نتائج البحث عن (طُهْرِهَا)

1-العربية المعاصرة (بخر)

بخَرَ يَبخَر ويَبخُر، بَخْرًا وبُخارًا، فهو أبخرُ.

* بخَر السَّائلُ: غَلَى وتصاعد بُخارُه (بخَر الماءُ بالتَّسخين).

* بخَر الإناءُ: ظهر بُخارُه (بخرت القِدْر بعد أن غلى الماءُ فيها).

بخِرَ يبخَر، بخَرًا، فهو أبْخَرُ.

* بخِر فمُه: فَسَدت ريحُه، صارت رائحتُه كريهة (بخِر فمُه بسبب مرضٍ أصابه- فمٌ أبخرُ: نتن الرَّائحة).

بخَّرَ يبخِّر، تبخيرًا، فهو مُبخِّر، والمفعول مُبخَّر.

* بخَّر السَّائلَ: حوَّلَه إلى بُخارٍ بالغليان (بخَّرت الماءَ بالطّاقَةِ الشَّمْسِيَّة).

* بخَّر المكانَ: طَيَّبه بالبَخور.

* بخَّر ثيابَ المريض ونحوَها: طهَّرها ممّا عَلِقَ بها مِن جَراثيم.

تبخَّرَ/تبخَّرَ ب يتبخَّر، تَبَخُّرًا، فهو مُتبخِّر، والمفعول مُتبخَّر به.

* تبخَّر السَّائلُ: مُطاوع بخَّرَ: تحوّل إلى بُخار ببطء دون رفع حرارته إلى درجة الغليان (تَبخَّر الماءُ بالتسخين) (*) تبخَّر العدد الأوَّل/تبخَّر الإصدار/تبخَّر الكتاب: نفد، تلاشى كالبُخار.

* تبخَّر الشَّخصُ وغيرُه بالبَخورِ ونحوِه: تطيَّب بدخانه (تبخّر المكانُ).

أَبْخَرُ [مفرد]: جمعه بُخْر، والمؤنث بَخْراء، والجمع المؤنث بُخْر: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من بخَرَ وبخِرَ.

باخِرة [مفرد]: جمعه باخِرات وبَواخِرُ: سَفينةٌ كبيرةٌ تُسيَّرُ بقُوّة البُخار (تَحْمِلُ الباخرة أعدادًا كبيرةً من المسافرين).

* باخرة ديزل: اسم يطلق على البواخر التجاريّة المُدارة بمحرِّك ديزل.

بُخَار [مفرد]: جمعه أَبْخِرَة (لغير المصدر):

1 - مصدر بخَرَ.

2 - كُلُّ ما يُشبِهُ الدخانَ صاعِدًا من السَّوائل الحارّة في حالة غليانها أو ما يتكاثف منها على سطح بارد (بُخار على جُدران الحمَّام- يتكاثف البخار على جدران كوب الماء المثلّج) (*) حمَّام بخار: تعريض الجسم لأبخرة ساخنة لإسالة العرق وإزالة الشحوم.

3 - كلّ رائحة ساطعة من نَتن أو غيره.

4 - ندى.

بُخاريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى بُخَار: (رحلت في سفينة بخاريَّة).

* مركب بُخاريّ/محرِّك بُخارِيّ/قاطرة بُخاريّة/آلة بُخاريَّة: ما يعمل بقوَّة البخار المضغوط.

* غلاّية بُخاريّة: مِرْجل بخاريّ.

* حصان بخاريّ: وحدة اصطلاحيَّة تُستخدم لتقريب قوَّة المحرِّكات.

* مِكْواة بخاريَّة: مكواة تحتفظ بالماء وتسخّنه ليتمّ إخراجه على صورة بخار عند كيّ الملابس.

بَخْر [مفرد]: مصدر بخَرَ.

بَخَر [مفرد]: مصدر بخِرَ.

بَخور/بُخور [مفرد]: جمعه بَخُورات وبُخُورات وأَبْخِرَة: ما يُتبخَّر به مِن عُودٍ ونحوِه، ويُعطي رائحةً طيِّبةً عند إحراقِهِ، ما تُستنشق رائحته الزكيَّة عند إحراقه من عود ونحوه (أحرق بَخُورًا في مَتجره).

* بخور البرّ: بخور مشهور في مصر يبخرون به المنازل.

تَبَخُّر [مفرد]:

1 - مصدر تبخَّرَ/تبخَّرَ ب.

2 - [في الكيمياء والصيدلة] تحوّل السائل إلى بخار ببطء دون رفع حرارته إلى درجة الغليان.

* درجة التَّبخُّر: [في الكيمياء والصيدلة] درجة الغليان في المقاييس الحراريّة.

تبخير [مفرد]:

1 - مصدر بخَّرَ.

2 - [في الطب] استعمال الرذاذ أو الغبار أو الغاز لقتل الكائنات المسبِّبة للأمراض ولا سيِّما في الحجرات الملوثة أو على الملابس.

3 - [في الكيمياء والصيدلة] تحويل السائل إلى بخار بالغليان.

مَبْخَرَة [مفرد]: جمعه مَباخِرُ: اسم مكان من بخَرَ: مكان التَّبخير (تُنشَأ في الحمّامات الحديثة مباخر لأغراض طبِّيَّة).

مِبْخَرَة [مفرد]: جمعه مَباخِرُ:

1 - ما تُوضع فيه النَّارُ مع البَخور (أحرقت البخور في المِبخرة- مِبْخرة نحاسيَّة/فخاريَّة).

2 - اسم آلة من بخَرَ: أداة التَّبخير.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-العربية المعاصرة (زكا)

زكَا يَزكُو، ازْكُ، زَكاةً وزَكاءً وزُكُوًّا، فهو زاكٍ وزَكيّ.

* زكا الزَّرعُ: نما وزاد (العلم يزكو بالإنفاق).

* زكا الشَّخصُ أو الشَّيءُ: صلُح وطهُر (زكا قلبُه/مالُه- زكيّ النَّفس: طاهر من الذنوب- {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [قرآن] - {لأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا} [قرآن]) (*) هذا أمر لا يَزكُو بفلان: لا يليق به.

أزكى يُزكي، أزْكِ، إزكاءً، فهو مُزْكٍ، والمفعول مُزْكًى (للمتعدِّي).

* أزكى الزَّرعُ: زكا، نما وزاد.

* أزكى المالَ: نمّاه ووفّره (أزكى ثروته بمشروعات اقتصادية متنوِّعة- أزكى اللهُ مالَك).

ازَّكَّى يَزَّكَّى، ازَّكَّ، فهو مُزَّكٍّ.

* ازَّكَّى الشَّخصُ: تزكَّى، اهتدى وصلح وتطهّر {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [قرآن].

تزكَّى يتزكَّى، تَزَكَّ، تزكّيًا، فهو مُتزكٍّ.

* تزكَّى الشَّخصُ:

1 - تصدَّق، أدَّى الزكاةَ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [قرآن] - {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [قرآن].

2 - تطهَّر، اهتدى وصلح ({وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [قرآن]: مَن تطهَّر من دنس الكفر والمعاصي).

* تزكَّى المالُ: نما وزاد.

زكَّى يزكِّي، زَكِّ، تزكيةً، فهو مُزكٍّ، والمفعول مُزكًّى.

* زكَّى فلانٌ أموالَه:

1 - أزكاها، نمّاها وزادَ فيها.

2 - طهّرها بأداء الزَّكاة (زكَّى قلبَه من الحقد: طهَّره).

* زكَّى نفسَه:

1 - مدَحها ونسَبها إلى الطّهر {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [قرآن] - {يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ} [قرآن] - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [قرآن]: تُنمي حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين).

2 - أصلحها، طهَّرها من الذنوب بالعمل الصالح.

* زكَّى المرشّحَ: سانَده وعزَّزه.

* زكَّى الشُّهودَ: عدّهم من الثِّقات العُدول.

إزْكاء [مفرد]: مصدر أزكى.

تزكِية [مفرد]:

1 - مصدر زكَّى (*) الفوز بالتَّزكية: فوز مرشح في الانتخابات دون أن يكون له منافس.

2 - [في الفلسفة والتصوُّف] تطهير النفس بالانقطاع عن العلاقات البدنية.

زَكاء [مفرد]: مصدر زكَا.

زَكاة [مفرد]:

1 - مصدر زكَا.

2 - صفوة الشَيء (صدَّر المعملُ زكاةَ إنتاجه).

3 - [في الفقه] مبلغ من المال ونحوه يجب بذله للفقراء ونحوهم إذا توافر النّصاب وحال عليه الحول، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة (أدّى زكاة ماله- {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ} [قرآن]).

* زكاة الفطر: [في الفقه] صدقة واجبة يقدّمها المسلم الذي يملك قوت يومه إلى المحتاج من أول رمضان إلى ما قبل صلاة عيد الفطر.

زُكُوّ [مفرد]: مصدر زكَا.

زَكِيّ [مفرد]: جمعه أزكياء (للعاقل):

1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من زكَا: صالحٌ طاهرٌ (*) النَّفْسُ الزَّكيّة: التي لم تذنب قطّ، أو التي أذنبت وغُفر لها- زكِيّ المَغْرِس: كريم الأصل، طاهر العُنصر.

2 - طيِّب (زهرٌ زكيّ الرائحة- أرض زكِيَّة: طيبة خِصبة).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


3-العربية المعاصرة (فرمل)

فرملَ يفرمل، فرملةً، فهو مُفَرْمِل، والمفعول مُفَرْمَل.

* فرمل السَّائِقُ: كبح السَّيّارة أو نحوها بالفرملة وأوقفها.

* فرمل غرفةً: طهَّرها بالفُورمول (فرمل أدوات طبيّة).

فَرْمَلَة [مفرد]: جمعه فَرْملات (لغير المصدر) وفَرَامِلُ (لغير المصدر):

1 - مصدر فرملَ.

2 - كابحة، جهاز في السيَّارة أو نحوها يُمكّن السَّائق من كبح السُّرعة ووقفها بالاحتكاك الملامس (*) ضوء الفرامل: ضوء أحمر في مؤخرة المركبات يُضيء عند استعمال الفرامل.

* الفَرْمَلة الخلفيَّة: مكبح في عجلة الدَّرَّاجة الخلفيّة يعمل أثناء الضَّغط العكسيّ على البدّالات.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


4-المعجم الوسيط (بخَّر)

[بخَّر] له: طيَّب.

و- عليه: نَتَّنَ.

و- الشيء: استخرج بخارَه.

و- طيّبه بالبَخُور.

و- ثيابَ المريض والأشجارَ ونحوها: طهّرها مما عسى أن يكون قد علق بها من جراثيم (وهي كلمة محدثة).

و- السائلَ: حَوّله إلى بخار بالغلَيان.

(مما أقره مجمع اللغة العربية بالقاهرة).

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


5-المعجم الوسيط (وضَعَ)

[وضَعَ] -َ (يَضَعُ) وَضْعًا، و موضوعًا: أَسرع في سيره.

ويقال: وضَعَ السَّرابُ على الآكام: لمَعَ وسار.

و- المرأَةُ وُضْعًا، وتُضُّعًا: حَملت في آخر طُهرها في مُقْبَل الحيضة، فهي واضعٌ.

و- الإِبلُ، وضيعةً: رَعَتِ الحَمْضَ حول الماءِ ولم تبرح، فهي واضعةٌ وواضعٌ.

و- فلانٌ من فلان، وعنه وضْعًا، وموْضِعًا، وضَعَة (بكسر الضاد وفتحها): حَطّ من قدره ودرجته.

ويقال: وَضَعَهُ الشُّحُّ ودناءةُ النَّسَب.

و- عن غريمه: نَقَصَ ممَّا له عليه شيئا.

-: فلانًا: أَذلَّه يقال: وَضَعَ اللهُ المتكبِّرين، ووَضَعَ فلانٌ نفسَه.

و- الشيءَ: أَلقاه من يده وحَطَّه: [ضدّ رفعه].

ويقال: رَفَعَ السلاحَ ثم وَضَعَه: ضَرَبَ به.

وفي الحديث: «من رفعَ السلاحَ ثم وضَعهُ فدمُه هدرٌ» [حديث نبوي]، يعني في الفتنة.

و- المرأَةُ خِمَارَها: خَلَعَتْه، فهي واضعٌ.

و- الشيءَ إِلى الأَرض: أَنزله.

و- الشيءَ في المكان: أَثبته فيه.

وقال: وضع يده في الطَّعام: إِذا جعل يأْكله.

و- فلانٌ فلانًا في ماله، وضِيعةً: نَقَصَه.

و- فلانًا: صَيّره وضيعًا.

و- عُنُقَه: ضَرَبَها.

و- عنه الأَمرَ: أَسقطه.

يقال: وَضَعَ عنه الدَّيْنَ والجِزْيَةَ والجنايةَ والحربَ ونحوَ ذلك.

وفي الحديث: «ينزل عيسى بنُ مريمَ فيضعُ الجزية» [حديث نبوي]: أَي يحمل الناس على الدِّين فلا.

يبقى ذمِّيٌّ تجري عليه الجزية.

والشيءَ وضْعًا: تركه.

و- اختلقه.

ويقال: وضَعَ الرجل الحديثَ: افتراه وكذَبه واختلقه.

و- الحاملُ ولدَها وَضْعًا: ولدَتْه، فهي واضعٌ.

و- العِلمَ: اهتدى إلى أُصوله وأَوَّليَّاته.

(وهو موَلَّد).

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


6-شمس العلوم (الثَّوْب)

الكلمة: الثَّوْب. الجذر: ثوب. الوزن: فَعْل.

[الثَّوْب]: معروف.

وربما عبّر عن نفس الإِنسان بثوبه، قال:

رَمَوْها بِأَثْوَابٍ خِفَافٍ فلا تَرَى *** لها شَبَهًا إِلا النَّعَامَ المُنَفَّرا

وقيل في قول الله تعالى: {وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ} أي طَهِّرْها للصلاة.

وقيل: أي طهر ثيابك لا تلبسها على معصية.

والمعنى: طهر أعمالك، يقال: فلان طاهر الأثواب: أي طاهر من العيوب، هذا عن ابن عباس، قال:

فإِنِّي بِحَمْدِ اللهِ لا ثَوْبَ غَادِرٍ *** لَبِسْتُ ولا مِنْ خَزْيَةٍ أَتَقَنَّعُ

أي لم أَغْدر، وخَزْية: أي خصلة يَخْزَى منها أى يَسْتَحْيِي.

وقيل: أي طَهِّر نفسَك عن المعاصي، فعبّر عنها بالثياب، قال عنترة:

فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الأَصَمِ ثِيَابَهُ *** لَيْسَ الكَرِيمُ على القَنَا بِمُحَرَّمِ

ويجمع على أَثْوَاب وأَثْوُب، يهمز ولا يهمز.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


7-معجم متن اللغة (أو الترية)

أو الترية: الخرقة التي تعرف بها المرأة حيضها من طهرها.

هو مني مرأًى ومسمعٌ، ومرأًى ومسمعًا وبمرأًى ومسمعٍ أي بحيث أراه وأسمعه.

هو مرآة بكذا أو أن يفعل كذا أي مخلقةٌ "س".

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


8-معجم متن اللغة (وضعت وضعا ووضعا وتضعا المرأة حملها)

وضعت وضعا ووضعا وتضعا المرأة حملها: ولدته.

و- تضعا تضعا: حملت فى آخر طهرها أو فى مقبل الحيضة (ز) فهى واضع.

(أو الواضع: الحمل قبل الحيض.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


9-جمهرة اللغة (تري تير رتي ريت يتر يرت)

التَّرِيَّة والتِّرْيَة: الخِرْقَة التي تعرف بها المرأة حيضها من طُهرها.

وكذلك في الحديث.

وقال بعض أهل اللغة: والتِّرْيَة: الماء الأصفر الذي يكون عند انقطاع الدم.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


10-القاموس المحيط (وضعه)

وضَعَهُ، يَضَعُهُ، بفتحِ ضادِهِما، وَضْعًا ومَوْضِعًا، ويُفْتَحُ ضادُهُ، ومَوْضوعًا: حَطَّهُ،

وـ عنه: حَطَّ من قَدْرِهِ،

وـ عن غَريمِهِ: نَقَصَ مِمَّا لَهُ عليه شَيْئًا،

وـ الإِبِلُ وَضيعَةً: رَعَتِ الحَمْضَ حَوْلَ الماءِ ولم تَبْرَحْ،

كأَوْضَعَتْ، فهي واضِعَةٌ وواضِعٌ ومُوضِعَةٌ.

ووَضَعْتُها: ألْزَمْتُها المَرْعَى، فهي مَوْضوعَةٌ،

وـ فُلانٌ نَفْسَهُ وَضْعًا ووُضوعًا وضَعَةً، وضِعَةً قَبيحَةٌ: أذَلَّها،

وـ عُنُقَهُ: ضَرَبَها،

وـ الجِنايَةَ عنه: أسْقَطَها.

وواضِعٌ: مِخْلافٌ باليَمَنِ.

والواضِعَةُ: الرَّوْضَةُ، والتي تَرْعَى الضَّعَةَ لِشَجَرٍ من الحَمْضِ، أي: النَّبْتِ، والمَرْأةُ الفاجِرَةُ.

وضَعِ اللَّبِنَةَ غَيْرَ هذه الوَضْعَةِ، ويُكْسَرُ،

والضَّعَةِ: بِمَعْنىً.

وَوَضَعَ البَعيرُ حَكَمَتَهُ وَضْعًا ومَوْضوعًا: طاشَ رَأسُه وأسْرَعَ،

وـ المَرْأةُ حَمْلَها وُضْعًا وتُضْعًا، بضَمِّهما، وتُفْتَحُ الأُولَى: ولَدَتْهُ، ووُضْعًا وتُضْعًا، بضَمِّهِما، وتُضُعًا، بِضَمَّتَيْنِ: حَمَلَتْ في آخِرِ طُهْرِها في مُقْبَلِ الحَيْضَةِ،

وـ

الناقَةُ: أسْرَعَتْ في سَيْرِها،

كأَوْضَعَتْ.

ووُضِع في تجارتِه ضَعَةً وضِعَةً ووَضِيعةً، كعُنِيَ: خَسِرَ، وكوَجِلَ يَوْجَلُ.

وأُوْضِعَ، بالضم: خَسِرَ فيها، وهو مَوْضوعٌ فيها.

والمَوْضوعةُ من الإِبِلِ: التي تَرَكَها رِعاؤُها وانْقَلَبوا بالليلِ ثم أنْفَشُوها.

ومَوْضوعٌ، ودارةٌ مَوْضوعٍ، ودارةُ المَواضيعِ،

ولِوَى الوَضيعَةِ: مَواضِعُ.

وفي قَلْبِي مَوْضِعةٌ، ومَوْقِعَةٌ: مَحَبَّةٌ.

والأحاديثُ المَوْضوعةُ: المُخْتَلَقَةُ.

وفي حَسَبِه ضَعَةٌ، ويُكْسَرُ: انْحِطاطٌ، ولُؤْمٌ، وخِسَّةٌ، وقد وَضُعَ، ككرُمَ، ضَعَةً، ويُكْسَرُ، ووَضاعةً واتَّضَعَ، ووَضَعَه غيرُه ووَضَّعَه تَوْضيعًا.

والضَّعَةُ: شجرٌ من الحَمْضِ، أو نَبْتٌ كالثُّمامِ.

والوَضيعُ: المَحْطُوطُ القَدْرِ، والوَديعةُ، وأن يُؤْخَذَ التَّمْرُ قبلَ أن يَيْبَسَ فيُوضَعَ في الجِرارِ.

والوَضِيعَةُ: الحَمْضُ، والحَطيطَة، والإِبِلُ النازِعةُ إلى الخُلَّةِ، وما يأخُذُه السُّلْطانُ من الخَراجِ والعُشورِ، والدَّعِيُّ، وقد وَضُعَ، ككرُمَ،

وـ: كِتابٌ تُكْتَبُ فيه الحِكْمَةُ، ج: وضائعُ،

وـ: حِنْطَةٌ تُدَقُّ فَيُصَبُّ عليها السَّمْنُ فَيُؤْكَلُ، وأسماءُ أقْوامٍ من الجُنْدِ، تُجْعَلُ أسماؤُهُم في كُورةٍ لا يَغْزُونَ منها، وواحدةُ الوَضائِعِ لأَثْقالِ القومِ، وأما الوَضائعُ الذينَ وضَعَهُم كِسْرَى، فهُم شِبْهُ الرَّهائِنِ، كان يَرْتَهِنُهُم ويُنْزِلُهُم بعضَ بِلادِه.

و"وضائعُ المِلْكِ" في الحديثِ: ما وُضِعَ عليهم في مِلْكِهِم من الزَّكَواتِ، أي: لَكُمُ الوَظائفُ التي نُوَظِّفُها على المُسْلمينَ في المِلْكِ، لا نَزيدُ عليكم فيها.

{ولأَوْضَعوا خِلالَكم}: حَمَلوا رِكابَهُم على العَدْوِ السريعِ.

والتَّوْضيعُ: خِياطَةُ الجُبَّةِ بعدَ وَضْعِ القُطْنِ فيها، ورَثْدُ النَّعامِ بَيْضَها ونَضْدُها له. وكمُعَظَّمٍ: المُكَسَّرُ المُقَطَّعُ، والمُطَرَّحُ غيرَ مُسْتَحْكِمِ الخَلْقِ، كالمُخَنَّثِ.

وتَواضَعَ: تَذَلَّلَ، وتَخاشَعَ،

وـ ما بيننَا: بَعُدَ.

والاتِّضاعُ: أن تَخْفِضَ رأسَ البعِيرِ لِتَضَعَ قَدَمَكَ على عُنُقِهِ فتَرْكَبَ.

والمُواضَعَةُ: المُراهَنَةُ، ومُتارَكَةُ البيعِ، والمُوافَقَةُ في الأمرِ.

وهَلُمَّ أُواضِعْكَ الرَّأيَ: أُطْلِعْكَ على رَأيِي، وتُطْلِعْنِي على رَأيِك.

واسْتَوْضَعَ منه: اسْتَحَطَّ.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


11-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ترى)

(ترى) - في حديث أُمِّ عَطِيَّة: "كُنَّا لا نَعُدّ الكُدْرَة والصّفرةَ والتَّرِيَّة شَيْئًا".

قال الأصمَعِىُّ: التَّرِيَّة: ما تَراهُ المَرأَةُ من صُفْرة، أو كُدْرَة بعد الحَيْض. وقال الجَبَّان: التَّرِيَّة والتَّرْيَة: الخِرقَةُ التي تَعرفُ بها المَرأةُ حَيضَها من طُهْرِها، وقيل: هي المَاءُ الأَصفَر الذي يَخرُج عند انقِطاع الدَّم، وقيل: البَياضُ تَراهُ الحائِضُ عند الطُّهر، كلُّ ذَلِك من الرُّؤْيَة، والأَصلُ تَرئِيَة، والتَّاء مَزِيَدة، إلا أَنَّ ظاهِرَها بغَيْر همزِ يُخِيلُ أَنَّها فَعِيلَة: أي حينَ طَهرت من الحَيْض واغْتَسَلَت، إن عَاودَها كُدرَةٌ أو صُفْرةٌ ونَحوُهما لا يُعْتَدُّ بها، وقِيلَ أيضًا: تَرَيَّةٌ وتَرِّيَّة بتَشْدِيد الرَّاءِ واليَاءِ.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


12-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ركض)

(ركض) - في حَدِيثِ المُسْتَحاضَة: "إنَّما هي رَكْضَة من الشَّيْطان".

قال الخَطَّابى: أَصلُ الرَّكض، الضَّرب بالرِّجْل والِإصابة بها، يُرِيد به الِإضْرارَ والِإفسْادَ، كما تُركِضُ الدَّابَّةَ وتُصِيبُها برِجْلِك.

ومَعْناه، والله أعلم: أَنَّ الشَّيطانَ قد وَجَد بذلك طَرِيقًا إلى التَّلْبِيس عليها في أَمرِ دِينِها ووقْتِ طُهرِها وصَلَاتِها، حتى أَنساهَا ذلك عَادتَها وصَارَ في التَّقدِيرِ كأنه رَكْضَة بآلةٍ من رَكَضَاته.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


13-موسوعة الفقه الكويتية (استحاضة 1)

اسْتِحَاضَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الِاسْتِحَاضَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ.وَالْمُسْتَحَاضَةُ مَنْ يَسِيلُ دَمُهَا وَلَا يُرْقَأُ، فِي غَيْرِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، لَا مِنْ عِرْقِ الْحَيْضِ بَلْ مِنْ عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ: الْعَاذِلُ.

وَعَرَّفَ الْحَنَفِيَّةُ الِاسْتِحَاضَةَ بِأَنَّهَا: دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ لَيْسَ مِنَ الرَّحِمِ.

وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا: دَمُ عِلَّةٍ يَسِيلُ مِنْ عِرْقٍ مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ، قَالَ الرَّمْلِيُّ: الِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ تَرَاهُ الْمَرْأَةُ غَيْرُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِمَا أَمْ لَا.وَجَعَلَ مِنْ أَمْثِلَتِهَا الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْحَيْضُ:

2- الْحَيْضُ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ بَالِغَةٍ لَا دَاءَ بِهَا وَلَا حَبَلَ، وَلَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِيَاسِ ب- النِّفَاسُ:

3- النِّفَاسُ دَمٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْأَرْجَحِ: وَمَعَ الْوِلَادَةِ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ: مَعَ وِلَادَةٍ وَقَبْلَهَا بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ.

4- وَتَفْتَرِقُ الِاسْتِحَاضَةُ عَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِأُمُورٍ مِنْهَا:

أ- الْحَيْضُ لَهُ وَقْتٌ، وَذَلِكَ حِينَ تَبْلُغُ الْمَرْأَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَصَاعِدًا، فَلَا يَكُونُ الْمَرْئِيُّ فِيمَا دُونَهُ حَيْضًا، وَكَذَلِكَ مَا تَرَاهُ بَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ لَا يَكُونُ حَيْضًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ، أَمَّا الِاسْتِحَاضَةُ فَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ.

ب- الْحَيْضُ دَمٌ يَعْتَادُ الْمَرْأَةَ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَمَّا الِاسْتِحَاضَةُ فَهِيَ دَمٌ شَاذٌّ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ.

ج- الْحَيْضُ دَمٌ طَبِيعِيٌّ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ مَرَضِيٍّ، فِي حِينِ أَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ دَمٌ نَاتِجٌ عَنْ فَسَادٍ أَوْ مَرَضٍ أَوِ اخْتِلَالِ الْأَجْهِزَةِ أَوْ نَزْفِ عِرْقٍ.

د- لَوْنُ دَمِ الْحَيْضِ أَسْوَدُ ثَخِينٌ مُنْتِنٌ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ غَالِبًا، بَيْنَمَا لَوْنُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ أَحْمَرُ رَقِيقٌ لَا رَائِحَةَ لَهُ.

هـ- دَمُ النِّفَاسِ لَا يَكُونُ إِلاَّ مَعَ وِلَادَةٍ.

الِاسْتِمْرَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

5- الِاسْتِحَاضَةُ غَالِبًا مَا تَحْصُلُ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَهُوَ: زِيَادَةُ الدَّمِ عَنْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذْ لَمْ يَعْتَبِرِ الِاسْتِمْرَارَ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُهُمْ، وَالِاسْتِمْرَارُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمُعْتَادَةِ أَوْ فِي الْمُبْتَدَأَةِ.

الِاسْتِمْرَارُ فِي الْمُعْتَادَةِ:

6- إِذَا اسْتَمَرَّ دَمُ الْمُعْتَادَةِ وَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَطُهْرُهَا وَحَيْضُهَا مَا اعْتَادَتْ، وَتُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طُهْرُهَا الْمُعْتَادُ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ طُهْرُهَا أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَا تُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ، وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَابِدِينَ سَبَبَ ذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عَادَةً، وَأَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.

وَلِلْعُلَمَاءِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ لِتَقْدِيرِ طُهْرِ الْمَرْأَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَقْوَاهَا قَوْلَانِ، وَهُمَا:

أ- يُقَدَّرُ طُهْرُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلاَّ سَاعَةً؛ تَحْقِيقًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ طُهْرِ الْحَمْلِ وَطُهْرِ الْحَيْضِ.

ب- يُقَدَّرُ طُهْرُهَا بِشَهْرَيْنِ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ بِالْأَوَّلِ، وَلَكِنِ الْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ.

الِاسْتِمْرَارُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ:

7- ذَكَرَ الْبِرْكَوِيُّ أَرْبَعَ حَالَاتٍ لِلْمُبْتَدَأَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ: الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَمَالِكٍ، فَسَيَأْتِي بَيَانُ أَحْوَالِهَا فِي الْمَوْضِعِ التَّالِي.

وَثَلَاثٌ مِنْ حَالَاتِ الْمُبْتَدَأَةِ تَتَّصِلُ بِمَوْضُوعِ الِاسْتِمْرَارِ، أَمَّا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ لِلْمُبْتَدَأَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَسَتَأْتِي ف 13 حَالَاتُ الِاسْتِمْرَارِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ:

8- الْأُولَى: أَنْ يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ مَا بَلَغَتْ، فَحِينَئِذٍ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَطُهْرُهَا عِشْرِينَ ثُمَّ ذَلِكَ دَأْبُهَا، وَإِذَا صَارَتْ نُفَسَاءَ فَنِفَاسُهَا يُقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ بَعْدَ النِّفَاسِ يُقَدَّرُ بِعِشْرِينَ يَوْمًا طُهْرًا، إِذْ لَا يَتَوَالَى نِفَاسٌ وَحَيْضٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ تَامٍّ بَيْنَهُمَا، وَلَمَّا كَانَ تَقْدِيرُهُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ عِشْرِينَ، فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ بَيْنَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ تَقْدِيرًا مُطَّرِدًا.

الثَّانِيَةُ: أَنْ تَرَى دَمًا وَطُهْرًا فَاسِدَيْنِ، وَالدَّمُ الْفَاسِدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَالطُّهْرُ الْفَاسِدُ مَا نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَلَا يُعْتَدُّ بِمَا رَأَتْ مِنْ حَيْثُ نَصْبُ الْعَادَةِ بِهِ، بَلْ يَكُونُ حَيْضُهَا عَشَرَةً، وَلَوْ حُكْمًا، مِنْ حِينِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، وَيَكُونُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ، وَذَلِكَ دَأْبُهَا حَتَّى تَرَى دَمًا وَطُهْرًا صَحِيحَيْنِ.

بَيَانُ ذَلِكَ: مُرَاهِقَةٌ (أَيْ مُقَارِبَةٌ لِلْبُلُوغِ) رَأَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ، وَالطُّهْرُ النَّاقِصُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ يُعْتَبَرُ كَالدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ حُكْمًا، وَعَلَيْهِ تَكُونُ هَذِهِ كَاَلَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ مَا بَلَغَتْ، فَيَكُونُ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ الدَّمِ الْأَحَدِ عَشَرَ وَطُهْرُهَا عِشْرِينَ.هَذَا إِذَا كَانَ الطُّهْرُ فَاسِدًا بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَمَّا إِذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ وَقَدْ فَسَدَ بِمُخَالَطَتِهِ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ، كَمُبْتَدَأَةٍ رَأَتْ أَحَدَ عَشَرَ دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَالدَّمُ الْأَوَّلُ فَاسِدٌ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَالطُّهْرُ صَحِيحٌ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ تَامٌّ إِذْ هُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَكِنَّهُ فَاسِدٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ أَوَّلَهُ دَمٌ، وَهُوَ الْيَوْمُ الزَّائِدُ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَلَيْسَ مِنَ الْحَيْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ عِنْدَهُمْ فَهُوَ مِنَ الطُّهْرِ، وَبِمَا أَنَّ الطُّهْرَ خَالَطَهُ الدَّمُ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَادَةً.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي شَرْحِ رِسَالَةِ الْحَيْضِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ فَسَادَ الدَّمِ يُفْسِدُ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ فَيَجْعَلُهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي، فَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ كَأَنَّهَا اُبْتُدِئَتْ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَيَكُونُ حَيْضُهَا عَشَرَةً وَطُهْرُهَا عِشْرِينَ، وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَزِدِ الدَّمُ وَالطُّهْرُ عَلَى ثَلَاثِينَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ، وَإِنْ زَادَ يُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ الْحَقِيقِيِّ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ الْأَوَّلِ وَدَمِ الِاسْتِمْرَارِ طُهْرًا.

الثَّالِثَةُ: أَنْ تَرَى دَمًا صَحِيحًا، وَطُهْرًا فَاسِدًا، فَإِنَّ الدَّمَ الصَّحِيحَ يُعْتَبَرُ عَادَةً لَهَا فَقَطْ، فَتُرَدُّ إِلَيْهِ فِي زَمَنِ الِاسْتِمْرَارِ، وَيَكُونُ طُهْرُهَا أَثْنَاءَ الِاسْتِمْرَارِ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ.

فَلَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةً دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ، فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَتُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا تَكْمِلَةَ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَمْسَةً، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَهَكَذَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا كَانَ الطُّهْرُ فَاسِدًا فِي الْمَعْنَى فَقَطْ، كَمَا لَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّمَ- وَقَدْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الطُّهْرَيْنِ- أَفْسَدَهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ حَيْضًا فَهُوَ مِنَ الطُّهْرِ، وَعَلَيْهِ: فَالْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ، وَوَاحِدٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا طُهْرٌ، ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ فَثَلَاثَةٌ حَيْضٌ، وَسَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ، وَهَكَذَا دَأْبُهَا، وَبِهَذَا تَشْتَرِكُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ السَّابِقَةِ فِي الْحُكْمِ، مِنْ حَيْثُ نَصْبُ الْعَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِمْرَارِ فِي كُلِّ شَهْرٍ.

وَإِذَا كَانَ الطُّهْرُ الثَّانِي الَّذِي مَرَّ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِمْرَارِ طُهْرًا فَاسِدًا- لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا- فَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ عَمَّا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْيَوْمِ الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ.

فَلَوْ رَأَتِ الْمُرَاهِقَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَالْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ دَمٌ صَحِيحٌ، فَهُوَ حَيْضٌ، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَهَا طُهْرٌ صَحِيحٌ، وَالْيَوْمُ الَّذِي بَعْدَهَا مَعَ اثْنَيْنِ مِمَّا بَعْدَهُ حَيْضٌ، ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، اثْنَا عَشَرَ مِنْ أَيَّامِ الِانْقِطَاعِ الَّتِي سَبَقَتِ الِاسْتِمْرَارَ، وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ، وَلِهَذَا تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ ثَلَاثَةً ثُمَّ تُعْتَبَرُ حَائِضًا ثَلَاثَةً فَتَتْرُكُ فِيهَا الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَكَذَا يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِثَلَاثَةٍ وَطُهْرُهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ.

أَمَّا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ فَسَتُبْحَثُ فِي الْفِقْرَةِ 13 اسْتِحَاضَةُ الْمُبْتَدَأَةِ بِالْحَمْلِ.

اسْتِحَاضَةُ الْمُبْتَدَأَةِ بِالْحَيْضِ، وَالْمُبْتَدَأَةِ بِالْحَمْلِ:

9- الْمُبْتَدَأَةُ بِالْحَيْضِ هِيَ الَّتِي كَانَتْ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ فَابْتَدَأَتْ بِالدَّمِ، وَاسْتَمَرَّ بِهَا.فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ حُكْمِهَا.

10- وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُعْتَبَرُ الْمُبْتَدَأَةُ بِأَتْرَابِهَا، فَإِنْ تَجَاوَزَتْهُنَّ فَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَتَمَادَى إِلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهَا تَقْتَصِرُ عَلَى عَوَائِدِ أَتْرَابِهَا أَيْ فِي السِّنِّ، فَتَأْخُذُ بِعَوَائِدِهِنَّ فِي الْحَيْضِ مِنْ قِلَّةِ الدَّمِ وَكَثْرَتِهِ، يُقَالُ إِنَّهَا تُقِيمُ قَدْرَ أَيَّامِ لَدَّاتِهَا، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ تُصَلِّي وَتَصُومُ، إِلاَّ أَنْ تَرَى دَمًا تَسْتَكْثِرُهُ لَا تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ دَمُ حَيْضَةٍ.وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا عَرَفَتْ أَنَّ الدَّمَ النَّازِلَ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ، بِأَنْ مَيَّزَتْهُ بِرِيحٍ أَوْ ثِخَنٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ تَأَلُّمٍ، فَهُوَ حَيْضٌ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ، أَوْ مَيَّزَتْ قَبْلَ تَمَامِ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ أَيْ بَاقِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَلَوْ مَكَثَتْ عَلَى ذَلِكَ طُولَ حَيَاتِهَا.

11- وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ بِالْحَيْضِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: الْمُبْتَدَأَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً لِمَا تَرَاهُ أَوْ لَا، فَإِذَا كَانَتِ الْمُبْتَدَأَةُ مُمَيِّزَةً لِمَا تَرَاهُ بِأَنْ تَرَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دَمًا قَوِيًّا وَفِي بَعْضِهَا دَمًا ضَعِيفًا، أَوْ فِي بَعْضِهَا دَمًا أَسْوَدَ وَفِي بَعْضِهَا دَمًا أَحْمَرَ، وَجَاوَزَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَالضَّعِيفُ أَوِ الْأَحْمَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ طَالَ، وَالْأَسْوَدُ أَوِ الْقَوِيُّ حَيْضٌ إِنْ لَمْ يَنْقُصِ الْأَسْوَدُ أَوِ الْقَوِيُّ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عِنْدَهُمْ، وَلَا جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَيْضًا، حَتَّى لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ الضَّعِيفُ، وَتَمَادَى سِنِينَ كَانَ طُهْرًا، وَإِنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ دَائِمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ رَأَتِ الْأَسْوَدَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ رَأَتِ الضَّعِيفَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، أَوْ رَأَتْ أَبَدًا يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ فَحُكْمُهَا كَحُكْمِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ لِمَا تَرَاهُ.

وَالْمُبْتَدَأَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، بِأَنْ رَأَتِ الدَّمَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِصِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لَكِنْ فَقَدَتْ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الَّتِي ذُكِرَتْ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَإِنْ عَرَفَتْهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَطُهْرُهَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا تَتِمَّةَ الشَّهْرِ.

12- وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: إِنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً لِمَا تَرَاهُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً عَمِلَتْ بِتَمْيِيزِهَا إِنْ صَلَحَ الْأَقْوَى أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، بِأَنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ قُدِّرَ حَيْضُهَا بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَاتُ.وَهَذَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ، أَمَّا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ فَتَنْتَقِلُ إِلَى غَالِبِ الْحَيْضِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٌ بِاجْتِهَادِهَا أَوْ تَحَرِّيهَا.وَقَالَ صَاحِبُ مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى فِي شَرْحِ غَايَةِ الْمُنْتَهَى لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ، ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ، وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَحَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا.أَوْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ، وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَفِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَحَيْضُهَا زَمَنُ الْأَسْوَدِ.وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا، بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَنَحْوَهُ، أَوْ كَانَ مُتَمَيِّزًا، وَلَمْ يَصْلُحْ الْأَسْوَدُ وَنَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِأَنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ زَادَ عَنِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَتَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ حَتَّى تَتَكَرَّرَ اسْتِحَاضَتُهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِدُونِهَا، ثُمَّ تَجْلِسُ بَعْدَ التَّكْرَارِ مِنْ مِثْلِ أَوَّلِ وَقْتِ ابْتِدَاءٍ بِهَا إِنْ عَلِمَتْهُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا بِتَحَرٍّ، أَوْ تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ إِنْ جَهِلَتْهُ، أَيْ: وَقْتَ ابْتِدَائِهَا بِالدَّمِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا مِنَ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا بِتَحَرٍّ فِي حَالِ الدَّمِ وَعَادَةِ أَقَارِبِهَا النِّسَاءِ، وَنَحْوِهِ، لِحَدِيثِ «حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، فَقَالَ: تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا ثُمَّ اغْتَسِلِي».وَيُتَّجَهُ احْتِمَالٌ قَوِيٌّ بِوُجُوبِ قَضَاءِ مَنْ جَهِلَتْ وَقْتَ ابْتِدَائِهَا بِالدَّمِ نَحْوِ صَوْمٍ كَطَوَافٍ وَاعْتِكَافٍ وَاجِبَيْنِ فِيمَا فَعَلَتْهُ أَيِ الصَّوْمَ وَنَحْوَهُ قَبْلَ التَّحَرِّي، كَمَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ وَصَلَّى بِلَا تَحَرٍّ فَيَقْضِي وَلَوْ أَصَابَ.

13- وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ بِالْحَمْلِ: وَهِيَ الَّتِي حَمَلَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ إِذَا وَلَدَتْ فَرَأَتِ الدَّمَ زِيَادَةً عَنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ فَالزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ لِلنِّفَاسِ كَالْعَشَرَةِ لِلْحَيْضِ، فَالزِّيَادَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِحَاضَةٌ دُونَ نَظَرٍ إِلَى تَمْيِيزٍ أَوْ عَدَمِهِ.أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَحَيْضٌ، وَإِلاَّ فَاسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ اقْتِرَانُ الْحَيْضِ بِالنِّفَاسِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ الزِّيَادَةُ عَلَى السِّتِّينَ اسْتِحَاضَةٌ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُمَيِّزَةِ لِمَا تَرَى وَغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، كَمَا فِي الْحَيْضِ.

فَإِذَا بَلَغَتْ بِالْحَمْلِ وَوَلَدَتْ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، وَلَمْ تَرَ طُهْرًا صَحِيحًا بَعْدَ وِلَادَتِهَا وَانْتِهَاءِ مُدَّةِ نِفَاسِهَا- وَهِيَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ- فَيُقَدَّرُ طُهْرُهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ بِعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ بَعْدَهُ يَكُونُ حَيْضُهَا عَشَرَةً وَطُهْرُهَا عِشْرِينَ، وَهَذَا شَأْنُهَا مَا دَامَتْ حَالَةُ الِاسْتِمْرَارِ قَائِمَةً بِهَا.

وَإِذَا وَلَدَتْ فَرَأَتْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا دَمًا، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ، وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، أَيْ تُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ إِذَا كَانَ طُهْرًا صَحِيحًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ هَذَا الرَّدُّ إِذَا رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا فَمَا فَوْقَهَا إِلَى وَاحِدٍ وَعِشْرِينَ، فَعِنْدَئِذٍ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِتِسْعَةٍ وَطُهْرُهَا بِوَاحِدٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ كُلَّمَا زَادَ الطُّهْرُ نَقَصَ مِنَ الْحَيْضِ مِثْلُهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا ثَلَاثَةً، وَطُهْرُهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَ الطُّهْرُ عَلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ، وَطُهْرُهَا مِثْلُ مَا رَأَيْتَ قَبْلَ الِاسْتِمْرَارِ كَائِنًا مَا كَانَ عَدَدُهُ.بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ طُهْرُهَا نَاقِصًا عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ- الَّتِي هِيَ مُدَّةُ نِفَاسِهَا- بِعِشْرِينَ وَحَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي وَضَعَتْ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ ابْتِدَاءً، وَإِذَا كَانَ طُهْرُهَا الَّذِي رَأَتْهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي لِلنِّفَاسِ كَامِلًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ، وَقَدْ زَادَ دَمُهَا عَلَى أَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ بِيَوْمٍ مَثَلًا، فَسَدَ هَذَا الطُّهْرُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ خَالَطَهُ دَمٌ يَوْمَ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ لِاعْتِبَارِهِ عَادَةً لَهَا، فَيُقَدَّرُ حَيْضُهَا وَطُهْرُهَا حَسَبَ التَّفْصِيلِ التَّالِي:

فَإِذَا كَانَ بَيْنَ نِهَايَةِ النِّفَاسِ- الْأَرْبَعِينَ- وَأَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عِشْرُونَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ، كَأَنْ زَادَ دَمُهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِخَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ وَطَهُرَتْ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَطُهْرُهَا بِعِشْرِينَ، وَهَكَذَا دَأْبُهَا.

وَإِنْ كَانَ بَيْنَ النِّفَاسِ وَأَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ كَأَنْ زَادَ دَمُهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهُ يَكْمُلُ طُهْرُهَا إِلَى الْعِشْرِينَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ مَا يَتِمُّ بِهِ تَكْمِيلُ هَذِهِ الْعِشْرِينَ، ثُمَّ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَشَرَةٍ وَطُهْرُهَا بِعِشْرِينَ وَهَكَذَا.

وَالْجَدِيرُ بِالذِّكْرِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ بِالْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَيْضِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ، فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَتَصُومُ احْتِيَاطًا، وَلَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَمِرَّ الِانْقِطَاعُ إِلَى تَمَامِ الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ، هَذَا إِذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَمَّا إِذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ.وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

14- أَمَّا أَحْكَامُ الْمُبْتَدَأَةِ بِالْحَمْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَقَوْلُهُمْ هُنَا كَأَقْوَالِهِمْ فِي الْمُبْتَدَأَةِ بِالْحَيْضِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: تُعْتَبَرُ الْمُبْتَدَأَةُ بِأَتْرَابِهَا، فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَعْتَكِفُ سِتِّينَ يَوْمًا، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَغْتَسِلُ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتُوطَأُ. فَإِذَا عَبَرَ الدَّمُ السِّتِّينَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ عُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ كَالْحَيْضِ فِي غَالِبِ أَحْكَامِهِ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ إِلَيْهِ، فَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَيْضِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، فَيُنْظَرُ هُنَا أَيْضًا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُبْتَدَأَةً فِي النِّفَاسِ أَمْ مُعْتَادَةً، مُمَيِّزَةً لِمَا تَرَاهُ أَمْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَيُقَاسُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ، فَتُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ إِلَى التَّمْيِيزِ شَرْطَ أَلاَّ يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى سِتِّينَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ تُرَدُّ إِلَى لَحْظَةٍ فِي الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ تُرَدُّ إِلَى التَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ الْحَافِظَةُ تُرَدُّ إِلَى الْعَادَةِ، وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا فَتُرَدُّ إِلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ فِي قَوْلٍ، وَتَحْتَاطُ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ النُّفَسَاءَ إِذَا زَادَ دَمُهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ، وَوَافَقَ عَادَةَ حَيْضٍ فَهُوَ حَيْضٌ، وَمَا زَادَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ عَادَةَ حَيْضٍ فَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مُبْتَدَأَةٍ بِالْحَمْلِ أَوْ مُعْتَادَةٍ لَهُ.

اسْتِحَاضَةُ ذَاتِ الْعَادَةِ:

أ- ذَاتُ الْعَادَةِ بِالْحَيْضِ:

15- مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَاتِ الْعَادَةِ بِالْحَيْضِ- وَهِيَ الَّتِي تَعْرِفُ شَهْرَهَا وَوَقْتَ حَيْضِهَا وَعَدَدَ أَيَّامِهَا أَنَّهُ: إِذَا رَأَتِ الْمُعْتَادَةُ مَا يُوَافِقُ عَادَتَهَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ وَالْعَدَدُ، فَكُلُّ مَا رَأَتْهُ حَيْضٌ.وَإِذَا رَأَتْ مَا يُخَالِفُ عَادَتَهَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ أَوِ الْعَدَدُ أَوْ كِلَاهُمَا، فَحِينَئِذٍ قَدْ تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ وَقَدْ لَا تَنْتَقِلُ، وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ مَا رَأَتْ، فَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ حَالِ مَا رَأَتْ مِنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ عَلَى انْتِقَالِ الْعَادَةِ.

فَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ كَمَا إِذَا زَادَ الدَّمُ عَنِ الْعَشَرَةِ رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا، فَيُجْعَلُ الْمَرْئِيُّ فِي الْعَادَةِ حَيْضًا، وَالْبَاقِي الَّذِي جَاوَزَ الْعَادَةَ اسْتِحَاضَةً.

وَإِنِ انْتَقَلَتِ الْعَادَةُ فَكُلُّ مَا رَأَتْهُ حَيْضٌ.

وَتَفْصِيلُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْعَادَةِ وَحَالَاتِهَا وَأَمْثِلَتِهَا فِي مُصْطَلَحِ (حَيْض).

16- وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ أَشَارَ إِلَيْهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَشْهَرُهَا:

أَنَّهَا تَبْقَى أَيَّامَهَا الْمُعْتَادَةَ، وَتَسْتَظْهِرُ (أَيْ تَحْتَاطُ) بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَطُوفُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، مَا لَمْ تَرَ دَمًا تُنْكِرُهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الطُّهْرِ مِنْ يَوْمِ حُكِمَ بِاسْتِحَاضَتِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَغْتَسِلُ عِنْدَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اسْتِحْبَابًا لَا إِيجَابًا.

وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً، أَمَّا الْمُمَيِّزَةُ فَتَعْمَلُ بِتَمْيِيزِهَا مِنْ رُؤْيَةِ أَوْصَافِ الدَّمِ وَأَحْوَالِهِ مِنَ التَّقَطُّعِ وَالزِّيَادَةِ وَاللَّوْنِ، فَتُمَيِّزُ بِهِ مَا هُوَ حَيْضٌ، وَمَا هُوَ اسْتِحَاضَةٌ.

وَإِذَا أَتَاهَا الْحَيْضُ فِي وَقْتِهِ، وَانْقَطَعَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ سَاعَةٍ، وَأَتَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ طُهْرٍ تَامٍّ، فَإِنَّهَا تُلَفِّقُ أَيَّامَ الدَّمِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَتُلَفِّقُ عَادَتَهَا وَاسْتِظْهَارَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً لَفَّقَتْ نِصْفَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لَفَّقَتْ نِصْفَ شَهْرٍ وَنَحْوَهُ، أَوْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَفَّقَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا. وَالْأَيَّامُ الَّتِي اسْتَظْهَرَتْ بِهَا هِيَ فِيهَا حَائِضٌ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى الْحَيْضِ، إِنْ رَأَتِ الدَّمَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَرَهُ، وَأَيَّامُ الطُّهْرِ الَّتِي كَانَتْ تُلْغِيهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي خِلَالِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ لَا تَرَى فِيهَا دَمًا هِيَ فِيهَا طَاهِرَةٌ، تُصَلِّي فِيهَا وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَتَصُومُهَا، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ بِطُهْرٍ تَعْتَدُّ بِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ تِلْكَ الْأَيَّامِ مِنَ الدَّمِ، وَاَلَّتِي بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ قَدْ أُضِيفَتْ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَجُعِلَ حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الطُّهْرِ مُلْغًى، ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ، وَتُصَلِّي، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إِنْ رَأَتِ الدَّمَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَتَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ إِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ مِنْ أَيَّامِ الطُّهْرِ.

17- أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَالْمُعْتَادَةُ بِالْحَيْضِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ لِمَا تَرَى بِأَنْ كَانَ الدَّمُ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ كَانَ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَفَقَدَتْ شَرْطَ التَّمْيِيزِ، وَلَكِنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ، وَهِيَ تَعْلَمُ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا فَتُرَدُّ إِلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا، وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ.

وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَيُحْكَمُ بِالتَّمْيِيزِ لَا بِالْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ، فَاسْتُحِيضَتْ فَرَأَتْ عَشَرَةً سَوَادًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ حُمْرَةً، فَحَيْضَتُهَا الْعَشَرَةُ السَّوَادُ وَمَا يَلِيهِ اسْتِحَاضَةٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُحْكَمُ بِالْعَادَةِ، فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى.وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ قَائِمَةٌ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ، فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ عَادَةٍ انْقَضَتْ.

18- أَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَالُوا لَا تَخْلُو الْمُسْتَحَاضَةُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: مُمَيِّزَةٌ لَا عَادَةَ لَهَا، وَمُعْتَادَةٌ لَا تَمْيِيزَ لَهَا، وَمَنْ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ، وَمَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ.

أَمَّا الْمُمَيِّزَةُ: وَهِيَ الَّتِي لِدَمِهَا إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ، بَعْضُهُ أَسْوَدُ ثَخِينٌ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ مُسَرَّقٌ أَوْ أَصْفَرُ أَوْ لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَيَكُونُ الدَّمُ الْأَسْوَدُ أَوِ الثَّخِينُ لَا يَزِيدُ عَنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَقَلِّهِ، فَحُكْمُ هَذِهِ: أَنَّ حَيْضَهَا زَمَانُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ أَوِ الثَّخِينِ أَوِ الْمُنْتِنِ، فَإِنِ انْقَطَعَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، تَغْتَسِلُ لِلْحَيْضِ، وَتَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي.

أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لَهَا عَادَةٌ وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا؛ لِكَوْنِ دَمِهَا غَيْرَ مُنْفَصِلٍ أَيْ عَلَى صِفَةٍ لَا تَخْتَلِفُ، وَلَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا، إِلاَّ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ، أَوْ فَوْقَ أَكْثَرِهِ؟ فَهَذِهِ لَا تَمْيِيزَ لَهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ قَبْلَ أَنْ تُسْتَحَاضَ جَلَسَتْ أَيَّامَ عَادَتِهَا، وَاغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِضَائِهَا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ، فَاسْتُحِيضَتْ، وَدَمُهَا مُتَمَيِّزٌ، بَعْضُهُ أَسْوَدُ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ، فَإِنْ كَانَ الْأَسْوَدُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ فَقَدِ اتَّفَقَتِ الْعَادَةُ وَالتَّمْيِيزُ فِي الدَّلَالَةِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الْعَادَةِ أَوْ أَقَلَّ- وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا- فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: الرِّوَايَةُ الْأُولَى: اعْتِبَارُ الْعَادَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم- لأُِمِّ حَبِيبَةَ إِذْ سَأَلَتْهُ عَنِ الدَّمِ: «اُمْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَقْوَى.وَالثَّانِيَةُ: يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ فَيُعْمَلُ بِهِ وَتَدَعُ الْعَادَةَ.

أَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهِيَ الَّتِي لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ فَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضُوعِ (اسْتِحَاضَةُ مَنْ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ).

ب- ذَاتُ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ:

19- إِذَا رَأَتْ ذَاتُ الْعَادَةِ بِالنِّفَاسِ زِيَادَةً عَنْ عَادَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعِينَ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ، وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ إِلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْ دُونَهَا، فَمَا زَادَ يَكُونُ نِفَاسًا، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ تُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا فَتَكُونُ عَادَتُهَا نِفَاسًا، وَمَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً.

أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَمَا ذُكِرَ فِي الْحَيْضِ لِلْمُعْتَادَةِ يُذْكَرُ هُنَا أَيْضًا.

حَيْثُ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا.فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الزَّائِدُ عَنِ السِّتِّينَ كُلُّهُ اسْتِحَاضَةٌ وَلَا تَسْتَظْهِرُ، فَإِنَّ الِاسْتِظْهَارَ خَاصٌّ بِالْحَيْضِ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَمَا زَادَ عَلَى السِّتِّينَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ فَإِذَا عَبَرَ دَمُ النُّفَسَاءِ السِّتِّينَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْحَيْضِ إِذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إِلَى التَّمْيِيزِ إِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً لِمَا تَرَى، أَوِ الْعَادَةِ إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَالثَّانِي لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَصَحُّهُمَا كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَيْ أَنَّهُ كَالْحَيْضِ.

الثَّانِي: أَنَّ السِّتِّينَ كُلَّهَا نِفَاسٌ، وَمَا زَادَ عَلَى السِّتِّينَ اسْتِحَاضَةٌ، اخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ.

الثَّالِثُ: أَنَّ السِّتِّينَ نِفَاسٌ، وَاَلَّذِي بَعْدَهُ حَيْضٌ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَرْزُبَانِيُّ: قَالَ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعِدَّةِ: إِنْ زَادَ الدَّمُ بَعْدَ السِّتِّينَ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِي الْحَيْضِ.وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَهُوَ أَضْعَفُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَقَالَتِ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِلاَّ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.وَلَمْ نَقِفْ فِيمَا بَيْنَ أَيْدِينَا مِنْ مَرَاجِعِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُمْ تَحَدَّثُوا عَنْ عَادَةٍ فِي النِّفَاسِ.

اسْتِحَاضَةُ مَنْ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ:

20- مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْحَيْضِ- بِأَنْ كَانَتْ تَرَى شَهْرًا سِتًّا وَشَهْرًا سَبْعًا- فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِنَّهَا تَأْخُذُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ، وَفِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْوَطْءِ بِالْأَكْثَرِ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِتَمَامِ الْيَوْمِ السَّادِسِ وَتُصَلِّي فِيهِ، وَتَصُومُ إِنْ كَانَ دَخَلَ عَلَيْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ احْتِيَاطًا.

وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ تُعْتَبَرُ حَيْضَةً ثَالِثَةً يَكُونُ قَدْ سَقَطَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي مُرَاجَعَتِهَا. وَأَمَّا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِلزَّوَاجِ مِنْ آخَرَ، وَحِلِّ اسْتِمْتَاعِ الزَّوْجِ بِهَا فَتَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا التَّزَوُّجَ مَعَ جَوَازِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِدُونِ حَقِّ التَّزَوُّجِ، وَكَذَا تَرْكُ الْوَطْءِ مَعَ احْتِمَالِ الْحِلِّ، أَوْلَى مِنَ الْوَطْءِ مَعَ احْتِمَالِ الْحُرْمَةِ، فَإِذَا جَاءَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثَانِيًا، وَتَقْضِيَ الْيَوْمَ السَّابِعَ الَّذِي صَامَتْهُ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ وَاجِبًا، وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي السُّقُوطِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ حَائِضًا فِيهِ صَحَّ صَوْمُهَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ، فَلَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ بِالشَّكِّ.

وَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ صَلَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فِيهِ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا، وَبِالتَّالِي لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا.وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَحَاضَتْ سِتَّةً، ثُمَّ حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى سَبْعَةً، ثُمَّ حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى سِتَّةً، فَعَادَتُهَا سِتَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَنْبَنِيَ الِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهَا.

أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تَنْتَقِلُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنَّمَا يَنْبَنِي الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ انْتَقَلَتْ إِلَيْهَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْتَقِلُ إِلاَّ بِالْمَرَّتَيْنِ فَقَدْ رَأَتِ السِّتَّةَ مَرَّتَيْنِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ لِمَنْ لَيْسَ لَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي النِّفَاسِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


14-موسوعة الفقه الكويتية (استحاضة 2)

اسْتِحَاضَةٌ -2

اسْتِحَاضَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ:

21- الْمُتَحَيِّرَةُ: هِيَ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا بَعْدَ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ وَتُوصَفُ بِالْمُحَيِّرَةِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، لِأَنَّهَا تُحَيِّرُ الْمُفْتِيَ، وَبِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّهَا حُيِّرَتْ بِسَبَبِ نِسْيَانِهَا وَتُدْعَى أَيْضًا الْمُضِلَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَضَلَّتْ عَادَتَهَا.

وَمَسَائِلُ الْمُحَيِّرَةِ مِنْ أَصْعَبِ مَسَائِلِ الْحَيْضِ وَأَدَقِّهَا، وَلَهَا صُوَرٌ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعٌ دَقِيقَةٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي الزَّمَانِ وَالْعَدَدِ.

وَجَمِيعُ الْأَحْكَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ تَشْدِيدٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَيْسَ الْقَصْدُ التَّشْدِيدَ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْتَكِبْ مَحْظُورًا.

وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُصْطَلَحِهَا.

مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ مِنَ الدَّمِ أَثْنَاءَ حَمْلِهَا:

22- إِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ الدَّمَ حَالَ الْحَبَلِ وَقَبْلَ الْمَخَاضِ، فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا بَالِغًا نِصَابَ الْحَيْضِ، بَلْ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَكَذَلِكَ مَا تَرَاهُ حَالَةَ الْمَخَاضِ وَقَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ دَمُ نِفَاسٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُعَدُّ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ: بِقَوْلِ عَائِشَةَ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ حَيْضٌ فِي حَقِّ تَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحُرْمَةِ الْقُرْبَانِ، لَا فِي حَقِّ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ، وَاحْتَجَّ بِمَا يُرْوَى عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: إِذَا أَقْبَلَ قُرْؤُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ.وَلِأَنَّ الْحَامِلَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إِلاَّ أَنَّ حَيْضَهَا لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ فَرَاغُ الرَّحِمِ، وَحَيْضُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ إِذَا رَأَتْ دَمًا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوِ الثَّانِي يُعْتَبَرُ حَيْضًا، وَتُعَامَلُ كَأَنَّهَا حَامِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَسْتَبِينُ- عَادَةً- فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إِذَا رَأَتْ دَمًا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ أَوِ الرَّابِعِ أَوِ الْخَامِسِ وَاسْتَمَرَّ كَانَ أَثَرُ حَيْضِهَا عِشْرِينَ يَوْمًا، وَمَا زَادَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.

وَإِنَّمَا فَرَّقُوا فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ بَيْنَ الْحَامِلِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَحْبِسُ الدَّمَ، فَإِذَا خَرَجَ كَانَ زَائِدًا، وَرُبَّمَا اسْتَمَرَّ لِطُولِ الْمُكْثِ.وَأَمَّا إِنْ رَأَتْهُ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ أَوِ الثَّامِنِ أَوِ التَّاسِعِ وَاسْتَمَرَّ نَازِلًا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا.وَأَمَّا إِنْ رَأَتْهُ فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَا إِذَا حَاضَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ شُيُوخُ إِفْرِيقِيَّةَ فَرَأَوْا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَبَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ يُعْتَبَرُ اسْتِحَاضَةً.

مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنَ الدَّمِ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ (إِنْ كَانَتْ حَامِلًا بِتَوْأَمَيْنِ):

23- التَّوْأَمُ: اسْمُ وَلَدٍ إِذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، فَالتَّوْأَمَانِ هُمَا الْوَلَدَانِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَوْأَمٌ، وَلِلْأُنْثَى تَوْأَمَةٌ.

فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ النُّفَسَاءُ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ دَمٌ صَحِيحٌ، أَيْ نِفَاسٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ دَمٌ فَاسِدٌ أَيِ اسْتِحَاضَةٌ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا وَلَدَتْ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ، فَالنِّفَاسُ مِنَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِالْوَلَدِ الثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ: أَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ، كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَيَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ الْأَخِيرِ، وَهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَزَالُ حُبْلَى، وَكَمَا لَا يُتَصَوَّرُ انْقِضَاءُ عِدَّةِ الْحَمْلِ بِدُونِ وَضْعِ الْحَمْلِ، لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ النِّفَاسِ مِنَ الْحُبْلَى؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ، فَكَانَ الْمَوْجُودُ قَبْلَ وَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي نِفَاسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهَا بِالشَّكِّ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّ النِّفَاسَ إِنْ كَانَ دَمًا يَخْرُجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَقَدْ وُجِدَ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَبَقَاءُ الْوَلَدِ الثَّانِي فِي الْبَطْنِ لَا يُنَافِي النِّفَاسَ.

وَيَتَّفِقُ الْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ الشَّيْخَيْنِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مِنَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ.وَتَبْدَأُ لِلثَّانِي بِنِفَاسٍ جَدِيدٍ.

24- وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الدَّمُ الَّذِي بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ نِفَاسٌ، وَقِيلَ حَيْضٌ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَاَلَّتِي رُوِيَتْ عَنِ الْحَنَابِلَةِ.

