ فاتَهُ العَرَضُ، وهو من عَرَضِ الجُنْد، كما يُقَالُ: قَبَضَ قَبْضًا، وقد أَلْقَاه في القَبَضِ. وقد ظَهَرَ بِذلِكَ أَنَّ القَزَّاز لَمْ يَنْفَردْ به حَتَّى يُعْزَى له هذا الحَرْفُ مع أَنَّ المُصَنِّف ذَكَرَه أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ ذِكْر العَرَضِ، بالتَّحْرِيك، وعَبَّر هُنَاكَ بحُطَامِ الدُّنْيَا، وهو والمَتَاعُ سَوَاءٌ فيَفْهَمُ مَنْ لا تَأَمُّلَ له أَنَّ هذا غيرُ ذلِكَ، وعِبَارَةُ الجَوْهَرِيّ والجَمَاعَةِ سَالِمَةٌ من هذِه الأَوْهَامِ. فَتأَمَّلْ.

وكُلُّ شَيْ‌ءٍ فهُوَ عَرْضٌ سِوَى النَّقْدَيْن؛ أَي الدَّرَاهِمِ والدَّنَانِيرِ، فإِنَّهُمَا عَيْنٌ. وقال أَبو عُبَيْد: العُرُوضُ: الأَمْتِعَةُ الَّتِي لا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ ولا وَزْنٌ، ولا يَكُون حَيَوانًا ولا عَقَارًا، تَقُولُ: اشتَرَيْتُ المَتَاعَ بعَرْضٍ؛ أَي بمَتَاعٍ مِثْلهِ.

والعَرْضُ: الجَبَلُ نَفْسُه، والجَمْعِ كالجَمْعِ. يُقَالُ: ما هُوَ إِلاّ عَرْضٌ من الأَعْرَاض، أَو سَفْحُه أَوْ ناحِيَتُه قال ذُو الرُّمَّةِ:

أَدْنَى تَقَاذُفِهِ التَّقْرِيبُ أَو خَبَبٌ *** كَمَا تَدَهْدَى من العَرْضِ الجَلامِيدُ

أَو العَرْضُ: المَوْضِعُ الَّذِي يُعْلَى منه الجَبَلُ، وبه فَسَّرَ بَعْضُهُم قَولَ ذِي الرُّمَّةِ السَّابِقَ.

ومن المَجَازِ: العَرْضُ: الكَثِيرُ من الجَرَادِ. يُقَالُ: أَتانَا جَرَادٌ عَرْضٌ؛ أَي كَثِيرٌ. والجَمْع عُرُوضٌ، مُشَبَّهٌ بالسَّحَابِ الذي سَدَّ الافُقَ.

والعَرْضُ: جَبَلٌ بفَاسَ، من بِلادِ المَغْرِبِ، وهو مُطِلٌّ عليه وكَأَنَّهُ شُبِّهَ بالسَّحَابِ المُطِلِّ المُعْتَرِض.

والعَرْضُ: السَّعَةُ، وقد عَرُضَ الشَّيْ‌ءُ ككَرُمَ، فهو عَرِيضٌ. وَاسِعٌ.

والعَرْضُ: خِلَافُ الطُّولِ، قال الله جَلَّ وعَزَّ: {وَجَنَّةٍ} عَرْضُهَا {السَّماواتُ وَالْأَرْضُ}. قال ابن عَرَفَةَ: إِذا ذُكِرَ العَرْضُ بالكَثْرَةِ دَلَّ على كَثْرَةِ الطُّولِ، لأَنَّ الطُّولَ أَكْثَرُ من العَرْضِ، وقد عَرُضَ الشَّي‌ءُ عِرَضًا، كصَغُرَ صِغَرًا، وعَرَاضَةً، كسَحَابَةٍ، فهو عَرِيضٌ وعُرَاضٌ. وقد فَرَّقَ المُصَنِّف هذَا الحَرْفَ في ثَلاثَةِ مَوَاضِعَ، فذَكَر الفِعْلَ مع مَصْدَرَيْه آنِفًا، وذَكَرَ الاسْمَ هُنَا، وذَكَرَ العُرَاضَ فِيمَا بَعْدُ، واخْتَارَهُ المُصَنِّف كَثيرًا في كِتَابِه هذَا، وهو من سُوءِ صَنْعَةِ التَّأْلِيف، ولم يَذْكُر أَيضًا جَمْعَ العَرْض، هذَا، وسَنَذْكُره في المُسْتَدْرَكَات.

وأَصْلُ العَرْضِ في الأَجْسَامِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في غَيْرِهَا، فيُقَالُ: كَلامٌ فيه طُولٌ وعَرْضٌ. ومنه قَوْلُه تَعَالى: {فَذُو} دُعاءٍ عَرِيضٍ كما في البَصَائِر. وقيل: مَعْنَاهُ: ذُو دُعَاءٍ وَاسِعٍ، وإِنْ كانَ العَرْضُ إِنَّمَا. يَقَعُ في الأَجْسَامِ، والدُّعاءُ‌ ليس بجِسْم، وقِيلَ: أَيْ كَثِيرٍ. فوَضَعَ العَرِيضَ مَوْضِعَ الكَثِيرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارٌ، وكَذلِك لَوْ قِيلَ: أَيْ طَوِيل. لَوُجِّهَ على هذَا، كما في اللّسَان.

قلتُ: وإِطْلاقُ العَرِيضِ على الطَّوِيل حِينَئذِ من الأَضْدَادِ، فَتأَمَّلْ. وأَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَنَّةٍ} عَرْضُهَا.

الآية، فقال المُصَنِّفُ في البَصَائِرِ: إِنَّه يُؤَوَّل بأَحَدِ وُجُوهٍ: إِمّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ عَرْضَهَا في النَّشْأَةِ الآخِرَةِ كعَرْضِ السَّماواتِ والأَرْضِ في النَّشْأَةِ الأُولَى، وذلِك أَنَّهُ قد قَالَ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ} فلا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ السَّمواتُ والأَرْضُ في النَّشْأَةِ الآخِرَةِ أَكْبَرَ مِمَّا هي الآن.

وسَأَلَ يَهُودِيٌّ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه، عن الآيَةِ وقال: فأَيْنَ النَّارُ؟ فقال عُمَرُ: فإِذا جاءَ اللَّيلُ فأَيْنَ النَّهَارُ؟ وقِيلَ يَعْنِي بِعَرْضِهَا سَعَتَهَا، لَا مِنْ حَيْثُ المساحَةُ، وهذا كقَوْلِهِم: ضاقَتِ الدُّنْيا على فُلانٍ كحَلْقَةِ خَاتَمٍ. وسَعَةُ هذِه الدَّارِ كسَعَةِ الأَرْضِ، وقيل: عَرْضُهَا: بَدَلُهَا وعِوَضُهَا، كقَوْلِكَ: عَرْضُ هذا الثَّوْبِ كَذَا وكَذَا، والله أَعْلَم.

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: العَرْضُ: الوَادِي وأَنْشَدَ:

أَما تَرَى بِكُلِّ عَرْضٍ مُعرِضِ *** كُلَّ رَدَاحٍ دَوْحَةِ المُحَوَّضِ

والعَرْضُ: أَنْ يَذْهَبَ الفَرَسُ في عَدْوِه. وقد أَمالَ رَأْسَهُ وعُنُقَهُ، وهو مَحْمُودٌ في الخَيْلِ مَذْمُومٌ في الإِبِل، وقد عَرَضَ إِذا عَدَا عَارِضًا صَدْرَه ورَأْسَهُ مَائِلًا. قال رُؤْيَةُ:

يَعْرِضُ حَتَّى يَنْصِبَ الخَيْشُومَا

وقد فَرَّق المُصَنِّف هذَا الحَرْفَ في ثَلاثَةِ مَوَاضِعَ، وهُوَ غَرِيبٌ، وسَيَأْتي الكَلامُ على المَوْضعِ الثّالِث.

والعَرْضُ: أَنْ يُغْبَنَ الرَّجلُ في البَيْعِ، يقال: عارَضْتُه في البَيْعِ فَعَرَضْتُهُ أَعْرُضُه عَرْضًا، من حَدّ نَصَر.

والمُعَارَضَة: بَيْعُ العَرْضِ بالعَرْض، كما سَيَأْتي.

والعَرْضُ: الجَيْشُ، شُبِّه بالجَبَل في عِظَمِه، أَوْ بالسَّحَابِ الَّذِي سَدَّ الأُفُقَ. قَال دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّة:

بقِيَّة مِنْسَرٍ أَو عَرْض جَيْشٍ *** تَضِيقُ به خُرُوقُ الأَرْضِ مَجْرِ

وقال رُؤْبةُ في رِوَايَة الأَصْمَعِيّ:

إِنَّا إِذا قُدْنَا لِقَوْمٍ عَرْضَا *** لم نُبْقِ من بَغْيِ الأَعَادِي عِضَّا

ويُكْسَرُ، والجَمْع أَعْراضٌ. ومِنه قَوْل عَمْرِو بنِ مَعْدِ يكرِبَ في عُلَة بنِ جَلْدٍ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا، فقالَ: أُولَئِك فَوَارِسُ أَعْرَاضِنَا. أَي جُيُوشِنَا.

والعَرْضُ: الجُنُونُ، وقد عُرِضَ كعُنِيَ، ومنه‌ حَدِيثُ خَدِيجَة، رضي الله عَنْهَا «أَخَاف أَنْ يَكُونَ عُرِضَ له» ‌أَي عَرَضَ له الجِنُّ، وأَصابَه مِنْهُم مَسٌّ.

والعَرْضُ: أَنْ يَمُوتَ الإِنْسَانُ من غَيْر عِلَّةٍ. ولا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الإِنْسَان، فَقَدْ قَال ابنُ القَطّاعِ: عَرَضَتْ ذاتُ الرُّوحِ من الحَيَوَانِ: ماتَت مِنْ غَيْر عِلَّةٍ.

ويُقَالُ: مَضَى عَرْضٌ من اللَّيْلِ، أَيْ ساعَةٌ مِنْه.

والعَرْضُ: السَّحَابُ مُطْلَقًا، أَو هو مَا سَدَّ الأُفُقَ منه، وبه شُبِّهَ الجَرَادُ والجَيْشُ، كما تَقَدَّمَ. والجَمْعُ عُرُوضٌ. قال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ:

أَرِقْتُ لَهُ حَتَّى إِذَا ما عُرُوضُهُ *** تَحَادَتْ وهَاجَتْهَا بُرُوقٌ تُطِيرُهَا

والعِرْضُ، بالكَسْرِ: الجَسَدُ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ وجَمْعُه الْأَعْرَاضُ. ومنه الحَدِيثُ في صِفَةِ أَهْلِ الجَنَّة: «إِنّمَا هو عَرَقٌ يَجْرِي مِن أَعْرَاضِهِمْ». أَي من أَجْسَادِهم. وقيل: هو كُلُّ مَوْضِعٍ يَعْرَقُ مِنْه؛ أَي من الجَسَدِ، لأَنَّهُ إِذا طَابَتْ مَرَاشِحُه طَابَتْ رِيحُه، وبه فُسِّر الحَدِيثُ أَيْضًا؛ أَي من مَعَاطِفِ أَبْدَانِهِم، وهي المَوَاضِعُ التي تَعْرَق من الجَسَد.

وقِيل عِرْضُ الجَسَدِ: رَائِحَتُه، رِائِحَةً طَيِّبَةً كانَتْ أو خَبِيثَةً، وكذا عِرْضُ غَيْرِ الجَسَدِ. يُقَال: فلانٌ طَيِّبُ‌ العِرْضِ؛ أَي طَيِّبُ الرِّيحِ، وكَذَا مُنْتِنُ العِرْضِ، وسِقَاءٌ خَبِيثُ العِرْضِ في الحَدِيثِ أَنَّه كُلُّ شَيْ‌ءٍ من الجَسَدِ من المَغَابِن وهي الأَعْرَاضُ، قال: ولَيْسَ العِرْضُ في النَّسَبِ مِنْ هذَا في شَيْ‌ءٍ. وقال الأَزْهَرِيّ في مَعْنَى الحَدِيث: من أَعْرَاضِهِم؛ أَي مِنْ أَبْدَانِهِم، على قَوْلِ ابنِ الأَعْرابِيّ، قال: وهو أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُذْهَبَ به إِلى أَعْرَاضِ المَغَابِنِ.

والعِرْضُ أَيْضًا: النَّفْسُ. يُقَال: أَكْرَمْتُ عنه عِرْضِي، أَيْ صُنْتُ عنه نَفْسِي، وفُلَانٌ نَقِيُّ العِرْض؛ أَي بَرِي‌ءٌ من أَنْ يُشْتَمَ أَوْ يُعابَ. وقال حَسّان، رَضِيَ الله عَنْه:

فإِنَّ أَبِي وَوَالِدَه وعِرْضِي *** لعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُم وِقَاءُ

قال ابنُ الأَثِير: هذا خَاصٌّ للنَّفْس.

وقيل العِرْضُ: جانِبُ الرَّجُلِ الّذِي يَصُونُه من نَفْسِه وحَسَبِهِ ويُحَامِي عَنْهُ أَنْ يُنْتَقَصَ ويُثْلَبَ، نَقَلَه ابنُ الأَثِير، أَو سَوَاءٌ كان في نَفْسِه أَو سَلَفِه أَو مَنْ يَلْزَمُه أَمْرُهُ، أَو مَوْضِعُ المَدْحِ والذَّمِّ مِنْه؛ أَي من الإِنْسَان، وهُمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ، ففي النِّهَايَة: العِرْضُ: مَوْضِعُ المَدْحِ والذَّمِّ من الإِنْسَان، سَوَاءٌ كانَ في نَفْسِهِ أَو سَلَفِهِ، أَو مَنْ يَلْزُمُه أَمْرُه، وبه فُسِّر‌

الحَدِيثُ: «كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِم حَرَامٌ، دَمُه ومَالُه وعِرْضُه»، أَو العِرْضُ: مَا يَفْتَخِرُ به الإِنْسَانُ من حَسَبٍ وشَرَفٍ، وبه فُسِّ قَوْلُ النَّابِغَة:

يُنْبِيك ذُو عِرْضِهِمْ عَنِّي وعَالِمُهُمْ *** ولَيْسَ جَاهِلُ أَمْرٍ مِثْلَ مَنْ عَلِمَا

ذُو عَرْضِهِم: أَشْرَافُهُم، وقيل: ذُو حَسَبِهِم.

ويُقَال: فُلانٌ كَرِيمُ العِرْضِ، أَيْ كَرِيمُ الحَسَبِ، وهو ذُو عِرْضٍ، إِذَا كَانَ حَسَيبًا. وقد يُرَادُ بِهِ أَي بالعِرْض الآبَاءُ والأَجْدَادُ، ذَكَره أَبُو عُبَيْدٍ. يُقَال: شَتَمَ فُلانٌ عِرْضَ فُلانٍ، معْنَاهُ: ذَكَرَ أَسْلافَه وآبَاءَه بالقَبِيح. وأَنْكَرَ ابنُ قُتَيْبَةَ أَنْ يَكُون العِرْضُ الأسْلافَ والآبَاءَ وقال: العِرْضُ: نَفْسُ الرَّجُلِ وبَدَنُه لا غَيْرُ. وقال‌ في حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير، رَضِيَ الله عنه «فمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ استَبْرَأَ لِدِينهِ وعِرْضِهِ»؛ أَي احْتَاطَ لنَفْسِهِ. لا يَجُوزُ فيه مَعْنَى الآباءِ والأَسْلافِ.

وقيل عِرْضُ الرَّجُلِ: الخَلِيقَةُ المَحْمُودَةُ منه، نَقَلَه ابنُ الأَثِير.

وقال أَبُو بكْرِ بنُ الأَنْبَارِيّ: وما ذَهَبَ إِلَيْه ابْنُ قُتَيْبَةَ غَلَطٌ، دَلَّ على ذلِكَ قَوْلُ مِسْكِينٍ الدَّارميّ:

رُبَّ مَهْزُولٍ سَمِينٌ عِرْضُه *** وسَمِينُ الجِسْمِ مَهْزُولُ الحَسَبْ

فلو كانَ العِرْضُ البَدَنَ والجِسْمَ على مَا ادَّعَى لم يَقُل مَا قَالَ، إِذْ كانَ مُسْتَحِيلًا للقائِلِ أَنْ يَقُولَ: رُبَّ مَهْزُولٍ سَمِينٌ جِسْمُه، لأَنَّه مُنَاقَضَةٌ، وأَنَّمَا أَرَادَ: رُبَّ مَهْزُولٍ جِسْمُه كَرِيمَةٌ آبَاؤُه، ويَدُلُّ لِذلِك أَيْضًا‌ قَوْلُه صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم: «دَمُه وعِرْضُه» ‌فلَوْ كان العِرْضُ هو النَّفْس لكان دَمُهُ كافِيًا من قَوْلِهِ عِرْضُه، لأَنَّ الدَّمَ يُرَادُ به ذَهَابُ النَّفْسِ.

وقال أَبُو العَبَّاس: إِذا ذُكِرَ عَرْضُ فُلانٍ فمَعْنَاه أُمُورُهُ الَّتي يَرْتَفِعُ أو يَسْقُطُ بِذِكْرِهَا من جَهَتِهَا بحَمْدٍ أو بذَمٍّ، فيجُوزُ أَنْ يكُونَ أُمورًا يُوصَفُ بها هو دُونَ أَسْلافِه، ويَجُوزُ أَن تُذكَر أَسْلافُه لِتَلْحَقَه النقيصَةُ بعَيْبِهم، لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ إِلاَّ ما ذَكَرَهُ ابنُ قُتَيْبَةَ من إِنْكَارِه أَن يَكُون العِرْضُ الأَسْلافَ والآباءَ.

قلْتُ: وقد احْتَجَّ كُلٌّ مِنَ الفَرِيقَيْن بِمَا أَيَّدَ به كَلامَهُ، ويَدُلُّ لابْنِ قُتَيْبَةَ قَوْلُ حَسّانَ السّابِقُ ولو ادُّعِيَ فِيهِ العُمُومُ بَعْدَ الخُصُوصِ، وحَدِيثُ أَبِي ضَمْضَمٍ: «إِنّي تَصَدَّقْت بعِرْضِي على عِبَادِك»، وكَذَا حَدِيثُ أَهْلِ الجَنَّةِ السَّابِقُ، وكذا‌ حَدِيثُ: «لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وعِرْضَه» ‌وكَذا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وكَذَا‌

قَوْلُ أَبِي الدِّرْدَاءِ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا: «أَقْرِضْ مِن عِرْضِكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ».

وإِنْ أُجِيبَ عن بَعْضِ ذلِكَ. وأَمّا تَحَامُلُ ابْنِ الأَنْبَارِيّ وتَغْلِيطُه إِيَّاه فمَحَلُّ تَأَمُّلٍ. وقد أَنْصَفَ أَبُو العَبَّاس فِيمَا قالَه فإِنَّه جَمَعَ بين القَوْلَيْنِ، ورَفَعَ عن وَجْهِ المُرَادِ حِجَابَ الشَّيْن، فَتَأَمَّلْ، والله أَعْلَمُ.

والعِرْضُ: الجِلْدُ، أَنْشَدَ إِبْرَاهِيمُ الحَرْبِيّ:

وتَلْقَى جَارَنَا يُثْنِي عَلَيْنَا *** إِذَا مَا حَانَ يَوْمٌ أَن يَبِينَا

ثَنَاءٌ تُشْرِقُ الأَعْرَاضُ عَنْهُ *** به نَتَوَدَّعُ الحَسَبَ المَصُونَا

والعِرْضُ: الجَيْشُ الضَّخْمُ، ويُفْتَح، وهذا قد تَقَدَّمَ بعَيْنِه في كَلامِه، فهو تَكْرَارٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


33-تاج العروس (فض فضض فضفض)

[فضض]: الفَضُّ: الكَسْرُ بالتَّفْرِقَة، وقد فَضَّهُ يَفُضُّهُ كما في الصّحاح، وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:

إِذَا اجْتَمَعُوا فَضَضْنَا حُجْرَتَيْهِمْ *** ونَجْمَعُهمْ إِذا كانُوا بَدَادِ

ويُقَالُ: الفَضُّ: تَفْرِيقُكَ حَلْقَةً من النَّاسِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ. يُقال: فَضَضْتُهُمْ فانْفَضُّوا؛ أَي فَرَّقْتهم فتَفَرَّقُوا.

وقال المُؤَرِّجُ: الفَضُّ: الكَسْرُ. ورُوِيَ لخِدَاشِ بْنِ زُهَيْر:

فلا تَحْسَبِي أَنِّي تَبَدَّلْتُ ذِلَّةً *** ولا فَضَّنِي في الكُورِ بَعْدَكِ صَائِغُ

والفَضُّ: فَكُّ خاتَمِ الكِتَابِ. يُقَالُ: فَضَضْتُ الخَاتَمَ عن الكِتَابِ، وفَضَضْتُ خَتْمَهُ وفَكَكْتُه؛ أَي كَسَرْتُهُ، وكُلُّ شَيْ‌ءٍ كَسَرْتَهُ فقد فَضَضْتَهُ، ومنه الحَديث: «قُلْ، لا يَفْضُضِ اللهُ فَاكَ» ‌قَالَه للعَبَّاس حِينَ استَأْذَنَهُ في الامْتِدَاحِ، أَيْ لا يَكْسِرْ أَسْنَانَك، والفَمُ هُنَا الأَسْنَانُ، كما يُقَالُ سَقَطَ فُوهُ يَعْنُون الأَسْنانَ وكذا لِلنّابغةِ الجعْدِيّ حِين أَنشد. قَولَهُ «أَجَدْتَ لا يَفْضُضِ الله فَاكَ» فنَيَّفَ على المائَةِ، وكَأَنَّ فاهُ البَرَدُ المُنْهَلُّ، تَرِفُّ غُرُوبُه، ويُرْوَى: فما سَقَطَت له سِنٌّ إِلاَّ فَغَرَتْ مَكَانَهَا سِنٌّ. ويُرْوَى: فغَبَرَ مائَةَ سَنَةٍ لم تَنْفَضَّ له سِنٌّ. قال الجَوْهَرِيُّ: ولا تَقُل يُفْضِضْ. قُلْت: وجَوَّزَه بَعْضُهُمْ وتَقْدِيره: «لا يَكْسِرِ الله أَسْنَانَ فِيكَ»، فحَذَفَ المُضَافَ.

ويُقَالُ: الإِفْضَاءُ: سُقُوطُ الأَسْنَانِ من أَعْلَى وأَسْفَلَ، والقَوْلُ الأَوَّلُ أَكْثَرُ.

والفَضُّ: النَّفَرُ المُتَفَرِّقُونَ، يُقَالُ: بهَا فَضٌّ من النَّاسِ؛ أَي نَفَرٌ مُتَفَرِّقُونَ.

والمِفَضَّةُ والمِفْضَاضُ، بِكَسْرِهِما: ما يُفَضُّ به المَدَرُ؛ أَي مَدَرُ الأَرْضِ المُثَارَةِ، الأُولَى ذَكَرَها الجَوْهَرِيُّ والثانِيَةُ الصَّاغَانِيّ.

والفُضَاضُ، بالضَّمِّ: ما تَفَرَّقَ مِنَ الشَّيْ‌ءِ عِنْدَ الكَسْرِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. قال الصّاغَانِيّ: ويُكْسَرُ، وأَنْشَدَ للنَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيّ:

تُطِيرُ فُضَاضًا بَيْنَهُمْ كُلُّ قَوْنَسٍ *** ويَتْبَعُها منْهُم فَرَاشُ الحَوَاجِبِ

والفُضَاضُ أَيْضًا: موضع، قال قَيْسُ بنُ العَيْزارَة [الهذلي]:

وَرَدْنَا الفُضَاضَ قَبْلَنَا شَيِّفَاتُنَا *** بأَرْعَنَ يَنْفِي الطَّيْرَ عَنْ كُلِّ مَوْقِعِ

وفَضَّاضٌ، ككَتَّانٍ، اسمُ رَجُلٍ، وهو منْ أَسْمَاءِ العَرَبِ. قال رُؤْبةُ:

فَلَوْ رَأَتْ بِنْتُ أَبِي فَضَّاضِ *** شَزْرِي العِدَا منْ شَنْأَةِ الإِبْغاضِ

وفَضَّاضٌ أَيضًا: لَقَبُ مَوْأَلةَ بنِ عامِرِ بنِ مالِكٍ، هكذا في سائِرِ النُّسَخ وهو غَلَطٌ، والصَّوابُ أَنَّهُ لَقَبُ مَوْأَلَةَ بنِ عَائِذِ بنِ ثَعْلَبَةَ، ومَوْأَلَةُ بنُ عَامِرِ بنِ مَالِكٍ جَدُّه لِأُمّه، فإِنَّ أُمَّهُ رُهْمُ بِنْتُ مَوْأَلَةَ هذَا. ومِنْ إِخْوَةِ فَضَّاضٍ عَبْدُ الله ورَبِيعَةُ، ابْنَا عَائِذٍ، وأُمُّهُمَا هُجَيْمَةُ بِنْتُ جَحْدَرِ بْن ضُبَيْعَةَ بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَة، كَذَا حَقَّقَه ابنُ الكَلْبِيِّ ونَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ في العُبَاب.

والفَضَضُ مُحَرَّكَةً: ما انْتَشَر مِنَ الماءِ إِذا تُطُهِّرَ بِهِ، كالفَضِيض، وهُمَا فَعَلٌ وفَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ. قال امْرُؤُ القَيْسِ:

بمِيثٍ دِمَاثٍ في رِيَاضٍ دَمِيثَةٍ *** تُحِيلُ سَواقِيهَا بماءٍ فَضِيضِ

وكُلُّ مُتَفَرِّقٍ ومُنْتَشِرٍ فَضَضٌ. ومنه‌ «قَولُ عائِشَةَ، رَضيِ الله عَنْهَا، لِمَرْوَانَ حينَ كَتَبَ إِلَيْه مُعَاوِيَةُ ليُبَايِعَ النَّاسُ لِيَزِيدَ، فَقَال عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ: أَجِئْتُمْ بها هِرَقْلِيَّةً قُوقِيَّةً تُبَايِعُون لأَبْنائكم. فقال مَرْوَانُ: أَيها النّاسُ، هذَا الَّذِي قالَ الله فيه: {وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما} الآية فغَضِبَتْ عائِشَةُ، رَضِيَ الله عَنْهَا، وقالتْ: والله ما هُوَ بِه، ولو شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ، ولكِنَّ الله لَعَنَ أَباكَ وأَنْتَ في صُلْبِه، فأَنْتَ فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ الله» ويُرْوَى: فُضُضٌ، كعُنُقٍ، وفُضَاضٌ‌ مِثل غُرَاب، الأَخِيرَةُ عن شَمِرٍ. أَي قِطْعَةٌ وطائِفَةٌ منها؛ أَي مِنْ لَعْنَةِ الله ورَسُولهِ صَلى الله عليه وآله وسلّم. هكَذَا فَسَّرَهُ شَمِرٌ، وقال ثَعْلَبٌ: أَيْ خَرَجْتَ مِنْ صُلْبِهِ مُتَفَرِّقًا، يَعْنِي ما انْفَضَّ من نُطْفَةِ الرَّجُلِ وتَرَدَّدَ في صُلْبِهِ. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.

ورَوَى بَعْضُهُم في هذا الحَدِيثِ: «فَأَنْتَ فُظَاظَةٌ» بظَاءَيْن، من الفَظِيظِ وهو ماءُ الكَرِشِ، وانْكَرهُ الخَطَّابِيّ. وقال الزَّمَخْشَرِيّ: افْتَظَظْتُ الكَرِشَ إذا اعْتَصَرْتَ مَاءَها، كَأَنَّه عُصَارَةٌ من اللَّعْنَة أَو فُعَالَةٌ من الفَظِيظِ: ماءِ الفَحْلِ، أَيْ نُطْفَةٌ من اللَّعْنَة.

والفَضِيضُ: الماءُ العَذْبُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، أَو الماءُ الغَرِيضُ سَاعَةَ يَخْرُجُ مِنَ العَيْنِ، أَو يَصُوبُ من السَّحَابِ، كما في العُبَابِ. أَو هو الماءُ السّائلُ: قاله أَبو عُبَيْدٍ، ونَقَلَه الجَوْهَرِيّ.

وفي حَدِيثِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيز: «أَنَّهُ سُئلَ عنَ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً فَتَشَاجَرُوا فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، فقالَ الفَتَى: هِيَ طَالِقٌ إِنْ نَكَحْتُهَا حَتَّى آكُلَ الفَضِيضَ»، وهو الطَّلْعُ أَوَّلَ مَا يَطْلُعُ، كما رَوَاه أَبو سُلَيْمَانَ الخَطَّابِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ وأَبو عُبَيْدٍ الهَرَوِيُّ، واللَّفْظُ للخَطَّابِيّ. ومِنْ كِتَابِه نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيّ، ورَوَاهُ إِبْراهيمُ الحَرْبِيُّ: الغَضِيضُ، بالغَيْنِ، قال الصَّاغَانِيّ: وهو الصَّوابُ، والفَاءُ تَصْحِيفٌ.

والطَّلْعُ هو الغَضِيضُ لا غَيْرُ، ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ في المُصَنِّفِ» وأَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ في اليَواقِيتِ عن ثَعْلَبٍ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ، والأَزْهَرِيّ في «التَّهْذِيب»، وابْنُ فارسٍ في «المُجْمَلِ». قُلْتُ: وكَذلِكَ الجَوْهَرِيّ في الصّحاح.

والفَضِيضُ: كُلُّ مُتَفَرِّقٍ من ماءِ المَطَرِ والبَرَدِ والعَرَقِ. قال ابنُ مَيَّادَةَ:

تَجْلُو بأَخْضَرَ مِنْ فُرُوعِ أَرَاكَةٍ *** حَسَنَ المُنَصَّبِ كالفَضِيضِ البَارِدِ

والفِضَّةُ، بالكَسْرِ، م، من الجَوَاهِرِ، جَمْعُهُ فِضَضٌ. وفي التّهْذِيبِ: وقولُه تَعَالَى: {كانَتْ قَوارِيرَا} قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ {قَدَّرُوها تَقْدِيرًا} يَسْأَلُ السّائلُ فيَقُولُ: كَيْفَ تَكُون القَوَارِيرُ من فِضَّة وجَوْهَرُها غَيْرُ جَوْهَرها: قال الزَّجّاجُ: أَصْلُ‌ القوارِيرِ الَّتِي في الدُّنْيا من الرَّمْلِ، فأَعْلم الله عزّ وجلّ فَضْلَ تِلْك القَوَارِيرِ، أَنَّ أَصْلَها مِنْ فِضَّةٍ يُرَى مِنْ خَارِجِها مَا فِي دَاخِلِهَا. قال الأَزْهَرِيّ أَيْ تَكُونُ مَع صفَاءِ قَوَارِيرِهَا آمِنَةً مِن الكَسْرِ، قَابِلَةً للجَبْرِ، مِثل الفِضَّةِ، قال: وهذا [من] أَحْسَنِ ما قِيل فِيهِ.

وقال ابنُ عَبَّادٍ: الفِضَّةُ: الحَرَّةُ الشّاهِقَةُ وتُفْتَحُ، الجمع: فِضَضٌ، وفِضَاضٌ.

قال: وفِضَاضُ الجِبَالِ: الصَّخْرُ المَنْثُورُ بَعْضُه على بَعْضٍ جَمْعُ فَضَّةٍ، بالفَتْح.

وقال الفَرَّاءُ: الفَاضَّةُ: الدَّاهِيَةُ، الجمع: فَوَاضُّ، كَأَنَّهَا تَفُضُّ ما أَصَابَتْ وتَهُدُّه.

ودِرْعٌ فَضْفَاضٌ وفَضْفَاضَةٌ: وَاسِعَةٌ. قال عَمْرُو بنُ مَعْدِيكَرِبَ:

وأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ فَضْفَاضَةً *** كَأَنَّ مَطَاوِيَهَا مِبْرَدُ

وقال آخرُ:

وأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ فَضْفَاضَةً *** دِلَاصًا تَثَنَّى عَلَى الرَّاهِشِ

والفَضْفَاضَةُ: الجَارِيَةُ اللَّحِيمَةُ الجَسِيمَةُ: الطَّوِيلَةُ. قال رُؤْبَةُ:

أَزمانَ ذَاتُ الكَفَل الرَّضْرَاضِ *** رَقْراقَةٌ في بُدْنِها الفَضْفَاضِ

وافْتَضَّهَا: افْتَرَعَها، مِثْلُ اقْتَضَّهَا، بالقَافِ.

وافْتَضَّ الماءَ: صَبَّه شَيْئًا بَعْدَ شَيْ‌ءٍ. ومنه‌ حَدِيثُ غَزْوَةِ هَوَازِنَ: «فَجَاءَ رَجُلٌ بنُطْفَةٍ من إِدَاوَةٍ فافْتَضَّهَا، فأَمَرَ بها رَسُولُ الله صَلى الله عليه وآله وسلّم فصُبَّتْ في قَدَح فتَوَضَّأْنا كُلُّنَا» ‌ويُرْوَى بالقافِ أَيضًا؛ أَي فَتَحَ رَأْسَهَا. أَو افْتَضَّهُ: أَصَابَهُ ساعَةَ يَخْرُجُ، كما في الصّحاح، أَيْ من العَيْنِ، أَوْ يَصُوبُ من السَّحَابِ.

وافتَضَّت المَرْأَةُ: كَسَرَتْ عِدَّتَهَا بمَسِّ الطِّيبِ أَوْ بغَيْرِه، كقَلْمِ الظُّفرِ، أَو نَتْفِ الشَّعرِ من الوَجْهِ، أَو دَلَكَتْ جَسَدَها بدَابَّةٍ أَو طَيْرٍ لِيَكُونَ ذلِكَ خُرُوجًا عن العِدَّةِ، أَوْ كَانَتْ مِنْ عادَتِهم أَنْ تَمْسَح قُبُلَها بطَائِرٍ وتَنْبِذَه فلا يَكَادُ يَعِيشُ.

وفي حَدِيثِ أُمِّ سلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «جَاءَت امرأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلى الله عليه وسلّم فقَالَت: إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا وقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا، أَفَتَكْحُلُهُما؟ فقالَ: لا، مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاثًا إِنَّمَا هي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا. وقد كَانَت إِحْداكُنَّ تَرْمِي بالبَعرَةِ على رَأْسِ الحَوْلِ»، ومَعْنَى الرَّمْيِ بالبَعَرَةِ أَنَّ المَرْأَةَ كانَتْ إِذَا تُوُفِّيَ عنها زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا ولَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا حَتَّى تَمُرَّ بها سَنَةٌ، ثمّ تُؤْتَى بدَابَّةٍ شَاةٍ أَو طائِرٍ فتَفْتَضُّ بها، فقَلَّمَا تَفْتَضُّ بشَي‌ءٍ إِلاّ ماتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فتُعْطَى بَعرَةً فتَرْمِي بِهَا.

وقال ابنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الحِجَازِيِّينَ عن الاقْتِضاضِ، فَذَكَرُوا أَنَّ المُعْتَدَّةَ كانَتْ لا تَغْتَسِلُ ولا تَمَسُّ مَاءً، ولا تَقْلِمُ ظُفرًا، ولا تَنْتِفُ من وَجْهِهَا شَعرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الحَوْلِ بأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثمّ تَفْتَضُّ بطائِرٍ تَمْسَحُ به قُبُلَها وتَنْبِذُه فَلا يَكَادُ يَعِيشُ. أَي تَكْسِرُ مَا هي فيه مِنَ العِدَّةِ بذلِكَ، قَالَ: وهو مِنْ فَضَضْتُ الشَّيْ‌ءَ؛ أَي كَسَرْتُهُ، كَأَنَّهَا تَكُونُ في عِدَّةٍ من زَوْجِهَا فتَكْسِرُ مَا كَانَتْ فيه، وتَخْرُجُ منه بالدَّابَّة. قال ابنُ الأثِيرِ: ويُرْوَى بالقَافِ والبَاءِ المُوَحَّدَةِ. وقال الأَزْهَرِيُّ: وقد رَوَى الشافِعِيُّ هذَا الحَدِيثَ، غَيْرَ أَنَّه رَوَى هذَا الحَرْفَ بالقَافِ والضَّادِ؛ أَي من القَبْضِ، وهو الأَخْذُ بأَطْرافِ الأَصَابعِ.

والفَضْفَضَةُ: سَعَةُ الثَّوْبِ، والدِّرْع، والعَيْشِ: يُقَالُ: ثَوْبٌ فَضْفَاضٌ، وعَيْشٌ فَضْفَاض، ودِرْعٌ فَضْفَاضَةٌ؛ أَي وَاسِعَةٌ. كما في الصّحاح. وفي حَدِيثِ سَطِيح:

أَبْيَضُ فَضْفاضُ الرِّدَاءِ والبَدَنِ

أَرادَ: وَاسِعَ الصَّدْرِ والذِّرَاعِ. فكَنَى عَنْهُ بالرِّدَاءِ والبَدَنِ، وقِيلَ أَرادَ كَثْرَةَ العَطَاءِ.

* ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:

المَفْضُوضُ: المَكْسُورُ، كالفَضِيضِ، وهو المُفَرَّقُ أَيْضًا.

والفُضَاضَةُ، كثُمَامَةٍ: الفُضَاضُ.

وفي حَدِيثِ ذِي الكِفْلِ: «لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ» ‌وهو كِنَايَةٌ عن الوَطْءِ.

وانْفَضَّ الشَّيْ‌ءُ: انْكَسَرَ، وقِيلَ: تَفَرَّقَ.

وانْفَضَّ القَوْمُ: تَفَرَّقُوا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.

وفي الحَدِيث: «لَوْ أَنَّ أَحَدًا انْفَضَّ انْفِضَاضًا ممَّا صُنِعَ بابْن عَفَّانَ لَحَقَّ لَهُ» ‌أَيْ انْقَطَعَتْ أَوْصَالُه وتَفَرَّقَتْ جَزَعًا وحَسْرَةً. قال ذُو الرُّمَّةِ:

تَكَادُ تَنْفَضُّ مِنْهُنَّ الحَيازِيمُ

أَي تَنْقَطِعُ. ويُرْوَى الحَدِيثُ بالقَافِ أَيْضًا.

وتَفَضَّضَ القَوْمُ: تَفَرَّقُوا، كانْفَضُّوا، وكَذلِكَ تَفَضَّضَ الشَّيْ‌ءُ، إِذا تَفَرَّقَ.

وطَارَتْ عِظَامُهُ فِضَاضًا، إِذَا تَطَايَرَتْ عِنْدَ الضَّرْبِ.

وتَمْرٌ فَضٌّ: مُتَفَرِّقٌ لا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ.

وفَضَضْتُ مَا بَيْنَهُمَا: قَطَعْتُ.

والفَضِيضُ من النَّوَى: الَّذِي يُقْذَفُ من الفَمِ.

ومَكَانٌ فَضِيضٌ: كَثِيرُ المَاءِ.

وفَضَّ المَاءُ: سالَ.

وفَضَّهُ: صَبَّهُ.

ورَجُلٌ فَضْفَاضٌ: كَثِيرُ العَطَاءِ. شُبِّهَ بالمَاءِ الفَضْفَاضِ.

وتَفَضْفَضَ بَوْلُ النَّاقَةِ، إِذَا انْتَشَرَ على فَخِذَيْهَا.

ونَاقَةٌ كَثِيرَةٌ فَضِيضِ اللَّبَنِ. يَصِفُونَهَا بالغَزَارَةِ.

ورَجُلٌ كَثِيرُ فَضيضِ الكَلَامِ. يَصِفُونَه بالكَثَارَة.

وأَفَضَّ العَطَاءَ: أَجْزَلَهُ.

وشَيْ‌ءٌ مُفَضَّضٌ: مُمَوَّهٌ بِالفِضَّةِ. ولِجَامٌ مُفَضَّضٌ: مُرَصَّعٌ بِالْفِضَّةِ. نَقَلَه الجَوْهَرِيّ. وحَكَى سِيبَوَيْه: تَفَضَّيْت، من الفِضَّة، أَرادَ تَفَضَّضْتُ. قال ابنُ سِيدَه: ولا أَدْرِي ما عَنَى به، اتَّخَذْتُهَا أَمْ استَعْمَلْتُهَا، وهو من مُحَوَّلِ التَّضْعِيف.

ودِرْعٌ فُضَافِضَةٌ؛ أَي وَاسِعةٌ.

وأَرْضٌ فَضْفَاضٌ: قد عَلَاهَا الماءُ من كَثْرَةِ المَطَرِ.

وفَضْفَضَ الثَّوْبَ والدِّرْعَ: وَسَّعَهُمَا. قال كُثَيِّرٌ:

فَنَبَذْتُ ثَمَّ تَحِيَّةً فأَعادَهَا *** غَمْرُ الرِّدَاءِ مُفَضْفَضُ السَّرْبَالِ

والفَضْفَاضُ: الكَثِيرُ الوَاسِعُ. قال رُؤْبَةُ:

يَسْعُطْنَهُ فَضْفَاضَ بَوْلٍ كالصَّبِرْ

وسَحَابَةٌ فَضْفَاضَةٌ: كَثِيرةُ المَطَرِ.

وقال اللَّيْثُ: فُلانٌ فُضَاضَةُ وَلَدِ أَبِيهِ؛ أَي آخِرُهُم. وقال الأَزْهَرِيُّ: والمَعْرُوفُ: نُضَاضَةُ وَلَدِ أَبِيهِ، بالنُّون بهذَا المَعْنَى.

وفَضَّ المالَ على القَوْمِ: فَرَّقَهُ.

وفَضَّ الله فاهُ، وأَفَضَّهُ. وقد تَقَدَّمَ إِنْكَارُ الجَوْهَرِيّ إِيَّاهُ، ونَقَلَهُ ابنُ القَطَّاع هكَذَا.

وخَرَزٌ فَضٌّ: مُنْتَثِرٌ، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيّ.

وكمُحَدِّثٍ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ المُفَضِّضُ الشَّرْوَانِيّ، كَتَبَ عنه أَبو طَاهِرٍ السِّلَفِيّ في مُعْجَمِ السَّفَرِ وأثْنَى عَليه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


34-تاج العروس (فرط)

[فرط]: فَرَطَ الرَّجُلُ يَفْرُطُ فُرُوطًا، بالضَّمِّ: سَبَقَ وتَقَدَّمَ، فهو فارِطٌ، قال أَعْرَابِيُّ للحَسَنِ: «يا أَبا سَعِيدٍ، عَلِّمْنِي دِينًا وَسُوطًا، لا ذاهِبًا فُرُوطًا، ولا سَاقِطًا سُقُوطًا. أَي دِينًا مُتَوَسَّطًا لا مُتَقَدِّمًا بالغُلُوِّ، ولا مُتَأَخِرًا بالتُّلُوِّ. قال له الحَسَنُ: أَحْسَنْتَ يا أَعْرَابِيُّ، خيرُ الأُمورِ أَوْسَاطُها».

وفي الدعاءِ: عَلَى ما فَرَطَ مِنِّي‌ أَي سَبَقَ وتَقَدَّم.

وفَرَطَ في الأَمْرِ يَفْرُط فَرْطًا، بالفَتْحِ: قَصَّرَ به، كما في العُبَابِ. وفي الصّحاحِ: فيهِ. وضَيَّعَه. زادَ في الصّحاحِ: حَتّى فَاتَ.

وفَرَطَ عَلَيْه في القَوْلِ: أَسْرَفَ وتَقَدَّمَ. وفي الصّحاحِ: فَرَط عليه؛ أَي عَجِلَ وعَدَا، ومنه قولُه تعالَى: {إِنَّنا نَخافُ أَنْ} يَفْرُطَ {عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى} زاد في العُبَابِ أَي يُبَادِرَ بعُقُوبَتِنَا. وقال ابنُ عَرَفَةَ: أَي يَعْجَل فيَتَقَدَّم منه مَكْرُوهٌ، وقال مُجَاهِدٌ: يَبْسُط، وقال الضَّحّاكُ: يَشِطّ. قلت: وقال الفَرّاءُ: أَي يَعْجَلَ إِلى عُقُوبَتِنَا. والعَرَبُ تقول: فَرَطَ منه، [أَمرٌ] أَي بَدَرَ وسَبَقَ، وفي الأَسَاس من المجاز: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا منه بَادِرَةٌ.

وفَرَطَ عَلَيْنَا فُلانٌ: عَجِلَ بمَكْرُوهٍ.

ومن المَجَازِ: فَرَطَ الرَّجُلُ وُلْدًا، بالضَّمِّ؛ أَي ماتُوا له صِغَارًا، فكأَنَّهُم سَبَقُوه إِلى الجَنَّةِ. ونصُّ ابنِ القَطّاع: فَرَطَ الرَّجُلُ وَلَدَه: تَقَدَّمه إِلى الجَنَّةِ.

وفَرَطَ إِلَيْه رَسُولَه؛ أَي قَدَّمَهُ وأَعْجَلَهُ. وذكر ابنُ دُرَيْدٍ هذا المعنَى في فَرَّطَه تَفْرِيطًا. وسَيَأْتِي للمُصَنِّفِ قَرِيبًا وفي اللَّسَانِ: أَفْرَطَه إِفْرَاطًا بهذا المَعْنَى. وأَمَّا فَرَطَه فَرْطًا فلم أَرَهُ لأَحَدٍ من الأَئِمَّةِ، والمادَّةُ لا تَمْنَعه.

وقال أَبو عَمْرٍو: فَرَطَت النَّخْلَةُ: إِذا تُرِكَت وما لُقِّحَتْ حَتَّى عَسَا طَلْعُها. وأَفْرَطَهَا غَيْرُها، كما في العُبَابِ.

وفَرَطَ القَوْمَ يَفْرِطُهُمْ فَرْطًا، بالفَتْحِ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوهَرِيُّ، وفَرَاطَةً، كسَحَابَةٍ، كما في المُحْكَمِ، وفي العُبَابِ: والمَصْدَرُ فَرْطٌ وفُرُوطٌ: تَقَدَّمَهُمْ إِلى الوِرْدِ، وفي الصّحاحِ: سَبَقَهُم إِلى الماءِ، زادَ في العُبَابِ: وتَقَدَّمَهُم.

وفي المُحْكَمِ: لإِصْلاحِ الحَوْضِ والأَرْشِيَةِ والدِّلاءِ؛ أَي ليُهَيِّئَهَا لهم، وهُمُ الفُرَّاط كرُمَّان، جمع فَارِطٍ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للقُطامِيِّ:

فاسْتَعْجَلُونا وكانُوا من صَحَابَتِنَا *** كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرّادِ

وشاهدُ الفَارِطِ للوَاحِدِ قولُ الشاعر:

فأَثَارَ فَارِطُهُم غَطَاطًا جُثَّمًا *** أَصْواتُهَا كَتَرَاطُن الفُرْسِ

والفَرْطُ، بالفَتْحِ: الاسْمُ من الإِفْرَاطِ، وهو مُجَاوَزَة الحَدّ في الأَمْر، يُقال: إِيّاكَ والفَرْطَ في الأَمْرِ، كما في الصّحاحِ، والفَرْط: الغَلَبَةُ، ومنه فَرْطُ الشَّهْوَةِ والحُزْنِ؛ أَي غَلَبَتُهُما.

والفَرْطُ: الجَبَلُ الصَّغِيرُ، جمعه فُرُطٌ، عن كُرَاع. أَو الفَرْطُ: رَأْسُ الأكَمَةِ وشَخْصُها، والذي في الصّحاح: الفُرُط؛ أَي بضَمتين: وَاحِدُ الأفْرَاطِ، وهي آكَامٌ شَبِيهَاتٌ بالجِبَال، يُقَالُ: البُومُ تَنُوح عَلَى الأَفْرَاطِ. عن أَبِي نَصْرٍ، قال وَعْلَة الجَرْميّ:

أَم هَلْ سَمَوتُ بجَرّارٍ له لَجَبٌ *** جَمُّ الصَّواهِلِ بينَ السَّهْلِ والفُرُطِ

والَّذِي في العُبَابِ: الفُرُطُ. والفُرْط أَيْضًا: وَاحِدُ الأَفْرَاطِ، وهي آكامٌ شَبِيهاتٌ بالجِبَالِ، وأَنْشَدَ لحَسّانِ بنِ ثابِتٍ رَضِيَ الله عنه:

ضَاقَ عَنَّا الشَّعْبُ إِذْ نَجْزَعُهُ *** وَمَلأْنا الفُرْطَ مِنْهُمْ والرَّجَلْ

قلتُ: وفَسَّره اليَزِيدِيُّ بسَفْحِ الجِبَالِ، قال: وجَمْعُه أَفْرَاطٌ، كقُفْلٍ وأَقْفَالٍ. وأَما قولُ ابنِ بَرّاقَةَ الهَمْدَانَّي:

إِذا اللَّيْلُ أَرْخَى واسْتَقَلَّت نُجُومُه *** وصَاحَ من الأفْرَاطِ هَامٌ جَوَاثِمُ

فاخْتَلَفُوا في هذا فقال بَعْضُهُم: أَرادَ به أَفرَاطَ الصُّبْحِ، لأَنَّ الهامَ إِذا أَحَسَّ بالصَّبَاحِ صَرَخَ. قلتُ وأَنْشَدَه ابنُ بَرِّيّ:

إِذا اللَّيْلُ أَرْخَى واكْفَهَرَّت نُجُومُه

ونَسَبَهُ للأَجْدَعِ الهَمْدَانِيِّ وأَنْشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ عَجُزَه غير مَنْسُوبٍ هكذا:

وصَاحَ على الأفْرَاطِ بُومٌ جَوَاثِمُ

ثم قال الصّاغَانِيُّ: وقال آخَرُون: الفَرْطُ العَلَمُ المُسْتَقِيمُ من أَعْلَامِ الأَرْضِ يُهْتَدَى به، ج: أَفْرُطٌ، كفَلْسٍ وأَفْلُسٍ، أَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ:

والبُومُ يَبْكِي شَجْوَهُ في أَفْرُطِهْ

وأَفْرَاطٌ أَيْضًا، وتَقَدَّم شاهِدُه في قول وَعْلَةَ الجَرْمِيّ، كما أَنْشَدَهُ الجَوْهَرِيُّ عن أَبِي نَصْرٍ.

وهو في نَوَادِرِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ لِوَعْلَة أَيْضًا، ونَصُّه:

سَائِلْ مُجَاوِرَ جَرْمٍ: هَل جَنَيْتُ لهم *** حَرْبًا تُزَيِّلُ بَيْنَ الجِيرَة الخُلُطِ

أَم هَلْ سَمَوْتُ بجَرّارٍ له لَجَبٌ *** يَغْشَى مَخَارِمَ بينَ السَّهْلِ والفُرُطِ

وبما سَرَدْنا يَظْهَرُ لك ما في عِبَارَةِ المُصَنِّفِ من القُصُور، فتَأَمَّلْه.

وفي الأَسَاسِ: ومن المَجَازِ؛ بَدَتْ لنا أَفْرَاطُ المَفَازَةِ: وهي ما اسْتَقْدَمَ من أَعْلامِهَا.

والفَرْطُ، بالفَتْحِ: الحِينُ، يُقَال: لَقِيتُه في الفَرْطِ بعدَ الفَرْطِ أَي الحِينِ بَعْدَ الحِينِ، كما في الصّحاحِ. ويُقَال أَيْضًا: إِنَّمَا آتِيه الفَرْطَ؛ أَي حينًا. وقِيل: الفَرْطُ: أَنْ تَأْتِيَه في الأَيّامِ مَرَّةً. وقال أبُو عُبَيْدٍ: الفَرْطُ أَنْ تَلْقَى الرَّجُلَ بَعْدَ الأَيَّام، يُقَال: إِنّمَا أَلْقَاه في الفَرْطِ. وقال ابنُ السِّكِّيتِ: الفَرْطُ: أَنْ يُقَال: آتِيكَ فَرْطَ يَوْمٍ أَو يَوْمَيْن، والفَرْطُ: اليَوْمُ بينَ اليَوْمَيْنِ. وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِلَبِيدٍ:

هَل النَّفْسُ إِلاّ مُتْعَةٌ مُسْتَعارَةٌ *** تُعَارُ فتَأْتِي رَبَّهَا فَرْطَ أَشْهُرِ

وقال ابُو عُبَيْدٍ: ولا يَكُونُ الفَرْطُ في أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، هكذَا في النُّسَخِ. وفي الصّحاحِ: من خَمْسَ عَشَرَةَ لَيْلَةً، قال غيرُه: ولا يَكُونُ أَقَلَّ من ثَلاثَةٍ، وفي حَدِيثِ ضُبَاعَةَ: «كان النَّاسُ إِنّمَا يَذْهَبُون فَرْطَ يَوْمٍ أَو يَوْمَيْنِ فيَبْعَرُون كما تَبْعَرُ الإِبِلُ» ‌أَي بعدَ يَوْمَيْنِ. وقالَ بعضُ العَرَبِ: مَضَيْتُ فَرْطَ سَاعَةٍ ولم أُومِنْ أَنْ أَنْفَلتَ. فقيل له: ما فَرْطَ ساعة؟ فقال: كَمُذْ أَخَذْتَ في الحَدِيثِ، فأَدْخَلَ الكافَ على مُذْ. وقولُه: ولم أَومِنْ، أَي: لم أَثِقْ ولم أُصَدِّقْ أَنَّي أَنْفَلِتُ.

والفَرْطُ: طَرِيقٌ، عن أَبِي عَمْرٍو أَو: موضع، بتِهَامَةَ قُرْبَ الحِجَازِ. قال غَاسِلُ بنُ غُزَيَّةَ الجُرَبِيُّ:

سَرَتْ من الفَرْطِ أَو مِنْ نَخْلَتَيْن فَلَمْ *** يَنْشَبْ بها جَانِبا نَعْمَانَ فالنُّجُدُ

وقال عبدُ مَنَاف بنُ رِبْعٍ الهُذَلِيُّ:

فما لَكُم والفَرْطَ لا تَقْرَبُونَهُ *** وقَدْ خِلْتُه أَدْنَى مَآبٍ لقَافِلِ

قلت: ويُرْوَى «أَدْنَى مَزَارٍ لقائلِ»، من القَيْلُولَة.

والقَصِيدَةُ يَرْثي بها دُبَيَّةَ السُّلَمِيَّ سَادِنَ العُزَّى، وأُمُّه هُذَلِيَّةٌ.

والفَرَطُ، بالتَّحْرِيكِ: المُتَقَدِّمُ إلى الماءِ، كالرّائِدِ في الكَلَاءِ؛ أَي يَتَقَدَّمُ على الوَارِدَةِ فيُهَيِّئُ لهم الأَرْسانَ والدِّلاءَ ويَمْدُرُ الحِيَاضَ ويَسْتَقِي لهم، وهو فَعَلٌ بمَعْنَى فاعِل، مثلُ تَبَعٍ بمَعْنَى تابعٍ، يكونُ للوَاحِدِ والجَمْعِ، يُقَال رَجُلٌ فَرَطٌ، وفي الحَدِيثِ: «أَنْتُم لنا فَرَطٌ ونَحْنُ لكُمْ تَبَعٌ».

وكانَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ إِذا صَلَّى على الصَّبِيِّ قال: «اللهُمَّ اجْعَلْه لنا سَلَفًا وفَرَطًا وأَجْرًا» ‌و‌في الحَدِيثِ: «فأَنَا فَرَطُكُم على الحَوْضِ».

وفيه أَيْضًا: «من كانَ له فَرَطانِ مِنْ أُمَّتِي دَخَلَ الجَنَّةَ».

وفي حَدِيثِ ابْنُ عَبّاسٍ قال لعائشةَ، رضي ‌الله‌ عنهم: «تَقْدَمِينَ على فَرَطِ صِدْقٍ» يَعْنَي رَسُولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم وأَبَا بَكْرٍ رضِي الله عنه.

والفَرَطُ أَيضًا: الماءُ المُتَقَدِّم لغَيْرِه من الأَمْوَاهِ، وهو مَجَازٌ.

ومن المَجَازِ أَيضًا: الفَرَط: ما تَقَدَّمَك من أَجْرٍ وعَمَلٍ.

وكذا ما لَمْ يُدْرِكْ من الوَلَدِ؛ أَي لَمْ يَبْلُغ الحُلُمَ، جَمعُه أَفْرَاطٌ. وقيل: الفَرَط يَكُونُ وَاحِدًا وجَمْعًا.

والفُرُطُ، بضَمَّتَيْن: الظُلْمُ والاعْتِداءُ، وبه فُسّر قولُه تعالَى {وَكانَ أَمْرُهُ} فُرُطًا وقيل: الأَمْرُ الفُرُطُ: المُجَاوَزُ فيهِ عن الحَدِّ، يُقَال كلُّ أَمْرِ فُلانٍ فُرُطٌ؛ أَي مُفْرَطٌ فيه مُجَاوَزٌ حَدُّه، كما في الأسَاسِ والصّحاحِ.

والفُرُطُ: الفَرَسُ السَّرِيعَةُ التي تَتَفَرَّطُ الخَيْلَ؛ أَي تَتَقَدَّمُهَا، كما في الصّحاحِ. وفي اللَّسَانِ والأَسَاسِ: هي السّابِقَةُ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للَبِيدٍ ـ رضِي الله عنه ـ:

ولقد حَمَيْتُ الحَيَّ تَحْمِلُ شِكَّتِي *** فُرُطُ، وِشَاحِي إِذْ غَدَوْتُ لِجَامُهَا

زَادَ في الأَسَاسِ: وخَيْلٌ أَفْرَاطٌ.

والفُرَاطَةُ، كثُمَامَةٍ: الماءُ يَكُونُ شَرَعًا بينَ عِدَّةِ أَحْيَاءٍ، مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ فهُوَ لَهُ، وبِئْرٌ فُرَاطَةٌ كذلِكَ. وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الماءُ بَيْنَهُم فُرَاطَةٌ؛ أَي مُسَابَقَةٌ. وهذا ماءٌ فُرَاطَةٌ بَيْنَ بَنِي فُلانٍ وبَنِي فُلانٍ. ومعناه: أَيُّهُم سَبَقَ إِليه سَقَى ولمْ يُزَاحِمْهُ الآخَرُون.

والَّذِي في العُبَابِ: والفِرَاطُ، والفِرَاطَةُ: الماءُ يَكُونُ..

إِلخ، وفي الصّحاحِ: والماءُ الفِرَاطُ: الَّذِي يَكُونُ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ من الأَحْيَاءِ، وقد ضَبَطَا الفِرَاطَةَ بالكَسْر، فتأَمّلْ.

ومن المَجَاز: الفَارِطانِ: كَوْكبانِ مُتَبَايِنَانِ أمَامَ سَرِيرِ بَنَاتِ نَعْشٍ يَتَقَدَّمانِهَا، قاله اللَّيْثُ، قال: وإِنّمَا شُبِّها بالفَارِطِ: الَّذِي يَسْبِقُ القَوْمَ لحَفْرِ القَبْرِ، ووَقَع في الأَسَاسِ: الفَرَطَانِ.

ومن المَجَازِ: طَلَعَتْ أَفْرَاطُ الصَّباحِ؛ أَي تَبَاشِيرُه، الأُوَلُ لِتَقَدُّمها وإِنْذَارِهَا بالصُّبْحِ، نَقَلَه اللَّيْثُ، قال: والوَاحِدُ منها فُرْطٌ، وأَنْشَدَ لرُؤْبَةَ:

باكَرْتُه قَبْلَ الغَطاطِ اللُّغَّطِ *** وقَبْلَ جُونِيِّ القَطَا المَخَطَّطِ

وقَبْل أَفْرَاطِ الصَّباحِ الفُرَّطِ

وفَرَّط الشَّيْ‌ء وفيه تَفْرِيطًا: ضَيَّعَه وقَدَّمَ العَجْزَ فيه، قال صَخْرُ الغَيِّ:

ذلِكَ بَزِّي فلَنْ أُفَرِّطَهُ *** أَخافُ أَنْ يُنْجِزُوا الَّذِي وَعَدُوا

قال ابن سِيدَه: يقُولُ لا أُضَيِّعُه، وقيل: معناهُ لا أُخَلِّفُهُ، وقيل: لا أُقَدِّمه وأَتَخَلَّف عنه. قلتُ وفي شَرْحِ الدِّيوان: أَي هو مَعِي لا أُفَارِقُه ولا أُقَدِّمُه. وبَزِّي أَي سِلاحِي.

ويُقَال: فَرَّطَ في الأَمْرِ، إِذا قَصَّرَ فيه. وفي الصّحاح: التَّفْرِيطُ في الأَمْرِ: التَّقْصِيرُ فيه وتَضْيِيعُه حتّى يَفُوتَ. انتهى.

وفَرَّطَ في جَنْبِ الله: ضَيَّعَ ما عِنْدَه فلم يَعْمَلْ، ومنه قولُه تَعَالَى: {يا حَسْرَتى عَلى ما} فَرَّطْتُ {فِي جَنْبِ اللهِ} أَي في أَمْرِ الله، وفي الحَدِيثِ: «لَيْسَ في النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ لا يُصَلَّى حتّى يَدْخُل وَقْتُ الأُخْرَى».

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: فَرَّطَ إِلَيْه رَسُولًا تفْرِيطًا: أَرْسَلَهُ إِلَيْه في خَاصَّتِه وقَدَّمَه.

وفَرَّطَ فُلانًا تَفْرِيطًا: تَرَكَه وتَقَدَّمَهُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ لساعِدَةَ بنِ جُؤَيَّةَ:

مَعَهُ سِقَاءٌ لا يُفَرِّطُ حَمْلَهُ *** صُفْنٌ وأَخْرَاصٌ يَلُحْنَ ومِسْأَبُ

أَي: لا يَتْرُكُ حَمْلَه ولا يُفَارِقُه، وقال أَبُو عَمْرو: فَرَّطْتُكَ في كذا وكذا؛ أَي تَرَكْتُكَ. قلتُ: وبه فُسِّرَ قولُ صَخْرِ السابِقُ.

قال ابنُ دُرَيْدٍ: وفَرَّطَه تَفْرِيطًا: مَدَحَه حَتّى أَفْرَطَ في مَدْحِه، مثل قَرَّظَه، بالقَافِ والظّاءِ، كما في العُبَابِ، وذَكَرَ في التَّكْمِلَةِ ما نَصُّه: وأَنا أَخْشَى أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفَ قَرَّظَه، بالقافِ والظّاءِ، إِلاّ أَنْ يكونَ ضَبَطَه. قلتُ: وكأَنَّهُ ظَهَرَ له فِيمَا بَعْدُ صحَّتُه فسَلَّمَه في العُبَابِ، إِذْ تَأْلِيفُه مُتَأَخِّرٌ عن تَأْلِيفِ التَّكْمِلَةِ.

وقال الخليل: فَرَّطَ الله تَعَالَى عن فُلانٍ مَا يَكْرَهُ؛ أَي نَحّاه. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وقال: وقَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ إِلاّ في الشِّعْرِ، قال مُرَقِّشٌ، وهو الأَكْبَرُ، واسمُه عَمْرُو بن سَعْدٍ:

يا صَاحِبَيَّ تَلَبَّثَا لا تَعْجَلَا *** وقِفَا برَبْعِ الدارِ كَيْمَا تَسْأَلَا

فلَعَلَّ بُطْأَكُمَا يُفَرِّطُ سَيِّئًا *** أَوْ يَسْبِق الإِسْرَاعُ خَيْرًا مُقْبِلًا

هكَذا هو في الصّحاحِ، وفي العُبَابِ الشّطْرُ الثّانِي:

إِنَّ الرَّحِيلَ رَهِينُ أَنْ لا تَعْذُلَا

قال: ويروَى:

... رَيْثَكُمَا *** أَوْ يَسْبِق الإِفراطُ سيْبًا مُقْبِلَا

وأَفْرَطَهُ أَي المَزَادَ: مَلأَه حتَّى أَسالَ الماءَ.

أَو أَفْرَط الحَوْضَ والإِنَاءَ، إِذا مَلأَهُ حَتَّى فاضَ، قال كَعْبُ بنُ زُهَيْرٍ، رَضِيَ الله عنه:

تَنْفِي الرِّيَاحُ القَذَى عنهُ وأَفْرَطَه *** من صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ

ويُرْوَى: «تَجْلُو الرِّيَاحُ». ورَوَى الأَصْمَعِيُّ: «من نَوْءِ سَارِيَةٍ».

ويُقَال: غَدِيرٌ مُفْرَطٌ؛ أَي ملْآنُ، قالَ سَاعِدَةُ الهُذَلِيُّ يَصِفُ مُشْتَارَ العَسَلِ:

فأَزَالَ نَاصِحَهَا بأَبْيَضَ مُفْرَطٍ *** مِن مَاءِ أَلْهَابٍ بهِنَّ التَّأْلَبُ

أَي مَزَجَهَا بماءِ غَدِيرٍ مَمْلُوءٍ، وقال آخَرُ:

بَجَّ المَزَادِ مُفْرَطًا تَوْكِيرَا

وأَنْشَدَ إِبْرَاهِيمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ:

علَى جانِبَيْ حَائرٍ مُفْرَطٍ *** ببَرْثٍ تَبَوَّأْتُه مُعْشِبِ

وقالَ أَبُو وَجْزَةَ:

لاعٍ يَكَادُ خَفِيُّ الزَّجْرِ يُفْرِطُه *** مُسْتَرْفِعٍ لسُرَى المَوْماةِ هَيّاجِ

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ:

يُرَجِّعُ بَيْنَ خُرْمٍ مُفْرَطاتٍ *** صَوَافٍ لم يُكَدِّرْهَا الدِّلاءُ

وأَنْشَده ابنُ دُرَيْدٍ أَيضًا هكذا قال، والخُرْم: غُدُرٌ يَنخَرِمُ بعضُها إِلى بَعْضٍ.

وأَفْرَطَ الأَمْرَ، إِذا نَسِيَه، فهو مُفْرَطٌ؛ أَي مَنْسِيٌّ وبه فَسَّرَ مُجَاهِدٌ قولَه تَعَالَى: {وَأَنَّهُمْ} مُفْرَطُونَ أَي مَنْسِيُّون. وقال الفَرّاءُ: منسيوُّن في النّارِ، قال: والعَرَبُ تَقُول: أَفْرَطْتُ مِنْهُمْ نَاسًا أَي، خَلَّفْتُهُم ونَسَيتُهم.

وأَفْرَطَ عليه، ونَصُّ ابنِ القَطّاعِ: على البَعِيرِ، إِذا حَمَّلَه ما لا يُطِيقُ، وكلُّ ما جاوَزَ الحَدَّ والقَدْرَ فهو مُفْرِطٌ. يقال: طُولٌ مُفْرِطٌ، وقِصَرٌ مُفْرِطٌ. والاسمُ: الفَرْطُ، بالسُّكُونِ، وقد ذَكَرَه المُصَنِّفُ آنِفًا، ورَوَى زَاذَانُ عَنْ عَلِيٍّ رضِيَ الله عنه أَنَّه قال: «مَثَلِي ومَثَلُكُم كَمَثَلِ عِيسِى صَلَوَاتُ الله عليه، أَحَبَّته طائفةٌ فأَفْرَطُوا في حُبِّه فهَلَكُوا، وأَبْغَضَته طائِفَةٌ فأَفْرَطُوا في بُغْضِهِ فهَلَكُوا».

وأَفْرَطَ الرَّجلُ: أَعْجَلَ بالأَمْرِ. وفي الأَمْرِ: تَقَدَّم قبل التَّثَبُّت.

ومن المَجَازِ: أَفْرَطَ السَّحَابُ بالوَسْمِيِّ، إِذا عَجَّلَتْ به والسَّحَابَةُ تُفْرِطُ الماءَ في أَوَّلِ الوَسْمِيِّ: أَي تُعَجِّلُه وتُقَدِّمُه.

وأَفْرَطَ بيَدِه إِلى سَيْفِه لَيِسْتَلَّهُ: بَادَرَ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.

وقال ابنُ الأَعْرِابِيِّ: أَفْرَط، إِذا أَرْسَلَ رَسُولًا مُجَرَّدًا خاصًّا في حَوَائِجِهِ. قلتُ: وهو مَعْنًى وَاحِدٌ فَرَّقَه المُصَنِّف في ثَلاثِ مَوَاضِعَ. فَرَطَ وفَرَّطَ وأَفْرَط، ولَوْ قالَ: كفرَّط وأَفْرَطَ كان فيه غَنَاءٌ عن هذا التَّطْوِيلِ، مع أَنَّ الأَوَّلَ فيه نَظرٌ.

ويُقَال: تَفارَطَتْهُ الهُمُومُ والأُمُورُ؛ أَي أَصَابَتْه في الفَرْطِ؛ أَي الحِينِ، وفي العُبَابِ: أَي لا تُصِيبُه إِلاّ في الفَرْطِ.

أَو تَفَارَطَتْه: تَسَابَقَتْ إِلَيْه، وهو مِنْ قَوْلِهِم: تَفَارَطَ فُلانٌ، إِذا سَبَقَ وتَسَرَّعَ، قال بَشْرُ بنُ أَبِي خَازمٍ:

يُنَازِعْنَ الأَعِنَّة مُصْغِيَاتٍ *** كما يَتَفَارَطُ الثِّمَدَ الحَمَامُ

وقال النّابِغَةُ الذُّبْيانَيُّ:

وَقَفْتُ بِهَا القَلُوصَ على اكتِئابٍ *** وذاكَ تَفَارُطُ الشَّوْقِ المُعَنِّي

ويُرْوَى: «لِفَارِطِ».

وتَفَارَطَ الشَّيْ‌ءُ: تَأَخَّرَ وَقْتُه فلم يَلْحَقْه مَنْ أَرَادَهُ، ومنه‌ حَدِيثُ كَعْبِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، رَضِيَ الله عنه، في تَخَلُّفه عن غَزْوَةِ تَبُوك: «فلم يَزَلْ بي حَتَّى أَسْرَعُوا، وتَفَارَطَ الغَزْوُ».

وقال بعضُ الأَعْرَابِ: هو لا يُفْتَرَطُ إِحْسَانُه وبَرُّه؛ أَي لا يُفْتَرَضُ، فلا يُخَافُ فَوْتُه، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وصاحِبُ اللِّسَانِ.

والفَرْطَةُ: المَرَّةُ الوَاحِدَةُ من الخُرُوجِ.

وبالضَّمِّ: الاسْمُ، وفِي الصّحاحِ: الفُرْطَةُ، بالضَّمِّ: اسمٌ للخُرُوجِ والتَّقَدُّمِ، والفَرْطَةُ، بالفَتْح: المَرَّةُ الوَاحِدَةُ، مثل غُرْفَةٍ وغَرْفَةٍ وحُسْوَةٍ وحَسْوَةٍ. ومنه‌ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ لعائشَةَ، رَحِمَهُما الله تَعالى: «إِنَّ رَسُولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم نَهَاكِ عن الفُرْطَةِ في البِلاد» ‌انتهَى.

قلتُ: وقال غيرُه: قالت أُمُّ سَلَمَة لعائشَةَ رضِيَ الله عَنْهما: «إِنَّ رَسُولَ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم نَهَاكِ عن الفُرْطَةِ في الدِّين» ‌يعني: السَّبْقَ والتَّقَدُّمَ ومُجاوَزَةَ الحَدِّ.

وقال ابنُ عَبّادٍ: بَعِيرٌ، ورَجُلٌ فرَطِيٌّ، كجُهَنِيٍّ، وعَرَبِيٍّ: صَعْبٌ لم يُذَلَّل. إِلاّ أَنَّ نَصَّ المُحِيط: بالضَّمِّ وبالتَّحْرِيك.

وقولُه تَعَالَى وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ.

بفتْح الراءِ؛ أَي مَنْسِيُّون، كما قالَهُ مُجَاهِدٌ. وقِيلَ: مُضَيَّعُون مَتْرُوكُون. وقال الفَرّاءُ: مَنْسِيُّون في النّارِ، أَو الأَصْلُ فيه أَنَّهُمْ مُقَدَّمُونَ إِلى النّارِ مُعَجَّلُون إِليها، يقال: أَفْرَطَه: قَدَّمَه، نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ وقُرِئَ «مُفْرِطُونَ»، بكَسْر الرّاءِ؛ أَي مُجَاوِزُونَ لما حُدَّ لَهُمْ، وهي قراءَةُ قُتَيْبَةَ وأَبِي جَعْفَرٍ ونَافِعٍ، من أَفْرَطَ في الأَمْرِ، إِذا تَجَاوَزَ فيهِ عن الحَدّ والقَدْرِ. وقُرِئَ أَيضًا: «مُفَرِّطُونَ» بتَشْدِيدِ الرّاءِ المَكْسُورَةِ؛ أَي على أَنْفُسِهِم في الذُّنُوب.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: يُقَال: فَارَطَهُ، وأَلْفَاهُ، وصَادَفَهُ، وفَالَطَه، ولَافَطَه، كُلُّه بمعنىً وَاحِدٍ. وفَارَطَه مُفَارَطَةً وفِرَاطًا: سَابَقَه.

ويُقَالُ: تَكَلَّمَ فُلانٌ فِرَاطًا، ككِتَابٍ؛ أَي سَبَقَتْ منه كَلِمَةٌ، وهو مَصْدَرُ فَارَطَهُ وفِرَاطًا.

وافْتَرَطَ فُلانٌ وَلَدًا؛ أَي ماتَ وَلَدُه، ونَصُّ الصّحاحِ: يُقَال: افْتَرَطَ فُلانٌ فَرَطًا، إِذا ماتَ له وَلَد صَغِير قَبْلَ أَن يَبْلُغَ الحُلُمَ؛ أَي مَبْلَغَ الرِّجَالِ.

* ومّما يُسْتَدْرَكُ عليه:

فَرَّطَه تَفْرِيطًا: قَدَّمَه، أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

يُفَرِّطُهَا عَنْ كَبَّةِ الخَيْلِ مَصْدَقٌ *** كَرِيمٌ وشَدٌّ ليسَ فيهِ تَخَاذُلُ

أَي يُقَدِّمها.

وفَرَّطَه في الخُصُومةِ: جَرَّأَهُ، كأَفْرَطَه، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.

وفَرَطَ في حَوْضِهِ فَرْطًا، إِذا مَلأَهُ، أَو أَكْثَرَ من صَبِّ الماءِ فيهِ.

والفَارِطُ: مُتَقَدِّمُ الوَارِدَةِ ـ كالفَرَطِ ـ والمُتَقَدِّمُ لحَفْرِ القَبْرِ، جَمْعُهُ: فُرَّاطٌ، ومنه قولُ أَبي ذُؤَيْب:

وقد أَرْسَلُوا فُرَّاطَهُمْ فتَأَثَّلوا *** قَلِيبًا سَفَاهَا كالإِماءِ القَوَاعِدِ

كذا في شَرْحِ الدِّيوَانِ، وقد يُجْمَعُ الفَارِطُ على فَوَارِطَ، وهو نَادِرٌ، كفَارِسٍ وفَوَارِسَ، كما في العُبَابِ، وو أَنْشَدَ للأَفْوَهِ الأَوْدِيّ:

كُنّا فَوَارِطَهَا الَّذِين إِذا دَعَا *** دَاعِي الصَّباحِ إِلَيْهم لا يُفْزَعُ

قال شَيْخُنا: يُزَاد على نُظَرَائه الثَّلاثَة، انظر في «ف ر س».

وفُرَّاطُ القَطَا: مُتَقَدِّمَاتُهَا إِلى الوَادِي والماء، نقلهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للرّاجِزِ، وهو نُقَادَةُ الأَسَدِيُّ:

ومنْهَلٍ وَرَدْتُه الْتِقَاطَا *** لم أَرَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا

إِلاّ الحَمَامَ الوُرْقَ والغَطَاطَا

وفَرَطْتُ البِئْرَ، إِذا تَرَكْتَهَا حتّى يَثُوبَ ماؤُهَا. قال ذلِكَ شَمِرٌ، وأَنْشَدَ في صِفَةِ بِئْرٍ:

وَهْيَ إِذا ما فُرِطَتْ عَقْدَ الوَذَمْ *** ذَاتُ عِقَابٍ همشٍ وذَاتُ طَمّ

يقول: إِذا أُجِمّت هذِه البِئْرُ قَدْرَ ما يُعْقَدُ وَذَمُ الدَّلْوِ ثَابَت بماءٍ كَثِيرٍ. والعِقَابُ: ما يَثُوب لها من الماءِ، جمعُ عَقَبٍ.

وأَمّا عَمْرُو بنُ مَعْدِيكَرِبَ:

أَطَلْتُ فِرَاطَهُم حَتّى إِذا مَا *** قَتَلْتُ سَرَاتَهمْ كانَتْ قَطَاطِ

أَي أَطَلْتُ إِمْهَالَهُم والتَّأَنِّيَ بهِم إِلى أَنْ قَتَلْتُهم.

وافْتَرَطَ الرَّجُلُ وُلْدًا: ماتُوا صِغَارًا.

وافْتَرِطَ الوَلَدُ: عُجِّلَ مَوْتُه، عن ثَعْلب.

وأَفْرَطَتِ المَرْأَةُ أَوْلَادًا: قَدَّمَتْهُم. قال شَمِرٌ: سَمِعْتُ أَعْرَابيَّةً فَصِيحَةً تَقُول: افْتَرَطْتُ ابْنَيْن.

وأَفْرَطَ وَلَدًا: ماتَ لهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ. وافْتَرَط أَوْلَادًا: قَدَّمَهم.

وفَرَطَ إِليه مِنِّي كَلامٌ وقَوْلٌ: سَبَقَ، وكذلِك فَرَطَ أَمْرٌ قَبيحٌ؛ أَي سَبَقَ.

