نتائج البحث عن (تَبْعَثُوا)

1-شمس العلوم (أخفى)

الكلمة: أخفى. الجذر: خفي. الوزن: الْإِفْعَال.

[أخفى] الشيء: إِذا كتمه.

قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} كلهم قرأ بفتح الياء غير حمزة ويعقوب فقرأا بسكونها على أنه فِعْل مستقبل وقرأ ابن مسعود ما نخفي بالنون.

وقال أبو عبيدة: وأخفاه: إِذا أظهره.

قال: وهو من الأضداد.

وأنشد:

إِن تكتموا الداء لا نخفه *** وإِن تبعثوا الشر لا نقعد

وعلى القولين تفسير قول الله تعالى: {أَكادُ أُخْفِيها} قيل: أي أظهرها، وقيل: أخفيها على أصله، وكاد: زائدة وقيل: كاد غير زائدة وهي على بابها.

فإِذا قال القائل: كدت أخفي الشيء فقد أظهره.

والله تعالى قد أظهر الساعة وأعلم بها.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


2-العباب الزاخر (ملأ)

ملأ

المَلْءُ -بالفتح-: مصدر مَلأْتُ الإناء، وكوزٌ مَلأنُ، ودَلو مَلأَى، والعامة تقول: كُوزٌ مَلأَ ماءً؛ والصواب مَلآنُ ماء، وقال ابن الأعرابي في نوادره: جعبَةٌ مَلآنَةٌ وامرأة ثَكْلانةٌ.

والمِلءُ -بالكسر-: اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، يُقال: أعطني مِلأَهُ ومِلْئَيْه وثلاثة أمْلائه.

والمُلأَةُ -بالضم مثال المُلْعَةِ-: الزكام.

ومُلِئَ الرجل؛ ويقال مَلُؤَ مثال كرُم: أي صار مَلِيْئًا: أي ثقة؛ فهو غنيٌّ مَلِيءٌ بيِّن المَلاءِ والمَلاءَةِ -ممدودين-، قال أبو ذُؤيَب الهُذلي:

«أدَانَ وأنْبَـأَه الأوَّلُـوْنَ *** بأنَّ المُدَانَ مَلِيءٌ وفِيّْ»

والمُلاءَةُ -بالضم والمد-: الرَّيطة، والجمْعُ مُلاءٌ.

والمُلاءُ: سيف سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه-، قال ابن النُّوَيْعِم يرثي عمر بن سعد بن أبي وقاص حين قتله المُختار بن أبي عُبيد:

«تَجَرَّدَ فيها والمُلاءُ بِـكَـفِّـهِ *** لِيُخمِدَ منها ما تَشَذَّرَ واسْتَعَرْ»

والمَلأُ -بالتحريك-: الجماعة، قال أُبيٌّ الغنَويّ:

«وتَحَدَّثُوا مَلأً لُصْبِحَ أُمُّـنـا *** عَذْراءَ لا كَهْلٌ ولا مَوْلُودُ»

أي: تشاوروا مجتمعين مُتمالئين على ذلك ليقتُلُونا أجمعين فتُصبِح أُمُّنا كأنها لن تَلِدْ.

والملأُ -أيضًا-: الخُلُق، يقال: ما أحسن مَلأَ بني فلان: أي عِشرتَهم وأخلاقهم، قال عبْد الشّارق بن عبد العُزّى الجُهَنيُّ:

«فَنَادَوْا يا لَبُهْثَةَ إذْ رَأَوْنـا *** فَقُلْنا أحْسِني مَلأً جُهَيْنا»

والجمْع أمْلاءٌ، وفي الحديث: أن أعرابيا دخل مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلّى ركعتين ثم رفع يديه وقال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد تَحَجَّرْتَ واسعًا يعني سَعَة رحمَة الله تعالى، فلم يلبَث الأعرابيُّ أن قام وبال في آخر المسجد، فقام إليه أصحابه -صلى الله عليه وسلم- ليَضْرِبوه، فقال: أحسِنوا أملاءَكم! دَعوه وأريقوا على بَوْلِه سجْلًا من ماء؛ أو قال: ذنوبًا من ماء؛ فإنما بُعثْتُم مُيسَرِّين ولم تُبعثوا مُعَسِّرين.

والمَلأُ -أيضًا-: الأشراف، وفي الحديث: أن المسلمين لمّا انصرفوا من بدر إلى المدينة استقبلهم المسلمون يُهَنِّئونهم بالفتح ويسألونهم عمّن قُتل؛ قال سلامَةُ بن سَلَمة -رضي الله عنه-: ما قَتَلْنا أحدًا فيه طَعْم ما قَتَلْنا إلاّ عجائز صُلْعًا، فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا ابن سلَمة أولئك المَلأُ من قريش.

وأملأه الله: أي أزْكَمه؛ فهو ممْلُوْء على غير قياس، يُحمل على مُلِئَ.

وأمْلأْتُ النَّزعَ في القوس: إذا شَدَدتَ النَّزع فيها.

والمُملِئُ من الشاء: التي يكون في بطنها ماء وأغراس فيُخَيَّل إلى الناس أنَّ بها حَمْلًا.

ويقال: اجتمع بنو فلان فتشاوروا فيما بينهم حتى امْتَلأُوا على أمرهم الذي أرادوا: أي اتَّفقوا.

وامتَلأَ الشيء وتَمَلأَ: بمعنىً، يقال: تَمَلأْتُ من الطعام والشراب، وتَمَلأَ فلان غَيظًا.

أبو زيد: مالأْتُه على الأمر: ساعدْتُه عليه وشايعْتُه، وفي حديث عليٍّ -رضي الله عنه-: ما قتلتُ عثمان ولا ملأْتُ على قتلِه.

وتَمَالأُوا على الأمر: اجتمعوا عليه، وفي حديث عمر -رضي الله عنه- في القَتيل: لو تَمَالأَ عليه أهل صنعاء لَقَتلتُهُم به.

والتركيب يدل على المساواة والكمال في الشيء.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


3-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ربض)

(ربض) - في الحَدِيث: "أنا زَعِيمٌ بِبَيْت في رَبَض الجَنَّة لمَنْ تَرَكَ المِراءَ" رَبَض الجَنَّة: ما حَوْلَها، وما حَوْلَ المَدِينَةِ والمِصْرِ من المَسَاكِن أرباضٌ.

- في حَديثِ نَجَبَةَ، وقد زَوَّج ابنتَه من رَجُل وجَهَّزَها، وقال: "لا يَبِيت عَزَبًا وله عندنا رَبَض".

قال ابنُ الأَعرابِىّ: رَبَضُ الرَّجُل: هي المَرْأة تَقُومُ بشَأنِه وعَشِيرَتِه أيضًا.

وقِيل: الرَّبَض: كُلّ ما استَرحْت إليه كالأُمِّ، والأُختِ، والخَالَة، والبِنْت، والأَرض، والقَيِّم، وما يُقِيمُ الِإنسانَ من القُوت. ويُربِضه: أي يَكْفِيه ويَكُفُّه. وقيل: لا يقال ذَلِكْ إلَّا في التَّأْنيث.

- في حَديثِ مُعاوِيَة, رَضِى اللهُ عنه: "لا تبعَثُوا الرَّابِضَيْن: التُّركَ والحَبَشة".

: أي المُقِيمَيْن السَّاكِنَيْن. ورَبَض رُبوضًا للحيوان، كجَلَسَ جُلوسًا للإِنسان. والمَرْبِضُ: حيث يَرْبِض: أي لا تُهَيِّجُوهم عَليْكم ما دَامُوا لا يَقْصِدُونَكم.

- ومنه حَدِيثُ عُمَر، رَضِى الله عنه: "فإذا عُلِّيَّةٌ فَفَتَح البَابَ فإذا شِبْه الفَصِيل الرَّابِضِ".

يقال: رَبَض البَعِيرُ: أَقامَ.

- ومنه في رُؤْيا عَوْف، رضىِ الله عنه: "أَنَّه رأَى قُبَّةً حولَها غَنَم رُبوُض". جَمْع رَابضٍ أيضًا.

- وفي الحَدِيثِ: "الرَّابِضَة ملائِكَةٌ أهبِطوا مع آدم، عليه السلام، يَهْدُون الضُّلَّالَ".

ولَعلَّه من الِإقامةِ أيضًا.

- في صفَة القُرَّاء يَومَ الجَماجِم: "كانوا رِبْضَةً".

الرِّبْضَة: مَقْتَل قومٍ قُتِلُوا في بُقعَة وَاحِدة. ويقال: جَاءَنا بثَرِيدٍ كرِبْضَةِ أرنَب بالكَسْر.

فأَمَّا الرُّبْضَة: فالقِطْعَة من الثَّريد، وجاء بثَمَر مِثْل رُبضَةِ الخَرُوف: أي بقَدْر الخَرُوف في حال رُبُوضِه.

- في حَدِيث ابنِ الزُّبَيْر، رضي الله عنه: "أَنَّ ابنَ مُطِيع أَخذَ العَتَلةَ من شِقِّ الرُّبض الذي يَلى دَارَ بني حُمَيْد".

الرُّبْضُ: أَساسُ البِناء والرَّبَض: ما حَوْله، والرَّبَضُ: الأَرطاةُ الضَّخْمَة. يقال: رُبْضٌ ورَبَض، كَسُقْم وسَقَم.

قال سُلَيْمانُ بنُ عَيَّاشٍ في عَينِ الرُّبْضِ. إنَّما سُمِّى به؛ لأن مَنْبِتَ الأراكِ في الرَّملِ يُسَمَّى الأَرباض.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


4-معجم البلدان (تركستان)

تُرْكِسْتَانُ:

هو اسم جامع لجميع بلاد الترك وفي الحديث: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: الترك أول من يسلب أمتي ما خوّلوا وعن ابن عباس أنه قال: ليكوننّ الملك، أو قال الخلافة، في ولدي حتى يغلب على عزهم الحمر الوجوه الذين كأنّ وجوههم المجانّ المطرّقة وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يجيء قوم عراض الوجوه صغار الأعين فطس الأنوف حتى يربطوا خيولهم بشاطئ دجلة وعن معاوية:

لا تبعثوا الرّابضين اتركوهم ما تركوكم الترك والحبشة وخبر آخر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: اتركوا الترك ما تركوكم. وقيل: إن الشاة لا تضع في بلاد الترك أقلّ من أربعة وربما وضعت خمسة أو ستة كما تضع الكلاب، وأما اثنين أو ثلاثة فإنما يكون نادرا، وهي كبار جدّا، ولها ألايا كبار تجرها على الأرض. وأوسع بلاد الترك بلاد التغزغز، وحدّهم الصين والتّبّت والخرلخ والكيماك والغزّ والجفر والبجناك والبذكش واذكس وخفشاق وخرخيز، وأول حدّهم من جهة المسلمين فاراب، قالوا: ومدائنهم المشهورة ست عشرة مدينة،

والتغزغز في الترك كالبادية، أصحاب عمد يرحلون ويحلّون، والبذكشية أهل بلاد وقرّى. وكان هشام بن عبد الملك بعث إلى ملك الترك يدعوه إلى الإسلام، قال الرسول: فدخلت عليه وهو يتخذ سرجا بيده فقال للترجمان: من هذا؟ فقال: رسول ملك العرب، قال: غلامي! قال: نعم، قال

فأسر بي إلى بيت كثير اللحم قليل الخبز، ثم استدعاني وقال لي: ما بغيتك؟ فتلطّفت له وقلت: إن صاحبي يريد نصيحتك ويراك على ضلال ويحبّ لك الدخول في الإسلام، قال: وما الإسلام؟

فأخبرته بشرائطه وحظره وإباحته وفروضه وعبادته، فتركني أياما ثم ركب ذات يوم في عشرة أنفس مع كل واحد منهم لواء وأسر بحملي معه، فمضينا حتى صعد تلّا وحول التلّ غيضة، فلما طلعت الشمس أمر واحدا من أولئك أن ينشر لواءه ويليح به، ففعل، فوافى عشرة آلاف فارس مسلّح كلّهم يقول: جاه جاه، حتى وقفوا تحت التلّ وصعد مقدّمهم فكفّر للملك، فما زال يأمر واحدا واحدا أن ينشر لواءه ويليح به، فإذا فعل ذلك وافى عشرة آلاف فارس مسلّح فيقف تحت التلّ حتى نشر الألوية العشرة وصار تحت التلّ مائة ألف فارس مدجّج، ثم قال للترجمان: قل لهذا الرسول يعرّف صاحبه أن ليس في هؤلاء حجّام ولا إسكاف ولا خياط فإذا أسلموا والتزموا شروط الإسلام من أين يأكلون؟

ومن ملوك الترك كيماك دون ألفين، وهم بادية يبيعون الكلأ، فإذا ولد للرجل ولد ربّاه وعاله وقام بأمره حتى يحتلم ثم يدفع إليه قوسا وسهاما ويخرجه من منزله ويقول له: احتل لنفسك، ويصيّره بمنزلة الغريب الأجنبي ومنهم من يبيع ذكور ولده وإناثهم بما ينفقونه ومن سنتهم أن البنات البكور مكشفات الرؤوس، فإذا أراد الرجل أن يتزوّج ألقى على رأس إحداهن ثوبا فإذا فعل ذلك صارت زوجته لا يمنعها منه مانع وذكر تميم بن بحر المطّوّعي أن بلدهم شديد البرد، وإنما يسلك فيه ستة أشهر في السنة، وأنه سلك في بلاد خاقان التغزغزي على بريد أنفذه خاقان إليه وأنه كان يسير في اليوم والليلة ثلاث سكك بأشد سير وأحثه، فسار عشرين يوما في بواد فيها عيون وكلأ وليس فيها قرية ولا مدينة إلا أصحاب السكك، وهم نزول في خيام، وكان حمل معه زادا لعشرين يوما، ثم سافر بعد ذلك عشرين يوما في قرى متصلة وعمارات كثيرة، وأكثر أهلها عبدة نيران على مذهب المجوس، ومنهم زنادقة على مذهب ماني، وأنه بعد هذه الأيام وصل إلى مدينة الملك وذكر أنها مدينة حصينة عظيمة حولها رساتيق عامرة وقرى متصلة ولها اثنا عشر بابا من حديد مفرطة العظم، قال: وهي كثيرة الأهل والزحام والأسواق والتجارات، والغالب على أهلها مذهب الزنادقة، وذكر أنه حزر ما بعدها إلى بلاد الصين مسيرة ثلاثمائة فرسخ، قال: وأظنه أكثر من ذلك، قال: وعن يمين بلدة التغزغز بلاد الترك لا يخالطها غيرهم، وعن يسار التغزغز كيماك وأمامها بلاد الصين، وذكر أنه نظر قبل وصوله إلى المدينة خيمة الملك من ذهب وعلى رأس قصره تسعمائة رجل، وقد استفاض بين أهل المشرق أن مع الترك حصى يستمطرون به، ويجيئهم الثلج حين أرادوا.

وذكر أحمد بن محمد الهمذاني عن أبي العباس عيسى ابن محمد المروزي قال: لم نزل نسمع في البلاد التي من وراء النهر وغيرها من الكور الموازية لبلاد الترك الكفرة الغزّيّة والتغزغزية والخزلجية، وفيهم المملكة، ولهم في أنفسهم شأن عظيم ونكاية في الأعداء شديدة،

إن من الترك من يستمطر في السفارة وغيرها فيمطر ويحدث ما شاء من برد وثلج ونحو ذلك، فكنا بين منكر ومصدق، حتى رأيت داود بن منصور بن أبي علي الباذغيسي، وكان رجلا صالحا قد تولى خراسان، فحمد أمره بها، وقد خلا بابن ملك الترك الغزية، وكان يقال له بالقيق بن حيّو

قالوا: بلى، قال: فكيف يتهيأ لهم المقام على ما ذكرتم؟ قالوا: أما الناس فلهم أسراب تحت الأرض وغيران في الجبال، فإذا طلعت الشمس بادروا إليها واستكنوا فيها حتى ترتفع الشمس عنهم فيخرجون، وأما الوحوش فإنها تلتقط حصّى هناك قد ألهمت معرفته، فكلّ وحشيّة تأخذ حصاة بفيها وترفع رأسها إلى السماء فتظلّلها وتبرز عند ذلك غمامة تحجب بينها وبين الشمس، قال: فقصد جدي تلك الناحية فوجد الأمر على ما بلغه، فحمل هو وأصحابه على الوحوش حتى عرف الحصى والتقطه، فحملوا منه ما قدروا عليه إلى بلادهم، فهو معهم إلى الآن، فإذا أرادوا المطر حرّكوا منه شيئا يسيرا فينشأ الغيم فيوافي المطر، وإن أرادوا الثلج والبرد زادوا في تحريكه فيوافيهم الثلج والبرد، فهذه قصتهم، وليس ذلك من حيلة عندهم، ولكنه من قدرة الله تعالى.

قال أبو العباس: وسمعت إسماعيل بن أحمد الساماني أمير خراسان يقول: غزوت الترك في بعض السنين في نحو عشرين ألف رجل من المسلمين، فخرج إليّ منهم ستون ألفا في السلاح الشاك، فواقعتهم أياما، فإني ليوما في قتالهم إذ اجتمع إليّ خلق من غلمان الأتراك وغيرهم من الأتراك المستأمنة فقالوا لي: إن لنا في عسكر الكفرة قرابات وإخوانا، وقد أنذرونا بموافاة فلان، قال: وكان هذا الذي ذكروه كالكاهن عندهم، وكانوا يزعمون أنه ينشئ سحاب البرد والثلج وغير ذلك، فيقصد بها من يريد هلاكه، وقالوا: قد عزم أن يمطر على عسكرنا بردا عظاما لا يصيب البرد إنسانا إلا قتله، قال: فانتهرتهم وقلت لهم: ما خرج الكفر من قلوبكم بعد، وهل يستطيع هذا أحد من البشر؟ قالوا: قد أنذرناك وأنت أعلم غدا عند ارتفاع النهار فلما كان من الغد وارتفاع النهار نشأت سحابة عظيمة هائلة من رأس جبل كنت مستندا بعسكري إليه ثم لم تزل تنتشر وتزيد حتى أظلّت عسكري كله، فهالني سوادها وما رأيت منها وما سمعت فيها من الأصوات الهائلة وعلمت أنها فتنة، فنزلت عن دابّتي وصلّيت ركعتين وأهل العسكر يموج بعضهم في بعض وهم لا يشكّون في البلاء، فدعوت الله وعفرت وجهي في التراب وقلت:

اللهم أغثنا فإن عبادك يضعفون عن محنتك وأنا أعلم أن القدرة لك وأنه لا يملك الضرّ والنّفع الا أنت، اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علينا كانت فتنة للمسلمين وسطوة للمشركين، فاصرف عنا شرها

بحولك وقوتك يا ذا الجلال والحول والقوة قال:

وأكثرت الدعاء ووجهي على التراب رغبة ورهبة إلى الله تعالى وعلما أنه لا يأتي الخير إلا من عنده ولا يصرف السوء غيره، فبينما أنا كذلك إذ تبادر إليّ الغلمان وغيرهم من الجند يبشرونني بالسلامة وأخذوا بعضدي ينهضونني من سجدتي ويقولون: انظر أيها الأمير، فرفعت رأسي فإذا السحابة قد زالت عن عسكري وقصدت عسكر الترك تمطر عليهم بردا عظاما وإذا هم يموجون، وقد نفرت دوابهم وتقلّعت خيامهم، وما تقع بردة على واحد منهم إلا أوهنته أو قتلته، فقال أصحابي: نحمل عليهم؟ فقلت: لا، لأن عذاب الله أدهى وأمرّ، ولم يفلت منهم إلا القليل، وتركوا عسكرهم بجميع ما فيه وهربوا، فلما كان من الغد جئنا إلى معسكرهم فوجدنا فيه من الغنائم ما لا يوصف، فحملنا ذلك وحمدنا الله على السلامة وعلمنا أنه هو الذي سهل لنا ذلك وملكناه قلت: هذه أخبار سطرتها كما وجدتها، والله أعلم بصحتها.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


5-معجم البلدان (حضن)

حَضَنٌ:

بالتحريك، وهو في اللغة العاج: وهو جبل بأعلى نجد، وهو أول حدود نجد، وفي المثل:

أنجد من رأى حضنا أي من شاهد هذا الجبل فقد صار في أرض نجد، وقال السكري في قول جرير:

«لو أن جمعهم، غداة مخاشن، *** يرمى به حضن لكاد يزول»

حضن: جبل بالعالية، ومخاشن: جبل بالجزيرة، وقال يزيد بن حداق في أخبار المفضل:

«أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم، *** وإن لا تقيموا صاغرين رؤوسا»

«أكلّ لئيم منكم ومعلهج *** يعدّ علينا غارة فجبوسا؟»

«أكابن المعلّى خلتنا وحسبتنا، *** صراري نعطي الماكسين مكوسا؟»

«فإن تبعثوا عينا تمنّى لقاءنا *** يوم حضنا، أو من شمام ضبيسا»

وقال نصر: حضن جبل مشرف على السّيّ إلى جانب ديار سليم، وهو أشهر جبال نجد، وقيل: جبل ضخم بناحية نجد، بينه وبين تهامة مرحلة، تبيض فيه النّسور، يسكنه بنو جشم بن بكر، وقال أبو المنذر في كتاب الافراق: وظعنت قضاعة كلّها من غور تهامة بعد ما كان من حرب بني نزار لهم وإجلائهم إياهم وساروا منجدين فمالت كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة إلى حضن والسّيّ وما صاقبه من البلاد غير شكم اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب فإنهم انضموا إلى فهم بن تيم اللات بن أسد بن وبرة بن تغلب وصاروا معهم، ولحقت بهم عصيمة بن اللّبو بن أمر مناة بن فتيئة ابن النّمر بن وبرة فانضمت إليهم، ولحقت بهم قبائل من جرم بن ربّان فثبتوا معهم بحصن فأقاموا هنالك وانتشرت قبائل قضاعة في البلاد. وحضن أيضا:

من جبال سلمى، عن نصر.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


6-موسوعة الفقه الكويتية (مشقة)

مَشَقَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَشَقَّةُ فِي اللُّغَةِ: بِمَعْنَى الْجُهْدِ وَالْعَنَاءِ وَالشِّدَّةِ وَالثِّقَلِ، يُقَالُ: شَقَّ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَشُقُّ شَقًّا وَمَشَقَّةً إِذَا أَتْعَبَهُ وَمِنْهُ قوله تعالى: {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} مَعْنَاهُ: إِلاَّ بِجُهْدِ الْأَنْفُسِ، وَالشِّقُّ: الْمَشَقَّةُ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: وَشَقَّ الْأَمْرُ عَلَيْنَا يَشُقُّ مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْضًا فَهُوَ شَاقٌّ، وَشَقَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ يَشُقُّ شَقًّا وَمَشَقَّةً أَيْ ثَقُلَ عَلَيَّ وَالْمَشَقَّةُ اسْمٌ مِنْهُ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْحَرَجُ:

2- الْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ: بِمَعْنَى الضِّيقِ، وَحَرِجَ صَدْرُهُ حَرَجًا مِنْ بَابِ تَعِبَ: ضَاقَ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْحَرَجُ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ فَوْقَ الْمُعْتَادِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ هِيَ: أَنَّ الْحَرَجَ أَخَصُّ مِنَ الْمَشَقَّةِ.

ب- الرُّخْصَةُ:

3- الرُّخْصَةُ فِي اللُّغَةِ: الْيُسْرُ وَالسُّهُولَةُ يُقَالُ: رَخُصَ السِّعْرُ إِذَا تَرَاجَعَ وَسَهُلَ الشِّرَاءُ.

وَاصْطِلَاحًا: عِبَارَةٌ عَمَّا وُسِّعَ لِلْمُكَلَّفِ فِي فِعْلِهِ لِعُذْرٍ وَعَجْزٍ عَنْهُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرِّمِ: كَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، وَجَوَازِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَالرُّخْصَةِ: هِيَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ سَبَبٌ لِلرُّخْصَةِ.

ج- الضَّرُورَةُ:

4- الضَّرُورَةُ اسْمٌ مِنَ الِاضْطِرَارِ.

وَفِي الشَّرْعِ: بُلُوغُ الْإِنْسَانِ حَدًّا إِنْ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْمَمْنُوعَ هَلَكَ أَوْ قَارَبَ.

وَالصِّلَةُ هِيَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ أَعَمُّ مِنَ الضَّرُورَةِ.

د- الْحَاجَةُ

5- الْحَاجَةُ تُطْلَقُ عَلَى الِافْتِقَارِ، وَعَلَى مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ مَعَ مَحَبَّتِهِ.

وَاصْطِلَاحًا: مَا يُفْتَقَرُ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّوْسِعَةُ وَرَفْعُ الضِّيقِ الْمُؤَدِّي فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ اللاَّحِقَةِ بِفَوْتِ الْمَطْلُوبِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَالْحَاجَةِ أَنَّ الْحَاجَةَ وَإِنْ كَانَتْ حَالَةَ جُهْدٍ فَهِيَ دُونَ الْمَشَقَّةِ وَمَرْتَبَتُهَا أَدْنَى مِنْهَا.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَشَقَّةِ:

أَوَّلًا: أَوْجُهُ الْمَشَقَّةِ

6- يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَرُخَصٌ مُتَعَدِّدَةٌ، تَعْتَمِدُ عَلَى نَوْعِ الْمَشَقَّةِ وَدَرَجَتِهَا.

وَلَا تَخْلُو جَمِيعُ التَّكَالِيفِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ أَصْلًا، بَلْ إِنَّ التَّكْلِيفَ مَا سُمِّيَ بِهَذَا إِلاَّ لِأَنَّهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ، فَلَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنَ التَّكَالِيفِ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي أَنَّ أَوْجُهَ الْمَشَقَّةِ أَرْبَعَةٌ.

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَشَقَّةُ مَا لَا يُطَاقُ

7- وَهِيَ الْمَشَقَّةُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى حَمْلِهَا أَصْلًا، فَهَذَا النَّوْعُ لَمْ يَرِدِ التَّكْلِيفُ بِهِ فِي الشَّرْعِ أَصْلًا، إِذْ لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَقَعُ التَّكْلِيفُ بِهِ شَرْعًا، وَإِنْ جَازَ عَقْلًا، فَتَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ يُسَمَّى مَشَقَّةً مِنْ حَيْثُ كَانَ تَكَلُّفُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِحَمْلِهِ مُوقِعًا فِي عَنَاءٍ وَتَعَبٍ لَا يُجْدِي، كَالْمُقْعَدِ إِذَا تَكَلَّفَ الْقِيَامَ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا تَكَلَّفَ الطَّيَرَانَ فِي الْهَوَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَحِينَ اجْتَمَعَ مَعَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الشَّاقُّ الْحَمْلُ إِذَا تَحَمَّلَ فِي نَفْسِ الْمَشَقَّةِ سُمِّيَ الْعَمَلُ شَاقًّا وَالتَّعَبُ فِي تَكَلُّفِ حَمْلِهِ مَشَقَّةٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: الْمَشَقَّةُ الَّتِي تُطَاقُ لَكِنْ فِيهَا شِدَّةٌ:

8- الْمَشَقَّةُ الَّتِي تُطَاقُ وَيُمْكِنُ احْتِمَالُهَا، لَكِنْ فِيهَا شِدَّةٌ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَكُونُ خَاصًّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَةِ، بِحَيْثُ يُشَوِّشُ عَلَى النَّفُوسِ فِي تَصَرُّفِهَا وَيُقْلِقُهَا فِي الْقِيَامِ بِمَا فِيهِ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ.

إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ مُخْتَصَّةً بِأَعْيَانِ الْأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ بِهَا، بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً لَوُجِدَتْ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ الرُّخَصُ الْمَشْهُورَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، كَالصَّوْمِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَكُونَ مُخْتَصَّةً وَلَكِنْ إِذَا نَظَرَ إِلَى كُلِّيَّاتِ الْأَعْمَالِ وَالدَّوَامِ عَلَيْهَا صَارَتْ شَاقَّةً وَلَحِقَتِ الْمَشَقَّةُ الْعَامِلَ بِهَا، وَيُوجَدُ هَذَا فِي النَّوَافِلِ وَحْدَهَا إِذَا تَحَمَّلَ الْإِنْسَانُ مِنْهَا فَوْقَ مَا يَحْتَمِلُهُ عَلَى وَجْهٍ مَا إِلاَّ أَنَّهُ فِي الدَّوَامِ يُتْعِبُهُ.

وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى التَّكْلِيفِ بِالشَّاقِّ وَالْإِعْنَاتِ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» وَإِنَّمَا قَالَتْ: «مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» لِأَنَّ تَرْكَ الْإِثْمِ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ مُجَرَّدَ تَرْكٍ إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ قَاصِدًا لِلْمَشَقَّةِ لَمَا كَانَ مُرِيدًا لِلْيُسْرِ وَلَا لِلتَّخْفِيفِ وَلَكَانَ مُرِيدًا لِلْحَرَجِ وَالْعُسْرِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ.

كَمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ أَيْضًا مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الرُّخَصِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَمِمَّا عُلِمَ مِنْهُ دِينُ الْأُمَّةِ بِالضَّرُورَةِ: كَرُخَصِ السَّفَرِ، وَالْفِطْرِ، وَالْجَمْعِ، وَتَنَاوُلِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الِاضْطِرَارِ فَإِنَّ هَذَا نَمَطٌ يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى مُطْلَقِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَكَذَلِكَ بِمَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ وَالتَّسَبُّبِ فِي الِانْقِطَاعِ عَنْ دَوَامِ الْأَعْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الشَّارِعُ قَاصِدًا لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّكْلِيفِ لَمَا كَانَ ثَمَّ تَرْخِيصٌ وَلَا تَخْفِيفٌ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُنَازَعُ فِي أَنَّ الشَّارِعَ قَاصِدٌ لِلتَّكْلِيفِ بِمَا يَلْزَمُ فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ مَا، وَلَكِنْ لَا تُسَمَّى فِي الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ مَشَقَّةً كَمَا لَا يُسَمَّى فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً طَلَبُ الْمَعَاشِ بِالتَّحَرُّفِ وَسَائِرِ الصَّنَائِعِ، لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مُعْتَادٌ لَا يَقْطَعُ مَا فِيهِ مِنَ الْكُلْفَةِ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُعَدُّ مَشَقَّةً عَادَةً، وَالَّتِي تُعَدُّ مَشَقَّةً، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْعَمَلُ يُؤَدِّي الدَّوَامُ عَلَيْهِ إِلَى الِانْقِطَاعِ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ وَإِلَى وُقُوعِ خَلَلٍ فِي صَاحِبِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ، أَوْ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ فَالْمَشَقَّةُ هُنَا خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ فَلَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ مَشَقَّةً وَإِنْ سُمِّيَتْ كُلْفَةً.

فَمَا تَضَمَّنَ التَّكْلِيفَ الثَّابِتَ عَلَى الْعِبَادِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْمُعْتَادَةِ أَيْضًا لَيْسَ بِمَقْصُودِ الطَّلَبِ لِلشَّارِعِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ الْمَشَقَّةِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَائِدَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: الزِّيَادَةُ فِي الْفِعْلِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ:

9- وَهُوَ إِذَا كَانَ الْفِعْلُ خَاصًّا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَعَبِ النَّفْسِ خُرُوجٌ عَنِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ، وَلَكِنَّ نَفْسَ التَّكْلِيفِ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَاتُ قَبْلَ التَّكْلِيفِ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَقْتَضِي مَعْنَى الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَلَّفْتُهُ تَكْلِيفًا إِذَا حَمَّلْتَهُ أَمْرًا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَمَرْتُهُ بِهِ، وَتَكَلَّفْتُ الشَّيْءَ: إِذَا تَحَمَّلْتَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ، وَحَمَلْتُ الشَّيْءَ تَكَلَّفْتُهُ: إِذَا لَمْ تُطِقْهُ إِلاَّ تَكَلُّفًا، فَمِثْلُ هَذَا يُسَمَّى مَشَقَّةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لِأَنَّهُ إِلْقَاءٌ بِالْمَقَالِيدِ وَدُخُولُ أَعْمَالٍ زَائِدَةٍ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُلْزِمًا بِمَا قَبْلَهُ:

10- وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ خَاصًّا بِمَا يَلْزَمُ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ إِخْرَاجُ الْمُكَلَّفِ عَنْ هَوَى نَفْسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى شَاقَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الْهَوَى مُطْلَقًا، وَيَلْحَقُ الْإِنْسَانَ بِسَبَبِهَا تَعَبٌ وَعَنَاءٌ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ فِي الْخَلْقِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُخَالَفَةَ مَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ شَاقٌّ عَلَيْهَا، وَالشَّارِعُ إِنَّمَا قَصَدَ بِوَضْعِ شَرِيعَةٍ إِخْرَاجَ الْمُكَلَّفِ عَنِ اتِّبَاعِ هَوَاهُ حَتَّى يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ، فَإِذًا مُخَالَفَةُ الْهَوَى لَيْسَتْ مِنَ الْمَشَقَّاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّكْلِيفِ.

ثَانِيًا: الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُنَظِّمَةُ لِأَحْكَامِ الْمَشَقَّةِ:

11- وَضَعَ الْفُقَهَاءُ مَجْمُوعَةً مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ لِضَبْطِ أَحْكَامِ الْمَشَقَّةِ، وَمِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ (الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ) يَعْنِي أَنَّ الصُّعُوبَةَ تَصِيرُ سَبَبًا لِلتَّسْهِيلِ، وَيَلْزَمُ التَّوْسِيعُ فِي وَقْتِ الْمُضَايَقَةِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ كَالْقَرْضِ وَالْحَوَالَةِ وَالْحَجْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا جَوَّزَهُ الْفُقَهَاءُ مِنَ الرُّخَصِ وَالتَّخْفِيفَاتِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ:

وَتُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ سَبَبًا هَامًّا مِنْ أَسْبَابِ الرُّخَصِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، وَبِحَسَبِ قُوَّةِ الْعَزَائِمِ وَضَعْفِهَا، وَبِحَسَبِ الْأَعْمَالِ، فَلَيْسَ لِلْمَشَقَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّخْفِيفَاتِ ضَابِطٌ مَخْصُوصٌ، وَلَا حَدٌّ مَحْدُودٌ يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ أَقَامَ الشَّرْعُ السَّبَبَ مَقَامَ الْعِلَّةِ وَاعْتَبَرَ السَّفَرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَظَانِّ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ.وَلَيْسَتْ أَسْبَابُ الرُّخَصِ بِدَاخِلَةٍ تَحْتَ قَانُونٍ أَصْلِيٍّ، وَلَا ضَابِطٍ مَأْخُوذٍ بِالْيَدِ، بَلْ هِيَ إِضَافِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مُخَاطَبٍ فِي نَفْسِهِ.

وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ»،، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «أَحَبُّ الْأَدْيَانِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ».

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- وَغَيْرُهُ قَوْلَهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».

وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا».

وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ.

هَذَا وَقَدْ خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا نُصَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَعَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى، قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ إِنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ فَلَا.

وَبِمَعْنَى قَاعِدَةِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ التَّيْسِيرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ- رحمه الله-: «إِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ» وَمَعْنَاهَا: إِذَا ظَهَرَتْ مَشَقَّةٌ فِي أَمْرٍ يُرَخَّصُ فِيهِ وَيُوَسَّعُ، فَعَكْسُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ «إِذَا اتَّسَعَ الْأَمْرُ ضَاقَ»، وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ دَفْعًا لِحَرَجِ ضَيَاعِ الْحُقُوقِ.

وَمِنْهَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ

الْمَشَاقُّ الْمُوجِبَةُ لِلتَّخْفِيفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ

قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْمَشَاقُّ ضَرْبَانِ:

12- أَحَدُهُمَا: مَشَقَّةٌ لَا تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا كَمَشَقَّةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَكَمَشَقَّةِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا سِيَّمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَكَمَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَطُولِ النَّهَارِ، وَكَمَشَقَّةِ السَّفَرِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ الَّتِي لَا انْفِكَاكَ عَنْهَا غَالِبًا، وَكَمَشَقَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْمَشَقَّةُ فِي رَجْمِ الزُّنَاةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْجُنَاةِ وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً عَظِيمَةً عَلَى مُقِيمِ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ بِمَا يَجِدُهُ مِنَ الرِّقَّةِ وَالْمَرْحَمَةِ بِهَا لِلسُّرَّاقِ وَالزُّنَاةِ وَالْجُنَاةِ مِنَ الْأَجَانِبِ وَالْأَقَارِبِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَلِمِثْلِ هَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» وَهُوَ- صلى الله عليه وسلم- أَوْلَى بِتَحَمُّلِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصَفَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فَهَذِهِ الْمَشَاقُّ كُلُّهَا لَا أَثَرَ لَهَا فِي إِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ.

13- الضَّرْبُ الثَّانِي: مَشَقَّةٌ تَنْفَكُّ عَنْهَا الْعِبَادَاتُ غَالِبًا وَهِيَ أَنْوَاعٌ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فَادِحَةٌ كَمَشَقَّةِ الْخَوْفِ عَلَى النَّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَمَنَافِعِ الْأَطْرَافِ، فَهَذِهِ مَشَقَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّرْخِيصِ لِأَنَّ حِفْظَ الْمُهَجِ وَالْأَطْرَافِ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيضِهَا لِلْفَوَاتِ فِي عِبَادَةٍ أَوْ عِبَادَاتٍ ثُمَّ تَفُوتُ أَمْثَالُهَا.

النَّوْعُ الثَّانِي: مَشَقَّةٌ خَفِيفَةٌ كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي إِصْبَعٍ أَوْ أَدْنَى صُدَاعٍ أَوْ سُوءِ مِزَاجٍ خَفِيفٍ، فَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصَالِحِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا أَثَرَ لَهَا.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَشَاقُّ وَاقِعَةٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَشَقَّتَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْخِفَّةِ وَالشِّدَّةِ فَمَا دَنَا مِنْهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ، وَمَا دَنَا مِنْهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبِ التَّخْفِيفَ.

