نتائج البحث عن (سَوَّيْتَهُ)

1-المعجم الوسيط (الخقُّ)

[الخقُّ]: الخَدُّ، وهو الشقُّ العَمِيق في الأَرض.

كتب عبدُ الملك بن مروان إِلى وكيله على ضيْعَة: " أَمَّا بعدُ: فلا تدعْ خَقًّا من الأَرض ولا لَقًّا، إِلاَّ سَوَّيتَه وزرعتَه ".

و- الوادِي.

(والجمع): أَخقاقٌ، وخُقُوقٌ.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


2-شمس العلوم (التودُّؤ)

الكلمة: التودُّؤ. الجذر: ودء. الوزن: التَّفَعُّل.

[التودُّؤ]: تَوَدَّأ عليه، مهموز: أي أهلكه.

ويقال: ودأتُ عليه الشيءَ فتودَّأ: أي سوَّيته فاستوى.

وتودَّأت عليه الأرض: أي وارَتْه.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


3-معجم متن اللغة (عاير فلانا)

عاير فلانا: ساماه وفاخره (ز): سابه وعايبه.

و- ت به: سويته.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


4-جمهرة اللغة (قذذ قذ)

(ذ-ق-ق) استُعمل من معكوسه؛ قَذَّ السهمَ وأقَذَّه قَذًا: إذا جعل له قُذَاذًا، وهو الرِّيش، والواحدة قذة.

وأجاز أبو زيد قَذ السهمَ وأقَذَّه، إذا جعل له قذَذًا، وأبى ذلك الأصمعي.

وكل شيء سوَّيته وحسّنته فقد قَذَّذته، وبه قيل: رجل مُقذذ ومقذوذ، إذا كان يُصلح نفسه ويقوم عليها.

والسَّهم الأقَذّ: الذي لا قُذَذَ له، أي لا ريش له.

ومن أمثالهم: "ما أصبت منه أقذ ولا مرِيشًا".

ولعبة لهم: شعاريرُ وقذَّة.

يقال: قَذ الشيءَ، إذا قطعه.

والقَذ: أطراف الريش على مثال الحذّ والتحذيف، وكذلك كل قَطْع.

والقذَّة: الريشة يراش بها السهم.

والقذاذات: ما قُطع من أطراف النصب، والجُذاذات من الفضة.

والقِذّان: البراغيث.

قال الشاعر:

«يُؤرِّقُني قِذّانها وبَعوضُها»

والتقذقذ: أن يركب الرجل رأسَه في الأرض وحده، ويقعَ في الركيَّة.

تقول: قد تقذقذ في مَهْواةٍ فهلك.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


5-العباب الزاخر (طلس)

طلس

الطَّلْسُ: المَحْوُ، وقد طَلَسْتُ الكِتابَ أطْلِسُه -بالكسر- طَلْسًا. وفي حديث النبي- صلى الله عليه وسلّم-: أنَّه أمَرَ بِطَلْسِ الصُّوَرِ التي في الكعبة، وقال عَليٌّ- رضي الله عنه-: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- فقال: لا تَدَع قبرًا مُشْرِفًا إلاّ سَوَّيتَه، ولا تِمثالًا إلاّ طَلَسْتَه. وفي حديث آخر إنَّ قول لا إله إلا الله يَطْلِسُ ما قبلَهُ من الذنوب.

ويقال للصفيحة المَمْحُوَّة: طِلْسٌ وطِرْسٌ -بالكسر-.

والوَسِخ من الثياب: طِلْسٌ أيضًا، والجمع أطلاس، وفي حديث عمر -رضي الله عنه- أنَّ عامِلَه فلانًا وَفَدَ عليه أشْعَثَ مُغْبَرًا عليه أطلاس، وقال رؤبة يصف الديار:

«كأنَّـــــــــــــــهُـــــــــــــــــنَّ *** دارِساتٍ أطْلاسْمن صُحُفٍ أو بالِياتِ أطْراسْ»

والطِّلْسُ: جلد فخذ البعير إذا تساقَطَ شعره.

والطَّلاّسة -بالفتح والتشديد-: الخِرقَة التي يُمْسَح بها اللوح المكتوب ويُمحى بها.

وقال ابن الأعرابي: الطَّلْسُ -بالفتح-: الطَّيْلَسان الأسوَد.

والطِّلْس -بالكسر-: الذئب الأمعَط.د والأطلَس: الثوب الخَلَقُ. والطَّلْساء: الخِرْقَة الوَسِخَة، قال ذو الرمّضة يصف النار:

«فلمّا بَدَتْ كَفَّنْتُها وهـي طِـفْـلَةٌ *** بِطَلْساءَ لم تَكْمُل ذِراعًا ولا شِبْرا»

ورجل أطلس الثياب، قال ذو الرُّمة يصف صائِدًا:

«مُقَزَّعٌ أطْلَسُ الأطمارِ ليس له *** إلاّ الضِّرَاءَ وإلاّ صَيْدَها نَشَبُ»

وذِئْبٌ أطْلَس: وهو الذي في لونه غُبرَة إلى السواد، وكُلُّ ما كانَ على لونِهِ فهو أطلَس، قال:

«يَلْقى الأمانَ على حِياضِ محمدٍ *** ثَوْلاءُ مُخْرَفَةٌ وذِئْبٌ أطْلَـسُ»

ورجل أطْلَس: إذا رُمِيَ بقبيح، فالَهُ شَمِر، وأنشد لأوس بن حجر:

«ولَسْتُ بأطلَسِ الثَّوْبَينِ يُصْبي *** حَلِيْلَتَهُ إذا هَجَعَ الـنِّـيَامُ»

حَلِيْلَتُه: جارَتُه التي تُحَالّه في الحِلَّةِ.

قال: والأطلس: الأسْوَد؛ كالحَبَشِيِّ ونَحْوِه، قال لبيد رضي الله عنه:

«ولقد دَخَلْتُ على خُمَيْرَ أرضَهُ *** مُتَّكَبَّرًا في مُلْكِهِ كالأغلـبِ»

«فأجابني منه بطِـرْسٍ نـاطِـقٍ *** وبكُلِّ أطْلَسَ جَوْبُهُ في المَنْكِبِ»

وأطْلَسُ: اسمُ كَلْبٍ، قال البَعيث واسمه خِداش بن بشر:

«فَصَبَّحَهُ عنـد الـشـروق غُـدَيَّةً *** كِلابُ ابنِ عَمّارٍ عِطافٌ وأطْلَسُ»

ويقال للأسوَد الوَسِخ: أطْلَسُ، وفي الحديث: ورِجالًا طُلْسًا. وقد كُتِبَ الحديث بتمامه في تركيب خ ل س.

وفي حديث أبي بكر -رضي الله عنه-: أنَّه قَطَعَ يَدَ مُوَلَّدٍ أطْلَسَ سَرَقَ. قال ابن شُمَيْل: الأطلس: السّارِق؛ شُبِّهَ بالذئب.

وقال ابن عبّاد: طُلِسَ به في السِجن: أي رُمِيَ به فيه.

وطَلَسَ بَصَرُهُ: ذَهَبَ. ورجل طِلَّيْسٌ -مثال سكِّيت-: أي أعمى مَطموس العين.

وطَلَسْتُ بالشيء على وَجْهِه: أي جئت به. وانا أطْلِسُ به كما سَمِعْتُه.

وطَلَسَ بها: أي حَبَقَ.

والطَّيْلَسَان -بفتح اللام-: واحِد الطَّيَالِسَة، والهاء في الجمع للعُجْمَة، لأنَّه فارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، قال الأصمعي: أصلُه تالشَانْ. ويقال في الشَّتْم: يا ابنَ الطَّيْلَسان، يُراد أنَّكَ أعْجَمِيٌّ. والعامَّة تقول: الطَّيْلِسَان -بكسر اللام-، فلو رَخَّمْتَ هذا في النداء لم يَجُز، لأنَّه ليس في الكلام فَيْعِلٌ- بكسر العين- إلاّ مُعْتَلًا، مِثْلُ سَيِّدٍ ومَيِّتٍ. وقال الليث: الطَّيْلَسَان يُفْتًح ويُكْسَر، ولم أرَ فَيْعَلان مكسورًا غَيْرَه، وأكثر ما يَجِيءُ مفتوحًا؛ فَيْعَلاَنَ، أو مضمومًا نحو الخيزران والحَيْسَمان، ولكن لما كانت الكَسرة والضمّة أُخْتَيْن اشْتَرَكَتا في مواضِعَ كثيرة دَخَلَتِ الضمّة مدخَل الكَسْرَة. وقال ابن دريد: الطَّيْلَسان معروف؛ بفتح اللّام وكسرها، والفتح أعلى، والجَمْع: طَيَالِسُ. وأنشد ابن فارِس في المقاييس:

«وليلٍ فيهِ يُحْسَبُ كُـلُّ نَـجْـمٍ *** بَدا لَكَ من خَصَاصَةِ طَيْلَسَانِ»

وقال غيره: الطَّيْلَس: الطَّيْلَسان، قال المرّار بن سعيد الفَقْعَسِيُّ:

«زارَ الخيالُ فهاجَني من مَهْجَعي *** رَجْعُ التحيَّةِ كالحديثِ المُهْلَسِ»

«فَرَفَعْتُ رَأسي للخَيَالِ فما أرى *** غيرَ المَطِيِّ وظُلْمَةٍ كالطَّيْلَسِ»

وطَيْلَسَانُ: إقليم واسِع كثير البلدان من نواحي الدَّيْلَمِ أو الخَزَرِ.

وقال ابن عبّاد: انْطَلَسَ أثَرُ الدّابَّةِ: أي خَفِيَ.

والتركيب يدل على مَلاسَةٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


6-المعجم الاشتقاقي المؤصل (خشب)

(خشب): {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4]

"الخَشَبة: ما غَلُظ من العِيدان. والخَشِيب من الرجال والِجمال: الطويلُ الجافي العارِي العِظام مع شِدة وصلابة وغِلَظ. والخَثِيبُ: اليابِسُ، والغليظُ الخشِنُ من كل شيء. والأخشبُ من القُف: ما غلُظ وخشُن وتحجّر. وجبهة

خَشْباء: كريهة يابسة. ووقعنا في خَشباءَ شديدة وهي أرض فيها حجارة وحَصًى وطين."

° المعنى المحوري

غلظ الجرم وصلابته مع امتداد وخشونة. كالخشَب، والرَجُل ذي العظام، والسَقْف، والأرض الخشباء. {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4].

ومن الغلظ والخشونة في الأصل استعمل في ما هو غليظُ الهيئة جافٍ غيرُ مُسَوى ومنه "خَشَبَ القوسَ (ضرب): عَمِلَها عَمَلَها الأَوَّل، والنبلَ: براها الَبرىَ الأَول ولم يَفْرُغ منها. والخشيب: السهمُ حين يُبرى البَرْىَ الأول. ويقول الرجل للنبال: أفَرَغْتَ من سَهمِي؟ فيقول قد خَشَبته أي قد بَرَيتُه البَرىَ الأول ولم أسَوِّه. فإذا فَرَغ قال قد خَلّقته أي سَويته من الصفاة الخلْقَاء وهي الملساء. وجَفْنَةٌ مَخْشُوبة هي التي لم يحكَم عملها " (كل هذا من مد جسم الشيء أي هيكله صلبَا غليظًا خشنًا).

ثم تطورت دلالة عملية الخَشْب -بالفتح. قال الأصمعي: سَيْفُ خشيب وهو عند الناس الصقيل، وإنما أصله بُرِدَ قَبْل أن يُلَين " (يليّن: ينَعَّم وُيصْقَل -ومعنى كلامه أنه يقال له قَبْلَ الصَقْل خشيبٌ وبعد الصقل صَقِيلٌ. لكن نظرًا إلى كان البَرْيَةَ الأُولَى وهي الخشب تعنى أنه صُنِعَ جديدًا، فإنهم استعملوا الخشب بمعنى الجديد، والجديد يكون صقيلا ولابد. فهذا هو أساس ذلك التطور).

ومن معنى الغِلَظ والجفاء قولهم "طَعام مَخْشوب: إذا كان حَبا فهو مفَلَّقٌ قَفَار (خَشِن)، وإن كان لحَما فَنِيءٌ لم ينضَجْ "اهـ.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


7-المعجم الاشتقاقي المؤصل (دمم دمدم)

(دمم - دمدم): {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس: 14]

دَمَّم اليربوعُ جُحْرَه: سدَّ فاه بنَبِيثَتِه (وهي التراب المُخْرَج من حفر الجُحر)، والسفينَةَ: طلاها بالقار (فسَدَّ شقوق خشبها وذلك بعد حشو الشقوق عند صنعها جديدة)، والبُرْمةَ (هي القِدْر من حجارة): سدّ خَصَاصَاتها (وهي الشقوق ونحوها) بدِمَم -كعنب، وهو دَمٌ أولِبأ يُعَدُّ لذلك، والأرضَ: سَوّاها (بالمِدَمَّة بعد الكِراب أي بعد الحَرْث والإثارة)، والبيتَ: طيّنه جَصَّصَه، والثوبَ: طلاه بالصبغ.

° المعنى المحوري

تسوية ظاهر الشيء بما يُشْبه كَبْسَ الشُقُوق أو الفَجَوات الظاهرة فيه (1): كما في الاستعمالات المذكورة. ومنه: "المَدْموم: الممتلئ

شَحْمًا المتناهي السِمَن. وقد دُمّ البعيرُ -للمفعول: كَثُر شَحْمه ولَحْمُه حتى لا يجدُ اللامسُ مسَّ حَجْم عَظْيمٍ فيه ".

ومنه "الدَيْموُم: المفازة لا ماءَ بها (ملتئمةُ السَطْح لا آبارَ فيها -والآبارُ خُروق في سَطْح الأرض) ودَمْدَمْتُ عليه القبرَ ونحوه: سَوَّيته (بالأرض بعد سد فجوته) وتَدَمْدَم الجُرْح: أي (التأمتْ فتحتُه) ودَمْدَمْت الشيءَ: ألزقته بالأرض (سويته بها أو فوقها بضغط شديد). {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا}: أَرْجَفَ الأرضَ بهم - [قر 20/ 79] (أي فهُدِّمَت مساكنهم عليهم ودُفِنُوا تحتها، أو ابتلعهم الأرض واندَمَّتْ عليهم).

ومن الأصل: "الدُمَادِم -كتُمَاضِر: شَيءٌ يشبه القَطِران يسيل من السَلَم (السَلَم شجر) (فهذا الدُمادم يُطْلَى بِه ظاهرُ الشيء فيسدّ شقوقَه) وكذلك الدَمُّ (بتضعيف الميم بمعنى الدَم المعروف فهو حشو لأجواف العروق) ومثله الدِمَّةُ بالكسر: البَعْرة (أو لأن الأرض تُدَمّ بالبعر أي تغطَّي به تسميدًا لها)، والقَمْلة الصغيرة (بين الشعر أو الثياب).

ومن الأصل "الدُمَادِمُ من الأرض -كتُمَاضر: رَوَابٍ سَهْلَةٌ (مدكوكة على

ظَاهر الأرض لَيْست واضحة التسنم) والدَمِيمُ: القبيح "- (من المعنى الأصلي كان وجهه مُسْتَوي السطح، حيث إن من الجَمال القَسَامةَ بمعنى أن كل عضو فيه له قِسْم متميز غُئُورًا أو نُتُوءًا واتساعًا أو تَضامًّا مع التناسب بينها).

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


8-المعجم الاشتقاقي المؤصل (روح ريح)

(روح - ريح): {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 89]

الراحة: الكف، وقَصْعة رَوْحَاء: قريبة القعر، وقَدَح وإناء أرْوَحُ: متسع مبطوح. والرَوَح -محركة: تباعدُ صدور القدمين، وفي أَيْمانِهم رَوَح: سَعَةٌ، وقد رَوِح الرَجُلُ، والشيءُ (فرح): اتسع. "الراحة من الأرض: المستوية فيها ظهور

واستواء. وراحة البيت: ساحته. رَوِحَ الشيء (فرح) اتّسع "

° المعنى المحوري

انبساطٌ أو اتساع وانتشار مع شمول ولطفٍ ما استواء أو نحوه: كالراحة (كف اليد) فهي تشمل، أي بها يُقْبَض على الأشياء، وكالأوعية المذكورة وهي غير عميقة (وكلها مستوية القاع تحوز)، واتساع ما بين صدور القدمين عن المألوف (وكأنما تحاصران شيئًا)، وكالراحة من الأرض، وراحة البيت.

ومن هذا: "الريح " (أصلها رِوْح، ومادتها متخلخلة وهي تشمل الأرض وأهلها، أو هي مشمولة في كل خلاء بيننا. فهي على صيغة (فِعْل): الصالحة لمعنى الفاعلية والمفعولية): {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} [البقرة: 164]. "والريح كذلك: نسيم كل شيء/ الرائحة/ نسيم الشيء طيبًا كان أو غير ذلك. (ينتشر منه مع لطف جرمه): {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} [يوسف: 94]. وكل (ريح) -عدا هذه- و (رياح) في القرآن فهي هذا النسيم الجاري. وقد قيل "الريحُ: القُوّة (كأن المراد نفوذ التأثير أخذًا من الانتشار. والعامة تقول: له نَفَس -محركة- يعنون التأثير، أو من الحَوْز والشمول فالريح تحيط بكل شيء): {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]. والرَوْح -بالفتح: نسيم الريح. وَجَد رَوْح الشَمَال: بَرْدَ نسيمها ". ثم تأتي بمعنى الراحة، والرحمة والسرور، والفَرَج (لانبساط النفس وخفتها كما يقال: نفّس عنه): {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. والريْحَان: كل بقل طيب الرائحة (له رائحة تشرح النفْس): {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}، فُسِّرا بالرحمة والرزق [ل] والنفْس تنبسط بهما {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن: 12]: الرزق (سعة وراحة).

ومن ذلك "الروح -بالضم: النَفَس- محركة. ملأ قِرْبةً من رُوحِه أي نَفَسِه (والنفَس هواء أي ريح). (ولأن التنفس هو أهم علامات الحياة عُبِّر لنا بلفظ الرُوح عن الحياة): "الرُوح -بالضم: النفْس (بسكون الفاء) ما به حياة النفْس/ هو الذي يعيش به الإنسان. قال الفراء سمعت أبا الهيثم يقول: الرُوح إنما هو النَّفَس الذي يَتَنَفَّسُه الإنسانُ وهو جَارٍ في جميع الجسد... "وقول أبي الهيثم هذا منصب على الظاهر لنا. أما حقيقة الرُّوح فقد قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] اه وفي القرآن الكريم {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29]، المنفوخ فيه هو آدم عليه السلام. ومن هذا الروح المنفوخ ما في [النساء 171، الأنبياء 91، ص 72، التحريم 12]. وأُطْلِقتَ على الوحْي، وهو تغلغل لطيف إلى النفس بخبر السماء، وعلى جبريل عليه السلام لأنه حامل وحي الله إلى رسله في [البقرة 87، 253، المائدة 110، النحل 10، مريم 17، الشعراء 193، المعارج 4، النبأ 38، القدر 4] وفي هذه خلاف: جبريل أم رحمة] [ينظر بحر 1/ 468، 5/ 518، 6/ 170، 7/ 38، 8/ 327، 493]، وعلى القرآن {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]، لأن حياة النفوس به وهو من عند الله، وكذا هي بمعنى الوحي في [النحل 2، غافر 15] {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]: الهدى والنور واللطف [بحر 8/ 237].

ومن الأصل "الراحة ضد التعب (من انبساط النفس وسعها وخِفّتِها) أراح وارتاح واستراح. والرَوَاح: العودة للراحة في المُراح عشيًّا "من هذا أو من العود إلى المقر وهو انبساط وحُلول (انظر حلل) "راحَت الإبل وأرَحْتها: رددتها إلى مراحها {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6]، {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ

غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12]، (وعُمِّمَ في الرجوع ونحوه) "أَرَحْتُ على الرجل حقَّه: رَدَدْته إليه. وتروَّحَ الشجرُ وراح: تفطر بالورق قبل الشتاء من غير مطر " (كما يقال تَرْجيعة).

ومن الأصل "الأَرْيَح الواسع من كل شيء: والأريحيّ الواسع الخُلُق المنبسط إلى المعروف. وراح للأمر يَراح رَوَاحًا: أشرق له وفرح به وأخذته له خِفة. وراحت يده بالسيف: خفت إلى الضرب به (انبساط). وراح إلى الشيء وارتاح: نَشِطَ وسُرَّ به ".

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


9-المعجم الاشتقاقي المؤصل (زلم)

(زلم): {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90]

الزَلَم - محركة: الزَمَع الذي خلف الأظلاف، وَهَنتَان في حَلْق المعزى.

° المعنى المحوري

استواء ظاهر الممتدّ (الدقيق كالإصبع) من الشيء فلا يكون له شُعَبٌ أو زوائد - كالزَمَع والهنات المذكورة.

ومن ذلك أُخِذ "التزليم: تسوية الظاهر بقَطْع الزوائد. زَلَّمتُ الرحى.. أدَرْتُها (أي جعلتها مستديرة بأن سوَّيت إطارها على ذلك) وأخَذْتُ من حروفها. (سويت ظاهرها وهي مأخوذة من حجارة جبل أو نحوه قَطَعتَه وأصلحته للرحى)، والقِدْحَ: سويته ولينته (ملَّسته) وغِذَاءَه: أساءه، وعطاءَه: قلّله). (تحيّفَ منه - فيهما) وكمُعَظَّم: المقطوع طَرَفِ الأذن من الإبل والشاء. وزَلَم أنفه ورأسه (نصر)، وازْدلم أنفَه: قطعه " (كل ذلك تسوية لكن بقطع النتوءات). ومنه "الزلم - كعُمَر وحَسَن: القِدْحُ المَبْرِىّ الذي لا ريش عليه. والمزلّم: القصير الخفيف "وقوله تعالى {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]. (فالأزلام: قداح كالأقلام كانوا يتوهمون أنها تبيّن ما قُسِم لهم. إذ كتبو على بعضها (أمرني ربي)، وعلى بعضها (نهاني ربي)، ووضعوها في كنانة، فيأتون السادن فيُجِيلها في الكنانة ثم يُخرج واحدا فإن كان عليه (أمرني ربي) مضى المسْتَقْسِم لحاجته، وإن كان عليه (نهاني) كفّ. وأحيانًا كان الرجل يتخذ كنانة لنفسه فيها تلك الأزلام. فنُهُوا أن يطلبوا معرفة ما قُسم لهم من جهة

الأزلام. [ينظر ل زلم، قسم].

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


10-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سوى)

(سوى): {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ...} [التوبة: 109]

رجل سَواء البطن: إذا كان بطنه مستويًا مع الصدر. رجل سواء القدم: إذا لم يكن لها أَخْمَص، فسواءٌ في هذا المعنى (أي في الكلام عن القدم) بمعنى المستوى. مكان سَوِىّ وسِيٌّ: مستوٍ. السِيّ: المكان المستوي، والفلاة، وموضع أملس بالبادية. هذا المكان أسوى هذه الأمكنة أي أشدها استواء. والسَوِيّة: كساء يُحْشَى بثُمام أو ليف أو نحوه ثم يجعل على ظهر البعير/ كساءٌ يُحَوَّى حول سنام البعير ثم يُرْكَب/ (كالبرذعة) إلّا أنه كالحَلْقة لأجل السنام. سواء الجبل: ذِرْوته.

° المعنى المحوري

استقامة ظاهر الشيء أو سطحه لامتلاء غئور وسطه أي إكمال نقص ذلك الغئور. كالسواء البطن لأن الأصل أن الصدر ناتئ ينصبه قفصه العَظْمِي فلا ينخفض، والبطن جوف غائر، ولا تساوي البطن الصدر إلا إذا امتلأت. والأصل في الأَخْمص أن يكون غائرًا ولا يستوي مع حافات القدم إلا إذا امتلأ غئورُه فأكمل نقصه. وكالمكان السوِيّ، والسِيّ وكالسَويّة فهي تُهَيّأ بحيث تكمل الغئور الذي حول السنام أي ترتفع به حتى يستوي مع قمة السنام فيتيسر الركوب عليه باستقرار، وذروة الجبل تكون وسطه عادة وهي مكان النتوء. ومما هو صريح في تصديق المعنى المحوري {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] , (الصدفان كالجبلين) أي سوّى بينهما حين رفع السد بينهما "اهـ [ل]، وكذلك {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ} [النساء: 42]، (أي تغور فيلتئم عليهم غئورها

فتصبح بهم مستوية)، وكذلك {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس: 14]، (أي دفنهم فيها وسواها عليهم). وأرى أن من هذا أيضًا {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى} [طه: 58]، قال في قر: مستويًا يتبين للناس ما بينّاه فيه (أي ظاهرًا مكشوفًا يرى الناس جميعًا ما يجري فيه، فالظهور لازم لاستواء سطح الشيء، لأن السحرة ظنوا أنهم سيفضحون موسى أمام الناس، وقَبِل سيدنا موسى التحدي ورفع مستوى العلانية {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: 59]، فحدّد أَجْمَعَ الأيام للناس، وأَضْوأَ الأوْقات، وأنشطها للناس. أما تفسير (سِوَى) هنا بـ "مَنْصَفًا وَسَطًا، أو عدلًا, أو سوى هذا المكان أي غيره [قر 11/ 312] فغير مناسب لأنهم لا يبحثون عن الوسط أو العدل أو مكان آخر ".

ومن ذلك المعنى المحوري جاءت عدة معان:

أ) فمن الأصل تؤخذ التسوية بين أشياء فيكون أصل هذا المعنى جعل ارتفاع هذا أو ظاهره بقدر ارتفاع ذاك أو ظاهره - ثم يستعمل في مطلق التسوية في القدر أو الحال {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 19 - 22]، {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 98]، وكل {يَسْتَوِي}، {تَسْتَوِي}، {يَسْتَوِيَانِ} , {يَسْتَوُونَ} هي من ذلك، وكذا {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران: 64] , {سَوَاءٌ مِنْكُمْ

مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} [الرعد: 10]. وكل (سواء) فهي بمعنى التساوي (وفي فصلت: 10 مستوية تامة) إلا {سَوَاءَ السَّبِيلِ} و {سَوَاءِ الصِّرَاطِ} فالأشبه أنه بمعنى المستقيم، وإلا {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} فهي بمعنى وسطه. ومنه "ساوى الشيءُ الشيءَ: عادَلَه. "هذا الثوب لا يساوي كذا ".

ب) ومن إكمال النقص جاء الاستواء بمعنى كمال النضج {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14] وكذا ما في [الفتح: 29] والتسوية بمعنى صنع الشيء سويًا أي إكمال حاله {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى: 2]، {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 37]، {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] وكل (سوّى) عدا ما مرّ قبل هذه الفقرة. {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 4] (أن نعيد بناءه بأدق ما كان عليه) وقال بعضهم يجعل يده كخف البعير [قر 19/ 94] والسياق يضعفه {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] (حال من ضمير تكلم) أي بلا خَرَس {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] في صورة بشر سوي.

ولملحظ الوسطية {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55]، (أي في وسطه كأن السواء مكان التسوية) ومنه "أسوى أي أخطأ في الحساب "وأسوى آية (أي طفرها في القراءة، فواصل القراءة والحساب لكن مع سقوط شيء في الوسط) وكذلك "أسوى: نَسِىَ ".

جـ) {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]، صعد أمره/ قَصَد. {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، علا/ أقبل، [ل] وكذا كل (استوى) مسندة إلى الله

عز وجل أي عدا ما مرّ من استواء النضج، وكذا عدا استواء الاستقرار الآتي.

د) "استوى على ظهر دابته: استقر " (وجد أو اتخذ مقرًّا سويا) {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13] وكذا ما في [هود: 44, المؤمنون: 28، الزخرف: 13].

هـ) ويقال "أسوي أي أخطأ في الحساب: أسوي آية أي طفرها " (فهذا من وصل الظاهر أي تسويته مع تجاوز نقص في الوسط) و "سِىُّ الشيء: مثله (كتِرْبه) المساوي له. ولا سيما فلان: لا مثلَه. وسِوَى الشيءِ مِثْلُه (المساوي له). وهذا يقتضي المغايرة فمعناه غَيْرُه. وكذلك يقال "سواك أي أنت "كأن الأصل شخصك أو قامتك.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


11-المعجم الاشتقاقي المؤصل (عدل)

(عدل): {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]

العِدْل -بالكسر: نِصْف الحِمْل يكون على أَحَدِ جَنْبَيْ البعير.. معدول بحِمْل آخر. عَدَلتُ الجُوالق على البعير بجوالق آخر. وكل ما تناسبَ فقد اعتدل.

° المعنى المحوري

موازنة ثِقْل في جانب بثِقْل في جانب آخر حتى يتّزِنا. ومنه أخذ معنى الاستواء أو التسوية وكذلك الموازنة وما بمعناها "عَدَلْت فلانًا بفلان (ضرب): سَوَّيت بينهما. وهو يعادِلُه: يُساويه (يثاقله). وعَدَلَ الشيءَ وعادَلهُ: وازنه. وعَادَلت بين الشيئين ". ومنه كذلك "العِدْل -بالكسر والفتح والعَديل: النظير والمثل، {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95]: أي ما يَعْدِ لُه ويوازنه. {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48، وكذا ما في 123] ولا يقبل من نَفْسِ في ما لَزِمَها فدية [طب: 1/ 574] كان الفِدْية تُثَاقل وتُوَازن المفتدَى في القيمة.

{وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70]: تَفْدِ بكل فِداء. وعَدَل الكافرُ بربه عَدْلًا وعُدُولًا: سَوَّى به غيرَه فعَبَده فأشرَكَ {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1 وكذا ما في 150 منها، النمل: 60].

ومن الأصل كذلك "المعادَلةُ: الشَّكُّ في أمرين عَرَضَا فلا تدري إلى أيها تَصِير: عادَلْت بينهما وأنا في عِدَالٍ بينهما " (موازنة وترجح بينهما).

ومن ملحظ تحقيق التساوي والتوازن بين العِدْلين حتَّى يصيرا على مستوى واحد جاء معنى العَدَالة في الحكم مثلًا، أي تحقيق التوازن بين المتخاصمين {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152] (وسائر ما في القرآن من التركيب -عدا ما سبق وعدا آية الانفطار الآتية- فهو من العدل الذي هو ضد الظلم).

وجاء أيضًا معنى الإقامة أي تحقيق الاستقامة وعدمِ مَيْل أيّ جزء أكثرَ من غيره: يقال "عَدَلَ السهمَ في الثِقَافِ: قَوَّمَه. وعَدَلتُ الشيء المائل: أقمته فاعتدل أي استقام وكذا تعديل الشيء تقويمه. وعَدَلْت الشيءَ (ضرب) فاعتدل سَوَّيْتُه فاستوى. {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: 7] -بالتضعيف: جعلك معتدلًا سَوِىّ الخَلق كما يقال هذا معدّل. يدل عليه {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] [قر 19/ 246] وفرَسٌ معتدل الغُرّة: تَوَسَّطَت غرتُه جبهتَه فلم تُصِب واحدة من العينين ولم تَمِلْ علَي واحد من الخدين ".

ومن ملحظ تغلق الشيء في جانب ما وليس في الوسط، جاء معنى الميل أو حَرْف الشيء إلى جانب ما (بمعونة حرف الجرّ): "عَدْلتُ فلانًا عن طريقه، والدابةَ إلى موضع كذا (كأنَّك جعلتهما عِدْلًا لشيء في الجانب الآخر) وانْعَدَل

عنه وعَادل: اعْوجّ. وعَدَلَ الفحلَ عن الضراب: نَحَّاه فانْعَدَل: تنحى ". ولا تضاد على الحقيقة. وقد قرئت الآية السابقة (فَعَدلك) بالتخفيف أي أمالك وصرفك إلى أي صورة شاء: قبيحًا أو حسنًا، طويلًا أو قصيرًا " [قر 19/ 246] بتصرف محدود.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


12-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نفخ)

(نفخ): {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9]

المِنْفاخ: كِيرُ الحداد الذي يُنْفَخُ به في النار وغيرها. والنُفْخَة -بالضم: داء يصيب الفرس تَرِمُ منه خُصْياه. وبالدابة نَفَخٌ - محركة: ريح تَرِم منه أرساغُها. وكتُفَّاح: نَفْخَةُ الورم من داء يأخذ حيث أخذ. وبتاء: الحجارة التي ترتفع فوق الماء.

° المعنى المحوري

اندفاع افواء من الجوف المخلخل (أو فيه) -كأثناء تلك الحجارة وتلك الأدواء وعمل الكير. ومنه "نَفَخَهُ الطعامُ فانتفخ: ملأه، ونفخ بفمه: أخرج منه الريح في الاستراحة والمعالجة والغيظ ونحوه ". {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَينَ الصَّدَفَينِ قَال انْفُخُوا} [الكهف: 96]. وسائر ما في القرآن من

التركيب فهو من نفخ الروح أو النفخ في الصور {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9] {فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] النفخ: إجراء الريح إلى تجويف جسم صالح لإمساكها والامتلاء. والمفسرون يقولون ليس هناك نفخ ولا منفوخ، وإنما هو تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها [أبو السعود 5/ 74] لكني لا أستريح لهذه المصادمة، فهلا قالوا النفخ معروف، وروح الله والكيف مجهولان؟ إن هذه النفخة الإلهية هي سر تميز الإنسان عن سائر مخلوقات الله في الأرض وهي التي أهلته لإسجاد الملائكة له، ولاصطفاء الله بعض البشر للوحي والنبوة والعلم، بل هي المؤهلة لهم لكل ما يتجلى به سبحانه عليهم ويخصهم به من مخاطبة وتكليفات ومحاورات. ولولا تلك النفخة الإلهية ما كان البشر أهلًا لشيء من ذلك كله. والجن تبع للإنس {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الكهف: 99].

ومن عِظَم الجِرْم اللازم للانتفاخ: "انتفخ النهار: علا قبل الانتصاف بساعة. ونَفْخَةُ الشباب: مُعْظَمه. "نَفْخُ الشيطان: الكِبْر. وشابٌّ وجارية نُفُخ: مَلأتهما نَفْخَة الشباب ".

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


13-المعجم العربي لأسماء الملابس (السوية)

السَّوِيَّة: السَّوِيَّة: بفتح فكسر فتشديد كساء محشو بثمام ونحوه؛ والثمام هو العُشْب النجيلى الجاف، والسَّوِيَّة كالبرذعة، قال الشاعر:

ازجر حمارك لا تنزع سويَّته

إذن يُردَّ وقيد العير مكروب

والجمع لها: سوايا

والسَّوِيَّة أيضًا: الكساء الذى يُجعل على ظهر الإبل إلا أنه كالحلقة لأجل السنام؛ ويُسمَّى أيضًا الحويَّة.

المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م


14-المعجم المفصل في علم الصرف (الفعل الثلاثي المزيد)

الفعل الثلاثيّ المزيد

هو كلّ فعل ثلاثيّ زيد على أحرفه الأصليّة حرف أو اثنان أو ثلاثة من أحرف الزيادة (سألتمونيها). نحو: «أكرم»، و «شارك»، و «انجذب»، و «استخرج»،

أو كرّر حرف من حروفه الأصليّة من دون أن يكون هذا الحرف من أحرف الزيادة، نحو: «شرّب».

وهذا الفعل ثلاثة أنواع.

1 ـ نوع جاء على وزن الرباعيّ، وهو ملحق به.

وهذا النوع أربعة أقسام:

أ ـ الملحق بـ «فعلل»، ويأتي على الأوزان التالية:

ـ تفعل، نحو: «ترجم».

ـ سفعل، نحو: «سنبس».

ـ فأعل، نحو: «طأمن».

ـ فتعل، نحو: «حترف» (بمعنى: صنع).

ـ فعأل، نحو: «برأل» (برأل الطائر: نفش ريشه).

ـ فعفل، نحو: «زهزق» (بمعنى ضحك ضحكا شديدا).

ـ فعلى، نحو: «قلسى» (ألبسه القلنسوة).

ـ فعلت، نحو: «عفرت».

ـ فعلس، نحو: «خلبس» (بمعنى: خلب، أي: خدع).

ـ فعلل، (ذو الزيادة)، نحو: «جلبب» (أي: لبس الجلباب).

فعلم، نحو: «غلصم» (قطع غلصومه).

ـ فعلن، نحو: «قطرن» (طلاه بالقطران).

ـ فعمل، نحو: «قصمل» (قارب الخطى في مشيته).

ـ فعنل، نحو: «قلنس» (ألبسه القلنسوة).

ـ فعهل، نحو: «غلهص» (قطع غلصومه).

ـ فعول، نحو: «جهور» (أعلن وأظهر).

ـ فعيل، نحو: «شريف (شريف الزرع:

قطع شراييفه، وهو ورقه إذا طال وكثر حتى يخاف فساد الزرع).

ـ فمعل، نحو: «حمظل» (جنى الحنظل).

ـ فنعل، نحو: «جندل» (صرع).

ـ فهعل، نحو: «دهبل» (كبّر اللقمة).

ـ فوعل، نحو: «حوقل» (قال: لا حول ولا قوة إلّا بالله، وأسرع في مشيه مقاربا بالخطو).

ـ فيعل، نحو: «سيطر».

ـ مفعل، نحو: «مرحب».

ـ نفعل، نحو: «نرجس».

ـ هفعل، نحو: «هلقم» (أكبر اللقمة).

ـ يفعل، نحو: «يرنأ» (صبغ باليرناء، وهي الحنّاء).

ب ـ الملحق بـ «تفعلل» وأوزانه هي:

ـ تفتعل، نحو: «تحترف» (بمعنى: اتّخذ حرفة).

ـ تفعأل، نحو: «تبرأل» (تبرأل الطائر: نفش ريشه).

ـ تفعلى، نحو: «تقلسى» (لبس القلنسوة).

ـ تفعلت، نحو: «تعفرت».

ـ تفعلل، (ذو الزيادة)، نحو: «تجلبب» (لبس الجلباب)

ـ تفعنل، نحو: «تقلنس» (لبس القلنسوة».

ـ تفعول، نحو: «ترهوك» (ترهوك في المشي: كان كأنه يموج فيه).

ـ تفعيل، نحو: «تتريق» (شرب الترياق، وهو دواء للسموم).

ـ تفوعل، نحو: «تجورب» (لبس الجوارب).

ـ تفيعل، نحو: «تشيطن» (فعل فعل الشيطان).

ـ تمفعل، نحو: «تمسكن» (في رأي من يعتبرها ملحقة). وراجع: الإلحاق.

ج ـ الملحق بـ «افعنلل»، وأوزانه هي:

ـ إفتعأل، نحو: «استلأم» (لغة في «استلم»، واستلم الحجر: لمسه إمّا بالقبلة وإمّا باليد).

ـ افتعلى، نحو: «استلقى».

ـ افعألل، نحو: «ابرألل» (ابرألل الديك: نفش ريشه).

ـ افعلّل، نحو: «اخرمّس» (سكت).

ـ افعنلى، نحو: «احرنبى» (احرنبى الديك: نفش ريشه وتهيّأ للقتال).

ـ افعنلل (ذو الزيادة)، نحو: «اقعنسس» (رجع وتأخّر).

ـ افعنمل أو افعمّل نحو: «اهرنمع» (أو: اهرمّع) اهرمّع الرجل: أسرع في مشيته).

ـ افعيّل نحو: «اهبيّخ» (مشى مشية فيها تبختر).

افونعل نحو: «احونصل» (ثنى عنقه وأخرج حوصلته).

د ـ الملحق ب إفعللّ»، وأوزانه هي:

ـ إفعألّ نحو: «احتأمّ».

ـ افعللّ (ذو الزيادة)، نحو: «ابيضضّ» (اشتدّ بياضه).

ـ افعهلّ، نحو: «اقمهدّ» (اقمهدّ الرجل: رفع رأسه).

ـ افعولّ نحو: «اهروزّ».

ـ افلعلّ نحو: «ازلعبّ» (ازلعبّ السّحاب: كثف).

ـ افمعلّ نحو: «اسمقرّ (اسمقرّ اليوم: كان شديد الحرّ).

ـ افوعلّ نحو: «اكوهدّ» (اكوهدّ الفرخ: أصابه مثل الارتعاد، وذلك إذا زقه أبواه).

وقيل: وزنه: افعللّ.

ـ انفعلّ نحو: «انقهلّ» (ضعف وسقط).

2 ـ الثلاثيّ المزيد بحرف. وأوزانه:

ـ أفعل أي بزيادة همزة على الأصل، ومن المعاني التي تزاد لها هذه الهمزة:

أ ـ التعدية أي جعل الفعل اللازم متعدّيا، نحو: «فرح زيد» ـ «أفرحت زيدا».

وإذا كان الفعل الثلاثيّ المجرّد متعدّيا لمفعول به واحد، صار، بزيادة الهمزة، متعدّيا لمفعولين، نحو: «فهم زيد الدرس» ـ «أفهمت زيدا الدرس»، وإذا كان الفعل الثلاثيّ المجرّد متعدّيا لمفعولين، صار بزيادة الهمزة، متعدّيا لثلاثة مفاعيل، نحو: «علم زيد الحادثة كاملة» ـ «أعلمت زيدا الحادثة كاملة».

ب ـ مصادفة الشيء على صفة معيّنة، نحو: «أبخلت زيدا، أي، وجدته بخيلا، و «أجبنت عمرا» أي: وجدته جبانا.

ج ـ الدخول في الزمان نحو: «أصبح زيد» (دخل في الصباح)، و «أمسى زيد» (دخل في المساء).

د ـ الدخول في المكان نحو: «أبحر”

(دخل في البحر)، و «أصحر» (دخل في الصحراء).

ه ـ استحقاق صفة معيّنة، نحو: «أحصد الزرع» (استحق الحصاد)، و «أزوجت الفتاة» (استحقت الزواج).

و ـ السّلب، أي إزالة معنى الفعل عن المفعول، نحو: «أشكيت زيدا» (أي: أزلت شكواه).

و «أعجمت الكتاب» (أي: أزلت عجمته).

ز ـ الصيرورة، نحو: «ألبن الرجل وأتمر وأفلس» أي: صار ذا لبن وتمر وفلوس.

ح ـ التعريض نحو: «أرهنت البيت وأبعته». أي: عرّضته للرّهن والبيع.

ط ـ أن يكون بمعنى «استفعل»، نحو: «أعظمته» بمعنى: استعظمته.

ي ـ أن يكون مطاوعا لـ «فعّل»، نحو: «بشّرته فأبشر».

ك ـ التكثير، نحو: «أظبأ المكان»: كثرت ظباؤه.

ل ـ البلوغ، نحو: «أتسعت الشجرات»، أي: صرن تسعا، و «أنجد فلان» بمعنى بلغ نجدا.

م ـ التمكين والإعانة، نحو: «أحفرته الحفرة». أي: مكّننه من حفرها، و «أحلبت فلانا»، أي أعنته على الحلب.

ن ـ بمعنى الأصل، نحو: «سرى» و «أسرى»، وقد يغني «أفعل» عن أصله لعدم ورود هذا الأصل، نحو: «أفلح» بمعنى: فاز، فإنّه لم يرد «فلح» بهذا المعنى.

ب ـ فاعل ومن معانيه:

أ ـ المشاركة، وهو المعنى الغالب، وتكون هذه المشاركة بين اثنين فصاعدا، نحو: «قاتل زيد عمرا»، أي قتل كلّ منهما الآخر، و «ماشيت زيدا».

ب ـ المتابعة والموالاة، أي الدلالة على عدم انقطاع الفعل، نحو: «تابعت السّير» و «واليت العمل».

ج ـ التكثير، نحو: «ضاعفت جهودي»، أي: ضعّفتها وكثّرتها.

د ـ معنى «فعل»، نحو: «ناصرت زيدا»، أي: نصرته.

ه ـ معنى «أفعل»، نحو: «باعدته»، أي: أبعدته.

و ـ الدلالة على أنّ شيئا صار صاحب صفة يدلّ عليها الفعل، نحو: «عافاه الله»، أي: جعله ذا عافية.

ـ فعّل ومن معانيه:

أ ـ التكثير والمبالغة وهو المعنى الغالب، ويكون هذا التكثير في الفعل، نحو: «جوّل» و «طوّف»، أي: أكثر الجولان، والطّوفان، وفي المفعول، نحو: «كسّرت الأحجار» (أي: أحجارا كثيرة)، و «غلّقت الأبواب» (أي: أبوابا كثيرة)، أو في الفاعل، نحو: «موّتت الإبل»، و «برّكت الإبل» (أي: إبل كثيرة). وقد قرّر مجمع اللغة العربيّة في القاهرة قياسيّة هذا الوزن للتكثير والمبالغة.

ب ـ التعدية أي جعل الفعل اللازم متعدّيا، نحو: «فرح زيد» ـ «فرّحت زيدا»، وإذا كان الفعل الثلاثيّ المجرّد متعدّيا لمفعول به واحد، صار، بتضعيف عينه، متعدّيا لمفعولين، نحو: «فهم زيد الدرس» ـ «فهّمت زيدا الدرس».

أمّا ما كان متعدّيا إلى مفعولين، فلم تسمع تعديته إلى ثلاثة بتضعيف عينه.

ج ـ السّلب نحو: «قشّرت الفاكهة»، أي: أزلت قشرها.

د ـ التوجّه نحو: «شرّق زيد وغرّب»، أي: توجّه شرقا وغربا.

ه ـ الصيرورة نحو: «حجّر الطين» أي: صار كالحجر.

و ـ نسبة الشيء إلى أصل الفعل نحو: كفّرت زيدا، أي: نسبته إلى الكفر.

ز ـ اختصار الحكاية نحو: «كبّر»، أي: قال: الله أكبر.

ح ـ قبول الشيء نحو: «شفّعت زيدا»، أي: قبلت شفاعته.

ط ـ الدّعاء نحو: «سقّيت زيدا»، أي: دعوت له بالسّقيا.

ي ـ بمعنى «فعل»، نحو: «ميّز» (أي: ماز).

ك ـ بمعنى «أفعل»، نحو: «خبّر» (بمعنى أخبر).

ل ـ بمعنى مضادّ لمعنى «أفعل»، نحو: «فرّطت»، أي: قصّرت.

م ـ بمعنى «تفعّل»، نحو: «فكّر» (بمعنى «تفكّر») و «يمّم» (بمعنى: تيمّم).

3 ـ نوع لم يجىء على وزن الرباعي، وهو قسمان:

أ ـ الفعل الثلاثيّ المزيد بحرفين: وأوزانه هي:

ـ افتعل ومن معانيه: المطاوعة وهو يطاوع الفعل الثلاثيّ، نحو: «جمعته فاجتمع»، والثلاثي المزيد بالهمزة، نحو: «أسمعته فاستمع»، والثلاثيّ المضعّف، نحو: «سوّيته فاستوى».

الاتّخاذ أي اتّخاذ الفعل من الاسم، نحو: «اختتم زيد واختدم»، أي: اتّخذ له خاتما وخادما.

الاشتراك نحو: «اختلف زيد وعمرو واقتتلا».

المبالغة في معنى الفعل، نحو: «اقتدر» (أي: بالغ في القدرة).

الإظهار، نحو: «اعتذر» (أي: أظهر العذر)، و «اعتظم» (أي: أظهر العظمة).

التسبّب في الشيء، والسّعي فيه، نحو: «اكتسبت المال»، أي: حصلت عليه بسعي وقصد.

ـ بمعنى أصل الفعل لعدم ورود الأصل، نحو: «ارتجل» و «التحى».

ـ افعلّ وهذا الوزن لا يكون إلّا لازما، ويأتي من الأفعال الدالة على الألوان والعيوب بقصد المبالغة فيها، نحو: «احمرّ» و «اسودّ»، و «اعورّ».

وهذا الوزن مقصور من «افعالّ» لطول الكلمة، ومعناه كمعناه، بدليل أنّه ليس شيء من «افعلّ» إلّا يقال فيه «افعالّ» إلّا أنّه قد تقلّ إحدى اللغتين في شيء، وتكثر الأخرى.

ـ انفعل ولا يكون هذا الوزن إلّا لازما، فإذا كان الفعل الثلاثيّ المجرّد منه متعدّيا، صار، بزيادة همزة الوصل والنون في أوله، لازما، ولا يكون إلّا في الأفعال العلاجية التي تدل على حركة حسّية، وفائدته المطاوعة، ويأتي لمطاوعة الثلاثيّ كثيرا، نحو: «قطعته فانقطع»، و «كسرته فانكسر»، ولمطاوعة غيره قليلا، نحو: «أطلقته فانطلق».

ـ تفاعل ويكون متعدّيا، نحو: «تجاوزنا المكان»، و «تقاضيت زيدا» ولازما، نحو: «تغافل زيد وتمارض». ومن معانيه:

ـ المشاركة بين اثنين فأكثر، نحو: «تشاتم زيد وعمرو»، و «تقاتل زيد وعمرو وعليّ».

ـ التظاهر، أو ادّعاء الفعل مع انتفائه عنه أو الإيهام نحو: «تمارض» و «تعافى»، و «تناوم».

ـ الدلالة على التدرج، أي: حدوث الفعل شيئا فشيئا، نحو: «تزايد المطر»، و «تواردت الأخبار».

ـ مطاوعة «فاعل»، نحو: «باعدته فتباعد»، و «واليته فتوالى».

ـ تفعّل ويكون متعدّيا، نحو: «تلقّفته»، و «تخبّطه الشّيطان»، ولازما، نحو: «تأثّم زيد» (أي: ألقى الإثم عن نفسه)، و «تحوّب» (أي: تعبّد). ومن معانيه:

ـ مطاوعة «فعّل»، نحو: «علّمته فتعلّم»، و «أدّبته فتأدّب».

ـ التكلّف، وهو الاجتهاد في طلب الفعل، ولا يكون ذلك إلّا في الصفات الحميدة، نحو: «تشجّع»، و «تجلّد».

الترك نحو: «تأثّم» (ترك الإثم)، و «تخرّج» (ترك الحرج).

ـ أخذ جزء بعد جزء، نحو: «تجرّعته» و «تحسّيته»، أي: أخذت منه الشيء بعد الشيء.

ـ الختل، نحو: «تغفّله»، أي: أراد أن يختله عن أمر يعوقه، و «تملّقه».

ـ التوقّع، نحو: «تخوّفه».

ـ الطلب كـ «استفعل»، نحو: «تنجّز حوائجه»: استنجزها.

ـ التكثير، نحو: «تعطّينا» (أي: تنازعنا، وفيه معنى التكثير).

2 ـ نوع جاء على وزن الرباعيّ وليس ملحقا به، وهو الفعل الثلاثيّ المزيد بحرف، وأوزانه هي:

ب ـ الفعل الثلاثيّ المزيد بثلاثة أحرف، وأوزانه هي:

ـ استفعل ومن معانيه:

ـ الطلب، نحو: «استعلم» (طلب العلم)

ـ التحوّل أو الصيرورة، نحو: «استحجر الطّين» (صار حجرا)، و «استأسد زيد» (صار كالأسد).

ـ الإصابة، أو اعتقاد صفة الشيء، نحو: «استكرمته» (أصبته كريما).

ـ المطاوعة، وهو يطاوع «أفعل»، نحو: «أحكمته فاستحكم»، و «أقمته فاستقام».

ـ اختصار الحكاية، نحو: «استرجع» (قال: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) )

ـ بمعنى «تفعّل»، نحو: «تعظّم واستعظم»، و «تكبّر واستكبر».

ـ بمعنى «فعل»، نحو: «قرّ واستقرّ».

ـ بمعنى «أفعل»، نحو: «أيقن واستيقن».

ويكون «استفعل» متعدّيا، نحو: «استخرجت الطّين»، ولازما، نحو: «استأسد زيد».

ـ افعالّ ولا يكون متعدّيا مطلقا، وأكثر ما صيغ للألوان، نحو: «احمارّ»، و «اسوادّ»، ونادرا من غير الألوان، نحو: «اضرابّ».

وهو يدلّ على قوة المعنى زيادة على أصله، فـ «اسوادّ» مثلا، يدلّ على قوة اللون أكثر من «سود» و «اسودّ».

افعوعل ويكون متعدّيا، نحو: «احلوليت الشيء»، ولازما، نحو: «اعشوشب الحقل»، ومعناه المبالغة.

ـ افعوّل ويكون متعدّيا، نحو: «اعلوّط المهر» (أي: تعلق بعنقه وركبه)، ولازما، نحو: «اجلوّذ البعير» (أي: أسرع). ويدلّ على المبالغة.

المعجم المفصل في علم الصرف-راجي الأسمر-صدر:1414هـ/1993م


15-معجم الأفعال المتعدية بحرف (تسبب)

(تسبب) إليه جعله إليه سببا وأستسب لأبويه سب آباء الناس فسبوا أبويه وهذه سبة عليك وعلى عقبك وأنت سبة على قومك وسبب الله لك سبب خير وسببت للماء مجرى سويته ومضت سبة من الدهر قال الشاعر

(والدهر سبات فحر وخصر () رجز)

لأن الدهر أبدا مشكو وتسبب إليه توسل وتسبب بالأمر كان سببا له واستسب له الأمر أستوى.

معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م


16-موسوعة الفقه الكويتية (إشراف)

إِشْرَافٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْإِشْرَافُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَشْرَفَ، أَيِ اطَّلَعَ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ أَعْلَى.

وَإِشْرَافُ الْمَوْضِعِ: ارْتِفَاعُهُ، وَالْإِشْرَافُ: الدُّنُوُّ وَالْمُقَارَبَةُ.

وَانْطِلَاقًا مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَطْلَقَ الْمُحَدِّثُونَ كَلِمَةَ إِشْرَافٍ عَلَى «الْمُرَاقَبَةِ الْمُهَيْمِنَةِ».

وَهُوَ مَعْنًى اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ كَالْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ الْأُخْرَى.فَقَدِ اسْتَعْمَلُوهُ فِي مُرَاقَبَةِ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمُ.

الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الْعُلُوِّ:

أ- إِشْرَافُ الْقَبْرِ:

2- لَا يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ مُشْرِفًا بِالِاتِّفَاقِ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: «قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَلاَّ تَدَعَ تِمْثَالًا إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ»

وَفِي اعْتِبَارِ تَسْنِيمِ الْقَبْرِ إِشْرَافًا خِلَافٌ تَجِدُهُ مُفَصَّلًا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.

ب- إِشْرَافُ الْبُيُوتِ:

3- يُبَاحُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْلُوَ بِبِنَائِهِ مَا شَاءَ بِشَرْطَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَلاَّ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، كَمَنْعِ النُّورِ أَوِ الْهَوَاءِ عَنِ الْغَيْرِ.

الثَّانِي: أَلاَّ يَكُونَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ ذِمِّيًّا، فَيُمْنَعُ مِنْ تَطْوِيلِ بِنَائِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ، لِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ، وَلِئَلاَّ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ.وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ.

الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الِاطِّلَاعِ مِنْ أَعْلَى:

4- يُمْنَعُ الشَّخْصُ مِنَ الْإِشْرَافِ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ فِي جِدَارِهِ كُوَّةً يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ وَعِيَالِهِ.

5- أَمَّا الْإِشْرَافُ عَلَى الْكَعْبَةِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرُبَاتِ، وَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَصْعَدُ عَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى يُشْرِفَ عَلَى الْكَعْبَةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عِنْدَ كَلَامِهِمْ عَلَى السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الْمُرَاقَبَةِ الْمُهَيْمِنَةِ:

6- إِقَامَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِشْرَافِ وَاجِبٌ تَحْقِيقًا لِلْمَصَالِحِ الَّتِي هِيَ مَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ، وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

أ- الْوِلَايَةُ: سَوَاءٌ أَكَانَتْ وِلَايَةً عَامَّةً كَوِلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْقَاضِي، وَنَحْوِهِمَا، أَمْ وِلَايَةً خَاصَّةً كَوِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ، كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَبْحَثِ (وِلَايَةٌ).

ب- الْوِصَايَةُ: كَالْوِصَايَةِ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَبْحَثِ (الْحَجْرِ).

ج- الْقِوَامَةُ: كَقِوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مَبْحَثِ (النِّكَاحِ).

د- النِّظَارَةُ: كَنَاظِرِ الْوَقْفِ، كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.

الْإِشْرَافُ بِمَعْنَى الْمُقَارَبَةِ وَالدُّنُوِّ:

7- يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِشْرَافِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي أَبْوَابِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ عَلَى

سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ:

أ- عَدَمُ أَكْلِ الذَّبِيحَةِ إِذَا ذُبِحَتْ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ، عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ مُبَيَّنٍ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ (التَّذْكِيَةُ).

ب- وُجُوبُ إِنْقَاذِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ كَالْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ إِنْقَاذُهُ.

ج- وُجُوبُ الِانْتِفَاعِ بِاللُّقَطَةِ إِذَا أَشْرَفَتْ عَلَى التَّلَفِ.كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ (اللُّقَطَةِ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


17-موسوعة الفقه الكويتية (تسنيم)

تَسْنِيمٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّسْنِيمُ فِي اللُّغَةِ: رَفْعُ الشَّيْءِ، يُقَالُ سَنَّمَ الْإِنَاءَ: إِذَا مَلأَهُ حَتَّى صَارَ الْحَبُّ فَوْقَهُ كَالسَّنَامِ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَا شَيْئًا فَقَدْ تَسَنَّمَهُ.وَسَنَامُ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ: أَعْلَى ظَهْرِهَا، وَالْجَمْعُ أَسْنِمَةٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: «نِسَاءٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ»

وقوله تعالى {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} قَالُوا: هُوَ مَاءٌ فِي الْجَنَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْرِي فَوْقَ الْغُرَفِ وَالْقُصُورِ.

وَالتَّسْنِيمُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: رَفْعُ الْقَبْرِ عَنِ الْأَرْضِ مِقْدَارَ شِبْرٍ أَوْ أَكْثَرَ قَلِيلًا.

وَفِي النَّظْمِ الْمُسْتَعْذَبِ: التَّسْنِيمُ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَى الْقَبْرِ مُرْتَفِعًا، وَيَجْعَلَ جَانِبَاهُ مَمْسُوحَيْنِ مُسْنَدَيْنِ، مَأْخُوذٌ مِنْ سَنَامِ الْبَعِيرِ.وَيُقَابِلُهُ تَسْطِيحُ الْقَبْرِ، وَهُوَ: أَنْ يُجْعَلَ مُنْبَسِطًا مُتَسَاوِيَ الْأَجْزَاءِ، لَا ارْتِفَاعَ فِيهِ وَلَا انْخِفَاضَ كَسَطْحِ الْبَيْتِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

2- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ التُّرَابِ فَوْقَ الْقَبْرِ قَدْرَ شِبْرٍ وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَتِهِ عَنْ ذَلِكَ قَلِيلًا عَلَى مَا عَلَيْهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِيُعْرَفَ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَيُتَوَقَّى وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ.فَعَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رَفَعَ قَبْرَهُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ».وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ لِعَائِشَةَ- رضي الله عنها-: اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسَنَّمُ الْقَبْرُ أَوْ يُسَطَّحُ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ: يُنْدَبُ تَسْنِيمُهُ كَسَنَامِ الْبَعِيرِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ «رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُسَنَّمًا».

وَعَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ.وَمَا رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهَا مُسَنَّمَةٌ عَلَيْهَا فَلْقُ مَدَرٍ بِيضٍ» وَمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ جِبْرِيلَ- عليه السلام- صَلَّى بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى آدَمَ وَجَعَلَ قَبْرَهُ مُسَنَّمًا».

وَكَرِهُوا تَسْطِيحَ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّ التَّسْطِيحَ يُشْبِهُ أَبْنِيَةَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِشِعَارِ أَهْلِ الْبِدَعِ، فَكَانَ مَكْرُوهًا لِذَلِكَ عِنْدَهُمْ.وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ تَسْطِيحُهُ (أَيْ تَرْبِيعُهُ) وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَسْنِيمِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ «إِبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا تُوُفِّيَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَبْرَهُ مُسَطَّحًا».

وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ قَوْلُ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ» لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَسْطِيحَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ.

هَذَا إِذَا دُفِنَ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

3- أَمَّا إِنْ دُفِنَ الْمُسْلِمُ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ، بِأَنْ دُفِنَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ أَوْ دَارِ حَرْبٍ، وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَالْأَوْلَى تَسْوِيَةُ قَبْرِهِ بِالْأَرْضِ، وَإِخْفَاؤُهُ أَوْلَى مِنْ إِظْهَارِهِ وَتَسْنِيمِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْبَشَ فَيُمَثَّلَ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ صِيَانَةٌ لَهُ عَنْهُمْ.وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ وَنَحْوِهِمَا.

وَانْظُرْ بَاقِيَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَبْرِ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْرٌ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


18-موسوعة الفقه الكويتية (تسوية)

تَسْوِيَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّسْوِيَةُ لُغَةً: الْعَدْلُ وَالنَّصَفَةُ، وَالْجَوْرُ أَوِ الظُّلْمُ ضِدُّ الْعَدْلِ، وَاسْتَوَى الْقَوْمُ فِي الْمَالِ مَثَلًا: إِذَا لَمْ يَفْضُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرَهُ فِي الْمَالِ.

وَسَوَاءُ الشَّيْءِ: غَيْرُهُ وَمِثْلُهُ- مِنَ الْأَضْدَادِ- وَتَسَاوَتِ الْأُمُورُ: تَمَاثَلَتْ، وَاسْتَوَى الشَّيْئَانِ وَتَسَاوَيَا: تَمَاثَلَا.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْقَسْمُ:

2- وَهُوَ مَصْدَرُ قَسَمَ الشَّيْءَ يَقْسِمُهُ قَسْمًا: جَزَّأَهُ، وَالْقَسْمُ: نَصِيبُ الْإِنْسَانِ مِنَ الشَّيْءِ وَيُقَالُ: قَسَمْتُ الشَّيْءَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، وَأَعْطَيْتُ كُلَّ شَرِيكٍ قَسْمَهُ.

وَمِنْهُ التَّقْسِيمُ

وَالْقِسْمَةُ قَدْ تَكُونُ بِالتَّسَاوِي، وَقَدْ تَكُونُ بِالتَّفَاضُلِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

يَخْتَلِفُ حُكْمُ التَّسْوِيَةِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي:

تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ:

3- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّمُ بَعْضُ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَالتَّرَاصُّ فِي الصُّفُوفِ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهَا فُرْجَةٌ، لِلْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْحَثِّ عَلَيْهَا: مِنْهَا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ».

وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».

وَبَيَانُ مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ التَّسْوِيَةُ فِي الصُّفُوفِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ).

تَسْوِيَةُ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ:

4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَكْمَلَ الرُّكُوعِ هُوَ أَنْ يَنْحَنِيَ الْمُصَلِّي، بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهْرُهُ وَعُنُقُهُ، بِأَنْ يَمُدَّهُمَا حَتَّى يَصِيرَا كَالصَّحِيفَةِ الْوَاحِدَةِ، وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ إِلَى الْحِقْوِ، وَلَا يَثْنِيَ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى لَا يَفُوتَ اسْتِوَاءُ الظَّهْرِ بِهِ.لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، فَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «ثُمَّ حَنَى غَيْرَ مُقَنِّعٍ رَأْسَهُ وَلَا مُصَوِّبِهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ إِلَى أَنْ قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ».

وَفِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لَهُ: «فَإِذَا رَكَعْتَ فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَامْدُدْ ظَهْرَكَ، وَمَكِّنْ رُكُوعَكَ».

قَالَ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ- رحمه الله-: السُّنَّةُ فِي الرُّكُوعِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ: أَنْ يَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيُفَرِّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَيُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَيُسَوِّيَ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ وَرَأْسَهُ

التَّسْوِيَةُ فِي إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ

5- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ فِي الزَّكَاةِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَإِلَى جَوَازِ أَنْ يُعْطِيَهَا شَخْصًا وَاحِدًا مِنَ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ- إِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُوَزِّعُ- وَلَا عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ الْأَصْنَافِ، وَلَا آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:

«قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- لِمُعَاذٍ- رضي الله عنه-: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَفِيهِ الْأَمْرُ بِرَدِّ جُمْلَتِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُمْ.ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ ثَانٍ غَيْرِ الْفُقَرَاءِ، وَهُمُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عِلَاقَةَ، وَزَيْدُ الْخَيْرِ.حَيْثُ قَسَمَ فِيهِمُ الذُّهَيْبَةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- مِنَ الْيَمَنِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الصَّدَقَةُ.وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ- رضي الله عنه- «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ لَهُ بِصَدَقَةِ قَوْمِهِ بِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ».لَكِنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنَ الْأَفْضَلِ فِي الْقِسْمَةِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَكْثَرُ حَاجَةً، فَالَّذِي يَلِيهِ.

فَعَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَمَعَ صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، نَظَرَ مِنْهَا مَا كَانَ مَنِيحَةَ اللَّبَنِ، فَيُعْطِيهَا لِأَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ مَا يَكْفِيهِمْ، وَكَانَ يُعْطِي الْعَشَرَةَ لِلْبَيْتِ الْوَاحِدِ ثُمَّ يَقُولُ: عَطِيَّةٌ تَكْفِي خَيْرٌ مِنْ عَطِيَّةٍ لَا تَكْفِي.

وَذَهَبَ الْإِمَامُ النَّخَعِيُّ- رحمه الله- إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا يَحْتَمِلُ الْأَصْنَافَ قَسَمَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ وَضْعُهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ إِلَى وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ إِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ هُوَ الَّذِي يَقْسِمُ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُ الْأَصْنَافِ فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ.وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ إِنْ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ الْقِسْمَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْأَصْنَافَ السَّبْعَةَ غَيْرَ الْعَامِلِ إِنِ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ، بِأَنْ سَهُلَ عَادَةً ضَبْطُهُمْ وَمَعْرِفَةُ عَدَدِهِمْ.وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا فَيَجِبُ إِعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ إِلَيْهِمُ الزَّكَوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ.

6- وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ سَوَاءٌ قَسَّمَ الْإِمَامُ أَوِ الْمَالِكُ، وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمَعَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونُوا سَوَاءً.

«وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ سَأَلَهُ مِنَ الزَّكَاةِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ، حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ».

7- كَمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، إِذَا كَانَتْ حَاجَاتُهُمْ مُتَسَاوِيَةً، لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ فَتَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ؛ وَلِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ.أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتْ حَاجَاتُهُمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَهَا.

وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الْحَاجَاتِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا التَّفَاوُتُ، لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ التَّسْوِيَةُ إِنْ تَسَاوَتْ حَاجَاتُهُمْ، فَإِنْ تَفَاوَتَتِ اسْتُحِبَّ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِهَا.

التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْقَسْمِ:

8- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْقَسْمِ الْأُنْسَ، وَهُوَ حَاصِلٌ مِمَّنْ لَا يَطَأُ.فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ، وَيَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟».

وَيَقْسِمُ لِلْمَرِيضَةِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالرَّتْقَاءِ، وَالْقَرْنَاءِ، وَالْمُحْرِمَةِ، وَمَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ، وَالشَّابَّةِ، وَالْعَجُوزِ، وَالْقَدِيمَةِ، وَالْحَدِيثَةِ.

لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} الْآيَةَ.

وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذُنِي فِيمَا تَمْلِكُ أَنْتَ وَلَا أَمْلِكُ».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ».

وَيُسَوِّي فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ مِنْ غَيْرِ فَضْلٍ، وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْقَسْمِ وَهُوَ النِّكَاحُ، فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقَسْمِ.

وَتَفْصِيلُ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَفِي بَدْءِ الْقَسْمِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَرُوسُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (الْقَسْمُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ).

التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِي التَّقَاضِي:

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَالْخِطَابِ، وَاللَّحْظِ، وَاللَّفْظِ، وَالْإِشَارَةِ، وَالْإِقْبَالِ، وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتِ إِلَيْهِمَا، وَالِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا، وَالْقِيَامِ لَهُمَا، وَرَدِّ التَّحِيَّةِ عَلَيْهِمَا، وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ لَهُمَا؛ لِلْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي ذَلِكَ مِنْهَا: قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَفْظِهِ وَإِشَارَتِهِ وَمَقْعَدِهِ، وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَا لَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْآخَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي النَّظَرِ وَالْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ»

وَكَتَبَ عُمَرُ- رضي الله عنه- إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ- رضي الله عنه- أَنْ آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَعَدْلِكَ وَمَجْلِسِكَ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ.

وَلِأَنَّ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ يُوهِمُ الْخَصْمَ الْآخَرَ مَيْلَ الْقَاضِي إِلَى خَصْمِهِ، فَيُضْعِفُهُ ذَلِكَ عَنِ الْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ، وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ، وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُخَالَفَةً لِلْمُسَاوَاةِ الْمَطْلُوبَةِ.

وَيَشْمَلُ هَذَا الشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَالْأَبَ وَالِابْنَ، وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ. كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، إِذَا حَضَرَ الْقَاضِي خُصُومٌ وَازْدَحَمُوا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلسَّابِقِ، فَإِنْ جَهِلَ الْأَسْبَقَ مِنْهُمْ، أَوْ جَاءُوا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، وَقَدَّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ؛ إِذْ لَا مُرَجِّحَ إِلاَّ بِهَا.فَإِنْ حَضَرَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ: فَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ قَلِيلًا، بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهُمْ عَلَى الْمُقِيمِينَ قَدَّمَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ؛ وَلِئَلاَّ يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ.وَكَذَلِكَ النِّسْوَةُ يُقَدَّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ طَلَبًا لِسَتْرِهِنَّ مَا لَمْ يَكْثُرْ عَدَدُهُنَّ أَيْضًا.

10- وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَسْوِيَةِ الْمُسْلِمِ مَعَ خَصْمِهِ الْكَافِرِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا؛ لِأَنَّ تَفْضِيلَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ وَرَفْعَهُ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَسْرٌ لِقَلْبِهِ، وَتَرْكٌ لِلْعَدْلِ الْوَاجِبِ التَّطْبِيقِ بَيْنَ النَّاسِ جَمِيعًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى جَوَازِ رَفْعِ الْمُسْلِمِ عَلَى خَصْمِهِ الْكَافِرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- مِنْ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ، فَوَجَدَ دِرْعَهُ مَعَ يَهُودِيٍّ، فَعَرَفَهَا فَقَالَ: دِرْعِي سَقَطَتْ وَقْتَ كَذَا فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: دِرْعِي وَفِي يَدَيَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ.فَارْتَفَعَا إِلَى شُرَيْحٍ- رضي الله عنه-، فَلَمَّا رَآهُ شُرَيْحٌ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَلَسَ مَعَ الْيَهُودِيِّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ خَصْمِيَ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحٌ.

وَلِحَدِيثِ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى»

التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْعَطِيَّةِ

11- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْعَطِيَّةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطَايَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً.

لِأَنَّ الصِّدِّيقَ- رضي الله عنه- فَضَّلَ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ فِي هِبَةٍ، وَفَضَّلَ عُمَرُ- رضي الله عنه- ابْنَهُ عَاصِمًا بِشَيْءٍ مِنَ الْعَطِيَّةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ.

وَلِأَنَّ فِي قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ- رضي الله عنهما-: «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَطَاوُسٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ- رحمه الله-: إِلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْهِبَةِ.فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةٍ، أَوْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِيهَا أَثِمَ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا رَدُّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا إِتْمَامُ نَصِيبِ الْآخَرِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «وَهَبَنِي أَبِي هِبَةً.فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ- رضي الله عنها-: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمَّ هَذَا أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: كُلُّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا.قَالَ: فَأَرْجِعْهُ».وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ.إِنَّ لِبَنِيكَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي».

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ، وَلَوْ كُنْتُ مُؤْثِرًا أَحَدًا لآَثَرْتُ النِّسَاءَ عَلَى الرِّجَالِ».

12- وَاخْتَلَفُوا كَذَلِكَ فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْأَوْلَادِ.فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْأَوْلَادِ: الْعَدْلُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّةِ بِدُونِ تَفْضِيلٍ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَالْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ: أَيْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَسَمَ لَهُمْ فِي الْإِرْثِ هَكَذَا، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، وَهُوَ الْعَدْلُ الْمَطْلُوبُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْهِبَاتِ وَالْعَطَايَا. وَإِنْ سَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَوْ فَضَّلَهَا عَلَيْهِ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الْبَنِينَ أَوْ بَعْضَ الْبَنَاتِ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْأَثَرَةِ فَأَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَهُ عِيَالٌ وَبِهِ حَاجَةٌ يَعْنِي فَلَا بَأْسَ بِهِ.

وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَوْ خَصَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَوْلَادِهِ بِوَقْفِهِ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ، أَوْ ذَا الدِّينِ دُونَ الْفُسَّاقِ، أَوِ الْمَرِيضِ، أَوْ مَنْ لَهُ فَضْلٌ مِنْ أَجْلِ فَضِيلَتِهِ فَلَا بَأْسَ.

التَّسْوِيَةُ فِي الشُّفْعَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ

13- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّسْوِيَةِ فِي الشُّفْعَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِالشُّفْعَةِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ مِنَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِلْكِ عَلَى قَدْرِهِ، فَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ مَثَلًا: لِوَاحِدٍ نِصْفُهَا، وَلآِخَرَ ثُلُثُهَا، وَلِثَالِثٍ سُدُسُهَا، فَبَاعَ الْأَوَّلُ- وَهُوَ صَاحِبُ النِّصْفِ- حِصَّتَهُ أَخَذَ الثَّانِي سَهْمَيْنِ، وَالثَّالِثُ سَهْمًا وَاحِدًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِلَى أَنَّ الشُّرَكَاءَ يَقْتَسِمُونَ الشِّقْصَ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِهِمْ، وَعَلَى هَذَا يُقْسَمُ النِّصْفُ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ هُوَ أَصْلُ الشَّرِكَةِ، وَهُمْ مُسْتَوُونَ فِيهَا، فَيَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي اقْتِسَامِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ.

التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ:

14- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَافِقَ الْعَامَّةَ- مِنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقِ، وَأَفْنِيَةِ الْأَمْلَاكِ، وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ، وَحَرِيمِ الْأَمْصَارِ، وَمَنَازِلِ الْأَسْفَارِ، وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، وَالْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، وَالْأَنْهَارِ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْعُيُونِ الَّتِي أَنْبَعَ اللَّهُ مَاءَهَا، وَالْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَتْ بِدُونِ عَمَلِ النَّاسِ كَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْكُحْلِ وَغَيْرِهَا وَالْكَلأَِ- اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ النَّاسِ، فَهُمْ فِيهَا سَوَاسِيَةٌ، فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِلْمُرُورِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَالْجُلُوسِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدِّرَاسَةِ وَالشُّرْبِ وَالسِّقَايَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ.

وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ اقْتِطَاعُهَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا احْتِجَازُهَا دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ.

وَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهَا لِلسَّابِقِ حَتَّى يَرْتَحِلَ عَنْهَا، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا».

وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِضْرَارِ، فَإِذَا تَضَرَّرَ بِهِ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بِأَيِّ حَالٍ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».

تَسْوِيَةُ الْقَبْرِ:

15- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْقَبْرِ مِقْدَارَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِقَلِيلٍ إِنْ لَمْ يُخْشَ نَبْشُهُ مِنْ كَافِرٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَبْرٌ فَيُزَارَ، وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُحْتَرَمَ.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّ قَبْرَ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- رُفِعَ نَحْوَ شِبْرٍ فَعَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رُفِعَ قَبْرُهُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ».وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنهم- قَالَ: «قُلْتُ لِعَائِشَةَ- رضي الله عنها-: يَا أُمَّهُ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةً وَلَا لَاطِئَةً مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ».وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ- رحمه الله- أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهَا مُسَنَّمَةٌ.

وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- لَمَّا مَاتَ بِالطَّائِفِ، صَلَّى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ- رحمه الله-، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، وَجَعَلَ لَهُ لَحْدًا، وَأَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، وَجَعَلَ قَبْرَهُ مُسَنَّمًا، وَضَرَبَ عَلَيْهِ فُسْطَاطًا. وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَسْطِيحَ الْقَبْرِ وَتَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ، لِمَا صَحَّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ «أَنَّ عَمَّتَهُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- كَشَفَتْ لَهُ عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ فَإِذَا هِيَ مُسَطَّحَةٌ مَبْطُوحَةٌ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ».

16- وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَا زَادَ عَنْ مِقْدَارِ الشِّبْرِ زِيَادَةً كَبِيرَةً، إِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ كَخَوْفِ نَبْشِ قَبْرِ الْمُؤْمِنِ مِنْ نَحْوِ كَافِرٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ- رضي الله عنه- «لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ».

وَالْمُشْرِفُ مَا رُفِعَ كَثِيرًا بِدَلِيلِ «قَوْلِ الْقَاسِمِ فِي صِفَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ: لَا مُشْرِفَةً وَلَا لَاطِئَةً».

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


19-موسوعة الفقه الكويتية (تصحيح 1)

تَصْحِيحٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- التَّصْحِيحُ لُغَةً: مَصْدَرُ صَحَّحَ، يُقَالُ: صَحَّحْتُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ تَصْحِيحًا: إِذَا أَصْلَحْتَ خَطَأَهُ، وَصَحَّحْتَهُ فَصَحَّ.

وَالتَّصْحِيحُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ: الْحُكْمُ عَلَى الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ، إِذَا اسْتَوْفَى شَرَائِطَ الصِّحَّةِ الَّتِي وَضَعَهَا الْمُحَدِّثُونَ.

وَيُطْلَقُ التَّصْحِيحُ أَيْضًا عِنْدَهُمْ عَلَى كِتَابَةِ (صَحَّ) عَلَى كَلَامٍ يَحْتَمِلُ الشَّكَّ بِأَنْ كُرِّرَ لَفْظٌ مَثَلًا لَا يُخِلُّ تَرْكُهُ.

وَالتَّصْحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ: إِزَالَةُ الْكُسُورِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ السِّهَامِ وَالرُّءُوسِ.

وَالتَّصْحِيحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ: رَفْعُ أَوْ حَذْفُ مَا يُفْسِدُ الْعِبَادَةَ أَوِ الْعَقْدَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّعْدِيلُ:

2- التَّعْدِيلُ: مَصْدَرُ عَدَّلَ، يُقَالُ: عَدَّلْتُ الشَّيْءَ تَعْدِيلًا فَاعْتَدَلَ: إِذَا سَوَّيْتَهُ فَاسْتَوَى.وَمِنْهُ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ.وَعَدَّلْتُ الشَّاهِدَ: نَسَبْتَهُ إِلَى الْعَدَالَةِ.وَتَعْدِيلُ الشَّيْءِ: تَقْوِيمُهُ.

ب- التَّصْوِيبُ:

3- التَّصْوِيبُ: مَصْدَرُ صَوَّبَ مِنَ الصَّوَابِ، الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخَطَأِ، وَالتَّصْوِيبُ بِهَذَا الْمَعْنَى يُرَادِفُ التَّصْحِيحَ، وَصَوَّبْتَ قَوْلَهُ: قُلْتَ: إِنَّهُ صَوَابٌ.

ج- التَّهْذِيبُ:

4- التَّهْذِيبُ كَالتَّنْقِيَةِ، يُقَالُ: هَذَّبَ الشَّيْءَ، إِذَا نَقَّاهُ وَأَخْلَصَهُ.وَقِيلَ: أَصْلَحَهُ.

د- الْإِصْلَاحُ:

5- الْإِصْلَاحُ ضِدُّ الْإِفْسَادِ، وَأَصْلَحَ الشَّيْءَ بَعْدَ فَسَادِهِ: أَقَامَهُ، وَأَصْلَحَ الدَّابَّةَ: أَحْسَنَ إِلَيْهَا.

هـ- التَّحْرِيرُ:

6- تَحْرِيرُ الْكِتَابَةِ: إِقَامَةُ حُرُوفِهَا وَإِصْلَاحُ السَّقْطِ وَتَحْرِيرُ الْحِسَابِ: إِثْبَاتُهُ مُسْتَوِيًا لَا غَلَتَ فِيهِ، وَلَا سَقْطَ وَلَا مَحْوَ.وَتَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ: عِتْقُهَا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

7- تَصْحِيحُ الْفَسَادِ وَالْخَطَأِ أَمْرٌ وَاجِبٌ شَرْعًا مَتَى عَرَفَهُ الْإِنْسَانُ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ: كَمَنْ اجْتَهَدَ فِي مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَصَلَّى، ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ، فَيَجِبُ تَصْحِيحُ هَذَا الْخَطَأِ بِالِاتِّجَاهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَإِلاَّ فَسَدَتِ الصَّلَاةُ.أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ: كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ، فَيَجِبُ إِسْقَاطُ هَذَا الشَّرْطِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ، وَإِلاَّ وَجَبَ فَسْخُ الْبَيْعِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّصْحِيحِ مِنْ أَحْكَامٍ:

أَوَّلًا: تَصْحِيحُ الْحَدِيثِ:

8- تَصْحِيحُ الْحَدِيثِ هُوَ: الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ لِتَوَافُرِ شُرُوطٍ خَاصَّةٍ اشْتَرَطَهَا عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ.وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْمُحَدِّثُونَ فِي صِحَّةِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ، وَفِي تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.

فَقَدْ قَرَّرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا.

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: فَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يُحْكَمُ لَهُ بِالصِّحَّةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.فَإِذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ حُكِمَ لِلْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ، مَا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِ شُذُوذًا.وَالْحُكْمُ بِتَوَاتُرِ الْحَدِيثِ حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ: يُحْكَمُ لِلْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ إِذَا تَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ- لَمَّا حَكَى عَنِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَحَّحَ حَدِيثَ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَأَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يُصَحِّحُونَ مِثْلَ إِسْنَادِهِ- لَكِنَّ الْحَدِيثَ عِنْدِي صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرايِينِيُّ: تُعْرَفُ صِحَّةِ الْحَدِيثِ إِذَا اشْتَهَرَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ

نَكِيرٍ مِنْهُمْ.وَقَالَ نَحْوَهُ ابْنُ فُورَكٍ.

عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَنِ اشْتَرَطَ غَيْرَ ذَلِكَ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، كَاشْتِرَاطِ الْحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ رَاوِي الْحَدِيثِ مَشْهُورًا بِالطَّلَبِ (أَيْ طَلَبِ الْحَدِيثِ وَتَتَبُّعِ رِوَايَاتِهِ) وَعَنْ مَالِكٍ نَحْوُهُ، وَكَاشْتِرَاطِ أَبِي حَنِيفَةَ فِقْهَ الرَّاوِي، وَكَاشْتِرَاطِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ الْعِلْمَ بِمَعَانِي الْحَدِيثِ، حَيْثُ يُرْوَى بِالْمَعْنَى، قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَهُوَ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، لَكِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الضَّبْطِ، وَكَاشْتِرَاطِ الْبُخَارِيِّ ثُبُوتَ السَّمَاعِ لِكُلِّ رَاوٍ مِنْ شَيْخِهِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِإِمْكَانِ اللِّقَاءِ وَالْمُعَاصَرَةِ.

أَثَرُ عَمَلِ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ فِي التَّصْحِيحِ:

9- قَالَ النَّوَوِيُّ وَالسُّيُوطِيُّ: عَمَلُ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَلَا بِتَعْدِيلِ رُوَاتِهِ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِيَاطًا، أَوْ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ ذَلِكَ الْخَبَرَ.وَصَحَّحَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِذَلِكَ.

وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسَالِكِ الِاحْتِيَاطِ (أَيْ لَمْ تَكُنِ الْفُتْيَا بِمُقْتَضَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، بَلْ لِلِاحْتِيَاطِ).وَفَرَّقَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ.

كَمَا أَنَّ مُخَالَفَةَ الْعَالِمِ لِلْحَدِيثِ لَا تُعْتَبَرُ قَدْحًا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ وَلَا فِي رُوَاتِهِ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَانِعٍ مِنْ مُعَارِضٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ حَدِيثَ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي نَافِعٍ رَاوِيهِ.

وَمِمَّا لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَيْضًا- كَمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْأُصُولِ- مُوَافَقَةُ الْإِجْمَاعِ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنَدُ غَيْرَهُ.وَقِيلَ: يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ.

تَصْحِيحُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ:

10- يَرَى الشَّيْخُ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ التَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَحِّحَ، بَلْ يَقْتَصِرُ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ السَّابِقُونَ، كَمَا يَرَى عَدَمَ اعْتِبَارِ الْحَدِيثِ صَحِيحًا بِمُجَرَّدِ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي مُصَنَّفَاتِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ الْمَشْهُورَةِ، فَأَغْلَبُ الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ عِنْدَهُمْ لِمَا أَهْمَلُوهُ لِشِدَّةِ فَحْصِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ.

وَقَدْ خَالَفَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ ابْنَ الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي جَوَازُهُ لِمَنْ تَمَكَّنَ وَقَوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ.

قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَقَدْ صَحَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَحَادِيثَ لَمْ يُعْرَفْ تَصْحِيحُهُمَا عَنِ الْأَقْدَمِينَ.

ثَانِيًا: تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ:

11- الْفُقَهَاءُ عَدَا الْحَنَفِيَّةَ لَا يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ- وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ- لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، إِذْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ.

وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ: لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِفَهُ أَوْ يُقْرِضَهُ، أَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ».وَلِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ فَفَسَدَ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَطَ الْقَرْضَ زَادَ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ وَرِبْحًا لَهُ، وَذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ، فَفَسَدَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ تَرَكَ أَحَدَهُمَا.

وَفِي بَابِ الرَّهْنِ قَالَ: لَوْ بَطَلَ الْعَقْدُ لَمَا عَادَ صَحِيحًا.

وَفِي شَرْحِ منتهى الإرادات: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ الْعَقْدُ إِذَا حُذِفَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهَا وَلَوْ حُذِفَ الشَّرْطُ، وَهِيَ:

أ- مَنِ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ مَاتَ فَالثَّمَنُ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الشَّرْطَ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ: إِنْ مَاتَ فَلَا يُطَالِبُ الْبَائِعُ وَرَثَتَهُ بِالثَّمَنِ.

ب- شَرْطُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ، فَيَلْزَمُ فَسْخُهُ وَإِنْ أَسْقَطَ لِجَوَازِ كَوْنِ إِسْقَاطِهِ أَخْذًا بِهِ.

ج- مَنْ بَاعَ أَمَةً وَشَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ عَلَيْهِ دِينَارٌ مَثَلًا، فَيُفْسَخُ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ لِأَنَّهُ يَمِينٌ.

د- شَرْطُ الثُّنْيَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ.

وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطًا خَامِسًا وَهُوَ:

هـ- شَرْطُ النَّقْدِ (أَيْ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ) فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَسْقَطَ شَرْطَ النَّقْدِ فَلَا يَصِحُّ.

وَفِي الْإِجَارَةِ جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ إِنْ لَمْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ، فَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ صَحَّتْ.

وَيُوَضِّحُ ابْنُ رُشْدٍ سَبَبَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ أَوْ عَدَمِ صِحَّتِهِ.فَيَقُولُ: هَلْ إِذَا لَحِقَ الْفَسَادُ بِالْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْطِ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ إِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ، أَوْ لَا يَرْتَفِعُ؟ كَمَا لَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اللاَّحِقُ لِلْبَيْعِ الْحَلَالِ مِنْ أَجْلِ اقْتِرَانِ الْمُحَرَّمِ الْعَيْنَ بِهِ، كَمَنْ بَاعَ غُلَامًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقِّ خَمْرٍ، فَلَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ قَالَ: أَدَّعِ الزِّقَّ.وَهَذَا الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِإِجْمَاعٍ.

وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ.هُوَ: هَلْ هَذَا الْفَسَادُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُ مَعْقُولٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، لَمْ يَرْتَفِعِ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ.وَإِنْ قُلْنَا: مَعْقُولٌ، ارْتَفَعَ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ.

فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولًا، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ، وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ هُوَ أَكْثَرُ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلًا، وَإِنْ تُرِكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَارْتَفَعَ الْغَرَرُ.

12- وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ- خِلَافًا لِزُفَرَ- تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ دُونَ الْبَاطِلِ، وَيَقُولُونَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ: إِنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا، لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ، وَمَعَ الْبُطْلَانِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ، بَلْ كَانَ مَعْدُومًا.

وَعِنْدَ زُفَرَ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.

لَكِنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا.يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى الْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا بِأَنْ دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ- وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ- لَا يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا إِذَا بَاعَ عَبْدًا بأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.

وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بَلْ فِي شَرْطٍ جَائِزٍ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، أَوْ لَمْ يُذْكُرِ الْوَقْتُ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، فَإِذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ وَقَبْلَ فَسْخِهِ جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الْأَجَلِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ.

وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ فِي التَّسْلِيمِ إِذَا سَلَّمَ الْبَائِعَ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ- كَمَا إِذَا بَاعَ جِذْعًا لَهُ فِي سَقْفٍ، أَوْ آجُرًّا لَهُ فِي حَائِطٍ، أَوْ ذِرَاعًا فِي دِيبَاجٍ- أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِالنَّزْعِ وَالْقَطْعِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ هَذَا عَلَى التَّقْدِيرِ بَيْعُ مَا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ شَرْعًا، فَيَكُونُ فَاسِدًا.فَإِنْ نَزَعَهُ الْبَائِعُ أَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِذَا سَلَّمَ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، فَجَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ.

وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ طِبْقًا لِقَاعِدَةِ: إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي عَادَ الْحُكْمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ.وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الْأَرْضِ، وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ، وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ، فَإِذَا فَصَّلَهَا وَسَلَّمَهَا جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ: إِذَا رَهَنَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ، أَوْ بِدُونِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، أَوْ رَهَنَ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ بِدُونِ الْأَرْضِ، أَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِدُونِ الثَّمَرِ، أَوْ رَهَنَ الثَّمَرَ بِدُونِ الشَّجَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ.وَلَوْ جُذَّ الثَّمَرُ وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَسُلِّمَ مُنْفَصِلًا جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا آخَرَ:

13- هَذَا، وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إِذَا أَمْكَنَ تَحْوِيلُهُ إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ لِتَوَافُرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصِّحَّةُ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، أَمْ عَنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ نَظَرًا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَاعِدَةِ (هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا).وَنُوَضِّحُ ذَلِكَ بِالْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ:

14- فِي الْأَشْبَاهِ لِابْنِ نُجَيْمٍ: الِاعْتِبَارُ لِلْمَعْنَى لَا لِلْأَلْفَاظِ، صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا: الْكَفَالَةُ، فَهِيَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً، وَهِيَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَتِهِ كَفَالَةً.

وَفِي الِاخْتِيَارِ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِي التَّصَرُّفِ وَالدَّيْنِ وَالْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ..فَلَا تَنْعَقِدُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِذَا عَقَدَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ الْمُفَاوَضَةَ صَارَتْ عِنَانًا عِنْدَهُمَا، لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمُفَاوَضَةِ وَوُجُودِ شَرْطِ الْعِنَانِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فَاتَ مِنْ شَرَائِطِ الْمُفَاوَضَةِ يُجْعَلُ عِنَانًا إِذَا أَمْكَنَ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.

وَفِي الِاخْتِيَارِ أَيْضًا: عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ، إِنْ شُرِطَ فِيهِ الرِّبْحُ لِلْمُضَارِبِ فَهُوَ قَرْضٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ رِبْحٍ لَا يُمْلَكُ إِلاَّ بِمِلْكِ رَأْسِ الْمَالِ، فَلَمَّا شُرِطَ لَهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَقَدْ مَلَّكَهُ رَأْسَ الْمَالِ، وَإِنْ شُرِطَ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ كَانَ إِبْضَاعًا، وَهَذَا مَعْنَاهُ عُرْفًا وَشَرْعًا.

وَجَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: مَنْ أَحَالَ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَأَعْلَمَ الْمُحَالَ، صَحَّ عَقْدُ الْحَوَالَةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ تَصِحَّ، وَتَنْقَلِبُ حَمَالَةً أَيْ كَفَالَةً.

وَفِي أَشْبَاهِ السُّيُوطِيِّ: هَلِ الْعِبْرَةُ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ مَعَانِيهَا؟ خِلَافٌ.التَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ فِي الْفُرُوعِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: إِذَا قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا عَلَى أَلْفٍ.إِنْ قُلْنَا: بَيْعٌ فَسَدَ وَلَا تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَإِنْ قُلْنَا: عِتْقٌ بِعِوَضٍ، صَحَّ وَوَجَبَ الْمُسَمَّى.وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ إِقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَخَرَّجَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَالتَّخْرِيجُ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ: إِنِ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى فَإِقَالَةٌ.

ثَالِثًا- تَصْحِيحُ الْعِبَادَةِ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا مَا يُفْسِدُهَا:

15- مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَا لَا يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ أَوْ تَلَافِيهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَالْحَدَثِ وَالْجِمَاعِ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهَا، وَهِيَ تُعْتَبَرُ مِنْ مُفْسِدَاتِ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ.هَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي التَّفْصِيلِ فِيهَا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَبَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَالْجَهْلِ، وَمَا هُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ أَوْ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ.

فَإِذَا طَرَأَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَةِ فَفَسَدَتْ فِعْلًا- عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ مُفْسِدًا- فَلَا مَجَالَ لِتَصْحِيحِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَيَلْزَمُ إِعَادَتُهَا إِنِ اتَّسَعَ وَقْتُهَا، أَوْ قَضَاؤُهَا إِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (إِعَادَةٌ- قَضَاءٌ).

وَالْكَلَامُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَةِ مِمَّا يُعْتَبَرُ مِنَ الْمُفْسِدَاتِ مَعَ إِمْكَانِ إِزَالَةِ الْمُفْسِدِ أَوْ تَلَافِيهِ لِتَصِحَّ الْعِبَادَةُ، مِثْلُ طُرُوءِ النَّجَاسَةِ أَوْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ.

وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى: أَنَّهُ إِذَا طَرَأَ عَلَى الْعِبَادَةِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُفْسِدَهَا لَوِ اسْتَمَرَّ وَأَمْكَنَ تَلَافِيهِ وَإِزَالَتُهُ وَجَبَ فِعْلُ ذَلِكَ لِتَصْحِيحِ الْعِبَادَةِ.

وَنَظَرًا لِتَعَذُّرِ حَصْرِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِكَثْرَةِ فُرُوعِهَا فِي أَبْوَابِ الْعِبَادَةِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَيُكْتَفَى بِذِكْرِ بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي تُوَضِّحُ ذَلِكَ:

16- مَنِ اجْتَهَدَ فِي مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ، وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إِلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهَا، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، وَبَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ يَقِينٍ فَإِنَّهُ يَسْتَدِيرُ إِلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا بَلَغَهُمْ نَسْخُ الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ اسْتَدَارُوا إِلَيْهَا، وَاسْتَحْسَنَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِعْلَ أَهْلِ قُبَاءَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (اسْتِقْبَالٌ- قِبْلَةٌ- صَلَاةٌ).

17- مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ- وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ- فَأَزَالَهَا سَرِيعًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَلَاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟.قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا.فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا».

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (نَجَاسَةٌ- صَلَاةٌ).

18- مَنِ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ- بِأَنْ أَطَارَتِ الرِّيحُ سُتْرَتَهُ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ- فَإِنْ أَعَادَهَا سَرِيعًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ.

وَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا لِعَدَمِ وُجُودِ سُتْرَةٍ، ثُمَّ وَجَدَ سُتْرَةً قَرِيبَةً مِنْهُ سَتَرَ بِهَا مَا وَجَبَ سَتْرُهُ، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ، قِيَاسًا عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ لَمَّا عَلِمُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إِلَيْهَا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (عَوْرَةٌ- صَلَاةٌ).

19- إِنْ خَفَّ فِي الصَّلَاةِ مَعْذُورٌ بِعُذْرٍ مُسَوِّغٍ لِلِاسْتِنَادِ أَوِ الْجُلُوسِ أَوِ الِاضْطِجَاعِ انْتَقَلَ لِلْأَعْلَى، كَمُسْتَنِدٍ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، وَجَالِسٍ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ انْتَقَلَ وُجُوبًا، فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (عُذْرٌ- صَلَاةٌ).

20- مَنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِهِ بِنَجَسٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ طَرَحَهُ أَوْ غَسَلَهُمَا، وَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَوَافِهِ إِنْ لَمْ يُطِلْ، وَإِلاَّ بَطَلَ طَوَافُهُ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (طَوَافٌ).

21- هَذَا، وَمِنْ تَصْحِيحِ الْعِبَادَةِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَاعِدَةِ: بُطْلَانُ الْخُصُوصِ لَا يُبْطِلُ الْعُمُومَ.

جَاءَ فِي الْمَنْثُورِ: لَوْ تَحَرَّمَ بِالْفَرْضِ مُنْفَرِدًا فَحَضَرَتْ جَمَاعَةٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَحْبَبْتُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَتَكُونُ نَافِلَةً، وَيُصَلِّي الْفَرْضَ، فَصَحَّحَ النَّفَلَ مَعَ إِبْطَالِ الْفَرْضِ.

وَإِذَا تَحَرَّمَ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا ظَانًّا دُخُولَهُ بَطَلَ خُصُوصُ كَوْنِهَا ظُهْرًا، وَيَبْقَى عُمُومُ كَوْنِهَا نَفْلًا فِي الْأَصَحِّ.

وَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ فَفِي انْعِقَادِهِ عُمْرَةً قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ.وَحَكَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَ: لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، فَإِذَا عَقَدَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا انْعَقَدَ غَيْرُهَا مِنْ جِنْسِهَا، كَصَلَاةِ الظُّهْرِ إِذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ، فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِالنَّفْلِ.

22- وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَكَادُ تَكُونُ مُطَّرِدَةً فِي بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي شَرْحِ منتهى الإرادات: مَنْ أَتَى بِمَا يُفْسِدُ الْفَرْضَ فِي الصَّلَاةِ- كَتَرْكِ الْقِيَامِ بِلَا عُذْرٍ- انْقَلَبَ فَرْضُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ كَقَطْعِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، فَتَبْقَى نِيَّةُ الصَّلَاةِ.وَيَنْقَلِبُ نَفْلًا كَذَلِكَ مَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ النَّفَلَ.

23- وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ: لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ.

جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ: مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَهِيَ فَاسِدَةٌ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّرْتِيبِ.

وَإِذَا فَسَدَتِ الْفَرْضِيَّةُ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ عُقِدَتْ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ.

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ: حُكْمُ الْمُعَجَّلِ مِنَ الزَّكَاةِ، إِذَا لَمْ يَقَعْ زَكَاةً أَنَّهُ إِنْ وَصَلَ إِلَى يَدِ الْفَقِيرِ يَكُونُ تَطَوُّعًا، سَوَاءٌ وَصَلَ إِلَى يَدِهِ مِنْ يَدِ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ مِنْ يَدِ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ وَهُوَ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ أَصْلُ الْقُرْبَةِ، وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَا يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ فِيهَا بَعْدَ وُصُولِهَا إِلَى يَدِ الْفَقِيرِ.

رَابِعًا- تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ فِي الْمِيرَاثِ:

24- تَصْحِيحُ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ: أَنْ تُؤْخَذَ السِّهَامُ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ الْكَسْرُ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِدُونِ الضَّرْبِ- كَمَا فِي صُورَةِ الِاسْتِقَامَةِ- أَوْ بَعْدَ ضَرْبِ بَعْضِ الرُّءُوسِ- كَمَا فِي صُورَةِ الْمُوَافَقَةِ- أَوْ فِي كُلِّ الرُّءُوسِ- كَمَا فِي صُورَةِ الْمُبَايَنَةِ.

مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْفَرْضِيَّةِ:

25- لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْفَرْضِيَّةِ قَوَاعِدُ يُكْتَفَى مِنْهَا بِمَا أَوْرَدَهُ عَنْهَا شَارِحُ السِّرَاجِيَّةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى سَبْعَةِ أُصُولٍ:

ثَلَاثَةٍ مِنْهَا بَيْنَ السِّهَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَخَارِجِهَا وَبَيْنَ الرُّءُوسِ مِنَ الْوَرَثَةِ.وَأَرْبَعَةٍ مِنْهَا بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ.

أَمَّا الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ:

26- فَأَحَدُهَا: إِنْ كَانَتْ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنَ الْوَرَثَةِ مُنْقَسِمَةً عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الضَّرْبِ، كَأَبَوَيْنِ وَبِنْتَيْنِ.فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ حِينَئِذٍ مِنْ سِتَّةٍ، فَلِكُلٍّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ سُدُسُهَا وَهُوَ وَاحِدٌ، وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَعْنِي أَرْبَعَةً، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا اثْنَانِ، فَاسْتَقَامَتِ السِّهَامُ عَلَى رُءُوسِ الْوَرَثَةِ بِلَا انْكِسَارٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّصْحِيحِ، إِذِ التَّصْحِيحُ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا انْكَسَرَتِ السِّهَامُ بِقِسْمَتِهَا عَلَى الرُّءُوسِ.

27- وَالثَّانِي مِنَ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ:

أَنْ يَكُونَ الْكَسْرُ عَلَى طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنْ بَيْنَ سِهَامِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ مُوَافَقَةً بِكَسْرٍ مِنَ الْكُسُورِ، فَيُضْرَبُ وَفْقَ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ- أَيْ عَدَدِ رُءُوسِ مَنِ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمُ السِّهَامُ، وَهُمْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ الْوَاحِدَةُ- فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَائِلَةً، وَفِي أَصْلِهَا وَعَوْلِهَا مَعًا إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً، كَأَبَوَيْنِ وَعَشْرِ بَنَاتٍ، أَوْ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَسِتِّ بَنَاتٍ.

فَالْأَوَّلُ: مِثَالُ مَا لَيْسَ فِيهَا عَوْلٌ.إِذْ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ.السُّدُسَانِ وَهُمَا اثْنَانِ لِلْأَبَوَيْنِ وَيَسْتَقِيمَانِ عَلَيْهِمَا، وَالثُّلُثَانِ وَهُمَا أَرْبَعَةٌ لِلْبَنَاتِ الْعَشَرَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ، لَكِنْ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالْعَشَرَةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ، فَإِنَّ الْعَدَدَ الْعَادَّ لَهُمَا هُوَ الِاثْنَانِ، فَرَدَدْنَا عَدَدَ الرُّءُوسِ أَعْنِي الْعَشَرَةَ إِلَى نِصْفِهَا وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَضَرَبْنَاهَا فِي السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ ثَلَاثِينَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ.

إِذْ قَدْ كَانَ لِلْأَبَوَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سَهْمَانِ، وَقَدْ ضَرَبْنَاهُمَا فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ خَمْسَةٌ فَصَارَ عَشْرَةً، لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةٌ، وَكَانَ لِلْبَنَاتِ الْعَشْرِ، مِنْهُ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ ضَرَبْنَاهَا أَيْضًا فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ عِشْرِينَ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اثْنَانِ.

وَالثَّانِي: مِثَالُ مَا فِيهَا عَوْلٌ.فَإِنَّ أَصْلَهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِاجْتِمَاعِ الرُّبُعِ وَالسُّدُسَيْنِ وَالثُّلُثَيْنِ.فَلِلزَّوْجِ رُبُعُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبَوَيْنِ سُدُسَاهَا وَهُمَا أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبَنَاتِ السِّتِّ ثُلُثَاهَا وَهُمَا ثَمَانِيَةٌ.فَقَدْ عَالَتِ الْمَسْأَلَةُ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَانْكَسَرَتْ سِهَامُ الْبَنَاتِ- أَعْنِي الثَّمَانِيَةَ- عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ فَقَطْ.لَكِنْ بَيْنَ عَدَدِ السِّهَامِ وَعَدَدِ الرُّءُوسِ تَوَافُقٌ بِالنِّصْفِ، فَرَدَدْنَا عَدَدَ رُءُوسِهِنَّ إِلَى نِصْفِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ ضَرَبْنَاهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَوْلِهَا وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَحَصَلَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، فَاسْتَقَامَتْ مِنْهَا الْمَسْأَلَةُ.