وفَرَطَ الرَّجُل فُرُوطًا: شَتَمَ، نَقَلَه ابنُ القَطّاعِ.

وأَمْرُهُ فُرُطٌ، بضَمَّتَيْنِ؛ أَي مَتْرُوكٌ، ومنه قَوْلُه تَعَالَى: {وَكانَ أَمْرُهُ} فُرُطًا أَي مَتْرُوكًا، تَرَكَ فيه الطّاعَةَ وغَفَلَ عنها، وقال أَبو الهَيْثَم: أَمْرٌ فُرُطٌ: مُتَهَاوَنٌ به مُضَيَّع. وقال الزَّجّاجُ: أَي كان أَمْرُه التَّفْرِيطَ، وهو تَقْدِيمُ العَجْزِ. وقال غَيْرُه: أَي نَدَمًا، ويُقَالُ: سَرَفًا.

وأَفَرَطَه: تَرَكه، وخَلَّفَه، كفَرَّطَهُ.

وفي حَدِيثِ عَليٍّ رَضِيَ الله عنه: «لا تَرَى الجَاهِلَ إِلاّ مُفْرِطًا أَو مُفَرِّطًا» ‌أَي مُسْرِفًا في العَمَلِ، أَو مُقَصِّرًا فيه.

وتَفَرَّطَ الشَّيْ‌ءُ: فَاتَ وَقْتُه، كتَفَارَطَ، ومنه‌ الحَدِيثُ: «نَامَ عن العِشَاءِ حَتَّى تَفَرَّطَتْ» ‌أَي فاتَ وَقْتُهَا قَبْلَ أَدائِها.

وافْتَرَط إِليهِ في هذا الأَمْرِ: تَقَدَّمَ وسَبَقَ.

وفُلانٌ مُفْتَرِطُ السِّجَالِ إِلى العُلَا؛ أَي له فِيهِ قُدْمَةٌ قال الشّاعِرُ:

ما زِلْتَ مُفْتَرِطَ السِّجَالِ إِلى العُلَا *** في حَوْضِ أَبْلَجَ تَمْدُرُ التُّرْنُوقَا

وَمفَارِطُ البَلَدِ: أَطْرَافُه، قال أَبُو زُبَيْدٍ:

وسَمَوْا بالمَطِيِّ والذُبَّلِ الصُّ *** مِّ لِعَمْيَاءَ في مَفَارِطِ بِيدِ

وفُلانٌ ذُو فُرْطَةٍ في البِلادِ، بالضَّمِّ، إِذا كانَ صاحِبَ أَسْفَارٍ كَثِيرَةٍ.

والفُرُطُ، بضَمَّتَيْن: الأَمْرُ يُفْرَطُ فيه، وقيلَ: هو الإِعْجَالُ.

وفَرَطَ عليهِ يَفْرُط، آذاهُ.

وفَرَطَ أَيْضًا، إِذا تَوَانَى وكَسِلَ.

والفَرَطُ، مُحَرَّكةً: العَجَلَةُ.

وأَفْرَطَهُ: أَعْجَلَه.

قال سِيبَوَيْه: وقالُوا: فَرَّطتُ إِذا كُنْتَ تُحَذِّرُه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ شَيْئًا، أَو تَأْمُرُه أَن يَتَقَدَّمَ. وهي من أَسْمَاءِ الفِعْلِ الَّذِي لا يَتَعَدَّى.

والإِفْرَاطُ: الزِّيَادَةُ على ما أُمِرْتَ.

وأَفْرَطَ في القَوْلِ: أَكْثَرَ.

والفَرَطُ، محرَّكَةً: الأَمْرُ الَّذِي يُفَرِّطُ فيه صَاحِبُه؛ أَي يُضَيِّع.

وتَفَارَطَت الصَّلاةُ عن وَقْتِهَا: تأَخَّرَت.

وفَرَّطَه عنه تَفْرِيطًا: كَفَّ عنه.

وفَرَّطَه: أَمْهَلَه.

والفِرَاطُ، ككِتَابٍ: التَّرْكُ.

وقال الكسَائِيُّ: ما أَفْرَطْتُ من القَوْمِ أَحَدًا؛ أَي ما تَرَكْت.

وفَرِطَ كفَرِح، إِذا سَبَقَ، لغةٌ في فَرَطَ، كنَصَر، نقله الصّاغَانِيُّ.

وقال أَبو زِيَادٍ: الفُرُطُ بضَمَّتَيْنِ: طَرَفُ العَارِض، عَارِضِ اليَمَامَةِ، وأَنْشَدَ بَيْتَ وَعْلَةَ الجَرْمِيِّ الَّذِي سَبَق ذِكْرُه آنِفًا.

وقد سَمَّوْا فَارِطًا، وفُرَيْطًا كزُبَيْرٍ.

وتَفَارَطَتْهُ الهُمُومُ: لا تَزَالُ تأْتِيه الحِينَ بعدَ الحِينِ. وهو مَجَاز.

وتقول: اللهُمَّ اغْفِرْ لي فَرَطَاتِي أَي ما فَرَطَ مِنِّي، وهو مَجَاز.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


35-تاج العروس (سطع)

[سطع]: سَطَعَ الغبَارُ، كَمَنَعَ، يَسْطَع سَطْعًا، وسُطوعًا، بالضمِّ وسَطِيعًا كأَمِيرٍ، وهو قَلِيلٌ، قال المَرّارُ بن سَعِيدٍ الفَقْعَسِيُّ:

يُثِرْنَ قَسَاطِلًا يَخْرُجْنَ مِنْهَا *** تَرَى دُونَ السَّمَاءِ لها سَطِيعَا

: ارْتَفَعَ أَو انْتَثَرَ، وكَذا البَرْقُ والشُّعَاعُ والصبْحُ والرّائِحَةُ والنُّورُ، وهو في الرّائِحَةِ مَجَازٌ، وقيل: أَصْل السُّطوعِ إِنَّمَا هو في النُّورِ، ثمّ إِنَّهم استَعْمَلوه في مُطْلَقِ الظُّهورِ، قال لَبيدٌ ـ رضِيَ الله عَنْهُ ـ في صِفَةِ الغُبارِ المُرْتَفِعِ:

مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بنَابِتِ عَرْفَجٍ *** كدُخَانِ نَارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَا

وقال سُوَيْدُ بن أَبِي كاهِلٍ اليَشْكُرِيُّ:

حُرَّةٌ تَجْلُو شَتِيتًا وَاضِحًا *** كشُعَاعِ الشَّمْسِ في الغَيْمِ سَطَعْ

ويُرْوَى: «كشُعاعِ البَرْقِ» وقال أَيْضًا يَصِف ثَوْرًا:

كُفَّ خَدّاهُ على دِيبَاجَةٍ *** وِعَلَى المَتْنَيْنِ لَوْنٌ قد سَطَعْ

وقال أَيْضًا:

صاحِبُ الْمِيرَةِ لا يَسْأَمُها *** يُوقِدُ النَّارَ إِذَا الشَّرُّ سَطَعْ

وفي حَدِيثِ ابنِ عبّاسٍ رضِيَ الله عَنْهما: «كُلُوا واشْرَبُوا ما دَامَ الضَّوْءُ ساطِعًا». وقال الشَّمّاخُ يَصف رَفِيقَه:

أَرِقْت له في القَوْمِ والصُّبْحُ ساطِعٌ *** كما سَطَعَ المِرِّيخُ شَمَّرَهُ الغَالِي

وِقالَ ابن دُرَيْدٍ: سَطَع بِيَدَيْهِ سَطْعًا، بالفَتْحِ: صَفَّقَ بهِمَا، والاسم: السَّطَع، مُحَرَّكَةً، أَوْ هو أَنْ تَضْرِبَ بيَدِكَ عَلَى يَدِكَ أَو يَدِ آخرَ أَو تَضْرِبَ شَيْئًا برَاحَتِكَ، أَو أَصابِعِكَ.

وِسَمِعْتُ لوَقْعِه سَطَعًا؛ أَي تَصْوِيتًا شَدِيدًا، مُحَرَّكةً، أَي، صَوْتَ ضَرْبِه أَو رَمْيِه، قالَ اللَّيْث: وإِنّمَا حُرِّكَ لأَنَّه حِكَايَةٌ لا نَعْتٌ ولا مَصْدَرٌ، والحِكَايَاتُ يُخَالَفُ بَيْنَهَا وبَيْنَ النُّعُوتِ أَحْيَانًا.

وِالسِّطَاعُ، ككِتَابٍ: أَطْوَلُ عُمُدِ الخِبَاءِ. قلتُ: وهو مَأْخُوذٌ من الصُّبْحِ السّاطِعِ، وهو المُسْتَطِيل في السَّمَاءِ، كذَنَبِ السِّرْحَانِ، قال الأَزْهَرِيُّ: فلذلِكَ قِيلَ للعَمُودِ من أَعْمِدَة الخِبَاءِ: سِطاعٌ.

وِالسِّطَاعُ: الجَمَلُ الطَّوِيلُ الضَّخْمُ، عن ابنِ عَبّادٍ، ونقله الأَزهريّ أَيضًا، وقال: عَلَى التَّشْبِيهِ بِسِطاعِ البَيْتِ، وقال مُلَيْحٌ الهُذَلِيُّ:

وِحَتَّى دَعَا دَاعِي الفِرَاقَ وأُدْنِيَتْ *** إِلى الحَيِّ نُوقٌ والسِّطاعُ المُحَمْلَجُ

وِالسِّطَاعُ: خشبَةٌ تُنْصَبُ وسَطَ الخِبَاءِ والرُّوَاقِ.

وِقيل: هو عَمُودُ البَيْتِ، كما في الصّحاحِ، وأَنْشَدَ القُطَامِيُّ:

أَلَيْسُوا بالأُلَى قَسَطُوا قَدِيمًا *** على النُّعْمَانِ، وابْتَدَرُوا السِّطَاعَا

وذلِكَ أَنَّهُم دَخَلُوا على النُّعْمَان قُبَّتَه. ثُمَّ قولُه هذا مَعَ قَوْلهِ: «أَطْوَلُ عُمُدِ الخِبَاءِ» وَاحِدٌ، فتأَمَّلْ.

وِالسِّطَاعُ: جَبَلٌ بعَيْنِه قال، قال صَخْرُ الغَيِّ الهُذَلِيُّ:

فَذَاك السِّطَاعُ خِلَافَ النِّجا *** ءِ تَحْسَبُه ذا طِلَاءٍ نَتِيفَا

خِلافَ النِّجَاءِ؛ أَي بعدَ السَّحَاب تَحْسِبُه جَمَلًا أَجْرَبَ نُتِفَ وهُنِئَ.

وِالسِّطَاعُ: سِمَةٌ في عُنُقِ البَعِيرِ، أَو جَنْبِه بالطُّولِ. وقالَ الأَزْهَرِيُّ: هي في لعُنُقِ بالطُّولِ، فإِذا كانَ بالعَرْضِ فهو العِلَاطُ، والَّذِي في الرَّوْضِ: أَنَّ السِطاعَ والرَّقْمَةَ في الأَعْضَاءِ.

وَسَطَّعَهُ تَسْطِيعًا: وَسَمَه بهِ، فهو مُسَطَّعٌ، وإِبلٌ مُسَطَّعَةٌ، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ للَبِيدٍ:

دَرَى باليَسَارَى جِنَّةً عَبْقَرِيَّةً *** مُسَطَّعَةَ الأَعْنَاقِ بُلْقَ القَوَادِمِ

وِالأَسْطَعُ: الطَّوِيلُ العُنُقِ، يُقَال: جَمَلٌ أَسْطَعُ، ونَاقَةٌ سَطْعَاءُ، وقد سَطِعَ، كفَرِحَ. وفي صِفَتِه صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم: «في عُنُقِهِ سَطَعٌ» أَي طُولٌ. وظَلِيمٌ أَسْطَعُ: كذلِكَ.

وِالأَسْطَعُ: فَرَسٌ كان لبَكْرِ بنِ وائِلٍ، وهو أَبو زِيَمَ، وكانَ يُقال له: ذُو القِلادَةِ.

وِالمِسْطَعُ، كمِنْبَرٍ: الفَصِيحُ كالمِصْقَعِ، عن اللِّحْيَانِيِّ، يُقَال: خَطِيبٌ مِسْطَعٌ ومِصْقَعٌ؛ أَي بَلِيغٌ مُتَكَلِّمٌ.

وِالسَّطِيعُ، كأَمِيرٍ: الطَّوِيلُ.

وِمن المَجَازِ: سَطَعَتْنِي رَائِحَةُ المِسْكِ، كمَنَع، إِذا طَارَتْ إِلى أَنْفِكَ، وكذا أَعْجَبَني سُطُوعُ رَائِحَتِهِ، وسَطَعَتْ الرّائِحَةُ سُطُوعًا: فَاحَتْ وعَلَتْ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:

السَّطِيعُ، كأَمِيرٍ: الصُّبْحُ؛ لإِضاءَتِه وانْتِشَارِه، وذلِك أَوَّل ما يَنْشَقُّ مُسْتَطِيلًا، وهو السّاطِعُ أَيْضًا.

وِسَطَعَ لِي أَمْرُكَ: وَضَحَ. عن اللِّحْيَانِيِّ.

وقال أَبو عُبَيْدَةَ: العُنُقُ السَّطْعَاءُ: الَّتِي طالَتْ، وانْتَصَبَت عَلَابِيُّها، ذَكَرَه في صِفاتِ الخَيْلِ.

وِسَطَعَ يَسْطَعُ: رَفَعَ رَأْسَه ومَدَّ عُنُقَه، قال ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الظَّلِيمَ:

فظَلَّ مُخْتَضعًا يَبْدُو فتُنْكِرُه *** حَالًا، ويَسْطَعُ أَحْيَانًا فيَنْتَصِبُ

وعُنُقٌ أَسْطَعُ: طَوِيلٌ مُنْتَصِبٌ.

وِسَطَع السَّهْمُ، إِذا رُمِيَ به فشَخَصَ [في السماءِ] يَلْمَع، قال الشَّمّاخ:

أَرِقْتُ له في القَوْمِ، والصُّبْحُ سَاطِعٌ *** كما سَطَعَ المِرِّيخُ شَمَّرَه الغالِي

شَمَّرَه؛ أَي أَرْسَلَه.

وجَمْع السِّطاعِ بمعنى عَمُود الخبَاءِ: أَسْطِعَةٌ وسُطُعٌ، أَنشدَ ابن الأَعْرَابِيّ.

يَنُشْنَه نَوْشًا بأَمْثَالِ السُّطُعْ

وِالسِّطَاعُ: العُنُق، على التَّشْبِيهِ بسِطَاعِ الخِبَاءِ.

ونَاقَةٌ سَاطِعَةٌ: مُمْتَدَّة الجِرَانِ والعُنُقِ، قال ابنُ فَيْدٍ الرّاجِز:

مَا بَرِحَتْ سَاطِعَةَ الجِرَانِ *** حَيْثُ الْتَقَتْ أَعْظُمُها الثَّمَانِي

ونَاقَةٌ مَسْطوعَةٌ: مَوْسُومَةٌ بالسِّطَاعِ.

وإِبِلٌ مُسَطَّعَةٌ: على أَقْدَار السُّطُعِ من عُمُدِ البُيُوتِ، وبه فُسِّرَ قول لَبِيدٍ الَّذِي تَقَدَّمَ.

وقال اللَّيْث هنا: اسْطَعْتُه، وأَنا أَسْطِيعُه إِسْطَاعًا، ولم يَزِدْ.

قلت: السِّين لَيْسَتْ بأَصْلِيَّة، وسَيُذْكَرُ في تَرْجَمة: «طوع».

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


36-تاج العروس (يلمق)

[يلمق]: اليَلْمَقُ القَباءُ فارِسيٌ مُعَرَّبُ يَلْمَهْ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وأَنْشَدَ لذي الرِّمَّةِ يَصِفُ الثوْرَ الوَحْشِي:

تَجْلُو البَوارِقُ عَنْ مُجْرَنْثِمٍ لَهِقٍ *** كأَنَّه مُتَقَبِّي يَلْمَقٍ عَزَبُ

الجمع: يَلامِقُ قَوْلُه وتَقَدَّمَ في ل معروف ق» هذه إحَالَةٌ باطِلةٌ فإِنّه لم يَذْكر هُنَاك شَيْئًا مِنْ هذا، وإِنَّما اغْتَرَّ بعِبَارَةِ العُبَابِ، فإِنَّه فِيْه: اليَلْمَقُ يفعل وقَدْ ذَكَرْنَاه في تَرْكِيبِ ل معروف ق فتَنَبَّه لذلِكَ، وقَدْ نَبَّه عَلَيه شَيْخُنَا أَيْضًا، ثم إنَّ ذِكْرَ الصَّاغَانيِّ إِيَّاه في ل معروف ق مَحَلّ تأمُّلٍ فإنَّ اللفْظَ مُعَرَّبٌ، والياءُ مِنْ أَصْلِ الكَلِمَةِ، فكيفَ يَزنُهُ بِيَفْعَل فتأَمَّلْ ذلِكَ.

وقالَ عُمَارة في الجَمْعِ.

كأَنَّما يَمْشِيْن في اليَلَامِق

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


37-تاج العروس (برك)

[برك]: البَرَكَةُ محرَّكةً النَّماءُ والزيادَةُ وقالَ الفَرَّاءُ: البَرَكَةُ: السَّعادَةُ وبه فَسَّر قَوْلِه تعالَى: {رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}، قالَ: لأَنَّ مَنْ أَسْعَده الله تعالَى بمّا أَسْعَد بِه النَّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، فقَدْ نَالَ السَّعَادَةَ المُبَارَكَة الدَّائِمَة، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وكذلِكَ الذي في التَّشَهّدِ. والتَّبْريكُ الدُّعاءُ بها نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ للإِنْسانِ أو غَيْرِه، يُقالُ بَرَّكْتُ عَلَيه تَبْرِيكًا أي قُلْتُ له بَارَكَ اللهُ عَلَيكَ؛ وطَعَامٌ بَريكٌ كأنَّه مُبارَكٌ فيه قالَهُ أبو مالِكٍ وقالَ الرَّاغِبُ: ولمَّا كان الخَيْرُ الإِلَهِي يَصْدِر مِنْ حَيْث لا يحبس وعَلَى وَجْهٍ لا يُحْصَى ولا يُحْصَر قِيلَ: لكُلِّ ما يُشَاهَدُ منه زِيَادَة غَيْر مَحْسُوسَة هو مُبَارَك وفيه بَرَكَة وإلى هذه الزِّيَادةِ أُشِيْر بمَا رُوِيَ أنَّه لا يَنْقِص مالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، ويُقالُ: بارَكَ اللهُ لَكَ وفيكَ وعليكَ وبارَكَكَ أي وَضَعَ فيك البَرَكَة، وفي حَدِيثِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ، صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وبارِكْ عَلَى مُحَمدٍ وعلى آلِ محمدٍ أي أَثْبِتْ لَهُ وأدِمْ له ما أَعْطَيْته من التَّشْرِيفِ والكَرَامَةِ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهو مِنْ بَرَكَ البَعِيْرُ إذا أَنَاخَ في مَوْضِعٍ فلَزمَه، وقَوْله تعالى: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النّارِ}، قالَ: النَّارُ نُوْر الرَّحْمنِ، والنُّوْر هو اللهُ تَبَارَك وتعالَى {وَمَنْ حَوْلَها} مُوْسَى والمَلائِكَة، ورُوِي عَن ابنِ عَبَّاس مِثْل ذلِكَ. وقالَ الفَرَّاءُ: إنَّه في حَرْفِ أُبَيٍّ أَنْ بُورِكَت النارُ ومَنْ حَولِها، قالَ: والعَرَبُ تقُولُ باركَكَ اللهُ وبارَكَ فيكَ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: ومَعْنَى بَرَكَة اللهِ عُلُوُّه عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ. وقالَ أبو طالِبِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ:

بُورِكَ المَيِّتُ الغَرِيبُ كما بُو *** رِك نَفْحُ الرُّمّانِ والزَّيْتون

وفي حدِيثِ الدُّعاء: «اللهُمَّ بارِكْ لنا في المَوْتِ» أي فيمَا يُؤَدِّ بنا إليه المَوْت وقَوْل أبي فِرْعَون:

رُبَّ عجوزٍ عِرْمسٍ زَبُونِ *** سَرِيعة الرَّدِّ على المِسْكِينِ

تحسَبُ أنَّ بُورِكَا يكْفِيني *** إذا غَدَوتُ باسطًا يَمِيني

جَعَلَ بُورِكًا اسْمًا وأَعْرَبه. وقَوْلَه تعالَى: {فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} يَعْنِي لَيْلَة القَدْرِ لِمَا فِيها مِنْ فيوضِ الخَيْرَاتِ؛ وتَبارَكَ اللهُ أي تَقَدَّسَ وتَنَزَّهَ وتَعالَى وتعاظَمَ صِفَةٌ خاصَّةٌ باللهِ تعالى لا تكونُ لغَيْرهِ؛ وسُئِلَ أبو العَبَّاسِ عَنْ تَفْسِير {تَبارَكَ اللهُ} فقالَ: ارْتَفَعَ؛ وقالَ الزَّجَّاجُ: تَبارَكَ تفاعَلَ مِنَ البَرَكَةِ، كذلِكَ يقُولُ أَهْلُ اللغَةِ، وقالَ ابنُ الأَنْبَارِي: {تَبارَكَ اللهُ} أي يُتَبَرَّكُ باسْمِه في كلِّ أَمْرٍ؛ وقالَ الليْثُ في تَفْسِير {تَبارَكَ اللهُ} تَمْجِيْد وتعظِيْمٌ. وقالَ الجَوْهَرِيُّ: (تَبارَكَ اللهُ) أي بارَكَ مِثْل قاتَلَ وتَقَاتَلَ إلَّا أنَّ فاعَلَ يَتَعَدَّى وتفاعَلَ لا يَتَعَدَّى؛ وتبارَكَ بالشي‌ءِ أي تَفَاءَلَ به عَنِ اللَّيْثِ؛ وبَرَكَ البَعيرُ يَبْركُ بُروكًا بالضمِ وتَبْرَاكًا بالفَتحِ اسْتَنَاخَ كبَرَّكَ قالَ جَرِيرٌ:

وقَدْ دَمِيَتْ مَوَاقِعُ رُكْبَتَيْهَا *** مِنَ التَّبْرَاكِ ليْسَ مِن الصَّلَاةِ

وأبْرَكْتُه أنا فَبَرك هو وهو قَلِيْلٌ والأَكْثَرُ أَنَخْتُه فاسْتَنَاخَ وبَرَكَ بُروكًا ثَبَتَ وأقامَ وهو مَأْخُوذٌ مِنْ بَرَكَ البَعِيْرُ إذا أَلْقَى بَرْكَهُ بالأَرْضِ أي صَدْرَهُ، والبَرْكُ إبِلُ أهلِ الحِواءِ كُلُّها التي تَروحُ عليهم بالِغَةً ما بَلَغَتْ وإنْ كانَت أُلوفًا قالَ أبو ذُؤَيْبٍ:

كأنَّ ثِقَالَ المُزِنِ بَيْن تُضارِعٍ *** وشابَةَ بَرْكٌ مِنْ جُذَامَ لَبِيْجُ

أو البَرْكُ جَمَاعَةُ الإِبِلِ البارِكَةُ أو الإِبِل الكَثِيرَةُ ومِنْه قَوْل مُتَمم بنُ نُوَيْرَةَ اليَرْبُوعيُّ رَضِيَ اللهُ تعالَى عَنْه:

إذا شَارِفٌ منهنَّ قامَتْ فَرَجَّعَتْ *** حَنِينًا فأَبْكَى شَجْوُها البَرْكَ أَجْمَعَا

وقِيلَ: البَرْكُ يُطْلَق عَلَى جَمِيْع ما بَرَكَ مِنْ جَمِيْعِ الجِمالِ والنُّوقِ عَلَى الماءِ أو الفَلاةِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ أو الشَّبَعِ الواحِدُ بارِكٌ مِثْل تَجْرٍ وتاجِرٍ وهي بارِكَةٌ بهاءٍ الجمع: بُرُوكٌ بالضَّمِ هو جَمْع بَرْكٍ، والبَرْكُ: الصَّدْرُ أي صَدْر البَعِيْرِ هذَا هو الأَصْلُ فيه كالبِرْكَةِ بالكَسْرِ وفي الصِّحَاحِ إذا أَدْخَلْتَ عَلَيه الهاءَ كَسَرْتَ وقلْتَ برْكة، قال النَّابِغَةُ الجَعْدِيُّ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه:

في مِرْفَقَيْهِ تَقاربٌ ولَهُ *** بِرْكَةُ زَوْرٍ كَجبأَةِ الخَزْمِ

ورجُلٌ مُبْتَرِكٌ مُعْتَمِدٌ على شي‌ءٍ مُلِحٌّ وهو مَجَازٌ قالَ:

وعامُنَا أَعْجَبَنَا مُقَدَّمُهْ *** يُدْعَى أَبا السَّمْحِ وقِرْضابٌ سِمُهْ

مُبْتَرِكٌ لكلِّ عَظْمٍ يَلْحُمُهْ

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: رجل بُرَكٌ كصُرَدٍ بارِكٌ على الشي‌ءِ وأنْشَدَ:

بُرَكٌ على جَنْبِ الإِناءِ مُعَوَّدٌ *** أَكلَ البِدَانِ فلَقْمُهُ مُتدارِكُ

وقالَ أبو زَيْدٍ: البِرْكَةُ بالكسرِ أن يَدُرَّ لَبَنُ الناقَةِ وهي بارِكَةٌ فيُقيمَها فَيَحْلُبَها قالَ الكُمَيْتُ:

وحَلَبْتُ برْكَتها اللَّبُو *** نَ لَبونَ جُودِكَ غَيْر ماضِرْ

وقالَ اللَّيْثُ: البِرْكَةُ ما وَلِيَ الأَرضَ من جِلْدِ صَدْرِ البَعِيرِ ونَصّ العَيْن مِنْ جِلْد بَطْنِ البَعِيْرِ وما يَلِيْهِ مِنَ الصَّدْرِ، واشْتِقَاقه مِنْ مَبْرَكِ البَعِيْرِ كالبَرْكِ بالفتحِ وقالَ غَيْرُه: البَرْكُ: كَلْكَلُ البَعِيْر وصَدْرُه الذي يَدُوك به الشَّيْ‌ء تَحْتَه؛ يُقالُ: وَدَكّ ببَرْكِه وأَنْشَدَ في صِفَةِ الحَرْبِ وشدَّتِها:

فأَقْعَصَتْهُمْ وحَكَّتْ بَرْكَها بِهِمُ *** وأَعْطَتِ النَّهْبَ هَيَّانَ بن بَيَّانِ

وقِيلَ: البِرْكَة جَمْعُ البَرْكِ كحِلْيَةٍ وحَلْيٍ أو البَرْكُ للإِنْسانِ والبِرْكَةُ بالكسرِ لما سواهُ وفي المُفرَدَاتِ أصل البَرْكِ صَدْرُ البَعيْرِ، وإن اسْتُعْمِلَ في غيره، ويقال له بَرْكٌ أو البرْكُ باطن الصَّدْرِ وقال يعقوب وسط الصَّدرِ والبركة ظاهِرُهُ وأَنْشَدَ يَعْقُوب لابنِ الزِّبَعْرَى:

حِيْن حَكَّتْ بقُباءٍ بَرْكَها *** واسْتَحَرَّ القَتْل في عَبْدِ الأَشَلّ

وشاهِدُ البرْكَة قَوْل أبي دُوَادٍ:

جُرْشُعًا أَعْظَمُه جُفْرَتُه *** ناتِئُ البرْكَةِ في غَيْرِ بَدَدْ

والبِرْكَةُ مِثْل الحَوْضُ يُحْفَرُ في الْأَرْضِ لا يُجْعَلُ لَهُ أَعْضَادٌ فَوْق صَعِيْد الأَرْضِ كالبِرْكِ بالكسرِ أَيْضًا وهذه عَنِ اللَّيْثِ وأَنْشَدَ:

وأَنْتِ التي كَلَّفْتِنِي البِرْكَ شاتيًا *** وأَوْرَدْتِنِيْه فانْظُرِي أَيَّ مَوْرِدِ

الجمع: بِرَكٌ كعِنَبٍ يُقالُ: سُمِّيَتْ بذلِكَ لإقامَةِ المَاءِ فيها.

وقالَ ابنُ الأَعْرّابيِّ البِرْكَةُ تَطْفَحُ مِثْل الزَّلَفِ، والزَّلَفُ وَجْه المِرْآة. قالَ الأَزْهَرِيُّ: ورَأَيْت العَرَبَ يُسَمُّون الصَّهاريجَ التي سُوِّيت بالآجُرِّ وضُرِّجَتْ بالنُّورَةِ في طرِيقِ مكَّة ومناهِلِها بِرَكًا، واحِدَتها بِرْكَةٌ، قالَ: ورُبَّ برْكَةٍ تكونُ أَلْف ذِرَاعٍ وأَقَلّ وأَكْثَر، وأَمَّا الحِيَاض التي تسوّى لماءِ السَّمَاءِ ولا تُطْوَى بالآجُرِّ فهي الأَصْنَاعُ، واحِدُها صِنْعٌ.

والبِرْكَةُ نَوْعٌ من البُروكِ وفي العُبَابِ: اسمٌ للبُروكِ مِثّل الركْبَة والجِلْسَة، يُقالُ: ما أَحْسَن بِرْكَة هذا البَعِيْر، قالَ ابنُ سِيْدَه: ويُسَمُّون الشاةُ الحَلُوبَةُ برْكَةً، قالَ غَيْره: والإِثْنَتَانِ بِرْكَتَانِ والجمع: بِرْكاتٌ بالكسرِ، والبِرْكَةُ أَيْضًا مُسْتَنْقِعُ الماءِ عَن ابنِ سِيْدَه، قالَ والبِرْكَةُ الحَلْبَةُ من حَلَبِ الغَداةِ وقد تُفْتَحُ قالَ: ولا أَحقها، وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: البِرْكَةُ بُرْدٌ يَمَنِيٌّ وأَنْشَدَ لمالِكِ بنِ الرَّيْبِ:

إِنَّا وَجَدْنا طَرَدَ الهَوَامِلِ *** بَيْن الرَّسِيْسَين وبَيْن عاقِلِ

والمَشْيَ في البِرْكَةِ والمَرَاجِلِ *** خَيْرًا مِنَ التأنانِ في المَسَائِلِ

وعِدَّة العامِ وعامٍ قَابِلِ *** مَلْقُوحَة في بَطْنِ نارٍ حائِلِ

هكذَا رَوَاه إبْراهِيم الحَربيّ عَنْه، قالَ الصَّاغَانيُّ: لم أَجْدِ المَشْطورَ الثالِثَ الذي هو مَوْضِعُ الاسْتِشْهادِ في هذهِ الأُرْجُوزَةِ.

والبُركَةُ: بالضمِ طائِرٌ مائِيٌّ صغيرٌ أَبْيَضُ الجمع: بُرَكٌ كصُرَدٍ وعَلَيه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ، زَادَ غَيْرُه: وأَبْرَاكٌ وبُرْكانٌ مِثْل أَصْحابٍ ورُغْفانٍ ويُكْسَرُ قالَ ابنُ سِيْدَه: وعِنْدِي أنَّ أَبْراكًا وبُرْكانًا جَمْعُ الجَمْعِ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لزُهَيْرِ يَصِفُ قطَاةً فَرَّتْ مِنْ صَقْرٍ إلى ماءٍ ظاهِرٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ:

حتَّى اسْتَغَاثَتْ بماءٍ لا رِشَاءَ لَهُ *** مِنَ الأَبَاطِحِ في حافاتِهِ البُرَكُ

وفَسَّرَ بَعْضُهم هذا البَيْتَ فقالَ: البُرَكُ: الضَّفادِعُ، قالَ الصَّاغَانيُّ: والحَمالَةُ نَفْسُها تُسَمَّى بُرْكَةً، أو هو رِجالُها الذينَ يَسْعَوْنَ فيها ويَتَحَمَّلونَها أي الحَمَالَة قالَ الشَّاعِرُ:

لقَدْ كانَ في لَيْلَى عَطَاء لبُرْكةٍ *** أَناخَتْ بكم تَرْجو الرَّغائِبَ والرَّفْدا

ويُقالُ: البُرْكَةُ: الجَمَاعَةُ من الأَشْرافِ لسَعْيِهم في تَحَمّلِ الحَمَالات وهم الجُمَّةُ أَيْضًا، والبُرْكَةُ: ما يأخُذُه الطَّحَّانُ على الطَّحْنِ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ، وأَيْضًا الجَماعَةُ يَسْألونَ في الدِّيَّةِ وبه فسّرَ أَيْضًا قَوْل الشاعِرِ السَّابِقِ، ويُثَلَّثُ وبَرْكَةُ الأُرْدُنِيُّ بالضم مِنْ أَهْلِ الشَّأْمِ رَوَى عن مَكْحولٍ وعَنْه مُحَمَّدُ بنُ مهاجِر قالَهُ البُخَارِيُّ وابنُ حَبَّانٍ.

وبَرَكَةُ بنُ الوَلِيْدِ أبو الوَلِيدِ المُجاشِعِيُّ مُحرَّكةً تابِعِيُّ ثِقَةٌ رَوَى عَن ابنِ عَبَّاس وعَنْه خالِدُ الحَذَّاء قالَهُ ابنُ حَبّانٍ، ومِنَ المَجَازِ ابْتَرَكوا في الحَرْبِ إذا جَثَوْا للرُّكَبِ فاقْتَتَلوا ابْتِرَاكًا وهي البَروكاءُ كجَلُولاءَ والبَرَاكاءُ بالفتحِ والضمِ وهو الثَّبَاتُ في الحَرْبِ عَنِ ابنِ دُرَيْدٍ؛ زَادَ غَيْرُه: والجِدّ قالَ: وأَصْلُه مِنَ البُرُوكِ؛ قالَ بِشْرُ بنُ أبي حَازِمٍ:

ولا يُنْجِي مِنَ الغَمَراتِ إلَّا *** بَرَاكاءُ القتالِ أو الفِرَار

والبَراكاءُ: ساحَةُ القِتَالِ. وقالَ الرَّاغِبُ بَراكاءُ الحَرْبِ وبُرُوكاؤُها للمَكَانِ الذي يَلْزَمُه الأَبْطَالُ. وابْتَرَكوا في العَدْوِ أي أسْرَعوا مُجْتَهِدينَ قالَ زُهَيْرٌ:

مَرًّا كِفاتًا إذا ما الماءُ أَسْهَلَها *** حتَّى إذا ضُرِبَت بالسُّوطِ تَبْتَرِكُ

كما في الصِّحَاحِ، والإِسْمُ البُروكُ بالضمِ قالَ:

وهنَّ يَعْدُون بنَا بُرُوكًا

وابْتِرَاكُ الفَرَسِ أن يَنْتَحِي عَلَى أَحَدِ شِقَّيْه في عَدْوه، وهو مِنْ ذلِكَ. وابْتَرَكَ الصَّيْقَلُ مالَ على المِدْوَسِ في أَحَدِ شِقَّيْه، ومِنَ المَجازِ: ابْتَرَكتِ السَّحابَةُ إذا اشْتَدَّ انْهِلالُها وسَحَابٌ مُبَرَّكٌ وهو المُعْتَمِدُ الذي يقشرُ وَجْه الأَرْضِ قالَ أَوْسُ بنُ حُجْرٍ يَصِفُ مَطَرًا:

يَنْفِي الحَصَى عَنْ جدِيدِ الأَرْضِ مُبْتَرِكًا *** كأنَّه فاحِصٌ أو لاعِبٌ دَاحِي

وابْتَرَكَ السَّحَابُ أَلَحَّ بالمَطَرِ، وابْتَرَكَتِ السماءُ دامَ مَطَرُها كَبَرَكَتْ وأبْرَكَتْ. قالَ الصَّاغَانيُّ: وابْتَرَكَ أَصَحّ، ومِنَ المَجَازِ: ابْتَرَكَ الرَّجُلُ في عِرْضِهِ وكذَا ابْتَرَكَ عليه إذا تَنَقَّصَهُ وشَتَمَهُ واجْتَهَدَ في ذَمِّهِ. والبَرُوكُ: كصَبورٍ امْرَأَةٌ تَزَوَّجُ ولَها ابنٌ كَبيرٌ بالِغٌ كما في الصِّحَاحِ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: البُرُوكُ: بالضم الخَبيصُ قالَ: وقالَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ لامْرَأَتِه: هَلْ لكِ في البُرُوكِ؟ فأَجَابَتْه إنَّ البُرُوكَ عَمَلُ المُلُوكِ، والإِسمُ منه البَريكَةُ كسَفِينَةٍ وعَمَلَه البُرُوك وليْسَ هو الرُّبُوك، وأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ الخَبِيْص عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْه، وأَهْدَاها إلى أَزْوَاجِ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وأَمَّا الرَّبِيْكَةُ فالحَيْس، أو البَريكُ كأَمِيرٍ الرُّطَبُ يُؤْكَلُ بالزُّبْدِ قالَهُ أبو عَمْرو، والبِرَاكُ ككِتابٍ سَمَكٌ بَحْرِيٌّ له مَناقِيرُ سودٌ جَمْعُهَا أي البَرِيكُ والبِرَاكُ بُرْكٌ بالضم ويُقالُ: بَرَكَ بُروكًا إذا اجْتَهَدَ وأَنْشَدَ ابنُ الأعْرَابيِّ:

وهنَّ يَعْدُون بنَا بُرُوكًا

وقِيلَ: البُرُوكُ هنا اسمٌ مِنَ الابْتِرَاكِ وقَدْ تَقَدَّم قَرِيبًا.

ويُقالُ: في الحَرْبِ بَرَاكِ بَرَاكِ كقَطامِ أي ابْرُكُوا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. والبُرَاكِيَّةُ كغُرابِيَّةٍ ضَرْبٌ من السُّفُنِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. والبِرْكانُ بالكسر شَجَرٌ رملِيِّ يَرْعاهُ بَقَرُ الوَحْشِ كأنَّ وَرَقَه وَرَقَ الآسِ وكذلِكَ العَلْقَى قالَهُ أبو عُبَيْدَة؛ أو هو الحَمْضُ أو كُلُّ ما لا يَطُولُ ساقُهُ مِنْ سَائرِ الأَشْجَارِ، أو هو نَبْتٌ يَنْبُتُ بنَجْدٍ في الرَّمْلِ ظاهِرًا عَلَى الأَرْضِ له عُرُوقٌ دِقَاقٌ، حَسَنُ النَّبَاتِ وهو مِنْ خَيْرِ الحَمْض قالَ الشاعِرُ:

بحَيْث الْتَقَى البِرْكانُ والحَاذُ والغَضَى *** بِبِيْشَة وارْفَضَّتْ تِلاعًا صدورُها

أو هو مِن دِقِّ النَّبتِ وهو الحَمْضُ أو مِنْ دِقّ الشَجَرِ قالَ الرَّاعِي:

حتَّى غَدا خَرِضًا طَلَّا فَرائِصُه *** يَرعَى شَقَائقَ مِنْ عَلْقَى وبِرْكانِ

وعَزَاهُ أبو حَنِيْفَة للأَخْطَلِ وهو للرَّاعِي كما حَقَّقَه الصَّاغَانيُّ، الواحِدَةُ بِركانَةٌ بهاءٍ، أو البرْكانُ: جَمْعٌ وواحِدُهُ بُرَكٌ كصُرَدٍ وصِرْدانٍ بُرْكانٌ كعُثْمانَ أبو صالِح التابِعِيُّ مولَّى عُثْمَان رَضِيَ اللهُ تعالَى عَنْه، رَوَى عَنْ أبي هَرَيْرَة، وعَنْه أبو عَقِيْل قالَهُ ابنُ حَبَّان؛ ويُقالُ للكِساءِ الأَسْودِ البَرَّكانُ والبَرَّكانِيُّ مُشَدَّدَتَيْنِ وبياءِ النِّسْبَةِ في الأَخِيْر نَقَلَهما الفَرَّاءُ، وزَادَ الجَوْهَرِيُّ فقال: والبَرْنَكانُ كزَعْفَرانٍ والبَرْنَكانِيُّ بياءِ النِّسْبَةِ وأَنْكَرَهما الفَرَّاءُ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: البرنَكَاءُ بالمدِّ يُقالُ: كِسَاء بَرْنَكانيّ بزِيَادَةِ النُّونِ عِنْدَ النِّسْبَةِ قالَ: ولَيْسَ بعرَبيٍّ الجمع: بَرانِكُ وقَدْ تَكَلَّمَتْ به العَرَبُ، وبَرْكُ الغِمَادِ بالكَسرِ ويُفْتَحُ والغِمادُ بالكسرِ والضمِ وقَدْ مَرَّ ذِكْره في الدَّال موضع واخْتَلَفُوا في مكانِهِ فقِيلَ: هو باليَمَنِ قالَهُ ابنُ بَرِّيّ، أو وَراءَ مَكةَ بخَمْسِ لَيالٍ بَيْنها وبَيْنَ اليَمَنِ ممَّا يَلِي البَحْر أو بَيْن حَلْيٍ وذَهْبان، ويُقالُ: هُنَاك دُفِنَ عَبْدُ اللهِ بنُ جدعان التيمِيّ وفيه يقُولُ الشاعِرُ:

سقى الأمطار قبر أبي زهير *** إلى سقفٍ إلى بِرْك الغمادِ

أو أقْصَى مَعْمورِ الأَرْضِ ويُؤَيّدُه قَوْل مَنْ قالَ إِنَّه وَادِي بَرَهُوت الذي تَحْبَسُ في بِئرِهِ أَرْوَاحُ الكفارِ كما جاء في الحدِيثِ، وفي كتابِ ليْسَ لابنِ خالَويْه أَنْشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ لنَفْسِه:

وإذا تَنَكَّرَتِ البِلا *** دُ فأَوْلِهَا كَنَفَ البِعادِ

واجعَلْ مُقامَك أو مَقَرَّكَ *** جانِبَيْ بَرْكِ الغِمَادِ

لستَ ابن أم القاطنين *** ولا ابنَ عمٍ للبلاد

وانظر إلى الشمس التي *** طَلَعَت على ارمٍ وعادِ

هل تؤنسنَّ بقية *** مِنْ حاضرٍ منهم وبادِ

كلُّ الذَّخائِرِ غَيْرَ تق *** وَى ذِي الجَلَالِ إلى نَفَاذِ

فقُلْنا: مَا برك الغِمَاد فقالَ: بقْعَة مِنْ جهَنَّم. وفي كتابِ عياض بِرَكُ الغِمَاد بفتحِ الباءِ عَنِ الأَكْثَرِين، وقَدْ كسَرَها بَعْضُهُم وقالَ: هو مَوْضِعٌ في أقاصِي أَرْضِ هَجَرَ وأَنْشَدَ يَاقُوت للرَّاجِزِ:

جاريةٌ من أشعَرِ أوعكِّ *** بين غمادَيْ ببة وبَرْكِ

هفهافةُ الاعلى رداحُ الوركِ *** ترج وركًا رحرحان الركِّ

في قَطَنٍ مثل مداكِ الرهكِ *** تجلو بحماوَين عند الضحكِ

أبرد من كافورةٍ ومِسكِ *** كأنَّ بين فكها والفكّ

فارة مسكٍ ذبحت في سُكّ وقِيلَ: بَرْكٌ بالفتح موضع في أقاصِي هجر وهو الذي ذَكَرَه عياضٍ ويُحَرَّكُ ووَادِي البِرك بالكسرِ موضع بين مَكَّةَ وزَبِيدَ وهو الذي تقدَّم بَيْن حَلْيٍ وذَهْبان، وهو نِصْفُ الطَّرِيقِ بَيْن حَلْيٍ ومكَّةَ وإيَّاه أرَادَ أبو دعبل الجُمَحِيُّ في قَوْلِه يَصِفُ ناقَتَه:

وما شَرِبَتْ حتَى ثنيتُ زِمامَها *** وخفتُ عليها أن تُجَنّ وتُكْلَما

فقلت لها: قد قعت غير ذميمة *** وأصبح وادي البِرْك غيثًا مُديّما

وقِيلَ: الذي عَنَى بِه أبو دعبل في شِعْرِه هو ماءُ لبَني عُقَيْلٍ بنَجْدٍ كما في العُبَابِ، وبرك أَيْضًا وادٍ بالمَجازةِ لبَنِي قُشَيْرٍ بأَرْضِ اليَمَامَةِ يَصُبُّ في المَجَازةِ؛ وقِيلَ: هو لفران، ويَلْتَقِي هو والمَجَازةِ في مَوْضِع يُقالُ لَه أجلى وحَضْوَضَى، فأَمَّا برك فيَجْرِي في مَهَبِّ الجَنُوبِ ويُرْوَى بالفتحِ أَيْضًا وبرك أيْضًا مَوْضِعانِ آخَرانِ أحَدُهما بالقُرْبِ مِنْ السوارقية كَثِيْر النَّبَاتِ مِنَ السّلْم والعُرْفُط وبه مِيَاه، والثاني بِركُ ونعامُ ويقال لهما أَيْضًا البركان قالَ الشاعِرُ:

ألا حبّذا من حبّ عفراءَ مُلتقى *** نعام وبركٍ حيث يلتقيان

وقالَ نَصْرٌ في كتابه: هما البركان أهلمها هَزّان وجَرم وبِرْكُ النَّخْلِ وبِرْكُ التِّرْياعِ مَوْضِعانِ آخَرَانِ ذَكَرَهما نَصْر في كتابِه، وطَرَفُ البِرْكِ موضع قُرْبَ جَبَلِ سَطاعِ على عَشَرَةِ فَراسِخَ من مكةَ وبهاءٍ بِركَةُ أُمِّ جعفرٍ زبيدة بنت جعفر أم محمد الأَمِيْن بطريقِ مكةَ بين المُغِيثَةِ والعُذَيْبِ مَشْهُورة وبِرْكَةُ الخَيْزُرانِ مَوْضِعٌ بفَلَسْطِينَ قُرْبَ الرَّمْلَةِ وبِرْكَةُ زَلْزَلٍ ببَغْدادَ بَيْنَ الكَرخِ والصرَاةِ وبابِ المحوَّلِ وسُوَيْقَةِ أبي الوَرْدِ تُنْسَبُ إلى زلزِل غُلامَ لعيسى بن جعفر بن المنصور كانَ مِنَ الأَجْوَادِ يَضْرِبُ العُوْدَ جَيِّدًا حَفَرَ هذه البِرْكَةَ وَوَقَفَها عَلَى المُسْلِمين ونُسِبَت المَحَلَّة بأَسْرِها إليها قالَ نَفْطَوَيْه النَّحَوِيُّ:

لو أنَّ زُهيرًا وامرأ القيسِ أبصرا *** ملاحَةَ ما تحويه بركةُ زلزلِ

لما وصفا سَلمى ولا أم جُندُبٍ *** ولا أكثرا ذرى الدخول فحوملِ

وبِرْكَةُ الحَبَشِ خلفُ القَرَافَةِ وقفٌ على الأَشْرَافِ وكانَتْ تُعْرَفُ ببِركَة المَعَافر وبِركَة حِمْيَر وليْسَتْ ببِركَة للماءِ وإنَّما شُبِّهَتْ بِها، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرَها في ح ب ش وبرْكَةُ الفِيلِ ويُقالُ برْكَةُ الأَفْيلة وهي اليَوْم في دَاخِلِ المَدِيْنَةِ وعَلَيها قُصُورٌ ومَبَانٍ عَظِيْمة لأَهْلِها وبِرْكَةُ رُمَيْسٍ كزُبَيْرٍ وبِرْكَةُ جُبِّ عُمَيْرُةَ وهي بِرْكَةُ الحاجِّ عَلَى ثَلاث ساعاتٍ مِنْ مِصْرَ كُلُّها بمِصْرَ، وقَدْ فاتَه مِنْها شَيْ‌ءٌ كَثِيرٌ كما سَيَأْتِي في المُسْتَدْرَكاتِ.

وبُرَيْكٌ كَزُبَيْرٍ بلد باليَمَامةِ وبُرَيْكٌ جَماعةٌ محدِّثونَ والبُرَيْكانِ أخَوانِ من فُرْسانِهم قالَ أبو عُبَيْدَة: وهُمَا بارِكٌ وبُرَيْكٌ فغَلَبَ بُرَيْك، إِمَّا لِلَفْظِهِ أَو لسِنَّهِ وأمَّا لخِفَّة اللفْظِ.

ويومُ البُرَيْكَيْنِ من أيامِهِم وبَرْكُوتُ كصَعْفُوقٍ أي بالفتحِ وهكذَا ضَبَطَه يَاقُوت أَيْضًا وهو نادِرٌ لِمَا سَبَقَ قرية بِمِصْرَ يُنْسَبُ إليها رَبَاحُ بنُ قصير اللخَمِيُّ البَرْكُوتيُّ، وأبو الحَسَنِ عليُّ بنُ مُحَمَّد بنِ عَبْدِ الرَّحْمن بنِ سَلَمَة الخولانيُّ البَرْكُوتيُّ المِصْرِيُّ رَوَى عَنْ يُوْنس بن عَبْدِ الأَعْلَى ماتَ في سَنَة 329. والبِرَكُ كعنَبٍ كأنَّه جَمْع بركة سِكَّةٌ بالبَصْرَةِ مَعْرُوفَةٌ نَقَلَه يَاقُوت. والمُبَارَكُ نَهْرٌ بالبَصْرَةِ وأَيْضًا نَهْرٌ بواسِطَ حَفَرَه خالِد القَسْرِي، عليه قَرْيَةٌ ومَزَارِعٌ، قالَ أبو فِرَاس المبارك كاسْمِه يُسقَى به حَرث الطَّعامِ ولا حق الجبَالِ قالَهُ نَصْرٌ ومِنْها أبو دَاوُدَ وسُلَيْمَانُ بنُ مُحَمَّدِ المبارك عَنْ أبي شهاب الحنَّاط، ومُحَمَّد بن يُونس المبَارَك عَنْ يَحْيَى بن هاشِمِ السَّمْسَارِ وآخَرُونَ؛ والمُبَارَكَةُ قرية بخُوارَزْمَ المُبَارَكِيَّةُ قَلْعَةٌ بناها المُبارَكُ التُّرْكِيُّ مَوْلَى بني العَبَّاسِ والمَبْرَكُ كمَقْعَدٍ موضع بِتهامَةَ بَرَكَ الفِيْل فيه لمَّا قَصَدُوا مَكَّة حَرَسَها اللهُ تَعالَى نَقَلَه الصَّاغَانيُّ، والمَبْرَكُ دارٌ بالمدينةِ المُشَرَّفَةِ بَرَكَتْ بها ناقةُ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لمَّا قَدِمَ إلَيها نَقَلَها أَهْلُ السِّيْرَةِ، ومَبْرَكانِ بِكسرِ النَّونِ موضع قالَ ابنُ حَبِيْب: قُرْبَ المَدِيْنةِ المُشَرَّفَةِ قالَ كُثَيِّر:

إليك ابنَ ليلى تمتطي العيُس صحبتي *** ترامى بِنا من مَبْرَكَين المناقلُ

وقالَ ابنُ السَّكِّيْتِ: أَرَادَ مَبْرَكًا ومُنَاخًا، وهُمَا نقبان بنجْدٍ أَحَدَهُما على ينبع بَيْنَ مَصَبيّ يَلِيْل وفيه طَرِيق المَدِيْنَةِ مِنْ هُنَاكَ، ومُنَاخ عَلَى قَفا الأَشْعَرِ، والمناقل: المنازل وتِبْراكٌ بالكسرِ موضع بحِذَاءِ تِعْشَارٍ وقِيلَ: ماءٌ لبَنِي العَنْبَرِ قالَ ابنُ مُقْبِلٍ:

وحيًّا على تبراكَ لم أَرَ مثلهم *** أخًا قطعت منه الحبائل مفردا

وقالَ المرارُ بنُ مُنْقِذٍ:

هل عَرَفْت الدَّارَ أَمْ أَنْكَرْتها *** بَيْن تِبْرَاكٍ فشسَّيْ عَبَقُرْ

وقالَ جَرِير:

إذا جلستْ نساءُ بني نُمير *** على تبراك خَبَّثَتِ الترابا

فلَّما قالَ جَرِير هذا القَوْل صَارَ تِبْرَاك مسَبَّة لهم، فإذا قِيلَ لأحَدِهم: أَيْنَ تَنْزِلُ؟ قالَ: عَلَى ماءَةٍ ولا يقُوْل عَلَى تِبْرَاك: وقالَ أبو عَمْرٍو: وبُرَك كزُفَرَ اسمُ ذِي الحِجَّةِ مِنْ أَسْمَاءِ الشهُورِ القَدِيْمةِ ومنه قَوْل الشاعِرِ:

أَعُلُّ على الهِنْدِيّ مَهْلًا وكَرَّةٍ *** لَدَى بُرَكٍ حتَّى تَدُورَ الدَّوائرُ

والبُرَكُ: لَقَبُ عَوْفٍ بنِ مالكِ بنِ ضُبَيْعَةَ بنِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَة. ومِنَ المَجَازِ: الجَبانُ، وأَيْضًا: الكابوسُ وهو النِّيدِلانُ كالبَارُوكِ فيهما ويُقالُ: بارَكَ عليه إذا واظَبَ عَلَيه. قالَ اللِّحْيَانيُّ: بارَكتُ عَلَى التجارَةِ وغَيْرِها أي واظَبْتُ وتَبَرَّكَ به أي تَيَمَّنَ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. يُقالُ هو يُزَارُ ويُتَبَرَّكُ به والبَرْوَكَةُ كقَسْوَرَةٍ القُنْفُذَةُ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ وأَنْشَدَ ابنُ برزج:

كأَنه يطلب شَأْوَ البروكه

وسَيَأْتي في «ب ن ك».

وقالَ الفَرَّاءُ: المُبْرِكَةُ كمُحْسِنَةٍ اسمُ النارِ وقالَ أبو زَيْدٍ: البُورَكُ بالضم البُورَقُ الذي يُجْعَلُ في الطحِيْنِ.

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:

ما أَبْرَكَهُ جاءَ فعلُ التَّعَجُّبِ عَلَى نيَّةِ المَفْعُولِ.

والمُتَبَارِكُ: المُرْتَفِعُ عَنْ ثَعْلَب؛ وحَكَى بَعْضُهم تبارَكْتُ بالثَّعْلَب الذي تبارَكْتَ به.

وبَرَّكَتِ الإِبِل تَبْرِيكًا أَنَاخَت قالَ الرَّاعِي:

وإنْ بَرَّكَت منها عَجاساءُ جِلَّةٌ *** بمَحْنِيَةٍ أَجْلَى العِفَاسَ وبَرْوعَا

وبَرَكَتِ النَّعامةُ جَثَمَتْ على صدْرِها، ويُقالُ: ليْسَ له مَبْرَكُ جَمَلٍ والجَمْعُ مَبَارِك. وفي حدِيثِ عَلْقَمَة: «لا تَقْرَبْهم فإنّ على أبوابِهِمِ فِتَنًا كمبَارِكِ الإِبِلِ؛ هو المَوْضِعُ الذي يبترك فيه أَرَادَ أنَّها تُعْدِي كما أنَّ الابِلَ الصِّحَاحَ إذا أُنِيْخَت في مَبَارِكِ الجَرْبَى جَرِبَتْ.

وابْتَرَكَهُ ابْتِرَاكًا: صَرَعَه وجَعَلَه تحتَ بَرْكهِ؛ ومِنَ المَجَازِ: بَرْك الشتَاءِ: صَدْره قالَ الكُمَيْتُ:

واحْتَلَّ برْكُ الشتاءِ مَنْزِلَه *** وباتَ شَيْخُ العِيالِ يَصْطَلِبُ

يَصِفُ شِدَّة الزَّمانِ وجَدْبه لأنَّ غالِبَ الجَدْبِ إنَّما يكونُ في الشتَاءَ ومِنْ ذلِكَ سُمِّي العَقرَبُ بُرُوكًا وجُثُومًا، لأنَّ الشتَاءَ يَطْلَعُ بطُلُوعهِ. وقالَ ابنُ فارِس: في أَنْواءِ الجَوْزاءِ نُؤٌ يُقالُ لَه البُرُوك، وذلِكَ أنَّ الجَوْزَاءَ لا تَسْقطُ أَنْواؤُها حتَّى يكونَ فيها يَوْمٌ ولَيْلَةُ تَبْرُكُ الإِبِلُ مِنْ شدَّةِ بردِهِ ومطرِهِ، وقالَ أبو مالِكٍ: طعامٌ بَرِيكٌ في مَعْنَى مُبَارَك فِيْه، وعَنِ ابنِ الأَعْرَابيِّ: البِرْكَةُ بالكسْرِ مِنْ بُرُودِ اليَمَنِ. وقالَ اللحْيَانِيُّ: بارَكْتُ على التجارَةِ وغَيْرِها أي واظَبْتُ، ونقل الضم في البركة لجنس من برود اليمن وبَرَكَ للقتَالِ كضَرَبَ وعَلِمَ لغتان. وذُو بُرْكان: بالضمِ مَوْضِعٌ قال بِشْرُ بنُ أبي خازِمٍ:

تَرَاها إذا ما الآلُ خَبَّ كأَنَّها *** فَرِيد بذِي بُرْكَانِ طاوٍ ومُلَمَّعُ

وبِركة: أُمُّ أَيْمَن مولدة رَسُول اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم ورَضِيَ عنها وحاضِنَته.

وبَرْك بن وَبْرَة أَخُو كَلْبِ بنِ وَبْرَة جاهِلِيٌّ وبَرْك لقَبُ زِيَادِ ابنِ أَبيه لقَّبَهُ به أَهْلُ الكُوْفَةِ، والبُرَكُ بنُ عَبْدِ اللهِ كصُرَدٍ وهو الذي ضَرَبَ مُعَاوِية ففَلَقَ أَليته لَيْلَة مَقْتَلِ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تعالَى عنه هكذَا ضَبَطَه الحافِظُ وقَدْ سموا بُرْكان ومُباركًا وبَرَكات وبُرْك الحجر وبركة العربِ وبِرَك خزيمةِ وبُرك جعفر وبركةَ السّبعِ وبركة إبراهيم وبركة عطاف قرى في الغَرْبيةِ والبِرْك أَيْضًا قَرْيتان بالمنوفية وبِرك الخيم وبِركة الطين مِنْ أَعْمالِ نهيا بالجيزةِ وبركة حسان أَوَّل منزلة الحاج مِصْر إذا أقَامُوا مِن بركة الجبّ ذَكَرَه شَمْسُ الدِّين بنِ الظَّهِيْر الطَّرَابلسيّ في مَنَاسِكِه، وكنية مبارك قَرْيةٌ بمِصْرَ مِنْ أَعْمَالِ البحيرةِ، وبُرَيْكٌ كزُبَيْرٍ بَلَدٌ مِنْ أَعْمالِ اليَمامةِ ثم مِنْ أَعْمَالِ الخضرمة ذَكَرَه نَصْرُ وأبو الطَّيَّبِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ المُبَارَكِيٌّ شَيْخ الحاكِمِ مَنْسُوبٌ إلى جدِّه، وكذَا الحَسَنُ بنُ غالِب بن عليٍّ بنِ المبَارَكِ المُبَاركيّ شَيْخ قاضي المارستان، وبِركة الضبع مِنْ أَعْمَالِ شلشلمون بالشَّرْقيةِ وبِركة فِياض مِنْ أَعْمالِ المَنْصُورةِ وبركة الصيد، وبركة طموية، وبركة بيديف، قُرَى بالفَيُّوم الأَخيرةُ وَقْف الظاهر برقوق.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


38-تاج العروس (عل علل علعل)

[علل]: العَلُّ والعَلَلُ، محرَّكةً: الشَّرْبَةُ الثانيةُ، أَو الشُّرْبُ بَعْدَ الشُّرْبِ تِباعًا، عَلَلٌ بَعْدَ نَهَلٍ.

عَلَّ بنَفْسِه يَعِلُّ ويَعُلُّ، مِن حَدَّيْ ضَرَبَ ونَصَرَ، يَتعدَّى ولا يَتعدَّى، يقالُ: عَلَّتِ الإِبِلُ تَعِلُّ وتَعُلُّ إِذا شَرِبَت الشُّرْبةَ الثانية.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: عَلَّ الرَّجُلُ يَعِلُّ من المَرَضِ، وعَلَّ يَعِلُّ ويَعُلُّ من عَلَل الشَّرابِ.

قالَ ابنُ بَرِّي: وقد يُسْتَعْمَل العَلَلُ والنَّهَل في الرَّضاع كما يُسْتَعْمَل في الوِرْد، قالَ ابنُ مُقْبل:

غَزَال خَلاء تَصَدَّى له *** فتُرْضِعُه دِرَّةً أَو عِلالًا

واسْتَعْمَلَهما بعضُ الأَغْفالِ في الدُّعاء والصَّلاة، فقال:

ثُمَّ انْثَنَى منْ بعد ذا فَصَلَّى *** على النَّبِيِّ نَهَلًا وعَلَّا

وعَلَّه يَعِلُّه ويَعُلُّه، من حَدَّي ضَرَبَ ونَصَرَ، عَلًّا وعَلَلًا وأَعَلَّهَ إِعْلالًا: سَقَاه السَّقْيَة الثانِيَة.

قالَ الاصْمَعِيُّ: إذا وَرَدَتِ الإبِلُ الماءَ فالسَّقْيَة الأُوْلَى النَّهَل والثانِيَةُ العَلَل. وأَعَلُّوا: عَلَّتْ إِبِلُهُم أَي شَرِبَتْ العَلَل.

وهذا طعامٌ قد عُلَّ منه أَي أُكِلَ منه، عن كراعٍ.

وتَعَلَّلَ بالأَمْرِ أَي تَشاغَلَ، أَو تَعَلَّلَ به تَلَهَّى وتَجَزَّأَ، كما في الصِّحاحِ، كاعْتَل، قالَ:

فاسْتَقْبَلَتْ لَيْلَة خِمْسٍ حَنَّان *** تَعْتلُّ فيه برَجِيع العِيْدان

أَي أَنَّها تَشاغَلُ بالرَّجِيعِ الذي هو الجِرَّة تُخْرِجها وتَمْضَغُها.

وتَعَلَّلَ بالمرأَةِ: تَلَهَّى بها، ومنه سُمِّي العَلُّ للَّذي يَزُورهُنَّ.

وتَعَلَّلَتِ المرأَةُ من نِفاسِها أَي خَرَجَتْ منه وطَهُرت وحَلَّ وَطْؤُها كتَعَالَّتْ، وتُخَفَّفُ اللّامُ أَيْضًا.

وعَلَّلَهُ بطَعامٍ وغيرِهِ كالحدِيثِ ونحوِه تَعْلِيلًا: شَغَلَهُ به، كما تُعَلِّلُ المرأَةُ صَبيَّها بشي‌ءٍ من المَرَقِ ونحوِه ليَجْزأَ به عن اللَّبَن، قالَ جَرِيرٌ:

تُعَلِّل وهي ساغِبَةٌ بَنِيها *** بأَنْفاسٍ من الشَّبْمِ القَراحِ

والتَّعِلَّةُ، بفتحٍ فكَسْرٍ فتَشْدِيدِ لامٍ مَفْتُوحة، والعَلَّةُ، بالفتحِ، والعُلالَةُ، بالضمِ: ما يُتَعَلَّلُ به الصَّبيُّ ليَسْكت.

وفي حدِيثِ أَبي حَثْمة يَصِف التَّمْرَ: «تَعِلَّة الصَّبيِّ وقِرَى الضَّيْفِ».

والعُلالَةُ أَيْضًا والعُراكَةُ والدُّلاكَةُ: ما حُلِبَ بعد الفِيقَةِ الأُوْلَى، هكذا في النسخِ، ونَصُّ ابنِ الأَعْرَابيِّ: ما حَلَبْتَ قبْل الفِيقَة الأُوْلَى وقَبْل أَنْ تَجْتَمِعَ الفِيقَة الثانِيَةَ، وفي الصِّحاحِ: هي الحَلْبةُ بَيْن الحَلْبَتَيْن. وأَيْضًا: بقِيَّةُ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ وغيرِهِ مِن بقِيَّةِ السَّيْرِ وجَرْي الفَرَسِ، ويقال لأَوَّل جَرْي الفَرَسَ بُدَاهَة، وللَّذي يكونُ بَعْده: عُلالَة، قالَ الأَعْشَى:

إِلَّا بُدَاهة أَو عُلا *** لَة سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَة

والعُلالَةُ أَيْضًا: بقِيَّةُ كلِّ شي‌ءٍ كعُلالَةِ الشاةِ لبَقِيَّةِ لَحْمها، وعُلالَة الشيخِ بقِيَّةَ قُوَّتِه، وكلُّ ذلِكَ مجازٌ.

والعُلالَةُ أَيْضًا: أَنْ تُحْلَبَ الناقةُ أَوَّلَ النَّهارِ ووَسَطَهُ وآخِرَهُ، والوُسْطَى: هي العُلالَةُ، وقد يُدْعَى كُلُّهُنَّ عُلالَةً.

وقيلَ: العُلالَةُ اللَّبَنُ بعْدَ حَلْبِ الدِّرَّةِ تُنْزِله الناقةُ، قالَ:

أَحْمِلُ أُمِّي وهِيَ الحَمَّالَه *** تُرْضِعُني الدِّرَّةَ والعُلاله

ولا يُجازَى والِدٌ فَعَالَه

وقد عالَّتِ الناقَةُ، هكذا في النسخِ، وصَوَابُه: وقد عالَلْتُ الناقَةَ، كما هو نَصُّ اللَّحْيانيّ، والاسمُ العِلَالُ ككِتابٍ: جَلَبْتها صَباحًا ونِصْفَ النَّهارِ.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: العِلالُ الحَلْبُ بَعْدَ الحَلْب قبْل اسْتِيجاب الضَّرْع للحَلْب بكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وقالَ بعضُ الأَعْراب:

العَنْزُ تَعْلَمُ أَنِّي لا أُكَرِّمُها *** عن العِلالِ ولا عن قِدْرِ أَضْيافي

والعَلُّ: مَنْ يَزُورُ النِّساءَ كَثيرًا ويَتَعَلَّلُ بِهِنَّ أَي يَتَلَهَّى.

وأَيْضًا: التَيْسُ الضَّخْمُ العَظيمُ، عن ابنِ سِيْدَه، قالَ:

وعَلْهَبًا من التُّيوس عَلَّا

وأَيْضا: القُرادُ الضَّخْمُ، والجَمْعُ عِلالٌ، وقيلَ: هو القُرادُ المَهْزول، كما في الصِّحاحِ، وقيلَ: هو الصَّغيرُ الجِسْم منه، فهو ضِدٌّ.

والعَلُّ أَيْضًا: الرَّجلُ الكَبيرُ المُسِنُّ الصَّغيرُ الجثَّةِ، كما في الصِّحاحِ، وقيلَ: هو النَّحيفُ الضَّعِيفُ، يُشَبَّه بالقُرادِ فيقَالُ: كأَنَّه عَلٌّ.

وقيلَ: هو الرَّقيقُ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ: الدَّقيقُ الجِسْمِ المُسِنُّ من كلِّ شي‌ءٍ، كما في المحْكَمِ، قالَ المُتَنَخَّلُ الهُذَليُّ:

لَيْسَ بِعَلٍّ كبيرٍ لا شَبابَ له *** لَكِنْ أُثَيْلَةُ صافي الوَجْهِ مُقْتَبَل

أَي مُسْتَأْنَف الشَّباب.

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: العَلُّ مَنْ تَقَبَّضَ جِلْدُهُ مِن مَرَضٍ.

والعَلَّةُ: الضَّرَّةُ، ومنه بَنُو العَلَّاتِ، وهم بَنُو أُمَّهاتٍ شَتَّى من رَجُلٍ واحِدٍ، سُمِّيَتْ بذلِكَ لأَنَّ التي تَزَوَّجَها عَلَى أُولى قد كانَتْ قَبْلَها ناهِلٌ ثم عَلَّ من هذه، ووَقَعَ في الصِّحاحِ والعُبَابِ: لأَنَّ الذي.

وقالَ ابنُ بَرِّي: وإِنَّما سُمِّيَتْ عَلَّةٌ لأَنَّها تُعَلُّ بعْدَ صاحِبَتِها مِنَ العَلَلِ.

ويقالُ: هُما أَخَوانِ من عَلَّةٍ. وهُما ابْنا عَلَّة، وهُمْ مِن عَلَّاتٍ، وهم إِخْوةٌ من عَلَّةٍ وعَلَّاتٍ، كُلُّ هذا من كَلامِهم.

ونَحْن أَخَوانِ مِنْ عَلَّة، وهُما أَخَوانِ مِنْ ضَرَّتَيْن، ولم يقُولُوا مِن ضَرَّةٍ.

وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: هم بَنُو عَلَّة وأَوْلادُ عَلَّة، وأَنْشَدَ:

وهُمْ لمُقِلِّ المالِ ولا دُعَلَّةٍ *** وإِنْ كانَ مَحْضًا في العُمومةِ مُخْوِلا

وفي الحدِيثِ: «الأَنْبياءُ أَوْلادُ عَلَّاتٍ»، معْناه أَنَّهم لأُمَّهاتٍ مُخْتلِفة ودِينُهم واحِدٌ، كذا في التَّهْذيبِ. وفي النِّهايةِ: أَرَادَ أَنَّ إِيمانَهم واحِدٌ وشَرائِعهم مُخْتلِفَة.

وقالَ ابنُ بَرِّي: يقالُ لبَنِي الضَّرَائرِ بَنُو عَلَّات، ولبَنِي الأَمِّ الواحِدَةِ بَنُو أُمٍّ، ويَصيرُ هذا اللَّفظُ يُسْتَعْمل للجَماعَةِ المُتَّفِقِيْن، وأَبْناءُ عَلَّاتٍ يُسْتَعْمَل في الجِماعَةِ المُخْتلِفِيْن.

والعِلَّةُ، بالكسرِ: معْنًى يَحلُّ بالمَحلِّ فَيَتَغَيَّر به حالُ المَحلِّ، ومنه سُمِّي المَرَضُ عِلَّةً لأَنَّ بحلولِهِ يَتَغَيَّرُ الحالُ مِنَ القُوَّةِ إِلى الضَّعْفِ، قالَهُ المَناوِيُّ في التَّوْقيفِ.

عَلَّ الرجُلُ يَعِلُّ، بالكسرِ، عَلًّا فهو عَلِيلٌ، واعْتَلَّ اعْتِلالًا، وأَعَلَّه اللهُ تعالَى أَي أَصابَهُ، بعِلَّةٍ، فهو مُعَلٌّ وعَلِيلٌ، ولا تَقُلْ مَعْلُولٌ.

وفي المُحْكَمِ: واسْتَعْمَل أَبو إِسحقَ لَفْظَ المَعْلُولِ في المُتَقَارِبِ مِنَ العَرُوضِ فقالَ: وإِذا كانَ بناءُ المُتَقارِبِ على فَعُولن فلا بُدَّ من أَنْ يَبْقَى فيه غَيْر مَعْلُولٍ، وكذلِكَ اسْتَعْمَله في المُضَارِعِ فقالَ: أُخِّر المُضارِعُ في الدَّائِرةِ الرَّابعَةِ لأَنَّه وإِن كانَ في أَوَّلهِ وَتِدٌ فهو مَعْلُولُ الأَوَّلِ، وليسَ في أَوَّلِ الدَّائِرَةِ بَيْتٌ مَعْلُولُ الأَوَّل، وأَرَى هذا إِنَّما هو على طَرْحِ الزَّائدِ كأَنَّه جاءَ على عُلَّ وإِن لم يُلْفَظ به وإِلَّا فلا وَجْه له، والمُتَكَلِّمُونَ يقولونَها ويَسْتَعْملونَها في مِثْلِ هذا كَثِيرًا، قالَ: وبالجملَةِ ف لَسْتُ منه عَلَى ثِقَةٍ ولا على ثَلَجِ لأَنَّ المعْرُوفَ إِنَّما هو أَعَلَّه اللهُ فهو مُعَلٌّ إِلَّا أَنْ يكونَ على ما ذَهَبَ إِليه سيْبَوَيْه من قولِهم مَجْنُون ومَسْلُول، من أَنَّه جاءَ على جَنَنْته وسَللته، وإن لم يُسْتَعْملا في الكَلامِ اسْتُغْنِي عنهما بأَفْعَلْت. قالَ: وإِذا قالُوا جُنَّ وسُلَّ فإِنَّما يقُولُون جُعِلَ فيه الجُنُون والسِّلُّ كما قالُوا حُزِنَ وفُسِلَ.

والعِلَّةُ أَيْضا: الحَدَثُ يَشْغَلُ صاحِبَهُ عن وجهِهِ، كما في الصِّحاحِ والعُبَابِ، وفي المحْكَمِ: عن حاجَتِهِ، كأَنَّ تلك العِلَّة صارَتْ شُغْلًا ثانيًا مَنَعَه عن شُغْله الأَوَّلِ. وفي حدِيثِ عاصِمِ بنِ ثابِتٍ: «ما عِلَّتي وأَنَا جَلْدٌ نَابلٌ؟» أَي ما عُذْرِي في تَرْكِ الجهادِ ومَعي أُهْبة القِتالِ، فوضَعَ العِلَّةَ مَوْضِع العُذْرِ، ومنه المَثَلُ: لا تَعْدَمُ خَرْقاءُ عِلَّةً، يقالُ: هذا لكلِّ مُعْتَذِرٍ مُقْتَدِرٍ؛ أَي لِكلِّ من يَعْتَلُّ ويَعْتذرُ وهو يَقْدِرُ.

وقد اعْتَلَّ الرجُلُ عِلَّةً صعْبَةً، وهذه عِلَّتُهُ أَي سَبَبُه.

وفي المحْكَمِ: وهذا عِلَّةٌ لهذا؛ أَي سَبَبٌ له. وفي حدِيثِ عائِشَةَ: «فكانَ عبدُ الرَّحْمن يَضْرِب رِجْلِي بِعِلَّة الرَّاحِلَة» أَي بسَبَبِها، يُظْهِر أَنَّه يَضْرِب جَنْب البَعيرِ برِجْلِهِ وإنَّما يَضْرِبُ رِجْلِي.

وعِلَّةُ بنُ غَنْمٍ بنِ سَعْدِ بنِ زيْدٍ بَطْنٌ في قُضاعَةَ أَحدُ رِجَالات العَرَبِ.

وقولُهُم على عِلَّاتِه، بالكسرِ؛ أَي على كلِّ حالٍ، قالَ زُهيرُ:

إِنَّ البَخِيلَ مَلُومٌ حيثُ كانَ ولَ *** كِنَّ الجَوَادَ على عِلَّاتِه هَرِمُ

قد بَلَوْناه على عِلَّاتِه *** وعلى المَيْسُورِ منه والضُّمُرْ

والمُعَلِّلُ، كمُحَدِّثٍ: دافِعُ جابِي الخَراجِ بالعِلَلِ، كما في المحْكَمِ. وأَيْضًا: من يَسْقِي مَرَّةً بعدَ مَرَّةٍ، كما في الصِّحاحِ، وأَيْضًا: مَنْ يَجْنِي الثَّمَر مَرَّةً بعدَ مَرَّةٍ، كما في الصِّحاحِ.

ومُعَلِّلٌ: يومٌ من أَيامِ العَجوزِ السَّبْعة التي تكونُ في آخِر الشِّتاءِ لأَنَّه يُعَلِّل الناسَ بشي‌ءٍ من تَخْفِيفِ البَرْد، وهي: صِنٌّ وصِنَّبْرٌ ووَبْرٌ ومُعَلِّلٌ ومُطْفئُ الجَمْر وآمِرٌ ومُؤْتَمِر، وقيلَ: إنّما هو مُحَلّل وقد تقدَّمَ ذلِكَ مِرَارًا.

وعَلَّ، هذا هو الأصْل ويُزادُ في أَوْلِها لامٌ تَوْكيدًا، هكذا قالَهُ بعضُ النَّحويِّيْن، وأَمَّا سِيْبَوَيْه فجَعَلَهما حَرْفًا واحِدًا غَيْر مَزِيدٍ: كَلِمَةُ طَمَعٍ وإِشْفاقٍ، ومعْناها التَّوَقُّع لمرجوٍّ أَو مَخُوف، وهو حَرْفٌ مِثْل إنَّ ولَيْتَ وكأَنَّ ولكِنَّ إلَّا أَنَّها تَعْمَل عَمَلَ الفِعْل لشبههنَّ له فتَنْصِب الاسمَ وتَرْفَع الخَبَر كما تَعْمَل كانَ وأَخَواتُها من الأَفْعالِ، وبعضُهم يخفِضُ ما بعْدَها فيقولُ: لَعَلَّ زيدٍ قائمٌ، وعَلَّ زيدٍ قائمٌ، سَمِعَه أَبو زَيْدٍ من بَنِي عُقَيْل، وفيه لُغاتٌ تُذْكَرُ في «ل موضع ل» قَرِيبًا.

واليَعْلُولُ: الغَديرُ الأَبيضُ المُطَّرِّدُ، نَقَلَه الصَّاغانيُّ عن الأَصْمَعِيّ.

وقالَ السُّهَيْليُّ في الرَّوضِ: اليَعالِيلُ الغدْرَان، واحِدُها يَعْلُول لأَنَّه يعلُّ الأَرْضَ بمائِهِ.

واليَعالِيلُ: الحَبابُ؛ أَي حَبابُ الماءِ واحِدُه يَعْلُول، كما في المحْكَمِ.

