نتائج البحث عن (سفلوا)

1-شمس العلوم (الإعسار)

الكلمة: الإعسار. الجذر: عسر. الوزن: الْإِفْعَال.

[الإعسار]: أعسرت المرأة: إذا عسر عليها ولادها.

يقال في الدعاء على المرأة: أعسرتِ وأنَّثْتِ: أي ولدت أنثى.

وأعسر الرجلُ: إذا أضاق.

وللفقهاء في المعسر الذي تجب نفقته على قريبه الموسر أقوال؛ قال الشافعي: تجب نفقة الوالدين وإن علوا والمولودين وإن سفلوا دون غيرهم من القرباء.

وقال مالك: لا تجب إلا نفقة الأبوين على الولد ونفقة الولد على الأبوين.

وقال أبو حنيفة: تلزم نفقة كل ذي رحم مَحْرَم إذا كان صغيرًا أو زمِنًا أو أنثى، فإن كان ذكرًا كبيرًا صحيحًا فلا نفقة له إلا الأبوين والجد أبا الأب فلهم النفقة.

وذهب ابن أبي ليلى وأبو ثور والحسن بن صالح ومن وافقهم إلى أن نفقة المعسر تلزم قريبه الموسر ذكرًا كان أو أنثى صغيرًا كان أو كبيرًا صحيحًا أو زمِنًا إذا كان وارثًا له لا يحجبه غيره عن إرثه بشرط أن يكون المعسر مسلمًا إلا الأبوين فنفقتهما لازمة وإن كانا كافرين، وهذا قول سائر الفقهاء أيضًا في الأبوين.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


2-شمس العلوم (العَصَبة)

الكلمة: العَصَبة. الجذر: عصب. الوزن: فَعَلَة.

[العَصَبة]: واحدة العصب.

والعَصَبة: القرابة الذين يرثون ما بقي من مال الميت بعد ذوي السهام، ومنه اشتقت العَصَبيّة.

قال ابن قتيبة: وسمي قرابة الرجل لأبيه وبنوه عصبة لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به، والأب طرف والابن طرف والعم جانب والأخ جانب.

والعرب تسمى قرابات الرجل: أطرافه.

قال: ولم أسمع للعصبة بواحدٍ، والقياس أن يكون عاصبًا مثل طالب وطلبة وظالم وظلمة.

وفي حديث ابن عباس عن النبي عليه‌ السلام: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأَوْلَى عصبة ذكر» وفي حديث آخر: «الأخوات عَصَبَةٌ مع البنات».

والعصبات: البنون ثم بنوهم وإن سفلوا، ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا، والإخوة لأب وأم أو لأب ثم بنوهم وإن نزلوا، ثم الأعمام لأب وأم أو لأب ثم بنوهم وإن بعدوا، ثم أعمام الأب ثم بنوهم.

كذلك إذا اجتمع بنو أب أبعد وبنو أب أقرب منهم فالعَصبَة بنو الأقرب، فإن استووا في القرب فالعصبة من انتسب منهم إلى الميت بأب وأم.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


3-موسوعة الفقه الكويتية (رضاع 1)

رَضَاعٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الرِّضَاعُ- بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا- فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ رَضَعَ أُمَّهُ يَرْضِعُهَا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ رَضْعًا وَرَضَاعًا وَرَضَاعَةً أَيِ امْتَصَّ ثَدْيَهَا أَوْ ضَرْعَهَا وَشَرِبَ لَبَنَهُ.وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَهِيَ مُرْضِعٌ وَمُرْضِعَةٌ، وَهُوَ رَضِيعٌ.

وَالرَّضَاعُ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِوُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْ لَبَنِهَا فِي جَوْفِ طِفْلٍ بِشُرُوطٍ تَأْتِي.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْحَضَانَةُ:

2- هِيَ فِي اللُّغَةِ: الضَّمُّ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِضْنِ وَهُوَ الْجَنْبُ.سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِضَمِّ الْحَاضِنَةِ الْمَحْضُونَ إِلَى جَنْبِهَا.

وَشَرْعًا: حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأُمُورِهِ وَتَرْبِيَتُهُ بِمَا يُصْلِحُهُ.

وَالْحَاضِنَةُ قَدْ تَكُونُ هِيَ الْمُرْضِعَةَ، وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَهَا.

دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ الرَّضَاعِ:

3- الْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْفَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

أَوَّلًا: حُكْمُ الْإِرْضَاعِ:

4- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ إِرْضَاعُ الطِّفْلِ مَا دَامَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ، وَفِي سِنِّ الرَّضَاعِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ.فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ عَلَى الْأَبِ اسْتِرْضَاعُ وَلَدِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأُمِّ الْإِرْضَاعُ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ، دَنِيئَةً كَانَتْ أَمْ شَرِيفَةً، فِي عِصْمَةِ الْأَبِ كَانَتْ أَمْ بَائِنَةً مِنْهُ، إِلاَّ إِذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَمْ يَجِدِ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُ لَهُ غَيْرَهَا، أَوْ لَمْ يَقْبَلِ الطِّفْلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلطِّفْلِ مَالٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: يَجِبُ عَلَى الْأُمِّ إِرْضَاعُ الطِّفْلِ اللِّبَأَ وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهَا، وَاللِّبَأُ مَا يَنْزِلُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ مِنَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ غَالِبًا، وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ مُدَّةِ بَقَائِهِ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِرْضَاعِ عَلَى الْأَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}.

وَإِنِ اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلِأَنَّ إِجْبَارَ الْأُمِّ عَلَى الرَّضَاعِ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ الْوَلَدِ، أَوْ لِحَقِّ الزَّوْجِ، أَوْ لَهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِجْبَارَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ.وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِحَقِّهِ لَلَزِمَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ؛ وَلِأَنَّ الرَّضَاعَ مِمَّا يَلْزَمُ الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ، فَلَزِمَ الْأَبَ عَلَى الْخُصُوصِ كَالنَّفَقَةِ، أَوْ كَمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِانْضِمَامِ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُمَا لَثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ.وقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الِاتِّفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ الرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ بِلَا أُجْرَةٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُرْضِعُ مِثْلُهَا، وَكَانَتْ فِي عِصْمَةِ الْأَبِ، وَلَوْ حُكْمًا كَالرَّجْعِيَّةِ، أَمَّا الْبَائِنُ مِنَ الْأَبِ، وَالشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا يُرْضِعُ مِثْلُهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الرَّضَاعُ، إِلاَّ إِذَا تَعَيَّنَتِ الْأُمُّ لِذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}.

وَقَالُوا: اسْتَثْنَى الَّتِي لَا يُرْضِعُ مِثْلُهَا مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ لِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ: الْعَمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّ الْعُرْفَ عَدَمُ تَكْلِيفِهَا بِالرَّضَاعِ فَهُوَ كَالشَّرْطِ.

حَقُّ الْأُمِّ فِي الرَّضَاعِ:

5- إِنْ رَغِبَتِ الْأُمُّ فِي إِرْضَاعِ وَلَدِهَا أُجِيبَتْ وُجُوبًا.

سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُطَلَّقَةً، أَمْ فِي عِصْمَةِ الْأَبِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لقوله تعالى: {لَاتُضَارَّوَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}.

وَالْمَنْعُ مِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا مُضَارَّةٌ لَهَا؛ وَلِأَنَّهَا أَحْنَى عَلَى الْوَلَدِ وَأَشْفَقُ، وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ وَأَنْسَبُ لَهُ غَالِبًا.وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنَ الْإِرْضَاعِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

حَقُّ الْأُمِّ فِي أُجْرَةِ الرَّضَاعِ:

6- لِلْأُمِّ طَلَبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِالْإِرْضَاعِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ الْأَبِ أَمْ خَلِيَّةً، لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْفَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ الْأَبِ أَوْ فِي عِدَّتِهِ فَلَيْسَ لَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهَا الرَّضَاعَ دِيَانَةً مُقَيَّدًا بِإِيجَابِ رِزْقِهَا عَلَى الْأَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَهُوَ قَائِمٌ بِرِزْقِهَا حَالَةَ بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ أَوْ فِي عِدَّتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِي عِصْمَتِهِ وَلَا فِي عِدَّتِهِ، فَتَقُومُ الْأُجْرَةُ مَقَامَ الرِّزْقِ؛ وَلِأَنَّ إِلْزَامَ الْبَائِنِ بِالْإِرْضَاعِ مَجَّانًا مَعَ انْقِطَاعِ نَفَقَتِهَا عَنِ الْأَبِ مُضَارَّةٌ لَهَا، فَسَاغَ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ بِالرَّضَاعِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ.وَقَالَ تَعَالَى: {لَاتُضَارَّوَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} فَإِنْ طَلَبَتِ الْأُمُّ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَوَجَدَ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُ لَهُ مَجَّانًا أَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ جَازَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا، لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِطَلَبِهَا مَا لَيْسَ لَهَا، فَدَخَلَتْ فِي عُمُومِ قوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}.

وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُ لَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا تَسَاوَتْ مَعَ غَيْرِهَا فِي الْأُجْرَةِ فَصَارَتْ أَحَقَّ بِهَا، كَمَا لَوْ طَلَبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الْأُمُّ مِمَّنْ يُرْضِعُ مِثْلُهَا وَكَانَتْ فِي عِصْمَةِ الْأَبِ فَلَيْسَ لَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ بِالْإِرْضَاعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَهُ عَلَيْهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ بِوَاجِبٍ أُجْرَةً.أَمَّا الشَّرِيفَةُ الَّتِي لَا يُرْضِعُ مِثْلُهَا، وَالْمُطَلَّقَةُ مِنَ الْأَبِ، فَلَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ لِلرَّضَاعِ أَوْ وَجَدَ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُ لَهُ مَجَّانًا.

ثَانِيًا: الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الرَّضَاعِ:

7- يَتَرَتَّبُ عَلَى الرَّضَاعِ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ:

أ- تَحْرِيمُ النِّكَاحِ سَوَاءٌ حَصَلَ الرَّضَاعُ فِي زَمَنِ إِسْلَامِ الْمَرْأَةِ أَوْ كُفْرِهَا؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ».وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ.

ب- ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِجَوَازِ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ، وَعَدَمِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِاللَّمْسِ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ مِنَ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا سَائِرُ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَالْمِيرَاثِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ، وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَعَدَمِ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ الْمَالِ، وَعَدَمِ الْحَبْسِ لِدَيْنِ الْوَلَدِ، وَالْوِلَايَةِ عَلَى الْمَالِ أَوِ النَّفْسِ فَلَا تَثْبُتُ بِالرَّضَاعِ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

الرَّضَاعُ الْمُحَرِّمُ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ:

8- لِلرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ:

1- الْمُرْضِعُ

2- الرَّضِيعُ

3- اللَّبَنُ.

أَوَّلًا: الْمُرْضِعُ:

9- يُشْتَرَطُ فِي الْمُرْضِعِ الَّتِي يَنْتَشِرُ بِلَبَنِهَا التَّحْرِيمُ:

1- أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً، فَلَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الرَّجُلِ لِنُدْرَتِهِ وَعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ غِذَاءً لِلطِّفْلِ، وَلَا بِلَبَنِ الْبَهِيمَةِ، فَلَوِ ارْتَضَعَ طِفْلَانِ مِنْ بَهِيمَةٍ لَمْ يَصِيرَا أَخَوَيْنِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْأُخُوَّةِ فَرْعٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْأُمُومَةِ، وَلَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْأُمُومَةِ بِهَذَا الرَّضَاعِ فَالْأُخُوَّةُ أَوْلَى.

2- اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنْ تَكُونَ مُحْتَمِلَةً لِلْوِلَادَةِ بِأَنْ تَبْلُغَ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعُ سِنِينَ، فَلَوْ ظَهَرَ لَبَنُ الصَّغِيرَةِ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ فَلَا يُحَرِّمُ، بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَتْ هَذِهِ السِّنَّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُتَيَقَّنْ بُلُوغُهَا بِالْحَيْضِ فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ، وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ، وَلَا يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ فَيُحَرِّمُ عِنْدَهُمْ لَبَنُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ.

التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ:

10- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ كَمَا يُحَرِّمُ لَبَنُ الْحَيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الِارْتِضَاعُ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَيُنْشِزُ الْعَظْمَ مِنَ امْرَأَةٍ فَأَثْبَتَ التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً؛ وَلِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَ شُرْبِ لَبَنِهَا فِي حَيَاتِهَا، وَشُرْبِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا، إِلاَّ الْحَيَاةَ أَوِ النَّجَاسَةَ، وَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ، وَلَا أَثَرَ لِلنَّجَاسَةِ أَيْضًا، كَمَا لَوْ حُلِبَ بِإِنَاءٍ نَجِسٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ حُلِبَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا فَشَرِبَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ؛ وَلِأَنَّ ثَدْيَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِنَاءِ فِي عَدَمِ الْحَيَاةِ، وَهِيَ لَا تَزِيدُ عَلَى عَظْمِ الْمَيِّتَةِ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُرْضِعُ حَيَّةً حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً عِنْدَ انْفِصَالِ اللَّبَنِ مِنْهَا، فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِلَبَنٍ انْفَصَلَ عَنْ مَيِّتَةٍ كَمَا لَا تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ بِوَطْئِهَا، وَلِضَعْفِ حُرْمَتِهِ بِمَوْتِهَا؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنِ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ، كَالْبَهِيمَةِ، وَإِنِ انْفَصَلَ اللَّبَنُ فِي حَيَاتِهَا فَأَوْجَرَ الطِّفْلَ بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ بِالِاتِّفَاقِ.

تَقَدُّمُ الْحَمْلِ عَلَى الرَّضَاعِ:

11- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَتَقَدَّمَ حَمْلٌ.فَيُحَرِّمُ لَبَنُ الْبِكْرِ الَّتِي لَمْ تُوطَأْ وَلَمْ تَحْبَلْ قَطُّ؛ لِعُمُومِ قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وَلِأَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ فَتَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ.وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ الْمَذْهَبُ أَنَّ لَبَنَ الْبِكْرِ لَا يَنْشُرُ التَّحْرِيمَ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ لِلتَّغْذِيَةِ.

ثَانِيًا: اللَّبَنُ:

12- يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ اللَّبَنُ إِلَى جَوْفِ الطِّفْلِ بِمَصٍّ مِنَ الثَّدْيِ، أَوْ إِيجَارٍ مِنَ الْحَلْقِ، أَوْ إِسْعَاطٍ مِنَ الْأَنْفِ، سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ صِرْفًا أَوْ مَشُوبًا بِمَائِعٍ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى اللَّبَنِ، بِأَنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا، بِأَنْ كَانَتْ صِفَاتُهُ بَاقِيَةً.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِطُ نَجَسًا كَالْخَمْرِ وَأَنْ يَكُونَ طَاهِرًا كَالْمَاءِ وَلَبَنِ الشَّاةِ.

12 م- أَمَّا إِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَغْلُوبًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِهِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّبَنَ الْمَغْلُوبَ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ، وَلِأَنَّ اسْمَ اللَّبَنِ يَزُولُ بِغَلَبَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَغْلُوبًا، بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ صِفَاتِهِ شَيْءٌ، بِشَرْطِ أَنْ يَشْرَبَ الطِّفْلُ الْجَمِيعَ أَوْ يَشْرَبَ بَعْضَهُ، إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ اللَّبَنَ قَدْ وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ بِأَنْ بَقِيَ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ مِقْدَارًا لَوِ انْفَرَدَ لأَثَّرَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: اللَّبَنُ الْمَشُوبُ كَالْمَحْضِ فِي إِثْبَاتِ التَّحْرِيمِ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْمَشُوبُ هُوَ الْمُخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ، وَالْمَحْضُ هُوَ الْخَالِصُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ سِوَاهُ، سَوَاءٌ شِيبَ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ وَجُورٌ.وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ الْغَالِبُ اللَّبَنَ حَرَّمَ وَإِلاَّ فَلَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ؛ وَلِأَنَّهُ يَزُولُ بِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا الِاسْمُ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ بِهِ.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّبَنَ الْمَغْلُوبَ مَتَى كَانَ لَوْنُهُ ظَاهِرًا فَقَدْ حَصَلَ شُرْبُهُ وَيَحْصُلُ مِنْهُ إِنْبَاتُ اللَّحْمِ وَإِنْشَازُ الْعَظْمِ فَحَرَّمَ، كَمَا لَوْ كَانَ غَالِبًا، وَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَتْ صِفَاتُ اللَّبَنِ بَاقِيَةً.

فَأَمَّا إِنْ صُبَّ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَبَنٍ مَشُوبٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّغَذِّي وَلَا إِنْبَاتُ اللَّحْمِ وَلَا إِنْشَازُ الْعَظْمِ فَلَيْسَ بِرَضَاعٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ فِيهِ.وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي أَنَّ التَّحْرِيمَ يَثْبُتُ بِهِ أَيْضًا لِأَنَّ أَجْزَاءَ اللَّبَنِ حَصَلَتْ فِي بَطْنِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ لَوْنُهُ ظَاهِرًا.

13- كَمَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِاللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِطَعَامٍ وَالْمُتَغَيِّرَةِ هَيْئَتُهُ بِأَنْ يَصِيرَ جُبْنًا أَوْ مَخِيضًا، أَوْ إِقْطًا.

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ يَثْبُتُ بِهِ لِوُصُولِ عَيْنِ اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِ الطِّفْلِ، وَحُصُولِ التَّغْذِيَةِ بِهِ.وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا تَأْثِيرَ لِلَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِطَعَامٍ وَلَا الْمُتَغَيِّرِ هَيْئَتُهُ، وَلَا مَا مَسَّتْهُ النَّارُ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ.

اشْتِرَاطُ تَعَدُّدِ الرَّضَعَاتِ:

14- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا يُحَرِّمْنَ.وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَهَا.

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ) وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً، فَالشَّرْطُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَصِلَ اللَّبَنُ إِلَى جَوْفِ الطِّفْلِ مَهْمَا كَانَ قَدْرُهُ.وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ}.

وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِاسْمِ الرَّضَاعِ، فَحَيْثُ وُجِدَ وُجِدَ حُكْمُهُ، وَوَرَدَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلْآيَةِ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» حَيْثُ أَطْلَقَ الرَّضَاعَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلِحَدِيثِ «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ مَا دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ.وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهم- وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ (عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ) ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ.

وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ نَسْخَ تِلَاوَةِ ذَلِكَ تَأَخَّرَ جِدًّا حَتَّى إِنَّهُ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَبَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَبْلُغْهُ نَسْخُ تِلَاوَتِهِ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ نَسْخُ تِلَاوَتِهِ تَرَكُوهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُتْلَى مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهِ، وَهُوَ مِنْ نَسْخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ، وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ النَّسْخِ.

15- وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَاتِ اللَّبَنِ وَطُرُقِ وُصُولِهِ إِلَى الْمَعِدَةِ.فَإِنْ مَصَّهُ مِنَ الثَّدْيِ مَرَّةً، وَشَرِبَ مِنْ إِنَاءٍ مَرَّةً، وَأَوْجَرَ مِنْ حَلْقِهِ مَرَّةً، وَأَكَلَهُ جُبْنًا مَرَّةً بِحَيْثُ تَمَّ لَهُ خَمْسُ مَرَّاتٍ أَثَّرَ فِي التَّحْرِيمِ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الرَّضَعَاتُ مُتَفَرِّقَاتٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى اشْتِرَاطَ تَعَدُّدِ الرَّضَعَاتِ.

وَالْمُعْتَمَدُ فِي التَّعَدُّدِ وَالتَّفَرُّقِ هُوَ الْعُرْفُ إِذْ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الشَّرْعِ.

وَالرُّجُوعُ فِي الرَّضْعَةِ وَالرَّضَعَاتِ إِلَى الْعُرْفِ، وَمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ فِي ذَلِكَ، وَمَتَى تَخَلَّلَ فَصْلٌ طَوِيلٌ تَعَدَّدَ.

وَلَوِ ارْتَضَعَ ثُمَّ قَطَعَ إِعْرَاضًا، وَاشْتَغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ، ثُمَّ عَادَ وَارْتَضَعَ، فَهُمَا رَضْعَتَانِ، وَلَوْ قَطَعَتِ الْمُرْضِعَةُ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِرْضَاعِ، فَهُمَا رَضْعَتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الصَّبِيُّ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَحْصُلُ التَّعَدُّدُ بِأَنْ يَلْفِظَ الثَّدْيَ، ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْتِقَامِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا بِأَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى ثَدْيٍ، أَوْ تَحَوُّلِهِ لِنَفَادِ مَا فِي الْأَوَّلِ، وَلَا بِأَنْ يَلْهُوَ عَنْ الِامْتِصَاصِ، وَالثَّدْيُ فِي فَمِهِ، وَلَا بِأَنْ يَقْطَعَ التَّنَفُّسَ، وَلَا بِأَنْ يَتَخَلَّلَ النَّوْمَةُ الْخَفِيفَةُ، وَلَا بِأَنْ تَقُومَ وَتَشْتَغِلَ بِشُغْلٍ خَفِيفٍ، ثُمَّ تَعُودَ إِلَى الْإِرْضَاعِ، فَكُلُّ ذَلِكَ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ.

ثَالِثًا: الرَّضِيعُ:

أ- أَنْ يَصِلَ اللَّبَنُ إِلَى الْمَعِدَةِ:

16- يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ اللَّبَنُ إِلَى الْمَعِدَةِ بِارْتِضَاعٍ أَوْ إِيجَارٍ أَوْ إِسْعَاطٍ وَإِنْ كَانَ الطِّفْلُ نَائِمًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي التَّحْرِيمِ هُوَ حُصُولُ الْغِذَاءِ بِاللَّبَنِ وَإِنْبَاتِ اللَّحْمِ وَإِنْشَازِ الْعَظْمِ وَسَدِّ الْمَجَاعَةِ لِتَتَحَقَّقَ الْجُزْئِيَّةُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِمَا وَصَلَ إِلَى الْمَعِدَةِ.

أَمَّا الْإِقْطَارُ فِي الْأُذُنِ أَوِ الْإِحْلِيلِ، أَوِ الْحُقْنَةُ فِي الدُّبُرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ.

ب- أَلاَّ يَبْلُغَ الرَّضِيعُ حَوْلَيْنِ:

17- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ ارْتِضَاعَ الطِّفْلِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ.

فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ الْمُؤَثِّرِ فِي التَّحْرِيمِ حَوْلَانِ، فَلَا يُحَرِّمُ بَعْدَ حَوْلَيْنِ.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْأَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وَقَالُوا: جَعَلَ اللَّهُ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ تَمَامِ الرَّضَاعَةِ شَيْءٌ.وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وَأَقَلُّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَبْقَى مُدَّةُ الْفِصَالِ حَوْلَيْنِ؛ وَلِحَدِيثِ: «لَا رَضَاعَ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ».وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلاَّ مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ».

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ إِرْضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ.وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الْأَيْفَعُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ.فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا لَكِ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟.قَالَتْ: إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ، وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَرْضِعِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ: «أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ» فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخَذَتْ بِهِ عَائِشَةُ، وَأَبَى غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأْخُذْنَ بِهِ، مَعَ أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ عَنْهُ قَالَ: «الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» لَكِنَّهَا رَأَتِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ رَضَاعَةً أَوْ تَغْذِيَةً.فَمَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ الثَّانِيَ لَمْ يُحَرِّمْ إِلاَّ مَا كَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ،

وَهَذَا هُوَ إِرْضَاعُ عَامَّةِ النَّاسِ.وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَجُوزُ إِنِ احْتِيجَ إِلَى جَعْلِهِ ذَا مَحْرَمٍ.

وَقَدْ يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ مَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهَا، وَهَذَا قَوْلٌ مُتَوَجِّهٌ.

وَقَالَ: رَضَاعُ الْكَبِيرِ تَنْتَشِرُ بِهِ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَبَّى فِي الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَشِمُونَ مِنْهُ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَعَطَاءٍ وَاللَّيْثِ.

18- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَرْتَضِعَ فِي حَوْلَيْنِ أَوْ بِزِيَادَةِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ، وَأَلاَّ يُفْطَمَ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْحَوْلَيْنِ فِطَامًا يَسْتَغْنِي فِيهِ بِالطَّعَامِ عَنِ اللَّبَنِ، فَإِنْ فُطِمَ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ عَنِ اللَّبَنِ ثُمَّ رَضَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَلَا يُحَرِّمُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُدَّةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ حَوْلَانِ وَنِصْفٌ وَلَا يُحَرِّمُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ أَفُطِمَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ لَمْ يُفْطَمْ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} قَالَ: فَأَثْبَتَ سُبْحَانَهُ الْحُرْمَةَ بِالرَّضَاعِ مُطْلَقًا عَنِ التَّعَرُّضِ لِزَمَانِ الرَّضَاعِ، إِلاَّ أَنَّهُ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ زَمَانَ مَا بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ وَالنِّصْفِ لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَيُعْمَلُ بِإِطْلَاقِهِ فِيمَا وَرَاءَهُ.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} أَيْ: وَمُدَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَاثُونَ شَهْرًا.

تَحْرِيمُ النِّكَاحِ بِالرَّضَاعِ:

1- مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّضِيعِ:

19- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّضِيعِ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يَحْرُمْنَ عَلَيْهِ مِنَ النَّسَبِ وَهُنَّ السَّبْعُ اللاَّتِي ذُكِرْنَ فِي آيَةِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} وَهُنَّ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ، وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ، وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ.وَقَدْ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنَ الرَّضَاعِ بِنَصِّ الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وَتَحْرِيمُ الْبِنْتِ بِالتَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حُرِّمَتِ الْأُخْتُ فَالْبِنْتُ أَوْلَى.

أَمَّا سَائِرُ الْمَحَارِمِ فَقَدْ ثَبَتَ تَحْرِيمُهُنَّ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ».وَثَبَتَتِ الْمَحْرَمِيَّةُ لِأَنَّهَا فَرْعٌ عَلَى التَّحْرِيمِ فَتُحَرَّمُ الْمُرْضِعَةُ عَلَى الرَّضِيعِ؛ لِأَنَّهَا أُمُّهُ، وَآبَاؤُهَا وَأُمَّهَاتُهَا مِنَ النَّسَبِ أَوِ الرَّضَاعِ أَجْدَادُهُ وَجَدَّاتُهُ.فَإِنْ كَانَ أُنْثَى حَرُمَ عَلَى الْأَجْدَادِ نِكَاحُهَا أَوْ ذَكَرًا حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْجَدَّاتِ.وَفُرُوعُ الْمُرْضِعَةِ مِنَ الرَّضَاعِ كَفُرُوعِهَا مِنَ النَّسَبِ، فَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ صَاحِبِ اللَّبَنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ مَنْ تَقَدَّمَتْ وِلَادَتُهُ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ إِخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ؛ لقوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} فَقَدْ أَثْبَتَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحُرْمَةَ وَالْأُخُوَّةَ بَيْنَ بَنَاتِ الْمُرْضِعَةِ وَبَيْنَ الرَّضِيعِ مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أُخْتٍ وَأُخْتٍ، وَكَذَا بَنَاتُ بَنَاتِهَا، وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا، وَإِنْ سَفَلْنَ.