إِذْ قَدْ كَانَ لِلزَّوْجِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ،

وَقَدْ ضَرَبْنَاهَا فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ ثَلَاثَةٌ فَصَارَ تِسْعَةً فَهِيَ لَهُ، وَكَانَ لِلْأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ ضَرَبْنَاهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَصَارَ اثْنَيْ عَشَرَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا سِتَّةٌ، وَكَانَ لِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ فَضَرَبْنَاهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَحَصَلَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةٌ.

28- وَالثَّالِثُ مِنَ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ:

أَنْ تَنْكَسِرَ السِّهَامُ أَيْضًا عَلَى طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ سِهَامِهِمْ وَعَدَدِ رُءُوسِهِمْ مُوَافَقَةً، بَلْ مُبَايَنَةً، فَيُضْرَبُ حِينَئِذٍ عَدَدُ رُءُوسِ مَنِ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمُ السِّهَامُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَائِلَةً، وَفِي أَصْلِهَا مَعَ عَوْلِهَا إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً، كَزَوْجٍ وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِتَّةٍ: النِّصْفُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ، وَالثُّلُثَانِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ لِلْأَخَوَاتِ، فَقَدْ عَالَتْ إِلَى سَبْعَةٍ، وَانْكَسَرَتْ سِهَامُ الْأَخَوَاتِ فَقَطْ عَلَيْهِنَّ، وَبَيْنَ عَدَدِ سِهَامِهِنَّ وَعَدَدِ رُءُوسِهِنَّ مُبَايَنَةً، فَضَرَبْنَا عَدَدَ رُءُوسِهِنَّ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَوْلِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ، فَصَارَ الْحَاصِلُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ.

وَقَدْ كَانَ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَقَدْ ضَرَبْنَاهَا فِي الْمَضْرُوبِ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ لَهُ، وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ الْخَمْسِ أَرْبَعَةٌ، وَقَدْ ضَرَبْنَاهَا أَيْضًا فِي خَمْسَةٍ فَصَارَ عِشْرِينَ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةٌ.

وَمِثَالُ غَيْرِ الْمَسَائِلِ الْعَائِلَةِ: زَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَثَلَاثُ أَخَوَاتٍ لأُِمٍّ.فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ مِنْهَا نِصْفُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْجَدَّةِ سُدُسُهَا وَهُوَ وَاحِدٌ، وَلِلْأَخَوَاتِ لأُِمٍّ ثُلُثُهَا وَهُوَ اثْنَانِ، وَلَا يَسْتَقِيمَانِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ، بَلْ بَيْنَهُمَا تَبَايُنُ، فَضَرَبْنَا عَدَدَ رُءُوسِ الْأَخَوَاتِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْهَا.

وَقَدْ كَانَ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ فَضَرَبْنَاهَا فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ ثَلَاثَةٌ فَصَارَ تِسْعَةً، وَضَرَبْنَا نَصِيبَ الْجَدَّةِ فِي الْمَضْرُوبِ أَيْضًا فَكَانَ ثَلَاثَةً، وَضَرَبْنَا نَصِيبَ الْأَخَوَاتِ لأُِمٍّ فِي الْمَضْرُوبِ فَصَارَ سِتَّةً، فَأَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اثْنَيْنِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مَتَى كَانَتِ الطَّائِفَةُ الْمُنْكَسِرَةُ عَلَيْهِمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا- مِمَّنْ يَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كَالْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ- يَنْبَغِي أَنْ يُضَعَّفَ عَدَدُ الذُّكُورِ، وَيُضَمَّ إِلَى عَدَدِ الْإِنَاثِ، ثُمَّ تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ، كَزَوْجٍ وَابْنٍ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ.أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ: لِلزَّوْجِ سَهْمٌ عَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ، وَالْبَاقِي ثَلَاثَةٌ، لِلْأَوْلَادِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَيُجْعَلُ عَدَدُ رُءُوسِهِمْ خَمْسَةً بِأَنْ يُنَزَّلَ الِابْنُ مَنْزِلَةَ بِنْتَيْنِ، وَلَا تَسْتَقِيمُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ، فَتُضْرَبُ الْخَمْسَةُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَتَبْلُغُ عِشْرِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ.

وَأَمَّا الْأُصُولُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي بَيْنَ الرُّءُوسِ وَالرُّءُوسِ:

29- فَأَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ انْكِسَارُ السِّهَامِ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْوَرَثَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَكِنْ بَيْنَ أَعْدَادِ رُءُوسِ مَنِ انْكَسَرَ عَلَيْهِمْ مُمَاثَلَةٌ، فَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُضْرَبَ أَحَدُ الْأَعْدَادِ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَحْصُلُ مَا تَصِحُّ بِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الْفِرَقِ.مِثْلُ: سِتُّ بَنَاتٍ، وَثَلَاثُ جَدَّاتٍ: أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِ أَبٍ مَثَلًا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُوَرِّثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ، وَثَلَاثَةِ أَعْمَامٍ.الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ: لِلْبَنَاتِ السِّتِّ الثُّلُثَانِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ، لَكِنْ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَعَدَدِ رُءُوسِهِنَّ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ، فَأَخَذْنَا نِصْفَ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ.وَلِلْجَدَّاتِ الثَّلَاثِ السُّدُسُ وَهُوَ وَاحِدٌ، فَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَعَدَدِ رُءُوسِهِنَّ، فَأَخَذْنَا جَمِيعَ عَدَدِ رُءُوسِهِنَّ وَهُوَ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ.وَلِلْأَعْمَامِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِي وَهُوَ وَاحِدٌ أَيْضًا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ مُبَايَنَةٌ، فَأَخَذْنَا جَمِيعَ عَدَدِ رُءُوسِهِمْ.ثُمَّ نَسَبْنَا هَذِهِ الْأَعْدَادَ الْمَأْخُوذَةَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ فَوَجَدْنَاهَا مُتَمَاثِلَةً، فَضَرَبْنَا أَحَدَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ- أَعْنِي السِّتَّةَ- فَصَارَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَمِنْهَا تَسْتَقِيمُ الْمَسْأَلَةُ.وَكَانَ لِلْبَنَاتِ أَرْبَعَةُ سِهَامٍ ضَرَبْنَاهَا فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ ثَلَاثَةٌ، فَصَارَ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اثْنَانِ.وَلِلْجَدَّاتِ سَهْمٌ وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهُ أَيْضًا فِي ثَلَاثَةٍ فَكَانَ ثَلَاثَةً، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدٌ.وَلِلْأَعْمَامِ وَاحِدٌ أَيْضًا ضَرَبْنَاهُ أَيْضًا فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ سَهْمًا وَاحِدًا.

وَلَوْ فَرَضْنَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ عَمًّا وَاحِدًا بَدَلَ الْأَعْمَامِ الثَّلَاثَةِ، كَانَ الِانْكِسَارُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ فَقَطْ، وَكَانَ وَفْقُ عَدَدِ رُءُوسِ الْبَنَاتِ مُمَاثِلًا لِعَدَدِ رُءُوسِ الْجَدَّاتِ، إِذْ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ، فَيُضْرَبُ الثَّلَاثَةُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَصِيرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَتَصِحُّ السِّهَامُ عَلَى الْكُلِّ كَمَا مَرَّ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


20-موسوعة الفقه الكويتية (تصوير 1)

تَصْوِيرٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- التَّصْوِيرُ لُغَةً: صُنْعُ الصُّورَةِ.وَصُورَةُ الشَّيْءِ هِيَ هَيْئَتُهُ الْخَاصَّةُ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ.وَفِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْمُصَوِّرُ، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي صَوَّرَ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ وَرَتَّبَهَا، فَأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا صُورَتَهُ الْخَاصَّةَ وَهَيْئَتَهُ الْمُفْرَدَةَ، عَلَى اخْتِلَافِهَا وَكَثْرَتِهَا.

وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ تَسْمِيَةُ الْوَجْهِ صُورَةً، قَالَ- رضي الله عنه-: «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تُضْرَبَ الصُّورَةُ، أَوْ نَهَى عَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ» أَيْ: أَنْ يُضْرَبَ الْوَجْهُ أَوْ يُوسَمَ الْحَيَوَانُ فِي وَجْهِهِ.

وَالتَّصْوِيرُ أَيْضًا: ذِكْرُ صُورَةِ الشَّيْءِ، أَيْ: صِفَتُهُ، يُقَالُ: صَوَّرْتُ لِفُلَانٍ الْأَمْرَ، أَيْ: وَصَفْتُهُ لَهُ.

وَالتَّصْوِيرُ أَيْضًا: صُنْعُ الصُّورَةِ الَّتِي هِيَ تِمْثَالُ الشَّيْءِ، أَيْ: مَا يُمَاثِلُ الشَّيْءَ وَيَحْكِي هَيْئَتَهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصُّورَةُ مُجَسَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُجَسَّمَةٍ، أَوْ كَمَا يُعَبِّرُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: ذَاتُ ظِلٍّ أَوْ غَيْرُ ذَاتِ ظِلٍّ.

وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الْمُجَسَّمَةِ أَوْ ذَاتُ الظِّلِّ مَا كَانَتْ ذَاتَ ثَلَاثَةِ أَبْعَادٍ، أَيْ لَهَا حَجْمٌ، بِحَيْثُ تَكُونُ أَعْضَاؤُهَا نَافِرَةً يُمْكِنُ أَنْ تَتَمَيَّزَ بِاللَّمْسِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى تَمَيُّزِهَا بِالنَّظَرِ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْمُجَسَّمَةِ، أَوِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ، فَهِيَ الْمُسَطَّحَةُ، أَوْ ذَاتُ الْبُعْدَيْنِ، وَتَتَمَيَّزُ أَعْضَاؤُهَا بِالنَّظَرِ فَقَطْ، دُونَ اللَّمْسِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نَافِرَةً، كَالصُّوَرِ الَّتِي عَلَى الْوَرَقِ، أَوِ الْقُمَاشِ، أَوِ السُّطُوحِ الْمَلْسَاءِ.

وَالتَّصْوِيرُ وَالصُّورَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يَجْرِي عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ.

وَقَدْ تُسَمَّى الصُّورَةُ تَصْوِيرَةً، وَجَمْعُهَا تَصَاوِيرُ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي شَأْنِ السَّتْرِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي».

أَنْوَاعُ الصُّوَرِ:

2- إِنَّ الصُّورَةَ- بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصُّوَرِ الثَّابِتَةِ- قَدْ تَكُونُ صُورَةً مُؤَقَّتَةً كَصُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْمِرْآةِ، وَصُورَتُهُ فِي الْمَاءِ وَالسُّطُوحِ اللاَّمِعَةِ، فَإِنَّهَا تَدُومُ مَا دَامَ الشَّيْءُ مُقَابِلًا لِلسَّطْحِ، فَإِنِ انْتَقَلَ الشَّيْءُ عَنِ الْمُقَابَلَةِ انْتَهَتْ صُورَتُهُ.

وَمِنَ الصُّوَرِ غَيْرِ الدَّائِمَةِ: ظِلُّ الشَّيْءِ إِذَا قَابَلَ أَحَدَ مَصَادِرِ الضَّوْءِ.وَمِنْهُ مَا كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي بَعْضِ الْعُصُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَيُسَمُّونَهُ: صُوَرَ الْخَيَالِ، أَوْ صُوَرَ خَيَالِ الظِّلِّ.فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقْطَعُونَ مِنَ الْوَرَقِ صُوَرًا لِلْأَشْخَاصِ، ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا بِعِصِيٍّ صَغِيرَةٍ، وَيُحَرِّكُونَهَا أَمَامَ السِّرَاجِ، فَتَنْطَبِعُ ظِلَالُهَا عَلَى شَاشَةٍ بَيْضَاءِ يَقِف خَلْفَهَا الْمُتَفَرِّجُونَ، فَيَرَوْنَ مَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ صُورَةُ الصُّورَةِ.

وَمِنَ الصُّوَرِ غَيْرِ الدَّائِمَةِ: الصُّوَرُ التِّلِيفِزْيُونِيّة، فَإِنَّهَا تَدُومُ مَا دَامَ الشَّرِيطُ مُتَحَرِّكًا فَإِذَا وَقَفَ انْتَهَتِ الصُّورَةُ.

3- ثُمَّ إِنَّ الصُّورَةَ قَدْ تَكُونُ لِشَيْءٍ حَيٍّ عَاقِلٍ ذِي رُوحٍ، كَصُورَةِ الْإِنْسَانِ.أَوْ غَيْرِ عَاقِلٍ، كَصُورَةِ الطَّائِرِ أَوِ الْأَسَدِ.أَوْ لِحَيٍّ غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَصُوَرِ الْأَشْجَارِ وَالزُّهُورِ وَالْأَعْشَابِ.أَوْ لِلْجَمَادَاتِ كَصُوَرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْجِبَالِ، أَوْ صُوَرِ الْمَصْنُوعَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَصُورَةِ مَنْزِلٍ أَوْ سَيَّارَةٍ أَوْ مَنَارَةٍ أَوْ سَفِينَةٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّمَاثِيلُ:

4- التَّمَاثِيلُ جَمْعُ تِمْثَالٍ «بِكَسْرِ التَّاءِ» وَتِمْثَالُ الشَّيْءِ: صُورَتُهُ فِي شَيْءٍ آخَرَ.وَهُوَ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.وَالتَّمْثِيلُ: التَّصْوِيرُ.يُقَالُ: مَثَّلَ لَهُ الشَّيْءَ إِذَا صَوَّرَهُ لَهُ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَمَثَّلْتَ لَهُ كَذَا: إِذَا صَوَّرْتَ لَهُ مِثَالَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا مُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ» أَيْ مُصَوِّرٌ.وَظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ تِمْثَالُهُ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ التِّمْثَالِ وَبَيْنَ الصُّورَةِ: أَنَّ صُورَةَ الشَّيْءِ قَدْ يُرَادُ بِهَا الشَّيْءُ نَفْسُهُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا يَحْكِي هَيْئَةَ الْأَصْلِ، أَمَّا التِّمْثَالُ فَهُوَ الصُّورَةُ الَّتِي تَحْكِي الشَّيْءَ وَتُمَاثِلُهُ، وَلَا يُقَالُ لِصُورَةِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ: إِنَّهَا تِمْثَالُهُ.

5- وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ التِّمْثَالَ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ يُسْتَعْمَلُ لِصُوَرِ الْجَمَادَاتِ مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ يَأْتِي وَمَعَهُ تِمْثَالُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

أَمَّا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّهُ بِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِمْ تَبَيَّنَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ لَفْظَيِ (الصُّورَةِ) (وَالتِّمْثَالِ)، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَصَّ التِّمْثَالَ بِصُورَةِ مَا كَانَ ذَا رُوحٍ، أَيْ صُورَةِ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُجَسَّمًا أَوْ مُسَطَّحًا، دُونَ صُورَةِ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ بَيْتٍ، وَأَمَّا الصُّورَةُ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْمُغْرِبِ.

وَهَذَا الْبَحْثُ جَارٍ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْأَغْلَبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي تَحْكِي الشَّيْءَ، وَالتِّمْثَالَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

ب- الرَّسْمُ:

6- الرَّسْمُ فِي اللُّغَةِ: أَثَرُ الشَّيْءِ.وَقِيلَ: بَقِيَّةُ الْأَثَرِ.وَأَثَرُ الشَّيْءِ قَدْ يُشَاكِلُهُ فِي الْهَيْئَةِ.وَمِنْ هُنَا سَمَّوْا «الرَّوْسَمَ»، وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي فِيهَا نُقُوشٌ يُخْتَمُ بِهَا الْأَشْيَاءُ الْمُرَادُ بَقَاؤُهَا مُخْفَاةً، لِئَلاَّ تُسْتَعْمَلَ.وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: «الرَّوْسَمُ الطَّابَعُ».وَمِنْهُ «الْمَرْسُومُ» لِأَنَّهُ يُخْتَمُ بِخَاتَمٍ.وَالرَّسْمُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمُعَاصِرِ بِمَعْنَى: الصُّورَةُ الْمُسَطَّحَةُ، أَوِ التَّصْوِيرُ الْمُسَطَّحُ، إِذَا كَانَ مَعْمُولًا بِالْيَدِ.وَلَا تُسَمَّى الصُّورَةُ الْفُوتُوغْرَافِيَّةُ رَسْمًا.بَلْ يُقَالُ: رَسَمْتُ دَارًا، أَوْ إِنْسَانًا، أَوْ شَجَرَةً.

ج- التَّزْوِيقُ، وَالنَّقْشُ، وَالْوَشْيُ، وَالرَّقْمُ:

7- هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْأَرْبَعُ تَكَادُ تَكُونُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ تَجْمِيلُ الشَّيْءِ الْمُسَطَّحِ أَوْ غَيْرِ الْمُسَطَّحِ بِإِضَافَةِ أَشْكَالٍ تَجْمِيلِيَّةٍ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَشْكَالًا هَنْدَسِيَّةً أَوْ نَمْنَمَاتٍ أَوْ صُوَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.قَالَ صَاحِبُ اللِّسَانِ: ثَوْبٌ مُنَمْنَمٌ أَيْ: مَوْقُومٌ مُوَشًّى، وَقَالَ: النَّقْشُ: النَّمْنَمَةُ.فَكُلٌّ مِنْهَا يَكُونُ بِالصُّوَرِ أَوْ بِغَيْرِهَا.

د- النَّحْتُ:

8- النَّحْتُ: الْأَخْذُ مِنْ كُتْلَةٍ صُلْبَةٍ كَالْحَجَرِ أَوِ الْخَشَبِ بِأَدَاةٍ حَادَّةِ كَالْإِزْمِيلِ أَوِ السِّكِّينِ، حَتَّى يَكُونَ مَا يَبْقَى مِنْهَا عَلَى الشَّكْلِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ كَانَ مَا بَقِيَ يُمَثِّلُ شَيْئًا آخَرَ فَهُوَ تِمْثَالٌ أَوْ صُورَةٌ، وَإِلاَّ فَلَا

تَرْتِيبُ هَذَا الْبَحْثِ:

9- يَحْتَوِي هَذَا الْبَحْثُ عَلَى مَا يَلِي:

أَوَّلًا: مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الْأَحْكَامِ بِالصُّورَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

ثَانِيًا: أَحْكَامُ التَّصْوِيرِ، أَيْ: صِنَاعَةُ الصُّوَرِ.

ثَالِثًا: أَحْكَامُ اقْتِنَاءِ الصُّوَرِ، أَيِ: اتِّخَاذُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا.

رَابِعًا: أَحْكَامُ الصُّوَرِ مِنْ حَيْثُ التَّعَامُلُ وَالتَّعَرُّفُ فِيهَا.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الْأَحْكَامِ بِالصُّورَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ:

10- يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِتَجْمِيلِ صُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى اعْتِنَائِهِ بِتَكْمِيلِ صُورَتِهِ الْبَاطِنَةِ، وَيَقُومُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِشُكْرِهِ عَلَى أَنَّهُ جَمَّلَ صُورَتَهُ.وَالْعِنَايَةُ بِالصُّورَةِ الْبَاطِنَةِ تَكُونُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّطَهُّرِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالشُّكْرِ لِلَّهِ، وَالتَّجَمُّلِ بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ.

وَالْعِنَايَةُ بِالصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ تَكُونُ بِالتَّطَهُّرِ بِالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَالتَّنَظُّفِ وَإِزَالَةِ التَّفَثِ، وَالتَّزَيُّنِ بِالزِّينَةِ الْمَشْرُوعَةِ مِنَ الْعِنَايَةِ بِالشَّعْرِ وَالْمَلَابِسِ الْحَسَنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، (ر: زِينَةٌ).

11- وَلَا يَحِلُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُشَوِّهَ جِسْمَهُ بِإِتْلَافِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَوْ إِخْرَاجِهِ عَنْ وَضْعِهِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ.كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ، إِلاَّ حَيْثُ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ». (ر: مُثْلَةٌ).

كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ تَشْوِيَهُ نَفْسِهِ بِلُبْسِ مَا يَنْفِرُ النَّاسُ مِنْهُ وَيُخْرِجَهُ عَنِ الْمُعْتَادِ (ر: أَلْبِسَةٌ).

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» أَيْ: فِي إِحْدَى قَدَمَيْهِ دُونَ الْأُخْرَى.وَشُرِعَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَتَعَطَّرَ.وَلِلْمَرْأَةِ زِينَتُهَا الْخَاصَّةُ.وَرَاجِعْ مَبَاحِثَ (اكْتِحَالٌ.اخْتِضَابٌ.حُلِيٌّ، إِلَخْ).

12- أَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْجَمَالُ الْبَاطِنُ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ اللَّهِ مِنْ عَبْدِهِ وَمَوْضِعُ مَحَبَّتِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».وَهَذَا الْجَمَالُ الْبَاطِنُ يُزَيِّنُ الصُّورَةَ الظَّاهِرَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ جَمَالٍ، فَتَكْسُو صَاحِبَهَا مِنَ الْجَمَالِ وَالْمَهَابَةِ وَالْحَلَاوَةِ بِحَسَبِ مَا اكْتَسَبَتْ رُوحُهُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ.فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يُعْطَى مَهَابَةً وَحَلَاوَةً بِحَسَبِ إِيمَانِهِ، فَمَنْ رَآهُ هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُودٌ بِالْعِيَانِ.فَإِنَّكَ تَرَى الرَّجُلَ الصَّالِحَ ذَا الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ مِنْ أَحْلَى النَّاسِ صُورَةً، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَمِيلٍ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُزِقَ حَظًّا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا تُنَوِّرُ الْوَجْهَ.

قَالَ: وَأَمَّا الْجَمَالُ الظَّاهِرُ فَزِينَةٌ خَصَّ اللَّهُ بِهَا بَعْضَ الصُّوَرِ عَنْ بَعْضٍ، وَهِيَ مِنْ زِيَادَةِ الْخَلْقِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ الصَّوْتُ الْحَسَنُ وَالصُّورَةُ الْحَسَنَةُ.وَالْقُلُوبُ مَطْبُوعَةٌ عَلَى مَحَبَّتِهِ، كَمَا هِيَ مَفْطُورَةٌ عَلَى اسْتِحْسَانِهِ.

قَالَ: وَكُلٌّ مِنَ الْجَمَالِ الظَّاهِرِ وَالْجَمَالِ الْبَاطِنِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تُوجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شُكْرًا بِالتَّقْوَى وَالصِّيَانَةِ، وَبِهِمَا يَزْدَادُ جَمَالًا عَلَى جَمَالِهِ.وَإِنِ اسْتَعْمَلَ جَمَالَهُ فِي مَعَاصِي اللَّهِ قَلَبَ اللَّهُ مَحَاسِنَهُ شَيْنًا وَقُبْحًا.وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو النَّاسَ إِلَى جَمَالِ الْبَاطِنِ بِجَمَالِ الظَّاهِرِ، «قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ- رضي الله عنه-: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَنْتَ امْرُؤٌ حَسَّنَ اللَّهُ خَلْقَكَ، فَحَسِّنْ خُلُقَكَ».وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَجْمَلَ الْخَلْقِ وَأَحْسَنَهُمْ وَجْهًا.وَقَدْ سُئِلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ السَّيْفِ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ.

وَكَانَ- صلى الله عليه وسلم- يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ الَّذِي يُرْسَلُ إِلَيْهِ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الِاسْمِ، فَكَانَ يَقُولُ: «إِذَا أَبْرَدْتُمْ إِلَيَّ بَرِيدًا فَاجْعَلُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الِاسْمِ» وَقَدْ أَمْتَعَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ بِحُسْنِ الصُّوَرِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى أَثَرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً.صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ».

الْقِسْمُ الثَّانِي: حُكْمُ التَّصْوِيرِ (صِنَاعَةُ الصُّوَرِ)

أ- تَحْسِينُ صُورَةِ الشَّيْءِ الْمَصْنُوعِ:

13- يُسْتَحْسَنُ لِلصَّانِعِ إِذَا صَنَعَ شَيْئًا أَنْ يُحَسِّنَ صُورَةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، إِذْ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ إِتْقَانِ الْعَمَلِ وَإِحْسَانِهِ.وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَن كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} وَقَالَ: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ»...الْحَدِيثَ.

ب- تَصْوِيرُ الْمَصْنُوعَاتِ:

14- لَا بَأْسَ بِتَصْوِيرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَصْنَعُهَا الْبَشَرُ، كَصُورَةِ الْمَنْزِلِ وَالسَّيَّارَةِ وَالسَّفِينَةِ وَالْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُصَوِّرَهَا.

ج- صِنَاعَةُ تَصَاوِيرِ الْجَمَادَاتِ الْمَخْلُوقَةِ:

15- لَا بَأْسَ بِتَصْوِيرِ الْجَمَادَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى مَا خَلَقَهَا عَلَيْهِ- كَتَصْوِيرِ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْبِحَارِ، وَتَصْوِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالسَّمَاءِ وَالنُّجُومِ، دُونَ اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلاَّ مَنْ شَذَّ.غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْنِي جَوَازَ صِنَاعَةِ شَيْءٍ مِنْهَا إِذَا عُلِمَ أَنَّ الشَّخْصَ الْمَصْنُوعَةَ لَهُ يَعْبُدُ تِلْكَ الصُّورَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَذَلِكَ كَعُبَّادِ الشَّمْسِ أَوِ النُّجُومِ.أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ عَابِدِينَ.وَيُسْتَدَلُّ لِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي التَّصْوِيرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمَا يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا.

وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ وَجْهًا بِمَنْعِ تَصْوِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ؛ لِأَنَّ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ عَبَدَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَمْتَنِعُ تَصْوِيرُهُمَا لِذَلِكَ.وَوَجَّهَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي» فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فِيهِ رُوحٌ وَمَا لَا رُوحَ فِيهِ.غَيْرَ أَنَّ هَذَا مُؤَوَّلٌ وَخَاصٌّ بِمَا فِيهِ رُوحٌ كَمَا يَأْتِي.

د- تَصْوِيرُ النَّبَاتَاتِ وَالْأَشْجَارِ:

16- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ شَرْعًا بِتَصْوِيرِ الْأَعْشَابِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ النَّبَاتِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مُثْمِرَةً أَمْ لَا، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنَ التَّصَاوِيرِ.

وَلَمْ يُنْقَلْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ رَأَى تَحْرِيمَ تَصْوِيرِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ دُونَ الشَّجَرِ غَيْرِ الْمُثْمِرِ.قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُ مُجَاهِدٍ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَظُنُّ مُجَاهِدًا سَمِعَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَفِيهِ: «فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً وَلْيَخْلُقُوا شَعِيرَةً» فَإِنَّ فِي ذِكْرِ الذَّرَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِيهِ رُوحُ، وَفِي ذِكْرِ الشَّعِيرَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَنْبُتُ مِمَّا يُؤْكَلُ، وَأَمَّا مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَلَا يُثْمِرُ فَلَمْ تَقَعِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.

وَكَرَاهَةُ تَصْوِيرِ النَّبَاتَاتِ وَالْأَشْجَارِ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَالْمَذْهَبُ عَلَى خِلَافِهِ.

وَقَدِ احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» فَخُصَّ النَّهْيُ بِذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَلَيْسَ الشَّجَرُ مِنْهَا، وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ نَهَى الْمُصَوِّرَ عَنِ التَّصْوِيرِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَصَوِّرِ الشَّجَرَ وَمَا لَا رُوحَ فِيهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلِأَنَّ صُورَةَ الْحَيَوَانِ لَمَّا أُبِيحَتْ بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِهَا- لِأَنَّهَا لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ- دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ تَصْوِيرِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ أَصْلًا.بَلْ إِنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ جِبْرِيلَ- عليه السلام- قَالَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ فَلْيَقْطَعْ حَتَّى يَكُونَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ» فَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ فِي الْأَصْلِ لَا يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ بِتَصْوِيرِهَا.هَذَا مَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَصْوِيرُ الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ وَمَا لَا رُوحَ فِيهِ.

وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِنَّهَا ثَلَاثٌ، لَنْ يَلِجَ عَلَيْكَ مَلَكٌ مَا دَامَ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْهَا: كَلْبٌ، أَوْ جَنَابَةٌ، أَوْ صُورَةُ رُوحٍ».

هـ- تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ أَوِ الْإِنْسَانِ:

17- هَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّصْوِيرِ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَتَفْصِيلٌ يَتَبَيَّنُ فِيمَا يَلِي، وَإِلَى هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً يَنْصَرِفُ قَوْلُ مَنْ يُطْلِقُ تَحْرِيمَ التَّصْوِيرِ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا.

التَّصْوِيرُ فِي الدِّيَانَاتِ السَّابِقَةِ:

18- قَالَ مُجَاهِدٌ قوله تعالى فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ- عليه السلام- وَطَاعَةِ الْجِنِّ لَهُ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} قَالَ: كَانَتْ صُوَرًا مِنْ نُحَاسٍ.أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ.وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ مِنَ الزُّجَاجِ وَالْخَشَبِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي شَرِيعَتِهِمْ، وَكَانُوا يَعْمَلُونَ أَشْكَالَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْهُمْ عَلَى هَيْئَتِهِمْ فِي الْعِبَادَةِ لِيَتَعَبَّدُوا كَعِبَادَتِهِمْ.وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ حَرَامًا.وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ الْجَصَّاصُ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ- رضي الله عنهما- ذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أُولَئِكَ قَوْمٌ كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ.أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ».

قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا فِي شَرِيعَتِهِمْ مَا أَطْلَقَ عَلَى الَّذِي فَعَلَهُ أَنَّهُ شَرُّ الْخَلْقِ، هَكَذَا قَالَ.لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ ذَمَّهُمْ لِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ، وَلِجَعْلِهِمُ الصُّوَرَ فِي الْمَسَاجِدِ، لَا لِمُطْلَقِ التَّصْوِيرِ، لِيُوَافِقَ الْآيَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

تَصْوِيرُ صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ:

19- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ تَصْوِيرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنَ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

20- الْقَوْلُ الْأَوَّلُ:

إِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَرَامٍ.وَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يَصْنَعَ صَنَمًا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، لقوله تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ»- وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ سُلَيْمَانَ- عليه السلام-: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} قَالُوا: وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَقِّ الْمُصَوِّرِينَ «الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» وَقَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا ذَرَّةً» قَالُوا: وَلَوْ كَانَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ لَاقْتَضَى تَحْرِيمَ تَصْوِيرِ الشَّجَرِ وَالْجِبَالِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ قَصَدَ أَنْ يَتَحَدَّى صَنْعَةَ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَفْتَرِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَخْلُقُ مِثْلَ خَلْقِهِ.

21- وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَقِّ الْمُصَوِّرِينَ «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» قَالُوا: لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّصْوِيرِ الْمُعْتَادِ لَكَانَ ذَلِكَ مُشْكِلًا عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ.فَإِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً كَسَائِرِ الْمَعَاصِي لَيْسَ أَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَا، فَكَيْفَ يَكُونُ فَاعِلُهُ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَ التَّمَاثِيلَ لِتُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

- وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا يَأْتِي مِنَ اسْتِعْمَالِ الصُّوَرِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَبُيُوتِ أَصْحَابِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ تَعَامُلُهُمْ بِالدَّنَانِيرِ الرُّومِيَّةِ وَالدَّرَاهِمِ الْفَارِسِيَّةِ دُونَ نَكِيرٍ، وَبِالْأَحْوَالِ الْفَرْدِيَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ الْوَاقِعِ مِنْهُمْ مِمَّا يَرِدُ ذِكْرُهُ فِي تَضَاعِيفِ هَذَا الْبَحْثِ، دُونَ تَأْوِيلٍ.

وَقَدْ نَقَلَ الْأَلُوسِيُّ هَذَا الْقَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ تَفْسِيرِ الْآيَةِ «13» مِنْ سُورَةِ سَبَأٍ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ النَّحَّاسَ وَمَكِّيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ الْفَرَسِ نَقَلُوهُ عَنْ قَوْمٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُمْ.مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُغْفِلُ ذِكْرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمُ الْمُطَوَّلَةِ وَالْمُخْتَصَرَةِ، وَيَقْتَصِرُونَ فِي ذِكْرِ الْخِلَافِ عَلَى الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ:

22- الْقَوْلُ الثَّانِي:

وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ السَّلَفِ، وَوَافَقَهُمُ ابْنُ حَمْدَانَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنَ التَّصَاوِيرِ إِلاَّ مَا جَمَعَ الشُّرُوطَ الْآتِيَةَ:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ مِمَّا لَهُ ظِلٌّ، أَيْ تَكُونُ تِمْثَالًا مُجَسَّدًا، فَإِنْ كَانَتْ مُسَطَّحَةً لَمْ يَحْرُمْ عَمَلُهَا، وَذَلِكَ كَالْمَنْقُوشِ فِي جِدَارٍ، أَوْ وَرَقٍ، أَوْ قُمَاشٍ.بَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا.وَمِنْ هُنَا نَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَصْوِيرَ مَا لَهُ ظِلٌّ حَرَامٌ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ كَامِلَةَ الْأَعْضَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةَ عُضْوٍ مِمَّا لَا يَعِيشُ الْحَيَوَانُ مَعَ فَقْدِهِ لَمْ يَحْرُمْ، كَمَا لَوْ صَوَّرَ الْحَيَوَانَ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ أَوْ مَخْرُوقَ الْبَطْنِ أَوِ الصَّدْرِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَصْنَعَ الصُّورَةَ مِمَّا يَدُومُ مِنَ الْحَدِيدِ أَوِ النُّحَاسِ أَوِ الْحِجَارَةِ أَوِ الْخَشَبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ صَنَعَهَا مِمَّا لَا يَدُومُ كَقِشْرِ بِطِّيخٍ أَوْ عَجِينٍ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَشَفَ تَقَطَّعَ.عَلَى أَنَّ فِي هَذَا النَّوْعِ عِنْدَهُمْ خِلَافًا، فَقَدْ قَالَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ: يَحْرُمُ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَدُومُ.

وَنُقِلَ قَصْرُ التَّحْرِيمِ عَلَى ذَوَاتِ الظِّلِّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: الْمُرَادُ بِالصُّورَةِ أَيِ: الْمُحَرَّمَةِ مَا كَانَ لَهَا جِسْمٌ مَصْنُوعٌ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ.

23- الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ تَصْوِيرُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلصُّورَةِ ظِلٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ.وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَتَشَدَّدَ النَّوَوِيُّ حَتَّى ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ.وَفِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.وَقَدْ شَكَّكَ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ ابْنُ نُجَيْمٍ كَمَا فِي الطَّحْطَاوِيِّ عَلَى الدُّرِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا يَرَوْنَ تَحْرِيمَ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ.لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ.

وَهَذَا التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.وَيُسْتَثْنَى عِنْدَهُمْ بَعْضُ الْحَالَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَوِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِمَّا سَيُذْكَرُ فِيمَا بَعْدُ.

- وَالتَّصْوِيرُ الْمُحَرَّمُ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ.قَالُوا: لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنَ التَّوَعُّدِ عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ».

أَدِلَّةُ الْقَوْلَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِتَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ:

24- اسْتَنَدَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إِلَى الْأَحَادِيثِ التَّالِيَةِ:

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- هَتَكَهُ، وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ.فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ.قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ».وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ».وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّهَا قَالَتْ: فَأَخَذْتُ السِّتْرَ فَجَعَلْتُهُ مِرْفَقَةً أَوْ مِرْفَقَتَيْنِ، فَكَانَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا فِي الْبَيْتِ».وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.

هَذَا وَإِنَّ قَوْلَهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-.وَقَوْلُهُ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» رَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما-.

الْحَدِيثُ الثَّانِي:

عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- جِبْرِيلُ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي سَاعَةٍ، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ.قَالَتْ: وَكَانَ بِيَدِهِ عَصًا فَطَرَحَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَا رُسُلَهُ.ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جَرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرٍ، فَقَالَ: مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ بِهِ.فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: وَعَدْتنِي فَجَلَسْتُ لَكَ وَلَمْ تَأْتِنِي؟ فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِكَ.إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ».وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ- رضي الله عنها- حَادِثَةً مِثْلَ هَذِهِ، وَفِيهَا قَوْلُ جِبْرِيلَ: «إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ».وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَهُ بِحَادِثَةِ جِبْرِيلَ، وَمَا قَالَ لَهُ.وَرَوَى الْقِصَّةَ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّهُ دَخَلَ دَارًا تُبْنَى بِالْمَدِينَةِ لِسَعِيدٍ، أَوْ لِمَرْوَانَ، فَرَأَى مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فِي الدَّارِ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً».

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا.فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا مِنْهُ، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا، فَيُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ» ثُمَّ قَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ:

«عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ أَنَّ عَلِيًّا- رضي الله عنه- قَالَ لَهُ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَلاَّ تَدَعَ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ».

تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ:

25- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ عَلَى وُجُوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ مَا فِي التَّصْوِيرِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُ التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ وَارِدٌ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ، كَلَفْظِ حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي» وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ»

وَحَدِيثِ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ.يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ».وَمِمَّا يُكَدِّرُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِهَذَا أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْجِبَالِ وَالشَّجَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ يَقْتَضِي أَيْضًا مَنْعَ تَصْوِيرِ لُعَبِ الْبَنَاتِ وَالْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ قَضِيَّةِ التَّحْرِيمِ- مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعْلِيلِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ مِنْ صُنْعِ الصُّورَةِ مُتَحَدِّيًا قُدْرَةَ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَأَى أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَ كَخَلْقِهِ، فَيُرِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَجْزَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَنْ يُكَلِّفَهُ أَنْ يَنْفُخَ الرُّوحَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا رِوَايَةُ «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا» فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ، وَقِيلَ: هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ، فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ، وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ كُفْرِهِ «.

وَيَتَأَيَّدُ التَّعْلِيلُ بِهَذَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ شَبِيهًا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يُنَزِّلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَأَنَّهُ لَا أَحَدَ أَظْلَم مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَهَذَا فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاةَ الْخَالِقِ فِي أَمْرِهِ وَوَحْيِهِ، وَالْأَوَّلُ فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاتَهُ فِي خَلْقِهِ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا.

وَمِمَّا يُحَقِّقُ هَذَا مَا تُوحِي بِهِ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي» فَإِنَّ «ذَهَبَ» بِمَعْنَى قَصَدَ، بِذَلِكَ فَسَّرَهَا ابْنُ حَجَرٍ.وَبِذَلِكَ يَكُونُ مَعْنَاهَا أَنَّهُ أَظْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا الْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ أَنْ يَخْلُقَ كَخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَنَقَلَ الْجَصَّاصُ قَوْلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ «مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ».

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


21-موسوعة الفقه الكويتية (تصوير 2)

تَصْوِيرٌ -2

26- الْوَجْهُ الثَّانِي: كَوْنُ التَّصْوِيرِ وَسِيلَةً إِلَى الْغُلُوِّ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْظِيمِهِ حَتَّى يَئُولَ الْأَمْرُ إِلَى الضَّلَالِ وَالِافْتِنَانِ بِالصُّوَرِ، فَتُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى.وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بُعِثَ وَالنَّاسُ يَنْصِبُونَ تَمَاثِيلَ يَعْبُدُونَهَا، يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ مُحَطِّمًا لِلشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ، مُعْلِنًا أَنَّ شِعَارَهُ الْأَكْبَرَ (لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) وَمُسَفِّهًا لِعُقُولِ هَؤُلَاءِ.وَمِنَ الْمَنَاهِجِ الَّتِي سَلَكَتْهَا الشَّرِيعَةُ الْحَكِيمَةُ لِذَلِكَ- بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ- أَنْ جَاءَتْ إِلَى مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً إِلَى الضَّلَالِ وَلَا مَنْفَعَةَ، أَوْ مَنْفَعَتُهُ أَقَلُّ، فَمَنَعَتْ إِتْيَانَهُ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالَّذِي أَوْجَبَ النَّهْيَ عَنِ التَّصْوِيرِ فِي شَرْعِنَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- مَا كَانَتِ الْعَرَبُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، فَكَانُوا يُصَوِّرُونَ وَيَعْبُدُونَ، فَقَطَعَ اللَّهُ الذَّرِيعَةَ، وَحَمَى الْبَابَ.

ثُمَّ أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمُضَاهَاةِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ، لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّعْلِيلِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، قَالَ: نَهَى عَنِ الصُّورَةِ، وَذَكَرَ عِلَّةَ التَّشَبُّهِ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا عِبَادَتُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ عَمَلَهَا مَعْصِيَةٌ، فَمَا ظَنُّكَ بِعِبَادَتِهَا.

وَاسْتَنَدَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي التَّعْلِيلِ إِلَى مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ نُوحٍ، مُعَلَّقًا.عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: وَدٍّ، وَسُوَاعٍ، وَيَغُوثَ، وَيَعُوقَ، وَنَسْرٍ.قَالَ: هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ إِلَيْهَا أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ، عُبِدَتْ.

لَكِنْ إِلَى أَيِّ مَدًى أَرَادَتِ الشَّرِيعَةُ الْمَنْعَ مِنَ التَّصْوِيرِ لِتَكْفُلَ سَدَّ الذَّرِيعَةِ: هَلْ إِلَى مَنْعِ التَّصْوِيرِ مُطْلَقًا، أَوْ مَنْعِ الصُّوَرِ الْمَنْصُوبَةِ دُونَ غَيْرِ الْمَنْصُوبَةِ، أَوْ مَنْعِ الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ الَّتِي لَهَا ظِلٌّ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ؟ هَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رَأَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- شَدَّدَ أَوَّلًا وَأَمَرَ بِكَسْرِ الْأَوْثَانِ وَلَطَّخَ الصُّوَرَ، ثُمَّ لَمَّا عُرِفَ ذَلِكَ الْأَمْرُ وَاشْتَهَرَ رَخَّصَ فِي الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ وَقَالَ: «إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ».

27- الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعِلَّةَ مُجَرَّدُ الشَّبَهِ بِفِعْلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْحِتُونَ الْأَصْنَامَ وَيَعْبُدُونَهَا، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الْمُصَوِّرُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ تُعْبَدِ الصُّورَةُ الَّتِي يَصْنَعُهَا، لَكِنَّ الْحَالَ شَبِيهَةٌ بِالْحَالِ.كَمَا نُهِينَا عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا؛ لِئَلاَّ نَكُونَ فِي ذَلِكَ مِثْلَ مَنْ يَسْجُدُ لَهَا حِينَئِذٍ.كَمَا قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا حِينَئِذٍ الْكُفَّارُ» فَكُرِهَتِ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ لِمَا تَجُرُّهُ الْمُشَابَهَةُ مِنَ الْمُوَافَقَةِ.أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ.وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ صُورَةَ الْأَصْنَامِ هِيَ الْأَصْلُ فِي مَنْعِ التَّصْوِيرِ لَكِنْ إِذَا قِيلَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَهِيَ لَا تَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنَ الْكَرَاهَةِ.

28- الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ وُجُودَ الصُّورَةِ فِي مَكَانٍ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِ.وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ عَلَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ.

وَرَدَّ التَّعْلِيلَ بِهَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ الْحَنَابِلَةُ، كَمَا يَأْتِي، وَقَالُوا: إِنَّ تَنْصِيصَ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ التَّصْوِيرِ، كَالْجَنَابَةِ، فَإِنَّهَا تَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا لِمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ» فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْجَنَابَةِ.

وَلَعَلَّ امْتِنَاعَ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الصُّورَةِ مُحَرَّمَةً، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ.فَامْتِنَاعُ دُخُولِهِمْ أَثَرُ التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ عِلَّةً.وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي صِنَاعَةِ الصُّوَرِ:

أَوَّلًا: الصُّوَرُ الْمُجَسَّمَةُ (ذَوَاتُ الظِّلِّ).

29- صَنْعَةُ الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَخْذًا بِالْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا كَانَ مَصْنُوعًا كَلُعْبَةٍ لِلصِّغَارِ، أَوْ كَانَ مُمْتَهَنًا، أَوْ كَانَ مَقْطُوعًا مِنْهُ عُضْوٌ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَدُومُ كَصُوَرِ الْحَلْوَى أَوِ الْعَجِينِ، عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ يَتَبَيَّنُ فِي الْمَبَاحِثِ التَّالِيَةِ.

ثَانِيًا: صِنَاعَةُ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي صِنَاعَةِ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ

30- مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ جَوَازُ صِنَاعَةِ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ مُطْلَقًا، مَعَ الْكَرَاهَةِ.لَكِنْ إِنْ كَانَتْ فِيمَا يُمْتَهَنُ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ خِلَافُ الْأَوْلَى.وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَتِ الصُّوَرُ مَقْطُوعَةَ عُضْوٍ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَ فَقْدِهِ.

31- وَمِنَ الْحُجَّةِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ مَا يَلِي:

(1) حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ وَعَنْهُ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ، وَرَوَاهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الصَّحَابِيُّ- رضي الله عنهم-، أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ» فَهَذَا الْحَدِيثُ مُقَيَّدٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ التَّصَاوِيرِ وَلَعْنِ الْمُصَوِّرِينَ.

(2) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً».

وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ هَذِهِ الْأَحْيَاءَ سُطُوحًا، بَلِ اخْتَرَعَهَا مُجَسَّمَةً.

(3) اسْتِعْمَالُ الصُّوَرِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا جَعَلَتِ السِّتْرَ مِرْفَقَتَيْنِ، فَكَانَ يُرْتَفَقُ بِهِمَا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَإِنَّ فِيهِمَا الصُّوَرَ».

وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ قَالَتْ: «كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ، وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: حَوِّلِي هَذَا، فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ، ذَكَرْتُ الدُّنْيَا» فَعُلِّلَ بِذَلِكَ، وَكَانَ- صلى الله عليه وسلم- حَرِيصًا عَلَى أَلاَّ يَشْغَلَهُ أَمْرُ الدُّنْيَا وَزَهْرَتُهَا عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَتِهِ.وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ عَلَى أُمَّتِهِ.وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لَهَا: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّ تَصَاوِيرَهُ لَا تَزَالُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي» وَعُلِّلَ فِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ بِغَيْرِ هَذَا عِنْدَمَا هَتَكَ السِّتْرَ فَقَالَ «يَا عَائِشَةُ لَا تَسْتُرِي الْجِدَارَ» وَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ».

وَيُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى جَلِيًّا حَدِيثُ سَفِينَةَ- رضي الله عنه- مَوْلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- دَعَا النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى بَيْتِهِ، فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ فَرَجَعَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِيٍّ: الْحَقْهُ فَانْظُرْ مَا رَجَعَهُ.فَتَبِعَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَدَّكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ لِي- أَوْ قَالَ: لِنَبِيٍّ- أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا».

وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَفِي رِوَايَتِهِ: «فَرَأَى سِتْرًا مَوْشَيًّا، وَفِيهَا أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَا لَنَا وَلِلدُّنْيَا، مَا لَنَا وَلِلرَّقْمِ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ فَمَا تَأْمُرُنَا فِيهِ؟ قَالَ: تُرْسِلِينَ بِهِ إِلَى أَهْلِ حَاجَةٍ».وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي السِّتْرِ تَصَاوِيرُ.

(4) اسْتِعْمَالُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ الدَّنَانِيرَ الرُّومِيَّةَ وَالدَّرَاهِمَ الْفَارِسِيَّةَ وَعَلَيْهَا صُوَرُ مُلُوكِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ نُقُودٌ غَيْرُهَا إِلاَّ الْفُلُوسُ.وَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- عَلَى مَا تَذْكُرُهُ الْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي تَارِيخِ النُّقُودِ- الدَّرَاهِمَ عَلَى السِّكَّةِ الْفَارِسِيَّةِ، فَكَانَ فِيهَا الصُّوَرُ، وَضَرَبَ الدَّنَانِيرَ مُعَاوِيَةُ- رضي الله عنه- وَعَلَيْهَا الصُّوَرُ بَعْدَ أَنْ مَحَا مِنْهَا الصَّلِيبَ، وَضَرَبَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَعَلَيْهَا صُورَتُهُ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، ثُمَّ ضَرَبَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَالْوَلِيدُ خَالِيَةً مِنَ الصُّوَرِ.

(5) مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الصُّوَرِ فِي السُّتُورِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُسَطَّحَاتِ.مِنْ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ- رضي الله عنه- لِلسُّتُورِ ذَاتِ الصُّوَرِ، وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.وَاسْتَعْمَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ- رضي الله عنه- وَأَقَرَّهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ- رضي الله عنه-، وَحَدِيثُهُمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ.وَاعْتَمَدُوا عَلَى مَا رَوَوْهُ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ قَوْلِهِ «إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ».

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يَتَّكِئُ عَلَى الْمَرَافِقِ (الْوَسَائِدِ) الَّتِي فِيهَا تَصَاوِيرُ الطَّيْرِ وَالرِّجَالِ.

وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الصَّحَابِيِّ- رضي الله عنه- كَانَ رَجُلًا مُتَقَلِّدًا سَيْفًا.وَأَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ- رضي الله عنه- قَائِدِ فَتْحِ فَارِسَ، كَانَ أَيِّلًا قَابِضًا إِحْدَى يَدَيْهِ بَاسِطًا الْأُخْرَى، وَعَنِ الْقَاسِمِ قَالَ كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ عَبْدِ اللَّهِ ذَبَّابَانِ، وَكَانَ نَقْشَ خَاتَمِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ- رضي الله عنه- كُرْكِيَّانِ، وَرُوِيَ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- ذُبَابَتَانِ.

وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رضي الله عنهم- وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ بِبَيْتِهِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ حَجْلَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ الْقُنْدُسِ وَالْعَنْقَاءِ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ.

وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَعُودُهُ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ.قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ التَّصَاوِيرُ فِي الْكَانُونِ؟ قَالَ: أَلَا تَرَى قَدْ أَحْرَقْنَاهَا بِالنَّارِ.فَلَمَّا خَرَجَ الْمِسْوَرُ قَالَ: اقْطَعُوا رُءُوسَ هَذِهِ التَّمَاثِيلِ.قَالُوا: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ لَوْ ذَهَبْتَ بِهَا إِلَى السُّوقِ كَانَ أَنْفَقَ لَهَا قَالَ: لَا.فَأَمَرَ بِقَطْعِ رُءُوسِهَا.

الْقَوْلُ الثَّانِي فِي صِنَاعَةِ الصُّوَرِ غَيْرِ ذَوَاتِ الظِّلِّ (أَيِ الْمُسَطَّحَةِ):

32- إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ كَصِنَاعَةِ ذَوَاتِ الظِّلِّ.وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَنُقِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ.

وَاسْتَثْنَى بَعْضُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ الصُّوَرَ الْمَقْطُوعَةَ وَالصُّوَرَ الْمُمْتَهَنَةَ وَأَشْيَاءَ أُخْرَى كَمَا سَيَأْتِي فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْبَحْثِ.

وَاحْتَجُّوا لِلتَّحْرِيمِ بِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي لَعْنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِلْمُصَوِّرِينَ، وَأَنَّ الْمُصَوِّرَ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يُكَلَّفَ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِي كُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا.خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرُ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ بِالْأَدِلَّةِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا، فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى التَّحْرِيمِ.قَالُوا: وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ لِإِبَاحَةِ صُنْعِ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ بِاسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْوِسَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا الصُّوَرُ، وَاسْتِعْمَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ لِلصُّورَةِ حَيْثُ جَازَ لَا يَعْنِي جَوَازَ تَصْوِيرِهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَلَعْنِ الْمُصَوِّرِ، وَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ اسْتِعْمَالِ مَا فِيهِ الصُّورَةُ.وَقَدْ عُلِّلَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِمُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ وَالتَّشْبِيهِ بِهِ، وَذَلِكَ إِثْمٌ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ الِاسْتِعْمَالِ.

ثَالِثًا: الصُّوَرُ الْمَقْطُوعَةُ وَالصُّوَرُ النِّصْفِيَّةُ وَنَحْوُهَا:

33- تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا يَرَوْنَ تَحْرِيمَ تَصْوِيرِ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ- سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصُّورَةُ تِمْثَالًا مُجَسَّمًا أَوْ صُورَةً مُسَطَّحَةً- إِنْ كَانَتْ نَاقِصَةَ عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِمَّا لَا يَعِيشُ الْحَيَوَانُ بِدُونِهِ.كَمَا لَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ، أَوْ كَانَ مَخْرُوقَ الْبَطْنِ أَوِ الصَّدْرِ.

وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ، كَمَا جَاءَ فِي الْمُغْنِي: إِذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ التَّصْوِيرَةِ صُورَةُ بَدَنٍ بِلَا رَأْسٍ أَوْ رَأْسٌ بِلَا بَدَنٍ، أَوْ جُعِلَ لَهُ رَأْسٌ وَسَائِرُ بَدَنِهِ صُورَةُ غَيْرِ حَيَوَانٍ، لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ.وَفِي الْفُرُوعِ: إِنْ أُزِيلَ مِنَ الصُّوَرِ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ لَمْ يُكْرَهْ، فِي الْمَنْصُوصِ.وَمِثْلُهُ صُورَةُ شَجَرَةٍ وَنَحْوِهِ وَتِمْثَالٍ، وَكَذَا تَصْوِيرُهُ

وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، وَلَمْ يُنْقَلْ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ إِلاَّ مَا شَذَّ بِهِ الْمُتَوَلِّي، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ غَيْرَ الرَّأْسِ وَقَدْ بَقِيَ الرَّأْسُ.وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّحْرِيمُ، جَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ وَحَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ: وَكَذَا إِنْ قُطِعَ رَأْسُ الصُّورَةِ.قَالَ الكوهكيوني: وَكَذَا حُكْمُ مَا صُوِّرَ بِلَا رَأْسٍ، وَأَمَّا الرُّءُوسُ بِلَا أَبْدَانٍ فَهَلْ تَحْرُمُ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ.وَالْحُرْمَةُ أَرْجَحُ.قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهُمَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ لَا نَظِيرَ لَهُ: إِنْ جَوَّزْنَاهُ جَازَ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَلَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ.وَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ.

وَظَاهِرُ مَا فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ جَوَازُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَفَقْدِ الرَّأْسِ فَقْدُ مَا لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ.

رَابِعًا: صُنْعُ الصُّوَرِ الْخَيَالِيَّةِ:

34- يَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الصُّوَرَ الْخَيَالِيَّةَ لِلْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ دَاخِلَةٌ فِي التَّحْرِيمِ.قَالُوا: يَحْرُمُ، كَإِنْسَانٍ لَهُ جَنَاحٌ، أَوْ بَقَرٍ لَهُ مِنْقَارٌ، مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْمَخْلُوقَاتِ.وَكَلَامُ صَاحِبِ رَوْضِ الطَّالِبِ يُوحِي بِوُجُودِ قَوْلٍ بِالْجَوَازِ.

وَوَاضِحٌ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ اللُّعَبِ الَّتِي لِلْأَطْفَالِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «أَنَّهُ كَانَ فِي لُعَبِهَا فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ لَمَّا رَآهَا حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ».

خَامِسًا: صُنْعُ الصُّوَرِ الْمُمْتَهَنَةِ:

35- يَأْتِي أَنَّ أَغْلَبَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ اقْتِنَاءِ وَاسْتِعْمَالِ الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ وَالْمُسَطَّحَةِ.سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَقْطُوعَةً أَمْ كَامِلَةً، إِذَا كَانَتْ مُمْتَهَنَةً، كَالَّتِي عَلَى أَرْضٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ فِرَاشٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا، ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِ صُنْعِ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، كَنَسْجِ الْحَرِيرِ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ.

وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ خِلَافُ الْأَوْلَى.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ.وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَابِدِينَ.وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ أَجَازَ التَّصْوِيرَ عَلَى الْأَرْضِ.

وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَابِلَةِ تَصْرِيحًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مُنْدَرِجٌ فِي تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ.

وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى الِامْتِهَانِ.

سَادِسًا: صِنَاعَةُ الصُّوَرِ مِنَ الطِّينِ وَالْحَلْوَى وَمَا يَسْرُعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ:

36- لِلْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ فِي صِنَاعَةِ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تُتَّخَذُ لِلْإِبْقَاءِ، كَالَّتِي تُعْمَلُ مِنَ الْعَجِينِ وَأَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ الْمَنْعُ.وَكَذَا نَقَلَهُمَا الْعَدَوِيُّ وَقَالَ: إِنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ هُوَ لِأَصْبَغَ.وَمَثَّلَ لَهُ بِمَا يُصْنَعُ مِنْ عَجِينٍ أَوْ قِشْرِ بِطِّيخٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَشَفَ تَقَطَّعَ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَحْرُمُ صُنْعُهَا وَلَا يَحْرُمُ بَيْعُهَا.

وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ نَصًّا فِي ذَلِكَ.

سَابِعًا: صِنَاعَةُ لُعَبِ الْبَنَاتِ:

37- اسْتَثْنَى أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَصِنَاعَةِ التَّمَاثِيلِ صِنَاعَةَ لُعَبِ الْبَنَاتِ.وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ جَوَازَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ تَصْوِيرِ مَا لَهُ ظِلٌّ، وَمِنِ اتِّخَاذِهِ لُعَبَ الْبَنَاتِ، لِمَا وَرَدَ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ.

وَهَذَا يَعْنِي جَوَازَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ اللُّعَبُ عَلَى هَيْئَةِ تِمْثَالِ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، مُجَسَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُجَسَّمَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ أَمْ لَا، كَفَرَسٍ لَهُ جَنَاحَانِ.

وَقَدِ اشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِلْجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مَقْطُوعَةَ الرُّءُوسِ، أَوْ نَاقِصَةَ عُضْوٍ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ بِدُونِهِ.وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.

38- وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي».

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ أَوْ خَيْبَرَ، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ، فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَتْ: بَنَاتِي.وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهَا جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسَطَهُنَّ؟ قَالَتْ: فَرَسٌ.قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: جَنَاحَانِ.فَقَالَ: فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟ قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ».

وَقَدْ عَلَّلَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لِصِنَاعَةِ اللُّعَبِ بِالْحَاجَةِ إِلَى تَدْرِيبِهِنَّ عَلَى أَمْرِ تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَتِ اللُّعَبُ عَلَى هَيْئَةِ إِنْسَانٍ، وَلَا يَظْهَرُ فِي أَمْرِ الْفَرَسِ الَّذِي لَهُ جَنَاحَانِ، وَلِذَا عَلَّلَ الْحَلِيمِيُّ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ، وَهَذَا نَصُّ كَلَامِهِ، قَالَ: لِلصَّبَايَا فِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهُمَا عَاجِلَةٌ وَالْأُخْرَى آجِلَةٌ.فَأَمَّا الْعَاجِلَةُ، فَالِاسْتِئْنَاسُ الَّذِي فِي الصِّبْيَانِ مِنْ مَعَادِنِ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ.فَإِنَّ الصَّبِيَّ إِنْ كَانَ أَنْعَمَ حَالًا وَأَطْيَب نَفْسًا وَأَشْرَحَ صَدْرًا كَانَ أَقْوَى وَأَحْسَن نُمُوًّا، وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّرُورَ يُبْسِطُ الْقَلْبَ، وَفِي انْبِسَاطِهِ انْبِسَاطُ الرُّوحِ، وَانْتِشَارُهُ فِي الْبَدَنِ، وَقُوَّةُ أَثَرِهِ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ.

وَأَمَّا الْآجِلَةُ فَإِنَّهُنَّ سَيَعْلَمْنَ مِنْ ذَلِكَ مُعَالَجَةَ الصِّبْيَانِ وَحُبَّهُمْ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ طَبَائِعَهُنَّ، حَتَّى إِذَا كَبَرْنَ وَعَايَنَ لِأَنْفُسِهِنَّ مَا كُنَّ تَسَرَّيْنَ بِهِ مِنَ الْأَوْلَادِ كُنَّ لَهُمْ بِالْحَقِّ كَمَا كُنَّ لِتِلْكَ الْأَشْبَاهِ بِالْبَاطِلِ.

هَذَا وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ عَنِ الْبَعْضِ دَعْوَى أَنَّ صِنَاعَةَ اللُّعَبِ مُحَرَّمَةٌ، وَأَنَّ جَوَازَهَا كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ نُسِخَ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ التَّصْوِيرِ.

وَيَرُدُّهُ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ مُعَارَضَةٌ بِمِثْلِهَا، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْإِذْنُ بِاللُّعَبِ لَاحِقًا.

عَلَى أَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي اللُّعَبِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهِ، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ مُتَأَخِّرًا.

ثَامِنًا: التَّصْوِيرُ لِلْمَصْلَحَةِ كَالتَّعْلِيمِ وَغَيْرِهِ:

39- لَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، عَدَا مَا ذَكَرُوهُ فِي لُعَبِ الْأَطْفَالِ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي اسْتِثْنَائِهَا مِنَ التَّحْرِيمِ الْعَامِّ هُوَ تَدْرِيبُ الْبَنَاتِ عَلَى تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، أَوِ التَّدْرِيبُ وَاسْتِئْنَاسُ الْأَطْفَالِ وَزِيَادَةُ فَرَحِهِمْ لِمَصْلَحَةِ تَحْسِينِ النُّمُوِّ كَمَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ، وَأَنَّ صِنَاعَةَ الصُّوَرِ أُبِيحَتْ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، مَعَ قِيَامِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ، وَهِيَ كَوْنُهَا تَمَاثِيلَ لِذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ.وَالتَّصْوِيرُ بِقَصْدِ التَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيبِ نَحْوُهُمَا لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: اقْتِنَاءُ الصُّوَرِ وَاسْتِعْمَالُهَا:

40- يَذْهَبُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الصُّورَةِ تَحْرِيمُ اقْتِنَائِهَا أَوْ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِهَا، فَإِنَّ عَمَلِيَّةَ التَّصْوِيرِ لِذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَرَدَ فِيهَا النُّصُوصُ الْمُشَدَّدَةُ السَّابِقُ ذِكْرُهَا، وَفِيهَا لَعْنُ الْمُصَوِّرِ، وَأَنَّهُ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ، وَأَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ أَوْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا.وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي اقْتِنَاءِ الصُّوَرِ، وَلَمْ تَتَحَقَّقْ فِي مُسْتَعْمِلِهَا عِلَّةُ تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ مِنَ الْمُضَاهَاةِ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ اقْتِنَاءِ الصُّورَةِ أَوِ اسْتِعْمَالِهَا، إِلاَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ عَذَابٍ أَوْ أَيِّ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اقْتِنَاءَهَا مِنَ الْكَبَائِرِ.وَبِهَذَا يَكُونُ حُكْمُ مُقْتَنِي الصُّورَةِ الَّتِي يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهَا: أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ صَغِيرَةً مِنَ الصَّغَائِرِ، إِلاَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ، فَيَكُونُ كَبِيرَةً إِنْ تَحَقَّقَ الْإِصْرَارُ لَا إِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ، أَوْ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَقَدْ نَبَّهَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ التَّصْوِيرِ وَبَيْنَ اقْتِنَاءِ الصُّوَرِ فِي الْحُكْمِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ الصُّوَرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَنَبَّهَ إِلَيْهِ الشَّبْرَامُلُّسِي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ يَجْرِي كَلَامُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.

وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى مَنْعِ اقْتِنَاءِ الصُّوَرِ مِنْهَا:

(1) «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- هَتَكَ السِّتْرَ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لِعَائِشَةَ: «أَخِّرِيهِ عَنِّي».وَتَقَدَّمَ.

(2) وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ».

(3) وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَرْسَلَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ: لَا تَدَعْ صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتهَا» وَفِي رِوَايَةٍ: إِلاَّ لَطَّخْتَهَا «وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَلَا صَنَمًا إِلاَّ كَسَرْتَهُ».

41- وَفِي مُقَابِلِ ذَلِكَ نُقِلَ اسْتِعْمَالُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الصُّوَرِ لِذَوَاتِ الرُّوحِ.وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الرِّوَايَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ (ف 31) وَنَزِيدُ هُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ دَانْيَالَ النَّبِيِّ- عليه السلام- كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبُؤَةٌ وَبَيْنَهُمَا صَبِيٌّ يَلْمِسَانِهِ.وَذَلِكَ أَنَّ بُخْتَ نَصَّرَ قِيلَ لَهُ: يُولَدُ مَوْلُودٌ يَكُونُ هَلَاكُكَ عَلَى يَدِهِ، فَجَعَلَ يَقْتُلُ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ.فَلَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ دَانْيَالَ أَلْقَتْهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْلَمَ.فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبُؤَةً تُرْضِعُهُ.فَنَقَشَهُ عَلَى خَاتَمِهِ لِيَكُونَ بِمَرْأًى مِنْهُ لِيَتَذَكَّرَ نِعْمَةَ اللَّهِ.وَوُجِدَتْ جُثَّةُ دَانْيَالَ وَالْخَاتَمُ فِي عَهْدِ عُمَرَ- رضي الله عنه- فَدَفَعَ الْخَاتَمَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ.فَهَذَا فِعْلُ صَحَابِيَّيْنِ.

وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مِنَ الصُّوَرِ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَتَوْفِيقُهُمْ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ.

الْبَيْتُ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ:

42- ثَبَتَ هَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَمَيْمُونَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمْ- رضي الله عنهم- أَجْمَعِينَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ دُخُولِ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً، وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ، وَصَلَاتَهَا فِيهِ، وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ، وَتَبْرِيكَهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْتِهِ، وَدَفْعَهَا أَذَى الشَّيْطَانِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ: إِنَّمَا لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّ مُتَّخِذَ الصُّوَرِ قَدْ تَشَبَّهَ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الصُّوَرَ فِي بُيُوتِهِمْ وَيُعَظِّمُونَهَا، فَكَرِهَتِ الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ هُمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ.وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ كُلَّ بَيْتٍ، وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي حَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهَا.ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ صُورَةٍ حَتَّى مَا يُمْتَهَنُ.وَنَقَلَ الطَّحْطَاوِيُّ عَنْهُ: أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنَ الدُّخُولِ حَتَّى مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.

وَفِي قَوْلِ النَّوَوِيِّ هَذَا مُبَالَغَةٌ وَتَشَدُّدٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «أَنَّهَا هَتَكَتِ السِّتْرَ وَجَعَلَتْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، فَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَتَّكِئُ عَلَيْهِمَا وَفِيهِمَا الصُّوَرُ».وَكَانَ لَا يَتَحَرَّجُ مِنْ إِبْقَاءِ الدَّنَانِيرِ أَوِ الدَّرَاهِمِ فِي بَيْتِهِ وَفِيهَا الصُّوَرُ.وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ مَا أَبْقَاهَا فِيهِ.وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الصُّورَةَ الَّتِي تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُخُولِ الْمَكَانِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى هَيْئَتِهَا مُرْتَفِعَةً غَيْرَ مُمْتَهَنَةٍ، فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُمْتَهَنَةً، أَوْ غَيْرَ مُمْتَهَنَةٍ لَكِنَّهَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا بِقَطْعِهَا مِنْ نِصْفِهَا أَوْ بِقَطْعِ رَأْسِهَا، فَلَا امْتِنَاعَ.

وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَابِدِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ لَا يُكْرَهُ إِبْقَاؤُهَا فِي الْبَيْتِ، لَا تَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ، سَوَاءٌ الصُّوَرُ الْمَقْطُوعَةُ أَوِ الصُّوَرُ الصَّغِيرَةُ أَوِ الصُّوَرُ الْمُهَانَةُ، أَوِ الْمُغَطَّاةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ تَشَبُّهٌ بِعُبَّادِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ الصُّوَرَ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْمُهَانَةَ، بَلْ يَنْصِبُونَهَا صُورَةً كَبِيرَةً، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهَا.

وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إِنَّ عَدَمَ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ بَيْتًا فِيهِ صُوَرٌ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ

الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ» إِذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رُفْقَةٍ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَخْرُجَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ لِقَصْدِ الْبَيْتِ عَلَى رَوَاحِلَ لَا تَصْحَبُهَا الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ وَفْدُ اللَّهِ.وَمَآلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ مَلَائِكَةُ الْوَحْيِ، وَهُوَ جِبْرِيلُ- عليه السلام- دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.وَنَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَنَ الدَّاوُدِيِّ وَابْنِ وَضَّاحٍ، وَمَآلُهُ إِلَى اخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِعَهْدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَبِالْمَكَانِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ انْتَهَتْ بِوَفَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ.

اقْتِنَاءُ وَاسْتِعْمَالُ صُوَرِ الْمَصْنُوعَاتِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْجَوَامِدِ وَالنَّبَاتَاتِ:

43- يَجُوزُ اقْتِنَاءُ وَاسْتِعْمَالُ صُوَرِ الْمَصْنُوعَاتِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْجَوَامِدِ وَالنَّبَاتَاتِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مَنْصُوبَةً أَوْ مُعَلَّقَةً أَوْ مَوْضُوعَةً مُمْتَهَنَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَنْقُوشَةً فِي الْحَوَائِطِ أَوِ السُّقُوفِ أَوِ الْأَرْضِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسَطَّحَةً كَمَا هُوَ مَعْهُودٌ، أَوْ مُجَسَّمَةً كَالزُّهُورِ وَالنَّبَاتَاتِ الِاصْطِنَاعِيَّةِ، وَنَمَاذِجِ السُّفُنِ وَالطَّائِرَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ وَالْمَنَازِلِ وَالْجِبَالِ وَغَيْرِهَا، وَمُجَسَّمَاتِ تَمَاثِيلِ الْقُبَّةِ السَّمَاوِيَّةِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالنُّجُومِ وَالْقَمَرَيْنِ.وَسَوَاءٌ اسْتُعْمِلَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ وَنَفْعٍ، أَوْ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ وَالتَّجْمِيلِ: فَكُلُّ ذَلِكَ لَا حَرَجَ فِيهِ شَرْعًا، إِلاَّ أَنْ يَحْرُمَ لِعَارِضٍ، كَمَا لَوْ كَانَ خَارِجًا عَنِ الْمُعْتَادِ إِلَى حَدِّ الْإِسْرَافِ، عَلَى الْأَصْلِ فِي سَائِرِ الْمُقْتَنَيَاتِ.

اقْتِنَاءُ وَاسْتِعْمَالُ صُوَرِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ:

44- يُجْمِعُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ نَوْعٍ مِنَ الصُّوَرِ، وَهُوَ مَا كَانَ صَنَمًا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى.وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ خِلَافٍ.إِلاَّ أَنَّ الَّذِي تَكَادُ تَتَّفِقُ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى مَنْعِهِ: هُوَ مَا جَمَعَ الْأُمُورَ التَّالِيَةَ:

أ- أَنْ يَكُونَ صُورَةً لِذِي رُوحٍ إِنْ كَانَتِ الصُّورَةُ مُجَسَّمَةً.

ب- أَنْ تَكُونَ كَامِلَةَ الْأَعْضَاءِ، غَيْرَ مَقْطُوعَةِ عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَ فَقْدِهَا.

ج- أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً أَوْ مُعَلَّقَةً فِي مَكَانِ تَكْرِيمٍ، لَا إِنْ كَانَتْ مُمْتَهَنَةً.

د- أَنْ لَا تَكُونَ صَغِيرَةً.

هـ- أَنْ لَا تَكُونَ مِنْ لُعَبِ الْأَطْفَالِ أَوْ نَحْوِهَا.و- أَنْ لَا تَكُونَ مِمَّا يَسْرُعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ.وَقَدْ خَالَفَ فِيمَا جَمَعَ هَذِهِ الشُّرُوطَ قَوْمٌ لَمْ يُسَمَّوْا، كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ إِلاَّ أَنَّهُ خِلَافٌ ضَعِيفٌ.وَنَحْنُ نُبَيِّنُ حُكْمَ كُلِّ نَوْعٍ مِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ.

أ- اسْتِعْمَالُ وَاقْتِنَاءُ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ:

45- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ لَيْسَ مُحَرَّمًا، بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ إِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُمْتَهَنَةً فَاسْتِعْمَالُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى.

أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ: فَالصُّوَرُ الْمُسَطَّحَةُ وَالْمُجَسَّمَةُ سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالُ، إِذَا تَمَّتِ الشُّرُوطُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

ب- اسْتِعْمَالُ وَاقْتِنَاءُ الصُّوَرِ الْمَقْطُوعَةِ:

46- إِذَا كَانَتِ الصُّورَةُ- مُجَسَّمَةً كَانَتْ أَوْ مُسَطَّحَةً- مَقْطُوعَةَ عُضْوٍ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ، فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الصُّورَةِ حِينَئِذٍ جَائِزٌ، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَقَدْ وَافَقَ عَلَى الْإِبَاحَةِ هُنَا بَعْضُ مَنْ خَالَفَ، فَرَأَى تَحْرِيمَ التَّصْوِيرِ وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ تَحْرِيمُ الِاقْتِنَاءِ، كَالشَّافِعِيَّةِ.وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الصُّورَةُ قَدْ صُنِعَتْ مَقْطُوعَةً مِنَ الْأَصْلِ، أَوْ صُوِّرَتْ كَامِلَةً ثُمَّ قُطِعَ مِنْهَا شَيْءٌ لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ.وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مَنْصُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَنْصُوبَةٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


22-موسوعة الفقه الكويتية (تعليم وتعلم)

تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّعَلُّمُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَعَلَّمَ.وَالتَّعَلُّمُ مُطَاوِعُ التَّعْلِيمِ، يُقَالُ: عَلَّمْتُهُ الْعِلْمَ فَتَعَلَّمَهُ.وَالتَّعْلِيمُ مَصْدَرُ عَلَّمَ: يُقَالُ: عَلَّمَهُ إِذَا عَرَّفَهُ، وَعَلَّمَهُ وَأَعْلَمَهُ إِيَّاهُ فَتَعَلَّمَهُ، وَعَلِمَ الْأَمْرَ وَتَعَلَّمَهُ: أَتْقَنَهُ.وَالْعِلْمُ نَقِيضُ الْجَهْلِ.

وَالْعِلْمُ أَيْضًا: هُوَ اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الثِّقَةِ.وَجَاءَ بِمَعْنَى: الْمَعْرِفَةِ أَيْضًا.

قَالَ الرَّاغِبُ: التَّعْلِيمُ وَالْإِعْلَامُ فِي الْأَصْلِ وَاحِدٌ، إِلاَّ أَنَّ الْإِعْلَامَ اخْتَصَّ بِمَا كَانَ بِإِخْبَارٍ سَرِيعٍ، وَالتَّعْلِيمُ اخْتَصَّ بِمَا يَكُونُ بِتَكْرِيرٍ وَتَكْثِيرٍ، حَتَّى يَحْصُلَ مِنْهُ أَثَرٌ فِي نَفْسِ الْمُتَعَلِّمِ.رُبَّمَا اسْتُعْمِلَ التَّعْلِيمُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ إِذَا كَانَ فِيهِ تَكْرِيرٌ نَحْوُ {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ}.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِلتَّعْلِيمِ عَمَّا ذُكِرَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّثْقِيفُ:

2- التَّثْقِيفُ: مَصْدَرُ ثَقَّفَ.يُقَالُ: ثَقَّفْتُ الرُّمْحَ: أَيْ سَوَّيْتُهُ وَأَزَلْتُ عِوَجَهُ وَيُقَالُ: رَجُلٌ ثَقِفٌ: إِذَا كَانَ حَاذِقًا فَطِنًا سَرِيعَ الْفَهْمِ، وَثَقَّفَ الْإِنْسَانَ: أَدَّبَهُ وَعَلَّمَهُ وَهَذَّبَهُ.فَالتَّثْقِيفُ أَعَمُّ مِنَ التَّعْلِيمِ.

ب- التَّدْرِيبُ:

3- التَّدْرِيبُ: مِنَ الدُّرْبَةِ، وَهِيَ: التَّجْرِبَةُ وَالتَّعَوُّدُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى الْأَمْرِ.وَقَدْ دَرَّبْتُهُ تَدْرِيبًا، وَمِنْهُ مَا فِي حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ «وَكَانَتْ نَاقَةً مُدَرَّبَةً»: أَيْ مُخَرَّجَةً مُؤَدَّبَةً «قَدْ أَلِفَتِ الرُّكُوبَ وَالسَّيْرَ»: أَيْ عُوِّدَتِ الْمَشْيَ فِي الدُّرُوبِ، فَصَارَتْ تَأْلَفُهَا وَتَعْرِفُهَا وَلَا تَنْفِرُ

فَالتَّدْرِيبُ مِنْ وَسَائِلِ التَّعْلِيمِ.

ج- التَّأْدِيبُ:

4- التَّأْدِيبُ: مَصْدَرُ أَدَّبَ.يُقَالُ: أَدَّبْتُهُ أَدَبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَيُضَاعَفُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ، فَيُقَالُ: أَدَّبْتُهُ- بِالتَّشْدِيدِ- إِذَا عَلَّمْتُهُ رِيَاضَةَ النَّفْسِ وَمَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ.وَالِاسْمُ: الْأَدَبُ.قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: الْأَدَبُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنَ الْفَضَائِلِ.وَيَأْتِي التَّأْدِيبُ أَيْضًا بِمَعْنَى: الْعُقُوبَةِ.يُقَالُ.أَدَّبْتُهُ تَأْدِيبًا: إِذَا عَاقَبْتُهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ يَدْعُو إِلَى حَقِيقَةِ الْأَدَبِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ

أ- التَّعَلُّمُ:

5- تَعَلُّمُ الْعِلْمِ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ: قَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ فَرْضَ عَيْنٍ وَهُوَ تَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِ، لِإِقَامَةِ دِينِهِ وَإِخْلَاصِ عَمَلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ مُعَاشَرَةِ عِبَادِهِ.فَقَدْ فُرِضَ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَمُكَلَّفَةٍ- بَعْدَ تَعَلُّمِهِ مَا تَصِحُّ بِهِ عَقِيدَتُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ- تَعَلُّمُ مَا تَصِحُّ بِهِ الْعِبَادَاتُ وَالْمُعَامَلَاتُ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ لِلَّهِ.وَيَجِبُ تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الْبُيُوعِ عَلَى التُّجَّارِ لِيَحْتَرِزُوا عَنِ الشُّبُهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ، وَكَذَا أَهْلُ الْحِرَفِ، وَكُلُّ مَنِ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ يُفْرَضُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ حُكْمِهِ لِيَمْتَنِعَ عَنِ الْحَرَامِ فِيهِ.

وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَهُوَ تَعَلُّمُ كُلِّ عِلْمٍ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِي قِيَامِ أُمُورِ الدُّنْيَا كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْكَلَامِ وَالْقِرَاءَاتِ وَأَسَانِيدِ الْحَدِيثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَمِنَ التَّعَلُّمِ مَا هُوَ مَنْدُوبٌ، وَمِنْهُ التَّبَحُّرُ فِي الْفِقْهِ بِالتَّوَسُّعِ فِيهِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى غَوَامِضِهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ حَرَامًا: وَمِنْهُ تَعَلُّمُ الشَّعْوَذَةِ.وَضَرْبِ الرَّمْلِ وَالسِّحْرِ وَكَذَا الْكِهَانَةُ، وَالْعِرَافَةُ.

وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ مَكْرُوهًا، وَمِنْهُ تَعَلُّمُ أَشْعَارِ الْغَزَلِ مِمَّا فِيهِ وَصْفُ النِّسَاءِ الْمُعَيَّنَاتِ، وَتَفْصِيلُ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِهِ الْخَاصِّ.

وَقَدْ يَكُونُ التَّعَلُّمُ مُبَاحًا، وَمِنْهُ الْأَشْعَارُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا يُنْكَرُ مِنَ اسْتِخْفَافٍ بِأَحَدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ذِكْرِ عَوْرَاتِهِمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

ب- التَّعْلِيمُ:

6- قَالَ النَّوَوِيُّ: تَعْلِيمُ الطَّالِبِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ إِلاَّ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.

وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ يَصْلُحُونَ، فَطُلِبَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمْ فَامْتَنَعَ فَهَلْ يَأْثَمُ؟ يَجْرِي فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ.وَالْأَصَحُّ: لَا يَأْثَمُ.

هَذَا وَيَلْزَمُ تَعْلِيمُ الْعِلْمِ اللاَّزِمِ تَعْلِيمُهُ، كَاسْتِعْلَامِ كَافِرٍ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ عَنِ الْإِسْلَامِ، أَوِ اسْتِعْلَامِ حَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ عَنْ صَلَاةٍ حَضَرَ وَقْتُهَا، وَكَالْمُسْتَفْتِي فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الْإِجَابَةُ، وَمَنِ امْتَنَعَ كَانَ آثِمًا.

وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي نَوَافِلِ الْعِلْمِ الَّتِي لَا ضَرُورَةَ بِالنَّاسِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ: إِذَا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْعِلْمِ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ، لِتَعْلِيمِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مُعْرِضِينَ.

7- وَقَدْ حَثَّ الشَّرْعُ عَلَى تَعْلِيمِ الْعُلُومِ الَّتِي تَحْتَاجُهَا الْأُمَّةُ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا، وَجَاءَتِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ وَالْأَخْبَارُ بِذَلِكَ.وَمِنَ الْآيَاتِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وَالْمُرَادُ هُوَ التَّعْلِيمُ.

وَقَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} وَهُوَ إِيجَابٌ لِلتَّعْلِيمِ.

وقوله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وَهُوَ تَحْرِيمٌ لِلْكِتْمَانِ.

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ».وَقَوْلُهُ- عليه السلام-: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ».

وَالتَّحْقِيقُ حَمْلُ الْعِلْمِ فِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ، فَيَشْمَلُ عُلُومَ الشَّرْعِ: عِلْمَ الْكَلَامِ، وَالْفِقْهِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالْحَدِيثِ، وَعُلُومَ الدُّنْيَا.وَمِنْهَا الزِّرَاعَةُ، وَالصِّنَاعَةُ، وَالسِّيَاسَةُ، وَالْحِرَفُ، وَالطِّبُّ، وَالتِّكْنُولُوجْيَا، وَالْحِسَابُ، وَالْهَنْدَسَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ، وَمَا يَرْتَبِطُ بِهِ مَصَالِحُ أُمُورِ الدُّنْيَا.

فَضْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ:

8- وَرَدَتِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ، وَتَطَابَقَتِ الدَّلَائِلُ الصَّرِيحَةُ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ، وَالْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَالِاجْتِهَادِ فِي اقْتِبَاسِهِ وَتَعْلِيمِهِ.

فَمِنَ الْآيَاتِ قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى. {وَقُلْ رَبِّي زِدْنِي عِلْمًا} وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

وَمِنَ الْأَخْبَارِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ- رضي الله عنه-: «لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ».

وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا».

وَمِنَ الْآثَارِ قَوْلُ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحُ بِهِ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ.وَقَوْلُهُ: الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ، وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ.وَالْمَالُ تُنْقِصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو بِالْإِنْفَاقِ.

آدَابُ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ

أ- آدَابُ الْمُعَلِّمِ:

9- فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ الْقَوْلَ فِي آدَابِ الْمُعَلِّمِ وَوَظَائِفِهِ وَأَهَمُّهَا مَا يَلِي:

- أَنْ يَقْصِدَ بِتَعْلِيمِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَقْصِدَ تَوَصُّلًا إِلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ.

- وَأَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْمَحَاسِنِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا وَحَثَّ عَلَيْهَا، وَالْخِلَالِ الْحَمِيدَةِ وَالشِّيَمِ الْمَرْضِيَّةِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا.

- وَأَنْ يَحْذَرَ مِنَ الْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَاحْتِقَارِ النَّاسِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ بِدَرَجَاتٍ.

- وَأَنْ لَا يُذِلَّ الْعِلْمَ وَلَا يَذْهَبَ بِهِ إِلَى مَكَانٍ يُنْتَسَبُ إِلَى مَنْ يَتَعَلَّمُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَلِّمُ كَبِيرَ الْقَدْرِ.

- وَأَنْ يُشْفِقَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، وَأَنْ يُجْرِيَهُمْ مُجْرَى بَنِيهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ» بِأَنْ يَقْصِدَ إِنْقَاذَهُمْ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ أَهَمُّ مِنْ إِنْقَاذِ الْوَالِدَيْنِ وَلَدَهُمَا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا.

- وَأَنْ لَا يَتَعَظَّمَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ، بَلْ يَلِينُ لَهُمْ وَيَتَوَاضَعُ.قَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: تَوَاضَعُوا لِمَنْ عَلَّمَكُمْ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَّارِي الْعُلَمَاءِ.

- وَأَنْ يَتَفَقَّدَ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَيَسْأَلَ عَمَّنْ غَابَ مِنْهُمْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا وُسْعَهُ فِي تَفْهِيمِهِمْ وَتَقْرِيبِ الْفَائِدَةِ إِلَى أَذْهَانِهِمْ.

- وَأَنْ يَزْجُرَ الْمُتَعَلِّمَ عَنْ سُوءِ الْأَخْلَاقِ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُصَرِّحُ، وَبِطَرِيقِ الرَّحْمَةِ لَا بِطَرِيقِ التَّوْبِيخِ.

- وَأَنْ يَقْتَصِرَ بِالْمُتَعَلِّمِ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ، فَلَا يُلْقِي إِلَيْهِ مَا لَا يَبْلُغُهُ عَقْلُهُ، فَيُنَفِّرُهُ أَوْ يَخْبِطُ عَلَيْهِ عَقْلَهُ، اقْتِدَاءً فِي ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ قَالَ: «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ».

- وَأَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الِاشْتِغَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَيُطَالِبَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ بِإِعَادَةِ مَحْفُوظَاتِهِمْ، وَيَسْأَلَهُمْ عَمَّا ذَكَرَ لَهُمْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ.

- وَأَنْ يُقَدِّمَ فِي تَعْلِيمِهِمْ إِذَا ازْدَحَمُوا الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ.

- وَأَنْ يَكُونَ عَامِلًا بِعِلْمِهِ فَلَا يُكَذِّبُ قَوْلَهُ فِعْلُهُ، لِأَنَّ الْعِلْمَ يُدْرَكُ بِالْبَصَائِرِ وَالْعَمَلَ يُدْرَكُ بِالْأَبْصَارِ، وَأَرْبَابُ الْأَبْصَارِ أَكْثَرُ.

ب- آدَابُ الْمُتَعَلِّمِ:

10- يَنْبَغِي أَنْ يُطَهِّرَ قَلْبَهُ مِنَ الْأَدْنَاسِ لِيَصْلُحَ لِقَبُولِ الْعِلْمِ وَحِفْظِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»

وَقَالُوا: تَطْبِيبُ الْقَلْبِ لِلْعِلْمِ كَتَطْبِيبِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ الْعَلَائِقَ الشَّاغِلَةَ عَنْ كَمَالِ الِاجْتِهَادِ فِي التَّحْصِيلِ، وَيَرْضَى بِمَا يَتَيَسَّرُ مِنَ الْقُوتِ، وَيَصْبِرُ إِنْ ضَاقَ بِهِ الْعَيْشُ.

وَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَوَاضَعَ لِمُعَلِّمِهِ وَيَنْظُرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الِاحْتِرَامِ، وَيَرَى كَمَالَ أَهْلِيَّتِهِ وَرُجْحَانَهُ عَلَى أَكْثَرِ طَبَقَتِهِ، فَذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى انْتِفَاعِهِ بِهِ وَرُسُوخِ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي ذِهْنِهِ.

- وَلْيَحْذَرِ الْمُتَعَلِّمُ الْبَسْطَ عَلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ وَإِنْ آنَسَهُ، وَالْإِدْلَالَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ صُحْبَتُهُ، وَلَا يُظْهِرُ لَهُ الِاسْتِكْفَاءَ مِنْهُ وَالِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ كُفْرًا لِنِعْمَتِهِ وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ.

- وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَبْعَثَهُ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ لِلْمُعَلِّمِ عَلَى قَبُولِ الشُّبْهَةِ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَنِّتَ مُعَلِّمَهُ بِالسُّؤَالِ، وَلَا يَدْعُوهُ تَرْكُ الْإِعْنَاتِ لِلْمُعَلِّمِ إِلَى التَّقْلِيدِ فِيمَا أَخَذَ عَنْهُ.وَلَيْسَتْ كَثْرَةُ السُّؤَالِ فِيمَا الْتَبَسَ إِعْنَاتًا، وَلَا قَبُولُ مَا صَحَّ فِي النَّفْسِ تَقْلِيدًا.

إِلاَّ أَنَّهُ لَا يُلِحُّ فِي السُّؤَالِ إِلْحَاحًا مُضْجِرًا، وَيَغْتَنِمُ سُؤَالَهُ عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهِ وَفَرَاغِهِ، وَيَتَلَطَّفُ فِي سُؤَالِهِ وَيُحْسِنُ خِطَابَهُ.

- وَلْيَأْخُذِ الْمُتَعَلِّمُ حَظَّهُ مِمَّنْ وَجَدَ طَلَبَتَهُ عِنْدَهُ مِنْ نَبِيهٍ وَخَامِلٍ، وَلَا يَطْلُبُ الصِّيتَ وَحُسْنَ الذِّكْرِ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْمَنَازِلِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، إِذَا كَانَ النَّفْعُ بِغَيْرِهِمْ أَعَمَّ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَوِيَ النَّفْعَانِ فَيَكُونُ الْأَخْذُ عَمَّنِ اشْتَهَرَ ذِكْرُهُ وَارْتَفَعَ قَدْرُهُ أَوْلَى، لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إِلَيْهِ أَجْمَلُ وَالْأَخْذَ عَنْهُ أَشْهَرُ.

- وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَى التَّعَلُّمِ مُوَاظِبًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ، لَيْلًا وَنَهَارًا حَضَرًا وَسَفَرًا، وَلَا يُذْهِبُ مِنْ أَوْقَاتِهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ إِلاَّ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ قَدْرًا- لَا بُدَّ مِنْهُ- وَنَحْوِهِمَا مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ.

- وَمِنْ آدَابِ الْمُتَعَلِّمِ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ، وَأَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ عَالِيَةً، فَلَا يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مَعَ إِمْكَانِ كَثِيرٍ، وَأَنْ لَا يُسَوِّفَ فِي اشْتِغَالِهِ وَلَا يُؤَخِّرَ تَحْصِيلَ فَائِدَةٍ، وَإِنْ قَلَّتْ: إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهَا، وَإِنْ أَمَلَ حُصُولَهَا بَعْدَ سَاعَةٍ، لِأَنَّ لِلتَّأْخِيرِ آفَاتٍ، وَلِأَنَّ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي يَحْصُلُ غَيْرُهَا.

تَعْلِيمُ الصِّغَارِ:

11- عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ تَعْلِيمُ الصِّغَارِ مَا يَلْزَمُهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيُعَلَّمُ الصَّغِيرُ مَا تَصِحُّ بِهِ عَقِيدَتُهُ مِنْ إِيمَانٍ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَا تَصِحُّ بِهِ عِبَادَتُهُ، وَيُعَرِّفُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».وَيُعَرِّفُهُ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشَبَهِهَا، كَمَا يُعَلَّمُ أَنَّهُ بِالْبُلُوغِ يَدْخُلُ فِي التَّكْلِيفِ، وَيُعَرَّفُ مَا يَبْلُغُ بِهِ.

وَقِيلَ هَذَا التَّعْلِيمُ مُسْتَحَبٌّ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنِ الْأَئِمَّةِ وُجُوبَهُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ.

وَدَلِيلُ وُجُوبِ تَعْلِيمِ الصَّغِيرِ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةَ: مَعْنَاهُ عَلِّمُوهُمْ مَا يَنْجُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ «وَهَذَا ظَاهِرٌ» وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّ الصَّبِيَّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ نَقْشٍ، وَقَابِلٌ لِكُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، يُشَارِكُهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ بِهِ وَالْوَلِيِّ عَلَيْهِ.وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُ وَلَدَهُ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُونَهُ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ أَوْلَى، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيَهْدِيَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَلَا يُعَوِّدَهُ التَّنَعُّمَ، وَلَا يُحَبِّبَ إِلَيْهِ الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ فَيُضَيِّعُ عُمْرَهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ وَيَهْلَكُ هَلَاكَ الْأَبَدِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَهُ أَيْضًا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ: السِّبَاحَةِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَعُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِحَسَبِهِ.قَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرِّمَايَةَ، وَمُرُوهُمْ فَلْيَثِبُوا عَلَى الْخَيْلِ وَثْبًا.

هَذَا وَلِلتَّفْصِيلِ فِي الْعِلْمِ الْمَحْمُودِ وَالْعِلْمِ الْمَذْمُومِ، وَأَقْسَامِهِمَا وَأَحْكَامِهِمَا، وَمَا هُوَ يَتَعَيَّنُ طَلَبُهُ وَتَعَلُّمُهُ وَمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ (ر: عِلْمٌ)

تَعْلِيمُ النِّسَاءِ:

12- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْقُرْآنَ وَالْعُلُومَ وَالْآدَابَ.وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ قِيَامِ الْمُتَأَهِّلَةِ مِنَ النِّسَاءِ بِتَعْلِيمِ عُلُومِ الشَّرْعِ، كَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- وَنِسَاءٌ تَابِعَاتٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنِسَاءِ نَبِيِّهِ- عليه الصلاة والسلام-: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُ النِّسَاءِ مَعَ مُرَاعَاةِ آدَابِ أَمْرِ الشَّارِعِ الْمَرْأَةَ بِالْتِزَامِهَا لِلْحِفَاظِ عَلَى عِرْضِهَا وَشَرَفِهَا وَعِفَّتِهَا، مِنْ عَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ، وَعَدَمِ التَّبَرُّجِ، وَعَدَمِ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ لِلْكَلَامِ مَعَ الْأَجَانِبِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: اخْتِلَاطٌ، أُنُوثَةٌ، تَبَرُّجٌ، حِجَابٌ، عَوْرَةٌ).وَيَجِبُ تَعْلِيمُ النِّسَاءِ الْعُلُومَ الَّتِي تُعْتَبَرُ ضَرُورِيَّةً بِالنِّسْبَةِ لِلْأُنْثَى كَطِبِّ النِّسَاءِ.قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: إِذَا كَانَ الْمَرَضُ فِي سَائِرِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الدَّوَاءِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْفَرْجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا..قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ «يَنْبَغِي» هُنَا لِلْوُجُوبِ.وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: تَطْبِيبٌ، وَتَدَاوِي).هَذَا وَيَرَى أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ كَالرَّجُلِ.فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنها-.قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ: أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِهَا الْكِتَابَةَ».

قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى: وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ.

وَقَدْ سَرَدَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْ ظَاهِرِهَا النَّهْيُ عَنْ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ ضَعَّفَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، أَوْ أَعَلَّهَا بِالْوَضْعِ.

الضَّرْبُ لِلتَّعْلِيمِ:

13- لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عِنْدَهُ لِلتَّأْدِيبِ.وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمُعَلِّمِ فِي ضَرْبِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ بِقُيُودٍ مِنْهَا:

أ- أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، يَعْلَمُ الْمُعَلَّمُ الْأَمْنَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ضَرْبُهُ بِالْيَدِ لَا بِالْعَصَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلَاثَ، رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- عليه الصلاة والسلام- قَالَ لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ- رضي الله عنه-: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ فَوْقَ الثَّلَاثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ»

ب- أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لِأَنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الْأَدَبِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ، وَتَسْلِيمُ الْوَلِيِّ صَبِيَّهُ إِلَى الْمُعَلِّمِ لِتَعْلِيمِهِ لَا يُثْبِتُ الْإِذْنَ فِي الضَّرْبِ، فَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا.

وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمْ: الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ.

ج- أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ التَّأْدِيبَ، فَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ مَنْ لَا يَعْقِلُ التَّأْدِيبَ مِنَ الصِّبْيَانِ

قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ، قَالَ: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَلَا يَضْرِبُهُ.

ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ:

14- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا أَدَّبَ صَبِيَّهُ الْأَدَبَ الْمَشْرُوعَ فَمَاتَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ.إِلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ قَدْ حَصَلَ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوِ الْوَصِيِّ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، فَإِذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ صَبِيًّا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَبِ أَوِ الْوَصِيِّ ضَمِنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الضَّرْبِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَانَ مِثْلُهُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ، لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لَا الْهَلَاكُ، فَإِذَا حَصَلَ بِهِ هَلَاكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ.وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: تَأْدِيبٌ.ضَمَانٌ.قَتْلٌ).

الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ:

15- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الرِّزْقَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ كَالْأُجْرَةِ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ: فَيَرَى مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ- وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- عَدَمَ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، كَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ.لِحَدِيثِ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- رضي الله عنه- قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا.قَالَ: قُلْتُ: قَوْسٌ، وَلَيْسَ بِمَالٍ.قَالَ: قُلْتُ: أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا».

وَحَدِيثُ «أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ- رضي الله عنه-، أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلًا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً أَوْ ثَوْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا لأَلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِعَمَلٍ مَفْرُوضٍ، فَلَا يَجُوزُ، كَالِاسْتِئْجَارِ لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْأَجِيرِ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُتَعَلِّمِ، فَأَشْبَهَ الِاسْتِئْجَارَ لِحَمْلِ خَشَبَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهَا بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ سَبَبٌ لِتَنْفِيرِ النَّاسِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، لِأَنَّ ثِقَلَ الْأَجْرِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ اللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} فَيُؤَدِّي إِلَى الرَّغْبَةِ عَنْ هَذِهِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ- وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى عِنْدَهُمْ- وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- يُؤْخَذُ مِمَّا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ- إِلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، لِخَبَرِ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَنْ سَأَلْتُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَرَى بِتَعْلِيمِ الْغِلْمَانِ بِالْأَجْرِ بَأْسًا.

وَلِأَنَّ الْحُفَّاظَ وَالْمُعَلِّمِينَ- نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ عَطِيَّاتٍ لَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ- رُبَّمَا اشْتَغَلُوا بِمَعَاشِهِمْ، فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِلتَّعْلِيمِ حِسْبَةً، إِذْ حَاجَتُهُمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ بَابُ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ لَذَهَبَ الْعِلْمُ وَقَلَّ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: التَّعْلِيمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِهَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ، وَمِنْ أَنْ يَتَوَكَّلَ لِرَجُلٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ فِي ضَيْعَةٍ، وَمِنْ أَنْ يَسْتَدِينَ وَيَتَّجِرَ، لَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ فَيَلْقَى اللَّهَ بِأَمَانَاتِ النَّاسِ.وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، أَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ، كَالنَّحْوِ وَالْأُصُولِ وَالْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُمْ.وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَكَرَاهَتِهَا عَلَى تَعْلِيمِ غَيْرِهِ: بِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ فِيهِ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ.وَأَيْضًا فَإِنَّ تَعْلِيمَ الْفِقْهِ بِأُجْرَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، كَمَا أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ يُؤَدِّي إِلَى تَقْلِيلِ طَالِبِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ- عَلَى الْأَصَحِّ- إِلَى جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ بِشَرْطِ تَعْيِينِ السُّورَةِ وَالْآيَاتِ الَّتِي يَعْلَمُهَا، فَإِنْ أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ.وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: بِعَدَمِ جَوَازِهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ مَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مَضْبُوطَةٍ، فَيَجُوزُ.

وَقَدْ فَصَّلَ الْفُقَهَاءُ الْقَوْلَ فِي شُرُوطِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ، يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي أَبْوَابِ (الْإِجَارَةِ) مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ

الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِرَفِ وَالْعُلُومِ غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ:

16- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ، كَخِيَاطَةٍ وَحِدَادَةٍ وَبِنَاءٍ وَزَرْعٍ وَنَسِيجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْعُلُومِ سِوَى الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الْبَحْتَةِ، كَاللُّغَةِ وَالْآدَابِ، لِأَنَّهَا تَارَةً تَقَعُ قُرْبَةً وَتَارَةً تَقَعُ غَيْرَ قُرْبَةٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ لِفِعْلِهِ، كَغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ، لِكَوْنِ فَاعِلِهَا لَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ مِثْلِ هَذِهِ الْعُلُومِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي شُرُوطِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِرَفِ وَالْعُلُومِ (ر: مُصْطَلَحَ إِجَارَةٍ ف 151 ج 1)

تَعْلِيمُ عُلُومٍ مُحَرَّمَةٍ:

17- لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ عُلُومٍ مُحَرَّمَةٍ، كَالْكِهَانَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالضَّرْبِ بِالرَّمْلِ وَبِالشَّعِيرِ وَبِالْحِمَّصِ، وَالشَّعْبَذَةِ، وَعُلُومِ طَبَائِعَ وَسِحْرٍ وَطَلْسَمَاتٍ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وَتَلْبِيسَاتٍ.فَتَعْلِيمُ كُلِّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا حَرَامٌ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ «حُلْوَانِ الْكَاهِنِ» وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ. هَذَا، وَلَيْسَ مِنَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ تَعْلِيمُ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ النُّجُومِ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَالْقِبْلَةِ وَاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: عِلْمٌ).

تَعْلِيمُ الْجَوَارِحِ:

18- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحِلِّ مَا قَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ مِنَ الصَّيْدِ: كَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا، لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} حَيْثُ إِنَّ النَّصَّ يَنْطِقُ بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ، وَقَوْلُهُ- عليه الصلاة والسلام-: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ».وَلِأَنَّ الْجَارِحَ إِنَّمَا يَصِيرُ آلَةً بِالتَّعْلِيمِ، لِيَكُونَ عَامِلًا لِلصَّائِدِ بِمَا يُرِيدُ مِنَ الصَّيْدِ، فَيَسْتَرْسِلُ بِإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكُ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهِ، لَا لِنَفْسِهِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ فِي صِفَةِ الْجَارِحِ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُصَادَ بِهِ وَشُرُوطِ تَعْلِيمِهِ وَضَبْطِ تَعْلِيمِهِ يُنْظَرُ: مُصْطَلَحُ: (صَيْدٌ)

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


23-موسوعة الفقه الكويتية (حياة)

حَيَاةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْحَيَاةُ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْمَوْتِ، وَالْحَيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ نَقِيصُ الْمَيِّتِ.وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ مِزَاجِيَّةٍ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ، وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ صِفَةٌ تَلِيقُ بِهِ جَلَّ شَأْنُهُ.وَعَرَّفَ الْجُرْجَانِيُّ الْحَيَاةَ: بِأَنَّهَا صِفَةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ.وَعَلَى هَذَا لَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِلْحَيَاةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الرُّوحُ:

2- قَالَ الْفَرَّاءُ: الرُّوحُ، هُوَ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الْإِنْسَانُ، لَمْ يُخْبِرِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ.قَالَ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.

ب- النَّفْسُ:

3- قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مِنَ اللُّغَوِيِّينَ مَنْ سَوَّى بَيْنَ النَّفْسِ وَالرُّوحِ، وَقَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: الرُّوحُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ وَالنَّفْسُ هِيَ الَّتِي بِهَا الْعَقْلُ.