كَمَرِيضٍ فِي رَمَضَانَ يَخَافُ مِنَ الصَّوْمِ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ بُطْءَ الْبُرْءِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهَكَذَا فِي الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ وَوَجَعِ الضُّرُوسِ الْيَسِيرِ وَمَا وَقَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرُّتْبَتَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِالْعُلْيَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِالدُّنْيَا، وَتُضْبَطُ مَشَقَّةُ كُلِّ عِبَادَةٍ بِأَدْنَى الْمَشَاقِّ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تَخْفِيفِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَزْيَدَ ثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ وَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ فِي مَشَقَّةِ الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ كَزِيَادَةِ مَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ.

وَكَذَلِكَ الْمَشَاقُّ فِي الْحَجِّ وَفِي إِبَاحَةِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ: أَنْ يَحْصُلَ بِتَرْكِهَا مِثْلُ مَشَقَّةِ الْقُمَّلِ الْوَارِدِ فِيهِ الرُّخْصَةُ، وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجِّ فَلَا يُكْتَفَى بِتَرْكِهِ بِذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَشَقَّةٍ لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهَا كَالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَعَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَفِي إِبَاحَةِ تَرْكِ الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ: أَنْ يَحْصُلَ بِهِ مَا يُشَوِّشُ الْخُشُوعَ وَإِلَى الِاضْطِجَاعِ أَشَقُّ، لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِتَعْظِيمِ الْعِبَادَاتِ.

وَالْمَشَاقُّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يَعْظُمُ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا يَخِفُّ وَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، وَمِنْهَا مَا يَتَوَسَّطُ فَيُرَدَّدُ فِيهِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ إِلَى الْمَشَقَّةِ الْعُلْيَا كَانَ أَوْلَى بِمَنْعِ الْوُجُوبِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ إِلَى الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَا كَانَ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَمْنَعَ الْوُجُوبَ.

وَتَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافِ الْعِبَادَاتِ فِي اهْتِمَامِ الشَّرْعِ، فَمَا اشْتَدَّ اهْتِمَامُهُ بِهِ شَرَطَ فِي تَخْفِيفِهِ الْمَشَاقَّ الشَّدِيدَةَ أَوِ الْعَامَّةَ، وَمَا لَمْ يَهْتَمَّ بِهِ خَفَّفَهُ بِالْمَشَاقِّ الْخَفِيفَةِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ مَشَاقُّهُ مَعَ شَرَفِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ لِتَكَرُّرِ مَشَاقِّهِ، كَيْلَا يُؤَدِّيَ إِلَى الْمَشَاقِّ الْعَامَّةِ الْكَثِيرَةِ الْوُقُوعِ.

مِثَالُهُ: تَرْخِيصُ الشَّرْعِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ تُقَامُ مَعَ الْخَبَثِ الَّذِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَمَعَ الْحَدَثِ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَمَنْ كَانَ عُذْرُهُ كَعُذْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ.

أَمَّا الصَّلَاةُ فَيَنْتَقِلُ فِيهَا الْقَائِمُ إِلَى الْقُعُودِ بِالْمَرَضِ الَّذِي يُشَوِّشُ عَلَيْهِ الْخُشُوعَ وَالْأَذْكَارَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الضَّرُورَةُ وَلَا الْعَجْزُ عَنْ تَصْوِيرِ الْقِيَامِ اتِّفَاقًا، وَيُشْتَرَطُ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الِاضْطِجَاعِ عُذْرًا أَشَقَّ مِنْ عُذْرِ الِانْتِقَالِ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى الْقُعُودِ، لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ مُنَافٍ لِتَعْظِيمِ الْعِبَادَاتِ وَلَا سِيَّمَا وَالْمُصَلِّي مُنَاجٍ رَبَّهُ.

وَأَمَّا الْأَعْذَارُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمُعَاتِ فَخَفِيفَةٌ، لِأَنَّ الْجَمَاعَاتِ سُنَّةٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَالْجُمُعَاتِ بَدَلٌ.

وَأَمَّا الصَّوْمُ فَالْأَعْذَارُ فِيهِ خَفِيفَةٌ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ الَّذِي يَشُقُّ الصَّوْمُ مَعَهُ لِمَشَقَّةِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُسَافِرِ، وَهَذَانِ عُذْرَانِ خَفِيفَانِ، وَمَا كَانَ أَشَدَّ مِنْهُمَا كَالْخَوْفِ عَلَى الْأَطْرَافِ وَالْأَرْوَاحِ كَانَ أَوْلَى بِجَوَازِ الْفِطْرِ.

وَأَمَّا التَّيَمُّمُ: فَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ- رحمه الله- تَارَةً بِأَعْذَارٍ خَفِيفَةٍ، وَمَنَعَهُ تَارَةً عَلَى قَوْلٍ بِأَعْذَارٍ أَثْقَلَ مِنْهَا، وَالْأَعْذَارُ عِنْدَهُ رُتَبٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْمَشَقَّةِ.

الرُّتْبَةُ الْأُولَى: مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ كَالْخَوْفِ عَلَى النَّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ، وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ فَيُبَاحُ بِهَا التَّيَمُّمُ.

الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ: مَشَقَّةٌ دُونَ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ فِي الرُّتْبَةِ كَالْخَوْفِ مِنْ حُدُوثِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ فَهَذَا مُلْحَقٌ بِالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا عَلَى الْأَصَحِّ.

الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ: خَوْفُ إِبْطَاءِ الْبُرْءِ وَشِدَّةُ الضَّنَى فَفِي إِلْحَاقِهِ بِالرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْإِلْحَاقُ.

الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ: خَوْفُ الشَّيْنِ إِنْ كَانَ بَاطِنًا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ التَّيَمُّمَ بِمَشَاقَّ خَفِيفَةٍ دُونَ هَذِهِ الْمَشَاقِّ.

14- وَلَا تَخْتَصُّ الْمَشَاقُّ بِالْعِبَادَاتِ بَلْ تَجْرِي فِي الْمُعَامَلَاتِ مِثَالُهُ: الْغَرَرُ فِي الْبُيُوعِ وَهُوَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَعْسُرُ اجْتِنَابُهُ كَبَيْعِ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ فِي قُشُورِهَا فَيُعْفَى عَنْهُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَعْسُرُ اجْتِنَابُهُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَقَعُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، مِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِمَا عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ لِارْتِفَاعِهِ عَمَّا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهُ بِمَا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ لِانْحِطَاطِهِ عَمَّا عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ تَارَةً يَعْظُمُ الْغَرَرُ فِيهِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْجَوْزِ الْأَخْضَرِ فِي قِشْرَتِهِ.

15- وَإِذَا كَانَتِ الْمَشَاقُّ تَنْقَسِمُ إِلَى مَا هُوَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الشِّدَّةِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي أَدْنَاهَا، وَإِلَى مَا يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا، فَكَيْفَ تُعْرَفُ الْمَشَاقُّ الْمُتَوَسِّطَةُ الْمُبِيحَةُ الَّتِي لَا ضَابِطَ لَهَا، مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ رَبَطَ التَّخْفِيفَاتِ بِالشَّدِيدِ وَالْأَشَدِّ وَالشَّاقِّ وَالْأَشَقِّ، مَعَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الشَّدِيدِ وَالشَّاقِّ مُتَعَذِّرَةٌ لِعَدَمِ الضَّابِطِ؟ وَأَجَابَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ: لَا وَجْهَ لِضَبْطِ هَذَا وَأَمْثَالِهِ إِلاَّ بِالتَّقْرِيبِ، فَإِنَّ مَا لَا يُحَدُّ ضَابِطُهُ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَيَجِبُ تَقْرِيبُهُ، فَالْأَوْلَى فِي ضَابِطِ مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ أَنْ تُضْبَطَ مَشَقَّةُ كُلِّ عِبَادَةٍ بِأَدْنَى الْمَشَاقِّ الْمُعْتَبَرَةِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَزْيَدَ ثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ بِهَا، وَلَنْ يُعْلَمَ التَّمَاثُلُ إِلاَّ بِالزِّيَادَةِ، إِذْ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْبَشَرِ الْوُقُوفُ عَلَى تَسَاوِي الْمَشَاقِّ، فَإِذَا زَادَتْ إِحْدَى الْمَشَقَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى عُلِمَا أَنَّهُمَا قَدِ اسْتَوَتَا، فَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةُ الدُّنْيَا مِنْهُمَا كَانَ ثُبُوتُ التَّخْفِيفِ وَالتَّرْخِيصِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ أَنَّ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ فِي حَقِّ النَّاسِكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ تَأَذِّيهِ بِالْأَمْرَاضِ بِمِثْلِ مَشَقَّةِ الْقَمْلِ.

كَذَلِكَ سَائِرُ الْمَشَاقِّ الْمُبِيحَةِ لِلُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تُقَرَّبَ الْمَشَاقُّ الْمُبِيحَةُ لِلتَّيَمُّمِ بِأَدْنَى مَشَقَّةٍ أُبِيحَ بِمِثْلِهَا التَّيَمُّمُ، وَفِي هَذَا إِشْكَالٌ، فَإِنَّ مَشَقَّةَ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ وَمَشَقَّةَ الِانْقِطَاعِ مِنْ سَفَرِ النُّزْهَةِ خَفِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا الْأَمْرَاضُ، وَأَمَّا الْمُبِيحُ لِلْفِطْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَرَّبَ مَشَقَّتُهُ بِمَشَقَّةِ الصِّيَامِ فِي الْحَضَرِ، فَإِذَا شَقَّ الصَّوْمُ مَشَقَّةً تُرْبِي عَلَى مَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ فَلْيَجُزِ الْإِفْطَارُ بِذَلِكَ.

وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا مَقَادِيرُ الْإِغْرَارِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَمِنْهَا تَوَقَانُ الْجَائِعِ إِلَى الطَّعَامِ وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَمِنْهَا التَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، كَذَلِكَ التَّأَذِّي بِالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ.

ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ

16- يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَشَقَّةُ عَامَّةً، وَوُقُوعُهَا كَثِيرًا، فَلَوْ كَانَ وُقُوعُهَا نَادِرًا لَمْ تُرَاعَ الْمَشَقَّةُ، وَالْمَشَقَّةُ يَخْتَلِفُ ضَابِطُهَا بِاخْتِلَافِ أَعْذَارِهَا، كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، إِذْ يُعْدَلُ عَنِ الْمَاءِ إِذَا خِيفَ إِتْلَافُ عُضْوٍ أَوْ بُطْءُ الْبُرْءِ أَوْ شَيْنٌ فَاحِشٌ.

قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِنْ قِيلَ مَا ضَابِطُ الْفِعْلِ الشَّاقِّ الَّذِي يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَفِيفِ؟ قُلْتُ: إِذَا اتَّحَدَ الْفِعْلَانِ فِي الشَّرَفِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ وَالْأَرْكَانِ- وَكَانَ أَحَدُهُمَا- شَاقًّا فَقَدِ اسْتَوَيَا فِي أَجْرِهِمَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْوَظَائِفِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَأُثِيبَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ لَا عَلَى عَيْنِ الْمَشَاقِّ، إِذْ لَا يَصِحُّ التَّقَرُّبُ بِالْمَشَاقِّ لِأَنَّ الْقُرَبَ كُلَّهَا تَعْظِيمٌ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَيْسَ عَيْنُ الْمَشَاقِّ تَعْظِيمًا وَلَا تَوْقِيرًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَحَمَّلَ مَشَقَّةً فِي خِدْمَةِ إِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَرَى ذَلِكَ لَهُ لِأَجْلِ كَوْنِهِ شَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرَاهُ لَهُ بِسَبَبِ تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْخِدْمَةِ لِأَجْلِهِ.

وَيَخْتَلِفُ أَجْرُ تَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ بِشِدَّةِ الْمَشَاقِّ وَخِفَّتِهَا.

وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ: كَمَا أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَكُونُ دُنْيَوِيَّةً، كَذَلِكَ تَكُونُ أُخْرَوِيَّةً، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ إِذَا كَانَ الدُّخُولُ فِيهَا يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيلِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ فَهُوَ أَشَدُّ مَشَقَّةً- بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ- مِنَ الْمَشَقَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُخِلَّةٍ بِدِينٍ، وَاعْتِبَارُ الدِّينِ مُقَدَّمٌ عَلَى اعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ وَغَيْرِهَا فِي نَظَرِ الشَّارِعِ، فَالْمَشَقَّةُ الدِّينِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ فِي الِاعْتِبَارِ عَلَى الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ فِي إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

فَالْمَشَقَّةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ تَكُونُ غَيْرَ مَطْلُوبَةٍ وَلَا الْعَمَلُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَشَقَّةِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْمُعْتَادِ مَطْلُوبًا، فَقَدْ نَشَأَ هُنَا نَظَرٌ فِي تَعَارُضِ مَشَقَّتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إِنْ لَزِمَ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِنَفْسِهِ فَسَادٌ وَمَشَقَّةٌ لِغَيْرِهِ فَيَلْزَمُ أَيْضًا مِنَ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ فَسَادٌ وَمَشَقَّةٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَصَدَّى النَّظَرُ فِي وَجْهِ اجْتِمَاعِ الْمَصْلَحَتَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشَقَّتَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّرْجِيحِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّةُ الْعَامَّةُ أَعْظَمَ اعْتُبِرَ جَانِبُهَا وَأُهْمِلَ جَانِبُ الْخَاصَّةِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْأَعْمَالِ الْمُعْتَادَةِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَتِ الْمَشَقَّةُ فِي صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ كَالْمَشَقَّةِ فِي رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ، وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي الصَّلَاةِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الصِّيَامِ وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي الصِّيَامِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الْحَجِّ، وَلَا الْمَشَقَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْمَشَقَّةِ فِي الْجِهَادِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ التَّكْلِيفِ وَلَكِنْ كُلُّ عَمَلٍ فِي نَفْسِهِ لَهُ مَشَقَّةٌ مُعْتَادَةٌ فِيهِ، تُوَازِي مَشَقَّةَ مِثْلِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ.

الْمَوَاطِنُ الَّتِي تُظَنُّ فِيهَا الْمَشَقَّةُ وَالْأَحْكَامُ الْمَنُوطَةُ بِهَا:

17- شَرَعَ الْإِسْلَامُ أَنْوَاعًا مِنَ الرُّخَصِ لِظُرُوفٍ تُوجِدُ لِلْمُكَلَّفِ نَوْعًا مِنَ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تُثْقِلُ كَاهِلَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ فِي الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى الْأَعْذَارِ وَقَدْ رَخَّصَ الشَّارِعُ لِأَصْحَابِهَا بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، فَكُلُّ مَا تَعَسَّرَ أَمْرُهُ وَشَقَّ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَضْعُهُ خَفَّفَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْأَعْذَارِ الَّتِي جُعِلَتْ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْعِبَادِ وَالْمَوَاطِنِ الَّتِي تُظَنُّ فِيهَا الْمَشَقَّةُ هِيَ: السَّفَرُ- الْمَرَضُ- الْحَمْلُ- الْإِرْضَاعُ- الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ- الْإِكْرَاهُ- النِّسْيَانُ- الْجَهْلُ- الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى- النَّقْصُ.

أ- السَّفَرُ:

18- السَّفَرُ سَبَبٌ لِلتَّخْفِيفِ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَشَقَّةٍ، وَلِحَاجَةِ الْمُسَافِرِ إِلَى التَّقَلُّبِ فِي حَاجَاتِهِ، وَيُعْتَبَرُ السَّفَرُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَشَقَّةِ فِي الْغَالِبِ فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ نَفْسُ السَّفَرِ سَبَبًا لِلرُّخَصِ وَأُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَفَرٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا)، وَمُصْطَلَحَاتِ: (صَلَاةُ الْمُسَافِرِ، وَصَوْمٌ، وَتَطَوُّعٌ، وَتَيَمُّمٌ).

ب- الْمَرَضُ:

19- قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمَرِيضُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ بَدَنُهُ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ وَالِاعْتِيَادِ فَيَضْعُفُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْمَطْلُوبِ.

وَقَدْ خَصَّتِ الشَّرِيعَةُ الْمَرِيضَ بِحَظِّ وَافِرٍ مِنَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ الْمَرَضَ مَظِنَّةٌ لِلْعَجْزِ فَخَفَّفَ عَنْهُ الشَّارِعُ.

وَلِلْمَرِيضِ رُخَصٌ كَثِيرَةٌ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِيرٌ ف 32).

ج- الشَّيْخُوخَةُ وَالْهَرَمُ:

20- لَقَدْ خَفَّفَ الشَّارِعُ عَنِ الشَّيْخِ الْهَرَمِ، فَخَصَّهُ بِجَوَازِ إِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ بَدَلًا عَنِ الصِّيَامِ الَّذِي عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إِذَا كَانَ الصَّوْمُ يُجْهِدُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً.

5- جَوَازُ الْفِطْرِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فِي رَمَضَانَ

21- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوِ الضَّرَرَ أَوِ الْهَلَاكَ وَالْمَشَقَّةَ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا كَالْمَرِيضِ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْحَمْلَ مَرَضٌ حَقِيقَةً، وَالرَّضَاعُ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ وَلَيْسَ مَرَضًا حَقِيقَةً.

هـ- الْإِكْرَاهُ:

22- الْإِكْرَاهُ هُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى أَمْرٍ لَا يَرْضَاهُ، وَذَلِكَ بِتَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ أَوْ بِقَطْعِ طَرَفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُطْلَبُ مِنْهُ.

وَقَدْ عَدَّ الشَّارِعُ الْإِكْرَاهَ بِغَيْرِ حَقٍّ عُذْرًا مِنَ الْأَعْذَارِ الْمُخَفَّفَةِ الَّتِي تَسْقُطُ بِهَا الْمُؤَاخَذَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَتُخَفِّفُ عَنِ الْمُكْرَهِ مَا يُنْتَجُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ آثَارٍ دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ بِحُدُودِهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِكْرَاهٌ ف 6 و 12).

وَنَصَّ السُّيُوطِيُّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مُبَاحٌ بِالْإِكْرَاهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ.

و- النِّسْيَانُ:

23- النِّسْيَانُ هُوَ جَهْلٌ ضَرُورِيٌّ بِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ، لَا بِآفَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ.

وَقَدْ جَعَلَتْهُ الشَّرِيعَةُ عُذْرًا وَسَبَبًا مُخَفَّفًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَ عَنَّا إِثْمَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ، فَفِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ يُعْذَرُ النَّاسُ وَيُرْفَعُ عَنْهُمُ الْإِثْمُ مُطْلَقًا فَالنِّسْيَانُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ السُّيُوطِيُّ: مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيَقُولُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم-: «تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

أَمَّا النِّسْيَانُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يُعَدُّ عُذْرًا مُخَفَّفًا، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَحُقُوقَ الْعِبَادِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالْمُطَالَبَةِ، فَلَا يَكُونُ النِّسْيَانُ عُذْرًا فِيهَا.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (نِسْيَانٌ).

ز- الْجَهْلُ:

24- الْجَهْلُ هُوَ: عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ بِأَسْبَابِهَا.

وَيُعْتَبَرُ الْجَهْلُ عُذْرًا مُخَفَّفًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، فَلَا إِثْمَ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ أَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ جَاهِلًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَهْلٌ ف 5) ح- الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى:

25- يَدْخُلُ فِي الْعُسْرِ الْأَعْذَارُ الْغَالِبَةُ الَّتِي تَكْثُرُ الْبَلْوَى بِهَا وَتَعُمُّ فِي النَّاسِ دُونَ مَا كَانَ مِنْهَا نَادِرًا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَيْسِيرٌ ف 38).

ط- النَّقْصُ:

26- النَّقْصُ نَوْعٌ مِنَ الْمَشَقَّةِ، إِذِ النَّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْكَمَالِ وَيُنَاسِبُ النَّقْصَ التَّخْفِيفُ فِي التَّكْلِيفَاتِ، فَمَنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَفُوِّضَ أَمْرُ أَحْوَالِهِمَا إِلَى الْوَلِيِّ وَتَرْبِيَتِهِ، وَحَضَانَتِهِ إِلَى النِّسَاءِ رَحْمَةً بِهِ وَلَمْ يُجْبِرُهُنَّ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَمِنْهُ عَدَمُ تَكْلِيفِ النِّسَاءِ بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ كَالْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْجِزْيَةِ وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ وَإِبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَحُلِيِّ الذَّهَبِ، وَعَدَمِ تَكْلِيفِ الْعَبِيدِ بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الْأَحْرَارِ لِكَوْنِهِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرِّ فِي الْحُدُودِ وَالْعَدَدِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


7-الأضداد لابن الأنباري (أخفيت)

55 - وأَخْفَيت حرف من الأَضْداد؛ يقال: أَخفيت الشَّيء، إِذا سترتَه، وأَخفيتُه إِذا أَظْهرتَه، قال الله عزَ وجلّ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها، فمعناه أَكاد أَسترها، وفي قراءة أُبَيّ: أَكادُ أَخْفيها من نفسي، فكيف أُطلعكم عليها، فتأْويل من نفسي: من قبلي ومن غيبي، كما قال: تَعْلَمُ ما في نَفْسِي ولا أَعْلَمُ ما في نَفْسِكَ، ويقال: معنى الآية: إِنَّ السَّاعة آتية أَكاد أُظهرها. ويقال: خَفَيْتُ الشَّيءَ، إِذا أَظهرتَه. ولا يقع هذا - أَعني الَّذي لا أَلف فيه - على السَّتر والتَّغطية.

قال الفَرَّاءُ: حدَّثنا الكِسَائِيّ، عن محمد بن سهل، عن وقاء، عن سعيد بن جُبَيْر أَنَّهُ قرأَ: أَكاد أَخْفيها، فمعنى أَخفيها أُظهرِها. وقالَ عَبْدة بن الطَّبيب يذكر ثورًا يحفِر كِناسًا، ويستخرج ترابَه فيظهره:

«يَخْفِي التُّرابَ بأَظْلافٍ ثَمانيةٍ *** في أَربعٍ مَسُّهُنَّ الأَرْضَ تحْليلُ»

أَرادَ يظهر التُّراب. وقالَ الكِنديّ:

«فإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاَء لا نَخْفِهِ *** وإِنْ تَبْعَثُوا الحرْبَ لا نَقْعُدِ»

أَرادَ لا نظهره، وقالَ النَّابِغَة:

«يَخْفِي بأَظلافهِ حتَّى إِذا بلغَتْ *** يُبْسَ الكثيب تَدانَى التُّرب وانْهَدَمَا»

أَرادَ يظهر. قال أَبو بَكْر: يجوز أَن يكون معنى الآية: إِنَّ السَّاعة آتية أَكاد آتي بها؛ فحذف آتي لبيان معناه، ثمَّ

ابتدأَ فقال: أُخْفِيها لتُجْزَى كُلُّ نفس، قال ضابئ

البرجميّ:

«هَمَمْتُ ولمْ أَفعلْ وكِدْتُ وليتَني *** تركْتُ على عُثْمانَ تَبْكي حَلائِلُهْ»

أَرادَ: وكدت أَقتله، فحذف ما حذف، إِذا كان غير مُلبِس. ويجوز أَن يكون المعنى: إِنَّ السَّاعة آتية أُريد أُخفيها، قال الله عزَ وجلّ: كذَلِكَ كِدْنَا ليُوسُفَ، فيقال: معناه أَردنا. وأَنشدَنا أَبو عليّ العنزيّ للأَفْوَه:

«فإِنْ تَجَمَّعَ أَوْتادٌ وأَعْمِدَةٌ *** وسَاكنٌ بلغوا الأَمرَ الَّذي كَادُوا»

معناه الَّذي أَرادوا، وقال الآخر:

«كادَتْ وكِدْتُ وتلك خير إِرَادَةٍ *** لوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصَّبابَةِ ما مَضَى»

معناه أَرادت وأَردت. ويجوز أَن يكون معنى الآية: إِنَّ السَّاعة آتية أَخفيها لتُجْزَى كُلُّ نفس؛ فيكون أَكاد مزيدًا للتَّوكيد، قال الشَّاعر:

«سَريعًا إِلى الهيجاءِ شاكٍ سِلاحُهُ *** فما إِنْ يَكادُ قِرْنُهُ يتنفَّسُ»

أَرادَ: فما كاد قرنه. وقالَ أَبو النَّجم:

«وإِنْ أَتاكَ نَعِيِّي فانْدُبنَّ أَبَا *** قَدْ كادَ يَضْطَلِعُ الأَعْداَء والخُطَبَا»

معناه قد يضطلع. وقال الآخر:

«وأَلاَّ أَلومَ النَّفْسَ فيما أَصابَني *** وأَلاَّ أكادَ بالَّذي نِلْتُ أَبْجَحُ»

معناه: وأَلاَّ أَبجح بالَّذي نلت. وقالَ حسَّان:

«وَتَكادُ تكسلُ أَنْ تجيَء فِراشَهَا *** في جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وحُسْنِ قَوامِ»

معناه: وتكسل أَن تجيءَ فِرَاشها.

وقال أَبو بَكْر: والمشهور في كدت مقاربة الفعل، كدت أَفعل كذا وكذا: قاربت الفعل ولم أَفعله. وما كدت أَفعله، معناه فعلتُه بعد إِبطاءٍ، قال الله عزَ وجلّ: فَذَبَحُوهَا ومَا كَادُوا يَفْعَلُونَ، معناه فعلوا بعد إِبطاء لغَلائها، قال قيس بن الخَطيم:

«أَتعرفُ رَسْمًا كاطِّرادِ المذاهِبِ *** لِعَمْرَةَ وَحْشًا غَيْرَ مَوْقِفِ رَاكِبِ»

«دِيارُ التي كادتْ ونَحْنُ على مِنًى *** تحُلُّ بنا لولا نَجاءُ الرَّكَائِبِ»

معناه قاربت الحلول ولم تحلّ. وقالَ ذو الرُّمَّة:

«وَقَفْتُ على رَبْعٍ لِميَّةَ ناقَتي *** فما زِلْتُ أَبْكِي عِنْدَهُ وأُخاطِبُهْ»

«وأُسْقِيهِ حتَّى كادَ ممَّا أَبُثُّهُ *** تُكَلِّمُني أَحْجارُهُ ومَلاعِبُهْ»

معناه: قارب الكلام ولم يكن كلام. وقال الآخر:

«وَقَدْ كِدْتُ يَوْمَ الحزْنِ لمَّا تَرَنَّمتْ *** هَتُوفُ الضُّحَى مَحْزُونَةٌ بالتَّرَنُّمِ»

«أَموتُ لِمَبْكاها أسي إِنَّ عَوْلَتي *** وَوَجْدِي بِسُعدى شَجْوُهُ غَيْرُ مُنْجمِ»

ويقال: خفا البرق يخفو، إِذا ظهر، وهو من قولهم: خَفَيْتُ الشَّيْءَ، إِذا أَظهرتَه، قال حُمَيد بن ثور:

«أرِقْتُ لبَرْقٍ في نَشَاصٍ خَفَتْ بهِ *** سَواجِمُ في أَعناقهنَّ بُسُوقُ»

بُسوق: طول، بَسَقَ الرَّجُل إِذا طال.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


8-الغريبين في القرآن والحديث (خفا)

(خفا).

في الحديث: (وسئل عن البرق فقال: أخفوا أم وميضًا) قال أبو عمر: يقال: خفا البرق يخفو خفوًا، وخفي يخفي خفيًا إذا برق برقًا ضعيفًا.

وفي الحديث: (ما لم تصطحبوا، أو تغتقبوا أو تختفوا بقلًا) قال الأصمعي: معناه تظهرونه، يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا سترته، وقرأ الحسن (أكاد أخفيها) أي أظهرها وقال امرؤ القيس:

«فأن تكتموا السر لا تخفه *** وإن تبعثوا الحرب لا نقعد»

أي لا نظهره.

وقال آخر:

«يخفي التراب بأظلاف ثمانية ***.في أربع مسهن الأرض تحليل»

روي هذا الحرف علي وجوه، منهم من رواه (تحتفوا بقلًا) أي تقتلعونه من حفت المرأة وجهها، إذا قلعت الشعر منه.

ورواه أبو عبيدة (أو تجتفيوا) قال: هو من الجفاء، وهو أصل البردي الأبيض وقد مر ذكره، وقال أعرابي: لعلنا نجتفيوا أي تقتلعونه وترمون به من قولك: جفأت الرجل إذا ضربت به الأرض.

«وجفأت القدر بزبدها *** إذا رمت بمايجتمع علي رأسها»

وفي حديث بعضهم: (قال تشتريها أكايس النساء للخافية والإقلات).

الخافية: الجن: سموا بذلك لاستتارهم عن أبصار الناس.

ومنه الحديث: (لا تصلوا في القرع فإنه مصلي الخافين) يريد الجن.

قال الشاعر:

ولا تحس من الخافي به أثر

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


9-تاج العروس (عود)

[عود]: العَوْدُ: الرُّجُوعُ، كالعَوْدَةِ، عاد إِليه يَعُود عَوْدَةً وعَوْدًا: رَجَعَ. وقالوا: عادَ إِلى الشيْ‌ءِ وعادَ لَهُ وعادَ فيه، بمعنًى. وبعضُهُم فَرَّقَ بين استعماله بفي وغيرِها. قاله شيخُنا.

وفي المَثَلِ: «العَوْدُ أَحْمَدُ» وأَنشد الجوهَرِيُّ لمالِك بن نُوَيْرةَ:

جَزَيْنَا بني شَيْبَانَ أَمْسِ بقَرْضِهِمْ *** وجِئنَا بِمِثْلِ البَدْءِ والعَوْدُ أَحْمَدُ

قال ابنْ بَرِّيٍّ صواب إِنشاده: وعُدْنا بمِثْلِ البَدْءِ. قال: وكذلك هو في شِعْرِهِ، أَلا تَرَى إِلى قولِه في آخر البيت: والعَوْدُ أَحْمَدُ. وقد عاد له بعدَ ما كان أَعرضَ. قال الأَزهريُّ: قال بعضهم: العَوْدُ تَثْنِيةُ الأَمرِ عَوْدًا بعدَ بَدْءٍ، يقال: بَدَأَ ثُمَّ عادَ، والعَوْدَةُ عَوْدَةُ مَرَّةٍ واحدةٍ.

قال شيخُنَا: وحَقَّق الرَّاغِبُ. والزَّمَخْشَرِيُّ، وغيرُ واحدٍ من أَهلِ تَحْقيقاتِ الأَلفاظِ، أَنه يُطْلَق العَوْدُ، ويُراد به الابتداءُ، في نحو قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} أَي عُدْنَا في مِلَّتِكُم أَي دَخَلْنا. وأَشار إِليه الجارَ برديّ، وغيرُه، وأَنشدُوا قول الشاعر:

وعاد الرأْسُ مِنّي كالثَّغَامِ

قال: ويُحْتَمل أَنَّه يُراد من العَوْد هُنا الصَّيْرُورَةُ، كما صرَّحَ به في المصباح، وأَشار إِليه ابنُ مالِكٍ وغيرُه من النُّحَاةِ، واستَدَلُّوا بقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} قيل: أَي صارُوا، كما للفيُّومِيِّ وشِيخِه أَبي حَيَّان.

قلْت: ومنه‌حديثُ مُعَاذٍ، قال له النّبيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم: «أَعُدْتَ فَتَّانًا يا مُعَادُ»؛ أَي صِرْتَ.

ومنه‌حديثُ خُزَيْمَة. «عادَ لها النِّقَادُ مُجْرَنْثِمًا»؛ أَي صارَ.

وفي حديثِ كَعْبٍ «وَدِدْتُ أَنَّ هذا اللَّبَنَ يَعُودُ قَطِرَانًا» أَي يَصِير. «فقِيل له: لِمَ ذلِك: قال: تتَبَّعَتْ قُرَيْشٌ أَذنابَ الإِبِلِ، وتركوا الجَمَاعَاتِ» وسيأْتي.

وتقول عَاد الشي‌ءُ يعودُ عَوْدًا، مثل المَعَادِ، وهو مصدرٌ مِيمِيٌّ، ومنه قولهم: اللهُمَّ ارزُقْنا إِلى البيتِ مَعادًا وعَوْدَةً.

والعَوْدُ: الصَّرْفُ، يقال: عادَنِي أَن أَجِيئك؛ أَي صَرَفنِي، مقلوبٌ من عَدَانِي، حكاه يَعقُوبُ.

والعَوْدُ: الرَّدُّ، يقال: عادَ، إِذا رَدَّ ونَقَضَ لِمَا فَعَل.

والعَوْدُ: زِيَارَةُ المريضِ، كالعِيَادِ والعِيَادَةِ، بكسرهما.

والعُوَادَةِ، بالضّمّ وهذه عن اللِّحْيَانِيِّ. وقد عَادَه يَعُوده: زَارَه، قال أَبو ذُؤَيْب:

أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هل تَنَظَّرَ خالِدٌ *** عِيَادِي على الهِجْرانِ أَمْ هو يائِسُ

قال ابنُ جِنِّي: وقد يَجُوز أَن يكون أَرادَ عِيَادَتِي، فحذَف الهاءَ لأَجل الإِضافَةِ. وقال اللِّحْيَانِيُّ: العُوَادةُ من عيادةِ المَرِيضِ، لم يَزِد على ذلك.

وذكر شيخُنَا هنا قول السّراج الوَرّاق، وهو في غايةٍ من اللُّطْفِ:

مَرِضْتُ، للهِ قَومًا *** ما فِيهُمُ مَنْ جَفَانِي

عادُوا وعادُوا وعَادُوا *** على اخْتِلافِ المَعَانِي

والعَوْدُ جمْعُ العائِدِ استُعمل اسم جمْع، كصاحِبٍ وصَحْبٍ، كالعُوَّادِ. قال الفَرَّاءُ: يقال هؤلاءِ عَوْدُ فلانٍ وعُوَّادُه، مثل زَوْرِه وزُوَّارِه، وهم الّذِين يَعودُونَه إِذا اعْتَلَّ.

وفي حديثِ فاطمةَ بنت قَيْسٍ «فإِنها امرأَةٌ يَكْثُر عُوَّادُها»؛ أَي زُوَّارُهَا»، وكلُّ مَن أَتاكَ مرَّةً بعدَ أُخرَى فهو عائِدٌ، وإِن اشتَهر ذلك في عِيَادَةِ المَرِيضِ، حتَّى صار كأَنَّه مُخْتَصٌّ به.

وأَمَّا العُوَّد فالصَّحِيح أَنه جمْعٌ للإِناثِ، يقال: نِسْوَةٌ عَوَائِدُ وعُوَّدٌ، وهُنَّ اللَّاتي يَعُدْنَ المَرِيضَ، الواحدة: عائِدَةٌ.

كذا في اللسان والمصباح.

والمَرِيضُ: مَعُودٌ ومَعْوُودٌ، الأَخيرةُ شاذَّةٌ وهي تَمِيميَّةٌ.

والعَوْدُ: انْتِيابُ الشيْ‌ءِ، كالاعْتِيَادِ يقال عادَني الشيْ‌ءُ عَوْدًا واعتادَنِي: انتَابَنِي، واعتادَني هَمٌّ وحَزَنٌ.

قال الأَزهَرِيُّ: والاعتيادُ في معنى التَّعَوُّد، وهو من العَادَة، يقال: عَوَّدتُه فاعتادَ وتَعَوَّد.

والعَوْدُ ثانِي البَدْءِ قال:

بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُم فأَثْنَيْتُ جاهِدًا *** فإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ والعَوْدُ أَحْمَدُ

كالعِيَادِ بالكسر، وقد عاد إِليه، وعليه، عَوْدًا وعِيَادًا، وأَعَادَه هو، واللهُ يُبْدِئُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعيده، من ذلك.

والعَوْدُ: المُسِنُّ من الإِبِلِ والشَّاءِ، وفي حَديث حَسَّان «قد آن لكم أَن تَبْعَثُوا إِلى هذا العَوْدِ»، وهو الجَمَل الكبيرُ المُسِنُّ المُدرَّب، فَشَبَّهَ نفْسَه به. وفي الحديث: «أَنَّه عليه‌السلام دَخَلَ على جابِرِ بنِ عبدِ الله مَنْزِلَه، قال: فعَمَدت إِلى عَنْزٍ لي لأَذبَحَهَا فَثَغَتْ، فقال عليه‌السلام: يا جابِرُ، لا تَقْطَعْ دَرًّا ولا نَسْلًا. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إِنَّمَا هي عَوْدَةٌ عَلَفْناها البَلَحَ، والرُّطَبَ فَسَمِنَتْ» حكاه الهَرَوِيُّ، في «الغَريبين». قال ابنُ الأَثيرِ: وعَوَّدَ البَعِيرُ والشّاةُ، إِذا أَسَنَّا، وبَعِيرٌ عَوْدٌ، وشاةٌ عَوْدَةٌ، وفي اللسان: العَوْد: الجَمَلُ المُسِنُّ وفيه بَقِيَّةٌ. وقال الجَوْهَرِيُّ: هو الذي جَاوَزَ في السِّنِّ البازِلَ والمُخْلِفَ. وفي المثَل: «إِنْ جَرْجَرَ العَوْدُ فزِدْه وِقْرًا» الجمع: عِيَدَةٌ، كعِنَبةٍ، وهو جمْع العَوْد من الإِبل. كذا في النوادر، قال الصاغانيُّ: وهو جمعٌ نادِرٌ وعِوَدَةٍ، كَفِيلَةٍ، فيهِما، قال الأَزهريُّ: ويقال في لُغَةٍ: عِيَدَة، وهي قَبِيحَةٌ.