2- الْمُرْضِعَةُ:

20- يَحْرُمُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ أَبْنَاءُ رَضِيعِهَا وَأَبْنَاءُ أَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أُصُولُهُ كَأَبِيهِ، وَجَدِّهِ، وَلَا حَوَاشِيهِ كَإِخْوَتِهِ وَأَعْمَامِهِ وَأَخْوَالِهِ، فَيَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا الْمُرْضِعَةَ أَوْ بَنَاتِهَا أَوْ أَخَوَاتِهَا، فَالرَّضَاعَةُ لَا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إِلَى أُصُولِ الرَّضِيعِ وَحَوَاشِيهِ.

3- الْفَحْلُ صَاحِبُ اللَّبَنِ:

21- إِنَّ صَاحِبَ اللَّبَنِ- وَهُوَ زَوْجُ الْمُرْضِعَةِ الَّتِي نَزَلَ لَهَا مِنْهُ اللَّبَنُ- وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ «لَبَنُ الْفَحْلِ» يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، فَيَحْرُمُ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ مَنْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهَا ابْنَتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ، وَتَحْرُمُ عَلَى أَبْنَائِهِ الَّذِينَ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ، لِأَنَّهُمْ إِخْوَتُهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَبْنَاءُ بَنَاتِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ إِخْوَتِهَا لِأَبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْ زَوْجَتَيْهِ طِفْلًا أَجْنَبِيًّا عَنِ الْآخَرِ فَقَدْ صَارَا أَخَوَيْنِ لِأَبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَيَحْرُمُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُمَا إِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أُنْثَى؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً لِأَبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَتَحْرُمُ الرَّضِيعَةُ عَلَى آبَاءِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْدَادُهَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَلَى إِخْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْمَامُهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَخَوَاتُهُ عَمَّاتُ الرَّضِيعِ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ، وَلَا حُرْمَةَ بَيْنَ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَأُمَّهَاتِ الرَّضِيعِ وَأَخَوَاتِهِ مِنَ النَّسَبِ.

22- وَدَلِيلُ نَشْرِ الْحُرْمَةِ مِنْ صَاحِبِ اللَّبَنِ: مَا رَوَتْهُ «عَائِشَةُ- رضي الله عنها- قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا آذَنُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ.فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ».

وَقَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا جَارِيَةً وَالْأُخْرَى غُلَامًا هَلْ يَتَزَوَّجُ الْغُلَامُ الْجَارِيَةَ؟ قَالَ: لَا، اللِّقَاحُ وَاحِدٌ.

وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ بِلَبَنِ الْفَحْلِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَيُرْوَى عَدَمُ التَّحْرِيمِ بِهِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.

ثُبُوتُ الْأُبُوَّةِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوِ الْمَوْتِ:

23- تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ بِاللَّبَنِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوِ الْمَوْتِ، قَصُرَ الزَّمَانُ أَوْ طَالَ.

فَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَلَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلًا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، فَالرَّضِيعُ ابْنُ الْمُطَلِّقِ أَوِ الْمَيِّتِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ إِلَيْهِ بِمَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، سَوَاءٌ ارْتَضَعَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، قَصُرَتِ الْمُدَّةُ أَمْ طَالَتْ، انْقَطَعَ اللَّبَنُ أَمْ لَمْ يَنْقَطِعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُحَالُ اللَّبَنُ عَلَيْهِ، فَهُوَ بِاسْتِمْرَارِهِ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.

فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ زَوْجًا وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِلثَّانِي، سَوَاءٌ انْقَطَعَ وَعَادَ أَمْ لَمْ يَنْقَطِعْ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَبَعٌ لِلْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ لِلثَّانِي.وَإِنْ لَمْ تَلِدْ مِنَ الثَّانِي، وَبَقِيَ لَبَنُ الْأَوَّلِ بِحَالِهِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ حَبِلَتْ مِنَ الثَّانِي أَمْ لَمْ تَحْبَلْ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَجِدَّ مَا يَجْعَلُهُ مِنَ الثَّانِي فَبَقِيَ لِلْأَوَّلِ.

وَإِنْ حَبِلَتْ مِنَ الثَّانِي وَزَادَ اللَّبَنُ بِالْحَمْلِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ.فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ: إِنَّهُ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّبَنِ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَمْلِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنَ الثَّانِي.وَبَقَاءُ لَبَنِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي كَوْنَ أَصْلِهِ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِمَا.

ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِلَبَنِ مَنْ زَنَى:

24- إِنْ وَلَدَتْ مِنَ الزِّنَى فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا، صَارَ الرَّضِيعُ ابْنًا لَهَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ رَضَعَ لَبَنَهَا حَقِيقَةً وَالْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا،

وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الَّذِي ثَابَ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ.فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ صَاحِبِ اللَّبَنِ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ لَبَنَ حَمْلٍ يَنْتَسِبُ إِلَى الْوَاطِئِ بِأَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ.

أَمَّا إِنْ نَزَلَ اللَّبَنُ بِحَمْلٍ مِنَ الزِّنَى فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْفَحْلِ الزَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَبَنٌ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ؛ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ بَيْنَهُمَا فَرْعٌ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، فَلَمَّا لَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ الْأُبُوَّةِ لَمْ يَثْبُتْ مَا هُوَ فَرْعٌ لَهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، وَإِنْ نَزَلَ بِزِنًى، وَقَالُوا:؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ مُبَاحُهُ وَمَحْظُورُهُ كَالْوَطْءِ.فَإِنَّ الْوَاطِئَ حَصَلَ مِنْهُ وَلَدٌ وَلَبَنٌ، ثُمَّ إِنَّ الْوَلَدَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاطِئِ فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ؛ وَلِأَنَّهُ رَضَاعٌ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إِلَى الْمُرْضِعَةِ فَيَنْشُرُهَا إِلَى الْوَاطِئِ.

لَبَنُ الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ:

25- إِذَا نَفَى زَوْجُ الْمُرْضِعَةِ وَلَدَهَا بِلِعَانٍ، فَأَرْضَعَتْ مَعَهُ صَغِيرَةً بِلَبَنِهِ لَمْ تَثْبُتِ الْحُرْمَةُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ الرَّضِيعِ؛ لِانْتِفَاءِ نِسْبَةِ اللَّبَنِ إِلَيْهِ بِانْتِفَاءِ الْوَلَدِ عَنْهُ.

وَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ الرَّضَاعِ انْتَفَى الرَّضِيعُ عَنْهُ أَيْضًا.كَمَا انْتَفَى الْوَلَدُ.

وَإِنِ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ بَعْدَ اللِّعَانِ لَحِقَ الرَّضِيعُ، فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ، وَمَنْ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ.

الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّضَاعِ:

26- أ- تَحْرُمُ أُمُّ الزَّوْجَةِ وَجَدَّاتُهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَهْمَا عَلَوْنَ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ دُخُولٌ بِالزَّوْجَةِ أَمْ لَمْ يَكُنْ.

ب- زَوْجَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنَ الرَّضَاعِ، وَإِنْ عَلَا، سَوَاءٌ دَخَلَ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِهَا أَمْ لَمْ يَدْخُلْ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَةُ أَبِيهِ مِنَ النَّسَبِ.

ج- زَوْجَةُ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَإِنْ نَزَلُوا، سَوَاءٌ دَخَلَ الِابْنُ وَنَحْوُهُ بِالزَّوْجَةِ أَمْ لَمْ يَدْخُلْ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَةُ أَوْلَادِهِ مِنَ النَّسَبِ.

د- بِنْتُ الزَّوْجَةِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَبَنَاتُ أَوْلَادِهَا مَهْمَا نَزَلْنَ، إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مَدْخُولًا بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَلَا تُحَرَّمُ فُرُوعُهَا مِنَ الرَّضَاعِ عَلَى الزَّوْجِ، كَمَا فِي النَّسَبِ.

هـ- يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا مِنَ الرَّضَاعِ.

الرَّضَاعُ الطَّارِئُ عَلَى النِّكَاحِ:

27- الرَّضَاعُ الْمُحَرِّمُ الطَّارِئُ عَلَى النِّكَاحِ يَقْطَعُهُ كَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ التَّحْرِيمِ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ رَضَاعٍ مُقَارَنٍ وَبَيْنَ طَارِئٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدْ يَقْتَضِي الرَّضَاعُ الطَّارِئُ عَلَى النِّكَاحِ مَعَ الْقَطْعِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، وَقَدْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ.فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا (كَأُمِّهِ مِنَ النَّسَبِ، أَوِ الرَّضَاعِ، أَوْ جَدَّتِهِ، أَوْ بِنْتِهِ، أَوْ حَفِيدَتِهِ، أَوْ زَوْجَةِ أَبِيهِ، أَوْ زَوْجَةِ ابْنِهِ، أَوْ زَوْجَةِ أَخِيهِ بِلِبَانِهِمْ) رَضَاعًا مُحَرَّمًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ، أَوْ عَمَّتَهُ، أَوْ خَالَتَهُ، أَوْ حَفِيدَتَهُ، أَوْ بِنْتَ ابْنِهِ، أَوِ ابْنَةَ أَخِيهِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ، وَالِابْنِ، وَالْأَخِ فَلَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَكُونَ رَبِيبَةً لَهُمْ وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ عَلَيْهِمْ.

وَإِنْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَةٌ لَهُ أُخْرَى فَسَدَ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ الْمُرْضِعَةِ فِي الْحَالِ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ، وَالْأُمُّ تُحَرَّمُ بِنِكَاحِ الْبِنْتِ لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وَلَمْ يُشْتَرَطِ الدُّخُولُ بِهَا، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ أَرْضَعَتْهَا بِلَبَنِ الزَّوْجِ أَوْ دَخَلَ بِالْمُرْضِعَةِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَهُ بِالرَّضَاعِ، أَوْ رَبِيبَةً دَخَلَ بِأُمِّهَا.

أَمَّا إِنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْمُرْضِعَةِ، فَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ مُؤَبَّدًا، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا.وَاللَّهُ يَقُولُ: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي نِكَاحٍ مُمْتَنِعٌ.

وَفِي هَذَا الْمَوْضُوعِ تَفْرِيعَاتٌ تُنْظَرُ فِي الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ.

مَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّضَاعُ:

28- يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


4-موسوعة الفقه الكويتية (عتق)

عِتْق

التَّعْرِيفُ:

1- الْعِتْقُ لُغَةً: خِلَافُ الرِّقِّ- وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عِتْقًا وَعَتْقًا، وَأَعْتَقْتُهُ فَهُوَ عَتِيقٌ، وَلَا يُقَالُ: عَتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ، بَلْ أَعْتَقَ.

وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْخُلُوصُ.وَسُمِّيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ- الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ جَبَّارٌ.

وَاصْطِلَاحًا: هُوَ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ وَتَخْلِيصُهَا مِنَ الرِّقِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْكِتَابَةُ:

2- الْكِتَابَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْكِتَابِ، بِمَعْنَى الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ.

وَاصْطِلَاحًا- عَقْدٌ يُوجِبُ عِتْقًا عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنَ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَائِهِ فَإِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا.

وَالْكِتَابَةُ أَخَصُّ مِنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا عِتْقٌ عَلَى مَالٍ.

ب- التَّدْبِيرُ:

3- التَّدْبِيرُ لُغَةً: النَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ الْأُمُورِ لِتَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَأَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَنْ دُبُرِهِ، فَيَقُولُ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي- لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ.

وَاصْطِلَاحًا- تَعْلِيقُ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ عِتْقَ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ.

وَالتَّدْبِيرُ عِتْقٌ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ.

ج- الِاسْتِيلَادُ:

4- الِاسْتِيلَادُ لُغَةً: طَلَبُ الْوَلَدِ، وَهُوَ مَصْدَرُ اسْتَوْلَدَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ: إِذَا أَحْبَلَهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَاصْطِلَاحًا: تَصْيِيرُ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ.وَالِاسْتِيلَادُ عِتْقٌ بِسَبَبٍ، وَهُوَ حَمْلُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا وَوِلَادَتُهَا.

مَشْرُوعِيَّةُ الْعِتْقِ:

5- شُرِعَ الْعِتْقُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَقَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وَقَوْلُهُ {فَكُّ رَقَبَةٍ}.

وَأَمَّا السُّنَّةُ- فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهَا» وَقَدْ «أَعْتَقَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الْكَثِيرَ مِنَ الرِّقَابِ»، وَأَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ الْكَثِيرَ مِنَ الرِّقَابِ.

وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى صِحَّةِ الْعِتْقِ وَحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِهِ.

حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْعِتْقِ:

6- الْعِتْقُ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِجِنَايَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: الْقَتْلُ، وَالظِّهَارُ، وَالْوَطْءُ فِي شَهْرِ الصِّيَامِ، وَالْحِنْثُ فِي الْأَيْمَانِ، وَجَعَلَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- فِكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنَ النَّارِ- لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصًا لِلْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ وَمِلْكِ نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ وَتَكْمِيلِ أَحْكَامِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ عَلَى حَسَبِ إِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

7- حُكْمُ الْعِتْقِ: الِاسْتِحْبَابُ، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ.

وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَتَضَرَّرُ بِالْعِتْقِ، كَمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ سَيِّدِهِ، أَوْ يَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ وَيَحْتَاجُ إِلَى الْمَسْأَلَةِ، أَوْ يَخَافُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ الْخُرُوجَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْرِقَ، أَوْ تَكُونُ جَارِيَةً فَيَخَافُ مِنْهَا الزِّنَا وَالْفَسَادَ.

وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا، إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْخُرُوجُ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوِ الرُّجُوعُ عَنِ الْإِسْلَامِ، أَوِ الزِّنَا مِنَ الْجَارِيَةِ- لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَلَكِنْ إِذَا أَعْتَقَهُ صَحَّ- لِأَنَّهُ إِعْتَاقٌ صَادِرٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ.

وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَفِي الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُعَيَّنًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النَّذْرَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى النَّاذِرِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْعِتْقُ نَاجِزًا وَتَعَيَّنَ مُتَعَلِّقُهُ، كَعَبْدِي هَذَا، أَوْ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ.

فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ إِنِ امْتَنَعَ.

أَرْكَانُ الْعِتْقِ وَشُرُوطُهُ:

8- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْعِتْقِ رُكْنًا وَاحِدًا، وَهُوَ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْعِتْقِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلْعِتْقِ أَرْكَانًا ثَلَاثَةً تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الْعِتْقِ هِيَ: الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ- وَالْمُعْتَقُ بِالْفَتْحِ- وَالصِّيغَةُ.

الْأَوَّلُ: الْمُعْتِقُ:

9- وَيُشْتَرَطُ فِي الْعِتْقِ كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ، بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا رَشِيدًا مَالِكًا فَلَا يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إِذْنٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ، وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُكْرَهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَعِتْقُ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ، وَفِيهِ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (طَلَاق ف 18)، وَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَيَلْزَمُ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ، سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ.

الثَّانِي: الْمُعْتَقُ:

10- وَيُشْتَرَطُ فِيهِ: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ يَمْنَعُ عِتْقَهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلسَّيِّدِ إِسْقَاطُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، لِعَدَمِ لُزُومِهِ لِعَيْنِهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ سَيِّدُهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ نَجَّزَ عِتْقَهُ فَإِنَّ عِتْقَهُ صَحِيحٌ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ- وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ- إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُوصَى أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ وَيُنَجِّزُ الْعِتْقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُرْتَهِنًا، أَوْ كَانَ رَبُّهُ مَدِينًا، أَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ جِنَايَةٌ وَكَانَ رَبُّهُ مَلِيًّا صَحَّ الْعِتْقُ، وَعُجِّلَ الدَّيْنُ وَالْأَرْشُ، وَلَا يَصِحُّ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا.

الثَّالِثُ: الصِّيغَةُ:

11- وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ، سَوَاءٌ أَكَانَ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، ظَاهِرَةً أَوْ خَفِيَّةً، فَالصَّرِيحُ مِثْلُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ أَعْتَقْتُكَ.

وَالْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ- مِثْلُ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: لَا سَبِيلَ عَلَيْكَ وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، وَقَدْ خَلَّيْتُكَ.

وَالْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ- كَاذْهَبْ أَوِ اغْرُبْ عَنِّي أَوِ اسْقِنِي فَلَا يَنْصَرِفُ لِلْعِتْقِ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ.

أَسْبَابُ الْعِتْقِ:

لِلْعِتْقِ أَسْبَابٌ سِتَّةٌ هِيَ:

1- التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

2- النَّذْرُ وَالْكَفَّارَاتُ.

3- الْقَرَابَةُ.

4- الْمُثْلَةُ بِالْعَبْدِ.

5- التَّبْعِيضُ.

6- الْعِتْقُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ.

أَوَّلًا- الْعِتْقُ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ:

12- وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَى ذَلِكَ: لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَنَّهُ قَالَ «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ».

ثَانِيًا- عِتْقٌ وَاجِبٌ بِالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ:

13- وَذَلِكَ كَالْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَإِفْسَادِ الصَّوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَالظِّهَارِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَفِي الْيَمِينِ عَلَى التَّخْيِيرِ.

ثَالِثًا: الْقَرَابَةُ:

14- فَمَنْ مَلَكَ قَرِيبًا لَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَرِيبِ الَّذِي يُعْتَقُ عَلَى مَنْ مَلَكَهُ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» وَهُمُ الْوَالِدَانِ وَإِنْ عَلَوْا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَمِيعًا، وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتُ وَالْإِخْوَةُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا، وَالْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ دُونَ أَوْلَادِهِمْ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنهما-، وَقَالَ بِهِ الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الَّذِي يُعْتَقُ بِالْقَرَابَةِ- الْأَبَوَانِ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْمَوْلُودُونَ وَإِنْ سَفَلُوا، وَالْأَخُ وَالْأُخْتُ مُطْلَقًا شَقِيقَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ عِنْدَهُمُ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَالْحَاشِيَةُ الْقَرِيبَةُ فَقَطْ، فَلَا عِتْقَ لِلْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، وَلَا لِلْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الَّذِي يُعْتَقُ إِذَا مُلِكَ بِالْقَرَابَةِ- عَمُودُ النَّسَبِ أَيِ: الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ- وَيَخْرُجُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْتَقُونَ بِالْمِلْكِ لقوله تعالى فِي الْأُصُولِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} وَالْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ يُعْتَقُونَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ مُلِكُوا اخْتِيَارًا أَوْ لَا، اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَوْ لَا، لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْقَرَابَةِ، فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ، وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ».أَيْ فَيُعْتِقَهُ الشِّرَاءُ، لَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ، بِدَلِيلِ رِوَايَةِ «فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ».

وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنَ عَبْدًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ.

رَابِعًا: الْمُثْلَةُ بِالْعَبْدِ:

15- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِعْتَاقُ شَيْءٍ مِنَ الْعَبْدِ بِمَا يَفْعَلُهُ سَيِّدُهُ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ الْخَفِيفِ كَاللَّطْمِ وَالْأَدَبِ وَالْخَطَأِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ وَشَنُعَ، مِنْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ لِغَيْرِ مُوجِبٍ، أَوْ تَحْرِيقٍ بِنَارٍ، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ إِفْسَادِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

الْأَوَّلُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وُجُوبًا بِالْحُكْمِ، لَا بِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ- إِنْ تَعَمَّدَ السَّيِّدُ التَّمْثِيلَ بِالْعَبْدِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ أَوْ حَرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ».

الثَّانِي: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ.

خَامِسًا: التَّبْعِيضُ:

16- مَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ رَقِيقِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ، فَإِنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ.

وَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ مَعَ غَيْرِهِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحُكْمِ تَبَعًا لِكَوْنِ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا.

فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ لِشَرِيكِهِ.

وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُهُ فَقَطْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مَوْضِعِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَبْعِيض ف 40).

سَادِسًا: الْعِتْقُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ:

17- إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ يَقَعُ الْعِتْقُ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ رُكْنِهِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَلَاءِ الْمُعْتِقِ وَمِيرَاثِهِ مِنَ الْمُعْتَقِ- فَتْحُ التَّاءِ- عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَمَرَةُ الْعِتْقِ، فَحَيْثُ وُجِدَ هَذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ السَّبَبُ تَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ- بِكَسْرِ التَّاءِ-.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَلَاء).

تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ:

18- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ السَّيِّدُ عِتْقَ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ عَلَى مَجِيءِ وَقْتٍ أَوْ فِعْلٍ، كَأَنْتَ حُرٌّ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ، أَوْ إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ أَوْ يَحْصُلَ الْفِعْلُ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ- لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ عَتِيقٌ إِلَى رَأْسِ الْحَوْلِ، فَلَوْلَا أَنَّ الْعِتْقَ يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ لَمْ يُعَلِّقْهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ، فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ أَوْ حَصَلَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا طَلَاقَ إِلاَّ فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا عِتْقَ إِلاَّ فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا بَيْعَ إِلاَّ فِيمَا تَمْلِكُ».وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ، فَلَمْ يَقَعْ عَتَاقُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ مُتَقَدِّمٌ.

وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَتَقَ، وَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَنْقَسِمُ صِيغَةُ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ إِلَى قِسْمَيْنِ: صِيغَةُ بِرٍّ، وَصِيغَةُ حِنْثٍ.

فَأَمَّا صِيغَةُ الْبِرِّ فَصُورَتُهَا: أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ: إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، أَوْ أَمَتِي فُلَانَةُ حُرَّةٌ.

وَأَمَّا صِيغَةُ الْحِنْثِ فَصُورَتُهَا: أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ أَمَتِي حُرَّةٌ.

فَإِذَا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِيغَةِ الْبِرِّ فَلِلسَّيِّدِ الْبَيْعُ وَالْوَطْءُ، لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قَيَّدَ الْعِتْقَ بِأَجَلٍ أَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ يَخْرُجِ الْعَبْدُ وَلَا الْأَمَةُ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ يَكُونُ مِيرَاثًا.

وَإِذَا عَلَّقَ السَّيِّدُ الْعِتْقَ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ وَلَا وَطْءُ الْأَمَةِ، وَإِذَا بَاعَ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عَتَقَ مِنَ الثُّلُثِ.

وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْحِنْثِ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ، مِثْلُ: إِنْ لَمْ أَدْخُلِ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَعَبْدِي حُرٌّ وَأَمَتِي حُرَّةٌ، فَيُمْنَعُ مِنَ الْبَيْعِ دُونَ الْوَطْءِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ يَقْطَعُ الْعِتْقَ وَيُضَادُّهُ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ.

فَإِنْ عَادَ الْعَبْدُ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ إِلَى مِلْكِ السَّيِّدِ، بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ وَتَحَقَّقَتِ الصِّفَةُ، عَتَقَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّ التَّعْلِيقَ حَدَثَ وَالْعَبْدُ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ، وَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَسْقُطُ بِالْبَيْعِ.

الْآثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْعِتْقِ:

أَوَّلًا- إِرْثُ الْمُعْتِقِ مِنْ عَتِيقِهِ:

19- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتِقَ- رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً- يَرِثُ جَمِيعَ مَالِ مَنْ أَعْتَقَهُ، أَوِ الْبَاقِيَ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ بِالنَّسَبِ، وَيُسَمَّى الْعَتِيقُ: مَوْلَى الْعَتَاقَةِ: وَمَوْلَى النِّعْمَةِ أَوِ الْعُصُوبَةِ السَّبَبِيَّةِ.

فَإِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ صِفَةً تَجْعَلُهُ مُسْتَحِقًّا لِإِرْثِ عَتِيقِهِ لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ».

فَالْوَلَدُ يُنْسَبُ إِلَى أَبِيهِ وَأُسْرَتِهِ، وَالْعَتِيقُ يُنْسَبُ إِلَى مُعْتِقِهِ وَأُسْرَتِهِ، إِلاَّ أَنَّ النَّسَبَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِرْثُ لِكِلَا الْجَانِبَيْنِ، فَكَمَا يَرِثُ الِابْنُ أَبَاهُ يَرِثُ الْأَبُ ابْنَهُ، أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَيُقَرِّرُ الْإِرْثَ لِجَانِبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمُعْتِقُ، فَلَا إِرْثَ لِلْعَتِيقِ مِنْ سَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْتَوْجِبُ الْمُكَافَأَةَ بِعَكْسِ السَّيِّدِ.لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ.أَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ».وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْوَلَاءُ لِلْأَكْبَرِ» مِنَ الذُّكُورِ، وَلَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ إِلاَّ وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقْنَ.

وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِرْثَ هُنَا بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ، وَهِيَ قَاصِرَةٌ عَلَى الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ تَتَحَقَّقُ بِهِمُ النُّصْرَةُ، وَهِيَ سَبَبٌ لِلْخِلَافَةِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ لَهُنَّ مِنَ الْوَلَاءِ إِلاَّ مَا كُنَّ سَبَبًا فِيهِ، بِإِعْتَاقِهِنَّ مُبَاشَرَةً، أَوْ بِوَاسِطَةِ إِعْتَاقِ مَنْ أَعْتَقْنَ.وَإِذَا كَانَ لِلْعَتِيقِ عَصَبَةٌ مِنَ النَّسَبِ، أَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ أَصْحَابُ فُرُوضٍ، وَاسْتَوْعَبَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ كُلَّ التَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ لِهَؤُلَاءِ أَوْلَوِيَّةً عَلَيْهِ.

مَرْتَبَةُ الْعَصَبَةِ السَّبَبِيَّةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ:

20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَاصِبَ السَّبَبِيَّ مُؤَخَّرٌ فِي الْإِرْثِ عَنِ الْعَاصِبِ النَّسَبِيِّ، أَمَّا تَحْدِيدُ مَرْتَبَتِهِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُتَأَخِّرُو الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ مَرْتَبَةَ الْعَاصِبِ السَّبَبِيِّ فِي الْإِرْثِ تَلِي الْعَاصِبَ النَّسَبِيَّ مُبَاشَرَةً، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا عَنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَإِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَلَوْ مَاتَ الْعَتِيقُ عَنْ بِنْتِهِ وَمَوْلَاهُ، فَلِبِنْتِهِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ خَلَّفَ ذَا رَحِمٍ وَمَوْلَاهُ فَالْمَالُ لِمَوْلَاهُ دُونَ ذِي الرَّحِمِ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ «عَنْ بِنْتِ حَمْزَةَ قَالَتْ: مَاتَ مَوْلَايَ وَتَرَكَ ابْنَةً، فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مَالَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنَتِهِ فَجَعَلَ لِي النِّصْفَ وَلَهَا النِّصْفَ».