ج- الِاسْتِهْلَالُ:

4- الِاسْتِهْلَالُ مَصْدَرُ اسْتَهَلَّ، يُقَالُ: اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ بِالْبُكَاءِ أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ وَصَاحَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ارْتَفَعَ صَوْتُهُ فَقَدِ اسْتَهَلَّ.وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ».وَالِاسْتِهْلَالُ أَمَارَةٌ مِنْ أَمَارَاتِ الْحَيَاةِ.

د- الْمَوْتُ:

5- الْمَوْتُ: صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ خُلِقَتْ ضِدًّا لِلْحَيَاةِ.وَقِيلَ: صِفَةٌ عَدَمِيَّةٌ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ التَّضَادُّ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَيَاةِ:

أَوَّلًا: بَدْءُ الْحَيَاةِ:

6- بَدْءُ الْحَيَاةِ الْآدَمِيَّةِ الْأُولَى كَانَ نَفْخَةً مِنْ رُوحِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الصُّورَةِ الَّتِي سَوَّاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ طِينٍ لآِدَمَ- عليه السلام-، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ بَدْءَ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذُرِّيَّةِ آدَمَ- عليه السلام- يَكُونُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ».

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَوْعِدِ نَفْخِ الرُّوحِ: هَلْ هُوَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أَوْ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، أَوْ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي «جَنِينٍ» «وَرُوحٍ».

وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ: هَلْ يُعْتَبَرُ حَيًّا، أَوْ أَصْلًا لِلْحَيِّ، أَوْ لَا يُعْتَبَرُ كَذَلِكَ:

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ حَيَاةَ الْجَنِينِ تَبْدَأُ وَيُعْتَدُّ بِهَا مُنْذُ نَفْخِ الرُّوحِ، أَمَّا قَبْلَهَا فَلَا تَكُونُ حَيَاتُهُ حَقِيقِيَّةً بَلْ حَيَاةٌ اِعْتِبَارِيَّةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، كَتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْإِرْثِ، وَصِحَّةِ الْإِيصَاءِ لَهُ بِشَرْطِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} لِأَنَّ قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أَيْ بِنَفْخِ الرُّوحِ حَيْثُ يَبْدَأُ فِي الْجَنِينِ الْإِحْسَاسُ وَالتَّأَثُّرُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَلْقِ الْآخَرِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَمَادًا.

وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الرُّوحِ بِالْجَنِينِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ، وَأَنَّ الْجَنِينَ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَبِهَا يَكُونُ حَيًّا، وَأَفَاضَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْجَنِينَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ كَانَ فِيهِ حَرَكَةُ نُمُوٍّ وَاغْتِذَاءٍ كَالنَّبَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ حَرَكَةُ نُمُوِّهِ وَاغْتِذَائِهِ بِالْإِرَادَةِ، فَلَمَّا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ انْضَمَّتْ حَرَكَةُ حِسِّيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ إِلَى حَرَكَةِ نُمُوِّهِ وَاغْتِذَائِهِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ حَيَاةَ الْجَنِينِ تَبْدَأُ مِنْ حِينِ تَلْقِيحِ مَاءِ الْمَرْأَةِ بِمَاءِ الرَّجُلِ وَاسْتِقْرَارِ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي الرَّحِمِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ حَيَاةَ الْجَنِينِ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ حَيَاةً كَامِلَةً لِإِنْسَانٍ حَيٍّ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا الْإِنْسَانُ كَائِنٌ بِالْقُوَّةِ، حَيَاتُهُ حَيَاةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْوُجُودِ أَنْ تَقَعَ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ وَيَخْتَلِطَ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ وَتَسْتَعِدَّ لِقَبُولِ الْحَيَاةِ، وَإِفْسَادُ ذَلِكَ جِنَايَةٌ، فَإِنْ صَارَتْ مُضْغَةً وَعَلَقَةً كَانَتِ الْجِنَايَةُ أَفْحَشَ، وَإِنْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَاسْتَوَتِ الْخِلْقَةُ ازْدَادَتِ الْجِنَايَةُ تَفَاحُشًا، وَمُنْتَهَى التَّفَاحُشِ فِي الْجِنَايَةِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَبْدَأُ سَبَبِ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ الْمَنِيِّ فِي الرَّحِمِ لَا مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ مِنَ الْإِحْلِيلِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُخْلَقُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَحْدَهُ بَلْ مِنَ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا.

وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْإِنْسَانِيَّةَ الْكَامِلَةَ الْمُعْتَبَرَةَ اعْتِبَارًا كَامِلًا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تَبْدَأُ بِوِلَادَةِ الشَّخْصِ حَيًّا.

ثَانِيًا: انْتِهَاءُ الْحَيَاةِ:

7- تَنْتَهِي حَيَاةُ الْإِنْسَانِ بِنَزْعِ الرُّوحِ، أَيْ بِالْمَوْتِ.

وَأَمَارَاتُ الْمَوْتِ مَعْرُوفَةٌ، وَرَدَ بَعْضُهَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَشُخُوصُ الْبَصَرِ هُوَ الْحَالَةُ الَّتِي يُشَاهِدُ فِيهَا الْمَيِّتُ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي لَا تُقْبَلُ مِنْهَا التَّوْبَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدُهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}

وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَمَارَاتِ انْتِهَاءِ الْحَيَاةِ: شُخُوصَ الْبَصَرِ، وَانْقِطَاعَ النَّفَسِ، وَانْفِرَاجَ الشَّفَتَيْنِ، وَسُقُوطَ الْقَدَمَيْنِ، وَانْفِصَالَ الزَّنْدَيْنِ، وَمَيْلَ الْأَنْفِ، وَامْتِدَادَ جِلْدَةِ الْوَجْهِ، وَانْخِسَافَ الصُّدْغَيْنِ، وَتَقَلُّصَ الْخُصْيَتَيْنِ مَعَ تَدَلِّي جِلْدَتِهِمَا.

ثَالِثًا: الْحِفَاظُ عَلَى الْحَيَاةِ:

8- يَكُونُ الْحِفَاظُ عَلَى الْحَيَاةِ بِفِعْلِ مَا يُمْسِكُهَا وَالْكَفِّ عَمَّا يُهْلِكُهَا أَوْ يَضُرُّهَا، وَالْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ وَعَدَمِ إِلْقَائِهَا إِلَى التَّهْلُكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وَقَرَّرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ حِفْظَ النُّفُوسِ آكَدُ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا بَعْدَ حِفْظِ الدِّينِ.وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ: تَكَالِيفُ الشَّرِيعَةِ تَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ مَقَاصِدِهَا فِي الْخَلْقِ، وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: ضَرُورِيَّةٌ، وَحَاجِيَّةٌ وَتَحْسِينِيَّةٌ، وَالضَّرُورِيَّةُ: هِيَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي قِيَامِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.وَالْحِفْظُ لَهَا يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يُقِيمُ أَرْكَانَهَا وَيُثَبِّتُ قَوَاعِدَهَا وَذَلِكَ مُرَاعَاتُهَا مِنْ جَانِبِ الْوُجُودِ، وَالثَّانِي مَا يَدْرَأُ عَنْهَا الِاخْتِلَالَ الْوَاقِعَ أَوِ الْمُتَوَقَّعَ فِيهَا وَذَلِكَ مُرَاعَاتُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَدَمِ، وَحِفْظُ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ مِنْ جَانِبِ الْوُجُودِ كَتَنَاوُلِ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَالْمَلْبُوسَاتِ وَالْمَسْكُونَاتِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَمَجْمُوعُ الضَّرُورِيَّاتِ خَمْسَةٌ: حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ، وَالنَّسْلِ، وَالْمَالِ.

وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِعْلُ مَا يُمْسِكُ حَيَاتَهُ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلِبَاسٍ وَسَكَنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَحَلَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخْيَلَةً، فَأَمَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ هُوَ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ وَسَكَّنَ الظَّمَأَ فَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ عَقْلًا وَشَرْعًا، لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ النَّفْسِ وَحِرَاسَةِ الْحَوَاسِّ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ، لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْجَسَدَ وَيُمِيتُ النَّفْسَ وَيُضْعِفُ عَنِ الْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ وَيَدْفَعُهُ الْعَقْلُ.

وَالْمُضْطَرُّ فِي الْمَخْمَصَةِ الَّذِي لَا يَجِدُ إِلاَّ مُحَرَّمًا كَالْمَيْتَةِ، أَوْ مَالِ الْغَيْرِ، وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ إِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ هَذَا الْمُحَرَّمِ، يَلْزَمُهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الْهَلَاكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (مَخْمَصَةٌ) (وَمُضْطَرٌّ) (وَمَيْتَةٌ).

وَالْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ شَرْعًا بِالْكَفِّ عَمَّا يُتْلِفُ الْحَيَاةَ أَوْ يَضُرُّهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وَقَدِ «احْتَجَّ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ- رضي الله عنه- بِهَذِهِ الْآيَةِ، حِين امْتَنَعَ عَنْ الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، حِينَ أَجْنَبَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْهَلَاكِ، فَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ».

رَابِعًا: الْجِنَايَةُ عَلَى الْحَيَاةِ:

وَهِيَ قِسْمَانِ: جِنَايَةُ الشَّخْصِ عَلَى حَيَاتِهِ، وَجِنَايَةٌ عَلَى حَيَاةِ غَيْرِهِ.

أ- جِنَايَةُ الشَّخْصِ عَلَى حَيَاتِهِ:

9- حَرَّمَ الشَّرْعُ تَحْرِيمًا قَاطِعًا أَنْ يَجْنِيَ الشَّخْصُ عَلَى حَيَاتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَجَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ عَنْهُ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».

وَحَرَّمَ الشَّرْعُ أَنْ يَقْتُلَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَيَجْنِيَ عَلَى حَيَاتِهِ، لِأَنَّ نَفْسَهُ الَّتِي يُزْهِقُهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ، فَالْأَنْفُسُ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى.

ب- جِنَايَةُ الشَّخْصِ عَلَى حَيَاةِ غَيْرِهِ:

10- الْحَيَاةُ الَّتِي يُجْنَى عَلَيْهَا، إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَيَاةً حَقِيقِيَّةً مُسْتَقِرَّةً، أَوْ مُسْتَمِرَّةً لِشَخْصٍ حَيٍّ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حَيَاةً اعْتِبَارِيَّةً وَهِيَ حَيَاةُ الْجَنِينِ.

الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ شَخْصٍ حَيٍّ:

11- الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ شَخْصٍ حَيٍّ تَكُونُ بِالْقَتْلِ أَيْ بِفِعْلِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزَهُوقِ النَّفْسِ وَهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ، قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: إِذَا اعْتُبِرَ بِفِعْلِ الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ يُقَالُ: قَتْلٌ، وَإِذَا اعْتُبِرَ بِفَوْتِ الْحَيَاةِ يُقَالُ: مَوْتٌ.

وَالْقَتْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، بِإِضَافَةِ مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ، وَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ، وَفِي بَيَانِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَمُوجَبِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي «دِيَةٌ» «وَقَتْلٌ» «وَقَوَدٌ» «وَجِنَايَةٌ».

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً} وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا».

وَالْحَيَاةُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَمِرَّةً، أَوْ مُسْتَقِرَّةً، أَوْ حَيَاةَ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ.وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَمِرَّةُ: هِيَ الَّتِي تَبْقَى إِلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ.

وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ: تَكُونُ بِوُجُودِ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ وَمَعَهَا الْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَالْإِدْرَاكُ دُونَ الْحَرَكَةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ.كَمَ لَوْ طُعِنَ إِنْسَانٌ وَقُطِعَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ سَاعَةٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ وَحَرَكَتُهُ الِاخْتِيَارِيَّةُ مَوْجُودَةٌ.

وَحَيَاةُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ: هِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهَا إِبْصَارٌ وَلَا نُطْقٌ وَلَا حَرَكَةُ اخْتِيَارٍ.وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيَاةِ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قَوَدٌ) (وَجِنَايَةٌ) (وَقِصَاصٌ).

الْجِنَايَةُ عَلَى حَيَاةِ الْجَنِينِ:

12- إِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ- بِسَبَبِ ذَلِكَ- جَنِينَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ، فَإِمَّا أَنْ تُلْقِيَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا:

أ- إِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا».

وَالْغُرَّةُ: الْعَبْدُ أَوِ الْأُمَّةُ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ الْمُلْقَى مَيِّتًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَلِئَلاَّ يَكْثُرَ التَّنَازُعُ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لِعَدَمِ الِانْضِبَاطِ.

وَتَتَعَدَّدُ الْغُرَّةُ بِتَعَدُّدِ الْجَنِينِ الْمُلْقَى.وَتَجِبُ مَعَ الْغُرَّةِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّ الْجَنِينَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْكَفَّارَةَ مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ.

13- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجَنِينِ الْمُلْقَى الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مَا سَبَقَ: فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَا اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَظُفْرٍ وَشَعْرٍ فَهُوَ كَمَنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إِلاَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ عَنِ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرَّأْسِ، وَفِي الشُّمُنِّيِّ: لَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً وَلَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَلَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلَا غُرَّةَ فِيهِ، وَتَجِبُ فِيهِ عِنْدَنَا حُكُومَةٌ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِي الْجَنِينِ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً أَيْ دَمًا مُجْتَمِعًا إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَارٌّ لَا يَذُوبُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَحْمًا، قَالَ الْقَوَابِلُ: - أَيْ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلَانِ- فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ- أَيْ تَخْفَى عَلَى غَيْرِ الْقَوَابِلِ- كَنَحْوِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُنَّ فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَالْكَفَّارَةُ.وَلَوْ قُلْنَ: لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ وَلَكِنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ فَلَا غُرَّةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَلْقَتْ مُضْغَةً فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّ فِيهِ صُورَةً خَفِيَّةً فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ كَالْعَلَقَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا تُشْغَلُ بِالشَّكِّ، وَالثَّانِي: فِيهِ غُرَّةٌ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَصَوَّرَ.

ب- إِنْ أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ- بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا- جَنِينَهَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ حَيًّا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بِالْجِنَايَةِ، وَفِيهِ مَعَ الدِّيَةِ الْكَفَّارَةُ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ إِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا بَعْدَ انْفِصَالِهِ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَنُوطَةُ بِهَا، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحَيَاةُ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَى كَالْعُطَاسِ وَالِارْتِضَاعِ وَالتَّنَفُّسِ وَالْحَرَكَةِ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (اسْتِهْلَالٌ).

وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حَامِلٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا وَمَاتَتْ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ بِخُصُوصِهِ.

وَفِي جِنَايَةِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ عَلَى حَيَاةِ جَنِينِهَا تَفْصِيلٌ فِي (إِجْهَاضٌ).

خَامِسًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِرْثِ:

14- مِنْ شُرُوطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ أَوْ إِلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى حُكْمًا، وَتَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ أَوْ إِلْحَاقُهُ بِالْأَحْيَاءِ.

وَالْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ وَاضِحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّحَقُّقِ مِنْ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَمِنْ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ، بِأَنْ كَانَا حَيَّيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ مَوْتًا حَقِيقِيًّا وَتَحَقَّقَتْ حَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَهُ، لَكِنْ هُنَاكَ صُوَرًا أُخْرَى لَا يَكُونُ فِيهَا الْحُكْمُ وَاضِحًا أَوْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، مِنْهَا: الْحَمْلُ الَّذِي لَهُ حَقٌّ فِي الْإِرْثِ، وَالَّذِينَ يَمُوتُونَ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ السَّابِقُ مِنْهُمْ.

أَمَّا الْحَمْلُ فَإِنَّ حَيَاتَهُ تَلْحَقُ- تَقْدِيرًا- بِالْحَيِّ عِنْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِ، وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِلْحُكْمِ بِتَوْرِيثِ الْحَمْلِ شَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ.

الثَّانِي: أَنْ يَنْفَصِلَ كُلُّهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً.عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (إِرْثٌ): ف (109)، 115.

وَأَمَّا الَّذِينَ يَمُوتُونَ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ سَابِقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ فِي الْأَصْلِ يَتَوَارَثُونَ.فَقَدِ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَوَارَثُونَ، وَتَرِكَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ الْأَحْيَاءِ، لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ- رضي الله عنهما- تُوُفِّيَتْ هِيَ وَابْنُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَلَمْ تَرِثْهُ وَلَمْ يَرِثْهَا، وَلِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ، وَلَا تَوَارُثَ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّا إِنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمْ فَقَطْ فَهُوَ تَحَكُّمٌ، وَإِنْ وَرَّثْنَا كُلًّا مِنَ الْآخَرِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ.وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ تِلَادِ مَا لَهُ، أَيْ قَدِيمِهِ دُونَ طَارِفِهِ وَهُوَ مَا وَرِثَهُ مِمَّنْ مَاتَ مَعَهُ.

وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمْ مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَشْكَلَ، أُعْطِيَ كُلُّ وَارِثٍ الْيَقِينَ، وَوَقَفَ الْبَاقِي الْمَشْكُوكُ فِيهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ، أَوْ يَصْطَلِحُوا، لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ، وَالْمَرْءُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُوقَفُ الْمِيرَاثُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ أَوْ يَصْطَلِحُوا، لِأَنَّ التَّذَكُّرَ غَيْرُ مَيْئُوسٍ مِنْهُ.

سَادِسًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ:

15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ بِأَنْوَاعِهَا (مِنْ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ عَقْرٍ أَوْ صَيْدٍ) لَا بُدَّ مِنْهَا لِإِبَاحَةِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوِ الطَّيْرِ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ تَكُونَ بِالْحَيَوَانِ أَوِ الطَّيْرِ عِنْدَ الذَّبْحِ أَوِ الصَّيْدِ حَيَاةٌ، وَإِلاَّ كَانَ مَيْتَةً وَلَمْ تَعْمَلِ الذَّكَاةُ عَمَلَهَا مِنْ حَيْثُ الْإِبَاحَةُ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْحَيَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا عِنْدَ الذَّبْحِ أَوِ الصَّيْدِ.وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَيَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ إِلاَّ مِثْلُ عَيْشِ الْمَذْبُوحِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الذَّكَاةَ تُحِلُّهُ أَوْ لَا، عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (ذَبَائِحُ).

كَمَا اخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا ذُبِحَتْ شَاةٌ مَثَلًا وَكَانَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ، هَلْ تُعْتَبَرُ ذَكَاتُهَا ذَكَاةً لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ حَيَاتَهُ تَابِعَةٌ لِحَيَاتِهَا أَوْ مُسْتَقِلَّةٌ عَنْهَا، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (ذَبَائِحُ).

سَابِعًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي غُسْلِ السِّقْطِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.

16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السِّقْطَ إِذَا اسْتَهَلَّ ثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ الْحَيِّ وَحُقُوقُهُ، وَمِنْهَا وُجُوبُ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ».وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الدُّنْيَا فِي الْإِسْلَامِ وَالْمِيرَاثِ وَالدِّيَةِ فَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ كَغَيْرِهِ.وَاخْتَلَفُوا فِي السِّقْطِ إِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السِّقْطُ إِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ غُسِّلَ وَسُمِّيَ- فِي الْأَصَحِّ الْمُفْتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ- إِكْرَامًا لِبَنِي آدَمَ، وَأُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَدُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ تَامَّ الْخَلْقِ أَمْ لَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ غُسْلُ سِقْطٍ لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا، وَلَوْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ أَوْ بَالَ أَوْ رَضَعَ، إِلاَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ الْحَيَاةُ بِعَلَامَةٍ مِنْ عَلَامَاتِهَا فَيَجِبُ غُسْلُهُ، وَيُغَسَّلُ دَمُ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ وَيُلَفُّ بِخِرْقَةٍ وَيُوَارَى.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ السِّقْطُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كُفِّنَ بِخِرْقَةٍ وَدُفِنَ، وَإِنْ تَمَّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الْقَدِيمِ: يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَ كَمَنِ اسْتَهَلَّ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الدُّنْيَا فِي الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا يُصَلَّى عَلَيْهِ غُسِّلَ كَغَيْرِ السِّقْطِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَفِي غُسْلِهِ قَوْلَانِ: قَالَ الْبُوَيْطِيُّ: فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُغَسَّلُ، لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَلَا يُغَسَّلُ كَالشَّهِيدِ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ: يُغَسَّلُ لِأَنَّ الْغُسْلَ قَدْ يَنْفَرِدُ عَنِ الصَّلَاةِ كَمَا نَقُولُ فِي الْكَافِرِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: السِّقْطُ إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَتَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ نَسَمَةٌ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهِلِّ.فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْحَيَاةِ.

ثَامِنًا: الْحَيَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ:

17- يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى تَوْبَةَ الْعَبْدِ الْمُذْنِبِ الْمُكَلَّفِ- كَرَمًا مِنْهُ تَعَالَى وَفَضْلًا- مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» أَيْ مَا لَمْ تَصِلْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ، مِنَ الْغَرْغَرَةِ وَهِيَ جَعْلُ الشَّرَابِ فِي الْفَمِ وَإِدَارَتُهُ إِلَى أَصْلِ الْحُلْقُومِ فَلَا يُبْلَعُ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} الْآيَةَ، وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ حُضُورَهُ بِمُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ تَيَقُّنُ الْمَوْتِ لَا خُصُوصُ رُؤْيَةِ مَلَكِهِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَرَاهُ.

وَقِيلَ: السِّرُّ فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ حِينَ الْيَأْسِ مِنَ الْحَيَاةِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا عَزْمُ التَّائِبِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ تَمَكُّنِ التَّائِبِ مِنَ الذَّنْبِ وَبَقَاءِ الِاخْتِيَارِ.

قَالَ ابْنُ عَلاَّنَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى فُرِضَ الْوُصُولُ لِحَالَةٍ لَا تُمْكِنُ الْحَيَاةُ بَعْدَهَا عَادَةً لَا تَصِحُّ مِنْهُ حِينَئِذٍ تَوْبَةٌ وَلَا غَيْرُهَا، وَهَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: «يُغَرْغِرْ».وَمَتَى لَمْ يَصِلْ لِذَلِكَ صَحَّتْ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَغَيْرُهَا.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


24-الأضداد لابن الأنباري (إلا إبليس كان من الجن)

223 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفسيرين متضادّين، قوله تبارك وتعالى: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، يقال: الجنّ الملائكة، سُمُّوا جنًّا لاستتارهم عن النَّاس، من قول العرب: قد جنَّ عليه اللَّيل، وأَجَنَّه وجَنَّه، إِذا ستره، قال الشَّاعر:

«يُوَصِّلُ حَبْلَيْهِ إِذا اللَّيْلُ جَنَّهُ *** لِيَرْقَى إِلى جَارَاتِهِ في السَّلالِمِ»

وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا إِبراهيم بن زكريا البزَّاز، قال: حدَّثنا جرير، عن ثعلبة، عن جعفر بن أَبي المغيرة، عن سعيد بن جبير في قوله: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، قال: كان من حيٍّ من الملائكة، يصوغون حِلْيَةَ أَهل الجَنَّةِ.

وأَخبرنا أَبو الحسن بن البراء، قال: حدَّثنا ابن غانم وابن حميد، قالا: حدَّثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إِسحاق، عن خلاّد بن عطاء، عن طاوس - أَو عن مجاهد أَبي الحجاج - عن ابن عباس وغيره، قالوا: كان إِبليس قبل أَن يركبَ المعصية مَلَكًا من الملائكة، اسمه عَزَازيل، وكانَ من سكَّانِ الأَرض من الملائكة يُسَمُّون الجِنّ، ولم يكن من

الملائكة مَلَكٌ أَشدُّ اجتهادًا ولا أَكثر منه علمًا، فلمَّا تكبَّر على الله عزَ وجلّ، وأَبى السُّجود لآدم وعصاه لعنه وجعله شيطانًا مَريدًا وسمَّاه إِبليس، يقول الله عزَ وجلّ: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمينَ بَدَلًا.

قال ابن إِسحاق: وقالت العرب: الجنّ ما استتر عن النَّاس ولم يَظْهر. وقالَ أَصحاب هذا القول: الذليل على أَنَّ إِبليس من الملائكة أَنَّ الله جلّ وعزّ استثناه معهم من سجودهم. ويدلُّ أَيْضًا على أَنَّ الملائكة يقال لهم جنّ قول الأَعشى في ذكره سُلَيْمَان بن داود عليهما السَّلام:

«لَوْ كانَ شيئًا خالِدًا مُعَمَّرًا *** لكان سليمانُ البريَء من الدَّهْرِ»

«بَراه إِلهي واصْطَفاه عبادَهُ *** وملَّكَه ما بيت تُرنَي إِلى مِصْرِ»

«وسَخًّرَ من جِنّ الملائكِ تِسْعَةً *** قيامًا لديه يَعْمَلُون بِلاَ أَجْرِ»

وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، قال: حدَّثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إنَّما قيل لإِبليس: الجِنيّ، لأَنَّه كان من الملائكة، وأَنَّ الله خلق ملائكة، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي

فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فأَبوْا فأَرسل الله عليهم نارًا فأَحرقتهم، ثمَّ خلَق ملائكة آخرين، فقال لهم مثل ما قال للأَوَّلين، فأَبوْا، فأَرسل الله عليهم نارًا فأَحرقتهم، ثمَّ خلق هؤلاء الملائكة الذين هم عنده، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فقالوا: سمعنا وأَطعنا، فقال ابن عباس: فكان إِبليس من الملائكة الذين حُرِقُوا أَوَّلًا. قال أَبو عاصم: ثمَّ أَعاده الله ليضِلَّ به مَنْ يشاءُ.

وأَخبرنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: حدَّثنا سعيد بن سليمان، ق خبَّرنا عبَّاد، عن سفيان بن حسين، عن يعلَى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان إِبليس اسمه عَزَازيل، وكانَ من أَشراف الملائكة، من أُولي الأَربعة الأَجنحة، ثمَّ أُبْلِس بعد.

وأَخبرنا محمد بن عثمان، قال: حدَّثنا منجاب، قال: أَخبرنا بشر، عن أَبي رَوْق، عن الضَّحَّاك، عن ابن عباس، قال: إنَّما سُمِّيَ إِبليس إِبليس؛ لأَنَّه أُبْلِس من الخير كلِّه، فقال اللغويون: هذا التفسير يشهد لمعنى إِبليس وصَرْفِه عن الخير واستحقاقه البُعْد منه ولا يشهد؛ لأَنَّ لفظ إِبليس مأْخوذ من أُبْلِس أَو أَبلَس؛ لأَنَّه لو كان كذلك كان عربيًّا منوَّنًا، كما يجري إِكليل، وهو على

مثاله، فلمَّا وجدنا الله عزَ وجلّ قال: إِلاَّ إِبليس، فلم ينوّنه عَلِمْنا أَنَّهُ أَعجميّ مجهول الاشتقاق؛ ولأنَّ ما عرف اشتقاقه كان عربيًّا يلزمه من التعريب ما يلزم زيدا وعمرا وأَشباههما؛ إِلاَّ أَنْ يكون مُنِعَ الإِجراءُ للتعريف؛ وأَنَّه اسم واقع على أَولاده، وجميع جنسه فَيُلْحق بثمود وما أَشبهه في ترك الإِجراء.

وقالَ آخرون: ما كان إِبليس من الملائكة قطّ، وهو أَبو الجنّ؛ كما كان آدم أَبو الإِنس، فاحْتَجَّ عليهم بقوله: وإِذْ قُلْنَا للمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجدُوا إِلاَّ إِبليسَ، وبقوله: فَسَجَدَ الملائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون. إِلاَّ إِبليسَ، فاحتجُّوا بأَنَّه لمَّا أُمِرَ بالسُّجود كما أُمروا فخالف وأَطاعوا، أُخرج من فعلهم، ونُصِب على الاستثناء، وهو من غير جنسهم، كما تقول العرب: سارَ النَّاس إِلاَّ الأَثقال، وارتحل أَهلُ العسكر إِلاَّ الأَبنية والخيام.

وحدَّثنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: خبَّرنا هوذة، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إِبليس من الملائكة طَرْفَةَ عين.

وقالَ أَصحاب القول الأَوَّل: يجوز أَن يكون تأْويلُ

قوله: كَانَ مِنَ الجِنِّ كان ضالاًّ؛ كما أَنَّ الجنّ كانوا ضُلاَّلًا، فلمَّا فعل مثل فعلهم أُدخل في جملتهم؛ كما قال: المُنَافِقُونَ والمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ، فهذا ما انتهى إِلينا، والله أَعلم بحقيقة ذلك وأَحكم.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


25-الفروق اللغوية للعسكري (الفرق بين الزور والكذب والبهتان)

الْفرق بَين الزُّور وَالْكذب والبهتان

أَن الزُّور هُوَ الْكَذِب الَّذِي قد سوي وَحسن فِي الظَّاهِر ليحسب أَنه صدق وَهُوَ من قَوْلك زورت الشَّيْء إِذا سويته وحسنته وَفِي كَلَام عمر زورت يَوْم السَّقِيفَة كلَاما وَقيل أَصله فَارسي من قَوْلهم زور وَهُوَ الْقُوَّة وزورته قويته وَأما الْبُهْتَان فَهُوَ مُوَاجهَة الْإِنْسَان بِمَا لم يُحِبهُ وَقد بَهته.

الفروق اللغوية-أبو هلال الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري-توفي:نحو: 395هـ/1005م


26-المعجم الغني (سَوَّى)

سَوَّى- [سوي]، (فعل: رباعي. متع. مزيد بحرف)، سَوَّيْتُ، أُسَوِّي، سَوِّ، المصدر: تَسْوِيَةٌ.

1- "سَوَّى مَشاكِلَهُ": وَجَدَ لَها حَلاًّ نِهائِيًّا. "كانَتْ مُهِمَّتُهُ أَنْ يُسَوِّيَ الخِلافَ بَيْنَهُما".

2- "سَوَّى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ": سَاوَى بَيْنَهُمَا وعَدَّلَ.

3- "وَصَلَتِ الجَرَّافاتُ لِتُسَوِّيَ الأَرْضَ": لِتَدُكَّها وَتَجْعَلَهَا مُسْتَوِيَةً.

4- "سَوَّيْتُ الْمُعْوَجَّ فَما اسْتَوَى": أَقَمْتُهُ فَما اسْتَقامَ.

5- "سَوَّى النَّحَّاتُ التِّمْثَالَ": عَدَّلَهُ، قَوَّمَهُ وَجَعَلَهُ سَوِيًّا. {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَّلَكَ} [الانفطار: 7]:

6- "سَوَّى عَمَلَهُ": أَتَمَّهُ.

{فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ روحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ} [الحجر: 29]:

7- "سَوَّى الطَّعَامَ": أَنْضَجَهُ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


27-الأفعال المتداولة (عَدَلَ [به])

عَدَلَهُ [به]: عَدَلْتُ الحملَ بآخر كي يَتَعَادَلَا وزنا. (سوّيته به، عادلته به)

الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م


28-تاج العروس (سب سبب سبسب)

[سبب]: سَبّه سَبًّا: قَطَعَه. قَالَ ذُو الخِرَقِ الطُّهَوِيّ:

فما كَانَ ذَنْبُ بَنِي مَالِكٍ *** بأَنْ سُبَّ مِنْهُم غُلَامٌ فَسَبّ

عَرَاقِيبُ كُومٍ طِوَالِ الذُّرَى *** تَخِرُّ بَوَائكُهَا للرُّكَبْ

بأَبْيَضَ ذِي شُطَبٍ باتِرٍ *** يَقُطُّ العِظَامَ ويَبْري العَصَبْ

في لِسَانِ العَرَب: يُرِيد مُعَاقَرَة أَبِي الفَرَزْدَقِ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعةَ لسُحَيْمِ بْنِ وَثِيلٍ الرِّيَاحِيِّ لَمَّا تَعَاقَرَا بصَوْأَرٍ، فعَقَرَ سُحَيْمٌ خَمْسًا، ثم بَدَا لَه وعَقَرَ غَالِبٌ مائَة. وفي التَّهْذِيب: أَرَادَ بِقَوْله: سُبّ أَي عُيِّر بالبُخْلِ فَسَبَّ عَرَاقِيبَ إِبِلِه أَنَفَةً مِمَّا عُيِّر بِهِ، انْتَهَى. وسَيَأْتي في «ص أَر».

والتَّسَابُّ: التَّقَاطُعُ.

ومن المجاز: سَبَّه يَسُبُّه سَبَّا: طَعَنَه في السَّبَّةِ أَي الاسْتِ. وسَأَل النُّعْمَانُ بْنُ المُنْذِر رَجُلًا فقال: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: لَقِيتُه في الكَبَّة طَعَنْته في السَّبَّة فأَنْفَذْتُها مِنَ اللَّبَّة. الكَبَّةُ: الجَمَاعَةُ كما سَيَأْتِي. فقلتُ لأَبِي حَاتِم: كَيْفَ طَعَنَه في السَّبَّه وهُوَ فَارِسٌ، فضَحِك وقال: انْهَزَم فاتَّبَعَه فَلَمَّا رَهِقَه أَكَبَّ ليَأْخُذَ بِمَعْرَفَةِ فَرَسِه فطَعَنَه في سَبَّتِه. وقَالَ بَعْضُ نِسَاءِ العَرَب لأَبيها وكَانَ مَجْروحًا؛ يا أَبَه أَقَتَلُوك؟ قال: نَعَم أَي بُنيَّةُ وسَبُّونِي. أَي طَعَنُوه في سَبَّتِه.

والسَّبُّ: الشَّتْمُ. وقَدْ سَبَّه يَسُبُّه: شَتَمَه، سَبًّا وسِبِّيبَى كخِلِّيفَى، كسَبَّبَه، وهو أَكثرُ مِنْ سَبَّه. وعَقَرَه، وأَنْشَد ابْنُ بَرِّيّ هُنَا بَيْتَ ذي الخِرَق:

بأَنْ سُبَّ مِنْهم غُلَامٌ فَسَبّ

وفي الحديث: «سِبَابُ المُسْلِم فُسُوق». وفي الآخر: «المُسْتَبَّانِ شَيْطَانَان». ويقال: المِزاحُ سِبَابُ النَّوْكَى. وفي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة: «لا تَمْشِيَنَّ أَمَامَ أَبِيك، ولا تَجْلِسَنَّ قبْلَه، ولا تَدعُه بِاسْمِه ولا تَسْتَسِبَّ له». أَي لا تُعَرِّضْه للسَّبِّ وتَجُرَّه إِليه، بأَن تَسُبَّ أَبَا غَيْرك فيسُبَّ أَبَاك مجازاةً لك.

ومن المجاز: أَشَارَ إِلَيْه بالسَّبَّابة، السَّبّابَةُ: الإِصْبَعُ الَّتي تَلِي الإِبْهَامَ؛ وَهِي بَيْنَها وَبَيْنَ الوُسْطَى، صِفَةٌ غَالِبة، وهي المُسَبِّحَةُ عِنْد المُصَلِّين.

وتَسَابَّا: تَقَاطَعَا.

والسُّبَّةُ بالضَّمِّ: العَارُ. يُقَالُ: هذِه سُبَّةٌ عَلَيْك وعَلَى عَقبك؛ أَي عَارٌ تُسَبُّ بِه. والسُّبَّة أَيضًا: مَنْ يُكْثِرُ النَّاسُ سَبَّه. وسَابَّه مُسَابَّةً وسِبَابًا: شَاتَمَه.

والسَّبَّةُ بالكسْر: الإِصْبَع السَّبَّابَة هكذا في النُّسَخ، والصَّوَابُ المِسَبَّة بكسرِ المِيمِ كما قَيَّده الصاغَانِيّ.

وسِبَّةُ بلا لام: جَدُّ أَبِي الفَتْح مُحَمَّد بْنِ إسْمَاعِيل القُرشِيّ المُحَدِّث عَنِ أَبي الشَّيْخِ، وابْنه أَحمد يروى عن أَبِي عُمَر الهَاشِمِيّ.

ومن المَجَازِ: أَصَابَتْنَا سَبَّةٌ، بالفَتْح، مِنَ الحَرَ في الصَّيْفِ، وسبَّةٌ مِنَ البَرْد فِي الشِّتَاءِ، وسَبَّةٌ مِنَ الصَّحْو، وسَبَّةٌ من الرَّوْح، وذلك أَن يَدُومَ أَيَّامًا. وقال ابن شُمَيْل: الدَّهْرُ سَبَّاتٌ أَي أَحْوَالٌ، حَالٌ كَذَا وحَالٌ كَذَا.

وعن الكَسَائِيّ: عِشْنَا بها سَبَّةً وسَنْبَةً كقَوْلك: بُرْهَةً وحقْبَةً، يعني الزَّمن من الدَّهر. ومَضَتْ سَبَّةٌ وسَنْبَةٌ من الدَّهْر أَي مُلَاوَةٌ. نُونَ سَنْبَةٍ بَدَلٌ من بَاءِ سَبَّة كإِجَّاص وإِنْجَاص؛ لأَنَّه لَيْسَ فِي الْكَلام «س ن ب» كذا في لسان العرب.

وسَبَّةُ بلا لَامٍ: ابْنُ ثَوْبَان نَسَبُه في بَنِي حَضْرَمَوتَ مِن الْيَمَن. والمِسَبُّ كمِكَرٍّ أَي بِكَسْر المِيمِ وتَشْدِيدِ الموحّدة هو الرَّجُلُ الكثيرُ السِّبَابِ، كالسِّبِّ بالكسر، والمَسَبَّةِ بالفَتْح وهَذِه عَنِ الكِسَائِيّ.

وسُبَبَة كهُمَزَةٍ: الَّذِي يَسُبُّ النَّاسَ عَلى القِيَاسِ في فُعَلَةٍ.

والسِّبُّ، بالكَسْرِ: الحَبْلُ في لُغَةِ هُذَيْل. قال أَبُو ذُؤَيْب يِصف مُشْتَارَ العَسَلِ:

تَدَلَّى عليها بَيْنَ سِبٍّ وخَيْطَةٍ *** بِجَرْدَاءَ مثلِ الوَكْفِ يَكْبُو غُرَابُها

أَراد أَنَّه تَدَلَّى مِنْ رَأْسِ جَبَل على خَلِيَّة عَسَل ليَشْتَارَهَا بحبْلٍ شَدَّه في وَتِدٍ أَثْبَتَه في رأْسِ الجَبَل.

والسِّبُّ: الخِمَارُ، والعِمَامَةُ. قال المُخَبَّلُ السَّعْدِيّ:

أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ عَمْرَةَ أَنَّنِي *** تَخَاطَأَنِي رَيْبُ الزَّمَان لأَكْبَرَا

وأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرةً *** يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ المُزَعْفَرَا

يُرِيد عِمَامَتَه، وكَانَتْ سَادَةُ العَرَب تَصْبُغُ عَمَائِمهَا بالزَّعْفَرَان. وقِيلَ: يَعْني اسْتَه وكان مَقْرُوفًا فِيمَا زَعَم قُطْرُبٌ.

والسِّبُّ: الوَتِدُ. أَنشدَ بَعْضُهم قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ المُتَقَدِّم ذِكْرُه هُنَا.

والسِّبُّ: شُقَّة كَتَّانٍ رَقِيقَة كالسَّبِيبَةِ، الجمع: سُبُوبٌ وسَبَائِبُ. قَالَ أَبُو عَمْرو: السُّبُوبُ: الثِّيَابُ الرِّقَاق، وَاحِدُها سِبّ، وهي السَّبَائبُ، وَاحِدُهَا سَبِيبَةٌ. وقال شَمِر: السَّبَائِبُ: متاعُ كَتَّان يُجَاءُ بِهَا منْ نَاحيَة النّيل وَهيَ مَشْهُورَةٌ بالكَرْخ عند التُّجَّار، ومنها ما يُعْمَل بِمصْر وطولها ثمانٍ في سِتٍّ. وفي الحديث: «ليس في السُّبُوبِ زَكَاةٌ» وهِي الثِّيَابُ الرِّقَاق، يعني إِذَا كَانَت لِغَيْرِ التِّجَارَة، ويروى السُّيُوبُ باليَاءِ أَي الرِّكَاز. ويقال: السَّبِيبَةُ: شُقَّةٌ مِنَ الثِّيَابِ أَيَّ نَوْعٍ كَانَ، وقيل: هي من الكَتَّان. وفي الحديث: «دَخَلْتُ عَلَى خَالد وعَلَيْه سَبِيبَةٌ».

وفي لسان العرب: السِّبُّ والسَّبِيبَةُ: الشُّقَّةُ، وخَصَّها بَعْضُهم بالبَيْضَاءِ. وأَمَّا قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَة:

كأَنَّ إِبْرِيقهَمْ ظَبْيٌ على شَرَفٍ *** مُفَدَّمٌ بسَبَا الكَتَّانِ مَلْثُومُ

إنما أَرَادَ بِسَبائب فحذَفَ.

وسَبيبُكَ وسِبُّكَ، بالكَسْر: مَنْ يُسَابُّكَ، وعلى الأَخِيرِ اقْتَصَر الجَوْهَرِيّ. قال عبد الرَّحْمن بْنُ حَسَّان يَهْجُو مِسْكِينًا الدَّارمِيَّ:

لا تَسُبَّنَّنِي فَلَسْتَ بِسِبَّي *** إِنَّ سِبِّي مِنَ الرِّجَالِ الكَرِيمُ

ومن المجازَ قَوْلُهُم: إِبِلُ مُسَبَّبَة كمُعَظَّمَةٍ أَي خِيَارٌ؛ لأَنَّه يُقَالُ لَهَا عِنْدَ الإِعْجَابِ بِهَا: قاتلها الله وأَخْزَاهَا إِذا اسْتُجِيدَت. قال الشَّمَّاخُ يَصِفُ حُمُرَ الوَحْش وسِمَنَها وجَوْدَتَها:

مُسَبَّبَةٌ قُبُّ البُطُونِ كَأَنَّها *** رِمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ

يَقُولُ: مَنْ نَظَر إِلَيْها سَبَّها وقَالَ لَهَا: قَاتَلَهَا اللهُ مَا أَجْوَدَهَا! ويقال: بَيْنَهُم أُسْبُوبَةٌ، بالضَّمِّ وأَسَابِيبُ يَتَسَابُّون بِهَا أَي شَي‌ءٌ يَتَشَاتَمُونَ بِهِ. والتَّسَابُّ: التَّشَاتُمُ. وتَقُولُ: مَا هِي أَسَالِيبُ إِنَّمَا هِيَ أَسَابِيبُ.

والسَّبَبُ: الحَبْلُ كالسِّبِّ، والجَمْعُ كالجَمْعِ والسُّبُوبُ: الحِبَال. وقَوْلُه تَعَالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ} أَي فَلْيَمُت غَيْظًا؛ أَي فَلْيَمْدُد حَبْلًا في سَقْفِه، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أَي لِيَمُدَّ الحَبْلَ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَيَموت مُخْتَنِقًا وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ حَبْلٍ حَدَرْتَه منْ فَوْق. وقال خَالدُ بْنُ جَنَبَةَ: السَّبَبُ من الحِبَالِ: القَوِيُّ الطَّوِيلُ، قال: ولا يُدْعَى الحَبْلُ سَبَبًا حَتَّى يُصْعَدَ بِهِ ويُنْحَدَرَ بِهِ. وفي حَدِيث عَوْف بْنِ مَالِك «أَنَّهُ رَأَى [في المنام] كَأَنَّ سَبَبًا دُلِّيَ مِنَ السَّماءِ» أَي حَبْلًا، وقيل: لا يُسَمَّى [الحبلُ سبَبًا] حَتَّى يَكُونَ طَرَفُه مُعَلَّقًا بِالسَّقْفِ أَو نَحْوِه. قَالَ شَيْخُنَا: وفي كَلَام الرَّاغِبِ أَنَّه مَا يُرْتَقَى بِهِ إِلَى النَّخْلِ، وقَوْله:

جَبَّتْ نِسَاءَ العَالَمِينَ بالسَّبَب.

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الحَبْلَ أَو الخَيْطَ قال ابنُ دُريد: هذهِ امْرَأَةٌ قَدَّرَتْ عَجِيزَتَهَا بِخَيْطٍ وهو السَّبَب، ثم أَلْقَتْه إِلَى النِّسَاءِ لِيَفْعَلْنَ كَمَا فَعَلَت فَغَلَبَتْهُنّ.

والسَّبَبُ: كُلُّ ما يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى غَيْرِه. وفي بَعْضِ نُسَخِ الصَّحَاحِ: كُلُّ شَي‌ءٍ يُتَوَسَّلُ به إِلَى شَيْ‌ءٍ غَيْرِه. وجَعَلتُ فلانًا لِي سَبَبًا إِلَى فُلَانٍ في حَاجَتِي؛ أَي وُصْلَةً وذَرِيَعَة.

ومن المجاز: سَبَّبَ اللهُ لَكَ سَبَبَ خَيْر. وسَبَّبْتُ للمَاءِ مَجْرًى: سوَّيتُه. واسْتَسَبَّ له الأَمْرُ، كَذَا في الأَساس.

قال الأَزهريّ: وتَسَبُّبُ مَالِ الفَيْ‌ءِ أُخِذَ مِنْ هذَا، لِأَنَّ المُسَبَّبَ عليه المَالُ جُعِلَ سَبَبًا لوُصُولِ المَالِ إِلَى من وَجَبَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الفَيْ‌ءِ.

والسَّبَبُ: اعْتِلَاقُ قَرَابَة. وَفِي الحَدِيثِ: «كُلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ يَنْقَطِعُ إِلَّا سَبَبِي ونَسَبِي» النَّسَب بِالوِلَادَة، والسَّبَبُ بِالزَّوَاجِ، وهو مِنَ السَّببِ وهو الحَبْلِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى المَاءِ، ثم استُعِير لِكُلّ ما يُتَوَصَّل به إِلَى شَيْ‌ء.

والسَّبَبُ من مُقَطَّعَاتِ الشّعر: حَرْفٌ مُتَحَرِّك وحَرْفٌ سَاكِنٌ، وهو على ضَربين: سَبَبَانِ مَقْرِونَانِ، وسَبَبَانِ مَفْرُوقَان. فالمَقرُونَانِ: ما تَوالَت فِيهما ثَلَاثُ حَرَكَات بعدَها سَاكِن نحو «مُتَفَا» من مُتَفَاعِلُن، و«عَلَتُنْ» من مُفَاعَلَتُن، فحركَة التَّاء من «مُتَفَا» قد قَرَنَت السَّبَبَيْن، وكَذَلِك حَرَكَةُ اللَّام من «عَلَتُن» قد قَرَنَتِ السَّبَبَيْن أَيْضًا، والمَفْرُوقَانِ هُمَا اللَّذَان يَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسه أَي يَكُونُ حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ وحَرْفٌ سَاكِنٌ ويَتْلُوه حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ نحو «مُسْتَفْ» من مُسْتَفْعِلُنْ، ونحو «عِيلُن» من مَفَاعِيلُن وهَذِهِ الأَسْبَاب هَيَ الَّتي يَقَعُ فِيهَا الزِّحَافُ على ما قد أَحْكَمَتْه صِنَاعَةُ العَرْوضِ، وذَلك لأَنَّ الجزءَ غَيْرُ مُعْتَمِد عليها.

الجمع: أَي في الكُلِّ أَسْبَابُ.

[وقوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ} أَي الوُصَلُ والمَوَدَّاتُ، قَالَه ابْنُ عَبَّاس.]

وقال أَبُو زَيْد: الأَسْبَابُ: المَنَازِلُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

وتَقَطَّعَت أَسْبَابُها ورِمَامُها

فيه الوَجْهَانِ: المَوَدَّةُ والمَنَازِلُ.

والله عَزَّ وجَلَّ مُسَبِّبُ الأَسْبَاب، ومِنْهُ التَّسْبِيبُ. وأَسْبَابُ السَّمَاءِ: مَرَاقيها. قَالَ زُهَيْر:

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنِيَّةِ يَلْقَها *** ولَوْ رَامَ أَنْ يرقَى السَّمَاءَ بِسُلَّمِ

أَو نَوَاحِيهَا. قال الأَعْشَى:

لَئن كُنْتَ في جُبٍّ ثَمَانِينَ قَامَةً *** ورُقِّيتَ أَسبابَ السَّمَاء بسُلَّمِ

ليَسْتَدْرِجَنْكَ الأَمرُ حتى تَهُرَّه *** وتَعْلَمَ أَنِّي لَسْتُ عَنْكَ بمُحْرِمِ

أَو أَبْوَابُهَا وعليها اقْتَصَرَ ابن السّيد في الفرق. قال عَزَّ وجَلَّ: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ} قيل: هِيَ أَبْوَابُها. وَفِي حَديث عُقْبَة: «وإِنْ كَانَ رِزْقُه في الأَسْبَاب» أَي في طُرُقِ السَّمَاء وأَبوابِها وقَطَعَ اللهُ بِهِ السَّبب أَي الحياة. والسَّبِيبُ، كأَمِيرٍ، مِنَ الفَرَسِ: شَعَرُ الذَّنَب والعُرْفِ والنَّاصِيَة. وفي الصَّحاحِ: السّبِيبُ: شَعَر النَّاصِيَة والعُرْفِ والذَّنَب، ولم يَذْكُرِ الْفَرَس. وقال الرِّيَاشيّ: هو شَعَر الذَّنَب. وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: هو شَعَر النّاصِيَة، وأَنْشَد:

بِوَاقِي السَّبِيبِ طَوِيلِ الذَّنَبِ

وفرسٌ ضَافِي السَّبِيبِ. وعَقَدُوا أَسَابِيبَ خَيْلِهِم. وأَقْبَلَتِ الخَيْلُ مُعَقَّدَات السبائب. والسَّبِيبُ: الخُصْلَةُ مِن الشَّعرِ، كالسَّبِيبَة جَمْعُه سَبَائِب.

ومن المجاز: امرأَةٌ طوِيلَةُ السَّبائِب: الذَّوَائِبِ. وعليه سَبَائِبُ الدَّم: طَرَائِقُه، كذا في الأَساس. وفي حديث اسْتِسْقَاءِ عُمَر ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ «رأَيْتُ العَبَّاسَ وقد طَالَ عُمَرَ، وعَيْنَاه تَنْضَمَّان وسَبَائِبُه تَجُولُ عَلَى صَدْرِه» يَعْني ذَوَائِبَه. قوله: وقد طَالَ عُمَرَ أَي كَانَ أَطوَلَ منه.

والسَّبِيبَةُ: العِضَاهُ تكثرُ في المَكَانِ.

و: موضع. و: نَاحِيَةٌ من عَمَل إِفْرِيقِيَّةَ، وقِيلَ: قَرْيَةٌ في نَوَاحي قَصْرِ ابن هُبَيْرة.

وذُو الأَسْبَابِ: المِلْطَاطُ بنُ عَمْرو، مَلِكٌ من مُلُوكِ حِمْيَر من الأَذْوَاءِ، مَلَك مِائَةً وعِشرِينَ سَنَة.

وسَبَّى كَحَتّى: مَاءٌ لسُلَيْم. وفي معجم نصر: مَاءٌ في أَرض فَزَارَة.

وتَسَبْسَبَ المَاءُ: جَرَى وسَالَ. وسَبْسَبَهُ: أَسَالَه.

والسَّسْبَبُ: المَفَازَةُ والقَفْرُ أَو الأَرْضُ المُسْتَوِيةُ البَعِيدَةُ.

وعن ابن شُمَيْل: السَّبْسَبُ: الأَرْضُ القَفْر البَعِيدَةُ مَسْتَوِيَةً وغَيْرَ مُسْتَوِيَةٍ وَغَلِيظَة وغَيْرَ غَلِيظَة لا مَاءَ بها ولا أَنِيسَ. وفي حَديث قُسٍّ: «فبينا أَجُولُ سَبْسَبَها».

ويروى بَسْبَسَها، وهُمَا بِمَعْنًى. وقال أَبو عُبَيْد: السَّبَاسِبُ والبَسَابِسُ: القِفَارُ.

وحكى اللِّحْيَانِيّ بَلَدٌ سَبْسَبٌ، وبلد سَبَاسِبُ كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْء منه سَبْسَبًا، ثم جَمَعُوه عَلَى هذَا، وقال أَبو خَيْرة: السَّبْسَب: الأَرْضُ الجَدْبَةُ. ومنهم من ضَبَطَ سُبَاسِب بالضم، وهو الأَكْثَر؛ لأَنّه صِفَةُ مُفْرَد كعُلَابط، كذَا قَالَ شَيْخُنَا. وقال أَبو عمرو: سَبْسَبَ إِذَا سَارَ سَيْرًا لَيِّنًا. وسَبْسَبَ إِذَا قَطَع رَحِمَه. وسَبْسَبَ إِذَا شَتَم شَتْمًا قَبِيحًا. وسَبْسَبَ بَوْلَه: أَرْسَلَه.

والسَّبَاسِبُ: أَيَّامُ السَّعَانِين. أَنْبَأَ بِذلِكَ أَبُو العَلَاء. وَفِي الحدِيث «إِن الله تعالى أبدلكم بيَوْم السَّبَاسِبِ يَوْمَ العيد».

يَوْمُ السَّبَاسِب عِيدٌ لِلنَّصَارى ويُسَمُّونَه يَوْمَ السَّعَانِين. قَالَ النَّابغَةُ:

رِقَاقُ النِّعَالِ طَيِّبٌ حُجُزَاتُهمْ *** يُحَيّونَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ

يَعْنِي عِيدًا لَهُم.

والسَّبْسَبُ كالسَّبَاسِب: شَجَرٌ تُتَّخَذُ مِنْه السِّهَام. وفي كتاب أَبي حَنيفَة: الرِّحَال. قال الشاعِر يَصف قَانِصًا:

ظَلَّ يُصَادِيهَا دُوَيْن المَشْرَبِ *** لاطٍ بصَفْرَاءَ كَتُومِ المَذْهَب

وكُلِّ جَشْ‌ءِ من فُرُوعِ السَّبْسَبِ

وقال رُؤْبَةُ:

رَاحَتْ ورَاحَ كَعَصَا السَّبْسَابْ

وهو لُغَةٌ في السَّبْسَبِ، أَو أَنَّ الأَلِفَ للضَّرُورَة، هكَذَا أَورَدَه صَاحِب اللِّسَان هُنَا، وهو وَهَم، والصَّحِيح: السَّيْسَبُ، بالتَّحْتِيَّةِ، وسَيَأْتِي للمُصَنِّف قَرِيبًا.

ومن المجاز قَوْلُهم: سَبَّابُ العَرَاقِيب ويَعْنُونَ بِهِ السَّيْف، لأَنَّه يَقْطَعُها. وفي الأَساس: كأَنَّمَا يُعَادِيهَا ويَسُبُّهَا.

وسَبُّوبَةُ: اسْمٌ أَو لَقَبٌ. ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَبُّوبَة المُجَاوِرُ بمَكَّةَ: مُحَدِّثٌ عن عبد الرزَّاقِ، واخْتُلِف فِيهِ فَقِيلَ: هكَذا، أَوْ هُوَ بمُعْجَمَة وسَيَأْتِي. وَسَبُّوبَة: لَقَبُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ عَبْد العَزِيز المُحَدّث شيخ للعبّاس الدُّوريّ. وفاته أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ المُلَقَّبُ بِسَبُّوبَة شَيْخ لوَهْبِ بْنِ بقيَّة.* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: سَبَبٌ كجَبَل لقَبُ الحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الأَصْبَهَانِيِّ، روى عَن جَدِّه لأُمّه جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ومَاتَ سنة 466 وجاءَ في رَجَزِ رُؤْبَةَ المُسَبِّي بمَعْنَى المُسَبِّب. قال:

إِن شَاءَ رَبُّ القُدْرَةِ المُسَبِّى *** أَمَّا بأَعْنَاقِ المَهَارِيَ الصُّهْبِ

أَراد المُسَبِّب.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


29-تاج العروس (كرب)

[كرب]: الكَرْبُ على وزن الضَّرْب، مجزوم: الحُزْنُ، والغَمُّ الَّذِي يَأْخُذُ بالنَّفْسِ. بفتح فسكون، وضُبِطَ في بعض النُّسَخِ مُحَرَّكةٍ، ومِثْلُه في الصِحَّاح كالكُرْبَة بالضَّمِّ.

الجمع: أَي: جَمْعُ الكَرْبِ كُرُوبٌ، كَفلْسٍ وفُلُوسٍ. وأَما الكُرْبَةُ، فجمعه كُرَبٌ، كصُرَدٍ، ففي عبارة المؤلّف إِيهام.

وَكَرَبَهُ الأَمرُ الغَمُّ يَكْرُبُهُ كَرْبًا: اشْتَدَّ عليه، فاكْتَرَبَ لذلك: اغْتَمَّ، فَهُوَ مَكْرُوبٌ وكَرِيبٌ، وإِنَّه لَمَكْرُوبُ النَّفْس. والكَرِيبُ: المَكْرُوبُ، وأَمْرٌ كارِبٌ.

والكَرْبُ: الفَتْلُ، يقال: كَرَبْتُه كَرْبًا، أَي: فَتَلْتُهُ، وقالَ الكُمَيْتُ:

فَقَدْ أَرَانِيَ والأَيْفاعَ في لِمَةٍ *** في مَرْتَعِ الَّلهْوِ لم يُكْرَبْ لِيَ الطِّوَلُ

أَي: لم يُفْتَل.

والكَرْبُ: تَضْييقُ القَيْدِ. وقَيْدٌ مكروبٌ: إِذا ضُيِّق. وفي الصّحاح: كَرَبْتُ القَيْدَ: إِذا ضَيَّقتَهُ على المُقَيَّد، وقال عبدُ اللهِ بْنُ عَنَمَةَ الضَّبِّيُّ:

ازْجُرْ حِمارَك لا يَرْتَعْ برَوْضَتِنا *** إِذًا يُرَدُّ وَقَيْدُ العَيْرِ مكرُوبُ

في لسان العرب: ضَرَبَ الحِمَارَ وَرتْعَهُ في رَوْضَتِهم مَثَلًا، أَي: لا تَعَرَّضَنَّ لِشَتْمِنا، فإِنّا قادرونَ على تقييد هذا العَيْر، وَمَنْعه من التَّصَرُّف. وهذا البيتُ في شعره:

ارْدُدْ حِمارَكَ لا يَنْزِعْ سَوِيَّتَهُ *** إِذًا يُرَدُّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ

والسَّوِيَّةُ: كِساءٌ، يُحْشَى بِثُمامٍ وَنَحْوِه، كالبَرْذَعَة، يُطْرَحُ على ظَهْرِ الحِمَارِ وغيرِهِ. وجزم «يَنْزِع» على جواب الأَمر، كأَنَّه قال: إِنْ تَرْدُدْهُ لا يَنْزِعْ سَويَّتَهُ الّتي على ظَهرِهِ، وقوله «إِذًا يُرَدُّ» جوابٌ، على تقديرِ أَنَّه قال: لا أَرُدُّ حِمَارِي، فقال مُجِيبًا له إِذًا يُرَدّ. انتهى.

والكَرْبُ إِثَارَةُ الأَرْضِ للحَرْث. وكَرَبَ الأَرْضَ، كَرْبًا: قَلَبَها، وأَثارَهَا للزَّرْعِ. وفي الصَّحاح: للزِّراعة، وبخطِّه في الحاشية: لِلحَرْثُ، كالكِرَابِ، بالكَسْر. وإِطلاقُه مُوهِمٌ للفتْح؛ ومنه المَثَلُ الآتي ذِكْرُه. وفي التّهذيب: الكِرَابُ: كَرْبُكَ الأَرْضَ حين تَقْلِبُهَا، وهي مَكْروبَةٌ: مُثَارةٌ.

والكَرَبُ، بالتَّحْرِيك: أُصُولُ السَّعَفِ الغِلاظُ هي الكَرَانيف، واحِدُهَا كِرْنَافَةٌ، قاله الأَصْمَعِيّ. وعن ابْنِ الأَعْرَابِيّ: سُمِّيَ كَرَبُ النَّخْلِ كَرَبًا، لأَنه استُغْنِيَ عنه، وكَرَبَ أَنْ يُقْطَعَ ودَنَا من ذلك. وفي المُحْكَم: الكَرَبُ: أُصولُ السَّعَفِ الغِلاظُ العِراضُ الّتي تَيْبَسُ، فتصيرُ مِثْلَ الكَتِفِ. وبخطِّ الجَوْهَرِيِّ: أَمثالَ الكَتِف، واحدتُها: كَرَبَةٌ.

وفي صفةِ نخلِ الجَنَّةِ: «كَرَبُها ذَهَبٌ». وقيلَ الكَرَب: هو ما يَبْقَى من أُصوله في النَّخْلَة بعدَ القَطْعِ، كالمَرَاقِي. قال الجَوْهَرِيُّ: وفِي المَثَل.

مَتَى كانَ حُكْمُ اللهِ في كَرَبِ النَّخْلِ

وَجَدْتُ في هامش الصّحاحِ هذا المَثَل لجَرِيرٍ، قاله لَمَّا سَمِعَ بيتَ الصَّلَتانِ العَبْدِيِّ:

أَيا شَاعِرًا لَا شاعِرَ اليَومَ مِثْلُهُ *** جَرِيرٌ ولكِنْ في كُلَيْبٍ تَوَاضُعُ

فقال جَرِيرٌ:

أَقُولُ ولَمْ أَمْلِكْ سَوابِقَ عَبْرَةٍ *** مَتى كانَ حُكْمُ اللهِ في كَرَبِ النَّخْلِ

انتهى. قال ابْنُ بَرِّيّ: ليس هذا الشَّاهِدُ الّذِي ذَكرهُ الجَوْهَرِيّ مَثَلًا، وإِنّما هو عَجُزُ بَيْتٍ لِجَرِيرٍ، فذكره، قال ذلك لَمَّا بَلَغَهُ أَنّ الصَّلَتانَ العَبْدِيَّ فَضّلَ الفَرَزْدَقَ عليه في النَّسَب، وفَضَّل جَرِيرًا عليه في جَوْدَة الشِّعْر، في قوله:

«أَيا شاعرًا...

إِلى آخره، فلم يرْضَ جَرِيرٌ قولَ الصَّلَتانِ، ونُصْرَتَهُ الفَرزْدَق.

قال ابْنُ مَنْظُور: قلتُ هذه مُشاحَّةٌ من ابنِ بَرِّيّ للجَوْهَرِيّ في قوله: «ليس هذا الشّاهد مثلا، وإِنّما هو عَجُزُ بيتٍ لجَرير»، والأَمثالُ قد وردت شِعْرًا وغيرَ شعرٍ، وما يكون شِعرًا لا يمتنع أَن يكونَ مثلًا. انتهى.

وللشّيخ عليّ المَقْدِسيّ هُنا في حاشيته كلامٌ يقرُبُ من كلام ابْن منظور، بل هو مأْخوذٌ منه، نقله شيخُنا، وكفانا مُؤْنَةَ الرَّدِّ عليه.

والكَرَبُ: الحَبْلُ الّذي يُشَدُّ على الدَلْوِ بعد المَنِينِ، وهو الجبلُ الأَوّلُ، فإِذا انقطع المَنِينُ، بَقِيَ الكَرَبُ. وقال ابْنُ سِيدَهْ: الكَرَبُ: الحبْلُ الّذِي يُشَدُّ في وَسَطِ، وفي أُخْرَى: على وَسَطِ العَرَامِيّ، أَي: عَرَاقِي الدَّلْوِ، ثُمّ يُثْنَى، ثُمّ يُثَلَّثُ لِيَلِيَ. في الصَّحاح: لِيكونَ هو الّذي يَلِي الماءَ، فلا يَعْفَنُ الحَبْلُ الكَبِيرُ، والجَمْعُ أَكْرَابٌ.

قال ابنُ منظورٍ: رأَيتُ في حاشيةِ نُسْخَةٍ من الصَّحاح الموثوقِ بها قولَ الجوهريّ: «لِيكونَ هو الّذي يَلِيَ الماءَ، فلا يَعْفَنُ الحبلُ الكَبِيرُ، إِنّما هو من صِفَةِ الدَّرَك لا الكرب».

قلت: الدّليل على صحّة هذه الحاشية أَنَّ الجوهريّ ذكر في ترجمة درك هذه الصُّورة أَيضًا. فقال: والدَّرَكُ: قطعة حَبْلٍ، يُشَدُّ في طَرَفِ الرِّشَاءِ إِلى عَرْقُوَة الدَّلْو، ليكون هو الّذي يلِي الماءَ، فلا يَعْفَنُ الرِّشاءُ. وسنذكره في موضعه.

قلتُ: ومِثْلُه في كِفاية المُتَحَفِّظ وكلامُ المُصَنِّفِ في الدَّرَك، قريبٌ من كلام الجوهريّ في كونِ كِلَيْهِما بمعنًى.

وقال الحُطَيْئَةُ:

قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجارِهِمُ *** شَدُّوا العِنَاجَ وشَدُّوا فَوْقَهُ الكَرَبا

وأَوّلُه:

سِيرِي أَمامِي فإِنّ الأَكْثَرِينَ حَصًى *** والأَكْرَمِينَ إِذا ما يُنْسَبُونَ أَبَا

وآخِرُهُ:

أُولَئكَ الأَنْفُ والأَذْنَابُ غَيْرُهُمُ *** وَمَنْ يُسَاوِي بأَنْفِ النّاقَةِ الذَّنَبَا

وأَنشدني غيرُ واحدٍ من شيوخنا قول العبّاس بْن عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:

مَنْ يُساجلْنِي يُساجِلْ ماجِدًا *** يَمْلأُ الدَّلْوَ إِلى عَقْدِ الكَرَبْ

وقد كَرَبَ الدَّلْوَ، يَكْرُبُها، كَرْبًا وأَكْرَبَها، فهي مُكْرَبَةٌ؛ وكَرَّبَها، بالتّشدِيد. قال امْرُؤُ القيس:

كالدَّلْوِ بُتَّتْ عُرَاهَا وَهْيَ مُثْقَلَةٌ *** وخَانَها وَذَمٌ مِنْها وَتَكْرِيبُ

ومثلُهُ في هامش الصِّحاح. زادَ ابنُ منظورٍ: على أَنّ التَّكْرِيب قد يجوزُ أَن يكونَ هنا اسْمًا، كالتَّنْبِيت والتَّمْتِينِ وذلك لِعَطْفِها على الوَذَم الّذي هو اسْمٌ، لكنَّ البابَ الأَوّلَ أَوسعُ وأَشيعُ.

والمُكْرَبُ، بضمّ الميم وفتح الرّاءِ المَفَاصِلِ: المُمْتَلِئُ عَصَبًا. ووَظِيفٌ مُكْرَبٌ: امتلأَ عصَبًا.

وحافِرٌ مُكْرَب: صُلْبٌ، قال:

يَتْرُكُ خَوَّارَ الصَّفَا رَكُوبَا *** بمُكْرَبَاتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيبَا

وعن اللّيث: يقالُ لكلّ شي‌ءٍ من الحَيوان إِذا كان وَثِيقَ المَفَاصِل: إِنّهُ لَمُكْرَبُ المَفاصلِ. وفي الأَساس: ومن المجاز: هو مُكْرَبُ المَفَاصِل: مُوَثَّقُهَا. والمُكْرَبُ: الشَّدِيدُ الأَسْرِ من الدَّوَابّ. وإِنّهُ لَمُكْرَبُ الخَلْقِ: إِذا كان شديدَ الأَسْرِ، وعن أَبي عَمْرٍو: المُكْرَبُ من الخَيْلِ: الشَّدِيدُ الخَلْقِ والأَسْر. وقال غيرُهُ: كُلّ العَقْدِ من حَبْلٍ، وبِنَاءٍ، ومَفْصِلٍ*: مُكْرَبٌ. وفي بعض النُّسَخ: أَو مَفْصِلٍ وعن ابْنِ سيدَهْ: فَرَسٌ مُكْرَبٌ، أَي: شَدِيدٌ.

والإِكْرَابُ ـ مصدرُ أَكْرَبَ ـ المَلْ‌ءُ يُقَال: أَكْرَبْتُ السِّقاءَ، إِكرابًا: إِذا ملأْهُ، قاله ابْنُ دُرَيدٍ، وأَنشدَ:

بَجَّ المَزَادِ مُكْرَبًا تَوْكِيرَا

وقيل: أَكْرَبَ الإِنَاءَ: قَارَبَ مَلأَهُ.

والإِكْرَابُ: الإِسْرَاع، يُقال: خُذْ رِجْلَيْكَ بِأَكْرَابٍ، إِذَا أُمِرَ بالسُّرْعة أَي: اعْجَلْ وأَسْرِعْ. قال اللَّيْثُ: ومن العرب مَنْ يقول: أَكْرَبَ الرَّجُلُ، إِذا أَخَذَ رِجْلَيْهِ بإِكْرَابٍ، وقَلَّما يُقَالُ: وأَكْرَبَ الفَرَسُ وغيرُه ممّا يَعْدُو [أسرع] وهذه عن اللحْيانيّ. وقال أَبو زيدٍ: أَكْرَبَ الرَّجُلُ إِكْرَابا: إِذا أَحْضَرَ، وعَدَا. والإِكرابُ، بمعنَيَيْهِ، من المَجَاز.

والكَرَابَةُ بالضَّمِّ والفتح: التَّمْرُ الّذِي يُلْتَقطُ من أَصول الكَرَبِ بَعْدَ الجَدَادِ، والضَّمُّ أَعلَى. وقال الجوهريُّ: الكُرَابَةُ، بالضّمّ: ما يُلْتَقَطُ من التَّمْرِ في أُصولِ السَّعَفِ بعد ما يُصْرَمُ. ج: أَكْربةُ؛ قال أَبو ذُؤَيْبٍ:

كَأَنَّما مَضْمَضَتْ من ماءِ أَكْرِبَةٍ *** على سَيَابَةِ نَخْلٍ دُونَهُ مَلَقُ

قال أَبو حنيفة: الأَكْرِبَةُ، هنا: شِعافٌ يَسِيلُ منها ماءُ الجِبالِ، واحدتُها كَرْبَةٌ. قال ابْنُ سِيدَهْ: وهذا ليس بقَوِيّ؛ لأَنَّ فَعْلًا، لا يُجْمع على أَفْعِلة. وقال مَرَّة: الأَكرِبَة: جمعُ كُرَابَةٍ، وهو ما يَقَعُ من ثَمَر النَّخْل فِي أُصولِ الكَرَب. قال: وهو غَلطٌ، قال ابْنُ سِيدَهْ: وكذلك قوله عندي غَلَط، أَيضًا، وكَأَنَّه [جُمِعَ] * على طَرْحِ الزّائِدِ الّذِي هو هاءُ التَّأْنِيثِ، هكذا في نسختنا، وهو الصَّواب. وفي نسخة شيخِنا «على طرح الزّوائد» أَي: بالجمع، فاعتُرِضَ؛ لأَنّ فُعالًا بالضَّمّ.

هكذا في سائر النُّسَخ الأُصُولِ. وهو خطأٌ، وصوابُهُ: «لأَن فُعالَةً» أَي: كثُمامَةٍ، ومثلُهُ في المُحَكَم ولسان العرب، لا يُجْمَعُ على أَفْعِلَةٍ. قال شيخُنا: ثمَّ ظاهرُ كلامِهِما، أَي: ابْن سِيدَهْ وابْنِ منظورٍ، بل صَرِيحُهُ أَنّ فُعالَةً لا يُجمَعُ على أَفْعِلَةٍ مُطْلقًا، فإِذا سقطتِ الهاءُ جاز الجمعُ، وليس كذلك، فإنّ أَفْعِلَةً من جُموعِ القِلّ الموضوعة لكلِّ اسْمٍ رُبَاعيّ ممدود ما قبلَ الآخِرِ، مُذكّر، فيشمَلُ فِعالا، مُثَلَّث الأَوّل، كطَعامٍ وحِمارٍ وغُرَاب، وفَعِيل كرَغِيفٍ، وفَعُولٍ كعَمُود. فكلّ هذه الأَمثلة مع ما شابَهها ممّا توفّرَتْ فيه الشُّرُوط المذكورة يُجْمَعُ على أَفْعِلَةٍ، كأَطْعِمَةٍ وأَحْمِرَةٍ، وأَغْرِبَة وأَرْغِفَةٍ، وأَعْمِدَةٍ، وما لا يُحْصَى. وكُرَابَةٌ ـ على ما ذكره ابْنُ سِيدَهْ وابْنُ مَنْظُورٍ، وقَلَّدَهما المُصَنِّف ـ يحتاج إِلى إِسقاط الزّائد، وهو الهاءُ، كما هو صريح كلامِ ابْنِ سِيدَهْ وغيرهِ، ويُزاد عليهِ الحُكْمُ بالتَّذْكِير باعتبار معناه؛ لأَنّه الباقي. وأَمّا مع التّأْنيث فلا يجوز، لأَنَّ فِعَالًا إِذا كان مُؤَنَّثًا، كذِراعٍ وعَناق، لا يُجْمَعُ هذا الجمعَ، كما صرّح به الشَّيْخُ ابْنُ مالكٍ، وابْنُ هِشامٍ، وأَبُو حَيّان، وغيرُهم من أَئمّة النّحْو، ثُمّ قال: ولِعَليٍّ القاري في نامُوسه هنا التَّفْرِقَةُ بينَ المضموم والمفتوح، فجَوَّز الجمعَ في المفتوح دُونَ المضموم، وهو غلطٌ مَحْضٌ، والصّوابُ ما قَرَّرناه. انتهى.

وقال الأَزهريُّ: تَكَرَّبَها، أَي: الكُرَابَةَ، إِذا التَقَطَهَا.

وفي بعض النُّسَخ: تَلَقَّطَها، أَي: من الكَرَب.

وكَرَبَ الأَمْرُ، يَكْرُب، كُروبًا: دَنَا. وكلّ شَيْ‌ءٍ دَنا، فقد كَرَبَ. وقَدْ كَرَبَ أَنْ يكون، وكرَب يَكُونُ. وهو، عندَ سِيبَوَيْه، أَحدُ الأَفْعَالِ الّتِي لا يُسْتعملُ اسْمُ الفاعلِ مَعَها مَوْضِعَ الفِعْل الّذي هو خَبَرُهَا لا تقول: كَرَبَ كائنًا. وكَرَبَ أَنْ يَفْعَلَ كذا: أَيْ كَادَ يَفْعَلُ.

وكَرَبَ الرَّجُلُ: أَكَلَ الكُرَابَةَ، ككَرَّبَ بالتَّشديد، وهذه عن الصّاغانيّ.

وكَرَبَتِ الشَّمْسُ: دَنت للمَغِيبِ، وكَرَبَت الشّمْسُ: دَنَت للغُرُوب، وكَرَبَت الجاريةُ أَن تُدْرِكَ. وفي الحديث: «فإِذا استغنَى، أَو كرَبَ استعَفَّ».

قال أَبو عُبَيْدٍ: كَرَبَ؛ أَي دَنا من ذلك وقَرُبَ [منه]. وكلّ دانٍ قرِيبٍ فهو كارِبٌ، وفي حديثِ رُقَيْقَة. «أَيْفَعَ الغُلَامُ، أَو كَرَب»، إِذا قارَب الإِيفاعَ.

وإِناءٌ كَرْبَانُ: إِذَا كَرَبَ أَنْ يَمْتَلِئَ وجُمْجُمَةٌ كَرْباءُ، والجَمع كَرْبَى وكِرَابٌ، وزعم يعقوبُ أَنَّ كافَ كَرْبانَ بَدلٌ من قاف قَرْبانَ.

قال ابْنُ سِيدَهْ: وليس بشَيْ‌ءٍ. وكِرَابُ المَكُوكِ، وغيرِه من الآنيةِ: دُونَ الجِمَامِ.

ويقال: كَرَبَتْ حَيَاةُ النَّارِ، أَي: قَرُبَ انطِفاؤُهَا؛ قال عَبْدُ قَيْسِ بْنُ خُفَافٍ البُرْجُمِيُّ:

أَبُنَيَّ إِنَّ أَباكَ كارِبُ يَوْمِهِ *** فإِذَا دُعِيتَ إِلى المَكَارِمِ فاعْجَلِ

وكَرَبَ النَّاقَةَ: أَوْقَرَها، ومثلُه في الصَّحاح.

وكَرَبَ الرَّجُلُ: طَقْطَقَ الكَرِيبَ وهو الشُوبَقُ، والفَيْلَكُونُ، اسم لخَشَبَة الخَبَّازِ، ككَرَّبَ مشدَّدًا. نقله الصّاغانيُّ. وكَرِبَ الرَّجُلُ، كسَمِعَ: انقَطَع كَرَبُ، بالتَّحْرِيك، وهو حَبْلٌ دَلْوِهِ نقله الصّاغانيُّ.

وكَرَبَ، كنَصَر: أَخَذَ الكَرَبَ من النَّخْلِ، نقله الصّاغانيُّ عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ. وكَرَبَ الرَّجُلُ: زَرَعَ في الكَرِيبِ الجادِسِ.

والكَرِيبُ: هو القَراحُ من الأَرْضِ، والجادِسُ: الَّذِي لم يُزْرَعْ قَطُّ، قاله ابْنُ الأَعْرَابيّ. وجعَلَ ابْنُ منظورٍ: مَصْدَرَهُ التَّكْرِيبَ. وظاهرُ عبارة المؤلِّف، أَنّه من الثُّلاثيّ المُجَرّد، وكِلاهُمَا صحيحانِ.

والكَرِيبُ أَيضًا: خَشَبَةُ الخَبَّازِ يُرَغِّفُ بها في التَّنُّورِ ويُدَوِّرُهُ بها، قال:

لا يَسْتَوِي الصَّوْتَانِ حِينَ تَجَاوَبَا *** صَوْتُ الكَرِيبِ وصَوْتُ ذِئْبٍ مُقْفِرِ

أَي: لأَنَّ صوتَ الكَرِيبِ لا يكون إِلّا في عُرْسٍ أَو خِصْبٍ، وصَوْتَ الذِّئبْ لا يكونُ إِلّا في قَحْطٍ أَو قَفْر، كما نقلَه أَبو عَمْرٍو عن الدُّبَيْرِيَّةِ.

والكَرِيبُ: الكَعْبُ من القَصَبِ أَو القَنَا؛ نقله ابْنُ دُرَيْدٍ.

والكَرُوبِيُّونَ، مُخَفَّفَةُ الرّاءِ، وحُكِي التَّشْدِيدُ فيه، وهو مسموع جائزٌ على ما حكاه الشِّهابُ في شرح الشِّفاءِ، على أَنه جَزَم في أَثناءِ سُورَةِ غافرٍ في العِنَايَة بأَنَّ التَّشديد خطأٌ كما نقله شيخُنا. وقال الطِّيبِيُّ: فيه ثلاثُ مُبَالَغاتٍ: إِحْداها أَنَّ كَرَبَ أَبلَغُ من قَرُبَ، الثّانية على وزن فَعُول من صِيَغِ المُبَالَغة، الثّالثةُ زِيادَةُ الياءِ فيه للمُبَالَغَة كأَحْمَرِيّ. قلتُ: وكَونُ كَرَبَ أَبلغَ من قرُبَ، يحتاجُ إلى نقلٍ صحيح يُعتمَدُ عليه: سادَةُ المَلَائِكةِ، منهم: جِبْرِيلُ، ومِيكائِيلُ وإِسرافيلُ، هم المُقَرَّبُونَ؛ رواه أَبو الرَّبيع، عن أَبي العاليةِ. وأَنشدَ شَمِرٌ لأُمَيَّةَ بْنِ أَبي الصَّلْتِ:

مَلَائِكَةٌ لا يَفْتُرُونَ عِبَادَةً *** كَرُوبِيَّةٌ منهم رُكُوعٌ وسُجَّدُ

ومِثْلُهُ في الفَائِق، وفيه أَجاب أَبو الخَطّابِ بْنُ دِحْيَةَ، حينَ سُئلَ عنهم.

وفي لسان العرب: الكَرْبُ القُرْبُ والمَلَائكةُ الكَرُوبِيُّونَ: أَقربُ الملائكة إِلى حَمَلَةِ العرشِ. قلتُ: فكلامهُ صريحٌ في أَنَّه من الكَرْب، بمعنى القُرْب، وقيل إِنّه من كَرْبِ الخَلْقِ، أَي: في قُوَّتِهِ وشِدَّتِه، لقُوَّتِهِمْ وصَبْرِهم على العِبَادَة. وقيل: من الكَرْب، وهو الحُزْنُ، لشِدَّة خَوْفِهم من الله تَعَالَى وخَشْيتِهِم إِياه، أَشارَ له شيخُنا.

وكارَبَهُ، أَي: قَارَبَهُ ودَانَاه، فهو مُكارِبٌ له مُقارِبٌ، والكاف بدل من القاف.

والكِرَابُ: مَجارِي الماءِ في الوادِي واحدُهُ كَرْبَةٌ، كما في الصَّحاح. وقال أَبو عَمرٍو: هي صُدُورُ الأَودِيَة. قال أَبُو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ النَّحْلَ:

جَوارِسُها تَأْوِي الشُّعُوفَ دَوائِبًا *** وَتَنْصَبُّ أَلْهابًا مَصيفًا كُرَابُها

الجَوارِس: جمع جَارِسٍ، من: جَرَسَتِ النَّحْلُ النّباتَ والشَّجَرَ: إِذَا أَكَلَتْه. والمَصِيفُ: المُعْوَجُّ، من: صافَ السَّهْمُ. والشُّعُوفُ: أَعالِي الجِبالِ، كالشِّعاف.

والمُكْرَباتُ، بضم الميم وفتح الرّاءِ: الإِبِلُ الّتي يُؤْتَى بِهَا إِلي أَبوابِ البُيُوتِ في أَيّام شِدَّةِ البَرْدِ، لِيُصيبَها الدُّخَانُ، فتَدْفَأَ، وهي المُقْرَباتُ ويُقَالُ: ما بالدّارِ كَرّابٌ، كشَدّاد، أَي. أَحَدٌ.

وأَبو كَرِبٍ: أَسْعَدُ بْنُ مالكٍ الحِمْيَرِيُّ اليَمَانِيُّ، ككَتِفٍ.

وقد سَقَطَ من بَعض النُّسَخ. وهو مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَرَ، أَحَدُ التَّبابِعَةِ.

والكَرَبَةُ، مُحَرَّكة: الزِّرُّ، بالكَسْر يكونُ فيه رَأْسُ عَمُودِ البَيْتِ من الخَيمة.

وكُرْبَةُ، بالضَّمّ: لَقَبُ أَبي نصرٍ مَحْمُودِ بْن سُلَيْمَانَ بْنِ أَبي مَطَرٍ قاضِي بَلْخَ، حدّث عن الفضلِ الشَّيْبَانيّ.

وكُرَيْبٌ، كزُبَيْرٍ، تَابِعِيٌّ، وهم أَرْبَعَةٌ: كُرَيْبُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الهاشِميُّ، وكُرَيْبُ بْنُ سليمٍ الكِنْدِيُّ، وكُرَيْبُ بْنُ أَبْرَهَةَ، وكُرَيْبُ بنُ شِهابٍ.

وكُرَيْبٌ: اسْمُ جَمَاعَة من المُحَدِّثِينَ وغَيْرِهم.

وحَسَّانُ بْنُ كُرَيْبٍ الحِمْيَرِيُّ البِصْرِيُّ: تابِعِيٌّ.

وأَبُو كُرَيْب: محمّدُ بْنُ العَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، الهَمْدَانِيُّ الحافظُ: شيخٌ للبُخَارِيِّ صاحبِ الصَّحِيح. رَوَى عن هُشَيْمٍ، وابْنِ المُبَارَك. وعنه الجماعةُ، والسَّرّاجُ، وابْنُ خُزَيْمَةَ. تُوُفِّيَ سنة 248. وكان أَكبرَ من أَحمدَ [بْنِ مُحَمَّدِ] بْنِ حَنْبَلٍ بثلاثِ سِنينَ، وظَهر بِما تقدَّمَ أَنه شيخُ الجَمَاعَةِ، فلا أَدرِي ما وَجْهُ تخصيصِ المُؤَلِّفِ بقولِه: شيخٌ للبُخَارِيّ، فتَأَمَّلْ.

وذُو كُرَيْبٍ: موضع، أَنشدَ الأَصمَعِيُّ:

تَرَبَّعَ القُلَّةَ فالغَبِيطَيْن *** فَذَا كُرَيْبٍ فجُنوبَ الفَاوَيْنْ

ومَعْدِيكَرِبُ: اسْمانِ، وفيه لُغَاتٌ ثلاثةٌ: رَفْعُ الباءِ مَمْنُوعًا من الصّرْف، والإِضافَةُ مصْرُوفًا فتقول مَعْدِي كَرِبٍ، والإِضافَةُ مَمْنُوعًا من الصَّرْف بجعله مؤنَّثًا معرِفَةً.

والياءُ من «مَعْدِي» ساكِنَةٌ على كلِّ حالٍ. وإِذا نَسَبْتَ إِلَيْهِ، قُلْتُ: مَعْدِيٌّ. وكذلك النَّسَبُ في كُلِّ اسْمَيْنِ جُعِلا واحدًا، مثلُ: بَعْلَبَكَّ، وخَمْسَةَ عَشَرَ، وتَأَبَّطَ شَرًّا، تَنْسِبُ إِلى الاسم الأَوّل، تَقُول: بَعْلِيٌّ، وخَمْسِيٌّ، وتَأَبَّطِيٌّ. وكذلك إِذا صغَّرْتَ تُصَغِّرُ الأَوّل. كذا في الصِّحاح ولسان العرب، وصرَّح به أَئمّةُ النَّحْوِ.

والكَريبَةُ: الدّاهِيَةُ الشَّدِيدَةُ. والَّذِي في الصَّحاح: الكَرَائِبُ: الشَّدَائِد، الواحدةُ: كَرِيبَةٌ، قال سَعْدُ بْنُ نَاشِبٍ المازِنِيُّ:

فَيالَ رِزَامٍ رَشِّحُوا بِي مُقَدَّمًا *** إِلى المَوْتِ خَوَّاضًا إِليهِ الكَرائِبَا

قال ابْنُ بَرِّيّ: مُقَدَّمًا: منصوبٌ برَشِّحُوا، على حذف موصوف، تقديرُهُ: رَشِّحُوا بي رَجُلًا مُقَدَّمًا، أَي: اجْعَلُوني كُفُؤًا مُهَيًّا لرجلٍ شُجَاع. ووجدتُ، في هامش الصَّحاحِ ما نَصُّهُ بخطّ أَبي سهل: «رَشِّحُوا بِي مُقْدِمًا»، بتحريك الياءِ، ومُقْدِمًا: كَمُحْسِنٍ.

ويقال: هذِهِ إِبِلٌ مِائَةٌ، أَوْ كَرْبُها بالفتح على الصَّواب، وصَوَّب بعضُهم الضَّمَّ فيه أَي: نَحْوُها. وقِرابُها بالضّم، وفي نسخةٍ: قُرابَتُهَا.

وفي المَثَلِ: الكِرَابُ على البَقَرِ لِأَنّها تَكْرُبُ الأَرْضَ، أَيْ: لا تُكْرَبُ الأَرْضُ إِلّا بالبَقَر، ومنهم من يقولُ: الكِلَابَ على البَقَرِ، بالنَّصْب. أَي: أَوْسِدِ الكِلابَ على بَقَرِ الوَحْشُ. وقال ابْنُ السِّكِّيتِ: المَثَلُ هو الأَوّلُ. وسيأْتي بيانُهُ في ك ل ب إِنْ شاءَ الله تعالى قريبًا.

وأَبو عبدِ الله عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَبَ بْنِ غُصَصَ، كَزُفَرَ: مُتَكَلِّمٌ مَكِّيٌّ، م، وهو شيخُ الصُّوفِيّة، صاحِبُ التَّصانِيف، في رأْسِ الثَّلاثِمائة، كما نقله الحافِظُ.

* ومما يُسْتَدرَكُ عليه: كَرِبَ الرَّجُلُ كسَمِعَ: أَصابهُ الكَرْبُ، ومنه‌الحديثُ.

«كان إِذا أَتاه الوَحْيُ كَرِبَ».

وكِرَابُ المَكُّوكِ وغَيْرِهِ من الآنِيَة: دُونَ الجِمَامِ.

وكَرَبَ وَظِيفَيِ الحِمَار، أَوِ الجَمَلِ: دَانَى بينَهما بحَبْل، أَو قَيدٍ.

وكُورابُ، بالضّمّ: قَريةٌ بالجَزيرة، منها القاضِي المُعَمَّرُ شمسُ الدّينِ عليُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الخَضِر، الكُرْدِيُّ، حَدَّثَ عنه الذَّهَبِيُّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


30-تاج العروس (عور)

[عور]: العَوَرُ ـ أَطْلَقَهُ المصنّفِ، فأَوْهَم أَنّه بالفتح، وهو مُحرَّك، وكأَنَّه اعتمد على الشُّهْرَة؛ قاله شَيْخُنا ـ: ذَهابُ حِسِّ إِحْدَى العَيْنَيْنِ.

وقد عَوِرَ، كفرِحَ، عَوَرًا، وإِنّمَا صَحَّت العَيْنُ في «عَوِر» لأَنّه في معنَى ما لا بُدَّ من صِحَّتِه. وعارَ يَعارُ وعَارَتْ هي تَعَارُ وتِعَارُ، الأَخِيرُ ذَكَرَه ابنُ القَطاع، واعْوَرَّ واعْوارَّ، كاحْمَرَّ واحْمارَّ، الأَخيرَةُ نَقَلَها الصاغانيّ، فهو أَعْوَرُ بَيِّن العَوَرِ. وفي الصّحاح عَوِرَتْ عَيْنُه واعْوَرَّت، إِذا ذَهَبَ بَصَرُها، وإِنّمَا صَحَّت الواو فيه لِصِحَّتها في أَصْله، وهو اعْوَرَّت لِسُكُون ما قَبْلَهَا ثم حُذِفَت الزَّوَائِدُ: الأَلِفُ والتَّشْدِيد، فبَقِيَ عَوِرَ يَدُلّ على أَنّ ذلك أَصلُه مَجي‌ءُ أَخواتِه على هذا: اسْوَدَّ يَسْوَدّ، واحْمَرَّ يَحْمَرّ، ولا يقال في الأَلْوَان غَيْرُه. قال: وكذلك قِياسُه في العُيُوب: اعْرَجَّ واعْمَيَّ، في عَرِجَ وعَمِيَ، وإِنْ لم يُسْمَعْ، الجمع: عُورٌ وعِيرَان وعُورَانٌ.

وقال الأَزهريّ: عَارَتْ عَيْنُه تَعارُ، وعَوِرَتْ تَعْوَرُ، واعْوَرَّت تَعْوَرّ، واعْوَارّت تَعْوَارّ: بمعنًى واحد.

وعارَهُ يَعُورُهُ، وأَعْوَرَهُ إِعْوَارًا وعَوَّرَهُ تَعْوِيرًا: صَيَّرَهُ أَعْوَرَ. وفي المحكم: وأَعْوَرَ الله عَيْنَ فُلان وعَوَّرها. ورُبّمَا قالوا: عُرْتُ عَينَه. وفي تَهْذِيبِ ابن القَطّاع: وعَارَ عَيْنَ الرَّجُلِ عَوْرًا، وأَعْوَرَهَا: فَقَأَها، وعَارَتْ هي، وعَوَّرتُها أَنا، وعَوِرَتْ هي عَوَرًا، وأَعْوَرَتْ: يَبِسَتْ. وفي الخَبرَ: «الهَدِيَّةُ تَعُورُ عَيْنَ السُّلْطَانِ». ثمّ قال: وأَعْوَرْتُ عينَه لغة، انتَهى.

وأَنشد الأَزهريّ قولَ الشاعر:

فجاءَ إِلَيْهَا كاسِرًا جَفْنَ عَيْنِه *** فقُلْتُ له: مَنْ عارَ عَيْنَكَ عَنْتَرَهْ؟

يقولُ: مَنْ أَصابَها بعُوّار؟

ويقال: عُرْتُ عَيْنَه أَعُورها، وأَعارُها، من العائر.

والأَعْوَرُ: الغُرابُ، على التَّشاؤُم به، لأَنَّ الأَعْوَر عندهم مَشْؤُومٌ. وقِيل: لِخِلافِ حالِه، لأَنّهم يقولونَ: أَبْصَرُ من غُراب. وقالُوا: إِنّما سُمِّيَ الغُرابُ أَعْوَرَ لِحدَّةِ بَصَرِه كما يُقَال للأَعْمَى أَبو بَصِيرٍ وللحَبَشِيّ أَبو البَيْضَاءِ ويُقَال للأَعْمَى: بَصيرٌ، وللأَعْوَرِ: الأَحْولُ وفي التكملةِ ويُقال سُمِّيَ الغُرَاب أَعْوَرَ لأَنّه إِذا أَرادَ أَنْ يَصيحَ يُغمِّضُ عَيْنَيْه، كالعُوَيْرِ، على تَرْخِيم التَّصْغِير. قال الأَزهريّ: سُمِّيَ الغُرَابُ أَعْوَر، ويُصاحُ به فيُقَال: عُوَيْرُ، وأَنشد:

وصِحاحُ العُيُونِ يُدْعَوْنَ عُورَا

وقِيلَ: الأَعْوَرُ: الرَّدِي‌ءُ مِنْ كلِّ شَيْ‌ءٍ من الأُمورِ والأَخْلاقِ، وهي عَوْرَاءُ. والأَعْوَر أَيضًا: الضَّعِيفُ الجَبَانُ البَلِيدُ الَّذي لا يَدُلّ على الخَيْرِ ولا يَنْدَلُّ ولا خَيْرَ فيه، قاله ابنُ الأَعرابيّ، وأَنْشد:

إِذا هَابَ جُثْمَانَه الأَعْوَرُ

يَعْنِي بالجُثْمَان سَوادَ الليل ومُنْتَصَفَه. وقيل: هو الدَّلِيلُ السَّيِئُ الدَّلالةِ الذي لا يُحْسِنُ يَدُلّ ولا يَنْدَلّ؛ قاله ابنُ الأَعْرَابِيّ أَيضًا، وأَنْشَد:

ما لَكَ يا أَعْوَرُ لا تَنْدَلُّ *** وكَيْفَ يَنْدَلُّ امْرُؤُ عِثْوَلُّ

والأَعْوَرُ من الكُتُبِ: الدارِسُ، كأَنَّه من العَوَر، وهو الخَلَلُ والعَيْبُ. ومن المَجَاز: الأَعْوَرُ: مَنْ لا سَوْطَ مَعَهُ، والجَمْع عُورٌ؛ قاله الصاغانيّ. والأَعْوَرُ: مَنْ لَيْسَ له أَخٌ من أَبَوَيْه وبه فُسِّر ما جاءَ في الحَدِيث لَمَّا اعْتَرَضَ أَبو لَهَب على النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم عند إِظهارِ الدَّعْوَةِ، قال له أَبو طالِب: «يا أَعْوَرُ، ما أَنتَ وهذا؟» لم يَكُنْ أَبو لَهَب أَعْوَرَ، ولكنّ العَرَب تقولُ لِلَّذِي لَيْسَ له أَخٌ من أُمّه وأَبِيه: أَعْوَرُ. ومن المَجَاز: الأَعْوَرُ: الَّذِي عُوِّرَ؛ أَي قُبِّحَ أَمْرُه ورُدَّ ولم تُقْضَ حاجَتُه ولم يُصِبْ ما طَلَب، ولَيْسَ مِنْ عَوَرِ العَيْن؛ قاله ابن الأَعرابيّ، وأَنْشَد للعَجّاج:

وعَوَّرَ الرَّحْمنُ مَنْ وَلَّى العَوَرْ

ويُقَال: معناه: أَفْسَدَ من وَلَّاه وجَعَلَه وَليًّا لِلْعَوَر، وهو قُبْحُ الأَمْرِ وفَسَادُه. والأَعْوَرُ: الصُّؤابُ في الرَأْس، الجمع: أَعاوِرُ، نقله الصاغانيّ. وفي الأَساس: رأْسه يَنْتَغِشُ أَعاوِرَ؛ أَي صِئْبانًا، الواحِدُ أَعْوَرُ. ومن المَجَازِ: الأَعْوَرُ، من الطَّرِيق: الَّذِي لا عَلَمَ فيه، يقال: طَرِيقٌ أَعْوَرُ، كأَنَّ ذلك العَلَم عَيْنُه، وهو مَثَلٌ. وفي بعض النُّسخ: من الّطُرق.

والعائِر: كلُّ ما أَعَلَّ العَيْنَ فعَقَرَ، سُمِّيَ بذلك لأَنَّ العَيْنَ تُغْمَضُ له ولا يَتَمَكَّنُ صاحبُها من النَّظَر، لأَنَّ العَيْن كأَنّها تَعْوَرُ، وقيل: العَائِرُ: الرَّمَدُ. وقيل: هو القَذَى في العَيْنِ، اسمٌ كالكاهِل والغارِب، كالعُوّارِ، كرُمّانٍ، وهو الرَّمَصُ الَّذِي في الحَدَقَةِ. ويقالُ: بِعَيْنِه عُوّارٌ؛ أَي قَذًى. وجَمْعُ العُوّارِ عَوَاوِيرُ، وقد جاءَ في قَوْل الشاعِرِ بَحذْفِ الياءِ ضَرُورَةً:

وكَحَّلَ العْنَيْنِ بالعَوَاوِرِ

ورَوَى الأَزهرِيُّ عن اليَزِيدِيّ: بَعِيْنِه ساهِكٌ وعائِرٌ، وهُمَا من الرَّمَدِ. وقال اللَّيْث: العائرُ: غَمَصَة تَمُضُّ العَيْنَ كأَنَّمَا وَقَع فيها قَذًى، وهو العُوّارُ. قال: وعَيْنٌ عائِرَةٌ: ذاتُ عُوّارٍ، ولا يُقَال في هذا المعنَى: عارَتْ، إِنّمَا يُقَال: عارَتْ إِذا عَوِرَتْ وقِيل: العائرُ: بَثْرٌ يكون في الجَفْنِ الأَسْفَلِ من العَيْنِ، وهو اسمٌ لا مَصْدَر، بمَنْزِلَة الفالِج والناعر والباطِل، وليس اسمَ فاعلِ ولا جارِيًا على مُعْتَلٍّ، وهو كما تِاه مُعْتَلّ. والعائِرُ من السِّهام: ما لا يُدْرَى رامِيهِ وكذا من الحَجَارَة. ومن ذلك الحدِيث: «أَنَّ رَجُلًا أصابَهُ سَهْمٌ عائِرٌ فقَتَلَه» والجمع العَوَائِرُ، وأَنشد أبو عُبَيْدٍ:

أَخْشَى عَلَى وَجْهِكَ يا أَمِيرُ *** عَوائِرًا من جَنْدَلٍ تَعِيرُ

وفي التَّهْذِيب في ترجمة «نسأ»: وأَنشد لمالِكِ بن زُغْبَةَ الباهِلِيّ:

إِذا انْتَسَؤُوا فَوْتَ الرَّمَاحِ أَتَتْهُمُ *** عَوَائِرُ نَبْلٍ كالجَرادِ نُطِيرُها

قال ابنُ برّيّ: عَوائرُ نَبْلٍ؛ أَي جَماعَةُ سِهامٍ مُتَفَرِّقَة لا يُدْرَى من أَيْنَ أَتَتْ.

وعائِرُ العَيْنِ: ما يَمْلَؤُها من المالِ حتَّى يَكادَ يَعُورُها.

يُقَال: عَلَيْه من المالِ عائِرَةُ عَيْنِيْنِ، وعَيِّرةُ عَيْنَيْن، بتَشْدِيدِ.

الياءِ المَكْسُورة، كِلاهُما عن اللّحْيَانيّ؛ أَي كَثْرةٌ تَمْلَأُ بَصَرَهُ. قال مرّة: أَي ما يَكادُ مِنْ كَثْرَتِه يَفْقأُ عَيْنَيْهِ. وقال الزمخشريّ: أَي بما يَملَؤُهما ويَكادُ يُعَوَّرهُما. وقال أَبو عُبَيْد: يُقَال للرَّجُل إِذا كَثُرَ مالُه: تَرِدُ على فُلان عائِرَةُ عَيْنٍ، وعائِرَةُ عَيْنَيْن؛ أَي تَرِد عليه إِبِلٌ كثيرةٌ كأَنّهَا من كثْرتها تَمْلأُ العَيْنَيْن حتَّى تكادَ تَعُورُها؛ أَي تَفْقَؤُها. وقال أَبو العبّاس: معناه أَنّه مِنْ كَثْرَتها تَعِير فيها العَيْن. وقال الأَصمعيّ: أَصْلُ ذلك أَنّ الرَّجلَ من العَرَبِ في الجاهلية كان إِذا بَلَغ إِبلُه أَلْفًا عارَ عَيْنَ بَعِير منها، فأَرادُوا بعائرَةِ العَيْنِ أَلْفًا من الإِبِل تُعَوَّرُ عَيْنُ واحِدٍ منها. قال الجَوْهَرِيّ: وعنده من المالِ عائِرَةُ عَيْنٍ؛ أَي يَحارُ فيه البَصَر من كَثْرِتِه كأَنّه يَمْلأُ العَيْن فيَعُورُها. وفي الأَساسِ مِثْلُ ما قاله الأَصمعيّ.

والعُوَارُ، مُثلَّثَةً، الفَتْحُ والضَّمُّ ذَكَرَهُما ابنُ الأَثير: العَيْبُ يقال سِلْعَةٌ ذاتُ عَوَار؛ أَي عَيْبٍ، وبه فُسِّر حَدِيثُ الزَّكاة: «لا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ ولا ذاتُ عَوَارٍ».

والعَوَار أَيضًا: الخَرْقُ والشَّقُّ في الثَّوْبِ والبَيْتِ ونَحْوِهما. وقيل: هو عَيْبٌ فِيهِ ـ فلم يُعَيِّنْ ذلك ـ قال ذو الرُّمةِ:

تُبَيِّنُ نِسْبَةَ المَرَئِيّ لُؤْمًا *** كما بَيَّنْتَ في الأَدَمِ العَوَارَا

والعُوّارُ، كرُمّانٍ: ضَرْبٌ من الخَطاطِيفِ أَسْوَدُ طَوِيلُ الجَنَاحَيْن. وعَمَّ الجَوْهَرِيُّ فقال: هو الخُطّافُ، ويُنْشَد:

كما انْقَضَّ تَحْتَ الصِّيقِ عُوّارُ

الصِّيقُ: الغُبَار.