أَحْكَامُ الْمُسْتَحَاضَةِ:

25- دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ حُكْمُهُ كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، أَوْ كَسَلَسِ الْبَوْلِ، حَيْثُ تُطَالَبُ الْمُسْتَحَاضَةُ بِأَحْكَامٍ خَاصَّةٍ تَخْتَلِفُ عَنْ أَحْكَامِ الْأَصِحَّاءِ، وَعَنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَهِيَ:

أ- يَجِبُ رَدُّ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، أَوْ تَخْفِيفُهُ إِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ بِرِبَاطٍ أَوْ حَشْوٍ أَوْ بِالْقِيَامِ أَوْ بِالْقُعُودِ، كَمَا إِذَا سَالَ أَثْنَاءَ السُّجُودِ وَلَمْ يَسِلْ بِدُونِهِ، فَتُومِئُ مِنْ قِيَامٍ أَوْ مِنْ قُعُودٍ، وَكَذَا لَوْ سَالَ الدَّمُ عِنْدَ الْقِيَامِ صَلَّتْ مِنْ قُعُودٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَوِ الْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ أَهْوَنُ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ.

وَهَكَذَا إِذَا كَانَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ تَسْتَطِيعُ مَنْعَ سَيَلَانِ الدَّمِ بِالِاحْتِشَاءِ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ، فَإِذَا نَفَذَتِ الْبِلَّةُ أَوْ أَخْرَجَتِ الْحَشْوَةَ الْمُبْتَلَّةَ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا.

فَإِذَا رَدَّتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الدَّمَ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ نَحْوِهَا خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ صَاحِبَةَ عُذْرٍ.

وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُسْتَحَاضَةَ صَاحِبَةَ عُذْرٍ كَمَنْ بِهِ سَلَسٌ، فَإِذَا فَارَقَهَا الدَّمُ أَكْثَرَ زَمَنِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَمْ تُعَدَّ صَاحِبَةَ عُذْرٍ.

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا رَأَتِ الدَّمَ عِنْدَ الْوُضُوءِ فَإِذَا قَامَتْ ذَهَبَ عَنْهَا، قَالَ مَالِكٌ: تَشُدُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الشَّدِّ أَوِ الِاحْتِشَاءِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَتَضَرَّرَ الْمُسْتَحَاضَةُ مِنَ الشَّدِّ أَوِ الِاحْتِشَاءِ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صَائِمَةً فَتَتْرُكُ الِاحْتِشَاءَ نَهَارًا لِئَلاَّ يَفْسُدَ صَوْمُهَا.

وَإِذَا قَامَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا مِنَ الْمَعْذُورِينَ بِالشَّدِّ أَوِ الِاحْتِشَاءِ ثُمَّ خَرَجَ الدَّمُ رَغْمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْتَدَّ، أَوْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ وَاسْتَمَرَّ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلٍ، فَلَا يَمْنَعُ خُرُوجُ الدَّمِ أَوْ وُجُودُهُ مِنْ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي»،، وَفِي رِوَايَةٍ: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»،، وَفِي رِوَايَةٍ: «تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ».

وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَلِغَيْرِهَا مِنَ الْمَعْذُورِينَ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ:

الْأَوَّلُ: شَرْطُ الثُّبُوتِ: حَيْثُ لَا يَصِيرُ مَنِ اُبْتُلِيَ بِالْعُذْرِ مَعْذُورًا، وَلَا تَسْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَعْذُورِينَ، حَتَّى يَسْتَوْعِبَهُ الْعُذْرُ وَقْتًا كَامِلًا لِصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَلَوْ حُكْمًا، وَلَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعٌ- فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْوَقْتِ- زَمَنًا بِقَدْرِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَهَذَا شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

الثَّانِيَ: شَرْطُ الدَّوَامِ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْعُذْرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ آخَرَ، سِوَى الْوَقْتِ الْأَوَّلِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْعُذْرُ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً.

الثَّالِثَ: شَرْطُ الِانْقِطَاعِ، وَبِهِ يَخْرُجُ صَاحِبُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَعْذُورًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ الِانْقِطَاعُ وَقْتًا كَامِلًا فَيَثْبُتُ لَهُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْأَصِحَّاءِ مِنْ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ.

مَا تَمْتَنِعُ عَنْهُ الْمُسْتَحَاضَةُ:

26- قَالَ الْبِرْكَوِيُّ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ: الِاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ أَصْغَرُ كَالرُّعَافِ.فَلَا تَسْقُطُ بِهَا الصَّلَاةُ وَلَا تَمْنَعُ صِحَّتَهَا أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرُّخْصَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تُحَرِّمُ الصَّوْمَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَلَا تَمْنَعُ الْجِمَاعَ- لِحَدِيثِ حَمْنَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يَأْتِيهَا- وَلَا قِرَاءَةَ قُرْآنٍ، وَلَا مَسَّ مُصْحَفٍ، وَلَا دُخُولَ مَسْجِدٍ، وَلَا طَوَافًا إِذَا أَمِنَتِ التَّلْوِيثَ.وَحُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ، فَتُطَالَبُ الْمُسْتَحَاضَةُ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.

وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، قَالُوا: لَا تَمْتَنِعُ الْمُسْتَحَاضَةُ عَنْ شَيْءٍ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي وُجُوبِ الْعِبَادَاتِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْوَطْءِ، فَهُنَاكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ بِالْمَنْعِ كَالْحَيْضِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: هِيَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً.

وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ، فَإِنَّ لَهَا أَحْكَامًا خَاصَّةً تُنْظَرُ تَحْتَ عِنْوَانِ (مُتَحَيِّرَة).

طَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ:

27- يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ الِاحْتِيَاطُ فِي طَهَارَتَيِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَتَغْسِلُ عَنْهَا الدَّمَ، وَتَحْتَشِي بِقُطْنَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ دَفْعًا لِلنَّجَاسَةِ أَوْ تَقْلِيلًا لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعِ الدَّمُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ تَحَفَّظَتْ بِالشَّدِّ وَالتَّعْصِيبِ.وَهَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى اسْتِثْفَارًا وَتَلَجُّمًا، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ التَّعْصِيبَ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَهَذَا الْحَشْوُ وَالشَّدُّ وَاجِبٌ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَتَأَذَّى بِالشَّدِّ.وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صَائِمَةً فَتَتْرُكَ الْحَشْوَ نَهَارًا وَتَقْتَصِرَ عَلَى الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ

فَإِذَا اسْتَوْثَقَتْ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ خَرَجَ دَمُهَا بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا وَلَا صَلَاتُهَا

28- وَأَمَّا إِذَا خَرَجَ الدَّمُ لِتَقْصِيرِهَا فِي التَّحَفُّظِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ طُهْرُهَا.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ رَدُّ عُذْرِهِ، أَوْ تَقْلِيلُهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ.وَبِرَدِّهِ لَا يَبْقَى ذَا عُذْرٍ.أَمَّا إِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّبْطِ أَوْ مَنْعِ النَّشِّ فَهُوَ مَعْذُورٌ.

وَأَمَّا غَسْلُ الْمَحَلِّ وَتَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ وَالْحَشْوِ لِكُلِّ فَرْضٍ، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُنْظَرُ إِنْ زَالَتِ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِيرٌ، أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِهَا، وَجَبَ التَّجْدِيدُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَثُرَتْ وَأَمْكَنَ تَقْلِيلُهَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْهَا.فَإِنْ لَمْ تَزُلِ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّمُ، فَوَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَصَحُّهُمَا: وُجُوبُ التَّجْدِيدِ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ، وَالثَّانِي: إِذْ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا، بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِتَجْدِيدِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ فِي التَّيَمُّمِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَا يَلْزَمُهَا إِعَادَةُ الْغُسْلِ وَالْعَصْبِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِنْ لَمْ تُفَرِّطْ، قَالُوا: لِأَنَّ الْحَدَثَ مَعَ قُوَّتِهِ وَغَلَبَتِهِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ «اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ب- حُكْمُ مَا يَسِيلُ مِنْ دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى الثَّوْبِ:

إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنَ الدَّمِ مِقْدَارُ مُقَعَّرِ الْكَفِّ فَأَكْثَرَ وَجَبَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ غَسْلُهُ، إِذَا كَانَ الْغَسْلُ مُفِيدًا، بِأَنْ كَانَ لَا يُصِيبُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، حَتَّى لَوْ لَمْ تَغْسِلْ وَصَلَّتْ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لَا يَجِبُ مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا.أَيْ إِنْ كَانَ لَوْ غَسَلَتِ الثَّوْبَ تَنَجَّسَ ثَانِيًا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، جَازَ أَلاَّ تَغْسِلَ؛ لِأَنَّ فِي إِلْزَامِهَا التَّطْهِيرَ مَشَقَّةً وَحَرَجًا.

وَإِنْ كَانَ لَوْ غَسَلَتْهُ لَا يَتَنَجَّسُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ بَقَائِهِ، إِلاَّ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا تَحَفَّظَتْ لَمْ يَضُرَّ خُرُوجُ الدَّمِ، وَلَوْ لَوَّثَ مَلْبُوسَهَا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً.

وَلَا يَضُرُّ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لِقَوْلِهِمْ: إِنْ غَلَبَ الدَّمُ وَقَطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا.

مَتَى يَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ:

29- نَقَلَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا:

الْأَوَّلُ: تَغْتَسِلُ عِنْدَمَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا.وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ الْوُضُوءُ وَيُجْزِيهَا ذَلِكَ.وَهَذَا رَأْيُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.«لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وَلِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ».

الثَّانِيَ: أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ.رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْ «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.إِلاَّ أَنَّ أَصْحَابَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالُوا: إِنَّ ذِكْرَ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا.وَمِنْ هُنَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.وَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ لِلِاسْتِحْبَابِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا، رُوِيَ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.

الرَّابِعُ: تَجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْ جَمْعٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ.

وُضُوءُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَعِبَادَتُهَا:

30- قَالَ الشَّافِعِيُّ: تَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ، لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهَا ضَرُورَةٌ لِأَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ، فَلَا تَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ: تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.فَمَالِكٌ عَمِلَ بِمُطْلَقِ اسْمِ الصَّلَاةِ، وَالشَّافِعِيُّ قَيَّدَهُ بِالْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إِلَى الْفَرْضِ، وَالنَّوَافِلُ أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَكْمِيلِ الْفَرَائِضِ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهَا، فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِأَجْزَائِهَا، وَالطَّهَارَةُ الْوَاقِعَةُ لِصَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَاقِعَةٌ لَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ فَرْضٍ آخَرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَبَعٍ، بَلْ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: تَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَأَمْثَالُهَا مِنَ الْمَعْذُورِينَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، وَتُصَلِّي بِهِ فِي الْوَقْتِ مَا شَاءَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنُّذُورِ وَالنَّوَافِلِ وَالْوَاجِبَاتِ، كَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ.وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «وَتَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ».

وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِتَجَدُّدِ الْعُذْرِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ فِي حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: فَلَوْ تَوَضَّأَتْ مَعَ الِانْقِطَاعِ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ.

وَلَوْ تَوَضَّأَتْ مِنْ حَدَثٍ آخَرَ- غَيْرِ الْعُذْرِ- فِي فَتْرَةِ انْقِطَاعِ الْعُذْرِ، ثُمَّ سَالَ الدَّمُ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ أَيْضًا.

وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَتْ مِنْ عُذْرِ الدَّمِ، ثُمَّ أَحْدَثَتْ حَدَثًا آخَرَ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ.

بَيَانُ ذَلِكَ: لَوْ كَانَ مَعَهَا سَيَلَانٌ دَائِمٌ مَثَلًا، وَتَوَضَّأَتْ لَهُ، ثُمَّ أَحْدَثَتْ بِخُرُوجِ بَوْلٍ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ.

31- ثُمَّ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، هَلْ تُنْتَقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ؟ أَمْ عِنْدَ دُخُولِهِ؟ أَمْ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: تُنْتَقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَعْذُورِ مُقَيَّدَةٌ بِالْوَقْتِ فَإِذَا خَرَجَ ظَهَرَ الْحَدَثُ.

وَقَالَ زُفَرُ: عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَا غَيْرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ لِحَدِيثِ «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ».

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَيْ لِلِاحْتِيَاطِ.وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوجَدَ الْخُرُوجُ بِلَا دُخُولٍ، كَمَا إِذَا تَوَضَّأَتْ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَإِنَّ طَهَارَتَهَا تُنْتَقَضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَأَحْمَدَ لَا تُنْتَقَضُ لِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الظُّهْرِ لَيْسَ بِوَقْتِ صَلَاةٍ، بَلْ هُوَ وَقْتٌ مُهْمَلٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُوجَدَ الدُّخُولُ بِلَا خُرُوجٍ، كَمَا إِذَا تَوَضَّأَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لَا تُنْتَقَضُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَأَحْمَدَ تُنْتَقَضُ لِوُجُودِ الدُّخُولِ.

فَلَوْ تَوَضَّأَتْ لِصَلَاةِ الضُّحَى أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَأَحْمَدَ، بَلْ تُنْتَقَضُ الطَّهَارَةُ لِدُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَتَجُوزُ لِعَدَمِ خُرُوجِ الْوَقْتِ.

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهَا بِمُجَرَّدِ أَدَاءِ أَيِّ فَرْضٍ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ أَوْ يَدْخُلْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَهِيَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا سَبَقَ.

بُرْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَشِفَاؤُهَا:

32- عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمُسْتَحَاضَةِ انْقِطَاعًا مُحَقَّقًا حَصَلَ مَعَهُ بُرْؤُهَا وَشِفَاؤُهَا مِنْ عِلَّتِهَا، وَزَالَتِ اسْتِحَاضَتُهَا، نُظِرَ:

إِنْ حَصَلَ هَذَا خَارِجَ الصَّلَاةِ:

أ- فَإِنْ كَانَ بَعْدَ صَلَاتِهَا، فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهَا صَحِيحَةً، وَبَطَلَتْ طَهَارَتُهَا فَلَا تَسْتَبِيحُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَافِلَةً.

ب- وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا، وَلَمْ تَسْتَبِحْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَا غَيْرَهَا.

أَمَّا إِذَا حَصَلَ الِانْقِطَاعُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُ طَهَارَتِهَا وَصَلَاتِهَا.

وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ كَالتَّيَمُّمِ.

وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ.

وَإِذَا تَطَهَّرَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَصَلَّتْ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهَا.

وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَهَا مَعْذُورَةً لِوُجُودِ الْعُذْرِ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ لَحْظَةً كَمَا سَبَقَ.وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا طَاهِرٌ حَقِيقَةً.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَعِنْدَهُمْ تَفْصِيلٌ.قَالُوا: إِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ تَعَيَّنَ فِعْلُهُمَا فِيهِ.وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا، وَلَزِمَ اسْتِئْنَافُهَا.فَإِنْ وُجِدَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزِ الشُّرُوعُ فِيهَا.وَإِنْ عَرَضَ الِانْقِطَاعُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا مَعَ الْوُضُوءِ.وَمُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ يُوجِبُ الِانْصِرَافَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ.وَلَوْ تَوَضَّأَتْ ثُمَّ بَرِئَتْ بَطَلَ وُضُوءُهَا إِنْ وُجِدَ مِنْهَا دَمٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ.

عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ:

33- سَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى بَعْضِ أَحْكَامِهَا.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عِدَّة).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


15-موسوعة الفقه الكويتية (إياس)

إِيَاسٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْإِيَاسُ مِنَ الشَّيْءِ، وَالْيَأْسُ مِنْهُ: انْقِطَاعُ الرَّجَاءِ وَالطَّمَعِ وَالْأَمَلِ فِيهِ (وَالْيَأْسُ) مَصْدَرُ يَئِسَ يَيْأَسُ فَهُوَ يَائِسٌ.وَقَدْ وَرَدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرًا: أَيِسَ يَيْأَسُ فَهُوَ آيِسٌ.

هَذَا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يَائِسٌ وَآيِسٌ، وَلِلْمَرْأَةِ يَائِسَةٌ وَآيِسَةٌ، لَكِنْ إِنْ أُرِيدَ يَأْسُهَا مِنَ الْحَيْضِ خَاصَّةً قِيلَ: هِيَ آيِسٌ، بِدُونِ تَاءٍ.وَهُوَ الْأَحْرَى عَلَى قَوَاعِدِ اللُّغَةِ، وَيَرِدُ فِيهَا أَيْضًا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ كَثِيرًا: آيِسَةٌ.

هَذَا، وَيَرِدُ الْيَأْسُ وَالْإِيَاسُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَيَيْنِ:

الْأَوَّلُ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ عَنِ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ وَالطَّعْنِ فِي السِّنِّ.

وَالثَّانِي: هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ الْمُتَقَدِّمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُمْ: تَوْبَةُ الْيَائِسِ أَيْ تَوْبَةُ مَنْ يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ.وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ أَحْكَامِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.

أَوَّلًا:

الْإِيَاسُ بِمَعْنَى انْقِطَاعِ الْحَيْضِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ:

2- الْإِيَاسُ دُورٌ مِنْ حَيَاةِ الْمَرْأَةِ، يَنْقَطِعُ فِيهِ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ، بِسَبَبِ تَغَيُّرَاتٍ تَطْرَأُ عَلَى جِسْمِهَا.

وَيُرَافِقُ هَذَا الِانْقِطَاعَ اضْطِرَابٌ فِي وَظَائِفِ الْأَعْضَاءِ، وَاضْطِرَابَاتٌ نَفْسِيَّةٌ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْقُعُودُ:

3- قُعُودُ الْمَرْأَةِ بِمَعْنَى إِيَاسِهَا.فَقَدْ فَسَّرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالْوَلَدِ عَنْهَا.قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: امْرَأَةٌ قَاعِدٌ إِذَا قَعَدَتْ عَنِ الْمَحِيضِ.فَإِذَا أَرَدْتَ الْقُعُودَ قُلْتَ: هِيَ قَاعِدَةٌ.وَجَمْعُهَا قَوَاعِدُ.وَقَدْ فُسِّرَ قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} بِمَنِ انْقَطَعَ عَنْهُنَّ الْحَيْضُ.وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُنَّ اللاَّتِي قَعَدْنَ عَنِ الْأَزْوَاجِ.

ب- الْعُقْرُ وَالْعُقُمُ:

4- الْمَرْأَةُ الْعَاقِرُ: هِيَ الَّتِي لَا تَلِدُ.وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ أَيْضًا: عَاقِرٌ، إِنْ كَانَ لَا يُولَدُ لَهُ.وَالْعُقُمُ أَيْضًا فِي الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، يُقَالُ: قَدْ عَقُمَتِ الْمَرْأَةُ بِمَعْنَى: أَعْقَمَهَا اللَّهُ.فَهِيَ عَقِيمٌ وَمَعْقُومَةٌ.وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ أَيْضًا: عَقِيمٌ، إِنْ كَانَ لَا يُولَدُ لَهُ.

وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ يُقَالُ لَهَا: عَاقِرٌ وَعَقِيمٌ، إِذَا كَانَتْ لَا تَحْمِلُ وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ حَيْضٍ، وَبِهَذَا تُخَالِفُ الْآيِسَةَ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ آيِسَةً إِلاَّ إِذَا امْتَنَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ بِسَبَبِ السِّنِّ، ثُمَّ إِنِ امْتَنَعَ الْحَيْضُ بِسَبَبِ ذَلِكَ امْتَنَعَ الْحَمْلُ عَادَةً وَلَا بُدَّ.فَكُلُّ آيِسَةٍ عَقِيمٌ، وَلَا عَكْسَ.

ج- امْتِدَادُ الطُّهْرِ:

5- قَدْ يُمْتَنَعُ الْحَيْضُ عَنِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ سِنِّ الْإِيَاسِ لِعَارِضٍ مِنْ هُزَالٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ يَأْسًا.وَقَدْ يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لِسَبَبٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ، فَيُقَالُ لَهَا فِي كُلِّ تِلْكَ الْأَحْوَالِ (مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ) أَوْ (مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ).وَفَرَّقَ فِي (الدُّرِّ الْمُنْتَقَى) بَيْنَ هَذَيْنِ الِاصْطِلَاحَيْنِ فَقَالَ: مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ: هِيَ الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَحِضْ قَطُّ.وَمُرْتَفِعَةُ الْحَيْضِ: هِيَ مَنْ حَاضَتْ وَلَوْ مَرَّةً، ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَامْتَدَّ طُهْرُهَا، وَلِذَا تُسَمَّى مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ.

سِنُّ الْإِيَاسِ:

6- يُقَرِّرُ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ وَظِيفَةَ الْحَمْلِ لَدَى الْمَرْأَةِ تَسْتَمِرُّ لَدَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ 35 عَامًا، تَتَعَطَّلُ لَدَيْهَا بَعْدَهَا وَظِيفَةُ الْحَمْلِ وَالْإِنْجَابِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ سِنِّ الْإِيَاسِ عَلَى أَقْوَالٍ:

(1) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ.وَعَلَيْهِ فَأَيُّ سِنٍّ رَأَتْ فِيهَا الدَّمَ فَهُوَ حَيْضٌ.وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ السِّتِّينَ.وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ.قَالُوا: لَا يُحَدُّ الْإِيَاسُ بِمُدَّةٍ، بَلْ إِيَاسُهَا أَنْ تَبْلُغَ مِنَ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا فِيهِ.فَإِذَا بَلَغَتْهُ، وَانْقَطَعَ دَمُهَا، حُكِمَ بِإِيَاسِهَا.فَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ حَيْضٌ، فَيَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ، وَتَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ أَيْ يَظْهَرُ فَسَادُ نِكَاحِهَا إِنْ كَانَتِ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ.

(2) وَقِيلَ: يُحَدُّ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً.وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قِيلَ فِيهِ إِنَّ عَلَيْهِ الِاعْتِمَادَ، وَإِنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ، فَمَا رَأَتْهُ مِنَ الدَّمِ بَعْدَهَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا فَحَيْضٌ، حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ، إِنْ جَاءَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ لَا بَعْدَهَا، حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ، قَالُوا: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَعَلَيْهِ فَالنِّكَاحُ إِنْ وَقَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ جَائِزٌ.

(3) وَقِيلَ يُحَدُّ بِخَمْسِينَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ: عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا.

وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ».

(4) وَقِيلَ يُحَدُّ سِنُّ الْيَأْسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ امْرَأَةٍ بِيَأْسِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا مِنَ الْأَبَوَيْنِ؛ لِتَقَارُبِهِنَّ فِي الطَّبْعِ.فَإِذَا بَلَغَتِ السِّنَّ الَّذِي يَنْقَطِعُ فِيهِ حَيْضُهُنَّ فَقَدْ بَلَغَتْ سِنَّ الْيَأْسِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.

(5) وَالْقَوْلُ الْجَدِيدُ لِلشَّافِعِيِّ: الْمُعْتَبَرُ سِنُّ الْيَأْسِ لِجَمِيعِ النِّسَاءِ بِحَسَبِ مَا يَبْلُغُ الْخَبَرُ عَنْهُنَّ.وَأَقْصَاهُ فِيمَا عُلِمَ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً.وَقِيلَ: سِتُّونَ.وَقِيلَ خَمْسُونَ.

(6) وَقِيلَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ بَعْضِ الْأَجْنَاسِ وَبَعْضٍ، فَهُوَ لِلْعَرَبِيَّاتِ سِتُّونَ عَامًا، وَلِلْعَجَمِيَّاتِ خَمْسُونَ.وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لِأَنَّ الْعَرَبِيَّةَ أَقْوَى طَبِيعَةً.

(7) وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِيمَا نَقَلَهُ الْخِرَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْإِيَاسَ لَهُ حَدَّانِ: أَعْلَى وَأَدْنَى.فَأَقَلُّهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خَمْسُونَ سَنَةً.وَأَعْلَاهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سَبْعُونَ.قَالُوا: فَمَنْ بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَدَمُهَا غَيْرُ حَيْضٍ قَطْعًا.وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْ خَمْسِينَ فَدَمُهَا حَيْضٌ قَطْعًا.وَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ- أَيْ ذَوَاتُ الْخِبْرَةِ- فِيهِمَا.وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يُرْجَعُ فِيهِ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ.

وَأَعْلَاهُ عِنْدَ أَحْمَدَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ سِتُّونَ سَنَةً، تَيْأَسُ بَعْدَهَا يَقِينًا.وَمَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ مِنَ الدَّمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، لَا تَتْرُكْ لَهُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ.وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ احْتِيَاطًا.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ مَتَى بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا عِدَّةَ مَرَّاتٍ لِغَيْرِ سَبَبٍ فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ هَذِهِ نَادِرٌ، بِدَلِيلِ قِلَّةِ وُجُودِهِ، وَقَوْلِ عَائِشَةَ: لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى هَذَا انْقِطَاعُهُ عَنِ الْعَادَةِ مَرَّاتٍ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ وُجُودِهِ، فَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ، وَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ- أَيْ فَتَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لِلْعِدَّةِ- وَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيح؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْحَيْضِ الْوُجُودُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْحَيْضِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا.وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ السِّتِّينَ فَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ.

اشْتِرَاطُ انْقِطَاعِ الدَّمِ مُدَّةً قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ:

7- ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي سِيَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ سِنَّ الْإِيَاسِ 50 أَوْ 55 عَامًا، قَالُوا: يُشْتَرَطُ لِلْحُكْمِ بِالْإِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَنْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فِي الْأَصَحِّ.قَالُوا: وَالْأَصَحُّ أَلاَّ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيَاسِ.بَلْ لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا قَبْلَ مُدَّةِ الْإِيَاسِ، ثُمَّ تَمَّتْ مُدَّةُ الْإِيَاسِ، وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا الشَّرْطِ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ.

إِيَاسُ مَنْ لَمْ تَحِضْ:

8- لَمْ يَعْرِضْ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنَّصِّ عَلَيْهَا فِيمَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ.فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ بِالسِّنِّ، وَاسْتَمَرَّ امْتِنَاعُ الْحَيْضِ، فَإِنَّهَا يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا مَتَى بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ عَامًا.نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْجَامِعِ.

وَمُقْتَضَى إِطْلَاقِ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا إِلاَّ مَتَى بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ الْمُعْتَبَرِ، كَغَيْرِهَا.

السُّنَّةُ وَالْبِدْعَةُ فِي تَطْلِيقِ الْآيِسَةِ:

9- السُّنَّةُ فِي طَلَاقِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَأْتِهَا فِيهِ زَوْجُهَا، أَوْ أَثْنَاءَ الْحَمْلِ.أَمَّا طَلَاقُهَا أَثْنَاءَ الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، فَإِنَّهُ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ.وَأَمَّا الْآيِسَةُ مِنَ الْحَيْضِ فَقَدْ قِيلَ: لَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السُّنَّةُ فِي طَلَاقِهَا أَنْ تَطْلُقَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ طَلْقَةً.

وَقِيلَ: طَلَاقُهَا طَلَاقٌ سُنِّيٌّ وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (طَلَاقٍ).

عِدَّةُ طَلَاقِ الْآيِسَةِ:

10- تَعْتَدُّ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ مِنَ الطَّلَاقِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ.وَالْحَامِلُ عِدَّتُهَا إِلَى وَضْعِ حَمْلِهَا، أَمَّا الَّتِي أَيِسَتْ مِنَ الْحَيْضِ، إِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَعِدَّتُهَا مِنَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ.وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (عِدَّةٍ).

مَنْ تَأْخُذُ حُكْمَ الْآيِسَةِ مِنَ النِّسَاءِ:

11- إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ إِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا، وَعَرَفَتْ مَا رَفَعَهُ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نِفَاسٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ زَوَالَ الْعَارِضِ وَعَوْدَ الدَّمِ وَإِنْ طَالَ، إِلاَّ أَنْ تَصِيرَ فِي سِنِّ الْيَأْسِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْآيِسَاتِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ ارْتِفَاعُ حَيْضِهَا لِسَبَبٍ لَا تَعْلَمُهُ، وَكَانَتْ حُرَّةً، فَقَدْ قِيلَ: تَتَرَبَّصُ سَنَةً: تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَالْآيِسَةِ.وَقِيلَ فِي مُدَّةِ تَرَبُّصِهَا غَيْرُ ذَلِكَ (ر: عِدَّةٌ).

أَحْكَامُ اللِّبَاسِ وَالنَّظَرِ وَنَحْوِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْآيِسَةِ:

12- إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اجْتَمَعَ لَهَا مَعَ الْإِيَاسِ انْقِطَاعُ رَجَائِهَا فِي النِّكَاحِ ثَبَتَ لَهَا نَوْعٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي كَمَالِ الِاسْتِتَارِ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا: هُنَّ الْعُجَّزُ اللَّوَاتِي قَعَدْنَ عَنِ التَّصَرُّفِ مِنِ السِّنِّ، وَقَعَدْنَ عَنِ الْوَلَدِ وَالْمَحِيضِ.هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُنَّ اللاَّتِي قَعَدْنَ عَنِ الْوَلَدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْعُدُ عَنِ الْوَلَدِ، وَفِيهَا مُسْتَمْتَعٌ.وَإِنَّمَا خَصَّ الْقَوَاعِدَ بِهَذَا الْحُكْمِ- وَهُوَ جَوَازُ وَضْعِ الْجِلْبَابِ أَوِ الرِّدَاءِ عَنْهُنَّ، إِذَا كَانَ مَا تَحْتَهُ مِنَ الثِّيَابِ سَاتِرًا لِمَا يَجِبُ سِتْرُهُ- لِانْصِرَافِ الْأَنْفُسِ عَنْهُنَّ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ مِنْهَا إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، إِذْ لَا مَذْهَبَ لِلرِّجَالِ فِيهِنَّ، فَأُبِيحَ لَهُنَّ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِنَّ، وَأُزِيلَ عَنْهُنَّ كُلْفَةُ التَّحَفُّظِ الْمُتْعِبَةِ لَهُنَّ.

ثَانِيًا:

الْإِيَاسُ بِمَعْنَى انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ

13- الْإِيَاسُ مِنْ حُصُولِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ جَائِزٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ.بَلِ اسْتِحْضَارُ الْإِيَاسِ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الْبَعِيدَةِ الْحُصُولِ قَدْ يَكُونُ رَاحَةً لِلنَّفْسِ مِنْ تَطَلُّبِهَا.وَفِي الْحَدِيثِ «أَجْمَعُ الْإِيَاسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ».

وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ الْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْإِيَاسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الْإِيَاسُ مِنَ الرِّزْقِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْوَلَدِ، أَوْ وُجُودِ الْمَفْقُودِ، أَوْ يَأْسِ الْمَرِيضِ مِنَ الْعَافِيَةِ، أَوْ يَأْسِ الْمُذْنِبِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ.

وَالْإِيَاسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ.وَقَدْ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْكَبَائِرِ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: عَدُّ ذَلِكَ كَبِيرَةً هُوَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ؛ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ}.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ: مَا الْكَبَائِرُ؟ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَهَذَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ» قِيلَ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا، وَبِكَوْنِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ صَرَّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ.ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا كَانَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ.ثُمَّ هَذَا الْيَأْسُ قَدْ يَنْضَمُّ إِلَيْهِ حَالَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَهِيَ التَّصْمِيمُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْقُنُوطُ، بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} وَتَارَةً يَنْضَمُّ إِلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ يَرَى أَنَّهُ سَيُشَدِّدُ عَذَابَهُ كَالْكُفَّارِ.وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِسُوءِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْيَأْسِ مِنَ الرِّزْقِ فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِحَبَّةٍ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدِ «لَا تَيْأَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزْهَزَتْ رُءُوسُكُمَا».

وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْقَنُوطِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ أَوْ حُلُولِ الْمُصِيبَةِ فِي مِثْلِ قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآِيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْيَأْسِ مِنْ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ فِي قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ، فَرَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَالْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَطْلُوبَةٌ، وَبَابُ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ جَمِيعًا مَفْتُوحٌ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، أَيْ حِينَ يَيْأَسُ مِنَ الْحَيَاةِ.

فَتَوْبَةُ الْيَائِسِ- وَهِيَ تَوْبَةُ مَنْ يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ كَالْمُحْتَضَرِ- الْمَشْهُورُ أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، كَإِيمَانِ الْيَائِسِ.وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.وَفَرَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ تَوْبَةِ الْيَائِسِ وَإِيمَانِ الْيَائِسِ، فَقَالُوا بِقَبُولِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (ر: احْتِضَارٌ.تَوْبَةٌ).

أَمَّا مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْيَائِسُ حَقًّا مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُرْجَى لَهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


16-موسوعة الفقه الكويتية (إيلاء 1)

إِيلَاءٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: الْحَلِفُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَمْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، مَأْخُوذٌ مِنْ آلَى عَلَى كَذَا يُولِي إِيلَاءً وَأَلْيَةً: إِذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ.

كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا غَضِبَ مِنْ زَوْجَتِهِ حَلَفَ أَلاَّ يَطَأَهَا السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، أَوْ أَلاَّ يَطَأَهَا أَبَدًا، وَيَمْضِي فِي يَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ لَوْمٍ أَوْ حَرَجٍ، وَقَدْ تَقْضِي الْمَرْأَةُ عُمْرَهَا كَالْمُعَلَّقَةِ، فَلَا هِيَ زَوْجَةٌ تَتَمَتَّعُ بِحُقُوقِ الزَّوْجَةِ، وَلَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَيُغْنِيهَا اللَّهُ مِنْ سَعَتِهِ.

فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَنْصَفَ الْمَرْأَةَ، وَوَضَعَ لِلْإِيلَاءِ أَحْكَامًا خَفَّفَتْ مِنْ أَضْرَارِهِ، وَحَدَّدَ لِلْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَلْزَمَهُ إِمَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى مُعَاشَرَةِ زَوْجَتِهِ، وَإِمَّا بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

وَالْإِيلَاءُ فِي الِاصْطِلَاحِ- يُعَرِّفُهُ الْحَنَفِيَّةُ- أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا، أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى قُرْبَانِهَا أَمْرًا فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، أَوْ سِتَّةً، أَوْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ أَبَدًا، أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِي، أَوْ وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ وَلَا يَذْكُرُ مُدَّةً، وَهَذِهِ صُورَةُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا صُورَةُ التَّعْلِيقِ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ قَرُبْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ شَهْرٍ، أَوْ حَجٌّ، أَوْ إِطْعَامُ عِشْرِينَ مِسْكِينًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ، فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ هَذَا اعْتُبِرَ قَوْلُهُ إِيلَاءً.أَمَّا إِذَا امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ بِدُونِ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِيلَاءً، وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ الِامْتِنَاعِ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ، بَلْ يُعْتَبَرُ سُوءُ مُعَاشَرَةٍ يُتِيحُ لِزَوْجَتِهِ طَلَبَ الْفُرْقَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ قُرْبَانِهَا.وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ الزَّوْجُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِيلَاءً؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ، وَالْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ يَمِينًا شَرْعًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».

وَمِثْلُ هَذَا لَوْ عَلَّقَ الرَّجُلُ عَلَى قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ أَمْرًا لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ، كَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ إِطْعَامِ مِسْكِينٍ، لَا يَكُونُ إِيلَاءً.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي حَلَفَ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يُعْتَبَرُ إِيلَاءً، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ لِلْإِيلَاءِ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ مُدَّةً مُقَدَّرَةً هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَلَا يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى مَا دُونَهَا إِيلَاءً فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ.

وَقَدْ وَافَقَ الْحَنَفِيَّةُ- فِي أَنَّ الْإِيلَاءَ يَكُونُ بِالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِالتَّعْلِيقِ- الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، فَقَالُوا: الْإِيلَاءُ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ أَوِ الْعِتْقِ أَوِ الْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِيلَاءً؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ قَسَمٌ، وَالتَّعْلِيقَ لَا يُسَمَّى قَسَمًا شَرْعًا وَلَا لُغَةً، وَلِهَذَا لَا يُؤْتَى فِيهِ بِحَرْفِ الْقَسَمِ، وَلَا يُجَابُ بِجَوَابِهِ، وَلَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَابِ الْقَسَمِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ إِيلَاءً.

وَحُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ تَعْلِيقَ مَا يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ يَمْنَعُ مِنْ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ خَوْفًا مِنْ وُجُوبِهِ، فَيَكُونُ إِيلَاءً كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّعْلِيقُ- وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى قَسَمًا شَرْعًا وَلُغَةً- وَلَكِنَّهُ يُسَمَّى حَلِفًا عُرْفًا.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْإِيلَاءَ يَكُونُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْآرَاءِ وَأَدِلَّتُهَا فِي الْكَلَامِ عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ.

2- وَالْحِكْمَةُ فِي مَوْقِفِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ الْإِيلَاءِ هَذَا الْمَوْقِفَ: أَنَّ هَجْرَ الزَّوْجَةِ قَدْ يَكُونُ مِنْ وَسَائِلِ تَأْدِيبِهَا، كَمَا إِذَا أَهْمَلَتْ فِي شَأْنِ بَيْتِهَا أَوْ مُعَامَلَةِ زَوْجِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَسْتَدْعِي هَجْرَهَا، عَلَّهَا تَثُوبَ إِلَى رُشْدِهَا وَيَسْتَقِيمَ حَالُهَا، فَيَحْتَاجُ الرَّجُلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَاتِ إِلَى الْإِيلَاءِ، يُقَوِّي بِهِ عَزْمَهُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ تَأْدِيبًا لَهَا وَرَغْبَةً فِي إِصْلَاحِهَا، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَغْرَاضِ الْمَشْرُوعَةِ.

فَلِهَذَا لَمْ تُبْطِلِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْإِيلَاءَ جُمْلَةً، بَلْ أَبْقَتْهُ مَشْرُوعًا فِي أَصْلِهِ؛ لِيُمْكِنَ الِالْتِجَاءُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

رُكْنُ الْإِيلَاءِ:

3- رُكْنُ الْإِيلَاءِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ الْإِيلَاءِ عَلَى وُجُودِهِ هُوَ: اللَّفْظُ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ.

وَالَّذِي يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ: الْكِتَابَةُ الْمُسْتَبِينَةُ، وَهِيَ الْكِتَابَةُ الظَّاهِرَةُ الَّتِي يَبْقَى أَثَرُهَا، كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْوَرَقِ وَنَحْوِهِ.أَمَّا الْكِتَابَةُ غَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى أَثَرُهَا، كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ، أَوْ عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ بِهَا الْإِيلَاءُ.

وَمِثْلُ الْكِتَابَةِ فِي ذَلِكَ الْإِشَارَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ النُّطْقِ بِالْعِبَارَةِ، كَالْأَخْرَسِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ.فَإِذَا كَانَ لِلْأَخْرَسِ إِشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ، يَعْرِفُ الْمُتَّصِلُونَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْحَلِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ، صَحَّ الْإِيلَاءُ بِهَا، كَمَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ.

شَرَائِطُ الْإِيلَاءِ:

4- شَرَائِطُ الْإِيلَاءِ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، مِنْهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي رُكْنِ الْإِيلَاءِ، وَمِنْهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، وَمِنْهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُلِ الْمُولِي، وَمِنْهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا.

وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا:

أ- شَرَائِطُ الرُّكْنِ:

يُشْتَرَطُ فِي رُكْنِ الْإِيلَاءِ، وَهُوَ صِيغَتُهُ، ثَلَاثَ شَرَائِطَ:

الشَّرِيطَةُ الْأُولَى:

5- أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ صَالِحًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الْإِيلَاءِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ مَادَّةُ اللَّفْظِ دَالَّةً عَلَى مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً عُرْفًا، مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أُوَاقِعُكِ، أَوْ لَا أُجَامِعُكِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَيَنْقَسِمُ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْإِيلَاءِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ:

الْأَوَّلُ: صَرِيحٌ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْوَطْءِ لُغَةً وَعُرْفًا.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إِيلَاءً مَتَى صَدَرَ عَنْ قَصْدٍ إِلَى التَّلَفُّظِ بِهِ بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: إِنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْإِيلَاءَ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْإِيلَاءِ، فَإِرَادَةُ مَعْنًى آخَرَ خِلَافَهُ تَكُونُ إِرَادَةً مَحْضَةً بِدُونِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا، فَلَا تُعْتَبَرُ.

الثَّانِي: مَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَهُوَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ عُرْفًا، كَلَفْظِ الْقُرْبَانِ وَالِاغْتِسَالِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ، وَبِهِ وَرَدَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}.

وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَلاَّ يَغْتَسِلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنْهَا لَا يَكُونُ إِلاَّ عَنِ الْجِمَاعِ عَادَةً.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إِيلَاءً فِي الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى النِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ الْجِمَاعَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ هَذَا الِادِّعَاءُ فِي الْقَضَاءِ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ دِيَانَةً، أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي وَرَدَ فِي عِبَارَتِهِ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَاهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ نَوَى مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، فَتَكُونُ إِرَادَتُهُ صَحِيحَةً، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ يُخَالِفُ الْمَعْنَى الظَّاهِرَ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ قَضَاءً، وَقُبِلَ مِنْهُ دِيَانَةً.

الثَّالِثُ: الْكِنَايَةُ، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ، وَلَمْ يَغْلِبِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِمَاعِ عُرْفًا، كَمَا إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ: أَلاَّ يَمَسَّ جِلْدُهُ جِلْدَ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَلاَّ يَقْرَبَ فِرَاشَهَا، أَوْ أَلاَّ يَجْمَعَ رَأْسَهُ وَرَأْسَهَا وِسَادَةٌ.

وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إِيلَاءً إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ: أَرَدْتُ تَرْكَ الْجِمَاعِ كَانَ مُولِيًا، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ تَرْكَ الْجِمَاعِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ وَفِي غَيْرِهِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا فَلَا يَتَعَيَّنُ الْجِمَاعُ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ الْأَلْفَاظَ فِي ذَلِكَ تَنْقَسِمُ إِلَى صَرِيحَةٍ وَكِنَايَةٍ فَقَطْ.

الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ:

6- أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ دَالَّةً عَلَى الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ لِلْحَالِ، وَيَتَحَقَّقُ هَذَا الشَّرْطُ بِخُلُوِّ الصِّيغَةِ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ تَدُلُّ عَلَى التَّرَدُّدِ أَوِ الشَّكِّ.وَأَلاَّ تَكُونَ مُشْتَمِلَةً عَلَى أَدَاةٍ مِنَ الْأَدَوَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّأْخِيرِ وَالتَّسْوِيفِ، كَحَرْفِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ؛ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ كَالرَّفْضِ مِنْ حَيْثُ الْحَكَمُ، وَالتَّأْخِيرُ وَعْدٌ بِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَيْسَ إِنْشَاءً لَهُ فِي الْحَالِ، فَالْإِرَادَةُ فِي التَّصَرُّفِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يُوجَدُ التَّصَرُّفُ إِلاَّ بِإِرَادَةِ إِنْشَائِهِ فِي الْحَالِ.

فَمَنْ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ سَأَمْنَعُ نَفْسِي مِنْ مُوَاقَعَتِكِ، أَوْ سَوْفَ أَمْنَعُ نَفْسِي مِنْ مُعَاشَرَتِكِ، لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ مَنْعِ نَفْسِهِ مِنَ الْمُوَاقَعَةِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

هَذَا، وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ لَهُ هُنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْجَزْمِ فِي الْإِرَادَةِ لِلْحَالِ لَا يُنَافِي جَوَازَ أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مُعَلَّقَةً عَلَى حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ مُضَافَةً إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ فِي الْإِيلَاءِ الْمُعَلَّقِ وَالْمُضَافِ مَقْطُوعٌ بِهَا، لَا تَرَدُّدَ فِيهَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِيلَاءَ الْمُعَلَّقَ لَمْ يَحْصُلِ الْجَزْمُ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْمُولِي فِي الْحَالِ، بَلْ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَالْإِيلَاءُ الْمُضَافُ مَجْزُومٌ بِهِ فِي الْحَالِ، غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حُكْمِهِ مُؤَخَّرٌ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ قَدْ صَدَرَا بِإِرَادَةٍ جَازِمَةٍ فِي الْحَالِ.

الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ: صُدُورُ التَّعْبِيرِ عَنْ قَصْدٍ:

7- يَتَحَقَّقُ هَذَا الشَّرْطُ بِإِرَادَةِ الزَّوْجِ النُّطْقَ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِيلَاءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ هَذِهِ الْإِرَادَةِ رَغْبَةٌ فِي الْإِيلَاءِ وَارْتِيَاحٌ إِلَيْهِ كَانَ الْإِيلَاءُ صَادِرًا عَنْ رِضًى وَاخْتِيَارٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ وُجِدَتِ الْإِرَادَةُ فَقَطْ، وَانْتَفَتِ الرَّغْبَةُ فِي الْإِيلَاءِ وَالِارْتِيَاحِ إِلَيْهِ لَمْ يَتَحَقَّقِ الرِّضَى، وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُكْرَهًا عَلَى الْإِيلَاءِ مِنْ زَوْجَتِهِ بِتَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ أَوِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ أَوِ الْحَبْسِ الْمَدِيدِ، فَيَصْدُرُ عَنْهُ الْإِيلَاءُ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ مَا هُدِّدَ بِهِ لَوِ امْتَنَعَ، فَإِنَّ صُدُورَ الصِّيغَةِ مِنَ الزَّوْجِ فِي هَذِهِ الْحَالِ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ، لَكِنْ لَيْسَ عَنْ رِضًى وَاخْتِيَارٍ صَحِيحٍ.وَالْإِيلَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالِ- حَالِ الْإِكْرَاهِ- غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، وَإِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» وَالْإِغْلَاقُ: الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يُغْلَقُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيُقْفَلُ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَقَصْدُهُ، وَإِلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ يُحْمَلُ عَلَى النُّطْقِ بِالْعِبَارَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ، كَنُطْقِهِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِيلَاءُ الْمُكْرَهِ مُعْتَبَرٌ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ الَّتِي سَيَأْتِي بَيَانُهَا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ عِنْدَهُمْ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ، وَأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَطَلَاقٌ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ، فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ مَا يُقَرَّرُ فِي بَابَيِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ.

وَقَدِ اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى قِيَاسِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْهَازِلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَصْدُرُ عَنْهُ صِيغَةُ التَّصَرُّفِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، لَكِنَّهُ لَا يُرِيدُ حُكْمَهَا، وَطَلَاقُ الْهَازِلِ وَيَمِينُهُ مُعْتَبَرَانِ، فَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ.

8- وَلَوْ صَدَرَتْ صِيغَةُ الْإِيلَاءِ مِنَ الزَّوْجِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ مُوجَبَهَا، بَلْ أَرَادَ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ- وَهَذَا هُوَ الْهَازِلُ- فَإِنَّ الْإِيلَاءَ يَكُونُ مُعْتَبَرًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» وَلِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ، وَهُوَ الصِّيغَةُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِهِ، وَأَنَّ تَرَتُّبَ الْأَحْكَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا مَوْكُولٌ إِلَى الشَّارِعِ لَا إِلَى الْمُتَصَرِّفِ.

9- وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الْإِيلَاءِ، فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْإِيلَاءُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَصْلًا- وَهُوَ الْمُخْطِئُ- فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ إِيلَاءِ الْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ إِذَا قَصَدَ اللَّفْظَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ حُكْمُهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، أَوْ قَصَدَ اللَّفْظَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حُكْمَهُ، وَالْمُخْطِئُ.لَمْ يَقْصِدِ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْإِيلَاءِ وَلَا حُكْمَهُ، فَلَا يَكُونُ الْإِيلَاءُ الصَّادِرُ مِنْهُ مُعْتَبَرًا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُخْطِئِ إِلَى أَنَّ إِيلَاءَهُ لَا يُعْتَبَرُ دِيَانَةً، وَيُعْتَبَرُ قَضَاءً.وَمَعْنَى اعْتِبَارِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الدِّيَانَةِ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِيلَاءِ إِلاَّ الزَّوْجُ، كَانَ لَهُ أَنْ يُعَاشِرَ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِذَا سَأَلَ فَقِيهًا عَمَّا صَدَرَ مِنْهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِأَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، مَتَى عَلِمَ صِدْقَهُ فِيمَا يَقُولُ.فَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ وَرُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْقَاضِي حَكَمَ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ إِذَا اتَّصَلَ بِزَوْجَتِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَبِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ بِدُونِ مُعَاشَرَةٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَبْنِي أَحْكَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.وَلَوْ قَبِلَ فِي الْقَضَاءِ دَعْوَى أَنَّ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ شَيْءٌ آخَرُ لَا نَفْتَحُ الْبَابَ أَمَامَ الْمُحْتَالِينَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ النُّطْقَ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِيلَاءِ، ثُمَّ يَدَّعُونَ أَنَّهُ سَبْقُ لِسَانٍ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ- كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الطَّلَاقِ- أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَقْصِدِ النُّطْقَ بِصِيغَةِ الْإِيلَاءِ، بَلْ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الْإِيلَاءِ، فَزَلَّ لِسَانُهُ، وَتَكَلَّمَ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِيلَاءِ لَا يَكُونُ إِيلَاءً فِي الْقَضَاءِ، كَمَا لَا يَكُونُ إِيلَاءً فِي الدِّيَانَةِ وَالْفَتْوَى.

وَيَتَّضِحُ مِمَّا تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَطَأِ: وَالْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ، وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْخَطَأِ لَا تَكُونُ الْعِبَارَةُ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الزَّوْجُ مَقْصُودَةً أَصْلًا، بَلِ الْمَقْصُودُ عِبَارَةٌ أُخْرَى، وَصَدَرَتْ هَذِهِ بَدَلًا عَنْهَا.وَفِي الْهَزْلِ: تَكُونُ الْعِبَارَةُ مَقْصُودَةً؛ لِأَنَّهَا بِرِضَى الزَّوْجِ وَاخْتِيَارِهِ، وَلَكِنْ حُكْمُهَا لَا يَكُونُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُرِيدُ هَذَا الْحُكْمَ، بَلْ يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ هُوَ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ.وَفِي الْإِكْرَاهِ: تَكُونُ الْعِبَارَةُ صَادِرَةً عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَلَكِنَّهُ اخْتِيَارٌ غَيْرُ سَلِيمٍ؛ لِوُجُودِ الْإِكْرَاهِ، وَهُوَ يُؤَثِّرُ فِي الْإِرَادَةِ، وَيَجْعَلُهَا لَا تَخْتَارُ مَا تَرْغَبُ فِيهِ وَتَرْتَاحُ إِلَيْهِ، بَلْ تَخْتَارُ مَا يَدْفَعُ الْأَذَى وَالضَّرَرَ.

أَحْوَالُ صِيغَةِ الْإِيلَاءِ:

10- الصِّيغَةُ الَّتِي يُنْشِئُ الزَّوْجُ الْإِيلَاءَ بِهَا تَارَةً تَصْدُرُ خَالِيَةً مِنَ التَّعْلِيقِ عَلَى حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَتَارَةً تَصْدُرُ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّعْلِيقِ عَلَى حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوِ الْإِضَافَةُ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ.

فَإِذَا صَدَرَتِ الصِّيغَةُ، وَكَانَتْ خَالِيَةً مِنَ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ، كَانَ الْإِيلَاءُ مُنَجَّزًا.وَإِنْ صَدَرَتْ، وَكَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّعْلِيقِ عَلَى حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَانَ الْإِيلَاءُ مُعَلَّقًا.وَإِنْ صَدَرَتْ وَكَانَتْ مُضَافَةً إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَانَ الْإِيلَاءُ مُضَافًا.

وَعَلَى هَذَا فَالْإِيلَاءُ الْمُنَجَّزُ هُوَ: مَا كَانَتْ صِيغَتُهُ مُطْلَقَةً غَيْرَ مُضَافَةٍ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَلَا مُعَلَّقَةً عَلَى حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّنْجِيزِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَهَذَا يُعْتَبَرُ إِيلَاءً فِي الْحَالِ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ بِمُجَرَّدِ صُدُورِهِ.

وَالْإِيلَاءُ الْمُعَلَّقُ هُوَ: مَا رُتِّبَ فِيهِ الِامْتِنَاعُ عَنْ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ عَلَى حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَدَاةٍ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، مِثْلِ (إِنْ) (وَإِذَا) (وَلَوْ) (وَمَتَى) وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ أَهْمَلْتِ شُئُونَ الْبَيْتِ، أَوْ يَقُولَ لَهَا: لَوْ كَلَّمْتِ فُلَانًا فَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ.

وَفِي هَذِهِ الْحَالِ، لَا يُعْتَبَرُ مَا صَدَرَ عَنِ الرَّجُلِ إِيلَاءً قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَجْعَلُ وُجُودَ التَّصَرُّفِ الْمُعَلَّقِ مُرْتَبِطًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، فَفِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَكُونُ الزَّوْجُ مُولِيًا قَبْلَ أَنْ تُهْمِلَ الْمَرْأَةُ فِي شُئُونِ الْبَيْتِ، أَوْ تُكَلِّمَ ذَلِكَ الشَّخْصَ، فَإِذَا أَهْمَلَتْ شُئُونَ الْبَيْتِ أَوْ كَلَّمَتْهُ صَارَ مُولِيًا، وَاحْتُسِبَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الْإِهْمَالِ أَوِ التَّكْلِيمِ فَقَطْ، لَا مِنْ وَقْتِ قَوْلِ الزَّوْجِ. وَالْإِيلَاءُ الْمُضَافُ هُوَ: مَا كَانَتْ صِيغَتُهُ مَقْرُونَةً بِوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ يَقْصِدُ الزَّوْجُ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ عِنْدَ حُلُولِ هَذَا الْوَقْتِ، وَمِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْآتِي، أَوْ يَقُولَ لَهَا: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ مِنْ غَدٍ.

وَفِي هَذِهِ الْحَالِ، يُعْتَبَرُ مَا صَدَرَ عَنِ الرِّجَالِ إِيلَاءً مِنْ وَقْتِ صُدُورِ الْيَمِينِ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ سَبَبًا لِحُكْمِهِ، وَلَكِنَّهَا تُؤَخِّرُ حُكْمَهُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ، فَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ يُعْتَبَرُ الزَّوْجُ مُولِيًا مِنْ زَوْجَتِهِ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَتْ فِيهِ هَذِهِ الصِّيغَةُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الرَّجُلُ قَدْ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَلاَّ يُوَلِّيَ مِنْ زَوْجَتِهِ حُكِمَ بِحِنْثِهِ فِي هَذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحِنِ الْوَقْتُ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ الْيَمِينُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الصِّيغَةِ الْمُضَافَةِ، لَكِنْ لَوِ اتَّصَلَ بِزَوْجَتِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ الَّذِي أَضَافَ الْإِيلَاءَ إِلَيْهِ لَا يُحْكَمُ بِحِنْثِهِ وَوُجُوبِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ لَا تُحْتَسَبُ إِلاَّ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي أَضَافَ الْإِيلَاءَ إِلَيْهِ.

وَإِنَّمَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْإِيلَاءِ وَإِضَافَتُهُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَالْيَمِينُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ.

وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى كَلَامٍ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَبُولِ الْإِيلَاءِ لِلْإِضَافَةِ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ أَوْرَدُوا مِنْ تَطْبِيقَاتِ الْإِيلَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ الْإِيلَاءِ لِلْإِضَافَةِ.

ب- مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا:

11- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِيلَاءِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا قِيَامُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا عِنْدَ حُصُولِ الْإِيلَاءِ أَوْ إِضَافَتِهِ إِلَى النِّكَاحِ.

أَمَّا قِيَامُ النِّكَاحِ حَقِيقَةً، فَيَتَحَقَّقُ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ، وَقَبْلَ حُصُولِ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ، سَوَاءٌ أَدَخَلَ الرَّجُلُ بِزَوْجَتِهِ أَمْ لَمْ يَدْخُلْ.

وَأَمَّا قِيَامُهُ حُكْمًا، فَيَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ الْعِدَّةِ مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ تَكُونُ زَوْجَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا دَامَتِ الْعِدَّةُ، فَتَكُونُ مَحَلًّا لِلْإِيلَاءِ، كَمَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، فَإِذَا أَقْسَمَ الزَّوْجُ أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ الَّتِي طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا مُدَّةً تَسْتَغْرِقُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ كَانَ مُولِيًا، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَالْمَرْأَةُ لَا تَزَالُ فِي الْعِدَّةِ، بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ وَكَانَ طُهْرُهَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ يَمْتَدُّ طَوِيلًا، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُؤْمَرُ الرَّجُلُ بِالْفَيْءِ، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي إِنِ امْتَنَعَ عَنِ الطَّلَاقِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَنْ أَثَرِ الْإِيلَاءِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ أُخْرَى. أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِي أَثْنَائِهَا لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْإِيلَاءِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى، أَمْ بَائِنًا بَيْنُونَةً كُبْرَى؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ يُزِيلُ رَابِطَةَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا يُبْقِي مِنْ آثَارِ الزَّوَاجِ شَيْئًا سِوَى الْعِدَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُطَلِّقِ قُرْبَانُ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَوْ كَانَتِ الْعِدَّةُ قَائِمَةً، فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَلاَّ يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ الَّتِي طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا كَانَتْ يَمِينُهُ لَغْوًا فِي حُكْمِ الْبِرِّ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَقْرَبْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ ثَانٍ.

أَمَّا فِي حُكْمِ الْحِنْثِ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ؛ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِمُوجِبِهَا، وَهُوَ عَدَمُ قُرْبَانِهَا، أَيْ أَنَّ حَلِفَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ إِيلَاءً، وَلَكِنَّهُ انْعَقَدَ يَمِينًا.

وَمِثْلُ هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، وَأَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ، أَوْ قَالَ: أَبَدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مُولِيًا فِي حُكْمِ الْبِرِّ؛ لِعَدَمِ قِيَامِ النِّكَاحِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا عِنْدَ الْحَلِفِ، حَتَّى لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الزَّوَاجِ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا عِنْدَ حُصُولِ الْيَمِينِ، لَكِنْ لَوْ قَرَبَهَا بَعْدَ الزَّوَاجِ أَوْ قَبْلَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ الْحِنْثِ قِيَامُ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ انْعِقَادِهِ فِي حَقِّ الْبِرِّ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ النِّكَاحِ.

وَأَمَّا إِضَافَةُ الْإِيلَاءِ إِلَى النِّكَاحِ، فَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ أَجَازُوا إِضَافَةَ الطَّلَاقِ أَوْ تَعْلِيقَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ زَوْجَةٌ، فَتَكُونُ مَحَلًّا لِلْإِيلَاءِ الْمُضَافِ إِلَى النِّكَاحِ، كَمَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ الْمُضَافُ إِلَى النِّكَاحِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْإِيلَاءَ مِنَ الزَّوْجَةِ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يُضَافُ الْإِيلَاءُ مِنْهَا إِلَى نِكَاحِهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً عِنْدَ حُصُولِ الْإِيلَاءِ، فَلَا يَكُونُ الْإِيلَاءُ مِنْهَا صَحِيحًا؛ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ لَا يَتَقَدَّمُهُ، كَالطَّلَاقِ وَالْقَسَمِ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّةَ تُضْرَبُ لِلْمُولِي لِقَصْدِهِ الْإِضْرَارَ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ قَبْلَ النِّكَاحِ لَمْ يَتَحَقَّقْ هَذَا الْقَصْدُ، فَأَشْبَهَ الْمُمْتَنِعَ بِغَيْرِ يَمِينٍ.

12- وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ بِالنِّكَاحِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّعْلِيقِ وَأَثَرِهِ فِي التَّصَرُّفِ الْمُعَلَّقِ.فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: التَّعْلِيقُ يُؤَخِّرُ انْعِقَادَ التَّصَرُّفِ الْمُعَلَّقِ سَبَبًا لِحُكْمِهِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ.فَالتَّصَرُّفُ الْمُعَلَّقُ لَا وُجُودَ لَهُ عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِالصِّيغَةِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمُ: التَّعْلِيقُ لَا يُؤَخِّرُ انْعِقَادَ التَّصَرُّفِ سَبَبًا لِحُكْمِهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ.

فَعِنْدَهُمُ التَّصَرُّفُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ مَوْجُودٌ عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِالصِّيغَةِ، غَيْرَ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا: مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُوجَدُ فِي رَأْيِهِمْ إِلاَّ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ، وَعِنْدَ تَحْقِيقِ الشَّرْطِ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، إِذْ هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ زَوْجَةٌ، فَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِحُكْمِهِ عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً، فَلَمْ تَتَحَقَّقِ الْمَحَلِّيَّةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.وَأَنَّ الْإِيلَاءَ كَالطَّلَاقِ فِي هَذَا الْحُكْمِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


17-موسوعة الفقه الكويتية (تلفيق)

تَلْفِيقٌ

التَّعْرِيفُ

1- التَّلْفِيقُ فِي اللُّغَةِ: الضَّمُّ، وَهُوَ مَصْدَرُ لَفَّقَ، وَمَادَّةُ لَفَّقَ لَهَا فِي اللُّغَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَعْنَى، فَهِيَ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الضَّمِّ، وَالْمُلَاءَمَةِ، وَالْكَذِبِ الْمُزَخْرَفِ.

وَالتِّلْفَاقُ أَوِ اللِّفَاقُ بِكَسْرِهِمَا: ثَوْبَانِ يُلَفَّقُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: يَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ التَّلْفِيقَ بِمَعْنَى الضَّمِّ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً، أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُجَاوِزُ التَّقَطُّعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ غَيْرِ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَكَمَا هُوَ الْحَالُ فِي حُصُولِ الرَّكْعَةِ الْمُلَفَّقَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِلْمَسْبُوقِ.

وَيَسْتَعْمِلُونَهُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ، كَمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْجُعْلِ فِي رَدِّ الْآبِقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّفْرِيقُ:

2- التَّفْرِيقُ مَصْدَرُ فَرَّقَ وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْفَصْلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ

وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَهُ أَيْضًا بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا فِي التَّفْرِيقِ فِي صِيَامِ التَّمَتُّعِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ الْأَيَّامِ، وَكَمَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ، وَكَمَا فِي تَفْرِيقِ طَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا إِذَا أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يُوقِعَ كُلَّ طَلْقَةٍ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ لِيُصِيبَ السُّنَّةَ.

فَالتَّفْرِيقُ ضِدُّ التَّلْفِيقِ.ب- التَّقْدِيرُ:

3- التَّقْدِيرُ: مَصْدَرُ قَدَّرَ، وَيَأْتِي فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ مِنَ الْمَعَانِي.

أَحَدُهَا: التَّرَوِّي وَالتَّفْكِيرُ فِي تَسْوِيَةِ أَمْرٍ وَتَهْيِئَتِهِ.

وَالثَّانِي: تَقْدِيرُهُ بِعَلَامَاتٍ يَقْطَعُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ بَيَانُ الْمَقَادِيرِ ذَرْعًا، أَوْ كَيْلًا، أَوْ وَزْنًا، أَوْ عَدُّ ذَلِكَ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ تَنْوِيَ أَمْرًا بِعَزْمِكَ عَلَيْهِ.تَقُولُ قَدَّرْتُ أَمْرَ كَذَا وَكَذَا أَيْ نَوَيْتُهُ وَعَقَدْتُ عَلَيْهِ.

وَيَشْتَرِكُ التَّقْدِيرُ مَعَ التَّلْفِيقِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ أُمُورٍ غَيْرِ مُحَدَّدَةٍ.

الْأَحْكَامُ الْإِجْمَالِيَّةُ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ التَّلْفِيقَ فِي عَدَدٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ نُجْمِلُهَا فِيمَا يَلِي:

التَّلْفِيقُ فِي الْحَيْضِ إِذَا تَقَطَّعَ:

4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا، أَمَّا إِذَا كَانَ الطُّهْرُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهِ فَاصِلًا أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ.