وَمَا رُوِيَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْوَلَاءُ».

وَذَهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم- إِلَى أَنَّ إِرْثَ الْعَصَبَةِ السَّبَبِيَّةِ مُؤَخَّرٌ عَنِ الرَّدِّ عَلَى أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَعَنْ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَلَا إِرْثَ لِلْعَاصِبِ السَّبَبِيِّ مَعَ وُجُودِ وَارِثٍ آخَرَ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ فَرْضٍ أَوْ عَاصِبًا نَسَبِيًّا أَوْ ذَا رَحِمٍ لِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}.

ثَانِيًا- مَالُ الْعَتِيقِ:

21- إِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ مَالَهُ لِسَيِّدِهِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ عُمَيْرٍ: يَا عُمَيْرُ إِنِّي أَعْتَقْتُكَ عِتْقًا هَنِيئًا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ غُلَامًا وَلَمْ يُسَمِّ مَالَهُ فَالْمَالُ لَهُ فَأَخْبَرَنِي مَا مَالُكَ»، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ كَانَا لِلسَّيِّدِ، فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَبَقِيَ مِلْكُهُ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ مَالَ الْعَبْدِ تَبَعٌ لَهُ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ- رضي الله عنهم- وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ».

وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ فِي الْعِتْقِ، دُونَ الْبَيْعِ، مَا لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ السَّيِّدُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلسَّيِّدِ.

عِتْقُ الْمُكَاتَبِ:

22- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابَةِ، إِذْ هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» وَقَوْلُهُ- عليه الصلاة والسلام- «أَيُّمَا عَبْدٍ كَاتَبَ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إِلاَّ عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ عَبْدٌ» فَعَلَى هَذَا إِنْ أَدَّى الْعَبْدُ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لَمْ يُعْتَقْ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي عِتْقَهُ عَتَقَ وَيُعْتَقُ مَعَهُ وَلَدُهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي، فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ».

فَالرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهُنَّ بِالْحِجَابِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِهِ لِمَا يُؤَدِّي، وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِوَفَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهُ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَصِيرُ حُرًّا بِمِلْكِ الْوَفَاءِ، وَإِنْ هَلَكَ مَا فِي يَدَيْهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ أَصْبَحَ حُرًّا.

عِتْقُ الْمُدَبَّرِ:

23- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَكَانَ مِنَ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ، وَيُفَارِقُ التَّدْبِيرُ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنَّ التَّدْبِيرَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُعْتِقِ، فَيَنْفُذُ فِي الْجَمِيعِ كَالْهِبَةِ الْمُنَجَّزَةِ.

وَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ عَتَقَ مِنْهُ مِقْدَارُ الثُّلُثِ وَبَقِيَ سَائِرُهُ رَقِيقًا.

عِتْقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ:

24- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ: إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ التَّصَرُّفُ بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا وَقْفُهَا وَلَا رَهْنُهَا وَلَا تُورَثُ، بَلْ تُعْتَقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَيَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهَا.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (اسْتِيلَاد ف 10).

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


5-موسوعة الفقه الكويتية (عم)

عَمٌّ

التَّعْرِيفُ:

1- الْعَمُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ: أَخُو الْأَبِ، وَجَمْعُ الْعَمِّ أَعْمَامٌ وَعُمُومَةٌ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمِّ مِنْ أَحْكَامٍ:

تَتَعَلَّقُ بِالْعَمِّ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

فِي الْإِرْثِ:

2- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَمَّ مِنَ الْعَصَبَاتِ فِي الْمِيرَاثِ، فَإِذَا انْفَرَدَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَحْجُبُهُ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ كُلَّهُ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ أَخْذِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فُرُوضَهُمْ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُ عَمٌّ آخَرُ يُسَاوِيهِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقَرَابَةِ كَأَنْ يَكُونَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ يَكُونَا لِأَبٍ اقْتَسَمَا التَّرِكَةَ بِالتَّسَاوِي، وَأَمَّا إِذَا اجْتَمَعَ عَمٌّ شَقِيقٌ مَعَ عَمٍّ غَيْرِ شَقِيقٍ أَيْ لِأَبٍ فَقَطْ فَإِنَّ الْعَمَّ الشَّقِيقَ يَنْفَرِدُ بِالْمَالِ كُلِّهِ وَيَحْجُبُ الْعَمَّ لِأَبٍ

كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَمَّ لِأَبَوَيْنِ يُحْجَبُ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَالِابْنِ وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ وَابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ وَابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَ، وَأَنَّ الْعَمَّ لِأَبٍ يُحْجَبُ بِهَؤُلَاءِ وَبِالْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ، وَأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَالْعَمُّ لِأَبٍ، وَأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ.

أَمَّا عَمُّ الْأَبِ وَعَمُّ الْجَدِّ وَبَنُوهُمَا فَهُمْ مَحْجُوبُونَ بِابْنِ عَمِّ الْمَيِّتِ وَإِنْ نَزَلَ كَمَا أَنَّ عَمَّ الْأَبِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُ عَمَّ الْأَبِ لِأَبٍ، وَابْنَ عَمِّ الْأَبِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُ ابْنَ عَمِّ الْأَبِ لِأَبٍ.

وَعَمُّ الْجَدِّ مَحْجُوبٌ بِأَبْنَاءِ عَمِّ الْأَبِ وَإِنْ سَفَلُوا وَهَكَذَا أَبَدًا لَا يَرِثُ بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».

وَأَمَّا الْعَمُّ لِأُمٍّ وَهُوَ أَخُو أَبِ الْمَيِّتِ لِأُمِّهِ فَهُوَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ اخْتُلِفَ فِي تَوْرِيثِهِمْ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِرْث ف 74 وَمَا بَعْدَهَا)

فِي الْجِنَازَةِ:

3- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَرْتِيبِ الْعَمِّ لِوِلَايَةِ أُمُورِ الْمَيِّتِ مِنَ الْغُسْلِ وَإِدْخَالِ الْقَبْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَ الْإِخْوَةِ وَأَبْنَاءِ الْإِخْوَةِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَأَنَّ الْعَمَّ الشَّقِيقَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَرْتِيبَهُ يَأْتِي بَعْدَ الْجَدِّ.

فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ:

4- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَرْتِيبِ الْعَمِّ بِالنِّسْبَةِ لِأَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَمَّ لِأُمٍّ فَقَطْ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي النِّكَاحِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْعَمِّ فِي النِّكَاحِ يَأْتِي بَعْدَ كُلٍّ مِنَ ابْنِ الْمَرْأَةِ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ يَأْتِي دَوْرُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ عَمٌّ لِأَبٍ كَذَلِكَ ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ كَذَلِكَ ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَرْتِيبَهُ يَأْتِي بَعْدَ ابْنِ الْمَرْأَةِ وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَبِ ثُمَّ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ الْعَمِّ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْعَمِّ فِي الْأَوْلِيَاءِ يَأْتِي بَعْدَ الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَخِ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْعَمِّ الشَّقِيقِ ثُمَّ عَمِّ الْأَبِ ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ أَبُوهَا ثُمَّ أَبُوهُ أَيْ: جَدُّهَا وَإِنْ عَلَا ثُمَّ ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا وَأَخُوهَا لِأَبِيهَا ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ عَمُّهَا لِأَبَوَيْنِ وَعَمُّهَا لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ عَمُّ أَبِيهَا لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا ثُمَّ عَمُّ جَدِّهَا لِأَبَوَيْنِ وَعَمُّ جَدِّهَا لِأَبٍ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلِي النِّكَاحَ بَنُو أَبٍ أَعْلَى مِنْ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجْبَارِ الْعَمِّ لِمُوَلِّيَتِهِ- بِنْتِ أَخِيهِ- فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْعَمَّ لَيْسَ لَهُ حَقُّ إِجْبَارِ مُوَلِّيَتِهِ فَلَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً، وَلَا يُزَوِّجُ كَذَلِكَ كَبِيرَةً مَجْنُونَةً سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٌ وَطَاوسٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ إِلَى أَنَّ لِلْعَمِّ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الْعَصَبَةِ بِأَنْفُسِهِمْ إِجْبَارَ الصَّغِيرَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً، كَمَا أَنَّهُ لَهُ إِجْبَارُ الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا إِذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ مَعْتُوهَةً، وَلِلصَّغِيرَةِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ عِنْدَ بُلُوغِهَا، وَلِلْمَجْنُونَةِ كَذَلِكَ عِنْدَ إِفَاقَتِهَا مِنَ الْجُنُونِ.

وَمِثْلُ الصَّغِيرَةِ عِنْدَهُمُ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَكَذَا الْكَبِيرُ الْمَجْنُونُ فَلِلْعَمِّ إِجْبَارُهُمَا، وَلَهُمَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ.

كَمَا أَنَّ لِلْعَمِّ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ الْعَصَبَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى نِكَاحِ مُوَلِّيَتِهِ إِذَا تَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَ كُفُؤٍ لَهَا بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُ.

فِي الْحَضَانَةِ:

5- يَأْتِي تَرْتِيبُ الْعَمِّ فِي الْحَضَانَةِ كَتَرْتِيبِهِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْدَ الْعَمَّاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَتَرْتِيبِهِ فِي الْإِرْثِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَرْتِيبِ الرِّجَالِ، وَيَأْتِي تَرْتِيبُهُ بَعْدَ الْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الْعَمَّ لِأُمٍّ فَقَطْ يَشْتَرِكُ فِي الْحَضَانَةِ عِنْدَهُمْ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ لِأَبٍ فَقَطْ لِزِيَادَةِ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ فِيهِ.

وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَضَانَة ف9- 13، نَفَقَة).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


6-موسوعة الفقه الكويتية (محرم)

مَحْرَمٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَحْرَمُ فِي اللُّغَةِ: الْحَرَامُ، وَالْحَرَامُ: ضَدُّ الْحَلَالِ، وَيُقَالُ: هُوَ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا: إِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَرَحِمٌ مَحْرَمٌ: مُحَرَّمٌ تَزَوُّجُهَا وَفِي الْمُعْجَمِ الْوَسِيطِ: الْمَحْرَمُ: ذُو الْحُرْمَةِ.

وَمِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ الَّذِي يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ بِهِ لِرَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجَمْعُ مَحَارِمُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُنَاكَحَتُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الرَّحِمُ:

2- الرَّحِمُ فِي اللُّغَةِ: (بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَسْكِينِهَا): وَهُوَ فِي الْأَصْلِ: مَوْضِعُ تَكْوِينِ الْجَنِينِ وَوِعَاؤُهُ فِي الْبَطْنِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْقَرَابَةِ وَأَسْبَابِهَا، وَعَلَى الْأَقَارِبِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْعَصَبَةِ وَلَا مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ، كَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَجَمْعُهُ أَرْحَامٌ.وَلِأَنَّ الرَّحِمَ نَوْعَانِ: مَحْرَمٌ، وَغَيْرُ مَحْرَمٍ، فَهُوَ إِذًا أَعَمُّ مِنْ (مَحْرَمٍ). (ر: أَرْحَامٌ ف 1).

ب- الْقَرِيبُ:

3- الْقَرِيبُ فِي اللُّغَةِ: الدَّانِي فِي الْمَكَانِ أَوِ الزَّمَانِ أَوِ النَّسَبِ.وَالْجَمْعُ أَقْرِبَاءُ وَقَرَابَى، وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: الْقَرَابَةُ وَالْقُرْبَى: الْقُرْبُ فِي الرَّحِمِ.أَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ: فَقَدْ تَعَدَّدَتِ اتِّجَاهَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْقَرَابَةِ وَتَفْصِيلِهَا فِي مُصْطَلَحِ (قَرَابَةٌ ف 1).

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْمَحْرَمِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ.

ج- النَّسَبُ:

4- النَّسَبُ: الْقَرَابَةُ، وَيُقَالُ: نَسَبُهُ فِي بَنِي فُلَانٍ؛ هُوَ مِنْهُمْ.وَالْجَمْعُ أَنْسَابٌ.وَيُقَالُ: رَجُلٌ نَسِيبٌ: شَرِيفٌ مَعْرُوفٌ حَسَبُهُ وَأُصُولُهُ.وَهُوَ نَسِيبُهُ أَيْ قَرِيبُهُ.

وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: النَّسَبُ هُوَ الْقَرَابَةُ وَالرَّحِمُ، وَقَصَرَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَوِي الرَّحِمِ، وَحَصَرَهُ آخَرُونَ فِي الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ وَمَا تَنَاسَلَ مِنْهُمْ.

(ر: قرابة ف2)

وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ: إِنَّ بَيْنَ نَسَبٍ وَمَحْرَمٍ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ، فَالنَّسَبُ أَحَدُ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ أَوِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، أَيْ أَنَّهُمَا (النَّسَبُ وَالْمَحْرْمُ) يَلْتَقِيَانِ فِي هَذَا الْجَانِبِ، ثُمَّ يَفْتَرِقَانِ فِيمَا عَدَاهُ؛ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ النَّسَبَ أَوِ الْقَرَابَةَ النَّسَبِيَّةَ أَعَمُّ مِنَ الْمَحْرَمِ وَأَقْوَى؛ وَلِذَلِكَ لَا يُقَاسُ الْمَحْرَمُ بِالرَّضَاعِ عَلَى النَّسَبِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ.

وَالْمَحْرَمُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ أَعَمُّ مِنَ النَّسَبِ؛ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ كَمَا يَكُونُ بِسَبَبِ لَحْمَةِ النَّسَبِ أَوْ قَرَابَةِ الدَّمِ كَذَلِكَ بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ.

د- الرَّضَاعُ:

5- الرَّضَاعُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ أَوِ الضَّرْعِ، يُقَالُ: رَضَعَ أُمَّهُ رَضْعًا وَرَضَاعًا وَرَضَاعَةً: امْتَصَّ ثَدْيَهَا أَوْ ضَرْعَهَا.وَيُقَالُ: بَيْنَهُمَا رَضَاعُ اللَّبَنِ: إِخْوَةٌ مِنَ الرَّضَاعِ، وَفُلَانٌ رَضِيعِي: أَخِي مِنَ الرَّضَاعِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: يُطْلَقُ الرَّضَاعُ عَلَى مَصِّ الرَّضِيعِ اللَّبَنَ مِنْ ثَدْيِ أُمَّهِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، أَوْ هُوَ اسْمٌ لِوُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْ لَبَنِهَا فِي جَوْفِ طِفْلٍ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.

(ر: قرابة ف 6)

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرَّضَاعِ وَالْمَحْرَمِ السَّبَبِيَّةُ؛ فَإِنَّ الرَّضَاعَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ.

هـ- الصِّهْرُ:

6- الصِّهْرُ: الْقَرِيبُ بِالزَّوَاجِ...وَجَمْعُهُ أَصْهَارٌ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا).

وَلَا يَخْرُجُ الصِّهْرُ فِي الِاصْطِلَاحِ عَنْ مَعَنَاهُ اللُّغَوِيِّ،

وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الصِّهْرِ وَالْمَحْرَمِ: أَنَّ الصِّهْرَ أَحَدُ الْمَحَارِمِ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْرَمِ مِنْ أَحْكَامٍ:

تَتَّصِلُ بِالْمَحْرَمِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَوْضُوعِهَا أَوْ مُتَعَلَّقِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَسِبَابُ الْمَحْرَمِيَّةِ:

7- سَبَبُ الْمَحْرَمِيَّةِ إِمَّا قَرَابَةُ النَّسَبِ، أَوِ الرَّضَاعِ، أَوِ الْمُصَاهَرَةِ وَثَمَّةَ اخْتِلَافٌ حَوْلَ ثُبُوتِ حِرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا، حَتَّى الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ.

وَهُنَاكَ مَنْ فَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ أَوْ عَدِمِ ثُبُوتِهَا.

النَّظَرُ إِلَى الْمَحْرَمِ:

8- أَبَاحَ الْفُقَهَاءُ نَظَرَ الرَّجُلِ إِلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنَ الْمَحْرَمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}.أَمَّا حُدُودُ الزِّينَةِ الَّتِي يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَلَمْسُهَا، فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلْمَحَارِمِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٌ ف 6).

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ مَحْرَمِهِ إِلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ إِنْ أَمِنَ شَهْوَتَهُ، وَشَهْوَتُهَا أَيْضًا، وَأَصْلُهُ قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ}...الْآيَةَ وَتِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ، بِخِلَافِ الْمَظْهَرِ وَنَحْوِهِ.

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ وَأُخْتِهِ وَكُلِّ ذِي رَحَمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْجَدَّاتِ وَالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ إِلَى شَعَرِهَا وَصَدْرِهَا وَذَوَائِبِهَا وَثَدْيِهَا وَعَضُدِهَا وَسَاقِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا، وَلَا إِلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إِلَى أَنْ يُجَاوِزَ الرُّكْبَةَ وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَاتِ مَحْرَمٍ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَزَوْجَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَزَوْجَةِ الِابْنِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَابْنَةِ الْمَرْأَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِأُمِّهَا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ.

وَإِنَّ كَانَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَى اخْتَلَفُوا فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَثْبُتُ فِيهَا إِبَاحَةُ النَّظَرِ وَالْمَسِّ.

وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: تَثْبُتُ إِبَاحَةُ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ جِوَازَ النَّظَرِ مِنَ الْمَحْرَمِ إِلَى الذِّرَاعَيْنِ وَالشَّعْرِ وَمَا فَوْقَ النَّحْرِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ فَفِي شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ: وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ مَعَ رَجُلٍ مَحْرَمٍ لَهَا نَسَبًا أَوْ صِهْرًا أَوْ رَضَاعًا غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ أَيِّ أَطْرَافِ الذِّرَاعَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَمَا فَوْقَ النَّحْرِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِشَعْرِ الرَّأْسِ وَالذِّرَاعِ مِنَ الْمَنْكِبِ إِلَى طَرَفِ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرَى ثَدْيَهَا وَلَا صَدْرَهَا وَلَا سَاقَهَا بِخِلَافِ شَعْرِهَا، وَتَرَى الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَحْرَمِ نَسَبًا أَوْ صِهْرًا أَوْ رَضَاعًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ، فَتَرَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا: لَا يَجُوزُ تَرْدَادُ النَّظَرُ وَإِدَامَتُهُ إِلَى شَابَّةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ أَوْ غَيْرِهِنَّ إِلاَّ لِحَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ كَشَهَادَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَإِلاَّ حَرُمَ حَتَّى لَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ.

أَمَا الشَّافِعِيَّةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ- عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ- بِشَرْطِ أَمْنِ الْفِتْنَةِ.

وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ الْمِهْنَةِ فَقَطْ، وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى النَّظَرِ إِلَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَفِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ: وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، أَيْ يَحْرُمُ نَظَرُ ذَلِكَ وَيَحِلُّ نَظَرُ مَا سِوَاهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الْآيَةَ، وَالزِّينَةُ مُفَسَّرَةٌ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَقِيلَ: يَحِلُّ نَظَرُ مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ، أَيِ الْخَدْمَةِ فَقَطْ كَالرَّأْسِ وَالْعُنُقِ وَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ، إِذْ لَا ضَرُورَةَ إِلَى غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْمَحْرَمُ بِالنَّسَبِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالْوَجْهِ وَالرِّقْبَةِ وَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالسَّاقِ.

وَفِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمُ النَّظَرُ إِلَى السَّاقِ وَالصَّدْرِ لِلتَّوَقِّي لَا لِلتَّحْرِيمِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، كَالرِّقْبَةِ وَالرَّأْسِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يُسْتَرُ غَالِبًا، كَالصَّدْرِ وَالظَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا.

قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَوِ امْرَأَةِ ابْنِهِ؟ فَقَالَ: هَذَا فِي الْقُرْآنِ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} إِلاَّ لِكَذَا وَكَذَا.قُلْتُ: فَيَنْظُرُ إِلَى سَاقِ امْرَأَةِ أَبِيهِ وَصَدْرِهَا؟ قَالَ: لَا مَا يُعْجِبُنِي.ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ إِلَى مِثْلِ هَذَا، وَإِلَى كُلِّ شَيْءٍ لِشَهْوَةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَرَاهِيَةُ أَحْمَدَ النَّظَرُ إِلَى سَاقِ أُمِّهِ وَصَدْرِهَا عَلَى التَّوَقِّي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْعُو إِلَى الشَّهْوَةِ.يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ.

وَمَنَعَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ النَّظَرَ إِلَى شَعْرِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ.

أَمَّا نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَهَا النَّظَرُ إِلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَالْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ مِنَ الرَّجُلِ إِلاَّ إِلَى مِثْلِ مَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ مِنْهَا.

مَسُّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ:

9- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَحْرَمِ يَجُوزُ مَسُّهُ إِذَا أُمِنَتِ الشَّهْوَةُ،.لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ قَبَّلَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ - رضي الله عنها- ».

هَلِ الْكَافِرُ أَوِ الذِّمِّيُّ مَحْرَمٌ؟

10- لَمْ يَشْتَرِطِ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا.

إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ اسْتَثْنَى بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَمِنْهُمُ الْإِمَامُ أَحَمْدُ حَيْثُ إِنَّهُ يَعُدُّ الْكَافِرَ مَحْرَمًا فِي النَّظَرِ دُونَ السَّفَرِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لَا تُسَافِرُ الْمُسْلِمَةُ مَعَ أَبِيهَا الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا فِي السَّفَرِ نَصًّا، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فِي النَّظَرِ وَمُقْتَضَاهُ إِلْحَاقُ سَائِرِ الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ الْكَفَّارِ بِالْأَبِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْمَحْرَمِيَّةِ يَقْتَضِي الْخَلْوَةَ بِهَا، فَيَجِبُ أَنْ لَا تَثْبُتَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ، كَالْحَضَانَةِ لِلطِّفْلِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا أَنْ يَفْتِنَهَا عَنْ دِينِهَا كَالطِّفْلِ.

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى الْمَدِينَةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ - رضي الله عنها- فَطَوَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-.لِئَلاَّ يَجْلِسَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُحْتَجَبْ مِنْهُ، وَلَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-.

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْمَجُوسِيَّ مِنَ السَّفَرِ مَعَ مَحْرَمِهِ، قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: الْمَحْرَمُ: كُلُّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ لِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرِيَّةٍ، وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ، إِلاَّ الْمَجُوسِيَّ الَّذِي يَعْتَقِدُ إِبَاحَةَ نِكَاحِهَا، وَالْفَاسِقَ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ.

نَظَرُ الْعَبْدِ إِلَى سَيِّدَتِهِ

11- لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ:

الْأَوَّلِ: أَنَّ الْعَبْدَ كَالْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِسَيِّدَتِهِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

جَاءَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْعَبْدُ فِيمَا يَنْظُرُ مِنْ سَيِّدَتِهِ كَالْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلاَّ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَنَا.

وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: الْأَصَحُّ أَنَّ نَظَرَ الْعَبْدِ إِلَى سَيِّدَتِهِ كَالنَّظَرِ إِلَى مَحْرَمٍ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ نَظَرُهُمَا إِلَى بَعْضِهِمَا كَغَيْرِهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مَحْرَمًا لِسَيِّدَتِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ.وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ خَادِمِهَا ضَيْعَةٌ».

الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ كَالْمَحْرَمِ لَهَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، يَقُولُ الْمَرْدَاوِيُّ: الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلْعَبْدِ النَّظَرَ مِنْ مَوْلَاتِهِ إِلَى مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى أَنَسٌ - رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ - رضي الله عنها- ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- مَا تَلْقَى قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ».

الْمَحْرَمُ وَغَسْلُ الْمَيِّتِ وَدَفْنُهُ:

12- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَحَارِمَ يُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَجِبُ لِلْمَيِّتِ مِنْ غُسْلٍ وَصَلَاةٍ عَلَيْهِ وَدَفْنٍ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّمُ الزَّوْجَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَصِيَّ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَفِي الْغَسْلِ وَالدَّفْنِ.

وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 41) و (تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ ف 11) وَ (دُفُنٌ ف 6).

لَمْسُ الْمَحْرَمِ وَأَثَرُهُ عَلَى الْوُضُوءِ:

13- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ لَمْسَ الرَّجُلِ امْرَأَةً مَحْرَمًا لَا يُنْقِضُ الْوُضُوءَ

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ.

أَمَّا إِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ يُنْقِضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَحْرَمِ مُطْلَقًا.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (مَسٍّ- لَمْسٍ- وُضُوءٍ).

سَفَرُ الْمَرْأَةِ بِدُونِ مَحْرَمٍ:

أ- سَفَرُ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ الْفَرْضِ بِدُونِ مَحْرَمٍ

14- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ لِغَيْرِ الْفَرْضِ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالسِّياحَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، وَنَحْوِ هَذَا مِنَ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً إِلاَّ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، إِلاَّ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِرَ مِنْهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ، وَالْفَرَقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِقَامَتَهَا فِي دَارِ الْكُفْرِ حَرَامٌ إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَارَ الدِّينِ وَتَخْشَى عَلَى دِينِهَا وَنَفْسِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّأَخُّرُ عَنِ الْحَجِّ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي.

وَمُسْتَنَدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا.قَالَ: فَانْطَلَقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ».

وَلَفْظُ الْمَرْأَةِ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ النِّسَاءِ، هَذَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْمُتَجَالَّةَ أَيِ الْعَجُوزُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ كَيْفَ شَاءَتْ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: سَفَرٌ ف 17).

ب- سَفَرُ الْمَرْأَةِ لِلْحَجِّ بِدُونِ مَحْرَمٍ

15- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ أَوْ رُفْقَةٌ مَأْمُونَةٌ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا إِذَا وَجَدَتْ زَوْجًا أَوْ مَحْرَمًا أَوْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِلاَّ إِذَا وَجَدَتْ زَوْجًا أَوْ مَحْرَمًا، وَلَا يُعْتَدُّ بِالرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ.

إِلاَّ أَنَّ لِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلَيْنِ فِي حُكْمِ الْمَحْرَمِ:

قَوْلٌ أَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبٍ، وَقَوْلٌ أَنَّهُ شَرْطُ وُجُوبِ أَدَاءٍ.

كَمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ عَلَيْهَا إِذَا امْتَنَعَ عَنْ مُرَافَقَتِهَا بِدُونِهَا.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَجٌّ ف 28).

الْمَحْرَمُ وَالْمُعَامَلَاتُ:

أ- التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ فِي الْبَيْعِ:

16- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ صَغِيرٍ غَيْرِ بَالِغٍ وَذِي رَحَمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ

وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ الْمَنْعَ مِنَ الْبَيْعِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا خَاصَّةً.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ فِيهِ تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْوَالِدِينَ وَالْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (رِقٌّ ف 39).

ب- الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لِذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ

17- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ إِذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَا رَحَمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْوَاهِبِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدِمِ جِوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إِلَى الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ابْنًا، فَيَجُوزُ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَابْنِهِ

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لَذِي رَحَمٍ مَحْرَمٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ، وَإِنْ نَزَلَ، فَيَجُوزُ لِلْأُصُولِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبُوهُ لِفُرُوعِهِمْ دُونَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَرْحَامٌ ف 140) وَ (هِبَةٌ).

نِكَاحُ الْمَحَارِمِ:

18- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ، فَإِنَّ تَزَوَّجَ ذَاتَ مَحْرَمِهِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ تَمَكَّنَتِ الشُّبْهَةُ مِنْهُ لِلْعَقْدِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاحِ) (وَمُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ).

الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ فِي النِّكَاحِ:

19- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ فِي النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَقْدٍ، أَوْ أُمَّتَيْنِ فِي وَطْءٍ لَوْ فَرَضَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لِلْأُخْرَى، كَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا».وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاحٌ، وَمُحَرَّمَاتُ النِّكَاحِ).

حَضَانَة الْمَحْرَمِ

20- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِنِ الذَّكَرِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحْضُونِهِ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا إِذَا كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ مُشْتَهَاةً كَالْعَمِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَهَا كَابْنِ الْعَمِّ أَوْ كَانَتْ مُشْتَهَاةً فَلَا حَقَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونَةِ غَيْرُهُ فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهُ، وَإِنَّمَا يُعَيِّنُ أَمِينَةً تُوضَعُ عِنْدَهَا.

أَمَّا الْحَاضِنُ الْأُنْثَى فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَحْضُونِ وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَضَانَةٌ ف9 وَمَا بَعْدَهَا).

تَغْلِيظُ الدِّيَةِ بِقَتْلِ الْمَحْرَمِ

21- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَغْلُظُ فِيهَا دِيَةُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ قَتْلُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّغْلِيظِ فِي قَتْلِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (دِيَاتٍ ف 14).

قَطْعُ الْمَحْرَمِ بِالسَّرِقَةِ:

22- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ إِذَا كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، أَصْلًا كَانَ أَوْ فَرْعًا أَوْ غَيْرَهُمَا كَالْعَمِّ وَالْخَالِ.

أَمَّا الْمَحْرَمُ غَيْرُ الرَّحِمِ كَالْأَخِ مِنَ الرَّضَاعِ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى وُجُوبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى السَّارِقِ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى عَدَمِ الْقَطْعِ.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ أَصْلًا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ.

فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ فَرْعًا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَلَا يُقْطَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيُقْطَعُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَةٌ ف 15).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


7-موسوعة الفقه الكويتية (ملاءة)

مَلَاءَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَلَاءَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ الْفِعْلِ مَلُؤَ- بِضَمِّ اللاَّمِ- قَالَ الْفَيُّومِيُّ: مَلُؤَ- بِالضَّمِّ- مَلَاءَةً، وَهُوَ أَمْلأُ الْقَوْمِ أَيْ: أَقْدَرُهُمْ وَأَغْنَاهُمْ، وَرَجُلٌ مَلِيءٌ- مَهْمُوزٌ- عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ: غَنِيٌّ مُقْتَدِرٌ.

وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: رَجُلٌ مَلِيءٌ: كَثِيرُ الْمَالِ بَيِّنُ الْمَلَاءِ، وَالْجَمْعُ مِلَاءٌ، وَقَدْ مَلُؤَ الرَّجُلُ يَمْلُؤُ مَلَاءَةً فَهُوَ مَلِيءٌ: صَارَ مَلِيئًا، أَيْ ثِقَةً، فَهُوَ غَنِيٌّ مَلِيءٌ: بَيِّنُ الْمِلَاءِ وَالْمَلَاءَةِ.

وَقَدْ أُولِعَ فِيهِ النَّاسُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ.

وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: الْمَلَاءَةُ: هِيَ الْغِنَى وَالْيَسَارُ.

وَقَدْ فَسَّرَ أَحْمَدُ الْمَلَاءَةَ فَقَالَ: تُعْتَبَرُ الْمَلَاءَةُ فِي الْمَالِ وَالْقَوْلِ وَالْبَدَنِ، فَالْمَلِيءُ هُوَ مَنْ كَانَ قَادِرًا بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِعْلُهُ، وَزَادَ فِي الْكُبْرَى عَلَيْهِمَا: وَتَمَكُّنُهُ مِنَ الْأَدَاءِ.

فَالْمَلَاءَةُ فِي الْمَالِ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ، وَالْمَلَاءَةُ فِي الْقَوْلِ: أَنْ لَا يَكُونَ مُمَاطِلًا.

وَالْمَلَاءَةُ فِي الْبَدَنِ: إِمْكَانُ حُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الزَّرْكَشِيِّ.

ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ: «فِعْلَهُ» يَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ الْمَطْلِ إِذِ الْبَاذِلُ غَيْرُ مُمَاطِلٍ.

وَ: «تَمَكُّنُهُ مِنَ الْأَدَاءِ» يَرْجِعُ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ، إِذْ مَنْ مَالُهُ غَائِبٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَنَحْوُهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَهُمَا الْأَكْثَرُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُمَا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْإِعْسَارُ:

2- الْإِعْسَارُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَعْسَرَ، وَهُوَ ضِدُّ الْيَسَارِ، وَالْعُسْرُ: الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، وَالْإِعْسَارُ وَالْعُسْرَةُ: قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ.

وَالْإِعْسَارُ فِي الِاصْطِلَاحِ: عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفَقَةِ أَوْ عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ بِمَالٍ وَلَا كَسْبٍ، أَوْ هُوَ زِيَادَةُ خَرْجِهِ عَنْ دَخْلِهِ.

وَالْإِعْسَارُ ضِدُّ الْمَلَاءَةِ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَاءَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:

يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَاءَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أ- أَثَرُ الْمَلَاءَةِ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ

3- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ عَلَى مَلِيءٍ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف 20، 21).

ب- أَثَرُ الْمَلَاءَةِ فِي أَخْذِ الْمَشْفُوعِ

4- مِنْ أَحْكَامِ الشُّفْعَةِ: أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَقْتَ لُزُومِهِ قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه-: «فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ».

فَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ مُؤَجَّلًا إِلَى أَجَلِهِ، لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

لَكِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ إِلاَّ بِشُرُوطٍ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ أَخْذَ الشِّقْصِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِالثَّمَنِ يَوْمَ الْأَخْذِ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِيُسْرِهِ يَوْمَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا يَكْفِي تَحَقُّقُ يُسْرِهِ يَوْمَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِنُزُولِ جَامَكِيَّةٍ أَوْ مَعْلُومِ وَظِيفَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْأَخْذِ مُعْسِرًا مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُرَاعَى خَوْفُ طُرُوِّ عُسْرِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ إِلْغَاءً لِلطَّارِئِ، لِوُجُودِ مُصَحِّحِ الْعَقْدِ يَوْمَ الْأَخْذِ وَهُوَ الْيُسْرُ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّفِيعُ مُوسِرًا يَوْمَ الْأَخْذِ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ أَوْ بِرَهْنٍ ثِقَةٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الشَّفِيعُ مُوسِرًا وَقْتَ الْأَخْذِ وَلَمْ يَأْتِ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ أَوْ رَهْنٍ ثِقَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ بِبَيْعِ الشِّقْصِ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ لَمْ يُعَجِّلِ الثَّمَنَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ.

لَكِنْ إِذَا تَسَاوَى الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْعَدَمِ فَلَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانُ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ، وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، وَهَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ.

وَمُقَابِلُ الْمُخْتَارِ: أَنَّهُ مَتَى كَانَ الشَّفِيعُ مُعْدَمًا فَلَا يَأْخُذُهُ إِلاَّ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ وَلَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمُشْتَرِي فِي الْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ أَشَدَّ عَدَمًا مِنَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ مَلِيءٍ، فَإِنْ أَبَى أَسْقَطَ الْحَاكِمُ شُفْعَتَهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ ثَمَنُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلًا أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مَلِيئًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِيئًا- بِأَنْ كَانَ مُعْسِرًا- أَقَامَ كَفِيلًا مَلِيئًا بِالثَّمَنِ وَأَخَذَ الشِّقْصَ بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلًا، لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَتِهِ، وَاعْتُبِرَتِ الْمَلَاءَةُ أَوِ الْكَفِيلُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي.

هَذَا إِذَا كَانَ ثَمَنُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلًا، فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَعَجَزَ الشَّفِيعُ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، وَلَوْ أَتَى الشَّفِيعُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُمَا وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مُحْرَزًا وَالضَّمِينُ مَلِيئًا، لِمَا عَلَى الْمُشْتَرِي مِنَ الضَّرَرِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَالشُّفْعَةُ شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَا تَثْبُتُ مَعَهُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَظْهَرِ: إِنْ كَانَ ثَمَنُ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلًا فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ أَخَذَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ ثُمَّ يَأْخُذَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَلَيْسَ الرِّضَا بِالْأَجَلِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي رِضًا بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلَاءَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي، وَلِأَنَّ كَوْنَهُ مُؤَجَّلًا وَصْفٌ فِي الثَّمَنِ كَالزِّيَافَةِ، وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِالثَّمَنِ، فَيَأْخُذُهُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الزُّيُوفِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَأْخُذُهُ بِسِلْعَةٍ لَوْ بِيعَتْ إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لَبِيعَتْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ.

ج- أَثَرُ الْمَلَاءَةِ فِي الضَّمَانِ

5- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ): أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَلَاءَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ يَصِحُّ ضَمَانُ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَلِيئًا أَوْ مُفْلِسًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ- رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ.ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا.قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ.فَصَلَّى عَلَيْهَا.ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا.قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا.قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ.قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ.قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَدِينِ الَّذِي لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً.

وَعَلَّلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مَالٌ حُكْمِيٌّ، فَلَا يَفْتَقِرُ بَقَاؤُهُ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ، وَلِهَذَا بَقِيَ إِذَا مَاتَ مَلِيئًا حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَكَذَا بَقِيَتِ الْكَفَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُفْلِسًا.

وَبَنَى الشَّافِعِيَّةُ قَوْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ- وَهُوَ الْمَدِينُ- لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَائِزٌ فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى، كَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ- وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ- إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا، حَتَّى يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنِ الْفِعْلِ وَالْمَيِّتُ عَاجِزٌ عَنِ الْفِعْلِ، فَكَانَتْ هَذِهِ كَفَالَةً بِدَيْنٍ سَاقِطٍ كَمَا إِذَا كَفَلَ عَلَى إِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَ مَلِيئًا فَهُوَ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ.

د- أَثَرُ الْمَلَاءَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ

6- مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَكَانَ مَلِيئًا مُقِرًّا بِدَيْنِهِ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّيْنِ حِينَ طَلَبِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»،، وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ، إِذْ لَا يُقَالُ: مَطَلَهُ إِلاَّ إِذَا طَالَبَهُ فَدَافَعَهُ.

وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ.

جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْجَمْلِ: يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَوْرًا إِنْ خَافَ فَوْتَ أَدَائِهِ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ إِمَّا بِمَوْتِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ بِذَهَابِ مَالِهِ، أَوْ خَافَ مَوْتَ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ طَالَبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ، أَوْ عَلِمَ حَاجَتَهُ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَارِزِيُّ.

7- وَإِذَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْأَدَاءِ فَطَلَبَ إِمْهَالَهُ لِبَيْعِ عُرُوضِهِ لِيُوفِيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أُمْهِلَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، لَكِنْ لَا يُؤَجَّلُ إِلاَّ إِذَا أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ الْقَادِرِ عَلَى الْوَفَاءِ سِلْعَةٌ، فَطَلَبَ مِنْ رَبِّ الْحَقِّ أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يَبِيعَهَا وَيُوفِيَهُ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهَا أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، أَيْ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهَا وَالْوَفَاءِ مِنْ ثَمَنِهَا.

وَكَذَا إِنْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ وَمَالُهُ بِدَارِهِ أَوْ مُودَعٌ أَوْ بِبَلَدٍ آخَرَ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يُحْضِرُهُ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَ الْمَدِينَ أَنْ يَحْتَالَ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ بِاقْتِرَاضِ وَنَحْوِهِ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْبَسُ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهِ مِنَ الْأَدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.

وَإِنْ خَافَ رَبُّ الْحَقِّ هَرَبَهُ احْتَاطَ بِمُلَازَمَتِهِ أَوْ بِكَفِيلٍ، وَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ مِنَ الْوَفَاءِ بِحَبْسِهِ، لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا: لَوْ مَاطَلَ الْمَدِينُ حَتَّى شَكَاهُ رَبُّ الْحَقِّ فَمَا غَرِمَهُ فِي شَكْوَاهُ فَعَلَى الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ إِذَا كَانَ رَبُّ الْحَقِّ قَدْ غَرِمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي غُرْمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

8- وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ الْمَلِيءُ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَبَعْدَ إِعْطَائِهِ الْمُهْلَةِ لِبَيْعِ عُرُوضِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِحَمِيلٍ بِالْمَالِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»،، فَيُحْبَسُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِوَاسِطَةِ الْحَبْسِ، وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».وَالْحَبْسُ عُقُوبَةٌ كَمَا قَالَ الْكَاسَانِيُّ وابْنُ قُدَامَةَ.

لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ الْحَبْسَ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِطَلَبِ رَبِّ الدَّيْنِ مِنَ الْقَاضِي، فَمَا لَمْ يَطْلُبْ رَبُّ الدَّيْنِ حَبْسَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ لَا يُحْبَسُ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ، وَالْحَبْسُ وَسِيلَةٌ إِلَى حَقِّهِ، وَوَسِيلَةُ حَقِّ الْإِنْسَانِ هِيَ حَقُّهُ، وَحَقُّ الْمَرْءِ إِنَّمَا يُطْلَبُ بِطَلَبِهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الطَّلَبِ لِلْحَبْسِ، فَإِذَا طَلَبَ رَبُّ الدَّيْنِ حَبْسَ الْمَدِينِ- وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ وَشَرَائِطُهُ بِالْحُجَّةِ- حَبَسَهُ لِتَحَقُّقِ الظُّلْمِ عِنْدَهُ بِتَأْخِيرِ حَقِّ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَالْقَاضِي نُصِبَ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَيَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عَنْهُ.

9- وَيُشْتَرَطُ لِحَبْسِ الْمَلِيءِ الْمُمَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَا يُحْبَسُ الْوَالِدُونَ وَإِنْ عَلَوْا بِدَيْنِ الْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وَلَيْسَ مِنَ الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ حَبْسُهُمَا بِالدَّيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ الْوَالِدُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْبِسُهُ، لَكِنْ تَعْزِيرًا لَا حَبْسًا بِالدَّيْنِ.

وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَالِدِ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْحَبْسِ حَقُّ الْوَالِدَيْنِ.

وَكَذَا سَائِرُ الْأَقَارِبِ، يُحْبَسُ الْمَدْيُونُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ.

وَيَسْتَوِي فِي الْحَبْسِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَبْسِ لَا يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.

وَيُحْبَسُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دَيْنِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الظُّلْمُ بِسَبِيلٍ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ صَارَ بِالتَّأْخِيرِ ظَالِمًا، فَيُحْبَسُ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ فَيَنْدَفِعَ الظُّلْمُ.

لَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُحْبَسُ الْجَدُّ بِدَيْنِ وَلَدِ وَلَدِهِ، لِأَنَّ حَقَّهُ دُونَ حَقِّ الْأَبِ.

10- وَإِذَا حَبَسَ الْحَاكِمُ الْمَدِينَ وَأَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنِ الْوَفَاءِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ بِهِ.قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى يَسَارِهِ أَبَّدَ الْحَاكِمُ حَبْسَهُ لِظُلْمِهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُضْرَبُ مَعْلُومُ الْمِلَاءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي الْعَدَدِ بِمَجْلِسِ أَوْ مَجَالِسَ، وَلَوْ أَدَّى إِلَى إِتْلَافِهِ لِظُلْمِهِ بِاللَّدَدِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الْحَاكِمُ إِتْلَافَهُ، أَمَّا لَوْ ضَرَبَهُ قَاصِدًا إِتْلَافَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، قَالُوا: وَلَا يَبِيعُ مَالَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْأَدَاءِ وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ- وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ- وَفَّى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ- وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَمُولِيُّ- أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالتَّعْزِيرِ بِحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ أَنْ يُقَالَ: سَبَقَ الْحَاجَّ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا، فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ».

وَلَوِ الْتَمَسَ الْغَرِيمُ مِنَ الْحَاكِمِ الْحَجْرَ عَلَى مَالِ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الْأَدَاءِ أُجِيبَ لِئَلاَّ يَتْلَفَ مَالُهُ.

وَإِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ مَالٌ فَأَخْفَاهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَطَلَبَ غَرِيمُهُ حَبْسَهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ وَعَزَّرَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَوْ زَادَ مَجْمُوعُ الضَّرْبِ عَلَى الْحَدِّ.

وَلَا يُعَزِّرُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ التَّعْزِيرِ الْأَوَّلِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَصَرَّ الْمَدِينُ الْمَلِيءُ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ، لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ- رضي الله عنه- عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ- رضي الله عنه- مَالَهُ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ».

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: إِذَا أَصَرَّ الْمَدِينُ عَلَى الْحَبْسِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ ضَرَبَهُ الْحَاكِمُ، قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: يَحْبِسُهُ فَإِنْ أَبَى الْوَفَاءَ عَزَّرَهُ، وَيُكَرِّرُ حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لَا يُزَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ إِنْ قِيلَ بِتَقْدِيرِهِ.

هـ- اخْتِلَافُ الْمَدِينِ وَالْغَرِيمِ فِي الْمَلَاءَةِ

11- لَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ بَيِّنَةً بِمَلَاءَةِ الْمَدِينِ، أَوِ ادَّعَى مَلَاءَتَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَأَقَامَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِإِعْسَارِهِ، أَوِ ادَّعَى الْإِعْسَارَ بِلَا بَيِّنَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَفِيمَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوِ اخْتَلَفَ الْغَرِيمُ وَالْمَدِينُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَقَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُوسِرٌ، وَقَالَ الْمَطْلُوبُ: أَنَا مُعْسِرٌ، فَإِنْ قَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ، لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةً وَهِيَ الْيَسَارُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكَفَالَةِ وَالنِّكَاحِ وَالزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يُنْظَرُ: إِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُعَاقَدَةٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْكَفَالَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالصُّلْحِ عَنِ الْمَالِ وَالْخُلْعِ، أَوْ ثَبَتَ تَبَعًا فِيمَا هُوَ مُعَاقَدَةٌ كَالنَّفَقَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَكَذَا فِي الْغَصْبِ وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ أَوِ الْقَتْلِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَيُوجِبُ الْمَالَ فِي مَالِ الْجَانِي وَفِي الْخَطَأِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ.

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي آدَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ إِنْ وَجَبَ الدَّيْنُ عِوَضًا عَنْ مَالٍ سَالِمٍ لِلْمُشْتَرِي، نَحْوُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي سَلَّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَالْقَرْضَ وَالْغَصْبَ وَالسَّلَمَ الَّذِي أَخَذَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَكُلُّ دَيْنٍ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ أَصْلًا كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، أَوْ لَهُ عِوَضٌ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْكَفَالَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ.

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ:

قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُحْبَسُ، لِأَنَّ الْفَقْرَ أَصْلٌ فِي بَنِي آدَمَ وَالْغِنَى عَارِضٌ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمَطْلُوبِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ».

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحَكَّمُ زِيُّهُ: إِذَا كَانَ زِيُّهُ زِيَّ الْأَغْنِيَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَ زِيُّهُ زِيَّ الْفُقَرَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ.

وَعَنْ أَبِي جَعْفَرَ الْهِنْدَوَانِيِّ أَنَّهُ يُحَكَّمُ زِيُّهُ فَيُؤْخَذُ بِحُكْمِهِ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، إِلاَّ إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوِ الْعَلَوِيَّةِ أَوِ الْأَشْرَافِ، لِأَنَّ مِنْ عَادَاتِهِمُ التَّكَلُّفَ فِي اللِّبَاسِ وَالتَّجَمُّلَ بِدُونِ الْغِنَى، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ.

وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَوْلَ فِي الشَّرْعِ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، فَإِذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ سُلِّمَ لَهُ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَتْ قُدْرَةُ الْمَطْلُوبِ بِسَلَامَةِ الْمَالِ، وَكَذَا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إِلاَّ عَلَى الْغَنِيِّ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلطَّالِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَهُوَ إِقْدَامُهُ عَلَى الْمُعَاقَدَةِ، فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ، إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَهْرِ، وَكَذَا الْإِقْدَامُ عَلَى الْخُلْعِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُخَالِعُ عَادَةً حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، وَكَذَا الصُّلْحُ لَا يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَلَاءَةِ الْمَدِينِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعَدَمِ مَلَاءَتِهِ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَلَاءِ عَلَى بَيِّنَةِ الْعَدَمِ إِنْ بَيَّنَتْ بَيِّنَةُ الْمَلَاءِ سَبَبَهُ، بِأَنْ قَالَتْ: لَهُ مَالٌ يَفِي بِدَيْنِهِ وَقَدْ أَخْفَاهُ، لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ نَاقِلَةٌ وَمُثْبِتَةٌ وَشَاهِدَةٌ بِالْعِلْمِ.وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ: لَهُ مَالٌ بَاطِنٌ أَخْفَاهُ، قُدِّمَتِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ بَيِّنَةُ الْمَلَاءِ سَبَبَ الْمَلَاءِ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْعَدَمِ، سَوَاءٌ بَيَّنَتْ سَبَبَ الْعَدَمِ أَمْ لَا.

وَقَالَ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ: وَالَّذِي جَرَى الْعَمَلُ بِهِ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمَلَاءِ وَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَهُ.

وَإِنْ شَهِدَ شُهُودٌ بِعُسْرِ الْمَدِينِ، وَقَالُوا فِي شَهَادَتِهِمْ: إِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لِلْمَدِينِ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ، فَيَقُولُ: بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَمْ أَعْرِفْ لِي مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، وَيَزِيدُ: وَإِنْ وَجَدْتُ مَالًا لأَقْضِيَنَّ مَا عَلَيَّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا إِعْسَارٍ وَمَلَاءَةٍ كُلَّمَا شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا جَاءَتِ الْأُخْرَى فَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى، فَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ أَبَدًا وَيُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ؟ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحُ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ، إِذَا لَمْ يَنْشَأْ مِنْ تَكْرَارِهَا رِيبَةٌ، وَلَا تَكَادُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تَخْلُو عَنْ رِيبَةٍ إِذَا تَكَرَّرَتْ.

وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: إِنِ ادَّعَى الْمَدِينُ الْإِعْسَارَ نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: إِنَّهُ مُعْسِرٌ، إِلاَّ بِبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ، فَإِنْ قَالَ: غَرِيمِي يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ، أَوْ أَنَّ مَالِي هَلَكَ فَحَلَّفُوهُ حَلِفَ الْغَرِيمُ، لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مُحْتَمَلٌ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنِ ادَّعَى الْمَدِينُ الْإِعْسَارَ وَكَذَّبَهُ غَرِيمُهُ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عُرِفَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ: فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ، كَكَوْنِ الدَّيْنِ ثَبَتَ عَنْ مُعَاوَضَةٍ كَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ أَصْلُ مَالٍ سِوَى هَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ غَرِيمِهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ الْغَرِيمُ أَنَّهُ ذُو مَالٍ حُبِسَ الْمَدِينُ حَتَّى تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِإِعْسَارِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُ الْغَرِيمِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى.

فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِتَلَفِ مَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّ التَّلَفَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَإِنْ طَلَبَ الْغَرِيمُ إِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ.

وَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِالْإِعْسَارِ مَعَ الشَّهَادَةِ بِالتَّلَفِ اكْتَفَى بِشَهَادَتِهَا وَثَبَتَتْ عُسْرَتُهُ.

وَإِنْ لَمْ تَشْهَدِ الْبَيِّنَةُ بِعُسْرَتِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ لَا غَيْرَ، وَطَلَبَ الْغَرِيمُ يَمِينَ الْمَدِينِ عَلَى عُسْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ آخَرُ، اسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ.

وَإِنْ لَمْ تَشْهَدِ الْبَيِّنَةُ بِالتَّلَفِ، وَإِنَّمَا شَهِدَتْ بِالْإِعْسَارِ فَقَطْ لَمْ تُقْبَلِ الشَّهَادَةُ إِلاَّ مِنْ ذِي خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ وَمَعْرِفَةٍ مُتَقَادِمَةٍ، لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ إِلاَّ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ الْمُخَارِقِ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: «يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلاَّ لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ...وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ، قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ».

وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمَدِينِ مَالٌ الْغَالِبُ بَقَاؤُهُ، كَكَوْنِ الْحَقِّ ثَبَتَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ أَخَذَهُ الْمَدِينُ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَمَهْرٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ إِنْ كَانَ امْرَأَةً، وَادَّعَى الْإِعْسَارَ وَلَمْ يُقِرَّ الْمَدِينُ أَنَّهُ مَلِيءٌ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ: أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ.

فَإِنْ أَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ إِعْسَارَ الْمَدِينِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِقُدْرَةِ الْمَدِينِ عَلَى الْوَفَاءِ، فَإِنَّ الْمَدِينَ يُحْبَسُ لِثُبُوتِ مَلَاءَتِهِ.

وَلَوْ حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ: أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَةَ الْمَدِينِ، أَوْ حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ: أَنَّ الْمَدِينَ مُوسِرٌ، أَوْ ذُو مَالٍ، أَوْ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ حُبِسَ الْمَدِينُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرَتِهِ.

فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رَبُّ الدَّيْنِ بَعْدَ سُؤَالِ الْمَدِينِ حَلَّفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ، حَلَفَ الْمَدِينُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ رَبُّ الدَّيْنِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ يَسَارِهِ فَيُحْبَسُ الْمَدِينُ.

