نتائج البحث عن (رديفه)
1-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الإرداف)
الإرداف:الإرداف من أردف، يقال: أردفه، أي ركب خلفه، أي حمله خلفه على ظهر الدابة، فهو رديف وردف.
والإرداف مما فرّعه قدامة من ائتلاف اللفظ مع المعنى وسماه هذه التسمية، وقال عنه: «هو أن يريد الشاعر دلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له، فاذا دلّ على التابع أبان عن المتبوع».
وكان المتقدمون كابن قتيبة وابن المعتز. قد بحثوا ذلك في باب الكناية والتعريض ولكن البلاغيين ساروا على مذهب قدامة فعرّفه العسكري بقوله: «الارداف والتوابع: أن يريد المتكلم الدلالة على معنى فيترك اللفظ الدال عليه الخاص به، ويأتي بلفظ هو ردفه وتابع له، فيجعله عبارة عن المعنى الذي أراده». وسمّاه ابن رشيق التتبيع وقال: «ومن أنواع الاشارة: التتبع وقوم يسمونه التجاوز، وهو أن يريد الشاعر ذكر الشيء فيتجاوزه ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب عنه في الدلالة عليه».
وسماه ابن سنان الإرداف والتتبيع وقال: «ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدلالة على المعنى فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع. وهذا يسمى الإرداف والتتبيع؛ لأنّه يؤتى فيه بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص لذلك المعنى وتابعه».
وسمّاه التبريزي الإرداف وقال: «هو أن يريد الشاعر دلالة على معنى فلا يأتي باللفظ الدال عليه بل بلفظ هو تابع له». ونقل البغدادي هذا التعريف كما نقل تعريف قدامة.
وعدّه ابن الأثير القسم الثاني من الكناية وذكر أنّ هذه تسمية قدامة ثم قال: «هو أن تراد الاشارة الى معنى فيترك اللفظ الدال عليه ويؤتى بما هو دليل عليه ومرادف له». وفرّعه الى خمسة فروع:
الأول: فعل المبادهة كقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ}. فان المراد بقوله تعالى {لَمَّا جاءَهُ} أي أنّه سفيه الرأي، يعني أنّه لم يتوقف في تكذيب وقت ما سمعه ولم يفعل كما يفعل المراجيح العقول المتثبتون في الأشياء، فانّ من شأنهم إذا ورد عليهم أمر أو سمعوا خبرا أن يستعملوا فيه الروية والفكر، ويتأنوا في تدبره الى أن يصح لهم صدقه أو كذبه، فقوله {لَمَّا جاءَهُ} يعني أنّه ضعيف العقل عازب الرأي، وقد عدل عن هذه العبارة الصريحة بقوله {لَمَّا جاءَهُ} وذلك آكد وأبلغ في هذا الباب.
الثاني: باب «مثل» كقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح: «مثلي لا يفعل هذا». أي: أنا لا أفعله فنفى ذلك عن مثله وهو يريد نفيه عن نفسه قصدا للمبالغة فسلك به طريق الكناية لأنّه إذ نفاه عمن يماثله أو يشابهه فقد نفاه عنه لا محالة.
الثالث: هو ما يأتي في جواب الشرط كقوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ}، كأنه قال: «إن كنتم منكرين يوم البعث فهذا يوم البعث» فكنّى بقوله: {فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ} عن بطلان قولهم وكذبهم فيما ادّعوه وذلك رادف له.
الرابع: الاستثناء من غير موجب كقوله تعالى:
{لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}، والضريع نبت وهو يبيس الشبرق، ولا تقربه الابل أو الدواب لخبثه، والمعنى ليس لهم طعام أصلا، لأنّ الضريع ليس بطعام البهائم فضلا عن الانس.
ومن ذلك قول بعضهم:
«وتفرّدوا بالمكرمات فلم يكن ***لسواهم منها سوى الحرمان »
والمراد نفي المكرمات عن سواهم لأنّه إذا كان لهم الحرمان من المكرمات فمالهم منها شي البتة.
الخامس: ليس مما تقدم بشيء كقوله تعالى: {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} والمعنى المراد من هذا الكلام أنّك أخطأت وبئسما فعلت، وقوله: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} بيان لما كنى عنه بالعفو أي مالك أذنت لهم وهل أستأنيت؟ فذكر العفو دليل على الذنب ورادف له وإن لم يذكره.
ومن ذلك قول كثيّر:
«وددت وما تغني الودادة أنني ***بما في ضمير الحاجبية عالم »
«فان كان خيرا سرّني وعلمته ***وإن كان شرا لم تلمني اللوائم »
فان المراد من قوله «لم تلمني» أني أهجرها فأضرب عن ذلك جانبا ولم يذكر اللفظ المختص به ولكنه ذكر ما هو دليل عليه ورادف له.
ورجع المصري الى ما بدأه قدامة ونقل تعريفه وبعض أمثلته، وقرّق الحموي بين الإرداف والكناية وقال: «قالوا: إنه هو والكناية شيء واحد.
قلت: إذ كان الأمر كذلك كان الواجب اختصارهما، وانّما أئمة البديع كقدامة والحاتمي والرماني قالوا إنّ الفرق بينهما ظاهر. والإرداف هو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له بل يعبر عنه بلفظ هو رديفه وتابعه كقوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ} فانّ حقيقة ذلك: جلست على المكان، فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى الى لفظ هو رديفه، وإنّما عدل عن لفظ الحقيقة لما في الاستواء الذي هو لفظ الإرداف من الإشعار بجلوس متمكن لا زيغ فيه ولا ميل. وهذا لا يحصل من لفظ «جلست» و «قعدت». ومن الامثلة الشعرية على الإرداف قول أبي عبادة البحتري يصف طعنة:
«فأوجرته أخرى فأحالمت نصلها***بحيث يكون اللبّ والرعب والحقد »
ومراده القلب فذكره بلفظ الإرداف.
والفرق بين الإرداف وبين الكناية أنّ الإرداف قد تقرر أنّه عبارة عن تبديل الكلمة بردفها، والكناية هي العدول عن التصريح بذكر الشيء الى ما يلزم؛ لأنّ الإرداف ليس فيه انتقال من لازم الى ملزوم، والمراد بذلك انتقال المذكور الى المتروك كما يقال: «فلان كثير الرماد» ومراده نقله الى ملزومه وهي كثرة الطبخ للأضياف». ويبدو أنّ هذا التمييز لم يقع إلا بعد أن خاض السكاكي وشراح التلخيص في مباحث البلاغة التي ربطوها بالمنطق، ولذلك فرّق السيوطي مثل ذلك التفريق وقال: «قال بعضهم: والفرق بين الكناية والإرداف أنّ الكناية انتقال من لازم الى ملزوم، والإرداف من مذكور الى متروك». وذكر المدني أنّه والكناية شي واحد عند علماء البيان، غير أنّ أئمة البديع فرقوا بينهما.
ومن أمثلة الإرداف قول ابن أبي ربيعة:
«بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ***أبوها وإما عبد شمس وهاشم »
أراد أن يصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص بل أتى بمعنى هو تابع لطول الجيد وهو بعد مهوى القرط.
وقول ليلى الأخيلية:
«ومخرّق عنه القميص تخاله ***بين البيوت من الحياء سقيما»
أرادت وصفه الجود والكرم فجاءت بالإرداف والتوابع لهما، أما ما يتبع الجود فانّ تخرق قميص هذا المنعوت فسرّ أنّ العفاة تجذبه فتخرّق قميصه من مواصلة جذبهم إياه، وأما ما يتبع الكرم فالحياء الشديد الذي كأنه من إماتته نفس هذا الموصوف وإزالته عنه يخال سقيما.
ومنه قول الحكم الخضري:
«قد كان يعجب بعضهنّ براعتي ***حتى سمعن تتحنحي وسعالي »
أراد وصف الكبر والسن فلم يأت باللفظ بعينه، ولكنه أتى بتوابعه وهي السعال والتنحنح.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
2-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الكناية)
الكناية:الكناية: أن تتكلّم بشيء وتريد غيره، وكنّى عن الأمر بغيره يكني كناية، وتكنّى: تستر من كنّى عنه إذا ورّى، أو من الكنية.
من أقدم الذين عرضوا للكناية أبو عبيدة وهي عنده ما فهم من الكلام ومن السياق من غير أن يذكر اسمه صريحا في العبارة فهي تستعمل قريبة من المعنى البلاغي كما في قوله تعالى: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فهو كناية وتشبيه، وفي قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ*} كناية عن الغشيان.
وقد تأتي الكناية بمعنى الضمير وهو ما ذكره سيبويه وكرّره أبو عبيدة في «مجاز القرآن» والفراء في «معاني القرآن». وأشار الجاحظ الى الكناية والتعريض وذكر أنّهما لا يعملان في العقول عمل الافصاح والكشف، وربطها هي والوحي باللحظ ودلالة الاشارة ونقل عن شريح أنه قال: «الحدّة كناية عن الجهل» ونقل عن أبي عبيدة أنّه قال: «العارضة كناية عن البذاء» قال: «واذا قالوا فلان مقتصد فتلك كناية عن البخل، واذا قيل للعامل مستقص فذلك كناية عن الجور». وهذا هو المعنى الذي وقف عنده البلاغيون والنقاد.
وذكر ابن المعتزّ فنّا من محاسن الكلام هو «التعريض والكناية» ولكنه لم يعرفهما وأدخل فيهما ما سمّي لغزا وذكر قول بعضهم:
«أبوك أب ما زال للناس موجعا***لأعناقهم نقرا كما ينقر الصّقر»
«إذا عوّج الكتّاب يوما سطورهم ***فليس بمعوجّ له أبدا سطر»
وتقع الكناية عند المبرّد على ثلاثة أضرب:
أحدها: التعمية والتغطية كقول النابغة الجعدي:
«أكني بغير اسمها وقد علم ***الله خفيات كلّ مكتتم »
وقال ذو الرّمة استراحة الى التصريح من الكناية:
«أحبّ المكان القفر من أجل انني ***به اتغنّى باسمها غير معجم »
وثانيها: الرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش الى ما يدلّ على معناه من غيره كقوله تعالى في المسيح وأمه: {كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ} وهو كناية عن قضاء الحاجة.
