نتائج البحث عن (خَبَرَهُمْ)
1-المعجم الوسيط (اسْتَوْخَاهُ)
[اسْتَوْخَاهُ]: استخبره.يقال: استوخاه عن موضع كذا، واسْتَوْخِ لنا بني فلان ما خَبَرُهُم.
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
2-معجم ما استعجم (مدين)
مدين: بلد بالشام معلوم تلقاء غزّة، وهو المذكور فى كتاب الله تعالى.وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة إلى مدين، أميرهم زيد بن حارثة، فأصاب سبيا من أهل ميناء، قال ابن إسحاق: وميناء هى السواحل، فبيعوا، وفرّق بين الأمّهات وأولادهنّ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، فقال: ما لهم؟ فأخبر خبرهم، فقال: لا بيعوهم إلّا جميعا.
ومدين: منازل جذام. والصحيح فى نسبه أنه جذام بن عدىّ بن الحارث ابن مرّة بن أدد بن زيد بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان. وشعيب النّبيّ عليه السلام المبعوث إلى أهل مدين أحد بنى وائل من جذام. وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لوفد جذام: مرحبا بقوم شعيب، وأصهار موسى، ولا تقوم الساعة حتّى يتزوّج فيكم المسيح، ويولد له.
قال محمّد بن سهل الأحول: ومدين من أعراض المدينة أيضا، مثل فدك والفرع ورهاط.
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م
3-معجم متن اللغة (اعتن)
اعتن الشيء: عن واعترض.و- ما عند القوم: أعلم خبرهم.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
4-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الهجرين)
الهجرينهي واقعة في حضن جبل فارد جاثم على الأرض كالجمل البارك من غير عنق، تحفّ بسفوحه النّخيل من كلّ جانب، متجانف طرفه الغربيّ إلى جهة الجنوب، وطرفه الشّرقيّ إلى جهة الشّمال. وموقع الهجرين في جنبه الأيسر، تشرف على سفوحه الجنوبيّة ديار آل مساعد الكنديّين، وفي يسار سنامه ديار آل يزيد اليافعيّين، ومن فوق ديار آل يزيد آثار حصن، يقال له: حصن ابن ميمون.
وفي ضواحي الهجرين ثلاث حرار، يقال لإحداهما: حرّة ابن ميمون، وللأخرى: حرّة بدر بن ميمون، وللثّالثة: حرّة مرشد بن ميمون.
وعلى حارك ذلك الجبل بليدة صغيرة، يقال لها: المنيظرة، قليل منها يشرف على جهة الجنوب، والأكثر إنّما يشرف على جهتي الشّرق والشّمال، وفيها مسجد قديم كثير الأوقاف؛ لأنّ مساجد اندثرت هناك فتحوّلت إليه صدقاتها؛ لأنّه أقرب ما يكون إليها.
وفي جنب ذلك الجبل الشّبيه بالجمل من جهة الشّمال آثار دمّون المذكورة في قول امرىء القيس [في «الأغاني» 9 / 106]:
«تطاول اللّيل علينا دمّون *** دمّون إنّا معشر يمانون »
وإنّنا لأهلنا محبّون وهي المذكورة أيضا في قوله السّابق بعندل [من الطّويل]:
«كأنّي لم أله بدمّون ليلة *** ولم أشهد الغارات يوما بعندل »
ومتى عرفت هذا.. تقرب لك قول «القاموس»: (والهجران قريتان متقابلتان، في رأس جبل حصين قرب حضرموت، يقال لإحداهما: خيدون، وللأخرى: دمّون).
قال ابن الحائك: (وساكن خودون: الصّدف، وساكن دمّون: بنو الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار) اه
والظّاهر أنّه لم يأخذ سكنى بني الحارث عن نصّ، وإنّما استنتجه من شعر امرىء القيس، ولا دليل فيه؛ لأنّه إنّما لجأ إلى دمّون بعد ما طرده أبوه من أجل الشّعر، كما في شرح (اليوم خمر وغدا أمر) من «أمثال الميدانيّ» [2 / 417 ـ 418]، ما لم يكن ابن الحائك يعني أعقابا لامرىء القيس في هذه البلاد لم ينته خبرهم إلينا.
وقول «القاموس»: (قريتان متقابلتان) صحيح؛ لأنّ إحداهما في حضن الجبل الأيمن والأخرى في حضنه الأيسر، فهما متقابلتان في الموقع، أمّا في النّظر.. فيحول بينهما سنام الجبل، ومنه يتبيّن لك وهمه إذ قال: (في رأس الجبل) وإنّما هما في جنبيه، هذه حالتهما اليوم، أمّا في ما مضى.. فلا يبعد التّناظر؛ لاحتمال اتّصال العمارة إذ ذاك.
أمّا قوله: (قريب من حضرموت) فمن أخطائه في حدودها، وقد اضطرب كلامه وكلام «شرحه» في ذلك؛ ففي دوعن منه: (ودوعن كجوهر واد بحضرموت وهو أبعد من الهجرين).
وفي مادّة (مأرب) يوسّع حضرموت جدّا، فيقول: (إنّ مأرب في آخر جبال حضرموت). وفي (شبوة) يضيّق حدّها، ويقول: (إنّها بلد بين مأرب وحضرموت).
وجزم في وادي عمد بأنّه من حضرموت.
وذكر في مرباط أنّها من أعمال حضرموت، وهو الّذي جزم به صاحب «الخريدة»، وفي رحلة السّيّد يوسف بن عابد الفاسيّ المغربيّ ثمّ الحضرميّ ما يصرّح بأنّ مأرب من حضرموت.. إذن فما منوا به من فرط الهجرة ليس إلّا نتيجة قولهم: (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) كما هو موضّح ب «الأصل».
وفي الجزء الثّامن [ص 90] من «الإكليل»: أنّ دمّون من حصون حمير بحضرموت.
وهنا فائدة نفيسة، وهي: أنّ كلّ من ذكر طرد حجر لولده امرىء القيس ممّن رأيته يقول: إنّ السّبب في ذلك هو قوله الشّعر، وليس بمعقول؛ لأنّ الشّعر عندهم من الفضائل التي يتنافسون فيها سوقة وملوكا، لكنّ السّبب الصّحيح أنّه كان يشبّب بهرّ، وكنيتها أمّ الحويرث، وكانت زوجة والده، فلذلك طرده وهمّ بقتله من أجلها كما في (ص 181 ج 1) من «خزانة الأدب»، و (ص 539) من الجزء الأول منها.
وفي غربيّ جبل الهجرين: ساقية دمّون من أودية دوعن، وفي غربيّها مسيل واد عظيم، يقال له: وادي الغبر، ينهر إلى الكسر.
وفي غربيّ ذلك المسيل بلدة: نحوله لآل عمر بن محفوظ، وهي في سفح جبل، في حضنه إلى جهة الجنوب:
قزة آل البطاطيّ، وهم من بني قاصد، ورئيسهم بيافع بلعفيف، وآل يزيد وهم قبيلة واحدة، ولآل البطاطيّ نجدة وشجاعة، ومنهم: ناصر بن عليّ، كان يحترف بالرّبا فأثرى، وهو خال الأمير صلاح بن محمد بن عمر القعيطيّ، فزيّنت له نفسه أن يستأثر بالقزة ونخيلها وعيونها فناشب آل البطاطيّ الحرب، واستعان عليهم بأعدائهم آل محفوظ، وضمّ إليهم صعاليكا وذوبانا من الصّيعر ونهد.. فلم يقدر عليهم، واجتمعوا على حصاره، فزال من القزة إلى خريخر عند صهوره آل عجران، ولمّا كثروه.. استعان عليهم بابن أخته الأمير صلاح فأعطاه جماعة من عبيده يخفرونه، وقتلوا ولده قاسم بن ناصر بن عليّ في ثأر لهم عنده وعبيد صلاح في داره، فغضب صلاح وجمع يافع لحربهم، فوافقوه على ذلك إلّا بني أرض، وضيّق عليهم الحصار، وفي ذلك يقول شاعرهم الشّيخ ناصر بن جبران البطاطيّ:
«بركات طرّب من قتلني بااقتله *** ومن لقى في صوب، بالقي فيه صوب »
«والله ما بانسى شروع القبوله *** لو با ثمن في الدار هذا مية طوب »
ولمّا اشتدّ الحصر عليهم.. تداخل الحبيب حامد بن أحمد المحضار في آخر حياة أبيه، فسار بهم إلى الريّضة عند الأمير صلاح على أن يحكم عليهم بما شاء بعد أن تواضع هو وإياه على أن يكون الحكم بمسامحة آل البطاطي في قتيل لهم عند ناصر عليّ، وعلى أن يدفعوا خمس مئة ريال أيضا، ولمّا وصلوا فرط بني أرض والحبيب حامد أمامهم.. قال شاعرهم ابن جبران:
«يالفرط ما تستاهل التفريط *** لأنّ حبّك ما دخله السّوس »
«وأمّا الجماعه حبّوا التخليط *** لكنّنا باكيّس القنبوس »
ولمّا وصلوا الريضة.. قال:
«يا راد يا عوّاد هذي الرّيّضه *** قد ذكّرتني جمل في وادي حنين »
«والدرع والبيضه مع مولى بضه *** شلّ الثقيله يوم ضاقت بو حسين »
وأبو حسين هو الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ، يشير بذلك إلى نجدته الّتي أعان بها آل البطاطيّ حتّى خلّصوهم من حصار آل كثير، كما فصّلناها ب «الأصل»، وأشرنا إليها فيما يأتي.
وفيها كان مسكن الشّيخ يحيى بن قاسم الجهوريّ اليافعيّ، رجل شهم، لا يقدع أنفه، ولا يتقنّع من مسوأة، وله من الأعمال ما يصدّق قوله:
«بو لحم قال كسّاب الجميل *** إذا النّوائب فتح لي بابها »
«ننفق على العزّ من كثر او قليل *** ومحنة الوقت ما ندرى بها»
«إنّ الكرم يفتح ابواب السّبيل *** ويمحي اوصال بعد اكتابها»
«والبخل قايد إلى الذّلّه ذليل *** مولى الكرم همّته يعلى بها»
«والله ما قطّ يتجمّل بخيل *** وان قام في حجّه ما أوشى بها»
«قومي بني مالك الحبّ النّصيل *** جهاوره من فروع أنسابها»
«يسمع لهم في علا الوادي صهيل *** كم من بلد زوّعوا بابوابها»
«لي يحكموا على الرّكب طيّ القتيل *** إذا النّفوس أكثرت جلّابها»
«قولي ونا مسكني غلب الدّويل *** في قرية العزّ ذي نزهى بها»
وكأنّما أخذ قوله: (لي يحكموا على الركب.. إلخ) من فعل العنابس يوم الفجار؛ إذ قيدوا أنفسهم خشية الهرب، أو من قول البحتريّ [في «ديوانه» 2 / 63 من الخفيف]:
«وكأنّ الإله قال لهم في ال *** حرب كونوا حجارة أو حديدا»
وفي كلام الحبيب أحمد بن حسن العطّاس: أنّ الحبيب أبا بكر بن عبد الله العطّاس يحبّ الاستشهاد بأبيات من هذه القصيدة.
وقال لي بعض الثّقات: إنّ مسكن الشّيخ يحيى بن قاسم الجهوريّ ليس بالقزة، وإنّما هو بحصونهم أعمال القطن، وإنّما كان يتردّد إلى القزه لصهر أو صداقة. أمّا الدّويل: فلعلّه يعني به حصن سيئون، أو شبام؛ فكلّ منهما يقال له ذلك.
ومن آل البطاطيّ: أحمد بن ناصر، الموجود بالمكلّا الآن، وهو أدهى يافع وأرجحها عقلا فيما أراه اليوم، إلّا أنّه نفعيّ يؤثر مصلحة نفسه على منفعة حكومته، وربّما كان له عذر بإعراض موظّفي الحكومة بالآخرة عن إشاراته، وعدم اعتبارهم لنصائحه، وهو من أبطال بني مالك وشجعانها، حتّى لقد أغضبه حال من أحمد بن محمّد بن ريّس العجرانيّ ـ وهو خال الأمير عليّ بن صلاح وله منه وجه وكفالة فقتله أحمد بن ناصر غير حاسب لذلك حسابا، فتميّز الأمير عليّ بن صلاح من الغيظ، ولم يكن إلا أن أرسل السّيّد حسين بن حامد بأحمد بن ناصر مع ولده أبي بكر بن حسين إلى الريضة للتّرضية، فسوّيت المسألة.
وفي جنوب الهجرين أنف ممتدّ من جبل، ذاهب طولا إلى دوعن، وعليه بلدة لأناس من آل أحمد بن محفوظ، يقال لها: صيلع، وهي المذكورة في قول امرىء القيس
[من الطّويل]:
«أتاني وأصحابي على رأس صيلع *** حديث أطار النّوم عنّي وأفحما »
«أقول لعجليّ بعيد إيابه *** تبيّن وبيّن لي الحديث المجمجما»
«فقال: أبيت اللّعن عمرو وكاهل *** أباحوا حمى حجر فأصبح مسلما»
وقد ظفرت منها بضالّة منشودة؛ لأنّها مقطع النّزاع في حضرميّة امرىء القيس؛ ولذا كرّرتها ب «الأصل» اغتباطا واعتدادا بتدليلي بها؛ إذ لم يقل أحد عند ذكرها ـ لا ياقوت ولا صاحب «التّاج» ولا شارح «الأمثال» ولا غيرهم ـ: إنّها تحاذي الهجرين بحضرموت غيري، فلله الحمد.
وفي أخبار بدر بوطويرق الكثيريّ أنّه بنى صيلعا هذي في سنة (941 ه)، وأسكن فيها آل محفوظ وآل باداس المطرودين من الهجرين.
ولا يحصى من أنبتته الهجرين من الرّجال؛ إذ كانت فيهم ثالثة شبام وتريم.
ومنها آل عفيف الكنديّون؛ منهم: الصّوفيّ الجليل، الشّيخ أحمد بن سعيد بن عليّ بالوعار، والشّيخ عمر بن ميمون الكنديّ، من معاصري الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف، والشّيخ فضل بن عبد الله بافضل، والشّيخ محمّد بن عليّ العفيف الهجرانيّ، كان من تلاميذ الحبيب عبد الله بن أبي بكر العيدروس، المتوفّى سنة (865 ه)، وكان الشّيخ محمّد هذا يعرف الاسم الأعظم.
ومن كتاب سيّره العلّامة عليّ بن حسن العطّاس ما نصّه: (إلى حضرة سيّدي الولد الأمجد الأرشد الصّادق الأودّ الأنجد الشّيخ الأكرم الفاضل المحترم عفيف الدّين وسلالة الصّالحين وبركة المسلمين عبد الله ابن سيّدي الشّيخ العفيف ابن الشّيخ عمر ابن الشّيخ عبد الله ابن الشّيخ العفيف ابن القطب الشّيخ عبد الله بن أحمد بن محمّد العفيف عفا الله عنه) اه وفي هذه الممادح ما يدلّ على أثيل مجد وعظيم فضل. وفي آل عفيف كثير من حفّاظ القرآن و «الإرشاد».
ومنهم: الشّيخ عليّ بن عمر باعفيف، جاء في «مجموع الأجداد» أنّه: (بعث بأسئلة إلى قاضي مكّة محمّد بن عبد الله بن ظهيرة، فأجابه عنها).
ومنها: آل بابصيل، وفيهم علماء أجلّاء؛ من آخرهم: مفتي الشّافعيّة بمكّة: الشّيخ محمّد سعيد بابصيل.
ومنها: آل بامخرمة، وإنّما هاجروا منها إلى عدن وإلى غيرها.
وأطال «النور السّافر» في ترجمة الشّيخ عبد الله بن أحمد بامخرمة، ثمّ استطرد إلى ترجمة ولده الصّوفيّ عمر بن عبد الله بامخرمة، ولم يفرده بالتّرجمة؛ لأنّه لم يعرف وقت وفاته، وسيأتي في سيئون أنّها سنة (952 ه)، وقد أفرد ولده العلّامة عبد الله بن عمر المتوفى سنة (972 ه) بالتّرجمة، وذكر فيها عمّه الطيّب ابن عبد الله بامخرمة.
ومن الهجرين: كان الشّيخ محمّد بن عمر باقضام بامخرمة يجتمع مع الشّيخ عبد الله بن أحمد في الأب السّادس، ولد ببلدة الهجرين، ثمّ ارتحل إلى عدن وأخذ عن إماميها: عبد الله بن أحمد بامخرمة، ومحمّد بن أحمد بافضل، ثمّ سار إلى زبيد، ثمّ عاد إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن أحمد بامخرمة، وولده أحمد. وإليه انتهت رئاسة العلم بعدن بعد الشّيخين: عبد الله بن أحمد بامخرمة، ومحمّد بن أحمد بافضل، إلّا أنّه كان يتساهل آخر عمره في الفتاوى، ويراعي أغراض السّلطان، وذلك ممّا عيب عليه. توفّي بعدن في سنة (952 ه).
وفي «شمس الظّهيرة» [2 / 419]: (أنّ للسّيّد محمّد بن أحمد الكاف عقبا بالهجرين، منهم: السّيّد الفاضل عليّ بن محمّد بن علويّ، المتوفّى سنة (1267 ه)، وابنا أخيه الآن: عبد الرّحمن وعلويّ، فقيهان فاضلان. وابن ابنه أحمد بن حسن بن عليّ، ذكيّ نبيه متفقّه) اه
ولقد كان سروري عظيما؛ إذ بقي إلى ساعتنا هذه من يثني عليه شيخنا المشهور في سنة (1307 ه) ممتّعا بالحواسّ والقوّة والعلم، ولم يبق ممّن ذكر فيها سواه، يخرج بمكتله صباح كلّ يوم إلى حقله فيؤدّي ما تعهّد به من الخدمة والتّنقية وإثارة الأرض على الثّيران، ثمّ يرجع ويتنظّف ويجلس في مجلس القضاء؛ لأنّه عليه بالهجرين وما قاربها منذ زمن بعيد.
وفيها جماعات من آل العطّاس، وآل الحامد، وآل باسلامة، وكثير من السّوقة.
ولا يزيد سكّانها عن ألفين وخمس مئة تقريبا، وفي تربتها من لا يحصى من الصّالحين والعلماء.
وكانت ولاية الهجرين لآل محفوظ الكنديّين، وهم من ذرّيّة آل جعفر الّذين امتدحهم الشّيخ عليّ بن عقبة الخولانيّ أثناء القرن السّابع بقصيدته السّائرة، الّتي تعدّ ـ ولا سيّما أبياتها السّتّة ـ غرّة في جبين الشّعر العربيّ، وهي [من الكامل]:
«أصبرت نفس السّوء أم لم تصبري *** بيني ومن تهوين يوم المحشر»
«إنّي امرؤ عفّ الإزار عن الخنا *** لم أغش منذ نشأت باب المنكر»
«والله ما صافحت كفّ بغيّة *** كلّا ولا نادمت شارب مسكر»
«لكن على كسب العلوم مخيّم *** وبكاي في طلب العلا وتحسّري »
«وقسمت حالاتي ثلاثا مثلما *** قد كان قسّمها أبي الشّهم السّري »
«كرم تدين له الأنام وحالة *** ظهر الحصان وحالة للمنبر»
«وتخذت أصحابا إذا نادمتهم *** لم أخش منهم من ينمّ ويفتري »
«علمي وحلمي والحصان وصارمي *** وندى يميني والعنان ودفتري »
كذا هي في حفظي، ولئن خالفت بعض ما هي عليه.. فإلى أحسن منه إن شاء الله تعالى.
وفيها ثلاثة أبيات مأخوذة من شعر الرّضيّ، وهي قوله:
«أعددتكم عونا لكلّ مكسّر *** عرضي فكنتم عون كلّ مكسّر»
«وتخذتكم لي محجرا فكأنّما *** ختل العدوّ مخاتلي من محجري »
«فلأنفضنّ الكفّ يأسا منكم *** نفض الأنامل من تراب المقبر»
وهي في «ديوان الرّضيّ» [2 / 220 ـ 221] هكذا:
«أعددتكم لدفاع كلّ ملمّة *** عنّي فكنتم عون كلّ ملمّة»
«وتخذتكم لي جنّة فكأنّما *** نظر العدوّ مقاتلي من جنّتي »
«فلأنفضنّ يديّ يأسا منكم *** نفض الأنامل من تراب الميّت »
وقد رأيت هذه الأبيات الثّلاثة في «معاهد التّنصيص» معزوّة لابن سناء الملك، وما هو إلّا وهم ظاهر؛ لأنّ قصيدة الرّضيّ الّتي منها الأبيات مشهورة؛ ومنها [في «ديوانه» 1 / 220 ـ 221 من الكامل]:
«قل للّذين بلوتهم.. فوجدتهم *** آلا وغير الآل ينقع غلّتي »
«تأبى ثمار أن تكون كريمة *** وفروع دوحتها لئام المنبت »
«لمّا رميت إليكم بمطامعي *** كثر الخلاج مقلّبا لرويّتي »
«ووقفت دونكم وقوف مقسّم *** حذر المنيّة راجي الأمنيّة»
«فلأرحلنّ رحيل لا متلهّف *** لفراقكم أبدا ولا متلفّت »
«يا ضيعة الأمل الّذي وجّهته *** طمعا إلى الأقوام بل يا ضيعتي »
وللرّضيّ في معنى هذه القصيدة كثير كالّتي منها قوله [في «ديوانه» 1 / 666 من الطّويل]:
«سأذهب عنكم غير باك عليكم *** وما لي عذر أن تفيض المدامع »
«ولا عاطفا جيدا إليكم بلهفة *** من الشّوق ما سار النّجوم الطّوالع »
«نبذتكم نبذ المخفّف رحله *** وإنّي لحبل منه بالعذر قاطع »
وكقوله [في «ديوانه» 1 / 261 من الوافر]:
«فيا ليثا دعوت به ليحمي *** حماي من العدا فاجتاح سرحي »
«ويا طبّا رجوت صلاح جسمي *** بكفّيه فزاد فساد جرحي »
ولإبراهيم بن العبّاس الصّوليّ في هذا المعنى عدّة مقاطيع، يعبث فيها بابن الزّيّات؛ منها قوله [من الطّويل]:
«وإنّي وإعدادي لدهري محمّدا *** كملتمس إطفاء نار بنافخ »
وقوله [من الطّويل]:
«وإنّي إذ أدعوك عند ملمّة *** كداعية عند القبور نصيرها»
وفي ترجمة ابن الزّيّات من «تاريخ ابن خلكان» [5 / 97] جملة منها.
وقد جاء في قصيدة ابن عقبة ذكر المراحل من الجوف إلى الهجرين، وبينها ذكر منصح، ولعلّها الّتي يقول امرؤ القيس بن عانس السّكونيّ في ذكر روضتها [من الطّويل]:
«ألا ليت شعري هل أرى الورد مرّة *** يطالب سربا موكلا بغرار»
«أمام رعيل أو بروضة منصح *** أبادر أنعاما وأجل صوار»
«وهل أشربن كأسا بلذّة شارب *** مشعشعة أو من صريح عقار»
«إذا ما جرت في العظم خلت دبيبها *** دبيب صغار النّمل وهي سواري »
وقد تكون هذه الرّوضة في داخل حضرموت، بأمارة أنّها لبني وكيعة الكنديّين وهم من وسط حضرموت، وابن عانس من أسفلها فتكون غير التي ذكرها ابن عقبة إذن.
واسم ملك آل محفوظ لذلك العهد: محفوظ، عرفناه من قصّته مع الشّيخ عبد الرّحمن جدّ الشّيخ عبد الله بن محمّد القديم عبّاد ـ الآتية في الغرفة إن شاء الله ـ ومن اسمه نفهم أنّ آل جعفر ممدوحي ابن عقبة بتلك القصيدة هم آل محفوظ.
ثمّ خلفهم على الهجرين آل فارس النّهديّون، وقد ذكرنا ب «الأصل» من أخبارهم مع آل كثير وآل يمانيّ وآل سعد وغيرهم ما شاء الله أن نذكر.
ثمّ تغلّب عليها يافع كسائر بلاد حضرموت في سنة (1117 ه).
وفي آل عقبة الخولانيّين كثير من العلماء والشّعراء؛ منهم الشّيخ أحمد بن عقبة الزّياديّ الخولانيّ الهجرانيّ، أحد مشايخ الإمام محمّد بن مسعود باشكيل.
وفي حدود سنة (1276 ه) قدم الشّيخ عمر بن سالم بن مساعد من بقايا آل محفوظ الكنديّين ـ وقيل: إنّه من آل بامطرف ـ بدراهم كثيرة، فحدّثته نفسه بملك آبائه، وتمنّى أن يخضع آل يزيد اليافعيّين السّاكنين بأعلى الهجرين، حتّى لقد ورده الشّيخ صالح باوزير في جملة الوفود الّتي تتابعت لتهنئته، فأكرم مثواه، وأطال معه السّمر، ولم يزل يتسقّطه الكلام ليرى ما قدره مع ثروته في نفس الشّيخ صالح، فقال له: (إنّك لفوق القبيليّ ودون السّلطان) فلم يقتنع بذلك، وجفاه ولم يقابله بعدها، فمرّ في خروجه على جماعة يتراجزون في شبوانيّ لهم، فقال:
«يا بن مساعد قال صالح نعنبوك *** يا الله متى الهوّاك في دارك يهوك »
«ولعاد باتنفع مياتك واللّكوك *** باتصبح الّا عند بامهلس تحوك »
والّا بعوره عند صالح بادكوك
وذهب الشّيخ صالح باوزير لطيّته، وبقي الشّيخ عمر بن مساعد يساور الأحلام والآمال، حتّى لجأ إلى آل عبد الله الكثيريّين بسيئون فنهضوا معه، ولم يزالوا يوالون التّجهيزات حتّى استولوا على الهجرين في سنة (1285 ه) ـ ومعلوم أنّ الهجرين مفتاح دوعن بأسره ـ ثمّ حطّوا على قزة آل البطاطيّ فانكسروا دونها؛ لنجدة جاءت لأهلها من الأمير عبد الله بن عمر القعيطيّ بالشّحر، فطردوا من حواليها من أصحاب الدّولة الكثيريّة، وتراجعت فلولهم إلى الهجرين.
ثمّ لم يحسن المآل بين الشّيخ عمر بن سالم بن مساعد والدّولة الكثيريّة؛ لأنّه استنفد أكثر ما في يده وعرف أنّ الدّولة لن تعطيه شيئا ممّا يتمنّاه، وتحقّق استبدادهم عند رسوخ أقدامهم، فاتّفق مع القعيطيّ وفتح له الطّريق فاقتحموها، وحصروا بها الأمير الكثيريّ ـ وهو صالح بن مطلق ـ حتّى سلّم بشرط أن يتحمّل بما معه ممّا تقدر عليه الجمال، ولهذا بقي بها مدفع الدّولة إلى اليوم؛ لأنّه لم يدخل تحت الشّرط.
وقد وفّى السّلطان القعيطيّ للشّيخ عمر بن سالم بن مساعد بما اشترطه عليه، والأخبار في ذلك طويلة شيّقة، وهي مستوفاة ب «الأصل».
وفيه: أنّ آل محفوظ عدّة قبائل؛ منهم آل عمر بن محفوظ أهل نحولة، وآل أحمد بن محفوظ أهل صيلع، وآل عجران منهم آل مرشد وآل ريّس وآل الشّيبة، ومنهم: آل عبد الله بن محفوظ رهط الشّيخ عمر بن مساعد السّالف الذّكر.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
5-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (أم الصميم)
أم الصميموهو موضع في الرّبع الخالي، قريب من مسقط، يرى مثل التّراب، وهو ماء إذا وقع فيه الإنسان.. غرق، ولكنّه ليس بواسع، وزعم بعض سيّاح الأجانب ممّن يدّعي أنّه قتلها علما: أنّها تسع مئة ميل في مثلها، لا تزيد على ذلك، وأورد الطّائيّ في المراثي من «حماسته» [1 / 398] أربعة أبيات لابن رواحة السّبنسيّ منها [من الطّويل]:
«وما زال من قتلى رزاح بعالج *** دم ناقع أو جاسد غير ماصح »
وفي مضرب المثل بسعتها يقول البحتريّ [في «ديوانه» 2 / 370 من الكامل]:
«ليس الّتي ضلّت تميم وسطها الدّ *** هناء لا بل صدرك الدّهناء»
وقال الهمدانيّ في موضع آخر من «الصّفة» بعد أن ذكر أودية كثيرة: (وكلّ هذه الأودية فيها نخل ومساكن وزروع؛ وهي تسمّى الثّنايا؛ ثنايا العارض وهو قفّ مستطيل، أدناه بحضرموت وأقصاه بالجزائر) اه
وقد أطلت القول عن وبار هذه ب «الأصل»، ومنه: أنّها تمتّعت بالشّرف قرونا طويلة، واستثمرت توسّط موقعها بين الشّرق والغرب، فكانت مركز التّجارة العظيمة، ومخزن البضائع الأهمّ؛ إذ كانت السّفن تقصد سواحلها ـ ومنها: إلى عمان وظفار وسيحوت الشّحر ـ من السّند والهند والصّين وجاوة وأفريقيا وغيرها من الجهات الغربيّة؛ كما أشار إليه صاحب «الشّهاب الرّاصد» وغيره.
وأكثر الدّهناء لتميم، ولهم إقطاع من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حسبما أظنّني ذكرته في «الأصل».
وقال الفرزدق في هجائه لعمرو بن عفراء [في «ديوانه» 1 / 59 من الطّويل]:
«ولمّا رأى الدّهنا رمته جبالها *** وقالت: ديافيّ مع الشّأم جانبه »
«فإن تغضب الدّهنا عليك فما بها *** طريق لزيّات تقاد ركائبه »
ومعناه: أنّ الدّهناء لا تقبل زياتا مثلك.
وقلّما ذكرت الدّهناء في «خزانة الأدب».. إلّا وقال صاحبها: وهو موضع ببلاد تميم، كما في شرح هذه الأبيات [5 / 237] منها، وشرح قول أبي زبيد الطّائيّ [من الخفيف]:
«فلحا الله طالب الصّلح منّا *** ما أطاف المبسّ بالدّهناء»
في (ص 155) منه: والمبسّ: حادي الإبل، وفيه تكثير لسالكيها؛ إذ جعله مضرب مثل على عكس ما سبق.
وقال عن الفرزدق ذو الرّمّة [في «ديوانه» 72 من البسيط]:
«حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها *** أمّي بلالا على التّوفيق والرّشد»
وقد شرحها صاحب «الخزانة» في [9 / 424]، وقال: (والدّهنا: موضع ببلاد تميم، يمدّ ويقصر).
وقد اعترف كثير من الإفرنج أنّ المحيط الهنديّ كان بحيرة عربيّة من القرن الثّامن إلى نهاية القرن الخامس عشر كما سبق في تريم بمناسبة ذكر الملّاح العظيم أحمد بن ماجد عندما ذكرنا علماء آل باماجد.
ولوبار هذه ذكر كثير من الأشعار؛ منها قول النّابغة [من الكامل]:
«فتحمّلوا رحلا كأنّ حمولهم *** دوم ببيشة أو نخيل وبار »
وفي مضرب المثل بنخلها ما يؤكّد قولنا بغزارة خيراتها، وكثرة بركاتها، وقد أطال ياقوت فيها بما لا حاجة إلى ذكره؛ لأنّ الكتاب موجود، ولأنّ بعضه ممّا يشكّ فيه العاقل، ويحتاج في تصديقه إلى سذاجة وافرة.
وممّن نصّ على أنّها هي رمال عالج: ياقوت وابن خلدون وغيرهما.
وفي «شرح ديوان الحماسة» [1 / 242]: أنّ مروان الحمار آخر ملوك بني مروان كتب لمعدان بن عبيد بن عديّ: ثمّ والله لأبيلنّ الخيل في عرصاتك. فقال معدان للرّسول: قل له: تبيل الخيل في عرصاتي وبيني وبينك رمل عالج، وحولي عديد طيّء، وخلف ظهري الجبلان؟! ! فاجهد جهدك؛ فلا أبقى الله عليك إن أبقيت. في حديث طويل.
وقال ذو الرّمّة [في «ديوانه» 45 من الطّويل]:
«أبيت على ميّ كئيبا وبعلها *** على كالنّقا من عالج يتبطّح »
وقال ابن الأشعث الجنبيّ يصف صيهد حضرموت هذه ـ وكان سلكها إلى وادي نجران كما فعل فلبي ـ [من الكامل]:
«هلّا أرقت لبارق متهجّد *** برق تولّع في حبيّ منجد»
«برق يذكّرك الجريدة أنّها *** علقت علائقها طوال المسند»
«فلقد ذكرتك ثمّ راجعت الهوى *** يوم الشّرى ودعوت أن لا تقعدي »
منها:
«فإذا مفازة صيهد بتنوفة *** تيه تظلّ رياحها لا تهتدي »
«وتظلّ كدر من قطاها ولّها *** وتروح من دون المياه وتغتدي »
«بلد تخال بها الغراب إذا بدا *** ملكا يسربل في الرّياط ويرتدي »
«فسألت حين تغيّبت أعلامنا *** من حضرموت بأيّ نجم نهتدي؟»
«قالوا: المجرّة أو سهيل باديا *** ثمّ اهتدوا لقفولكم بالفرقد»
«نتجشّم الأهوال نبغي عامرا *** متحزّنين عليه أن لم يوجد»
وقال الهمدانيّ في الجزء الأوّل [ص 195 ـ 197] من «الإكليل»: (ذهب في الدّهناء بعهدنا قطار فيه سبعون محملا من حاجّ الحضارم، صادرين من نجران، لحق هذا القطار في أعقاب النّاس، ولم يكن فيه دليل، فساروا ليلة وأصبحوا وقد تياسروا عن الطّريق، وتمادى بهم الحور حتّى انقطعوا في الدّهناء، فلم يدر ما خبرهم؛ لأنّ أحدا لا يدخل ذلك المكان، ولو دخله.. لم يظفر بموضعهم؛ لسعة ذلك الخرق.. فهي فلاة واسعة جدّا، وفيها بقايا قصور في جانبها الغربيّ ممّا يصله العمران، يعدّنها النّاس في زماننا.. فيجدون فيها الذّهب وما لم يسرع إليه أكل التّراب من الفضّة) اه
وفيه كثرة حاجّ الحضارم لذلك العهد؛ لأنّه إذا كان اللّاحق سبعين محملا.. فما بالك بالسّابقين؟
ويشبه أن تكون هذه القصّة هي بنفسها الّتي سمعتها عن شيخنا العلّامة أحمد بن حسن العطّاس، وذكرتها في «الأصل»، وهي: أنّ مئة وأربعين دخلوا الدّهناء مردفين على سبعين مطيّة، كلّ اثنين على واحدة، فغرقوا في بحر الرّمل ما عدا واحدا تخلّف لقضاء حاجته، وانتظره صاحبه على مطيّته، فجاءت حيّة هائلة والتهمت الجمل وراكبه ولم ينج إلا قاضي الحاجة.