ويقالُ: اليَعالِيلُ نُفَّاخاتٌ تكونُ فَوْقَ الماءِ، كما في الصِّحاحِ، زادَ غيرُه، من وَقْع المَطَرِ، وأَنْشَدَ الصَّاغانيُّ لكَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه:

تنفي الرياحُ القذى عنه وأَفْرَطَهُ *** مِنْ صَوْبِ ساريةٍ بيضٌ يَعالِيل

ويُرْوَى: تَجْلُو. ورَوَى الأَصْمَعِيُّ: مِنْ نَوءِ ساريةٍ.

قالَ البَغْدادِيُّ في شرْحِه على قَصيدَةِ كَعْبٍ بعْدَ نَقْلِه هذا القَوْل: فعلى هذا يكونُ على حَذْفِ مُضافٍ أَي بيضٌ ذات يَعالِيل.

واليَعْلُولُ: السَّحابُ، ونَصُّ السَّهيليّ في الرَّوضِ: اليَعالِيلُ السَّحابُ، وزَادَ ابنُ سِيْدَه: المُطَّرِدُ وقالَ غيرُه السّحابُ الأَبيضُ.

وقالَ نَفْطَوَيْه في شرْحِ البَيْتِ: بيضٌ يَعالِيل يعْنِي سَحائِب بِيض ولم يَزِد على هذا.

قالَ أَبو العبَّاسِ الأحْولِ في شرْحِ القَصيدَةِ: اليَعالِيلُ سَحابٌ بِيضٌ لم يَعْرِف لها أَبو عُبَيْدَة واحِدًا، وقد قالَ بعضُ الأعْرَابِ: واحِدُها يَعْلُول.

وقالَ الشارِحُ البَغْدادِيُّ: وبيضٌ فاعِلُ أَفْرَطه ووَصْفها بالبَياضِ لتكون أَكْثَر مَاء، يقالُ: بَيَّضْت الإِناءَ إذا مَلَأْته من الماءِ.

وقالَ الجوْهَرِيُّ: اليَعالِيلُ سَحائِبُ بعضُها فَوْقَ بعضٍ، الواحِدُ يَعْلُول، وأَنْشَدَ للكُمَيْت:

كأَنَّ جُمَانًا واهِيَ السِّلْكِ فَوْقَه *** كما انهلَّ مِنْ بِيضٍ يَعالِيلَ تَسْكُب

أَو القِطْعَةُ البَيْضاءُ منه أَي من السَّحابِ، كما في المُحْكَم.

وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: اليَعْلُولُ المَطَر بعدَ المَطَرِ، والجَمْعُ اليَعالِيلُ.

واليَعْلُولُ، من الصِّبْغِ. ما عُلَّ مَرَّةً بعدَ أُخْرَى، يقالُ: صِبْغٌ يَعْلُولٌ، كما في العُبابِ.

وقالَ عبدُ اللَّطِيف البَغْدادِيّ: ثوْبٌ يَعْلولٌ إذا صُبغَ وأُعِيْد مَرَّةً أُخْرَى.

والبعيرُ ذو السَّنامَيْنِ: يَعْلُولٌ وقِرْعَوْسٌ وعُصْفُوريٌّ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.

والعُلْعُلُ، كهُدْهُدٍ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ، وزَادَ كراعٌ: مِثْل فَدْفَدٍ، ونَقَلَه ابنُ فارِسَ أَيْضًا: اسمُ الذَّكَرِ جَمِيعًا أَو هو إذا أَنْعَظ. قالَ ابنُ خَالَوَيْه: العُلْعُل الجُرْذَان إذا أَنْعَظ. أَو ما إذا أَنْعَظ لم يَشْتَدَّ. وأَيْضًا: القُنْبَرُ الذَّكَرُ كالعَلْعالِ، ووَقَعَ في بعضِ نسخِ الصِّحاحِ: العَلْعَلُ الذَّكَرُ من القَنَافِذِ، وعنه نَقَلَ صاحِبُ اللّسانِ، والصَّحيحُ مِن القَنَابِرِ كما في نسْخَتِنا بخطِّ ياقوت.

وأَيْضًا: الرَّهابَةُ التي تُشْرِفُ على البَطْنِ من العَظْمِ كأَنَّه لسانٌ، كما في الصِّحاحِ.

وقيلَ: هو رأسُ الرَّهابَةِ من الفَرَسِ.

وقيلَ: طوَفُ الضلعِ الذي يُشْرِف على الرَّهابَةِ وهي طَرَفُ المَعِدة، والجَمْعُ عُلُلٌ وعُلٌّ وعِلٌّ، وفَتَحَ ابنُ فارِسَ عَيْن الأَخِيْرتين.

والعُلْعُولُ، كسُرْ سورٍ: الشَّرُّ الدَائمُ: والاضْطِرابُ والقِتالُ، عن الفرَّاءِ، يقالُ: إنَّه لفي عُلعُولِ شَرٍّ وزُلْزُولِ شَرٍّ أَي في قِتالٍ واضْطرابٍ، قالَ أَبو حِزَامٍ العُكْلِيُّ:

أَيُّها النَّأْنَاء المُسَافِهُ في العُلْ *** عُولِ إن لَاغَفَ الوَرَى الجُعْسُوسَا

وتَعِلَّةٌ اسمُ رجُلٍ: قالَ:

ألْبانُ إِبْلِ تَعِلَّةَ بنِ مُسافِرٍ *** ما دامَ يَمْلِكُها عَلَيَّ حَرَامُ

وعَلْ‌عَلْ: زَجْرٌ للغَنَمِ، عن يَعْقوب. زَادَ في العُبَابِ: والإِبِلِ.

وقالَ أَبو عَمْرٍو: العَليلَةُ: المرأةُ المُطَيَّبَةُ طيبًا بعدَ طِيبٍ، قالَ: وهو مِنْ قَوْلِ الفَرَزْدق:

ولا تُبْعِدِيني من جَنَاكِ المُعَلَّل

فيمَنْ رَوَاه بالفتحِ؛ أَي المُطَيَّب مَرَّةً بعدَ أُخْرَى.

والعِلِّيّة، بكسرتينِ واللامُ والياءُ مُشَدَّدَتان وتُضَمُّ العينُ أَي مع كسرِ اللّام المُشَدّدة: الغُرْفةُ، الجمع: العَلَالِيُّ.

ويقالُ: هو من عِلِّيَّةِ قومِهِ وعُلِّيَّتِهم بالكسرِ والضمِ، وعِلْيَتِهم بالكسرِ مُخَفَّفَةْ، وعِلِّيِّهم وعُلّيِّهِم، بالكسر والضمِ وتَشْديدِ اللَّامَيْن وحَذْف التاءِ، يَصِفُه بالعُلُوِّ والرِّفْعَةِ وقَوْلُه تعالَى: {كَلّا} إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ قيلَ: الواحِدُ عِلِّيٌّ، كسِكِّينٍ.

وعِلِّيَّةٌ بزيادَةِ الهاءِ، وعُلِّيَّةٌ، بضمِ العَيْن، قيلَ: هو مَكانٌ في السَّماءِ السَّابعَةِ تَصْعدُ إليه أَرْواحُ المؤْمِنين، وقيلَ: هو اسمُ أَشْرف الجِنَانِ، كما أَنَّ سِجِّين اسمُ شَرِّ مَواضِع النِّيْرانِ، وقيلَ: بل ذلِكَ على الحَقِيقَةِ اسمُ سُكَّانِها، وهذا أَقْرَب في العَرَبيَّةِ إذ كانَ هذا الجَمْع يَخْتصُّ بالنَّاطِقين، أَو جَمْعٌ بِلا واحِدٍ وسيُعادُ في المُعْتَلِّ أَيْضًا.

والعَلْعَلانُ: شَجَرٌ كبيرٌ وَرَقه مِثْل وَرَقِ القرم.

وتَعَلْعَلَ: اضْطَرَبَ واسْتَرْخَى.

وعَلَلانُ، محرَّكةً: ماءٌ بِحِسْمَى.

وعَلْعَالٌ: جَبَلٌ بالشامِ، كما في العُبَابِ.

وامرأَةٌ عَلَّانَةٌ: جاهِلَةٌ وهو عَلَّان. قالَ أَبُو سَعيدٍ: يقالُ: أَنَّا عَلَّان بأَرْضِ كذا وكذا؛ أَي جاهِلٌ، وامرأَةٌ عَلَّانة أَي جاهِلَةٌ، قالَ: وهي لُغَةٌ معْرُوفَةٌ.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: لا أَعْرِف هذا الحَرْفَ ولا أَدْرِي مَنْ رَوَاه عن أَبي سَعِيدٍ.

وعُلَيْلٌ، كزُبَيْرٍ: اسمٌ منهم: والِدُ القطبِ أَبي الحَسَنِ عليّ المَدْفُون بساحِلِ أَرْسوف، ويقالُ فيه عُلَيْم بالمِيمِ أَيْضًا.

والحَسَنُ بنُ عُلَيْلٍ الفنري الاخْبَارِيّ عن أَبي نَصْر التمَّار وابنُ أَخِيه أَحْمدُ بنُ يزيدِ بنِ عُلَيْلٍ من شيوخِ ابن خزيمَةَ ووَلَده عُلَيْل بنُ أَحْمدَ رَوَى عن حَرْمَلَةَ وغيرِه.

وعَلَّ الضارِبُ المَضْروبَ إذا تابَعَ عليه الضَّرْبَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وهو مجازٌ، ومنه حدِيثُ عطاء أَو النخعيّ [في] «رجُلٍ ضَرَبَ بالعَصَا رجُلًا فقَتَله قالَ: إذا عَلَّه ضَرْبًا ففيهِ القَوَدُ» أَي إذا تابَعَ عليه الضربَ، مِنْ عَلَلِ الشُّرْبِ.

وفي المَثَلِ: عَرَضَ عليَّ سَوْمَ عالَّةٍ إذا عَرَضَ عليك الطَّعامَ وأَنْت مُسْتَغْنٍ عنه، بمعْنَى قَوْلِ العامَّةِ: عَرْضٌ سابِرِيٌّ أَي لم يُبالِغْ لأنَّ العالَّةَ لا يُعْرَضُ عليها الشُّرْبُ عَرْضًا مُبالَغًا فيه كالعَرْض على الناهِلَة، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

وأَعْلَلْتُ الإِبِلَ إذا أَصْدَرْتُها قَبْلَ رَيِّها، كذا نَصّ الصِّحاحِ.

ورَوَى أَبو عُبَيْدٍ عن الأَصْمَعِيِّ: أَعْلَلْت الإِبِلَ فهي عالَّةٌ إذا أَصْدَرْتَها ولم ترْوِها، أَو هي بالغينِ.

ونَسَبَه الجوْهَرِيُّ إلى بعض أَئمَّةِ الاشْتِقاقِ قالَ: وكأَنَّه من الغُلَّة وهو العَطَشُ: قالَ: والأَوَّل هو المَسموعُ.

ورَوَى الأَزْهَرِيُّ عن نُصَيرٍ الرَّازِيّ قالَ: صَدَرَتِ الإِبِلُ غالَّة وغَوَالَّ، وقد أَغْلَلْتها من الغُّلَّة والغَليل وهو حَرارَةُ العَطَشِ، وأَمَّا أَغْلَلْتها، لأنَّ معْناها أَن تَسْقِيه الشَّرْبةَ الثانيةَ ثم تُصْدِرَها رِوَاء، وإذا عَلَّتْ فقد رَوِيَتْ.

واعْتَلَّهُ اعْتِلالًا: اعْتاقَه عن أَمْرٍ أَو اعْتَلَّه إذا تَجَنَّى عليه.

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

عَلَلْت الإِبِلَ مِثْل أَعْلَلْت نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ.

وإِبِلٌ عَلَّى: عَوَالٌّ، حَكَاه ابنُ الأَعْرَابِيِّ، وأَنْشَدَ لِعَاهَانَ بنِ كَعْب:

تَبُكُّ الحَوْضَ عَلَّاها ونَهْلًا *** ودُون ذِيادِها عَطَنٌ مُنِيم

تَسْكُن إليه فَيُنيمُها، ورَوَاه ابنُ جنِّي: عَلَّاها ونَهْلًا، أَرَادَ ونَهْلاها فحَذَف واكْتَفَى بإِضافَةِ عَلَّاها عن إِضافَةِ نَهْلاها.

وفي حدِيثِ عليٍّ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه: «من جَزِيل عَطائِك المَعْلول»، يُريدُ أَنَّ عطاءَ الله مضَاعَفٌ يَعُلُّ به عبادَه مَرَّةً بعدَ أُخْرَى، ومنه قَوْلُ كَعْب:

كأَنَّه مُنْهَلٌ بالرَّاح مَعْلُول

والعَلَلُ، محرَّكةً، من الطَّعامِ: ما أُكِلَ منه، عن كراعٍ.

والعَلُولُ، كصَبُورٍ: ما يُعَلَّل به المريضُ من الطَّعامِ الخَفِيفِ، والجَمْعُ عُلُلٌ بضمَّتَيْن.

وتَعَالَلْت نَفْسِي وتَلوَّمْتها بمعْنًى.

وتَعالَلْت الناقَةَ إذا اسْتَخْرَجْت ما عنْدَها من السَّيْر، قالَ:

وقد تَعالَلْتُ ذَمِيل العَنْسِ *** بالسَّوْطِ في ديمومةٍ كالتُّرْس

والمُعَلِّلُ، كمُحَدِّثٍ: الذي يُعَلِّلُ مُتَرَشِّفَه بالرِّيقِ، وبه فسِّرَ أَيْضًا قَوْلُ الفَرَزْدق: من جَنَاكِ المُعَلِّل، فيمَنْ رَوَاه بالكسرِ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: المُعَلِّل المُعِيْن بالبِرِّ بعدَ البرِّ.

وحُروفُ العِلَّةِ والاعْتِلالِ: الأَلفُ والواوُ والياءُ، سُمِّيَت بذلِكَ لِلِيْنها ومَوْتِها.

والعَلُّ: الذي لا خَيْر عنْدَه، قالَ الشَّنْفَرى:

ولَسْت بعَلَّ شَرّه دُوْن خَيْره *** أَلفَّ إذا ما رُعْتَه اهْتَاجَ أَعْزلُ

واليَعْلُولُ: الأَفْيلُ من الإِبِلِ، كما في العُبابِ.

وقالَ أَبو السَّمْحِ الطائيُّ: اليَعالِيلُ الجِبالُ المُرْتفعَة، نَقَلَه أَبو العَبَّاسِ الأَحْول في شرْحِ الكعْبية، زَادَ السَّهيليُّ: يَنْحدرُ الماءُ مِن أَعْلاها.

وقالَ أَبو عَمْرٍو: اليَعَالِيلُ التي شربت مَرَّةً بعْدَ أُخْرَى، لا واحِدِ لها.

وقالَ غيرُه: هي التي تهمى مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ واحِدُها يَعْلُول وهو يَفْعُول. وقيلَ: اليَعالِيلُ: المُفْرطةُ في البَياضِ.

وهو يَتَعالُّ ناقَتَه يحلُبُ عُلالَتها، والصَّبيُّ، يَتَعالُّ ثدْي أُمِّه.

ويقالُ في المَجْهولِ: هو فلانُ ابنُ عَلّان.

والشمس محمدُ بنُ أَحْمد بنِ عَلَّان البكْريُّ المَكِّيُّ سَمِعَ منه شيوخُ مشايخِنا.

وعَلُّ بنُ شَرحبيل بَطْنٌ من قُضاعَةَ.

وعُلالَةُ، كثُمَامَةَ: جَدُّ أَحْمد بنِ نَصْر بنِ عليِّ بنِ نَصْر الطّحَّان البَغْدادِيُّ ثِقَة عن أَبي بكرِ بنِ سليم النَّجَّار.

وعَلَّانُ: لَقَبُ جماعَةٍ من المُحدِّثِين منهم: عليُّ بنُ عبدِ الرِّحمن بنِ محمدِ بنِ المُغِيْرة المَخْزوميُّ البصْرِيُّ، وعَلَّانُ أَبو الحَسَنِ بنِ عبدِ الصَّمدِ الطيالِسِيُّ البَغْدادِيُّ، وعلّانُ بنُ أَحْمدَ بنِ سُلَيْمن المِصْريُّ المعدل، وعلَّانُ بنُ إبْراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ البَغْدَادِيُّ وغيرُهم.

وأَبو سَعْدٍ محمدُ بنُ الحُسَيْن بنِ عبدِ اللهِ بنِ أَبي علانة، مُحدِّثٌ بَغْدادِيٌّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


39-تاج العروس (برشم)

[برشم]: بَرْشَمَ الرَّجُلُ: وَجِمَ وأَظْهَرَ الحُزْنَ، أَو شَنَّجَ الوَجْهَ، نَقَلَه الصَّاغانيُّ.

وبَرْشَمَ: لَوَّنَ النُّقَط أَلْوانًا مِن النُّقُوشِ كما يُبَرْشِمُ الصَّبيُّ بالنَّيْلجِ.

وبَرْشَمَ: أَدَامَ النَّظَرَ أَو أَحَدَّهُ، بَرْشَمَةً وبِرْشامًا، وأَنْشَدَ أَبو عُبَيْدَةَ للكُمَيْت:

أَلُقْطَةَ هُدْهُدٍ وجُنُودَ أُنْثى *** مُبَرْشِمَةً أَلَحْمِي تَأْكلُونا؟

وفي حَدِيْث حُذَيْفة: «فبَرْشَموا له»؛ أَي حَدَّقُوا النَّظَرَ إليه.

والبُراشِمُ، كعُلابِطٍ: الحَديدُ النَّظَرِ، عن ابنِ دُرَيْدٍ.

والبُرْشُمُ، كقُنْفُدٍ: البُرْقُعُ، عن ثَعْلَب، وأَنْشَدَ:

غَداةَ تَجْلُو واضِحًا مُوَشَّما *** عَذْبًا لها تُجْري عليه البُرْشُما

والبُرْشُومُ: ضَرْبٌ مِن النَّخْلِ، واحِدَتُه بُرْشومةٌ، بالضمِ لا غَيْر.

قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: لا أَدْرِي ما صحَّته.

وقالَ أَبو حَنيفَةَ: البُرْشومُ جِنْسٌ من التَّمْرِ.

وقالَ مُرَّةُ: البُرْشُومةُ، بالضمِ ويُفْتَحُ: أَبْكَرُ النَّخْلِ بالبَصْرَةِ.

وقالَ ابنُ الَأعْرَابيِّ: البُرْشُومُ مِن الرُّطَبِ الشَّقمُ، ورُطَب البُرْشُوم يَتَقدَّمُ عنْدَ أَهْلِ البَصْرَةِ على رُطَبِ الشِّهْريزِ ويُقْطَعُ عِذْقُه قَبْله.

* وممَّا يُسْتَدرَكُ عليه:

بُرْشُوم، بالضمِ والعامَّةُ تَفْتح، قَرْيةٌ بمِصْرَ يُجْلَب منها التِّيْن الجيد، وقد دَخَلْتها.

وبُرَيْشيمِ مُصَغَّرَةٌ: قَرْيَةٌ أُخْرَى صَغِيرةٌ بالمَنُوفيَّة، وقد رأَيْتها أَيْضًا.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


40-تاج العروس (دم دمم دمدم)

[دمم]: دَمَّهُ يَدُمُّة دَمًّا: طَلَاهُ بأَيِّ صِبْغٍ كانَ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

ودَمَّ البَيْتَ يَدُمُّهُ دَمًّا: طَلَاهُ بالنورةِ وجَصَّصَهُ.

ودَمَّ السَّفينَةَ يَدُمُّها دَمًّا: قَيَّرَها؛ أَي طَلاها بالقَارِ.

ودَمَّ العَيْنَ الوَجِعَةَ يَدُمُّها دَمًّا: طَلَى ظاهِرَها بدِمامٍ مِن نحْوِ صبْرٍ وزَعْفران، كدَمَّمَهُ، هكذا في النسخِ، والصَّوابُ:

كدَمَّمَها، عن كراعٍ.

وفي التَهْذِيبِ: الدَّمُ الفِعْلُ مِن الدِّمامِ، وهو كلُّ دَواءٍ يُلْطَخُ على ظاهِرِ العَيْنِ.

ودَمَّ الأَرْضَ يَدُمُّها دَمًّا: سَوَّاها.

ودَمَّ فُلانًا إذا عَذَّبَهُ عَذابًا تامًّا كدَمْدَمَهُ.

ودَمَّهُ يَدِمُّهُ دَمًّا: شَدَخَ رأْسَه، وقيلَ: شَجَّهُ، وهو قَرِيبٌ من الشَّدْخِ؛ وقيلَ: ضَرَبَهُ، شَدَخَهُ، أَو لم يَشْدَخْه، قالَهُ اللَّحْيانيُّ.

ويقالُ: دَمَّ ظَهْرَهُ بآجُرَّةٍ دَمًّا: ضَرَبَهُ؛ وكذا دَمَّ ظَهْرَهُ بعَصًا أَو حَجَرٍ، وهو مجازٌ كما في الأَساسِ.

ودَمَّ يَدُمُّ دَمًّا. أَسْرَعَ.

ودَمَّ القَوْمَ يَدُمُّهُمْ دَمًّا: طَحَنَهُم فأَهْلَكَهُم، كدَمْدَمَهُم.

ودَمْدَمَ عليهم، وبه فسِّرَتِ الآيَةُ: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} أَي أَهْلَكَهُم.

وقيلَ: دَمْدَمَ الشي‌ءَ إذا أَلْزَقَهُ بالأَرْضِ وطَحْطَحَهُ.

ودَمَّ اليَرْبوعُ جُحْرَهُ يَدُمُّه دَمًّا: إذا غَطَّاهُ وسَدَّ فَمَهُ وسَوَّاهُ بنبيثتِه؛ وقيل دَمَّهُ دَمًّا: إذا كَنَسَه، كما في الصِّحاحِ.

ودَمَّ الحِصَانُ الحِجْرَ: نَزَا عليها يَدُمُّها دَمًّا.

ودمَّ الكَمْأَةَ دَمًّا: سَوَّى عليها التُّرابَ.

وقِدْرٌ دَمِيمٌ ومَدْمومَةٌ، كما في الصِّحاحِ، ودَمِيمَةٌ، الأَخيرَةُ عن اللَّحْيانيِّ، مَطْلِيَّةٌ بالطِّحالِ أَو الكَبِدِ أَو الدَّمِ.

وقالَ اللَّحْيانيُّ: دَمَمْتُ القِدْرَ أَدُمُّها دَمًّا إذا طَلَيْتها بالدَّمِ أَو بالطِّحالِ بعْدَ الخَبْرِ، وقد دُمَّت دَمًّا أَي طُيِّنَتْ وجُصِّصَتْ.

والدِّمَمُ، كعِنَبٍ: التي يُسَدُّ بها خَصاصاتُ البِرامِ من دَمٍ أَو لِبَأٍ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ والدَّمُّ، بالفتحِ، والدِّمامُ، ككِتابٍ: ما دُمَّ به؛ أَي طُلِيَ به. ودُمَّ الشي‌ءُ إذا طُلِيَ. وكلُّ شي‌ءٍ طُلِيَ به فهو دِمامٌ، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ لشاعِرٍ يَصِفُ سهْمًا:

وخَلَّقْتُهُ حتى إذا تَمَّ واسْتَوَى *** كمُخَّةِ ساقٍ أَو كمتْنِ إِمامِ

قَرَنْتُ بحِقْوَيْهِ ثلاثًا فلم يَزِغْ *** عن القَصْدِ حتى بُصِّرَتْ بدِمامِ

يَعنِي بالدِّمامِ الغِراء الذي يُلْزَقُ به ريشُ السَّهْمِ، وخَلَّقْتُهُ: مَلَّسْتُهُ، والإِمامُ: خيطُ البَنَّائِيْن، وبُصِّرَتْ: أَي طُلِيَتْ بالبَصيرَةِ، وهي الدَّمُّ؛ ومنه قوْلُ الشافِعِيّ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه: وتَطْلِي المُعْتَدَّةُ وجْهَها بالدِّمامِ وتَمْسحُه نهارًا.

والدِّمامُ: دَواءٌ يُطْلَى به جَبْهَةُ الصَّبِيِّ، وهو الحَضَضُ، ويقالُ له: النَّؤُورُ، وقد تَدُمُّ المرْأَةُ ثنيتها، وأَنْشَدَ الأَزْهَرِيُّ:

تَجْلُو بقادِمَتَيْ حَمامَةِ أَيْكَةٍ *** بَرَدًا تُعَلُّ لِثانُهُ بدِمامِ

والدِّمامُ: سَحابٌ لا ماءَ فيه على التَّشْبيهِ بالطِّلاءِ.

والمَدْمومُ: المُتناهِي السِّمَنِ المُمْتَلِئُ بالشَّحْمِ، كأَنَّه طُلِيَ بالشَّحْمِ يكونُ ذلِكَ في المرْأَةِ والرجُلِ والحِمارِ والثَّورِ والشاةِ وسائِرِ الدوابِّ؛ قالَ ذو الرُّمَّةِ يَصِفُ الحِمارَ:

حتى انْجَلى البَرْدُ عنه وهو مُحْتَفِرٌ *** عَرْضَ اللِّوَى زَلِقُ المَتْنَيْنِ مَدْمُومُ

ويقالُ للشي‌ءِ السّمِينِ: كأَنَّما دُمَّ بالشَّحْمِ دَمًّا؛ وقالَ عَلْقَمَهُ:

كأَنَّه من دَمِ الأَجْوافِ مَدْمُومُ

ودُمَّ البَعيرُ دَمًّا إذا كَثُرَ شَحْمُه ولَحمُه حتى لا يَجِد اللامِسُ مَسَّ حَجْمِ عَظْمٍ فيه، وهو مجازٌ.

والدِّمَّةُ، بالكسْرِ: القَمْلَةُ الصَّغيرَةُ.

وأَيْضًا: النَّملَةُ لصِغَرِها.

وأَيْضًا: الرَّجُلُ القَصيرُ الحَقيرُ، كأَنَّه مُشْتقٌّ من ذلِكَ.

والدِّمَّةُ: الهِرَّةُ.

وأَيْضًا: البَعَرَةُ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ لحقَارَتِها.

وأَيْضًا: مَرْبَضُ الغَنَمِ؛ ومنه حدِيْث إبْراهيم النخعيّ: «لا بأْسَ بالصَّلاة في دِمَّةِ الغَنَمِ، كأَنَّه دُمَّ بالبَولِ والبَعرِ» أَي أُلْبِسَ وطُلِيَ، هكذا رَوَاه الفَزاريُّ.

قالَ أَبو عُبَيْدٍ: ورَوَاه غيرُه: في دِمْنَةِ الغَنَم، بالنّونِ.

وقالَ بعضُهم: أَرادَ في دِمْنَةِ الغَنَم، فحذَفَ النّونَ وشَدَّدَ المِيمَ.

والدُّمَّةُ، بالضمِّ: الطَّريقَةُ.

وأَيْضًا: نُعْبَةٌ لهم، نَقَلَهما الجوْهَرِيُّ.

والمِدَمَّةُ، بكسرِ المِيمِ: خَشَبَةٌ ذَاتُ أَسْنانٍ تُدَمُّ بها الأَرضُ بعدَ الكِرابِ.

والدُّمَّةُ والدُّمَمَةُ، بضمِّهِما، والدامَّاءُ: إحْدَى جِحَرَةِ اليَرْبوعِ مِثْلُ الرَّاهِطاء والدَّامَّاء والعَانِقَاء والحَاثِيَاء واللغُّزَ والدُّمَمَة والدُّمَّاء، كما في الصِّحاحِ.

قالَ ابنُ بَرِّي: وهي سَبْعةٌ: القاصِعاءُ والنَّافِقاءُ والرَّاهِطاءُ والدَّامَّاءُ والعَانِقاءُ والحَاثِيَاءُ واللُّغَزُ.

والدُّمَمَةُ والدَّامَّاءُ: ترابٌ يَجْمَعُه اليَرْبوعُ ويُخْرِجُه من الجُحْرِ فَيُسوي به بابَهُ، أَو بعضَ جِحَرَتِه، كما تُدَمُّ العَيْنُ بالدِّمامِ أَي تُطْلَى؛ الجمع: دَوامُّ، على فَواعِلٍ، كما في الصِّحاحِ.

والدَّمِيمُ، كأَميرٍ: الحَقيرُ والقَبِيحُ؛ قالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ:

الدَّمِيمُ، بالدالِ، في قَدِّه، وبالذالِ: في أَخْلاقِهِ، وأَنْشَدَ:

كضَرائِر الحَسْناءِ قُلْنَ لوَجْهِها *** حَسَدًا وبغضًا إِنَّه لدَمِيمُ

إنَّما يَعنِي به القَبِيحَ، ورَوَاه ثَعْلَب بالذالِ فرُدَّ ذلِكَ عليه؛ الجمع: دِمامٌ كجِبالٍ، وهي بهاءٍ دَمِيمَة، والجمع: دَمائِمُ ودِمامٌ أَيْضًا أي بالكَسْرِ.

وما كنْت دَمِيمًا، وقد دَمَمْت تَدِمُّ مِن حَدِّ ضَرَبَ، وتَدُمُّ مِن حَدِّ نَصَرَ، ودَمِمْتَ، كشَمِمْتَ وكرُمْتَ، الأَخيرَةُ نَقَلَها ابنُ القَطَّاع عن الخَلِيلِ.

قالَ شيْخُنا فيه: إنَّ يونس قالَ لَبُبَ بالضمِّ لا نَظِير كما مَرَّ غيرُ مَرَّةٍ انتَهَى؛ أَي مع ضمِّ العَيْنِ في المضَارِعِ فإنَّه هو الذي حَكَاه يونس.

وفي المِصْباحِ: إنَّه شاذٌّ ضَعيفٌ قالَ: ومِثْلُه شررت تشر فهي ثلاثَةٌ لا رَابِع لها.

وزادَ ابنُ خَالَوَيْه: عززت الشاة تعز.

ومَرَّ للمصنِّفِ في ف ك ك وقد فَكُكْت كعَلِمْت وكَرُمْت، فتكونُ خَمْسة، فتأَمَّلْ ذلِكَ؛ ومَرَّ البَحْثُ فيه في مَواضِعَ شَتَّى أَبْسَطها تَرْكِيب «ل ب ب» فرَاجِعْه.

دَمامَةً، هو مَصْدَرُ الأَخيرِ؛ أَي أَسَأْتَ؛ وفي الصِّحاحِ: أَي صِرْتَ دَمِيمًا، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لشاعِرٍ:

وإني على ما تَزْدَري من دَمامَتِي *** إِذا قيسَ ذرعي بالرِّجالِ أَطُولُ

قالَ: وقالَ ابنُ جنيِّ: دَمِيمٌ من دَمُمْتَ على فَعُلْتَ مِثْلُ لَبُبْتَ فأَنْتَ لَبِيبٌ.

قلْتُ: فإذَن يُسْتدركُ ذلِكَ على يونس مَعَ نَظائِرِه.

وأَدْمَمْتَ أَي قَبَّحْتَ الفِعْلَ.

والدَّيْمومُ والدَّيْمومَةُ: الفَلاةُ الواسِعَةُ يَدُومُ السَّيرُ فيها لبُعْدِها.

وقيلَ: هي المَفازَةُ لا ماءَ بها، والجَمْعُ دَيامِيم؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لذي الرُّمَّةِ:

إذا التَخَّ الدَّيامِيمُ

. وقيلَ: الدَّيْمومَةُ: الأَرْضُ المُسْتويَةُ التي لا أَعْلامَ بها ولا طَرِيقَ ولا ماءَ ولا أَنِيسَ.

وقالَ أَبو عَمْرٍو: الدَّيامِيمُ الصَّحارِي المُلْسُ المُتَباعِدَةُ الأَطْرافِ.

والدَّمْدَمَةُ: الغَضَبُ، عن ابنِ الأَنْبارِي.

وقالَ غيرُهُ: دَمْدَمَ عليه: كَلَّمَهُ مُغْضَبًا، وبه فسِّرَتِ الآيَةُ أَيْضًا. وقد تكونُ الدَّمْدَمَةُ الكَلام الذي يُزْعِجُ الرَّجُلَ.

والدَّمْدامَةُ: عُشْبَةٌ لها ورقَةٌ خضْرَاءُ مُدَوَّرَةٌ صَغيرَةٌ، ولها عِرْقٌ وأَصْلٌ كالجَزَرِ أَبْيض يُؤْكَلُ حُلْوٌ جِدًّا، وتَرْتَفِعُ في وَسَطِها قَصَبة قَدرَ الشِّبْرِ في رأْسِها بُرْعُومَةٌ كبُرْعُومَةِ البَصَلِ، فيها حبٌّ؛ الجمع: دَمْدامٌ، حَكَى ذلِكَ أَبو حَنيفَة.

والدَّمُّ: نَباتٌ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، ولكنَّه ضَبَطَه بالضمِّ.

وأَيْضًا: لُغَةٌ في الدَّمِ المُخَفَّفةِ، وأَنْكَرَه الكِسائيُّ.

والدِّمُّ، بالكسْرِ: الأُدْرَةُ، وهي القيليطُ.

والدُّمادِمُ، كعُلابِطٍ: صِنْفانِ أَحْمَرُ قانِئٌ، والثاني أَحْمَرُ أَيْضًا إِلَّا أَنَّ في رأْسِه سَوادًا وهُما قاطِعانِ للُّعابِ، وشُرْبُ نِصفِ دانِقٍ منهما مُقَوٍّ لأَدْمِغَةِ الصِّبْيانِ.

والدِّمْدِمُ، بالكسْرِ يَبِيس الكَلَإِ.

وقالَ أَبو عَمْرٍو: الدِّمْدِمُ أُصولُ الصِّلِّيانِ المُحيلِ في لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ، وهو في لغَةِ بَنِي تَمِيمٍ الدِّنْدِنُ، كما سَيَأتي.

ودَمْدَمٌ، كجَعْفرٍ: موضع.

ودِمِمَّى، كزِمِكىَّ: قرية على الفُرَاتِ عندَ الفلوج، ومنها: أَبو البَرَكاتِ محمدُ بنُ محمدِ بنِ رضْوانَ الدِّمِميُّ عن أَبي عليِّ بنِ شاذَانَ، وعنه أَبو القاسِمِ السَّمَرْقَنْديّ، تُوفي سَنَة أَرْبَعمائة وثلاث وتِسْعِيْن.

وأَدَمَّ الرَّجُلُ: أَقْبَحَ فِعْلَه وأَسَاءَ، عن اللَّيْثِ. أَو وُلِدَ له وَلَدٌ دَمِيمُ الخلْقَةِ.

والدُّمَمَاءُ، كالغُلَواءِ: لغَةٌ في دامَّاءِ اليَرْبوعِ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.

والمُدَمَّمُ، كمُعَظَّمٍ: المَطْوِيُّ من الكِرارِ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ:

تَرَبَّعَ بالفَأْوَيْنِ ثم مَصِيرُها *** إِلى كلِّ كَرٍّ من لَصاف مُدَمَّمِ

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه: المَدْمُومُ: الأَحْمَرُ.

والدُّمُّ بالضمِّ: القِدْرُ المَطْلِيَّةُ.

والدُّمُّ أَيْضًا: القَرابَةُ؛ كِلاهُما عن ابنِ الأَعْرابيِّ.

ودُمَّ وجهُهُ حُسْنًا: كأَنه طُلِي به.

ودَمَّ الصَّدْعَ بالدّمِ والشّعرِ المُحْرَقِ يَدُمُّهُ دَمًّا ودَمَّمَهُ: طُلِي بهما جَمِيعًا على الصَّدْعِ.

والدُّمَّاءُ، بضمٍ ومَدٍّ: لُغَةٌ في الدَّامَّاءِ لجُحْرِ اليَرْبوعِ.

وعَلَوْنا أَرْضًا ديمومةً أَي مُنْكَرَةً.

ودَمْدَمَ عليهم: أَرْجَفَ الأَرضَ بهم، هكذا نَقَلَه المُفَسِّرُونَ.

وقالَ الزَّجَّاجُ: أَي أَطْبَقَ عليهم العَذَابَ. ودَمَمْتُ على الشي‌ءِ: أَطْبَقْتُ عليه؛ وكَذلِكَ دَمَمْتُ عليه القَبْرَ.

ويقالُ للشي‌ءِ يُدْفَنُ: قد دَمَمْت عليه.

والدُّمادِمُ: شي‌ءٌ يُشْبِهُ القَطِرانَ يسِيلُ مِن السَّلَم والسَّمُرِ، أَحْمَرُ، الواحِدُ دُمَدِمٌ.

والدُّمادِمُ مِن الأَرضِ: رَوابٍ سَهْلةٌ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

ودمامين: قَرْيَةُ بمِصْرَ مِن أَعْمالِ الأَشمونين، ومنها الإِمامُ النّحويُّ البَدْر الدَّمامينيُّ شارِحُ المغني وغيرِهِ.

ودُمَّتْ فُلانَةُ بغُلامٍ: وَلَدَتْه. ويقالُ: بمَ دُمَّتْ عَيْناها: يَعْنُون ذَكرًا وَلَدَتْ أَمْ أُنْثَى، وهو مجازٌ.

وقالَ شَمِرٌ: أُمُّ الدِّمْدِمِ؛ بالكسْرِ: هي الظَّبْيَةُ، وأَنْشَدَ.

غَرَّاء كأُمِّ الدِّمْدمِ

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

دُمَيْجَمُون، بالضمِ: قَرْيَةٌ بمِصْرَ منها الفَقِيهُ شَمْسُ الدِّيْن عبدُ اللهِ بنُ محمدِ الأَنْصارِيُّ والدُ نبيه الدِّيْن عبد المتعال خليفة سِيْدِي أَحْمد البَدَوِيّ، قَدَّسَ اللهُ سِرَّه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


41-تاج العروس (ظلم)

[ظلم]: الظُّلْمُ، بالضمِّ: التَّصَرُّفُ في مُلْكِ الغَيْرِ ومُجاوَزَة الحَدِّ، قالهُ المَناوِيُّ.

قالَ شيْخُنا: ولذا كانَ مُحالًا في حَقِّه تعالَى إِذ العالَمُ كُلُّه مُلْكُه، تعالَى لا شَرِيكَ له.

وقالَ الرَّاغِبُ: هو عندَ أَكْثَر أَهْلِ اللّغَةِ: وَضْعُ الشَّي‌ءِ في غيرِ مَوْضِعِه.

قلْتُ: ومِثْلُه في كتابِ الفاخِرِ للمُفَضَّل بنِ سَلَمَةَ الضِّبِّيِّ.

زادَ الرّاغبُ: المُخْتصّ به إِمَّا بزيادَةٍ أَو بنُقْصانٍ وإِمَّا بعدولٍ عن وقْتِه ومَكانِه.

قالَ الجَوْهرِيُّ: ومِن أَمْثالِهِم: مَنْ أَشْبَه أَباه فما ظَلَم.

قالَ الأَصْمَعيُّ: أَي ما وضعَ الشَّبَه في غيرِ مَوْضِعِه.

ويقالُ أَيْضًا: مَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ فقد ظَلَمَ.

قالَ الرَّاغِبُ: ويقالُ في مُجاوَزَةِ الحَدِّ الذي يَجْري مجْرَى نقْطَة الدَّائِرَةِ، ويقالُ فيمَا يَكْثر وفيمَا يَقلُّ مِن التَّجاوزِ، ولهذا يُسْتَعْمل في الذَّنْبِ الكَبيرِ وفي الذنْبِ الصَّغير، ولذلِكَ قيلَ لآدَمَ، عليه‌السلام في تعدِّيه ظالِمٌ وفي إِبْليس ظالِمٌ وإِن كانَ بينَ الظّلْمين بَوْنِ بَعِيدٌ.

ونَقَلَ شيْخُنا عن بعضِ أَئمَّةِ الاشْتِقاقِ أَنَّ الظُّلْم في أَصْلِ اللُّغَةِ النَّقْص واسْتُعْمِل في كَلامِ الشارِعِ لمعانٍ منها الكُفْر ومنها الكَبائِر.

قلْتُ: وتَفْصِيلُ ذلِكَ في كَلامِ الرَّاغِبِ حيثُ قالَ: قالَ بعضُ الحُكَماء: الظُّلْم ثلاثَةٌ:

الأَوَّل: ظُلْمٌ بينَ الإِنْسانِ وبينَ اللهِ تعالَى، وأَعْظَمه الكُفْر والشّرْك والنِّفاق ولذلِكَ قالَ، عزّ وجلّ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.

والثاني: ظُلْمٌ بَيْنه وبينَ الناسِ وإِيَّاه قصدَ بقوْلِه: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ}، وبقوْلِه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا}.

والثالِثُ: ظُلْمٌ بيْنه وبينَ نفْسِه وإِيَّاه قصد بقوْلِه تعالَى: {فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}، وقوْله تعالَى: {وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ} أَي أَنْفُسهم، وقوْله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}. وكلُّ هذه الثَّلاثَة في الحَقِيقَةِ ظُلْمٌ للنَّفْسِ، فإِنَّ الإِنْسانَ في أَوَّل ما يهمُّ بالظُّلْم فقد ظَلَمَ نفْسَه، فإِذًا الظّالِمُ أَبَدًا مُبْتَدِئٌ بنفْسِه في الظُّلْم، ولهذا قالَ تعالَى في غيرِ مَوْضعٍ: {وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وقَوْلُه تعالَى: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ) بِظُلْمٍ، فقد قيلَ: هو الشّرْك، انتَهَى.

وِالمَصْدَرُ الحَقِيقيُّ الظَّلْمُ بالفَتحِ، وبالضمِّ: الاسمُ يقومُ مَقامَ المَصْدَر، وأَنْشَدَ ثَعْلَب:

ظَلَمْتُ وفي ظَلْمِي له عامِدًا أَجْرٌ

قالَ الأَزْهرِيُّ: هكذا سَمِعْتُ العَرَبَ تنشدُهُ بفَتْحِ الظاءِ.

ظَلَمَ يَظْلِمُ ظَلْمًا، بالفَتْحِ، كذا وُجِدَ في نسخِ الصِّحاح.

بخطِّ أَبي زكريَّا، وفي بعضِها بالضمِّ، فهو ظالِمٌ وِظَلومٌ، قالَ ضَيْغَمٌ الأَسَدِيُّ:

إِذا هُوَ لم يَخَفْني في ابن عَمِّي *** وِإِنْ لم أَلْقَهُ الرجُلُ الظَّلُومُ

وِظَلَمَهُ حَقَّهُ مُتَعدِّيًا بنفْسِه إِلى مَفْعولَيْن، قالَ أَبو زُبَيْد الطائيُّ:

وِأُعْطِيَ فَوْقَ النِّصْفِ ذُو الحَقِّ مِنْهمُ *** وِأَظْلِمُ بَعْضًا أَو جَمِيعًا مُؤَرِّبا

قالَ شيْخُنا: وهو يَتَعدَّى إِلى واحِدٍ بالباءِ، كما في قوْلِه، عزَّ وجَلَّ، في الأَعْرافِ {فَظَلَمُوا بِها}؛ أَي بالآياتِ التي جاءَتْهم.

قالوا: حملَ على معْنَى الكُفْر في التَّعْدِيَة لأَنَّهما مِن بابٍ واحِدٍ، ولأَنَّه بمعْنَى الكُفْرِ مجازًا، أَو تَضْمِينًا، أَو لتَضَمّنه معْنَى التّكْذيبِ، وقيلَ: الباءُ سَبَبِيَّة والمَفْعولُ مَحْذوفٌ؛ أَي أَنْفُسهم أَو الناس، وِتَظَلَّمَهُ إِيَّاهُ.

وفي الصِّحاحِ: وِتَظَلَّمني فلانٌ أَي ظَلَمَنِي مالي، ومنه قَوْلُ الشاعِرِ:

تَظَلَّمَ مالي هَكَذَا ولَوَى يَدِي *** لَوَى يَدَه اللهَ الذي هو غالِبُهْ

وِتَظَلَّمَ الرَّجُلُ: أَحالَ الظُّلْمَ على نفْسِه، حَكَاه ابنُ الأَعْرَابيِّ وأَنْشَدَ:

كانَتْ إِذا غَضِبَتْ عَلَيَّ تَظَلَّمَتْ

قالَ ابنُ سِيْدَه: هذا قولُ ابنِ الأَعْرابيِّ، ولا أَدْرِي كيفَ ذلِكَ، إنَّما التَّظَلُّمُ هنا تَشَكِّي الظُّلْمَ منه، لأَنَّها إِذا غَضِبَتْ عليه لم يَجُزْ أَنْ تَنْسُبَ الظُّلْمَ إِلى ذاتِها.

وِتَظَلَّمَ منه: شَكَا من ظُلْمِه، فهو مُتَظَلِّمٌ: يَشْكُو رَجُلًا ظَلَمَهُ.

وفي الصِّحاحِ: وِتَظَلَّمَ أَي اشْتَكَى ظُلْمَه، وفي بعضِ نسخِه ضُبِطَ بالمبْني للمَفْعُولِ.

وِاظَّلَمَ، كافْتَعَل، وِانْظَلَمَ إِذا احْتَمَلَهُ بطِيب نَفْسِه وهو قادِرٌ على الامْتِناعِ منه، وِهما مُطاوِها ظَلَّمَهُ تَظْلِيمًا إِذا نَسَبَهُ إِليه، وبهما رُوِي قوْلُ زُهَيْرٍ أَنْشَدَه الجَوْهرِيُّ:

هو الجَوادُ الذي يُعْطِيكَ نائِله *** عَفْوًا ويُظْلَمُ أَحْيانًا فيَظَّلِمُ

هكذا أَنْشَدَه سِيْبَوَيْه، قَوْلُه يُظْلَمُ أَي يُسْأَلُ فوقَ طاقَتِه، ويُرْوَى فيَنْظَلِمُ أَي يَتَكَلَّفه، وهكذا رِوايَةُ الأَصْمَعيّ.

قالَ الجَوْهرِيُّ: وفيه ثلاثُ لغاتٍ: مِن العَرَبِ مَنْ يقْلِبُ التاءَ طاءً ثم يُظْهِرُ الطاءَ والظاءَ جَمِيعًا فيَقولُ اظْطَلَمَ، ومنهم مَن يدغمُ الظاءَ في الطاءِ فيَقولُ اطَّلَمَ وهو أَكْثَر اللُّغاتِ، ومنهم مَنْ يَكْره أَن يدغمَ الأَصْلي في الزائِدِ فيَقولُ اظَّلَم.

قالَ ابنُ بَرِّي: جَعْلُ الجَوْهرِيّ انْظَلَم مُطاوِعَ ظَلَّمَهُ بالتَّشديدِ، وهو في بيتِ زُهَيْر مُطاوِع ظَلَمَه بالتَّخْفيفِ حملًا على معْنَى سَلَبَه حَقَّه. وِالمَظْلِمَةُ، بكسْرِ اللَّامِ، قالَ شيْخُنا: فيه قُصورٌ ظاهِرٌ، فقد نَقَلَ التَّثْلِيثَ فيه صاحِبُ التَّوْشيحِ في كتابِ المَظالِمِ، والفتْح حَكَاه ابنُ مالِكٍ وصرَّحَ به ابنُ سِيْدَه وابنُ القَطَّاعِ، والضمّ أَنْكَره جماعَةٌ، ولكن نَقَلَه الحافِظُ مغلطاي عن الفرَّاءِ.

قلْتُ: وهكذا ضُبِط بالتَّثْلِيثَ في نسخِ الصِّحاحِ.

وِالظُّلامَةُ، كثُمامَةٍ: اسمُ ما تَظَلَّمَهُ الرَّجُلُ.

وفي الصِّحاحِ: هو ما تَطْلُبُه عندَ الظَّالمِ، وهو اسْمُ ما أُخِذَ مِنْكَ.

وفي التَّهْذِيبِ: الظُّلامَةُ: اسْمُ مَظْلِمَتِك التي تَطْلُبها عندَ الظَّالِمِ. يقالُ: أَخَذَها منه ظُلامَةً.

وفي الأَساسِ: هو حَقُّه الذي ظُلِمهُ.

وجَمْعُ المَظْلِمةِ: المَظالِمُ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لمالِكِ بنِ حَرِيم:

مَتَى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكيَّ وصارِمًا *** وِأَنْفًا حَمِيًّا تَجْتَنِبْكَ المَظَالِمُ

وِأَرادَ ظِلامَهُ، بالكسْرِ وِمُظالَمَتَهُ: أَي ظُلْمَهُ، وبه فُسِّر قوْلُ المثقب العَبْديّ:

وِهُنَّ على الظِّلامِ مطلبات *** قَواتِل كلّ أَشْجَع مُسْتَلِينا

وقَوْلُ مغلس بن لقيط:

سَقَيْتها قَبْل التَّفرُّق شرْبَة *** يَمرُّ على باغِي الظِّلامِ شرابها

وسَيَأْتي فيه كَلامٌ في المُسْتدركاتِ.

وقالَ آخَرُ:

وِلَوْ أَنِّي أَمُوتُ أَصابَ ذُلًّا *** وِسَامَتْه عَشِيرتُه الظِّلامَا

وِقوْلُه تعالَى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها} وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا أَي ولم تَنْقُصْ، وشَيئًا جَعَلَه بعضُ المعربين مَصْدرًا أَي مَفْعولًا مُطْلَقًا، وبعضُهم مَفْعولًا به، وبه فَسَّر الفرَّاءُ أيْضًا قَوْلُه تعالَى: {وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ أَي ما نَقَصُونا شَيئًا بما فَعَلوا ولكنْ نَقَصُوا أَنْفُسَهم.

وقد تقدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ مِن أَئمَّةِ الاشْتِقاقِ مَنْ جَعَلَ أَصْل الظُّلْم بمعْنَى النَّقْصِ، وظاهِرُ سِياقِ الأَساسِ أَنَّه مِن المجازِ.

وِمِن المجازِ: ظَلَمَ الأَرضَ ظلمًا إِذا حَفَرَها في غيرِ مَوْضِعِ حَفْرِها، وتلْكَ الأَرْض يقالُ لها المَظْلومَةُ.

وقيلَ: الأَرْضُ المَظْلومَةُ التي لَم تُحْفَرْ قَطُّ ثم حُفِرَتْ.

وفي الأَساسِ: أَرْضٌ مَظْلومَةٌ حُفِرَ فيها بئْرٌ أَو حَوْضٌ ولم يُحْفَرْ فيها قَطُ.

وِمِن المجازِ: ظَلَمَ البَعيرَ ظلمًا إِذا نَحَرَهُ مِن غيرِ داءٍ، وهو التَّعْبيط، وقالَ ابنُ مُقْبِلٍ:

عَادَ الأَذِلَّةُ في دارٍ وكانَ بها *** هُرْتُ الشَّقاشِقِ ظَلَّامُونَ للجُزُرِ

أَي وَضَعوا النحْرَ في غيرِ مَوْضِعِهِ.

وِمِن المجازِ: ظَلَمَ الوادِي ظلمًا: إِذا بَلَغَ الماءُ منه مَوْضِعًا لم يَكُنْ بَلَغَهُ قَبْلَهُ ولا نَالَهُ فيمَا خَلا، قالَ يَصِفُ سَيْلًا:

يَكادُ يَطْلُع ظُلْمًا ثم يَمْنَعُه *** عن الشَّواهِقِ فالوادِي به شَرِقُ

وفي الأَساسِ: ظَلَمَ السَّيْلُ البِطاحَ: بَلَغَها ولم يَبْلُغْها قبْلُ.

وفي المُحْكَم: ظَلَمَ السَّيْلُ الأَرضَ إِذا خَدَّدَ فيها في غيرِ مَوْضِعِ تَخْدِيدٍ، قالَ الحُوَيْدِرَةُ:

ظَلَم البِطاحَ بها انْهلالُ حَرِيصَةٍ *** فَصَفَا النِّطافُ بها بُعَيْدَ المُقْلَعِ

وِمِن المجازِ: ظَلَم الوَطْبَ ظلمًا: إِذا سَقَى منه اللَّبَنَ قَبْلَ أَنْ يَرُوبَ وتَخْرجَ زُبْدَتُه، واسْمُ ذلِكَ اللّبَن الظَّلِيمُ وِالظَّلِيمَةُ وِالمَظْلومُ، وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ:

وِقائِلةٍ ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقائِي *** وِهل يَخْفَى على العَكِدِ الظَّلِيمُ؟

وِمِن المجازِ: ظَلَمَ الحِمارُ الأَتانَ: إِذا سَفَدَها قَبْلَ وقْتِها وهي حامِلٌ، كما في الأَساسِ.

وِقالَ أَبو عُبَيْدٍ: ظَلَمَ القَوْمَ إِذا سَقاهُمُ اللَّبَنَ قَبْلَ إِدْرَاكِه.

قالَ الأَزْهرِيُّ: هكذا رُوِيَ لنا هذا الحَرفُ وهو وَهَمٌ، والصَّوابُ ظَلَم السِّقاءَ وِظَلَم اللَّبَنَ، كما رَوَاهُ المُنْذريُّ عن أَبي الهَيْثمِ وأَبي العبَّاس أَحْمد بن يَحْيَى.

وِالظُّلْمَةُ، بالضمِّ وبضَمَّتَيْنِ، لُغتانِ ذَكَرَهُما الجَوْهرِيُّ، وِكَذلِكَ الظَّلْماءُ بمعْنَى الظُّلْمة، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ أَيْضًا، قالَ: ورُبَّما وُصفَ به كما سَيَأْتي. وِالظَّلامُ: اسمٌ يَجْمَع ذلِكَ كالسَّوادِ ولا يُجْمعُ، يَجْرِي مَجْرى المَصْدَرِ، كما لا يُجْمعُ نَظائِرُه نحْو السَّوادِ والبَياضِ.

وِالظُّلْمَةُ: ذَهابُ النَّورِ.

وفي الصِّحاحِ: خِلافُ النورِ.

وفي المُفْرداتِ: عدمُ النورِ أَي عَمَّا مِن شَأْنِه أَنْ يَسْتنير فبَيْنها وبينَ النّورِ تَقابل العَدَم والمَلكَةِ.

وقِيلَ: عرضٌ يُنافِي النّورَ فبَيْنهما تَضادٌّ وبسطه في العِنايَةِ.

وقالَ الرَّاغبُ: ويُعَبَّرُ بها عن الجَهْلِ والشِّرْكِ والفسْقِ كما يُعَبَّرُ بالنُّورِ عن أَضْدادِها.

وفي الأَساسِ: الظُّلْمُ ظُلْمةٌ كما أَنَّ العَدْلَ نُورٌ. ويقالُ: هو يَخْبِطُ الظَّلام، وِالظُّلْمَة وِالظَّلْماء.

وِلَيْلَةٌ ظُلْمَةٌ، على طَرْحِ الزَّائِدِ، وِلَيْلَةٌ ظَلْماءُ: كِلْتاهُما شَديدَةُ الظَّلْمَةِ.

وِحَكَى ابنُ الأَعْرابيِّ: لَيْلٌ ظَلْماءُ.

قالَ ابنُ سِيْدَه: هو شاذٌ وَضَعَ اللَّيْل مَكانَ الليْلَةِ، كما حُكِي ليلٌ قَمْراءُ أَي ليْلَةٌ.

وِقد أَظْلَمَ اللّيْلُ وِظَلِمَ، كسَمِعَ، بمعْنى، الأَخيرَةُ عن الفرَّاءِ، قالَ اللهُ تعالَى: {وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا}.

قالَ شيْخُنا: فهو لازِمٌ في اللُّغَتَيْن، وبذلِكَ صَرَّحَ ابنُ مالِكٍ وغيرُهُ.

وفي الكشاف احْتِمالُ أَنَّه مُتَعدٍّ في قوْلِه تعالَى: {وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ} بدَليلِ قِراءَةِ يَزِيد بنِ قطيبٍ: أُظْلَمَ مَجْهولًا، وتَبِعَه البَيْضاوِيُّ.

وفي نهر أَبي حَيَّان المَحْفوظ أَنَّ أَظْلَمَ لا يَتَعدَّى.

وجَعَلَه الزَّمَخْشريُّ مُتَعدِّيًا بنَفْسِه.

قالَ شيْخُنا: ولم يَتَعرَّض ابنُ جنيِّ لتلكَ القِراءَةِ الشاذّةِ، وجَزَمَ ابنُ الصَّلاح بوُرُودِه لازِمًا ومُتَعدِّيًا، وكأَنَّهُ قَلَّد الزَّمَخْشريّ في ذَلِكَ، وأَبو حَيَّان أَعْرَف باللّزومِ والتَّعَدي، انتَهَى.

قلْتُ: وهذا الذي جَزَمَ به ابنُ الصَّلاح فقد صَرَّحَ به الأَزْهرِيُّ في التهْذِيبِ وسَيَأْتي لذلِكَ ذِكْرٌ.

وِمِن المجازِ: يَوْمٌ مُظْلِمٌ، كمُحْسِنٍ؛ أَي كثيرٌ شَرُّه، أَنْشَدَ سِيْبَوَيْه:

فأُقْسِمُ أَنْ لوِ الْتَقَيْنا وأَنْتمُ *** لكانَ لكُم يومٌ من الشَّرِّ مُظْلِمٌ

وِمِن المجازِ: أَمْرٌ مُظْلِمٌ وِمِظْلامٌ، الأُوْلى عن أَبي زيْدٍ، والأَخيرَةُ عن اللَّحْيانيّ، أي لا يُدْرَى من أَيْنَ يُؤْتَى له، وأَنْشَدَ اللَّحْيانيُّ:

أُولِمْتَ يا خِنَّوْتُ شَرَّ إِيلام *** في يومِ نَحْسٍ ذي عَجاجٍ مِظْلام

والعَرَبُ تقولُ لليومِ الذي تَلْقَى فيه الشدَّةَ يومٌ مُظلِمٌ، حتى إِنَّهم يقُولُونَ يومٌ ذو كَواكِبَ؛ أَي اشْتَدَّتْ ظُلْمته حتى صارَ كاللَّيْلِ، قالَ:

بَني أَسَدٍ هل تَعْلَمونَ بَلاءَنا *** إِذا كان يومٌ ذو كواكِبَ أَشْهَبُ؟

وِمِن المجازِ: شَعَرٌ مُظْلِمٌ؛ أَي حالِكٌ؛ أَي شَديدُ السَّوادِ.

وِمِن المجازِ: نَبْتٌ مُظْلِمٌ؛ أَي ناضِرٌ يَضْرِبُ إِلى السَّوادِ من خُضْرَتِه، قالَ:

فصَبَّحَتْ أَرْعَلَ كالنِّقالِ *** وِمُظْلِمًا ليسَ على دَمالِ

وِأَظْلَموا. دَخَلوا في الظَّلامِ، قالَ اللهُ تعالَى: {فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ}، كما في الصِّحاحِ، وفي المُفْرداتِ: حصلوا في ظُلْمةٍ، وبه فَسَّر الآيَةَ.

وِأَظْلَمَ الثَّغْرُ إذا تَلَأْلَأَ كالماءِ الرَّقيقِ مِن شدَّةِ رِقَّتِه، ومنه قوْلُ الشاعِرِ:

إِذا ما اجْتَلى الرَّاني إِليها بطَرْفِه *** غُروبَ ثَناياها أَضاءَ وأَظْلَما

يقالُ: أضاءَ الرجُلُ إِذا أَصابَ ضَوْءًا.

وِأَظْلَمَ الرَّجُلُ: أَصابَ ظَلْمًا، بالفتحِ.

وِمِن المجازِ: لَقِيتُه أَدْنَى ظَلَمٍ، محرَّكةً، كما في الصِّحاحِ، أَو أَدْنَى ذي ظَلَمٍ، وهذه عن ثَعْلَب: أَي أَوَّلَ كُلِّ شي‌ءٍ.

وقالَ ثَعْلَب: أَوَّل شي‌ءٍ سَدَّ بَصَرَك بليْلٍ أَو نهارٍ، أَو حينَ اخْتَلَطَ الظَّلامُ، أَو أدْنَى ظَلَمٍ: القُرْبُ أَو القَريبٌ، الأَخيرُ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن الْأُمويّ.

وِالظَّلَمُ، محرَّكةً الشَّخْصُ، قالَهُ ثَعْلَب وبه فَسَّر أَدْنَى ظلَمٍ وأَدْنَى شَبَحٍ قالَهُ الميدانيُّ.

وِأَيْضًا: الجَبَلُ، الجمع: ظُلُومٌ بالضمِّ جاءَ ذلِكَ في قوْلِ المُخَبَّلِ السَّعْدِيِّ.

وِ: موضع.

وِظِلَمٌ كعِنَبٍ: وادٍ بالقَبَلِيَّةِ.

وِالظُّلَمُ، كزُفَرَ: ثلاثُ ليالٍ مِن الشَّهْرِ اللّائي يَلِينَ الدُّرَعَ لإِظْلامِها على غيرِ قِياسٍ، لأَنَّ قِياسَه ظُلْم بالتَّسْكِيْن لأَنَّ واحِدَتَها ظَلْماء، قالَهُ الجَوْهرِيُّ.

قلْتُ: وهذا الذي ذَهَبَ إِليه الجَوْهرِيّ هو قوْلُ أَبي عُبَيْدٍ، فإنَّه قالَ واحِدَتِهما: دَرْعاءُ وِظَلْماءُ، والذي قالَهُ أَبو الهَيْثم وأَبو العبَّاس المبرِّدُ: واحِدَةُ الدُّرَعِ وِالظُّلَمِ دُرْعةٌ وِظُلْمةٌ.

قالَ الأَزْهرِيُّ: وهذا الذي قالاه هو القِياسُ الصَّحِيحُ.

وِالظَّلِيمُ، كأَميرٍ: الذَّكَرُ من النَّعامِ.

قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: سُمِّي به لأَنَّه يُدْحِي في غيرِ مَوْضِعِ تَدْحِيَةٍ.

وقالَ الرَّاغبُ: سُمِّي به لاعْتِقادِ أَنَّه مَظْلومٌ للمعْنَى الذي أَشَارَ إِليه الشاعِرُ:

فصِرْتُ كالْهَيْقِ غدا يبتغي *** قَرْنًا يرْجعْ بأُذْنَيْنِ

قلْتُ: وزَعَمَ أَبو عَمْرو الشَّيْبانيُّ أَنَّه سأَل الأَعْرابَ عن الظَّلِيمِ هل يَسْمعُ؟ قالوا: لا ولكنَّه يَعْرفُ بأَنْفِه ما لا يَحْتاجُ معه إِلى سَمَع.

ومِن دُعاءِ العَرَبِ: اللهُمَّ صَلْخًا كصَلْخ النَّعَامَةِ والصَّلْخ، بالخاءِ والجيمِ، أَشدّ الصَّمَمِ، كذا في المُضافِ والمَنْسوب.

وقالَ ابنُ أَبي الحَديدِ في شرْحِ نهجِ البلاغَةِ: إِنَّه يَسْمَعُ بعَيْنِه وأَنْفِه ولا يَحْتاجُ إِلى حاسَّةٍ أُخْرى معهما. ويقالُ: نَوعانِ مِن الحَيوانِ أَصَمَّان النَّعامُ والأَفاعِي، نَقَلَه شيْخُنا.

الجمع: ظُلمانِ، بالكسْرِ والضمِّ.

وِمِن المجازِ: الظَّلِيمُ: تُرابُ الأَرضِ المَظْلومَةِ؛ أَي المَحْفورَةِ، وبه سُمِّي تُرابُ لَحْدِ القَبْرِ ظلِيمًا، قالَ:

فأَصْبَحَ في غَبْراءَ بعدَ إِشاحَةٍ *** على العَيْشِ مَرْدُودٍ عليها ظَلِيمُها

يعْنِي حُفْرةُ القَبْرِ يُرَدُّ تُرابُها عليه بعدَ دفْنِ الميتِ فيها.

وِالظَّلِيمانِ: نَجْمانِ.

وِظَلِيمٌ مَوْلَى عبدِ اللهِ بنِ سَعْدٍ تابعيٌّ إِذا كان الذي يكنى أَبا النَّجيبِ، ويَروِي عن أَبي سَعِيدٍ وابنِ عُمَر فهو ليسَ مَوْلًى بل مِن بَني عامِرٍ نزلَ مِصْرَ.

وِظَلِيمٌ: وادٍ بنَجْدٍ يُذْكَر مع نَعامَة وهو أَيْضًا وادٍ بها.

وِظَلِيمٌ: فَرَسٌ لعبدِ اللهِ بنِ الخطَّابِ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه.

وِأَيْضًا: للمُؤَرِّجِ السَّدوسِيِّ.

وِأَيْضًا: لفَضالَةَ بنِ هِنْدٍ بنِ شَرِيك الأَسَدِيِّ، وفيه يقولُ:

نصَبْتُ لهم صَدْرَ الظَّلِيمِ وصَعْدَةً *** شُراعِيَّةً في كفِّ حَرَّان ثائِر

وِقوْلُ الشاعِرِ أَنْشَدَه الجَوْهرِيُّ:

إلى شَنْباءَ مُشْرَبَةِ الثَّنايا *** بماءِ الظَّلْمِ طَيِّبَةِ الرُّضابِ

قيلَ: يُحْتَمل أَنْ يكونَ المعْنَى: بماءِ الثَّلْجِ.

وِالظَّلْمُ: سَيْفُ الهُذيْلِ التَّغْلَبِّي.

وِالظَّلْمُ: ماءُ الأَسْنانِ وبَريقُها، كذا في العيْنِ ودِيوانِ الأَدَبِ، زادَ الجوْهرِيُّ: وهو كالسَّوادِ داخلَ عَظْمِ السِّنِّ من شِدَّةِ البيَاضِ كفِرِنْدِ السَّيْفِ، قالَ يزيدُ بنُ ضَبَّةَ:

بوَجْهٍ مُشْرِقٍ صافٍ *** وِثغْرٍ نائرِ الظلْمِ

وقالَ كَعْبُ بنُ زهيرٍ:

تَجْلو غَواربَ ذي ظَلْمٍ إِذا ابتسمَتْ *** كأَنَّه مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلولُ

وقالَ شَمِرٌ: هو بياضُ الأَسْنانِ كأَنَّه يَعْلُوه سَوادٌ، والغُروبُ: حاءُ الأَسْنانِ.

وقالَ أَبو العبَّاس الأَحْول في شرْحِ الكَعْبيةِ: الظَّلْمُ ماءُ الأَسْنانِ الذي يَجْري فتَراهُ مِن شدَّةِ صَفائِهِ عليه كالغبْرَةِ والسَّوادِ.

وقالَ غيرُهُ: هو رقَّتُها وشِدَّةُ بياضِها.

قالَ الدّمامِيني: هذا عندَ غالِبِ أَهْل الهِنْدِ مُعِيبٌ وإِنَّما يَسْتَحْسنونَ الأَسْنانَ إِذا كانتْ سَوداءَ مُظْلمةً وكأَنَّهم لم يَسْمَعوا قولَ القائِلِ:

كأَنَّما يَبْسِمُ عن لُؤْلؤٍ *** منضدٍ أَو بردٍ أَو اقاحِ

قلْتُ: يغيِّرُونَ خَلْقَتَها بسنون تنجذُ مِن العفْصِ المَحْروقِ المَسْحوقِ وكأَنَّهم يَطْلبُونَ بذلِكَ تَشْديدَ اللّثاتِ، وهو عندَهُم مَحْمودٌ لكَثْرةِ اسْتِعالِهم لوَرَقِ النبلِ مع بعضٍ مِن الفوفلِ والكلسِ، وهُما يأْكُلان اللَّثَّة خاصَّةً، فجعَلُوا هذا السّنونُ ضِدًّا لذلِكَ، وكم مِن مَحْمودٍ عندَ قوْمٍ مَذْمومٌ عندَ آخَرِيْن.

وِظُلَيْمُ*، كزُبَيْرٍ: موضع باليَمَنِ، وهو وادٍ أَو جَبَلٌ نُسِبَ إِليه ذُو ظُلَيْم أَحَدُ الأَذْواءِ مِن حِمْيَرَ، قالَهُ نَصْر.

وِظُلَيْم أَحَدُ الأَذْواءِ مِن حِمْيَرَ، قالَهُ نَصْر.

وِظُلَيْمُ بنُ حُطَيْطٍ الجَهْضميُّ: مُحَدِّثٌ عن محمدِ بنِ يوسفَ الفريابيّ، وعنه أَبو زُرْعَةَ الدِّمَشْقيّ.

وِظُلَيْمُ بنُ مالِكٍ معروف مَعْروفٌ.

قلْتُ: هو مُرَّةُ بنُ مالِكِ بنِ زيْدِ مَنَاة بنِ تَمِيمٍ، وِظُلَيْم لَقَبُه، أَحدُ بُطونِ البَراجِم منهم: الحَكَمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عدن بنِ ظُلَيْمٍ الشاعِرُ. وذُو ظُلَيْمٍ: حَوْشَبُ بنُ طِخْمَةَ، تابِعيٌّ، وقيلَ له صُحْبَةٌ وقد ذُكِرَ في «ط خ م».

وقالَ نَصْر: ذُو ظُلَيْمٍ أَحدُ الأَذْواء مِن حِمْيَرَ، مِن ولدِهِ حَوْشَبُ الذي شَهِدَ مع مُعاوِيَةَ صِفِّين قَتَلَه سُلَيْمن، فتأَمَّل.

وفي تارِيخِ حَلَب لابنِ العَديمِ: أَبو مُرِّ ذُو ظُلَيْم، كزُبَيْرٍ وأَميرٍ والأُوْلى أَشْهَرُ، هو حَوْشَبُ بنُ طِخْمَةَ أَو طخْفَةَ، وقيلَ: ابنُ التباعي بنِ غسَّان بنِ ذي ظُلَيْم، وقيلَ: هو حَوْشَبُ بنُ عَمْرِو بنِ شرحبيل بنِ عبيدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَوْشَبِ الأظلوم بن أَلْهان الحِمْيَرِيّ رَفَعَ حدِيثًا واحِدًا في موتِ الأَوْلادِ، وكانَ رئيسَ قوْمِه، رَوَى عنه ابنْه عُثْمان.

وِالظِّلامُ، ككِتابٍ ويُشدَّدُ وكعِنَبٍ وصاحِبٍ، الثالثَةُ عن ابنِ الأَعْرابيِّ قالَ: وهو مِن غَريبِ الشَّجَرِ واحِدَتُها ظِلمَةٌ، ورَوَى الثانيَةَ أَبو حنيفَةَ وقالَ: إنَّها عُشْبَةٌ تُرْعَى.

وقالَ الأصْمَعيُّ: شَجَرَةٌ لها عَساليجُ طِوالٌ وتَنْبسطُ حتى تَجوزَ أَصْلَ شَجَرِها فمنها سُمِّيَت ظِلامًا، وأَنْشَدَ أَبو حنيفَةَ:

رَعَتْ بقَرَارِ الحَزْنِ رَوْضًا مُواصِلًا *** عَمِيمًا من الظِّلَّامِ والهَيْثَمِ الجَعْدِ

وِمِن المجازِ: يقالُ: ما ظَلَمَكَ أَنْ تَفْعَلَ كذا؛ أَي ما مَنَعَكَ.

وشَكَا إنْسانٌ إلى أَعْرابيٍّ الكظَّة فقالَ: ما ظَلَمَكَ أَنْ تَقي‌ءَ.

وِظُلْمَة، بالكسْرِ والضمِّ: فاجِرَةٌ هُذَلِيَّةٌ أَسَنَّتْ فاشْتَرَتْ تَيْسًا وكانَتْ تقولُ أَرْتاحُ لنَبيبِهِ، فقيلَ: أَقْوَدُ من ظُلْمَةَ وأَفْجَرُ مِن ظُلْمَةَ.

وِكَهْفُ الظُّلْمِ: رَجُلٌ معروف مَعْروفٌ مِن العَرَبِ.

وِالمُظَلَّمُ، كمُعَظَّمٍ: الرَّخَمُ والغِرْبانُ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، وأَنْشَدَ:

حَمَتْهُ عِتاقُ الطيرِ كلَّ مُظَلَّم *** من الطيرِ حَوَّامِ المُقامِ رَمُوقِ

وِالمُظَلَّمُ من العُشْبِ المُنْبَتُّ في أَرْضٍ لم يُصِيْها المَطَرُ قَبْلَ ذلك.

وِالظِّلامُ، ككِتابٍ: اليَسيرُ، ومنه نَظَرَ إليَّ ظِلامًا؛ أَي شَزْرًا.

وِمَظْلومَةُ: اسمُ مَزْرَعَةٍ باليَمامَةِ بعَيْنِها.

وِالمُظْلِمُ، كمُحْسِنٍ: ساباطٌ قُرْبَ المَدائِنِ.

وِأَظْلَمُ، كأَحْمَدَ: جَبَلٌ بأَرْضِ بني سُلَيْمٍ بالحِجازِ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لأَبي وجزَةَ:

يَزِيفُ يمانِيه لأَجْزاعِ بِيشَةٍ *** وِيَعْلو شآمِيهِ شَرَوْرَى وأَظْلَما

قالَ ياقوتُ: وبه فَسَّر ابنُ السِّكِّيت قولَ كثِّيرٍ:

سَقَى الكُدْرَ فالعلياء فالبَرْقَ فالحِمَى *** فلَوْذَ الحِصَى من تَغْلَمينَ فأَظلما

وِأَيْضًا: جَبَلٌ بالحَبَشَةِ به مَعْدِنُ الصُّفْرِ، نَقَلَه ياقوتُ.

وِأَيْضًا: موضع، كذا في النسخِ، والصَّوابُ: جَبَلٌ بنَجْدٍ بالشُّعَيْبَةِ، من بَطْنِ الرُّمَّةِ، كما في كتابِ نَصْرٍ، قالَ: ويقالُ أَيْضًا تظلمُ.

وِأَيْضًا جَبَلٌ أَسْوَدُ من ذاتِ جَيْشٍ عندَ حراء، ذَكَرَه الأصْمَعيُّ عندَ ذِكْرِه جِبال مكَّةَ، ونَقَلَه نَصْر أَيْضًا، وبه فسّر قَوْل الحُصَيْنِ بنِ حمام المريّ:

فلَيْتَ أَبا بِشْرٍ رأَى كَرَّ خَيْلِنا *** وِخَيْلهم بينَ الستار وأَظْلَما

وِلَعَنَ اللهُ أَظْلَمي وِأَظْلَمَكَ، هكذا في النسخِ، والذي قالَهُ المُؤَرِّجُ: سَمِعْتُ أَعْرابيًّا يقولُ لصاحِبِه: أَظْلَمي وِأَظْلَمُكَ فَعَلَ اللهُ به؛ أَي الأَظْلَمَ مِنَّا.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

لَزِمَ الطَّريقَ فلم يَظْلِمْهُ؛ أَي لم يَعْدلْ عنه يَمِينًا وشِمالًا. وِالمَظْلَمَةُ، بكسْرِ اللامِ وفتْحِها: مَصْدَرٌ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وِالمُتَظَلِّمُ: الظالِمُ، قالَ ابنُ بَرِّي وشاهِدُه قوْلُ رَافِعِ بنِ هُرَيْم:

فهَلَّا غَيْرَ عَمِّكُمُ ظَلَمْتُمْ *** إِذا ما كُنْتُمْ مُتَظَلِّمِينا

أَي ظالِمِيْن، وأَنْشَدَ الأَزْهرِيُّ لجابِرِ الثَّعْلبيّ:

وِعَمْرُو بنُ هَمَّام صَقَعْنا جَبِينَه *** بِشَنْعاءَ تَنْهى نَخْوةَ المُتَظَلِّمِ

قالَ: يُريدُ نَخْوةَ الظالِمِ.

وِالظَّلَمَةُ، محرَّكةً: المانِعونَ أَهْلَ الحُقوقِ حُقُوقَهم.

وِالظَّلِيمَةُ، كسَفِينَةٍ الظُّلامَةُ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.

وِتَظَالَم القَوْمُ: ظَلَمَ بعضُهم بعضًا.

وِالظِّلِّيمُ، كسِكِّيتٍ: الكَثيرُ الظُّلْم.

وِتَظَالَمتِ المِعْزَى تَناطَحَتْ ممَّا سَمِنَتْ وأَخْصَبَتْ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، وهو مجازٌ.

ومنه وَجَدْنا أَرْضًا تَظَالَمُ مِعْزاها؛ أَي تَناطَحُ مِن الشِّبَعِ والنَّشاطِ وهو مجازٌ.

وِالظَّلِيمُ وِالمَظْلومَةُ وِالظَّلِيمةُ: اللَّبَنُ يُشْرَبُ قَبْل أَنْ يَبْلُغَ الرُّؤُوبَ، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ، وتقدَّمَ شاهِدُ الظَّلِيم.

وقالوا: امرأَةٌ لَزُومٌ للفِناءِ، ظَلومٌ للسِّقاءِ، مُكْرِمةٌ للأَحْماءِ.

وِظُلِمَتِ الناقةُ، مَجْهولًا: نُحِرَتْ من غَيْرِ عِلَّةٍ أَو ضَبِعَتْ على غَيْرِ ضَبَعَةٍ.

وكُلُّ ما أَعْجَلْتَهُ عن أَوانِهِ فقد ظَلَمْتَهُ.

وِالظَّلِيمُ: الموْضِعُ المَظْلومِ.

وأَرْضٌ مَظْلومَةٌ: لم تُمْطَرْ، قالَهُ الباهِلِيٌّ.

وبَلَدٌ مَظْلومٌ: لم يُصِبْهُ الغَيْثُ ولا رِعْيَ فيه للرِّكابِ، ومنه الحدِيْثُ: «إِذا أَتَيْتُمْ على مَظْلُومٍ فأَغِذُّوا السَّيْرَ».

وِظَلَمَهُ ظلْمًا: كَلَّفَهُ فوْقَ الطَّاقَةِ.

وبَيْتٌ مُظَلَّمٌ، كمُعَظَّمٍ: مُزَوَّقٌ بالتَّصاوِيرِ أَو مُمَوَّهٌ بالذهَبِ والفضَّةِ.

