نتائج البحث عن (تُخْبِرْنَا)
1-معجم البلدان (النقاب)
النِّقَابُ:بالكسر، بلفظ نقاب المرأة الذي تستر به وجهها، أو جمع نقب وهو الخرق في الجبل والحائط وغيره: موضع في أعمال المدينة يتشعب منه طريقان إلى وادي القرى ووادي المياه، ذكره أبو الطيب فقال:
«وأمست تخبرنا بالنقا *** ب ووادي المياه ووادي القرى»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
2-موسوعة الفقه الكويتية (شك 1)
شَكٌّ -1تَعْرِيفُهُ:
1- الشَّكُّ لُغَةً: نَقِيضُ الْيَقِينِ وَجَمْعُهُ شُكُوكٌ.يُقَالُ شَكَّ فِي الْأَمْرِ وَتَشَكَّكَ إِذَا تَرَدَّدَ فِيهِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، سَوَاءٌ اسْتَوَى طَرَفَاهُ أَوْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} أَيْ غَيْرَ مُسْتَيْقِنٍ، وَهُوَ يَعُمُّ حَالَتَيِ الِاسْتِوَاءِ وَالرُّجْحَانِ.وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» قِيلَ: إِنَّ مُنَاسَبَتَهُ تَرْجِعُ إِلَى وَقْتِ نُزُولِ قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.حَيْثُ قَالَ قَوْمٌ- إِذْ ذَاكَ- شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ يَشُكَّ نَبِيُّنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَوَاضُعًا مِنْهُ وَتَقْدِيمًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَى نَفْسِهِ-: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» أَيْ أَنَا لَمْ أَشُكَّ مَعَ أَنَّنِي دُونَهُ فَكَيْفَ يَشُكُّ هُوَ؟.
وَالشَّكُّ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: اسْتُعْمِلَ فِي حَالَتَيِ الِاسْتِوَاءِ وَالرُّجْحَانِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي اسْتُعْمِلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لُغَةً فَقَالُوا: مَنْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ، وَمَنْ شَكَّ فِي الطَّلَاقِ، أَيْ مَنْ لَمْ يَسْتَيْقِنْ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ اسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ رُجْحَانِ أَحَدِهِمَا.وَمَعَ هَذَا فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فِي جُزْئِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ.وَالشَّكُّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ: هُوَ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ لِوُجُودِ أَمَارَتَيْنِ مُتَكَافِئَتَيْنِ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ فِيهِمَا.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْيَقِينُ:
2- الْيَقِينُ مَصْدَرُ يَقِنَ الْأَمْرُ يَيْقَنُ إِذَا ثَبَتَ وَوَضَحَ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ وَبِالْيَاءِ، وَيُطْلَقُ- لُغَةً- عَلَى الْعِلْمِ الْحَاصِلِ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى عِلْمُ اللَّهِ يَقِينًا.وَهُوَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ: الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ الثَّابِتِ.فَالْيَقِينُ ضِدُّ الشَّكِّ.فَيُقَالُ شَكَّ وَتَيَقَّنَ وَلَا يُقَالُ شَكَّ وَعَلِمَ لِأَنَّ الْعِلْمَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الثِّقَةِ.
ب- الِاشْتِبَاهُ:
3- الِاشْتِبَاهُ هُوَ مَصْدَرُ اشْتَبَهَ، يُقَالُ: اشْتَبَهَ الشَّيْئَانِ وَتَشَابَهَا، إِذَا أَشْبَهَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، كَمَا يُقَالُ: اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَيِ اخْتَلَطَ وَالْتَبَسَ لِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ أَهَمُّهَا الشَّكُّ، فَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا- إِذًا- سَبَبِيَّةٌ حَيْثُ يُعَدُّ الشَّكُّ سَبَبًا هَامًّا مِنْ أَسْبَابِ الِاشْتِبَاهِ.كَمَا قَدْ يَكُونُ الِاشْتِبَاهُ سَبَبًا لِلشَّكِّ.
ج- الظَّنُّ:
4- الظَّنُّ مَصْدَرُ ظَنَّ مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهُوَ خِلَافُ الْيَقِينِ، وَيُطْلَقُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى الطَّرَفِ الرَّاجِحِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يُفَرِّقُونَ غَالِبًا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ.
د- الْوَهْمُ:
5- الْوَهْمُ مَصْدَرُ وَهِمَ وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ طَرَفُ الْمَرْجُوحِ مِنْ طَرَفَيِ الشَّكِّ.وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ الْحَمَوِيُّ- نَقْلًا عَنْ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ- حَيْثُ قَالَ: الْوَهْمُ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَضْعَفُ مِنَ الْآخَرِ.
وَالْمُتَأَكِّدُ أَنَّهُ لَا يَرْتَقِي لِإِحْدَاثِ اشْتِبَاهٍ.«إِذْ لَا عِبْرَةَ لِلتَّوَهُّمِ».وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ اسْتِنَادًا عَلَى وَهْمٍ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الشَّيْءِ الثَّابِتِ بِصُورَةٍ قَطْعِيَّةٍ بِوَهْمٍ طَارِئٍ.
أَقْسَامُ الشَّكِّ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الْأَصْلِ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ:
6- يَنْقَسِمُ الشَّكُّ- إِجْمَالًا- بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: شَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ حَرَامٍ مِثْلِ أَنْ يَجِدَ الْمُسْلِمُ شَاةً مَذْبُوحَةً فِي بَلَدٍ يَقْطُنُهُ مُسْلِمُونَ وَمَجُوسٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا ذَكَاةُ مُسْلِمٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحُرْمَةُ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الذَّكَاةِ الْمَطْلُوبَةِ شَرْعًا، فَلَوْ كَانَ مُعْظَمُ سُكَّانِ الْبَلَدِ مُسْلِمِينَ جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا وَالْأَكْلُ مِنْهَا عَمَلًا بِالْغَالِبِ الْمُفِيدِ لِلْحِلِّيَّةِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: شَكٌّ طَرَأَ عَلَى أَصْلٍ مُبَاحٍ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ مَاءً مُتَغَيِّرًا فَلَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ مِنْهُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ، أَوْ طُولِ مُكْثٍ، أَوْ كَثْرَةِ وُرُودِ السِّبَاعِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اسْتِنَادًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمِيَاهِ.مَعَ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفِ الْمُؤْمِنِينَ تَجَشُّمَ الْبَحْثِ لِلْكَشْفِ عَنْ طَهَارَتِهِ أَوْ نَجَاسَتِهِ تَيْسِيرًا عَلَيْهِمْ، حَيْثُ وَرَدَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ- رضي الله عنه- حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا، فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ، وَتَرِدُ عَلَيْنَا.
وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَفْسَهُ كَانَ مَارًّا مَعَ صَاحِبٍ لَهُ فَسَقَطَ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ مِنْ مِيزَابٍ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ مَاؤُكَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ لَا تُخْبِرْنَا، وَمَضَى.
فَإِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءٌ طَاهِرٌ وَمَاءٌ نَجِسٌ تَحَرَّى، فَمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى طَهَارَتِهِ تَوَضَّأَ بِهِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: شَكٌّ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ مِثْلُ التَّعَامُلِ مَعَ شَخْصٍ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ دُونَ تَمْيِيزٍ لِهَذَا مِنْ ذَاكَ لِاخْتِلَاطِ النَّوْعَيْنِ مَعًا اخْتِلَاطًا يَصْعُبُ تَحْدِيدُهُ، فَمِثْلُ هَذَا الشَّخْصِ لَا تَحْرُمُ مُبَايَعَتُهُ وَلَا التَّعَامُلُ مَعَهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَابِلُ حَلَالًا طَيِّبًا، وَلَكِنْ رَغْمَ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّعَامُلِ مَعَهُ خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّ «الْمَشْكُوكَ فِي وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ احْتِيَاطًا».
أَقْسَامُ الشَّكِّ بِحَسَبِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَإِلْغَائِهِ:
7- ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الشَّكَّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَنْقَسِمُ أَيْضًا إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مُجْمَعٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ كَالشَّكِّ فِي الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ، فَالْحُكْمُ تَحْرِيمُهُمَا مَعًا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مُجْمَعٌ عَلَى إِلْغَائِهِ، كَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟ فَلَا شَيْءَ.عَلَيْهِ، وَشَكُّهُ يُعْتَبَرُ لَغْوًا.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَعْلِهِ سَبَبًا، كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا؟ فَقَدِ اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ دُونَ الشَّافِعِيِّ.وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمِ اثْنَتَيْنِ؟ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ الطَّلْقَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
الشَّكُّ لَا يُزِيلُ الْيَقِينَ، أَوِ «الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ» أَوْ «لَا شَكَّ مَعَ الْيَقِينِ»:
8- هَذِهِ الْقَاعِدَةُ- عَلَى اخْتِلَافِ تَرَاكِيبِهَا- مِنْ أُمَّهَاتِ الْقَوَاعِدِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَدْخُلُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَالْمَسَائِلُ الْمُخَرَّجَةُ عَنْهَا مِنْ عِبَادَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ تَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ عِلْمِ الْفِقْهِ.
الشَّكُّ فِي الْمِيرَاثِ:
9- الْمِيرَاثُ اسْتِحْقَاقٌ وَكُلُّ اسْتِحْقَاقٍ لَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِثُبُوتِ أَسْبَابِهِ وَتَوَفُّرِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، وَهَذِهِ لَا تَثْبُتُ إِلاَّ بِيَقِينٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مَثَلًا ثُبُوتُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالشَّكِّ فِي طَرِيقِهِ وَبِالتَّالِي لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الْمِيرَاثِ بِالشَّكِّ.
الشَّكُّ فِي الْأَرْكَانِ:
10- أَرْكَانُ الشَّيْءِ هِيَ أَجْزَاءُ مَاهِيَّتِهِ الَّتِي يَتَكَوَّنُ مِنْهَا، وَهِيَ الَّتِي تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى تَوَفُّرِ شُرُوطِهَا.وَأَرْكَانُ أَيِّ عِبَادَةٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ يُرَادُ بِهَا فَرَائِضُهَا الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْفَرْضِ إِلاَّ فِي الْحَجِّ حَيْثُ تَتَمَيَّزُ الْأَرْكَانُ فِيهِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَالْفُرُوضِ بِعَدَمِ جَبْرِهَا بِالدَّمِ.
فَمَنْ شَكَّ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعِبَادَةِ أَوْ فِي فَرْضٍ مِنْ فَرَائِضِهَا، هَلْ أَتَى بِهِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ الْمُحَقَّقِ عِنْدَهُ، وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَ مَا شَكَّ فِيهِ، فَيَكُونَ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَحْضُ زِيَادَةٍ، وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَفِي غَلَبَةِ الظَّنِّ هُنَا قَوْلَانِ دَاخِلَ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ: مِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَهَا كَالشَّكِّ وَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَبَرَهَا كَالْيَقِينِ.
وَفِيمَا تَقَدَّمَ يَقُولُ الشَّيْخُ ابْنُ عَاشِرٍ- صَاحِبُ الْمُرْشِدِ الْمُعِينِ:
مَنْ شَكَّ فِي رُكْنٍ بَنَى عَلَى الْيَقِينْ
وَلْيَسْجُدُوا الْبَعْدِيَّ لَكِنْ قَدْ يَبِينْ
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ مَيَّارَةَ: وَيُقَيَّدُ كَلَامُ صَاحِبِ هَذَا النَّظْمِ بِغَيْرِ الْمُوَسْوِسِ أَوْ كَالْمُسْتَنْكَحِ لِأَنَّ هَذَا لَا يَعْتَدُّ بِمَا شَكَّ فِيهِ، وَشَكُّهُ كَالْعَدَمِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْأَرْبَعِ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ.
وَإِجْمَالًا فَإِنَّ الشَّكَّ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُسْتَنْكِحٌ: أَيْ يَعْتَرِي صَاحِبَهُ كَثِيرًا وَهُوَ كَالْعَدَمِ لَكِنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَغَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ مُدَّةٍ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ، وَأَنَّ السَّهْوَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ: مُسْتَنْكِحٌ وَغَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ.
رَاجِعْ مُصْطَلَحَ (سَهْوٌ) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَإِنَّ مَنْ شَكَّ فِي جُلُوسِهِ هَلْ كَانَ فِي الشَّفْعِ أَوْ فِي الْوَتْرِ؟ فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَضَافَ رَكْعَةَ الْوَتْرِ إِلَى رَكْعَتَيِ الشَّفْعِ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ فَيَصِيرُ قَدْ صَلَّى الشَّفْعَ ثَلَاثًا، وَمِنْ هُنَا طُولِبَ بِالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ: أَيْ مَسْأَلَةَ الشَّكِّ فِي الرُّكْنِ تَتَّفِقُ فِي الْحُكْمِ مَعَ مَسْأَلَةِ التَّحَقُّقِ مِنَ الْإِخْلَالِ بِرُكْنٍ فَفِي الْأُولَى يُلْغَى الشَّكُّ وَيُبْنَى عَلَى الْيَقِينِ مَعَ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُجْبَرُ الرُّكْنُ وَيَقَعُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ.وَإِنَّ الَّذِي يَجْمَعُ هَذَا كُلَّهُ هُوَ قَوْلُهُمُ: الشَّكُّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ.وَلِذَلِكَ قَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ أَتَى بِرَابِعَةٍ أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ أَوِ السَّعْيِ أَوْ شَكَّ هَلْ أَتَى بِالثَّالِثَةِ أَمْ لَا؟ بَنَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْيَقِينِ.وَتُتَمِّمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى نَصُّهَا: الشَّكُّ فِي الزِّيَادَةِ كَتَحَقُّقِهَا.كَالشَّكِّ فِي حُصُولِ التَّفَاضُلِ فِي عُقُودِ الرِّبَا، وَالشَّكِّ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الشَّكُّ فِي السَّبَبِ:
11- السَّبَبُ لُغَةً: هُوَ الْحَبْلُ أَوِ الطَّرِيقُ ثُمَّ اسْتُعِيرَ مِنَ الْحَبْلِ لِيَدُلَّ عَلَى كُلِّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى شَيْءٍ، كَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) أَيِ الْعَلَائِقُ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا سَتُوَصِّلُهُمْ إِلَى النَّعِيمِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ: «وَإِنْ كَانَ رِزْقُهُ فِي الْأَسْبَابِ» أَيْ فِي طُرُقِ السَّمَاءِ وَأَبْوَابِهَا.وَهُوَ- فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ- الْأَمْرُ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ أَمَارَةً لِوُجُودِ الْحُكْمِ وَجَعَلَ انْتِفَاءَهُ أَمَارَةً عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنَّ السَّبَبَ لَا يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِجَعْلِ الْمُشَرِّعِ لَهُ كَذَلِكَ.