وكنت أستبعدها؛ لما اشتملت عليه من المحالات؛ حتّى رأيت كلام الهمدانيّ، فظننت أنّه هي، إلّا أنّه دخل عليها التّغيير. والله أعلم.
وفي المقدّمة: أنّ وبار اسم لحضرموت بأسرها، ولكنّ بعضهم يخصّه بهذه الفلاة الّتي قلّما تجلس مع أحد من بادية العوامر.. إلّا حدّثك بالأعاجيب عن أشجارها، وعن جنّها، وعن حيواناتها؛ ومنها النّعام، وبها يكثر بيضها، ومن المعلوم أنّها لا تبيض إلّا في خصب من الأرض، قال جابر بن حريش يصف أرضا بالخصب والرّخاء [من الكامل]:
«لا أرض أكثر منك بيض نعامة *** ومذانبا تندي وروضا أخضرا»
وقال الجاحظ في كتاب «الحيوان»: زعم ناس أنّ من الإبل وحشيّة وكذا الخيل، وقاسوا ذلك على الحمير والحمام والسّنانير وغيرها.
وزعموا أنّ مسكن الإبل الوحشيّة بوبار، قالوا: وربّما خرج الجمل منها لبعض ما يعرض فيضرب في أدنى هجمة من الإبل الأهليّة، ومن هذا النّتاج كانت الإبل المهريّة.
وفي «لسان العرب» لابن منظور: (أنّ الحوش الحوشيّة: إبل الجنّ. وقيل: المتوحّشة. ويقال: إنّ فحلا منها ضرب في إبل لمهرة بن حيدان فنتجت النّجائب المهريّة من تلك الفحول الوحشيّة.. فهي لا يكاد يدركها التّعب). وفي «الأصل» ذكر جميل من الأشعار في وبار.
ومن أشهى ما يحدّثك الخبير عن وبار: حسن التّربة، وزكاء المنبت؛ فإنّ الزّرع يحصد منها خمس مرّات بالسّقية الواحدة، والعوامر يسمّون المكان الصّالح للعمارة منها: الحجر؛ لأنّهم يحتجرونه لمراعيهم؛ كما يسمّي الصّيعر المكان النّازل عن نجدهم فيما يليهم منها: عيوه.
وخيام الصّيعر والعوامر والمناهيل منتشرة بكثرة في هذه الرمال.
هذا ما تلقيته بشأنها عن كثير من العوامر، يصدّق بعضهم بعضا، إلّا أنّ عندهم نصيبا كاثرا من البلادة وسوء الفهم.. فالعهدة عليهم.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
6-القاموس المحيط (الحس)
الحَسُّ: الجَلَبَةُ، والقَتْلُ، والاِسْتِئْصالُ، ونَفْضُ التُّرابِ عن الدابَّةِ بالمِحَسَّةِ لِلْفِرْجَونِ، وبالكسر: الحَرَكَةُ، وأن يَمُرَّ بكَ قريبًا فَتَسْمَعَهُ ولا تَراهُ،كالحَسيسِ، والصوتُ، ووجَعٌ يَأْخَذُ النُّفَساءَ بعدَ الوِلادَةِ، وبَرْدٌ يُحْرِقُ الكَلأَ.
وقد حَسَّهُ: أحْرَقَهُ.
وألْحِقِ الحِسَّ بالإِسِّ، أي: الشيءَ بالشيءِ، أي: إذا جاءَكَ شيءٌ من ناحيَةٍ، فافْعَلْ مِثْلَهُ.
وباتَ بِحِسَّةِ سَوْءٍ، ويُفْتَحُ: بحالةِ سَوءٍ.
والحاسُوسُ: الجاسُوسُ، أو هو في الخَيْرِ، وبالجيمِ في الشرِّ، والمَشْؤُومُ من الرجالِ، والسَّنَةُ الشديدةُ،
كالحَسُوسِ.
والمَحَسَّةُ: الدُّبُرُ.
والحَواسُّ: السَّمْعُ، والبَصَرُ، والشَّمُّ، والذَّوْقُ، واللمْسُ، جمعُ حاسَّةٍ.
وحَواسُّ الأرضِ: البَرْدُ، والبَرَدَ، والريحُ، والجَرادُ، والمَواشِي.
وحَسَسْتُ له أحِسُّ، بالكسر: رقَقْتُ له،
كحَسِسْتُ، بالكسر، حَسًَّا وحِسًّا.
وحَسَسْتُ الشيءَ: أحسَسْتُهُ،
وـ اللَّحْمَ: جَعَلْتُهُ على الجَمْرِ،
كحَسْحَسْتُهُ،
وـ النارَ: رَدَدْتُها بالعَصا على خُبْزِ المَلَّةِ.
وحَسِسْتُ به، بالكسر،
وحَسِيتُ: أيْقَنْتُ به.
وحَسَّانُ: عَلَمٌ،
وة بينَ واسِطَ ودَيْرِ العاقُولِ، تُعْرَفُ بقَرْيَةِ حَسَّانَ وقَرْيَةِ أُمِّ حَسَّانَ،
وة قُرْبَ مكةَ، وتُعْرَفُ بأرضِ حَسَّانَ.
والحَسْحَاسُ: السَّيْفُ المُبيرُ، والرجلُ الجَوادُ، وعَلَمٌ.
وبَنُو الحَسْحاسِ: قومٌ من العربِ.
والحُساسُ، بالضم: سمَكٌ صِغارٌ يُجفَّفُ، وكُسارُ الحَجَرِ الصِّغارُ، كالجُذاذِ من الشيءِ، وإذا طَلَبْتَ شيئًا فلم تَجِدْهُ، قُلْتَ: حَساسِ، كقَطامِ.
وأحْسَسْتُ، وأحْسَيْتُ، وأحَسْتُ، بسينٍ واحدةٍ وهو من شَواذِّ التخفيفِ: ظَنَنْتُ، ووجَدْتُ، وأبْصَرْتُ، وعَلِمْتُ،
وـ الشيءَ: وجَدْتُ حِسَّهُ.
والتَّحَسُّسُ: الاسْتِماعُ لحديثِ القومِ، وطَلَبُ خَبرِهِم في الخيرِ.
والانْحساسُ: الانْقلاعُ، والتَّحاتُّ.
وحَسْحَسَ: تَوَجَّعَ.
وتَحَسْحَسَ: تَحَرَّكَ،
وـ أوبارُ الإِبِلِ: تَحاتَّتْ.
ولأُخَلِّفَنَّهُ بِحَسْحَسِهِ، أي: ذَهابِ مالِهِ حتى لا يَبْقَى منه شيءٌ.
وائْتِ به من حَسِّك وبَسِّكَ، أي: من حيثُ شئتَ.
والحَسَّانِيَّاتُ: مِياهٌ بالباديةِ. وفاطمةُ بنتُ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حُسَّةَ، بالضم، الأصْفَهانِيَّةُ: مُحدِّثةٌ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
7-القاموس المحيط (الشأن)
الشَّأْنُ: الخَطْبُ، والأمْرُج: شُؤُونٌ وشِئِينٌ، ومَجْرَى الدَّمْعِ إلى العينِ
ج: أشْؤُنٌ وشُؤُونٌ، وعِرْقٌ في الجبلِ يَنْبُتُ فيه النَّبْعُ، ومَوْصِلُ قبائِلِ الرَّأسِ، وعِرْقٌ من التُّرابِ في الجبلِ، يَنْبُتُ فيه النَّخْلُ
ج: شُؤُونٌ.
وما شَأَنَ شَأْنَهُ، كَمَنَعَ: ما شَعَرَ به، أو لم يَكْتَرِثْله.
وشَأَنَ شَأْنَهُ: قَصَدَ قَصْدَهُ،
كاشْتَأَنَهُ، وعَمِلَ ما يُحْسِنُهُ.
ولأَشْأَنَنَّ خَبَرَهُمْ: لأَخْبُرَنَّهُمْ.
ولأَشْأَنَنَّ شَأْنَهُمْ: لأُفْسِدَنَّهُمْ.
وشأَنَ بعدَك: صارَ له شَأْنٌ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
8-المعجم الاشتقاقي المؤصل (وحي)
(وحي): {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]الوحْي -بالفتح: المكتوب، والكتاب. ومن أمثالهم وَحْيٌ في حَجَر "، وسمعت وَحَاة الرعد وهو صوته الممدود الخفي. وَحَى إليه وأوحى: كلّمه بكلام يُخْفيه. واستوح لنا بني فلان ما خبرهم: أي استخبرهم. والوَحَي: النارُ ".
° المعنى المحوري
تحصيل شيء في الأثناء لطيف المادة حادّ الأثر أو قويه: كوجود النار في حجرها، ومعنى المكتوب في الحجر (أو في أي مادة شديدة)، وكالشعور باقتراب المطر بسماع صوت الرعد، وكالخبر المُحَصَّل بالتلطف أي بطريقة خفية غير مباشرة علنية.
ومن ذلك الإيحاء: إيقاع المعنى في القلب بطريقة خفية: كالإفهام بالإشارة {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11]، وبالإلهام {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] ونحوه {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5]، ونحو الوسوسة {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121]، والإسرار {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112].
وفي ضوء ذلك المعنى يمكن فهم {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] وكذا ما في [طه: 38]، {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} [المائدة: 111]: قذفت في قلوبهم: ألهمتهم: [طب 11/ 218]، ويشمل الوَحْيَ بالكلام المباشر، وبواسطة الرسل {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51]، والإلهام، والإلقاء في الرُوع، والغرز في الطبع كما في {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ونحوها. {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12] (وضع وأوعى) وقال الفراء: جعل فيها ملائكة فذلك أمرُها (المعاني 3/ 13). وكل ما في القرآن من التركيب هو من الوحي بأي من الطرق السابقة، والسياق يوضح الطريقة المرادة.
ومن حصول الشيء القوي في الحوزة بلطف: "أَوْحَى الإنسان: صار مَلِكًا بعد فقر (ويجوز صار ذا وَحْي أي أمر أو سلطة)، والوَحَي -كالفتى: السيد من الرجال " (المالك شيئًا مادِّيًّا أو معنويًّا).
ومن "اللطف مع الحدة في الأثناء "في المعنى المحوري جاء معنى الإسراع في معنى "وَحَي ذبيحته: ذبحها ذبحً سريعًا وَحِيًّا. وموت وَحِيّ -كغني: سريع. والوحا الوحا: السرعةَ السرعةَ. وتوحّ في شأنك: أَسْرِع ".
ومما سبق يتبين أن الذي ذكروه [ل 258 وفي المقاييس] من أن الأصل هو الإعلام في خفاء= قاصر غير جامع، إذ لا يشمل معاني حصول الملك والسيادة إلخ.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
9-معجم الأفعال المتعدية بحرف (حس)
(حس) يحس حسا وأحس بالشيء علمه وشعر به وأدركه يقال حس وأحس منه خبرا أي رأى وحس يحس ويحس حسا وحسا بالخبر أيقن به وحس لفلان رق له وأحسست منه مكرا وأحسست منه بمكر وهل تحس من فلان بخبر وألحقوا الحس بالإس أي الشر بأهله واخرج فتحسس لنا وحسحس له توجع وتشكى وأحس الشيء وأحس به علمه بأحد حواسه ظنه أيقن به وجده وتحسس القوم وتحسس منهم تسمع حديثهم طلب خبرهم في الخير.معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م
10-معجم الأفعال المتعدية بحرف (وحى)
(وحى) يحي وحيا له ووحى إليه الكلام ووحى بالكلام كلمه بكلام يخفيه عنغيره ووحى إليه أومأ وأشار إليه إشارة سريعة (وهو أصل المعنى) ووحى به أسرع وعجل فهو وحي معجل سريع وأوحى إليه أسر إليه (وهو الأصل) وأوحى إليه ألهمه ألقى في قلبه وأوحى إليه أشار كلمه بكلام خفي لا يسمعه غيره وأوحى الله إلى أنبيائه) وأوحى ربك إلى النحل (واستوح لي بني فلان ما خبرهم استخبرهم.
معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م
11-معجم البلدان (خوارزم)
خُوارِزْم:أوله بين الضمة والفتحة، والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة، هكذا يتلفظون به، هكذا ينشد قول اللحّام فيه:
«ما أهل خوارزم سلالة آدم، *** ما هم، وحقّ الله، غير بهائم»
«أبصرت مثل خفافهم ورؤوسهم *** وثيابهم وكلامهم في العالم»
«إن كان يرضاهم أبونا آدم، *** فالكلب خير من أبينا آدم»
قال ابن الكلبي: ولد إسحاق بن إبراهيم الخليل الخزر والبزر والبرسل وخوارزم وفيل، قال بطليموس في كتاب الملحمة: خوارزم طولها مائة وسبع عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها خمس وأربعون درجة، وهي في الإقليم السادس، طالعها السماك ويجمعها الذراع، بيت حياتها العقرب، مشرقة في قبة الفلك تحت ثلاث وعشرين درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان، وقال أبو عون في زيجه: هي في آخر الإقليم الخامس، وطولها إحدى وتسعون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها أربع وأربعون درجة وعشر دقائق، وخوارزم ليس اسما للمدينة إنما هو اسم للناحية بجملتها، فأما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم الجرجانية، وقد ذكرت في موضعها، وأهلها يسمونها كركانج، وقد ذكروا في سبب تسميتها بهذا الاسم أن أحد الملوك القدماء غضب على أربعمائة من أهل مملكته وخاصة حاشيته فأمر بنفيهم إلى موضع منقطع عن العمارات بحيث يكون بينهم وبين العمائر مائة فرسخ، فلم يجدوا على هذه الصفة إلا موضع مدينة كاث، وهي إحدى مدن خوارزم، فجاؤوا بهم إلى هذا الموضع وتركوهم وذهبوا، فلما كان بعد مدة جرى ذكرهم على بال الملك فأمر قوما بكشف خبرهم، فجاؤوا فوجدوهم قد بنوا أكواخا ووجدوهم يصيدون السمك وبه يتقوّتون وإذا حولهم حطب كثير، فقالوا لهم: كيف حالكم؟ فقالوا: عندنا هذا اللحم، وأشاروا إلى السمك، وعندنا هذا الحطب فنحن نشوي هذا بهذا ونتقوّت به، فرجعوا إلى الملك وأخبروه بذلك فسمى ذلك الموضع خوارزم لأن اللحم بلغة الخوارزمية خوار والحطب رزم، فصار خوارزم فخفف وقيل خوارزم استثقالا لتكرير الراء، وقد جاء به بعض العرب على الأصل، فقال الأسدي:
«أتاني، عن أبي أنس، وعيد، *** فسلّ تغيّظ الضحّاك جسمي»
«ولم أعص الأمير، ولم أربه، *** ولم أسبق أبا أنس بوغم»
«ولكنّ البعوث جرت علينا، *** فصرنا بين تطويح وغرم»
«وخافت من رمال السّغد نفسي، *** وخافت من رمال خوارزم»
«فقارعت البعوث وقارعتني، *** ففاز بضجعة في الحيّ سهمي»
«وأعطيت الجعالة، مستميتا، *** خفيف الحاذ من فتيان جرم»
وأقرّ أولئك الذين نفاهم بذلك المكان وأقطعهم إياه وأرسل إليهم أربعمائة جارية تركية وأمدهم بطعام من الحنطة والشعير وأمرهم بالزرع والمقام هناك، فلذلك في وجوههم أثر الترك وفي طباعهم أخلاق الترك وفيهم جلد وقوة، وأحوجهم مقتضى القضية للصبر على الشقاء، فعمّروا هناك دورا وقصورا وكثروا وتنافسوا في البقاع فبنوا قرى ومدنا وتسامع بهم من يقاربهم من مدن خراسان فجاؤوا وساكنوهم فكثروا وعزّوا فصارت ولاية حسنة عامرة، وكنت قد جئتها في سنة 616، فما رأيت ولاية قط أعمر منها، فإنها على ما هي عليه من رداءة أرضها وكونها سبخة كثيرة النزوز متصلة العمارة متقاربة القرى كثيرة البيوت المفردة والقصور في صحاريها، قلّ ما يقع نظرك في رساتيقها على موضع لا عمارة فيه، هذا مع كثرة الشجر بها، والغالب عليه شجر التوت والخلاف لاحتياجهم إليه لعمائرهم وطعم دود الإبريسم، ولا فرق بين المارّ في رساتيقها كلها والمارّ في الأسواق، وما ظننت أن في الدنيا بقعة سعتها سعة خوارزم وأكثر من أهلها مع أنهم قد مرنوا على ضيق العيش والقناعة بالشيء اليسير، وأكثر ضياع خوارزم مدن ذات أسواق وخيرات ودكاكين، وفي النادر أن يكون قرية لا سوق فيها مع أمن شامل وطمأنينة تامة.
والشتاء عندهم شديد جدّا بحيث أني رأيت جيحون نهرهم وعرضه ميل وهو جامد، والقوافل والعجل الموقرة ذاهبة وآتية عليه، وذلك أن أحدهم يعمد إلى رطل واحد من أرز أو ما شاء ويكثر من الجزر والسلجم فيه ويضعه في قدر كبيرة تسع قربة ماء ويوقد تحتها إلى أن ينضج ويترك عليه أوقية دهنا ثم يأخذ المغرفة ويغرف من تلك القدر في زبدية أو زبديتين فيقنع به بقية يومه، فإن ثرد فيه رغيفا لطيفا خبزا فهو الغاية، هذا في الغالب عليهم، على أن فيهم أغنياء مترفهين إلّا أن عيش أغنيائهم قريب من هذا ليس فيه ما في عيش غيرهم من سعة النفقة وإن كان النزر من بلادهم تكون قيمته قيمة الكثير من بلاد غيرهم، وأقبح شيء عندهم وأوحشه أنهم يدوسون حشوشهم بأقدامهم ويدخلون إلى مساجدهم على تلك الحالة لا يمكنهم التحاشي من ذلك لأن حشوشهم ظاهرة على وجه الأرض، وذلك لأنهم إذا حفروا في الأرض مقدار ذراع واحد نبع الماء عليهم، فدروبهم وسطوحهم ملأى من القذر، وبلدهم كنيف جائف منتن، وليس لأبنيتهم أساسات إنما يقيمون أخشابا مقفصة ثم يسدونها باللبن، هذا غالب أبنيتهم، والغالب على خلق أهلها الطول والضخامة، وكلامهم كأنه أصوات الزرازير، وفي رؤوسهم عرض، ولهم جبهات واسعة، وقيل لأحدهم: لم رؤوسكم تخالف رؤوس الناس؟ فقال: إن قدماءنا كانوا يغزون الترك فيأسرونهم وفيهم شية من الترك فما كانوا يعرفون، فربما وقعوا إلى الإسلام فبيعوا في الرقيق، فأمروا النساء إذا ولدن أن يربطن أكياس الرمل على رؤوس الصبيان من الجانبين حتى ينبسط الرأس، فبعد ذلك
لم يسترقّوا وردّ من وقع منهم إليهم إلى الكوفة، قال عبد الله الفقير إليه: وهذا من أحاديث العامة لا أصل له، هب أنهم فعلوا ذلك فيما مضى فالآن ما بالهم؟ فإن كانت الطبيعة ورثته وولدته على الأصل الذي صنعه بهم أمهاتهم كان يجب أن الأعور الذي قلعت عينه أن يلد أ
قال البشاري: ومثل خوارزم في إقليم الشرق كسجلماسة في الغرب، وطباع أهل خوارزم مثل طبع البربر، وهي ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا، آخر كلامه، قلت: ويحيط بها رمال سيّالة يسكنها قوم من الأتراك والتركمان بمواشيهم، وهذه الرمال تنبت الغضا شبه الرمال التي دون ديار مصر، وكانت قصبتها قديما تسمى المنصورة، وكانت على الجانب الشرقي فأخذ الماء أكثر أرضها فانتقل أهلها إلى مقابلها من الغربي، وهي الجرجانية، وأهلها يسمونها كركانج، وحوّطوا على جيحون بالحطب الجزل والطرفاء يمنعونه من خراب منازلهم يستجدّونه في كل عام ويرمّون ما تشعث منه، وقرأت في كتاب ألفه أبو الريحان البيروني في أخبار خوارزم ذكر فيه أنّ خوارزم كانت تدعى قديما فيل، وذكر لذلك قصة نسيتها فإن وجدها واحد وسهل عليه أن يلحقها بهذا الموضع فعل مأذونا له في ذلك عنّي، قال محمد بن نصر بن عنين الدمشقي:
«خوارزم عندي خير البلاد، *** فلا أقلعت سحبها المغدقه»
«فطوبى لوجه امرئ صبّحت *** هـ، أوجه فتيانها المشرقة»
«وما ان نقمت بها حالة، *** سوى أن أقامت بها مقلقه»
وكان المؤذّن يقوم في سحرة من الليل يقارب نصفه فلا يزال يزعق إلى الفجر قامت، وقال الخطيب أبو المؤيد الموفّق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي يتشوّقها:
«أأبكاك لمّا أن بكى في ربى نجد *** سحاب ضحوك البرق منتحب الرعد»
«له قطرات كاللآلئ في الثرى، *** ولي عبرات كالعقيق على خدّي»
«تلفّتّ منها نحو خوارزم والها *** حزينا، ولكن أين خوارزم من نجد؟»
وقرأت في الرسالة التي كتبها أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد مولى محمد بن سليمان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة ذكر فيها ما شاهده منذ خرج من بغداد إلى أن عاد إليها فقال بعد وصوله إلى بخارى، قال: وانفصلنا من بخارى إلى خوارزم وانحدرنا من خوارزم إلى الجرجانية، وبينها وبين خوارزم في الماء خمسون فرسخا، قلت: هكذا قال ولا أدري أي شيء عنى بخوارزم لأن خوارزم هو اسم الإقليم بلا شك، ورأيت دراهم بخوارزم مزيفة ورصاصا وزيوفا وصفرا، ويسمون الدرهم طازجه، ووزنه أربعة دوانق ونصف، والصيرفي منهم يبيع الكعاب والدوامات والدراهم، وهم أوحش الناس كلاما وطبعا، وكلامهم أشبه بنقيق الضفادع، وهم يتبرؤون من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في دبر كل صلاة، فأقمنا بالجرجانية أياما وجمد جيحون من أوله إلى آخره، وكان سمك الجمد تسعة عشر شبرا، قال عبد الله الفقير: وهذا كذب منه، فإنّ أكثر ما يجمد خمسة أشبار وهذا يكون نادرا، فأما العادة فهو شبران أو ثلاثة، شاهدته وسألت عنه أهل تلك البلاد، ولعله
ظنّ أنّ النهر يجمد كلّه وليس الأمر كذلك، إنما يجمد أعلاه وأسفله جار، ويحفر أهل خوارزم في الجليد ويستخرجون منه الماء لشربهم، لا يتعدّى الثلاثة أشبار إلّا نادرا، قال: وكانت الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطريق، وهو ثابت لا يتحلحل،
پكند، وهو الخبز، فإن أعطوه شيئا وإلّا خرج، قلت أنا: وهذا من رسمهم صحيح إلّا أنه في الرستاق دون المدينة شاهدت ذلك، ثم وصف شدة بردهم الذي أنا شاهدته من بردها أنّ طرقها تجمد في الوحول ثم يمشى عليها فيطير الغبار منها، فإن تغيّمت الدنيا ودفئت قليلا عادت وحولا تغوص فيها الدواب إلى ركبها، وقد كنت اجتهدت أن أكتب شيئا بها فما كان يمكنني لجمود الدواة حتى أقرّبها من النار وأذيبها، وكنت إذا وضعت الشربة على شفتي التصقت بها لجمودها على شفتي ولم تقاوم حرارة النفس الجماد، ومع هذا فهي لعمري بلاد طيبة وأهلها علماء فقهاء أذكياء أغنياء، والمعيشة بينهم موجودة وأسباب الرزق عندهم غير مفقودة، وأما الآن فقد بلغني أن التتر صنف من الترك وردوها سنة 618 وخرّبوها وقتلوا أهلها وتركوها تلولا، وما أظنّ أنه كان في الدنيا لمدينة خوارزم نظير في كثرة الخير وكبر المدينة وسعة الأهل والقرب من الخير وملازمة أسباب الشرائع والدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والذين ينسبون إليها من الأعلام والعلماء لا يحصون، منهم: داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي، رحل فسمع بدمشق الوليد بن مسلم وأبا الزرقاء عبد الله بن محمد الصغاني، وسمع بغيرها خلقا، منهم بقية بن الوليد وصالح بن عمرو وحسان بن إبراهيم الكرماني وأبو حفص عمر بن عبد الرحمن الأمار وغيرهم، روى عنه مسلم بن الحجاج وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وصالح بن محمد جزرة، روى البخاري عن محمد بن عبد الرحيم في كفّارات الأيمان، وقال البخاري:
مات في سنة 239، وآخر من روى عنه أبو القاسم البغوي.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
12-معجم البلدان (دير العذارى)
دَيْر العَذَارى:قال أبو الفرج الأصبهاني: هو بين أرض الموصل وبين أرض باجرمى من أعمال الرّقة، وهو دير عظيم قديم، وبه نساء عذارى قد ترهَّبن وأقمن به للعبادة فسمي به لذلك، وكان قد بلغ بعض الملوك أنّ فيه نساء ذوات جمال، فأمر بحملهنّ إليه ليختار منهنّ على عينه من يريد، وبلغهنّ ذلك فقمن ليلتهنّ يصلّين ويستكفين شرّه، فطرق ذلك الملك طارق فأتلفه من ليلته فأصبحن صياما، فلذلك يصوم النصارى الصوم المعروف بصوم العذارى إلى الآن، هكذا ذكر، والشعر المنقول في دير العذارى يدلّ على أنه بنواحي دجيل ولعلّ هذا غير ذلك، وقال الشابشتي: دير العذارى بين سرّ من رأى والحظيرة، وقال الخالدي: وشاهدته وبه نسوة عذارى وحانات خمر، وإنّ دجلة أتت عليه بمدودها فأذهبته حتى لم يبق منه أثر، وذكر أنه اجتاز به في سنة 320 وهو عامر، وأنشد أبو الفرج، والخالدي لجحظة فيه:
«ألا هل إلى دير العذارى ونظرة *** إلى الخير من قبل الممات سبيل؟»
«وهل لي بسوق القادسية سكرة *** تعلّل نفسي والنسيم عليل؟»
«وهل لي بحانات المطيرة وقفة *** أراعي خروج الزّقّ وهو حميل»
«إلى فتية ما شتّت العزل شملهم، *** شعارهم عند الصباح شمول»
«وقد نطق الناقوس بعد سكوته، *** وشمعل قسّيس ولاح فتيل»
«يريد انتصابا للمقام بزعمه، *** ويرعشه الإدمان فهو يميل»
«يغنّي وأسباب الصواب تمدّه، *** وليس له فيما يقول عديل»
«ألا هل إلى شمّ الخزامى ونظرة *** إلى قرقرى قبل الممات سبيل؟»
«وثنّى يغنّي وهو يلمس كأسه، *** وأدمعه في وجنتيه تسيل»
«سيعرض عن ذكري وينسى مودّتي، *** ويحدث بعدي للخليل خليل»
«سقى الله عيشا لم يكن فيه علقة *** لهمّ ولم ينكر عليه عذول»
«لعمرك ما استحملت صبرا لفقده، *** وكلّ اصطبار عن سواه جميل»
وقال أبو الفرج: ودير العذارى بسرّ من رأى إلى
الآن موجود يسكنه الرواهب فجعلهما اثنين، وحدّث الجاحظ في كتاب المعلّمين قال: حدثني ابن فرج الثعلبي أن فتيانا من بني ملّاص من ثعلبة أرادوا القطع على مال يمرّ بهم قرب دير العذارى فجاءهم من خبّرهم أن السلطان قد علم بهم وأن الخيل قد أقبلت تريدهم فاستخفوا في
«ودير العذارى فضوح لهنّ، *** وعند القسوس حديث عجيب»
«خلونا بعشرين صوفيّة، *** ونيك الرواهب أمر غريب»
«إذا هنّ يرهزن رهز الظراف، *** وباب المدينة فجّ رحيب»
«لقد بات بالدير ليل التّمام *** أيور صلاب وجمع مهيب»
«سباع تموج وزاقولة *** لها في البطالة حظّ رغيب»
«وللقسّ حزن يهيض القلوب، *** ووجد يدلّ عليه النحيب»
«وقد كان عيرا لدى عانة، *** فصبّ على العير ليث هيوب»
وقال الشابشتي: دير العذارى أسفل الحظيرة على شاطئ دجلة، وهو دير حسن حوله بساتين، قال:
وببغداد أيضا دير يقال له دير العذارى في قطعة النصارى على نهر الدّجاج، وسمّي بذلك لأن لهم صوم ثلاثة أيام قبل الصوم الكبير يسمى صوم العذارى فإذا انقضى الصوم اجتمعوا على الدير فتقرّبوا فيه أيضا، وهو مليح طيب، قال: وبالحيرة أيضا دير العذارى. ودير العذارى أيضا: موضع بظاهر حلب في بساتينها ولا دير فيه، ولعلّه كان قديما.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
13-معجم البلدان (زويلة)
زَوِيلَة:بفتح أوّله، وكسر ثانيه، وبعد الياء المثناة من تحت الساكنة لام: بلدان أحدهما زويلة السودان مقابل اجدابية في البرّ بين بلاد السودان
وإفريقية، قال البكري: وزويلة مدينة غير مسورة في وسط الصحراء، وهي أوّل حدود بلاد السودان، وفيها جامع وحمام وأسواق تجتمع فيها الرفاق من كل جهة ومنها يفترق قاصدهم وتتشعب طرقهم، وبها نخيل وبساط للزرع يسقى بالإبل، ولما فتح عمرو برقة بعث عقبة بن نافع حتى بلغ
«الموت غادر دعبلا بزويلة *** في أرض برقة أحمد بن خصيب»
والذي يذكره المؤرخون أن دعبلا لما هجا المعتصم أهدر دمه فهرب إلى طوس واستجار بقبر الرشيد فلم يجره المعتصم وقتله صبرا في سنة 220، وبين زويلة ومدينة اجدابية أربع عشرة مرحلة، ولأهل زويلة حكمة في احتراس بلدهم، وذاك أن الذي عليه نوبة الاحتراس منهم يعمد إلى دابة فيشد عليها حزمة كبيرة من جريد النخل ينال سعفها الأرض ثمّ يدور بها حوالي المدينة فإذا أصبح من الغد ركب ذلك المحترس ومن تبعه على جمال السروح وداروا على المدينة فإن رأوا أثرا خارجا من المدينة اتبعوه حتى يدركوه أينما توجه لصّا كان أو عبدا أو أمة أو غير ذلك. وزويلة: من أطرابلس بين المغرب والقبلة، ويجلب من زويلة الرقيق إلى ناحية إفريقية وما هنالك ومبايعاتهم بثياب قصار حمر، ومن بلد زويلة إلى بلد كانم أربعون مرحلة، وهم وراء صحراء من بلاد زويلة، يذكر خبرهم في كانم، والأخرى: زويلة المهدية، وهي مدينة بإفريقية بناها المهدي عبيد الله جد هؤلاء الذين كانوا بمصر إلى جانب المهدية، بينهما رمية سهم فقط، فسكن هو وعسكره بالمهدية، على ما نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه، وأسكن العامة في زويلة، وكانت دكاكينهم وأموالهم في المهدية وبزويلة مساكنهم، فكانوا يدخلون بالنهار للمعيشة ويخرجون بالليل إلى أهاليهم، فقيل للمهدي:
إن رعيتك في عناء من هذا، فقال: لكن أنا في راحة لأني بالليل أفرق بينهم وبين أموالهم وبالنهار أفرق بينهم وبين أهاليهم فآمن غائلتهم، وقال أبو لقمان شاعر الأنموذج يهجو رجلين:
«لا بارك الله في دهر يكون به *** لابن المؤدب ذكر وابن حربون»
«ذا من زويلة لا دين ولا حسب، *** وذاك من أهل ترشيش المجانين»
وترشيش: اسم لمدينة تونس. وزويلة: محلة وباب بالقاهرة، قال الشريف أبو البركات عمر بن إبراهيم العلوي أو أبوه إبراهيم بن محمد بن حمزة، وكان أقام بمصر مدّة فملّها ورحل عنها وقال...