وأَنْكَرَ الأَزْهرِيُّ.

وصَوَّبَه الزَّمَخْشريُّ وقالَ: هو مِن الظَّلْمِ وهو مُوهَةُ الذهَبِ، قالَ: ومنه قيلَ للماءِ الجارِي على الثَّغْرِ ظَلْمٌ.

وجَمْعُ الظُّلْمَةِ ظُلَمٌ كصُرَدٍ، وِظُلُماتٌ بضمَّتَيْن، وِظُلَماتٌ بفتْحِ اللامِ، وِظُلْماتٌ بتَسْكينِها، قالَ الراجزُ:

يَجْلُو بعَيْنَيْهِ دُجَى الظُّلُماتِ

كذا في الصِّحاحِ.

قالَ ابنُ بَرِّي: ظُلَمٌ جَمْعُ ظُلْمَةٍ بإِسْكانِ اللامِ، فأَمَّا ظُلمُة فإِنَّما يكونُ جَمْعُها بالأَلفِ والتاءِ: قالَ ابنُ سِيْدَه: قيلَ الظَّلامُ أَوَّلُ اللَّيْلِ وإِنْ كانَ مُقْمرًا، يقالُ: أَتَيْته ظَلامًا أَي لَيْلًا.

قالَ سِيْبَوَيْه: لا يُسْتَعْملُ إِلَّا ظَرْفًا. وأَتَيْتَه مع الظَّلامِ أَي عندَ اللَّيْلِ.

وقالوا: ما أَظْلَمَه وما أَضْوَأَهُ وهو شاذٌّ، نَقَلَه الجوْهرِيُّ.

وِظُلُماتُ البَحْرِ: شَدائدُه.

وتَكَلَّم فأَظْلَمَ علينا البَيْتُ؛ أَي سَمِعْنا ما نَكْرَه وهو مُتَعدٍّ، نَقَلَه الأَزْهرِيُّ.

وقالَ الخَليلُ: لَقِيتُه أَوَّلَ ذي ظُلْمةٍ أَي أَوَّلَ شي‌ءٍ يَسُدُّ بَصَرَكَ في الرُّؤيَةِ، ولا يُشْتَقُّ منه فعْلٌ، كما في الصِّحاحِ.

وِأَظْلَمَ: نَظَرَ إِلى الأَسْنانِ فرَأَى الظَّلْمَ.

وجَمْعُ الظَّلِيم للذَّكَرِ مِن النَّعامِ: أَظْلِمةٌ أَيْضًا.

وإِذا أَزادُوا على القبْرِ مِن غيرِ تُرابِه قيلَ: لا تَظْلِمُوا، وهو مجازٌ.

وِالأَظْلم: الضَّبُّ وُصِفَ به لكَوْنِه يأْكُلُ أَوْلادَه.

وِالظِّلامُ بالكسْرِ: جَمْعُ ظُلم بالضمِّ عن كُراعٍ، وبه فُسِّرَ بَيْت المثقبِ العَبْديّ ومغلس بن لقيطٍ الماضِي ذِكْرهما، وإِن كانَ فِعال إِنَّما يكونُ جَمْع فعل المُضاعَف كخفٍّ وخِفافٍ، وقيلَ: هو مَصْدرٌ كالظُّلم كلبس ولِباسٍ. ويُرْوَى البَيْتُ أَيْضًا بالضمِّ فقيلَ: هو بمعْنَى الظَّلمِ أَو جَمْع له، كما قالَ أَبو عليٍّ في التُّرابِ إِنَّه جَمْعُ تُرْبٍ.

قالْ شيْخُنا: وعليه فيُزادُ على بابِ رِخالٍ.

وِظالِمُ بنُ عَمْرٍو الدُّؤليُّ أَبو الأَسْودِ صَحابيٌّ أَوَّل مَنْ تكلّمَ في النَّحْو.

وِالظلامُ: الكَثيرُ الظُّلْمِ.

وكأَميرٍ: ظَلِيمٌ أَبو النَّجيبِ المِصْرِيُّ العامِريُّ رَوَى عن ابنِ عُمَرَ وأَبي سعيدٍ، وعنه بكرُ بنُ سوادَةَ، ماتَ سَنَة ثَمَان وثَمانِيْن.

وِظَلِمٌ، ككَتِفٍ: جَبَلٌ بالحِجازِ بينَ إِضَم وجبل جُهَيْنَةَ.

وأَيْضًا جَبَلٌ أَسْودُ لعَمْرو بنِ عبدِ بنِ كِلابٍ.

وِتظلمُ، كتَمْنع: جَبَلٌ بنَجْدٍ، قالَهُ نَصْر.

وِظَلَمْلَمُ، كسَفَرْجَلٍ: جَبَلٌ باليَمَنِ.

وجَمْعُ ظَلْم الأَسْنان ظُلُومٌ، وأَنْشَدَ أَبو عُبَيْدَة:

إِذا ضَحِكَتْ لم تَنْبَهِرْ وتبسَّمَتْ *** ثنايا لها كالبَرْقِ غُرٌّ ظُلُومُها

كما في الصِّحاحِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


42-تاج العروس (وشم)

[وشم]: الوَشْمُ، كالوَعْدِ: غَرْزُ الإِبْرَةِ في البَدَنِ.

وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: الوَشْمُ في اليدِ؛ وكذا نَصُّ المُحْكَم والصِّحاحِ وذَرُّ النيلَجِ عليه، كذا وَقَعَ في نسخِ الصِّحاحِ، وقد أُصْلِحَ مِن خطِّ أَبي زَكَريَّا: النيلنج، وهو النَّؤُورُ، وهو دُخانُ الشحْم، وفي نَصّ أَبي عبيدٍ: ثم تَحْشُوه بالكُحْل أَو النِّيل أَو النَّؤُور، ويَزْرَقُّ أَثَرُه أَو يَخْضَرُّ؛ قالَ لَبيدٌ:

كِفَفٌ تَعَرَّضُ فوْقَهُنَّ وِشامُها

الجمع: وُشومٌ وِوِشامٌ؛ وقد وشَمْتُه وَشْمًا وِوَشَّمْتُه تَوْشِيمًا.

وقالَ نافِعٌ: الوَشْمُ في اللِّثةِ، وهي مَغارِزُ الأَسْنانِ؛ وبه فُسِّر الحدِيْثُ: «لعنَ اللهُ الواشِمَةَ».

وقالَ ابنُ الأثيرِ: والمَعْروفُ الآنَ في الوَشْم أَنَّه على الجِلْدِ والشِّفاهِ.

* قُلْت: وأَنْشَدَ ثَعْلَب:

ذَكَرْتُ من فاطمَة التبَسُّما *** غَداةَ تَجْلو واضِحًا مُوشَّما

عَذْب اللها تُجْرِي عليه البُرْشُما

وِاسْتَوْشَمَ: طَلَبَه أَن يَشِمَه.

وفي الحدِيْثِ: «لعنَ اللهُ الواشِمَةَ وِالمُسْتَوْشِمَة»؛ وبعضُهم يَرْوِيه: المُوتَشِمَة.

وِالوَشْمُ: شي‌ءٌ تَراهُ من النَّباتِ أَوَّلَ ما يَنْبُتُ، والجَمْعُ وُشومٌ، وهو مجازٌ.

وِالوَشْمُ: د، قُرْبَ اليمامةِ ذو نخْلٍ، به قَبائِلُ مِن ربيعَةَ ومُضَرَ، كما في الصِّحاحِ، بَيْنه وبينَ اليَمامةِ لَيْلَتان، عن نَصْر؛ قالَ زيادُ بنُ مُنْقذ:

وِالوشَمُ قد خَرجَتْ منه وقابَلَها *** من الثنايا التي لم ألقَها ثَرَم

وِالوُشومُ، بالضمِّ: موضع باليَمامةِ أَيْضًا.

قالَ ياقوتُ: أَخْبَرَنا بَدَوِيّ مِن أَهْلِ تلْكِ البِلادِ أنّها خَمْسُ قُرًى، عليها سورٌ واحِدٌ مِن لبنٍ، وفيها نخْلٌ وزَرْعٌ لبَني عائِذٍ لآل يَزِيد ومَنْ يَتَفرَّعُ منهم، والقَرْيةُ الجامِعَةُ فيها ثَرْمداءُ وبَعْدها شقراءُ وأُشيقر وأَبو الرِّيْش والمحمدية، وهي بَيْنَ العارِضِ والدَّهْناء.

وفي المُحْكَمِ: وِالوَشْمُ في قَولِ جريرٍ:

عَفَتْ قَرْقَرى والوَشْمُ حتى تنَكَّرَتْ *** أَوارِيُّها والخَيْلُ مِيلُ الدَّعائِمِ

زَعَمَ أَبو عُثْمان عن الحرمازيِّ أَنَّه ثَمانُونَ قَرْيةً.

وِالوُشومُ من المَهاةِ: خُطوطٌ في ذِراعَيْها؛ قالَ النابِغَةُ:

أَو ذُو وُشومٍ بحَوْضَى

وِذو الوُشُومِ: فَرَسُ عبدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ البُرْجُمِيِّ، وله يقولُ:

أُعارِضه في الحزنِ عَدْوًا برأْسِه *** وِفي السَّهْلِ أَعْلو ذَا الوُشُومِ وأَرْكَب

قالَهُ ابنُ الكَلْبيّ.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَ الكَرْمُ إذا بدا يُلَوِّنُ؛ عن أَبي حَنيفَةَ.

أَو إذا تَمَّ نُضْجُهُ، عنه أَيْضًا.

أَو أَوْشَمَ العِنَبُ: لانَ وطابَ.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَتِ المرأَةُ: إذا بَدَا ثَدْيُها يَنْتَأُ كما يُوشِم البرْقُ.

وِمِن المجازِ أَيْضًا: أَوْشَمَ الشَّيْبُ فيه: إذا كَثُرَ وانْتَشَرَ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ.

وِمِن المجازِ أَيْضًا: أَوْشَمَ في عِرْضِه: إذا عابَه وسَبَّهُ، كأَوْشَبَ.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَتِ الإِبِلُ: إذا صادَفَتْ مَرْعًى موشِمًا.

وفي الأساسِ: أَصابَتْ وَشْمًا مِن المَرْعَى.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَ البَرْقُ: إذا لَمَعَ لَمْعًا خَفِيفًا، كذا في نسخِ الصِّحاحِ، ووَقَعَ في بعضِها: خَفِيًّا.

وقالَ أَبو زَيْدٍ: هو أَوَّلُ البَرْقِ حينَ يَبْرقُ؛ قالَ الشاعِرُ:

يا مَنْ يَرَى لِبارِقٍ قد أَوْشَمَا

وِأَوْشَمَ فلانٌ يَفْعَلُ كذا: أَي طَفِقَ وأَخَذَ؛ قالَ الرَّاجزُ:

أَوْشَمَ يَذْرِي وابِلًا رَوِيًّا

وِأَوْشَمَ فيه: إذا نَظَرَ؛ قالَ أَبو محمدٍ الفَقْعسيُّ:

إنَّ لها رِيًّا إذا ما أَوْشَما

وِمِن المجازِ: ما أَصابَتْنا العامَ وَشْمَةٌ؛ أَي قَطْرَةُ مَطَرٍ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيت، وهو في الأساسِ.

وِما عَصَيْتُه وَشْمَةً: أَي كلِمَةً، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيت.

وفي الأساسِ: أَدْنَى مَعْصِيةٍ.

وفي المُحْكَم: أَي طَرْفَة عَيْنٍ.

وِالوَشِيمَةُ: الشَّرُّ والعَداوَةُ.

وفي الصِّحاحِ: يقالُ بَيْنَهما وَشِيمةٌ أَي كَلامُ شرٍّ أَو عَداوَةٍ.

وِقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: يقالُ: هو أَعْظَمُ في نفْسِه من المُتَّشِمةِ، وهذا مَثَلٌ؛ قالَ: وهي امرأَةٌ وَشَمَتْ اسْتَها ليكونَ أَحسنَ لها.

وقالَ الباهِلِيُّ في أَمْثالِهم: لَهُو أَخْيَل في نفْسِه مِن الوَاشِمَة.

قالَ الأَزْهرِيُّ: والأَصْلُ في المُتَّشِمة المُوتَشِمَةُ، وهو مِثْلُ المُتَّصل أَصْلُه المُوتَصِل.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الوُشومُ: العلاماتُ، عن ابنِ شُمَيْل.

وِأَوْشَمَتِ الأرضُ: ظَهَرَ نَباتُها، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.

وِأَوْشَمَتِ السَّماءُ: بدا منها بَرَقٌ.

وقَوْله:

أَقولُ وفي الأَكْفانِ أَبْيَضُ ماجِدٌ *** كغُصْنِ الأَراكِ وجهُه حينَ وَشَّما

أَي بَدا وَرَقه، ويُرْوى بالسِّيْن، ومعْناهُ حسُنَ، وقد تَقَدَّمَ. وما كَتَمَ وَشْمةً: أَي كَلِمةً حَكَاها.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


43-تاج العروس (قبو)

[قبو]: وقَبَاهُ قَبْوًا: جَمَعَهُ بأصابِعِه، نقلَهُ ابنُ سِيدَه.

وقَبَا البِناءَ: رَفَعَهُ، ومنه السَّماءُ مَقْبُوَّةٌ: أَي مَرْفُوعَةٌ، ولا يقالُ مَقْبُوبَةٌ من القبَّةِ ولكنْ مُقَبَّبَة، نقلَهُ الأزْهري.

وقَبَا الزَّعْفَرانَ والعُصْفُر: جَنَاهُ، نقلَهُ الأزْهرِي عن أَبي عَمْرٍو.

والقَبَا، بالقَصْرِ: نَبْتٌ.

وقالَ الأزْهرِي: ضَرْبٌ من الشَّجَرِ.

وأَيْضًا: تَقْوِيسُ الشَّي‌ءِ، وقد قَباهُ قَبًا.

والقَبْوَةُ انْضِمامُ ما بينَ الشَّفَتَيْنِ. قالَ ابنُ سِيدَه: ومنه القَباءُ، كسَحابٍ، مِن الثِّيابِ لاجْتِماعِ أَطْرَافهِ، وأَنْشَدَ أَبُو عليٍّ القالِي لأبي النجْمِ:

تَمَشَّى الرَّامحُ في قَبائِه

وفي المِصْباح: أَنَّه مُشْتَقٌّ مِن قَبَوْتُ الحَرْفَ قَبْوًا إذا ضَمَمْته.

وقال شَيْخُنا: القَباءُ يُمَدُّ ويُقْصَرُ ويُؤَنَّثُ ويُذَكَّر، قيلَ: فارِسِيٌّ، وقيلَ: عَرَبيٌّ مِن قَبَوْتُ الشي‌ءَ إذا ضَمَمْتَ عليه أَصابِعَك، سُمِّي به لانْضِمام أَطْرافِهِ، ورَوَى كَعْبٌ: أَنَّ أَوَّل مَنْ لَبِسَه سُلَيْمان، عليه‌السلام.

وأَغْرَبَ بعضُ أَهْلِ الغَريبِ فقالَ: ويُصْرَفُ ويُمْنَعُ فإنَّه لا يظْهرُ وَجْهٌ لمنْعِه، ولو صارَ عَلَمًا إلَّا أن يكونَ عَلَمَ امْرأَةٍ، فتأَمَّل.

قُلْتُ: أَما كَوْنه فارِسيًّا أَو عربيًّا فقد نَقَلَهُما ابنُ الجَوالِيقي في المُعَرَّب.

وقالَ القاضِي المعافى: هو مِن مَلابِسِ الأعاجِمِ في الأغْلب، ومَنْ قالَ إنَّه عَرَبيٌّ فإمَّا لمَا فيه مِن الاجْتِماعِ، وإمَّا لجمْعِه وضمِّه إيَّاهُ عنْدَ لبْسِه، ومنه قولُ سحيم عبْد بَني الحَسْحاس:

فإن تهزئي منِّي فيا ربّ لَيْلة *** تركتك فيها كالقَباءِ المفرّجِ

الجمع: أَقْبِيَةٌ.

وقَبَّاهُ تَقْبِيةً: عَبَّاهُ، كذا في النُّسخِ، ونَصّ الأزْهري عن أَبي تُرابٍ: وعَبَا الثِّيابَ يَعْباها وقَبَاها يَقْباها: عَباها، وهذا على لُغةِ مَنْ يَرى تَلْيِين الهَمْزةِ. فقوْلُه: تَقْبيةً غَيْرُ مَعْروفٍ.

كاقْتَباهُ. يقالُ: اقْتَبَى المَتاعَ واعْتَباهُ إذا جَمَعَه، نقلَهُ الأزْهري.

وقَبَّا عليه: إذا عَدَا عليه في أمْره، وهذا أَيْضًا بالتّخْفِيف.

وقَبَّى الثَّوبَ: جَعَلَ منه قَبَاءً، وهذا بالتَّشْديدِ عن اللّحْياني.

وفي المُحْكم: قَطَعَ منه قَباءً، عن اللّحْياني.

وتَقَبَّاهُ: لَبِسَهُ، وأَنْشَدَ أبو عليٍّ القالي لذي الرُّمّة:

تَجْلُو البوارقُ عن مجرٍ مزلهق *** كأنه مُتَقَبِّي يَلْمقٍ عَزَبُ

وتَقَبَّى زَيْدًا: أَتاهُ مِن قِبَلِ قَفاهُ، نقلَهُ الأزْهرِي.

وتَقَبَّى الشَّي‌ءُ: صارَ كالقُبَّةِ في الارْتِفاعِ والانْضِمامِ.

وامْرأَةٌ قَابِيَةٌ: تَلْقُطُ العُصْفُرَ وتَجْمَعُه، وأَنْشَدَ ابنُ سِيدَه للشَّاعِرِ يصِفُ قَطًا مُعْصَوْصِبًا في الطَّيرانِ:

دَوامِكَ حِينَ لا يَخْشَينَ رِيحًا *** مَعًا كبَنانِ أَيْدِي القَابِياتِ

والقابِياءُ: اللَّئِيمُ لكَزازَتِه، كذا في المُحْكم.

وقالَ الأزْهري: يقالُ للَّئِيمِ قابِياءُ وقابِعاءُ.

وبَنُو قابِياءَ: المُجْتَمعونَ لشُرْبِ الخَمْرِ، نقلَهُ ابنُ سِيدَه، وكذلكَ بَنُو قَوْبَعَة.

وقُباءُ، بالضَّمِّ مَمْدودًا يُؤَنَّثُ ويُذَكَّرُ ويُقْصَرُ ويُصْرَفُ ولا يُصْرَفُ، قالَ أَبو عليٍّ القالِي: قالَ أَبو حاتِمٍ مِن العَرَبِ مَنْ يَصْرِفه ويَجْعَلُه مُذكَّرًا، ومنهم مَنْ يُؤَنِّثه فلا يَصْرِفه: موضع قُرْبَ المدِينَةِ المشرَّفَةِ بظاهِرِها من الجَنُوبِ نَحْو مِيلَيْن، كما في المِصْباح، أَو سِتَّة، كما في الأنْسابِ للسَّمْعاني، به المَسْجدُ المُؤَسَّس على التَّقْوى، نَزلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، قَبْل أَن يَسِيرَ إلى المَدِينَةِ، وقد نُسِبَ إليه أَفْلَح بنُ سعيدٍ وعبدُ الرحمنِ بنُ أَبي شُمَيْلَةَ الأنْصارِيٌّ وعبدُ الرحمنِ بنُ عبَّاس الأنْصارِيُّ، وبِشْرُ ابنُ عِمْران بنِ كَيْسان القَبائِيُّون المحدِّثُونَ.

وأَيْضًا: موضع بينَ مكَّةَ والبَصْرَةِ، أَنْشَدَ أَبو عليٍّ القالِي لعبدِ اللهِ بنِ الزَّبْعَرى:

حين حلَّت بقباء بركها *** واستحرَّ القَتْل في عبدِ الأَشَل

وقُبَا، بالقَصْرِ مع الضَّمِّ: بلد بفَرْغانَةَ يُنْسَبُ إليه الخلِيلُ بنُ أَحمدَ القُباوِيُّ الفَرْغانيُّ حدَّثَ ببُخارَى، ذَكَرَه ابنُ السَّمعاني، ومسعدَةُ بنُ اليسع القُبَاوِيُّ عن يَحْيى ابنِ إبراهيم، ذَكَرَه المَالِينِي لكنَّه ذَكَره بالهَمْزِ كالأوّلِ وقالَ: إنَّه من قُبا فَرْغانَةَ، قالَ الحافِظُ: فكأَنَّه يجوزُ فيها ما يجوزُ في الأولى مِن المدِّ والقَصْر.

وانْقَبَى عنَّا فلانٌ: اسْتَخْفَى، نقلَهُ الأزْهرِي.

وقِبْيُ قَوْسَيْن، بالكسرِ، وقِباءُ قَوْسَيْن، ككِساءٍ، وفي التكْمِلَةِ، بالفَتْح مَقْصورًا؛ أَي قابُ قَوْسَيْنِ: لُغاتٌ.

والمَقْبِيُّ، كمَرْمِيٍّ: الكثيرُ الشَّحْمِ، نقلَهُ الأزْهرِي، وبه فَسَّر شَمِرٌ قولَه:

مِن كلِّ ذاتِ ثَبَجٍ مُقَبِّي

والقَبايَةُ، كسَحابَةٍ: المَفازَةُ، بلُغَةِ حِمْيَر، نقلَهُ الأزْهرِي وأَنْشَدَ:

وما كان عَنْزٌ تَرْتَعِي بقَبايةٍ

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

القُبْوةُ: الضمَّةُ، بلُغةِ أَهْلِ المدِينَةِ.

وقالَ الخليلُ: نَبْرةٌ مَقْبوَّةٌ؛ أَي هَمْزَةٌ مَضْمومَةٌ.

والقَبْوُ: الطاقُ المَعْقودُ بعضُه إلى بعضٍ، عن ابنِ الأثيرِ.

وقُبَا، بالضمِّ: قَرْيةٌ باليَمَنِ دُونَ زَبيدٍ، ومَدينَةٌ بقُرْب الشَّاش، منها: أَبو المَكارِمِ رزقُ اللهِ بنُ محمدِ القُباوِيُّ نزِيلُ بُخَارَى كَتَبَ عنه ابنُ السّمعانيُّ، وهي غَيْر التِي في فَرْغانَةَ.

وقالَ نَصْر: قُبَا في شِعْرِ عبدِ الرحمنِ بنِ عُوَيْمر، قَرْيةٌ لبَني عَمْرِو بنِ عَوْفٍ.

وبفَتْح القافِ: حفصُ بنُ دَاودٍ القَبَائِيُّ البُخارِي، وأَبو نَصْر أَحمدُ بنُ سَهْلِ بنِ حَمْدَوَيْه القَبَائِيُّ، ذَكَرَهُما المَالِيني هكذا.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


44-لسان العرب (سيب)

سيب: السَّيْبُ: العَطاءُ، والعُرْفُ، والنافِلةُ.

وَفِي حَدِيثِ الاستسقاءِ: «واجْعَلْه سَيْبًا نافِعًا»أَي عَطاءً، وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ مَطَرًا سَائِبًا؛ أي جَارِيًا.

والسُّيُوبُ: الرِّكاز، لأَنها مِنْ سَيْبِ اللهِ وَعَطَائِهِ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ المَعادِنُ.

وَفِي كِتَابِهِ لوائلِ بْنِ حُجْرٍ: وَفِي السُّيُوبِ الخُمُسُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: السُّيُوبُ: الرِّكازُ؛ قَالَ: وَلَا أُراه أُخِذَ إِلا مِنَ السَّيبِ، وَهُوَ العطاءُ؛ وأَنشد:

فَمَا أَنا، منْ رَيْبِ المَنُونِ، بجُبَّإٍ، ***وَمَا أَنا، مِنْ سَيْبِ الإِلهِ، بآيِسِ

وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: السُّيُوبُ عُروق مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، تَسِيبُ فِي المَعْدِن أَي تَتكون فِيهِ وتَظْهَر، سُمِّيَتْ سُيوبًا لانْسِيابِها فِي الأَرض.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: السُّيُوبُ جَمْعُ سَيْبٍ، يُرِيدُ بِهِ المالَ الْمَدْفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَو المَعْدِن لأَنه، مِنْ فضلِ اللَّهِ وعَطائه، لِمَنْ أَصابَه.

وسَيْبُ الفرَس: شَعَرُ ذَنَبِه.

والسَّيْبُ: مُرديُّ السَّفينة.

والسَّيْبُ مَصْدَرُ سَابَ الماءُ يَسِيبُ سَيْبًا: جَرى.

والسِّيبُ: مَجْرَى الماءِ، وجَمْعُه سُيُوبٌ.

وسابَ يَسِيبُ: مَشَى مُسرِعًا.

وسابَتِ الحَيَّةُ تَسِيبُ إِذا مَضَتْ مُسْرِعةً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

أَتَذْهَبُ سَلْمَى فِي اللِّمامِ، فَلَا تُرَى، ***وباللَّيْلِ أَيْمٌ حَيْثُ شاءَ يَسِيبُ؟

وَكَذَلِكَ انْسابَتْ تَنْسابُ.

وسابَ الأَفْعَى وانْسابَ إِذا خرَج مِنْ مَكْمَنِه.

وفي الحديث: «أَن رَجلًا شَرِبَ مِنْ سِقاءٍ؛ فانْسابَتْ فِي بَطنِه حَيَّةٌ، فَنُهِيَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقاءِ»، أَي دخَلَتْ وجَرَتْ مَعَ جَرَيانِ الماءِ.

يُقَالُ: سابَ الماءُ وانْسابَ إِذا جرَى.

وانْسابَ فُلَانٌ نحوكُم: رجَعَ.

وسَيَّبَ الشيءَ: تركَه.

وسَيَّبَ الدَّابَّةَ، أَو الناقةَ، أَو الشيءَ: تركَه يَسِيبُ حَيْثُ شاءَ.

وكلُّ دابَّةٍ تركْتَها وسَوْمَها، فَهِيَ سائبةٌ.

والسائبةُ: العَبْدُ يُعْتَقُ عَلَى أَن لَا وَلاءَ لَهُ.

والسائبةُ: البعيرُ يُدْرِكُ نِتاجَ نِتاجِه، فيُسَيَّبُ، وَلَا يُرْكَب، وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ.

والسائِبَةُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، فِي قَوْلِهِ تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ}؛ كَانَ الرجلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَعيدٍ، أَو بَرِئَ مِنْ عِلَّةٍ، أَو نَجَّتْه دابَّةٌ مِنْ مَشَقَّةٍ أَو حَرْبٍ قَالَ: ناقَتي سائبةٌ أَي تُسَيَّبُ فَلَا يُنْتَفَعُ بِظَهْرِهَا، وَلَا تُحَلَّأُ عَنْ ماءٍ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ كَلإٍ، وَلَا تُركَب؛ وَقِيلَ: بَلْ كَانَ يَنْزِعُ مِنْ ظَهْرِها فَقَارَةً، أَو عَظْمًا، فتُعْرَفُ بِذَلِكَ؛ فأُغِيرَ عَلَى رَجل مِنَ الْعَرَبِ، فَلَمْ يَجِدْ دابَّةً يركبُها، فرَكِب سَائِبَةً، فَقِيلَ: أَتَرْكَبُ حَرامًا؟ فَقَالَ: يَركَبُ الحَرامَ مَنْ لَا حَلالَ لَهُ، فذهَبَتْ مَثَلًا.

وَفِي الصِّحَاحِ: السائبةُ الناقةُ الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّبُ، فِي الجاهِلِيَّةِ، لِنَذْرٍ وَنَحْوِهِ؛ وَقَدْ قِيلَ: هِيَ أُمُّ البَحِيرَةِ؛ كانتِ الناقةُ إِذا ولَدَتْ عَشْرَةَ أَبْطُن، كُلُّهنَّ إِناثٌ، سُيِّبَتْ فَلَمْ تُرْكَبْ، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَها إِلا ولَدُها أَو الضَّيْفُ حَتَّى تَمُوتَ، فإِذا ماتتْ أَكَلَها الرجالُ والنساءُ جَميعًا، وبُحِرَتْ أُذن بِنْتِها الأَخيرةِ، فَتُسَمَّى البَحِيرةَ، وَهِيَ بمَنْزلةِ أُمِّها فِي أَنها سائبةٌ، وَالْجَمْعُ سُيَّبٌ، مثلُ نائمٍ ونُوَّمٍ، ونائحةٍ ونُوَّحٍ.

وَكَانَ الرَّجلُ إِذا أَعْتَقَ عَبْدًا وَقَالَ: هُوَ سائبةٌ، فَقَدْ عَتَقَ، وَلَا يَكُونُ وَلاؤُه لِمُعتِقِه، ويَضَعُ مالَه حَيْثُ شاءَ، وَهُوَ الَّذِي وردَ النَّهْيُ عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ السَّائبةِ والسَّوائِبِ؛ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذا نذَرَ لقُدُومٍ مِن سَفَرٍ، أَو بُرْءٍ مِنْ مَرَضٍ، أَو غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ: ناقَتي سائبةٌ، فَلَا تُمْنَعُ مِن ماءٍ، وَلَا مَرْعًى، وَلَا تُحْلَبُ، وَلَا تُرْكَب؛ وَكَانَ إِذا أَعْتَقَ عَبْدًا فَقَالَ: هُوَ سائِبةٌ، فَلَا عَقْل بَيْنَهُمَا، وَلَا مِيراثَ؛ وأَصلُه مِنْ تَسْيِيبِ الدَّوابِّ، وَهُوَ إِرسالُها تَذْهَبُ وتجيءُ، حَيْثُ شاءَتْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «رأَيتُ عَمْرو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَه فِي النَّارِ»؛ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوائِب، وَهِيَ الَّتِي نَهى اللهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ؛ فالسَّائبة: أُمُّ البَحِيرَةِ، وَهُوَ مَذْكور فِي مَوْضِعِهِ.

وَقِيلَ: كَانَ أَبو العالِيةِ سَائِبَةً، فَلَمَّا هَلَكَ، أُتِيَ مَولاه بميراثِه، فَقَالَ: هُوَ سائبةٌ، وأَبى أَنْ يأْخُذَه.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذا أَعْتَقَ عَبْدَه سَائِبَةً، فَمَاتَ العبدُ وخَلَّفَ مَالًا، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا غَيْرَ مَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَه، فميراثُه لمُعْتِقِه، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الوَلاءَ لُحْمةً كَلُحْمةِ النَّسَب، فَكَمَا أَنَّ لُحْمةَ النَّسبِ لَا تَنْقَطِعُ، كَذَلِكَ الوَلاءُ؛ وَقَدْ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: السَّائِبةُ والصَّدقةُ ليومِهِما.

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ ليَوْمهما، أَي يَوْمِ القيامةِ، واليَوْمِ الَّذِي كَانَ أَعْتَقَ سائِبتَه، وَتَصَدَّقَ بصدقتِه فِيهِ.

يَقُولُ: فَلَا يَرجِعُ إِلى الانتِفاع بشيءٍ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ كالرَّجل

يُعْتِقُ عَبْدَه سَائِبَةً، فيَمُوتُ العَبْدُ ويَتْرُك مَالًا، وَلَا وارثَ لَهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِمُعتقه أَن يَرْزَأَ مِنْ مِيراثِه شَيْئًا، إِلا أَن يَجْعَلَهُ فِي مِثْله.

وَقَالَ ابْنُ الأَثير: قَوْلُهُ الصَّدَقةُ والسَّائبةُ ليومِهما، أَي يُرادُ بِهِمَا ثوابُ يومِ القيامةِ؛ أَي مَن أَعْتَقَ سائِبَتَه، وتَصَدَّقَ بِصَدقةٍ، فَلَا يَرْجِعُ إِلى الانْتِفاعِ بشيءٍ مِنْهَا بعدَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وإِن وَرِثَهما عَنْهُ أَحدٌ، فَلْيَصْرِفْهُما فِي مِثْلِهما، قَالَ: وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ، وطَلَبِ الأَجْرِ، لَا عَلَى أَنه حرامٌ، وإِنما كَانُوا يَكْرَهُونَ أَن يَرْجِعُوا فِي شيءٍ، جَعَلُوه لِلَّهِ وطَلَبُوا بِهِ الأَجر.

وَفِي حَدِيثِ عبدِ اللَّهِ: «السَّائبةُ يَضعُ مالَه حيثُ شاءَ»؛ أي العَبْدُ الَّذِي يُعْتَقُ سائِبةً، وَلَا يَكُونُ ولاؤُه لِمُعْتِقِه، وَلَا وارِثَ لَهُ، فيَضَعُ مالَه حيثُ شاءَ، وَهُوَ الَّذِي ورَدَ النَّهْيُ عَنْهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «عُرِضَتْ عَليَّ النارُ فرأَيتُ صاحِبَ السَّائِبَتَيْنِ يُدْفَعُ بِعَصًا»، السَّائِبتانِ: بَدَنَتان أَهْداهما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلى البَيْت، فأَخذهما رَجلٌ مِن الْمُشْرِكِينَ فذَهَبَ بِهِمَا؛ سمَّاهُما سائِبَتَيْنِ لأَنه سَيَّبَهُما لِلَّهِ تَعَالَى.

وَفِي حديثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ الحيلةَ بالمَنْطِقِ أَبْلَغُ مِنَ السُّيُوبِ فِي الكَلِمِ؛ السُّيُوبُ: مَا سُيِّبَ وخُلِّي فسابَ، أَي ذَهَبَ.

وسابَ فِي الْكَلَامِ: خاضَ فِيهِ بهَذْرٍ؛ أَي التَّلَطُّفُ والتَّقَلُّلُ مِنْهُ أَبلَغُ مِنَ الإِكثارِ.

وَيُقَالُ سابَ الرَّجُل فِي مَنْطِقِه إِذا ذَهَبَ فِيهِ كلَّ مذهبٍ.

والسَّيَابُ، مِثْلُ السَّحابِ: البَلَحُ.

قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ البُسْر الأَخضرُ، وَاحِدَتُهُ سَيابةٌ؛ وَبِهَا سُمِّيَ الرَّجل؛ قَالَ أُحَيْحةُ:

أَقْسَمْتُ لَا أُعْطِيكَ، فِي ***كَعْب ومَقْتَلِه، سَيابَهْ

فإِذا شَدَّدْته ضَمَمْتَه، فَقُلْتَ: سُيَّابٌ وسُيّابةٌ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:

أَيَّامَ تَجْلُو لَنَا عَنْ بارِدٍ رَتِلٍ، ***تَخالُ نَكْهَتَها، باللَّيْلِ، سُيَّابَا

أَراد نَكْهةَ سُيَّابٍ وسُيَّابةٍ أَيضًا.

الأَصمعي: إِذا تَعَقَّدَ الطَّلْعُ حَتَّى يَصِيرَ بَلَحًا، فَهُوَ السَّيابُ، مُخَفَّف، وَاحِدَتُهُ سَيابةٌ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: هُوَ السَّدَى والسَّداءُ، مَمْدُودٌ بِلُغَةِ أَهل الْمَدِينَةِ؛ وَهِيَ السَّيابةُ، بلغةِ وَادِي القُرَى؛ وأَنشد للَبيدٍ:

سَيابةٌ مَا بِهَا عَيْبٌ، وَلَا أَثَرُ قَالَ: وَسَمِعْتُ الْبَحْرَانِيِّينَ تَقُولُ: سُيَّابٌ وسُيَّابةٌ.

وَفِي حَدِيثِ أُسَيْد بْنِ حُضَيْرٍ: «لَوْ سَأَلْتَنا سَيابةً مَا أَعْطَيْناكَها»، هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالتَّخْفِيفِ: البَلحَةُ، وَجَمْعُهَا سَيابٌ.

والسِّيبُ: التُّفَّاحُ، فارِسيّ؛ قَالَ أَبو العلاءِ: وَبِهِ سُمِّيَ سِيبَوَيْهِ: سِيب تُفَّاحٌ، وَوَيْه رائحتُه، فكأَنه رَائِحَةُ تُفَّاحٍ.

وسائبٌ: اسمٌ مِنْ سابَ يَسِيبُ إِذا مَشى مُسْرِعًا، أَو مِنْ سابَ الماءُ إِذا جَرى.

والمُسَيَّبُ: مِنْ شُعَرائِهم.

والسُّوبانُ: اسْمُ وادٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


45-لسان العرب (وجب)

وجب: وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوبًا أَي لزمَ.

وأَوجَبهُ هُوَ، وأَوجَبَه اللَّهُ، واسْتَوْجَبَه أَي اسْتَحَقَّه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «غُسْلُ الجُمُعةِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِم».

قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الخَطَّابي: مَعْنَاهُ وُجُوبُ الاخْتِيار والاسْتِحْبابِ، دُونَ وُجُوب الفَرْض واللُّزوم؛ وإِنما شَبَّهَه بِالْوَاجِبِ تأْكيدًا، كَمَا يَقُولُ الرجلُ لِصَاحِبِهِ: حَقُّكَ عليَّ واجبٌ، وَكَانَ الحَسنُ يَرَاهُ لَازِمًا، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.

يُقَالُ: وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوبًا إِذا ثَبَتَ، ولزِمَ.

والواجِبُ والفَرْضُ، عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، سواءٌ، وَهُوَ كُلُّ مَا يُعاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ؛ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبو حَنِيفَةَ، فالفَرْض عِنْدَهُ آكَدُ مِنَ الْوَاجِبِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: «أَنه أَوجَبَ نَجِيبًا»أَي أَهْداه فِي حَجٍّ أَو عُمْرَةٍ، كأَنه أَلزَمَ نَفْسَهُ بِهِ.

والنَّجِيبُ: مِنْ خِيَارِ الإِبل.

ووجَبَ البيعُ يَجبُ جِبَةً، وأَوجَبْتُ البيعَ فوَجَبَ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَبَ البيعُ جِبَةً ووُجوبًا، وَقَدْ أَوْجَبَ لَكَ البيعَ وأَوْجَبهُ هُوَ إِيجابًا؛ كلُّ ذَلِكَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وأَوْجَبَه البيعَ مُوَاجَبَةً، ووِجابًا، عَنْهُ أَيضًا.

أَبو عَمْرٍو: الوَجِيبةُ أَن يُوجِبَ البَيْعَ، ثُمَّ يأْخذَه أَوَّلًا، فأَوَّلًا؛ وَقِيلَ: عَلَى أَن يأْخذ مِنْهُ بَعْضًا فِي كُلِّ يَوْمٍ، فإِذا فَرَغَ قِيلَ: اسْتَوْفى وَجِيبَتَه؛ وَفِي الصِّحَاحِ: فإِذا فَرَغْتَ قِيلَ: قَدِ استَوفيْتَ وَجِيبَتَك.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذا كَانَ البَيْعُ عَنْ خِيار فَقَدْ وجَبَ»أَي تَمَّ ونَفَذ.

يُقَالُ: وَجَبَ البيعُ يَجِبُ وُجُوبًا، وأَوْجَبَه إِيجابًا أَي لَزِمَ وأَلْزَمَه؛ يَعْنِي إِذا قَالَ بَعْدَ العَقْد: اخْتَرْ رَدَّ الْبَيْعِ أَو إِنْفاذَه، فاختارَ الإِنْفاذَ، لزِمَ وإِن لَمْ يَفْتَرِقا.

واسْتَوْجَبَ الشيءَ: اسْتَحَقَّه.

والمُوجِبةُ: الكبيرةُ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي يُسْتَوْجَبُ بِهَا العذابُ؛ وَقِيلَ: إِن المُوجِبَةَ تَكون مِنَ الحَسَناتِ وَالسَّيِّئَاتِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِني أَسأَلك مُوجِبات رَحْمَتِك».

وأَوْجَبَ الرجلُ: أَتى بمُوجِبةٍ مِن الحَسناتِ أَو السَّيِّئَاتِ.

وأَوْجَبَ الرجلُ إِذا عَمِلَ عَمَلًا يُوجِبُ له الجَنَّةَ أَو النارَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَقَدْ أَوْجَبَ» أَي وَجَبَتْ لَهُ الجنةُ أَو النارُ.

وفي الحديث: «أَوْجَبَ طَلْحَةُ» أَي عَمِل عَمَلًا أَوْجَبَ لَهُ الجنةَ.

وَفِي حَدِيثِ مُعاذٍ: «أَوْجَبَ ذُو الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ» أَي مَنْ قَدَّم ثَلَاثَةً مِنَ الْوَلَدِ، أَو اثْنَيْنِ، وَجَبَت له الجنةُ.

وفي حديث طَلحة: كَلِمَةٌ سَمِعتُها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُوجِبةٌ لَمْ أَسأَله عَنْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَنا أَعلم مَا هِيَ: لَا إِله إِلا اللَّهُ، أَي كَلِمَةٌ أَوْجَبَتْ لِقَائِلِهَا الْجَنَّةَ، وجمعُها مُوجِباتٌ.

وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيِّ: «كَانُوا يَرَوْنَ المشيَ إِلى المسجدِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ»، ذاتِ المَطَر وَالرِّيحِ، أَنها مُوجِبةٌ، والمُوجِباتُ الكبائِرُ مِنَ الذُّنُوب الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ بِهَا النارَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن قَوْمًا أَتَوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِن صاحِبًا لَنَا أَوْجَبَ» أَي رَكِبَ خطيئةً اسْتَوْجَبَ بِهَا النارَ، فَقَالَ: مُرُوه فلْيُعْتِقْ رَقَبَةً.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَبايعانِ شَاةً، فَقَالَ أَحدُهما: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا أَنقُصُ مِنْ كَذَا، فَقَالَ: قَدْ أَوْجَبَ أَحدُهما»أَي حَنِثَ، وأَوْجَبَ الإِثم والكَفَّارةَ عَلَى نَفْسِهِ.

ووَجَبَ الرجلُ وُجُوبًا: ماتَ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم يَصِفُ حَرْبًا وَقَعَتْ بَيْنَ الأَوْسِ والخَزْرَج، فِي يَوْمِ بُعاثَ، وأَن مُقَدَّم بَنِي عَوْفٍ وأَميرَهم لَجَّ فِي المُحاربة، ونَهَى بَنِي عَوْفٍ عَنِ السِّلْمِ، حَتَّى كانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ:

ويَوْمَ بُعاثٍ أَسْلَمَتْنا سيُوفُنا ***إِلى نَشَبٍ، فِي حَزْمِ غَسَّانَ، ثاقِبِ

أَطاعتْ بَنُو عَوْفٍ أَمِيرًا نَهاهُمُ ***عَنِ السِّلْمِ، حَتَّى كَانَ أَوَّلَ وَاجِبِ

أَي أَوَّلَ مَيِّتٍ؛ وَقَالَ هُدْبة بْنُ خَشْرَم:

فقلتُ لَهُ: لَا تُبْكِ عَيْنَكَ، إِنه ***بِكَفَّيَّ مَا لاقَيْتُ، إِذ حانَ مَوْجِبي

أَي مَوْتِي.

أَراد بالمَوْجِبِ مَوْتَه.

يُقَالُ: وَجَبَ إِذا ماتَ مَوْجِبًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءَ يَعُودُ عبدَ اللَّهِ بنَ ثابتٍ، فوَجَدَه قَدْ غُلِبَ، فاسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: غُلِبْنا عَلَيْكَ يَا أَبا الرَّبِيعِ، فصاحَ النساءُ وبَكَيْنَ، فَجعلَ ابنُ عَتِيكٍ يُسَكِّتُهُنَّ»؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُنَّ، فإِذا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ باكيةٌ، فَقَالَ: مَا الوُجوبُ؟ قَالَ: إِذا ماتَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فإِذا وَجَبَ ونَضَبَ عُمْرُه».

وأَصلُ الوُجُوبِ: السُّقوطُ والوقُوعُ.

ووَجَبَ الميتُ إِذا سقَط وماتَ.

وَيُقَالُ لِلْقَتِيلِ: واجِبٌ.

وأَنشد: حَتَّى كانَ أَوَّلَ واجِبِ

.

والوَجْبة: السَّقطة مَعَ الهَدَّة.

وَوجَبَ وجْبة: سَقَط إِلى الأَرض؛ لَيْسَتِ الفَعْلة فِيهِ للمرَّة الْوَاحِدَةِ، إِنما هُوَ مصدرُ كالوُجوب.

ووَجَبَتِ الشمسُ وَجْبًا، ووُجوبًا: غَابَتْ، والأَوَّلُ عَنْ ثَعْلَبٍ.

وَفِي حَدِيثِ سعيدٍ: «لَوْلَا أَصْواتُ السافِرَة لسَمِعْتم وَجْبةَ الشَّمْسِ»؛ أي سُقُوطَها مَعَ المَغيب.

وَفِي حَدِيثِ صِلَةَ: «فإِذا بوَجْبةٍ وَهِيَ صَوت السُّقُوط».

ووَجَبَتْ عَيْنُه: غارَتْ، عَلَى المَثَل.

ووَجَبَ الحائطُ يَجِبُ وَجْبًا ووَجْبةً: سَقَطَ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَبَ البيتُ وكلُّ شيءٍ: سَقَطَ وَجْبًا ووَجْبَة.

وَفِي الْمَثَلِ: بِجَنْبِه فلْتَكُنْ الوَجْبَة، وَقَوْلُهُ تعالى: {فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها}؛ قِيلَ مَعْنَاهُ سَقَطَتْ جُنُوبها إِلى الأَرض؛ وَقِيلَ: خَرَجَت أَنْفُسُها، فسقطتْ هِيَ، فَكُلُوا مِنْها؛ وَمِنْهُ قولُهم: خَرَجَ القومُ إِلى مَواجِبِهِم أَي مَصارِعِهم.

وَفِي حَدِيثِ الضَّحِيَّةِ: «فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُها»أَي سَقَطَتْ إِلى الأَرض، لأَن الْمُسْتَحَبَّ أَن تُنْحَرَ الإِبل قِيَامًا مُعَقَّلةً.

ووَجَّبْتُ بِهِ الأَرضَ تَوجيبًا أَي ضَرَبْتُها بِهِ.

والوَجْبَةُ: صوتُ الشيءِ يَسْقُطُ، فيُسْمَعُ لَهُ كالهَدَّة، ووَجَبَت الإِبلُ ووَجَّبَتْ إِذا لَمْ تَكَدْ تَقُومُ عَنْ مَبارِكها كأَنَّ ذَلِكَ مِنَ السُّقوط.

وَيُقَالُ لِلْبَعِيرِ إِذا بَرَكَ وَضَرَبَ بِنَفْسِهِ الأَرضَ: قَدْ وَجَّبَ تَوْجِيبًا.

ووَجَّبَتِ الإِبل إِذا أَعْيَتْ.

ووَجَبَ القلبُ يَجِبُ وَجْبًا ووَجِيبًا ووُجُوبًا ووَجَبانًا: خَفَق واضْطَرَبَ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: وَجَبَ القَلْبُ وَجِيبًا فَقَطْ.

وأَوْجَبَ اللهُ قَلْبَه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وَحْدَهُ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «سمعتُ لَهَا وَجْبَةَ قَلْبه»؛ أي خَفَقانَه.

وَفِي حَدِيثِ أَبي عُبَيْدَةَ ومُعاذٍ: «إِنَّا نُحَذِّرُك يَوْمًا تَجِبُ فِيهِ القُلوبُ».

والوَجَبُ: الخَطَرُ، وَهُوَ السَّبقُ الَّذِي يُناضَلُ عَلَيْهِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وَقَدْ وَجَبَ الوَجَبُ وَجْبًا، وأَوْجَبَ عَلَيْهِ: غَلَبه عَلَى الوَجَب.

ابْنُ الأَعرابي: الوَجَبُ والقَرَعُ الَّذِي يُوضَع فِي النِّضال والرِّهان، فَمَنْ سَبقَ أَخذَه.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غالبٍ: «أَنه كَانَ إِذا سَجَد»، تَواجَبَ الفِتْيانُ، فَيَضَعُون عَلَى ظَهْره شَيْئًا، ويَذْهَبُ أَحدُهم إِلى الكَلَّاءِ، ويجيءُ وَهُوَ ساجدٌ.

تَواجَبُوا أَي تَراهَنُوا، فكأَنَّ بعضَهم أَوْجَبَ عَلَى بَعْضٍ شَيْئًا، والكَلَّاءُ، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ: مَرْبَطُ السُّفُن بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهَا.

والوَجْبةُ: الأَكْلَة فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

قَالَ ثَعْلَبٌ: الوَجْبة أَكْلَةٌ فِي الْيَوْمِ إِلى مِثْلِهَا مِنَ الغَد؛ يُقَالُ: هُوَ يأْكلُ الوَجْبَةَ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ يأْكل وَجْبةً؛ كلُّ ذَلِكَ مَصْدَرٌ، لأَنه ضَرْبٌ مِنَ الأَكل.

وَقَدْ وَجَّبَ لِنَفْسِهِ تَوْجيبًا، وَقَدْ وَجَّبَ نَفْسَه تَوجيبًا إِذا عَوَّدَها ذَلِكَ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: وَجَبَ الرجلُ، بِالتَّخْفِيفِ: أَكلَ أَكْلةً فِي الْيَوْمِ؛ ووَجَّبَ أَهلَه: فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَّبَ فلانٌ نفسَه وعيالَه وفرَسَه أَي عَوَّدَهم أَكْلَةً وَاحِدَةً فِي النَّهَارِ.

وأَوْجَبَ هُوَ إِذا كَانَ يأْكل مَرَّةً.

التَّهْذِيبُ: فلانٌ يَأْكُلُ كلَّ يَوْمٍ وَجْبةً أَي أَكْلَةً وَاحِدَةً.

أَبو زَيْدٍ: وَجَّبَ فلانٌ عيالَه تَوْجيبًا إِذا جَعَل قُوتَهم كلَّ يَوْمٍ وَجْبةً، أَي أَكلةً وَاحِدَةً.

والمُوَجِّبُ: الَّذِي يأْكل فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّةً.

يُقَالُ: فلانٌ يأْكل وَجْبَةً.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كُنْتُ آكُلُ الوَجْبَة وأَنْجُو الوَقْعةَ»؛ الوَجْبةُ: الأَكلةُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، مَرَّةً وَاحِدَةً.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ فِي كفَّارة الْيَمِينِ: «يُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ وَجْبةً وَاحِدَةً».

وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ معَد: «إِنَّ مَنْ أَجابَ وَجْبةَ خِتان غُفِرَ لَهُ».

ووَجَّبَ النَّاقَةَ، لَمْ يَحْلُبْها فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إِلا مَرَّةً.

والوَجْبُ: الجَبانُ؛ قَالَ الأَخْطَلُ:

عَمُوسُ الدُّجَى، يَنْشَقُّ عَنْ مُتَضَرِّمٍ، ***طَلُوبُ الأَعادي، لا سَؤُومٌ وَلَا وَجْبُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده وَلَا وجبِ؛ بِالْخَفْضِ؛ وَقَبْلَهُ:

إِليكَ، أَميرَ المؤْمنين، رَحَلْتُها ***عَلَى الطائرِ المَيْمُونِ، والمَنْزِلِ الرَّحْبِ

إِلى مُؤْمِنٍ، تَجْلُو صَفائِحُ وَجْهِهِ ***بلابلَ، تَغْشَى مِنْ هُمُومٍ، ومِنْ كَرْبِ

قَوْلُهُ: عَموسُ الدُّجى أَي لَا يُعَرِّسُ أَبدًا حَتَّى يُصْبِحَ، وإِنما يُريدُ أَنه ماضٍ فِي أُموره، غيرُ وانٍ.

وَفِي يَنْشَقُّ: ضَمِيرُ الدُّجَى.

والمُتَضَرِّمُ: المُتَلَهِّبُ غَيْظًا؛ والمُضْمَرُ فِي مُتَضَرِّم يَعُودُ عَلَى الْمَمْدُوحِ؛ والسَّؤُوم: الكالُّ الَّذِي أَصابَتْه السآمةُ؛ وَقَالَ الأَخطل أَيضًا:

أَخُو الحَرْبِ ضَرَّاها، وَلَيْسَ بناكِلٍ ***جَبان، وَلَا وَجْبِ الجَنانِ ثَقِيلِ

وأَنشد يَعْقُوبُ:

قَالَ لَهَا الوَجْبُ اللئيمُ الخِبْرَهْ: ***أَما عَلِمْتِ أَنَّني مِنْ أُسْرَهْ

لَا يَطْعَم الْجَادِي لَديْهم تَمْرَهْ؟

تَقُولُ مِنْهُ: وَجُبَ الرجلُ، بِالضَّمِّ، وُجُوبةً.

والوَجَّابةُ: كالوَجْبِ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

ولستُ بدُمَّيْجَةٍ فِي الفِراشِ، ***ووَجَّابةٍ يَحْتَمي أَن يُجِيبا

وَلَا ذِي قَلازِمَ، عِنْدَ الحِياضِ، ***إِذا مَا الشَّريبُ أَرادَ الشَّريبا

قَالَ: وَجَّابةٌ فَرِقٌ.

ودُمَّيْجة: يَنْدَمِج فِي الفِراشِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لرؤْبة:

فجاءَ عَوْدٌ، خِنْدِفِيٌّ قَشْعَمُهْ، ***مُوَجِّبٌ، عَارِي الضُّلُوعِ جَرْضَمُهْ

وَكَذَلِكَ الوَجَّابُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

أَو أَقْدَمُوا يَوْمًا فأَنتَ وَجَّابْ

والوَجْبُ: الأَحْمَقُ، عَنِ الزَّجَّاجِيِّ.

والوَجْبُ: سِقاءٌ عَظِيمٌ مِنْ جلْد تَيْسٍ وافرٍ، وَجَمْعُهُ وِجابٌ، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.

ابْنُ سِيدَهْ: والمُوَجِّبُ مِنَ الدَّوابِّ الَّذِي يفْزَعُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَا أَعرفه.

وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: وَجَبْتُه عَنْ كَذَا ووكَبْتُه إِذا رَدَدْتُه عَنْهُ حَتَّى طالَ وُجُوبُه ووكُوبُه عَنْهُ.

ومُوجِبٌ: مِنْ أَسماءِ المُحَرَّم، عادِيَّةٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


46-لسان العرب (حبر)

حبر: الحِبْرُ: الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ وَمَوْضِعُهُ المِحْبَرَةُ، بِالْكَسْرِ.

ابْنُ سِيدَهْ: الحِبْرُ الْمِدَادُ.

والحِبْرُ والحَبْرُ: العالِم، ذِمِّيًّا كَانَ أَو مُسْلِمًا، بَعْدَ أَن يَكُونَ مِنْ أَهل الْكِتَابِ.

قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ الحِبْرُ والحَبْرُ فِي الجَمالِ والبَهاء.

وسأَل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ كَعْبًا عَنِ الحِبْرِ فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، وَجَمْعُهُ أَحْبَارٌ وحُبُورٌ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

لَقَدْ جُزِيَتْ بِغَدْرَتِها الحُبُورُ، ***كذاكَ الدَّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ

وَكُلُّ مَا حَسُنَ مِنْ خَطٍّ أَو كَلَامٍ أَو شِعْرٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ حُبِرَ حَبْرًا وحُبِّرَ.

وَكَانَ يُقَالُ لطُفَيْلٍ الغَنَوِيِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: مُحَبِّرٌ، لِتَحْسِينِهِ الشِّعْرَ، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ التَّحْبِيرِ وحُسْنِ الخَطِّ والمَنْطِقِ.

وَتَحْبِيرُ الْخَطِّ والشِّعرِ وَغَيْرِهِمَا: تَحْسِينُهُ.

اللَّيْثُ: حَبَّرْتُ الشِّعْر والكلامَ حَسَّنْتُه، وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: «لَوْ عَلِمْتُ أَنك تَسْمَعُ لِقِرَاءَتِي لحَبَّرْتُها لَكَ تَحْبِيرًا»؛ يُرِيدُ تَحْسِينَ الصَّوْتِ.

وحَبَّرتُ الشَّيْءَ تَحْبِيرًا إِذا حَسَّنْتَه.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَما الأَحْبارُ والرُّهْبان فإِن الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ حَبْرٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ حِبْرٌ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنما هُوَ حِبْرٌ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ أَفصح، لأَنه يُجْمَعُ عَلَى أَفْعالٍ دُونَ فَعْلٍ، وَيُقَالُ ذَلِكَ لِلْعَالِمِ، وإِنما قِيلَ كَعْبُ الحِبْرِ لِمَكَانِ هَذَا الحِبْرِ الَّذِي يَكْتُبُ بِهِ، وَذَلِكَ أَنه كَانَ صَاحِبَ كُتُبٍ.

قَالَ: وَقَالَ الأَصمعي لَا أَدري أَهو الحِبْرُ أَو الحَبْر لِلرَّجُلِ الْعَالِمِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنه الحَبر، بِالْفَتْحِ، وَمَعْنَاهُ الْعَالِمُ بِتَحْبِيرِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ وَتَحْسِينِهِ.

قَالَ: وَهَكَذَا يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ كُلُّهُمْ، بِالْفَتْحِ.

وَكَانَ أَبو الْهَيْثَمِ يَقُولُ: وَاحِدُ الأَحْبَارِ حَبْرٌ لَا غَيْرُ، وَيُنْكِرُ الحِبْرَ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: حِبْرٌ وحَبْرٌ لِلْعَالِمِ، وَمِثْلُهُ بِزرٌ وبَزْرٌ وسِجْفٌ وسَجْفٌ.

الْجَوْهَرِيُّ: الحِبْرُ والحَبْرُ وَاحِدُ أَحبار الْيَهُودِ، وَبِالْكَسْرِ أَفصح؛ وَرَجُلٌ حِبْرٌ نِبْرٌ؛ وقال الشماخ:

كَمَا خَطَّ عِبْرانِيَّةً بِيَمِينِهِ ***بِتَيْماءَ حَبْرٌ، ثُمَّ عَرَّضَ أَسْطُرَا

رَوَاهُ الرُّوَاةُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ الْحَبْرُ، بِالْفَتْحِ، وَمَعْنَاهُ الْعَالِمُ بِتَحْبِيرِ الْكَلَامِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «سُمِّيَتْ سُورةَ الْمَائِدَةِ وسُورَةَ الأَحبار لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ»؛ وَهُمُ الْعُلَمَاءُ، جَمْعُ حِبْرٍ وحَبْر، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَكَانَ يُقَالُ لِابْنِ عَبَّاسٍ الحَبْرُ والبَحْرُ لِعِلْمِهِ؛ وَفِي شِعْرِ جَرِيرٍ:

إِنَّ البَعِيثَ وعَبْدَ آلِ مُقَاعِسٍ ***لَا يَقْرآنِ بِسُورَةِ الأَحْبَارِ

أَي لَا يَفِيانِ بِالْعُهُودِ، يَعْنِي قَوْلَهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.

والتَّحْبِيرُ: حُسْنُ الْخَطِّ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ فِيمَا رَوَى سَلَمَةُ عَنْهُ:

كَتَحْبِيرِ الكتابِ بِخَطِّ، يَوْمًا، ***يَهُودِيٍّ يقارِبُ أَوْ يَزِيلُ

ابْنُ سِيدَهْ: وَكَعْبُ الحِبْرِ كأَنه مِنْ تَحْبِيرِ الْعِلْمِ وَتَحْسِينِهِ.

وسَهْمٌ مُحَبَّر: حَسَنُ البَرْي.

والحَبْرُ والسَّبْرُ والحِبْرُ والسِّبْرُ، كُلُّ ذَلِكَ: الحُسْنُ وَالْبَهَاءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهل الْبَهَاءِ قَدْ ذَهَبَ حِبْرُه وسِبْرُه»؛ أَي لَوْنُهُ وَهَيْئَتُهُ، وَقِيلَ: هَيْئَتُهُ وسَحْنَاؤُه، مِنْ قَوْلِهِمْ جَاءَتِ الإِبل حَسَنَةَ الأَحْبَارِ والأَسْبَارِ، وَقِيلَ: هُوَ الْجَمَالُ وَالْبَهَاءُ وأَثَرُ النِّعْمَةِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الحِبْر والسَّبْرِ والسِّبْرِ إِذا كَانَ جَمِيلًا حَسَنَ الْهَيْئَةِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر وَذَكَرَ زَمَانًا:

لَبِسْنا حِبْرَه، حَتَّى اقْتُضِينَا ***لأَعْمَالٍ وآجالٍ قُضِينَا

أَي لَبِسْنَا جَمَالَهُ وَهَيْئَتَهُ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الحَبْر والسَّبْرِ، بِالْفَتْحِ أَيضًا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ عِنْدِي بالحَبْرِ أَشْبَهُ لأَنه مَصْدَرُ حَبَرْتُه حَبْرًا إِذا حَسَّنْتَهُ، والأَوّل اسْمٌ.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَجُلٌ حَسَنُ الحِبْر والسِّبْر أَي حَسَنُ الْبَشَرَةِ.

أَبو عَمْرٍو: الحِبْرُ مِنَ النَّاسِ الدَّاهِيَةُ وَكَذَلِكَ السِّبْرُ.

والحَبْرُ والحَبَرُ والحَبْرَة والحُبُور، كُلُّهُ: السُّرور؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " الحمدُ للهِ الَّذِي أَعْطى الحَبَرْ "وَيُرْوَى الشَّبَرْ مِن قَوْلِهِمْ حَبَرَني هَذَا الأَمْرُ حَبْرًا أَي سَرَّنِي، وَقَدْ حُرِّكَ الْبَاءُ فِيهِمَا وأَصله التَّسْكِينُ؛ وَمِنْهُ الحَابُورُ: وَهُوَ مَجْلِسُ الفُسَّاق.

وأَحْبَرَني الأَمرُ: سَرَّني.

والحَبْرُ والحَبْرَةُ: النَّعْمَةُ، وَقَدْ حُبِرَ حَبْرًا.

وَرَجُلٌ يَحْبُورٌ يَفْعُولٌ مِنَ الحُبُورِ.

أَبو عَمْرٍو: اليَحْبُورُ النَّاعِمُ مِنَ الرِّجَالِ، وَجَمْعُهُ اليَحابِيرُ مأْخوذ مِنَ الحَبْرَةِ وَهِيَ النِّعْمَةُ؛ وحَبَرَه يَحْبُره، بِالضَّمِّ، حَبْرًا وحَبْرَةً، فَهُوَ مَحْبُور.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}؛ أَي يُسَرُّونَ، وَقَالَ اللَّيْثُ: يُحْبَرُونَ يُنَعَّمُونَ وَيُكْرَمُونَ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قِيلَ إِن الحَبْرَةَ هَاهُنَا السَّمَاعُ فِي الْجَنَّةِ.

وَقَالَ: الحَبْرَةُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ نَغْمَةٍ حَسَنَةٍ مُحَسَّنَةٍ.

وَقَالَ الأَزهري: الحَبْرَةُ فِي اللُّغَةِ النَّعمَةُ التَّامَّةُ.

وَفِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ أَهل الْجَنَّةِ: فرأَى مَا فِيهَا مِنَ الحَبْرَة وَالسُّرُورِ "؛ الحَبْرَةُ، بِالْفَتْحِ: النَّعْمَةُ وسعَةُ العَيْشِ، وَكَذَلِكَ الحُبُورُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَبْدِ اللَّهِ: آلُ عِمْرَانَ غِنًى والنِّساءُ مَحْبَرَة أَي مَظِنَّةٌ للحُبُورِ وَالسُّرُورِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ}؛ مَعْنَاهُ تُكْرَمُونَ إِكرامًا يُبَالَغُ فِيهِ.

والحَبْرَة: الْمُبَالَغَةُ فِيمَا وُصِفَ بِجَمِيلٍ، هَذَا نَصُّ قَوْلِهِ.

وشَيْءٌ حِبرٌ: ناعمٌ؛ قَالَ المَرَّارُ العَدَوِيُّ:

قَدْ لَبِسْتُ الدَّهْرَ مِنْ أَفْنَانِهِ، ***كُلَّ فَنٍّ ناعِمٍ مِنْهُ حَبِرْ

وَثَوْبٌ حَبِيرٌ: جَدِيدٌ نَاعِمٌ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ يَصِفُ قَوْسًا كَرِيمَةً عَلَى أَهلها:

إِذا سَقَطَ الأَنْدَاءُ صِينَت وأُشْعِرَتْ ***حَبِيرًا، وَلَمْ تُدْرَجْ عَلَيْهَا المَعَاوِزُ

وَالْجَمْعُ كَالْوَاحِدِ.

والحَبِيرُ: السَّحَابُ، وَقِيلَ: الحَبِيرُ مِنَ السَّحَابِ الَّذِي ترى فيه كالتَّثْمِيرِ مِنْ كَثْرَةِ مَائِهِ.

قَالَ الرِّياشي: وأَما الحَبِيرُ بِمَعْنَى السَّحَابِ فَلَا أَعرفه؛ قَالَ فإِن كَانَ أَخذه مِنْ قَوْلِ الْهُذَلِيِّ:

تَغَذَّمْنَ فِي جَانِبَيْهِ الخَبِيرَ ***لَمَّا وَهَى مُزْنُه واسْتُبيحَا

فَهُوَ بِالْخَاءِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ فِي مَكَانِهِ.

والحِبَرَةُ، والحَبَرَةُ: ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ مُنَمَّر، وَالْجَمْعُ حِبَرٌ وحِبَرات.

اللَّيْثُ: بُرُودٌ حِبَرةٌ ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَةِ.

يُقَالُ: بُرْدٌ حَبِيرٌ وبُرْدُ حِبَرَة، مِثْلُ عِنَبَةٍ، عَلَى الْوَصْفِ والإِضافة؛ وبُرُود حِبَرَةٌ.

قَالَ: وَلَيْسَ حِبَرَةٌ مَوْضِعًا أَو شَيْئًا مَعْلُومًا إِنما هُوَ وَشْيٌ كَقَوْلِكَ ثَوْب قِرْمِزٌ، والقِرْمِزُ صِبْغُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَطَبَ خَدِيجَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وأَجابته استأْذنت أَباها فِي أَن تَتَزَوَّجَهُ، وَهُوَ ثَمِلٌ، فأَذن لَهَا فِي ذَلِكَ وَقَالَ: هُوَ الفحْلُ لَا يُقْرَعُ أَنفُهُ، فَنَحَرَتْ بَعِيرًا وخَلَّقَتْ أَباها بالعَبيرِ وكَسَتْهُ بُرْدًا أَحْمَرَ، فَلَمَّا صَحَا مِنْ سُكْرِهِ قَالَ: مَا هَذَا الحَبِيرُ وَهَذَا العَبِيرُ وَهَذَا العَقِيرُ؟ أَراد بِالْحَبِيرِ الْبُرْدَ الَّذِي كَسَتْهُ، وَبِالْعَبِيرِ الخَلُوقَ الَّذِي خَلَّقَتْهُ، وَبِالْعَقِيرِ البعيرَ المَنْحُورَ وَكَانَ عُقِرَ ساقُه».

وَالْحَبِيرُ مِنَ الْبُرُودِ: مَا كَانَ مَوْشِيًّا مُخَطَّطًا.

وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطعمنا الخَمِير وأَلبسنا الْحَبِيرَ».

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «حِينَ لَا أَلْبَسُ الحَبيرَ».

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْحَوَامِيمِ فِي الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الحِبَرَاتِ فِي الثِّيَابِ.

والحِبْرُ: بِالْكَسْرِ: الوَشْيُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

والحِبْرُ والحَبَرُ: الأَثَرُ مِنَ الضَّرْبَة إِذا لَمْ يَدُمْ، وَالْجَمْعُ أَحْبَارٌ وحُبُورٌ، وَهُوَ الحَبَارُ والحِبار.

الْجَوْهَرِيُّ: والحَبارُ الأَثَرُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

لَا تَمْلإِ الدَّلْوَ وَعَرِّقْ فِيهَا، ***أَلا تَرى حِبَارَ [حَبَارَ] مَنْ يَسْقِيها؟

وَقَالَ حميد الأَرقط:

وَلَمْ يُقَلِّبْ أَرْضَها البَيْطَارُ، ***وَلَا لِحَبْلَيْهِ بِهَا حَبَارُ

والجمعُ حَبَاراتٌ وَلَا يُكَسَّرُ.

وأَحْبَرَتِ الضَّرْبَةُ جِلْدَهُ وَبِجِلْدِهِ: أَثرت فِيهِ.

وحُبِرَ جِلْدُه حَبْرًا إِذا بَقِيَتْ لِلْجُرْحِ آثَارٌ بَعْدَ البُرْء.

والحِبَارُ والحِبْرُ: أَثر الشَّيْءِ.

الأَزهري: رَجُلٌ مُحَبَّرٌ إِذا أَكلت الْبَرَاغِيثُ جِلْدَه فَصَارَ لَهُ آثَارٌ فِي جِلْدِهِ؛ وَيُقَالُ: بِهِ حُبُورٌ أَي آثَارٌ.

وَقَدْ أَحْبَرَ بِهِ أَي تَرَكَ بِهِ أَثرًا؛ وأَنشد لمُصَبِّحِ بْنِ مَنْظُورٍ الأَسَدِي، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ شَعْرَ رأْس امرأَته، فَرَفَعَتْهُ إِلى الْوَالِي فَجَلَدَهُ وَاعْتَقَلَهُ، وَكَانَ لَهُ حِمَارٌ وجُبَّة فَدَفَعَهُمَا لِلْوَالِي فَسَرَّحَهُ:

لَقَدْ أَشْمَتَتْ بِي أَهْلَ فَيْدٍ، وغادَرَتْ ***بِجِسْمِيَ حِبْرًا، بِنْتُ مَصَّانَ، بادِيَا

وَمَا فَعَلتْ بِي ذَاكَ، حَتَّى تَرَكْتُها ***تُقَلِّبُ رَأْسًا، مِثْلَ جُمْعِيَ، عَارِيَا

وأَفْلَتَني مِنْهَا حِماري وَجُبَّتي، ***جَزَى اللهُ خَيْرًا جُبَّتي وحِمارِيَا

وثوبٌ حَبِيرٌ أَي جَدِيدٌ.

والحِبْرُ والحَبْرُ والحَبْرَةُ والحُبْرَةُ والحِبِرُ والحِبِرَةُ، كُلُّ ذَلِكَ: صُفْرة تَشُوبُ بياضَ الأَسْنَان؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَجْلُو بأَخْضَرَ مِنْ نَعْمَانَ ذَا أُشُرٍ، ***كَعارِضِ البَرْق لَمْ يَسْتَشْرِبِ الحِبِرَا

قَالَ شَمِرٌ: أَوّله الحِبْرُ [الحَبْرُ] وَهِيَ صُفْرَةٌ، فإِذا اخْضَرَّ، فَهُوَ القَلَحُ، فإِذا أَلَحَّ عَلَى اللِّثَةِ حَتَّى تَظْهَرَ الأَسْناخ، فَهُوَ الحَفَرُ والحَفْرُ.

الْجَوْهَرِيُّ: الحِبِرَة، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ، القَلَح فِي الأَسنان، وَالْجَمْعُ بِطَرْحِ الْهَاءِ فِي الْقِيَاسِ، وأَما اسْمُ الْبَلَدِ فَهُوَ حِبِرٌّ، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ.

وَقَدْ حَبِرتْ أَسنانه تَحْبَرُ حَبَرًا مِثَالُ تَعِبَ تَعَبًا أَي قَلِحَتْ، وَقِيلَ: الحبْرُ الْوَسَخُ عَلَى الأَسنان.

وحُبِرَ الجُرْحُ حَبْرًا أَي نُكسَ وغَفَرَ، وَقِيلَ: أَي بَرِئَ وَبَقِيَتْ لَهُ آثَارٌ.

والحَبِيرُ: اللُّغام إِذا صَارَ عَلَى رأْس الْبَعِيرِ، وَالْخَاءُ أَعلى؛ هَذَا قَوْلُ ابْنِ سِيدَهْ.

الْجَوْهَرِيُّ: الحَبِيرُ لُغامُ الْبَعِيرِ.

وَقَالَ الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: الحَبِيرُ مِنْ زَبَدِ اللُّغامِ إِذا صار عَلَى رأْس الْبَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ الأَزهري: صَحَّفَ اللَّيْثُ هَذَا الْحَرْفَ، قَالَ: وَصَوَابُهُ الْخَبِيرُ، بِالْخَاءِ، لِزَبَدِ أَفواه الإِبل، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ.

وَرَوَى الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ الرِّياشِي قَالَ: الْخَبِيرُ الزَّبَدُ، بِالْخَاءِ.

وأَرض مِحْبَارٌ: سَرِيعَةُ النَّبَاتِ حَسَنَتُهُ كَثِيرَةُ الكلإِ؛ قَالَ:

لَنَا جِبَالٌ وحِمًى مِحْبَارُ، ***وطُرُقٌ يُبْنَى بِهَا المَنارُ

ابْنُ شُمَيْلٍ: الأَرض السريعةُ النباتِ السهلةُ الدَّفِئَةُ الَّتِي بِبُطُونِ الأَرض وسَرَارتِها وأَراضَتِها، فَتِلْكَ المَحابِيرُ.

وَقَدْ حَبِرَت الأَرض، بِكَسْرِ الْبَاءِ، وأَحْبَرَتْ؛ والحَبَارُ: هَيْئَةُ الرَّجُلِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، حَكَاهُ عَنْ أَبي صَفْوانَ؛ وَبِهِ فَسَّرَ قَوْلَهُ: " أَلا تَرى حَبَارَ مَنْ يَسْقيها "قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ حَبَارُ هُنَا اسْمُ نَاقَةٍ، قَالَ: وَلَا يُعْجِبُنِي.

والحُبْرَةُ: السِّلْعَةُ تَخْرُجُ فِي الشَّجَرِ أَي العُقْدَةُ تُقْطَعُ ويُخْرَطُ مِنْهَا الْآنِيَةُ.

والحُبَارَى: ذَكَرُ الخَرَبِ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الحُبَارَى طَائِرٌ، وَالْجَمْعُ حُبَارَيات.

وأَنشد بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي صِفَةِ صَقْرٍ: " حَتْف الحُبَارَياتِ والكَراوين "قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يُكَسَّرْ عَلَى حَبَارِيَّ وَلَا حَبَائِرَ ليَفْرُقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ فَعْلاء وفَعَالَةٍ وأَخواتها.

الْجَوْهَرِيُّ: الحُبَارَى طَائِرٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى، وَاحِدُهَا وَجَمْعُهَا سَوَاءٌ.

وَفِي الْمَثَلِ: كُلُّ شَيْءٍ يُحِبُّ ولَدَهُ حَتَّى الحُبَارَى، لأَنها يُضْرَبُ بِهَا المَثلُ فِي المُوقِ فَهِيَ عَلَى مُوقها تُحِبُّ وَلَدَهَا وَتُعَلِّمُهُ الطَّيَرَانَ، وأَلفه لَيْسَتْ للتأْنيث.

وَلَا للإِلحاق، وإِنما بُنِيَ الِاسْمُ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كأَنها مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ لَا تَنْصَرِفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ أَي لَا تُنَوَّنُ.

والحبْرِيرُ والحُبْرور والحَبَرْبَرُ والحُبُرْبُورُ واليَحْبُورُ: وَلَدُ الحُبَارَى؛ وَقَوْلُ أَبي بردة:

بازٌ جَرِيءٌ عَلَى الخَزَّانِ مُقْتَدِرٌ، ***وَمِنْ حَبَابِيرِ ذِي مَاوَانَ يَرْتَزِقُهْ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ جَمْعُ الحُبَارَى، وَالْقِيَاسُ يَرُدُّهُ، إِلا أَن يَكُونَ اسْمًا لِلْجَمْعِ.

الأَزهري: وَلِلْعَرَبِ فِيهَا أَمثال جَمَّةٌ، مِنْهَا قَوْلُهُمْ: أَذْرَقُ مِنْ حُبَارَى، وأَسْلَحُ مِنْ حُبَارَى، لأَنها تَرْمِي الصَّقْرَ بسَلْحها إِذا أَراغها لِيَصِيدَهَا فَتُلَوِّثُ رِيشَهُ بِلَثَقِ سَلْحِها، وَيُقَالُ: إِن ذَلِكَ يَشْتَدُّ عَلَى الصَّقْرِ لِمَنْعِهِ إِياه مِنَ الطَّيَرَانِ؛ وَمِنْ أَمثالهم فِي الْحُبَارَى: أَمْوَقُ مِنَ الحُبَارَى؛ ذَلِكَ أَنَّهَا تأْخذ فَرْخَهَا قَبْلَ نَبَاتِ جَنَاحِهِ فَتَطِيرُ مُعَارِضَةً لَهُ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهَا الطَّيَرَانَ، وَمِنْهُ الْمَثَلُ السَّائِرُ فِي الْعَرَبِ: كُلُّ شَيْءٍ يُحِبُّ وَلَدَهُ حَتَّى الْحُبَارَى ويَذِفُّ عَنَدَهُ.

وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ يَذِفُّ عَنَدَهُ أَي تَطِيرُ عَنَدَهُ أَي تُعَارِضُهُ بِالطَّيَرَانِ، وَلَا طَيَرَانَ لَهُ لِضَعْفِ خَوَافِيهِ وَقَوَائِمِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الأَثير: خَصَّ الْحُبَارَى بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ حَتَّى الْحُبَارَى لأَنها يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الحُمْق، فَهِيَ عَلَى حُمْقِهَا تُحِبُّ وَلَدَهَا فَتُطْعِمُهُ وَتُعَلِّمُهُ الطَّيَرَانَ كَغَيْرِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ.