5- فَالْحَنَفِيَّةُ يُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَ الْفَاصِلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا.وَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَفِيهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:

الْأُولَى: وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَكُونُ طُهْرًا فَاسِدًا وَلَا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ كَدَمٍ مُتَوَالٍ، ثُمَّ يُقَدَّرُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَيُجْعَلَ حَيْضًا وَالْبَاقِي يَكُونُ اسْتِحَاضَةً.

الثَّانِيَةُ: وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَنَّ الدَّمَ إِذَا كَانَ فِي طَرَفَيِ الْعَشَرَةِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ فَاصِلًا وَيُجْعَلُ كُلُّهُ كَدَمٍ مُتَوَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الدَّمُ فِي طَرَفَيِ الْعَشَرَةِ كَانَ الطُّهْرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ.ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا وَهُوَ أَوَّلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ أَحَدِهِمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا.

الثَّالِثَةُ: وَهِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ أَنَّ الدَّمَ إِذَا كَانَ فِي طَرَفَيِ الْعَشَرَةِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَتِ الدِّمَاءُ الْمُتَفَرِّقَةُ تَبْلُغُ حَيْضًا لَا يَصِيرُ الطُّهْرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَ لَا يَبْلُغُ حَيْضًا يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا، يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا حَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا.

الرَّابِعَةُ: وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَكُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَالِي، وَإِذَا كَانَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَانَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا.

وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الدَّمَيْنِ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ الْمُتَوَالِي، وَإِذَا كَانَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ طُهْرٌ كَثِيرٌ فَيُعْتَبَرُ.لَكِنْ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ كَانَ الطُّهْرُ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلُّ مِنَ الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ لَا يَكُونُ فَاصِلًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الدَّمَيْنِ يَكُونُ فَاصِلًا.

هَذَا وَأَقَلُّ الْحَيْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَثَلَاثُ لَيَالٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ عِنْدَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ، إِلاَّ إِذَا احْتِيجَ إِلَى نَصْبِ الْعَادَةِ.

6- وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي مَسْأَلَةِ التَّقَطُّعِ هَذِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُلَفِّقُ أَيْ تَجْمَعُ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ لَا أَيَّامَ الطُّهْرِ عَلَى تَفْصِيلِهَا مِنْ مُبْتَدَأَةٍ وَمُعْتَادَةٍ وَحَامِلٍ.فَتُلَفِّقُ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَالْمُعْتَادَةُ عَادَتَهَا وَاسْتِظْهَارَهَا، وَالْحَامِلُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ النِّصْفَ وَنَحْوَهُ، وَفِي سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ عِشْرِينَ وَنَحْوَهَا، ثُمَّ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ.

وَتَغْتَسِلُ الْمُلَفِّقَةُ وُجُوبًا كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا فِي أَيَّامِ التَّلْفِيقِ، إِلاَّ أَنْ تَظُنَّ أَنَّهُ يُعَاوِدُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ فِيهِ، فَلَا تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ، وَتَصُومُ إِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ طَاهِرًا، وَتُصَلِّي بَعْدَ طُهْرِهَا فَيُمْكِنُ أَنْ تُصَلِّيَ وَتَصُومَ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ الْحَيْضِ بِأَنْ كَانَ يَأْتِيهَا لَيْلًا وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ فَلَا يَفُوتُهَا شَيْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَتَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، وَتَطُوفُ الْإِفَاضَةَ إِلاَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ طَلَاقُهَا وَيُجْبَرُ عَلَى مُرَاجَعَتِهَا.

هَذَا وَأَقَلُّ الْحَيْضِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ دَفْعَةٌ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَائِضِ، فَالْمُبْتَدَأَةُ إِنْ تَمَادَتْ بِهَا الْحَيْضَةُ فَأَكْثَرُهُ فِي حَقِّهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وَالْمُعْتَادَةُ إِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ عَادَتُهَا اسْتَظْهَرَتْ عَلَيْهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهَا اسْتَظْهَرَتْ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا كَذَلِكَ وَهِيَ حَائِضٌ فِي أَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ.

7- وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّقَطُّعَ لَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يُجَاوِزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُجَاوِزَهَا، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهَا فَقَوْلَانِ:

أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ، وَيُسَمَّى الْقَوْلُ بِذَلِكَ (السَّحْبَ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ النَّقَاءُ مُحْتَوِشًا مُحَاطًا بِدَمَيْنِ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِلاَّ فَهُوَ طُهْرٌ بِلَا خِلَافٍ.

وَالثَّانِي: حَيْضُهَا الدِّمَاءُ خَاصَّةً.وَأَمَّا النَّقَاءُ فَطُهْرٌ وَيُسَمَّى هَذَا الْقَوْلُ (التَّلْفِيقَ) أَوِ (اللَّقْطَ).

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا يُجْعَلُ النَّقَاءُ طُهْرًا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْعِدَّةِ، وَالطَّلَاقُ فِيهِ بِدْعِيٌّ.

ثُمَّ الْقَوْلَانِ هُمَا فِي النَّقَاءِ الزَّائِدِ عَلَى الْفَتْرَةِ الْمُعْتَادَةِ، فَأَمَّا الْفَتْرَةُ الْمُعْتَادَةُ بَيْنَ دَفْعَتَيِ الدَّمِ فَحَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ.

وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَدْرُ الدَّمِ وَالنَّقَاءِ أَوْ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا.

أَمَّا إِذَا جَاوَزَ الدَّمُ بِصِفَةِ التَّلْفِيقِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَارَتْ مُسْتَحَاضَةً كَغَيْرِهَا إِذَا جَاوَزَ دَمُهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَلَا صَائِرَ إِلَى الِالْتِقَاطِ مِنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ مَبْلَغُ الدَّمِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَإِذَا صَارَتْ مُسْتَحَاضَةً فَالْفَرْقُ بَيْنَ حَيْضِهَا وَاسْتِحَاضَتِهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الْعَادَةِ، أَوِ التَّمْيِيزِ كَغَيْرِ ذَاتِ التَّلْفِيقِ.

هَذَا وَأَقَلُّ الْحَيْضِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَغَالِبُهُ تَمَامُ الشَّهْرِ بَعْدَ الْحَيْضِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ.

8- وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي مَسْأَلَةِ التَّقَطُّعِ هَذِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيَ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ سَاعَةً، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَحِلُّ لَهَا إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ سَاعَةً إِلاَّ أَنْ تَغْتَسِلَ، ثُمَّ إِنِ انْقَطَعَ الدَّمُ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَ فَجَمِيعُهُ حَيْضٌ، تَغْتَسِلُ عَقِيبَ كُلِّ يَوْمٍ وَتُصَلِّي فِي الطُّهْرِ، وَإِنْ عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا.

وَالْأَصْلُ الْمُعْتَبَرُ الَّذِي تُرَدُّ إِلَيْهِ مَسَائِلُ التَّلْفِيقِ عِنْدَهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا سَبْعَةً مُتَوَالِيَةً جَلَسَتْ، وَمَا وَافَقَهَا مِنَ الدَّمِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةً.

وَقَالُوا: إِنَّ النَّاسِيَةَ كَالْمُعْتَادَةِ إِنْ أَجْلَسْنَاهَا سَبْعًا، فَإِنْ أَجْلَسْنَاهَا أَقَلَّ الْحَيْضِ جَلَسَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً تَرَى يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ، ثُمَّ تَرَى نَقَاءً، ثُمَّ تَرَى أَسْوَدَ إِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَرَى دَمًا أَحْمَرَ وَعَبَرَ (أَيْ: تَجَاوَزَ) رُدَّتْ إِلَى التَّمْيِيزِ، فَيَكُونُ حَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَرَى الدَّمَ زَمَنًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا كَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ دُونَ ذَلِكَ كَنِصْفِ يَوْمٍ وَنِصْفِ لَيْلَةٍ.فَإِنْ كَانَ النَّقَاءُ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطُهْرٍ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْرِي تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى.

وَإِذَا رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ طَهُرَتِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَتْهُ ثَلَاثَةً دَمًا، فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ لِأَنَّهَا رَأَتْهُ فِي زَمَانِ إِمْكَانِهِ.وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ حَيْضٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ وَلَا مِنَ الْحَيْضِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، وَالْحَيْضَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ وَتَكَرَّرَ، فَهُمَا حَيْضَتَانِ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضَةً مُنْفَرِدَةً لِفَصْلِ أَقَلِّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُمَا حَيْضَةً وَاحِدَةً بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَرَفَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِثْلُ أَنْ تَرَى يَوْمَيْنِ دَمًا وَتَطْهُرَ عَشَرَةً، وَتَرَى ثَلَاثَةً دَمًا وَتَكَرَّرَ فَهُمَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ زَمَنُهُمَا عَنْ مُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ.

وَجَاءَ فِي مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ صَحِيحٌ تَغْتَسِلُ فِيهِ وَتُصَلِّي وَنَحْوُهُ أَيْ: تَصُومُ وَتَطُوفُ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَا يُكْرَهُ فِيهِ الْوَطْءُ لِأَنَّهُ طُهْرٌ حَقِيقَةً.

وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

هَذَا وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ وَغَالِبِهِ كَالشَّافِعِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا.وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَيْضٌ).

إِدْرَاكُ الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ مُلَفَّقَةٍ:

9- يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ مُلَفَّقَةٍ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْمَزْحُومِ الَّذِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ السُّجُودِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى شَرَعَ الْإِمَامُ فِي رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَزْحُومَ يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ نَفْسِهِ فِي قَوْلٍ فَيَسْجُدُ الْآنَ، وَيُحْسَبُ رُكُوعُهُ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالرُّكُوعِ الثَّانِي لِعُذْرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَالَى بَيْنَ رُكُوعَيْنِ نَاسِيًا.

وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي لِإِفْرَاطِ التَّخَلُّفِ فَكَأَنَّهُ مَسْبُوقٌ لَحِقَ الْآنَ فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَمِنْ سُجُودِ الثَّانِيَةِ الَّذِي أَتَى بِهِ فِيهَا، وَتُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ فِي الْأَصَحِّ لِإِطْلَاقِ خَبَرِ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى».وَهَذَا قَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً وَلَيْسَ التَّلْفِيقُ نَقْصًا فِي الْمَعْذُورِ.

وَعَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ لَا تُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ لِنَقْصِهَا بِالتَّلْفِيقِ.

هَذَا وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ.لِظَاهِرِ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» وَلِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُ، وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ الْمَسْبُوقُ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِيمَنْ زَالَ عُذْرُهُ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى، وَقَدْ رَفَعَ إِمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْإِنْصَافِ: أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي السُّجُودِ فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إِمَامِهِ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَتُدْرَكُ الْجُمُعَةُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِإِدْرَاكِ الْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّلْفِيقُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّهَا تُدْرَكُ بِإِدْرَاكِ أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْإِمَامِ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلَيْنِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِيمَنْ زُوحِمَ عَنِ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهَا إِلاَّ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فِي أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا أَوْ جُمُعَةً.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ «جُمُعَةٌ».

التَّلْفِيقُ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِمَنْ كَانَ بَعْضُ سَفَرِهِ فِي الْبَحْرِ وَبَعْضُهُ فِي الْبَرِّ:

10- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ وَالسَّفَرِ فِي الْبَرِّ فِي اعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ أَنَّهُ إِذَا سَافَرَ وَكَانَ بَعْضُ سَفَرِهِ فِي الْبَرِّ وَبَعْضُهُ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُلَفِّقُ أَيْ: يَضُمُّ مَسَافَةَ أَحَدِهِمَا لِمَسَافَةِ الْآخَرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.

وَجَاءَ فِي الزَّرْقَانِيِّ أَنَّهُ يُلَفِّقُ بَيْنَ مَسَافَةِ الْبَرِّ وَمَسَافَةِ الْبَحْرِ إِذَا كَانَ السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ بِمِجْدَافٍ، أَوْ بِهِ وَبِالرِّيحِ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرُ فِيهِ بِالرِّيحِ فَقَطْ لَمْ يَقْصُرْ فِي مَسَافَةِ الْبَرِّ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ دُونَ قَصْرٍ فَلَا تَلْفِيقَ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيَّةُ وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ- عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ- فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، بَلْ لَوْ سَارَ فِي الْبَحْرِ وَقَطَعَ تِلْكَ الْمَسَافَةَ فِي لَحْظَةٍ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ بِالسَّيْرِ فِي الْبَحْرِ، وَلَا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ بِالسَّيْرِ فِي الْبَرِّ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى عِنْدَهُمْ أَنْ يُنْظَرَ كَمْ تَسِيرُ السَّفِينَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، إِذَا كَانَتِ الرِّيَاحُ مُسْتَوِيَةً مُعْتَدِلَةً فَيُجْعَلُ ذَلِكَ هُوَ الْمُقَدَّرَ، لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِهِ كَمَا فِي الْجَبَلِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (سَفَرٌ).

التَّلْفِيقُ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَمَا شَابَهَهَا:

11- الْمُرَادُ بِالتَّلْفِيقِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ إِتْمَامُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ.

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، أَوِ الْقَتْلِ، أَوِ الْوَطْءِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إِذَا ابْتَدَأَ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْأَهِلَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ.

وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى الْإِجْزَاءِ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَاقِصًا وَالْآخَرُ كَامِلًا.

وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى الْإِجْزَاءِ فِيمَا لَوْ صَامَ سِتِّينَ يَوْمًا بِغَيْرِ اعْتِبَارِ الْأَهِلَّةِ.

وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَوِ ابْتَدَأَ الصِّيَامَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ، ثُمَّ صَامَ الشَّهْرَ الَّذِي يَلِيهِ بِاعْتِبَارِ الْهِلَالِ، ثُمَّ أَكْمَلَ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ تَلْفِيقًا وَبَلَغَ عَدَدُ الْأَيَّامِ سِتِّينَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ.

أَمَّا لَوْ بَلَغَ عَدَدُ الْأَيَّامِ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالصَّاحِبَيْنِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ شَاذٍّ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ «كَفَّارَةٌ».

التَّلْفِيقُ بَيْنَ شَهَادَتَيْنِ لِإِثْبَاتِ الرِّدَّةِ:

12- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ التَّلْفِيقِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي اللَّفْظِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْمَعْنَى لِإِثْبَاتِ الرِّدَّةِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يُكَلِّمِ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَشَهِدَ آخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ لِإِثْبَاتِ الرِّدَّةِ.أَمَّا إِذَا كَانَتْ إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ، وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلٍ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ فِي قَاذُورَةٍ، أَوْ كَانَتَا عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْإِلْقَاءِ الْمَذْكُورِ، وَشَدِّ الزُّنَّارِ فَلَا تَلْفِيقَ.

هَذَا وَفِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِإِثْبَاتِ الرِّدَّةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَثْبُتُ بِهَا مُطْلَقًا أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ أَوْ لَا بُدَّ مِنَ التَّفْصِيلِ؟ وَهَلْ يُتَعَرَّضُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَ؟

وَهَذَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِهَا لَا يُقْبَلُ فِيهَا إِلاَّ الْعُدُولُ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إِلَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ لَا لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ وَالْعُدُولِ بَلْ لِأَنَّ إِنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ يَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْلَ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ، كَحَبْطِ عَمَلٍ وَبُطْلَانِ وَقْفٍ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ وَإِلاَّ أَيْ: إِذَا لَمْ يُنْكِرْ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَارْتِدَادِهِ بِنَفْسِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِهَا لَا تُقْبَلُ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّفْصِيلِ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَسْبَابِ الْكُفْرِ فَرُبَّمَا وَجَبَ عِنْدَ بَعْضٍ دُونَ آخَرِينَ.

وَالْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ هُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِهَا تُقْبَلُ بِإِطْلَاقٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، حَتَّى إِذَا أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَا يَنْفَعُهُ إِنْكَارُهُ بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ؛ لِأَنَّهَا لِخَطَرِهَا لَا يُقْدِمُ الْعَدْلُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَا إِلاَّ بَعْدَ تَحَقُّقِهَا بِأَنْ يَذْكُرَ مُوجِبَهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَالِمًا مُخْتَارًا لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْكُفْرِ وَخَطَرِ أَمْرِ الرِّدَّةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ «رِدَّةٌ».

التَّلْفِيقُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ:

13- الْمُرَادُ بِالتَّلْفِيقِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ أَخْذُ صِحَّةِ الْفِعْلِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ مَعًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُفْرَدِهِ، وَمِثَالُهُ: مُتَوَضِّئٌ لَمَسَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِلَا حَائِلٍ وَخَرَجَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ كَدَمٍ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا الْوُضُوءَ بَاطِلٌ بِاللَّمْسِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَاطِلٌ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَا يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ تِلْكَ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا يُنْتَقَضُ أَيْضًا بِاللَّمْسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِذَا صَلَّى بِهَذَا الْوُضُوءِ، فَإِنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِ مُلَفَّقَةٌ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: أَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ كَوْنِهِ جَائِزًا فَإِنَّ جَوَازَهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّلْفِيقِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ.

وَفِي تَتَبُّعِ الرُّخَصِ، وَفِي مُتَتَبِّعِهَا فِي الْمَذَاهِبِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ: وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ امْتِنَاعُ تَتَبُّعِهَا لِأَنَّ التَّتَبُّعَ يُحِلُّ رِبَاطَ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَبِعَ حِينَئِذٍ مَا تَشْتَهِيهِ نَفْسُهُ.

بَلْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ فِسْقٌ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي حَالَةِ تَتَبُّعِهَا مِنَ الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِلاَّ فُسِّقَ قَطْعًا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ كَالْآمِدِيِّ: مَنْ عَمِلَ فِي مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ إِمَامٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا، لِتَعَيُّنِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَعَ الثَّانِي تَرَكُّبُ حَقِيقَةٍ لَا يَقُولُ بِهَا كُلٌّ مِنَ الْإِمَامَيْنِ، كَتَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَمَالِكٍ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ.

وَتَتَبُّعُهَا عِنْدَ مَنْ أَجَازَهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِقَوْلٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ الْأَخَفِّ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

هَذَا وَالتَّلْفِيقُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ مَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ بِالْأَخْذِ بِأَقْوَالِ عَدَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِيهَا.أَمَّا الْأَخْذُ بِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ فِي مَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَيْسَ تَلْفِيقًا وَإِنَّمَا هُوَ تَنَقُّلٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ أَوْ تَخَيُّرٌ مِنْهَا، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَقْلِيدٌ).

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


18-موسوعة الفقه الكويتية (حيض 2)

حَيْضٌ -2

انْقِطَاعُ الدَّمِ دُونَ الْعَادَةِ:

18- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمُعْتَادَةِ دُونَ عَادَتِهَا، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِذَلِكَ وَلَا تُتَمِّمُ عَادَتَهَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ انْقِطَاعُ الدَّمِ دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ.وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ وَطْأَهَا حِينَئِذٍ حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنِ اغْتَسَلَتْ.قَالُوا: لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ.

وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا.وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ

وَمَتَى كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ- عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ- فَلَيْسَ ذَلِكَ الدَّمُ بِحَيْضٍ فِي حَقِّهَا لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّهَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهَا تُصَلِّي كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ، لَكِنْ تَنْتَظِرُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وُجُوبًا فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْوَقْتِ تَتَوَضَّأُ فَتُصَلِّي وَكَذَا تَصُومُ إِنِ انْقَطَعَ لَيْلًا، فَإِنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا فَتَقْعُدُ عَنِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.وَالْفَرْقُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ الْعَادَةِ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ- وَهُوَ أَقَلُّ الْحَيْضِ عِنْدَهُمْ- وَانْقِطَاعُهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ أَنَّهَا تُصَلِّي، بِالْغُسْلِ كُلَّمَا انْقَطَعَ قَبْلَ الْعَادَةِ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا بِالْوُضُوءِ.لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ كَوْنُهَا حَائِضًا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ ثَلَاثَةً فَأَكْثَر، بِخِلَافِ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهَا تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّمَ دَمُ فَسَادٍ لَا دَمُ حَيْضٍ.

وَإِنْ عَادَ الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُبْطِلُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهَا بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ فِي مُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ- عَشَرَةِ أَيَّامٍ- وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا.وَأَنْ تَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ طَاهِرًا أَقَلّ الطُّهْرِ- خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا- فَلَوْ تَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ نَقَصَ الطُّهْرُ عَنْ ذَلِكَ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا فَقَطْ.وَلَوِ اعْتَادَتْ فِي الْحَيْضِ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا هَكَذَا إِلَى الْعَشَرَةِ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ.وَإِذَا طَهُرَتْ فِي الثَّانِي تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ وَفِي الثَّالِثِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ.وَفِي الرَّابِعِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَهَكَذَا إِلَى الْعَشَرَةِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا لَوْ عَادَ الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ الِانْقِطَاعِ لَا يَبْلُغُ أَقَلّ الطُّهْرِ أُلْغِيَ وَلَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ، وَأُضِيفَ الدَّمُ الْأَوَّلُ إِلَى الثَّانِي، وَجُعِلَ حَيْضَةً مُنْقَطِعَةً تَغْتَسِلُ مِنْهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ إِدْبَارِ الدَّمِ وَإِقْبَالِ الطُّهْرِ، يَوْمًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، وَتُصَلِّي فَإِذَا عَادَ الدَّمُ إِلَيْهَا كَفَّتْ عَنِ الصَّلَاةِ وَضَمَّتْهُ إِلَى أَيَّامِ دَمِهَا، وَعَدَّتْهُ مِنْ حَيْضَتِهَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا عَادَ الدَّمُ بَعْدَ النَّقَاءِ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ- الدَّمُ وَالنَّقَاءُ- بِشُرُوطٍ: وَهِيَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ تَنْقُصِ الدِّمَاءُ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّقَاءُ مُحْتَوَشًا بَيْنَ دَمَيِ الْحَيْضِ.وَهَذَا الْقَوْلُ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ قَوْلَ السَّحْبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَهُمْ هُوَ أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ، لِأَنَّ الدَّمَ إِذَا دَلَّ عَلَى الْحَيْضِ وَجَبَ أَنْ يَدُلَّ النَّقَاءُ عَلَى الطُّهْرِ وَيُسَمَّى هَذَا الْقَوْلُ قَوْلَ اللَّقْطِ وَقَوْلَ التَّلْفِيقِ.وَمَحَلُّ التَّلْفِيقِ عِنْدَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ الْعِدَّةِ، فَلَا يُجْعَلُ النَّقَاءُ طُهْرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِإِجْمَاعِهِمْ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا إِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا طُهْرًا خَالِصًا وَلَوْ أَقَلّ مُدَّةٍ فَهِيَ طَاهِرٌ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَاتُ، وَلَا يُكْرَهُ وَطْءُ الزَّوْجِ لَهَا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ زَمَنَ الدَّمِ مِنَ الْعَادَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ، لِأَنَّهُ صَادَفَ زَمَنَ الْعَادَةِ.

مُجَاوَزَةُ الدَّمِ لِلْعَادَةِ:

19- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا جَاوَزَ دَمُ الْمُعْتَادَةِ عَادَتَهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا رَأَتِ الْمُعْتَادَةُ مَا يُخَالِفُ عَادَتَهَا، فَإِمَّا أَنْ تَنْتَقِلَ عَادَتُهَا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا، فَيُجْعَلُ الْمَرْئِيُّ فِيهَا حَيْضًا وَمَا جَاوَزَ الْعَادَةَ اسْتِحَاضَةً، وَإِنِ انْتَقَلَتْ فَالْكُلُّ حَيْضٌ- وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْعَادَةِ- فَإِذَا اسْتَمَرَّ دَمُ الْمُعْتَادَةِ وَزَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَطُهْرُهَا وَحَيْضُهَا مَا اعْتَادَتْ فَتُرَدُّ إِلَيْهَا فِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِنْ كَانَ طُهْرُهَا أَقَلّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ طُهْرُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّرُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ عَادَةً فَيُرَدُّ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلاَّ سَاعَةً تَحْقِيقًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ طُهْرِ الْحَيْضِ وَطُهْرِ الْحَمْلِ وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ.وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَيْدَانِيِّ.قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.وَفِي التَّتَارَخَانِيّةِ: (وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْحَاكِمُ).قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ وَاخْتَرْنَا قَوْلَ الْمَيْدَانِيِّ لِقُوَّةِ قَوْلِهِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَمَادَى دَمُ الْحَيْضِ عَلَى الْمُعْتَادَةِ، فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ الزَّائِدِ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا، ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا اعْتَادَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوَّلًا، ثُمَّ تَمَادَى، مَكَثَتْ ثَمَانِيَةً، فَإِنْ تَمَادَى فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ مَكَثَتْ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنْ تَمَادَى فِي الرَّابِعَةِ مَكَثَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ.فَإِنْ تَمَادَى فِي مُرَّةٍ أُخْرَى فَلَا تَزِيدُ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ.وَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَسْتَظْهِرُ يَوْمَيْنِ.وَمَنْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا اسْتِظْهَارَ عَلَيْهَا، وَقَاعِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ الَّتِي أَيَّامُ عَادَتِهَا اثْنَا عَشَرَ يَوْمًا فَدُونَ ذَلِكَ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ بِيَوْمَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ.وَأَمَّا الَّتِي عَادَتُهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ تَحِيضُ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي آخَرَ أَقَلّ أَوْ أَكْثَر إِذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ.وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَلِّ الْعَادَةِ.وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ كَأَيَّامِ الْحَيْضِ، وَالدَّمُ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ فِيمَا بَيْنَ عَادَتِهَا وَنِصْفِ شَهْرٍ اسْتِحَاضَةٌ.

وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْحَيْضِ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا خَرَجَ عَنْ عَادَتِهَا قَبْلَ تَكَرُّرِهِ، فَمَا تَكَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِلاَّ فَلَا، فَتَصُومُ وَتُصَلِّي قَبْلَ التَّكْرَارِ.

وَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ ثَانِيًا.فَإِذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ صَارَ عَادَةً فَتُعِيدُ مَا صَامَتْهُ وَنَحْوَهُ مِنْ فَرْضٍ.وَيَرَى ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهَا تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- لِلنِّسَاءِ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ رَدَّ النَّاسَ إِلَى الْعُرْفِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْعُرْفُ بَيْنَ النِّسَاءِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى رَأَتْ دَمًا يَصْلُحُ لأَنْ يَكُونَ حَيْضًا اعْتَقَدَتْهُ حَيْضًا، وَإِنْ عَبَرَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ.وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ أَحْكَامِهَا فِي مُصْطَلَحِ اسْتِحَاضَةٌ. انْتِقَالُ الْعَادَةِ:

مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي انْتِقَالِ الْعَادَةِ:

20- إِذَا رَأَتِ الْمُعْتَادَةُ مَا يُخَالِفُ عَادَتَهَا فِي الْحَيْضِ.فَإِذَا لَمْ يُجَاوِزِ الدَّمُ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامَ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَانْتَقَلَتِ الْعَادَةُ عَدَدًا فَقَطْ إِنْ طَهُرَتْ بَعْدَهُ طُهْرًا صَحِيحًا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامَ رُدَّتْ إِلَى عَادَتِهَا، لِأَنَّهُ صَارَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي.وَهَذَا فِيمَا إِذَا لَمْ تَتَسَاوَ الْعَادَةُ وَالْمُخَالَفَةُ حَيْثُ يَصِيرُ الثَّانِي عَادَةً لَهَا.فَإِنْ تَسَاوَتِ الْعَادَةُ وَالْمُخَالَفَةُ فَالْعَدَدُ بِحَالِهِ، سَوَاءٌ رَأَتْ نِصَابًا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا، أَوْ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ بَعْضُهُ فِي أَيَّامِهَا، وَبَعْضُهُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، لَكِنْ إِنْ وَافَقَ زَمَانًا وَعَدَدًا فَلَا انْتِقَالَ أَصْلًا.وَإِلاَّ فَالِانْتِقَالُ ثَابِتٌ عَلَى حَسَبِ الْمُخَالِفِ.

فَإِذَا جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ وَوَقَعَ نِصَابٌ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ.فَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ فَقَطْ حَيْضٌ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ.ثُمَّ إِنَّهُ مَتَى كَانَ الْوَاقِعُ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ مُسَاوِيًا لِعَادَتِهَا عَدَدًا، فَالْعَادَةُ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ الْعَدَدِ وَالزَّمَانِ مَعًا.فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَاوِيًا لِعَادَتِهَا انْتَقَلَتِ الْعَادَةُ عَدَدًا إِلَى مَا رَأَتْهُ نَاقِصًا.وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالنَّاقِصِ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِكَوْنِ الْوَاقِعِ فِي الْعَادَةِ زَائِدًا عَلَيْهَا.

وَإِذَا جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ وَلَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ نِصَابٌ بِأَنْ لَمْ تَرَ شَيْئًا، أَوْ رَأَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ انْتَقَلَتِ الْعَادَةُ زَمَانًا، وَالْعَدَدُ بِحَالِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ.

انْتِقَالُ الْعَادَةِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ:

21- صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَنْتَقِلُ، فَتَتَقَدَّمُ أَوْ تَتَأَخَّرُ، أَوْ يَزِيدُ قَدْرُ الْحَيْضِ أَوْ يَنْقُصُ.وَمِنْ أَمْثِلَةِ انْتِقَالِ الْعَادَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا إِذَا تَمَادَى دَمُ الْمُعْتَادَةِ وَزَادَ عَلَى عَادَتِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى عَادَتِهَا، وَيَصِيرُ الِاسْتِظْهَارُ عَادَةً لَهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً عَلَى انْتِقَالِ الْعَادَةِ، نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي: إِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الشَّهْرِ، فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ، الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ الْأُولَى دَمًا وَانْقَطَعَ، فَقَدْ تَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا، وَلَمْ يَزِدْ حَيْضُهَا، وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ نَقَصَ طُهْرُهَا فَصَارَ عِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، أَوِ الْخَامِسَةِ أَوِ السَّادِسَةِ، فَقَدْ تَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا، وَلَمْ يَزِدْ حَيْضُهَا، وَلَمْ يَنْقُصْ، وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا، وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا، فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَتَأَخَّرَتْ.وَإِنْ رَأَتْهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ يَوْمٍ مِنَ الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ، فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَادَتُهَا.

وَإِنْ رَأَتْهُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنَ الْخَمْسَةِ الْأُولَى فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا.وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، أَوْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا.

وَالْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَابِلَةُ فِي انْتِقَالِ الْعَادَةِ لَا تَخْرُجُ عَنِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيَّةُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْعَادَةِ الْمُنْتَقِلَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْتِقَالُ الْعَادَةِ يَثْبُتُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ.وَهَذَا إِنْ كَانَتْ مُتَّفِقَةً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي الْحَيْضِ، فَرَأَتِ الدَّمَ فِي غَيْرِ عَادَتِهَا لَمْ تَعْتَبِرْ مَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ حَيْضًا حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي رِوَايَةٍ.وَسَوَاءٌ رَأَتِ الدَّمَ قَبْلِ عَادَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، مَعَ بَقَاءِ الْعَادَةِ، أَوِ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِيهَا، أَوْ فِي بَعْضِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَجْلِسُ فِي غَيْرِ أَيَّامِهَا حَتَّى يَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَإِذَا تَكَرَّرَ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَيْضٌ مُتَنَقِّلٌ فَتَصِيرُ إِلَيْهِ، أَيْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فِيهِ، وَيَصِيرُ عَادَةً لَهَا، وَتَتْرُكُ الْعَادَةَ الْأُولَى.وَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ مَا صَامَتْهُ مِنَ الْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي أَمَرْنَاهَا بِالصِّيَامِ فِيهَا، لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا صَامَتْهُ فِي حَيْضٍ، وَالصَّوْمُ فِي الْحَيْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ.وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ.وَقِيلَ: لَا حَاجَةَ إِلَى التَّكْرَارِ، وَتَنْتَقِلُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا.فَعَلَيْهِ: تَجْلِسُ مَا تَرَاهُ مِنَ الدَّمِ قَبْلَ عَادَتِهَا وَبَعْدَهَا مَا لَمْ يَزِدْ عَنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ تَجَاوَزَتِ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ وَنَرُدُّهَا إِلَى عَادَتِهَا، وَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا تَرَكَتْهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِيمَا زَادَ عَنْ عَادَتِهَا.

وَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فَرَأَتِ الدَّمَ أَكْثَر مِنْهَا وَجَاوَزَ أَكْثَر الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَحَيْضُهَا مِنْهُ قَدْرُ الْعَادَةِ لَا غَيْرُ.وَلَا تَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الشُّهُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إِلاَّ قَدْرَ الْعَادَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ مَنِ اعْتَبَرَ الْعَادَةَ. أَنْوَاعُ الْعَادَةِ:

22- الْعَادَةُ ضَرْبَانِ: مُتَّفِقَةٌ، وَمُخْتَلِفَةٌ.

فَالْمُتَّفِقَةُ مَا كَانَتْ أَيَّامًا مُتَسَاوِيَةً، كَسَبْعَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَهَذِهِ تَجْلِسُ أَيَّامَ عَادَتِهَا وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا.وَالْمُخْتَلِفَةُ هِيَ مَا كَانَتْ أَيَّامًا مُخْتَلِفَةً، وَهِيَ قِسْمَانِ مُرَتَّبَةٌ، بِأَنْ تَرَى فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي أَرْبَعَةٍ، وَفِي الثَّالِثِ خَمْسَةً، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ.فَهَذِهِ، إِذَا اسْتُحِيضَتْ فِي شَهْرٍ وَعَرَفَتْ نَوْبَتَهُ عَمِلَتْ عَلَيْهِ.وَإِنْ نَسِيَتْ نَوْبَتَهُ جَلَسَتِ الْأَقَلَّ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ.

وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ: بِأَنْ تَتَقَدَّمَ هَذِهِ مَرَّةً، وَهَذِهِ أُخْرَى كَأَنْ تَحِيضَ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً، وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةً.فَإِنْ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ هُوَ، فَالَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ رُدَّتْ إِلَى مَا قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَجْلِسُ الْأَقَلَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ.

وَتَلْفِيقُ الْحَيْضِ:

23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا، وَالطُّهْرَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا، بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ لَهَا طُهْرٌ كَامِلٌ، اخْتِلَافًا يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إِلَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ: وَيُسَمَّى قَوْلَ التَّلْفِيقِ أَوِ اللَّقْطَ، وَهُوَ أَنْ تُلَفِّقَ حَيْضَهَا مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ فَقَطْ، وَتُلْغِيَ أَيَّامَ الطُّهْرِ فَتَكُونَ فِيهَا طَاهِرًا، تُصَلِّيَ وَتَصُومَ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَيُسَمِّيهِ الشَّافِعِيَّةُ قَوْلَ السَّحْبِ، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ أَيَّامَ الدَّمِ، وَأَيَّامَ الطُّهْرِ كُلَّهَا أَيَّامَ حَيْضٍ.وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ ذَكَرُوهَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَلْفِيقٌ).

الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْضِ:

(1) أَقَلُّ الطُّهْرِ وَأَكْثَرُهُ:

24- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا.

وَقَدْ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً.حَكَى أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ امْرَأَةً فِي زَمَنِهِ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَلّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا، لِأَنَّ الشَّهْرَ غَالِبًا لَا يَخْلُو مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ.وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا.لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ- قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا- فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ.فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ.قُلْ فِيهَا.فَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْجَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ.وَإِلاَّ فَهِيَ كَاذِبَةٌ.فَقَالَ عَلِيٌّ: قَالُونُ- أَيْ جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ- قَالُوا: وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إِلاَّ تَوْقِيفًا، وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اشْتُهِرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ.وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا.قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَخْتَلِفُ أَنَّ الْعِدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إِذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ.وَغَالِبُ الطُّهْرِ بَاقِي الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ بَعْدَ غَالِبِ الْحَيْضِ، وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، أَوْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ.

(2) عَلَامَةُ الطُّهْرِ:

25- الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْضِ يَتَحَقَّقُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا انْقِطَاعِ الدَّمِ، أَوْ رُؤْيَةِ الْقَصَّةِ.

وَالْمَقْصُودُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ الْجَفَافُ بِحَيْثُ تَخْرُجُ الْخِرْقَةُ غَيْرَ مُلَوَّثَةٍ بِدَمٍ، أَوْ كُدْرَةٍ، أَوْ صُفْرَةٍ.فَتَكُونُ جَافَّةً مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ بَلَلُهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ.

وَالْقَصَّةُ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ يَأْتِي فِي آخِرِ الْحَيْضِ.قَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- عَنْهَا: لَمَّا كَانَتِ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ (اللِّفَافَةِ) فِيهَا الْكُرْسُفُ (الْقُطْنُ) فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ.لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْغَايَةَ الِانْقِطَاعُ، فَإِذَا انْقَطَعَ طَهُرَتْ، سَوَاءٌ خَرَجَتْ بَعْدَهُ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَا.

وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ مُعْتَادَةِ الْجُفُوفِ، وَمُعْتَادَةِ الْقَصَّةِ، وَمُعْتَادَةِ الْقَصَّةِ مَعَ الْجُفُوفِ.فَمُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ إِذَا رَأَتِ الْقَصَّةَ أَوَّلًا، لَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ وَإِذَا رَأَتِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا، لَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ.

وَأَمَّا مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ الْجُفُوفِ إِذَا رَأَتِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا، نُدِبَ لَهَا انْتِظَارُ الْقَصَّةِ لآِخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ.وَإِنْ رَأَتِ الْقَصَّةَ أَوَّلًا فَلَا تَنْتَظِرُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ.فَالْقَصَّةُ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا، وَلِمُعْتَادَتِهَا مَعَ الْجُفُوفِ أَيْضًا. حُكْمُ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ:

26- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ، هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَوْ طُهْرٌ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ حَيْضٌ.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ طُهْرٌ.وَهُنَاكَ تَفْصِيلٌ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ بَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَلْفِيقٌ).

(4) دَمُ الْحَامِلِ:

27- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دَمِ الْحَامِلِ هَلْ هُوَ دَمُ حَيْضٍ، أَوْ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ؟.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» فَجَعَلَ الْحَيْضَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ.«وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ- لَمَّا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ- مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا».فَجَعَلَ الْحَمْلَ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ كَالطُّهْرِ.

وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْحَنَابِلَةُ لِلْحَامِلِ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ عَنْهَا احْتِيَاطًا، وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضٌ، إِنْ تَوَافَرَتْ شُرُوطُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ لِخَبَرِ: «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ: أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ دَمَيِ الْجِبِلَّةِ وَالْعِلَّةِ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ بَلْ إِذَا وُجِدَ مَعَهُ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا، وَإِنْ نَدَرَ فَكَذَا لَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ. وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ لِلْحَامِلِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَتْرَةِ الْحَيْضِ.

(5) أَنْوَاعُ الطُّهْرِ:

28- قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الطُّهْرَ إِلَى صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ، وَإِلَى تَامٍّ، وَنَاقِصٍ.

فَالطُّهْرُ الصَّحِيحُ: هُوَ النَّقَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَر لَا يَشُوبُهُ خِلَالَهَا دَمٌ مُطْلَقًا لَا فِي أَوَّلِهِ، وَلَا فِي وَسَطِهِ، وَلَا فِي آخِرِهِ، وَيَكُونُ بَيْنَ دَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَالطُّهْرُ الْفَاسِدُ مَا خَالَفَ الصَّحِيحَ فِي أَحَدِ أَوْصَافِهِ، بِأَنْ كَانَ أَقَلّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ خَالَطَهُ دَمٌ أَوْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ دَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ.

فَإِذَا كَانَ الطُّهْرُ أَقَلّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ، وَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي.وَلَوْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لَكِنْ خَالَطَهُ دَمٌ صَارَ طُهْرًا فَاسِدًا، كَمَا لَوْ رَأَتِ الْمُبْتَدَأَةُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَالطُّهْرُ هُنَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ اسْتَكْمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ، لَكِنَّهُ فَاسِدٌ مَعْنًى، لِأَنَّ الْيَوْمَ الْحَادِيَ عَشَرَ تُصَلِّي فِيهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الطُّهْرِ.فَقَدْ خَالَطَ هَذَا الطُّهْرَ دَمٌ فِي أَوَّلِهِ فَفَسَدَ.

وَإِذَا كَانَ الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ اسْتِحَاضَتَيْنِ، أَوْ بَيْنَ حَيْضَيْنِ وَنِفَاسٍ، أَوْ بَيْنَ نِفَاسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ، أَوْ بَيْنَ طَرَفَيْ نِفَاسٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ طُهْرًا فَاسِدًا.

وَالطُّهْرُ التَّامُّ مَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَر سَوَاءٌ أَكَانَ صَحِيحًا، أَمْ فَاسِدًا.

وَالطُّهْرُ النَّاقِصُ: مَا نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الطُّهْرِ الْفَاسِدِ.

مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَيْضِ:

(1) الْبُلُوغُ:

29- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا التَّكْلِيفُ، فَإِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، أَصْبَحَتْ بَالِغَةً مُكَلَّفَةً يَجِبُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَى الْبَالِغَاتِ الْمُكَلَّفَاتِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ».فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ لِبُلُوغِهَا بِالْحَيْضِ.فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ.وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ الَّذِي يَنْزِلُ بِنَفْسِهِ، أَمَّا إِذَا تَسَبَّبَ فِي جَلْبِهِ، فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً.

(2) التَّطَهُّرُ:

30- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَةُ الْحَائِضِ، فَإِذَا اغْتَسَلَتِ الْحَائِضُ لِرَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ، إِنِ اغْتَسَلَتْ لِلْجَنَابَةِ زَمَنَ حَيْضِهَا صَحَّ غُسْلُهَا، وَاسْتُحِبَّ تَخْفِيفًا لِلْحَدَثِ، وَيَزُولُ حُكْمُ الْجَنَابَةِ.لِأَنَّ بَقَاءَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ لَا يَمْنَعُ ارْتِفَاعَ الْآخَرِ.كَمَا لَوِ اغْتَسَلَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَر.وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَيْضُهَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.

(أ) غُسْلُ الْحَائِضِ:

31- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ مُوجِبٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ لِاسْتِبَاحَةِ مَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِالْحَيْضِ، «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْت تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» وَأَمَرَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ وَسَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ وَغَيْرَهُنَّ.وَيُؤَيِّدُهُ قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} أَيْ إِذَا اغْتَسَلْنَ، فَمَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الِانْقِطَاعَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، إِمَّا حَقِيقَةً، بِأَنْ أَرَادَتْ صَلَاةَ مَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْت مِنْ نَافِلَةٍ أَوْ مَقْضِيَّةٍ، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، إِذْ بِدُخُولِهِ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَيَجِبُ تَحْصِيلُ شُرُوطِهَا وَإِنْ لَمْ تُرِدِ الْفِعْلَ فَهِيَ مُرِيدَةٌ حُكْمًا لِكَوْنِ الشَّارِعِ أَلْجَأَهَا إِلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْإِرَادَةِ فَهِيَ مُرِيدَةٌ بِالْقُوَّةِ.

وَغُسْلُ الْحَيْضِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ، غَيْرِ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحِدَّةِ تَطْيِيبُ مَوْضِعِ الدَّمِ.لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَة- رضي الله عنها- «أَنَّ أَسْمَاءَ- رضي الله عنها-، سَأَلْتِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ؟ فَقَالَ: تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ.ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ.ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا.فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ.تَطَهَّرِينَ بِهَا.فَقَالَتْ عَائِشَةُ.كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ.وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ.ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ.حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا.ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ.فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ».

(ب) طَهَارَةُ الْحَائِضِ:

32- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي طَهَارَةِ جَسَدِ الْحَائِضِ، وَعَرَقِهَا، وَسُؤْرِهَا، وَجَوَازِ أَكْلِ طَبْخِهَا وَعَجْنِهَا، وَمَا مَسَّتْهُ مِنَ الْمَائِعَاتِ، وَالْأَكْلُ مَعَهَا وَمُسَاكَنَتُهَا، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَا يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ.فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: » اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ «فَأَنْكَرَتِ الْيَهُودُ ذَلِكَ.فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَذَا كَذَا، فَلَا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا».

وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَائِشَةَ: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ.قَالَ: إِنَّ حَيْضَتَك لَيْسَتْ فِي يَدِك».«وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَشْرَبُ مِنْ سُؤْرِ عَائِشَةَ وَهِيَ حَائِضٌ، وَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيهَا».وَكَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ حَائِضٌ.

وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.

(3) الصَّلَاةُ:

33- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مِنَ الْحَائِضِ إِذِ الْحَيْضُ مَانِعٌ لِصِحَّتِهَا.كَمَا أَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَدَاؤُهَا.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» كَمَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَنْهَا.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْحَائِضِ.

كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ مَا فَاتَ الْحَائِضَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِمَا رَوَتْ مُعَاذَةُ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ.وَلَكِنْ أَسْأَلُ.فَقَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ قَضَائِهَا لِلصَّلَاةِ إِذَا أَرَادَتْ قَضَاءَهَا.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ قَضَائِهَا، وَتَنْعَقِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا ثَوَابَ فِيهِ، لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، لِذَاتِ الصَّلَاةِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِذَاتِهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ.وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ بِحُرْمَتِهَا.وَخَالَفَ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ بِصِحَّتِهَا وَانْعِقَادِهَا عَلَى قَوْلِ الْكَرَاهَةِ الْمُعْتَمَدِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ طَلَبِ الْعِبَادَةِ عَدَمُ انْعِقَادِهَا.وَقِيلَ لِأَحْمَد فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ.وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إِلاَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ.

إِدْرَاكُ وَقْتِ الصَّلَاةِ:

الْحَائِضُ إِمَّا أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَنْ تَكُونَ طَاهِرًا ثُمَّ يَطْرَأَ الْحَيْضُ، أَوْ تُدْرِكَ آخِرَ الْوَقْتِ بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا ثُمَّ تَطْهُرَ.

(أ) إِدْرَاكُ أَوَّلِ الْوَقْتِ:

34- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا أَدْرَكَتِ الْحَائِضُ أَوَّلَ الْوَقْتِ، بِأَنْ كَانَتْ طَاهِرًا ثُمَّ حَاضَتْ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ طَرَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ سَقَطَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَلَوْ بَعْدَ مَا افْتَتَحَتِ الْفَرْضَ.

أَمَّا لَوْ طَرَأَ وَهِيَ فِي التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ حَدَثَ الْحَيْضُ فِي وَقْتٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ سَقَطَتِ الصَّلَاتَانِ، وَإِنْ حَدَثَ فِي وَقْتٍ مُخْتَصٍّ بِإِحْدَاهُمَا، سَقَطَتِ الْمُخْتَصَّةُ بِالْوَقْتِ وَقُضِيَتِ الْأُخْرَى.فَمِثْلًا إِنَّ أَوَّلَ الزَّوَالِ مُخْتَصٌّ بِالظُّهْرِ إِلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ تَشْتَرِكُ الصَّلَاتَانِ إِلَى أَنْ تَخْتَصَّ الْعَصْرُ بِأَرْبَعٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي الْحَضَرِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ.فَلَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي وَقْتِ الِاشْتِرَاكِ سَقَطَتِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتِ الِاخْتِصَاصِ بِالْعَصْرِ وَكَانَتْ لَمْ تُصَلِّ الظُّهْرَ وَلَا الْعَصْرَ سَقَطَ عَنْهَا قَضَاءُ الْعَصْرِ وَحْدَهَا، وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتِ الِاخْتِصَاصِ بِالظُّهْرِ سَقَطَتْ، وَإِنْ تَمَادَى الْحَيْضُ إِلَى وَقْتِ الِاشْتِرَاكِ سَقَطَتِ الْعَصْرُ، فَإِنِ ارْتَفَعَ قَبْلَهُ وَجَبَتْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ طَرَأَ الْحَيْضُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ فَقَطْ إِنْ أَدْرَكَتْ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَلَا تَجِبُ مَعَهَا الصَّلَاةُ الَّتِي تَجْمَعُ مَعَهَا بَعْدَهَا، وَيَجِبُ الْفَرْضُ الَّذِي قَبْلَهَا أَيْضًا، إِنْ كَانَتْ تَجْمَعُ مَعَهَا وَأَدْرَكَتْ قَدْرَهُ وَلَمْ تَكُنْ قَدْ صَلَّتْهُ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَدْرَكَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ طَرَأَ الْحَيْضُ لَزِمَهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي أَدْرَكَتِ التَّكْبِيرَةَ مِنْ وَقْتِهَا فَقَطْ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى مُكَلَّفٍ، لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا، فَإِذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا.فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ.وَلَا تَلْزَمُهَا غَيْرُ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ طُرُوءِ الْحَيْضِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ وَقْتِهَا، وَلَا مِنْ وَقْتِ تَبَعِهَا فَلَمْ تَجِبْ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


19-موسوعة الفقه الكويتية (حيض 3)

حَيْضٌ -3

(ب) إِدْرَاكُ آخِرِ الْوَقْتِ:

35- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ الْوَقْتِ الَّذِي تُدْرِكُ فِيهِ الْحَائِضُ الصَّلَاةَ إِنْ طَهُرَتْ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَانْقِطَاعِهِ قَبْلَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُبْتَدَأَةِ، وَانْقِطَاعِ دَمِ الْمُعْتَادَةِ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، أَوْ قَبْلَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَادَةِ.

فَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ لِأَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ لَوْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ تَحْرِيمَةٍ، وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهَا الِاغْتِسَالُ فِيهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ.فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ هَذَا الْمِقْدَارُ فَلَا قَضَاءَ وَلَا أَدَاءَ.فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنَ الْوَقْتِ بِقَدْرِ التَّحْرِيمَةِ.فَلَوْ كَانَتْ فِيهِ طَاهِرَةً وَجَبَتِ الصَّلَاةُ وَإِلاَّ فَلَا.

وَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُ الدَّمِ قَبْلَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُبْتَدَأَةِ، أَوْ كَانَ انْقِطَاعُهُ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا- قَبْلَ تَمَامِ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ- أَوْ قَبْلَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَادَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ إِنْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ، وَالْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْمَاءِ.وَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ بَقَاءِ قَدْرِ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ، لِأَنَّ زَمَانَ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ حَيْضٌ، فَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا قَبْلَ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُهُ وَيَسَعُ التَّحْرِيمَةَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ زَمَانِ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ التَّحْرِيمَةِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوِ انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَكْثَرَ الْمُدَّةِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ، لِأَنَّ زَمَانَ الْغُسْلِ أَوِ التَّيَمُّمِ مِنَ الطُّهْرِ، لِئَلاَّ يَزِيدَ الْحَيْضُ عَنِ الْعَشَرَةِ، فَبِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ تَخْرُجُ مِنَ الْحَيْضِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ بَعْدَهُ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ تَحَقَّقَ طُهْرُهَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ، وَالْمَقْصُودُ بِالْغُسْلِ هُنَا الْغُسْلُ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ، كَالِاسْتِقَاءِ، وَخَلْعِ الثِّيَابِ، وَالتَّسَتُّرِ عَنِ الْأَعْيُنِ، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغُسْلُ الْفَرْضُ لَا الْمَسْنُونُ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ رُجْحَانُ جَانِبِ الطَّهَارَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ تُدْرِكُ الصَّلَاةَ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً تَامَّةً، وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، فَإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ الطُّلُوعِ، أَوِ الْغُرُوبِ، أَوِ الْفَجْرِ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَلَا تُدْرِكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتُدْرِكُ الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ إِذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِهِمَا الضَّرُورِيِّ مَا يَسَعُ فَضْلَ رَكْعَةٍ عَلَى الصَّلَاةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، فَإِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ صَلَّتِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّتِ الْمَغْرِبَ بَقِيَتْ رَكْعَةٌ لِلْعِشَاءِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ وَقَدْ أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ، فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا فَقَطْ إِنْ لَمْ تَجْمَعْ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَضَاؤُهَا وَقَضَاءُ مَا قَبْلَهَا إِنْ كَانَتْ تَجْمَعُ، فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَبَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةً لَزِمَهَا قَضَاءُ الصُّبْحِ فَقَطْ، لِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا لَا تُجْمَعُ إِلَيْهَا.وَإِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ لَزِمَهَا قَضَاءُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَذَا إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِمِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ لَزِمَهَا قَضَاءُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ «تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَلَّتِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا» لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى فِي حَالَةِ الْعُذْرِ، فَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا فَوْقَ الْعُذْرِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ لِأَنَّهُ إِدْرَاكٌ.

(4) الصَّوْمُ:

36- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» فَإِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَسَدَ صَوْمُهَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ.

كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي الْحَيْضِ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ، لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ وَلَا تَخْلُو عَنْهُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي الشَّهْرِ غَالِبًا، وَالتَّأْخِيرُ إِلَى سِنِّ الْيَأْسِ فِيهِ خَطَرٌ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَنَحْوَهَا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (كَفَّارَةٌ).

إِدْرَاكُ الصَّوْمِ:

لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ حِينَئِذٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ لَهَا التَّمَادِي عَلَى تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِمْسَاكُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَلْزَمُهَا الْإِمْسَاكُ.

كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَهُرَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْفَتْرَةِ الَّتِي إِذَا انْقَطَعَ فِيهَا الدَّمُ فَإِنَّهُ يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا إِلاَّ بِهَذَا، وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُهُمَا يَجْزِيهَا، لِأَنَّ الْعِشَاءَ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً.وَالْمُرَادُ بِالْغُسْلِ هُنَا مَا يَشْمَلُ مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا فِي غُسْلِ الْحَائِضِ لِلصَّلَاةِ.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا إِنْ رَأَتِ الطُّهْرَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِلَحْظَةٍ وَجَبَ الصَّوْمُ، بِأَنْ رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ مُقَارِنَةً لِلْفَجْرِ وَنَوَتِ الصَّوْمَ حِينَئِذٍ.وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُعْتَادَةَ الْقَصَّةِ لَا تَنْتَظِرُهَا هُنَا، بَلْ مَتَى رَأَتْ أَيَّ عَلَامَةٍ جُفُوفًا كَانَتْ أَوْ قَصَّةً، وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّوْمُ، وَيَصِحُّ صَوْمُهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ إِلاَّ بَعْدَ الْفَجْرِ، بَلْ إِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ أَصْلًا، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّوْمِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ مَتَى انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ وَجَبَ عَلَيْهَا الصَّوْمُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فَتْرَةً مُعَيَّنَةً كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِذَا انْقَطَعَ الْحَيْضُ ارْتَفَعَ تَحْرِيمُ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ.

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا نَوَتِ الْحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا، ثُمَّ انْقَطَعَ لَيْلًا صَحَّ إِنْ تَمَّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ، وَكَذَا قَدْرُ الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ.كَمَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِمِثْلِ هَذَا، فَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَتِ الْحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ لَيْلًا صَحَّ.

(5) الْحَجُّ:

أ- أَغْسَالُ الْحَجِّ:

37- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى سُنِّيَّةِ أَغْسَالِ الْحَجِّ لِلْحَائِضِ، لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ: قَالَتْ: قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».فَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْإِحْرَامِ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ.وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ الِاغْتِسَالَ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَلَمْ يَسْتَحِبُّوهُ لِلْحَائِضِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ، فَلِذَا لَا يُطْلَبُ مِنَ الْحَائِضِ لِمَنْعِهَا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ.

ب- الطَّوَافُ:

38- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ إِلاَّ الطَّوَافَ، «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ».

ثُمَّ إِنَّ الْأَطْوِفَةَ الْمَشْرُوعَةَ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ: طَوَافُ الْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَدَا الْمَالِكِيَّةَ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِهِ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِالِاتِّفَاقِ، وَطَوَافُ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَدَا الْمَالِكِيَّةَ حَيْثُ قَالُوا بِسُنِّيَّتِهِ.

فَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْقُدُومِ سَقَطَ عَنْهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِسُنِّيَّتِهِ.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَيْثُ بَقِيَ عُذْرُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْإِتْيَانُ بِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّهَا تَبْقَى عَلَى إِحْرَامِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَطُوفَ.فَإِنْ طَافَتْ وَهِيَ حَائِضٌ فَلَا يَصِحُّ طَوَافُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ- الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَهُ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ غَيْرُ طَاهِرَةٍ، وَتَأْثَمُ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ.

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلَا طَوَافِ وَدَاعٍ، تَخْفِيفًا عَلَيْهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ صَفِيَّةَ- رضي الله عنها- حَاضَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَنْصَرِفَ بِلَا وَدَاعٍ».وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُفْتِي أَنْ تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ.فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِمَّا لَا.فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ، هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: فَرَجَعَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَرَاكَ إِلاَّ قَدْ صَدَقْتَ.

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ بُنْيَانِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ فَتَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا دَمٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا طَهُرَتْ خَارِجَ مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ).

أ- قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ:

39- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ لِلْقُرْآنِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا لِلْقُرْآنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ».

وَهُنَاكَ تَفْصِيلَاتٌ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:

فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ حُرْمَةُ قِرَاءَتِهَا لِلْقُرْآنِ وَلَوْ دُونَ آيَةٍ مِنَ الْمُرَكَّبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ، وَذَلِكَ إِذَا قَصَدَتِ الْقِرَاءَةَ، فَإِنْ لَمْ تَقْصِدِ الْقِرَاءَةَ بَلْ قَصَدَتِ الثَّنَاءَ أَوِ الذِّكْرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَلَوْ قَرَأَتِ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ، وَلَمْ تُرِدِ الْقِرَاءَةَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَصَرَّحُوا أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاءِ كَسُورَةِ الْمَسَدِ، لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ نِيَّةُ الدُّعَاءِ فَيَحْرُمُ، وَقَدْ أَجَازُوا لِلْمُعَلِّمَةِ الْحَائِضِ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ كَلِمَةً كَلِمَةً، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَطِّعَ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ، لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ بِالْكَلِمَةِ قَارِئَةً.كَمَا أَجَازُوا لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَهَجَّى بِالْقُرْآنِ حَرْفًا حَرْفًا، أَوْ كَلِمَةً كَلِمَةً مَعَ الْقَطْعِ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَكَرِهُوا لَهَا قِرَاءَةَ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَا يُكْرَهُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ، وَلَا سَائِرُ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ حُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْحَائِضِ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ، كَحَرْفٍ لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ سَوَاءٌ أَقَصَدَتْ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهَا أَمْ لَا، وَصَرَّحُوا بِجَوَازِ إِجْرَاءِ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ، وَجَوَازِ النَّظَر فِي الْمُصْحَفِ، وَإِمْرَارِ مَا فِيهِ فِي الْقَلْبِ، وَكَذَا تَحْرِيكُ لِسَانِهَا وَهَمْسُهَا بِحَيْثُ لَا تُسْمِعُ نَفْسَهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ.وَيَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ فَصَاعِدًا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ بَعْضِ آيَةٍ، لِأَنَّهُ لَا إِعْجَازَ فِيهِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، كَمَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَكْرِيرُ بَعْضِ آيَةٍ مَا لَمْ تَتَحَيَّلْ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهَا.وَلَهَا تَهْجِيَةُ آيِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ لَهُ، وَلَهَا التَّفَكُّرُ فِيهِ وَتَحْرِيكُ شَفَتَيْهَا بِهِ مَا لَمْ تُبَيِّنِ الْحُرُوفَ، وَلَهَا قِرَاءَةُ أَبْعَاضِ آيَةٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوْ آيَاتٍ سَكَتَتْ بَيْنَهَا سُكُوتًا طَوِيلًا.وَلَهَا قَوْلُ مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ وَلَمْ تَقْصِدْهُ، كَالْبَسْمَلَةِ، وَقَوْلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَآيَةِ الِاسْتِرْجَاعِ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} وَآيَةِ الرُّكُوبِ، وَلَهَا أَيْضًا أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهَا وَهِيَ سَاكِتَةٌ، لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تُنْسَبُ إِلَى الْقِرَاءَةِ، وَلَهَا أَنْ تَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِذَا خَافَتْ نِسْيَانَهُ، بَلْ يَجِبُ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَالِ اسْتِرْسَالِ الدَّمِ مُطْلَقًا، كَانَتْ جُنُبًا أَمْ لَا، خَافَتِ النِّسْيَانَ أَمْ لَا.وَأَمَّا إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا، فَلَا تَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ حَتَّى تَغْتَسِلَ جُنُبًا كَانَتْ أَمْ لَا، إِلاَّ أَنْ تَخَافَ النِّسْيَانَ.

هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى التَّطَهُّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا جَازَ لَهَا الْقِرَاءَةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ جُنُبًا قَبْلَ الْحَيْضِ.فَإِنْ كَانَتْ جَنْبًا قَبْلَهُ فَلَا تَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ.

(ب) مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ:

40- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ مَسُّ الْمُصْحَفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وَلِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا، وَكَانَ فِيهِ: لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ» وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَلِّمَةَ وَالْمُتَعَلِّمَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا مَسُّ الْمُصْحَفِ.وَهُنَاكَ تَفْصِيلَاتٌ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُصْحَفٌ).

دُخُولُ الْمَسْجِدِ:

41- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحَائِضِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الِاعْتِكَافُ كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ عُبُورِهَا لِلْمَسْجِدِ دُونَ لُبْثٍ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ، كَالْخَوْفِ مِنَ السَّبُعِ قِيَاسًا عَلَى الْجُنُبِ لقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} وَاللِّصِّ وَالْبَرْدِ وَالْعَطَشِ، وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُنَاوِلَهُ الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ إِنَّهَا حَائِضٌ فَقَالَ حَيْضَتُك لَيْسَتْ بِيَدِكِ»، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَنْ تَتَيَمَّمَ ثُمَّ تَدْخُلَ.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ حُرْمَةَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ لِلْمُكْثِ أَوْ لِلْعُبُورِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولَهَا لِلطَّوَافِ.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ مُرُورِهَا فِي الْمَسْجِدِ إِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ، لِأَنَّ تَلْوِيثَهُ بِالنَّجَاسَةِ مُحَرَّمٌ، وَالْوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ.فَإِنْ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ عُبُورِهَا الْمَسْجِدَ، وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ إِذَا عَبَرَتْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَمِنَ الْحَاجَةِ الْمُرُورُ مِنَ الْمَسْجِدِ، لِبُعْدِ بَيْتِهَا مِنْ طَرِيقٍ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَقُرْبِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ مُرُورِهَا فِي الْمَسْجِدِ حِينَئِذٍ.قَالَ أَحْمَدُ- فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ- تَمُرُّ وَلَا تَقْعُدُ.

كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُولِ الْحَائِضِ مُصَلَّى الْعِيدِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَكَذَا مُصَلَّى الْجِنَازَةِ إِذْ لَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الْأَصَحِّ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ مُصَلَّى الْعِيدِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى»، وَأَجَازُوا مُصَلَّى الْجَنَائِزِ لَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ.

الِاسْتِمْتَاعُ بِالْحَائِضِ:

42- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي الْفَرَجِ لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ» وَحَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَنْ بِهِ شَبَقٌ لَا تَنْدَفِعُ شَهْوَتُهُ بِدُونِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَيَخَافُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ إِنْ لَمْ يَطَأْ، وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ، بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَةٍ أُخْرَى.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ- إِلَى حُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا.قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَمْلِكُ إِرْبَهُ» وَعَنْ مَيْمُونَةَ- رضي الله عنها- نَحْوُهُ.وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ» وَلِأَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حَرِيمٌ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الْحِمَى.

وَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ.

وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ.كَمَا مَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ النَّظَرَ إِلَى مَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِجَوَازِهِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالرُّكْبَةِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا دُونَ الْإِزَارِ» وَمَحَلُّهُ الْعَوْرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الرُّكْبَةُ.وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الِاسْتِمْتَاعَ بِالسُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ حُكْمَ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ لِزَوْجِهَا، وَقَرَّرُوا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا مُبَاشَرَتُهَا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَهَذَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَيُسْتَحَبُّ لَهُ حِينَئِذٍ سَتْرُ الْفَرْجِ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي النُّكَتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ إِمَامِنَا وَأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ أَوْ يَخَافَ، وَصَوَّبَ الْمِرْدَاوِيُّ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ لِئَلاَّ يَكُونَ طَرِيقًا إِلَى مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ.

كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ:

43- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ فِي الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَامِدِ الْمُخْتَارِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ.وَقَدْ أَوْجَبَ الْحَنَابِلَةُ نِصْفَ دِينَارٍ ذَهَبًا كَفَّارَةً فِي وَطْءِ الْحَائِضِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ إِنْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَبِنِصْفِهِ إِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ وَسَطِهِ.لِحَدِيثِ: «إِذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِنْ كَانَ دَمًا أَحْمَر فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ» وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَطْءُ الْحَائِضِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ:

44- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْءُ الْحَائِضِ حَتَّى تَطْهُرَ- يَنْقَطِعَ الدَّمُ- وَتَغْتَسِلَ.فَلَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ، قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِحِلِّ الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالْغُسْلَ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ يَنْقَطِعَ دَمَهُنَّ. {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أَيِ اغْتَسَلْنَ بِالْمَاءِ {فَأَتَوْهُنَّ}.وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ لِعُذْرٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي حِلِّ الْوَطْءِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْغُسْلِ حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا.

وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِأَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ لِأَقَلِّهِ، وَكَذَا بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ قَبْلَ عَادَتِهَا.فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْمُدَّةِ فِي الْحَيْضِ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِدُونِ غُسْلٍ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ لِمَا بَعْدَ الْغُسْلِ.

وَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ أَوْ لِتَمَامِ الْعَادَةِ فِي الْمُعْتَادَةِ بِأَنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنِ الْعَادَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ، أَوْ أَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ مِقْدَارُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا بِمُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا بَعْدَهُ وَلَوْ قَبْلَ الْغُسْلِ.

وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ الْعَادَةِ وَفَوْقَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنِ اغْتَسَلَتْ، لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ، فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ، فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا الْمُعْتَادُ لَهَا عَشَرَةً فَحَاضَتْ ثَلَاثَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا مَا لَمْ تَمْضِ الْعَادَةُ.

طَلَاقُ الْحَائِضِ:

45- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي فَتْرَةِ الْحَيْضِ حَرَامٌ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِنَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ «ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ0 وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ» وَلِمُخَالِفَتِهِ قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ، وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنَ الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّ فِي إِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَيْثُ إِنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تُحْسَبُ مِنْهَا.

كَمَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ- رضي الله عنه- بِالْمُرَاجَعَةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَفِي لَفْظِ الدَّارَقُطْنِيِّ، «قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتُ لَوْ أَنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا.قَالَ: كَانَتْ تَبِينُ مِنْكَ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً» قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهِ، رَاجَعَهَا كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-، وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ فِي مَحَلِّهِ فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْحَامِلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَيُعْتَبَرُ لِوُقُوعِهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ بَلْ هُوَ إِزَالَةُ عِصْمَةٍ وَقَطْعُ مِلْكٍ، فَإِيقَاعُهُ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ أَوْلَى تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَعُقُوبَةً لَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ مُرَاجَعَتِهَا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مُرَاجَعَتَهَا سُنَّةٌ.

وَمَا سَبَقَ مِنْ أَحْكَامٍ إِنَّمَا هُوَ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَوْ مِنْ فِي حُكْمِهَا.وَلِمَزِيدٍ مِنَ التَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (طَلَاقٌ).

خُلْعُ الْحَائِضِ:

46- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى جَوَازِ الْخُلْعِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لِإِطْلَاقِ قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَلِحَاجَتِهَا إِلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ إِلَى مَنْعِ الْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُلْعٌ).

مَا يَحِلُّ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ:

47- إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لَمْ يَحِلَّ مِمَّا حَرُمَ غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ، وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ الصَّوْمُ وَالطَّلَاقُ بِالِانْقِطَاعِ دُونَ الْغُسْلِ، أَمَّا الصَّوْمُ فَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنَ الْجُنُبِ، وَقَدْ زَالَ، وَأَمَّا بِالطَّلَاقِ فَلِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ

أَحْكَامٌ عَامَّةٌ:

1- إِنْزَالُ وَرَفْعُ الْحَيْضِ بِالدَّوَاءِ:

48- صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ إِنْ أُمِنَ الضَّرَرُ، وَذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الزَّوْجِ.لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَلَدِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ مَخَافَةَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى نَفْسِهَا ضَرَرًا بِذَلِكَ فِي جِسْمِهَا.كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَشْرَبَ دَوَاءً مُبَاحًا لِحُصُولِ الْحَيْضِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا غَرَضٌ مُحَرَّمٌ شَرْعًا كَفِطْرِ رَمَضَانَ فَلَا يَجُوزُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى شَرِبَتْ دَوَاءً وَارْتَفَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهَا بِالطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً وَنَزَلَ الْحَيْضُ قَبْلَ وَقْتِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ النَّازِلَ غَيْرُ حَيْضٍ وَأَنَّهَا طَاهِرٌ.فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَتُصَلِّي وَتَصُومُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ حَيْضٍ، وَتَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَيْضٌ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا شَرِبَتِ الْمَرْأَةُ دَوَاءً فَنَزَلَ الدَّمُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ حَيْضٌ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ.

2- ادِّعَاءُ الْحَيْضِ:

49- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهَا وُجُوبًا، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَذَّبَهَا، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ مِمَّا إِذَا كَانَتْ عَفِيفَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فَاسِقَةً وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْحَيْضِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا اتِّفَاقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا إِنْ أَخْبَرَتْهُ بِالْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتُهَا إِنْ صَدَّقَهَا وَإِلاَّ فَلَا، وَإِذَا صَدَّقَهَا وَادَّعَتْ دَوَامَهُ صُدِّقَتْ.

3- مَا يَتَّفِقُ فِيهِ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مِنْ أَحْكَامٍ وَمَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ:

50- حُكْمُ النِّفَاسِ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ:

1- الِاعْتِدَادُ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ، لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْقُرُوءِ، وَالنِّفَاسُ لَيْسَ بِقُرْءٍ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ.

2- حُصُولُ الْبُلُوغِ بِالْحَيْضِ دُونَ النِّفَاسِ حَيْثُ إِنَّ الْبُلُوغَ يَحْصُلُ قَبْلَهُ بِالْحَمْلِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْعَقِدُ مِنْ مَائِهِمَا لقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}.

3- الْحَيْضُ يَكُونُ اسْتِبْرَاءً، بِخِلَافِ النِّفَاسِ.

4- الْحَيْضُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ النِّفَاسِ.

5- احْتِسَابُ الْحَيْضِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ دُونَ النِّفَاسِ.

6- يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ الْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ بِخِلَافِ النِّفَاسِ.

7- أَقَلُّ الْحَيْضِ مَحْدُودٌ، وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ، وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ، أَوْ سِتُّونَ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


20-موسوعة الفقه الكويتية (طلاق 1)

طَلَاقٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الطَّلَاقُ فِي اللُّغَةِ: الْحَلُّ وَرَفْعُ الْقَيْدِ، وَهُوَ اسْمٌ مَصْدَرُهُ التَّطْلِيقُ، وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ: طَلُقَتِ الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ فَهِيَ طَالِقٌ بِدُونِ هَاءٍ، وَرُوِيَ بِالْهَاءِ (طَالِقَةٌ) إِذَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، وَيُرَادِفُهُ الْإِطْلَاقُ، يُقَالُ: طَلَّقْتُ وَأَطْلَقْتُ بِمَعْنَى سَرَّحْتُ، وَقِيلَ: الطَّلَاقُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا طَلُقَتْ، وَالْإِطْلَاقُ لِغَيْرِهَا إِذَا سُرِّحَ، فَيُقَالُ: طَلَّقْتُ الْمَرْأَةَ، وَأَطْلَقْتُ الْأَسِيرَ، وَقَدِ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ هَذَا الْفَرْقَ، فَقَالُوا: بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَكُونُ صَرِيحًا، وَبِلَفْظِ الْإِطْلَاقِ يَكُونُ كِنَايَةً.

وَجَمْعُ طَالِقٍ طُلَّقٌ، وَطَالِقَةٌ تُجْمَعُ عَلَى طَوَالِقَ، وَإِذَا أَكْثَرَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ كَانَ مِطْلَاقًا وَمِطْلِيقًا، وَطَلِقَةً.وَالطَّلَاقُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.

وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا: النِّكَاحُ الصَّحِيحُ خَاصَّةً، فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ الطَّلَاقُ، وَلَكِنْ يَكُونُ مُتَارَكَةً أَوْ فَسْخًا.

وَالْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ مِلْكُ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَقَدْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ بِإِنَابَتِهِ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ، أَوْ بِدُونِ إِنَابَةٍ، كَالْقَاضِي فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ فِي تَعْرِيفِ الطَّلَاقِ نَقْلًا عَنِ التَّهْذِيبِ: تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ، فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْفَسْخُ:

2- الْفَسْخُ فِي اللُّغَةِ: النَّقْضُ وَالْإِزَالَةُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: حَلُّ رَابِطَةِ الْعَقْدِ وَبِهِ تَنْهَدِمُ آثَارُ الْعَقْدِ وَأَحْكَامُهُ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْهُ.

وَبِهَذَا يُقَارِبُ الطَّلَاقَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ الْفَسْخَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ الْمُنْشِئِ لِهَذِهِ الْآثَارِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ، وَلَكِنْ يُنْهِي آثَارَهُ فَقَطْ.

الْمُتَارَكَةُ:

3- الْمُتَارَكَةُ فِي اللُّغَةِ: الرَّحِيلُ وَالْمُفَارَقَةُ مُطْلَقًا، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ لِلْإِسْقَاطِ فِي الْمَعَانِي، يُقَالُ: تَرَكَ حَقَّهُ إِذَا أَسْقَطَهُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَرْكُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالتَّرْكُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِالْقَوْلِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، كَقَوْلِهِ لَهَا: خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوْ تَرَكْتُكِ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْأَصَحِّ.

وَالْمُتَارَكَةُ تُوَافِقُ الطَّلَاقَ مِنْ وَجْهٍ وَتُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ، تُوَافِقُهُ فِي حَقِّ إِنْهَاءِ آثَارِ النِّكَاحِ، وَفِي أَنَّهَا حَقُّ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَتُخَالِفُهُ فِي أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ وَاحِدَةً، وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَمَخْصُوصٌ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ.

الْخُلْعُ:

4- الْخُلْعُ فِي اللُّغَةِ: النَّزْعُ، وَخَالَعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُخَالَعَةً وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ إِذَا افْتَدَتْ مِنْهُ وَطَلَّقَهَا عَلَى الْفِدْيَةِ، وَالْمَصْدَرُ الْخَلْعُ، وَالْخُلْعُ اسْمٌ.وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ: إِزَالَة

ُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مُقَابِلَ عِوَضٍ تَلْتَزِمُ بِهِ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا لِلزَّوْجِ.وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ مَا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ.

التَّفْرِيقُ:

5- التَّفْرِيقُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ فَرَّقَ، وَفِعْلُهُ الثُّلَاثِيُّ فَرَقَ، يُقَالُ: فَرَقْتُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، أَيْ فَصَلْتُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ فِي الْمَعَانِي بِالتَّخْفِيفِ، يُقَالُ: فَرَقْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَبِالتَّشْدِيدِ فِي الْأَعْيَانِ، يُقَالُ: فَرَّقْتُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْخَطَّابِيُّ.وَقَالَ غَيْرُهُمَا: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالتَّشْدِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ.وَالتَّفْرِيقُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: إِنْهَاءُ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى طَلَبِ أَحَدِهِمَا لِسَبَبٍ، كَالشِّقَاقِ وَالضَّرَرِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ..أَوْ بِدُونِ طَلَبٍ مِنْ أَحَدٍ حِفْظًا لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَمَا إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ.

وَمَا يَقَعُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي: طَلَاقٌ بَائِنٌ فِي أَحْوَالٍ، وَفَسْخٌ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى، وَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.

الْإِيلَاءُ:

6- الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ الْحَلِفُ، مِنْ آلَى يُؤْلِي إِيلَاءً، يُجْمَعُ عَلَى أَلَايَا.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى تَرْكِ قُرْبِ زَوْجَتِهِ مُدَّةً مَخْصُوصَةً.وَقَدْ حَدَّدَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فَإِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ بِغَيْرِ قُرْبٍ مِنْهُ لَهَا طَلُقَتْ مِنْهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاسْتَحَقَّتِ الطَّلَاقَ مِنْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، حَيْثُ تَرْفَعُهُ الزَّوْجَةُ لِلْقَاضِي لِيُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْفِرَاقِ، فَإِنْ قَرِبَهَا انْحَلَّ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ رَفَضَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ.

اللِّعَانُ:

7- اللَّعْنُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنَ الْخَيْرِ، وَالْمِسَبَّةُ، يُقَالُ: لَعَنَهُ لَعْنًا، وَلَاعَنَهُ مُلَاعَنَةً، وَلِعَانًا، وَتَلَاعَنُوا، إِذَا لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: عَرَّفَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: بِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْرُوفَةِ.وَقَدْ سُمِّيَ بِاللِّعَانِ لِمَا فِي قَوْلِ الزَّوْجِ فِي الْأَيْمَانِ: إِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَذَلِكَ وَفْقًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.وَالتَّحْرِيمُ بَعْدَ اللِّعَانِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَكُونُ عَلَى التَّأْبِيدِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ كَذَلِكَ.

الظِّهَارُ:

8- الظِّهَارُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: «أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي»، وَكَانَ عِنْدَ الْعَرَبِ ضَرْبًا مِنَ الطَّلَاقِ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ زَوْجَتَهُ أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ، بِخِلَافِ زَوْجَةِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَيُسَمَّى الظِّهَارُ بِذَلِكَ لِمَا غَلَبَ عَلَى الْمُظَاهِرَيْنِ مِنَ التَّشْبِيهِ بِظَهْرِ الْمُحَرَّمِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: «أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي» وَإِنْ كَانَ الظِّهَارُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالتَّشْبِيهِ بِالظَّهْرِ.

وَلَا تَفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الظِّهَارِ، وَلَكِنْ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يُكَفِّرَ الْمُظَاهِرُ، فَإِنْ كَفَّرَ حَلَّتْ لَهُ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلطَّلَاقِ:

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَصْلِ مَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا:

1- قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.

2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.

3- قَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ».

4- حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا».

5- حَدِيثُ «ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي حَيْضِهَا، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِارْتِجَاعِهَا ثُمَّ طَلَاقِهَا بَعْدَ طُهْرِهَا، إِنْ شَاءَ».

6- إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ- لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ لِلطَّلَاقِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْهَا فِي أَحْوَالٍ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ، وَيَخْرُجُ عَنِ الْحَظْرِ فِي أَحْوَالٍ.وَعَلَى كُلٍّ فَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ؛ فَيَكُونُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا، كَمَا يَكُون مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا وَذَلِكَ بِحَسَبِ الظُّرُوفِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي تُرَافِقُهُ، بِحَسَبِ مَا يَلِي: -

1- فَيَكُونُ وَاجِبًا كَالْمُولِي إِذَا أَبَى الْفَيْئَةَ إِلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ، عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَإِنَّهُمْ يُوقِعُونَ الْفُرْقَةَ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ حُكْمًا، وَكَطَلَاقِ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَرَأَيَا الطَّلَاقَ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالتَّفْرِيقِ لِذَلِكَ.

2- وَيَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ إِذَا فَرَّطَتِ الزَّوْجَةُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا- مِثْلِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا- وَكَذَلِكَ يُنْدَبُ الطَّلَاقُ لِلزَّوْجِ إِذَا طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ لِلشِّقَاقِ.

3- وَيَكُونُ مُبَاحًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِدَفْعِ سُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ وَسُوءِ عِشْرَتِهَا، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُحِبُّهَا.

4- وَيَكُونُ مَكْرُوهًا إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مِنْ دَاعٍ إِلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: هُوَ حَرَامٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالزَّوْجَةِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ إِلَيْهِ.

5- وَيَكُونُ حَرَامًا وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الْبِدْعِيُّ، وَسَوْفَ يَأْتِي بَيَانُهُ.قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ: مِنْ حُرْمَةٍ وَكَرَاهَةٍ، وَوُجُوبٍ وَنَدْبٍ.

حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الطَّلَاقِ:

10- لَقَدْ نَبَّهَ الْإِسْلَامُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ إِلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ الشَّرِيكِ وَالشَّرِيكَةِ فِي الزَّوَاجِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ».وَقَالَ: «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَلَعَلَّ أَمْوَالَهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ، أَفْضَلُ» وَقَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» «وَقَالَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عِنْدَمَا خَطَبَ امْرَأَةً: انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا».وَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»، وَقَالَ لِأَوْلِيَاءِ النِّسَاءِ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ».

إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ- عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ- قَدْ لَا يَضْمَنُ اسْتِمْرَارَ السَّعَادَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَرُبَّمَا قَصَّرَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْأَخْذِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُبَّمَا أَخَذَا بِهِ، وَلَكِنْ جَدَّ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ الْهَانِئَيْنِ مَا يُثِيرُ بَيْنَهُمَا الْقَلَاقِلَ وَالشِّقَاقَ، كَمَرَضِ أَحَدِهِمَا أَوْ عَجْزِهِ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ عَنَاصِرَ خَارِجَةٍ عَنِ الزَّوْجَيْنِ أَصْلًا، كَالْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ انْصِرَافَ الْقَلْبِ وَتَغَيُّرَهُ، فَيُبْدَأُ بِنُصْحِ الزَّوْجَيْنِ وَإِرْشَادِهِمَا إِلَى الصَّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَ التَّقْصِيرُ مِنَ الزَّوْجَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.

إِلاَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الصَّبْرِ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ لِلزَّوْجَيْنِ أَوْ لَا يَسْتَطِيعَانِهِ، فَرُبَّمَا كَانَتْ أَسْبَابُ الشِّقَاقِ فَوْقَ الِاحْتِمَالِ، أَوْ كَانَا فِي حَالَةٍ نَفْسِيَّةٍ لَا تُسَاعِدُهُمَا عَلَى الصَّبْرِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ: إِمَّا أَنْ يَأْمُرَ الشَّرْعُ بِالْإِبْقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مَعَ اسْتِمْرَارِ الشِّقَاقِ الَّذِي قَدْ يَتَضَاعَفُ وَيُنْتَجُ عَنْهُ فِتْنَةٌ، أَوْ جَرِيمَةٌ، أَوْ تَقْصِيرٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ تَفْوِيتُ الْحِكْمَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا شُرِعَ النِّكَاحُ، وَهِيَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ وَالنَّسْلُ الصَّالِحُ، وَإِمَّا أَنْ يَأْذَنَ بِالطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ، وَهُوَ مَا اتَّجَهَ إِلَيْهِ التَّشْرِيعُ الْإِسْلَامِيُّ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَتَمَحَّضُ طَرِيقًا لِإِنْهَاءِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِيَسْتَأْنِفَ الزَّوْجَانِ بَعْدَهُ حَيَاتَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُرْتَبِطَيْنِ بِرَوَابِطَ زَوْجِيَّةٍ أُخْرَى، حَيْثُ يَجِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْ يَأْلَفُهُ وَيَحْتَمِلُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}

وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: بِوُجُوبِ الطَّلَاقِ فِي أَحْوَالٍ، وَبِنَدْبِهِ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى- كَمَا تَقَدَّمَ- عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَذَلِكَ تَقْدِيمًا لِلضَّرَرِ الْأَخَفِّ عَلَى الضَّرَرِ الْأَشَدِّ، وَفْقًا لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ «يُخْتَارُ أَهْوَنُ الشَّرَّيْنِ».وَالْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْقَائِلَةُ: «الضَّرَرُ الْأَشَدُّ يُزَالُ بِالضَّرَرِ الْأَخَفِّ» وَيُسْتَأْنَسُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ زَوْجَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنَّنِي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».

مَنْ لَهُ حَقُّ الطَّلَاقِ:

11- الطَّلَاقُ: نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَرْقِ وَهُوَ مِلْكٌ لِلزَّوْجِ وَحْدَهُ، ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ مُفَارَقَةَ زَوْجَتِهِ إِذَا وَجَدَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى ذَلِكَ بِعِبَارَتِهِ وَإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، كَمَا تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ طَلَبَ إِنْهَاءِ عَلَاقَتِهَا الزَّوْجِيَّةِ إِذَا وُجِدَ مَا يُبَرِّرُ ذَلِكَ، كَإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ، وَغَيْبَةِ الزَّوْجِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابٍ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا تَوْسِعَةً وَتَضْيِيقًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِعِبَارَتِهَا، وَإِنَّمَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، إِلاَّ أَنْ يُفَوِّضَهَا الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ تَمْلِكُهُ بِقَوْلِهَا أَيْضًا.

فَإِذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى الْفِرَاقِ، جَازَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى قَضَاءٍ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي، فَإِنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَدْعُوهُ لِذَلِكَ، حِمَايَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا فِي رِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ- وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى- أَوْ إِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ وَامْتِنَاعِ الْآخَرِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ..إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُسَمَّى طَلَاقًا سِوَى الْأَوَّلِ الَّذِي يَكُونُ بِإِرَادَةِ الزَّوْجِ الْخَاصَّةِ وَعِبَارَتِهِ.وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَذَا حَقُّ الزَّوْجِ خَاصَّةً قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ».ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الْمُطَلِّقَ لَا يُسْأَلُ عَنْ سَبَبِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إِقْدَامِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا:

1- حِفْظُ أَسْرَارِ الْأُسْرَةِ.

2- حِفْظُ كَرَامَةِ الزَّوْجَةِ وَسُمْعَتِهَا.

3- الْعَجْزُ عَنْ إِثْبَاتِ الْكَثِيرِ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَسْبَابِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَكُونُ خَفِيَّةً يَصْعُبُ إِثْبَاتُهَا، فَإِذَا كَلَّفْنَاهُ بِذَلِكَ نَكُونُ قَدْ كَلَّفْنَاهُ بِمَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَوْ يُحْرِجُهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

4- ثُمَّ إِنَّ فِي إِقْدَامِ الزَّوْجِ عَلَى الطَّلَاقِ وَتَحَمُّلِهِ الْأَعْبَاءَ الْمَالِيَّةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ، مِنْ مَهْرٍ مُؤَجَّلٍ، وَنَفَقَةٍ وَمُتْعَةٍ- عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا- وَأُجْرَةِ حَضَانَةٍ لِلْأَوْلَادِ..لَقَرِينَةٌ كَافِيَةٌ عَلَى قِيَامِ أَسْبَابٍ مَشْرُوعَةٍ تَدْعُوهُ لِلطَّلَاقِ.

5- وَلِكَوْنِ الطَّلَاقِ مُبَاحًا أَصْلًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ، إِبَاحَةً مُطْلَقَةً عَنْ أَيِّ شَرْطٍ أَوْ قَيْدٍ.

مَحَلُّ الطَّلَاقِ:

12- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ الزَّوْجَةُ فِي زَوْجِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، حَصَلَ فِيهَا دُخُولٌ أَمْ لَا، فَلَوْ كَانَ الزَّوَاجُ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا، فَطَلَّقَهَا، لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ خَاصَّةً.وَهَلْ يُعَدُّ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مُتَارَكَةً؟ وَالْجَوَابُ: نَعَمْ، لَكِنْ لَا يَنْقُصُ بِهِ الْعَدَدُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ فَاسِدًا ثَلَاثًا، لَهُ تَزَوُّجُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ..لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاسِدِ، وَلِذَا كَانَ غَيْرَ مُنْقِصٍ لِلْعَدَدِ، بَلْ مُتَارَكَةً.وَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، لِانْعِدَامِ الزَّوْجِيَّةِ أَصْلًا.وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- إِلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثَانِيَةً، كَانَتَا طَلْقَتَيْنِ، مَا لَمْ يُرِدْ تَأْكِيدَ الْأُولَى، فَإِنْ أَرَادَ تَأْكِيدَ الْأُولَى لَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ، مَا لَمْ تَكُنْ قَرَائِنُ الْحَالِ تَمْنَعُ صِحَّةَ إِرَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُنْهِي الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، بِدَلَالَةِ جَوَازِ رُجُوعِهِ إِلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ دُونَ عَقْدٍ جَدِيدٍ.أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ بَائِنًا وَالْمَفْسُوخُ زَوَاجُهَا إِذَا طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْبَيْنُونَةُ صُغْرَى أَمْ كُبْرَى، وَكَذَلِكَ الْمَفْسُوخُ زَوَاجُهَا، وَذَلِكَ لِانْقِضَاءِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْفَسْخِ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُبَانَةَ بَيْنُونَةً صُغْرَى فِي عِدَّتِهَا زَوْجَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِدَلَالَةِ جَوَازِ عَوْدِهَا إِلَى زَوْجِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ، وَلَا يَجُوزُ زَوَاجُهَا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهَا مَحَلٌّ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا بَائِنًا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا أُخْرَى فِي عِدَّتِهَا كَانَتَا اثْنَتَيْنِ، هَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدَ الْأُولَى، فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدَ الْأُولَى لَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ.

وَأَمَّا الْمَفْسُوخُ زَوَاجُهَا فَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي عِدَّتِهَا إِذَا كَانَ سَبَبُ الْفَسْخِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْحُرْمَةُ غَيْرَ مُؤَبَّدَةٍ كَانَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فِي أَحْوَالٍ، وَغَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَابِدِينَ فَقَالَ: وَمَحَلُّهُ الْمَنْكُوحَةُ، أَيْ وَلَوْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ غَيْرِ ثَلَاثٍ فِي حُرَّةٍ وَثِنْتَيْنِ فِي أَمَةٍ، أَوْ عَنْ فَسْخٍ بِتَفْرِيقٍ لِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا..بِخِلَافِ عِدَّةِ الْفَسْخِ بِحُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ كَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، أَوْ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ، كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ عِتْقٍ، وَبُلُوغٍ، وَعَدَمِ كَفَاءَةٍ، وَنُقْصَانِ مَهْرٍ، وَسَبْيِ أَحَدِهِمَا، وَمُهَاجَرَتِهِ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهَا كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْفَتْحِ.

رُكْنُ الطَّلَاقِ:

13- رُكْنُ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الصِّيغَةُ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهُ.أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: فَإِنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ فِي مَعْنَى الرُّكْنِ، وَيُدْخِلُونَ فِيهِ مَا يُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ أَطْرَافَ التَّصَرُّفِ.وَالطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ، فَرُكْنُ الطَّلَاقِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: الصِّيغَةُ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لِلطَّلَاقِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ، هِيَ: أَهْلٌ، وَقَصْدٌ، وَمَحَلٌّ، وَلَفْظٌ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَرْكَانٌ خَمْسَةٌ: مُطَلِّقٌ، وَصِيغَةٌ، وَمَحَلٌّ، وَوِلَايَةٌ، وَقَصْدٌ.وَالْأَصْلُ فِي الصِّيغَةِ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الطَّلَاقِ الْكَلَامُ، وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ الْكِتَابَةُ أَوِ الْإِشَارَةُ، وَلَا يَنْعَقِدُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ دُونَ لَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ لَمْ يَكُنْ مُطَلِّقًا، وَكَذَلِكَ إِذَا أَمَرَ زَوْجَتَهُ بِحَلْقِ شَعْرِهَا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ، لَا يَكُونُ مُطَلِّقًا أَيْضًا.

شُرُوطُ الطَّلَاقِ:

14- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ لَدَى الْفُقَهَاءِ شُرُوطٌ مُوَزَّعَةٌ عَلَى أَطْرَافِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَةِ، فَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُطَلِّقِ، وَبَعْضُهَا بِالْمُطَلَّقَةِ، وَبَعْضُهَا بِالصِّيغَةِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُطَلِّقِ:

يُشْتَرَطُ فِي الْمُطَلِّقِ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ صَحِيحًا شُرُوطٌ، هِيَ:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ- أَنْ يَكُونَ زَوْجًا:

15- وَالزَّوْجُ: هُوَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ عَقْدُ زَوَاجٍ صَحِيحٍ.

الشَّرْطُ الثَّانِي- الْبُلُوغُ:

16- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الصَّغِيرِ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، مُرَاهِقًا أَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ، أُذِنَ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، أُجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْوَلِيِّ أَمْ لَا، عَلَى سَوَاءٍ، ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ وَلَا يَمْلِكُهُ وَلِيُّهُ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ».وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الطَّلَاقَ، فَقَالُوا: إِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ عَلَى أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ.أَمَّا مَنْ لَا يَعْقِلُ فَوَافَقُوا الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ.قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا طَلَاقَ لَهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَعْقِلُ الطَّلَاقَ، وَيَعْلَمُ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ بِهِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ: فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ..وَرَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ..وَرَوَى أَبُو الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا عَقَلَ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ مَا بَيْنَ عَشْرٍ إِلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِدُونِ الْعَشْرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّ الْعَشْرَ حَدُّ الضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إِذَا أَحْصَى الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ جَازَ طَلَاقُهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَلَغَ أَنْ يُصِيبَ النِّسَاءَ وَعَنِ الْحَسَنِ: إِذَا عَقَلَ وَحَفِظَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا جَاوَزَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ- الْعَقْلُ:

17- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ طَلَاقِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ لِفِقْدَانِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فِي الْأَوَّلِ، وَنُقْصَانِهَا فِي الثَّانِي، فَأَلْحَقُوهُمَا بِالصَّغِيرِ غَيْرِ الْبَالِغِ، فَلَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ.

وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الدَّائِمِ الْمُطْبِقِ، أَمَّا الْجُنُونُ الْمُتَقَطِّعُ فَإِنَّ حُكْمَ طَلَاقِ الْمُبْتَلَى بِهِ مَنُوطٌ بِحَالِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ طَلَّقَ فِي إِفَاقَتِهِ وَقَعَ لِكَمَالِ أَهْلِيَّتِهِ.وَقَدْ أَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمَ وَالْمَدْهُوشَ، وَذَلِكَ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ لَدَيْهِمْ وَلِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ...» وَحَدِيثِ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ».

18- وَأَمَّا السَّكْرَانُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ، كَمَا إِذَا سَكِرَ مُضْطَرًّا، أَوْ مُكْرَهًا أَوْ بِقَصْدِ الْعِلَاجِ الضَّرُورِيِّ إِذَا تَعَيَّنَ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْكِرٌ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ بِالِاتِّفَاقِ، لِفِقْدَانِ الْعَقْلِ لَدَيْهِ كَالْمَجْنُونِ دُونَ تَعَدٍّ، هَذَا إِذَا غَابَ عَقْلُهُ أَوِ اخْتَلَّتْ تَصَرُّفَاتُهُ، وَإِلاَّ وَقَعَ طَلَاقُهُ.

وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ، كَأَنْ شَرِبَ الْخَمْرَةَ طَائِعًا بِدُونِ حَاجَةٍ، وَقَعَ طَلَاقُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ رَغْمَ غِيَابِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ، وَذَلِكَ عِقَابًا لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ: الْأُولَى: بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ كَالْجُمْهُورِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ وَالْقَاضِي.وَالثَّانِيَةُ: بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ- رضي الله عنه- وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمِ، وَطَاوُسٍ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدِ اسْتُدِلَّ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوا السَّكْرَانَ كَالصَّاحِي فِي الْحَدِّ بِالْقَذْفِ.

كَمَا اسْتُدِلَّ لِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ بِأَنَّهُ فَاقِدُ الْعَقْلِ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، وَبِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوَالِ الْعَقْلِ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ كُسِرَ سَاقَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَأَنَّ امْرَأَةً لَوْ ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا فَنَفِسَتْ، سَقَطَتْ عَنْهَا الصَّلَاةُ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ- الْقَصْدُ وَالِاخْتِيَارُ:

19- الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: قَصْدُ اللَّفْظِ الْمُوجِبِ لِلطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إِجْبَارٍ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِ الْهَازِلِ، وَهُوَ: مَنْ قَصَدَ اللَّفْظَ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ ذُو خَطَرٍ كَبِيرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَحَلَّهُ الْمَرْأَةُ، وَهِيَ إِنْسَانٌ، وَالْإِنْسَانُ أَكْرَمُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي أَمْرِهِ الْهَزْلُ، وَلِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلَّفْظِ الَّذِي رَبَطَ الشَّارِعُ بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِهِ مُطْلَقًا.

أَمَّا الْمُخْطِئُ، وَالْمُكْرَهُ، وَالْغَضْبَانُ، وَالسَّفِيهُ، وَالْمَرِيضُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ طَلَاقِهِمْ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي.

أ- الْمُخْطِئُ:

20- الْمُخْطِئُ هُنَا: مَنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ لَفْظًا آخَرَ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: يَا جَمِيلَةُ، فَإِذَا بِهِ يَقُولُ لَهَا خَطَأً: يَا طَالِقُ وَهُوَ غَيْرُ الْهَازِلِ، لِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلَفْظِ الطَّلَاقِ، إِلاَّ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْفُرْقَةِ بِهِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْمُخْطِئِ.

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً، هَذَا إِذَا ثَبَتَ خَطَؤُهُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ خَطَؤُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَضَاءً، وَلَمْ يَقَعْ دِيَانَةً، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلَا يُقَاسُ حَالُهُ عَلَى الْهَازِلِ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ ثَبَتَ وُقُوعُ طَلَاقِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ قَضَاءً، ثَبَتَ خَطَؤُهُ أَمْ لَا، وَلَا يَقَعُ دِيَانَةً، وَذَلِكَ لِخُطُورَةِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْمَرْأَةُ، وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ إِيقَاعِ طَلَاقِهِ فَتْحَ بَابِ الِادِّعَاءِ بِذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهُوَ خَطِيرٌ، وَذَرِيعَةٌ يَجِبُ سَدُّهَا.

ب- الْمُكْرَهُ:

21- الْإِكْرَاهُ هُنَا مَعْنَاهُ: حَمْلُ الزَّوْجِ عَلَى الطَّلَاقِ بِأَدَاةٍ مُرْهِبَةٍ.

وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ شَدِيدًا، كَالْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ، وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» وَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ مُنْعَدِمُ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ، فَكَانَ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، فَإِذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ ضَعِيفًا، أَوْ ثَبَتَ عَدَمُ تَأَثُّرِ الْمُكْرَهِ بِهِ، وَقَعَ طَلَاقُهُ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لَهُ بِدَفْعِ غَيْرِهِ عَنْهُ بِهِ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ.وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِحَقٍّ، كَالْمُولِي إِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بِدُونِ فَيْءٍ فَأَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ.

ج- الْغَضْبَانُ:

22- الْغَضَبُ: حَالَةٌ مِنْ الِاضْطِرَابِ الْعَصَبِيِّ، وَعَدَمِ التَّوَازُنِ الْفِكْرِيِّ، تَحِلُّ بِالْإِنْسَانِ إِذَا عَدَا عَلَيْهِ أَحَدٌ بِالْكَلَامِ أَوْ غَيْرِهِ.وَالْغَضَبُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ الْقَوْلِيَّةِ، وَمِنْهَا الطَّلَاقُ، إِلاَّ أَنْ يَصِلَ الْغَضَبُ إِلَى دَرَجَةِ الدَّهَشِ، فَإِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، لِأَنَّهُ يُصْبِحُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.وَالْمَدْهُوشُ هُوَ: مَنْ غَلَبَ الْخَلَلُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَتِهِ بِسَبَبِ غَضَبٍ اعْتَرَاهُ.

وَقَسَّمَ ابْنُ الْقَيِّمِ الْغَضَبَ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً نَقَلَهَا عَنْهُ ابْنُ عَابِدِينَ وَعَلَّقَ عَلَيْهَا فَقَالَ: طَلَاقُ الْغَضْبَانِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَبَادِئُ الْغَضَبِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ، وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ، وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَبْلُغَ النِّهَايَةَ، فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ.

الثَّالِثُ: مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ كَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَالْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ أَقْوَالِهِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَدْهُوشِ وَالْغَضْبَانِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الْهَذَيَانِ وَاخْتِلَاطِ الْجِدِّ بِالْهَزْلِ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي السَّكْرَانِ..ثُمَّ قَالَ: فَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْمَدْهُوشِ وَنَحْوِهِ: إِنَاطَةُ الْحُكْمِ بِغَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَتِهِ، فَمَا دَامَ فِي حَالِ غَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُهَا وَيُرِيدُهَا، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ وَالْإِرَادَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِعَدَمِ حُصُولِهَا عَنْ إِدْرَاكٍ صَحِيحٍ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ مِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ.

د- السَّفِيهُ:

23- السَّفَهُ: خِفَّةٌ فِي الْعَقْلِ تَدْعُو إِلَى التَّصَرُّفِ بِالْمَالِ عَلَى غَيْرِ وَفْقِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ.وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُقُوعِ طَلَاقِ السَّفِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مَالِكٌ لِمَحَلِّ الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ السَّفَهَ مُوجِبٌ لِلْحَجْرِ فِي الْمَالِ خَاصَّةً، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ نَشَأَ عَنْ طَلَاقِ السَّفِيهِ آثَارٌ مَالِيَّةٌ كَالْمَهْرِ فَهِيَ تَبَعٌ لَا أَصْلٌ.

وَخَالَفَ عَطَاءٌ، وَقَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّفِيهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


21-موسوعة الفقه الكويتية (طلاق 3)

طَلَاقٌ -3

39- فَإِذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا وَاحِدَةً، أَوِ اثْنَتَيْنِ مَعًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فِي عِدَّتِهَا، لَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ أَوِ الثَّالِثَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِخُرُوجِهَا عَنِ الزَّوْجِيَّةِ بِالْأُولَى، فَلَمْ تَعُدْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةَ إِذَا كَانَتَا بِلَفْظٍ صَرِيحِ، لَحِقَتْهَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ، بِلَفْظٍ صَرِيحٍ كَانَتْ أَوْ كِنَائِيٍّ، فَإِذَا كَانَتِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ بَائِنًا لَحِقَتْهَا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ إِذَا كَانَتْ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فَقَطْ، فَإِذَا كَانَتْ بَائِنًا لَمْ تَلْحَقْهَا إِذَا أَمْكَنَ جَعْلُهَا إِخْبَارًا عَنْهَا لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ بَائِنٌ بَائِنٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا إِخْبَارًا عَنْهَا لَحِقَتْهَا أَيْضًا، كَقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَوْلُهُ: أَنْتِ بَائِنٌ بِأُخْرَى، فَإِنَّهَا تَلْحَقُهَا لِتَعَذُّرِ جَعْلِهَا إِخْبَارًا عَنْهَا.فَإِذَا طَلَّقَهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ ثَلَاثٌ لَفْظًا وَقَعَ ثَلَاثًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اثْنَتَانِ، كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ.فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ قَالَ لَهَا: (هَكَذَا) مَعَ الْإِشَارَةِ وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ قَالَ: مِثْلُ هَذِهِ، مَعَ الْإِشَارَةِ بِالثَّلَاثِ وَقَعَ ثَلَاثٌ إِنْ نَوَاهَا، وَإِلاَّ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مَعَ الْإِشَارَةِ بِالْأَصَابِعِ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَلَغَتِ الْإِشَارَةُ.

فَإِنْ كَتَبَ لَهَا ثَلَاثًا بَدَلَ الْإِشَارَةِ بِالْأَصَابِعِ، فَمِثْلُ الْإِشَارَةِ.

فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَكْبَرَ الطَّلَاقِ أَوْ أَغْلَظَهُ..فَإِنْ نَوَى بِهِ ثَلَاثًا، فَثَلَاثٌ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ وَقَعَ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنٌ.إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَنَوَى عَدَدًا، وَقَعَ مَا نَوَاهُ وَاحِدَةً بِهِ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ يُنَاقِضُ الْمَنْوِيَّ، وَاللَّفْظُ أَقْوَى، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى.وَقِيلَ: يَقَعُ الْمَنْوِيُّ عَمَلًا بِالنِّيَّةِ.وَالْحَنَابِلَةُ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، إِلاَّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَوْلُهُ: وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ بَرِيَّةٌ، أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَهُوَ عِنْدِي ثَلَاثٌ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ أُفْتِيَ بِهِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَمْ يَدْخُلْ.أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَيُوقِعُونَ بِذَلِكَ ثَلَاثًا إِنْ نَوَاهَا، لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ بِهِ ثَلَاثٌ.

وَالْمَالِكِيَّةُ مَعَ الْجُمْهُورِ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، إِلاَّ أَنَّهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يَقُولُونَ: يَقَعُ ثَلَاثٌ مُطْلَقًا، إِلاَّ فِي الْخُلْعِ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَيَكُونُ وَاحِدَةً.فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَنَوَى بِهِ ثَلَاثًا، وَقَعَ وَاحِدَةٌ، وَبَطَلَتِ النِّيَّةُ، لِعَدَمِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهَا، فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَوَى بِهِ وَاحِدَةً، وَقَعَ عَلَيْهِ ثَلَاثٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لِصَرَاحَةِ اللَّفْظِ، فَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ.

فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ ثَلَاثًا، وَقَعَ بِهِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَقَعُ ثَلَاثٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

ثَالِثًا- السُّنِّيُّ وَالْبِدْعِيُّ:

40- قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ الشَّرْعِيُّ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ يُرِيدُونَ بِالسُّنِّيِّ: مَا وَافَقَ السُّنَّةَ فِي طَرِيقَةِ إِيقَاعِهِ، وَالْبِدْعِيُّ: مَا خَالَفَ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَعْنُونَ بِالسُّنِّيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصُوصِ الْمُنَفِّرَةِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَأَنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ كُلٍّ مِنَ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ، وَاتَّفَقُوا فِي بَعْضِهَا الْآخَرِ، كَمَا يَلِي: قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الطَّلَاقَ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَقَسَّمُوا السُّنِّيَّ إِلَى قِسْمَيْنِ: حَسَنٌ وَأَحْسَنُ فَالْأَحْسَنُ عِنْدَهُمْ: أَنْ يُوقِعَ الْمُطَلِّقُ عَلَى زَوْجَتِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ، وَلَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَطَأْهَا غَيْرُهُ فِيهِ بِشُبْهَةٍ أَيْضًا، فَإِنْ زَنَتْ فِي حَيْضِهَا ثُمَّ طَهُرَتْ، فَطَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ بِدْعِيًّا.وَأَمَّا الْحَسَنُ: فَأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا طَلْقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ فِي طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ دُونَ وَطْءٍ، هَذَا إِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ، وَإِلاَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثَ طَلَقَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، كَمَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ الْحَيْضَ.

وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ أَوِ الْمُخْتَلَى بِهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ أَوِ الْمُخْتَلَى بِهَا، فَالْحَسَنُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فَقَطْ، وَلَا يُهِمُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّ أَنَّ طَلَاقَهَا يَكُونُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلاَّ كَذَلِكَ.

وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَبِدْعِيٌّ عِنْدَهُمْ، كَأَنْ يُطَلِّقَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقَاتٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا فِي الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ، أَوْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، أَوْ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِي الْحَيْضِ قَبْلَهُ.

فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ، كَانَ الثَّانِي بِدْعِيًّا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا بِمَثَابَةِ طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ حَيْضَهَا الثَّانِيَ، فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهُ طَلَّقَهَا إِنْ شَاءَ، وَيَكُونُ سُنِّيًّا عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، ثُمَّ ارْتَجَعَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ كَانَ بِدْعِيًّا فِي الْأَرْجَحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: يَكُونُ سُنِّيًّا.

وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، أَوْ صَغِيرَةً دُونَ سِنِّ الْحَيْضِ، أَوْ آيِسَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا، سَوَاءٌ مَسَّهَا أَمْ لَمْ يَمَسَّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي طُهْرٍ مُسْتَمِرٍّ، وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ زَادَ كَانَ بِدْعِيًّا.

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْبِدْعِيِّ عَامَّةً: الْخُلْعَ، وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ، وَالتَّفْرِيقَ لِلْعِلَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا وَلَوْ كَانَ فِي الْحَيْضِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ تَخْيِيرُهَا فِي الْحَيْضِ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْحَيْضِ أَمْ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا فِي الْحَيْضِ، سَوَاءٌ أَخَيَّرَهَا فِي الْحَيْضِ أَمْ قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ الْمَحْضِ.وَقَسَّمَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ الشَّرْعِيُّ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لِلسُّنِّيِّ تَقْسِيمًا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ قِسْمٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ قَسَّمُوا الطَّلَاقَ إِلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَمَا لَيْسَ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَهُمْ، وَاَلَّذِي لَيْسَ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا هُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْبِدْعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَالسُّنِّيُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: هُوَ مَا يَشْمَلُ الْحَسَنَ وَالْأَحْسَنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَعًا.وَالْبِدْعِيُّ عِنْدَهُمْ: مَا يُقَابِلُ الْبِدْعِيَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِي أُمُورٍ، أَهَمُّهَا: أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثِ حَيْضَاتٍ سُنِّيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ بِدْعِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَإِنَّهُ سُنِّيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

هَذَا، وَالْمَدَارُ عَلَى مَعْرِفَةِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ مِنَ الطَّلَاقِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه- ذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ، وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-.وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَاهُ «ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ - رضي الله عنه- رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ».وَمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه- قَالَ: طَلَاقُ السُّنَّةِ تَطْلِيقَةٌ وَهِيَ طَاهِرٌ فِي غَيْرِ جِمَاعٍ، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ.

وَالْمَعْنَى الْعَامُّ فِي السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ، أَنَّ السُّنِّيَّ يَمْنَعُ النَّدَمَ، وَيُقَصِّرُ الْعِدَّةَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَيَقِلُّ تَضَرُّرُهَا مِنْ الطَّلَاقِ.

حُكْمُ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ:

41- اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى وُقُوعِ الْإِثْمِ فِيهِ عَلَى الْمُطَلِّقِ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ.فَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي الْحَيْضِ وَجَبَ عَلَيْهِ مُرَاجَعَتُهَا، رَفْعًا لِلْإِثْمِ لَدَى الْحَنَفِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الرَّجْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ.وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ مُرَاجَعَةَ مَنْ طَلَّقَهَا بِدْعِيًّا سُنَّةٌ، وَعَبَّرَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ ذَلِكَ بِالِاسْتِحْبَابِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى تَقْسِيمِ الْبِدْعِيِّ إِلَى: حَرَامٍ وَمَكْرُوهٍ، فَالْحَرَامُ: مَا وَقَعَ فِي الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ مِنَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا، وَالْمَكْرُوهُ: مَا وَقَعَ فِي غَيْرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ فِي طُهْرِهَا الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ، وَعَلَى هَذَا يُجْبَرُ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عَلَى الرَّجْعَةِ رَفْعًا لِلْحُرْمَةِ، وَلَا يُجْبَرُ غَيْرُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ وَإِنْ كَانَ بِدْعِيًّا.

وَهَذَا كُلُّهُ مَا دَامَتِ الرَّجْعَةُ مُمْكِنَةً، بِأَنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، فَإِذَا كَانَ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى أَوْ كُبْرَى تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ وَاسْتَقَرَّ الْإِثْمُ.

دَلِيلُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما- بِاسْتِرْجَاعِ زَوْجَتِهِ مَا دَامَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا لِلْبَيْنُونَةِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، فَقَدْ وَرَدَ عَنِ «ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَقُولُ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا.ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا، فَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكِ، وَبَانَتْ مِنْكَ».

رَابِعًا- الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ وَالْمُضَافُ وَالْمُعَلَّقُ:

الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ التَّنْجِيزُ، إِلاَّ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَهُ تَفْصِيلَاتٌ وَأَحْكَامٌ كَمَا يَلِي:

أ- الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ:

42- تَعْرِيفُهُ: هُوَ الطَّلَاقُ الْخَالِي فِي صِيغَتِهِ عَنِ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوِ اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ أَهْلِكَ، يَنْوِي طَلَاقَهَا.

حُكْمُهُ: أَنَّهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ فِي الْحَالِ، وَيَعْقُبُهُ أَثَرُهُ بِدُونِ تَرَاخٍ مَا دَامَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَبَدَأَتْ عِدَّتُهَا، هَذَا مَعَ مُلَاحَظَةِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ.

ب- الطَّلَاقُ الْمُضَافُ:

43- تَعْرِيفُهُ: هُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي قُرِنَتْ صِيغَتُهُ بِوَقْتٍ بِقَصْدِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ حُلُولِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ الْقَادِمِ، أَوْ آخِرَ النَّهَارِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ.

حُكْمُهُ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُضَافَ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إِلاَّ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ لِشُرُوطِهِ الْأُخْرَى، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ هَذَا الشَّهْرِ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ، وَلَوْ قَالَ: فِي أَوَّلِهِ طَلُقَتْ أَوَّلَهُ، وَلَوْ قَالَ: فِي شَهْرِ كَذَا، طَلُقَتْ فِي أَوَّلِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَخَالَفَ الْبَعْضُ وَقَالُوا يَقَعُ فِي آخِرِهِ.فَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إِلَى زَمَنٍ سَابِقٍ، فَإِنْ قَصَدَ وُقُوعَهُ لِلْحَالِ مُسْتَنِدًا إِلَى ذَلِكَ الزَّمَنِ السَّابِقِ، وَقَعَ لِلْحَالِ كَالْمُنَجَّزِ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ إِيقَاعِهِ، وَقِيلَ: يَلْغُو، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ السَّابِقِ، صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ التَّصْدِيقُ مُمْكِنًا، فَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلًا، كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً وَعُمْرُهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَغْوًا.هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَضَافَ طَلَاقَهُ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ كَأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ مَوْتِي طَلُقَتْ لِلْحَالِ مُنَجَّزًا، وَكَذَلِكَ إِذَا أَضَافَهُ إِلَى زَمَنٍ مَاضٍ قَاصِدًا بِهِ الْإِنْشَاءَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، فَإِنَّهَا، تَطْلُقُ لِلْحَالِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ دُيِّنَ عِنْدَ الْمُفْتِي.وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ صُدِّقَ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ.وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ كَالْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُمْ فِيمَا لَوْ أَضَافَهُ إِلَى زَمَنٍ سَابِقٍ مُحَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُمْ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي، فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْحَالِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.

ج- الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ:

44- التَّعْلِيقُ عَلَى شَرْطٍ هُنَا هُوَ رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْمَضْمُونُ مِنْ قِبَلِ الْمُطَلِّقِ أَوِ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ أَحَدٍ.

فَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْمُطَلِّقِ أَوِ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا سُمِّيَ يَمِينًا لَدَى الْجُمْهُورِ مَجَازًا، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقَسَمِ، وَهُوَ: تَقْوِيَةُ عَزْمِ الْحَالِفِ أَوْ عَزْمِ غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ، كَمَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ ذَهَبْتُ أَنَا إِلَى فُلَانٍ، أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ زَارَكِ فُلَانٌ...فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا لَا عَلَى فِعْلِ أَحَدٍ، كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مَثَلًا، كَانَ تَعْلِيقًا، وَلَمْ يُسَمَّ يَمِينًا، لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحُكْمِ مِثْلَ الْيَمِينِ، وَهُنَالِكَ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَيْضًا.

وَأَدَوَاتُ الرَّبْطِ وَالتَّعْلِيقِ هِيَ: إِنْ، وَإِذَا وَإِذْ مَا وَكُلُّ، وَكُلَّمَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كُلُّهَا تُفِيدُ التَّعْلِيقَ بِدُونِ تَكْرَارٍ إِلاَّ: كُلَّمَا، فَإِنَّهَا تُفِيدُ التَّعْلِيقَ مَعَ التَّكْرَارِ.وَقَدْ يَكُونُ التَّعْلِيقُ بِدُونِ أَدَاةٍ، كَمَا إِذَا قَالَ- لَهَا: عَلَيَّ الطَّلَاقُ سَأَفْعَلُ كَذَا، فَهُوَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا، وَهُوَ- التَّعْلِيقُ الْمَعْنَوِيُّ، وَقَدْ جَاءَ بِهِ الْعُرْفُ.

حُكْمُهُ: اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ أَوْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ مُطْلَقًا، إِذَا اسْتَوْفَى شُرُوطَ التَّعْلِيقِ الْآتِيَةِ: فَإِذَا حَصَلَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، دُونَ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَهُ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يَقَعْ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الْحَالِفِ أَوِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ أَحَدٍ، هَذَا إِذَا حَصَلَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَائِعًا ذَاكِرًا التَّعْلِيقَ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ.

ثُمَّ مَا دَامَ لَمْ يَحْصُلِ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْمُولِي.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ عُلِّقَ طَلَاقُهُ بِأَمْرٍ فِي زَمَنٍ مَاضٍ مُمْتَنِعٍ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا حَنِثَ لِلْحَالِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مَاضٍ وَاجِبٍ فِعْلُهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عَادَةً فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ.وَإِنْ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَإِنْ كَانَ مُحَقَّقَ الْوُجُودِ أَوْ مَظْنُونَ الْوُجُودِ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا لِوُجُوبِهِ نُجِّزَ لِلْحَالِ، كَمَا إِذَا قَالَ: هِيَ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ، أَوْ هِيَ طَالِقٌ إِنْ قُمْتُ، أَوْ إِنْ صَلَّيْتُ.

وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مُسْتَحِيلًا، أَوْ نَادِرًا، أَوْ مُسْتَبْعَدًا عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا لِحُرْمَتِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَوْ جَمَعْتِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، أَوْ إِنْ لَمَسْتِ السَّمَاءَ، أَوْ إِنْ زَنَيْتِ.

شُرُوطُ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ:

يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ مَا يَلِي:

45- 1- أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَعْدُومًا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَعَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ، كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَانَ أَبُوكِ مَعَنَا الْآنَ، وَهُوَ مَعَهُمَا، فَإِنَّهُ طَلَاقٌ صَحِيحٌ مُنَجَّزٌ يَقَعُ لِلْحَالِ، وَلَيْسَ مُعَلَّقًا، أَمَّا أَنَّهُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، فَمَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مُمْكِنَ الْحُصُولِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا كَانَ مُسْتَحِيلَ الْحُصُولِ لَغَا التَّعْلِيقُ، وَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ، لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: إِنْ عَادَ أَبُوكِ حَيًّا- وَهُوَ مَيِّتٌ- فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ.وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُقُوعِهِ مُنَجَّزًا، وَلِلْحَنَابِلَةِ فِيهِ قَوْلَانِ.

46- 2- أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ، فَإِذَا فُصِلَ عَنْهُ بِسُكُوتٍ، أَوْ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ كَلَامٍ غَيْرِ مُفِيدٍ، لَغَا التَّعْلِيقُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ مُنَجَّزًا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَسَكَتَ بُرْهَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَعْطِنِي مَاءً، ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ تَدْخُلِي دَارَ فُلَانٍ.إِلاَّ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ الْفَاصِلُ الضَّرُورِيُّ، كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ تَنَفَّسَ لِضَرُورَةٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ مُعَلَّقٌ، وَلَا يَقَعُ إِلاَّ بِدُخُولِهَا الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ: إِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ، أَوْ كَلِمَةٌ مُفِيدَةٌ، كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ مُعَلَّقٌ وَيَقَعُ بِهِ بَائِنًا عِنْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ رَجْعِيًّا إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، لَغَا التَّعْلِيقُ وَوَقَعَ الرَّجْعِيُّ مُنَجَّزًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ «رَجْعِيًّا» لَمْ تُفِدْ شَيْئًا، فَكَانَتْ قَاطِعًا لِلتَّعْلِيقِ، بِخِلَافِ كَلِمَةِ «بَائِنٌ» فَإِنَّهَا أَفَادَتْ، فَلَمْ تَكُنْ قَاطِعًا، وَهَذَا الْمِثَالُ وَفْقَ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ يُوقِعُونَ بِكَلِمَةِ «بَائِنٌ» طَلَاقًا بَائِنًا.

47- 3- أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الْمُجَازَاةَ، فَإِذَا قَصَدَ بِهِ الْمُجَازَاةَ، وَقَعَ مُنَجَّزًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّرْطِ، كَمَا إِذَا قَالَتْ لَهُ: يَا خَسِيسُ، فَقَالَ لَهَا: إِنْ كُنْتُ كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، يُرِيدُ مُعَاقَبَتَهَا، لَا تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى تَحَقُّقِ الْخَسَاسَةِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ هُنَا مُنَجَّزًا، سَوَاءٌ أَكَانَ خَسِيسًا أَمْ لَا، فَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ لَا الْمُجَازَاةَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ، وَيُدَيَّنُ.

48- 4- أَنْ يَذْكُرَ الْمَشْرُوطَ فِي التَّعْلِيقِ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا، كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ فِي الرَّاجِحِ لَدَى الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: تَطْلُقُ لِلْحَالِ.

49- 5- وُجُودُ رَابِطٍ، وَهُوَ أَدَاةٌ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، إِلاَّ أَنْ يُفْهَمَ الشَّرْطُ مِنَ الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِدُونِ رَابِطٍ، كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: عَلَيَّ الطَّلَاقُ سَأَذْهَبُ إِلَى فُلَانٍ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ.

50- 6- قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الْحَالِفِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّعْلِيقِ، حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، وَلَا مُعْتَدَّتَهُ، لَغَا التَّعْلِيقُ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِهِ شَيْءٌ، كَمَا إِذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ التَّعْلِيقُ عِنْدَهَا عَلَى إِجَازَةِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ، فَإِنْ أَجَازَهُ الزَّوْجُ صَحَّ التَّعْلِيقُ، ثُمَّ إِنْ دَخَلَتْ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِلاَّ فَلَا.

هَذَا مَا لَمْ يُعَلَّقِ الطَّلَاقُ عَلَى نِكَاحِهَا، فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ صَحَّ التَّعْلِيقُ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَتَهُ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، كَأَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ هُنَا، فَإِذَا عَلَّقَ بِغَيْرِ نِكَاحِهَا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وَيَلْغُو الطَّلَاقُ، كَمَا إِذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ عَنْهُ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ دَخَلَتْهَا قَبْلَ زَوَاجِهَا مِنْهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ.وَهَذَا كُلُّهُ لَدَى الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْقَوْلِ الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ، وَيَلْغُو الطَّلَاقُ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا يَنْعَقِدُ الطَّلَاقُ هُنَا، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى غَيْرِ الزَّوَاجِ.فَإِذَا عَلَّقَهُ بِمُقَارَنَةِ النِّكَاحِ لَا عَلَيْهِ، لَغَا بِالِاتِّفَاقِ، كَأَنْ يَقُولَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِكِ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّقَهُ عَلَى انْتِهَاءِ النِّكَاحِ، كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِك، فَإِنَّهُ لَغْوٌ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ.

51- 7- قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الْحَالِفِ وَالْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ بِهِ عَلَيْهَا، فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ دَخَلَتْهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ، لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا عِنْدَئِذٍ.

52- 8- كَوْنُ الزَّوْجِ أَهْلًا لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ كَمَا سَبَقَ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ عَاقِلًا: إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَتْهَا قَبْلَ جُنُونِهِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ.

انْحِلَالُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ:

53- إِذَا عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَنْحَلُّ بِحُصُولِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَإِذَا عَادَتْ إِلَيْهِ ثَانِيَةً فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا بِهِ طَلْقَةٌ أُخْرَى لِانْحِلَالِهِ، هَذَا مَا لَمْ يَكُنِ التَّعْلِيقُ بِلَفْظِ (كُلَّمَا)، وَإِلاَّ وَقَعَ عَلَيْهَا بِهِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ دُونَ غَيْرِهَا.

وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا مُنَجَّزًا وَاحِدَةً قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ، ثُمَّ مَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِزَوْجِيَّةٍ أُخْرَى، جَازَ، فَإِذَا دَخَلَتِ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهَا، وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شَيْءٌ، لِانْحِلَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالدُّخُولِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْعِدَّةِ، فَإِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا الثَّلَاثَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، ثُمَّ نَجَّزَ طَلَاقَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا دُونَ أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَتْهَا، وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَيْهَا، لِعَدَمِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَتْهَا بَعْدَ عِدَّتِهَا، فَإِنَّهَا تَنْحَلُّ بِذَلِكَ.وَكَذَلِكَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ بِزَوَالِ الْحِلِّ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا الثَّلَاثَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُنَجَّزَةً، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ التَّحْلِيلِ، ثُمَّ دَخَلَتِ الدَّارَ وَلَمْ تَكُنْ دَخَلَتْهَا مِنْ قَبْلُ، فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ هُنَا لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ بِزَوَالِ الْحِلِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا، عَلَى خِلَافِ وُقُوعِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ لَا يُزِيلُ الْحِلَّ، فَلَا تَنْحَلُّ بِهِ الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ إِلاَّ بِحُصُولِ الشَّرْطِ فِعْلًا مَرَّةً.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: يَقَعُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: يَقَعُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَلَا يَقَعُ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُقُوعِهِ فِي الْكُلِّ.

كَمَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ بِرِدَّةِ الْحَالِفِ مَعَ لَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَلَوْ طَلَّقَهَا مُعَلَّقًا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَعَادَ إِلَيْهَا، ثُمَّ فَعَلَتِ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِذَلِكَ، لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ الْمُعَلَّقَةِ بِرِدَّتِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ الصَّاحِبَانِ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَا: لَا يَنْحَلُّ التَّعْلِيقُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا.

وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ عَلَى شَرْطٍ أَيْضًا بِفَوْتِ مَحَلِّ الْبِرِّ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ، ثُمَّ خَرِبَتِ الدَّارُ، أَوْ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَمَاتَ زَيْدٌ، انْحَلَّتِ الْيَمِينُ الْمُعَلَّقَةُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ الدَّارَ الْخَرِبَةَ بُنِيَتْ ثَانِيَةً فَإِنَّ الْيَمِينَ الْمُعَلَّقَةَ لَا تَعُودُ، لِأَنَّهَا غَيْرُ الدَّارِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا.

تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطَيْنِ:

54- إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَرْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِحُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كُلِّهِ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ بِوُقُوعِ الثَّانِي أَوِ الْأَخِيرِ فَقَطْ فِي النِّكَاحِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ حَصَلَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فِي النِّكَاحِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي بَعْدَهُ، كَمَا إِذَا قَالَ لَهَا: إِنْ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَاءَ زَيْدٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا مُنَجَّزًا وَاحِدَةً، ثُمَّ جَاءَ عَمْرٌو بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، لَمْ تَطْلُقْ ثَانِيَةً بِمَجِيئِهِ.فَإِنْ طَلَّقَهَا مُنَجَّزًا وَاحِدَةً إِثْرَ تَعْلِيقِهِ، ثُمَّ جَاءَ الْأَوَّلُ زَيْدٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَجَاءَ عَمْرٌو وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَقَعَ عَلَيْهَا الْمُعَلَّقُ، فَكَانَتَا اثْنَتَيْنِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ.

الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ:

تَعْرِيفُهُ وَحُكْمُهُ:

55- الِاسْتِثْنَاءُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْإِخْرَاجُ بِإِلاَّ أَوْ بِإِحْدَى أَخَوَاتِهَا، بَعْضًا مِمَّا يُوجِبُهُ عُمُومٌ سَابِقٌ، تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَّصِلُ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُنْقَطِعُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا دُونَ الثَّانِي لَدَى الْفُقَهَاءِ، وَيُضَافُ إِلَى الْأَوَّلِ الِاسْتِثْنَاءُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ}.وَالِاسْتِثْنَاءُ الشَّرْعِيُّ- وَهُوَ التَّعْلِيقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى- مُبْطِلٌ لِلطَّلَاقِ، (أَيْ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ) لَدَى الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِذَا اسْتَوْفَى شُرُوطَهُ لِلشَّكِّ فِيمَا يَشَاؤُهُ سُبْحَانَهُ، وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَقَالُوا: لَا يَبْطُلُ الطَّلَاقُ بِهِ- أَيْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ.أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ اللُّغَوِيُّ بِإِلاَّ وَأَخَوَاتِهَا فَمُؤَثِّرٌ وَمُلْغٍ لِلطَّلَاقِ بِحَسَبِهِ إِذَا اسْتَوْفَى شُرُوطَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلاَّ وَاحِدَةً، طَلُقَتِ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلاَّ اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلاَّ ثَلَاثًا، وَقَعَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ إِلْغَاءٌ، وَلَيْسَ اسْتِثْنَاءٌ، وَالْإِلْغَاءُ بَاطِلٌ هُنَا.

شُرُوطُهُ:

يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الطَّلَاقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ اسْتِثْنَاءً لُغَوِيًّا أَمْ تَعْلِيقًا عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، شُرُوطٌ هِيَ: 56- 1- اتِّصَالُهُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَيْهِ، أَيِ اتِّصَالُ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، بِحَيْثُ يُعَدَّانِ كَلَامًا وَاحِدًا عُرْفًا، فَإِنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ أَوْ سُكُوتٍ لَغَا الِاسْتِثْنَاءُ، وَثَبَتَ حُكْمُ الطَّلَاقِ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْفَصِلًا، طَلُقَتْ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِلاَّ وَاحِدَةً وَقَعَ اثْنَتَانِ، وَلَغَا الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ أَمْرٍ، ثُمَّ قَالَ: إِلاَّ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، لِإِلْغَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْكَلَامِ الْفَاصِلِ.

إِلاَّ أَنَّهُ يُعْفَى هُنَا عَنِ الْفَاصِلِ الْقَصِيرِ الضَّرُورِيِّ، كَالسُّكُوتِ لِلتَّنَفُّسِ أَوْ إِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ، كَمَا يُعْفَى عَنِ الْكَلَامِ الْمُفِيدِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إِلاَّ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِوَاحِدَةٍ، لِأَنَّ لَفْظَةَ (زَانِيَةُ) بَيَانٌ لِسَبَبِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَائِنًا إِلاَّ اثْنَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَهُمْ، بِخِلَافِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ إِلاَّ وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ اثْنَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ، وَيَلْغُو الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ إِفَادَةِ هَذَا الْفَاصِلِ.

57- 2- نِيَّةُ الْحَالِفِ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّلَفُّظِ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ نَوَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِهِ، وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ لِلشَّافِعِيَّةِ إِنْ نَوَاهُ بَعْدَهُ جَازَ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مُطْلَقًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَلَعَلَّهُمْ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ.

58- 3- أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ لِنَفْسِهِ عَلَى الْأَقَلِّ، فَلَوْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، وَهِيَ غَيْرُ كَافِيَةٍ لِصِحَّتِهِ بِالِاتِّفَاقِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


22-موسوعة الفقه الكويتية (عدة 2)

عِدَّةٌ -2

ج- التَّرَبُّصُ:

4- التَّرَبُّصُ لُغَةً: الِانْتِظَارُ، يُقَالُ: تَرَبَّصْتُ الْأَمْرَ تَرَبُّصًا انْتَظَرْتُهُ، وَتَرَبَّصْتُ الْأَمْرَ بِفُلَانٍ تَوَقَّعْتُ نُزُولَهُ بِهِ.

وَاصْطِلَاحًا هُوَ التَّثَبُّتُ وَالِانْتِظَارُ قَالَ تَعَالَى: {فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ}.

وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ أَنَّ التَّرَبُّصَ ظَرْفٌ لِلْعِدَّةِ فَإِذَا انْتَهَتِ الْعِدَّةُ انْتَهَى التَّرَبُّصُ، وَأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْعِدَّةِ وَفِي غَيْرِهَا كَالْآجَالِ فِي بَابِ الدُّيُونِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْعِدَّةِ، فَكُلُّ عِدَّةٍ تَرَبُّصٌ، وَلَيْسَ كُلُّ تَرَبُّصٍ عِدَّةٌ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

مَشْرُوعِيَّةُ الْعِدَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا:

5- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعِدَّةِ وَوُجُوبِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

أ- أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وقوله تعالى: {وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وقوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.

ب- وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَا تَحُدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».وَمَا وَرَدَ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «أُمِرَتْ بَرِيرَةُ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ».

ج- الْإِجْمَاعُ- أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعِدَّةِ وَوُجُوبِهَا مِنْ عَصْرِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى يَوْمِنَا هَذَا دُونَ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ.

سَبَبُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ:

6- تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ أَوِ الْمَوْتِ أَوِ الْفَسْخِ أَوِ اللِّعَانِ، كَمَا تَجِبُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ.

وَأَمَّا الْخَلْوَةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِهَا.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، فَلَا تَجِبُ فِي الْفَاسِدِ إِلاَّ بِالدُّخُولِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ بِالْخَلْوَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْوَطْءِ.

وَالتَّفْصِيلُ يُنْظَرُ: بُطْلَان ف 30 وَخَلْوَة ف 19.

انْتِظَارُ الرَّجُلِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ:

7- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ فِرَاقِ زَوْجَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا دُونَ انْتِظَارِ مُضِيِّ مُدَّةِ عِدَّتِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَرَادَ الزَّوَاجَ بِعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ أُخْتِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ طَلَّقَ رَابِعَةً وَيُرِيدُ الزَّوَاجَ بِأُخْرَى، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِالِاتِّفَاقِ، أَوِ الْبَائِنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ.

وَمَنْعُ الرَّجُلِ مِنَ الزَّوَاجِ هُنَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عِدَّةٌ، لَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَلَا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ، وَإِنْ كَانَ يُحْمَلُ مَعْنَى الْعِدَّةِ، قَالَ النَّفْرَاوِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ حَقِيقَةِ الْعِدَّةِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مُدَّةَ مَنْعِ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً مِنْ نِكَاحِ غَيْرِهَا لَا يُقَالُ لَهُ عِدَّةٌ، لَا لُغَةً، وَلَا شَرْعًا، لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنَ النِّكَاحِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، كَزَمَنِ الْإِحْرَامِ أَوِ الْمَرَضِ وَلَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ مُعْتَدٌّ حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْعِدَّةِ:

8- شُرِعَتِ الْعِدَّةُ لَمَعَانٍ وَحِكَمٍ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ مِنْهَا: الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَأَنْ لَا يَجْتَمِعَ مَاءُ الْوَاطِئَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَحِمٍ وَاحِدٍ فَتَخْتَلِطُ الْأَنْسَابُ وَتَفْسُدُ، وَمِنْهَا: تَعْظِيمُ خَطَرِ الزَّوَاجِ وَرَفْعُ قَدْرِهِ وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ، وَمِنْهَا: تَطْوِيلُ زَمَانِ الرَّجْعَةِ لِلْمُطَلِّقِ لَعَلَّهُ يَنْدَمُ وَيَفِيءُ فَيُصَادِفُ زَمَنًا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الرَّجْعَةِ، وَمِنْهَا قَضَاءُ حَقِّ الزَّوْجِ وَإِظْهَارُ تَأْثِيرِ فَقْدِهِ فِي الْمَنْعِ مِنَ التَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَلِذَلِكَ شُرِعَ الْإِحْدَادُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ الْإِحْدَادِ عَلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَمِنْهَا: الِاحْتِيَاطُ لِحَقِّ الزَّوْجِ، وَمَصْلَحَةِ الزَّوْجَةِ، وَحَقِّ الْوَلَدِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ، فَفِي الْعِدَّةِ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ، وَقَدْ أَقَامَ الشَّارِعُ الْمَوْتَ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْعِدَّةِ مُجَرَّدَ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ مَقَاصِدِهَا وَحِكَمِهَا.

أَنْوَاعُ الْعِدَّةِ:

9- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ أَنْوَاعَ الْعِدَدِ فِي الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ: أ- عِدَّةُ الْقُرُوءِ.

ب- عِدَّةُ الْأَشْهُرِ.

ج- عِدَّةُ وَضْعِ الْحَمْلِ.

أَوَّلًا- الْعِدَّةُ بِالْقُرُوءِ.

10- قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الْقُرْءُ فِيهِ لُغَتَانِ: الْفَتْحُ وَجَمْعُهُ قُرُوءٌ وَأَقْرُؤٌ، مِثْلُ فَلْسٌ وَفُلُوسٌ وَأَفْلُسٌ، وَالضَّمُّ وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ، قَالَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ: وَيُطْلَقُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ.

11- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَعْنَى الْقُرْءِ اصْطِلَاحًا عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ((، وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْعِدَّةِ: الْأَطْهَارُ،

وَالطُّهْرُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُحْتَوَشُ بَيْنَ دَمَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- لَا مُجَرَّدُ الِانْتِقَالِ إِلَى الْحَيْضِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِمَا يَلِي:

أ- بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أَيْ فِي عِدَّتِهِنَّ أَوْ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَصْلُحُ لِعِدَّتِهِنَّ، فَاللاَّمُ بِمَعْنَى فِي، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ، لَا فِي الْحَيْضِ لِحُرْمَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، فَيُصْرَفُ الْإِذْنُ إِلَى زَمَنِ الطُّهْرِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ الَّذِي يُسَمَّى عِدَّةً، وَتَطْلُقُ فِيهِ النِّسَاءُ.

ب- وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ».

فَالرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- أَشَارَ إِلَى الطُّهْرِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ، فَصَحَّ أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ.

كَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ فَرْضًا إِثْرَ الطَّلَاقِ بِلَا مُهْلَةٍ فَصَحَّ أَنَّهَا الطُّهْرُ الْمُتَّصِلُ بِالطَّلَاقِ لَا الْحَيْضُ الَّذِي لَا يَتَّصِلُ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الْحَيْضُ لَوَجَبَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِيمَنْ طَلَّقَ حَائِضًا أَنْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ قُرْءًا، وَلَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا.

ج- وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ.

د- وَلِأَنَّ الْقُرْءَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَمْعِ، فَيُقَالُ: قَرَأْتُ كَذَا فِي كَذَا إِذَا جَمَعْتَهُ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ بِالطُّهْرِ أَحَقَّ مِنَ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ اجْتِمَاعُ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، وَالْحَيْضُ خُرُوجُهُ مِنْهُ، وَمَا وَافَقَ الِاشْتِقَاقَ كَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ وَقُرُوءٍ وَأَقْرُؤٍ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: الْمُرَادُ بِالْقُرْءِ: الْحَيْضُ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنهم- وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى حَيْثُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ: إِنَّهَا الْأَطْهَارُ، وَأَنَا الْيَوْمُ أَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّهُ رَجَعَ إِلَى هَذَا، وَاسْتَقَرَّ مَذْهَبُهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَذْهَبٌ سِوَاهُ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

أ- أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَلَوْ حُمِلَ الْقُرْءُ عَلَى الطُّهْرِ لَكَانَ الِاعْتِدَادُ بِطُهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ الَّذِي صَادَفَهُ الطَّلَاقُ مَحْسُوبٌ مِنَ الْأَقْرَاءِ عِنْدَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَالِاسْمُ الْمَوْضُوعُ لِعَدَدٍ لَا يَقَعُ عَلَى مَا دُونَهُ، فَيَكُونُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْحَيْضِ يَكُونُ الِاعْتِدَادُ بِثَلَاثٍ حِيَضٍ كَوَامِلَ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الطُّهْرِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنَ الْعِدَّةِ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ عَمَلًا بِالْكِتَابِ، فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ.

ب- وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ اثْنَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْعِدَّةِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الِانْقِضَاءُ، إِذِ الرِّقُّ أَثَرُهُ فِي تَنْقِيصِ الْعِدَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ لَا فِي تَغْيِيرِ أَصْلِ الْعِدَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ هُوَ الْحَيْضُ.

ج- وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ اسْتِعْمَالُ الْقُرْءِ بِمَعْنَى الْحَيْضِ، قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» «وَقَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: انْظُرِي إِذَا أَتَى قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إِلَى الْقُرْءِ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ فِي مَوْضِعٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي لِسَانِهِ.

د- وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَالْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، فَكَانَ الِاعْتِدَادُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ.

عِدَّةُ الْحُرَّةِ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْفَسْخِ:

12- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَهِيَ مَنْ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ وَإِنْ تَبَاعَدَ حَيْضُهَا وَطَالَ طُهْرُهَا لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}

وَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوِ الْفَاسِدِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَدِيدِ. (ر: خَلْوَة)

وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْنَى الْقُرْءِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ الطُّهْرُ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ: إِنَّهُ الْحَيْضُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا اخْتِلَافٌ فِي حِسَابِ الْعِدَّةِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي: أ- الْعِدَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ:

13- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ طَلُقَتْ طَاهِرًا، وَبَقِيَ مِنْ زَمَنِ طُهْرِهَا شَيْءٌ وَلَوْ لَحْظَةً حُسِبَتْ قُرْءًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ وَإِنْ قَلَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ قُرْءٍ، فَتُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ طُهْرٍ كَامِلٍ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى عَلَى مُعْظَمِ الْمُدَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} مَعَ أَنَّهُ فِي شَهْرَيْنِ وَعَشْرِ لَيَالٍ، وَلِذَلِكَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

وَعَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ- بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ- لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَإِنَّمَا تَنْقَضِي بِانْقِطَاعِ دَمِ تِلْكَ الْحَيْضَةِ وَاغْتِسَالِهَا فِي الْمُعْتَمَدِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَمُقَابِلُ الْمُعْتَمَدِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغُسْلُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، بَلْ يَكْفِي انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ.

وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ- كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ- إِلاَّ الزُّهْرِيُّ حَيْثُ قَالَ: تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ سِوَى الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَ جَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِبَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ زَمَنٌ حَرُمَ فِيهِ الطَّلَاقُ، فَلَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ مِنَ الْعِدَّةِ كَزَمَنِ الْحَيْضِ.

وَإِنْ طَلَّقَهَا حَائِضًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ- رضي الله عنهم- وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبِي ثَوْرٍ لِئَلاَّ تَزِيدَ الْعِدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.

ب- الْعِدَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ:

14- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا لَمْ تَحِضِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ حِيَضٍ كَوَامِلَ تَالِيَةٍ لِلطَّلَاقِ، فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ فَلَا يُحْتَسَبُ ذَلِكَ الطُّهْرُ مِنَ الْعِدَّةِ عِنْدَهُمْ، أَوْ طَلَّقَهَا فِي حَيْضِهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْسَبُ مِنْ عِدَّتِهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِحُرْمَةِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ كَامِلَةٍ، فَلَا تَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا.

يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ لَا يُحْتَسَبُ بِذَلِكَ الطُّهْرُ مِنَ الْعِدَّةِ عِنْدَنَا، حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَهُ.

15- وَلَكِنْ هَلِ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي بِالْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، أَمْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْهَا..؟ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ دُونَ اغْتِسَالٍ، إِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا فِي الْحَيْضِ عَشْرَةً، لِانْقِطَاعِ الدَّمِ بِيَقِينٍ، إِذْ لَا مَزِيدَ لِلْحَيْضِ عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهَا إِذَا رَأَتْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ يَكُنِ الزَّائِدُ عَلَى الْعَشَرَةِ حَيْضًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لِعَدَمِ احْتِمَالِ عَوْدِ دَمِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَيَزُولُ الْحَيْضُ ضَرُورَةً وَيَثْبُتُ الطُّهْرُ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ رَجْعَتُهَا وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِانْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ أَيَّامُ حَيْضِهَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّهَا فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، فَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا ارْتِجَاعُهَا، وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهَا، بِشَرْطِ أَنْ تَجِدَ مَاءً فَلَمْ تَغْتَسِلْ وَلَا تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ بِهِ وَلَا مَضَى عَلَيْهَا وَقْتٌ كَامِلٌ مِنْ أَوْقَاتِ أَدْنَى الصَّلَوَاتِ إِلَيْهَا:

وَاسْتَدَلُّوا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ يَغْتَسِلْنَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ».وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ ((عَلَى اعْتِبَارِ الْغُسْلِ شَرْطًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَيْثُ رَوَى عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ- رضي الله عنه- فَجَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: زَوْجَتِي طَلَّقْتُهَا وَرَاجَعْتُهَا، فَقَالَتْ: مَا يَمْنَعُنِي مَا صَنَعَ أَنْ أَقُولَ مَا كَانَ، إِنَّهُ طَلَّقَنِي وَتَرَكَنِي حَتَّى حِضْتُ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ وَانْقَطَعَ الدَّمُ، وَغَلَّقْتُ بَابِي، وَوَضَعْتُ غُسْلِي، وَخَلَعْتُ ثِيَابِي، فَطَرَقَ الْبَابَ فَقَالَ: قَدْ رَاجَعْتُكِ، فَقَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: قُلْ فِيهَا يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، فَقُلْتُ: أَرَى الرَّجْعَةَ قَدْ صَحَّتْ مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا لَمْ أَرَهُ صَوَابًا.

وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيَّ- رضي الله عنهم- كَانُوا يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ: إِنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- عَلَى اعْتِبَارِ الْغُسْلِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ أَيَّامَهَا إِذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ تَسْتَيْقِنْ بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ، لِاحْتِمَالِ الْمُعَاوَدَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ، إِذِ الدَّمُ لَا يَدِرُّ دَرًّا وَاحِدًا، وَلَكِنَّهُ يَدِرُّ مَرَّةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى فَكَانَ احْتِمَالُ الْعَوْدِ قَائِمًا، وَالْعَائِدُ يَكُونُ دَمَ حَيْضٍ إِلَى الْعَشَرَةِ، فَلَمْ يُوجَدِ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ بِيَقِينٍ، فَلَا يَثْبُتُ الطُّهْرُ بِيَقِينٍ، فَتَبْقَى الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِيَقِينٍ، وَالثَّابِتُ بِيَقِينٍ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.

وَعَلَى هَذَا إِذَا اغْتَسَلَتِ انْقَطَعَتِ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ وَهُوَ إِبَاحَةُ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، إِذْ لَا يُبَاحُ أَدَاؤُهَا لِلْحَائِضِ، فَتَقَرَّرَ الِانْقِطَاعُ بِقَرِينَةِ الِاغْتِسَالِ فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ لِانْتِهَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ.

وَكَذَا إِذَا لَمْ تَغْتَسِلْ، لَكِنْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ، أَوْ إِذَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ، بِأَنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ.

أَمَّا إِذَا تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ فَهَلْ تَنْتَهِي الْعِدَّةُ وَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؟

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَلَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَنْتَهِي الْعِدَّةُ وَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ وَهُوَ إِبَاحَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يَبْقَى الْحَيْضُ ضَرُورَةً.

وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِبَاحَةِ الْمُعْتَدَّةِ لِلْأَزْوَاجِ بِالْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، فَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا ارْتِجَاعُهَا، وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهَا لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّلَاةِ بِحُكْمِ حَدَثِ الْحَيْضِ فَأَشْبَهَتِ الْحَائِضَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِطُهْرِهَا مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَانْقِطَاعِ دَمِهَا، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَقَدْ كَمُلَتِ الْقُرُوءُ، بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَفِعْلِ الصِّيَامِ وَصِحَّتِهِ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ حُكْمُ الْعِدَّةِ فِي الْمِيرَاثِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهَا وَاللِّعَانِ وَالنَّفَقَةِ، قَالَ الْقَاضِي: إِذَا شَرَطْنَا الْغُسْلَ أَفَادَ عَدَمُهُ إِبَاحَةَ الرَّجْعَةِ وَتَحْرِيمَهَا عَلَى الْأَزْوَاجِ، فَأَمَّا سَائِرُ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهَا تَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ دَمِهَا. عِدَّةُ الْأَمَةِ:

16- عِدَّةُ الْأَمَةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ نَوْعِ الْفُرْقَةِ الَّتِي تَعْتَدُّ مِنْهَا، وَبِاخْتِلَافِ حَالِهَا بِاعْتِبَارِهَا مِنْ ذَوَاتِ الْحَمْلِ أَوِ الْأَقْرَاءِ أَوِ الْأَشْهُرِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (رِقّ ف 99)

ثَانِيًا: الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ:

17- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ تَجِبُ فِي حَالَتَيْنِ:

الْحَالَةُ الْأُولَى:

وَهِيَ مَا تَجِبُ بَدَلًا عَنِ الْحَيْضِ فِي الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا الَّتِي لَمْ تَرَ دَمًا لِيَأْسٍ أَوْ صِغَرٍ، أَوْ بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ، أَوْ جَاوَزَتْهُ وَلَمْ تَحِضْ، فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، لقوله تعالى: {وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْأَشْهُرَ هُنَا بَدَلٌ عَنِ الْأَقْرَاءِ، وَالْأَصْلُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةٍ فَكَذَلِكَ الْبَدَلُ. وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ أَنْ تَكُونَ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ، وَفِي الْكَبِيرَةِ الْآيِسَةِ مِنَ الْمَحِيضِ أَنْ تَكُونَ قَدْ جَاوَزَتِ السَّبْعِينَ سَنَةً.

وَسِنُّ الْيَأْسِ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِيَاس ف 6).

وَإِذِ اعْتَدَّتِ الْمَرْأَةُ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ فَرَاغِهَا فَقَدِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ وَلَا تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ.

وَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ انْتَقَلَتْ إِلَى الْأَقْرَاءِ وَلَا يُحْسَبُ مَا مَضَى قُرْءًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْبَدَلِ- كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ أَثْنَاءَ تَيَمُّمِهِ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

عِدَّةُ الْوَفَاةِ الَّتِي وَجَبَتْ أَصْلًا بِنَفْسِهَا، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا الْوَفَاةُ بَعْدَ زَوَاجٍ صَحِيحٍ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَفَاةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ أَمْ لَا، بِشَرْطِ أَلاَّ تَكُونَ حَامِلًا وَمُدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ لِعُمُومِ قوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وَقَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

وَقُدِّرَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً، ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فِي الْعَشْرِ، فَأُمِرَتْ بِتَرَبُّصِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِيَسْتَبِينَ الْحَمْلُ إِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنَ الْوَفَاةِ وَاجِبَةٌ مِنَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ دُونَ النِّكَاحِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ كَخَامِسَةٍ فَلَا عِدَّةَ إِلاَّ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَهِيَ مُطِيقَةٌ فَتَعْتَدُّ كَالْمُطَلَّقَةِ.

كَيْفِيَّةُ حِسَابِ أَشْهُرِ الْعِدَّةِ:

18- إِنَّ حِسَابَ أَشْهُرِ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْفَسْخِ أَوِ الْوَفَاةِ يَكُونُ بِالشُّهُورِ الْقَمَرِيَّةِ لَا الشَّمْسِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ أَوِ الْوَفَاةُ فِي أَوَّلِ الْهِلَالِ اعْتُبِرَتِ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ، لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} حَتَّى وَلَوْ نَقَصَ عَدَدُ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِالْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فَلَزِمَ اعْتِبَارُ الْأَشْهُرِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ، وَلِمَا رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشْرِ مَرَّتَيْنِ وَهَكَذَا فِي الثَّالِثَةِ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ كُلِّهَا وَحَبَسَ أَوْ خَنَسَ إِبْهَامَهُ وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ

وَإِنْ كَانَتِ الْفُرْقَةُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ أَوْ حَدَثَتِ الْوَفَاةُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْهُ اعْتُبِرَ شَهْرَانِ بِالْهِلَالِ، وَيَكْمُلُ الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكَسِرُ نَاقِصًا.

وَكَذَلِكَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ الْمُنْكَسِرِ بِالْأَيَّامِ وَبَاقِي الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ، وَيَكْمُلُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ مِنَ الشَّهْرِ الْأَخِيرِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ الِاعْتِدَادُ بِالشَّهْرِ، وَالْأَشْهُرُ اسْمُ الْأَهِلَّةِ، فَكَانَ الْأَصْلُ فِي الِاعْتِدَادِ هُوَ الْأَهِلَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} جَعَلَ الْهِلَالَ لِمَعْرِفَةِ الْمَوَاقِيتِ، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ إِلَى الْأَيَّامِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْأَهِلَّةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْهِلَالِ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَعَدَلْنَا عَنْهُ إِلَى الْأَيَّامِ، وَلَا تَعَذُّرَ فِي بَقِيَّةِ الْأَشْهُرِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا بِالْأَهِلَّةِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تُحْتَسَبُ بِالْأَيَّامِ، فَتَعْتَدُّ مِنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ تِسْعِينَ يَوْمًا، وَمِنَ الْوَفَاةِ مِائَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا انْكَسَرَ شَهْرٌ انْكَسَرَ جَمِيعُ الْأَشْهُرِ، قِيَاسًا عَلَى صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ إِذَا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ فِي نِصْفِ الشَّهْرِ.

وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ يُرَاعَى فِيهَا الِاحْتِيَاطُ، فَلَوِ اعْتَبَرْنَاهَا فِي الْأَيَّامِ لَزَادَتْ عَلَى الشُّهُورِ وَلَوِ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْأَهِلَّةِ لَنَقَصَتْ عَنِ الْأَيَّامِ، فَكَانَ إِيجَابُ الزِّيَادَةِ أَوْلَى احْتِيَاطًا.

بَدْءُ حِسَابِ أَشْهُرِ الْعِدَّةِ:

19- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْأَشْهُرِ تَبْدَأُ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِيهَا، فَلَوْ فَارَقَهَا فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ ابْتُدِئَ حِسَابُ الشَّهْرِ مِنْ حِينَئِذٍ، وَاعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى مِثْلِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَحِسَابُ السَّاعَاتِ مُمْكِنٌ: إِمَّا يَقِينًا وَإِمَّا اسْتِظْهَارًا، فَلَا وَجْهَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُحْسَبُ يَوْمُ الطَّلَاقِ إِنْ طَلُقَتْ بَعْدَ فَجْرِهِ، وَلَا يَوْمُ الْوَفَاةِ. الْعَشْرُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ:

20- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَشْرَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا فَتَجِبُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ مَعَ اللَّيْلِ، لقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فَالْعَرَبُ تُغَلِّبُ صِيغَةَ التَّأْنِيثِ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً عَلَى الْمُذَكَّرِ فَتُطْلِقُ لَفْظَ اللَّيَالِي وَتُرِيدُ اللَّيَالِيَ بِأَيَّامِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِسَيِّدِنَا زَكَرِيَّا- عليه السلام- {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} يُرِيدُ بِأَيَّامِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} يُرِيدُ بِلَيَالِيِهَا وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَالْأَصَمِّ اللَّذَيْنِ قَالَا: تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ الْعَشْرَ تُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْأَيَّامُ اللاَّتِي فِي أَثْنَاءِ اللَّيَالِي تَبَعًا، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ جَازَ، أَخْذًا مِنْ تَذْكِيرِ الْعَدَدِ (الْعَشْرِ) فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» فَيَجِبُ كَوْنُ الْمَعْدُودِ اللَّيَالِي وَإِلاَّ لأَنَّثَهُ.

ثَالِثًا: الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ:

21- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ أَمْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَهِيَ تَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ، قَلَّتِ الْمُدَّةُ أَوْ كَثُرَتْ، حَتَّى وَلَوْ وَضَعَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا، فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِعُمُومِ قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فَقَدْ جَاءَتْ عَامَّةً فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِنَّ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَكَانَتْ حَامِلًا.

وَالْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنهم- أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: إِذَا وَلَدَتْ وَزَوْجُهَا عَلَى سَرِيرِهِ جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ.

وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ «أَنَّ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ نَفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ وَقِيلَ: إِنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَهِيَ فِي دَمِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ.

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَإِنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، بَلْ وَلَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ بِسَاعَةٍ، ثُمَّ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعِدَّةِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَوَضْعُ الْحَمْلِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَوْقَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَكَانَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ أَوْلَى مِنَ الِانْقِضَاءِ بِالْمُدَّةِ.

وَذَهَبَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ- فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ- رضي الله عنهم-...وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَحْنُونٌ إِلَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ: وَضْعُ الْحَمْلِ أَوْ مُضِيُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، أَيُّهُمَا كَانَ أَخِيرًا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ (Tab.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا عَامَّةٌ تَشْمَلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَخَاصَّةً فِي الْمُدَّةِ {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فِيهَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ أَيْضًا، لِأَنَّهَا تَشْمَلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَغَيْرَهَا وَخَاصَّةً فِي وَضْعِ الْحَمْلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ وَالْعَمَلِ بِهِمَا أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا اعْتَدَّتْ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ فَقَدْ عَمِلَتْ بِمُقْتَضَى الْآيَتَيْنِ، وَإِنِ اعْتَدَّتْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَقَدْ تَرَكَتِ الْعَمَلَ بِآيَةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، فَإِعْمَالُ النَّصَّيْنِ مَعًا خَيْرٌ مِنْ إِهْمَالِ أَحَدِهِمَا.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


23-موسوعة الفقه الكويتية (عدة 3)

عِدَّةٌ -3

الْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ:

22- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ هُوَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مُضْغَةً تُصُوِّرَتْ، وَلَوْ صُورَةً خَفِيَّةً تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الثِّقَاتِ مِنَ الْقَوَابِلِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مُضْغَةً لَمْ تُتَصَوَّرْ لَكِنْ شَهِدَتِ الثِّقَاتُ مِنَ الْقَوَابِلِ أَنَّهَا مَبْدَأُ خِلْقَةِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ وَرِوَايَةً عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ.

خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ لِلْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْوَضْعِ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِنُطْفَةٍ مُتَغَيِّرَةٍ، فَإِذَا كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً لَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَمْ تُتَصَوَّرْ فَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا مُتَغَيِّرَةً إِلاَّ بِاسْتِبَانَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ، أَمَّا إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا أَوْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا صُورَةَ فِيهَا فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوَضْعِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَمْلُ دَمًا اجْتَمَعَ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ حَمْلًا أَنَّهُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَمْ يَذُبْ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ فِي الْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مَنْسُوبًا لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا احْتِمَالًا كَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ، فَإِذَا لَاعَنَ حَامِلًا وَنَفَى الْحَمْلَ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ لِإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي الْعِدَّةِ إِذَا تَحَقَّقَ الْإِمْكَانُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَيْهِ فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، كَمَا إِذَا مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ أَوْ مَمْسُوحٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ.

23- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ تَنْقَضِي بِانْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ إِذَا كَانَ الْحَمْلُ وَاحِدًا لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ.

24- الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِيمَا لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ هَلْ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ أَمْ لَا؟

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ مُرَاجَعَتُهَا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إِلاَّ بِانْفِصَالِهِ كُلِّهِ عَنْ أُمِّهِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِ إِنَّهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ ثُلُثَيِ الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَقُومُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى لَا تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ احْتِيَاطًا.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ مُنْفَصِلًا أَوْ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ وَلَمْ يَخْرُجِ الْبَاقِي بَقِيَتِ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَرِثَهُ الْآخَرُ.

25- الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ الْحَمْلُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الْحَمْلَ إِذَا كَانَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ إِلاَّ بِوَضْعِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي الرَّحِمِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِمَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَمْلِ، فَإِذَا عُلِمَ وُجُودُ الْوَلَدِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ فَقَدْ تُيُقِّنَ وُجُودُ الْمُوجِبِ لِلْعِدَّةِ وَانْتَفَتِ الْبَرَاءَةُ الْمُوجِبَةُ لِانْقِضَائِهَا، وَلِأَنَّهَا لَوِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْأَوَّلِ لأُبِيحَ لَهَا النِّكَاحُ كَمَا لَوْ وَضَعَتِ الْآخَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا وَشَكَّتْ فِي وُجُودِ ثَانٍ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ وَتَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَمْ يَبْقَ مَعَهَا حَمْلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا وَكَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ الثَّانِيَ أَوِ الْآخَرَ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا يَكُونَانِ تَوْأَمَيْنِ إِذَا وَضَعَتْهُمَا مَعًا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَالثَّانِي حَمْلٌ آخَرُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ عِكْرِمَةُ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ الْآخَرَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَلَمْ يَقُلْ أَحْمَالَهُنَّ فَإِذَا وَضَعَتْ أَحَدَهُمَا فَقَدْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ مُرَاجَعَتُهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ إِلاَّ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ الْأَخِيرَ مِنَ التَّوَائِمِ، خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ انْقِضَاءَ مُرَاجَعَةِ الْحَامِلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وَضْعِ كُلِّ الْحَمْلِ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

مَتَى يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ الزَّوَاجُ: بِالْوَضْعِ أَمْ بِالطُّهْرِ؟

26- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْفَتْوَى إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ فِي دَمِهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلِّهِ فَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ إِلاَّ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَطْهُرَ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَحَمَّادٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تُنْكَحُ النُّفَسَاءُ مَا دَامَتْ فِي دَمِ نِفَاسِهَا لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ» وَمَعْنَى تَعَلَّتْ يَعْنِي طَهُرَتْ.

ارْتِيَابُ الْمُعْتَدَّةِ فِي وُجُودِ حَمْلٍ:

27- مَعْنَاهُ أَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْأَقْرَاءِ أَوِ الْأَشْهُرِ مِنْ حَرَكَةٍ أَوْ نَفْخَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَشَكَّتْ هَلْ هُوَ حَمْلٌ أَمْ لَا.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إِنِ ارْتَابَتِ الْمُعْتَدَّةُ أَيْ شَكَّتْ وَتَحَيَّرَتْ بِالْحَمْلِ إِلَى أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ هَلْ تَتَرَبَّصُ خَمْسًا مِنَ السِّنِينَ أَوْ أَرْبَعًا؟ فِيهِ خِلَافٌ: إِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ تَزِدِ الرِّيبَةُ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَمَّا إِنْ مَضَتْ وَزَادَتِ الرِّيبَةُ لِكِبَرِ بَطْنِهَا مَكَثَتْ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا مَضَتِ الْخَمْسَةُ أَوِ الْأَرْبَعَةُ حَلَّتْ وَلَوْ بَقِيَتِ الرِّيبَةُ، وَلَوْ تَزَوَّجَتِ الْمُرْتَابَةُ بِالْحَمْلِ قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسِ سِنِينَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ مِنْ نِكَاحِ الثَّانِي لَمْ يُلْحَقِ الْوَلَدُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الثَّانِي لِأَنَّهُ نَكَحَ حَامِلًا، أَمَّا عَدَمُ لُحُوقِهِ بِالْأَوَّلِ فَلِزِيَادَتِهِ عَلَى الْخَمْسِ سِنِينَ بِشَهْرٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِوِلَادَتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: - قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ ارْتَابَتْ فِي الْعِدَّةِ فِي وُجُودِ حَمْلٍ أَمْ لَا بِثِقَلٍ وَحَرَكَةٍ تَجِدُهُمَا لَمْ تَنْكِحْ آخَرَ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ بِمُرُورِ زَمَنٍ تَزْعُمُ النِّسَاءُ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ لَزِمَتْهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إِلاَّ بِيَقِينٍ، فَإِنْ نَكَحَتْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْقِضَائِهَا وَالِاحْتِيَاطِ فِي الْأَبْضَاعِ، وَلِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ، فَإِنِ ارْتَابَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَنِكَاحِ الْآخَرِ اسْتَمَرَّ نِكَاحُهَا إِلَى أَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ عَقْدِهِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ عَقْدِ النِّكَاحِ لِتَحَقُّقِ كَوْنِهَا حَامِلًا يَوْمَ الْعَقْدِ وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ إِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي، وَإِنِ ارْتَابَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَبْلَ نِكَاحٍ بِآخَرَ تَصْبِرُ عَلَى النِّكَاحِ لِتَزُولَ الرِّيبَةُ لِلِاحْتِيَاطِ لِخَبَرِ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ».

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ الْحَنَابِلَةُ إِنَّ الْمُرْتَابَةَ فِي الْعِدَّةِ فِي وُجُودِ حَمْلٍ أَمْ لَا لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَحْدُثَ بِهَا الرِّيبَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا تَبْقَى فِي حُكْمِ الِاعْتِدَادِ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ، فَإِنْ بَانَ حَمْلٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ تَبَيَّنَّا أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ بِالْقُرُوءِ، أَوْ بِالشُّهُورِ، فَإِنْ زُوِّجَتْ قَبْلَ زَوَالِ الرِّيبَةِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، لِأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ وَهِيَ فِي حُكْمِ الْمُعْتَدَّاتِ فِي الظَّاهِرِ، وَيُحْتَمَلُ إِذَا تَبَيَّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ، لِبَيَانِ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا.

الثَّانِي: إِنْ ظَهَرَتِ الرِّيبَةُ بَعْدَ قَضَاءِ عِدَّتِهَا وَالتَّزَوُّجِ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ قَضَاءِ عِدَّتِهَا فِي الظَّاهِرِ وَالْحَمْلُ مَعَ الرِّيبَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَا يَزُولُ بِهِ مَا حُكِمَ بِصِحَّتِهِ لَكِنْ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا لِلشَّكِّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، ثُمَّ نَنْظُرُ فَإِنْ وَضَعَتِ الْوَلَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا الثَّانِي وَوَطِئَهَا فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ نَكَحَهَا وَهِيَ حَامِلٌ، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ وَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَظْهَرَ الرِّيبَةُ بَعْدَ قَضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ يَحِلُّ لَهَا النِّكَاحُ وَيَصِحُّ.

تَحَوُّلُ الْعِدَّةِ أَوِ انْتِقَالُهَا:

أَنْوَاعُ الْعِدَّةِ ثَلَاثَةٌ: عِدَّةٌ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَقَدْ تَنْتَقِلُ مِنْ حَالَةٍ إِلَى أُخْرَى كَمَا يَلِي:

الْحَالَةُ الْأُولَى:

انْتِقَالُ الْعِدَّةِ أَوْ تَحَوُّلُهَا مِنَ الْأَشْهُرِ إِلَى الْأَقْرَاءِ، كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَكَذَلِكَ الْآيِسَةُ.

28- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْبَالِغَةَ الَّتِي لَمْ تَحِضْ إِذَا اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ فَحَاضَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَزِمَهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ، فَتَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا مِنَ الْأَشْهُرِ إِلَى الْأَقْرَاءِ، لِأَنَّ الْأَشْهُرَ بَدَلٌ عَنِ الْأَقْرَاءِ فَإِذَا وُجِدَ الْمُبْدَلُ بَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ.

أَمَّا إِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَهَا وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ مَعْنًى حَدَثَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، كَاَلَّتِي حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُ هَذَا الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَنْعُهُ لَمْ يَحْصُلْ لِمَنْ لَمْ تَحِضْ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ بِحَالٍ.

وَالْآيِسَةُ إِذَا اعْتَدَّتْ بِبَعْضِ الْأَشْهُرِ، ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ، فَتَتَحَوَّلُ عِدَّتُهَا إِلَى الْأَقْرَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا رَأَتِ الدَّمَ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً وَأَنَّهَا أَخْطَأَتْ فِي الظَّنِّ فَلَا يُعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا بَدَلٌ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ- عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَّتُوا لِلْإِيَاسِ فِيهَا وَقْتًا- إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ ثُمَّ رَأَتْ بَعْدَهُ الدَّمَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا فَحَيْضٌ حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ.

وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ فِي الَّتِي ظَنَّتْ أَنَّهَا آيِسَةٌ، فَأَمَّا الْآيِسَةُ فَمَا تَرَى مِنَ الدَّمِ لَا يَكُونُ حَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُودَ الْحَيْضِ مِنْهَا كَانَ مُعْجِزَةَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ( (؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ إِلاَّ عَلَى وَجْهِ الْمُعْجِزَةِ، كَذَا عَلَّلَ الْجَصَّاصُ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْآيِسَةَ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَقَبْلَ السَّبْعِينَ، وَالْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَقَبْلَ السِّتِّينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ دَمًا مَشْكُوكًا فِيهِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى النِّسَاءِ لِمَعْرِفَةِ هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ لَا؟ إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْحَيْضِ الْوُجُودُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْحَيْضِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ السِّتِّينَ فَقَدْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا تَعْتَدُّ بِهِ، وَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، كَاَلَّتِي لَا تَرَى دَمًا.

(ر: مُصْطَلَحَ إِيَاس ف 6).

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْآيِسَةَ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: - لَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ إِلَى الْأَقْرَاءِ، بَلِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، كَمَا لَوْ حَاضَتِ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ الْأَشْهُرِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.

الثَّانِي: - يَلْزَمُهَا، لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهَا لَيْسَتْ آيِسَةً بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا بِرُؤْيَةِ الْحَيْضِ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا وَقْتَ الِاعْتِدَادِ مِنَ اللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ.

الثَّالِثُ: - وَهُوَ الْأَظْهَرُ إِنْ كَانَ نَكَحَتْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ فَقَدْ تَمَّتِ الْعِدَّةُ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَإِلاَّ لَزِمَهَا الْأَقْرَاءُ.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: - انْتِقَالُ الْعِدَّةِ مِنَ الْأَقْرَاءِ إِلَى الْأَشْهُرِ:

29- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْتَقِلُ مِنَ الْأَقْرَاءِ إِلَى الْأَشْهُرِ فِي حَقِّ مَنْ حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ يَئِسَتْ مِنَ الْمَحِيضِ فَتَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ بِالْأَشْهُرِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ}.

وَالْأَشْهُرُ بَدَلٌ عَنِ الْحَيْضِ فَلَوْ لَمْ تَسْتَقْبِلْ وَثَبَتَتْ عَلَى الْأَوَّلِ لَصَارَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَصْلًا وَبَدَلًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ، كَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تُلَفَّقُ مِنْ جِنْسَيْنِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إِتْمَامُهَا بِالْحَيْضِ فَوَجَبَتْ بِالْأَشْهُرِ.

وَإِيَاسُ الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْلُغَ مِنَ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ فِيهِ مِثْلُهَا عَادَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ السِّنَّ مَعَ انْقِطَاعِ الدَّمِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا آيِسَةٌ مِنَ الْحَيْضَةِ حَتَّى يَتَّضِحَ لَنَا خِلَافُهُ.وَسِنُّ الْيَأْسِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَقْوَالٍ.

أَمَّا إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحُكْمِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.

(ر: مُصْطَلَحَ إِيَاس).

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: تَحَوُّلُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ إِلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ:

30- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، سَقَطَتْ عَنْهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَاسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مِنْ وَقْتِ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَيَسْرِي عَلَيْهَا قوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.

وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ وَيَنَالُهَا مِيرَاثُهُ، فَاعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ كَغَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ.

وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي حَالِ صِحَّتِهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى طَلَبِهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّهَا تُكْمِلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا تَنْتَقِلُ إِلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ بِالْإِبَانَةِ، فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَتَعَذَّرَ إِيجَابُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَبَقِيَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ عَلَى حَالِهَا.

وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ دُونَ طَلَبٍ مِنْهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ- مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ- احْتِيَاطًا، لِشُبْهَةِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّهَا تَرِثُهُ، فَلَوْ فَرَضْنَا بِأَنَّهَا حَاضَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ حَيْضَتَيْنِ، وَلَمْ تَحِضِ الثَّالِثَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى انْتَهَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَإِنَّهَا تُكْمِلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَاضَتِ الثَّالِثَةَ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَقَبْلَ انْتِهَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنَّهَا تُكْمِلُ هَذِهِ الْعِدَّةَ.

وَيَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ خَاصَّةً لِتُهْمَةِ الْفِرَارِ فَلأَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُحْتَاطُ فِي إِيجَابِهَا فَكَانَ قِيَامُ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ كَافِيًا لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاعْتِدَادُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ الطَّلَاقِ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهَا بَائِنٌ مِنَ النِّكَاحِ فَلَا تَكُونُ مَنْكُوحَةً، وَلِأَنَّ الْإِرْثَ الَّذِي ثَبَتَ مُعَامَلَةً بِنَقِيضِ الْقَصْدِ لَا يَقْتَضِي بَقَاءَ زَوْجِيَّةٍ مُوجِبَةٍ لِلْأَسَفِ وَالْحُزْنِ وَالْحِدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى.

الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: تَحَوُّلُ الْعِدَّةِ مِنَ الْقُرُوءِ أَوِ الْأَشْهُرِ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ.

31- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ بِالْقُرُوءِ أَوِ الْأَشْهُرِ أَوْ بَعْدَهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ حَامِلٌ مِنَ الزَّوْجِ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَتَحَوَّلُ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَا مَضَى مِنَ الْقُرُوءِ أَوِ الْأَشْهُرِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنَ الدَّمِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَلِأَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي انْقَضَتْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ وَانْقِضَاؤُهَا:

32- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَبْدَأُ فِي الطَّلَاقِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ، وَفِي الْوَفَاةِ عَقِيبَ الْوَفَاةِ، لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ أَوِ الْوَفَاةُ، فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْوَفَاةِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْعِدَّةِ فَقَدِ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، لَكِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَشَايِخُنَا يُفْتُونَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ، قَالَ الْبَابَرْتِيُّ: لِجَوَازِ أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَصِحَّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لَهَا بِالدَّيْنِ وَوَصِيَّتِهِ لَهَا بِشَيْءٍ، وَيَتَوَاضَعَا عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِيَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَبْدَأُ مِنْ وَقْتِ الْعِلْمِ بِالطَّلَاقِ، فَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِطَلَاقٍ مُتَقَدِّمٍ، وَقَدْ مَضَى مِقْدَارُ الْعِدَّةِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ، اسْتَأْنَفَتْ عِدَّتَهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَتَرِثُهُ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهَا، وَلَا يَرِثُهَا لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِإِقْرَارِهِ، إِلاَّ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ فَتَعْتَدُّ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَمَّا الْبَائِنُ فَلَا يَتَوَارَثَانِ، أَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ فَتَبْدَأُ مِنْ وَقْتِ الْوَفَاةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَبْدَأُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَتَبْدَأُ عِدَّةُ الْأَقْرَاءِ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَلَوْ بَلَغَتْهَا وَفَاةُ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقُهَا بَعْدَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ كَانَتْ مُنْقَضِيَةً، فَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ مِنْهَا، لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَعْتَدُّ مَعَ عَدَمِ قَصْدِهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْهَا، فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ أَوِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ يَوْمِ الْعِلْمِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ.

33- وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ نَوْعِهَا فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَامِلًا فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْتَهِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ كُلِّهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ بِالْقُرُوءِ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ فَإِنَّهَا تُحْسَبُ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ أَوِ الْوَفَاةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ.

وَبَيَّنَ الْكَاسَانِيُّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَقَالَ: انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ بِالْقَوْلِ، وَالثَّانِي بِالْفِعْلِ.

أَمَّا الْقَوْلُ فَهُوَ: إِخْبَارُ الْمُعْتَدَّةِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ الِانْقِضَاءُ فِي مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَمُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ، فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ فَإِنْ أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ أَخْبَرَتْ فِي مُدَّةٍ لَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِينِ إِنَّمَا يُقْبَلُ فِيمَا لَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ، وَالظَّاهِرُ هُنَا يُكَذِّبُهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إِلاَّ إِذَا فَسَّرَتْ مَعَ يَمِينِهَا، فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُكَذِّبُهَا مَعَ التَّفْسِيرِ، وَأَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سِتُّونَ يَوْمًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا.

وَأَمَّا الْفِعْلُ: فَيَتَمَثَّلُ فِي أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِي مِثْلِهَا الْعِدَّةُ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ: لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي لَمْ تُصَدَّقْ، لَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَنِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إِقْدَامَهَا عَلَى التَّزَوُّجِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يُحْتَمَلُ الِانْقِضَاءُ فِي مِثْلِهَا دَلِيلٌ عَلَى الِانْقِضَاءِ.

عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ:

34- الِاسْتِحَاضَةُ فِي الشَّرْعِ هِيَ: سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ مَرَضٍ وَفَسَادٍ مِنْ عِرْقٍ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ.

فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ الْمُطَلَّقَةُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ، وَاسْتَمَرَّ نُزُولُ الدَّمِ عَلَيْهَا بِدُونِ انْقِطَاعٍ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَالْحَالُ لَا يَخْلُو مِنْ أَمْرَيْنِ:

35- الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: إِنِ اسْتَطَاعَتْ أَنْ تُمَيِّزَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ بِرَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ كَثْرَةٍ أَوْ قِلَّةٍ أَوْ عَادَةٍ- وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا غَيْرَ الْمُتَحَيِّرَةِ- فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَلِأَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ لَهَا وَلِأَنَّ الدَّمَ الْمُمَيَّزَ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ يُعَدُّ حَيْضًا، فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ لَا بِالْأَشْهُرِ.

36- الْأَمْرُ الثَّانِي الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ الَّتِي لَمْ تَسْتَطِعِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَنَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا، أَوْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَمْ غَيْرَهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُسْتَحَاضَةِ هُنَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ نُزُولُ الْحَيْضِ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، أَوْ لِاشْتِمَالِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا، وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ إِلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَلِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرْتَابَةٌ، فَدَخَلَتْ فِي قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ تَلَجَّمِي وَتَحَيَّضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ» فَجَعَلَ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ تَتْرُكُ فِيهَا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَيَثْبُتُ فِيهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ، فَيَجِبُ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا وَلَا تَدْرِي مَا رَفَعَهَا، وَلِأَنَّهَا لَمْ تَتَيَقَّنْ لَهَا حَيْضًا مَعَ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ، فَكَانَتْ عِدَّتُهَا سَنَةً، كَاَلَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً لِزَوَالِ الرِّيبَةِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَمْلِ غَالِبًا، ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بَعْدَ السَّنَةِ، وَقِيلَ: بِأَنَّ السَّنَةَ كُلَّهَا عِدَّةٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ عِنْدَهُمْ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: بِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ، أَوْ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِلِاحْتِيَاطِ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَبَاعَدَ حَيْضُهَا وَطَالَ طُهْرُهَا، أَوْ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْيَأْسِ مُتَوَقِّعَةٌ لِلْحَيْضِ الْمُسْتَقِيمِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


24-موسوعة الفقه الكويتية (عدة 4)

عِدَّةٌ -4

عِدَّةُ الْمُرْتَابَةِ أَوْ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ:

37- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَابَةَ أَوِ الْمُمْتَدَّ طُهْرُهَا هِيَ: الْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا دُونَ حَمْلٍ وَلَا يَأْسٍ، فَإِذَا فَارَقَهَا زَوْجُهَا، وَانْقَطَعَ دَمُ حَيْضِهَا لِعِلَّةٍ تُعْرَفُ، كَرَضَاعٍ وَنِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ، فَإِنَّهَا تَصْبِرُ وُجُوبًا، حَتَّى تَحِيضَ، فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، أَوْ تَبْلُغُ سِنَّ الْيَأْسِ فَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَالْآيِسَةِ، وَلَا تُبَالِي بِطُولِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ، لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ جُعِلَ بَعْدَ الْيَأْسِ بِالنَّصِّ، فَلَمْ يَجُزْ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ- رضي الله عنهم-، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الْمُرْضِعِ.

وَأَمَّا إِذَا حَاضَتْ ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا دُونَ عِلَّةٍ تُعْرَفُ، فَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم- وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَابَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَتَرَبَّصُ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ: تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، لِتَتْبِينِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلِزَوَالِ الرِّيبَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْكُثُ فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَهَذِهِ سَنَةٌ تَنْقَضِي بِهَا عِدَّتُهَا وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ.

وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا يُدْرَى مَا رَفَعَهُ: تَجْلِسُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ بِهَا حَمْلٌ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَذَلِكَ سَنَةٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَضَى بِهِ عُمَرُ- رضي الله عنه- بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَتَحِيضُ حَيْضَةً ثُمَّ يَرْتَفِعُ حَيْضُهَا قَالَ: أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ- رضي الله عنه-: إِذَا رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا فَلَمْ تَدْرِ مِمَّا ارْتَفَعَتْ، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ سَنَةً؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تُبْنَى عَلَى عِدَّةٍ أُخْرَى.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ: بِأَنَّهَا تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ فَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ تَيْأَسُ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، كَمَا لَوِ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعِلَّةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ إِلاَّ لِلَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالْآيِسَةِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَرْجُو عَوْدَ الدَّمِ، فَأَشْبَهَتْ مَنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَارِضٍ مَعْرُوفٍ.

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ: أَنَّ الْمُرْتَابَةَ تَتَرَبَّصُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ: أَرْبَعَ سِنِينَ لِتَعْلَمَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بِيَقِينٍ، وَقِيلَ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا: تَتَرَبَّصُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ الْقَدِيمِ: أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ مُدَّةَ الْحَمْلِ غَالِبَهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ حَمْلٍ.

وَجَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ وَفْقًا لِلْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ- وَهُوَ التَّرَبُّصُ لِسِنِّ الْيَأْسِ-: لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ وَجَبَتِ الْأَقْرَاءُ، لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْبَدَلِ، وَيُحْسَبُ مَا مَضَى قُرْءًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ، أَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا: إِنْ نَكَحَتْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ فَقَدْ تَمَّتِ الْعِدَّةُ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَإِلاَّ فَالْأَقْرَاءُ وَاجِبَةٌ فِي عِدَّتِهَا، لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ آيِسَةً، وَقِيلَ: تَنْتَقِلُ إِلَى الْأَقْرَاءِ مُطْلَقًا تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا، وَقِيلَ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا، قِيَاسًا عَلَى الصَّغِيرَةِ الَّتِي حَاضَتْ بَعْدَ الْأَشْهُرِ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْيَأْسِ يَأْسُ عَشِيرَتِهَا، وَفِي قَوْلٍ: يَأْسُ كُلِّ النِّسَاءِ لِلِاحْتِيَاطِ وَطَلَبًا لِلْيَقِينِ.

عِدَّةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِ:

38- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، كَعِدَّةِ زَوْجَةِ الْكَبِيرِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ مَاتَ عَنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ وَأَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الصَّغِيرَ الَّذِي مَاتَ عَنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ- وَلَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ- عِدَّةُ زَوْجَتِهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ بِيَقِينٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إِلَيْهِ، فَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، كَالْحَمْلِ مِنَ الزِّنَا أَوِ الْحَادِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْحَمْلُ الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ هُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى صَاحِبِ الْعِدَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا فَلَا تَنْقَضِي عِدَّةُ زَوْجَتِهِ بِوَضْعِ حَمْلِهَا، لَا مِنْ مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فِي الطَّلَاقِ، وَيُعَدُّ نِفَاسُهَا حَيْضَةً، وَعَلَيْهَا فِي الْوَفَاةِ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ مِنَ الْوَضْعِ أَوْ تَمَامُ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَجِبُ الْعِدَّةُ بِدُخُولِ زَوْجِهَا الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْلَاقُ، وَكَذَلِكَ بِخَلْوَتِهِ الصَّحِيحَةِ أَوِ الْفَاسِدَةِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ مِنْهُ الْوَطْءُ لِصِغَرِهِ، أَوْ لَمْ تَحْصُلْ خَلْوَةٌ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي الطَّلَاقِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ- وَإِنْ كَانَ فِي سِنٍّ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ- يُوجِبُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ شَاغِلٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلِأَنَّ الْإِنْزَالَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعُلُوقُ لَمَّا كَانَ خَفِيًّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، وَلِعُسْرِ تَتَبُّعِهِ أَعْرَضَ الشَّارِعُ عَنْهُ، وَاكْتَفَى بِسَبَبِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ أَوِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ كَمَا اكْتَفَى فِي التَّرَخُّصِ بِالسَّفَرِ، وَأَعْرَضَ عَنِ الْمَشَقَّةِ.وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ وَطْءِ الصَّبِيِّ تَهَيُّؤُهُ لِلْوَطْءِ وَأَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الَّذِي مَاتَ وَهِيَ حَامِلٌ تَكُونُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِعُمُومِ قوله تعالى {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ لِلْعِلْمِ بِحُصُولِ فَرَاغِ الرَّحِمِ، وَالْوِلَادَةُ دَلِيلُ فَرَاغِ الرَّحِمِ بِيَقِينٍ، وَالشَّهْرُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرَاغِ بِيَقِينٍ، فَكَانَ إِيجَابُ مَا دَلَّ عَلَى الْفَرَاغِ بِيَقِينٍ أَوْلَى، إِلاَّ إِذَا ظَهَرَ الْحَمْلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ، بَلْ تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، لقوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وَلِأَنَّ الْحَمْلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَوْتِ وَجَبَتِ الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ الْحَادِثِ، وَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْمَوْتِ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْحَبَلِ، فَكَانَ انْقِضَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَحْصُلُ عَادَةً إِلاَّ مِنَ الْمَاءِ، وَالصَّبِيُّ لَا مَاءَ لَهُ حَقِيقَةً، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ عَادَةً فَيَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُهُ.

عِدَّةُ زَوْجَةِ الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَمْسُوحِ:

39- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْمَجْبُوبِ كَزَوْجَةِ الصَّبِيِّ، لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقِهِ، كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقِيلَ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إِنْ كَانَ يُعَالَجُ وَيُنْزِلُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ خَلِيلٌ، وَعَلَى الثَّانِي عِيَاضٌ، وَلَوْ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، لَا مِنْ مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فِي الطَّلَاقِ، وَيُعَدُّ نِفَاسُهَا حَيْضَةً، وَعَلَيْهَا فِي الْوَفَاةِ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ مِنَ الْوَضْعِ أَوْ تَمَامُ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ.

وَصَرَّحَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ فَلَا تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَجْبُوبَ الْخُصْيَتَيْنِ قَائِمُ الذَّكَرِ فَعَلَى امْرَأَتِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَطَأُ بِذَكَرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ قَائِمَ الْخُصْيَتَيْنِ: فَهَذَا إِنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِلاَّ فَلَا، وَقِيلَ: يُرْجَعُ فِي الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ أَوْ أُنْثَيَاهُ إِلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ كَالْأَطِبَّاءِ أَوِ النِّسَاءِ.

وَالْمَمْسُوحُ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ فِي الْمُعْتَمَدِ فِي طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَرْبًا مِنَ التَّعَبُّدِ، فَإِذَا مَاتَ وَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَلَا يَلْحَقُهُ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، لِأَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِوَضْعِهِ هُوَ الَّذِي يُنْسَبُ لِأَبِيهِ، وَإِنَّمَا تَنْتَهِي بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ: الْوَضْعِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَعْتَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ وَطْءِ خَصِيٍّ لَا مَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَلَوْ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ، لَكِنْ إِنْ بَانَتْ حَامِلًا لَحِقَهُ الْوَلَدُ، لِإِمْكَانِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْسُوحًا، وَاعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ وَإِنْ نَفَاهُ، بِخِلَافِ الْمَمْسُوحِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ الْخَصِيُّ الْمَجْبُوبُ امْرَأَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ، وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ وَتَسْتَأْنِفُ بَعْدَ الْوَضْعِ عِدَّةَ الطَّلَاقِ: ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، أَوْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ بِأَنْ يَحُكَّ مَوْضِعَ ذَكَرِهِ بِفَرْجِهَا فَيُنْزِلُ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَدٌ، لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ سِنِينَ.

وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي بَابِ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْمَجْبُوبَ أَوِ الْخَصِيَّ كَالْعِنِّينِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ بِنَاءً عَلَى طَلَبِهَا.

وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ الْخَصِيَّ كَالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَى زَوْجَتِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ بِشَرْطِ الْإِنْزَالِ.

عِدَّةُ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ:

40- الْمَفْقُودُ: هُوَ الَّذِي غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ مَعَ إِمْكَانِ الْكَشْفِ عَنْهُ، فَخَرَجَ الْأَسِيرُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ خَبَرُهُ، وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ فَإِذَا غَابَ الرَّجُلُ عَنِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِذَا غَابَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ، فَلَا يَجُوزُ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، فَتَظَلُّ عَلَى عِصْمَتِهِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، أَوْ لَحِقَهَا ضَرَرٌ مِنْ غَيْبَتِهِ أَوْ كَانَتْ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا الْفِتْنَةَ فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (غَيْبَة).

ثَانِيهِمَا: إِذَا غَابَ الزَّوْجُ عَنْ زَوْجَتِهِ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَلَا يُعْرَفُ مَكَانُهُ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ- فِيمَا لَوْ كَانَ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلَامَةَ- إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِ، فَلَا تَزُولُ الزَّوْجِيَّةُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ، أَوْ تَمْضِي مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَهَذِهِ سُلْطَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ لِلْقَاضِي، ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- مَوْقُوفًا: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَةٌ ابْتُلِيَتْ، فَلْتَصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيَهَا يَقِينُ مَوْتِهِ، وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْبَيَانُ» لِأَنَّ عَقْدَهَا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَرْتَفِعُ إِلاَّ بِيَقِينٍ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ إِذَا بَلَغَ سِنُّهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُقَدَّرُ بِمِائَةِ سَنَةٍ، وَقِيلَ: تِسْعُونَ سَنَةً، أَوْ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ إِذَا مَاتَ آخِرُ أَقْرَانِهِ سِنًّا، أَوْ يُفَوَّضُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ.

وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَم عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا مَضَى عَلَيْهِ تِسْعُونَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وِلَادَتِهِ قَسَمَ مَالَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ زَوْجَتَهُ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعُمْرِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فَقْدُهُ بِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم-، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنِ الْحَنَابِلَةِ- فِي حَالَةِ مَا لَوْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ- إِلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ إِنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَوَافَقَهُ فِي ذَلِكَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهم-، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةَ وَاللَّيْثُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَالتَّرَبُّصُ بِأَرْبَعِ سِنِينَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ، أَوْ أَنَّهُ أَكْثَرُ الْحَمْلِ عِنْدَهُمْ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي الْقِتَالِ تَتَرَبَّصُ سَنَةً فَقَطْ، لِأَنَّ غَلَبَةَ هَلَاكِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرُ مِنْ غَلَبَتِهِ فِي غَيْرِهَا، لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْقِتَالُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ بِالنِّسْبَةِ لِزَوْجَتِهِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ، وَقِيلَ: مِنْ حِينِ رَفْعِ الْأَمْرِ إِلَى الْقَاضِي أَوِ الْوَالِي أَوْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ.

وَلِلْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ لَهَا، لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَافْتَقَرَتْ إِلَى ضَرْبِ الْحَاكِمِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ.