وَحَتَّى يَكُونَ السَّبَبُ وَاضِحَ التَّأْثِيرِ- بِجَعْلِ اللَّهِ- يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَيَقَّنًا إِذْ لَا تَأْثِيرَ وَلَا أَثَرَ لِسَبَبٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَذَلِكَ كَالشَّكِّ فِي أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ بِأَنْوَاعِهَا.فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ حُصُولِ الْمِيرَاثِ بِالْفِعْلِ إِذْ لَا مِيرَاثَ مَعَ الشَّكِّ فِي سَبَبِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ.شَأْنُهُ فِي ذَلِكَ شَأْنُ الشَّكِّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَسْبَابِ الْعِبَادَاتِ.
وَقَدْ خَصَّصَ الْقَرَافِيُّ فَرْقًا هَامًّا مَيَّزَ فِيهِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ.أَشَارَ فِي بِدَايَتِهِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْمَوْضُوعَ قَدْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ عَلَى جَمِيعِ الْفُضَلَاءِ، وَانْبَنَى عَلَى عَدَمِ تَحْرِيرِهِ إِشْكَالٌ آخَرُ فِي مَوَاضِعَ وَمَسَائِلَ كَثِيرَةٍ حَتَّى خَرَقَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ فِيهَا.
وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ حَسَبَ رَأْيِ الْقَرَافِيِّ: أَنَّ الشَّارِعَ شَرَعَ الْأَحْكَامَ وَشَرَعَ لَهَا أَسْبَابًا وَجَعَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَرَعَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الشَّكَّ، فَشَرَعَهُ- حَيْثُ شَاءَ- فِي صُوَرٍ عَدِيدَةٍ: فَإِذَا شَكَّ فِي الشَّاةِ وَالْمَيْتَةِ حَرُمَتَا مَعًا، وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ، وَإِذَا شَكَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ حَرُمَتَا مَعًا، وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ، وَإِذَا شَكَّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، وَسَبَبُ وُجُوبِ الْخَمْسِ هُوَ الشَّكُّ، وَإِذَا شَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا؟ وَجَبَ الْوُضُوءُ، وَسَبَبُ وُجُوبِهِ هُوَ الشَّكُّ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ.
فَالشَّكُّ فِي السَّبَبِ غَيْرُ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ: فَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَلَا يَتَقَرَّرُ مَعَهُ حُكْمٌ، وَالثَّانِي لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَتَتَقَرَّرُ مَعَهُ الْأَحْكَامُ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي النَّظَائِرِ السَّابِقَةِ وَلَا نَدَّعِي أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَصَبَ الشَّكَّ سَبَبًا فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ بَلْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِحَسَبِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَوِ النَّصُّ، وَقَدْ يُلْغِي صَاحِبُ الشَّرْعِ الشَّكَّ فَلَا يَجْعَلُ فِيهِ شَيْئًا: كَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا.فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالشَّكُّ لَغْوٌ، وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ هَلْ سَهَا أَمْ لَا؟.فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ لَغْوٌ.فَهَذِهِ صُوَرٌ مِنَ الشَّكِّ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهَا، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ.
وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَصْبِهِ سَبَبًا: كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا؟ فَقَدِ اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمِ اثْنَتَيْنِ؟ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ الطَّلْقَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَشَكَّ مَا هِيَ؟ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ.
الشَّكُّ فِي الشَّرْطِ:
12- الشَّرَطُ- بِفَتْحَتَيْنِ-: الْعَلَامَةُ وَالْجَمْعُ أَشْرَاطٌ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ، أَيْ عَلَامَاتُهَا وَدَلَائِلُهَا.وَالشَّرْطُ- بِسُكُونِ الرَّاءِ- يُجْمَعُ عَلَى شُرُوطٍ.تَقُولُ: شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ.
أَمَّا الشَّرْطُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ: فَهُوَ مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مُكَمِّلًا لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ لَا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِوُجُودِهِ: كَالطَّهَارَةِ؛ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مُكَمِّلَةً لِلصَّلَاةِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْهَا مِنْ تَعْظِيمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذِ الْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَالَى مَعَ الطَّهَارَةِ الشَّامِلَةِ لِلْبَدَنِ وَالثِّيَابِ وَالْمَكَانِ أَكْمَلُ فِي مَعْنَى الِاحْتِرَامِ وَالتَّعْظِيمِ، وَبِهَذَا الْوَضْعِ لَا تَتَحَقَّقُ الصَّلَاةُ الشَّرْعِيَّةُ إِلاَّ بِهَا، فَالشَّرْطُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْمَشْرُوطِ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عَدَمُهُ.
«وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ الْمَشْرُوطِ» وَهُوَ كَذَلِكَ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ.وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ مِنَ.
الْأَبِ فِي قَتْلِ ابْنِهِ.وَامْتَنَعَ الْإِرْثُ بِالشَّكِّ فِي مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ حَيَاةِ الْوَارِثِ، وَبِالشَّكِّ فِي انْتِفَاءِ الْمَانِعِ مِنَ الْمِيرَاثِ.
الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ:
13- الْمَانِعُ لُغَةً: الْحَائِلُ.
أَمَّا الْمَانِعُ فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَدْ عُرِّفَ بِقَوْلِهِمْ: هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَجْلِ وُجُودِهِ الْعَدَمُ- أَيْ عَدَمُ الْحُكْمِ- وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَجْلِ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ.كَقَتْلِ الْوَارِثِ لِمُوَرِّثِهِ عَمْدًا وَعُدْوَانًا فَإِنَّهُ يُعَدُّ مَانِعًا مِنَ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ سَبَبُهُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ أَوِ الزَّوْجِيَّةُ أَوْ غَيْرُهُمَا.
فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؟ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ «الشَّكَّ فِي الْمَانِعِ لَا أَثَرَ لَهُ» أَيْ إِنَّ الشَّكَّ مُلْغًى بِالْإِجْمَاعِ.وَمِنْ ثَمَّ أُلْغِيَ الشَّكُّ الْحَاصِلُ فِي ارْتِدَادِ زَيْدٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَمْ لَا؟ وَصَحَّ الْإِرْثُ مِنْهُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ.كَمَا أُلْغِيَ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ، بِمَعْنَى شَكُّ الزَّوْجِ هَلْ حَصَلَ مِنْهُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الشَّكَّ هُنَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِصْحَابُ الْعِصْمَةِ الثَّابِتَةِ قَبْلَ الشَّكِّ، لِأَنَّ الشَّكَّ هُنَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْمَانِعِ وَهُوَ مُلْغًى وَسَيَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الْحَدَثِ عِنْدَ تَنَاوُلِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ.
وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ أَيْضًا أُلْغِيَ الشَّكُّ فِي الْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَمَا إِلَيْهَا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ- فِي خُصُوصِ الرَّضَاعِ-: هُوَ مِنَ الْمَوَانِعِ الَّتِي يَمْنَعُ وُجُودُهَا وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَهُوَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَيَقْطَعُ اسْتِمْرَارَهُ- إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ- فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي حُصُولِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ «الشَّكُّ مُلْغًى» وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْأَحْوَطَ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّخْصِ أَنْ يُقْدِمَ إِلاَّ عَلَى فَرْجٍ مَقْطُوعٍ بِحِلِّيَّتِهِ.
الشَّكُّ فِي الطَّهَارَةِ:
14- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ يَحَبُّ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ إِنْ صَلَّى لِأَنَّ الذِّمَّةَ مَشْغُولَةٌ فَلَا تَبْرَأُ إِلاَّ بِيَقِينٍ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ عِنْدَهُمْ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ- فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ-: مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وُجُوبًا- وَقِيلَ: اسْتِحْبَابًا- لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ.
وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ مَعًا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِضِدِّ مَا قَبْلَهُمَا: فَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْدَثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَدَثِ وَشَكَّ فِي انْتِقَاضِهَا، حَيْثُ لَا يَدْرِي هَلِ الْحَدَثُ الثَّانِي قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا؟، وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَكَانَ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ لِأَنَّهُ مُتَيَقِّنٌ حَدَثًا بَعْدَ تِلْكَ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي زَوَالِهِ حَيْثُ لَا يَدْرِي هَلِ الطَّهَارَةُ الثَّانِيَةُ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ أَمْ لَا؟.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَصْلِ حَدَثًا كَانَ أَوْ طَهَارَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا فَهُوَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ شَكَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَةً وَأَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ فَرْضًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ عِنْدَهُمْ مُلْغًى، وَأَنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ عَلَى الْيَقِينِ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْفِقْهِ فَتَدَبَّرْهُ وَقِفْ عَلَيْهِ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا جَاءَ عَنِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتْ دَمَ الْحَيْضِ وَلَمْ تَدْرِ وَقْتَ حُصُولِهِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَنْ رَأَى مَنِيًّا فِي ثَوْبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَقْتَ حُصُولِهِ، أَيْ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُعِيدَ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ، وَهَذَا أَقَلُّ الْأَقْوَالِ تَعْقِيدًا وَأَكْثَرُهَا وُضُوحًا.وَضَابِطُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَحُكْمِ الْحَيْضِ الْمُتَيَقَّنِ فِي تَرْكِ الْعِبَادَاتِ
وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ- فِي هَذَا الْمَوْضِعِ- مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ- كَمَا سَبَقَ فِي مَفْهُومِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى السَّوَاءِ أَمْ كَانَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ أَرْجَحَ.
الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ:
أ- الشَّكُّ فِي الْقِبْلَةِ:
15- مَنْ شَكَّ فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا الْعَالِمِينَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ إِنْ وُجِدُوا وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ بِالتَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادِ لِمَا رَوَاهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَنَزَلَ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} ».وَقِبْلَةُ الْمُتَحَرِّي- كَمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- هِيَ جِهَةُ قَصْدِهِ.وَالصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ لِجِهَةِ الْقَصْدِ هَذِهِ تُجْزِئُ الْمُصَلِّيَ وَتُسْقِطُ عَنْهُ الطَّلَبَ لِعَجْزِهِ، وَيَرَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِكُلِّ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ شَكُّهُ دَائِرًا بَيْنَهَا أَمَّا إِذَا انْحَصَرَ شَكُّهُ فِي ثَلَاثِ جِهَاتٍ فَقَطْ مَثَلًا فَإِنَّ الرَّابِعَةَ لَا يُصَلِّي إِلَيْهَا، وَقَدِ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ مَا فَضَّلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
ب- الشَّكُّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ:
16- مَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِهِ، فَإِنْ صَلَّى مَعَ الشَّكِّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَإِنْ وَافَقَ الْوَقْتَ، لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ مِثْلَمَا هُوَ الْأَمْرُ فِيمَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ.
ج- الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ:
17- مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ مَا، وَلَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ لَا بِشَكٍّ.
د- الشَّكُّ فِي رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ:
18- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً صَلَّى أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّحَرِّي، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَالطَّبَرِيِّ، وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ:
أَوَّلًا: بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ.فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ».
وَثَانِيًا: بِالْقَاعِدَتَيْنِ الْفِقْهِيَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا يُوجِبُ الْبِنَاءَ عَلَى الْيَقِينِ.وَهُمَا: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: «الْيَقِينُ لَا يُزِيلُهُ الشَّكُّ».وَالثَّانِيَةُ: «وَالشَّكُّ فِي النُّقْصَانِ كَتَحَقُّقِهِ».
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ الشَّكُّ يَحْدُثُ لَهُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَتَحَرَّ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ صَلَاةً جَدِيدَةً.
وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ يَعْتَادُهُ وَيَتَكَرَّرُ لَهُ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ بِحُكْمِ التَّحَرِّي وَيَقْعُدُ وَيَتَشَهَّدُ بَعْدَ كُلِّ رَكْعَةٍ يَظُنُّهَا آخِرَ صَلَاتِهِ لِئَلاَّ يَصِيرَ تَارِكًا فَرْضَ الْقَعْدَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ- فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ- يَتَحَرَّى سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَتَحَرَّى، قَالَ: وَإِنْ نَامَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ اسْتَأْنَفَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنْ كَانَ هَذَا شَيْئًا يَلْزَمُهُ وَلَا يَزَالُ يَشُكُّ أَجْزَأَهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ عَنِ التَّحَرِّي، وَعَنِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا يَلْزَمُهُ اسْتَأْنَفَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَتَيْهَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الشَّكُّ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْيَقِينُ وَالتَّحَرِّي، فَمَنْ رَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ أَلْغَى الشَّكَّ وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ.وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَّسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ»
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِالتَّحَرِّي فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ» ثُمَّ- يَعْنِي- يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ.
الشَّكُّ فِي الزَّكَاةِ:
أ- الشَّكُّ فِي تَأْدِيَتِهَا:
19- لَوْ شَكَّ رَجُلٌ فِي الزَّكَاةِ فَلَمْ يَدْرِ أَزَكَّى أَمْ لَا؟ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا لِأَنَّ الْعُمُرَ كُلَّهُ وَقْتٌ لِأَدَائِهَا، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ صَاحِبِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَبَيْنَ مَنْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَصَلَّى أَمْ لَا؟ حَيْثُ ذَكَرُوا- كَمَا تَقَدَّمَ- إِعْفَاءَهُ مِنَ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَالزَّكَاةُ بِخِلَافِهَا.
ب- الشَّكُّ فِي تَأْدِيَةِ كُلِّ الزَّكَاةِ أَوْ بَعْضِهَا:
20- ذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ أَنَّ حَادِثَةً وَقَعَتْ مُفَادُهَا: أَنَّ رَجُلًا شَكَّ هَلْ أَدَّى جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ أَوْ لَا؟ حَيْثُ كَانَ يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مُتَفَرِّقًا مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ، فَتَمَّ إِفْتَاؤُهُ بِلُزُومِ الْإِعَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ دَفْعُ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ ثَابِتَةٌ فِي ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا يَخْرُجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِالشَّكِّ.
ج- الشَّكُّ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ:
21- إِذَا دَفَعَ الْمُزَكِّي الزَّكَاةَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي أَنَّ مَنْ دُفِعَتْ إِلَيْهِ مَصْرِفٌ مِنْ مَصَارِفِهَا وَلَمْ يَتَحَرَّ، أَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ، فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ إِلاَّ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ.بِخِلَافِ مَا إِذَا دُفِعَتْ بِاجْتِهَادٍ وَتَحَرٍّ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فِي الْوَاقِعِ كَالْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ.فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ زَكَاةٌ (ف 188- 189 ج 23 233).
الشَّكُّ فِي الصِّيَامِ:
أ- الشَّكُّ فِي دُخُولِ رَمَضَانَ:
22- إِذَا شَكَّ الْمُسْلِمُ فِي دُخُولِ رَمَضَانَ فِي الْيَوْمِ الْمُوَالِي لِيَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ يَبْنِي عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ سُحُبٌ وَلَا غُيُومٌ وَمَعَ ذَلِكَ عَزَمَ أَنْ يَصُومَ غَدًا بِاعْتِبَارِهِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَصْدٌ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِطُرُقِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَحَيْثُ انْتَفَى ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ قَصْدُهُ وَهُوَ رَأْيُ حَمَّادٍ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِأَنَّ الصَّائِمَ لَمْ يَجْزِمِ النِّيَّةَ بِصَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ إِلاَّ بَعْدَ خُرُوجِهِ.وَكَذَلِكَ لَوْ بَنَى عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحِسَابِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ كَثُرَتْ إِصَابَتُهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَصِحُّ إِذَا نَوَاهُ مِنَ اللَّيْلِ- وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَصَدَ- لِأَنَّهُ نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَحَّ كَالْيَوْمِ الثَّانِي- وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ مَا يُوَافِقُ الْمَذْهَبَيْنِ.