وَقَالَ الأَصمعي: فُلَانٌ يُعَانِدُ فُلَانًا أَي يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَيُبَارِيهِ؛ وَمِنْ أَمثالهم فِي الْحُبَارَى: فلانٌ مَيِّتٌ كَمَدَ الحُبارَى، وَذَلِكَ أَنها تَحْسِرُ مَعَ الطَّيْرِ أَيام التَّحْسير، وَذَلِكَ أَن تُلْقِيَ الرِّيشَ ثُمَّ يُبْطِئُ نَبَاتُ رِيشِهَا، فإِذا طَارَ سَائِرُ الطَّيْرِ عَجَزَتْ عَنِ الطَّيَرَانِ فَتَمُوتُ كَمَدًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي الأَسود الدُّؤَلي:

يَزِيدُ مَيّتٌ كَمَدَ الحُبَارَى، ***إِذا طُعِنَتْ أُمَيَّةُ أَوْ يُلِمُ

أَي يَمُوتُ أَو يَقْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ.

قَالَ الأَزهري: وَالْحُبَارَى لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَيَبِيضُ فِي الرِّمَالِ النَّائِيَةِ؛ قَالَ: وَكُنَّا إِذا ظَعَنَّا نَسِيرُ فِي جِبَالِ الدَّهْنَاءِ فَرُبَّمَا الْتَقَطْنَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْضِهَا مَا بَيْنَ الأَربع إِلى الثَّمَانِي، وَهِيَ تَبِيضُ أَربع بَيْضَاتٍ، وَيَضْرِبُ لَوْنُهَا إِلى الزُّرْقَةِ، وَطَعْمُهَا أَلذ مِنْ طَعْمِ بَيْضِ الدَّجَاجِ وَبَيْضِ النَّعَامِ، قَالَ: وَالنَّعَامُ أَيضًا لَا تَرِدُ الْمَاءَ وَلَا تَشْرَبُهُ إِذا وَجَدَتْهُ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس: «إِن الْحُبَارَى لَتَمُوتُ هُزالًا بِذَنْبِ بَنِي آدَمَ»؛ يَعْنِي أَن اللَّهَ تَعَالَى يَحْبِسُ عَنْهَا الْقَطْرُ بِشُؤْمِ ذُنُوبِهِمْ، وإِنما خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لأَنها أَبعد الطَّيْرِ نُجْعَةً، فَرُبَّمَا تُذْبَحُ بِالْبَصْرَةِ فَتُوجَدُ فِي حَوْصَلَتِهَا الْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ، وَبَيْنَ الْبَصْرَةِ وَبَيْنَ مَنَابِتِهَا مَسِيرَةُ أَيام كَثِيرَةٍ.

واليَحبُورُ: طَائِرٌ.

ويُحابِرٌ: أَبو مُرَاد ثُمَّ سُمِّيَتِ الْقَبِيلَةُ يُحَابِرُ؛ قَالَ:

وَقَدْ أَمَّنَتْني، بَعْدَ ذَاكَ، يُحابِرٌ ***بِمَا كنتُ أُغْشي المُنْدِيات يُحابِرا

وحِبِرٌّ، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ: اسْمُ بَلَدٍ، وَكَذَلِكَ حِبْرٌ.

وحِبْرِيرٌ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ.

وَمَا أَصبت مِنْهُ حَبَرْبَرًا أَي شَيْئًا، لَا يُسْتَعْمَلُ إِلا فِي النَّفْيِ؛ التَّمْثِيلُ لِسِيبَوَيْهِ وَالتَّفْسِيرُ لِلسِّيرَافِيِّ.

وَمَا أَغنى فلانٌ عَنِّي حَبَرْبَرًا أَي شَيْئًا؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر الْبَاهِلِيُّ: " أَمانِيُّ لَا يُغْنِينَ عَنِّي حَبَرْبَرا وَمَا عَلَى رأْسه حَبَرْبَرَةٌ أَي مَا عَلَى رأْسه شَعْرَةٌ.

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: مَا أَصاب مِنْهُ حَبَرْبَرًا وَلَا تَبَرْبَرًا وَلَا حَوَرْوَرًا أَي مَا أَصاب مِنْهُ شَيْئًا.

وَيُقَالُ: مَا فِي الَّذِي تَحَدَّثْنَا بِهِ حَبَرْبَرٌ أَي شَيْءٌ.

أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ مَا لَهُ حَبَرْبَرٌ وَلَا حَوَرْوَرٌ.

وَقَالَ الأَصمعي: مَا أَصبت مِنْهُ حَبَرْبَرًا وَلَا حَبَنْبَرًا أَي مَا أَصبت مِنْهُ شَيْئًا.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: مَا فِيهِ حَبَرْبَرٌ وَلَا حَبَنْبَرٌ، وَهُوَ أَن يُخْبِرَكَ بِشَيْءٍ فَتَقُولُ: مَا فِيهِ حَبَنْبَرٌ.

وَيُقَالُ لِلْآنِيَةِ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الحِبْرُ مِنْ خَزَفٍ كَانَ أَو مِنْ قَوارِير: مَحْبَرَةٌ ومَحْبُرَةٌ كَمَا يُقَالُ مَزْرَعَة ومَزْرُعَة ومَقْبَرَة ومَقْبُرَة ومَخْبَزَة ومَخْبُزَةٌ.

الْجَوْهَرِيُّ: مَوْضِعُ الحِبْرِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ المِحْبَرَة، بِالْكَسْرِ.

وحِبِرٌّ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ فِي الْبَادِيَةِ.

وأَنشد شَمِرٌ عَجُزَ بَيْتٍ: فَقَفا حِبِرّ.

الأَزهري: فِي الْخُمَاسِيِّ الحَبَرْبَرَةُ القَمِيئَةُ المُنافِرَةُ، وَقَالَ: هَذِهِ ثُلَاثِيَّةُ الأَصل أُلحقت بِالْخُمَاسِيِّ لِتَكْرِيرِ بَعْضِ حُرُوفِهَا.

والمُحَبَّرُ: فَرَسُ ضِرَارِ بْنِ الأَزوَرِ الأَسَدِيِّ.

أَبو عَمْرٍو: الحَبَرْبَرُ والحَبْحَبِيُّ الجمل الصغير.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


47-لسان العرب (دخدر)

دخدر: الدَّخْدَارُ: ثَوْبٌ أَبيض مَصُونٌ.

وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ تَخْتَ دَار أَي يُمْسِكُه التَّخْتُ أَي ذُو تَخْتٍ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ سَحَابًا: " تَجْلُو البَوارِقُ عَنْهُ صَفْحَ دَخْدَارِ والدَّخْدَارُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ نَفِيسٌ، وَهُوَ مُعَرَّبُ الأَصل فِيهِ تَخْتَارُ أَي صَيْنٍ فِي التَّخْتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ القديم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


48-لسان العرب (عرض)

وعَرُوضُ الْكَلَامِ: فَحْواهُ وَمَعْنَاهُ.

وَهَذِهِ المسأَلة عَرُوضُ هَذِهِ أَي نظيرُها.

وَيُقَالُ: عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي عَرُوضِ كلامِه ومَعارِضِ كلامِه أَي فِي فَحْوَى كَلَامِهِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ.

والمُعْرِضُ: الَّذِي يَسْتَدِينُ ممَّن أَمْكَنَه مِنَ النَّاسِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ الأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِه وأَمانَتِه بأَن يُقَالَ سابِقُ الحاجِّ فَادَّانَ مُعْرِضًا فأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ»، قَالَ أَبو زَيْدٍ: فادّانَ مُعْرِضًا يَعْنِي اسْتَدانَ مُعْرِضًا وَهُوَ الَّذِي يَعْرِضُ للناسِ فَيَسْتَدِينُ ممَّنْ أَمْكَنَه.

وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِهِ فادّانَ مُعْرِضًا أَي أَخذَ الدَّيْنَ وَلَمْ يُبالِ أَن لَا يُؤَدِّيه وَلَا مَا يَكُونُ مِنَ التَّبِعة.

وَقَالَ شَمِرٌ: المُعْرِضُ هَاهُنَا بِمَعْنَى المُعْتَرِض الَّذِي يَعْتَرِضُ لِكُلِّ مَنْ يُقْرِضُه، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَرَضَ لِيَ الشَّيْءُ وأَعْرَضَ وتَعَرَّضَ واعْتَرَضَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ إِنه أَراد يُعْرِضُ إِذا قِيلَ لَهُ لَا تسْتَدِنْ فَلَا يَقْبَلُ، مِن أَعْرَضَ عَنِ الشَّيْءِ إِذا ولَّاه ظَهْرَهُ، وَقِيلَ: أَراد مُعْرِضًا عَنِ الأَداءِ مُوَليًِّا عَنْهُ.

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَلَمْ نَجِدْ أَعْرَضَ بِمَعْنَى اعتَرَضَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ شَمِرٌ: وَمَنْ جَعَلَ مُعْرِضًا هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمُمْكِنِ فَهُوَ وَجْهٌ بَعِيدٌ لأَن مُعْرِضًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ قَوْلِكَ فَادَّانَ، فإِذا فَسَّرْتَهُ أَنه يأْخذه مِمَّنْ يُمْكِنُهُ فالمُعْرِضُ هُوَ الَّذِي يُقْرِضُه لأَنه هُوَ المُمْكِنُ، قَالَ: وَيَكُونُ مُعْرِضًا مِنْ قَوْلِكَ أَعْرَضَ ثوبُ المَلْبَس أَي اتَّسَعَ وعَرُضَ؛ وأَنشد لطائِيٍّ فِي أَعْرَضَ بِمَعْنَى اعْتَرَضَ:

إِذا أَعْرَضَتْ للناظِرينَ، بَدا لهمْ ***غِفارٌ بأَعْلى خَدِّها وغُفارُ

قَالَ: وغِفارٌ مِيسَمٌ يَكُونُ عَلَى الْخَدِّ.

وعُرْضُ الشَّيْءِ: وسَطُه وناحِيتُه.

وَقِيلَ: نفْسه.

وعُرْضُ النَّهْرِ وَالْبَحْرِ وعُرْضُ الْحَدِيثِ وعُراضُه: مُعْظَمُه، وعُرْضُ الناسِ وعَرْضُهم كَذَلِكَ، قَالَ يُونُسُ: وَيَقُولُ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ: رأَيته فِي عَرْضِ النَّاسِ يَعْنُونَ فِي عُرْضٍ.

وَيُقَالُ: جَرَى فِي عُرْض الْحَدِيثِ، وَيُقَالُ: فِي عُرْضِ النَّاسِ، كُلُّ ذَلِكَ يُوصَفُ بِهِ الْوَسَطُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِيِّ، وصَدَّعا ***مَسْجُورَةً مُتَجاوِرًا قُلَّامُها

وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَرَى الرِّيشَ عَنْ عُرْضِه طامِيًا، ***كَعَرْضِكَ فَوْقَ نِصالٍ نِصالا

يصِفُ مَاءً صَارَ رِيشُ الطيرِ فَوْقَهُ بعْضُه فَوْقَ بَعْضٍ كما تَعْرِضُ [تَعْرُضُ] نصْلًا فَوْقَ نَصْلٍ.

وَيُقَالُ: اضْرِبْ بِهَذَا عُرْضَ الحائِط أَي نَاحِيَتَهُ.

وَيُقَالُ: أَلْقِه فِي أَيِّ أَعْراضِ الدَّارِ شِئْتَ، وَيُقَالُ: خُذْهُ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ وعَرْضِهم أَي مِنْ أَي شِقٍّ شِئتَ.

وعُرْضُ السَّيْفِ: صَفْحُه، وَالْجَمْعُ أَعْراضٌ.

وعُرْضا العُنُق: جَانِبَاهُ، وَقِيلَ: كلُّ جانبٍ عُرْضٌ.

والعُرْضُ: الْجَانِبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وأَعْرَضَ لَكَ الظَّبْي وَغَيْرُهُ: أَمْكَنَكَ مِن عُرْضِه، وَنَظَرَ إِليه مُعارَضةً وَعَنْ عُرْضٍ وَعَنْ عُرُضٍ أَي جَانِبٍ مِثْلُ عُسْرٍ وعُسُرٍ.

وَكُلُّ شيءٍ أَمكنك مِنْ عُرْضه، فَهُوَ مُعْرِضٌ لَكَ.

يُقَالُ: أَعْرَضَ لَكَ الظَّبْيُ فارْمِه أَي "وَلَّاك عُرْضه أَي نَاحِيَتَهُ.

وَخَرَجُوا يَضْرِبُونَ النَّاسَ عَنْ عُرْضٍ أَي عَنْ شِقٍّ وَنَاحِيَةٍ لَا يُبَالُونَ مَن ضرَبوا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ: اضْرِبْ بِهِ عُرْضَ الْحَائِطِ أَي اعتَرِضْه حَيْثُ وَجَدْتَ مِنْهُ أَيَّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِيهِ.

وَفِي الْحَدِيثُ: «فإِذا عُرْضُ وجهِه مُنْسَحٍ» أَي جَانِبُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَقَدَّمْتُ إِليه الشَّرابَ فإِذا هُوَ يَنِشُّ، فَقَالَ: اضْرِبْ بِهِ عُرْضَ الْحَائِطِ».

وَفِي الْحَدِيثِ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الجنةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ»؛ العُرض، بِالضَّمِّ: الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ، حَدِيثِ الحَجّ: " فأَتَى جَمْرةَ الْوَادِي فاستَعْرَضَها أَي أَتاها مِنْ جَانِبِهَا عَرْضًا.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «سأَل عَمْرَو بْنَ مَعْدِيكَرِبَ عَنْ علة بن حالد فَقَالَ: أُولئِكَ فَوارِسُ أَعراضِنا وشِفاءُ أَمراضِنا»؛ الأَعْراضُ جَمْعُ عُرْضٍ وَهُوَ النَّاحِيَةُ؛ أي يَحْمونَ نَواحِينَا وجِهاتِنا عَنْ تَخَطُّفِ الْعَدُوِّ، أَو جَمْعُ عَرْضٍ وَهُوَ الْجَيْشُ، أَو جَمْعُ عِرْضٍ؛ أي يَصونون ببلائِهم أَعراضَنا أَن تُذَمّ وتُعابَ.

وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ: «أَنه كَانَ لَا يَتَأَثَّم مِنْ قَتْلِ الحَرُورِيِّ المُسْتَعْرِضِ»؛ هُوَ الَّذِي يَعْتَرِضُ الناسَ يَقْتُلُهُم.

واسْتَعْرَضَ الخَوارِجُ الناسَ: لَمْ يُبالوا مَن قَتَلُوه، مُسْلِمًا أَو كافِرًا، مِنْ أَيّ وجهٍ أَمكَنَهم، وَقِيلَ: استَعْرَضوهم أَي قَتَلوا مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ وظَفِرُوا بِهِ.

وأَكَلَ الشيءَ عُرْضًا أَي مُعْتَرِضًا.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ، حَدِيثُ" ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: كُلِ الجُبْنَ عُرْضًا "أَي اعتَرِضْه يَعْنِي كُلَّهُ وَاشْتَرِهِ مِمَّنْ وجَدْتَه كَيْفَمَا اتَّفق وَلَا تسأَل عَنْهُ أَمِنْ عَمَلِ أَهلِ الكتابِ هُوَ أَمْ مِنْ عَمَلِ المَجُوس أَمْ مَنْ عَمَلِ غَيْرِهِمْ؛ مأْخوذ مِنْ عُرْضِ الشَّيْءِ وَهُوَ نَاحِيَتُهُ.

والعَرَضُ: كَثْرَةُ الْمَالِ.

والعُراضةُ: الهَدِيّةُ يُهْدِيها الرَّجُلُ إِذا قَدِمَ مِنْ سفَر.

وعَرَّضَهم عُراضةً وعَرَّضَها لَهُمْ: أَهْداها أَو أَطعَمَهم إِيّاها.

والعُراضةُ، بِالضَّمِّ: مَا يعَرِّضُه المائرُ أَي يُطْعِمُه مِنَ الْمِيرَةِ.

يُقَالُ: عَرِّضونا أَي أَطعِمونا مِنْ عُراضَتِكم؛ قَالَ الأَجلح بْنُ قَاسِطٍ:

يَقْدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ ***حَمْراءَ مِنْ مُعَرِّضاتِ الغِرْبانْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَانَ الْبَيْتَانِ فِي آخِرِ دِيوَانِ الشَّمَّاخِ، يَقُولُ: إِن هَذِهِ النَّاقَةَ تَتَقَدَّمُ الْحَادِيَ والإِبل فَلَا يَلْحَقُهَا الْحَادِي فَتَسِيرُ وَحْدَهَا، فيسقُط الْغُرَابُ عَلَى حِمْلِهَا إِن كَانَ تَمْرًا أَو غَيْرَهُ فيأْكله، فكأَنها أَهدته لَهُ وعَرَّضَتْه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَكْبًا مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ عَرَّضوا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثَيِابًا بِيضًا»أَي أَهْدَوْا لَهُمَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" مُعَاذٍ: وَقَالَتْ لَهُ امرأَته وَقَدْ رَجَعَ مِنْ عَمَلِهِ أَين مَا جِئْتَ بِهِ مِمَّا يأْتي بِهِ العُمّال مِنْ عُراضةِ أَهْلِهم؟ "تُرِيدُ الهَدِيّة.

يُقَالُ: عَرَّضْتُ الرَّجُلَ إِذا أَهديت لَهُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عُراضةُ الْقَافِلِ مِنْ سَفَرِهِ هَدِيَّتُه الَّتِي يُهْدِيها لِصِبْيَانِهِ إِذا قَفَلَ مِنْ سَفَرِهِ.

وَيُقَالُ: اشْتَرِ عُراضة لأَهلك أَي هَدِيَّةً وشَيْئًا تَحْمِلُهُ إِليهم، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ راهْ آورَدْ؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ فِي العُراضةِ الهَدِيّةِ: التعرِيضُ مَا كَانَ مِنْ مِيرةٍ أَو زادٍ بَعْدَ أَن يَكُونَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرٍ.

يُقَالُ: عَرِّضونا أَي أَطْعِمونا مِنْ مِيرَتِكُمْ.

وَقَالَ الأَصمعي: العُراضة مَا أَطْعَمَه الرّاكِبُ مَنِ اسْتَطْعَمَهُ مِنْ أَهل الْمِيَاهِ؛ وَقَالَ هِمْيانُ: " وعَرَّضُوا المَجْلِسَ مَحْضًا ماهِجَا أَي سَقَوْهُم لَبَنًا رَقِيقًا.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ وأَضْيافِه: «وَقَدْ عُرِضُوا فأَبَوْا»؛ هُوَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَمَعْنَاهُ أُطْعِمُوا وقُدِّمَ لَهم الطّعامُ، وعَرَّضَ فُلَانٌ إِذا دَامَ عَلَى أَكل العَرِيضِ، وَهُوَ الإِمَّرُ.

وتَعَرَّضَ الرّفاقَ: سأَلَهم العُراضاتِ.

وتَعَرَّضْتُ الرّفاقَ أَسْأَلُهُم أَي تَصَدَّيْتُ لَهُمْ أَسأَلهم.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَعَرَّضْتُ مَعْروفَهم ولِمَعْرُوفِهم أَي تَصَدَّيْتُ.

وَجَعَلْتُ فُلَانًا عُرْضةً لِكَذَا أَي نَصَبْتُه لَهُ.

والعارِضةُ: الشاةُ أَو الْبَعِيرُ يُصِيبه الدَّاءُ أَو السَّبُعُ أَو الْكَسْرُ فَيُنْحَرُ.

وَيُقَالُ: بَنُو فُلَانٍ لَا يأْكلون إِلا العَوارِض أَي لَا يَنْحَرُونَ الإِبل إِلا مِنْ دَاءٍ يُصِيبها، يَعِيبُهم بِذَلِكَ، وَيُقَالُ: بَنُو فُلَانٍ أَكَّالُونَ لِلْعَوارِضِ إِذا لَمْ يَنْحَرُوا إِلا مَا عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ أَو كسْرٌ خَوْفًا أَن يَمُوتَ فَلَا يَنْتَفِعُوا بِهِ، وَالْعَرَبُ تُعَيِّرُ بأَكله.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَنه بَعَثَ بُدْنَه مَعَ رَجُلٍ فَقَالَ: إِنْ عُرِضَ لَهَا فانْحَرْها»أَي إِن أَصابَها مَرَضٌ أَو كَسْرٌ.

قَالَ شَمِرٌ: وَيُقَالُ عَرَضَتْ مِنْ إِبل فُلَانٍ عارِضةٌ أَي مَرِضَتْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَرِضَتْ، قَالَ: وأَجوده عَرَضَتْ؛ وأَنشد:

إِذا عَرَضَتْ مِنها كَهاةٌ سَمِينةٌ، ***فَلا تُهْدِ مِنْها، واتَّشِقْ وتَجَبْجَبِ

وعَرَضَتِ الناقةُ أَي أَصابها كَسْرٌ أَو آفَةٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَكُمْ فِي الْوَظِيفَةِ الفَرِيضةُ وَلَكُمُ العارِضُ»؛ الْعَارِضُ الْمَرِيضَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي أَصابها كَسْرٌ.

يُقَالُ: عَرَضَتِ النَّاقَةُ إِذا أَصابها آفةٌ أَو كَسْرٌ؛ أَي إِنا لَا نأْخُذُ ذاتَ العَيْب فَنَضُرَّ بالصدَقةِ.

وعَرَضَت العارِضةُ تَعْرُضُ عَرْضًا: ماتتْ مِنْ مَرَض.

وَتَقُولُ الْعَرَبُ إِذا قُرِّبَ إِليهم لَحْمٌ: أَعَبيطٌ أَم عَارِضَةٌ؟ فالعَبيط الَّذِي يُنحر مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ، وَالْعَارِضَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَفُلَانَةٌ عُرْضةٌ للأَزواج أَي قَوِيَّةٌ عَلَى الزَّوْجِ.

وَفُلَانٌ عُرْضةٌ لِلشَّرِّ أَي قَوِيٌّ عَلَيْهِ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

مِنْ كلِّ نَضَّاخةِ الذفْرَى، إِذا عَرِقَتْ، ***عُرْضَتُها طامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ

وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ والجَمع؛ قَالَ جَرِيرٌ: " وتلْقَى حُبَالَى عُرْضةً لِلْمراجِمِ "وَيُرْوَى: جُبَالَى.

وفُلانٌ عُرْضةٌ لِكَذَا أَي مَعْرُوضٌ لَهُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

طَلَّقْتهنّ، وَمَا الطَّلَاقُ بِسُنّة، ***إِنّ النِّساءَ لَعُرْضةُ التَّطْلِيقِ

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا}؛ أَي نَصْبًا لأَيْمانِكُم.

الْفَرَّاءُ: لَا تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ مُعْتَرِضًا مانِعًا لَكُمْ أَن تَبَرُّوا فَجَعَلَ العُرْضةَ بِمَعْنَى المُعْتَرِض وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْأَنّ مَوْضِعَ أَن نَصْبٌ بِمَعْنَى عُرْضةً، الْمَعْنَى لَا تَعْتَرِضُوا بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ فِي أَن تَبَرُّوا، فَلَمَّا سَقَطَتْ فِي أَفْضَى مَعْنَى الاعْتِراضِ فَنَصَبَ أَن، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ هُمْ ضُعَفاءُ عُرْضةٌ لِكُلِّ مَتَناوِلٍ إِذا كَانُوا نُهْزةً لِكُلِّ مَنْ أَرادهم.

وَيُقَالُ: جَعَلْتُ فُلَانًا عُرْضةً لِكَذَا وَكَذَا أَي نَصَبْته لَهُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا قَالَهُ النَّحْوِيُّونَ لأَنه إِذا نُصِبَ فَقَدْ صَارَ مُعْتَرِضًا مَانِعًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي نَصْبًا مُعْتَرِضًا لأَيمانكم كالغَرَض الَّذِي هُوَ عُرضةٌ للرُّماة، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قُوَّةً لأَيمانكمأَي تُشَدِّدُونها بِذِكْرِ اللَّهِ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ عُرْضةً فُعْلة مَنْ عَرَضَ يَعْرِضُ.

وَكُلُّ مانِعٍ مَنَعَك مِنْ شُغُلٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الأَمراضِ، فَهُوَ عارِضٌ.

وَقَدْ عَرَضَ عارِضٌ أَي حَالَ حائلٌ ومَنَعَ مانِعٌ؛ وَمِنْهُ يُقَالُ: لَا تَعْرِضْ وَلَا تَعْرَض لِفُلَانٍ أَي لَا تَعْرِض لَهُ بمَنْعِك باعتراضِك أَنْ يَقْصِدَ مُرادَه وَيَذْهَبَ مَذْهَبَهُ.

وَيُقَالُ: سَلَكْتُ طَريق كَذَا فَعَرَضَ لِي فِي الطَّرِيقِ عَارِضٌ أَي جَبَلٌ شَامِخٌ قَطَعَ عَليَّ مَذْهَبي عَلَى صَوْبي.

قَالَ الأَزهري: وللعُرْضةِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ الَّذِي يَعْرِضُ لَهُ النَّاسُ بِالْمَكْرُوهِ ويَقَعُونَ فِيهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وإِنْ تَتْرُكوا رَهْطَ الفَدَوْكَسِ عُصْبةً ***يَتَامى أَيَامى عُرْضةً للْقَبائِلِ

أَي نَصْبًا لِلْقَبَائِلِ يَعْتَرِضُهم بالمكْرُوهِ مَنْ شاءَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: فُلَانٌ عُرْضةٌ لِلنَّاسِ لَا يَزالون يَقَعُونَ فِيهِ.

وعَرَضَ لَهُ أَشَدَّ العَرْضِ واعْتَرَضَ: قابَلَه بِنَفْسِهِ.

وعَرِضَتْ لَهُ الغولُ وعَرَضَت، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، عَرَضًا وعَرْضًا: بَدَتْ.

والعُرْضِيَّةُ: الصُّعُوبَةُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَرْكَبَ رأْسه مِنَ النَّخْوة.

وَرَجُلٌ عُرْضِيٌّ: فِيهِ عُرْضِيَّةٌ أَي عَجْرَفِيَّةٌ ونَخْوَةٌ وصُعُوبةٌ.

والعُرْضِيَّةُ فِي الْفَرَسِ: أَن يَمْشِيَ عَرْضًا.

وَيُقَالُ: عَرَضَ الفرسُ يَعْرِضُ عَرْضًا إِذا مَرَّ عارِضًا فِي عَدْوِه؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَعْرِضُ حَتَّى يَنْصِبَ الخَيْشُوما "وَذَلِكَ إِذا عدَا عارِضًا صَدْرَه ورأْسَه مَائِلًا.

والعُرُضُ، مُثَقَّل: السيرُ فِي جَانِبٍ، وَهُوَ مَحْمُودٌ فِي الْخَيْلِ مَذْمُومٌ فِي الإِبل؛ وَمِنْهُ قَوْلُ حُمَيْدٍ:

مُعْتَرِضاتٍ غَيْرَ عُرْضِيَّاتِ، ***يُصْبِحْنَ فِي القَفْرِ أتاوِيّاتِ

أَي يَلْزَمْنَ المَحَجَّةَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الرَّجَزِ: إِن اعْتِرَاضَهُنَّ لَيْسَ خِلْقَةً وإِنما هُوَ لِلنَّشَاطِ وَالْبَغْيِ.

وعُرْضِيٌّ: يَعْرِضُ فِي سَيْرِهِ لأَنه لَمْ تَتِمَّ رِيَاضَتُهُ بَعْدُ.

وَنَاقَةٌ عُرْضِيَّةٌ: فِيهَا صُعُوبةٌ.

والعُرْضِيَّةُ: الذَّلولُ الوسطِ الصعْبُ التصرفِ.

وَنَاقَةٌ عُرْضِيَّة: لَمْ تَذِلّ كُلَّ الذُّلِّ، وَجَمَلٌ عُرْضِيٌّ: كَذَلِكَ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ: " واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ تَرْكُضُهُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ وَصَفَ فِيهِ نَفْسَهُ وسِياسَته وحُسْنَ النَّظَرِ لِرَعِيَّتِهِ فَقَالَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِني أَضُمُّ العَتُودَ وأُلْحِقُ القَطُوفَ وأَزجرُ العَرُوضَ»؛ قَالَ شَمِرٌ: العَرُوضُ العُرْضِيَّةُ مِنَ الإِبل الصَّعْبة الرأْسِ الذلولُ وسَطُها الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُساقُ وَسَطَ الإِبل المحمَّلة، وإِن رَكِبَهَا رَجُلٌ مَضَتْ بِهِ قُدُمًا وَلَا تَصَرُّفَ لِرَاكِبِهَا، قَالَ: إِنما أَزجر العَرُوضَ لأَنها تَكُونُ آخِرَ الإِبل؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَرُوض، بِالْفَتْحِ، الَّتِي تأْخذ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا تَلْزَمُ الْمَحَجَّةَ، يَقُولُ: أَضربه حَتَّى يَعُودَ إِلى الطَّرِيقِ، جَعَلَهُ مَثَلًا لِحُسْنِ سِيَاسَتِهِ للأُمة.

وَتَقُولُ: نَاقَةٌ عَرَوضٌ وَفِيهَا عَرُوضٌ وَنَاقَةٌ عُرْضِيَّةٌ وَفِيهَا عُرْضِيَّةٌ إِذا كَانَتْ رَيِّضًا لَمْ تُذَلَّلْ.

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: نَاقَةٌ عَرُوضٌ إِذا قَبِلَتْ بَعْضَ الرِّيَاضَةِ وَلَمْ تَسْتَحْكِم؛ وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِ ابْنِ أَحمر يَصِفُ جَارِيَةً:

ومَنَحْتُها قَوْلي عَلَى عُرْضِيَّةٍ ***عُلُطٍ، أُداري ضِغْنَها بِتَوَدُّدِ

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: شَبَّهَهَا بِنَاقَةٍ صَعْبَةٍ فِي كَلَامِهِ إِياها وَرِفْقِهِ بِهَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنَحْتُها أَعَرْتُها وأَعطيتها.

وعُرْضِيَّةٍ: صُعوبة فكأَن كَلَامَهُ نَاقَةٌ صَعْبَةٌ.

وَيُقَالُ: كَلَّمْتُهَا وأَنا عَلَى نَاقَةٍ صَعْبَةٍ فِيهَا اعْتِرَاضٌ.

والعُرْضِيُّ: الَّذِي فِيهِ جَفاءٌ واعْتِراضٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " ذُو نَخْوَةٍ حُمارِسٌ عُرْضِيُ والمِعْراضُ، بِالْكَسْرِ: سَهْمٌ يُرْمَى بِهِ بِلَا رِيشٍ وَلَا نَصْل يَمْضِي عَرْضًا فَيُصِيبُ بعَرْضِ الْعُودِ لَا بِحَدِّهِ.

وَفِي حَدِيثِ عَدِيّ قَالَ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْمي بالمِعْراضِ فَيَخْزِقُ، قَالَ: إِنْ خَزَقَ فَكُلْ وإِن أَصابَ بعَرضِه فَلَا تَأْكُلْ»، أَراد بالمِعْراضِ سَهْمًا يُرْمَى بِهِ بِلَا رِيش، وأَكثر مَا يُصِيبُ بعَرْض عُوده دُونَ حَدِّه.

والمَعْرِضُ: المَكانُ الَّذِي يُعْرَضُ فِيهِ الشيءُ.

والمِعْرَضُ: الثَّوْبُ تُعْرَضُ فِيهِ الْجَارِيَةُ وتُجَلَّى فِيهِ، والأَلفاظ مَعارِيضُ المَعاني، مِنْ ذَلِكَ، لأَنها تُجَمِّلُها.

والعارِضُ: الخَدُّ، يُقَالُ: أَخذ الشَّعْرَ مِنْ عارِضَيْهِ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عارِضا الْوَجْهِ وعَرُوضَاه جَانِبَاهُ.

والعارِضانِ: شِقَّا الفَم، وَقِيلَ: جَانِبَا اللِّحية؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:

لَا تُؤاتِيكَ، إِنْ صَحَوْتَ، وإِنْ أَجْهَدَ ***فِي العارِضَيْنِ مِنْك القَتِير

والعَوارِضُ: الثَّنايا سُميت عَوارِضَ لأَنها فِي عُرْضِ الفَم.

والعَوارِضُ: مَا وَلِيَ الشِّدْقَيْنِ مِنَ الأَسنان، وَقِيلَ: هِيَ أَرْبع أَسْنان تَلي الأَنيابَ ثُمَّ الأَضْراسُ تَلي العَوارِضَ؛ قَالَ الأَعشى:

غَرَّاء فَرْعاء مَصْقُول عَوارِضُها، ***تَمْشِي الهُوَيْنا كَمَا يَمْشي الوجِي الوَحِلُ

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: العَوارِضُ مِنَ الأَضْراسِ، وَقِيلَ: عارِضُ الفَمِ مَا يَبْدُو مِنْهُ عِنْدَ الضَّحِكِ؛ قَالَ كَعْبٌ:

تَجْلُو عوارِضَ ذِي ظَلْمٍ، إِذا ابْتَسَمَتْ، ***كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلُولُ

يَصِفُ الثَّنايا وَمَا بَعْدَهَا أَي تَكْشِفُ عَنْ أَسْنانها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ لِتَنْظُرَ إِلى امرأَة فَقَالَ: شَمِّي عَوارِضَها»، قَالَ شَمِرٌ: هِيَ الأَسنان الَّتِي فِي عُرْضِ الْفَمِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الثَّنَايَا والأَضراس، وَاحِدُهَا عارضٌ، أَمَرَها بِذَلِكَ لتَبُورَ بِهِ نَكْهَتَها وَرِيحَ فَمِها أَطَيِّبٌ أَم خَبِيثٌ.

وامرأَة نقِيَّةُ العَوارِض أَي نقِيَّةُ عُرْضِ الْفَمِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

أَتَذْكرُ يَومَ تَصْقُلُ عارِضَيْها، ***بِفَرْعِ بَشامةٍ، سُقيَ البَشامُ

قَالَ أَبو نَصْرٍ: يَعْنِي بِهِ الأَسنان مَا بَعْدَ الثَّنَايَا، وَالثَّنَايَا لَيْسَتْ مِنَ العَوارِضِ.

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: العارِضُ النابُ والضِّرْسُ الَّذِي يَلِيهِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: العارِضُ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ إِلى الضِّرْس وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ:

هَزِئَتْ مَيّةُ أَنْ ضاحَكْتُها، ***فَرَأَتْ عارِضَ عَوْدٍ قَدْ ثَرِمْ

قَالَ: والثَّرَمُ لَا يَكُونُ فِي الثَّنَايَا، وَقِيلَ: العَوارِضُ مَا بَيْنَ الثَّنَايَا والأَضراس، وَقِيلَ: الْعَوَارِضُ ثَمَانِيَةٌ، فِي كُلِّ شِقٍّ أَربعةٌ فَوْقُ وأَربعة أَسفل، وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي العارضِ بِمَعْنَى الأَسنان:

وعارِضٍ كجانبِ العِراقِ، ***أَبَنْت بَرّاقًا مِنَ البَرّاقِ

العارِضُ: الأَسنان، شَبَّهَ استِواءَها بِاسْتِوَاءِ أَسْفَلِ القرْبة، وَهُوَ العِراقُ للسيْرِ الَّذِي فِي أَسفل القِرْبة؛ وأَنشد أَيضًا:

لَمَّا رأَيْنَ دَرَدِي وسِنِّي، ***وجَبْهةً مِثْلَ عِراقِ الشَّنِّ،

مِتُّ عَلَيْهِنَّ، ومِتْنَ مِنِّي "قَوْلُهُ: مُتّ عَلَيْهِنَّ أَسِفَ عَلَى شَبَابِهِ، وَمُتْنَ هُنّ مِنْ بُغْضِي؛ وَقَالَ يَصِفُ عَجُوزًا: " تَضْحَكُ عَنْ مِثْلِ عِراقِ الشَّنِ "أَراد بِعِراقِ الشَّنِّ أَنه أَجْلَحُ أَي عَنْ دَرادِرَ اسْتَوَتْ كأَنها عِراقُ الشَّنِّ، وَهِيَ القِرْبةُ.

وعارِضةُ الإِنسان: صَفْحتا خَدَّيْهِ؛ وَقَوْلُهُمْ فُلَانٌ خَفِيفُ العارِضَيْنِ يُرَادُ بِهِ خِفَّةَ شَعْرِ عَارِضِيهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مِنْ سَعادةِ المرءِ خِفّة عارِضَيْه»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العارِضُ مِنَ اللِّحْيَةِ مَا يَنْبُتُ عَلَى عُرْضِ اللَّحْيِ فَوْقَ الذقَن.

وعارِضا الإِنسان: صَفْحَتَا خَدَّيْهِ، وخِفَّتُهما كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الذكرِ لِلَّهِ تَعَالَى وحركتِهما بِهِ؛ كَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ.

وَقَالَ: قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فُلَانٌ خَفِيفٌ الشفَةِ إِذا كَانَ قَلِيلَ السُّؤَالِ لِلنَّاسِ، وَقِيلَ: أَراد بِخِفَّةِ الْعَارِضَيْنِ خِفَّةَ اللِّحْيَةِ، قَالَ: وَمَا أَراه مُنَاسِبًا.

وعارضةُ الْوَجْهِ: مَا يَبْدُو مِنْهُ.

وعُرْضا الأَنف، وَفِي التَّهْذِيبِ: وعُرْضا أَنْفِ الْفَرَسِ مُبْتَدَأُ مُنْحَدَرِ قصَبته فِي حَافَّتَيْهِ جَمِيعًا.

وعارِضةُ الْبَابِ: مِساكُ العِضادَتَيْنِ مِنْ فوقُ محاذِيةً للأُسْكُفّةِ.

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الأَهتم قَالَ للزبْرِقانِ: «إِنه لَشَدِيدُ العارضةِ» أَي شدِيد الناحيةِ ذُو جَلَدٍ وصَرامةٍ، وَرَجُلٌ شديدُ العارضةِ مِنْهُ عَلَى الْمَثَلِ.

وإِنه لذُو عارضةٍ وعارضٍ أَي ذُو جلَدٍ وصَرامةٍ وقُدْرةٍ عَلَى الْكَلَامِ مُفَوّهٌ، عَلَى الْمِثْلِ أَيضًا.

وعَرَضَ الرجلُ: صَارَ ذَا عَارِضَةٍ.

والعارضةُ: قوّةُ الكلامِ وَتَنْقِيحُهُ والرأْيُ الجَيِّدُ.

والعارِضُ: سَقائِفُ المَحْمِل.

وعوارِضُ البيتِ: خشَبُ سَقْفِه المُعَرَّضةُ، الْوَاحِدَةُ عارِضةٌ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «نَصَبْتُ عَلَى بَابِ حُجْرتي عَباءةً مَقْدَمَه مِنْ غَزاة خَيْبَرَ أَو تَبُوكَ فهَتَكَ العَرْضَ حَتَّى وقَع بالأَرض»؛ حَكَى ابْنُ الأَثير عَنِ الْهَرَوِيِّ قَالَ: الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ بِالضَّادِ، وهو بالصاد والسين، وهو خَشَبَةٌ تُوضَعُ عَلَى الْبَيْتِ عَرْضًا إِذا أَرادوا تَسْقِيفَهُ ثُمَّ تُلْقى عَلَيْهِ أَطرافُ الخشَب القِصار، وَالْحَدِيثُ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَشَرَحَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي المَعالِم، وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ: وَقَالَ الرَّاوِي العَرْص وَهُوَ غَلَطٌ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ العَرْصُ، بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لأَنه يُوضَعُ عَلَى الْبَيْتِ عَرْضًا.

والعِرَضُّ: النَّشاطُ أَو النَّشِيطُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لأَبي مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيِّ:

إِنّ لَها لَسانِيًا مِهَضّا، ***عَلَى ثَنايا القَصْدِ، أَوْ عِرَضّا

السَّانِي: الَّذِي يَسْنُو عَلَى الْبَعِيرِ بِالدَّلْوِ؛ يَقُولُ: يَمُرُّ عَلَى مَنْحاتِه بالغَرْبِ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمَةٍ وعِرِضَّى مِنَ النَّشاطِ، قَالَ: أَو يَمُرُّ عَلَى اعْتراضٍ مِنْ نَشاطِه.

وعِرِضّى، فِعِلَّى، مِنَ الاعْتراضِ مِثْلُ الجِيَضِّ والجِيِضَّى: مَشْيٌ فِي مَيَلٍ.

والعِرَضَّةُوالعِرَضْنةُ: الاعْتِراضُ فِي السَّيْرِ مِنَ النَّشاطِ.

وَالْفَرَسُ تَعْدُو العِرَضْنى والعِرَضْنةَ والعِرَضْناةَ أَي مُعْتَرِضةً مَرَّةً مِنْ وَجْهٍ وَمَرَّةً مِنْ آخَرَ.

وَنَاقَةٌ عِرَضْنةٌ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: مُعْتَرِضةٌ فِي السَّيْرِ لِلنَّشَاطِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

تَرِدْ بِنا، فِي سَمَلٍ لَمْ يَنْضُبِ، ***مِنْها عِرَضْناتٌ عِراضُ الأَرْنُبِ

العِرْضْناتُ هَاهُنَا: جَمْعُ عِرَضْنةٍ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا يُقَالُ عِرَضْنةٌ إِنما العِرَضْنةُ الاعْتراضُ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَعْدو العِرَضْنةَ، وَهُوَ الَّذِي يَسْبِقُ فِي عَدْوه، وَهُوَ يَمْشِي العِرَضْنى إِذا مَشَى مِشْيةً فِي شَقٍّ فِيهَا بَغْيٌ مِنْ نَشاطه؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: " عِرَضْنةُ لَيْلٍ ففي العِرَضْناتِ جُنَّحا "أَي مِنَ العِرَضْناتِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ مِنَ الرِّجَالِ.

وامرأَة عِرَضْنةٌ: ذَهَبَتْ عَرْضًا مِنْ سِمَنِها.

وَرَجُلٌ عِرْضٌ وامرأَة عِرْضةٌ وعِرْضَنٌ وعِرْضَنةٌ إِذا كَانَ يَعْتَرِضُ النَّاسَ بِالْبَاطِلِ.

وَنَظَرْتُ إِلى فُلَانٍ عِرَضْنةً أَي بِمُؤَخَّر عَيْني.

وَيُقَالُ فِي تَصْغِيرِ العِرَضْنى عُرَيْضِنٌ تَثْبُتُ النونُ لأَنها مُلْحَقَةٌ وَتُحْذَفُ الْيَاءُ لأَنها غَيْرُ مُلْحَقَةٍ.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: المُعارِضُ مِنَ الإِبلِ العَلُوقُ وَهِيَ الَّتِي ترأَم بأَنْفِها وتَمْنَعُ دَرَّها.

وَبَعِيرٌ مُعارِضٌ إِذا لَمْ يَسْتَقم فِي القِطار.

والإِعْراضُ عَنِ الشَّيْءِ: الصدُّ عَنْهُ.

وأَعْرَضَ عَنْهُ: صَدّ.

وعَرَضَ لَكَ الخيرُ يَعْرِضُ عُروضًا وأَعْرَضَ: أَشْرَفَ.

وتَعَرَّضَ مَعْرُوفَه وَلَهُ: طَلَبَه؛ وَاسْتَعْمَلَ ابْنُ جِنِّي التَّعْرِيضَ فِي قَوْلِهِ: كَانَ حَذْفُه أَو التَّعْرِيضُ لحَذْفِه فَسَادًا فِي الصنْعة.

وعارَضَه فِي السَّيْرِ: سَارَ حِياله وَحَاذَاهُ.

وعارَضَه بِمَا صَنَعَه: كافأَه.

وَعَارَضَ البعيرُ الريحَ إِذا لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا وَلَمْ يَسْتَدْبِرْهَا.

وأَعْرَض الناقةَ عَلَى الْحَوْضِ وعَرَضَها عَرْضًا: سامَها أَن تَشْرَبَ، وعَرَضَ عَلَيّ سَوْمَ عالّةٍ: بِمَعْنَى قَوْلِ الْعَامَّةِ عَرْضَ سابِرِيّ.

وَفِي الْمَثَلِ: عَرْضَ سابِرِيّ، لأَنه يُشترى بأَوّل عَرْض وَلَا يُبالَغُ فِيهِ.

وعَرَضَ الشيءُ يَعْرِضُ: بَدَا.

وعُرَضَّى: فُعَلَّى مِنَ الإِعْراضِ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ.

ولقِيه عارِضًا أَي باكِرًا، وَقِيلَ: هُوَ بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً.

وعارضاتُ الوِرْد أَوّله؛ قَالَ:

كِرامٌ يَنالُ الماءَ قَبْلَ شفاهِهِمْ، ***لَهُمْ عارِضات الوِرْدِ شُمُّ المَناخِرِ

لَهُمْ مِنْهُمْ؛ يَقُولُ: تقَع أُنوفُهم فِي الْمَاءِ قَبْلَ شِفاههم فِي أَوّل وُرُودِ الوِرْدِ لأَن أَوّله لَهُمْ دُونَ النَّاسِ.

وعَرَّضَ لِي بِالشَّيْءِ: لَمْ يُبَيِّنْه.

وتَعَرَّضَ: تعَوَّجَ.

يُقَالُ: تعرَّض الجملُ فِي الجبَل أَخَذ مِنْهُ فِي عَرُوضٍ فَاحْتَاجَ أَن يأْخذ يَمِينًا وَشِمَالًا لِصُعُوبَةِ الطَّرِيقِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذُو البِجادين المزنيُّ وَكَانَ دليلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ نَاقَتَهُ وَهُوَ يقودُها بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَنِيّةِ رَكوبةَ، وَسُمِّيَ ذَا البِجادَيْنِ لأَنه حِينَ أَراد الْمَسِيرَ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَتْ لَهُ أُمّه بِجادًا بِاثْنَيْنِ فَأْتَزَرَ بِوَاحِدٍ وارْتَدى بآخَر:

تَعَرَّضِي مَدارِجًا وسُومي، ***تَعَرُّضَ الجَوْزاءِ للنُّجُومِ،

هُوَ أَبُو القاسِمِ فاسْتَقِيمي "وَيُرْوَى: هَذَا أَبو الْقَاسِمِ.

تَعَرَّضِي: خُذِي يَمْنةً ويَسْرةً وتَنَكَّبي الثَّنَايَا الغِلاظ تَعَرُّضَ الجَوْزاءِ لأَن الْجَوْزَاءَ تَمُرُّ عَلَى جَنْبٍ مُعارضةً لَيْسَتْ بِمُسْتَقِيمَةٍ فِي السَّمَاءِ؛ قَالَ لَبِيدٍ:

أَو رَجْعُ واشِمةٍ أُسِفَّ نَؤُورُها ***كِفَفًا، تَعَرَّضَ فَوْقَهُنّ وِشامُها

قَالَ ابْنُ الأَثير: شَبَّهَهَا بِالْجَوْزَاءِ لأَنها تَمُرُّ مُعْتَرِضَةً فِي السَّمَاءِ لأَنها غَيْرُ مُسْتَقِيمَةِ الْكَوَاكِبِ فِي الصُّورَةِ؛ وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ: " مَدْخُوسةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ "أَي أَنها تَعْتَرِضُ فِي مَرْتَعِها.

والمَدارِجُ: الثَّنَايَا الغِلاظُ.

وعَرَّضَ لِفُلَانٍ وَبِهِ إِذا قَالَ فِيهِ قَوْلًا وَهُوَ يَعِيبُه.

الأَصمعي: يُقَالُ عَرَّضَ لِي فُلَانٌ تَعْرِيضًا إِذا رَحْرَحَ بِالشَّيْءِ وَلَمْ يبيِّن.

والمَعارِيضُ مِنَ الْكَلَامِ: مَا عُرِّضَ بِهِ وَلَمْ يُصَرَّحْ.

وأَعْراضُ الكلامِ ومَعارِضُه ومَعارِيضُه: كَلَامٌ يُشْبِهُ بعضهُ بَعْضًا فِي الْمَعَانِي كَالرَّجُلِ تَسْأَله: هَلْ رأَيت فُلَانًا؟ فَيَكْرَهُ أَن يَكْذِبَ وَقَدْ رَآهُ فَيَقُولُ: إِنَّ فُلَانًا لَيُرَى؛ وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: مَا أُحِبُّ بمَعارِيضِ الكلامِ حُمْرَ النَّعَم؛ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ حِينَ اتَّهَمَتْهُ امرأَته فِي جَارِيَةٍ لَهُ، وَقَدْ كَانَ حَلِفَ أَن لَا يقرأَ الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنب، فأَلَحَّتْ عَلَيْهِ بأَن يقرأَ سُورَةً فأَنشأَ يَقُولُ:

شَهِدْتُ بأَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، ***وأَنَّ النارَ مَثْوَى الكافِرِينا

وأَنَّ العَرْشَ فوْقَ الماءِ طافٍ، ***وفوقَ العَرْشِ رَبُّ العالَمِينا

وتَحْمِلُه ملائكةٌ شِدادٌ، ***ملائكةُ الإِلهِ مُسَوَّمِينا

قَالَ: فَرَضِيَتِ امرأَته لأَنها حَسِبَتْ هَذَا قُرْآنًا فَجَعَلَ ابْنُ رَوَاحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هَذَا عَرَضًا ومِعْرَضًا فِرَارًا مِنَ الْقِرَاءَةِ.

والتعْرِيضُ: خِلَافُ التَّصْرِيحِ.

والمَعارِيضُ: التَّوْرِيةُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ.

وَفِي الْمَثَلِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، مَرْفُوعٌ: إِنَّ فِي المَعاريضِ لَمَنْدُوحةً عَنِ الْكَذِبِ "أَي سَعةً؛ المَعارِيضُ جَمْعُ مِعْراضٍ مِنَ التعريضِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَمَا فِي المَعارِيض مَا يُغْني الْمُسْلِمَ عَنِ الْكَذِبِ؟ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أُحب بمَعارِيضِ الْكَلَامِ حُمْر النعَم».

وَيُقَالُ: عَرّض الكاتبُ إِذا كَتَبَ مُثَبِّجًا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحُرُوفَ وَلَمْ يُقَوِّمِ الخَطّ؛ وأَنشد الأَصمعي لِلشَّمَّاخِ:

كَمَا خَطَّ عِبْرانِيّةً بيَمينه، ***بتَيماءَ، حَبْرٌ ثُمَّ عَرَّضَ أَسْطُرا

والتَّعْرِيضُ فِي خِطْبةِ المرأَة فِي عِدَّتِهَا: أَن يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يُشْبِهُ خِطْبتها وَلَا يُصَرِّحَ بِهِ، وَهُوَ أَن يَقُولَ لَهَا: إِنك لَجَمِيلَةٌ أَو إِن فِيكِ لبقِيّة أَو إِن النِّسَاءَ لَمِنْ حَاجَتِي.

وَالتَّعْرِيضُ قَدْ يَكُونُ بِضَرْبِ الأَمثال وَذِكْرِ الأَلغاز فِي جُمْلَةِ الْمَقَالِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه قَالَ لعَديّ بْنِ حَاتِمٍ إِن وِسادَكَ لعَرِيضٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنك لعَريضُ القَفا، كَنى بالوِساد عَنِ النَّوْمِ لأَن النَّائِمَ يتَوَسَّدُ» أَي إِن نَوْمَكَ لَطَوِيلٌ كَثِيرٌ، وَقِيلَ: كَنَى بِالْوِسَادِ عَنْ مَوْضِعِ الْوِسَادِ مِنْ رأْسه وَعُنُقِهِ، وَتَشْهَدُ لَهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فإِنّ عِرَضَ الْقَفَا كِنَايَةٌ عَنِ السِّمَن، وَقِيلَ: أَراد مَنْ أَكل مَعَ الصُّبْحِ فِي صَوْمِهِ أَصبح عَريضَ الْقَفَا لأَن الصَّوْمَ لَا يؤثِّر فِيهِ.

والمُعَرَّضةُ مِنَ النِّسَاءِ: الْبِكْرُ قَبْلَ أَن تُحْجَبَ وَذَلِكَ أَنها تُعْرَضُ عَلَى أَهل الْحَيِّ عَرْضةً لِيُرَغِّبُوا فِيهَا مَنْ رَغِبَ ثُمَّ يَحْجبونها؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

لَيالِيَنا إِذْ لَا تزالُ تَرُوعُنا، ***مُعَرَّضةٌ مِنْهُنَّ بِكْرٌ وثَيِّبُ

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ عَرَّضَ عَرَّضْنا لَهُ، وَمَنْ مَشى عَلَى الكَلّاءِ أَلْقَيْناه فِي النَّهَرِ»؛ تفسيرُه: مَنْ عَرَّضَ بالقَذْف عَرَّضْنا لَهُ بتأْديب لَا يَبْلُغُ الحَدّ، وَمَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ برُكُوبه نَهَرَ الحَدّ أَلقيناه فِي نَهَرِ الْحَدِّ فحَدَدْناه؛ والكلَّاء مَرْفأُ السفُن فِي الْمَاءِ، وَضَرَبَ الْمَشْيَ عَلَى الكلَّاء مَثَلًا لِلتَّعْرِيضِ لِلْحَدِّ بِصَرِيحِ الْقَذْفِ.

والعَرُوضُ: عَرُوضُ الشِّعْرِ وَهِيَ فَواصِلُ أَنصاف الشعْر وَهُوَ آخِرُ النِّصْفِ الأَول مِنَ الْبَيْتِ، أُنْثَى، وَكَذَلِكَ عَرُوض الْجَبَلِ، وَرُبَّمَا ذُكِّرتْ، وَالْجَمْعُ أَعارِيضُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَسُمِّيَ عَرُوضًا لأَن الشِّعْرَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَالنِّصْفُ الأَول عَروضٌ لأَن الثَّانِيَ يُبْنى عَلَى الأَول وَالنِّصْفُ الأَخير الشَّطْرُ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ العَروضَ طَرائق الشعْر وعَمُودَه مِثْلَ الطَّوِيلِ يَقُولُ هُوَ عَرُوضٌ وَاحِدٌ، واخْتِلافُ قَوافِيه يُسَمَّى ضُرُوبًا، قَالَ: ولكُلٍّ مقَالٌ؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وإِنما سُمِّيَ وَسَطُ الْبَيْتِ عَرُوضًا لأَن الْعَرُوضَ وَسَطُ الْبَيْتِ مِنَ البِناء، والبيتُ مِنَ الشعْر مَبنيّ فِي اللَّفْظِ عَلَى بِنَاءِ الْبَيْتِ الْمَسْكُونِ لِلْعَرَبِ، فَقِوامُ الْبَيْتِ مِنَ الْكَلَامِ عَرُوضُه كَمَا أَنّ قِوامَ الْبَيْتِ مِنَ الخِرَقِ العارضةُ الَّتِي فِي وَسَطِهِ، فَهِيَ أَقْوَى مَا فِي بَيْتِ الْخَرْقِ، فَلِذَلِكَ يَجِبُ أَن تَكُونَ الْعُرُوضُ أَقوى مِنَ الضرْب، أَلا تَرَى أَن الضُّروبَ النقصُ فِيهَا أَكثر مِنْهُ فِي الأَعارِيض؟ والعَرُوضُ: مِيزانُ الشعْر لأَنه يُعارَضُ بِهَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا تُجْمَعُ لأَنها اسْمُ جِنْسٍ.

وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَخاف أَن يَكُونَ عُرِضَ لَهُ»؛ أي عَرَضَ لَهُ الْجِنُّ وأَصابَه مِنْهُمْ مَسٌّ.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ وزَوجتِه: «فاعتُرِضَ عَنْهَا»أَي أَصابَه عَارِضٌ مِنْ مرَضٍ أَو غَيْرِهِ منَعَه عَنْ إِتيانها.

وَمَضَى عَرْضٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي ساعةٌ.

وعارِضٌ وعرِيضٌ ومُعْتَرِضٌ ومُعَرِّضٌ ومُعْرِضٌ: أَسماء؛ قَالَ:

لَوْلا ابْن حارِثةَ الأَميرُ لَقَدْ ***أَغْضَيْتُ مِنْ شَتْمي عَلَى رَغْمي

إِلَّا كَمُعْرِضٍ المُحَسِّر بَكْرَه ***عَمْدًا يُسَبِّبُني عَلَى الظُّلْمِ

الْكَافُ فِيهِ زَائِدَةٌ وَتَقْدِيرُهُ إِلا مُعْرِضًا.

وعُوارضٌ، بِضَمِّ الْعَيْنِ: جبَل أَو مَوْضِعٌ؛ قَالَ عامرُ بْنُ الطُّفَيْل:

فَلأَبْغِيَنَّكُمُ قَنًا وعُوارضًا، ***ولأُقْبِلَنَّ الخيْلَ لابةَ ضَرْغَدِ

أَي بِقَنًا وبعُوارِضٍ، وَهُمَا جَبَلَانِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ بِبِلَادٍ طَيِّءٍ وَعَلَيْهِ قَبْرُ حَاتِمٍ؛ وَقَالَ فِيهِ الشَّمَّاخُ:

كأَنَّها، وَقَدْ بَدا عُوارِضُ، ***وفاضَ مِنْ أَيْدِيهِنّ فائضُ

وأَدَبِيٌّ فِي القَتامِ غامِضُ، ***وقِطْقِطٌ حيثُ يَحُوضُ الحائضُ

والليلُ بَيْنَ قَنَوَيْنِ رابِضُ، ***بجَلْهةِ الوادِي، قَطًا نَواهِضُ

والعَرُوضُ: جَبَلٌ؛ قَالَ ساعِدةُ بْنُ جُؤَيّة:

أَلمْ نَشْرِهمْ شَفْعًا، وتُتْرَكَ منْهُمُ ***بجَنْبِ العَرُوضِ رِمّةٌ ومَزاحِفُ؟

والعُرَيْضُ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، مُصَغَّرٌ: وادٍ بِالْمَدِينَةِ بِهِ أَموالٌ لأَهلها؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي سُفْيَانَ: أَنه خرَج مِنْ مَكَّةَ حَتَّى بَلَغَ العُرَيْضَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: ساقَ خَلِيجًا مِنَ العُرَيْضِ.

والعَرْضِيُّ: جِنْسٌ مِنَ الثِّيَابِ.

قَالَ النَّضْرُ: وَيُقَالُ مَا جاءكَ مِنَ الرأْي عَرَضًا خَيْرٌ مِمَّا جَاءَكَ مُسْتَكْرَهًا أَي مَا جَاءَكَ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَلَا فِكْر.

وَقَوْلُهُمْ: عُلِّقْتُها عَرَضًا إِذا هَوِيَ امرأَةً أَي اعْتَرَضَتْ فَرَآهَا بَغْتة مِنْ غَيْرِ أَن قَصَد لِرُؤْيَتِهَا فَعَلِقَها مِنْ غَيْرِ قصدٍ؛ قَالَ الأَعشى:

عُلِّقْتُها عَرَضًا، وعُلِّقَتْ رَجُلًا ***غَيْري، وعُلِّقَ أُخْرى غيْرَها الرجُلُ

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ عُلِّقْتُها عرَضًا أَي كَانَتْ عرَضًا مِنَ الأَعْراضِ اعْتَرَضَني مِنْ غَيْرِ أَن أَطْلُبَه؛ وأَنشد:

وإِمّا حُبُّها عَرَضٌ، وإِمّا ***بشاشةُ كلِّ عِلْقٍ مُسْتَفاد

يَقُولُ: إِما أَن يَكُونَ الَّذِي مِنْ حُبِّهَا عرَضًا لَمْ أَطلبه أَو يَكُونَ عِلْقًا.

وَيُقَالُ: أَعرَض فُلَانٌ أَي ذهَب عرْضًا وَطُولًا.

وَفِي المثلِ: أَعْرَضْتَ القِرْفةَ، وَذَلِكَ إِذا قِيلَ لِلرَّجُلِ: مَنْ تَتَّهِمُ؟ فَيَقُولُ: بَنِي فُلَانٍ لِلْقَبِيلَةِ بأَسْرِها.

وَقَوْلِهِ تعالى: {وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضًا}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَبرزناها حَتَّى نَظَرَ إِليها الْكُفَّارُ، وَلَوْ جَعَلْتَ الفِعْلَ لَهَا زدْتَ أَلفًا فَقُلْتَ: أَعْرَضَتْ هِيَ أَي ظَهَرَتْ وَاسْتَبَانَتْ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

فأَعْرَضَتِ اليمامةُ، واشْمَخَرَّتْ ***كأَسيافٍ بأَيدي مُصْلِتينا

أَي أَبْدَتْ عُرْضَها ولاحَتْ جِبالُها لِلنَّاظِرِ إِليها عارِضةً.

وأَعْرَضَ لَكَ الْخَيْرُ إِذا أَمْكَنكَ.

يُقَالُ: أَعْرَضَ لَكَ الظبْيُ أَي أَمْكَنكَ مِنْ عُرْضِه إِذا وَلَّاك عُرْضَه أَي فارْمه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَفاطِمَ، أَعْرِضِي قَبْلَ الْمَنَايَا، ***كَفى بالموْتِ هَجْرًا واجْتِنابا

أَي أَمكِني.

وَيُقَالُ: طَأْ مُعْرِضًا حَيْثُ شِئْتَ أَي ضَعْ رِجْلَيْكَ حَيْثُ شِئْتَ أَي وَلَا تَتَّق شَيْئًا قَدْ أَمكن ذَلِكَ.

واعْتَرَضْتُ الْبَعِيرَ: رَكِبْتُه وَهُوَ صَعْبٌ.

واعْتَرضْتُ الشَّهْرَ إِذا ابتدأْته مِنْ غَيْرِ أَوله.

وَيُقَالُ: تَعَرَّضَ لِي فُلَانٌ وعرَض لِي يَعْرِضُ يَشْتِمُني ويُؤْذِيني.

وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ تعرَّض لِي فُلَانٌ بِمَا أَكره واعتَرَضَ فُلَانٌ فُلَانًا أَي وَقَعَ فِيهِ.

وعارَضَه أَي جانَبَه وعَدَلَ عَنْهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَقَدْ عارَضَ الشِّعْرى سُهَيْلٌ، كأَنَّه ***قَريعُ هِجانٍ عارَضَ الشَّوْلَ جافِرُ

وَيُقَالُ: ضرَب الفحلُ الناقةَ عِراضًا، وَهُوَ أَن يُقَادَ إِليها ويُعْرَضَ عَلَيْهَا إِن اشْتَهَتْ ضرَبَها وإِلا فَلَا وَذَلِكَ لكَرَمها؛ قَالَ الرَّاعِي:

قلائِصُ لَا يُلْقَحْنَ إِلَّا يَعارةً ***عِراضًا، وَلَا يُشْرَيْنَ إِلَّا غَوالِيا

وَمِثْلُهُ لِلطِّرِمَّاحِ:

******ونِيلَتْ ***حِينَ نِيلتْ يَعارةً فِي عِراضِ

أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لَقِحَتْ ناقةُ فُلَانٍ عِراضًا، وَذَلِكَ أَن يُعارِضَها الفحلُ مُعَارَضَةً فيَضْرِبَها مِنْ غَيْرِ أَن تَكُونَ فِي الإِبل الَّتِي كَانَ الفحلُ رَسِيلًا فِيهَا.

وَبَعِيرٌ ذُو عِراضٍ: يُعارِضُ الشَّجَرَ ذَا الشوْكِ بفِيه.

والعارِضُ: جانِبُ العِراق؛ والعريضُ الَّذِي فِي شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ اسْمُ جَبَلٍ وَيُقَالُ اسْمُ وَادٍ:

قَعَدْتُ لَهُ، وصُحْبتي بَيْنَ ضارِجٍ ***وبَيْنَ تِلاعِ يَثْلَثٍ، فالعَرِيضِ

أَصابَ قُطَيَّاتٍ فَسالَ اللِّوى لَهُ، ***فَوادي البَدِيّ فانْتَحى لليَرِيضِ

وعارَضْتُه فِي المَسِير أَي سِرْتُ حِيَالَهُ وحاذَيْتُه.

وَيُقَالُ: عَارَضَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذا أَخذ فِي طَرِيقٍ وَأَخَذَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ فَالْتَقَيَا.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


49-لسان العرب (فضض)

فضض: فَضَضْتُ الشيءَ أَفُضُّه فَضًّا، فَهُوَ مَفْضُوضٌ وفَضِيضٌ: كسرتُه وفَرَّقْتُه، وفُضاضُه وفِضاضُه وفُضاضَتُه: مَا تكسَّر مِنْهُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

تَطيِرُ فِضاضًا [فُضاضًا] بَيْنَها كلُّ قَوْنَسٍ، ***ويَتْبَعُها مِنْهُم فَراشُ الحَواجِبِ

وفَضَضْت الْخَاتَمَ عَنِ الْكِتَابِ أَي كسرْتُه، وَكُلُّ شَيْءٍ كسرْتَه، فَقَدْ فضَضْتَه.

وَفِي حَدِيثِ ذِي الكِفْلِ: «إِنه لَا يَحِلُّ لَكَ أَن تَفُضَّ الخاتَم»؛ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الوطْءِ.

وفَضَّ الخاتَمَ والخَتْمَ إِذا كَسره وفَتَحه.

وفُضاضُ وفِضاضُ الشَّيْءِ: مَا تَفَرَّقَ مِنْهُ عِنْدَ كَسْرِكَ إِياه.

وانْفَضَّ الشيءُ: انْكَسَرَ.

وَفِي حَدِيثُ الْحُدَيْبِيَةِ: " ثُمَّ جِئْتَ بِهِمْ لبَيْضَتِكَ تَفُضُّها "أَي تَكْسِرُها؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ: حَتَّى يَفُضَّ كُلَّ شيءٍ.

وَفِي الدُّعَاءِ: لَا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ "أَي لَا يَكْسِرْ أَسنانك، والفمُ هَاهُنَا الأَسنان كَمَا يُقَالُ: سقَط فُوهُ، يَعْنُونَ الأَسنان، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَا يُفْضِ اللهُ فَاكَ أَي لَا يَجْعَلُهُ فَضاء لَا أَسنان فِيهِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ لَا يُفْضِضِ اللَّهُ فاكَ، أَو تَقْدِيرُهُ لَا يَكْسِرُ اللَّهُ أَسنانَ فِيكَ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ.

يُقَالُ: فَضَّه إِذا كَسَرَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ لَمَّا أَنشده الْقَصِيدَةَ الرَّائِيَّةَ قَالَ: لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ، قَالَ: فَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً لَمْ تسقُط لَهُ سِنّ.

والإِفْضاءُ: سُقوطُ الأَسنانِ مِنْ أَعْلى وأَسفَل، والقولُ الأَول أَكثر.

وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنه قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِني أُريد أَن أَمْتَدِحَك»، فَقَالَ: قُلْ لَا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ، ثُمَّ أَنشده الأَبيات القافيَّة، وَمَعْنَاهُ لَا يُسْقِطِ اللهُ أَسنانَكَ، وَالْفَمُ يَقُومُ مَقَامَ الأَسنان.

وَهَذَا مِنْ فَضِّ الخاتَمِ والجمُوع وَهُوَ تَفْريقُها.

والمِفَضُّ والمِفْضاضُ: مَا يُفَضُّ به مَدَرُ الأَرصِ المُثارةِ.

والمِفَضَّةُ: مَا يُفَضُّ بِهِ المَدَرُ.

وَيُقَالُ: افْتَضَّ فُلَانٌ جاريَتَه واقْتَضَّها إِذا افْتَرَعَها.

والفَضَّةُ: الصخْرُ المَنْثُورُ بعضُه فَوْقَ بَعْضٍ، وَجَمْعُهُ فِضاضٌ.

وتَفَضَّضَ الْقَوْمُ وانْفَضُّوا: تَفَرَّقُوا.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، أَي تفرَّقوا، وَالِاسْمُ الفَضَضُ.

وتَفَضَّضَ الشَّيْءُ: تفرَّقَ.

والفَضُّ: تفريقُكَ حَلْقةً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ، يُقَالُ: فضَضْتُهم فانْفَضُّوا أَي فرَّقْتهم؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا اجْتَمَعُوا فضَضْنا حُجرَتَيهِمْ، ***ونَجْمَعُهم إِذا كَانُوا بَدادِ

وكلُّ شيءٍ تفرَّقَ، فَهُوَ فَضَضٌ.

وَيُقَالُ: بِهَا فَضٌّ مِنَ النَّاسِ أَي نفَر متفرِّقُون.

وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنه كَتَبَ إِلى مروانَ بن فَارِسَ: «أَما بَعْدُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّ خَدَمَتَكُم»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ كسَر وفرَّق جَمْعَكُمْ.

وَكُلُّ مُنكسر متفرِّق، فَهُوَ مُنْفَضٌّ.

وأَصل الخَدَمةِ الخَلْخالُ وَجَمْعُهَا خدامٌ، وَقَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ: أَنا أَولُ مَنْ فَضَّ خَدَمةَ العَجَم، يُرِيدُ كَسَرَهُمْ وفَرَّق جَمْعَهم.

وكلُّ شيءٍ كَسَرْتَه وفرَّقته، فَقَدْ فضَضْتَه.

وطارَت عِظامُه فُضاضًا وفِضاضًا إِذا تطايَرَتْ عِنْدَ الضَّرْبِ، وَقَالَ المؤرِّجُ: الفَضُّ الكسْرُ؛ وَرَوَى لخِداشِ بْنِ زُهَيْر:

فَلَا تَحْسَبي أَنِّي تَبَدَّلْتُ ذِلَّةً، ***وَلَا فَضَّني فِي الكُورِ بَعْدَكِ صائغُ

يَقُولُ: يأْبى أَن يُصاغَ ويُراضَ.

وتَمْر فَضٌّ: متفرِّق لَا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وفَضَضْتُ مَا بَيْنَهُمَا: قَطَعْتُ.

وَقَالَ تعالى: {قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيرًا}؛ يسأَل السائلُ فَيَقُولُ: كَيْفَ تَكُونُ القَوارِيرُ مِنْ فِضَّةٍ وجَوْهرُها غَيْرُ جَوْهَرِهَا؟ قَالَ الزجاج: معنىقَوْلِهِ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ أَصلُ القَوارِيرِ الَّتِي فِي الدُّنْيَا مِنَ الرَّمْلِ، فأَعلم اللَّهُ فَضْلَ تِلْكَ القوارِيرِ أَن أَصلها مِنْ فِضَّة يُرى مِنْ خَارِجِهَا مَا فِي دَاخِلِهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَي تَكُونُ مَعَ صَفاء قَوَارِيرِهَا آمِنة مِنَ الْكَسْرِ قَابِلَةً لِلْجَبْرِ مِثْلَ الْفِضَّةِ، قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحسن مَا قِيلَ فِيهِ.

وَفِي حَدِيثِ الْمُسَيَّبِ: «فَقَبَضَ ثَلَاثَةَ أَصابع مِنْ فِضَّةٍ فِيهَا مِنْ شَعَرٍ»، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ فِضَّةٍ أَو قُصَّة، وَالْمُرَادُ بِالْفِضَّةِ شَيْءٌ مَصُوغٌ مِنْهَا قَدْ تُرِكَ فِيهِ الشَّعَرُ، فأَمّا بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَهِيَ الخُصْلةُ مِنَ الشَّعَرِ.

وكلُّ مَا انْقَطع مِنْ شيءٍ أَو تفرَّق: فَضَضٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ لِمَرْوَانَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ أَباكَ وأَنتَ فِي صُلْبه فأَنت فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ "؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ أَي خَرَجَتْ مِنْ صُلْبه مُتَفَرِّقًا، يَعْنِي مَا انْفَضَّ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وتَرَدَّدَ فِي صُلْبه، وَقِيلَ فِي قَوْلِهَا" فأَنت فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ: أَرادت إِنكَ قِطْعة مِنْهَا وَطَائِفَةٌ مِنْهَا.

وَقَالَ شَمِرٌ: الفُضُضُ اسْمُ مَا انْفَضَّ أَي تفرَّق، والفُضاضُ نَحْوُهُ.

وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ فُظاظةٌ، بِظَاءَيْنِ، مِنَ الفَظِيظِ وَهُوَ ماءُ الكَرِشِ، وأَنكره الْخَطَّابِيُّ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: افْتَظَظْتُ الكَرِشَ اعْتَصَرْتُ ماءَها، كأَنه عُصارةٌ مِنَ اللَّعْنَةِ أَو فُعالةٌ مِنَ الفَظِيظِ ماء الفحل أَي نُطْفَةٌ مِنَ اللَّعنةِ.

والفَضِيضُ مِنَ النَّوَى: الَّذِي يُقْذَفُ مِنَ الْفَمِ.

والفَضِيضُ: الماءُ العَذْبُ، وَقِيلَ: الماءُ السَّائِلُ، وَقَدِ افْتَضَضْته إِذا أَصبته ساعةَ يَخْرُجُ.

وَمَكَانٌ فَضِيض: كَثِيرُ الْمَاءُ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «أَنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ عَنِ امرأَة خَطَبَهَا: هِيَ طَالِقٌ إِن نكَحْتُها حَتَّى آكلَ الفَضِيضَ»؛ هُوَ الطَّلْع أَولَ مَا يَظْهَرُ.

والفَضِيضُ أَيضًا فِي غَيْرِ هَذَا: الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنَ الْعَيْنِ أَو يَنْزِلُ مِنَ السَّحَابِ، وفَضَضُ الْمَاءِ: مَا انْتَشَرَ مِنْهُ إِذا تُطُهِّرَ بِهِ.

وَفِي حَدِيثِ غَزاةِ هَوازِنَ: «فَجَاءَ رَجُلٌ بنُطْفةٍ فِي إِداوَةٍ فافْتَضَّها»أَي صَبَّها، وَهُوَ افْتِعالٌ مِنَ الفَضِّ، وَيُرْوَى بِالْقَافِ؛ أي فَتَحَ رأْسها.

وَيُقَالُ: فَضَّ الماءَ وافْتَضَّه أَي صَبَّه، وفَضَّ الماءُ إِذا سالَ.

وَرَجُلٌ فَضْفاضٌ: كَثِيرُ الْعَطَاءِ، شُبِّه بِالْمَاءِ الفَضْفاض.

وتَفَضْفَضَ بولُ الناقةِ إِذا انْتَشَرَ عَلَى فَخِذَيْهَا.

والفَضَضُ: المتفرِّق مِنَ الْمَاءِ والعَرَق؛ وَقَوْلُ ابْنِ مَيّادةَ:

تَجْلُو بأَخْضَرَ مِنْ فُروعِ أَراكةٍ، ***حَسَن المُنَصَّبِ كالفَضِيضِ البارِدِ

قَالَ: الفَضِيضُ المتفرِّقُ مِنْ ماءِ المطرِ والبَرَدِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «أَنه رَمى الجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَياتٍ ثُمَّ مضَى فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ فَضَضِ الحَصى أَقبل على سُلَيْم ابن رَبيعةَ فكلَّمه»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَا تفرَّق مِنْهُ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُول، وَكَذَلِكَ الفَضِيضُ.

وَنَاقَةٌ كثيرةُ فَضِيضِ اللَّبَنِ: يَصِفُونها بالغَزارةِ، وَرَجُلٌ كَثِيرٌ فَضِيض الْكَلَامِ: يَصِفُونَهُ بالكَثارة.

وأَفَضَّ العَطاءَ: أَجْزَلَه.

والفِضَّةُ مِنَ الْجَوَاهِرِ: مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ فِضَضٌ.

وشيءٌ مُفَضَّضٌ: مُمَوَّه بِالْفِضَّةِ أَو مُرَصَّعٌ بِالْفِضَّةِ.

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: تَفَضَّيْتُ مِنَ الْفِضَّةِ، أَراد تَفَضَّضْت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا عنَى بِهِ أَتخذْتُها أَم استعملتُها، وَهُوَ مِنْ تَحْوِيلِ التَّضْعِيفِ.

وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: «لَوْ أَنَّ أَحدَكم انْفَضَّ مِمَّا صُنِعَ بِابْنِ عَفَّان لَحَقَّ لَهُ أَن يَنْفَضّ»؛ قَالَ شَمِرٌ:؛ أي يَنْقَطِعَ وَيَتَفَرَّقَ، وَيُرْوَى يَنْقَضّ، بِالْقَافِ، وَقَدِ انْفَضَّتْأَوصالُه إِذا تفرَّقت؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " تَكادُ تَنْفَضُّ منهنَّ الحَيازِيمُ وفَضّاضٌ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَرَبِ.

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَتِ امرأَة إِلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِن ابْنتي توُفِّيَ عَنْهَا زوجُها وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَها، أَفَتَكْحُلُها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا إِنما هِيَ أَربعةَ أَشهر وعَشْرًا وَقَدْ كَانَتْ إِحْداكنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمي بالبَعَرة عَلَى رأْس الْحَوْلِ»؛ قَالَتْ زينبُ بنتُ أُم سلَمَة: وَمَعْنَى الرَّمْيِ بِالْبَعَرَةِ أَنَّ المرأَة كَانَتْ إِذا توُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا ولَبِسَتْ شَرَّ ثِيابِها وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سنةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بدابّةٍ حمارٍ أَو شاةٍ أَو طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهَا فقَلَّما تَفْتَضُّ بشيءٍ إِلا ماتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمي بِهَا؛ وَقَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: سأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَنِ الافْتِضاضِ فَذَكَرُوا أَن المعتدَّة كَانَتْ لَا تَغْتَسِل وَلَا تَمَسُّ مَاءً وَلَا تَقْلِمُ ظُفُرًا وَلَا تَنْتِفُ مِنْ وَجْهِهَا شَعَرًا، ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الحوْلِ بأَقْبَحِ مَنْظَرٍ، ثُمَّ تَفْتَضُّ بِطَائِرٍ وتَمْسَحُ بِهِ قُبُلَها وتَنْبِذُه فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ؛ أي تكسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ العِدَّة بِذَلِكَ؛ قَالَ: وَهُوَ مِنْ فَضَضْتُ الشيءَ إِذا كسَرْتَه كأَنها تَكُونُ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجِهَا فَتَكْسِرُ مَا كَانَتْ فِيهِ وَتَخْرُجُ مِنْهُ بِالدَّابَّةِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيُرْوَى بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ أَنه رَوَى هَذَا الْحَرْفَ فَتَقْبِصُ، بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.