وَثَانِيَتُهُمَا: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ الْخَبَرِ وَبُعْدِ الْأَثَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَوْتِهِ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْهُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى الْقَدِيمِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.

عِدَّةُ زَوْجَةِ الْأَسِيرِ:

41- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْأَسِيرِ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تُعْلَمَ بِيَقِينٍ وَفَاتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَمَكْحُولٍ.

عِدَّةُ زَوْجَةِ الْمُرْتَدِّ:

42- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى وُجُوبِ عِدَّةِ زَوْجَةِ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ بِسَبَبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ جَمَعَهَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ، وَإِلاَّ فَالْفُرْقَةُ مِنَ الرِّدَّةِ وَعِدَّتُهَا تَكُونُ بِالْأَشْهُرِ، أَوْ بِالْقُرُوءِ، أَوْ بِالْوَضْعِ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ.

وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ أَوْ قُتِلَ حَدًّا وَامْرَأَتُهُ فِي الْعِدَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إِلاَّ عِدَّةُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِالرِّدَّةِ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ لَا تَجِبُ إِلاَّ عَلَى الزَّوْجَاتِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَوَرِثَتْهُ قِيَاسًا عَلَى طَلَاقِ الْفَارِّ- فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، حَتَّى إِنَّهَا لَوْ لَمْ تَرَ فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْعَشْرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ تَسْتَكْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ وَرِثَتْ تَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا: بِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا بَقِيَ فِي حَقِّ الْإِرْثِ، فَلأَنْ يَبْقَى فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعِدَّةَ يُحْتَاطُ فِي إِيجَابِهَا، فَكَانَ قِيَامُ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ كَافِيًا لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ احْتِيَاطًا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاعْتِدَادُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، قِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رِوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

عِدَّةُ الْكِتَابِيَّةِ أَوِ الذِّمِّيَّةِ:

43- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْكِتَابِيَّةِ أَوِ الذِّمِّيَّةِ فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْفَسْخِ أَوِ الْوَفَاةِ كَعِدَّةِ الْمُسْلِمَةِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِدَّةِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا، لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ بِحَقِّ اللَّهِ وَبِحَقِّ الزَّوْجِ، قَالَ تَعَالَى {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فَهِيَ حَقُّهُ، وَالْكِتَابِيَّةُ أَوِ الذِّمِّيَّةُ مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَتُجْبَرُ عَلَيْهَا لِأَجْلِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ إِيفَاءِ حُقُوقِ الْعِبَادِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ كَانَتِ الذِّمِّيَّةُ تَحْتَ ذِمِّيٍّ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ دِينُهُمْ لَا يُقِرُّ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فَوْرَ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا إِمَّا أَنْ تَجِبَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِحَقِّ الزَّوْجِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِيجَابِهَا بِحَقِّ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حَقًّا لِنَفْسِهِ، وَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِهَا بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالْقُرُبَاتِ، إِلاَّ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا، فَإِنَّهَا تُمْنَعُ مِنَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ الثَّانِي يُوجِبُ اشْتِبَاهَ النَّسَبِ، وَحِفْظُ النَّسَبِ حَقُّ الْوَلَدِ، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُ حَقِّهِ، فَكَانَ عَلَى الْحَاكِمِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ بِالْمَنْعِ مِنَ الزَّوَاجِ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ الْحُرَّةَ غَيْرُ الْحَامِلِ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ زَوْجٍ ذِمِّيٍّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا، وَأَرَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا- وَقَدْ دَخَلَ بِهَا- فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا حَلَّتْ مَكَانَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الذِّمِّيَّةِ حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ ذِمِّيٍّ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَجَرَى عَلَيْهَا مَا يَجْرِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَلِعُمُومِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْعِدَّةِ، وَلِأَنَّهَا بَائِنٌ بَعْدَ الدُّخُولِ أَشْبَهَتِ الْمُسْلِمَةَ، فَعِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنَ الْوَفَاةِ أَشْبَهَتِ الْمُسْلِمَةَ.

عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ:

44- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَلِأَنَّ الْخُلْعَ فُرْقَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَكَانَتِ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ.

وَفِي قَوْلٍ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَةٌ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهم- وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- عِدَّتَهَا حَيْضَةً» كَمَا أَنَّ عُثْمَانَ- رضي الله عنه- قَضَى بِهِ.

(ر: مُصْطَلَحَ خُلْع).

عِدَّةُ الْمُلَاعَنَةِ:

45- عِدَّةُ الْمُلَاعَنَةِ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ، لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ فِي الْحَيَاةِ، فَأَشْبَهَتِ الْمُطَلَّقَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- فَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ أَنَّ عِدَّتَهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ.

عِدَّةُ الزَّانِيَةِ:

46- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عِدَّةِ الزَّانِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهم-، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ شُرِعَتْ لِحِفْظِ النَّسَبِ، وَالزِّنَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ، وَلَا يُوجِبُ الْعِدَّةَ.

وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَهِيَ حَامِلٌ مِنَ الزِّنَا جَازَ نِكَاحُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَضَعَ، لِئَلاَّ يَصِيرَ سَاقِيًا مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ وَطْئِهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا.

خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ لِلْحَامِلِ مِنْ زِنًا عَلَى الْأَصَحِّ، إِذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَدَى الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ: أَنَّ الْمَزْنِيَّ بِهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَقْتَضِي شُغْلَ الرَّحِمِ، فَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ مِنْهُ، وَلِأَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا بِعِدَّةٍ كَامِلَةٍ قِيَاسًا عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَلِأَنَّ الْمَزْنِيَّ بِهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الِاعْتِدَادِ اشْتَبَهَ وَلَدُ الزَّوْجِ بِالْوَلَدِ مِنَ الزِّنَا، فَلَا يَحْصُلُ حِفْظُ النَّسَبِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: إِذَا زَنَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ غُصِبَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَطْئِهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً.

أَمَّا الْحَامِلُ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ غَصْبٍ فَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا كَانَتِ الزَّانِيَةُ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا زَمَنَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَجَبَ فَسْخُهُ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى أَنَّ الزَّانِيَةَ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً».

وَلِمَزِيدٍ مِنَ التَّفْصِيلِ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ: (اسْتِبْرَاء ف 24).

عِدَّةُ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا:

47- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ الْكَائِنَةِ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي، كَالنِّكَاحِ بِدُونِ شُهُودٍ أَوْ وَلِيٍّ، وَذَهَبُوا أَيْضًا إِلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ بِالْوَطْءِ، أَيْ بِالدُّخُولِ، مِثْلُ: نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَزَوْجَةِ الْغَيْرِ، وَالْمَحَارِمِ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ، بِأَنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْحُرْمَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ يَعْلَمُ بِالْحُرْمَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، لَا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ، إِذْ لَا حَقَّ لِلنِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَيًّا كَانَ نَوْعَهُ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالُوا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ، لِعَدَمِ وُجُودِ الشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ، وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، جَاءَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَنِكَاحُ امْرَأَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الزَّوْجُ الثَّانِي بِأَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ- أَيِ الزَّوْجُ الثَّانِي- لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالدُّخُولِ، حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ زِنًا، وَإِذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حَلَّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَبِهِ يُفْتَى.

(ر: مُصْطَلَحَ بُطْلَان ف 30).

وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا عَلَى الْأَزْوَاجِ، لقوله تعالى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} وَلَا يَصِيرُ زَوْجًا حَقِيقَةً إِلاَّ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، كَمَا أَنَّهَا تَجِبُ إِظْهَارًا لِلْحُزْنِ وَالتَّأَسُّفِ لِفَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَالنِّعْمَةُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ إِلَى وُجُوبِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، فَوَجَبَتْ بِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ.

عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ:

48- عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَهِيَ الَّتِي زُفَّتْ إِلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، وَالْمَوْجُودَةُ لَيْلًا عَلَى فِرَاشِهِ إِذَا ادَّعَى الِاشْتِبَاهَ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِشُغْلِهِ وَلِحُقُوقِ النَّسَبِ فِيهِ، كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَكَانَ مِثْلَهُ فِيمَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ تُقَامُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، وَإِيجَابُ الْعِدَّةِ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ.

وَإِنْ وُطِئَتِ الْمُزَوَّجَةُ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَحِلَّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، كَيْ لَا يُفْضِيَ إِلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَلَهُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فِي أَحَدِ وَجْهَيِ الْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ حَرُمَ وَطْؤُهَا لِعَارِضٍ مُخْتَصٍّ بِالْفَرْجِ، فَأُبِيحَ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهَا بِمَا دُونَهُ كَالْحَائِضِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ كَالْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِبْرَاءِ.

عِدَّةُ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ دُونَ تَعْيِينٍ أَوْ بَيَانٍ:

49- إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ دُونَ تَعْيِينٍ أَوْ بَيَانٍ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ كَمَا يَلِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَى زَوْجَةٍ مَجْهُولَةٍ فَهُوَ طَلَاقٌ مُبْهَمٌ، وَالْجَهَالَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَصْلِيَّةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ طَارِئَةً، فَالْأَصْلِيَّةُ: أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِيهَا مِنَ الِابْتِدَاءِ مُضَافًا إِلَى الْمَجْهُولِ، وَالطَّارِئَةُ: أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إِلَى مَعْلُومَةٍ ثُمَّ تُجْهَلُ، كَمَا إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا مِنْ نِسَائِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَسِيَ الْمُطَلَّقَةَ.

وَعِدَّةُ الْمَرْأَةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ كَعِدَّةِ غَيْرِهَا مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَاءِ عِدَّتِهَا هَلْ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ.

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ لَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا قَبْلَ الْبَيَانِ، وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ كَغَيْرِهَا مِنَ الْمُطَلَّقَاتِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ نَازِلٌ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.

وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ بَيَانِ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ لِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا مَنْكُوحَةٌ وَالْأُخْرَى مُطَلَّقَةٌ، وَعَلَى الْمَنْكُوحَةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ لَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَعَلَى الْمُطَلَّقَةِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ لَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَدَارَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعِدَّتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ، وَالْعِدَّةُ يُحْتَاطُ فِي إِيجَابِهَا، وَمِنَ الِاحْتِيَاطِ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً، كَقَوْلِهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ: وَنَوَى مُعَيَّنَةً أَمْ لَا وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ لِلْمُعَيَّنَةِ أَوِ التَّعْيِينِ لِلْمُبْهَمَةِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا اعْتَدَّتَا لِوَفَاتِهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالطَّلَاقِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالْمَوْتِ وَكَذَا إِنْ وَطِئَ كُلًّا مِنْهُمَا وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ، أَوْ هُمَا ذَوَاتَا أَقْرَاءٍ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، فَتَعْتَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا عِدَّةَ وَفَاةٍ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ، وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهَا بِعِدَّةٍ أُخْرَى، فَوَجَبَ أَنْ تَأْتِيَ بِذَلِكَ لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ، وَتُحْتَسَبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنَ الْمَوْتِ جَزْمًا، وَتُحْسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَعِدَّةُ الْحَامِلِ مِنْهُمَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالتَّقْدِيرَيْنِ.

وَلَوِ اخْتَلَفَ حَالُ الْمَرْأَتَيْنِ، بِأَنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مَمْسُوسَةً أَوْ حَامِلًا أَوْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا، عَمِلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِمُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ فِي حَقِّهَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ لَا بِعَيْنِهَا، أُخْرِجَتْ بِالْقُرْعَةِ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ دُونَ غَيْرِهَا، مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْقُرْعَةِ، وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا وَأُنْسِيهَا.

فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمِيعُ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى الْجَمِيعِ الِاعْتِدَادُ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، أَمَّا ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فَمِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ.

وَإِنْ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا بَعْدَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ تَكْمِيلُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ مِنْ وَقْتِ طَلَاقِهِنَّ ثَلَاثًا..

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا طَلُقَتَا أَوْ طَلُقْنَ مَعًا طَلَاقًا مُنَجَّزًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا فَالطَّلَاقُ لِلْجَمِيعِ، وَإِنْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَلِلْأُخْرَى أَوْ أَنْتِ وَلَا نِيَّةَ خُيِّرَ فِي طَلَاقِ أَيَّتِهِمَا أَحَبَّ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


25-موسوعة الفقه الكويتية (علوق)

عُلُوقٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْعُلُوقُ لُغَةً: مِنْ عَلِقَ بِالشَّيْءِ عَلَقًا وَعَلَقَةً: نَشِبَ فِيهِ، وَهُوَ عَالِقٌ بِهِ أَيْ: نَشِبَ فِيهِ، وَعَلِقَتِ الْمَرْأَةُ بِالْوَلَدِ، وَكُلُّ أُنْثَى تَعْلَقُ: حَبِلَتْ، وَالْمَصْدَرُ الْعُلُوقُ وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ (عُلُوقٍ) عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْوَطْءُ:

2- مِنْ مَعَانِي الْوَطْءِ لُغَةً: النِّكَاحُ وَالْجِمَاعُ أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيَسْتَعْمِلُونَهُ بِمَعْنَى الْجِمَاعِ.

ب- الْإِنْزَالُ:

3- مِنْ مَعَانِي الْإِنْزَالِ لُغَةً: إِنْزَالُ الرَّجُلِ مَاءَهُ، إِذَا أَمْنَى بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَيُطْلَقُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى خُرُوجِ مَاءِ الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ بِجِمَاعٍ أَوِ احْتِلَامٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعُلُوقِ وَبَيْنَ الْوَطْءِ وَالْإِنْزَالِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ وَكَذَا الْإِنْزَالُ فِي الْفَرْجِ يَكُونَانِ سَبَبًا لِلْعُلُوقِ، إِذِ الْعُلُوقُ لَا يَكُونُ إِلاَّ مِنَ الْمَنِيِّ.

أَثَرُ الْعُلُوقِ:

4- الْعُلُوقُ فِي الْفِرَاشِ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ فَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مِمَّنْ يُولَدُ لَهُ وَوَطِئَهَا وَلَمْ يُشَارِكْهُ أَحَدٌ فِي وَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فِي الْمُدَّةِ الْمُقَرَّرَةِ لِلْحَمْلِ الَّتِي حَدَّدَهَا الْفُقَهَاءُ فَإِنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وُجِدَ مِنْ وَطْءٍ عَلَى فِرَاشِ الزَّوْجِ، وَالْعُلُوقُ فِي فِرَاشِهِ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (نَسَب).

أَثَرُ الْعُلُوقِ فِي الرَّجْعَةِ:

5- الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا يَثْبُتُ نَسَبُ مَا تَلِدُهُ وَلَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَلَوْ لِعِشْرِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ طُهْرِهَا وَعُلُوقِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَيَصِيرُ بِالْوَطْءِ الَّذِي عَلِقَتْ مِنْهُ مُرَاجِعًا، وَتَكُونُ الْوِلَادَةُ دَلِيلَ الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الزَّوْجَةِ فَحَمْلُهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ يُحْمَلُ عَلَى الْحَلَالِ؛ لِانْتِفَاءِ الزِّنَى مِنَ الْمُسْلِمِ ظَاهِرًا.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (رَجْعَة ف 13)

أَثَرُ الْعُلُوقِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ:

6- لِلْعُلُوقِ أَثَرٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْثِ فَتُوقَفُ التَّرِكَةُ لِوَضْعِ الْحَمْلِ.

وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِرْث ف 109، وَوَصِيَّة).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


26-موسوعة الفقه الكويتية (قرء)

قُرْءٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْقُرْءُ لُغَةً: بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ الْحَيْضُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الطُّهْرِ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَجَمْعُهُ قُرُوءٌ وَأَقْرُؤٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَأَفْلُسٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ مِثْلِ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ.

وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْوَقْتِ.

وَيُطْلَقُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا، حَيْثُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ الْقُرْءَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ يُذَكَّرُ وَيُرَادُ بِهِ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ عَلَى طَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لِلْقُرْءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ فِي الْعِدَّةِ الْأَطْهَارُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَطَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْءِ الْحَيْضُ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ النَّيْسَابُورِيِّ: كُنْتُ أَقُولُ إِنَّهُ الْأَطْهَارُ، وَأَنَا أَذْهَبُ الْيَوْمَ إِلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُرْءِ:

عِدَّةُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ:

2- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا ذَاتِ الْأَقْرَاءِ أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} سَوَاءٌ وَجَبَتِ الْعِدَّةُ بِالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ أَوِ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ إِذَا كَانَتْ حُرَّةً وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْقُرْءِ- كَمَا تَقَدَّمَ- فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْءِ الْحَيْضُ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ لَا يُحْتَسَبُ ذَلِكَ الطُّهْرُ مِنَ الْعِدَّةِ، حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ كَوَامِلَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ كَامِلَةٍ، فَلَا يُعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَلَوْ حُمِلَ الْقُرْءُ عَلَى الطُّهْرِ لَكَانَ الِاعْتِدَادُ بِطُهْرَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ الَّذِي صَادَفَهُ الطَّلَاقُ مَحْسُوبٌ مِنَ الْأَقْرَاءِ، وَالثَّلَاثَةُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَالِاسْمُ الْمَوْضُوعُ لِعَدَدٍ لَا يَقَعُ عَلَى مَا دُونَهُ فَيَكُونُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْحَيْضِ يَكُونُ الِاعْتِدَادُ بِثَلَاثٍ كَوَامِلَ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الطُّهْرِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنَ الْعِدَّةِ، فَيَكُونُ عَمَلًا بِالْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ اسْتِعْمَالُ الْقُرْءِ بِمَعْنَى الْحَيْضِ، «قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِلْمُسْتَحَاضَةِ: إِذَا أَتَى قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي»؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَالْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ يَحْصُلُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ، فَكَانَ الِاعْتِدَادُ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرُوءِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْأَطْهَارُ، فَإِنَّهَا لَوْ طُلِّقَتْ طَاهِرًا وَبَقِيَ مِنْ زَمَنِ طُهْرِهَا شَيْءٌ وَلَوْ لَحْظَةً حُسِبَتْ قُرْءًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ وَإِنْ قَلَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ قُرْءٍ، فَتُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ طُهْرٍ كَامِلٍ.

وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أَيْ فِي وَقْتِ عِدَّتِهِنَّ، لَكِنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ، فَيُصْرَفُ الْإِذْنُ إِلَى زَمَنِ الطُّهْرِ، وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ، حَيْثُ قَالَ: «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ»، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ، وَلِدُخُولِ الْهَاءِ فِي الثَّلَاثَةِ فِي قوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْهَاءُ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ لَا فِي جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ يُقَالُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَالْحَيْضُ مُؤَنَّثٌ وَالطُّهْرُ مُذَكَّرٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْأَطْهَارُ.

انْتِقَالُ الْعِدَّةِ:

أ- انْتِقَالُ الْعِدَّةِ مِنَ الْأَقْرَاءِ إِلَى الْأَشْهُرِ:

3- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحَوُّلِ الْعِدَّةِ مِنَ الْحَيْضِ إِلَى الْأَشْهُرِ فِي حَقِّ مَنْ حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَصْبَحَتْ يَائِسَةً، فَتَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا مِنَ الْحَيْضِ إِلَى الْأَشْهُرِ، فَتَسْتَقْبِلُ بِالْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَيِسَتْ قَدْ صَارَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ لقوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} فَالْأَشْهُرُ بَدَلٌ عَنِ الْحَيْضِ.

ب- انْتِقَالُ الْعِدَّةِ مِنَ الْقُرُوءِ أَوِ الْأَشْهُرِ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ:

4- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ بِالْقُرُوءِ أَوِ الْأَشْهُرِ أَوْ بَعْدَهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ حَامِلٌ مِنَ الزَّوْجِ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَتَحَوَّلُ إِلَى وَضْعِ الْحَمْلِ، وَسَقَطَ حُكْمُ مَا مَضَى مِنَ الْقُرُوءِ أَوِ الْأَشْهُرِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنَ الدَّمِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا؛ وَلِأَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ أَقْوَى مِنَ الدَّمِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي انْقَضَتْ لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عِدَّة ف 38)

ج- انْتِقَالُ الْعِدَّةِ مِنَ الْأَشْهُرِ إِلَى الْأَقْرَاءِ:

5- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَةَ إِذَا اعْتَدَّتْ بِبَعْضِ الْأَشْهُرِ، ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ، تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا مِنَ الْأَشْهُرِ إِلَى الْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ بَدَلٌ عَنِ الْأَقْرَاءِ، وَقَدْ ثَبَتَتِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُبْدَلِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ تُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ: (عِدَّة ف 28- 31)

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


27-موسوعة الفقه الكويتية (لقط)

لَقْطٌ

التَّعْرِيفُ:

1- اللَّقْطُ بِفَتْحِ اللاَّمِ وَسُكُونِ الْقَافِ كَالنَّصْرِ- مَصْدَرُ لَقَطَ يَلْقُطُ- وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنَ الْأَرْضِ وَجَمْعُهُ، يُقَالُ: لَقَطَهُ يَلْقُطُهُ لَقْطًا: أَخَذَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ اللُّقَطَةُ وَهِيَ اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ، وَاللَّقِيطُ وَهُوَ الْمَوْلُودُ الْمَنْبُوذُ.

وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَخْذُ أَيَّامِ النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَالْحُكْمُ عَلَيْهَا بِالطُّهْرِ، وَالْتِقَاطُ أَزْمِنَةِ الدَّمِ وَالْحُكْمُ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ.

وَيُسَمَّى الْقَوْلُ بِاللَّقْطِ كَذَلِكَ الْقَوْلُ بِالتَّلْفِيقِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

السَّحْبُ:

2- السَّحْبُ لُغَةً: جَرُّ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِإِعْطَاءِ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ حُكْمَ الْحَيْضِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِسَحْبِ حُكْمِ الْحَيْضِ عَلَى النَّقَاءِ وَجَعْلِ الْكُلِّ حَيْضًا.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

3- اللَّقْطُ لَفْظٌ يَسْتَعْمِلُهُ الشَّافِعِيَّةُ غَالِبًا فِيمَا إِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي انْقِطَاعِ دَمِ الْمَرْأَةِ حَسَبَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الِانْقِطَاعِ، فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الطُّهْرِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، هَلْ يُعْتَبَرُ فَاصِلًا أَوْ لَا؟.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الطُّهْرَ الْفَاصِلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا.

وَفِيمَا زَادَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَكُونُ طُهْرًا فَاسِدًا وَلَا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ كَدَمٍ مُتَوَالٍ ثُمَّ يُقَدَّرُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا يُجْعَلُ حَيْضًا وَالْبَاقِي يَكُونُ اسْتِحَاضَةً، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ إِذَا كَانَ فِي طَرَفَيِ الْعَشَرَةِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ فَاصِلًا وَيُجْعَلُ كُلُّهُ كَدَمٍ مُتَوَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الدَّمُ فِي طَرَفَيِ الْعَشَرَةِ كَانَ الطُّهْرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا حَيْضًا، وَهُوَ أَوَّلُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ أَحَدِهِمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّمَ إِذَا كَانَ فِي طَرَفَيِ الْعَشَرَةِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَتِ الدِّمَاءُ الْمُتَفَرِّقَةُ تَبْلُغُ حَيْضًا لَا يَصِيرُ الطُّهْرُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ جُمِعَ لَا يَبْلُغُ حَيْضًا يَصِيرُ فَاصِلَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا يُجْعَلُ ذَلِكَ حَيْضًا وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا حَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَكُلُّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَالِي، وَإِذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ حَيْضًا جُعِلَ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا لَا يُجْعَلُ حَيْضًا، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مَذْهَبًا فَقَالَ: الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُعْتَبَرُ فَاصِلًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الدَّمَيْنِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ الْمُتَوَالِي، وَإِذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ طُهْرٌ كَثِيرٌ فَيُعْتَبَرُ، لَكِنْ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ كَانَ الطُّهْرُ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنَ الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ لَا يَكُونُ فَاصِلًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الدَّمَيْنِ يَكُونُ فَاصِلًا ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا جُعِلَ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيْضًا يُجْعَلُ أَسْرَعُهُمَا حَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا.

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِرِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَالْأَخْذُ بِهَا أَيْسَرُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ وَبِهِ يُفْتِي.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي مَسْأَلَةِ التَّقَطُّعِ هَذِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُلَفِّقُ، أَيْ تَجْمَعُ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ لَا أَيَّامَ الطُّهْرِ، وَتَغْتَسِلُ وُجُوبًا كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ فِيهَا فِي أَيَّامِ التَّلْفِيقِ، وَتَصُومُ إِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ طَاهِرًا، وَتُصَلِّي بَعْدَ طُهْرِهَا، مَعَ تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ مُبْتَدَأَةٌ وَمُعْتَادَةٌ وَحَامِلٌ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُ السَّحْبِ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ يَنْسَحِبُ عَلَى أَيَّامِ النَّقَاءِ، فَتَحِيضُ فِيهَا جَمِيعًا، لِأَنَّ زَمَانَ النِّقَاءِ نَاقِصٌ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَيَكُونُ حَيْضًا، كَسَاعَاتِ الْفَتْرَةِ بَيْنَ دُفَعَاتِ الدَّمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ اللَّقْطِ وَالتَّلْفِيقِ، وَهُوَ أَنْ تَلْتَقِطَ أَيَّامَ النَّقَاءِ وَتُلَفِّقَ، وَيُحْكَمُ بِالطُّهْرِ فِيهَا، وَحَيْضُهَا أَزْمِنَةَ الدَّمِ لَا غَيْرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ، وَقَدِ انْقَطَعَ فَيَجُوزُ الْقُرْبَانُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِي أَيَّامِ الدَّمِ حَقِيقَةً بِالطُّهْرِ فَكَذَلِكَ لَا يُحْكَمُ فِي أَيَّامِ النَّقَاءِ حَقِيقَةً بِالْحَيْضِ تَوْفِيرًا لِحُكْمِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَالَتَيْنِ عَلَيْهَا.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ اخْتِلَافَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَنَا قَوْلُ السَّحْبِ.

وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يُجْعَلُ النَّقَاءُ طُهْرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إِجْمَاعًا، ثُمَّ قَالَ: وَشَرْطُ جَعْلِ النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمِ حَيْضًا أَنْ لَا يُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا يَنْقُصَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّقَاءُ زَائِدًا عَلَى الْفَتَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ دُفَعَاتِ الْحَيْضِ، فَإِنَّ تِلْكَ حَيْضٌ قَطْعًا.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي مَسْأَلَةِ تَقَطُّعِ الدَّمِ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي فِي زَمَنِ الطُّهْرِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ سَاعَةً، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: لَا يَحِلُّ لَهَا إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ سَاعَةً إِلاَّ أَنْ تَغْتَسِلَ.

وَقَالَ الرَّحِيبَانِيُّ: إِنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ صَحِيحٌ تَغْتَسِلُ فِيهِ وَتُصَلِّي وَنَحْوَهُ أَيْ تَصُومُ وَتَطُوفُ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَا يُكْرَهُ فِيهِ الْوَطْءُ، لِأَنَّهُ طُهْرٌ حَقِيقَةً.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَلْفِيقٌ ف 4، 5).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


28-موسوعة الفقه الكويتية (متحيرة 1)

مُتَحَيِّرَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُتَحَيِّرَةُ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ مَادَّةِ حَيَرَ، وَالتَّحَيُّرُ: التَّرَدُّدُ، وَتَحَيَّرَ الْمَاءُ: اجْتَمَعَ وَدَارَ، وَتَحَيَّرَ الرَّجُلُ: إِذَا ضَلَّ فَلَمْ يَهْتَدِ لِسَبِيلِهِ، وَتَحَيَّرَ السَّحَابُ: لَمْ يَتَّجِهْ جِهَةً، وَاسْتَحَارَ الْمَكَانُ بِالْمَاءِ وَتَحَيَّرَ: تَمَلأَّ.

وَالْمُتَحَيِّرَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَتُسَمَّى الْمُضَلَّةَ وَالضَّالَّةَ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يُطْلَقُ اسْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ إِلاَّ عَلَى مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا، وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عَدَدًا لَا وَقْتًا وَعَكْسَهَا فَلَا يُسَمِّيهَا الْأَصْحَابُ مُتَحَيِّرَةً، وَسَمَّاهَا الْغَزَالِيُّ مُتَحَيِّرَةً، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْمُتَحَيِّرَةُ هِيَ مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ.وَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُتَحَيِّرَةً لِتَحَيُّرِهَا فِي أَمْرِهَا وَحَيْضِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُحَيِّرَةَ- بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ- لِأَنَّهَا حَيَّرَتِ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْمُسْتَحَاضَةُ:

2- الْمُسْتَحَاضَةُ: مَنْ يَسِيلُ دَمُهَا وَلَا يَرْقَأُ، فِي غَيْرِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، لَا مِنْ عِرْقِ الْحَيْضِ بَلْ مِنْ عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ: الْعَاذِلُ.

وَالْمُسْتَحَاضَةُ أَعَمُّ مِنَ الْمُتَحَيِّرَةِ.

ب- الْمُبْتَدَأَةُ:

3- الْمُبْتَدَأَةُ مَنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُبْتَدَأَةِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ قَدْ تَكُونُ مُتَحَيِّرَةً.

ج- الْمُعْتَادَةُ:

4- الْمُعْتَادَةُ: مَنْ سَبَقَ مِنْهَا مِنْ حِينِ بُلُوغِهَا دَمٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِأَنْ رَأَتْ دَمًا صَحِيحًا وَطُهْرًا فَاسِدًا.

أَنْوَاعُ الْمُتَحَيِّرَةِ

5- الْأَصْلُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ هِيَ الْمُعْتَادَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا- كَمَا مَرَّ آنِفًا فِي تَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ لِلْمُتَحَيِّرَةِ- لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ أَطْلَقُوا عَلَى الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا مُتَحَيِّرَةً أَيْضًا.

قَالَ النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُتَحَيِّرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّاسِيَةِ بَلِ الْمُبْتَدَأَةِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَجَرَى عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا.

وَالتَّحَيُّرُ كَمَا يَقَعُ فِي الْحَيْضِ يَقَعُ فِي النِّفَاسِ أَيْضًا فَيُطْلَقُ عَلَى النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ: مُتَحَيِّرَةً.

أَوَّلًا: الْمُتَحَيِّرَةُ فِي الْحَيْضِ

6- الْأَصْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَدَدًا وَمَكَانًا، كَكَوْنِهِ خَمْسَةً مَثَلًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلًا.

فَإِذَا نَسِيَتْ عَادَتَهَا فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ، أَيْ عَدَدِ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ مَعَ عِلْمِهَا بِمَكَانِهَا مِنَ الشَّهْرِ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلًا، أَوْ نَاسِيَةً لِلْمَكَانِ أَيْ مَكَانِهَا مِنَ الشَّهْرِ عَلَى التَّعْيِينِ مَعَ عِلْمِهَا عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا، أَوْ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ، أَيْ بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَلَا مَكَانَهَا مِنَ الشَّهْرِ، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- وَيُعَبِّرُ الشَّافِعِيَّةُ عَنِ الْعَدَدِ بِالْقَدْرِ، وَعَنِ الْمَكَانِ بِالْوَقْتِ، كَمَا يُعَبِّرُ الْحَنَابِلَةُ عَنِ الْمَكَانِ بِالْمَوْضِعِ.

وَيُسَمِّي الْحَنَفِيَّةُ حَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ وَالْمَكَانِ إِضْلَالًا عَامًّا، وَحَالَةَ النِّسْيَانِ فِي الْعَدَدِ فَقَطْ أَوِ الْمَكَانِ فَقَطْ إِضْلَالًا خَاصًّا.

الْإِضْلَالُ الْخَاصُّ:

أ- النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ فَقَطْ (الْإِضْلَالُ بِالْعَدَدِ):

7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ فَقَطْ، فَالْأَصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ بِأَنْوَاعِهَا تَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهَا عَلَى طُهْرٍ تُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حَيْضٍ تُعْطَى حُكْمَهُ، لِأَنَّ الظَّنَّ مِنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ فَعَلَيْهَا الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي الْأَحْكَامِ.

وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمُضَلَّةِ بِالْعَدَدِ بِاخْتِلَافِ عِلْمِهَا بِالْمَكَانِ، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ آخِرَ الشَّهْرِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي إِلَى عِشْرِينَ فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرَةٍ، ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ بَعْدَ الْعِشْرِينَ تُصَلِّي بِالْوُضُوءِ- أَيْضًا- لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلشَّكِّ فِي الدُّخُولِ فِي الْحَيْضِ، حَيْثُ إِنَّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالدُّخُولِ فِي الْحَيْضِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَيْضَهَا الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ فَقَطْ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ جَمِيعُ الْعَشْرَةِ، وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِلتَّيَقُّنِ بِالْحَيْضِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ وَقْتَ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ مَعْلُومٌ لَهَا، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ إِذَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ- أَيْ أَنَّ أَوَّلَ حَيْضِهَا الْيَوْمُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ- فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةً بَعْدَ الْعِشْرِينَ، لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِتَوَهُّمِ الْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، وَتُعِيدُ صَوْمَ هَذِهِ الْعَشْرَةِ فِي عَشْرَةٍ أُخْرَى مِنْ شَهْرٍ آخَرَ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ سَائِرُ الْمَسَائِلِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَفِي آخَرَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ كَمْ تُجْعَلُ عَادَتُهَا؟ قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَكِنَّهَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَسْتَظْهِرُ عَلَى أَقَلِّ أَيَّامِهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّهَا الْمُسْتَقِرَّةُ، وَيَقُولُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَعَلَّ عَادَتَهَا الْأُولَى عَادَتْ إِلَيْهَا بِسَبَبِ زَوَالِ سَدٍّ مِنَ الْمَجَارِي، وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ: إِنَّهَا تَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَنْتَقِلُ.

وَوَضَعَ الشَّافِعِيَّةُ قَاعِدَةً لِلْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْعَدَدِ وَالْمُتَحَيِّرَةِ النَّاسِيَةِ لِلْمَكَانِ، فَقَرَّرُوا أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ إِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا مِنْ عَادَتِهَا وَنَسِيَتْ شَيْئًا كَأَنْ ذَكَرَتِ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ أَوِ الْعَكْسَ، فَلِلْيَقِينِ مِنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي الزَّمَنِ الْمُحْتَمِلِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ، وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَاتِ- وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ- وَإِنِ احْتَمَلَ انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ لِلِاحْتِيَاطِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَقَطْ.

مِثَالُ الْحَافِظَةِ لِلْوَقْتِ دُونَ الْقَدْرِ كَأَنْ تَقُولَ: كَانَ حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّلَ الشَّهْرِ، فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْحَيْضِ، وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالِانْقِطَاعَ.

وَمِثَالُ الْحَافِظَةِ لِلْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ كَأَنْ تَقُولَ: حَيْضِي خَمْسَةٌ فِي الْعَشْرَةِ الْأُوَلِ مِنَ الشَّهْرِ، لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا، وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرٌ، فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ كَالْعَشَرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالثَّانِي إِلَى آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالسَّابِعُ إِلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَلِلِانْقِطَاعِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: الْحَافِظَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إِنَّمَا يَنْفَعُهَا حِفْظُهَا، وَتَخْرُجُ عَنِ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إِذَا حَفِظَتْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاءَهُ، فَإِنْ فَقَدَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَضْلَلْتُهَا فِي دَوْرِي، وَلَا أَعْرِفُ سِوَى ذَلِكَ، فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا ذَكَرَتْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَابْتِدَاءُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قَدْرَهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا حَفِظَتْ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَلَهَا فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ فَقَطْ تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ إِنِ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لَهُ، وَشَهْرُ الْمَرْأَةِ هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي يَجْتَمِعُ لَهَا فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا يَوْمًا بِلَيْلَةٍ لِلْحَيْضِ- لِأَنَّهُ أَقَلُّهُ- وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا لِلطُّهْرِ- لِأَنَّهُ أَقَلُّهُ- وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ شَهْرِ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، لِحَدِيثِ «حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ - رضي الله عنها- قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَبِيرَةً، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، فَقَالَ: تَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي».

وَحَمْنَةُ امْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ- قَالَهُ أَحْمَدُ- وَلَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ تَمْيِيزِهَا وَلَا عَادَتِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً فَتُرَدُّ إِلَى غَالِبِ الْحَيْضِ إِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالْأَكْثَرِ، كَمَا تُرَدُّ الْمُعْتَادَةُ لِعَادَتِهَا.

وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ شَهْرُهَا لِغَالِبِ الْحَيْضِ جَلَسَتِ الْفَاضِلَ مِنْ شَهْرِهَا بَعْدَ أَقَلِّ الطُّهْرِ، كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الزَّائِدَ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَقَطْ- وَهُوَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ- لِئَلاَّ يَنْقُصَ الطُّهْرُ عَنْ أَقَلِّهِ فَيَخْرُجَ عَنْ كَوْنِهِ طُهْرًا، حَيْثُ إِنَّ الْبَاقِيَ مِنَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ- وَهُوَ أَقَلُّ الطُّهْرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَتَجْلِسُهَا فَقَطْ، وَإِنْ جَهِلَتْ شَهْرَهَا جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ.

(ب) النَّاسِيَةُ لِلْمَكَانِ فَقَطْ (الْإِضْلَالُ بِالْمَكَانِ):

8- سَبَقَ بَيَانُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فِي النَّاسِيَةِ لِلْمَكَانِ فَقَطْ فِي الْإِضْلَالِ بِالْعَدَدِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا: بِأَنْ لَمْ تَدْرِ أَكَانَتْ تَحِيضُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ أَيَّامَ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرِ هِلَالِيٍّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- جَعَلَ حَيْضَةَ حَمْنَةَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَالصَّلَاةَ فِي بَقِيَّتِهِ، وَلِأَنَّ دَمَ الْحَيْضِ جِبِلَّةٌ، وَالِاسْتِحَاضَةَ عَارِضَةٌ، فَإِذَا رَأَتْهُ وَجَبَ تَقْدِيمُ دَمِ الْحَيْضِ.

وَإِنْ عَلِمَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ عَدَدَ أَيَّامِهَا فِي وَقْتٍ مِنَ الشَّهْرِ وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا، بِأَنْ لَمْ تَدْرِ أَهِيَ فِي أَوَّلِهِ أَمْ آخِرِهِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَكُونَ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِيهِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِيهِ فَأَقَلَّ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِهَا، كَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَعَلَى هَذَا الْأَكْثَرُ، وَهُنَاكَ وَجْهٌ أَنَّهَا تَتَحَرَّى، وَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ بَلْ حَيْضُهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ زَادَتْ أَيَّامُهَا عَلَى النِّصْفِ، مِثْلُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنَ الشَّهْرِ ضُمَّ الزَّائِدُ إِلَى النِّصْفِ- وَهُوَ فِي الْمِثَالِ يَوْمٌ- إِلَى مِثْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ- وَهُوَ يَوْمٌ- فَيَكُونَانِ حَيْضًا بِيَقِينٍ، وَهُمَا الْيَوْمُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ فِي هَذَا الْمِثَالِ ثُمَّ يَبْقَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ تَتِمَّةُ عَادَتِهَا، فَإِنْ جَلَسَتْهَا مِنَ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ كَانَ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ إِلَى آخِرِ السَّادِسِ، مِنْهَا يَوْمَانِ هُمَا الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ.

وَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ جَلَسَتْ بِالتَّحَرِّي عَلَى الْوَجْهِ الْمُقَابِلِ لِقَوْلِ الْأَكْثَرِ فَأَدَّاهَا اجْتِهَادُهَا إِلَى أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ فَهِيَ كَالَّتِي ذَكَرْنَا، وَإِنْ جَلَسَتِ الْأَرْبَعَةَ مِنْ آخِرِ الْعَشَرَةِ كَانَتِ الْأَرْبَعَةُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ، وَالْيَوْمَانِ قَبْلَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ قَالَتْ: حَيْضَتِي سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنَ الْعَشَرَةِ، فَقَدْ زَادَتْ أَيَّامُهَا يَوْمَيْنِ عَلَى نِصْفِ الْوَقْتِ فَتَضُمُّهُمَا إِلَى يَوْمَيْنِ قَبْلَهُمَا فَيَصِيرُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حَيْضًا بِيَقِينٍ، مِنْ أَوَّلِ الرَّابِعِ إِلَى آخِرِ السَّابِعِ، وَيَبْقَى لَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ تَجْلِسُهَا مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ أَوْ بِالتَّحَرِّي عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَهِيَ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالنَّاسِيَةُ لِلْمَكَانِ فَقَطْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَضِلَّ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْ ضِعْفِهَا، فَإِنْ أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا تَيَقُّنَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا بِحَيْضٍ، كَمَا إِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا ثَلَاثَةً فَأَضَلَّتْهَا فِي سِتَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي أَقَلَّ مِنَ الضِّعْفِ فَإِنَّهَا تَيَقُّنٌ بِالْحَيْضِ فِي يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، كَمَا إِذَا أَضَلَّتْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهَا تَيَقُّنٌ بِالْحَيْضِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنَ الْخَمْسَةِ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ أَوْ وَسَطُهُ بِيَقِينٍ فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّهَا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا ثَلَاثَةٌ فَأَضَلَّتْهَا فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِالِاغْتِسَالِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، إِلاَّ إِذَا تَذَكَّرَتْ وَقْتَ خُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ فَتَغْتَسِلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَرَّةً، كَأَنْ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ تَطْهُرُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ مَثَلًا وَلَا تَدْرِي مِنْ أَيِّ يَوْمٍ، فَتُصَلِّي الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ بِالْوُضُوءِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تُصَلِّي الْعَصْرَ بِالْغُسْلِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، ثُمَّ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْوَتْرَ بِالْوُضُوءِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، ثُمَّ تَفْعَلُ هَكَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِمَّا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ.

وَإِنْ أَضَلَّتْ أَرْبَعَةً فِي عَشَرَةٍ فَإِنَّهَا تُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ بِالِاغْتِسَالِ إِلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ، وَكَذَلِكَ الْخَمْسَةُ إِنْ أَضَلَّتْهَا فِي ضِعْفِهَا فَتُصَلِّي خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ وَالْبَاقِي بِالْغُسْلِ.

وَمَا سَبَقَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ فِي إِضْلَالِ الْعَدَدِ فِي الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمْثِلَةُ إِضْلَالِ الْعَدَدِ فِي أَقَلَّ مِنْ ضِعْفِهِ فَكَمَا لَوْ أَضَلَّتْ سِتَّةً فِي عَشَرَةٍ، فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ، فَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِيهِمَا، لِأَنَّهُمَا آخِرُ الْحَيْضِ أَوْ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ، وَتَفْعَلُ فِي الْبَاقِي مِثْلَ مَا تَفْعَلُ فِي إِضْلَالِ الْعَدَدِ فِي الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ، فَتُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ أَرْبَعَةً مِنْ آخِرِهَا بِالْغُسْلِ لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنَ الْحَيْضِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْهَا، وَإِنْ أَضَلَّتْ سَبْعَةً فِي الْعَشَرَةِ فَإِنَّهَا تَتَيَقَّنُ فِي أَرْبَعَةٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِالْحَيْضِ، فَتُصَلِّي ثَلَاثَةً مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ، ثُمَّ تَتْرُكُ أَرْبَعَةً، ثُمَّ تُصَلِّي ثَلَاثَةً بِالْغُسْلِ، وَفِي إِضْلَالِ الثَّمَانِيَةِ فِي الْعَشَرَةِ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي سِتَّةٍ بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَتَدَعُ الصَّلَاةَ فِيهَا، وَتُصَلِّي يَوْمَيْنِ قَبْلَهَا بِالْوُضُوءِ، وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهَا بِالْغُسْلِ، وَفِي إِضْلَالِ التِّسْعَةِ فِي عَشَرَةٍ تَتَيَقَّنُ بِثَمَانِيَةٍ بَعْدَ الْأُوَلِ أَنَّهَا حَيْضٌ، فَتُصَلِّي أَوَّلَ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ وَتَتْرُكُ ثَمَانِيَةً، وَتُصَلِّي آخِرَ الْعَشَرَةِ بِالْغُسْلِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إِضْلَالُ الْعَشَرَةِ فِي مِثْلِهَا.

الْإِضْلَالُ الْعَامُّ:

النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ

9- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ عَلَيْهَا الْأَخْذُ وُجُوبًا بِالْأَحْوَطِ فِي الْأَحْكَامِ، لِاحْتِمَالِ كُلِّ زَمَانٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَائِضًا دَائِمًا لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَلَا طَاهِرًا دَائِمًا لِقِيَامِ الدَّمِ، وَلَا التَّبْعِيضِ لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ، فَتَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ لِلضَّرُورَةِ لَا لِقَصْدِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهَا.

وَسَتَأْتِي كَيْفِيَّةُ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَحْكَامِ بِالتَّفْصِيلِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النَّاسِيَةَ لِلْعَدَدِ وَالْمَكَانِ تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ هِلَالِيٍّ، فَإِنْ عَرَفَتِ ابْتِدَاءَ الدَّمِ بِأَنْ عَلِمَتْ أَنَّ الدَّمَ كَانَ يَأْتِيهَا فِي أَوَّلِ الْعَشَرَةِ الْأَوْسَطِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَوَّلِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ أَوَّلُ دَوْرِهَا فَتَجْلِسُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ نَاسِيَةً لِلْعَدَدِ فَقَطْ، أَوْ لِلْعَدَدِ وَالْمَوْضِعِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَا تَجْلِسُهُ النَّاسِيَةُ لِلْعَدَدِ، أَوِ الْمَوْضِعِ أَوْ هُمَا مِنْ حَيْضٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ كَحَيْضٍ يَقِينًا فِيمَا يُوجِبُهُ وَيَمْنَعُهُ، وَكَذَا الطُّهْرُ مَعَ الشَّكِّ فِيهِ كَطُهْرٍ يَقِينًا، وَمَا زَادَ عَلَى مَا تَجْلِسُهُ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ كَطُهْرٍ مُتَيَقَّنٍ.

وَغَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ اسْتِحَاضَةٌ.

وَإِذَا ذَكَرَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا رَجَعَتْ إِلَيْهَا وَقَضَتِ الْوَاجِبَ زَمَنَ الْعَادَةِ الْمَنْسِيَّةِ، وَقَضَتِ الْوَاجِبَ أَيْضًا زَمَنَ جُلُوسِهَا فِي غَيْرِهَا.

كَيْفِيَّةُ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَحْكَامِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ:

أ- الِاحْتِيَاطُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ -

10- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا وُجُوبًا لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا، وَلَهَا فِعْلُ النَّفْلِ مُطْلَقًا: صَلَاتُهُ وَطَوَافُهُ وَصِيَامُهُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: لِأَنَّهُ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ فَلَا وَجْهَ لِحِرْمَانِهَا مِنْهُ وَكَذَا لَهَا فِعْلُ الْوَاجِبِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِنَّمَا لَا تَتْرُكُ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَمِثْلَهَا الْوَاجِبَ بِالْأَوْلَى لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ جَبْرًا لِنُقْصَانِ تَمَكُّنٍ فِي الْفَرَائِضِ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَرَائِضِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وُجُوبًا لِكُلِّ فَرْضٍ إِنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَقَطِّعًا، وَيَكُونُ الْغُسْلُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كَالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ عَلِمَتْ وَقْتَ الِانْقِطَاعِ كَعِنْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ عَقِبَ الْغُرُوبِ، وَذَاتُ التَّقَطُّعِ لَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ زَمَنَ النَّقَاءِ لِأَنَّ الْغُسْلَ سَبَبُهُ الِانْقِطَاعُ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ لِلصَّلَاةِ إِذَا اغْتَسَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ لَوْ أَخَّرَتْ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ كُلَّمَا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الطُّهْرِ وَدُخُولِ الْحَيْضِ، وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْحَيْضِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَكُونُ طُهْرُهَا بِالْوُضُوءِ، وَفِي الثَّانِي بِالْغُسْلِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: امْرَأَةٌ تَذْكُرُ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ، وَانْقِطَاعَهُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ، وَلَا تَذْكُرُ غَيْرَ هَذَيْنِ، فَإِنَّهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الدُّخُولِ وَالطُّهْرِ فَيَكُونُ طُهْرُهَا بِالْوُضُوءِ، وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ فَيَكُونُ طُهْرُهَا بِالْغُسْلِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا أَصْلًا فَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ فِي كُلِّ زَمَنٍ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالدُّخُولِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ بِلَا فَرْقٍ، ثُمَّ إِنَّهَا إِذَا اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ وَصَلَّتْ، ثُمَّ اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ الْأُخْرَى أَعَادَتِ الْأُولَى قَبْلَ الْوَقْتِيَّةِ، وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ احْتِيَاطًا، لِاحْتِمَالِ حَيْضِهَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَطُهْرِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَهْلٍ وَاخْتَارَهُ الْبَرْكَوِيُّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إِنْ كَانَتِ اسْتَوْفَتْ تَمَامَ حَيْضِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِالِاسْتِظْهَارِ فَذَلِكَ الدَّمُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِلاَّ ضَمَّتْهُ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَحْصُلَ تَمَامُهُ بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ بِالِاسْتِظْهَارِ، وَمَا زَادَ فَاسْتِحَاضَةٌ.

وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَزِيدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا اسْتِظْهَارًا، وَمَحَلُّ الِاسْتِظْهَارِ بِالثَّلَاثَةِ مَا لَمْ تُجَاوِزْ نِصْفَ الشَّهْرِ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ مَكَثَتِ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَبَعْدَ أَنِ اسْتَظْهَرَتِ الْمُعْتَادَةُ بِثَلَاثَةٍ أَوْ بِمَا يُكْمِلُ نِصْفَ شَهْرٍ، تَصِيرُ إِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ مُسْتَحَاضَةً، وَيُسَمَّى الدَّمُ النَّازِلُ بِهَا دَمَ اسْتِحَاضَةٍ وَدَمَ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ.

وَإِذَا مَيَّزَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الدَّمَ بِتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِقَّةٍ أَوْ ثِخَنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ طُهْرٍ فَذَلِكَ الدَّمُ الْمُمَيَّزُ حَيْضٌ لَا اسْتِحَاضَةٌ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تُجَاوِزْ نِصْفَ شَهْرٍ، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَإِلاَّ- بِأَنْ لَمْ يَدُمْ بِصِفَةِ التَّمَيُّزِ بِأَنْ رَجَعَ لِأَصْلِهِ- مَكَثَتْ عَادَتَهَا فَقَطْ وَلَا اسْتِظْهَارَ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


29-موسوعة الفقه الكويتية (متحيرة 2)

مُتَحَيِّرَةٌ -2

ب- الِاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ

11- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَصُومُ رَمَضَانَ كَامِلًا وُجُوبًا، لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ.

وَقَدْ أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا صِيَامَ التَّطَوُّعِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَنَعُوهَا مِنْهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَصُومُ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرًا آخَرَ كَامِلًا ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً، فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا، فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى لَهَا يَوْمَانِ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا، وَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَعْتَدْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا كَأَنِ اعْتَادَتْهُ نَهَارًا، أَوْ شَكَّتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ فِيهِمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَيَطْرَأُ الدَّمُ فِي يَوْمٍ وَيَنْقَطِعُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، فَيَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ كُلٍّ مِنَ الشَّهْرَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اعْتَادَتْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهَا شَيْءٌ.

وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا فِي قَضَائِهِ طَرِيقَانِ: إِحْدَاهُمَا: طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: وَتُجْرَى فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا، وَذَلِكَ أَنْ تُضَعِّفَ مَا عَلَيْهَا وَتَزِيدَ عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ، وَتَقْسِمَ الْجَمِيعَ نِصْفَيْنِ فَتَصُومَ نِصْفَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَنِصْفَهُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ، وَالْمَقْصُودُ بِالشَّهْرِ هُنَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتِ ابْتَدَأَتْ، وَعَلَى هَذَا إِذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا وَثَلَاثَةً مِنْ آخِرِهَا فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفْسِدُهُ الْحَيْضُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ لَهَا يَوْمَانِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، لِأَنَّ الْحَيْضَ إِنْ طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ صَوْمِهَا انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ بَعْدَهُ، أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي انْقَطَعَ فِي السَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ انْقَطَعَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ لَهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّانِي فَيَحْصُلُ لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّالِثِ فَيَحْصُلُ لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ وَاسْتَحْسَنَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُجْرَى فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا، أَنْ تَصُومَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقٍ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تُعِيدُ الصَّوْمَ كُلَّ يَوْمٍ غَيْرَ الزِّيَادَةِ يَوْمَ سَابِعَ عَشَرَ، وَلَهَا تَأْخِيرُهُ إِلَى خَامِسَ عَشَرَ ثَانِيَةً، فَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ثُمَّ الثَّالِثُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَالسَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ، لِأَنَّهَا قَدْ صَامَتْ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا أَوَّلًا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ فَيَقَعُ لَهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ فِي الطُّهْرِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنْ كَانَ سَبْعَةً فَمَا دُونَهَا صَامَتْهُ وَلَاءً تَصُومُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، الثَّالِثَةُ مِنْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ شُرُوعُهَا فِي الصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ يَتَأَتَّى الْأَكْثَرُ، وَذَلِكَ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ فَلِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ وَلَاءً تَصُومُ يَوْمًا وَثَانِيَهُ، وَلِسَابِعَ عَشْرَةَ وَثَامِنَ عَشْرَةَ وَيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَاءً غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّوْمَيْنِ فَتَبْرَأُ، لِأَنَّ الْحَيْضَ إِنْ فُقِدَ فِي الْأَوَّلَيْنِ صَحَّ صَوْمُهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِمَا صَحَّ الْأَخِيرَانِ إِذْ لَمْ يَفْدِ فِيهِمَا، وَإِلاَّ فَالمُتَوَسِّطَانِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي صَحَّا- أَيْضًا- أَوْ بِالْعَكْسِ.

فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَ السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنِ انْقَطَعَ فِيهِ صَحَّ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ، وَتَخَلُّلُ الْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ الْوَلَاءَ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي تَخَلَّلَهُ قَدْرًا يَسَعُ وَقْتَ الطُّهْرِ لِضَرُورَةِ تَحَيُّرِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَتَابِعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا صَامَتْ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَاءً، ثُمَّ تَصُومُ قَدْرَ الْمُتَتَابِعِ أَيْضًا وَلَاءً بَيْنَ أَفْرَادِهِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّتَّةَ عَشَرَ، فَلِقَضَاءِ ثَمَانِيَةٍ مُتَتَابِعَةٍ تَصُومُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَاءً فَتَبْرَأُ إِذِ الْغَايَةُ بُطْلَانُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَيَبْقَى لَهَا ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْأَوَّلِ أَوْ مِنَ الْآخَرِ أَوْ مِنْهُمَا أَوْ مِنَ الْوَسَطِ، وَلِقَضَاءِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهَا شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَاءً فَتَبْرَأُ، إِذْ يَحْصُلُ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَمِنْ عِشْرِينَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ.

وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلَاءُ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتِ احْتَمَلَ وُقُوعَ الْفِطْرِ فِي الطُّهْرِ فَيَقْطَعُ الْوَلَاءَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَا تُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ أَصْلًا، لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهَا كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ إِنَّ لَهَا حَالَاتٍ، لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، أَوْ لَا تَعْلَمُ، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا.

فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ دَوْرَتَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ إِنْ قَضَتْ مَوْصُولًا بِرَمَضَانَ، وَثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ إِنْ قَضَتْ مَفْصُولًا، لِأَنَّهَا إِذَا عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ يَكُونُ تَمَامُ حَيْضِهَا فِي الْحَادِي عَشَرَ وَإِذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِاللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بِالنَّهَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ، وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الشَّهْرِ سِتَّةَ عَشَرَ.

إِمَّا أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ضِعْفِهَا وَذَلِكَ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ فِي رَمَضَانَ مَرَّتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهَا فِيهِ طُهْرٌ كَامِلٌ وَبَعْضُ طُهْرٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُعَامَلُ بِالْأَضَرِّ احْتِيَاطًا فَتَقْضِي سِتَّةَ عَشَرَ، لَكِنْ لَا تَتَيَقَّنُ بِصِحَّتِهَا كُلِّهَا إِلاَّ بِقَضَاءِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْصُولِ أَنْ تَبْتَدِئَ مِنْ ثَانِي شَوَّالٍ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ لَا يَجُوزُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ رَمَضَانُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا، فَيَوْمُ الْفِطْرِ هُوَ السَّادِسُ مِنْ حَيْضِهَا الثَّانِي فَلَا تَصُومُهُ، ثُمَّ لَا يُجْزِيهَا صَوْمُ خَمْسَةٍ بَقِيَّةَ حَيْضِهَا ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمَيْنِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ فِي الْمَفْصُولِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يُجْزِي فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي يَوْمَيْنِ، فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمُهَا لِتَتَيَقَّنَ بِجَوَازِ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْهَا.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي شَرْحِ رِسَالَةِ الْبَرْكَوِيِّ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ إِلاَّ إِذَا فَرَضْنَا فَسَادَ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ فَرْضِ مُصَادَفَةِ أَوَّلِ الْقَضَاءِ لِأَوَّلِ الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنِ اجْتِمَاعُ الْفَرْضَيْنِ لَا يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ بَلْ أَقَلُّ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا طَرْدَ بَعْضِ الْفَصْلِ بِالتَّسْوِيَةِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي بِإِسْقَاطِ مُؤْنَةِ الْحِسَابِ، فَمَتَى قَاسَتْ مُؤْنَتَهُ فَلَهَا الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ.

وَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ بِحَالِهَا وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَفِي الْفَصْلِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ، وَإِنَّمَا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِجَوَازِ الصَّوْمِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِفَسَادِهِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يَجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ لِأَنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا عَلَى تَقْدِيرِ حَيْضِهَا بِأَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ.

وَكَانَ قَضَاؤُهَا فِي الْفَصْلِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ لِجَوَازِ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عَابِدِينَ السَّابِقُ يَجْرِي هُنَا أَيْضًا.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثُونَ فَتَقْضِي فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ تَقْضِي فِي الْوَصْلِ عِشْرِينَ وَفِي الْفَصْلِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاؤُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ، أَمَّا فِي الْوَصْلِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ بَقِيَّةُ الْحَيْضِ، ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَيْضُهَا عَشْرَةٌ، فَالْفَاسِدُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْهَا مَوْصُولَةً فَيَوْمُ الْعِيدِ أَوَّلُ طُهْرِهَا وَلَا تَصُومُهُ، ثُمَّ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يُجْزِي فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي يَوْمٍ وَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ تَصُومُ أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لَا تُجْزِيهَا لِأَنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ تُجْزِيهَا، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَحْوَطُ فَيَلْزَمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ إِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ عِشْرِينَ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، لِأَنَّهَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَتِسْعَةً مِنْ آخِرِهِ، أَوْ عَشْرَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَأَرْبَعَةً مِنْ آخِرِهِ، فَالْفَاسِدُ فِيهِمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَائِهِ كَأَنْ حَاضَتْ لَيْلَةَ السَّادِسِ وَطَهُرَتْ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْفَاسِدُ فِيهِ عَشْرَةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ أَوَّلُ الْقَضَاءِ وَهُوَ ثَانِي شَوَّالٍ أَوَّلَ طُهْرِهَا فَتَصُومُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَتُجْزِيهَا، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ ثَانِي شَوَّالٍ سَادِسَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ خَمْسَةً لَا تُجْزِيهَا، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُجْزِيَهَا، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَكُونُ أَوَّلُ الْقَضَاءِ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَتَصُومُ عَشَرَةً لَا تُجْزِي ثُمَّ عَشْرَةً مِنَ الطُّهْرِ فَتُجْزِيهَا عَنِ الْعَشْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَالْجُمْلَةُ عِشْرُونَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْزِيهَا قَضَاءُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّانِي تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ عِشْرِينَ فَتَلْزَمُهَا احْتِيَاطًا، كَمَا أَنَّهَا تَقْضِي فِي الْفَصْلِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْفَاسِدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَنَّ الْقَضَاءَ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ عَشَرَةً لَا تُجْزِي ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تُجْزِي وَالْجُمْلَةُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مُطْلَقًا بِالْوَصْلِ وَالْفَصْلِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِالنَّهَارِ يَفْسُدُ مِنْ صَوْمِهَا أَحَدَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْ مُطْلَقًا احْتَمَلَ أَنْ يُوَافِقَ أَوَّلُ الْقَضَاءِ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَتَصُومُ أَحَدَ عَشَرَ لَا تُجْزِئُ ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ تُجْزِئُ، وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ تَخْرُجُ بِهَا عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْلِ تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ صَوْمِهَا عَشْرَةٌ فَتَقْضِي ضِعْفَهَا لِاحْتِمَالِ مُوَافَقَةِ الْقَضَاءِ أَوِ الْحَيْضِ، وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ عَدَدَ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.

أَمَّا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تِسْعَةٌ وَطُهْرَهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّهَا تَقْضِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُطْلَقًا وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تِسْعَةٌ وَفِي الثَّانِي عَشَرَةٌ، فَتَقْضِي ضِعْفَ ذَلِكَ، لِاحْتِمَالِ اعْتِرَاضِ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْقَضَاءِ.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَسِيَتْ طُهْرَهَا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ طُهْرُهَا عَلَى الْأَقَلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا وَعَلِمَتِ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا تَقْضِي تِسْعَةً مُطْلَقًا، وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ ثَلَاثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَاضَتْ ثَلَاثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَدْ فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا سِتَّةٌ، فَإِذَا وَصَلَتِ الْقَضَاءَ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةً فَتَفْسُدُ، ثُمَّ تَصُومُ يَوْمًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَلَ اعْتِرَاضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ الْقَضَاءِ، فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي سِتَّةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ سِتَّةٌ تَكْفِيهَا، وَأَمَّا إِذَا فَصَلَتْ فَتَقْضِي تِسْعَةً كَمَا فِي التَّمَامِ.

وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْ عَشَرَ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ فَقَدْ فَسَدَ ثَمَانِيَةٌ، فَإِذَا قَضَتْ مَوْصُولًا جَازَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي، ثُمَّ يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ يَجُوزُ ثَلَاثَةٌ تَمَامَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَلَ عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ الْقَضَاءِ، فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ وَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ جَازَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ سِتَّةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي، ثُمَّ يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ يَجُوزُ يَوْمَانِ تَمَامَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَلَ عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ الْقَضَاءِ فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ. وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَوْضُوعِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الِاحْتِيَاطِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: النَّاسِيَةُ لِوَقْتِهَا وَعَدَدِهَا تَجْلِسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً يَكُونُ ذَلِكَ حَيْضَهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَطُوفُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ جَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْ شَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ شَهْرَهَا جَلَسَتْ مِنَ الشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ.

ج- الِاحْتِيَاطُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ

12- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ مُطْلَقًا فَاتِحَةً أَوْ غَيْرَهَا.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً قَصِيرَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ إِلاَّ الْأَخِيرَةَ أَوِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الْفَرْضِ، فَلَا تَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السُّورَةَ بَلْ تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ لِوُجُوبِهَا، كَمَا صَرَّحُوا بِجَوَازِ قِرَاءَتِهَا لِلْقُنُوتِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَكَذَا تُقْرَأُ سَائِرُ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ.

وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تُبَاحُ لَهَا الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا خَوْفَ النِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ لِقِصَرِ زَمَنِ الْجَنَابَةِ.

وَقِيلَ: تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ كَالْجُنُبِ الْفَاقِدِ لِلطَّهُورَيْنِ.

كَمَا اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى حُرْمَةِ مَسِّهَا لِلْمُصْحَفِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ حَمْلَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا تَمْنَعُ الِاسْتِحَاضَةُ شَيْئًا مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ.

د- الِاحْتِيَاطُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافِ

13- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَتُصَلِّيَ فِيهِ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِيهِ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إِنْ كَانَ لِغَرَضِ دُنْيَوِيٍّ أَوْ لَا لِغَرَضٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِنْ أَمِنَتِ التَّلْوِيثَ.

وَأَمَّا الطَّوَافُ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَطُوفُ إِلاَّ لِلزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ، أَمَّا الزِّيَارَةُ فَلِأَنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ فَلَا يُتْرَكُ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا الْوَدَاعُ فَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ، ثُمَّ إِنَّهَا تُعِيدُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ دُونَ الْوَدَاعِ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِيَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَكَيْفِيَّةُ طَوَافِهَا أَنْ تَفْعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِشَرْطِ الْإِمْهَالِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، فَإِذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ قَدْرًا يَسَعُ مِثْلَ طَوَافِهَا وَغَسْلِهِ وَرَكْعَتَيْهِ ثُمَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَانِيَةً، ثُمَّ تُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ تَمَامُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ اشْتِغَالِهَا بِغُسْلِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ، وَتُمْهِلُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَحْظَةً تَسَعُ الْغُسْلَ وَالطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ وَيَكُونُ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ مَرَّةً ثَالِثَةً، وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلطَّوَافِ.

وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ كَفَى لَهَا غُسْلُ الطَّوَافِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: يَجِبُ لِلصَّلَاةِ وُضُوءٌ لَا تَجْدِيدُ غُسْلٍ،

وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٌ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ.

هـ- الِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ وَالْعِدَّةِ

- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمُتَحَيِّرَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ وَالتَّحْرِيمُ دَائِمًا مُوقِعٌ فِي الْفَسَادِ.

وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، إِذْ إِنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا حَتَّى وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَحَيِّرَةً إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلًا بِالْأَذَى بِقَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الْأَذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ عُلِّلَ بِهِ، وَالْأَذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فَيُعَلَّلَ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا. نَفَقَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ

15- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ: الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ.

وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ بِالْوَطْءِ أَوْ بِدَوَاعِيهِ وَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا نَفَقَةَ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ بَذَلَتِ الرَّتْقَاءُ أَوِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ أَوِ النِّضْوَةُ الْخَلْقِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَوِ الْمَرِيضَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مُمْكِنٌ وَلَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا.

وَالْمَالِكِيَّةُ تَخْرُجُ الْمُتَحَيِّرَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحَيُّرِهَا بِاسْتِيفَاءِ تَمَامِ حَيْضِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِالِاسْتِظْهَارِ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ: السَّلَامَةُ مِنَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ، وَبُلُوغُ الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةُ الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ صَالِحَةٌ لِلْوَطْءِ.

عِدَّةُ الْمُتَحَيِّرَةِ

16- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِاشْتِمَالِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا، وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ إِلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَلِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرْتَابَةٌ فَدَخَلَتْ فِي قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - رضي الله عنها- أَنْ تَجْلِسَ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فَجَعَلَ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ تَتْرُكُ فِيهَا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَيَثْبُتُ فِيهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُدَّتِ الْبَقِيَّةُ قُرْءًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى طُهْرٍ لَا مَحَالَةَ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِهِلَالَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّ لَمْ تُحْتَسَبْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَيْضٌ فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنَ الْهِلَالِ؛

لِأَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنَّمَا حُسِبَ كُلُّ شَهْرٍ فِي حَقِّهَا قُرْءًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَحِضْ وَالْآيِسَةِ حَيْثُ يُكْمِلَانِ الْمُنْكَسِرَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ هَذَا فِي شَأْنِ الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي لَمْ تَحْفَظْ قَدْرَ دَوْرَتِهَا، أَمَّا إِذَا حَفِظَتْ قَدْرَ الْأَدْوَارِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَمْ أَقَلَّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَكَذَا لَوْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ أَدْوَارِهَا وَلَكِنَّهَا قَالَتْ: أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُجَاوِزُ سَنَةً مَثَلًا: أَخَذَتْ بِالْأَكْثَرِ وَتَجْعَلُ السَّنَةَ دَوْرَهَا، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ.

وَقِيلَ: تَعْتَدُّ الْمُتَحَيِّرَةُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَ الْيَأْسِ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ مُتَوَقِّعَةٌ لِلْحَيْضِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَأَضَافُوا: إِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِهَا، أَمَّا الرَّجْعَةُ وَحَقُّ السُّكْنَى، فَإِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ قَطْعًا.

وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اعْلَمْ أَنَّ إِطْلَاقَهُمْ فِي الِانْقِضَاءِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا لَا يَصِحُّ إِلاَّ فِيمَا إِذَا طَلَّقَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا مَضَى مِنَ الشَّهْرِ قَدْرُ مَا يَصِحُّ حَيْضَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ غَيْرَ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ مَنْ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهَا قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَتْ قَدِ اخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ إِقْبَالَ الدَّمِ وَإِدْبَارَهُ اعْتَدَّتْ لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ؟ تَجْلِسُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ بِهَا حَمْلٌ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ سَنَةٌ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً لِزَوَالِ الرِّيبَةِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَمْلِ غَالِبًا ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَتَحِلُّ بَعْدَ السَّنَةِ، حُرَّةً كَانَتْ أَمْ أَمَةً، وَقِيلَ: إِنَّ السَّنَةَ كُلَّهَا عِدَّةٌ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ.

وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَمَّا مُمْتَدَّةُ الْحَيْضِ أَيْ مُمْتَدَّةُ الدَّمِ أَوِ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُتَحَيِّرَةُ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا، فَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَقْدِيرُ طُهْرِهَا بِشَهْرَيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ لِلْأَطْهَارِ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِشَهْرٍ احْتِيَاطًا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ.

وَيَرَى الْمَيْدَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ- وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ- أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ وَطُهْرُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلاَّ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا تَحْسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ إِلاَّ سَاعَةً، ثُمَّ يُحْتَاجُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ.

وَقَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِوَقْتِ حَيْضِهَا تَعْتَدُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّنَا مَتَى حَكَمْنَا بِأَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَمَضَى لَهَا شَهْرَانِ بِالْهِلَالِ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الثَّالِثِ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قُلْنَا الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ فَطَلَّقَهَا فِي آخِرِ شَهْرٍ ثُمَّ مَرَّ لَهَا شَهْرَانِ وَهَلَّ الثَّالِثُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا.

ثَانِيًا: الْمُتَحَيِّرَةُ فِي النِّفَاسِ

17- يَجِبُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عَدَدًا وَمَكَانًا فَإِنْ أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي النِّفَاسِ وَلَمْ يُجَاوِزِ الدَّمُ أَرْبَعِينَ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّهُ نِفَاسٌ كَيْفَ كَانَتْ عَادَتُهَا وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، فَلَا تَقْضِي شَيْئًا مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ.

فَإِنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ تَتَحَرَّى، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ كَانَ عَادَةً لَهَا قَضَتْ صَلَاةَ الْأَرْبَعِينَ لِجَوَازِ أَنَّ نِفَاسَهَا كَانَ سَاعَةً، وَلِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ كَمْ عَادَتُهَا حَتَّى تُرَدَّ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَإِنْ قَضَتْهَا فِي حَالِ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ تُعِيدُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْقَضَاءِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ حُكْمَ صَوْمِهَا إِذَا أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ مَعًا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهَا إِذَا وَلَدَتْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَكَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا، وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ أَيْضًا تَصُومُ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ نِفَاسَهَا سَاعَةٌ، ثُمَّ إِذَا قَضَتْ مَوْصُولًا تَقْضِي تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ لِأَنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ تَصُومُ تِسْعَةً يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَمَامُ نِفَاسِهَا فَلَا تُجْزِيهَا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، ثُمَّ عَشَرَةً تَحْتَمِلُ الْحَيْضَ فَلَا تُجْزِي، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ هِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ صَحَّ مِنْهَا ثَلَاثُونَ.

وَلَوْ وَلَدَتْ نَهَارًا وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ لِأَنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ الْعِيدِ، ثُمَّ تَصُومُ عَشَرَةً لَا تُجْزِئُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا آخِرُ نِفَاسِهَا ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يُجْزِيهَا مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا تُجْزِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ لَهَا فِي الطُّهْرَيْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، ثُمَّ تَصُومُ يَوْمَيْنِ تَمَامَ الثَّلَاثِينَ، وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ.

وَعَلَى هَذَا يُسْتَخْرَجُ حُكْمُ مَا إِذَا قَضَتْهُ مَفْصُولًا وَمَا إِذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَمَا إِذَا عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا فَقَطْ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ أَكْثَرَ زَمَنِ النِّفَاسِ إِذَا تَمَادَى مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا سِتُّونَ يَوْمًا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَلَا تُسْتَظْهَرُ عَلَى السِّتِّينَ كَبُلُوغِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْقَوْلِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُعَوِّلُ عَلَى عَادَتِهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ وَفِي الْإِرْشَادِ: تُعَوِّلُ عَلَى عَادَتِهَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَادَةَ النَّاسِيَةَ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ فِي الْحَيْضِ، فَفِي قَوْلٍ هِيَ كَالْمُبْتَدَأَةِ فَتُرَدُّ إِلَى لَحْظَةٍ فِي قَوْلٍ، وَإِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَرَجَّحَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ- هُنَا- الرَّدَّ إِلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مَعْلُومٌ وَتَعْيِينُ أَوَّلِ الْهِلَالِ لِلْحَيْضِ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِذَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ أَبَدًا، لِأَنَّ أَوَّلَ حَيْضِهَا مَجْهُولٌ، وَالْمُبْتَدَأَةُ إِذَا جَهِلَتِ ابْتِدَاءَ دَمِهَا كَانَتْ كَالْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا اسْتَمَرَّتْ- أَيْضًا- عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ فَقَدِ الْتَبَسَ عَلَيْهَا الدَّوْرُ لِالْتِبَاسِ آخِرِ النِّفَاسِ فَهِيَ كَمَنْ نَسِيَتْ وَقْتَ الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ أَمْسَكَتْ عَنِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي إِنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ وَلَا تَقْضِي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


30-موسوعة الفقه الكويتية (ميت)

مَيِّتٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَيْتُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي فَارَقَ الْحَيَاةَ وَيُجْمَعُ عَلَى أَمْوَاتٍ، وَالْمَيِّتُ، (بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ): مَنْ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ بِهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَمْوَاتٍ، وَمَوْتَى.

يُقَالُ: مَاتَ يَمُوتُ مَوْتًا فَهُوَ مَيِّتٌ بِالتَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ، وَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَمَاتَهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الْحَيُّ فَمَيِّتٌ بِالتَّثْقِيلِ لَا غَيْرُ، وَعَلَيْهِ قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أَيْ سَيَمُوتُونَ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمَيِّتُ: الَّذِي فَارَقَ الْحَيَاةَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْحَيُّ:

2- الْحَيُّ لُغَةً: يُقَالُ: حَيِيَ يَحْيَى حَيَاةً مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهُوَ حَيٌّ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَحْيَاهُ اللَّهُ وَاسْتَحْيَيْتُهُ- بِيَاءَيْنِ- إِذَا تَرَكْتَهُ حَيًّا فَلَمْ تَقْتُلْهُ، فَالْحَيُّ ضِدُّ الْمَيِّتِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْحَيُّ الْمُتَّصِفُ بِالْحَيَاةِ وَهِيَ صِفَةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ ظَاهِرًا.

وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ التَّضَادُّ.ب- الْمُحْتَضَرُ:

3- الْمُحْتَضَرُ: هُوَ مَنْ فِي النَّزْعِ أَيْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ يُقَالُ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَاحْتَضَرَهُ: أَشْرَفَ فَهُوَ فِي النَّزْعِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُحْتَضَرِ وَالْمَيْتِ أَنَّ الِاحْتِضَارَ مُقَدِّمَةٌ لِلْمَوْتِ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَيْتِ:

أ- تَقْبِيلُ وَجْهِ الْمَيِّتِ

4- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ لِخَبَرِ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَلِمَا ثَبَتَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ- رضي الله عنه- قَبَّلَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ مَوْتِهِ».

وَذَهَبَ السُّبْكِيُّ إِلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ، وَخَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهَ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ.

ب- تَغْمِيضُ عَيْنَيْ الْمَيِّتِ

5- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَغْمِيضِ عَيْنَيِ الْمَيِّتِ بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ لِمَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».

وَرَوَى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحُ، وَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَيِّتِ».

وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا كَانَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ فَلَمْ يُغْمَضْ حَتَّى يَبْرُدَ بَقِيَ مَفْتُوحًا فَيَقْبُحُ مَنْظَرُهُ.

وَيَقُولُ مَنْ يُغْمِضُ الْمَيِّتَ: «بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ».

وَقَالَ أَحْمَدُ: تُغْمِضُ الْمَرْأَةُ عَيْنَهُ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَحْرَمٍ لَهُ، وَقَالَ: يُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ تَغْمِيضُهُ وَأَنْ تَقْرَبَاهُ.

ج- إِخْرَاجُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ مِنْ عِنْدِ الْمَيِّتِ

6- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي إِخْرَاجُ النُّفَسَاءِ وَالْجُنُبِ مِنْ عِنْدِ الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ فِي رَأْيٍ عِنْدَهُمْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ حَضَرَتْهُ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ تَجَنُّبُ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبٍ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيْبٍ: يُسْتَحَبُّ أَلاَّ تَحْضُرَ الْحَائِضُ وَلَا الْكَافِرَةُ وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَقُرْبَهُ غَيْرُ طَاهِرٍ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تَقْرُبَ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ الْمَيِّتَ لِحَدِيثِ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جُنُبٌ».

(ر: احْتِضَارٌ ف 3).

د- تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ

7- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَلْقِينِ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ».

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ.

انْظُرْ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَلْقِينٌ ف 5 احْتِضَارٌ ف 7).

هـ- غَسْلُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْمَيِّتَ

8- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ أَنْ يَغْسِلَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَيِّتَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّطْهِيرُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْغَاسِلِ الطَّهَارَةُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ غَسْلِ الْجُنُبِ لِلْمَيْتِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ طُهْرَهُ وَلَا يُكْرَهُ تَغْسِيلُ الْحَائِضِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ طُهْرَهَا.وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ لِلْحَائِضِ الْغُسْلَ لِأَنَّهَا لَوِ اغْتَسَلَتْ لِنَفْسِهَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ فَكَذَا إِذَا غَسَّلَتْ.

و- شَدُّ لَحْيَيِ الْمَيِّتِ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ شَدِّ لَحْيَيِ الْمَيِّتِ بِعِصَابَةِ عَرِيضَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ، لِئَلاَّ يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا، فَتَدْخُلَهُ الْهُوَامُ وَيَتَشَوَّهُ خَلْقُهُ وَيَدْخُلَ الْمَاءُ عِنْدَ غَسْلِهِ.

وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَلْيِينِ مَفَاصِلِ الْمَيِّتِ، وَذَلِكَ بِرِدِّ سَاعِدِهِ إِلَى عَضُدِهِ وَسَاقِهِ إِلَى فَخِذِهِ وَفَخِذِهِ إِلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ تُمَدُّ وَتَلِينُ أَصَابِعُهُ بِأَنْ تُرَدَّ إِلَى بَطْنِ كَفِّهِ ثُمَّ تُمَدُّ تَسْهِيلًا لِغَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةُ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتِ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ وَإِلاَّ فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا.

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ تَكُونُ وَلَوْ بِنَحْوِ دُهْنٍ إِنْ تَوَقَّفَ التَّلْيِينُ عَلَيْهِ لِيَسْهُلَ غُسْلُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَرْكِ تَلْيِينِ الْمَفَاصِلِ إِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَنْكَسِرَ أَعْضَاؤُهُ وَصَيَّرَ بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْمُثْلَةِ.

ز- تَوْجِيهُ الْمَيِّتِ لِلْقِبْلَةِ

10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ إِلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشَرَفُ الْجِهَاتِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي طَرِيقَةِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُوَجَّهَ الْمُحْتَضَرُ لِلْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ مِثْلَ تَوْجِيهِهِ فِي الْقَبْرِ وَجَازَ الِاسْتِلْقَاءُ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَدَمَاهُ إِلَيْهَا وَلَكِنْ يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ شُقَّ عَلَيْهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى يَسَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى بَطْنِهِ وَرَأْسُهُ لَهَا، وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ شُخُوصِ بَصَرِهِ لَا قَبْلَهُ لِئَلاَّ يُفْزِعَهُ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَوْجِيهُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ كَمَا يُوضَعُ فِي اللَّحْدِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهُ عَلَى يَمِينِهِ لِضِيقِ مَكَانٍ أَوْ لِعِلَّةٍ فِي جَنْبِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُوضَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا، كَأَنْ يُوضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ مُرْتَفِعٌ لِيَتَوَجَّهَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ.

وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِلْقَاءَ أَفَضْلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُضِعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ.

وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِ الْمَيِّتِ لِلْقِبْلَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُجْعَلُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَيُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا، لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ وَاسِعًا فَعَلَى جَنْبِهِ، وَإِلاَّ فَعَلَى ظَهْرِهِ.وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُوَجَّهُ قَبْلَ تَيَقُّنِ مَوْتِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَوْلَى التَّوْجِيهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

ج- سَتْرُ بَدَنِ الْمَيِّتِ

11- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الْمَيِّتِ حِينَ الْغُسْلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُسْتَرُ وَيُغَطَّى.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الْمَيِّتِ حِينَ الْغُسْلِ، وَأَنَّ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ فِي السَّتْرِ هُوَ سَتْرُ عَوْرَتِهِ الْغَلِيظَةِ فَقَطْ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ مُطْلَقًا تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ أَنْ يَسْتُرَ الْغَاسِلُ الْمَيِّتَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتِهِ إِنْ كَانَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْمَيِّتِ سَيِّدًا أَوْ زَوْجًا لَكِنْ إِنْ كَانَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ أَجْنَبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ سَتْرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَيُجْعَلُ طَرَفُ الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفُهُ الْآخَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لِئَلاَّ يَنْكَشِفَ، وَاحْتُرِزَ بِالثَّوْبِ الْخَفِيفِ عَنِ الثَّقِيلِ لِأَنَّ الثَّقِيلَ يَحْمِيهِ فَيُغَيِّرُهُ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «سُجِّيَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ مَاتَ بِثَوْبٍ حِبَرَةٍ».

أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُسْتَرُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ.وَصَرَّحَ الْقَلْيُوبِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُغَطَّى رَأْسُ الْمُحْرِمِ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ وَيُغْسَلُ الْمَيِّتُ نَدْبًا فِي قَمِيصٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا شَرَعَ فِي غَسْلِهِ وَجَبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ- رضي الله عنه-: «لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَهَذَا فِي غَيْرِ مَنْ سِنُّهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ فَلَا بَأْسَ بِغَسْلِهِ مُجَرَّدًا.

وَقَالَ الْقَاضِي: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي قَمِيصٍ رَقِيقٍ يُنْزَلُ الْمَاءُ فِيهِ وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَدَنِهِ وَيُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ فَيَمُرَّهَا عَلَى بَدَنِهِ وَالْمَاءُ يُصَبُّ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقًا فَتَقَ رَأْسَ الدَّخَارِيصِ وَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْهُ.

ط- قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَيِّتِ وَقَبْلَ غَسْلِهِ

12- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ غَسْلِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ الْمَيِّتِ سُورَةَ (يس) وَكَذَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: قِرَاءَةٌ ف 17، 18). ي- تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ

13- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيلَ الْمُسْلِمِ وَاجِبُ كِفَايَةٍ.

وَانْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَمَنْ يُغَسِّلُهُ، وَكَيْفِيَّةُ تَغْسِيلِهِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ (تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ).

ك- تَكْفِينُ الْمَيِّتِ

14- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَكْفِينَ الْمَيِّتِ بِمَا يَسْتُرُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.

وَانْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ وَكَيْفِيَّتَهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَكْفِينٌ).

ل- حَمْلُ الْمَيِّتِ

15- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِهَا وَعَدَدِ حَامِلِيهَا.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 11- 13).

م- دَفْنُ الْمَيِّتِ

16- دَفْنُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِجْمَاعًا إِنْ أَمْكَنَ.انْظُرْ حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَأَفْضَلَ مَكَانٍ لِدَفْنِهِ، وَالْأَحَقَّ بِدَفْنِهِ، وَكَيْفِيَّتَهُ وَوَقْتَهُ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ).

ن- نَبْشُ قَبْرُ الْمَيِّتِ

17- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِ نَبْشِ الْقَبْرِ إِلاَّ لِعُذْرٍ وَغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَمِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُجِيزُ نَبْشَ الْقَبْرِ كَوْنُ الْأَرْضِ مَغْصُوبَةً أَوِ الْكَفَنِ مَغْصُوبًا أَوْ سَقَطَ مَالٌ فِي الْقَبْرِ.وَعِنْدَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي هَذِهِ الْأَعْذَارِ يُنْظَرُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ (قَبْرٌ ف 21، وَنَبْشٌ).

س- نَقْلُ الْمَيِّتِ

18- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بَعْدَ الدَّفْنِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الدَّفْنِ وَكَذَا بَعْدَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ بِشُرُوطِ.يُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ ف 4، وَنَبْشٌ).

ع- قَذْفُ الْمَيِّتِ

19- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَهُ حَقُّ طَلَبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ طَلَبَ إِقَامَةِ الْحَدِّ يَرْجِعُ لِمَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِسَبَبِ قَذْفِ الْمَيِّتِ وَهُمُ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا، وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ مَحْجُوبًا أَوْ مَحْرُومًا عَنِ الْمِيرَاثِ بِقِتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ كُفْرٍ أَوْ كَوْنِهِ وَلَدَ بِنْتٍ.وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ أَوْ عَفْوِهِ أَوْ تَصْدِيقِهِ لِلْقَاذِفِ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِهِمْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ، أَيْ كَوْنُ الْمَيِّتِ جُزْءًا مِنْهُمْ أَوْ كَوْنُهُمْ جُزْءًا مِنْهُ.

وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ حَدِّ قَاذِفِهِ فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِهِ وَلَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْإِرْثِ مَانِعٌ كَرِقٍّ وَقَتْلٍ وَكُفْرٍ إِنْ كَانَ قَذَفَهُ فِي حَيَاتِهِ.

وَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِوَارِثِهِ الْقِيَامُ بِحَدِّهِ لِلِحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهُ.

وَأَمَّا الْوَرَثَةُ الَّذِينَ يَحِقُّ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَدِّ فَهُمْ: وَلَدُ الْمَقْذُوفِ وَيَشْمَلُ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَأَبُ الْمَقْذُوفِ وَإِنْ عَلَا.

فَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا كَانَ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلِأَبِيهِ وَإِنْ عَلَا أَنْ يَقُومُوا بِذَلِكَ وَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ أَخَذَهُ بِحَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يَلْزَمُهُمْ، وَلَيْسَ لِلْإِخْوَةِ وَسَائِرِ الْعَصَبَةِ قِيَامٌ مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ فَلِلْعَصَبَةِ الْقِيَامُ، وَلِلْأَخَوَاتِ وَالْجَدَّاتِ الْقِيَامُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَقْذُوفِ وَارِثٌ فَلَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَقُومَ بِحَدِّهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ مَيِّتًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَطَلَبُ إِقَامَةِ الْحَدِّ لِلْوَارِثِ إِلاَّ أَنْ يَعْفُوَ، وَلَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ مُقَابِلَ مَالٍ يَأْخُذُهُ سَقَطَ الْحَدُّ وَلَمْ يَجِبِ الْمَالُ، وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَلِلْبَاقِي أَنْ يَسْتَوْفُوا الْحَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ عَارٌ، وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ.

وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَنْ يَرِثُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَصَحُّهَا: جَمِيعُ الْوَرَثَةِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ.

وَالثَّانِي: جَمِيعُهُمْ غَيْرُ الزَّوْجَيْنِ.

وَالثَّالِثُ: رِجَالُ الْعَصَبَاتِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ.

وَالرَّابِعُ: رِجَالُ الْعَصَبَةِ سِوَى الْبَنِينَ كَالتَّزْوِيجِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ.

وَلَوْ قَذَفَ رَجُلٌ مُوَرِّثَهُ، وَمَاتَ الْمَقْذُوفُ، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ إِنْ كَانَ حَائِزًا لِلْإِرْثِ، وَلِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ بِخِلَافِ الْقَتْلِ.

وَلَوْ قَذَفَ وَلَدٌ أَبَاهُ فَمَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ الْقَاذِفَ وَابْنًا آخَرَ فَإِنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِيمَنْ يَرِثُ الْحَدَّ فَإِنْ قُلْنَا: إِذَا عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ كَانَ لِلْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْجَمِيعِ فَلِلِابْنِ الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِتَمَامِهِ، وَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ الْجَمِيعُ فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي فَلِلِابْنِ الْآخَرِ اسْتِيفَاءُ نِصْفِ الْحَدِّ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَالُوا إِذَا قُذِفَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَتِ الْأُمُّ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنْ قُذِفَتْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ- مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً- حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الِابْنُ وَكَانَ مُسْلِمًا حُرًّا وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ قَدْحٌ فِي نَسَبِهِ وَلِأَنَّهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ زِنَا وَلَا يَسْتَحِقُّ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَلِذَلِكَ تُعْتَبَرُ حَصَانَتُهُ وَلَا تُعْتَبَرُ حَصَانَةُ أُمِّهِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَهُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَذْفِ مَيْتَةٍ، وَكَذَلِكَ تُقَاسُ الْجَدَّةُ عَلَى الْأُمِّ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ.

وَأَمَّا إِنْ قَذَفَ أَبَاهُ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ بِقَذْفِ أُمِّهِ حَقًّا لَهُ لِنَفْيِ نَسَبِهِ لَاحِقًا لِلْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ إِحْصَانُ الْمَقْذُوفَةِ وَاعْتُبِرَ إِحْصَانُ الْوَلَدِ، وَمَتَى كَانَ الْمَقْذُوفُ مِنْ غَيْرِ أُمَّهَاتِهِ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ نَسَبِهِ فَلَمْ يَجِبِ الْحَدُّ.

وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَلَمْ يُطَالِبْ بِالْحَدِّ سَقَطَ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وَلِلْوَرَثَةِ طَلَبُهُ.

وَالْحَقُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، حَتَّى لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُمْ سِوَى الزَّوْجَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: هُوَ لِلْعَصَبَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَرِثُهُ الْإِمَامُ أَيْضًا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ.وَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ حُدَّ لِلْبَاقِي كَامِلًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ.

ف- حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ وَقَصُّ ظُفُرِهِ

20- لِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ حَلْقِ شَعْرِ الْمَيِّتِ أَوْ تَسْرِيحِهِ أَوْ ضَفْرِ شَعْرِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا سَائِرُ شَعْرِ الْبَدَنِ كَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَشَعْرِ الْإِبِطِ وَالْعَانَةِ.

وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شَعْرٌ وَصُوفٌ وَوَبَرٌ ف 4، 5، 6، حَلَقَ ف 14).

كَمَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَقْلِيمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ ف9).

ص- تَغْسِيلُ السِّقْطِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ

21- السِّقْطُ هُوَ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَهُوَ مُسْتَبِينُ الْخَلْقِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (جَنِينٌ ف 22).

قِ- إِدْخَالُ الْمَيِّتِ الْمَسْجِدَ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِيهِ:

22- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ وَإِدْخَالُهُ فِيهِ تَحْرِيمًا وَقِيلَ تَنْزِيهًا وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْكَرَاهَةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (جَنَائِزُ ف 38).

ر- الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ

23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 37).

ش- طَهَارَةُ جَسَدِ الْمَيِّتِ

24- ذَهَبَ عَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا يَتَنَجَّسُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالْمَوْتِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ هَلْ نَجَاسَتُهُ نَجَاسَةُ خَبَثٍ أَوْ حَدَثٍ؟ فَقِيلَ: إِنَّهَا نَجَاسَةُ خَبَثٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَلَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ قَبْلَ غَسْلِهِ نَجَّسَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ غَسْلِهِ وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَلِذَلِكَ إِنَّمَا يَطْهُرُ الْمَيِّتُ بِالْغُسْلِ كَرَامَةً لِلْمُسْلِمِ.

أَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ بَعْدَ غَسْلِهِ فَلَوْ وَقَعَ كَافِرٌ فِي بِئْرٍ بَعْدَ غُسْلِهِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ.

وَقِيلَ: هِيَ نَجَاسَةُ حَدَثٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ:

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا»،، فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لِلْحَدَثِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا». وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ بِتَشَرُّبِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ فِي أَجْزَائِهِ، كَرَامَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ لَمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا بِالْمَوْتِ، وَالْآدَمِيُّ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَبْلَ الْغُسْلِ يُوجِبُ تَنْجِيسَ الْبِئْرِ، وَلَوْ وَقَعَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَا يُوجِبُ تَنَجُّسَهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ بِالْمَوْتِ وَلَكِنْ وَجَبَ غُسْلُهُ لِلْحَدَثِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَخْلُو عَنْ سَابِقَةِ حَدَثٍ لِوُجُودِ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ، وَالْبَدَنُ فِي حَقِّ التَّطْهِيرِ لَا يَتَجَزَّأُ فَوَجَبَ غَسْلُهُ كُلُّهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْبَلْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا طَاهِرَةٌ، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وَقَضِيَّةُ تَكْرِيمِهِمْ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِمْ بِالْمَوْتِ، وَلِخَبَرِ «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» قَالَ عِيَاضُ: وَلِأَنَّ غَسْلَهُ وَإِكْرَامَهُ يَأْبَى تَنْجِيسُهُ، إِذْ لَا مَعْنَى لِغَسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعُذْرَةِ. وَأَمَّا قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ أَنَّا نَجْتَنِبُهُمْ كَالنَّجَاسَةِ لَا نَجَاسَةَ الْأَبَدَانِ، وَلِهَذَا رَبَطَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الْأَسِيرَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ.

وَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي غَيْرِ أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِهِمُ الشُّهَدَاءَ.

وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَهَارَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَنَجَاسَتِهَا فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.

فَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْجُسَ الْكَافِرُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْخَبَرَ: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ. حُكْمُ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ

25- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ يَأْخُذُ حُكْمَهُ فِي الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ أَوْ بِنَجَاسَتِهِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ شَعْرَ الْآدَمِيِّ غَيْرَ الْمَنْتُوفِ طَاهِرٌ بِخِلَافِ الْمَنْتُوفِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ لِمَا يَحْمِلُ مِنْ دُسُومَةٍ.

وَكَذَلِكَ عَظْمُ الْمَيِّتِ وَعَصَبُهُ فَإِنَّهُمَا طَاهِرَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ سِنُّ الْمَيِّتِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا وَالْمُنَجَّسُ هُوَ الدَّمُ.

وَكَذَلِكَ ظُفُرُ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ إِذَا كَانَ خَالِيًا عَنِ الدُّسُومَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى طَهَارَةِ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ طَهَارَةِ مَيْتَتِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْمَذْهَبِ فَمَا أُبِينَ مِنْهُ نَجِسٌ مُطْلَقًا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى إِلْحَاقِ مَا انْفَصَلَ مِنَ الْآدَمِيِّ بِمَيْتَتِهِ فِي الطَّهَارَةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: حُكْمُ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ حُكْمُ جُمْلَتِهِ سَوَاءٌ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، لِأَنَّهَا أَجَزَاءٌ مِنْ جُمْلَتِهِ فَكَانَ حُكْمُهَا كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ وَلِأَنَّهَا يُصَلَّى عَلَيْهَا فَكَانَتْ طَاهِرَةً كَجُمْلَتِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا نَجِسَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا.

ت- غَسْلُ مَا أُبِينَ مِنَ الْآدَمِيِّ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ:

26- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- صَلَّى عَلَى عِظَامٍ بِالشَّامِ، وَصَلَّى أَبُو عُبَيْدَةَ- رضي الله عنه- عَلَى رُءُوسٍ، وَصَلَّتِ الصَّحَابَةُ- رضي الله عنهم- عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ أَلْقَاهَا طَائِرٌ بِمَكَّةَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا وُجِدَ رَأْسُ آدَمِيٍّ أَوْ أَحَدُ شِقَّيْهِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَلْ يُدْفَنُ إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَلَوْ بِلَا رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُغَسَّلُ دُونَ ثُلُثَيِ الْجَسَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْسِ، فَإِذَا وُجِدَ نِصْفُ الْجَسَدِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَدُونَ الثُّلُثَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ لَمْ يُغْسَّلْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أَيْ يُكْرَهُ، لِأَنَّ شَرْطَ الْغُسْلِ وُجُودُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْضُهُ فَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ وَلَا حُكْمَ لِلْيَسِيرِ وَهُوَ مَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ.

وَالْعِلَّةُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا دُونَ الْجُلِّ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الْمَكْرُوهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى غَائِبٍ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّا لَا نُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إِلاَّ بِشَرْطِ الْحُضُورِ، وَحُضُورُ جُلِّهِ كَحُضُورِ كُلِّهِ، وَحُضُورُ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. (ر: تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ ف 26).

ث- تَنَازُعُ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ الْمَاءَ:

27- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ وَمُحْدِثٌ وَكَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ، وَلِلْفُقَهَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمِلْكِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَإِنَّ الْجُنُبَ أَوْلَى بِالْمَاءِ مِنَ الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْدِثُ وَيَقْتَدِيَانِ بِهِ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنَ الْحَدَثِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ إِمَامًا. وَقِيلَ فِي السِّرَاجِ: أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى لِأَنَّ غُسْلَهُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ.

وَعَنِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَفِي السِّرَاجِ أَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي الْمُحْدِثَ فَقَطْ كَانَ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا فَيَنْبَغِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَصْرِفَ نَصِيبَهُ لِلْمَيْتِ حَيْثُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَكْفِيهِ نَصِيبُهُ، وَلَا يُمَكَّنُ الْجُنُبُ وَلَا غَيْرُهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْكُلِّ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحِصَّةِ الْمَيِّتِ، وَكَوْنُ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ لَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَ حِصَّةِ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَكُنِ الْجُنُبُ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا فَإِنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ كَانَ أَوْلَى.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَمَعَهُ شَخْصٌ حَيٌّ مُحْدِثٌ جُنُبٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُحْدِثِ الْحَيِّ لِحَقِيِّةِ الْمِلْكِ إِلاَّ أَنْ يُخَافَ عَلَى الْحَيِّ الْعَطَشُ فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَحَقُّ مِنْ صَاحِبِهِ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ حِفْظًا لِلنَّفُوسِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْوَرَثَةِ.

أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ يُقَدَّمُ الْحَيُّ وَلَوْ لَمْ يَخَفْ عَطَشًا لِتَرْجِيحِ جَانِبِهِ بِالشَّرِكَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ نَصِيبِ الْمَيِّتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ انْقَطَعَ دَمُهَا وَهُنَاكَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ بَذَلَهُ لِلْآخَرِ وَتَيَمَّمَ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ.

وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا لَهُمَا كَانَا فِيهِ سَوَاءً.

وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مُبَاحًا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ، وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ يَرْجِعَانِ إِلَى الْمَاءِ وَيَغْتَسِلَانِ.

وَإِذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَحَيٌّ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ النَّجَاسَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ لِطَهَارَتِهِ بَدَلٌ وَلِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ بَدَلٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَكَانَ صَاحِبُ النَّجَاسَةِ أَحَقَّ بِالْمَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْلَى لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ وَمَعَهُمْ مَاءٌ لَا يَكْفِي إِلاَّ أَحَدَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكَهُ الْمَيِّتُ أَوْ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِغَيْرِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحَدِهِمْ فَعَنْ أَحْمَدَ- رحمه الله- رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْمَيِّتُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّ غُسْلَهُ خَاتِمَةُ طَهَارَتِهِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ كَامِلَةً، وَالْحَيُّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَاءِ فَيَغْتَسِلُ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْظِيفُهُ وَلَا يَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ، وَالْحَيُّ يَقْصِدُ بِغُسْلِهِ إِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ.

وَالثَّانِيَةُ: الْحَيُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِالْغُسْلِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَالْمَيِّتُ قَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ.وَاخْتَارَ هَذَا الْخَلاَّلُ.

وَإِنْ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي مَكَانٍ فَهُوَ لِلْأَحْيَاءِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَجِدُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ فَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ حَاضِرٌ فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ إِتْلَافَهُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّ

مَالِكَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ إِلاَّ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ لِلْعَطَشِ فَيَأْخُذَهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


31-موسوعة الفقه الكويتية (ندرة)

نَدْرَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- النَّدْرَةُ فِي اللُّغَةِ: نَدَرَ الشَّيْءُ نُدُورًا- مِنْ بَابِ قَعَدَ- سَقَطَ أَوْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ شَذَّ، وَمِنْهُ: نَادِرُ الْجَبَلِ، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَيَبْرُزُ، وَنَدَرَ فُلَانٌ مِنْ قَوْمِهِ: خَرَجَ، وَنَدَرَ الْعَظْمُ مِنْ مَوْضِعِهِ: زَالَ، وَالِاسْمُ: النَّدْرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ، وَالضَّمُّ لُغَةٌ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ نَادِرًا.

وَالنَّدْرَةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تُوجَدُ فِي الْمَعْدِنِ، وَنَدَرَ فُلَانٌ فِي عِلْمٍ وَفَضْلٍ: تَقَدَّمَ وَقَلَّ وُجُودُ نَظِيرِهِ، وَنَدَرَ الْكَلَامُ نَدَارَةً- بِالْفَتْحِ- فَصُحَ وَجَادَ.

وَأَنْدَرَ: أَتَى بِنَادِرٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.

وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: النَّادِرُ مَا قَلَّ وُجُودُهُ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفِ الْقِيَاسَ، فَإِنْ خَالَفَهُ فَهُوَ شَاذٌّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تُطْلَقُ النَّدْرَةُ- بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ- عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ لِتَصْفِيَةٍ، وَهَذَا تَفْسِيرُ عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْغَالِبُ:

2- الْغَالِبُ لُغَةً اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْغَلَبَةِ، وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْقَهْرُ، يُقَالُ: غَلَبَهُ: إِذَا قَهَرَهُ، وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْكَثْرَةُ أَيْضًا، يُقَالُ: غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَلَامُ، أَيْ هُوَ أَكْثَرُ خِصَالِهِ.

وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَعْنَيَيْنِ.

مَعْنَى الْقَهْرِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: مَنِ اشْتَرَى مِنَ الْمَغْنَمِ فِي بِلَادِ الرُّومِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ.

وَمَعْنَى الْكَثْرَةِ، قَالَ الْمَوَّاقُ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تُخْرَجُ مِنْ غَالَبِ عَيْشِ الْبَلَدِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النُّدْرَةِ وَالْغَالِبِ: التَّضَادُّ.

ب- الشَّاذُّ:

3- الشَّاذُّ فِي اللُّغَةِ مِنْ شَذَّ يَشِذُّ وَيَشَذُّ شُذُوذًا: إِذَا انْفَرَدَ عَنْ غَيْرِهِ، وَشَذَّ: نَفَرَ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: الشَّاذُّ مَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى قِلَّةِ وُجُودٍ وَكَثْرَتِهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّادِرَ مَا قَلَّ وُجُودُهُ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفِ الْقِيَاسَ، وَالشَّاذُّ مَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ.

أَوَّلًا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّدْرَةِ (بِمَعْنَى الْقِلَّةِ) مِنْ أَحْكَامٍ:

تَقْدِيمُ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ أَحْيَانًا:

4- قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى النَّادِرِ وَهُوَ شَأْنُ الشَّرِيعَةِ وَذَلِكَ كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ وَالْفِطْرِ بِنَاءً عَلَى غَالِبِ الْحَالِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَكَمَنْعِ شَهَادَةِ الْأَعْدَاءِ وَالْخُصُومِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمُ الْحَيْفُ.

5- وَقَدْ يُلْغِي الشَّارِعُ الْغَالِبَ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ وَيُقَدِّمُ النَّادِرَ عَلَيْهِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: أ- إِذَا تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْغَالِبُ، أَوْ مِنْ وَطْءٍ بَعْدَهُ وَهُوَ النَّادِرُ، فَإِنَّ غَالِبَ الْأَجِنَّةِ لَا تُوضَعُ إِلاَّ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنَّمَا الَّذِي يُوضَعُ فِي السِّتَّةِ سَقْطٌ فِي الْغَالِبِ، فَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَجَعَلَهُ مِنَ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ، لِحُصُولِ السِّتْرِ عَلَيْهِمْ وَصَوْنِ أَعْرَاضِهِمْ.

ب- الْغَالِبُ عَلَى النِّعَالِ مُصَادَفَةُ النَّجَاسَاتِ لَاسِيَّمَا نَعْلٌ مَشَى بِهَا سَنَةً، وَجَلَسَ بِهَا فِي مَوَاضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ سَنَةً وَنَحْوَهَا، فَالْغَالِبُ فِيهَا النَّجَاسَةُ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا مِنَ النَّجَاسَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ فَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِالصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ، كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ وَتَوْسِعَةٌ عَلَى الْعِبَادِ.

ج- الْحُصْرُ وَالْبُسُطُ الَّتِي قَدِ اسْوَدَّتْ مِنْ طُولِ مَا قَدْ لُبِسَتْ، يَمْشِي عَلَيْهَا الْحُفَاةُ وَالصِّبْيَانُ، وَمَنْ يُصَلِّي وَمَنْ لَا يُصَلِّي، الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهَا لِلنَّجَاسَةِ.

وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ «بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ بَعْدَ نَضْحِهِ بِالْمَاءِ».وَالنَّضْحُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بَلْ يَنْشُرُهَا، فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ.

د- فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْغَالِبُ مُصَادَفَةُ الْحُفَاةِ النَّجَاسَةَ وَلَوْ فِي الطُّرُقَاتِ وَمَوَاضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ جَوَّزَ الشَّرْعُ صَلَاةَ الْحَافِي كَمَا جَوَّزَ لَهُ الصَّلَاةَ بِنَعْلِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- يَمْشِي حَافِيًا وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ، «لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بِنَعْلِهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَفَاءَ أَخَفُّ فِي تَحَمُّلِ النَّجَاسَةِ مِنَ النِّعَالِ، فَقَدَّمَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَغَيْرِهَا: وَنَظَائِرُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يَضَعَ فِي شَرْعِهِ مَا شَاءَ وَيَسْتَثْنِي مِنْ قَوَاعِدِهِ مَا شَاءَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ إِثْبَاتَ حُكْمِ الْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِمَّا أَلْغَاهُ الشَّرْعُ أَمْ لَا وَحِينَئِذٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مُطْلَقُ الْغَالِبِ كَيْفَ كَانَ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

إِلْغَاءُ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ مَعًا:

6- قَدْ يُلْغِي الشَّارِعُ النَّادِرَ وَالْغَالِبَ مَعًا رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

أ- شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْأَمْوَالِ إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ جِدًّا: الْغَالِبُ صِدْقُهُمْ وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الشَّرْعُ صِدْقَهُمْ وَلَا قَضَى بِكَذِبِهِمْ، بَلْ أَهْمَلَهُمْ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ وَرَحْمَةً بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَقَبِلَهُمْ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ.

ب- شَهَادَةُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ جَمَاعَةِ النِّسْوَانِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ: الْغَالِبُ صِدْقُهُنَّ وَالنَّادِرُ كَذِبُهُنَّ لَا سِيَّمَا مَعَ الْعَدَالَةِ، وَقَدْ أَلْغَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صِدْقَهُنَّ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ وَلَا حَكَمَ بِكَذِبِهِنَّ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

ج- حَلِفُ الْمُدَّعِي الطَّالِبِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ: الْغَالِبُ صِدْقُهُ وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَلَمْ يَقْضِ الشَّارِعُ بِصِدْقِهِ فَيَحْكُمَ لَهُ بِيَمِينِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

د- شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ: الْغَالِبُ صِدْقُهُ وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَلَمْ يَحْكُمِ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ وَلُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ.

هـ- حُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ وَهُوَ عَدْلٌ مُبَرِّزٌ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ: الْغَالِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا حَكَمَ بِالْحَقِّ وَالنَّادِرُ خِلَافُهُ، وَقَدْ أَلْغَى الشَّرْعُ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا.

إِلْحَاقُ النَّادِرِ بِالْغَالِبِ:

7- ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ عُنْوَانَ (النَّادِرُ هَلْ يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ) وَقَسَّمَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يَلْحَقُ قَطْعًا، كَمَنْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ دَاخِلَةٌ فِي حُكْمِ الْأَبْكَارِ قَطْعًا فِي الِاسْتِئْذَانِ.

الثَّانِي: مَا لَا يَلْحَقُ قَطْعًا كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ لَا تَلْحَقُ بِالْأَصْلِيَّةِ فِي حُكْمِ الدِّيَةِ قَطْعًا، وَنِكَاحُ مَنْ بِالْمَشْرِقِ مَغْرِبِيَّةً لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ.

الثَّالِثُ: مَا يَلْحَقُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِ النَّادِرِ مِنَ الْفَرْجِ.

الرَّابِعُ: مَا لَا يَلْحَقُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْأَشْيَاءِ الَّتِي يَتَسَارَعُ إِلَيْهَا الْفَسَادُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْأَصَحِّ.

النَّادِرُ إِذَا لَمْ يَدُمْ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ:

8- مَثَّلَ الزَّرْكَشِيُّ لِذَلِكَ بِالْمَرْبُوطِ عَلَى خَشَبَةٍ بِأَنَّهُ يُصَلِّي وَيُعِيدُ، وَالْمُشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي سَفَرِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَاسْتَثْنَى صُورَةَ الصَّلَاةِ فِي حَالَةِ الْمُسَايَفَةِ (الْحَرْبِ) أَرْكَانُهَا مُخْتَلَّةٌ وَلَا قَضَاءَ وَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ، إِذْ هُوَ نَادِرٌ لَا يَدُومُ وَلَا بَدَلَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ رُخْصَةٌ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}

النَّادِرُ إِذَا دَامَ يُعْطَى حُكْمَ الْغَالِبِ:

9- مَثَّلَ الزَّرْكَشِيُّ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ مَعَ الْحَدَثِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا إِلاَّ أَنَّهُ يَدُومُ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ تَلْحَقِ الْمُسَافِرَ مَشَقَّةٌ، وَمِنْهُ أَثَرُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَدُومُ.

وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ:

إِحْدَاهَا: الشُّعُورُ الَّتِي فِي الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَتْ، وَكَثَافَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ نَادِرَةً إِلاَّ أَنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ دَامَتْ، وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِالْغَالِبِ حَتَّى يَكْفِيَ غَسْلُ الظَّاهِرِ.

الثَّانِيَةُ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مِنَ الِاسْتِحَاضَةِ قَوْلَانِ، كَالْمَذْيِ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ، كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَاسْتَشْكَلَ الْخِلَافَ لِأَنَّهَا تَدُومُ وَالنَّادِرُ إِذَا دَامَ الْتَحَقَ بِالْغَالِبِ، وَكَانَ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ.

الثَّالِثَةُ: دَمُ الْبَوَاسِيرِ نَادِرٌ، وَإِذَا وَقَعَ دَامَ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ بِالْحَجَرِ فِي الْأَظْهَرِ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا انْفَتَحَ مَخْرَجٌ آخَرُ لِلْإِنْسَانِ وَنَقَضْنَا بِالْخَارِجِ مِنْهُ، فَهَلْ يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا، لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنِ الْقِيَاسِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى السَّبِيلَيْنِ، هَذَا مَعَ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ دَامَ.

النَّدْرَةُ فِي السَّلَمِ فِيمَا يُسْلَمُ فِيهِ:

10- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيمَا نَدَرَ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْوُثُوقِ بِتَسْلِيمِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا، وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ صَحَّ، قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ الشَّبْرَامَلَّسِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الصِّحَّةِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الِاسْتِقْصَاءِ.

وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوِ اسْتَقْصَى وَصْفَهُ الْوَاجِبَ ذِكْرُهُ فِي السَّلَمِ عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْحَجْمِ وَالْوَزْنِ وَالشَّكْلِ وَالصَّفَاءِ، وَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأُمُورِ نَادِرٌ.

كَمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي جَارِيَةٍ وَلَوْ قَلَّتْ صِفَاتُهَا كَزِنْجِيَّةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ شَاةٍ وَسَخْلَتِهَا لِنُدْرَةِ اجْتِمَاعِهِمَا مَعَ الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي أَوِزَّةٍ وَأَفْرَاخِهَا أَوْ دَجَاجَةٍ كَذَلِكَ وَلَوْ مَعَ ذِكْرِ الْعَدَدِ- خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ- إِذْ يَعِزُّ وُجُودُ الْأُمِّ وَأَوْلَادِهَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ كِبَرًا خَارِجًا عَنِ الْمُعْتَادِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَامَّ الْوُجُودِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَا يُوجَدُ فِي وَقْتِ حُلُولِهِ إِلاَّ نَادِرًا كَالسَّلَمِ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إِلَى غَيْرِ وَقْتِهِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ غَالِبًا عِنْدَ وُجُوبِهِ.

الْقِرَاضُ فِي نَادِرِ الْوُجُودِ:

11- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْقِرَاضِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ شِرَاءَ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَالْخَيْلِ الْبُلْقِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، وَالْخَزِّ الْأَدْكَنِ، لِأَنَّ النَّادِرَ قَدْ لَا يَجِدُهُ، قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: أَفْهَمُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ أَنَّ النَّوْعَ إِذَا لَمْ يَنْدُرُ وُجُودُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ كَانَ يَنْقَطِعُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ، قَالَ: وَكَذَا إِنْ نَدَرَ وَكَانَ بِمَكَانٍ يُوجَدُ فِيهِ غَالِبًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، لَكِنْ لَوْ نَهَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ صَحَّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ شِرَاءَ مَا يَتَعَذَّرُ لِقِلَّتِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ وَقَعَ وَفَاتَ الْقِرَاضُ بِالْعَمَلِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، وَفِيهِ قِرَاضُ الْمِثْلِ.

وَأَجَازَ ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا يَعُمُّ وُجُودُهُ كَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْخَيْلِ الْبُلْقِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، لِأَنَّهَا مُضَارَبَةٌ خَاصَّةٌ لَا تَمْنَعُ الرِّبْحَ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَحَّتْ، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَّجِرَ إِلاَّ فِي نَوْعٍ يَعُمُّ وُجُودُهُ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِنَوْعٍ، فَصَحَّ تَخْصِيصُهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا كَالْوَكَالَةِ.

النَّدْرَةُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ:

12- اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُطَلَّقَةِ إِذَا كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ فِي كَمْ مِنَ الْأَيَّامِ تُصَدَّقُ إِذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُصَدَّقُ فِي تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا: أَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيْضِ، وَحَيْضُهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةً، وَطُهْرُهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَلَاثُ مَرَّاتٍ ثَلَاثَةٌ يَكُونُ تِسْعَةً، وَطُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ، فَلِهَذَا صَدَقَتْ فِي تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ، فَإِذَا أَخْبَرَتْ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ يَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهَا.

لَكِنِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ: لَا مَعْنَى لِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِتَصْدِيقِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلاَّ بَعْدَ أُمُورٍ كُلُّهَا نَادِرَةٌ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْإِيقَاعُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطُّهْرِ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ طُهْرُهَا أَقَلَّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تُؤَخِّرَ الْإِخْبَارَ عَنْ سَاعَةِ الِانْقِضَاءِ.

وَالْأَمِينُ إِذَا أَخْبَرَ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَصْدِيقُهُ فِيهِ إِلاَّ بِأُمُورٍ هِيَ نَادِرَةٌ لَا يُصَدَّقُ، كَالْوَصِيِّ إِذَا قَالَ أَنْفَقْتُ عَلَى الصَّبِيِّ فِي يَوْمٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ لَا يُصَدَّقُ، وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفَقَةً فَتُسْرَقَ ثُمَّ مِثْلَهَا فَتُحْرَقَ ثُمَّ مِثْلَهَا فَتُتْلَفَ، فَلَا يُصَدَّقُ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ نَادِرَةً فَكَذَلِكَ هُنَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةٍ يَنْدُرُ انْقِضَاؤُهَا فِيهَا كَالشَّهْرِ لِجَوَازِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ وَهِيَ طَاهِرٌ، فَيَأْتِيهَا الْحَيْضُ وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَأْتِيهَا لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ وَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَيْضًا، ثُمَّ يَأْتِيهَا آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالطُّهْرِ فِي الْأَيَّامِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا بُدَّ مِنْ سُؤَالِ النِّسَاءِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ شَهِدْنَ لَهَا بِذَلِكَ، أَيْ شَهِدْنَ أَنَّ النِّسَاءَ يَحِضْنَ لِمِثْلِ هَذَا، فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَتْهُ.

أَمَّا إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا فِي مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا فِيهَا لَا غَالِبًا وَلَا نَادِرًا فَلَا تُصَدَّقُ، وَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ فِي ذَلِكَ.

ثَانِيًا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّدْرَةِ (بِمَعْنَى الْمَعْدِنِ) مِنْ أَحْكَامٍ:

13- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى وَاجِدِ النَّدْرَةِ الْخُمْسُ كَالرِّكَازِ، سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِدُهَا حُرًّا أَمْ عَبْدًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ صَبِيًّا أَمْ بَالِغًا، وَسَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَمْ لَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ، وَيَكُونُ مَصْرِفُهُ مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَعْتَبِرُهَا مِنَ الرِّكَازِ، لِأَنَّ الرِّكَازَ عِنْدَهُ: مَا وُجِدَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ مُخَلَّصًا، سَوَاءٌ دُفِنَ فِيهَا أَوْ كَانَ خَالِيًا عَنِ الدَّفْنِ.

وَعِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ رُبْعَ الْعُشْرِ لِأَنَّ ابْنَ نَافِعٍ يَعْتَبِرُهَا مِنَ الْمَعْدِنِ، لِأَنَّ الرِّكَازَ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ مُخْتَصٌّ بِمَا دَفَنَهُ آدَمِيٌّ، وَيَكُونُ مَصْرِفُهَا مَصْرِفَ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ.

وَقَالَ ابْنُ سُحْنُونٍ: إِنْ قَلَّتِ النَّدْرَةُ عَنِ النِّصَابِ فَلَا تُخَمَّسُ.

وَالنَّدْرَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ تَدْخُلُ فِي الْمَعْدِنِ أَوِ الرِّكَازِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي مُصْطَلَحَيْ (رِكَازٍ ف 10، مَعْدِنٍ ف 6).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


32-الأضداد لابن الأنباري (القرء)

8 - والقُرْء من الأَضداد. يقال: القُرْءُ للطهر، وهو مذهب أَهل الحجاز، والقُرْءُ للحيض، وهو مذهب أَهل العراق، ويقال في جمعه: أَقراء وقروء.

وقالَ الأَصْمَعِيّ عن أَبي عَمْرو: يقال: قد دفع فلان إِلى فلانة جاريته تُقَرِّئْها. يعني أن تحفي ثم تطهَرْ للاستبراءِ. ويقال: القُرْءُ هو الوقت الَّذي يجوز أَن يكون فيه حَيْض، ويجوز أَن يكون فيه طُهْر، أَنشدنا أَبو العبَّاس:

«قَطَعَتْ عَلَيَّ الدَّهْرَ سَوْفَ وعَلَّهُ *** ولاَنَ وزُرْنَا وانْتَظِرْنا وأَبْشِرِ»

«غَدٌ عِلَّةٌ لليوم واليومُ عِلَّةٌ *** لأَمْسِ فلا يُقْضَى ولَيْسَ بمُنْظَرِ»

«مَوَاعيدُ لا يأْتي لقُرْءِ حَوِيرُها *** تكون هَبَاءً يَوْمَ نَكْباَء صَرْصَرِ»

معناه لا تأْتي لوقت. وقال الآخر:

«وصاحبٍ مُكَاشِحٍ مُباغِضِ له *** قُرُوءٌ كقُرُوءِ الحَائِضِ»

أَي له أَوقات تشتدَّ فيها مُكاشحتُه. ويُقال: أَقْرَأَتِ الرِّيحُ، إِذا هَبَّتْ لوقتها، وقالَ مالك بن خالد الهُذَلِيّ:

«كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ *** إِذا هَبَّتْ لِقَارِئِها الرِّياحُ»

أَي لوقتها، ويروى: لقارِيها بترك الهمز، أَي لأهْلِها وسُكَّانِها. وقالَ أَبو بكر: يُحْكَى هذا عن أَبي عُبيدة، والقارية أهل الدار، وفي العَقْر لغتان، أَهلُ الحجاز يقولون عُقْر الدَّار، بالضَّمِّ، وأَهل نَجْدِ يقولون: عَقْر الدَّار، بالفَتْحِ؛ ومعناه أَصل الدار، ومن ذلك العَقَار أَصل المال، وعُقْر الحوض حيث تقوم الشَّاربة؛ وقالَ الشَّاعر:

«إِذا ما السَّماءُ لم تغِمْ ثم أَخلفت *** قُروءُ الثّرَيَّا أَن يَصُوبَ لَهَا قَطْرُ»

والقِرْأَةُ: وقت المرض. وأَهل الحجاز يقولون: القِرَة؛ يقال: إِذا تحوَّلْتَ من بلدٍ إِلى بلدٍ، فمكثتَ خمسَ عشرةَ لَيْلة، فقد ذهبت عنك قِرْأَةُ البلد، وقِرَة البلد؛ أَي إِنْ مرضت بعد خمس عشرة ليلة، فليس مرضك من وباءِ البلدة التي انتقلت إليها. ويقال: قد أَقْرَأَتِ النُّجوم، إِذا غابت.

قال أَبو بَكْر: وهذا حجَّة لمن قال: الأَقراءُ الأَطهار؛ لأَنَّها خرجت من حال الطُّلوع إِلى حال الغَيْبَة. وقالَ الأَصْمَعِيّ وأَبو عبيدة: يقال: قد أَقْرَأَتِ المرأَةُ إِذا دَنَا حَيْضُها، وأَقْرَأَتْ إِذا دَنَا طُهْرُها.

قال أَبو بَكْر: هذه رواية أَبي عُبيد عنهما. وروى غيره: أَقْرَأَتْ إِذا حاضت، وأَقْرَأَتْ إِذا طَهُرت. وحكَى بعضُهم: قَرَأَتْ، بغير أَلف في المعنيين جميعًا.

والصَّحيح عندي ما رواه أَبو عبيدة.

وقالَ قطرب: يقال قد قرأَت المرأَة، إِذا حملت. وقالَ أَبو عبيدة، يقال: ما قرأَت النَّاقة سَلًا قطّ، أَي لم تَضُمَّ في رحمها وَلَدًا. وأَنشد لعمرو بن كُلْثوم:

«ذِرَاعَي حُرَّةٍ أَدْمَاَء بِكْرٍ *** هِجَانَ اللَّوْنِ لَم تَقْرأَ جَنِينَا»

أَي لم تضمّ في رحمها ولدًا.

وأَخبرنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفرَّاءِ، قال: يقال: أَقْرَأَت المرأَة إِذا حاضت، وقرأَت: حملت. ويقال: قد أَقرأَت الحيَّة إِقراءً، إِذا جمعت السّمَّ شهرًا، فإِذا وَفَى لها شهر مَجَّتْهُ. ويقال: إِنَّها إِذا لَدَغَتْ في إِقرائها ذا روح لم تُطْنِه، أَي لم يَنْجُ منها. وقالَ يَعْقُوبُ ابن السِّكِّيتِ: لم تُطْنِه معناه لم تُشْوِه؛ إِلاَّ أَنَّ تُشْوِه يستعمل في غير الحيَّة، وتُطْنِه لا يستعمل إِلاَّ في الحيَّة. ومعنى تُشْوِه تخطئه، يقال: رَمَى فأَشْوَى، إِذا أَخطأَ. ومن الحجَّة لمن قال: الأَقْراء الأَطهار قولُ الأَعشى:

«وفي كُلِّ عامٍ أَنْتَ جَاشمُ غَزْوَةٍ *** تَشُدُّ لأَقْصاها عَزِيمَ عَزائِكا»

«مورِّثةٍ مالًا وفي الأَصْلِ رِفْعةً *** لما ضاعَ فيها من قُرُوءِ نِسائِكا»

معناه من أَطهار نسائك؛ أَي ضَيَّعتَ أَطْهار النِّساء، فلم تغشهنَّ مؤثرًا للغزو، فأَورثك ذاك المال والرفعة. وشبيه

بهذا البيت قول الآخر:

«أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالكِ بن زُهَيْرٍ *** تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهارِ»

أَي يرجون أَن يُغْشَين في أَطهارهنّ، فيَلدْنَ ما يُسْرَرْنَ به. ومثله أَيْضًا قول الأَخطل:

«قَوْمٌ إِذا حارَبُوا شَدُّوا مآزِرَهُمْ *** دُونَ النِّساءِ ولَوْ بَاتَتْ بأَطْهارِ»

أَي إِذا حاربوا لم يغشو النِّساءَ في أَطهارهنَّ. ويقال: قد أَقْرَأَ سَمُّ الحيَّة، إِذا اجتمع.

قال أَبو بَكْر: ومن الحجَّة لمن قال: القُرْءُ الحيض، الحديث الَّذي يُروَى عن النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَنَّهُ قال للمرأَةِ: دَعِي الصَّلاةَ أَيَّام أَقرائك.

ويقال: قد تحيَّضت المرأة إِذا تركت الصَّلاةَ أَيَّام الحيض، من ذلك الحديث الَّذي يُرْوَى في المستحاضة، أَنَّ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم قال لها: احتسِي كُرْسُفًا قالت: إِنِّي أَثُجُّه ثَجًّا. فقال: اسْتَثْفِرِي وتَحَيَّضِي في عِلْم الله ستًّا أَو سبعًا، ثمَّ اغتسِلي وصلِّي، فتَحَيَّضي، على ما وصفنا، والكُرْسف: القطن، ويقال له: البِرْس والطَّاط. ويروى: فتلجَّمي. ويقال: أَثَجُّه، معناه أُسيّله، من الماء الثَّجَّاج وهو السَّيَّال، وفي الحَدِيث: أَفضلُ الحجّ العَجُّ والثَّجُّ، فالعجُّ التلبية، والثَّجُّ صبُّ الدِّماءِ. واستثفري، له معنيان، يجوز أَن يكون شبَّه اللِّجام للمرأَة بالثَّفَر للدَّابَّة، إذْ كان ثَفَرُ الدَّابَّة يقع تحت الذَّنَبِ. ويجوز أَن يكون استثفري كناية عن الفَرْج، لأنَّ الثَّفَر للسِّباع بمنزلة الحياء للنَّاقة، ثمَّ يستعار من السِّباع، فيجعل للنَّاس وغيرهم؛ قال الأَخطل:

«جَزَى اللهُ فيها الأَعْوَرَيْنِ مَلامَةً *** وفَرْوَةَ ثَفْرَ الثَّوْرَةِ المُتَضَاجِمِ»

فجعل للبقرة ثَفْرًا، على جهة الاستعارة.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


33-الأضداد لابن الأنباري (العقوق)

114 - وقالَ قُطْرب: العَقُوق حرف من الأَضداد. يقال: عَقُوق للحامل وعَقوق للحائل. وقالَ غيره: العَقوق والنَّتُوج: الَّتي يتبيّن حملها ونِتاجها، يقال: قد أَعقَّتِ النّاقة فهي

عَقوق إِذا تبيّن حَمْلُها، وقد أَنتجَت فهي نَتُوج، إِذا تبيّن نِتاجها.