ب الشَّكُّ فِي دُخُولِ شَوَّالٍ:
23- تَصِحُّ النِّيَّةُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ رَغْمَ أَنَّ هُنَاكَ احْتِمَالًا فِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شَوَّالٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِصَوْمِهِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَكِنْ إِذَا قَالَ الْمُكَلَّفُ: إِنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَأَنَا صَائِمٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَوَّالٍ فَأَنَا مُفْطِرٌ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِنِيَّةِ الصِّيَامِ وَالنِّيَّةُ قَصْدٌ جَازِمٌ، وَقِيلَ: تَصِحُّ نِيَّتُهُ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ وَاقِعٌ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ رَمَضَانَ.
ج- الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ:
24- إِذَا شَكَّ الصَّائِمُ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَلاَّ يَأْكُلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْفَجْرُ قَدْ طَلَعَ، فَيَكُونُ الْأَكْلُ إِفْسَادًا لِلصَّوْمِ وَلِذَلِكَ كَانَ مَدْعُوًّا لِلْأَخْذِ بِالْأَحْوَطِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ».وَلَوْ أَكَلَ وَهُوَ شَاكٌّ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ مَحَلُّ شَكٍّ وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ اللَّيْلِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّهَارُ وَهَذَا لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعَ الْحُرْمَةِ رَغْمَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِصَوْمِ الْفَرْضِ، أَمَّا صَوْمُ النَّفْلِ فَقَدْ سَوَّى بَعْضُهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْضِ فِي الْقَضَاءِ وَالْحُرْمَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا جَمَاعَةٌ فِي الْحُرْمَةِ حَيْثُ قَالُوا بِالْكَرَاهِيَةِ.
د- الشَّكُّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ:
25- لَوْ شَكَّ الصَّائِمُ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ مَعَ الشَّكِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، وَلَوْ أَفْطَرَ عَلَى شَكِّهِ دُونَ أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا.وَالْحُرْمَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا كَذَلِكَ.
وَعَدَمُ الْكَفَّارَةِ فِي الْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَمَّا الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ فِي الْغُرُوبِ فَمُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُهَا، فَإِنْ أَفْطَرَ مُعْتَقِدًا بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ حُصُولَ الْغُرُوبِ ثُمَّ طَرَأَ الشَّكُّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا حُرْمَةٍ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
3-تاج العروس (نقب)
[نقب]: النَّقْبُ: الثَّقْبُ في أَيّ شَيْءٍ كان، نَقَبَه، يَنْقُبه، نَقْبًا.وشيءٌ نَقِيبٌ: منقوبٌ، قال أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَرِقْتُ لِذِكْرِهِ من غيْرِ نَوْبٍ *** كما يَهْتَاجُ مَوْشِيٌّ نَقِيبُ
يَعني بالمَوْشِيِّ يَرَاعةً. ج: أَنْقابٌ ونقَابٌ، بالكسر في الأَخير.
والنَّقْبُ: قَرْحَةٌ تَخْرُجُ بالجَنْب، وتَهْجُم على الجَوْف، ورأْسُها في داخل، قاله ابْنُ سيدَهْ، كالنَّاقِبَةِ.
ونَقَبَتْهُ النَّكْبةُ، تَنْقُبه، نَقْبًا: أَصابتْه فبَلَغَتْ منه، كنَكَبَتْه.
والنَّقْبُ: الجَرَبُ عامّة، ويُضَمُّ وهو الأَكْثَرُ، وبه فسَّرَ ثعلبٌ قولَ أَبي محمَّد الحَذْلَمِيّ:
وتَكْشِفُ النُّقْبَةَ عن لِثَامِهَا
يقولُ: تُبْرِئُ من الجَرَب. وفي الحديث: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: «لَا يُعْدِي شيءٌ شيئًا؛ فقال أَعرابيٌّ: يا رسُولَ اللهِ، إِنَّ النُّقْبَةَ قد تَكُونُ بمِشْفَرِ البَعِيرِ، أَو بذَنَبهِ، في الإِبِلِ العظيمةِ، فَتجْرَبُ كلُّهَا؛ فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: فمَا أَعْدَى الأَوَّلَ»؟ قال الأَصْمَعِيُّ: النُّقْبَةُ هي أَوَّلُ جَرَبٍ يَبْدَأُ، يُقَالُ للبَعِير: به نُقْبَةٌ، وجَمعُها نُقْبٌ، بسكون القاف، لِأَنَّهَا تَنْقُبُ الجِلدَ نَقْبًا، أَي: تَخْرِقُهُ؛ وقال دريد بْنِ الصِّمَّةِ:
مُتَبَذِّلًا تَبْدُو محاسِنُه *** يَضَعُ الهِنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقْبِ
وفي الأَساس: ومن المَجَاز: يقالُ: فلانٌ يَضَعُ الهِنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقُب: إِذا كان ماهِرًا مُصِيبًا. أَو النُّقْبُ: القِطَعُ المُتَفَرِّقةُ، وهي أَوَّلُ ما يَبْدُو مِنْهُ أَي: من الجَرَب، الواحدة نُقْبةٌ. وعن ابن شُمَيْلٍ: النُّقْبَةُ: أَوّلُ بدْءِ الجَرَب، ترى الرُقْعَة مِثْلَ الكَفِّ بجَنْبِ البعيرِ، أَو وَرِكهِ، أَو بمِشْفَرِه، ثم تَتمَشَّى فيه حتَّى تُشْرِبَهُ كُلَّهُ، أَي: تَمْلأَهُ، كالنَّقَبْ، كَصُرَدٍ، فيهِمَا؛ أَي في القَوْلَيْنِ، وهما: الجَرَبُ، أَو أَوّل ما يَبدو منه.
والنَّقْبُ: أَنْ يَجْمَعَ الفَرَسُ قَوائِمَهُ في حُضْرِهِ، ولا يَبسُطَ يَدَيْهِ، ويكون حُضْرُهُ وثْبًا.
والنَّقْبُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ فِي الجَبَلِ، كالمَنْقَبِ والمَنْقَبَةِ، أَي: بِفَتحِهِمَا مع فتح قافهما، كما يدُلُّ لِذلك قاعدتُه. وقد نبَّهْنا على ذلك في: ن ض ب. وفي اللِّسان: المَنْقَبةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بينَ دارَيْنِ، لا يُسْتطاعُ سُلُوكُه وفي الحديثِ: «لا شُفْعةَ في فَحْلٍ، وَلَا مَنْقبَة» فسَّرُوا المَنْقَبة بالحائط. وفي روايةٍ: «لا شُفْعَةَ في فِنَاءٍ ولا طَرِيقٍ ولا مَنْقَبَة». المَنْقَبَةُ هي الطَّرِيقُ بين الدّارَيْنِ، كأَنّهُ نُقِبَ من هذه إِلى هذه، وقيلَ: هُو الطَّرِيقَ الّتي تعلُو أَنْشَازَ الأَرْضِ. والنُّقْبُ، بالضَّمِّ فسكون. والجمع: المَنْقَبِ والمنْقَبَةِ: المَنَاقِبُ، وجمعُ ما عداهُمَا: أَنقَابٌ، ونِقَابٌ بالكَسر في الأَخير. وأَنشد ثعلبٌ لِابْنِ أَبي عاصِيةَ:
تَطَاوَلَ لَيْلِي بالعِرَاقِ ولم يَكُن *** عليَّ بأَنْقَابِ الحِجازِ يَطُولُ
وفي الحديث: «إِنّهُمُ فَزِعُوا من الطّاعون، فقال: أَرْجُو أَنْ لا يَطْلُعَ إِلينا من نِقَابِها» قال ابْنُ الأَثِير: هي جمعُ نقْب، وهو الطَّرِيقُ بينَ الجَبلَيْنِ. أَراد أَنّهُ لا يَطْلُعُ إِلينا من طُرُقِ المَدِينَة. فأَضمر عن غير مذكورٍ. ومنهالحديثُ: «عَلَى أَنْقابِ المدِينةِ ملائكةٌ، لا يدْخُلُها الطّاعُونُ، ولا الدَّجّال» هو جمع قِلّة لِلنَّقْبِ.
ونَقْب، بلا لامٍ: موضع، قال سُلَيْكُ بْنُ السُّلَكةِ:
وهُنَّ عِجالٌ من نُبَاك ومن نَقْبِ
وفي المُعْجَمِ: قَرْيةٌ باليَمَامَةِ لبنِي عَدِيِّ بْنِ حَنيفةَ، وسيأْتي بقيّة الكلام.
والمِنْقَبُ، كَمِنْبَر: حَدِيدَةٌ، يَنْقُبُ بها البَيْطَارُ سُرَّةَ الدّابَةِ لِيَخْرُجَ منها ماءٌ أَصفرُ. وقد نَقَبَ يَنْقُبُ؛ قال الشَاعرُ:
كالسِّيدِ لَمْ يَنْقُبِ البَيْطَارُ سُرَّتَهُ *** ولَم يُسِمْهُ ولم يَلمِسْ له عَصَبَا
والمَنْقَبُ، كَمَقْعَدِ: السُّرَّةُ نفْسُها. قال النَّابغةُ الجعْدِيُّ يَصِفُ الفَرسَ:
كَأَنَّ مَقَطَّ شَراسِيفِهِ *** إِلى طَرفِ القُنْبِ، فالمَنقَبِ
وأَنشد الجَوْهَرِيُّ لِمُرَّةَ بْنِ مَحْكانَ:
أَقَبّ لم يَنْقُبِ البَيْطَارُ سُرَّتَهُ *** ولَم يَدِجْهُ ولمْ يَغمِزْ له عَصَبَا
أَو هو من السُّرَّة: قُدَّامُها حيث يُنقَبُ البَطنُ، وكذلك هو من الفَرَس.
وفَرَسٌ حسَنُ النُّقْبَةِ هو بالضَّمِّ: اللَّوْنُ.
والنُّقْبَةُ: الصَّدَأُ، وفي المُحْكَم: النُّقْبةُ: صَدَأُ السَّيْفِ والنَّصْل، قال لَبِيدٌ:
جُنُوحَ الهالِكِيّ على يَدَيْهِ *** مُكِبًّا يَجْتَلِي نُقَبَ النِّصَالِ
وفي الأَساس: ومن المَجَاز: جَلَوْتُ السَّيْفَ والنَّصْلَ من النُّقَب: آثارِ الصَّدإِ، شُبِّهت بأَوائلِ الجَرَبِ، والنُّقْبَة: الوَجْهُ، قال ذُو الرُّمَّةِ يَصِف ثَورًا:
ولاحَ أَزْهَرُ مشْهُورٌ بنُقْبَتِهِ *** كأَنَّهُ حِينَ يعْلُو عاقِرًا لَهَبُ
كذا في الصّحاح. وفي لسان العرب النُّقْبَةُ: ما أَحاطَ بالوَجْهِ من دَوائِره. قال ثعلب: وقيل لِامرَأَة: أَيُّ النسَاءِ أَبغضُ إِليكِ؟ قالت: الحَدِيدَةُ الرُّكْبَةِ، القَبِيحَةُ النُّقْبَةِ، الحاضِرَةُ الكِذْبَةِ.
والنُّقْبَةُ، أَيضًا: ثَوْبٌ كالإِزارِ، تُجْعَلُ له حُجْزَةٌ مُطِيفَةً هكذا في النُّسْخ، والذي في الصَّحاح ولسان العرب والمُحْكم: مَخِيطةٌ ـ من خاطَ ـ من غيرِ نَيْفَقٍ، كحَيْدَرِ، ويُشَدُّ كما يُشَدُّ السَّراوِيلُ.
ونَقَبَ الثَّوْب، يَنْقُبُه: جَعَلَهُ نُقْبةً وفي الحديث: «أَلْبَسَتْنَا أُمُّنا نُقْبَتَهَا» هي السَّرَاويلُ الّتي تكونُ لها حُجْزَةٌ من غير نَيْفَقٍ، فإِذا كان لها نَيْفَقٌ فهي سَراويلُ. وفي لسان العرب: النُّقْبَة: خِرْقَة يُجْعَلُ أَعْلاها كالسَّراويل [وأَسفلُها كالإِزار]، وقيل: هي سراوِيلُ بلا سَاقيْنِ. وفي حديثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ مولاةَ امْرأَةٍ اختَلَعتْ من كُلِّ شَيْءٍ لها، وكُلِّ ثوْب عليها، حتّى نُقْبَتِها، فلم يُنْكِرْ ذلك».
والنُّقْبَةُ: واحِدَةُ النُّقَبِ، للجَرَب أَو لِمَبادِيه، على ما تقدّمَ.
وقد تَنقَّبَتِ المَرْأَةُ، وانْتَقَبَتْ، وإِنَّها لحَسَنَةُ النِّقْبَةِ، بالكسْرِ، وهي هَيْئةُ الانْتِقابِ، وجَمْعُه: النِّقَب، بالكسر؛ وأَنشد سِيبَويْهِ:
بِأَعْيُنٍ منها مَلِيحاتِ النِّقَبْ *** شَكْلِ التِّجَارِ وحَلَالِ المُكْتَسَبْ
وَروَى الرِّياشِيّ: النُّقَب، بالضَّمّ فالفتح، وعنَى دَوائرَ الوَجْهِ، كما تقدّم.
ورجلٌ ميْمُونُ النَّقِيبةِ: مباركُ النفْسِ، مُظفَّر بما يُحاوِلُ.
نقله الجوهريُّ عن أَبي عُبيْد. وقال ابْن السكِّيتِ: إِذا كان مَيْمُونَ الأَمْرِ، يَنجَحُ فيما حاولَ، ويَظفَرُ.
والنَّقِيبةُ: العَقْلُ، هكذا في النُّسخ، وتَصفَّحْتُ كُتُب الأُمّهات، فلم أَجِدْه فيها، غيرَ أَنّي وجدتُ في لسان العرب ما نَصُّه: والنَّقِيبَةُ: يُمْنُ الفِعْلِ، فلعلَّهُ أَراد الفِعْلَ ثمّ تصحَّف على النّاسخ، فكتب «العقْل» محل «الفعل». وفي حديث مَجْدِيّ بْنِ عمْرٍو: «إِنَّهُ مَيْمُونُ النَّقِيبَةِ» أَيْ: مُنْجَحُ الفِعَالِ، مُظَفَّرُ المَطَالبِ. فليُتَأَمَّلْ. وقال ثَعْلَب: إِذا كان مَيْمَونَ المشورَةِ ومحمودَ المُخْتَبَرِ.
وعن ابْنِ بُزُرْجَ: مالَهُم نَقيبةٌ أَي نفاذ الرأْيِ.
وقيل: النَّقِيبة: الطَّبِيعَة.
وقيل: الخَلِيقة.