قال الأَزهريُّ: وقد عَوَّدَ البَعِيرُ تَعْوِيدًا، إِذا مَضَتْ له ثَلاثُ سِنِينَ بعْدَ بُزولِهِ أَو أَربعٌ، قال: ولا يُقَال للنّاقَةِ عَوْدَةٌ، ولا عوَّدَتْ. وقال في مَحَلٍّ آخَرَ من كِتَابِه: ولا يقال عَوْدٌ [إِلّا] لِبَعيرٍ أَو شاةٍ، ويقالُ للشاةِ: عَوْدَةٌ، ولا يقال للنَّعْجةِ: عَوْدَةٌ. قال وناقَةٌ مُعَوِّد. وقال الأَصمعيُّ: جَمَل عَوْدٌ، وناقَةٌ عَوْدَةٌ، وناقتانِ عَوْدَتانِ، ثمّ عِوَدٌ في جَمْع العَوْدَةِ، مثل هِرَّةٍ وهِرَرٍ، [وعَوْدٌ] وعِوَدَة مثْل هِرٍّ وهِرَرة.

والعَوْدُ: الطَّرِيقُ القَدِيمُ العاديُّ، قال بَشِير بن النِّكْث:

عَوْدٌ عَلى عَوْدٍ لأَقْوامٍ أُوَلْ *** يموتُ بالتَّرْكِ ويَحْيَا بالعَمَلْ

يُرِيد بالعَوْدِ الأَوّل: الجَمَلَ المُسِنَّ، وبالثَّاني: الطَّرِيقَ؛ أَي على طريقٍ قَدِيمٍ، وهكذا الطَّرِيقُ يموت إِذا تُرِكَ ويَحْيَا إِذَا سُلِكَ.

ومن المجاز: العَوْدُ اسم فَرَس أُبَيِّ بنِ خَلَفٍ، واسم فَرَس أَبي رَبِيعَةَ بنِ ذُهْلٍ.

قال الأَزهَرِيُّ: عَوَّد البَعِيرُ ولا يُقَال للنّاقَة: عَوْدةٌ.

وسَمِعْتُ بعضَ العَرَب يقول لفَرَسٍ له أُنثَى: عَوْدةٌ.

ومن المجاز: العَوْدُ القَدِيمُ من السُّودَدِ قال الطِّرِمَّاحُ:

هَل المَجْدُ إِلّا السُّودَدُ العَوْدُ والنَّدَى *** وَرَأْبُ الثَّأَى والصَّبْرُ عند المَواطِنِ

وفي الأَسَاس: ويقال له: الكَرَمُ العِدُّ، والسؤدَد العَوْدُ. والعُودُ، بالضَّمِّ: الخَشَبُ، وقال الليثُ: هو كلُّ خَشَبَةٍ دَقَّتْ وقيل: العُودُ خَشَبَةُ كُلِّ شَجرَةٍ، دَقَّ أَو غَلُظُ، وقيل: هو ما جَرَى فيه الماءُ من الشَّجَرِ، وهو يكونُ للرَّطْبِ واليابِسِ ج: عِيدانٌ وأَعوادٌ، قال الأَعشى:

فجَرَوْا على ما عُوِّدُوا *** ولِكُلِّ عِيدَانٍ عُصَارَهْ

والعُودُ أَيضًا: آلةٌ من المَعَازِفِ، ذو الأَوتارِ، مشهورةٌ وضارِبُهَا: عَوَّادٌ، أَو هو مُتَّخِذُ العِيدَانِ.

والعُودُ الّذِي للبُخُورِ، وفي الحديث «عَليكم بالعُودِ الهِنْدِيّ»، وقيل هو القُسْطُ البَحْرِيّ.

وفي اللسان: العُودُ: الخشَبةُ المُطَرَّاة يُدَخَّن بها، ويُستَجْمر بها، غَلبَ عليها الاسمُ لكَرَمِهِ.

ومما اتّفَق لَفْظُه واختلَفَ مَعناه فلم يكن إِيطاءً، قولُ بعضِ المُولَّدِين:

يا طِيبَ لَذَّةِ أَيَّامٍ لنا سَلَفَتْ *** وحُسْنَ بَهْجةِ أَيامِ الصِّبَا عُودِي

أَيامَ أَسحَبُ ذَيْلًا في مَفارِقِها *** إِذَا تَرَنَّمَ صَوتُ النَّايِ والعُودِ

وقَهْوَةٍ من سُلافِ الدَّنِّ صافِيَةٍ *** كالمِسْكِ والعَنْبَرِ الهِنْدِيّ والعُودِ

تَسْتَلُّ رُوحَكَ في بِرٍّ وفي لَطَفٍ *** إِذا جَرَتْ منكَ مَجْرَى الماءِ في العُودِ

كذا في المحكم.

والعُودُ أَيضًا: العَظْمُ في أَصلِ اللِّسَانِ، وقال شَمِرٌ في قول الفَرَزدَقِ يَمدَح هِشَامَ بنَ عبدِ الملك:

ومَن وَرِثَ العُودَيْنِ والخَاتِمَ الّذِي *** لَه المُلْكُ والأَرْضَ الفَضَاءَ رَحِيبُها

قال: العُودَانِ: مِنْبَرُ النّبيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم وعَصَاهُ، وقد وَرَدَ ذِكْرُ العُودَيْنِ وفُسِّرا بذلك.

وأُمُّ العُودِ: القِبَةُ، وهي الفَحِثُ، والجمْع: أُمَّهاتُ العُودِ. وعَادَ كذا: فِعْلٌ بمنزلةِ صارَ، وقول ساعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ:

فقام تَرْعُدُ كَفَّاهُ بمِيبَلَةٍ *** قد عادَ رَهْبًا رَذِيًّا طائِشَ القَدَمِ

لا يكون عَادَ هنا إِلّا بمعنَى صارَ، وليس يريد أَنَّه عاوَدَ حالًا كان عليها قَبْلُ، وقد جاءَ عنهم هذا مجيئًا واسِعًا، أَنشد أَبو عليٍّ للعجّاج:

وقَصَبًا حُنِّيَ حتَّى كادَا *** يَعُودُ بَعْدَ أَعْظُمٍ أَعوَادَا

أَي يصير.

وعَادٌ: قَبِيلةٌ، وهم قَوْمُ هُودٍ، عليه‌السلام، قال ابن سيده: قضَيْنَا على أَلِفها أَنَّهَا واوٌ للكثرة، وأَنَّه ليس في الكلام: موضع ى د. وأما عِيدٌ وأَعيادٌ فبدَلٌ لازِمٌ، وأَنشد سيبويه:

تَمُدُّ عليهِ مِن يَمِينِ وأَشْمُلٍ *** بُحُورٌ له من عَهْدِ عادٍ وتُبَّعَا

ويُمْنَعُ من الصرف. قال اللَّيْثُ وعادٌ الأُولى هم: عادُ بن عاديَا بنِ سامِ بن نُوحٍ، الّذِين أَهلكَهم اللهُ، قال زُهَيْر:

وأَهْلَكَ لُقْمَانَ بنَ عادٍ وعادِيَا

وأَمّا عادٌ الأَخيرة فهم بَنُو تميم، يَنزِلون رِمالَ عالِجٍ، عَصَوُا الله فَمُسِخُوا نَسْنَاسًا، لكلّ إِنسانٍ منهم يَدٌ ورِجْل من شقٍّ.

وفي كتب الأَنساب: عادٌ هو ابن إِرَمَ بن سام بن نُوح، كان يَعْبُد القَمَر. ويقال: إِنه رأَى من صُلْبه وأَولاد أَولاد أَولاده أَربعة آلاف، وإِنه نكَحَ أَلْفَ جاريةٍ، وكانت بلادُهُم إِرم المذكورة في القرآن، وهي من عُمَانَ إِلى حَضْرَمَوْت.

ومن أَولاده شَدَّادُ بنُ عادٍ، صاحبُ المدينةِ المذكورة.

وبئرٌ عادِيَّة، والعاديُّ: الشيْ‌ءُ القَدِيمُ نُسب إِلى عادٍ، قال كُثَير:

وما سَالَ وادٍ من تِهامةَ طَيِّبٌ *** بِهِ قُلُبٌ عادِيَّةٌ وكُرُورُ

وفي الأَساس: مَجْدٌ عادِيٌّ وبِئْرٌ عادِيٌّ: قديمانِ. وفي المصباح: يقال للمُلْك القَدِيم: عادِيٌّ، كأَنه نِسْبة لعَادٍ، لتقدُّمه، وعادِيُّ الأَرضِ: ما تقادَمَ مِلْكُه. والعَرَب تنسُبُ البِنَاءَ الوَثِيقَ، والبِئرَ المُحْكَمَةَ الطَّيِّ، الكثيرة الماءِ إِلى عادٍ.

وما أَدرِي أَيُّ عادٍ هُوَ غَيْرَ مَصْرُوف، أَيْ أَيُّ خَلْقٍ، هو.

والعِيدُ، بالكسر: ما اعتادَكَ مِنْ هَمٍّ أَو مَرَضٍ أَو حُزْن ونحْوِه من نَوْبٍ وشَوْقٍ، قال الشاعر:

والقَلْبُ يَعتادُه من حُبِّها عِيدُ

وقال يَزِيدُ بنُ الحَكَم الثَّقَفِيّ، يمدَح سُليَمانَ بنَ عبدِ المَلِك:

أَمسَى بأَسْماءَ هذا القَلْبُ مَعْمُودَا *** إِذا أَقولُ: صَحَا يَعْتادُه عِيدَا

وقال تأَبَّط شَراًّ:

يا عِيدُ مالَكَ مِن شَوْقٍ وإِيراقِ *** ومَرِّ طَيْفٍ على الأَهوالِ طَرَّاقِ

قال ابنُ الأَنباريِّ، في قوله: يا عِيدُ مالك: العيد: ما يَعْتَادُه من الحُزْنِ والشِّوْقِ. وقوله: مالَكَ مِن شَوْقٍ؛ أَي أَعْظَمَكَ مِن شَوْقٍ، ويُرْوَى: يا هَيْدَ مالَكَ. ومعنى يا هَيْدَ مالَكَ: ما حالُك وما شأْنُك. أَرادَ يا أَيُّهَا المُعْتَادِي مالَكَ مِن شَوْق، كقولك: مالك من فارسٍ، وأَنت تَتعجَّبُ من فُرُوسِيَّتِهِ وتَمْدَحُه، ومنه: قاتَلَه اللهُ من شاعِر.

والعِيدُ: كُلُّ يَوْمٍ فِيه جَمْعٌ، واشتِقَاقُه من عادَ يَعودُ، كأَنَّهم عادُوا إِليه. وقيل: اشتقاقُه من العادَةِ لأَنَّهُم اعتادُوه، والجَمْع: أَعيادٌ، لزمَ البَدَلَ، ولو لم يلزم لَقِيل: أَعوادٌ كرِيحٍ وأَرواحٍ، لأَنه من عَادَ يَعُود.

وعَيَّدُوا إِذا شَهِدُوه أَي العِيدَ، قال العَجَّاجُ، يصف ثَوْرًا وَحْشِياًّ:

واعتادَ أَرْباضًا لها آرِيُّ *** كما يَعُودُ العِيدَ نَصْرانِيُّ

فجَعَل العِيدَ من عادَ يَعُود.

قال: وتَحوَّلَت الواوُ في العيدِ ياءً لكسرةِ العَيْنِ.

وتصغير عيد: عُيَيْدٌ، تَرَكُوه على التَّغْيِيرِ، كما أَنَّهُم جَمَعُوه أعيادًا، ولم يقولوا: أَعوادًا. قال الأَزهريُّ: والعيِد عندَ العَرب: الوقْتُ الّذِي يَعُود فيه الفَرَحُ والحُزْنُ. وكان في الأَصل: العِوْد، فلمَّا سَكنت الواوُ، وانْكَسَر ما قَبلَها صارت ياءً وقال قُلِبَت الواوُ ياءً ليُفرِّقوا بينَ الاسم الحَقِيقِيّ، وبينَ المَصْدَريّ. قال الجوهريُّ: إِنَّما جُمِعَ أَعيادٌ بالياءِ [وأَصله الواو]، لِلزُومِهَا في الواحِدِ. ويُقَالُ للفَرْقِ بينَه وبينَ أَعوادِ الخَشَبِ.

وقال ابنُ الأَعرابِيِّ: سُمِّيَ العِيدُ عِيدًا، لأَنَّه يَعُودُ كلَّ سَنَةٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّدٍ.

والعِيدُ: شَجَرٌ جَبَلِيٌّ يُنْبِتُ عِيدَانًا، نحو الذِّرَاعِ، أَغبَرُ لا ورَقَ له ولا نَوْر، كَثِير اللِّحَاءِ والعُقَدِ، يُضَمَّد بلِحَائِهِ الجُرْحُ الطَّرِيُّ فَيَلْتَئِمُ.

وعِيدُ: اسم فَحْل م؛ أَي معروف، مُنْجِب [كأَنَّه]، ضَرَبَ في الإِبِلِ مَرَّاتٍ، ومنه النَّجَائِبُ العِيدِيَّةُ، قال ابن سيده: وهذا ليس بِقَوِيٍّ. وأَنشد الجوهَرِيُّ لرذاذ الكلبيّ:

ظَلَّتْ تَجوبُ بها البُلْدَانَ ناجِيةٌ *** عِيدِيَّةٌ أُرْهِنَتْ فيها الدَّنانِيرُ

وقال: هي نُوقٌ من كِرَامِ النَّجَائِبِ، منسوبةٌ إِلى فَحْلٍ مُنْجِبِ. أَو نِسْبَةٌ إِلى العِيدِيِّ ابن النَّدَغِيَّ، محرَّكَةً، ابنِ مَهْرَةَ بنِ حَيْدَانَ وعلَيْهِ اقتصرَ صاحِبُ الكِفَايَة»، أَو إِلى عادِ بن عادٍ، أَو إِلى عادِيِّ بنِ عاد، إِلَّا أَنَّه على هذَيْنِ الأُخِيرَينِ نَسَبٌ شاذٌ، أَو إِلى بَنِي عِيدِ بْنِ الآمِرِي، كعَامِرِيٍّ.

قال شيخُنَا: ولا يُعْرَفُ لهم عَجْل، كما قَالُوه.

وفي اللسان: قال شَمِرٌ: والعِيدِيَّةُ: ضَرْبٌ من الغَنَمِ، وهي الأُنثَى من البُرْقَان، قال: والذَّكَرُ خَرُوفٌ، فلا يَزال اسمَه حتى يُعَقَّ عَقِيقَتُه.

قال الأَزهريُّ: لا أَعرِف العِيدِيَّةَ في الغَنَمِ، وأَعرِف جِنْسًا من الإِبِل العُقَيْلِيَّةِ، يقال لها: العِيدِيَّةُ. قال: ولا أَدري إِلى أَيِّ شيْ‌ءٍ نُسِبَتْ.

وفي الصّحاح: العَيْدَانُ، بالفتح: الطِّوالُ من النّخْلِ، وَاحِدَتُها عَيْدَانَةٌ، بِهَاءٍ، هذا إِن كان فَعْلان فهو من هذا الباب، وإِن كان فَيْعَالًا فهو من باب النُّون. وسيُذْكَر في موضِعِهِ.

وحكَى الأَزهَرِيُّ عن الأَصمعيّ: العَيْدَانةُ: النَّخلَةُ الطَّوِيلةُ، والجمْع العَيْدَان قال لَبِيد:

وأَبيضُ العَيْدَانِ والجَبَّارُ

قال أَبو عُدنان: يُقَال: عَيْدَنَت [النخلةُ] إِذا صارَت عَيْدانةً، وقال المسيّب بن عَلَسٍ:

والأُدْمُ كالعَيْدانِ آزَرَهَا *** تَحْتَ الأَشاءِ مُكَمَّمٌ جَعْلُ

قال الأَزهريُّ: مَنْ جَعَل العَيْدَانَ فَيْعَالًا جَعَلَ النُّونَ أَصْلِيَّةً، والياءَ زائِدةً ودَلِيلُه على ذلك قولُهم: عَيْدَنَت النُّخْلَةُ. ومَنْ جَعَلَه فَعْلَانَ مثْل: سَيْحَان، مِن ساحَ يَسِيحُ، جعلَها أَصْلِيَّةً، والنونَ زائدَةً، قال الأَصمَعِيُّ: العَيْدَانَةُ: شَجَرَةٌ صُلْبَةٌ قَدِيمةٌ، لها عُرُوقٌ نافِذَةٌ إِلى الماءِ، قال: ومنه هَيْمَان وعَيْلان، وأَنْشَد:

تَجَاوَبْنَ في عَيْدَانَةٍ مُرْجَحِنَّةٍ *** من السِّدْرِ رَوَّاهَا المَصِيفَ مَسِيلُ

وقال:

بَواسِق النَّخْلِ أَبْكارًا وعَيْدَانَا

ومِنْها كانَ قَدَحٌ يَبُولُ فِيهِ النَّبيُّ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم باللَّيْلِ، كما رَوَاه أَهْلُ الحديثِ، وهو في سُنَنِ الإِمامِ أَبي دَاوُودَ، وضَبَطُوه بالفَتْح، ومنهم من يُرجِّح الكسْرَ.

وعَيْدانُ، موضع، من العَوْد، كرَيْحَان من الرَّوْح وعَيْدَانُ: عَلَمٌ، وهو عَيْدَانُ بن حُجْر بن ذي رُعَيْنٍ، جاهلُّي، واسمه: جَيْشانُ، وابن أَخيه عَبْدُ كَلَال هو الّذي بعثه تُبَّعٌ على مُقدِّمته إِلى طَسْم وجَدِيس، ونقل ابنُ ماكولا، عن خطِّ ابن سعيد، بالغين المعجمة. وأَبو بكر محمّد بن عليّ بن عَيْدان، العَيْدانِيّ الأَهوازِيُّ، سمِعَ الحاكمَ.

وفي المحكم: المَعَادُ: الآخِرَةُ: والمَعادُ: الحَجُّ، وقيل: المَعَاد: مَكَّةُ زِيدَت شَرَفًا، عِدَةً للنَّبيِّ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم أَن يفْتَحَها له. وقالت طائفة ـ وعليه العملُ ـ {إِلى مَعادٍ} أَي إِلى الجَنَّةِ. وفي الحدِيث: «وأَصْلِح لي آخِرَتِي التي فيها مَعَادِي».

أَي ما يَعُود إِليه يَوم القِيَامَةِ. وبِكِلَيْهِمَا فُسِّرَ قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ وقال الفرَّاءُ: إِلى مَعَادٍ حيثُ وُلِدت. وقال ثعلبٌ: معناه: يَرُدُّك إِلى وَطَنِكَ وَبَلَدِك.

وذَكَرُوا أَنَّ جِبْرِيلَ قَال «يا مُحَمَّدُ: اشتقْتَ إِلى مَوْلدكَ ووَطِنكَ؟ قال: نعم. فقال له: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ}.

قال: والمَعَادُ هنا: إِلى عادَتِك، حيثُ وُلِدْتَ، وليس من العَوْدِ. وقال مُجَاهِدٌ: يُحْيِيه يوْمَ البَعْثِ. وقال ابنُ عَبَّاس: أَي إِلى مَعْدِنِكَ من الجَنَّة.

وأَكثر التفسير في قوله {لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ} لَبَاعِثُك، وعلى هذا كلامُ النّاسِ: اذكُر المَعادَ؛ أَي اذكُرْ مَبْعَثَك في الآخِرِةَ. قاله الزجَّاج. وقال بعضهم: إِلى أَصْلِكَ من بَنِي هاشِمٍ.

والمَعَادُ: المَرْجِعُ والمَصِيرُ وفي حديثِ عليٍّ: «والحَكَمُ اللهُ والمَعْوَدُ إِليه يَومَ القِيَامَةِ» أَي المَعَادُ. قال ابنُ الأَثِير: هكذا جاءَ المَعْوَدُ على الأَصل، وهو مَفْعَلٌ من عادَ يَعُودُ، ومن حَقِّ أَمثالِه أَن يُقلَب واوُه أَلِفًا كالمَقَام والمَرَاحِ، ولكِنَّه استَعْمَلَه على الأَصْلِ، تقول عادَ الشي‌ءُ يَعودُ عَوْدًا ومَعَادًا؛ أَي رَجَعَ. وقد يَرِدُ بمعنى صَارَ، كما تقدَّم.

وحَكَى بعضُهم رَجَعَ عَوْدًا على بَدْءٍ، من غير إِضافةٍ.

والذي قاله سيبويه: تقول رجعَ عَوْدُهُ على بَدْئِهِ؛ أَي أَنه لم يَقْطَع ذَهابَهُ حتى وَصَلَهُ برجوعِه، إِنما أَردتَ أَنَّه رَجَع في حافِرَتِه؛ أَي نَقَضَ مَجِيئُه برُجوعه، وقد يكونُ أَن يقطعَ مَجِيئَه، ثم يَرْجِعَ فيقول: عَوْدِي على بَدئِي؛ أَي رَجَعْتُ كما جِئتُ، فالمَجئُ موصولٌ به الرجوعُ فهو بدءٌ، والرُجُوعُ عَوْدٌ. انتهى كلامُ سيبويه.

قلت: وقد مَرَّ إِيماءٌ إِلى ذلك في: باب الهمزة.

ولَكَ العَوْدُ والعُوَادَةُ بالضّمّ، والعَوْدَةُ، كلُّ هذه الثلاثةِ عن اللِّحْيَانِيِّ؛ أَي لك أَن تَعودَ في هذا الأَمرِ.

والعائِدَةُ: المَعْرُوفُ، والصِّلَة، والعَطْفُ، والمَنْفَعَةُ يُعادُ به على الإِنسان، قاله ابنُ سيده. وقال غيره: العائِدةُ: اسم ما عادَ بِه عليكَ المُفْضِلُ من صِلَةٍ، أَو فَضْلٍ، وجَمْعه: العَوَائِدُ. وفي المصباح: عادَ فلانٌ بمعروِفِه عَوْدًا، كقال؛ أَي أَفْضَلَ.

وقال اللَّيْثُ: تقول هذا الأَمْرُ أَعْوَدُ عليكِ؛ أَي أَرْفَقُ بِكَ من غَيْرِه وأَنْفَعُ، لأَنَّهُ يَعُودُ عليكَ برِفْقٍ ويُسْرٍ.

والعُوَادَةُ بالضّمّ: ما أُعِيدَ على الرَّجُلِ مِن طَعَامِ يُخَصُّ بِهِ بَعْدَ ما يَفْرُغُ القَوْمُ: قال الأَزهريُّ: إِذا حَذفْتَ الهاءَ قلت: عُوَادٌ، كما قالوا أَكامٌ ولَمَاظٌ وقَضَامٌ. وقال الجوهَرِيُّ: والعُوَاد، بالضّمّ: ما أُعِيدَ من الطَّعَامِ بعدَ ما أُكِلَ منه مَرَّةً، ويقال: عَوَّدَ، إِذا أَكَلَهُ، نقله الصاغانيُّ.

والعادةُ: الدَّيْدَنُ يُعاد إِليه، معروفَةٌ، وهو نصّ عبارة المُحْكَم. وفي الصباح: سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّ صاحِبَها يُعَاوِدُهَا؛ أَي يرجِع إِليها، مرَّةً بعدَ أُخْرَى ج: عَادٌ، بغير هاءٍ، فهو اسمُ جِنْسٍ جَمْعِيّ. وقالوا: عاداتٌ، وهو جمْع المؤنّثِ السالم. وعِيدٌ بالكسر، الأَخيرة عن كُرَاعِ، وليس بقويٍّ إِنَّمَا العِيدُ: ما عَاد إِليكَ من الشَّوْقِ والمَرَضِ ونَحْوِه، كذا في اللسان. ولا وَجْهَ لإِنكار شيخِنا له. ومن جُموع العادة: عَوَائِدُ، ذَكَرَه في المصباح وغيرِه، وهو نَظِيرُ حوائِجَ، في جمْعِ حاجةٍ، نقله شيخُنا.

قلتُ: الذي صَرَّحَ به الزَّمْخَشَرِيُّ وغيرُه أَنَّ العَوَائِدَ جمعُ عائدةٍ لا عادةٍ. وقال جماعةٌ: العادةُ تكريرُ الشيْ‌ءِ دائِمًا أَو غالِبًا على نَهْجٍ واحِدٍ بلا علاقةٍ عَقْلِيّة. وقيل: ما يستَقِرُّ في النُّفوسِ من الأُمور المتكرِّرَة المَعْقُولةِ عند الطِّباع السَّلِيمة.

ونقلَ شيخُنَا عن جماعةٍ أَنَّ العادَةَ والعُرفَ بمعنىً. وقال قوم: وقد تَخْتَصُّ العادةُ بالأَفعال، والعُرْفُ بالأَقوال، كما أَشار إِليه في «التلويح» أَثناء الكلامِ على مسأَلةِ: لابُدَّ للمجازِ من قَرينة.

وتَعَوَّدَهُ، وعادَه، وعَاوَدَهُ مُعاوَدَةً وعِوَادًا، بالكسر، واعْتَادَهُ، وأَعادَهُ، واسْتَعَادَهُ، كلُّ ذلك بمعنَى: جَعَلَهُ مِن عَادتِهِ، وفي اللسان: أَي صار عادةً له، أَنشد ابنُ الأَعرابيِّ:

لم تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِندِي *** والفَتَى آلِفٌ لِمَا يَسْتَعِيدُ

وقال:

تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخلاقِ إِنِّي *** رأَيتُ المرْءَ يأْلَفُ ما استَعادَا

وقال أَبو كَبيرٍ الهُذَليُّ، يصف الذِّئابَ:

إِلّا عواسِلُ كالمِرَاطِ مُعِيدَةٌ *** باللَّيْلِ مَوْرَدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ

أَي وَرَدَتْ مَرَّاتٍ، فليس تُنْكِر الوُرُودَ.

وفي الحديث: «تَعوَّدُوا الخَيْرَ فإِن الخَيْرَ عادةٌ، والشَّرَّ لَجَاجَةٌ».

أَي دُرْبَةٌ، وهو أَن يُعوِّدَ نفْسَه عليه حتى يَصيرَ سَجِيَّةً له.

وعَوَّدَهُ إِيَّاهُ جَعَلَهُ يَعْتَادُهُ، وفي المصباح: عوَّدته كذا فاعتادَه، [وتعوّده] أَي صَيَّرْتُه له عادةً. وفي اللسان: عوَّدَ كلْبَه الصَّيْدَ فتعوَّدَه. والمُعَاوِدُ: المُواظِبُ، وهو منه، قال الليث: يقال للرجُل المُوَاظِبِ على أَمْرٍ: مُعَاوِدٌ. ويقال: عاوَدَ فُلانٌ ما كانَ فِيه، فهو مُعَاوِدٌ وعَاوَدَتْهُ الحُمَّى، وعَاوَدَه بالمَسأَلَةِ؛ أَي سأَلَه مرَّةً بعد أُخْرَى.

وفي الأَساس: ويقال للماهِر في عَمَلِه: مُعاوِدٌ.

والمُعَاوَدَةُ: الرُّجوعُ إِلى الأَمر الأَوَّلِ، ويقال للشُّجَاع: البَطَلُ المُعَاوِدُ، لأَنه لا يَمَلُّ المِرَاسَ.

وفي كلامِ بعْضِهم: الْزَمُوا تُقَى اللهِ، واستَعِيدُوها؛ أَي تَعوَّدُوهَا.

واستَعَادَهُ الشيْ‌ءَ فأَعَادَه، إِذا سَأَلَه أَن يَفْعَلَه ثانِيًا واستعاده، إِذا سأَلَهُ أَن يَعُودَ.

وأَعَادَهُ إِلى مَكَانِهِ، إِذا رَجعَهُ.

وأَعَادَ الكلامَ: كَرَّرَهُ، قال شيخُنَا هو المشهورُ عند الجمهور. ووقَع في «فُروقِ» أَبي هلالٍ العَسْكَرِيّ: أَنَّ التكرار يقع على إِعادة الشيْ‌ءِ مرَّةً، وعلى إِعادتِهِ مَرَّاتٍ، والإِعادة للمرَّةِ الواحِدَةِ، فكرَّرت كذا، يَحْتَمِل مَرَّةً أَو أَكثَر، بخلافِ أَعَدْت، فلا يُقال: أَعادَهُ مرّاتٍ، إِلَّا من العامَّةِ.

والمُعِيد: المُطيقُ للشيْ‌ءِ يُعَاوِدُه، قال:

لا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الغوامِضُ *** إِلّا المُعِيدَاتُ به النَّواهِضُ

وحكَى الأَزهريُّ في تفسيره قال: يَعنِي النُّوقَ الّتي استعادَت للنَّهْض بالدَّلْو، ويقال: هو مُعِيدٌ لهذا الشيْ‌ءِ؛ أَي مُطِيقٌ له، ولأَنّه قد اعتادَه.

وأَمَّا قَوْلُ الأَخطل:

يَشُول ابنُ اللَّبُونِ إِذَا رآنِي *** ويَخشانِي الضُّوَاضِيَةُ المُعِيدُ

قال: أَصلُ المُعِيدِ الجَملُ الّذِي ليس بعَيَاءٍ وهو الّذِي لا يَضْرِب حتّى يُخْلَطَ له، والمُعِيد: الذي لا يَحتاج إِلى ذلك. قال ابنُ سيده: والمُعِيد الفَحْلُ الذي قد ضَرَبَ في الإِبلِ مَرَّاتٍ، كأَنَّهُ أَعادَ ذلك مَرَّةً بعدَ أُخرى.

والمُعِيدُ: الأَسَدُ لإِعادتِهِ إِلى الفَرِيسَة مرّةً بعدَ أُخْرَى.

وقال شَمِرٌ: المُعِيد من الرِّجَال: العالِمُ بالأُمُورِ الذي ليس بِغُمْرٍ، وأَنشد:

كما يَتْبَع العَوْدَ المُعِيدَ السَّلائبُ

وقال أَيضًا: المُعِيدُ هو الحاذِقُ المجرِّب، قال كُثَيّر:

عَوْدُ المُعِيدِ إِلى الرَّجَا قَذَفَتْ بِهِ *** في اللُّجِّ داوِيَةُ المَكَانِ جَمُومُ

والمُتَعَيِّد. الظَّلُومُ، قاله شَمِرٌ، وأَنشد ابنُ الأَعرابِيِّ لِطَرفةَ:

فقالَ: أَلَا ماذَا تَرَوْنَ لِشَارِبٍ *** شَدِيدٍ عَلَيْنَا سُخْطُهُ مُتَعَيِّدِ

أَي ظَلومٍ، كأَنَّه قَلْب مُتَعَدٍّ.

وقال رَبِيعَةُ بن مَقْروم:

يَرَى المُتَعَيِّدونَ عَلَيَّ دُونِي *** أُسُودَ خَفِيَّةَ الغُلْبَ الرِّقَابَا

وقال رَبِيعةُ بنُ مَقرومٍ أَيضًا:

وأَرسَى أَصْلَهَا عِزٌّ أَبِيٌّ *** علَى الجُهَّالِ والمُتَعَيِّدِينا

قال: المُتَعَيِّدُ: الغَضْبَانُ، وقال أَبو عبدِ الرحمن: المُتعيِّد: المُتَجَنِّي، في بيتِ ربيعةَ.

والمُتَعَيِّد: الذي يُوعِدُ؛ أَي يُتَعيَّد عليه بِوَعْدِه، نقلَه شَمِرٌ عن غير ابن الأَعرابيِّ.

وذو الأَعوادِ: الّذِي قُرِعَتْ له العَصَا: غُوَيُّ بنُ سَلامَةَ الأُسَيْدِيُّ أَو هو رَبِيعَةُ بنُ مُخاشِنٍ الأُسَيِّدِيُّ، نقَلها الصاغانيُّ. أَو هو سَلَامَةُ بنُ غُوَيٍّ، على اختلافٍ في ذلك. قيل: كانَ لَهُ خَرْجٌ على مُضَرَ يُؤَدُّونَهُ إِليه كُلَّ عامٍ، فشاخَ حتّى كان يُحْمَلُ على سَرِيرٍ يُطافُ بِهِ في مِيَاهِ العَرَبِ فيَجْبيها. وفي اللسان: قيل: هو رَجلٌ أَسَنَّ فكان يُحْمَلُ على مِحَفَّةٍ من عُودٍ. أَو هو جَدٌّ لأَكْثَمَ بنِ صَيْفِيٍّ المُختلَفِ في صُحْبَته، وهو من بني أُسَيِّد بنِ عَمْرِو بن تَمِيم، وكان من أَعَزِّ أَهْلِ زَمانِهِ فاتُّخِذتْ له قُبَّةٌ على سَرِير، ولم يَكُنْ يَأْتِي سَريرَهُ خائفٌ إِلَّا أَمِنَ، ولا ذَلِيلٌ إِلَّا عَزَّ، ولا جائِعٌ إِلا شَبِعَ وهو قولُ أَبي عُبيدةَ، وبه فُسِّر قولُ الأَسوَدِ بن يَعْفُرَ النَّهْشِليّ:

ولقد عَلِمْتُ سِوَى الّذِي نَبَّأْتِنِي *** أَنَّ السَّبيلَ سَبيلُ ذِي الأَعْوادِ

يقول: لو أَغفَلَ المَوتُ أَحدًا لأَغْفَلَ ذا الأَعوادِ، وأَنا ميِّت إِذا مَاتَ مِثلُه.

وعادِيَاءُ: رَجلٌ، وهو جَدُّ السَّمَوْأَل بن جيار المضروب به المَثَل في الوفاءِ، قال النَّمِرُ بن تَوْلب:

هَلَّا سأَلْتِ بِعَادِيَاءَ وَبَيْتِهِ *** والخَلِّ والخَمْرِ الذي لم يُمْنَعِ

واختُلف في وَزْنه، قال الجوهريُّ: وإِن كان تقديرُه فاعلاءَ فهو من باب المعتَلّ، يُذكَر في موضعِه.

وجِرَانُ العَوْدِ: شاعِرٌ عُقَيْلِيٌّ، سُمِّيَ بقوله:

فإِنَّ جِرَانَ العَوْدِ قد كادَ يَصلُحُ

أَو لقوله:

عَمَدْتُ لِعَوْدٍ فالْتحَيْتُ جِرَانَه

كما في «المزهر». واختُلِف في اسمه، فقيل المستورِد، وقيل غيرُ ذلك. والصَّحِيحُ أَن اسمَه عامِر بن الحارث.

وعَوَادِ، كقَطَامِ، بمعنى: عُدْ، ومَثَّله في اللسان بنَزَالِ وتَرَاكِ.

ويقال تَعَاوَدُوا في الحَرْبِ وغيرِهَا، إِذا عادَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلى صاحِبِه.

ويقال أَيضًا: عُدْ إِلينا فَلَكَ عندنا عُوَادٌ حَسَنٌ، مُثَلَّثَةَ العين؛ أَي لكَ ما تُحِبُّ، وقيل أَي البِرُّ واللُّطْف.

ولُقِّبَ مُعَاوِيةُ بنُ مالِكِ بن جَعْفَر بن كِلَابٍ. مُعَوِّدَ الحُكَمَاءِ، جمع حَكيمٍ، كذا في غالب النُّسْخ، ومُعوِّد كمُحَدِّث، وفي بعضها: الحُلَمَاءِ، جمع حَليم باللام، وفي «المزهر» نقلًا عن ابن دُريد أَنّه مُعوِّد الحُكَّامِ، جمع حاكِم، وكذلك أَنشد البيت ومثله في «طبقات الشعراءِ» قاله شيخُنا لقوله أَي معاويةَ بن مالِك.

أُعَوِّدُ مِثْلَها الحُكَمَاءَ بَعْدِي *** إِذا ما الحَقُّ في الأَشياعِ نابَا

هكذا بالنون والموحدة، من نابَه الأَمرُ، إِذا عَرَاهُ، وفي بعض النسخ: بانَا، بتقديم الموحّدة على النون؛ أَي ظهرَ، وفي أُخرى: إِذا ما الأَمر، بدلَ: الحقّ: وهكذا في «التوشيح».

وفي بعض الروايات:

إِذا ما مُعْضِلُ الحَدَثَانِ نَابَا

وأَنشدَ ابنُ بَرِّيٍّ هذا البيْتَ هكذا وقال فيه: معوِّذ، بالذال المعجمة، كذا نقله عنه ابنُ منظورٍ في: ك س د، فلينظر.

وإِنما لُقِّب ناجِيَةُ الجَرْمِيّ مُعَوِّدَ الفِتْيَانِ، لأَنّه ضَرَبَ مُصَدِّقَ نَجْدَةَ الخارِجِيِّ فَخَرقَ بناجِيَةَ، فضرَبَهُ بالسيْفِ وقَتَلَهُ، وقال في أَبياتٍ:

أُعَوِّدُهَا الفِتْيَانَ بَعْدِي لِيَفْعَلُوا *** كفِعْلِي إِذا ما جَارَ في الحُكْمِ تَابعُ

نقله الصاغانيُّ.

قال شيخُنا: وقصّتُه مشهورةٌ. وفي كلام المصنِّف إِيهامٌ ظاهِرٌ. فتأْملْه.

ويقال: فَرَسٌ مُبْدِي‌ءٌ مُعِيدٌ، وهو الّذي قد رِيضَ وذُلِّلَ وأُدِّبَ فهو طَوْعُ راكِبه وفارِسِه، يُصرِّفه كيف شاءَ لطوَاعِيَتِه وذُلِّه، وإِنه لا يَستصعِب عليه لا يَمْنَعُه رِكَابَه، ولا يَجْمَعُ به.

والمُبْدِئُ المُعِيدُ مِنَّا: مَنْ غَزا مرّةً بعدَ مَرَّةٍ وبه فُسِّرَ الحَدِيث: «إِنَّ الله يُحِبُّ النَّكَلَ على النَّكَلِ. قِيلَ: وما النَّكَلُ على النَّكَلِ؟ قال: الرَّجُلُ القَوِيُّ المُجَرِّب المُبدِئُ المُعِيدُ على الفَرَسِ القَويِّ المُجَرَّب المُبْدِئِ المُعِيد» قال أَبو عُبَيْدٍ: والمُبْدِئُ المُعِيدُ: هو الذي قد أَبدأَ غَزْوَه وأَعادَه؛ أَي غَزا مَرَّةً بعد مرَّةٍ، وجَرَّب الأُمورَ طَوْرًا بعدَ طَوْرٍ، ومثلُه للزّمخشريِّ، وابنِ الأَثيرِ. وقيل: الفرس المُبدِئُ المُعِيد الذي قد غَزَا عليه صاحِبُه مَرَّةً بعد أُخرَى، وهذا كقولهم: ليلٌ نائمٌ إِذا نِيمَ فيه، وسِرٌّ كاتِمٌ، قد كَتَمُوهُ.