و- أَثَرُ الْمَلَاءَةِ فِي مَنْعِ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ

12- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَدِينَ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ الْمَدِينُ مَلِيئًا كَانَ مِنْ حَقِّ الْغَرِيمِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ دَيْنَهُ، وَذَلِكَ- كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ- بِأَنْ يُشْغِلَهُ عَنِ السَّفَرِ بِرَفْعِهِ إِلَى الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَتِهِ حَتَّى يُوفِيَهُ دَيْنَهُ، لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ اسْتَنَابَ مَنْ يُوفِيهِ عَنْهُ مِنْ مَالِ الْحَاضِرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ مَا دَامَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لَا يُمْنَعُ الْمَدِينُ مِنَ السَّفَرِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، سَوَاءٌ بَعُدَ مَحِلُّهُ أَوْ قَرُبَ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ قَبْلَ حَلِّ الْأَجَلِ وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ مَنَعَهُ مِنَ الْمُضِيِّ فِي سَفَرِهِ إِلَى أَنْ يُوفِيَهُ دَيْنَهُ.

وَقَالَ الشَّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: أَمَّا الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا كَجِهَادٍ، أَوْ كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا، إِذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِّ، وَلَا يُكَلِّفُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ رَهْنًا وَلَا كَفِيلًا وَلَا إِشْهَادًا، لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُقَصِّرُ حَيْثُ رَضِيَ بِالتَّأْجِيلِ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُصَاحِبَهُ فِي السَّفَرِ لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَازِمَهُ مُلَازَمَةَ الرَّقِيبِ لِأَنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِهِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ يَحِلُّ أَثْنَاءَ سَفَرِ الْمَدِينِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ، فَقَالُوا: لِلْغَرِيمِ مَنْعُ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ إِنْ حَلَّ الدَّيْنُ بِغَيْبَتِهِ وَكَانَ مُوسِرًا وَلَمْ يُوَكِّلْ مَلِيئًا عَلَى الْقَضَاءِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ مُوسِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا أَوْ وَكَّلَ مَلِيئًا يَقْضِي الدَّيْنَ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ ضَمِنَهُ مَلِيءٌ فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ.

فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَحِلُّ بِغَيْبَتِهِ فَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَأَرَادَ السَّفَرَ قَبْلَ حُلُولِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ إِذَا بَقِيَ مِنْ أَجْلِهِ قَدْرُ سَيْرِهِ وَرُجُوعِهِ، وَكَانَ لَا يُخْشَى لَدَدُهُ وَمَقَامُهُ، فَإِنْ خُشِيَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ عُرِفَ بِاللَّدَدِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَهُ عَقَارٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْطَى حَمِيلًا بِالْقَضَاءِ أَوْ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَرَادَ الْمَدِينُ سَفَرًا طَوِيلًا فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَيَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنَ السَّفَرِ أَوْ يَحِلُّ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ، وَلَيْسَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلَا كَفِيلٌ مَلِيءٌ بِالدَّيْنِ، فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ مَحِلِّهِ، وَقُدُومُهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ وَلَا ظَاهِرٌ فَمَلَكَ مَنْعَهُ، لَكِنْ إِذَا وَثَّقَ الْمَدِينُ الدَّيْنَ بِرَهْنٍ يُحْرِزُ الدَّيْنَ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ فَلَا يُمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ.

وَلَوْ أَرَادَ الْمَدِينُ وَضَامِنُهُ مَعًا السَّفَرَ فَلِلْغَرِيمِ مَنْعُهُمَا إِلاَّ إِذَا تَوَثَّقَ الدَّيْنُ بِرَهْنٍ مُحْرَزٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ.

لَكِنْ إِذَا كَانَ سَفَرُ الْمَدِينِ لِجِهَادِ مُتَعَيَّنٍ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ بَلْ يُمَكَّنُ مِنَ السَّفَرِ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَحْرَمَ الْمَدِينُ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فَلَا يُحَلِّلُهُ الْغَرِيمُ مِنْ إِحْرَامِهِ لِوُجُوبِ إِتْمَامِهِمَا بِالشُّرُوعِ.

ز- أَثَرُ الْمَلَاءَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ

13- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَيَسَارِهَا، فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَنَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ إِذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَنَفَقَةُ الْوَسَطِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَفَقَةٌ).

ح- أَثَرُ الْمَلَاءَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ

14- الْأَصْلُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ- كَالْوَالِدَيْنِ وَالْأَبْنَاءِ- الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وَمِنَ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا.وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِهِنْدٍ- رضي الله عنها-: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ.وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ يَسَارُ الْمُنْفِقِ، وَإِعْسَارُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَاحْتِيَاجُهُ إِلَى النَّفَقَةِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي أَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ النَّفَقَةُ، وَهَلِ الْأَصْلُ الْمَلَاءَةُ فِيمَنْ طُولِبَ بِالنَّفَقَةِ فَإِذَا ادَّعَى الْعَدَمَ فَعَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


8-موسوعة الفقه الكويتية (ميت)

مَيِّتٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَيْتُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي فَارَقَ الْحَيَاةَ وَيُجْمَعُ عَلَى أَمْوَاتٍ، وَالْمَيِّتُ، (بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ): مَنْ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ بِهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَمْوَاتٍ، وَمَوْتَى.

يُقَالُ: مَاتَ يَمُوتُ مَوْتًا فَهُوَ مَيِّتٌ بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ، وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَمَاتَهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الْحَيُّ فَمَيِّتٌ بِالتَّثْقِيلِ لَا غَيْرُ، وَعَلَيْهِ قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أَيْ سَيَمُوتُونَ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمَيِّتُ: الَّذِي فَارَقَ الْحَيَاةَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْحَيُّ:

2- الْحَيُّ لُغَةً: يُقَالُ: حَيِيَ يَحْيَى حَيَاةً مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهُوَ حَيٌّ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَحْيَاهُ اللَّهُ وَاسْتَحْيَيْتُهُ- بِيَاءَيْنِ- إِذَا تَرَكْتَهُ حَيًّا فَلَمْ تَقْتُلْهُ، فَالْحَيُّ ضِدُّ الْمَيِّتِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْحَيُّ الْمُتَّصِفُ بِالْحَيَاةِ وَهِيَ صِفَةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ ظَاهِرًا.

وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ التَّضَادُّ.ب- الْمُحْتَضَرُ:

3- الْمُحْتَضَرُ: هُوَ مَنْ فِي النَّزْعِ أَيْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ يُقَالُ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَاحْتَضَرَهُ: أَشْرَفَ فَهُوَ فِي النَّزْعِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُحْتَضَرِ وَالْمَيْتِ أَنَّ الِاحْتِضَارَ مُقَدِّمَةٌ لِلْمَوْتِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَيْتِ:

أ- تَقْبِيلُ وَجْهِ الْمَيِّتِ

4- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ لِخَبَرِ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَلِمَا ثَبَتَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ- رضي الله عنه- قَبَّلَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ مَوْتِهِ».

وَذَهَبَ السُّبْكِيُّ إِلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ، وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهَ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ.

ب- تَغْمِيضُ عَيْنَيْ الْمَيِّتِ

5- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَغْمِيضِ عَيْنَيِ الْمَيِّتِ بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ لِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».

وَرَوَى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحُ، وَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَيِّتِ».

وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا كَانَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ فَلَمْ يُغْمَضْ حَتَّى يَبْرُدَ بَقِيَ مَفْتُوحًا فَيَقْبُحُ مَنْظَرُهُ.

وَيَقُولُ مَنْ يُغْمِضُ الْمَيِّتَ: «بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ».

وَقَالَ أَحْمَدُ: تُغْمِضُ الْمَرْأَةُ عَيْنَهُ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ لَهُ، وَقَالَ: يُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ تَغْمِيضُهُ وَأَنْ تَقْرَبَاهُ.

ج- إِخْرَاجُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ مِنْ عِنْدِ الْمَيِّتِ

6- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي إِخْرَاجُ النُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ مِنْ عِنْدِ الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ فِي رَأْيٍ عِنْدَهُمْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ حَضَرَتْهُ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ تَجَنُّبُ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبٍ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيْبٍ: يُسْتَحَبُّ أَلاَّ تَحْضُرَ الْحَائِضُ وَلَا الْكَافِرَةُ وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَقُرْبَهُ غَيْرُ طَاهِرٍ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تَقْرُبَ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ الْمَيِّتَ لِحَدِيثِ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ».

(ر: احْتِضَارٌ ف 3).

د- تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ

7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَلْقِينِ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ».

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ.

انْظُرْ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَلْقِينٌ ف 5 احْتِضَارٌ ف 7).

هـ- غَسْلُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْمَيِّتَ

8- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ أَنْ يَغْسِلَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّطْهِيرُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْغَاسِلِ الطَّهَارَةُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ غَسْلِ الْجُنُبِ لِلْمَيْتِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ طُهْرَهُ وَلَا يُكْرَهُ تَغْسِيلُ الْحَائِضِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ طُهْرَهَا.وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ لِلْحَائِضِ الْغُسْلَ لِأَنَّهَا لَوِ اغْتَسَلَتْ لِنَفْسِهَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ فَكَذَا إِذَا غَسَّلَتْ.

و- شَدُّ لَحْيَيِ الْمَيِّتِ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ شَدِّ لَحْيَيِ الْمَيِّتِ بِعِصَابَةِ عَرِيضَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ، لِئَلاَّ يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا، فَتَدْخُلَهُ الْهُوَامُ وَيَتَشَوَّهُ خَلْقُهُ وَيَدْخُلَ الْمَاءُ عِنْدَ غَسْلِهِ.

وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَلْيِينِ مَفَاصِلِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ بِرِدِّ سَاعِدِهِ إِلَى عَضُدِهِ وَسَاقِهِ إِلَى فَخِذِهِ وَفَخِذِهِ إِلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ تُمَدُّ وَتَلِينُ أَصَابِعُهُ بِأَنْ تُرَدَّ إِلَى بَطْنِ كَفِّهِ ثُمَّ تُمَدُّ تَسْهِيلًا لِغَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةُ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتِ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ وَإِلاَّ فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا.

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ تَكُونُ وَلَوْ بِنَحْوِ دُهْنٍ إِنْ تَوَقَّفَ التَّلْيِينُ عَلَيْهِ لِيَسْهُلَ غُسْلُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَرْكِ تَلْيِينِ الْمَفَاصِلِ إِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَنْكَسِرَ أَعْضَاؤُهُ وَصَيَّرَ بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْمُثْلَةِ.

ز- تَوْجِيهُ الْمَيِّتِ لِلْقِبْلَةِ

10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ إِلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشَرَفُ الْجِهَاتِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقَةِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُوَجَّهَ الْمُحْتَضَرُ لِلْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ مِثْلَ تَوْجِيهِهِ فِي الْقَبْرِ وَجَازَ الِاسْتِلْقَاءُ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَدَمَاهُ إِلَيْهَا وَلَكِنْ يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ شُقَّ عَلَيْهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى يَسَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى بَطْنِهِ وَرَأْسُهُ لَهَا، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ شُخُوصِ بَصَرِهِ لَا قَبْلَهُ لِئَلاَّ يُفْزِعَهُ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ كَمَا يُوضَعُ فِي اللَّحْدِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهُ عَلَى يَمِينِهِ لِضِيقِ مَكَانٍ أَوْ لِعِلَّةٍ فِي جَنْبِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا، كَأَنْ يُوضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ مُرْتَفِعٌ لِيَتَوَجَّهَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ.

وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِلْقَاءَ أَفَضْلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُضِعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ.

وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ لِلْقِبْلَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُجْعَلُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَيُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا، لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ وَاسِعًا فَعَلَى جَنْبِهِ، وَإِلاَّ فَعَلَى ظَهْرِهِ.وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُوَجَّهُ قَبْلَ تَيَقُّنِ مَوْتِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَوْلَى التَّوْجِيهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

ج- سَتْرُ بَدَنِ الْمَيِّتِ

11- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الْمَيِّتِ حِينَ الْغُسْلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَرُ وَيُغَطَّى.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الْمَيِّتِ حِينَ الْغُسْلِ، وَأَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِي السَّتْرِ هُوَ سَتْرُ عَوْرَتِهِ الْغَلِيظَةِ فَقَطْ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ مُطْلَقًا تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ أَنْ يَسْتُرَ الْغَاسِلُ الْمَيِّتَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتِهِ إِنْ كَانَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْمَيِّتِ سَيِّدًا أَوْ زَوْجًا لَكِنْ إِنْ كَانَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَيُجْعَلُ طَرَفُ الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفُهُ الْآخَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لِئَلاَّ يَنْكَشِفَ، وَاحْتُرِزَ بِالثَّوْبِ الْخَفِيفِ عَنِ الثَّقِيلِ لِأَنَّ الثَّقِيلَ يَحْمِيهِ فَيُغَيِّرُهُ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «سُجِّيَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ مَاتَ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ».

أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُسْتَرُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ.وَصَرَّحَ الْقَلْيُوبِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُغَطَّى رَأْسُ الْمُحْرِمِ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ وَيُغْسَلُ الْمَيِّتُ نَدْبًا فِي قَمِيصٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا شَرَعَ فِي غَسْلِهِ وَجَبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ- رضي الله عنه-: «لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَهَذَا فِي غَيْرِ مَنْ سِنُّهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ فَلَا بَأْسَ بِغَسْلِهِ مُجَرَّدًا.

وَقَالَ الْقَاضِي: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي قَمِيصٍ رَقِيقٍ يُنْزَلُ الْمَاءُ فِيهِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَدَنِهِ وَيُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ فَيَمُرَّهَا عَلَى بَدَنِهِ وَالْمَاءُ يُصَبُّ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقًا فَتَقَ رَأْسَ الدَّخَارِيصِ وَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْهُ.

ط- قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَيِّتِ وَقَبْلَ غَسْلِهِ

12- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ غَسْلِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ الْمَيِّتِ سُورَةَ (يس) وَكَذَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: قِرَاءَةٌ ف 17، 18). ي- تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ

13- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيلَ الْمُسْلِمِ وَاجِبُ كِفَايَةٍ.

وَانْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَمَنْ يُغَسِّلُهُ، وَكَيْفِيَّةُ تَغْسِيلِهِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ (تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ).

ك- تَكْفِينُ الْمَيِّتِ

14- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَكْفِينَ الْمَيِّتِ بِمَا يَسْتُرُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.

وَانْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ وَكَيْفِيَّتَهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَكْفِينٌ).

ل- حَمْلُ الْمَيِّتِ

15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِهَا وَعَدَدِ حَامِلِيهَا.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 11- 13).

م- دَفْنُ الْمَيِّتِ

16- دَفْنُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِجْمَاعًا إِنْ أَمْكَنَ.انْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَأَفْضَلَ مَكَانٍ لِدَفْنِهِ، وَالْأَحَقَّ بِدَفْنِهِ، وَكَيْفِيَّتَهُ وَوَقْتَهُ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ).

ن- نَبْشُ قَبْرُ الْمَيِّتِ

17- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِ نَبْشِ الْقَبْرِ إِلاَّ لِعُذْرٍ وَغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُجِيزُ نَبْشَ الْقَبْرِ كَوْنُ الْأَرْضِ مَغْصُوبَةً أَوِ الْكَفَنِ مَغْصُوبًا أَوْ سَقَطَ مَالٌ فِي الْقَبْرِ.وَعِنْدَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي هَذِهِ الْأَعْذَارِ يُنْظَرُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ (قَبْرٌ ف 21، وَنَبْشٌ).

س- نَقْلُ الْمَيِّتِ

18- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بَعْدَ الدَّفْنِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الدَّفْنِ وَكَذَا بَعْدَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بِشُرُوطِ.يُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ ف 4، وَنَبْشٌ).

ع- قَذْفُ الْمَيِّتِ

19- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَهُ حَقُّ طَلَبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ طَلَبَ إِقَامَةِ الْحَدِّ يَرْجِعُ لِمَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِسَبَبِ قَذْفِ الْمَيِّتِ وَهُمُ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا، وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ مَحْجُوبًا أَوْ مَحْرُومًا عَنِ الْمِيرَاثِ بِقِتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ أَوْ كَوْنِهِ وَلَدَ بِنْتٍ.وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ أَوْ عَفْوِهِ أَوْ تَصْدِيقِهِ لِلْقَاذِفِ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ، أَيْ كَوْنُ الْمَيِّتِ جُزْءًا مِنْهُمْ أَوْ كَوْنُهُمْ جُزْءًا مِنْهُ.

وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ حَدِّ قَاذِفِهِ فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْإِرْثِ مَانِعٌ كَرِقٍّ وَقَتْلٍ وَكُفْرٍ إِنْ كَانَ قَذَفَهُ فِي حَيَاتِهِ.

وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِحَدِّهِ لِلِحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهُ.

وَأَمَّا الْوَرَثَةُ الَّذِينَ يَحِقُّ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ فَهُمْ: وَلَدُ الْمَقْذُوفِ وَيَشْمَلُ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَأَبُ الْمَقْذُوفِ وَإِنْ عَلَا.

فَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا كَانَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلِأَبِيهِ وَإِنْ عَلَا أَنْ يَقُومُوا بِذَلِكَ وَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ أَخَذَهُ بِحَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يَلْزَمُهُمْ، وَلَيْسَ لِلْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَةِ قِيَامٌ مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ فَلِلْعَصَبَةِ الْقِيَامُ، وَلِلْأَخَوَاتِ وَالْجَدَّاتِ الْقِيَامُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَقْذُوفِ وَارِثٌ فَلَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَقُومَ بِحَدِّهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَطَلَبُ إِقَامَةِ الْحَدِّ لِلْوَارِثِ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ، وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ مُقَابِلَ مَالٍ يَأْخُذُهُ سَقَطَ الْحَدُّ وَلَمْ يَجِبِ الْمَالُ، وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلِلْبَاقِي أَنْ يَسْتَوْفُوا الْحَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ عَارٌ، وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ.

وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَنْ يَرِثُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَصَحُّهَا: جَمِيعُ الْوَرَثَةِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ.

وَالثَّانِي: جَمِيعُهُمْ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ.

وَالثَّالِثُ: رِجَالُ الْعَصَبَاتِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ.

وَالرَّابِعُ: رِجَالُ الْعَصَبَةِ سِوَى الْبَنِينَ كَالتَّزْوِيجِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ.

وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ مُوَرِّثَهُ، وَمَاتَ الْمَقْذُوفُ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ إِنْ كَانَ حَائِزًا لِلْإِرْثِ، وَلِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ بِخِلَافِ الْقَتْلِ.

وَلَوْ قَذَفَ وَلَدٌ أَبَاهُ فَمَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ الْقَاذِفَ وَابْنًا آخَرَ فَإِنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِيمَنْ يَرِثُ الْحَدَّ فَإِنْ قُلْنَا: إِذَا عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ كَانَ لِلْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْجَمِيعِ فَلِلِابْنِ الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِتَمَامِهِ، وَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ الْجَمِيعُ فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي فَلِلِابْنِ الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ نِصْفِ الْحَدِّ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَالُوا إِذَا قُذِفَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَتِ الْأُمُّ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ- مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً- حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الِابْنُ وَكَانَ مُسْلِمًا حُرًّا وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ وَلِأَنَّهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِنَا وَلَا يَسْتَحِقُّ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَلِذَلِكَ تُعْتَبَرُ حَصَانَتُهُ وَلَا تُعْتَبَرُ حَصَانَةُ أُمِّهِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَهُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَذْفِ مَيْتَةٍ، وَكَذَلِكَ تُقَاسُ الْجَدَّةُ عَلَى الْأُمِّ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.

وَأَمَّا إِنْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ بِقَذْفِ أُمِّهِ حَقًّا لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ لَاحِقًا لِلْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ.

وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَلَمْ يُطَالِبْ بِالْحَدِّ سَقَطَ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وَلِلْوَرَثَةِ طَلَبُهُ.

وَالْحَقُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُمْ سِوَى الزَّوْجَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ لِلْعَصَبَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَرِثُهُ الْإِمَامُ أَيْضًا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ.وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ لِلْبَاقِي كَامِلًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

ف- حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ وَقَصُّ ظُفُرِهِ

20- لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ حَلْقِ شَعْرِ الْمَيِّتِ أَوْ تَسْرِيحِهِ أَوْ ضَفْرِ شَعْرِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا سَائِرُ شَعْرِ الْبَدَنِ كَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَشَعْرِ الْإِبِطِ وَالْعَانَةِ.

وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شَعْرٌ وَصُوفٌ وَوَبَرٌ ف 4، 5، 6، حَلَقَ ف 14).

كَمَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَقْلِيمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ ف9).

ص- تَغْسِيلُ السِّقْطِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ

21- السِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (جَنِينٌ ف 22).

قِ- إِدْخَالُ الْمَيِّتِ الْمَسْجِدَ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ:

22- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ وَإِدْخَالُهُ فِيهِ تَحْرِيمًا وَقِيلَ تَنْزِيهًا وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْكَرَاهَةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (جَنَائِزُ ف 38).

ر- الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ

23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 37).

ش- طَهَارَةُ جَسَدِ الْمَيِّتِ

24- ذَهَبَ عَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا يَتَنَجَّسُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالْمَوْتِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ هَلْ نَجَاسَتُهُ نَجَاسَةُ خَبَثٍ أَوْ حَدَثٍ؟ فَقِيلَ: إِنَّهَا نَجَاسَةُ خَبَثٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَلَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ قَبْلَ غَسْلِهِ نَجَّسَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ غَسْلِهِ وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَلِذَلِكَ إِنَّمَا يَطْهُرُ الْمَيِّتُ بِالْغُسْلِ كَرَامَةً لِلْمُسْلِمِ.

أَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ بَعْدَ غَسْلِهِ فَلَوْ وَقَعَ كَافِرٌ فِي بِئْرٍ بَعْدَ غُسْلِهِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ.

وَقِيلَ: هِيَ نَجَاسَةُ حَدَثٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ:

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا»،، فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لِلْحَدَثِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا». وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ بِتَشَرُّبِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ فِي أَجْزَائِهِ، كَرَامَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ لَمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا بِالْمَوْتِ، وَالْآدَمِيُّ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَبْلَ الْغُسْلِ يُوجِبُ تَنْجِيسَ الْبِئْرِ، وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَا يُوجِبُ تَنَجُّسَهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ بِالْمَوْتِ وَلَكِنْ وَجَبَ غُسْلُهُ لِلْحَدَثِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْلُو عَنْ سَابِقَةِ حَدَثٍ لِوُجُودِ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ، وَالْبَدَنُ فِي حَقِّ التَّطْهِيرِ لَا يَتَجَزَّأُ فَوَجَبَ غَسْلُهُ كُلُّهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْبَلْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا طَاهِرَةٌ، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وَقَضِيَّةُ تَكْرِيمِهِمْ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ، وَلِخَبَرِ «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» قَالَ عِيَاضُ: وَلِأَنَّ غَسْلَهُ وَإِكْرَامَهُ يَأْبَى تَنْجِيسُهُ، إِذْ لَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعُذْرَةِ. وَأَمَّا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ أَنَّا نَجْتَنِبُهُمْ كَالنَّجَاسَةِ لَا نَجَاسَةَ الْأَبَدَانِ، وَلِهَذَا رَبَطَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الْأَسِيرَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي غَيْرِ أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِهِمُ الشُّهَدَاءَ.

وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَهَارَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَنَجَاسَتِهَا فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.

فَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْجُسَ الْكَافِرُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْخَبَرَ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ. حُكْمُ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ

25- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ يَأْخُذُ حُكْمَهُ فِي الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ أَوْ بِنَجَاسَتِهِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ شَعْرَ الْآدَمِيِّ غَيْرَ الْمَنْتُوفِ طَاهِرٌ بِخِلَافِ الْمَنْتُوفِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ لِمَا يَحْمِلُ مِنْ دُسُومَةٍ.

وَكَذَلِكَ عَظْمُ الْمَيِّتِ وَعَصَبُهُ فَإِنَّهُمَا طَاهِرَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ سِنُّ الْمَيِّتِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا وَالْمُنَجَّسُ هُوَ الدَّمُ.

وَكَذَلِكَ ظُفُرُ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ إِذَا كَانَ خَالِيًا عَنِ الدُّسُومَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى طَهَارَةِ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ طَهَارَةِ مَيْتَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْمَذْهَبِ فَمَا أُبِينَ مِنْهُ نَجِسٌ مُطْلَقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى إِلْحَاقِ مَا انْفَصَلَ مِنَ الْآدَمِيِّ بِمَيْتَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: حُكْمُ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ حُكْمُ جُمْلَتِهِ سَوَاءٌ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، لِأَنَّهَا أَجَزَاءٌ مِنْ جُمْلَتِهِ فَكَانَ حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ وَلِأَنَّهَا يُصَلَّى عَلَيْهَا فَكَانَتْ طَاهِرَةً كَجُمْلَتِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا نَجِسَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا.

ت- غَسْلُ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ:

26- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- صَلَّى عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ، وَصَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ- رضي الله عنه- عَلَى رُءُوسٍ، وَصَلَّتِ الصَّحَابَةُ- رضي الله عنهم- عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ أَلْقَاهَا طَائِرٌ بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا وُجِدَ رَأْسُ آدَمِيٍّ أَوْ أَحَدُ شِقَّيْهِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَلْ يُدْفَنُ إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَلَوْ بِلَا رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُغَسَّلُ دُونَ ثُلُثَيِ الْجَسَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْسِ، فَإِذَا وُجِدَ نِصْفُ الْجَسَدِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَدُونَ الثُّلُثَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ لَمْ يُغْسَّلْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أَيْ يُكْرَهُ، لِأَنَّ شَرْطَ الْغُسْلِ وُجُودُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهُ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَلَا حُكْمَ لِلْيَسِيرِ وَهُوَ مَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ.

وَالْعِلَّةُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا دُونَ الْجُلِّ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الْمَكْرُوهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى غَائِبٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّا لَا نُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إِلاَّ بِشَرْطِ الْحُضُورِ، وَحُضُورُ جُلِّهِ كَحُضُورِ كُلِّهِ، وَحُضُورُ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. (ر: تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ ف 26).