وفي لسان العرب: قولُهم: في فلان مَنَاقِبُ جميلَةٌ: أَي أَخلاق وهو حَسَنُ النَّقيبةِ: أَي جميلُ الخَليقة.
وفي التهذيب في ترجمة عرك: يقال: فلانٌ ميمونُ العَرِيكَةِ والنَّقِيبةِ والنَّقيمةِ، والطَّبِيعة، بمعنًى واحدٍ.
والنَّقِيبة: العَظِيمَة الضَّرْعِ من النُّوقِ، قال ابْن سِيدَه، وهي المُؤْتَزِرَةُ بضَرْعِها عِظَمًا وحُسْنًا، بَيِّنَة النِّقَابَةِ. قال أَبو منصور: هذا تصحيفٌ، إِنَّمَا هي الثَّقِيبة، وهي الغَزيرةُ من النُّوقِ، بالثّاءِ المُثَلَّثَة.
والنَّقِيبُ: المِزْمارُ، ولِسَانُ الميزَانِ والأَخيرُ نقله الصّاغانيّ.
والنَّقِيبُ مِنَ الكِلَاب: ما، نكرة موصوفة، أَي: كَلْبٌ نُقِبَتْ غَلصَمَتُه، أَو حَنجَرَتُه، كما في الأَساس، ليَضْعُفَ صَوْتُه، يَفعَلُه اللَّئيمُ، لِئَلَّا يَسْمَع صَوتَهُ صوتُ نُبَاحِه، وإِنّما يَفعل ذلك البُخَلاءُ من العرب، لئَلَّا يَطْرُقَهم ضَيفٌ، باسْتِمَاعِ نُباحِ الكلابِ.
والنَّقِيب: شاهدُ القَوْمِ، و. هو ضَمِينُهم وعَرِيفُهم ورأسهم: لأَنه يُفَتِّش أَحوالَهم ويَعْرِفُها، وفي التنزِيل العزيز {وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} قال أَبو إِسحاقَ: النَّقِيبُ، في اللُّغَة، كالأَمينِ والكفيل.
وقَدْ نَقَبَ عليهم نِقَابَةً، بالكَسْر من باب: كَتَب كِتَابَةً: فَعَلَ ذلِكَ أَي: من التَّعرِيف، والشُّهودِ، والضَّمَانَة، وغيرِها. وقال الفرّاءُ: نَقُبَ ككَرُمَ، ونقله الجماهيرُ. ونَقِبَ مثل عَلِمَ حكاها ابْنُ القطّاع، نَقَابةً، بالفتحِ: إِذا أَردت أَنه لَمْ يَكُنْ نَقِيبًا، فصار. وعبارةُ الجَوْهَرِيّ وغيرِه: فَفعَلَ.
والنِّقَابة بالكَسْرِ، الاسْمُ، وبالفَتْح: المَصْدرُ، مثل الوِلَايَةِ، والولايَة، نقله الجَوْهَرِيّ عن سِيبَويْه.
وفي لسان العرب: في حديث عُبَادَةَ بْنِ الصّامت: «وكانَ من النُّقَبَاءِ» جَمْعُ نَقيبٍ، وهو كالعرِيف على القوم، المُقَدَّم عليهم، الّذي يَتعرَّفُ أَخبارهُمْ، ويُنَقِّبُ عن أَحْوالهم؛ أَي يُفَتِّش. وكان النّبيُّ، صلى الله عليه وسلم، قد جعَلَ، ليْلَةَ العَقَبَةِ، كلَّ واحدٍ من الجماعة الّذين بايَعوه بها نَقيبًا على قومِه وجماعته، ليأْخذوا عليهم الإِسلامَ، ويُعرِّفوهم شَرائِطَهُ، وكانوا اثْنَيْ عشَرَ نقيبًا، كُلُّهُم من الأَنصار؛ وكان عُبَادةُ بْنُ الصّامِتِ منهم.
وقيل: النَّقِيبُ: الرَّئيسُ الأَكبرُ.
وإِنّما قِيلَ للنَّقِيب: نَقيبٌ، لِأَنَّهُ يَعلَمُ دَخِيلَةَ أَمرِ القوم، وَيَعْرِفُ مَنَاقِبَهم، وهو الطَّريق إِلى معرفةِ أُمورهم.
قال: وهذا الباب كُلُّه أَصلُهُ التَّأْثِيرُ الّذِي له عُمْقٌ ودُخُولٌ. ومن ذلك يقالُ: نَقَبْتُ الحائطَ: أَي: بَلَغْتُ في النَّقْبِ آخِرَهُ.
والنِّقَابُ، بالكَسْرِ: العالمُ بالأُمور. ومن كلام الحَجّاجِ في مُناطَقَتِه للشَّعْبِيّ: إِنْ كانَ ابْنُ عَبّاس لَنِقَابًا، وفي: رواية إِنْ كانَ ابْنُ عَبّاس لَمِنْقَبًا.
النِّقَاب، والمِنْقَبُ، بالكَسْر والتَّخْفيف: الرَّجُلُ العالمُ بالأَشْيَاءِ، الكثيرُ البَحْثِ عنها، والتَّنْقِيبِ عليها، أَي: ما كانَ إِلَّا نِقابًا. قال أَبو عُبَيْدٍ: النِّقَابُ هو الرَّجُلُ العَلَّامَةُ وهو مَجَازٌ. وقال غيرُهُ: هو الرَّجُلُ العالم بالأَشياءِ، المُبَحِّث عنها، الفَطِنُ الشَّدِيدُ الدُّخُولِ فيها؛ قال أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ يمدَحُ رَجُلًا:
كَرِيمٌ جَوَادٌ أَخُو مَأْقِطٍ *** نِقَابٌ يُحَدِّثُ بالغَائِبِ
قال ابْنُ بَرِّي: والرِّوايةُ «نَجِيحٌ ملِيحٌ»، قال: وإِنّمَا غَيَّرَهُ مَنْ غيْرَه، لأَنّهُ زَعَمَ أَنّ المَلَاحَةَ الّتي هي حُسْنُ الخَلْقِ، ليست بموضعٍ للمدْحِ في الرِّجال، إِذْ كانت المَلاحةُ لا تَجرِي مَجْرَى الفضائلِ الحَقيقيّة، وإِنّمَا المليحُ هنا هو المُسْتشفَى بِرَأْيِهِ، على ما حُكِيَ عن أَبي عَمْرو. قال: ومنه قولُهم: قُريْشٌ مِلْحُ النّاسِ: أَي يُسْتَشْفَى بهم. وقال غيرُهُ: الملِيحُ في بَيْتِ أَوْسٍ، يُرَادُ به المُسْتَطَابُ مُجالَسَتُه.
وقال شيخُنَا: وهذا من الغَرَائِبِ اللُّغَويّة ورُودُ الصِّفَة على فِعَال، بالكَسر فإِنّه لا يُعْرَفُ.
والنِّقابُ، أَيضًا: مَا تَنْتَقِبُ به المَرْأَةُ، وهو القِنَاعُ على مارِنِ الأَنْف، قاله أَبو زيد. والجَمْعُ نُقُبٌ. وقد تَنَقَّبَتِ المرأَةُ، وانْتَقَبَتْ.
وفي التّهْذِيب: والنِّقابُ على وُجوه. قال الفَرّاءُ: إِذا أَدْنَتِ المرأَةُ نِقابَها إِلى عينها فتِلْكَ الوَصْوصَةُ، فإِنْ أَنزَلَتْهُ دُونَ ذلك إِلى المَحْجِرِ فهو النِّقَابُ، فإِنْ كان على طَرَفِ الأَنْفِ فهو اللِّفَامُ. وفي حديثِ ابْنِ سِيرِينَ: «النِّقَابُ مُحْدَثٌ» أَرادَ: أَنّ النِّسَاءَ ما كُنَّ يَنْتَقِبْن، أَي: يَخْتَمْرِنَ. قال أَبُو عُبَيْد: لَيْس هذا وجهُ الحديثِ، ولكِنَّ النِّقابَ عند العرب هو الذي يَبدو منه مَحْجِرُ العَينِ؛ ومعناه: أَنَّ إِبْداءَهُنَّ المَحاجِرَ مُحْدَثٌ، إِنّما كان النِّقابُ لاصِقًا بالعين، وكانت تَبدُو إِحدَى العينَيْنِ، والأُخْرَى مستورَةٌ. والنِّقابُ لا يَبْدُو منه إِلّا العينانِ. وكان اسمه عِنْدهُم الوَصْوَصَةَ، والبُرْقُعَ وكان من لِبَاسِ النّساءِ، ثمّ أَحْدَثْنَ النِّقَابَ [بَعْدُ].
والنِّقَابُ: الطَّرِيقُ في الغِلَظِ، قال:
وتَرَاهُنَّ شُزَّبًا كالسَّعَالِي *** يتَطَلَّعْنَ من ثُغُور النِّقَابِ
يكون جَمعًا، ويكون واحدًا، كالمِنْقَبِ، بالكسر، أَي: فيهما ولو لم يُصَرِّحْ. وقد تقدَّم بَيانٌ كُلٍّ منهما. وإِطلاقه على العالِم، ذكرَه ابْنُ الأَثِير والزَّمخْشَرِيُّ. وهو في ابْنِ عَبَّاس، لا في ابْنِ مَسعودٍ كما زَعمَه شيخُنا. وقد صرَّحْنَا آنفًا.
والنِّقَابُ: موضع قُرْبَ المدِينَةِ المُشْرَّفَةِ، على ساكِنها أَفضلُ الصَّلاةِ والسّلام، من أَعمالها، يَتشعبُ منه طَريقانِ إِلى وادي القُرَى ووادِي المِياهِ، ذكره أَبو الطَّيِّب فقال:
وأَمْسَتْ تُخَبِّرُنا بالنِّقَابِ *** ووادِي المِياهِ ووادِي القُرَى
كذا في المعجم.
ومن المَجَاز: النِّقَابُ: البَطْنُ، ومنه المثَلُ: فَرْخَانِ في نِقَاب، يُضْرَبُ لِلمُتَشابِهَيْن، أَورده في المُحْكم والخُلاصة.
ويقال: كانا في نِقَابٍ واحِدٍ: أَي كانا مِثْلَيْنِ ونَظِيرينِ. كذا في الأَساس.
ونَقَبَ في الأَرْضِ، بالتّخفيف: ذَهَبَ، كأَنْقَبَ رُبَاعِيًّا، قال ابْنُ الاعْرابيّ: أَنْقَب الرَّجُلُ: إِذا سار في البلادِ.
ونَقَّب، مُشَدَّدًا: إِذا سارَ في البلاد طَلَبًا للمهْرَب، كذا في الصَّحِاح وفي التنزيل العزيز: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} قالَ الفَرّاءُ: قرَأَهُ القُرّاءُ مُشَدَّدًا، يقولُ: خَرَقُوا البِلادَ، فسارُوا فيها طَلَبًا للمَهْرَبِ، فهل كان لهم مَحِيصٌ من الموت؟ [ومَن قرأَ فَنَقِّبوا بكسر القاف، فإِنه كالوعيد؛ أَي اذْهبُوا في البلاد وَجِيئُوا؟] وقال الزَّجّاجُ: فنَقِّبُوا: طَوِّفُوا وفَتِّشُوا. قال: وقرأَ الحَسَنُ بالتَّخْفِيف؛ قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
وقد نَقَّبْتُ في الآفاقِ، حَتَّى *** رَضِيتُ من السَّلامةِ بالإِيابِ
أَي: ضَربْتُ في البلاد، وأَقبلْتُ، وأَدبرْتُ.
ونَقَّبَ عَنِ الأَخْبَارِ، وغيرِها: بَحَثَ عَنْها، وإِنّمَا قَيَّدْنا «غيرها» لئَلا يَردَ ما قالَهُ شيخُنَا: ليس الأَخبار بقيْد، بل هو البحث عن كُلِّ شيْءٍ والتَّفْتيشُ مطلقًا. أَو نَقَّبَ عن الأَخبار: أَخْبَرَ بِها. وفي الحديث: «إِنِّي لمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عن قُلُوب النّاس» أَي: أُفَتِّشَ، وأَكْشِفَ.
ونَقَّبَ الخُفَّ المَلبوسَ: رقَّعَهُ.
ونَقَبَتِ النَّكْبةُ فُلانًا، تَنْقُبُه، نَقْبًا: أَصَابتْهُ فبلَغَتْ منه، كنَكَبَتْه.
ونَقِبَ الخُفُّ، كَفَرِحَ، نَقَبًا: تَخَرَّقَ، وهو الخُفُّ الملبُوسُ.
ونَقِبَ خُفُّ البَعِيرِ: إِذا حَفِيَ حتى يَنْخَرقَ فِرْسِنُه، فهو نَقبٌ. أَو نَقِبَ البعيرُ، إِذا رَقَّتْ أَخْفَافُه، كَأَنْقَبَ.
والّذي في اللسان، وغيرِه: نَقِبَ خُفُّ البَعِيرِ إِذَا خَفِيَ، كأَنْقبَ؛ وأَنشد لِكُثيِّرِ عَزَّةَ:
وقد أَزْجُرُ العَرْجَاءَ أَنْقَبَ خُفُّها *** مَناسمُهَا لا يَسْتَبِلُّ رَثِيمُهَا
أَراد: ومناسِمُها، فحذفَ حرْفَ العَطْفِ. وفي حديثِ عُمَرَ، رضي الله عنه «أَتاه أَعْرَابيّ فقال: إِنّي على ناقةٍ دَبْراءَ عَجْفاءَ نَقْباءَ، واسْتَحْمَلُه، فظَنَّهُ كاذِبًا، فلم يَحْمِلْهُ، فانْطَلَقَ وهو يقول:
أَقسَم باللهِ أَبو حَفْصٍ عُمَر *** ما مَسَّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ
أَراد بالنَّقَب هنا: رِقَّةَ الأَخْفَافِ، وفي حديث عليٍّ، رضي الله عنه: «ولْيَسْتَأْنِ بالنَّقِبِ والظَّالِعِ» أَي: يَرْفُق بهما.
ويجوزُ أَن يكون من الجَرَب. وفي حديثِ أَبِي موسى: «فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا» أَي: رَقَّتْ جُلُودُها، وتَنَفَّطَتْ من المشْيِ.
كذا في لسان العرب.
ونَقَّب في البِلادِ: سارَ، وهو قولُ ابْن الأَعْرابِيِّ، وقد تقدّم. ولا يَخْفَى أَنَّه أَغنَى عنه قولُهُ السّابق: ونَقَبَ في الأَرْض: ذَهب. لِرجوعِهما إِلى واحدٍ. ثُمَّ رأَيتُ شيخَنا أَشار إِلى ذلك أَيضًا.
ولَقِيتُهُ نِقَابًا، بالكسر: أَي مُوَاجَهَةً، أَو من غَيْرِ مِيعَادٍ، ولا اعتماد، كناقَبْتُهُ نِقَابًا، أَي: فَجْأَةً، ومَرَرْتُ على طريق فناقَبَنِي فيه فلانٌ نِقَابًا: أَي لَقِيَني على غيرِ مِيعَاد. وانتصابُهُ على المصدر، ويجوز على الحال، كذا في مَجمع الأَمثال.