وقال أَبو سعيد تَعَيَّدَ العائِنُ ـ مِن عانَهُ، إِذا أَصابَه بالعَيْن ـ على المَعْيُونِ، وفي بعض الأُصول: على ما يَتَعَيَّن، وهو نصُّ عبارة ابن الأَعرابيِّ، إِذا تَشَهَّقَ عليه وتَشَدَّدَ ليُبَالِغَ في إِصَابَتِه بِعَيْنِه، وحُكِيَ عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ هو لا يُتَعَيَّنُ عَلَيْه ولا يُتَعَيَّدُ.

وتَعَيَّدَت المرأَةُ: اندَرَأَتْ بِلسانِها على ضَرَّاتِها وحَرَّكَتْ يَدَيْهَا، وأَنشد ابنُ السِّكِّيت:

كأَنَّهَا وفَوْقَها المُجَلَّدُ *** وقِرْبَةٌ غَرْفِيَّةٌ ومِزْوَدُ

غَيْرَى على جاراتِهَا تَعَيَّدُ

قال: المُجَلَّدُ: حِمْل ثَقِيلٌ، فكأَنَّها وفَوقَها هذا الحِمْلُ وقِرْبَةٌ ومِزْوَدٌ: امرأَةٌ غَيْرَى تَعَيّدُ أَيْ تَنْدَرِئُ بلسانِها على ضَرَّاتِها وتُحَرِّك يَدَيْهَا.

وعِيدَانُ السَّقَّاء، بالكسر: لَقَبُ وَالِدِ الإِمامِ أَبي الطَّيّب أَحمَد بنِ الحُسَيْنِ بن عبد الصَّمَدِ المُتَنَبِّئِ الكوفيِّ الشاعرِ المشهورِ، هكذا ضبطَه الصاغَانيُّ. وقال: كان أَبوه يُعرَفُ بعِيدَان السَّقّاءِ، بالكسر، قال الحافِظُ: وهكذا ضَبطه ابنُ ماكولا أَيضًا. وقال أَبو القاسم بن برمانَ هو أَحْمَدُ بن عَيْدَان، بالفتح، وأَخْطَأَ من قال بالكسر، فتأَمَّلْ.

وفي التهذيب: قد عَوَّدَ البَعِيرُ تَعْويدًا: صَار عَوْدًا وذلك إِذا مَضَتْ له ثَلاثُ سِنينَ بعْدَ بُزولِه، أَو أَربعٌ. قال: ولا يقال للنّاقة [عَوْدَةٌ ولا] عَوَّدَتْ.

وفي حديث حسَّان: «قَد آنَ لَكُم أَن تَبْعَثُوا إِلى هذا العَوْدِ» هو الجَمَلُ الكَبِيرُ المُسِنُّ المُدَرَّب، فشبَّه نفْسَه به. وفي المَثَل: «زاحِمْ بِعَوْدٍ أَوْ دَعْ» أَي استَعِنْ على حَرْبِكَ بالمشايخِ الكُمَّلِ، وهم أَهْلُ السِّنِّ والمَعْرفة. فإِنَّ رأيَ الشيخِ خيرٌ من مَشْهَد الغُلَام.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

المُبْدِئُ المُعِيدُ: من صِفاتِ الله تعالَى؛ أَي يُعيد الخَلْقَ بعدَ الحياةِ إِلى المَمَاتِ في الدُّنْيا، وبعد المَمَاتِ إِلى الحياةِ يومَ القِيَامَة.

ويقال للطَّرِيقِ الّذِي أَعادَ فيه السّفر وأَبدأَ: مُعِيدٌ، ومنه قولُ ابنِ مُقبلٍ، يصف الإِبلَ السائرة:

يُصْبِحْنَ بالخَبْتِ يَجْتَبْنَ النِّعافَ عَلَى *** أَصْلابِ هادٍ مُعِيدٍ لابِسِ القَتَمِ

أَراد بالهادِي: الطَّرِيقَ الذي يُهْتَدَى إِليه، وبالمُعِيد: الذي لُحِبَ.

وقال الليث: المَعَاد والمَعَادة: المأْتَم يُعَاد إِليه، تقول: لآلِ فُلانٍ مَعَادَةٌ؛ أَي مُصِيبَةٌ يَغْشَاهم الناسُ في مَنَاوِحَ أَو غيرِهَا، تَتَكَلَّم به النِّساءُ.

وفي الأَساس: المَعَادَة: المَنَاحةُ والمُعَزَّى.

وأَعادَ فلانٌ الصّلاةَ يُعِيدُهَا.

وقال اللّيث: رأَيتُ فلانًا ما يُبْدِئُ وما يُعِيد؛ أَي ما يَتَكَلَّم ببادِئةٍ ولا عائدةٍ، وفلانٌ ما يُعِيدُ وما يُبْدِئُ، إِذا لم تَكن له حِيلةٌ، عن ابن الأَعرابِيِّ وأَنشد:

وكنتُ امرَأً بالغَوْرِ مِنِّي ضَمَانَةٌ *** وأُخرَى بِنَجْدٍ ما تُعِيدُ وما تُبْدِي

يقول: ليس لِما أَنا فيه من الوَجْد حِيلةٌ ولا جِهَةٌ.

وقال المفضَّل: عادَني عِيدِي؛ أَي عادَتِي، وأَنشد:

عادَ قَلبي من الطَّوِيلةِ عِيدُ

أَراد بالطَّوِيلة: رَوْضَةً بالصَّمَّانِ، تكون ثلاثةَ أَميالٍ في مِثْلها.

ويقال: هو من عُودِ صِدْقٍ وسَوْءٍ، على المَثل، كقولهم: من شَجرةٍ صالحةٍ.

وفي حديثِ حُذيفةَ. «تُعْرَضُ الفِتَنُ على القُلوب عَرْضَ الحَصيرِ عَوْدًا عَوْدًا».

قال ابنُ الأَثير هكذا الرِّوَايَةُ، بالفَتْح؛ أَي مرَّة بعد مرَّة، ويُرْوَى بالضّمّ، وهو واحِد العِيدانِ يعني ما يُنْسَجُ به الحصِيرُ من طاقَاته، ويُروَى بالفتْح مع ذال معجمة، كَأَنَّه استعاذَ من الفِتَن.

والعُودُ، بالضّمّ: ذو الأَوتار الأَربعةِ الّذِي يُضْرَب به، غَلَب عليه الاسم لكَرَمِه، قال ابن جِنِّي: والجمع عِيدانٌ.

وفي حديث شُريح: «إِنَّما القَضاءُ جَمْرٌ فادْفَع الجَمْرَ عنك بِعُودَيْنِ»، أَراد بالعُودَيْن: الشَّاهِدَيْنِ، يريد اتَّقِ النارَ بِهِما واجعَلْهما جُنَّتَكَ، كما يَدْفَع المُصطلِي الجَمْرَ، عن مكانه بُعودٍ أَو غيرِه، لئلّا يَحْتَرِق، فمثَّلَ الشاهِدَينِ بهما، لأَنه يَدفَع بهما الإِثمَ والوَبَالَ عنه، وقيل: أَراد تَثَبَّتْ في الحُكْمِ واجْتَهِدْ فيما يَدْفعُ عنكَ النّارَ ما استطعْتَ.

وقال الأَسْوَدُ بن يَعْفُرَ:

ولقَد عَلِمْتُ سِوَى الّذِي نَبَّأْتِنِي *** أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ ذي الأَعواد

قال المفضِّل. سَبِيلُ ذِي الأَعوادِ، يريد المَوْتَ، وعَنَى بالأَعْوَادِ: ما يُحْمَل عليه المَيتُ. قال الأَزهَرِيُّ: وذلك أَن البَوادِيَ لا جَنَائِزَ لهم، فهم يَضُمُّون عُودًا إِلى عُودٍ، ويَحْمِلُون المَيتَ عليها إِلى القَبْر.

وقال أَبو عدنان: هذا أَمرٌ يُعوِّدُ النّاسَ عليَّ؛ أَي يُضَرِّيهم بِظُلْمي. وقال: أَكرَهُ تَعوُّدَ النَّاسِ عليَّ فيَضْرُوا بِظُلْمِي. أَي يَعْتَادُوه.

وفي حديثِ معاوِيَةَ: «سَأَله رجلٌ، فقالَ: إِنَّكَ لَتَمُتُّ بِرَحِمٍ عَودةٍ، فقال: بُلَّهَا بِعَطَائِك حتَّى تَقْرُبَ» أَي بِرَحِمٍ قديمةٍ بعيدِة النَّسبِ. وعوَّدَ الرَّجلُ تَعويدًا إِذا أَسَنَّ، قاله ابن الأَعرابيّ، وأَنشد:

فقُلْنَ قد أَقْصَرَ أَو قَدْ عَوَّدَا

أَي صار عَوْدًا [كبيرًا]. قال الأَزهريُّ: ولا يقال: عَوْد لِبعيرٍ أَو شاةٍ. وقد تقدَّم.

وقال أَبو النّجْم:

حتَّى إِذا اللَّيْلُ تَجَلَّى أَصحَمُهْ *** وانْجَابَ عن وَجْهٍ أَغَرَّ أَدْهَمُهْ

وتَبِعَ الأَحمَرَ عَوْدٌ يَرْجُمُهْ

أَراد بالأَحْمَرِ الصُّبْحَ، وأَراد بالعَوْد: الشَّمْسَ.

قال ابن بَرِّيّ: وقول الشّاعِر:

عَوْدٌ على عَوْدٍ على عَوْدٍ خَلَقْ

العَوْد الأَوّل: رَجُلٌ مُسِنٌّ، والثاني: جَمَلٌ مُسِنٌّ، والثالِث: طَرِيقٌ قَدِيم.

والعَوْد: اسم فَرَسِ مالِك بنِ جُشَم.

وفي الأَساس: عادَ عليهم الدّهْرُ: أَتى. [عليهم] وعادت الرَّياحُ والأَمطارُ على الدَّارِ حتى دَرَسَتْ.

ويقال: ركب الله عودا على عود، إِذا هاجَت الفتنةُ، ورَكِبَ السهمُ القَوسَ للرَّمْيِ.

وفي شرح شيخنا: وبَقِي عليه من مَباحِث عاد: له ستّةُ أَمكنةٍ، فيكون اسمًا، وفعلًا [تامًّا و] ناقصًا [وحرفًا] بمعنى إِنَّ، وحرفا بمنزلَة هل وجواب الجملةِ المتضمّنَةِ معنى النَّفْيِ، مَبْنِيًّا على الكسر، متصلًا بالمضمَرات.

الأول: يكون هذا اللفظ اسمًا متمكِّنًا جاريًا بتصاريف الإِعراب، نحو: وعادًا وثمودًا.

الثاني: فِعْلًا تاماًّ بمعنَى: رَجَعَ أَو زارَ.

الثالث: فعْلًا ناقصًا مفتقرًا إِلى الخَبرِ، بمنزلةِ كانَ، بشَرْط أَن يَتَقَدَّمها حَرْفُ عَطْفٍ. وعليه قولُ حَسَّان:

ولقد صَبَرْت بها وعادَ شَبابُها *** غَضًّا وعَادَ زَمانُها مُسْتَطْرَفَا

أَي وكان شبابُها.

الرابع: حرفًا عامِلًا نصبًا بمنزلة إِنَّ، مبنيًّا على أَصْلِ الحَرْفِيَّة، محرّكًا لالتقاءِ الساكِنَيْنِ مكسورًا على الأَصل فيه، بشرط أَن يتقدَّمها جملةٌ فعليةٌ وحرفُ عطف، كقَولك: رَقَدْت وعادِ أَبَاكَ ساهِرٌ؛ أَي وإِنّ أَباك، ومنه مَشْطُور حَسَّان:

عُلِّقْتُها وعادِ في قَلبي لَهَا *** وعادِ أَيّامَ الصِّبا مستقبَلَه

وقال آخَرُ:

أَنْ تَعْلُوَنْ زيدًا فعادِ عَمْروًا *** وعَادِ أَمْرًا بَعْدَه وأَمْرَا

أَي، فإِنَّ عَمْروًا موجودٌ.

الخامس: أَن يكونَ حرفَ استفهامٍ بمنزلة هَلْ مبنياًّ على الكَسْر للعِلَّة المذكورة آنفًا، مفتقرًا إِلى الجوابِ، كقولك: عادِ أَبُوك مُقيمٌ؟ مثل: هَلْ أَبوك مُقِيمٌ.

السادس: أَن يكونَ جوابًا بمعنى الجملةِ المُتَضَمِّنَة لمعنَى النَّفْيِ بِلَم، أَو بما فقط، مبنياًّ على الكسرِ أَيضًا وهذا إِن اتّصلت بالمُضمَرات، يقول المستفهمُ. هل صَلَّيت؟ فيقول: عادِني؛ أَي إِنّي لم أُصَلِّ أَو إِنّني ما صَلَّيتُ.

وبعضُ الحجازيّين يحذفُ نُونَ الوقايةِ، واللغتان فصيحتانِ، إِذا كان عاد بمعنَى إِنّ، ولا يمتنع أَن تقول إِني وإِنني. هذا إِذا اتَّصلت عاد بياءِ النَّفْس خاصةً، فإِن اتَّصَلت بغيرِها من المضمَرات كقول المجيب لمن سأَله عن شيْ‌ءٍ.

عادِه أَو عادِنا. وكذا باقي المضمَرات، فإِثباتُ نونِ الوقاية مُمْتَنِعٌ تَشبيهًا بإِن، ورُبّمَا فاهَ بها المستفهِمُ والمُجِيب، يقول المستفهم: عادِ، خَرَجَ زيدٌ؟ فيقول المُجِيب له: عادْ أَي إِنَّه لم يخرج أُو إِنه ما خَرَج. قال وهذه فائدة غريبة لم يُوردْها أَحدٌ من أَئمّةِ العَرَبيّة من المطوِّلين والمختصِرين.

والمصنِّف أَجمعُ المتأَخِّرين في الغَرَائِبِ، ومع ذلك فلم يتعرَّض لهذه المعاني، ولا عَدَّها في هذِه المبانِي. انتهى.

والعَوَّاد: الّذي يَتَّخِذُ ذا الأَوتارِ.

وعِيدُو، بالكسر: قَلْعَة بنواحِي حَلَب، وعَيْدان: موضع.

وله عندنا عُوَادٌ حَسَنٌ، وعَوَاد، بالضمّ والكسر، كلاهما عن الفرَّاءِ، لُغَتَان في عَواد، بالفَتْح، ولم يَذْكُر الفرَّاءُ الفَتْحَ، واقتصر الجوهَرِيُّ على الفتح.

وعائِدُ الكَلْبِ، لقبُ عبد الله بن مُصعَب بن ثابتِ بن عبد الله بن الزُّبير، ذكره المبرِّد في «الكامل».

وبنو عائِدٍ، وآلُ عائِدٍ: قَبِيلتَانِ.

وهِشَام بن أَحمدَ بنِ العَوَّاد الفَقِيه القُرْطُبِيُّ، عن أَبي عليٍّ الغَسّانِيّ.

والجَلال محمّد بنُ أَحمدَ بنِ عُمَرَ البُخَارِيّ العِيدِيّ، في آبائه من وُلِدَ في العِيدِ، فنُسِب إِليه، من شيوخ أَبي العَلاءِ الفرضِيّ، مات سنة 668. وأَبو الحُسَيْن يَحيى بن عليّ بن القاسم العِيدِيّ من مشايخ السِّلَفِيّ، وذَهْبَن بن قِرْضِمٍ القُضاعيّ العِيديّ، صحابِيٌّ.

وعَيَّاد بن كَرمٍ الحَربيّ الغَزَّال، وعَرِيب بن حاتم بن عيَّاد البَعْلَبكيّ، وسَلمان بن محمّد بن عَيّاد بن خَفاجةَ، وسعود بن عيّاد بن عُمر الرّصافيّ، وعليّ بن عيَّاد بن يُوسفَ الدِّيباجِيّ: محدّثون.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


10-تاج العروس (ربض)

[ربض]: الرَّبَضُ، مُحَرَّكَةً: الأَمْعَاءُ، كما في الصّحاح.

أَو هو كُلُّ ما فِي البَطْن من المَصَارِين وغَيْرِهَا، سِوَى القَلْبِ والرِّئَة. ويُقَال: رَمَى الجَزَّارُ بالحَشْوِ والرَّبَضِ. ويُقَال: اشْتَرَيْتُ منه رَبَضَ شَاتِهِ وهو مَجَازٌ. وقال اللَّيْثُ: الرَّبَضُ: ما تَحَوَّى من مَصَارِينِ البَطْنِ، ومِثْلُه قولُ أَبي عُبَيْد.

وقال أَبو حاتِم: الَّذِي يَكُونُ في بُطُونِ البَهَائِم مُتَثَنِّيًا: المَرْبِضُ، والذي أَكبَرُ منها: الأَمْغَالُ. وَاحِدُهَا مُغْل.

والذي مثل الأَثْنَاءِ. حَفِثٌ وفَحِثٌ. والجَمْعُ أَحْفَاثٌ وأَفْحَاثٌ.

ومن المَجَاز: الرَّبَضُ: سُورُ المَدِينَة وما حَوْلَهَا. ومنه‌ الحَدِيث «أَنا زعيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِي وأَسْلَم وهَاجَر بِبَيْتٍ في رَبَضِ الجَنَّة» ‌وقيل: الرَّبَض: الفَضَاءُ حَوْلَ المَدِينَة.

ويقَال: نَزَلُوا في رَبَضِ المَدِينَةِ والقَصْرِ أَي ما حَوْلَهَا من المَسَاكن.

والرَّبَضُ: مَأْوَى الغَنَمِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، وأَنشد للعَجّاجِ يَصِفُ الثَّوْرَ الوَحْشِيّ:

واعْتَادَ أَرْبَاضًا لَهَا آرِيُّ *** مِنْ مَعْدِنِ الصَّيرانِ عُدْمُلِيُّ

العُدْمُلِيُّ: القَدِيمُ. وأَراد بِالْأَرْبَاضِ جَمْعَ رَبَضٍ. شَبَّهَ كِنَاسَ الثَّوْرِ بمَأْوَى الغَنَمِ.

وفي الحَدِيث: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالشَّاةِ بَيْنَ الرَّبَضَيْنِ، إِذَا أَتَتْ هذِه نَطَحَتْهَا، وإِذَا أَتَتْ هذه نَطَحَتْهَا» ‌كما فِي العُبَابِ.

قُلتُ: ويُرْوَى: بينَ الرِّبَيضَيْن. والرَّبِيضُ: الغَنَمُ نَفْسُها، كَمَا يَأْتِي. فالمَعْنَى عَلَى هذا أَنَّه مُذَبْذَبٌ كالشَّاةِ الوَاحِدَةِ بَيْن قَطِيعَيْنِ مِنَ الغَنَمِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَأْوَى الغَنَمِ رَبَضًا لِأَنَّهَا تَرْبِضُ فيه. وكَذلِكَ رَبَضُ الوَحْشِ: مَأْوَاه وكِنَاسُهُ.

ومن المَجَاز: الرَّبَضُ: حَبْلُ الرَّحْلِ الَّذِي يُشَدُّ به، أَو ما يَلِي الأَرْضَ مِنْه؛ أَي من حَبْلِ الرَّحْلِ، لا ما فَوْقَ الرَّحْلِ.

وقال اللَّيْثُ: الرَّبَضُ: ما وَلِيَ الأَرْضَ مِنَ البَعِير إِذا بَرَكَ، والجَمْع الْأَرْبَاض. وأَنْشَدَ:

أَسْلَمَتْهَا مَعَاقِدُ الأَرْبَاضِ

أَي مَعَاقِدُ الجِبَالِ على أَرْبَاضِ البُطُونِ. وقال الطِّرِمَّاح:

وأَوَتْ بِلَّةُ الكَظُومِ إِلَى الفَظِّ *** وجَالَتْ مَعَاقِدُ الْأَرْبَاضِ

وإِنَّمَا تَجُولُ الْأَرْبَاضُ من الضُّمْرِ، هكذَا قَالَهُ اللَّيْث: وغَلَّطَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وقال: إِنَّمَا الْأَرْبَاضُ الْحِبَالُ. وبه فَسَّرَ أَبو عُبَيْدَة قَوْلَ ذِي الرُّمَّة:

إِذَا مَطَوْنَا نُسُوعَ الرَّحْلِ مُصعِدَةً *** يَسْلُكْنَ أَخْرَاتَ أَرْبَاضِ المَدَارِيجِ

قال: والأَخْرَاتُ: حَلَقُ الحِبَالِ. قُلتُ: وفَسَّرَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْأَرْبَاضِ في البَيْت ببُطُونِ الْإِبِلِ، كما ذَهَبَ إِليه اللَّيْثُ.

ومن المَجَازِ: الرَّبَضُ: قُوتُك الَّذِي يُقِيمُك ويَكْفِيكَ من اللَّبَن، نقله الجَوْهَريُّ. قال: ومِنه المَثَلُ: «مِنْكَ رَبَضُكَ وإِنْ كانَ سَمَارًا» أَي مِنْكَ أَهْلُك وخَدَمُكَ ومَنْ تَأْوِي إِليه وإِنْ كانُوا مُقَصِّرِينَ. قال: وهذا كقَوْلِهِم: «أَنْفُكَ مِنْك ولَوْ كانَ أجْذَعَ». وزادَ في العُبَاب: وكَذَا «مِنْك عِيصُكَ وإِنْ كان أَشِبًا». وفي اللِّسَان: السَّمَارُ: اللَّبَنُ الكَثِيرُ المَاءِ.

والمَعْنَى: قَيِّمُكَ منك لأَنّه مُهْتَمٌّ بك، وإِنْ لَمْ يَكُن حَسَنَ القيَامِ عَلَيْكَ. ثمّ إِنّ قَوْلَه في المَثَل: رَبَضُكَ، مُحَرَّكَةً كما يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ المُصَنِّف وهكَذَا وُجِدَ بخَطِّ الجَوْهَرِيّ.

ورأَيتُ في هَامِش الصّحاح ما نَصَّه: وَجَدْت في كتابِ المِعْزَى لأَبِي زَيْد نُسْخَةً مَقْروءة على أَبِي سَعِيدٍ السِّيرَافِيّ ويقال: «مِنْكَ رُبُضُكَ وإِن كان سَمَارًا» هكذَا بضَمَّتَيْنِ صُورَةً لا مُقَيَّدًا، يقول: مِنْكَ فَصِيلَتُكَ، وهم بَنُو أَبِيه، وإِنْ كانُوا قومَ سُوءٍ لَا خَيْرَ فِيهِم. قال: ووَجَدْتُ في التَّهْذِيب للأَزْهَرِيِّ بخَطّه ما نَصُّه: ثَعْلَب عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ: «منك رُبْضُك» هكذا بضمّ الراءِ غير مُقَيَّدٍ بوَزْنٍ، قال: والرُّبْض: قَيِّمُ بَيْته. وهكَذَا وَجَدتُ أَيضًا في كتاب الأَمْثَال للأَصْمَعِيّ.

والرَّبَضُ: النَّاحِيَةُ من الشَّيْ‌ءِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الكِسائيّ.

وقال أَبو زَيْدٍ: الرَّبَضُ: سَفِيفٌ كالنَّطَاقِ يُجْعَل في حِقْوَيِ النَّاقَةِ حَتَّى يُجَاوِزَ الوَرِكَيْنِ من الناحِيَتَيْن جَمِيعًا وفي طَرَفَيْه حَلْقَتَانِ يُعْقَدُ فيهِمَا الأَنْسَاعُ ويُشَدُّ به الرَّحْلُ.

ومن المَجَازِ: الرَّبَضُ: كُلُّ مَا يُؤْوَى إِلَيْه ويُسْتَرَاحُ لَدَيْه، مِنْ أَهْلٍ، وقَرِيب، ومالٍ، وبَيْتٍ، ونَحْوِه، كالغَنَمِ، والمَعِيشةِ، والقُوتِ، ومنه قَولُ الشَّاعِر:

جَاءَ الشِّتَاءُ ولَمّا أَتَّخِذْ رَبَضًا *** يَا وَيْحَ كَفَّيَّ من حَفْرِ القَرامِيصِ

قال الجَوْهَرِيُّ: ومنه أُخِذَ الرَّبَضُ لِمَا يَكْفِي الإِنْسَانَ مِنَ اللَّبَنِ، كما تَقَدَّمَ.

وقوله: «من أَهْلٍ» يَشْمَلُ المَرأَةَ وغَيْرَهَا، فقد قَالُوا أَيْضًا: الرَّبَضُ: كُلُّ امرأَةٍ قَيِّمَةِ بَيْتٍ، وقد رَبَضَتْه تَرْبِضُه، من حَدِّ ضَرَبَ: قامَت في أمُورِه وأَوَتْه، ونُقِلَ عن ابْن الأَعْرَابِيّ: تَرْبُضُهُ أَيْضًا؛ أَي من حَدِّ نَصَرَ، ثمّ رَجَعَ عن ذلِكَ، الجمع: الكُلِّ أَرْبَاضٌ، كسَبَب وأَسْبابٍ.

والرِّبْضُ، بالكَسْر، منَ البَقَر: جَمَاعَتُهُ حَيْثُ تَرْبِضُ أَي تَأْوِي وتَسْكُنُ. نُقِلَ ذلِكَ عن صاحِبِ كِتَاب المُزْدَوَجِ من اللُّغَات فَقَط. ونَقَلَه صاحِبُ اللِّسَان أَيضًا، ونَصُّه: الرِّبْضُ والرِّبْضَةُ للغَنَم، ثمّ استُعمِلَ في البَقَرِ والنّاس.

والرُّبْضُ، بالضَّم: وَسَطُ الشَّيْ‌ءِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الكِسَائِيّ. قال الصّاغَانِيّ: وكَذلِكَ قَوْلُ الأَصْمَعِيّ، وأَنْكَرَه شَمِرٌ، كما في التَّهْذِيب.

وقال بَعْضُهُم: الرُّبْضُ: أَساسُ البِنَاءِ والمَدِينَةِ، وضَبَطَهُ ابن خالَوَيْه «بضَمَّتَيْن» وقيل: هو والرَّبَضُ بالتَّحْرِيك سَوَاءٌ مِثْلُ سُقْم وسَقَمٍ.

وقال شَمِرٌ: الرُّبْضُ: ما مَسَّ الأَرْضَ مِنَ الشَّيْ‌ءِ. وقال ابنُ شُمَيْلٍ: رُبْضُ الأَرْضِ: ما مَسَّ الأَرْض مِنْه.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: الرُّبْضُ: الزَّوْجَةُ، وكذلك الرُّبُضُ، بضَمَّتَيْن، ويُفْتح ويُحَرَّكُ، فَهِيَ أَربعُ لُغَات، وليْس في نَصِّ الصَّاغَانِيّ في كِتَابَيْه الرُّبُض، بضَمَّتَيْن عن لُغَات فَقَط، وهكَذَا في اللِّسَان أَيضًا قال لأَنَّهَا تُرَبَّضُ زَوْجَهَا؛ أَي تَقُومُ في أُموره وتُؤْوِيهِ. قال: أَو الأُمُّ أَو الأُخْتُ تُعزِّبُ ذا قَرَابَتِهَا؛ أَي تَقُومُ عَلَيْه. ومِن ذلِك قولهم: ماله رُبْضٌ يَرْبِضُه.

وفي الأَسَاسِ: ومن المَجَاز: مَا رَبَضَ امْرَأَةً أَمْثَلُ من أُخْتٍ؛ أَي كَانَتْ رُبْضًا له ومَسْكَنًا، كما تَقُول أَبَوْتُه وأَمَمْتُه؛ أَي كُنتُ لَه أَبًا وأُمًّا.

والرُّبْضُ: عَيْن ماءٍ.

والرُّبْضُ: جَمَاعَةُ الطَّلْحِ والسَّمُرِ، وقِيلَ: جَمَاعَةُ الشَّجَرِ المُلْتَفِّ.

والرُّبْضَةُ بالضَّمِّ: القِطْعَةُ العَظِيمَةُ مِنَ الثَّرِيدِ، عن ابن دُرَيْد.

والرُّبْضَةُ: الرَّجُلُ المُتَرَبِّضُ؛ أَي المُقِيمُ العَاجِزُ، كالرُّبَضَةِ، كهُمَزَةٍ، وهو مَجَاز.

وقال اللَّيْث: الرِّبْضَةُ، بالكَسْر: مَقْتَلُ كُلِّ قَوْمٍ قُتِلُوا في بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وضَبَطَه الصّاغَانِيّ في التَّكْمِلَة «بالتَّحْرِيك» فوَهِم، وَهُو في العُبَاب على الصحّة. قال إِبْرَاهِيمُ الحَرْبِيّ: قَالَ بَعْضُهم: رَأَيْتُ القُرَّاءَ يَوْمَ الجَمَاجِمِ رِبْضَةً.

والرِّبْضَةُ: الجُثَّةُ. قال ابن دُرَيْد: ومنه قَوْلُهُم: ثَرِيدٌ كَأَنَّهُ رِبْضَةُ أَرْنَبٍ؛ أَي جُثَّتُه. هكذَا في النُّسَخ، والصَّوَاب جُثَّتُهَا، بدَلِيل قَوْلِه فيما بَعْد: جاثِمَةً؛ أَي حالة كَونها جاثِمَةً: وبارِكَةً. قال ابنُ سِيدَه: ولم أَسْمَعْ به إِلاَّ في هذَا المَوْضِعِ. ويُقَال: أَتَانَا بتَمْر مِثْلِ رِبْضَةِ الخَرُوفِ؛ أَي قَدْرِ الخَرُوفِ الرَّابِضِ. ومنه أَيضًا: كرُبْضَةِ العَنْزِ، بالضَّمِّ والكَسْر؛ أَي جُثَّتها إِذَا بَرَكَتْ.

والرِّبْضَةُ من النَّاسِ: الجَمَاعَةُ مِنْهُم، وكَذَا من الغَنَمِ.

يقال: فيها رِبْضَةٌ من النَّاس، والأَصْلُ للغَنَمِ، كما في اللِّسَان.

وقال ابنُ دُرَيْد: رَبَضَتِ الشَّاةُ وغَيْرُهَا من الدَّوَابِّ، كالبَقَر والفَرَسِ والكَلْبِ تَرْبِضُ، ومن حَدّ ضَرَبَ، رَبْضًا ورَبْضَةً، بفَتْحِهِمَا، ورُبُوضًا، بالضَّمّ، ورِبْضَةً حَسَنَةً، بالكَسْرِ، كبَرَكَت، في الإبلِ، وجَثُمَتْ، في الطَّيْر.

ومَوْضِعُهَا مَرَابِضُ، كالمَعَاطِنِ للإِبل. وو أَربَضَها غَيْرُهَا، كَذَا في النُّسَخِ. ولو قَال: «هُوَ»، بَدَلَ «غَيْرها» كان أَخصَرَ.

وأَمّا‌ قولُه صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم للضَّحّاكِ بن سُفْيانَ بنِ عَوْن العامِرِيّ أَبِي سَعِيدٍ وقد بَعَثَهُ إِلى قَوْمِه بَنِي عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ بْن كِلاب: «إِذَا أَتَيْتَهُمْ فارْبِضْ في دارِهم ظَبْيًا».

قال ابنُ سِيدَه: قِيلَ في تَفْسِيره قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَيْ أَقمْ في دِيَارِهِم آمِنًا كالظَّبْيِ الآمِنِ في كِنَاسِه، قد أَمِنَ حَيْثُ لا يَرَى إِنْسِيًّا، وهو قَولُ ابنِ قُتَيْبَةَ عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ. أَو المَعْنَى: لَا تَأْمَنْهُم، بل كُنْ يَقِظًا مُتَوَحِّشًا مُسْتَوْفِزًا، فإِنَّكَ بَيْنَ أَظْهُرِ الكَفَرَةِ، فإِذا رَابَكَ مِنْهُم رَيْبٌ، نَفَرْتَ عَنْهُم شَارِدًا، كما يَنْفِرُ الظَّبْيُ، وهو قَوْلُ الأَزْهَرِيّ: و«ظَبْيًا» في القَوْلَيْنِ مُنْتَصِبٌ على الحالِ، وأَوقَعَ الاسْمَ مَوْقِعَ اسْمَ الفَاعِل، كَأَنَّه قَدَّرَه مُتَظَبِّيًا كما حَكَاه الهَرَوِيّ في الغَرِيبَيْن.

قُلتُ: والَّذِي‌

صَرَّحَ به الحافِظُ الذَّهَبِيُّ وغَيْرُه أَنَّ النَّبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم إِنَّمَا أَرْسَلَه إِلى مَنْ أَسْلَم مِنْ قَوْمِه، وكَتَب إِليه أَن يُوَرَّثَ امرأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابيّ من دِيَةِ زَوْجِهَا، فالوَجْهُ الأَوَّلُ هو المُنَاسِبُ للمَقَام، ولأَنَّه كان أَحَدَ الأَبْطَال مَعْدُودًا بِمِائَةِ فارِس، كما رُوِيَ ذلك، وكان مُسْتَوْحِشًا منهم، فَطَمَّنَهُ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وأَزالَ عنه الوَحْشَةَ والخَوْفَ، وأَمَرَهُ بأَن يَقَرَّ في بُيُوتِهِم قَرَارَ الظَّبْي في كِنَاسِه، ولا يَخْشَى من بَأْسِهِم، فتَأَمَّلْ.

وفي حَدِيث الفِتَنِ رُوِيَ عن النَّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم أَنَّه ذَكَرَ: «من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَنْطِقَ الرُّوَيْبِضَةُ في أُمُورِ العَامَّة» ‌وهو تَصْغِير الرَّابِضَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَرْعَى الرَّبِيضَ، كما نَقَلَه الأزْهَرِيّ.

وبَقِيَّةُ الحَدِيثِ: «قِيلَ: وما الرُّوَيبِضَةُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: الرَّجُلُ التَّافِهُ ـ أَي الحَقِيرُ ـ يَنْطِقُ في أَمْرِ العَامَّةِ».

وهذا تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لِلْكَلِمةِ. بأَبِي وأُمّي، وليس في نَصِّه كَلمةُ «أَيْ»، بَيْنَ التّافِه والحَقِير. قلتُ: وقَرَأْتُ في الكَامل لابن عَدِىٍّ في تَرْجَمَة مُحَمّد بْنِ إِسحاقَ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَار عن أَنس، «قِيلَ: يا رَسُولَ الله، ما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: الفاسقُ يَتَكَلَّم في أَمرِ العَامَّة».

انْتَهَى. وقال أَبو عُبَيْد: ومِمّا يُثْبِتُ حَدِيثَ الرُّوَيْبَضَةِ‌ الحَدِيثُ الآخَرُ من أَشرَاطِ السَّاعَةِ «أَن يُرَى رعَاءُ الشاءِ رُؤُوسَ النَّاسِ».

وقال الأزْهَرِيُّ: الرُّوَيْبِضَةُ هو الَّذِي يَرْعَى الغَنَم، وقيل: هو العَاجِز الَّذِي رَبَضَ عن مَعَالِي الأُمُورِ وقَعَدَ عن طَلَبِهَا: وزِيَادَةُ الهاءِ في الرّابضَةِ لِلْمُبَالَغَةِ. كما يُقَال دَاهِيَة ـ قال: والغَالِبُ عِنْدِي أَنَّه قِيلَ للتّافِهِ من النّاسِ: رابِضَةٌ ورُوَيْبِضَةٌ، لِرُبُوضه في بَيْتِه وقِلَّةِ انْبِعَاثِه في الأمُور الجَسِيمَةِ. قال: ومنه قيل: رَجُلٌ رُبُضٌ على، هكَذَا في النُّسَخ، وصَوَابُه عن الحَاجَاتِ والأَسْفَار، بضَمَّتَيْن، إِذا كَانَ لَا يَنْهَضُ فِيهَا، وهو مَجاز. وقال اللِّحْيَانِيّ: أَي لا يَخْرُج فيها. ومن المَجَازِ: قال اللَّيْثُ: فانْبَعَثَ لَه وَاحدٌ من الرّابِضَة، قال: الرّابِضَة: ملائِكَةٌ أَهْبِطُوا مع آدمَ عَلَيْه السَّلامُ يَهْدُون الضُّلاَّلَ. قال: ولَعَلَّه من الإِقامَةِ.

وفي الصّحاح: الرَّابِضَةُ بَقِيَّةُ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، لا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْهُم. وهو في الحَدِيث، ونَصُّ الصحاح: منه الأَرْضُ.

ومن المَجَازِ: الرَّبُوضُ، كصَبُورٍ: الشَّجَرَةُ العَظِيمَةُ، قاله أَبو عُبَيْد، زاد الجَوْهَرِيّ: الغَلِيظَةُ، وزاد غَيْرُه: الضَّخْمَةِ. وقوله: الوَاسِعَة. مَا رَأَيْتُ أَحَدًا من الأَئِمَّةِ وَصَفَ الشَجَّرَةَ بِهَا، وإِنَّمَا وَصَفُوا بها الدِّرْعَ والقِرْبَةَ، كما سَيَأْتي.

وأَنشدَ الجَوْهَرِيّ قَوْلَ ذِي الرُّمَّة:

تَجَوَّفَ كُلَّ أَرْطَاةٍ رَبُوضٍ *** مِنَ الدَّهْنَا تَفَرَّعَتِ الحِبَالا

والحِبَالُ: الرِّمالُ المُسْتَطِيلَةُ.

ج: رُبُضٌ، بضَمَّتَيْن. ومنه قَولُ العَجَّاج يَصِف النِّيرَان:

فهُنَّ يَعْكِفْنَ بهِ إِذا حَجَا *** برُبُضِ الأَرْطَى وحِقْفٍ أَعْوَجَا

عَكْفَ النَّبِيطِ ويَلْعَبُون الفَنْزَجَا.