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
14-معجم البلدان (الشجي)
الشَّجِيّ:بكسر الجيم، يقال: الشّجا، مقصور، ما ينشب في الحلق من غصّة همّ أو غيره، والرجل شج: وهو ربو من الأرض دخل في بطن فلج فشجي به الوادي، قال السكوني: والطريق من المدينة إلى البصرة يسلك من الشجيّ والرّحيل في القفّ ثمّ يؤخذ في الحزن على الوقباء، وبين الشجي وحفر أبي موسى ثلاثون ميلا، وقيل: الشجي على ثلاث مراحل من البصرة، عن نصر، والشجي:
ظرب قد شجي به الوادي فلذلك سمي الشجي، قال الراجز:
«وقد شجاني في النّجاء المطلق *** رأس الشجيّ كالفلوّ الأبلق»
شدّده ضرورة، وقد ذكرنا عذره في الذي قبله، ولا يجوز تشديده في الكلام الفصيح، ومنه: ويل للشجي من الخليّ، غير مشدّد في الشجي ومشدد في الخليّ، والنجاء في هذا الرجز: اسم موضع أيضا، وقال الآخر:
«كأنّها بين الرّحيل والشّجي *** ضاربة بخفّها والمنسج»
ومات قوم بالعطش بالشجي في أيّام الحجاج، وهو منزل من منازل طريق مكّة من ناحية البصرة، فاتصل خبرهم بالحجاج فقال: إني أظنّ أنهم دعوا الله
حين بلغ بهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي كانوا فيه لعلّ الله أن يسقي الناس، فقال رجل من جلسائه:
وقد قال الشاعر:
«تراءت له بين اللّوى وعنيزة *** وبين الشجي ممّا أحال على الوادي»
ما تراءت له إلّا على ماء، فأمر الحجّاج عبيدة السلمي أن يحفر بالشجي بئرا فحفر بالشجي بئرا فأنبط ماء لا ينزح، قال عبيد الله الفقير إليه: إن أريد من هذا الموضع الوادي فهو الشجي، بالياء، لأنه شجي بالربوة فهو مفعول، وإن أريد به الربوة نفسها فهو الشجا، بالألف، لأنّه فاعل، والمعنى في ذلك ظاهر.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
15-معجم البلدان (الصين)
الصِّينُ:بالكسر، وآخره نون: بلاد في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب وشماليها الترك، قال ابن الكلبي عن الشرقي: سميت الصين بصين، وصين وبغرابنا بغبر بن كماد بن يافث، ومنه المثل: ما يدري شغر من بغر، وهما بالمشرق وأهلهما بين الترك والهند، قال أبو القاسم الزّجاجي: سميت بذلك لأن صين بن بغبر بن كماد أوّل من حلّها وسكنها، وسنذكر خبرهم ههنا، والصين في الإقليم الأوّل، طولها من المغرب مائة وأربع وستون درجة وثلاثون دقيقة، قال الحازمي:
كان سعد الخير الأندلسي يكتب لنفسه الصيني لأنّه سافر إلى الصين، وقال العمراني: الصين موضع بالكوفة وموضع أيضا قريب من الإسكندرية، قال المفجّع في كتاب المنقذ، وهو كتاب وضعه على مثال الملاحن لابن دريد: الصين بالكسر موضعان الصين الأعلى والصين الأسفل، وتحت واسط بليدة مشهورة يقال لها الصينية ويقال لها أيضا صينية الحوانيت، ينسب إليها صينيّ، منها الحسن بن أحمد ابن ماهان أبو عليّ الصيني، حدث عن أحمد بن عبيد الواسطي، يروي عنه أبو بكر الخطيب وقال: كان قاضي بلدته وخطيبها، وأمّا إبراهيم بن إسحاق الصيني فهو كوفيّ كان يتّجر إلى الصين فنسب إليها، وقال أبو سعد: وممن نسب إلى الصين أبو الحسن سعد الخير ابن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري الأندلسي، كان يكتب لنفسه الصيني لأنّه كان قد سافر من المغرب إلى الصين، وكان فقيها صالحا كثير المال، سمع الحديث من أبي الخطّاب بن بطر القاري وأبي عبد الله الحسين بن محمد بن طلحة النّعّال وغيرهما، وذكره أبو سعد في شيوخه، ومات سنة 541، ولهم صينيّ آخر لا يدرى إلى أيّ شيء هو منسوب، وهو حميد ابن محمد بن علي أبو عمرو الشيباني يعرف بحميد الصيني، سمع السريّ بن خزيمة وأقرانه، روى عنه أبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان وغيره، وهذا شيء من أخبار الصين الأقصى ذكرته كما وجدته لا أضمن صحته فإن كان صحيحا فقد ظفرت بالغرض وإن كان كذبا فتعرف ما تقوّله الناس، فإن هذه بلاد شاسعة ما رأينا من مضى إليها فأوغل فيها وإنما يقصد التجار أطرافها، وهي بلاد تعرف بالجاوة على سواحل البحر شبيهة ببلاد الهند يجلب منها العود والكافور والسنبل والقرنفل والبسباسة والعقاقير والغضائر الصينيّة، فأمّا بلاد الملك فلم نر أحدا رآها، وقرأت في كتاب عتيق ما صورته: كتب إلينا أبو دلف مسعر بن مهلهل في ذكر ما شاهده
ورآه في بلاد الترك والصين والهند قال: إنّي لما رأيتكما يا سيّديّ، أطال الله بقاءكما، لهجين بالتصنيف مولعين بالتأليف أحببت أن لا أخلي دستوركما وقانون حكمتكما من فائدة وقعت إليّ مشاهدتها وأعجوبة رمت بي الأيّام إليها ليروق معنى ما تتعلّمانه السمع ويصبو إل
تعرف بالبغراج لهم أسبلة بغير لحى يعملون بالسلاح عملا حسنا فرسانا ورجّالة، ولهم ملك عظيم الشأن يذكر أنّه علويّ وأنّه من ولد يحيى بن زيد وعنده مصحف مذهّب على ظهره أبيات شعر رثي بها زيد، وهم يعبدون ذلك المصحف، وزيد عندهم ملك العرب وعلي بن أبي طالب، رضي ال
لا يجلس بين يديه أحد منهم الّا إذا جاوز أربعين سنة، فسرنا فيهم شهرا في أمن ودعة ثمّ انتهينا الى قبيلة يقال لها الخرلخ، يأكلون الحمص والعدس ويعملون الشراب من الدخن ولا يأكلون اللحم إلّا مغموسا بالملح، ويلبسون الصوف، ولهم بيت عبادة في حيطانه صورة متقدّمي
يتكلمون بالعربيّة القديمة لا يعرفون غيرها ويكتبون بالحميرية ولا يعرفون قلمنا، يعبدون الأصنام، وملكهم من أهل بيت منهم لا يخرجون الملك من أهل ذلك البيت، ولهم أحكام، وحظر الزنا والفسق، ولهم شراب جيّد من التمر، وملكهم يهادي ملك الصين، فسرنا فيهم شهرا في خو
يسايرونه في غمّ وكآبة وحزن، وأحضر سجلّا كبيرا ملفوفا فأمر القضاة والفقهاء والكتّاب بختمه فأمر نوحا ابنه أن يعمل بما فيه واستدعى شيئا من حسا في زبدية من الصيني الأصفر فتناول منه شيئا يسيرا ثمّ تغرغرت عيناه بالدموع وحمد الله تعالى وتشهّد وقال:
هذا آخر زاد نصر من دنياكم، وسار إلى قبره ودخله وقرأ عشرا فيه واستقرّ به مجلسه ومات، رحمه الله، وتولى الأمر نوح ابنه، قلت: ونحن نشك في صحة هذا الخبر لأن محدثنا به ربما كان ذكر شيئا فسأل الله أن لا يؤاخذه بما قال، ونرجع إلى كلام رسول نصر، قال: وأقمت بسندابل مدينة الصين مدة ألقى ملكها في الأحايين فيفاوضني في أشياء ويسألني عن أمور من أمور بلاد الإسلام، ثم استأذنته في الانصراف فأذن لي بعد أن أحسن إليّ ولم يبق غاية في أمري، فخرجت إلى الساحل أريد كله، وهي أوّل الهند وآخر منتهى مسير المراكب لا يتهيأ لها أن تتجاوزها وإلّا غرقت، قال: فلمّا وصلت إلى كله رأيتها وهي عظيمة عالية السور كثيرة البساتين غزيرة الماء ووجدت بها معدنا للرصاص القلعي لا يكون إلّا في قلعتها في سائر الدنيا، وفي هذه القلعة تضرب السيوف القلعية وهي الهندية العتيقة، وأهل هذه القلعة يمتنعون على ملكهم إذا أرادوا ويطيعونه إن أحبوا، ورسمهم رسم الصين في ترك الذباحة، وليس في جميع الدنيا معدن للرصاص القلعي إلّا في هذه القلعة، وبينها وبين مدينة الصين ثلاثمائة فرسخ، وحولها مدن ورساتيق وقرى، ولهم أحكام حبوس جنايات، وأكلهم البرّ والتمور، وبقولهم كلّها تباع وزنا وأرغفة خبزهم تباع عددا، وليس عندهم حمامات بل عندهم عين جارية يغتسلون بها، ودرهمهم يزن ثلثي درهم ويعرف بالقاهري، ولهم فلوس يتعاملون بها، ويلبسون كأهل الصين الإفرند الصيني المثمن، وملكهم دون ملك الصين ويخطب لملك الصين، وقبلته إليه، وبيت عبادته له، وخرجت منها إلى بلد الفلفل فشاهدت نباته، وهو شجر عاديّ لا يزول الماء من تحته فإذا هبت الريح تساقط حمله فمن ذلك تشنجه وإنما يجتمع من فوق الماء، وعليه ضريبة للملك، وهو شجر حرّ لا مالك له وحمله أبدا فيه لا يزول شتاء ولا صيفا، وهو عناقيد فإذا حميت الشمس عليه انطبق على العنقود عدة من ورقه لئلّا يحترق بالشمس، فإذا زالت الشمس زالت تلك الأوراق، وانتهيت منه إلى لحف الكافور، وهو جبل عظيم فيه مدن تشرف على البحر منها قامرون التي ينسب إليها العود الرطب المعروف بالمندل القامروني، ومنها مدينة يقال لها قماريان، وإليها ينسب العود القماري، وفيه مدينة يقال لها الصنف، ينسب إليها العود الصنفي، وفي اللحف الآخر من ذلك الجبل مما يلي الشمال مدينة يقال لها الصّيمور، لأهلها حظّ من الجمال وذلك لأن أهلها متولدون من الترك والصين فجمالهم لذلك، وإليها تخرج تجارات الترك، وإليها ينسب العود الصيموري وليس هو منها إنّما هو يحمل إليها، ولهم بيت عبادة على رأس عقبة عظيمة وله سدنة وفيه أصنام من الفيروزج والبيجاذق، ولهم ملوك صغار، ولباسهم لباس أهل الصين، ولهم بيع وكنائس ومساجد وبيوت نار، لا يذبحون ولا يأكلون ما مات حتف أنفه، وخرجت إلى مدينة يقال لها جاجلّى على رأس جبل مشرف نصفها على البحر ونصفها على البرّ ولها ملك مثل ملك كله يأكلون البرّ والبيض ولا يأكلون السمك ولا يذبحون، ولهم بيت عبادة كبير معظّم، لم يمتنع على الإسكندر في بلدان الهند غيرها، وإليها يحمل الدارصيني ومنها يحمل إلى سائر الآفاق، وشجر
الدارصيني حرّ لا مالك له، ولباسهم لباس كله إلّا أنهم يتزيّنون في أعيادهم بالحبر اليمانية، ويعظمون من النجوم قلب الأسد، ولهم بيت رصد وحساب محكم ومعرفة بالنجوم كاملة، وتعمل الأوهام في طباعهم، ومنها خرجت إلى مدينة يقال لها قشمير وهي كبيرة عظيمة لها سور وخ
قرع يكون هناك وورقه السادج الهندي، وإليها تنسب أصناف العود والكافور واللبان والقتار، وأصل العود نبت في جزائر وراء خطّ الاستواء، وما وصل إلى منابته أحد ولم يعلم أحد كيف نباته وكيف شجره ولا يصف إنسان شكل ورق العود وإنما يأتي به الماء إلى جانب الشمال، فما
هذا هو الكذب الصراح لأن هذا الصنم ذكره المدائني في فتوح الهند والسند وذكر أن طوله عشرون ذراعا، قال أبو دلف: البلد في يد يحيى بن محمد الأموي هو صاحب المنصورة أيضا والسند كلّه في يده، والدولة بالملتان للمسلمين وملّاك عقرها ولد عمر بن علي بن أبي طالب، والمسجد الجامع مصاقب لهذه القبة، والإسلام بها ظاهر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بها شامل، وخرجت منها إلى المنصورة، وهي قصبة السند، والخليفة الأموي مقيم بها يخطب لنفسه ويقيم الحدود ويملك السند كلّه بره وبحره، ومنها إلى البحر خمسون فرسخا، وبساحلها مدينة الدّيبل، وخرجت من المنصورة إلى بغانين، وهو بلد واسع يؤدي أهله الخراج إلى الأموي وإلى صاحب بيت الذهب، وهو بيت من ذهب في صحراء تكون أربعة فراسخ ولا يقع عليها الثلج ويثلج ما حولها،
وفي هذا البيت رصد الكواكب، وهو بيت تعظمه الهند والمجوس، وهذه الصحراء تعرف بصحراء زردشت صاحب المجوس، ويقول أهل هذه البلدان:
إن هذه الصحراء متى خرج منها إنسان يطلب دولة لم يغلب ولم يهزم له عسكر حيثما توجه، ومنها إلى شهر داور ومنها إلى بغنين ومنها إلى غزنين وبها تتفرّق الطرق فطريق يأخذ يمنة إلى باميان وختلان وخراسان، وطريق يأخذ تلقاء القبلة إلى بست ثمّ إلى سجستان، وكان صاحب سجستان في وقت موافاتي إياها أبا جعفر محمد بن أحمد بن الليث وأمه بانويه أخت يعقوب بن الليث، وهو رجل فيلسوف سمح كريم فاضل، له في بلده طراز تعمل فيه ثياب، ويخلع في كل يوم خلعة على واحد من زوّاره ويقوّم عليه من طرازها بخمسة آلاف درهم ومعها دابّة النوبة ووليّ الحمام والمسند والمطرح ومسورتان ومخدّتان، وبذلك يعمل ثبت ويسلّم إلى الزائر فيستوفيه من الخازن، هذا آخر الرسالة.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
16-معجم البلدان (قران)
قُرّانُ:بالضم، يجوز أن يكون جمع قرّ أو قرّ من البرد أو فعلان منه، ويقال: يوم قرّ وليلة قرّة، فيجوز على ذلك أن يقال أيام قرّان وموضع قرّ ومواضع قرّان، وقرّان: اسم واد قرب الطائف في شعر أبي ذؤيب، قال، ويروى لأبي جندب:
وحيّ بالمناقب قد حموها لدى قرّان حتى بطن ضيم كلّها بين مكة والطائف، وقرّان: قرية باليمامة، وقيل: قرّان بين مكة والمدينة بلصق أبلى، وقد ذكر في أبلى، وقال ذو الرّمّة:
تزاورن عن قرّان عمدا ومن به من الناس، وازورّت سواهنّ عن حجر وقال السكري في قول جرير:
كأنّ أحداجهم تحدى مقفيّة نخل بملهم أو نخل بقرّانا قال: ملهم وقرّان قريتان باليمامة لبني سحيم بن مرّة بن الدّؤل بن حنيفة، والأحداج: مراكب النساء، قلت: فهذا الذي ذكرنا أنه بين مكة والمدينة فهما موضعان مسميان بهذا الاسم، وقال عطارد اللّصّ:
أقول وقد قرّنت عيسا شملّة، لها بين نسعيها فضول نفانف:
عليّ دماء البدن إن لم تمارسي أمورا على قرّان فيها تكالف وقال ابن سيرين في تاريخه: وفيها، يعني في سنة 310، انتقل أهل قرّان من اليمامة إلى البصرة لحيف لحقهم من ابن الأخيضر في مقاسماتهم وجدب أرضهم، فلما انتهى خبرهم إلى أهل البصرة سعى أبو الحسن أحمد بن الحسين بن المثنّى في مال جمعه لهم فقووا به على الشخوص إلى البصرة فدخلوا على حال سيئة فأمر لهم سبّك أمير البصرة بكسوة ونزلوا بالمسامعة محلّة بها. وقرّان: قرية بمرّ الظهران، بينها وبين مكة يوم. وقرّان: قصبة البذّين بأذربيجان حيث استوطن بابك الخرّمي، عن نصر.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
17-موسوعة الفقه الكويتية (تذكر)
تَذَكُّرٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّذْكِيرُ وَالتَّذَكُّرُ: مِنْ مَادَّةِ ذَكَرَ، ضِدُّ نَسِيَ، يُقَالُ: ذَكَرْتُ الشَّيْءَ بَعْدَ نِسْيَانٍ، وَذَكَرْتُهُ بِلِسَانِي، وَقَلْبِي، وَتَذَكَّرْتُهُ، وَأَذْكَرْتُهُ غَيْرِي، وَذَكَّرْتُهُ تَذْكِيرًا.
وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- السَّهْوُ:
2- السَّهْوُ فِي اللُّغَةِ: نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ وَذَهَابُ الْقَلْبِ إِلَى غَيْرِهِ، فَالسَّهْوُ عَنِ الصَّلَاةِ: الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: السَّهْوُ مِنَ الشَّيْءِ: تَرْكُهُ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَالسَّهْوُ عَنْهُ: تَرْكُهُ مَعَ الْعِلْمِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}.
وَاصْطِلَاحًا، قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ: السَّهْوُ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنِ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ، وَقِيلَ: هُوَ الذُّهُولُ عَنِ الشَّيْءِ، بِحَيْثُ لَوْ نُبِّهَ لَهُ أَدْنَى تَنْبِيهٍ لَتَنَبَّهَ
وَفِي الْمِصْبَاحِ: إِنَّ السَّهْوَ لَوْ نُبِّهَ صَاحِبُهُ لَمْ يَتَنَبَّهْ
ب- النِّسْيَانُ:
3- النِّسْيَانُ: ضِدُّ الذِّكْرِ وَالْحِفْظِ، يُقَالُ: نَسِيَهُ نَسْيًا، وَنِسْيَانًا، وَهُوَ تَرْكُ الشَّيْءِ عَنْ ذُهُولٍ وَغَفْلَةٍ، وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى التَّرْكِ عَنْ عَمْدٍ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أَيْ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ فَحَرَمَهُمْ رَحْمَتَهُ.وَيُقَالُ: رَجُلٌ نِسْيَانٌ أَيْ: كَثِيرُ النِّسْيَانِ وَالْغَفْلَةِ.
وَاصْطِلَاحًا: هُوَ الذُّهُولُ عَنِ الشَّيْءِ، لَكِنْ لَا يَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ، لِكَوْنِ الشَّيْءِ قَدْ زَالَ مِنَ الْمُدْرِكَةِ وَالْحَافِظَةِ مَعًا، فَيَحْتَاجُ إِلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
تَذَكُّرُ الْمُصَلِّي لِصَلَاتِهِ بَعْدَ الْأَكْلِ فِيهَا:
4- قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَإِنْ كَثُرَ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَلَّ.
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إِذَا كَانَ قَلِيلًا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (صَلَاةٍ) (وَنِسْيَانٍ).
سَهْوُ الْإِمَامِ:
5- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِعَدَمِ الْإِتْمَامِ لَا يُعْتَبَرُ شَكُّهُ، وَعَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ.أَمَّا إِذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ مَثَلًا أَنَّهُ مَا صَلَّى أَرْبَعًا، وَشَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ أَعَادَ احْتِيَاطًا.أَمَّا إِذَا كَذَّبَهُ، فَلَا يُعِيدُ.وَإِنِ اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ لَمْ يُعِدْ، وَإِلاَّ أَعَادَ بِقَوْلِهِمْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَخْبَرَتْهُ جَمَاعَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، يُفِيدُ خَبَرُهُمُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِتَمَامِ صَلَاتِهِ أَوْ نَقْصِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِخَبَرِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ مَأْمُومِيهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ تَيَقَّنَ كَذِبَهُمْ.وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِالْخَبَرِ إِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَانَا مِنْ مَأْمُومِيهِ.فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مَأْمُومِيهِ فَلَا يَرْجِعُ لِخَبَرِهِمَا، بَلْ يَعْمَلُ عَلَى يَقِينِهِ.
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ وَالْمَأْمُومُ فَلَا يَرْجِعَانِ لِخَبَرِ الْعَدْلَيْنِ، وَإِنْ أَخْبَرَ الْإِمَامَ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِالتَّمَامِ فَلَا يَرْجِعُ لِخَبَرِهِ، بَلْ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ نَفْسِهِ، أَمَّا إِذَا أَخْبَرَهُ بِالنَّقْصِ رَجَعَ لِخَبَرِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ، وَلَا يُعْمَلُ بِتَذْكِيرِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانُوا جَمْعًا غَفِيرًا كَانُوا يَرْقُبُونَ صَلَاتَهُ.وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّذْكِيرُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ».
وَقَدْ أَجَابُوا عَنِ الْمُرَاجَعَةِ بَيْنَ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحَابَةِ، وَعَوْدِهِ لِلصَّلَاةِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ الْغَيْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ لَهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُمْ بَلَغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ الَّذِي يُفِيدُ الْيَقِينَ، أَيِ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: إِذَا سَبَّحَ اثْنَانِ يَثِقُ بِقَوْلِهِمَا لِتَذْكِيرِهِ، لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَالرُّجُوعُ لِخَبَرِهِمَا، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صَوَابُهُمَا أَوْ خِلَافُهُ.وَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما- فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ لَمَّا سَأَلَهُمَا: أَحَقٌّ مَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَا: نَعَمْ مَعَ أَنَّهُ كَانَ شَاكًّا فِيمَا قَالَهُ ذُو الْيَدَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ، وَسَأَلَهُمَا عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِالتَّسْبِيحِ لِيُذَكِّرُوا الْإِمَامَ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمْ.وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: صَلَّى فَزَادَ أَوْ نَقَصَ...» الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي».وَإِنْ سَبَّحَ وَاحِدٌ لِتَذْكِيرِهِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ، فَيَعْمَلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، لَا بِتَسْبِيحِ الْغَيْرِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ.وَإِنْ ذَكَّرَهُ فَسَقَةٌ بِالتَّسْبِيحِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ.
تَذَكُّرُ الصَّائِمِ لِصَوْمِهِ وَهُوَ يَأْكُلُ:
6- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَذَكَّرَ وَأَمْسَكَ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلَا يُفْطِرُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ».
وَقَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه-: لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ.
وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ ذَاتُ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ، فَكَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ مَا يُخَالِفُ عَمْدُهُ سَهْوَهُ كَالصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ، وطَاوُسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْأَكْلُ أَوِ الشُّرْبُ قَلِيلًا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَفْطَرَ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَقَدْ أَفْطَرَ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْمٌ).
تَذَكُّرُ الْقَاضِي لِحُكْمٍ قَضَاهُ:
7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا رَأَى خـَطًّا فِيهِ حُكْمِهِ، لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهِ فِي إِمْضَاءِ الْحُكْمِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ لَمْ يَعْلَمْهُ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ وَعَلَى خَتْمِهِ، فَلَمْ يَجُزْ إِنْفَاذُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ كَحُكْمِ غَيْرِهِ.وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ، وَتَحْتَ يَدِهِ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ فِيهِ، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَمَلَ بِالْخَطِّ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرِ الْحَادِثَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَطُّ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ نَادِرٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَأَثَرُ التَّغْيِيرِ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَقَلَّمَا يَتَشَابَهُ الْخَطُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ.
أَمَّا إِذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي: بِأَنَّ هَذَا حُكْمُهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِهِمَا:
فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ وَإِمْضَاءُ الْحُكْمِ.وَقَالُوا: إِنَّهُ لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ غَيْرِهِ قُبِلَ، فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ إِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِحُكْمِ نَفْسِهِ.وَلِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، فَيَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ.
تَذَكُّرُ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ وَعَدَمُهُ:
8- إِذَا رَأَى الشَّاهِدُ بِخَطِّهِ شَهَادَةً أَدَّاهَا عِنْدَ حَاكِمٍ، وَلَمْ يَتَذَكَّرِ الْحَادِثَةَ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ: لَمْ يَشْهَدْ عَلَى مَضْمُونِهَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا عَرَفَ خَطَّهُ شَهِدَ بِهِ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
تَذَكُّرُ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ وَعَدَمُهُ:
9- أَمَّا رِوَايَةُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَرْوِيَ مَضْمُونَ خَطِّهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْخَطِّ الْمَحْفُوظِ عِنْدَهُ، لِعَمَلِ الْعُلَمَاءِ بِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا.وَقَدْ يَتَسَاهَلُ فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا تُقْبَلُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ.هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ،
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعْمَلُ بِهَا لِمُشَابَهَةِ الْخَطِّ بِالْخَطِّ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
18-موسوعة الفقه الكويتية (عدل)
عَدْلالتَّعْرِيفُ:
1- الْعَدْلُ: خِلَافُ الْجَوْرِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ فِي الْأُمُورِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَمْرِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، وَالْعَدْلُ مِنَ النَّاسِ: هُوَ الْمَرْضِيُّ.قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ، وَرَجُلٌ عَدْلٌ: بَيِّنُ الْعَدْلِ، وَالْعَدَالَةُ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ مَعْنَاهُ: ذُو عَدْلٍ.
وَالْعَدْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُطَابِقَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ فَيُقَالُ: عَدْلَانِ، وَعُدُولٌ، وَفِي الْمُؤَنَّثَةِ: عِدْلَةٌ.
وَالْعَدَالَةُ: صِفَةٌ تُوجِبُ مُرَاعَاتُهَا الِاحْتِرَازَ عَمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ عَادَةً فِي الظَّاهِرِ.
وَالْعَدْلُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: مَنْ تَكُونُ حَسَنَاتُهُ غَالِبَةً عَلَى سَيِّئَاتِهِ.وَهُوَ ذُو الْمُرُوءَةِ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْقِسْطُ:
2- الْقِسْطُ فِي اللُّغَةِ: الْعَدْلُ وَالْجَوْرُ فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَأَقْسَطَ بِالْأَلِفِ عَدَلَ فَهُوَ مُقْسِطٌ إِذَا عَدَلَ، فَكَأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي أَقْسَطَ لِلسَّلْبِ كَمَا يُقَالُ شَكَا إِلَيْهِ فَأَشْكَاهُ.
فَقَسَطَ وَأَقْسَطَ لُغَتَانِ فِي الْعَدْلِ، أَمَّا فِي الْجَوْرِ فَلُغَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ قَسَطَ بِغَيْرِ أَلِفٍ.
وَالْقِسْطُ بِإِطْلَاقَيْهِ أَعَمُّ مِنَ الْعَدْلِ.
ب- الظُّلْمُ:
3- أَصْلُ الظُّلْمِ: الْجَوْرُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَمِنْهُ «قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْوُضُوءِ: فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ».
وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ، وَالظُّلْمُ فِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنِ التَّعَدِّي عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ.
ج- الْفِسْقُ:
4- الْفِسْقُ هُوَ: الْخُرُوجُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَأَصْلُهُ خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ، وَفَسَقَ فُلَانٌ أَيْ: خَرَجَ عَنْ حَجْرِ الشَّرْعِ، وَالظُّلْمُ أَعَمُّ مِنَ الْفِسْقِ.
أَحْكَامُ الْعَدْلِ:
5- الْعَدْلُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، وَبِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَانْتَظَمَ أَمْرُ الْخَلِيقَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحْكَامُ الْعَدْلِ فِي أَبْوَابٍ عَدِيدَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ مِنْهَا:
فِي إِمَامِ الصَّلَاةِ:
6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ عَدْلًا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْإِمَامِ عَدْلًا، لِحَدِيثِ: «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ».
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْإِمَامِ عَدْلًا، فَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ الْفَاسِقِ لقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يَؤُمُّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا» وَحَدِيثِ: «اجْعَلُوا أَئِمَّتَكُمْ خِيَارَكُمْ».
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِمَامَةُ الصَّلَاةِ) ف 24
فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ:
7- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ الْعَدْلُ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ وَجَعْلُهُ عَامِلًا لِلزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا نَوْعُ وِلَايَةٍ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْعَدْلُ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَمَانَةِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْعَدْلِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَاسِقٍ فِي عَمَلِهِ، وَلَيْسَ أَنْ يَكُونَ عَادِلًا عَدْلَ الشَّهَادَةِ.
وَيُعَبِّرُ الْحَنَابِلَةُ فِي غَالِبِ كُتُبِهِمْ بِالْأَمَانَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْهَا الْعَدَالَةُ.
فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ:
8- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَرَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَدَالَةِ الْمَعْنِيَّةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي رَائِي هِلَالِ رَمَضَانَ هِيَ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمْ بِرُؤْيَةِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْعَدَالَةَ الْمَقْصُودَةَ هِيَ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مَسْتُورِ الْحَالِ لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِهِ، كَمَا لَا تُقْبَلُ مِنَ الْفَاسِقِ.
وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ قَالُوا بِوُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ يَثِقُ بِهِ بِرُؤْيَتِهِ لِهِلَالِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا غَيْرَ عَدْلٍ، كَمَا أَنَّ عَلَى رَائِي الْهِلَالِ أَنْ يَصُومَ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ أَوْ رُدَّتْ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ.
وَفِي رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشُّهُورِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (رُؤْيَةُ الْهِلَالِ ف 6).
فِي الْقِبْلَةِ:
9- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَنِ الْقِبْلَةِ أَوْ يُقَلِّدُهُ غَيْرُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهَا خَبَرُ الْفَاسِقِ؛ لِقِلَّةِ دِينِهِ، وَتَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إِلَيْهِ؛ وَلِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِخْبَارِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقِ فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهَا، كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْحَنَابِلَةِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إِلَى قِبْلَةِ الْفَاسِقِ فِي بَيْتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي عَمِلَهَا أَمَّا إِذَا عَمِلَهَا هُوَ فَكَإِخْبَارِهِ.
فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ طَهَارَتِهِ:
10- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ طَهَارَتِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَالَةُ الْمَشْرُوطَةُ هُنَا هِيَ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ.
إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ: لَوْ أَخْبَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُسَّاقِ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ طَهَارَتِهِ قُبِلَ خَبَرُهُمْ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ الْفَاسِقُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فِي الْمَاءِ.
فِي وَلِيِّ النِّكَاحِ:
11- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ عَدْلًا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا فِي النِّكَاحِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ: إِنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ يُسْتَحَبُّ وُجُودُهُ، وَيُكْرَهُ تَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْفَاسِقِ.
وَهَذَا الْخِلَافُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ السُّلْطَانِ الَّذِي يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا، أَمَّا هُوَ فَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي سَيِّدٍ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ آجَرَهَا.
فِي الْوَصِيِّ:
12- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَصِيِّ عَدْلًا:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ عَدْلًا هُنَا: أَنْ يَكُونَ أَمِينًا حَسَنَ التَّصَرُّفِ حَافِظًا لِمَالِ الصَّبِيِّ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِيصَاء ف 11)
فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ:
13- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ وِلَايَةٌ كَالْوِصَايَةِ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا عَيَّنَ فَاسِقًا لَمْ يَصِحَّ تَعْيِينُهُ، وَتُزَالُ يَدُهُ مِنَ الْوَقْفِ، وَإِنْ وَلاَّهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ عَدْلٌ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ انْعَزَلَ وَنَزَعَ الْحَاكِمُ مِنْهُ الْوَقْفَ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْوَقْفِ أَهَمُّ مِنْ إِبْقَاءِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَيْهِ، قَالَ السُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يُعْتَبَرُ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ النَّاظِرُ مَنْصُوبًا مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ فَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْف)
فِي وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ:
14- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَتَفْوِيضُهَا إِلَى غَيْرِ الْعَدْلِ تَضْيِيعٌ لِلصَّبِيِّ وَلِمَالِ الصَّبِيِّ، وَالْعَدَالَةُ الْمَشْرُوطَةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ لَا الْبَاطِنَةُ، فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ مَثَلًا إِذَا كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ لَا يُعْرَفُ عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ وَذَلِكَ؛ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ وَكَمَالِهَا عَلَى وَلَدِهِ، وَمِثْلُ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وِلَايَةٌ) Cفِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى وَالْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ:
15- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَنْ يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى أَوْ مَا شَابَهَهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَأَنَّ تَقْلِيدَ الْفَاسِقِ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَنُقِلَتْ فِي هَذَا رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمِثْلُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْوُلَاةُ الْعَامُّونَ وَالْوُزَرَاءُ التَّنْفِيذِيُّونَ وَأَعْضَاءُ مَجْلِسِ الشُّورَى وَأُمَرَاءُ الْجُيُوشِ...
ر: مُصْطَلَحُ: (الْإِمَامَةُ الْكُبْرَى ف 11)
فِي الْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْمَظَالِمِ وَالْمُفْتِينَ وَالْمُسْتَخْلَفِينَ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْمُحَكَّمِينَ وَغَيْرِهِمْ:
16- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَنَحْوُهُ عُدُولًا.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ أَوْ يَتَصَدَّى لِلْفَتْوَى، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ لِلْقَضَاءِ وَلَا مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ شَرْطَ صِحَّةٍ فِي تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُهَا لَهُ وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إِذَا لَمْ يُجَاوِزْ فِيهَا حَدَّ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ إِلاَّ شَرْطَ كَمَالٍ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عِنْدَهُمْ أَلاَّ يُقَلَّدَ الْفَاسِقُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهِيَ أَمَانَةُ الْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ وَالنُّفُوسِ، فَلَا يَقُومُ بِوَفَائِهَا إِلاَّ مَنْ كَمُلَ وَرَعُهُ وَتَمَّ تَقْوَاهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لَوْ قُلِّدَ الْفَاسِقُ مَعَ هَذَا جَازَ التَّقْلِيدُ فِي نَفْسِهِ وَصَارَ قَاضِيًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ الْقَضَاءَ، وَحُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ مِثْلُ هَذَا حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَاسِقًا؛ «لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِأَبِي ذَرٍّ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا.
قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ»
ر: مُصْطَلَحُ: (قَضَاءٌ) وَمُصْطَلَحُ: (وِلَايَةٌ)
فِي الشُّهُودِ:
17- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الشَّاهِدِ عَدْلًا:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشُّهُودِ أَنْ يَكُونُوا عُدُولًا فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ نَبَأِ الْفَاسِقِ فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}
وَالشَّهَادَةُ نَبَأٌ فَيَجِبُ التَّثَبُّتُ.
وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ»، وَلِأَنَّ دِينَ الْفَاسِقِ لَمْ يَزَعْهُ عَنِ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتٍ فِي الدِّينِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ لَا يَزَعَهُ عَنِ الْكَذِبِ فَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِشَهَادَتِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَدْلَ لَيْسَ شَرْطًا فِي أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ، وَالْمَالِكِيَّةُ يُوَافِقُونَهُمْ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ، فَإِذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ فَاسِقٌ ثُمَّ تَابَ مِنْ فِسْقِهِ ثُمَّ شَهِدَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتُبْ فَيُمْنَعُ مِنَ الْأَدَاءِ؛ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ.
وَالْعَدَالَةُ الْمَشْرُوطَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ هِيَ الظَّاهِرَةُ، أَمَّا الْعَدَالَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَهِيَ الْبَاطِنَةُ الثَّابِتَةُ بِالسُّؤَالِ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ بِالتَّعْدِيلِ، وَالتَّزْكِيَةِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمْ، مَا لَمْ يَطْعَنِ الْخَصْمُ فِي الشُّهُودِ، أَوْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، بَلْ يَسْأَلُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ؛ لِدَرْءِ الْحُدُودِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إِذَا لَمْ يَطْعَنِ الْخَصْمُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الشُّهُودِ، بَلْ يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}؛ وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ Cالْحَقِيقِيَّةَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا فَيَجِبُ الِاكْتِفَاءُ بِالظَّاهِرَةِ.
وَذَهَبَ صَاحِبَاهُ: إِلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (شَهَادَةٌ ف 22)
فِي رَاوِي الْحَدِيثِ:
18- ذَهَبَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ- فِي الْحَدِيثِ- أَنْ يَكُونَ عَدْلًا سَالِمًا مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَأْخُذُوا الْعِلْمَ إِلاَّ عَمَّنْ تُجِيزُونَ شَهَادَتَهُ»، وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ وَعَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا إِذَا أَتَوُا الرَّجُلَ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ نَظَرُوا إِلَى سَمْتِهِ وَإِلَى صَلَاتِهِ وَإِلَى حَالِهِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ
وَتَثْبُتُ عَدَالَةُ الرَّاوِي إِمَّا بِتَنْصِيصِ مُعَدِّلِينَ، وَإِمَّا بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَمَنِ اشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْعِلْمِ، وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ اسْتُغْنِيَ فِيهِ بِذَلِكَ عَنْ بَيِّنَةٍ شَاهِدَةٍ بِعَدَالَتِهِ تَنْصِيصًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ حَامِلِ عِلْمٍ مَعْرُوفَ الْعِنَايَةِ بِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَحْمُولٌ فِي أَمْرِهِ أَبَدًا عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ جَرْحُهُ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ»
وَيُقْبَلُ التَّعْدِيلُ سَوَاءٌ فِي الرَّاوِي أَوْ فِي الشَّاهِدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ يَصْعُبُ ذِكْرُهَا.
أَمَّا الْجَرْحُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلاَّ مُفَسَّرًا مُبَيَّنَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَجْرَحُ وَمَا لَا يَجْرَحُ، فَقَدْ يُطْلِقُ أَحَدُهُمُ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ اعْتَقَدَهُ جَرْحًا وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ لِيُنْظَرَ هَلْ هُوَ قَادِحٌ أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ.
وَجَرْحُ الرَّاوِي أَوْ تَعْدِيلُهُ يَثْبُتُ- فِي Cالصَّحِيحِ- بِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي جَرْحِ رَاوِيهِ أَوْ تَعْدِيلِهِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ.
وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ إِنِ اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ يُخْبِرُ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ، وَالْجَارِحَ يُخْبِرُ عَنْ بَاطِنٍ خَفِيَ عَلَى الْمُعَدِّلِ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِحَ يَقُولُ: رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، وَالْمُعَدِّلُ مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، سَوَاءٌ كَانُوا مُتَسَاوِينَ أَوْ كَانَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِينَ أَكْثَرَ.
وَقِيلَ إِنْ كَانَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِينَ أَكْثَرَ فَالتَّعْدِيلُ أَوْلَى.
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلُهُمْ: إِذَا كَانَ الْجَارِحُونَ وَالْمُعَدِّلُونَ مُتَسَاوِينَ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَعْدَلُ فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُمْ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي التَّعْدِيلِ أَمْ فِي التَّجْرِيحِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ فِي بِدْعَتِهِ.فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، وَكَمَا اسْتَوَى فِي الْكُفْرِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ، يَسْتَوِي فِي الْفِسْقِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ رِوَايَتَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَوْ لِأَهْلِ مَذْهَبِهِ، سَوَاءٌ كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِلاَّ الْخَطَابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً، وَلَا تُقْبَلُ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
الْعَدْلُ فِي الْحُكْمِ:
19- تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَنِ الْعَدْلِ فِي الْحُكْمِ وَحُرْمَةِ جَوْرِ الْحَاكِمِ عَلَى رَعِيَّتِهِ
وَأَصْلُ ذَلِكَ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}
وقوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ Cاللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ».
وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ».
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (الْإِمَامَةُ الْكُبْرَى ف 11)
20- الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ:
تَحَدَّثَ الْفُقَهَاءُ عَنْ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ».
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَسْوِيَة ف 8) 21- الْعَدْلُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ:
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ مُرَاعَاةَ الْعَدْلِ فِي الْهِبَاتِ، وَالْعَطَايَا بَيْنَ الْأَوْلَادِ، وَعَدَمِ تَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِحَدِيثِ «النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ- رضي الله عنهما-: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً.فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا.قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهُ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ»
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَسْوِيَة ف 11)
(C
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
19-موسوعة الفقه الكويتية (مظنة)
مَظِنَّةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْمَظِنَّةُ مِنَ الظَّنِّ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِمَا يَحْصُلُ عَنْ أَمَارَةٍ وَمَتَى قَوِيَتْ أَدَّتْ إِلَى الْعِلْمِ، وَالظَّنُّ فِي الْأَصْلِ خِلَافُ الْيَقِينِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}.
وَالْمَظِنَّةُ: بِكَسْرِ الظَّاءِ لِلْمَعْلَمِ وَهُوَ حَيْثُ يُعْلَمُ الشَّيْءُ وَالْجَمْعُ الْمَظَانُّ وَمَظِنَّةُ الشَّيْءِ مَوْضِعُهُ وَمَأْلَفُهُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمَظْنُونَاتُ هِيَ الْقَضَايَا الَّتِي يُحْكَمُ فِيهَا حُكْمًا رَاجِحًا مَعَ تَجْوِيزِ نَقِيضِهِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَظِنَّةِ:
الْمَظِنَّةُ تَقُومُ مَقَامَ الْيَقِينِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:
مَظِنَّةُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ
2- إِذَا زَالَ عَقْلُ الْمُكَلَّفِ بِنَوْمٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ، وَذَلِكَ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ».
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْيَقَظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ فَاعْتُبِرَ النَّوْمُ وَنَحْوُهُ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ شَيْءٌ أَثْنَاءَ النَّوْمِ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: النَّوْمُ لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ فَهُوَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ الرِّيحِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ عِنْدَ مُلَامَسَةِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ
3- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ مُلَامَسَةَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ فَأُقِيمَتِ الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْيَقِينِ وَأُعْطِيَتْ حُكْمَهُ، لِأَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا وَقِيَامُ الْمَظِنَّةِ كَعِلَّةٍ لِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَشْمَلُ مَسَّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَقِيَامِهَا كَعِلَّةٍ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ يَشْمَلُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (وُضُوءٌ، وَغُسْلٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).
الْمَظِنَّةُ فِي أَحْكَامِ السَّفَرِ
4- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ رُخَصَ السَّفَرِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَإِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ، أَوْ لِلْخَوْفِ، وَقِصَرِ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَجَمْعِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجُوزُ جَمْعُهَا، وَإِفْطَارِ الصَّائِمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَنُوطَةِ بِالسَّفَرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ مَشَقَّةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّ السَّفَرَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَشَقَّةِ فِي الْغَالِبِ، قَالَ صَاحِبُ كَشْفِ الْأَسْرَارِ: حَتَّى لَوْ تَنَزَّهَ سُلْطَانٌ مِنْ بُسْتَانٍ إِلَى بُسْتَانٍ فِي خَدَمِهِ وَأَعْوَانِهِ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ إِقَامَتِهِ فَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ نَفْسُ السَّفَرِ سَبَبًا لِلرُّخَصِ وَأُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْمَشَقَّةِ أَوْ غَيْرَ مُوجِبٍ لَهَا.
الْمَظِنَّةُ فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ
5- مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْيَقِينِ قَبُولُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، وَرِوَايَةُ الرَّاوِينَ فِي بَابَيِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْهَا ظَنِّيٌّ، وَكُلَّمَا كَانَ دَلَائِلُ الصِّدْقِ أَكْثَرَ كَانَ آكَدَ، فَالظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ أَخْبَارِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- آكَدُ مِنَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ عُدُولِ الْأَزْمَانِ بَعْدَهُمْ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عُدُولِ سَائِرِ الْقُرُونِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِغْلَاقِ بَابِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَالْخَبَرُ الصَّادِرُ مِنَ اثْنَيْنِ آكَدُ ظَنًّا وَأَقْوَى حُسْبَانًا مِنَ الْخَبَرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِ الْوَاحِدِ، وَكُلَّمَا كَثُرَ الْمُخْبِرُونَ كَثُرَ الظَّنُّ بِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ خَبَرُهُمْ إِلَى إِفَادَةِ الْعِلْمِ.
فَأُقِيمَتْ هَذِهِ الْمَظِنَّةُ فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَنَحْوِهِمَا مَقَامَ الْيَقِينِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ طَرِيقُ الْحُكْمِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، مَعَ أَنَّ الظُّنُونَ فِي ذَلِكَ تَتَفَاوَتُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ كَمَا قَالَ الْعِزُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
20-الأضداد لابن الأنباري (والذين من بعدهم)
357 - ومن الحروف أَيْضًا: والَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ تحت الَّذِين تأْويل من غير تحصيل العدد، لا يعلمه غيرُ الله جلّ وعزّ. ويدلُّ على صحَّة هذا القول أَيْضًا قراءة ابن مسعود، إِنْ تأْويلُه إِلاَّ عندَ اللهِ والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وقراءة أُبَيّ: ويَقُولُ الرَّاسِخُونَ في العِلْم، فتقديم القول على الرَّاسخين يدلُّ على أَنَّهم غير داخلين في العلم.ويدلُّ على أنَّهم غير داخلين في العلم ما أَخبرناه عبد الله ابن محمد، قال: حدَّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدَّثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أَبيه، عن ابن عباس أَنَّهُ قرأَ: ويَقُولُ الرَّاسِخُون في العِلْم.
والحديثان اللَّذان احتجَّ بهما أَصحابُ القول الأَوَّل لا يصحَّحان، لأَنَّ ابن أَبي نَجيح هو الرَّاوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عُيينة: لم يسمع ابن أَبي نَجيح التفسيرَ
عن مُجاهد، والآثار كلّها تُبْطِلها.
وإِلى هذا المذهب كان يذهب الكِسَائِيّ، والفرَّاء، وأَبو عبيدة، وأَبو العبَّاس؛ وهو اختيارنا. ولا حجَّة علينا في أَنَّ الرَّاسخين إِذا استؤنفوا وجعل القول خبرهم، لم يكن لهم على غير الرَّاسخين فضل، لأَنَّ فضلهم على هذا التأْويل لا يخفى؛ إِذا كانوا يؤمنون بما تعقِله قلوبهم، وتنطوي عليه ضمائرهم، وغيرُ الرَّاسخين يقلِّدون الرَّاسخين، ويقتدون بهم، ويَجْرُون على مِثْل سبيلهم، والمقتدِي وإِن كان له أَجرٌ وفَضل يتقدمه المقتدَى به، ويَسبِقه إِلى الفَضْلِ والأَجرِ والخير. ولا ينكَر أَنْ يكتفى بالرَّاسخين من غيرهم إذْ كانوا أَرفَعَ شأْنًا منهم، فقد فعل الله جلّ وعزّ مثل هذا في قوله: أَلَمْ تَرَى أَنَّ الفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ
آيَاتِهِ إِنَّ فشي ذَلِكَ لآيَات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ.
ففي ذلك آيات لكلِّ صبَّارٍ، ولكلِّ غير صبَّار؛ إِلاَّ أَنَّهُ أَفردَ الصَّبَّار، وخصَّه بالذّكر تشريفًا وتعظيمًا، والآخر غير خارج من معناه.
وفي هذه المسأَلة تفاسير واحتجاجات، يطول شرحها في هذا الموضع، إذْ لم يكنْ قصدُنا فيه التفسير؛ وهي كاملة موجودة مجموعة في كتاب الردّ على أَهل الإِلحاد في القرآن.
الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م
21-الفروق اللغوية للعسكري (الفرق بين السنة والعادة)
الْفرق بَين السّنة وَالْعَادَةأَن الْعَادة مَا يديم الْإِنْسَان فعله من قبل نَفسه وَالسّنة تكون على مِثَال سبق وأصل السّنة الصُّورَة وَمِنْه يُقَال سنة الْوَجْه أَي صورته وَسنة الْقَمَر أَي صورته وَالسّنة فِي الْعرف تَوَاتر وأحاد فالتواتر مَا جَازَ حُصُول الْعلم بِهِ لِكَثْرَة رُوَاته وَذَلِكَ أَن الْعلم لَا يحصل فِي الْعَادة غلا غذا كثرت الروَاة والآحاد مَا كَانَ رُوَاته الْقدر الَّذِي لَا يعلم صدق خبرهم لقلتهم وَسَوَاء رَوَاهُ وَاحِد أَو أَكثر والمرسل مَا أسْندهُ الرواي إِلَى من لم يرَاهُ وَلم يسمع مِنْهُ وَلم يذكر من بَينه وَبَينه.
الفروق اللغوية-أبو هلال الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري-توفي:نحو: 395هـ/1005م
22-المغرب في ترتيب المعرب (نفخ-نفخ)
(نفخ) (نَفَخَ) فِي النَّارِ بِالْمِنْفَخِ وَالْمِنْفَاخِ وَهُوَ شَيْءٌ طَوِيلٌ مِنْ حَدِيدٍ (وَنَفَخَ فِي الزِّقِّ) وَقَدْ يُقَالُ نَفَخَ الزِّقَّ (وَعَلَيْهِ) حَدِيثُ أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ أَنَّهُمْ (نَفَخُوا) لِلزُّبَيْرِ قِرْبَةً فَعَبَرَ النِّيلَ أَيْ نَفَخُوا فِيهَا فَرَكِبَ عَلَيْهَا حَتَّى جَاوَزَ نَهْرَ مِصْرَ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُلْنَا مَنْ رَجُلٌ يَعْلَمُ لَنَا عِلْمَ الْقَوْمِ أَيْ أَيُّ رَجُلٍ يُحَصِّلُ لَنَا خَبَرَهُمْ إلَى أَنْ طَلَعَ الزُّبَيْرُ فِي النِّيلِ يُلِيحُ بِثَوْبِهِ أَوْ يُلَوِّحُ أَيْ يَلْمَعُ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ وَيُحَرِّكُهُ لِيَلُوحَ لِلنَّاظِرِ (وَقَوْلُهُ) أَصَابَ الْحِنْطَةَ مَطَرٌ (فَنَفَخَ) فَزَادَ الصَّوَابُ فَانْتَفَخَ أَوْ فَتَنَفَّخَ.
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
23-المعجم الغني (اِسْتَوْحَى)
اِسْتَوْحَى- [وحي]، (فعل: سدا. متعدٍّ، مزيد بحرف)، اِسْتَوْحَيْتُ، أَسْتَوْحِي، اِسْتَوْحِ، المصدر: اِسْتِيحاءٌ.1- "اِسْتَوْحَى صاحِبَهُ": اِسْتَصْرَخَهُ أَو اسْتَعْجَلَهُ.
2- "اِسْتَوْحاهُ الخَبَرَ": اِسْتَفْهَمَهُ، اِسْتَخْبَرَهُ. "اِسْتَوْحِ لِي الأَهْلَ ما خَبَرُهُمْ".
3- "اِسْتَوْحَى أَفْكارَهُ الجَديدَةَ مِنْ... " اِسْتَمَدَّها، اِسْتَقاها، أَتَى بِها. "يَسْتَوْحِي الشَّاعِرُ شِعْرَهُ مِنَ الطَّبِيعَةِ".
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
24-تاج العروس (حس حسس حسحس)
[حسس]: الحَسُّ: الجَلَبَةُ، هكذا في النُّسَخِ، وصَوابُه الحِيلَةُ، وهو عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ، كما نَقَلَه الصّاغانِيُّ وصاحبُ اللِّسَانِ.والحَسُّ: القَتْلُ الذَّرِيعُ والاسْتِئْصَالُ، حَسَّهُم يَحُسُّهُم حَسًّا: قَتَلَهُم قَتْلًا ذَرِيعًا مُسْتَأْصِلًا، وقولُه تَعَالَى: {إِذْ} تَحُسُّونَهُمْ {بِإِذْنِهِ} أَي تَقْتلُونَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا. والاسْمُ الحُسَاسُ، عن ابن الأَعْرَابِيِّ، وقال أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَاه: تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا، وقالَ الفَرّاءُ: الحَسُّ: القَتْلُ والإِفْنَاءُ هاهُنَا.
ومن المَجَازِ: الحَسُّ نَفْضُ التُّرَابِ عَن الدّابَّةِ بالمِحَسَّةِ، بالكَسْرِ، اسمٌ للفِرْجَوْنِ، وقد حَسَّ الدّابَّةَ يَحُسُّها، إِذا نَفَضَ عَنْهَا التُّرَابَ، وذلِكَ إِذا فَرْجَنَهَا بالمِحَسَّةِ، ومنه
قولُ زَيْدِ بنِ صُوحَانَ يومَ الجَمَلِ: «ادْفِنُونِي في ثِيَابِي ولا تَحُسُّوا عَنِّي تُرَابًا»؛ أَي لا تَنْفُضُوه.
والحِسُّ، بالكَسْرِ: الحَرَكَة، ومنه الحَدِيثُ: «أَنَّهُ كانَ في مَسْجِدِ الخَيْفِ فسَمِعَ حِسَّ حَيَّةٍ»؛ أَي حَرَكَتَها وصَوْتَ مَشْيِها، ويَقُولون: ما سَمِعَ له حِسًّا ولا جَرْسًا؛ أَي حَرَكَةً ولا صَوْتًا، وهو يَصْلُح للإِنْسَانِ وغَيْرِه، قالَ عَبْدُ مَنَافِ بنِ رِبْعٍ الهُذَلِيُّ:
وللقِسِيِّ أَزَامِيلٌ وغَمْغَمَةٌ *** حِسَّ الجَنُوبِ تَسُوقُ الماءَ والبَرَدَا
والحِسُّ: أَنْ يَمُرَّ بِكَ قَرِيبًا فتَسْمَعَه ولا تَرَاهُ، وهو عامٌّ في الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، كالحَسِيسِ، كأَمِيرٍ، عن إِبْرَاهِيمَ الحَرْبِيِّ، ومنه قولُه تَعَالَى: {لا يَسْمَعُونَ} حَسِيسَها أَي حِسَّهَا وحَرَكَةَ تَلَهُّبِهَا، وقالَ يَصِفُ بازًا:
تَرَى الطَّيْرَ العِتَاقَ يَظَلْنَ مِنْهُ *** جُنُوحًا إِنْ سَمِعْنَ له حَسِيسَا
والحِسُّ والحَسِيسُ: الصُّوْتُ الخَفِيُّ.
والحِسُّ: وَجَعٌ يَأْخُذُ النّفَسَاءَ بعد الوِلادَةِ، وقِيلَ: وَجَعُ الوِلَادَةِ عِنْدَمَا تُحِسُّها، ويشهد للأَوّلِ حَدِيثُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رضِيَ الله عنه: «أَنَّه مَرّ بامْرَأَةٍ قد وَلَدَتْ فدَعَا لها بشَرْبَةٍ مِنْ سَوِيقٍ، وقال: اشْرَبِي هذا فإِنَّه يَقْطَعُ الحِسَّ».
ومن المَجَاز: الحِسُّ: بَرْدٌ يُحْرقُ الكَلأَ، وهو اسمٌ، وقد حَسَّهُ يَحُسُّه حَسًّا، والصَّادُ لُغَةٌ فيه، عن أَبِي حَنِيفَة؛ أَي أَحْرَقَه، يُقال: إِنّ البَرْدَ مَحَسَّةٌ للنَّبَاتِ والكَلإِ؛ أَي يَحُسُّه ويُحْرِقُه.
ويَقُولُون: أَلْحِق الحِسَّ بالإِسِّ؛ أَي الشَّيْءَ بالشَّيءِ؛ أَي إِذا جاءَكَ شَيْءٌ من ناحِيَةٍ فافْعَلْ مِثْلَه، هكذا في الصحاح، وقد تقدَّمَ في «أَسّس» نقلًا عن ابنِ الأَعْرَابِيّ أَنّه رَوَاهُ أَلْحِقُوا الحَسَّ هو الشَّرُّ، والأَسُّ: الأَصْلُ، يقُول: أَلْصِقِ الشَّرَّ بأُصُولِ من عادَيْت أَو عاداكَ، ومِثْلُه لابنِ دُرَيْدٍ.
وبات فُلانٌ بحِسَّةِ سَوْءٍ وحِسَّةٍ سَيِّئَةٍ، ويُفْتَحُ، والكسْر أَقْيَسُ: أَيْ بحالَةِ سَوْءٍ وشِدَّةٍ، قاله اللَّيْثُ، وقال الأَزْهَرِيُّ: والذي حفِظْنَاهُ من العرَبِ وأَهْلِ اللُّغةِ: باتَ فلانٌ بجِيئَة سَوْءٍ، وتِلَّةِ سَوءٍ، وبِيئَةِ سَوْءٍ، ولم أَسمعْ بحِسَّةِ سَوْءٍ لغيْرِ اللّيْثِ.
والحَاسُوسُ: الَّذِي يَتَحَسَّسُ الأَخْبَارَ، مثلُ الجاسُوس، بالجيم، أَو هُوَ في الخَيْرِ، وبالجِيمِ في الشَّرِّ وقد تَقدَّمَ في «ج سّ».
وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الحاسُوسُ المشْؤوم منِ الرِّجَالِ.
والحاسُوسُ: السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ المَحلِ، القَلِيلُة الخَيْرِ، كالحَسُوسِ، كصَبُورٍ، يقال: سَنَةٌ حَسُوسٌ: تأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ، قال:
إِذا شَكَوْنا سَنةً حَسُوسَا *** تَأْكُلُ بعدَ الخُضْرَةِ اليَبِيسَا
والمَحَسَّةُ: الدُّبُرُ، قِيل: إِنَّهَا لُغةٌ في المَحَشَّةِ.
والحَوَاسُّ هي مَشَاعِرُ الإِنْسَانِ الخَمْسُ: السَّمْعُ والبَصَرُ والشَّمُّ والذَّوْقُ واللَّمْسُ، جَمْعُ حَاسَّةٍ، وهي الظَّاهِرةُ، وأَما الباطِنةُ فخمْسٌ أَيْضًا، كما نقَلَه الحُكَمَاءُ، واخْتَلَفُوا في مَحَلِّها، ولذلك قال الشِّهَابُ في شَرْحِ الشِّفاءِ: عَلَى أَنَّهُم فِي إِثْبَاتِهَا في مَواضِعِها في حَيْصَ بَيْصَ.
وحَواسُّ الأَرْضِ خَمْسٌ: البَرْدُ بالفتح، والبَرَدُ، مُحَرَّكةً، والرِّيحُ، والجَرادُ، والمَوَاشِي، هكذا ذَكَرُوه.
وحَسَسْتُ لَهُ أَحِسُّ بالكسْرِ؛ أَي في المُضارِعِ: رَققْتُ لهُ، بالقافيْنِ، قال ابنُ سِيده: ووجدْتُه في كتابِ كُراع بالفاءِ والقافِ، والصحِيحُ الأَوّلُ، كحَسِسْتُ، بالكَسْرِ، لُغَة حَكَاهَا يَعْقُوبُ، والفتحُ أَفْصَحُ، حَسًّا، بالفتحِ، وحِسًّا، بالكسْرِ، ويقال: الحَسُّ، بالفتْحِ، مَصْدَرُ البَابَيْن، وبالكسْرِ الاسْمُ، تقولُ العَرَبُ: إِنّ العامِرِيَّ ليَحِسُّ للسَّعْدِيِّ؛ أَي يرِقُّ لهُ، وذلك لِمَا بيْنهُمَا من الرَّحِمِ. وقالَ يَعْقُوبُ: قال أَبو الجَرّاحِ العُقَيْليُّ: مَا رَأَيْتُ عُقَيْلِيًّا إِلاّ حَسَسْتُ له، وقال أَبو زَيْدٍ: حَسِسْتُ له، وذلِك أَنْ يكُونَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ فيَرِقَّ له، وقال أَبو مالِكٍ: هو أَن يَشْتكِيَ له ويَتَوَجَّعَ، وقال: أَطَّتْ له مِنِّي حاسَّةُ رَحِمٍ.
وحَسَسْتُ الشَّيْءَ أَحُسُّه حَسًّا وحِسًّا وحَسِيسًا بمعنَى أَحْسَسْتُه بمعنَى: عَلِمْتُه وعَرَفْتُه وشَعَرْتُ به.
وحَسَسْتُ اللَّحْمَ أَحُسُّه حَسًّا: جَعَلْتُه على الجَمْرِ، والاسمُ الحُسَاسُ بالضّمِّ، ومنه قَوْلُهُم: فَعَلَ ذلِكَ قَبل حُسَاسِ الأَيْسَارِ، ويُقَال: حَسَّ الرَّأْسَ يَحُسُّه حسًّا، إِذا جَعَلَه في النّار، فكُلّ ما تَشَيَّط أَخَذَهُ بشَفْرَةٍ، وقيل الحُسَاسُ: أَن يُنْضِجّ أَعْلاهُ ويَتْرُكَ داخِلَه، وقِيل: هو أَن يَقْشِرَ عنه [الرَّمَادَ] بعدَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الجَمْرِ. كحَسْحَسْتُه.
وقال ابنُ الأَعْرابِيِّ: يُقَالُ: حَسَسْتُ النار وحَشَشْتُ، بمعنًى.
وحَسَسْتُ النّارَ: رَدَدْتُهَا بالعَصَا على خُبْزِ المَلَّةِ أَو الشِّواءِ ليَنْضَجَ، ومِنْ كَلامِهِم: قالَتِ الخُبْزَةُ: لَوْلَا الحَسُّ ما بالَيْتُ بالدَّسِّ.
وحَسِسْتُ به، بالكَسْرِ، وحَسِيتُ بهِ وأَحْسَيْتُ، تُبدَلُ السِّينُ ياءً، قال ابنُ سِيدَه: وهذا كُلُّه من مُحوَّلِ التَّضْعِيفِ، والاسمُ من كُلِّ ذلِكَ الحِسُّ؛ أَي أَيْقنْتُ بِهِ، قال أَبو زُبيْدٍ:
خَلَا أَنَّ العِتَاقَ مِن المَطايا *** حَسِينَ بهِ فهُنَّ إِلَيْهِ شُوسُ
قال الجَوْهَرِيُّ: وأَبُو عُبَيْدَةَ يرْوِي بَيتَ أَبي زُبَيْدٍ:
أَحَسْنَ بهِ فهُنَّ إِليهِ شُوسُ
وأَصْلُه أَحْسَسْنَ.
وحَسّانُ. ككَتّانِ: عَلَمٌ مُشْتَقٌّ من أَحَدِ هذِه الأَشْيَاءِ، قال الجَوْهَرِيُّ: إِنْ جَعَلْتَه فَعْلان من الحِسِّ لم تُجْرِه، وإِنْ جَعَلْتَه فعّالًا من الحُسْنِ أَجْرَيْتَه؛ لأَنَّ النُّونَ حِينئذٍ أَصْلِيَّةٌ.
وحَسّانُ: قرية بينَ وَاسِط ودَيْرِ العَاقُولِ، على شَاطِيءِ دجْلَة، وتُعْرفُ بقَرْيَةِ حَسّان، وقرْيَةِ أُمِّ حَسّانَ، كذا في التَّكْمِلةِ.
وحَسّانُ: قرية قُرْبَ مَكَّة، وتُعْرفُ بأَرْضِ حَسّانَ. وقال الصّاغَانِيُّ: الحَسْحَاس: السَّيْفُ المُبِيرُ.
وقال الجَوْهَرِيُّ: ورُبَّمَا سَمَّوُا الرَّجُل الجَواد حَسْحَاسًا.
وقال ابنُ فارسٍ: هو الّذِي يَطْرُدُ الجُوعَ بسَخائِه.
والحَسْحَاسُ: عَلَمٌ، قال ابنُ سِيدَه: رجُلٌ حَسْحَاسٌ: خفِيفُ الحَركَةِ، وبِه سُمِّي الرَّجُلُ.
وبَنُو الحَسْحَاسِ: قوْمٌ من العَرَبِ.
وعَبْدُ بَنِي الحَسْحَاسِ: شاعِرٌ مَعْرُوفٌ اسمُه سُحَيْمٌ.
والحُسَاسُ، بالضّمِّ: الهِفُّ، وهو سَمَكٌ صِغارٌ، قاله الجَوْهَرِيُّ، وزاد غيرُه [يُعرَف] بالجِرِّيثِ، يُجَفَّفُ حَتّى لا يَبْقَى فيهِ شَيْءٌ من ماءٍ، الواحِدةُ حُسَاسَةٌ.
والحُسَاسُ أَيضًا: كُسَارُ الحَجَرِ الصِّغارُ، قال يَصِفُ حَجرَ المَنْجَنِيقِ:
شَظِيَّةٌ مِنْ رَفْضَةِ الحُساسِ *** تعْصِفُ بالمُسْتلْئِمِ التَّرّاسِ
والحُسَاسُ، كالجُذَاذِ من الشَّيْءِ، نقَلهُ الأَزْهَرِيُّ.
وإِذا طَلَبْتَ شيْئًا فلم تَجِدْهُ قُلْتَ: حَسَاسِ، كقَطَامِ، عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ.
ويقُولون: أَحْسَسْتُ بالشَّيْءِ إِحْسَاسًا وأَحْسَيْتُ بهِ، يُبْدِلُونَ من السِّينِ ياءً، ووأَمّا قَوْلُهُمْ: أَحَسْتُ بالشَّيْءِ، بسِينٍ واحِدَةٍ، فعَلَى الحَذْف كَرَاهِيَة الْتِقَاءِ المِثْليْنِ، قال سِيبَويْهِ: وكذلك يُفْعَلُ في كُلِّ بنَاءٍ يُبْنَى الَّلامُ من الفِعْلِ منه عَلى السُّكُونِ، ولا تَصِلُ إِلَيْه الحَرَكَةُ، شَبَّهُوهَا بأَقمْتُ، وهُوَ من شَوَاذِّ التَّخْفِيفِ؛ أَي ظَنَنْتُ ووَجَدْتُ وأَبْصَرْتُ وعَلِمْتُ، ويُقَال: أَحَسْتُ بالشَّيْءِ، إِذا عَلِمْتَه وعَرَفْته، ويقال: أَحْسَسْتُ الخَبَرَ وأَحَسْتُه وحَسَيْتُ، إِذا عَرَفْت منه طَرَفًا، وتقول: ما أَحْسَسْتُ بالخَبَرِ، وما أَحَسْتُ، وما حَسِيتُ، وما حِسْتُ؛ أَي لَمْ أَعْرِفْ منه شَيْئًا. وقولُه تَعالَى: {فَلَمّا} أَحَسَّ {عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أَي رَأَي، قالَهُ اللِّحْيَانِيُّ، وقولُه تَعالى: {هَلْ} تُحِسُّ {مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} معناهُ هل تُبْصِرُ، هَلْ تَرَى، وقالَ الفرّاءُ: الإِحْسَاسُ: الوُجُودُ، تَقُولُ في الكَلام: هل أَحْسَسْتَ منهُم من أَحَدٍ، وقالَ الزَّجّاجُ: معنى أَحَسَّ: عَلِم ووَجَدَ، في اللُّغَةِ، ويقال: هل أَحْسَسْت صاحِبَكَ؟ أَي هَلْ رَأَيْتَه، وهَلْ أَحْسَسْت الخَبَرَ؟ أَي هَلْ عَرَفْتَه وعَلِمْتَه؟، وقال ابنُ الأَثِيرِ: الإِحْسَاسُ: العِلْمُ بالحَوَاسِّ.
وأَحْسَسْتُ الشَّيْءَ: وجَدْتُ حِسَّهُ؛ أَي حَرَكَتَه، أَو صَوْتَه.
والتَّحَسُّسُ: الاسْتِمَاعُ لِحَدِيثِ القَوْمِ، عن الحَرْبِيِّ، وقيل: هو شِبْهُ التَّسَمُّع والتَّبَصُّرِ، قالَه أَبو مُعَاذٍ.
وقِيل: هو طَلَبُ خَبرِهِم في الخَيْرِ، وبالجِيم في الشَّرِّ.
وقال أَبو عُبَيْدٍ: تحَسَّسْتُ الخبَرَ، وتَحَسَّيْتُه، وقالَ شَمِرٌ: تَنَدَّسْتُه مثلُه، وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: تبَجَّسْتُ الخَبَرَ، وتَحَسَّسْتُه بمعنًى وَاحدٍ.