وأَمرهم فَيْضُوضَى بَيْنَهُمْ وفَيْضُوضاء بَيْنَهُمْ وفَيْضِيضَى وفَيْضيضاء وفَوْضُوضَى وفَوْضُوضاء بَيْنَهُمْ؛ كُلُّهَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والفَضْفَضَةُ: سَعةُ الثوبِ والدِّرْعِ والعَيْشِ.

ودِرْعٌ فَضْفاضٌ وفَضْفاضةٌ وفُضافِضَةٌ: واسِعةٌ، وَكَذَلِكَ الثوبُ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِب:

وأَعْدَدْتُ للحَرْبِ فضْفاضةً، ***كأَنَّ مَطاوِيَها مِبْرَدُ

وقَمِيصٌ فَضْفاضٌ: واسعٌ؛ وَفِي حَدِيثِ سَطِيحٍ: «أَبْيَضُ فَضْفاضُ الرِّداءِ والبَدَنْ أَراد وَاسِعَ الصَّدْرِ وَالذِّرَاعِ فَكَنَّى عَنْهُ بِالرِّدَاءِ وَالْبَدَنِ»، وَقِيلَ: أَراد كَثْرَةَ الْعَطَاءِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَنَس فِي يَوْمِ مَطَرٍ والأَرض فَضْفاضٌ "أَي قَدْ عَلاها الْمَاءُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ.

وَقَدْ فَضْفَضَ الثوبَ والدِّرْعَ: وَسَّعَهما؛ قَالَ كثيِّر:

فنَبَذْتُ ثَمَّ تَحِيَّةً، فأَعادَها ***غَمْرُ الرِّداءِ مُفَضْفَضُ السِّرْبالِ

والفَضْفاضُ: الكثيرُ الواسعُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَسْعُطْنَه فَضْفاضَ بَوْلٍ كالصَّبِرْ "وعَيْشٌ فَضْفاضٌ: واسعٌ.

وسَحابةٌ فَضْفاضةٌ: كَثِيرَةُ الْمَاءِ.

وجارِيةٌ فَضْفاضة: كَثِيرَةُ اللَّحْمِ مَعَ الطُّولِ وَالْجِسْمِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " رَقْراقةٌ فِي بُدْنِها الفَضْفاضِ "اللَّيْثُ: فُلَانٌ فُضاضةُ وَلَدِ أَبيه أَي آخِرُهُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْمَعْرُوفُ فُلَانٌ نُضاضةُ ولدِ أَبيه، بِالنُّونِ، بِهَذَا الْمَعْنَى.

الْفَرَّاءُ: الفاضّةُ الدّاهِيةُ وهنّ الفواضُّ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


50-لسان العرب (يلمق)

يَلْمُقُ: اليَلْمَقُ: الْقَبَاءُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الثَّوْرَ الْوَحْشِيَّ:

تَجْلُو البَوارِقُ عَنْ مُجْرَنْثمٍ لَهِقٍ، ***كأَنه مُتَقَبِّي يَلْمَقٍ عَزَبُ

وَجَمْعُهُ يَلامق، قَالَ عُمَارَةُ: كأَنما يَمْشِينَ فِي اليَلامِقِ ك "ك: الْكَافُ مِنَ الْحُرُوفِ المَهْموسة وَهِيَ ضِدُّ المَجْهورة، قَالَ الأَزهري: وَمَعْنَى المَجْهور أَنه لَزِمَ مَوْضِعَهُ إِلى انْقِضَاءِ حُرُوفِهِ وحَبَس النَّفَس أَن يَجْريَ مَعَهُ فَصَارَ مَجْهُورًا لأَنه لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَهِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا: اب ج د ذ ر ز ض ط ظ ع غ ق ل م ن وي وَالْهَمْزَةُ؛ قَالَ: وَالْمَهْمُوسُ حَرْفٌ لانَ فِي مَخْرجه دُونَ المَجْهور وجَرَى مَعَهُ النفَسُ فَكَانَ دُونَ الْمَجْهُورِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَعِدَّةُ حُرُوفِهِ عَشَرَةٌ: ت ث ح خ س ش ص وك هـ؛ قَالَ: وَمَخْرَجُ الْجِيمِ وَالْقَافِ وَالْكَافِ بَيْنَ عَكَدَةِ اللِّسَانِ وَبَيْنَ اللَّهاةِ فِي أَقصى الْفَمِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


51-لسان العرب (برشم)

برشم: البَرْشَمةُ: تَلْوِينُ النُّقَطِ.

وبَرْشَم الرجلُ: أَدامَ النَّظَرَ أَو أَحَدَّه، وَهُوَ البِرْشامُ، والبِرْشامُ: حِدَّةُ النظَر.

والمُبَرْشِمُ: الحادُّ النَّظَرِ، وَهِيَ البَرْشَمة والبَرْهَمة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِلْكُمَيْتِ:

أَلُقْطَةَ هُدْهُدٍ وجُنُودَ أُنْثى ***مُبَرْشِمَةً، أَلَحْمِي تَأْكلونا؟

وَفِي حَدِيثِ حُذيفة: «كَانَ النَّاسُ يَسأَلون رسولَ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، عن الخَيْر وَكُنْتُ أَسْأَلُه عَنِ الشرِّ فبَرْشَموا لَهُ»أَي حَدَّقوا النَّظَرَ إِليه.

والبَرْشَمة: إدامةُ النَّظر.

وَرَجُلٌ بُراشِم: حَديدُ النظرَ.

وبَرْشَمَ الرَّجُلُ إِذا وَجَمَ وأَظهر الحُزْن.

والبُرْشُم: البُرقُعُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وَأَنْشَدَ:

غَداةَ تَجْلُو واضِحًا مُوَشَّما، ***عَذْبًا لَهَا تُجْري عَلَيْهِ البُرْشُما

والبُرْشومُ: ضرْب مِنَ النَّخْلِ، وَاحِدَتُهُ بُرْشومةٌ، بِالضَّمِّ لَا غَيْرَ؛ قَالَ ابْنُ دُريد: لَا أَدْري مَا صحَّته؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البُرْشومُ جِنْس مِنَ التَّمْرِ، وَقَالَ مرَّة: البُرْشُومةُ والبَرْشُومةُ، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ، أَبْكَرُ النخْل بالبَصرة.

ابْنُ الأَعرابي: البُرْشُومُ مِنَ الرُّطَب الشَّقمُ، ورُطَب البُرْشُوم يتقدَّم عِنْدَ أَهل الْبَصْرَةِ عَلَى رُطَب الشِّهْريزِ ويُقْطَع عِذْقُه قَبْلَهُ، والله أعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


52-لسان العرب (بهم)

بهم: البَهِيمةُ: كلُّ ذاتِ أَربَعِ قَوائم مِنْ دَوابّ البرِّ وَالْمَاءِ، وَالْجَمْعُ بَهائم.

والبَهْمةُ: الصغيرُ مِنْ أَولاد الغَنَم الضأْن والمَعَز والبَقَر مِنَ الْوَحْشِ وَغَيْرِهَا، الذكَرُ والأُنْثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وقل: هُوَ بَهْمةٌ إِذا شبَّ، وَالْجَمْعُ بَهْمٌ وبَهَمٌ وبِهامٌ، وبِهاماتٌ جَمْعُ الجمعِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ فِي نَوادِره: البَهْمُ صِغارُ المعَز؛ وَبِهِ فسِّر قَوْلُ الشَّاعِرِ:

عَداني أَنْ أَزُورَك أَنَّ بَهْمي ***عَجايا كلُّها إِلَّا قَلِيلًا

أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لأَوْلاد الغنَم سَاعَةَ تَضَعها مِنَ الضأْن والمَعَز جَمِيعًا، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى، سَخْلة، وَجَمْعُهَا سِخال، ثُمَّ هِيَ البَهْمَة الذكَرُ والأُنْثى.

ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُم يُبَهِّمون البَهْمَ إِذا حَرَمُوه عَنْ أُمَّهاتِه فَرَعَوْه وحدَه، وإِذا اجتَمَعَت البِهامُ والسِّخالُ قُلْتَ لَهَا جَمِيعًا بِهامٌ، قَالَ: وبَهِيمٌ هِيَ الإِبْهامُ للإِصْبَع.

قَالَ: وَلَا يُقَالُ البِهامُ، والأَبْهم كالأَعْجم.

واسْتُبْهِم عَلَيْهِ: اسْتُعْجِم فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ.

وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ: البَهْمةُ مُسْتَبْهِمَةٌ عَنِ الْكَلَامِ أَي مُنْغَلِق ذَلِكَ عَنْهَا.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ}؛ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا بَهِيمَةُ الْأَنْعامِلأَنَّ كلَّ حَيّ لَا يميِّز، فَهُوَ بَهِيمة لأَنه أُبْهِم عَنْ أَن يميِّز.

وَيُقَالُ: أُبْهِم عَنِ الْكَلَامِ.

وطريقٌ مُبْهَمٌ إِذا كَانَ خَفِيّا لَا يَسْتَبين.

وَيُقَالُ: ضرَبه فَوَقَعَ مُبْهَمًا أَي مَغْشيًّا عَلَيْهِ لَا يَنْطِق وَلَا يميِّز.

وَوَقَعَ فِي بُهْمةٍ لَا يتَّجه لَهَا أَي خُطَّة شَدِيدَةٍ.

واستَبْهَم عَلَيْهِمُ الأَمرُ: لَمْ يدْرُوا كَيْفَ يأْتون لَهُ.

واسْتَبْهَم عَلَيْهِ الأَمر أَي استَغْلَق، وتَبَهَّم أَيضًا إِذا أُرْتِجَ عَلَيْهِ؛ وَرَوَى ثَعْلَبٌ أَن ابْنَ الأَعرابي أَنشده:

أَعْيَيْتَني كلَّ العَياءِ، ***فَلَا أَغَرَّ وَلَا بَهِيم

قَالَ: يُضْرَب مَثَلًا للأَمر إِذا أَشكل لَمْ تَتَّضِحْ جِهَته "واستقامَتُه ومعرِفته؛ وأَنشد فِي مِثْلِهِ:

تَفَرَّقَتِ المَخاضُ عَلَى يسارٍ، ***فَمَا يَدْرِي أَيُخْثِرُ أَم يُذِيبُ

وأَمرٌ مُبْهَم: لَا مَأْتَى لَهُ.

واسْتَبْهَم الأَمْرُ إِذا اسْتَغْلَق، فَهُوَ مُسْتَبْهِم.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «كَانَ إِذا نَزَل بِهِ إحْدى المُبْهَمات كَشَفَها»؛ يُريدُ مَسْأَلَةً مُعضِلةً مُشْكِلة شاقَّة، سمِّيت مُبْهَمة لأَنها أُبْهِمت عَنِ الْبَيَانِ فَلَمْ يُجْعل عَلَيْهَا دَلِيلٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِما لَا يَنْطِق بَهِيمة.

وَفِي حَدِيثِ قُسّ: «تَجْلُو دُجُنَّاتِ».

الدَّياجي والبُهَم "؛ البُهَم: جَمْعُ بُهْمَة، بِالضَّمِّ، وَهِيَ مُشكلات الأُمور.

وَكَلَامٌ مُبْهَم: لَا يعرَف لَهُ وَجْه يُؤْتَى مِنْهُ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حَائِطٌ مُبْهَم إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ بابٌ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: أَبْهَمَ عَلَيَّ الأَمْرَ إِذا لَمْ يَجعل لَهُ وَجْهًا أَعرِفُه.

وإبْهامُ الأَمر: أَن يَشْتَبه فَلَا يعرَف وجهُه، وَقَدْ أَبْهَمه.

وَحَائِطٌ مُبْهَم: لَا بَابَ فِيهِ.

وبابٌ مُبْهَم: مُغلَق لَا يُهْتَدى لفتحِه إِذا أُغْلِق.

وأبْهَمْت البابَ: أَغلَقْته وسَدَدْته.

وليلٌ بَهيم: لَا ضَوء فِيهِ إِلى الصَّباح.

وَرُوِيَ" عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}، قَالَ: فِي تَوابيت مِنْ حديدٍ مُبْهَمةٍ عَلَيْهِمْ "؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: المُبْهَمة الَّتِي لَا أَقْفالَ عَلَيْهَا.

يُقَالُ: أَمرٌ مُبْهَم إِذا كَانَ مُلْتَبِسًا لَا يُعْرَف مَعْنَاهُ وَلَا بَابُهُ.

غَيْرُهُ: البَهْمُ جَمْعُ بَهْمَةٍ وَهِيَ أَولادُ الضأْن.

والبَهْمة: اسْمٌ لِلْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، والسِّخالُ أَولادُ المَعْزَى، فَإِذَا اجْتَمَعَ البهامُ والسِّخالُ قَلْتَ لَهُمَا جَمِيعًا بِهامٌ وبَهْمٌ أَيضًا؛ وأَنشد الأَصمعي:

لَوْ أَنَّني كنتُ، مِنْ عادٍ ومِن إِرَمٍ، ***غَذِيَّ بَهْمٍ ولُقْمانًا وَذَا جَدَنِ

لأَنَّ الغَذِيَّ السَّخلة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ لأَن الغَذِيَّ السَّخْلة وَهَم، قَالَ: وإِنما غَذِيُّ بَهْمٍ أَحدُ أَمْلاك حِمْير كَانَ يُغَذّى بلُحوم البَهْم، قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ سَلْمَى بْنِ رَبِيعَةَ الضَّبِّيِّ:

أَهلَك طَسْمًا، وبَعْدَهم ***غَذِيَّ بَهْمٍ وَذَا جَدَنِ

قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنه عَطَفَ لُقْمانًا عَلَى غَذِيَّ بَهْمٍ، وَكَذَلِكَ فِي بَيْتِ سَلْمَى الضَّبِّيِّ، قَالَ: وَالْبَيْتُ الَّذِي أَنشده الأَصمعي لأَفْنون التَّغْلَبِيِّ؛ وَبَعْدَهُ:

لَمَا وَفَوْا بأَخِيهم مِنْ مُهَوّلةٍ ***أَخا السُّكون، وَلَا جَارُوا عَنِ السَّنَنِ

وَقَدْ جَعل لَبيد أَولادَ الْبَقَرِ بِهامًا بِقَوْلِهِ:

والعِينُ ساكنةٌ عَلَى أَطلائِها ***عُوذًا، تأَجَّل بالفَضاء بِهامُها

وَيُقَالُ: هُم يُبَهِّمُون البَهْمَ تَبْهِيمًا إِذا أَفرَدُوه عَنْ أُمَّهاته فَرَعَوْه وحْدَه.

الأَخفش: البُهْمَى لَا تُصْرَف.

وكلُّ ذِي أَربع مِنْ دوابِّ الْبَحْرِ وَالْبَرِّ يسمَّى بَهِيمة.

وَفِي حَدِيثِ الإِيمان والقَدَر: «وَتَرَى الحُفاةَ العُراة رِعاءَ الإِبل والبَهْم يَتطاوَلون فِي البُنْيان»؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَراد بِرِعاءِ الإِبِل والبَهْم الأَعْرابَ وأَصحابَ البَوادي الَّذِينَ يَنْتَجِعون مواقعَ الغَيْث وَلَا تَسْتَقِرُّ بِهِمُ الدَّارُ، يَعْنِي أَن الْبِلَادَ تفتَح" فَيَسْكُنُونَهَا ويَتطاوَلون فِي البُنْيان، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: رُعاة الإِبل البُهُم، "بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْهَاءِ، عَلَى نَعْتِ الرُّعاة وَهُمُ السُّودُ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: البُهُم، بِالضَّمِّ، جَمْعُ البَهِيم وَهُوَ الْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُعْرَف.

وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ: «أَنَّ بَهْمَةً مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يصلِّي، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: أَنه قَالَ لِلرَّاعِي مَا ولَّدت؟ قَالَ: بَهْمة، قَالَ: اذْبَحْ مكانَها شَاةً»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن البَهْمة اسْمٌ للأُنثى لأَنه إِنَّمَا سَأَلَهُ ليعلَم أذَكَرًا ولَّد أَمْ أُنْثى، وإلَّا فَقَدْ كَانَ يَعْلم أَنه إِنَّمَا ولَّد أَحدَهما.

والمُبْهَم والأَبْهَمُ: المُصْمَت؛ قَالَ: " فَهَزَمتْ ظَهْر السِّلامِ الأَبْهَم "أَي الَّذِي لَا صَدْع فِيهِ؛ وأَما قَوْلُهُ: " لكافرٍ تاهَ ضَلالًا أَبْهَمُه "فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَبْهَمُه قلبُه، قَالَ: وأَراه أَراد أَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ مُصْمَت لَا يَتَخَلَّله وعْظ وَلَا إنْذار.

والبُهْمةُ، بِالضَّمِّ الشُّجَاعُ، وَقِيلَ: هُوَ الْفَارِسُ الَّذِي لَا يُدْرَى مِنْ أَين يُؤتى لَهُ مِنْ شدَّة بأْسِه، وَالْجَمْعُ بُهَم؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: لَا يَدْرِي مُقاتِله مِنْ أَين يَدخل عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُمْ جَمَاعَةُ الفُرْسان، وَيُقَالُ لِلْجَيْشِ بُهْمةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ فارِس بُهْمةٍ وليثُ غابةٍ؛ قَالَ مُتَمِّم بْنُ نُوَيْرة:

وللِشرْب فابْكِي مالِكًا، ولِبُهْمةٍ ***شديدٍ نَواحِيها عَلَى مَن تَشَجَّعا

وهُم الكُماة، قِيلَ لَهُمْ بُهْمةٌ لأَنه لَا يُهْتَدى لِقِتالهم؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: البُهْمةُ السوادُ أَيضًا، وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: رَجُلٌ بُهْمَةٌ إِذا كَانَ لَا يُثْنَى عَنْ شَيْءٍ أَراده؛ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: البُهْمةُ فِي الأَصل مَصْدَرٌ وُصف بِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هُوَ فارسُ بُهْمةٍ كَمَا قَالَ تعالى: {وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فَجَاءَ عَلَى الأَصل ثُمَّ وَصَفَ بِهِ فَقِيلَ رَجُلٌ عَدْل، وَلَا فِعْل لَهُ، وَلَا يُوصف النساءُ بالبُهْمةِ.

والبَهِيمُ: مَا كَانَ لَونًا وَاحِدًا لَا يُخالِطه غَيْرُهُ سَوادًا كَانَ أَو بَيَاضًا، وَيُقَالُ للَّيالي الثَّلَاثِ الَّتِي لَا يَطْلُع فِيهَا الْقَمَرُ بُهَمٌ، وَهِيَ جَمْعُ بُهْمةٍ.

والمُبْهَم مِنَ المُحرَّمات: مَا لَا يحلُّ بوجْهٍ وَلَا سَبَبٍ كَتَحْرِيمِ الأُمِّ والأُخْت وَمَا أَشبَهه.

وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}، وَلَمْ يُبَيّن أَدَخَل بِهَا الإِبنُ أَمْ لَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبْهِموا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ "؛ قَالَ الأَزهري: رأَيت كَثِيرًا مِنْ أَهل الْعِلْمِ يذهَبون بِهَذَا إِلى إِبهام الأَمر واستِبهامِه، وَهُوَ إشْكالُه وَهُوَ غلَطٌ.

قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ ذَوي الْمَعْرِفَةِ لَا يميِّزون بَيْنَ المُبْهَم وَغَيْرِ المُبْهَم تَمْيِيزًا مُقْنِعًا، قَالَ: وأَنا أُبيّنه بعَوْن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ}، هَذَا كُلُّهُ يُسمَّى التحريمَ المُبْهَم لأَنه لَا يحلُّ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَا سَبَبٍ مِنَ الأَسباب، كالبَهِيم مِنْ أَلوان الْخَيْلِ الَّذِي لَا شِيَةَ فِيهِ تُخالِف مُعْظم لونِه، قَالَ: ولمَّا" سئل ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَلَمْ يُبيِّن اللَّهُ الدُّخولَ بهنَّ أَجاب فَقَالَ: هَذَا مِنْ مُبْهَم التَّحْرِيمِ الَّذِي لَا وَجْهَ فِيهِ غَيْرُ التَّحْرِيمِ، سَوَاءٌ دَخَلْتم بِالنِّسَاءِ أَو لَمْ تَدْخُلوا بِهِنَّ، فأُمَّهات نِسائكم حُرِّمْنَ عَلَيْكُمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وأَما قَوْلُهُ: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فالرَّبائبُ هاهنا لسْنَ مِنَ المُبْهمات لأَنَّ لهنَّ وَجْهَيْنِ مُبيَّنَين أُحْلِلْن فِي أَحدِهما "وحُرِّمْن فِي الْآخَرِ، فَإِذَا دُخِل بأُمَّهات الرَّبائب حَرُمت الرَّبائبُ، وإِن لَمْ يُدخل بأُمَّهات الرَّبَائِبِ لَمْ يَحْرُمن، فَهَذَا تفسيرُ المُبْهَم الَّذِي أَراد ابنُ عَبَّاسٍ، فَافْهَمْهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنَ الأَزهري إِنَّمَا هُوَ للرَّبائب والأُمَّهات لَا للحَلائل، وَهُوَ فِي أَول الْحَدِيثِ إِنَّمَا جَعل سُؤَالَ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ الحَلائل لَا عَنِ الرَّبَائِبِ.

ولَونٌ بَهِيمٌ: لَا يُخالطه غيرُه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فِي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ»؛ وَقِيلَ: البَهِيمُ الأَسودُ.

والبَهِيمُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي لَا شِيةَ فِيهِ، الذكَر والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْجَمْعُ بُهُم مِثْلُ رغِيفٍ ورُغُف.

وَيُقَالُ: هَذَا فَرَسٌ جَوَادٌ وبَهِيمٌ وَهَذِهِ فُرْسٌ جَوَادٌ وبَهِيمٌ، بِغَيْرِ هاء، وَهُوَ الَّذِي لَا يُخالط لونَه شَيْءٌ سِوى مُعْظَم لونِه.

الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذَا فَرَسٌ بَهِيمٌ أَي مُصْمَتٌ.

وَفِي حديث" عياش ابن أَبي رَبِيعَةَ: والأَسود البَهيمُ كأَنه مِنْ ساسَمٍ كأَنه المُصْمَتُ.

الَّذِي لَا يُخالِطُ لونَه لَوْنٌ غيرُه.

والبَهيمُ مِنَ النِّعاج: السَّوْداءُ الَّتِي لَا بَيَاضَ فِيهَا، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ بُهْمٌ وبُهُمٌ فأَما قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «يُحْشَر الناسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا بُهْمًا»أَي لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، وَيُقَالُ: أَصِحَّاءَ؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو البُهْمُ وَاحِدُهَا بَهيم وَهُوَ الَّذِي لَا يخالِط لَونَه لونٌ سِواه مِنْ سَوادٍ كَانَ أَو غَيْرُهُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنه أَراد بِقَوْلِهِ بُهْمًا يقولُ: لَيْسَ فِيهِمْ شيءٌ مِنَ الأَعراض وَالْعَاهَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا مِنَ العَمى والعَوَر والعَرَج والجُذام والبَرَص وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنوف الأَمراض والبَلاءِ، وَلَكِنَّهَا أَجسادٌ مُبْهَمَة مُصَحَّحَة لِخُلود الأَبد، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِخُلود الأَبَدِ فِي الْجَنَّةِ أَو النَّارِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير فِي النِّهَايَةِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: الَّذِي ذَكَرَهُ الأَزهري وَغَيْرُهُ أَجْسادٌ مُصَحَّحة لخُلود الأَبد، وَقَوْلُ ابْنِ الأَثير فِي الْجَنَّةِ أَو فِي النَّارِ فِيهِ نَظَر، وَذَلِكَ أَن الْخُلُودَ فِي الْجَنَّةِ إِنَّمَا هُوَ للنَّعيم المحْضِ، فصحَّة أَجْسادِهم مِنْ أَجل التَّنَعُّم، وأَما الْخُلُودُ فِي النَّارِ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْعَذَابِ والتأسُّف والحَسرة، وزيادةُ عذابِهم بِعَاهَاتِ الأَجسام أَتمُّ فِي عُقوبتهم، نسأَل اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ ذَلِكَ بِكَرَمِهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُوي فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ: «قِيلَ وَمَا البُهْم؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ مِنْ أَعراض الدُّنْيَا وَلَا مِنْ متاعِها»، قَالَ: وَهَذَا يُخَالِفُ الأَول مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.

وصَوْتٌ بَهِيم: لَا تَرْجيع فِيهِ.

والإِبْهامُ مِنَ الأَصابع: العُظْمى، مَعْرُوفَةٌ مُؤَنَّثَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ تَكُونُ فِي اليَدِ والقدَم، وَحَكَى اللِّحْيَانِي أَنها تذكَّر وتؤنَّثُ؛ قَالَ:

إِذا رأَوْني، أَطال اللَّهُ غَيْظَهُمُ، ***عَضُّوا مِنَ الغَيظِ أَطرافَ الأَباهيمِ

وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

فَقَدْ شَهدَت قَيْسٌ فَمَا كَانَ نَصْرُها ***قُتَيبةَ، إِلَّا عَضَّها بالأَباهِمِ

فإِنما أَراد الأَباهِيم غَيْرَ أَنه حُذِفَ لأَنَّ القصِيدةَ لَيْسَتْ مُرْدَفَة، وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ.

قَالَ الأَزهري: وَقِيلَ للإِصْبَع إِبْهامٌ لأَنها تُبْهِم الْكَفَّ أَي تُطْبِقُ عَلَيْهَا.

قَالَ: وبَهِيم هِيَ الإِبْهام للإِصبع، قَالَ: وَلَا يُقَالُ البِهامُ.

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الإِبْهام الإِصْبَع الكُبْرى الَّتِي تَلِي المُسَبِّحةَ، وَالْجَمْعُ الأَباهِيم، وَلَهَا مَفْصِلان.

الْجَوْهَرِيُّ: وبُهْمى نَبْت، وَفِي الْمُحْكَمِ: والبُهْمى نَبْت؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ خَيْرُ أَحْرار البُقُولِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَهِيَ تَنْبُت أَوَّل شَيْءٍ بارِضًا، وَحِينَ تُخْرِجُ مِنَ الأَرض تَنْبت كَمَا يَنْبُت الحَبُّ، ثُمَّ يبلُغبِهَا النَّبْت إِلى أَن تَصِيرَ مِثْلَ الحَبّ، وَيَخْرُجُ لَهَا إِذا يَبِسَتْ شَوْك مِثْلَ شَوْكِ السُّنْبُل، وإِذا وَقَع فِي أُنوف الغَنَم والإِبل أَنِفَت عَنْهُ حَتَّى يَنْزِعه الناسُ مِنْ أَفواهها وأُنوفِها، فإِذا عَظُمَت البُهْمى ويَبِسَتْ كَانَتْ كَلأً يَرْعاه النَّاسُ حَتَّى يُصِيبه المطَر مِنْ عامٍ مُقْبِل، ويَنْبت مِنْ تحتِه حبُّه الَّذِي سقَط مِنْ سُنْبُله؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: البُهْمى نَبْت تَجِد بِهِ الغنَم وَجْدًا شَدِيدًا مَا دَامَ أَخضر، فإِذا يَبِس هَرّ شَوْكُه وامتَنَع، وَيَقُولُونَ لِلْوَاحِدِ بُهْمى، وَالْجَمْعُ بُهْمى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: البُهْمى تَكُونُ وَاحِدَةً وَجَمْعًا وأَلفها لِلتَّأْنِيثِ؛ وَقَالَ قومٌ: أَلفها للإِلْحاق، وَالْوَاحِدَةُ بُهْماةٌ؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هَذَا لَا يُعَرَفُ وَلَا تَكُونُ أَلف فُعْلى، بِالضَّمِّ، لِغَيْرِ التَّأْنِيثِ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

رَعَتْ بارِضَ البُهْمى جَمِيمًا وبُسْرةً، ***وصَمْعاءَ حَتَّى آنَفَتْها نِصالُها

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: البُهْمى عُقْر الدارِ وعُقارُ الدارِ؛ يُريدون أَنه مِنْ خِيار المَرْتَع فِي جَناب الدَّار؛ وَقَالَ بَعْضُ الرُّواة: البُهْمى ترتفِع نَحْوَ الشِّبْر ونَباتُها أَلْطَف مِنْ نَبات البُرِّ، وَهِيَ أَنْجَعُ المَرْعَى فِي الحافرِ مَا لَمْ تُسْفِ، واحدتُها بُهْماة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قولُ أَهل اللُّغَةِ، وَعِنْدِي أَنّ مَن قَالَ بُهماةٌ فالأَلف مُلْحِقة لَهُ بِجُخْدَب، فإِذا نَزَعَ الْهَاءَ أَحال اعْتِقاده الأَول عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ الأَلف لِلتَّأْنِيثِ فِيمَا بَعْدُ فَيَجْعَلُهَا للإِلْحاق مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَيَجْعَلُهَا لِلتَّأْنِيثِ إِذا فَقَدَ الْهَاءَ.

وأَبْهَمَتِ الأَرض، فَهِيَ مبْهِمة: أَنْبَتَت البُهْمَى وكثُر بُهْماها، قَالَ: كَذَلِكَ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ وَهَذَا عَلَى النَّسَبِ.

وبَهَّم فُلَانٌ بِمَوْضِعِ كَذَا إِذا أَقام بِهِ وَلَمْ يَبْرَحْهُ.

وَالْبَهَائِمُ: اسْمُ أَرض، وَفِي التَّهْذِيبِ: البَهائم أَجْبُل بالحِمَى عَلَى لَون وَاحِدٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:

بَكَى خَشْرَمٌ لمَّا رأَى ذَا مَعارِكٍ ***أَتى دُونَهُ، والهَضْبَ هَضْبَ البَهائِم

والأَسماءُ المُبْهَمة عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ: أَسماء الإِشارات نَحْوُ قَوْلِكَ هَذَا وَهَؤُلَاءِ وَذَاكَ وأُولئك، قَالَ الأَزهري: الحُروف المُبْهَمة الَّتِي لَا اشتقاقَ لَهَا وَلَا يُعْرف لَهَا أُصول مِثْلَ الَّذِي وَالَّذِينَ وَمَا ومَن وَعَنْ.

وَمَا أَشبهها، والله أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


53-لسان العرب (دمم)

دمم: دَمَّ الشيءَ يَدُمُّه دَمًّا: طَلَاهُ.

والدَّمُّ والدِّمامُ مَا دُمَّ بِهِ.

ودُمَّ الشيءُ إِذا طُليَ.

والدِّمامُ، بِالْكَسْرِ: دَوَاءٌ تُطْلى بِهِ جبهةُ الصَّبِيِّ وظاهرُ عَيْنَيْهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ طُليَ بِهِ فَهُوَ دِمامٌ؛ وَقَالَ يَصِفُ سَهْمًا:

وخَلَّقْتُهُ، حَتَّى إِذا تَمَّ واسْتَوَى، ***كمُخَّةِ ساقٍ أَو كمتْنِ إِمامِ،

قَرَنْتُ بحِقْوَيْهِ ثَلَاثًا، فَلَمْ يَزِغْ ***عَنِ القَصْدِ، حَتَّى بُصِّرَتْ بدِمامِ

يَعْنِي بالدِّمامِ الغِراءَ الَّذِي يُلَزَقُ بِهِ ريشُ السَّهْمِ، وعَنى بِالثَّلَاثِ الرِّيشَاتِ الثَّلَاثَ الَّتِي تُرَكَّبُ عَلَى السَّهْمِ، وَيَعْنِي بالحِقْو مُسْتَدَقَّ السَّهْمِ مِمَّا يَلِي الرِّيشَ، وبُصِّرَتْ: يَعْنِي رِيشَ السَّهْمِ طُلِيَتْ بالبَصِيرةِ، وَهِيَ الدَّمُ.

والدِّمامُ: الطِّلاءُ بِحُمْرَةٍ أَو غَيْرِهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الأَول وخَلَّقته: مَلَّسْته، والإِمامُ الْخَيْطُ الَّذِي يُمَدُّ عَلَيْهِ البناءُ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاح فِي الدِّمامِ الطِّلاءِ أَيضًا:

كُلُّ مَشْكُوكٍ عَصافِيره، ***قَانِئُ اللَّوْنِ حَديث الدِّمام

وَقَالَ آخَرُ:

مِنْ كُلِّ حَنْكَلةٍ، كأَنَّ جَبِينها ***كَبِدٌ تَهَيَّأَ للبِرامِ دِماما

وَفِي كَلَامُ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وتَطْلي المُعْتَدَّةُ وَجْهَهَا بالدِّمامِ وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا.

والدِّمامُ: الطِّلَاءُ؛ وَمِنْهُ دَمَمْتُ الثوبَ إِذا طَلَيْتَهُ بالصِّبْغِ.

ودَمَّ النبتَ: طَيَّنَهُ.

ودَمَّ الشيءَ يَدُمُّهُ دَمًّا: طَلَاهُ وجَصَّصَهُ.

الْجَوْهَرِيُّ: دَمَمْتُ الشيءَ أَدُمُّهُ، بالضم، كذا طَلَيْتَهُ بأَيّ صِبْغٍ كَانَ.

والمَدْمُومُ: الأَحمر.

وقِدْرٌ دَمِيمٌ ومَدْمومةٌ ودمِيمةٌ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: مَطْلِيَّةٌ بالطِّحالِ أَو الكَبدِ أَو الدَّمِ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: دَمَمْتُ القِدْرَ أَدُمُّها دَمًّا إِذا طَلَيْتَهَا بِالدَّمِ أَو بالطِّحال بَعْدَ الجَبْرِ، وَقَدْ دُمَّت الْقِدْرُ دَمًّا أَي طُيِّنت وجُصِّصَتْ.

ابْنُ الأَعرابي: الدَّم نَبَاتٌ، والدُّمُّ القُدور المَطْلِيَّةُ، والدُّمُّ الْقَرَابَةُ، والدِّمَمُ الَّتِي تُسَد بِهَا خَصاصاتُ البِرامِ مِنْ دَمٍ أَو لِبَإٍ.

ودَمَّ العينَ الوَجِعةَ يَدُمُّها دَمًّا ودَمَّمها، الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: طَلَى ظَاهِرَهَا بدمامٍ.

ودَمَّتِ المرأَة مَا حَوْلَ عَيْنِهَا تَدُمُّهُ دَمًّا إِذا طَلَتْه بِصَبْرٍ أَو زَعْفران.

التَّهْذِيبُ: الدَّمُّ الْفِعْلُ مِنَ الدِّمامِ، وَهُوَ كُلُّ دَوَاءٍ يُلْطَخُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَيْنِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَجْلُو، بقادِمَتَيْ حَمامَةِ أَيْكَةٍ، ***بَرَدًا تُعَلُّ لِثاتُهُ بدِمامِ

يعني النَّؤُور وَقَدْ طُلِيَتْ بِهِ حَتَّى رَشَّحَ.

والمَدْمُومُ: الْمُمْتَلِئُ شَحْمًا مِنَ الْبَعِيرِ وَنَحْوِهِ.

وَقَدْ دُمَّ بالشَّحم أَي أُوقِرَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للأَخضر بْنِ هُبَيْرَةَ: " حَتَّى إِذا دُمَّتْ بِنِيٍّ مُرْتَكِمْ "والمدْموم: الْمُتَنَاهِي السِّمَنِ الْمُمْتَلِئُ شَحْمًا كأَنه طُلِيَ بِالشَّحْمِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الْحِمَارَ:

حَتَّى انْجَلى البَرْدُ عَنْهُ، وَهُوَ مُحْتَفِرٌ ***عَرْضَ اللِّوَى زَلِقُ المَتْنَيْنِ مَدْمُومُ

ودُمَّ وجهُهُ حُسْنًا: كأَنه طُليَ بِذَلِكَ، يَكُونُ ذَلِكَ فِي المرأَة وَالرَّجُلِ وَالْحِمَارِ والثَّوْرِ وَالشَّاةِ وَسَائِرِ الدوابِّ، وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ السَّمِينِ: كأَنَّما دُمَّ بِالشَّحْمِ دَمًّا، وَقَالَ عَلْقَمَةُ: كأَنه مِنْ دَمِ الأَجْواف مَدْمُومُ "ودُمَّ الْبَعِيرُ دَمًّا إِذا كَثُرَ شَحْمُهُ وَلَحْمُهُ حَتَّى لَا يَجِدَ اللامِسُ مَسَّ حَجْم عَظْمٍ فِيهِ، ودَمَّ السَّفِينَةَ يَدُمُّها دَمًّا: طَلَاهَا بِالْقَارِ.

ودَمَّ الصَّدْعَ بِالدَّمِ وَالشَّعْرِ المُحْرَقِ يَدُمُّه دَمًّا ودَمَّمَهُ بِهِمَا، كِلَاهُمَا: جُمِعا ثُمَّ طُلِيَ بِهِمَا عَلَى الصَّدْعِ.

والدِّمَّةُ: مَرْبِضُ الْغَنَمِ كأَنه دُمَّ بِالْبَوْلِ وَالْبَعْرِ أَي طُليَ بِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" إِبراهيم النَّخَعِيِّ: لَا بأْس بِالصَّلَاةِ فِي دِمَّةِ الْغَنَمِ "؛ قَالَ بَعْضُهُمْ؛ أَراد فِي دِمْنَةِ الْغَنَمِ، فَحَذَفَ النُّونَ وَشَدَّدَ الْمِيمَ، وَفِي النِّهَايَةِ: فَقَلَبَ النُّونَ مِيمًا لِوُقُوعِهَا بَعْدَ الْمِيمِ ثُمَّ أَدغم، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ الفَزاريّ يُحَدِّثه، وإِنما هُوَ فِي الْكَلَامِ الدِّمْنَةُ بِالنُّونِ، وَقِيلَ: دِمَّةُ الْغَنَمِ مَربضُها كأَنه دُمَّ بِالْبَوْلِ وَالْبَعْرِ أَي أُلْبِسَ وطُليَ.

ودَمَّ الأَرضَ يَدُمُّها دَمًّا: سَوَّاهَا.

والمِدَمَّةُ: خَشَبَةٌ ذَاتُ أَسنان تُدَمُّ بِهَا الأَرضُ بَعْدَ الكِرابِ.

وَيُقَالُ لليَرْبُوعِ إِذا سَدَّ فا جُحْرِهِ بنَبِثته: قَدْ دَمَّه يَدُمُّه دَمًّا، وَاسْمُ الجُحْرِ الدَّامَّاء، مَمْدُودٌ، والدُّمَّاءُ والدُّمَّةُ والدُّمَمَةُ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَيُقَالُ الدُّمَماءُ والقُصَعاء فِي جُحْر اليَرْبوع.

الْجَوْهَرِيُّ: والدَّامَّاء إِحدى جِحَرَةِ اليَرْبوع مِثْلُ الرَّاهِطاء؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَسماء جِحَرَة الْيَرْبُوعِ سَبْعَةٌ: القاصِعاءُ والنافِقاءُ والراهِطاءُ والدَّامَّاءُ والعانِقاءُ والحاثِياءُ واللُّغَزُ، وَالْجَمْعُ دَوامُّ عَلَى فَواعِل، وَكَذَلِكَ الدُّمَّةُ والدُّمَمَةُ أَيضًا عَلَى وَزْنِ الحُمَمَةِ.

ودَمَّ اليربوعُ جُحْرَهُ أَي كَنَسَهُ؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمْ أَسمع أَحدًا يُثَقِّلُ الدَّمَ؛ وَيُقَالُ مِنْهُ: قَدْ دَمِيَ الرجلُ أَو أُدْمِيَ.

ابْنُ سِيدَهْ: ودَمَّ اليَرْبوعُ الجُحْر يَدُمُّهُ دَمًّا غطَّاه وسوَّاه.

والدُّمَمَةُ والدّامَّاءُ: تُرَابٌ يَجْمَعُهُ الْيَرْبُوعُ ويُخْرِجُهُ مِنَ الجُحْر فَيَدُمُّ بِهِ بَابَهُ أَي يُسَوِّيهِ، وَقِيلَ هُوَ تُرَابٌ يَدُمُّ بِهِ بَعْضَ جِحَرَتهِ كَمَا تُدَمُّ العينُ بالدِّمامِ أَي تُطْلى.

ودَمَّ يَدُمُّ دَمًّا: أَسرع.

والدِّمّةُ: القَمْلَةُ الصَّغِيرَةُ أَو النَّمْلةُ.

والدِّمَّةُ: الرَّجُلُ الْحَقِيرُ الْقَصِيرُ، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ.

وَرَجُلٌ دَمِيمٌ: قَبِيحٌ، وَقِيلَ: حَقِيرٌ، وَقَوْمٌ دِمامٌ، والأُنثى دَمِيمةٌ، وَجَمْعُهَا دَمائِمُ ودِمامٌ أَيضًا.

وَمَا كَانَ دَمِيمًا وَلَقَدْ دَمَّ وَهُوَ يَدِمُّ دَمامةً، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: دَمَمْتَ بَعْدِي تَدُمُّ دَمامَةً، قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الدَّمِيمُ، بِالدَّالِ، فِي قَدِّه، والذَّمِيمُ فِي أَخلاقه؛ وَقَوْلُهُ:

كضَرائرِ الحَسْناءِ قُلْنَ لِوجهِها، ***حَسَدًا وبَغْيًا: إِنَّه لدَمِيمُ

إِنما يَعْنِي بِهِ الْقَبِيحَ، وَرَوَاهُ ثَعْلَبٌ لذَميم، بِالذَّالِ، مِنَ الذَّمِّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْمَدْحِ، فرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

وَقَدْ دَمَمْتَ تَدِمُّ وتَدُمُّ ودَمِمْتَ ودُمِمْتَ دَمامة، فِي كُلِّ ذَلِكَ: أَسأْتَ.

وأَدْمَمْتَ أَي أَقْبَحْت الفعْلَ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ أَساء فُلَانٌ وأَدَمَّ أَي أَقبح، وَالْفِعْلُ اللَّازِمُ دَمَّ يَدِمُّ.

وَالدَّمِيمُ: الْقَبِيحُ.

وَقَدْ قِيلَ: دَمَمْتَ يَا فُلَانُ تَدُمُّ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْمُضَاعَفِ مِثْلُهُ.

الْجَوْهَرِيُّ: دَمَمْتَ يَا فُلَانُ تَدِمُّ وتَدُمُّ دَمامة أَي صِرْت دَميمًا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

وإِني، عَلَى مَا تَزْدَري مِنْ دَمَامَتي، ***إِذا قيسَ ذَرعي بالرِّجال أَطُولُ

قَالَ: وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّي دَمِيمٌ مَنْ دَمُمْتَ عَلَى فَعُلْتَ مِثْلُ لَبُبْتَ فأَنت لَبِيبٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ بأُسامة دَمامَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَحْسَنَ بِنَا إِذ لَمْ يَكُنْ جارِيةً»؛ الدَّمامةُ، بِالْفَتْحِ: القِصَرُ والقُبْحُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" المُتْعَةِ: هُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمامةِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «لَا يُزَوِّجَنَّ أَحدُكم ابْنَتَهُ بدَميم».

ودَمَّ رأْسَه يَدُمُّهُ دَمًّا: ضَرَبَهُ فَشَدَخه وشَجَّهُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ أَن تَضْرِبَهُ فتَشْدَخَهُ أَو لَا تَشْدَخهُ.

ودَمَمْتُ ظَهْرَهُ بآجُرَّةٍ أَدُمُّهُ دَمًّا: ضَرَبته.

ودمَّ الرَّجُلُ فُلَانًا إِذا عَذَّبه عَذَابًا تَامًّا، ودَمْدَمَ إِذا عَذَّبَ عَذَابًا تَامًّا.

والدَّيْمومةُ: الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ بِهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِذِي الرُّمَّةِ: " إِذا التَخَّ الدَّياميمُ والدَّيْمُومُ والدَّيْمومةُ: الْفَلَاةُ الْوَاسِعَةُ.

ودَمْدَمْتُ الشَّيْءَ إِذا أَلْزَقْتَهُ بالأَرض وطحْطحْته.

ودَمَّهُمْ يَدُمُّهُمْ دَمًّا: طَحَنَهُمْ فأَهلكهم، وَكَذَلِكَ دَمْدَمَهُمْ ودَمْدَمَ عَلَيْهِمْ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ}؛ أَي أَهلكهم، قَالَ: دَمْدَمَ أَرْجَفَ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: دَمْدَمَ أَي غَضِب.

وتَدَمْدَمَ الجرحُ: برأَ؛ قَالَ نُصَيْبٌ:

وإِن هَواها فِي فُؤَادِي لقُرْحَةٌ ***دَوىً، مُنذُ كَانَتْ، قَدْ أَبَتْ مَا تَدَمدَمُ

الدَّمْدَمَةُ: الغَضَب.

ودَمْدَمَ عَلَيْهِ: كَلَّمَه مُغْضَبًا؛ قَالَ: وَتَكُونُ الدَّمْدَمَةُ الْكَلَامَ الَّذِي يُزْعج الرجلَ، إِلَّا أَن أَكثر الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا فِي دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ أَي أَرْجَفَ الأَرضَ بِهِمْ؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَى دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ أَي أَطبق عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ.

يُقَالُ: دَمَمْتُ عَلَى الشَّيْءِ.

أَي أَطبقت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ دَمَمْت عَلَيْهِ الْقَبْرَ وَمَا أَشبهه.

وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ يُدْفَنُ: قَدْ دَمْدَمْتُ عَلَيْهِ أَي سوَّيت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: نَاقَةٌ مَدْمُومة أَي قَدْ أُلبِسَها الشحمُ، فَإِذَا كرّرتَ الإِطْباقَ قُلْتَ دَمْدَمْتُ عَلَيْهِ.

والدَّمْدامَةُ: عُشْبة لَهَا وَرَقَةٌ خَضْرَاءُ مُدَوّرة صَغِيرَةٌ، وَلَهَا عِرْق وأَصل مِثْلُ الجَزَرة أَبيض شَدِيدُ الْحَلَاوَةِ يأْكله النَّاسُ، وَيَرْتَفِعُ مِنْ وَسَطِهَا قَصَبة قَدْرُ الشِّبْرِ، فِي رأْسها بُرْعُومةٌ مِثْلُ بُرْعومة الْبَصَلِ فِيهَا حَبٌّ، وَجَمْعُهَا دَمْدامٌ؛ حَكَى ذَلِكَ أَبو حَنِيفَةَ.

والدُّمادِمُ: شَيْءٌ يُشْبِهُ القَطِرانَ يَسِيلُ مِنَ السَّلَمِ والسَّمُرِ أَحمرُ، الْوَاحِدُ دُمَدِمٌ، وَهُوَ حَيْضَةُ أُمِّ أَسْلَمَ يَعْنِي شجرَةً.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الدِّمْدِمُ أُصول الصِّلِّيانِ المُحِيل فِي لُغَةِ بَنِي أَسَد، وَهُوَ فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ الدِّنْدِنُ.

شِمْرٌ: أُمُّ الدَّيْدَمِ هِيَ الظَّبْيَةُ؛ وأَنشد: " غَرَّاء بَيْضاء كأُمِّ الدَّيْدَمِ "والدُّمَّةُ: لُعْبَةٌ.

والدُّمَّةُ: الطَّرِيقَةُ.

والدِّمَّةُ، بِالْكَسْرِ: الْبَعْرَةُ.

والدُّمادِم مِنَ الأَرض: روابٍ سهلةٌ.

والمُدَمَّمُ: الْمَطْوِيُّ مِنَ الكِرارِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَرَبَّعُ بالفَأْوَيْنِ ثُمَّ مَصِيرُها ***إِلى كلِّ كَرّ، مِنْ لَصاف، مُدَمَّمِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


54-لسان العرب (ظلم)

ظلم: الظُّلْمُ: وَضْع الشَّيْءِ فِي غَيْرِ موضِعه.

وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ فِي الشَّبه: مَنْ أَشْبَهَ أَباه فَمَا ظَلَم؛ قَالَ الأَصمعي: مَا ظَلَم أَيْ مَا وَضَعَ الشَّبَه فِي غَيْرِ مَوْضعه وَفِي الْمَثَلِ: مَنِ اسْترْعَى الذِّئْبَ فَقَدْ ظلمَ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْلٍ: « لَزِموا الطَّرِيق فَلَمْ يَظْلِمُوه »أَيْ لَمْ يَعْدِلوا عَنْهُ؛ يُقَالُ: أَخَذَ فِي طريقٍ فَمَا ظَلَم يَمِينًا وَلَا شِمالًا؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ أُمِّ سَلمَة: إِنَّ أَبَا بكرٍ وعُمَرَ ثَكَما الأَمْر فَمَا ظَلَماه "أَيْ لَمْ يَعْدِلا عَنْهُ؛ وَأَصْلُ الظُّلم الجَوْرُ ومُجاوَزَة الحدِّ، وَمِنْهُ حَدِيثُ الوُضُوء: " فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وظَلَمَ أَيْ أَساءَ الأَدبَ بتَرْكِه السُّنَّةَ والتَّأَدُّبَ بأَدَبِ الشَّرْعِ، وظَلمَ نفْسه بِمَا نَقَصَها مِنَ الثَّوَابِ بتَرْدادِ المَرّات فِي الوُضوء.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ}؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وجماعةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: لَمْ يَخْلِطوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ، ورُوِي ذَلِكَ عَنْ حُذَيْفة وابنِ مَسْعود وسَلمانَ، وتأَوّلوا فِيهِ قولَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.

والظُّلْم: المَيْلُ عَنِ القَصد، وَالْعَرَبُ تَقُول: الْزَمْ هَذَا الصَّوْبَ وَلَا تَظْلِمْ عَنْهُ أَيْ لَا تَجُرْ عَنْهُ.

وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ "؛ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ المُحْيي المُمِيتُ الرزّاقُ المُنْعِم وَحْده لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِذَا أُشْرِك بِهِ غَيْرُهُ فَذَلِكَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ، لأَنه جَعل النعمةَ لِغَيْرِ ربِّها.

يُقَالُ: ظَلَمَه يَظْلِمُهُ ظَلْمًا وظُلْمًا ومَظْلِمةً، فالظَّلْمُ مَصْدرٌ حقيقيٌّ، والظُّلمُ الاسمُ يَقُومُ مَقام الْمَصْدَرِ، وَهُوَ ظالمٌ وظَلوم؛ قَالَ ضَيْغَمٌ الأَسدِيُّ:

إِذَا هُوَ لمْ يَخَفْني فِي ابْنِ عَمِّي، ***وإنْ لَمْ أَلْقَهُ الرجُلُ الظَّلُومُ

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ}؛ أرادَ لَا يَظْلِمُهُم مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وعَدَّاه إِلَى مَفْعُولَيْنِ لأَنه فِي مَعْنَى يَسْلُبُهم، وَقَدْ يَكُونُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ أَيْ ظُلْمًا حَقِيرًا كمِثْقال الذَّرَّةِ؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَظَلَمُوا بِها}؛ أَيْ بِالْآيَاتِ الَّتِي جاءَتهم، وَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ لأَنه فِي مَعْنَى كَفَرُوا بِهَا، والظُّلمُ الاسمُ، وظَلَمه حقَّه وتَظَلَّمه إِيَّاهُ؛ قَالَ أَبُو زُبَيْد الطَّائِيُّ:

وأُعْطِيَ فَوْقَ النِّصْفِ ذُو الحَقِّ مِنْهمُ، ***وأَظْلِمُ بَعْضًا أَوْ جَمِيعًا مُؤَرِّبا

وَقَالَ:

تَظَلَّمَ مَالي هَكَذَا ولَوَى يَدِي، ***لَوَى يَدَه اللهُ الَّذِي هُوَ غالِبُهْ

وتَظَلَّم مِنْهُ: شَكا مِنْ ظُلْمِه.

وتَظَلَّم الرجلُ: أحالَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِه؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وَأَنْشَدَ:

كانَتْ إِذَا غَضِبَتْ عَلَيَّ تَظَلَّمَتْ، ***وَإِذَا طَلَبْتُ كَلامَها لَمْ تَقْبَلِ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قولُ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَلَا أَدْري كَيْفَ ذَلِكَ، إِنَّمَا التَّظَلُّمُ هَاهُنَا تَشَكِّي الظُّلْم مِنْهُ، لأَنها إِذَا غَضِبَت عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَنْسُبَ الظُّلْمَ إِلَى ذاتِها.

والمُتَظَلِّمُ: الَّذِي يَشْكو رَجُلًا ظَلَمَهُ.

والمُتَظَلِّمُ أَيْضًا: الظالِمُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: " نَقِرُّ ونَأْبَى نَخْوَةَ المُتَظَلِّمِ "أَيْ نَأْبَى كِبْرَ الظَّالِمِ.

وتَظَلَّمَني فلانٌ أَيْ ظَلَمَني مَالِي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الْجَعْدِيِّ:

وَمَا يَشْعُرُ الرُّمْحُ الأَصَمُّ كُعوبُه ***بثَرْوَةِ رَهْطِ الأَعْيَطِ المُتَظَلِّمِ

قَالَ: وَقَالَ رافِعُ بْنُ هُرَيْم، وَقِيلَ هُرَيْمُ بنُ رَافِعٍ، والأَول أَصح:

فهَلَّا غَيْرَ عَمِّكُمُ ظَلَمْتُمْ، ***إِذَا مَا كُنْتُمُ مُتَظَلِّمِينا

أَيْ ظالِمِينَ.

وَيُقَالُ: تَظَلَّمَ فُلانٌ إِلَى الْحَاكِمِ مِنْ فُلانٍ فظَلَّمَه تَظْليمًا أَيْ أَنْصَفَه مِنْ ظالِمه وأَعانَه عَلَيْهِ؛ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنَّهُ أَنشد عَنْهُ:

إِذَا نَفَحاتُ الجُودِ أَفْنَيْنَ مالَه، ***تَظَلَّمَ حَتَّى يُخْذَلَ المُتَظَلِّمُ

قَالَ: أَيْ أَغارَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَكْثُرَ مالُه.

قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: جَعَل التَّظلُّمَ ظُلْمًا لأَنه إِذَا أَغارَ عَلَى النَّاسِ فَقَدْ ظَلَمَهم؛ قَالَ: وأَنْشَدَنا لِجَابِرٍ الثَّعْلَبِيِّ:

وعَمْرُو بنُ هَمَّام صَقَعْنا جَبِينَه ***بِشَنْعاءَ تَنْهَى نَخْوةَ المُتَظَلِّمِ

قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: يُرِيدُ نَخْوةَ الظَّالِمِ.

والظَّلَمةُ: المانِعونَ أهْلَ الحُقوقِ حُقُوقَهم؛ يُقَالُ: مَا ظَلَمَك عَنْ كَذَا، أَيْ مَا مَنَعك، وَقِيلَ: الظَّلَمةُ فِي المُعامَلة.

قَالَ المُؤَرِّجُ: سَمِعْتُ أَعرابيًّا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَظْلَمي وأَظْلَمُكَ فَعَلَ اللهُ بِهِ أَي الأَظْلَمُ مِنَّا.

وَيُقَالُ: ظَلَمْتُه فتَظَلَّمَ أَيْ صبَر عَلَى الظُّلْم؛ قَالَ كُثَيّر:

مَسائِلُ إنْ تُوجَدْ لَدَيْكَ تَجُدْ بِها ***يَدَاكَ، وإنْ تُظْلَمْ بِهَا تَتَظلَّمِ

واظَّلَمَ وانْظَلَم: احْتَملَ الظُّلْمَ.

وظَلَّمه: أَنْبأَهُ أَنَّهُ ظالمٌ أَوْ نَسَبَهُ إِلَى الظُّلْم؛ قَالَ:

أَمْسَتْ تُظَلِّمُني، ولَسْتُ بِظالمٍ، ***وتُنْبِهُني نَبْهًا، ولَسْتُ بِنائمِ

والظُّلامةُ: مَا تُظْلَمُهُ، وَهِيَ المَظْلِمَةُ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَمَّا المَظْلِمةُ فَهِيَ اسْمَ مَا أُخِذَ مِنْكَ.

وأَردْتُ ظِلامَهُ ومُظالَمتَه أَيْ ظُلمه؛ قَالَ:

ولَوْ أَنِّي أَمُوتُ أَصابَ ذُلًّا، ***وسَامَتْه عَشِيرتُه الظِّلامَا

والظُّلامةُ والظَّلِيمةُ والمَظْلِمةُ: مَا تَطْلُبه عِنْدَ "الظَّالِمِ، وَهُوَ اسْمُ مَا أُخِذَ مِنْكَ.

التَّهْذِيبَ: الظُّلامةُ اسْمُ مَظْلِمتِك الَّتِي تَطْلُبها عِنْدَ الظَّالم؛ يُقَالُ: أَخَذَها مِنه ظُلامةً.

وَيُقَالُ: ظُلِم فُلانٌ فاظَّلَم، مَعْنَاهُ أَنَّهُ احْتَمل الظُّلْمَ بطيبِ نَفْسِه وَهُوَ قادرٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، وَهُوَ افْتِعَالٌ، وأَصله اظْتَلم فقُلِبت التاءُ طَاءً ثُمَّ أُدغِمَت الظَّاءُ فِيهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِمَالِكِ بْنِ حَريم:

مَتَى تَجْمَعِ القَلْبَ الذَّكيَّ وصارِمًا ***وأَنْفًا حَمِيًّا، تَجْتَنِبْك المَظَالِمُ

وتَظالَمَ القومُ: ظلَمَ بعضُهم بَعْضًا.

وَيُقَالُ: أَظْلَمُ مِنْ حَيَّةٍ لأَنها تأْتي الجُحْرَ لَمْ تَحْتَفِرْه فتسْكُنُه.

وَيَقُولُونَ: مَا ظَلَمَك أَنْ تَفْعَلَ؛ وَقَالَ رَجُلٌ لأَبي الجَرَّاحِ: أَكلتُ طَعَامًا فاتَّخَمْتُه، فَقَالَ أَبو الجَرَّاحِ: مَا ظَلَمك أَن تَقِيءَ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

قالَتْ لَهُ مَيٌّ بِأَعْلى ذِي سَلَمْ: ***أَلَا تَزُورُنا، إنِ الشِّعْبُ أَلَمّ؟

قالَ: بَلى يَا مَيُّ، واليَوْمُ ظَلَمْ "قَالَ الْفَرَّاءُ: هُمْ يَقُولُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ واليَوْمُ ظَلَم أَيْ حَقًّا، وَهُوَ مَثَلٌ؛ قَالَ: ورأَيت أَنَّهُ لَا يَمْنَعُني يومٌ فِيهِ عِلّةٌ تَمْنع.

قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَكَانَ ابْنُ الأَعرابي يَقُولُ فِي قَوْلِهِ واليوْمُ ظَلَم حَقًّا يَقِينًا، قَالَ: وأُراه قولَ المُفَضَّل، قَالَ: وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي لَا جَرَمَ أَيْ حَقًّا يُقيمه مُقامَ الْيَمِينِ، وَلِلْعَرَبِ أَلفاظ تُشْبِهُهَا وَذَلِكَ فِي الأَيمان كَقَوْلِهِمْ: عَوْضُ لَا أَفْعلُ ذَلِكَ، وجَيْرِ لَا أَفْعلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}؛ أَيْ لَمْ تَنْقُصْ مِنْهُ شَيْئًا.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، قَالَ: مَا نَقَصُونا شَيْئًا بِمَا فَعَلُوا وَلَكِنْ نَقَصُوا أنفسَهم.

والظِّلِّيمُ، بِالتَّشْدِيدِ: الكثيرُ الظُّلْم.

وتَظَالَمتِ المِعْزَى: تَناطَحَتْ مِمَّا سَمِنَتْ وأَخْصَبَتْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ السَّاجِعِ: وتَظالَمَتْ مِعْزاها.

ووَجَدْنا أَرْضًا تَظَالَمُ مِعْزاها أَيْ تَتناطَحُ مِنَ النَّشاط والشِّبَع.

والظَّلِيمةُ والظَّلِيمُ: اللبَنُ يُشْرَبُ مِنْهُ قَبْلَ أن يَرُوبَ ويَخْرُجَ زُبْدُه؛ قَالَ: وقائِلةٍ:

ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقائِي ***وَهَلْ يَخْفَى عَلَى العَكِدِ الظَّلِيمُ؟

وَفِي الْمَثَلِ: أهْوَنُ مَظْلومٍ سِقاءٌ مُروَّبٌ؛ وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

وصاحِب صِدْقٍ لَمْ تَرِبْني شَكاتُه ***ظَلَمْتُ، وَفِي ظَلْمِي لَهُ عامِدًا أَجْرُ

قَالَ: هَذَا سِقاءٌ سَقَى مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ زُبْدُه.

وظَلَمَ وَطْبَه ظَلْمًا إِذَا سَقَى مِنْهُ قبل أن يَرُوبَ ويُخْرَجَ زُبْدُه.

وظَلَمْتُ سِقائِي: سَقَيْتُهم إيَّاه قَبْلَ أَنْ يَرُوبَ؛ وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الَّذِي أَنشده ثَعْلَبٌ: " ظَلَمْتُ، وَفِي ظَلْمِي لَهُ عَامِدًا أَجْرُ "قَالَ الأَزهري: هَكَذَا سَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنْشِدُهُ: وَفِي ظَلْمِي، بِنَصْب الظَّاءِ، قَالَ: والظُّلْمُ الِاسْمُ والظُّلْمُ العملُ.

وظَلَمَ القوْمَ: سَقاهم الظَّلِيمةَ.

وَقَالُوا امرأَةٌ لَزُومٌ لِلفِناء، ظَلومٌ للسِّقاء، مُكْرِمةٌ لِلأَحْماء.

التَّهْذِيبَ: الْعَرَبُ تَقُولُ ظَلَمَ فلانٌ سِقاءَه إِذَا سَقاه قَبْلَ أَنْ يُخْرَجَ زُبْدُه؛ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا شُرِبَ لبَنُ السِّقاء قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الرُّؤُوبَ فَهُوَ المَظْلومُوالظَّلِيمةُ، قَالَ: وَيُقَالُ ظَلَمْتُ القومَ إِذَا سَقاهم اللَّبَنَ قَبْلَ إِدْراكِهِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَكَذَا رُوِيَ لَنَا هَذَا الحرفُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ظَلَمْتُ القومَ، وَهُوَ وَهَمٌ.

وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ وَأَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى أَنَّهُمَا قَالَا: يُقَالُ ظَلَمْتُ السقَاءَ وظَلَمْتُ اللبنَ إِذَا شَرِبْتَه أَوْ سَقَيْتَه قَبْلَ إِدْرَاكِهِ وإخراجِ زُبْدَتِه.

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: ظَلَمتُ وَطْبي القومَ أي سَقَيْتُه قبل رُؤُوبه.

والمَظْلُوم: اللبنُ يُشْرَبُ قَبْلَ أن يَبْلُغَ الرُّؤُوبَ.

الْفَرَّاءُ: يُقَالُ ظَلَم الوَادِي إِذَا بَلَغَ الماءُ مِنْهُ موضِعًا لَمْ يَكُنْ نالَهُ فِيمَا خَلا وَلَا بَلَغَه قَبْلَ ذَلِكَ؛ قَالَ: وأَنشدني بَعْضُهُمْ يَصِفُ سَيْلًا:

يَكادُ يَطْلُع ظُلْمًا ثُمَّ يَمْنَعُه ***عَنِ الشَّواهِقِ، فَالْوَادِي بِهِ شَرِقُ

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ يَصِفُ سَيْلًا:

إلَّا الأَوارِيَّ لأْيًا مَا أُبَيِّنُها، ***والنُّؤْيُ كالحَوضِ بالمَظلُومة الجَلَدِ

قَالَ: النُّؤْيُ الحاجزُ حولَ الْبَيْتِ مِنْ تُرَابٍ، فشَبَّه داخلَ الحاجِزِ بالحوض بالمظلومة، يعني أَرْضًا مَرُّوا بِهَا فِي بَرِّيَّةِ فتَحَوَّضُوا حَوْضًا سَقَوْا فِيهِ إبِلَهُمْ وَلَيْسَتْ بمَوْضِع تَحْويضٍ.

يُقَالُ: ظَلَمْتُ الحَوْضَ إِذَا عَمِلْتَه فِي مَوْضِعٍ لَا تُعْمَلُ فِيهِ الحِياض.

قَالَ: وأَصلُ الظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:

عَادَ الأَذِلَّةُ فِي دارٍ، وكانَ بِهَا ***هُرْتُ الشَّقاشِقِ، ظَلَّامُونَ للجُزُرِ

أَيْ وَضَعوا النَّحْرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.

وظُلِمَت الناقةُ: نُحِرَتْ من غَيْرِ عِلَّةٍ أَوْ ضَبِعَتْ عَلَى غَيْرِ ضَبَعَةٍ.

وكُلُّ مَا أَعْجَلْتَهُ عَنْ أَوَانِهِ فَقَدْ ظَلَمْتَهُ، وأَنشد بَيْتَ ابْنِ مُقْبِلٍ: هُرْتُ الشَّقاشِقِ، ظَلَّامُون للجُزُر "وظَلَم الحِمارُ الأَتانَ إِذَا كامَها وَقَدْ حَمَلَتْ، فَهُوَ يَظْلِمُها ظَلْمًا؛ وأَنشد أَبُو عَمْرٍو يَصِفُ أُتُنًا:

أَبَنَّ عقَاقًا ثُمَّ يَرْمَحْنَ ظَلْمَةً ***إِبَاءً، وَفِيهِ صَوْلَةٌ وذَمِيلُ

وظَلَم الأَرضَ: حَفَرَها وَلَمْ تَكُنْ حُفِرَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَحْفِرَها فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الحَفْرِ؛ قَالَ يَصِفُ رَجُلًا قُتِلَ فِي مَوْضِعٍ قَفْرٍ فحُفِرَ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ حَفْرٍ:

أَلَا للهِ مِنْ مِرْدَى حُروبٍ، ***حَواه بَيْنَ حِضْنَيْه الظَّلِيمُ

أَيُّ الْمَوْضِعِ الْمَظْلُومِ.

وظَلَم السَّيلُ الأَرضَ إِذَا خَدَّدَ فِيهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَخْدِيدٍ؛ وأَنشد للحُوَيْدِرَة:

ظَلَم البِطاحَ بِهَا انْهلالُ حَرِيصَةٍ، ***فَصَفَا النِّطافُ بِهَا بُعَيْدَ المُقْلَعِ

مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الإِقْلاعِ، مُفْعَلٌ بِمَعْنَى الإِفْعالِ، قَالَ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ مُقامٌ بِمَعْنَى الإِقامةِ.

وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ فِي كِتَابِهِ: وأَرضٌ مَظْلُومة إِذَا لَمْ تُمْطَرْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « إِذَا أَتَيْتُمْ عَلَى مَظْلُومٍ فأَغِذُّوا السَّيْرَ».

قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: المَظْلُومُ البَلَدُ الَّذِي لَمْ يُصِبْهُ الغَيْثُ وَلَا رِعْيَ فِيهِ لِلرِّكابِ، والإِغْذاذُ الإِسْراعُ.

والأَرضُ المَظْلومة: الَّتِي لَمْ تُحْفَرْ قَطُّ ثُمَّ حُفِرَتْ، وَذَلِكَ الترابُ الظَّلِيمُ، وسُمِّيَ تُرابُ لَحْدِ القبرِ ظَلِيمًا لِهَذَا الْمَعْنَى؛ وأَنشد:

فأَصْبَحَ فِي غَبْراءَ بعدَ إشاحَةٍ، ***عَلَى العَيْشِ، مَرْدُودٍ عَلَيْهَا ظَلِيمُها

يَعْنِي حُفْرَةَ الْقَبْرِ يُرَدُّ تُرابها عَلَيْهِ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ فِيهَا.

وَقَالُوا: لَا تَظْلِمْ وَضَحَ الطريقِ أَي احْذَرْ أَن تَحِيدَ عَنْهُ وتَجُورَ فَتَظْلِمَه.

والسَّخِيُّ يُظْلَمُ إِذَا كُلِّفَ فوقَ مَا فِي طَوْقِهِ، أَو طُلِبَ مِنْهُ مَا لَا يجدُه، أَو سُئِلَ مَا لَا يُسْأَلُ مثلُه، فَهُوَ مُظَّلِمٌ وَهُوَ يَظَّلِمُ وَيَنْظَلِمُ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ قَوْلَ زُهَيْرٍ:

هُوَ الجَوادُ الَّذِي يُعْطِيكَ نائِله ***عَفْوًا، ويُظْلَمُ أَحْيانًا فيَظَّلِمُ

أَي يُطْلَبُ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الطَّلَب، وَهُوَ عِنْدُهُ يَفْتعِلُ، وَيُرْوَى يَظْطَلِمُ، وَرَوَاهُ الأَصمعي يَنْظَلِمُ.

الْجَوْهَرِيُّ: ظَلَّمْتُ فُلَانًا تَظْلِيمًا إِذَا نَسَبْتَهُ إِلَى الظُّلْمِ فانْظَلَم أَي احْتَمَلَ الظُّلْم؛ وأَنشد بَيْتَ زُهَيْرٍ: " ويُظْلَم أَحيانًا فَيَنْظَلِمُ وَيُرْوَى فيَظَّلِمُ أَي يَتَكَلَّفُ، وَفِي افْتَعَل مِنْ ظَلَم ثلاثُ لغاتٍ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ التَّاءَ طَاءً ثُمَّ يُظْهِر الطَّاءَ وَالظَّاءَ جَمِيعًا فَيَقُولُ اظْطَلَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْغِمُ الظَّاءَ فِي الطَّاءِ فَيَقُولُ اطَّلَمَ وَهُوَ أَكثر اللُّغَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ أَن يُدْغِمَ الأَصلي فِي الزَّائِدِ فَيَقُولَ اظَّلَم، قَالَ: وأَما اضْطَجَع فَفِيهِ لُغَتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَعْلُ الْجَوْهَرِيِّ انْظَلَم مُطاوعَ ظَلَّمتُهُ، بِالتَّشْدِيدِ، وَهَمٌ، وَإِنَّمَا انْظَلَم مطاوعُ ظَلَمْتُه، بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ زهير: ويُظْلَم أَحْيانًا فيَنْظَلِمُ "قَالَ: وأَما ظَلَّمْتُه، بِالتَّشْدِيدِ، فمطاوِعُه تَظَلَّمَ مِثْلُ كَسَّرْتُه فتَكَسَّرَ، وظَلَم حَقَّه يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ فِي مِثْلِ ظَلَمني حَقِّي حَمْلًا عَلَى مَعْنَى سَلَبَني حَقِّي؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}؛ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَتِيلًا وَاقِعًا مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ أَي ظُلْمًا مِقْدارَ فَتِيلٍ.

وبيتٌ مُظَلَّمٌ: مُزَوَّقٌ كأَنَّ النَّصارَى وَضَعَتْ فِيهِ أَشياء فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ إِلَى طَعَامٍ فَإِذَا البيتُ مُظَلَّمٌ فَانْصَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدْخُلْ »؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ المُزَوَّقُ، وَقِيلَ: هُوَ المُمَوَّهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالَ: وَقَالَ الهَرَوِيُّ أَنكره الأَزهري بِهَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ مِنْ الظَّلْمِ وَهُوَ مُوهَةُ الذَّهَبِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَاءِ الْجَارِي عَلَى الثَّغْرِ ظَلْمٌ.

وَيُقَالُ: أَظْلَم الثَّغْرُ إِذَا تَلأْلأَ عَلَيْهِ كَالْمَاءِ الرَّقِيقِ مِنْ شدَّة بَرِيقه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِذَا مَا اجْتَلَى الرَّاني إِلَيْهَا بطَرْفِه ***غُرُوبَ ثَناياها أَضاءَ وأَظْلَما

قَالَ: أَضاء أَي أَصاب ضوءًا، أَظْلَم أَصَابَ ظَلْمًا.

والظُّلْمَة والظُّلُمَة، بِضَمِّ اللَّامِ: ذَهَابُ النُّورِ، وَهِيَ خِلَافُ النُّورِ، وجمعُ الظُّلْمةِ ظُلَمٌ وظُلُماتٌ وظُلَماتٌ وظُلْمات؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " يَجْلُو بعَيْنَيْهِ دُجَى الظُّلُماتِ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ظُلَمٌ جَمْعُ ظُلْمَة، بِإِسْكَانِ اللَّامِ، فأَما ظُلُمة فَإِنَّمَا يَكُونُ جَمْعُهَا بالأَلف وَالتَّاءِ، وَرَأَيْتُ هُنَا "حَاشِيَةً بِخَطِّ سَيِّدِنَا رَضِيِّ الدِّينِ الشَّاطِبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: قَالَ الْخَطِيبُ أَبو زَكَرِيَّا المُهْجَةُ خالِصُ النَّفْسِ، وَيُقَالُ فِي جَمْعِهَا مُهُجاتٌ كظُلُماتٍ، وَيَجُوزُ مُهَجات، بِالْفَتْحِ، ومُهْجاتٌ، بِالتَّسْكِينِ، وَهُوَ أَضعفها؛ قَالَ: وَالنَّاسُ يأْلَفُون مُهَجات، بِالْفَتْحِ، كأَنهم يَجْعَلُونَهُ جَمْعَ مُهَجٍ، فَيَكُونُ الْفَتْحُ عِنْدَهُمْ أَحسن مِنَ الضَّمِّ.

والظَّلْماءُ: الظُّلْمة رُبَّمَا وُصِفَ بِهَا فَيُقَالُ ليلةٌ ظَلْماء أَي مُظْلِمة.

والظَّلامُ: اسْمٌ يَجْمَع ذَلِكَ كالسَّوادِ وَلَا يُجْمعُ، يَجْري مَجْرَى الْمَصْدَرِ، كَمَا لَا تُجْمَعُ نَظَائِرُهُ نَحْوُ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَتُجْمَعُ الظُّلْمة ظُلَمًا وظُلُمات.

ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ الظَّلام أَوّل اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ مُقْمِرًا، يُقَالُ: أَتيته ظَلامًا أَيْ لَيْلًا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظَرْفًا.

وَأَتَيْتُهُ مَعَ الظَّلام أَيْ عِنْدِ اللَّيْلِ.

وليلةٌ ظَلْمةٌ، عَلَى طرحِ الزَّائِدِ، وظَلْماءُ كِلْتَاهُمَا: شَدِيدَةُ الظُّلْمة.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: ليلٌ ظَلْماءُ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ غَرِيبٌ وَعِنْدِي أَنه وَضَعَ اللَّيْلَ مَوْضِعَ اللَّيْلَةِ، كَمَا حَكَى ليلٌ قَمْراءُ أَي لَيْلَةٌ، قَالَ: وظَلْماءُ أَسْهلُ مِنْ قَمْراء.

وأَظْلَم الليلُ: اسْوَدَّ.

وَقَالُوا: مَا أَظْلَمه وَمَا أَضوأَه، وَهُوَ شَاذٌّ.

وظَلِمَ الليلُ، بِالْكَسْرِ، وأَظْلَم بِمَعْنًى؛ عَنِ الْفَرَّاءِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا}.

وظَلِمَ وأَظْلَمَ؛ حَكَاهُمَا أَبو إِسْحَاقَ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: فِيهِ لُغَتَانِ أَظْلَم وظَلِمَ، بِغَيْرِ أَلِف.

والثلاثُ الظُّلَمُ: أَوّلُ الشَّهْر بعدَ اللَّيَالِي الدُّرَعِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فِي لَيَالِي الشَّهْرِ بَعْدَ الثلاثِ البِيضِ ثلاثٌ دُرَعٌ وثلاثٌ ظُلَمٌ، قَالَ: وَالْوَاحِدَةُ مِنَ الدُّرَعِ والظُّلَم دَرْعاءُ وظَلْماءُ.

وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ وأَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ: واحدةُ الدُّرَعِ والظُّلَم دُرْعةٌ وظُلْمة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ.

الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ لِثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ اللَّائِي يَلِينَ الدُّرَعَ ظُلَمٌ لإِظْلامِها عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، لأَن قِيَاسَهُ ظُلْمٌ، بِالتَّسْكِينِ، لأَنَّ وَاحِدَتَهَا ظَلْماء.

وأَظْلَم القومُ: دَخَلُوا فِي الظَّلام، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ}.

وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ}؛ أَي يُخْرِجُهُمْ مِنْ ظُلُمات الضَّلالة إِلَى نُورِ الهُدَى لأَن أَمر الضَّلالة مُظْلِمٌ غَيْرُ بَيِّنٍ.

وَلَيْلَةٌ ظَلْماءُ، وَيَوْمٌ مُظْلِمٌ: شَدِيدُ الشَّرِّ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:

فأُقْسِمُ أَنْ لوِ الْتَقَيْنا وأَنتمُ، ***لَكَانَ لَكُمْ يومٌ مِنَ الشَّرِّ مُظْلِمُ

وأَمْرٌ مُظْلِم: لَا يُدرَى مِنْ أَينَ يُؤْتَى لَهُ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَمرٌ مِظْلامٌ وَيَوْمٌ مِظْلامٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ وأَنشد:

أُولِمْتَ، يَا خِنَّوْتُ، شَرَّ إِيلَامِ ***فِي يومِ نَحْسٍ ذِي عَجاجٍ مِظْلام

وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْيَوْمِ الَّذِي تَلقَى فِيهِ شِدَّةً يومٌ مُظلِمٌ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ يومٌ ذُو كَواكِبَ أَي اشتَدّت ظُلْمته حَتَّى صَارَ كَاللَّيْلِ؛ قَالَ:

بَني أَسَدٍ، هَلْ تَعْلَمونَ بَلاءَنا، ***إِذَا كَانَ يومٌ ذُو كواكِبَ أَشْهَبُ؟

وظُلُماتُ الْبَحْرِ: شدائِدُه.