وثالثها: التفخيم والتعظيم ومنه اشتقت الكنية وهو أن يعظّم الرجل أن يدعى باسمه، وقد وقعت في الكلام على ضربين: في الصبي على جهة التفاؤل بأن يكون له ولد ويدعى بولده كناية عن اسمه، وفي الكبير أن ينادى باسم ولده صيانة لاسمه.
وذكر قدامة فنا سمّاه الإشارة، وهو أن يكون اللفظ القليل مشتملا على معان كثيرة بايماء اليها أو لمحة تدلّ عليها كما قال بعضهم وقد وصف البلاغة «هي لمحة دالّة». وذكر في باب ائتلاف اللفظ والمعنى فنا سماه «الإرداف» وهو أن يريد الشاعر دلالة على معنّى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى بل بلفظ يدلّ على معنّى هو ردفه وتابع له فإذا دلّ على التابع أبان عن المتبوع، كقول عمر بن ابي ربيعة:
«بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ***أبوها وإما عبد شمس وهاشم »
وإنما أراد أن يصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص بل أتى بمعنى هو تابع لطول الجيد وهو بعد مهوى القرط.
وتحدّث ابن سنان عن حسن الكناية عما يجب أن يكنى عنه في المواضع التي لا يحسن التصريح فيها، وعدّه أصلا من أصول الفصاحة وشرطا من شروط البلاغة.
وتحدّث عن الإرداف وقال: «ومن نعوت البلاغة والفصاحة أن تراد الدّلالة على المعنى فلا يستعمل اللفظ الخاص الموضوع له في اللغة بل يؤتى بلفظ يتبع ذلك المعنى ضرورة فيكون في ذكر التابع دلالة على المتبوع، وهذا يسمّى الإرداف والتتبيع لأنه يؤتى فيه بلفظ هو ردف اللفظ المخصوص بذلك المعنى وتابعه».
واختلط مصطلحا «الكناية» و «التعريض» عند العسكري وقال: «هو أن يكنّى عن الشيء ويعرّض به ولا يصرّح على حسب ما عملوا باللحن والتورية عن الشيء» وتحدّث عن الإرداف والتوابع وقال: «أن يريد المتكلّم الدلالة على معنى فيترك اللفظ الدالّ عليه الخاص به ويأتي بلفظ هو ردفه وتابع له فيجعله عبارة عن المعنى الذي أراده، وذلك مثل قول الله تعالى: {فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ}. وقصور الطرف في الأصل موضوعة للعفاف على جهة التوابع والإرداف، وذلك أنّ المرأة اذا عفّت قصرت طرفها على زوجها فكان، قصور الطرف ردفا للعفاف، والعفاف ردف وتابع لقصور الطرف». وتكلّم على المماثلة وهي: «أن يريد المتكلّم العبارة عن معنى فيأتي بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر إلا أنّه ينبىء اذا أورده عن المعنى الذي أراده كقولهم: «فلان نقي الثوب» يريدون أنّه لا عيب فيه وليس موضوع نقاء الثوب البراءة من العيوب وإنما استعمل فيه تمثيلا».
وأدخل ابن رشيق الكناية في باب الإشارة وهي عنده من غرائب الشعر وملحه، وبلاغته عجيبة تدلّ على بعد المرمى وفرط المقدرة وليس يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالّة واختصار وتلويح يعرف مجملا، ومعناه بعيد من ظاهر لفظه. ومن أنواعها التفخيم والايماء والتعريض والتلويح والكناية والتمثيل والرمز واللمحة واللغز واللحن والتعمية والحذف والتورية والتتبيع. وقال عن الكناية: «والعرب تجعل المهاة شاة لأنّها عندهم ضائنة الظباء، ولذلك يسمونها نعجة. وعلى هذا المتعارف في الكناية جاء قول الله ـ عزوجل ـ في إخباره عن خصم داود ـ عليهالسلام ـ: {إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ}. كناية بالنعجة عن المرأة. وقال امرؤ القيس:
«وبيضة خدر لا يرام خباؤها***تمتعت من لهو بها غير معجل »
كناية بالبيضة عن المرأة». وقال إنّ من الكناية اشتقاق الكنية لانك تكني عن الرجل بالابوة، وذكر الأضرب الثلاثة التي ذكرها المبرّد.
وبدأ فن الكناية يأخذ طابعه العلمي بعد ذلك فقال عبد القاهر: «الكناية أن يريد المتكلّم اثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء الى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيومىء به اليه ويجعله دليلا عليه».
وقال الرازي: اعلم أنّ اللفظة اذا اطلقت وكان الغرض الاصلي غير معناها فلا يخلو إما أن يكون معناها مقصودا أيضا ليكون دالا على ذلك الغرض الاصلي، وإما أن لا يكون. فالأول الكناية، والثاني المجاز».
وقال ابن الزملكاني: «هي أن تريد إثبات معنى فتترك اللفظ الموضوع له وتأتي بتاليه وجودا لتومىء به اليه وتجعله شاهدا له ودليلا عليه».
وقال السّكّاكي: «هي ترك التصريح بذكر الشيء الى ذكر ما هو ملزومه لينتقل من المذكور الى المتروك».
وذكر ابن الأثير عدّة تعريفات ورجّح «أنّها كل لفظة دلت على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقة والمجاز بوصف جامع بين الحقيقة والمجاز».
وقال القزويني: «الكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه حينئذ».
وقال المصري: «هي أن يعبر المتكلم عن المعنى القبيح باللفظ الحسن وعن الفاحش بالطاهر».
وذكر العلوي عدّة تعريفات ثم قال: «فالمختار عندنا في بيان ماهية الكناية أن يقال هي اللفظ الدالّ على معنيين مختلفين حقيقة ومجازا من غير واسطة لا على جهة التصريح».
وقال الزركشي: «الكناية عن الشيء: الدلالة عليه من غير تصريح باسمه، وهي عند أهل البيان أن يريد المتكلّم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له من اللغة ولكن يجيء الى معنى هو تاليه ورديفه في الوجود ويجعله دليلا عليه فيدلّ على المراد من طريق أولى».
وفرّق الحموي بين الكناية والإرداف فقال عنها: «الكناية هي الإرداف بعينه عند علماء البيان، وإنما علماء البديع أفردوا الإرداف عنها، والكناية هي أن يريد المتكلّم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء الى معنى هو ردفه في الوجود فيومىء اليه ويجعله دليلا عليه». وقال في الإرداف: «نوع الإرداف قالوا:
إنّه هو والكناية شيء واحد. قلت: واذا كان الامر كذلك كان الواجب اختصارهما وإنما ائمة البديع كقدامة والحاتمي والرماني قالوا: إنّ الفرق بينهما ظاهر. والإرداف هو أن يريد المتكلم معنى فلا يعبر عنه بلفظه الموضوع له بل يعبر عنه بلفظ هو رديفه وتابعه».
وقال المدني: «هي ترك التصريح بذكر الشيء الى ذكر لازمه المساوي لينتقل الذهن منه الى الملزوم المطوي ذكره»، وقال السجلماسي: «هي اقتضاب الدلالة على ذات المعنى بما له اليه نسبة».
ولا يخرج كلام الآخرين على الكناية عما تقدم.
واختلف البلاغيون في الكناية، هل هي حقيقة أو مجاز؟ وقد أنكر الرازي أن تكون مجازا وفعل مثله عز الدين بن عبد السّلام الذي قال: «الظاهر أنّ الكناية ليست من المجاز لأنّك استعملت اللفظ فيما وضع له وأردت به الدلالة على غيره ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له». وذهبت جماعة الى أنّها مجاز كالعلوي الذي قال: «وهكذا اسم المجاز فانه شامل لانواعه من الاستعارة والكناية والتمثيل» وقال السكاكي: «إنها نازلة من المجاز منزلة المركب من المفرد» ولذلك أخّر بحثها عن المجاز. وعدّ ابن الاثير الكناية من الاستعارة وقال إنّ كلّ كناية استعارة وليست كل استعارة كناية. وذهب القزويني الى أنّها واسطة بين الحقيقة والمجاز وعلّل الدسوقي ذلك بقوله: «الكناية إخراجها بناء على أنّها واسطة لا حقيقة ولا مجاز، أما أنّها ليست حقيقة فلانها ـ كما سبق ـ اللفظ المستعمل فيما وضع له. والكناية ليست كذلك وأما أنّها ليست مجازا فلانّه اشترط فيها القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة، والكناية ليست كذلك ولهذا أخرجها من تعريف المجاز».
ولخّص السيوطي المذاهب المختلفة في الكناية وحصرها في أربعة:
الاول: أنّها حقيقة قاله ابن عبد السّلام وهو الظاهر لأنّها استعملت فيما وضعت له وأريد بها الدلالات على غيره.
الثاني: أنّها مجاز.
الثالث: أنّها لا حقيقة ولا مجاز واليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيها.
الرابع: وهو اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنّها تقسم الى حقيقة ومجاز، فان استعمل اللفظ في معناه مرادا من لازم المعنى أيضا فهو حقيقة وإن لم يرد المعنى بل عبّر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله فيما وضع له.
ولم يكن للكناية في مراحل التأليف الاولى تقسيم واضح، ولكنّ ابن الاثير قسمها في كتابه «الجامع الكبير» الى أربعة أقسام هي: التمثيل والإرداف والمجاورة والكناية التي ليست تمثيلا ولا إردافا ولا مجاورة. وفي كتابه «المثل السائر» قال إنّ هذا التقسيم غير دقيق، وقسمها الى لونين: ما يحسن استعماله وما لا يحسن استعماله وهو عيب في الكلام فاحش. وقسّمها السّكاكي ومن سار على نهجه كالقزويني وشرّاح التلخيص الى ثلاثة أقسام:
الأوّل: الكناية المطلوب بها نفس الموصوف، وهي قريبة وبعيدة، ومثال القريبة قول الشاعر كناية عن القلب:
«الضاربين بكلّ أبيض مخذم ***والطاعنين مجامع الأضغان »
و «مجامع الأضغان» كناية عن القلوب.