وتَحَسَّسْتُ من الشَّيْءِ؛ أَي تخبَّرْتُ خَبَرَه، وبكُلِّ ما ذُكِرَ فُسِّرَ قولُه تَعَالَى: {يا بَنِيَّ اذْهَبُوا} فَتَحَسَّسُوا {مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ}.
والانْحِسَاسُ: الانْقِلاعُ والتّساقُطُ والتَّحاتُّ والتَّكسُّرُ، وهو مَجَازٌ، يُقَال: انْحَسَّتْ أَسْنَانُه، إِذا انْقَلَعَتْ وتَكَسَّرَتْ، السِّينُ لُغَةٌ في التّاءِ، كما صَرَّحَ به الأَزْهَرِيُّ، قالَ العَجّاجُ:
إِنَّ أَبا العَبّاسِ أَوْلَى نَفْسِ *** بمَعْدِنِ المُلْكِ الكَرِيمِ الكِرْسِ
فُرُوعِه وأَصْلِه المُرَسِّ *** لَيْس بمقْلُوعٍ ولا مُنْحَسِّ
أَي ليسَ بمُحَوَّلٍ عنه ولا مُنْقطِع.
وحَسْحَسَ له: تَوَجَّع وتَشَكَّى.
وتَحَسْحَسَ للقِيَامِ، إِذا تَحَرَّكَ. وتَحَسْحسَتْ أَوْبارُ الإِبِلِ وتَحَسَّسَتْ: تحَاتَّتْ وتطَايرَتْ وتفرَّقَتْ.
ولأُخَلِّفنَّهُ بحَسْحَسِه؛ أَي ذَهَابِ مالِه حَتَّى لا يبْقَى مِنْهُ شَيَءٌ، وهو مَثلٌ.
ويُقَال: ائْتِ بهِ من حِسِّك وَبِسِّك، بفَتْحِهما وبكَسْرهما؛ أَي من حيْثُ شِئْتَ، وكَذا من حَسّكِ وَعَسِّكَ.
كذا في التَّهْذِيب، وقيل: مَعْنَاهُ من حَيْثُ كانَ ولم يَكُنْ، وقال الزَّجّاجُ: تأْوِيلُه: من حَيْثُ تُدْرِكُه حاسَّةٌ من حوَاسِّكَ، أَو يُدْركُه تَصَرُّفٌ من تَصَرُّفِكَ، وقيل: من كُلِّ جِهَةٍ.
والحَسّانِيّاتُ: مِياهٌ بالبَادِيَةِ. نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
وأُمُّ الخَيْرِ فاطِمَةُ بنتُ أَحْمدَ بنِ عَبْدِ الله بنِ حُسَّةَ، بالضّمِّ، الأَصْفَهَانِيَّةُ: مُحَدِّثةٌ، حَدَّثَتْ عن الحَسَنِ بنِ عليٍّ البَغْدَادِيِّ، وعنها سَعِيدُ بنُ أَبِي الرَّجاءِ؛ وأَبُوهَا حَدَّثَ عن ابنِ مَنْدَه، ومات سنة 494 قاله الحَافِظُ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَليْه:
حِسُّ الحُمَّى وحِسَاسُهَا: رَسُّها وَأَوَّلُهَا عِنْدَمَا تُحَسُّ، الأَخِيرةُ عن اللِّحْيَانِيِّ، وقالَ الأَزْهَرِيُّ: الحِسُّ: مَسُّ الحُمَّى أَوّلَ ما تبْدَأُ.
وقالَ الفَرّاءُ: تَقُولُ: من أَيْنَ حَسَيْتَ هذا الخَبَرَ؟ يُرِيدُون من أَيْن تخَبَّرْته.
وحَسَّ مِنْهُ خَبَرًا وأَحَسَّ كِلاهُمَا: رَأَى.
وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: سَمِعْتُ أَبا الحَسَنِ يَقُول: حَسْتُ وحَسِسْتُ، ووَدْتُ ووَدِدْتُ وهَمْتُ وهَمَمْتُ، وفي الحَدِيثِ: هَلْ حَسْتُمَا مِنْ شَيْءَ». والحسَاسُ، بالفَتْح: الوُجُودُ، ومنه المَثلُ «لا حَسَاسَ مِن ابْنَيْ مُوقِدِ النّارِ» وقالُوا: ذهَبَ فلانٌ فلا حَسَاسَ بهِ؛ أَي لا يُحَسُّ بِه، أَولا يُحَسُّ مكانُه.
والشَّيْطَانُ حَسّاسٌ لَحّاسٌ؛ أَي شَدِيدُ الحِسِّ والإِدْرَاكِ.
والحِسُّ: الرَّنَّة.
وحَسِّ، بفتحِ الحاءِ وكَسْرِ السّينِ وتَرْكِ التّنْوِينِ: كَلِمَةٌ تقالُ عند الأَلمِ.
وقال الجَوْهَرِيُّ: قَولُهُم: ضرَبَه فما قالَ حَسِّ يا هذا، بفَتْحِ أَوَّلِه وكَسْرِ آخِره: كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الإِنْسانُ إِذا أَصَابَه غَفْلَةً ما مَضَّه وأَحرَقه، كالجَمْرَةِ والضَّرْبةِ.
ويُقَال: لآخُذنَّ الشَّيْءَ مِنْكَ بحَسٍّ أَو ببَسٍّ: أَي بمُشادَّةٍ أَو رِفْقٍ، ومثله: لآخُذَنَّهُ هَوْنًا أَو عَتْرَسةً.
وضُرِبَ فما قال حَسٍّ ولا بَسٍّ. بالجَرِّ والتَّنْوِين، ومِنْهُم من يَجُرُّ ولا يُنوِّنُ، ومِنْهُمْ من يكْسِرُ الحاءَ والباءَ، ومنهُمْ من يَقُول: حسًّا ولا بسًّا، يَعْنِي التَّوجُّعَ. ويقال اقتُصَّ من فُلانٍ فما تَحَسَّسَ؛ أَي ما تحَرَّكَ وما تَضوَّرَ.
وقال اللِّحْيَانِيُّ: مرَّتْ بالقَومِ حَواسُّ؛ أَي سِنُونَ شِدَادٌ.
والحَسِيسُ، كأَمِيرٍ: القَتِيلُ، قال الأَفْوَهُ الأَوْدِيُّ:
نَفْسِي لَهُمْ عِنْدَ انْكِسَارِ القَنا *** وقد ترَدَّى كُلُّ قِرْنٍ حَسِيسْ
وحَسَّه بالنَّصْلِ، لُغَةٌ في حَشَّهُ.
وحَسَّهُمْ يَحُسُّهُم: وَطِئَهُمْ وأَهَانهُم، قِيل: ومنه اشْتِقَاقُ حَسّان.
ويُقال: أَصابَتْهُمْ حاسَّةٌ من البَرْدِ: أَي إِضرارٌ، وأَصَابَت الأَرْض حاسَّةٌ: أَي بَرْدٌ، عن اللِّحْيانِيِّ، أَنَّثَه على معْنى المُبَالغةِ.
وأَرْضٌ مَحْسُوسَةٌ: أَصابهَا الجَرَادُ والبَرْدُ.
وحَسَّ البَرْدُ الجرادَ: قتله.
وجَرَادٌ مَحْسُوسٌ: مَسَّتْه النّارُ، أَو قَتَلَتْه.
والحاسَّةُ: الجَرَادُ يَحُسُّ الأَرْضَ: أَي يَأْكُلُ نَبَاتهَا.
وقالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَاسَّةُ: الرِّيحُ تحس التُّرَابَ في الغُدُرِ فَتمْلَؤُهَا فَيَيْبسُ الثَّرَى.
والحَسُّ والاحْتِسَاس في كُلِّ شَيْءٍ: أَن لا يُتْرَكَ في المكَانِ شَيْءٌ.
والحُسَاسُ، بالضّمِّ: الشُّؤْمُ والتكدر وقالَ الفَرّاءُ: سُوءُ الخُلُقِ، حكاه عنه سَلَمَة، ونَقَله الجوْهَرِيُّ، وبه فُسِّرَ قولُ الرّاجِز:
رُبَّ شَرِيبٍ لَك ذِي حُسَاسِ *** شِرَابُه كالحَزِّ بالمَواسِي
والمَحسوس: المَشْؤُوم، عن اللِّحْيَانِيِّ.
ورجُلٌ ذو حُسَاسٍ: رَدِيءُ الخُلُقِ.
والحُسَاسُ: القَتْلُ، عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ.
والحَسُّ، بالفَتْح: الشَّرُّ.
والحَسِيسُ، كأَمِيرٍ: الكَرِيمُ.
والحَسْحَاسُ: الخَفِيفُ الحَرَكةِ.
والحَسْحَاسُ: جَدُّ عامِرِ بنِ أُمَيَّةَ بنِ زَيْدٍ، الصّحابِيِّ.
وكَرِيمَةُ بنتُ الحَسْحاسِ، عن أَبِي هُرَيْرَة.
والحَسْحَاسُ بنُ بَكْرِ بنِ عَوْفِ بن عمْرِو بنِ عَدِيّ، له صُحْبَةٌ، ذكرَه ابنُ ماكُولَا.
والمُسَمّى بحَسّانَ من الصّحابَةِ سِتَّةٌ.
ومَنْزِلَةُ بَنِي حَسُّونَ: قَريَةٌ من أَعْمَالِ المُرْتاحِيّة بمِصْرَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
25-تاج العروس (شأن)
[شأن]: الشّأْنُ: الخَطْبُ والأَمْرُ والحَالُ الذي يشينُ ويصلحُ. ولا يُقالُ إلّا فيمَا يَعْظمُ مِن الأَحْوالِ والأُمُورِ؛ قالَهُ الرّاغبُ؛ الجمع: شُؤُونٌ وشِئينٌ، هكذا في النُّسخِ، والصّوابُ: شِئانٌ، كما هو نَصُّ ابن جنيّ عن أَبي عليٍّ الفارِسِيِّ، كذا في المُحْكَمِ.وقوْلُه تعالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}: قالَ المُفَسِّرونَ: من شأْنِه أَن يُعِزّ ذَلِيلًا ويُذِلّ عَزِيزًا ويُغْنِي فَقِيرًا ويُفْقرَ غَنِيًّا، ولا يَشْغَلُه شَأْنٌ عن شأْنٍ سُبْحانه وتعالَى.
وفي حدِيثِ الحَكَم بنِ حَزْن: «والشّأْنُ إذْ ذَاكَ دُونٌ»؛ أَي الحَالُ ضَعِيفَةٌ لم تَرْتفِعْ ولم يَحْصل الغِنَى.
وأَمّا قوْلُ جَوْذابةَ بنِ عبْدِ الرّحْمن:
وشَرُّنا أَظْلَمْنا في الشُّونِ
فإنّما أَرادَ في الشُّؤُون.
والشّأْنُ مَجْرَى الدّم إلى العَيْنِ، الجمع: أَشْؤُنٌ وشُؤُونٌ.
وقالَ اللّيْثُ: الشُّؤُونَ: عُرُوقُ الدّموعِ مِن الرّأْسِ إلى العَيْن. وقالَ الأَصْمعيُّ: الدّموعُ تخْرجُ مِن الشّؤُونِ وهي أَرْبَع بعضُها إلى بعضٍ.
وقالَ أَبو عَمْرٍو: الشّأْنانِ عِرْقان يَنْحدِرَان مِن الرّأْسِ إلى الحَاجِبَيْن ثم إلى العَيْنَيْن؛ قالَ عُبَيْد:
عَيْناكَ دَمْعُهما سَرُوبُ *** كأَنّ شَأْنَيْهِما شَعِيبُ
وحجّةُ الأَصْمعيّ قوْلُه:
لا تُحْزنِيني بالفِراقِ فإنّني *** لا تسْتَهِلُّ مِن الفِراقِ شُؤُوني
والشّأْنُ: عِرْقٌ في الجَبَلِ يَنْبُتُ فيه النّبْعُ، جَمْعُ شُؤُونٌ. يقالُ: رأَيْتُ نَخِيلًا نابِتَةً في شأْنٍ مِن شُؤُون الجَبَلِ.
والشّأْنُ: مَوْصِلُ قَبائِلِ الرّأْسِ إلى العَيْنِ، والجَمْعُ شُؤُونٌ.
وقيلَ: الشُّؤُونُ: السّلاسِلُ التي تَجْمَعُ بينَ القَبائِلِ.
وقالَ الليْثُ: الشُّؤُونُ: نَمَانِمُ في الجمْجمَةِ شِبْهُ لِجامِ النُّحاس تكونُ مِن القبائِلِ.
وقالَ ثَعْلَب: هي عُرُوقٌ فوْقَ القَبائِلِ، فكلّما أَسَنّ الرّجُلُ قَوِيَتْ واشْتَدّتْ.
وقالَ الأصْمعيُّ: الشُّؤُونُ مَواصِلُ القبَائِلِ بينَ كلِّ قَبِيلَتَيْن شَأْنٌ.
وفي الصِّحاحِ: واحِدُ الشُّؤُونُ وهي مَواصِلُ قَبائِلِ الرّأْسِ ومُلْتَقَاها، ومنها تجيءُ الدُّموعُ.
ويُقالُ: اسْتَهَلّتْ شُؤُونه والاسْتِهْلالُ قَطْرٌ صَوْتٌ.
وقالَ أَبو حاتِمٍ: الشُّؤُونُ: الشُّعَبُ التي تجْمَعُ بينَ قَبائِلِ الرّأْسِ، وهي أَرْبَعَةُ أَشْؤُنٍ.
وفي حدِيثِ الغسْلِ: شُؤُون حتى تَبْلُغ به شُؤُون رأْسِها، هي عِظامُه وطَرائِقُه ومَواصِلُ قَبائِلِه، وهي أَرْبَعةٌ بعضُها فوْقَ بعضٍ.
والشّأْنُ: عِرْقٌ مِن التُّرابِ في شقوقِ الجَبَلِ يَنْبُتُ فيه النّخْلُ.
وقالَ ابنُ سِيدَه: الشُّؤُونُ: خُطوطٌ في الجَبَلِ: وقيلَ: صُدُوعٌ: قالَ ساعِدَةُ الهُذَليُّ:
كأَنّ شُؤُونَه لَبّاتُ بُدْنٍ *** خِلافَ الوَبْلِ أَو سُبَدٌ غَسيلُ
شَبّه تَحَدُّرَ الماءِ عن هذا الجَبَلِ بتَحَدُّرِه عن هذا الطائِرِ، أَو تَحَدُّرَ الدّمِ عن لَبّات البَدَنِ؛ الجمع: شُؤُونٌ.
و. يُقالُ: ما شَأَنَ شَأْنَهُ، كَمَنَعَ: أي ما شَعَرَ به؛ عن ابنِ الأعْرابيِّ.
وقالَ اللّحْيانيُّ: أَتاني ذلِكَ وما شَأَنْتُ شَأْنَه؛ أَي ما عَلِمْتُ به.
أَو ما شَأَنَ شَأْنَه وما مَأَنَ مَأْنَه: إذا لم يَكْتَرِثْ له ولم يَعْبَأْ به، عن اللّحْيانيّ.
وشَأَنَ شَأْنَهُ: قَصَدَ قَصْدَهُ؛ ومنه سُمِّي الخَطْبُ شَأْنًا لأنّه مِن شَأْنِه أَنْ يقْصَدَ؛ كاشْتَأَنَهُ.
وشَأَنَ شَأْنَه: عَمِلَ ما يُحْسِنُهُ.
وفي التّهْذِيبِ: اشْأَنْ شَأْنَكَ: اعْمَلْ ما تُحْسِنْ.
ويُقالُ: لأَشْأَنَنّ خَبَرَهُم: أي لأَخْبُرَنّهُمْ.
وقيلَ: لأَشْأَنَنّ شَأْنَهُمْ: أَي لأْفْسِدَنّهُمْ؛ أَي أَمْرَهُم.
ويُقالُ: شَأَنَ فلانٌ بعدَكَ: أَي صارَ له شَأْنٌ.
* وممّا يُسْتدركُ عليه:
يُقالُ: أَقْبلَ فلانٌ وما يَشْأَنُ شَأْنَ فلانٍ شَأْنًا إذا عَمِلَ فيمَا يحبُّ أَو يكْرَهُ؛ عن اللّحْيانيِّ. ويُقالُ: إنّه لَمِشْآنُ شَأْنٍ أَن يُفْسِدَك: أَي أَنْ يَعْمَلَ في فَسادِك.
واشْأَنْ شَأْنَك: عليك به؛ عن اللّحْيانيِّ.
وما شَأَنَ شَأْنَه: أَي ما أَرادَ.
وشُؤُونُ الخَمْرِ: ما دَبّ منها في عُرُوقِ الجَسَدِ؛ قالَ البَعِيث:
بأَطْيَبَ من فيها ولا طَعْمَ قَرْقَفٍ *** عُقارٍ تَمَشّى في العِظامِ شُؤُونُها
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
26-تاج العروس (فلى)
[فلى]: ي فَلاهُ بالسَّيْفِ يَفْلِيهِ فَلْيًا: قَطَعَ به رأْسَه، كيَفْلُوهُ فَلْوًا.وفَلَى رأْسَهُ فَلْيًا، بَحَثَهُ عن القَمْلِ، كفَلَّاهُ، والاسْمُ: الفِلايَةُ، بالكَسْرِ. ومن هنا يقالُ للنِّساءِ الفَالِياتُ والفَوَالِي، ومنه قولُ عَمْرِو بنِ معديكرب:
تَراهُ كالثَّغامِ يُعَلُّ مِسْكًا *** يسُوء الفالِياتِ إذا فَلَيْني
قالَ الجَوْهرِي: قالَ الأَخْفَش: أَرادَ فَلَيْنَني فحَذَفَ النونَ الأخيرَةَ لأنَّ هذه النُّونَ وِقايَة للفِعْل وليسَتِ اسْمًا، وأَمَّا النّونُ الأُولى فلا يَجوزُ طَرْحها لأنَّها الاسْمُ المُضْمَرُ.
ومِن المجازِ: فَلَى الشِّعْرَ يَفْلِيه فَلْيًا: إذا تدَبَّرَهُ واسْتَخْرَجَ مَعانِيَهُ وغَرِيبَهُ، عن ابنِ السِّكِّيت، كذا في الصِّحاح.
وفي الأساس: أَي فَتَّشَ عن مَعانِيه. يقالُ: افْلِ هذا البَيْتَ فإنَّه صَعْبٌ.
وفَلَى فُلانًا في عَقْلِه يَفْلِيه فَلْيًا: رازَهُ.
وفي التَّهذيبِ: إذا نَظَرَ ما عقْلُه، وهو مجازٌ أَيْضًا.
واسْتَفْلَى رَأْسَهُ وتَفالَى هو: اشْتَهَى أَنْ يُفْلَى، نقلَهُ الجَوْهرِي.
وفَلِيَ، كرَضِيَ: انْقَطَعَ، عن ابنِ الأعْرابي.
وفَلَّى، كحتَّى: جَبَلٌ، وهو غَلَطٌ، والصَّوابُ بفتحٍ فسكونٍ، كما هو نصُّ التكْمِلَةِ.
وفالِيَةُ الأَفاعِي: أَوائِلُ الشَّرِّ. قالَ ابنُ الأعْرابي: يقولونَ: أَتَتْكُم فالِيَةُ الأفاعِي، يُضْرَبُ مَثَلًا لأوَّلِ الشرِّ يُنْتَظَر، والجَمْعُ الفَوَالِي.
وأَيْضًا: خُنْفُساءُ رَقْطاءُ تَأْلَفُ العَقَارِبَ والحيَّاتِ فإذا خَرَجَتْ مِن جُحْرِها آذَنَتْ بها.
وفي الأساس: مِن جِنْسِ الخَنَافِس مُنَقَّطةٌ تكونُ عنْدَ جحَرَةِ الحيَّاتِ تَفْلِيهِنَّ.
وفي المُحْكم: هي سيِّدَةُ الخَنافِسِ. وقيلَ: فالِيَةُ الأَفاعِي دوابٌّ تكونُ عنْدَ جَحَرَةِ الضِّبابِ، فإذا خَرَجَتْ عُلِمَ أنَّ الضبَّ خارِجٌ لا مَحالَةَ، فيقالُ: أَتَتْكُم فالِيَةُ الأفاعِي، فدلَّ هذا على أنّها جَمْعٌ، على أنَّه قد يُخْبَر في مِثْل هذا بالجَمْعِ عن الواحِدِ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
اسْتَفْلاهُ: تَعرَّض منه فَلَى رأْسه بالسَّيْفِ، وأَنْشَدَ أَبو عبيدٍ:
أَما تَرانِي رابِطُ الجَنانِ *** أَفْلِيه بالسَّيْفِ إذا اسْتَفْلاني
والتَّفْلِّي: التَّكَلُّفُ للفِلايَةِ، قالَ:
إذا أَتَتْ جارَاتِها تفَلَّى *** تُرِيك أَشْغَى قَلِحًا أَفَلَّا
وتفالَتْ الحُمُرُ: احْتَكَّتْ كأَنَّ بعضَها يَفْلى بَعْضا، قال ذو الرُّمَّة:
ظَلَّتْ تَفالَى وظَلَّ الجَوْنُ مُصْطَخِمًا *** كأَنَّه عن تَناهِي الرَّوْضِ مَحْجُومُ
وفَلَى الأَمْر: تأَمَّلَ وُجُوهَهُ ونَظَرَ إلى عاقِبَتِه.
وفَلَيْتُ القَوْمَ بعَيْنِي وفَلَيْتُ خَبَرَهُم وأَفْلَيْتهم وفَلَيْتهم: أَي تخَلَّلْتهم.
وفَلَى المَفازَةَ: تَخَلَّلَها.
والفالِيَةُ: السِّكِّين.
والفِلاءُ، ككِساءٍ: فلاء الشعر: وهو أَخْذُكَ ما فيه، رَواهُ ابنُ الأنبارِي عن أصْحابِه.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
27-تاج العروس (قلى)
[قلى]: ي قَلاهُ، كرَماهُ، وهي اللُّغَةُ المَشْهورَةُ؛ وحَكَى ابنُ جنِّي: قَلِيَه مِثْل رَضِيَهُ؛ قالَ: وأُرَى يَقْلَى إنَّما هو على قَلِيَ؛ قِلًى، مكْسُورٌ مَقْصورٌ يُكْتَب بالياءِ، وقَلاءً، بالفَتْحِ والمدِّ.قالَ ابنُ برِّي: وشاهِدُ يَقْلِيه قولُ أبي محمدٍ الفَقْعَسي:
يَقْلِي الغَوانِي والغَوانِي تَقْلِيه
وشاهِدُ القَلاء، بالفَتْح مَمْدودًا، قولُ نُصَيْب:
عَلَيكِ السَّلامُ لا مُلِلْتِ قَرِيبَةً *** وما لكِ عِنْدِي إنْ نَأَيْتِ قَلاءُ
وشاهِدُ المَقْصورِ قولُ ابنِ الدّمينة أَنْشَدَه أَبو عليِّ القالِي:
حذار القِلَى والصَّرْم منك وإنَّني *** على العَهْدِ ما دَاوَمْتنِي لطَبيبُ
ومَقْلِيَةً، مَصْدَرٌ كمَحْمَدَةٍ؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه والمطرز: أَبْغَضَهُ وكَرِهَهُ غايَةَ الكراهَةِ فَتَرَكَهُ، أَوْ قَلاهُ في الهَجْرِ قِلًى، مَكْسورٌ مَقْصورٌ، وقلِيَهُ: في البُغْضِ كرَضِيَه يَقْلاهُ على القِياسِ؛ حَكَاهُ ابنُ الأعْرابي؛ وكَذلكَ رواهُ عنه ثَعْلَب.
وفي الصِّحاح: يَقْلاهُ لُغَةُ طيِّئٍ، وأَنْشَدَ ثَعْلَب:
أَيامَ أُمِّ الغَمْرِ لا نَقْلاها
وقالَ ابنُ هَرْمَةَ:
فأَصْبَحْتُ لا أَقْلى الحَياةَ وَطُولَها
وقولُه تعالى: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى}، أي لم يَقْطَع الوَحْي عنْكَ ولا أَبْغَضَك، فاكْتَفَى بِالكافِ الأُولى عن إعادَةِ الأُخْرى.
وفي الحديثِ: «وَجَدْتُ الناسَ أَخْبُرْ تَقْلِهْ»، الهاءُ في تَقْلِهْ هاءُ السَّكْت ولَفْظُهُ لَفْظُ الأَمْرِ، ومَعْناه الخَبرُ: أَي من خَبَرَهم أَبْغَضَهم وتَرَكَهُم، ومَعْنى نظم الحديث وجَدْتُ الناسَ مَقْولًا فيهم هذا القَوْلَ.
وقَلاهُ: أَنْضَجَهُ في المِقْلَى، فهو مَقْلِيٌّ؛ واوِيٌّ يائِيٌّ.
والمِقْلَى: الذي يُقْلَى عليه، وهُما مِقْلَيانِ، والجَمْعُ المَقالِي.
والقَلَّاءُ، كشَدَّادٍ: صانِعُه.
وفي المُحْكم: الذي حِرْفَتُه ذلكَ.
وقَلَى فلانًا: ضَرَبَ رأْسَه؛ عن ابنِ سِيدَه.
وكشَدَّادٍ: صانِعُ المِقْلَى، هو مع ما تقدَّمَ كالتِّكْرارِ لأنَّه لا يَظْهر الفرْق بَيْنهما عنْدَ التأَمّل.
والقَلَّاءَةُ، مَمْدودةً: المَوْضِعُ الذي تُتَّخَذُ فيه المَقالِي.
وفي التهْذِيبِ: مَقالِي البرِّ؛ قالَ: ونَظِيرُه الحَرَّاضةُ للمَوْضِعِ الذي يُطْبَخُ فيه الحُرُضُ.
والقِلْيُ، بالكسْر؛ وهي اللغَةُ المشْهُورَةُ، وقد تَنْطقُ به العامَّةُ بكَسْرَتَيْن ووجِدَ في نسخِ الصِّحاح مَضْبوطًا بالكسْرِ والفَتْحِ؛ وكإلَى وصِنْوٍ؛ الأخِيرَةُ ذُكِرَتْ في الواوِ: حَبٌّ يشببُ به العُصْفُر؛ وقالَ أَبو حنيفَةَ: شيءٌ يُتَّخَذُ من حَريقِ الحَمضِ وأَجْوَدُه ما اتُّخِذَ من الحُرُضِ، ويُتَّخَذُ من أَطْرافِ الرِّمْث وذلكَ إذا اسْتَحْكَم في آخِرِ الصَّيْف واصْفَرَّ وأَوْرَس.
وقالَ الليْثُ: يقالُ لهذا الذي تُغْسَل به الثِّيابُ قِلْيٌ، وهو رَمادُ الغَضَى والرِّمْثُ يُحْرقُ رَطْبًا ويُرَش بالماءِ فيَنْعقدُ قِلْيًا.
وقالَ الجَوْهرِي: يُتَّخَذُ من الأُشْنان.
وقالِيقَلا، بفَتْح القافِ الثَّانِيَةِ وقد تُضَمُّ؛ موضع؛ كما في الصِّحاحِ.
وقالَ ابنُ السّمعاني: من مُدُنِ أرْمِينِيَة.
وقالَ الحافِظُ: قرْيةٌ من دِيارِ بكْرٍ.
قالَ الجَوْهرِي: وهُما اسْمان جُعِلا اسْمًا واحِدًا.
قالَ ابنُ السرَّاج: بُنِي كلُّ واحِدٍ منهما على الوَقْف لأنَّهم كَرِهُوا الفَتْحة في الياءِ والألفِ، انتَهَى.
وقالَ سِيْبَوَيْه: هو بمنْزِلةِ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ وأَنْشَدَ:
سَيُصْبِحُ فَوْقي أَقْتَمُ الرِّيشِ واقِفًا *** بقالِي قَلَا أَو من وَراء دَبيلِ
ومِن العَرَبِ مَنْ يُضِيفُ فيُنوِّنُ؛ والنِّسْبَةُ إليها القالِيُّ منها: الإِمامُ اللُّغَويُّ أَبو عليِّ إِسْماعيلُ بنُ القاسِمِ بنِ عَبْدونَ بنِ هَارونَ بنِ عيسَى بنِ محمدِ بنِ سُلَيْمان مَوْلَى الأمِير محمدِ بنِ عبدْ الملكِ بنِ مَرْوانَ بنِ الحَكَم الأُمَويّ مَوْلاهُم، وقد سَأَلَه أَبو بكْرِ بنُ الزّبيدي عن نَسَبِه فسَرَدَه كذلكَ، ومِن تَصانِيفِهِ الأمالي والمَقْصورُ والممدودُ، كِلاهُما عنْدِي الأخيرُ نسْخة صَحِيحةٌ بخطِّ يَحْيَى بنِ سَعِيدِ ابنِ مَسْعودِ بنِ سَهْل الأنْصارِي قالَ في آخِرها: إنَّه أَفْرَغَهَا كِتابَةً وتَصْحيحًا مِن نَسْخَة الإمامِ اللّغَوي عُمَر بنِ محمدِ ابنِ عديسِ المَنْقولَة من نَسْخَة ابنِ السيِّد البَطْليوسي وذلكَ في سَنَة 556، وقد نَقَلْت منها في هذا الكتابِ جملة صالحة. وجَعْفَرُ بنُ إسْماعيل القالِي، وهو وَلَدُ المَذْكُور، أَدِيبٌ شاعِرٌ.
والقُلَى، بالضَّمِّ مَقْصورٌ: رُؤُوسُ الجِبالِ.
وفي التّهذيبِ: هَاماتُ الرِّجالِ؛ كِلاهُما عن ابنِ الأعْرابي.
ومِقْلاءُ القَنِيصِ: اسْمُ كَلْبٍ.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
قَلَى يَقْلَى، كأَبَى يَأْبَى؛ حَكاهُ سِيْبَوَيْه، وهو نادِرٌ شَبَّهوا الألِفَ بالهَمْزةِ، وله نَظائِرُ تقدَّمَتْ.
وتَقَلَّى الشيءُ: تَبَغَّضَ؛ قالَ ابنُ هَرْمَة:
فأَصْبَحْتُ لا أَقْلِي الحَياةَ وطُولَها *** أَخيرًا وقد كانتْ إِليَّ تَقَلَّتِ
وأَنْشَدَ الجَوْهرِي لكثيِّرٍ:
أَسِيئي بنا أَو أَحْسِني لا مَلُومةٌ *** لَدَيْنا ولا مَقْلِيَّةٌ إن تقَلَّتِ
خاطَبَ ثم غايَبَ.
ويقالُ للرَّجلِ إذا أَقْلَقَه أَمْرٌ مُهِمٌّ فباتَ لَيْلَه ساهِرًا: باتَ يَتَقَلَّى؛ أَي يَتَقَلَّبُ على فِراشِه كأَنَّه على المِقْلَى؛ ومنه مَثَلُ العامَّة: العُصْفُور يَتَفَلَّى والصيَّادُ يَتَقَلَّى.
والقَلِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: مَرَقَةٌ تُتَّخَذُ من لُحومِ الجَزُورِ وأَكْبادِها.
وقال ابنُ الأعرابي: القُلَّى القَصِيرُ مِن الجَوارِي.
قال الأزْهرِي: هذا فُعْلَى من الأقلِّ والقِلَّةِ.
والقُلَى: جَمْعُ القُلةِ التي يُلعَب بها؛ عن ابنِ الأعْرابي.
والقَلِيَّةُ، كالعَلِيَّةِ: شِبْهُ الصَّوْمَعةِ تكونُ في كَنيسَةِ النَّصارَى، والجَمْعُ القَلالى. وقد جاءَ ذِكْرُها في الحديثِ، وهي القَلَّايةُ عنْدَ النَّصارَى، مُعَرَّب كَلاذَةَ، وهي مِن بُيوتِ عِبادَاتِهم.
والمِقْلأَةُ: المِقْلَى؛ والعامَّةُ تقولُ: مِقْلايَة بالياءِ.
والمُقَيْلى تَصْغِيرُ المِقْلَى جُعِلَ عَلَمًا على فول يُبَلُّ بالماءِ ثم يُقْلَى، عاميَّةٌ.
وإبراهيمُ بنُ الحجَّاج بنِ نسيرِ الحِمْصيُّ القَلَّاءُ، كانَ يَقْلِي الحمص، ثقَةٌ رَوَى عن أبيهِ.
وبالتّخْفِيفِ أَبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ أَحمدَ بنِ محمدٍ المَعْروفُ بقلاء، أَصْبَهانيُّ رَوَى عن الحدَّاد.
ومكِّيُّ بنُ أبي طالِبِ بنِ أَحمدَ بنِ قَلايَةٍ، كسَحابَةٍ، البُرْجَرْدي، عن أبي بكْرِ بنِ خَلَف، وعنه أبو الفَتْح المَيْداني.
ونَهْرُ قُلَّى، كرُبَّى: من نواحِي بَغْدادَ.
ونَهْرُ القَلائِيْن: محلَّةٌ كبيرَةٌ ببَغْدادَ في شَرْقي الكرخ نُسِبَ إليه جماعَةٌ مِن المحدِّثِين.
وتَقَالَوا: تَباغَضوا.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
28-تاج العروس (وحى)
[وحى]: ي الوَحْيُ الإشارَةُ. يقالُ: وَحَيْتُ لكَ بخَبرِ كذا: أَي أَشَرْتُ وصَوَّتُّ به رُوَيْدًا، نقلَهُ الجَوْهرِي.وقال الرَّاغبُ: الإشارَةُ السَّرِيعَةُ والكِتابَةُ؛ ومنه حديثُ الحارِثِ الأعْور: «قال لَعلْقمَة: القُرْآنُ هَيِّنُ، الوَحْيُ أَشَدُّ منه»، أَرادَ بالقُرْآنِ القِراءَةَ، وبالوَحْي الكِتابَةَ والخطَّ. يقالُ: وَحَيْتُ الكِتابَ وَحْيًا فأنَا واحٍ: وأَنْشَدَ الجَوْهرِي للعجَّاج:
حتى نَحَاهُمْ جَدُّنا والنَّاحِي *** لقَدَرٍ كانَ وحَاه الوَاحِي
والوَحْيُ: المَكْتُوبُ؛ وفي الصِّحاح: الكِتابُ.