والرَّبُوضُ: الكَثُيرَةُ الأَهْل من القُرَى، نَقَله الصّاغَانِيّ.

ويقال: قَرْيَةُ رَبُوضٌ: عَظِيمَةٌ مُجْتَمِعَةٌ. ومنه‌ الحدِيث: «إِنّ قَوْمًا من بَني إِسرائيلَ بَاتُوا بقَرْيَةٍ رَبُوضٍ».

ومن المَجَاز: الرَّبُوضُ: الضَّخْمَةُ مِنَ السَّلاسلِ، وأَنشَدَ الأَصْمَعيّ:

وقالوا رَبُوضٌ ضَخْمَةٌ في جِرَانِهِ *** وأَسْمَرُ من جِلْدِ الذِّرَاعَيْنِ مُقْفَلُ

أَراد بالرَّبُوضِ سِلْسِلَةً رَبُوضًا أُوثِقَ بها، جَعَلَهَا ضَخْمَةً ثَقِيلَةً. وأَرادَ بالأَسْمَرِ قِدَّا غُلَّ به فيَبِسَ عليه.

ومنه‌ حَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ رَضِيَ الله عَنْه: «أَنَّه ارْتَبَطَ بسِلْسلَةٍ رَبُوض إِلى أَن تَابَ الله عَلَيْه» ‌قال القُتَيْبِيّ: هي الضَّخْمَة الثَّقِيلَةُ، زاد غَيْرُه: الَّلازِقَةُ بصَاحِبِهَا، وفَعُولٌ منْ أَبْنِيَة المُبَالَغَة يَسْتوِي فيه المُذَكَّر والمُؤَنَّث.

ومن المَجَازِ: الرَّبُوضُ: الوَاسِعَةُ من الدُّرُوعِ، ويقال: هي الضَّخْمَة، كما في الأَساس.

قلت: وقد رَوَى الصّاغَانِيُّ حَدِيثَ أَبي لُبَابَةَ بتَمَامِه بسَنَدٍ له مُتَّصِل، وذَكَرَ فيه أَنَّ النَّبِيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم هو الَّذِي حَلَّه. وقَرَأْتُ في الرَّوْض للسُّهَيْلي أَنَّ الَّذِي حَلَّه فاطمةُ، رَضِيَ الله عنها، ولمَّا أَبَى لِأَجْلِ قَسَمِه، قال صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بِضُعَةُ مِنِّي» فحَلَّتْهُ. فانْظُره.

وفي حَدِيثِ مُعَاوَيَةَ: «لا تَبْعَثُوا الرَّابِضَيْنِ» ‌الرَّابِضَانِ: التُّرْكُ والحَبَشَةُ أَي المُقِيمَيْنِ السَّاكِنَيْن، يُرِيد: لا تُهَيِّجوهم عَلَيْكم ما دَامُوا لا يَقْصدُونَكُم.

قلت: وهُو مِثْلُ‌ الحَدِيث الآخر: «اتْرُكُوا التُّرْكَ ما تَرَكُوكُم، ودَعُوا الحَبَشَةَ ما وَدَعُوكُم».

والرَّبِيضُ، كأَميرٍ: الغَنَمُ برُعَاتهَا المُجْتَمعَةُ في مَرَابِضها، كأَنَّه اسمٌ للجَمْع، كالرَّبْضَة، بالكَسْر. يُقَال: هذا رَبِيضُ بَنِى فُلانٍ ورِبْضَتُهم. قال امرْؤُ القَيْسِ:

ذَعَرْتُ به سِرْبًا نَقِيًّا جُلُودُه *** كما ذَعَرَ السِّرْحَانُ جَنْبَ الرَّبِيضِ

والرَّبِيضُ مُجْتَمَعُ الحَوايا كالمَرْبَضِ، كمَجْلِسٍ ومَقْعَدٍ، والرَّبَض، مُحَرَّكَةً أَيضًا، كُلُّ ذلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيّ.

والرَّبَّاض، ككَتّانٍ: الأَسَدُ الَّذِي يَرْبِضُ على فَرِيسَتِه.

قال رُؤْبَةُ:

كَمْ جَاوَزَتْ مِنْ حَيَّةٍ نَضْنَاضِ *** وأَسَد في غَيلِهِ قَضْقَاضِ

لَيْث على أَقْرَانِه رَبَّاضِ

وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: رَبَضَه يَرْبِضُهُ ويَرْبُضُهُ: أَوَى إِلَيْه كذا في العُبَاب، وقد سَبَقَ أَنَّ ابنَ الأَعْرَابِيّ رَجَعَ عن اللُّغَة الثَّانِيَةِ.

ومن المَجَارِ: رَبَضَ الكَبْشُ عن الغَنَمِ يَرْبِضُ رُبُوضًا: تَرَكَ سِفَادَهَا. وفي الأَسَاسِ: ضِرَابَهَا، ومِثْلُه في الصّحاح. وحَسَرَ وعَدَلَ عنها، أَو عَجَزَ عَنْهَا، ولا يُقَال فيه: جَفَرَ. وقال ابن عَبّادٍ والزَّمَخْشَرِيّ: يُقَال للغَنَم إِذا أَفْضَتْ وحَمَلَتْ: قَدْ رُبِضَ عَنْهَا.

ورَبَضَ الأَسَدُ على فَرِيسَتِه، ورَبَضَ القِرْنُ على قِرْنِه، إِذا بَرَكَ عَلَيْه، وهو رَبَّاضٌ، فيهما.

ومن المَجَازِ: رَبَضَ اللَّيْلُ: أَلقَى بنَفْسِه ولَيْلٌ رَابِضٌ على المَثَلِ، قال:

كأَنَّهَا وقَدْ بَدَا عُوَارِضُ *** واللَّيْلُ بَيْنَ قَنَوَيْنِ رَابِضُ

بجَلْهَةِ الوَادِي قَطًا رَوَابِضُ

والتِّرْباضُ، بالكَسْرِ: العُصْفُرُ، عن ابن الأَعْرَابِيّ.

وقال ابنُ عَبّاد: أَرْبَضَ أَهْلَهُ وأَصْحَابَه، إِذا قَامَ بنَفَقَتِهم.

كما في العُبَاب.

وفي الصّحاح: أرْبَضَتِ الشَّمْسُ، إِذا اشْتَدَّ حَرُّهَا حَتَّى يَرْبِضَ الظَّبْيُ والشَّاةُ؛ أَي مِنْ شِدَّةِ الرَّمْضَاءِ، وهو قَوْلُ الرِّيَاشيّ. وفي العُبَاب: أَرْبَضَت الشَّمْسُ: أَقامَتْ كما‌ تَرْبِضُ الدَّابَّةُ، فبَلَغَتْ غَايَةَ ارْتفَاعهَا، ولَمْ تَبْدَأْ للنُّزولِ، وبه فُسِّرَ حَديثُ الأَنْصَارِيَّة. وهو مَجاز.

ومن المَجازِ: أَرْبَضَ الإِناءُ القَوْمَ: أَرْوَاهُم. يُقَال: شَرِبُوا حتى أَرْبَضَهُمُ الشَّرَابُ. أَي أَثْقَلَهُمْ من الرِّيِّ حَتَّى رَبَضُوا؛ أَي ثَقُلُوا، ونَامُوا مُمْتَدَّين عَلَى الأَرْض. وإِناءٌ مُرْبِضٌ.

وفي حَدِيث أُمّ مَعْبَدٍ: «أَنّ النَّبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لَمّا قَالَ عِنْدَهَا دَعَا بإِنَاءٍ يُرْبضُ الرَّهْطَ».

قال أَبو عُبَيْد: مَعْنَاه يُرْويهم حَتَّى يُثْقلَهُمْ فيَرْبضُوا فيَنَامُوا، لكَثْرَة اللَّبَن الَّذي شَربُوه، ويَمْتَدُّوا على الأَرْضِ. ومَنْ قال: يُرْيضُ الرَّهْطَ فهُوَ من أَراضَ الوَادِي. وقَدْ ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ الوَجْهَيْنِ. وقال: وقَوْلُهم: دَعَا بإِنَاءٍ، إِلَى آخِرِه. والصَّحِيحُ أَنَّه حَدِيثٌ، كما عَرَفْتَ، وقد نَبَّه عليه الصّاغَانِيّ في التَّكْمِلَةِ.

وَتَرْبِيضُ السَّقَاءِ بالمَاءِ: أَنْ تَجْعَلَ فِيهِ ما يَغْمُرُ قَعْرَهُ، نَقَلَه الصَّاغَانيُّ عن ابنِ عَبّاد، وقد رَبَّضَه تَرْبِيضًا.

* وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه:

رَبَّضَ الدَّابَّةَ تَرْبِيضًا كَأَرْبَضَها ويقال للدَّابَّة: هي ضَخْمَةُ الرِّبْضَةِ، أَيْ ضَخْمَةُ آثَارِ المرْبَطِ.

وأَسَدٌ رَابِضٌ، كرَبّاضِ، ومنه المَثَلُ: «كَلْبٌ جَوَّالٌ خَيْرٌ من أَسَدٍ رَابِضِ. وفي رِوَايَة: من أَسَدٍ رَبَضَ.

ورَجلٌ رَابِضٌ: مَرِيضٌ، وهو مَجَازٌ.

والرُّبُوضُ، بالضَّمّ، مَصْدَرُ الشَّيْ‌ءِ الرَّابِض، وأَيْضًا جَمْعُ رَابِضٍ. ومنه‌ حَديثُ عَوْف بن مَالك رَضيَ الله عنه: «أَنَّهُ رَأَى في المَنَامِ قُبَّةً من أَدَمٍ حَوْلَها غَنَمٌ رُبُوضٌ» ‌أَي رَابِضَة.

والرِّبْضَةُ، بالكَسْرِ: الرَّبِيضُ. ويُقَال للأَفْطَسِ: أَرْنَبتُهُ رَابِضَةٌ على وَجْهِه؛ أَي مُلْتَزِقَةٌ، وهو مَجَاز، قاله اللَّيْثُ.

والرَّبَضُ، بالتَّحْرِيك: الدُّوَّارَةُ من بَطْنِ الشَّاةِ، وقيل: الرَّبَضُ: أَسْفَلُ من السُّرَّةِ. والمَرْبِضُ: تَحْتَ السُّرَّةِ وفَوْقَ العَانَةِ. ورَبَضُ النَّاقَةِ: بَطْنُهَا، قاله اللَّيْثُ، وقد تَقَدَّم عن الأَزْهَرِيّ إِنْكَارُه، وقيل: إِنَّمَا سُمِّيَ بذلِكَ لأَنَّ حُشْوَتَها في بَطْنِهَا.

ورَبَّضْتُه بالمَكَانِ تَرْبِيضًا: ثَبَّتُّه. قيلَ: ومنه الرَّبَضُ: امْرَأَةُ الرَّجُلِ، لأَنَّهَا تُثَبِّتُهُ فلا يَبْرَحُ. وتَرَكْتُ الوَحْشَ رَوَابِضَ. وهو مَجَاز.

وحَلَبَ مِنَ اللَّبَنِ ما يُرْبِضُ القَوْمَ؛ أَي يَسَعُهُم. وهو مَجَاز.

وقِرْبَةٌ رَبُوضٌ: كَبِيرَةٌ لا تَكَادُ تُقَلُّ، فهي رَابِضَةٌ أَو تَرْبِضُ مَنْ يُريدُ إِقْلالَهَا وهو مَجَازٌ.

ونَقَلَ الجَوْهَرِيُّ عن ابن السِّكِّيت: يُقَال: فُلانٌ ما تَقُومُ رَابِضَتُهُ، إِذا كان يَرْمِي فَيَقْتُلُ، أَو يَعِينُ فيَقْتُل؛ أَي يُصِيبُ بالعَيْن. قال: وأَكْثَرُ مَا يُقَال في العَيْنِ. انْتَهَى. وكَذلِكَ: «مَا تَقومُ لَهُ رَابِضَةٌ»، وهُوَ مَثَلٌ، وعَجِيبٌ من المُصَنِّف تَرْكُه.

والرّابِضَةُ: العَاجِزُ عن مَعالِي الأُمورِ.

وفي الحَدِيث: «كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ» ‌أي كالغَنَمِ الرُّبَّضِ.

وصَبَّ الله عليه حُمَّى رَبِيضًا.

ويقال: أَقامَتِ امْرَأَةُ العِنِّينِ عِنْدَه رُبْضَتَهَا، بالضَّمِّ؛ أَي قَدْرَ ما عَلَيْهَا أَنْ تَرْبِضَ عِنْدَه، وهي سَنَةٌ، وهو مَجَاز.

ويقال: صدْتُ أَرْنَبًا رَبُوضًا؛ أَي بَارِكَةً.

ويقال: الْزَمُوا رَبَضَكُمْ، وهو مَسْكَنُ القَوْمِ على حِيَالِه، وهو مَجَازٌ.

ورِبَاضٌ ومُرَبِّضٌ ورَبَّاضٌ، ككِتَابٍ ومُحَدَّثٍ وشَدَّادٍ: أسماءٌ.

والرَّبَضُ، مُحَرِّكَةٌ: مَوْضِعٌ قبلَ قُرْطُبَةَ. وموضعٌ آخر مُتَّصِلٌ بقَصْرِ قُرْطُبَةَ، منه يُوسُفُ بنُ مَطْرُوحٍ الرَّبَضِيّ، تَفَقَّه على أَصحابِ مالِكٍ.

وقال ابْنُ الأَثِير: الرَّبَضُ: حَيٌّ من مَذْحِج.

والرَّبَضُ: اسمُ ما حَوْلَ الرَّقَّةِ. منه الحَسَنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمن الرَّبَضِيّ الرَّقِّيّ البَزَّاز، نقله السَّمْعانِيّ.

ومِنْ رَبَضِ أَصْبَهَانَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنْ عَلِيّ الرَّبَضِيُّ.

ومن رَبَضِ مَرْو: أَبُو بَكْرٍ، أَحْمَدُ بنُ بَكْرِ بنِ يُونُسَ الرَّبَضِيُّ المَرْوَزِيُّ.

ومن رَبَضِ بَغْدَادَ، أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ الضَّرِيرُ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


11-تاج العروس (فكه)

[فكه]: الفاكِهَةُ: الثَّمْرُ كُلُّهُ. هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: كُلُّ شَيْ‌ءٍ قَدْ سُمِّيَ مِن الثِّمَارِ في القُرْآنِ نَحْوَ التَّمْرِ والرُّمَّانِ فَإِنا لا نُسَمِّيه فاكِهَة، قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ فَاكِهَةً وَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ رُمَّانًا لَمْ يَحْنَثْ، وبه أَخَذَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ}.

وقال الرَّاغِبُ: وَكَأَنَّ قَائِلَ هذا القَوْلِ نَظَرَ إِلِى اخْتصاصِهِمَا بالذِّكْرِ وَعَطْفِهِمَا على الفاكِهَةِ في هذِهِ الآيَةِ.

وأَرَادَ المُصَنِّفَ رَدَّ هَذا الْقَوْلِ تِبْعًا لِلأَزْهَرِيِّ فَقَالَ: وَقَوْلُ مُخْرِجِ التَّمْرِ والعِنَبِ والرُّمَّانِ منهما مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ} بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا في كتابي اللَّامِعِ المُعْلَمِ العُجابِ في الجَمْعِ بين المُحْكَمِ والعُبَابِ.

وقد تَعَرَّض لِلْبَحْثِ الأَزْهَرِيُّ فَقَالَ: ما عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ العَرَبِ قَالَ: إِنَّ النَّخِيلَ والكُرُومَ ثِمَارُهَا لَيْسَتْ مِنَ الفَاكِهَةِ، وإِنَّما شَذَّ قَوْلُ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ في هذه المَسْأَلَةِ عَنْ أَقَاوِيلِ جَمَاعَةِ الفُقَهَاءِ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ كان بِكَلَامِ العَرَبِ وَعِلْمِ اللُّغَةِ وَتَأْوِيلِ القُرْآنِ العَرَبِيِّ المُبِين، والعَرَبُ تَذْكُرُ الأَشْيَاءَ جملةً ثم تخصُّ منها شَيْئًا بالتَّسْمِيَةِ تَنْبِيهًا على فَضْلٍ فيه. قَالَ اللهُ تَعَالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} فَمَنْ قَال: إِنْ جِبْريلَ وَمِيكَالَ لَيْسَا مِنَ المَلائِكَةِ لإِفْرَادِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمَا بالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ المَلَائِكَةِ جُمْلَةً فَهُوَ كَافِرٌ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ إِنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ والرُّمَّانِ لَيْسَ فَاكِهَة لإِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الفاكهة جُمْلَةً فَهُوَ جَاهِلٌ، وَهُوَ خِلَافِ المَعْقُولِ وَخِلَافُ لُغَةِ العَرَبِ، انْتَهَى.

وَرَحِمَ اللهُ الأَزْهَرِيُّ لَقَدْ تَحَامَلَ فِي هذِهِ المَسْأَلَةِ عَلَى الإِمَامِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَقَدْ كَانَ لَهُ فِي الذَّبِّ عَنْهُ مَنْدُوحَة ومهيع واسِع.

قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ تَعَرَّضَ الملا عَلَيَّ فِي النَّامُوسِ للجَوابِ فقالَ: هذا الاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ نَقْلًا وَعَقْلًا، فَأَمَّا النَّقْل فلأَنَّ العَطْفَ يَقْتَضِي المُغَايَرَة، وأَمَّا العَقْل فلأَنَّ الفَكِهَةَ ما يَتَفَكَّهُ به ويُتَلَذَّذُ من غَيْرِ قَصْدِ الغذاءِ أَوِ الدَّوَاءِ، ولا شَكَّ أَنَّ التَّمْرَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الغِذاءِ، والرُّمَّانِ من جُمْلَةِ أَصْنَافِ الدَّوَاءِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا: هذَا كَلَامٌ لَيْسَ فيه كَبِيرُ جَدْوَى، وَلَيْسَ لِمِثْلِ المُصَنِّفِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقْوَالِهِ الَّتِي بَنَاهَا عَلَى أُصُولٍ لَا مَعْرِفَةَ للمصنِّفِ بِها، ولا لِمِثْلِ القَارِئِ أَنْ يَتَصَدَّى لِلْجَوَابِ عَنْهَا بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ مِنَ الرأْي المَبْنِي على مُجَرَّدِ الحَدسِ.

وَلَوْ عُلِمَتْ أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، في ذَلِكَ وَأَدِلَّتُهُ لأَغْنَتْ وَأَقْنَتْ عَلَى أَنَّ التَّعَرُّضَ لِمِثْلِ هَذَا فِي مُصَنفاتِ اللُّغَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الفُضُولِ الزَّائِدَةِ عَلَى الأَبْوَابِ والفُصُولِ.

* قُلْتُ: وَقَدْ أَنْصَفَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَسَلَكَ الجَادَّةَ وَمَا اعْتَسَفَ، وإِنْ يَنْتَهُوا يَغْفِرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ.

والفَاكِهَانِيُّ بائِعُهَا.

قَالَ سِيْبَوَيْه: ولَا يُقَالُ لِبَائِعِ الفَاكِهَةِ فَكَّاهٌ كَمَا قالوا لَبَّان وَنَبَّال، لان هذا الضَّربَ إِنما هو سماعيٌّ، لا اطِّراديّ ورجُلٌ فَكِهٌ، كخَجَلٍ: آكِلُهَا، والفاكِهَةُ صاحِبُها وكلاهما على النَّسب الاخير كتامِرٍ ولابنٍ. وَقَالَ أَبُو مَعَاذٍ النَّحويُّ: الفاكِهُ الذي كَثُرَتْ فَاكِهَتُه.

وَفَكَّهَهُمْ تَفْكِيهًا: أَتَاهُمْ بِهَا.

والفَاكِهَةُ: النَّخْلَةُ المُعْجِبَةُ وفَاكِهَةُ: اسْمُ رَجُلٍ.

والفَاجِهَةُ: الحَلْوَاءُ عَلَى التَّشْبِيهِ.

ومِنَ المَجَازِ: فَكَّهَهُمْ بَمُلْحِ الْكَلَامِ تَفْكِيهًا: إِذَا أَطْرَفَهُمْ بِهَا، والاسْمُ الفَكِيهَةُ، كَسَفِينَةٍ، وَالفُكَاهَةُ، بالضَّمِّ، والمَصْدَرُ المُتَوَهَّم مِنْهُ الفِعْلُ هُوَ الفَكَاهَةُ، بالفَتْحِ.

وقَدْ فَكِهَ الرَّجُلُ، كَفَرِحَ فَكِهًا بِالتَّحْرِيكِ، وَفَكَاهَةً فهو فَكِهٌ وَفَاكِهٌ: أَيْ طَيِّبُ النَّفْسِ ضَحُوكٌ مَزَّاحٌ.

وَفِي الحَدِيثِ: «كَانَ مِنْ أَفْكَهَ النَّاسِ مَعَ صَبِيِّ.

وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «كَانَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ إِذا خَلَا مَع أَهْلِهِ.

أَو رَجُلٌ فَكِهٌ: يُحَدِّثُ صَحْبَهُ فَيُضْحِكُهُمْ.

وفَكِهَ مِنْهُ: تَعَجَّبَ، وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضٌ قَوْلَهُ تَعَالَى: فِي شُغُلِ فَكِهُونَ، كَتَفَكَّهَ. يُقَالُ: تَفَكَّهْنَا مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَيْ تَعَجَّبْنَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}، أَيْ تَتَعَجَّبُونَ مِمَّا نَزَلَ بِكُمْ فِي زَرْعِكُمْ. ومِنَ المَجَازِ: التفاكُهُ: التَّمَازُحُ.

وَفاكَهَهُ: مُفَاكَهَةً: مَازَحَهُ وَطَايَبَهُ.

وَفِي الْمَثَلِ: لَا تُفَاكِهْ أَمَة ولا تَبُلْ عَلَى أَكَمَة.

وَتَفَكَّهَ: تَنَدَّمَ؛ عَنْ ابنِ الأَعْرَابِيِّ؛ وَبِهِ فُسِّرَ أَيْضًا قَوْلُه تَعَالَى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} وَكَذَلِكَ تَفَكَّنُون، وَهِيَ لُغَةُ لُعْكُل.

وَقَالَ اللَّحْيَانِيُّ: أَزْدُ شَنُوءَة يَقُولُونَ: وَتَمِيمُ تقولُ: تَتَفَكَّنُونَ أَيْ تَتَنَدَّمُونَ.

وتَفَكَّهَ بِهِ: إِذَا تَمَتَّعَ وتَلَذَّذَ.

وتَفَكَّهَ: أَكَلَ الفَاكِهَةِ، ومِنْهُ الأَثَرِ: تَفَكَّهُوا قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ.

وتَفَكَّهَ: تَجَنَّبَ عَنِ الفَاكِهَةِ، فَهُوَ ضِدٌّ.

والأُفْكُوهَةُ: الأُعْجُوبَةُ، زِنَةً وَمَعْنىً. يُقالُ: جَاءَ فُلانٌ بِأُفْكُوهة وأُمْلُوحَة.

وَنَاقَةٌ مُفْكِهٌ، وهذه عَنِ اللَّيْثِ. وَمُفْكهَةٌ، كَمُحْسِنٍ وَمُحْسِنَةٍ: خَاثِرَةُ اللَّبَنِ.

وَفِي الصِّحَاحِ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَفْكَهَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَدَرَّتْ عِنْدَ أَكْلِ الرَّبِيعِ قَبْلَ النِّتَاجِ، فَهِيَ مُفْكِهٌ، انْتَهَى.

وَقِيلَ: هِيَ إِذَا رَأَيْتَ فِي لَبَنِهَا خُثُورَةً شِبْهَ اللِّبَإِ.

وَقِيلَ: الَّتِي يُهَرَاق لَبَنُهَا عِنْدَ النِّتَاجِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ.

وَقَالَ شَمِر: إِذَا أَقْرَبَتْ فَاسْتَرْخَى صَلَواها وَعَظُمَ ضَرْعُهَا وَدَنَا نِتَاجُهَا، قَالَ الأَحْوَصُ:

بَنِي عَمِّنَا لَا تَبْعَثُوا الْحَرْبَ إِنِّني *** أَرَى الحَرْبَ أَمْسَتْ مُفْكِهًا قَدْ أَصَنَّتِ

وَقَالَ غَيْرُهُ:

مُفْكِهَة أَدْنَتْ عَلَى رَأْسِ الوَلَدْ *** قَدْ أَقْرَبَتْ نَتْجًا وَحَانَ أَنْ تَلِدْ

وَفَكْهَةُ وَفُكَيْهَةُ، كَجُهَيْنَةَ: امْرَأَتَانِ، الأَخِيرَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَصْغِيرَ فَكِهَة التي هِيَ الطَّيِّبَةُ النَّفْسِ الضَّحُوكِ، وأَنْ تَكُونَ تَصْغِيرَ فَاكِهَةٍ مُرَخَّمًا؛ أَنْشَدَ سِيْبَوَيْه:

تَقُولُ إِذا اسْتَهْلَكْتُ مالًا لِلَّذَّةِ *** فُكَيْهَةُ هَشَّيْ‌ءٌ بِكَفَّيْكِ لَائِقُ

يُرِيدُ: هَلْ شَيْ‌ءٌ.

وَفَكِهَةِ: هِيَ بِنْتُ هنيِّ بْنِ بليِّ أُمّ عَبْدِ مَنَاة بنِ كِنَانَة بنِ خزيمَةَ.

وأَبُو فُكَيْهَة: صَحَابِيٌّ، واسْمُهُ يَسَارُ وَهُوَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ؛ كَمَا فِي الرَّوْضُ.

* قُلْتُ: أَسْلَمَ قَدِيمًا وَعُذِّبَ فِي اللهِ وَهَاجَرَ وَمَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ.

ومِنَ المَجَازِ: هو فَكِهٌ بِأَعْرَاضِ النَّاسِ، كَكَتِفٍ: أَيْ يَتَلَذَّذُ بِاغْتِيَابِهِمْ.

وفِي الأَسَاسِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}؛ تَهَكُّم، أَيْ تَجْعَلُونَ فَاكِهَتُكُم قَوْلَكُمْ هُنَا تَنَاوُلُ الفَاكِهَةِ غَيْرَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ.

أو تَفَكَّهَ هُنَا بِمَعْنَى: أَلْقَى الفَاكِهَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَتَجَنَّبَ عَنْهَا، قَالَهُ ابنْ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلْيِهِ:

رَجُلٌ فَيْكَهَان: طَيِّبُ النَّفْسِ مَزَّاحٌ، عَن أَبِي زَيْدٍ، وأَنْشَدَ:

إِذَا فَيْكَهَانٌ ذو مُلاءٍ ولِمَّةٍ *** قَلِيلُ الأَذَى فِيما يُرَى النَّاسُ مُسْلِمُ.

وَنِسْوَةٌ فَكِهاتٌ: طَيِّبَاتُ النُّفُوسِ.

وَتَفَكَّهَ: تَعَاطَى الفَكَاهَةَ، وأَيْضًا: تَنَاوَلَ الفَاكِهَةَ، هذا تَعْبِيرُ الرَّاغِبِ، وهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا عَبره المُصَنِّفُ. وَتَرَكْتُ القَوْمَ يَتَفَكَّهُونَ بِفلانٍ: أَيْ يَغْتَابُونَهُ وَيَنَالُونَ مِنْهُ؛ ومنه الحدِيثُ: أَرْبَعَ لَيْسَ غَيْبَهنَّ يِغَيْبَةٍ مِنْهُم المُتَفَكِّهُونَ بالأُمَّهَاتِ، هُمْ الذين يَشْتُمونَهُنَّ مُمَازِحِينَ.

والفاكِهُ: النَّاعِمُ.

والفَكِهُ: المُعْجَبُ؛ وأَيْضًا: الأَشِرُ البَطِرُ.

وَفَكيهةُ: أَرْبَعُ صَحَابِيَّاتٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُنَّ.

والفَاكِهُ ابنُ المُغَيْرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ المَخْزُومِيُّ عَمُّ خَالِدِ ابْنِ الوَلَيدِ، نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ.

قَالَ الزُّبَيْر: انْقَرَضَ وَلَدُهُ.

وَفِي كِنَانَةَ: الفَاكِهُ بْنُ عَمْرُو بنِ الحَرِثِ بنِ مَالِكِ ابنِ كِنَانَة، مِنْهُمْ: محمدُ بْنُ إِسْحَق المَكِّيُّ. رَوَى عَنْهُ محمدُ ابْنُ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ العمانيُّ، وَمُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ كَثِيرِ ابنِ بَشيرِ بنِ الفَاكِهِ الأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ المدنيُّ الفاكِهِيُّ إِلَى جَدِّهِ المَذْكُور، من شُيُوخِ عليِّ بن المَدِينِي.

وأَمَّا أَبُو عَمَّار زِيَادُ بنُ مَيْمُون الفَاكِهِيُّ فَإِلَى بَيْعِ الفَاكِهَةِ، رَوَى عَنْ أَنَس، وَهُوَ كَذَّابٌ.

والمُسَمَّى بالفَاكِهِ خَمْسَة مِنَ الصَّحَابَةِ؛ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


12-تاج العروس (خفي)

[خفي]: ي خَفاهُ يَخْفِيه خَفيًا، بفتْحٍ فسكونٍ، وخُفِيًّا، كعُتِيِّ: أَظْهَرَهُ؛ وهو مِن الأَضْدَادِ.

يقالُ: خَفَى المطرُ الفِئْرانَ إذا أَخَرَجَهُنَّ من أَنْفاقِهِنَّ؛ أَي من جَحِرَتِهِنَّ؛ قالَ امْرؤُ القَيْسِ يَصِفُ فَرَسًا:

خَفاهُنَّ من أَنْفاقِهنَّ كأَنَّما *** خَفاهُنَّ وَدْقٌ من سَحَابٍ مُرَكَّبِ

ويُرْوَى: من عَشِيِّ مُجَلَّبِ.

وأَنْشَدَ اللحْيانيُّ لامْرئِ القَيْسِ بنِ عابسٍ:

فإنْ تَكْتُمُوا الشّرَّ لا نَخْفِه *** وإن تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ

قوْلُه: لا نَخْفِه أَي لا تُظْهِرْه.

وقُرِئ قوْله تعالى: إِنَّ الساعَةَ آتِية أَكادُ أَخْفِيها؛ أَي أُظْهِرُها؛ حَكَاهُ اللحْيانيُّ عن الكِسائي عن محمدِ بن سهل عن سعيدِ بن جبيرٍ.

ونقلَ ذلكَ عن الأَخْفَش أَيْضًا، وبه فُسِّر أَيْضًا حدِيثُ: «كانَ يَخْفي صَوْتَه بآمِيْن»؛ فيمَنْ ضَبَطَه بفتْحِ الياءِ أَي يظهر.

وخَفَاهُ يَخْفِيه: اسْتَخْرَجَهُ؛ كاخْتَفاهُ، وهو افْتَعَل منه؛ قالَ الشاعِرُ:

فاعْصَوْصَبُوا ثم جَسُّوهُ بأَعْيُنِهِمْ *** ثم اخْتَفَوْهُ وقَرْنُ الشَّمسِ قد زالا

ومنه الحدِيثُ: «ما لم تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَو تَخْتَفُوا بَقْلًا»؛ أَي تُظْهِرُونَه؛ ويُرْوَى بالجيمِ وبالحاءِ، وقد تقدَّم في موْضِعِه.

وخَفِيَ عليه الأَمْرُ، كرَضِيَ، يَخْفَى خَفاءً بالمدِّ، فهو خافٍ وخَفِيٌّ، كغَنِيِّ: لم يَظْهَرْ.

وخَفاهُ هو وأَخْفاهُ: سَتَرَهُ وكَتَمَهُ وفي القُرْآن: {إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ}.

وقوله تعالى: {أَكادُ أُخْفِيها}؛ أَي أَسْتُرُها وأُوارِيها.

قالَ اللحْيانيُّ: وهي قراءَةُ العامَّةِ.

وفي حَرْف أُبيِّ: أَكادُ أُخفِيها من نفْسِي.

وقالَ الفرَّاءُ: {أَكادُ أُخْفِيها} في التَّفْسيرِ من نفْسِي فكيفَ أُطْلِعُكُم عليها.

وقالَ ابنُ برِّي: قالَ أَبو عليِّ القالي: خَفَيْتُ أَظْهَرْت لا غَيْر، وأَمَّا أَخْفَيْت فيكونُ للأَمْرَيْن، وغَلَّطَ الأَصْمعيّ وأَبا عُبيدِ القاسمَ بنَ سلام.

والخافِيَةُ: ضِدُّ العلانِيَةِ.

وأَيْضًا: الشَّي‌ءُ الخَفِيُّ؛ كالخافِي والخَفَا، بالقَصْرِ، قالَ الشاعِرُ:

وعالِمِ السِّر وعالِمِ الخَفَا *** لقد مَدَدْنا أَيْدِيًا بَعْدَ الرَّجا

وقالَ أُميَّةُ:

وتنسجه الطَّيْرُ الكوامِنُ في الخَفا *** وإذْ هي في جوِّ السَّماءِ تَصَعَّدُ

وأَما الخَفاءُ، بالمدِّ: فهو ما خَفِيَ عليك.

ويقالُ: خَفِيتُ له، كرَضِيتُ، خُفْيَةً، بالضَّمِّ والكسْرِ: أَي اخْتَفَيْتُ.

قالَ اللَّحْيانيُّ: حُكِي ذلكَ.

ويقالُ: يأْكُلُهُ خِفْوَةً، بالكسْرِ؛ أَي يَسْرِقُه، وهو على المُعاقَبَةِ مِن خَفْيَةٍ كما تقدَّمَ، وأَنْشَدَ ثَعْلَب:

وهُنَّ الأُلى يأْكُلْنَ زادَكَ خِفْوَةً *** وهَمْسًا ويُوطِئْنَ السُّرى كُلَّ خابِطِ

يقولُ: يَسْرِقْنَ زادَكَ فإذا رأَيْنَكَ تَموتُ تَركْنَك.

واخْتَفَى منه: اسْتَتَرَ وتَوارَى، كأَخْفَى؛ وهذه عن ابنِ الأعرابيّ، واسْتَخْفَى.

قالَ الجَوهرِيُّ: واسْتَخْفَيْتُ منك أَي تَوارَيْتُ، ولا تَقُلْ اخْتَفَيْت.

قالَ ابنُ برِّي: حكَى الفرَّاءُ أَنَّه قد جاءَ اخْتَفَيْت؛ وأَنْشَدَ:

أَصْبَحَ الثَّعْلَبُ يَسْمُو للعُلا *** واخْتَفَى من شِدَّةِ الخَوْفِ الأَسَدْ

فهو على هذا مُطاوَعُ أَخْفَيْته فاخْتَفَى، كما تقولُ أَحْرَقْته فاحْتَرَقَ؛ ومنه قوْلُه تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ}.

وقالَ الفرَّاءُ في قوْلِه تعالى: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ}؛ أَي مُسْتَتِر.

وقالَ اللَّيْثُ: أَخْفَيْتُ الصوتَ فأَنا أُخْفِيه إخْفاءً، وفِعْلُه اللازِمُ اخْتَفَى.

قالَ الأزهرِيُّ: الأَكْثَر اسْتَخْفى لا اخْتَفَى، واخْتَفَى لغَةٌ ليسَتْ بالعالِيَةِ. وقالَ في موضِعٍ آخَر: أَمَّا اخْتَفَى بمعْنَى خَفِيَ فهي لُغَةٌ وليسَتْ بالعالِيَةِ ولا بالمُنْكَرة.

واخْتَفَى دَمَهُ؛ قَتَلَه من غيرِ أَنْ يُعْلَمَ به؛ ومنه قوْلُ الغَنَوِيّ لأبي العالِيَه: إنَّ بنِي عامِرٍ أَرادُوا أَن يَخْتَفُوا دَمِي.

والنُّونُ الخَفِيَّةُ: هي السَّاكنَةُ؛ ويقالُ لها: الخَفِيفَةُ أَيْضًا.

وأَخْفِيَةُ النَّوْرِ: أَكِمَّتُه، جَمْعُ كِمامٍ، واحِدُها خِفاءٌ.

وأَخْفِيَةُ الكَرَا*: الأَعْيُنُ؛ قالَ:

لَقَدْ عَلِم الأَيْقاظُ أَخْفِيَةَ الكَرَا *** تَزَجُّجَها من حالِكٍ واكْتِحالَها

والخافِي والخافِيَةُ والخافِياءُ: الجِنُّ، الجمع: خَوافٍ.

حكَى اللِّحْيانيُّ: أَصَابَها رِيحٌ مِن الخافِي؛ أَي من الجِنِّ. وحكَى عن العَرَبِ أَيْضًا: أَصابَه رِيحٌ مِن الخوافِي؛ قالَ: هو جَمْعُ الخافِي الذي هو الجِنُّ.

وفي الصِّحاحِ: قالَ الأصمعيُّ: الخافِي الجِنُّ؛ قالَ أَعْشى باهِلَةَ:

يَمْشِي ببَيْداءَ لا يَمْشِي بها أَحَدٌ *** ولا يُحَسُّ من الخافِي بها أَثَرُ

وفي الحدِيثِ: «إنَّ الخزاءَةَ يَشْرَبُها أَكايس النِّساء من الخافِيَةِ»، وإنَّما سُمُّوا الجِنّ بذلكَ لاسْتِتارِهم مِن الأَبْصارِ.

وفي الحدِيثِ: «لا تُحْدِثُوا في القَرَعِ فإنَّه مُصَلَّى الخَافِين؛ أَي الجِنّ؛ والقَرَعُ، محرّكةً: قِطعٌ من الأرضِ بَيْنَ الكَلأِ لا نَباتَ بها.