ونَقَبْتُ الماءَ نَقْبًا، ونِقَابًا مثل التِقاطًا. هَجَمْتُ عَلَيْه، وورَدْتُ من غيرِ أَن أَشْعُرَ وقيلَ: وَردْتُ عَلَيْهِ من غَيْرِ طَلَب.. والمَنْقَبَةُ: المَفخَرَةُ، وهي ضِدُّ المَثْلَبَةِ. وفي اللّسان: المَنْقَبَةُ: كَرَمُ الفِعْلِ، وجَمعُها المَنَاقِبُ، يقال: إِنّه لَكَرِيمُ المَنَاقِبِ، من النَّجَدات، وغيرِهَا، وفي فلانِ مَناقِبُ جَمِيلَةٌ: أَي أَخلاقٌ حسَنَةٌ. وفي الأَساس: رجلٌ ذُو مَنَاقِبَ وهي المآثِرُ والمَخابِرُ.
والمَنْقَبَةُ: طَرِيقٌ ضَيِّقُ بين دارَيْنِ، لا يُستطاعُ سُلُوكُه.
وفي الحديث «لا شُفْعَةَ في فَحْلٍ ولا مَنْقَبَةٍ» فَسَّرُوا المَنْقَبَةَ الحائطِ وفي رواية: «لا شُفْعَةَ في فِنَاءٍ، ولا طَرِيقٍ، ولا مَنْقَبَةٍ» المَنْقَبَةُ هي الطَّرِيقُ بينِ الدّارَيْن، كأَنّه نُقِبَ من هذِه إِلى هذِه. وقيلَ: هِي الطَّرِيقُ الّتي تعلو أَنْشَازَ الأَرْضِ.
والأَنْقابُ: الآذانُ، لا يُعْرَفُ لها واحِدٌ، كذا في المُحْكَم وغيرِه، قال القُطامِيُّ:
كانتْ خُدُودُ هِجَانِهِنَّ مُمَالَةً *** أَنْقابُهنَّ إِلى حُدَاءِ السُّوَّقِ
ومنهم مَنْ تكلَّف وقال: الواحدُ نُقْبٌ، بالضَّمّ، مأْخوذ من الخَرْق، ويرْوى: أَنَقًا بِهنَّ، أَي: إِعجابًا بِهِنّ.
والنّاقِب، والنّاقِبةُ: دَاءٌ يَعْرِضُ للإِنسان من طُولِ الضَّجْعَةِ. وقيل: هي القُرْحةُ الّتي تَخْرجُ بالجَنْبِ.
ونُقَيْبٌ، كَزُبيْر: موضع بَيْنَ تَبُوكَ وَمَعَانَ في طريق الشّام على طريق الحاجّ الشّاميّ.
ونَقِيبٌ أَيضًا: شِعْبٌ من أَجَإِ، قال حاتِم:
وسالَ الأَعَالي مِنْ نَقِيبٍ وَثَرْمَدٍ *** وَبَلِّغْ أُنَاسًا أَنّ وَقْرَانَ سَائِلُ
وَنَقَبَانةُ، محرَّكَةً، ماءَةٌ بِأَجَإِ أَحَدِ جَبَلَيْ طَيّئٍ، وهي لِسِنْبِسٍ منهم.
والمَنَاقِبُ: جَبَلٌ مُعْتَرِضٌ، قالوا: وسُمِّي بذلك لِأَنّه فيه ثَنَايَا وطُرُقٌ إِلى اليَمَامَةِ واليَمَنِ وغيرِها، كأَعَالِي نَجْدٍ والطّائف، ففيه ثلاثةُ مَناقبَ، وهي عِقَابٌ، يقالُ لإِحْداهَا الزَلّالةُ، وللأُخْرَى قِبْرَيْن، وللأُخْرَى: البيضاءُ. قال أَبو جُؤَيَّةَ عائذُ بْنُ جُؤَيَّةَ النَّصْرِيُّ:
أَلا أَيُّها الرَّكبُ المُخِبُّونَ هلْ لَكُمْ *** بأَهْلِ العقِيقٍ والمناقِبِ مِنْ عِلْمِ
وقال عَوْفُ بن عبدِ الله النصْرِيّ:
نهارًا وإِدْلاجَ الظَّلامِ كأَنَّه *** أَبو مُدْلِجٍ حتَّى تَحُلُّوا المنَاقِبَا
وقال أَبو جُنْدَب الهُذَليّ أَخو أَبي خِرَاش:
وحيٌّ بالمَناقِبِ قد حَمَوْها *** لَدَى قُرَّانَ حتَّى بَطْنِ ضِيمِ
فإِذا عَرَفْتَ ذلك، ظَهر أَنَّ قولَ المُصَنِّف فيما بعدُ:
والمناقِبُ: اسْم طَريق الطّائفِ من مكَّةَ المشرَّفة حَرَسَها اللهُ تعالَى، تَكرارٌ معَ ما قبلَهُ.
وأَنْقَبَ الرجلُ: صارَ حاجِبًا، أَو أَنْقبَ، إِذا صار نَقِيبًا، كذا في اللسان وغيرِهِ.
وأَنْقَبَ فُلانٌ، إِذا نَقِبَ بَعِيرُهُ. وفي حديثِ عُمَرَ، رضي الله عنه، قال لامرأَةٍ حاجَّة: «أَنْقَبْتِ، وأَدْبَرْتِ»، أَي: نَقِب بَعِيرُكَ، ودَبِرَ. وقد تقدَّمَ ما يتعلَّقُ به.
* ومِمَّا يُستدركُ عليه: نَقْبُ العيْنِ: هو القَدْحُ، بلسانِ الأَطِبّاءِ، وهو مُعَالَجَةُ الماءِ الأَسودِ الّذِي يَحْدُثُ في العينِ. وأَصلُهُ من نَقْبِ البيْطَارِ حافر الدّابَّةِ، لِيَخْرُجَ منه ما دَخَل فيه. قاله ابْنُ الأَثيرِ في تفسيرِ حدِيثِ أَبي بكر، رضي الله عنه: «أَنَّه اشْتَكَى عيْنَهُ، فكَرِه أَن يَنْقُبَها».
وفي التَّهْذِيب: إِنَّ عليه نُقْبَةً؛ أَي أَثرًا، ونُقْبَةُ كُلِّ شَيءٍ: أَثَرُهُ وهَيْئَتُهُ.
وقال ابْنُ الأَعْرَابيّ: فُلانٌ ميمونُ النَّقِيبَةِ، والنَّقِيمةِ: أَي اللَّونِ. ومنه سُمِّيَ نِقَابُ المَرْأَةِ؛ لأَنَّهُ يَسْتُرُ لَونَها بلَونِ النِّقابِ.
ونَقْبُ ضاحِك: طَريقٌ يُصْعِدُ في عارضِ اليَمَامةِ؛ وإِيّاهُ، فيما أَرى، عَنَى الرّاعِي:
يُسَوِّقُهَا تِرْعِيَّةٌ ذو عباءَةٍ *** بما بَيْنَ نَقْبٍ فالحَبِيسِ فأَفْرَعا
ونَقْبُ عازِبٍ: موضعٌ، بينَه وبين بيتِ المَقْدسِ مسِيرَةُ يوم للفارِس من جِهةِ البَرِّيَّةِ، بينَهَا وبين التِّيهِ.
وجاءَ في الحديث؛ «أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، لَمّا أَتَى النَّقْبَ» [وفي حديث آخر: حتى إِذا كان بالشعب] قال الأَزْرقيُّ: هو الشِّعْبُ الكبيرُ الّذي بينَ مَأْزِمَيْ عَرفَةَ عن يَسَار المُقْبِلِ من عَرَفَةَ، يُرِيد المُزْدَلِفَةَ ممّا يَلِي نَمِرَةَ.
وقال ابْنُ إِسحاقَ: وخرج النَّبيّ، صلى الله عليه وسلم، في سنة اثنتينِ للهجرة، فسلَكَ على نَقْبِ بَني دِينارٍ، من بني النَّجَار، ثُمَّ على فَيْفَاءِ الخَبَارِ.
ونَقْب المُنَقَّى بَيْن مَكَّةَ والطّائفِ، في شعر محمّد بْنِ عبدِ اللهِ النُّميْريّ:
أَهاجَتْكَ الظَّعائِنُ يَوْمَ بانُوا *** بِذِي الزِيِّ الجَمِيلِ من الأَثاثِ
ظَعائِنُ أُسْلِكَتْ نَقْبَ المُنَقَّى *** تُحَثُّ إِذا ونَتْ أَيَّ احتِثاث
ونَقْبُونُ: قريةٌ من قُرَى بُخَارَى، كذا في المُعْجَم.
ونيقب: موضعٌ، عن العِمرانيّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
4-تاج العروس (عد عدد عدعد)
[عدد]: العَدُّ: الإِحصاءُ، عَدَّ الشيْءَ يَعُدُّه عَدًّا، وتَعدَادًا، وعِدَّةً. وعَدَّدَه، والاسمُ: العَدَدُ والعَدِيدُ، قالَ الله تعالى: {وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} قال ابنُ الأثِيرِ: له مَعْنَيانِ: يكونُ أَحْصَى كُلَّ شيْءٍ مَعْدُودًا، فيكونُ نَصْبُه على الحالِ، يقال: عَدَدْتُ الدَّرَاهِمَ عَدًّا، وما عُدَّ فهو مَعْدُودٌ وَعَدَدٌ، كما يقال: نَفَضْتُ ثَمَرَ الشَّجَرِ نَفْضًا، والمَنْفُوضُ نَفَضٌ. ويكونُ مَعْنَى قولِهِ أَي إِحصاءً، فأَقَامَ عَدَدًا مُقَامَ الأَحصاءِ لأَنَّهُ بِمَعْنَاه.وفي المصباح: قال الزَّجَّاجُ: وقد يكونُ العَدَدُ بمعنى المَصْدَرِ كقولِهِ تعالى: {سِنِينَ عَدَدًا} وقال جماعة: هُو على بابِهِ، والمعنَى: سِنِينَ مَعْدُودةً، وإِنَّمَا ذكَّرها على معنَى الأَعْوَامِ.
وعَدَّ الشيءَ: حَسَبَهُ. وقالوا: العَدَد هو الكَمِّيَّةُ المُتَأَلِّفَة من الوَحَدَاتِ، فيَخْتَصُّ بالمتعدِّد في ذاتِهِ، وعلى هذا فالواحِدُ ليس بِعَدَدٍ، لأَنّه غير متعدِّد، إِذ التَّعَدُّدُ الكَثْرَةُ.
وقال النُّحاةُ: الواحِدُ من العَدَدِ، لأَنَّه الأَصْلُ المَبْنِيُّ مِنْهُ، ويَبْعُدُ أَن يكونَ أَصلُ الشيْءِ ليسَ منه، ولأَنَّ له كَمِّيَّةً في نَفْسِهِ فإِنَّه إِذا قِيل: كَمْ عِنْدَك؟ صَحَّ أَنْ يُقَالَ في الجَوَابِ: واحد، كما يقال: ثلاثَةٌ وغيرُها. انتهى.
وفي اللسان: وفي حَدِيثِ لُقْمَان: «ولا نَعُدُّ فَضْلَه عَلَيْنَا» أَي لا نُحْصِيه لكَثْرَته، وقيل: لا نَعْتَدُّه علينا مِنَّةً له.
قال شيخُنَا: قال جماعةٌ من شُيوخنا الأَعلامِ: إِنَّ المعروفَ في عَدَّ أَنَّه لا يُقَالُ في مُطاوِعِه: انْعَدَّ، على انْفَعَلَ، فقيل: هي عامِيَّةٌ، وقيل رَدِيئةٌ. وأَشارَ له الخَفَاجِيُّ في «شرح الشفاءِ».
وجمع العِدِّ الأَعدادُ وفي الحديث: «أَن أَبيضَ بنَ حَمَالٍ المازِنِيَّ قَدِمَ على رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، فاسْتَقْطَعَه المِلْحَ الّذِي بِمَأْرِبَ، فأَقْطَعَهُ إِيَّاهُ، فلمّا ولَّى قال رَجُلٌ: يا رسُولَ اللهِ، أَتَدْرِي ما أَقْطَعْتَه؟ إِنما أَقْطَعْتَ له الماءَ العِدَّ. قال: فَرَجَعَه مِنْهُ». قال اللَّيْث: العِدُّ، بالكسر مَوْضِعٌ يَتَّخِذُه الناسُ يَجْتَمِعُ فيه ماءٌ كَثِيرٌ. والجمْع الأَعدادُ.
قال الأَزهريُّ: غَلِطَ اللّيثُ في تفسير العِدِّ ولم يَعْرِفْهُ.
قال الأَصمَعِيّ: الماءُ العدُّ هو الجارِي الدائِمُ الذي له مادَّةٌ لا تَنْقَطِعُ، كماءِ العَيْنِ والبِئرِ. وفي الحديث «نَزَلُوا أَعْدَادَ مِياهِ الحُدَيْبِيَةِ» أَي ذواتِ المادَّةِ كالعُيُونِ والآبارِ، قال ذو الرُّمَّةِ يذكر امرأَةً حَضَرَتْ ماءً عِدًّا بعْدَ ما نَشَّتْ مِيَاهُ الغُدْرَانِ في القَيْظِ، فقال:
دَعَتْ مَيَّةَ الأَعدَادُ واسْتَبْدَلَتْ بها *** خَنَاطِيلَ آجَالٍ من العِينِ خُذَّلِ
اسْتَبْدَلَتْ بها يَعْني منازِلَها التي ظَعَنَتْ عنها حاضِرةً أَعدادَ المياهِ فخالَفَتْهَا إِليها الوَحشُ وأَقامَتْ في منازِلِهَا، وهذا استعارةٌ، كما قال:
ولقد هَبَطتُ الوادِيَيْنِ ووادِيًا *** يَدْعُو الأَنِيسَ بها الغَضِيضُ الأَبْكَمُ
وقيل: العِدُّ ماءُ الأَرْضِ الغَزِيرُ. وقيل: العِدُّ: ما نَبَعَ من الأَرضِ، والكَرَعُ: ما نَزَلَ من السّماءِ. وقيل: العِدُّ: الماءُ القَدِيمُ الذي لا يَنْتَزِحُ، قال الرَّاعي:
في كُلِّ غَبرَاءَ مَخْشِيٍّ مَتالِفُهَا *** دَيْمُومةٍ ما بِهَا عِدٌّ ولا ثَمَدُ
وقال أَبو عَدْنَانَ: سَأَلْتُ أَبا عُبَيْدَة عن المَاءِ العِدِّ، فقالَ لي: الماءُ العِدُّ بلغَةِ تَمِيمٍ: الكَثِيرُ. قال: وهو بِلُغَةِ بَكْرِ بنِ وائِلٍ: الماءُ القليلُ. قال: بَنُو تَمِيمٍ يَقُولون: الماءُ العِدُّ مثْلُ كاظِمَةَ، جاهِليٌّ إِسْلامِيٌّ لم يُنْزَحْ قَطُّ. وقالت لي الكلابِيَّة: الماءُ العِدُّ: الرَّكِيُّ. يقال: أَمِنَ العِدِّ هذا أَم من ماءِ السَّماءِ. وأَنْشدتْنِي:
وماءٍ لَيْسَ من عِدِّ الرَّكَايَا *** ولا جَلْبِ السّماءِ قد استقَيْتُ
وقالت: ماءُ كُلِّ رَكِيَّة عِدٌّ، قَلَّ أَو كَثُرَ.