والوَحْيُ: الرِّسالَةُ.
وأَيْضًا: الإلْهامُ والكَلامُ الخَفِيُّ، وكُلُّ ما أَلْقَيْتَهُ إلى غَيْرِكَ. يقالُ: وَحَيْتُ إليه الكَلامَ، وهو أَنْ تكلِّمَهُ بكَلامٍ تخْفِيهِ؛ وأنْشَدَ الجَوْهرِي للعجَّاج:
وحَى لها القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ *** وشَدَّها بالرَّاسِياتِ الثُّبَّتِ
وقال الحرالي: هو إلْقاءُ المَعْنى في النَّفْسِ في خفاءٍ.
والوَحْيُ: الصَّوْتُ يكونُ في النَّاسِ وغيرِهم؛ قالَ أَبو زبيدٍ:
مُرتَجِز الجَوفِ بوَحْيٍ أَعْجَم
كالوَحَى؛ قالَ الجَوْهري: هو مِثْلُ الوَغَى؛ وأنْشَدَ:
مَنَعْناكُم كَراء وجانِبَيْه *** كما مَنَعَ العَرِينُ وَحَى اللُّهامِ
وأنْشَدَ ابنُ الأعْرابي:
يَذُودُ بسَحْماوَيْنِ لَمْ يَتَفَلَّلا *** وَحَى الذئْبِ عن طَفْلٍ مَناسِمهُ نُحْلِ
وأَنْشَدَ القالِي للكُمَيْت:
وبَلْدَة لا يَنالُ الذئْبُ أفرخها *** ولا وَحى لولدة الدَّاعين عرعار
وقالَ حُمَيْد:
كأَنَّ وَحَى الصّرْدانِ في جَوْفِ ضالة *** تَلَهْجَم لَحْيَيْه إذا ما تَرَنَّما
وكَذلكَ الوَحَاةِ بالهاءِ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهري للراجزِ:
يَحْدُو بها كلُّ فَتًى هَيَّاتِ *** تَلْقاهُ بَعْدَ الوَهْنِ ذا وحاةِ
وهُنَّ نحوَ البيْتِ عامِداتِ
قالَ الأَخْفَش: نَصَب عامِدَات على الحالِ.
وقالَ النَّضْر: سَمِعْتُ وَحاةَ الرَّعْدِ، وهو صوْتُه المَمْدودُ الخفيُّ، قالَ: والرَّعْدُ يَحيى وَحاةً؛ الجمع: أَي جَمْعُ الوَحْيِ بمعْنَى الكِتابِ، كما في الصِّحاح، وُحِيٌّ، كحَلْي وحُلِيٍّ، أَنْشَدَ الجَوْهري للبيدٍ:
فَمَدَافِعُ الرَّيَّاتِ عُرِّيَ رَسْمُها *** خَلَقًا كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
أَرادَ: ما يُكْتب في الحِجارَةِ ويُنْقَش عليها.
وأَوْحَى إليه: بَعَثَهُ؛ ومنه الوَحْيُ إلى الأنْبياءِ عليهمالسلام.
قال ابنُ الأعْرابي: يقالُ أَوْحَى الرجلُ إذا بَعَثَ برَسُولٍ ثقَةٍ إلى عبْدٍ مِن عَبيدِهِ ثِقَة، انتَهَى.
واللغةُ الفاشِيَةُ في القُرْآنِ أَوْحى بالألفِ والمَصْدَر والمُجَرَّد، ويَجوزُ في غَيْرِ القُرْآنِ وَحَى إليه وَحْيًا، والوَحْيُ ما يُوحِيه الله إلى أَنْبيائِه.
قال ابنُ الأنْبارِي: سُمِّي وَحْيًا لأنَّ الملكَ أَسَرَّه عن الخَلْق وخَصَّ به النَّبيَّ المَبْعوثَ إليه. وأَصْلُ الإيحاءِ أنْ يَسرَّ بعضُهم إلى بعضٍ، كما في قولهِ تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}؛ هذا أَصْلُ الحَرْف ثم قُصِرَ أَوْحاهُ على مَعْنى أَلْهَمَهُ.
وقالَ أَبو إسحق: أَصْلُ الوَحْي في اللغةِ إعْلامٌ في خَفاءٍ، ولذلكَ صارَ الإلْهامُ يُسَمَّى وَحْيًا.
قال الأزْهري: وكَذلكَ الإشارَةُ والإيماءُ يُسَمَّى وَحْيًا، والكِتابَةُ تُسَمَّى وَحْيًا، وقولهُ عزّ وجلّ: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} مَعْناهُ إلَّا أنْ يُوحَى إليه وَحْيًا فيُعْلِمَه بمَا يَعْلمُ البَشَرُ أنَّه أَعْلَمَه، إمَّا إلْهامًا أَو رُؤْيا، وإمَّا أن يُنْزل عليه كتابًا كما أُنْزِل على موسَى، أَو قُرآنًا يُتْلى عليه كما أنْزَله على سيِّدِنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكلُّ هذا إعْلامٌ وإن اخْتلَفَتْ أَسْبابُها والكَلامُ فيها.
وقال الرَّاغبُ: أَصْلُ الوَحْي الإشارَةُ السَّريعَةُ وذلكَ يكونُ بالكَلامِ على سَبيلِ الرَّمْز والتَّعْرِيضِ، ويكونُ بصَوْتٍ مُجرَّدٍ عن التّرْكيبِ، وبإشارَةِ بعضِ الجَوارِح بالكِتابَةِ وغَيْر ذلكَ، ويقالُ للكَلِمَةِ الإلهيةِ التي تُلْقى إلى أَنْبيائِه وأَوْليائِه وَحْيٌ، وذلكَ إمَّا برَسُولٍ مُشاهِد تُرى ذَاته ويُسْمع كَلامه كتَبْلِيغ جِبْريل في صُورَةٍ مُعَيَّنة، وإمَّا بسماع كَلام مِن غَيْر مُعاينةٍ كسماعِ موسَى كَلامَه تعالى، وإمَّا بإلْقاء في الرَّوْعِ كحديث: «إنَّ جِبرْيل نَفَثَ في رَوْعي، وإمَّا بإلْهام نَحْو {أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى}، وإمَّا بتَسْخيرٍ نَحْو: {أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، وإمَّا بمَنامٍ كما دلَّ عليه: حديثُ: «انْقَطَع وبَقِيَت المُبَشِّرات رُؤْيا المُؤْمِن».
وأَوْحَتْ نَفْسُهُ: إذا وَقَعَ فيها خَوْفٌ.
والوَحَى، كالفَتَى: السَّيِّدُ الكبيرُ مِن الرِّجالِ؛ قال الشاعرُ:
وعَلِمْتُ أَني إن عَلِقْتُ بحَبْلِه *** نشِبَتْ يَدايَ إلى وَحًى لم يَصْقَعِ
يريدُ: لم يَذْهَب عن طريقِ المَكارِمِ، مُشْتقُّ مِن الصَّقْع.
والوَحَى: النَّارُ. وقال ثَعْلب: سأَلْتُ ابنَ الأعْرابي: ما الوَحَى؟ قالَ: المَلِكُ، فقلْتُ: ولمَ سُمِّي بذلكَ؟ قالَ: كأنَّه مِثْلُ النارِ يَنْفَعُ ويَضُرُّ.
والوَحَى: العَجَلَةُ، يقولونَ: الوَحَى الوَحَى العَجلَةُ العَجَلَةُ.
والوَحَى: الإسْراعُ.
وفي الصِّحاح والتَّهذِيب: السُّرعَةُ؛ قالَ الجَوْهرِي: يُقْصَرُ ويُمَدُّ. والوَحَاء الوَحَاء يَعْني البِدارَ البِدارَ واقْتَصَرَ الأزْهري على المَدِّ؛ والصَّحِيحُ أنَّهم إذا جَمَعُوا بَيْنهما مَدّوا وقَصَرُوا، فإذا أَفْرَدُوه مَدُّوه ولم يَقْصُروه؛ قال أَبو النجْم:
يَفِيضُ عَنْهُ الرَّبْوُ من وَحائِه
ورُبَّما أَدْخَلوا الكافَ مع الألفِ واللامِ، فقالوا: الوَحَاك الوَحَاك، وتقدَّم أنَّهم يقولون: النَّجا النَّجا والنَّجاء النَّجاء والنَّجَاك النَّجَاك والنَّجاءَك النَّجاءَك.
ووَحَى بالشَّيءِ وَحْيًا؛ عن ابن القطَّاع.
وتَوَحَّى: أَسْرَعَ. يقالُ: تَوَحَّ يا هذا؛ أَي أَسْرع؛ وهذه عن الجَوْهري.
وفي الحديثِ: «إذا أَرَدْت أَمْرًا فتَدَبَّر عاقِبَتَه فإن كانتْ شرًّا فانْتَه وإن كانت خَيْرًا فتَوَحَّه» أَي أَسْرِع إليه، والهاءُ للسَّكْت.
وشَيْءٌ وَحِيٌّ، كغَنِيٍّ: عَجِلٌ مُسْرِعٌ.
قال الرَّاغبُ: ولتَضَمَّن الوَحْي السُّرْعَة قيلَ: أَمْرٌ وَحِيُّ أَي مُسْرِعٌ.
وقال الجَوْهرِي: مَوْتٌ وَحِيٌّ: أَي سَرِيعٌ.
واسْتَوْحاهُ: حرَّكَهُ ودَعاهُ ليُرْسِلَهُ؛ ومنه: اسْتَوْحَيْتُ الكَلْبَ إذا دَعَوْته لتُرْسِلَه على الصَّيْدِ؛ وكَذلكَ آسَدَه واسْتَوْشاهُ.
واسْتَوْحاهُ: اسْتَفْهَمَهُ؛ عن ابن الأعْرابي.
ووَحَّاهُ تَوْحِيَةً: عَجَّلَهُ؛ نقلَهُ الجَوْهرِي.
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
أَوْحَى إليه: كلَّمهُ بكَلامٍ يُخْفِيهِ وأَيْضًا: أَشارَ، كأَوْمَأَ ووَمَأَ؛ قيلَ: ومنه وَحى الأنْبياء؛ وأيْضًا: أَمَر، وبه فُسِّر قولهُ تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ}؛ أَي أَمَرْت؛ وأَيْضًا؛ كَتَبَ، نقلَهُ الجَوْهرِي.
ووَحَى القَوْمُ وَحْيًا وأَوْحوا: صَاحُوا.
وأَوْحَى: كلَّمَ عبْدَه بِلا رَسُولٍ.
وأَوْحَى: إذا صارَ مَلِكًا بَعْد فَقْر.
وأَوْحَى ووَحَى وأَحَى: إذا ظَلَمَ في سُلْطانِه. وقَرَأَ جُؤَيَّة الأسَدِي: قُل أُحِيَ إليَّ من وَحَيْتُ، هَمَز الواو.
والوَحاةُ: صَوْتُ الطائِرِ، هكذا خَصَّه ابنُ الأعْرابي.
ووَحَّى ذَبيحَتَه تَوْحِيةً: ذَبَحَها ذَبْحًا سَرِيعًا؛ قال الجَعْدِي:
أَسِيرانِ مَكْبُولانِ عندَ ابنِ جعْفَرٍ *** وآخرُ قد وحَّيْتُمُوه مُشاغِبُ
واسْتَوحاهُ: اسْتَصْرَخَه؛ وأَيْضًا اسْتَعْجَلَه.
والإيحاءُ: البُكاءُ. يقالُ: هو يُوحِي أَباهُ؛ أَي يَبْكِيهِ.
والنائِحَةُ تُوحِي الميِّت: تَنُوحُ عليه؛ قال الشاعرُ:
تُوحِي بمالِ أَبيها وهو مُتَّكِيءٌ *** على سِنانٍ كأَنْفِ النّسْرِ مَفْتُوقِ
ويقالُ: اسْتَوْحِ لنا بَني فلانٍ ما خَبَرُهم: أَي اسْتَخْبِرهم؛ هكذا نقلَهُ الأزْهري عن ابنِ السِّكِّيت بالحاءِ المُهْملَةِ؛ وكذا الزَّمَخْشري وغيرِهِما. وأَوْرَدَه الجَوْهري في الذي يَلِيه، وتَبِعَه المصنِّفُ كما سَيَأْتي.
وقالَ ابنُ كَثْوة: مِن أَمْثالِهم: إنَّ مَنْ لا يَعْرِف الوَحَا أَحْمَقُ.
يقالُ للذي يُتَواحَى دُونه بالشيءِ.
وقال أَبو زيْدٍ: مِن أَمْثالِهم: وَحْيٌ في حَجَر، يُضْرَبُ لمَنْ يَكْتُم سِرَّه.
قال الأزْهرِي: وقد يُضْرَبُ للشيءِ الظاهِر البَيِّن.
يقالُ: كالوَحْي في الحَجرِ إذا نُقِرَ فيه؛ ومنه قولُ زُهَيْر:
كالوَحْي في حَجَرِ المَسِيل المُخْلِدِ
وأَوْحَى العَمَل: أَسْرَع فيه؛ عن ابن القطَّاع.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
29-تاج العروس (وخى)
[وخى]: ي الوَخْيُ، بفتح فسكون: القَصْدُ. يقالُ: وَخَيْتُ وَخْيَكَ: أَي قَصَدْتَ؛ كما في الصِّحاح، وهو قولُ ثَعْلَب، وأَنْشَدَ:فقلتُ وَيْحَكَ أَبْصِرْ أَينَ وَخْيُهُمُ *** فقال: قد طَلَعُوا الأَجْمادَ واقْتَحَمُوا
قال الأزْهري: وسمعْتُ غَيْرَ واحِدٍ مِن العَرَبِ الفُصَحاء يقولُ لصاحِبِه إذا أَرْشَدَه: ألا وخُذْ على سَمْت هذا الوَخْي أَي على هذا القَصْدِ والصَّوْبِ.
وفي الصِّحاح: هذا وَخْيُ أَهْلِكَ أَي سَمْتُهم حيث سارُوا.
والوَخْيُ: الطَّريقُ المُعْتَمَدُ؛ وقيلَ: هو الطَّريقُ القاصِدُ، الجمع: وُخِيٌّ ووِخِيٌّ، بضم وكَسْر مع كسْر خائِهما وتَشْديد الياء.
فيهما، نقلَهُ ثَعْلب.
قال ابنُ سِيدَه: إن كانَ عَنَى ثَعْلبٌ بالوَخْي القَصْدَ الذي هو المَصْدرُ فلا جَمْعَ له، وإن كانَ عَنَى الوَخْيَ الذي هو الطَّريقُ القاصِدُ فهو صَحِيحٌ لأنَّه اسْمٌ.
والوَخْيَ أَيْضًا: السَّيْرُ القَصْدُ. يقالُ: وَخَتِ الناقَةُ تَخِي وَخْيًا، أي سارَتْ سَيْرًا قَصْدًا؛ نقلَهُ الجَوْهرِي، وأنْشَدَ للراجزِ:
افْزعْ لأَمْثالِ مِعًى أُلَّافِ *** يَتْبَعْنَ وَخْيَ عَيْهَلٍ نِيافِ
وهْيَ إذا ما ضَمَّها إيجافي
والفِعْلُ وَخَى يخي وَخْيًا كوَعَى يَعِي وَعْيًا، قالَ أَبو عمرٍو: أَي تَوَجَّه لوجهٍ.
ويقالُ: ما أَدْرِي أَيْنَ وَخَى؛ أَي أَينَ تَوَجَّه؛ وفَسَّر الأزْهرِي قولَ الشاعرِ في ترْجمةِ صلخ:
لو أَبْصَرَتْ أَبْكَمَ أَعْمى أَصْلَخا *** إذًا تَسَمَّى واهْتَدَى أَنَّى وَخَى
ووَخَّاهُ للأَمْرِ تَوْخِيَةً: وجَّهَهُ له؛ نقلَهُ اللَّيْث.
واسْتَوْخَى القَوْمَ: اسْتَخْبَرَهُم. يقالُ: اسْتَوْخِ لنا بَني فلانٍ ما خَبَرُهم؛ أَي اسْتَخْبِرْهم.
قال الجَوْهرِي: هذا الحَرْفُ هكذا رَواهُ أَبو سعيدٍ بالخاءِ مُعْجمة.
قُلْتُ: ورَواهُ الأزْهري عن ابنِ السِّكِّيت بالحاءِ مُهْمَلَة، وتقدَّمَتِ الإشارَةُ إليه.
وتَوَخَّى رِضاهُ، وكذا مَحَبَّتَه، إذا تَحَرَّاهُ وقَصَدَ إليه وتَعَمَّدَ فِعْلَه.
وقال اللّيْثُ: تَوَخَّيْتُ أَمْرَ كذا تَيَمَّمْتُه. وفي الحديثِ: «قال لهما اذْهَبَا فتَوَخَّيا واستَهِما»؛ أَي اقْصِدا الحقَّ فيما تَصْنَعانِه مِن القِسْمة، وليَأخُذ كلٌّ منكما ما تَخْرجُه القَرْعَة من الشيء.
وفي شَرْح أَمالِي القالِي لأبي عبيدٍ البَكْري: التَّوخِّي طَلَب الأفْضَل في الخَيْرِ؛ نقلَهُ شيْخنا.
كوَخَاهُ وَخْيًا؛ وأَنْشَدَ الأصْمعي:
قالتْ: ولم تَقْصِدْ له ولم تَخِي
أَي لم تَتَحَرَّ فيه الصَّوابَ.
قُلْتُ: أَنْشَدَه اللّيْث:
قالتْ ولم تَقْصِدْ له ولم تَخِهْ *** ما بالُ شَيْخٍ آضَ منْ تَشَيُّخِهْ
كالكُرَّزِ المَرْبُوطِ بينَ أَفْرُخِهْ؟
والهاءُ للسَّكْت.
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: تَأَخَّيْتُ مَحَبَّتَك: أَي تَحَرَّيْتُ، لُغَةٌ في تَوَخَّيْت، وقد ذُكِرَ في أخو.
واسْتَوْخاهُ عن مَوْضِعِ كذا: سأَلَهُ عن قَصْدِهِ؛ عن النَّضْر؛ وأنْشَدَ:
يَمانِينَ نَسْتَوْخِيهمُ عن بِلادِنا *** على قُلُصٍ تَدْمى أَخِشَّتُها الحُدْب
والوَخْيُ: حُسْنُ صَوْتِ مَشْي الإِبِلِ، نقلَهُ ابنُ بَرِّي عن أَبي عَمْرو، وبه فَسَّر قولَ الراجز:
يَتْبَعْنَ وَخْيَ عَيْهَلٍ نِيافِ
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
30-لسان العرب (عنن)
عنن: عَنَّ الشيءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنَنًا وعُنُونًا: ظَهَرَ أَمامك؛ وعَنَّ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنًّا وعُنونًا واعْتَنَّ: اعتَرَضَ وعَرَض؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: " فعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كأَنَّ نِعاجه ".وَالِاسْمُ العَنَن والعِنانُ؛ قَالَ ابْنُ حِلزة:
عَنَنًا باطِلًا وظُلْمًا، كَمَا تُعْتَرُ ***عَنْ حَجْرةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ
وأَنشد ثَعْلَبٌ:
وَمَا بَدَلٌ مِنْ أُمِّ عُثمانَ سَلْفَعٌ، ***مِنَ السُّود، وَرْهاءُ العِنان عَرُوبُ
مَعْنَى قَوْلِهِ وَرْهاءِ العِنان أَنها تَعْتنُّ فِي كُلِّ كَلَامٍ أَي تعْترض.
وَلَا أَفعله مَا عَنَّ فِي السَّمَاءِ نجمٌ أَي عَرَض مِنْ ذَلِكَ.
والعِنَّة والعُنَّة: الِاعْتِرَاضُ بالفُضول.
والاعْتِنانُ: الِاعْتِرَاضُ.
والعُنُنُ: الْمُعْتَرِضُونَ بالفُضول، الْوَاحِدُ عانٌّ وعَنونٌ، قَالَ: والعُنُن جَمْعُ العَنين وَجَمْعُ المَعْنون.
يُقَالُ: عُنَّ الرجلُ وعُنِّنَ وعُنِنَ وأُعْنِنَ، فَهُوَ عَنِينَ مَعْنونٌ مُعَنٌّ مُعَنَّنٌ، وأَعْنَنْتُ بعُنَّةٍ مَا أَدري مَا هِيَ أَي تعَرَّضتُ لِشَيْءٍ لَا أَعرفه.
وَفِي الْمَثَلِ: مُعْرِضٌ لعَنَنٍ لَمْ يَعْنِه.
والعَنَنُ: اعتراضُ الْمَوْتِ؛ وَفِي حَدِيثِ سَطِيحٍ: « أَم فازَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَننْ».
وَرَجُلٌ مِعَنٌّ: يعْرِض فِي شَيْءٍ وَيَدْخُلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، والأُنثى بِالْهَاءِ.
وَيُقَالُ: امرأَة مِعَنَّة إِذا كَانَتْ مَجْدُولَةً جَدْلَ العِنان غَيْرَ مُسْتَرْخِيَةِ الْبَطْنِ.
وَرَجُلٌ مِعَنٌّ إِذا كَانَ عِرِّيضًا مِتْيَحًا.
وامرأَة مِعَنَّة: تَعْتنُّ وتعْترض فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّ لَنَا لَكَنَّه ***مِعَنَّةً مِفَنَّه،
كَالرِّيحِ حَوْلَ القُنَّه.
مِفَنَّة: تَفْتَنُّ عَنِ الشَّيْءِ، وَقِيلَ: تَعْتَنُّ وتَفْتنُّ فِي كُلِّ شيءٍ.
والمِعَنُّ: الْخَطِيبُ.
وَفِي حَدِيثِ طَهْفَةَ: « بَرِئنا إِليك مِنَ الوَثَن والعَنن »؛ الوَثَنُ: الصَّنَمُ، والعَنن: الِاعْتِرَاضُ، مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ؛ أي اعْتَرَضَ كأَنه قَالَ: بَرِئْنَا إِليك مِنَ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ الخلافَ وَالْبَاطِلَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ سَطِيحٍ: أَم فازَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَننْ.
يُرِيدُ اعْتِرَاضَ الْمَوْتِ وسَبْقَه.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: « دَهَمتْه المنيَّةُ فِي عَنَن جِماحه »؛ هُوَ مَا لَيْسَ بِقَصْدٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ أَيضًا يذُمُّ الدُّنْيَا: " أَلا وَهِيَ المُتَصدِّيةُ العَنُونُ "أَي الَّتِي تَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ، وفَعول لِلْمُبَالَغَةِ.
وَيُقَالُ: عَنَّ الرَّجُلُ يَعِنُّ عَنًّا وعَنَنًا إِذا اعْتَرَضَ لَكَ مِنْ أَحد جَانِبَيْكَ مِنْ عَنْ يَمِينِكَ أَو مِنْ عَنْ شِمَالِكَ بِمَكْرُوهٍ.
والعَنُّ: الْمَصْدَرُ، والعَنَنُ: الِاسْمُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَعُنُّ فِيهِ العانُّ؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ العِنانُ مِنَ اللِّجَامِ عِنانًا لأَنه يَعْتَرِضُهُ مِنْ نَاحِيَتَيْهِ لَا يَدْخُلُ فمه منه شيء.
وَلَقِيَهُ عَيْنَ عُنَّة.
أَي اعْتِرَاضًا فِي السَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ أَن يَطْلُبَهُ.
وأَعطاه ذَلِكَ عَيْنَ عُنَّة أَي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ أَصحابه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.
والعِنان: المُعانَّة.
والمُعانَّة: الْمُعَارَضَةُ.
وعُناناك أَن تَفْعَلَ ذَاكَ، عَلَى وَزْنِ قُصاراك أَي جُهْدُكَ وَغَايَتُكَ كأَنه مِنَ المُعانَّة، وَذَلِكَ أَن تُرِيدَ أَمرًا فيَعْرِضَ دُونَهُ عارِضٌ يَمْنَعُكَ مِنْهُ وَيَحْبِسُكَ عَنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَخفش هُوَ غُناماك، وأَنكر عَلَى أَبي عُبَيْدٍ عُناناك.
وَقَالَ النَّجِيرَميُّ: الصَّوَابُ قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: الصَّوَابُ قَوْلُ الأَخفش؛ وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ بَيْتُ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ الضَّبَّيُّ:
وخَصْمٍ يَرْكَبُ العَوصاءِ طاطٍ ***عَنِ المُثْلى، غُناماهُ القِذاعُ
وَهُوَ بِمَعْنَى الْغَنِيمَةِ.
والقِذاعُ: المُقاذَعة.
وَيُقَالُ: هُوَ لَكَ بَيْنَ الأَوْبِ والعَنَن إِمّا أَن يَؤُوبَ إِليك، وإِما أَن يعْرِضَ عَلَيْكَ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
تُبْدي صُدودًا، وتُخْفي بَيْنَنَا لَطَفًا ***يأْتي محارِمَ بينَ الأَوْبِ والعَنَن
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْعِصْيَانِ.
والعانُّ مِنَ السَّحَابِ: الَّذِي يَعْتَرِضُ فِي الأُفُقِ؛ قَالَ الأَزهري: وأَما قَوْلُهُ: " جَرَى فِي عِنان الشِّعْرَيَيْنِ الأَماعِزُ ".
فَمَعْنَاهُ جَرَى فِي عِراضِهما سَرابُ الأَماعِز حِينَ يشتدُّ الحرُّ بالسَّراب؛ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ عَلَى هِزَفٍّ، ***يعُنُّ مَعَ العَشِيَّةِ لِلرِّئالِ
يَعُنُّ: يَعْرِض، وَهُمَا لُغَتَانِ: يَعِنُّ ويَعُنُّ.
والتَّعْنِين: الحبْس، وَقِيلَ: الْحَبْسُ فِي المُطْبَق الطَّوِيلِ.
وَيُقَالُ لِلْمَجْنُونِ: مَعْنون ومَهْرُوع وَمَخْفُوعٌ ومعتُوه وَمَمْتُوهٌ ومُمْتَهٌ إِذا كَانَ مَجْنُونًا.
وَفُلَانٌ عَنَّانٌ عَنِ الْخَيْرِ وخَنَّاسٌ وكَزَّامٌ أَي بَطِيءٌ عَنْهُ.
والعِنِّينُ: الَّذِي لَا يأْتي النِّسَاءَ وَلَا يُرِيدُهُنَّ بَيِّنُ العَنَانة والعِنِّينة والعِنِّينيَّة.
وعُنِّنَ عَنِ امرأَته إِذا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَو مُنعَ عَنْهَا بِالسِّحْرِ، وَالِاسْمُ مِنْهُ العُنَّة، وَهُوَ مِمَّا تَقَدَّمَ كأَنه اعْتَرَضَهُ مَا يَحْبِسُه عَنِ النِّسَاءِ، وامرأَة عِنِّينة كَذَلِكَ، لَا تُرِيدُ الرِّجَالَ وَلَا تَشْتَهِيهِمْ، وَهُوَ فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ خِرِّيج؛ قَالَ: وسُمِّيَ عِنِّينًا لأَنه يَعِنُّ ذكَرُه لقُبُل المرأَة مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَلَا يَقْصِدُهُ.
وَيُقَالُ: تَعَنَّنَ الرَّجُلُ إِذا تَرَكَ النِّسَاءَ مِنْ غَيْرِ أَن يَكُونَ عِنِّينًا لثأْر يَطْلُبُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ وَرْقَاءَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ قَالَهُ فِي خَالِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ:
تعَنَّنْتُ لِلْمَوْتِ الَّذِي هُوَ واقِعٌ، ***وأَدركتُ ثأْري فِي نُمَيْرٍ وعامِرِ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الشَّرِيفِ الْعَظِيمِ السُّودَد: إِنه لَطَوِيلُ العِنان.
وَيُقَالُ: إِنه ليأْخذ فِي كُلِّ فَنٍّ وعَنٍّ وسَنٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وعِنانُ اللِّجَامِ: السَّيْرُ الَّذِي تُمسَك بِهِ الدَّابَّةُ، وَالْجَمْعُ أَعِنَّة، وعُنُنٌ نَادِرٌ، فأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: لَمْ يُكسَّر عَلَى غَيْرِ أَعِنَّة، لأَنهم إِن كسَّرُوه عَلَى بِنَاءِ الأَكثر لَزِمَهُمُ التَّضْعِيفُ وَكَانُوا فِي هَذَا أَحرى؛ يُرِيدُ إِذ كَانُوا قَدْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى أَبنية أَدنى الْعَدَدِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَلِّ، يَعْنِي بِالْمُعْتَلِّ الْمُدْغَمَ، وَلَوْ كَسَرُوهُ عَلَى فُعُل فَلَزِمَهُمُ التَّضْعِيفُ لأَدغموا، كَمَا حَكَى هُوَ أَن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي جَمْعِ ذُباب ذُبٌّ.
وَفَرَسٌ قَصِيرُ العِنان إِذا ذُمَّ بِقصَر عُنُقِه، فَإِذَا قَالُوا قَصِيرُ العِذار فَهُوَ مَدْحٌ، لأَنه وُصِفَ حِينَئِذٍ بِسِعَةِ جَحْفلته.
وأَعَنَّ اللجامَ: جَعَلَ له عِنانًا، والتَّعْنينُ مِثْلُهُ.
وعَنَّن الفرسَ وأَعَنَّه: حَبَسَهُ بِعِنَانِهِ.
وَفِي التَّهْذِيبِ: أَعَنَّ الفارسُ إِذا مَدَّ عِنانَ دَابَّتِهِ ليَثْنِيَه عَنِ السَّيْرِ، فَهُوَ مُعِنٌّ.
وعَنَّ دَابَّتَهُ عَنًّا: جَعَلَ لَهُ عِنانًا، وسُمِي عِنانُ اللِّجَامِ عِنانًا لِاعْتِرَاضِ سَيْرَيه عَلَى صَفْحَتيْ عُنق الدَّابَّةِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.
وَيُقَالُ: مَلأَ فلانٌ عِنانَ دَابَّتِهِ إِذا أَعْداه وحَمَلَهُ عَلَى الحُضْر الشَّدِيدِ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
حَرْفٌ بعيدٌ مِنَ الْحَادِي، إِذا مَلأَتْ ***شَمْسُ النهارِ عِنانَ الأَبْرَقِ الصَّخِبِ
قَالَ: أَراد بالأَبْرَقِ الصَّخِبِ الجُنْدُبَ، وعِنانُه جَهْدُه.
يَقُولُ: يَرْمَضُ فَيَسْتَغِيثُ بِالطَّيَرَانِ فَتَقَعُ رِجْلَاهُ فِي جَنَاحَيْهِ فَتَسْمَعُ لَهُمَا صَوْتًا وَلَيْسَ صَوْتَهُ مِنْ فِيهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ صَرَّ الجُنْدُب.
وَلِلْعَرَبِ فِي العِنانِ أَمثال سَائِرَةٌ: يُقَالُ ذَلَّ عِنانُ فُلَانٍ إِذا انْقَادَ؛ وفُلانٌ أَبيُّ العِنانِ إِذا كَانَ مُمتنعًا؛ وَيُقَالُ: أَرْخِ مِنْ عنانِه أَي رَفِّه عَنْهُ؛ وَهُمَا يَجْريان فِي عِنانٍ إِذا اسْتَوَيَا فِي فَضْلٍ أَو غَيْرِهِ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
سَيَعْلَمُ كُلُّهم أَني مُسِنٌّ، ***إِذا رَفَعُوا عِنانًا عن عِنانِ
الْمَعْنَى: سَيَعْلَمُ الشُّعَرَاءُ أَني قَارِحٌ.
وجَرى الفرسُ عِنانًا إِذا جَرَى شَوْطًا؛ وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحِ: " إِذا رَفَعُوا عِنَانًا عَنْ عَنَانِ ".
أَي شَوْطًا بَعْدَ شَوْطٍ.
وَيُقَالُ: اثْنِ عَليَّ عِنانَهُ أَي رُدَّه عليَّ.
وثَنَيْتُ عَلَى الفرسِ عِنانه إِذا أَلجمته؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَذْكُرُ فَرَسًا:
وحاوَطَني حَتَّى ثَنَيْتُ عِنانَهُ، ***عَلَى مُدْبِرِ العِلْباءِ رَيّانَ كاهِلُهْ
حاوَطَني أَي داوَرَني وعالَجَني، ومُدْبِرِ عِلْبائه: عُنُقُه أَراد أَنه طَوِيلُ الْعُنُقِ فِي عِلْبائِه إِدبار.
ابْنُ الأَعرابي: رُبَّ جَوادٍ قَدْ عَثَرَ فِي اسْتِنانِه وَكَبَا فِي عِنانه وقَصَّرَ فِي مَيْدانه [مِيْدانه].
وَقَالَ: الْفَرَسُ يَجْري بعِتْقِه وعِرْقِه، فإِذا وُضِعَ فِي المِقْوَس جَرى بجَدِّ صَاحِبِهِ؛ كَبَا أَي عَثَر، وَهِيَ الكَبْوَةُ.
يُقَالُ: لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَة، وَلِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوة، وَلِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَة؛ كَبَا فِي عِنانِه أَي عَثَرَ فِي شَوْطه.
والعِنان: الْحَبْلُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " إِلى عِنانَيْ ضامِرٍ لَطيفِ ".
عَنَى بالعِنانين هُنَا المَتْنَين، وَالضَّامِرُ هُنَا المَتْنُ.
وعِنانا الْمَتْنِ: حَبْلاه.