وشَعرٌ مُظْلِم: شديدُ السَّوادِ.

ونَبْتٌ مُظلِمٌ: ناضِرٌ يَضْرِبُ إِلَى السَّوادِ مِنْ خُضْرَتِه؛ قَالَ:

فصَبَّحَتْ أَرْعَلَ كالنِّقالِ، ***ومُظلِمًا ليسَ عَلَى دَمالِ

وتكلَّمَ فأَظْلَمَ عَلَيْنَا البيتُ أَي سَمِعنا مَا نَكْرَه، وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَظْلَم فلانٌ عَلَيْنَا الْبَيْتَ إِذَا أَسْمَعنا مَا نَكْرَه.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَظْلمَ يَكُونُ لَازِمًا وواقِعًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَضاءَ يَكُونُ بِالْمَعْنَيَيْنِ: أَضاءَ السراجُ بِنَفْسِهِ إِضَاءَةً، وأَضاء للناسِ بِمَعْنَى ضاءَ، وأَضأْتُ السِّراجَ للناسِ فضاءَ وأَضاءَ.

ولقيتُه أَدنَى ظَلَمٍ، بِالتَّحْرِيكِ، يَعْنِي حِينَ اخْتَلطَ الظلامُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَقِيتُهُ أَوّلَ كلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: أَدنَى ظَلَمٍ القريبُ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ مِنْكَ أَدنَى ذِي ظَلَمٍ، ورأَيتُه أَدنَى ظَلَمٍ الشَّخْصُ، قَالَ: وَإِنَّهُ لأَوّلُ ظَلَمٍ لقِيتُه إِذَا كَانَ أَوّلَ شيءٍ سَدَّ بَصَرَك بِلَيْلٍ أَو نَهَارٍ، قَالَ: وَمِثْلُهُ لَقِيتُهُ أَوّلَ وَهْلةٍ وأَوّلَ صَوْكٍ وبَوْكٍ؛ الْجَوْهَرِيُّ: لقِيتُه أَوّلَ ذِي ظُلْمةٍ أَي أَوّلَ شيءٍ يَسُدُّ بَصَرَكَ فِي الرُّؤْيَةِ، قَالَ: وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ.

والظَّلَمُ: الجَبَل، وَجَمْعُهُ ظُلُومٌ؛ قَالَ المُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ:

تَعامَسُ حَتَّى يَحْسبَ الناسُ أَنَّها، ***إِذَا مَا اسْتُحِقَّت بالسُّيوفِ، ظُلُومُ

وقَدِمَ فلانٌ واليومُ ظَلَم؛ عَنْ كُرَاعٍ، أَي قدِمَ حَقًّا؛ قَالَ: " إنَّ الفراقَ اليومَ واليومُ ظَلَمْ "وَقِيلَ: مَعْنَاهُ واليومُ ظَلَمنا، وَقِيلَ: ظَلَم هَاهُنَا وَضَع الشيءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.

والظَّلْمُ: الثَّلْج.

والظَّلْمُ: الماءُ الَّذِي يَجْرِي ويَظهَرُ عَلَى الأَسْنان مِنْ صَفاءِ اللَّوْنِ لَا مِنَ الرِّيقِ كالفِرِنْد، حَتَّى يُتَخيَّلَ لَكَ فِيهِ سوادٌ مِنْ شِدَّةِ الْبَرِيقِ والصَّفاء؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:

تَجْلو غَواربَ ذِي ظَلْمٍ، إِذَا ابتسمَتْ، ***كأَنه مُنْهَلٌ بالرَّاحِ مَعْلولُ

وَقَالَ الْآخَرُ:

إِلَى شَنْباءَ مُشْرَبَةِ الثَّنايا ***بماءِ الظَّلْمِ، طَيِّبَةِ الرُّضابِ

قَالَ: يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ الْمَعْنَى بِمَاءِ الثَّلْج.

قَالَ شَمِرٌ: الظَّلْمُ بياضُ الأَسنان كأَنه يَعْلُوهُ سَوادٌ، والغُروبُ ماءُ الأَسنان.

الْجَوْهَرِيُّ: الظَّلْمُ، بِالْفَتْحِ، ماءُ الأَسْنان وبَريقُها، وَهُوَ كالسَّوادِ داخِلَ عَظمِ السِّنِّ مِنْ شِدَّةِ الْبَيَاضِ كفِرِنْد السَّيْف؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ ضَبَّةَ:

بوَجْهٍ مُشْرِقٍ صافٍ، ***وثغْرٍ نائرِ الظلْمِ

وَقِيلَ: الظَّلْمُ رِقَّةُ الأَسنان وشِدَّة بَيَاضِهَا، وَالْجَمْعُ ظُلُوم؛ قَالَ:

إِذَا ضَحِكَتْ لَمْ تَنْبَهِرْ، وتبسَّمَتْ ***ثَنَايَا لَهَا كالبَرْقِ، غُرٌّ ظُلُومُها

وأَظْلَم: نَظَرَ إِلَى الأَسنان فرأَى الظَّلْمَ؛ قَالَ:

إِذَا مَا اجْتَلى الرَّاني إِلَيْهَا بعَيْنِه ***غُرُوبَ ثَنَايَاهَا، أَنارَ وأَظْلَما

والظَّلِيمُ: الذكَرُ مِنَ النعامِ، وَالْجَمْعُ أَظْلِمةٌ وظُلْمانٌ وظِلْمانٌ، قِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لأَنه ذكَرُ الأَرضِ فيُدْحِي فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَدْحِيَةٍ؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: وَهَذَا مَا لَا يُؤْخذُ.

وَفِي حَدِيثِ قُسّ: « ومَهْمَهٍ فِيهِ ظُلْمانٌ »؛ هُوَ جَمْعُ ظَلِيم.

والظَّلِيمانِ: نَجْمَانِ.

والمُظَلَّمُ مِنَ الطَّيْرِ: الرَّخَمُ والغِرْبانُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

حَمَتْهُ عِتاقُ الطيرِ كلَّ مُظَلَّم، ***مِنَ الطيرِ، حَوَّامِ المُقامِ رَمُوقِ

والظِّلَّامُ: عُشْبة تُرْعَى؛ أَنشد أَبو حَنِيفَةَ:

رَعَتْ بقَرارِ الحَزْنِ رَوْضًا مُواصِلًا، ***عَمِيمًا مِنَ الظِّلَّامِ، والهَيْثَمِ الجَعْدِ

ابْنُ الأَعرابي: وَمِنْ غَرِيبِ الشَّجَرِ الظِّلَمُ، وَاحِدَتُهَا ظِلَمةٌ، وَهُوَ الظِّلَّامُ والظِّلامُ والظالِمُ؛ قَالَ الأَصمعي: هُوَ شَجَرٌ لَهُ عَسالِيجُ طِوالٌ وتَنْبَسِطُ حَتَّى تجوزَ حَدَّ أَصل شَجَرِها فَمِنْهَا سُمِّيَتْ ظِلامًا.

وأَظْلَمُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَظْلمُ اسْمُ جَبَلٍ؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:

يَزِيفُ يمانِيه لأَجْراعِ بِيشَةٍ، ***ويَعْلو شآمِيهِ شَرَوْرَى وأَظْلَما

وكَهْفُ الظُّلم: رَجُلٌ مَعْرُوفٌ مِنَ الْعَرَبِ.

وظَلِيمٌ ونَعامَةُ: مَوْضِعَانِ بنَجْدٍ.

وظَلَمٌ: مَوْضِعٌ.

والظَّلِيمُ: فرسُ فَضالةَ بْنِ هِنْدِ بْنِ شَرِيكٍ الأَسديّ، وَفِيهِ يَقُولُ:

نصَبْتُ لَهُمْ صَدْرَ الظَّلِيمِ وصَعْدَةً ***شُراعِيَّةً فِي كفِّ حَرَّان ثائِر

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


55-لسان العرب (وشم)

وشم: ابْنُ شُمَيْلٍ: الوُسُومُ والوُشُومُ العلاماتُ.

ابْنُ سِيدَهْ: الوَشْمُ مَا تَجْعَلُهُ المرأَة عَلَى ذراعِها بالإِبْرَةِ ثُمَّ تَحْشُوه بالنَّؤُور، وَهُوَ دُخان الشَّحْمِ، وَالْجَمْعُ وُشُومٌ ووِشَامٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ: " كِفَفٌ تَعَرَّضُ فوْقَهُنَّ وِشَامُها "وَيُرْوَى: تُعَرَّض، وَقَدْ وَشَمَتْ ذِراعَها وَشْمًا ووَشَّمَتْه، وَكَذَلِكَ الثَّغْرُ؛ أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

ذَكَرْتُ مِنْ فاطمةَ التبَسُّما، ***غَداةَ تَجْلو وَاضِحًا مُوَشَّما،

عَذْبًا لَهَا تُجْري عَلَيْهِ البُرْشُما وَيُرْوَى: عَذْب اللَّها.

والبُرْشُمُ: البُرْقع.

ووَشَمَ اليدَ وَشْمًا: غَرَزها بإبْرة ثُمَّ ذَرَّ عليها النَّؤُور، وَهُوَ النِّيلجُ.

والأَشْمُ أَيضًا: الوَشْمُ.

واسْتَوْشَمَه: سأَله أَن يَشِمَه.

واسْتَوْشَمَت المرأَةُ: أَرادت الوَشْمَ أَوْ طَلَبَتْه.

وَفِي الْحَدِيثِ: « لُعِنت الوَاشِمَةُ والمُسْتَوْشِمَةُ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ: المُوتَشِمَةُ »؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الوَشْمُ فِي الْيَدِ وَذَلِكَ أَن المرأَة كَانَتْ تَغْرِزُ ظهرَ كفِّها ومِعْصَمَها بإبْرةٍ أَوْ بمِسلَّة حَتَّى تُؤثر فِيهِ، ثُمَّ تَحشوه بالكُحل أَوِ النِّيل أَو بالنَّؤُور، والنَّؤُورُ دخانُ الشَّحْمِ، فيَزْرَقُّ أَثره أَوْ يَخْضَرُّ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ لَمَّا استَخْلف عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: « أَشرَف مَنْ كَنيفٍ، وأَسماءُ بنتُ عُمَيس مَوْشُومَة اليدِ مُمْسِكَتُه »أَيْ مَنْقُوشَةُ الْيَدِ بالحِنَّاء.

ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ فلانٌ أَعظمُ فِي نفسِه مِنَ المُتَّشِمَة، وَهَذَا مَثَل، والمُتَّشِمةُ: امرأَةٌ وَشَمَت اسْتَها لِيَكُونَ أَحسَن لَهَا.

وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ: فِي أَمْثَالِهِمْ لَهُو أَخْيَل فِي نَفْسِهِ مِنَ الوَاشِمَة.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والمُتَّشِمَةُ فِي الأَصل مُوتَشِمة، وَهُوَ مثلُ المُتَّصل، أَصله مُوتَصِل.

ووُشُوم الظبْية والمَهاة: خطوطٌ فِي الذِّراعين؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ: " أَوْ ذُو وُشُومٍ بِحَوْضَى وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَشَمَ خطيئتَه فِي كفِّه فَمَا رَفع إِلَى فِيهِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى بَشَرَه بدُموعه »؛ مَعْنَاهُ نقَشها فِي كَفِّه نَقْشَ الوَشْمِ.

والوَشْم: الشيءُ تَرَاهُ مِنَ النَّبَاتِ فِي أَول مَا يَنْبُتُ.

وأَوْشَمت الأَرضُ إِذَا رأَيت فِيهَا شَيْئًا مِنَ النَّبَاتِ.

وأَوْشَمت السماءُ: بَدَا مِنْهَا بَرْقٌ؛ قَالَ: " حَتَّى إِذَا مَا أَوْشَمَ الرَّواعِدُ "وَمِنْهُ قِيلَ: أَوْشَمَ النبتُ إِذَا أَبصَرْتَ أَوَّله.

وأَوْشَمَ البرْق: لمَعَ لَمْعًا خَفِيفًا؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ أَوَّلُ الْبَرْقِ حِينَ يَبرُقُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " يَا مَن يَرى لِبارِقٍ قَدْ أَوْشَمَا "وَقَالَ اللَّيْثُ: أَوْشَمَتِ الأَرضُ إِذَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِهَا؛ وأَوْشَمَ فُلَانٌ فِي ذَلِكَ الأَمر إِيشَامًا إِذَا نَظَرَ فِيهِ؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الفَقْعسيّ: " إنَّ لَهَا رِيًّا إِذَا مَا أَوْشَما "وأَوْشَمَ يَفْعل ذَلِكَ أَيْ أَخذ؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " أَوْشَمَ يَذْري وابِلًا رَوِيّا "وأَوْشَمَتِ المرأَةُ: بدأَ ثدْيُها يَنتَأُ كَمَا يُوشِم البرقُ.

وأَوْشَمَ فِيهِ الشيبُ: كثُر وَانْتَشَرَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وأَوْشَمَ الكرْمُ: ابتدأَ يُلوِّن؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ مَرَّةً: أَوْشَمَ تَمَّ نُضْجُه.

وأَوْشَمَت الأَعنابُ إِذَا لانَتْ وَطَابَتْ؛ وَقَوْلُهُ:

أقولُ وَفِي الأَكْفانِ أَبْيَضُ ماجِدٌ ***كغُصْنِ الأَراكِ وجهُه، حِينَ وَشَّما

يُرْوَى: وَشَّمَ ووَسَّمَ، فوَشَّمَ بَدَا وَرَقُهُ، ووَسَّم حسُن.

وَمَا أَصابَتْنا العامَ وَشْمَةٌ أَيْ قَطْرَةُ مَطَرٍ.

وَيُقَالُ: بَيْنَنَا وَشِيمَةٌ أَيْ كَلَامُ شَرٍّ أَوْ عَدَاوَةٌ.

وَمَا عَصَاهُ وَشْمَةً أَيْ طَرْفة عَينٍ.

وَمَا عصَيْتُه وَشْمَةً أَيْ كَلِمَةً.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: « وَاللَّهِ مَا كتَمْتُ وَشْمَة »أَيْ كَلِمَةً حَكَاهَا.

والوَشْمُ: مَوْضِعٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

رَدَدْتُهُمُ بالوَشْمِ تَدْمى لِثاتُهُمْ ***عَلَى شُعَبِ الأَكوار، مِيلَ العَمائم

أَيِ انصَرفوا خَزايا مَائِلَةً أَعناقُهم فَعَمَائِمُهُمْ قَدْ مَالَتْ، قَالَ: تَدْمى لِثاتُهم مِنَ الحَرَض، كَمَا يَقُولُونَ: جَاءَنَا تَضِبُّ لِثاتُه.

والوَشْمُ: بَلَدٌ ذُو نَخْلٍ، بِهِ قَبَائِلُ مِنْ رَبيعة ومُضَر دُونَ الْيَمَامَةِ قَرِيبٌ مِنْهَا، يُقَالُ لَهُ وَشْمُ الْيَمَامَةِ.

والوُشُوم: مَوْضِعٌ؛ والوَشْمُ فِي قَوْلِ جَرِيرٍ:

عَفَتْ قَرْقَرى والوَشْمُ، حَتَّى تنَكَّرَتْ ***أوارِيُّها، والخَيْلُ مِيلُ الدَّعائمِ

زَعَمَ أَبو عُثْمَانَ عَنِ الْحِرْمَازِيِّ أَنه ثَمَانُونَ قَرْيَةً، وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي تَرْجَمَةِ لَثَهَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: « لعنَ الوَاشِمَة »؛ قَالَ نَافِعٌ: الوَشْمُ فِي اللِّثة، اللِّثة بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، عُمور الأَسنان وَهُوَ مَغارِزُها، وَالْمَعْرُوفُ الْآنَ فِي الوَشْم أَنه عَلَى الجِلد والشِّفاه، والله أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


56-لسان العرب (جلا)

جَلَا: جَلا القومُ عَنْ أَوطانهم يَجْلُون وأَجْلَوْا إِذا خَرَجُوا مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ.

وَفِي حَدِيثِ الْحَوْضِ: « يَرِدُ عليَّ رَهْط مِنْ أَصحابي فيُجْلَوْن عَنِ الْحَوْضِ »؛ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ؛ أي يُنْفَوْن ويُطْردون، وَالرِّوَايَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهَمْزِ.

وَيُقَالُ: اسْتُعْمِل فُلَانٌ عَلَى الجَالِيَة والجَالَةِ.

والجَلاءُ، مَمْدُودٌ: مَصْدَرُ جَلا عَنْ وَطَنِهِ.

وَيُقَالُ: أَجْلاهم السُّلْطَانُ فأَجْلَوْا أَي أَخرجهم فَخَرَجُوا.

والجَلاءُ: الْخُرُوجُ عَنِ الْبَلَدِ.

وَقَدْ جَلَوْا عَنْ أَوطانهم وجَلَوْتُهم أَنا، يَتَعَدَّى، وَلَا يَتَعَدَّى.

وَيُقَالُ أَيضًا: أَجْلَوْا عَنِ الْبَلَدِ وأَجْلَيْتهم أَنا، كِلَاهُمَا بالأَلف؛ وَقِيلَ لأَهل الذِّمَّةِ الجَالِيَة لأَن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَجلاهم عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فيهم، فسُمُّوا جَالِيَة وَلَزِمَهُمْ هَذَا الِاسْمُ أَين حَلُّوا، ثُمَّ لَزِمَ كلَّ مَنْ لَزِمَتْهُ الجزيةُ مِنْ أَهل الْكِتَابِ بِكُلِّ بَلَدٍ، وإِن لَمْ يُجْلَوْا عَنْ أَوطانهم.

والجَالِيَة: الَّذِينَ جَلَوْا عَنْ أَوْطانهم.

وَيُقَالُ: اسْتُعْمِل فُلَانٌ عَلَى الجَالِيَة أَي عَلَى جِزْية أَهل الذِّمَّةِ.

والجَالَةُ: مِثْلُ الجَالِية.

وَفِي حَدِيثِ العَقَبة: « وإِنكم تُبايِعون مُحَمَّدًا عَلَى أَن تُحارِبوا الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ مُجْلِيةً»؛ أي حَرْبًا مُجْلِية مُخْرِجة عَنِ الدَّارِ وَالْمَالِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه خيَّر وَفْدَ بُزاخَة بينَ الحَرْبِ المُجْلِيَة والسِّلْم المُخْزِيَةِ.

وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: اخْتاروا فَإِمَّا حَرْبٌ مُجْلِيَة وإِمَّا سِلْم مُخْزِية أَي إِمَّا حَرْب تُخْرِجُكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَو سِلْمٌ تُخْزيكم وتُذِلُّكم.

ابْنُ سِيدَهْ: جَلا القومُ عَنِ الْمَوْضِعِ وَمِنْهُ جَلْوًا وجَلاءً وأَجْلَوْا: تفرَّقوا، وفَرَق أَبو زَيْدٍ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: جَلَوا مِنَ الْخَوْفِ وأَجْلَوْا مِنَ الجَدْب، وأَجْلاهم هُوَ وجَلَّاهم لُغَةٌ وَكَذَلِكَ اجْتَلاهم؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ النَّحْلَ وَالْعَاسِلَ:

فلَمّا جَلاها بالأُيامِ، تَحَيَّزَت ***ثُباتٍ عَلَيْهَا ذُلُّها واكْتِئابُها

وَيُرْوَى: اجْتَلاها، يَعْنِي العاسلَ جَلَا النحلَ عَنْ مَوَاضِعِهَا "بالأُيام، وَهُوَ الدُّخان، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ تحَيَّرت أَي تحيَّرت النَّحْلُ بِمَا عَراها مِنَ الدُّخَانِ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: جَلا النحلَ يَجْلُوها جَلاءً إِذا دَخَّنَ عَلَيْهَا لاشْتِيارِ الْعَسَلِ.

وجَلْوَة النحلِ: طَرْدُها بالدُّخان.

ابْنُ الأَعرابي: جَلاهُ عَنْ وَطَنِهِ فجَلا أَي طَرَدَهُ فَهَرَبَ.

قَالَ: وجَلا إِذا عَلا، وجَلا إِذا اكتَحَل، وجَلا الأَمرَ وجَلَّاه وجَلَّى عَنْهُ كشَفه وأَظهره، وَقَدِ انْجَلَى وتَجَلَّى.

وأَمرٌ جَلِيٌّ: وَاضِحٌ؛ تَقُولُ: اجْلُ لِي هَذَا الأَمرَ أَي أَوضحه.

والجَلاءُ، مَمْدُودٌ: الأَمر البَيِّنُ الْوَاضِحُ.

والجَلاءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الأَمرُ الجَلِيُّ، وَتَقُولُ مِنْهُ: جَلا لِيَ الخبرُ أَي وَضَح؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:

فإِنَّ الحقَّ مَقْطَعُه ثَلاثٌ: ***يَمِينٌ أَو نِفارٌ أَو جَلاءُ

أَراد الْبَيِّنَةَ وَالشُّهُودَ، وَقِيلَ: أَراد الإِقرار، وَاللَّهُ تَعَالَى يُجَلِّي الساعةَ أَي يُظْهِرُهَا.

قَالَ سُبْحَانَهُ: لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ".

وَيُقَالُ: أَخْبرني عَنْ جَلِيَّةِ الأَمر أَي حَقِيقَتِهِ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:

وآبَ مُضِلُّوه بعَيْنٍ جَلِيَّةٍ، ***وغُودِرَ بالجَوْلانِ حَزْمٌ ونائِلُ

يَقُولُ: كَذَّبُوا بِخَبَرِ مَوْتِهِ أَولَ مَا جَاءَ فجاءَ دَافِنُوهُ بِخَبَرِ مَا عَايَنُوهُ.

والجَلِيُّ: نَقِيضُ الخَفِيِّ.

والجَلِيَّة: الْخَبَرُ الْيَقِينُ.

ابْنُ بَرِّيٍّ: والجَلِيَّة البَصِيرة، يُقَالُ عينٌ جَلِيَّة؛ قَالَ أَبو دواد:

بَلْ تَأَمَّلْ، وأَنت أَبْصَرُ مِنِّي، ***قَصْدَ دَيْرِ السَّوادِ عَينٌ جَلِيَّهْ

وجَلَوْت أَي أَوضحت وكشَفْتُ.

وجَلَّى الشيءَ أَي كَشَفَهُ.

وَهُوَ يُجَلِّي عَنْ نَفْسِهِ أَي يُعَبِّرُ عَنْ ضَمِيرِهِ.

وتَجَلَّى الشيءُ أَي تكشَّف.

وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مالك: « ف جَلا رسولُ الله»، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلنَّاسِ أَمرَهم ليتَأَهَّبوا أَي كَشَفَ وأَوضح.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: « إِن رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَفَعَ لِيَ الدُّنيا وأَنا أَنظر إِليها جِلِّيَانًا مِنَ اللَّهِ »أَي إِظْهارًا وكَشْفًا، وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ.

وجِلاءُ السَّيْفِ، مَمْدُودٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وجَلا الصيقلُ السيفَ والمِرآةَ ونحوَهُما جَلْوًا وجِلاءً صَقَلَهما.

واجْتَلاه لِنَفْسِهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ: " يَجْتَلِي نُقَبَ النِّصالِ وجَلا عينَه بالكُحْل جَلْوًا وجَلاءً، والجَلا والجَلاءُ والجِلاءُ: الإِثْمِدُ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الجَلا كُحْلٌ يَجْلو الْبَصَرَ، وَكِتَابَتُهُ بالأَلف.

وَيُقَالُ: جَلَوْتُ بَصَرِي بِالْكُحْلِ جَلْوًا.

وَفِي حَدِيثِ أُم سَلَمَةَ: « أَنها كَرِهَتْ للمُحِدِّ أَن تكْتَحِل بالجِلاء »، هُوَ، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، الإِثمد، وَقِيلَ: هُوَ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، ضَرْبٌ مِنَ الْكُحْلِ.

ابْنُ سِيدَهْ: والجَلاءُ والجِلاءُ الْكُحْلُ لأَنه يَجْلُو الْعَيْنَ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:

وأَكْحُلْكَ بالصابِ أَو بالجَلا، ***ففَقِّحْ لِذَلِكَ أَو غَمِّض

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لأَبي المُثَلَّم، قَالَ: وَالَّذِي ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَابْنُ وَلاد الجَلا، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْقَصْرِ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ، وَذَكَرَ الْمُهَلَّبِيُّ فِيهِ الْمَدَّ وَفَتْحَ الْجِيمِ، وأَنشد الْبَيْتَ.

وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنس قَالَ: قرأَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قَالَ: وَضَعَ إِبهامه عَلَى قَرِيبٍ مِنْ طَرَفِ أُنْمُلَة خِنْصَرِه فساخَ الْجَبَلُ، قَالَ حَمَّادٌ: قُلْتُ لِثَابِتٍ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: يَقُولُهُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُهُ أَنس وأَنا أَكْتُمه وَقَالَ الزَّجَّاجُ: تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أَي ظَهَرَ وبانَ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَهل السُّنة وَالْجَمَاعَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تَجَلَّى بَدَا لِلْجَبَلِ نُور العَرْش.

وَالْمَاشِطَةُ تَجْلُو العَرُوس، وجَلا العروسَ عَلَى بَعْلها جَلْوة وجِلْوة وجُلوة وجِلاءً واجْتَلاها وجَلَّاها، وَقَدْ جُلِيت عَلَى زَوْجِهَا واجْتَلاها زَوْجُهَا أَي نَظر إِليها.

وتَجلَّيت الشيءَ: نَظَرْتُ إِليه.

وجَلَّاها زوجُها وَصِيفَةً: أَعطاها إِياها فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وجِلْوَتُها مَا أَعطاها، وَقِيلَ: هُوَ مَا أَعطاها مِنْ غُرَّةٍ أَو دَرَاهِمَ.

الأَصمعي: يُقَالُ جَلا فُلَانٌ امرأَته وَصِيفَةً حِينَ اجْتَلَاهَا إِذا أَعطاها عِنْدَ جَلْوَتها.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ: « أَنه كَرِهَ أَن يَجْلِيَ امرأَته شَيْئًا لَا يَفِيَ بِهِ».

وَيُقَالُ: مَا جِلْوَتُها، بِالْكَسْرِ، فَيُقَالُ: كَذَا وَكَذَا.

وَمَا جِلاءُ فُلَانٍ أَي بأَيِّ شيءٍ يُخَاطَبُ مِنَ الأَسماء والأَلقاب فيُعظَّم بِهِ.

واجْتَلَى الشيءَ: نَظَرَ إِليه.

وجَلَّى بِبَصَرِهِ: رَمى.

والبازِي يُجَلِّي إِذا آنَسَ الصيدَ فَرَفَعَ طرْفَه ورأْسَه.

وجَلَّى بِبَصَرِهِ تَجْلِيَةً إِذا رَمَى بِهِ كَمَا يَنْظُرُ الصَّقْرُ إِلى الصَّيْدِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فانْتَضَلْنا وَابْنُ سَلْمَى قاعِدٌ، ***كعَتيقِ الطَّيْرِ يُغْضِي ويُجَلّ

أَي ويُجَلِّي.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ابْنُ سَلْمى هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ.

قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: التَّجَلِّي فِي الصَّقْرِ أَن يُغْمِضَ عَيْنَهُ ثُمَّ يَفْتَحَهَا لِيَكُونَ أَبصر لَهُ، فالتَّجَلِّي هُوَ النَّظَرُ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:

جَلَّى بصيرُ العَيْنِ لَمْ يُكَلِّلِ، ***فانْقَضَّ يَهْوي مِنْ بَعيدِ المَخْتَلِ

وَيُقَوِّي قولَ ابْنَ حَمْزَةَ بَيْتُ لَبِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ.

وجَلَّى الْبَازِي تجَلِّيًا وتَجْلِيَةً: رَفَعَ رأْسه ثُمَّ نَظَرَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

نَظَرْتُ كَمَا جَلَّى، عَلَى رأْسِ رَهْوَةٍ، ***مِنَ الطيرِ، أَقْنَى ينفُضُ الطَّلَّ أَوْرَقُ

وَجَبْهَةٌ جَلْوَاءُ: وَاسِعَةٌ.

والسماءُ جَلْوَاءُ أَي مُصْحِية مِثْلُ جَهْواء.

وَلَيْلَةٌ جَلْوَاءُ: مُصْحِية مُضِيئة.

والجَلا، بِالْقَصْرِ: انْحسار مُقَدَّمِ الشعرِ، كِتَابَتُهُ بالأَلف، مِثْلُ الجَلَهِ، وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الصَّلَعِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَبْلُغَ انْحِسَارُ الشَّعْرِ نصفَ الرأْسِ، وَقَدْ جَلِيَ جَلًا وَهُوَ أَجْلَى.

وَفِي صِفَةِ الْمَهْدِيِّ: أَنه أَجْلَى الجَبْهَةِ "؛ الأَجْلَى: الْخَفِيفُ شَعْرِ مَا بَيْنَ النَّزَعتين مِنَ الصُّدغين وَالَّذِي انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ جَبْهَتِهِ.

وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ: « أَنه أَجْلَى الجَبْهةِ »، وَقِيلَ: الأَجْلَى الحسنُ الوجهِ الأَنْزَعُ.

أَبو عُبَيْدٍ: إِذا انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ نِصْفِ الرأْس وَنَحْوِهِ فَهُوَ أَجْلى؛ وأَنشد: " مَعَ الجَلا ولائِحِ القَتِيرِ "وَقَدْ جَلِيَ يَجْلَى جَلًا، تَقُولُ مِنْهُ: رَجُلٌ أَجْلَى بيِّنُ الجَلا.

والمَجالِي: مقاديمُ الرأْس، وَهِيَ مَوَاضِعُ الصَّلَع؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِبْعيّ: " رَأَيْنَ شَيْخًا ذَرِئَتْ مَجالِيهْ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: أَراه شَيْخًا، لأَن قَبْلَهُ:

قَالَتْ سُليْمى: إِنني لَا أَبْغِيهْ، ***أَراهُ شَيْخًا ذَرِئَتْ مَجَالِيهْ،

يَقْلي الغَواني والغَواني تَقْلِيهْ "وَقَالَ الفراءُ: الْوَاحِدُ مَجْلىً وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الجَلا، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الصَّلع إِذا ذَهَبَ شَعْرُ رأْسه إِلى نِصْفِهِ.

الأَصمعي: جالَيْتُه بالأَمر وجالَحْته إِذا جَاهَرْتَهُ؛ وأَنشد: " مُجالَحة لَيْسَ المُجالاةُ كالدَّمَسْ "والمَجَالِي: مَا يُرَى مِنَ الرأْس إِذا اسْتَقْبَلَ الْوَجْهَ، وَهُوَ مَوْضِعُ الجَلَى.

وتَجَالَيْنا أَي انْكَشَفَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لِصَاحِبِهِ.

وابنُ جَلا: الواضحُ الأَمْرِ.

واجْتَلَيْتُ الْعِمَامَةَ عَنْ رأْسي إِذا رَفَعْتَهَا مَعَ طَيِّها عَنْ جَبِينك.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ عَلَى الشَّرَفِ لَا يَخْفَى مكانُه: هُوَ ابنُ جَلا؛ وَقَالَ القُلاخ: " أَنا القُلاخُ بنُ جَنابِ بن جَلا "وجَلا: اسْمُ رَجُلٍ، سُمِّيَ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي.

ابْنُ سِيدَهْ: وابنُ جَلا اللَّيْثِيُّ، سُمِّي بِذَلِكَ لِوُضُوحِ أَمره؛ قَالَ سُحَيْم بْنُ وَثِيل:

أَنا ابنُ جَلا وطَلَّاعُ الثَّنايا، ***مَتى أَضَعِ العِمامةَ تَعْرِفُوني

قَالَ: هَكَذَا أَنشده ثَعْلَبٌ، وطلَّاعُ الثَّنَايَا، بِالرَّفْعِ، عَلَى أَنه مِنْ صِفَتِهِ لَا مِنْ صِفَةِ الأَب كأَنه قَالَ وأَنا طلَّاع الثَّنَايَا، وَكَانَ ابنُ جَلا هَذَا صاحبَ فَتْك يطلعُ فِي الْغَارَاتِ مِنْ ثَنِيَّة الْجَبَلِ عَلَى أَهلها، وَقَوْلُهُ: مَتى أَضع العمامة تعرفوني "قَالَ ثَعْلَبٌ: الْعِمَامَةُ تُلْبَسُ فِي الْحَرْبِ وَتُوضَعُ فِي السَّلْم.

قَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ: إِذا سُمِّيَ الرَّجُلُ بقَتَلَ وضرَبَ ونحوهما إِنه لَا يُصْرَفُ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْتَمِلُ هَذَا الْبَيْتُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنه لَمْ ينوِّنه لأَنه أَراد الْحِكَايَةَ، كأَنه قَالَ: أَنا ابنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَلَا الأُمور وكشَفَها فَلِذَلِكَ لَمْ يَصْرِفْهُ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُهُ لَمْ يُنَوِّنْهُ لأَنه فِعْلٌ وَفَاعِلٌ؛ وَقَدِ اسْتَشْهَدَ الْحَجَّاجُ بِقَوْلِهِ: " أَنا ابنُ جَلا وطلَّاعُ الثَّنايا "أَي أَنا الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يَخْفَى وَكُلُّ أَحد يَعْرِفُنِي.

وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ: ابنُ جَلا.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: جَلا فِعْلٌ مَاضٍ، كأَنه بِمَعْنَى جَلا الأُمورَ أَي أَوضحها، وَكَشَفَهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

أَنا القُلاخُ بنُ جَنابِ بنِ جَلا، ***أَبو خَناثِيرَ أَقُود الجَمَلا

وَابْنُ أَجْلَى: كابنِ جَلا.

يُقَالُ: هُوَ ابْنُ جَلا وَابْنُ أَجْلَى؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

لاقَوْا بِه الحجاجَ والإِصْحارا، ***بِهِ ابْنُ أَجْلَى وافَقَ الإِسْفارا

لَاقَوْا بِهِ أَي بِذَلِكَ الْمَكَانِ.

وَقَوْلُهُ الإِصْحارَ: وَجَدوه مُصْحِرًا.

ووَجَدُوا بِهِ ابنَ أَجْلَى: كَمَا تَقُولُ لَقِيتُ بِهِ الأَسَدَ.

والإِسْفارُ: الصُّبْح.

وَابْنُ أَجْلَى: الأَسدُ، وَقِيلَ: ابْنُ أَجْلَى الصُّبْحُ، فِي بَيْتِ الْعَجَّاجِ.

وَمَا أَقمت عِنْدَهُ إِلَّا جَلاءَ يومٍ وَاحِدٍ أَي بياضَه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

مَا ليَ إِنْ أَقْصَيْتَني مِنْ مقْعدِ، ***وَلَا بهَذِي الأَرْضِ مِنْ تَجَلُّدِ،

إِلَّا جَلاءَ اليومِ أَو ضُحَى غَدِ "وأَجْلَى اللَّهُ عَنْكَ أَي كشَفَ؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ.

يُقَالُ لِلْمَرِيضِ: جَلا اللَّهُ عَنْهُ المرضَ أَي كشَفَه.

وأَجْلَى يعْدُو: أَسْرَعَ بعضَ الإِسْراع.

وانْجَلَى الغَمُّ، وجَلَوْتُ عَنِّي هَمِّي جَلْوًا إِذا أَذهبته.

وجَلَوْتُ السيفَ" جِلاءً، بِالْكَسْرِ، أَي صَقَلْتُ.

وجَلَوْتُ العروسَ جِلاءً وجَلْوَةً واجْتَلَيْتُها بِمَعْنًى إِذا نَظَرْتَ إِليها مَجْلُوّةً.

وانْجَلَى الظلامُ إِذا انْكَشَفَ.

وانْجَلَى عَنْهُ الهَمُّ: انْكَشَفَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا جَلَّى الظُّلمةَ فَجَازَتِ الْكِنَايَةُ عَنِ الظُّلْمة وَلَمْ تُذْكَرْ فِي أَوله لأَن مَعْنَاهَا مَعْرُوفٌ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ: أَصْبَحتْ باردَةً وأَمْسَتْ عَرِيَّةً وهَبَّتْ شَمالًا؟ فكُني عَنْ" مُؤَنَّثاتٍ لَمْ يَجْرِ لهنَّ ذِكْرٌ لأَن مَعْنَاهُنَّ مَعْرُوفٌ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِذا جَلَّاها إِذا بيَّنَ الشمسَ لأَنها تتَبين إِذا انْبَسَطَ النَّهَارُ.

اللَّيْثُ: أَجْلَيْتُ عَنْهُ الهمَّ إِذا فرَّجت عَنْهُ، وانْجَلَتْ عَنْهُ الهمومُ كَمَا تَنْجَلِي الظُّلْمَةُ.

وأَجْلَوْا عَنِ الْقَتِيلِ لَا غَيْرُ أَي انْفَرَجُوا.

وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ: « حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ» أَي انْكَشَفَتْ وَخَرَجَتْ مِنَ الْكُسُوفِ، يُقَالُ: تَجَلَّتْ وانْجَلَتْ.

وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ أَيضًا: « فقُمْت حَتَّى تجَلَّانيَ الغَشْيُ »أَي غَطَّاني وغشَّاني، وأَصله تَجَلْلَنِي، فأُبدلت إِحدى اللَّامين أَلفًا مِثْلَ تَظَنَّى وتمَطَّى فِي تظنَّن وتمطَّط، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَى تَجَلَّاني الغشيُ ذَهَبَ بقوَّتي وَصَبْرِي مِنَ الجَلاءِ، أَو ظَهَر بِي وبانَ عليَّ.

وتَجَلَّى فلانٌ مكانَ كَذَا إِذا عَلاه، والأَصل تجَلَّله؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

فَلَمَّا تَجَلَّى قَرْعُها القاعَ سَمْعَه، ***وبانَ لَهُ وسْطَ الأَشاءِ انْغِلالُها

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّجَلِّي النظرُ بالإِشْراف.

وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّجَلِّي التَّجَلُّل أَي تَجَلَّل قَرْعُها سَمْعَه فِي الْقَاعِ؛ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي: " تحَلَّى قَرْعُها القاعَ سَمْعَهُ "وأَجْلَى: مَوْضِعٌ بَيْنَ فَلْجة وَمَطْلَعِ الشَّمْسِ، فِيهِ هُضَيْبات حُمْر، وَهِيَ تُنْبِتُ النَّصِيَّ والصِّلِّيانَ.

وجَلْوَى، مَقْصُورٌ: قَرْيَةٌ.

وجَلْوَى: فَرَسُ خُفاف بْنِ نُدْبة؛ قَالَ:

وقَفْتُ لَهَا جَلْوَى، وَقَدْ قَامَ صُحْبتي، ***لأَبْنِيَ مَجْدًا، أَو لأَثْأَرَ هالِكا

وجَلْوَى أَيضًا: فَرَسُ قِرْواشِ بْنِ عَوْفٍ.

وجَلْوَى أَيضًا: فَرَسٌ لِبَنِي عَامِرٍ.

قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: وجَلْوَى فَرَسٌ كَانَتْ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوع، وَهُوَ ابْنُ ذِي العِقالِ، قَالَ: وَلَهُ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي حَرْبِ غَطَفَانَ؛ وَقَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:

يَكُونُ نَذِيرٌ مِنْ وَرَائِيَ جُنَّةً، ***ويَنْصُرُنِي منْهُمْ جُلَيّ وأَحْمَسُ

قَالَ: هُمَا بَطْنَانِ في ضُبَيْعة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


57-أساس البلاغة (روق)

روق

طعنه بروقه.

ومن المجاز: مضى روق الشباب وريقه وهو أوله. ولقيته في روق الضحى وريقه. وأصابه ريق المطر. وفلان روق بني فلان: لسيدهم. وجاءنا روق من الناس كما تقول: رأس منهم. وأنشد الأصمعي:

وأصعد روق من تميم وساقه *** من الغيث صوب أسقيته مصايره

وقعدوا في روق بيته ورواق بيته وهو مقدمه. وضرب فلان روقه ورواقه إذا نزل. وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها «ضرب الشيطان روقه ومدّ أطنابه» وروّق البيت: جعل له رواق. وهو جاري مراوقي إذا تقابل الرواقان. وهي زجاء رواق العين وهو الحاجب. قال:

تصيد وحشيّ القلوب بمقلة *** كعيني مهاة الرمل جعد رواقها

وضرب الليل أرواقه وألقى أروقته. وروق الليل: أظلم، وأتيته ورواق الليل مسدول. وألقت السحابة أرواقها بمكان كذا: دامت بالمطر، وأخرت السماء أرواقها: مطرت. وأرخت العين أرواقها: دمعت. وألقى الرجل على الشيء أروافه: حرص عليه. وألقى الماشي أرواقه: اشتد عدوه. ورأيت رواقًا من السحاب وهو نادر منه كرواق البهت. قال الراعي:

في ظل مرتجز تجلو بوارقه *** للناظرين رواقًا تحته نضد

وداهية ذات روقين، وفتنة ذات روقين. ويروى لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:

فإن هلكت فرهن ذمتي لكم *** بذات روقين لا يعفو لها أثر

وأكل فلان روقه إذا تحاتت أسنانه من الكبر. وراق فلان على فلان: تقدمه وعلاه فضلًا. قال:

أبى الله إلا أن سرحة مالك *** على كلّ أفنان العضاه تروق

وقال ابن الرقيات:

راقت على البيض الحسا *** ن بحسنها وبهائها

وراقني الشيء: أعجبني وعلا في عيني. وهؤلاء شباب روقة جمع رائق كفاره وفرهة. ورجل أروق بيّن الروق وهو إشراف ثناياه العلى على السفل مع طول. وسنة روقاء، وسنوات روق. وعاث فيهم عام أروق، كأنه ذئب أورق. وروق الشراب: صيّره رائقًا بالتصفية، وقد راق الشراب وتروق، وشراب رائق، ومسك رائق: خالص. ولافن مروق كأس الحب: بالغ في ترويقها حتى لا قذاة في رحيقها، ولقد أحسن أبو الحسن في قوله:

ومكة راووق الرحال فهاكه *** مصفى وخذ من شئت منهم مكدّرا

وروق فلان لفلان في سلعته إذا رفع في سومها وهو لا يريدها.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


58-أساس البلاغة (حبر)

حبر

هو حبر من الأحبار. وهو من أهل المحابر. وذهب حبره وسبره أي حسنه وهيئته، وجاءت الإبل حسنة الأحبار والأسبار. ويجلده حبار الضرب، وبيده حبار العمل، وانظر إلى حبار عمله وهو الأثر. قال:

لا تملأ الدلو وعرق فيها *** أما ترى حبار من يسقيها

وحبره الله: سره «فهم في روضة يحبرون» وهو محبور: مسرور، وكل حبرة بعدها عبرة. وحبرت أسنانه اصفرت، وبأسنانه حبرة وحبر بوزن بيلز. وأنشد المازني:

ولست بسعديّ على فيه حبرة *** ولست بعبدي حقيبته التمر

وقال ابن أحمر:

تجلو بأخضر من نعمان ذا أشر *** كعارض البرق لم يستشرب الحبرا

وفلان يلبس الحبير والحبرة، وحبرات اليمن كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبها ويلبسها. وحبر الشعر والكلام، وكان مهلهل يحبر شعره، وهو كلام محبر. «ومات فلان كمد الحبارى».

ومن المجاز: لبس حبير الحبور، واستوى على سرير السرور.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


59-أساس البلاغة (ظلم)

ظلم

فلان يظلم فيظلم: يحتمل الظلم. قال زهير:

ويظلم أحيانًا فيظلم

وعند فلان ظلامتي ومظلمتي: حقي الذي ظلمته، وتظلمني حقي، وتظلمت منه إلى الوالي، والظلم ظلمة كما أن العدل نور «الظلم ظلمات يوم القيامة» «وأشرقت الأرض بنور ربها» وهو يخبط الظلام. والظلمة والظلماء، وأظلم الليل، وأظلموا: دخلوا في الظلام «فإذا هم مظلمون». وقال:

طيّان طاوي الكشح لا *** يرخي لمظلمة إزاره

هي المرأة التي جن عليها الليل لا يرخى إزاره يعفّى به أثره إذا دب إليها. وتبسمت عن أشنب ذي ظلم. قال كعب بن زهير:

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت *** كأنه منهل بالراح معلول

قال أبو مالك: الظلم كأنه ظلمة تركب متون الأسنان من شدة الصفاء. وهو ظليم من الظلمان.

ومن المجاز: أرض مظلومة: حفر فيها بئر أو حوض ولم يحفر فيها قطّ واسم ذلك التراب: ظليم. قال:

فأصبح في غبراء بعد إشاحة *** على العيش مردود عليها ظليمها

وظلم البعير: عبطه. قال ابن مقبل:

عاد الأذلة في دار وكان بها *** هرت الشقاشق ظلامون للجزر

وظلم السقاء: شرب لبنه قبل الرءوب، ولبن مظلوم وظليم. قال:

وصاحب صدق لم تنلني أذاته *** ظلمت وفي ظلمي له عامدًا أجر

وظلم السيل البطاح: بلغها ولم يبلغها قبل فخدد. وإذا زادوا على القبر من غير ترابه قيل: لا تظلموا. وظلم الحمار الأتان: سفدها قبل وقتها أو في حال حملها. وزرع مظلم: زرع في أرض لم تمطر. وما ظلمك أن تفعل كذا: ما منعك. وشكا إنسان إل أعرابي الكظة فقال: ما ظلمك أن تقيء ولم تظلم منه شيئًا، ومنه: الظلمة لأنها تسد البصر وتمنعه من النفوذ. «ولقيته أدنى ظلم» وهو أول شيء سد بصرك في الرؤية. ووجدنا أرضًا تظالم معزاها: تتناطح من نشاطها وبطنتها، كقولهم: أخصب الناس واحرنفشت العنز.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


60-صحاح العربية (دخدر)

[دخدر] الدَخْدارُ: ثوبٌ أبيضُ مَصونٌ، فارسيٌّ معرّب: أي يُمْسِكُهُ التَخْتُ، أي ذو تخت.

قال الكميت يصف سحابًا:

تَجْلو البَوارِقَ عنهُ صفح دخدار

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


61-صحاح العربية (يلمق)

[يلمق] اليَلْمَقُ: القَباءُ، فارسيٌّ معرَّب.

قال ذوالرمة يصف الثور الوحشى: تجلو البوارق عن مجز نمز لهق ********* كأنه متقبى يلمق عزب

والجمع اليلامق.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


62-منتخب الصحاح (دخدر)

الدَخْدارُ: ثوبٌ أبيضُ مَصونٌ.

فارسيٌّ معرّب: أي يُمْسِكُهُ التَخْتُ، أي ذُو تَخْتٍ.

قا الكُميت يصف سحابًا:

تَجْلو البَوارِقَ عنهُ صَفْحَ دَخْدارِ

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


63-المحيط في اللغة (جلو)

جلو: جَلاَ الصَّيْقَلُ السَّيْفَ جِلاَءً.

واجْتِلاَه لِنَفْسِه.

وسَيْفٌ جَلِيٌّ: أي مَجْلُوٌّ.

وجَلَيْتُ الفِضَّةَ وجَلَوْتُها.

والملشِطَةُ تَجْلو العَرُوْسَ جِلْوَةً وجُلْوَةً.

وجُلِيَتِ العَرُوْسُ إلى زَوْجِها.

وجَلَوْتُها فهي مَجْلُوَّةٌ، واجْتَليْتُها.

والجِلْيُ بوَزْنِ الخِزْيِ: الكَوّة من السَّطْحِ لا غَيْرِ، وسَمِّيَتْ بذلكَ لأنّه يُجْتَلى منها إلى خارِجِها: أي يُنْظَرُ إليه، يُقال: اجْتَلَيْتُه ونَظرْتُ إليه.

وجَلأْتُ الرَّجُلَ: صَرَعْته.

وجَلأَ به الأرْضَ: [أي] رَمى به.

وأمْرٌ جَلِيٌّ: واضِحٌ.

واجْلِ الأمْرَ: أي أوْضِحْه.

والجُلاَءُ: البَيَانُ والأمْرُ الواضِحُ.

والجَلاَءُ: الأمْرُ البَيِّنُ.

وجَلّى الله عنه المَرَضَ.

وجَلَّيْتُ عن الزَّمَانِ والشَّيْءِ: إذا كَانَ مَدْفُوْنًا فأَظْهَرْته.

وتَجَلَّيْتُ الشَّيْءَ: نَظَرْت إليه.

والبازي يُجْلّي تَجْلِيَةً.

وجاءَ فلانٌ بغَيْرِ جَلِيَّةٍ: أي بغَيرِ يَقِينٍ، من قَوْله: وآبَ مُضِلُّوه بغَيرِ جَلِيَّةٍ وجَلاَ الغَيْمُ والشَّرُّ: إذا تَكَشَّفَ وانْجَلَى.

والجَلاَ مَقْصُوْرٌ: الإِثْمِدُ؛ سُمِّيَ به لأنَّه يَجْلُو البَصَرَ.

وجَبْهَةٌ جَلْوَاءُ: وهي الوَاسِعَةُ الحَسَنَةُ.

ورَجُلٌ أجْلى وقد جَلِيَ يَجْلَى: وهو ذَهابُ شَعرِ مَقَّدَمِ الرَّأْسِ.

والمَجَالي: مَقَادِيْمُ الرَأْسِ، الواحِدُ مَجْلىً.

وابْنُ جَلاَ: المَشْهُوْرُ المَعرُوفُ، وقيل: هو ابْنُ جَلاَ اللَّيْثيُّ وكَانَ صاحِبَ فَتْكٍ.

وكاشَفْتُ الرَّجُلَ وجالَيْتُه: بمعنىً.

والجَلاَءُ مَمْدُوْدٌ: أنْ يَجْلُوَ قَوْمٌ عن بِلادِهم، أي يَتَحَوَّلُونَ عنها ويَدَعُونَها، يُقال: أجْلَيْناهم عن بِلادِهم وأَجَلْوا: أي تَنَحَّوْا.

والجالِيَةُ: هم أهْلُ الذِّمَّةِ، والجَميعُ الجَوَالي.

وجَلّى الرَّجُلُ عن بَلَدِه.

واسْتُعْمِلَ فلانٌ على الجالَّةِ والجالِيَةِ.

ويُقال للقَوْمِ إذا كانوا مُقْبِلِينَ على شَيْءٍ مُحْدِقِيْنَ به ثمَّ أُفْرِجُوا عنه قيل: أجْلَوْا عنه.

وأجْلَيْتُ عنه الهَمَّ: إذا فَرَّجْتَ عنه.

وأجْلَوْا عن قَتِيْلٍ بالألفِ لا غَيْرِ.

وإذا عَنَيْتَ الانْكِشَافَ قُلْتَ: انْجَلَتْ عنه الهُمُوْمُ؛ كما تَنْجَلي الظُّلْمَةُ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


64-تهذيب اللغة (عرض)

عرض: قال الله جلَّ وعزَّ: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} [البَقَرَة: 224] قال سلمة عن الفراء: يقول: لا تجعلوا الحلف بالله معترضًا مانعًا لكم أن تَبرُّوا، فجعل العُرضة بمعنى المعترض.

ونحوَ ذلك قال أبو إسحاق الزجّاج.

وقال ابن دريد: يقال جعلتُ فلانًا عُرضةً لكذا وكذا، أي نصبتُه له.

قلت: وهذا قريبٌ مما قاله النحويون، لأنه إذا نُصِب فقد صار معترضًا مانعًا.

قلت: وقوله عُرضَة: فُعلة مِن عَرضَ يَعرِض.

وكلُّ مانعٍ منعَكَ من شُغل وغيره من الأمراض فهو عارضٌ، وقد عَرضَ عارضٌ، أي حال حائلٌ ومنع مانع.

ومنه قيل لا تَعرِضْ لفلانٍ، أي لا تعترضْ له فتمنعَه باعتراضك أن يقصد مُرادَه ويذهب مذهبَه.

ويقال سلكتُ طريقَ كذا فعرض لي في الطَّريق عارضٌ، أي جبلٌ شامخ قطع عليَّ مذهبِي على صَوْبي.

وقال أبو عبيد عن الأصمعيّ: فلانٌ عُرضة للشَّرّ، أي قويٌّ عليه.

وفلانة عُرضةٌ للأزواج، أي قويَّة على الزَّوْج.

قلت: وللعُرضة معنًى آخر، وهو الذي يَعرِض له الناسُ بالمكروه ويقَعون فيه.

ومنه قول الشاعر:

وإنْ يَتركوا رهط الفَدَوْكسِ عُصبةً *** يتامَى أيامَى عُرضةً للقبائل

أي: نَصبًا للقبائل يعترضهم بالمكروه مَن شاء.

وقال الليث: فلانٌ عُرضَةٌ للناس: لا يزالون يَقعون فيه.

وقول الله جلّ وعزّ: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا} [الأعرَاف: 169] قال أبو عبيد: جميع متاع الدُّنيَا عَرَضٌ، بفتح الراء.

يقال: إنّ الدُّنيا عَرضٌ حاضر، يأكل منها البَرُّ والفاجر.

وأما العَرْض بسكون الراء فما خالفَ الثمنَين: الدَّنانيرَ والدراهم، من متاع الدُّنيا وأثاثها، وجمعه عُروض.

فكل عَرْضٍ داخلٌ في العَرَض، وليس كلُ عَرَضٍ عَرْضًا.

وقال الأصمعي: يقال عَرَضْتُ لفلانٍ من حقِّه ثوبًا فأنا أعرِضه عَرضًا، إذا أعطيتَه ثوبًا أو متاعًا مكانَ حقِّه.

و «من» في قولك عرضت له من حقّه بمعنى البدل، كقول الله عزوجل: {وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزّخرُف: 60] يقول: لو نشاء لجعلنا بدلكم في الأرض ملائكة.

وقال الليث: عَرضَ فلانٌ من سِلعته، إذا عارضَ بها: أعطى واحدةً وأخذَ أخرى.

وأنشد قول الراجز:

هل لكِ والعارِضُ منكِ عائضُ *** في مائة يُسْئِر منها القابضُ

قلت: وهذا الرجز لأبي محمد الفقعسيّ يخاطب امرأةً خطبَها إلى نفسها ورغّبها في أن تنكحه بمائة من الإبل يَجعلها لها مهرًا.

وفيه تقديم وتأخير، والمعنى: هل لكِ في مائة من الإبل يُسئر منها قابضُها الذي يسوقها لكثرتها.

ثم قال: والعارض منك عائض، أي المعطِي بدل بُضْعكِ عَرْضًا عائض، أي آخذ عِوضًا يكون كِفاءً لما عَرَضَ منك.

يقال عِضْتُ أَعاضُ، إذا اعتضتَ عوضًا، وعُضْتُ أعوض، إذا عوَّضت عوضًا، أي دفعت.

فقوله عائض من عِضْت لا من عُضْت.

وقال الليث: العَرَض من أحداث الدهر من الموت والمرض ونحو ذلك.

وقال أبو عبيد: قال الأصمعي: العَرَض: الأمر يَعرِضُ للرجل يُبتَلَى به.

قال: وقال أبو زيد: يقال أصابه سهمُ عَرَضٍ، مضاف، وَحَجَر عَرَض، إذا تُعُمِّد به غيرُه فأصابه.

فإن سقَطَ عليه حجرٌ من غير أن يَرمِيَ به أحدٌ فليس بعَرَض.

ونحوَ ذلك قال النضر.

ويقال: ما جاءك من الرأي عَرَضًا خيرٌ مما جاءك مُستكرَهًا، أي ما جاءك من غير تروية ولا فكر.

ويقال: عُلِّق فلانٌ فلانةَ عَرَضًا، إذا رآها بغتةً من غير أنْ قصَدَ لرؤيتها فَعَلِقَها.

وقال ابن السكيت في قوله: «عُلِّقْتُها عرضًا»: أي كانت عَرَضًا من الأعراض اعترضَني من غير أن أطلبه.

وأنشد:

وإمّا حُبّها عَرَضٌ وإمّا *** بشاشة كلّ علقٍ مستفادِ

يقول: إما أن يكون الذي بي من حبِّها عَرَضًا لم أطلبه، أو يكون عِلْقًا.

وقال اللِّحياني: العَرَض: ما عَرَضَ للإنسان من أمرٍ يحبِسُه، من مرضٍ أو لُصوص.

قال: وسألته عُراضةَ مالٍ، وعَرْض مالٍ، وعَرَض مالٍ فلم يُعطِنيهِ.

وقال ابن السكيت: عرضْت الجُندَ عَرْضًا.

قال: وقال يونس: فاتَه العَرَض بفتح الراء، كما يقال قبضَ الشيء قَبْضًا، وقد ألقاه ودخَلَ في القَبَض.

أبو عبيد عن الأصمعي: العَرْضَ: خِلاف الطُّول.

ويقال عَرَضتُ العُودَ على الإناء أَعرُضُه.

وقال غير الأصمعيّ: أعرِضُه.

وفي الحديث: «ولو بعودٍ تَعرُضُه عليه»، أي تضعه معروضًا عليه.

وقال الأصمعي: العَرْض: الجبل.

وأنشد:

كما تَدَهْدَى من العَرْض الجلاميدُ

ويشبّه الجيش الكثيف به فيقال: ما هو إلّا عَرْضٌ، أي جبل.

وأنشد:

إنّا إذا قُدنا لقومٍ عَرْضا *** لم نُبقِ من بَغْي الأعادي عِضّا

والعَرْض: السَّحاب أيضًا، يقال له عَرْض إذا استكثَفَ.

قاله ابن السكيت وغيره.

يقال عرضتُ المتاعَ وغيره على البيع عَرْضًا.

وكذلك عَرْض الجُنْدِ والكِتاب.

ويقال لا تَعرِضَ عَرْض فلان، أي لا تذكرهُ بسوء.

ويقال عَرضَ الفرسُ يَعرِض عرضًا، إذا مرَّ عارضًا في عَدْوه.

وقال رؤبة:

يَعرِض حتَّى يَنصِبَ الخيشوما

وذلك إذا عدَا عارضًا صدرَه ورأسَه مائلًا.

ورُوي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنّه ذكر أهل الجنّة فقال: «لا يُبولُون ولا يتغوَّطون، إنما هو عَرَق يَجرِي في أعراضهم مثل ريح المِسْك» قال أبو عبيد: قال الأمويّ: واحد الأعراضِ عِرْض، وهو كل موضع يعرق من الجسد.

يقال فلان طيّب العِرْض، أي طيّب الريح.

قال أبو عبيد: المعنى هاهنا في العِرْض أنه كل شيء في الجسد من المَغَابن، وهي الأعراض.

قال: وليس العِرض في النسب من هذا بشيء.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العِرض: بدن كلِّ الحيوان.

والعِرضُ: النَّفْس.

قلت: فقوله «عَرَق يجري من أعراضهم»، معناه من أبدانهم على قول ابن الأعرابيّ، وهو أحْسَنُ من أن يُذهب به إلى أعراض المغابن.

وقال الأصمعيّ: رجل خبيث العِرض، إذا

كان مُنتِن الرِّيح.

وسِقاءٌ خبيثُ العِرض، أي مُنْتن الريح.

وقال اللحياني: لبَن طيِّب العِرض، وامرأة طيّبة العرض، أي الرِّيح.

قال: والعِرْض: عِرض الإنسان ذُمَّ أو مُدِحَ، وهو الجَسد.

قال: ورجلٌ عِرضٌ وامرأةٌ عِرضة، وعِرَضْنٌ وعِرَضْنَة، إذا كان يعترض الناسَ بالباطل.

وأخبرنا السعديّ عن الحسين بن الفرج عن علي بن عبد الله قال: قال سفيان في قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، قال: «لَيُّ الواجد يُحِلُ عِرضَه وعقوبته» قال: عِرضُه أن يُغَلَّظ له.

وعقوبته الحَبْس.

قلت: معنى قوله «يُحلُ عِرضه» أن يُحِلّ ذمّ عِرضه لأنّه ظالم، بعدما كان محرَّمًا منه لا يحلّ له اقتراضه والطعن عليه.

وقال الليث: عِرض الرجل: حَسَبه.

وقال غيره: العِرْض: وادي اليمامة.

ويقال لكلِّ وادٍ فيه قُرًى ومياهٌ: عِرْض.

وقال الراجز:

ألا ترى في كل عِرضٍ مُعْرِضِ *** كلَّ رَدَاحٍ دَوْحة المحوَّضِ

وقال الأصمعيّ: أخصبَ ذلك العِرض، وأخصبت أعراضُ المدينة، وهي قُراها التي في أوديتها.

وقال شمر: أعراض اليمامة هي بطونُ سوادِها حيث الزّرعُ والنخل.

وعَرَضَ الجيشَ عَرْضًا.

وقد فاته العَرَض، وهو العطاء والطمع.

وقال عديّ بن زيد:

وما هذا بأول ما ألاقي *** من الحَدَثان والعَرَض القريبِ

أي: الطَّمع القريب.

يقال أخذ القومُ أطماعَهم، أي أرزاقهم.

وأمَّا العُرْض فهو ناحيةُ الشيء من أي جهةٍ جئتَه.

يقال استعرض الخوارجُ الناس، إذا قتلوهم من أيّ وجهٍ أمكنَهم.

وقيل: استعرضوهم أي قتلوا من قدَروا عليه أو ظفِروا به ويقال اضربْ بهذا عُرضَ الحائط، أي ناحيته وقال أبو عبيدة: عُرْضا أنفِ الفرس: مبتدأ ما انحدرَ من قصبة الأنف في حافتيه جميعًا.

وروي عن محمد بن علي أنه قال: «كُلِ الجُبُنَ عُرْضًا» قال أبو عبيدة: معناه اعترضْه واشترِه ممَّن وجدتَه، ولا تسأل عن عَمَلِه، أعمِلَه مسلمٌ أو غيره.

وهو مأخوذ من عُرض الشيء، وهو ناحيته.

وقال اللِّحياني: ألقِهِ في أيّ أعراض الدار شئتَ.

الواحد عُرْضٌ وعَرْض وقال: خُذْهُ من عُرض الناس وعَرْضهم، أي من أيّ شقٍّ شئتَ.

وكلُّ شيء أمكنكَ من عُرضِه فهو مُعْرِض لك، يقال أعرضَ لك الظَّبيُ فارمِه، أي ولّاك عُرضَه، أي ناحيته.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: العُرض: الجانب من كل شيء.

والعُرُض مثقَّل: السَّير في جانب، وهو محمودٌ في الخيل مذموم في الإبل.

ومنه قوله

معترضاتٍ غيرَ عُرضيَّاتِ

أي: يَلزَمْن المَحَجّة.

قال: والعَرَض: ما يَعرِض للإنسان من الهموم والأشغال.

يقال عَرَض لي يَعرِض، وعَرِضَ يَعرَض، لغتان.

قال:

والعِرْض: بدن كلّ الحيوان.

وقال الليث: العَروض: طريقٌ في عُرض الجبل، والجميع عُرُضٌ، وهو ما اعترضَ في عُرض الجبل.

قال: وعُرض البحر والنهر كذلك.

ويقال جَرَى في عُرض الحديث، ويقال في عُرض الناس، كلُّ ذلك يُوصَف به الوسَط.

قال لبيد:

فتوسَّطَا عُرضَ السَّرِيّ وصدّعا *** مَسجورةً متجاورًا قُلَّامُهَا

قال: ويقال نظرتُ إليه عن عُرُض، أي جانب.

وأنشد:

ترَى الريشَ عن عُرضِهِ طاميًا *** كعَرضك فوقَ نِصالٍ نصالا

يصف ماءً صار ريشُ الطائر فوقَه بعضُه فوق بعض، كما تعرِضُ نصلًا فوق نصل.

وفي حديث عمر أنه خطب فقال: «ألَا إنَّ الأُسَيفِعَ أُسَيفِعَ جُهينة رضيَ عن دينه وأمانته بأن يقال سابِقُ الحاجّ، فادّانَ مُعرِضًا قد رِينَ به».

قال أبو عبيد: قال أبو زيد في قوله «فادّانَ مُعرِضًا» يعني استدانَ مُعرضًا، وهو الذي يعترضُ الناس فيستدِين ممَّن أمكنَه.

وروى أبو حاتم عن الأصمعيّ في قوله «فادّانَ مُعْرِضًا»، أي أخذ الدَّينَ ولم يُبالِ ألّا يؤدّيَه.

وقال شمر في مؤلَّفه: المُعرِض هاهنا بمعنى المعترض الذي يعترض لكل من يُقْرضه.

قال: والعرب تقول: عَرَض لي الشيءُ وأعرض وتعرَّضَ واعترضَ بمعنًى واحد.

قال شمر: ومن جَعَل المُعرِضَ مُعرضًا هاهنا بمعنى الممكن فهو وجْهٌ بعيد، لأنَ معرِضًا منصوب على الحال لقولك ادّان، فإذا فسَّرته أنه يأخذ ممن يمكنُه فالمُعْرِض هو الذي يُقرِضه، لأنّه هو الممكن.

قال شمر: ويكون المُعْرِضُ من قولك أعرضَ ثَوبُ المُلْبِس، أي اتّسَعَ وعَرُض.

وأنشد لطائي في أعرض بمعنى اعترض:

إذا أعرضَتْ للناظرِينَ بدا لهمْ *** غِفارٌ بأعلى خدِّها وغِفارُ

قال: وغِفارٌ: مِيسمٌ يكون على الخدّ.

قال: ويقال أعرضَ لك الشيءُ، أي بدا وظهَرَ.

وأنشد:

إذا أعْرَضَتْ داويّةٌ مُدلهمَّةٌ *** وغرّدَ حاديها فَرَيْنَ بها فِلْقَا

أي: بدت.

وقال الفرَّاء في قول الله جلّ وعزّ: {وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] أي أبرزْناهَا حتّى رأوها.

قال: ولو جعلتَ الفعل لها زدتَ ألفًا فقلتَ أعرضَتْ، أي استبانتْ وظهرتْ.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال في بيت ابن كلثوم:

وأعرضتِ اليمامةُ واشمخرَّتْ

أي: أبدتْ عُرضَها.

ويقال ذلك لجَبَلها وهو عارضُها.

وقال ابن قتيبة في قوله «فادّان مُعْرِضًا» أي استدانَ مُعْرِضًا عن الأداء مولِّيًا عنه.

قال: ولم نجدْ أعرضَ بمعنى اعترض في

كلام العرب.

وقال ابن شميل في قوله «فادّانَ مُعْرِضًا» قال: يعرِض إذا قيل له لا تستدِنْ فلا يَقبَل.

أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال عَرّضْتُ أهلي عُراضةً؛ وهي الهديّةُ تُهديها لهم إذا قدِمتَ من سفَر.

وأنشد للراجز:

يَقدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ *** حَمراء من مُعَرَّضات الغِربانْ

يعني أنها تَقْدُم الإبل فيسقُط الغرابُ على حِملها إن كان تمرًا فيأكله، فكأنّها أهدته له.

قال: ويقال قوسٌ عُرَاضة، أي عريضة.

ويقال للإبل: إنّها العُراضاتُ أثرًا.

وقال ساجعهم: «وأرْسِل العُراضاتِ أثرًا، يَبغينك في الأرض مَعْمرًا»، أي أرسل الإبلَ العريضة الآثار عليها رُكبانُها ليرتادوا لك منزلًا تنتجعه.

وقال ابن شميل: يقال تعرَّضَ لي فلانٌ، وعَرَض لي يَعرِض، واعترض لي يشتُمني ويؤذيني، وما يُعْرِضك لفلان.

ويقال عَتودٌ عَروض، وهو الذي يأكل الشجرَ بعُرْضِ شِدقه.

قال: ويقال للماعز إذا نَبَّ وأراد السِّفاد عَريض، وجمعه عِرْضان.

ويقال عريض عَروض، إذا اعترضَ المرعَى بشِدقه فأكله.

ويقال تعرَّضَ فلانٌ في الجبل، إذا أخذَ في عَرُوضٍ منه فاحتاجَ أن يأخذ فيه يمينًا وشمالًا.

ومنه

قول عبد الله ذي البِجادين المزَنيّ يخاطب ناقة رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم وهو يقودها على ثنّيةٍ رَكوبة، فقال:

تعرَّضي مَدَارجًا وسُومِي

تعرُّضَ الجوزاءِ للنجوم *** وهو أبو القاسم فاستقيمي

ويقال: تعرَّضتُ الرِّفاقَ أسألهم، أي تصدَّيت لهم أسألهم.

وقال اللِّحياني: يقال تعرَّضت معروفَهم ولمعروفهم، أي تصدَّيت.

ويقال استُعمل فلانٌ على العَروض، يُعنَى مكةُ والمدينةُ واليمن.

ويقال أخذ في عَروضٍ منكرة، يعني طريقًا في هَبوط.

وقال الليث: يقال تعرَّضَ فلانٌ بما أكره.

ويقال تعرَّضَ وصلُ فلانٍ، أي دخَلَه فساد.

وأنشد:

فاقطعْ لُبانةَ مَن تَعرَّضَ وصلُه

وقيل: معنى «مَنْ تعَرَّضَ وصلُه»: أي زاغَ ولم يستَقِمْ، كما يتعرَّض الرجل في عَروض الجبل يمينًا وشمالًا.

وقال امرؤ القيس يصف الثريا:

إذا ما الثريَّا في السماء تعرَّضَتْ *** تعرُّضَ أثناءِ الوشاحِ المفصَّلِ

أي: لم تستقم في سيرها ومالت كالوشاح المعوَّج أثناؤه على جارية توشَّحت به.

ويقال اعترضَ الشيءُ، إذا مَنَع، كالخشبة المعترضة في الطريق تمنع السالكين سلوكَها.

واعترضَ فلانٌ عِرضَ فلانٍ، إذا وقع فيه وتنقَّصه في عِرضه وحَسَبه.

ويقال اعترض له بسهمٍ، إذا أقبلَ به قُبْلَه فأصابه.

واعترضَ الفرسُ في رَسَنه، إذا لم يستقمْ لقائده.

وقال الطرمّاح:

وأماني المليك رُشدي وقد كن *** تُ أخَا عُنجهيّةٍ واعتراضِ

ويقال اعترضَ الجندُ على قائدهم.

واعتَرَضَهم القائد، إذا عرضَهم واحدًا واحدًا، وقول الراجز:

معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات

يقول: اعترَاضهنَ من النشاط، ليس اعترَاضَ صعوبة.

وقال ابن الأعرابي: العُرُض ـ محرّك ـ: السَّير في جانب.

قال: وهو محمودٌ في الخيل مذمومٌ في الإبل.

قال: ومنه قوله:

معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات

أي: يلزَمن المحَجَّة.

وقال الليث: يقال عارضَ فلانٌ فلانًا: إذا أخذَ في طريقٍ وأخذ في غيره فالتقيا.

وعارضَ فلانٌ فلانًا، إذا فعلَ مثلَ فعله وأتى إليه مثل الذي أتَى إليه.

ويقال عارضتُ فلانًا في السَّير، إذا سِرْت حيالَه وحاذيتَه.

وعارضتُه بمتاعٍ أو دابّةٍ أو شيءٍ مُعارضةً، إذا بادلتَه به.

وعارضتُ كتابي بِكتابه.

وفلانٌ يُعارضني، أي يباريني.

ويقال سِرنا في عِراض القوم، إذا لم تستقبلهم ولكن جئتهم من عُرضهم.

وقال أبو عبيد: أُلقحتْ ناقة فلانٍ عِراضًا، وذلك أن يُعارضها الفحل معارضةً فيضربها من غير أن تكون في الإبل التي كان الفحلُ رسيلًا فيها.

وقال الراعي:

فلائص لا يُلقَحن إلَّا يَعارةً *** عِراضًا ولا يُشرَينَ إلَّا غواليا

وقال ابن السكيت في قول البَعِيث:

مَدحنا لها رَوقَ الشَّباب فعارضَتْ *** جَنَاب الصِّبا في كاتم السرِّ أعجما

قال: عارضَتْ: أخذَت في عُرضٍ، أي ناحيةٍ منه.

جَناب الصِّبا: إلى جَنْبه.

وقال اللحياني: بعير مُعارِضٌ، إذا لم يستقم في القطار.

ويقال جاءت فلانةُ بولدٍ عن عِراض ومعارضة، إذا لم يعرف أبوه ويقال للسَّفيح: هو ابن المعارَضة.

والمُعارَضة: أن يعارض الرجُلُ المرأة فيأتيهَا بلا نكاح ولا مِلْك.

أبو عبيد عن الأصمعي: يقال عرَّض لي فلانٌ تعريضًا، إذا رَحرحَ بالشيء ولم يبيِّن وقال غيره: عرّضت الشيءَ: جعلتُه عريضًا.

والمعَاريض من الكلام: ما عُرِّض به ولم يصرَّح.

والتعريض في خِطبة المرأة في عِدّتها: أن يتكلَّم بكلام يُشْبه خِطبتها ولا يصرِّح به، وهو أن يقول لها: إنّك لجميلة، وإن فيكِ لبقيّةً، وإن النساء لمِنْ حاجتي.

والتعريض قد يكون بِضرب الأمثال وذكر الألغاز، وهو خلافُ التصريح في جُملة المقال.

وعَرَّض الكاتب تعريضًا، إذا لم يبيِّن الحروفَ ولم يقوِّم الخطّ.

ومنه قول الشَّمَّاخ:

بتيماءَ حَبرٌ ثمَ عَرَّضَ أسطُرا

ثعلب عن ابن الأعرابي: عَرَّضَ الرجلُ: إذا صار ذا عارضة.

والعارضة: قوّة الكلام وتنقيحه، والرأي الجيِّد.

وعَرَّضَ فلانٌ، إذا دامَ على أكل العَرِيض، وهو الإمَّر.

وإبلٌ معرَّضة: سِمَتُها العِراض في عَرض الفخذ لا في طوله.

يقال منه عَرَضتُ البعير وعرّضته تعريضًا.

والعَرِيض من المِعزَى: ما فوقَ الفطيم ودون الجَذَع.

وقال بعضهم: العريض من

الظباء: الذي قارب الإثناء.

والعريض عند أهل الحجاز خاصَّةً: الخصيُّ، وجمعه عِرضان.

ويقال أعرضْتُ العِرضانَ، إذا خَصَيْتَها.

ويقال أعرضتُ العِرضانَ، إذا جعلتها للبيع ولا يكون العريض إلا ذكرًا.

أبو عبيد عن أبي زيد: إذا رعَى الجَفْرُ من أولاد المِعزَى وقَوِيَ فهو عريضٌ، وجمعه عِرضانٌ.

وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا أجذَع الجدْيُ والعَناق سمِّي عريضًا وعَتُودًا، وجمعه عِرضان.

قال: والعارض جانب العِراق.

والعارض: السَّحابُ المُطِلّ.

وقال الليث: أعرضْتُ الشيءَ، أي جعلتُه عَريضًا.

واعترضت عُرْضَ فلانٍ، إذا نحوتَ نحوَه.

قال: ونظرتُ إلى فلانة مُعارَضةً، إذا نظَرتَ في عُرضٍ.

ورجلٌ عِرِّيضٌ: إذا كان يتعرَّض للناس بالشرِّ.

قال: والعَروض: عروض الشعر، والجميع الأعاريض، وهو فواصل أنصاف الشعر، سمِّي عروضًا لأن الشعرَ يُعرَض عليه، فالنصف الأوّل عروض؛ لأنّ الثاني يُبنَى على الأول.

والنصف الأخير الشَّطر.

قال: ومنهم من يجعل العروض طرائقَ الشعر وعموده، مثل الطويل، تقول: هو عروضٌ واحد.

واختلاف قوافيه يسمَّى ضروبًا.

قال: ولكلٍّ مقال.

والعَروض عَرُوض الشعر مؤنثة، وكذلك عَروض الجَبل.

أبو عبيد عن الأصمعي: عَتودٌ عَروضٌ، وهو الذي يأكل الشيء بعُرض شِدقه.

وأخَذ في عَروضٍ منكَرة.

وقال ابن السكيت: عَرَفتُ ذلك في عَروض كلامه، أي فَحوى كلامه ومعنى كلامه.

وقال التغلبي:

لكلّ أناسٍ من مَعدٍّ عِمارةٌ *** عَروضٌ إليها يلجئون وجانبُ

قال: وتقول هي عَروض الشِّعر.

وأخذ فلانٌ في عَروض ما تُعجِبني، أي في ناحية.

ويقال هذه ناقةٌ فيها عُرضِيَّةٌ، إذا كانت ريِّضًا لم تُذَلَّل.

ويقال ناقةٌ عُرضيّةٌ وجَملٌ عُرْضيٌ.

وقال الشاعر:

واعرورتِ العُلُطَ العُرضيَ تركضه *** أم الفوارسِ بالدِّيداء والرَّبَعَه

وفي حديث عمر حين وصف نفسَه بالسياسة وحُسن النَّظر لرعيّته فقال: «إنّي أضمُّ العَنود، وأُلْحِقُ العَطوف، وأزجر العَروض»، قال شمر: العَروض العُرْضيّة من الإبل: الصَّعبة الرأس الذَّلول وسطُها التي يُحمل عليها ثم تساق وسطَ الإبل المحمّلة، وإن ركبها رجلٌ مضَتْ به قُدمًا ولا تَصَرَّف لراكبها.