وأَرضٌ خافِيَةٌ: بها جِنٌّ؛ قالَ المرَّارُ الفَقْعسيُّ:

إليك عَسَفْتُ خافِيَةً وإِنْسًا *** وغِيطانًا بها للرَّكْبِ غُولُ

والخَوافِي: رِيشاتٌ إذا ضَمَّ الطَّائِرُ جَناحَيْه خَفِيَتْ؛ أَو هي الرِّيشاتُ الأَرْبَعُ اللَّواتِي بعد المَناكِبِ؛ نَقَلَهُ اللَّحْيانيُّ: والقَوْلان مُقْترِبانِ.

أَو هي سَبْعُ رِيشاتٍ يَكُنَّ في الجَناحِ بعدَ السَّبْعِ المُقَدَّماتِ؛ هكذا وَقَعَ في الحكايَةِ عن ابنِ جَبَلة.

وإنَّما حكَى الناسُ: أَرْبعٌ قَوادِمُ وأَرْبعٌ خَوافٍ، واحِدَتُها خافِيَةٌ.

ونَقَلَ الجَوهرِيُّ عن الأَصْمعيّ: هنَّ ما دونَ الرِّيشاتِ العَشْر من مُقَدَّمِ الجَناحِ. ومنه حدِيثُ مدينَةِ قَوْم لُوطٍ: «إنَّ جِبْريل حَمَلَها على خَوافِي جَناح»؛ وهي الرِّيشُ الصِّغارُ التي في جَناحِ الطائِرِ.

وفي حدِيثِ أَبي سُفْيان: «ومعي خَنْجَرٌ مثلُ خافِيَة النَّسْرِ»؛ يريدُ أنَّه صَغيرٌ.

والخِفَاءُ، كالكِساءِ، لَفْظًا ومَعْنًى، سُمِّي به لأنَّه يُلقْى على السِّقاءِ فيخْفِيه.

وقالَ اللَّيْثُ: هو رِداءٌ تَلْبَسُه المرْأَةُ فوْقَ ثيابِها، وكلّ شي‌ءٍ غَطَّيْته بشي‌ءٍ من كِساءٍ أَو نَحْوه فهو خِفاؤه، الجمع: أَخْفِيَةٌ؛ ومنه قوْلُ ذي الرُّمَّة:

عليه زادٌ وأَهْدامٌ وأَخْفِيَة *** قد كادَ يَجْتَرُّها عن ظَهْرِه الحَقَبُ

وقالَ الكُمَيْت، يذمُّ قوْمًا وأَنَّهم لا يَبْرَحونَ بيوتَهم ولا يحضرونَ الحَرْب:

ففي تِلكَ أَحْلاسُ البُيوتِ لوَاصِفٌ *** وأَخْفِيَةٌ ما هُمْ تُجَرُّ وتُسْحَبُ

والخَفِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: الرَّكِيَّةُ القَعِيرَةُ لخَفاءِ مائِها.

وقيلَ: بئْرٌ كانتْ عادِيَّةً فانْدَفَنَتْ ثم حُفِرَتْ، والجَمْعُ الخَفَايا والخَفِيَّات.

وفي الصِّحاحِ: قال ابنُ السِّكِّيت: وكلُّ رَكِيَّة كانتْ حُفِرَتْ ثم تُرِكَتْ حتى انْدَفَنَتْ ثم احْتَفَرُوها ونَثَلُوها فهي خَفِيَّةٌ.

وقالَ أَبو عبيدٍ: لأنَّها اسْتُخْرجت وأظهرت.

والخَفِيَّةُ أَيْضًا: الغَيْضَةُ المُلْتَفَّةُ يَتَّخِذُها الأَسَدُ عِرِّيسَتَه وهي خَفِيّته؛ قالَ الشَّاعِرُ:

أُسودُ شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ *** تَسَاقَيْنَ سُمًّا كُلُّهُنَّ خَوادِرُ

وقيلَ: خَفِيَّةُ وشَرىً اسْمانِ لموْضِع عَلَمانِ؛ قالَ:

ونحنُ قَتَلْنا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ *** فما شَرِبُوا بَعْدًا عَلَى لَذَّةٍ خَمْرَا

وفي الصِّحاحِ: وقَوْلُهم أُسُودُ خَفِيَّةٍ كقَوْلهم أُسُود حلْيَةٍ، وهُما مَأْسَدَتانِ.

قالَ ابنُ برِّي: السماع أُسُود خَفِيَّةٍ، والصَّوابُ خَفِيَّةَ، غَيْر مَصْرُوف، وإِنَّما يُصْرَفُ في الشِّعْرِ.

ويقالُ: به خَفِيَّةٌ، أَي: لَمَمٌ ومَسٌّ؛ نَقَلَهُ الجَوهرِيُّ عن ابنِ مناذر.

وقَوْلُهم: بَرِحَ الخفاءُ؛ أَي وَضَحَ الأَمْرُ؛ كما في الصِّحاحِ؛ وذلكَ إذا ظَهَرَ وصارَ في بَراحٍ؛ أَي في أَمْرٍ مُنْكَشفٍ.

وقيلَ: بَرِحَ الخَفاءُ أَي زالَ الخفاءُ، والأوّل أَجْودُ.

وقالَ بعضُهم: الخَفاءُ هنا السِّرُّ فيقولُ ظَهَرَ السِّرُّ.

قالَ يَعْقوبُ: وقالَ بعضُ العَرَبِ: إذا حَسُنَ من المرْأَةِ خَفِيَّاها حَسُنَ سائِرُها، يعني صَوْتَها وأَثَرَ وَطْئِها الأرْضَ؛ وفي بعضِ نسخِ الصِّحاحِ: في الأَرْضِ؛ لأنَّها إذا كانتْ رَخِيمَة الصوْتِ دلَّ ذلكَ على خَفَرِها، وإذا كانتْ مُتقارِبَة الخُطا وتَمَكَّنَ أَثَرَ وَطْئِها في الأرْضِ دلَّ على أنَّ لَها أَرْدافًا وأَوْراكًا.

والمُخْتَفِي: النَّبَّاشُ لاسْتِخْراجِه أَكْفانَ المَوْتَى، لُغَةُ أَهْلِ المدينَةِ.

وقيلَ: هو مِن الاسْتِتارِ والاخْتِفاءِ لأنَّه يَسْرُق في خُفْيةٍ.

وفي الحدِيثِ: «ليسَ على المخْتَفِي قَطْعٌ».

وفي آخرَ: «لَعَنَ المُخْتَفِيَ والمُخْتَفِيَةَ».

وفي آخرَ: «مَن اخْتَفَى مَيِّتًا فكأنَّما قَتَله».

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

اليدُ المُسْتَخْفيةُ: يدُ السارِقِ والنَّبَّاشِ؛ ومنه قوْلُ عليِّ ابنِ رَباحِ: السُّنَّة أنْ تُقْطَعَ اليدُ المُسْتَخْفِيَة ولا تُقْطَعَ اليدُ المُسْتَعْليَةُ، يريدُ باليدِ المُسْتَعْلِيَة يَدَ الغاصِبِ والناهِبِ ومَنْ في معْناهما.

وأَخْفاهُ: أَزالَ خَفاءَهُ؛ وبه فَسَّرَ ابنُ جنِّي قوْلَه تعالى: {أَكادُ أُخْفِيها}؛ أَي أُزيلُ خَفاءَها؛ أَي غَطاءَها، كما تقولُ: أَشْكَيْته إذا أَزَلْته عمَّا يَشْكوه.

ونَقَلَهُ الجَوهرِيُّ أَيْضًا.

ولَقِيته خَفِيًّا، كغَنِيِّ: أَي سرًّا.

وقوْلُه تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}؛ أَي خاضِعِيْنَ مُتَعَبِّدين؛ وقيلَ: أَي اعْتَقِدُوا عِبادَتَه في أَنْفُسِكم لأنَّ الدّعاءَ مَعْناه العِبادَة؛ هذا قَوْلُ الزجَّاج.

وقالَ ثَعْلَب: هو أن تَذْكرَهُ في نفْسِك.

وقالَ اللّحْيانيُّ: خُفْية في خَفْضٍ وسُكونٍ، وتَضَرُّعًا تَمَسْكُنًا.

وقالَ الأَخْفَش: المُسْتَخْفي الظاهِرُ؛ وبه فَسّر قَوْله تعالى: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ}.

وخَطَّأَهُ الأَزْهرِيُّ.

والخَفِيُّ، كغَنِيِّ: هو المُعْتَزلُ عن الناسِ الذي يَخْفَى عليهم مَكانُه؛ وبه فُسِّر الحدِيثُ: «إنَّ اللهَ يحبُّ العَبدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَّ».

وفي حدِيثِ الهُجْرة: «أَخْفِ عنَّا خَبَرَك»؛ أَي اسْتُر الخَبَرَ لمَنْ سأَلَكَ عنَّا.

والخافِي: الإنْسَ؛ فهو ضِدٌّ.

والخافِيَةُ: ما يَخْفى في البَدَنِ من الجِنِّ؛ نَقَلَهُ الجوهري عن ابنِ مناذر.

والخوافِي: من سَعَفِ النَّخْلِ ما دونَ القِلَبة؛ نَقَلَهُ الجوهرِيُّ، وهي نَجْديَّةٌ؛ وبلُغَةِ الحجاز: العَوَاهِنُ.

وخَفَى البَرْقُ يَخْفى كرَمَى يَرْمي، وخَفِيَ يَخْفى كرَضِيَ يَرضى، خَفْيًا فيهما؛ الأخيرَةُ عن كُراعٍ؛ إذا بَرَقَ بَرْقًا ضَعِيفًا مُعْتَرِضًا في نواحِي الغَيْم.

ورجُلٌ خَفِيُّ البَطْنِ: ضامِرُه؛ عن ابنِ الأعرابيِّ؛ وأَنْشَدَ:

فقامَ فأَدْنَى مِن وِسادِي وِسادَهُ *** خَفِي البَطْنِ مَمْشُوقُ القَوائِمِ شَوْذَبُ

والخَفاءُ كسَماءٍ: المُتَطَأطِئُ مِن الأرضِ.

وتَخَفَّى: مثْلُ اخْتَفَى؛ نَقَلَه الزَّمخشريُّ.

والمختفى: لَقَبُ أَحمدَ بنِ عيسَى بنِ زيْدٍ الشَّهيد.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


13-لسان العرب (عود)

عود: فِي صِفَاتِ اللَّهِ تعالى: {المبدِئُ المعِيدُ}؛ قَالَ الأَزهري: بَدَأَ اللَّهُ الخلقَ إِحياءً ثُمَّ يميتُهم ثُمَّ يعيدُهم أَحياءً كَمَا كَانُوا.

قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}.

وَقَالَ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى الَّذِي يُعِيدُ الْخَلْقَ بَعْدَ الْحَيَاةِ إِلى المماتِ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ المماتِ إِلى الحياةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ النَّكَلَ عَلَى النَّكَلِ، قِيلَ: وَمَا النَّكَلُ عَلَى النَّكَلِ؟ قَالَ: الرَّجُلُ القَوِيُّ المُجَرِّبُ المبدئُ المعيدُ عَلَى الْفَرَسِ القَوِيِّ المُجَرّبِ المبدِئ المعيدِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُهُ الْمُبْدِئُ المعِيدُ هُوَ الَّذِي قَدْ أَبْدَأَ فِي غَزْوِهِ وأَعاد أَي غَزَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وجرَّب الأُمور طَوْرًا بَعْدَ طَوْر، وأَعاد فِيهَا وأَبْدَأَ، والفرسُ المبدئُ المعِيدُ هُوَ الَّذِي قَدْ رِيضَ وأُدِّبَ وذُلِّلَ، فَهُوَ طَوْعُ راكبِهِ وفارِسِه، يُصَرِّفه كَيْفَ شَاءَ لِطَواعِيَتِه وذُلِّه، وأَنه لَا يَسْتَصْعِبُ عَلَيْهِ وَلَا يمْنَعُه رِكابَه وَلَا يَجْمَحُ بِهِ؛ وَقِيلَ: الْفَرَسُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الَّذِي قَدْ غَزَا عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ لَيْلٌ نائِمٌ إِذا نِيمَ فِيهِ وسِرٌّ كَاتِمٌ قَدْ كَتَمُوهُ.

وَقَالَ شِمْرٌ: رَجُلٌ مُعِيدٌ أَي حَاذِقٌ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

عَوْمُ المُعِيدِ إِلى الرَّجا قَذَفَتْ بِهِ ***فِي اللُّجِّ داوِيَةُ المَكانِ، جَمُومُ

والمُعِيدُ مِنَ الرجالِ: العالِمُ بالأُمور الَّذِي لَيْسَ بغُمْرٍ؛ وأَنشد:

كَمَا يَتْبَعُ العَوْد المُعِيد السَّلائِب

وَالْعَوْدُ ثَانِي الْبَدْءِ؛ قَالَ:

بَدَأْتُمْ فأَحْسَنْتُمْ فأَثْنَيْتُ جاهِدًا، ***فإِنْ عُدْتُمُ أَثْنَيْتُ، والعَوْدُ أَحْمَدُ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَعَادَ إِليه يَعُودُ عَوْدَةً وعَوْدًا: رَجَعَ.

وَفِي الْمَثَلِ: العَوْدُ أَحمدُ؛ وأَنشد لِمَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ:

جَزَيْنا بَنِي شَيْبانَ أَمْسِ بِقَرْضِهِمْ، ***وجِئْنا بِمِثْلِ البَدْءِ، والعَوْدُ أَحمدُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: وعُدْنا بِمِثْلِ البَدْءِ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ هُوَ فِي شِعْرِهِ، أَلا تَرَى إِلى قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْبَيْتِ: وَالْعَوْدُ أَحمد؟ وَقَدْ عَادَ لَهُ بعد ما كَانَ أَعرَضَ عَنْهُ؛ وَعَادَ إِليه وَعَلَيْهِ عَوْدًا وعِيادًا وأَعاده هُوَ، وَاللَّهُ يبدِئُ الْخَلْقَ ثُمَّ يعيدُه، مِنْ ذَلِكَ.

وَاسْتَعَادَهُ إِياه: سأَله إِعادَتَه.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَتَقُولُ رَجَعَ عَوْدُه عَلَى بَدْئِه؛ تُرِيدُ أَنه لَمْ يَقْطَعْ ذَهابَه حَتَّى وَصَلَهُ بِرُجُوعِهِ، إِنما أَردْتَ أَنه رَجَعَ فِي حافِرَتِه أَي نَقَضَ مَجِيئَه بِرُجُوعِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَن يَقْطَعَ مَجِيئَهُ ثُمَّ يرجع فتقول: رجَعْتُ عَوْدي عَلَى بَدْئي أَي رجَعْتُ كَمَاجِئْتُ، فالمَجِيءُ مَوْصُولٌ بِهِ الرجوعُ، فَهُوَ بَدْءٌ والرجوعُ عَوْدٌ؛ انْتَهَى كَلَامُ سِيبَوَيْهِ.

وَحَكَى بَعْضُهُمْ: رَجَعَ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ مِنْ غَيْرِ إِضافة.

وَلَكَ العَوْدُ والعَوْدَةُ والعُوادَةُ أَي لَكَ أَن تعودَ فِي هَذَا الأَمر؛ كُلُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

قَالَ الأَزهري: قَالَ بَعْضُهُمْ: العَوْد تَثْنِيَةُ الأَمر عَوْدًا بَعْدَ بَدْءٍ.

يُقَالُ: بَدَأَ ثُمَّ عَادَ، والعَوْدَةُ عَوْدَةُ مرةٍ واحدةٍ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ}؛ يَقُولُ: لَيْسَ بَعْثُكم بأَشَدَّ مِنَ ابتِدائِكم، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَعُودون أَشقِياءَ وسُعداءَ كَمَا ابْتَدأَ فِطْرَتَكُم فِي سَابِقِ عِلْمِهِ، وَحِينَ أَمَرَ بنفْخِ الرُّوحِ فِيهِمْ وَهُمْ فِي أَرحام أُمهاتهم.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يَصْلُحُ فِيهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ يَعُودُونَ إِلى مَا قَالُوا وَفِيمَا قَالُوا، يُرِيدُ النِّكَاحَ وكلٌّ صوابٌ؛ يُرِيدُ يَرْجِعُونَ عَمَّا قَالُوا، وَفِي نَقْض مَا قَالُوا قَالَ: وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَن تَقُولَ: إِن عَادَ لِمَا فَعَلَ، تُرِيدُ إِن فَعَلَهُ مَرَّةً أُخرى.

وَيَجُوزُ: إِن عَادَ لِمَا فَعَلَ، إِن نَقَضَ مَا فَعَلَ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: حَلَفَ أَن يَضْرِبَكَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: حَلَفَ لَا يَضْرِبُكَ وَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّكَ؛ وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا إِنا لَا نَفْعَلُهُ فَيَفْعَلُونَهُ يَعْنِي الظِّهَارَ، فإِذا أَعتق رَقَبَةً عَادَ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ إِنه عَلَيَّ حَرَامٌ فَفَعَلَهُ.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: يَعُودُونَ لِما قالُوا، لِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمُوا فَقَدْ عَادُوا فِيهِ.

وَرَوَى الزَّجَّاجُ عَنِ الأَخفش أَنه جَعَلَ لِمَا قَالُوا مِنْ صِلَةِ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ ثُمَّ يَعُودُونَ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِمَا قَالُوا، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبٌ حَسَنٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، يَقُولُ: إِذا ظَاهَرَ مِنْهَا فَهُوَ تَحْرِيمٌ كَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ وَحُرِّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ تَحْرِيمَ النِّسَاءِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فإِن أَتْبَعَ المُظاهِرُ الظِّهارَ طَلَاقًا، فَهُوَ تَحْرِيمُ أَهل الإِسلام وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وإِن لَمْ يُتْبِع الظِّهَارَ طَلَاقًا فَقَدْ عَادَ لِمَا حَرَّمَ وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ عُقُوبَةً لِمَا قَالَ؛ قَالَ: وَكَانَ تَحْرِيمُهُ إِياها بِالظِّهَارِ قَوْلًا فإِذا لَمْ يُطَلِّقْهَا فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ مِنَ التَّحْرِيمِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذا أَراد الْعَوْدَ إِليها والإِقامة عَلَيْهَا، مَسَّ أَو لَمْ يَمَسَّ، كَفَّر.

قَالَ اللَّيْثُ: يَقُولُ هَذَا الأَمر أَعْوَدُ عَلَيْكَ أَي أَرفق بِكَ وأَنفع لأَنه يَعُودُ عَلَيْكَ بِرِفْقٍ وَيُسْرٍ.

والعائدَةُ: اسْمُ مَا عادَ بِهِ عَلَيْكَ الْمُفْضِلُ مِنْ صِلَةٍ أَو فَضْلٍ، وَجَمْعُهُ الْعَوَائِدُ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْعَائِدَةُ المعروفُ والصِّلةُ يُعَادُ بِهِ عَلَى الإِنسان والعَطْفُ والمنْفَعَةُ.

والعُوادَةُ، بِالضَّمِّ: مَا أُعيد عَلَى الرَّجُلِ مِنْ طَعَامٍ يُخَصُّ بِهِ بَعْدَمَا يفرُغُ الْقَوْمُ؛ قَالَ الأَزهري: إِذا حَذَفْتَ الْهَاءَ قُلْتَ عَوادٌ كَمَا قَالُوا أَكامٌ ولمَاظٌ وقَضامٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العُوادُ، بِالضَّمِّ، مَا أُعيد مِنَ الطعام بعد ما أُكِلَ مِنْهُ مَرَّةً.

وعَوادِ: بِمَعْنَى عُدْ مِثْلُ نَزالِ وتَراكِ.

وَيُقَالُ أَيضًا: عُدْ إِلينا فإِن لَكَ عِنْدَنَا عَوادًا حَسَنًا، بِالْفَتْحِ، أَي مَا تُحِبُّ، وَقِيلَ: أَي بِرًّا وَلُطْفًا.

وَفُلَانٌ ذُو صَفْحٍ وَعَائِدَةٍ أَي ذُو عَفْوٍ وَتَعَطُّفٍ.

والعَوادُ: البِرُّ واللُّطْف.

وَيُقَالُ لِلطَّرِيقِ الَّذِي أَعاد فِيهِ السَّفَرَ وأَبدأَ: مُعِيدٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ يَصِفُ الإِبل السَّائِرَةَ:

يُصْبِحْنَ بالخَبْتِ، يَجْتَبْنَ النِّعافَ عَلَى ***أَصْلابِ هادٍ مُعِيدٍ، لابِسِ القَتَمِ

أَراد بِالْهَادِي الطريقَ الَّذِي يُهْتَدى إِليه، وبالمُعِيدِ الَّذِي لُحِبَ.

والعادَةُ: الدَّيْدَنُ يُعادُ إِليه، مَعْرُوفَةٌ وَجَمْعُهَا عادٌ وعاداتٌ وعِيدٌ؛ الأَخيرةُ عَنْ كُرَاعٍ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، إِنما العِيدُ مَا عَادَ إِليك مِنَ الشَّوْقِوَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ وَسَنَذْكُرُهُ.

وتَعَوَّدَ الشيءَ وعادَه وعاوَدَه مُعاوَدَةً وعِوادًا واعتادَه وَاسْتَعَادَهُ وأَعادَه أَي صَارَ عادَةً لَهُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

لَمْ تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِنْدي، ***والفَتى آلِفٌ لِما يَسْتَعِيدُ

وَقَالَ:

تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخْلاقِ، إِني ***رأَيتُ المَرْءَ يَأْلَفُ مَا اسْتَعادا

وَقَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ الذِّئَابَ:

إِلَّا عَواسِلَ، كالمِراطِ، مُعِيدَةً ***باللَّيْلِ مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ

أَي وَرَدَتْ مَرَّاتٍ فَلَيْسَ تُنْكِرُ الْوُرُودَ.

وعاوَدَ فلانٌ مَا كَانَ فِيهِ، فَهُوَ مُعاوِدٌ.

وعاوَدَتْه الحُمَّى وعاوَدَهُ بالمسأَلة أَي سأَله مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، وعَوَّدَ كَلْبَهُ الصيْدَ فَتَعَوّده؛ وَعَوَّدَهُ الشيءَ: جَعَلَهُ يَعْتَادُهُ.

والمُعاوِدُ: المُواظِبُ، وَهُوَ مِنْهُ.

قَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ المواظبِ عَلَى أَمْرٍ: معاوِدٌ.

وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: الْزَمُوا تُقى اللَّهِ واسْتَعِيدُوها أَي تَعَوَّدُوها.

واسْتَعَدْتُه الشَّيْءَ فأَعادَه إِذا سأَلتَه أَن يَفْعَلَهُ ثَانِيًا.

والمُعاوَدَةُ: الرُّجُوعُ إِلى الأَمر الأَول؛ يُقَالُ لِلشُّجَاعِ: بطَلٌ مُعاوِدٌ لأَنه لَا يَمَلُّ المِراسَ.

وتعاوَدَ القومُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا إِذا عَادَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلى صَاحِبِهِ.

وَبَطَلٌ مُعاوِد: عَائِدٌ.

والمَعادُ: المَصِيرُ والمَرْجِعُ، وَالْآخِرَةُ: مَعادُ الخلقِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمَعَادُ الآخرةُ وَالْحَجُّ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ}؛ يَعْنِي إِلى مَكَّةَ، عِدَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يَفْتَحَهَا لَهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِلى مَعَادٍ حَيْثُ وُلِدْتَ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ يَرُدُّكَ إِلى وَطَنِكَ وَبَلَدِكَ؛ وَذَكَرُوا أَن جِبْرِيلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَقْتَ إِلى مَوْلِدِكَ وَوَطَنِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ؛ قَالَ: والمَعادُ هَاهُنَا إِلى عادَتِك حَيْثُ وُلِدْتَ وَلَيْسَ مِنَ العَوْدِ، وَقَدْ يَكُونُ أَن يُجْعَلَ قَوْلُهُ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍلَمُصَيِّرُكَ إِلى أَن تَعُودَ إِلى مَكَّةَ مَفْتُوحَةً لَكَ، فَيَكُونُ المَعادُ تَعَجُّبًا إِلى معادٍ أَيِّ معادٍ لِمَا وَعَدَهُ مِنْ فَتْحِ مَكَّةَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: معادٍ الآخرةُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُحْييه يَوْمَ الْبَعْثِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَي إِلى مَعْدِنِك مِنَ الْجَنَّةِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: المَعادَةُ والمَعاد كَقَوْلِكَ لِآلِ فُلَانٍ مَعادَةٌ أَي مُصِيبَةٌ يَغْشَاهُمُ النَّاسُ فِي مَناوِحَ أَو غَيْرِهَا يَتَكَلَّمُ بِهِ النِّسَاءُ؛ يُقَالُ: خَرَجْتُ إِلى المَعادةِ والمَعادِ والمأْتم.

والمَعادُ: كُلُّ شَيْءٍ إِليه الْمَصِيرُ.

قَالَ: وَالْآخِرَةُ مَعَادٌ لِلنَّاسِ، وأَكثر التَّفْسِيرِ فِي قوله [لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ] لَبَاعِثُكَ.

وَعَلَى هَذَا كَلَامُ النَّاسِ: اذْكُرِ المَعادَ أَي اذْكُرْ مَبْعَثَكَ فِي الْآخِرَةِ؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْمَعَادُ الْمَوْلِدُ.

قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلى أَصلك مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ: إِلى مَعَادٍ أَي إِلى الْجَنَّةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «وأَصْلِحْ لِي آخِرتي الَّتِي فِيهَا مَعادي» أَي مَا يعودُ إِليه يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ إِمّا مَصْدَرٌ وإِمّا ظَرْفٌ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «والحَكَمُ اللَّهُ والمَعْوَدُ إِليه يومَ الْقِيَامَةِ»أَي المَعادُ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ المَعْوَدُ عَلَى الأَصل، وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ عَادَ يَعُودُ، وَمِنْ حَقِّ أَمثاله أَن تُقْلَبَ وَاوُهُ أَلفًا كالمَقام والمَراح، وَلَكِنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الأَصل.

تَقُولُ: عَادَ الشيءُ يعودُ عَوْدًا ومَعادًا أَي رَجَعَ، وَقَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى صَارَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاذٍ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَعُدْتَ فَتَّانًا يَا مُعاذُ

أَي صِرتَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ: عادَ لَهَا النِّقادُ مُجْرَنْثِمًا أَي

صَارَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ: وَدِدْتُ أَن هَذَا اللَّبَنَ يعودُ قَطِرانًا أَي يَصِيرُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ ذَلِكَ قَالَ: تَتَبَّعَتْ قُرَيشٌ أَذْنابَ الإِبلِ وتَرَكُوا الجماعاتِ.

والمَعادُ والمَعادة: المأْتَمُ يُعادُ إِليه؛ وأَعاد فُلَانٌ الصلاةَ يُعِيدها.

وَقَالَ اللَّيْثُ: رأَيت فُلَانًا ما يُبْدِيءُ وَمَا يُعِيدُ أَي مَا يَتَكَلَّمُ ببادئَة وَلَا عائِدَة.

وَفُلَانٌ مَا يُعِيدُ وَمَا يُبدئ إِذا لَمْ تَكُنْ لَهُ حِيلَةٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

وكنتُ امْرَأً بالغَورِ مِنِّي ضَمانَةٌ، ***وأُخْرى بِنَجْد مَا تُعِيدُ وَمَا تُبْدي

يَقُولُ: لَيْسَ لِما أَنا فِيهِ مِنَ الْوَجْدِ حِيلَةٌ وَلَا جِهَةٌ.

والمُعِيدُ: المُطِيقُ للشيءِ يُعاوِدُه؛ قَالَ:

لَا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الغَوامِضُ ***إِلا المُعِيداتُ بِهِ النَّواهِضُ

وَحَكَى الأَزهري فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: يَعْنِي النُّوقَ الَّتِي اسْتَعَادَتِ النَّهْضَ بالدَّلْوِ.

وَيُقَالُ: هُوَ مُعِيدٌ لِهَذَا الشَّيْءِ أَي مُطِيقٌ لَهُ لأَنه قَدِ اعْتادَه؛ وأَما قَوْلُ الأَخطل:

يَشُولُ ابنُ اللَّبونِ إِذا رَآنِي، ***ويَخْشاني الضُّواضِيَةُ المُعِيدُ

قَالَ: أَصل المُعيدِ الْجَمَلُ الَّذِي لَيْسَ بِعَياياءٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَضْرِبُ حَتَّى يَخْلِطَ لَهُ، والمعِيدُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلى ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمُعِيدُ الْجَمَلُ الَّذِي قَدْ ضَرَبَ فِي الإِبل مَرَّاتٍ كأَنه أَعاد ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخرى.

وَعَادَنِي الشيءُ عَوْدًا وَاعْتَادَنِي، انْتابَني.

وَاعْتَادَنِي هَمٌّ وحُزْنٌ؛ قَالَ: والاعتِيادُ فِي مَعْنَى التَّعوُّدِ، وَهُوَ مِنَ الْعَادَةِ.

يُقَالُ: عَوَّدْتُه فاعتادَ وتَعَوَّدَ.

والعِيدُ: مَا يَعتادُ مِنْ نَوْبٍ وشَوْقٍ وهَمٍّ وَنَحْوِهِ.

وَمَا اعتادَكَ مِنَ الهمِّ وَغَيْرِهِ، فَهُوَ عِيدٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

والقَلْبُ يَعْتادُه مِنْ حُبِّها عِيدُ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْحَكَمِ الثَّقَفِيُّ يَمْدَحُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ:

أَمْسَى بأَسْماءَ هَذَا القلبُ مَعْمُودَا، ***إِذا أَقولُ: صَحا، يَعْتادُه عِيدا

كأَنَّني، يومَ أُمْسِي مَا تُكَلِّمُني، ***ذُو بُغْيَةٍ يَبْتَغي مَا ليسَ مَوْجُودًا

كأَنَّ أَحْوَرَ مِنْ غِزْلانِ ذِي بَقَرٍ، ***أَهْدَى لَنَا سُنَّةَ العَيْنَيْنِ والجِيدَا

وَكَانَ أَبو عَلِيٍّ يَرْوِيهِ شِبْهَ الْعَيْنَيْنِ وَالْجِيدَا، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا، أَراد وَشِبْهَ الْجِيدِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وأَقام الْمُضَافَ إِليه مُقامه؛ وَقَدْ قِيلَ إِن أَبا عَلِيٍّ صَحَّفَهُ يَقُولُ في مدحها:

سُمِّيتَ باسمِ نَبِيٍّ أَنتَ تُشْبِهُه ***حِلْمًا وعِلْمًا، سُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَا

أَحْمِدْ بِهِ فِي الْوَرَى الماضِين مِنْ مَلِكٍ، ***وأَنتَ أَصْبَحتَ فِي الباقِينَ مَوْجُودًا

لَا يُعذَلُ الناسُ فِي أَن يَشكُروا مَلِكًا ***أَوْلاهُمُ، فِي الأُمُورِ، الحَزْمَ والجُودا

وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: عَادَنِي عِيدي أَي عَادَتِي؛ وأَنشد:

عادَ قَلْبي مِنَ الطويلةِ عِيدُ

أَراد بِالطَّوِيلَةِ رَوْضَةً بالصَّمَّانِ تَكُونُ ثَلَاثَةَ أَميال فِي مِثْلِهَا؛ وأَما قَوْلُ تأَبَّطَ شَرًّا:

يَا عيدُ مَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ وإِيراقِ، ***ومَرِّ طَيْفٍ، عَلَى الأَهوالِ طَرَّاقِ

قَالَ ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ يَا عِيدُ مَا لَكَ: العِيدُ مَا يَعْتادُه مِنَ الْحُزْنِ والشَّوْق، وَقَوْلُهُ مَا لَكَ مِنْ شَوْقٍ أَي مَا أَعظمك مِنْ شَوْقٍ، وَيُرْوَى: يَا هَيْدَ مَا لكَ، وَالْمَعْنَى: يَا هَيْدَ مَا حالُك وَمَا شأْنُك.

يُقَالُ: أَتى

فُلَانٌ القومَ فَمَا قَالُوا لَهُ: هَيْدَ مَا لَك أَي مَا سأَلوه عَنْ حَالِهِ؛ أَراد: يَا أَيها المعتادُني مَا لَك مِنْ شَوْقٍ كَقَوْلِكَ مَا لَكَ مِنْ فَارِسٍ وأَنت تتعجَّب مِنْ فُروسيَّته وَتَمْدَحُهُ؛ وَمِنْهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ مِنْ شَاعِرٍ.

والعِيدُ: كلُّ يَوْمٍ فِيهِ جَمْعٌ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ عَادَ يَعُود كأَنهم عَادُوا إِليه؛ وَقِيلَ: اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعَادَةِ لأَنهم اعْتَادُوهُ، وَالْجَمْعُ أَعياد لَزِمَ الْبَدَلَ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ لَقِيلَ: أَعواد كرِيحٍ وأَرواحٍ لأَنه مِنْ عَادَ يَعُودُ.

وعَيَّدَ الْمُسْلِمُونَ: شَهِدوا عِيدَهم؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ الثَّوْرَ الْوَحْشِيَّ:

واعْتادَ أَرْباضًا لَها آرِيُّ، ***كَمَا يَعُودُ العِيدَ نَصْرانيُ

فَجَعَلَ الْعِيدَ مِنْ عَادَ يَعُودُ؛ قَالَ: وتحوَّلت الْوَاوُ فِي الْعِيدِ يَاءً لِكَسْرَةِ الْعَيْنِ، وَتَصْغِيرُ عِيد عُيَيْدٌ تَرَكُوهُ عَلَى التَّغْيِيرِ كَمَا أَنهم جَمَعُوهُ أَعيادًا وَلَمْ يَقُولُوا أَعوادًا؛ قَالَ الأَزهري: والعِيدُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْوَقْتُ الَّذِي يَعُودُ فِيهِ الفَرَح وَالْحُزْنُ، وَكَانَ فِي الأَصل العِوْد فَلَمَّا سُكِّنَتِ الْوَاوُ وَانْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا صَارَتْ يَاءً، وَقِيلَ: قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً ليَفْرُقوا بَيْنَ الِاسْمِ الْحَقِيقِيِّ وَبَيْنَ الْمَصْدَرِيِّ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنما جُمِعَ أَعيادٌ بِالْيَاءِ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَيُقَالُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعوادِ الْخَشَبِ.

ابْنُ الأَعرابي: سُمِّيَ العِيدُ عِيدًا لأَنه يَعُودُ كُلَّ سَنَةٍ بِفَرَحٍ مُجَدَّد.

وعادَ العَلِيلَ يَعُودُه عَوْدًا وعِيادة وعِيادًا: زَارَهُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

أَلا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ تَنَظَّرَ خالدٌ ***عِيادي عَلَى الهِجْرانِ، أَم هوَ يائِسُ؟

قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد عِيَادَتِي فَحَذَفَ الْهَاءَ لأَجل الإِضافة، كَمَا قَالُوا: لَيْتَ شِعْرِي؛ وَرَجُلٌ عائدٌ مِنْ قَوْم عَوْدٍ وعُوَّادٍ، ورجلٌ مَعُودٌ ومَعْوُود، الأَخيرة شَاذَّةٌ، وَهِيَ تَمِيمِيَّةٌ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: العُوادَةُ مِنْ عِيادةِ الْمَرِيضِ، لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ.

وقَوْمٌ عُوَّادٌ وعَوْدٌ؛ الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ.

ونِسوةٌ عوائِدُ وعُوَّدٌ: وهنَّ اللَّاتِي يَعُدْنَ الْمَرِيضَ، الْوَاحِدَةُ عائِدةٌ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هَؤُلَاءِ عَودُ فُلَانٍ وعُوَّادُه مِثْلَ زَوْرِه وزُوَّاره، وَهُمُ الَّذِينَ يَعُودُونه إِذا اعْتَلَّ.

وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «فإِنها امرأَة يكثُرُ عُوَّادُها»أَي زُوَّارُها.

وَكُلٌّ مَنْ أَتاك مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، فَهُوَ عَائِدٌ، وإِن اشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ حَتَّى صَارَ كأَنه مُخْتَصٌّ بِهِ.

قَالَ اللَّيْثُ: العُودُ كُلُّ خَشَبَةٍ دَقَّتْ؛ وَقِيلَ: العُودُ خَشَبَةُ كلِّ شجرةٍ، دَقَّ أَو غَلُظ، وَقِيلَ: هُوَ مَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ مِنَ الشَّجَرِ وَهُوَ يَكُونُ للرطْب وَالْيَابِسِ، وَالْجَمْعُ أَعوادٌ وعِيدانٌ؛ قَالَ الأَعشى:

فَجَرَوْا عَلَى مَا عُوِّدوا، ***ولكلِّ عِيدانٍ عُصارَهْ

وَهُوَ مِنْ عُودِ صِدْقٍ أَو سَوْءٍ، عَلَى الْمَثَلِ، كَقَوْلِهِمْ مِنْ شجرةٍ صالحةٍ.

وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة: «تُعْرَضُ الفِتَنُ عَلَى القلوبِ عَرْضَ الحُصْرِ عَوْدًا عَوْدًا»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا الرِّوَايَةُ، بِالْفَتْحِ؛ أي مَرَّةً بَعْدَ مرةٍ، وَيُرْوَى بِالضَّمِّ، وَهُوَ وَاحِدُ العِيدان يَعْنِي مَا يُنْسَجُ بِهِ الحُصْرُ مِنْ طَاقَاتِهِ، وَيُرْوَى بِالْفَتْحِ مَعَ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ، كأَنه اسْتَعَاذَ مِنَ الْفِتَنِ.

والعُودُ: الْخَشَبَةُ المُطَرَّاةُ يدخَّن بِهَا ويُسْتَجْمَرُ بِهَا، غَلَبَ عَلَيْهَا الِاسْمُ لِكَرَمِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بالعُودِ الهِندِيّ»؛ قِيلَ: هُوَ القُسْطُ البَحْرِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ العودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ.