والعُوّار: اللَّحْم الذي يُنْزَع من العَيْنِ بَعدَ ما يُذَرّ عَلَيْه الذَّرُور، وهُوَ من العُوّار، بمَعْنَى الرَّمَصِ الّذِي في الحَدَقَةِ كالعَائِر، والجَمْعُ عَوَاوِيرُ، وقد تَقَدّم. والعُوّار: الَّذِي لا بَصَرَ لَهُ في الطَرِيقِ ولا هِدايَةَ، وهو لا يَدُلُّ ولا يَنْدَلّ، كالأَعْوَر؛ قاله الصاغانيّ. وفي بعض النُّسخ: «بالطّرِيق»، ومِثْلُه في التّكْمِلَة. ولو قال عِنْدَ ذِكْر معانِي الأَعْوَرِ: «والدَّلِيل السَيِّئُ الدَّلالَة كالعُوّار» كان أَخْصَرَ. والعُوّارُ: الضَّعِيفُ الجَبَانُ السَّرِيعُ الفِرَارِ، كالأَعْوَرِ بعد قوله:

«الضَّعِيفُ الجَبَانُ» فقال: «كالعُوَّار» كان أَخْصَرَ. الجمع: عَواوِيرُ قال الأَعْشَى:

غَيْرُ مِيلٍ ولا عَواوِيرَ في الهَيْ *** جا ولا عُزَّلٍ ولا أَكْفَالِ

قال سيبويه: ولم يُكْتَفَ فيه بالواو والنون، لأَنّهُم قَلَّمَا يَصِفُون به المُؤَنّث، فصار كمِفْعالٍ ومِفْعِيل، ولم يَصِر كفَعّال، وأَجْرَوْه مُجْرَى الصِّفَة، فجَمَعُوه بالواو والنُّون، كما فَعلُوا ذلك في حُسّان وكُرّام. وقال الجوهَرِيّ: جَمْع العُوّارِ الجَبَانِ العَوَاوِيرُ. قال: وإِنْ شِئتَ لم تُعَوِّضْ في الشّعر فقُلْتَ: العَوَاوِرُ. وأَنشد لِلَبِيدٍ يُخَاطِبُ عَمَّه ويُعاتِبُه:

وفي كُلِّ يَوْمٍ ذِي حِفاظٍ بَلَوْتَنِي *** فقُمْتُ مَقامًا لم تَقُمْهُ العَوَاوِرُ

وقال أَبو عليّ النحويّ: إِنَّمَا صَحّت فيه الوَاوُ مع قُرْبِها من الطَّرَفِ لأَنّ الياءَ المحذوفةَ للضرورة مُرادَةٌ، فهي في حُكْمِ ما في اللَّفْظ، فلمّا بَعُدَتْ في الحُكْم من الطَّرَف لم تُقْلَبْ همزةً. والّذِين حاجاتُهم في أَدْبارِهم: العُوَّارَى، هكذا في سائر النُّسخ. والصَّوابُ أَن هذه الجملةَ معطوفَةٌ على ما قَبْلَها، والمُرَاد: والعُوّارُ أَيضًا: الَّذِين.. إِلى آخره، وهكذا نقله صاحب اللسان عن كُرَاع. وشَجَرَةٌ، هكذا في النّسخ، وهُوَ بناءً على أَنَّه مَعْطُوفٌ على ما قَبْلَه. والصواب كما في التكملة واللسان: والعُوّارَى: شَجَرَةٌ يُؤْخَذ هكذا، بالياءِ التحتيّة والصواب: تُؤْخَذ جِراؤُهَا فتُشْدَخُ ثم تُبَيَّسُ ثم تُذَرَّى ثم تُحْمَل في الأَوْعِيَة فتُبَاع، وتُتَّخذ منها مَخانِقُ بمَكَّةَ حَرَسها الله تَعالى؛ هكذا فَسَّرَه ابنُ الأَعْرَابِيّ. وقال ابنُ سِيدَه في المُحْكَم والعُوّارُ: شَجَرَةٌ تَنْبُتُ نِبْتَةَ الشَّرْيَةِ، ولا تَشِبُّ، وهي خَضْراءُ، ولا تَنْبُت إِلّا في أَجْوَافِ الشَّجَرِ الكِبَار. فَلْيُنْظَر هَلْ هي الشَّجَرَةُ المذكُورةُ أَو غَيْرُها؟

ومن المَجَاز قولُهم: عجِبْتُ مِمَّنْ يُؤْثِرُ العَوْرَاء على العَيْنَاءِ؛ أَي الكَلِمَة القَبِيحَةَ على الحَسَنَةِ؛ كذا في الأساس. أَو العَوْرَاءُ: الفَعْلَةُ القَبِيحَةُ، وكِلاهُمَا من عَوَرِ العَيْن، لأَنّ الكَلِمَة أَو الفَعْلة كأَنَّهَا تَعُورُ العَيْنَ فيَمْنَعُهَا ذلك من الطُّمُوحِ وحِدَّة النَّظَر، ثم حَوَّلُوها إِلى الكَلِمَة أَو الفَعْلَة، على المَثَل، وإِنّمَا يُرِيدُون في الحَقِيقَة صاحِبَها. قال ابنُ عَنْقَاءَ الفَزَارِيُّ يَمْدح ابنَ عَمِّه عُمَيْلَةَ، وكان عُمَيْلَةُ هذا قد جَبَرَه من فَقْرٍ:

إِذا قِيلَتِ العَوْراءُ أَغْضَى كَأَنَّه *** ذَلِيلٌ بِلا ذُلٍّ ولو شاءَ لانْتَصَرْ

وقال أَبو الهَيْثَم: يُقَال لِلْكَلِمَة القَبِيحَةِ: عَوْرَاءُ، ولِلْكَلِمَة الحَسْنَاءِ عَيْنَاءُ. وأَنشد قَولَ الشاعر:

وعَوْراءَ جاءَت من أَخ فردَدْتُها *** بسالِمَةِ العَيْنَيْنِ طالِبَةً عُذْرَا

أَي بكَلِمَةِ حَسْنَاءَ لم تَكُنْ عَوْرَاءَ. وقال اللّيْث: العَوْرَاءُ: الكَلِمَة التي تَهْوِي في غَيْرِ عَقْلٍ ولا رُشْد. وقال الجوهريّ: الكَلِمَةُ العَوْرَاءُ: القَبِيحَة، وهي السَّقْطَةُ، قال حاتِمُ طَيّئ.

وأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخارَهُ *** وأَعْرِض عن شَتْمِ اللَّئِيمم تَكرُّمَا

أَي لادِّخارِه. وفي حَدِيثِ عائشةَ رضي ‌الله‌ عنها: «يَتَوَضَّأُ أَحَدُكم من الطَّعام الطَّيِّبِ ولا يَتَوَضّأُ من العَوْرَاءِ يَقُولُها».

أَي الكَلِمَة القَبِيحَة الزّائغَة عن الرُّشْد. وعُورَانُ الكَلام: ما تَنْفِيه الأُذنُ، وهو منه، الواحِدَة عَوْرَاءُ؛ عن أَبي زَيْد، وأَنشد:

وعَوْرَاءَ قد قِيلَتْ فلَمْ أَسْتَمِعْ لها *** وما الكَلِمُ العُورَانُ لي بقَتُولِ

وَصَفَ الكَلِمَ بالعُورَانِ لأَنّه جَمْعٌ، وأَخْبَرَ عنه بالقَتُول ـ وهو واحد ـ لأَن الكَلِمَ يُذكَّر ويُؤَنَّث، وكذلك كلُّ جمع لا يُفَارِق واحِدَه إِلّا بالهاءِ، ولك فيه كُلّ ذلك؛ كَذا في اللّسان. قال الأَزْهَريّ: والعَرَبُ تقولُ للأَحْوَلِ العَيْنِ: أَعْوَرُ، وللمَرْأَة الحَوْلاء؛ هي عَوْراءُ، ورأَيْتُ في البادِيَة امْرَأَةً عَوْرَاءَ يُقَال لها حَوْلاءُ.

والعَوَائِرُ من الجَرَادِ: الجَمَاعَاتُ المُتَفَرِّقَة، منه، وكذا من السِّهام، كالعِيرَانِ، بالكَسْر، وهي أَوائلُه الذاهِبَةُ المُتَفَرِّقَةُ في قِلَّة.

والعَوْرَةُ، بالفَتْح: الخَلَلُ في الثَّغْرِ وغَيْرِه، كالحَرْبِ.

قال الأَزْهَرِيّ: العَوْرَةُ في الثُّغُور والحُرُوبِ: خَلَلٌ يُتَخَوَّفُ منه القَتْلُ. وقال الجَوْهَرِيّ: العَوْرَةُ: كلُّ خَلَلٍ يُتَخَوَّفُ منه من ثَغْرٍ أَو حَرْبٍ. والعَوْرَة: كُلّ مَكْمَنٍ للسَّتْرِ. والعَوْرَةُ: السَّوْأَةُ من الرَّجُل والمَرْأَةِ. قال المصَنِّف في البصائر: وأَصْلُها من العَار، كأكنّه يَلْحَقُ بظُهُورِها عارٌ؛ أَي مَذَمَّة، ولذلك سُمِّيَت المَرْأَةُ عَوْرَةً. انتهى. والجَمْعُ عَوْرَاتٌ. وقال الجَوْهَرِيّ: إِنّمَا يُحَرَّك الثاني من فَعْلَةٍ في جَمْعِ الأَسماءِ إِذا لم يَكُنْ ياءً أَوْ وَاوًا وقَرَأَ بَعْضُهُم: عَوَرَاتِ النِّسَاءِ «بالتَّحْرِيك». والعَوْرَةُ: الساعَةُ الّتي هي قَمَنٌ؛ أَي حَقِيقٌ مِنْ ظُهُورِ العَوْرَةِ فِيها، وهي ثَلاث ساعاتٍ: ساعَةٌ قبلَ صَلاةِ الفَجْرِ، وساعَةٌ عندَ نِصْفِ النَّهَارِ، وساعةٌ بعدَ العِشَاءِ الآخِرَة. وفي التَّنْزِيل: {ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ} أَمْرَ الله تَعالى الوِلْدانَ والخَدَمَ أَلّا يَدْخُلُوا في هذه الساعات إِلَّا بِتَسْلِيم منهم واسْتِئذان. وكُلُّ أَمْرٍ يُسْتَحْيَا منه إِذا ظَهَر: عَوْرَةٌ، ومنه‌الحَديث: «يا رَسُولَ الله، عَوْرَاتُنا ما نَأْتِي منها وما نَذَر؟» وهي من الرَّجُل ما بَيْنَ السُّرَّة والرُّكْبَة، ومن المَرْأَة الحُرَّةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إِلّا الوَجْهَ واليَدَيْنِ إِلى الكُوعَيْن، وفي أَخْمَصِها خِلافٌ، ومن الأَمَةِ مِثْلُ الرَّجُل، وما يَبْدُو منها في حَالِ الخِدْمَةِ كالرَّأْس والرَّقَبَة والساعِدِ فلَيْسَ بعَوْرة. وسَتْرُ العَوْرَةِ في الصَّلاة وغَيْرِ الصَّلاةِ واجِبٌ، وفيه عند الخَلْوَة خِلافٌ. وفي الحديث: «المَرْأَةُ عَوْرَة» جَعَلَهَا نَفْسَهَا عَوْرَةً لأَنّهَا إِذا ظَهَرَتْ يُسْتَحْيَا منها كما يُسْتَحْيَا من العَوْرَةِ إِذا ظَهَرَتْ؛ كذا في اللسان. والعَوْرَة من الجِبَال: شُهُوقُها والجَمْعُ العَوْراتُ. والعَوْرَةُ من الشَّمْسِ: مَشْرِقُهَا ومَغْرِبُها، وهو مَجَازٌ. وفي الأَساس: عَوْرَتَا الشَّمْسِ: خافِقَاها. وقال الشاعر:

تَجَاوَبَ يُومُها في عَوْرتَيْهَا *** إِذا الحِرْبَاءُ أَوْفَى للتَّنَاجِي

هكذا فسّره ابنُ الأَعرابيّ، وهكذا أَنشدَه الجوهريّ في الصحاح. وقال الصاغَاني: الصواب «غَوْرَتَيْها» بالغَيْن معجَمَة، وهما جانِبَاها. وفي البَيْت تَحْرِيفٌ، والرَّواية: أَوْفَى للبَرَاحِ، والقَصِيدَة حائيّة، والبَيْتُ لبِشْرِ بن أَبي خازِم.

ومن المَجَاز: أَعْوَرَ الشَّيْ‌ءُ، إِذا ظَهَرَ وأَمْكَنَ، عن ابن الأَعْرَابيّ، وأَنْشَدَ لكُثَيِّر:

كَذاكَ أَذُودُ النَّفْسَ يا عَزُّ عنكمُ *** وقد أَعْوَرَتْ أَسْرَابُ مَنْ لا يَذُودُهَا

أَعْوَرَت: أَمكنتْ؛ أَي مَنْ لَمْ يَذُدْ نَفْسَه عن هَواهَا فَحُشَ إِعْوَارُهَا وفَشَت أَسْرَارُهَا والمُعْوِرُ: المُمْكِنُ البَيِّنُ الوَاضِحُ.

وقولُهُم: ما يُعْوِرُ لَهُ شَي‌ءٌ إِلَّا أَخَذَه؛ أَي ما يَظْهَر. والعَرَبُ تقول: أَعْوَرَ مَنْزِلُك، إِذا بَدَتْ منه عَوْرَةٌ. وأَعْوَرَ الفَارِسُ: بَدَا فيه مَوْضِعُ خَلَلٍ لِلضَّرْبِ والطَّعْنِ، وهُو ممّا اشْتُقَّ من المُسْتَعَار؛ قاله الزمخشريّ. وقال ابنُ القَطّاع: وأَعْوَرَ البَيْتُ كذلك بانْهِدامِ حائِطه. ومنه‌حديث عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه: «لا تُجْهِزُوا على جَرِيحٍ ولا تُصِيبُوا مُعْوِرًا»، هو من أَعْوَرَ الفارِسُ. وقال الشاعِرُ يصف الأَسَد:

له الشَّدَّةُ الأَولَى إِذا القِرْنُ أَعْوَرَا

والعَارِيَّة، مُشَدَّدةً، فعْليَّة من العارِ، كما حَقَّقه المصنّف في البَصَائر. قال الأَزهريّ: وهو قُوَيْلٌ ضَعِيفٌ، وإِنّمَا غَرَّهم قولُهم: يَتَعَيَّرُون العَوارِيَّ، ولَيْسَ على وَضْعِه، إِنّما هي مُعاقَبَةٌ من الواوِ إِلى الياءِ. وفي الصّحاح: العارِيَّة، بالتَّشْدِيد، كأَنّها منسوبةٌ إِلى العارِ لأَنّ طَلَبَها عارٌ وعَيْبٌ.

وقال ابنُ مُقْبِل:

فأَخْلِفْ وأَتْلِفْ إِنّمَا المالُ عارَةٌ *** وكُلْهُ مع الدَّهْرِ الذي هُوَ آكِلُهْ

قلتُ: ومثلُه قولُ اللَّيْث. وقد تُخَفَّف. وكذا العَارَةُ: ما تَدَاوَلُوه بَيْنَهُم، وفي حديث صَفْوَانَ بنِ أُمَيّة: «عَارِيَّة مَضْمُونَة مُؤَدّاة» العَارِيّة يجب رَدُّها إِجماعًا، مهما كانت عينُها باقية. فإِنْ تَلِفَتْ وَجَبَ ضَمانُ قِيمَتِها عند الشافعيّ، ولا ضَمانَ فيها عند أَبي حَنِيفَةَ. وقال المصنِّف في البصائر: قِيلَ للعارِيَّة: أَيْنَ تَذْهَبينَ؟ فقالت: أَجْلُبُ إِلى أَهْلي مَذَمَّةً وعارًا. الجمع: عَوَارِيُّ، مُشَدَّدةً ومُخَفَّفةً قال الشاعر:

إِنَّمَا أَنفُسُنا عاريَّةٌ *** والعَوَارِيُّ قُصَارَى أَنْ تُرَدّ

وقد أَعارَهُ الشي‌ءَ وأَعارَه مِنْهُ وعاوَرَه إِيّاهُ. والمُعَاوَرَةُ والتَّعاوُر: شِبْهُ المُداوَلَة. والتَّدَاوُلُ في الشي‌ءِ يكونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ. ومنه قولُ ذِي الرُّمَّة:

وسِقْطِ كعَيْنِ الدِّيكِ عاوَرْتُ صاحِبِي *** أَبَاهَا وهَيَّأْنا لِمَوْقِعها وَكْرَا

يَعْنِي الزَّنْدَ وما يَسْقُطُ من نارِها. وأَنشد اللَّيْث:

إِذا رَدَّ المُعَاوِرُ مَا اسْتَعَارَا

وتَعَوَّرَ وَاسْتَعَارَ: طَلَبَهَا نحو تَعَجَّبَ واسْتَعْجَبَ، وفي حديثِ ابنِ عَبّاس وقِصّةِ العِجْل: «مِنْ حُلِيٍّ تَعَوَّرَهُ بَنُو إِسْرَائِيل»؛ أَي اسْتَعَارُوه.

واسْتَعَارَه الشَّيْ‌ءَ واسْتَعَارَه منه: طَلَبَ منه إِعَارَتَه، أَيْ أَنْ يُعِيرَه إِيّاه؛ وهذه عن اللِّحْيَانيّ. قال الأَزهريّ: وأَما العارِيَّة فإِنَّهَا منسوبةٌ إِلى العَارَةِ، وهو اسمٌ من الإِعارَة، تقول: أَعَرْتُه الشي‌ءَ أُعيرُه إِعارَةً وعارَةٌ، كما قالوا: أَطَعْتُه إِطاعَةً وطَاعَةً، وأَجَبْتُه إِجابَةً وجَابَةً. قال: وهذا كثيرٌ في ذَوات الثَّلاثِ، منها الغارَةُ والدَّارَةُ والطَّاقَةُ وما أَشْبَهَهَا. ويُقَالُ: اسْتَعَرْتُ منه عارِيَّةً فأَعَارَنِيها.

واعْتَوَرُوا الشَّيْ‌ءَ، وتَعَوَّرُوه، وتَعَاوَرُوه: تَدَاوَلُوه فيما بَيْنَهُم. قال أَبو كَبِيرٍ:

وإِذا الكُمَاةُ تَعَاوَرُوا طَعْنَ الكُلَى *** نَدْرَ البِكَارَةِ في الجَزَاءِ المُضْعَفِ

قال الجَوْهَرِيّ: إِنّمَا ظَهَرَت الواوُ في «اعْتَوَرُوا» لأَنَّه في معنى تَعَاوَرُوا فَبُنِيَ عليه، كما ذَكَرْنا في تَجَاوَرُوا.

وفي الحديث: «يَتعاوَرُون على مِنْبَرِي» أَي يَخْتَلِفُون ويَتَنَاوَبُون، كلّما مَضَى واحدٌ خَلَفَه آخَرُ. يقال: تَعَاوَرَ القومُ فُلانًا، إِذا تَعَاوَنُوا عليه بالضَّرْب وَاحدًا بعدَ وَاحدٍ. قال الأَزهريّ: وأَما العارِيَّة والإِعَارَةُ والاسْتِعَارَةُ فإِنّ قولَ العَرَب فيها: هُمْ يَتعاوَرُون العَوَارِيّ ويَتَعَوَّرُونَهَا، بالواو، كأَنَّهم تَفْرِقَةً بين ما يَتَرَدَّدُ من ذاتِ نَفْسِه وبين ما يُرَدَّدُ. وقال أَبو زَيْد: تَعَاوَرْنا العَوَارِيَّ تَعَاوُرًا، إِذا أَعارَ بعضُكم بَعْضًا.

وتَعَوَّرْنَا تَعَوُّرًا، إِذا كُنْتَ أَنْت المُسْتَعِيرَ. وتَعَاوَرْنا فُلانًا ضَرْبًا، إِذا ضَرَبْتَه مَرّة ثمّ صاحبُك ثمّ الآخَر. وقال ابنُ الأَعرابيّ: التَّعَاوُر والاعْتِوَارُ: أَنْ يَكُونَ هذا مَكانَ هذا، وهذَا مَكانَ هذا. يُقَال: اعْتَوَراهُ وابْتَدّاهُ، هذا مَرَّةً وهذا مَرّة، ولا يُقَال: ابْتَدَّ زيدٌ عَمْرًا، ولا اعْتَوَرَ زيدٌ عَمْرًا.

وعارَه، قِيل: لا مُسْتَقْبَلَ له. قال يَعْقُوبُ: وقالَ بعضُهُم: يَعُورُه، وقال أَبو شِبْل: يَعِيرُه، وسيذكر في الياءِ أَيضًا؛ أَي أَخَذَهُ وذَهَبَ به، وما أَدْرِي أَيُّ الجَرادِ عارَه، أَيْ أَيُّ الناس أَخَذَه، لا يُسْتَعْمَل إِلّا في الجَحْد. وقِيلَ: مَعْنَاه ما أَدْرِي أَيُّ الناسِ ذَهَبَ به، وحَكَى اللِّحْيَانيّ: أَراكَ عُرْتَه وعِرْتَه؛ أَي ذَهَبْتَ به، قال ابنُ جِنّي؛ كأَنّهم إِنّمَا لَمْ يَكَادُوا يَسْتَعْمِلُونَ مُضَارِعَ هذا الفِعْل لَمّا كانَ مَثَلًا جارِيًا في الأَمْرِ المُنْقَضي الفائت، وإِذا كانَ كذلك فلا وَجْهَ لذِكْر المضارع هاهنَا [لأَنه] ليس بمُنْقَضٍ ولا يَنْطِقُون فيه بيَفْعَل. أَو مَعْنَى عارَهُ أَتْلَفَهَ وأَهْلَكَه؛ قاله بعضُهم.

وعَاوَرَ المَكَايِيلَ وعَوَّرَها: قَدَّرَها، كعَايَرَها، بالياءِ لُغَة فيه، وسيُذْكَر في «عير».

وعَيَّرَ المِيزَانَ والمِكْيالَ، وعاوَرَهُما، وعايَرَهُمَا، وعايَرَ بَيْنَهُمَا مُعَايَرَةً وعِيَارًا، بالكَسْر: قَدَّرَهُما ونَظَرَ ما بَيْنَهُمَا.

ذكر ذلك أَبو الجَرّاح في بابِ ما خالَفَتِ العامّةُ فيه لُغَةَ العَرَب. وقال اللَّيث: العِيَارُ: ما عايَرْتَ به المَكَايِيلَ، فالعِيَارُ صَحِيحٌ تامّ وَافٍ. تَقُول: عايَرْتُ به؛ أَي سَوَّيْتُه، وهو العِيَارُ والمِعْيَارُ. وحقّ هذه أَنْ تُذْكَر في الياءِ كما سيأْتي.

والمُعَارُ، بالضَّمّ: الفَرَسُ المُضَمَّرُ المُقدَّحُ، وإِنّمَا قِيل له المُعَارُ لأَنّ طَرِيقَةَ مَتْنِه نَبَتْ فصارَ لها عَيْرٌ ناتئٌ، أَو المَنْتُوفُ الذَّنَبِ، من قولهم: أَعَرْتُ الفَرَسَ وأَعْرَيْتُه: هَلَبْتُ ذَنَبَه؛ قاله ابنُ القَطّاع. أَو السَّمِينُ، ويُقَال له: المُسْتَعِير أَيضًا، من قولهم: أَعَرْتُ الفَرَسَ، إِذا أَسْمَنْته. وبالأَقوالِ الثلاثة فُسِّر بيتُ بِشْرِ بنِ أَبِي خازِم الآتِي ذِكْرُه في «ع ى ر».

وعَوَّرَ الرّاعِي الغَنَمَ تَعْوِيرًا: عَرَّضَهَا للضَّياعِ، نقله الصاغانيّ.

وعَوَرْتَا، بفَتْح العَيْن والواوِ وسُكُون الرّاءِ: د، بُلَيْدَة قُرْبَ نابُلُس الشَّأْمِ، قِيلَ بها قَبْرُ سَبْعِينَ نَبِيًّا من أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، منهم سَيّدُنَا عُزَيرٌ في مَغَارَةٍ، ويُوشَعُ فَتَى مُوسَى، عليهم الصَّلاة والسَّلام؛ ذكره الصاغانيّ.

واسْتَعْوَرَ عن أَهْلِه: انْفَرَدَ عنهم؛ نقله الصاغانيّ عن الفرّاءِ.

وعُوَيْرٌ، كزُبَيْرٍ، مَوْضِعانِ أَحدُهُما على قِبْلَة الأَعْوَرِيَّة، وهي قَرْيَةُ بَنِي مِحْجَن المالِكِيِّين. قال القُّطاميّ:

حَتَّى وَرَدْنَ رَكِيّاتِ العُوَيْرِ وقَدْ *** كادَ المُلَاءُ من الكَتّانِ يَشْتَعِلُ

وعُوَيْرٌ، والعُوَيْرُ: اسم رَجُل قال امرُؤ القَيْسِ:

عُوَيْرٌ ومَنْ مِثْلُ العُوَيْرِ ورَهْطِه *** وأَسْعَدَ في لَيْلِ البَلابِلِ صَفْوانُ

ويُقالُ: رَكِيّةٌ عُورانٌ، بالضَّمّ: أَي مُتَهَدِّمةٌ، للواحِدِ والجَمْع، هكذا نَقَلَه الصاغانيّ.

وقال ابنُ دُرَيْد: عُورانُ قَيْس: خَمْسَةٌ شُعَراءُ عُورٌ: تَمِيمُ بنُ أُبَيّ بنِ مُقْبِل، وهو من بَنِي العَجْلانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ رَبِيعَةَ، والرّاعي، واسمُه عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ، من بَنِي نُمَيْرِ بنِ عامِرٍ، والشَّمّاخُ، واسْمُه مَعْقِلُ بنُ ضِرارٍ، من بَنِي جِحَاشِ بنِ بَجَالَة بنِ مازِنِ بن ثَعْلَبَةَ بنِ سَعْدِ بنِ ذُبْيَانَ، وعَمْرُو بنُ أَحْمَرَ الباهِلِيُّ، وسيأْتي بَقِيَّةُ نَسَبِه في «ف ر ص» وحُمَيْدُ بنُ ثَوْر، من بَنِي هِلالِ بن عامِر، فارِسُ الضَّحْيَاءِ.

وفي اللسان ذَكَر الأَعْوَرَ الشَّنِّيّ بَدَلَ الراعِي.

والعَوِرُ، ككَتِفٍ: الرَّدِئُ السَّرِيرَةِ قَبِيحُها، كالمُعْوِر، من العَوَرِ، وهو الشَّيْنُ والقُبْحُ.

والعَوْرَةُ: الخَلَلُ في الثَّغْرِ وغَيْرِه، وقد يُوصَف به مَنْكُورًا فيكونُ للواحِدِ والجَمِيع بلَفْظٍ وَاحدٍ. وفي التَّنْزِيل: {إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ} فأَفْرَدَ الوَصْفَ، والمَوْصُوفُ جَمْعٌ. وأَجْمَع القُرّاءُ على تَسْكِين الواو من عَوْرَةٌ، وقَرَأَ ابنُ عَبّاس رضي ‌الله‌ عنهما وجَمَاعَةٌ من القُرّاءِ إِنَّ بُيوتَنا عَوِرَةٌ، على فَعِلَة، وهي من شَواذّ القِرَاءات؛ أَي ذاتُ عَوْرَة؛ أَي لَيْسَت بحَرِيزَة، بل مُمْكِنَة للسُّرّاقِ لخُلُوِّهَا من الرِّجال. وقِيلَ: أَي مُعْوِرَة؛ أَي بُيُوتنا مِمّا يَلِي العَدُوَّ ونحْنُ نُسْرَقُ منها.

فأَكْذَبَهُمُ اللهُ تعالَى فقال: {وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ} ولَكِنْ يُرِيدُون الفِرارَ عَنْ نُصْرَة النَّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم. فمَنْ قَرَأَ «عوِرَةٌ» ذَكَّرَ وأَنَّثَ، ومن قَرَأَ «عَوْرَةٌ» قال في التَّذْكِيرِ والتَّأْنِيث عَوْرَة، كالمَصْدَر.

ومُسْتَعِير الحُسْنِ: طائِرٌ، نقله الصاغَانيّ.

* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:

قولُهُمْ: «كُسَيْرٌ وعُوَيْرٌ، وكُلٌّ غَيْرُ خَيْر». قال الجوهَرِيّ: يُقَال ذلك في الخَصْلَتَيْن المَكْرُوهَتَيْن، وهو تَصْغِيرُ أَعْوَرَ مُرَخَّمًا. ومثلُه في الأَساس.

وعارَ الدَّمْعُ يَعِيرُ عَيَرَانًا: سالَ؛ قاله ابنُ بُزُرْج، وأَنشد:

ورُبَّتَ سائل عَنّي حَفِيٍّ *** أَعارَتْ عَيْنُه أَمْ لَمْ تَعَارَا

أَي أَدَمَعَتْ عَيْنُه؟ والبيت لِعَمْرِو بن أَحْمَر الباهليّ.

وقالُوا: «بَدَلٌ أَعْوَرُ»، مَثَلٌ يُضْرَبُ للمذموم يَخْلُف بَعْدَ الرَّجُلِ المَحْمُود. وفي حَدِيث أُمّ زَرْع: «فاسْتَبْدَلْتُ بَعْدَه، وكُلُّ بَدَلٍ أَعْوَرُ». وهو من ذلك، قال عبدُ الله بن هَمّامٍ السَّلُوليّ لقُتَيْبَةَ بنِ مُسْلِم، ووُلِّيَ خُرَاسَانَ بَعْدَ يَزِيدَ بنِ المُهلَّب:

أَقُتَيْبَ قد قُلْنَا غَدَاةَ أَتَيْتَنَا *** بَدَلٌ لَعَمْرُكَ من يَزِيدٍ أَعْوَرُ

ورُبَّمَا قالُوا «خَلَفٌ أَعْوَرُ». قال أَبو ذُؤَيْب:

فأَصْبَحْتُ أَمشِي في دِيَارٍ كأَنَّهَا *** خِلافَ دِيَارِ الكاهِلِيَّةِ عُورُ

كأَنَّه جَمَع خَلَفًا على خِلَافٍ مِثْل جَبَل وجِبَال.

وبَنُو الأَعْوَر: قَبيلَةٌ، سُمُّوا بذلك لِعَوَرِ أَبِيهِم.

فَأَمَّا قَوْلُه:

في بلادِ الأَعْوَرِينَا

فعَلى الإِضافَةِ كالأَعْجَمِينَ، وليس بجَمْعِ أَعْوَر، لأَنّ مِثْلَ هذا لا يُسَلَّم عند سيبويه.

وقد يكون العَوَر في غَيْر الإِنسان، فيُقَال: بَعِيرٌ أَعوَرُ. والأَعْوَرُ أَيضًا: الأَحْوَل.

وقال شَمِر: عَوَّرتُ عُيُونَ المِيَاهِ، إِذا دَفَنْتَهَا وسَدَدْتَها. وعَوَّرْتُ الرَّكِيَّة، إِذا كَبَسْتَها بالتُّراب حَتَّى تَنْسَدّ عُيُونُها. وفي الأَساس: وأَفْسَدَهَا حَتَّى نَضَب الماءُ، وهو مَجازٌ وكذا أَعَرْتُهَا. وقد عارَتْ هِي تَعُورُ.

وفَلاةٌ عَوْرَاءُ: لا ماءَ بها.

وفي حديث عُمَر وذَكَرَ امرَأَ القَيْس، فقال: «افْتَقَرَ عن مَعانٍ عُورٍ». أَراد به المَعَانِيَ الغامِضَةَ الدَّقِيقَة.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: العُوّارُ: البِئْرُ التي لا يُسْتَقَى منها.

قال: وعَوَّرْتُ الرجلَ، إِذا اسْتَسْقاكَ فلم تَسْقِه. قال الجَوْهَرِيّ: ويقال للمُسْتَجِيزِ الذِي يَطْلُب المَاءَ إِذا لم تَسْقِه: قد عَوَّرْتَ شُرْبَه. قال الفَرَزْدَق:

مَتَى ما تَرِدْ يَوْمًا سَفَارِ تَجِدْ بِهَا *** أُدَيْهِمَ يَرْمِي المُسْتَجِيزَ المُعَوَّرَا

سَفَارِ: اسمُ ماءٍ، والمُسْتَجِيز: الَّذي يَطْلبُ الماءَ.

ويقال عَوَّرتُه عن المَاءِ تَعْوِيرًا؛ أَي حَلأْتُه. وقال أَبو عُبَيْدَةَ: التَّعْوِيرُ: الرَّدُّ. عَوَّرْتُهُ عن حاجَتِه: رَدَدْته عَنْهَا. وهو مَجاز.

ويقال: ما رَأَيْتُ عائرَ عَيْن؛ أَي أَحَدًا يَطْرِفُ العَيْنَ فيَعُورها.

ومن أَمْثَالِ العَرَبِ السَائِرَةِ: «أَعْوَرُ عَيْنَكَ والحَجَرَ».

والإِعْوار: الرِّيبَةُ.

ورَجُلٌ مُعْوِرٌ: قَبِيحُ السَّرِيرةِ. ومكَانٌ مُعْوِرٌ: مَخُوفٌ. وهذا مكانٌ مُعْوِرٌ؛ أَي يُخَافُ فيه القَطْعُ، وكذا مَكَانٌ عَوْرَةٌ، وهو من مَجَاز المَجَاز، كما في الأَساس. وفي حديث أَبي بَكْر رضي ‌الله‌ عنه «قال مَسْعُودُ بنُ هُنَيْدَةَ: رأَيتُه وقَدْ طَلَعَ في طَرِيق مُعْوِرة» أَي ذات عَوْرَة يُخَافُ فيها الضَّلالُ والانْقِطَاع، وكُلُّ عَيْبٍ وخَلَل في شيْ‌ءٍ فهُوَ عَوْرَة. وشَيْ‌ءٌ مُعْوِرٌ وعَوِرٌ: لا حافِظَ له. والمُعْوِرُ: المُمْكِنُ البَيِّنُ الوَاضِحُ. وأَعْوَرَ لك الصَّيْدُ، وأَعْوَرَكَ: أَمْكَنَك، وهو مَجاز.

وعن ابن الأَعْرَابِي: يُقَال: تَعَوَّرَ الكِتَابُ، إِذا دَرَسَ، وهو مَجاز.

وحكَى اللِّحْيَانيّ: أَرَى ذا الدَهْرَ يَسْتعِيرُنِي ثِيابِي. قال: يَقُولُه الرَّجُلُ إِذا كَبِرَ وخَشيَ المَوْتَ. وفَسَّره الزمخشريّ فقال: أَي يَأْخُذُه مِنّي، وهو مَجَازُ المَجَازِ كما في الأَسَاس. وذكره الصاغانيّ أَيضًا.

وقولُ الشَّاعِرِ:

كأَنَّ حَفِيفَ مِنْخَرِه إِذا مَا *** كَتَمْنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُسْتَعَارُ

كِيرٌ مُسْتَعَارٌ: أَي مُتعاوَرٌ أَو اسْتُعِيرَ من صاحِبِه.

وتَعَاوَرَتِ الرِّيَاحُ رَسْمَ الدّارِ حَتَّى عَفَتْه؛ أَي تَواظَبَتْ عليه؛ قالَه اللَّيْثُ. وهو من مَجَازِ المجاز. قال الأَزْهَرِيّ: وهذا غَلَط، ومعنى تَعَاوَرَتِ الرِّيَاحُ رَسْمَ الدَّارِ؛ أَي تَدَاوَلَتْه، فمَرَّةً تَهُبّ جَنُوبًا، ومَرّةً شَمَالًا، ومرَّة قَبُولًا، ومَرّة دَبُورًا. ومنه قولُ الأَعشَى:

دِمْنَةٌ قَفْرَةٌ تَعاوَرَها الصَّيْ *** فُ برِيحَيْنِ من صَبًا وشَمَالِ

وعَوَّرْتُ عليه أَمْرَه تَعْوِيرًا: قَبَّحْتُه، وهو مَجاز.

والعَوَرُ، مُحَرَّكة: تَرْكُ الحَقّ.

ويُقَال: إِنَّهَا لَعَوْراءُ القُرِّ: يَعْنُونَ سَنَةً أَو غَدَاةً أَو لَيْلَةً؛ حُكِي ذلك عن ثَعْلَب. قلتُ: فيُقَال: لَيْلَةٌ عَوْراءُ القُرِّ؛ أَي ليس فيها بَرْدٌ، وكذلك الغَداةُ والسَّنَةُ، ونقله الصاغانيّ أَيضًا.

ومن مَجازِ المَجَاز قَوْلُهم: الاسْمُ تَعْتَوِرُه حَرَكَاتُ الإِعْرَابِ، وكذا قَوْلُهم: تَعَاوَرْنَا العَوارِيَّ، وكذا قولهم: اسْتَعارَ سَهْمًا من كِنانَتِه، وكذا قولُهم: سَيْفٌ أُعِيرَتْهُ المَنِيَّةُ.

قال النابِغَةُ:

وأَنْتَ رَبِيعٌ يَنْعَشُ الناسَ سَيْبُهُ *** وسَيْفٌ أُعِيرَتْهُ المَنِيَّةُ قاطعُ

وقال اللَّيْث: ودِجْلَةُ العَوْرَاءُ بالعِرَاق بمَيْسَانَ؛ ذكرَهُ صاحبُ اللسان، وعَزاه الصاغانيّ.

والأَعاوِرُ: بَطْنٌ من العَرب، يقالُ لهم: بَنُو الأَعْوَر. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: بنو عُوَار، كغُرَابٍ: قَبِيلَةٌ.

وأَعارَتِ الدابَّةُ حافِرَها: قَلَبَتْه؛ نقله الصاغانيّ.

وعاوَرْتُ الشمسَ: راقَبْتُهَا؛ نقله الصاغانيّ.

والإِعَارَةُ: اعْتِسَارُ الفَحْلِ النَاقَةَ؛ نقله الصاغانيُّ أَيضًا.

وفي بَنِي سُلَيم أَبُو الأَعْوَر عُمَرُ بنُ سُفْيَانَ، صاحِبُ مُعَاوِيَة، ذكره ابنُ الكَلْبِيّ. قلتُ: قال أَبو حاتِمٍ: لا تَصِحُّ له صُحْبَةٌ، وكانَ عَلِيٌّ يَدْعُو عليه في القُنُوتِ. وأَبو الأَعْوَرِ الحارِث بن ظالِمٍ الخَزْرَجِيّ بَدْرِيّ، قِيلَ: اسْمُه كَعْبٌ، وقِيلَ: اسْمُه كُنْيَتُه.

والعَوْرَاءُ بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ: هي الَّتِي خَطَبَهَا عَلِيٌّ، وقيل: اسْمُها جُوَيْرِيَةُ، والعَوْرَاءُ لَقَبُها.

وابْنَا عُوَارٍ جَبَلانِ، قال الرّاعِي:

بَلْ ما تَذكَّرُ من هِنْدٍ إِذَا احْتَجبَتْ *** بِابْنَيْ عُوَارٍ وأَمْسَى دُونَهَا بُلَعُ

وقال أَبو عُبَيْدَةَ: هما نَقَوَا رَمْل.

وأَعْوَرَ الرَّجُلُ: أَرابَ؛ قاله ابنُ القَطّاع.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


31-تاج العروس (خق خقق خقخق)

[خقق]: الإِخْقِيقُ، كإِزْمِيلٍ، وأُسْبُوع. الشَّقُّ في الأَرْضِ قالَ الجَوْهَرِيُّ: الأُخْقُوق: لُغةٌ في اللُّخْقُوقِ ج: أَخاقِيقُ ولَخاقِيقُ، ومنه الحَدِيثُ: «فوَقَصَتْ به ناقَتُه في أَخاقِيقِ جُرْذانٍ» وهِيَ شُقُوقُ الأَرْضِ، وقالَ الأَصْمَعِيُّ: هي لَخاقِيقُ، ولم يَعْرِفْه إِلّا بالَّلام، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وقالَ غيرُه: الأَخاقِيقُ صَحِيحَةٌ، كما جاءَ في الحَدِيثِ، وهي الأَخادِيدُ، قالَ اللَّيْثُ: ومَنْ قالَ: اللُّخْقُوقُ فإِنَّما هُو غَلَطٌ من قِبَلِ الهَمْزَةِ مع لامِ المَعْرِفَة، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهي لُغَةُ بعضِ العَرَب، يتَكَلَّمُ بها أَهلُ المَدِينَةِ، وقِيلَ: الأَخاقِيقُ: كُسُورٌ في الأَرْضِ في مُنْعَرَجِ الجَبَلِ، وفي الأَرْضِ المُتَفَقِّرَةِ، وهيَ الأَوْدِيَة.

كالخَقِّ وهو: شِبْهُ حُفْرةٍ غامِضَةٍ في الأَرْضِ، نَقَله ابنُ دُرَيْدٍ عن أَهْلِ اللُّغَةِ، قالَ: ولا أَدْرِي ما صِحَّتُه ج: أَخْقاقٌ، وخُقُوقٌ، وقِيلَ: جمعُ الجَمْعِ أَخاقِيقُ وهو قَوْلُ الرِّياشِيِّ، ونَصُّه: واحِدُ الأَخاقِيقِ خُقّ، وجمعُ الخُقِّ: أَخْقاقٌ وخُقُوقٌ، والأَخاقِيقُ: جَمْعُ الجَمْع.

وكتَبَ عبدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوانَ إِلى عامِلٍ له: «أَمّا بَعْدُ.

فلا تَدَعْ خَقًّا من الأَرْضِ ولا لَقًّا إِلّا سَوَّيْتَهُ وزَرَعْتَهُ»، ورواهُ ابنُ الأَنْبارِيِّ بإِسْنادِه أَنّه زَرَعَ كُلَّ حُقٍّ ولُقٍّ، بالحاءِ المُهْملة المَضْمُومةِ، قالَ: فالحُقُّ: الأَرْضُ المُطْمَئِنَّةُ، واللُّقُّ: المُرْتَفِعَةُ، وقد تَقَدَّمَ في مَوْضِعه.

وخَقَّ الفَرْجُ يَخِقُّ خَقِيقًا: إِذا صَوَّتَ عند الجِماع.

وخَقَّ القِدْرُ: غَلَى فصَوَّتَ هكذا في سائِرِ النُّسَخِ، والّذِي في العُبابِ واللِّسانِ: وخَقَّ القارُ، وما أَشْبَهَهُ، خَقًّا وخَقَقًا وخَقِيقًا: إِذا غَلَى فسُمِعَ له صَوْتٌ، قال الصّاغانِيُّ: وكَذلِكَ القِدْرُ، وبالغَيْنِ المُعْجَمةِ أَيْضًا، فإِنْ أَبْقَيْتَ لَفْظَةَ القِدْرِ فالصّوابُ: غَلَتْ فصَوَّتَتْ، وإِلّا فَهُو القارُ بدَلَ القِدْرِ.

والخَقُوقُ: الأَتانُ الواسِعَةُ الدُّبُرِ عن اللَّيْثِ والَّتِي يُسْمَعُ صَوْتُ حَيائِها عند الجِماع من الهُزالِ والاسْتِرْخاءِ، وكذلِك كُلُّ أُنْثَى من الدَّوابِّ، وقد خَقَّتْ تَخِقُّ خَقِيقًا.

وكذا المَرْأَةُ، كالخَقّاقَةِ فيهِما، قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: وهو نَعْتٌ مَكْرُوهٌ.

قالَ اللَّيْثُ: ويُقال في السِّبابِ: يا ابْنَ الخَقُوقِ، وقال الشّاعِرُ:

لَوْ نِكْتَ مِنْهُنَّ خَقُوقًا عَرْدَا *** سَمِعْتَ رِزًّا ودَوِيًّا إِدَّا

وأَخَقَّتِ البَكْرَةُ إِخْقَاقًا: إِذا اتَّسَعَ خَرْقُها عن المِحْوَرِ، واتَّسَعَتْ النَّعامَةُ عن مَوْضِعِ طَرَفِها من الزُّرْنُوقِ وقالَ أَبو زَيْد: إِذا اتَّسَعَتْ البَكْرَةُ، أو اتَّسَعَ خَرْقُها عنها، قِيلَ: أَخَقَّت إِخْقاقًا فانْخُسُوها نَخْسًا، وهو أَنْ يَسُدَّ ما اتَّسَع مِنْها بخَشَبَةٍ أَو بحَجَرٍ، أَو بغَيْرِه.

وأَخَقَّ الفَرْجُ فهو مُخِقٌّ، أَي: صَوَّتَ عندَ الجِماع وحِرٌّ مُخِقٌّ: مُصَوِّتٌ عندَ النَّخْج، قالَه اللَّيْثُ.

* ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

الخِقاقُ، بالكسر: صَوْتٌ يَكونُ في ظَبْيَةِ الأُنْثَى من الخَيْلِ مِنْ رَخاوَةِ خِلْقَتِها، وارْتِفاعِ مُلْتَقاها، فإِذا تَحَرَّكَت لعَنَقٍ ونَحْوهِ احْتَشَت رَحِمُها الرِّيحَ، فصَوَّتَتْ، فذلِك الخِقاقُ، قالهُ أَبُو عُبَيْدَةَ في كِتابِ الخَيْلِ، قالَ: ويُقالُ للفَرَسِ من ذلِكَ: الخاقُّ.

والخَقُوقُ، والخَقّاقةُ: الاسْتُ.

والخَقِيقُ، والخَقْخَقَةُ: زُعاقُ قُنْبَ الدّابَّةِ.

والخَقْخَقَةُ أَيضًا: صَوْتُ الفَرْجِ.

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الخَقُّ: الغَدِيرُ إِذا يَبِسَ وتَقَلْفَعَ، وأَنْشَد:

كأَنَّما يَمْشِينَ في خَقٍّ يَبَسْ

وخَقْخَقَ القارُ والقِدْرُ: مثلُ خَقَّ.

وخَقَّ السَّيْلُ في الأَرْضِ خَقًّا: إِذا حَفَر فِيها حَفْرًا عَمِيقًا، عن ابْنِ شُمَيْلٍ.

وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ: الخَقَقَةُ: الرَّكْواتُ المُتَلاحِماتُ.

والخَقَقَةُ أَيضًا: الشُّقُوقُ الضَّيِّقَةُ.

وفي النَّوادِرِ: يُقال: اسْتَخَقَّ الفَرَسُ، وأَخَقَّ، وامْتَخَضَ: إِذا اسْتَرْخَى سُرْمُه، يُقالُ ذلِكَ في الذَّكَرِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


32-تاج العروس (عدل)

[عدل]: العَدْلُ، ضِدُّ الجَوْرِ، وهو ما قامَ في النُّفوسِ أَنَّهُ مُسْتَقيمٌ: وقيلَ هو الأَمْرُ المُتَوسطُ بَيْن الإفْراطِ والتَّفْريطِ.

وقالَ الرَّاغبُ: العَدْلُ، ضَرْبَان: مُطْلقٌ يَقْتَضِي العَقْلُ حُسْنَه ولا يكونُ في شي‌ءٍ من الأَزْمنةِ مَنْسوخًا ولا يُوصَفُ بالاعْتِدَاءِ بوجْهٍ نَحْو الإحْسانِ إلى مَن أَحْسَنَ إليكَ وكَفّ الأَذِيَّةِ عمَّن كَفَّ أَذَاهُ عنك، وعَدْلٌ يُعْرَفُ كَوْنه عَدْلًا بالشَّرْعِ ويمكنُ نَسْخه في بعضِ الأَزْمنةِ كالقَصَاصِ وأرُوش الجِنَاياتِ وأَخْذ مال المُرْتدِّ، ولذلِكَ قالَ تعالَى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} وقال تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ [سَيِّئَةٌ مِثْلُها}، فسُمِّيَ ذلِكَ اعْتداءٌ وسَيِّئَةٌ، وهذا النَّحْو هو المعْنيّ بقولِهِ {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} فإنَّ العَدْلَ هو المُسَاوَاة في المُكَافَأَة إن خَيْرًا فخَيْرٌ وإن شَرًّا فَشَرٌّ، والإحْسانُ أَنْ يُقابلَ الخيرُ بأَكْثر منه والشَّرُّ بأَقَلَّ منه، كالعَدالةِ والعُدولَةِ، بالضمِ، والمَعْدِلَةِ، بكسر الدالِ، والمَعْدَلَةِ بفَتْحها. قالَ الرَّاغِبُ: العَدَالَةُ والمَعْدلَةُ: لفْظٌ يَقْتَضِي المُسَاوَاة ويُسْتَعْملُ باعْتبارِ المُضايفَةِ.

عَدَلَ الحاكِمُ في الحُكْمِ يَعْدِلُ، من حَدِّ ضَرَبَ، عَدْلًا فهو عادِلٌ، يقالُ: هو يَقْضِي بالحقِّ ويَعْدِلُ. وهو حَكَمٌ عادِلٌ: ذو مَعْدَلةٍ في حُكْمِه مِن قومٍ عُدولٍ وعَدْلٍ أَيْضًا بلَفْظِ الواحِدِ، وهذا؛ أَي الأَخِير، اسمٌ للجَمْع كتَجْرٍ وشَرْبٍ، كما في المُحْكَمِ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لكُثَيِّر:

وبايَعْتُ لَيْلى في الخَلاءِ ولم يَكُنْ *** شُهودٌ على لَيْلى عُدُولٌ مَقَانِعُ

قالَ شيْخُنا قوْلُه بلَفْظِ الواحِدِ صَريحُه أَنَّ العَدْلَ هو لَفْظُ الواحِدِ وقدَّم أَنَّ الواحِدَ هو العادِلُ، ففي كَلامِه نَوْعٌ من التّناقضِ فتأَمَّلْ، انتَهَى.

والعَدْلُ من الناسِ: المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه.

وقالَ الباهِليُّ: رجُلٌ عَدْلٌ وعادِلٌ جائِزُ الشَّهادَةِ.

ورجُلٌ عَدْلٌ: رِضًا ومَقْنَعٌ في الشَّهادَة بَيِّن العَدْلِ والعَدَالةِ، وُصِفَ بالمصْدَرِ، معْناه ذو عَدْلٍ.

ويقالُ: رجُلٌ عَدْلٌ ورَجُلانِ عَدْلٌ ورِجالٌ عَدْلٌ وامْرأةٌ عَدْلٌ ونِسْوَةٌ عَدْلٌ كلُّ ذلِكَ على معْنَى رجالٌ ذَوُو عَدْلٍ ونِسْوَةٌ ذَوات عَدْلٍ، فهو لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع ولا يُؤَنَّثُ، فإن رأَيْته مَجْموعًا أَو مثنًى أَو مُؤَنّثًا فعَلَى أَنّه قد أُجْرِي مُجْرى الوَصْفِ الذي ليسَ بمصْدَرٍ.

قالَ شيْخُنا: العَدْلُ بالنَّظر إلى أَصْلِه وهو ضِدُّ الجَوْرِ لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ، وبالنَّظرِ إلى ما صَار إليه مِنَ النّقلِ للذَّات يُثَنَّى ويُجْمَع.

وقال الشّهاب المصْدَرُ المَنْعوت به يَسْتَوِي فيه الواحِدُ المذَكَّرُ وغيرُه، قالَ: وهذا الاسْتِواء هو الأَصْل المطَّرد فلا يُنَافِيه قَوْل الرَّضِي أَنَّه يقالُ رَجُلان عَدْلان لأنَّه رِعايَةٌ لجانِبِ المعْنَى، قالَ وقَوْلُ المصنِّفِ، وهذا اسمٌ مُخالِفٌ لمَا أَجْمَعوا عليه، انتَهى.

قلْتُ: وقالَ ابنُ جنيِّ: قوْلُهم رجُلٌ عَدْلٌ وامْرأَةٌ عَدْلٌ إنَّما اجْتَمَعا في الصِفَةِ المذَكَّرَةِ لأنَّ التّذْكير إنَّما أَتَاها من قبلِ المصْدَرِيَّةِ، فإذا قيلَ: رجُلٌ عَدْلٌ فكأَنَّه وُصِفَ بجَمِيع الجنْسِ مُبالَغَة كما تقولُ: اسْتَوْلى على الفَضْلِ وحَازَ جَمِيعَ الرِّياسة والنُّبْل ونَحْو ذلِكَ، فوُصِفَ بالجنْسِ أَجْمَع تمْكِينًا لهذا الموْضعِ وتأْكِيدًا، وجُعِل الإفْرادُ والتَّذْكيرُ إمارةً للمصْدَرِ المذْكورِ، وكذلِكَ القَوْلُ في خَصْمٍ ونحْوِه ممَّا وُصِفَ به من المصَادِر.

قالَ ابنُ سِيْدَه: وقد حَكَى ابنُ جنيِّ: امرأَةٌ عَدْلَةٌ، أَنَّثوا المصْدَرَ لمَا جَرَى وصفًا على المُؤَنَّثِ وإن لم يَكُن على صُورَةِ اسمِ الفاعِلِ، ولا هو الفاعِلُ في الحقِيقَةِ، وإنَّما اسْتَهْواه لذلِكَ جَرْيُها وصفًا على المُؤَنَّثِ.

قلْتُ: وبهذا سَقَطَ قَوْلُ شيْخِنا العدلة غَيْر مَعْروف ولا مَسْموع، واللُّغَةُ ليَس مَوْضُوعها ذِكْر المقيسات فتأَمَّلْ، انتَهَى.

وقالَ ابنُ جنيِّ أَيْضًا: فإن قيلَ: فقد قالُوا رجُلٌ عَدْل وامْرأةٌ عَدْلة وفرسٌ طَوْعة القِيادِ، وقَوْل أُميَّة:

والحَيَّةُ الحَتْفَةُ الرَّقْشاءُ أَخْرَجَها *** من بيتِها آمِناتُ اللهِ والكَلِمُ

قيلَ: هذا قد خَرَجَ على صورَةِ الصفَةِ لأَنَّهم لم يُؤْثِروا أَنْ يَبْعُدوا كلَّ البُعْد من أَصْل الوَصْفِ الذي بابه أَنْ يَقع الفَرْقُ فيه بَيْن مُذَكَّرِه ومُؤَنَّثه، فجَرَى هذا في حفظِ الأُصُول والتَّلَفُّت إليها للمُبَاقاة لها والتَّنبيه عليها مَجْرى إخْراج بعضِ المُعْتَلِّ على أَصْلِه، نَحْو اسْتَحْوَذَ، ومَجْرى إعْمال صُغْتُه وعُدْتُه، وإن كانَ قد نُقِل إلى فَعُلْت لمَا كانَ أَصْله فَعَلْت، وعلى ذلِكَ أَنَّث بعضُهم فقالَ خَصْمة وضَيْفة، وجَمَعَ فقالَ: خُصومٌ وأَضْيافٌ.

وعَدَّلَ الحُكْمَ تَعْديلًا: أَقامَهُ.

وعَدَّلَ فلانًا: زَكَّاهُ أَي قالَ إنَّه عَدْلٌ.

وعَدَّلَ المِيزانَ والمِكْيالَ: سَوَّاهُ فاعْتَدَلَ.

والعَدَلَةُ، محرَّكةً وكهُمَزَةٍ، وهذه عن ابنِ الأَعْرَابيِّ: المُزَكُّون للشُّهود.

وقالَ شَمِرّ: قالَ القُرْمُليُّ: سَأَلْت عن فلانٍ العُدَلَةِ، كتُؤَدةٍ؛ أَي الذين يُعَدِّلونه. وقالَ أَبو زَيْدٍ: رجُلٌ عُدَلَةٌ وقومٌ عُدَلة أَيْضًا: أَو كهُمَزَةٍ للواحِدِ، وبالتحريك للجَمْعِ عن أَبي عَمْرٍو.

وعَدَلَهُ يَعْدِلُه عَدْلًا وعادَلَهُ مُعادَلَة وازَنَهُ، وكذا عَادَلَ بَيْن الشَّيْئَيْن.

وعَدَلَه في المَحْمِلِ وعَادَلَهُ: رَكِبَ معه.

والعَدْلُ: المِثْلُ والنَّظيرُ كالعِدْلِ، بالكسرِ، والعَدِيل، كأمير، وقيلَ: هو المِثْلُ وليسَ بالنَّظيرِ عَيْنه، الجمع: أَعْدالٌ وعُدَلاءُ.

قالَ الرَّاغِبُ: العَدْلُ والعِدْلُ مُتَقاربان، لكنَّ العَدْل يُسْتَعْمل فيمَا يُدْرَكُ بالبَصِيرَةِ كالاحْكامِ وعلى ذلِكَ قَوْلُه تعالَى {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} والعِدْلُ والعَدِيلُ فيمَا يُدْركُ بالحاسَّةِ كالمَوْزُونَات والمَعْدُودَات والمَكِيْلات.

وفي الصِّحاحِ: قالَ الأَخْفَشُ: العِدْلُ بالكسرِ: المِثْلُ، والعَدْلُ بالفَتْح أَصْلُه مَصْدر قَوْلك: عَدَلْت بهذا عَدْلًا حَسَنًا، تَجْعَلُه اسْمًا للمِثْلِ لِتَفْرُقَ بَيْنه وبَيْن عِدْل المَتاعِ، كما قالُوا امرأَةٌ رَزانٌ وعَجُزٌ رَزِينٌ للفَرْقِ.

وقالَ الفرَّاءُ: العَدْلُ، بِالفتحِ، ما عَادَلَ الشي‌ءَ من غيرِ جِنْسِه، والعِدْلُ، بالكسرِ: المِثْلُ، تقولُ منه عنْدِي عِدْلُ غُلامِك وعِدْلُ شاتِك إذا كانَ غُلامًا يَعْدِلُ غُلامًا أَو شاةً تَعْدِلُ شاةً، فإذا أَرَدْت قيمتَه من غيرِ جنْسِه نَصَبَتْ العَيْن، ورُبَّما كَسَرَها بعضُ العَرَب، وكأَنَّه منهم غلطٌ لتَقارُبِ معْنَى العَدْل من العِدْل، قال: وقد أَجْمَعُوا على واحِدِ الأَعْدالِ أَنَّه عِدْلٌ بالكسرِ، انتهَى.

وفي العُبَابِ: وقالَ الزَّجَّاجُ: العَدْلُ والعِدْلُ واحِدٌ في معنى المِثْل، قالَ: والمعْنَى واحِد، كان المِثْلُ من الجنْس أَو مِن غير الجنْسِ. قالَ: ولم يقولُوا: إنَّ العَرَبَ غَلِطَت وليسَ إذا أَخْطأَ مُخْطِئٌ وجَبَ أَن يقولَ إنَّ بعضَ العَرَب غَلِط.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: عَدْلُ الشي‌ءِ وعِدْلُهُ سَواءٌ أَي مِثْلُه، انتَهَى.

وقالَ بعضُهم: العَدْلُ تَقويمُك الشي‌ءَ بالشي‌ءِ من غيرِ جنْسِه حتى تَجْعلَه له مِثْلًا. وأَجَازَ بعضُهم أَن يقالَ: عنْدِي عِدْلُ غُلامِك أَي مِثْله، وعَدْلَه، بالفتحِ، لا غَيْر، قيمتُه.

وقَرأَ ابنُ عامِرٍ: أَو عِدْلُ ذلِكَ صِيامًا بكَسْر العَيْن، وقَرَأَها الكِسَائيّ وأَهْلُ المدِينَةِ بالفتحِ.

والعَدْلُ الكَيْلُ، وقيلَ: الجَزاءُ، وأَيْضًا الفَريضَةُ وبه فسَّرَ ابنُ شُمَيْلٍ الحدِيثَ «لا يُقْبَل منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ».

ويقالُ: هو النَافِلَةُ، وقيلَ: هو الفِداءُ إذا اعْتُبِرَ فيه معْنَى المُسَاوَاة، ومنه قوْلُه تعالَى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ} {مِنْها}؛ أَي تَفْدِ كُلَّ فِداءٍ، وكذا قَوْلُه تعالَى: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا}، كما في الصِّحاحِ. وكانَ أَبو عُبَيْدَةَ يقولُ: وإنْ تُقْسِطْ كلَّ إقْساط لا يُقْبَلْ منها، قالَ الأَزْهَرِيُّ وهذا غلطٌ فاحِشٌ وإقْدامٌ من أَبي عُبَيْدَةَ على كتابِ اللهِ تعالَى، والمعْنَى فيه لو تَفْتدي بكلِّ فداءٍ لا يُقْبَل منها الفِداءُ يومَئِذٍ.

ويقالُ: العَدْلُ السَّوِيَّةُ.

وقالَ ابنُ الأعْرَابيِّ: العَدْلُ الاسْتِقامَةُ.

وعَدْلٌ، بِلا لامٍ: رجُلٌ من سعْدِ العَشِيرَة. وقالَ ابنُ السِّكِّيت: هو العَدْلُ بنُ جَزْء بنِ سَعْدِ العَشِيرَة، هكذا وَقَعَ في الصِّحاحِ، والصَّوابُ: من سَعْدِ العَشِيرَةِ واخْتُلِف في اسمِ وَالِدِه، فقيلَ: هو جَزْء هكذا بالهَمْزَةِ كما وَقَعَ في نسخِ الإصْلاحِ لابنِ السِّكِّيت ومِثْلُه في الصِّحاح، وفي جَمْهَرَةِ الْأَنْسابِ لابنِ الكَلْبي: هو العَدْلُ بنُ جُرَّ بضمِ الجيمِ والرَّاء المُكَرَّرَةِ، وكانَ ولِيَ شُرْطَةَ تُبَّع فإذا أُرِيدَ قَتْلُ رَجُلٍ دُفِعَ إليه، ونصُّ الصِّحاحِ: وكان تَبَّع إذا أَرَادَ قَتْل رَجُلٍ دَفَعَه إليه فقيلَ بعْدَ ذلِكَ لكُلِّ ما يُئِسَ منه وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ.

والعِدْلُ، بالكسر: نِصْفُ الحِمْل يكونُ على أَحَدِ جَنْبَي البَعِيرِ.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ العِدْلُ اسمُ حِمْل مَعْدُولٍ بحِمْلٍ أَي مُسَوًّى به، الجمع: أَعْدالٌ وعُدولٌ، عن سِيْبَوَيْه، ومن ذلِكَ تقولُ في عدولِ قَضاءِ السّوءِ: ما هم عُدولٌ ولكن عُدول وعَديلُكَ مُعادِلُكَ في المَحْمل. وقالَ الجوْهَرِيُّ: العَدِيلُ الذي يُعادِلك في الوَزْن والقَدر.

قالَ ابنُ بَرِّي: لم يَشْترِط الجوْهَرِيُّ في العَدِيل أن يكونَ إنْسانًا مِثْله، وفَرَق سِيْبَوَيْه بَيْن العَدِيلِ والعِدْل فقالَ: العَدِيلُ ما عادَلَك من الناسِ، والعِدْل لا يكونُ إلَّا للمَتاعِ خاصَّة، فبَيَّن أَنَّ عَدِيل الإنْسان لا يكون إلَّا إنْسانًا مِثْله، وأنَّ العِدْل لا يكون إلَّا للمَتاع خاصَّة.

ويقالُ: شَرِبَ حتى عَدَّلَ أَي صَارَ بَطْنُه كالعِدْل، بالكسرِ، وامْتَلَأ عن أَبي عَدْنان.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: وكذلِكَ حتى عَدَّنَ وأَوَّنَ بمعْناه.

والاعْتِدالُ: تَوَسُّطُ حالِ بَيْن حالَيْن في كَمٍّ أَو كَيْفٍ، كقَوْلِهم جِسْمٌ مُعْتَدِلٌ بَيْن الطُّول والقِصَر، وماءٌ مُعْتَدِلٌ بين البارِدِ والحارِّ، ويومٌ مُعْتَدِلٌ طيِّب الهواءِ ضِدُّ مُعْتَذِل، بالذالِ المعْجمةِ. وكُلُّ ما تَناسَبَ فقد اعْتَدَلَ وكُلُّ ما أَقَمْتَهُ فقد عَدَلْتَهُ بالتَّخْفيفِ، وعَدَّلْتَهُ بالتَّشْديدِ، وزَعَموا أَنَّ عُمَرَ بن الخَطَّاب، رضي ‌الله‌ عنه، قالَ: «الحمدُ للهِ الذي جَعَلَني في قَوْمٍ إذا مِلْتُ عَدَلُوني كما يُعْدَل السَّهْم في الثِّقافِ»؛ أَي قَوَّمُوني، وقالَ الشاعرُ:

صَبَحْتُ بها القَوْمَ حتى امْتَسَكْ *** تُ بالأَرْض، أَعْدِلُها أَن تَمِيلا

وقولُه تعالَى: {فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ} {رَكَّبَكَ}، قُرِئَ بالتّخْفيفِ وبالتَّثْقيلِ، فالأُولى قِرَاءَةُ عاصِمٍ والأخْفَشِ، والثانِيَةُ قِرَاءَة نافِعٍ وأَهْل الحجازِ.

قالَ الفرَّاءُ: من خَفَّفَ فَوَجْهُه، واللهُ أَعْلم، فَصَرَفَك إلى أَيِّ صُورةٍ ما شاءَ: إمَّا حَسَنٍ وإمَّا قَبيحٍ، وإمَّا طَويلٍ، وإمَّا قَصِيرٍ، وقيلَ: أَرَادَ عَدَلَك مِن الكُفْر إلى الإيْمانِ وهي نَعْمةٌ.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: والتَّشْديدُ أَعْجبُ الوَجْهَيْن إلى الفرَّاءِ وأَجْوَدُهما في العَرَبيةِ، والمعْنَى: فَقَوَّمَك وجَعَلَك مُعْتدلًا مُعَدَّلَ الخَلْق، وقد قالَ الفرَّاءُ في قِرَاءَةِ مَن قَرَأَ بالتَّخْفِيف أنَّه بمعْنَى فسَوَّاك وقَوَّمَك، مِن قَوْلِك عَدَلْت الشي‌ءَ فاعْتَدَلَ أَي سَوَّيْته فاسْتَوى، ومنه قولُ الشاعِر:

وعَدَلْناه ببَدْر فاعْتَدَل

أَي قَوَّمْناه فاسْتَقامَ، وكلُّ مُثَقَّفٍ مُعْتَدِلٌ وعَدَلَ عنه يَعْدِلُ عَدْلًا وعُدولًا: حادَ، وعن الطَّريقِ: جَارَ.

وعَدَلَ إليه عُدولًا رَجَعَ وعَدَلَ الطَّريقُ نفْسُه: مالَ.

وعَدَلَ الفَحْلُ عن الإبِلِ: إذا تَرَكَ الضِّرابَ.

وعَدَلَ الجَمَّالُ الفَحْلَ عن الضِّرابِ: نَحَّاهُ فانْعَدَلَ تَنَحَّى.

وعَدَلَ فلانًا بفلانٍ: إذا سَوَّى بينهما.

ويقالُ: مالَهُ مَعْدِلٌ، كَمَجْلِسٍ، ولا مَعْدولٌ أَي مَصْرِفٌ.

وانْعَدَلَ عنه: تَنَحَّى. وعادَلَ: اعْوَجَّ، قالَ ذو الرُّمَّة:

وإنِّي لأُنْحي الطَّرْفَ عن نَحْوِ غيْرِها *** حَياءً ولو طاوَعْتُه لم يُعادِل

أَي لم يَنْعَدِلْ: وقيلَ: معْناه لم يَعْدِل بنحْو أرضها أَي بقَصْدِها نحوًا.

والعِدالُ، ككِتابٍ: أَن يعْرِض لك أَمْرانِ فلا تدْري لأَيِّهما تصيرُ فأَنتَ تَرَوَّى في ذلِكَ، عن ابنِ الأعْرَابِيِّ وأَنْشَدَ:

وذُو الهَمِّ تُعْدِيه صريمةُ أَمْرِه *** إذا لم تُميِّثْه الرُّقى ويُعادِلُ

أَي يُعادِلُ بيْن الأَمْرَيْن أَيَّهما يَرْكَب. تُميِّثْه: تُذَلِّله المَشُورَات وقولُ الناسِ أَيْن تَذْهَب. والمُعادَلَةُ: الشَّكُّ في أَمْرَيْنِ، يقالُ: أَنا في عِدالٍ من هذا الأمْرِ أَي في شكٍّ منه، أَأَمْضِي عليه أَمْ أَتْركه. وقد عادَلْت بيْن أَمْريْن أَيَّهما آتي أَي مَيَّلْت.

وعَدَوْلَى، بفتحِ العَيْن والدالِ وسكونِ الواوِ مَقْصورَةً: قرية بالبَحرِينِ، وقد نَفَى سِيْبَوَيْه فَعَوْلى فاحتُجَّ عليه بعَدَوْلى، فقالَ الفارِسِيُّ: أَصْلُها عَدَوْلًا، وإنَّما تُركَ صرْفُه لأَنَّه جُعل اسْمًا للبُقْعة ولم نَسْمَعْ في أَشْعارِهم عَدَوْلًا مَصْروفًا، فأَمَّا قَوْلُ نَهْشَل بن حَرِّيّ:

فلا تأْمَنِ النَّوْكَى وإن كان دارهُمُ *** وراءَ عَدَوْلاةٍ وكُنْتَ بقَيْصَرا

فَزَعَمَ بعضُهم أَنَّه بالهاءِ ضَرُورَةً، وهذا يُؤَنِّس بقولِ الفارِسِيِّ، وأَمَّا ابن الأعْرَابيِّ فإنه قالَ: هي موْضِعٌ وذَهَبَ إلى أَنَّ الهاءَ فيها وضْعٌ، لا أَنَّه أَرادَ عَدَوْلَى، ونَظِيرُهُ قَوْلهم قَهَوْباةٌ للنَّصْلِ العَرِيضِ.

والعَدَوْليُّ: الشجرةُ القَديمةُ الطويلَةُ.

والعَدَوْليَّةُ سُفُنٌ مَنْسوبَةٌ إليها أَي إلى القَرْيةِ المَذْكورَةِ، كما في الصِّحاح، لا إلى الشَّجرةِ كما يُتَوهَّم من سِياقِ المصنِّفِ، قالَ طرفةُ بنُ العَبْدِ:

عَدَوْلِيَّة أَو من سَفِيْن ابنِ يامِن *** يَجُورُ بها الملَّاحُ طَوْرًا ويَهْتدِي

وهكذا فسَّرَه الأَصْمِعيُّ قالَ: والخُلُجُ سُفُنٌ دوْنَ العَدَوْلِيَّة.

وقالَ ابنُ الأعْرَابيِّ في قَوْلِ طَرَفة: عَدَوْلِيَّة الخ.

قالَ: نسبها إلى ضخَم وقِدَم، يقولُ هي قديمةٌ أَو ضَخْمةٌ، وقيلَ: نُسِبَتْ إلى موْضِع كان يُسَمَّى عَدَوْلاة بوزْنِ فَعَوْلاة، أَو إلى عَدَوْلٍ: رجُلٌ كان يَتَّخِذُ السُّفُنَ، نَقَلَه الصَّاغانيُّ، أَو إلى قومٍ كانوا يَنْزلون هَجَرَ فيمَا ذَكَرَ الأَصْمَعِيُّ.

وقالَ ابنُ الكَلْبي: عَدَوْلى ليْسوا من رَبيعَةَ ولا مُضَر ولا ممَّن يُعْرَفُ من أَهْلِ اليَمَنِ إنما هم أُمَّةٌ على حِدَة.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: والقولُ في العَدَوْليِّ ما قالَهُ الأصْمَعِيُّ، والعَدَوْلَى جَمْعُها.

والعَدَوْلَى: المَلَّاحُ، والذي في الصِّحَاحِ: والعَدَوْليُّ، بِكسرِ اللامِ وشَدِّ الياءِ: الملَّاحُ، وهو الصَّوابُ.

والعُدَيْلُ، كزُبَيْرٍ: ابنُ الفَرْخِ شاعرٌ مَعْروفٌ من بنِي العجلِ، وفي بعضِ النسخِ: وعُدَيْلُ بِلا لامٍ، وهو الصَّوابُ.

وأَبو الأَزْهرِ مَعْدِلُ بنُ أحْمدَ بنِ مصْعَب، كَمَجْلِسٍ، محدِّثٌ نَيْسابُورِي رَوَى عن الأَصمِّ، وعنه محمدُ بنُ يَحْيَى المزكيّ.

والمُعَدَّلاتُ، كمُعَظَّماتٍ: زَوايا البيتِ، عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ، قالَ: وهي الدَّراقِيعُ والمُزَوَّيات والأَخْصامُ والثَّفِنات أَيْضًا.

ويقالُ: هو يُعادِلُ هذا الأَمْرَ إذا ارْتَبَكَ فيه ولم يُمْضِه، قالَ الشاعِرُ:

إذا الهَمُّ أَمْسَى وهو داءٌ فأَمْضِه *** ولَسْتَ بمُمْضيه وأَنْتَ تُعادِلُه

أَي وأَنتَ تَشُكُّ فيه.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: العَدَلُ، محرَّكةً: تَسْوِيَةُ الأَوْنَيْن؛ أَي العِدْلَيْنِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

العَدْلُ: في أَسْماءِ الله سُبْحانه هو الذي لا يَمِيلُ به الهَوَى فيَجورَ في الحُكْم، وهو في الأصْل مَصْدرٌ سُمِّي به فوُضِعَ مَوْضِعَ العَادِل، وهو أَبْلَغ منه لأَنَّه جُعِلَ المُسَمَّى نفْسُه عَدْلًا.

وقد عَدُلَ الرجُلُ، ككَرُمَ، عَدَالَةً: صارَ عَدْلًا.

وقوْلُه تعالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} {مِنْكُمْ}، قالَ سعيدُ بنُ المُسَيِّب: ذَوَيْ عَقْل، وقالَ إبْراهِيمُ: العَدْلُ الذي لم تَظْهَر منه ريبةٌ.

وقوْلُه تعالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}، قالَ عُبَيْدَةُ السَّلمانيُّ والضَّحَّاك: في الحُبِّ والجماعِ.

وقالَ الرَّاغِبُ: إشَارَة إلى ما عليه جِبِلَةُ الناسِ من المَيْلِ.

وفلانٌ يَعْدِلُ فلانًا أَي يُسَاوِيه.

ويقالُ: ما يَعْدِلك عنْدنا شي‌ءٌ أَي ما يقَعُ عنْدَنا شي‌ءٌ مَوْقَعَك.

وعَادَلهما على ناضِحٍ شَدَّهما على جَنْبَي البَعيرِ كالعِدْلَيْن.

ووَقَعَ المُصْطَرِعانِ عِدْلَيْ بعيرٍ أَي وَقَعا مَعًا ولم يَصْرَعٍ أَحَدُهما الآخرِ.

والعَدِيلتان: الغِرَارَتانِ لأَنّ كلَّ واحِدَةٍ منهما تُعادِلُ صاحبتَها.

ويقالُ: عَدَلْت أَمتعة البَيْتِ إذا جَعَلْتها أَعْدالًا مُسْتويةً للإعْتكام يومَ الظَّعْنِ.

واعْتَدَلَ الشِّعْرُ: اتَّزَنَ واسْتَقَامَ، وعَدَّلْته أَنَا. ومنه قَوْلُ أَبي عليِّ الفارِسِيّ: لأَنَّ المُرَاعى في الشِّعْر إنَّما هو تَعْديلُ الأَجْزاءِ.

وعَدَّلَ القَسَّامُ الأَنْصباءَ للقَسْمِ بيْن الشُّركاء إذا سَوَّاها على القِيَم.

وفي الحدِيثِ: «العِلْم ثلاثةٌ: فَرِيضةٌ عادِلَةٌ»، أَرَادَ العَدْل في القِسْمة أَي مُعَدَّلَة على السِّهام المذْكُورَةِ في الكتابِ والسُّنَّةِ من غيرِ جَوْر.

والعَدْلُ القِيمةُ، يقال: خُذْ عَدْلَه منه كذا وكذا أَي قِيمتَه ويقالُ: هذا قضاءٌ حَدْلٌ غَيْر عَدْلٍ.

وأَخَذَ في مَعْدِل الحقِّ ومَعْدِل الباطِلِ أَي في طَرِيقِه ومَذْهَبِه.

ويقالُ: انْظُروا إلى سُوءِ مَعادِلِه ومَذْمومِ مَداخِله أَي إلى سُوءِ مَذَاهِبِه ومَسَالِكِه، وهو سَديدُ المَعادِل، وقالَ أَبو خِرَاش:

على أَنَّني إذا ذَكَرْتُ فِراقَهُم *** تَضِيقُ عليَّ الأَرضُ ذاتُ المَعادِل

أَرَادَ ذاتَ السَّعة يُعْدَل فيها يَمينًا وشمالًا مِن سَعَتِها.

والعَدْلُ: أَنْ تَعْدِل الشي‌ءَ عن وَجْهه، تقولُ: عَدَلْتُ فلانًا عن طَرِيقِه، وعَدَلْتُ الدابَّةَ إلى موْضِع كذا.

وفي الحديثِ «لا تُعْدَل سارِحتُكم» أَي لا تُصْرَف ماشِيَتكم وتُمالُ عن المَرْعى ولا تُمنَع.

ويقالُ: قَطَعْتُ العِدالَ في أَمْرِي وَمَضَيْت على عَزَمي، وذلك إذا مَيَّلَ بيْن أَمْرَيْن أَيَّهُما يأتي ثم اسْتَقَامَ له الرأي فعَزَمَ على أَوْلاهما عنْدَه، ومنه قَوْلُ ذي الرُّمَّة:

إلى ابنِ العامِرِيِّ إلى بِلالٍ *** قَطَعْتُ بنَعْفِ مَعْقُلَة العِدَالا

وعَدَّلَ أَمْرَه تَعْديلًا كعَادَله إذا تَوَقَّفَ بيْن أَمْرَيْن أَيَّهُما يأْتي، وبه فسِّر حدِيثُ المعْرَاجِ «أُتِيتُ بإناءَيْن فَعَدَّلْتُ بَيْنهما»، يُرِيدُ أَنَّهما كانا عنْدَه مُسْتويَيْنِ لا يقْدِر على اخْتِيارِ أَحَدهما ولا يترَجَّح عنْدَه.

وفرسٌ مُعْتَدِلُ الغُرَّةِ إذا تَوَسَّطَتْ غُرَّتُه جبهتَهُ فلم تُصِب واحدةً من العَيْنَيْن ولم تَمِلْ على واحِدٍ من الخَدَّيْن، قالَهُ أَبو عُبَيْدَةَ.

وانْعَدَلَ الفَحْل عن الضِّرَابِ: تَنَحَّى، قالَ أَبو النَّجْم:

وانْعَدَلَ الفحلُ ولَمَّا يُعْدَل

وعَدَلَ باللهِ يَعْدِلُ: أَشْرَكَ.

والعَادِلُ المُشْرِكُ الذي يَعْدِلُ بربِّه، ومنه قَوْلُ المرْأَةِ للحجَّاجِ: «إنَّك لقاسطٌ عادِلٌ»، وقالَ الأَحْمرُ: عَدَلَ الكافرُ برَبِّه عَدْلًا وعُدُولًا سَوَّى به غيرَه فعَبَدَهُ.

وشَجَرٌ عَدَوْلِيٌّ: قديمٌ، واحدَتُه عَدَوْلِيَّةٌ، وقالَ أَبو حَنِيفَةَ: العَدَوْلِيُّ: القَديمُ من كلِّ شي‌ءٍ، وأَنْشَدَ غيرُه:

عليها عَدَوْلِيُّ الهَشِيم وصامِلُه

ويُرْوَى: عَدامِيل الهَشِيم، كما سَيَأْتي.

وفي خبرِ أَبي العارِم: فآخُذُ في أَرْطًى عَدَوْلِيِّ عُدْمُلِيٍّ.

ورَوَى الأَزْهَرِيُّ عن اللَّيْثِ: المُعْتدِلةُ من النُّوقِ المُثَقَّفَة الأعْضاءِ بعضُها ببعض، قالَ: ورَوَى شَمِرٌ عن مُحارِب قالَ: المُعَنْدِلة مِن النُّوقِ، وجَعَلَه رُباعيًّا من بابِ عَنْدَل.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: والصَّوابُ ما قالَ اللَّيْثُ، ورَوَى شَمِرٌ عن أَبي عَدْنانَ الكنانيّ أَنْشَدَه:

وعَدَلَ الفحلُ وإن لم يُعْدَلِ *** واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَّنامِ الأَمْيَلِ

قالَ: اعتدالُ ذات السَّنامِ اسْتِقامةُ سَنامِها من السِّمَن بعْدَ ما كان مائِلًا.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا يدلُّ على أَنَّ الحرفَ الذي رَوَاه شَمِرٌ عن مُحارِب في المُعَنْدِلَة غيرُ صَحِيحٍ، وأنَّ الصوابَ المُعْتَدِلة لأَنَّ الناقة إذا سَمِنَت اعْتَدَلَتْ أَعْضاؤُها كلُّها من السَّنامِ وغيرِه.

وفي الأسَاسِ: جارِيَةٌ حَسَنةُ الاعْتِدَالِ أَي القوام.

وأَيامٌ مُعْتدِلات غيرُ مُعْتَذِلات أَي طيِّبةٌ غيرُ حارَّةٍ.

وإسْمعيلُ بنُ أَحْمَد بنِ مَنْصورِ بنِ الحَسَن بن محمدِ بنِ عَادِلٍ البُخَارِيّ العَادِليّ محدِّثٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


33-تاج العروس (أذن)

[أذن]: أَذِنَ بالشَّي‌ءِ، كسَمِعَ، إذْنًا، بالكسْرِ ويُحَرَّكُ، وأَذانًا وأَذانَةً، كسَحابٍ وسَحابَةً: عَلِمَ به؛ ومنه قوْلُه تعالَى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ {مِنَ اللهِ} أَي كونوا على عِلْمٍ؛ ومنه قوْلُه تعالَى: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ} معْناهُ بعِلْمِ اللهِ.

ويقالُ: فَعلْتُ كذا وكذا بإِذْنِه.

وآذَنَهُ الأَمْر وآذَنَهُ به: أَعْلَمَهُ؛ وقد قُرِئَ: فآذِنُوا بحرْبٍ، أي أَعْلِمُوا كلَّ مَنْ لم يَتْرك الرِّبا بأَنَّه حربٌ مِن اللهِ ورَسُولِه.

وأَذَّنَ تَأْذِينًا: أَكْثَرَ الإِعْلامَ بالشَّي‌ءِ؛ قالَهُ سِيْبَوَيْه؛ وقالوا أَذَّنْتُ وآذَنْتُ، فمِن العَرَبِ مَنْ يَجْعَلهما بمعْنًى، ومنهم مَنْ يَقولُ: أَذَّنْت للتَّصْويتِ بإِعْلانٍ، وآذَنْتُ أَعْلَمْت.

وقوْلُه عزّ وجلّ: {وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ}؛ روي أَنَّه وَقَف بالمَقامِ فنادَى: يا أَيُّها الناس، أَجِيبُوا اللهَ يا عِبَاد الله، أَطِيعُوا اللهَ، يا عِبَاد الله، اتَّقوا اللهَ، فَوَقَرَتْ في قلْبِ كلِّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ، وأَسْمَعَ ما بينَ السَّماءِ والأَرْض، فأَجابَهُ مَنْ في الأَصْلابِ ممَّن كُتِبَ له الحجُّ.

وأَذَّنَ فُلانًا: عَرَكَ أُذُنَهُ، أَو نَقَرَهَا.

وأَذَّنَه تأْذِينًا: رَدَّهُ عن الشُّرْبِ فلم يَسْقِهِ؛ أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيِّ:

أَذَّنَنا شُرابِثٌ رأْس الدُّبَرْ

أَي رَدَّنا فلم يَسْقِنا.

قالَ ابنُ سِيْدَه: هذا هو المَعْرُوفُ، وقيلَ: مَعْناهُ نَقَرَ أذننا.

ويقُولونَ: لكلِّ جابهٍ جَوْزَةٌ ثم يُؤَذِّنُ، أي لكلِّ واردٍ سَقْيةٌ مِن المَاءِ لأَهْلِه وماشِيَتِه ثم يضربُ أُذُنُه إعْلامًا أَنَّه ليسَ عنْدَهم أَكْثرُ مِن ذلِكَ.

وآذَنَ النَّعْلَ وغيرَها: جَعَلَ لها أُذُنًا، وهو ما أَطافَ منها بالقِبالِ.

وفَعَلَهُ بإِذْني، بالكسْرِ، وأَذِينِي، كأَمِيرٍ؛ أَي بِعِلْمي.

قالَ الراغبُ: لكنْ بينَ الإِذْنِ والعِلْمِ فرقٌ، فإِنَّ الإذْنَ أَخَصُّ إذ لا يكادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا فيمَا فيه مَشِيئةٌ، ضامَتِ الأَمْرَ أَو لم تضامه؛ فإنَّ قوْلَه: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ} مَعْلومٌ أَنَّ فيه مَشِيئةً وأَمَدًا؛ وقوْله: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ} فيه مَشِيئةٌ مِن وَجْهٍ، وهو لا خِلافَ في أَنَّ اللهَ تعالَى أَوْجَدَ في الإِنْسانِ قوَّةً فيها إمْكانُ الضَّرَرِ مِن جِهَةِ من يَظْلِمه فيَضرّه ولم يَجْعَلْه كالحجرِ الذي لا يوجعه الضَّرْبُ، ولا خِلافَ أَنَّ إيجادَ هذا الإِمْكان مِن هذا الوَجْه يَصحّ أَنْ يقالَ إنَّه بإِذْن ومَشِيئة يَلْحق الضَّرَر مِن جهَةِ الظُّلْم، انتَهَى.

قالَ السَّمِينُ في عمدَةِ الحفَّاظ: وهذا الاعْتِذارُ مِن الرَّاغبِ لأَنَّه يَنْحو إلى مذْهَبِ الاعْتِزَالِ.

وأَذِنَ له في الشَّي‌ءِ، كسَمِعَ إذْنًا، بالكسْرِ، وأَذِينًا، كأَميرٍ: أَباحَهُ له وفي المِصْباحِ: الإِذْنُ لغَةُ الإِطْلاقِ في الفِعْلِ ويكون الأَمْرُ إذنًا وكَذلِكَ الإِرادَة.

وقالَ الحراليُّ: هو رَفْعُ المنْعِ وإيتاءُ المكنة كونًا وخَلْقًا.

وقالَ ابنُ الكَمالِ: هو فَكُّ الحَجْرِ وإطْلاقُ التَّصرُّف لمَنْ كان مَمْنوعًا شَرْعًا.

وقالَ الرَّاغبُ: هو الإِعْلامُ بإِجازَةِ الشي‌ءِ والرّخْصَة فيه، نحْو: {إِلّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ} أَي بإرَادَتِه وأَمْرِه.

قالَ شيْخُنا: وما وَقَعَ للزَّمَخْشرِيّ، رَحِمَه اللهُ تعالَى، في الكشافِ مِن تفْسِيرِه بالتَّيْسِيرِ والتَّسْهيلِ فمبْنِيٌّ على أَنَّ أَفْعالَ العِبادِ بقدْرتِهم المُؤَثّرة واللهُ تعالَى ييسّرها.

وحَمَلَه الشهابُ، رَحِمَه اللهُ تعالَى، على الاسْتِعارَةِ أو المجازِ المُرْسَلِ.

واسْتَأْذَنَه: طَلَبَ منه الإِذْنَ.

قالَ الجَوْهرِيُّ: ويقالُ ائْذَنْ لي على الأَميرِ؛ أَي خُذْ لي منه إذْنًا؛ وقالَ الأَغَرُّ بنُ عبدِ اللهِ:

وإنِّي إذا ضَنَّ الأَمِيرُ بإِذْنِه *** على الإِذْنِ من نفْسِي إذا شئتُ قادِرُ

وقالَ الشاعِرُ:

قلتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دارُها *** تِئْذَنْ فإنِّي حَمْؤُها وجارُها

قالَ أَبو جَعْفَر: أَرادَ لِتَأْذَنْ، وجائِزٌ في الشِّعْر حذفُ اللام وكسْرُ التَّاءِ على لُغَةِ مَنْ يقولُ أَنْتَ تِعْلَم؛ وقُرِئَ: فلذَلِكَ فَلْتِفْرَحوا.

وأَذِنَ إليه وله، كفَرِحَ، أَذَنًا: اسْتَمَعَ إليه مُعْجِبًا؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لعَمْرو بنِ الأَهْيَم:

فلَمَّا أَنْ تَسايَرْنا قَليلًا *** أَذِنَّ إلى الحديثِ فهُنَّ صُورُ

وقالَ عَدِيُّ:

في سَماعٍ يَأْذَنُ الشَّيخُ له *** وحديثٍ مثْل ماذِيِّ مُشَار

وشاهِدُ المَصْدرِ قَوْل عَدِيِّ:

أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بدَدَنْ *** إنَّ هَمِّي في سَماعٍ وأَذَنْ

أَو هو عامٌّ سَواء بإعْجابٍ أَو لا، وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ لقَعْنَب بن أُمِّ صاحِبٍ:

إن يَسْمَعُوا رِيبةً طارُوا بها فَرَحًا *** مِنِّي وما سَمِعوا من صالِحٍ دَفَنُوا

صُمٌّ إذا سَمِعوا خَيْرًا ذُكِرْتُ به *** وإن ذُكِرْتُ بشَرٍّ عنْدَهم أَذِنوا

وفي الحَدِيْثِ: «ما أَذِنَ اللهُ لشي‌ءٍ كأَذَنِه لِنَبيِّ يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ».

قالَ أَبو عُبَيدٍ: يعْني ما اسْتَمَعَ اللهُ لشي‌ءٍ كاسْتِماعِه لمَنْ يَتْلوه يَجْهَرُ به. وقوْلُه، عزّ وجلّ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ}؛ أَي اسْتَمَعَتْ.

وأَذِنَ لِرائحةِ الطَّعامِ: إذا اشْتَهاه ومالَ إليه؛ عن ابنِ شُمَيْل. وآذَنَهُ الشي‌ءُ إيْذانًا: أَعْجَبَهُ فاسْتَمَعَ؛ أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيِّ:

فلا وأَبيكَ خَيْر منْكَ إنِّي *** لَيُؤْذِنُني التَّحَمْحُمُ والصَّهيلُ

وآذَنَه إيذانًا: مَنَعَهُ ورَدَّهُ.

والأُذُنُ، بالضَّمِّ وبضمتينِ يُخَفَّفُ ويُثَقَّلُ، معروف مِن الحَواسِّ، مُؤَنَّثَةٌ، كالأَذِينِ، كأَميرٍ، والذي حَكَاه سِيْبَوَيْه أُذْن، بالضمِّ، الجمع: آذانٌ، لا يُكسَّرُ على غيرِ ذلِكَ.

ومِن المجازِ: الأُذُنُ: المَقْبِضُ والعُرْوَةُ مِن كلِّ شي‌ءٍ، كأُذُنِ الكُوزِ والدَّلْوِ، على التَّشْبِيهِ، وكلٌّ مُؤَنَّثٌ.

وقالَ أَبو زيادٍ: أُذُنٌ، بضمَّتَيْن: جَبَلٌ لبَني أَبي بَكرِ ابنِ كِلابٍ، وإيَّاهُ أَرادَ جَهْمُ بنُ سبل بقوْلِه فسكَّنَ:

فأَنّى لأُذْنٍ والسَّتارَيْن بعد ما *** عنيت لأُذْن والستارين قاليا

ومِن المجازِ: الأُذْنُ: الرَّجُلُ المُسْتَمِعُ القابِلُ لما يقالُ له، وصَفُوا به للواحِدِ والجَمْعِ.

قالَ أَبو زيْدٍ: رجُلٌ أُذُنٌ ورِجالٌ أُذُنٌ إذا كانَ يَسْمَعُ مَقالَةَ كلّ أَحَدٍ.

قالَ ابنُ بَرِّي: ويقُولونَ: رجُلٌ أُذُنٌ وامرأَةٌ أُذُنٌ، ولا يُثَنَّى ولا يُجْمَع، قالَ: وإنَّما سمَّوه باسْمِ العُضْو تَهْويلًا وتَشْنِيعًا.

وجاءَ في تفْسِيرِ قَوْله، عزّ وجلّ: {هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}، أَنَّ مِنَ المُنافِقينَ مَنْ كَانَ يَعيبُ النبيَّ صَلّى الله عليه وسلّم، ويقولونَ: إن بَلَغَه عنِّي شي‌ء حَلَفْت له وقَبِلَه منِّي لأنَّه أُذُنٌ، فأَعْلَمَه اللهُ تعالَى أَنَّه أُذُنُ خيرٍ لا أُذُنُ شَرٍّ؛ أَي مُسْتَمِعُ خيرٍ لكُم.

ورجُلٌ أُذانِيُّ، كغُرابِيِّ، وآذَنُ، كأَحْمَد: عَظيمُ الأُذُنِ؛ واقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ على الأَوَّلِ؛ وزادَ ابنُ سِيْدَه طَوِيلُها، وكَذلِكَ مِن الإِبِلِ والغَنَمِ.

ونَعْجَةٌ أَذْناءُ، وكَبْشٌ آذَنُ: عَظِيمَةُ الأُذُنَيْنِ.

وأَذَنَهُ، بالقَصْرِ، أَذْنًا، وآذَنَهُ، بالمدِّ، إيذانًا؛ وعلى الأَوّلِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ: أَصابَ أُذْنَه، فهو مَأْذونٌ ومؤذنٌ.

وأُذِنَ الرَّجُلُ، كعُنِيَ: اشْتَكَاها.

وأُذَيْنَةُ، كجُهَيْنَةَ: اسْمُ مَلِكِ العَمالِيقِ، أَو مِن مُلوكِ اليَمَنِ، ليسَت مُحَقَّرة على أُذُن في التَّسْميةِ، إذ لو كانَ كَذلِكَ لم تلحق الهاء.

وقالَ الجَوْهرِيُّ: ولو سَمَّيْت به رَجُلًا ثم صغَّرْته قُلْتَ أُذَيْن، فلم تؤَنِّث لزَوالِ التَّأْنِيث عنه بالنَّقْل للمُذكَّرِ، فأَمَّا قَوْلهم أُذَيْنة في الاسْمِ العَلَمِ فإنَّه سمِّي به مصغَّرًا.

وأُذَيْنَةُ: اسْمُ وادٍ مِن أَوْدِيَة القبلية؛ نَقَلَه الزَّمَخْشرِيُّ عن عُلَيٍّ العَلَويّ.

وبَنُو أُذُنٍ: بَطْنٌ مِن هوازنَ.

وأُذُنُ الحِمارِ: نَبْتٌ له وَرَقٌ عَرْضُه مثْل الشِّبْر، وله أَصْلٌ كالجَزَرِ الكِبارِ، أَو أَعْظَم منه مِثْل السَّاعِد يُؤْكَلُ وهو حُلْوٌ؛ عن أَبي حَنيفَةَ، رَحِمَه اللهُ تعالَى: وآذانُ الفأْرِ: نَبْتٌ بارِدٌ رَطْبٌ يُدَقُّ مع سَويقِ الشَّعيرِ فيوضَعُ على وَرَمِ العَيْنِ الحارِّ فَيُحَلِّلُهُ، يقالُ: هو المردقوشُ.

وآذانُ الجَدْي: لسانُ الحَمَلِ.

وآذانُ العبدِ: هو مِزْمارُ الرَّاعِي.

وآذانُ الفِيلِ: هو القُلْقاسُ.

وآذانُ الدُّبِّ: هو البُوصيرُ.

وآذانُ القَسِّيسِ، وآذانُ الأَرْنَبِ، وآذانُ الشَّاةِ: حَشائِشُ ذَكَرَها الأطبَّاءُ في كُتُبِهم.

والأَذانُ: اسْمٌ يقومُ مَقامَ الإِيذانِ وهو المَصْدَرُ الحَقِيقيُّ؛ ومنه قوْلُه تعالَى: {وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ}؛ أَي إعْلامٌ؛ قالَ الفَرَزْدَقُ:

وحتى عَلا في سُورٍ كلِّ مَدينَةٍ *** مُنادٍ يُنادِي فَوْقها بأَذانِ

قالَ ابنُ بَرِّي: وأَنْشَدَ أَبو الجرَّاحِ شاهِدًا على الأَذِينِ بمعْنَى الأَذَانِ، فقالَ:

طَهُورُ الحَصَى كَانتْ أَذَينًا ولم تكُنْ *** بها رِيبةٌ ممَّا يُخافُ تَريبُ

* قُلْت: وقالَ الراجزُ:

حتى إذا نُودِيَ بالأَذِين

وقالَ جَريرٌ:

هل تَشْهَدونَ من المَشَاعِرِ مشعرًا *** أَو تَسْمَعونَ مِن الأَذانِ أَذِينًا؟.

والتَّأْذِينُ: مَخْصوصٌ في النِّداءِ إلى الصَّلاةِ والإِعْلام بوَقْتِها؛ وقد أَذَّنَ الرَّجُلُ تأْذِينًا وأَذَانًا، وآذَنَ يُؤْذِنُ إيذانًا.

والأَذِينُ، كأَميرٍ: المُؤَذِّنُ؛ قالَ الحصينُ بنُ بكْرٍ الرَّبعيُّ يَصِفُ حِمارَ وَحْشٍ:

شَدَّ على أَمْرِ الوُرُودِ مِئْزَرَهْ *** سَحْقًا وما نادَى أَذِينُ المَدَرَهْ

وأَذِينُ: جَدُّ والدِ محمدِ بنِ أَحْمدَ بنِ جَعْفَرٍ شيْخٌ لأبي الحَسَنِ بنِ جَهْضَم.

والأَذِينُ: الزَّعِيمُ؛ أَي الرَّئِيسُ.

وأَيْضًا: الكَفِيلُ، وبه فَسَّر أَبو عُبَيْدَةَ بَيْتَ امْرئِ القَيْسِ:

وإِنِّي أَذِينٌ إن رَجَعْتُ مُمَلَّكًا *** بسَيْرٍ تَرَى فيه الفُراتِقَ أَزْوَرَا

وقالَ ابنُ سِيْدَه: أَذِينٌ هنا بمعْنَى مُؤْذِنٍ، كَأَلِيمٍ بمعْنَى مُؤْلِم؛ كالآذِنِ بالمدِّ.

والأَذِينُ: المَكانُ الذي يَأْتِيه الأَذانُ من كلِّ ناحيةٍ، وبه فُسِّر قولُ الشاعِرِ:

طَهُورُ الحَصَى كانتْ أَذينًا ولم تكُنْ

وقد ذُكِرَ قَرِيبًا كما في الصِّحاحِ، والمُشارُ إليه بهذا الشِّعْر البعيرة.

وابنُ أَذينٍ: نَديمُ أَبي نُواسٍ الشَّاعِرِ لم يُسَمَّ وفيه يقولُ:

إسقِني يا ابنَ أَذِينٍ *** من شراب الزرجون

والمِئْذَنَةُ، بالكسْرِ: موْضِعُه؛ أَي الأَذَان للصَّلاةِ، أو المَنارَةُ، كما في الصِّحاحِ.

قالَ أَبو زيْدٍ: يقالُ للمَنارَةِ المِئْذَنَة والمُؤْذَنَة.

وقالَ اللّحْيانيُّ: هي المَنارَةُ، يَعْنِي الصَّوْمَعَة، على التَّشْبيهِ.

وأَمَّا قوْلُهم: المَأْذَنَةُ فلُغَةٌ عاميَّةٌ.

والأَذانُ: الإِقامَةُ لمَا فيها مِنَ الإِعْلامِ للحضُورِ للفَرْضِ وتأَذَّنَ ليَفْعَلنَّ: أَي أَقْسَمَ وقالَ. وبه فسّر قَوْله تعالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ}.

وقالَ الزجَّاجُ: تَأَذَّنَ هنا بمعْنَى أَعْلَمَ. وقالَ الليْثُ، رحِمَه اللهُ تعالى: تَأَذَّنْتُ لأَفْعلنَّ كذا وكذا يُرادُ به إيجابُ الفِعْل، وقد آذَنَ وتأَذَّنَ بمعْنًى، كما يقالُ: أَيْقَنَ وتَيَقَّنَ.

وآذَنَ العُشْبُ، مَمْدودًا فهو مؤذنٌ إذا بَدَأَ يَجِفُّ فبعضُه رَطْبٌ وبعضُه يابِسٌ، وهو مجازٌ؛ قالَ الرَّاعِي:

وحارَبَتِ الهَيْفُ الشِّمالَ وآذَنَتْ *** مَذانِبُ منها اللَّدْنُ والمُتَصوِّحُ

وإِذَنْ: حَرْفُ جوابٍ وجزاءٍ تأْوِيلُها إن كانَ الأَمرُ كما ذَكَرْتَ، أَو كما جَرَى، والجوابُ معْنى لا يُفارِقُها وقد يُفارِقُها الجَزاءُ، وتنصبُ المُضارِعَ بشُروطٍ ثلاثَةٍ: أَن تَتَصدَّرَ وأَنْ يكونَ الفِعْلُ حالًا وأن لا يُفْصَل بَيْنَهما، فإن وَقَعَتْ بَعْدَ عاطِفٍ جازَ الأَمْرَان؛ قالَهُ السَّمين في عمْدَةِ الحفَّاظِ.

وفي الصِّحاحِ: إن قدَّمْتها على الفِعْل المستقبل نَصَبْتَ بها لا غَيْر؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي:

ارْدُدْ حِماركَ لا تَنْزِعْ سَوِيَّتَه *** إذَنْ يُرَدَّ وقيدُ العَيْرِ مَكْروبُ

ثم قالَ الجوْهرِيُّ: وإن أَخَّرْتَها أَلْغَيْتَ، فإن كانَ بَعْدَها فعْلُ الحالِ لم تَعْمَل، وإن دَخَلَتْ عليها الواوُ والفاءُ فأَنْتَ بالخِيارِ، إنْ شِئْتَ أَعْمَلْتَ وإن شِئْتَ أَلْغَيْتَ.

ويَحْذِفونَ الهَمْزَةَ فيقولونَ: ذَنْ لا أَفْعَل، وإذا وَقَفْتَ على إِذَنْ أَبْدَلْتَ من نونِهِ أَلِفًا فتَقول إذًا يشبه بالتَّنْوينِ فيوقفُ عليه بالأَلِفِ.

والآذِنُ: الحاجِبُ؛ وأَنْشَدَ الجوْهرِيُّ:

تَبدَّلْ بآذِنِكَ المُرْتَضَى

والأَذَنَةُ، محرَّكَةً: ورَقُ الحَبِّ. يقالُ: أَذَن الحَبُّ إذا خَرَجَتْ أَذَنَتُه.

والأَذَنَةُ: صِغَارُ الإِبِلِ والغَنَمِ، على التَّشْبيهِ بخُوصةِ الثُّمامِ.

والأَذَنَةُ: التِّبْنَةُ، الجمع: أَذَنٌ؛ نَقَلَهُ الأَزْهَريُّ.

ويقالُ: هذا طَعامٌ لا أَذَنَةَ له: أَي لا شَهْوَةَ لريحِه؛ عن ابنِ شُمَيْل.

ومَنْصورُ بنُ أَذينٍ كأَمين، عن مَكْحُول، وعليُّ بنُ الحَسَنِ بنِ أَذِينٍ التوزيُّ، محدِّثانِ، الأَخيرُ حَكَى عنه أَبو سعيدٍ بنُ عبدونَةَ.

وأَذَنَةُ، محرَّكةً: بلد قُرْبَ طَرَسوسَ والمَصيصة.

قالَ البَلاذري: بُنِيَتْ أَذَنَةُ في سَنَة إحْدَى وأَرْبَعِين ومائَةٍ بأَمْرِ صالِحِ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، رضِيَ اللهُ تعالى عنهما، فلمَّا كانتْ سَنَةُ أَرْبَع وتِسْعِين ومائَةٍ بَنى أَبو سليم فرجُ الخادمُ أَذَنَةَ وأَحْكَم بِناءَها وحَصَّنَها ونَدَبَ إليها رِجالًا مِن أَهْلِ خُراسَان، وذلِكَ بأَمْرِ الأَمين محمد بن الرَّشيد، ولأَذَنَةَ نَهْرٌ يقالُ له سيحان، وعليه قَنْطَرةٌ مِن حِجارَةٍ عَجِيبَةٍ، ولأَذَنَةَ ثَمانيةُ أَبوابٍ وسورٌ وخنْدَقٌ، يُنْسَبُ إليها جماعَةٌ مِنَ المحدِّثِين.

وأَيْضًا: جَبَلٌ قُرْبَ مكَّةَ، شرَّفَها اللهُ تعالَى، شرقي الغمر بحِذَاء ثَوْر؛ قالَهُ السكونيّ.

وأَذُونٌ، كصَبُورٍ: موضع بالرَّيِّ.

قالَ ياقوت، رحِمَه اللهُ تعالَى: مِن نواحِي كُورَة قصران الخارج مِن نَواحِي الرَّيِّ.

وأُذُنا القَلْبِ: زَنَمتانِ في أَعْلاهُ، على التّشْبيهِ.

وأُذُنٌ، أَو أُمُّ أُذُنٍ: قارَةٌ بالسَّماوَةِ تقطعُ منها الرّحَى.

ومِن المجازِ: لَبِسْتُ أُذُنَيَّ له: أَي أَعْرَضْتُ عنه، أَو تَغافَلْتُ. ووَجَدْتُ فلانًا لابِسًا أُذُنَيْه: أَي مُتَغافِلًا.

وذُو الأُذُنَيْنِ: لَقَبُ أَنَسِ بنِ مالِكٍ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه؛ قالَ له النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، ذلِكَ؛ قيلَ: إنَّ هذا القَوْلَ مِن جملَةِ مَزْحِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، ولَطِيفِ أَخْلاقِه، كما قالَ للمرْأَةِ عن زَوْجِها: أَذاك الذي في عيْنِه بياضٌ؟

وقيلَ: معْناهُ الحَضّ على حُسْنِ الاسْتِماعِ والوَعْي.