قال: وإنّما قال: «أزجُر العَروضَ» لأنها تكون آخر الإبل.

قال: وتقول ناقةٌ عَروض وفيها عَروض، وناقة عُرْضية.

وقال ابن السكيت: ناقةٌ عَروضٌ، إذا قبِلتْ بعض الرياضة ولم تستحكم.

قال شمر: وأما في قول حميد:

فما زالَ سَوطي في قِرابي ومِحجني *** وما زلتُ منه في عَروضٍ أذودُها

أي: في ناحيةٍ أداريه وفي اعتراض.

وقال في قول ابن أحمر يصف جارية:

ومنَحتُها قولي على عُرْضيّة *** عُلُطٍ أُدارىء ضِغنَها بتودُّدِ

وقال ابنُ الأعرابيّ: شبّهها بناقةٍ صعبةٍ في كلامه إيَّاها ورفقِه بها.

وقال غيره: منحتُها: أعَرتُها وأعطيتها.

وعُرضيّة: صعوبة، كأنّ كلامَه ناقةٌ صَعبة.

ويقال إنه أراد كلَّمتها وأنا على ناقةٍ صعبة فيها اعتراض.

والعُرضيُ: الذي فيه جفاءٌ واعتراض.

والعُرضيُ: الذي فيه جفاءٌ واعتراض.

وقال العجّاج:

ذو نَخْوةٍ حُمَارسٌ عُرضيُ

وقال الليث: المِعراض: سهمٌ يُرمَى به بلا ريش يَمضِي عَرْضًا.

والمَعرَض: المكان الذي يُعرَض فيه الشيء.

وثوبٌ مِعرضٌ: تُعرَض فيه الجارية والعارضة: عارضة الباب.

وفلانٌ شديد العارضة: ذو جَلَد وصرامة.

والعوارض: سقائف المحمل.

والعوارض: الثنايا، سمِّيت عوارضَ لأنّها في عُرض الفم.

وقال الأصمعي: العوارض: الأسنان التي بعد الثَّنايا، يقال فلانة نقيّة العوارض.

وقال اللحياني: العوارض من الأضراس.

وقال غيره: العارض: ما بين الثنيّة إلى الضرس.

وقِيل: عارض الفم: ما يبدو منه عند الضحك.

وقال كعب:

تجلو عوارض ذي ظَلْم إذا ابتَسَمتْ *** كأنّه مُنهَلٌ بالراح معلولُ

يصف الثنايا وما بعدها.

وفي الحديث أن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم بعثَ أم سُلَيم لتنظرَ إلى امرأة فقال: «شمِّي عوارضَها»، قال شمر: العوارض هي الأسنان التي في عُرض الفم، وهي ما بين الثَّنايا والأضراس، واحدها عارض.

وقال جرير:

أتَذْكُر يومَ تَصقُلُ عارضَيها *** بفَرعِ بَشامةٍ سُقِيَ البَشامُ

وقال شمر: العارض أيضًا: الخدُّ.

يقال أخذَ الشَّعَرَ من عارضيه، أي خدَّيه.

وإنما أمرَ النبي بشمٍ عوارضها لتَبورَ بذلك ريحَ فمها، أطيّب أَمْ خبيث.

وقال اللِّحياني: عارضا الوجه وعَروضاه: جانباه.

وقال الأصمعيّ: يقال بنو فلان أكَّالون للعوارض، جمع العارضة، وهي الشاة أو البعير يصيبُه داءٌ أو سبُعٌ أو كسر.

وقال شمر: يقال عَرضَتْ من إبل فلان عارضةٌ، أي مرِضت.

قال: وبعضهم يقول عَرِضت.

قال شمر: وأجوده عَرَضَت.

وأنشد:

إذا عَرِضَتْ منها كَهاةٌ سمينةٌ *** فلا تُهدِ منها واتَّشِق وتَجَبجَبِ

الليث: يقال فلانٌ يعدو العِرَضْنةَ، وهو الذي يشتقُّ في عَدْوه.

وقال اللحياني: يقال اشتر بهذا عُرَاضة لأهلك، أي هديّة، مثل الحنّاء ونحوه.

وقال أبو زيد في العُراضة: الهديّة التعريض ما كان من مِيرةٍ أو زادٍ بعد أن يكون على ظهر بعير.

يقال عَرِّضونا من مِيرتكم.

وقال الأصمعي: العُراضة: ما أطعمَه الراكبُ من استطعَمَه من أهل المياه.

وقال هِميان:

وعرَّضوا المجلسَ محضًا ماهجًا

أي: سقَوهم.

ويقال: عَرَفت ذلك في

مِعراض كلامه، ومعاريض كلامه وفحواه أي في عروض كلامه.

ومنه قول عِمرانَ بن حُصَين: «إنّ في المعاريض لمَندوحةً عن الكذب».

ويقال عرضَتِ الشَّاةُ الشوكَ تعرُضه، إذا تناولتْه وأكلتْه.

ويقال رأيته عَرْضَ عين، أي ظاهرًا من قريب.

والمعَرَّضة من النساء: البكر قبل أن تُحجَب، وذلك أنها تُعرَض على أهل الحيِ عَرضةً ليرغِّبوا فيها من رَغِب، ثم يحجبونها.

وقال الكميت:

لياليَنا إذْ لا تزالُ تَروعُنا *** مُعرَّضةٌ منهنَّ بِكر وثيِّبُ

ويقال استُعرِضت الناقة باللحم، فهي مستَعرَضَة، كما يقال قُذِفت باللحم ولُدِسَت، إذا سمنتْ.

وقال ابن مقبل:

قَبَّاء قد لحقَتْ خسيسةَ سنِّها *** واستُعرِضت ببضيعها المتبتِّرِ

قال: خسيسة سِنِّها: حين بَزَلتْ، وهي أقصَى أسنانها.

ويقال: كان لي على فلانٍ نَقدٌ فأعسرته واعترضتُ منه، أي أخذتُ العَرْض.

وإذا طلب قومٌ عند قومٍ دمًا فلم يُقِيدوهم قالوا: نحن نَعْرِض منه فاعترِضوا منه، أي اقبلوا الدّيةَ عَرْضًا.

ويقال انطلق فلانٌ يتعرَّض بجَمله السوقَ، إذا عرضَه على البيع.

ويقال تَعرَّضْ به، أي أقمْه في السُّوق.

وفلانٌ معتَرَضٌ في خُلقه، إذا ساءك كلُّ شيءٍ من أمره.

وعَرضَ الرامي القوسَ، إذا أضجعها ثم رمَى عنها عَرْضًا.

وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا} [الأحقاف: 24] أي قالوا: الذي وُعدنا به سحابٌ فيه الغيث.

فقال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 24].

ويقال للرِّجْل العظيم من الجراد: عارض؛ يقال مرَّ بنا عارضٌ قد ملأ الأفق.

وقال أبو زيد: العارض: السحابة تراها في ناحيةِ السماء، وهو مثل الجُلْب، إلّا أنّ العارض يكون أبيضَ والجُلْبُ إلى السَّواد، والجُلب يكون أضيقَ من العارض وأبعَدَ.

والعوارض من الإبل: التي تأكل العِضاهَ عُرُضًا، أي تأكله حيثُما وَجدته.

وقول ابن مُقبل:

مهاريق فَلُّوجٍ تعرَّضْنَ تاليا

أراد: تعرّضهنّ تالٍ يقرؤهن؛ فقلب.

وقال ابن السكيت: يقال ما يَعْرُضك لفلان، ولا يقال ما يُعَرِّضك.

ويقال: هذه أرضٌ مُعْرِضة: يستعرضها المال ويعترضها، أي هي أرضٌ مُعْرِضة فيها نبتٌ يرعاه المال إذا مرَّ فيها.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


65-تهذيب اللغة (عوس)

عوس: أخبرني الإياديّ عن شمر قال يقال: هو يعُوس عياله ويعولهم أي يقوتُهم.

وأنشد:

خلّي يتامَى كان يُحسن عَوْسهم *** ويقوتهم في كلّ عام جاحد

سلمة عن الفراء: عاس فلان معاشه عَوْسًا ورقَّحه واحد.

وقال أبو زيد: عاس فلان مالَه عَوْسًا ورقَّحه واحد.

وقال أبو زيد: عاس فلان مالَه عَوْسًا، وساسه سياسة إذا أحسن القيام عليه.

وإنه لسائس مالٍ، وعائس مالٍ بمعنى واحد.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: يقال: عاس على عياله يَعُوس عَوْسًا إذا كدّ وكدح عليهم.

قال: والعُوس الكِباش البيض.

قال: والعُواسة: الشَّرْبَة من اللبن وغيره.

وقال الليث: والعَوْس والعَوَسان: الطوفان بالليل.

قال: والذئب طلب شيئًا يأكله.

قال: والأعوس: الصيقل.

ثم قال: ويقال لكل وصّاف لشيء: هو أعوس وصّاف.

وقال جرير:

تجلو السيوف وغيركم يَعْصَى بها *** يا ابن القُيُون وذاك فعل الأعوس

قلت: رابني ما قاله في الأعوس وتفسيره إبداله قافية هذا البيت بغيرها.

والرواية: وذاك فعل الصيقل.

والقصيدة لجرير معروفة وهي لاميّة طويلة.

وقوله الأعوس: الصيقل ليس بصحيح عندي.

وقال ابن دريد: العَوَس: مصدر قولك رجل أعوس، وامرأة عوساء، وهو دخول الخدّين حتى تكون فيهما هَزْمتان وهو العَوَس.

أبو عبيدِ عن القَنَاني: العَوَاساء من الخنافس: الحامل وأنشد:

* بكرا عواساء تَفَاسى مُقْرِبا*

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


66-تهذيب اللغة (حبر)

حبر: روي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال «يخرج رجلٌ من النار قد ذهب حِبْرُه وسِبْرُه» قال أبو عبيد، قال الأصمعي: حِبْرُه وسِبْرُه هو الجمالُ والبَهاءُ.

يقال فلان حَسَن الحِبْرِ والسِّبْرِ.

وقال ابنُ أَحمر وذَكَر زَمَانًا:

لَبِسْنَا حِبْرَهُ حتى اقْتُضِينَا *** لأجيال وأعمال قُضِينَا

أي: لبسنا جماله وهيبته وقال أبو عبيد قال غيره: فلان حَسَنُ الحَبْرِ والسَّبْر إذا كان جميلًا حسَن الهَيْئة بالفتح.

قال أبو عبيد: هو عندي بالحَبْر أشبهُ، لأنه مصدر حَبَرْتُه حَبْرًا إذا حسَّنْتَه.

وقال الأصمعي: كان يقال للطُّفَيْلِ الغَنَوِيِّ: مُحَبِّر، في الجاهليّة، لأنه كان يُحَسِّن الشعر.

قال وهو مأخُوذ من التحبير وحُسْنِ الخطِّ والمنطِق.

شمر عن ابن الأعرابيّ: هو الحِبْر والسِّبْر بالكسر.

قال وأخبرَني أبو زيادٍ الكلابيُّ أنه قال: وقفت على رَجُلٍ من أهل البادية بعد مُنْصَرَفي منَ العراق، فقال: أمّا اللسان فَبدَويُّ، وأما السِّبْرُ فحضريٌّ.

قال: والسِّبْرُ: الزِّيُّ والهيئةُ.

قال: وقالت بدوية: أعجبَنَا سِبْرُ فلانٍ أي حُسْنُ حَالِه وخصْبُهُ في بدنه، وقالت: رأيته سيِّيءَ السِّبْر إذا كان شاحبًا مضرورًا في بدنه فجعلت السِّبْرَ بمعنيين.

وقال الليث: الحَبَارُ والحِبَرُ أَثَرُ الشَّيْء.

وقال أبو عبيد عن الأصمعي: الحَبَارُ أَثَرُ الشَّيْء وأنشد:

لا تملأ الدَّلوَ وعرِّقْ فيها *** ألا ترَى حَبَارَ مَنْ يَسْقيها

قال أبو عبيد: وأمَّا الأحْبَارُ والرُّهبان فالفُقَهاءُ قد اختلفوا فيه فبعضهم يقول: حَبْرٌ وبعضهم: حِبْرٌ.

قال، وقال الفراء: إنما هو حِبْر.

يقال ذلك للعالِم.

وإنما قيل كعب الحِبْر لمكان هذا الحِبْرِ الذي يُكْتَبُ به؛ وذلك أَنه كان صاحِبَ كُتُبٍ.

قال وقال الأصمعيُّ: لا أدري أهو الحِبْرُ أو الحَبْرُ للرجل العالمِ.

وكان أبو الْهَيْثَمِ يقول: وَاحِدُ الأحْبَار حَبْرٌ لا غيرُ، وينكر الْحِبرَ.

وأخبرني المُنْذِريُّ عن الحرّانِيّ عن ابن السكيت عن ابن الأعرابي قال: حَبْرٌ وحِبْرٌ للعالمِ.

ومثله بَزْر وبِزْرٌ وسَجْف وسِجْفٌ.

وقال ابن السكيت: ذهب حِبْرُه وسِبْرُه أي هيْئَتُهُ وسَحْناؤه.

وقال ابنُ الأعرابي: رجل حَسَنُ الْحِبْرِ والسِّبر: أي حسن البشرة.

وروى عمرو عن أبيه قال الحِبْرُ من الناس: الداهيةُ وكذلك النِّبْرُ.

ورجل حِبْرٌ نِبْرٌ.

وقال الشَّمَّاخ:

كما خَطّ عِبْرَانِيَّةً بِيَمِينهِ *** بِتَيْمَاءَ حَبْرٌ ثم عَرَّض أَسْطُرَا

رواه الرُّواة بالفتح لا غيرُ.

وقال الليث: هو حِبْر وَحَبْرٌ لِلْعالِم ذِمِّيًّا كان أو مُسلمًا، بعد أن يكون من أهل الكتاب.

قال: وكذلك الحِبْر والحَبْر في الجمَال والبَهاء.

قال والتحبيرُ: حسن الخطّ.

وأنشد الفراءُ فيما روى سلمة عنه:

كتحبير الكتابِ بخَطِّ ـ يَوْمًا ـ *** يهودِيٍّ يُقَارِبُ أو يَزِيل

وقال الليث: حَبَّرْتُ الشعرَ والكلامَ، وحَبَرْته: حسَّنْتُه.

وقَالَ ابنُ السكيت في قول الله جلّ وعزّ: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15] يُسَرُّون.

قال: والحَبْر: السُّرورُ.

وأنشد:

الحمد لله الذي أعطى الحَبَرْ

وقال الزجّاج (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) أي يُكْرَمُون إكْرامًا يُبَالَغُ فيه.

قال: والحَبْرَةُ المبالغة فيما وُصِفَ بجميلٍ.

وقال الليثُ: يحبرون يُنَعَّمون.

قال: والحَبْرَةُ النعمة.

وقد حُبِرَ الرجلُ حَبْرَةً وحَبَرًا فهو محبور.

وقال المزار العدوي:

قد لَبِسْتُ الدَّهر منْ أَفْنَانِه *** كُلَّ فَنٍّ ناعمٍ منه حَبِر

وقال بعض المفسرين في قوله (فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قال: السَّمَاعُ في الجنة.

والْحَبْرَةُ في اللُّغة النِّعْمَةُ التَّامَّة.

وقال شمر: الحَبَرُ صُفْرَةٌ تَرْكَبُ الإنسانَ وهي الحِبْرَةُ أيضًا.

وأنشد:

تجلو بأخْضَر من نَعْمَانَ ذا أُشُرٍ *** كعارض البرْقِ لم يستشرب لِحَبَرا

ونَحوَ ذلك قال الليث في الحبر.

وقال شَمِر: أوله الحِبَر، وهو صُفْرَةٌ، فإذا اخضرّ فهو قَلَحٌ، فإذا ألحّ على اللثة حتى تظهرَ الأسْنَاخُ فهو الحَفَر والحَفْرُ.

وقال الليث: برودُ حِبَرَةٍ ضرب من البُرُود اليمانية.

يقال بُرْدُ حبرة وبُرُودُ حِبَرَةٍ.

قال: وليس حِبَرَةُ موضعًا أو شيئًا معلومًا.

إنما هو وَشْيٌ كقولك ثوبُ قِرْمِزٍ، والقِرْمِزُ صِبْغَةٌ.

وقال الليث: الحبيرُ من السحاب ما يُرَى فيه التَّنْميرُ من كثرة الماء.

قال: والحبير من زَبَدِ اللُّغام إذا صار على رأس البعير.

قلت صحّف الليثُ هذا الحرفَ وصوابه الخبير بالخاء لزَبَد أفْواهِ الإبل هكذا قال أبو عبيدٍ فيما رواه الإيادي لنا عن شمر، عن أبي عُبيد.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي الحسن الصيداوي عن الرياشي.

قال: الخبير الزَّبَدُ بالخاء وأما الحَبيرُ بمعنى السحاب فلا أعرفه وإن كان أخذه من قول الهذلي:

تَغَذَّمْنَ في جانبيه الحَبيرَ *** لَمَّا وهَى مُزْنُهُ واستُبِيحا

فهو بالخاء أيضًا وسنقف عليه في كتاب الخاء مُشْبَعًا إن شاء الله.

وروَى شَمِر عن أبي عمرو قال: المحْبَارُ الأرض السريعةُ الكلأ.

وقال عنترةُ الطائي:

لنا جِبَالٌ وحمى مِحْبَارُ *** وطُرُق يُبْنَى بها المَنَار

ويقال للمِحْبَارِ من الأرض حَبِرٌ أيضًا وقال:

ليس بِمِعْشَابِ اللِّوى ولا حَبِر *** ولا بعيدٍ من أَذًى ولا قَذَر

قال، وقال ابن شميل: المِحْبَارُ الأرضُ السريعةُ النَّبَاتِ السهلةُ الدفِيئَةُ التي ببطون الأرض وسَرَارَتِها وأَرَاضتها فتلك المحابير.

وقد حَبِرَت الأرضُ وأَحْبَرَتْ.

وفي الحديث أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم لما خطب خديجَةَ وأجابَتْهُ استأذنت أباها في أن تَتَزَوَّجَهُ وهو ثَمِلٌ فأذن لها في ذلك، وقال: هو الفحل لا يُقْرَعُ أَنْفُه فنَحَرتْ بعيرًا، وخلَّقت أباها بالعبِير، وكسَتْه بُرْدًا أحمرَ، فلمّا صحا من سُكُرِه قال: ما هذا الحبِيرُ وهذا العقير وهذا العبير؟ أراد بالحبيرِ البُرْدَ الذي كستْهُ، وبالعبير الخَلُوقَ الذي خلّقته، وأراد بالعقيرِ البعيرَ المنحورَ، وكان عُقر ساقه.

والحُبَارَى ذكرها الحَرَبُ، وتجمع حُبارَيَات.

وللعرب فيها أمثال جمّة، منها قولُهم أَذْرَقُ من حُبَارى، وأَسْلَحُ من حُبارَى، لأنَّها ترمي الصقر بسَلْحِها إذا أَرَاغها ليصيدَها فتلوث ريشه بِلَثَق سَلْحِها.

ويقال إنّ ذلك يشتد على الصقر لمنعه إيّاه من الطيران، ومن أَمْثَالِهم في الحُبَارى: أَمْوَقُ من الحُبَارى، وذلك أَنّها تعلّم ولدها الطيرانَ قَبْلَ نَبَاتِ جَنَاحه، فتطير مُعَارِضَةً لفَرْخِها ليتعلّم منها الطيران، ومنه المثلُ السائِر للعرب «كل شيء يحبُّ ولده حتى الحُبَارى وتَدِفُّ عَنَدَهُ» ومعنى قولِهم «تَدِفُّ عَنَدَه» أي تطير عَنَدَه أي تُعَارضه بالطَّيران ولا طيران له لضعف حِفَافَيه وقَوَادِمه.

وقال الأصمعيُّ: فلان يعانِدُ فلانًا أي يفعل فعله ويباريه.

ومن أمثالِهم في الحُبارى قولهم: «فلان ميت كَمَدَ

الحُبارى» وذلك أنها تُحَسِّر مع الطير أيام التَّحْسِير أي تُلقي الريش ثُمَّ يُبْطِىءُ نباتُ رِيشها فإذا سار سائِرُ الطير عجزت عن الطيران، فتموت كَمَدًا، ومنه قول أبي الأسود الدؤلي:

يزيدٌ ميّتٌ كَمَدَ الحُبارى *** إذا ظَعَنَتْ أُمَيَّةُ أو يُلِمُ

أي: يَمُوت أو يقْرُب من الموتِ.

والحبَابِيرُ فِراخُ الحُبَارى، واحدتُها حُبُّورة جاء في شعر كعب بن زهير وقيل اليَحْبُور ذَكَرُ الحُبَارى وقال:

كأنّكُمُ ريش يَحْبُورَةٍ *** قليلُ الغناءِ عن المُرْتَمى

قلت: والحُبَارَى لا تشربُ الماء، وتبيضُ في الرمال النائِية، وكنَّا إذا ظَعَنَّا نُسيرُ في حِبَالِ الدَّهْنَاء، فربما التَقَطْنَا في يوم وَاحِدٍ من بَيْضِها ما بين الأَرْبعة إلى الثمانية، وهي تبيض أَرْبَعَ بَيْضَاتٍ، وَيضْرِبُ لَوْنُها إلى الوُرْقَةِ وطَعْمُها أَلَذُّ من طَعْم بَيْضِ الدَّجاج وبَيْضِ النَّعَامِ، والنعامُ أيضًا لا تردُ الماءَ ولا تشربهُ إذا وجدته.

عمرو عن أبيه قال: اليَحْبُور: الناعمُ من الرجال.

ونَحْوَ ذلك قال شَمِرُ.

وجمعه اليَحابير مأخوذ من الحَبَرَة وهي النعْمة.

أبو العباس عن ابن الأعرابي: يقال: ما أَغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَرًا، وهو الشيءُ اليسيرُ من كل شيء، وقال شمر: ما أغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَرًا: أي شيئًا.

وقال ابنُ أحمر الباهلي:

أَمَانيُّ لا يُغنين عنها حَبَرْبَرًا

وقال الليث: يُقالُ ما عَلَى رأسه حَبَرْبَرَةٌ: أي ما على رأسه شَعْرَةٌ.

وقال أبو عمرو: الحَبَرْبَرُ والحَبْحَبِيُّ: الجملُ الصغير.

وقال شمر: رجل مُحَبَّر إذا أكل البراغيثُ جِلْدَه فصار لها أَثَرٌ في جِلْدِه.

ويقال للآنية التي يجعل فيها الحِبْرُ من خَزَفٍ كانَ أو من قَوَارِيرَ مَحْبُرة ومحبَرة، كما يقال مَزْرُعة، ومَزْرَعة، ومَقْبُرَة ومَقْبَرَة ومخبُزَة ومخبَزَة.

وحِبِرٌّ موضعٌ معروفٌ في البادية.

وأنشد شمر عجز بيت:

.

.

.

فَقَفَا حِبرّ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


67-تهذيب اللغة (جلا)

جلا: قال اللّيث: يقال جَلا الصيْقَلُ السَّيفَ جِلاءً، واجتَلاه لِنَفسه.

قال لَبِيد:

جُنوحُ الهالِكيِّ على يَدَيْه *** مُكِبًّا يجتَلِي نُقَبَ النِّصَالِ

قال: والماشِطَة تَجلُو العروس جَلْوةً وجِلْوَة.

وقد جُلِيَتْ على زواجها.

واجتلَاها زوْجُها، أي نَظَر إليها.

وأمْرٌ جَلِيٌ: واضِحٌ.

وتقول: أَجْلِ لي هذا الأمرَ، أي أَوْضِحْهُ.

وقال زهير:

وإنَّ الْحَقَّ مَقطعُه ثَلاثٌ *** يمينٌ أوْ نِفَارٌ أَوْ جِلَاءُ

قال: يريد بالجِلاء الْبَيان، والنِّفار الْمحاكَمة، وأراد بالجِلاء البينَة والشُّهود.

وقال اللّيث: يقال ما أقَمتُ عندهم إلَّا جِلاءً يومٍ واحد، أي بَياضَ يَوْمٍ واحد.

وقال الراجز:

مَا ليَ إنْ أَقْصَيْتَنِي من مَقْعَدِ *** ولا بِهَذِي الأرْض من تَجلُّدِ

* إلَّا جلاءَ اليوم أو ضُحَى الْغَدِ*

ويقال للمريض: جَلَا اللهُ عنه المرض، أي كَشَفَه، والله يُجَلِّي السَّاعَة، أي يُظْهِرُها.

قال الله: {لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187].

والْبَازِي يُجَلِّي إذا آنس الصَّيْد، فرفع طَرْفَه ورأْسه، وتَجَلَّيْتُ الشَّيءَ، إذا نَظَرْتَ إليه.

وقول الله جلَّ وعَزَّ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143].

حَدَّثني المنذريّ، عن أبي بكر الخطّابيّ

عن هُدْبَة، عن حَمَّاد، عن ثابت، عن أَنسَ، قال: قرأ رسولُ الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] قال: وَضَعَ إبْهامَهُ على قَريبٍ من طَرَفِ أَنْمُلَةِ خِنْصَرِه، فَساخَ الجبَل.

قال حمّاد: قلت لثابِت: تَقول هذا؟

فقال: يقوله: رسولُ الله، ويقوله أَنَس، وأَنا أكتُمْه.

وقال الزّجاج في قوله: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أيْ ظَهَرَ وَبَانَ، وهو قول أَهْلِ السُّنّة والجماعة.

وقال اللّيْث: قال الحسن: تَجَلَّى بَدَا لِلْجَبَلِ نُور العَرْش.

ثعلب، عن ابن الأعرابيّ: جَلاهُ عن وطَنِه، فَجَلا، أي طَرَدَهُ فَهَرَبَ، قال: وجَلَا أيضًا، إذا عَلا، وجَلَا، إذا اكتَحَل، قال: والجَلَا.

مَقصور، والجِلَاءُ مَمدود، والجِلَا مَقصور: الأثمِد، وأنشد:

أَكحُلْكَ بالصّابِ أو بالجِلا *** فَفَتِّحْ لذلك أو غَمِّضِ

ويقال: جَلَا القَومُ عن أَوْطَانِهم، يَجْلُون، وأَجْلَوْا ويُجلُون، وجَلّوا يُجِلُّون، إذا خَرجوا من بَلَدٍ إلى بَلد، ومنه يقال: استُعمِلَ فلانٌ على الجَالِيةَ؛ والجَالّةِ لُغَتان.

والجَلاءُ ممدود مَصدَرُ جَلا عَن وَطَنه، ويقال: أَجلاهم السُّلطان فأَجْلَوْا وجَلَوْا، أي أخرَجَهم فَخَرجوا.

وقيل لأهلِ الذِّمّة: الجالِيَة؛ لأنّ عمر بن الخطاب أَجلَاهُم عن جزيرة العرب لِما تَقَدّمَ من أمر النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فيهم؛ فسُمُّو جالِيَة.

ولزمهم هذا الاسم أيْنَ حَلُّوا ثُمّ لَزِمَ كُلّ من لَزِمتْه الجِزية من أهلِ الكتاب بكُلِّ بَلَد، وإن لم يُجلَوا عن أَوطانهم.

وقال الأصمعيّ: يقال: جَلّى فلانٌ امرَأَتَه وَصيفًا حين اجتَلاها، أي أعطاها وصيفًا عِندَ جَلْوَتِها.

ويقال: ما جِلْوَتُها بالكسر.

فيُقال: كَذَا وكَذَا.

وقال أبو زيد: يُقال: جَلَوْتُ بَصَرِي بالْكُحْلِ جَلْوًا.

وَانجَلى الْفَمُ انجلاءً.

وجَلَوتُ عَنِّي هَمِّي جَلوًا، إذا أَذهَبتَه.

وأَجْلَيتُ العمامَةَ عن رَأْسي، إذا رَفَعتها مع طَيِّها عن جَبِينك.

وقال أبو عبيد: إذا انحسر الشّعرُ عن جانِبي جَبْهَة الرّجُل، فهو أَنزَع، وإذا زاد قليلًا فهو أَجْلَح، فإذا بَلَغَ النِّصفَ ونحوه فهو أَجلَى، ثم هو أَجْلَهُ، وأَنشد:

* مَعَ الجَلَا ولائِحِ القَتِيرِ*

وقد جَلَى يَجْلِي جَلًى، فهو أَجْلَى، وانْجَلى الظّلامُ انْجِلاءً، إذا انكَشَفَ، ويقال للرجل إذا كان عَالي الشّرف، لا يَخْفَى مكانُه: هو ابْنُ جَلَا.

وقال القُلاخ:

أنا الْقُلَاخُ بنُ قُلاخِ بنِ جلَا *** ابنُ جَتَاثِيْر أَقُودُ الْجَمَلا

وقال سُحَيْم بن وَثيل الرّياحي:

أَنا ابْنُ جَلا وطَلّاعُ الثّنايا *** مَتَى أَضَعِ الْعِمامَةَ تَعْرِفوني

ويقال: تَجلّى فلانٌ مكانَ كَذا، إذا علاه، والأَصْل: تَجَلّله.

قال ذو الرمة:

فَلَمّا تَجَلّى قَرْعُها الْقاعَ سَمْعَه *** وبَانَ له وَسْطَ الأَشاءِ انْغِلالُها

قال أبو نصر: التّجَلِّي النّظَر بالأشراف.

وقال غيره: التّجَلِّي التّجَلُّل، أي تَجَلّلَ فَرْعُها سَمْعَه في الْقاع.

رواه ابن الأعرابيّ:

* تَجَلّى فَرْعُها الْقاعَ سَمْعَه*

وقال الله جَلّ وعَزّ: {وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها} [الشمس: 3].

قال الفراء: إذا جَلّى الظُّلْمة، فجازت الكِنَايَة عن الظّلْمة، ولم تُذْكَر في أوّله: لأنّ معناها مَعْروف، أَلا تَرى أنك تقول: أصْبَحت بارِدَةً، وأَمْسَتْ عَرِيّةِ؛ وهَبّتْ شَمالًا، فكَنّى عن مُؤَنّثات لم يَجْرِ لَهُنّ ذِكْر لأن مَعناهُن مَعْروف.

وقال الزّجّاج: إذا جَلّاها إذا بَيّنَ الشّمس؛ لأنّها تَتَبين إذا انْبسط النهار.

وقال الليث: أَجْلَيْتُ عنه الْهَمّ إذا فَرّجت عنه، وانْجلت عنه الهموم، كما تَنْجَلِي الظُّلمة.

ويقال: أَخْبرني عن جَلِيّةِ الأمْر، أي حَقِيقَتِه.

وقال النابغة:

وآبَ مُضِلُّوه بِعَيْنٍ جَلِيّةٍ *** وغُودِرَ بالجوْلَانِ حَزْمٌ وناثِلُ

يقول: كذّبُوا بخَبره أَول ما جاء.

فجاء دافِنوه بخبر ما عايَنُوه.

ابن السِّكِّيت: قال الكِسَائيّ: فعلت ذاك من إجلَاك، وأَجلَاك، ومن جلالِكَ، أي فعلته من جَرّاكَ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


68-تهذيب اللغة (فض)

فض: قال الليث: الفَضُ تفريقُك حَلقَةً من الناس بعد اجتماعهم، ويقال فَضَضْتُهم فانفضُّوا، وأنشد:

إذا اجْتَمَعُوا فَضَضْنَا حُجْرَتَيْهم *** ونَجْمَعُهُمْ إذا كانوا بَدَادِ

وفَضَضْتُ الخاتَم من الكتاب، أي كَسَرْته، ومنه قولهم: لا يَفْضُض اللهُ فاكَ.

ورُوِي في حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال: «يا رسول الله، أي إريدُ أن أَمْتَدِحَكَ» فقال: «قل، لا يَفْضُض اللهُ فَاكَ»؛ ثم أنشده قصيدة مدحه بها، ومعناه: لا يُسقِط الله أَسْنانَك، والفَم يقوم مَقامَ الأسنان، وهذا من فَضّ الخاتم والجموع، وهو تَفْرِيقها.

قال الله جلّ وعَزّ: {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] أي: تفرقوا.

وفي حديث خالد بن الوليد أنه كتب إلى مَرازبة فارس: «أما بعد؛ فالحمد للهِ الذي فَضّ خَدَمَتكم».

قال أبو عُبيد: معناه فرَّق جمعكم؛ وكل مُنْكَسِرٍ مُتَفَرِّق، فهو منفضّ، وأصل الخَدَمَة الخَلْخَال، وجمعها خِدَام.

والفِضة معروفة.

قال الله عزوجل: {قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيرًا} [الإنسان: 16].

يسأل السائل: فتقول: كيف تكون القوارير من فضة جوهَرُها غير جَوْهَرِها؟.

فقال الزَّجَّاج: معنى (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ): أصل القوارير الذي في الدنيا من الرَّمْل، فأَعْلَمَ الله أنَّ أفضلَ تلك القوارير أصْله من فضة يُرَى من خارجها ما في داخلها.

قلت: فجمع مع صفاء قواريره الأمْنَ من الكسْر، وقبوله الجبر مثل الفِضة، وهذا من أَحْسن ما قيل فيه.

وقال شمر: الفَضْفاضَةُ: الدِّرْعُ الواسِعَة.

وقال عمرو بن معدي كرب:

وأَعْدَدْتُ للْحَرْبِ فَضْفاضَةً *** كأَنَّ مَطَاوِيهَا مِبْرَدُ

قال: وقميص فَضفاض: واسعٌ، وجارية فضفاضة: كثيرة اللّحْم مع الطُّول والجسم.

وقال رؤبة:

* رَقْرَاقَةٌ في بُدْنِها الْفَضْفَاضِ *

والفَضفاض: الواسع.

وقال رؤبة:

* يُسْعِطْنَهُ فَضفَاضَ بَوْلٍ كالصَّبِرْ*

أبو عُبيد الفَضِيض: الماء السائل، والسّربُ مثله.

وقالت عائشة لمروان: «إن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، قال لأبيكَ كذَا وكذا؛ فأَنت فَضَضٌ منه».

أرادت أنك قطعة منه، وفَضَضُ الماء: ما انتشر منه إذا تُطُهِّرَ به.

وفي حديث أم سلمة أنها قالت: «جاءتْ امرأةٌ إلى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، فقالت: إنّ ابنَتي تُوُفِّيَ عنها، زوجُها وقد اشْتَكتْ عينها، أَفتَكْحُلُها؟ فقال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: لا، مَرَّتين أو ثلاثًا، إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكُنَّ ترمى بالبَعْرة على رأس الحوْل، قالت زينب بنت أم سلمة: ومعنى الرَّمْي بالبَعْرَةِ: أن المرأةَ كانت إذا تُوُفِّيَ عنها زَوْجُها دخلت خِفْشًا، ولَبِسَتْ شرّ ثيابها حتى تَمُرّ بها سنة، ثم تُؤْتى بدابّة: شاةٍ أو طَيْر، فتَفْتَضُ بها، فقلما تَفْتَضُ بشيء إلّا مات، ثم تَخْرُجُ فتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بها».

وقال القُتَيْبِي سألت الحجازيين عن الافْتضاض فذكروا أن المُعْتَدَّةَ كانت لا تَغْتَسِل، ولا تَمَسُّ ماءً، ولا تُقَلِّم ظُفْرًا، ولا تَنْتِفُ من وجهها شعرًا، ثم تخْرج بعد الحوْل بأَقْبَح مَنْظرٍ، ثم تَفْتَضُ بطائر تمسح به قُبُلَها وتَنْبِذُه، فلا يكاد يعيش.

قال: وهو من فضضتُ الشيء، أي كَسَرته، كأنها تكون في عِدّة من زوجها فتكسِر ما كانت فيه، وتخرج منه بالدَّابّة.

قلت: وقد رَوى الشافعيُّ هذا الحديث، غير أنه رَوى هذا الحرف بعيْنه، فَتَقْبِضُ به بالقاف والصاد، وقد مَرّ تفسيره في باب القاف.

ورجل فضفاض: كثير العطاء، شُبِّه بالماء الفضفاض، وتَفَضْفَضَ البول، إذا انتشر على فخذي الناقة.

والمِفَضُ ما يُفَضُ به مَدَرُ الأرض المُثَارَة، وهو المِفْضاض، ويقال: افْتَضّ فلانٌ جاريته واقْتَضَّها، إذا افْتَرعها.

وفَضَّاض: من أَسْماءِ العرب.

وقال الليث: فلان فُضَاضَةُ وَلَدِ أبيه، أي آخِرهم.

قلت: والمعروفُ بهذا المعنى فلان نُضَاضَةُ وَلَد أبيه بالنُّون.

أبو عُبيد، عن الفراء: الفاضّةُ: الداهِية، وهن الْفَوَاضّ.

وقال شِمر في قوله: «أنا أول من فَضّ خَدَمةَ الْعَجَم»: يريد كَسَرهم وفرّق جَمعهم، وكلُّ شيء كسرتَه وفَرَّقتْه فقد فَضَضتَه.

وطارت عِظامُه فُضاضًا، إذا تَطايَرَتْ عند الضَّرب.

قال: والفَضَضُ: المتفرق من الماء، والعَرق.

وأنشد لابن ميّادة:

تجلو بأَخْضَر من فُروعِ أَراكَةٍ *** حسن المُنَصَّبِ كالْفَضيضِ البارِدِ

قال: الفضض المتفرق من ماءِ الْبَرد أو المطر، وفي حديث عمر: حين انقطعنا من فضَض الحصا.

قال أبو عُبيد: يعني ما تفَرّق منه، وكذلك الفَضِيض.

وقال شمرِ في قول عائشة لمروان: «أنت فَضَضٌ من لعنة رسول الله».

قال: الْفَضض اسم ما انْفَضَ، أي تَفَرَّق.

والفِضاض نحوه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


69-تهذيب اللغة (دم)

دم: قال الليث: الدَّمُ الفِعْل من الدِّمامِ وهو كل دَوَاءٍ يُلْطَخ على ظاهر العَيْن.

وأَنشد:

تَجْلو بقادمَتيْ حمامةِ أَيْكَةٍ *** بَرَدا تُعَلُّ لِثاتُهُ بَدَمامَ

يعني النَّؤُور قد طُلِيَت به حَتّى رَسَخَ.

ويقال للشيء السمين كأنما دُمَ بالشحم: دَمّا، وقال عَلْقَمَةُ:

* كأنَّهُ من دَمِ الأَجْوَافِ مَدْمُوم *

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: دَمَ الرجلُ فلانا إذا عَذَّبه عذابا ما، ودُمَ الشيءُ إذا طُلِيَ.

سلمة عن الفراء في قوله جل وعزّ {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها} [الشمس: 14]، قال: دَمْدَم أَرْجَفَ، وقال أبو بكر بن الأنباري في قوله: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} أي غضب، قال: وتكون الدَّمْدَمةُ الكلام الذي يُزْعج الرجلَ إلا أن أكثر المفسرين قالوا في دَمْدَم عليهم أي أطْبَق عليهم العذابَ، يقال: دَمْدَمتُ على الشيء أي أطبقتُ عليه، وكذلك دَمْدَمْتُ عليه القَبْرَ وما أشبهه، لذلك يقول: ناقةٌ مَدمُومة أي قد أُلْبِسها الشحمُ فإِذا كَرَّرْتَ الإطباقَ، دَمْدَمت عليه.

وأخبرني المنذري عن إبراهيم الحربي عن عمرو عن أبيه قال: الدمدم ما يبس من الكلأ قلت: هو الدِّنْدِنُ، قال: والدُّمادِمُ هو شيء يشبه القَطِران يسيل من السَلَم والسَّمُرِ أحمرُ الواحد دُمَدِمٌ وهو حَيْضَةُ أُمِّ أَسْلَمَ يَعْني شجرةً.

قال: وقال أبو الخرقاء: تقول للشيء يُدفن: قد دَمْدَمْتُ عليه أي سَوَّيْتُ عليه.

أبو عبيد عن الفراء: الدُّوَدِمُ شِبْهُ الدَّم يخرج من السَّمُرة وهو الحَذَال، يقال: قد حَاضَتْ السَّمُرة إذا خرج ذلك منها، وقال أبو تراب: قال أبو عمرو: الدِمْدِم أصول الصِّلِّبان المُحِيل، في لغة بني أسد، وهو في لغة بني تميم الدِّنْدِنُ.

اللحياني: ورَجُلٌ دَميم وقوم دِمام وامرأة دَمِيمة من نسوة دمائِم ودِمام، وما كان دميما ولقد دمَ وهو يَدِمُ دَمامة.

أبو عبيد عن أبي زيد: دَمَ يَدِمُ دَمامةً.

قال: وقال الكسائي: دَمَمْتَ بَعْدي تَدِم دَمامة.

وقال اللحياني: يقال للرجل إذا طَحَن القومَ فأهلكهم: قد دَمَّهم يَدُمُّهم دَمّا.

ويقال لليربوع إذا سَدَّفَا حُجْرِه بِنبيثَتِهِ: قد دَمَّه يَدُمُّه دَمّا، واسم الجُحْر الدَّمَّاءُ ممدود والدُّمَّاءُ والدُّمَّةُ والدُّمَمَةُ.

ويقال للمرأة إذا طَلَتْ ما حول عينها بِصَبْرٍ أو زعفران: قد دَمَّتْ عينها تَدُمُّها دَمّا، ودُمَ البعيرُ دَمّا إذا كَثُر شحمُه ولَحمُه حتى لا يجدِ اللَّامس مَسَّ حجْم عَظْمٍ فيه.

ويقال لِلْقِدر إذا طُلِيتْ بالدّم أو بالطِّحال بعد الجَبْر: قد دُمَّت دَمّا، وهي بُرْمةٌ مَدْمُومة، ودَمِيمٌ ودَمِيمةٌ، ويقال: دَمَمْتُ ظَهْره بآجُرَّة أَدُمُّه دَمّا، أي ضربتُ ظَهْره، ودَمَمْتُ البيت أَدُمُّه دَمّا أي طَيّنْتَه، جَصَّصْتَه، ودَمَمْتُ رأسَه إذا ضَربتَه فَشَجَجتَه.

قال: وقال الكسائي: لم أسمع أحدا يُثَقِّل الدَّمَ، ويقال منه: قد دُمِّيَ الرجل وأُدْمِيَ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: الدّميمُ بالدال في قَدِّه، والذّميم في أخلاقه.

وقال الليث: يقال: أساء فلان وأَدَمّ أي أقبح، الفِعْل اللازم دَمّ يَدِمُ وقد قيل: دَمَمْتَ يا فلان تَدُمّ وليس في المضاعف مثله.

ابن الأعرابيّ: الدّمّ نبات والدُّمُ القُدورُ المطْلِيَّةِ والدِّم القُوليِّة.

وقال: دَمْدَم إذا عَذَّب عذابا تاما، ومَدْمَدَ إذا هَرَب.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


70-تهذيب اللغة (ظلم)

[ظلم]: سلمة عن الفراء في قول الله جلَّ وعزَّ: {وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا} [البقرة: 20] فيه لغتان: أَظْلَمَ.

وظَلِم.

بغير ألف.

وقال أبو عبيد: في ليالي الشهر بعد الثلاثِ البيضِ ثَلاثٌ دُرَعٌ وثَلاثُ ظُلَمٌ، قال: والواحدةُ من الدُّرَع، والظُّلَمِ دَرْعاء وظَلْماء.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم وعن أبي العباس المبرّد أنهما قالا: واحدةُ الدُّرَعِ والظُّلمِ دُرْعَةٌ وَظُلْمة، قلت: وهذا الّذي قالاه هو القِياسُ الصحيحُ، ويجمع الظُّلَمةُ ظُلَمٌ وظُلْمات وظُلُمات.

وقال الليث: الظُّلْمةُ ذَهابُ النور، وجمعه الظلَم، قال: والظُّلامُ اسم لذلك، ولا يُجمع، يَجْرِي مَجرى المصدر كما لا يجمع نظائرهُ نحو السواد والبياض.

قال: وليلة ظَلماءُ، ويوم مُظلم شديدُ الشر، وأَظلم فلان علينا البيتَ: إذا أسمعك ما تكره، قلت: أَظلم يكون لازِما وواقعا، وكذلك أيضا يكون بالمعنيين أَضاء السراجُ بنفسه بمعنى ضاء، وأَضاء السراجُ الناسَ، وأَضأْتُ السراجَ فأَضاء وضاء، ويقال: ظلمه يظلمه ظَلما وظُلما فالظَّلْم مصدرٌ حقيقي، والظُّلمُ الاسم يَقوم مقام المصدر، ومن أمثال العرب في الشَّبهِ: من أَشْبَهَ أباه فما ظَلَم.

قال الأصمعيّ: ما ظَلَم أي ما وَضَع الشَّبَه في غير موضعه، قال: وأصل الظُّلم وَضعُ الشيء في غير موضعه.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118] قال ما نَقَصُونا شيئا بما فعلوا ولكن نَقَصُوا أنفسهم، قال: والعرب تقول ظَلَمَ فلانٌ سِقَاءه إذا سقاه قبل أن يُخْرَجَ زُبْدُهُ.

وقال أبو عبيد: إذا شُرِبَ لَبَنُ السِّقاء قبل أن يَبْلُغ الرُّؤوبَ فهو المظلومُ والظَّليمةُ، يقال: ظَلَمْتُ القومَ إذا سَقَاهم اللَّبن قبل إدْراكِه.

قلت: هكذا رُوِيَ لنا هذا الحرف عن أبي عبيد: ظَلَمْتُ القومَ، وهو وَهْمٌ.

أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أحمد بن يحيى وعن أبي الهيثم أنهما قالا: يقال: ظَلَمْتُ السِّقاءَ وظَلمت اللبنَ إذا شَرِبته أو سَقيتَه قبل إدراكِهِ وإخراج زُبدته.

وقال ابن السكيت: ظَلمْت وَطْبِي القومَ أي سقَيْته قبل رُؤوبه وأنشد شمر:

وقائلةٍ ظَلمتُ لكم سِقائي *** وهل يَخْفَى على العَكدِ الظليمُ

وقال الفراء يقال: ظلَم الوادي إذا بَلغ الماءُ منه مَوْضعا لم يكن ناله فيما خَلا ولَا بَلَغه قبلَ ذلك، وأنشدني بعضهم يصف سَيْلا:

يَكادُ يَطْلعُ ظُلْما ثم يَمنعُه *** عن الشَّواهِق فالوادي به شَرِقُ

قال ويقال: لَهو أظلم من حَيَّةٍ، لأنها تَأتِي الجُحْرَ لم تَحْفرْه فتسكنه، قال ويقولون: ما ظَلمك أَنْ تفعل، قال: والأرضُ المظلومةُ التي لم ينلْها المطرُ، قال: وقال رجل لأبي الجرَّاح: أَكلْتُ طعاما فاتَّخَمْتُه فقال أبو الجراح: ما ظلمك أن تَقِيءَ قال: وأنشدني بعضهم:

قالتْ له مَيٌّ بأَعلى ذي سَلَمْ *** ألا تَزُورُنا إن الشَّعْبُ أَلَمّ

* قال بَلى يَامَيُّ واليومُ ظَلَمْ *

قال الفراء: هم يقولون: معناه حَقّا وهو مَثَلٌ.

قال: ورأيتُ أنهُ لا يَمنعني يَوْمٌ فيه عِلَّةٌ تمنعُ.

أبو عبيد عن أبي زيد يقول: لَقِيتُه أَدْنَى ظَلَمٍ أي لَقيته أَوَّلَ شيء، قال: وإنه لأَوَّلُ ظَلَم لقيته إذا كان أَوَّلَ شيء سَدَّ بصَرَك بِليل أو نهار، ومثله لقيته أوَّلَ وَهْلَةٍ، وأَوَّلَ صَوْكٍ، وبَوْكٍ.

قالَ: وَقالَ الأمَوي: أدْنى ظَلَمٍ أي القريب.

قلت: وكان ابن الأعرابيّ يقول: في قوله: قال: بَلَى يا مَيُّ واليوم ظَلَم، أي حقا يقينا، وأُراه قولَ المفَضَّل وهو شبيهٌ بقول من قال في: لا جَرَم، أيْ حقّا، يُقيمه مُقامَ اليمين، وللعرب ألفاظٌ في الأيمان لا تُشْبهها كقولهم عَوْضُ لا أفعلُ ذلك، وجَيْرِ لا أفعلُ ذلك.

وقال ابن السكيت في قول النابغة:

إلَّا أَوارِيَّ لأيا ما أُبَيِّنها *** والنُّؤْيُ كالحوض بالمظلومَة الجلَدِ

قال النُّؤْيُ الحاجزُ حول البيت من تراب فَشَبَّه داخل الحاجز بالحوض، بالمظلومة يَعني أَرْضا مَرُّوا بها في بَرِّيّة فتحوَّضوا

حوضا سَقْوا فيه المِهارَ، وليستْ بموضع تحويض يقال: ظلمت الحوضَ إذا عمِلتَه في موضعِ لا تُعمل فيه الحياضُ، قال: وأصل الظُّلمِ وَضع الشيء في غير مَوضعه، ومنه قوله: واليومَ ظُلْم أي واليومَ وضع الشأن في غير موضعه، ومنه قول ابن مُقبل:

* هُرْتُ الشَّقاشِق ظَلَّامون للجُزَر*

أي: وضعوا النَّحر في غير مَوضعه، وظَلم السَّيلُ الأرض إذا خَدَّد فيها من غير مُوْضعِ تَخديد وأنشد للحُوَيدِرَة:

ظَلَم البطاحَ بها انْهِلالُ حرِيصةٍ *** فَصَفا النطافُ بها بُعَيْدَ المُقْلَعَ

قال: وظَلمتُ سِقائي أي سقيتهم إياه قبل أن يروب وأنشد:

وصاحبِ صِدْق لم تَنلني أذاتُه *** وفي ظلْمي له عامدا أجْرُ

قال: هكذا سمعت العرب تنشده: وفي ظَلْمي بنصب الظاء.

قال: والظُّلْمُ الاسم والظَّلم بالفتحِ العملُ، وقال الأصمعيّ في قول زهير:

* ويُظلم أَحْيانا فَيَظَّلم *

أي: يُطلبُ منه في غير موضع الطلب.

وقال الليث: الظَّلْم يقال هو الثَّلْجُ ويقال هو الماء الّذي يَجرِي على الأسنان من اللون لا من الريق، قال كعب بن زهير:

تَجْلو عَوارِضَ ذي ظَلْم إذا ابتَسَمَتْ *** كأَنهُ مَنْهَلٌ بالرّاح مَعْلولُ

وقال الآخر:

إلى شَنْبَاءَ مُشْرَبَةِ الثَّنايا *** بماءِ الظَّلْم طيِّبةِ الرُّضابِ

قال: يحتمل أن يكون المعنى بماءِ الثَّلج.

قال شمر: الظَّلْم بياض الأسنان كأنه يعلوه سواد، والغُروب ماء الأسنان، وقال الكميت: ثم أنشد البيت.

وقول الله جلّ ثناؤه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82].

قال ابنُ عبَّاس وجماعةُ أهل التفسير: لم يُغَطُّوا إيمانهم بشرك، رَوى ذلك حُذيفة وابن مسعود وسلمان، وتأَوَّلوا فيه قول الله جلّ وعزّ حكاية عن لُقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] والظُّلْمُ الميْل عن القَصد، وسمعتُ العرب تقول: الْزَمْ هذا الصوبَ ولا تَظْلِم منه شيئا، أي لا تَجُرْ عنه.

وقال الباهلي في كتابه: أرض مظلومة إذا لم تُمْطَرْ، ويُسَمَّى ترابُ لَحْدِ القبرِ ظَلِيما لهذا المعنى وأنشد:

فأَصْبحَ في غَبْرَاءَ بَعْدَ إشاحةٍ *** على العَيْش مَرْدودٍ عليها ظَلِيمُها

يَعْني حُفْرَة القَبْر، يُرَدُّ تُرابُها عليه بعد دَفْنِ الميتِ فيها، والظَّلِيمُ الذَّكر من النَّعام وجمعه الظُّلْمَانُ والعَددُ ثلاثةُ أَظْلِمَةٍ.

قال الليث: الظُّلامَة اسم مَظْلِمَتك التي تَطلبها عِند الظالم، يقال: أخذها منه ظُلامَة، ظَلَّمْتُه تَظْليما إذا نَبَّأْتَه أنه ظالمٌ، ويقال: ظُلِمَ فلان فاظَّلَمَ، معناه أنه احْتمل الظُّلْمَ بِطيبِ نَفْسٍ، وهو قادر على الامتناع منه، وهو افتعال، وأصله اظْتَلَمَ فَقُلِبَتِ التاء ظاء ثم أُدغِمَتْ الظاء فيها، والسَّخِيُّ إذا كُلِّفَ ما لا يَجِدُه مَظْلُومٌ أو سُئِل ما لا يُسْأَل مِثله فاحْتمله فهو مُظَّلمٌ، وهو قوله: قد يُظلم أحيانا فَيَظَّلِمُ.

وقال غيره: ظَلَمَ الحِمارُ الأتانَ إذا كَامَها، وقد حَمَلَتْ، وهو يَظْلِمها ظَلْما، وأنشد أبو عمرو الشاعر يصف أُتُنا:

ابَنَّ عَقَاقا ثمَ يَرْمَحْنَ ظَلْمَةً *** إباءً وفيه صَوْلَةٌ وذَمِيلُ

وقال ابن الأعرابيّ: وَجَدْنا أرضا تَظَالمُ مِعْزاها، أي تَتَنَاطَحُ من النَّشاطِ والشِّبع.

ويقال: أَظْلَمَ الثَّغْرُ إذا تلألأ عليه كالماء الرقيق من شدة رَفيفه ومنه قول الشاعر:

إذا ما اجْتَلى الرانِي إليْها بِطَرْفِه *** غُرُوبَ ثَناياها أَضَاءَ وأَظْلَما

أضاءَ أي أَصاب ضَوْءا، وأَظْلَمَ أصاب ظَلْما، والمتَظَلِّم الّذي يشكو رَجُلا ظَلَمه، والمتَظلِّم أيضا الظالم ومنه قول الشاعر:

* نَقِرُّ ونأبَى نَخْوَةَ المتظَلِّمِ *

أي: نَأْبَى كِبْر الظالم، ويقال: تظَلَّم فُلان إلى الحاكم مِن فلان فَظَلّمَهُ تَظليما أي أنْصَفَه من ظَالِمِه وأعانَهُ عليه.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ:

إذا نفحات الجود أفْنينَ مالَه *** تَظَلُّم حتى يُخْذَل المتظلِّمُ

قال: أي أغار على الناس حتى يَكثُرَ مالُه.

قلت: جعل التظلم ظُلما، لأنه إذا أغار على الناس فقد ظَلمهم، قال: وأنشد لجابر الثعلبي:

وعمرُو بنُ همامٍ صفعنا جبينَه *** بشنعاء تَنْهَى نخْوةَ المتظلِّم

قلت: يريد به نخوة الظالم.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: ومِن غَريب الشَّجَر الظِّلَمُ واحدها ظَلْمَةٌ وهو الظِّلَّامُ والظَلَام والظَّالمُ.

وقال الأصمعيّ: هو شَجَرٌ له عَساليجُ طوال وتَنْبَسِط حتى تَجوزَ حَدَّ أصلِ شَجَرها فمنها سمَّيت ظِلَاما.

وقال ابن الأعرابيّ: الظَّلَمةُ المانعون أهلَ الحقوق حقوقَهم.

يقال: ما ظَلَمك عن كذا أي ما مَنَعَك.

وقال غيره: الظُّلْمُ الظَّلَمةُ في المعاملة.

وفي الحديث: «إذا أتيتم على مَظْلُومٍ فأغِذُّوا السير» قلت: المظْلُوم البَلَدُ الّذي لم يُصِبْه غَيْثٌ ولا رِعْيَ فيه للرِّكَابِ.

وقال ابن شميل عن المؤرج: سمعت أعرابيا يقول لصاحبه: أَظْلَمِي وأَظْلَمَك،

فَعَلَ الله به، أيّ الأظَلَمُ مِنِّي ومِنْك.

وقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة: 150] إلا أن يقولوا ظُلما وباطلا، كقول الرجل: ما لي عِنْدَك حقٌ إلا أن تقول الباطل.

وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] أي تتوفاهم في خلال ظُلْمهم.

وقوله: {فَظَلَمُوا بِها} [الأعراف: 103]، أي بالآيات التي جاءتهم؛ لأنهم لمَّا كفروا بها فقد ظلموا، ويقع الظلم على الشرك.

قال الله: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] أي بشركٍ.

ومنه قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا} [النمل: 52] أي بكفرهم وعصيانهم، ومن جَعَل مع الله شريكا فقد عَدَل عن الحق إلى الباطل، فالكافر ظالم لهذا الشأن.

ومنه حديث ابن زِمْل: لزِمُوا الطريقَ فَلم يَظْلِمُوه أي لم يَعْدِلوا عنه.

وحديثَ أم سلمة: أن أبا بكر وعمر ثَكَما الأمرَ فلم يظلما عنه، أي لم يعدلا عنه.

يقال: أخذ في طريقٍ فما ظَلَمَ يمينا ولا شِمالا، أي ما عدل، والمسْلِمُ ظالمٌ لنفسه لِتَعَدِّيه الأمور المفترضة عليه.

ومنه قوله: {رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} [الأعراف: 23] ويكون الظلم بمعنى النقصان، وهو راجع إلى المعنى الأول.

قال الله تعالى: {وَما ظَلَمُونا} [البقرة: 57] أي ما نَقَصُونا بفعلهم من مِلْكنا شيئا ولكن نَقَصُوا أنفسهم وبَخَسُوها حقَّها قال: وفي الحديث: إنَّه دُعِيَ إلى طَعَام وإذا البيتُ مُظلَّم فانصرفَ ولم يَدْخل ـ المَظَّلمُ المزوَّقُ مأخوذ من الظَّلْمِ وهو الماء الّذي يجري على الثَّغْر.

وقال بعضهم: الظَّلْم مُوهَةُ الذهب والفضة، قلت: لا أعرفه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


71-معجم العين (عرض)

عرض: عَرُضَ الشيء يعرُضُ عرضا، فهو عريض.

والعَرْضُ مجزومًا: خلاف الطول.

وفلان يَعْرِضُ علينا المتاع عَرْضًا للبيع والهبة ونحوهما.

وعرَّضته تعريضًا، وأعرضْتُهُ إعراضًا، أي: جعلته عريضًا.

وعَرَضْتُ الجند عرض العين، أي: أمررتهم علي لأنظًرَ ما حالهم، ومن غاب منهم.

واعترضت: وعَرَضْتُ القوم على السيف عرضًا، أي: قتلًا، أو على السوط: ضربًا.

وعرضت الكتاب والقرآن عرضًا.

وعَرَض الفرس في عدوه إذا مر عارضا على جنب واحد، يَعْرِضُ عَرْضًا.

قال

يَعْرِضُ حتى ينصب الخيشوما

وعارض فلان بسلعته، أي: أعطى واحدة وأخذ أخرى.

قال:

هل لك والعارض منك عائضُ *** في مائة يسئر منها القابض

أي: هل لكِ فيمن يعارضك فيأخذ منك شيئًا، ويعطيك شيئًا يعتاض منك.

قوله: في مائة، أي في مائة من الإبل يسئر منها الذي يقبضها.

ومعنى يسئر منها: يبقي منها

بعضها، لأنه لا يقدر أن يسوقها لكثرتها.

ويقال: هذا رجل خطب امرأة، فبذل لها مائة من الإبل.

وعارضته في البيع فعرضته عرضًا، أي: غبنته وصار الفضل في يدي.

وعَرَضْتُ أعوادًا بعضها على بعض.

قال:

ترى الرّيش في جوفه طاميًا *** كعَرْضِكَ فوق نصالٍ نصالا

يصف البئر أو الماء.

يقول: إن الريش بعضه على بعض معترضًا، كما عرضت (أنت نصلًا) فوق نصل كالصليب.

وأعرضت كذا، وأعرضت بوجهي عنه، أي: صددت وحدت، وأعْرَضَ الشيء من بعيد، أي: ظهر وبرز.

تقول: النهر مُعْرِض لك، أي: موجود ظاهر لا يُمْنَعُ منه، ومُعْرض خطأ.

قال عمرو بن كلثوم:

وأعرضتِ اليمامةُ واشمخرّت *** كأسياف بأيدي مُصْلتينا

أي: بدت.. وعارضته في المسير، أي: سرت حياله.

قال:

فعارضتها رهوًا على متتابع *** نبيل منيل خارجي مجنب

وعارضته بمثل ما صنع، إذا أتيت إليه بمثل ما أتي إليك، ومنه اشتُقَّتِ المعارضة.

واعترضت عُرْضَ فلان، أي: نحوت نحوه، واعترضتُ عُرْضَ هذا الشيء، أي: تكلفتُهُ، وأدخلتُ نفسي فيه.

واعترض فلان عِرْضي، إذا قابله وساواه في الحسب.

وعارضت فلانًا، أي: أخذ في طريق وأخذت في طريق غيره، ثمّ لقيته.

ونظرت إليه معارَضةً، إذا نظرت إليه من عُرْض، أي: ناحية.

وعارضت فلانًا بمتاع، أو شيء معارضة.

وعارضته بالكتاب إذا عارضت كتابك بكتابه.

واعترض الشيء، أي: صار عارضًا كالخشبة المعترضة في النهر.

واعترض عِرْضي، إذا وقع فيه، وانتقصه، ونحو ذلك.. واعترض له بسهم، أي: أقبل قِبَلَه فرماه من غير أن يستعدّ له فقتله.

واعترض الفرس في رسَنِه إذا لم يستقم لقائده.

والاعتراض: الشغْب.

قال:

وأراني المليك رشدي وقد كنت *** أخا عُنْجُهيّة واعتراض

واعترضت الناس: عرضتهم واحدًا واحدًا واعترضت المتاع ونحوه.

عرضته.

وتعرض لمعروفي يطلبه، وهو واحد.

وتعرَّض الشيء دخل فيه فساد.

وكذلك تعرَّض الحب.

قال لبيد:

فاقطع لُبانَةَ من تعرّض وصله***************.

أي: تشاجر واختلف.

ويقال: الحموضة عرض في العسل، أي: عرض له شيء مما يحدث.

وعَرَّضْتَ لفلان وبفلان: إذا قلت قولًا وأنت تعيبه بذلك.

ومنه المعاريض بالكلام، كما أن الرجل يقول: هل رأيت فلانًا فيكره أن يكذب.

فيقول: إن فلانًا لَيُرَى.

وقال عبد الله بن عباس: ما أُحِبُّ بمعاريضِ الكلام حُمْرَ النَّعَم.

ورجل عِرِّيض يتعرّض للناس بالشر، (ونِفيح ونتّيج ينتتح له) أي: يتعرض.

قال طريف بن زياد السلمي:

ومنتاحة من قومكم لا ترى لكم *** حريمًا ولا تَرْضَى لذي عذركم عذرا

ويقال: استعرضت أعطي من أقبل وأدبر.

واستعرضت فلانًا: سألته عرض ما عنده علي.

جامع في كل شيء.. وعِرْض الرجل: حَسَبه.

ويقال لا تعرض عرض فلان، أي: لا تذكره بسوء.

وسحاب عارض.

والعارض من كل شيء ما استقبلك كالسحاب العارض ونحوه والعَرْضُ: السحاب.

قال:

***************.

*** كما خالف العَرْضُ عَرْضًا مُخيلا

وربما أدخلت العرب النون في مثل هذه زائدة، وليست من أصل البناء، نحو

قولهم: يعدو العِرَضْنى والعِرَضْنَة وهو الذي يشتق في عدوه، أي: يعترض في شق.

قال:

تعدو العِرَضْنَى خيلهم حواملا

أي: يعترض في شق.

ويروى: حراجلًا، وأظنه عراجلًا، أي: جماعات.

وامرأة عِرَضْنة، أي: ذهبت عَرْضًَا من سِمَنِها وضِخَمِها.

والعريض: الجدي إذا بلغ، ويروى: كاد ينزو، وجمعه عِرْضان.

قال أبو الغريف الغنوي يصف ذئبًا:

ويأكل المرجل من طُليانه *** ومن عنوق المعز أو عِرضانه

والعَروض عَروض الشعر، لأن الشعر يعرض عليه، ويجمع أعاريض، وهو فواصل الأنصاف.

والعروض تؤنث.

والتذكير جائز.

والعَروض طريق في عُرْض الجبل، وهو ما اعترض في عُرْض الجبل في مضيق، ويجمع على عُرُض.

والعُرْض عُرْض الحائط وهو وسطه.

وعُرْضُ النهر وسَطُهُ.

قال لبيد:

فتوسّطا عرض السري***.

************

أي وسط النهر.

ومن روى: عَرْضَ السرِي يريد سعة الأرض، الذي هو خلاف الطوّل.

يقال جرى في عُرض الحديث، ودخل في عُرْض الناس، أي: وسطهم، وكلّما رأيت في الشعر: عن عُرْض فاعلم أنّه عن جانب، لأنّ العرب تقول: نظرت إليه عن عُرْض، أي ناحية.

واعَرَضُ من أحداث الدّهر نحو الموت والمرض وشبهه.

وعَرَضَتْ له الغولُ، أي: تغّولته وبدت له.

وعَرَضَ له خير أو شرّ، أي: بدا.

وفلان عُرْضة للناس لا يزالون يقعون فيه.

وأصاب من الدنيا عَرَضًا قليلًا أو كثيرًا.

قال:

من كان يرجو بقاء لا نفاد له *** فلا يكن عَرَضُ الدنيا له شجَنا)

وفي فلان على أعدائه عُرْضيّة، أي: صعوبة.

والمَعِرض: المكانُ الذي يُعْرَضُ فيه الشيء.

وثوب مِعْرَضٌ، أي: تُعْرَضُ فيه الجارية.

وعارضةُ الباب: الخشبة التي هي مِساكُ العِضادتين من فوق.

وفلان شديد العارضة، أي: ذو جَلَد وصرامة.

وعارِض وجهك ما يبدو منه عند الضحك.

قال زائدة: أقول: عارض الفم لا غيرُ.

ورجل خفيف العارضين، أي: عارضي لحيته.

وتجيء العوارض في الشعر يريد به أسنان الجارية.

قال:

********* بقسيمةٍْ *** سبقت عَوارضها إليك من الفم

والعوارض: سقائف المحمل العِراض التي أطرافها في العارضتين، وذلك أجمع سقائف المحمل العراض، وهي خُشُبه، وكذلك العورض من الخشب فوق البيت المسقف إذا وضعت عرضًا.

والعوارض: الثنايا.

قال:

تجلو عوارض ذي ظَلْم إذا ابتسمت *** كأنّه مُنْهَلٌ بالرّاح معلول

الظَّلْمُ: ماء الأسنان كأنه يقطر منها.

وقال أبو ليلى: الظلم صفاء الأسنان وشدة ضوئها.

قال

إذا ما رنا الرائي إليها بطرفه *** غروب ثناياها أضاء وأظلما

يعني من ظَلْم الأسنان.

وقيل: العوارض: الضواحك، لمكانها في عُرْض الوجه، وهي تلي الأنياب

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


72-معجم العين (يعل)

يعل: اليَعْلول واليَعاليل من السَّحاب: قِطَعٌ بيضٌ.

قال:

تجلو الرياح القذى عنه وأَفْرَطَةُ *** من صَوْبِ ساريةٍ بيض يعاليل

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


73-معجم العين (جلو)

جلو: جلا الصَّيقلُ السَّيف جِلاءً، ممدود، واجتلاه لنفسه، قال لبيد:

جنوح الهالكي على يديه *** مكبا يجتلي نقب النصال

والماشطةُ تجلو العروس جلوه وجِلوة، وقد جُليت على زوجها.. واجتلاها زوجها، أي: نظر إليها.

وأمرٌ جليِّ: واضح.

وتقول: أجل لنا هذا الأمر، أي: أوضحهُ.

وما أقمتُ عندهم إلا جَلاءَ يومٍ واحدٍ، أي: بياض يوم.

قال:

ما لي إن أقصيتني من مقعدِ *** ولا بهذي الأرض من تجلُّدِ

إلا جلاءَ اليوم أو ضُحى الغَدِ

وتقول: جلا الله عنك المرض، أي: كشفه.

وجَليت عن الزَّمان، وعن الشيء، إذا كان مدفونًا فأظهرته.. والله يُجلِّي الساعة، أي: يُظهرها.. والبازي يجلي، إذا آنس الصَّيد فرفع طرفه ورأسه.. وتجليتُ الشَّيءَ، نظرتُ إليه.

قال الله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ.

أي: ظهر وبان، وقال الحسن: تجلّى، أي: بدا للجبل نُورُ العَرش.

والجلا، مقصور: الإثمِدُ، لأنه يجلو البَصر.

والجبهةُ الجلواءُ: الواسعة الحسنة.. والرجل أجلى.

والجلاء: أن يجلو قوم عن بلادهم.. يقال: أجليناهم عن بلادهم فجلوا، أي: تحولوا وتركوها.

والجالية: أهلُ الذِّمّة الذين تحولوا من أرض إلى أرض، والجميع: الجوالي.

وأجلى القوم عن الشيء، أي: أفرجوا عنه بعد ما كانوا مُقبلين عليه، مُحدِقين به.

وتقول: أجلو عنه، وأجليت عنه الهم، أي: فرجته عنه.

والأنجلاء: الانكشاف عن الهموم.

وجلا: اسم، قال:

أنا ابن جلا وطلاّع الثَّنايا *** متى أضعِ العِمامة تعرفوني

وهذا قول اللّيثي، وكان صاحب قتل يطلع في المغارات من ثنية الجبل على أهلها، فضربت العرب المثل هذا البيت، فقوله: أنا ابن جلا، أي: أنا ابن الواضح الأمر المشهور.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


74-معجم العين (شت)

شت: الشَّتُّ: مصدر الشيء الشتيت.

وهو المُتفرِّق.

وتقول: شتَّ شَعْبُهُمْ شتاتًا وشتَّا.

أي: تفرّق جمعهم.

قال الطِّرِماحُ:

شتّ شعبُ الحيّ بعد التئامْ *** وشجاك الربع رَبْعُ المَقامْ

وثغرٌ شتيتٌ: مُفَلَّجٌ حَسَنٌ، قال:

حرّةٌ تجلو شتيتًا حَسَنًا *** كشعاعِ البرق في الغيم سَطَع

ويقال: وقعوا في أمر شتٍّ وشتى.

ويقال: إنّي أخاف عليكم الشَّتات، أي: الفُرقة.

ويقال: شتاّن ما هما.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


75-معجم العين (فرط)

فرط: الفَرْطُ: الحِينُ من الزَّمانِ.

والفَرَطُ: ما سبق من عمل وأجر.

وفُرِطَ له ولدٌ: مات صغيرًا.

وفي الدّعاء: اللهمّ اجعله لنا فَرَطًا

أي: أجرًا يتقدّمُنا حتى نرد عليه.

والفارِطُ: الذي يسبِق القوم إلى الماء.

والفارطانِ: كوكبانِ مُتباينانِ أمامَ سرير بناتِ نَعْش، شُبِّها بالفارط الذي يبعثه القوم لحَفْر القَبر، قال أبو ذؤيب:

وقد بعثوا فُرّاطَهُم فتأثّلوا *** قليبًا سفاها كالإماء القواعد

وأفراط الصّباح: أَوائلُ تَباشِيره، الواحدُ: فُرطٌ، قال

باكَرْتُهُ قبل الغَطاط اللُّغَّطِ *** وقَبلَ جَوْنِيِّ القَطا المُخَطَّط

وقَبْلَ أَفْراطِ الصَّباحِ الفُرَّطِ

وفَرَطَ إلينا من فُلانٍ خيرٌ أو شرٌّ، أي: عَجِلَ، ومنه قوله جل وعز: إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا، أَوْ أَنْ يَطْغى، أي: يَسْبق ويَعجَل.

وفرّط علينا، أي: عَجَّل علينا بمكروه.

والإفراطُ: إعجالُ الشّيء في الأَمْر قبل التَّثبُّت.

وأَفْرَط فُلانٌ في أمرِهِ، أي: عَجِل فيه وجاوز القَدْر.

والسَّحابةُ تُفرِطُ الماءَ في أوّل الوسمّي، إذا عجّلتْ فيه.

قال كَعْب بن زُهَير:

تجلو الرِّياحُ القَذَى عنه وأَفْرَطَةُ *** من صَوْبِ سارية بيض يعاليل

والفَرَطُ: الأَمْر الذّي يُفَرِّط فيه صاحبُه، وتقول: كلّ أمرٍ من فلانٍ فَرَط.

وفرّط فلانٌ في جَنب الله، أي: ضَيَّع حظّه من عندِ الله في اتّباع دينه ورضوانه.

وفرّط اللهُ عنه ما يكرهُ، أي: نجّاه، يستعمل في الشِّعْر.

وكلّ شيءٍ جاوز قدره فهو مُفْرِطٌ.

طُولٌ مُفْرطِ، وقِصَرٌ مُفرِط.

وتفارطته الهُمومُ، أي: لا تُصيِبهُ الهمومُ إلاّ في الفَرْط.

وفَرَسٌ فُرُطٌ: السّريع الذي يتقدّم الخيلَ ويَسبِقُها، قال لبيد:

ولقد حَمَيْتُ الحيَّ تَحْمِلُ شِكَّتي *** فُرُطٌ، وِشاحي، إذ غدوتُ، لجامُها

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


76-معجم العين (دم)

دم: الدَّمُّ: الفِعل من الدِّمام، وهو كُلُّ دَواءٍ يُلطخ به على ظاهِر العَيْن، قال:

تَجْلُو بقادَمِتَيْ حَمامةِ أَيْكَةٍ *** بَرَدًا تُعَلُّ لِثاتُهُ بدِمامِ

يعني النُّؤور قد طُلِيَت به حتى رَسَخَ.

ويقال للشيء السمين كأنَّما دُمَّ بالشَّحْمِ دَمًّا وقال علقمة:

كأنّه من دَمِ الأجْواف مَدمُوم

ويُدَمُّ الصَّدُعُ بالدَّمِ والشَّعرِ المُحْرَقِ يُجْمَع بينهما، ثم يُطلَى الصَّدْعُ فيُعَضُّ عليه ويُشَدُّ، وقد دَمَمنْا يَدَيهِ بالشَّعْرِ والصُوفِ والدِّمامِ دَمًّا والدَّمامةُ مصدر الشيء الدَّميمِ.

وأساء فلانٌ وأدَمَّ أي أَقْبَحَ، والفعل اللازم: دم يدم، ولغةٌ ثانية على قياس فَعَل يفعُل، وليس في باب التضعيف على فَعَل يَفْعِلُ غير هذا.

وتقول: دَمَمْتَ يا هذا، وإذا أرَدْتَ اللازمَ قُلتَ: دَمِمْتَ.

والدَّأْماءُ: بَيْتُ اليَرْبوع غيرُ القاصِعاء والنافِقاء، والجَميعُ الدَّأْماوات.

والدمدمة: الهلاك المتأصل.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


77-معجم العين (ظلم)

ظلم: تقول: لَقِيتُه أوَّلَ ذي ظَلَمٍ، وهو إذا كان أوَّلَّ شيءٍ سَدَّ بَصَرَكَ في الرُؤية، ولا يشتق منه فعل، ويقال: لقيته أَدْنَى ظَلَمٍ.

والظَّلْمُ: الثَّلْجُ، ويقال الماءُ الجاري على الأسنان من صَفاء اللَّوْنِ لا من الرِّيقِ، قال كعْب:

تَجْلُو عوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتَسَمَتْ

ويقال: الظَّلْمُ ماءُ البَرَد، ويقال: الظلم صفاء الأسنان وشدة ضوئها، قال:

إذا ما رنا الرائي إليها بطرفه *** غروب ثناياها أضاء وأظلما

والظَّليمُ: الذَكَّرُ من النَّعام، والجميع الظِّلْمانُ، والعَدَدُ أظْلِمةٌ.

والظُّلْمُ: أخذُكَ حقَّ غَيْرك.

والظُّلامةُ: مَظْلَمتُكَ تطلُبُها عند الظّالم.

وظَلَّمتُه تظليمًا إذا أنْبَأْتُه إنّه ظالم.

وظُلِمَ فلانٌ فاظَّلَمَ، أي احتَمَلَ الظُّلْم بطِيب نفسه، افتَعَلَ وقياسه اظتَلَم فشُدَّدَ وقُلِبَتْ التاءُ طاءً فأُدغِمَت الظاء في الطاء، وإن شِئْتَ غلَّبْتَ الظاء كما غَلَّبْتَ الطاء.

وإذا سُئِلَ السَّخِيُّ ما لا يجِدُ يقال هو مظلوم، قال زهير:

****** ويُظْلَمُ أحيانًا فيَظَّلِمُ

أي يَحْتَمِل الظُّلْمَ كَرَمًا لا قَهْرًا.

وظُلِمَت الأرض: لم تُحْفَر قطُّ ثم حُفِرَتْ، قال النابغة:

والنُّؤيُ كالحَوْض في المظلومة الجَلَدِ

وظُلِمَتِ الناقَةُ: نُحِرَتْ من غير داءٍ ولا كِبَرٍ.

والظُّلْمةُ: ذَهابُ النُّور، وجمعُه الظُّلَمُ، والظَّلامُ اسم للظُّلْمة، لا يُجمَعُ، يُجْرَى مُجْرَى المصدر كما لا يجمع نظائره نحو السواد والبياض.

وليلةٌ ظَلْماءُ ويَومٌ مظلم: شديد الشَّرِّ.

وأَظْلَمَ فلانٌ علينا البيت: إذا أسمَعَك ما تكرَهْ.

والظُّلْمُ: الشِّرْك، قال الله- عز وجل-: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com