والعُودُ ذُو الأَوْتارِ الأَربعة: الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ أَيضًا؛ كَذَلِكَقَالَ ابْنُ جِنِّي، وَالْجَمْعُ عِيدانٌ؛ وَمِمَّا اتَّفَقَ لَفْظُهُ وَاخْتَلَفَ مَعْنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ إِيطاءً قولُ بَعْضِ الْمُوَلَّدِينَ:

يَا طِيبَ لَذَّةِ أَيامٍ لَنَا سَلَفَتْ، ***وحُسْنَ بَهْجَةِ أَيامِ الصِّبا عُودِي

أَيامَ أَسْحَبُ ذَيْلًا فِي مَفارِقِها، ***إِذا تَرَنَّمَ صَوْتُ النَّايِ والعُودِ

وقهْوَةٍ مِنْ سُلافِ الدَّنِّ صافِيَةٍ، ***كالمِسْكِ والعَنبَرِ الهِندِيِّ والعُودِ

تستَلُّ رُوحَكَ فِي بِرٍّ وَفِي لَطَفٍ، ***إِذا جَرَتْ منكَ مَجْرَى الماءِ فِي العُودِ

قَوْلُهُ أَوَّلَ وهْلَةٍ عُودي: طَلَبٌ لَهَا فِي العَوْدَةِ، والعُودُ الثَّانِي: عُودُ الغِناء، والعُودُ الثَّالِثُ: المَنْدَلُ وَهُوَ العُودُ الَّذِي يُتَطَيَّبُ بِهِ، والعُودُ الرَّابِعُ: الشَّجَرَةُ، وَهَذَا مِنْ قَعاقعِ ابْنِ سِيدَهْ؛ والأَمر فِيهِ أَهون مِنَ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَو تَفْسِيرِ مَعَانِيهِ وإِنما ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا وَجَدْنَاهُ.

والعَوَّادُ: مُتَّخِذُ العِيدانِ.

وأَما مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ: «إِنما الْقَضَاءُ جَمْرٌ فادفعِ الجمرَ عَنْكَ بعُودَيْنِ»؛ فإِنه أَراد بِالْعُودَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ، يُرِيدُ اتَّقِ النَّارَ بِهِمَا وَاجْعَلْهُمَا جُنَّتَك كَمَا يَدْفَعُ المُصْطَلي الجمرَ عَنْ مَكَانِهِ بِعُودٍ أَو غَيْرِهِ لِئَلَّا يَحْتَرِقَ، فمثَّل الشَّاهِدَيْنِ بِهِمَا لأَنه يَدْفَعُ بِهِمَا الإِثم وَالْوَبَالَ عَنْهُ، وَقِيلَ: أَراد تَثَبَّتْ فِي الْحُكْمِ وَاجْتَهِدْ فِيمَا يَدْفَعُ عَنْكَ النَّارَ مَا اسْتَطَعْتَ؛ وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

ومَنْ وَرِثَ العُودَيْنِ والخاتَمَ الَّذِي ***لَهُ المُلْكُ، والأَرضُ الفَضاءُ رَحْيبُها

قَالَ: العودانِ مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعَصاه؛ وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الْعُودَيْنِ فِي الْحَدِيثِ وفُسِّرا بِذَلِكَ؛ وَقَوْلُ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

وَلَقَدْ عَلِمْت سوَى الَّذِي نَبَّأْتني: ***أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُ ذِي الأَعْوادِ

قَالَ الْمُفَضَّلُ: سَبِيلُ ذِي الأَعواد يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَعَنَى بالأَعواد مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ؛ قَالَ الأَزهري: وَذَلِكَ أَن الْبَوَادِيَ لَا جَنَائِزَ لَهُمْ فَهُمْ يَضُمُّونَ عُودًا إِلى عُودٍ وَيَحْمِلُونَ الْمَيِّتَ عَلَيْهَا إِلى الْقَبْرِ.

وَذُو الأَعْواد: الَّذِي قُرِعَتْ لَهُ العَصا، وَقِيلَ: هُوَ رَجُلٌ أَسَنَّ فَكَانَ يُحمل فِي مِحَفَّةٍ مِنْ عُودٍ.

أَبو عَدْنَانَ: هَذَا أَمر يُعَوِّدُ الناسَ عليَّ أَي يُضَرِّيهم بِظُلْمي.

وَقَالَ: أَكْرَهُ تَعَوُّدَ الناسِ عليَّ فَيَضْرَوْا بِظُلْمي أَي يَعْتادُوه.

وَقَالَ شِمْرٌ: المُتَعَيِّدُ الظَّلُومُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِطَرَفَةَ:

فَقَالَ: أَلا مَاذَا تَرَوْنَ لِشارِبٍ ***شَدِيدٍ عَلَيْنَا سُخطُه مُتَعَيِّدِ؟

أَي ظَلُومٍ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:

يَرَى المُتَعَيِّدُونَ عليَّ دُوني ***أُسُودَ خَفِيَّةَ الغُلْبَ الرِّقابا

وَقَالَ غَيْرُهُ: المُتَعَيِّدُ الَّذِي يُتَعَيَّدُ عَلَيْهِ بِوَعْدِهِ.

وَقَالَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: المُتَعَيِّدُ المُتجَنِّي فِي بَيْتِ جَرِيرٍ؛ وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ:

عَلَى الجُهَّالِ والمُتَعَيِّدِينا

قَالَ: والمُتَعَيِّدُ الغَضْبانُ.

وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: تَعَيِّدَ العائنُ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ إِذا تَشَهَّقَ عَلَيْهِ وتَشَدَّدَ لِيُبَالِغَ فِي إِصابته بِعَيْنِهِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَعرابي: هُوَ لَا يُتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَلَا يُتَعَيَّدُ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

كأَنها وفَوْقَها المُجَلَّدُ، ***وقِرْبَةٌ غَرْفِيَّةٌ ومِزْوَدُ،

غَيْرَى عَلَى جاراتِها تَعَيَّدُ

قَالَ: المُجَلَّدُ حِمْل ثَقِيلٌ فكأَنها، وَفَوْقَهَا هَذَا الْحِمْلُ وَقِرْبَةٌ وَمِزْوَدٌ، امرأَة غَيْرَى.

تُعِيدُ أَي تَنْدَرِئُ بِلِسَانِهَا عَلَى ضَرَّاتها وَتُحَرِّكُ يَدَيْهَا.

والعَوْدُ: الْجَمَلُ المُسِنُّ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الَّذِي جاوَزَ فِي السنِّ البازِلَ والمُخْلِفَ، وَالْجَمْعُ عِوَدَةٌ، قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ عِيَدَةَ وَهِيَ قَبِيحَةٌ.

وَفِي الْمَثَلِ: إنْ جَرْجَرَ العَوْدُ فَزِدْه وقْرًا، وَفِي الْمَثَلِ: زاحِمْ بعَوْد أَو دَعْ أَي اسْتَعِنْ عَلَى حَرْبِكَ بأَهل السِّنِّ وَالْمَعْرِفَةِ، فإِنَّ رأْي الشَّيْخِ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِ الْغُلَامِ، والأُنثى عَوْدَةٌ وَالْجَمْعُ عِيادٌ؛ وَقَدْ عادَ عَوْدًا وعَوَّدَ وَهُوَ مُعَوِّد.

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ عَوَّدَ البعيرُ تَعْوِيدًا إِذا مَضَتْ لَهُ ثَلَاثُ سِنِينَ بَعْدَ بُزُولِه أَو أَربعٌ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلنَّاقَةِ عَوْدَةٌ وَلَا عَوَّدَتْ؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ لِفَرَسٍ لَهُ أُنثى عَوْدَةٌ.

وَفِي حَدِيثِ حَسَّانَ: «قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَبْعَثُوا إِلى هَذَا العَوْدِ»؛ هُوَ الْجَمَلُ الْكَبِيرُ المُسِنُّ المُدَرَّبُ فَشَبَّهَ نَفْسَهُ بِهِ.

وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «سأَله رَجُلٌ فَقَالَ: إِنك لَتَمُتُّ بِرَحِمٍ عَوْدَة»، فَقَالَ: بُلَّها بعَطائكَ حَتَّى تَقْرُبَ، أَي برَحِمٍ قديمةٍ بَعِيدَةِ النَّسَبِ.

والعَوْد أَيضًا: الشَّاةُ الْمُسِنُّ، والأُنثى كالأُنثى.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَخَلَ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ منزلَهُ قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلى عَنْزٍ لِي لأَذْبَحَها فَثَغَتْ، فقال، عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا جَابِرُ لَا تَقْطَعْ دَرًّا وَلَا نَسْلًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنما هِيَ عَوْدَة عَلَفْنَاهَا الْبَلَحَ والرُّطَب فَسَمِنَتْ»؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وعَوَّدَ البعيرُ والشاةُ إِذا أَسَنَّا، وَبَعِيرٌ عَوْد وَشَاةٌ عَوْدَةٌ.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: عَوَّدَ الرجلُ تَعْويدًا إِذا أَسن؛ وأَنشد:

فَقُلْنَ قَدْ أَقْصَرَ أَو قَدْ عَوّدا

أَي صَارَ عَوْدًا كَبِيرًا.

قَالَ الأَزهري: وَلَا يُقَالُ عَوْدٌ لِبَعِيرٍ أَو شَاةٍ، وَيُقَالُ لِلشَّاةِ عَوْدة وَلَا يُقَالُ لِلنَّعْجَةِ عَوْدة.

قَالَ: وَنَاقَةٌ مُعَوِّد.

وَقَالَ الأَصمعي: جَمَلٌ عَوْدٌ وَنَاقَةٌ عَوْدَةٌ وَنَاقَتَانِ عَوْدَتان، ثُمَّ عِوَدٌ فِي جَمْعِ العَوْدة مِثْلَ هِرَّةٍ وهِرَرٍ وعَوْدٌ وعِوَدَةٌ مِثْلَ هِرٍّ وهِرَرَةٍ، وَفِي النَّوَادِرِ: عَوْدٌ وعِيدَة؛ وأَما قَوْلُ أَبي النَّجْمِ:

حَتَّى إِذا الليلُ تَجَلَّى أَصْحَمُه، ***وانْجابَ عَنْ وجْهٍ أَغَرَّ أَدْهَمُه،

وتَبِعَ الأَحْمَرَ عَوْدٌ يَرْجُمُه

فإِنه أَراد بالأَحمر الصُّبْحَ، وأَراد بِالْعَوْدِ الشَّمْسَ.

والعَوْدُ: الطريقُ القديمُ العادِيُّ؛ قَالَ بُشَيْرُ بْنُ النِّكْثِ:

عَوْدٌ عَلَى عَوْدٍ لأَقْوامٍ أُوَلْ، ***يَمُوتُ بالتَّركِ، ويَحْيا بالعَمَلْ

يُرِيدُ بِالْعَوْدِ الأُول الْجَمَلَ الْمُسِنَّ، وَبِالثَّانِي الطَّرِيقَ أَي عَلَى طَرِيقٍ قَدِيمٍ، وَهَكَذَا الطَّرِيقُ يَمُوتُ إِذا تُرِكَ ويَحْيا إِذا سُلِكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

عَوْدٌ عَلى عَوْدٍ عَلى عَوْدٍ خَلَقْ

فالعَوْدُ الأَول رَجُلٌ مُسنّ، والعَوْدُ الثَّانِي جَمَلٌ مُسِنٌّ، وَالْعَوْدُ الثَّالِثُ طَرِيقٌ قَدِيمٌ.

وسُودَدٌ عَوْدٌ قديمٌ عَلَى الْمَثَلِ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

هَلِ المَجْدُ إِلا السُّودَدُ العَوْدُ والنَّدى، ***وَرَأْبُ الثَّأَى، والصَّبْرُ عِنْدَ المَواطِنِ؟

وعادَني أَنْ أَجِيئَك أَي صَرَفَني، مَقْلُوبٌ مِنْ عَداني؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ.

وعادَ فِعْلٌ بِمَنْزِلَةِ صَارَ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ:

فَقَامَ تَرْعُدُ كَفَّاه بِمِيبَلَة، ***قَدْ عادَ رَهْبًا رَذِيًّا طائِشَ القَدَمِ

لَا يَكُونُ عَادَ هُنَا إِلا بِمَعْنَى صَارَ، وَلَيْسَ يُرِيدُ أَنه عَاوَدَ حَالًا كَانَ عَلَيْهَا قَبْلُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُمْ هَذَا مَجِيئًا وَاسِعًا؛ أَنشد أَبو عَلِيٍّ لِلْعَجَّاجِ:

وقَصَبًا حُنِّيَ حَتَّى كادَا ***يَعُودُ، بَعْدَ أَعْظُمٍ، أَعْوادَا

أَي يَصِيرُ.

وَعَادٌ: قَبِيلَةٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنَا عَلَى أَلفها أَنها وَاوٌ لِلْكَثْرَةِ وأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ [ع ي د] وأَمَّا عِيدٌ وأَعْيادٌ فَبَدَلٌ لَازِمٌ.

وأَما مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ أَهلِ عَادٍ بالإِمالة فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ أَن أَلفها مِنْ يَاءٍ لِمَا قَدَّمْنَا، وإِنما أَمالوا لِكَسْرَةِ الدَّالِ.

قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يدَعُ صَرْفَ عَادٍ؛ وأَنشد:

تَمُدُّ عليهِ، منْ يَمِينٍ وأَشْمُلٍ، ***بُحُورٌ لَهُ مِنْ عَهْدِ عَادَ وتُبَّعا

جَعَلَهُمَا اسْمَيْنِ لِلْقَبِيلَتَيْنِ.

وَبِئْرٌ عادِيَّةٌ، والعادِيُّ الشَّيْءُ الْقَدِيمُ نُسِبَ إِلى عَادٍ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

وَمَا سالَ وادٍ مِنْ تِهامَةَ طَيِّبٌ، ***بِهِ قُلُبٌ عادِيَّةٌ وكُرُورُ

وَعَادٌ: قَبِيلَةٌ وَهُمْ قومُ هودٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.

قَالَ اللَّيْثُ: وَعَادٌ الأُولى هُمْ عادُ بْنُ عَادِيَا بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ الَّذِينَ أَهلكهم اللَّهُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

وأُهْلِكَ لُقْمانُ بنُ عادٍ وعادِيا

وأَما عَادٌ الأَخيرة فَهُمْ بَنُو تَمِيمٍ يُنْزِلُونَ رمالَ عالِجٍ عَصَوُا اللَّهَ فَمُسخُوا نَسْناسًا، لِكُلِّ إِنسان مِنْهُمْ يَدٌ وَرِجْلٍ مِنْ شِقّ؛ وَمَا أَدْري أَيُّ عادَ هُوَ، غَيْرُ مَصْرُوفٍ أَي أَيّ خَلْقٍ هُوَ.

والعِيدُ: شَجَرٌ جَبَلِيٌّ يُنْبِتُ عِيدانًا نَحْوَ الذِّرَاعِ أَغبر، لَا وَرَقَ لَهُ وَلَا نَوْر، كَثِيرُ اللِّحَاءِ والعُقَد يُضَمَّدُ بِلِحَائِهِ الْجُرْحُ الطَّرِيُّ فَيَلْتَئِمُ، وإِنما حَمَلْنَا الْعِيدَ عَلَى الْوَاوِ لأَن اشْتِقَاقَ الْعِيدِ الَّذِي هُوَ الْمَوْسِمُ إِنما هُوَ مِنَ الْوَاوِ فَحَمَلْنَا هَذَا عَلَيْهِ.

وَبَنُو العِيدِ: حَيٌّ تُنْسَبُ إِليه النُّوقُ العِيدِيَّةُ، والعيدِيَّة: نَجَائِبُ مَنْسُوبَةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ وَقِيلَ: العِيدية مَنْسُوبَةٌ إِلى عَادِ بْنِ عَادِ، وَقِيلَ: إِلَى عادِيّ بْنِ عَادٍ إِلا أَنه عَلَى هَذَيْنِ الأَخيرين نَسَبٌ شاذٌّ، وَقِيلَ: الْعِيدِيَّةُ تُنْسَبُ إِلى فَحْلٍ مُنْجِب يُقَالُ لَهُ عِيدٌ كأَنه ضَرَبَ فِي الإِبل مَرَّاتٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِرَذَاذٍ الْكَلْبِيِّ:

ظَلَّتْ تَجُوبُ بِهَا البُلْدانَ ناجِيَةٌ ***عِيدِيَّةٌ، أُرْهِنَتْ فِيهَا الدَّنانِيرُ

وَقَالَ: هِيَ نُوق مِنْ كِرام النَّجَائِبِ مَنْسُوبَةٌ إِلى فَحْلٍ مُنْجِبٍ.

قَالَ شِمْرٌ: والعِيدِيَّة ضَرْب مِنَ الْغَنَمِ، وَهِيَ الأُنثى من البُرْقانِ [البِرْقانِ]، قَالَ: وَالذَّكَرُ خَرُوفٌ فَلَا يَزالُ اسمَه حَتَّى يُعَقَّ عَقِيقَتُه؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف العِيدِيَّة فِي الْغَنَمِ وأَعرف جِنْسًا مِنَ الإِبل العُقَيْلِيَّة يُقَالُ لَهَا العِيدِيَّة، قَالَ: وَلَا أَدري إِلى أَي شَيْءٍ نُسِبَتْ.

وَحَكَى الأَزهري عَنِ الأَصمعي: العَيْدانَةُ النَّخْلَةُ الطَّوِيلَةُ، وَالْجَمْعُ العَيْدانُ؛ قال لبيد:

وأَبْيَض العَيْدانِ والجَبَّارِ

قَالَ أَبو عَدْنَانَ: يُقَالُ عَيْدَنَتِ النخلةُ إِذا صَارَتْ عَيْدانَةً؛ وَقَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ عَلَسٍ:

والأُدْمُ كالعَيْدانِ آزَرَها، ***تحتَ الأَشاءِ، مُكَمَّمٌ جَعْلُ

قَالَ الأَزهري: مَنْ جَعَلَ الْعِيدَانَ فَيْعالًا جعل النون

أَصلية وَالْيَاءَ زَائِدَةً، وَدَلِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ عيْدَنَتِ النخلةُ، وَمَنْ جَعَلَهُ فَعْلانَ مِثْلَ سَيْحانَ مِنْ ساحَ يَسِيحُ جَعَلَ الْيَاءَ أَصلية وَالنُّونَ زَائِدَةً.

قَالَ الأَصمعي: العَيْدانَةُ شَجَرَةٌ صُلْبَة قَدِيمَةٌ لَهَا عُرُوقٌ نَافِذَةٌ إِلى الْمَاءِ، قَالَ: وَمِنْهُ هَيْمانُ وعَيْلانُ؛ وأَنشد:

تَجاوَبْنَ فِي عَيْدانَةٍ مُرْجَحِنَّةٍ ***مِنَ السِّدْرِ، رَوَّاها، المَصِيفَ، مَسِيلُ

وَقَالَ: بَواسِق النخلِ أَبكارًا وعَيْدانا

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعَيدان، بِالْفَتْحِ، الطِّوالُ مِنَ النَّخْلِ، الْوَاحِدَةُ عيْدانَةٌ، هَذَا إِن كَانَ فَعْلان، فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وإِن كَانَ فَيْعالًا، فَهُوَ مِنْ بَابِ النُّونِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ.

والعَوْدُ: اسْمُ فرَس مَالِكِ بْنِ جُشَم.

والعَوْدُ أَيضًا: فَرَسُ أُبَيّ بْنِ خلَف.

وعادِياءُ: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:

هَلَّا سَأَلْت بِعادياءَ وَبَيْتِه ***والخلِّ والخمرِ، الَّذِي لَمْ يُمْنَعِ؟

قَالَ: وإِن كَانَ تَقْدِيرُهُ فَاعِلَاءَ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ، يذكر في موضعه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


14-لسان العرب (ربض)

ربض: رَبَضَتِ الدابَّةُ وَالشَّاةُ والخَرُوفُ تَرْبِضُ رَبْضًا ورُبُوضًا وربْضةً حَسَنَة، وَهُوَ كالبُروك للإِبل، وأَرْبَضَها هُوَ وربَّضَها.

وَيُقَالُ لِلدَّابَّةِ: هِيَ ضَخْمَةُ الرِّبْضةِ أَي ضَخْمَةُ آثارِ المرْبض؛ ورَبَضَ الأَسَد عَلَى فَرِيسته والقِرْنُ عَلَى قِرْنِه، وأَسَدٌ رابِضٌ ورَبّاضٌ؛ قَالَ: " لَيْثٍ عَلَى أَقْرانِه رَبّاضِ "ورجلٌ رابِضٌ: مَرِيضٌ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

والرَّبِيضُ: الْغَنَمُ فِي مرابِضِها كأَنه اسْمٌ لِلْجَمْعِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

ذَعَرْتُ بِهِ سِرْبًا نَقِيًّا جُلودُه، ***كَمَا ذَعَرَ السِّرْحانُ جَنْبَ الرَّبِيضِ

والرَّبِيضُ: الْغَنَمُ برُعاتها الْمُجْتَمِعَةِ فِي مَرْبِضها.

يُقَالُ: هَذَا رَبِيضُ بَنِي فُلَانٍ.

وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «لَا تَبْعَثُوا الرابِضَينِ التُّركَ والحبَشةَ»أَي المقِيمَيْن الساكِنَينِ، يُرِيدُ لَا تُهَيِّجوهم عَلَيْكُمْ مَا دَامُوا لَا يَقْصِدُونكم.

والرَّبِيضُ والرِّبْضةُ: شَاءٌ بِرُعاتِها اجْتَمَعَتْ فِي مَرْبِضٍ وَاحِدٍ.

والرِّبْضةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَالنَّاسِ وَفِيهَا رِبْضَةٌ مِنَ النَّاسِ، والأَصل لِلْغَنَمِ.

والرَّبَضُ: مَرابِض الْبَقَرِ.

ورَبَضُ الْغَنَمِ: مأْواها؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ الثَّوْرَ الْوَحْشِيَّ:

واعْتادَ أَرْباضًا لَهَا آرِيُّ، ***مِنْ مَعْدِنِ الصِّيرانِ، عُدْمُلِيُ

العُدْمُلِيُّ: الْقَدِيمُ.

وأَراد بالأَرْباض جَمْعَ رَبَض، شبَّه كِناسَ الثَّوْرِ بمأْوَى الْغَنَمِ.

والرُّبوضُ: مَصْدَرُ الشَّيْءِ الرابِضِ.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إِلى قَوْمِهِ: إِذا أَتيتَهُم فارْبِضْ فِي دارِهم ظَبْيًا "؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَانِ: أَحدهما، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَنه أَراد أَقِمْ فِي دَارِهِمْ آمِنًا لَا تَبْرَحْ كَمَا يُقِيم الظَّبْي الآمِنُ فِي كِناسِه قَدْ أَمِنَ حَيْثُ لَا يَرَى أَنيسًا، وَالْآخَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الأَزهري: أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمره أَن يأْتيهم مُسْتَوْفِزًا مُسْتَوْحِشًا لأَنهم كفَرةٌ لَا يَأْمَنُهم، فإِذا رابَه مِنْهُمْ رَيْبٌ نَفَرَ عَنْهُمْ شارِدًا كَمَا يَنْفِرُ الظَّبْيُ، وظَبْيًا فِي الْقَوْلَيْنِ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ، وأَوقع الِاسْمَ مَوْقِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ كأَنه قَدَّرَهُ مُتَظَبِّيًا؛ قَالَ: حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مثَلُ المنافِقِ مثلُ الشَّاةِ بَيْنَ الرَّبَضَينِ إِذا أَتتْ هَذِهِ نَطَحَتْها، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: بَيْنَ الرَّبِيضَينِ»، فَمَنْ قَالَ بَيْنَ الرَّبَضَينِ أَراد مَرْبِضَيْ غَنَمَين، إِذا أَتتْ مَرْبِضَ هَذِهِ الْغَنَمِ نَطَحَهَا غَنَمُهُ، وَمَنْ رَوَاهُ بَيْنَ الرَّبِيضَينِ فالربِيضُ الْغَنَمُ نَفْسُهَا، والرَّبَضُ موضِعها الَّذِي تَرْبِضُ فِيهِ، أَراد أَنه مُذَبْذَبٌ كَالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ بَيْنَ قَطِيعَيْنِ مِنَ الْغَنَمِ أَو بَيْنَ مَرْبِضَيْهِما؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

عَنَتًا باطِلًا وظُلْمًا، كما يُعْتَرُ ***عَنْ حَجْرَةِ الرَّبِيضِ الظِّباءُ

وأَراد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَثَلِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ}.

قَالُوا: رَبَضُ الْغَنَمُ مأْواها، سُمِّيَ رَبَضًا لأَنها تَرْبِضُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ رَبَضُ الوَحْش مأْواهُ وكِناسُه.

وَرَجُلٌ رُبْضَة ومُتَرَبِّضٌ: مُقِيمٌ عَاجِزٌ.

ورَبَضَ الكبشُ: عَجز عَنِ الضِّرابِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ غَيْرُهُ: رَبَضَ الكبشُ رُبُوضًا أَي حَسَرَ وتَرَكَ الضِّرابَ وعَدَلَ عَنْهُ وَلَا يُقَالُ فِيهِ جَفَرَ.

وأَرْنَبةٌ رابِضةٌ: مُلْتَزِقَةٌ بِالْوَجْهِ.

وَرَبَضَ اللَّيْلُ: أَلقى بِنَفْسِهِ، وَهَذَا عَلَى الْمَثَلِ؛ قَالَ:

كأَنَّها، وَقَدْ بَدَا عُوارِضُ، ***والليلُ بَينَ قَنَوَيْنِ رابِضُ،

بِجَلْهَةِ الوادِي، قَطًا رَوابِضُ وَقِيلَ: هُوَ الدُّوّارةُ مِنْ بَطْنِ الشَّاءِ.

ورَبَضُ النَّاقَةِ: بَطْنُهَا، أُراه إِنما سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن حِشْوَتَها فِي بَطْنِهَا، وَالْجَمْعُ أَرْباض.

قَالَ أَبو حَاتِمٍ: الَّذِي يَكُونُ فِي بُطُونِ الْبَهَائِمِ مُتَثَنِّيًا المَرْبِضُ، وَالَّذِي أَكبر مِنْهَا الأَمْغالُ، وَاحِدُهَا مُغْل، وَالَّذِي مِثْلُ الأَثْناء حَفِثٌ وفَحِثٌ، وَالْجَمْعُ أَحفاثٌ وأَفحاثٌ.

وربَّضْتُه بِالْمَكَانِ: ثَبَّتُّه.

اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ إِنه لرُبُضٌ عَنِ الْحَاجَاتِ وَعَنِ الأَسفار عَلَى فُعُل أَي لَا يَخْرُجُ فِيهَا.

والرَّبَضُ والرُّبُضُ والرُّبَضُ: امرأَة الرَّجُلِ لأَنها تُرَبِّضُه أَي تُثَبِّتُه فَلَا يَبْرَحُ.

ورَبَضُ الرَّجُلِ ورُبْضُه: امرأَته.

وَفِي حَدِيثِ نَجَبةَ: «زوَّج ابنتَه مِنْ رَجُلٍ وجَهَّزَها وَقَالَ لَا يَبِيتُ عَزَبًا وَلَهُ عِنْدَنَا رَبَضٌ»؛ رَبَضُ الرَّجُلِ: امرأَتُه الَّتِي تَقُومُ بشأْنه، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَنِ اسْتَرَحْتَ إِليه كالأُمّ والبنتوالأُخت وَكَالْغَنَمِ والمَعيشةِ والقُوت.

ابْنُ الأَعرابي: الرَّبْضُ والرُّبْضُ والرَّبَضُ الزَّوْجَةُ أَو الأُم أَو الأُخت تُعَزّبُ ذَا قَرابَتِها.

وَيُقَالُ: مَا رَبَضَ امْرأً مِثْلُ أُخْت.

والرُّبُضُ: جَمَاعَةُ الشَّجَرِ المُلْتَفّ.

ودَوْحَةٌ رَبُوضٌ: عَظِيمَةٌ وَاحِدَةٌ.

والرَّبُوضُ: الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ.

الْجَوْهَرِيُّ: شَجَرَةٌ رَبُوضٌ أَي عَظِيمَةٌ غَلِيظَةٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

تَجَوَّفَ كلَّ أَرْطاةٍ رَبُوضٍ، ***مِنَ الدَّهْنا تَفَرَّعَتِ الحِبالا

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


15-لسان العرب (فكه)

فكه: الفاكهةُ: معروفةٌ وأَجْناسُها الفَواكهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ شَيْءٍ قَدْ سُمِّيَ مِنَ الثِّمار فِي القُرآن نَحْوُ العِنَب والرُّمّان فَإِنَّا لَا نُسَمِّيه فَاكِهَةً، قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ أَن لَا يأْكل فَاكِهَةً فأَكل عِنَبًا ورُمّانًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يكنْ حَانِثًا.

وَقَالَ آخَرُونَ: كلُّ الثِّمار فاكهةٌ، وَإِنَّمَا كُرِّرَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}؛ لتَفْضِيل النخلِ والرُّمَّان عَلَى سَائِرِ الْفَوَاكِهِ دُونَهما، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}؛ فَكَرَّرَ هَؤُلَاءِ لِلتَّفْضِيلِ عَلَى النَّبِيِّين وَلَمْ يَخْرُجوا مِنْهُمْ.

قَالَ الأَزهري: وَمَا عَلِمْتُ أَحدًا مِنَ الْعَرَبِ قَالَ إنَّ النخيلَ والكُرومَ ثِمارُها لَيْسَتْ مِنَ الْفَاكِهَةِ، وَإِنَّمَا شَذَّ قَوْلُ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي هَذِهِ المسأَلة عَنْ أَقاويل جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الأَمصار لِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وعلمِ اللُّغَةِ وتأْويلِ القُرآن الْعَرَبِيِّ المُبين، وَالْعَرَبُ تَذْكُر الأَشياء جُمْلَةً ثُمَّ تَخُصُّ مِنْهَا شَيْئًا بِالتَّسْمِيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى فَضْلٍ فِيهِ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ}؛ فَمَنْ قَالَ إِنَّ جِبْريلَ ومِيكالَ لَيْسَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لإِفْرادِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمَا بِالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْر الْمَلَائِكَةِ جُمْلةً فَهُوَ كَافِرٌ، لأَن اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وبَيَّنه، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ إِنَّ ثمرَ النخلِ والرُّمانِ لَيْسَ فَاكِهَةً لإِفراد اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بِالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَاكِهَةِ جُمْلة فَهُوَ جَاهِلٌ، وَهُوَ خلافُ الْمَعْقُولِ وخلافُ لُغَةِ الْعَرَبِ.

ورجلٌ فَكِهٌ: يأْكل الفاكِهةَ، وفاكِهٌ: عِنْدَهُ فَاكِهَةٌ، وكلاهُما عَلَى النَّسَب.

أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: الْفَاكِهُ الَّذِي كَثُرَتْ فاكِهتُه، والفَكِهُ: الَّذِي يَنالُ مِنْ أَعراضِ الناسِ، والفاكهانِيُّ: الَّذِي يَبِيعُ الفاكهةَ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُقَالُ لِبَائِعِ الْفَاكِهَةِ فَكَّاه، كَمَا قَالُوا لَبّان ونَبّال، لأَن هَذَا الضَّرْبَ إِنَّمَا هُوَ سَمَاعِيٌّ لَا اطِّراديّ.

وفَكَّهَ القومَ بالفاكِهة: أَتاهم بِهَا.

وَالْفَاكِهَةُ أَيضًا: الحَلْواءُ عَلَى التَّشْبِيهِ.

وفَكَّهَهُم بمُلَح الْكَلَامِ: أَطْرَفَهُم، والاسمُ الفكِيهةُ والفُكاهةُ، بِالضَّمِّ، وَالْمَصْدَرُ الْمُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفِعْلُ الفَكاهةُ.

الْجَوْهَرِيُّ: الفَكاهةُ، بِالْفَتْحِ، مصدرُ فَكِهَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ فَكِهٌ إِذَا كَانَ طَيِّبَ النَّفْس مَزّاحًا، والفاكهُ المزّاحُ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍ »؛ الفاكهُ: المازحُ.

وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: « أَنه كَانَ مِنْ أَفْكَهِ الناسِ إِذَا خَلَا مَعَ أَهله »؛ " وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَربعٌ لَيْسَ غِيبَتُهن بغيبةٍ، مِنْهُمُ المُتَفَكِّهون بالأُمَّهات "؛ هُمُ الَّذِينَ يَشْتُمُونَهُنَّ مُمازِحِين.

والفُكاهةُ، بِالضَّمِّ: المِزاحُ، وَقِيلَ: الفاكهُ ذُو الفُكاهة كَالتَّامِرِ واللَّابن.

والتَّفاكُهُ: التَّمازُحُ.

وفاكَهْتُ القومَ مُفاكَهةً بمُلَحِ الكلامِ والمِزاحِ، والمُفاكهَةُ: المُمازحَةُ.

وَفِي الْمَثَلِ: لَا تُفاكِه أَمَهْ وَلَا تَبُلْ عَلَى أَكَمَهْ.

والفَكِهُ: الطَّيِّبُ النَّفْسِ، وَقَدْ فَكِهَ فَكَهًا.

أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ فَكِهٌ وفاكِهٌ وفَيْكَهان، وَهُوَ الطَّيِّبُ النَّفْسِ المزَّاحُ؛ وأَنشد:

إِذَا فَيْكهانٌ ذُو مُلاءٍ ولِمَّةٍ، ***قَلِيلُ الأَذَى، فِيمَا يُرَى الناسُ، مُسْلِمُ

وفاكَهْتُ: مازَحْتُ.

وَيُقَالُ للمرأَة: فَكِهةٌ، وَلِلنِّسَاءِ فَكِهات.

وتَفَكَّهْتُ بِالشَّيْءِ: تَمَتَّعْتُ بِهِ.

وَيُقَالُ: تَرَكْتُ القومَ يتَفَكَّهُون بفلانٍ أَي يَغْتابونه ويتَناولونَ مِنْهُ.

والفَكِهُ: الَّذِي يُحَدِّث أَصحابَه ويُضْحِكُهم.

وفَكِهَ مِنْ كَذَا وَكَذَا وتفَكَّه: عَجِبَ.

تَقُولُ: تفَكَّهْنا مِنْ كَذَا وَكَذَا أَيْ تعَجَّبْنا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}؛ أَي تتَعجَّبُونَ مِمَّا نَزَلَ بِكُمْ فِي زَرْعِكم.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ}؛ أَي نَاعِمَيْنِ مُعْجبينَ بِمَا هُمْ فِيهِ، وَمَنْ قرأَ فَكِهينَ يَقُولُ فَرِحِين.

والفاكِهُ: النَّاعِمُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ}.

والفَكِهُ: المُعْجب.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: لَوْ سَمِعْتَ حَدِيثَ فُلَانٍ لَمَا فَكِهْتَ لَهُ أَي لَمَا أَعجبك.

وَقَوْلُهُ تعالى: {فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ}؛ أَي مُتعجِّبون ناعِمون بِمَا هُمْ فِيهِ.

الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ: فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ، بالأَلف، ويقرأُ فَكِهُون، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حَذِرُون وحاذِرُون؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمَّا قُرِئَ بِالْحَرْفَيْنِ فِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ عُلِمَ أَن مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.

أَبو عُبَيْدٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ يَتَفَكَّه بِالطَّعَامِ أَو بالفاكهةِ أَو بأَعْراضِ النَّاسِ إِنَّ فُلَانًا لَفَكِهٌ بِكَذَا وَكَذَا؛ وأَنشد:

فَكِهٌ إِلَى جَنْبِ الخِوانِ، إِذَا غَدتْ ***نَكْباء تَقْطَعُ ثابتَ الأَطْنابِ

والفَكِهُ: الأَشِرُ البَطِرُ.

والفاكِهُ: مِنَ التَّفَكُّهِ.

وَقُرِئَ: ونَعْمةٍ كَانُوا فِيهَا فَكِهينَ، أَي أَشِرينَ، وفاكِهِينَ أَي نَاعِمَيْنِ.

التَّهْذِيبُ: أَهل التَّفْسِيرِ يَخْتَارُونَ مَا كَانَ فِي وَصْفِ أَهل الْجَنَّةِ فاكِهِينَ، وَمَا فِي وَصْفِ أَهْلِ النَّارِ فَكِهِينَ أَي أَشِرينَ بَطِرين.

قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فاكِهِينَ}؛ قَالَ: مُعْجبين بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرِئَ فَكِهينَ وفاكِهِينَ" جَمِيعًا، وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَى فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ أَي مُعْجبين.

والتَّفَكُّهُ: التنَدُّمُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}؛ مَعْنَاهُ تَنَدَّمُون، وَكَذَلِكَ تَفَكَّنُون، وَهِيَ لُغَةٌ لِعُكْل.

اللِّحْيَانِيُّ: أَزْدُ شَنُوءَة يَقُولُونَ يتَفكَّهُون، وتميمٌ تقولُ يتَفَكَّنُون أَي يتندَّمُون.

ابْنُ الأَعرابي: تفَكَّهْتُ وتفَكَّنْتُ أَي تندَّمْت.

وأَفْكَهَتِ النَّاقَةُ إِذَا رأَيت فِي لَبَنِهَا خُثورةً شِبْهَ اللِّبَإِ.

والمُفْكِه مِنَ الإِبلِ: الَّتِي يُهَراق لَبَنُها عِنْدَ النِّتاج قَبْلَ أَن تَضَعَ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ.

وأَفْكَهَت الناقةُ إِذَا دَرَّتْ عِنْدَ أَكل الرَّبِيعِ قَبْلَ أَن تَضَع، فَهِيَ مُفْكِهٌ.

قَالَ شَمِرٌ: نَاقَةٌ مُفْكِهةٌ ومُفْكِهٌ، وَذَلِكَ إِذَا أَقْرَبَتْ فاسْتَرْخَى صَلَواها وعَظُمَ ضَرْعُها وَدَنَا نِتاجها؛ قَالَ الأَحْوص:

بَنِي عَمِّنا، لَا تَبْعَثُوا الحَرْبَ، إِنَّنِي ***أَرى الحربَ أَمْسَتْ مُفْكِهًا قَدْ أَصَنَّتِ

قَالَ شَمِرٌ: أَصَنَّت استَرْخى صَلَواها وَدَنَا "نِتاجُها؛ وأَنشد:

مُفْكِهة أَدْنَتْ عَلَى رأْسِ الوَلَدْ، ***قَدْ أَقْرَبَتْ نَتْجًا، وحانَ أَنْ تَلِدْ

أَيْ حانَ وِلادُها.