ومِن المجازِ: جاءَ ناشِرًا أُذُنَيْه: أَي طامِعًا.

وسُلَيْمانُ بنُ أُذُنانٍ، مُثَنَّى أُذُن، مُحدِّثٌ، والذي ذَكَرَه ابنُ حبَّان في ثِقَاتِ التابِعِيْن عبْد الرَّحْمن بن أُذُنانِ عن عليِّ وعنه أَبو إسْحاق.

وتأَذَّنَ الأَميرُ في النَّاسِ: أَي نادَى فيهم بتَهَدُّدِ ونَهْيِ؛ أَي تقدَّمَ وأَعْلَم، كما في الصِّحاحِ.

والأَذَناتُ، محرَّكةً: أَخْيِلَةٌ بحِمَى فَيْدَ بَيْنَها وبَيْنَ فَيْدَ نَحْوِ عِشْرينَ مِيلًا، هكذا جاءَ في الشِّعْرِ مَجْموعًا، الواحِدَةُ أَذَنَةٌ، كحَسَنَةٍ، قالَهُ نَصْر.

والمُؤْذَنَةُ، بفتحِ الذَّالِ: طائِرٌ صغيرٌ قصيرٌ نَحْو القُبَّرةِ، وضَبَطَه ابنُ بَرِّي بالدَّالِ المُهْمِلةِ؛ وقد ذُكِرَ في مَوْضِعِه.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

المَأْذُونُ: عَبْدٌ أَذنَ له سَيِّده في التِّجارَةِ، بحَذْفِ صِلَتِه في الاسْتِعْمالِ.

والأذنُ: بطانَةُ الرَّحْلِ.

وقالَ أَبو حنيفَةَ، رَحِمَه اللهُ تعالَى: إذا رُكِّبت القُذَذُ على السَّهْمِ فهي آذانُه.

وآذانُ العَرْفجِ والثُّمامِ: ما ندرَ منه إذا أَخْوَصَ.

والأَذَانَانِ: الأَذانُ والإِقامَةُ؛ ومنه الحَدِيثُ: «بَيْنَ كلِّ أَذانَيْنِ صَلاةٌ».

والمُؤْذِنُ، كمَكْرِمٍ: العُودُ الذي جَفَّ وفيه رطوبَةٌ.

وأَذَّنَ بإِرْسالِ إِبِلِهِ: تكلَّمَ به.

وأَذَّنُوا عنِّي أوَّلها: أَي أَرْسَلوا أَوَّلها.

والإذنُ: التَّوفيقُ. وبه فَسَّر الهَرَويُّ قوْلَه تعالَى: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ} *.

قالَ السّمين: وفيه نَظَرٌ.

وأَذِنَةُ، كفَرِحَةٍ: جَبَلٌ بالحِجازِ.

وسِيمَاهُ بالخيرِ مُؤْذِنَة: أَي مُعْلِمَة.

والمُؤذناتِ: النّسْوَةُ يَعْلمْن بأَوْقاتِ الفَرَحِ والسّرورِ عاميَّةٌ.

والأُذ الذي ين يسمع كلّ ما يُقالُ، عاميَّة.

وبنُو المؤذنِ: بَطْنٌ مِن العلويين مِن اليَمَنِ.

وشيْخُنا عبدُ اللهِ بنُ سَلامَةَ المؤذن، رحِمَه اللهُ تعالَى، وتقدَّمَ ذِكْرُه في الكافِ.

وأذينُ بنُ عَوْفِ بنِ وائلِ بنِ ثَعْلَبَة: بَطْنٌ من طيِّئِ منهم: محمدُ بنُ غانمٍ الأُذينيُّ الأَدِيبُ اللّغَويُّ مِن أَهْلِ شدونة بالمَغْربِ بالأَنْدَلُس.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


34-تاج العروس (سو سوو سوسو)

[سوو]: والسَّوا؛ هكذا هو في النُّسخِ بالقَصْرِ والصَّوابُ بالمدِّ، العَدْلُ؛ ومنه قَوْله تعالى: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ}؛ نقلَهُ الجوهريُّ.

قال الرَّاغبُ: أَي عَدْلٍ مِن الحُكْم، قالَ: ولمعْنَى المعادلة التي فيه [استعمل] اسْتِعمال العَدْل، قال الشاعر:

أَبَيْنا فلا نُعْطِي السّواء عَدُوُّنا

قالَ الأزهريُّ: ومنه قوله تعالى: {إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا} أَي عَدْلٍ؛ وقال زهيرٌ:

أَرُوني خُطَّةً لا عَيْبَ فيها *** يُسَوِّي بَيْننا فِيها السَّواءُ

والسَّواءُ: الوَسَطُ؛ ومنه قوْله تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ}؛ وكَذلِكَ: {سَواءَ السَّبِيلِ} *.

وقالَ الفرَّاءُ: سَواءُ السَّبِيلِ قَصْدُه.

ويقالُ: انْقَطَعَ سَوائِي؛ أَي وَسَطِي.

ويقالُ: مَكانٌ سَواءٌ: أَي عَدْلٌ ووَسَطٌ بينَ الفَرِيقَيْن.

والسَّواءُ: الغَيْرُ؛ قالَ الأعْشى:

تَجانَفُ عن جَوِّ اليَمامةِ ناقتِي *** وما عَدَلَتْ عن أَهْلِها السَّوائِكا

كالسِّوَى، بالكسْر والضَّمِّ، في الكُلِّ. قالَ الأَخْفَش:

سُوًى إذا كانَ بمعْنَى غَيْر أَو بمَعْنى العدْلِ يكونُ فيه ثلاثُ لغاتُ: إن ضَمَمْت السِّين أَو كَسَرْت قَصرْتَ فيهما جميعًا، وإن فتحْتَ مددْتَ لا غَيْر؛ قالَ موسَى بنُ جابرٍ:

وجَدْنا أَبانا كان حَلَّ ببَلْدَةٍ *** سِوًى بينَ قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلانَ والفِرْزِ

كما في الصِّحاح. وهو شاهِدٌ لسِوًى مَقْصورًا، بالكسْر، بمعْنَى العَدْلِ والوَسَطِ وتقولُ: مررْتُ برجُلٍ سِوَاكَ وسُوَاكَ وسَوائِكَ؛ أَي غَيْرَك؛ نقلَهُ الجوهريُّ.

والسَّواءُ: المُسْتَوِي. يقالُ: أَرْضٌ سَواءٌ؛ أَي مُسْتَويةٌ.

ودارٌ سَواء: أَي مُسْتويَةٌ المَرافِق.

وثوبٌ سَواءٌ: مُسْتَوٍ عَرْضُه وطولُه وصنفاته.

ولا يقالُ: جَمَلٌ سَواءٌ ولا حِمارٌ سَواءٌ؛ ولا رَجُلٌ سَواءٌ؛ ويقالُ: رجُلٌ سَواءٌ البَطْنِ إذا كانَ بَطْنُه مُسْتوِيًا مع الصَّدْرِ، وسَواءُ القَدَمِ إذا لم يكنْ له أَخْمَص، فسَواءُ في هذا المَعْنى المُسْتَوِي.

والسَّواءُ من الجَبَلِ: ذِرْوَتُهُ.

والسَّواءُ من النَّهارِ: مُتَّسَعُهُ.

وفي المُحْكَم: مُنْتَصِفُهُ.

والسّواءُ: موضع لهُذَيْل؛ وبه فُسِّر قوْلُ أَبي ذُؤَيْب يَصِفُ الحِمارَ والأُتُن:

فافْتَنَّهُنَّ من السَّواءِ وماؤُهُ *** بَثْرٌ وعانَدَهُ طريقٌ مَهْيَعُ

هذا أَحَدُ الأَقْوالِ في تَفْسِيرِه.

والسَّواءُ: حِصْنٌ في جَبَلِ صَبْرٍ باليَمَنِ. وسَواءُ بنُ الحارِثِ النَّجارِيُّ، كذا قالَ أَبو نعيم، وكأنَّه المحاربي؛ وسَواءُ بنُ خالِدِ مِن بَني عامِرِ بنِ صَعْصَعَة؛ وقيلَ: من خزاعَةَ وسَمَّاهُ وكيعٌ سوارًا بزِيادَةِ راءٍ فوَهِمَ، الصَّحابيَّانِ، رضِيَ الله تعالى عنهما.

والسَّواءةُ: المَثَلُ، الجمع: أَسْواءٌ؛ قال الشَّاعرُ:

تَرى القومَ أَسْواءً إذا حَلَبوا معًا *** وفي القومِ زَيْفٌ مثلُ زَيْفِ الدراهِمِ

وسوَاسِيَةٌ وسَوَاسٍ وسَواسِوَةٌ نادِرَةٌ، كُلّها أَسْماءُ جَمْع.

وقالَ أَبو عليِّ: أَمَّا قَوْلهم سَواسِوَة فالقَوْل فيه عِنْدي أَنَّه مِن بابِ ذَلاذِلَ، وهو جمعُ سَواءٍ من غيرِ لفْظِه، وقد قالوا سَواسِيَةٌ؛ قال الشاعرُ:

لَهُمْ مَجْلِسٌ صُهْبُ السِّبالِ أَذِلَّةٌ *** سَواسِيَةٌ أَحْرارُها وعَبِيدُها

فياؤُها مُنْقَلِبَة عن واوٍ، ونَظِيرُه من الياءِ صَياصٍ جَمْع صِيصِيَةً، وإنَّما صَحَّت الواوُ فيمَنْ قالَ سَواسِوَة ليعْلَمَ أَنَّها لامُ أَصْل وأنَّ الياءَ فيمَنْ قالَ سَواسِيَةٌ مُنْقَلِبَة عنها، كذا في المُحْكم.

وقال الجوهريُّ: هُما في هذا الأَمْرِ سِواءٌ، وإن شِئْتَ سَواآنِ، وهم سَواءٌ للجَمْع، وهم أَسْواءٌ، وهم سَواسِيَةٌ مثلُ يمانِيةٍ على غيرِ قِياسٍ.

قالَ الأخْفَش: وَزْنُه فَعَافِلَةٌ، ذَهَبَ عنها الحَرْفُ الثالثُ وأَصْلُه الياءُ، قالَ فأَمَّا سَواسِيَة أَي أَشْباهٌ، فإنَّ سَواءً فَعالٌ وسِيَةٌ يجوزُ أَنْ يكونَ فِعَةً أَو فِلَةً، إلَّا أَنَّ فِعةً أَقْيَس لأَنَّ أَكْثَر ما يُلْقونَ موضِعَ اللامِ، وانْقَلَبَتِ الواوُ في سِيَة ياءً لكَسْرةِ ما قَبْلها لأنَّ أَصْلَه سِوْيَة، انتَهَى.

وفي التَّهْذيب: قالَ الفرَّاءُ هُم سَواسِيَةٌ يَسْتَوون في الشَّرِّ، ولا أَقولُ في الخَيْرِ، ولا واحِدَ له.

وحُكِىَ عن أَبي القَمْقامِ: سَواسِيَة، أَرادَ سَواءَ ثم قال سِيَة.

ورُوِيَ عن أَبي عَمْروٍ أَنَّه قالَ: ما أَشَدَّ ما هَجَا القائلُ:

سَواسِيَةٌ كأَسْنانِ الحِمارِ

وذلكَ أَنَّ أَسْنانَه مُسْتَوِيَةٌ، انتَهَى.

قالَ ابنُ سِيدَه: وسَواءٌ تَطْلُبُ اثْنَيْنِ تقولُ: سَواءٌ زَيْدٌ وعَمْرٌو، أَي: ذَوَا سَواءِ زَيْدٌ وعَمْروٌ، لأنَّه مَصْدرٌ فلا يجوزُ له أَنْ يُرْفَعَ ما بعْدها إلَّا على الحَذْفِ، تقولُ: عَدْلٌ زيْدٌ وعَمْرٌو، والمَعْنى ذَوَا عَدْلٍ، لأنَّ المَصادِرَ ليسَتْ بأَسْماءِ الفاعِلِينَ وإنَّما يَرْفَعُ الأَسْماءَ أَوْصافُها، فأمَّا إذا رَفَعَتْها المَصادِرُ فهي على الحذْفِ.

واسْتَوَيا وتَساوَيا: أَي تَماثَلا، فهذا فِعْلٌ أُسْنِدَ إليه فاعِلانِ فصاعِدًا، تقولُ: اسْتَوى زيْدٌ وعَمْروٌ وخالِدٌ في كذا؛ أَي تَساوَوْا؛ ومنه قوْله تعالى: {لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ}.

وسَوَّيْتُهُ به تَسْوِيَةً وسَوَّيْتُ بَيْنهما: عَدَّلْت وساوَيْتُ بَيْنهما مُساواةً؛ مِثْله يقالُ: ساوَيْتُ هذا بذاكَ إذا رَفَعْته حتى بَلَغَ قَدْرَه ومَبْلَغَه؛ وقوْلُه تعالى: {حَتّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}؛ أَي سَوَّى بَيْنهما.

وأَسْوَيْتُهُ به وساوَيْتُ؛ ومنه قوْلُ القناني في أَبي الحَجْناء:

فإنَّ الذي يُسْويكَ يَوْمًا بواحِدٍ *** مِنَ الناسِ أَعْمى القَلْبِ أَعْمى بَصائِرهْ

وهما سَواءَانِ وسِيَّانِ، بالكسْر: أَي مِثْلانِ، الواحِدُ سَواءٌ وسِيٌّ، والجَمْعُ أَسْواءٌ كنَقْضٍ وأَنْقاضٍ؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ للحُطَيْئة، وقيلَ لذي الرُّمّة:

فإِيَّاكُمْ وحَيَّةَ بَطْنِ وادٍ *** هَمُوزَ النَّابِ ليْسَ لَكُمْ بسِيِّ

يريدُ تَعْظِيمه.

ولا سِيَّما: كلمةٌ يُسْتَثْنى بها، وهو سِيٌّ ضُمَّ إليه ما.

في المُحْكَم: قالَ سِيْبَوَيْه: سأَلْته عن قَوْلهم لا سِيَّما زَيْدٍ فزَعَم أَنَّه مِثْلُ: لا مِثْلَ زيْدٍ، وما لَغْوٌ، قالَ: ويَرْفَعُ زيْدٌ فيُقالُ: لا سِيَّما زَيْدٍ مِثْلَ دَعْ ما زَيْدٌ وكَذلِكَ قوْلُه تعالى: {مَثَلًا ما بَعُوضَةً}.

وفي الصِّحاحِ: الاسْمُ الذي بَعْدَ «ما» لَكَ فيه وَجْهان؛ إنْ شِئْتَ جعلْتَ ما بمنْزِلةِ الذي وأَضْمرْت مُبْتَدأ ورَفَعْت الاسْمَ الذي تَذْكُرُه لخبَرِ المُبْتَدأ، تقولُ: جاني القَوْمُ لا سِيَّما أَخُوكَ أَي ولا سِيَّ الذي هو أَخُوكَ؛ وإنْ شِئْتَ جررْتَ ما بَعْدَه على أنْ تَجْعَل ما زائِدَةً وتجُرَّ الاسْمَ بسِيِّ لأنَّ مَعْنى سِيِّ مَعْنى مِثْلٍ، ويُنْشدُ لامْرئِ القَيْسِ:

أَلا رُبَّ يومٍ لكَ مِنْهُنَّ صالِحٍ *** ولا سِيَّما يومٌ بدَارَةِ جُلْجُلِ

مَجْرورًا ومَرْفوعًا. وتقولُ: اضْرِب القومَ ولا سِيَّما أَخيكَ؛ أَي ولا مثْلَ ضَرْبةِ أَخِيكَ، وإنْ قلْتَ ولا سِيَّما أَخُوكَ؛ أَي ولا مثْلَ الذي هو أَخُوكَ، تَجْعَل ما بمعْنَى الذي وتضْمِرُ هو وتَجْعلُه مُبْتَدأ وأَخُوكَ خَبَره.

قالَ الأخْفَش: قَوْلهم إنَّ فُلانًا كرِيمٌ ولا سِيَّما إن أَتَيْته قاعِدًا، فإنَّ ما ههنا زائِدَةٌ ولا تكونُ مِن الأَصْل، وحذفَ هنا الإضْمار وصارَ ما عِوَضًا منه كأَنَّه قالَ ولا مِثْله إنْ أَتَيْتَه قاعِدًا، انتَهَى.

وفي المِصْباح عن ابنِ جِنِّي: ويجوزُ النَّصْب على الاسْتِثْناء وليسَ بالجيِّد، قالوا: ولا يُسْتَعْمل إلَّا مع الجَحْد، نَصَّ عليه أَبو جَعْفرٍ النّحوي في شرْحِ المُعَلَّقات، وابن يَعِيش وصاحِب البَارع.

وقالَ السَّخاوي عن ثَعْلب: مَنْ قالَهُ بغَيْرِ اللَّفْظ الذي جاءَ به امْرُؤُ القَيْس فقد أَخْطَأَ، يَعْني بغَيْر لا، لأنَّ لا وسِيَّما تركبا وصارَا كالكَلمَةِ الواحِدَةِ وتُساقُ لتَرْجِيح ما بَعْدها على ما قَبْلها فيكونُ كالمخرج عن مُساوَاتِه إلى التَّفْضِيل، فقَوْلهم تُسْتَحَبُّ الصَّدَقَة في شَهْر رَمَضان لا سِيَّما في العشْرِ الأَوَاخِر، مَعناه واسْتِحبابها في العشْره الأَوَاخِر آكدُ وأَفْضَل فهو مُفَضَّل على ما قَبْله.

قالَ ابنُ فارِسَ: ولا سِيَّما؛ أَي ولا مِثْل ما كأَنَّهم يُريدُون تَعْظِيمه.

وقالَ السَّخاوي أَيْضًا: وفيه إِيذانٌ بأَنَّ له فَضِيلَةً ليسَتْ لغيرِه إذ تقرَّرَ ذلكَ، فلو قيلَ سِيَّما بغَيْرِ نَفْيٍ اقْتَضَى التَّسْويَة وبَقِي المَعْنى على التَّشْبيه، فيَبْقى التَّقديرُ يُسْتَحبُّ الصَّدَقَةُ في شَهْرِ رَمَضان مِثْل اسْتِحْبابِها في العشْرِ الأَوَاخِر ولا يَخْفَى ما فيه. وتَقْدِيرُ قَوْل امْرئِ القَيْسِ: مَضَى لنا أَيَّام طَيِّبَة ليسَ فيها يَوْم مِثْل دارَةِ جُلْجُل، فإنَّه أَطْيَب من غيْرِه، ولو حُذِفَت لا بَقِي المَعْنَى مَضَت لنا أَيَّام طَيِّبَة مِثْل يَوْم دَارَةِ جُلْجُل، فلا يَبْقى فيه مَدْحٌ، ولا تَعْظِيم. وقد قالوا: لا يجوزُ حَذْف العَامِل وإبْقاء عَمَله، ويقالُ: أَجابَ القومُ لا سِيَّما زَيْد، والمَعْنى فإنَّه أَحْسَن إجابَة فالتَّفْضِيل إنَّما حَصَلَ مِنَ التَّرْكِيب فصارَتْ لا مع سِيَّما بمنْزِلَتِها في قوْلِكَ لا رجُلَ في الدَّارِ، فهي المُفِيدَةُ للنَّفْي، ورُبَّما حُذِفَتْ للعِلْم بها، وهي مُرادَةٌ، لكنَّه قَليلٌ ويقربُ منه قَوْلُ ابنِ السَّراج وابنِ بابْشَاذ، وبعضُهم يَسْتَثْنِي بسِيَّما، انتَهَى.

ويُخَفِّفُ الياءُ؛ نقلَهُ صاحِبُ المِصْباح، قالَ: وفَتْح السِّين مع التَّثقِيل لُغَةٌ أَيْضًا.

وحَكَى اللحْياني: ما هو لكَ بسِيِّ؛ أَي بنَظِيرٍ، وما هُمْ لكَ بأَسْواءٍ، ولا سِيِّ لِمَا فُلانٍ، ولا سِيَّكَ ما فُلانٌ، ولا سِيَّةَ فُلانٍ، وهذه لم يَذْكُرْها اللَّحْياني؛ ثم قالَ: ويقولون: لا سِيَّكَ إذا فَعَلْتَ ذاكَ، ولا سِيَّ لمَنْ فَعَلَ ذلكَ. وفي المُؤنَّث: لَيْسَتِ المَرْأَةُ لكَ بسِيِّ، وما هُنَّ لكَ بأَسْواءِ: كُلُّ ذلكَ بمَعْنى المِثْل والنَّظِير؛ وقولُ أَبي ذُؤيْب:

وكانَ سِيَّان أَلَّا يَسْرَحُوا نَعَمًا *** أَو يَسْرَحُوه بها واغْبَرَّتِ السُّوجُ

وَضَعَ أَو هنا مَوْضِعَ الواوِ كَرَاهِية الخَبْنِ، وسَواءٌ وسِيَّان لا يُسْتَعْملان إلَّا بالواوِ؛ ومثْلُه قَوْلُ الآخِرِ:

فسِيَّان حَرْبٌ أَو تَبُوءَ بمثْله *** وقد يَقْبَلُ الضَّيْمَ الذَّليلُ المسَيَّرُ

ومَرَرْتُ برجُلِ سَواءٍ والعَدمُ، ويُكْسَرُ؛ ومَرَرْتُ برجُلٍ سُوًى، بالكسر والضَّمِ، والعَدَمُ: أَي سَواءٌ وجُودُهُ وعَدَمُهُ.

وحكَى سِيْبَوَيْه: سَواءٌ هو والعَدَمُ.

وقالوا: هذا دِرْهَمٌ سَواءٌ، بالنَّصْبِ على المَصْدرِ كأَنَّكَ قلْت اسْتواءً، والرَّفْع على الصِّفَة كأَنَّك قلْتَ مُسْتَوٍ.

وقولُه تعالى: {سَواءً لِلسّائِلِينَ}؛ وقُرِئَ: سَواءَ على الصِّفَة.

وقولُه تعالى: {مَكانًا سُوىً}، هو بالكسْر والضَّمِّ.

قالَ الفرَّاءُ: وأَكْثَرُ كَلامِهم بالفَتْحِ إذا كانَ بمعْنَى نَصَفٍ وعَدْلٍ فَتَحُوه ومَدُّوه، والكسْرُ مع الضمِّ عَرَبِيَّان وقُرئَ بهما.

وقالَ الرَّاغبُ: مَكانٌ سِوىً وسُوىً مُسْتَوٍ طَرَفاهُ، يُسْتَعْمل وَصْفًا وظَرْفًا، وأَصْلُ ذلك مَصْدرٌ.

وقال ابنُ سِيدَه: أَي مَعْلَمٌ، وهو الأثَرُ الذي يُسْتدلُّ به على الطَّريقِ، وتَقْديرُه ذُو مَعْلَمٍ يُهْتَدَى به إليه؛ قالَهُ شْخُنا.

وهو لا يُساوِي شيئًا: أَي لا يُعادِلُه.

وفي المِصْباح: المُساوَاةُ: المُمَاثلةُ والمُعادَلةُ قدْرًا وقيمةً؛ ومنه قَوْلُهم: هذا يُساوِي دِرْهمًا؛ أَي يُعادِلُ قِيمَته دِرْهمًا، انتَهَى.

وفي حديثِ البُخاري: «ساوَى الظِّلُّ التِّلالَ».

قالَ الحافِظُ: أَي ماثَلَ امْتِدادُه ارْتِفاعَها، وهو قدْر القامَةِ، انتَهَى.

وقالَ الرَّاغبُ: المُساوَاةُ المُعادلةُ المُعْتَبَرةُ بالذرْعِ والوَزْنِ والكَيْل. يقالُ: هذا الثوْبُ مُساوٍ لذلكَ الثَّوبِ، وهذا الثوْبُ مُساوٍ لذلكَ الدِّرْهم؛ وقد يُعْتَبر بالكَيْفيَّةِ نَحْو: هذا السَّوادُ مُساوٍ لذلكَ السَّوادِ.

ولا يَسْوَى، كيَرْضَى، لُغَةٌ قَليلَةٌ أَنْكَرَها أَبو عبيدَةَ، وحَكَاها غيرُهُ.

وفي المِصْباح: وفي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ سَوَى دِرْهمًا يَسْواهُ.

وفي التَّهْذيب: قالَ الفرَّاءُ: لا يُساوِي الثوبُ وغيرُه كذا ولم يُعْرف يَسْوَى.

وقالَ اللَّيْث: يَسْوَى نادِرَةٌ، ولا يقالُ منه سَوِيَ ولا سَوى، كما أنَّ نَكْراءَ جاءَتْ نادِرَةً ولا يقالُ لذَكَرِها أَنْكرُ، ويقولونَ نَكِرَ ولا يقولون يَنْكَرُ.

قالَ الأزهريُّ: قلْت: قولُ الفرَّاء صحيحٌ، ولا يَسْوى ليسَ من كَلامِ العَرَبِ بل مِن كَلامِ المُولّدين، وكذا لا يُسْوى ليسَ بعَربيِّ صحيحٍ، انتَهَى؛ الأخيرَةُ بضمِّ الياءِ وهي كثيرَةٌ الجَرْي على أَلْسِنَةِ العامَّة.

وقال شيْخُنا: لا يَسْوى أَنْكَرها الجماهِيرُ وصَرَّحَ في الفَصِيح بإنْكارِها، ولكنْ حَكَاها شُرَّاحُه، وقيلَ: هي صَحِيحةٌ فَصِيحةٌ، وهي لُغَةُ الحَجازِيِّين، وإن ضعَّفَها ابْتِذالها، قالوا: وهي مِن الأفْعال التي لا تَتَصرَّفُ؛ أَي لم يُسْمَع منها إلَّا فِعْلٌ واحِدٌ ماضٍ كعَسَى وتَبارَكَ، أَو مُضارع كيَسْوى ويَبْقى في قَوْلٍ.

وأَوْرَدَه الخفاجي في شفاءِ الغَلِيلِ وفي الرَّيْحانةِ، وهي في الارْتِشافِ وغيرِه.

وأَبو أَحمدَ محمدُ بنُ عليِّ بنِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سَيَّوَيْه، كعَمْرَوَيْه، المُؤَدِّبُ المَكْفُوفُ، سَمِعَ أَبا الشَّيْخِ الأَصْبَهاني، وعنه الحدادُ وعبدُ العزيزِ النَّخْشيُّ، وعليُّ بنُ أَحمدَ بنِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سَيَّوَيْهِ الشحَّامُ عن القبَّاب، وعن سعيدُ بنُ محمدٍ المعدانيّ، مُحدِّثانِ، والأَخيرُ مِن قَرابَةِ الأَوّل يَجْتَمِعانِ في محمدِ بنِ عبدِ اللهِ.

واسْتَوَى: قد يُسْنَدُ إليه فاعِلانِ فصاعِدًا؛ وهذا قد تقدَّمَ ذِكْرُه؛ ويكونُ بمعْنَى اعْتَدَلَ في ذاتِه، ومنه قولُه تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى} و {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى} {الْفُلْكِ}، و {لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ}، و (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ).

وقولُهم: اسْتَوى فلانٌ على عَمَالَتِه، واسْتَوَى يأَمْرِ.

ومن ذلكَ: اسْتَوَى الرَّجُلُ إذا بَلَغَ أَشُدَّهُ؛ فعلى هذا قولُه تعالى: {وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى}، يكونُ اسْتَوَى عَطْف تَفْسِير.

أَو بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً؛ وبه فُسِّرَتْ الآيَةُ.

وفي الصِّحاح: اسْتَوَى الرَّجُل إذا انْتَهَى شَبابُهُ.

وفي التَّهْذيب: المُسْتَوِي مِن الرِّجال الذي بَلَغَ الغايَةَ مِن شَبَابِه وتَمَامِ خَلْقِه وعقْلِه وذلكَ بتمامِ ثَمَانِ وعِشْرِين إلى تَمامِ ثَلاثِينَ ثم يَدْخُل في حَدِّ الكُهولَةِ، ويحتملُ كَوْن بلوغُ الأرْبَعِين غايَةَ الاسْتِواءِ وكَمالِ العَقْلِ.

ولا يقالُ في شي‌ءٍ مِن الأَشْياءِ اسْتَوَى بنَفْسِه حتى يُضمَّ إلى غيرِهِ فيُقالُ اسْتَوَى فلانٌ وفلانٌ، إلَّا في مَعْنى بلوغِ الرَّجُلِ النَّهايَةَ فيُقالُ: اسْتَوَى، ومثْلُه اجْتَمَع.

وإذا عُدِّي الاسْتِواءُ بإلى اقْتَضِى مَعْنى الانْتِهاءِ إليه إمَّا بالذَّاتِ أَو بالتَّدْبيرِ؛ وعلى الثاني قوْلُه، عزّ وجلّ: {ثُمَّ اسْتَوى} إِلَى السَّماءِ {وَهِيَ دُخانٌ}.

قالَ الجوهريُّ: أَي صَعِدَ؛ وهو تَفْسيرُ ابنِ عبَّاس، ويَعْني بقَوْله ذلكَ أَي صَعِدَ أَمْرَه إليه، قالَهُ أَبو إسْحاقِ.

أَو عَمَدَ إليها، أَو قَصَدَ إليها، كما تقولُ: فَرَغَ الأَميرُ مِن بَلَدِ كذا ثم اسْتَوَى إلى بَلَدِ كذا، مَعْناه قَصَدَ الاسْتِواء إليه؛ قالَهُ أَبو إسْحق.

او أَقْبَلَ عليها؛ عن ثَعْلَب.

وقالَ الفرَّاءُ: مِن مَعانِي الاسْتِواءِ أَنْ يقولَ كانَ فلانٌ مُقْبلًا على فلانٍ ثم اسْتَوَى عليَّ وإليَّ يُشاتِمُنِي على، مَعْنى أَقْبَل، فهذا مَعْنى {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ}.

أَو اسْتَوْلَى وظَهَرَ؛ نقلَهُ الجوهريُّ ولكنَّه لم يُفَسِّر به الآيَةَ المَذْكورَة.

قالَ الرَّاغبُ: ومَتَى ما عُدِّي بعلى اقْتَضَى مَعْنى الاسْتِيلاءِ كقوْلِه، عزّ وجلّ: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}؛ ومنه قَوْل الأَخْطَل أَنْشَدَه الجوهرِيُّ:

قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاق *** من غَيرِ سَيْفَ ودَمٍ مُهْراق

ثم قالَ الرَّاغبُ: وقيلَ مَعْناه اسْتَوَى كلّ شي‌ءٍ في النِّسْبَةِ إليه، فلا شي‌ءَ أَقْرَب إليه مِن شي‌ءٍ إذ كانَ، عزَّ وجَلَّ، ليسَ كالأَجْسامِ الحالَّةِ في مَكانٍ دُونَ مكانٍ.

ومَكانٌ سَوِيٌّ، كغَنِيِّ، وسِيٌّ، كزِيِّ: أَي مُسْتَوٍ طَرَفاهُ في المسافَةِ.

وسَوّاهُ تَسْوِيَةً وأَسْواهُ: جَعَلَهُ سَوِيًّا؛ ومنه قوْلُه تعالى: {فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ}.

قالَ الرَّاغبُ: تَسْوِيَةُ الشي‌ءِ جَعْلَه سَواء إمَّا في الرّفْعَةِ أَو في الضِّعَةِ.

وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ}؛ أَي جَعَلَ خَلْقَكَ على ما اقْتَضَتِ الحكْمَةُ. وقوْلُه تعالى: {وَنَفْسٍ وَما سَوّاها} إشارَة إلى القوى التي جَعَلَها مُقَوِّيَة للنَّفْس فنَسَبَ الفِعْل إليها، وقد ذكرَ في غيرِ هذا الموْضِعِ أَنَّ الفِعْل كما يصح أن يُنْسَبَ إلى الفاعِلِ يصحُّ أَن يُنْسَبَ إلى الآلَةِ وسَائِر ما يَفْتَقِر الفِعْل إليه نَحْو سَيْفٌ قاطِعٌ قالَ: وهذا الوَجْه أَوْلى مِن قَوْل مَنْ قالَ: أَرادَ {وَنَفْسٍ وَما سَوّاها} يَعْني الله تعالى، فإنَّ ما لا يُعَبَّر به عن اللهِ تعالى إذ هو مَوْضُوع للجِنْس ولم يرد به سَمْع يَصِحّ.

وأَمَّا قوْلُه، عزّ وجلّ: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى}، فالفِعْل مَنْسوبٌ إليه؛ وكذا قَوْلُه: {فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}.

وقوله تعالى: {رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها}، يتَضَمَّن بناءَها وتَزْيِينَها المَذْكُور في قوْلِه عزّ وجلّ: {إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ}.

وقوله تعالى: {بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ}، قيلَ: نجْعَلُ كفَّه كخفِّ الجَملِ لا أَصابعَ لها؛ وقيلَ: بل نَجْعَل أَصابِعَه كُلَّها على قدر واحِدٍ حتى لا يَنْتَفِع بها وذلك أَنَّ الحكْمَةَ في كوْنِ الأصابعِ مُتَفاوِتَة في القدر والهَيْئةِ، ظاهِرَة إذ كانَ تَعاونَها على القَبْض أَن يكونَ كَذلِكَ.

وقوله تعالى: {بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها}؛ أَي سَوَّى بِلادَهم بالأَرْضِ، نَحْو {خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها}.

واسْتَوَتْ به الأرضُ، وتَسَوَّتْ وسُوِّيَتْ عليه، كُلُّه، أَي هَلَكَ فيها، ومنه قوله تعالى: {لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ}.

وفَسَّره ثَعْلَب فقالَ: مَعْناه يَصيرُونَ كالتّرابِ.

وقال الجوهرِيُّ: أَي تَسْتَوِي بهم؛ وقولُ الشاعِرِ:

طالَ على رَسْم مَهْدَدٍ أَبَدُهْ *** وعَفا واسْتَوى به بَلَدُهْ

فسَّرَه ثَعْلَب فقالَ: صارَ كُلّه جديًا.

وأَسُوَى الرَّجُل: كانَ خُلُقُهُ وخُلُقُ والِدِهِ سَواءً، صَوابه: كانَ خُلُقُهُ وخُلُقُ ولدِهِ سَوِيًّا.

وقال الفرَّاءُ: إذا كانَ خُلُق ولدِهِ سَويًّا وخُلُقُهُ أَيْضًا.

ونقلَهُ أَبو عُبيدٍ أَيْضًا ولكن في لَفْظِه اضْطِرابٌ.

وأَسْوى: إذا أَحْدَثَ مِن أُمِّ سويد، وهي الدُّبْرُ؛ قالَهُ أَبو عَمْرو.

وأَسْوى: إذا خَزِىَ، وهو مِن السَّوْأَةِ.

وأَسْوى في المَرْأَةِ: إذا أَوْعَبَ؛ أَي أَدْخَلَ ذَكَرَه كُلَّه في الفَرْجِ.

وأَسْوَى حَرْفًا من القرآنِ: أَسْقَطَ وتَرَكَ وأَغْفَل، مِن أَسْوَيْتُ الشي‌ءَ إذا تَرَكْته وأَغْفَلْته؛ ومنه حديثُ أَبي عبدِ الرحمنِ السُّلمي: «ما رأَيْتُ أَحَدًا أَقْرَأَ مِن عليِّ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه، صلَّيْنا خَلْفَه فأَسْوَى بَرْزخًا ثم رجعَ إليه فقَرَأَه، ثم عادَ إلى المَوْضِع الذي كانَ انْتَهى إليه»؛ والبَرْزَخُ: الحاجِزُ بينَ الشَّيْئَين.

وقالَ الجوهريُّ: هكذا حَكَاهُ أَبو عبيدٍ، وأَنا أُرَى أنَّ أَصْلَ هذا الحَرْف مَهْموزٌ.

* قُلْتُ: وذَكَرَ الأزهريُّ ذلكَ أَيْضًا فقالَ: أُراهُ مِن قوْلِهم: أَسْوأ إذا أَحْدَثَ، وأَصْلُه مِن السَّوْأَةِ، وهي الدُّبُر، فَتَرَكَ الهَمْز في الفَعْل انتَهَى. وقالَ ابنُ الأثير: وكَذلكَ الإسْواءُ في الحِسابِ وفي الرَّمْي، وذلكَ إذا أَسْقَطَ وأَغْفَلَ.

وقال الهَرَويُّ: يجوزُ أَشْوَى، بالشِّين المعْجمةِ بمعْنَى أَسْقَطَ، ولكنَّ الرِّوايةَ بالسِّين.

ولَيْلَةُ السَّواءِ: لَيْلَةُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ؛ كما في المُحْكَم.

أَو لَيْلَةُ ثَلاثَ عَشَرَةَ؛ وفيها يَسْتوِي القَمَرُ، وهذا قَوْلُ الأصْمعيّ، نقلَهُ الأزهريُّ والجوهريُّ.

وهُمْ في هذا الأَمْرِ على سَوِيَّةٍ، كغَنِيَّةٍ؛ أَي على اسْتِواءٍ واعْتِدالٍ.

والسَّوِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: شبْهُ البَرْذَعةِ من مَراكِبِ الإِماءِ والمُحْتاجِينَ؛ أَي ذَوي الحاجَةِ والفَقْرِ، وكَذلِكَ الذي يُجعلُ على ظَهْرِ الإِبِلِ إلَّا أَنَّه كالحَلْقَةِ لأجْلِ السَّنام، وتسمَّى الحَوِيَّة.

أَو كِساءٌ مَحْشُوٌّ بثُمامٍ أَو ليفٍ أَو نَحْوِهِ؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ لعبدِ اللهِ بنِ عَنَمة الضَّبيّ:

ازْجُرْ حِمارَكَ لا تُنْزَعْ سَوِيَّتُهُ *** إذن يُرَدُّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ

والجَمْعُ سَوايَا.

وأَبو سَوِيَّةَ الأَنْصارِيُّ، ويقالُ الجهنيُّ، صَحَابيٌّ، حدِيثُه في السُّحورِ، رَوَى عنه عبادَةُ بنِ نسي؛ وأَبو سَوِيَّةَ عُبَيْدُ بنُ سَوِيَّةَ بن أَبي سَوِيَّةَ الأَنْصارِيُّ مَوْلاهُمْ، كانَ فاضِلًا رَوَى عنه حيوَةُ بنُ شُرَيْح وعَمْرُو بنُ الحارِثِ وغيرُهُما، قيلَ: إنَّه تُوفي سَنَة 135، قالَهُ ابنُ ماكولا:

* قلْت: وهو مِن رِجال أَبي دَاوُد، ووَقَعَ اخْتِلافٌ في كُنْيَتِه وفي اسْمِه، ففي بعضِ الرِّوايات أَبو سَوْدَةَ وهو وَهمٌ؛ وقالَ أَبو حاتِم بنُ حبَّان: أَبو سُوَيْد وغَلِطَ مَنْ قالَ أَبو سَوِيَّةَ، واسْمُه حُمَيْد، ويقالُ: هو المِصْرِيُّ الذي رَوَى عن عبدِ الرحمنِ بنِ حجرَةَ، وقيلَ غيرُ ذلكَ.

وعبدُ المَلِكِ بنُ أَبي سَويَّةَ سَهْلِ بنِ خَليفَةَ بن عبدَةَ الفُقَميّ، عن أَبيهِ، عن قَيْسِ بنِ عاصِمٍ، وحَفِيده العَلاءُ بنُ الفَضْل بنِ عبدِ المَلِكِ حَدَّثَ أَيْضًا؛ وحَمَّادُ بنُ شاكِرِ بنِ سَوِيَّةَ؛ أَبو محمدٍ الورَّاقُ الفَسَويُّ الحَنَفيُّ الرَّاوي صَحيحَ البُخاري عنه؛ أَي عن البُخارِي نَفْسِه، وكذا رَوَى عن أَبي عيسَى الزندي وعيسَى العَسْقلاني وغيرِهِم، وممَّن رَوَى عنه الصَّحِيح أحمدُ بنُ محمدٍ الفَسَقيّ شيخُ الحاكِمِ ابنِ عبدِ اللهِ ومن طَرِيقِه نَرْويه؛ مُحدِّثونَ.

قالَ الحافِظُ: ماتَ حَمَّادُ بنُ شاكِرٍ سَنَة 311.

والسِّيُّ، بالكسْر: المَفازَةُ لاسْتِواءِ أَطْرافِها وتَماثُلِها.

وأَيْضًا: موضع.

وفي الصِّحاح: أَرضٌ مِن أَراضِي العَرَبِ.

وفي المُحْكم: موْضِعٌ أَمْلَس بالبادِيَةِ.

وقالَ نَصْر في مُعْجمهِ: فَلاةٌ على جادةِ البَصْرَةِ إلى مكَّةَ بينَ الشُّبَيْكَةِ ووَجْرَةَ تأْوِي إليها اللّصُوصُ؛ وقيلَ: هي بينَ دِيارِ بَني عبدِ اللهِ بنِ أَبي بكْرِ بنِ كِلابٍ وجُشَم.

وأَنْشَدَ الجوهريُّ:

كأنَّه خاضِبٌ بالسِّيِّ مَرْتَعُه *** أَبو ثَلاثينَ أَمْسَى وهو مُنْقَلِبُ

ويقالُ: وَقَعَ في سِيِّ رأْسِه؛ بالكسْر، وسَوائِه، بالفتْح ويُكْسَرُ عن الكِسائي.

وقال ثَعْلَبُ: هو القِياسُ.

أَي حُكْمُهُ مِن الخَيْرِ أَو في قَدْرِ ما يَغْمُرُ به رَأْسَه.

وفي التَّهْذيب: في سَواءِ رَأْسِه؛ أَي فيمَا يساوي رَأْسه مِن النِّعْمةِ.

وفي المُحْكَم: قيلَ: إنَّ النّعْمَةَ ساوَتْ رَأْسَه أَي كثُرَتْ عليه ومَلَاءَتْهُ. وقالع ثَعْلب: ساوَتِ النِّعْمَةُ رأْسَه مُساواةً وسِواءً.

وفي الصِّحاح: قالَ الفرَّاءُ هو في سِيِّ رأْسِه وفي سَواءِ رأْسِه إذا كان في النِّعْمَةِ.

أَو في عَدَدِ شَعَرِهِ من الخَيْرِ؛ هكذا فَسَّره أَبو عُبيدٍ نقلَهُ الجوهريُّ.

والسُّوَيَّةُ، كسُمَيَّةَ: امْرأَةٌ.

ويقولونَ: قَصَدْتُ سَواهُ: إذا قَصَدْتُ قَصْدَهُ؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ لقيسِ بنِ الخطيمِ:

ولأَصْرِفَنَّ سِوَى حُذَيْفَةَ مِدْحَتي *** لِفَتى العَشِيِّ وفارِسِ الأَجْرافِ

والسَّايَةُ: فَعْلَةٌ من التَّسْوِيَةِ؛ نقلَهُ الأزهريُّ عن الفرَّاء.

ووَقَعَ في نسخِ التَّهذيب: فَعْلَةٌ مِن السَّوِيَّة.

وسايَةُ: قرية بمكَّةَ.

أَو: وادٍ بينَ الحَرَمَيْنِ.

قالَ ابنُ سِيدَه: هو وادٍ عَظِيمٌ به أَكْثَر من سَبْعِين نهْرًا تَجْري، تَنْزلُه بَنُو سُلَيْم ومُزَيْنَةُ.

وأَيْضًا: وادِي أَمَجَ؛ وأَصْل أَمَجَ خُزاعَةُ.

وقوْلُهم: ضَرَبَ لي سايَةً: أَي هَيَّأَ لي كَلِمَةَ سوءٍ سَوَّاها عليَّ ليَنْحدَعني؛ نقلَهُ الجوهريُّ عن الفرَّاء.

وساوَةُ: د، معروف بَلَدٌ مَعْروفٌ بالعَجَم بينَ هُمَدان والرَّيِّ غاضَتْ بُحَيْرتُه لَيْلَة مَوْلدِ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، وقد نُسِبَ إليه خَلْق كثيرٌ مِن المحدِّثين.

والصِّراطُ السُّوَى، كهُدَى، فُعْلَى من السَّواءِ أَو على تَلْيينِ السُّوءَى والإِبْدالِ، والأَوَّل هو المَعْروفُ، وقد تقدَّمَ الكَلامُ عليه عنْدَ قوْلِه: مَكانٌ سُوىً.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

قد يكونُ السّواءُ جَمْعًا؛ ومنه قوْلُه تعالى: {لَيْسُوا سَواءً}؛ أَي لَيْسوا مُسْتَوينَ.

والسَّويَّةُ، كغَنِيَّةٍ: العَدْلُ، يقالُ قسمْتُ بينهما بالسَّوِيَّةِ؛ أَي بالعَدْلِ.

وهُما على سَوِيَّةٍ مِن هذا الأمْرِ: أَي على سَواءٍ.

واسْتَوَى مِن اعْوِجاجٍ.

واسْتَوَى على ظهْرِ دابَّتِه اسْتَقَرَّ.

ورجُلٌ سَويُّ الخَلْقِ: أَي مُسْتوٍ.

قالَ الرَّاغبُ: السَّويُّ يقالُ فيمَا يُصانُ عن الإِفْراطِ والتَّفْريطِ من حيثُ القدرِ والكَيْفيَّة، ومنه {الصِّراطِ السَّوِيِّ}، و {ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا}، ورجُلٌ سَوِيٌّ اسْتَوَتْ أَخْلاقُه وخلقُهُ عن الإِفْراطِ والتَّفْريطِ، و {بَشَرًا سَوِيًّا}: هو جِبْريل، عليه‌السلام.

قالَ أَبو الهَيْثم: هو فَعِيلٌ بمعْنَى مُفْتَعل؛ أَي مُسْتَوٍ، وهو الذي بَلَغَ الغايَةَ مِن خلقه وعَقْلِه.

وهذا المَكانُ أَسْوى هذه الأمْكِنَةِ: أَي أَشَدُّها اسْتِواءً؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه.

واسْتَوَتْ أَرْضُهم: صارَتْ جدبًا.

ويقالُ: كيفَ أَمْسَيْتم؟ فيَقولونَ: مُسْوِينَ صالِحِينَ؛ أَي أَنَّ أَوْلادَنا وماشِيَتَنا سَوِيَّةٌ صالِحَةٌ.

والسَّوَاءُ: أَكَمَةٌ أَيَّةً كانت.

وقيلَ: الحَرَّةُ.

وقيلَ: رأْسُ الحَرَّةِ؟ وبه فُسِّر قوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ السابِقُ أَيْضًا.

وقوْلُهم: اسْتَوَى الماءُ والخَشَبَةَ: أَي مَعَها.

وإذا لَحِقَ الرَّجُلُ قِرْنَه في عِلْمٍ أَو شَجاعَةٍ قيلَ: سَاوَاهُ. وفي بعضِ رِوايَةِ الحديثِ: «مَنْ سَاوَى يَوْماه فهو مَغْبونٌ»، قيلَ: مَعْناه تَساوَى.

وقالَ ابنُ بُزُرْج: يقالُ لَئِنْ فَعَلْتَ ذاكَ وأَنا سِواكَ ليَأْتِيَنَّكَ مِنِّي ما تَكْرَهُ؛ يُريدُ وأَنا بأَرْضٍ سِوَى أَرْضِكَ.

وسوَّى تَسْوِيَةً: إذا اسْتَوى، عن ابن الأعْرابيّ.

وسوَّى تَسْويَةً: غَيَّر.

وقالَ الليْثُ: تَصْغيرُ السّواءِ المَمْدودِ سُوَيٌّ.

وأَسْوَى: إذا بَرِصَ.

وأَسْوَى: إذا عُوفيَ بَعْدَ عِلَّةٍ.

وأَسْوَى: إذا اسْتَوى، كأَوْسَى، مَقْلوبٌ منه.

والسَّواءُ: اسْمٌ مِن اسْتَوَى الشَّي‌ءُ اعْتَدَلَ. يقالُ: سَوَاءٌ عليَّ قمْتَ أَو قعدْتَ.

وسُوَى، كهُدىً: ماءٌ بالبادِيَةِ؛ قالَ الراجِزُ:

فَوَّزَ من قُراقِر إلى سُوَى

نقلَهُ الجوهرِيُّ.

وقالَ نَصْر: بفْتحِ السِّين؛ وقيلَ: بكسْرِها: ماءٌ لقُضاعَةَ بالسَّماوَةِ قُرْبَ الشامِ، وعليه مَرَّ خالِدُ بنُ الوليدِ لما فَوَّزَ مِن العِرَاقِ إلى الشامِ بدَلالَةِ رافِع الطَّائيّ.

قال: وسَوَى: بفتْحٍ وقَصْر: موْضِعٌ بنَجْدٍ.

وفي حديثِ قُسِّ: «فإذا أَنا بهَضْبَةٍ في تَسْوائِها»؛ أَي المَوْضِع المُسْتَوِي منها، والتَّاءُ زائِدَةٌ.

وأَرْضٌ سِواءٌ، ككِتابٍ: تُرابُها كالرَّمْلِ، نقلَهُ ابنُ الأثيرِ.

وفي الحديثِ: «لا يزالُ النَّاسُ بَخْير ما تَفاضَلُوا فإذا تَساوَوْا هَلَكُوا»؛ أَي إذا تَرَكُوا التَّنافسَ في الفَضائِلِ ورَضُوا بالنَّقْصِ؛ وقيلَ: هو خاصٌّ بالجَهْلِ لأنَّهم إنَّما يَتساوَوْنَ إذا كانوا جُهَّالًا؛ وقيلَ: المُرادُ بالتَّساوِي هنا التَّحزُّبَ والتفرُّقَ وأَنْ يَنْفَرِدَ كلٌّ برأْيِه وأَن لا يَجْتمعُوا على إمامٍ واحِدٍ.

وقالَ الأزهريُّ: أَي إذا اسْتَوَوْا في الشرِّ ولم يكنْ فيهم ذُو خَيْرٍ هَلَكُوا.

وعنْدِي رجُلٌ سِوَاكَ؛ أَي مَكَانَكَ وبدَلكَ.

وسموا مساوى.

وبعثُوا بالسِّواءِ واللِّواءِ، مكْسُورَتَيْن، يأْتي في لوى.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


35-المصباح المنير (ءسو)

الْأُسْوَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا الْقُدْوَةُ وَتَأَسَّيْت بِهِ وَائْتَسَيْت اقْتَدَيْت وَأَسِيَ أَسًى مِنْ بَابِ تَعِبَ حَزِنَ فَهُوَ أَسِيٌّ مِثْلُ حَزِينٍ وَأَسَوْت بَيْنَ الْقَوْمِ وَأَصْلَحْت وَآسَيْته بِنَفْسِي بِالْمَدِّ سَوَّيْته وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ وَاوًا فِي لُغَةِ الْيَمَنِ فَيُقَالُ وَاسَيْته.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


36-المصباح المنير (حذف)

حَذَفْتُهُ حَذْفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَطَعْتُهُ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ حَذَفْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ قَطَعْتُ مِنْهُ قِطْعَةً وَحَذَفَ فِي قَوْلِهِ أَوْجَزَهُ وَأَسْرَعَ فِيهِ وَحَذَفَ الشَّيْءَ حَذْفًا أَيْضًا أَسْقَطَهُ وَمِنْهُ يُقَالُ حَذَفَ مِنْ شَعْرِهِ وَمِنْ ذَنَبِ الدَّابَّةِ إذَا قَصَّرَ مِنْهُ.

وَحَذَّفَ بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ وَكُلُّ شَيْءٍ أَخَذْتَ مِنْ نَوَاحِيهِ حَتَّى سَوَّيْتَهُ فَقَدْ حَذَّفْتَهُ تَحْذِيفًا وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ التَّحْذِيفُ مِنْ الرَّأْسِ مَا يَعْتَادُ النِّسَاءُ تَنْحِيَةَ الشَّعْرِ عَنْهُ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَقَعُ فِي جَانِبِ الْوَجْهِ مَهْمَا وَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ وَالطَّرَفَ الثَّانِي عَلَى زَاوِيَةِ الْجَبِينِ.

وَالْحَذَفُ غَنَمٌ سُودٌ صِغَارٌ الْوَاحِدَةُ حَذَفَةٌ مِثْلُ: قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ وَبِمُصَغَّرِ الْوَاحِدَةِ سُمِّيَ الرَّجُلُ حُذَيْفَةَ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


37-المصباح المنير (عدل)

الْعَدْلُ الْقَصْدُ فِي الْأُمُورِ وَهُوَ خِلَافُ الْجَوْرِ يُقَالُ عَدَلَ فِي أَمْرِهِ عَدْلًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَدَلَ عَلَى الْقَوْمِ عَدْلًا أَيْضًا وَمَعْدِلَةً بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَعَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ عُدُولًا مَالَ عَنْهُ وَانْصَرَفَ وَعَدَلَ عَدْلًا مِنْ بَابِ تَعِبَ جَارَ وَظَلَمَ وَعِدْلُ الشَّيْءِ بِالْكَسْرِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِقْدَارِهِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَالْعِدْلُ الَّذِي يُعَادِلُ فِي الْوَزْنِ وَالْقَدْرِ وَعَدْلُهُ بِالْفَتْحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ يُقَالُ عَدَلْتُ هَذَا بِهَذَا عَدْلًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا جَعَلْتُهُ مِثْلَهُ قَائِمًا مَقَامَهُ قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] وَهُوَ أَيْضًا الْفِدْيَةُ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» وَالتَّعَادُلُ التَّسَاوِي وَعَدَّلْتُهُ تَعْدِيلًا فَاعْتَدَلَ سَوَّيْتُهُ فَاسْتَوَى وَمِنْهُ.

قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ وَهِيَ قِسْمَةُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْأَقَلُّ

يُعَادِلُ الْجُزْءَ الْأَعْظَمَ فِي قِيمَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ.

وَعَدَّلْتُ الشَّاهِدَ نَسَبْتُهُ إلَى الْعَدَالَةِ وَوَصَفْتُهُ بِهَا.

وَعَدُلَ هُوَ بِالضَّمِّ عَدَالَةً وَعُدُولَةً فَهُوَ عَدْلٌ أَيْ مَرْضِيٌّ يُقْنَعُ بِهِ وَيُطْلَقُ الْعَدْلُ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَجَازَ أَنْ يُطَابَقَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ فَيُجْمَعُ عَلَى عُدُولٍ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَأَنْشَدَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ

وَتَعَاقَدَا الْعَقْدَ الْوَثِيقَ وَأَشْهَدَا *** مِنْ كُلِّ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ عُدُولًا

وَرُبَّمَا طَابَقَ فِي التَّأْنِيثِ وَقِيلَ امْرَأَةٌ عَدْلَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْعَدَالَةُ صِفَةٌ تُوجِبُ مُرَاعَاتُهَا الِاحْتِرَازَ عَمَّيْ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ عَادَةً ظَاهِرًا فَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ صَغَائِرِ الْهَفَوَاتِ وَتَحْرِيفِ الْكَلَامِ لَا تُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ ظَاهِرًا لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ وَالتَّأْوِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا عُرِفَ مِنْهُ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ فَيَكُونُ الظَّاهِرُ الْإِخْلَالَ وَيُعْتَبَرُ عُرْفُ كُلِّ شَخْصٍ وَمَا يَعْتَادُهُ مِنْ لُبْسِهِ وَتَعَاطِيهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَحَمْلِ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَدَحَ وَإِلَّا فَلَا.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


38-لسان العرب (كرب)

كرب: الكَرْبُ: عَلَى وَزْن الضَّرْبِ مَجْزُومٌ: الحُزْنُ والغَمُّ الَّذِي يأْخذُ بالنَّفْس، وَجَمْعُهُ كُرُوبٌ.

وكَرَبه الأَمْرُ والغَمُّ يَكْرُبهُ كَرْبًا: اشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَكْرُوبٌ وكَرِيبٌ، وَالِاسْمُ الكُرْبة؛ وإِنه لمَكْرُوبُ النَّفْسِ.

والكَرِيبُ: المَكْروبُ.

وأَمْرٌ كارِبٌ.

واكْترَبَ لِذَلِكَ: اغْتَمَّ.

والكَرائبُ: الشدائدُ، الواحدةُ كَرِيبةٌ؛ قَالَ سَعْدُ بْنُ ناشِبٍ المازِنيُّ:

فيالَ رِزامٍ رَشِّحُوا بِي مُقَدَّمًا ***إِلى المَوْتِ، خَوّاضًا إِليه الكَرائِبا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مُقَدَّمًا مَنْصُوبٌ برَشِّحُوا، عَلَى حَذْفٍ مَوْصُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: رَشِّحُوا بِي رَجُلًا مُقَدَّمًا؛ وأَصل التَّرْشيح: التَّرْبِيَةُ والتَّهْيِئَةُ؛ يُقَالُ: رُشِّحَ فلانٌ للإِمارة أَي هُيِّئَ لَهَا، وَهُوَ لَهَا كُفؤٌ.

وَمَعْنَى رَشِّحُوا بِي مُقَدَّمًا أَي اجْعَلُوني كُفؤًا مُهَيَّأً لِرَجُلٍ شُجاع؛ وَيُرْوَى: رَشِّحُوا بِي مُقَدِّمًا أَي رَجُلًا مُتَقَدِّمًا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ وَجَّهَ فِي مَعْنَى توجَّه، ونَبَّه فِي مَعْنَى تَنَبَّه، ونَكَّبَ فِي مَعْنَى تَنكَّبَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ إِذا أَتاه الوحيُ كُرِبَ لَهُ» أَي أَصابَهُ الكَرْبُ، فَهُوَ مَكْروبٌ.

وَالَّذِي كَرَبه كارِبٌ.

وكَرَبَ الأَمْرُ يَكْرُبُ كُرُوبًا: دَنا.

يُقَالُ كَرَبَتْ حياةُ النارِ أَي قَرُبَ انْطِفاؤُها؛ قَالَ عبدُ القيسِ بنُ خُفافٍ البُرْجُمِيُّ:

أَبُنَيَّ إِنَّ أَباكَ كارِبُ يَومِهِ، ***فإِذا دُعِيتَ إِلى المَكارِمِ فاعْجَلِ

أُوصِيكَ إِيْصاءَ امْرِئٍ، لَكَ، ناصِحٍ، ***طَبِنٍ برَيْبِ الدَّهْرِ غَيرِ مُغَفَّلِ

اللهَ فاتَّقْهِ، وأَوْفِ بِنَذْرِهِ، ***وإِذا حَلَفْتَ مُبارِيًا فَتَحَلَّلِ

والضَّيْفَ أَكْرِمْهُ، فإِنَّ مَبِيتَه ***حَقٌّ، وَلَا تَكُ لُعْنَةً للنُّزَّلِ

واعْلَمْ بأَنَّ الضَّيفَ مُخْبِرُ أَهْلِه ***بمَبِيتِ لَيْلَتِه، وإِنْ لَمْ يُسْأَلِ

وَصِلِ المُواصِلَ مَا صَفَا لَكَ وُدُّه، ***واجْذُذْ حِبالَ الخَائِن المُتَبَذِّلِ

واحْذَرْ مَحَلَّ السوءِ، لَا تَحْلُلْ بِهِ، ***وإِذا نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ

واسْتَأْنِ حِلْمَكَ فِي أُمورِكَ كُلِّها، ***وإِذا عَزَمْتَ عَلَى الْهَوَى فَتَوَكَّلِ

واسْتَغْنِ، مَا أَغْناكَ رَبُّك، بالغِنَى، ***وإِذا تُصِبْكَ خَصاصَةٌ فتَجَمَّلِ

وإِذا افْتَقَرْتَ، فَلَا تُرَى مُتَخَشِّعًا ***تَرْجُو الفَواضلَ عِنْدَ غيرِ المِفْضَلِ

وإِذا تَشاجَرَ فِي فُؤَادِك، مَرَّةً، ***أَمْرانِ، فاعْمِدْ للأَعَفِّ الأَجْمَلِ

وإِذا هَمَمْتَ بأَمْرِ سُوءٍ فاتَّئِدْ، ***وإِذا هَمَمْتَ بأَمْرِ خَيْرٍ فاعْجَلِ

وإِذا رَأَيْتَ الباهِشِينَ إِلى النَّدَى ***غُبْرًا أَكُفُّهُمُ بقاعٍ مُمْحِلِ

فأَعِنْهُمُ وايْسِرْ بِمَا يَسَرُوا بِهِ، ***وإِذا هُمُ نَزَلُوا بضَنْكٍ، فانْزِلِ

وَيُرْوَى: فابْشَرْ بِمَا بَشِرُوا بِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّرْجَمَتَيْنِ.

وكُلُّ شيءٍ دَنا: فَقَدْ كَرَبَ.

وَقَدْ كَرَبَ أَن يَكُونَ، وكَرَبَ يكونُ، وَهُوَ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، أَحدُ الأَفعال الَّتِي لَا يُستعمل اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهَا موضعَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ خَبَرُهَا؛ لَا تَقُولُ كَرَب كَائِنًا؛ وكَرَبَ أَن يَفْعَلَ كَذَا أَي كادَ يَفْعَلُ؛ وكَرَبَتِ الشمسُ للمَغِيب: دَنَتْ؛ وكَرَبَتِ الشمسُ: دَنَتْ للغُروب؛ وكَرَبَتِ الجاريةُ أَن تُدْرِكَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فإِذا اسْتَغْنَى أَو كَرَبَ اسْتَعَفَ»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَرَبَ أَي دَنا مِنْ ذَلِكَ وقَرُبَ.

وكلُّ دانٍ قريبٍ، فَهُوَ كارِبٌ.

وَفِي حَدِيثِ رُقَيْقَةَ: «أَيْفَعَ الغُلامُ أَو كَرَبَ»أَي قارَبَ الإِيفاع.

وكِرابُ المَكُّوكِ وَغَيْرِهِ مِنَ الآنِيَةِ: دونَ الجِمام.

وإِناءٌ كَرْبانُ إِذا كَرَبَ أَنْ يَمْتَلِئَ؛ وجُمْجُمَة كَرْبى، وَالْجَمْعُ كَرْبى وكِرابٌ؛ وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن كافَ كَرْبانَ بَدَلٌ مِنْ قَافِ قَرْبانَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بشيءٍ.

الأَصمعي: أَكْرَبْتُ السِّقاءَ إِكْرابًا إِذا مَلأْتَه؛ وأَنشد:

بَجَّ المَزادِ مُكْرَبًا تَوْكِيرَا

وأَكْرَبَ الإِناءَ: قارَبَ مَلأَه.

وَهَذِهِ إِبلٌ مائةٌ أَو كَرْبُها أَي نحوُها وقُرابَتُها.

وقَيْدٌ مَكْرُوبٌ إِذا ضُيِّقَ.

وكَرَبْتُ القَيْدَ إِذا ضَيَّقْتَه عَلَى المُقَيَّدِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَنَمَة الضَّبِّيُّ:

ازْجُرْ حِمارَك لَا يَرْتَعْ برَوْضَتِنا، ***إِذًا يُرَدُّ، وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ

ضَرَبَ الحمارَ ورَتْعَه فِي رَوْضتِهم مَثَلًا أَي لَا تَعَرَّضَنّ لشَتْمِنا، فإِنا قَادِرُونَ عَلَى تَقْيِيدِ هَذَا العَيْرِ ومَنْعه مِنَ التَّصَرُّفِ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي شِعْرِهِ:

أُرْدُدْ حِمارَك لَا يَنْزِعْ سَوِيَّتَه، ***إِذًا يُرَدُّ، وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ

والسَّويَّةُ: كِساءٌ يُحْشَى بثُمام وَنَحْوِهِ كالبَرْذَعَة، يُطْرَحُ عَلَى ظَهْرِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ، وَجَزْمُ يَنْزِعْ عَلَى جَوَابِ الأَمر، كأَنه قَالَ: إِنْ تَرْدُدْهُ لَا يَنْزِعْ سَوِيَّتَه الَّتِي عَلَى ظَهْرِهِ.

وَقَوْلُهُ: إِذًا يُرَدُّ جوابٌ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنه قَالَ: لَا أَرُدُّ حِمارِي، فَقَالَ مُجِيبًا لَهُ: إِذًا يُرَدُّ.

وكَرَبَ وظِيفَيِ الْحِمَارِ أَو الْجَمَلِ: دَانَى بَيْنَهُمَا بِحَبْلٍ أَو قَيْدٍ.

وكارَبَ الشيءَ: قارَبه.

وأَكْرَبَ الرجلُ: أَسْرَعَ.

وخُذْ رِجْلَيْكَ بأَكْرابٍ إِذا أُمِرَ بالسُّرْعة، أَي اعْجَلْ وأَسْرِعْ.

قَالَ اللَّيْثُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: أَكْرَبَ الرجلُ إِذا أَخذ رِجْلَيْه بأَكْرابٍ، وقَلَّما يُقَالُ: وأَكْرَبَ الفرسُ وغيرُه مِمَّا يَعْدُو: أَسْرَعَ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

أَبو زَيْدٍ: أَكْرَبَ الرجلُ إِكْرابًا إِذا أَحْضَرَ وعَدا.

وكَرَبْتُ الناقةَ: أَوقَرْتُها.

الأَصمعي: أُصولُ السَّعَفِ الغِلاظُ هِيَ الكَرانِيفُ، واحدتُها كِرْنافةٌ، والعَريضَة الَّتِي تَيْبَسُ فتصيرُ مِثلَ الكَتِفِ، هِيَ الكَرَبة.

ابْنُ الأَعرابي: سُمِّيَ كَرَبُ النَّخْلِ كَرَبًا لأَنه اسْتُغْنِيَ عَنْهُ، وكَرَبَ أَن يُقْطَعَ ودَنا مِنْ ذَلِكَ.

وكَرَبُ النخلِ: أُصُولُ السَّعَفِ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: الكَرَبُ أُصُولُ السَّعَفِ الغِلاظُ العِراضُ الَّتِي تَيْبَسُ فتصيرُ مثلَ الكَتِفِ، واحدتُها كَرَبةٌ.

وَفِي صِفَةِ نَخْلِ الْجَنَّةِ: كَرَبُها ذَهَبٌ، هو بِالتَّحْرِيكِ، أَصلُ السَّعَفِ؛ وَقِيلَ: مَا يَبْقَى مِنْ أُصوله فِي النَّخْلَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ كالمَراقي؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُنَا وَفِي الْمَثَلِ:

مَتَّى كَانَ حُكمُ اللَّهِ فِي كَرَبِ النخلِ؟

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَيْسَ هَذَا الشَّاهِدُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ مَثَلًا، وإِنما هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ لِجَرِيرٍ؛ وَهُوَ بِكَمَالِهِ:

أَقولُ وَلَمْ أَمْلِكْ سَوابقَ عَبْرةٍ: ***مَتَى كَانَ حُكْمُ اللهِ فِي كَرَبِ النخلِ؟

قَالَ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغه أَنَّ الصَّلَتانَ العَبْدِيَّ فَضَّلَ الفرزدقَ عَلَيْهِ فِي النَّسِيب، وفَضَّلَ جَرِيرًا عَلَى الْفَرَزْدَقِ فِي جَوْدَةِ الشِّعْر فِي قَوْلِهِ:

أَيا شاعِرًا لَا شاعِرَ اليومَ مِثْلُه، ***جَريرٌ، وَلَكِنْ فِي كُلَيْبٍ تَواضُعُ

فَلَمْ يَرْضَ جريرٌ قولَ الصَّلَتان، ونُصْرَتَه الفرزدقَ.

قُلْتُ: هَذِهِ مشاحَّةٌ مِنَ ابْنِ بَرِّيٍّ لِلْجَوْهَرِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ هَذَا الشاهدُ مَثَلًا، وإِنما هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ لِجَرِيرٍ.

والأَمثال قَدْ وَرَدَتْ شِعْرًا، وغيرَ شِعْرٍ، وَمَا يَكُونُ شِعْرًا لَا يَمْتَنِعُ أَن يَكُونَ مَثَلًا.

والكَرَابة والكُرابَة: التَّمْر الَّذِي يُلْتَقَطُ مِنْ

أُصول الكَرَب، بَعْدَ الجَدَادِ، والضمُّ أَعْلى، وَقَدْ تَكَرَّبَها.

الْجَوْهَرِيُّ: والكُرَابة، بِالضَّمِّ، مَا يُلْتَقَطُ مِنَ التَّمْر فِي أُصُول السَّعَفِ بعد ما تَصَرَّمَ.

الأَزهري: يُقَالُ تَكَرَّبْتُ الكُرَابَةَ إِذا تَلَقَّطْتَها، مِنَ الكَرَب.

والكَرَبُ: الحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ عَلَى الدَّلْو، بَعْدَ المَنِينِ، وَهُوَ الحَبْل الأَوّل، فإِذا انْقَطَع المنِينُ بَقِيَ الكَرَبُ.

ابْنُ سِيدَهْ: الكَرَبُ حَبْل يُشَدُّ عَلَى عَرَاقي الدَّلْو، ثُمَّ يُثْنى، ثُمَّ يُثَلَّثُ، وَالْجَمْعُ أَكْرابٌ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: ثُمَّ يُثْنى، ثُمَّ يُثَلَّثُ ليكونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الماءَ، فَلَا يَعْفَن الحَبْلُ الْكَبِيرُ.

رأَيت فِي حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ مِنَ الصِّحَاحِ الْمَوْثُوقِ بِهَا قولَ الْجَوْهَرِيِّ: لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الماءَ، فَلَا يَعْفَن الحَبْلُ الْكَبِيرُ، إِنما هُوَ مِنْ صِفَةِ الدَّرَك، لَا الكَرَبِ.

قُلْتُ: الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ أَن الْجَوْهَرِيَّ ذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ دَرَكَ هَذِهِ الصُّورَةَ أَيضًا، فَقَالَ: والدَّرَكُ قطعةُ حَبْل يُشَدُّ فِي طَرَفِ الرِّشاءِ إِلى عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ، لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الماءَ، فَلَا يَعْفَنُ الرِّشاءُ.

وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِن شاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:

قَوْمٌ، إِذا عَقَدوا عَقْدًا لجارِهمُ، ***شَدُّوا العِناجَ، وشَدُّوا، فَوْقَه، الكَرَبَا

ودَلْو مُكْرَبة: ذاتُ كَرَب؛ وَقَدْ كَرَبَها يَكْرُبُها كَرْبًا، وأَكْرَبَهَا، فَهِيَ مُكْرَبةٌ، وكَرَّبَها؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:

كالدَّلْوِ بُتَّتْ عُراها وَهِيَ مُثْقَلَةٌ، ***وَخَانَهَا وَذَمٌ مِنْهَا وتَكْريبُ

عَلَى أَنَّ التَّكْريبَ قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ هُنَا اسْمًا، كالتَّنْبِيتِ والتَّمْتين، وَذَلِكَ لعَطْفِها عَلَى الوَذَم الَّذِي هُوَ اسْمٌ، لكنَّ البابَ الأَوَّلَ أَشْيَعُ وأَوْسَعُ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَعني أَن يَكُونَ مَصْدَرًا، وإِن كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الِاسْمِ الَّذِي هُوَ الوَذَمُ.

وكلُّ شديدِ العَقْدِ، مِنْ حَبْل، أَو بناءٍ، أَو مَفْصِل: مُكْرَبٌ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ لِكُلِّ شيءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِذا كَانَ وَثيقَ المَفاصِل: إِنه لمَكْروب المفاصِل.

وَرَوَى أَبو الرَّبيع عَنْ أَبي الْعَالِيَةِ، أَنه قَالَ: الكَروبيُّون سادَةُ الملائكةِ، منهم جبريلُ ومِيكائيلُ وإِسرافيل، هُمُ المُقَرَّبُونَ

؛ وأَنشد شَمِرٌ لأُمَيَّة:

كَرُوبِيَّةٌ مِنْهُمْ رُكُوعٌ وسُجَّدُ

وَيُقَالُ لِكُلِّ حيوانٍ وَثِيقِ المَفاصِلِ: إِنه لَمُكْرَبُ الخَلْقِ إِذا كَانَ شَديدَ القُوى، والأَول أَشبه؛ ابْنُ الأَعرابي: الكَريبُ الشُّوبَقُ، وَهُوَ الفَيْلَكُونُ؛ وأَنشد:

لَا يَسْتَوي الصَّوْتانِ حينَ تَجاوَبا، ***صَوْتُ الكَريبِ وصَوْتُ ذِئْبٍ مُقْفِر

والكَرْبُ: القُرْبُ.

وَالْمَلَائِكَةُ الكَرُوبِيُّونَ: أَقْرَبُ الْمَلَائِكَةِ إِلى حَمَلَةِ العَرْش.

ووَظِيفٌ مُكْرَبٌ: امْتَلأَ عَصَبًا، وحافرٌ مُكْرَبٌ: صُلْبٌ؛ قَالَ:

يَتْرُكُ خَوَّارَ الصَّفا رَكُوبا، ***بمُكْرَباتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيبا

والمُكْرَبُ: الشديدُ الأَسْرِ مِنَ الدَّوابِّ، بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الراءِ.

وإِنه لمُكْرَبُ الخَلْق إِذا كَانَ شديدَ الأَسْر.

أَبو عَمْرٍو: المُكْرَبُ مِنَ الْخَيْلِ الشديدُ الخَلْق والأَسْرِ.

ابْنُ سِيدَهْ: وفرسٌ مُكْرَبٌ شديدٌ.

وكَرَبَ الأَرضَ يَكْرُبُها كَرْبًا وكِرابًا:

قَلَبها للحَرْثِ، وأَثارَها للزَّرْع.

التَّهْذِيبُ: الكِرابُ: كَرْبُكَ الأَرضَ حَتَّى تَقلِبَها، وَهِيَ مَكْرُوبة مُثَارَة.

التَّكْريبُ: أَن يَزْرَع فِي الكَريبِ الجادِسِ.

والكَريبُ: القَراحُ؛ والجادِسُ: الَّذِي لَمْ يُزْرَعْ قَطُّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِفُ جَرْوَ الوَحْشِ:

تَكَرَّبنَ أُخرى الجَزْءِ، حَتَّى إِذا انْقَضَتْ ***بَقاياه والمُسْتَمْطَراتُ الرَّوائِحُ

وَفِي الْمَثَلِ: الكِرابُ عَلَى البَقَرِ لأَنها تَكْرُبُ الأَرضَ أَي لَا تُكْرَبُ الأَرضُ إِلا بالبَقَر.

قَالَ: وَمِنْهُمْ مَن يَقُولُ: الكِلابَ عَلَى الْبَقَرِ، بِالنَّصْبِ، أَي أَوْسِدِ الكِلابَ عَلَى بَقَرِ الوَحْشِ.

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْمَثَلُ هُوَ الأَول.

والمُكْرَباتُ: الإِبلُ الَّتِي يُؤْتى بِهَا إِلى أَبواب البُيوت فِي شِدَّة الْبَرْدِ، ليُصِيبها الدُّخانُ فتَدْفأَ.

والكِرابُ: مَجاري الماءِ فِي الْوَادِي.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: هِيَ صُدُورُ الأَوْدية؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْب يَصِفُ النَّحْلَ:

جَوارِسُها تَأْري الشُّعُوفَ دَوائِبًا، ***وتَنْصَبُّ أَلْهابًا، مَصِيفًا كِرابُها

وَاحِدَتُهَا كَرْبَة.

المَصِيفُ: المُعْوَجُّ، مِن صافَ السَّهْمُ؛ وَقَوْلُهُ:

كأَنما مَضْمَضَتْ مِنْ ماءِ أَكْربةٍ، ***عَلَى سَيابةِ نَخْلٍ، دُونه مَلَقُ

قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأَكْرِبةُ هَاهُنَا شِعافٌ يسيلُ مِنْهَا ماءُ الجبالِ، واحدَتُها كَرْبةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَيْسَ بقويٍّ، لأَن فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَةٍ.

وَقَالَ مرَّة: الأَكْرِبَةُ جَمْعُ كُرابةٍ، وَهُوَ مَا يَقَعُ مِنَ ثَمَرِ النَّخْلِ فِي أُصول الكَرَبِ؛ قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عِنْدِي غَلَط أَيضًا، لأَن فُعالَةَ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَة، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، فَيَكُونُ كأَنه جَمَعَ فُعالًا.

وَمَا بِالدَّارِ كَرَّابٌ، بِالتَّشْدِيدِ، أَي أَحَدٌ.

والكَرْبُ: الفَتْلُ؛ يُقَالُ: كَرَبْتُه كَرْبًا أَي فَتَلْتُه؛ قَالَ:

فِي مَرْتَعِ اللَّهْو لَمْ يُكْرَبْ إِلى الطِّوَلِ

والكَريبُ: الكَعْبُ مِنَ القَصَبِ أَو القَنا؛ والكَريبُ أَيضًا: الشُّوبَقُ، عَنْ كُرَاعٍ.

وأَبو كَرِبٍ اليَمانيُّ، بِكَسْرِ الراءِ: مَلِكٌ مِنْ مُلوكِ حِمْير، وَاسْمُهُ أَسْعَدُ بْنُ مالكٍ الحِمْيَريُّ، وَهُوَ أَحد التَّبَابِعَةِ.

وكُرَيْبٌ ومَعْدِيكرِبَ: اسمانِ، فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: معديكربُ بِرَفْعِ الباءِ، لَا يُصرف، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: معديكربٍ يُضيف ويَصْرِفُ كَرِبًا، ومنهم من يقول: معديكربَ، يُضيف وَلَا يَصرف كَرِبًا، يَجْعَلُهُ مؤَنثًا مَعْرِفَةً، والياءُ مَنْ مَعْدِيكَرِبَ سَاكِنَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وإِذا نَسَبْتَ إِليه قُلْتَ: مَعْديّ، وَكَذَلِكَ النَّسَبُ فِي كُلَّ اسْمَيْنِ جُعلا وَاحِدًا، مِثْلُ بَعْلَبَكَّ وخَمْسَةَ عَشَر وتَأَبَّطَ شَرًّا، تُنْسَبُ إِلى الِاسْمِ الأَول؛ تَقُولُ بَعْليٌّ وخَمْسِيٌّ وتَأَبَّطيٌّ، وَكَذَلِكَ إِذا صَغَّرْتَ، تُصَغِّرُ الأَوَّل، والله أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


39-لسان العرب (روح)

روح: الرِّيحُ: نَسِيم الْهَوَاءِ، وَكَذَلِكَ نَسيم كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ: {مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ}؛ هُوَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ فَعْلٌ، وَهُوَ عِنْدَ أَبي الْحَسَنِ فِعْلٌ وفُعْلٌ.

والرِّيحةُ: طَائِفَةٌ مِنَ الرِّيح؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَدُلَّ الْوَاحِدُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَمْعُ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ: رِيحٌ ورِيحَة مَعَ كَوْكَبٍ وكَوكَبَةٍ وأَشعَر أَنهما لُغَتَانِ، وَجَمْعُ الرِّيح أَرواح، وأَراوِيحُ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَقَدْ حُكِيَتْ أَرْياحٌ وأَرايِح، وَكِلَاهُمَا شَاذٌّ، وأَنكر أَبو حَاتِمٍ عَلَى عُمارة بْنِ عَقِيلٍ جمعَه الرِّيحَ عَلَى أَرْياح، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ: إِنما هُوَ أَرْواح، فَقَالَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ}؛ وإِنما الأَرْواحُ جمعُ رُوح، قَالَ: فَعَلِمْتُ بِذَلِكَ أَنه لَيْسَ مِمَّنْ يؤْخذ عَنْهُ.

التَّهْذِيبُ: الرِّيح ياؤُها وَاوٌ صُيِّرت يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَتَصْغِيرُهَا رُوَيْحة، وَجَمْعُهَا رِياحٌ وأَرْواحٌ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرِّيحُ وَاحِدَةُ الرِّياح، وَقَدْ تُجْمَعُ عَلَى أَرْواح لأَن أَصلها الْوَاوُ وإِنما جاءَت بِالْيَاءِ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وإِذا رَجَعُوا إِلى الْفَتْحِ عَادَتْ إِلى الْوَاوِ كَقَوْلِكَ: أَرْوَحَ الماءُ وتَرَوَّحْتُ بالمِرْوَحة؛ وَيُقَالُ: رِيحٌ ورِيحَة كَمَا قَالُوا: دارٌ ودارَةٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «هَبَّتْ أَرواحُ النَّصْر»؛ الأَرْواحُ جَمْعُ رِيح.

وَيُقَالُ: الرِّيحُ لآِل فُلَانٍ أَي النَّصْر والدَّوْلة؛ وَكَانَ لِفُلَانٍ رِيحٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ يَقُولُ إِذا هَاجَتِ الرِّيح: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِياحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا»؛ الْعَرَبُ تَقُولُ: لَا تَلْقَحُ السحابُ إِلَّا مِنْ رِيَاحٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ يُرِيدُ: اجْعَلْها لَقاحًا لِلسَّحَابِ وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ مجيءُ الْجَمْعِ فِي آيَاتِ الرَّحمة، وَالْوَاحِدِ فِي قِصَصِ الْعَذَابِ: كالرِّيح العَقِيم؛ ورِيحًا صَرْصَرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ»أَي مِنْ رَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ.

ويومٌ راحٌ: شَدِيدُ الرِّيح؛ يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَاعِلًا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ، وأَن يَكُونَ فَعْلًا؛ وَلَيْلَةٌ راحةٌ.

وَقَدْ راحَ يَراحُ رَيْحًا إِذا اشْتَدَّتْ رِيحُه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَقَالَ لِأَولاده: أَحْرِقوني ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا فأَذْرُوني فِيهِ»؛ يومٌ راحٌ أَي ذُو رِيح كَقَوْلِهِمْ: رجلٌ مالٌ.

ورِيحَ الغَدِيرُ وغيرُه، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: أَصابته الرِّيحُ، فَهُوَ مَرُوحٌ؛ قَالَ مَنْظُور بنُ مَرْثَدٍ الأَسَدِيُّ يَصِفُ رَمادًا:

هَلْ تَعْرِفُ الدارَ بأَعْلى ذِي القُورْ؟ ***قَدْ دَرَسَتْ غيرَ رَمادٍ مَكْفُورْ

مُكْتَئِبِ اللَّوْنِ مَرُوحٍ مَمْطُورْ

القُور: جُبَيْلات صِغَارٌ، وَاحِدُهَا قارَة.

وَالْمَكْفُورُ: الَّذِي سَفَتْ عَلَيْهِ الريحُ الترابَ، ومَرِيح أَيضًا؛ وَقَالَ يَصِفُ الدَّمْعَ:

كأَنه غُصْنٌ مَرِيح مَمْطُورْ

مِثْلُ مَشُوب ومَشِيب بُنِيَ عَلَى شِيبَ.

وغُصْنٌ مَرِيحٌ ومَرُوحٌ: أَصابته الرِّيحُ؛ وَكَذَلِكَ مَكَانٌ مَريح ومَرُوحٌ، وَشَجَرَةٌ مَرُوحة ومَريحة: صَفَقَتْها الريحُ فأَلقت وَرَقَهَا.

وراحَتِ الريحُ الشيءَ: أَصابته؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ ثَوْرًا:

ويَعُوذ بالأَرْطَى، إِذا مَا شَفَّهُ ***قَطْرٌ، وراحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ

وراحَ الشجرُ: وجَدَ الريحَ وأَحَسَّها؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:

تَعُوجُ، إِذا مَا أَقْبَلَتْ نَحْوَ مَلْعَبٍ، ***كَمَا انْعاجَ غُصْنُ البانِ راحَ الجَنائبا

وَيُقَالُ: رِيحَتِ الشجرةُ، فَهِيَ مَرُوحة.

وَشَجَرَةٌ مَرُوحة إِذا هبَّت بِهَا الرِّيحُ؛ مَرُوحة كَانَتْ فِي الأَصل مَرْيوحة.

ورِيحَ القومُ وأَراحُوا: دَخَلُوا فِي الرِّيحِ، وَقِيلَ: أَراحُوا دَخَلُوا فِي الرِّيحِ، ورِيحُوا: أَصابتهم الريحُ فجاحَتْهم.

والمَرْوَحة، بِالْفَتْحِ: المَفازة، وَهِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَخْترقُه الرِّيحُ؛ قَالَ:

كأَنَّ رَاكِبَهَا غُصْنٌ بمَرْوَحةٍ، ***إِذا تَدَلَّتْ بِهِ، أَو شارِبٌ ثَمِلُ

وَالْجَمْعُ المَراوِيح؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقِيلَ: إِنه تَمَثَّلَ بِهِ، وَهُوَ لِغَيْرِهِ قَالَهُ وَقَدْ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فِي بَعْضِ الْمَفَاوِزِ فأَسرعت؛ يَقُولُ: كأَنَّ رَاكِبَ هَذِهِ النَّاقَةِ لِسُرْعَتِهَا غُصْنٌ بِمَوْضِعٍ تَخْتَرِقُ فِيهِ الرِّيحُ، كَالْغُصْنِ لَا يَزَالُ يَتَمَايَلُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَشَبَّهَ رَاكِبَهَا بِغُصْنٍ هَذِهِ حَالُهُ أَو شارِبٍ ثَمِلٍ يتمايلُ مِنْ شِدَّةِ سُكْرِهِ، وَقَوْلُهُ إِذا تَدَلَّتْ بِهِ أَي إِذا هَبَطَتْ بِهِ مِنْ نَشْزٍ إِلى مُطَمْئِنٍ، وَيُقَالُ إِن هَذَا الْبَيْتَ قَدِيمٌ.

وراحَ رِيحَ الرَّوْضَةَ يَراحُها، وأَراح يُريحُ إِذا وَجَدَ رِيحَهَا؛ وَقَالَ الهُذَليُّ:

وماءٍ ورَدْتُ عَلَى زَوْرَةٍ، ***كمَشْيِ السَّبَنْتَى يَراحُ الشَّفِيفا

الْجَوْهَرِيُّ: راحَ الشيءَ يَراحُه ويَرِيحُه إِذا وجَدَ رِيحَه، وأَنشد الْبَيْتَ [وماءٍ ورَدتُ] قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لصَخرْ الغَيّ، والزَّوْرةُ هَاهُنَا: الْبُعْدُ؛ وَقِيلَ: انْحِرَافٌ عَنِ الطَّرِيقِ.

وَالشَّفِيفُ: لَذْعُ الْبَرْدِ.

والسَّبَنْتَى: النَّمِرُ.

والمِرْوَحَةُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: الَّتِي يُتَرَوَّحُ بِهَا، كُسِرَتْ لأَنها آلَةٌ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ المِرْوَحُ، وَالْجَمْعُ المَرَاوِحُ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «فَقَدْ رأَيتهم يَتَرَوَّحُون فِي الضُّحَى» أَي احْتَاجُوا إِلى التَّرْويحِ مِنَ الحَرِّ بالمِرْوَحة، أَو يَكُونُ مِنَ الرَّوَاحِ: العَودِ إِلى بُيُوتِهِمْ، أَو مِنْ طَلَب الرَّاحَةِ.

والمِرْوَحُ والمِرْواحُ: الَّذِي يُذَرَّى بِهِ الطعامُ فِي الرِّيحِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ بِمَرْوَحةٍ أَي بمَمَرِّ الريحِ.

وَقَالُوا: فُلَانٌ يَميلُ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، عَلَى الْمَثَلِ؛ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «ورَعاعُ الهَمَج يَميلون مَعَ كلِّ رِيحٍ».

واسْتَرْوح الغصنُ: اهتزَّ بِالرِّيحِ.

ويومٌ رَيِّحٌ ورَوْحٌ ورَيُوحُ: طَيِّبُ الرِّيحِ؛ ومكانٌ رَيِّحٌ أَيضًا، وعَشِيَّةٌ رَيِّحةٌ ورَوْحَةٌ، كَذَلِكَ.

اللَّيْثُ: يَوْمٌ رَيِّحٌ وَيَوْمٌ راحٌ: ذُو رِيحٍ شَدِيدَةٍ، قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِكَ كَبْشٌ صافٍ، والأَصل يَوْمٌ رَائِحٌ وَكَبْشٌ صَائِفٌ، فَقَلَبُوا، وَكَمَا خَفَّفُوا الحائِجةَ، فَقَالُوا حَاجَةٌ؛ وَيُقَالُ: قَالُوا صافٌ وراحٌ عَلَى صَوِفٍ ورَوِحٍ، فَلَمَّا خَفَّفُوا اسْتَنَامَتِ الْفَتْحَةُ قَبْلَهَا فَصَارَتْ أَلفًا.

ويومٌ رَيِّحٌ: طَيِّبٌ، وَلَيْلَةٌ رَيِّحة.

وَيَوْمٌ راحٌ إِذا اشتدَّت رِيحُهُ.

وَقَدْ راحَ، وَهُوَ يرُوحُ رُؤُوحًا وَبَعْضُهُمْ يَراحُ، فإِذا كَانَ الْيَوْمُ رَيِّحًا طَيِّبًا، قِيلَ: يومٌ رَيِّحٌ وَلَيْلَةٌ رَيِّحة، وَقَدْ راحَ، وَهُوَ يَرُوحُ رَوْحًا.

والرَّوْحُ: بَرْدُ نَسِيم الرِّيحِ؛ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ الناسُ يَسْكُنُونَ الْعَالِيَةَ فيحضُرون الجمعةَ وَبِهِمْ وَسَخٌ، فإِذا أَصابهم الرَّوْحُ سَطَعَتْ أَرواحهم فيتأَذى بِهِ الناسُ، فأُمروا بِالْغُسْلِ»؛ الرَّوْح، بِالْفَتْحِ: نَسِيمُ الرِّيحِ، كَانُوا إِذا مَرَّ عَلَيْهِمُ النسيمُ تَكَيَّفَ بأَرْواحِهم، وحَمَلها إِلى النَّاسِ.

وَقَدْ يَكُونُ الرِّيحُ بِمَعْنَى الغَلَبة وَالْقُوَّةِ؛ قَالَ تَأَبَّط شَرًّا، وَقِيلَ سُلَيْكُ بنُ سُلَكَةَ:

أَتَنْظُرانِ قَلِيلًا رَيْثَ غَفْلَتِهمْ، ***أَو تَعْدُوانِ، فإِنَّ الرِّيحَ للعادِي

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ الشِّعْرُ لأَعْشى فَهْمٍ، مِنْ قَصِيدَةٍ أَولها:

يَا دارُ بينَ غُباراتٍ وأَكْبادِ، ***أَقْوَتْ ومَرَّ عَلَيْهَا عهدُ آبادِ

جَرَّتْ عَلَيْهَا رياحُ الصيفِ أَذْيُلَها، ***وصَوَّبَ المُزْنُ فِيهَا بعدَ إِصعادِ

وأَرَاحَ الشيءَ إِذا وجَد رِيحَه.

والرائحةُ: النَّسِيمُ طيِّبًا كَانَ أَو نَتْنًا.

وَالرَّائِحَةُ: ريحٌ طَيِّبَةٌ تَجِدُهَا فِي النَّسِيمِ؛ تَقُولُ لِهَذِهِ الْبَقْلَةِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ.

ووَجَدْتُ رِيحَ الشَّيْءِ وَرَائِحَتَهُ، بِمَعْنًى.

ورِحْتُ رَائِحَةً طَيِّبَةً أَو خَبِيثَةً أَراحُها وأَرِيحُها وأَرَحْتُها وأَرْوَحْتُها: وَجَدْتُهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَعانَ عَلَى مُؤْمِنٍ أَو قَتَلَ مُؤْمِنًا لَمْ يُرِحْ رائحةَ الْجَنَّةِ»، مِنْ أَرَحْتُ، وَلَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ مِنْ رِحْتُ أَراحُ؛ وَلَمْ يَرِحْ تَجْعَلُهُ مِنْ راحَ الشيءَ يَرِيحُه.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعاهدةً لَمْ يَرِحْ رائحةَ الْجَنَّةِ»أَي لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: هُوَ مِنْ رِحْتُ الشيءَ أَرِيحه إِذا وجَدْتَ ريحه؛ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: إِنما هُوَ لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، مِن أَرَحْتُ الشَّيْءَ فأَنا أُرِيحه إِذا وجدت ريحه، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ؛ وَقَالَ الأَصمعي: لَا أَدري هُوَ مِن رِحْتُ أَو مِنْ أَرَحْتُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَرْوَحَ السبُعُ الريحَ وأَراحها واسْتَرْوَحَها وَاسْتَرَاحَهَا: وَجَدَها؛ قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ راحَها بِغَيْرِ أَلف، وَهِيَ قَلِيلَةٌ.

واسْتَرْوَحَ الفحلُ وَاسْتَرَاحَ: وَجَدَ رِيحَ الأُنثى.

وراحَ الفرسُ يَراحُ رَاحَةً إِذا تَحَصَّنَ أَي صَارَ فَحْلًا؛ أَبو زَيْدٍ: رَاحَتِ الإِبلُ تَراحُ رَائِحَةً؛ وأَرَحْتُها أَنا.

قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُ تَرَاحُ رَائِحَةً مَصْدَرٌ عَلَى فَاعِلَةٍ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَيَقُولُونَ: سمعتُ راغِيةَ الإِبل وثاغِيةَ الشَّاءِ أَي رُغاءَها وثُغاءَها.

والدُّهْنُ المُرَوَّحُ: المُطَيَّبُ؛ ودُهْن مُطَيَّب مُرَوَّحُ الرائحةِ، ورَوِّحْ دُهْنَكَ بِشَيْءٍ تَجْعَلُ فِيهِ طِيبًا؛ وذَرِيرَةٌ مُرَوَّحة: مُطَيَّبة، كَذَلِكَ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه أَمرَ بالإِثْمِد المُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ»؛

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَن يَكْتَحِلَ المُحْرِمُ بالإِثْمِدِ المُرَوَّح»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُرَوَّحُ المُطَيَّبُ بِالْمِسْكِ كأَنه جُعل لَهُ رائحةٌ تَفُوحُ بَعْدَ أَن لَمْ تَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ، وَقَالَ: مُرَوَّحٌ، بِالْوَاوِ، لأَن الياءَ فِي الرِّيحِ وَاوٌ، وَمِنْهُ قِيلَ: تَرَوَّحْتُ بالمِرْوَحة.

وأَرْوَحَ اللحمُ: تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ، وَكَذَلِكَ الماءُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ وَغَيْرُهُ: أَخذتْ فِيهِ الرِّيحُ وتَغَيَّر.

وَفِي حَدِيثِ قَتَادةَ: «سُئِل عَنِ الْمَاءِ الَّذِي قَدْ أَروَحَ»، أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: لَا بأْس.

يُقَالُ: أَرْوَحَ الماءُ وأَراحَ إِذا تَغَيَّرَتْ رِيحُهُ؛ وأَراح اللحمُ أَي أَنْتَنَ.

وأَرْوَحَنِي الضَّبُّ: وَجَدَ رِيحِي؛ وَكَذَلِكَ أَرْوَحَني الرجلُ.

وَيُقَالُ: أَراحَني الصيدُ إِذا وجَدَ رِيحَ الإِنْسِيِّ.

وَفِي التَّهْذِيبِ: أَرْوَحَنِي الصيدُ إِذا وَجَدَ ريحَك؛ وَفِيهِ: وأَرْوَحَ الصيدُ واسْتَرْوَحَ وَاسْتَرَاحَ إِذا وَجَدَ رِيحَ الإِنسان؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: أَرْوَحَنِي الصيدُ والضبُّ إِرْواحًا، وأَنْشاني إِنشاءً إِذا وَجَدَ ريحَك ونَشْوَتَك، وَكَذَلِكَ أَرْوَحْتُ مِنْ فُلَانٍ طِيبًا، وأَنْشَيْتُ مِنْهُ نَشْوَةً.

والاسْتِرْواحُ: التَّشَمُّمُ.

الأَزهري: قَالَ أَبو زَيْدٍ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ قَيْس وَآخَرَ مِنْ تَمِيمٍ يَقُولَانِ: قَعَدْنا فِي الظِّلِّ نَلْتَمِسُ الراحةَ؛ والرَّوِيحةُ وَالرَّاحَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وراحَ يَرَاحُ رَوْحًا: بَرَدَ وطابَ؛ وَقِيلَ: يومٌ رائحٌ وَلَيْلَةٌ رائحةٌ طيبةُ الرِّيحِ؛ يُقَالُ: رَاحَ يومُنا يَرَاحُ رَوْحًا إِذا طابَت رِيحهُ؛ وَيَوْمٌ رَيِّحٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

مَحَا طَلَلًا، بَيْنَ المُنِيفَةِ والنَّقا، ***صَبًا راحةٌ، أَو ذُو حَبِيَّيْنِ رائحُ

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مكانٌ راحٌ ويومٌ راحٌ؛ يُقَالُ: افْتَحِ البابَ حَتَّى يَراحَ البيتُ أَي حَتَّى يَدْخُلَهُ الرِّيحُ؛ وَقَالَ:

كأَنَّ عَيْنِي، والفِراقُ مَحْذورْ، ***غُصْنٌ مِنَ الطَّرْفاءِ، راحٌ مَمْطُورْ

والرَّيْحانُ: كلُّ بَقْل طَيِّب الرِّيحِ، وَاحِدَتُهُ رَيْحانة؛ وَقَالَ:

بِرَيْحانةٍ مِنْ بَطْنِ حَلْيَةَ نَوَّرَتْ، ***لَهَا أَرَجٌ، مَا حَوْلها، غيرُ مُسْنِتِ

وَالْجَمْعُ رَياحين.

وَقِيلَ: الرَّيْحانُ أَطراف كُلِّ بَقْلَةٍ طَيِّبَةِ الرِّيحِ إِذا خَرَجَ عَلَيْهَا أَوائلُ النَّوْر؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذا أُعْطِيَ أَحدُكم الرَّيْحانَ فَلَا يَرُدَّه»؛ هُوَ كُلُّ نَبْتٍ طَيِّبِ الرِّيحِ مِنْ أَنواع المَشْمُوم.

والرَّيْحانة: الطَّاقةُ مِنَ الرَّيحان؛ الأَزهري: الرَّيْحَانُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلرَّيَاحِينِ الطَّيِّبَةِ الرِّيحِ، والطاقةُ الواحدةُ: رَيْحانةٌ.

أَبو عُبَيْدٍ: إِذا طَالَ النبتُ قِيلَ: قَدْ تَرَوَّحتِ البُقُول، فَهِيَ مُتَرَوِّحةٌ.

وَالرَّيْحَانَةُ: اسْمٌ للحَنْوَة كالعَلَمِ.

والرَّيْحانُ: الرِّزْقُ، عَلَى التَّشْبِيهِ بِمَا تَقَدَّمَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌأَي رَحْمَةٌ وَرِزْقٌ}؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فَاسْتِرَاحَةٌ وبَرْدٌ، هَذَا تَفْسِيرُ الرَّوْح دُونَ الرَّيْحَانِ؛ وَقَالَ الأَزهري فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَوْلُهُ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ، مَعْنَاهُ فَاسْتِرَاحَةٌ وَبَرْدٌ وَرَيْحَانٌ وَرِزْقٌ؛ قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ رَيحانٌ هُنَا تحيَّة لأَهل الْجَنَّةِ، قَالَ: وأَجمع النَّحْوِيُّونَ أَن رَيْحانًا فِي اللُّغَةِ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، والأَصل رَيْوَحانٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وأُدغمت فِيهَا الْيَاءُ الأُولى فَصَارَتِ الرَّيَّحان، ثُمَّ خُفِّفَ كَمَا قَالُوا: مَيِّتٌ ومَيْتٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي الرَّيحان التَّشْدِيدُ إِلَّا عَلَى بُعْدٍ لأَنه قَدْ زيدفِيهِ أَلف وَنُونٌ فخُفِّف بِحَذْفِ الْيَاءِ وأُلزم التَّخْفِيفَ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَصل ذَلِكَ رَيْوَحان، قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِمُجَاوَرَتِهَا الْيَاءَ، ثُمَّ أُدغمت ثُمَّ خُفِّفَتْ عَلَى حَدِّ مَيْتٍ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ مشدَّدًا لِمَكَانِ الزِّيَادَةِ كأَنَّ الزِّيَادَةَ عِوَضٌ مِنَ التَّشْدِيدِ فَعْلانًا عَلَى الْمُعَاقَبَةِ لَا يَجِيءُ إِلا بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الأَصل وَلَمْ يُسْمَعْ رَوْحان.

التَّهْذِيبُ: وَقَوْلُهُ تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ}؛ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ ضَمَّ الرَّاءَ، تَفْسِيرُهُ: فَحَيَاةٌ دَائِمَةٌ لَا مَوْتَ مَعَهَا، وَمَنْ قَالَ فَرَوْحٌ فَمَعْنَاهُ: فاستراحة، وأَما قوله: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ؛ فَمَعْنَاهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ، قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ؛ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الرَّوْح بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِأَي مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}؛ سَمَّاهَا رَوْحًا لأَن الرَّوْحَ والراحةَ بِهَا؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي عِيسَى: وَرُوحٌ مِنْهُأَي رَحْمَةٌ مِنْهُ، تَعَالَى ذِكْرُهُ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ورَيْحانَه؛ قَالَ أَهل اللُّغَةِ: مَعْنَاهُ واسترزاقَه، وَهُوَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مِنَ الأَسماء الْمَوْضُوعَةِ مَوْضِعَ الْمَصَادِرِ، تَقُولُ: خَرَجْتُ أَبتغي رَيْحانَ اللَّهِ؛ قَالَ النَّمِرُ بنُ تَوْلَب:

سلامُ الإِله ورَيْحانُه، ***ورَحْمَتُه وسَماءٌ دِرَرْ

غَمَامٌ يُنَزِّلُ رِزْقَ العبادِ، ***فأَحْيا البلادَ، وطابَ الشَّجَرْ

قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَرَيْحَانُهُ: وَرِزْقُهُ؛ قَالَ الأَزهري: قَالَهُ أَبو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ؛ قَالَ: وَقِيلَ الرَّيْحان هَاهُنَا هُوَ الرَّيْحانُ الَّذِي يُشَمّ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سُبْحَانَ اللَّهِ ورَيْحانَه نَصَبُوهُمَا عَلَى الْمَصْدَرِ؛ يُرِيدُونَ تَنْزِيهًا لَهُ وَاسْتِرْزَاقًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الْوَلَدُ مِنْ رَيْحانِ اللَّهِ».

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنكم لتُبَخِّلُون وتُجَهِّلُون وتُجَبِّنُونَ وإِنكم لَمِنْ رَيْحانِ اللَّهِ»؛ يَعْنِي الأَولادَ.

وَالرَّيْحَانُ يُطْلَقُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالرِّزْقِ وَالرَّاحَةِ؛ وَبِالرِّزْقِ سُمِّيَ الْوَلَدُ رَيْحانًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ لِعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أُوصيك بِرَيْحانَتَيَّ خَيْرًا قَبْلَ أَن يَنهَدَّ رُكناك»؛ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَذَا أَحدُ الرُّكْنَيْنِ، فَلَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ قَالَ: هَذَا الرُّكْنُ الْآخَرُ؛ وأَراد بِرَيْحَانَتَيْهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ}؛ قِيلَ: هُوَ الوَرَقُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: ذُو الوَرَق والرِّزقُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: العَصْفُ ساقُ الزرعِ والرَّيْحانُ ورَقهُ.

وراحَ مِنْكَ مَعْرُوفًا وأَرْوَحَ، قَالَ: والرَّواحُ والراحةُ والمُرايَحةُ والرَّوِيحَةُ والرَّواحة: وِجْدَانُك الفَرْجَة بَعْدَ الكُرْبَة.

والرَّوْحُ أَيضًا: السُّرُورُ والفَرَحُ، وَاسْتَعَارَهُ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِلْيَقِينِ فَقَالَ:

فباشِرُوا رَوْحَ الْيَقِينِ

؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه أَراد الفَرْحة وَالسُّرُورَ اللَّذَيْنِ يَحْدُثان مِنَ الْيَقِينِ.