والعِدُّ: الكَثْرَةُ في الشَّيْءِ، يقال: إِنَّهم لَذُو عِدٍّ وقِبْص.
وفي الحديث «يَخْرُجُ جَيْشٌ من المَشْرِق آدَى شيْءٍ وأَعَدُّه» أَي أَكثَرُه عِدَّةً وَأَتَمُّه وأَشدُّه استعدادًا.
والعِدُّ: القَدِيمُ، وفي بعض الأُمَّهات: القَديمة من الرَّكايا وقد تقدَّم قولُ الكلابِيَّةِ.
وفي المحكم: هو من قولِهم: حَسَبٌ عِدٌّ: قَديمٌ. قال ابن دُرَيْد: هو مُشْتَقٌّ من العِدِّ الذي هو الماءُ القَدِيمُ الذي لا يَنْتَزِحُ، هذا الذي جَرَت العادةُ به في العِبَارةِ عنه.
وقال بعض المُتَحَذِّقِينَ: حَسَبٌ عِدٌّ: كَثِيرٌ، تَشْبِيهًا بالماءِ الكَثِيرِ. وهذا غيرُ قَوِيٍّ وأَن يكونَ العِدُّ القَدِيمَ أَشْبَهُ، وأَنشد أَبو عبيدةِ:
فَوَرَدَتْ عدًّا من الأَعدادِ *** أَقْدَمَ مِن عادٍ وقَوْمٍ عادِ
وقال الحُطَيْئةُ:
أَتَتْ آلَ شَمَّاسِ بنِ لأْيٍ وإِنَّما *** أَتَتْهُمْ بها الأَحْلَامُ والحَسَبُ العِدُّ
والعَدَدُ: المَعْدُودُ، وبه فُسِّرت الآيةُ {وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} وقد تقدَّم، والعَدَدُ مِنْكَ: سِنُو عُمُرِكَ الّتي تَعُدُّهَا: تُحْصِيها.
وعن ابن الأَعْرَابِيِّ قال: قالت امرأَةٌ، ورأَتْ رَجُلًا كانَتْ عَهدَتْهُ شابًّا جَلْدًا: أَين شَبَابُكَ وَجَلَدُك؟ فقال: مَن طالَ أَمَدُه، وكَثُرَ وَلدُه، ورَقَّ عَدَدُه، ذَهَبَ جَلَدُه.
قوله: رَقَّ عَدَدُه؛ أَي سِنُوه التي يَعُدُّها ذَهَبَ أَكثَرُ سِنِّه، وقَلَّ ما بَقِيَ فكانَ عِنْدَه رَقِيقًا.
والعَدِيدُ: النِّدُّ والقِرْنُ، كالعِدِّ، والعِدَادِ، بكسرهما يقال: هذه الدَّراهِمُ عَدِيدُ هذِه الدراهِمِ؛ أَي مِثْلُهَا في العِدَّةِ، جاءُوا به على هذا المِثَال من باب الكَمِيعِ والنَّزِيعِ.
وعن ابن الأَعرابيِّ: يُقَال: هذا عِدَادُه وعِدُّه، ونِدُّه ونَدِيدُه، وبِدُّه وبَدِيدُهُ، وسِيُّه، وزِنُه وزَنُه، وَحَيْدُه وحِيدُه، وعَفْرُه، وَغفْرُه، ودَنُّه؛ أَي مِثْلُه وقِرْنُه. والجمع الأَعْدَاد، والأَبدَادُ، قال أَبو دُوادٍ:
وطِمِرَّةٍ كهِرَاوَةِ الأَعْ *** زَابِ ليس لها عَدائِدْ
وجَمْعُ العَدِيدِ: العَدَائِدُ، وهم النُّظَرَاءُ، ويقال: ما أَكْثَرَ عَدِيدَ بني فلانٍ. وبَنُو فلانٍ عَدِيدُ الحَصَى والثَّرَى، إِذا كانُوا لا يُحْصَوْنَ كثرةً، كما لا يُحْصَى الحَصَى والثَّرَى؛ أَي هم بِعَدَدِ هذينِ الكَثِيريْنِ.
والعَدِيدُ من القَوْمِ: مَنْ يُعَدُّ فِيهِمْ وليس معهم، كالعِدَادِ.
والعَدِيدةُ: الحِصَّةُ، قاله ابنُ الأَعْرَابِيّ. والعِدَادُ: الحِصَصُ، وجَمْعُ العَدِيدة: عَدائِدُ، قال لَبِيد:
تَطِيرُ عَدَائِدُ الأَشْرَاكِ شَفْعًا *** وَوِتْرًا والزَّعَامةُ للغُلامِ
وقد فَسَّرَه ابنُ الأَعرابِيّ، فقال: العَدَائِدُ: المالُ والمِيرَاثُ، والأَشْرَاكُ: الشَّرِكَةُ، يَعْنِي ابنُ الأَعرابِيّ بالشَّرِكَة جمْع شَرِيك؛ أَي يَقتسمونها بينهم، شَفْعًا وَوِترًا، سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ، وَسهْمًا سَهْمًا، فيقول: تَذْهَبُ هذه الأَنْصِباءُ على الدَّهْرِ، وتَبْقَى الرِّياسَة لِلوَلَدِ.
والأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وهي ثلاثةٌ بعدَ يَومِ النَّحْرِ.
وأَمَّا الأَيامُ المَعْلُوماتُ فعَشْرُ ذِي الحِجَّةِ، عُرِّفَتْ تلك بالتَّقْلِيلِ، لأَنَّها ثلاثةٌ. وعُرِّفَت هذه بالشُّهْرَةِ، لأَنَّهَا عَشَرةٌ.
وإِنما قُلِّل بِمَعْدُودةٍ لأَنَّهَا نَقِيضُ قولِكَ لا تُحْصَى كَثْرةً. ومنه {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ} أي قليلةٍ. قال الزِّجّاجُ: كُلُّ عَدَدٍ، قَلَّ أَو كَثُرَ، فهو مَعْدُودٌ. ولكنَّ مَعْدُودَاتٍ أَدلُّ على القِلَّةِ، لأَنَّ كُلَّ قلِيلٍ يُجْمَعُ بالأَلِفِ والتاءِ، نحو دُرَيْهِماتٍ، وحَمَّامَاتٍ. وقد يَجُوزُ أَن تَقَعَ الأَلِفُ والتَّاءُ للتَّكْثِير.
والعِدَّةُ. مَصْدَرٌ كالعَدِّ، وهي أَيضًا: الجماعةُ، قَلَّتْ أَو كَثُرَتْ، تقول: رأَيتُ عِدَّةَ رِجالٍ وعِدَّةَ نِساءٍ وأَنفَذْتُ عِدَّةَ كُتُبٍ؛ أَي جَماعة كُتُبٍ.
وفي الحديث: «لم تَكُنْ للمُطَلَّقَةِ عِدَّةٌ فأَنْزلَ اللهُ تعالى العِدَّة للطَّلاقِ» وعِدَّةُ المَرْأَةِ المُطَلَّقةِ والمُتَوفَّى زَوْجُها: هي ما تَعُدُّه مِن أَيَّامِ أَقْرائِها، أَو أَيَّامِ حَمْلها، أَو أَربعة أَشْهُرٍ وعَشْر ليالٍ. وعِدَّتُها أَيضًا: أَيامُ إِحْدَادِها على الزَّوْجِ وإِمساكِها عن الزِينةِ، شُهُورًا كان أَو قراءً، أَو وَضْعَ حَمْلٍ حَمَلَتْه من زَوْجِها، وقد اعتَدَّت المرأَةُ عِدَّتَها من وَفَاةِ زَوْجِها أَو طَلاقِهِ إِيَّاها. وجَمْعُ عِدَّتِها عِدَدٌ. وأَصْلُ ذلك كُلِّه مِن العَدِّ. وقد انْقَضَتْ عِدَّتُها.
وَعِدَّانُ الشَّيْءِ، بالفتح والكسر، ولو قال: وعَدَّان الشيْءِ، ويُكْسَر كان أَخْصَر: زَمَانُهُ وعَهْدُهُ، قال الفَرَزْدَقُ، يخاطب مِسْكيِنًا الدارِمِيَّ، وكان قد رَثَى زِيَادَ ابنَ أَبِيه:
أَمِسْكِينُ أَبكَى اللهُ عَينكَ إِنّمَا *** جَرَى في ضَلَالٍ دَمْعُها فتَحَدَّرا
أَقولُ له لَمَّا أَتانِي نَعِيُّهُ *** بِهِ لا بِظَبْيٍ بالصَّرِيمةِ أَعْفَرا
أَتَبْكِي امْرَأً من آلِ مَيْسانَ كافِرًا *** ككِسْرَى على عِدَّانِه أَوْ كَقَيْصَرَا
وأَنا على عِدَّانِ ذلكَ أَي حِينِه وإِبَّانِهِ، عن ابن الأَعرابِيّ.
وأَوردَه الأَزهريُّ في عَدَنَ، أَيضًا. وجِئْتُ على عِدَّانِ تَفْعَلُ ذَلِكَ [وعَدَّانِ تَفْعَل ذلك] أَي حِينِه. أَو معنى قولهم: كان ذلك في عِدَّانِ شَبَابِه، وعِدَّانِ مُلْكه، هو أَوَّلُهُ وأَفْضَلُهُ وأَكثرُه. قال الأَزهريُّ: واشتقاقُ ذلك من قولِهِم: أَعَدَّهُ لأَمْرِ كذا: هَيَّأَهُ له، وأَعْدَدتُ للأَمْرِ عُدَّته، ويقال: أَخَذَ للأَمْر عُدَّتَهُ وعَتَادَه، بِمَعنًى، قال الأَخفشُ: ومنه قولُه تعالَى: {جَمَعَ مالًا} وَعَدَّدَهُ أَي جَعَلَهُ عُدَّةً للدَّهْرِ، ويقال: جَعَلَه ذا عَدَدٍ. واستَعَدَّ له: تَهَيَّأَ، كأَعَدَّ، واعْتَدَّ، وتَعَدَّدَ، قال ثَعْلبٌ: يُقَالُ: استَعْدَدتُ للمَسائل، وتَعدَّدْتُ. واسم ذلك: العُدَّةُ.
ويقال: هُم يَتَعَادُّونَ، ويَتَعَدَّدُون على أَلْفٍ؛ أَي يَزِيدُون عليه في العَدَدِ، وقيل: يَتَعَدَّدُون عليه: يَزِيدُون عليه في العَدَد، ويَتعادُّونَ: إِذا اشتَركُوا فيما يُعادُّ به بَعْضُهُم بَعضًا من المَكَارِمِ.
والمَعَدَّانِ: مَوْضِعُ دَفَّتَي السَّرْجِ على جَنْبَيْهِ من الفَرَسِ، تقولُ: عَرِقَ مَعَدَّاه، وأَنشدَ اللِّحْيَانِيُّ:
كَزِّ القُصَيْرَى مُقْرِفِ المَعَدِّ
وقال: عَدَّه مَعَدًّا، وفَسَّرَه ابنُ سيده وقال: المَعَدُّ هُنا: الجَنْبُ، لأَنَّه قد قال: كَزّ القُصَيْرَى، والقُصَيْرَى عُضْوٌ، فمُقَابَلَةُ العُضْوِ بالعُضْوِ خَيْرٌ من مُقَابَلَتِهِ بالعِدَّةِ.
ومَعَدُّ بنُ عَدْنَانَ: أَبو العَرَبِ، والمِيمُ زائدةٌ، أَو المِيمُ أَصْلِيَّةٌ، لقولهم: تَمَعْدَدَ، لِقِلَّةِ تَمَفْعَلَ في الكلام، وهذا قولُ سِيبويهِ، وقد خُولِفَ فيه.
وتَمَعْدَدَ الرَّجُلُ؛ أَي تَزَيَّا بِزِيِّ مَعَدٍّ، في تَقَشُّفِهِم، أَو تَنَسَّبَ هكذا في النُّسخ. وفي بعضها: أَو انْتَسَبَ إِليهِمْ أَو تكلَّم بكَلامِهِمْ أَو تَصَبَّرَ عَلَى عَيْشِهِمْ، ونقَلَ ابنُ دِحْيَةَ في «كتاب التَّنْوِير» له، عن النُّحاةِ: أَنَّ الأَغلبَ على مَعَدٍّ، وقُرَيْشٍ، وثَقِيفٍ، التذكيرُ والصَّرْفُ، وقد يُؤَنَّثُ ولا يُصْرَفُ. قاله شيخُنا.
وقولُ الجَوْهَرِيِّ: قال عُمَرُ، رضي الله عنه. الصَّوابُ: قالَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم: «تَمَعْدَدُوا واخْشَوْشِنُوا وانتَضِلُوا، وامشُوا حُفاةً» أَي تَشَبَّهُوا بِعَيْشِ مَعَدٍّ، وكانُوا أَهلَ تَقَشُّفٍ وغِلْظَةٍ في المَعَاشِ، يقول كُونُوا مِثْلَهُمْ ودَعُوا التَّنَعُّمَ وزيَّ الأَعاجِمِ.
وهكذا هو في حديث آخَرَ: «عَلَيْكُم باللِّبْسَةِ المَعَدِّيَّةِ».
وفي «الناموس» و«حاشية سَعْدِي چلبى» وشرْحِ شَيْخِنا: لا يَبْعُدُ أَن يكونَ الحديثُ جاءَ مرفُوعًا عن عُمَر، فليس للتَّخْطئةِ وَجْهٌ والحديثُ ذَكَرَه السُّيوطيُّ في «الجامِع»، رَواه الطَّبرانِيُّ عن ابن حَدْرَدٍ، هكذا في النُّسَخِ، وفي بعضٍ: ابن أَبِي حَدْرَد. وهو الصّواب وهو: عبدُ اللهِ بنُ أَبي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيُّ. أَخرجَه الطَّبرانِيُّ، وأَبو الشَّيخ، وابن شاهِين، وأَبو نُعَيمٍ، كُلُّهم مِن حديثِ يَحيَى بنِ أَبي زائدةَ، عن ابن أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبيه عن القَعْقاع، عن ابن أَبي حَدْرَدٍ. قال الهَيْثَميُّ: عبدُ اللهُ بنُ أَبي سَعِيدٍ ضَعِيفٌ. وقال العِراقيُّ: ورَواه أَيضًا البَغَوِيُّ، وفيه اختلاف. ورواه ابنُ عَدِيٍّ مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ. والكُلُّ ضَعِيفٌ. وأَوردَه ابنُ الأَثِيرِ، فقال: وفي حديث عُمر: «واخْشَوْشِنُوا» بالنون، كما في الرَّواية المشهورة، وفي بعضها: بالموحَّدةِ. وفي رِواية أُخُرَى: «تَمَعَّزُوا» بالزاي، من المَعْزِ، وهو الشِّدَّةُ والقُوَّةُ.
وقد بَسَطَه ابنُ يَعِيشَ في «شَرْحِ المُفَصَّلِ».