والعِنانُ والعانُّ: مِنْ صِفَةِ الْحِبَالِ الَّتِي تَعْتَنُّ مِنْ صَوْبك وَتَقْطَعُ عَلَيْكَ طَرِيقَكَ.
يُقَالُ: بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا عانٌّ يَسْتَنُّ السَّابلَة.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: إِنه طَرِفُ العِنان إِذا كَانَ خَفِيفًا.
وعَنَّنَتِ المرأَةُ شعرَها: شَكَّلَتْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ.
وشِرْكَةُ عِنانٍ وشِرْكُ عِنانٍ: شَرِكَةٌ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ دُونَ سَائِرِ أَموالهما كأَنه عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ أَي عَرَضَ فَاشْتَرَيَاهُ وَاشْتَرَكَا فِيهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
وشارَكْنا قُرَيْشًا فِي تُقاها، ***وَفِي أَحْسابها شِرْكَ العِنانِ
بِمَا وَلَدَتْ نساءُ بَنِي هِلالٍ، ***وَمَا وَلَدَتْ نساءُ بَنِي أَبانِ
وَقِيلَ: هُوَ إِذا اشْتَرَكَا فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ، وبانَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَائِرِ مَالِهِ دُونَ صَاحِبِهِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الشِّرْكَة شِرْكَتانِ: شِرْكَةُ العِنان، وشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، فأَما شَرِكَةُ العِنان فَهُوَ أَن يَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ دَنَانِيرَ أَو دَرَاهِمَ مِثْلَ مَا يُخْرج صَاحِبُهُ ويَخْلِطاها، ويأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بأَن يَتَّجِرَ فِيهِ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ وأَنهما إِن "رَبِحا فِي الْمَالَيْنِ فَبَيْنَهُمَا، وإِنْ وُضِعا فَعَلَى رأْس مَالِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وأَما شِرْكَةُ المُفاوضة فأَن يَشْتَرِكا فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي أَيديهما أَو يَسْتَفيداه مِنْ بَعْدُ، وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَاطِلَةٌ، وَعِنْدَ النُّعْمَانِ وَصَاحِبَيْهِ جَائِزَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُعَارِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَيَقُولَ لَهُ: أَشْرِكني مَعَكَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَن يَستوجب العَلَقَ، وَقِيلَ: شَرِكة العِنانِ أَن يَكُونَا سَوَاءً فِي الغَلَق وأَن يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِيمَا أَخرجاه مِنْ عَيْنٍ أَو وَرِقٍ، مأْخوذ مِنْ عِنانِ الدَّابَّةِ لأَن عِنانَ الدَّابَّةِ طَاقَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ يَمْدَحُ قَوْمَهُ وَيَفْتَخِرُ:
وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقاها ***
أَي سَاوَيْنَاهُمْ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ لَكَانَ هِجَاءً، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الشركةُ شَرِكَةَ عِنانٍ لِمُعَارَضَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِمَالٍ مِثْلِ مَالِهِ، وَعَمَلُهُ فِيهِ مِثْلُ عَمَلِهِ بَيْعًا وَشِرَاءً.
يُقَالُ: عانَّهُ عِنانًا ومُعانَّةً، كَمَا يُقَالُ: عارَضَه يُعارضه مُعارَضةً وعِراضًا.
وَفُلَانٌ قَصِيرُ العِنانِ: قَلِيلُ الْخَيْرِ، عَلَى الْمَثَلِ.
والعُنَّة: الحَظِيرة مِنَ الخَشَبِ أَو الشَّجَرِ تُجْعَلُ للإِبل وَالْغَنَمِ تُحْبَسُ فِيهَا، وَقَيَّدَ فِي الصِّحَاحِ فَقَالَ: لتَتَدَرَّأَ بِهَا مِنْ بَرْدِ الشَّمال.
قَالَ ثَعْلَبٌ: العُنَّة الحَظِيرَةُ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَيَكُونُ فِيهَا إِبله وَغَنَمُهُ.
وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فِي عُنَّةٍ، وَجَمْعُهَا عُنَنٌ؛ قَالَ الأَعشى:
تَرَى اللَّحْمَ مِنْ ذابِلٍ قَدْ ذَوَى، ***ورَطْبٍ يُرَفَّعُ فَوْقَ العُنَنْ
وعِنانٌ أَيضًا: مِثْلُ قُبَّةٍ وقِبابٍ.
وَقَالَ البُشْتِيُّ: العُنَنُ فِي بَيْتِ الأَعشى حِبال تُشَدُّ ويُلْقَى عَلَيْهَا القَدِيدُ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الصَّوَابُ فِي العُنَّة والعُنَنِ مَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَهُوَ الْحَظِيرَةُ، وَقَالَ: ورأَيت حُظُراتِ الإِبل فِي الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَهَا عُنَنًا لاعْتِنانِها فِي مَهَبِّ الشَّمالِ مُعْتَرِضة لِتَقِيهَا بَرْدَ الشَّمالِ، قَالَ: ورأَيتهم يَشُرُّون اللَّحْمَ المُقَدَّدَ فَوْقَهَا إِذا أَرادوا تَجْفِيفَهُ؛ قَالَ: وَلَسْتُ أَدري عَمَّنْ أَخذ البُشْتِيُّ مَا قَالَ فِي العُنَّة إِنه الْحَبْلُ الَّذِي يُمَدُّ، ومَدُّ الْحَبْلِ مِنْ فِعْلِ الْحَاضِرَةِ، قَالَ: وأُرى قائلَه رأَى فقراءَ الْحَرَمِ يَمُدُّون الْحِبَالَ بمِنًى فيُلْقُون عَلَيْهَا لُحومَ الأَضاحي والهَدْي الَّتِي يُعْطَوْنَها، فَفَسَّرَ قَوْلَ الأَعشى بِمَا رأَى، وَلَوْ شَاهَدَ الْعَرَبَ فِي بَادِيَتِهَا لَعَلِمَ أَن العُنَّة هِيَ الحِظَارُ مِنَ الشَّجَرِ.
وَفِي الْمَثَلِ: كالمُهَدِّرِ فِي العُنَّةِ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يَتَهَدَّدُ وَلَا يُنَفِّذُ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعُنَّةُ، بِالضَّمِّ أَيضًا، خَيْمة تُجْعَلُ مِنْ ثُمامٍ أَو أَغصان شَجَرٍ يُسْتَظَلُّ بِهَا.
والعُنَّة: مَا يَجْمَعُهُ الرَّجُلُ مِنْ قَصَبٍ وَنَبْتٍ ليَعْلِفَه غَنَمه.
يُقَالُ: جَاءَ بعُنَّةٍ عَظِيمَةٍ.
والعَنَّةُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ: العَطْفَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذا انصَرَفَتْ مِنْ عَنَّةٍ بَعْدَ عَنَّةٍ، ***وجَرْسٍ عَلَى آثارِها كالمُؤَلَّبِ
والعُنَّةُ: مَا تُنْصَبُ عَلَيْهِ القِدْرُ.
وعُنَّةُ القِدْر: الدِّقْدانُ؛ قَالَ:
عَفَتْ غيرَ أَنْآءٍ ومَنْصَبِ عُنَّةٍ، ***وأَوْرَقَ مِنْ تحتِ الخُصاصَةِ هامِدُ
والعَنُونُ مِنَ الدَّوَابِّ: الَّتِي تُباري فِي سَيْرِهَا الدوابَّ فتَقْدُمُها، وَذَلِكَ مِنْ حُمُر الْوَحْشِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
كأَنَّ الرَّحْلَ شُدَّ بِهِ خَنُوفٌ، ***مِنَ الجَوْناتِ، هادِيةٌ عَنُونُ
وَيُرْوَى: خَذُوفٌ، وَهِيَ السَّمِينَةُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَنَّانٌ عَلَى آنُفِ الْقَوْمِ إِذا كَانَ سَبَّاقًا لهم.
وَفِي حَدِيثِ طَهْفة: « وَذُو العِنانِ الرَّكُوبُ »؛ يُرِيدُ الْفَرَسَ الذَّلُولَ، نَسَبَهُ إِلى العِنانِ والرَّكوب لأَنه يُلْجَم ويُرْكَب.
والعِنانُ: سَيْرُ اللِّجام.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: « كَانَ رجلٌ فِي أَرض لَهُ إِذ مَرَّتْ بِهِ عَنَانةٌ تَرَهْيَأُ »؛ العانَّة والعَنَانةُ: السَّحابة، وَجَمْعُهَا عَنَانٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَوْ بَلَغتْ خَطيئتُه عَنانَ السَّمَاءِ »؛ العَنَان، بِالْفَتْحِ: السَّحَابُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَعْنان، بالأَلف، فإِن كَانَ الْمَحْفُوظُ أَعْنان فَهِيَ النَّوَاحِي؛ قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ؛ قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: أَعْنانُ كُلِّ شَيْءٍ نَوَاحِيهِ، فأَما الَّذِي نَحْكِيهِ نَحْنُ فأَعْناءُ السَّمَاءِ نَوَاحِيهَا؛ قَالَهُ أَبو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَرَّتْ بِهِ سحابةٌ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ؟ قَالُوا: هَذِهِ السحابُ، قَالَ: والمُزْنُ، قَالُوا: وَالْمُزْنُ، قال: والعَنان، قالوا: والعَنانُ »؛ وَقِيلَ: العَنان الَّتِي تُمْسِكُ الماءَ، وأَعْنانُ السَّمَاءِ نَوَاحِيهَا، وَاحِدُهَا عَنَنٌ وعَنٌّ.
وأَعْنان السَّمَاءِ: صَفائحُها وَمَا اعترَضَ مِنْ أَقطارها كأَنه جَمْعُ عَنَنٍ.
قَالَ يُونُسُ: لَيْسَ لمَنْقُوصِ الْبَيَانِ بَهاءٌ وَلَوْ حَكَّ بِيافُوخِه أَعْنان السَّمَاءِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: عَنان السَّمَاءِ، وَقِيلَ: عَنانُ السَّمَاءِ مَا عَنَّ لَكَ مِنْهَا إِذا نَظَرْتَ إِليها أَي مَا بَدَا لَكَ مِنْهَا.
وأَعْنانُ الشَّجَرِ: أَطرافُه وَنَوَاحِيهِ.
وعَنانُ الدَّارِ: جَانِبُهَا الَّذِي يَعُنُّ لَكَ أَي يَعْرِضُ.
وأَما مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ" أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الإِبل فَقَالَ: أَعْنانُ الشَّياطين لَا تُقْبِلُ إِلَّا مُوَلِّية وَلَا تُدْبِرُ إِلَّا مُوَلِّية "، فإِنه أَراد أَنها عَلَى أَخلاق الشَّيَاطِينِ، وحقيقةُ الأَعْنانِ النَّوَاحِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنه قَالَ كأَنها لِكَثْرَةِ آفَاتِهَا مِنْ نَوَاحِي الشَّيَاطِينِ فِي أَخلاقها وَطَبَائِعِهَا.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " لَا تصلوا في أَعْطانِ الإِبل لأَنها خُلِقَتْ مِنْ أَعْنانِ الشَّيَاطِينِ.
وعَنَنْتُ الكتابَ وأَعْنَنْتُه لِكَذَا أَي عَرَّضْتُه لَهُ وصرَفْته إِليه.
وعَنَّ الكِتابَ يَعُنُّه عَنًّا وعَنَّنه: كَعَنْوَنَه، وعَنْوَنْتُه وعَلْوَنْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مُشْتَقٌّ مِنَ المَعْنى.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَنَّنْتُ الكتابَ تَعْنينًا وعَنَّيْتُه تَعْنِيَةً إِذا عَنْوَنْتَه، أَبدلوا مِنْ إِحدى النُّونَاتِ يَاءً، وسمي عُنْوانًا [عِنْوانًا] لأَنه يَعُنُّ الكِتابَ مِنْ ناحِيتيه، وأَصله عُنَّانٌ، فَلَمَّا كَثُرَتِ النُّونَاتُ قُلِبَتْ إِحداها وَاوًا، وَمَنْ قَالَ عُلْوانُ الْكِتَابِ جَعَلَ النُّونَ لَامًا لأَنه أَخف وأَظهر مِنَ النُّونِ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُعَرِّض وَلَا يُصرِّحُ: قَدْ جَعَلَ كَذَا وَكَذَا عُنْوانًا [عِنْوانًا] لِحَاجَتِهِ؛ وأَنشد:
وتَعْرِفُ فِي عُنْوانِها بعضَ لَحْنِها، ***وَفِي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهِيا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعُنْوانُ الأَثر؛ قَالَ سَوَّارُ بْنُ المُضرِّب:
وحاجةٍ دُونَ أُخرى قَدْ سنَحْتُ بِهَا، ***جعلتُها لِلَّتِي أَخْفَيْتُ عُنْوانًا
قَالَ: وَكُلَّمَا اسْتَدْلَلْتَ بشيءٍ تُظهره عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ عُنوانٌ لَهُ كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
ضَحّوا بأَشْمطَ عُنوانُ السُّجودِ بِهِ، ***يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنًا
قَالَ اللَّيْثُ: العُلْوانُ لُغَةٌ فِي العُنْوان غَيْرُ جَيِّدَةٍ، والعُنوان، بِالضَّمِّ، هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ؛ وَقَالَ أَبو دُوَادَ الرُّوَاسِيّ:
لِمَنْ طَلَلٌ كعُنْوانِ الكِتابِ، ***ببَطْنِ أُواقَ، أَو قَرَنِ الذُّهابِ؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لأَبي الأَسود الدُّؤَليّ:
نظَرْتُ إِلى عُنْوانِه [عِنْوانِه] فنبَذتُه، ***كنَبْذِكَ نَعلًا أَخلقَتْ مِنْ نِعالكا
وَقَدْ يُكْسَرُ فَيُقَالُ عِنوانٌ وعِنيانٌ.
واعْتَنَّ مَا عِنْدَ الْقَوْمِ أَي أُعْلِمَ خَبَرَهم.
وعَنْعَنةُ تَمِيمٍ: إِبدالُهم الْعَيْنَ مِنَ الْهَمْزَةِ كَقَوْلِهِمْ عَنْ يُرِيدُونَ أَنْ؛ وأَنشد يَعْقُوبُ:
فَلَا تُلْهِكَ الدُّنْيَا عَنِ الدِّينِ، واعْتَمِلْ ***لآخرةٍ لَا بُدّ عنْ سَتَصِيرُها
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ منْزِلةً، ***ماءُ الصَّبَابةِ مِنْ عَينيكَ مَسْجُومُ
أَراد أَأَن ترَسَّمْتَ؛ وَقَالَ جِرانُ العَوْدِ:
فَمَا أُبْنَ حَتَّى قُلْنَ يَا ليْتَ عَنَّنا ***تُرابٌ، وعَنَّ الأَرضَ بالناسِ تُخْسَفُ
قَالَ الْفَرَّاءُ: لُغَةُ قُرَيْشٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ أَنَّ، وتميمٌ وقَيْس وأَسَدٌ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ يَجْعَلُونَ أَلف أَن إِذا كَانَتْ مَفْتُوحَةً عَيْنًا، يَقُولُونَ: أَشهد عَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، فإِذا كَسَرُوا رَجَعُوا إِلى الأَلف؛ وَفِي حَدِيثِ قَيْلةَ: « تَحْسَبُ عَنِّي نَائِمَةٌ »أَي تَحْسَبُ أَني نَائِمَةٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" حُصَين بْنِ مُشَمِّت: أَخبرنا فُلَانٌ عَنَّ فُلَانًا حَدَّثه "أَي أَن فُلَانًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنَّهم يفعلون لبَحَحٍ فِي أَصواتهم، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لأَنَّكَ ولعَنَّك، تَقُولُ ذَاكَ بِمَعْنَى لَعَلَّك.
ابْنُ الأَعرابي: لعنَّكَ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَبَنُو تَيْم اللَّهِ بْنُ ثَعْلبة يَقُولُونَ: رَعَنَّك، يُرِيدُونَ لَعَلَّكَ.
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: رَعَنَّكَ ولغَنَّك، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، بِمَعْنَى لعَلَّكَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كُنَّا فِي عُنَّةٍ مِنَ الكَلإِ وفُنَّةٍ وثُنَّةٍ وعانِكَةٍ مِنَ الكلإِ واحدٌ أَي كُنَّا فِي كَلاءٍ كَثِيرٍ وخِصْبٍ.
وَعَنْ: مَعْنَاهَا مَا عَدَا الشيءَ، تَقُولُ: رَمَيْتُ عَنِ القوسْ لأَنه بِهَا قَذَفَ سَهْمَهُ عَنْهَا وعدَّاها، وأَطعمته عَنْ جُوعٍ، جَعَلَ الْجُوعَ مُنْصَرِفًا بِهِ تَارِكًا لَهُ وَقَدْ جَاوَزَهُ، وَتَقَعُ مِنْ مَوْقِعَهَا، وَهِيَ تَكُونُ حَرْفًا وَاسْمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مِنْ عَنْه؛ قَالَ القُطَامِيّ:
فقُلْتُ للرَّكْبِ، لِمَا أَنْ عَلا بهمُ، ***مِنْ عَنْ يمينِ الحُبَيّا، نظرةٌ قَبَلُ
قَالَ: وإِنما بُنِيَتْ لِمُضَارَعَتِهَا لِلْحَرْفِ؛ وَقَدْ تُوضَعُ عَنْ مَوْضِعَ بَعْدُ كَمَا قال الحرث بْنُ عُبَاد:
قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامةِ مِنِّي، ***لقِحَتْ حَرْبُ وائلٍ عَنْ حيالِ
أَي بَعْدَ حِيَالِ؛ وَقَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ:
وتُضْحي فَتيتُ المِسكِ فوقَ فِراشِها، ***نَؤُوم الضُّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
وَرُبَّمَا وُضِعَتْ مَوْضِعَ عَلَى كَمَا قَالَ ذُو الإِصبع الْعَدْوَانِيُّ:
لَاهِ ابنُ عمِّكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ***عَني، وَلَا أَنتَ دَيّاني فتَخْزُوني
قَالَ النَّحْوِيُّونَ: عَنْ سَاكِنَةَ النُّونِ حَرْفٌ وُضِعَ لمَعْنى مَا عَدَاكَ وَتَرَاخَى عَنْكَ.
يُقَالُ: انصَرِفْ عنِّي وتنحَّ عَنِّي.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الْعَرَبُ تزيدُ عَنْكَ، يُقَالُ: خُذْ ذَا عَنْكَ، وَالْمَعْنَى: خُذْ ذَا، وَعَنْكَ زِيَادَةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ يُخَاطِبُ لَيْلَى الأَخيلية:
دَعي عنكِ تَشْتامَ الرجالِ، وأَقبِلي ***عَلَى أَذْلَعِيٍّ يَملأُ اسْتَكِ فَيْشَلا
أَراد يملأُ اسْتَكِ فَيْشلُه فَخَرَجَ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ، وَيَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ مِنْ عَنْ لِلشَّاعِرِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ حَذْفُ نُونِ مِنْ، وكأَنَّ حذْفَه إِنَّمَا هُوَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، إِلا أَن حَذْفَ نُونِ مِنْ فِي الشِّعْرِ أَكثر مِنْ حَذْفِ نُونِ عَنْ، لأَن دُخُولَ مِنْ فِي الْكَلَامِ أَكثر مِنْ دُخُولِ عَنْ.
وعَنِّي: بِمَعْنَى عَلِّي أَي لَعَلِّي؛ قَالَ القُلاخُ:
يَا صاحِبَيَّ، عَرِّجا قَلِيلا، ***عَنَّا نُحَيِّي الطَّلَلَ المُحِيلا
وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عَنَّا، قَالَ: قَالَ الْمُبَرِّدُ مِنْ وَإِلَى وَرُبَّ وَفِي وَالْكَافُ الزَّائِدَةُ وَالْبَاءُ الزَّائِدَةُ وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ هِيَ حُرُوفُ الإِضافة الَّتِي يُضَافُ بِهَا الأَسماء والأَفعال إِلَى مَا بَعْدَهَا، قَالَ: فأَما مَا وَضَعَهُ النَّحْوِيُّونَ نَحْوُ عَلَى وَعَنْ وَقَبْلُ وبَعْدُ وبَيْن وَمَا كَانَ مثلَ ذَلِكَ فإِنما هِيَ أَسماء؛ يُقَالُ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِه، وَمِنْ عَلَيْهِ، وَمِنْ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنْ عَنْ يَمِينِهِ؛ وأَنشد بَيْتَ الْقَطَامِيُّ: " مِنْ عَنْ يَمِينِ الحُبَيّا نظْرَةٌ قَبَلُ.
قَالَ: وَمِمَّا يَقَعُ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ مِنْ وَعَنْ أَن مِنْ يُضَافُ بِهَا مَا قَرُبَ مِنَ الأَسماء، وَعَنْ يُوصَل بِهَا مَا تَراخى، كَقَوْلِكَ: سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ حَدِيثًا، وَحَدَّثَنَا عَنْ فُلَانٍ حَدِيثًا.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ}؛ أَي مِنْ عِبَادِهِ.
الأَصمعي: حدَّثني فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ، يُرِيدُ عَنْهُ.
ولَهِيتُ مِنْ فُلَانٍ وَعَنْهُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَهِيتُ عَنْهُ لَا غَيْرُ، وَقَالَ: الْهَ مِنْه وَعَنْهُ، وَقَالَ: عَنْكَ جَاءَ هَذَا، يُرِيدُ مِنْكَ؛ وَقَالَ ساعدةُ بْنُ جُؤَيّةَ:
أَفَعنْك لَا بَرْقٌ، كأَنَّ ومِيضَهُ ***غابٌ تَسَنَّمهُ ضِرامٌ مُوقَدُ؟
قَالَ: يُرِيدُ أَمِنْكَ بَرْقٌ، وَلَا صِلَةٌ؛ رَوَى جميعَ ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ عَنْهُمْ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ تَكُونُ عَنْ بِمَعْنَى عَلَى؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الإِصبع الْعَدْوَانِيِّ: " لَا أَفضلْتَ فِي حَسَبٍ عَنِّي.
قَالَ: عَنِّي فِي مَعْنَى عَليَّ أَي لَمْ تُفْضِلْ فِي حَسَبٍ عَلَيَّ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ عَنْ بِمَعْنَى بَعْدُ؛ وأَنشد:
وَلَقَدْ شُبَّتِ الحُرُوبُ، فَمَا غَمَّرْتَ ***فِيهَا، إِذْ قَلَّصَتْ عَنْ حِيالِ
أَيْ قلَّصَتْ بَعْدَ حِيالها؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ لَبِيَدٍ:
لِورْدٍ تَقْلِصُ الغِيطانُ عَنْهُ، ***يَبُكُّ مسافَةَ الخِمْسِ الكَمالِ
قَالَ: قَوْلُهُ عَنْهُ أَي مِنْ أَجله.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سِرْ عَنْكَ وانْفُذْ عَنْكَ أَي امضِ وجُزْ، لَا مَعْنَى لعَنْك.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: « أَنه طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ يَعْلَى بْنِ أُميَّة، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الرُّكْنِ الغرْبيِّ الَّذِي يَلِي الأَسْودَ قَالَ لَهُ: أَلا تسْتَلِمُ؟ فَقَالَ لَهُ: انْفُذْ عَنْكَ فإِن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يسْتَلِمْه »؛ وَفِي الْحَدِيثِ: « تَفْسِيرُهُ»؛ أي دَعْه.
وَيُقَالُ: جَاءَنَا الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخْفِضُ النُّونَ.
وَيُقَالُ: جَاءَنَا مِنَ الْخَيْرِ مَا أَوجب الشُّكْرَ فَتَفْتَحُ النُّونَ، لأَن عَنْ كَانَتْ فِي الأَصل عَنِي وَمِنْ أَصلها مِنَا، فَدَلَّتِ الْفُتْحَةُ عَلَى سُقُوطِ الأَلف كَمَا دَلَّتِ الْكَسْرَةُ فِي عَنْ عَلَى سُقُوطِ الْيَاءِ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ، حَتَّى ***أَغاثَ شَرِيدَهمْ مَلَثُ الظَّلامِ
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فِي إِعراب مِنَ الوقفُ إِلا أَنها فُتِحَتْ مَعَ الأَسماء الَّتِي تَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَقَوْلِكَ مِنَ النَّاسِ، النُّونُ مِنْ مِنْ سَاكِنَةٌ وَالنُّونُ مِنَ النَّاسِ سَاكِنَةٌ، وَكَانَ فِي الأَصل أَن تُكْسَرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَلَكِنَّهَا فُتِحَتْ لِثِقَلِ اجْتِمَاعِ كَسْرَتَيْنِ لَوْ كَانَ مِنِ النَّاسِ لثَقُلَ ذَلِكَ، وأَما إِعراب عَنِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِلا الْكَسْرُ لأَن أَول عَنْ مَفْتُوحٌ، قَالَ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي الفرق بينهما.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
31-لسان العرب (وحي)
وحي: الوَحْيُ: الإِشارة وَالْكِتَابَةُ والرِّسالة والإِلْهام وَالْكَلَامُ الخَفِيُّ وكلُّ مَا أَلقيته إِلى غَيْرِكَ.يُقَالُ: وحَيْتُ إِليه الكلامَ وأَوْحَيْتُ.
ووَحَى وَحْيًا وأَوْحَى أَيضًا أَي كَتَبَ؛ قَالَ الْعَجَاجُ:
حَتَّى نَحَاهُمْ جَدُّنا والنَّاحِي ***لقَدَرٍ كانَ وحَاه الوَاحِي
بِثَرْمَداء جَهْرَةَ الفِضاحِ "والوَحْيُ: الْمَكْتُوبُ والكِتاب أَيضًا، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَعُوا فَقَالُوا وُحِيٌّ مِثْلَ حَلْيٍ وحُلِيٍّ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فمَدافِعُ الرَّيّانِ عُرِّيَ رَسْمُها ***خَلَقًا، كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
أَراد مَا يُكتب فِي الْحِجَارَةِ ويُنقش عَلَيْهَا.
وَفِي حَدِيثِ "الحرث الأَعْوَر: « قَالَ عَلْقَمَةُ قرأْتُ القُرآن فِي سَنَتَيْنِ»، فَقَالَ الحرثُ: الْقُرْآنُ هَيِّنٌ، الوَحْيُ أَشدُّ مِنْهُ؛ أَراد بِالْقُرْآنِ القِراءة وبالوَحْي الكِتابة والخَطَّ.
يُقَالُ: وحَيْتُ الكِتاب وَحْيًا، فأَنا واحٍ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: كَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَافِرِ، قَالَ: وإِنما الْمَفْهُومُ مِنْ كلام الحرث عِنْدَ الأَصحاب شَيْءٌ تَقُولُهُ الشِّيعَةُ أَنه أُوحِيَ إِلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيءٌ فخَصَّ بِهِ أَهل الْبَيْتِ.
وأَوْحى إِليه: بَعَثه.
وأَوْحى إِليه: أَلْهَمَه.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، وَفِيهِ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها "؛ أَي إِليها، فَمَعْنَى هَذَا أَمرها، ووَحَى فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ قَالَ الْعَجَاجُ:
وحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ، ***وشَدَّها بالرّاسِياتِ الثُّبَّتِ
وَقِيلَ: أَراد أَوْحى إِلا أَنَّ مِنْ لُغَةِ هَذَا الرَّاجِزِ إِسقاط الْهَمْزَةِ مَعَ الْحَرْفِ، وَيُرْوَى أَوْحى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ووَحَى فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى كَتَبَ.
ووَحَى إِليه وأَوْحَى: كلَّمه بِكَلَامٍ يُخفِيه مِنْ غَيْرِهِ.
ووَحى إِليه وأَوْحى: أَوْمَأَ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}؛ وَقَالَ: " فأَوْحَتْ إِلينا والأَنامِلُ رُسْلُها وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ}: أَي أَشار إِليهم، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَوْحى ووَحَى وأَوْمى ووَمى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، ووَحى يحِي ووَمى يَمِي.
الْكِسَائِيُّ: وَحَيْتُ إِلَيْهِ بِالْكَلَامِ أَحي بِهِ وأَوْحَيْتُه إِليه، وَهُوَ أَن تُكَلِّمَهُ بِكَلَامٍ تُخْفِيهِ مِنْ غَيْرَهُ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فَقَالَ لَهَا، وقدْ أَوْحَتْ إِليه: ***أَلا للهِ أُمُّك مَا تَعِيفُ
أَوحت إِلَيْهِ أَي كَلَّمَتْهُ، وَلَيْسَتِ العَقاة مُتَكَلِّمَةً، إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِ: قَدْ قالتِ الأَنْساعُ للبَطْن الحَقي "وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ، وأَوْحى اللَّهُ إِلَى أَنبيائه.
ابْنُ الأَعرابي: أَوْحى الرجلُ إِذا بعَث بِرَسُولٍ ثِقَةٍ إِلَى عَبْدٍ مِنْ عبيدِه ثِقة، وأَوْحى أَيضًا إِذا كَلَّم عبدَه بِلَا رَسُولٍ، وأَوْحى الإِنسانُ إِذا صارَ ملِكًا بَعْدَ فَقْر، وأَوْحى الإِنسانُ ووَحَى وأَحَى إِذا ظَلَمَ فِي سُلْطَانِهِ، واسْتَوْحَيْتُه إِذَا اسْتَفْهَمْته.
والوَحْيُ: مَا يُوحِيه اللهُ إِلى أَنْبيائه.
ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِمْ: أَنا مُؤْمِنٌ بوَحْيِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِّيَ وَحْيًا لأَنَّ الْمَلِكَ أَسَرَّه عَلَى الْخَلْقِ وخَصَّ بِهِ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، المبعوثَ إِليهِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}؛ مَعْنَاهُ يُسِرُّ بعضُهم إِلى بَعْضٍ، فَهَذَا أَصل الْحَرْفِ ثُمَّ قُصِرَ الوَحْيُ للإِلهامِ، وَيَكُونُ للأَمر، وَيَكُونُ للإِشارة؛ قَالَ عَلْقَمَةُ: " يُوحي إِليها بأَنْقاضٍ ونَقْنَقَةٍ وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي}؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْهَمْتُهم كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْحَيْتُ إِلى الحَوارِيِّين أَمرتهم}؛ وَمِثْلُهُ: " وحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ أَي أَمرها، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ "؛ أَتَيْتُهم فِي الوَحْي إِلَيْكَ بالبَراهِين وَالْآيَاتِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى الإِيمان فَآمَنُوا بِي وَبِكَ.
قَالَ الأَزهري: وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ}؛ قَالَ: الوَحْيُ هَاهُنَا إِلقاءُ اللهِ فِي قلبِها، قَالَ: وَمَا بَعْدُ هَذَا يَدُلُّ، وَاللَّهُ أَعلم، عَلَى أَنه وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى جِهَةِ الإِعلامِ للضَّمانِ لَهَا: إِنَّارَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ؛ وَقِيلَ: إنَّ مَعْنَى الوَحْي هَاهُنَا الإِلهام، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يُلْقِيَ اللَّهُ فِي قَلْبِهَا أَنه مَرْدُودٌ إِلَيْهَا وأَنه يَكُونُ مُرْسَلًا، وَلَكِنَّ الإِعلام أَبين فِي مَعْنَى الْوَحْيِ هَاهُنَا.
قَالَ أَبو إسحق: وأَصل الْوَحْيِ فِي اللُّغَةِ كُلِّهَا إِعْلَامٌ فِي خَفاء، وَلِذَلِكَ صَارَ الإِلهام يُسَمَّى وَحْيًا؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ الإِشارةُ والإِيماءُ يُسَمَّى وَحْيًا وَالْكِتَابَةُ تُسَمَّى وَحْيًا.
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}؛ مَعْنَاهُ إِلَّا أَن يُوحيَ إِليه وَحْيًا فيُعْلِمَه بِمَا يَعْلمُ البَشَرُ أَنه أَعْلَمَه، إِما إِلْهَامًا أَو رؤْيا، وَإِمَّا أَن يُنزل عَلَيْهِ كِتَابًا كَمَا أُنزِل عَلَى مُوسَى، أَو قُرْآنًا يُتْلى عَلَيْهِ كَمَا أَنْزَله عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ هَذَا إعْلامٌ وَإِنِ اختلَفت أَسبابُ الإِعلامِ فِيهَا.
وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ}، مِنْ أَوْحَيْتُ، قَالَ: وناسٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ وحَيْتُ إِلَيْهِ ووَحَيْتُ لَهُ وأَوْحَيْتُ إِليه وَلَهُ، قَالَ: وقرأَ جُؤَيَّة الأَسدي قل أُحِيَ إليَ "مِنْ وحَيْتُ، هَمَزَ الْوَاوَ.
ووَحَيْتُ لَكَ بِخَبَرِ كَذَا أَي أَشَرْتُ وصَوَّتُّ بِهِ رُوَيْدًا.
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ وَحَيْتُ إِلَى فُلَانٍ أَحي إِلَيْهِ وَحْيًا، وأَوْحَيْتُ إِليه أُوحِي إِيحَاءً إِذَا أَشرت إِليه وأَوْمأْتَ، قَالَ: وأَما اللُّغَةُ الْفَاشِيَةُ فِي الْقُرْآنِ فبالأَلف، وأَما فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فوَحَيْتُ إِلَى فُلَانٍ مَشْهُورَةٌ؛ وأَنشد الْعَجَاجُ: " وَحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ أَي وحَى اللهُ تَعَالَى للأَرض بأَن تَقِرَّ قَرَارًا وَلَا تميدَ بأَهلها أَي أَشار إِلَيْهَا بِذَلِكَ، قَالَ: وَيَكُونُ وَحى لَهَا القَرارَ أَي كَتب لَهَا القَرارَ.
يُقَالُ: وحَيْتُ الكتابَ أَحِيهِ وَحْيًا أَي كَتَبْتُهُ فَهُوَ مَوحِيٌّ.
قَالَ رُؤْبَةُ: إِنْجيلُ تَوْراةٌ وَحى مُنَمْنِمُهْ "أَي كتَبه كاتِبُه.