التَّهْذِيبُ عَنِ الأَصمعي: الرَّوْحُ الِاسْتِرَاحَةُ مِنْ غَمِّ الْقَلْبِ؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الرَّوْحُ الفَرَحُ، والرَّوْحُ؛ بَرْدُ نَسِيمِ الرِّيحِ.

الأَصمعي: يُقَالُ فُلَانٌ يَراحُ لِلْمَعْرُوفِ إِذا أَخذته أَرْيَحِيَّة وخِفَّة.

والرُّوحُ، بِالضَّمِّ، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: النَّفْخُ، سُمِّيَ رُوحًا لأَنه رِيحٌ يَخْرُجُ مِنَ الرُّوحِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ فِي نَارٍ اقْتَدَحَها وأَمر صَاحِبَهُ بِالنَّفْخِ فِيهَا، فَقَالَ:

فقلتُ لَهُ: ارْفَعْها إِليك، وأَحْيِها ***برُوحكَ، واجْعَله لَهَا قِيتَةً قَدْرا

أَي أَحيها بِنَفْخِكَ وَاجْعَلْهُ لَهَا؛ الْهَاءُ للرُّوحِ، لأَنه مُذَكَّرٌ فِي قَوْلِهِ: وَاجْعَلْهُ، وَالْهَاءُ الَّتِي فِي لَهَا لِلنَّارِ، لأَنها مُؤَنَّثَةٌ.

الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: يُقَالُ خَرَجَ رُوحُه، والرُّوحُ مُذَكَّرٌ.

والأَرْيَحِيُّ: الرَّجُلُ الْوَاسِعُ الخُلُق النَّشِيطُ إِلى الْمَعْرُوفِ يَرْتاح لِمَا طَلَبْتَ ويَراحُ قَلْبُه سُرُورًا.

والأَرْيَحِيُّ: الَّذِي يَرْتاح للنَّدى.

وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَاسِعٍ أَرْيَحُ؛ وأَنشد:

ومَحْمِل أَرْيَح جَحاحِي

قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَمَحْمِلٌ أَرْوَح، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَدْ ذمَّه لأَن الرَّوَحَ الِانْبِطَاحُ، وَهُوَ عَيْبٌ فِي المَحْمِلِ.

قَالَ: والأَرْيَحِيُّ مأْخوذ مِنْ راحَ يَرَاحُ، كَمَا يُقَالُ للصَّلْتِ المُنْصَلِتِ: أَصْلَتِيٌّ، وللمُجْتَنِبِ: أَجْنَبِيٌّ، وَالْعَرَبُ تَحْمِلُ كَثِيرًا مِنَ النَّعْتِ عَلَى أَفْعَلِيّ فَيَصِيرُ كأَنه نِسْبَةٌ.

قَالَ الأَزهري: وَكَلَامُ الْعَرَبِ تَقُولُ رَجُلٌ أَجْنَبُ وجانِبٌ وجُنُبٌ، وَلَا تَكَادُ تَقُولُ أَجْنَبِيٌّ.

وَرَجُلٌ أَرْيَحِيٌّ: مُهْتَزٌّ للنَّدى وَالْمَعْرُوفِ وَالْعَطِيَّةِ واسِعُ الخُلُق، وَالِاسْمُ الأَرْيَحِيَّة والتَّرَيُّح؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن التَّرَيُّح مَصْدَرُ تَريَّحَ، وَسَنَذْكُرُهُ؛ وَفِي شِعْرِ النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ يَمْدَحُ ابْنَ الزُّبَيْرِ:

حَكَيْتَ لَنَا الصِّدِّيقَ لَمَّا وَلِيتَنا، ***وعُثمانَ والفارُوقَ، فارْتاحَ مُعْدِمُ

أَي سَمَحَت نفسُ المُعْدِم وسَهُلَ عَلَيْهِ البَذل.

يُقَالُ: رِحْتُ لِلْمَعْرُوفِ أَراحُ رَيْحًا وارْتَحْتُ أَرْتاحُ ارْتِياحًا إِذا مِلْتَ إِليه وأَحببته؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَرْيَحِيٌّ إِذا كَانَ سَخِيًّا يَرْتاحُ للنَّدَى.

وراحَ لِذَلِكَ الأَمر يَراحُ رَواحًا ورُؤُوحًا، وَرَاحًا وَرَاحَةً وأَرْيَحِيَّةً ورِياحةً: أَشْرَق لَهُ وفَرِحَ بِهِ وأَخَذَتْه لَهُ خِفَّةٌ وأَرْيَحِيَّةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّ البخيلَ إِذا سأَلْتَ بَهَرْتَه، ***وتَرَى الكريمَ يَراحُ كالمُخْتالِ

وَقَدْ يُستعارُ لِلْكِلَابِ وَغَيْرِهَا؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ:

خُوصٌ تَراحُ إِلى الصِّياحِ إِذا غَدَتْ ***فِعْلَ الضِّراءِ، تَراحُ للكَلَّابِ

وَيُقَالُ: أَخذته الأَرْيَحِيَّة إِذا ارْتَاحَ للنَّدَى.

وراحتْ يَدُه بِكَذَا أَي خَفَّتْ لَهُ.

وَرَاحَتْ يَدُهُ بِالسَّيْفِ أَي خَفَّتْ إِلى الضَّرْبِ بِهِ؛ قَالَ أُمَيَّةُ بنُ أَبي عائذ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ صَائِدًا:

تَراحُ يَداه بِمَحْشُورة، ***خَواظِي القِداحِ، عِجافِ النِّصال

أَراد بِالْمَحْشُورَةِ نَبْلَا، للُطْفِ قَدِّها لأَنه أَسرع لَهَا فِي الرَّمْيِ عَنِ الْقَوْسِ.

وَالْخَوَاظِي: الْغِلَاظُ الْقِصَارُ.

وأَراد بِقَوْلِهِ عِجَافِ النِّصَالِ: أَنها أُرِقَّتْ.

اللَّيْثُ: راحَ الإِنسانُ إِلى الشَّيْءِ يَراحُ إِذا نَشِطَ وسُرَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ ارتاحَ؛ وأَنشد:

وزعمتَ أَنَّك لَا تَراحُ إِلى النِّسا، ***وسَمِعْتَ قِيلَ الكاشِحِ المُتَرَدِّدِ

والرِّياحَة: أَن يَراحَ الإِنسانُ إِلى الشَّيْءِ فيَسْتَرْوِحَ ويَنْشَطَ إِليه.

وَالِارْتِيَاحُ: النَّشَاطُ.

وارْتاحَ للأَمر: كراحَ؛ وَنَزَلَتْ بِهِ بَلِيَّةٌ فارْتاحَ اللهُ لَهُ برَحْمَة فأَنقذه مِنْهَا؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

فارْتاحَ رَبي، وأَرادَ رَحْمَتي، ***ونِعْمَةً أَتَمَّها فتَمَّتِ

أَراد: فَارْتَاحَ نَظَرَ إِليَّ وَرَحِمَنِي.

قَالَ الأَزهري: قَوْلُ

رُؤْبَةَ فِي فِعْلِ الْخَالِقِ قَالَهُ بأَعرابيته، قَالَ: وَنَحْنُ نَسْتَوْحِشُ مِنْ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ لأَن اللَّهَ تَعَالَى إِنما يُوصَفُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَوْلَا أَن اللَّهَ، تَعَالَى ذِكْرُهُ، هَدَانَا بِفَضْلِهِ لِتَمْجِيدِهِ وَحَمْدِهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي أَنزلها فِي كِتَابِهِ، مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَهَا أَو نَجْتَرِئَ عَلَيْهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما الْفَارِسِيُّ فَجَعَلَ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ جَفَاءِ الأَعراب، كَمَا قَالَ:

لَا هُمَّ إِن كنتَ الَّذِي كعَهْدِي، ***وَلَمْ تُغَيِّرْكَ السِّنُونَ بَعْدِي

وَكَمَا قَالَ سالمُ بنُ دارَةَ:

يَا فَقْعَسِيُّ، لِمْ أَكَلْتَه لِمَهْ؟ ***لَوْ خافَكَ اللهُ عَلَيْهِ حَرَّمَهْ،

فَمَا أَكلتَ لَحْمَه وَلَا دَمَهْ

والرَّاحُ: الخمرُ، اسْمٌ لَهَا.

والراحُ: جَمْعُ رَاحَةٍ، وَهِيَ الكَفُّ.

وَالرَّاحُ: الارْتِياحُ؛ قال الجُمَيحُ ابنُ الطَّمَّاح الأَسَدِيُّ:

ولَقِيتُ مَا لَقِيَتْ مَعَدٌّ كلُّها، ***وفَقَدْتُ راحِي فِي الشَّبابِ وَخَالِي

والخالُ: الِاخْتِيَالُ والخُيَلاءُ، فَقَوْلُهُ: وَخَالِي أَي وَاخْتِيَالِي.

والراحةُ: ضِدُّ التَّعَبِ.

واسْتراحَ الرجلُ، مِنَ الرَّاحَةِ.

والرَّواحُ وَالرَّاحَةُ مِن الِاسْتِرَاحَةِ.

وأَراحَ الرَّجُلُ وَالْبَعِيرُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ أَراحَني، ورَوَّح عَنِّي فَاسْتَرَحْتُ؛ وَيُقَالُ: مَا لِفُلَانٍ فِي هَذَا الأَمر مِنْ رَواح أَي مِنْ رَاحَةٍ؛ وَوَجَدْتُ لِذَلِكَ الأَمر رَاحَةً أَي خِفَّةً؛ وأَصبح بَعِيرُكَ مُرِيحًا أَي مُفِيقًا؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

أَراحَ بَعْدَ النَّفَسِ المَحْفُوزِ، ***إِراحةَ الجِدَايةِ النَّفُوزِ

اللَّيْثُ: الرَّاحَةُ وِجْدانُك رَوْحًا بَعْدَ مَشَقَّةٍ، تَقُولُ: أَرِحْني إِراحةً فأَسْتَريحَ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: أَراحهُ إِراحةً وَرَاحَةً، فالإِراحةُ المصدرُ، والراحةُ الِاسْمُ، كَقَوْلِكَ أَطعته إِطاعة وَطَاعَةً وأَعَرْتُه إِعَارَةً وعارَةً.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُؤَذِّنِهِ بِلَالٍ: أَرِحْنا بِهَا»أَي أَذّن لِلصَّلَاةِ فنَسْتَريحَ بأَدائها مِنَ اشْتِغَالِ قُلُوبِنَا بِهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِالصَّلَاةِ رَاحَةً لَهُ، فإِنه كَانَ يَعُدُّ غَيْرَهَا مِنَ الأَعمال الدُّنْيَوِيَّةِ تَعَبًا، فَكَانَ يَسْتَرِيحُ بِالصَّلَاةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ:

وقُرَّة عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ

، قَالَ: وَمَا أَقرب الرَّاحَةَ مِنْ قُرَّة الْعَيْنِ.

يُقَالُ: أَراحَ الرجلُ واسْتراحَ إِذا رَجَعَتْ إِليه نَفْسُهُ بَعْدَ الإِعياء؛ قَالَ: وَمِنْهُ حَدِيثُ"""" أُمِّ أَيْمَنَ أَنها عَطِشَتْ مُهاجِرَةً فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَدُلِّيَ إِليها دَلْوٌ مِنَ السَّمَاءِ فَشَرِبَتْ حَتَّى أَراحتْ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَراحَ الرجلُ اسْتراحَ وَرَجَعَتْ إِليه نَفْسُهُ بَعْدَ الإِعياء، وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ؛ وأَنشد:

تُرِيحُ بَعْدَ النَّفَسِ المَحْفُوزِ

أَي تَسترِيحُ.

وأَراحَ: دَخَلَ فِي الرِّيح.

وأَراحَ إِذا وَجَدَ نَسِيمَ الرِّيحِ.

وأَراحَ إِذا دَخَلَ فِي الرَّواحِ.

وأَراحَ إِذا نَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ لِيُرِيحه وَيُخَفِّفَ عَنْهُ.

وأَراحه اللَّهُ فاستَراحَ، وأَراحَ تَنَفَّسَ؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ فَرَسًا بسَعَةِ المَنْخَرَيْنِ:

لَهَا مَنْخَرٌ كوِجارِ السِّباع، ***فَمِنْهُ تُريحُ إِذا تَنْبَهِرْ

وأَراحَ الرجلُ: ماتَ، كأَنه استراحَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: أَراحَ بَعْدَ الغَمِّ والتَّغَمْغُمِ وَفِي حَدِيثِ الأَسود بْنِ يَزِيدَ: «إِن الْجَمَلَ الأَحمر لَيُرِيحُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ»؛ الإِراحةُ هاهنا: الموتُوَالْهَلَاكُ، وَيُرْوَى بِالنُّونِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

والتَّرْوِيحةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: سمِّيت بِذَلِكَ لِاسْتِرَاحَةِ الْقَوْمِ بَعْدَ كُلِّ أَربع رَكَعَاتٍ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ»؛ لأَنهم كَانُوا يَسْتَرِيحُونَ بَيْنَ كُلِّ تَسْلِيمَتَيْنِ.

وَالتَّرَاوِيحُ: جَمْعُ تَرْوِيحة، وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الرَّاحَةِ، تَفْعِيلة مِنْهَا، مِثْلُ تَسْلِيمَةٍ مِنَ السَّلام.

والراحةُ: العِرْس لأَنها يُسْتراح إِليها.

وراحةُ الْبَيْتِ: ساحتُه.

وراحةُ الثَّوْبِ: طَيُّه.

ابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّاحَةُ مِنَ الأَرض: المستويةُ، فِيهَا ظُهورٌ واسْتواء تُنْبِتُ كَثِيرًا، جَلَدٌ مِنَ الأَرض، وَفِي أَماكن مِنْهَا سُهُولٌ وجَراثيم، وَلَيْسَتْ مِنَ السَّيْل فِي شَيْءٍ وَلَا الْوَادِي، وَجَمْعُهَا الرَّاحُ، كَثِيرَةُ النَّبْتِ.

أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ أَتانا فُلَانٌ وَمَا فِي وَجْهِهِ رائحةُ دَمٍ مِنَ الفَرَقِ، وَمَا فِي وَجْهِهِ رائحةُ دَمٍ أَي شَيْءٌ.

وَالْمَطَرُ يَسْتَرْوِحُ الشجرَ أَي يُحْييه؛ قَالَ:

يَسْتَرْوِحُ العِلمُ مَنْ أَمْسَى لَهُ بَصَرٌ ***وَكَانَ حَيًّا كَمَا يَسْتَرْوِحُ المَطَرُ

والرَّوْحُ: الرَّحْمَةُ؛ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ"""" أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الريحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تأْتي بِالرَّحْمَةِ وتأْتي بالعذاب، فإِذا رأَيتموها فَلَا تَسُبُّوها واسأَلوا مِنْ خيرها، واستعذوا بِاللَّهِ مِنْ شرِّها

؛ وَقَوْلُهُ: مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أَي مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَهِيَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ وإِن كَانَ فِيهَا عَذَابٌ لِآخَرِينَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}؛ أَي مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْجَمْعُ أَرواحٌ.

والرُّوحُ: النَّفْسُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ الأَرواح.

التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو بَكْرٍ بنُ الأَنْباريِّ: الرُّوحُ والنَّفْسُ وَاحِدٌ، غَيْرَ أَن الرُّوحَ مُذَكَّرٌ وَالنَّفْسَ مُؤَنَّثَةٌ عِنْدَ الْعَرَبِ.

وَفِي التنزيل: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي؛ وتأْويلُ الرُّوحِ أَنه مَا بِهِ حياةُ النفْس.

وَرَوَى الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ

؛ قَالَ: إِن الرُّوح قَدْ نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ بِمَنَازِلَ، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن الْيَهُودَ سأَلوه عَنِ الرُّوحِ فأَنزل اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.

وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي

؛ قَالَ: مِنْ عِلم رَبِّي أَي أَنكم لَا تَعْلَمُونَهُ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: والرُّوح هُوَ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الإِنسان، لَمْ يُخْبِرِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَحدًا مِنْ خَلْقِهِ وَلَمْ يُعْطِ عِلْمَه الْعِبَادَ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}؛ فَهَذَا الَّذِي نَفَخَه فِي آدَمَ وَفِينَا لَمْ يُعْطِ عِلْمَهُ أَحدًا مِنْ عِبَادِهِ؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبا الْهَيْثَمِ يَقُولُ: الرُّوحُ إِنما هُوَ النَّفَسُ الَّذِي يَتَنَفَّسُهُ الإِنسان، وَهُوَ جارٍ فِي جَمِيعِ الْجَسَدِ، فإِذا خَرَجَ لَمْ يَتَنَفَّسْ بَعْدَ خُرُوجِهِ، فإِذا تَتامَّ خروجُه بَقِيَ بَصَرُهُ شَاخِصًا نَحْوَهُ، حَتَّى يُغَمَّضَ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ [جَانَ] قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا؛ قَالَ: أَضافَ الروحَ المُرْسَلَ إِلى مَرْيَمَ إِلى نَفْسه كَمَا تَقُولُ: أَرضُ اللَّهِ وَسَمَاؤُهُ، قَالَ: وَهَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: {فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}؛ وَمِثْلُهُ: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ؛ والرُّوحُ فِي هَذَا كُلِّهِ خَلْق مِنْ خَلْق اللَّهِ لَمْ يُعْطِ عِلْمَهُ أَحدًا؛ وَقَوْلُهُ تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَن الرُّوح الوَحْيُ أَو أَمْرُ النُّبُوَّةِ؛ ويُسَمَّى القرآنُ رُوحًا.

ابْنُ الأَعرابي: الرُّوحُ الفَرَحُ.

والرُّوحُ: الْقُرْآنُ.

والرُّوح: الأَمرُ.

والرُّوح: النَّفْسُ.

قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ:

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ويُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ}؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: هَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ الوَحْيُ، سمِّي رُوحًا لأَنه حَيَاةٌ مِنْ مَوْتِ الْكُفْرِ، فَصَارَ بِحَيَاتِهِ لِلنَّاسِ كالرُّوح الَّذِي يَحْيَا بِهِ جسدُ الإِنسان؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الرُّوح فِي الْحَدِيثِ كَمَا تكرَّر فِي الْقُرْآنِ وَوَرَدَتْ فِيهِ عَلَى مَعَانٍ، وَالْغَالِبُ مِنْهَا أَن الْمُرَادَ بالرُّوح الَّذِي يَقُومُ بِهِ الجسدُ وَتَكُونُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَقَدْ أُطلق عَلَى الْقُرْآنِ وَالْوَحْيِ وَالرَّحْمَةِ، وَعَلَى جِبْرِيلَ فِي قَوْلِهِ: الرُّوحُ الْأَمِينُ؛ قَالَ: ورُوحُ القُدُس يذكَّر وَيُؤَنَّثُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «تَحابُّوا بِذِكْرِ اللَّهِ ورُوحِه»؛ أَراد مَا يَحْيَا بِهِ الْخَلْقُ وَيَهْتَدُونَ فَيَكُونُ حَيَاةً لَكُمْ، وَقِيلَ: أَراد أَمر النبوَّة، وَقِيلَ: هُوَ الْقُرْآنُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: الرُّوحُ خَلْقٌ كالإِنْسِ وَلَيْسَ هُوَ بالإِنس،

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ ملَك فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَجْهُهُ عَلَى صُورَةِ الإِنسان وَجَسَدُهُ عَلَى صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ

؛ وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَن الرُّوحَ هَاهُنَا جِبْرِيلُ؛ ورُوحُ اللَّهِ: حكمُه وأَمره.

والرُّوحُ: جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَنه قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا}؛ قَالَ: هُوَ مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مِنَ الدِّين فَصَارَ تَحْيَا بِهِ النَّاسُأَي يَعِيشُ بِهِ النَّاسُ؛ قَالَ: وكلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ فَعَلْنا، فَهُوَ أَمره بأَعوانه، أَمر جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَمَلَائِكَتِهِ، وَمَا كَانَ فَعَلْتُ، فَهُوَ مَا تَفَرَّد بِهِ؛ وأَما قَوْلُهُ: {وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} """"، فَهُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.

والرُّوحُ: عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ.

والرُّوحُ: حَفَظَةٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الحفظةِ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَيُرْوَى أَن وُجُوهَهُمْ مِثْلُ وُجُوهِ الإِنس.

وَقَوْلُهُ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ

؛ يَعْنِي أُولئك.

والرُّوحانيُّ مِنَ الخَلْقِ: نحوُ الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ خَلَقَ اللهُ رُوحًا بِغَيْرِ جَسَدٍ، وَهُوَ مِنْ نَادِرِ مَعْدُولِ النَّسَبِ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: حَكَى أَبو عُبَيْدَةَ أَن الْعَرَبَ تَقُولُهُ لِكُلِّ شَيْءٍ كَانَ فِيهِ رُوحٌ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْجِنِّ؛ وَزَعَمَ أَبو الْخَطَّابِ أَنه سَمِعَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي النِّسْبَةِ إِلى الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ رُوحانيٌّ، بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالْجَمْعُ روحانِيُّون.

التَّهْذِيبُ: وأَما الرُّوحاني مِنَ الْخَلْقِ فإِنَ"""" أَبا دَاوُدَ المَصاحِفِيَّ رَوَى عَنِ النَّضْر فِي كِتَابِ الْحُرُوفِ المُفَسَّرةِ مِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنه قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ الأَعرابي عَنْ وَرْدانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَن الْمَلَائِكَةَ مِنْهُمْ رُوحانِيُّون، وَمِنْهُمْ مَن خُلِقَ مِنَ النُّورِ، قَالَ: وَمِنَ الرُّوحانيين جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وإِسرافيل، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ

؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: والرُّوحانيون أَرواح لَيْسَتْ لَهَا أَجسام، هَكَذَا يُقَالُ؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَلْقِ رُوحانيٌّ إِلا للأَرواح الَّتِي لَا أَجساد لَهَا مِثْلَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَمَا أَشبههما، وأَما ذَوَاتُ الأَجسام فَلَا يُقَالُ لَهُمْ رُوحانيون؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الرُّوحانيين هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ لَا مَا قَالَهُ ابْنُ المُظَفَّر أَنَّ الرُّوحانيّ الَّذِي نُفِخَ فِيهِ الرُّوح.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الْمَلَائِكَةُ الرُّوحانِيُّونَ، يُرْوَى بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، كَأَنه نُسِبَ إِلى الرُّوح أَو الرَّوْح، وَهُوَ نَسِيمُ الرِّيحِ، والأَلف وَالنُّونُ مِنْ زِيَادَاتِ النَّسَبِ، وَيُرِيدُ بِهِ أَنهم أَجسام لَطِيفَةٌ لَا يُدْرِكُهَا الْبَصَرُ».

وَفِي حَدِيثِ ضِمامٍ: «إِني أُعالج مِنْ هَذِهِ الأَرواح»؛ الأَرواح هَاهُنَا: كِنَايَةٌ عَنِ الْجِنِّ سمُّوا أَرواحًا لِكَوْنِهِمْ لَا يُرَوْنَ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَرواح.

وَمَكَانٌ رَوْحانيٌّ، بِالْفَتْحِ، أَي طَيِّب.

التَّهْذِيبُ: قَالَ شَمرٌ: والرِّيحُ عِنْدَهُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الرُّوح كَمَا قَالُوا: تِيهٌ وتُوهٌ؛ قَالَ أَبو الدُّقَيْش: عَمَدَ مِنَّا رَجُلٌ إِلى قِرْبَةٍ فملأَها مِنَرُوحِه أَي مِنْ رِيحِه ونَفَسِه.

والرَّواحُ: نقيضُ الصَّباح، وَهُوَ اسْمٌ لِلْوَقْتِ، وَقِيلَ: الرَّواحُ العَشِيُّ، وَقِيلَ: الرَّواحُ مِنْ لَدُن زَوَالِ الشَّمْسِ إِلى اللَّيْلِ.

يُقَالُ: رَاحُوا يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا ورُحْنا رَواحًا؛ يَعْنِي السَّيْرَ بالعَشِيِّ؛ وَسَارَ الْقَوْمُ رَواحًا وراحَ القومُ، كَذَلِكَ.

وتَرَوَّحْنا: سِرْنا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَو عَمِلْنا؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:

وأَنتَ الَّذِي خَبَّرْتَ أَنك راحلٌ، ***غَداةَ غَدٍ، أَو رائحٌ بهَجِيرِ

وَالرَّوَاحُ: قَدْ يَكُونُ مَصْدَرَ قَوْلِكَ راحَ يَرُوحُ رَواحًا، وَهُوَ نَقِيضُ قَوْلِكَ غَدَا يَغْدُو غُدُوًّا.

وَتَقُولُ: خَرَجُوا بِرَواحٍ مِنَ العَشِيِّ ورِياحٍ، بِمَعْنًى.

وَرَجُلٌ رائحٌ مِنْ قَوْمٍ رَوَحٍ اسْمٌ للجمع، ورَؤُوحٌ مِن قَوْمٍ رُوحٍ، وَكَذَلِكَ الطَّيْرُ.

وَطَيْرٌ رَوَحٌ: مُتَفَرِّقَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:

مَا تَعِيفُ اليومَ فِي الطيرِ الرَّوَحْ، ***مِنْ غُرابِ البَيْنِ، أَو تَيْسٍ سَنَحْ

وَيُرْوَى: الرُّوُحُ؛ وَقِيلَ: الرَّوَحُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: الْمُتَفَرِّقَةُ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ، إِنما هِيَ الرَّائِحَةُ إِلى مَوَاضِعِهَا، فَجُمِعَ الرَّائِحِ عَلَى رَوَحٍ مِثْلُ خَادِمٍ وخَدَمٍ؛ التَّهْذِيبُ: فِي هَذَا الْبَيْتِ قِيلَ: أَراد الرَّوَحةَ مِثْلَ الكَفَرَة والفَجَرة، فَطَرَحَ الْهَاءَ.

قَالَ: والرَّوَحُ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْمُتَفَرِّقَةُ.

وَرَجُلٌ رَوَّاحٌ بالعشي، عن اللحياني: كَرَؤُوح، وَالْجَمْعُ رَوَّاحُون، وَلَا يُكَسَّر.

وَخَرَجُوا بِرِياحٍ مِنَ الْعَشِيِّ، بِكَسْرِ الراءِ، ورَواحٍ وأَرْواح أَي بأَول.

وعَشِيَّةٌ: راحةٌ؛ وَقَوْلُهُ:

وَلَقَدْ رأَيتك بالقَوادِمِ نَظْرَةً، ***وعليَّ، مِنْ سَدَفِ العَشِيِّ، رِياحُ

بِكَسْرِ الرَّاءِ، فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ وَقْتٌ.

وَقَالُوا: قومُك رائحٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ حَكَاهُ عَنِ الْكِسَائِيِّ قَالَ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الْمَعْرِفَةِ؛ يَعْنِي أَنه لَا يُقَالُ قَوْمٌ رائحٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


40-لسان العرب (عير)

عير: العَيْر: الْحِمَارُ، أَيًّا كَانَ أَهليًّا أَو وَحْشِيًّا، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الوَحْشِيّ، والأُنثى عَيْرة.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الرِّضَا بِالْحَاضِرِ ونِسْيان الْغَائِبِ قَوْلُهُمْ: إِن ذَهَب العَيْرُ فعَيْرٌ فِي الرِّباط؛ قَالَ: ولأَهل الشَّامِ فِي هَذَا مَثَلٌ: عَيْرٌ بِعَيْرٍ وزيادةُ عَشْرَةٍ.

وَكَانَ خُلَفَاءُ بَنِي أُميّة كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ زَادَ الَّذِي يخلُفه فِي عَطَائِهِمْ عَشْرَةً فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا عِنْدَ ذَلِكَ.

وَمِنْ أَمثالهم: فُلَانٌ أَذَلُّ مِنَ العَيْرِ، فَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ الْحِمَارَ الأَهلي، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ الْوَتِدَ؛ وَقَوْلُ شِمْرٍ:

لَوْ كُنْتَ عَيْرًا كُنْتَ عَيْرَ مَذَلَّة، ***أَو كُنْتَ عَظْمًا كُنْتَ كِسْرَ قَبِيح

أَراد بالعَيْر الحمارَ، وبِكْسرِ الْقَبِيحِ طَرَفَ عَظْمِ المِرْفق الَّذِي لَا لَحْمَ عَلَيْهِ؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ أَذلُّ مِنَ العَيْر.

وَجَمْعُ العَيْر أَعْيارٌ وعِيارٌ وعُيورٌ وعُيُورة وعِيَارات، ومَعْيوراء اسْمٌ لِلْجَمْعِ.

قَالَ الأَزهري: المَعْيُورا الحَمِير، مَقْصُورٌ، وَقَدْ يُقَالُ المَعْيوراء مَمْدُودَةً، مِثْلُ المَعْلوجاء والمَشْيُوخاء والمَأْتوناء، يُمَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ وَيُقْصَرُ.

وَفِي الْحَدِيثُ: «إِذا أَرادَ اللهُ بِعْبَدٍ شَرًّا أَمْسَك عَلَيْهِ بذُنوبِه حَتَّى يُوافيه يَوْمَ الْقِيَامَةِ كأَنه عَيْر»؛ العَيْر: الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ، وَقِيلَ: أَراد الجبَل الَّذِي بِالْمَدِينَةِ اسْمُهُ عَيْر، شبَّه عِظَم ذُنُوبِهِ بِهِ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «لأَنْ أَمْسَح عَلَى ظَهْر عَيْر بِالْفَلَاةِ»أَي حمارِ وحْشٍ؛ فأَما قول الشاعر:

أَفي السِّلْم أَعْيارًا جَفاءً وغلْظةً، ***وَفِي الحَرْب أَشباهَ النِّسَاءِ العَوارك؟

فإِنه لَمْ يَجْعَلْهُمْ أَعْيارًا عَلَى الْحَقِيقَةِ لأَنه إِنما يُخَاطِبُ قَوْمًا، وَالْقَوْمُ لَا يكونون أَعيارًا وإِنما شَبَّهَهُمْ بِهَا فِي الْجَفَاءِ وَالْغِلْظَةِ، وَنَصَبَهُ عَلَى مَعْنَى أَتَلَوّنون وتَنَقّلون مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا؟ وأَما قَوْلُ سيبويه: لو مَثَّلْت "الأَعْيار فِي الْبَدَلِ مِنَ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ لَقُلْتَ: أَتَعَيَّرون إِذا أَوضحت مَعْنَاهُ، فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، إِنما أَراد أَن يصوغُ فِعْلًا أَي بناءَ كَيْفِيَّة الْبَدَلِ مِنَ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ لأَنك إِنما تُجْرِيه مُجْرى مَا لَهُ فِعْلَ مِنْ لَفْظِهِ، يُدلّك عَلَى أَن قَوْلَهُ تَعَيّرون لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.

والعَيرُ الْعَظْمُ النَّاتِئُ وَسَطَ الْكَفِّ.

وَالْجَمْعُ أَعْيارٌ.

وكَتِفٌ مُعَيَّرة ومُعْيَرة عَلَى الأَصل: ذَاتُ عَيْر.

وعَيْر النَّصْلِ: النَّاتِئُ فِي وَسَطِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

فصادَفَ سَهْمُه أَحْجارَ قُفٍّ، ***كَسَرْن العَيْرَ مِنْهُ والغِرارا

وَقِيلَ: عَيْرُ النَّصل وَسَطُهُ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو عَمْرٍو: نَصْلٌ مُعْيَر فِيهِ عَيْر.

والعَيْر مِنْ أُذن الإِنسان والفرسِ مَا تَحْتَ الفَرْع مِنْ بَاطِنِهِ كعَيْر السَّهْمِ، وَقِيلَ: العَيْرانِ مَتْنا أُذُنَي الْفَرَسِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «إِذا تَوضَّأْتَ فأَمِرَّ عَلَى عِيَار الأُذُنين الْمَاءَ»؛ العِيارُ جَمْعُ عَيْرٍ، وَهُوَ النَّاتِئُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الأَذن.

وَكُلُّ عَظْمٍ نَاتِئٍ مِنَ الْبَدَنِ: عَيْرٌ.

وعَير الْقَدَمِ: النَّاتِئُ فِي ظَهْرِهَا.

وعَيرُ الوَرقة: الْخَطُّ النَّاتِئُ فِي وَسَطِهَا كأَنه جُدَيِّر.

وعَيرُ الصَّخْرَةِ: حرفٌ نَاتِئٌ فِيهَا خِلْقَةً، وَقِيلَ: كُلُّ نَاتِئٍ فِي وَسَطِ مُسْتَوٍ عَيرٌ.

وعَيْرُ الأُذن: الْوَتَدُ الَّذِي فِي بَاطِنِهَا.

والعَيْر: ماقيء الْعَيْنِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقِيلَ: العَيْر إِنسانُ الْعَيْنِ، وَقِيلَ لَحْظُها؛ قَالَ تأَبَّطَ شَرًّا:

ونارٍ قَدْ حَضَأْتُ بُعَيْد وَهْنٍ، ***بدارٍ مَا أُرِيدُ بِهَا مُقاما

سِوَى تَحْلِيل راحِلة وعَيْرٍ، ***أُكالِئُه مَخافةَ أَن يَناما

وَفِي الْمَثَلِ: جاءَ قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جَرَى أَي قَبْلَ لَحْظَةِ الْعَيْنِ.

قَالَ أَبو طَالِبٍ: العَيْر المِثال الَّذِي فِي الْحَدَقَةِ يُسَمَّى اللُّعْبة؛ قَالَ: وَالَّذِي جَرَى الطَّرْفُ، وجَرْيُه حَرَكَتُهُ؛ وَالْمَعْنَى: قَبْلَ أَن يَطْرِف الإِنسانُ، وَقِيلَ: عَيْرُ الْعَيْنِ جَفْنُها.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يقال فعلت قَبْلَ عيْرٍ وَمَا جَرَى.

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَلَا يُقَالُ أَفعل؛ وَقَوْلُ الشَّمَّاخِ:

أَعَدْوَ القِبِصَّى قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جَرى، ***وَلَمْ تَدْرِ مَا خُبْرِي، وَلَمْ أَدْرِ مَا لَها؟

فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ قَبْلَ أَن أَنظر إِليك، وَلَا يُتَكلّم بشيء من ذَلِكَ فِي النَّفْيِ.

والقِبِصَّى والقِمِصَّى: ضَرْبٌ مِنَ العَدْو فِيهِ نَزْوٌ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: العَيْرُ هُنَا الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ، وَمَنْ قَالَ: قَبْلَ عائرٍ وَمَا جَرَى، عَنَى السَّهْمَ.

والعَير: الوَتد.

والعَيْر: الجَبلُ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى جَبَلٍ بِالْمَدِينَةِ.

والَعيْر: السَّيِّدُ والمَلِك.

وعَيْرُ الْقَوْمِ: سيّدُهم؛ وَقَوْلُهُ:

زعَمُوا أَنّ كلَّ مَن ضَرَبَ العَيْر ***مَوالٍ لنا، وأَنَّى الوَلاءُ؟

قِيلَ: مَعْنَاهُ كلُّ مَن ضَرَبَ بِجفنٍ عَلَى عَيْرٍ، وَقِيلَ: يَعْنِي الْوَتِدَ، أَي مَنْ ضَرَبَ وتِدًا مِنْ أَهل العَمَد، وَقِيلَ: يَعْنِي إِيادًا لأَنهم أَصحاب حَمِير، وَقِيلَ: يَعْنِي جَبَلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ فَقَالَ: جَبَلًا بِالْحِجَازِ، وأَدخل عَلَيْهِ اللَّامَ كأَنه جَعَلَهُ مِنْ أَجْبُلٍ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَيْر، وَجَعَلَ اللَّامَ زَائِدَةً على قوله: وَلَقَدْ نَهَيْتُك عَنْ بناتِ الأَوْبَرِ "إِنما أَراد بَنَاتَ أَوبر فَقَالَ: كُلُّ مَنْ ضَرَبَهُ أَي ضَرَبَ فِيهِ وَتِدًا أَو نَزَلَهُ، وَقِيلَ: يَعْنِي المُنْذِر بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ لِسيادتهِ، وَيُرْوَى الوِلاء، بِالْكَسْرِ، حَكَى الأَزهري عَنْ أَبي عَمْرٍو بْنِ الْعَلَاءِ، قَالَ: مَاتَ مَنْ كَانَ يحسن تفسير بيت الحرث بْنِ حِلِّزَةَ: زَعَمُوا أَن كلَّ مَنْ ضَرَب العَيْر.

قال أَبو عمر: العَيْر هُوَ النَّاتِئُ فِي بُؤْبُؤِ الْعَيْنِ، وَمَعْنَاهُ أَن كُلَّ مَنِ انْتَبَه مِنْ نَوْمِه حَتَّى يَدُورَ عَيْرُه جَنى جِنَايَةً فَهُوَ مَوْلًى لَنَا؛ يَقُولُونَهُ ظُلْمًا وتجَنّيًا؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَتيتك قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جَرى أَي قَبْلَ أَن يَنْتَبِهَ نَائِمٌ.

وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ: وَمَا جَرَى، أَرادوا وجَرْيه، أَرادوا الْمَصْدَرَ.

وَيُقَالُ: مَا أَدري أَيّ مَن ضَرَبَ العَيْر هُوَ، أَي أَيّ النَّاسِ هُوَ؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ.

والعَيْرانِ: المَتْنانِ يَكْتَنِفَانِ جَانِبَيِ الصُّلْب.

والعَيْرُ: الطَّبْل.

وعارَ الفرسُ والكلبُ يَعِير عِيارًا: ذَهَبَ كأَنه مُنْفَلت مِنْ صَاحِبِهِ يَتَرَدَّدُ وَمِنْ أَمثالهم: كَلْبٌ عائرٌ خيرٌ مِن كَلْبٍ رابِضٍ؛ فالعائرُ الْمُتَرَدِّدُ، وَبِهِ سُمِّيَ العَيْرُ لأَنه يَعِير فَيَتَرَدَّدُ فِي الْفَلَاةِ.

وعارَ الفرسُ إِذا ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ وَتَبَاعَدَ عَنْ صَاحِبِهِ.

وعارَ الرجلُ فِي الْقَوْمِ يضربُهم: مِثْلُ عَاثَ.

الأَزهري: فرسٌ عَيّارٌ إِذا عاثَ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ نَافِرًا ذَاهِبًا فِي الأَرض.

وَفَرَسٌ عَيّار بأَوصالٍ أَي يَعِير هَاهُنَا وَهَاهُنَا مِنْ نَشَاطِهِ.

وَفَرَسٌ عَيّار إِذا نَشِط فرَكِبَ جَانِبًا ثُمَّ عَدَلَ إِلى جَانِبٍ آخَرَ مِنْ نَشَاطِهِ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

وَلَقَدْ رأَيتُ فوارِسًا مِن قَوْمِنا، ***غَنَظُوك غَنْظَ جَرادةِ العَيّارِ

قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي مَثَلِ الْعَرَبِ: غَنَظُوه غَنْظَ جَرَادَةِ الْعَيَّارِ؛ قَالَ: العَيّار رَجُلٌ، وَجَرَادَةٌ فَرَسٌ؛ قَالَ: وَغَيْرُهُ يُخَالِفُهُ وَيَزْعُمُ أَن جَرَادَةَ الْعَيَّارِ جَرادةٌ وُضِعَت بين ضِرْسيه فأَفْلَتت، وَقِيلَ: أَراد بِجَرَادَةِ العَيَّار جَرَادَةً وَضَعَهَا فِي فِيهِ فأَفْلَتت مِنْ فِيهِ، قَالَ: وغَنَظَه ووكَظَه يَكِظُه وَكْظًا، وَهِيَ المُواكَظَة والمُواظبة، كُلُّ ذَلِكَ إِذا لَازَمَهُ وغمَّه بِشِدَّةِ تَقاضٍ وخُصومة؛ وَقَالَ:

لَوْ يُوزَنون عِيارًا أَو مُكايَلةً، ***مالُوا بسَلْمَى، وَلَمْ يَعْدِلهْمُ أَحَدُ

وَقَصِيدَةٌ عَائِرَةٌ: سائرة، والفعل كالفعل، د وَالِاسْمُ العِيَارة.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ يمُرّ بِالتَّمْرَةِ العائِرةِ فَمَا يَمْنعُه مِنْ أَخذها إِلَّا مَخافةُ أَن تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ»؛ الْعَائِرَةُ: السَّاقِطَةُ لَا يُعْرَف لَهَا مَالِكٌ، مِنْ عارَ الفرسُ إِذا انْطَلَقَ مِنْ مرْبطه مَارًّا عَلَى وَجْهِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مَثلُ المُنافِق مَثَلُ الشاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ غَنَمْينِ أَي الْمُتَرَدِّدَةُ بَيْنَ قَطِيعين لَا تَدْري أَيّهما تَتْبَع».

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْكَلْبِ الَّذِي دَخَلَ حائِطَه: «إِنما هُوَ عائرٌ»؛ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ: " أَنَّ فَرَسًا لَهُ عارَ؛ أي أَفْلَت وَذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ.

وَرَجُلٌ عَيّار: كَثِيرُ الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ فِي الأَرض، وَرُبَّمَا سُمِّيَ الأَسد بِذَلِكَ لِتَرَدُّدِهِ وَمَجِيئِهِ وَذَهَابِهِ فِي طَلَبِ الصَّيْدِ: قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:

لَيْثٌ عَلَيْهِ مِنَ البَرْدِيّ هِبْرِية، ***كالمَزبَرانيّ، عَيَّارٌ بأَوْصالِ

أَي يَذْهَبُ بِهَا وَيَجِيءُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَنْ رَوَاهُ عَيَّارٌ، بِالرَّاءِ، فَمَعْنَاهُ أَنه يَذْهَبُ بأَوْصال الرِّجال إِلى أَجَمَته، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا أَدري أَي الْجَرَادِ عارَه، وَيُرْوَى عَيَّال، وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:

لَمّا رأَيتُ أَبَا عَمْرٍو رَزَمْتُ لَهُ ***مِنِّي، كَمَا رَزَمَ العَيَّارُ فِي الغُرُفِ

جَمْعُ غَرِيف وَهُوَ الْغَابَةُ.

قَالَ: وَحَكَى الْفَرَّاءُ رَجُلٌ عَيَّار إِذا كَانَ كَثِيرَ التَّطْواف وَالْحَرَكَةِ ذكِيًّا؛ وَفَرَسٌ عَيَّار وَعَيَّالٌ؛ والعَيْرانة مِنَ الإِبل: النَّاجِيَةُ فِي نَشَاطٍ، مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: شُبِّهَتْ بالعَيْرِ فِي سُرْعَتِهَا وَنَشَاطِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَوِيٍّ؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ: " عَيْرانة قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ "هِيَ النَّاقَةُ الصُّلْبَةُ تَشْبيهًا بِعَيْر الْوَحْشِ، والأَلف وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ.

ابْنُ الأَعرابي: العَيِّرُ الْفَرَسُ النَّشِيطُ.

قَالَ: وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بالعَيَّار وتَذُمّ بِهِ، يُقَالُ: غُلَامٌ عَيّار نَشِيط فِي الْمَعَاصِي، وَغُلَامٌ عَيّار نَشِيطٌ فِي طَاعَةِ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ الأَزهري: والعَيْر جَمْعُ عائِر وَهُوَ النَّشِيطُ، وَهُوَ مَدْحٌ وذمٌّ.

عاورَ البَعِيرُ عَيَرانًا إِذا كَانَ فِي شَوْل فَتَرَكَهَا وَانْطَلَقَ نحوَ أُخْرَى يُرِيدُ القَرْع،.

والعائِرةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الإِبل إِلى أُخْرَى لِيَضْرِبَهَا الْفَحْلُ.

وعارَ فِي الأَرض يَعِير أَي ذَهَبَ، وعارَ الرجلُ فِي الْقَوْمِ يَضْرِبُهُمْ بِالسَّيْفِ عَيَرانًا: ذَهَبَ وَجَاءَ؛ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الأَزهري بِضَرْبٍ وَلَا بِسَيْفٍ بَلْ قَالَ: عارَ الرجلُ يَعِير عَيَرانًا، وَهُوَ تردّدُه فِي ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: كلْبٌ عائِرٌ وعَيّار، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، وأَعطاه من المال عائرةَ عينين أَي مَا يَذْهَبُ فِيهِ الْبَصَرُ مَرَّةً هُنَا وَمَرَّةً هُنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عور أَيضًا.

وعيرانُ الْجَرَادِ وعَوائِرهُ: أَوائلُ الذَّاهِبَةُ المفْترقة فِي قِلَّةٍ.

وَيُقَالُ: مَا أَدري أَيّ الْجَرَادِ عارَه أَي ذَهَبَ بِهِ وأَتْلَفه، لَا آتَي لَهُ فِي قَوْلِ الأَكثر،.

وَقِيلَ: يَعِيره ويَعُوره؛ وَقَوْلُ مَالِكِ بْنِ زَغْبَةَ:

إِذا انتسأوا فَوْتَ الرِّماح، أَتَتْهُمُ ***عوائرُ نَبْلٍ، كالجرادِ نُطِيرُها

عَنَى بِهِ الذَّاهِبَةَ الْمُتَفَرِّقَةَ؛ وأَصله فِي الْجَرَادِ فَاسْتَعَارَهُ قَالَ الْمُؤَرِّجُ: وَمِنْ أَمثالهم؛ عَيْرٌ عارَه وَتِدُه؛ عارَه أَي أَهلكه كَمَا يُقَالُ لَا أَدري أَيّ الْجَرَادِ عارَه.

وعِرْت ثَوْبَهُ: ذَهَبْتُ بِهِ.

وعَيَّر الدينارَ: وازَنَ بِهِ آخَرَ.

وعَيَّر الْمِيزَانَ وَالْمِكْيَالَ وعاوَرَهما وعايَرَهُما وعايَرَ بَيْنَهُمَا مُعايَرَة وعِيارًا: قدَّرَهما وَنَظَرَ مَا بَيْنَهُمَا؛ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبو الْجَرَّاحِ فِي بَابِ مَا خَالَفَتِ الْعَامَّةُ فِيهِ لُغَةَ الْعَرَبِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُعايرُ فُلَانًا ويُكايلُه أَي يُسامِيه ويُفاخِره.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ هُمَا يتعايبانِ ويَتَعايَران، فالتعايُرُ التَّسَابُّ، والتَعايُب دُونَ التَّعايُرِ إِذا عَابَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

والمِعْيار مِنَ الْمَكَايِيلِ: مَا عُيِّر.

قَالَ اللَّيْثُ: العِيَار مَا عايَرْت بِهِ الْمَكَايِيلَ، فالعِيَار صَحِيحٌ تامٌّ وافٍ، تَقُولُ: عايَرْت بِهِ أَي سَوَّيْتُه، وَهُوَ العِيَار والمِعْيار.

يُقَالُ: عايِرُوا مَا بَيْنَ مَكَايِيلِكُمْ ومَوازِينكم، وَهُوَ فاعِلُوا مِنَ العِيَار، وَلَا تَقُلْ: عَيِّروا.

وعَيَّرْتُ الدَّنَانِيرَ: وَهُوَ أَن تُلْقِي دِينَارًا دِينَارًا فتُوازِنَ بِهِ دِينَارًا دِينَارًا، وَكَذَلِكَ عَيَّرْت تَعْييرًا إِذا وَزَنْت وَاحِدًا وَاحِدًا، يُقَالُ هَذَا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.

قَالَ الأَزهري: فَرَّقَ اللَّيْثُ بَيْنَ عايَرْت وعَيَّرْت، فَجَعَلَ عايَرْت فِي الْمِكْيَالِ وعَيَّرْت فِي الْمِيزَانِ؛ قَالَ: وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي عايَرْت وعَيَّرت فَلَا يَكُونُ عَيَّرْت إِلَّا مِنَ الْعَارِ والتَّعْيِير؛ وأَنشد الْبَاهِلِيُّ قَوْلَ الرَّاجِزِ:

وإِن أَعارَت حَافِرًا مُعارا ***وَأْبًا، حَمَتْ نُسوُرَهُ الأَوْقارا

وَقَالَ: وَمَعْنَى أَعارَت رَفَعَتْ وَحَوَّلَتْ، قَالَ: وَمِنْهُ إِعارةُ الثِّيَابِ والأَدوات.

وَاسْتَعَارَ فلانٌ سَهْمًا مِنْ كِنانته: رَفَعَهُ وحوَّله مِنْهَا إِلى يَدِهِ؛ وأَنشد قوله:

هتَّافة تَحْفِض مَن يُدِيرُها، ***وَفِي اليَدِ اليُمْنَى لِمُسْتَعِيرها،

شَهْباءُ تَروي الرِّيشَ مِن بَصِيرها شَهْبَاءُ: مُعْبِلة، وَالْهَاءُ فِي مُسْتَعِيرها لَهَا.

والبَصِيرة: طَرِيقَةُ الدَّمِ.

والعِيرُ، مُؤَنَّثَةً: الْقَافِلَةُ، وَقِيلَ: العِيرُ الإِبل الَّتِي تَحْمِلُ المِيرَة، لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ}؛ وَرَوَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه أَنشده قَوْلَ ابْنِ حلِّزة: " زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَن ضَرَبَ العِير "بِكَسْرِ الْعَيْنِ.

قَالَ: والعِيرُ الإِبل، أَي كلُّ مَنْ رَكِب الإِبل مَوالِ لَنَا أَي العربُ كُلُّهُمْ موالٍ لَنَا مِنْ أَسفل لأَنا أَسَرْنا فِيهِمْ فلَنا نِعَمٌ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا قَوْلُ ثَعْلَبٍ، وَالْجَمْعُ عِيَرات، قَالَ سِيبَوَيْهِ: جَمَعُوهُ بالأَلف وَالتَّاءِ لِمَكَانِ التأْنيث وَحَرَّكُوا الْيَاءَ لِمَكَانِ الْجَمْعِ بِالتَّاءِ وَكَوْنِهِ اسمًا فأَجمعوا عَلَى لُغَةِ هُذَيْلٍ لأَنهم يَقُولُونَ جَوَزات وبَيَضات.

قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ عِيرات، بالإِسكان، وَلَمْ يُكَسَّر عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي يُكَسَّر عَلَيْهِ مِثْلُهُ، جَعَلُوا التَّاءَ عِوَضًا مِنْ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي أَشياء كَثِيرَةٍ لأَنهم مِمَّا يَسْتَغْنُونَ بالأَلف وَالتَّاءِ عَنِ التَّكْسِيرِ، وَبِعَكْسِ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُكَانَتْ حُمُرًا، قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ العِيرُ الإِبلُ خَاصَّةً باطلٌ.

العِيرُ: كلُّ مَا امْتِيرَ عَلَيْهِ مِنَ الإِبل والحَمِير وَالْبِغَالِ، فَهُوَ عِيرٌ؛ قَالَ: وأَنشدني نُصَير لأَبي عَمْرٍو السَّعْدِيِّ فِي صِفَةِ حَمِير سَمَّاهَا عِيرًا:

أَهكذا لَا ثَلَّةٌ وَلَا لَبَنْ؟ ***وَلَا يُزَكِّين إِذا الدَّيْنُ اطْمَأَنْ،

مُفَلْطَحات الرَّوْثِ يأْكُلْن الدِّمَنْ، ***لَا بُدَّ أَن يَخْترْن مِنِّي بَيْنَ أَنْ

يُسَقْنَ عِيرًا، أَو يُبَعْنَ بالثَّمَنْ قَالَ: وَقَالَ نصيرٌ الإِبل لَا تَكُونُ عِيرًا حَتَّى يُمْتارَ عَلَيْهَا.

وَحَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: العيرُ مِنَ الإِبل مَا كَانَ عَلَيْهِ حملُه أَو لَمْ يَكُنْ.

وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ: «أَنه كَانَ يَشْتَرِي العِيرَ حُكْرة»، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُرْبِحُني عُقْلَها؟ العِيرُ: الإِبل بأَحْمالها.

فِعْلٌ مِنْ عارَ يَعير إِذا سَارَ، وَقِيلَ: هِيَ قَافِلَةُ الحَمِير، وَكَثُرَتْ حَتَّى سُمِّيَتْ بِهَا كُلُّ قَافِلَةٍ، فَكُلُّ قَافِلَةٍ عِيرٌ كأَنها جَمْعُ عَيْر، وَكَانَ قِيَاسُهَا أَن يَكُونَ فُعْلًا، بِالضَّمِّ، كسُقْف فِي سَقْف إِلَّا أَنه حُوفِظَ عَلَى الْيَاءِ بِالْكَسْرَةِ نَحْوَ عِين.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنهم كَانُوا يَتَرَصَّدُونَ عِيَرات قُرَيْش»؛ هُوَ جَمْعُ عِير، يُرِيدُ إِبلهم وَدَوَابَّهُمُ الَّتِي كَانُوا يُتَاجِرُونَ عَلَيْهَا.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَجاز لَهَا العيَرات»؛ هِيَ جَمْعُ عِيرٍ أَيضًا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: اجْتَمَعُوا فِيهَا عَلَى لُغَةِ هُذَيْلٍ، يَعْنِي تَحْرِيكَ الْيَاءِ، وَالْقِيَاسُ التَّسْكِينُ؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ:

وأَتَت النَّمْلُ القُرَى بِعِيرها، ***مِنْ حَسَكِ التَّلْع وَمِنْ خَافُورِهَا

إِنما اسْتَعَارَهُ لِلنَّمْلِ، وأَصله فِيمَا تَقَدَّمَ.

وَفُلَانٌ عُيَيْرُ وَحْدِه إِذا انْفَرَدَ بأَمره، وَهُوَ فِي الذمِّ، كَقَوْلِكَ: نَسِيج وَحْدَهُ، فِي الْمَدْحِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: عُيَيْرُ وَحْدِه أَي يأْكل وَحْدَهُ.

قَالَ الأَزهري: فلانٌ عُيَيْرُ وَحْدِهِ وجُحَيْش وَحْدِه.

وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يُشاوِران النَّاسَ وَلَا يُخَالِطَانِهِمْ وَفِيهِمَا مَعَ ذَلِكَ مَهَانَةٌ "وَضَعْفٌ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فُلَانٌ عُيَيْرُ وَحْدِه وَهُوَ الْمُعْجَبُ برأْيه، وإِن شِئْتَ كَسَرْتَ أَوله مِثْلُ شُيَيْخٍ وشِيَيْخٍ، وَلَا تَقُلْ: عُوَير وَلَا شُوَيخ.

والعارُ: السُّبّة وَالْعَيْبُ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ يَلْزَمُ بِهِ سُبّة أَو عَيْبٌ، وَالْجَمْعُ أَعْيارٌ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ ظاهرُ الأَعْيارِ أَي ظَاهِرُ الْعُيُوبِ؛ قَالَ الرَّاعِي:

ونَبَتَّ شَرَّ بَني تَمِيمٍ مَنْصِبًا، ***دَنِسَ المُروءَةِ ظاهرَ الأَعْيارِ

كأَنه مِمَّا يُعَيَّر بِهِ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ التَّعْيير، وَمِنْ هَذَا قِيلَ: هُمْ يَتَعَيَّرون مِنْ جيرانِهم الماعونَ والأَمتعة؛ قَالَ الأَزهري: وَكَلَامُ الْعَرَبِ يَتَعَوَّرون، بِالْوَاوِ، وَقَدْ عَيَّرَهُ الأَمرَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

وعَيَّرَتْني بَنُو ذُبْيانَ خَشيَتَه، ***وَهَلْ عَلَيَّ بأَنْ أَخْشاكَ مِن عَارِ؟

وتعايرَ القومُ: عَيَّر بعضُهم بَعْضًا، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: عَيَّرَهُ بِكَذَا.

والمَعايرُ: الْمَعَايِبُ؛ يُقَالُ: عارَه إِذا عابَه؛ قَالَتْ لَيْلَى الأَخيلية:

لعَمْرُك مَا بِالْمَوْتِ عارٌ عَلَى امرئٍ، ***إِذا لَمْ تُصِبْه فِي الْحَيَاةِ المَعايرُ

وتعايرَ القومُ: تعايَبُوا.

والعارِيَّة: المَنيحة، ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلى أَنها مِن العارِ، وَهُوَ قُوَيل ضَعِيفٌ، وإِنما غَرَّهُمْ مِنْهُ قَوْلُهُمْ يَتَعَيَّرون العَواريَّ، وَلَيْسَ عَلَى وَضْعِهِ إِنما هِيَ مُعاقبة مِنَ الْوَاوِ إِلى الْيَاءِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: سُمِّيَتِ الْعَارِيَّةُ عاريَّةً لأَنها عارٌ عَلَى مَنْ طَلَبَهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن امرأَة مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِير المتاعَ وتَجْحَده فأَمر بِهَا فقُطعَت يدُها»؛ الاستعارةُ مِنَ الْعَارِيَّةِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهل الْعِلْمِ إِلى أَن المُسْتَعِير إِذا جَحَدَ العاريَّة لَا يُقْطَع لأَنه جَاحِدٌ خَائِنٌ، وَلَيْسَ بِسَارِقٍ، وَالْخَائِنُ وَالْجَاحِدُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ نَصًّا وإِجماعًا.

وَذَهَبَ إِسحاق إِلى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحمد: لَا أَعلم شَيْئًا يَدْفَعُهُ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ حَدِيثٌ مختصرُ اللَّفْظِ والسياقِ وإِنما قُطِعَت الْمَخْزُومِيَّةُ لأَنها سَرَقت، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ؛ وَرَوَاهُ" مَسْعُودُ بْنُ الأَسود فَذَكَرَ أَنها سَرَقَتْ قَطِيفة مِنْ بَيْتِ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وإِنما ذُكِرَتِ الِاسْتِعَارَةُ وَالْجَحْدُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَعْرِيفًا لَهَا بِخَاصِّ صِفَتِهَا إِذ كَانَتِ الِاسْتِعَارَةُ وَالْجَحَدُ مَعْرُوفَةً بِهَا وَمِنْ عَادَتِهَا، كَمَا عُرِّفت بأَنها مخزوميَّة، إِلَّا أَنها لَمَّا اسْتَمَرَّ بِهَا هَذَا الصَّنِيعُ ترقَّت إِلى السَّرِقَةِ، واجترأَت عَلَيْهَا، فأَمر بِهَا فَقُطِعَتْ.

والمُسْتَعِير: السَّمِين مِنَ الْخَيْلِ.

والمُعارُ: المُسَمَّن.

يُقَالُ: أَعَرْت الْفَرَسَ أَسْمنْتُه؛ قَالَ:

أَعِيرُوا خَيْلَكم ثُمَّ ارْكُضوها، ***أَحَقُّ الْخَيْلِ بالرَّكْضِ المُعارُ

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: المُعار الْمَنْتُوفُ الذَّنَبِ، وَقَالَ قَوْمٌ: المُعار المُضَمَّر المُقَدَّح، وَقِيلَ: المُضَمَّر المُعار لأَن طَرِيقَةَ مَتْنِهِ نتأَت فَصَارَ لَهَا عيرٌ نَاتِئٌ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي وَحْدَهُ: هُوَ مِنَ العاريَّة، وَذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضًا وَقَالَ: لأَن المُعارَ يُهان بِالِابْتِذَالِ وَلَا يُشْفَق عَلَيْهِ شَفَقَةَ صَاحِبِهِ؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: " أَعيروا خَيْلَكُمْ ثُمَّ ارْكَبُوهَا "إِن مَعْنَى أَعيروها أَي ضَمِّروها بِتَرْدِيدِهَا، مِنْ عارَ يَعير، إِذا ذَهَبَ وَجَاءَ.

وَقَدْ رُوِيَ المِعار، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالنَّاسُ رَوَوْه المُعار؛ قَالَ: والمِعارُ الَّذِي يَحِيد عَنِ الطَّرِيقِ بِرَاكِبِهِ كَمَا يُقَالُ حادَ عَنِ الطَّرِيقِ؛ قَالَ الأَزهري: مِفْعَل مِنْ عارَ يَعِير كأَنه فِي الأَصل مِعْيَر، فَقِيلَ مِعار.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وعارَ الفَرَسُ أَي انفَلَت وَذَهَبَهَاهُنَا وَهَاهُنَا مِنَ المَرَح، وأَعارَه صاحبُه، فَهُوَ مُعَار؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الطِّرمَّاح:

وجَدْنا فِي كِتَابِ بَنِي تميمٍ: ***أَحَقُّ الْخَيْلِ بالرَّكْضِ المُعارُ

قَالَ: والناسُ يَرَوْنه المُعار مِنَ العارِيَّة، وَهُوَ خَطَأ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْبَيْتُ يُروى لِبشْر بْنِ أَبي خازِم.

وعَيْرُ السَّراة: طَائِرٌ كَهَيْئَةِ الْحَمَامَةِ قَصِيرُ الرِّجْلَيْنِ مُسَرْوَلُهما أَصفر الرِّجلين والمِنقار أَكحل الْعَيْنَيْنِ صَافِي اللَّوْن إِلى الخُضْرة أَصفر الْبَطْنِ وَمَا تَحْتَ جَنَاحَيْهِ وَبَاطِنِ ذَنَبِهِ كأَنه بُرْدٌ وشِّيَ، ويُجمَع عُيُورَ السَّراةِ، والسَّراةُ مَوْضِعٌ بِنَاحِيَةِ الطَّائِفِ، وَيَزْعُمُونَ أَن هَذَا الطَّائِرَ يأْكل ثلثمائة تِينةٍ من حين تطلعُ مِنَ الوَرقِ صِغارًا وَكَذَلِكَ العِنَب.

والعَيْرُ: اسْمُ رجُل كَانَ لَهُ وادٍ مُخْصِب، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ خَصيب غيَّره الدهرُ فأَقفر، فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَوْحِشُهُ وَتَضْرِبُ بِهِ المَثَل فِي البلَد الوَحْش، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ وادٍ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

ووادٍ، كجَوْف العَيْرِ، قَفْرٍ مَضِلَّةٍ، ***قطعتُ بِسَامٍ ساهِمِ الوَجْهِ حَسَّانِ

قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُ كجَوْف العَيرِ، أَي كَوَادِي العَيرِ وكلُّ وادٍ عِنْدَ الْعَرَبِ: جوفٌ.

وَيُقَالُ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي لَا خيرَ فِيهِ: هُوَ كَجَوْفٍ عَيرٍ لأَنه لَا شَيْءَ فِي جَوْفه يُنتفع بِهِ؛ وَيُقَالُ: أَصله قَوْلُهُمْ أَخلى مِنْ جَوْف حِمار.

وَفِي حَدِيثِ أَبي سُفْيَانَ: «قَالَ رَجُلٌ: أَغْتال مُحَمَّدًا ثُمَّ آخُذُ فِي عَيْرٍ عَدْوي»أَي أَمْضي فِيهِ وأَجعلُه طَرِيقِي وأَهْرب؛ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ الأَثير عَنْ أَبي مُوسَى.

وعَيْرٌ: اسْمُ جَبلَ؛ قَالَ الرَّاعِي:

بِأَعْلام مَرْكُوزٍ فَعَيْرٍ فَعُزَّبٍ، ***مَغَانِيَ أُمِّ الوَبْرِ إِذْ هِيَ مَا هِيَا

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه حَرَّم مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلى ثَوْرٍ»؛ هُمَا جَبَلَانِ، وَقَالَ ابْنُ الأَثير: جَبَلَانِ بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: ثَوْرٌ بِمَكَّةَ؛ قَالَ: وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلى أُحُد، وَقِيلَ: بِمَكَّةَ أَيضًا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ عَيْرٌ.

وابْنَةُ مِعْيَرٍ الدَّاهِيَةُ.

وبنَاتُ مِعْيَرٍ: الدَّوَاهِي؛ يُقَالُ: لَقِيتُ مِنْهُ ابْنَةَ مِعْيَرٍ؛ يُريدون الدَّاهِيَةَ وَالشِّدَّةَ.

وتِعَارٌ، بِكَسْرِ التَّاءِ: اسْمُ جبَل؛ قَالَ بِشْر يَصِفُ ظُعْنًا ارْتَحَلْنَ مِنْ مَنَازِلِهِنَّ فشبّههنَّ فِي هَوَادِجِهِن بالظِّباء فِي أَكْنِسَتِها:

وَلَيْلٍ مَا أَتَيْنَ عَلى أَرُومٍ ***وَشابَة، عَنْ شمائِلها تِعارُ

كأَنَّ ظِباءَ أَسْنِمَة عَلَيْهَا ***كَوانِس، قالِصًا عَنْهَا المَغَارُ

المَغارُ: أَماكن الظِّباء، وَهِيَ كُنُسها.

وشابَة وتِعار: جبَلان فِي بِلاد قَيْسٍ.

وأَرُوم وشابة: موضعان.

الجزء الخامس ر فصل الغين المعجمة "غبر: غَبَرَ الشيءُ يَغْبُر غُبورًا: مَكَثَ وَذَهَبَ.

وغَبَرَ الشيءُ يَغْبُر أَي بَقِيَ.

والغابِرُ: الْبَاقِي.

والغابِرُ: الْمَاضِي، وَهُوَ مِنَ الأَضداد؛ قَالَ اللَّيْثُ: وَقَدْ يَجِيء الغابِرُ فِي النَّعْتِ كَالْمَاضِي.

وَرَجُلٌ غابِرٌ وَقَوْمٌ غُبَّرٌ: غابِرون.

والغابِرُ مِنَ اللَّيْلِ: مَا بَقِيَ مِنْهُ.

وغُبْرُ كُلِّ شَيْءٍ: بقيَّته، وَالْجَمْعُ أَغبارٌ، وَهُوَ الغُبَّرُ أَيضًا، وَقَدْ غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى بَقِيَّةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَعَلَى بقيَّة دَمِ الْحَيْضِ؛ قَالَ ابْنُ حِلِّزة:

لَا تَكْسَعِ الشَّوْلَ بأَغْبارِها، ***إِنَّك لَا تَدْرِي مَنِ الناتِجُ

وَيُقَالُ: بِهَا غُبَّرٌ مِنْ لَبَنٍ أَي بِالنَّاقَةِ.

وغُبَّرُ الحَيْض: بَقَايَاهُ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ الحُلَيس:

ومُبَرَّإٍ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضةٍ، ***وفَسادِ مُرْضِعَة، وداءٍ مُغْيِلِ

قَوْلُهُ: ومُبَرَّإٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدْ سَرَيْتُ عَلَى الظلامِ بمِغْشَم وغُبَّرُ المرَض: بَقَايَاهُ، وَكَذَلِكَ غُبْرُ اللَّيْلِ.

وغُبْرُ اللَّيْلِ: آخِرُهُ.

وغُبْرُ اللَّيْلِ: بَقَايَاهُ، وَاحِدُهَا غُبْرٌ.

وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «بِفِنائه أَعْنُزٌ دَرُّهُنَّ غُبْرٌ»؛ أي قَلِيلٌ.

وغُبْرُ اللبَن: بقيَّته وَمَا غَبَرَ مِنْهُ.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «إِنه كَانَ يَحْدُر فِيمَا غَبَرَ مِنَ السُّورة»؛ أَي يُسرِع فِي قِراءتها؛ قَالَ الأَزهري: يَحْتَمِلُ الغابِرُ هُنَا الْوَجْهَيْنِ يَعْنِي الْمَاضِيَ وَالْبَاقِيَ، فإِنه مِنَ الأَضداد، قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ الْكَثِيرُ أَن الغابِرَ الْبَاقِي.

قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَئمة إِنه يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَاضِي؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَنه اعتكَفَ العَشْر الغوابِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، » أَي الْبَوَاقِيَ، جمعُ غابِرٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «سُئِل عَنْ جُنُب اغْتَرَفَ بكُوز مِنْ حُبّ فأَصابت يدُه الْمَاءَ»، فَقَالَ: غابرُه نَجِسٌ أَي باقيهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَلَمْ يَبْقَ إِلا غُبَّرات مِنْ أَهل الْكِتَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ: غُبَّرُ أَهل الْكِتَابِ»؛ الغُبَّر جَمْعُ غابِر، والغُبَّرات جَمْعُ غُبَّرٍ.

وَفِي حَدِيثِ عَمرو بْنِ الْعَاصِ: «مَا تأَبَّطَتْني الإِماءُ وَلَا حَمَلَتْني الْبَغَايَا فِي غُبَّرات الْمَآلِي»؛ أَراد أَنه لَمْ تتولَّ الإِماء تربيتَه، وَالْمَآلِي: خِرَقُ الْحَيْضِ؛ أي فِي بَقاياها؛ وتَغَبَّرْتُ مِنَ المرأَة وَلَدًا.

وتَزَوَّج رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ امرأَة قَدْ أَسنَّت فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لعلِّي أَتَغبَّر مِنْهَا وَلَدًا، فولدتْ لَهُ غُبَرَ.

مِثالُ عُمَر، وَهُوَ غُبَرُ بنَ غَنْم بْنِ يَشْكُر بْنِ بَكْر بْنِ وَائِلٍ.

وَنَاقَةٌ مِغْبار: تَغْزُرُ بَعْدَ مَا تَغْزُرُ اللَّواتِي يُنْتَجْن مَعَهَا.

ونَعت أَعرابي نَاقَةً فَقَالَ: إِنَّها مِعْشارٌ مِشْكار مِغْبارٌ، فالمِغْبار مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، والمِشْكار الغَزيرة عَلَى قِلَّة الحَظِّ مِنَ المَرْعى، والمِعشَار تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

ابْنُ الأَنباري: الغابِرُ الْبَاقِي فِي الأَشْهَر عِنْدَهُمْ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لِلْمَاضِي غابِرٌ؛ قَالَ الأَعشى فِي الغابِرِ بِمَعْنَى الْمَاضِي:

عَضَّ بِما أَبْقى المَواسي لَهُ، ***مِنْ أُمِّه، فِي الزَّمَن الغابِرِ

أَراد الماضي.

قال الأَزهري: والعروف فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَن الغابِرَ الْبَاقِي.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الغُبَّرات البَقايا، وَاحِدُهَا غابِرٌ، ثُمَّ يُجْمَعُ غُبَّرًا، ثُمَّ غُبَّرات جَمْعُ الْجَمْعِ.

وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ أَئمة اللُّغَةِ: إِن الغابرَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَاضِي.

وَدَاهِيَةُ الغَبَرِ، بِالتَّحْرِيكِ: دَاهِيَةٌ عَظِيمَةٌ لَا يُهتدى لِمِثْلها؛ قَالَ الحرْمازي يَمْدَحُ المنذِرَ بنَ الجارُودِ:

أَنت لَهَا مُنْذِرُ، مِنْ بَيْنِ البَشَرْ، ***داهِيَةُ الدَّهْرِ وصَمَّاء الغَبَرْ

يُرِيدُ يَا مُنْذِرُ.

وَقِيلَ: دَاهِيَةُ الغَبَرِ الَّذِي يعانِدُك ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى قَوْلِكَ.

وَحَكَى أَبو زَيْدٍ: مَا غَبَّرْت إِلا لِطَلَب المِراء.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَنْ أَمثالهم فِي الدَّهاءِ والإِرْب: إِنه لَدَاهِيَةُ الغَبَر؛ وَمَعْنَى شِعْرِ الْمُنْذِرِ يَقُولُ: إِن ذُكِرتْ يَقُولُونَ لَا تَسْمَعُوهَا فإِنها عَظِيمَةٌ؛ وأَنشد: " قَدْ أَزِمَتْ إِن لَمْ تُغَبَّرْ بِغَبَرْ "قَالَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ جُرْح غَبِرٌ.

وَدَاهِيَةُ الغَبَر: بَلِيَّةٌ لَا تَكَادُ تَذْهَبُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

وعاصِمًا سَلَّمَهُ مِنَ الغدَرْ ***مِنْ بَعْدِ إِرْهان بصَمَّاء الغَبَرْ

قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يَقُولُ أَنجاه مِنَ الْهَلَاكِ بَعْدَ إِشراف عَلَيْهِ.

وإِرْهانُ الشَّيْءِ: إِثباتُه وإِدامتُه.

والغَبَرُ: الْبَقَاءُ والغَبَرُ، بِغَيْرِ هَاءٍ: التُّراب؛ عَنْ كُرَاعٍ.

والغَبَرةُ والغُبار: الرَّهَجُ، وَقِيلَ: الغَبَرةُ تردُّد الرَّهَجِ فإِذا ثَارَ سُمّي غُبارًا.

والغُبْرة: الغُبار أَيضًا؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

بِعَيْنَيَّ لَمْ تَسْتأْنسا يومَ غُبْرَةٍ، ***وَلَمْ تَرِدا أَرضَ العِراق فَتَرْمَدَا

وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

فَرَّجْت هَاتِيكَ الغُبَرْ ***عَنَّا، وَقَدْ صَابَتْ بقُرْ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّرْهُ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه عَنَى غُبَر الجَدْب لأَن الأَرض تَغْبَرُّ إِذا أَجْدَبَتْ؛ قَالَ: وَعِنْدِي أَن غُبَر هَاهُنَا مَوْضِعٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا يَكُونَ فِي هَذِهِ الأُمَّة مِنَ الْجُوعِ الأَغْبَرِ والمَوْت الأَحْمر»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا مِنْ أَحسن الاستِعارات لأَن الْجُوعَ أَبدًا يَكُونُ فِي السِّنِينَ المُجدبة، وسِنُو الجَدْب تُسمَّى غُبْرًا لاغْبرار آفَاقِهَا مِنْ قلَّة الأَمطار وأَرَضِيها مِنْ عَدَم النَّبَاتِ والاخْضِرار، والموتُ الأَحمرُ الشَّدِيدُ كأَنه موتٌ بالقَتْل وإِراقة الدِّمَاءِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عبدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ: يُخَرّب البَصْرةَ الجُوعُ الأَغْبَر وَالْمَوْتُ الأَحْمَرُ "؛ هُوَ مِنْ ذَلِكَ.

واغْبَرَّ الْيَوْمُ: اشتدَّ غُباره؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ.

وأَغْبَرْتُ: أَثَرْت الغُبار، وَكَذَلِكَ غَبَّرْت تَغْبِيرًا.

وطَلَب فُلَانًا فَمَا شَقَّ غُبَارَه أَي لَمْ يُدْرِكه.

وغَبَّرَ الشيءَ: لَطَّخَه بالغُبارِ.

وتَغَبَّر: تلطَّخ بِهِ.

واغبَرَّ الشيءُ: عَلاه الغُبار.

والغَبْرةُ: لطخُ الغُبار.

والغُبْرَة: لَوْنُ الغُبار؛ وَقَدْ غَبِرَ واغْبَرَّ اغْبِرَارًا، وَهُوَ أَغْبَرُ.

والغُبْرة: اغْبِرار اللوْن يَغْبَرُّ للهمِّ وَنَحْوِهِ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ}؛ قَالَ: وَقَوْلُ الْعَامَّةِ غُبْرة خَطَأٌ، والغُبْرة لَوْنُ الأَغْبر، وَهُوَ شَبِيهٌ بالغُبار.

والأَغْبر: الذِّئْبُ لِلَوْنِهِ؛ التَّهْذِيبُ: والمُغَبِّرة قَوْمٌ يُغَبِّرون بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ، كَمَا قَالَ:

عِبَادُكَ المُغَبِّره، ***رُشَّ عَلَيْنَا المَغفِرَه

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ سَمَّوْا مَا يُطَرِّبون فِيهِ مِنَ الشِّعْر فِي ذِكْرِ الله تَغْبيرًا كأَنهم تنَاشَدُوهُ بالأَلحان طَرَّبوا فَرَقَّصوا وأَرْهَجوا فسُمّوا مُغَبِّرة لِهَذَا الْمَعْنَى.

قَالَ الأَزهري: وَرُوِّينَا عَنْ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: أَرى الزَّنادِقة وَضَعوا هَذَا التَّغْبِير ليَصُدّوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سُمّوا مُغَبِّرين لِتَزْهِيدِهِمُ النَّاسَ فِي الْفَانِيَةِ، وَهِيَ الدُّنْيَا، وَتَرْغِيبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ، والمِغْبار مِنَ النَّخْلِ: الَّتِي يَعْلُوهَا الغُبار؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

والغَبْراء: الأَرض لغُبْرة لَوْنِهَا أَو لِمَا فِيهَا مِنَ الغُبار.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «بَيْنا رجُل فِي مَفَازَةٍ غَبْراء»؛ هِيَ الَّتِي لَا يُهْتَدَى لِلْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَجَاءَ عَلَى غَبْراء الظَّهْرِ وغُبَيراء الظَّهْرِ، يَعْنِي الأَرض.

وَتَرَكَهُ عَلَى غُبَيراء الظَّهْرِ أَي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ.

التَّهْذِيبُ: يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ عَلَى غُبَيراء الظَّهْرِ، وَرَجَعَ عَوْده عَلَى بَدْئه، وَرَجَعَ عَلَى أَدْراجه ورَجَع دَرَجَه الأَوَّل، ونكَص عَلَى عَقِبَيْه، كُلُّ ذَلِكَ إِذا رَجَعَ وَلَمْ يصِب شَيْئًا.

وَقَالَ ابْنُ أَحمر: إِذا رَجَعَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَاجَتِهِ قِيلَ: جَاءَ عَلَى غُبَيراء الظَّهْرِ كأَنه رَجَعَ وَعَلَى ظَهْرِهِ غُبار الأَرض.

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ كُثْوة: يُقَالُ تَرَكْتُهُ عَلَى غُبَيراء الظَّهْرِ إِذا خاصَمْت رَجُلًا فَخَصَمته فِي كُلِّ شَيْءٍ وَغَلَبْتَهُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ.

والوَطْأَة الغَبْراء: الْجَدِيدَةُ، وَقِيلَ: الدَّارِسَةُ وَهُوَ مِثْلُ الوَطأَة السَّوداء.

والغَبراء: الأَرض فِي قَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَظلَّت الخَضراء وَلَا أَقلَّت الغَبْراء ذَا لَهْجة أَصْدَقَ مِنْ أَبي ذَرٍّ "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الخَضراء السَّمَاءُ، والغَبْراء الأَرض؛ أَراد أَنه مُتَناهٍ فِي الصِّدق إِلى الْغَايَةِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى اتِّساع الْكَلَامِ وَالْمَجَازِ.

وعِزٌّ أَغْبر: ذاهبٌ دارِس؛ قَالَ المخبَّل السَّعْدِيُّ:

فأَنْزَلَهم دارَ الضَّياع، فأَصْبَحوا ***عَلَى مَقْعَدٍ مِنْ مَوْطِن العِزِّ أَغْبَرا

وسَنة غَبْرَاءُ: جَدْبة، وبَنُو غَبْراء: الْفُقَرَاءُ، وَقِيلَ: الغُرَباء، وَقِيلَ: الصَّعالِيك، وَقِيلَ: هُمُ الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ لِلشَّرَابِ مِنْ غَيْرِ تعارُف؛ قَالَ طرفَة:

رأَيتُ بَنِي غَبْراء لَا يُنْكِرُونَنِي، ***وَلَا أَهلُ هَذاك الطِّراف المُمَدَّد

وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يَتناهَدون فِي الأَسفار.

الْجَوْهَرِيُّ: وبَنُو غَبْراء الَّذِينَ فِي شِعْر طَرَفَةَ المَحَاويج، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ الْبَيْتَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ: رأَيت بَنِي غَبْراء لَا يُنْكِرُونَنِي قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وإِنما سُمِّيَ الْفُقَرَاءُ بَنِي غَبْراء للُصوقهم بالتُّراب، كَمَا قِيلَ لَهُمُ المُدْقِعُون لِلُصُوقِهِمْ بالدَّقْعاء، وَهِيَ الأَرض كأَنهم لَا حَائِلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا.

وَقَوْلُهُ: وَلَا أَهلُ مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْفَاعِلِ المضمَر فِي يُنكرونني، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلى تأْكيد لِطُولِ الْكَلَامِ بِلَا "النَّافِيَةِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سبحانَه وَتعالى: {مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا}.

وَالطِّرَافُ: خِباءٌ مِنْ أَدَم تَتَّخِذُهُ الأَغنياء؛ يَقُولُ: إِن الْفُقَرَاءَ يَعْرِفُونَنِي بإِعطائي وبِرّي والأَغنياء يَعْرِفُونَنِي بفَضْلي وجَلالة قَدْرِي.

وَفِي حَدِيثِ أُوَيْس: «أَكون فِي غُبَّر النَّاسِ أَحبُّ إِليَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي غَبْراء النَّاسِ»، بِالْمَدِّ، فالأَوّل فِي غُبَّر النَّاسِ؛ أي أَكون مَعَ المتأَخرين لَا المتقدِّمين الْمَشْهُورِينَ، وَهُوَ مِنَ الغابِرِ الْبَاقِي، وَالثَّانِي فِي غَبْراء النَّاسِ بِالْمَدِّ؛ أي فِي فُقَرَائِهِمْ؛ وَمِنْهُ قِيلَ للمَحاويج بَنُو غَبْراء كأَنهم نُسبوا إِلى الأَرض وَالتُّرَابِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وبَنُو غَبْراء فِيهَا ***يَتعاطَون الصِّحافا

يَعْنِي الشُّرْب.

والغَبْراء: اسْمُ فَرَسُ قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ العَبسي.

والغَبْراء: أُنثى الحَجَل.

والغَبْراء والغُبَيْراء: نَباتٌ سُهْلِيٌّ، وَقِيلَ: الغَبْراء شَجَرَتُهُ والغُبَيْراء ثَمَرَتُهُ، وَهِيَ فَاكِهَةٌ، وَقِيلَ: الغُبَيْراء شَجَرَتُهُ والغَبْراء ثَمَرَتُهُ بِقَلْبِ ذَلِكَ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِيهِ سَوَاءٌ، وأَما هَذَا الثَّمَرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الغُبَيْراء فَدَخِيلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الغُبَيْراء شَجَرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، سُمِّيَتْ غُبَيْراء لِلَوْنِ وَرَقِها وَثَمَرَتِهَا إِذا بَدَتْ ثُمَّ تَحْمَرُّ حُمْرة شَدِيدَةً، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا الِاشْتِقَاقُ بِمَعْرُوفٍ، قَالَ: وَيُقَالُ لِثَمَرَتِهَا الغُبَيراء، قَالَ: وَلَا تُذْكَرُ إِلا مُصَغَّرَةً.

والغُبَيراء: السُّكُرْكَةُ، وَهُوَ شَرَابٌ يُعْمَلُ مِنَ الذُّرَةِ يَتَّخِذُهُ الحَبَشُ وَهُوَ يُسْكِر.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِياكم والغُبَيراءَ فإِنها خَمْرُ الْعَالَمِ».

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ خَمْرٌ تُعْمَل مِنَ الغُبَيراء، هَذَا الثَّمَرِ الْمَعْرُوفِ، أَي هِيَ مِثْلُ الْخَمْرِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا جَمِيعُ النَّاسِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ.

والغَبْراء مِنَ الأَرض: الخَمِرُ.

والغَبْراء والغَبَرة: أَرض كَثِيرَةُ الشَّجَرِ.

والغِبْرُ: الحِقْد كالغِمْر.

وغَبِرَ العِرْق غَبَرًا، فَهُوَ غَبِرٌ: انْتَقَضَ.

وَيُقَالُ: أَصابه غَبَرٌ فِي عِرْقِه أَي لَا يَكَادُ يبرأُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَهُوَ لَا يَبْرأُ مَا فِي صَدْرِه، ***مِثْلَ مَا لَا يَبْرأُ العِرْقُ الغَبِرْ

بِكَسْرِ الْبَاءِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


41-لسان العرب (أرس)

أرس: الإِرْس: الأَصل، والأَريس: الأَكَّارُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.

وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «بَلَغَهُ أَن صَاحِبَ الرُّومِ يُرِيدُ قَصْدَ بلاد الشام أَيام صِفِّينَ، فَكَتَبَ إِليه: تاللَّه لَئِنْ تممْتَ عَلَى مَا بَلَغَني لأُصالحنَّ صَاحِبِي، ولأَكونن مُقَدَّمَتَهُ إِليك، ولأَجعلن القُسطنطينية الْحَمْرَاءَ حُمَمَةً سَوْدَاءَ، ولأَنْزِعَنَّك مِنَ المُلْكِ نَزْعَ الإِصْطَفْلينة، ولأَرُدَّنَّك إِرِّيسًا مِنَ الأَرارِسَةِ تَرْعى الدَّوابِل، وَفِي رِوَايَةٍ: كَمَا كُنْتَ تَرْعَى الخَنانيص»؛ والإِرِّيس: الأَمير؛ عَنْ كُرَاعٍ، حَكَاهُ فِي بَابِ فِعِّيل، وعَدَلَه بإِبِّيلٍ، والأَصل عِنْدَهُ فِيهِ رِئّيسٌ، عَلَى فِعِّيل، مِنَ الرِّياسةِ.

والمُؤرَّس: المُؤمَّرُ فقُلِبَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ يَدْعُوهُ إِلى الإِسلام وَقَالَ فِي آخِرِهِ: إِن أَبَيْتَ فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسين».

ابْنُ الأَعرابي: أَرَس يأْرِسُ أَرْسًا إِذا صَارَ أَريسًا، وأَرَّسَ يُؤَرِّسُ تأْريسًا إِذا صَارَ أَكَّارًا، وَجَمْعُ الأَرِيس أَرِيسون، وَجَمْعُ الإِرِّيسِ إِرِّيسُونَ وأَرارِسَة وأَرارِسُ، وأَرارِسةٌ يَنْصَرِفُ، وأَرارِسُ لَا يَنْصَرِفُ، وَقِيلَ: إِنما قَالَ "ذَلِكَ لأَن الأَكَّارينَ كَانُوا عِنْدَهُمْ مِنَ الفُرْسِ، وَهُمْ عَبَدَة النَّارِ، فَجَعَلَ عَلَيْهِ إِثمهم.

قَالَ الأَزهري: أَحسِب الأَريس والإِرِّيس بِمَعْنَى الأَكَّار مِنْ كَلَامِ أَهل الشَّامِ، قَالَ: وَكَانَ أَهل السَّواد وَمَنْ هُوَ عَلَى دِينِ كِسْرى أَهلَ فِلَاحَةٍ وإِثارة للأَرض، وَكَانَ أَهل الرُّومِ أَهلَ أَثاثٍ وَصَنْعَةٍ، فَكَانُوا يَقُولُونَ لِلْمَجُوسِيِّ: أَريسيٌّ، نَسَبُوهُمْ إِلى الأَريس وَهُوَ الأَكَّارُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِمُ الْفَلَّاحِينَ، فأَعلمهم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهم، وإِن كَانُوا أَهل كِتَابٍ، فإِن عَلَيْهِمْ مِنَ الإِثم إِن لَمْ يؤْمنوا بِنُبُوَّتِهِ مِثْلَ إِثم الْمَجُوسِ وفَلَّاحي السَّواد الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، قَالَ: وَمِنَ الْمَجُوسِ قَوْمٌ لَا يَعْبُدُونَ النَّارَ وَيَزْعُمُونَ أَنهم عَلَى دِينِ إِبراهيم، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وأَنهم يَعْبُدُونَ اللَّه تَعَالَى وَيُحَرِّمُونَ الزِّنَا وَصِنَاعَتُهُمُ الْحِرَاثَةُ ويُخْرِجون العُشر مِمَّا يَزْرَعُونَ غَيْرَ أَنهم يأْكلون المَوْقوذة، قَالَ: وأَحسبهم يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ، وَكَانُوا يُدعَوْن الأَريسين؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ أَن الإِرِّيسَ الأَكَّارُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنه عَبَّرَ بالأَكَّارين عَنِ الأَتباع، قَالَ: والأَجود عِنْدِي أَن يُقَالَ: إِن الإِرِّيس كَبِيرُهُمُ الَّذِي يُمْتَثَلُ أَمره وَيُطِيعُونَهُ إِذا طَلَبَ مِنْهُمُ الطَّاعَةَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَن الإِرِّيس مَا ذَكَرْتُ لَكَ قَوْلُ أَبي حِزام العُكْليّ:

لَا تُبِئْني، وأَنتَ لِي، بِكَ، وَغْدٌ، ***لَا تُبِئْ بالمُؤَرَّسِ الإِرِّيسا

يُقَالُ: أَبَأْتُه بِهِ أَي سَوَّيته بِهِ، يُرِيدُ: لَا تُسَوِّني بِكَ.

والوَغْدُ: الْخَسِيسُ اللَّئِيمُ، وَفَصَلَ بُقُولِهِ: لِي بِكَ، بَيْنَ المبتدإِ وَالْخَبَرِ، وَبِكَ مُتَعَلِّقٌ بِتُبِئْنِي، أَي لَا تُبِئْنِي بِكَ وأَنت لِي وَغْدٌ أَي عَدوٌّ لِأَنَّ اللَّئِيمَ عدوٌّ لِي وَمُخَالِفٌ لِي، وَقَوْلُهُ: لَا تبئْ بالمؤَرَّس الإِرِّيسا "أَي لَا تُسَوِّ الإِرِّيسَ، وَهُوَ الأَمير، بالمُؤَرَّس؛ وَهُوَ المأْمور وَتَابِعُهُ، أَي لَا تُسَوِّ الْمَوْلَى بِخَادِمِهِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهِرَقل: " فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسين "، يُرِيدُ الَّذِينَ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى هِدَايَةِ قَوْمِهِمْ ثُمَّ لَمْ يَهْدُوهُمْ، وأَنت إِرِّيسُهم الَّذِي يُجِيبُونَ دَعْوَتَكَ وَيَمْتَثِلُونَ أَمرك، وإِذا دَعَوْتُهُمْ إِلى أَمر أَطاعوك، فَلَوْ دَعَوْتَهُمْ إِلى الإِسلام لأَجابوك، فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسين الَّذِينَ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى هِدَايَةِ قَوْمِهِمْ ثُمَّ لَمْ يَهْدُوهُمْ، وَذَلِكَ يُسْخِط اللَّهَ ويُعظم إِثمهم؛ قَالَ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَن تَجْعَلَ الإِرِّيسين، وَهُمُ الْمَنْسُوبُونَ إِلى الإِرِّيس، مِثْلُ المُهَلَّبين والأَشْعَرين الْمَنْسُوبِينَ إِلى المُهَلَّب وإِلى الأَشْعَر، وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَن يَكُونَ بياءَي النِّسْبَةِ فَيُقَالُ: الأَشْعَرِيُّون والمُهَلَّبيُّون، وَكَذَلِكَ قِيَاسُ الإِرِّيسين الإِرِّيسيُّون فِي الرَّفْعِ والإِرِّيسيِّين فِي النَّصَبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: وَيُقَوِّي هَذَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الإِرِّيسيِّين، وَهَذَا مَنْسُوبٌ قَوْلًا وَاحِدًا لِوُجُودِ ياءَي النِّسْبَةِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَعَلَيْكَ إِثم الإِرِّيسيين الَّذِينَ هُمْ دَاخِلُونَ فِي طَاعَتِكَ وَيُجِيبُونَكَ إِذا دَعَوْتَهُمْ ثُمَّ لَمْ تَدْعُهُم إِلى الإِسلام، وَلَوْ دَعَوْتَهُمْ لأَجابوك، فَعَلَيْكَ إِثمهم لأَنك سَبَبُ مَنْعِهِمُ الإِسلام وَلَوْ أَمرتهم بالإِسلام لأَسلموا؛ وَحُكِيَ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ: هُمُ الخَدَمُ والخَوَلُ، يَعْنِي بصَدِّه لَهُمْ عَنِ الدِّينِ، كَمَا قَالَ تعالى: {رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا}؛ أَي عَلَيْكَ مِثْلُ إِثمهم.

قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الأَموال: أَصحاب الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الإِريسيين مَجْمُوعَا مَنْسُوبًا وَالصَّحِيحُ بِغَيْرِ نَسَبٍ، قَالَ: وَرَدَّهُ عَلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي رَهط هِرَقل فرقةٌ تَعْرَفُ بالأَروسِيَّة فجاءَ عَلَى النَّسَبِ إِليهم، وَقِيلَ: إِنهم أَتباع عَبْدِ اللَّه بْنِ أَريس، رَجُلٌ كَانَ فِي الزَّمَنِ الأَول، قَتَلُوا نَبِيًّا بَعَثَهُ اللَّه إِليهم، وَقِيلَ: الإِرِّيسون الْمُلُوكُ، " وَاحِدُهُمْ إِرِّيس، وَقِيلَ: هُمُ العَشَّارون.

وأَرْأَسَة بْنُ مُرِّ بْنِ أُدّ: مَعْرُوفٌ.

وَفِي حَدِيثِ خَاتَمِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَسَقَطَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ»، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فِي بِئْرِ أَريسَ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، هِيَ بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ قُباء عند المدينة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


42-لسان العرب (دكك)

دكك: الدَّكُّ: هَدْمُ الْجَبَلِ وَالْحَائِطِ وَنَحْوِهِمَا، دَكَّه يَدُكُّه دَكًّا.

اللَّيْثُ: الدَّكّ كَسْرُ الْحَائِطِ وَالْجَبَلِ.

وَجَبَلٌ دُكٌّ: ذَلِيلٌ، وَجَمْعُهُ دِكَكَةٌ مِثْلُ جُحْر وجِحرَة.

وَقَدْ تَدَكْدَكَتِ الجبالُ أَي صَارَتْ دَكَّاوَات، وَهِيَ رَواب مِنْ طِينٍ، وَاحِدَتُهَا دَكَّاء.

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: دَكُّها زَلْزَلَتُهَا، وَلَمْ يَقُلْ فدكِكْنَ لأَنه جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ، وَلَوْ قَالَ فدُكَّتْ دَكَّةً لَكَانَ صَوَابًا.

قَالَ ابْنُ الإِعرابي: دَكَّ هَدَم ودُكَّ هُدِمَ.

والدِّكَكُ: القيرانُ المُنْهالة.

والدِّكَكُ: الهِضاب المفسَّخة.

والدَّكُّ: شَبِيهٌ بِالتَّلِّ.

والدَّكَّاءُ: الرَّابيةمِنَ الطِّينِ لَيْسَتْ بِالْغَلِيظَةِ، وَالْجَمْعُ دَكَّاوَاتٌ، أَجروه مَجْرَى الأَسماء لِغَلَبَتِهِ كَقَوْلِهِمْ لَيْسَ فِي الخَضْرَاواتِ صَدَقَةً.

وأَكَمة دَكَّاء إِذَا اتَّسَعَ أَعلاها، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ نَادِرٌ لأَن هَذَا صِفَةٌ.

والدَّكَّاواتُ: تلال خلقة، لَا يُفْرَدُ لَهَا وَاحِدٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن وَاحِدَتَهَا دَكَّاء كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ الأَصمعي: الدَّكَّاوَاتُ مِنَ الأَرض الْوَاحِدَةُ دَكَّاء وَهِيَ رَوَابٍ مِنْ طِينٍ لَيْسَتْ بالغِلاظ، قَالَ: وَفِي الأَرض الدِّكَكَةُ، وَالْوَاحِدُ دُكّ، وَهِيَ رَوابٍ مُشْرِفَةٌ مِنْ طِينٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ غِلَظٍ، ويُجْمَع الدَّكَّاءُ مِنَ الأَرض دَكَّاوات ودُكًّا، مِثْلَ حَمْراوات وحُمْر.

والدُّكُكُ: النُّوقُ المنفضِخة الأَسْنِمَةِ.

وَبَعِيرٌ أَدَكُّ: لَا سَنَامَ لَهُ، وَنَاقَةٌ دَكَّاء كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ دُكّ ودَكَّاوات مثل حُمْر حَمْراوات قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَمْراء لا يجمعع بالأَلف وَالتَّاءِ فَيُقَالُ حَمْراوات كَمَا لَا يُجْمَعُ مُذَكَّرُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ فَيُقَالُ أَحْمَرُون، وأَما دَكَّاء فَلَيْسَ لَهَا مُذَكَّرٌ وَلِذَلِكَ جَازَ أَن يُقَالَ دَكَّاوَات، وَقِيلَ: نَاقَةٌ دَكَّاءُ لِلَّتِي افْتَرَشَ سَنَامُهَا فِي جَنْبَيْهَا وَلَمْ يُشْرِف، وَالِاسْمُ الدَّكَكُ، وَقَدِ انْدَكَّ.

وَفَرَسٌ مَدْكُوك: لَا إشْرَاف لِحَجَبَتِه.

وَفَرَسٌ أَدَكُّ إِذَا كَانَ مُتدانيًا عَرِيضَ الظَّهْرِ.

وَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ: إنَّا وَجَدْنَا بالعِراق خَيْلًا عِرَاضًا دُكًّا فَمَا يَرَى أَمير الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَسهامها "أَي عِراض الظُّهُورِ قِصَارَهَا.

وَخَيْلٌ دُكٌّ وَفَرَسٌ أَدَكّ إِذَا كَانَ عَرِيضَ الظَّهْرِ قَصِيرًا؛ حَكَاهُ أَبو عبيدة عَنِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ: وَهِيَ البَرَاذين.

والدَّكَّةُ: بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعلاه.

وانْدَكَّ الرَّمْلُ: تَلَبَّدَ، والدُّكَّانُ مِنَ الْبِنَاءِ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ.

اللَّيْثُ: اخْتَلَفُوا فِي الدُّكَّان فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ فُعْلان مِنَ الدَّكّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ فُعّال مِنَ الدَّكَن، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الدَّكَّة والدُّكَّانُ الَّذِي يُقْعَدُ عَلَيْهِ؛ قَالَ المُثَقّب الْعَبْدِيُّ:

فأَبقَى باطِلِي، والجِدُّ مِنْهَا، ***كدُكَّانِ الدَّرَابِنَةِ المَطِين

قَالَ: وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَ النُّونَ أَصلية، والدَّرَابِنَة: البَوَّابُون، وَاحِدُهُمْ دَرْبانٌ.

والدَّكُّ والدَّكَّةُ: مَا اسْتَوَى مِنَ الرَّمْلِ وَسَهُلَ، وَجَمْعُهَا دِكاكٌ.

وَمَكَانٌ دَكٌّ مسْتَوٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {حَتَّى إِذا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكًّا}؛ قَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ دَكًّا بِالتَّنْوِينِ قَالَ: كأَنه قَالَ دَكَّهُ دَكًّا مَصْدَرٌ مؤَكد، قَالَ: وَيَجُوزُ جَعْلُهُ أَرضًا ذَا دَكٍّ كقوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}، قَالَ: وَمَنْ قرأَها دَكَّاءَمَمْدُودًا أَراد جَعَله مِثْلَ دَكَّاءَ وَحَذَفَ مِثْلَ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى مِثْلَ وإِنما الْمَعْنَى جَعَلَ الْجَبَلَ أَرضًا دَكَّاء وَاحِدًا، قَالَ: وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ إِذَا ذَهَبَ سنَامها.

قَالَ الأَزهري: وأَفادني ابْنُ الْيَزِيدِيِّ عَنْ أَبي زَيْدٍ جَعَلَهُ دَكًّا"، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ سَاخَ فِي الأَرض فَهُوَ يَذْهَبُ حَتَّى الْآنَ، وَمَنْ قرأَ دَكَّاءَ عَلَى التأَنيث فلتأْنيث الأَرض جَعَله أَرضًا دَكَّاء.

الأَخفش: أَرض دَكٌّ وَالْجَمْعُ دُكُوك.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {جَعَلَهُ دَكًّا}، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مَصْدَرًا لأَنه حِينَ قَالَ جَعَلَهُ كأَنه قَالَ دَكَّه فَقَالَ دَكًّا، أَو أَراد جَعله ذَا دَكٍّ فَحَذَفَ، وَقَدْ قُرئ بِالْمَدِّ، أَيْ جَعَلَهُ أَرْضًا دَكَّاء فَحَذَفَ لأَن الْجَبَلَ مُذَكَّرٌ.

ودَكَّ الأَرضَ دَكًّا: سَوّى صَعُودَها وهَبُوطها، وَقَدِ انْدَكَّ الْمَكَانُ.

ودَكَّ الترابَ يَدُكُّه دَكًّا: كَبَسَهُ وسَوّاه.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: إِذا كَبَسَ السَّطْحَ بِالتُّرَابِ قِيلَ دَكّ التُّرَابَ عَلَيْهِ دَكًّا.

ودَكَّ التُّرَابَ عَلَى الْمَيِّتِ يَدُكُّه دَكًّا: هَالَهُ.

ودَكَكْتُ التُّرَابَ عَلَى الْمَيِّتِ أَدُكُّه إِذا هِلْته عَلَيْهِ.

ودَكْدَكْتُ الرَّكِيَّ أَي دَفَنْتُهُ بِالتُّرَابِ.

ودَكَّ الرَّكِيّة دَكًّا: دَفَنَهَا وطَمَّها.

والدَّك: الدَّقُّ، وَقَدْ دَكَكْتُ الشَّيْءَ أَدُكُّه دَكًّا إِذَا ضَرَبْتَهُ وَكَسَرْتَهُ حَتَّى سَوَّيْتَهُ بالأَرض؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً}.

والدِّكْدِكُ والدَّكْدَكُ والدَّكْدَاكُ مِنَ الرَّمْلِ.

مَا تَكَبَّس وَاسْتَوَى، وَقِيلَ: هُوَ بَطْنٌ مِنَ الأَرض مُسْتَوٍ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ رَمْلٌ ذُو تُرَابٍ يَتَلَبَّدُ.

الأَصمعي: الدَّكْدَاكُ مِنَ الرَّمْلِ مَا الْتَبَد بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ بالأَرض وَلَمْ يَرْتَفِعْ كَثِيرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه سأَل جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْزِلِهِ فَقَالَ: سَهْلٌ ودَكْدَاكٌ وسَلَمٌ وأَراكٌ»أَي أَن أَرضهم لَيْسَتْ ذَاتَ خُزُونة؛ قَالَ لَبِيدٌ:

وغيث بدَكْدَاكٍ، يَزِينُ وِهَادَهُ ***نباتٌ كوَشْي العَبْقَريِّ المُخَلَّب

وَالْجَمْعُ الدَّكادِك والدَّكادِيك؛ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: «إِلَيْكَ أَجُوبُ القُورَ بَعْدَ الدَّكادِكِ» وقال الراجز:

يَا دَارَ سَلْمَى بدَكادِيكِ البُرَقْ ***سَقْيًا فَقَدْ هَيَّجْتِ شَوْق المُشْتَأَقْ

والدَّكْدَك والدِّكْدَكُ والدِّكْدَاكُ: أَرض فِيهَا غِلَظٌ.

وأَرض مَدْكوكة إِذَا كَثُرَ بِهَا النَّاسُ ورُعاة المال حتى يفسدها ذَلِكَ وَتَكْثُرَ فِيهَا آثَارُ الْمَالِ وأَبواله، وَهُمْ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ إِلَّا أَن يَجْمَعَهُمْ أَثر سَحَابَةٍ فَلَا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرض مَدْكوكة لَا أَسناد لَهَا تُنْبتُ الرِّمْث.

ودُكَّ الرَّجُلُ، عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَهُوَ مَدْكوك إِذَا دَكَّتْه الحُمَّى وأَصابه مَرَضٌ.

ودَكَّتْه الْحُمَّى دَكًّا: أَضْعَفَتْهُ.

وأَمة مِدَكَّةٌ: قَوِيَّةٌ عَلَى الْعَمَلِ.

وَرَجُلٌ مِدَكٌّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: شَدِيدُ الْوَطْءِ عَلَى الأَرض.

الأَصمعي: صَكَمْتُه ولَكَمْتُه وصَكَكْتُه ودَكَكْتُه ولَكَكْتُه كُلُّهُ إِذَا دَفَعْتَهُ.

وَيَوْمٌ دَكِيك: تَامٌّ، وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ وَالْحَوْلُ.

يُقَالُ: أَقمت عِنْدَهُ حَوْلًا دَكيكًا أَي تَامًّا.