قَالَ: وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَ المُفْكِهة مُقْرِبًا مِنَ الإِبل وَالْخَيْلِ والحُمُر وَالشَّاءِ، وبعضُهم يَجْعَلُهَا حِينَ اسْتَبَانَ حَمَلُهَا، وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَ المُفْكِهةَ والدافِعَ سَواء.

وفاكهٌ: اسْمٌ.

والفاكهُ: ابنُ المُغِيرة المَخْزُوميّ عَمُّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.

وفُكَيْهةُ: اسْمُ امرأَة، يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَصْغِيرُ فَكِهةٍ الَّتِي هِيَ الطَّيِّبةُ النَّفْس الضَّحوكُ، وأَن يَكُونَ تصغيرَ فاكهةٍ مُرَخَّمًا؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:

تقولُ إِذَا استَهْلَكْتُ مَالًا لِلَذَّة ***فُكَيْهةُ: هَشَّيْءٌ بكَفَّيْكَ لائِقُ؟

يُرِيدُ: هلْ شيءٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


16-لسان العرب (خفا)

خفا: خفو خفا البَرْقُ خفو خَفْوًا وخفو خُفُوًّا: لَمعَ.

وخفو خَفَا الشيءُ خفو "خَفْوًا: ظَهَر.

وخَفَى الشيءَ خَفْيًا وخُفِيًّا: أَظهره وَاسْتَخْرَجَهُ.

يُقَالُ: خَفَى المطرُ الفِئَارَ إِذا أَخرَجهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنّ أَي مِنْ جِحَرَتِهِنَّ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ فَرَسًا:

خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنَّ، كأَنَّما ***خَفاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ سَحَابٍ مُرَكَّبِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي وَقَعَ فِي شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ مِنْ عَشِيّ مُجَلِّبِ؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الكِنْدي أَنشده اللِّحْيَانِيُّ:

فإِنْ تَكْتُمُوا السِّرَّ لَا نَخْفِه، ***وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لَا نَقْعُد

قَوْلُهُ لَا نَخْفِه أَي لَا نُظْهِرْه.

وَقُرِئَ قَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ الساعةَ آتِيةٌ أَكادُ أَخْفِيها}، أَي أُظْهِرُها؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.

وخَفَيْتُ الشيءَ أَخْفِيه: كتَمْتُه.

وخَفَيْتُه أَيضًا: أَظْهَرْتُه، وَهُوَ مِنَ الأَضداد.

وأَخْفَيْتُ الشيءَ: سَتَرْتُه وكتَمْتُه.

وشيءٌ خَفِيٌّ: خافٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى خَفايا.

وخَفِيَ عَلَيْهِ الأَمرُ يَخْفَى خَفاءً، مَمْدُودٌ.

اللَّيْثُ: أَخْفَيْتُ الصوتَ وأَنا أُخْفِيه إِخْفَاءً وَفِعْلُهُ اللازمُ اخْتَفَى.

قَالَ الأَزهري: الأَكثر اسْتَخْفَى لَا اخْتَفَى، واخْتَفَى لغةٌ لَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَمّا اخْتَفَى بِمَعْنَى خَفِيَ فلغةٌ وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ وَلَا بالمُنْكَرة.

والخَفِيَّةُ: الرَّكِيَّة الَّتِي حُفِرت ثُمَّ تُرِكتْ حَتَّى انْدَفَنَتْ ثُمَّ انْتُثِلَت واحتُفِرَتْ ونُقِّيَتْ، سَمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها استُخرجت وأُظْهِرَتْ.

واخْتَفَى الشيءَ: كخَفاه، افْتَعَل مِنْهُ؛ قَالَ:

فاعْصَوْصَبُوا ثُمَّ جَسُّوهُ بأَعْيُنِهِمْ، ***ثُمَّ اخْتَفَوْهُ، وقَرْنُ الشَّمسِ قَدْ زَالَا

واخْتَفَيْت الشيءَ: استَخْرَجته.

والمُخْتَفِي: النَّبَّاشُ لاسْتِخراجه أَكفانَ الْمَوْتَى، مَدَنِيَّةٌ.

قَالَ ثَعْلَبٌ: وَفِي الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى المُخْتَفي قَطْعٌ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ رَباح: « السُّنَّة أَنْ تُقْطَع اليدُ المُسْتَخْفِية وَلَا تُقْطَعَ اليدُ المُسْتَعْلِية »؛ يُرِيدُ بالمُسْتَخْفِية يَدَ السَّارِقِ والنَّبَّاشِ، وبالمُسْتَعْلِية يَدَ الْغَاصِبِ وَالنَّاهِبِ ومَن فِي مَعْنَاهُمَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: « لَعَنَ المُخْتَفِيَ والمُخْتَفِيَة »؛ المُخْتَفِي: النَّبَّاشُ، وَهُوَ مِنَ الِاخْتِفَاءِ وَالِاسْتِتَارِ لأَنه يَسْرُق فِي خُفْية.

وَفِي الْحَدِيثِ: « مَن اخْتَفَى مَيِّتًا فكأَنَّما قتَلَه».

وخَفِيَ الشيءُ خَفَاءً، فَهُوَ خافٍ وخَفِيٌّ: لَمْ يَظْهَرْ.

وخَفاه هُوَ وأَخْفاهُ: سَتَرَه وكتَمَه.

وفي التنزيل: إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها}؛ أَي أَسْتُرها وأُوارِيها؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ.

وَفِي حَرْف أُبَيٍّ: أَكادُ أُخْفِيها مِنْ نَفْسِي "؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: أُخْفيها يَكُونُ أُزيلُ خَفاءها أَي غِطاءَها، كَمَا تَقُولُ أَشكيته إِذا زُلْتَ لَهُ عَمَّا يَشْكوه؛ قَالَ الأَخفش: وَقُرِئَتْ" أَكاد أَخْفِيها أَي أُظْهرها لأَنك تَقُولُ خَفَيْتُ السرَّ أَي أَظْهرته.

وَفِي الْحَدِيثِ: « مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَو تَخْتَفُوا بَقْلًا »أَي تُظهروه، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ وَالْحَاءِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَكادُ أُخْفِيها، فِي التَّفْسِيرِ، مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُطْلِعُكُم عَلَيْهَا.

والخَفاءُ، مَمْدُودٌ: مَا خَفِيَ عَلَيْكَ.

والخَفا، مَقْصُورٌ: هُوَ الشَّيْءُ الْخَافِي؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وعالِمِ السِّرِّ وعالِمِ الخَفا، ***لَقَدْ مَدَدْنا أَيْدِيًا بَعْدَ الرَّجَا

وَقَالَ أُمية:

تُسَبِّحهُ الطَّيْرُ الكَوامِنُ فِي الخَفا، ***وإِذْ هِيَ فِي جَوِّ السماءِ تَصَعَّدُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ الْقَالِي خَفَيْت أَظْهَرْتُ لَا غَيْرُ، وأَما أَخْفَيْت فَيَكُونُ للأَمرين وغَلَّطَ الأَصمعي وأَبا عُبَيْدٍ القاسمَ بنَ سَلَّامٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه كَانَ يَخْفِي صَوتَه بِآمِينَ »؛ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ مَنْ خَفَى يَخْفِي إِذا أَظْهَر كَقَوْلِهِ تعالى: {إِن السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكاد أَخْفِيها}، عَلَى إِحدى الْقِرَاءَتَيْنِ.

والخَفاء والخَافِي والخَافِيَة: الشيءُ الخَفِيُّ.

قَالَ الليث: الخُفْية [الخِفْية] مِنْ قَوْلِكَ أَخْفَيْت الشيءَ أَي سَتَرْته، وَلَقِيتُهُ خَفِيًّا أَي سِرًّا.

والخَافِيَة: نَقِيضُ الْعَلَانِيَةِ.

وفَعَلَه خَفِيًّا وخِفْية، بكسر الخاء، وخفو خِفْوة عَلَى المُعاقَبة.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}؛ أَي خَاضِعِينَ مُتَعَبِّدِين، وَقِيلَ أَي اعْتَقِدوا عبادَته فِي أَنفسكم لأَن الدُّعَاءَ مَعْنَاهُ الْعِبَادَةُ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَن تَذْكُرَهُ فِي نَفْسِكَ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: خُفْية فِي خَفْضٍ وَسُكُونٍ، وتضَرُّعًا تَمَسْكُنًا.

وَحُكِيَ أَيضًا: خَفِيتُ لَهُ خِفْية وخُفْية أَي اخْتَفَيْت؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

حَفِظْتُ إِزاري، مُذْ نَشَأْتُ، وَلَمْ أَضَعْ ***إِزاري إِلى مُسْتَخْدَماتِ الوَلائِدِ

وأَبْناؤُهُنَّ المُسْلمون، إِذا بَدا ***لَكَ المَوْتُ وارْبَدَّتْ وجوهُ الأَساوِدِ

وهُنَّ الأُلى يَأْكُلْنَ زادَكَ خفو خِفْوَةً ***وهَمْسًا، ويُوطِئْنَ، السُّرى، كُلَّ خابِطِ

أَي حفِظْت فَرْجي وَهُوَ مَوْضِعُ الإِزار أَي لَمْ أَجعل نَفْسِي إِلى الإِماء، وَقَوْلُهُ: يأْكُلْن زادَك خفو خِفْوَة، يَقُولُ: يَسْرِقْنَ زَادَكَ فإِذا رأَينَك تَموت تركْنَك، وَقَوْلُهُ: ويُوطِئْن السُّرى كلَّ خابِطِ، يُرِيدُ كُلُّ مَنْ يأْتِيهن بِاللَّيْلِ يُمَكِّنَّهُ مِنْ أَنفُسِهن.

واسْتَخْفَى مِنْهُ: اسْتَتَر وَتَوَارَى.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ}؛ وَكَذَلِكَ اخْتَفَى، وَلَا تَقُل اخْتَفَيْت.

وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْفَرَّاءُ حَكَى أَنه قَدْ جَاءَ اخْتَفَيْت بِمَعْنَى اسْتَخَفْيت؛ وأَنشد:

أَصْبَحَ الثعلبُ يَسْمُو لِلعُلا، ***واخْتَفَى مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ الأَسَدْ

فَهُوَ عَلَى هَذَا مُطاوِع أَخْفَيْته فاخْتَفَى كَمَا تَقُولُ أَحْرَقْته فاحْتَرَق، وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ}، قَالَ: المُسْتَخْفِي الظَّاهِرُ، والسَّارِبُ المُتَواري؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أَي مُسْتَتر وسارِبٌ بِالنَّهَارِ ظَاهِرٌ كأَنه قَالَ الظَّاهِرُ والخَفِيُّ عِنْدَهُ جَلَّ وَعَزَّ وَاحِدٌ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُ الأَخفش المُسْتَخْفِي الظَّاهِرُ خَطَأً والمُسْتَخْفِي بِمَعْنَى المُسْتتر كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ، وأَما الاخْتِفاء فَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما بِمَعْنَى خَفِيَ، وَالْآخَرُ بِمَعْنَى الاسْتِخْراج؛ وَمِنْهُ قِيلَ للنَّبَّاش المُخْتَفي، وجاءَ خَفَيْت بِمَعْنَيَيْنِ وَكَذَلِكَ أَخْفَيْت، وَكَلَامُ الْعَرَبِ الْعَالِي أَن تَقُولَ خَفَيْت الشيءَ أَخْفِيه أَي أَظهرته.

واسْتَخْفَيت مِنْ فُلَانٍ أَي تَوارَيْت واسْتَترت وَلَا يَكُونُ بِمَعْنَى الظُّهُورِ.

واخْتَفَى دمَهُ: قَتَلَه مِنْ غَيْرِ أَن يُعْلَم بِهِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الغَنَوِيّ لأَبي الْعَالِيَةِ: إِن بَني عامِرٍ أَرادوا أَن يَخْتَفُوا دَمي.

وَالنُّونُ الخَفِيَّة: السَّاكِنَةُ وَيُقَالُ لَهَا الخَفِيفة أَيضًا.

والخِفاء: رِداءٌ تَلْبَسُه العَرُوس عَلَى ثَوْبها فَتُخْفِيه بِهِ.

وكلُّ مَا سَتَر شَيْئًا فَهُوَ لَهُ خِفاءٌ.

وأَخْفِيَة النَّوْرِ: أَكِمَّتُه.

وأَخْفِيَة الكَرَى: الأَعينُ؛ قَالَ:

لَقَدْ عَلِمَ الأَيْقاظُ أَخْفِيةَ الكَرَى ***تَزَجُّجَها مِنْ حالِكٍ، واكْتِحالَها

والأَخْفِية: الأَكْسِيَة، وَالْوَاحِدُ خِفَاءٌ لأَنها تُلْقى عَلَى السِّقاءِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَذُمُّ قَوْمًا وأَنهم لَا يَبْرَحون بيوتَهم وَلَا يَحْضُرُونَ الْحَرْبَ:

فَفِي تلكَ أَحْلاسُ البُيوتِ لَواصِفٌ، ***وأَخْفِيَةٌ مَا هُمْ تُجَرُّ وتُسْحَبُ

وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: « سَقَطْتُ كأَني خِفاءٌ »؛ الخِفَاء: الكِساء.

وكلُّ شيءٍ غطَّيْت بِهِ شَيْئًا فَهُوَ خِفاءٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَ »؛ هُوَ المعتَزِل عَنِ النَّاسِ الَّذِي يَخْفَى عَلَيْهِمْ مكانُه.

وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ: « أَخْفِ عنَّا»؛ أي اسْتُر الخَبَر لِمَنْ سأَلك عنَّا.

وَفِي الْحَدِيثِ: « خيرُ الذّكْرِ الخَفِيُ »أَي ما أَخْفاه الذاكره وسَتَره عَنِ النَّاسِ؛ قَالَ الْحَرْبِيُّ: الَّذِي عِنْدِي أَنه الشُّهْرَةُ وَانْتِشَارُ خَبَرِ الرَّجُلِ لأَن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَجاب ابنَه عُمَر عَلَى مَا أَراده عَلَيْهِ مِنَ الظُّهُورِ وَطَلَبِ الْخِلَافَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.

والخَافِي: الجِنُّ، وَقِيلَ الإِنْس؛ قَالَ أَعْشى باهِلَة:

يَمْشي بِبَيْداءَ لَا يَمْشي بِهَا أَحَدٌ، ***وَلَا يُحَسُّ مِنَ الخَافِي بِهَا أَثَرُ

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَصابها رِيحٌ مِنَ الخَافِي أَي مِنَ الجِنِّ.

وَقَالَ ابْنُ مُناذِرٍ: الخَافِية مَا يَخْفى فِي البَدَن مِنَ الجِنِّ.

يُقَالُ: بِهِ خَفِيَّة أَي لَمَم ومَسٌّ.

والخَافِيَة والخَافِياءُ: كَالْخَافِي، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ خَوافٍ.

حَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْعَرَبِ أَيضًا: أَصابه رِيحٌ مِنَ الخَوَافِي؛ قَالَ: هُوَ جَمْعُ الخَافِي يَعْنِي الَّذِي هُوَ الجِنُّ، وَعِنْدِي أَنهم إِذا عَنَوْا بالخَافِي الجِنَّ فَهُوَ مِنَ الِاسْتِتَارِ، وإِذا عَنَوا بِهِ الإِنسَ فَهُوَ مِنَ الظُّهُورِ وَالِانْتِشَارِ.

وأَرضٌ خافيةٌ: بِهَا جِنٌّ؛ قَالَ المَرَّار الْفَقْعَسِيُّ:

إِليك عَسَفْتُ خَافِيَةً وإِنْسًا ***وغِيطانًا، بِها للرَّكْبِ غُولُ

وَفِي الْحَدِيثِ: « إِن الحَزَاةَ يَشْرَبُها أَكايِس النِّسَاءِ للخَافِية والإِقْلاتِ »؛ الخَافِية: الجِنُّ سُمُّوا بِذَلِكَ لاسْتِتارهم عَنِ الأَبصار.

وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا تُحْدِثُوا فِي القَرَعِ فإِنه مُصَلَّى الخَافِين »؛ والقَرَعُ، بِالتَّحْرِيكِ: قِطعٌ مِنَ الأَرض بَيْنَ الكَلإِ لَا نَباتَ بِهَا.

والخَوَافِي: رِيشَات إِذا ضَمَّ الطائرُ جَناحَيْه خَفِيت؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الرِّيشَات الأَربع اللَّوَاتِي بعدَ المَناكِب، وَالْقَوْلَانِ مُقْتربان؛ وَقَالَ ابْنُ جَبَلة: الخَوَافِي سبعُ رِيشات يَكُنَّ فِي الجَناحِ بَعْدَ السبْع المُقَدَّمات، هَكَذَا وَقَعَ فِي الْحِكَايَةِ عَنْهُ، وإِنما حَكَى النَّاسُ أَربعٌ قَوادِمُ وأَربعٌ خَوافٍ، وَاحِدَتُهَا خَافِية.

وَقَالَ الأَصمعي: الخَوَافِي مَا دُونَ الرِّيشَاتِ الْعَشْرِ مِنْ مُقَدَّمِ الجَناح.

وَفِي الْحَدِيثِ: « إِن مَدينةَ قَومِ لُوطٍ حَمَلَها جِبْريل، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى خَوافِي جَناحِه »؛ قَالَ: هِيَ الرِّيشُ الصِّغَارُ الَّتِي فِي جَناحِ الطَّائِرِ ضِدُّ القَوادِم، واحدَتُها خَافِيَة.

وَفِي حَدِيثِ أَبي سُفْيَانَ: « وَمَعِي خَنْجَرٌ مثلُ خَافِيَة النَّسْرِ »؛ يُرِيدُ أَنه صَغِيرٌ.

والخَوَافِي: السَّعَفات اللَّواتي يَلِينَ القِلَبةَ، نَجْديةٌ، وَهِيَ فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ العَوَاهِنُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ السَّعَفات اللَّواتِي دُون القِلَبة، وَالْوَاحِدَةُ كَالْوَاحِدَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ السَّتْرِ.

والخَفِيّة: غَيْضة مُلْتَفّة يتّخِذُها الأَسدَ عَرِينَهُ وَهِيَ خَفِيّته؛ وأَنشد:

أُسود شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ، ***تَسَاقَيْنَ سُمًّا كُلُّهُنّ خَوادِرُ

وَفِي الْمُحْكَمِ: هِيَ غَيْضَةٌ مُلْتَفَّة يَتَّخِذُ فِيهَا الأَسد عِرِّيسًا فَيَسْتَتِرُ هُنَالِكَ، وَقِيلَ: خَفِيَّةُ وشَرىً اسْمَانِ لموضِعين عَلَمان؛ قَالَ:

ونحنُ قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ ***فَمَا شَرِبُوا، بَعْدًا عَلَى لَذَّةٍ، خَمْرَا

وَقَوْلُهُمْ: أُسُودُ خَفِيَّةٍ كَمَا تَقُولُ أُسُود حَلْيَةٍ، وَهُمَا مَأْسَدَتان؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: السَّمَاعُ أُسُود خَفِيَّةٍ وَالصَّوَابُ خفِيَّةَ، غيرَ مَصْرُوفٍ، وإِنما يُصْرَفُ فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِ الأَشهب بْنِ رُميلة:

أُسُودُ شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ، ***تَسَاقَوْا، عَلَى لَوحٍ، دِماءَ الأَساوِدِ

والخَفِيَّةُ بئرٌ كَانَتْ عادِيَّةً فانْدَفَنَتْ ثُمَّ حُفِرَتْ، وَالْجَمْعُ الخَفَايا والخَفِيَّات.

والخَفِيَّة: البئرُ القَعِيرَةُ لِخَفاءِ مَائِها.

وخفو خَفَا البَرْقُ خفو يَخْفُو خفو "خَفْوًا وخَفَا البَرْقُ وخَفِيَ خَفْيًا فِيهِمَا؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: بَرَق بَرْقًا خَفِيًّا ضَعِيفًا مُعْتَرِضًا فِي نَواحي الْغَيْمِ، فإِن لَمَع قَلِيلًا ثُمَّ سَكَن وَلَيْسَ لَهُ اعْتِرَاضٌ فَهُوَ الوَمِيضُ، وإِن شَقَّ الغَيْم واسْتَطال فِي الجَوِّ إِلى السماءِ مِنْ غَيْرِ أَن يأْخُذَ يَمينًا وَلَا شِمَالًا فَهُوَ العَقِيقَة؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الوَميضُ أَن يُومِضَ البَرْق إِيماضَة خَفِيفَة ثُمَّ يَخْفى ثُمَّ يُومِض، وَلَيْسَ فِي هَذَا يأْس مِنَ الْمَطَرُ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: خفو" الخَفْوُ اعْتِراض البَرْق فِي نَواحِي السَّمَاءِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه سأَلَ عَنِ البَرْق فَقال أَخفو خَفْوًا أَم ومِيضًا».

وخَفا البَرْقُ إِذا بَرَق بَرْقًا ضَعِيفًا.

وَرَجُلٌ خَفِيُّ البَطْنِ: ضَامره خَفيفُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

فَقامَ، فأَدْنَى مِن وِسادي وِسادَهُ، ***خَفِيَ البَطْنِ ممْشُوقُ القَوائِمِ شَوْذَبُ

وَقَوْلُهُمْ: بَرِحَ الخَفَاءُ أَي وضَحَ الأَمرُ وَذَلِكَ إِذا ظَهَرَ.

وَصَارَ فِي بَراحٍ أَي فِي أَمر مُنْكَشِفٍ، وَقِيلَ: بَرِحَ الخَفَاءُ أَي زَالَ الخَفاء، قَالَ: والأَول أَجود.

قَالَ بعضهم: الخَفاءُ المُتَطَأْطِيءُ مِنَ الأَرض الخَفِيُّ، والبَراحُ الْمُرْتَفِعُ الظاهرُ، يَقُولُ صَارَ ذَلِكَ المُتَطَأْطِئُ مُرْتَفِعًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الخَفَاءُ هُنَا السِّرّ فَيَقُولُ ظهَر السِّرّ، لأَنا قَدْ قَدَّمْنَا أَن البَراحَ الظاهرُ المُرْتَفِع؛ قَالَ يَعْقُوبُ: وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ إِذا حَسُن مِنَ المرأَة خَفِيَّاها حَسُنْ سائرُها؛ يَعْنِي صَوْتَها وأَثَرَ وطْئِها الأَرضَ، لأَنها إِذا كَانَتْ رخيمةَ الصَّوْتِ دلَّ ذَلِكَ عَلَى خَفَرِها، وإِذا كَانَتْ مُقارِبة الخُطى وتَمَكَّنَ أَثرُ وطْئِها فِي الأَرض دلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنّ لَهَا أَرْدافًا وأَوْراكًا.

اللَّيْثُ: والخِفاءُ رِداءٌ تَلْبَسه المرأَة فَوْقَ ثِيَابِهَا.

وكلُّ شَيْءٍ غطَّيْته بِشَيْءٍ مِنْ كِسَاءٍ أَو نَحْوِهِ فَهُوَ خِفاؤُه، وَالْجَمْعُ الأَخْفِيَة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

عَلَيْهِ زادٌ وأَهْدامٌ وأَخْفِيَة، ***قَدْ كَادَ يَجْتَرُّها عَنْ ظَهْرِه الحَقَب

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


17-تهذيب اللغة (فكه)

فكه: قال الليث: الفاكهة قد اختُلف فيها، فقال بعض العلماء: كلُّ شيء قد سُمِّي من الثمار في القرآن نحو العِنَب والرُّمّان فإنَّا لا نسمّيه فاكهة.

قال: ولو حَلَف أنْ لا يأكل فاكهةً فأكل عِنَبًا ورُمَّانًا لم يكن حانثًا.

وقال آخرون: كلُّ الثِّمارِ فاكهة وإنَّما كُرِّر في القرآن فقال جلّ وعزّ: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرَّحمن: 68] لتفضيل النّخْل والرُّمّان على سائر الفواكِه.

ومِثله قول الله جلّ وعزّ: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزَاب: 7] فكرّر هؤلاء للتفضيل على النبيِّين ولم يخرجوا منهم.

قلتُ: وما علمتُ أحدًا من العَرب قال في النَّخيل والكُرومِ وثِمارِهما إنّها ليست من

الفاكهة، وإنما شذّ قولُ النُّعمان بنِ ثابت في هذه المسألة عن أَقاويل جماعةِ فقهاء الأمصار لقلِّةِ عِلْمه كان بكلامِ العَرب وعِلم اللغة وتأويلِ القرآن العربيّ المبين.

والعربُ تَذكُر الأشياءَ جُملةً ثمَّ تخصُّ منها شيئًا بالتَّسْمية تنبيهًا على فضْلٍ فيه.

قال الله جلّ وعزّ: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} [البَقَرَة: 98] فمن قال إنَّ جِبريل وميكال ليسا من الملائكة لإفراد الله إيَّاهما بالتّسمية بعد ذِكر الملائكة جملة فهو كافر؛ لأن الله نص على ذلك وبيَّنه، وكذلك من قال إن ثمر النخل والرمان ليس من الفاكهة: لإفراد الله إياهما بالتسمية بعد ذكر الفاكهة جملةً فهو جاهل، لأن الله وإنْ أفرَدَهما بالتّسمِية فإنه لم يُحرِجهما من الفاكهة، ومن قال: إنَّهُما ليسا من الفاكهة فهو خلافُ المعقول، وخلاف ما تَعرفُه العرب.

وقال الليث: فَكَّهْتُ القومَ تفكِيهًا بالفاكهة.

قال: وفاكَهْتُ القومَ مُفاكَهةً بمُلَح الكلام والمُزاح، والاسم الفَكِيهةُ والفاكهة.

وتقول: تفكَّهْنا من كذا وكذا: تَعَجَّبْنَا.

ومنه قولُ الله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقِعَة: 65] أي تَعَجَّبون.

قال: وقولُ الله جلّ وعزّ: {فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ} [الطُّور: 18] أي ناعمين مُعجبين بما هم فيه، ومَنْ قرأ {فَكِهِينَ} فمعناه فَرِحِين.

قال: وسمعتُ أهلَ التفسيرِ يَختارُون ما كان في وصف أهل الجَنَّة فاكِهين، وما كان من وَصْف أهل النّار فَكِهين، يعني أَشرينَ بَطرين.

وقال الفرّاء في قول الله جلَّ وعزّ في صفة أهل الجنّة: {فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ} [يس: 55] بالألف، ويقرأ {فَكِهون} وهي بمنزلة حَذرُون و {حاذِرُونَ}.

قلتُ: لمَّا قرىء بالحرفين في صفة أهل الجنّة علم أَنَّ معناهما واحد.

وقال الفرّاءُ في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فاكِهِينَ} [الطور: 17، 18] قال: معجبين بما آتاهم ربُّهم.

وقال الزجّاج: قُرِىء {فَكِهين} و {فاكِهِينَ} [الطُّور: 18] جميعًا والنَّصب على الحال، ومعنى {فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ} [الطُّور: 18]: أي معجَبين بما آتاهم ربُّهم.

وقال أبو عُبَيدة: تقول العرب للرجل إذا كان يَتفكَّه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراضِ الناس: إنَّ فلانًا لَفَكِهٌ بكذا وكذا، وأنشد قوله:

فكِه إلى جَنْبِ الخِوَانِ إذا غَدَتْ *** نَكْبَاءُ تَقْطع ثابِتَ الأطنابِ

وقال أبو عُبَيد: قال أبو زيد: الفَكِهُ: الطَّيِّبُ النَّفْس الضَّحُوك.

وقال شمر: قال أبو زيد: رَجُلٌ فَكِهٌ وفاكِهٌ وفَيْكَهَانٌ، وهوَّ الطيِّبُ النّفس المَزَّاح.

وأنشد:

إذا فَيْكَهَانٌ ذو مُلَاء وَلِمَّةٍ *** قليل الأذَى فيما يرى الناسُ مُسلِمُ

قال: وفاكَهتُ: مازحت.

قال أبو عُبَيد في حديث زيدِ بنِ ثابت: إنّه كان من أفْكَه الناس إذا خَلَا مع أَهْلِه.

قال: الفاكِه ههنا: المازح، والاسمُ الفُكاهة.

والفاكِه أيضًا: النّاعم في قوله: {فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ} [يس: 55] والفَكِهُ: المعجب.

وقال الفرّاء في قول الله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقِعَة: 65] أي تتعجّبون مما نَزل بكم في زَرْعِكم.

قال: ويقال معنى {تَفَكَّهُونَ} تَنَدَّمون وكذلك تفكّنون، وهي لُغةٌ لِعُكْل.

وقال أبو معاذ النَّحوِيّ: الفاكِه الذي كَثُرَت فاكهتُه، والفَكِه: الذي يَنالُ من أعراض الناس.

وقال الفرَّاء في (المصادر): الفَكِه: الأشِر والفاكِهةُ: من التفَكه.

أبو عُبَيد، عن أبي زيدٍ قال: المُفْكِه من النُّوق: التي يُهَرَاقُ لَبَنُهَا عند النِّتاج قبل أن تَضَعَ وقد أَفْكَهَتْ.

وقال شمِر: ناقة مُفْكِهَةٌ ومُفْكِهٌ، وذلك إذا أَقْرَبَتْ فاستَرْخَى صَلَوَاها وعَظُم ضَرْعُها ودَنَا نِتاجُها.

وقال الأَحوَصُ:

بَنِي عمِّنا لا تَبعثوا الْحَرْبَ إنّني *** أَرَى الحَربَ أَمْسَتْ مُفْكِهًا قد أَصَنَّتِ

قال شمِر: أصنَّت: استرخَى صَلَواها ودنا نِتاجُها.

وأنشد:

مُفْكِهةٌ أدْنَتْ على رأسِ الوَلَدْ *** قد أقْرَبتْ نَتْجًا وحان أنْ تَلِدْ

أي: حان وِلادُها.

قال: وقومٌ يَجعلون الْمُفْكِهَةَ مُقرِبًا من الإبل والخَيل والحُمُر والشاء وبعضُهم يَجعلُها حين اسْتبان حَمْلُها، وقومٌ يَجعلون المفْكِهَ والدَّافعَ سواء.

وقال غيرُه: تركتُ القومَ يتفكّهون بفلانٍ أي يَغْتابونه ويتناوَلُون منه.

ويقال للمرأة: فَكِهَةٌ وللنساءِ فَكِهَاتٌ، وتصغر فُكَيْهَةٌ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


18-تهذيب اللغة (خفى)

خفى: قال الليث: أخْفَيْتُ الصوتَ، وأنا أُخْفِيه إخْفَاءً.

قال: وفِعْلُهُ اللازمُ: اخْتَفَى.

قلتُ: الأكْثرُ من كلام العرب: اسْتَخْفَى.

.

.

لا اخْتَفى.

و «اخْتَفَى»: لغةٌ ليست بالعالية.

أبو عبيد ـ عن الأصمعيِّ ـ: خَفَيْتُ الشيء: أظهرتُهُ وكتمتُهُ.

قال والرَّكِيَّةُ.

.

يقال لها: «خَفِيَّةٌ» لأنها استُخْرِجَت وأُظْهِرَتْ.

قال: و «أَخْفَيْتُ» ـ أيضًا ـ: مِثْلُهُ.

وقال الأخْفَشُ في قول الله جلّ وعزّ: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ} [الرّعد: 10].

قال: «المُسْتَخْفِي»: الظاهرُ.

و «السَّارِبُ»: الْمُتَوَارِي.

قال: ومَنْ قرَأ (أَكادُ أَخْفِيهَا) فمعناه: أظْهِرُها.

لأنّك تقول: خَفيْتُ السِّرَّ ـ أي: أظهرتُه.

وأنشد:

فَإنْ تَكْتُمُوا الدّاءَ لا نَخْفِهِ *** وَإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ

ورَوَى سَلَمة عن الفرَّاء: في قوله عزوجل: (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ).

«مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ» ـ أي: مُسْتَتِرٌ.

«وَسارِبٌ بِالنَّهارِ» ـ أي: ظاهر.

كأنه قال: الظاهر والخفيُ عنده ـ جلّ وعزّ ـ: واحِدٌ.

وقال في قوله جلّ وعزّ: {أَكادُ أُخْفِيها} [طه: 15]: في التفسير: «.

.

مِنْ نَفْسي.

.

فكيف أطلِعُكم عليها»؟.

قلتُ: وقول الأخفَش: «المُسْتَخْفي: الظاهِرُ».

.

خطَأٌ عند اللُّغَوِيِّينَ.

والقول ما قال الفرَّاءُ.

وأما «الاختِفَاءُ» فله معنيان: أحدُهما: بمعنى الاستخراج.

ومنه قيل للنَّبَّاش: المُخْتفِي.

والثاني: بمعنى «الاسْتخْفاء».

.

وهو الاسْتِتَار.

وجاء «خَفِيتُ».

.

بمعنيين متضادّين.

وكذلك «أَخفَيْتُ» فيما زعم أبو عبيدة.

وكلامُ العرب الجيِّدُ: أن يقال: خفَيْتُ الشيء أَخْفِيهِ ـ أي: أظهرْتُهُ.

وقال امرُؤُ القيْس:

خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كأَنَّما *** خفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ سَحَابٍ مُرَكَّبِ

وأَخفَيْتُ الشيءَ ـ أي: ستَرْتُه.

قال الله جلّ وعزّ: {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البَقَرَة: 284].

معناه: أو تُسِرُّوهُ.

واختَفَيْتُ الشيءَ ـ أي: أظهرتَه، واستخْفَيْتُ منه ـ أي: تَوَارَيتُ».

هذا هو المعروف في كلام العرب.

أبو عبيدٍ ـ عن الأصمعيِّ ـ: الْخَافِي: هُم الْجِنُّ.

وأنشد:

وَلَا يُحَسُّ مِنَ الْخَافِي بهَا أَثَرُ

وجَمْعُ «الخافي»: خوَافٍ.

قال: والْخَوَافِي ـ من السَّعف ـ: ما دون «الْقِلَبَةِ».

وأهل المدينة يسمُّونها: «العوَاهِنَ».

قال: والْخوَافِي: ما دون الرِّيشات العَشْر.

.

من مقدّمِ الجناح.

قال: والخَفَاءُ ـ ممدود ـ ما خفِيَ عليك.

يقال: بَرِحَ الخَفَاءُ، وذلك: إذا ظهر وصار في بَرَاحٍ ـ أي: أَمْرٍ مُنْكَشِفٍ.

وقيل: بَرِحَ الخَفَاءُ ـ أي: زالَ الخفاءُ.

والأوّل أَجْود.

وقال الليث: الْخُفْيَةُ: من قولك: أَخفَيْت الشيء ـ أي: سترْتُه.

ويقال: خِفْيَةٌ ـ بكسر الخاء.

قال: ولَقِيتُهُ خَفِيًّا ـ أي: سِرًّا.

والخَافِيَةُ: نَقِيضُ العَلانية.

قال: والْخَفَا ـ مقصور ـ: هو الشيء الْخافي.

.

وهو: الموضِعُ الْخافي.

وأَنْشَدَ:

وَعالِمِ السِّرِّ وعَالمِ الْخَفَا *** لقَدْ مَدَدْنا أَيْدِيًا بَعْدَ الرَّجا

وقال أُمَيَّةُ:

تُسبِّحُهُ الطَّيْرُ الْكَوامِنُ في الْخَفَا *** وَإِذْ هِيَ في جَوِّ السَّماءِ تَصَعَّدُ

قال: والْخِفَاءُ: رداءٌ تلبسه المرأةُ فوقَ ثيابها.

قال: وكلُّ شيء غطَّيتَه بشيء ـ من كِساءٍ أو غِطاء ـ.

.

فهو خِفَاؤُهُ.

والجميعُ: الأَخْفِيةُ.

ومنه قول ذي الرُّمَّةِ:

عَليْهِ زَادٌ وأَهْدَامٌ وأَخْفِيَةٌ *** قَدْ كَادَ يَحْتَزُّهَا عَنْ ظَهْرِه الْحَقَبُ

قال: و «الْخَفِيَّة»: غَيْضَةٌ ملتفَّةٌ يتَّخِذُها الأسَدُ عَرِينَه، وهي خَفِيَّتُهُ.

وأنشد:

أسُودُ شَرًى لاقَتْ أُسُودَ خَفيَّةٍ *** تَساقَيْنَ سُمًّا كلُّهُنَّ خَوَادِرُ

قال: ويقال: «شَرًى» و «خَفِيَّةٌ»: مَوْضِعَان.

قال: والْخَفِيَّةُ: بِئْرٌ كانت عادِيَّةً فانْدَفَنَتْ، ثم حُفِرَت.

والجميعُ: الْخَفَايَا.

.

والْخَفِيَّاتُ.

قاله ابنُ السكِّيت.

أبو عبيدٍ ـ عن أبي عمروٍ ـ: خَفِيَ البرقُ يَخْفَى خَفْيًا ـ إذا بَرَق بَرْقًا ضَعيفًا.

قال: وقال الكِسائِيُّ: خَفَا يَخْفُو خَفْوًا ـ بمعناه.

وقال ابن الأعرابيِّ: الوَمِيضُ أَنْ يُومِضَ البَرْقُ إيمَاضَةً ضعيفةً، ثم يَخْفَى ثم يُومِضُ، وليس فيه يَأْسٌ مِنْ مَطَر.

وقال أبو عبيد: الْخَفُّ: اعتراض البَرْق في نواحي السماء.

والوَمِيضُ: أن يَلْمعَ قليلًا ثم يَسْكُنَ.

والعرَب تقول: إذا حَسُنَ من المرأة خَفِيَّاهَا حَسُنَ سائِرُها.

يَعْنُون: رَخَامَةَ صوتها وَأَثرَ وَطْئِها.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com