وقول أبي العلاء:
«سليل النار دقّ ورقّ حتى ***كأن أباه أورثه السّلالا»
و «سليل النار» كناية عن السيف.
وقول الآخر:
«ودبّ لها في موطن الحلم علّة***لها كالصلال الرقش شرّ دبيب »
و «موطن الحلم» كناية عن الصدور.
والكناية البعيدة أن يتكلف المتكلّم اختصاصها بأن يضم الى لازم لازما آخر وآخر حتى يلفق مجموعا وصفيّا مانعا من دخول كل ما عدا مقصوده، كأن يقال في الكناية عن الانسان: «حي مستوي القامة عريض الأظفار».
الثاني: الكناية المطلوب بها نفس الصفة، وهي قريبة وبعيدة، فالقريبة كقول طرفة:
«أنا الرجل الضّرب الذي تعرفونه ***خشاش كرأس الحية المتوقّد»
وقد كنّى عن صلابة جسمه وخفّة لحمه ومضي رأيه وتوقّد ذهنه وذكائه.
وقول الآخر:
«ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا***ولكن على أقدامنا تقطر الدما»
وهذا كناية عن الشجاعة.
والكناية البعيدة هي الانتقال الى المطلوب من لازم بعيد بوساطة لوازم متسلسلة كقول نصيب:
«لعبد العزيز على قومه ***وغيرهم منن ظاهره »
«فبابك أسهل أبوابهم ***ودارك مأهولة عامره »
«وكلبك آنس بالزائرين ***من الأم بابنتها الزائره »
فانه انتقل من وصف كلبه بما ذكر أنّ الزائرين معارف عنده، ومن ذلك الى اتصال مشاهدتهم ليلا ونهارا، ومنها الى لزومهم بابه، ومنها الى وفور إحسانه وهو المقصود.
ومنه قول المتنبي:
«تشتكي ما اشتكيت من ألم الشّو***ق اليها والشّوق حيث النحول »
الثالث: الكناية التي يطلب بها تخصيص الصفة بالموصوف وهي الكناية عن نسبة ويراد بها إثبات أمر لأمر أو نفيه عنه أو كما قال ابن الزملكاني: «أن يأتوا بالمراد منسوبا الى أمر يشتمل عليه من هي له حقيقة». ومن هذا النوع قول زياد الأعجم:
«إنّ السماحة والمروءة والنّدى ***في قبّة ضربت على ابن الحشرج »
وقول الشنفري:
«يبيت بمنجاة عن اللوم بيتها***إذا ما بيوت بالملامة حلّت »
وقول حسان بن ثابت:
«بنى المجد بيتا فاستقرّ عماده ***علينا فأعيا الناس أن يتحوّلا»
وقول الآخر:
«اليمن يتبع ظلّه ***والمجد يمشي في ركابه »
وقول أبي نواس:
«فما جازه جود ولا حلّ دونه ***ولكن يصير الجود حيث يصير»
وقول المتنبي:
«إنّ في ثوبك الذي المجد منه ***لضياء يزري بكلّ ضياء»
وقال السّكاكي بعد هذه الاقسام إنّه قد يظن بعضهم أنّ هناك قسما رابعا وليس الأمر كذلك قال: «وقد يظن أنّ ههنا قسما رابعا وهو أن يكون المطلوب بالكناية الوصف والتخصيص معا مثل ما يقال: «يكثر الرماد في ساحة عمرو» في الكناية عن أن عمرا مضياف فليس بذاك إذ ليس ما ذكر بكناية واحدة بل هما كنايتان وانتقال من لازمين الى ملزومين، أحد اللازمين كثرة الرماد والثاني تقييدها وهو قولك «في ساحة عمرو».
وهذه الأقسام الثلاثة هي مما ذكره عبد القاهر، غير أنّه لم يحدّدها تحديدا دقيقا أو يفصل الأمثلة فصلا تاما، وكان السّكاكي ومن سار على مذهبه قد أوقفوا هذا الفن عند هذه الحدود.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
3-موسوعة الفقه الكويتية (تلبية)
تَلْبِيَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّلْبِيَةُ لُغَةً: إِجَابَةُ الْمُنَادِي، وَهِيَ إِمَّا فِي الْحَجِّ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ كَالْوَلِيمَةِ وَالتَّلْبِيَةِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ.
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْهَا فِي مُصْطَلَحِ (إِجَابَةٌ) ج 1 ص 251 وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَالْمُرَادُ بِهَا قَوْلُ الْمُحْرِمِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.أَيْ: إِجَابَتِي لَكَ يَا رَبِّ.يُقَالُ: لَبَّى الرَّجُلُ تَلْبِيَةً: إِذَا قَالَ لَبَّيْكَ.وَلَبَّى بِالْحَجِّ كَذَلِكَ.قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى لَبَّيْكَ إِجَابَةً لَكَ بَعْدَ إِجَابَةٍ.وَفِي حَدِيثِ الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»: هُوَ مِنَ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ إِجَابَةُ الْمُنَادِي أَيْ: إِجَابَتِي لَكَ يَا رَبِّ.وَعَنِ الْخَلِيلِ أَنَّ تَثْنِيَةَ كَلِمَةِ (لَبَّيْكَ) عَلَى جِهَةِ التَّوْكِيدِ.
وَالْإِجَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ فِي مَعْنَاهَا الِاصْطِلَاحِيِّ عَنْ هَذَا إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْخَرَشِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ: أَنَّ مَعْنَى التَّلْبِيَةِ الْإِجَابَةُ: أَيْ: إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فَهَذِهِ إِجَابَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِيَةُ: إِجَابَةٌ قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} يُقَالُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ- عليه السلام- لَمَّا أَذَّنَ بِالْحَجِّ أَجَابَهُ النَّاسُ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ فَمَنْ أَجَابَهُ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً، وَمَنْ زَادَ زَادَ.فَالْمَعْنَى أَجَبْتُكَ فِي هَذَا كَمَا أَجَبْتُكَ فِي ذَلِكَ.وَأَوَّلُ مَنْ لَبَّى الْمَلَائِكَةُ، وَهُمْ أَيْضًا أَوَّلُ مَنْ كَانَ بِالْبَيْتِ.
وَمَعْنَى لَبَّيْكَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الطَّحْطَاوِيِّ عَلَى مَرَاقِي الْفَلَاحِ: أَقَمْتُ بِبَابِكَ إِقَامَةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَجَبْتُ نِدَاءَكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَفِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي: أَجَبْتُكَ يَا أَلَّلَهُ إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ.أَوْ لَازَمْتُ الْإِقَامَةَ عَلَى طَاعَتِكَ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إِذَا لَزِمَهُ وَأَقَامَ بِهِ.وَهِيَ مُثَنَّاةٌ لَفْظًا وَمَعْنَاهَا التَّكْثِيرُ لَا خُصُوصُ الِاثْنَيْنِ.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
2- تَلْبِيَةُ الْمُحْرِمِ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلاَّ لَبَّى عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا».وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
صِيغَتُهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:
3- وَهِيَ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ.إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ».
وَهَلْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا أَوْ يُنْقِصَ مِنْهَا؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ لِمَالِكِ: إِنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَلَا بَأْسَ.لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- كَانَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَةُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ.وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ.لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يُصْرَفُونَ عَنْهُ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ مَا هُمْ فِيهِ.فَقَالَ: لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ».
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِمَالِكٍ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا تُكْرَهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ جَابِرٍ: «فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ.إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ.وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَلْبِيَتَهُ».وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُلَبِّي بِتَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَيَزِيدُ مَعَ هَذَا لَبَّيْكَ.لَبَّيْكَ.وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ.
وَزَادَ عُمَرُ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إِلَيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ.وَيَرَى أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا.وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ وَلَا تُسْتَحَبُّ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَزِمَ تَلْبِيَتَهُ فَكَرَّرَهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِمَالِكٍ: كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّلْبِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ إِنْقَاصُهَا، وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ مَأْثُورٌ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ إِلَهَ الْخَلْقِ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا.لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ.وَمَا لَيْسَ مَرْوِيًّا فَجَائِزٌ وَحَسَنٌ.
بِمَ تَصِحُّ التَّلْبِيَةُ؟
4- تَصِحُّ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ إِلاَّ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَفْضَلُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَرَبِيِّ يُلَبِّي بِلِسَانِهِ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ كَأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْعَرَبِيَّةَ، وَمُفَادُ هَذَا أَنَّ الْعَرَبِيَّ الْقَادِرَ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لَا يُلَبِّي بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فَلَمْ تُشْرَعْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَالْأَذَانِ وَالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ لَبَّى بِلُغَتِهِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ.
رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ:
5- اسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «جَاءَنِي جِبْرِيلُ- عليه السلام- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ» وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنَ التَّلْبِيَةِ.وَقَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ فَلَا يَأْتِي الرَّوْحَاءَ حَتَّى يَصْحَلَ صَوْتُهُ.
وَلَا يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا زِيَادَةً عَلَى الطَّاقَةِ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ وَتَلْبِيَتُهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّوَسُّطَ فِيهِ مَنْدُوبٌ فَلَا يُسِرُّهُ الْمُلَبِّي حَتَّى لَا يَسْمَعَهُ مَنْ يَلِيهِ، وَلَا يُبَالِغُ فِي رَفْعِهِ حَتَّى يَعْقِرَهُ فَيَكُونُ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَلَا يُبَالِغُ فِي أَيِّهِمَا، وَفِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي: هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ مِنَى لِأَنَّهُمَا بُنِيَا لِلْحَجِّ، وَقِيلَ: لِلْأَمْنِ فِيهِمَا مِنَ الرِّيَاءِ.
هَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ.أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي كَرَاهَةِ رَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ بِالتَّلْبِيَةِ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا تُسْمِعُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا أَوْ رَفِيقَتَهَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: السُّنَّةُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْإِهْلَالِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا.
الْإِكْثَارُ مِنَ التَّلْبِيَةِ:
6- اسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ التَّلْبِيَةِ لِأَنَّهَا شِعَارُ النُّسُكِ فَيُلَبِّي عِنْدَ اجْتِمَاعِ الرِّفَاقِ، أَوْ مَتَى عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُلَبِّي إِذَا رَأَى رَكْبًا، أَوْ صَعِدَ أَكَمَةً، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ وَآخِرِ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ وَيَكْثُرُ الضَّجِيجُ.وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ».
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّوَسُّطَ فِي ذَلِكَ مَنْدُوبٌ، فَلَا يُكْثِرُ الْمُحْرِمُ مِنَ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَمَلَّهَا وَيَلْحَقَهُ الضَّرَرُ، وَلَا يُقَلِّلُهَا حَتَّى يَفُوتَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهُوَ الشَّعِيرَةُ.
مَتَى تَبْدَأُ التَّلْبِيَةُ:
7- مِنَ الْأُمُورِ الْمُسْتَحَبَّةِ لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مَعًا مَتَى بَلَغَ مِيقَاتَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ وَقْتِ كَرَاهَةٍ، وَتُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ قَالَ بِلِسَانِهِ الْمُطَابِقِ لِجِنَانِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْضًا الْمُعْتَمِرُ وَالْقَارِنُ، وَيُشِيرُ إِلَى نَوْعِ نُسُكِهِ ثُمَّ يُلَبِّي دُبُرَ صَلَاتِهِ..وَبِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ يَكُونُ مُحْرِمًا وَتَسْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِحْرَامِ.
هَذَا مَا عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ.
وَلَهُ الْإِحْرَامُ بِهَا إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا بَدَأَ السَّيْرُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ.قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ.الْإِحْرَامُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ، أَوْ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ وَإِذَا عَلَا الْبَيْدَاءَ.
مَتَى تَنْتَهِي التَّلْبِيَةُ:
8- تَنْتَهِي التَّلْبِيَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاجِّ ابْتِدَاءً مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَيَقْطَعُهَا مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَيُكَبِّرُ بَدَلَ التَّلْبِيَةِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.فَقَدْ رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَتَى إِلَى مِنَى لَمْ يُعَرِّجْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ أَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَاهَا، ثُمَّ كَبَّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ نَحَرَ، ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ أَتَى مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ».
وَرَوَى الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ»
وَكَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ.وَلِأَنَّ التَّلْبِيَةَ لِلْإِحْرَامِ فَإِذَا رَمَى فَقَدْ شَرَعَ فِي التَّحَلُّلِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّلْبِيَةِ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَسْتَمِرُّ فِي التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَّةَ فَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى ثُمَّ يُعَاوِدَهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحَ إِلَى مُصَلاَّهَا.
وَالثَّانِي: يَسْتَمِرُّ فِي التَّلْبِيَةِ حَتَّى الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ، وَالْأَوَّلُ فِي رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ.وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَالثَّانِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلٍ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ.
أَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَتَى شَرَعَ فِي الطَّوَافِ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ»
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ أَنَّ مُعْتَمِرَ الْمِيقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَفَائِتِ الْحَجِّ أَيْ: الْمُعْتَمِرُ لِفَوَاتِ الْحَجِّ يُلَبِّي كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْحَرَمِ لَا إِلَى رُؤْيَةِ الْبُيُوتِ، وَمُعْتَمِرُ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ يُلَبِّي لِلْبُيُوتِ أَيْ: إِلَى دُخُولِ بُيُوتِ مَكَّةَ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ فِي الْمَنَاسِكِ قَالَ: وَكَانَ يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ يُنْظَرُ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ: حَجٌّ- إِحْرَامٌ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
4-موسوعة الفقه الكويتية (مزدلفة)
مُزْدَلِفَةُالتَّعْرِيفُ:
1- قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الزُّلْفَةُ وَالزُّلْفَى: الْقُرْبَةُ وَالْحُظْوَةُ، وَأَزْلَفَهُ: قَرَّبَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «ازْدَلَفَ إِلَى اللَّهِ بِرَكْعَتَيْنِ» وَمِنْهُ: مُزْدَلِفَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاقْتِرَابِهَا إِلَى عَرَفَاتٍ.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَزْلَفْتُ الشَّيْءَ جَمَعْتُهُ.
وَحَدُّهَا فِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ مَكَانٌ بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ إِلَى قَرْنِ مُحَسِّرٍ، فَمَا عَلَى يَمِينِ ذَلِكَ وَشِمَالِهِ مِنَ الشِّعَابِ فَهُوَ مِنًى.
قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: الْمُزْدَلِفَةُ مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَةَ، وَلَيْسَ الْحَدَّانِ مِنْهَا، وَيَدْخُلُ فِي الْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعُ تِلْكَ الشِّعَابِ الْقَوَابِلِ وَالظَّوَاهِرِ وَالْجِبَالِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- مِنًى:
2- مِنًى: مَوْضِعٌ قُرْبَ مَكَّةَ، وَيُقَالُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، يَنْزِلُهُ الْحُجَّاجُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَسُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ، وَأَمْنَى الرَّجُلُ أَوِ الْحَاجُّ بِالْأَلِفِ: أَتَى مِنًى.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَبَيْنَ مِنًى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ.
ب- الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ:
3- الْمَشْعَرُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا: جَبَلٌ صَغِيرٌ آخِرَ مُزْدَلِفَةَ، اسْمُهُ قُزَحُ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالزَّايِ.
وَسُمِّيَ مَشْعَرًا: لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّعَائِرِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ وَطَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَوُصِفَ بِالْحَرَامِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذُو الْحُرْمَةِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُزْدَلِفَةَ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، أَوْ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُرَادِفٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمُزْدَلِفَةَ:
الْمَبِيتُ فِي مُزْدَلِفَةَ لِلْحَاجِّ:
4- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمَبِيتِ فِي مُزْدَلِفَةَ لِلْحَاجِّ لَيْلَةَ النَّحْرِ
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ فَرْضٌ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ: عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَالسُّبْكِيُّ قَالُوا: الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ فَرْضٌ أَوْ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلاَّ بِهِ، كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ».
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، فَلَوْ تَرَكَهُ الْحَاجُّ صَحَّ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ قَبْلَ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَتَمَّ حَجُّهُ»،، يَعْنِي: مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ.
5- وَيَحْصُلُ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِالْحُضُورِ فِي أَيَّةِ بُقْعَةٍ كَانَتْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، لِحَدِيثِ: «مُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ».
كَمَا أَنَّ هَذَا الْمَبِيتَ يَحْصُلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالْحُضُورِ فِي مُزْدَلِفَةَ فِي سَاعَةٍ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَحَصَلَ الْمَبِيتُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الدَّفْعُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا فَقَدْ تَرَكَ الْمَبِيتَ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ الْمَبِيتُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يُوَافِقْ مُزْدَلِفَةَ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَوُجُوبُ الدَّمِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ خَاصٌّ فِيمَنْ تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ، أَمَّا مَنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ كَمَنِ انْتَهَى إِلَى عَرَفَاتٍ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عَنِ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَالْمَرْأَةِ لَوْ خَافَتْ طُرُوءَ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ، فَبَادَرَتْ إِلَى مَكَّةَ بِالطَّوَافِ، وَكَمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى مَكَّةَ وَطَافَ لِلرُّكْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ وَكَالرُّعَاةِ وَالسُّقَاةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: رَخَّصَ لِلرُّعَاةِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ لِحَدِيثِ عَدِيٍّ- رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى»،، «وَأَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ».
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ بِقَدْرِ حَطِّ الرِّحَالِ، سَوَاءٌ حَطَّتْ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فِيهَا بِهَذَا الْقَدْرِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، أَمَّا إِنْ تَرَكَهُ بِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَبِيتُ فِي مُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إِلَى الْفَجْرِ، لَا وَاجِبَةٌ.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْبَيْتُوتَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ الْوُقُوفُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ وُقُوفُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَيُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ، ثُمَّ يَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَيَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْأَلُهُ حَوَائِجَهُ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنًى.
تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ إِلَى مِنًى:
6- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ تَقْدِيمُ الضُّعَفَاءِ مِنَ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ تَدْفَعُ قَبْلَهُ، وَقَبْلَ حُطَمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً فَأَذِنَ لَهَا»،، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: {أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ».
الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ:
7- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلْحَاجِّ فِي مُزْدَلِفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيلِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَاجَّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي مُزْدَلِفَةَ جَمْعًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا فَلَا تَحْتَاجُ لِلْإِعْلَامِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى إِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْجَمْعِ عِنْدَهُمْ جَمَاعَةٌ، فَلَوْ صَلاَّهُمَا مُنْفَرِدًا جَازَ وَلَكِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهِ سُنَّةٌ.
وَلِلْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَهُمْ شُرُوطٌ هِيَ:
أ- الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ.
ب- تَقْدِيمُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عَلَيْهِ.
ج- الزَّمَانُ، وَالْمَكَانُ، وَالْوَقْتُ، فَالزَّمَانُ لَيْلَةَ النَّحْرِ، وَالْمَكَانُ مُزْدَلِفَةُ، وَالْوَقْتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ مَا لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ، فَلَا يَجُوزُ هَذَا الْجَمْعُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ، وَلَا فِي غَيْرِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ.
فَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي عَرَفَاتٍ أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَعَادَهُمَا، لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «دَفَعَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- مِنْ عَرَفَةَ، فَنَزَلَ الشِّعْبَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةُ فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ، ثُمَّ أَقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أَقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا».