ث- تَنَازُعُ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ الْمَاءَ:

27- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ وَمُحْدِثٌ وَكَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ، وَلِلْفُقَهَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَإِنَّ الْجُنُبَ أَوْلَى بِالْمَاءِ مِنَ الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْدِثُ وَيَقْتَدِيَانِ بِهِ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنَ الْحَدَثِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ إِمَامًا. وَقِيلَ فِي السِّرَاجِ: أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى لِأَنَّ غُسْلَهُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ.

وَعَنِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَفِي السِّرَاجِ أَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي الْمُحْدِثَ فَقَطْ كَانَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا فَيَنْبَغِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَصْرِفَ نَصِيبَهُ لِلْمَيْتِ حَيْثُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَكْفِيهِ نَصِيبُهُ، وَلَا يُمَكَّنُ الْجُنُبُ وَلَا غَيْرُهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْكُلِّ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحِصَّةِ الْمَيِّتِ، وَكَوْنُ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ لَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَ حِصَّةِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَكُنِ الْجُنُبُ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَإِنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ كَانَ أَوْلَى.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَمَعَهُ شَخْصٌ حَيٌّ مُحْدِثٌ جُنُبٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُحْدِثِ الْحَيِّ لِحَقِيِّةِ الْمِلْكِ إِلاَّ أَنْ يُخَافَ عَلَى الْحَيِّ الْعَطَشُ فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَحَقُّ مِنْ صَاحِبِهِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ حِفْظًا لِلنَّفُوسِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْوَرَثَةِ.

أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ يُقَدَّمُ الْحَيُّ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ عَطَشًا لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِالشَّرِكَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ انْقَطَعَ دَمُهَا وَهُنَاكَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ بَذَلَهُ لِلْآخَرِ وَتَيَمَّمَ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ.

وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا لَهُمَا كَانَا فِيهِ سَوَاءً.

وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ، وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ يَرْجِعَانِ إِلَى الْمَاءِ وَيَغْتَسِلَانِ.

وَإِذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَحَيٌّ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ النَّجَاسَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لِطَهَارَتِهِ بَدَلٌ وَلِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَكَانَ صَاحِبُ النَّجَاسَةِ أَحَقَّ بِالْمَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ لَا يَكْفِي إِلاَّ أَحَدَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكَهُ الْمَيِّتُ أَوْ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِغَيْرِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمْ فَعَنْ أَحْمَدَ- رحمه الله- رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْمَيِّتُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ كَامِلَةً، وَالْحَيُّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِلُ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْظِيفُهُ وَلَا يَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ، وَالْحَيُّ يَقْصِدُ بِغُسْلِهِ إِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ.

وَالثَّانِيَةُ: الْحَيُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِالْغُسْلِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَالْمَيِّتُ قَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ.وَاخْتَارَ هَذَا الْخَلاَّلُ.

وَإِنْ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ لِلْأَحْيَاءِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَجِدُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ فَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ حَاضِرٌ فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ إِتْلَافَهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّ

مَالِكَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ لِلْعَطَشِ فَيَأْخُذَهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


9-موسوعة الفقه الكويتية (نفقة 3)

نَفَقَةٌ -3

أ- السَّفَرُ لِأَدَاءِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ:

41- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ فِيمَا لَوْ خَرَجَتْ لِتَأْدِيَةِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ دُونَ سَفَرِ الزَّوْجِ مَعَهَا عَلَى أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: تَجِبُ لِلزَّوْجَةِ النَّفَقَةُ إِذَا خَرَجَتْ لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ دُونَ سَفَرِ الزَّوْجِ مَعَهَا.وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.

لِأَنَّ الزَّوْجَةَ فَعَلَتِ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي وَقْتِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا كَصِيَامِ رَمَضَانَ.

وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ قَدْ حَصَلَ بِالِانْتِقَالِ إِلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ ثُمَّ فَاتَ بِعَارِضِ أَدَاءِ فَرْضٍ، وَهَذَا لَا يُبْطِلُ النَّفَقَةَ كَمَا لَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا ثُمَّ لَزِمَهَا صَوْمُ رَمَضَانَ.

وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَا عَدَا رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ قِبَلِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ إِحْرَامَ الزَّوْجَةِ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إِذْنٍ نُشُوزٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا إِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا وَذَلِكَ حَالَ إِحْرَامِهَا بِفَرْضٍ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، فَإِنْ مَلَكَ تَحْلِيلَهَا حَالَ إِحْرَامِهَا بِفَرْضٍ عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا لِلْحَجِّ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا، فَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ مَعَهُ اسْتَحَقَّتِ النَّفَقَةَ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا

ب- السَّفَرُ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ:

42- فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ سَفَرِ الزَّوْجَةِ لِتَأْدِيَةِ الْحَجِّ غَيْرِ الْفَرْضِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَبَيْنَ سَفَرِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إِنْ سَافَرَتْ لِحَجِّ تَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ الْمَنْذُورُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسَافِرَةِ وَحْدَهَا فَلَا تَكُونُ لَهَا نَفَقَةٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ إِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ وَسَافَرَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَكَّنَةٍ مِنْ نَفْسِهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ إِذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ سَافَرَتْ فِي حَاجَةِ زَوْجِهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ أَحْرَمَتِ الزَّوْجَةُ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ بِإِذْنٍ مِنْ زَوْجِهَا فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا.

وَلَوْ خَرَجَتْ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا إِنْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا فَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا لَمْ تَسْقُطْ.

امْتِنَاعُ الزَّوْجَةِ مِنَ السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ:

43- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ أَوْ عَدَمِ وُجُوبِهَا إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ السَّفَرِ مَعَ زَوْجِهَا وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا غَيْرَ مَخُوفٍ، مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ غَيْرِ الْمُحْتَمَلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عُذْرٌ يَمْنَعُهَا مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ سَائِرِ الشُّرُوطِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَحَمَّادٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ إِلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ السَّفَرِ مَعَ زَوْجِهَا، وَاعْتَبَرُوا الْمُمْتَنِعَةَ عَنِ السَّفَرِ مَعَ زَوْجِهَا دُونَ عُذْرٍ نَاشِزَةً.

لِأَنَّ الزَّوْجَةَ إِنَّمَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ بِتَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا إِلَى الزَّوْجِ فَتَسْقُطُ بِامْتِنَاعِهَا عَنِ السَّفَرِ مَعَهُ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَالْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ الْوُجُوبِ.

وَفِي قَوْلٍ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَلَا تُعَدُّ نَاشِزًا إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ بِهَا مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا بِدُونِ رِضَاهَا.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَسَافَةُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ كَانَتْ نَاشِزًا وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا.

وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا يُتْرَكُ أَمْرُ ذَلِكَ إِلَى الْقَاضِي حَسَبَ مَا يَظْهَرُ لَهُ.

فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنَ السَّفَرِ الْكَيْدَ لِلُزُوجَةِ وَالْإِضْرَارَ بِهَا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا فِي هَذَا السَّفَرِ فَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالسَّفَرِ مَعَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا.

وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لَيْسَ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالزَّوْجَةِ وَإِنَّمَا كَانَ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ كَالتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا أَجَابَهُ الْقَاضِي إِلَى طَلَبِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ.

نَفَقَةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ:

44- إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ كَبِيرَةً- أَيْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا- وَالزَّوْجُ صَغِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَسَلَّمَتِ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا لَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا الصَّغِيرِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ إِذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي التَّوْضِيحِ.

وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا تَسْلِيمًا صَحِيحًا فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا.

وَبِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الْوَطْءُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِمَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ.

وَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ وَالْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهِ فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا وَافْتَضَّهَا وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا لِسَبَبٍ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ غُرْمُ نَفَقَتِهَا.

نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُدَّةَ حَبْسِ الزَّوْجِ فِي دَيْنِ نَفَقَتِهَا:

45- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ إِنْ حَبَسَتْ زَوْجَهَا فِي سَدَادِ مَا عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَأْدِيَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لَا مِنْهَا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَلَوْ بِحَقٍّ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ.

لِأَنَّ التَّمْكِينَ الْمُوجِبَ لِلنَّفَقَةِ قَدِ انْتَفَى بِسَبَبِ سَجْنِهِ فَلَا تَجِبُ مَعَهُ النَّفَقَةُ.

وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا لِأَنَّهَا ظَالِمَةٌ مَانِعَةٌ لَهُ مِنَ التَّمْكِينِ مِنْهَا.

طَلَبُ التَّفْرِيقِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ:

أ- إِذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا:

46- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ حَاضِرًا مُوسِرًا وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَسْتَوْفِيَ حَقَّهَا مِنْهُ وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ.

كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ وَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ فَلَهَا أَنْ تَبْقَى مَعَهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَلَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ فِي حَقِّهَا فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَيْسَ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ التَّكَسُّبِ كَيْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلَالَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ يَسَارُهُ فَتَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَكُونُ مَأْمُورَةً بِإِنْظَارِ الزَّوْجِ، وَلَا يَحِقُّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلَاقِ.

وَإِلَى مَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما- قَالَ: «دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ.قَالَ: فَأَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- جَالِسًا، حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا.قَالَ فَقَالَ: لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم-.فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا.فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ}، حَتَّى بَلَغَ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}.قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ.«يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ» قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! ! فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَسْتَشِيرُ أَبَوِيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ.قَالَ: لَا تَسْأَلْنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلاَّ أَخْبَرْتُهَا.إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا».فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْأَلَ زَوْجَهَا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلَاقِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.

وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِعَجْزِهِ، قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ فَسْخِهِ بِالدَّيْنِ وَعَلَى الْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لِلْمَرْأَةِ حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا لِعَجْزِهِ عَنِ الْإِنْفَاقِ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهَذَا التَّفْرِيقُ فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَطَلَاقٌ رَجْعِيٌّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم-، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ.

مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِإِمْسَاكِ الزَّوْجَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ التَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ، وَعَدَمُ إِنْفَاقِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا تَفْوِيتٌ لِلْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي وَهُوَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ.

وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه- كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ إِمَّا أَنْ يُفَارِقُوا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا بِالنَّفَقَةِ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ فَلْيَبْعَثْ بِنَفَقَةِ مَا تَرَكَ.

وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: قُلْتُ: سَنَةً؟ فَقَالَ: سَنَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-.

وَلِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوَطْءِ، وَالضَّرَرُ فِيهِ أَقَلُّ، فَلأَنْ يَثْبُتَ بِالْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ الَّتِي لَا يَقُومُ الْبَدَنُ إِلاَّ بِهَا أَوْلَى.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (طَلَاق ف 82- 86).

ب- إِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِيًّا:

47- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَلَبِ الْمَرْأَةِ التَّفْرِيقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْغَائِبِ، إِذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا مَالًا لِتُنْفِقَ مِنْهُ وَلَمْ يُوَكِّلْ أَحَدًا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ التَّفْرِيقَ لِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ تَسْتَطِعِ الِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِذَلِكَ: أَنْ تَثْبُتَ الزَّوْجِيَّةُ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَلَ بِهَا أَوْ دُعِيَ إِلَى الدُّخُولِ بِهَا، وَأَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، أَوْ عُلِمَ وَلَمْ يُمْكِنِ الْإِعْذَارُ إِلَيْهِ، وَأَنْ تَشْهَدَ لَهَا الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا كُسْوَةً وَلَا شَيْئًا مِنْ مُؤْنَتِهَا، وَلَا أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهَا بِشَيْءٍ وَصَلَ إِلَيْهَا فِي عِلْمِهِمْ إِلَى هَذَا الْحِينِ.

ثُمَّ يَضْرِبُ الْقَاضِي لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَجَلًا حَسَبَ مَا يَرَاهُ: شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَقْدَمْ وَلَمْ يَبْعَثْ بِشَيْءٍ وَلَا ظَهْرَ لَهُ مَالٌ وَدَعَتْ إِلَى النَّظَرِ لَهَا، فَإِنَّهَا تَحْلِفُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ مَا رَجَعَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا الْمَذْكُورُ مِنْ مَغِيبِهِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِلَى حِينِ حَلِفِهَا وَلَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا كُسْوَةً وَلَا وَضَعَتْ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَا وَصَلَ إِلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهُ إِلَى الْآنَ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي حَلِفُهَا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَبَاحَ لَهَا التَّطْلِيقَ.

مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى: مَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه- أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ، إِمَّا أَنْ يُفَارِقُوا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا بِالنَّفَقَةِ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ فَلْيَبْعَثْ بِنَفَقَةِ مَا تَرَكَ.

وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ أَوْ بِالِاسْتِدَانَةِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ بِالْفَسْخِ كَحَالِ الْإِعْسَارِ.

وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ الْإِنْفَاقِ ضَرَرًا يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ بِالْفَسْخِ فَكَانَ لَهَا حَقُّ طَلَبِهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحَقُّ فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ.لِأَنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُ الزَّوْجِ لِغَيْبَتِهِ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ حَالِهِ.

أَمَّا إِذَا ثَبَتَ الْإِعْسَارُ تَوَلَّى الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ يَأْذَنُ لَهُ أَمْرَ التَّفْرِيقِ بِطَلَبِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مُجْتَهَدٌ فِيهَا فَافْتَقَرَتْ إِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ.

فَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ مِنْ سَفَرِهِ وَغَابَ مَالُهُ فَقَدْ فَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ الْقَوْلَ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ غَائِبًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ كَانَ لِلزَّوْجَةِ الْفَسْخُ وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِنَحْوِ اسْتِدَانَةٍ، وَإِلاَّ فَلَا فَسْخَ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَضَرِ وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ عَاجِلًا.

وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ مَدِينٌ غَائِبٌ مُوسِرٌ وَكَانَ لَهُ مَالٌ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَفِي حَقِّ طَلَبِ الْفَسْخِ لَهَا وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الْفَسْخِ.

وَإِنْ كَانَ لَهُ مَدِينٌ حَاضِرٌ وَلَهُ مَالٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ الزَّوْجِ غَائِبًا.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِعَجْزِ الزَّوْجِ عَنِ النَّفَقَةِ غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا مُعْسِرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا.

التَّبَرُّعُ بِالنَّفَقَةِ:

48- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِّ طَلَبِ الزَّوْجَةِ الْفَسْخَ وَعَدَمِ قَبُولِهَا النَّفَقَةَ إِذَا تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدٌ عَنِ الزَّوْجِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُولِ النَّفَقَةِ مِنَ الْمُتَبَرِّعِ وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ طَلَبِ الْفَسْخِ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلاَّ ابْنَ الْكَاتِبِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُولِ النَّفَقَةِ مِنَ الْمُتَبَرِّعِ وَلَهَا حَقُّ طَلَبِ الْفَسْخِ.

وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْكَاتِبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا لِلزَّوْجِ وَهُوَ فِي وِلَايَةِ أَيٍّ مِنْهُمَا فَيَلْزَمُهَا الْقَبُولُ لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ تَقْدِيرًا وَأَلْحَقَ بِهِمَا الْأَذْرَعِيُّ وَلَدَ الزَّوْجِ.

لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا مِنَ الْمُتَبَرِّعِ مِنَّةً عَلَيْهَا وَإِلْحَاقَ ضَرَرٍ بِهَا، فَلَا تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا، كَمَا لَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ مِنَ الْمُتَبَرِّعِ سَدَادَ الدَّيْنِ الَّذِي لِلدَّائِنِ عَلَى غَيْرِهِ.

هَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا دَفَعَ الْمُتَبَرِّعُ النَّفَقَةَ إِلَى الزَّوْجِ أَوَّلًا ثُمَّ قَامَ الزَّوْجُ بِدَفْعِهَا إِلَيْهَا.

فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَوْ سَلَّمَ النَّفَقَةَ لِلزَّوْجِ ثُمَّ دَفَعَهَا الزَّوْجُ لَهَا أَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ وَكِيلُهُ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّوْجِ دُونَهَا.

اعْتِبَارُ النَّفَقَةِ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ:

49- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النَّفَقَةِ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَا تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِتَرَاضِي الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَضَاءٌ وَلَا تَرَاضٍ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ تَجْرِي مَجْرَى الصِّلَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُشْبِهُ الْأَعْوَاضَ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ حَقِيقَةً، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِوَضًا حَقِيقَةً لَكَانَتْ عِوَضًا عَنْ نَفْسِ الْمُتْعَةِ وَهِيَ الِاسْتِمْتَاعُ، أَوْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَهِيَ الِاخْتِصَاصُ بِهَا وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ مُتْعَتَهَا بِالْعَقْدِ فَكَانَ هُوَ بِالِاسْتِمْتَاعِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَمَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهُ عِوَضٌ لِغَيْرِهِ.

وَلَا وَجْهَ لِلثَّانِي لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ قَدْ قُوبِلَ بِعِوَضٍ مَرَّةً فَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ آخَرَ، فَخَلَتِ النَّفَقَةُ عَنْ مُعَوَّضٍ، فَلَا يَكُونُ عِوَضًا حَقِيقَةً بَلْ كَانَتْ صِلَةً، وَلِذَلِكَ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى رِزْقًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

الْقَوْلُ الثَّانِي: تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا رِضَا الزَّوْجِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلَالَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ مُطْلَقًا دُونَ تَقَيُّدٍ بِزَمَانٍ دُونَ آخَرَ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْ وَجَبَتْ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى إِنْسَانٍ لَا يَسْقُطُ إِلاَّ بِالْوَفَاءِ أَوِ الْإِبْرَاءِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.

ثَانِيًا: الْقَرَابَةُ:

تَجِبُ النَّفَقَةُ- فِي الْجُمْلَةِ- بِالْقَرَابَةِ وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:

الْقَرَابَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّفَقَةِ وَبَيَانُ دَرَجَاتِهَا:

50- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا هُمُ الْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْأَوْلَادُ وَإِنْ سَفَلُوا، وَالْحَوَاشِي ذَوُو الْأَرْحَامِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْعَمِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَلَا تَجِبُ لِغَيْرِهِمْ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَلَا لِلْمَحْرَمِ غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ كَابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَخًا مَنَ الرَّضَاعِ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُمْ فِي الدِّينِ فِيمَا عَدَا الزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ فَلَا تَجِبُ لِأَحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إِلاَّ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ.

أَمَّا الْأَوْلَادُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لِأَجْلِ الْأَوْلَادِ، فَلأَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.

وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} فَقَدْ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ وَلَيْسَ مِنَ الْإِحْسَانِ وَلَا مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا.

وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالْأَبَوَيْنِ وَلِهَذَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لِإِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ كَالْأَبَوَيْنِ.

أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ اتِّحَادِ الدِّينِ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْوِلَادِ مِنَ اتِّحَادِ الدِّينِ أَيْضًا فَلِأَنَّ الْمَنْفَيَّ عَلَيْهِ جُزْؤُهُ، وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لَا تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ.

وَشَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ الْفَقْرَ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ مُفَرِّقِينَ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَائِلِينَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى، لِأَنَّهَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي.

وَفِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّمَا تَجِبُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ بَالِغَةً صَحِيحَةً، أَمَّا الذَّكَرُ الْبَالِغُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهَا تَجِبُ لَهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ، لِأَنَّهُمَا يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ، وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا.

وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الْمُبَاشِرِينَ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَا يَشْتَرِطُونَ اتِّحَادَ الدِّينِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، أَيْ بَيْنَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَبَيْنَ مَنْ تَجِبُ لَهُ، بَلْ يُوجِبُونَهَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفَ دَيْنُهُ مَعَ الْآخَرِ، مَا دَامَ مُسْتَحِقًّا لَهَا، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْرَ حَرْبِيٍّ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا هُمُ الْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادُ وَإِنْ نَزَلُوا.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلْآبَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ».

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلْأَوْلَادِ وَإِنْ نَزَلُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَإِيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إِيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ.

«وَبِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم- لِهِنْدَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».

وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالْأَوْلَادِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إِطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ اتِّحَادَ الدِّينِ بَلْ يُوجِبُونَهَا مَعَ اخْتِلَافِهِ.وَلَمْ يُوجِبْهَا الشَّافِعِيَّةُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْحَوَاشِي.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى اسْتِحْقَاقِهَا لِلْآبَاءِ وَإِنْ عَلَوْا وَلِلْأَوْلَادِ وَإِنْ نَزَلُوا، وَلِمَنْ يَرِثُهُمُ الْمُنْفِقُ دُونَ مِنْ سِوَاهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِيرَاثُهُ مِنْهُمْ بِفَرْضٍ أَمْ بِتَعْصِيبٍ، وَإِنْ لَمْ يَرِثُوا مِنْهُ.

وَلَا نَفَقَةَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الدِّينِ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ كَنَفَقَةِ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ، وَلِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَوَارِثَيْنِ، فَلَمْ تَجِبْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَفَقَتُهُ بِالْقَرَابَةِ.

إِنْفَاقُ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ:

51- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ عَلَى الْوَلَدِ لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. وَمِنَ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا.

وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ.

وَلِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَالِدًا، وَإِنَّ وَالِدِي يَجْتَاحُ مَالِيَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-: أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكِ، إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مَنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ».فَإِذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ يُعَدُّ مِنْ كَسْبِ الْأَبِ، فَإِنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ تَكُونُ وَاجِبَةً فِيهِ، لِأَنَّ نَفَقَةَ الْإِنْسَانِ تَكُونُ مِنْ كَسْبِهِ.

وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا فَقَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ.

أَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ خَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِسَائِرِ الْأُصُولِ وَإِنْ عَلَوْا.

وَقَدِ احْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأُصُولِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ لِجَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ.

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: إِنَّ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ مُلْحَقُونَ بِالْأَبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إِطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ، كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمَا فِي عَدَمِ الْقَوْدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَلِأَنَّ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ يَقُومَانِ مَقَامَ الْأَبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ.

وَلِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي إِحْيَاءِ وَلَدِ الْوَلَدِ، فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْإِحْيَاءَ كَالْأَبَوَيْنِ.

شُرُوطُ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأُصُولِ:

52- يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأُصُولِ مَا يَأْتِي:

أ- أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فَقِيرًا أَوْ عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْفَرْعِ نَفَقَةُ أَصْلِهِ إِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَنِيًّا أَوْ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَالْبِرِّ، وَالْقَادِرُ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمُوسِرِ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْمُوَاسَاةِ.

وَبِهَذَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ كَانَ الْأَصْلُ فَقِيرًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى فَرْعِهِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَفِي إِلْزَامِ الْآبَاءِ التَّكَسُّبَ مَعَ غِنَى الْأَبْنَاءِ تَرْكٌ لِلْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَإِيذَاءٌ لَهُمْ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ.

ب- أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مُوسِرًا وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، أَوْ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي جَزَمَ بِهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ أَوْ كَسْبِهِ فَضْلٌ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَامْرَأَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَجِبُ عَلَى الْفَرْعِ الْمُعْسِرِ التَّكَسُّبُ لِيُنْفِقَ عَلَى وَالِدَيْهِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا كَسُوبًا وَكَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ.

ج- اتِّحَادُ الدِّينِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ، فَلَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، كَنَفَقَةِ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ، وَلِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَوَارِثَيْنِ فَلَمْ يَجِبْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَفَقَةٌ بِالْقَرَابَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: اتِّحَادُ الدِّينِ لَيْسَ شَرْطًا لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَصْلِ عَلَى الْفَرْعِ، فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَإِنِ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْإِحْسَانِ وَلَا مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ الْإِنْسَانُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَ أَبَوَيْهِ يَمُوتَانِ جُوعًا لِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


10-موسوعة الفقه الكويتية (نكاح 7)

نِكَاحٌ -7

وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي:

92- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَنْ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ حَتَّى الْمُعْتِقِ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ، فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ حَيْثُ قَدَّمَ الْأَبَ، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنِ الطَّحَاوِيِّ: إِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْمُرَ الْأَبُ الِابْنَ بِالنِّكَاحِ حَتَّى يَجُوزَ بِلَا خِلَافٍ، وَابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ، ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ أَبُوهُ، ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ كَذَلِكَ، ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ كَذَلِكَ، ثُمَّ ابْنُهُ كَذَلِكَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ إِجْبَارُ الصَّغِيرَيْنِ وَكَذَا الْكَبِيرَيْنِ إِذَا جُنَّا، ثُمَّ الْمُعْتَقُ وَلَوْ أُنْثَى، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ مِنَ النَّسَبِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ لَا نَسَبِيَّةٌ وَلَا سَبَبِيَّةٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمَعَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَصَحَّ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ وِلَايَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْحَاكَمِ، ثُمَّ لِأُمِّ الْأَبِ، ثُمَّ لِلْبِنْتِ، ثُمَّ لِبِنْتِ الِابْنِ، ثُمَّ لِبِنْتِ الْبِنْتِ، ثُمَّ لِبِنْتِ ابْنِ الِابْنِ، ثُمَّ لِبِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ، وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ الْفُرُوعِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ لِلْجَدِّ الْفَاسِدِ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ، ثُمَّ لِوَلَدِ الْأُمِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ، ثُمَّ لِأَوْلَادِ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ لِذَوِي الْأَرْحَامِ: الْعَمَّاتِ، ثُمَّ الْأَخْوَالِ، ثُمَّ الْخَالَاتِ، ثُمَّ بَنَاتِ الْأَعْمَامِ، وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ أَوْلَادُهُمْ، فَيُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْعَمَّاتِ، ثُمَّ أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ، ثُمَّ أَوْلَادُ الْخَالَاتِ، ثُمَّ أَوْلَادُ بَنَاتِ الْأَعْمَامِ.

ثُمَّ تَكُونُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَبُو الصَّغِيرَةِ وَوَالَاهُ لِأَنَّهُ يَرِثُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إِذَا كَانَ الْأَبُ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَوَالَاهُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَنَى يَعْقِلُ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ يَرِثُهُ.

ثُمَّ لِلسُّلْطَانِ، ثُمَّ لِقَاضٍ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ فِي مَنْشُورِهِ، ثُمَّ لِنُوَّابِ الْقَاضِي إِنْ فُوِّضَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُفَوَّضْ إِلَيْهِ التَّزْوِيجُ فَلَيْسَ لِنَائِبِهِ ذَلِكَ.

وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَصِيٌّ أَنْ يُزَوِّجَ الْيَتِيمَ مُطْلَقًا وَإِنْ أَوْصَى إِلَيْهِ الْأَبُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ.نَعَمْ لَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ حَاكِمًا يَمْلِكُهُ بِالْوِلَايَةِ.