ابْنُ السِّكِّيتِ: عامٌ دَكِيكٌ كَقَوْلِكَ حَوْلٌ كَرِيتٌ أَي تامٌّ؛ قَالَ: " أَقمت بجُرْجَانَ حَوْلًا دَكِيكا وحَنْظل مُدَكَّكٌ: يُؤْكَلُ بِتَمْرٍ أَو غَيْرِهِ.

ودَكَّكه: خَلَطَهُ.

يُقَالُ: دَكِّكُوا لَنَا.

وتَدَاكَّ عَلَيْهِ الْقَوْمُ إِذَا ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «ثُمَّ تَدَاكَكْتم عليَّ تَدَاكُكَ الإِبل الهِيم عَلَى حِيَاضِهَا» أَي ازْدَحَمْتُمْ، وأَصل الدَّكّ الْكَسْرُ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «أَنا أَعلم النَّاسِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، قَالَ فتَدَاكَّ النَّاسُ عَلَيْهِ.

أَبو عَمْرٍو: دَكَّ الرَّجُلُ جَارَيْتَهُ إِذَا جَهِدَهَا بِإِلْقَائِهِ ثِقَلَهُ عَلَيْهَا إِذَا أَراد جماعها؛ وأَنشد الإِبادي:

فقَدْتُكَ مِنْ بَعْلٍ عَلامَ تَدُكُّني ***بِصَدْرِكَ، لَا تُغْني فَتِيلًا ولا تُعْلي؟

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


43-لسان العرب (عدل)

عدل: العَدْل: مَا قَامَ فِي النُّفُوسِ أَنه مُسْتقيم، وَهُوَ ضِدُّ الجَوْر.

عَدَل الحاكِمُ فِي الْحُكْمِ يَعْدِلُ عَدْلًا وَهُوَ عادِلٌ مِنْ قَوْمٍ عُدُولٍ وعَدْلٍ؛ الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ كتَجْرِ وشَرْبٍ، وعَدَلَ عَلَيْهِ فِي القضيَّة، فَهُوَ عادِلٌ، وبَسَطَ الْوَالِي عَدْلَه ومَعْدِلَته.

وَفِي أَسماء الله سبحانه: العَدْل، هو الَّذِي لَا يَمِيلُ بِهِ الْهَوَى فيَجورَ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ فوُضِعَ مَوْضِعَ العادِلِ، وَهُوَ أَبلغ مِنْهُ لأَنه جُعِلَ المُسَمَّى نفسُه عَدْلًا، وَفُلَانٌ مِنْ أَهل المَعْدِلة أَي مِنْ أَهل العَدْلِ.

والعَدْلُ: الحُكْم بِالْحَقِّ، يُقَالُ: هُوَ يَقْضي بِالْحَقِّ ويَعْدِلُ.

وَهُوَ حَكَمٌ عَادِلٌ: ذُو مَعْدَلة فِي حُكْمِهِ.

والعَدْلُ مِنَ النَّاسِ: المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه.

وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ: رَجُلٌ عَدْلٌ وعادِلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ.

ورَجُلٌ عَدْلٌ: رِضًا ومَقْنَعٌ فِي الشَّهَادَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَمِنْهُ قَوْلُ كُثَيِّرٍ:

وبايَعْتُ لَيْلى فِي الخَلاء، وَلَمْ يَكُنْ ***شُهودٌ عَلَى لَيْلى عُدُولٌ مَقَانِعُ

ورَجُلٌ عَدْلٌ بيِّن العَدْلِ والعَدَالة: وُصِف بِالْمَصْدَرِ، مَعْنَاهُ ذُو عَدْلٍ.

قَالَ فِي مَوْضِعَيْنِ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَقَالَ: يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ "؛ وَيُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ ورَجُلانِ عَدْلٌ ورِجالٌ عَدْلٌ وامرأَة عَدْلٌ ونِسْوةٌ عَدْلٌ، كلُّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى رجالٌ ذَوُو عَدْلٍ ونِسوةٌ ذَوَاتُ عَدْلٍ، فَهُوَ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّث، فإِن رأَيته مَجْمُوعًا أَو مُثَنًّى أَو مؤَنثًا فَعَلَى أَنه قَدْ أُجْرِي مُجْرى الْوَصْفِ الَّذِي لَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ جِنِّي: امرأَة عَدْلة، أَنَّثوا الْمَصْدَرَ لَمَّا جَرَى وَصْفًا عَلَى الْمُؤَنَّثِ وإِن لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَلَا هُوَ الْفَاعِلُ فِي الْحَقِيقَةِ، وإِنما اسْتَهْواه لِذَلِكَ جَرْيُها وَصْفًا عَلَى الْمُؤَنَّثِ؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَوْلُهُمْ رَجُلٌ عَدْلٌ وامرأَة عَدْل إِنما اجْتَمَعَا فِي الصِّفَةِ المُذَكَّرة لأَن التَّذْكِيرَ إِنما أَتاها مِنْ قِبَل الْمَصْدَرِيَّةِ، فإِذا قِيلَ رَجُلٌ عَدْلٌ فكأَنه وَصَفَ بِجَمِيعِ الْجِنْسِ مُبَالَغَةً كَمَا تَقُولُ: استَوْلى عَلَى الفَضْل وَحَازَجميعَ الرِّياسة والنُّبْل وَنَحْوَ ذَلِكَ، فوُصِف بِالْجِنْسِ أَجمع تَمْكِينًا لِهَذَا الْمَوْضِعِ وَتَوْكِيدًا، وجُعِل الإِفراد وَالتَّذْكِيرُ أَمارةً لِلْمَصْدَرِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي خَصْمٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا وُصِف بِهِ مِنَ الْمَصَادِرِ، قَالَ: فإِن قُلْتَ فإِن لَفْظَ الْمَصْدَرِ قَدْ جَاءَ مُؤَنَّثًا نَحْوَ الزِّيادة والعِيادة والضُّؤُولة والجُهومة والمَحْمِيَة والمَوْجِدة والطَّلاقة والسَّباطة وَنَحْوِ ذَلِكَ، فإِذا كان نفس الْمَصْدَرِ قَدْ جَاءَ مؤَنثًا فَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَمَحْمُولٌ بالتأْويل عَلَيْهِ أَحْجى بتأْنيثه، قِيلَ: الأَصل لقُوَّته أَحْمَلُ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْفَرْعِ لِضَعْفِهِ، وَذَلِكَ أَن الزِّيادة وَالْعِيَادَةَ والجُهومة والطَّلاقة وَنَحْوَ ذَلِكَ مَصَادِرُ غَيْرُ مَشْكُوكٍ فِيهَا، فلحاقُ التَّاءِ لَهَا لَا يُخْرِجها عَمَّا ثَبَتَ فِي النَّفْسِ مِنْ مَصدَرِيَّتها، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصِّفَةُ لأَنها لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مَصْدَرًا، وإِنما هِيَ مُتَأَوَّلة عَلَيْهِ وَمَرْدُودَةٌ بالصَّنْعة إِليه، وَلَوْ قِيلَ رجُلٌ عَدْلٌ وامرأَة عَدْلة وَقَدْ جَرَت صِفَةً كَمَا تَرَى لَمْ يُؤْمَنْ أَن يُظَنَّ بِهَا أَنها صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ كصَعْبة مِنْ صَعْبٍ، ونَدْبة مِنْ نَدْبٍ، وفَخْمة مِنْ فَخْمٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ قُوَّة الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ مَا فِي نَفْسِ الْمَصْدَرِ نَحْوَ الجُهومة والشُّهومة والخَلاقة، فالأُصول لقُوَّتها يُتَصَرَّف فِيهَا وَالْفُرُوعُ لِضَعْفِهَا يُتَوَقَّف بِهَا، ويُقْتَصر عَلَى بَعْضِ مَا تُسَوِّغه القُوَّةُ لأُصولها، فإِن قِيلَ: فَقَدْ قَالُوا رَجُلٌ عَدْل وامرأَة عَدْلة وفرسٌ طَوْعة القِياد؛ وَقَوْلُ أُميَّة:

والحَيَّةُ الحَتْفَةُ الرَّقْشاءُ أَخْرَجَهَا، ***مِنْ بيتِها، آمِناتُ اللهِ والكَلِمُ

قِيلَ: هَذَا قَدْ خَرَجَ عَلَى صُورَةِ الصِّفَةِ لأَنهم لَمْ يُؤْثِروا أَن يَبْعُدوا كلَّ البُعْد عَنْ أَصل الْوَصْفِ الَّذِي بَابُهُ أَن يَقع الفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ مُذَكره ومؤَنَّثه، فَجَرَى هَذَا فِي حِفْظِ الأُصول والتَّلَفُّت إِليها للمُباقاة لَهَا وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا مَجْرى إِخراج بَعْضِ المُعْتَلِّ عَلَى أَصله، نَحْوَ استَحْوَذَ وضَنِنُوا، ومَجرى إِعمال صُغْتُه وعُدْتُه، وإِن كَانَ قَدْ نُقِل إِلى فَعُلْت لِمَا كَانَ أَصله فَعَلْت؛ وَعَلَى ذَلِكَ أَنَّث بعضُهم فَقَالَ خَصْمة وضَيْفة، وجَمَع فَقَالَ:

يَا عَيْنُ، هَلَّا بَكَيْتِ أَرْبَدَ، إِذ ***قُمْنا، وقامَ الخُصومُ فِي كَبَد؟

وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْآخَرِ:

إِذا نزَلَ الأَضْيافُ، كَانَ عَذَوَّرًا، ***عَلَى الحَيِّ، حَتَّى تَسْتَقِلَّ مَراجِلُه

والعَدالة والعُدولة والمَعْدِلةُ والمَعْدَلةُ، كلُّه: العَدْل.

وَتَعْدِيلُ الشُّهُودِ: أَن تَقُولَ إِنهم عُدُولٌ.

وعَدَّلَ الحُكْمَ: أَقامه.

وعَدَّلَ الرجلَ: زَكَّاه.

والعَدَلَةُ والعُدَلَةُ: المُزَكُّون؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

قَالَ القُرْمُليُّ: سأَلت عَنْ فُلَانٍ العُدَلَة أَي الَّذِينَ يُعَدِّلونه.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ رَجُلٌ عُدَلة وَقَوْمٌ عُدَلة أَيضًا، وَهُمُ الَّذِينَ يُزَكُّون الشهودَ وَهُمْ عُدُولٌ، وَقَدْ عَدُلَ الرجلُ، بِالضَّمِّ، عَدالةً.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: ذَوَيْ عَقْل، وَقَالَ إِبراهيم: العَدْلُ الَّذِي لَمْ تَظْهَر مِنْهُ رِيبةٌ.

وكَتَب عبدُ الْمَلِكِ إِلى سَعِيدِ بْنِ جُبَير يسأَله عَنِ العَدْل فأَجابه: إِنَّ العَدْلَ عَلَى أَربعة أَنحاء: العَدْل فِي الْحُكْمِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {وإِن حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بالعَدْل}.

والعَدْلُ فِي الْقَوْلِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا: والعَدْل: الفِدْية}، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ}.

والعَدْل فِي الإِشْراك، قَالَ اللَّهُ عز وَجَلَّ: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ "؛ أَي يُشْرِكون.

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}؛ قَالَ عُبَيْدَةُ السَّلماني والضَّحَّاك: فِي الحُبِّ والجِماع.

وَفُلَانٌ يَعْدِل فُلَانًا أَي يُساوِيه.

وَيُقَالُ: مَا يَعْدِلك عِنْدَنَا شيءٌ أَي مَا يقَع عِنْدَنَا شيءٌ مَوْقِعَك.

وعَدَّلَ المَوازِينَ والمَكاييلَ: سَوَّاها.

وعَدَلَ الشيءَ يَعْدِلُه عَدْلًا وعَادَله: وازَنَه.

وعَادَلْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وعَدَلْت فُلَانًا بِفُلَانٍ إِذا سَوَّيْت بَيْنَهُمَا.

وتَعْدِيلُ الشَّيْءِ: تقويمُه، وَقِيلَ: العَدْلُ تَقويمُك الشيءَ بالشيءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ حَتَّى تَجْعَلَهُ لَهُ مِثْلًا.

والعَدْلُ والعِدْلُ والعَدِيلُ سَواءٌ أَي النَّظِير والمَثِيل، وَقِيلَ: هُوَ المِثْلُ وَلَيْسَ بالنَّظِير عَيْنه، وَفِي التَّنْزِيلِ: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا}؛ قَالَ مُهَلْهِل:

عَلَى أَنْ ليْسَ عِدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ، ***إِذا بَرَزَتْ مُخَبَّأَةُ الخُدُور

والعَدْلُ، بِالْفَتْحِ: أَصله مَصْدَرُ قَوْلِكَ عَدَلْت بِهَذَا عَدْلًا حَسَنًا، تَجْعَلُهُ اسْمًا للمِثْل لِتَفْرُق بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِدْل المَتاع، كَمَا قَالُوا امرأَة رَزانٌ وعَجُزٌ رَزِينٌ للفَرْق.

والعَدِيلُ: الَّذِي يُعادِلك فِي الوَزْن والقَدر؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يَشْتَرِطِ الْجَوْهَرِيُّ فِي العَدِيل أَن يَكُونَ إِنسانًا مِثْلَهُ، وفَرَق سِيبَوَيْهِ بَيْنَ العَدِيل والعِدْل فَقَالَ: العَدِيلُ مَنْ عادَلَك مِنَ النَّاسِ، والعِدْلُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمَتَاعِ خاصَّة، فبَيَّن أَنَّ عَدِيل الإِنسان لَا يَكُونُ إِلَّا إِنسانًا مِثْلَهُ، وأَنَّ العِدْل لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمَتَاعِ، وأَجاز غيرُه أَن يُقَالَ عِنْدِي عِدْلُ غُلامِك أَي مِثْله، وعَدْلُه، بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ، قيمتُه.

وَفِي حَدِيثِ قَارِئِ الْقُرْآنِ.

وَصَاحِبِ الصَّدَقة: " فَقَالَ ليْسَتْ لَهُمَا بعَدْل "؛ هُوَ المِثْل؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ بِالْفَتْحِ، مَا عادَله مِنْ جِنْسِهِ، وَبِالْكَسْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ؛ وَقَوْلُ الأَعلم:

مَتى مَا تَلْقَني ومَعي سِلاحِي، ***تُلاقِ المَوْتَ لَيْس لَهُ عَدِيلُ

يَقُولُ: كأَنَّ عَدِيلَ الْمَوْتِ فَجْأَتُه؛ يُرِيدُ لَا مَنْجَى مِنْهُ، وَالْجَمْعَ أَعْدالٌ وعُدَلاءُ.

وعَدَلَ الرجلَ فِي المَحْمِل وعَادَلَهُ: رَكِب مَعَهُ.

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «إِذا جَاءَتْ عَمَّتي بأَبي وَخَالِي مَقْتولَيْنِ عَادَلْتُهما عَلَى ناضِحٍ»أَي شَدَدْتُهما عَلَى جَنْبَي البَعير كالعِدْلَيْن.

وعَدِيلُك: المُعادِلُ لَكَ.

والعِدْل: نِصْف الحِمْل يَكُونُ عَلَى أَحد جَنْبَيِ الْبَعِيرِ، وَقَالَ الأَزهري: العِدْل اسْمُ حِمْل مَعْدُولٍ بحِمْلٍ أَي مُسَوًّى بِهِ، وَالْجَمْعُ أَعْدالٌ وعُدُولٌ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا}، قَالَ: العَدْلُ مَا عَادَلَ الشيءَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَمَعْنَاهُ أَي فِداءُ ذَلِكَ.

والعِدْلُ: المِثْل مِثْل الحِمْل، وَذَلِكَ أَن تَقُولَ عِنْدِي عِدْلُ غُلامِك وعِدْلُ شَاتِكَ إِذا كَانَتْ شاةٌ تَعْدِل شَاةً أَو غلامٌ يَعْدِل غُلَامًا، فإِذا أَردت قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ نَصَبْت العَيْن فَقُلْتَ عَدْل، وَرُبَّمَا كَسَرها بعضُ الْعَرَبِ، قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ عِدْله، وكأَنَّه منهم "غلطٌ لتَقارُب مَعْنَى العَدْل مِنَ العِدْل، وَقَدْ أَجمعوا عَلَى أَن وَاحِدَ الأَعْدَال عِدْل؛ قَالَ: ونُصِب قَوْلُهُ صِيَامًا عَلَى التَّفْسِيرِ كأَنَّه عَدْلُ ذَلِكَ مِنَ الصِّيام، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: العَدْلُ والعِدْلُ وَاحِدٌ فِي مَعْنَى المِثْل، قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، كَانَ المِثْلُ مِنَ الْجِنْسِ أَو مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.

قَالَ أَبو إِسحاق: وَلَمْ يَقُولُوا إِن الْعَرَبَ غَلِطَت وَلَيْسَ إِذا أَخطأَ مُخْطِئٌ وجَب أَن يَقُولَ إِنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ غَلِط.

وقرأَ" ابْنُ عَامِرٍ: أَو عِدْلُ ذَلِكَ صِيامًا "، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وقرأَها الْكِسَائِيُّ وأَهل الْمَدِينَةِ بِالْفَتْحِ.

وشَرِبَ حَتَّى عَدَّلَ أَي صَارَ بَطْنُهُ كالعِدْل وامْتَلأَ؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ عَدَّنَ وأَوَّنَ بِمَعْنَاهُ.

وَوَقَعَ المُصْطَرِعانِ عِدْلَيْ بعيرٍ أَي وَقَعا مَعًا وَلَمْ يَصْرَع أَحدُهما الْآخَرَ.

والعَدِيلَتان: الغِرَارتانِ لأَن كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُعادِل صاحبتَها.

الأَصمعي: يُقَالُ عَدَلْت الجُوالِقَ عَلَى الْبَعِيرِ أَعْدِله عَدْلًا؛ يُحْمَل عَلَى جَنْب الْبَعِيرِ ويُعْدَل بِآخَرَ.

ابْنُ الأَعرابي: العَدَلُ، محرّكٌ، تَسْوِيَةُ الأَوْنَيْن وَهُمَا العِدْلانِ.

وَيُقَالُ: عَدَلْت أَمتعةَ الْبَيْتِ إِذا جَعَلْتها أَعدالًا مُسْتَوِيَةً للاعْتِكام يومَ الظَّعْن.

والعَدِيل: الَّذِي يُعادِلُك فِي المَحْمِل.

والاعْتِدالُ: تَوَسُّطُ حالٍ بَيْنَ حالَيْن فِي كَمٍّ أَو كَيْفٍ، كَقَوْلِهِمْ جِسْمٌ مُعْتَدِلٌ بَيْنَ الطُّول والقِصَر، وَمَاءٌ مُعْتَدِلٌ بَيْنَ الْبَارِدِ والحارِّ، وَيَوْمٌ مُعْتَدِلٌ طيِّب الْهَوَاءِ ضدُّ مُعْتَذِل، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ.

وكلُّ مَا تَناسَبَ فَقَدِ اعْتَدَل؛ وكلُّ مَا أَقَمْته فَقَدْ عَدَلْته.

وَزَعَمُوا" أَن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَني فِي قَوْمٍ إِذا مِلْتُ عَدَلُوني كَمَا يُعْدَل السَّهْم فِي الثِّقافِ "، أَي قَوَّمُوني؛ قَالَ:

صَبَحْتُ بِهَا القَوْمَ حَتَّى امْتَسَكْتُ ***بالأَرض، أَعْدِلُها أَن تَمِيلا

وعَدَّلَه: كعَدَلَه.

وإِذا مالَ شيءٌ قُلْتَ عَدَلته أَي أَقمته فاعْتَدَل أَي اسْتَقَامَ.

وَمَنْ قرأَ قَوْلَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}، بِالتَّخْفِيفِ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاءَ؛ قَالَ الفراءُ: مَنْ خَفَّف فَوجْهُه، وَاللَّهُ أَعلم، فَصَرَفك إِلى أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ: إِمَّا حَسَنٍ وإِمَّا قَبِيحٌ، وإِمَّا طَويل وإِمَّا قَصير، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ والأَخفش؛ وَقِيلَ أَراد عَدَلك مِنَ الْكُفْرِ إِلى الإِيمان وَهِيَ نِعْمة وَمَنْ قرأَ" فعَدَّلَك "فشَدَّد، قَالَ الأَزهري: وَهُوَ أَعجبُ الْوَجْهَيْنِ إِلى الْفَرَّاءِ وأَجودُهما فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَمَعْنَاهُ قَوَّمك وجَعَلَك مُعْتَدِلًا مُعَدَّل الخَلْق، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وأَهل الْحِجَازِ، قَالَ: واخْتَرْت عَدَّلك لأَنَّ في فِي التَّرْكِيبِ أَقوى فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَن تَكُونَ فِي العَدْل، لأَنك تَقُولُ عَدَلْتك إِلى كَذَا وصَرَفتك إِلى كَذَا، وَهَذَا أَجودُ في العربية من أَن تَقُولَ عَدَلْتك فِيهِ وصَرَفْتك فِيهِ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُ الْفَرَّاءِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ فَعَدَلك، بِالتَّخْفِيفِ: إِنه بِمَعْنَى فَسَوّاك وقَوَّمك، مِنْ قَوْلِكَ عَدَلْت الشَّيْءَ فاعْتَدَلَ أَي سَوّيْته فاسْتَوَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " وعَدَلْنا مَيْلَ بَدْر فاعْتَدَل "أَي قَوَّمْناه فَاسْتَقَامَ، وكلُّ مُثَقَّفٍ مُعْتَدِلٌ.

وعَدَلْت الشيءَ بِالشَّيْءِ أَعْدِلُه عُدولًا إِذا سَاوَيْتُهُ بِهِ؛ قَالَ شَمِر: وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَفَذاكَ أَمْ هِي فِي النَّجاءِ، ***لِمَنْ يُقارِبُ أَو يُعادِل؟

يَعْنِي يُعادِلُ بَيْنَ نَاقَتِهِ والثَّوْر.

واعْتَدَل الشِّعْرُ: اتَّزَنَ وَاسْتَقَامَ، وعَدَّلْته أَنا.

وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ: لأَن المُرَاعى فِي الشِّعْر إِنما هُوَ تَعْدِيلُ الأَجزاء.

وعَدَّلَ القَسَّامُ الأَنْصِباءَ للقَسْمِ بَيْنَ الشُّركاء إِذا سَوّاها عَلَى القِيَم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «العِلْم ثَلَاثَةٌ مِنْهَا فَرِيضةٌ عَادِلَةٌ»، أَراد العَدْل فِي القِسْمة أَي مُعَدَّلة عَلَى السِّهام الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّة مِنْ غَيْرِ جَوْر، وَيَحْتَمِلُ أَن يُرِيدَ أَنها مُسْتَنْبَطة مِنَ الْكِتَابِ والسُّنَّة، فَتَكُونُ هَذِهِ الفَريضة تُعْدَل بِمَا أُخِذ عَنْهُمَا.

وَقَوْلُهُمْ: لَا يُقْبَل لَهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، قِيلَ: العَدْل الفِداء؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْها}؛ أَي تَفْدِ كُلَّ فِداء.

وَكَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: وإِنْ تُقْسِطْ كلَّ إِقْساط لَا يُقْبَلْ مِنْهَا؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وإِقدام مِنْ أَبي عُبَيْدَةَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَعْنَى فِيهِ لَوْ تَفْتدي بِكُلِّ فِدَاءٍ لَا يُقْبَل مِنْهَا الفِداءُ يومئذ.

ومثله قَوْلُهُ تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} (الْآيَةَ) أَي لَا يُقْبَل ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُنْجيه.

وَقِيلَ: العَدْل الكَيْل، وَقِيلَ: العَدْل المِثْل، وأَصله فِي الدِّية؛ يُقَالُ: لَمْ يَقْبَلوا مِنْهُمْ عَدْلًا وَلَا صَرْفًا أَي لَمْ يأْخذوا مِنْهُمْ دِيَةً وَلَمْ يَقْتُلُوا بِقَتِيلِهِمْ رَجُلًا وَاحِدًا أَي طَلَبُوا مِنْهُمْ أَكثر مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: العَدْل الْجَزَاءُ، وَقِيلَ الْفَرِيضَةُ، وَقِيلَ النَّافِلَةُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: العَدْل الاستقامة، وسيذكر الصَّرْف فِي مَوْضِعِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ شَرِبَ الخَمْر لَمْ يَقْبَل اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا أَربعين لَيْلَةً»؛ قِيلَ: الصَّرْف الحِيلة، والعَدْل الفدْية، وَقِيلَ: الصَّرْف الدِّية والعَدْلُ السَّوِيَّة، وَقِيلَ: العَدْل الْفَرِيضَةُ، والصَّرْف التطَوُّع؛ وَرَوَى" أَبو عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ: مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَو آوَى مُحْدِثًا لَمْ يقبلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا "؛ رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنه قَالَ: الصَّرْف التَّوبة والعَدْل الفِدْية؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُهُ" مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا "؛ الحَدَثُ كلُّ حَدٍّ يَجِبُ لله عَلَى صَاحِبِهِ أَن يُقَامَ عَلَيْهِ، والعَدْل القِيمة؛ يُقَالُ: خُذْ عَدْلَه مِنْهُ كَذَا وَكَذَا أَي قيمتَه.

وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِيمًا حَدَل، وضِدُّه عَدَل، يُقَالُ: هَذَا قضاءٌ حَدْلٌ غَيْرُ عَدْلٍ.

وعَدَلَ عَنِ الشَّيْءِ يَعْدِلُ عَدْلًا وعُدولًا: حَادَ، وَعَنِ الطَّرِيقِ: جَارَ، وعَدَلَ إِليه عُدُولًا: رَجَعَ.

وَمَا لَه مَعْدِلٌ وَلَا مَعْدُولٌ أَي مَصْرِفٌ.

وعَدَلَ الطريقُ: مَالَ.

وَيُقَالُ: أَخَذَ الرجلُ فِي مَعْدِل الْحَقِّ ومَعْدِل الْبَاطِلِ أَي فِي طَرِيقِهِ ومَذْهَبه.

وَيُقَالُ: انْظُروا إِلى سُوء مَعادِله وَمَذْمُومِ مَداخِله أَي إِلى سُوءِ مَذَاهِبه ومَسالِكه؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:

وأَقْصرت عمَّا تَعلمينَ، وسُدِّدَتْ ***عليَّ، سِوى قَصْدِ الطَّرِيقِ، مَعادِلُه

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تُعْدَل سارِحتُكم»أَي لَا تُصْرَف مَاشِيَتِكُمْ وتُمال عَنِ المَرْعى وَلَا تُمنَع؛ وَقَوْلُ أَبي خِراش:

عَلَى أَنَّني، إِذا ذَكَرْتُ فِراقَهُم، ***تَضِيقُ عليَّ الأَرضُ ذاتُ المَعادِل

أَراد ذاتَ السَّعة يُعْدَل فِيهَا يَمِينًا وَشِمَالًا مِنْ سَعَتها.

والعَدْل: أَن تَعْدِل الشيءَ عَنْ وَجْهِهِ، تَقُولُ: عَدَلْت فُلَانًا عَنْ طَرِيقِهِ وعَدَلْتُ الدابَّةَ إِلى مَوْضِعِ كَذَا، فإِذا أَراد الاعْوِجاجَ نفسَه قِيلَ: هُوَ يَنْعَدِل أَي يَعْوَجُّ.

وانْعَدَل عَنْهُ وعَادَلَ: اعْوَجَّ؛ قَالَ ذُو الرُّمة:

وإِني لأُنْحي الطَّرْفَ مِنْ نَحْوِ غَيْرِها ***حَياءً، وَلَوْ طاوَعْتُه لَمْ يُعادِل

قَالَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَنْعَدِلْ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُعادِل أَي لَمْ يَعْدِل بِنَحْوِ أَرضها أَي بقَصْدِها نَحْوًا، قَالَ: وَلَا يَكُونُ يُعادِل بِمَعْنَى يَنْعَدِل.

والعِدال: أَن يَعْرِض لَكَ أَمْرانِ فَلَا تَدْرِي إِلى أَيِّهما تَصيرُ فأَنت تَرَوَّى فِي ذَلِكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي وأَنشد:

وذُو الهَمِّ تُعْدِيه صَرِيمةُ أَمْرِه، ***إِذا لَمْ تُميِّثْه الرُّقى، ويُعَادِلُ

يَقُولُ: يُعادِل بَيْنَ الأَمرين أَيَّهما يَرْكَب.

تُميِّثْه: تُذَلِّله المَشورات وقولُ النَّاسِ أَين تَذْهَب.

والمُعادَلَةُ: الشَّكُّ فِي أَمرين، يُقَالُ: أَنا فِي عِدالٍ مِنْ هَذَا الأَمر أَي فِي شكٍّ مِنْهُ: أَأَمضي عَلَيْهِ أَم أَتركه.

وَقَدْ عَادَلْت بَيْنَ أَمرين أَيَّهما آتِي أَي مَيَّلْت؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

إِلى ابْنِ العامِرِيِّ إِلى بِلالٍ، ***قَطَعْتُ بنَعْفِ مَعْقُلَة العِدالا

قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ قَطَعْتُ العِدالَ فِي أَمري ومَضَيْت عَلَى عَزْمي، وَذَلِكَ إِذا مَيَّلَ بَيْنَ أَمرين أَيَّهُما يأْتي ثُمَّ اسْتَقَامَ لَهُ الرأْيُ فعَزَم عَلَى أَوْلاهما عِنْدَهُ.

وَفِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: «أُتِيتُ بإِناءَيْن فَعَدَّلْتُ بَيْنَهُمَا»؛ يُقَالُ: هُوَ يُعَدِّل أَمرَه ويُعادِلهُ إِذا تَوَقَّف بَيْنَ أَمرين أَيَّهُما يأْتي، يُرِيدُ أَنهما كَانَا عِنْدَهُ مستويَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَى اخْتِيَارِ أَحدهما وَلَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَدَلَ عَنْهُ يَعْدِلُ عُدولًا إِذا مَالَ كأَنه يَمِيلُ مِنَ الْوَاحِدِ إِلى الْآخَرِ؛ وَقَالَ المَرَّار:

فَلَمَّا أَن صَرَمْتُ، وَكَانَ أَمْري ***قَوِيمًا لَا يَمِيلُ بِهِ العُدولُ

قَالَ: عَدَلَ عَنِّي يَعْدِلُ عُدُولًا لَا يَمِيلُ بِهِ عَنْ طَرِيقِهِ المَيْلُ؛ وَقَالَ الْآخَرُ:

إِذا الهَمُّ أَمْسى وَهُوَ داءٌ فأَمْضِه، ***ولَسْتَ بمُمْضيه، وأَنْتَ تُعادِلُه

قَالَ: مَعْنَاهُ وأَنتَ تَشُكُّ فِيهِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُعَادِل أَمرَه عِدالًا ويُقَسِّمُه أَي يَميل بَيْنَ أَمرين أَيَّهُما يأْتي؛ قَالَ ابْنُ الرِّقاع:

فإِن يَكُ فِي مَناسِمها رَجاءٌ، ***فَقَدْ لَقِيَتْ مناسِمُها العِدالا

أَتَتْ عَمْرًا فلاقَتْ مِنْ نَداه ***سِجالَ الْخَيْرِ؛ إِنَّ لَهُ سِجالا

والعِدالُ: أَن يَقُولَ واحدٌ فِيهَا بقيةٌ، ويقولَ آخرُ لَيْسَ فِيهَا بقيةٌ.

وفرسٌ مُعْتَدِلُ الغُرَّةِ إِذا توَسَّطَتْ غُرَّتُه جبهتَهُ فَلَمْ تُصِب وَاحِدَةً مِنَ الْعَيْنَيْنِ وَلَمْ تَمِلْ عَلَى واحدٍ مِنَ الخدَّين، قَالَهُ أَبو عُبَيْدَةَ.

وعَدَلَ الفحلَ عَنِ الضِّراب فانْعَدَلَ: نحَّاه فتنحَّى؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ: " وانْعَدَلَ الفحلُ ولَمَّا يُعْدَل "وعَدَلَ الفحلُ عَنِ الإِبل إِذا تَرَك الضِّراب.

وعَدَلَ بِاللَّهِ يَعْدِلُ: أَشْرَك.

والعَادِل: المُشْرِكُ الَّذِي يَعْدِلُ بربِّه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ المرأَة للحَجَّاج: إِنك لقاسطٌ عَادِلٌ؛ قَالَ الأَحمر: عَدَلَ الكافرُ بربِّه عَدْلًا وعُدُولًا إِذا سَوَّى بِهِ غيرَه فعبَدَهُ؛ وَمِنْهُ حديثُ" ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالُوا مَا يُغْني عَنَّا الإِسلامُ وَقَدْ عَدَلْنا بِاللَّهِ "أَي أَشْرَكْنا بِهِ وجَعَلْنا لَهُ مِثْلًا؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عنه: كَذَبَ العادِلون بِكَ إِذ شَبَّهوك بأَصنامهم.

وقولُهم لِلشَّيْءِ إِذا يُئِسَ مِنْهُ: وُضِعَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ؛ هُوَ العَدْلُ بنُ جَزْء بْنِ سَعْدِ العَشِيرة وَكَانَ وَليَ شُرَطَ تُبَّع فَكَانَ تُبَّعٌ إِذا أَراد قَتْلَ رَجُلٍ دفَعَه إِليه، فَقَالَ النَّاسُ: وُضِعَ عَلَى يَدَي عَدْلٍ، ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ شَيْءٍ يُئِسَ مِنْهُ.

وعَدَوْلى: قريةٌ بِالْبَحْرَيْنِ، وَقَدْ نَفَى سِيبَوَيْهِ فَعَولى فاحتُجَّ عَلَيْهِ بعَدَوْلى فَقَالَ الْفَارِسِيُّ: أَصلها عَدَوْلًا، وإِنما تُرك صرفُه لأَنه جُعل اسْمًا للبُقْعة وَلَمْ نَسْمَعْ نَحْنُ فِي أَشعارهم عَدَوْلًا مَصْرُوفًا.

والعَدَوْلِيَّةُ فِي شِعْرِ طَرَفَةَ: سُفُنٌ مَنْسُوبَةٌ إِلى عَدَوْلى؛ فأَما قَوْلُ نَهْشَل بْنِ حَرِّيّ:

فَلَا تأْمَنِ النَّوْكَى، وإِن كَانَ دارهُمُ ***وراءَ عَدَوْلاتٍ، وكُنْتَ بقَيْصَرا

فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنه بِالْهَاءِ ضَرُورَةً، وَهَذَا يُؤَنِّس بِقَوْلِ الْفَارِسِيِّ، وأَما ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: هِيَ مَوْضِعٌ وَذَهَبَ إِلى أَن الْهَاءَ فِيهَا وضْعٌ، لَا أَنه أَراد عَدَوْلى، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ قَهَوْباةٌ للنَّصْل الْعَرِيضِ.

قَالَ الأَصمعي: العَدَوْلِيُّ مِنَ السُّفُن مَنْسُوبٌ إِلى قَرْيَةٍ بِالْبَحْرَيْنِ يُقَالُ لَهَا عَدَوْلى، قَالَ: والخُلُجُ سُفُنٌ دُونَ العَدَوْلِيَّة؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ طَرَفة: " عَدَوْلِيَّة أَو مِنْ سَفين ابْنِ نَبْتَل ".

قَالَ: نَسَبَهَا إِلى ضِخَم وقِدَم، يَقُولُ هِيَ قَدِيمَةٌ أَو ضَخْمة، وَقِيلَ: العَدَوْليَّة نُسبَتْ إِلى مَوْضِعٍ كَانَ يُسَمَّى عَدَوْلاة وَهِيَ بِوَزْنِ فَعَوْلاة، وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ أَنه قَالَ: عَدَوْلى لَيْسُوا مِنْ ربيعةَ وَلَا مُضر وَلَا مِمَّنْ يُعْرَفُ مِنَ الْيَمَنِ إِنما هُمْ أُمَّةٌ عَلَى حِدَة؛ قَالَ الأَزهري: والقولُ فِي العَدَوْليِّ مَا قَالَهُ الأَصمعي.

وشجر عَدَوْلِيٌّ: قديمٌ، وَاحِدَتُهُ عَدَوْلِيَّة؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: العَدَوْليُّ القديمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ وأَنشد غَيْرُهُ: " عَلَيْهَا عَدَوْلِيُّ الهَشِيم وصامِلُه وَيُرْوَى: عَدامِيل الهَشيم يَعْنِي القديمَ أَيضًا.

وَفِي خَبَرِ أَبي الْعَارِمِ: فآخُذُ فِي أَرْطًى عَدَوْلِيٍّ عُدْمُلِيٍّ.

والعَدَوْلِيُّ: المَلَّاح.

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِزَوَايَا الْبَيْتِ المُعَدَّلات والدَّراقِيع والمُرَوَّيات والأَخْصام والثَّفِنات، وَرَوَى الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: المُعْتَدِلةُ مِنَ النُّوقِ الحَسَنة المُثَقَّفَة الأَعضاء بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، قَالَ: وَرَوَى شَمِر عَنْ مُحارِب قَالَ: المُعَنْدِلة مِن النُّوقِ، وجَعَله رُباعيًّا مِنْ بَابِ عَندَل، قَالَ الأَزهري: وَالصَّوَابُ الْمُعْتَدِلَةُ، بِالتَّاءِ، وَرَوَى شَمِرٌ عَنْ أَبي عدنانَ الْكِنَانِيِّ أَنشده:

وعَدَلَ الفحلُ، وإِن لم يُعْدَلِ، ***واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَّنام الأَمْيَلِ

قَالَ: اعْتِدَالُ ذَاتِ السَّنامِ الأَمْيلِ استقامةُ سَنامها مِنَ السِّمَن بعد ما كَانَ مَائِلًا؛ قَالَ الأَزهري: وهذا" يَدُلُّ عَلَى أَن الْحَرْفَ الَّذِي رَوَاهُ شَمِرٌ عَنْ مُحَارِبٍ فِي المُعَنْدِلة غيرُ صَحِيحٍ، وأَن الصوابَ المُعْتَدِلة لأَن النَّاقَةَ إِذا سَمِنَت اعْتَدَلَتْ أَعضاؤها كلُّها مِنَ السَّنام وغيره، ومُعَنْدِلة من العَنْدَل وَهُوَ الصُّلْبُ الرأْس، وسيأْتي ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، لأَن عَنْدَل رُباعيٌّ خَالِصٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


44-لسان العرب (أذن)

أذن: أَذِنَ بِالشَّيْءِ إذْنًا وأَذَنًا وأَذانةً: عَلِم.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}؛ أَي كُونُوا عَلَى عِلْمٍ.

وآذَنَه الأَمرَ وآذَنه بِهِ: أَعْلَمَه، وَقَدْ قُرئ: " فآذِنوا بحربٍ مِنَ اللَّهِ "؛ مَعْنَاهُ أَي أَعْلِمُوا كلَّ مَن لَمْ يَتْرُكِ الرِّبا بأَنه حربٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَيُقَالُ: قَدْ آذَنْتُه بِكَذَا وَكَذَا، أُوذِنُه إِيذَانًا وإذْنًا إِذَا أَعْلَمْته، وَمَنْ قرأَ فَأْذَنُوا" أَي فانْصِتُوا.

وَيُقَالُ: أَذِنْتُ لفلانٍ فِي أَمر كَذَا وَكَذَا آذَنُ لَهُ إِذْنًا، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وجزمِ الذَّالِ، واسْتَأْذَنْتُ فُلَانًا اسْتِئْذانًا.

وأَذَّنْتُ: أَكْثرْتُ الإِعْلامَ بِالشَّيْءِ.

والأَذانُ: الإِعْلامُ.

وآذَنْتُكَ بِالشَّيْءِ: أَعْلمتُكه.

وآذَنْتُه: أَعْلَمتُه.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ}؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " آذَنَتْنا ببَيْنِها أَسْماءُ وأَذِنَ بِهِ إِذْنًا: عَلِمَ بِهِ.

وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي: كُونُوا عَلَى إِذْنِهِ أَي عَلَى عِلْمٍ بِهِ.

وَيُقَالُ: أَذِنَ فلانٌ يأْذَنُ بِهِ إِذْنًا إِذَا عَلِمَ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ}؛ أَي إعْلامٌ.

والأَذانُ: اسمٌ يَقُومُ مقامَ الإِيذانِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}؛ مَعْنَاهُ وإِذ عَلِمَ ربُّكم، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ مَعْنَاهُ بِعلْمِ اللَّهِ، والإِذْنُ هاهنا لَا يَكُونُ إلَّا مِنَ اللَّهِ، لأَن اللَّهَ تَعَالَى وتقدَّس لَا يأْمر بِالْفَحْشَاءِ مِنَ السحْرِ وَمَا شاكَلَه.

وَيُقَالُ: فَعلْتُ كَذَا وَكَذَا بإِذْنِه أَي فعلْتُ بعِلْمِه، وَيَكُونُ بإِذْنِهبأَمره.

وَقَالَ قومٌ: الأَذينُ المكانُ يأْتيه الأَذانُ مِنْ كلِّ ناحيةٍ؛ وأَنشدوا:

طَهُورُ الحَصَى كَانَتْ أَذينًا، وَلَمْ تكُنْ ***بِهَا رِيبةٌ، مِمَّا يُخافُ، تَريبُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَذِينُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى المُؤْذَنِ، مِثْلُ عَقِيدٍ بِمَعْنَى مُعْقَدٍ، قَالَ: وأَنشده أَبو الجَرّاح شَاهِدًا عَلَى الأَذِينِ بِمَعْنَى الأَذانِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبَيْتُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَإِنِّي أَذِينٌ، إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكًا، ***بسَيْرٍ ترَى فِيهِ الفُرانِقَ أَزْوَرَا

أَذينٌ فِيهِ: بِمَعْنَى مُؤْذِنٍ، كَمَا قَالُوا أَليم ووَجيع بِمَعْنَى مُؤْلِم ومُوجِع.

والأَذِين: الْكَفِيلُ.

وَرَوَى أَبو عُبَيْدَةَ بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ هَذَا وَقَالَ: أَذِينٌ أَي زَعيم.

وفَعَلَه بإِذْني وأَذَني أَي بِعلْمي.

وأَذِنَ لَهُ فِي الشيءِ إِذْنًا: أَباحَهُ لَهُ.

واسْتَأْذَنَه: طَلَب مِنْهُ الإِذْنَ.

وأَذِنَ لَهُ عَلَيْهِ: أَخَذَ لَهُ مِنْهُ الإِذْنَ.

يُقَالُ: ائْذَنْ لِي عَلَى الأَمير؛ وَقَالَ الأَغَرّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحرث:

وَإِنِّي إِذَا ضَنَّ الأَمِيرُ بإِذْنِه ***عَلَى الإِذْنِ مِنْ نفْسي، إِذَا شئتُ، قادِرُ

وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

قلتُ لبَوَّابٍ لَدَيْهِ دارُها ***تِيذَنْ، فَإِنِّي حَمْؤُها وجارُها

قَالَ أَبو جَعْفَرٍ: أَراد لِتأْذَنْ، وَجَائِزٌ فِي الشِّعر حذفُ اللَّامِ وكسرُ التَّاءِ عَلَى لُغَةِ مَن يقولُ أَنتَ تِعْلَم، وَقُرِئَ: فَبِذَلِكَ فَلْتِفْرَحوا.

والآذِنُ: الحاجِبُ؛ وَقَالَ: " تَبَدَّلْ بآذِنِكَ المُرْتَضَى "وأَذِنَ لَهُ أَذَنًا: اسْتَمَعَ؛ قَالَ قَعْنَبُ بنُ أُمّ صاحِبٍ:

إِنْ يَسْمَعُوا رِيبةً طارُوا بِهَا فَرَحًا ***مِنِّي، وَمَا سَمعوا مِنْ صالِحٍ دَفَنُوا

صُمٌّ إِذَا سمِعوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ، ***وإنْ ذُكِرْتُ بشَرٍّ عنْدَهم أَذِنوا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَذِنَ إِلَيْهِ أَذَنًا اسْتَمَعَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « مَا أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ »؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَا استمَعَ اللهُ لِشَيْءٍ كاستِماعِهِ لِنَبيٍّ يتغنَّى بِالْقُرْآنِ أَي يتْلوه يَجْهَرُ بِهِ.

يُقَالُ: أَذِنْتُ لِلشَّيْءِ آذَنُ لَهُ أَذَنًا إِذَا استمَعْتَ لَهُ؛ قَالَ عَدِيٌّ:

أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بدَدَنْ، ***إنَّ همِّي فِي سماعٍ وأَذَنْ

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ}؛ أَي اسْتَمعَتْ.

وأَذِنَ إليهِ أَذَنًا: اسْتَمَعَ إِلَيْهِ مُعْجبًا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَمْرِو بْنِ الأَهْيَم:

فلَمَّا أَنْ تسَايَرْنا قَليلًا، ***أَذِنَّ إِلَى الحديثِ، فهُنَّ صُورُ

وَقَالَ عَدِيٌّ:

فِي سَماعٍ يَأْذَنُ الشَّيخُ لَهُ، ***وحديثٍ مثْل ماذِيٍّ مُشار

وآذَنَني الشيءُ: أَعْجَبَنِي فاستَمعْتُ لَهُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

فَلَا وأَبيك خَيْر منْك، إِنِّي ***لَيُؤْذِنُني التَّحَمْحُمُ والصَّهِيلُ

وأَذِنَ للَّهْو: اسْتَمع ومالَ.

والأُذْنُ والأُذُنُ، يخفَّف ويُثَقَّل: مِنَ الْحَوَاسِّ أُنثى، وَالَّذِي حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ أُذْن، بِالضَّمِّ، وَالْجَمْعُ آذانٌ لَا يُكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَصْغِيرُهَا أُذَيْنة، وَلَوْ سَمَّيْت بِهَا رَجُلًا ثُمَّ صغَّرْته قُلْتَ أُذَيْن، فَلَمْ تؤَنِّث لزوالِ التأْنيث عَنْهُ بِالنَّقْلِ إِلَى الْمُذَكَّرِ، فأَما قَوْلُهُمْ أُذَيْنة فِي الِاسْمِ الْعَلَمِ فَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ مصغَّرًا.

وَرَجُلٌ أُذْنٌ وأُذُنٌ: مُسْتَمِع لِمَا يُقال لَهُ قابلٌ لَهُ؛ وصَفُو بِهِ كَمَا قَالَ: " مِئْبَرة العُرْقُوبِ أَشْفَى المِرْفَق فَوَصَفَ بِهِ لأَن فِي مِئْبَرةٍ وأَشْفى مَعْنَى الحِدَّة.

قَالَ أَبو عَلِيٍّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ رَجُلٌ أُذُنٌ وَرِجَالٌ أُذُنٌ، فأُذُنٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا كَانَ يَسْمَعُ مقالَ كُلِّ أَحد.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ رَجُلٌ أُذُنٌ وامرأَة أُذُنٌ، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، قَالَ: وَإِنَّمَا سمَّوه بِاسْمِ العُضْو تَهْويلًا وَتَشْنِيعًا كَمَا قَالُوا للمرأَة: مَا أَنتِ إِلَّا بُطَين.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}؛ أَكثرُ القرّاء يقرؤون قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ"، وَمَعْنَاهُ وتفْسيرُه أَن فِي المُنافِقينَ مَنْ كَانَ يَعيب النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: إِنْ بَلَغَه عَنِّي شَيْءٌ حَلَفْت لَهُ وقَبِلَ مِنِّي لأَنه أُذُنٌ، فأَعْلَمه اللَّهُ تَعَالَى أَنه أُذُنُ خيرٍ لَا أُذُنُ شرٍّ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}، أَي مُسْتَمِعُ خيرٍ لَكُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ مِمَّنْ يَقْبَل فَقَالَ تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}؛ أَي يَسْمَعُ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فيصدِّق بِهِ ويصدِّق الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَم: « هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ بأُذُنِه»؛ أي أَظهرَ صِدْقَه فِي إِخْبارِه عَمَّا سمعَتْ أُذُنه.

وَرَجُلٌ أُذانِيّ وآذَنُ: عظيمُ الأُذُنَيْنِ طويلُهما، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الإِبلِ وَالْغَنَمِ، ونَعْجةٌ أَذْناءُ وكَبْشٌ آذَنُ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس: « أَنه قَالَ لَهُ يَا ذَا الأُذُنَيْنِ »؛ قالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ مَعْنَاهُ الحضُّ عَلَى حُسْنِ الاستِماعِ والوَعْي لأَن السَّمْعَ بحاسَّة الأُذُنِ، ومَنْ خلَق اللَّهُ لَهُ أُذُنَيْنِ فأَغْفَلَ الاستِماع وَلَمْ يُحْسِن الوَعْيَ لَمْ يُعْذَرْ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ جُمْلَةِ مَزْحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولَطيف أَخلاقه كَمَا" قَالَ للمرأَة عَنْ زَوْجِهَا: أَذاك الَّذِي فِي عينِه بياضٌ؟ "وأَذَنَه أَذْنًا، فَهُوَ مأْذونٌ: أَصاب أُذُنَه، عَلَى مَا يَطَّرِد فِي الأَعضاء.

وأَذَّنَه: كأَذَنَه أَي ضرَب أُذُنَه، وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لِكُلِّ جابهٍ جَوْزةٌ ثُمَّ يُؤَذَّنُ؛ الجابهُ: الواردُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ قامةٌ وَلَا أَداةٌ، والجَوْزةُ: السَّقْية مِنَ الْمَاءِ، يَعْنُون أَن الواردَ إِذَا ورَدَهم فسأَلهم أَن يَسْقوه مَاءً لأَهله وماشيتِه سَقَوْه سقْيةً وَاحِدَةً، ثُمَّ ضَرَبُوا أُذُنَه إعْلامًا أَنه لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ.

وأُذِنَ: شَكَا أُذُنَه؛ وأُذُنُ القلبِ والسهمِ والنَّصْلِ كلُّه عَلَى التَّشْبِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ المُحاجِين: مَا ذُو ثَلَاثِ آذَانٍ يَسْبِقُ الخَيْل بالرَّدَيان؟ يَعْنِي السَّهمَ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذَا رُكِّبت القُذَذُ عَلَى السَّهْمِ فَهِيَ آذانُه.

وأُذُنُ كُلِّ شَيْءٍ مَقْبِضُه، كأُذُنِ الْكُوزِ والدَّلْو عَلَى التَّشْبِيهِ، وكلُّه مُؤَنَّثٌ.

وأُذُنُ العَرفج والثُّمام: مَا يُخَدُّ مِنْهُ فيَنْدُرُ إِذَا أَخْوَصَ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ عَلَى شَكْلِ الأُذُنِ.

وآذانُ الكيزانِ: عُراها، واحدَتها أُذُنٌ.

وأُذَيْنةُ: اسْمُ رَجُلٍ، لَيْسَتْ مُحَقَّرة عَلَى أُذُن فِي التَّسْمِيَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَلْحَقِ الْهَاءُ وَإِنَّمَا سُمّيَ بِهَا مُحَقَّرة مِنَ العُضْو، وَقِيلَ: أُذَيْنة اسمُ ملِك مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ.

وَبَنُو أُذُنٍ: بطنٌ مِنْ هَوَازِنَ.

وأُذُن النَّعْل: مَا أَطافَ مِنْهَا بالقِبال.

وأَذَّنْتُها: جعلتُ لَهَا أُذُنًا.

وأَذَّنْتُ الصبيَّ: عرَكْتُ أُذُنَه.

وأُذُنُ الحمارِ: نبتٌ لَهُ وَرَقٌعَرْضُه مِثْلُ الشِّبْر، وَلَهُ أَصل يُؤْكَلُ أَعظم مِنَ الجَزرة مِثْلُ السَّاعِدِ، وَفِيهِ حَلَاوَةٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

والأَذانُ والأَذِينُ والتَّأْذِينُ: النّداءُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ الإِعْلام بِهَا وَبِوَقْتِهَا.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا أَذَّنْت وآذَنْتُ، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُهُمَا بِمَعْنًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَذَّنْت لِلتَّصْوِيتِ بإعْلانٍ، وآذَنْتُ أَعلمْت.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ}؛ رُوِيَ" أَنَّ أَذان إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِالْحَجِّ أَن وقَف بالمَقام فَنَادَى: أَيّها النَّاسُ، أَجيبُوا اللَّهَ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، أَطيعوا اللَّهَ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، اتَّقُوا اللَّهَ، فوَقَرَتْ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وأَسْمَعَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض، فأَجابه مَن فِي الأَصْلاب مِمَّنْ كُتِب لَهُ الْحَجُّ، فَكُلُّ مَنْ حَجَّ فَهُوَ مِمَّنْ أَجاب إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَرُوِيَ أَن أَذانه بِالْحَجِّ كَانَ: يَا أَيها النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ.

والأَذِينُ: المُؤذِّنُ؛ قَالَ الحُصَينُ بْنُ بُكَيْر الرَّبَعيّ يَصِفُ حمارَ وَحْشٍ:

شَدَّ عَلَى أَمر الورُودِ مِئْزَرَهْ ***سَحْقًا، وَمَا نادَى أَذِينُ المَدَرَهْ

السَّحْقُ: الطَّرْدُ.

والمِئْذنةُ: موضعُ الأَذانِ لِلصَّلَاةِ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ المنارةُ، يَعْنِي الصَّومعةَ.

أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلْمَنَارَةِ المِئْذَنة والمُؤْذَنة؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " سَمِعْتُ للأَذانِ فِي المِئْذَنَهْ "وأَذانُ الصَّلَاةِ: مَعْرُوفٌ، والأَذِينُ مِثْلُهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " حَتَّى إِذَا نُودِيَ بالأَذِين "وَقَدْ أذَّنَ أَذانًا وأَذَّنَ المُؤذِّن تأْذينًا؛ وَقَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو الأَخطل:

إِنَّ الَّذِي حَرَمَ الخِلافَةَ تَغْلِبًا، ***جعلَ الخِلافةَ والنُّبوَّةَ فِينَا

مُضَرٌ أَبي وأَبو الملوكِ، فَهَلْ لَكُمْ، ***يَا خُزْرَ تَغْلِبَ، مِنْ أَبٍ كأَبِينا؟

هَذَا ابنُ عمِّي فِي دِمَشْقَ خليفةٌ، ***لَوْ شِئْتُ ساقَكمُ إِلَيَّ قَطينا

إِنَّ الفَرَزْدَقَ، إِذْ تَحَنَّفَ كارِهًا، ***أَضْحَى لِتَغْلِبَ والصَّلِيبِ خَدِينا

وَلَقَدْ جَزِعْتُ عَلَى النَّصارى، بعد ما ***لَقِيَ الصَّليبُ مِنَ الْعَذَابِ معِينا

هَلْ تَشْهدون مِنَ المَشاعر مَشْعرًا، ***أَو تسْمَعون مِنَ الأَذانِ أَذِينا؟

وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ:

هَلْ تَمْلِكون مِنَ المشاعِرِ مَشْعَرًا، ***أَو تَشْهدون مَعَ الأَذان أَذِينَا؟

ابن بري: والأَذِينُ هاهنا بِمَعْنَى الأَذانِ أَيضًا.

قَالَ: وَقِيلَ الأَذينُ هُنَا المُؤَذِّن، قَالَ: والأَذينُ أَيْضًا المُؤذّن لِلصَّلَاةِ؛ وأَنشد رَجَزَ الحُصَين بْنِ بُكَير الرَّبعي: " سَحْقًا، وَمَا نادَى أَذينُ المَدَرَهْ "والأَذانُ: اسمُ التأْذين، كَالْعَذَابِ اسْمُ التَّعْذِيبِ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الأَذان، وَهُوَ الإِعلام بِالشَّيْءِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: آذَنَ يُؤْذِن إِيذَانًا، وأَذّنَ يُؤذّن تأْذِينًا، والمشدّدُ مخصوصٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِإِعْلَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.

والأَذانُ: الإِقامةُ.

وَيُقَالُ: أَذَّنْتُ فُلَانًا تأْذينًا أَي رَدَدْتُه، قَالَ: وَهَذَا حرفٌ غَرِيبٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ الأَذانِ قولُ الْفَرَزْدَقِ:

وَحَتَّى عَلَا فِي سُور كلِّ مدينةٍ ***مُنادٍ يُنادِي، فَوْقَها، بأَذان

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنّ قَوْمًا أَكلوا مِنْ شجرةٍ فَحَمدوا فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: قرِّسُوا الْمَاءَ فِي الشِّنانِ وصُبُّوه عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَ الأَذانَيْن »؛ أَراد بِهِمَا أَذانَ الْفَجْرِ والإِقامَة؛ التَّقْريسُ: التَّبْريدُ، والشِّنان: القِرَبْ الخُلْقانُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « بَيْنَ كُلِّ أَذانَيْن صلاةٌ »؛ يُرِيدُ بِهَا السُّنَن الرواتبَ الَّتِي تُصلَّى بَيْنَ الأَذانِ والإِقامةِ قَبْلَ الْفَرْضِ.

وأَذَّنَ الرجلَ: ردَّه وَلَمْ يَسْقِه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي: " أَذَّنَنا شُرابِثٌ رأْس الدَّبَرْ "أَي رَدَّنا فَلَمْ يَسْقِنا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقِيلَ: أَذَّنه نَقَر أُذُنَه، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.

وتَأَذَّنَ لَيَفعَلنَّ أَي أَقسَم.

وتَأَذَّنْ أَي اعْلم كَمَا تَقُولُ تَعَلَّم أَي اعْلَم؛ قَالَ:

فقلتُ: تَعَلَّمْ أَنَّ للصَّيْد غِرَّةً، ***وَإِلَّا تُضَيِّعْها فَإِنَّكَ قاتِلُهْ

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ}؛ قِيلَ: تَأَذَّن تأَلَّى، وَقِيلَ: تأَذَّنَ أَعْلَم؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ.

اللَّيْثُ: تأَذَّنْتُ لأَفعلنَّ كَذَا وَكَذَا يُرَادُ بِهِ إيجابُ الْفِعْلِ، وَقَدْ آذَنَ وتأَذَّنَ بِمَعْنًى، كَمَا يُقَالُ: أَيْقَن وتَيَقَّنَ.

وَيُقَالُ: تأَذَّنَ الأَميرُ فِي النَّاسِ إِذَا نَادَى فِيهِمْ، يَكُونُ فِي التَّهْدِيدِ والنَّهيْ، أَي تقدَّم وأَعْلمَ.

والمُؤْذِنُ: مِثْلُ الذَّاوِي، وَهُوَ العودُ الَّذِي جَفَّ وَفِيهِ رطوبةٌ.

وآذَنَ العُشْبُ إِذَا بَدَأَ يجِفّ، فتَرى بعضَه رطْبًا وَبَعْضَهُ قد جَفّ؛ قَالَ الرَّاعِي:

وحارَبَتِ الهَيْفُ الشَّمالَ وآذَنَتْ ***مَذانِبُ، مِنْهَا اللَّدْنُ والمُتَصَوِّحُ

التَّهْذِيبُ: والأَذَنُ التِّبْنُ، وَاحِدَتُهُ أَذَنةٌ.

وَقَالَ ابْنُ شُميل: يُقَالُ هَذِهِ بقلةٌ تجِدُ بِهَا الإِبلُ أَذَنةً شَدِيدَةً أَي شَهْوةً شَدِيدَةً.

والأَذَنَةُ: خُوصةُ الثُّمامِ، يُقَالُ: أَذَن الثُّمامُ إِذَا خَرَجَتْ أَذَنَتُه.

ابْنُ شُمَيْلٍ: أَذِنْتُ لِحَدِيثِ فُلَانٍ أَي اشْتَهَيْتُهُ، وأَذِنْتُ لِرَائِحَةِ الطَّعَامِ أَي اشْتَهَيْتُهُ، وَهَذَا طعامٌ لَا أَذَنة لَهُ أَي لَا شَهْوَةَ لِرِيحِهِ، وأَذَّن بإرسالِ إبلِه أَي تَكَلَّمَ بِهِ، وأَذَّنُوا عنِّي أَوَّلها أَي أَرسلوا أَوَّلها، وَجَاءَ فلانٌ نَاشِرًا أُذُنَيْه أَي طَامِعًا، وَوَجَدْتُ فُلَانًا لَابِسًا أُذُنَيْه أَي مُتغافلًا.

ابْنُ سِيدَهْ: وإِذَنْ جوابٌ وجزاءٌ، وتأْويلها إِنْ كَانَ الأَمر كَمَا ذُكِرَتْ أَو كَمَا جَرَى، وَقَالُوا: ذَنْ لَا أَفعلَ، فَحَذَفُوا هَمْزَةَ إذَنْ، وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى إذَنْ أَبْدَلْتَ مِنْ نُونِهِ أَلفًا، وَإِنَّمَا أُبْدِلَتْ الأَلفُ مِنْ نُونِ إِذَنْ هَذِهِ فِي الْوَقْفِ وَمِنْ نُونِ التَّوْكِيدِ لأَن حالَهما فِي ذَلِكَ حالُ النُّونِ الَّتِي هِيَ علَمُ الصَّرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ نونُ إذنْ أَصْلًا وتانِك النونانِ زَائِدَتَيْنِ، فإنْ قُلْتَ: فَإِذَا كَانَتِ النُّونُ فِي إذَنْ أَصلًا وَقَدْ أُبدلت مِنْهَا الأَلف فَهَلْ تُجيز فِي نَحْوِ حَسَن ورَسَن وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا نُونُهُ أَصل فَيُقَالُ فِيهِ حَسَا ورسَا؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ إذَنْ مِمَّا نُونُهُ أَصلٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي إِذَنْ مِنْ قِبَل أَنّ إذنْ حرفٌ، فَالنُّونُ فِيهَا بعضُ حرفٍ، فَجَازَ ذَلِكَ فِي نُونِ إذَنْ لمضارَعةِ إذَنْ كلِّها نونَ التأْكيد وَنُونَ الصَّرْفِ، وأَما النونُ فِي حَسَن ورَسَن وَنَحْوِهِمَا فَهِيَ أَصلٌ مِنِ اسْمٍ مُتَمَكِّنٍ يَجْرِي عَلَيْهِ الإِعرابُ، فَالنُّونُ فِي ذَلِكَ كَالدَّالِ مِنْ زيدٍ وَالرَّاءِ مِنْ نكيرٍ، ونونُ إذَنْ ساكنةٌ كَمَا أَن نُونَ التأْكيد ونونَ الصَّرْفِ سَاكِنَتَانِ، فَهِيَ لِهَذَا ولِما قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَن كُلَّ واحدةٍ مِنْهُمَا حرفٌ كَمَا أَن النُّونَ مِنْ إذَنْ بعضُ حَرْفٍ أَشْبَهُ بِنُونِ الإِسم الْمُتَمَكِّنِ.

الْجَوْهَرِيُّ: إذنْ حرفُ مُكافأَة وجوابٍ، إِنْ قدَّمْتَها عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ نَصَبْتَ بِهَا لَا غَيْرُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا" لسَلْمى بْنِ عَوْنَةَ الضبِّيّ، قَالَ: وَقِيلَ هُوَ لَعَبْدِ الله ابن غَنَمة الضبِّيّ:

ارْدُدْ حِمارَكَ لَا يَنْزِعْ سوِيَّتَه، ***إذَنْ يُرَدَّ وقيدُ العَيْرِ مَكْروبُ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِذَا قَالَ لَكَ قائلٌ الليلةَ أَزورُكَ، قلتَ: إذَنْ أُكْرمَك، وَإِنْ أَخَّرْتها أَلْغَيْتَ قلتَ: أُكْرِمُكَ إذنْ، فَإِنْ كَانَ الفعلُ الَّذِي بَعْدَهَا فعلَ الْحَالِ لَمْ تَعْمَلْ، لأَن الْحَالَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ العواملُ النَّاصِبَةُ، وَإِذَا وقفتَ عَلَى إذَنْ قُلْتَ إِذًا، كَمَا تَقُولُ زيدَا، وَإِنْ وسَّطتها وجعلتَ الْفِعْلَ بَعْدَهَا مُعْتَمِدًا عَلَى مَا قَبْلَهَا أَلْغَيْتَ أَيضًا، كَقَوْلِكَ: أَنا إذَنْ أُكْرِمُكَ لأَنها فِي عَوَامِلِ الأَفعال مُشبَّهةٌ بِالظَّنِّ فِي عَوَامِلِ الأَسماء، وَإِنْ أَدخلت عَلَيْهَا حرفَ عطفٍ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ فأَنتَ بالخيارِ، إِنْ شِئْتَ أَلغَيْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَعملْتَ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


45-لسان العرب (ركا)

ركا: الرَّكْوَةُ والرِّكْوة.

شِبْه تَوْرٍ مِنْ أَدمٍ، وَفِي الصِّحَاحِ: الرِّكْوَةُ الَّتِي لِلْمَاءِ.

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: « أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بِرَكْوةٍ [بِرِكْوةٍ] فِيهَا ماءٌ »؛ قَالَ: الرَّكْوة [الرِّكْوة] إناءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُشْرَب فِيهِ الماءُ، وَالْجَمْعُ رَكَوات، بِالتَّحْرِيكِ، ورِكاءٌ.

والرَّكْوَة [الرِّكْوة] أَيضًا: زَوْرَقٌ صَغِيرٌ.

والرَّكْوةُ [الرِّكْوةُ]: رقْعَة تَحْتَ العَواصِرِ، والعَواصِرُ حِجَارَةٌ ثلاثٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.

ورَكا الأَرضَ رَكْوًا: حَفَرَهَا.

ورَكا رَكْوًا: حَفَرَ حَوْضًا مُسْتَطيلًا.

والمَرْكُوُّ مِنَ الحِياضِ: الْكَبِيرُ، وَقِيلَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مِنَ الاحْتِفار.

ابْنُ الأَعرابي: رَكَوْتُ الحَوْضَ سوَّيته.

أَبو عَمْرٍو: المَرْكُوُّ الحَوْض الْكَبِيرُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ فِي المَرْكُوِّ أَنه الحُوَيْضُ الصَّغِيرُ يُسَوِّيه الرَّجُلُ بِيَدَيْهِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ إِذَا أَعْوَزه إناءٌ يَسْقي فِيهِ بَعيرًا أَو بَعيريَن.

يُقَالُ: ارْكُ مَركُوًّا تَسْقِي فِيهِ بَعيرَك، وأَما الْحَوْضُ الْكَبِيرُ فَلَا يُسَمَّى مَرْكُوًّا.

اللَّيْثُ: الرَّكْوُ أَن تَحْفِرَ حَوْضًا مُسْتَطِيلًا وَهُوَ المَرْكُوُّ.

وَفِي حَدِيثِ البرَاء: « فأَتَيْنا عَلَى رَكِيٍّ ذَمَّةٍ »؛ الرَّكِيُّ: جِنْسٌ للرَّكِيَّة وَهِيَ الْبِئْرُ، والذَّمَّة الْقَلِيلَةُ الماءِ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجه: « فإذا هو في رَكِيٍّ يَتَبَرَّد».

الْجَوْهَرِيُّ: والمَرْكُوُّ الحَوْضُ الْكَبِيرُ والجُرْمُوزُ الصَّغِيرُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

السَّجْلُ والنُّطْفَةُ والذَّنُوبُ، ***حَتَّى تَرىَ مَرْكُوَّها يَثُوبُ

يَقُولُ: اسْتَقَى تارَةً ذَنُوبًا، وَتَارَةً نُطْفَةً حَتَّى رجَعَ الحَوضُ مَلآنَ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَن يُشْرَبَ.

والرَّكِيَّة: البئرُ تُحْفَرُ، وَالْجَمْعُ رَكِيٌّ.

ورَكَايا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَيْهَا بِالْوَاوِ لأَنه مِنْ رَكَوْت أَي حَفَرْت.

ورَكا الأَمْرَ رَكْوًا: أَصْلَحَه؛ قَالَ سُوَيْد:

فَدَعْ عَنْكَ قَوْمًا قَدْ كَفَوْك شُؤُونَهُم، ***وشَأْنُكَ إنْ لَا تَرْكُهُ مُتَفاقِمُ

مَعْنَاهُ إِنْ لَا تُصْلِحْه.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَكَوْتُ الشيءَ أَرْكُوهُ إِذَا شَدَدْتَه وأَصْلَحْته.

ورَكا عَلَى الرجُل رَكْوًا وأَرْكَى: أَثْنَى عَلَيْهِ ثَناءً قَبِيحًا.

ورَكَوْتُ عَلَيْهِ الحِمْلَ وأَرْكَيْتُه: ضاعَفْته عَلَيْهِ وأثْقَلْتُه بِهِ، ورَكَوْت عَلَيْهِ الأَمْرَ ورَكَّيْته.

وَيُقَالُ: أَرْكَى عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا كأَنه رَكَّهُ فِي عُنقهِ أَي جَعَلَه.

وأَرْكَيْت فِي الأَمْر: تأَخَّرْت.

ابْنُ الأَعرابي: رَكاه إِذَا أَخَّرَه.

وَفِي الْحَدِيثِ: « يَغْفِرُ اللهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ لكُلِّ مُسْلِم إلَّا لِلْمُتَشاحِنَيْنِ فَيُقَالُ ارْكُوهُما حَتَّى يَصْطَلِحا »؛ هَكَذَا رُويَ بِضَمِّ الأَلف.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « أَنه قَالَ تُعْرَضُ أَعمالُ الناسِ فِي كلِّ جُمْعةٍ مَرَّتَين يومَ الإثنَيْنِ ويومَ الخَميس فيُغْفَر لِكُلِّ عبدٍ مُؤْمن إلا عَبْدًا كانتْ بينَه وبينَ أَخيهِ شَحْناءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا »؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ ارْكُوا هَذَيْنِ؛ أي أَخِّرُوا، قَالَ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى.

رُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ أَرْكَيْت الدَّيْنَ أَي أَخَّرْته، وأَرْكَيْتُ عليَّ دَيْنًا ورَكَوْتُه.

وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْحَدِيثِ: « اتْرُكُوا هَذَيْنِ »، مِنَ التَّرْكِ.

وَيُرْوَى: ارْهَكُوا، بالهاءُ، أَي كَلِّفُوهُما وأَلْزِمُوهُما، مِنْ رَهَكْت الدابَّة إِذَا حمَلْت عَلَيْهَا فِي السَّيْر وأَجْهَدْتها.

قَالَ أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للغَريم ارْكِنِّي إِلَى كَذَا أَي أَخِّرْني.

الأَصمعي: رَكَوْتَ عَلَيَّ الأَمرَ أَي وَرَّكْتَه.

ورَكَوْتُ عَلَى فلانٍ الذَّنْبَ أَي وَرَّكْتُه.

ورَكَوْتُ بَقِيَّةَ يَوْمي أَي أَقَمْتُ.

ابْنُ الأَعرابي: أَرْكَيْتُ لِبَني فُلَانٍ جُنْدًا أَيْ هَيَّأْتُه لَهُمْ.

وأَرْكَيْتَ عليَّ ذَنْبًا لَمْ أَجْنِه.

وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: صارَتِ القوْسُ رَكْوَةً؛ يُضْرَبُ فِي الإِدْبارِ وانْقِلابِ الأُمور.

وأَرْكَيْتُ إِلَى فُلَانٍ: مِلْتُ إِلَيْهِ واعْتَزَيْت.

وأَرْكَيْت إِلَيْهِ: لَجَأْت.

وأَنا مُرْتَكٍ عَلَى كَذَا أَي مُعَوِّلٌ عَلَيْهِ، وَمَا لِي مُرتَكىً إِلَّا عليكَ.

عليُّ بْنُ حَمْزَةَ: رَكَوْتُ إِلَى فُلَانٍ اعتَزَيْتُ إِلَيْهِ ومِلْتُ إِلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

إِلَى أَيِّما الحَيَّيْنِ تُرْكَوا، فإنَّكُمْ ***ثِفالُ الرَّحَى مَنْ تَحْتَها لَا يَرِيمُها

فَسَرَّ تُرْكَوْا تُنْسَبوا وتُعْزَوْا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنّ الرِّوَايَةَ إِنَّمَا هِيَ تُرْكُوا أَو تَرْكُوا أَي تَنْتَسِبوا وتَعْتَزُوا.

والرَّكاءُ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَفِي المُحْكم: وادٍ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فدَعْدَعا سُرَّةَ الرَّكاءِ، كَمَا ***دَعْدَعَ سَاقِي الأَعاجِمِ الغَرَبا

قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَوْثُوقِ بِهَا مِنْ كِتَابِ الْجَمْهَرَةِ الرِّكَاءِ، بِالْكَسْرِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ أَصح، وَهُوَ مَوْضِعٌ؛ وصفَ ماءَيْن التَقَيا مِنَ السَّيْل فمَلَآ سُرَّة الرِّكاء كَمَا ملأَ سَاقِي الأَعاجِم قَدَح الغَرَبِ خَمْرًا.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّكاء، بِالْفَتْحِ، وادٍ بجانِب نَجْدٍ بينَ البَدِيِّ والكُلابِ، قَالَ: ذَكَرَهُ ابْنُ وَلَّادٍ فِي بَابِ المَمْدود والمَفْتوح أَوَّلُه.

غَيْرُهُ: ورِكَاءٌ، مَمْدُودٌ، مَوْضِعٌ؛ قَالَ: " إِذْ بالرِّكَاء مَجالِسٌ فُسُحُ "قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْتُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَاوِ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ر ك ي، وَقَدْ تَرَى سِعَةَ بَابِ رَكَوْت.

ابْنُ الأَعرابي: رَكَاهُ إِذَا جاوَبَ رَوْكَه، وَهُوَ صوتُ الصَّدَى مِنَ الجَبل والحَمَّام.

والرَّكِيُّ: الضَّعِيف مثلُ الرَّكِيكِ، وَقِيلَ: ياؤُه بَدَلٌ مِنْ كَافِ الرَّكِيكِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.

وَهَذَا الأَمرُ أَرْكَى مِنْ هَذَا أَي أَهْوَنُ مِنْهُ وأَضْعَف؛ قَالَ القُطامي:

وغيرُ حَرْبيَ أَرْكَى مِن تَجَشمِها، ***إجَّانَةٌ مِن مُدامٍ شَدَّ مَا احْتَدَما

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


46-لسان العرب (سوا)

سوا: سَوَاءُ الشَّيْءِ مثلُه، والجمعُ أَسْوَاءٌ؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ:

تَرى القومَ أَسْوَاءً، إِذَا جَلَسوا مَعًا، ***وَفِي القومِ زَيْفٌ مثلُ زَيْفِ الدراهمِ

وأَنشد ابنُ بَرِّيٍّ لرافِع بْنِ هُرَيْمٍ:

هَلَّا كوَصْلِ ابْنِ عَمَّارٍ تُواصِلُني، ***لَيْسَ الرِّجالُ، وَإِنْ سُوُّوا، بأَسْواءٍ

وَقَالَ آخَرُ: الناسُ أَسْواءٌ وشتَّى فِي الشِّيَمْ وَقَالَ جِرانُ العَوْدِ فِي صِفَةِ النِّسَاءِ:

ولسنَ بأَسْوَاءٍ، فمنهنَّ روْضةٌ ***تَهِيجُ الرِّياحُ غيرَها لَا تُصَوِّحُ

وَفِي تَرْجَمَةِ عددَ: هَذَا عِدُّه وعديدُه وسِيُّه أَي مِثْلُهُ.

وسِوَى الشيءِ: نفسُه؛ وَقَالَ الأَعشى:

تَجانَفُ عَنْ خلِّ اليمامةِ ناقَتي، ***وَمَا عَدَلتْ مِنْ أَهلها بِسِوائِكا

ولِسِوائِكا، يريدُ بِكَ نفسِك؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

أَرَدًّا، وَقَدْ كَانَ المَزارُ سِواهُما ***عَلَى دُبُرٍ مِنْ صادِرٍ قَدْ تَبَدَّدا

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ كَانَ المزادُ سِواهُما أَي وَقَعَ المَزادُ عَلَى المزادِ وَعَلَى سِواهِما أَخطَأَهُما، يَصِفُ مَزادَتَيْنِ إِذَا تَنَحَّى المزارُ عَنْهُمَا اسْتَرْخَتَا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا لَرَفَعَهُمَا وَقَلَّ اضْطِرَابُهُمَا قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وسِوى، بِالْقَصْرِ، يَكُونُ بِمَعْنَيَيْنِ: يَكُونُ بِمَعْنَى نَفْسِ الشَّيْءِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى غيرٍ.

ابْنُ سِيدَهْ: وسَواسِيَةٌ وسَواسٍ وسَواسِوَةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، كلُّها أَسماءُ جمعٍ، قَالَ: وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ أَما قَوْلُهُمْ سَواسِوَة فَالْقَوْلُ فِيهِ عِنْدِي أَنه مِنْ بَابِ ذَلاذِلَ، وَهُوَ جمعُ سَوَاءٍ مِنْ غَيْرِ لفظِه، قَالَ: وَقَدْ قَالُوا سَواسِيَةٌ، قَالَ: فَالْيَاءُ فِي سَواسِيَة مُنْقلبة عَنِ الْوَاوِ، ونظيرُه مِنَ الْيَاءِ صَياصٍ جَمْعُ صِيصَةٍ، وَإِنَّمَا صَحَّت الواوُ فِيمَنْ قَالَ سَواسِوَة لأَنها لَامُ أَصل وأَن الْيَاءَ فِيمَنْ قَالَ سَواسِيَةٌ مُنْقلِبة عَنْهَا، وَقَدْ يَكُونُ السَّواءُ جَمْعًا.

وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ رُذالِ الناسِ فِي الأَلفاظ: قَالَ أَبو عَمْرٍو يُقَالُ هُمْ سَواسِيَة إِذَا استَوَوْا فِي اللُّؤْم والخِسَّةِ والشَّر؛ وأَنشد:

وَكَيْفَ تُرَجِّيها، وَقَدْ حَالَ دُونَها ***سَواسِيَةٌ لَا يغْفِرُونَ لَهَا ذَنْبا؟

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

سُودٌ سَوَاسِيَةٌ، كأَن أُنُوفَهُمْ ***بَعْرٌ يُنَظِّمُه الوليدُ بمَلْعَبِ

وأَنشد أَيضًا لِذِي الرُّمَّةِ:

لَوْلَا بَنُو ذُهْلٍ لقَرَّبْتُ منكُم، ***إِلَى السَّوطِ، أَشْياخًا سَواسِيَةً مُرْدا

يقول لضربتكم وحلقت رؤُوسَكم ولِحاكم.

قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هُمْ سَواسِيَةٌ وسَواسٍ وسُؤَاسِيَةٌ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

سَوَاسٍ، كأَسْنانِ الحِمارِ فَمَا تَرى، ***لِذي شَيبَةٍ مِنْهُمْ على ناشِيءٍ، فَضْلا

وَقَالَ آخَرُ:

سَبَيْنا مِنْكُمُ سَبْعينَ خَوْدًا ***سَوَاسٍ، لَمْ يُفَضَّ لَهَا خِتامُ

التَّهْذِيبُ: وَمِنْ أَمثالِهم سَوَاسِيَة كأَسْنان الحِمارِ؛ وَقَالَ آخَرُ:

شَبابُهُمُ وشِيبُهُمُ سَواءٌ، ***سَواسِيَةٌ كأَسْنانِ الحِمارِ

قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ قولِهم فِي الْحَدِيثِ لَا يزالُ الناسُ بخَيْرٍ مَا تَبايَنوا، وَفِي رِوَايَةٍ: مَا تَفاضَلوا، فَإِذَا تَسَاوَوْا هَلكوا "، وأَصل هَذَا أَن الخَيْرَ فِي النادِرِ مِنَ الناسِ، فَإِذَا اسْتَوَى النَّاسُ فِي الشَّرِّ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ ذُو خَيْرٍ كَانُوا مِنَ الهَلْكى؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: مَعْنَاهُ أَنهم إِنَّمَا يَتَسَاوَوْن إِذَا رَضُوا بالنَّقْصِ وَتَرَكُوا التَّنافُس فِي طَلب الْفَضَائِلِ ودَرْكِ المَعالي، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا فِي الجَهْل، وَذَلِكَ أَن الناسَ لَا يَتساوَوْنَ فِي العِلْمِ وَإِنَّمَا يَتساوَوْن إِذَا كَانُوا جُهّالًا، وَقِيلَ: أَراد ب التَّساوي التحزُّبَ والتفرُّقَ وأَن لَا يَجْتَمِعُوا فِي إمامٍ ويَدَّعِيَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمْ الحَقَّ لِنَفْسِه فَيَنْفَرِدَ برأْيِه.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هُمْ سَوَاسِيَة يَسْتَوون فِي الشرِّ، قَالَ: وَلَا أَقول فِي الخيرِ، وَلَيْسَ لَهُ واحدٌ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبي القَمْقامِ سَواسِيَة، أَراد سَواء ثُمَّ قَالَ سِيَة؛ ورُوِي عَنْ أَبي عَمْرٍو بْنِ العلاءِ أَنه قَالَ: مَا أَشدَّ مَا هَجَا القائلُ وَهُوَ الْفَرَزْدَقُ: " سَواسِيَةٌ كأَسْنانِ الحِمارِ "وَذَلِكَ أَن أَسنانَ الحمارِ مُسْتوية؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وأَمْثَلُ أَخْلاقِ إمْرِئِ القَيْسِ أَنَّها ***صِلابٌ، عَلَى عَضِّ الهَوانِ، جُلودُها

لَهُمْ مجْلِسٌ صُهْبُ السِّبالِ أَذِلَّةٌ، ***سَوَاسِيَةٌ أَحْرارُها وعَبِيدُها

وَيُقَالُ: أَلآمٌ سَوَاسِيَة وأَرْآدٌ سَوَاسِيَة.

وَيُقَالُ: هُوَ لِئْمُه ورِئْدُهُ أَي مِثْلُه، والجمعُ أَلآمٌ وأَرْآدٌ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}؛ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يعلَم مَا غابَ وَمَا شَهِدَ، والظاهرَفِي الطُّرُقاتِ، والمُسْتَخْفِيَ في الظُّلُماتِ، والجاهِرَ فِي نُطْقِه، والمُضْمِرَ فِي نفْسِه، عَلِمَ اللَّهِ بِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ.

وسواءٌ تطلُبُ اثْنَيْنَ، تَقُولُ: سَواءٌ زيدٌ وعمْروٌ فِي مَعْنَى ذَوا سَواءٍ زيدٌ وعمروٌ، لأَن سَوَاءً مصدرٌ فَلَا يَجُوزُ أَن يُرْفع مَا بعْدها إلَّا عَلَى الحَذْفِ، تقولُ عَدْلٌ زيدٌ وعمروٌ، وَالْمَعْنَى ذَوا عَدْلٍ زيدٌ وعمروٌ، لأَن الْمَصَادِرَ لَيْسَتْ كأَسْماء الفاعلينَ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الأَسْماءَ أَوصافُها؛ فأَما إِذَا رَفَعَتْهَا الْمَصَادِرُ فَهِيَ عَلَى الْحَذْفِ كَمَا قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

تَرْتَعُ مَا غَفَلَتْ، حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ، ***فإنَّما هِيَ إقْبالٌ وإدْبارُ

أَي ذاتُ إقْبالٍ وإدْبار؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، فأَمّا سِيبَوَيْهِ فجَعلها الإِقبالَة والإِدبارَة عَلَى سَعةِ الْكَلَامِ.

وتَساوَتِ الأُمورُ واسْتَوَتْ وسَاوَيْتُ بَيْنَهُمَا أَي سَوَّيْتُ.

واسْتَوَى الشَّيْئَانِ وتَسَاوَيَا: تَماثَلا.

وسَوَّيْتُه بِهِ وسَاوَيْتُ بَيْنَهُمَا وسَوَّيْتُ وسَاوَيْتُ الشيءَ وسَاوَيْتُ بِهِ وأَسْوَيْتُه بِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد اللِّحْيَانِيُّ لِلْقَنَانِيِّ أَبي الحَجْناء:

فإنَّ الَّذِي يُسْويكَ، يَوْمًا، بوِاحِدٍ ***مِنَ الناسِ، أَعْمى القَلْبِ أَعْمى بَصائرهْ

اللَّيْثُ: الاسْتِوَاءُ فِعْلٌ لازِمٌ مِنْ قَوْلِكَ سَوَّيْتُه فاسْتَوى.

وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الْعَرَبُ تَقُولُ اسْتَوَى الشيءُ مَعَ كَذَا وَكَذَا وَبِكَذَا إِلَّا قولَهم للغلامِ إِذَا تَمَّ شَبابُه قَدِ اسْتَوَى.

قَالَ: وَيُقَالُ اسْتَوَى الماءُ والخَشَبةَ أَي مَعِ الخَشَبةِ، الواوُ بِمَعْنَى مَعْ هَاهُنَا.

وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ فِي الْبَيْعِ لَا يُسَاوِي أَي لَا يَكُونُ هَذَا مَعَ هَذَا الثَّمَنِ سيَّيْنِ.

الْفَرَّاءُ: يُقَالُ لَا يُساوي الثوبُ وغيرُه كَذَا وَكَذَا، ولَمْ يعْرفْ يَسْوَى؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: يَسْوَى نَادِرَةٌ، وَلَا يُقَالُ مِنْهُ سَوِيَ وَلَا سَوى، كَمَا أَنَّ نَكْراءَ جاءَت نَادِرَةً وَلَا يُقَالُ لِذَكَرِها أَنْكَرُ، وَيَقُولُونَ نَكِرَ وَلَا يَقُولُونَ يَنْكَرُ؛ قَالَ الأَزهري: وقولُ الْفَرَّاءِ صحيحٌ، وَقَوْلُهُمْ لَا يَسْوَى أَحسِبُه لغةَ أَهلِ الْحِجَازِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: وأَما لَا يُسْوى فَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ صَحِيحٍ.

وَهَذَا لَا يُساوِي هَذَا أَي لَا يعادِلُه.

وَيُقَالُ: سَاوَيْتُ هَذَا بذاكَ إِذَا رَفَعْته حَتَّى بلَغ قَدْره ومَبْلَغه.

وَقَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ؛ أَي سَوَّى بَيْنَهُمَا حِينَ رفَع السَّدَّ بينَهُما.

وَيُقَالُ: سَاوَى الشيءُ الشيءَ إِذَا عادَلَه.

وساوَيْتُ بينَ الشَّيْئَيْنِ إِذَا عَدَّلْتَ بينِهما وسَوَّيْت.

وَيُقَالُ: فلانٌ وَفُلَانٌ سَوَاءٌ أَي مُتَساويان، وقَوْمٌ سَوَاءٌ لأَنه مَصْدَرٌ لَا يثَنى وَلَا يُجْمَعُ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {لَيْسُوا سَواءً}؛ أَي لَيْسوا مُسْتَوينَ.

الْجَوْهَرِيُّ: وَهُمَا فِي هَذَا الأَمرِ سَوَاءٌ، وَإِنْ شئتَ سَوَاءَانِ، وَهُمْ سَوَاءٌ لِلْجَمْعِ، وَهُمْ أَسْوَاءٌ، وَهُمْ سَواسِيَةٌ أَي أَشباهٌ مثلُ يمانِيةٍ عَلَى غيرِ قياسٍ؛ قَالَ الأَخفش: وَوَزْنُهُ فَعَلْفِلَةُ، ذهَب عَنْهَا الحَرْفُ الثَّالِثُ وأَصله الياءُ، قَالَ: فأَمَّا سَوَاسِيَة فإنَّ سَوَاءً فَعالٌ وسِيَةٌ يَجُوزُ أَن يَكُونَ فِعَةً أَو فِعْلَةً، إِلَّا أَنَّ فِعَةً أَقيس لأَن أَكثر مَا يُلْقونَ موضِعَ اللَّامِ، وانْقَلَبَتِ الواوُ فِي سِيَة يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا لأَن أَصله سِوْيَة، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سَواسِيَةٌ جمعٌ لِوَاحِدٍ لَمْ يُنْطَقْ بِهِ، وَهُوَ سَوْساةٌ، قَالَ: وَوَزْنُهُ فَعْلَلةٌ مِثْلُ مَوْماةٍ، وأَصلهُ سَوْسَوَة فَسَوَاسِيَةٌ عَلَى هَذَا فَعالِلَةٌ كلمةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ سَواسِوَة لُغَةً فِي سَواسِيَة، قَالَ: وَقَوْلُ الأَخفش لَيْسَ بشيءٍ؛ قَالَ: وشاهِدُ تَثْنية سواءٍ قولُ قَيْسِ ابن مُعاذ:

أَيا رَبِّ، إنْ لَمْ تَقْسِمِ الحُبَّ بَيْننا ***سَواءَيْنِ، فاجْعَلْني عَلَى حُبِّها جَلْدا

وَقَالَ آخَرُ:

تَعالَيْ نُسَمِّطْ حُبَّ دعْدٍ ونَغْتَدي ***سَوَاءَيْنِ، والمَرْعى بأُمِّ دَرِينِ

وَيُقَالُ للأَرض الْمُجْدِبَةِ: أُمُّ دَرِينٍ.

وإذا قلتَ "سَوَاءٌ علَيَّ احْتَجْتَ أَن تُتَرْجِم عَنْهُ بشَيْئَيْن، تَقُولُ: سَوَاءٌ سأَلْتَني أَو سَكَتَّ عنِّي، وسَوَاءٌ أَحَرَمْتَني أَم أَعْطَيْتَني؛ وَإِذَا لحِقَ الرجلُ قِرْنَه فِي عِلْم أَو شَجاعَةٍ قِيلَ: سَاوَاهُ.

وَقَالَ ابْنُ بزُرْج: يُقَالُ لئنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ وأَنا سِوَاكَ ليَأتِيَنَّكَ مِنِّي مَا تَكْرَهُ؛ يُرِيدُ وأَنا بأَرْضٍ سِوى أَرْضِكَ.

وَيُقَالُ: رجلٌ سَواءُ البَطْنِ إِذَا كَانَ بَطْنُه مُسْتَوِيًا مَعَ الصَّدْرِ، ورجلٌ سَوَاءُ القَدَمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخْمَصٌ، ف سواءٌ فِي هَذَا المَعنى بمعْنى المُسْتَوِي.

وَفِي" صِفَة النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ سَوَاءَ البَطْنِ والصَّدْرِ "؛ أَرادَ الواصِفُ أَنّ بَطْنَه كَانَ غَيْرَ مُسْتَفِيضٍ فَهُوَ مُساوٍ لصَدْرِه، وأَنَّ صَدْرَه عَرِيضٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لبَطْنِهِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ لَا ينْبُو أَحَدُهُما عَنِ الآخرِ.

وسَواءُ الشَّيءِ: وسَطُه لاسْتِواءِ المسافةِ إلَيْه مِنَ الأَطْرافِ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ}؛ أَي نَعْدِلُكُمْ فنَجْعَلُكمْ سَواءً فِي العِبادة.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والسِّيُّ المِثْلُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَصله سِوْيٌ؛ وَقَالَ: " حَدِيدُ النَّابِ لَيْسَ لكُمْ بِسِيٍ "وسَوَّيْتُ الشيءَ فاسْتَوَى، وهُما عَلَى سَوِيَّةٍ مِنْ هَذَا الأَمر أَيْ عَلَى سَواء.

وقَسَمْت الشيءَ بينَهُما بالسَّوِيَّة.

وسِيَّانِ بِمَعْنَى سَواءٍ.

يُقَالُ: هُما سِيَّانِ، وهُمْ أَسْوَاءٌ؛ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ هُمْ سِيٌّ كَمَا يُقَالُ هُمْ سَواءٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وهُمُ سِيٌّ، إِذَا مَا نُسِبُوا، ***فِي سَناء المَجْدِ مِنْ عَبْدِ مَنافْ

والسِّيَّان: المِثْلان.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُمَا سَواءَانِ وسِيَّان مِثْلان، والواحِدُ سِيٌّ؛ قَالَ الحُطَيْئَة:

فإيَّاكُمْ وحَيَّةَ بَطْنِ وادٍ ***هَمُوزَ النَّابِ، ليْسَ لَكُمْ بِسِيِ

يُرِيدُ تَعظِيمه.

وَفِي حَدِيثِ جُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ: « قَالَ لَهُ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّما بنُو هاشِمٍ وَبَنُو المُطّلِبِ سِيٌّ واحِدٌ »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بنُ مَعِين؛ أي مِثْلٌ وسَواءٌ، قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ" شَيءٌ وَاحِدٌ "، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ.

وَقَوْلُهُمْ: لَا سِيَّما كَلِمَةٌ يُسْتَثْنى بِهَا وَهُوَ سِيٌّ ضُمَّ إليْه مَا، والإِسمُ الَّذِي بَعْدَ مَا لَكَ فِيهِ وَجْهَانِ: إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ مَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي وأَضْمَرْت ابْتِداءً ورَفَعْتَ الإِسمَ الَّذِي تَذْكُرُه بخَبرِ الإِبْتداء، تَقُولُ: جاءَني القَومُ وَلَا سيِّما أَخُوكَ أَي وَلَا سِيَّ الَّذِي هُوَ أَخُوك، وَإِنْ شِئْتَ جَرَرْتَ مَا بعْدَه عَلَى أَن تَجْعَل مَا زائِدةً وتجُرَّ الإِسم بِسيٍّ لأَنَّ مَعْنَى سِيٍّ مَعْنَى مِثْلٍ؛ ويُنشدُ قولُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

أَلا رُبَّ يومٍ لكَ مِنْهُنَّ صالِحٍ، ***وَلَا سِيَّما يومٍ [يومٌ] بِدَارةِ جُلْجُلِ

مَجْرُورًا وَمَرْفُوعًا، فَمَنْ رَوَاهُ وَلَا سيَّمَا يومٍ أَراد وَمَا مِثْلُ يومٍ وما صِلةٌ، وَمَنْ رَوَاهُ يومٌ أَراد وَلَا سِيَّ الَّذِي هُوَ يَوْمٌ.

أَبو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ: إنَّ فُلَانًا عالمٌ وَلَا سِيَّما أَخوه، قال: وما صلَةٌ ونصبُ سِيَّما بِلا الجَحْدِ وما زَائِدَةٌ، كأَنك قُلْتَ وَلَا سِيَّ يَوْمٍ، وَتَقُولُ: اضْرِبْنَ القومَ وَلَا سِيَّما أَخيك أَي وَلَا مثْلَ ضَرْبةِ أَخيك، وَإِنْ قُلْتَ وَلَا سِيَّما أَخوك أَي وَلَا مِثْلَ الَّذِي هُوَ أَخوك، تَجْعَلُ مَا بِمَعْنَى الَّذِي وَتُضْمِرُ هُوَ وَتَجْعَلُهُ ابْتِدَاءً وأَخوك خَبَرُهُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَوْلُهُمْ لَا سِيَّما زيدٍ أَي لَا مثْلَ زَيْدٍ وما لَغْوٌ، وَقَالَ: لَا سِيَّما زيدٌ كَقَوْلِكَ دَعْ مَا زَيْدٌ كَقَوْلِهِ تعالى: {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً}.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا هُوَلكَ بسِيٍّ أَي بِنَظِيرٍ، وَمَا هُمْ لَكَ بأَسْواءٍ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّثُ مَا هيَ لكَ بِسِيٍّ، قَالَ: يَقُولُونَ لَا سِيَّ لِمَا فُلانٌ [فُلانٍ] وَلَا سِيَّكَ مَا فُلانٌ وَلَا سِيَّ لِمَنْ فَعَل ذَلِكَ وَلَا سِيَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ وَمَا هُنَّ لَكَ بأَسْواءٍ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

وَكَانَ سِيَّيْن أَن لَا يَسْرَحُوا نَعَمًا، ***أَو يَسْرَحُوه بِهَا واغْبَرَّتِ السُّوحُ

مَعْنَاهُ أَن لَا يَسْرَحُوا نعَمًَا وأَن يَسْرَحُوه بِهَا، لأَن سَواءً وسِيَّانِ لَا يُسْتَعْمَلَانِ إِلَّا بِالْوَاوِ فَوَضَعَ أَبو ذُؤَيْبٍ أَو هَاهُنَا مَوْضِعَ الْوَاوِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

فسِيَّان حَرْبٌ أَو تَبُوءَ بِمِثْلِهِ، ***وَقَدْ يَقْبَلُ الضَّيمَ الذَّليلُ المسَيَّرُ

أَي فَسِيَّانِ حربٌ وبَواؤكم بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا حَمَلَ أَبا ذُؤَيْبٍ عَلَى أَن قَالَ أَو يَسْرَحوه بِهَا كراهيةُ الخَبْن فِي مُسْتَفْعِلِنْ، وَلَوْ قَالَ ويَسْرَحُوه لَكَانَ الْجُزْءُ مَخْبُونًا.

قَالَ الأَخفش: قَوْلُهُمْ إِنَّ فُلَانًا كَرِيمٌ وَلَا سِيّما إِنْ أَتيته قَاعِدًا، فَإِنَّ مَا هَاهُنَا زَائِدَةٌ لَا تَكُونُ مِنَ الأَصل، وَحُذِفَ هُنَا الإِضمار وَصَارَ مَا عِوَضًا مِنْهَا كأَنه قَالَ وَلَا مِثْله إِنْ أَتيته قَاعِدًا.

ابْنُ سِيدَهْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَواءٍ والعَدَمُ وسُوىً [سِوىً] والعَدَمُ أَي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَواءٌ.

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: سَواء هُوَ والعَدَمُ.

وَقَالُوا: هَذَا دِرْهَمٌ سَواءً وسَوَاءٌ، النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ كأَنك قُلْتَ اسْتِوَاءً، وَالرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ كَأَنَّكَ قُلْتَ مُسْتَوٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ}، قَالَ: وَقَدْ قُرِئَ سَواءٍ "عَلَى الصِّفَةِ.

والسَّوِيَّةُ والسَّوَاءُ: العَدْل والنَّصَفة؛ قَالَ تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ}؛ أَي عَدْلٍ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

أَرُوني خُطَّةً لَا عَيْبَ فِيهَا، ***يُسَوِّي بَيْننا فِيها السَّواءُ

وَقَالَ تعالى: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ}؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الضَّبّي:

أَتَسْأَلُني السَّوِيَّة وسْطَ زَيْدٍ؟ ***أَلا إنَّ السَّوِيَّةَ أَنْ تُضامُوا

وسَواءُ الشيءِ وسِوَاهُ وسُوَاهُ؛ الأَخيرتان عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: وَسَطُهُ؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ}؛ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

يَا ويْحَ أَصحابِ النَّبيِّ ورَهْطِهِ، ***بعَدَ المُغَيَّبِ فِي سَواءِ المُلْحَدِ

وَفِي حَدِيثِ أَبي بكرٍ والنسَّابةِ: « أَمْكَنْتَ مِن سَواء الثُّغْرَة»؛ أي وَسَطِ ثُغْرَةِ النَّحْرِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُوضَعُ الصِّراطُ عَلَى سَواءِ جَهَنَّمَ.

وَفِي حَدِيثِ قُسٍّ: « فَإِذَا أَنا بهَضْبةٍ فِي تَسْوَائِها» أَي فِي الْمَوْضِعِ المُستوي مِنْهَا، وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ للتَّفْعال.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « كَانَ يَقُولُ حَبَّذا أَرضُ الْكُوفَةِ أَرضٌ سَواءٌ سَهْلة »أَي مُستوية.

يُقَالُ: مَكَانٌ سَواءٌ أَي مُتَوسِّطٌ بَيْنَ المكانَين، وَإِنْ كسَرْت السينَ فَهِيَ الأَرض الَّتِي تُرابُها كالرَّملِ.

وسَواءُ الشَّيْءِ: غيرُه؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للأَعشى:

تَجانَفُ عَنْ جَوِّ اليَمامةِ نَاقَتِي، ***وما عَدَلَتْ عن أَهلِها لسَوَائِكا

وَفِي الْحَدِيثِ: « سأَلْتُ رَبي أَن لَا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتي عَدُوًّا مِن سَواءِ أَنفسِهم فيسْتَبِيحَ بيْضتَهم »أَي مِنْ غَيْرِ أَهل دِينِهِمْ؛ سَواءٌ، بِالْفَتْحِ والمدِّ: مِثْلُ سِوَى بالقصرِ والكسرِ كالقِلا والقَلاء، وسُوىً [سِوىً] فِي مَعْنَى غَيْرٍ.

أَبو عبيد: سُوى [سِوى] الشيءِ غيرُه كَقَوْلِكَ رأَيتُ سُواكَ [سِواكَ]، وأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ سِوىً وسَواءٌ ظرفان، " وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ سَواءٌ اسْمًا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ:

وَلَا يَنْطِقُ الفحشاءَ مَنْ كَانَ منهمُ، ***إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلَا مِنْ سَوائِنا

وَكَقَوْلِ الأَعشى: وَمَا عَدَلَتْ عَنْ أَهلِها لِسَوَائِكا "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سواءٌ الْمَمْدُودَةٌ الَّتِي بِمَعْنَى غيرٍ هِيَ ظرْفُ مَكَانٍ بِمَعْنَى بَدَلٍ؛ كَقَوْلِ الْجَعْدِيِّ:

لَوَى اللهُ علْمَ الغيبِ عَمَّنْ سَوَاءَهُ، ***ويَعْلَمُ مِنْهُ مَا مَضَى وتأَخَّرا

وَقَالَ يَزِيدُ بنُ الحَكَم:

همُ البُحورُ وتَلْقى مَنْ سَوَاءَهُم، ***مِمَّنْ يُسَوَّدُ، أثْمادًا وأَوْشالا

قَالَ: وسِوَى مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي لَيْسَتْ بمُتَمَكِّنةٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

سَقاكِ اللهُ يَا سَلْمى سَقاكِ، ***ودارَكِ باللِّوَى دارَ الأَرَاكِ

أَمَا والرَّاقِصات بكلِّ فَجٍّ، ***ومَنْ صَلَّى بنَعْمانِ الأَراكِ

لَقَدْ أَضْمَرْتُ حُبَّكِ فِي فُؤَادِي، ***وَمَا أَضْمَرْتُ حُبًّا مِن سِواكِ

أَطَعْتِ الآمِرِيك بقَطْع حَبْلِي، ***مُرِيهِمْ فِي أَحِبَّتهم بذاكِ،

فإنْ هُمْ طاوَعُوكِ فطاوِعِيهم، ***وإنْ عاصَوْكِ فاعْصِي مَنْ عَصاكِ

ابْنُ السِّكِّيتِ: سَواءٌ، مَمْدُودٌ، بِمَعْنَى وسَط.

وَحَكَى الأَصمعي عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَر: انْقَطَع سَوَائِي أَي وَسَطي، قَالَ: وسِوىً وسُوىً بِمَعْنَى غيرٍ كَقَوْلِكَ سَواءٌ.

قَالَ الأَخفش: سِوىً وسُوىً إِذَا كَانَ بِمَعْنَى غيرٍ أَو بِمَعْنَى العدلِ يَكُونُ فِيهِ ثلاثُ لغاتٍ: إِنْ ضمَمْتَ السِّينَ أَو كسَرْت قَصرْتَ فِيهِمَا جَمِيعًا، وإنْ فتحتَ مَددْتَ، تَقُولُ مَكَانٌ سِوىً وسُوىً وسَواءٌ أَي عَدْلٌ ووَسَطٌ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ؛ قَالَ مُوسَى بْنُ جَابِرٍ:

وجَدْنا أَبانا كَانَ حَلَّ ببَلْدَةٍ ***سِوىً بَيْنَ قَيْسٍ، قَيْسِ عَيْلانَ، والفِزْرِ

وَتَقُولُ: مَرَرْتُ برجُلٍ سِواكَ وسُواكَ وسَوائِكَ أَي غَيْرِكَ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَمْ يأْت سواءٌ مكسورَ السِّينِ مَمْدُودًا إِلَّا فِي قَوْلِهِمْ: هُوَ فِي سِوَاء رأْسِه وسِيِّ رأْسِه إِذَا كَانَ فِي نَعْمة وخِصْبٍ، قَالَ: فَيَكُونُ سِواءٌ عَلَى هَذَا مصدَر ساوَى.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وسِيٌّ بِمَعْنَى سَواءٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُمْ فلانٌ فِي سِيِّ رأسِه وَفِي سَوَاء رأْسِه كلُّه مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلٍ سَيا وفسَّره فَقَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ يُقَالُ هُوَ فِي سِيِّ رأْسه وَفِي سَواء رأْسه إِذَا كَانَ فِي النَّعمة.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَقَدْ يفسرُ سِيّ رأْسه عَدَدَ شَعرَه مِنَ الْخَيْرِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

كأَنه خاضِبٌ، بالسِّيِّ مَرْتَعُه، ***أَبو ثَلاثينَ أَمْسَى وَهُوَ مُنْقَلِبُ

وَمَكَانٌ سِوىً وسُوىً: مُعْلَمٌ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَكَانًا سِوىً}، وسُوىً "؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وأَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَى نَصَفٍ وعَدْلٍ فتَحوه ومَدُّوه، والكسْرُ والضمُّ معَ القَصْر عَرَبيّانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.