قَالَ الشَّهَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا فِيمَا إِذَا ذَهَبَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِهَا، أَمَّا إِذَا ذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ دَفَعَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَجَمَعَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَقَصَرُوا الْعِشَاءَ، إِلاَّ أَهْلَ الْمُزْدَلِفَةِ فَيُتِمُّونَهَا مَعَ جَمْعِهَا بِالْمَغْرِبِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ سُنَّةٌ إِنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ بِأَنْ لَمْ يَقِفْ أَصْلًا، أَوْ وَقَفَ وَحْدَهُ فَلَا يَجْمَعُ، لَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي مُخْتَارِهَا مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ.
وَإِنْ عَجَزَ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مَعَ الْإِمَامِ عَنِ السَّيْرِ مَعَهُ، لِضَعْفِهِ أَوْ ضَعْفِ دَابَّتِهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مَغْيِبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ فِي مُزْدَلِفَةَ أَوْ قَبْلَهَا إِنْ كَانَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَنَفَرَ مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ لِعُذْرٍ بِهِ.
وَإِنْ قَدَّمَ الْعِشَاءَيْنِ عَلَى الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ، أَوْ عَلَى النُّزُولِ بِمُزْدَلِفَةَ أَعَادَهُمَا نَدْبًا إِنْ صَلاَّهُمَا بَعْدَ الشَّفَقِ قَبْلَ وُصُولِهِ مُزْدَلِفَةَ، وَوُجُوبًا إِنْ قَدَّمَهُمَا عَلَى الشَّفَقِ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ، لِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ، لِصَلَاتِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا، أَمَّا الْمَغْرِبُ فَيُعِيدُهَا نَدْبًا إِنْ بَقِيَ وَقْتُهَا.
وَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ إِذَا صَلَّى فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَلَا يُعِيدُ، وَإِنَّمَا الْإِعَادَةُ عِنْدَهُ لِمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ لِقَوْلِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ».
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: السُّنَّةُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحُجَّاجُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَيَجْمَعُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ مَا لَمْ يَخْشَ الْحَاجُّ فَوَاتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ، وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَنِصْفُهُ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ.
وَجَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ لِلْحَاجِّ الْمُسَافِرِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَهُمْ بِسَبَبِ السَّفَرِ لَا بِسَبَبِ النُّسُكِ.
قَالُوا: وَالسُّنَّةُ إِذَا وَصَلُوا مُزْدَلِفَةَ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ وَيُنِيخُ كُلُّ إِنْسَانٍ جَمَلَهُ وَيَعْقِلُهُ، ثُمَّ يُصَلُّونَ لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ تَوَضَّأَ، ثُمَّ أَقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أَقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلاَّهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ تَرَكَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ فِي وَقْتِهَا أَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ جَمَعَ وَحْدَهُ لَا مَعَ الْإِمَامِ، أَوْ صَلَّى إِحْدَاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ وَالْأُخْرَى وَحْدَهُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا، أَوْ صَلاَّهُمَا فِي عَرَفَاتٍ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ، وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ.
وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَلَا يُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ، وَيُؤَذِّنُ لِلْأُولَى فِي الْأَصَحِّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى الْفَجْرَ».
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: السُّنَّةُ لِمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَصِلَ مُزْدَلِفَةَ، فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَيُقِيمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِقَامَةً لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «دَفَعَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ مُزْدَلِفَةَ نَزَلَ، فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا».
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-.
وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةِ الْأُولَى فَلَا بَأْسَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ: صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ»،، وَإِنْ أَذَّنَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ ثُمَّ أَقَامَ لِلثَّانِيَةِ فَحَسَنٌ، فَإِنَّهُ يُرْوَى فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِسَائِرِ الْفَوَائِتِ وَالْمَجْمُوعَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالَّذِي اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ إِقَامَةً لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ، لِأَنَّهُ رِوَايَةُ أُسَامَةَ- رضي الله عنه-، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّهُ كَانَ رَدِيفَهُ، وَقَدِ اتَّفَقَ هُوَ وَجَابِرٌ- رضي الله عنهما- فِي حَدِيثِهِمَا عَلَى إِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَاتَّفَقَ أُسَامَةُ وَابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهم- عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ.
الْوُقُوفُ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالدُّعَاءُ فِيهِ
8- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ بَعْدَ بَيَاتِهِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مُغَلِّسًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه- فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- وَفِيهِ: «حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ».
ثُمَّ يَأْتِي الْحَاجُّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ (جَبَلَ قُزَحَ) وَيَقِفُ عِنْدَهُ فَيَدْعُو اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيُكَبِّرُهُ وَيُهَلِّلُهُ، وَيُوَحِّدُهُ، وَيُكْثِرُ مِنَ التَّلْبِيَةِ، وَمِنَ الذِّكْرِ، لِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ- رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَكَبَّرَهُ وَوَحَّدَهُ».
وَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا أَحَبَّ، وَيَخْتَارُ الدَّعَوَاتِ الْجَامِعَةَ وَالْأُمُورَ الْمُبْهَمَةَ وَيُكَرِّرُ دَعَوَاتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتَنَا فِيهِ وَأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ فَوَفِّقْنَا بِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَدْعُو مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه-: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا».
9- وَلَوْ فَاتَتْ سُنَّةُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ وَالسُّنَنِ، وَلَا إِثْمَ عَلَى الْحَاجِّ بِهَذَا التَّرْكِ، وَإِنَّمَا فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ.
وَلَا تَحْصُلُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ بِالْوُقُوفِ فِيهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ.
10- وَالسُّنَّةُ الدَّفْعُ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إِلَى مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السَّيْرِ مِنْهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ».
قَالَ «عُمَرُ- رضي الله عنه-: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- خَالَفَهُمْ فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهما- أَخَّرَ فِي الْوَقْتِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: إِنِّي أَرَاهُ يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَدَفَعَ وَدَفَعَ النَّاسُ مَعَهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدِ اسْتَبْدَلَ النَّاسُ بِالْوُقُوفِ عَلَى قُزَحَ «الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ» الْوُقُوفَ عَلَى بِنَاءٍ مُسْتَحْدَثٍ فِي وَسَطِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي حُصُولِ أَصْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ بِالْوُقُوفِ فِي ذَلِكَ الْمُسْتَحْدَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ مِمَّا سِوَى قُزَحَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَحْصُلُ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَفَ عَلَى قُزَحَ وَقَدْ قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»،، وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا تَحْصُلُ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ، وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَوَقَفْتُ هَاهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»،، وَجَمْعٌ هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ وَالْمُرَادُ: وَقَفْتُ عَلَى قُزَحَ وَجَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ لَكِنَّ أَفَضْلَهَا قُزَحُ، لِمَا أَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ وَأَفْضَلُهَا مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ الصَّخَرَاتِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ لَا سُنَّةٌ وَالْبَيْتُوتَةُ بِمُزْدَلِفَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إِلَى الْفَجْرِ لَا وَاجِبَةٌ.
وَرُكْنُ الْوُقُوفِ الْكَيْنُونَةُ فِي مُزْدَلِفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ مَحْمُولًا وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ، لِحُصُولِهِ كَائِنًا بِهَا، عَلِمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَمَكَانُ الْوُقُوفِ أَجْزَاءُ الْمُزْدَلِفَةِ أَيُّ جُزْءٍ كَانَ وَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ لِقَوْلِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِلاَّ وَادِيَ مُحَسِّرٍ»،، وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ وُقُوفُهُ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ جَبَلُ قُزَحَ.وَأَمَّا زَمَانُ الْوُقُوفِ فَمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَمَنْ حَصَلَ بِمُزْدَلِفَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ، سَوَاءٌ بَاتَ بِهَا أَوْ لَا، فَإِذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ عَنْ وَقْتِهِ إِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَقَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْوُقُوفِ عِنْدَهُمْ سَاعَةٌ وَلَوْ لَطِيفَةً وَقَدْرُ السُّنَّةِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إِلَى الْإِسْفَارِ جِدًّا.
وَذَهَبَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لَا مِنْ سُنَنِهِ، قَالَ الْأُبِّيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: وَالسُّنِّيَّةُ هِيَ الَّتِي تُفْهَمُ مِنْ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ.
لَقْطُ حَصَيَاتِ الرَّجْمِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ
11- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَخْذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ: الْقُطْ لِي حَصًى فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ...» الْحَدِيثَ، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى مِنْ مُزْدَلِفَةَ».
وَلِأَنَّ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَبَلًا فِي أَحْجَارِهِ رَخَاوَةٌ، وَلِأَنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا أَتَى الْحَاجُّ إِلَى مِنًى أَنْ لَا يُعَرِّجَ عَلَى غَيْرِ الرَّمْيِ، فَسُنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتَّى لَا يَشْغَلَهُ عَنْهُ، لِأَنَّ الرَّمْيَةَ تَحِيَّةٌ لَهُ كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَعَلَيْهِ فِعْلُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ رَمَى بِحَصَاةٍ أَخَذَهَا مِنَ الطَّرِيقِ، أَوْ مِنَ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ.
وَالْإِسَاءَةُ مُقَيَّدَةٌ بِالْأَخَذِ مِنَ الْجَمْرَةِ، أَمَّا الْأَخْذُ مِنَ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ مِنًى فَلَيْسَ فِيهَا إِسَاءَةٌ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ لَقْطُ الْحَصَيَاتِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ إِلاَّ الْعَقَبَةَ فَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ.
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَقْطَهَا مِنَ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ كَانَ وَقَالُوا: يُكْرَهُ لَقْطُهَا مِنَ الْحِلِّ لِعُدُولِهِ عَنِ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ، وَلَقْطُهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ نَجِسٍ وَمِمَّا رُمِيَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: خُذِ الْحَصَى مِنْ حَيْثُ شِئْتَ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
5-موسوعة الفقه الكويتية (وضع اليد)
وَضْعُ الْيَدِالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي الْوَضْعِ فِي اللُّغَةِ: التَّرْكُ، يُقَالُ: وَضَعْتُ الشَّيْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَضْعًا تَرَكْتُهُ هُنَاكَ.