93- وَرَتَّبَ الْمَالِكِيَّةُ الْأَوْلِيَاءَ غَيْرَ الْمُجْبِرِينَ فِي النِّكَاحِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّقْدِيمِ بِحَسَبِ هَذَا التَّرْتِيبِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ التَّقْدِيمَ بِذَلِكَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَنْدُوبٌ.

وَقَالُوا: يُقَدَّمُ عِنْدَ وُجُودِ مُتَعَدِّدٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ ابْنٌ لِلْمَرْأَةِ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ الِابْنُ مِنْ زِنًا كَمَا إِذَا ثُيِّبَتْ بِنِكَاحٍ ثُمَّ زَنَتْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْأَبِ، وَأَمَّا إِذَا ثُيِّبَتْ بِزِنًا وَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ فَإِنَّ الْأَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُجْبَرَةٌ لِلْأَبِ- ثُمَّ بَعْدَ الِابْنِ ابْنُهُ، وَلَوْ عَقَدَ الْأَبُ مَعَ وُجُودِ الِابْنِ وَابْنِهِ جَازَ عَلَى الِابْنِ وَلَا ضَرَرَ، ثُمَّ أَبٌ لِلْمَرْأَةِ- أَيْ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا أَبُو الزِّنَا فَلَا عِبْرَةَ بِه- ثُمَّ أَخٌ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ- أَمَّا الْأَخُ لِأُمٍّ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ- ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَخِ وَابْنِهِ عَلَى الْجَدِّ هُنَا، ثُمَّ جَدٌّ لِأَبٍ، ثُمَّ عَمٌّ لِأَبٍ، فَابْنُهُ، فَجَدُّ أَبٍ، فَعَمُّهُ أَيْ عَمُّ الْأَبِ، فَابْنُهُ.

وَيُقَدَّمُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ الشَّقِيقُ عَلَى الَّذِي لِلْأَبِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ، وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّقِيقَ وَغَيْرَهُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتَرِعَانِ عِنْدَ التَّنَازُعِ.

وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الرُّتْبَةِ، وَإِنْ تَنَازَعَ مُتَسَاوُونَ فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَضْلِ كَإِخْوَةٍ كُلِّهِمْ عُلَمَاءُ نَظَرَ الْحَاكِمُ فِيمَنْ يُقَدِّمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ.

ثُمَّ يُقَدَّمُ بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَ الْمَرْأَةَ، فَعَصَبَتُهُ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، فَمَوْلَاهُ وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَ مُعْتِقَهَا وَإِنْ عَلَا.

ثُمَّ هَلْ يُقَدَّمُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا عَلَيْهَا؟ صُحِّحَ عَدَمُ الْوِلَايَةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ هُنَا إِنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالتَّعْصِيبِ، وَالْعَتِيقُ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا.

ثُمَّ كَافِلٌ لِلْمَرْأَةِ غَيْرُ عَاصِبٍ، فَالْبِنْتُ إِذَا مَاتَ أَبُوهَا أَوْ غَابَ، وَكَفِلَهَا رَجَلٌ- أَيْ قَامَ بِأُمُورِهَا حَتَّى بَلَغَتْ عِنْدَهُ، أَوْ خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ- سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِحَضَانَتِهَا شَرْعًا أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، فَإِنَّهُ تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا وَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَصَبَةٌ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالدَّنِيئَةِ، أَمَّا الشَّرِيفَةُ فَفِيهَا خِلَافٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِلَةَ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى الْمَكْفُولَةِ، وَوَلِيُّهَا الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: لَهَا وِلَايَةٌ وَلَكِنَّهَا لَا تُبَاشِرُ الْعَقْدَ بَلْ تُوَكِّلُ كَالْمُعْتَقَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَفَالَةِ مُدَّةٌ مُعَيَّنَةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ، بَلْ مَا تَحْصُلُ فِيهِ الشَّفَقَةُ وَالْحَنَانُ عَلَيْهَا عَادَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنْهُ بِالْفِعْلِ، وَإِلاَّ فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا.

ثُمَّ يَتَوَلَّى الْحَاكِمُ عَقْدَ النِّكَاحِ بَعْدَ مَنْ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ.

فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ عَاصِبٌ وَلَا مَوْلًى أَعْلَى وَلَا كَافِلٌ وَلَا حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ، تَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا رَجُلٌ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْخَالُ وَالْجَدُّ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَالْأَخُ لِأُمٍّ فَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا، وَصَحَّ النِّكَاحُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فِي الْمَرْأَةِ الدَّنِيئَةِ- الْخَالِيَةِ مِنَ النَّسَبِ وَالْحَسَبِ وَالْمَالِ وَالْجَمَالِ- مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ خَاصٍّ غَيْرِ مُجْبِرٍ لِكَوْنِهَا لِدَنَاءَتِهَا وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا لَا يَلْحَقُهَا بِذَلِكَ مَعَرَّةٌ، وَلَا يُفْسَخُ نِكَاحُهَا بِحَالٍ طَالَ زَمَنُ الْعَقْدِ أَوْ لَا، دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، أَمَّا الشَّرِيفَةُ فَتُقَيَّدُ صِحَّةُ نِكَاحِهَا بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ غَيْرِ مُجْبِرٍ بِمَا إِذَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا وَطَالَ، مَعَ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً.

94- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُرَتَّبُ الْأَوْلِيَاءُ فِي النِّكَاحِ بِحَسَبِ الْجِهَةِ الَّتِي يُدْلُونَ بِهَا إِلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهَا، فَتُقَدَّمُ جِهَةُ الْقَرَابَةِ، ثُمَّ الْوَلَاءُ، ثُمَّ السَّلْطَنَةُ.

وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالتَّزْوِيجِ أَبٌ لِأَنَّ أَغْلَبَ الْأَوْلِيَاءِ يُدْلُونَ بِهِ، ثُمَّ جَدٌّ لِأَبٍ، ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، لِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ فِي الْعُصُوبَةِ، ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ أَخٌ لِأَبٍ، لِأَنَّ الْأَخَ يُدْلَى بِالْأَبِ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنِ ابْنِهِ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَإِنْ سَفَلَ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنَ الْعَمِّ، ثُمَّ عَمٌّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ عَمٌّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ مِنَ الْقَرَابَةِ كَالْإِرْثِ، لِأَنَّ الْمَأْخَذَ فِيهِمَا وَاحِدٌ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ:

مِنْهَا: يُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ فِي الْإِرْثِ، وَهُنَا قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ يُقَدَّمُ أْيَضًا، وَالْقَدِيمُ يَسْتَوِيَانِ.

وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي ابْنَيِ الْأَخِ وَالْعَمَّيْنِ وَابْنَيِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ مِنَ الْأَبِ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخُوهَا مِنَ الْأُمِّ، أَوِ ابْنَا ابْنِ عَمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُهَا فَقَالَ الْإِمَامُ: هُمَا سَوَاءٌ، وَطَرَّدَ الْجُمْهُورُ الْقَوْلَيْنِ، وَقَالُوا: الْجَدِيدُ يُقَدَّمُ الْأَخُ وَالِابْنُ.

وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ مِنَ الْأَبِ لَكِنَّهُ أَخُوهَا مِنَ الْأُمِّ فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ يُدْلَى بِالْجَدِّ وَالْأُمِّ، وَالْأَوَّلُ بِالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ.

وَلَوْ كَانَ ابْنَا ابْنِ عَمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُهَا وَالْآخَرُ أَخُوهَا مِنَ الْأُمِّ فَالِابْنُ الْمُقَدَّمُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ.

وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا مُعْتَقٌ فَالْجَدِيدُ يُقَدَّمُ ابْنُ الْمُعْتَقِ وَالْقَدِيمُ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا، أَوِ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا خَالٌ فَهُمَا سَوَاءٌ بِلَا خِلَافٍ.

وَمِنْهَا: الِابْنُ لَا يُزَوِّجُ بِالْبُنُوَّةِ، فَإِنْ شَارَكَهَا فِي نَسَبٍ كَابْنٍ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا فَلَهُ الْوِلَايَةُ بِذَلِكَ وَلَا تَمْنَعُهُ الْبُنُوَّةُ التَّزْوِيجَ بِالْجِهَةِ الْأُخْرَى، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ، فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا سَبَبٌ آخَرُ يَقْتَضِي الْوِلَايَةَ لَمْ تَمْنَعْهُ.

وَمَنْ لَا عَصَبَةَ لَهَا بِنَسَبٍ وَعَلَيْهَا وَلَاءٌ فَيُنْظَرُ: إِنْ أَعْتَقَهَا رَجُلٌ فَوِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ فَلِعَصَبَاتِهِ، ثُمَّ لِمُعْتِقِهِ، ثُمَّ لِعَصَبَاتِ مُعْتِقِهِ، وَهَذَا عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِرْثِ.

وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَزْوِيجِ السُّلْطَانِ، هَلْ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوِ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ غَابَ عَنْهَا وَلِيُّهَا، إِنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ زَوَّجَهَا أَحَدُ نُوَّابِهِ أَوْ قَاضٍ آخَرُ، أَوْ بِالنِّيَابَةِ لَمْ يَجُزْ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ، وَالْأَقْرَبُ غَائِبٌ، إِنْ قُلْنَا يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ، أَوْ بِالنِّيَابَةِ فَلَا، وَأَفْتَى الْبَغَوِيُّ بِالْأَوَّلِ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ فِيمَا إِذَا زَوَّجَ لِلْغَيْبَةِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهَذَا أَوْجَهُ.

95- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَحَقُّ النَّاسِ فِي وِلَايَةِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ أَبُوهَا، لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ، قَالَ تَعَالَى {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم-: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ شَفَقَةً وَأَتَمُّ نَظَرًا، ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِأَنَّ الْجَدَّ لَهُ إِيلَادٌ وَتَعْصِيبٌ فَأَشْبَهَ الْأَبَ، وَأَوْلَى الْأَجْدَادِ أَقْرَبُهُمْ كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ ابْنُ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ ابْنُ ابْنِهَا وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبَوَيْهَا كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبِيهَا كَالْإِرْثِ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، وَإِنْ نَزَلُوا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مَبْنَاهَا عَلَى النَّظَرِ وَالشَّفَقَةِ، وَمَظِنَّةُ ذَلِكَ الْقَرَابَةُ، وَالْأَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ هُوَ الْأَقْرَبُ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِالْوِلَايَةِ.

وَتَكُونُ الْوِلَايَةُ بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ لِلْمَوْلَى الْمُنْعِمِ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَيَعْقِلُ عَنْهَا عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَتِهَا مِنَ النَّسَبِ فَيَكُونُ لَهُ تَزْوِيجُهَا، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ فَأَقْرَبُهُمْ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كَذَلِكَ، وَيُقَدَّمُ هُنَا ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ عَلَى أَبِيهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ وَأَقْوَى فِي التَّعْصِيبِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَبُ فِي النَّسَبِ بِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِ وَفَضِيلَةِ وِلَادَتِهِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي أَبِي الْمُعْتِقِ فَرَجَعَ فِيهِ إِلَى الْأَصْلِ.

ثُمَّ تَكُونُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لِلسُّلْطَانِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ الْحَاكِمُ وَمَنْ فَوَّضَا إِلَيْهِ الْأَنْكِحَةَ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَوِ الْحَاكِمُ مِنْ بُغَاةٍ إِذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلَدٍ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ مَجْرَى حُكْمِ الْإِمَامِ وَقَاضِيهِ.

وَلَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ وَالسَّبَبِيَّةِ مِنَ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ لِأُمٍّ وَالْخَالِ وَعَمِّ الْأُمِّ وَأَبِيهَا وَنَحْوِهِمْ، لِأَنَّ مَنْ لَا يُعَصِّبُهَا شَبِيهٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا.

فَإِنْ عُدِمَ الْوَلِيُّ مُطْلَقًا بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، أَوْ عَضَلَ وَلِيُّهَا وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ، زَوَّجَهَا ذُو سُلْطَانٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَوَالِي الْبَلَدِ أَوْ كَبِيرِهِ أَوْ أَمِيرِ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ لَهُ سَلْطَنَةً، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذُو سُلْطَانٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ زَوَّجَهَا عَدْلٌ بِإِذْنِهَا، قَالَ أَحْمَدُ فِي دِهْقَانِ قَرْيَةٍ أَيْ رَئِيسِهَا: يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إِذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْكُفْءِ وَالْمَهْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الرُّسْتَاقِ قَاضٍ، لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوِلَايَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَجُزْ كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَلِيِّ عَصَبَةً فِي حَقِّ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهَا.

وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ وَأَبَى التَّزْوِيجَ إِلاَّ بِظُلْمٍ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ

انْتِقَالُ الْوِلَايَةِ بِالْعَضْلِ:

96- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَحَقَّقَ الْعَضْلُ مِنَ الْوَلِيِّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَمَرَ الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ بِالتَّزْوِيجِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَضْلُ بِسَبَبٍ مَعْقُولٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ وَانْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى غَيْرِهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ الْوِلَايَةُ حِينَئِذٍ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى السُّلْطَانِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ عَضَلَ انْتَقَلَتْ إِلَى السُّلْطَانِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَضَلَ ف 5).

غَيْبَةُ الْوَلِيِّ:

97- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَقَاءِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ هَلْ تَكُونُ لِلْحَاكِمِ أَمْ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ؟ فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّمَا يَتَقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ إِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ.

فَأَمَّا إِذَا كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَلِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ بَعْدَ قِيَامِ الْأَقْرَبِ بِحَالٍ.

وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي زَوَالِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ بِالْغَيْبَةِ أَوْ عَدَمِ زَوَالِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهَا بَاقِيَةٌ إِلاَّ إِنْ حَدَثَتْ لِلْأَبْعَدِ وِلَايَةٌ لِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ لَهَا وَلِيَّيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ، كَالْأَخَوَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَزُولُ وِلَايَتُهُ وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْأَبْعَدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَاسْتَدَلَّ لِزُفَرَ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ لِقِيَامِ سَبَبِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ يَجُوزُ، فَقِيَامُ وِلَايَتِهِ يَمْنَعُ الِانْتِقَالَ إِلَى غَيْرِهِ.

وَاسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِلْأَبْعَدِ زِيَادَةُ نَظَرٍ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ، كَمَا فِي الْأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ، وَلِأَنَّ الْأَبْعَدَ أَقْدَرُ عَلَى تَحْصِيلِ النَّظَرِ لِلْعَاجِزِ، لِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ مُضَمَّنَةٌ تَحْتَ الْكَفَاءَةِ وَالْمَهْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَبْعَدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِحْرَازِ الْكُفْءِ الْحَاضِرِ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ غَالِبًا، وَالْأَقْرَبُ الْغَائِبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْرَازِهِ غَالِبًا، لِأَنَّ الْكُفْءَ الْحَاضِرَ لَا يَنْتَظِرُ حُضُورَهُ وَاسْتِطْلَاعَ رَأْيِهِ غَالِبًا، وَكَذَا الْكُفْءُ الْمُطْلَقُ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُخْطَبُ حَيْثُ هِيَ عَادَةً، فَكَانَ الْأَبْعَدُ أَقْدَرَ عَلَى إِحْرَازِ الْكُفْءِ مِنَ الْأَقْرَبِ، فَكَانَ أَقْدَرَ عَلَى إِحْرَازِ النَّظَرِ، فَكَانَ أَوْلَى بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ، إِذِ الْمَرْجُوحُ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الْأَبِ مَعَ الْجَدِّ.

98- وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ: فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، قَالَ فِي رِوَايَةٍ: مَا بَيْنَ بَغْدَادَ وَالرَّيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَصَاعِدًا وَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِغَيْبَةٍ مُنْقَطِعَةٍ.

وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ أَيْضًا، فَرُوِيَ عَنْهُ: مَا بَيْنَ الْكُوفَةِ إِلَى الرَّيِّ، وَرُوِيَ عَنْهُ: مِنَ الرَّقَّةِ إِلَى الْبَصْرَةِ.

وَذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ: إِذَا كَانَ غَائِبًا فِي مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْقَوَافِلُ وَالرُّسُلُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فَغَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةٌ، وَإِذَا كَانَتِ الْقَوَافِلُ تَصِلُ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْبُخَارِيُّ: إِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ فِي مَوْضِعٍ يُفَوِّتُ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ فَغَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفَوِّتُ فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِي الْوِلَايَةِ عَلَى تَحْصِيلِ النَّظَرِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ

99- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ فُقِدَ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ أَوْ أُسِرَ فَكَمَوْتِهِ يُنْقَلُ الْحَقُّ لِلْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ دُونَ الْحَاكِمِ، فَلَا كَلَامَ لِلْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَذَلِكَ لِتَنْزِيلِ الْأَسْرِ وَالْفَقْدِ مَنْزِلَةَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ بَعِيدِ الْغَيْبَةِ فَإِنَّ حَيَاتَهُ مَعْلُومَةً، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ كَذِي الْغَيْبَةِ الْبَعِيدَةِ يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبَ، قَالَ الصَّاوِيُّ: وَلِذَلِكَ صَوَّبَهُ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ قَائِلًا: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَقْدِ وَالْأَسْرِ وَبُعْدِ الْغَيْبَةِ؟

وَإِنْ غَابَ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ غَيْبَةً بَعِيدَةً كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ، وَهُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ كَانَ بِهَا وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: مِنَ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَالِكًا كَانَ بِهَا وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ- وَلَمْ يُرْجَ قُدُومُهُ عَنْ قُرْبٍ- فَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ- إِذَا كَانَتْ بَالِغًا أَوْ خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ- وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْطِنِ الْوَلِيُّ الْغَائِبُ، أَيْ لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الِاسْتِيطَانَ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَتُئُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِيطَانِ بِالْفِعْلِ وَلَا تَكْفِي مَظِنَّتُهُ، فَعَلَيْهِ مَنْ خَرَجَ لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ فَلَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ ابْنَتَهُ وَلَوْ طَالَتْ إِقَامَتُهُ، إِلاَّ إِذَا خِيفَ فَسَادُهَا، أَوْ قَصَدَ بِغَيْبَتِهِ الْإِضْرَارَ بِهَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ كَتَبَ لَهُ الْحَاكِمُ إِمَّا أَنْ تَحْضُرَ وَتُزَوِّجَهَا أَوْ تُوَكِّلَ وَكِيلًا يُزَوِّجُهَا عَنْكَ وَإِلاَّ زَوَّجْنَاهَا عَلَيْكَ، فَإِنْ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَلَا فَسْخَ كَمَا قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ.

وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَلِيُّ الْغَائِبِ وَهُوَ مُجْبِرٌ لَا كَلَامَ لِغَيْرِهِ مَعَهُ.

وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ الْغَائِبُ غَيْبَةً بَعِيدَةً مَرْجُوَّ الْقُدُومِ كَالتُّجَّارِ فَلَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ وَلَا غَيْرُهُ.

وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ غَيْرُ الْمُجْبِرِ غَيْبَةً مَسَافَتُهَا مِنْ بَلَدِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَحْوُهَا وَأَرَادَتِ التَّزْوِيجَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُهَا لَا الْأَبْعَدُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحَّ، فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ عَلَى الْأَقَلِّ مِنَ الثَّلَاثَةِ كَتَبَ لَهُ إِمَّا أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّلَ وَإِلاَّ زَوَّجَ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ وَكِيلُ الْغَائِبِ، فَإِنْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ صَحَّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُجْبَرَةٍ.

وَإِنْ غَابَ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا، مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَسُلُوكِهَا، لَمْ يُزَوِّجِ الْمُجْبَرَةَ حَاكِمٌ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، لِإِمْكَانِ إِيصَالِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ بِلَا كَبِيرِ مَشَقَّةٍ، وَفُسِخَ إِنْ وَقَعَ، إِلاَّ إِذَا خِيفَتِ الطَّرِيقُ وَخِيفَ عَلَيْهَا ضَيَاعٌ أَوْ فَسَادٌ فَكَالْبَعِيدَةِ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِلاَّ فُسِخَ.

100- وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ نَسَبًا أَوْ وَلَاءً إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ وَلَا وَكِيلَ لَهُ بِالْبَلَدِ أَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ زَوَّجَ الْمَرْأَةَ سُلْطَانُ بَلَدِهَا أَوْ نَائِبُهُ، لَا سُلْطَانُ غَيْرِ بَلَدِهَا وَلَا الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْغَائِبَ وَلِيٌّ وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ، قَالَ الشَّيْخَانِ: وَالْأَوْلَى لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ أَوْ يَسْتَأْذِنَهُ فَيُزَوِّجُ الْقَاضِي لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ.

وَإِذَا غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ لَا يُزَوِّجُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ، فَيُرَاجَعُ فَيَحْضُرُ أَوْ يُوَكِّلُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا، وَالثَّانِي: يُزَوِّجُ لِئَلاَّ تَتَضَرَّرَ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ كَالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ.

وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إِلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ جَازَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؟ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ فِي سِجْنِ السُّلْطَانِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إِلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ.

وَيُزَوِّجُ الْقَاضِي أَيْضًا عَنِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ، لِتَعَذُّرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إِذَا عَضَلَ، هَذَا إِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ وَإِلاَّ زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ.

وَلِلْقَاضِي التَّعْوِيلُ عَلَى دَعْوَاهَا غَيْبَةَ وَلِيِّهَا وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ، لِأَنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إِلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إِلاَّ شَهَادَةُ مُطَّلِعٍ عَلَى بَاطِنِ أَحْوَالِهَا.

وَلَوْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ وَلِيِّهَا ثُمَّ قَدِمَ وَقَالَ: كُنْتُ زَوَّجْتُهَا فِي الْغَيْبَةِ، قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ.

101- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ غَابَ الْوَلِيُّ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يُوَكِّلْ مَنْ يُزَوِّجُ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ دُونَ السُّلْطَانِ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَهَذِهِ لَهَا وَلِيٌّ، مَا لَمْ تَكُنْ أَمَةً فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَالِ الْغَائِبِ. وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ هِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ وَلَا تَوْقِيفَ.

وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَا تُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ تَتَعَذَّرُ أَيْ تَتَعَسَّرُ مُرَاجَعَتُهُ فَزَوَّجَ َالْأَبْعَدُ صَحَّ، أَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَائِبًا لَا يُعْلَمُ مَحَلُّهُ أَقَرِيبٌ هُوَ أَمْ بَعِيدٌ فَزَوَّجَ الْأَبْعَدُ صَحَّ، أَوْ عُلِمَ أَنَّ الْأَقْرَبَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ فَزَوَّجَ الْأَبْعَدُ صَحَّ لِتَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ، أَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ مَجْهُولًا لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ لِلْمَرْأَةِ فَزَوَّجَ الْأَبْعَدُ الَّذِي يَلِيهِ صَحَّ التَّزْوِيجُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، ثُمَّ إِنْ عُلِمَ الْعَصَبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ حِينَهُ لَمْ يُعِدِ الْعَقْدَ.

وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ إِلَيْهَا مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَقْرَبُ، لِأَنَّ الْأَبْعَدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ مَعَ الْأَقْرَبِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ.

وَإِذَا زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ حَاكِمًا مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَلَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ، لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْوَلِيُّ.

تَزْوِيجُ وَلِيَّيْنِ امْرَأَةً لِأَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ:

102- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ لِرَجُلَيْنِ، وَعُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَالنِّكَاحُ لَهُ، وَعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ، لِحَدِيثِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا» فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدَانِ مَعًا بَطَلَا لِتَعَذُّرِ تَصْحِيحِهِمَا وَلِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صُوَرًا مُخْتَلِفَةً فِيمَا يَلِي تَفْصِيلُهَا.

103- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ زَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْقَرَابَةِ كَأَخَوَيْنِ شَقِيقَيْنِ وَعُلِمَ السَّابِقُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ قُدِّمَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ» وَلِأَنَّهُ لَمَّا سَبَقَ فَقَدْ صَحَّ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الثَّانِي، لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ الْقَرَابَةُ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْعَقْدِ- وَهُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ- لَا يَتَجَزَّأُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّجَزُّئُ فِي الْفُرُوجِ. وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ، أَوْ وَقَعَا مَعًا بَطَلَا، لِجَهْلِ الصَّحِيحِ وَهُوَ السَّابِقُ مِنَ الْعَقْدَيْنِ، وَلِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا.

وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ أَقْرَبَ مِنَ الْآخَرِ فَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مَعَ الْأَقْرَبِ إِلاَّ إِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَنِكَاحُ الْأَبْعَدِ يَجُوزُ إِذَا وَقَعَ قَبْلَ عَقْدِ الْأَقْرَبِ، نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ.

وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ، بِأَمْرِهَا مِنْ رَجُلٍ، وَزَوَّجَتْ هِيَ نَفْسَهَا مِنْ آخَرَ، فَأَيُّهُمَا قَالَتْ هُوَ الْأَوْلَى فَالْقَوْلُ لَهَا وَهُوَ الزَّوْجُ، لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ لِمِلْكِ النِّكَاحِ لَهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِقْرَارُهَا حُجَّةٌ ثَابِتَةٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ قَالَتْ لَا أَدْرِي الْأَوَّلَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ بِأَمْرِهَا.

104- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَذِنَتِ الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ فِي تَزْوِيجِهَا لِوَلِيَّيْنِ- أَوْ أَكْثَرَ- مَعًا أَوْ مَرَّتَبَيْنِ فَعَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ مَعَ التَّرْتِيبِ وَعُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَالثَّانِي، فَلِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا يُقْضَى لَهُ بِهَا- وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِذْنُ لَهُ- دُونَ الثَّانِي فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ ذَاتَ زَوْجٍ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَيُفْسَخُ عَقْدُ الثَّانِي، وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لِلْأَوَّلِ إِنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا الثَّانِي حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَقْدِ غَيْرِهِ عَلَيْهَا قَبْلَهُ، فَإِنْ تَلَذَّذَ الثَّانِي- فِي هَذِهِ الْحَالِ- فَهِيَ لَهُ دُونَ الْأَوَّلِ، وَيُشْتَرَطُ لِذَلِكَ: أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهُ ثَانٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَقْدُ الثَّانِي فِي عِدَّةِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ، وَأَنْ لَا يَسْبِقَهُ الْأَوَّلُ بِالتَّلَذُّذِ بِهَا.

وَفَسْخُ نِكَاحِهِمَا مَعًا بِلَا طَلَاقٍ إِنْ عَقَدَا بِزَمَنٍ وَاحِدٍ تَحْقِيقًا أَوْ شَكًّا، دَخَلَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ لَا.

وَكَذَا يُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِي فَقَطْ بِلَا طَلَاقٍ لِأَجْلِ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ ثَانٍ، وَالْحَالُ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَعُلِمَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي.