قَالَ اللَّيْثُ: تصغيرُ سَواءٍ الممدودِ سُوَيٌّ.

وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَكانًا سُوىً" ويُقْرَأُ بِالضَّمِّ، وَمَعْنَاهُ مَنْصَفًا أَي مَكَانًا يَكُونُ للنَّصَفِ فِيمَا بينَنا وَبَيْنَكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ سَواءٌ بهذا المعنى، تَقُولُ هَذَا مَكَانٌ سَواءٌ أَي مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ، وَلَكِنْ لَمْ يُقْرَأْ إِلَّا بالقَصْر سِوىً وسُوىً.

وَلَا يُساوِي الثوبُ وغيرُه شَيْئًا وَلَا يُقَالُ يَسْوَى، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ، قَالَ: وَقَدْ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ.

واستَوى الشيءُ: اعْتَدَلَ، وَالِاسْمُ السَّوَاءُ، يُقَالُ: سَوَاءٌ عَليَّ قمتَ أَو قعدتَ.

واسْتَوَى الرجلُ: بَلَغَ أَشُدَّه، وَقِيلَ: بَلَغَ أَربعين سَنَةً.

وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ "؛ كَمَا تَقُولُ: قَدْ بلغَ الأَميرُ مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى بَلَدِ كَذَا، مَعْنَاهُ قَصَد بالاسْتِواء إِلَيْهِ، وَقِيلَ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صَعِدَ أَمره إِلَيْهَا، وَفَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: أَقْبَلَ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: اسْتَوْلى.

الْجَوْهَرِيُّ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ أَي قَصَدَ، واسْتَوى أَي اسْتَوْلى وظَهَر؛ وَقَالَ:

قَدِ اسْتَوى بِشْرٌ عَلَى العِرَاق، ***مِنْ غَيرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراق

الْفَرَّاءُ: الاسْتِوَاء فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن يَسْتَوِي الرجلُ وَيَنْتَهِيَ شبابُه وقوَّته، أَو يَسْتَوِي عَنِ اعْوِجَاجٍ، فَهَذَانَ وَجْهَانِ، وَوَجْهٌ ثَالِثُ أَن تَقُولَ: كَانَ فُلَانٌ مُقْبِلًا عَلَى فُلَانَةٍ ثُمَّ استَوَى عليَّ وإليَّ يُشاتِمُني، عَلَى مَعْنَى أَقبل إليَّ وعلىَّ، فَهَذَا قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صعِدَ، وَهَذَا كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: كَانَ قَائِمًا فاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكَانَ قَاعِدًا فاسْتَوَى قَائِمًا، قَالَ: وكلٌّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ.

وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ أَي صعِد أَمره إِلَى السَّمَاءِ.

وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}؛ قَالَ الاسْتِوَاءُ الإِقبال عَلَى الشَّيْءِ، وَقَالَ الأَخفش: اسْتَوَى أَي عَلَا، تَقُولُ: استَوَيْتُ فَوْقَ الدَّابَّةِ وَعَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ أَي علَوْتُه.

واسْتَوَى عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ أَي استَقَرَّ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ}؛ عمَدَ وَقَصَدَ إِلَى السَّمَاءِ، كَمَا تَقُولُ: فَرغ الأَميرُ مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى بَلَدِ كَذَا وَكَذَا، مَعْنَاهُ قَصَدَ بِالِاسْتِوَاءِ إِلَيْهِ.

قَالَ دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ الأَصبهاني: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ الأَعرابي فأَتاه رجلٌ فَقَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى؟ فَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ، فَقَالَ: يَا أَبا عبدِ اللَّهِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ استَوْلى، فَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَا يُدْرِيك؟ الْعَرَبُ لَا تَقُولُ استَوْلى عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مُضادٌّ فأَيهما غَلَب فَقَدِ اسْتَوْلى؛ أَما سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:

إلَّا لمِثْلِكَ، أَو مَن أَنت سابِقُه ***سبْقَ الجوادِ، إِذَا اسْتَوْلى عَلَى الأَمَدِ

وَسُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنس: اسْتَوَى كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الكيفُ غَيْرُ معقولٍ، والاستِواءُ غَيْرُ مَجْهول، والإِيمانُ بِهِ واجبٌ، والسؤالُ عَنْهُ بِدْعةٌ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى}؛ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى اسْتَوَى هَاهُنَا بَلَغَ الأَربعين.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ أَن المجتمِعَ من الرجالِ والمُسْتَوِي الَّذِي تَمَّ شَبابُه، وَذَلِكَ إِذَا تمَّتْ ثَمَانٌ وعشرونَ سَنَةً فَيَكُونُ مجتمِعًا ومُسْتَوِيًا إِلَى أَن يَتِمَّ لَهُ ثلاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي حدِّ الكهولةِ، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ بلوغُ الأَربعين غايةَ الاستِواء وكمالِ الْعَقْلِ.

ومكانٌ سَوِيٌّ وسِيٌّ: مُسْتَوٍ.

وأَرضٌ سِيٌّ: مسْتَوِية؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " رَهاء بَساط الأَرضِ سِيّ مَخُوفة "والسِّيُّ: الْمَكَانُ المُسْتَوِي؛ وَقَالَ آخَرُ: " بأَرض وَدْعانَ بِساطٌ سِيٌ أَي سَواءٌ مستقيمٌ.

وسَوَّى الشيءَ وأَسْوَاهُ: جعلَه سَوِيًّا.

وَهَذَا الْمَكَانُ أَسْوَى هَذِهِ الأَمكنةِ أَي أَشدُّها اسْتِواءً، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.

وأَرض سَواءٌ: مُسْتَويةٌ.

ودارٌ سَواءٌ: مُسْتَويةُ المَرافِق.

وثوبٌ سَواءٌ: مسْتَوٍ عرضُه وطولُه وطبقاتُه، وَلَا يُقَالُ جملٌ سَوَاءٌ وَلَا حمارٌ سَوَاءٌ وَلَا رجلٌ سَوَاءٌ.

واسْتَوَتْ بِهِ الأَرضُ وتَسَوَّتْ وسُوِّيَتْ عَلَيْهِ، كلُّه: هَلك فِيهَا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ يَصيرُون كَالتُّرَابِ، وَقِيلَ: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُأَي تَسْتَوي بِهِمْ؛ وَقَوْلُهُ:

طَالَ عَلَى رَسْم مَهْدَدٍ أَبَدُهْ، ***وعَفا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ

فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: اسْتَوَى بِهِ بلدُه صَارَ كلُّه حَدَبًا، وَهَذَا الْبَيْتُ مختلِفُ الوزنِ فالمِصراعُ الأَول مِنَ الْمُنْسَرِحِ.

وَالثَّانِي مِنَ الْخَفِيفِ.

ورجلٌ سَوِيُّ الخَلْق والأُنثى سَوِيَّةٌ أَي مُسْتَوٍ.

وَقَدِ اسْتَوَى إِذَا كَانَ خَلْقُه وولدُه سَوَاءٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا لَفْظُ أَبي عُبَيْدٍ، قَالَ: وَالصَّوَابُ كَانَ خَلْقُه وخَلْق وَلَدِهِ أَو كَانَ هُوَ وولدُه.

الْفَرَّاءُ: أَسْوَى الرجلُ إِذَا كَانَ خَلْق ولدِه سَوِيًّا وخَلْقُه أَيضًا، واسْتَوَى مِنِ اعوِجاجٍ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {بَشَرًا سَوِيًّا}، وَقَالَ: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا "؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمَّا قَالَ زَكَرِيَّا لِرَبِّهِ اجْعَلْ لِي آيَةً أَي علامَةً أَعلم بِهَا وقوعَ مَا بُشِّرْتُ بِهِ قَالَ: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا؛ أَي تُمْنَع الكلامَ وأَنت سَوِيٌّ لَا أَخرسُ فتعلَم بِذَلِكَ أَن اللَّهَ قَدْ وهبَ لَكَ الوَلدَ، قال: وسَوِيًّا منصوبٌ عَلَى الحالِ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ تعالى: {فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا؛ يَعْنِي جبريلَ تمثَّل لمرْيمَ وَهِيَ فِي غُرْفةٍ مُغْلَقٍ بابُها عَلَيْهَا محجوبةٌ عَنِ الخَلْقِ فتمثَّل لَهَا فِي صُورَةِ خَلْقِ بَشَرٍ سَويّ}، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: السَّوِيُّ فَعيلٌ فِي مَعْنَى مُفْتَعلٍ أَي مُسْتَوٍ، قَالَ: والمُستَوِي التامُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي شبابِه وتمامِ خَلْقِه وعقلِه.

واسْتَوَى الرَّجُلُ إِذَا انْتَهَى شَبابه، قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي شيءٍ مِنَ الأَشياء اسْتَوَى بنفسِه حَتَّى يُضَمَّ إِلَى غيرِه فَيُقَالَ: اسْتَوَى فلانٌ وفلانٌ، إلَّا فِي مَعْنَى بلوغِ الرَّجُلِ النهايةَ فَيُقَالُ: اسْتَوَى، قَالَ: وَاجْتَمَعَ مثلُه.

وَيُقَالُ: هُمَا عَلَى سَوِيَّةٍ مِنَ الأَمر أَي عَلَى سَواءٍ أَي استِواءٍ.

والسَّوِيَّة: قتَبٌ عجميٌّ لِلْبَعِيرِ، وَالْجَمْعُ السَّوَايَا.

الْفَرَّاءُ: السَّايَةُ فَعْلةٌ مِنَ التَّسْوِيَةِ.

وقولُ الناسِ: ضَرَبَ لِي سَايَةً أَي هيّأَ لِي كَلِمَةً سَوَّاها عليَّ ليَخْدَعَني.

وَيُقَالُ: كيف أَمْسَيْتُم؟ فيقولون: مُسْؤُونَ، بِالْهَمْزِ، صَالِحُونَ، وَقِيلَ لِقَوْمٍ: كَيْفَ أَصبحتم؟ قَالُوا: مُسْوِينَ صَالِحِينَ.

الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ كَيْفَ أَصبحتم فيقولون: مُسْؤُون صَالِحُونَ أَي أَن أَولادَنا وَمَوَاشِيَنَا سويَّةٌ صَالِحَةٌ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ أَسْوَى نَسِيَ، وأَسْوَى صلِعَ، وأَسْوَى بِمَعْنَى أَساءَ، وأَسْوَى اسْتَقَامَ.

وَيُقَالُ: أَسْوَى الْقَوْمُ فِي السَّقْي، وأَسْوَى الرجلُ أَحدث، وأَسْوَى خَزِيَ، وأَسْوَى فِي المرأَة أَوعب، وأَسْوَى حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ أَو آيةً أَسْقطَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميّ أَنه قَالَ: مَا رأَيت أَحدًا أَقرأَ مِنْ عَلِيٍّ، صلَّيْنا خَلْفَه فأَسْوَى بَرْزخًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فقرأَه، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ انْتَهَى إِلَيْهِ "، قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَسْوَى بِمَعْنَى أَسْقَط وأَغفَل.

يُقَالُ: أَسْوَيْتُ الشيءَ إِذَا تركتَه وأَغفَلْتَه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَذَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، وأَنا أُرى أَن أَصل هَذَا الْحَرْفِ مَهْمُوزٍ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أُرى قَوْلَ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " أَسْوَى بَرْزَخًا "بِمَعْنَى أَسقَط، أَصلُه مِنْ قَوْلِهِمْ أَسْوَى إِذَا أَحدث وأَصلُه مِنَ السَّوْأَةِ، وَهِيَ الدُّبُر، فتُرِكَ الهمزُ فِي الْفِعْلِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: رحمَ اللَّهُ الكسائيَّ فَإِنَّهُ ذكَرَ أَنَّ أَسْوَى بِمَعْنَى أَسْقَطَ وَلَمْ يَذْكُر لِذَلِكَ أَصلًا وَلَا تَعْليلًا، وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لأَبي منصورٍ، سامَحَه اللَّهُ، أَن يَقْتدِي بالكِسائي وَلَا يذكُرَ لِهَذِهِ اللَّفْظَة أَصلًا وَلَا اشتِقاقًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بأَوَّل هَفَواتِه وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بنُطْقه، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةٍ ع م ر مَا يُقاربُ هَذَا، وَقَدْ أَجادَ ابنُ الأَثير الْعِبَارَةَ أَيضًا فِي هَذَا فَقَالَ: الإِسْوَاءُ فِي القراءَةِ والحسابِ كالإِشْواءِ فِي الرَّمْيِ أَي أَسْقَطَ وأَغْفَل، والبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَيَجُوزُ أَشْوَى، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، بِمَعْنَى أَسقط، وَالرِّوَايَةُ بِالسِّينِ.

وأَسْوَى إِذَا بَرِصَ، وأَسْوَى إِذَا عُوفيَ بَعْدَ عِلةٍ.

وَيُقَالُ: نَزَلْنا فِي كَلإٍ سِيٍّ، وأَنْبط مَاءً سِيًّا أَي كَثِيرًا وَاسِعًا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ}؛ قَالَ أَي نَجْعَلَها مُسْتَوِيةً كخُفِّ الْبَعِيرِ وَنَحْوِهِ وَنَرْفَعَ مَنَافِعَهُ بالأَصابع.

وسَواءُ الجَبَلِ: ذرْوَتُه، وسَواءُ النهارِ: مُنْتَصَفُه، وليلةُ السَّواء: لَيلةُ أَربعَ عَشْرَة، وَقَالَ الأَصمعي: ليلةُ السَّوَاءِ، ممدودٌ، ليلةُ ثلاثَ عشْرةَ وَفِيهَا يَسْتَوِي الْقَمَرُ، وَهُمْ فِي هَذَا الأَمر عَلَى سَوِيّةٍ أَي اسْتِواءٍ.

والسَّوِيَّةُ: كِساء يُحْشَى بثُمامٍ أَو لِيفٍ أَو نحوِه ثُمَّ يُجعلُ عَلَى ظهْرِ البعيرِ، وَهُوَ مِن مَراكبِ الإِماء وأَهلِ الحاجةِ، وَقِيلَ: السَّوِيَّةُ كِساءٌ يُحَوَّى حَوْلَ سَنام البعيرِ ثُمَّ يُرْكَبُ.

الْجَوْهَرِيُّ: السَّوِيَّةُ كِساءٌ مَحْشُوٌّ بثُمامٍ ونحوِه كالبَرْذَعة؛ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَنَمة الضَّبيّ، والصَّحيحُ أَنه لِسَلَامِ بْنِ عَوِيَّةَ الضَّبيّ:

فازْجُرْ حِمارَكَ لَا تُنْزَعْ سَوِيَّتُهُ، ***إِذًا يُرَدُّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ

قَالَ: والجَمع سَوايَا، وَكَذَلِكَ الَّذِي يُجْعَل عَلَى ظَهْرِ الإِبِل إِلَّا أَنه كالحَلْقَةِ لأَجل السَّنَامِ، ويُسَمَّى الحَوِيَّةَ.

وسِوَى الشَّيءِ: قَصْدُه: وقَصَدْتُ سِوَى فُلانٍ أَي قَصَدْتُ قَصْدُه؛ وَقَالَ:

ولأَصْرِفَنَّ، سِوَى حُذَيْفَة، مِدْحَتي، ***لِفَتى العَشِيِّ وفارِسِ الأَحْزابِ

وَقَالُوا: عَقْلُكَ سِواكَ أَي عَزَبَ عنكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لِلْحَطِيئَةِ:

لَنْ يَعْدَمُوا رَابِحًا مِنْ إرْثِ مَجْدِهِم، ***وَلَا يَبِيتُ سِوَاهُم حِلْمُهُم عَزَبَا

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ}؛ فإنَّ سَلَمَة رُوِيَ عَنِ الفراءِ أَنه قَالَ {سَواءَ السَّبِيلِ} " قَصْدُ السَّبيلِ، وَقَدْ يكونُ سَواءٌ عَلَى مذهبِ غيرٍ كَقَوْلِكَ أَتَيْتُ سَواءَكَ، فَتَمُدُّ.

ووقَع فلانٌ فِي سِيِّ رأْسِه وسَوَاءِ رأْسِه أَي هُوَ مَغْمُورٌ في النِّعْمَةِ، "وَقِيلَ: فِي عددِ شَعْرِ رأْسِه، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النِّعْمَةَ سَاوَتْ رأْسَه أَي كثُرَتْ عَلَيْهِ، ووقَعَ مِنَ النِّعمة فِي سِواءِ رأْسِه، بِكَسْرِ السِّينِ؛ عَنِ الْكِسَائِيِّ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: وَهُوَ الْقِيَاسُ كأَنَّ النِّعمة ساوَتْ رأْسَه مُساواةً وسِواءً.

والسِّيُّ: الفَلاةُ.

ابْنُ الأَعرابي: سَوَّى إِذَا اسْتَوَى، وسَوَّى إِذَا حَسُنَ.

وَسِوَى: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ.

والسِّيُّ: مَوْضِعٌ أَمْلَسُ بالبادِية.

وسايةُ: وادٍ عَظِيمٌ بِهِ أَكثرُ مِنْ سَبْعِينَ نهْرًا تَجْرِي تَنْزِلُه مُزَيْنَةُ وسُلَيْمٌ.

وسايةُ أَيضًا: وَادِي أَمَجٍ وأَهل أَمَجٍ خُزاعَة؛ وقولُ أَبي ذؤَيب يَصِفُ الحمارَ والأُتُن:

فافْتَنَّهُنَّ مِنَ السَّوَاء وماؤهُ ***بَثْرٌ، وعانَدَهُ طريقٌ مَهْيَعُ

قِيلَ: السَّوَاء هَاهُنَا موضعٌ بعَيْنِه، وَقِيلَ: السَّوَاءُ الأَكَمَة أَيَّةً كَانَتْ، وَقِيلَ: الحَرَّةُ، وَقِيلَ: رأْس الحَرَّةِ.

وسُوَيَّةُ: امرأَةٌ؛ وَقَوْلُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ:

للهِ دَرُّ رافِعٍ أَنَّى اهْتَدَى، ***فَوَّزَ مِنْ قُراقِرٍ إِلَى سُوَى

خِمْسًا، إِذَا سارَ بِهِ الجِبْسُ بَكَى ***عِنْدَ الصَّباحِ يَحْمَدُ القَومُ السُّرَى،

وتَنْجلي عَنهُم غَيَاباتُ الكَرَى "قُراقِرٌ وسُوىً: ماءَانِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ مُفَرَّغٍ.

فدَيْرُ سُوىً فسَاتِيدَ فَبُصْرَى سيا: سِيَةُ القَوْسِ، طَرَفُ قابِها، وَقِيلَ: رأْسُها، وَقِيلَ: مَا اعْوَجَّ مِنْ رأْسِها، وَهُوَ بعدَ الطَّائِفِ، والنَّسَبُ إِلَيْهِ سِيَوِيٌّ.

الأَصمعي: سِيةُ القَوْسِ مَا عُطِفَ مِنْ طَرَفَيْها، وَلَهَا سِيَتَان، وَفِي السِّيَة الكُظْرُ وَهُوَ الفَرْضُ الَّذِي فِيهِ الوَتَرُ، وَكَانَ رؤبة ابن الْعَجَّاجِ يَهْمِزُ سِئَةَ القَوْسِ وسائرُ العَرب لَا يهمِزونها، والجمعَ سِيَاتٌ، وَالْهَاءُ عوضٌ مِنَ الْوَاوِ المحذوفةِ كعِدَةٍ، وَفِي الْحَدِيثِ: « وَفِي يدِه قَوْسٌ آخِذٌ بِسِيَتِها »؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي سُفْيَانَ: فَانْثَنَتْ عَلَيَّ سِيَتَاها "، يَعْنِي سِيَتَيِ القَوْسِ.

والسِّيةُ: عِرِّيسَةُ الأَسَد.

والسَّايَةُ: الطَّرِيقُ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، وَحُكِيَ: ضَرَب عَلَيه سَايَتَه، وَهُوَ ثِقَله عَلَى مَا جاءَ فِي وَزْنِ آيةٍ.

والسِّيُّ، غيرُ مهموزٍ بِكَسْرِ السِّينِ: أَرض فِي بِلَادِ العَرَب مَعْروف؛ قَالَ زُهَيْرٌ: " بالسِّيِّ تَنُّومٌ وآءُ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


47-أساس البلاغة (سبب)

سبب

بينهما سباب، والمزاح سباب النوكى، وقد سابه وتسابوا واستبوا. وفي الحديث «المستبان شيطانان» وهو سبة، وهذه سبة عليك وعلى عقبك، وأنت سبة على قومك. وإياك والمسبة والمساب. ولا تكن سببة ولا سبة كضحكة وضحكة. واستسب لأبويه. وبينهم أسبوبة وأسابيب. وتقول: ما هي أساليب، إنما هي أسابيب. وفرس ضافي السبيب، وقد عقدوا سبائب خيلهم، وأقبلت الخيل معقدات السبائب. وله سبيبة من ثوب وسبائب: شقق. وانقطع السبب أي الحبل. ومالي إليه سبب: طريق.

ومن المجاز: خيل مسببة، يقال لها: قاتلها الله تعالى أو أخزاها إذا استجيدت. قال الشماخ:

مسببة قب البطون كأنها *** رماح نحاها وجهة الريح راكز

وأشار إليه بالسبابة والمسببة. وسيف سباب العراقيب كأنه يعاديها ويسبها. وامرأة طويلة السبائب وهي الذوائب. وعليه سبائب الدم: طرائقه. ونشر الآل سبائبه. قال ذو الرمة:

فأصبحن بالجرعاء جرعاء مالك *** وآل الضحى يزهى الشبوح سبائبه

وانقطع بينهم السبب والأسباب: الوصل. وجرى في سبب الصبا. قال مصرف بن الأعلم العقيليّ:

فزع الفؤاد وطالما طاوعته *** وجريت في سبب الصبا ما تنزع

تكف. وسبب الله لك سبب خير. وسببت للماء مجرى: سويته. واستسب له الأمر. وطعنه في سبته: في استه لأنها مذمومة. وعن بعض الفرسان طعنته في الكبه، فوضعت رمحي في اللبه، فأخرجته من السبة. ومضت سبة من الدهر. قال:

والدهر سبات فحر وخصر

لأن الدهر أبدًا مشكو، ولقولهم: كان ذلك على است الدهر.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


48-صحاح العربية (دك)

[دكك] الدَكُّ: الدقُّ.

وقد دَكَكْتُ الشئ أدكة دكا، إذا ضربته وكسرتَه حتَّى سوّيته بالأرض.

ومنه قوله تعالى: (فدُكَّتا دَكَّةً واحِدَة) قال الأخفش: هي أرض دَكٌّ، والجمع دكوك.

قال الله تعالى: (جعله دكا) قال: ويحتمل أن يكون مصدرا لانه حين قال جعله، كأنه قال دكه، فقال دكا.

أو أراد جعله ذا دك فخذف، وقد قرئ بالمد أي جعله أرضا دكاء، فخذف لان الجبل مذكر.

قال أبو زيد: دُكَّ الرجل فهو مَدْكوكٌ.

إذا دكته الحمى.

ودككت الركى، أي دفنته بالتراب..

وتدكدكت الجبالُ، أي صارت دَكَّاواتٍ، وهي روابٍ من طين، واحدتها دَكَّاءَ.

وناقة دكاء: لا سَنامَ لها، والجمع دُكٌّ.

ودَكَّاواتٌ، مثل حمر وحمراوت.

والدُكُّ: الجبلُ الذليلُ، والجمع الدِكّكَةُ، مثل جحر وجحرة.

وفرسٌ أَدَكُّ، إذا كان متدانِيًا عريض الظهر، من خَيْل دُكّ ورجلٌ مِدَكٌّ، بكسر الميم، أي قوى شديد الوطئ للارض.

وأمة مِدَكَّةٌ، أي قويَّة على العمل.

والدكداك من الرمل: ما التَبَد منه بالأرض ولم يرتفع.

وفي الحديث: أنَّه سأل جريرَ بن عبد الله عن منزله فقال: " سَهْلٌ ودَكْداكٌ، وسَلَمٌ وأَراكٌ " وقال لبيد: وغيثٍ بدِكْداكٍ يَزينُ وِهادَهُ نَباتٌ كوَشي العبقريِّ المُخَلّبِ والجمع الدَكَادِكُ والدَكادِيكُ.

قال الراجز: يا دارَمَيَّ بالدَكادِيكِ البُرَقْ سَقْيًا فقد هيجت شوق المشتئق وحول دكيك، أي تام.

والدكة والدُكَّانُ: الذي يقْعَدُ عليه.

قال الشاعر: فأَبْقى باطِلي والجِدُّ منها كدكان الداربنة المطين وناس يجعلون النون أصلية.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


49-صحاح العربية (سوا)

[سوا] السَواءُ: العدلُ.

قال الله تعالى: (فانْبِذ إليهِمْ عَلى سَواءِ).

وسواء الشئ: وسطه.

قال تعالى: (في سواء الجحيم).

وسواء الشئ: غيره.

قال الاعشى:

وما عدلت عن أهلها لسوائكا *** قال الاخفش: سوى إذا كان بمعنى غَيْرٍ أو بمعنى العَدْلِ يكون فيه ثلاث لغات: إن

ضممت السين أو كسرتها قصرت فيهما جميعًا، وإن فتحت مددت لا غير.

تقول: مكانٌ سُوّى وسِوّى وسَواءٌ، أي عدلٌ ووسطٌ فيما بين الفريقين.

قال موسى بن جابرٍ الحنفيّ: وَجدنا أبانا كان حَلَّ ببلدةٍ *** سَوّى بين قيس قيس عيلان والفرز وتقول: مررت برجلٍ سُواكَ وَسِواكَ وسَوائِكَ ; أي غيرك.

وهما في هذا الأمر سَواءٌ وإن شئت سَواءانِ، وهم سَواءٌ للجميع وهم أَسْواءٌ، وهم سَواسِيَةٌ مثل ثمانية على غير قياس.

قال الاخفش: ووزنه فعافلة، ذهب عنها الحرف الثالث وأصله الياء.

قال: فأما سواسية أي أشباه فإن سواء فعال وسية يجوز أن تكون فعة أو فلة، إلا أن فعة أقيس لان أكثر ما يلغون موضع اللام، وانقلبت الواو في سية ياء لكثرة ما قبلها لان أصله سوية.

وأسويت الشئ، أي تركته وأغفلته.

هكذا حكاه أبو عبيد.

وأنا أرى أن أصل هذا الحرف مهموز.

وليلة السواء: ليلةُ ثلاث عشرة.

الفراء: هذا الشئ لا يساوى كذا، ولم يعرف يَسْوي كذا.

وهذا لا يساويه، أي لا يعادله.

وسويت الشئ فاستوى.

وهما على سوية من هذا الأمر، أي على سواء.

وقسمت الشئ بينهما بالسوية.

ورجلٌ سَوِيُّ الخَلْقِ، أي مُسْتَوِ.

واسْتَوى من اعوجاجٍ.

واستوى على ظهر دابته، أي علا واستقر.

وساوَيْتُ بينهما، أي سَوَّيْتُ.

واسْتَوى إلى السماء، أي قَصَدَ.

واسْتَوى، أي استولى وظهَرَ.

وقال: قد اسْتَوى بِشْرٌ على العِراقِ *** من غير سيفٍ ودمٍ مُهْراقِ واسْتَوى الرجل، إذا انتهى شبابُه.

وقصدتُ سِوى فلان، أي قصدت قصده.

وقال قيس بن الخطيم: ولأصْرِفَنَّ سوى حذيفة مدحتي *** لفتى العشى وفارسِ الأحزابِ والسَوِيَّةُ: كساءٌ محشُوٌّ بثمام ونحوه، كالبرذعة.

قال عبد الله بن عنمة:

فازجر حمارك لا تنزع سويته *** إذا يرد وقيد العير مكروب والجمع سوايا.

وكذلك الذي يجعل على ظهر الإبل، إلاّ أنّه كالحلْقَة لأجل السنام، ويسمى الحوية.

واستوى الشئ: اعتدل.

والاسم السَواءُ.

يقال: سَواءٌ على أقمت أقعدت.

الكسائي: يقال كيفف أصبحتم؟ فيقولون: مسوون صالحون، أي أولادنا ومواشينا سَوِيَّة صالحة.

وفى الحديث: " إذا تساووا هلكوا ".

وقوله تعالى: (لو تسوى بهم الأرضُ)، أي تستوي بهم.

وقول خالد بن الوليد:

فوز من قراقر إلى سوى *** هما ماءان.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


50-منتخب الصحاح (دكك)

الدَكُّ: الدقُّ.

وقد دَكَكْتُ الشيء أَدُكُّهُ دَكًَّا، إذا ضربتَه وكسرتَه حتَّى سوّيته بالأرض.

ومنه قوله تعالى: فدُكَّتا دَكَّةً واحِدَة.

قال الأخفش: هي أرض دَكٌّ، والجمع دُكوكٌ.

قال أبو زيد: دُكَّ الرجل فهو مَدْكوكٌ، إذا دَكَّتْهُ الحُمَّى.

ودَكَكْتُ الرَكيَّ، أي دفنتُه بالتراب.

وناقةٌ دَكاءُ: لا سَنامَ لها، والجمع دُكٌّ ودَكَّاواتٌ.

والدُكُّ: الجبلُ الذليلُ، والجمع الدِكّكَةُ.

وفرسٌ أَدَكُّ، إذا كان متدانِيًا عريض الظهر، من خَيْل دُكّ.

ورجلٌ مِدَكٌّ، بكسر الميم، أي قويٌّ شديدُ الوطِْ للأرض.

وأَمَةٌ مِدَكَّةٌ، أي قويَّة على العمل.

وحَوْلٌ دَكيكٌ، أي تامٌّ.

والدَكَّةُ والدُكَّانُ: الذي يقْعَدُ عليه.

قال الشاعر:

فأَبْقى باطِلي والجِدُّ منها *** كدُكَّانِ الدَرابِنَةِ المَطينِ

وناسٌ يجعلون النون أصلية.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


51-المحيط في اللغة (سيم)

الراعي يُسَيمُ الإبِلَ وُيسَومُها: أي يَسْرَحُها.

السيْءُ - مَهْمُوْز -: اللبَن القَليلُ قَبْلَ أنْ تَجْتَمِعَ الدِّرةُ.

وتَسَيَّأتِ النّاقَة: إذا أرْسَلَتْ لَبَنَها من غَيْرِ حَلَب.

وسَيأتْ؛ اجْتَمَعَ في ضَرْعِها السيْءُ.

وناقَةٌ سَيُوء - على فَعوْلٍ -.

والسُّيَاءةُ السيْءُ.

والسِّيُّ: المَكانُ المُسْتَوي.

وسِيّانِ: مَعْنَاه سَوَاءانِ، وجَمْعُها سَوَاسِي.

و (وَقَعَ في سِيِّ رَأْسِه): أي فيما يُسَاوي رَأْسَه من الخِصْبِ والخَيْرِ، و (في سِوَاءِ رأْسِه).

ولو جَعَلْتَني في سِيِّ رَأْسي ما عَمِلْتُه: أي فيما يُسَاوي رَأْسي.

ونَزَلَ في كَلإَ سِيّ: أي كثِيرٍ.

وسَوَّيْتُ الشّيءَ تَسْوِيَةً.

وقَوْلُهم في البَيْعِ: لا يَسْوى ولايُسَاوي: أي لا يكونُ هذا مَعَ هذا سِيَّيْنِ، من السوَاء.

والمُسَاوَاةُ: مِثْلُه، وكذلك التسْوِيَةُ والسَّوِيَّةُ.

والسَّوَاء: الذي سَوّى اللهُ خَلْقَه، وهو السوِيُّ.

وبَعَثْنا إلى فلانٍ بالسَّوَاءِ واللِّوَاءِ والسِّيَاءِ والليَاءِ: أي قُلْنا لهم: وافَقْناكُم فأَعِيْنُوْنا.

وهم سِيَة وسَوَاسِيَةٌ وسَوَاسِوة وسَوَاسٍ: أي مُسْتَوُوْنَ.

ومَثَلٌ: (سَوَاسِيَةٌ كأسْنَانِ الحِمَارِ).

والسوَاسِيَةُ: القَزَمُ القِصَارُ من الناسِ.

وسَوِيَ - نادِرَة -، لا يُقال منه يَسْوى.

وهو - بمعنى غَيْرٍ - مَقْصُوْرٌ.

والسَّوَاءُت وَسَطُ الشَّيْءِ - مَمْدُوْدٌ -، وتَصْغِيْره سُوَي.

ومَكانٌ سُوىً: أي مَعْلَمٌ، وسِوىً: مِثْلُه.

ولا سِيما فُلانٌ ولا سِيةَ ولا سِيَّ فلانٌ: أي ولا مِثْلُه، ولا سِوى ما فلانٌ ولا سَوْمَا.

وسِوَى: بمعنى القَصْدِ أيضًا.

وسِوَى: بمعنى وَسَطٍ.

وسِوَاءَ - بالمَدِّ -: بمعنى حِذَاءَ.

وسَوَاءٌ - أيْضًا -: وَسَطٌ.

وماتَ فلانٌ سِوى أهْلِه.

ورَجُلَانِ سَوَاءانِ، وقَوْمٌ أسْوَاءٌ.

والسيُ: مَوْضِعٌ بالبادِيَةِ أمْلَسُ.

والماءُ الكَثِيرُ، وهو السَّوَاءُ أيضًا.

والسوِيةُ: قَتَبٌ عَجَمِيٌّ للبَعِيرِ، والجَميعُ السوَايا.

وسُوَيةُ: نَعْتُ امْرَأةٍ.

والسوْءُ: نَعْتٌ لكُلِّ شَيْءٍ رَدِيْءٍ، والفِعْلُ: سَاءَ يَسُوْءُ - لازِمٌ ومجَاوِزٌ -.

وساءَ الشيْءُ: إذا قَبُحَ.

والسُوْءُ: الاسْمُ الجامِعُ للآفاتِ والداءِ، سُؤْتُ وَجْهَ فُلانٍ أَسُوْؤُهُ مَسَاءةً ومَسَائيَةً ومَسَايَةً وسَوَاءةً وسَوَائيَةً.

وأسَأْتُ إليه في الصُّنْعِ.

واسْتَاى فلان: من السُوْءِ.

وسُؤْتُ فلانًا، وسُؤْتُ له وَجْهَه.

ولَسَاءَ ما صَنَعَ فلانٌ: في مَوْضِعِ الفِعْلِ.

وأخْطَأْتَ فَأَسْوَأْتَ: بمعنى أسَأْتَ.

والسَّيئ والسيئَةُ: عَمَلانِ قَبِيْحَانِ؛ كالخَطِيْئَةِ.

والسُّوْأى: اسْمٌ للفَعْلَةِ السيئةِ.

ورَجُلٌ أسْوَأُ، وامْرَأةٌ سَوْءاء: قَبِيْحَة.

والسوءةُ السَّوءاءُ: الفَعْلَةُ القَبِيْحَةُ.

والمَرْأةُ المُخَالِفَةُ.

وسَوْءةً لفُلانٍ، نَصَبْتَه لأنَه ليس بخَبَرٍ لكِنَه شَتْم.

وهذا رَجُلُ سَوْءٍ، والرَّجُلُ السَّوء.

وقَوْلُهم: ضَرَبَ فلانٌ على فلانٍ سايَةً: أي فَعْلَة؛ من السُّوْءِ، وأصْلُها ساءةٌ، وقيل: هي فَعَلَةٌ من سَوَّيْت، والأصْلُ سَوَيَةٌ.

ولَيْلَةُ السوَاءِ: لَيْلَةُ ثَلاثَ عَشرةَ من الشهْرِ.

وأمْرٌ سَوَاءٌ: تامٌ.

وخِمْسٌ سَوَاء.

والسوْءةُ: فَرْجُ الرَّجُلِ والمَرْأةِ.

وسَوأْتُ على فلانٍ ما صَنَعَ: إذا قُلْتَ له: أَسَأْتَ.

وسُؤْتُ له ظَنًّا وأسَأْت: بمعنىً.

واسْتَاءَ مَكاني: أي ساءه ذاكَ.

ورَجُلٌ مُسْتَاءٌ: ساءه أمْرٌ.

وقيل في قَوْلهم: ماساءَكَ وماناءَكَ: ساءَكَ: أبْرَصَكَ، وناءَكَ: إتْبَاعٌ.

والسُّوْءُ: البَرَصُ.

وأسْوى فلان حَرْفًا من كتابِ اللهِ: أي أسْقَطَه وأغْفَلَه.

وأسْوى - أيضًا -: إذا أحْدَثَ.

وإذا وَضَعَ الشَيْءَ مُسْتَوِيًا.

وأسْوى الرجُلُ: إذا كانَ خَلْقُه سَوِيًّا.

وأسْوَيْته بفُلانٍ: بمعنى سَوَّيْته.

وساواه الشبَابُ: أي قاسَمَه وأعْطَاه السَّوِيَةَ.

وُيقال: كَيْفَ أمْسَيْتُم؛ فيُقال: مُسْوُوْنَ صالِحُوْنَ.

ومن أمْثالِهم: (الخَيْلُ تَجْري على مَسَاوِيها) أي على جَرْيِها الأولِ المَعروْفِ منها.

ويقولون: سَويا فلان ولا تُسَو: أي أصْلِحْ ولا تُفْسِدْ.

ويقولونَ: (ساواكَ عَبْدُ غَيْرِكَ)، و (مَنْ سَره بَنُوه ساءَتْه نَفْسُه).

وسِيَةُ القَوْسِ - غير مَهْمُوْزَةٍ -: رَأْسُ قابِها.

وسِيةُ الأسَدِ: عِرِّيْسَتُه - مُثَقَل -.

وسؤاتُ: اسْمُ حَف من قيس بن عامِر.

والساْوُ: بُعْدُ الهَم والنزَاعُ، إنه لَذُو سَأوٍ بَعِيدٍ.

والسُوْسُ والسّاسُ: العُثَّةُ في الثِّيَابِ والطَّعَامِ.

وساسَ الطَّعَامُ وأسَاسَ وسَوسَ: وَقع فيه السُّوْسُ، وسَوِسَ - أيضًا - وسِيْسَ فهو مَسُوْسٌ، وسَئِسَ.

والسُوْسُ والتُوْسُ: الطبْعُ والخَلِيْقَةُ، وقيل: الأصْلُ.

والسيَاسَةُ: فِعْلُ السّائسِ.

والوالي يَسُوْسُ رَعِيتَه.

وسُوِّسَ فلانٌ أمْرَ بَني فلانٍ: أي كُلفَ سِيَاسَتَهم.

وأنْتَ سَوَّست هذا الأمْرَ وأَسَسته.

والسوَسُ: مَصْدَرُ الأسْوَسِ، وهو داءٌ في عَجُزِ الدابَّةِ بَيْنَ الفَخِذِ والوَرِكِ.

والسوَاسُ: شَجَرٌ - الواحِدَةُ سَوَاسَة - يُتَخَذُ منه الزَنْدُ، وهو مِثْلُ المَرْخِ.

وأسَاست الشاةُ أشَدَّ الإسَاسَةِ؛ وسَالت تَسَاسُ سَوَسًا: إذا قَمِلَتْ وكَثُرَ القَمْلُ في أُصُوْلِ صُوْفِها، فهي مُسِيْسٌ.

وسَوسَ له أمْرًا فَرَكِبَه: بمعنى سَولَ.

وأبو سَاسَانَ: كُنْيَةُ كِسْرى.

والسيْسَاءُ: مِنْسَجُ الحِمَارِ والبَغْلِ.

وقيل: هو مُجْتَمَعُ دَأَيَاتِ البَعِيْرِ، وجَمْعُه سَيَاسِي.

وحَمَلْتُه على سِيْسَاءِ الحَقَ: أي حَده.

والسأْسَأَةُ: من قَوْلِكَ للشّاءِ: سَأْسَأْ؛ لِتَحْتَبِسَ.

وسَأَوْتُ ثَوْبَه: أي شَقَقْت، وسَأَيْتُه - أيضًا - سَأْيًا.

والسقَاءَ: وَسعْتَه.

وسَأَوْتُ بَيْنَ القَوْمِ: أفْسَدْت.

والسأْوُ: الطيةُ والفَتْقُ.

والسايَةُ: القِرْبَةُ الجَشِبَةُ الغَلِيْظَةُ.

وتَسَيأَ فلانٌ بحَقْي: أقَرَّ به بَعْدَ إنْكارِه.

وإنه ليتَسيأُ لي بالشيْءِ: أي يَلِيْنُ به.

الوَسْوَسَةُ: حَدِيْثُ النَّفْسِ.

والصوْتُ الخَفِيُّ، وبه شُبِّهَ صَوْتُ الحُلِيِّ.

وفُلانٌ مُوَسْوَسٌ.

وأوْسَيْتُ الشيْءَ إيْسَاءً: قَطَعْته، ومنه المُوْسى - وهو مُذَكَّرٌ -.

وأوْسَيْتُ رَأْسَه: حَلَقْته.

ومُوْسى القَوْنَسِ: طَرَفُ البَيْضَةِ.

ووَيْس: كَلِمَةٌ في مَوْضِعِ الرأْفَةِ والاسْتِمْلاَح، يقولون: ويحَهُ ووَيسَهُ ما أمْلَحَه.

وويس له: أي فَقْرٌ له.

وأُسْهُ أوْسًا: أي سُدَّ وَيْسَه.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


52-المحيط في اللغة (رز)

الرّزُّ: الطَّعْنُ، رَزَّهُ رَزًةً.

ورَزَزْتُ السِّكَيْنَ والسهْمَ في الحائطِ فارْتَزَّ: أي ثَبَتَ.

وأرَزَتِ الجَرَادَةُ: أدْخَلَتْ ذَنَبَهَا في الأرْضِ كَيْ تَبِيْضَ.

وارْتَزَّ عَلي عِرْقٌ: انْتَفَضَ.

والرّزُّ: الصَوْتُ تَسْمَعهُ من بَعِيْدٍ.

ورَزَتِ السَّماءُ تَرِزُّ رَزًّا: صَوَّتَتْ من المَطَرِ.

والرَّزَّةُ من الحَدِيْدِ: مَعْرُوفَةٌ، وهي الرَّزَّاتُ.

والإرْزِيْزُ: الرِّعْدَةُ من البَرْدِ.

وهي - أيضًا -: بَرَدٌ صِغَارٌ مِثْلُ الحَصَى من الدمَقِ.

وطَعْنٌ يَجِدُه الإنسانُ في جَوْفِه.

وحُرْقَةٌ من الجُوْع، وكذلك الرِّزُ والرّزَيْزى.

وارْتَزَ فلانٌ في رِزِّ فلانٍ: إذا ذَهَبَ مَذْهَبَه وفَعَلَ فِعْلَه.

ورَزْرَزْتُ الحِمْلَ: سَوَّيْتَه.

ووَطَّاْتُ الأمْرَ ورَزًزْتُه: واحِد.

ورَزْرَزْتُ الشيْءَ: حَرَّكْتَه.

والرَّزَازُ: لُغَةٌ في الرصَاصِ، كذا قال.

والرُّز: لُغَةٌ في الأرُزَ، طَعَامٌ مُرَزَّزٌ: مُعَالَجٌ بالرُزَ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


53-المحيط في اللغة (بز)

البَز: ضرْب من الثيَابِ.

والبِزَازَةُ: حِرْفَةُ البَزّازِ.

والسَّيْفُ.

والسلاَحُ.

والبَز: السلْبُ.

وفي المَثَلِ: (مَنْ عَزَّ بَزَّ) أي مَنْ غَلَبَ سلب.

والابْتِزَازُ: التَجْرِيْدُ من الثيَابِ.

وأبْزَزْتُه عن كذا وبَزَزْتُه: أي دَفَعْتُه ومَنَعْتُه.

وجِىءْ به عَزًا بَزًّا: أي لامَحَالَةَ.

والبِزَةُ: الشّارَةُ الحَسَنَةُ من الثيَاب.

ورَجُل بُزْبُزٌ وبَزْبَز: أي شَدِيدٌ، وقيل: سَرِيْعٌ.

والبُزَابِزُ: السَّرِيْعُ العَنَقِ.

وقيل: هو القَوِيُّ الذي لا يَنْثَنِي.

وسَوْقٌ بَزْبَزٌ وبَزْبَاز: شَدِيدٌ.

وقيل: الشَّهْمُ الماضي.

وبَزْبَزَ الإبِلَ: أي سَاقَها.

والبَزْبَزَةُ: تَحْرِيْكُ الشيْءِ ومُعَالَجَتُه ليَصْلُحَ.

وُيقال للشَّيْءِ: قد بَزْبَزَتْهُ البَزَابِزُ.

وبَزْبَزْتُ بالزجُلَ: أي تَنَكَّرْتُ له.

وبَزْبَزَتِ المَرْأةُ بزَوْجِها: إِذا طَمَحَتْ به وتَغَلَّبَتْه.

وبَزْبَزْتُ الحمْلَ: سَوَّيْتُه.

والبُزْبُوْزُ: القَصِيْرُ، هو يَتَبَزْبَزُ في مِشْيَتِه.

وبَزْبَزَ الرجُلُ: مَرَّ مُنْهَزِمًا.

والبَزْبَازُ: ما يَنْفُخُ فيه الصائغُ؛ مِثْلُ مِزْمَارٍ.

وقيل: هو ذَكَرُ الإنسانِ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


54-المحيط في اللغة (ودء)

وَدَأته فَتَوَدأ: أي سَوْيتُه فَتَسَوى.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


55-تهذيب اللغة (عدل)

عدل: قال الله جلّ وعزّ: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} [المَائدة: 95].

قال الفراء: العَدْل: ما عَادلَ الشيء من غير جنسِه.

والعِدْل: المِثل، مثل المِحْمَل وذلك أن تقول: عندي عِدْلُ غلامك وعِدْل شاتك إذا كانت شاةٌ تعدِل شاةً أو غلام يَعدل غلامًا.

فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين فقلت: عَدْل.

وربما قال بعض العرب: عِدلُه، وكأنه منهم غلط؛ لتقارب معنى العَدْل من العِدْل.

وقد اجتمعوا على أنّ واحد الأعدال عِدْلٌ.

قال ونُصب قوله {صِيامًا} على التفسير، كأنه: عَدلُ ذلك من الصيام، وكذلك قوله: {مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا} [آل عِمرَان: 91] أخبرني بجميع ذلك المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء.

وقال الزجّاج: العَدلُ والعِدْل واحد في معنى المِثْل.

قال: والمعنى واحد، كان المِثلُ من الجنس أو من غير الجنس.

قال أبو إسحاق: ولم يقولوا: إن العرب غلِطت.

وليس إذا أخطأ مخطىء وجب أن يقول: إن بعض العرب غلِط.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَدْلُ: الاستقامة.

وقال

عَدْلُ الشيء وعِدْلُه سواء أي مثله.

قال وأخبرني ابن فهم عن محمد بن سلّام عن يونس قال: العَدْلُ: الفِدء في قوله جلّ وعزّ: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} [الأنعام: 70].

قال وسمعت أبا الهيثم يقول: العِدْلُ: المِثل: هذا عدله: والعَدْلُ: القِيمة يقال: خذ عَدْله منه كذا وكذا أي قيمته.

قال: ويقال لكلّ من لم يكن مستقيمًا: حَدْلٌ وضدّه عَدْلٌ.

يقال: هذا قَضَاء عَدْلٌ غير حَدْلٍ.

قال والعِدْلُ: اسم حِمْل مَعدُولٍ بحمل أي مُسَوًّى به.

والعَدْل: تقويمك الشيء بالشيء من غير جنسه حتى تجعله له مِثلًا.

وقول الله جلّ وعزّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].

قال سعيد بن المسيّب: ذَوَيْ عقل.

وقال إبراهيم: العَدْل الذي لم تظهر منه ريبة.

وكتب عبد الملك إلى سَعيد بن جُبَير يسأله عن العَدْل، فأجابه: إن العَدْل على أربعة أنحاء: العَدْل في الحكم: قال الله تعالى: {وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] والعَدل في القول؛ قال الله تعالى: {وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152].

والعَدل: الفِدْية؛ قال الله: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ} [البَقَرَة: 123].

والعَدْل في الإشراك قال الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعَام: 1].

وأمّا قوله جلّ وعزّ: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النِّساء: 129].

قال عَبِيدة السَلْماني والضحَّاك: في الحُبّ والجماع.

وقوله سبحانه: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} [الأنعَام: 70] كان أبو عبيدة يقول معناه وإن تُقسط كل أقساطٍ لا يُقبل منها.

قلت: وهذا خطأ فاحش وإقدام من أبي عُبِيدة على كتاب الله.

والمعنى فيه: لو تفتدي بكل فِداء لا يقبل منها الفداء يومئذ.

ومثله قوله: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعَارج: 11] الآية أي لا يقبل ذلك منه ولا يُنْجيه.

وقولهم: رجلٌ عَدْل معناه ذو عدل ألا تراه.

قال في موضعين: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فنُعِتَ بالمصدر.

وقيل: رجل عَدْلٌ، ورجلان عَدْلٌ ورجال عَدلٌ، وامرأة عَدْلٌ، ونِسْوة عَدْلٌ، كل ذلك على معنى: رجال ذوِي عَدلٍ ونسوة ذوات عَدل.

والعَدْل: الاستقامة.

يقال: فلان يَعدِل فلانًا أي يساويه.

ويقال ما يعدِلك عندنا شيء أي ما يقع عندنا شيء مَوْقعك.

وإذا مال شيء قلت: عَدلتُه أي أقمتُه فاعَتَدَلَ أي استقام ومن قرأ قول الله جلّ وعزّ: {خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} ـ بالتخفيف ـ {فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ} [الانفِطار: 7، 8].

قال الفراء: من خفّف فوجهه ـ والله أعلم ـ فصرفك إلى أيّ صورة شاء إما حَسَن وإما قبيح وإما طويل وإما قصير.

ومن قرأ: (فَعَدَّلك) فشدد ـ وهو أعجب الوجهين إلى الفراء وأجودهما في العربية ـ ومعناه: جعلك مُعْتَدِلًا مُعْدَّلَ الخَلْق.

قال: واخترتُ (عَدّلك)؛ لأن (في) للتركيب أقوى في العربيِّة من أن تكون (في) للعَدْلِ؛ لأنك تقول: عَدَلْتُكَ إلى كذا وصَرفتُك إلى كذا.

وهذا أجود في العربية من أن تقول: عَدلتك فيه وصرفتك فيه.

قلت: وقد قال غير الفرّاء في قراءة مَن قرأ: فَعَدَلَكَ ـ بالتخفيف ـ: إنه بمعنى: فسوّاك وقوّمك، من قولك: عَدلتُ الشيء فاعتدل أي سوّيتهُ فاستوى.

ومنه قوله:

وعَدَلْنَا مَيْل بَدْرٍ فاعْتَدَل

أي: قوّمناه فاستقام.

وقرأ عاصم والأعمش بالتخفيف فَعَدَلَكَ، وقرأ نافِع وأهل الحجاز.

{فَعَدَّلَكَ} بالتشديد.

وقوله: {أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيامًا} [المائدة: 95] قرأها الكسائي وأهل المدينة بالفتح، وقرأها ابن عامر بالكسر: {أو عِدْلُ ذلك صيامًا} وقال الليث: العَدْل من الناس: المرضِيّ قولُه وحُكمه.

قال: وتقول إنه لعَدْلٌ بيّن العَدْل والعَدَالة.

قال: والعَدْلُ: الحُكم بالحقّ.

يقال هو يقضي بالحقّ ويعدل وهو حَكَم عَادلٌ: ذو مَعْدَلةٍ في حكمه وقال شمر: قال القُزْملي: سألت عن فلانٍ العُدَلَة أي الذين يُعَدُّلُونَه.

وقال أبو زيد: يقال رجل عُدَلَة وقوم عُدَلَة أيضًا وهم الذين يزكّون الشهود.

وقال يونس: جائز أن يقال: هما عَدْلَان وهم عُدُول، وامرأة عَدْلة.

وقال الكلابيون: امرأة عَدْلٌ وقومٌ عُدُل.

وقال يونس عن أبي عمرو: الجيّد امرأةٌ عَدْلٌ، وقومٌ عَدْلٌ، ورجلٌ عَدْلٌ.

وقال الباهليّ: رجلٌ عَدْل وعَادِل: جائز الشهادة.

وامرأة عَادِلة: جائزة الشهادة.

وقال الأصمعي: يقال عَدَلت الجُوَالق على البعير أعدِله عَدْلًا يُحمل على جَنْب البعير ويُعْدَل بآخر.

وفي الحديث: «مَن شرب الخمر لم يقبل الله منه صَرْفًا ولا عَدْلًا أربعين ليلة».

قال بعضهم: الصَرْف الحيلة.

والعَدل: الفِدْية.

قال يونس بن عُبَيد: الصرف الحيلة، ويقال منه فلان يتصرّف أي يحتال.

قال الله عزوجل: {فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} [الفرقان: 19] وقال ابن عباس: الصَرْف: الدِية، والعَدْلُ: السَّوِيَّة، وقال شمر: أخبرني ابن الحَرِيش عن النضر بن شميل قال: العَدْلُ: الفريضة.

والصرف: التطوّع.

وقال مجاهد في قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] أي يُشركون.

وقال الأحمر: عَدَل الكافر بربه عَدْلًا وعُدُولًا إذا سَوَّى به غيره فعَبَدَهُ.

وقال الكسائي: عَدَلت الشيء بالشيء أعدِله عُدُولًا إذا ساويته به.

وعَدل الحاكِم في الحكم عَدْلًا.

وقال شمر: أما قول الشاعر:

أفذَاكَ أم هي في النَجَا *** ء لمن يُقَاربُ أو يُعَادِلْ

يعني: يُعَادِل بين ناقته والثَوْر، قال: وقال ابن الأعرابي المعادلة: الشكّ في الأمرين وأنشد:

وذو الهمّ تُعْديه صَرَامَةُ هَمِّهِ *** إذا لم تُمَيّثْهُ الرُّقَى ويُعَادِل

يقول يعَادِل بين الأمرين أيُّهما يَركبُ، تُمَيِّثه: تُذَلِّله المَشُورَات، وقول الناس: أين تذهب، وقال المرَّار:

فلما أن صَرَمَتْ وكان أمْرِي *** قويمًا لا يميل به العُدُولُ

قال عَدَل عنِّي يَعْدِلُ عُدولًا لا يميل به عن طريقه الميْلُ.

وقال الآخر:

إذا الهَمُّ أمْسَ وَهْو داء فأَمضِهِ *** ولست بمُمْضيه وأنت تُعَادِله

قال: معناه: وأنت تشكّ فيه.

رَوى أبو عبيد عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم حين ذكر المدينة فقال: «من أحدث فيها حَدَثًا أو آوى مُحْدِثًا لم يقبل الله منه صَرْفًا ولا عَدْلًا»، قال أبو عبيد رُوي عن مكحول أنه قال الصرف التوبة والعدل: القدية.

وقال أبو عبيد: قوله «من أحدث فيها حَدَثًا» فإن الحدث كل حَدّ يجب لله تعالى على صاحبه أن يقام عليه.

ثعلب عن ابن الأعرابي العَدَلُ مُحرّك: تسوية الأوْنَين، وهما العِدْلان.

وقال الليث: العَدْل أن تعدِل الشيء عن وجهه، تقول، عَدَلْتُ فلانًا عن طريقه، وعَدَلْتُ الدابة إلى موضع كذا فإذا أراد الاعوجاج نفسه قال: هو يَنْعَدِل أي يعوجّ.

وقال في قوله:

وإني لأنْحِي الطَرْف من نحو أرضها *** حياءً ولو طاوعتُهُ لم يُعَادِل

قال: معناه، لم ينعَدِل قلت معنى قوله لم يعادل أي لم يَعْدِل بنحو أرضها أي بقصدها نحوًا ولا يكون يُعَادِل بمعنى ينعدل.

وقال الليث: المعتدِلة من النوق: الحسَنَة المتّفقة الأعضاء بعضُها ببعض.

وروى شمر عن محارب: قال: المُعْنَدِلة من النوق وجعله رباعيًّا من باب عَندَل.

قلت والصواب المعتدلة بالتاء.

وروى شمر عن أبي عدنان أنّ الكناني أنشده:

وعَدَل الفَحل وإن لم يُعْدلِ *** واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَنَام الأَمْيَل

قال: اعتدال ذات السَّنَام الأميَل استقامة سَنامها من السِمَن بعدما كان مائلًا.

قلت: وهذا يدلّ على أن قول محارب: المُعْنَدِلة غير صحيح، وأن الصواب: المُعْتَدِلة، لأن الناقة إذا سمِنتْ اعتدلت أعضاؤها كلُّها من السنام وغيره.

ومُعَنْدِلة من العَنْدَل وهو الصُلب الرأس وليس هذا الباب له بموضعٍ، لأن العَنْدل رباعي خالص.

شمر العَدِيل: الذي يُعَادِلك في المحمِل والعَدْل: نقيض الجَوْر.

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الحمد لله الذي جعلني في قومٍ إذا مِلْتُ عَدَلُوني كما يُعْدَل السهم في الثِقاف، أي قَوَّموني.

شمر عن أبي عدنان: شرب حتى عَدَّل أي امتلأ.

قلت وكذلك عَدَّنَ وأوَّن بمعناه.

ويقال أخذ الرجل من مَعْدَل الباطل أي في طريق الباطل ومذهبه، ويقال انظروا

إلى سُوء مَعَادِلِهِ، ومذموم مداخله، أي إلى سوء مذاهبه ومسالكه، وقال زهير:

وسُدِّدَتْ.

.

.

عليه سِوَى *** قَصْد الطريق مَعَادِلُهْ

ويقال عَدَّلْتُ أمتعة البيت إذا جعلتها أعدالًا مستوِية للاعتكام يوم الظعْن.

وعَدَّل القسَّام الأنصباء للقَسْم بين الشركاء إذا سوّاها على القِيم.

وأمّا قول ذي الرمّة:

إلى ابن العامريّ إلى بلالٍ *** قطعتُ بنَعْفِ مَعقُلة العِدَالا

فالعرب تقول: قطعْتُ العِدَال في أمري، ومضيت على عزمي، وذلك إذا مَيَّلَ بين أمرين أيُّهما يأتي، ثم استقام به الرأي فعزم على أوْلَاهُما عنده، ويقال أنَا في عِدَال من هذا الأمر أي في شك منه: أأمضي عليه أم أتركه، وقد عَادَلت بين أمرين أيَّهما آتي أي ميِّلت وفرسٌ معتدل الغُرّة إذا توسّطَت غُرَّتُه جبهته، فلم نصب واحدة من العينين ولم تَمل على واحد من الخدّين، قاله أبو عبيدة.

أبو عبيد عن الأصمعي: العَدَوليّ من السفن منسوب إلى قرية بالبحرين يقال لها: عَدوْلَى.

قال وَالخُلْجُ سفنٌ دونَ العَدوْلِيَّة.

وَقال شمر: قال ابن الأعرابي قول طرَفة:

عَدَوْليَّة أو من سفين ابن نَبْتَل

قال نسبها إلى ضِخَم وقِدَم، يقول: هي قديمة أو ضخمة.

وقال الليث: العَدْوَلِيَّة نُسِبَتْ إلى موضع كان يسمى عَدَوْلَاة وهو بوزن فَعَوْلَاة.

وذكر عن الكلبي أنه قال: عَدَوْلَى ليسوا من ربيعة ولا مضر ولا ممّن يعرف من اليمن، إنما هم أمّة على حِدَة، قلت: والقول في العَدَوْليّ ما قاله الأصمعي.

ثعلب عن ابن الأعرابي: يقال لزوايا البيت: المعَدَّلات والدراقيع والمُزَوَّيات والأخصام والثَفنات.

وقال في قول الله: {فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ} [الانفطار: 7، 8] أي فقوّمك.

ومن خفّف أراد: عَدَلَك من الكفر إلى الإيمان، وهما نعمتان.

وهذا قول ابن الأعرابي.

وقال ابن السكيت عن ابن الكلبي في قول الناس للشيء الذي يُئِسَ منه: وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ قال: هو العَدْل بن جَزْء بن سعد العَشِيرة، وكان وَلي شُرَط تُبَّع، فكان تُبَّع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فقال الناس وُضِعَ على يَدَي عَدْلٍ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


56-تهذيب اللغة (عير عور)

عير ـ عور: أبو العباس عن ابن الأعرابي: العَيْر: الفرس النشيط.

قال: والعرب تمدح بالعيَّار وتَذمّ به.

يقال: فلان عَيَّار: نشيط في المعاصي، وغلام عَيَّار: نشيط في طاعة الله تعالى وفرس عَيَّار وعيَّال: نشيط.

ويقال عار

الرجلُ يعير عَيَرانًا، وهو تردده في ذهابه ومجيئه.

ومنه قيل: كلب عيَّار وعائر.

وهذا من ذوَات الياء.

وأما العاريّة والإعارة والاستعارة فإن العرب تقول فيهما: هم يتعاورون العواريّ ويتعوَّرونها بالواو، كأنهم أرادوا تفرقة بين ما يتردّد من ذات نفسه وبين ما يُردَّد.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: العارية منسوبة إلى العارة، وهي اسم من الإعارة.

يقال: أعرته الشيء أُعيره إعارة وعارة، كما قالوا: أطعته إطاعة وطاعة، وأجبته إجابة وجابة.

وهذا كثير في ذوات الثلاث؛ منها العارة، والدارة، والطاقة، وما أشبهها.

ويقال: استعرت منه عارِيّة فأعارنيها.

وقال الليث: سمِّيت العارية عاريّة لأنها عارٌ على من طلبها: قال: والعار: كل شيء تلزم به سُبّة أو عيب.

والفعل منه التعيير.

قال ومن قال هذا قال: هم يتعيّرون من جيرانهم الماعون والأمتعة.

قلت: وكلام العرب يتعوَّرون بالواو والمعاورة والتعاور: شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين.

ومنه قول ذي الرمة:

وَسِقط كعين الديك عاوَرت صاحبي *** أباها وَهيَّأنا لموقعها وَكْرا

يعني الزند وَما يسقط من نارها وَأنشد ابن المظفر:

* إذا رَد المعاوِر ما استعارا*

وَيقال: تعاوَر القوم فلانًا، واعتوروه ضربًا إذا تعاونوا عليه.

فكلما أمسك واحد ضَرب وَاحد، وَالتعاور عام في كل شيء.

وَتَعاوَرت الرياحُ رسم الدار حتى عَفَته أي تواظبت عليه.

قال ذلك الليث.

قلت: وَهذا غلط.

ومعنى تعاوَرت الرياح رسم الدار: تداوَلته، فمرة تَهُبّ جَنُوبًا، وَمرة تهبّ شمالًا، وَمرة قَبُولًا، وَمرة دَبُورًا.

وَمنه قول الأعشى:

دِمْنة تَفْرة تعاوَرَها الصي *** ف بريحين من صَبَا وَشَمالِ

وَقال أبو زيد: تعاوَرنا العواريّ تعاوُرًا إذا أعار بعضكم بعضًا، وتعوَّرنا تعوُّرًا إذا كنت أنت المستعير، وَتَعاوَرنا فلانًا ضربًا إذا ضربته مرة، ثم صاحبُك، ثم الآخر أيضًا.

وقال ابن الأعرابي: التعاور والاعتوار: أن يكون هذا مكان هذا وهذا مكان هذا يقال اعتوراه وابتدَّاه، هذا مرة وهذا مرة، ولا يقال: ابتدّ زيد عمرًا، ولا اعتور زيد عمرًا.

ويقال للحمار الأهلي والوحشي: عَيْر، ويجمع أعيارًا.

وقد يقال: المَعْيُوراء ممدودة؛ قال ذلك الأصمعي؛ مثل المعلوجاء، والمشيوخاء، والمأتوناء، يمدّ ذلك كله ويُقصر.

ومن أمثالهم إن ذهب عَيْر فعَيْر في الرباط.

ومن أمثالهم أيضًا فلان أذلّ من العَيْر، فبعضهم يجعله الحمار الأهلي، وبعضهم يجعله الوتِد.

وقال أبو عبيد: من أمثالهم في الرضا بالحاضر ونسيان الغائب قولهم: إن ذهب

عير فعير في الرباط قال: ولأهل الشام في هذا مثل: عَيْر بعَيْر، وزيادهَ عشرة.

وكان خلفاء بني أمية كلَّما مات واحد زاد الذي يخلُفه في عطائهم عشرة، فكانوا يقولون هذا عند ذلك.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب أنه قال في قول العرب: أتيته قبل عَيْر وما جرى، قال: العير المثال الذي في الْحَدقة يسمى اللُّعبة.

قال: والذي جرى الطَرْف، وجَرْيه حركته.

والمعنى: قبل أن يطرِف الإنسان.

وقال الشماخ:

وتعدو القِبصَّى قبل عَيْر وما جرى *** ولم تدر ما بالي ولم تدر بالها

قال والقِبِصّى والقمصى: ضرب من العَدْو فيه نَزْو.

ويقال: فلان ظاهر الأعيار أي ظاهر العيوب وقال الراعي:

ونبتَّ شرَّبني نُمَير منصِبا *** دَنِس المروءة ظاهر الأعيار

قال: كأنه مما يعيّر به.

وقال أحمد بن يحيى: أخبرني أبو نصر عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: مات من يحسن تفسير بيت الحارث بن حِلّزة:

زعموا أن كل من ضرب العَيْ *** ر مُوَال لنا وأنّا الوَلاء

قال أبو عمرو: العَيْر: هو الناتىء في بؤبؤ العين.

ومعناه أن كل من انتبه من نومه حتى يدور عَيْره جنى جناية فهو مولًى لنا، يقولونه ظلمًا وتجنّيًا.

قال: ومنه قوله أتيتك قبل عَيْر وما جرى، أي قبل أن ينتبه نائم.

وقال أحمد بن يحيى في قوله: وما جرى: أرادوا جريه، أرادوا المصدر.

وقيل في قول ابن حِلّزة: إن العير جَبَل بالحجاز.

وفي الحديث أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم حرّم ما بين عَيْر إلى ثَوْر، وهما جبلان.

وقيل: العَيْر وادٍ في قوله:

* وواد كجوف العَيْر قفرٍ هبطته*

وقول كجوف العَيْر أي كوادي العير، وكلّ واد عند العرب جَوْف.

وقال الليث: العَيْر: اسم موضع كان مخصِبًا، فغيَّره الدهر فأقفر، فكانت العرب تُضرب به المَثَل في البلد الموحش.

وقيل: العَيْر الطبل والعير: العظم الناتىء وسط الكتف.

قال ابن السكيت.

قال: والعَيْر: عَيْر النصل، وهو الناتىء في وسطه وعَيْر القَدَم: الناتىء في ظهرها.

وعَيْر الورقة: الناتىء في وسطها.

قال: والعِيرُ: الإبل التي تحمل المِيرة.

وروى أبو سلمة عن الفراء أنه أنشده قول ابن حلزة: زعموا أن كل من ضرب العير موال لنا بكسر العين قال: والعِير: الإبل، موال لنا أي العرب كلهم موال لنا من أسفل، لأنا أسرنا فيهم فلنا نعم عليهم.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في قول الله جلّ وعزّ: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} [يُوسُف: 94] إنها كانت حُمُرًا.

قال: وقول من قال: العير الإبل خاصّة باطل، كل ما امتِير عليه من الإبل والحمير والبغال فهي عِير.

قال: وأنشدنا نُصَير لأبي عمرو السعدني في صفة حَمِير سمّاها عِيرًا، فقال:

أهكذا لا ثَلَّة ولا لبنْ *** ولا يذكين إذا الذين اطمأن

مُفَلطحات الرَوْث يأكن الدِمن *** لا بدّ أن يخترن مني بين أن

يُسَقَن عيرا أو يُبَعن بالثمن

قال وقال نصير: الإبل لا تكون عِيرا حتى يُمتار عليها.

وقال المنذري: أخبرني أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العِير من الإبل: ما كان عليه حِمْله أو لم يكن.

قال: والعَيْر جمع عائر، وهو النشيط وهو مدح وذمّ.

قال: وفرس عَيَّار إذا عار، وفرس عَيَّار إذا نشِط، فركِب جانبًا ثم عدل إلى جانب آخر من نشاطه.

وأنشد أبو عبيد:

ولقد رأيتَ فوارسًا من رهطنا *** غَنَظوك غَنْظ جرادة العيار

قيل: أراد بجرادة العيّار جرادة وضعها في فيه فأفلتت من فيه.

وقيل: جرادة العيار اسم فرس والعيار اسم رجل، قال ذلك ابن الأعرابي.

أبو عُبيد عن الكسائي والأصمعي وأبي زيد: عايرت المكاييل وعاورتها كقولهم: عيّرتها.

وقال أبو الجراح مثله.

ذكر ذلك في باب ما خالفت العامة فيه لغة العرب.

وقال الليث: العِيَار: ما عايرْت به المكاييل؛ فالعِيار صحيح تامّ وافٍ.

تقول: عايرت به أي سوّيته وهو العِيَار والمعيار.

قال: وعيَّرت الدينار وهو أن تلقي دينارًا دينارًا فتوازن به دينارًا دينارًا.

وكذلك عيّرت تعييرًا إذا وزنت واحدًا واحدًا.

يقال هذا في الكيل والوزن.

قلت: وفرق الليث بين عايرت وعيّرت فجعلت عايرت في المكيال وعيّرت في الميزان.

والصواب ما رويناه لأبي عبيد عن أصحابه في عايرت وعيّرت فلا يكون عيّرت إلّا من العار والتعيير.

وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى قول الشاعر:

وجدنا في كتاب بني تميم *** أحقُّ الخيل بالركض المعَار

فقال اختلف الناس في المُعَار.

فقال بعضهم: هو المنتوف الذنب وقال قوم: المعار السمين وقال قوم المعار: المُضَمَّر المُقَدَّح.

وقال ابن الأعرابي وحده: هو من العارية.

وأنشد غيره:

* أعيروا خيلكم ثم اركبوها*

وقال معنى أعيروها أي ضمّروها بترديدها من عار يعير إذا ذهب وجاء.

وقيل للمضمَر: مُعار لأن طريقة متنه نتأت، فصار لها عَيْر ناتىء.

وأنشد الباهلي قول الراجز:

وإن أعارت حافرًا معارا *** وَأْبًا حمت نسورَه الأوقارا

وقال: معنى أعارت: رفعت وحوَّلت.

قال: ومنه إعارة الثياب والأدوات.

قال: واستعار فلان سهمًا من كنانته أي رفعه.

وحوّله منها إلى يده.

وأنشد قوله:

هثّافة تخفض من نذيرها *** وَفي اليد اليمنى لمستعيرِها

* شهباء تُروِي الريشَ من بصيرها*

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


57-تهذيب اللغة (خق)

خق ـ خقخق: قال ابن المظفَّر: الخقِيق: زُعاقُ قُنْب الدّابّة، فإِذا ضُوعِف مخفَّفًا قيل: خَقْخَقَ.

قال: ومن الأحراح مُخِقّ، وإخْقاقُه صوتُه عند النَّخْج، وتقول: خَقّتْ الأتانَ تَخِقّ خقيقًا، وكذلك كلُّ أَتان ودابّة أنثى، وهو صوتُ حيائها من الهُزال والاسترخاء عند المجامَعة، ونحو ذلك، وأتان خَقُوقٌ: واسعة الدُّبر.

ويقال في السِّباب: يا بنَ الخَقُوق.

أبو عبيد عن أبي زيد: الخَقوق من الأُتنِ: التي يُصوّتُ حَياؤها، وقد خَقّت تخِقّ، ويكون ذلك من الهُزال.

وقال أبو عبيدة في كتاب «الخَيل»: الخَقاق: صوتٌ يكون في ظَبْية الأُنثى من الخيل من رَخاوةِ خِلْقتها وارتفاع مُلتَقاها، فإِذا تحرّكت لعَنَقٍ أو غيره احْتَشَت رحِمُها الريحُ، فَصَوتَتْ فذلك الخِقاق.

قال: ويقال للفرس من ذلك: الخاقُ.

أبو عبيد عن أبي: زيد: قال: إذا اتّسعت البَكْرة أو اتّسع خرْقُها عنها.

قيل: أَخَقَّت إخْقاقًا فانخَسُوها نَخْسًا، وهو أن يَسُدَّ ما اتسع منها بخَشَبة، أو بحَجَر، أو غيره.

وفي حديث النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنَّ رجلًا كان واقفًا معه وهو معه وهو مُحْرِم، فَوقَصتْ به ناقتُه في أخاقِيق جِرْذان، فمات.

وقال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: إنما هي لخَاقِيقُ جِرذانٍ، واحدها لُخْقُوق، وهي شُقوقٌ في الأرض.

قلت: وقال غيره: الأَخاقيق صحيحة، كما جاء في الحديث، واحدها أُخْقوق مثل أُخدُود، وأَخَاديد.

والخَقّ والخدّ: الشَّقُّ في الأرض.

يقال: خَدَّ السيلُ فيها خدًّا وأَخَقَ فيها خَقًّا.

وقال ابن شميل: خَقَ السَيلُ في الأرض خَقّا، إذا حَفَر فيها حَفْرًا عميقًا.

وقال غيره: كتب عبدُ الملك بن مروان إلى وكيل له على ضيعة له: أما بعد فلا تَدَعْ خَقًّا في الأرض ولا لَقًّا إلا سَوَّيْتَه.

وأنشد شمر للعين المِنْقَرِيّ:

وقاسِحٍ كعَمُودِ الأَثْلِ يَحْفِزُه *** وِرْكا حِصانٍ وصُلْبٌ غيْرُ مَعْروقِ

مِثل الهِراوة مِئْتَامٍ إذا وَقَبَتْ *** في مَهبِل صادَفتْ داءَ اللخاقيقِ

وقال الليث: الأُخْقُوق: نُقَرٌ في الأرض وهي كُسورٌ فيها وفي مُنفَرِج الجبال، وفي الأرض المتفقِّرة.

قال: والأُخْقوق: قَدْرُ ما يختفِي فيه الرجل والدابّة.

قال: ومن قال: اللُّخقُوق فإنما هو غَلَط من قِبل الهمزة مع لامِ المعرفة.

قلت: هي لغةٌ لبعض العرب يتكلم بها أهل المدينة، وبهذه اللغة قرأ نافع، يقولون: قال أَلَحْمَرُ، يريدون: قال الأحْمَر، ومنهم من يقول: قال لَحْمَرُ، قال ذلك سيبويه والخليل، حكاه الزّجاج.

ثعلب، عن ابن الأعرابيّ: الخَقَقَةُ: الرَّكَوات المُتَلاحِمات، والخَقَقَةُ أيضًا: الشُّقوق الضيقة.

وفي «النوادر» يقال: استخَقَ الفَرسُ وأخَقَ وامتَخض: إذا استرخى سُرْمُه، يقال ذلك في الذّكر.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


58-تهذيب اللغة (ركا)

ركا: (أبو العباس عن ابن الأعرابي): رَكَاهُ: إذا أَخَّرَه، ورَكَاهُ: إذا جاوَبَ رَوْكه، وهو صَوْتُ الصَّدَى من الجَبَل والحَمَّام.

قال: وفي الحديث «يُغْفَرُ في لَيْلَةِ القَدْرِ لكُلِّ مُسْلِمْ إلَّا للمُتَشَاحِنَيْنِ، أُرْكُوهُمَا حتى يَصْطَلِحَا» رواهُ بضَمِّ الألِفِ.

وروى مالكٌ عن مُسْلِمِ بنِ أبي مَرْيمَ عن أَبِي صالِحٍ السَّمّانِ عن أبي هريرة أَنّه قال: «تُعرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ في كل جُمُعَةٍ مَرَّتَيْن، يَوْمَ الاثْنَين ويومَ الخميس فَيُغْفُر لكُلِّ عَبدٍ مُؤْمنٍ إلَّا عَبدًا كانت بَيْنَه وبَين أَخِيهِ شَحنَاءُ، فيُقَالُ أُرْكُوا هذَين حتى يفيئا».

ومعنَى قوله: ارْكُوا أَيْ أَخِّرُوا وفيه لُغَةٌ أُخْرَى.

أخبرِني المنذِرِيُّ عن سلمةَ عن الفراء أَنَّه قال: أَرْكَيْت عَلَيَّ دَينًا، وَرَكَوْته.

وقال أبو عبيدٍ: رَكَوْتُ عَلَيَّ الأمرَ أي ورَّكْتُه.

وقال أبو العباس قال ابنُ الأعرابي: رَكَوْتُ الحَوْضَ أي سَوَّيْتُه.

وروى أبو عبيدٍ عن أبي عَمْرٍو: المَرْكُوُّ: الحَوْضُ الكَبيرُ.

(قلت): والذي سَمِعْتُه من غيرِ واحدٍ من العرب في المَرْكوِّ أَنَّه الحَوْضُ الصَّغيرُ الذي يُسَوِّيه الرّجُل بيَدَيْهِ على رَأْسِ البِئْرِ إذا أَعْوَزَهُ إنَاءٌ يَسْقِي فيه بعيره فيَصُبُّ فيه دَلْوًا أو دَلْوَيْن من ماءٍ أو قَدْرَ ما يُرْوِي ظَهْرَهُ.

يقال للرَّجُلِ: أُرْكُ مَرْكُوًّا تَسْقَى فيه بعيرك، وأَمّا الحوضُ الكبير الذي يُجْبَى فيه الماءُ للإبلِ الكثيرةِ فلا يُسَمَّى مَرْكُوًّا.

وقال ابن الأعرابي: أَرْكَيْتُ لَبنِي فلانٍ جُنْدًا أي هَيَّأْتُه لهم، وأَرْكَيْتَ عَلَيَّ ذَنْبًا لم أَجْنِهِ.

(أبو عبيدٍ عن أبي عُبَيْدَةَ): أَرْكَيْتُ في الأمر: تأخَّرْتُ.

وقال ابن الأعرابي: أَرْكَيْتُ إلى فلانٍ اعْتَزَيْتُ إليه، وأنشد:

إلى أَيِّمَا الْحَيّينِ تُرْكَوْا فَأنتُمُ *** ثِفَالُ الرَّحَى مِنْ تَحْتها لا يَرِيمُهَا

وأَمّا قَوْلُ الشاعر: فَأَمْرَكَ إلَّا تَرْكُهُ مُتَفَاقِمُ فمعناه إلَّا تُصْلِحُه.

وقال الليث: الرَّكْوُ: أَنْ تَحْفِرَ حوضًا مستطيلًا وهو المَرْكُوُّ.

والرَّكِيَّةُ: بِئرٌ تُحْفَرُ، فإذا قُلْتَ الرَّكِيّ فقد جَمَعْتَ، وإذا قَصَدْتَ إلى جمع الرَّكِيّةِ قلت: الرَّكَايَا.

قال ويقال: أَرْكَى عليه كَذَا وكَذَا أَي ركَّهُ في عُنُقِه أي جَعَلَه.

والرَّكْوَةُ: شِبْهُ تَوْرٍ من أَدَمٍ، وجَمْعُها: الرِّكَاءُ.

وقال: ابن الأعرابيّ: رَكْوَةُ المرأَةِ: فَلْهَمُهَا، وجمعُها: الرُّكَى.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


59-تهذيب اللغة (سوي)

[سوي]: ويقال للقوم إذا استوَوْا في الشّر:

هم سَواسِية.

ومن أمثالِهم: سَواسِيّة كأسْنان الحِمار، وهذا مِثْلُ قولهم: لا

يزال الناسُ بخير ما تَبايَنوا، فإذا تَساوَوْا هَلَكوا، وأصلُ هذا أن الخيرَ في النادر من النّاس، فإذا استَوى الناسُ في الشرّ ولم يكن فيهم ذُو خَيْر كانوا من الهلْكى.

وقال الفراء: يقال هم: سَواسِيَة: يَستوُون في الشرّ، ولا أقول في الخير، وليس له واحد.

وحُكي عن أبي القَمْقام: سَواسِيه، أراد سَواء، ثم قال سِيَة، ورُوي عن أبي عمرو بن العَلاء أنه قال: ما أشدَّ ما هجا القائلُ وهو الفرزدق:

سَواسِيّه كأَسْنان الحِمار

وذلك أن أسْنَانَ الحِمار مستويَة.

وقولُ الله جلّ وعزّ: {خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} [البقرة: 29].

قال الفراء: الاستواء في كلام العرب على جهتين: إحداهما أن يَستوِيَ الرجلُ ويَنتهي شَبابُه وقوَّتُه، أو يستوي من اعوجاج، فهذان وجهان، ووجهٌ ثالث أن تقول: كان فلانٌ مُقبِلا على فلان ثم استَوى عليَّ وإليّ يُشاتمُني، على معنى: أقبلَ إليَّ وعَليّ، فهذا معنى قوله تعالى: (ثُمَ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)، والله أعلم.

قال الفراء: وقال ابن عباس: (ثُمَ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ): صَعِد، وهذا كَقولِك للرجل: كان قائما فاستوَى قاعِدا، وكان قاعدا فاستوَى قائما وكُلٌّ في كلام العَرَب جائز.

وأخبَرَني المنذريُّ عن أحمد بن يحيى أنه قال في قول الله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5]، قال: الاستواء: الإقبال على الشيء.

وقال الأخفش: استَوى أي علا، ويقول: استوَيْتُ فوقَ الدّابة، وعلى ظهر الدَّابة، أي: عَلَوْته.

وقَال الزَّجَّاج: قال قومٌ في قوله عزوجل: (ثُمَ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) عَمَد وقَصَد إلى السّماء، كما تقول: فَرَغ الأميرُ مِن بلدِ كذا وكذا، ثم استَوى إلى بلدِ كذا وكذا، معناه: قَصَد بالاستواء إليه.

قال: وقول ابن عبَّاس في قوله: {ثُمَ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} أي: صَعِد، معنى قول ابن عباس، أي: صَعد أمرُه إلى السَّماء.

وقولُ الله جلَّ وعزَّ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى} [القصص: 14]، قيل: إنّ معنى {اسْتَوى} ههُنا بلغَ الأربعين.

قلت: وكلامُ العَرَب أن المجتمِع من الرجال والمستوِيَ هو الذي تمّ شَبابُه، وذلك إذا تمّت له ثمان وعشرون سَنة فيكون حينئذ مجتمِعا ومستوِيا إلى أن تتمّ له ثلاثٌ وثلاثُون سَنَةً، ثم يَدخُل في حَدِّ الكُهولة، ويَحتمل أن يكون بُلوغُ الأربعين غايةَ الاستواء وكمال العقل والحُنْكة، والله أعلم.

وقال الليث: الاستواء فِعْلٌ لازمٌ، من قولك: سوَّيْتُه فاستَوَى.

وقال أبو الهيثم: العَرَب تقول: استَوَى الشيءُ مع كذا وكذا أو بكذا، إلّا قولهم للغلام إذا تمَّ شَبابُه: قد استوَى.

قال: ويقال: استوَى الماءُ والخَشَبَة، أي: مع الخَشَبةِ، الواو ههنا بمعنَى مع.

وقال الليث: يقال في البَيْع لا يُساوِي: أي لا يكون هذا مع هذا الثَّمن سِيَّيْن.

ويقال: ساويت هذا بذاكَ: إذا رفعتَه حتى بلغَ قدرَه وَمبلَغه، وقال الله جلّ وعزّ: {حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96]، أي: سوَّى بينها حين رفع السّدِّ بينهما.

أبو عُبيد عن الفرّاء: يقال: لا يُساوِي الثوبُ وغيرُه كذا وكذا، ولم يَعرِف يَسْوِي.

وقال الليث: يَسوَى نادرةٌ، ولا يقال منه سَوِي، ولا سَوَى كما أنّ نكراء جاءت نادرةً، ولا يقال لذَكرِها أَنْكُر.

قال: ويقولون: نَكِرَ ولا يقولون: يَنكَرُ.

قلت: وقول الفرّاء صحيح، وقولُهم: لا يَسوَى ليس من كلام العرب، وهو من كلام المولَّدين، وكذلك لا يُسْوَى ليس بصحيح.

ويقال: ساوَى الشيءُ الشيءَ: إذا عادَلَه، وساوَيْتُ بين الشيئين: إذا عَدَلْتَ بينهما، وسَوّيتَ.

ويقال: تَساوَت الأمورُ واستوتْ، وتساوَى الشيئان واستَوَيا بمعنًى واحد، وأما قولُ الله جلّ وعزّ: {فَقَدْ ضَلَ سَواءَ السَّبِيلِ} [البقرة: 108].

فإنّ سلمة رَوَى عن الفرّاء أنّه قال: (سَواءَ السَّبِيلِ) قصْد السبيل، وقد يكون «سواءٌ» في مذهب «غير» كقولك: أتيتُ سِواءك، فتمدّ.

الحرّاني عن ابن السّكيت قال: سَواء ممدود بمعنى وَسَط.

قال: وحَكَى الأصمعيّ عن عيسى بن عمرَ: انقطع سَوائي أي وَسَطي، قال: وسِواءٌ وسَوَى بمعنى غير وكذلك سُوًى.

قال: وسَواء بمعنَى العَدْل والنَّصَفة.

قال الله جلّ وعزّ: {تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64]، أي: عَدْلٍ.

وقال زُهَيْر:

أَرُونِي خُطّةً لا عَيْب فيها *** يُسوِّي بينَنا فيها السَّواءُ

وقول ابن مقبل:

أردّا وقد كان المزار سواهما *** على دُبر من صادر قد تبدّدا

قال يعقوب في قوله: وقد كان المزار سواهما، أي: وقع المزار على سواهما أخطأهما.

يصف مزادتين، وإذا تنحى المزار عنهما استرختا ولو كان عليهما لرقعهما، وقلَّ اضطرابهما.

وقال أبو الهيثم نحوه، وزاد فقال: يقال: فلان وفلان سواعد، أي: متساويان، وقومٌ سَواء لأنّه مصدر لا يثنى ولا يُجمَع.

قال الله تعالى: {لَيْسُوا سَواءً} [آل عمران: 113]، أي: ليسوا مُستَوِين.

قال: وإذا قلتَ: سواءٌ عليّ احتجتَ أن تُترجِم عنه بشيئين، كقولك: سواءٌ سألتَني أو سكَتّ عني، وسواءٌ حَرَمْتَني أم أعْطيْتَني.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ، يقال: عقلك سواك؛ مثل عزب عنك عقلك.

وقال الحطيئة:

* ولا يبيت سواهم حِلْمُهم عزبا*

وسِوى الشيء: نفسُه، قاله ابن الأعرابي أيضا، ذكره ابن الأنباري عنه.

أبو عبيد: سواء الشيء، أي: غيره، كقولك: رأيت سواءك.

قال: وسواءُ الشيء: هو نفسُه.

قال الأعشى:

تجانف عن جُل اليمامة ناقتي *** وما عدلت عن أهلها لسوائِكَا

وبسوائك يريد بك نفسك.

قلت: وسوى بالقصر تكون بالمعنيين، تكون بمعنى غير، وتكون بمعنى نفس الشيء.

وروى أبو عبيد ما رواه عن أبي عبيدة.

ثعلب عن ابن الأعرابي، يقال: دارٌ سَواء، وثوبٌ سواء، أي: مستوٍ طولُه وعَرْضُه وصفاته ولا يقال: جَمَل سَواء، ولا حِمارٌ سَواء، ولا رَجُل سواء.

وقال ابن بُزُرْج: يقال: لئن فعلتَ ذاكَ وأنا سِواكَ ليأتينّك مِنّي ما تَكرَه، يريد: وأَنا بأرْضٍ سِوَى أَرْضِك.

ويقال: رجلٌ سواءُ البَطْن: إذا كان بطنه مستويا مع الصَّدر.

ورجلٌ سَواءُ القَدَم: إذا لم يكن لها أَخمص، فسواءٌ في هذا المعنى: المستوِي.

وقال الفرّاء: يقال: وقع فلانٌ في سَواء رأسه، أي: فيما ساوَى رأسه من النَّعمة.

وأرضٌ سواء: مستوِية.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: سَوّى: إذا اسْتَوَى، ووسَّى إذا حَسُن.

قال: والوسْيُ: الاستواء.

وسوًى في معنى غير.

قال: والوسْي: الحلْق، يقال: وسى رأسَه وأوساه: إذا حلقه.

وقال الليث: يقال هُما على سَوِيّةٍ من الأمر، أي: على سواء، أي: استواء.

قال: والسَّوِيّة: قَتَبٌ عجميٌّ للبعير، والجميع السَّوايا.

أبو عُبيد عن الأَصْمَعِيّ: السَّوِيّةِ كساءٌ محشُوٌّ بثُمام أو ليفٍ أو نحوه، ثُمَّ يُجعل على ظهر البعير، وإنما هو من مراكب الإماء وأَهل الحاجة.

قال: والحوِيّة: كساء يُحَوّي حولَ سنام البعير ثم يُركَب.

وقول الله: {بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17]، وقال: {ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10].

قال الزجاج: لمّا قال زكريا لربّه: {اجْعَلْ لِي آيَةً} [مريم: 10] أي: علامةً أعلم بها وقوعَ ما بُشِّرتُ به قال: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10]، أي: تمنع الكلامَ وأنتَ سَوِيٌ لا خرسَ بك فتعلم بذلك أنّ الله قد وهبَ لك الولد.

وسَوِيّا منصوب على الحال.

وأما قوله: {فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17]، يعني جبريلَ تمثَّلَ لمريم وهيَ في غرفة مُغْلق بابُها عليها محجوبةٌ عن الخلْق، فتمثل لها في صورة خَلْقِ بشرٍ سويٍ، فقالت له: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18].

وقال أبو الهيثم: السّوِيّ: فَعيل في معنى مُفْتَعِل، أي: مستوٍ.

قال: والمستوي: التامُّ في كلام العَرَب الذي قد بلغ الغاية في شبابه وتمامِ خلقه وعَقْلِه.

قال: ولا يقال في شيءٍ من الأشياء: استوَى بنفسه حتى يُضَمَّ إلى غيره، فيقال: استوى فلان وفلان إلا في معنى بلوغ الرجل الغاية، فيقال: استوى.

قال: واجتمع مثله.

وقول الله جلّ وعزّ: {مَكانًا سُوىً} [طه: 58]، و {سِوىً}.

قال الفراء: أكثر كلامِ العرب بالفَتْح إذا كان في معنى نَصَف وعَدْل فتحُوه ومدُّوه.

قال: والكسر والضم مع القصر عربيّان، وقد قرىء بهما.

وقال الليث: تصغير سواءٍ الممدود: سُوَيّ.

وقال أبو إسحاق: (مكانا سوي) ويقرأ بالضم، ومعناه منصفا، أي: مكانا في النصف فيما بيننا وبينك.

وقد جاء في اللغة سواء بالفتح فهذا المعنى.

تقول: هذا مكان سواء أي: متوسط بين المكانين، ولكن لم يقرأ إلا بالقصر: سُوىً وسِوًى.

أبو عُبيد عن الفراء: أسْوى الرجلُ: إذا كان خَلْق ولَدِه سويّا، وخُلُقه أيضا.

ويقال: كيف أَمْسَيْتُم؟ فيقولون: مُسْوون صالحون، يريدون: أنّ أولادنا ومواشينَا سَوية صالحة.

ورَوَى أبو عبيد بإسناده عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي أنه قال: ما رأيتُ أحدا أَقرأَ من عليّ، صَلَّينا خَلْفَه فأَسْوَى بَرْزَخا، ثمّ رَجَع إليه فقرأه، ثم عاد إلى الموضع الّذي كان انتهى إليه.

قال أبو عبيد: قال الكسائي: أسْوَى: يَعْنِي أسْقَط وأَغفَل؛ يقال: أَسَوَيْتُ الشيءَ: إذا تَركتَه وأغْفَلْتَهُ.

وقال الأصمعيّ: السَّواءُ ممدود: ليلةُ ثلاثَ عشرة، وفيها يَستَوِي القمر.

ويقال نزَلنَا في كلَاءٍ سَيٍ، وأَنْبَطَ ماءً سِيّا: أي: كثيرا واسعا.

أبو عبيد عن الفراء: هو في سيّ رأسه، وسواء رأسه، وهي النعمة.

قال شمر: لا أعرف في سيّ رأسه وسواء رأسه، وقال غيره: معناه: فيما ساوى رأسه.

سلَمة عن الفرّاء قال: السَّاية فَعْلَةٌ من التّسوية.

وقولُ الناس: ضَربَ لي سايَةً، أي: هَيّأَ لي كلمةً سَوَّاها عَلَيّ ليَخدَعَني.

وقال أبو عمرو: يقال: أَسوَى الرجلُ: إذا أَحدَث من أم سُويد، وأَسْوَى: إذا بَرِصَ؛ وأَسوَى: إذا عُوفِيَ بعد عِلّة.

قال: وقيل لقوم: كيف أصبحتمْ؟ فقالوا: مُسْوِين صالِحين.

قلت: أرَى قول أبي عبد الرحمن السُّلَميّ أسْوَى بَرْزَخا، بمعنى أَسقَط، أَصلُه من أَسْوَى إذا أحدث؛ وأصلُه من السَّوْءَة، وهي الدُّبُر، فتُرِك الهمزُ في فِعلها؛ والله أعلم.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


60-تهذيب اللغة (فأد)

فأد: أبو زيد: فَأَدْتُ الصيدَ أَفْأَدُه فَأْدا إذا أصبتَ فُؤاده، قال: وفَأَدتُ الخُبْزةَ أَفْأَدُها فَأْدا إذا خَبْزتَها في المَلَّةِ، والفئيد ما شُوِي وخُبِزَ على النار، والمِفْأدُ ما يخبَزُ ويُشْوَى به.

أبو عبيد: فأَدْتُ اللحمَ إذا سوَّيتَه والمِفْأَدُ السَّفُّودُ وأنشد:

يَظَلُّ الغرابُ الأعورُ العَيْنِ واقعا *** مع الذئبِ يَعْتَسَّان ناري ومِفْأَدِي

قلت: ويقال له: المِفآدُ على مِفْعالِ أيضا.

أبو عبيد عن الأصمعيّ: الْمفْؤُودُ الضعيفُ الفُؤاد الجَبان مثل: المنْخُوب، والفَئيدُ النار نفسها قال لبيد:

وَجدْتُ أبي رَبيعا لِليَتَامَى *** وللضِّيفان إذْ حُبَ الفَئِيدُ

وقال الليث: سمى الفُؤاد فؤادا لِتَفَؤُّدِه، وافْتَأد القومُ، إذا أوْقدوا نَارا، والمُفْتَأَدُ موضع الوَقود.

قال النابغة:

* سَفُودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عِنْدَ مُفْتَأَدِ*

وفئد الرجلُ أصابه داءٌ في فؤاده.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


61-معجم العين (عور)

عور: عير: عارتِ العَيْنُ تَعار عَوَارًا، وعَوِرَتْ أيضًا، واعْوَرَّتْ.

يعني ذهاب البصر منها.

قال:

ورُبّة سائلٍ عنّي حفيٍّ *** أعارت عينه أم لم تعارا

والعُوَّارُ: ضربٌ من الخطاطيف، أسود طويل الجناحين.

والعُوَّارُ: الرّجُلُ الجبانُ السّريعُ الفِرار، وجمعُه عواوير.

قال:

غيرُ ميلٍ ولا عواويرَ في الهيجا *** ولا عُزَّلٍ ولا أكْفالِ

والعرب تُسمّي الغُرابَ أعور، وتصيح به فتقول: عوير عوير.

قال:

يطير عُوَيْر أن أنوّه باسمه *** عُوَيْر********************

وسمّي أعور لحدّة بصره، كما يكنّى الأَعْمَى بالبصير، ويقال: بل سمّي أعور لأنّ حدقته سوداء.

قال:

وصحاحُ العيونِ يُدْعَوْنَ عُورا

ويقال: انظر إلى عينه العَوْراء، ولا يقال: العمياء، لأنّ العَوَرَ لا يكون إلاّ في إحدى العينين، يقال: اعورّت عينُه، ويخفف فيقال: عُوِرَتْ، ويقال: عُرْت عينه، وأعْوَرَ الله عَيْنَ فلان.

والنعت: أَعْوَرُ وعَوْراءُ، والعَوْراء: الكلمة تَهْوِي في غيرِ عقلٍ ولا رُشْدٍ.

قال:

ولا تنطق العوراء في القومِ سادرًا *** فإنّ لها فاعلمْ من الله واعيا

ويقال: العَوْراء: الكلمةُ القبيحةُ الّتي يمتعضُ منها الرجال ويَغضبون.

قال كعب بن سعد الغنويّ:

وعَوْراءَ قد قيلت فلم ألتفِتْ لها *** وما الكَلِمُ العُوْراُن لي بقتول

ودجلة العَوْراء بالعراق بمَيْسان.

والعُوارُ: خَرْقٌ أو شَقٌّ يكون في الثَّوب.

والعَوْرَة: سوءة الإنسان، وكلّ أمرٍ يُسْتَحْيَ منه فهو عَوْرة.

قال:

في أناسٍ حافظي عَوْراتِهم

وثلاثُ ساعاتٍ في الليلِ والنَّهارِ هنَّ عَوْراتٌ، أمَرَ الله الولدان والخدم ألا يدخلوا إلا بتسليم: ساعة قبلَ صلاةِ الفَجْر، وساعة عندَ نِصْفِ النَّهار، وساعة بعدَ صلاةِ العشاء الآخرة.

والعَوْرةُ في الثّغور والحروب والمساكن: خَلَلٌ يُتخوَّفُ منه القَتْل.

وقوله عزّ وجلّ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ.

أي: ليستْ بحريزة، ويقرأ عَوِرَة بمعناه.

ومن قرأ: عَوِرة.

ذكّر وأنّث.

ومن قرأ: عَوْرة قال في التّذكير والتّأنيث والجمع (عَوْرة) كالمصدر.

كقولك: رجل صومٌ وامرأة صوم ونسوةٌ صَوْمٌ ورجالٌ صوم، وكذلك قياس العَوْرة: والعَوَرُ: تركُ الحقّ.

قال العجاج:

وَعَوَّرَ الرَّحمنُ مَنْ وَلَّى العَوَر

ويقال: تردُ على فلانٍ عائرة عين من المال وعائرة عينين، أي: ترد عليه إبلٌ كثيرة كأنّها من كثرتها تملأ العينين، حتى تكاد تَعُورها.

وسلكت مفازة فما رأيت فيها عائِرَ عَيْنٍ، أي: أحدًا يَطْرِفُ العينَ فَيَعُوُرها.

وعَوَّرَ عينَ الرَّكِيَّة أَفْسَدها حتى نضبَ الماء.

وعُوَيْر: اسم موضعٍ بالبادية.

وسَهْمٌ عائِرٌ: لا يُدرَى من أينَ أتَى.

والعَيْرُ: الحمار الأهليّ والوحشيّ.

والجمع أعيار، والمعيوراء ممدودًا: جماعة من العَيْر، وثلاث كلمات جِئْنَ ممدوداتٍ: المعيوراء والمعلوجاء والمشيوخاء على مَفْعُولاء، ويقولون: مَشْيَخَة، أي مَفْعَلَة ولم يجمعوا مثل هذا.

والعَيْر: العظم الباقي في وسط الكتف، والجميع: العِيَرة.

وعَيْرُ النّعل: وسطه.

قال:

فصادف سَهمُه أحجارَ قُفٍّ *** كسرْنَ العَيْرَ منه والغِرارا

والعَيْرَ: جبلٌ بالمدينة.

والعَيْرُ: اسم موضعٍ كان خِصبًا فغيَّره الدهر فأقفره، وكانتِ العربُ تَستوحِشُهُ.

قال:

وواد كجوف العير قفر مَضِلّةٍ *** قطعت بسامٍ ساهمِ الوجْهِ حسّان

ولو رأيت في صخرة نتوء، حرفًا ناتئًا خلقةً كان ذلك عَيْرًا له.

والعِيارُ: فِعْلُ الفرسِ العائرِ، أو الكلبِ العائرِ عارَ يَعِيرُ عِيارًا وهو ذهابه كأنّه مُنْفَلِتٌ من صاحبه.

وقصيدة عائرة: سائرة.

ويقال: ما قالت العرب بيتًا أَعْيَرَ من قول شاعر هذا البيت:

ومن يلقَ خيرًا يحمَدِ الناسُ أمرَه *** ومن يغوِ لا يَعْدَمْ على الغي لائما

والعارُ: كلّ شيء لزم به سُبّة أو عَيْب.

تقول: هو عليه عارٌ وشَنارٌ.

والفعل: التّعيير، والله يُغَيِّر ولا يُعَيِّر.

والعارِيَّةُ: ما استعرت من شيء، سمّيت به، لأنّها عارٌ على من طلبها، يقال: هم يتعاورون من جيرانِهم الماعُونَ والأمتعة.

ويقال: العارِيَّة من المعاوَرَة والمناوَلَة.

يتعاورون: يأخُذونَ ويُعطُون.

قال ذو الرّمة:

وسِقْطٍ كعَيْنِ الديك عاورت صحبتي *** أباها وهيّأنا لموقِعها وَكْرا

والعيار: ما عايرت به المكاييل.

والعيار صحيح وافر تام.

عايَرْتُه.

أي: سوّيته عليه فهو المِعْيار والعيار.

وعيّرتُ الدّنانيرَ تعييرًا، إذا ألقيت دينارًا فتُوازِنُ به دينارًا دينارًا.

والعِيار والمِعيار لا يقال إلا في الكَيْل والوَزْن.

وتعاوَرَ القوم فلانًا فاعتوروه ضربًا، أي: تعاونوا فكلّما كفّ واحد ضرب الآخر، وهو عامّ في كلّ شيء.

وتعاورتِ الرّياحُ رسمًا حتى عفّته، أي: تواظبت عليه.

قال:

دِمنةٌ قفرة تعاورها الصيف *** بريحَيْن من صَبًا وشمالِ

والعائر: غَمَصَةٌ تَمُضُّ العينَ كأنّما فيها قذى وهو العُوَّار.

قالت الخنساء:

قذًى بعينك أم بالعينِ عُوَّار

وهي عائرة، أي ذات عُوَّار، ولا يقال في هذا المعنَى: عارتْ، إنّما هو كقولك: دارِعٌ ورامح، ولا يقال: دَرَعَ، ولا رَمَحَ.

ويقال: العائرة: بَثْرَة في جفن العين الأسفل.

ويقال: عارت عينه من حزن أو غيره، قال كثيّر:

بعينٍ مُعَنّاةٍ بعزّةَ لم يَزَلْ *** بها منذُ ما لم تلقَ عزّةَ عائرُ

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


62-معجم العين (ودأ)

ودأ: ويقال: وَدَّاْتُه فَتَوَدَّأَ، أي سَوَّيْتُه فاستَوى، قال:

ولِلأَرضِ كم من صالحٍ قد تَوَدَّأَتْ *** عليه فوارته بلماعة قفر

وتَوَدَّأَتِ الأخبارُ أي خَفِيَتْ.

ووَدَّأْتُ الأرضَ إذا كانت محفورة فسويتها.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com