وَيَأْتِي بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ، يُقَالُ: وَضَعْتُ عَنْهُ دَيْنَهُ أَسْقَطْتُهُ.
وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْمَنْكِبِ إِلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَالْجَمْعُ الْأَيْدِ، وَالْأَيَادِي جَمْعُ الْجَمْعِ.
وَالْيَدُ: النِّعْمَةُ وَالْإِحْسَانُ، وَتُطْلَقُ الْيَدُ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهِ: أَيْ سُلْطَانُهُ، وَالْأَمْرُ بِيَدِ فُلَانٍ: أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ: اسْتُعِيرَ الْيَدُ لِلْحَوْزِ وَالْمِلْكِ مَرَّةً، يُقَالُ: هَذَا فِي يَدِ فُلَانٍ أَيْ فِي حَوْزِهِ وَمِلْكِهِ، وَلِلْقُوَّةِ مَرَّةً، يُقَالُ: لِفُلَانٍ يَدٌ عَلَى كَذَا، وَمَالِي بِكَذَا يَدٌ.
وَوَضْعُ الْيَدِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَصَرُّفُ ذِي الْيَدِ فِي عَيْنٍ بِالْفِعْلِ، أَوْ ثُبُوتُ تَصَرُّفِهِ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ.
قَالَ عَلِي حَيْدَر: ذُو الْيَدِ هُوَ وَاضِعُ الْيَدِ عَلَى عَيْنٍ بِالْفِعْلِ، أَوِ الَّذِي يَثْبُتُ تَصَرُّفُهُ فِي عَيْنٍ وَانْتِفَاعُهُ مِنْهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ.
وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ وَضْعَ الْيَدِ كَذَلِكَ وَيُرِيدُونَ بِهِ وَضْعَ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ- وَهِيَ الْجَارِحَةُ- عَلَى شَيْءٍ مَا.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْحِيَازَةُ:
2- الْحِيَازَةُ فِي اللُّغَةِ: ضَمُّ الشَّيْءِ وَجَمْعُهُ يُقَالُ: حُزْتُ الشَّيْءَ وَأَحُوزُهُ حَوْزًا وَحِيَازَةً: ضَمَمْتُهُ وَجَمَعْتُهُ، وَكُلُّ مَنْ ضَمَّ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَقَدَ حَازَهُ.
وَالْحِيَازَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ وَضْعُ الْيَ- دِ عَلَى الشَّيْءِ وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ.
وَوَضْعُ الْيَدِ أَعَمُّ مِنَ الْحِيَازَةِ.
ب- الْغَصْبُ:
3- الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ: الْأَخْذُ قَهْرًا وَظُلْمًا.يُقَالُ: غَصَبَ الشَّيْءَ غَصْبًا أَخَذَهُ قَهْرًا وَظُلْمًا، وَالِاغْتِصَابُ مِثْلُهُ.
وَالْغَصْبُ فِي الِاصْطِلَاحِ: إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَالْمُغَالَبَةِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَضْعِ الْيَدِ وَالْغَصْبِ أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ أَعَمُّ مِنَ الْغَصْبِ.
أَوَّلًا: الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَضْعِ الْيَدِ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ فِي عَيْنٍ
أ- دَلَالَةُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَضْعُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفُ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا ادَّعَى وَاضِعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ الَّذِي تَلَقَّاهَا شِرَاءً أَوْ إِرْثًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا، فَالْقَوْلُ لَهُ، وَعَلَى مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي الْمِلْكِ الْبُرْهَانُ إِنْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَاسْتُوفِيَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى.
ثُمَّ يَقُولُ: وَقَدْ قَالُوا إِنَّ وَضْعَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
وَفِي رِسَالَةِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ: وَأَيُّمَا قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أَوِ الْحَرْبِ بَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَبَقِيَتْ أَرْضُهُمْ مُعَطَّلَةً وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدٍ، وَلَا أَنَّ أَحَدًا يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَحَرَثَهَا وَغَرَسَ فِيهَا وَأَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ أَوِ الْعُشْرَ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إِلاَّ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ- أَيِ الْحِيَازَةَ- إِذَا طَالَ وَلَمْ يُوجَدْ مُنَازِعٌ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ تَطُلِ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتِ الْمِلْكُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمُلاَّكُ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَطُلِ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتِ الْمِلْكُ.
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي سُؤَالِ الْحَائِزِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ الْمِلْكُ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ:
فَوَجْهٌ: لَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ، وَتَبْطُلُ دَعْوَى الْمُدَّعَى فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ، فَلَا يُوجِبُ يَمِينًا عَلَى الْحَائِزِ الْمُدَّعَى فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَعَارَهُ إِيَّاهُ فَتَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ.وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ إِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي وَلَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْحَائِزُ الَّذِي حَازَهُ فِي وَجْهِهِ الْعَشَرَةَ الْأَعْوَامِ وَنَحْوَهَا، وَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
وَوَجْهٌ: يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ إِذَا ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي، أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْحَائِزُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ.
وَوَجْهٌ: يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوِ الْإِنْكَارِ، وَقِيلَ إِنَّهُ يُوقَفُ وَيُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَهُوَ إِذَا ثَبَتَتِ الْمَوَارِيثُ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ. (ر: حِيَازَة ف 6)
ب- كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدِ:
5- وَضْعُ الْيَدِ يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَا تُوضَعُ الْيَدُ عَلَيْهِ.
6- فَفِي الْعَقَارِ يَحْصُلُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِأَحَدِ أُمُورٍ:
- أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ، وَأَنْ يُحْدِثَ أَبْنِيَةً فِيهَا.
- وَفِي الْعَرْصَةِ حَفْرُ بِئْرٍ أَوْ نَهَرٍ أَوْ قَنَاةٍ، أَوْ غَرْسُ أَشْجَارٍ، أَوْ زَرْعُ مَزْرُوعَاتٍ، أَوْ إِنْشَاءُ أَبْنِيَةٍ أَوْ صُنْعُ لَبِنٍ.
- وَفِي الْحَرَجِ وَالْغَابِ قَطْعُ الْأَشْجَارِ مِنْهَا وَبَيْعُهَا، وَبِالِانْتِفَاعِ مِنْهَا بِوَجْهٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ.
- وَفِي الْمَرْعَى قَطْعُ الْحَشَائِشِ وَحِفْظُهَا وَبَيْعُهَا، أَوْ رَعْيُ الْحَيَوَانَاتِ فِيهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ.
أَمَّا وُجُودُ مِفْتَاحِ بَابِ الدَّارِ فِي يَدِ أَحَدٍ فَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي يَدِهِ ذَا يَدٍ، فَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا فِي دَارٍ وَأَشْيَاؤُهُ مَوْضُوعَةٌ فِيهَا، وَكَانَ مِفْتَاحُ تِلْكَ الدَّارِ فِي يَدِ آخَرَ، فَالْوَاضِعُ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ هُوَ السَّاكِنُ فِيهَا وَلَيْسَ حَامِلَ مِفْتَاحِ بَابِهَا.
قَالَ أَصْبَغُ: مَا حَازَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ أَيَّ الْحِيَازَاتِ كَانَتْ مِنْ سُكْنَى فَقَطْ أَوِ ازْدِرَاعٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ بُنْيَانٍ صَغُرَ شَأْنُهُ أَوْ عَظُمَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَازَاتِ كُلِّهَا فَذَلِكَ يُوجِبُهُ لِحَائِزِهِ.
7- أَمَّا وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَنْقُولِ فَيَكُونُ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى حِيَازَةِ الشَّخْصِ لَهُ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: مَا حَازَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْعُرُوضِ كُلِّهَا فَأَقَامَ ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ يَخْتَدِمُ الرَّقِيقَ وَيَرْكَبُ الدَّوَابَّ وَيَحْلِبُ الْمَاشِيَةَ وَيَمْتَهِنُ الْعُرُوضَ فَذَلِكَ كُلُّهُ كَالْحَائِزِ.
ج- وَسَائِلُ إِثْبَاتِ وَضْعِ الْيَدِ:
8- يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ فِي إِثْبَاتِ وَضْعِ الْيَدِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ إِثْبَاتُ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ فِي الْعَقَارِ الْمُنَازَعِ فِيهِ، وَلَا يُحْكَمُ بِهَا بِتَصَادُقِ الْخَصْمَيْنِ.
وَمَعْنَى هَذَا كَمَا فِي دُرَرِ الْحُكَّامِ: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذُو يَدٍ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَقَارِ الْمُنَازَعِ فِيهِ، فَلِأَجْلِ صِحَّةِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَلْزَمُ إِثْبَاتُ وَضْعِ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ هِيَ دَعْوَى إِزَالَةِ الْيَدِ وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ؛ وَطَلَبُ إِزَالَةِ الْيَدِ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى ذِي الْيَدِ.
وَلَا يَثْبُتُ وَضْعُ الْيَدِ بِعِلْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْحُكْمِ.
كَمَا لَا يَثْبُتُ وَضْعُ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِ الْخَصْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ، فَلَعَلَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا تَوَاضُعًا فِيهِ لِيَكُونَ لَهُمَا ذَرِيعَةً إِلَى أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
فَإِذَا ثَبَتَ وَضْعُ الْيَدِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ وَثَبَتَتِ Cالْمِلْكِيَّةُ بِالشُّهُودِ وَحُكِمَ بِهَا لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ.
9- وَيُسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِ إِثْبَاتِ وَضَاعَةِ الْيَدِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مَسَائِلُ الشِّرَاءِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ.وَهِيَ أَنَّهُ:
إِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلًا: إِنَّنِي كُنْتُ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ذَلِكَ الْعَقَارَ، أَوْ كُنْتَ غَصَبْتَهُ مِنِّي فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِثْبَاتِ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ، فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
وَإِنَّ الَّذِي يُحْدِثُ يَدَهُ تَغَلُّبًا عَلَى مَالٍ لَا يُعَدُّ وَاضِعًا الْيَدَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَعَلَيْهِ إِذَا ثَبَتَ لِلْقَاضِي إِحْدَاثُ يَدِهِ تَغَلُّبًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّ الْمَالِ الْمَذْكُورِ إِلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ، وَيُعَدُّ ذَلِكَ الشَّخْصُ ذَا الْيَدِ.
10- أَمَّا الْمَنْقُولُ فَذُو الْيَدِ عَلَيْهِ هُوَ مَنْ وُجِدَ فِي يَدِهِ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى إِثْبَاتِ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا وُجِدَ الْمَنْقُولُ فِي يَدِ أَيِّ شَخْصٍ كَانَ فَهُوَ ذُو الْيَدِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ كَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ يَثْبُتُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ وَبِالْإِقْرَارِ.
وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وُجُودَ الْمَالِ الْمَنْقُولِ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَالَ الْمَنْقُولَ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي ذَلِكَ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا الْيَدِ.
د- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ:
11- وَمَنْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عُدْوَانًا فَهُوَ غَاصِبٌ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (غَصْب ف 1 وَمَا بَعْدَهَا).
وَإِنْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ خَطَأً كَأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعُ الْمُؤَاخَذَةِ شَرْعًا بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» وَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».
هـ- التَّنَازُعُ فِي وَضْعِ الْيَدِ:
12- إِذَا تَنَازَعَ شَخْصَانِ فِي عَقَارٍ وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا كَوْنَهُ ذَا الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْعَقَارِ تُطْلَبُ أَوَّلًا الْبَيِّنَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كَوْنِهِ ذَا الْيَدِ، فَإِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تَثْبُتُ يَدُهُمَا مَعًا عَلَى الْعَقَارِ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي الْقِسْمِ الْوَاضِعِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَمُدَّعِيًا فِي الْقِسْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ خَارِجًا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي أَسْبَابِ الثُّبُوتِ إِلاَّ أَنَّهُمَا مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ مِلْكَهُمَا الْمُشْتَرَكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُقَسَّمُ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا.وَإِذَا أَظْهَرَ أَحَدُهُمَا الْعَجْزَ عَنْ إِثْبَاتِ وَضْعِ يَدِهِ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهِ وَاضِعَ الْيَدِ يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ ذَا الْيَدِ مُسْتَقِلًّا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَيُعَدُّ الْآخَرُ خَارِجًا وَمُدَّعِيًا.
و- مَرَاتِبُ وَضْعِ الْيَدِ:
13- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي وَضْعِ الْيَدِ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْأَقْوَى مِنْهُمَا، أَوْ يَشْتَرِكَانِ إِذَا تَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَقَدْ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا يَلِي:
اللاَّبِسُ لِلثَّوْبِ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ الْكُمِّ، قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءُ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ.
وَالرَّاكِبُ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ.
وَمَنْ فِي السَّرْجِ أَحَقُّ مِنْ رَدِيفِهِ (وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَقُولُ لَكِنَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى مِثْلَ الرَّأْيِ الْأَوَّلِ) بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهُمَا بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا فِي الْغَايَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُسْرَجَةً.
وَذُو حِمْلِ الدَّابَّةِ أَوْلَى مِمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا، أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُ حِمْلِهَا؛ كَمَا إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَنٌّ وَالْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ، كَانَتْ بَيْنَهُمَا.
وَالْجَالِسُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ سَوَاءٌ كَجَالِسِيهِ، وَكَرَاكِبِي سَرْجٍ- وَكَذَا مَنْ مَعَهُ ثَوْبٌ وَطَرَفُهُ مَعَ الْآخَرِ- لَا هُدْبَتُهُ، أَيْ طُرَّتُهُ غَيْرُ الْمَنْسُوجَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَوْبٍ.
أَمَّا جَالِسَا دَارٍ تَنَازَعَا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُمَا Cلِاحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا.
وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ يَكُونُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جِذْعٌ أَوْ جِذْعَانِ دُونَ الثَّلَاثَةِ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَجْذَاعٍ أَوْ أَكْثَرُ.
ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّ الْحَائِطَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ، وَلِصَاحِبِ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ، قَالَ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَبِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رضي الله عنه- يَقُولُ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الِاسْتِحْسَانِ.
وَكَذَا يَكُونُ الْحَائِطُ لِمَنْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ- بِأَنْ تَتَدَاخَلَ أَنْصَافُ لَبِنَاتِهِ فِي لَبِنَاتِ الْآخَرِ- وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ فَبِأَنْ تَكُونَ الْخَشَبَةُ مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا، وَلِذَا سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُبْنَى مُرَبَّعًا؛ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَهُ اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ أَوْ نَقْبٌ وَإِدْخَالٌ (بِأَنْ نَقَبَ وَأَدْخَلَ الْخَشَبَةَ)، أَوْ هَرَادِي (كَقَصَبٍ وَطَبَقٍ يُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ) وَلَا يُخَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْهَرَادِي، بَلْ صَاحِبُ الْجِذْعِ الْوَاحِدِ أَحَقُّ مِنْهُ.
وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ، فَلِذِي الِاتِّصَالِ وَلِلْآخَرِ حَقُّ الْوَضْعِ، وَقِيلَ لِذِي الْجُذُوعِ.
وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ فِيهَا بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا فِي حَقِّ سَاحَتِهَا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَالطَّرِيقِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْيَدِ مَرَاتِبَ مُرَتَّبَةً، فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ وَمِنْطَقَتُهُ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ، لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِهَا.قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا، فَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يُقَدَّمُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا، وَإِذَا تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَدَاعَيَا دَابَّةً وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْحِمْلِ مَعَ Cيَمِينِهِ لِانْفِرَادِهِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ، وَلَوْ تَدَاعى ثَلَاثَةٌ دَابَّةً: وَاحِدٌ سَائِقُهَا، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَالثَّالِثُ رَاكِبُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ لِوُجُودِ الِانْتِفَاعِ فِي حَقِّهِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا عَلَى حَيَوَانٍ، وَيَدُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَيَدُ الْآخَرِ عَلَى حِمْلِهِ فَإِنَّهُ لِمَنْ يَدُهُ عَلَى الْحَيَوَانِ، لَا لِمَنْ يَدُهُ عَلَى حِمْلِهِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ، أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ يُجَاذِبُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللاَّبِسِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالِانْتِفَاعِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي سَفِينَةٍ، أَحَدُهُمَا رَاكِبٌ وَالْآخَرُ مُمْسِكُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا.وَكَذَا فِي مُمْسِكِ جَنْبِهَا وَمُمْسِكِ رِبَاطِهَا، يُصَدَّقُ مُمْسِكُ الْجَنْبِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، أَحَدُهُمَا رَكِبَهَا أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا أَوْ سَائِقُهَا، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ أَقْوَى، وَيَدُهُ آكَدُ.
وَإِنْ تَنَازَعَا ثِيَابَ عَبْدٍ عَلَيْهِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ.
وَإِنْ تَنَازَعَا قَمِيصًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ.
وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا أَرْبَعَةُ بُيُوتٍ، فِي أَحَدِهَا سَاكِنٌ وَفِي الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى سَاكِنٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ.
وَإِنْ تَنَازَعَا سَاحَةَ الدَّارِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا.وَلَوْ كَانَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ مَسْلُوخَةٌ بِيَدِ أَحَدِهِمَا جِلْدُهَا وَرَأْسُهَا وَسَوَاقِطُهَا، وَبِيَدِ الْآخَرِ بَقِيَّتُهَا، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مِنَ الشَّاةِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَارِجَةٌ.
وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَخَيَّاطٌ فِيهَا فِي إِبْرَةٍ وَمِقَصٍّ فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ.
(ر: تَعَارُض ف 4- 11، تَنَازُع بِالْأَيْدِي)
ز- اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى اللُّقَطَةِ أَوِ اللَّقِيطِ:
14- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُتَلَقِّطِ أَنْ يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ لِنَفْسِهِ لَا لِصَاحِبِهَا؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ آوَى Cضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» وَالْمُرَادُ أَنْ يَضُمَّهَا إِلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لَا لِأَجْلِ صَاحِبِهَا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَّ إِلَى نَفْسِهِ لِأَجْلِ صَاحِبِهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْغَصْبِ.
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَمَاشَى اثْنَانِ فَأَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لُقَطَةً وَأَمَرَهُ بِالْتِقَاطِهَا بِصِيغَةِ هَاتِهَا، أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ فَهِيَ لَهُ أَيْ لِلْآخِذِ، وَكَذَا إِذَا أَخَذَهَا وَلَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ، وَإِنْ أَخَذَهَا وَقَصَدَ بِهَا الْأَمْرَ وَحْدَهُ فَهِيَ لِلْآمِرِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا حِينَئِذٍ اسْتِعَانَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ.
وَإِنْ أَخَذَهَا وَقَصَدَ بِهَا الْأَمْرَ مَعَ نَفْسِهِ فَتَكُونُ لَهُمَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالِاصْطِيَادِ أَيْضًا.
(انْظُرْ ف 4) وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَأَيَا اللَّقِيطَ جَمِيعًا، فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهُ، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَإِنْ رَآهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَسَبَقَ إِلَى أَخْذِهِ الْآخَرُ، فَالسَّابِقُ إِلَى أَخْذِهِ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ هُوَ الْأَخْذُ لَا الرُّؤْيَةُ.وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: نَاوِلْنِيهِ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ، نَظَرْنَا إِلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ نَوَى أَخْذَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ أَحَقُّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْآخَرُ بِمُنَاوَلَتِهِ إِيَّاهُ، وَإِنْ نَوَى مُنَاوَلَتَهُ فَهُوَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ النِّيَابَةِ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَوَكَّلَ لَهُ فِي تَحْصِيلٍ مُبَاحٍ.