والوَحى: النارُ، وَيُقَالُ للمَلِكِ وَحًى مِنْ هَذَا.
قَالَ ثعلب: قلت لابن الأَعرابي مَا الوَحى؟ فَقَالَ: المَلِكُ، فَقُلْتُ: وَلِمَ سُمِّيَ الملِكُ وَحىً؟ فَقَالَ: الوَحى النَّارُ فكأَنه مِثلُ النَّارِ يَنْفَع ويَضُرُّ.
والوَحى: السِّيدُ مِنَ الرِّجَالِ؛ قَالَ:
وعَلِمْتُ أَني إِن عَلِقْتُ بحَبْلِه، ***نشِبَتْ يَدايَ إِلى وَحًى لَمْ يَصْقَعِ
يُرِيدُ: لَمْ يَذْهَبْ عَنْ طَرِيقِ الْمَكَارِمِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّقْع.
والوَحْيُ والوَحى مِثْلُ الوَغى: الصَّوْتُ يَكُونُ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ: " مُرْتَجِز الجَوفِ بوَحْيٍ أَعْجَم "وَسَمِعْتُ وَحاهُ ووَغاه؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَذُودُ بسَحْماوَيْن لَمْ يَتَفَلَّلا ***وَحى الذئبِ عَنْ طَفْلٍ مَناسِمهُ مُخْلي
وَهَذَا الْبَيْتُ مَذْكُورٌ فِي سَحَمَ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الوَحى الصَّوْتَ لِشَاعِرٍ:
مَنَعْناكُمْ كَراء وجانِبَيْه، ***كَمَا مَنَعَ العَرِينُ وَحى اللُّهامِ
وَكَذَلِكَ الوَحاة بِالْهَاءِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يَحدُو بِهَا كلُّ فَتًى هَيَّاتِ، ***تَلْقاهُ بَعْدَ الوَهْنِ ذَا وحاةِ،
وهُنَّ نحوَ البيْتِ عامِداتِ وَنَصَبَ عَامِدَاتٍ عَلَى الْحَالِ.
النَّضْرُ: سَمِعْتُ وَحاةَ الرَّعْد وَهُوَ صَوْتُهُ الْمَمْدُودُ الْخَفِيُّ، قَالَ: والرَّعْدُ يَحي وَحاةً، وَخَصَّ ابْنُ الأَعرابي مَرَّةً بِالْوَحَاةِ صوتَ الطَّائِرِ.
والوَحى: العَجَلةُ، يَقُولُونَ: الوَحى الوَحى "والوَحاء الوَحاء يَعْنِي البِدارَ البِدارَ، والوَحاء الوَحاء يَعْنِي الإِسراع، فيمدُّونهما ويَقْصُرونهما إِذا جَمَعُوا بَيْنَهُمَا، فإِذا أَفردوه مَدُّوهُ وَلَمْ يَقْصروه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ: " يَفِيضُ عَنْهُ الرَّبْوُ مِنْ وَحائه التَّهْذِيبُ: الوَحاء مَمْدُودٌ، السُّرْعة، وَفِي الصِّحَاحِ: يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَرُبَّمَا أَدخلوا الْكَافَ مَعَ الأَلف وَاللَّامِ فَقَالُوا الوَحاك الوَحاك، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ النَّجاء النَّجاء والنَّجى النَّجى والنَّجاك النَّجاك والنَّجاءك النَّجاءك.
وتَوحَّ يَا هَذَا فِي شأْنك أَي أَسْرِع.
ووحَّاه تَوْحِيةً أَي عَجَّله.
وَفِي الْحَدِيثِ: « إِذا أَرَدْتَ أَمرًا فتَدَبَّر عاقِبتَه، فإِن كَانَتْ شَرًّا فانْتَهِ، وإِن كَانَتْ خَيْرًا فَتَوَحَّهْ »أَي أَسْرِعْ إِليه، وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ.
ووَحَّى فُلَانٌ ذَبِيحَتَهُ إِذا ذَبَحها ذَبْحًا سَرِيعًا وَحِيًّا؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:
أَسِيرانِ مَكْبُولانِ عندَ ابنِ جعْفَرٍ، ***وآخرُ قَدْ وحَّيْتُمُوه مُشاغِبُ
والوَحِيُّ، عَلَى فَعِيلٍ: السَّريعُ.
يُقَالُ: مَوْتٌ وَحِيٌّ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ: « الوَحا الوَحا »أَي السُّرْعةَ السُّرعةَ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ.
يُقَالُ: تَوَحَّيْتُ تَوَحِّيًا إِذا أَسرعت، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الإِغْراء بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ.
واسْتَوْحَيْناهم أَي اسْتَصْرَخْناهم.
واسْتَوْحِ لَنَا بَنِي فُلَانٍ مَا خَبَرُهم أَي اسْتَخْبِرهم، وَقَدْ وَحى.
وتَوَحَّى بِالشَّيْءِ: أَسْرَعَ.
وَشَيْءٌ وَحِيٌّ: عَجِلٌ مُسْرِعٌ.
واسْتَوْحى الشيءَ: حرَّكه ودَعاه ليُرْسِله.
واسْتَوْحَيْتُ الكلبَ واسْتَوْشَيْتُه وآسَدْتُه إِذا دَعَوْتَهُ لِتُرْسِلَهُ.
بَعْضُهُمْ: الإِيحاء البُكاء.
يُقَالُ: فُلَانٌ يُوحي أَباه أَي يَبْكِيه.
والنائحةُ تُوحي الْمَيِّتَ: تَنُوحُ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ:
تُوحي بِحالِ أَبيها، وَهُوَ مُتَّكِئٌ ***عَلَى سِنانٍ كأَنْفِ النِّسْرِ مَفْتُوقِ
أَي مَحَدِّد.
ابْنُ كَثْوَةَ: مِنْ أَمثالهم: إِن مَنْ لَا يَعرِف الوَحى أَحْمَقُ؛ يُقَالُ لِلَّذِي يُتَواحى دُونه بِالشَّيْءِ أَو يُقَالُ عِنْدَ تَعْيِيرِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الوَحى.
أَبو زَيْدٍ مِنْ أَمثالهم: وَحْيٌ فِي حجَر؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يَكْتُم سِرَّه، يَقُولُ: الْحَجَرُ لَا يُخْبِر أَحدًا بِشَيْءٍ فأَنا مِثْلُهُ لَا أُخبر أَحدًا بِشَيْءٍ أَكْتُمُه؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلشَّيْءِ الظَّاهِرِ الْبَيِّنِ.
يُقَالُ: هُوَ كالوَحْي فِي الْحَجَرِ إِذا نُقِرَ فِيهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: " كالوَحْي فِي حَجَرِ المَسيل المُخْلِدِ "وخي: الوَخْي: الطريقُ المُعْتَمد، وَقِيلَ: هُوَ الطَّرِيقُ الْقَاصِدُ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الْقَصْدُ؛ وأَنشد:
فقلتُ: وَيْحَكَ أَبْصِرْ أَين وَخْيُهُمُو ***فَقَالَ: قَدْ طَلَعُوا الأَجْمادَ واقْتَحَمُوا
وَالْجَمْعُ وُخِيٌّ ووِخِيٌّ، فإِن كَانَ ثَعْلَبٌ عَنَى بالوَخْي القَصْدَ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ فَلَا جَمْعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ إِنما عَنَى الوَخْيَ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ الْقَاصِدُ فَهُوَ صَحِيحٌ لأَنه اسْمٌ.
قَالَ أَبو عَمْرٍو: وَخى يَخي وَخْيًا إِذا تَوَجَّه لِوَجْهٍ؛ وأَنشد الأَصمعي: " قالتْ وَلَمْ تَقْصِدْ لَهُ وَلَمْ تَخِهْ أَي لَمْ تَتَحَرَّ فِيهِ الصَّوَابَ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والتَّوَخِّي بِمَعْنَى التَّحَري لِلْحَقِّ مأْخوذ مِنْ هَذَا.
وَيُقَالُ: تَوَخَّيْتُ مَحَبَّتَك أَي تَحَرَّيْتُ، وَرُبَّمَا قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلفًا فَقِيلَ تأَخَّيْت.
وَقَالَ اللَّيْثُ: تَوَخَّيْت أَمر كَذَا أَي تيَمَّمْتُه، وإِذا قُلْتَ وَخَّيْتُ فُلَانًا لأَمر كَذَا "عَدَّيت الْفِعْلَ إِلى غَيْرِهِ.
ووَخَى الأَمْرَ: قصَدَه؛ قَالَ:
قالتْ وَلَمْ تَقْصِدْ بِهِ وَلَمْ تَخِهْ: ***مَا بالُ شَيْخٍ آضَ منْ تَشَيُّخِهْ،
كالكُرَّزِ المَرْبُوطِ بينَ أَفْرُخِهْ؟ وتَوخَّاه: كوَخاه.
وَقَدْ وخَيْتُ غَيْرِي، وَقَدْ وخَيْتُ وَخْيَكَ أَي قَصَدْتُ قَصْدَكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « قَالَ لَهُمَا اذْهَبا فتَوَخَّيا واستَهِما »أَي اقْصِدا الحَقَّ فِيمَا تَصْنَعانِه مِنَ القِسمة، ولْيأْخذْ كلٌّ مِنْكُمَا مَا تُخْرِجُهُ القُرْعة مِنَ القِسمة.
يُقَالُ: تَوَخَّيْتُ الشَّيْءَ أَتَوَخَّاه تَوخِّيًا إِذا قَصَدْتَ إِليه وتَعَمَّدْت فِعلَه وتحَرَّيْت فِيهِ.
وَهَذَا وَخْيُ أَهْلِك أَي سَمْتُهم حَيْثُ سارُوا.
وَمَا أَدري أَين وَخَى فُلَانٌ أَي أَينَ تَوجَّهَ.
الأَزهري: سَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ الْفُصَحَاءِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إِذا أَرشده لصَوْب بَلَدٍ يأْتَمُّه: أَلا وخُذْ عَلَى سَمْت هَذَا الوَخْي أَي عَلَى هَذَا القَصْدِ والصَّوْبِ.
قَالَ: وَقَالَ النَّضْرُ اسْتَوْخَيْتُ فُلَانًا عَنْ مَوْضِعِ كَذَا إِذَا سأَلته عَنْ قَصْدِه؛ وأَنشد:
أَما مِنْ جَنُوبٍ تُذْهِبُ الغِلَّ طَلَّةٍ ***يَمانِيةٍ مِنْ نَحْو رَيّا، وَلَا رَكْب
يَمانِينَ نَسْتَوخِيهمُ عَنْ بِلادِنا ***عَلَى قُلُصٍ، تَدْمى أَخِشَّتُها الحُدْب
وَيُقَالُ: عرفتُ وَخى الْقَوْمِ وخِيَّتَهم وأَمَّهم وإمَّتَهم أَي قَصْدَهم.
ووَخَت النَّاقَةُ تَخي وَخْيًا: سَارَتْ سَيْرًا قَصْدًا؛ وَقَالَ:
افْرُغْ لأَمثالِ مِعًى أُلَّافِ ***يَتْبَعْنَ وَخْيَ عَيْهَلٍ نِيافِ،
وهْيَ إِذَا مَا ضَمَّها إِيجَافِي "وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ أَبي عَمْرٍو: الوَخْيُ حُسْنُ صَوْتِ مَشْيِها.
وَوَاخَاهُ: لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فِي آخَاهُ، يُبْنَى عَلَى تَواخى.
وتَوخَّيْتُ مَرْضاتَك أَي تحرَّيْت وقصدْت.
وَتَقُولُ: استَوْخِ لَنَا بَنِي فُلَانٍ مَا خَبَرُهم أَي استَخْبِرْهم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا الْحَرْفُ هَكَذَا رَوَاهُ أَبو سَعِيدٍ بِالْخَاءِ مُعْجَمَةً؛ وأَنشد: الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ صَلَخَ:
لَوْ أَبْصَرَتْ أَبْكَمَ أَعْمى أَصْلَخا ***إِذًا لَسَمَّى، واهْتَدى أَنَّى وَخَى
أَي أَنَّى تَوَجَّهَ.
يُقَالُ: وَخى يَخي وَخْيًا، وَاللَّهُ أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
32-أساس البلاغة (فلي)
فليفليت رأسي واستفليته، واستفليت رأسي: طلبت أن يفلى. قال:
وقد أختلس الطّعن *** ة لا يدمى لها نصلي
كجيب الدّفنس الورها *** ء ريعت وهي تستفلي
وتفالى الحماران. قال ذو الرمة:
وظلت بملقى واحفٍ جرع المعى *** صيامًا تفالى مصلخمًا أميرها
أي عظيمًا في نفسه متكبرًا. ورأيت النساء يتفالين. «وما أشبهك إلا بفالية الأفاعي» وهي هنيّة من جنس الخنافس منقّطة تكون عند جحرة الحيات تفليهنّ، قال أبو الدفيش: هي سيدة الخنافس. تقوله لذي الشفقة على الظّلمة.
ومن المجاز: فليت الشعر: تدبرته وفتشت عن معانيه. يقال: إفل هذا البيت فإنه صعب. وفليت القوم بعيني وافتليتهم: تأملتهم، كما تقول: جسستهم بعيني، وفليت خبرهم وافتليته. وفليت القوم وفلوتهم حتى لقيت فلانًا أي تخلّلتهم، ومنه فليت رأسه بالسيف وفلوته. وفلا المفازة، والفلاة فعلةٌ منه. وفلانة بدوية فلوية. وتقول: أترك الناس للصّلوات، أهل الفلوات. وأفلينا: دخلنا في الفلاة، ومنه: فلوت المهر عن أمه وافتليته: فصلته. قال:
تعود جيادهنّ ونفتليها *** ولا نغذو التّيوس ولا القهادا
وله فلوّ وأفلاءٌ.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
33-أساس البلاغة (وحي)
وحيأوحي إيه وأومي بمعنًى، ووحيت إليه وأوحيت إذا كلّمته بما تخفيه عن غيره، وأوحى الله إلى أنبيائه. «وأوحى ربك إلى النّحل» ووحى وحيا: كتب. قال رؤبة:
لقدرٍ كان وحاه الواحي
ويقال: الوحا الوحا والوحاك الوحاك: في الاستعجال، وتوحّى: أسرع. قال الأعشى:
مثل ريح المسك ذاكٍ ريحها *** صبّها السّاقي إذا قيل توحّ
واستوحيته: استعجلته. واستوح لي بني فلان ما خبرهم: استخبرهم.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
34-صحاح العربية (وخى)
[وخى] يقال: وَخَيْتُ وَخْيَكَ، أي قصدتُ قصدك.وهذا وَخْيُ أهْلِكَ، أي سَمْتُهُمْ حيث ساروا.
وما أدري أين وَخَى فلانٌ، أي أين توجه.
ووخت الناقة تخى وَخْيًا، أي سارت سيرًا قَصْدًا.
وقال:
يتبعن وخى عيهل نياف *** وواخاهُ: لغةٌ ضعيفةٌ في آخاهُ، تبنى على يُواخي.
وتَوَخَّيْتُ مرضاتَك، أي تحرَّيتُ وقصدتُ.
وتقول: اسْتوْخِ لنا بَني فلانٍ ما خَبَرُهُمْ؟ أي استخبرهم.
وهذا الحرف هكذا رواه أبو سعيد بالخاء معجمة.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
35-منتخب الصحاح (وخى)
يقال: وَخَيْتُ وَخْيَكَ، أي قصدتُ قصدك.وهذا وَخْيُ أهْلِكَ، أي سَمْتُهُمْ حيث ساروا.
وما أدري أين وَخَى فلانٌ، أي أين توجَّه.
ووَخَتِ الناقةُ تَخي وَخْيًا، أي سارت سيرًا قَصْدًا.
وواخاهُ: لغةٌ ضعيفةٌ في آخاهُ، تبنى على يُواخي.
وتَوَخَّيْتُ مرضاتَك، أي تحرَّيتُ وقصدتُ.
وتقول: اسْتوْخِ لنا بَني فلانٍ ما خَبَرُهُمْ؟ أي استخبرهم.
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
36-المحيط في اللغة (وحو)
وحَوْ: زَجْرٌ للمَعْزِ، حَوْحَأْتُ به حَوْحَاةً.وحَيَّ - ثَقِيْلَةٌ -: يُنْدَبُ بها، يقولُ: حَيَّ على الخَيْرِ والغَدَاءِ.
وأمّا الحَيَاةُ: فَتُكْتَبُ بالوِاو ليُعْلَمَ أنَّ الواوَ بَعْدَ الياء.
والمُحَاياةُ: الغِذَاءُ للصَّبِيِّ بما به حَيَاتُه.
وقوله عزَّ وجلَّ: {وَيْسَتْحُيوْنَ نِسَاءكم} أي يَتْرُكُوهُنَّ أحْيَاءً.
وناقَةٌ مُحْيِ ومُحْيِيَةٌ: لا يَمُوْتُ وَلَدُها.
وأتَيْتُكَ وحَيُّ فلانٍ قائمٌ: أي هو حَيٌّ.
ويقولونَ: (أحْيا من ضَبٍّ) أي أَطْوَلُ حَيَاةً.
والحَيَوَانُ: كُلًُّ ذِي رُوْحٍ، وماءٌ في الجَنَّةِ.
والحَيَوَاتُ: بمَنْزِلَةِ الحَيَوانِ.
والحَيَّةُ: اشْتِقَاقُها من الحَيَاةِ، وأصْلُها: حَيْوَةٌ.
وصاحِبُها: حاءٍ - على فاعِلٍ - وحَوّاءٌ، وسُمِّيَتْ لأنَّها تَتَحَوّى في الْتِوائها.
وأرْضٌ مَحْوَاةٌ ومَحْيَاةٌ: كثيرةُ الحَيّاتِ.
والحَيُّوْتُ: ذَكَرُ الحَيّاتِ.
والحَيَوَاتُ: جَمْعُ الحَيَّةِ.
وهذا حَيٌّ زيدٍ: أي نَفْسُ زَيْدٍ.
ومَكَثَ فلانٌ عندنا حيَّ زيدٍ: أي حَيَاةَ زَيْدٍ.
والحَيَوَانُ: الحَيَاةُ.
وما بهذا حَيَوانٌ: أي رُوْحٌ، والحَيَوَاتُ: مِثْلُه.
ولا حَيَّ لي: أي لا أَحَدَ لي.
وامْرَأَةُ الرَّجُلِ: أُمُّ الحَيِّ.
ويقولون: (أظْلَمُ من حَيَّةٍ.
وحَيِيَ الرَّجُلُ يَحيى: من الحَيَاءِ، واسْتَحْيَيْتُ - بِيائَيْنِ -، ورَجُلٌ حَيِيُّ وامْرَأَةٌ حَيِيَّةٌ، وحَيَا فلانٌ: بمنعنى حَيىَ، كما يُقال بَقي: بمعنى بَقِيَ.
والحَيَا - مَقْصُوْرٌ - حَيَاءُ الرَّبيعِ تَحْيى به الأرْضُ، وتَتَابَعَ علينا حَيًا وحَيَيَانِ وأحْيَاءُ من مَطَرٍ.
وأحْيَيْتُ الأرْضَ: وَجَدْتُها حَيَّةَ النَّبَاتِ.
والحُوَّةُ: حُمْرَةٌ تَضْرِبُ إلى السَّوَادِ، شَفَةٌ حَوّاءُ.
وحَيَاءُ الشّاةِ: مَمْدُوْدٌ ومَقْصُورٌ والمَدُّ أَكْثَرُ، وجَمْعُه أحْيِيَةٌ.
والحَيُّ: حَيٌ من أحْيَاءِ العَرَبِ.
والمُحَيّا: الوَجْهُ، وهو في الفَرَسِ: حيثُ انْفَرَقَ اللَّحْمُ تحت النّاصِيَةِ فب أعْلى الجَبْهَةِ.
والمُحَاياةُ: تَحِيَّةُ القَوْمِ بعضِهم بعضًا.
وقَوْلُهم: حيّاكَ اللَّهُ: يَعْني به الاسْتِقْبالَ بالمُحَيّا، واشْتِقَاقُه من الحَيَاةِ أو الحَيَاءِ.
وقِيل: أفْرَحَكَ وأضْحَكَكَ.
ودائرَةُ المُحَيّى: لاصِقَةٌ بأسْفَلِ النّاصِيَةِ.
والتَّحِيّاتُ لله: البَقَاءُ، وقيل المُلْكُ للِه عزَّ وجلَّ.
وقيل: السَّلامُ.
ورَجَاءُ بن حَيْوَةَ: مَعْروفٌ.
والتَّحَايِيْ: كَواكبُ ثلاثةٌ حِذَاءَ الهَنْعَةِ، الواحِدَةُ: تِحْيَاةٌ.
والحَيَّةُ: كَواكبُ ما بين الفَرْقَدَيْنِ وبَنَاتِ نَعْشٍ.
والأسَدُ: حَيَّةُ الوادي.
وحَوي فلانٌ مالَهُ حَيًّا وحَوَايَةً: جَمَعَه وأحْرَزَه، واحْتَوى عليه.
والحَوِيَّةُ: مَرْكَبٌ للمَرْأةِ، وكِسَاءٌ يُحَوّي حَوْلَ سَنَامِ البِعيرِ ثُمَّ يُرْكُبُ، وجَمْعُه حَوَايا.
والحَوِيُّ: اسْتِدَارَةُ كلِّ شَيْءٍ كَحَوِيِّ الحَيَّةِ والنُّجُوْمِ إذا اتَّسَقَتْ.
والحَوِيَّةُ والحاوِيَةُ والحاوِيَاءُ: الأمْعَاءُ، والجَميعُ: الحَوَايا.
وهي أيضًا: التي يُلْقى وَسَطَها النَّوى فَيُمْسِكُها حين يُرْضَحُ لئلاّ يَتَطَايَرَ.
والحِوَاءُ: أخْبِيَةٌ تَداني بَعْضُها من بعضٍ، هم أهْلُ حِوَاءٍ واحِدٍ، ومن حَوِيٍّ واحِدٍ، وجَمْعُ الحِوَاءِ: أحْوِيَةٌ.
والحَوَايا: المَسَاطِحُ حول الماءِ لِتَحْبِسَه، والواحِدَةُ: حَوِيَّةٌ.
وحَوَيْتُ للماءِ حَوِيًّا، فأنا أحْوِيْه حَيًّا.
وقيل: هي البَرَابِخُ.
وحَوّا: مَعْروفٌ.
ورَجُلٌ حُوّاءةٌ: لا يَبْرَحُ، مُشَبَّهٌ بالنَّبْتِ المُسَطَّحِ على الأرْضِ يُسَمّى الحُوّاءةَ.
وهو حُوّاءةُ مالٍ: أي لازِمٌ لها حَسَنُ القِيامِ عليها.
وهذا حُوَيٌ خَبْتٍ واقِعًا: وهو طائرٌ كالعُصْفُورِ أَسْوَدُ البَطْنِ والرَّأْسِ.
ويقولون: (ما يَعْرِفُ الحَوَّ من اللَّوِّ والحَيَّ من اللَّيِّ) أي الحَقَّ من الباطِلِ.
وتَحَوَّيْتُ: أي تَرَجَّيْتُ الشَّيْءَ ليس لي.
والعَنْزُ تُسَمّى: حُوَّةَ - غَيْر مُجْرَاةٍ -؛ اسْمٌ لها تُدْعى به للحَلَبِ.
وحَيَّ - بمعنى حَيَّهَلا -: أي اعْجَلْ.
ويُقال للحِمارِ: حَيِّه؛ إذا زَجَرْتَه، وحَيْ وحِيْهِ: مِثْلُه.
وحَايِ بِضَانِكَ وحاحِ بها: أي ادْعُها.
وَحَى يَحِيْ وَحْيًا: كَتَبَ يَكْتُبُ، وأنا أَحِيْ، وأنشد:
لِقَدَرٍ كَانَ وَحَاهُ الواحِي
وأَوْحى اللَّهُ إليه: بعَثَه، وقيل: ألْهَمَه.
ويُقال: أوْحَى لها وَوَحى لها.
والإيْحَاءُ: الإِيْمَاءُ والإشَارَةُ.
وَوَحَيْتُ لكَ بِخَبَرِ كذا: أي أَخْبَرْت.
والوَحِيُّ: من وَحّي يُوَحِّي، في العَجَلَةِ.
واسْتَوْحِ لي من فلانٍ ما خَبَرُهُم: أي اسْتَخْبِرْه.
واسْتَوْحَيْتُه: أي اسْتَعْجَلْتُه؛ من الوَحا الوَحا.
والوَحْوَحَةُ: الصَّوْتُ، وقيل: التَّحَرُّكُ، وكذلك الوَحَاةُ.
سَمِعْتُ وَحْيَ القَوْمِ وَوَحَاتَهم: أي جَلَبَتَهم.
ووَيْحُ: رَحْمَةٌ لِنَازِلٍ به بَلِيَّةٌ، ويُقال: وَيْحًا مّا؛ كما يُقال: أيّا مّا.
والوَحْوَاحُ: السَّرِيْعُ، وقيل: الكَثيرُ الوَحْوَحَةِ بالصَّوْتِ، وقيل: الحَدِيْدُ النَّفْسِ المُنْكَمِشُ.
وجاءَ فلان يُوَحْوِحُ من البّرْدِ: أي يَضْطَرِبُ ويَتَنَفَّسُ.
والوَحْوَحُ: ضَرْبٌ من الطَّيْرِ.
ويُقال البَقَرِ إذا زُجِرَتْ: وَحْ.
والوَحى من الجَبَلِ: سَنَدُه.
ولا وَحى عن كذا: أي لا بُدَّ.
ويقولونَ: (العِيُّ وَحْيٌ في حَجَر) أي الخَبَرُ لا يُخْبِرُ أَحَدًا بشيءٍ فهم مِثْلُه.
الأُحَاحُ: الغَيْظُ.
وإذا دُعِيَ الكَبْشُ للسِّفَادِ قيل: أُحُوْ أُحُوْ.
ويُقال للمُرْسِلِ السَّهْمِ عند الإصابَةِ: إيْحَا.
وأيْحَا: اتْبَاعٌ لِمَرْحى.
وآحِ: حِكايَةُ صَوْتِ السّاعِلِ، أنشد:
يقولُ من بَعْدِ السُّعَالِ: آحِ
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
37-المحيط في اللغة (خمى)
يُقال خام وخامِسٌ بمعنىً.الخَوْخَةُ: مُخْتَرق بين بَيْتَيْن أو دارَيْن.
وكُوة في جِدارٍ.
وثَمَرَةٌ أيضًا، والجميع خَوْخ.
وضَرْبٌ من النبات أخْضَرُ.
واسْمُ الدبُر.
والخَوَاءُ: الفُرْجَة بين الشئيْئيْن، دَخَلَ في خَوَاءِ فَرَسِه: أي ما بين رِجْلَيْه ويَدَيْه، وخَوَايَة أيضًا.
واخْتَوَاه: أي طَعَنَه في خَوَائه.
والخَوى - بالياء -: خَلاءُ الجَوْفِ والجُوْعُ، خَوِيَ يَخْوي خَوىً.
وخَوَت الدارُ: بادَ أهْلها.
وخَوِيَتْ.
وخَوّىَ البَعِيرُ تَخْوِيَةً: إذا بَرَكَ ثم مَكنَ لِثَفِناتِه فى الأرض.
ومُخَواه: مَوضعُ تَخْوِيَته، والجميع مُخَويَات.
والخَوةُ من الأرض: المُتَطامِنَةُ.
وخَويتُ تَخْوِيَة: حَفَرْت حَفِيرةً.
والخَوِفي: الوادي السهْلُ.
والخَو: المَكانُ المُسْتَرخي.
وخو: كثيب معروف بنَجد.
ويومُ خَوٍ: لبَني أسَدٍ على بني يَرْبُوع.
والخَوِية: مَفرَجُ ما بينَ الضئرْع والقُبُل للناقة.
والخَوْخاةُ: الرجُلُ الأحمق، والجميع الخَوْخاؤونَ.
واخْتَوَيْتُ ما عنده وأخْوَيْتُه: أخَذْت كل شَيءٍ منه.
والاخْتِواءُ: الذهابُ بالشيْءِ.
والخاءُ: خاءُ الخَط في الكتاب، تقول: خَييْتُ خاءً، وهي خاء مُخَياةٌ.
ويُقال: خاءِ بكَ علينا: أي اعْجَلْ، وللاثنين: خاءِبكما، وللجميع خاءِبكم.
والخوَيْخِيَةُ: الداهِيَة، من قولهم: هو يَخُوخُ ما لَه خَوْخًا: أي يَتَنَقصُه.
ويُقال للتيس إذا دًعِيَ للسفَاد: خُوْخُوْ وخاخا.
والخَوَاتُ: اسْمُ الصوْتِ.
وخَوَاتُ القَوْم: جَلَبَتُهم.
وخَوى يَخْوي: صاح.
والطائرُ إذا أرادَ أن يَقَعَ فَبَسَطَ جَنَاحَيه: قد خوى تَخْوِيَةً، والرجُلُ إذا أرادَ السكُوتَ وأطرَقَ.
وخَوتِ الإبلُ تَخْوِيَةً: خَمُصَتْ بُطُونُها.
وخَوِيَتِ المرأةُ: لم تأكُل عند وِلادها، وخَوَت أيضًا.
وخَويتُ لها: عَمِلْت لها خَويةً.
وخَوَت النُجُوْمُ تَخْوِيَةً: مالَتْ للغُروب.
وخَوَتْ تَخْوي خَيًّا: سَقَطَتْ، وأخْوَتْ كذلك.
وإِذا لم تُمْطِرْ أيضًا.
وخَيَوَانُ: حيط من اليَمَن.
وأخَاخ العُشْبُ: إذا خَفِيَ وقَل، وهي الإِخاخَةُ.
واخْتَوَيْتُ: إذا ذهب عَقْلي.
الوَخْوَخَةُ: حِكايَةُ بعض أصْوَاتِ الطٌيْرِ.
والتوَخي: أنْ يتَيَممَ الرجُلُ أمْرًا فَيَقْصِدَ قَصدَه، وَخى يُوَخي تَوْخِيَةً.
ووَخَيْتُه خِيْهِ وَخْيًا: أي قَصَدْته.
ولَأخِينّ وَخْيَه.
واسْتَوْخ لِبَني فلانٍ ما خَبَرُهم: أي اسْتَخْبِرْهُم.
والوَخْوَاخُ من الرجال: الذي فيه رَخاوَةٌ.
والذي ليس له خُلُقٌ.
والوَخْوَخَةُ: الضعْفُ.
وهو في التَّمْرِ: الذي لا حَلاوة له ولا طَعْم، وفي العُشْب: الذي قد عَظُمَ.
وسَمِعْتُ وَخْي القَوْم ووَخَاهم: أي أصواتهم.
ويقولون وَيْخَ: فى معنى وَيْك.
ووَخى لهم يَخي: إذا هَيأ لهم وَجْهَ العَمَل والرأي.
الأخُ واحد، وجَمْعُه إخْوَةٌ وأخْوَة وإخْوَان وآخاء - مِثْل آباء - وأخُون - مِثلُ أبون -.
وبَيْني وبَيْنَه أخُوة وإخاء وخُوَي.
وآخَيْتُه.
وهو من آخائي.
والتأخي: اتخاذُ الإخْوان.
وتصغير إخْوَة: أخَيْوَة.
والتأخي: إحْكامُ الشيْءِ وجَوْدَةُ الصنْعَة.
ويقولون: هو بأخي الشر: أي بخَيْرٍ.
والمَوْتُ أخو الشر.
وفي المَثَل: (مَنْ لك بأخِيكَ كله).
ولفُلانٍ عندي أخِيةً، وأخيْتُ تأخِيَةً، وأصْلُه من آخِية الدابة، والجميع الأواخِي.
والأخْتُ: تاؤها هاء، وأخَوَات جَمْع.
وأخٍ: كلمة يُتَكَلمُ بها عند التوَجع كالاسْتِغاثة.
وإخ: للشيْءِ القذِر.
والتأوُّخ: القَصْدُ.
والأخِيْخَةُ: دَقِيْقٌ يُصَبُّ عليه ماء وزَيْت.
ويقال للبعير إذا أرَدْتَ أنْ تُنِيخَه: أخّ أخّ وأيْخ أيْخ.
وقد أيَّخْتُ به تأييخًا.
والأخِيَّةُ - على فَعِيْلَةَ -: الآخِيةُ، وجَمْعُها أخَايَا.
والآخِيةُ: أنْ يُدْفَنَ طَرَفَا قِطعةٍ من الحَبْل في الأرض ويُظْهَر مِثْلَ العُرْوَة يُشَد به الدابةُ.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
38-تهذيب اللغة (حوي)
حوي: أبو عمرو: الحوايا المَساطح وهو أن يعمدوا إلى الصَّفَا فيحوون له ترابًا وحجارَةً ليحبس عليهم الماءَ واحدها حَوِيَّةٌ.وقال الليث أرض مَحْوَاةٌ كثيرة الحيّات.
واجتمعوا على ذلك.
وقال اليزيديُّ: أرض محياةٌ ومَحْوَاةٌ كثيرة الحيّات.
عمرو عن أبيه: أوْحَى الرجلُ إذا ملك بعد مُنَازَعَةٍ.
الحراني عن ابن السكيت، تقول استوحِ لنا بَنِي فلان ما خبرُهُم؟ أي استخبِرْهُم.
عمرو عن أبيه: يقال لبياض البيضة الذي يؤكل: الآحُ ولصفرتها: الماح.
ابن هانىء عن ابن كَثْوة من أَمْثَالِهم: إنّ من لا يعرف الوَحَا أحمق يقولها الذي يُتَوَاحى دُونَه بالشيء، أو يقال عند تعبير الذي لا يعرف الوَحَا.
وفي الحديث «إذا أردْتَ أمرًا فتدبّر عاقبته فإن كانت شرًا فانْتَهِ وإن كانت خيرًا فَتَوَحَّهْ» أي أسرع إليه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م