أَمَّا إِنْ أَقَرَّ الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ بِأَنَّهُ دَخَلَ عَالِمًا بِأَنَّهُ ثَانٍ فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَأَنَّهُ دَخَلَ غَيْرَ عَالِمٍ، وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وَلَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِ.

وَكَذَا يُفْسَخُ النِّكَاحَانِ بِطَلَاقٍ إِنْ تَحَقَّقَ وُقُوعُهُمَا فِي زَمَانَيْنِ وَجُهِلَ تَقَدُّمُ زَمَنِ عَقْدِ أَحَدِهِمَا عَلَى زَمَنِ عَقْدِ الْآخَرِ إِذَا لَمْ يَدْخُلَا، أَوْ دَخَلَا مَعًا وَلَمْ يُعْلَمِ الْأَوَّلُ وَإِلاَّ كَانَتْ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَهِيَ لَهُ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ ثَانٍ.

105- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَذِنَتِ الْمَرْأَةُ لِأَحَدِ الْوَلِيَّيْنِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِزَيْدٍ وَلِلْآخَرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِعَمْرٍو، وَأَطْلَقَتِ الْإِذْنَ، وَصَحَّحْنَاهُ، فَزَوَّجَ وَاحِدٌ زَيْدًا وَالْآخَرُ عَمْرًا، أَوْ وَكَّلَ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ رَجُلًا فَزَوَّجَ الْوَلِيُّ زَيْدًا وَالْوَكِيلُ عَمْرًا، أَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا زَيْدًا وَالْآخَرُ عَمْرًا، فَلِلْمَسْأَلَةِ خَمْسُ صُوَرٍ:

إِحْدَاهَا: أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُ النِّكَاحَيْنِ وَنَعْلَمُهُ، فَهُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ، سَوَاءٌ أَدَخَلَ الثَّانِي أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ السَّبْقُ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ التَّصَادُقِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقَعَا مَعًا، فَبَاطِلَانِ.

الثَّالِثَةُ: إِذَا لَمْ يُعْلَمِ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ وَأَمْكَنَ الْعِلْمُ بِهِمَا، فَبَاطِلَانِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، كَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ فَسْخٍ لِاحْتِمَالِ السَّبْقِ.

الرَّابِعَةُ: أَنْ يَسْبِقَ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ، ثُمَّ يَخْفَى، فَيُتَوَقَّفُ حَتَّى يُبَيَّنَ، وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَلَا لِثَالِثٍ نِكَاحُهَا إِلاَّ أَنْ يُطَلِّقَاهَا أَوْ يَمُوتَا أَوْ يُطَلِّقَ أَحَدُهُمَا وَيَمُوتَ الْآخَرُ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بَعْدَ مَوْتِ آخِرِهِمَا.

الْخَامِسَةُ: إِذَا عُلِمَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَعَيَّنْ، بِأَنْ أُيِسَ مِنْ تَعْيِينِهِ وَلَمْ تُرْجَ مَعْرِفَتُهُ، فَبَاطِلَانِ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا لَوِ احْتُمِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ لِتَعَذُّرِ الْإِمْضَاءِ لَعَمَّ تَعْيِينُهُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا- أَيْ بَاطِلَانِ- وَالثَّانِي مُخَرَّجٌ مِنْ نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمُعَتَيْنِ أَنَّهُ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ، فَإِنْ رُجِيَ مَعْرِفَتُهُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ.

106- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا زَوَّجَ وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّرَجَةِ اثْنَيْنِ، وَعُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَالنِّكَاحُ لَهُ وَعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَعُقْبَةَ مَرْفُوعًا: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا» وَلِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ خَلَا عَنْ مُبْطِلٍ، وَالثَّانِي تَزَوَّجَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ فَكَانَ بَاطِلًا كَمَا لَوْ عَلِمَ.

فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ وَطْءُ شُبْهَةٍ، يَجِبُ لَهَا بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَتُرَدُّ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ وَطْءِ الثَّانِي لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا مِنْهُ، وَلَا تَرُدُّ الصَّدَاقَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنَ الدَّاخِلِ بِهَا وَهُوَ الثَّانِي عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ الَّذِي دَفَعَتْ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي بُضْعِهَا فَلَا يَمْلِكُ عِوَضَهُ، وَلَا يَحْتَاجُ النِّكَاحُ الثَّانِي إِلَى فَسْخٍ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ.

وَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَهُمَا بَاطِلَانِ مِنْ أَصْلِهِمَا، وَلَا يَحْتَاجَانِ إِلَى فَسْخٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَا يَرِثَانِهَا وَلَا تَرِثُهُمَا، لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ، وَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

وَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ بِأَنْ جُهِلَ هَلَ وَقَعَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبَيْنِ، أَوْ عُلِمَ عَيْنُ السَّابِقِ مِنَ الْعَقْدَيْنِ ثُمَّ نُسِيَ، أَوْ عُلِمَ السَّبْقُ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَسَخَهُمَا حَاكِمٌ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَلَا طَرِيقَ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ يَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِ، فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ غَرِمَهُ، لِأَنَّ عَقْدَ أَحَدِهِمَا صَحِيحٌ، وَقَدِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَاهَا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


11-موسوعة الفقه الكويتية (ولد الزنى)

وَلَدُ الزِّنَى

التَّعْرِيفُ:

1- يَتَرَكَّبُ الْمُصْطَلَحُ مِنْ مُضَافٍ وَمُضَافٍ إِلَيْهِ، هُمَا: وَلَدٌ، وَالزِّنَى.

فَالْوَلَدُ فِي اللُّغَةِ: الْمَوْلُودُ، يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَوْلَادٍ وَوِلْدَةٍ وَوَإِلْدَةٍ وَوُلْدٍ.وَيُطْلَقُ الْوَلَدُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ نَزَلَ مَجَازًا، كَمَا يُطْلَقُ الْوَلَدُ مَجَازًا أَيْضًا عَلَى الْوَلَدِ مِنَ الرَّضَاعِ.

(ر: ابْن ف 1، ابْنُ الِابْنِ ف 1)

وَالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِلْوَلَدِ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالزِّنَى فِي اللُّغَةِ: الْفُجُورُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.

(ر: إِرْث ف 125)

وَالْمَقْصُودُ مِنْ وَلَدِ الزِّنَى هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي تَأْتِي بِهِ أُمُّهُ مِنْ سِفَاحٍ لَا مِنْ نِكَاحٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- وَلَدُ اللِّعَانِ:

2- وَلَدُ اللِّعَانِ هُوَ: الْوَلَدُ الَّذِي نَفَى الزَّوْجُ نَسَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ مُلَاعَنَتِهِ مِنْ زَوْجَتِهِ.وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَلَدِ اللِّعَانِ وَوَلَدِ الزِّنَى: انْقِطَاعُ نَسَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْأَبِ، إِلاَّ أَنَّ الْأَوَّلَ مُنْقَطِعٌ نَسَبُهُ عَنِ الْأَبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ الثَّانِي.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (لِعَان ف25- 30.)

ب- اللَّقِيطُ:

3- اللَّقِيطُ: اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنَ الْعَيْلَةِ، أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الرِّيبَةِ.وَالصِّلَةُ بَيْنَ اللَّقِيطِ وَوَلَدِ الزِّنَى: انْقِطَاعُ نَسَبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْأَبِ، إِلاَّ أَنَّ الْأَوَّلَ مَجْهُولُ الْأُمِّ أَيْضًا بِخِلَافِ الثَّانِي.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَلَدِ الزِّنَى:

لِوَلَدِ الزِّنَى أَحْكَامٌ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِهَا مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَيَخْتَلِفُ فِي بَعْضِهَا الْآخَرِ عَنْهُمْ، كَمَا يَلِي:

أ- دِينُ وَلَدِ الزِّنَى:

4- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَتَّبِعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا، وَيُشْعِرُ التَّعْبِيرُ بِالْأَبَوَيْنِ إِخْرَاجَ وَلَدِ الزِّنَا.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الشَّلَبِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ: وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا مُسْلِمٌ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَهَلْ يَكُونُ مُسْلِمًا؟ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِسْلَامِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ السُّبْكِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَإِنَّ الشَّارِعَ قَطَعَ نَسَبَ وَلَدِ الزِّنَى، وَبِنْتُهُ مِنَ الزِّنَى تَحِلُّ لَهُ عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا؟، وَأَفْتَى قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنْبَلِيُّ بِإِسْلَامِهِ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: وَتَوَقَّفْتُ عَنِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ حَتَّى لَا يَرِثَهُ، فَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ بِنْتَهُ مِنَ الزِّنَى لَا تَحِلُّ لَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِابْنِهِ مِنَ الزِّنَى، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَالَّذِي يَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ احْتِيَاطًا نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ مُعَلِّقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ: يَظْهَرُ لِيَ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ جَعَلَ اتِّفَاقَهُمَا نَاقِلًا لَهُ عَنِ الْفِطْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ أَوْ عَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيًا وَالْآخِرُ كِتَابِيًا فَهُوَ كِتَابِيٌّ، وَهُنَا لَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ مُتَّفِقَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْفِطْرَةِ، وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ إِلْحَاقَهُ بِالْمُسْلِمِ مِنْهُمَا أَوْ بِالْكِتَابِيِّ أَنْفَعُ لَهُ، وَلَا شْكَ أَنَّ النَّظَرَ لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ أَنْفَعُ لَهُ، وَأَيْضًا حَيْثُ نَظَرُوا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ احْتِيَاطًا، فَلْيُنْظَرْ إِلَيْهَا هُنَا احْتِيَاطًا أَيْضًا، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ بِالدِّينِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ أَقْبَحُ الْقَبِيحِ، فَلَا يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ بِدُونِ أَمْرٍ صَرِيحٍ، وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي حُرْمَةِ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى: إِنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ النِّسْبَةَ إِلَى الزَّانِي لِمَا فِيهَا مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، فَلَمْ تَثْبُتِ النَّفَقَةُ وَالْإِرْثُ لِذَلِكَ، وَهُنَا لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ لَا بُدَ مِنَ النِّسْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَالَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ: فَلَوْ وَطِئَ مُسْلِمٌ كَافِرَةً بِالزِّنَى، فَهَلْ يَلْحَقُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمَ فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ يَلْحَقُ الْكَافِرَةَ؟ ذَهَبُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إِلَى الْأَوَّلِ، وَاعْتَمَدَ الرَّمْلِيُّ تَبَعًا لِوَالِدِهِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَقْطُوعُ النَّسَبِ عَنْهُ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: فِي أَمَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ وَلَدَتْ مِنْ فُجُورٍ وَلَدُهَا مُسْلِمٌ، لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَهَذَا لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ أُمَّهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَلَدِ حَالٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَرَّ فِيهَا عَلَى دِينٍ لَا يَقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُرَدُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ.

ب- أَذَانُ وَلَدِ الزِّنَى:

5- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُ وَلَدِ الزِّنَى مُؤَذِّنًا، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَذَانُ وَلَدِ الزِّنَى، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَهُوَ الْإِعْلَانُ لَكِنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ، وَلِأَنَّ الْأَذَانَ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ فَيُخْتَارُ لَهُ مَنْ يَكُونُ مُحْتَرَمًا فِي النَّاسِ مُتَبَرَّكًا بِهِ لِحَدِيثِ: «لِيُؤَذِّنَ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلِيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ».

ج- إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى لِلْمُصَلِّين

6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَى:

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَتِهَا وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى إِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ».

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ إِمَامًا رَاتِبًا كُلٌّ مِنَ الْخَصِيِّ أَوِ الْمَأْبُونِ أَوِ الْأَقْلَفِ أَوْ وَلَدِ الزِّنَى أَوْ مَجْهُولِ الْحَالِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ أَوِ الْأَقْرَأُ أَوِ الْأَوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا قَاصِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ الزِّنَى أَوْ مَجْهُولَ الْأَبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى...وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ إِمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَى وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ مَكْرُوهَةٌ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَى إِذَا سَلِمَ دِينُهُ قَالَ عَطَاءٌ: لَهُ أَنْ يَؤُمَّ إِذَا كَانَ مَرْضِيًّا وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَإِسْحَاقُ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

(ر: إِمَامَة ف24).

د- دَفْعُ الزَّكَاةِ لِابْنِهِ مِنَ الزِّنَى:

7- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِابْنِهِ مِنَ الزِّنَى نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا.

هـ- زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى:

8- جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْوَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الْأَقْرَبُ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى عَلَى أُمِّهِ.

و- الْعَقِيقَةُ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى:

9- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ فَرْعِهِ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ فَرْعِهِ الْأُمُّ فِي وَلَدِ الزِّنَى فَهُوَ فِي نَفَقَتِهَا، فَيُنْدَبُ لَهَا الْعَقُّ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِظْهَارُهُ الْمُفْضِي لِظُهُورِ الْعَارِ.

ز- دُخُولُ وَلَدِ الزِّنَى فِي الْوَقْفِ عَلَى الْيَتِيمِ:

10- نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْوَقْفَ عَلَى الْيَتَامَى وَلَدَ الزِّنَى، لِأَنَّ لِلْيَتِيمِ انْكِسَارًا يَدْخُلُ عَلَى الْقَلْبِ بِفَقْدِ الْأَبِ.

ح- تَحْرِيمُ النِّكَاحِ:

11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ بَيْنَ وَلَدِ الزِّنَى وَأُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ تَبَعًا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهَا.

وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بَيْنَ الزَّانِي وَبِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَلَهُمْ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ بَيْنَهُمَا كَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ، وَذَلِكَ لِلْجُزْئِيَّةِ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ بَنَاتُهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ}....) سَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتَهُ مِنَ النِّكَاحِ أَوْ مِنَ السِّفَاحِ لِعُمُومِ النَّصِّ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَلِأَنَّ بِنْتَ الْإِنْسَانِ اسْمٌ لأُِنْثَى مَخْلُوقَةٍ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً، وَالْكَلَامُ فِيهِ، فَكَانَتْ بِنْتَهُ حَقِيقَةً، إِلاَّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْإِضَافَةُ شَرْعًا إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا، وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ، إِنَّ النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ ثَابِتَةٌ إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ هُنَاكَ ثُبُوتَ النَّسَبِ شَرْعًا لِجَرَيَانِ الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ لِمَعْنًى.

وَأَوْضَحَ ابْنُ عَابِدِينَ كَوْنَهَا مِنْ زِنًى بِقَوْلِهِ: كَأَنْ تَكُونَ بِكْرًا فَيَطَأُهَا ثُمَّ يَحْبِسُهَا حَتَّى تَلِدَ، أَوْ يَطَأُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْبِسُهَا حَتَّى تَلِدَ، وَإِلاَّ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الْوَلَدُ، لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَنَّهُ مِنْ مَائِهِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَعَلَى أُصُولِهِ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نِكَاحُ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى..لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} وَهَذِهِ بِنْتُهُ، فَإِنَّهَا أُنْثَى مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ هَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحَلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي «قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي امْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ- يَعْنِي وَلَدَهَا- عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ» يَعْنِي الزَّانِي لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَائِهِ وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَأَشْبَهَتِ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّهَا بِضْعَةٌ مِنْهُ فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ كَبِنْتِهِ مِنَ النِّكَاحِ، وَتَخَلُّفُ بَعْضُ الْأَحْكَامِ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا بِنْتًا كَمَا لَوْ تَخَلَّفَ لِرِقٍّ أَوِ اخْتِلَاقِ دِينٍ.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهَا مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَحْفَظُهَا حَتَّى تَضَعَ، أَوْ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ فَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؟ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِمْ.وَالثَّانِي: أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا بِنْتُ بَعْضِهِمْ، فَتَحْرُمُ عَلَى الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَتَحْرُمُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ لِأَنَّهَا أُخْتُ بَعْضِهِمْ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَلْحَقَتْهَا الْقَافَةُ بِأَحَدِهِمْ حَلَّتْ لِأَوْلَادِ الْبَاقِينَ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ وَطِئَ أُمَّهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى رَبِيبَتِهِ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بَيْنَ الزَّانِي وَبِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ، قَالُوا: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ زِنَاهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمَزْنِيُّ بِهَا مُطَاوَعَةً أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أَمْ لَا، تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ، إِذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَى بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النِّسَبِ مِنْ إِرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا فَلَا تَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ، فَإِنَّ مَنْعَ الْإِرْثِ بِإِجْمَاعٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.وَقِيلَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَقِيلَ: لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْهُ حَرُمَتْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمُ الرُّويَانِيُّ.هَذَا مَا لَمْ يَكُنِ الزَّانِي مَجْنُونًا عِنْدَ الزِّنَى، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَالتَّحْرِيمُ، كَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ زِنًى فِي الْحُكْمِ.

12- كَمَا اخْتَلَفُوا فِي زَوَاجِ الزَّانِي مِنْ حَلِيلَةِ وَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى عَلَى رَأْيَيْنِ:

الرَّأْيُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حَلِيلَةُ الْأَبِ وَالِابْنِ مِنَ الزِّنَا لِدُخُولِهِنَّ فِي عُمُومِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي التَّحْرِيمِ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ زَوْجَةُ ابْنِهِ مِنَ الزِّنَا.لِأَنَّهُ يُنْسَبُ لأُِمِّهِ فَزَوْجَتُهُ أَجْنَبِيَّةٌ مِنَ الزَّانِي، وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عَلَى وَلَدِ الزِّنَى زَوْجَةُ أَبِيهِ الزَّانِي لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ.

ط- حُرْمَةُ وَلَدِ الزِّنَا عَلَى أُصُولِ وَفُرُوعِ الزَّانِي وَحَوَاشِيهِ:

13- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِ وَلَدِ الزِّنَى مِنَ الزَّانِي بِأُمِّهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى وَلَدِ الزِّنَى أُصُولُ الزَّانِي وَفُرُوعُهُ، لِلْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمْ، أَمَّا غَيْرُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، كَأَعْمَامِ الزَّانِي وَأَخْوَالِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَخَوَاتِهِ، كَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَنْجَبَتْ بِنْتًا، فَهَلْ تَحْرُمُ هَذِهِ الْبِنْتُ عَلَى أَخِي الزَّانِي أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ..؟.

قَالَ الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: حَرُمَ عَلَى الْمُتَزَوِّجِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى نِكَاحُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ عَلَا أَوْ نَزَلَ، وَبِنْتُ أَخِيهِ، وَأُخْتِهِ، وَبِنْتُهَا، وَلَوْ مِنْ زِنًى، وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ مُعَلِّقًا عَلَى قَوْلِ الْحَصْكَفِيِّ «وَلَوْ مِنْ زِنًى» تَعْمِيمٌ بِالنَّظَرِ إِلَى كُلِّ مَا قَبْلَهُ، أَيْ لَا فَرْقَ فِي أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ أَوْ أُخْتِهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الزِّنَى أَوْ لَا، وَكَذَا إِذَا كَانَ لَهُ أَخٌ مِنَ الزِّنَى لَهُ بِنْتٌ مِنَ النِّكَاحِ، أَوْ أَخٌ مِنَ النِّكَاحِ لَهُ بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَعَلَى قِيَاسِهِ قَوْلُهُ: وَبِنْتُهَا وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ، أَيْ أُخْتُهُ مِنَ النِّكَاحِ لَهَا بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، أَوْ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنَ النِّكَاحِ، أَوْ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى لَهَا بِنْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَكَذَا أَبُوهُ مِنَ النِّكَاحِ لَهُ أُخْتٌ مِنَ الزِّنَى، أَوْ أَبُوهُ مِنَ الزِّنَى لَهُ أُخْتٌ مِنَ النِّكَاحِ، أَوْ أَبُوهُ مِنَ الزِّنَى لَهُ أُخْتٌ مِنَ الزِّنَى، وَكَذَا أَمُّهُ كَذَلِكَ وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ، أَنَّ الْبِنْتَ مِنَ الزِّنَى لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنَ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ فَلِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَالْخَالِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ عَنِ التَّجْنِيسِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَحَرُمَ عَلَى الشَّخْصِ أُصُولُهُ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ وَإِنْ عَلَا وَفُصُولُهُ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَوْ خُلِقَتِ الْفُصُولُ مِنْ مَائِهِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الْعَقْدِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ شُبْهَةٍ، فَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ بِنْتًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْهُ بِذَكَرٍ حَرُمَ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ تَزَوُّجِ بِنْتِهِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الذَّكَرِ تَزَوُّجَ فَرُوعِ أَبِيهِ مِنَ الزِّنَى وَأُصُولِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَتَحْرُمُ أُخْتُهُ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ ابْنِهِ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ بِنْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَإِنْ نَزَلَتْ، وَبِنْتُ أَخِيهِ مِنَ الزِّنَى وَبِنْتُ أُخْتِهِ مِنَ الزِّنَى وَكَذَا عَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ مِنَ الزِّنَى.

ي- كَفَاءَةُ وَلَدِ الزِّنَى:

14- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ..

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَدُ الزِّنَى قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كُفُؤٌ لِذَاتِ نَسَبٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى يَنْكِحُ وَيُنْكَحُ إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَتَضَرَّرُ بِهِ هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى وَلَدِهَا، وَلَيْسَ هُوَ كُفْؤًا لِلْعَرَبِيَّةِ بِغَيْرِ إِشْكَالٍ وَقَالَ الْمَحَلِّيُّ: وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ بِخِلَافِ الْفَاسِقَةِ، نَسِيبَةٌ بِخِلَافِ بِنْتِ الزِّنَى.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (كَفَاءَة ف16).

ك- النَّسَبُ:

15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الزِّنَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ.

أَمَّا نَسَبُهُ مِنَ الزَّانِي: فَالْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) يَرَوْنَ عَدَمَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».وَلِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ إِذَا لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ بِحَالٍ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَلْحَقُ الْوَاطِئَ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَرِثُهُ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَلْحَقُهُ إِذَا جُلِدَ الْحَدَّ أَوْ مَلَكَ الْمَوْطُوءَةَ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: يَلْحَقُهُ، وَذَكَرَ عَنْ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ نَحْوَهُ. (ر: إِرْث ف 125)

ل- التَّحْرِيمُ بِالرِّضَاعِ بِلَبَنِ الزِّنَى

16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا زَنَتْ فَوَلَدَتْ فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهَا طِفْلًا أَوْ طِفْلَةً، كَانَ الرَّضِيعُ وَلَدًا لَهَا رَضَاعًا، لِأَنَّهُ رَضَعَ لَبَنَهَا حَقِيقَةً، وَالْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا، فَحَرُمَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ.

أَمَّا تَحْرِيمُ هَذَا الرَّضِيعِ عَلَى الزَّانِي بِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى آرَاءٍ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ بِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى التَّحْرِيمِ بِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (رَضَاع ف 24).

م- إِرْثُ وَلَدِ الزِّنَى:

17- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الزِّنَى الْإِرْثَ مِنْ أُمِّهِ وَأَقَارِبِهَا، وَعَلَى أَنَّهُمْ يَرِثُونَهُ أَيْضًا بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ.

أَمَّا إِرْثُهُ مِنَ الزَّانِي وَأَقَارِبِهِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ، لِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْهُمْ، وَهُوَ سَبَبُ الْإِرْثِ.

وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِذَا زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَأَنْجَبَتْ طِفْلًا ثُمَّ تَزَوَّجَ الزَّانِي مِنَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَنْجَبَتْ طِفْلًا ثَانِيًا، كَانَ الطِّفْلَانِ أَخَوَيْنِ لأُِمٍّ، وَتَوَارَثَا عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يَلْحَقُ ابْنُ الزِّنَى الْوَاطِئَ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيَرِثُهُ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِرِث ف125).

ن- اسْتِقْضَاءُ وَلَدِ الزِّنَى:

18- اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي تَوْلِيَةِ وَلَدِ الزِّنَى الْقَضَاءَ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ سَحْنُونُ: لَا بَأْسَ بِوِلَايَةِ وَلَدِ الزِّنَى، وَلَا يَحْكُمُ فِي حَدِّ الزِّنَى.

وَقَالَ الْبَاجِي: الْأَظْهَرُ مَنْعُهُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَطَهَارَةِ أَحْوَالٍ فَلَا يَلِيهَا وَلَدُ الزِّنَا، كَالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ.

س- شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى:

19- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ شَهَادَةَ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الزِّنَى، كَالْقَتْلِ، وَمَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْقَتْلِ قُبِلَتْ فِي الزِّنَى، وَلِأَنَّ جِنَايَةَ أَبَوَيْهِ لَا تُوجِبُ قَدْحًا فِي الْعَدَالَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الزِّنَى وَأَمَّا فِي الزِّنَى فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا فِي مُتَعَلِّقَاتِ الزِّنَى كَقَذْفٍ وَلِعَانٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لِأَنَّ ابْنَ الزِّنَى يُتَّهَمُ فِي الرَّغْبَةِ عَلَى مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِي كَوْنِهِ ابْنَ زِنًى مِثْلَهُ.

حُكْمُ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى لِأَبِيهِ مِنَ الزِّنَى:

20- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنَى عَلَى الزَّانِي بِأُمِّهِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَذَلِكَ لِثُبُوتِ أَنَّهُ فَرْعُهُ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بَيْنَهُمَا.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ مِنْ زِنًى وَرَضَاعٍ وَعَكْسِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ.

- 13- ع- قَذْفُ وَلَدِ الزِّنَى:

21- مَنْ قَذَفَ وَلَدَ الزِّنَى فِي نَفْسِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ يَا زَانٍ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ إِذَا تَوَافَرَتْ فِي الْمَقْذُوفِ شُرُوطُ الْإِحْصَانِ.

(ر: إِحْصَان ف 15، 19، وَقَذْف ف 14) ف- قَتْلُ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى:

22- ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْوَالِدَ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ وَلَدِهِ مِنَ الزِّنَى.وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا لِحَقِيقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ صَرَّحُوا بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا تَحِلُّ لَهُ بِنْتُهُ مِنَ الزِّنَا.وَلَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِابْنِهِ مِنَ الزِّنَى وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


12-لغة الفقهاء (العمود)

العمود: بفتح فضم، الجمع: أعمدة وعُمُد وعَمَد، الدعامة الأساسية التي يعتمد.

عليها في البناء... Post, pillar

[*] عمود النسب: الأصول التي ينحدر منها النسب، وهم الإباء وأن علوا. كالأب والجد وأب الجد... الخ... Root of descent

/: عمودا النسب: الإباء والأمهات وأن علوا، والأولاد وأن سفلوا... Lineage, lineal

معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com