(انْظُرْ مُصْطَلَح: لُقَطَة، لَقِيط ف 6).
ح- وَضْعُ الْمُحْرِمِ يَدَهُ عَلَى الصَّيْدِ:
15- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ بِشِرَاءٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَ الْحَرَمِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَأْنَسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ وَغَيْرِ الْمَمْلُوكِ لَهُ.
كَمَا يَحْرُمُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ».
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: إِحْرَام ف 83- 92، حَرَم ف 13- 15، صَيْد 6- 10، ضَمَان ف 133).
ط- مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ:
16- ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ قَاعِدَةً: «الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ»، وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةً يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (حُر ف 6، يَد).
ي- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ:
17- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مَفْسَدَةٌ مُوجِبَةٌ لِلضَّمَانِ سَوَاءٌ كَانَ حَاكِمًا أَوْ مَحْكُومًا.
(ر: ضَمَان ف 79، وَقَضَاء ف 61)
ثَانِيًا- الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَضْعِ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ:
أ- وَضْعُ الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ:
18- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَقْوَالٍ
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْسَال ف 4، صَلَاة ف 62- 64، يَد)
ب- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلَاةِ:
19- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي- ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى- أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا»؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ تُنَافِي Cهَيْئَةَ الصَّلَاةِ.
ج- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ:
20- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الطَّائِفَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِفِيهِ إِنْ قَدَرَ، وَإِلاَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (ر: اسْتِلَام، الْحَجَر الْأَسْوَد ف 2، طَوَاف ف 30- 33).
د- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ:
21- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ- وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ- إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ بِدْعَةٌ.
جَاءَ فِي الْمَدْخَلِ لِابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ: تَرَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ يَطُوفُ بِالْقَبْرِ الشَّرِيفِ كَمَا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَيَتَمَسَّحُ بِهِ وَيُقَبِّلُهُ وَيُلْقُونَ عَلَيْهِ مَنَادِيلَهُمْ وَثِيَابَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّبَرُّكَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْبِدَعِ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالِاتِّبَاعِ لَه - عليه الصلاة والسلام-، وَمَا كَانَ سَبَبُ عِبَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ لِلْأَصْنَامِ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ.
وَفِي الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى لِلْقَاضِي عِيَاضٍ: قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: إِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ لَا إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ.
وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْمَكِّيُّ: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَقَابِرِ بِدْعَةٌ.
وَجَاءَ فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ نَقْلًا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْزُوقٍ الزَّعْفَرَانِيِّ: لَا يَسْتَلِمُ الْقَبْرَ بِيَدِهِ وَلَا يُقَبِّلُهُ، وَعَلَى هَذَا مَضَتِ السُّنَّةُ، وَاسْتِلَامُ الْقُبُورِ وَتَقْبِيلُهَا الَّذِي يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ الْآنَ مِنَ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُنْكَرَةِ شَرْعًا يَنْبَغِي تَجَنُّبُ فِعْلِهِ وَيُنْهَى فَاعِلُهُ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ: قَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَبَحِّرُونَ الْخُرَاسَانِيُّونَ: وَلَا يَمْسَحُ الْقَبْرَ بِيَدِهِ، وَلَا يُقَبِّلُهُ، وَلَا يَمَسُّهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَادَةُ النَّصَارَى، قَالَ: وَمَا ذَكَرُوهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحَبَّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْكَعْبَةِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يُسَنَّ مَعَ اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ، فَلأَنْ لَا يُسْتَحَبَّ مَسُّ الْقُبُورِ أَوْلَى.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَمَسَّ الْجِدَارَ، وَلَا أَنْ يُقَبِّلَهُ فَإِنَّ الْمَسَّ وَالتَّقْبِيلَ لِلْمَشَاهِدِ عَادَةُ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ وَلَا يُقَبِّلُهُ، بَلِ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إِلاَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِلَامُ الْقَبْرِ بِالْيَدِ، وَاسْتَثْنَى الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْجَمَلُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إِذَا قُصِدَ بِهِ التَّبَرُّكُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّهُ لَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ.
قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا النَّاسُ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ الْجَمَلُ: يُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُحْمَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ، نَعَمْ إِنْ قُصِدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمُ التَّبَرُّكُ لَمْ يُكْرَهْ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رحمه الله- (.
قَالَ الْمَرْدَاوَيُّ: وَعَنْ أَحْمَدَ يُكْرَهُ لَمْسُ الْقَبْرِ بِالْيَدِ.قَالَ أَحْمَدُ: أَهْلُ الْعِلْمِ كَانُوا لَا يَمَسُّونَهُ.وَقَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-، يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ.قَالَ أَحْمَدُ: وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ لَا بَأْسَ بِهِ.
جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلًا عَنْ بُرْهَانٍ التُّرْجُمَانِيِّ: لَا نَعْرِفُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْمَقَابِرِ سُنَّةً وَلَا مُسْتَحْسَنًا وَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا.
وَقَالَ عَيْنُ الْأَئِمَّةِ الْكَرَابِيسِيُّ: هَكَذَا وَجَدْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى: لَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: لَا بَأْسَ بِلَمْسِهِ، أَيِ الْقَبْرِ بِالْيَدِ، وَفِي الْإِنْصَافِ: يَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ.
وَيَرَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَمْسُ الْقَبْرِ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَمَامِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: هِيَ أَصَحُّ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- ف 6)
هـ- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ:
22- يُنْدَبُ كَظْمُ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: تَثَاؤُب ف 2- 3)
و- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ عِنْدَ الْعُطَاسِ:
23- السُّنَّةُ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَضْعُ الْيَدِ أَوِ الثَّوْبِ عَلَى الْفَمِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ- أَوْ ثَوْبَهُ- عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ- أَوْ غَضَّ- بِهَا صَوْتَهُ».
(ر: تَشْمِيت ف4).
ز- وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ عِنْدَ الدُّعَاءِ لَهُ:
24- نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَكْرَهُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَيْهِ، نُدِبَ وَضْعُهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ لَهُ، وَمِنْ أَحْسَنِ الدُّعَاءِ «أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ وَيُعَافِيَكَ، سَبْعًا» لِلْوَارِدِ بِذَلِكَ.
(ر: عِيَادَة ف 7).
ح- كَيْفِيَّةُ وَضْعِ يَدَيِ الْمَيِّتِ:
25- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ تُوضَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى صَدْرِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اجْعَلُوا أَمْوَاتَكُمْ بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ يَدَ الْمَيِّتِ عَلَى صَدْرِهِ» وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ جَعْلَ يَدَيِ الْمَيِّتِ عَلَى صَدْرِهِ؛ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، أَوْ إِرْسَالَهُمَا فِي جَنْبَيِ الْمَيِّتِ.قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: فَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ حَسَنٌ مُحَصِّلٌ لِلْفَرْضِ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
6-أساس البلاغة (ردف)
ردفهو رديفه وردفه، وقد ردفه وأردفه وارتدفه وتردفه: ركب خلفه. واستردفه: سأله أن يردفه فأردفه. ويقال ارتدفت: فلانًا جعلته رديفًا. وأتينا فلانًا فارتدفناه أي أخذناه واركبناه وراءنا. ووطأ له على رداف دابته وهو مقعد الرديف من قطاتها. وهذه دابة لا تردف ولا ترادف: لا تقبل الرديف. وجاؤوا ركبانًا وردافى جمع رديف. وجاؤا ردافى: مترادفين ركب بعضهم خلف بعض إذا لم يجدوا إبلًا يتفرقون عليها. ورأيت الجراد ردفافى أي عظالى. وردفته وردفت له وتردفته وأردفته: تبعته. قال:
إذا الجوزاء أردفت الثريا *** ظننت بآل فاطمة الظنونا
وترادفوا: تتابعوا. وبنو فلان مترادفون مترافدون. ولهن أرداف وروادف. وغابت أرداف النجوم وهي تواليها وأواخرها. قال ذو الرمة:
وردت وأرداف النجوم كأنها *** قناديل فيهن المصابيح تزهر
وهو من الروادف وليس من الأرداف أي من الأتباع المؤخرين وليس من الوزراء. وفيهم الردافة. وجاؤا فرادى ردافى: واحدًا بعد واحد مترادفين. وأين الردافى وهم حداة الظعن. قال الراعي:
وخود من اللائي يسمعن بالضحى *** قريض الردافى بالغناء المهود
ومن المجاز: هذا أمر ليس له ردف أي تبعة. وردفتهم كتب السلطان بالعزل أي جاءت على أثرهم. وكان نزل بهم أمر ثم ردف لهم أعظم منه. ولا أفعل ذلك ما تعاقب الردفان أي الملوان.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
7-أساس البلاغة (زمل)
زملزملت القوس، ولها أزمل: صوت. والسقاة يزملون، ولهم زمل وهو الرجز،
وتزاملوا: تراجزوا. قال:
لن يغلب النازع مادام الزمل *** فإن أكب صامتًا فقد خمل
وسمعت ثقيفًا وهذيلًا يتزاملون، ويسمّونه الزمل. وتقول: امرأة أزملة، وعيالات أزملة: جماعة كثيرة. وزملوه في ثيابه ليعرق، وتزمل هو: تلفف فيها. ورجل زمل وزميل وزميلة: رذل جبان يتزمل في بيته لا ينهض للغزو ويكسل عن مساماة الأمور الجسام. وزمل الشيء: حمله، ومنه الزاملة والزوامل التي يحمل عليها المتاع، وتقول: ركب الراحلة، وحمل على الزاملة. وزملت الرجل على البعير، وزاملته: عادلته في المحمل. وكنت زميله: رديفه. وقطعت الأديم بالإزميل وهو شفرة الحذاء.
ومن المجاز: ما نحن إلا من الحملة والرواه، وزوامل القلم والدواه. وأ، ت فارس العلم وأنا زميلك.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م