ويقال: تَمَعْدَدَ الغُلامُ، إِذا شَبَّ وغَلُظَ قال الراجِزُ:
رَبَّيْتُه حتَّى إِذَا تَمَعْدَدَا
وفي «شرح الفصيح» لأَبي جَعفَرٍ: والمُعَيْدِيُّ فيما قالَه أَبو عُبَيْدٍ، حاكِيًا عن الكِسَائيِّ تَصْغِيرُ المَعَدِّيّ، هو رَجُلٌ مَنْسوبٌ إِلى مَعَدٍّ. وكانَ يَرَى التَّشْدِيدَ في الدَّالِ، فيقُولُ: المُعَيِدِّيّ. قال أَبو عُبَيْدٍ: ولم أَسْمَعْ هذا من غَيْرِهِ، قال سيبويه: وإِنَّمَا خُفِّفَت الدَّالُ من المُعَيْدِيّ استثقالًا للتَّشْدِيدَيْنِ؛ أَي هَرَبًا من الجَمْعِ بينَهُمَا مع ياءِ التَّصْغِيرِ. قال سِيبَوَيْهِ: وهو أَكثَرُ في كَلامِهِمْ من تَحْقِيرِ مَعَدِّيٍّ في غيرِ هذا المَثَلِ، يَعْنِي أَنَّهُم يُحَقِّرُونَ هذا الاسمَ إِذا أَرادُوا بِهِ المَثَلَ. قال سيبويه: فإِنْ حَقَّرتَ «مَعدِّيّ، ثَقَّلْتَ الدَّالَ، فقلتَ: مُعَيِدِّيّ.
قال ابنُ التيانِيّ: يعني إِذا كان اسمَ رَجُلٍ ولم تُرِدْ به المَثَلَ، وليس من باب أُسَيْدِيٍّ في شيْءٍ، لأَنَّه إِنَّمَا حُذِفَ من أُسَيْدِيٍّ، كَرَاهَةَ تَوالِي الياآتِ، والكَسَرَات، فحُذِفَتْ باء مكسورةٌ، وإِنَّمَا حُذِفَتْ من معدِّيّ دالٌ ساكنةٌ لا يا ولا كَسْرةٌ، فعُلِمَ أَن لا عِلَّةَ لِحَذْفِهِ إِلَّا الخِفَّةُ، وأَنَّهُ مَثَلُ، كذا تُكُلِّم به، فوجَبَ حِكَايَتُهُ. وقال ابنُ دُرُسْتَويْهِ: الأَصلُ في المُعَيْدِيّ تشدِيدُ الدَّالِ، لأَنَّه في تقديرِ المُعَيْدِدِيِّ فكُرِهَ إِظهارُ التَّضْعِيفِ، فأُدْغِمَ الدَّالُ الأُولَى في الثانيةِ، ثم استُثْقِلَ تشديدُ الدَّالِ، وتَشْدِيدُ الياءِ بعدَها، فخُفِّفَت الدّالُ، فقيل: المُعَيْدِيّ، وَبَقِيَت الياءُ مُشَدَّدةً. وهكذا قاله أَبو سَعِيدٍ السِّيرافِيُّ، وأَنشدَ قولَ النَّابِغَةِ:
ضَلَّتْ حُلُومُهُمُ عَنْهُمْ وغَرَّهُمُ *** سَنُّ المُعَيْدِيّ في رَعْيٍ وتَغْرِيبِ
وهذا المَثَلُ على ما ذَكره شُرَّاحُ الفَصِيحِ فِيه روايتانِ، وتَتَولَّدُ منهما رِوَايَاتٌ أُخَرُ، كما سيأْتِي بيانُها، إِحداهُما: تَسْمَعُ ـ بضَمّ العينِ، وحذف أَنْ، وهو الأَشْهَرُ، قالَه أَبو عُبَيْدٍ. ومِثْلُه قولُ جَمِيلٍ:
جَزِعْتُ حِذارَ البَيْنِ يومَ تَحَمَّلُوا *** وحَقَّ لمِثْلِي يا بُثَيْنةُ يَجْزَعُ
أَراد: أَن يَجْزَعَ، فلَمَّا حَذَف «أَن» ارتفَع الفِعْلُ، وإِن كانتْ محذوفَةً من اللفظِ فهي مُرادةٌ، حتَّى كأَنَّهَا لم تُحْذَفْ. ويدلّ على ذلك رفعُ تَسْمَعُ بالابتداءِ، على إِرادة أَنْ. ولو لا تقديرُ أَن لم يَجُزْ رفعُه بالابتداءِ.
ورُوِيَ بنصْبِها على إِضمارِ أَن، وهو شاذٌّ يُقتَصر على ما سُمعَ منه، نحو هذا المَثَل، ونحو قولِهم: خُذ اللِّصَّ قبلَ يأْخُذَكَ، بالنصب ونحو: أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرونِّي أعْبُدَ بالنصب في قراءَةٍ.
قال شيخُنا: وكونُ النصبِ بعد أَنْ، محذوفةً، مقصورًا على السَّماع، صَرَّح به ابنُ مالِكٍ في مواضِعَ من مصنَّفاتِه.
والجوازُ مَذهبُ الكوفّيين ومَن وافَقَهُم ـ بالمُعَيْدِيّ قال الميدانيُّ وجماعةٌ: دخَلتْ فيه الباءُ، لأَنه على معنَى تُحَدَّث به، وأَشار الشِّهاب الخَفاجيُّ وغيرُه إِلى أَنَّه غيرُ مُحْتَاجٍ للتأْويلِ، وأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ كذلك. وسَمِعْت بكذا، من الأَمرِ المشهورِ. قال شيخُنا، وهو كذلك، كما تَدلُّ له عباراتُ الجُمْهورِ، خَيْرٌ خَبَرُ تَسْمَع. والتقديرُ أَن تَسمعَ أَو سماعُكَ بالمُعَيْدِيِّ أَعظم مِن أَن تراهُ؛ أَي خَبَرُهُ أَعظمُ من رُؤْيتِهِ.
قال أَبو جَعْفَرٍ الفِهْريُّ: وليس فيه إِسنادٌ إِلى الفِعْلِ الذي هو تَسْمع، كما ظَنَّه بعضُهم. وقال: قد جاءَ الإِسنادُ إِلى الفِعْل. واستَدلَّ على ذلك بهذا المَثَلِ. وبقوله تبارَكَ وتعالَى: {وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} وقول الشاعر:
وحَقَّ لِمِثْلي يا بُثَيْنَةُ يَجْزَعُ
قال: فالفعْلُ في كُلّ هذا مبتدأٌ، مسنَدٌ إِليه، أَو مفعولٌ مسنَدٌ إِليه الفعل الذي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه.
وما قاله هذا القائِلُ فاسِدٌ، لأَن الفِعْلَ في كلامِهم إِنَّما وُضِعَ للإِخْبارِ بِه لا عنه. وما ذكرهَ يُمكِن أَن يُرَدَّ إِلى الأَصْلِ الّذِي هو الإِخبارُ عن الاسْمِ، بأَن تُقَدَّر في الكلامِ أَن محذُوفَةً للعِلْم بها، فتقديرُ ذلك كُلِّه: أَن تَسْمَعَ بالمُعِيدِيِّ خَيْرٌ من أَن تَرَاه. ومِن آيَاتِه أَن يُريَكُم البَرْقَ. وحَقَّ لِمِثْلِي أَن يَجْزَعَ. وأَنْ وما بعدَهَا في تَأْويل اسمٍ، فيكون ذلك إِذا تُؤُوِّلَ على هذا الوَجْه، من الإِخبارِ عن الاسمِ، لا من الإِخبار عن الفِعْلِ. كذا في شرح شيخِنا.
قال أَبو جعفر: ورُوِيَ «مِن عَنْ تَرَاه» قاله الفرّاءُ في المصادر، يعني أَنّه ورد بإِبدال الهمزةِ في أَنْ عينًا، فقيل «عن» بدل «أَن»، وهي لغةٌ مشهورةٌ، كما جَزَمَ به الجماهِيرُ.
أَو المَثَلُ: «تَسْمَعُ بالمُعَيْديِّ لا أَنْ تَرَاهُ» بتجرِيدِ تَسمعُ، من «أَنْ» مرفوعًا على القياسِ، ومنصوبًا على تَقديرها وإِثبات لا العاطِفةِ النافيةِ وأَنْ، قبْلَ: تراه. وهي الرِّواية الثّانِية. وقد صحَّحها كثيرُون.
ونقَل أَبو جَعفرٍ عن الفَرَّاءِ قال: وهي في بَني أَسَدٍ، وهي التي يَختارُها الفصحاءُ.
وقال ابنُ هشامٍ اللَّخْمِيُّ: وأَكثرُهم يقول: لا أَنْ تراه.
وكذلك قاله ابن السِّكِّيت.
قال الفَرَّاءُ: وقَيْسٌ تقول: «لأَنْ تَسمعَ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ من أَن تَراه» وهكذا في «الفصيح».
قال التّدْمريُّ فاللّام هنا لامُ الابتداءِ، وأَن مع الفِعْلِ بتأْوِيلِ المصدر، في موضعِ رَفْعٍ بالابتداءِ. والتقديرُ: لسَمَاعُكَ بالمُعيدِيِّ خيرٌ من رُؤيَتِهِ فسَمَاعُكَ: مبتدأٌ.
وخيرٌ: خَبَرٌ عنه. وأَن تراه: في موضعِ خَفْضٍ بِمِنْ. قال: وفي الخَبَرِ ضميرٌ يعُود على المصدرِ الذي دَلَّ عليه الفِعْلُ، وهو المبتدأٌ، كما قالوا: مَن كَذَب كَان شَراًّ له.
يُضْرَبُ فيمَنْ شُهِرَ وذُكِرَ وله صِيتٌ في الناس وتُزْدَرَى مَرْآتُهُ؛ أَي يُسْتَقْبَحُ مَنْظَرُه لِدَمَامَتِهِ وحقَارَتِهِ. أَو تأْوِيلُهُ أَمْرٌ، قال ابنُ السِّكِّيت؛ أَي اسْمَعْ به ولا تَرَهُ.
وهذا المَثَلُ أَوردَهُ أَهلُ الأَمثال قاطِبَةً: أَبو عُبَيْدٍ أَوَّلًا.
والمُتَأخِّرُون كالزَّمَخْشَرِيِّ، والمَيْدانِي. وأَورده أَبو العَبّاسِ ثَعْلَبٌ في «الفَصِيح» بروايَتَيْهِ. وبَسطه شُرَّاحُه. وزادوا فيه.
قال سيِبيوْيه: يُضْرَب المَثَلُ لمن تَراه حَقِيرًا، وقَدْرُه خَطِيرٌ. وخَبَرُه أَجَلُّ مِن خُبْرِه.
وأَوّلُ مَن قَالَه النُّعْمَانُ بن المُنذِرُ أَو المُنذِرِ بنُ ماءِ السماءِ.
والمُعَيْديُّ رجُلٌ من بني فِهْرٍ، أَو كِنانةَ، واختُلِفَ في اسمِهِ: هل هو صَقْعَب بن عَمْرٍو، أَو شِقَّة بن ضَمْرةَ، أَو ضَمْرَة التَّمِيمِيّ، وكان صَغِيرَ الجُثَّةِ، عَظِيم الهَيْئةِ. ولَمَّا قِيل له ذلك، قال: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، إِنَّ الرجالَ ليسُوا بجُزُرٍ، يُرَادُ بها الأَجسام، وإِنَّما المرءُ بأَصْغَرَيْهِ. ومثله قال ابن التّيانيّ تبعًا لصاحب «العَيْن» وأَبو عُبَيْدٍ عن ابن الكَلْبِيِّ والمفضَّل. وفي بعضِها زيادات على بعض.
وفي رواية المفضَّل: فقال له شِقَّة: أَبيتَ اللَّعن: إِنَّمَا المرءُ بِأَصْغَرَيْهِ: لسانِهِ وقَلْبِهِ، إِذا نَطَق نَطَق ببَيَان، وإِذا قاتَلَ قاتل بِجَنان. فعَظُم في عَيْنِه، وأَجزل عَطِيَّتَه. وسَمَّاه باسمِ أَبِيه، فقال له: أَنتَ ضَمْرةُ بنُ ضَمْرَةَ. وأَورده العلَّامة أَبو عليٍّ اليوسيّ في «زَهر الأَكم» بأَبْسَطَ من هذا، وأَوضَحَ الكلامَ فيه. وفيه: أَن هذا المثلَ أَولَ ما قِيلَ، لخَيْثَم بنِ عَمْرٍو النَّهْديّ، المعروفِ، بالصّقعَب الذي ضُرِب به المثَلُ فقيل: «أَقْتَلُ مِن صَيْحَةِ الصَّقْعَب» زعَمُوا أَنَّه صاحَ في بَطْنِ أُمِّه، وأَنّه صاحَ بقَوْمٍ فهَلَكُوا عن آخِرِهم.
وقيل: المَثُل للنُّعْمَانِ بن ماءِ السماءِ، قاله لشِقَّة بن ضَمْرة التّميميّ. وفيه: فقال شِقّة: أَيُّها المِلكُ إِنَّ الرَّجالَ لا تُكال بالقُفْزَان، ولا تُوزَن بالمِيزَان. وليست بمُسوك ليُسْتقَى فيها الماءُ. وإِنَّما المرءُ بأَصْغَرَيْه: قَلْبِه ولِسَانِه، إِن قال قال بِبَيان، وإِن صالَ صالَ بجَنان: فأَعْجَبَهُ ما سَمِعَ منه. قال أَنت ضَمْرَةُ بنُ ضَمْرَةَ.
قال شيخُنا: قالوا: لم يَرَ الناسُ من زَمَنِ المُعَيْدِيِّ إِلى زَمَنِ الجَاحِظِ أَقبَحَ منه، ولم يُرَ من زَمنِ الجاحِظِ إِلى زَمَنِ الحَرِيريِّ أَقْبَحُ منه.
وفي «وفَيات الأَعيان» لابنِ خلِّكان أَن أَبا محمدٍ القاسِمَ بنَ عليّ الحريريَّ، رحمه الله، جاءَه إِنسان يَزُوره ويأْخُذُ عنه شيئًا من الأَدب، وكان الحَرِيريُّ دَميم الخِلْقة جِدًّا فلَمَّا رآه الرّجُل استنزرَى خِلْقَتَه، ففَهِمَ الحريريُّ ذلك منه، فَلَمَّا طلبَ الرَّجُل من الحريريِّ أَن يُمْلِيَ عليه شيئًا من الأَدب، قال له: اكتُب:
ما أَنْتَ أَولُ سارٍ غَرَّهُ قَمَرٌ *** ورائدٍ أَعجبتْهُ خُضْرَةُ الدِّمَنِ
فاخْتَرْ لنفسِكَ غيرِي إِنَّني رَجُلٌ *** مِثْلُ المُعَيْدِيِّ فاسمَعْ بِي ولا تَرَبِي
وزاد غيرُ ابنِ خلّكان في هذه القصّةِ أَن الرجلَ قال:
كانَتْ مُساءَلَةُ الرُّكْبَانِ تُخْبِرُنا *** عَنْ قاسِمِ بنِ عَلِيٍّ أَطيَبَ الخَبَرِ
حتَّى الْتَقَيْنَا فلا والله ما سَمِعتْ *** أُذْنِي بأَحْسَنَ مِمَّا قد رَأَى بَصَرِي
وذُو مَعَدِّيِّ بْنُ بَرِيمٍ كَكَرِيم، ابن مَرْثَد، قَيْلٌ من أَقْيَالِ اليَمن.
والعِدَادُ، بالكسر: العَطَاءُ، ويومُ العِدَادِ: يوم العَطَاءِ، قال عُتْبَة بن الوَعْلِ:
وقائلةٍ يومَ العِدَادِ لِبَعْلِها *** أَرى عُتْبةَ بن الوَعْلِ بَعدِي تَغَيَّرَا
ويقال: بالرَّجل عِدَادٌ؛ أَي مَسٌّ مِن جُنُونٍ، وقيَّدَه الأَزْهَرِيُّ فقال هو شِبْهُ الجُنونِ يأْخذ الإِنسانَ في أَوقاتٍ مَعلومةٍ.
والعِدَادُ: المُشَاهَدَةُ ووَقْتُ المَوْتِ قال أَبو كَبيرٍ الهُذَلِيُّ:
هَلْ أَنْتِ عارِفَةُ العِدَادِ فتُقْصِرِي *** أَم هَلْ أَراحَكِ مَرَّةً أَن تَسْهَرِي
معناه: هل تَعرفين وَقْتَ وفاتِي.
وقال ابن السِّكِّيتِ: إِذا كَانَ لأَهْلِ المَيِّتِ يومٌ أَو ليلةٌ يُجتمع فيه للنِّياحة عليه، فهو عِدادٌ لهم.
والعِدَاد مِن القَوْسِ: رَنِينُهَا وهو صَوتُ الوَتَرِ، قال صَخْرُ الغَيِّ:
وسَمْحَةٌ من قِسِيِّ زارةَ حَم *** راءُ هَتُوفٌ عِدَادُها غَرِدُ
كالعَدِيدِ، كأَمير.
والعِدَاد: اهْتِيَاجُ وَجَعِ اللَّدِيغِ بَعْدَ تَمَام سَنَةٍ، فإِذا تَمَّت له مُذْ يَوْمَ لُدِغَ هَاجَ به الأَلمُ، كالعِدَدِ، كَعِنَبٍ مقصورٌ منه. وقد جاءَ ذلك في ضرورةِ الشِّعْر. ويقال: بِه مَرضٌ عِدادٌ، وهو أَن يَدَعَه زَمانًا، ثم يُعَاوِدَه، وقد عادَّه مُعَادَّة وعِدَادًا. وكذلك السَّلِيمُ والمَجْنُونُ، كأَنَّ اشتقاقَه من الحِسَاب، من قِبَلِ عَدَدِ الشُّهُورِ والأَيَّامِ، ويقال: عادَّتْهُ اللَّسْعَةُ مُعَادَّةً، إِذا أَتَتْهُ لِعِدادٍ، ومنه الحديثُ المشهور: «ما زالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادُّنِي، فهذا أَوانَ قَطَعَتْ أَبْهَرِي» أَي يُرَاجِعُني ويُعَاوِدُني أَلَمُ سمِّهَا في أَوقاتٍ مَعْلُومة، وقال الشاعر:
يُلاقِي مِنْ تَذَكُّرِ آلِ سَلْمَى *** كما يَلْقَى السَّلِيمُ من العِدَادِ
وقيل: عِدَادُ السَّلِيم أَن تَعُدَّ له سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فإِن مَضَتْ رَجَوْا له البُرْءَ، وما لم تَمْضِ قيل: هو في عِدَادِه. ومعنى الحديث: تُعادُّنِي: تُؤْذِيني وتُراجِعُنِي [ويعاودُني أَلم سُمِّها]، في أَوقاتٍ معلومةٍ كما قال النابِغةُ في حَيَّةٍ لدَغت رَجُلًا:
تُطَلِّقُهُ حِينًا وحِينًا تُرَاجِعُ
ويقال: به عِدَادٌ من أَلمٍ؛ أَي يُعَاوِدُه في أَوقاتٍ مَعْلُومةٍ.
وعِدَادُ الحُمَّي: وَقْتُها المعروفُ الَّذي لا يَكاد يُخْطِئُه. وعَمَّ بعضُهم بالعِدَادِ فقال: هو الشْيءُ يأْتِيك لِوَقْتِهِ مثْل الحُمَّى الغِبِّ والرِّبْعٍ وكذلك السّمُّ الَّذي يَقْتُلُ لِوَقْتِهِ، وأَصْله من العَدَدِ، كما تقدَّم.
وقال ابنُ شُمَيل: يقال: أَتيتُ فُلانًا في يَوم عِدادٍ؛ أَي يَوْم جُمْعَةٍ أَو فِطْرٍ أَو أَضْحَى.
ويقال: عِدَادُه في بَنِي فُلانٍ؛ أَي يُعَدُّ منهم ومعَهم في الدِّيوانِ، وفلانٌ في عِدَادِ أَهْلِ الخَيْرِ؛ أَي يُعَدُّ منهم.
والعرب تقول: لَقِيتُهُ عِدَادَ الثُّرَيَّا القَمَرَ؛ أَي مرّةً في الشَّهْرِ وما يأْتِينا فلانٌ إِلَّا عِدَادَ الثُّريَّا القَمَرَ وإِلَّا قِرَانَ القَمَرِ الثُّرَيَّا. أَي ما يأْتِينا في السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً واحدةً، أَنشدَ أَبو الهَيْثَم، لأُسَيْد بن الحُلَاحِلِ:
إِذَا ما قَارَنَ القَمَرُ الثُّرَيّا *** لِثَالِثَةٍ فقد ذَهَب الشِّتَاءُ
قال أَبو الهَيْثَم: وإِنَّمَا يُقَارِنُ القَمرُ الثُّريَّا لَيْلَةً ثالثةً من الهِلال، وذلك أَوَّلَ الرَّبِيعِ وآخِرَ الشِّتَاءِ. ويقال: ما أَلْقَاه إِلّا عِدَّةَ الثُّرَيّا القَمَرَ، وإِلّا عِدَادَ الثُّريَّا القَمَرَ وإِلَّا عِدادَ الثُّريَّا من القَمَرِ؛ أَي إِلَّا مَرَّةً في السَّنة. وقيل: في عِدَّةِ نُزُولِ القَمَرِ الثُّرَيَّا. وقيل: هي ليلةٌ في كلِّ شَهرٍ يلتقِي فيه الثريّا والقمرُ.
وفي الصّحاح: وذلك أَن القَمَرَ يَنزِل الثُّريَّا في كلِّ شَهْرٍ مرَّةً. قال ابن بَرِّيٍّ: صوابُه أَن يقول: لأَنَّ القَمَر يُقَارِنُ الثُّريَّا في كلِّ سَنَةٍ مَرَّةً. وذلك في خَمْسَةِ أَيّامٍ من آذار، وعلى ذلك قوْل أُسَيْدِ بن الحُلاحِل:
إِذا ما قَارَنَ القَمَرُ الثُّرَيّا
البَيْت. وقال كُثَيِّر:
فدَعْ عنك سُعْدَى إِنّما تُسْعِفُ النَّوَى *** قِرَانَ الثُّرَيَّا مَرّةً ثم تَأْفُلُ
قال ابن منظور: رأَيتُ بخطّ القاضي شمُسِ الدين أَحمد بن خلكّان: هذا الذي استدركه الشيخُ على الجوهريِّ لا يَرِدُ عليه، لأَنه قال: إِن القَمَرَ يَنْزِل الثُّريَّا في كلِّ شَهْرٍ مرَّةً.
وهذا كلامٌ صحيحٌ، لأَن القَمَرَ يَقطَع الفَلَكَ في كل شهرٍ مرَّةً، ويكون كلَّ لَيلَةٍ في مَنْزِلةٍ، والثُّريَّا من جُمْلَة المَنَازِل، فيكون القَمَرُ فيها في الشَّهْر مرَّةً: ويقالُ: فُلانٌ إِنّما يأْتِي أَهْلَهُ العِدَّةَ؛ أَي في الشَّهْر والشَّهْرَينِ وما تعرَّض الجوهريُّ للمقارَنةِ حتَّى يقولَ الشيخُ: صَوابُه كذا وكذا.
والعَدْعَدَةُ: العَجَلَةُ والسُّرْعَةُ، عن ابن الأَعرابيِّ.
وعَدْعَدَ في المَشْيِ وغَيْرِه عَدْعَدَةً: أَسرَعَ.
والعَدْعَدةُ: صَوْتُ القَطَا، عن أَبي عُبَيْدٍ. قال: وكأَنَّهَا حِكايةٌ.
وعَدْعَدْ: زَجْرٌ للبَغْلِ، قاله أَبو زيدٍ، قال وعَدَسْ مثلُه.
وعَدِيدٌ كأَمِيرٍ: ماءٌ لِعَمِيرَةَ، كسَفِينةٍ، بطْن من كَلْب.
والعُدُّ والعُدَّةُ بضمِّهما بَثْرٌ يكون في الوَجْه، عن ابن جِنِّي، وقيل: هما بَثْرٌ يَخْرُج في، وفي بعض النُّسخ: علي وُجُوهِ المِلَاحِ، يقال: قد اسْتَمْكَتَ العُدُّ فاقْبَحْهُ؛ أَي ابيضَّ رأْسُه فاكْسِره هكذا فَسَّروه.
* ومما يُستدرك عليه:
حكى اللِّحْيَانيُّ عن العرب: عَدَدتُ الدَّراهِمَ أَفرادًا ووِحَادًا، وأَعْددتُ الدَّرَاهِمَ أَفرادًا ووِحَادًا، ثم قال: لا أَدري، أَمن العَدَدِ أَم من العُدَّةِ. فشَكُّه في ذلك يَدُلُّ على أَن أَعددْت لُغَةٌ في عَدَدْتُ، ولا أَعرفها.
وعَدَدْتُ: من الأَفعالِ المتعدِّيَة إِلى مَفْعُولَيْنِ بعدَ اعتِقادِ حذفِ الوَسِيط، يقولون: عَدَدْتُكَ المالَ، وعَدَدْت لكَ المالَ. قال الفارسيّ: عددتُكَ وعَددْت لك، ولم يَذكر المالَ.
وعادَّهم الشْيءُ: تَساهَمُوه بينهم فسَاوَاهُم، وهم يَتعادُّون، إِذا اشتَرَكُوَا فيما يُعادُّ فيه بعضُهم بعضًا من مَكارِمَ أَو غيرِ ذلك من الأَشياءِ كُلِّهَا.
والعَدَائِدُ: المَالُ المُقْتَسمُ والميراثُ.
وقول أَبي دُوَادٍ في صِفَة فَرَسٍ:
وطِمِرَّةٍ كهِرَاوةِ الأَعْ *** زَابِ ليسَ لها عَدائِدْ
فسَّره ثَعلبٌ فقال: شَبَّهها بعصَا المُسَافِرِ، لأَنها مَلْساءُ، فكأَنَّ العَدائِدَ هنا العُقَدُ، وإِن كان هو لم يُفَسِّرها.
وقال الأَزهريُّ: معناه ليس لها نَظائِرُ.
وعن أَبي زيدٍ: يقال انقضَتْ عِدَّةُ الرَّجُلِ، إِذا انقضَى أَجَلُه، وجمعُهَا: العِدَدُ. ومثْله: انقضتْ مُدَّتُه. وجَمْعها المُدَدُ.
وإِعْدَادُ الشيْءِ، واعتِدادُه، واسْتِعْدَاده، وتَعْداده: إِحضارُه.
والعُدَّةُ، بالضّمِّ: ما أَعددْتَه لحوادِثِ الدَّهْرِ، من المال والسِّلاحِ، يقال: أَخَذَ للأَمْرِ عُدَّتَه وعَتادَه، بمعنًى، كالأَهْبة، قاله الأَخْفشُ.
وقال ابن دُرَيد: العُدَّة من السِّلاحِ ما اعتَدَدْته، خَصَّ بِهِ السِّلاح لفظًا، فلا أَدرِي: أَخَصَّه في المَعْنَى أَم لا.
والعِدَادُ، بالكسر: يومُ العَرْضِ، وأَنشد شَمِرٌ، لجَهْم بن سَبَل:
مِنَ البِيضِ العَقَائِلِ لم يُقَصِّرْ *** بِهَا الآباءُ في يومِ العِدَادِ
قال شَمِر: أَراد يومَ الفَخارِ ومُعادَّةِ بعضِهِم بعضًا.
والعِدَّانُ: جمع عَتُودٍ. وقد تقدَّم.
وتَمَعْدَدَ الرجلُ: تَباعَدَ وذَهَبَ في الأَرضِ، قال مَعْنُ بنُ أَوْسٍ:
قِفَا إِنَّها أَمْسَتْ قِفارًا ومَنْ بِها *** وإِن كانَ مِن ذِي وُدِّنَا قَدْ تَمَعْدَدا
وهو من قولهم: مَعَدَ في الأَرضِ، إِذا أَبْعَدَ في الذَّهابِ. وسيذكر في فصل: مَعَدَ مستوفًى.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
5-تاج العروس (بلسك)
[بلسك]: البَلْسَكاءُ بفتحِ الباءِ وسكونِ اللَّامِ وفتحِ السينِ المُهْمَلَةِ هكذَا ضَبَطَه أبو سَعِيْدٍ. وزَادَ ابنُ عَبَّادٍ: البِلْسِكاء بكَسْرَتَيْنِ. وكِلَاهُمَا بالمدِّ ونُقِلَ القصْرُ أَيْضًا في اللغَةِ الأوْلَى عَنْ أبي حيان وناظِرِ الجَيْش والطَّائِيّ في شُرُوحِ التَّسْهِيْل، وقَدْ أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ. وهو نَبْتٌ يَنْشَبُ في الثِيابِ فلا يكادُ يُفارقُها ويتَخَلَّصُ منها قالَ أبو سَعِيْد: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا بحضْرَةِ أبي العَمَيْثَلِ: نُسمى هذا النَّبْت هكذَا بتِهَامَة فكَتَبَه أَبو العَمَيْثَلِ وجَعَلَه بَيْتًا مِنَ الشّعْرِ ليَحْفَظَه:تُخَبِّرُنا بأَنّك أَحْوَزِيٌّ *** وأَنْتَ البَلْسَكَاءُ بنا لُصُوقا
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
6-تهذيب اللغة (بلكس)
بلكس: قال أبو سعيد: سَمِعْتُ أَعْرابيًا يقول بحَضْرَةِ أبي العَمَيْثَلِ: يُسَمَّى هذا النَّبْت الذي يَلْزَقُ بالثِّيَاب، ولا يكادُ يتَخَلَّصُ مِنْهَا: البَلْكَسَاءَ، فكتبَه أبو العَمَيْثَلِ، وجعله بَيْتًا من شِعرِه ليَحْفَظَه:تُخبّرُنَا بِأنَّكَ أَحْوَزِيٌ *** وأنتَ البَلْكَسَاءُ بنا لُصُوقَا
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م