ويقال للسباع: مُلْمِع، ويقال لذوات الحافر: ملمِع أَيْضًا، ونَتوج، وعَقُوق؛ وذلك إِذا أَشرفت ضُروعها، واسودّت حَلَماتها. ويقال لكل مُقْرِب من الحوامل: مُجِحّ.

وقالَ أَبو زيد: الأَصل في الإجحاح للسباع، ثمَّ استعمل للناس؛ كما أَن الحبَل أَصله للناس، ثمَّ استعمل لغير النَّاس. ويقال للحامل من النوق: خَلِفة، ولا يقال لغيرها. ويقال للناقة إِذا أَتى عليها من حملها عشرة أَشهر: عُشَراءُ وقد عَشَّرت. ويقال في جمع العُشراءِ: عِشار وعُشْراوات. ويقال قد نُتِجَت الناقَة، ولا يقال نتَجتِ الناقةُ، قال الكُمَيْتُ:

«وقالَ المذمِّر للناتجين *** مَتَى ذُمِّرَتْ قَبْليَ الأَرْجُلُ»

يعني دواهيَ، ضرب لها اليَتْن مثلًا، واليتْن: الَّذي تَخرج رجلاه قبل يديه، قال عيسى بن عمر: سئل ذو الرُّمَّة عن شيء فقال للسائل: أَتعرف اليتْن؟ قال: نعم، قال: فكلامك هذا يَتْنٌ، أَي مقلوب.

وذكرت أُمّ تأَبط شرًّا ولدها فقالت: والله ما حملتهُ وُضْعًا وَتُضْعًا، ولا أَرضَعته غَيْلًا، ولا ولدته يَتْنًا، ولا أَبَتُّهُ مَئِقًا؛ فالوُضْع والتُّضْع أَن تحمل في آخر طُهرها عند استقبال الحيض، واليتْن هو الَّذي فُسِّر، وفيه ثلاث لغات: اليَتْنُ، والأَتْن. والغَيْل: أَن تؤتَى وهي تُرضعه، أَو ترضعه وهي حامل، قال امرؤ القَيْس:

«فمثلُكِ حُبْلَي قد طرقتُ ومُرضِعٌ *** فأَلهيتها عن ذي تمائمَ مُغْيَلِ»

والمئِق: الَّذي يبكي، والمَأْقة البكاءُ، والمذمّر: الَّذي يُدخِل يده في رحِم النّاقة ليعلَم أَذكرٌ الجنين، أَم أُنثى، وإنما قيل له مُذَمِّر؛ لأَنَّ يده تقع على مذمَّر الجنين، ومذمَّره أَصل قفاه.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


34-الغريبين في القرآن والحديث (ثوب)

(ثوب)

قوله تعالى: {لمثوبة من عند الله خير} المثوبة والثواب: ما جوزيَّ به الإنسان على فعله من خير أو شر. يقال: ثاب يثوب: إذا رجع. فالثواب: هو ما يرجع على المحسن من إحسانه وعلى المسيء من إساءته.

وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} أي معادًا يصدرون عنه ويثوبون إليه: أي يرجعون. والمثابة والمثاب، مثل المقامة والمقام. ويقال: إن فلانًا لمثابة: أي يأتيه الناس للرغبة ويرجعون إليه مرة بعد أخرى.

وسميت الثيب ثيبًا؛ لأنها توطأ وطأ بعد وطء.

وقوله: {هل ثوب الكفار} أي هل جعل لهم ثواب أعمالهم؟

وقوله: {وثيابك فطهر} قال ابن عباس: يعني من الإثم. وهم يقولون: فلان طاهر الثياب: إذا لبسها على اجتناب المحارم والمكاره، فإذا لبسها على فجرة أو غدرة، قالوا: إنه لدنس الثياب.

ويقال: الثياب: القلب. يقول: لا تكن غادرًا فتدنس ثيابك.

ويقال: أراد بقوله: {وثيابك فطهر} قال وعملك فأصلح.

ويقال: {فطهر} أي فقصر؛ فإن تقصيرها طهرها.

وقيل: نفسك، وهم يكنون بالثياب عن النفس.

وروى عن ابن عباس أنه قال: لا تلبس ثيابك على فخرٍ وكبر. واحتج بقول الشاعر:

«إني بحمد الله لا ثوب غادر *** لبست ولا من خزية أتقنع»

ومنه الحديث: (إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها).

وهذا كحديثه الآخر: (يبعث العبد على ما مات عليه).

وليس هذا قول من ذهب به إلى الأكفان بشيء؛ لأن الإنسان إنما يكفن بعد الموت.

وفي حديث أم سلمة: أنها قالت لعائشة حين أرادت الخروج إلى البصرة: (إن عمود الدين لا يثاب بالنساء إن مال) أي لا يعاد إلى استوائه.

والتثويب: الصلاة بعد المكتوبة، وهو العود للصلاة بعد الصلاة، ومنه التثويب في أذان الفجر، وهو أن يقول: الصلاة خير من النوم، مرتين عودا على بدء يجئ في الحديث.

ويجئ في الحديث أيضا بمعنى الإقامة، وكل داع مثوب، وقد ثوب فلان بالصلاة: إذا دعي إليها، والأصل فيه: الرجل يجئ مستصرخا فيلوح بثوبه فسمى الله الدعاء تثويبا لذلك.

ومنه الحديث: (إذا ثوب بالصلاة فأتوها وعليكم السكينة).

وفي الحديث: (إن بلالا قال: أمرني أن لا أثوب في شيء من الصلاة إلا في صلاه الفجر).

إنما سمى تثويبا؛ لأنه رجوع إلى الأمر بالمبادرة بالصلاة، والراجع هو ثائب يقال: ثاب الرجل إلى جسمي. أي رجع. فإذا قال المؤذن. حي على الصلاة قال: هلموا إليها، فإذا قال بعده: الصلاة خير من النوم، فقد رجع إلى كلام يئول إلى معنى المبادرة للصلاة أيضا؛ فلهذا سمى تثويبا.

والتثويب أيضا يكون بمعنى الجزاء، ومنه قوله: (هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) أي: هل جوزوا؟

وفي حديث عمر: (لا أعرفن أحدا انتفض من سبل الناس إلى مثاباتهم).

قال النضر: أي إلى منازلهم، الواحدة: مثابة. قيل لها ذلك؛ لان أهلها يتصرفون في معايشهم ثم يثوبون إليها. أراد: لا أعرفن أحدا اقتطع شيئا من طرق المسلمين وأدخله داره. قال: والمثابة: المرجع. والمثابة: المجتمع.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


35-الغريبين في القرآن والحديث (قدس)

(قدس)

قوله تعالى: {الملك القدوس} يعني الظاهر.

ومنه قوله: {ونقدس لك} أي نقدسك ونطهرك عما لا يليق بك، وقيل: نطهر أنفسنا لك.

{الأرض المقدسة} المطهرة، وهي دمشق وفلسطين.

ومثله قوله: {بالواد المقدس طوي} وبيت المقدس سمي به لأنه المكان الذي يتقدس في من الذنوب أي يتطهر، ومنه قيل: للسطل قدس أي يتوضأ

منه ويتطهر، وجاء في التفسير: (القدوس) المبارك، وقيل: قدوس بفتح القاف.

وفي الحديث: (إن روح القدس نفث في روعي) يعني جبريل عليه السلام.

وقوله تعالى: {وأيدناه بروح القدس} يعني جبريل خلق من طهارة.

وفي الحديث: (لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها) يقول: لا طهرها الله.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


36-المعجم الغني (بَخَّرَ)

بَخَّرَ- [بخر]، (فعل: رباعي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، بَخَّرْتُ، أُبَخِّرُ، بَخِّرْ، المصدر: تَبْخِيرٌ.

1- "بَخَّرَ ما فِي الإِناءِ مِنْ سائِلٍ": أخْرَجَ بُخارَهُ أو حوَّلَهُ إلَى بُخارٍ بوضْعِهِ فوقَ النَّارِ.

2- "بَخَّرَ الثِّيابَ": طَهَّرَها مِنَ الجَراثِيمِ.

3- "بَخَّرَ الْمَكانَ بِبُخُورٍ عاطِرَةٍ": أحْرَقَ فِيهِ البُخورَ، طَيَّبَهُ. "إذا قامَ لَهُمْ إلَاهًا، عَبَدُوهُ وَبَخَّروا لَهُ وَسبَّحوهُ". (ميخائيل نعيمة):

4- " بَخَّرَ لَهُ": طَيَّبَ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


37-معجم الرائد (بَخَّرَ)

بَخَّرَ تَبْخِيرًا:

1- بَخَّرَهُ أو عليه: طيبه بالبخور.

2- بَخَّرَ الشيء: استخرج بخاره.

3- بَخَّرَ السائل: جعله بخارا.

4- بَخَّرَ الثياب أو نحوها: طهرها من الجراثيم.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


38-معجم الرائد (نفض)

نفض ينفض نفضا:

1- نفض الثوب أو غيره: حركه ليزول عنه الغبار أو نحوه.

2- نفض الشجر: حركه ليسقط ما عليه.

3- نفض الورق من الشجر: أسقطه.

4- نفضته الحمى: جعلته يرتعد ويرتجف.

5- نفض الناقة أو البقرة أو نحوهما: بالغ في حلبها فلم يدع في ضرعها شيئا من اللبن.

6- نفض الطريق: طهرها من اللصوص.

7- نفض الطريق: تتبعها.

8- نفض المكان: نظر جميع ما فيه حتى يعرفه.

9- نفض: نظر إلى كل جانب.

10- نفضتِ المرأة: كثر أولادها.

11- نفض «نفض يده من الأمر»: تخلى عنه ورفض تحمل مسؤوليته.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


39-تاج العروس (وضع)

[وضع]: وَضَعَهُ مِنْ يَدِه، يَضَعُه، بفَتْحِ ضادِهِما، وَضْعًا، بالفَتْحِ، ومَوْضِعًا، كمَجْلِسٍ، ويُفْتَحُ ضادُه وهذِه عن الفَرّاءِ، كما في العُبَابِ، والَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الصِّحاحِ: أَنَّ المَوْضَعَ، بالفَتْحِ، لُغَةٌ في المَوْضِعِ بالكَسْرِ، في مَعْنَى اسْمِ المَكَانِ، وقالَ: سَمِعَها الفَرّاءُ، وفي اللِّسَانِ: المَواضِعُ مَعْرُوفَةٌ، واحِدُها مَوْضِعٌ، واسمُ المَكَانِ المَوْضِعُ والمَوْضَعُ بالفَتْحِ، الأَخِير نادِرٌ؛ لأَنَّه لَيْسَ فِي الكَلامِ مَفْعَلٌ ـ مِمّا فاؤُه واوٌ ـ اسْمًا ـ لا مَصْدَرًا ـ إِلّا هذَا، فأَمَّا مَوْهَبٌ، ومَوْرَقٌ فلِلْعَلَمِيَّةِ، وأَمّا: «ادْخُلُوا مَوْحَدَ مَوْحَدَ» ففَتَحُوهُ إِذ كانَ اسْمًا مَوْضُوعًا، لَيْسَ بمَصْدَرٍ ولا مَكَانٍ، وإِنَّمَا هُوَ مَعْدُولٌ عن واحِدٍ، هذَا كُلُّه قَوْلُ سِيبَوَيْهٍ، فتَأَمَّلْ ذلِكَ، ومَوْضُوعًا، وهُوَ مِثْلُ المَعْقُولِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، ولَهُ نَظَائِرُ تَقَدَّمَ بَعْضُها، والمَعْنَى: أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ وحَطَّهُ.

وِوَضَعَ عَنْهُ وَضْعًا: حَطَّ مِنْ قَدْرِه.

وِوَضَعَ عَنْ غَرِيمِهِ وَضْعًا، أَيْ: نَقَصَ مِمّا لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا، ومنْهُ الحَدِيثُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ: أَظَلَّهُ اللهُ تَحْتَ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّه».

وِقالَ أَبُو زَيْدٍ: وَضَعَتِ الإِبِلُ تَضَعُ وَضِيعَةً: رَعَتِ الحَمْضَ حَوْلَ الماءِ ولم تَبْرَحْ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، كأَوْضَعَتْ، وهذِه عَنِ ابْنِ عَبّادٍ، فهِيَ واضِعَةٌ، هُوَ نَصُّ أَبِي زَيْدٍ، وزادَ غَيْرُه: وواضِعٌ، ومُوضِعَةٌ زادَها صاحِبُ المُحِيطِ، قالَ أَبُو زَيْدٍ: وكَذلِكَ وَضَعْتُهَا أَنَا، أَي: أَلْزَمْتُها المَرْعَى، فَهِي مَوْضُوعَةٌ، قالَ الجَوْهَرِيُّ: يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى، وأَغْفَلَهُ المُصَنِّفُ تَقْصِيرًا، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ قَوْلَ الشّاعِرِ:

رَأَى صاحِبِي في العَادِيَاتِ نَجِيبَةً *** وِأَمْثَالَها في الواضِعَاتِ القَوَامِسِ

هُوَ جَمْعُ واضِعَةٍ.

وِمِنَ المَجَازِ: وَضَعَ فُلانٌ نَفْسَهُ وَضْعًا، ووُضُوعًا، بالضَّمِّ، وضَعَةً، بالفَتْحِ، وضِعَةً قَبِيحَةً بالكَسْرِ ـ وهذِه عَنِ اللِّحْيَانِيِّ ـ: أَذَلَّهَا.

وِالضَّعَةُ، بالفَتْح والكَسْرِ: خِلافُ الرِّفْعَةِ في القَدْرِ، والأَصْلُ وِضْعَةٌ، حَذَفُوا مِنْ عِدَةٍ وزِنَةٍ، ثمّ إِنَّهُم عَدَلُوا بِها عَنْ فِعْلَةٍ، فأَقَرُّوا الحَذْفَ عَلَى حالِه، وإِنْ زالَتِ الكَسْرَةُ الَّتِي كانَتْ مُوجِبَةً له، فقالُوا: الضَّعَةُ، فَتَدَرَّجُوا بالضِّعَةِ إِلى الضَّعَةِ، وهِيَ وَضْعَةٌ، كجَفْنَةٍ وقَصْعَةٍ، لأَنَّ الفاءَ فُتِحَتْ لأَجْلِ الحَرْفِ الحَلْقِيِّ، كما ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ.

وِمِنَ المَجَازِ: وَضَعَ عُنُقَه: إِذَا ضَرَبَهَا، كأَنَّهُ وَضَعَ السَّيْفَ بِهَا، ونَصُّ اللِّحْيَانِيِّ فِي النّوادِرِ: وَضَعَ أَكْثَرَه شَعْرًا: ضَرَبَ عُنُقَه.

وِوَضَعَ الجِنَايَةَ عَنْهُ وَضْعًا: أَسْقَطَهَا عَنْهُ، وكَذلِكَ الدَّيْنَ.

وِواضِعٌ: مِخْلافٌ باليَمَنِ.

وِالوَاضِعَةُ: الرَّوْضَةُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو.

وِالواضِعَةُ: الَّتِي تَرْعَى الضَّعَةَ: اسمٌ لِشَجَرٍ مِنَ الحَمْض، هذا إِذا جَعَلْتَ الهاءَ عِوَضًا عَن الوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ أَوَّلِها، فأَمَّا إِنْ كانَتْ مِنْ آخِرِهَا، وهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، فهِيَ مِنْ بابِ المُعْتَلِّ، وسَيُذْكَرُ في مَوْضِعِه إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، قالَ أَعْرَابِيٌّ يَصِفُ رَجُلًا شَهْوَانَ لِلَّحْمِ:

يَتُوقُ باللَّيْلِ لِشَحْمِ القَمَعَهْ *** تَثَاؤُبَ الذِّئْبِ إِلَى جَنْبِ الضَّعَةْ

وقالَ الدِّينَوَرِيُّ: قالَ أَبُو عَمْرٍو: الضَّعَةُ: نَبْتٌ كالثُّمامِ، وهي أَرَقُّ مِنْهُ، قال: وتَقُولُ العَرَبُ: السَّبْطُ: خَبِيصُ الإِبِلِ، والحَلِيُّ مِثْلُه، والضَّعَةُ مِثْلُه، وكَذلِكَ السَّخْبَرُ، وقالَ أَبُو زِيَادٍ: مِنَ الشَّجَرِ: الضَّعَةُ، يَنْبُتُ عَلَى نَبْتِ الثُّمَامِ وطُولهِ وعَرْضِهِ، وإِذا يَبِسَتِ ابْيَضَّتْ، وهِيَ أَرَقُّ عِيدَانًا، وأَعْجَبُ إِلى المالِ مِنَ الثُّمَامِ، ولَهَا ثَمَرَةٌ، حَبٌّ أَسْوَدُ قَلِيلٌ، قالَ: وِالضَّعَةُ يَنْبُتُ فِي السَّهْلِ وفِي الجَبَلِ، وفِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا زِيَادَةٌ «أَي النَّبْت» بعدَ قَوْلِه «الحَمْض» وهي غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا.

وِالوَاضِعَةُ: المَرْأَةُ الفاجِرَةُ عن ابنِ عَبّادٍ.

وِيُقَال ـ في الحَجَرِ أَوِ اللَّبِنِ إِذا بُنِيَ بهِ ـ: ضَعِ اللَّبِنَةَ غَيْرَ هذِه الوَضْعَةِ، بالفَتْحِ ويُكْسَرُ، والضَّعَةِ، بالفَتْحِ، كُلُّه بمَعْنًى، كَما في الصِّحاحِ، قالَ: والهاءُ فِي الضَّعَةِ عِوَضٌ مِنَ الواوِ.

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: وَضَعَ البَعِيرُ حَكَمَتَه وَضْعًا ومَوْضُوعًا: إِذا طاشَ رَأْسُه وأَسْرَعَ، هكَذَا في النُّسَخِ، ومِثْلُه في العُبَابِ، والصَّوابُ: «طامَن رَأْسَهُ وأَسْرَعَ»، كما فِي اللِّسَانِ، وحَكَمَتُه مُحَرَّكَةً: ذَقَنُه ولَحْيُه، قالَ ابنُ مُقْبِلٍ يَصِفُ الإِبِلَ:

وِهُنَّ سِمامٌ واضِعٌ حَكَماتِه *** مُخَوِّيَةٌ أَعْجَازُه وكَراكِرُهْ

وِوَضَعَتِ المَرْأَةُ حَمْلَها وُضْعًا وتُضْعًا، بضَمِّهِمَا، الأَخِيرَةُ عَلَى البَدَلِ، وتُفْتَحُ الأُولَى: وَلَدَتْهُ، وعَلَى الفَتْحِ في مَعْنَى الوِلادَةِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ.

وِيُقَال: وضَعَتْ وُضْعًا وتُضْعًا، بضَمِّهِمَا، وتُضُعًا، بضَمَّتَيْنِ: إِذا حَمَلَتْ في آخِرِ طُهْرِهَا وقِيلَ: حَمَلَتْ عَلَى حَيْضٍ، وقِيلَ: فِي مُقْبَلِ الحَيْضَةِ، كما في الصِّحاحِ: فهِيَ واضِعٌ، عن ابنِ السِّكِّيتِ، وأَنْشَدَ قَوْلَ الرّاجِزِ:

تَقُولُ والجُرْدانُ فِيها مُكْتَنِعْ *** أَمَا تَخافُ حَبَلًا عَلَى تُضُعْ

وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الوُضْعُ: الحَمْلُ قَبْلَ الحَيْضِ، والتُّضْعُ: في آخِرِه، قالتْ أُمُّ تأَبَّطَ شرًّا تَرْثِيه: «واللهِ ما حَمَلْتُه وُضْعًا، ولا وَضعْتُه يَتْنًا، ولا أَرْضَعْتُه غَيْلًا، ولا أَبَتُّه تَئِقًا»، وزادَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: «ولا سَقيْتُه هُدَبِدًا، ولا أَنمْتُه ثَئِدًا، ولا أَطْعَمْتُه قبْلَ رِئةٍ كَبِدًا».

وِمِن المَجَازِ: وضعَت النّاقةُ وَضْعًا ومَوْضُوعًا: أَسْرَعَتْ فِي سَيْرِهَا، والوَضْعُ: أَهْوَنُ سَيْرِ الدَّوَابِّ، وقِيل: هُوَ ضرْبٌ مِنْ سَيْرِ الإِبِلِ، دُون الشَّدِّ، وقِيل: هُوَ فوْقَ الخَبَبِ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: ويُقَالُ: وَضَعَ الرَّجُلُ: إِذا عَدَا، وأَنْشَدَ لِدُرَيْدِ بنِ الصِّمَّة في يَوْم هَوَازِنَ:

يا لَيْتَنِي فِيها جَذَعْ *** أَخُبُّ فِيهَا وأَضَعْ

أَقُودُ وَطْفَاءَ الزَّمَعْ *** كأَنَّهَا شاةٌ صَدَعْ

أَخُبُّ: مِنَ الخَبَبِ، وأَضَعُ: مِنَ الوَضْعِ كأَوْضَعَتْ إِيضاعًا، قال الأَزْهَرِيُّ: والوَضْعُ: نَحْوُ الرَّقْصانِ، وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ ـ عَنْ أَبِي زَيْدٍ ـ: وَضَعَ البَعِيرُ: إِذا عَدَا، وأَوْضَعْتُه أَنَا: إِذا حَمَلْتَهُ عَلَى العَدْوِ، وقالَ اللَّيْثُ: الدّابَّةُ تَضَعُ السَّيْرَ وَضْعًا، وهُوَ سَيْرٌ دُونٌ، ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} وأَنْشَدَ:

بِماذَا تَرَدِّينَ امْرَءًا ـ جاءَ لا يَرَى *** كَوُدِّكِ وُدًّا ـ قَدْ أَكَلَّ وأَوْضَعَا

قالَ الأَزْهَرِيُّ: وقَوْلُ اللَّيْثِ: الوَضْعُ: سَيْرٌ دُونٌ، لَيْسَ بصَحِيحٍ، الوَضْعُ: هُو العَدْوُ، واعْتَبَرَ اللَّيْثُ اللَّفْظَ، ولَمْ يَعْرِفْ كَلامَ العَرَبِ [فيه] وقالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الإِيضاعُ: سَيْرٌ مِثْلُ الخَبَبِ، وقالَ الفَرّاءُ: الإِيضاعُ: السَّيْرُ بينَ القَوْمِ.

وِمِنَ المَجَازِ: وُضِعَ فِي تِجارَتِهِ وَضْعًا، وضَعَةً، بالفَتْحِ، وضِعَةً بالكَسْرِ، ووَضِيعَة، كعُنِيَ: خَسِرَ فِيها، ونَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن اليَزِيدِيِّ.

وِقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: وَضِعَ يَوْضَعُ كوَجِلَ يَوْجَلُ لُغَةٌ فِيها، وصِيغَةُ مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه أَكْثَرُ، وبِهِمَا رُوِي قَوْلُ الشّاعِرِ:

فكانَ ما رَبِحْتُ وَسْطَ الغَيْثَرَةْ *** وِفِي الزِّحامِ أَنْ وُضِعْتُ عَشَرَهْ

وِأُوضِعَ في مَالِهِ وتِجَارَتهِ، بالضمِّ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عَنِ اليَزِيدِيِّ، وكَذلِكَ وُضِعَ: غُبِنَ، وخَسِرَ فِيها، وكَذلِكَ وُكِسَ وأُوكِسَ، وهُوَ مَوْضُوعٌ فِيهَا، نَقَلَه ابنُ دُرَيْدٍ، وفي حَدِيث شُرَيْحٍ: «الوَضِيعَةُ عَلَى المالِ، والرِّبْحُ عَلى ما اصْطَلَحا عَلَيْه» يعني أَنَّ الخَسَارَةَ مِن رَأْسِ المالِ.

وِقالَ الفَرّاءُ: المَوْضُوعَةُ مِنَ الإِبِلِ: الَّتِي تَرَكَهَا رِعَاؤُهَا وانْقَلَبُوا باللَّيْلِ، ثُمَّ أَنْفَشُوها، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.

وِمَوْضُوعٌ: في قَوْلِ حَسّانَ، رَضِيَ اللهُ عنه:

لَقَدْ أَتَى عَنْ بَنِي الجَرْبَاءِ قَوْلُهُمُ *** وِدُونَهُمْ قُفُّ جُمْدانٍ فمَوْضُوعُ

وِدَارَةُ مَوْضُوعٍ: مِن داراتِ العَرَبِ، قالَ الحُصَيْنُ بنُ حُمامٍ المُرِّيُّ:

جَزَى اللهُ أَفْنَاءَ العَشِيرَةِ كُلَّهَا *** بِدَارَةِ مَوْضُوعٍ عُقُوقًا ومَأْثَمَا

وِدارَةُ المَواضِيعِ، بِالمَضْجَعِ، لعَبْدِ اللهِ بنِ كِلابٍ.

وِلِوَى الوَضِيعَةِ: رَمْلَةٌ، قالَ لَبِيدٌ، رَضِيَ اللهُ عنه:

وَلَدَتْ بَنُو حُرْثَانَ فَرْخَ مُحَرِّقٍ *** بِلِوَى الوَضِيعَةِ مُرْخِيَ الأَطْنَابِ

كُلُّ ذلِكَ مَوَاضِعُ مَعْرُوفَةٌ في بِلادِ العَرَبِ.

وِقالَ الفَرَّاءُ: يُقَالُ: لَهُ فِي قَلْبِي مَوْضِعَةٌ، ومَوْقِعَةٌ بالكَسْرِ فِيهِمَا، أَيْ: مَحَبَّةٌ.

ومِنَ المَجَازِ: الأَحَادِيثُ المَوْضُوعَةُ، هي: المُخْتَلَقَةُ الَّتِي وُضِعَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم وافْتُرِيَتْ عَلَيْهِ، وقد وَضَعَ الشَّيْ‌ءَ وَضْعًا: اخْتَلَقَهُ.

وِمِنَ المَجَازِ: فِي حَسَبِه ضَعَةٌ، بالفَتْحِ، ويُكْسَرُ، أَي: انْحِطَاطٌ ولُؤْمٌ وخِسَّةٌ ودَنَاءَةٌ، والهاءُ عِوَضٌ من الواوِ.

وحَكَى ابنُ بَرِّيٍّ عَنْ سِيبَوَيْهٍ: وقالُوا: الضِّعَة، كمَا قالُوا: الرِّفْعَة؛ أَي حَمَلُوهُ على نَقِيضِه، فكَسَرُوا أَوَّلَه، وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: الضَّعَةُ: الذُّلُّ والهَوَانُ والدَّناءَةُ، وفِي اللِّسَانِ: وقَصَرَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ الضِّعَةَ ـ بالكَسْرِ ـ عَلَى الحَسَبِ، وبالفَتْحِ عَلَى الشَّجَرِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُه، وقَدْ وَضُعَ، ككَرُمَ، ضَعَةً، بالفَتْحِ، ويُكْسَرُ، ووَضاعَةً، فهُوَ وَضِيعٌ، واتَّضَعَ، كِلاهُمَا: صارَ وَضِيعًا، أَيْ: دَنِيئًا، ووَضَعَهُ غَيْرُهُ وَضْعًا، وَوَضَّعَه تَوضِيعًا.

وِالضَّعَةُ: شَجَرٌ مِنَ الحَمْضِ، أَو نَبْتٌ كالثُّمامِ، وقد تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ ذلِكَ قَرِيبًا، وذِكْرُه ثانِيًا تَكْرَارٌ.

وِالوَضِيعُ: ضِدُّ الشَّرِيفِ، وهُوَ المَحْطُوطُ القَدْرِ الدَّنِي‌ءُ.

وِالوَضِيعُ: الوَدِيعَةُ يُقَالُ: وَضَعْتُ عِنْدَ فُلانٍ وَضِيعًا، أَي: اسْتَوْدَعْتُه وَدِيعَةً.

وِالوَضِيعُ: أَنْ يُؤْخَذَ التَّمْرُ قَبْلَ أَنْ يَيْبَسَ، فيُوضَعَ فِي الجِرَارِ، أَو فِي الجَرِينِ، ويُقَال: هُوَ البُسْرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ كُلَّه، فيُوضَعَ في الجِرَارِ.

وِالوَضِيعَةُ: الحَمْضُ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، وقالَ ابنُ السِّكِّيتِ: يُقالُ: هم أَصْحَابُ وَضِيعَةٍ، أَي: أَصْحَابُ حُمْضٍ مُقِيمُونَ لا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، ونَقَلَه الجَوْهَرِيُّ أَيْضًا.

وِقالَ أَبُو سَعِيدٍ: الوَضِيعَةُ: الحَطيطةُ.

وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الوَضِيعَةُ: الإِبلُ النّازِعَةُ إِلَى الخُلَّةِ.

وِقالَ غَيْرُه: الوَضِيعَةُ: ما يَأْخُذُه السُّلْطانُ مِن الخَراجِ والعُشُورِ جَمْعُه الوَضائِعُ.

وِقال ابنُ عَبّادٍ: الوَضِيعَةُ: الدَّعِيُّ، وقدْ وَضُعَ، ككُرمَ وَضَاعَةً.

وِالوَضِيعَةُ: كِتَابٌ تُكْتَبُ فِيهِ الحِكْمَةُ، ج: وَضائِعُ وفي الحَدِيثِ: «إِنَّه نَبِيٌّ، وإِنَّ اسْمَهُ وصُورَتَه في الوَضائِعَ» وقالَ الهَرَوِيُّ: ولَمْ أَسْمَعْ لِهاتَيْنِ ـ يَعْنِي هذِه ووَضَائِعَ المِلْكِ الآتِي ذِكْرُها ـ بواحِدٍ، كذا فِي الغَرِيبَيْنِ.

وِالوَضِيعَةُ: حِنْطَةٌ تُدَقُّ، فيُصَبُّ عَلَيْهَا السَّمْنُ، فتُؤْكَلُ.

وِفي اللِّسَانِ والمُحِيطِ: الوَضِيعَةُ: أَسْمَاءُ قَوْمٍ مِنَ الجُنْدِ تُجْعَلُ أَسْمَاؤهُم فِي كُورَةٍ لا يَغْزُونَ مِنْهَا.

وِالوَضِيعَةُ أَيْضًا: واحِدَةُ الوَضائِعِ، لأَثْقَالِ القَوْمِ، يُقَال: أَيْنَ خَلَّفُوا وَضَائِعَهُم.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: وأَما الوَضَائِعُ الَّذِينَ وَضَعَهُم كِسْرَى، فهُمْ شِبْهُ الرَّهَائِنِ، كانَ يَرْتَهِنُهُمْ، ويُنْزِلُهُم بَعْضَ بِلادِه، وقالَ غَيْرُه: الوَضِيعَةُ، والوَضَائِعُ: قَوْمٌ كانَ كِسْرَى يَنْقُلُهُمْ مِن أَرْضِهِمْ، فيُسْكِنُهُم أَرْضًا أُخْرَى، حَتّى يَصِيرُوا بِها وَضِيعَةً أَبَدًا، وهُمُ الشِّحَنُ والمَسَالِحُ.

وِوَضائِعُ المِلْكِ بكسرِ المِيم، جاءَ ذِكْرُه فَيِ الحَدِيثِ وهُوَحَدِيثُ طَهْفَةَ بنِ [أَبي] زُهَيْرٍ النَّهْدِيِّ، رَضِيَ اللهُ عنهُ، ونَصُّه: «لَكُمْ يا بَنِي نَهْدٍ وَدائِعُ الشِّرْكِ، ووَضائِعُ المِلْكِ» أَي: ما وُضِعَ عَلَيْهِمْ فِي مِلْكِهِمْ مِنَ الزَّكَواتِ، أَي: لَكُمْ الوَظَائِفُ الَّتِي نُوَظِّفُهَا عَلَى المُسْلِمِين في المِلْكِ، لا نَزِيدُ عَلَيْكُمْ فِيهَا شَيْئًا، وقِيلَ: مَعْنَاهُ ما كانَ مُلُوكُ الجاهِلِيَّةِ يُوَظِّفُونَ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، ويَسْتَأْثِرُونَ بهِ فِي الحُرُوبِ وغَيْرِهَا مِنَ المَغْنَمِ، أَي: لا نَأْخُذُ مِنْكُم ما كانَ مُلُوكُكُمْ وَظَّفُوهُ عَلَيْكُمْ، بَلْ هُوَ لَكُمْ.

وِمِنَ المَجَازِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أَي: حَمَلُوا رِكَابَهُمْ عَلَى العَدْوِ السَّرِيع قال الصّاغَانِيُّ: ومنه‌الحَدِيثُ: «وأَوْضَعَ في وادِي مُحَسِّر» وفي حَدِيثٍ آخر: «عَلَيْكُم بالسَّكِينَةِ؛ فإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بالإِيضاعِ» وقالَ الأَزْهَرِيُّ ـ نَقْلًا عَنِ الفَرّاءِ ـ في تَفْسِيرِ هذِه الآيَةِ: الإِيضاعُ: السَّيْرُ بينَ القَوْمِ، وقالَ: العَرَبُ تَقُولُ: أَوْضَعَ الرّاكِبُ، ووَضَعَتِ النّاقَةُ، ورُبَّمَا قالُوا للرّاكِبِ: وَضَعَ، وقِيلَ: {لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ}: أَي: أَوْضَعُوا مَراكِبَهُم خِلالَكُم.

وِالتَّوْضِيعُ: خِياطَةُ الجُبَّةِ بَعْدَ وَضْعِ القُطْنِ فِيها نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وقَدْ وَضَّعَ الخائِطُ القُطْنَ عَلَى الثَّوْبِ: نَضَّدَهُ.

وِالتَّوْضِيعُ: رَثْدُ النَّعامِ بَيْضَها، ونَضْدُهَا لَهُ، أَيْ: وَضْعُ بَعْضِهِ فَوْقَ بَعْضٍ، وهُوَ بَيْضٌ مُوَضَّعٌ: مُنَضَّدٌ.

وِالمُوَضَّعُ، كمُعَظَّمٍ: المُكَسَّرُ المُقَطَّعُ، كَمَا في التَّكْمِلَةِ.

وِالمُوَضَّعُ أَيْضًا: هُوَ الرَّجُلُ المُطَرَّحُ غَيْرُ مُسْتَحْكمِ الخَلْقِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، زادَ الصّاغَانِيُّ كالمُخَنَّثِ، ويُقَالُ: فِي فُلانٍ تَوْضِيعٌ، أَي: تَخْنِيثٌ، وقال إِسْمَاعِيلُ بنُ أُمَيَّةَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ خُزاعَةَ يُقَالُ لَهُ: هِيتٌ، كانَ فيهِ تَوْضِيعٌ أَو تَخْنِيثٌ» وهو مُوَضَّعٌ: إِذَا كانَ مُخَنَّثًا، وفِي الأَساسِ: في كَلامِه تَوْضِيعٌ، وهو مَجازٌ، مِنْ وَضَّعَ الشَّجَرَةَ: إِذا هَصَرَهَا. ومِنَ المَجَازِ: تَوَاضَعَ الرَّجُلُ: إِذا تَذَلَّلَ، وقِيلَ: ذَلَّ، وتَخاشَعَ، وهُوَ مُطَاوِعُ وَضَعَه يَضَعُهُ ضَعَةً ووَضِيعَةً.

وِمن المَجَاز: تَوَاضَعَ ما بَيْنَنَا، أَي: بَعُدَ، ويُقَالُ: إِنَّ بَلَدَكُم مُتَواضِعٌ عَنّا، كَما يُقَالُ: مُتَراخٍ، وقالَ الأَصْمَعِيُّ: هو المُتَخاشِعُ مِنْ بُعْدِه، تراهُ مِنْ بَعِيدٍ لاصِقًا بالأَرْضِ، قال ذُو الرُّمَّةِ:

فَدَعْ ذا، ولكِنْ رُبَّ وَجْناءَ عِرْمِسٍ *** دَوَاءٍ لغَوْلِ النّازِحِ المُتَوَاضِعِ

وِالاتِّضاعُ: أَنْ تَخْفِضَ رَأْسَ البَعِيرِ لِتَضَعَ قَدَمَكَ عَلَى عُنُقِه فتَرْكَبَ، كَما في الصِّحاحِ، وهذا إِذا كانَ قائِمًا، وأَنْشَدَ لِلْكُمَيْتِ:

إِذَا ما اتَّضَعْنا كارِهِينَ لِبِيْعَةٍ *** أَناخُوا لأُخْرَى، والأَزِمَّةُ تُجْذَبُ

قلتُ: فجَعَلَ اتَّضَعَ مُتَعَدِّيًا، ومِثْلُه أَيْضًا قولُ رُؤْبَةَ:

أَعانَكَ اللهُ فَخَفَّ أَثْقَلُهْ *** عَلَيْكَ مَأْجُورًا وأَنْتَ جَمَلُهْ

قُمْتَ بهِ لَمْ يَتَّضِعْكَ أَجْلَلُهْ

وقَدْ يَكُونُ لازِمًا، يُقَالُ: وَضَعْتُه فاتَّضَعَ، وقَدْ تَقَدَّمَ.

وِالمُوَاضَعَةُ: المُرَاهَنَةُ وهُوَ مجازٌ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «جِئْتُ لِاؤُاضِعَكَ الرِّهَانَ».

وِالمُوَاضَعَةُ: مُتَارَكَةُ البَيْعِ.

وِالمُوَاضَعَةُ: المُوَافَقَةُ فِي الأَمْرِ عَلَى شَيْ‌ءٍ تُنَاظِرُ فِيهِ.

وِيُقَالُ: هَلُمَّ أُواضِعْكَ الرَّأْيَ، أَي: أُطْلِعْكَ عَلَى رَأْيِي، وتُطْلِعْنِي عَلَى رَأْيِكَ.

وِقالَ أَبُو سَعِيد: اسْتَوْضَعَ مِنْهُ، أَي: اسْتَحَطَّ قالَ جَرِيرَ.

كانُوا كمُشْتَرِكِينَ لَمّا بايَعُوا *** خَسِرُوا، وشَفَّ عَلَيْهِم واسْتُوضِعُوا

* ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عليهِ: المَوْضَعَةُ: لُغَةٌ في المَوْضِعِ، حَكاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ العَرَب، قال: ويُقَالُ: ارْزُنْ فِي مَوْضِعِكَ ومَوْضَعَتِك.

وإِنَّهُ لَحَسَنُ الوِضْعَةِ، أَي: الوَضْعِ.

وِالوَضْعُ أَيْضًا: المَوْضُوعُ، سُمِّيَ بالمَصْدَرِ، والجَمْعُ: أَوْضاعٌ.

ورَفَعَ السِّلاحَ ثُمَّ وَضَعَهُ، أَيْ: ضَرَبَ بهِ، وقَوْلُ سُدَيْفٍ:

فضَعِ السَّيْفَ وارْفَعِ السَّوْطَ حَتَّى *** لا تَرَى فَوْقَ ظَهْرِهَا أُمُوِيَّا

أَي ضَعْه في المَضْروبِ بهِ.

ويُقَال: وَضَعَ يَدَهُ فِي الطَّعَامِ: إِذا أَكَلَه، وهُوَ كِنَايَةٌ، ومِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، «أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ في كُشْيَةِ ضَبٍّ، وقالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، لَمْ يُحَرِّمْه، ولكِنْ قَذَّرَهُ».

ودَيْنٌ وَضِيعٌ: مَوْضُوعٌ، عنْ ابْن الأَعْرَابِيِّ، وأَنْشَدَ لِجَمِيلٍ:

فإِنْ غَلَبَتْكِ النَّفْسُ إِلّا وُرُودَه *** فدَيْنِي إِذَنْ يا بَثْنَ عَنْكِ وَضِيعُ

وِوَضَعَ الجِزْيَةَ: أَسْقَطَها، وكَذَا الحَرْب.

وفي الحَدِيثِ: «وَيَضَعُ العِلْمَ» أَي يَهْدِمُه ويُلْصِقُه بالأَرْضِ.

واسْتَوْضَعَهُ فِي دَيْنِه: اسْتَرْفَقَهُ.

وِوَضَعَ كما تَضَع الشّاةَ: أَرادَ النَّجْوَ.

وإِذَا عاكَمَ الرَّجُلُ صاحِبَهُ الأعْدَالَ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لصاحِبِه: واضِعْ، أَي: أَمِلِ العِدْلَ عَلَى المِرْبَعَةِ الَّتِي يَحْمِلانِ العِدْلَ بِها، فإِذا أَمَرَهُ بالرَّفْع قالَ: رابِعْ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا مِنْ كَلامِ العَرَبِ إِذا اعْتَكَمُوا.

وَرَجُلٌ وَضّاعٌ: كَذّابٌ مُفْتَرٍ.

وِتَوَاضَعَ القَوْمُ عَلَى الشَّيْ‌ءِ: اتَّفَقُوا عَلَيْهِ.

ويُقَال: دَخَلَ فُلانٌ [أَمَرًا] فوَضَعَهُ دُخُولُه فيهِ، فاتَّضَعَ. وتَوَاضَعَتِ الأَرْضُ: انْخَفَضَتْ عَمّا يَلِيهَا، وهو مَجازٌ.

وِوَضَعَ السَّرَابُ عَلَى الآكامِ: لَمَعَ وسارَ، قالَ ابنُ مُقْبِلٍ:

وِهَلْ عَلِمْتِ إِذا لاذَ الظِّبَاءُ وَقَدْ *** ظَلَّ السَّرَابُ عَلَى حِزّانِهِ يَضَعُ

وبَعِيرٌ حَسَنُ المَوْضُوعِ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لطَرَفَةَ:

مَوْضُوعُها زَوْلٌ ومَرْفُوعُها *** كمَرِّ صَوْبٍ لَجِبٍ وَسْطَ رِيحْ

وقد تقدَّم في «ر ف ع» أَنَّ صوَابَ إِنْشَادَهِ:

مَرْفُوعُها زَوْلٌ ومَوْضُوعُهَا

وِأَوْضَعَه إِيضاعًا: حَمَلَه عَلَى السَّيْرِ، رَوَاهُ المُنْذِرِيُّ عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ.

وِالمُوضِعُ: المُسْرِعُ.

وِأَوْضَعَ بالرّاكِبِ: حَمَلَه عَلَى أَنْ يُوضِعَ مَرْكُوبَه.

وإِذا طَرَأَ عَلَيْهِم راكِبٌ قالُوا: مِنْ أَيْنَ أَوْضَعَ؟ وأَنْكَرَه أَبُو الهَيْثَمِ، وقالَ: الكَلَامُ الجَيِّدُ: مِنْ أَيْنَ أَوْضَحَ الرّاكِبُ؟أَي: مِنْ أَيْنَ أَنْشَأَ، ولَيْسَ مِن الإِيضاعِ في شَيْ‌ءٍ، وصَوَّبَ الأَزْهَرِيُّ قَوْلَ أَبِي الهَيْثَم.

وِوَضَعَ الشَّيْ‌ءَ فِي المَكَانِ: أَثْبَتَه فِيهِ.

وِوَضَعَتِ المَرْأَةُ خِمارَها، وهِي واضِعٌ: لا خِمَارَ عَلَيْهَا، وهو مَجازٌ.

وِوَضَعَ يَدَهُ عَنْ فلانٍ: كَفَّ عَنْهُ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «إِنَّ اللهَ وَاضِعٌ يَدَهُ لمُسِي‌ءِ اللَّيْلِ» أَي: لا يُعَاجِلُهُ بالعُقُوبَةِ، والّلامُ بمَعْنَى «عن».

وِوَضَّعَ البانِي الحَجَرَ تَوْضِيعًا: نَضَّدَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.

وقَالَ ابنُ بَرِّيّ: والأَوْضَعُ: مِثْلُ الأَرْسَحِ، والجَمِيعُ: وُضْعٌ، بالضَّمِّ، وأَنْشَدَ:

حَتَّى تَرُوحُوا ساقِطِي المَآزِرِ *** وُضْعَ الفِقاحِ نُشَّزَ الخَوَاصِرِ

وِالوَضِيعَةُ: الوَدِيعَةُ.

وِالمُوَضِّعُ، كمُحَدِّثٍ: الَّذِي تَزِلُّ رِجْلُه، ويُفْرَشُ وَظِيفُه، ثُمَّ يَتْبَعُ ذلِكَ ما فَوْقَه مِنْ خَلْفِه، وخَصَّ أَبُو عُبَيْدٍ بذلِكَ الفَرَسَ، وقَالَ: وهُو عَيْبٌ.

وفُلانٌ لا يَضَعُ العَصَا عَنْ عاتِقِهِ، أَي: ضَرّابٌ للنِّسَاءِ، أَو كَثِيرُ الأَسْفَارِ، وهو مَجَازٌ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: تَقُولُ العَرَبُ: أَوْضِعْ بِنَا وأَمْلِكْ، الإِيضاعُ بالحَمْضِ، والإِمْلاكُ فِي الخلَّةِ.

قال: وَبَيْنَهُمْ وِضَاعٌ أَي: مُرَاهَنَةٌ.

وِوَضَعَ أَكْثَرَهُ شَعَرًا: ضَرَبَ عُنُقَهُ، عن اللِّحْيَانِيِّ.

وتَكَلَّمَ بمَوْضُوعِ الكَلامِ ومَخْفُوضِهِ، أَي: ما أَضْمَرَهُ ولَمْ يَتَكَلَّمْ بهِ.

ويُقَالُ: هُوَ مِنْ وُضّاعِ اللُّغَةِ والصِّنَاعَةِ، وهو مَجَازٌ.

وَوَضَعَ الشَّجَرَةَ: هَصَرَهَا.

وهو كَثِيرُ الوَضَائِعِ، أَي: الخَسَارَاتِ.

وَجَمَلٌ عارِفُ المُوَضَّعِ، أَي: يَعْرِفُ التَّوْضِيعَ؛ لأَنَّه ذَلُولٌ، فيَضَعُ عِنْدَ الرُّكُوبِ رَأْسَه وعُنُقَه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


40-تاج العروس (عرك)

[عرك]: عَرَكَهُ يَعْرُكُهُ عَرْكًا دَلَكَهُ دَلْكًا كالأَديمِ ونحوه، وعَرَكَ بجَنْبِهِ ما كان من صاحِبِه يَعْرُكُهُ عَرْكًا كأَنَّه حَكَّهُ حتى عَفَّاهُ وهو من ذلك؛ وفي الأَخْبارِ أَنَّ ابنَ عَبَّاسٍ قال للحُطَيْئة: هلَّا عَرَكْتَ بجَنْبك ما كان من الزَّبْرِقانِ قالَ:

إذا أَنْتَ لم تَعْرُك بجَنْبك بعضَ ما *** يَرِيبُ من الأَدْنَى رماك الأَباعِدُ

وعَرَكَهُ عَرْكًا حَمَلَ عليه الشَّرُّ والدَّهْرُ وقيل: عَرَكَهُ بِشَرٍّ إذا كَرَّرَه عليه. وقال اللَّحْيَانيُّ: عَرَكَهُ يَعْرُكُهُ عَرْكًا: حَمَلَ الشَّرَّ عليه. وعَرَكَ البَعيرُ عَرْكًا حَزَّ جَنْبَه بمِرْفَقِهِ ودَلَكَهُ فأَثَّر فيه حتى خَلُصَ إلى اللّحْمِ وقَطَعَ الجلْدَ. وقالَ العَدَبَّشُ الكِنَانِيُّ: العَرْكُ والحازُّ، هُمَا واحِدٌ، وهو أَنْ يُحَزَّ المِرْفَقُ في الذِّرَاعِ حتى يَخْلُصَ إِلى اللحمِ ويَقْطَعَ الجلْدَ بحدِّ الكِرْكَرَةِ قالَ:

ليس بذِي عَرْكٍ ولا ذِي ضَبِّ

وقال آخرُ يَصِفُ البَعِيرَ بأَنَّه يائِنُ المِرْفَقِ:

قليلُ العَرْكِ يَهْجُرُ مِرْفَقَاها

وذلك الجَمَلُ عارِكٌ عَركْرَكٌ كسَفَرْجَلٍ. ومن المجازِ: عَرَكَ الدَّهْرُ فلانًا إذا حَنَّكَهُ. وعَرَكَ الإِبِلَ في الحَمْضِ إذا خَلَّاها فيه كي تَنَالَ منه حاجَتَها عن اللَّحْيَانيِّ. والإسْمُ العَرَكُ مُحرَّكةً وعَرَكَتِ الماشِيَةُ النَّباتَ أكَلَتْهُ قالَ:

وما زِلْت مثلَ النَّبْتِ يُعْرَكُ مرَّةً *** فيُعْلَى ويُولَى مرَّةً ويَثُوبُ

يُعْرَكُ يُؤْكَلُ، ويُولَى من الوَلْيِ. وعَرَكَتِ المرأةُ تَعْرُكُ عَرْكًا وعَرَاكًا بفتحِهِما وعُروكًا بالضمِ الأُوْلى عن اللّحْيَانيّ، واقْتَصَر الجَوْهَرِيُّ والصَّاغَانيُّ على الأَخِيرةِ حاضَتْ، وخَصَّ اللَّحْيَانيُّ العَرْك بالجارِيَةِ. وفي حدِيثِ عائِشَةَ: حتَّى إذا كنتُ بسَرِفَ عَرَكْتُ أي حِضْتُ: وفي حدِيثٍ آخَرَ: أنَّ بعضَ أَزْوَاجِه، صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، كانت مُحْرِمَة فَذَكَرَت العِرَاكَ قبل أَنْ تُفِيضَ، كأَعْرَكَتْ فهي عارِكٌ ومُعْرِكٌ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ لحُجْرِ بن جليلة:

فغَرْت لَدى النُّعْمانِ لمَّا رَأَيْته *** كما فَغَرَتْ للحَيْضِ شَمْطاءُ عارِكُ

ونِسَاءٌ عَوارِكُ: حُيَّضٌ قالت الخَنْسَاءُ:

لا نَوْمَ أو تَغْسِلُوا عارًا أَظَلَّكُمُ *** غَسْلَ العوارِكِ حَيْضًا بعد أطْهارِ

وأَنْشَدَ سِيْبَوَيْه في الكتابِ:

أَفي السِّلْمِ أَعْيَارًا جَفاءً وغِلْظَةً *** وفي الحَرْبِ أَشْبَاه النِّساءِ العوارِكِ

والعُراكَةُ كغُرَابةٍ ما حَلَبْتَ قَبْلَ الفِيقَةِ الأُولَى وقبل أَنْ تجْتَمِعَ الفِيقَةُ الثانيةُ وهي العُلالَةُ والدُّلاكَةُ أَيْضًا والمَعْرَكَةُ وتُضَمُّ الرَّاءُ أَيْضًا والمَعْرَكُ بغيرِ هاءٍ والمُعْتَرَكُ مَوْضِعُ العِرَاكِ بالكسرِ والمُعارَكَةِ أي القِتالِ وقد عارَكَهُ مُعارَكَةً وعِراكًا قاتَلهُ والجَمْعُ المَعَارِك. وفي حدِيثِ ذَمِّ السوقِ: «فإنَّها مَعْركةُ الشَّيطان وبها تُنْصَب رَايَتُه؛ قالَ ابنُ الأَثِير: أي مَوْطن الشَّيطان ومَحَلُّه الذي يأْوِي إِليه ويكثر منه لما يجْرِي فيه من الحَرَامِ والكَذِبِ والرِّبا والغَصْب، ولذلك قال وبها تُنْصَب رَايَتُه كنايةً عن قوَّةِ طَمَعهِ في إِغوائِهم لأَنَّ الرَّايات في الحُرُوبِ لا تُنْصَب إلَّا مَعَ قوَّةِ الطَّمَع والغَلَبةِ وإلَّا فهي مع اليَأْسِ تُحَطُّ ولا تُرْفَعُ. وفي حدِيثٍ آخَرَ: «مُعْتَركُ المَنَايَا بَيْن السِّتِين والسَّبْعين». واعْتَرَكُوا في المَعْرَكَةِ والخُصُومَةِ اعْتَلَجُوا وازْدَحَموا، وعَرَكَ بعضُهم بعضًا واعْتَرَكَتِ الإِبِلُ في الوِرْدِ ازْدَحَمَتْ وقال ابنُ عَبَّادٍ: اعْتَرَكَتِ المرأةُ بِمِعْرَكَةٍ كمِكْنَسَةٍ إذا احْتَشَتْ بخِرْقَةٍ وفي الصِّحَاحِ: العَرِك ككَتِفٍ الصَّريعُ كأَمِيرٍ هكذا في نسخِ الصِّحَاحِ وفي بعضِها كسِّكِّيتٍ زَادَ غَيْرُه: الشَّديدُ العِلاجِ والبطشِ في الحَرْبِ والخصُومةِ كالمُعارِكِ وبه سُمِّي الرجُلُ وقد عَرِكَ كفرِحَ عَرَكًا محرَّكةً وهم عَرِكونَ أَشدَّاءَ صرَّاع قال جَرِير:

قد جَرَّبَتْ عَرَكي في كلِّ مُعْتَرَكٍ *** غُلْبُ الْأُسُودِ فما بالُ الضَّغابيسِ

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: رَمْلٌ عَرِكٌ ومُعْرَوْرِكٌ أي مُتَداخِلٌ بَعْضُهُ في بَعْضٍ والعَرَكْرَكُ كسَفَرْجَلٍ الرَّكَبُ الضَّخْمُ زَادَ الأَزْهَرِيُّ من أَرْكابِ النِّساءِ وقالَ: أَصْلُه ثلاثيٌّ ولَفْظُهُ خُمَاسِيُّ. والعَرَكْرَكُ الجَمَلُ القويُّ الغَلِيظُ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للرَّاجزِ.

قُلْتُ: هو حَلْحَلَة بنُ قَيْسِ بنِ أَشْيَمَ وكانَ عَبْدُ الملِكِ أَقْعَدَه ليُقادَ منه، وقال له: صَبْرًا حَلْحَلُ: فقال مُجيبًا:

أَصَبْرُ من ذِي ضاغِطٍ عَرَكْركِ *** أَلْقَى بَوانِي زَوْرِه للمَبْرَكِ

يُقالُ: بَعِيرٌ ضاغِطٌ عَرَكْرَكٌ وأَنْشَدَ الصَّاغَانيُّ لِآخَرُ:

عَرَكْرَكٌ مهجر الضوبان أوَّمه *** روض القذاف ربيعًا أي تأويم

والعَرَكْرَكَةُ: بهاءٍ المرأةُ الرَّسْحاءُ اللَّحيمَةُ الضَّخْمَةُ القَبيحَةُ على التَّشْبيه بالجملِ قال الشاعِرُ:

ولا من هَوايَ ولا شِيْمَتِي *** عَرَكْرَكَةٌ ذاتُ لَحْمٍ زِيَمْ

والعَريكَةُ: كسَفينَةٍ السَّنامُ بظهْرِه إذا عَرَكَه الحِمْلُ. أو عَرِيْكَةُ السَّنَامِ: بَقِيَّتُهُ عن ابن السِّكِّيت والجَمْعُ العَرَائِكُ، قالَ ذو الرِّمَّةِ:

إذا قال حادينا أيا عَجَسَتْ بنا *** خِفافُ الخُطَا مُطْلَنْفِئات العَرَائِكِ

وقيلَ: إنَّما سُمِّي بذلك لأَنَّ المُشْتَرِي يَعْرُكُ ذلك المَوْضعَ ليَعْرِفَ سِمَنَه وقُوَّتَه. ورَجُلٌ مَيْمُون العَرِيْكَةِ والحَرِيْكَةِ والسَّلِيقَةِ والنَّقِيْبَةِ والنَّقِيْمَةِ والنَّخِيْجَةِ والطَّبِيْعَةِ والجَّبِيْلَةِ كلُّ ذلك بمعْنىً واحد وهو النَّفْس ومنه يُقالُ: رجُلٌ لَيِّنُ العَريكَةِ أي سَلِسُ الخُلُقِ مُطَاوعًا مُنْقَادًا مُنْكَسِرُ النَّخْوَةِ قليلُ الخِلافِ والنُّفُورِ، وشَدِيدُ العَرِيْكَةِ إذا كان شَدِيدَ النَّفْسِ أَبِيًّا. وفي صِفَتِه، صلَّى الله تعَالى عليه وسلَّم، «أَصْدَقُ الناسِ لَهْجَةً وأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً». وقَوْل الأَخْطَلِ:

من اللَّواتي إذا لانَتْ عَرِيكَتُها *** كان لها بعدها آلٌ ومَجْهُودُ

قيلَ في تَفْسيره: عَرِيكَتُها: قوَّتُها وشدَّتُها، ويجوزُ أنْ يكونَ ممَّا تقدَّمَ لأَنَّها إذا جَهَدَتْ وأَعْيَتْ لانَتْ عَرِيكَتُها وانْقَادَتْ. وناقَةٌ عَروكٌ مِثْل الشّكُوكِ: لا يُعْرَفُ سِمَنُها إلَّا بِعَركِ سَنامِها. وقَدْ عَرَكَ ظَهْرَها وغَيْرها يَعْرُكُها عَرْكًا أَكْثَرَ جَسَّه لِيَعْرِفَ سِمَنها، أو هي التي يُشَكُّ في سَنامِها أبهِ شَحْمٌ أم لا. وعَرَكَ السَّنامَ لمَسَه يَنْظُرأ بهِ طِرْقٌ أَمْ لا، الجمع: عُرُكٌ ككُتُبٍ. ويُقالُ لَقِيِتُهُ عَرْكَةً أو عَرْكَتَيْنِ أي مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ لا يُسْتَعْمل إلَّا ظرفًا. ولَقِيْتُه عَرَكاتٍ محرَّكةً أي مَرَّاتٍ ويُقالُ: لَقِيْتُه عَرْكَةً بعْدَ عَرْكَةٍ أي مرَّةً بعد مرَّةٍ. وفي الحدِيثِ: «أنَّه عاوَدَه كذا وكذا عَرْكَةً أي مرَّةً. والعَرْكُ بالفتحِ خُرْءُ السِّباعِ وفي العُبَابِ: جعرها. والعَرِكُ: بالتحريكِ وككَتِفٍ الصَّوْتُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. والعَرَكيُّ محرَّكةً صَيَّادُ السَّمَكِ ومنه الحدِيثُ: أنَّ العَرَكِيَّ سَأَلَ النبيَّ، صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، عن الطُّهُورِ بماءِ البَحْرِ الجمع: عَرَكٌ محرَّكةً كعَرَبيٍّ وعَرَبٌ. وفي الحدِيثِ: في كتابهِ إلى قَوْمٍ من اليهودِ: «إنَّ عليكم رُبْعَ ما أَخْرَجَتْ نَخْلُكم ورُبْع ما صادَتْ عُرُوكُكُمْ ورُبْع المِغْزل»؛ قال ابنُ الأَثِيرِ: عُروكٌ جَمْع عَرَك بالتَّحْرِيكِ، وهم الذين يَصِيدُون السَّمك، ولهذا قيلَ للمَلَّاحِينَ عَرَكٌ لأَنَّهم يَصِيدُون السَّمكَ وليْسَ بأنَّ العَرَكَ اسمٌ لهم، وهذا قَوْلُ أَبي عَمْرٍو كما نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وأَنْشَدَ لزُهَيْر:

تُغْشِي الحُداةُ بهم حُرَّ الكَثيبِ كما *** يُغْشِي السفائنَ مَوْجَ اللُّجَّةِ العَرَكُ

ورَوَاه أَبو عُبَيْدَة مَوْجُ بالرَّفعِ، وجَعَل العَرِكَ نعتًا للمَوْجِ يَعْنِي المُتَلاطَمِ كما في الصِّحَاحِ وقالَ أُميَّةُ بن أَبي عائِذٍ الهُذَليّ:

وفي غَمْزَةِ الآل خِلْتُ الصُّوَى *** عُرُوكًا على رائسٍ يَقْسِمُونا

رائِسٌ جبلٌ في البَحْرِ وقيلَ الرَّئِيسُ منهم. ورجُلٌ عَريكٌ ومُعْرَوْرِكٌ مُتَداخِلٌ هذا تَصْحِيْفٌ من قَوْلِهم: رَمْلٌ عَرْكٌ ومعْرَوْرِكٌ: مُتَداخِلٌ كما سَبَقَ عن ابنِ دُرَيْدٍ لأَنَّه لم يَذْكُر أَحَدٌ هذا في وَصْفِ الرَّجلِ. ثم رَأَيْتُ في اللسانِ هذا بعَيْنِه قال: رَمْلٌ عَرِيكٌ ومُعْرَوْرِكٌ: مُتَداخِل فَتَنَّبَّهْ لذلك والعَرَكِيَّةُ محرَّكَةً المرأَةُ الفاجِرَةُ قال ابن مُقْبلٍ يَهْجُو النَّجاشِيِّ:

وجاءَتْ به حَيَّاكَةٌ عَرَكِيَّةٌ *** تَنَازَعَها في طُهْرِها رَجُلانِ

وقيلَ: هي الغَليظَةُ كالعَرَكَانِيَّةِ بالتَّحريكِ أَيْضًا وهذه عن ابنِ عَبَّادٍ. وماءٌ مَعْرُوكٌ مُزْدَحَمٌ عليه كما في الصَّحَاحِ.

وأَرضٌ مَعْروكَةٌ عَرَكَتْها الماشِيَةُ وفي الصَّحَاحِ: السَّائِمةُ حتى أَجْدَبَتْ ويُقالُ: أوْرَدَ إبِلَهُ العِرَاكَ ونَصّ سِيْبَوَيْه في الكِتابِ: وقالُوا: أَرْسَلَها العِرَاكَ أي أوْرَدَها جَميعًا الماءَ نُصِبَ نَصْب المَصَادِرِ، والأَصْلُ عِراكًا أُدْخِلَ عليه ألْ قالَ الجَوْهَرِيُّ: كما قالُوا مَرَرْت بهم الجَمَّاءَ الغَفِيرَ والحمدَ لله فيمَنْ نَصَبَ، ولم تُغَيِّرْ ألِ المَصْدَرَ عن حالِهِ قالَ ابنُ بَرِّيّ: والعِرَاك والجَمَّاء الغَفِير مَنْصوبان على الحالِ، وأَمَّا الحَمْد لله فَعَلى المَصْدرِ لا غَيْر. وقالَ سِيْبَوَيْه: أَدْخَلُوا الأَلفَ واللام على المَصْدر الذي في موضعِ الحالِ كأَنَّه قالَ اعْتِرَاكًا أي مُعْتَرِكَةً، وأَنْشَدَ قَوْلَ لَبِيْد يَصِفُ الحمارَ والأُتنَ:

فأَرْسَلَها العِرَاكَ ولم يَذُدها *** ولم يُشْفِقْ على نَغْصِ الدِّخالِ

وهو عُرَكَةٌ كهُمَزَةٍ يَعْرُكُ الأَذَى بِجَنْبِه أي يَحْتَمِلُهُ ومنه قَوْل عائِشَة تَصِفُ أبَاها رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما: «عُرَكَةٌ للأَذَاةِ بجَنْبِه».

وذُو العَرْكَيْنِ لَقَبُ نُباتَةَ الهِنْدِيِّ من بَنِي شَيْبَانَ وفيه يقُولُ العَوامُ بنُ عَنَمَة الضَّبِّيُّ:

حتى نباتة ذو العركين يشتمني *** وخصية الكلب بين القوم مشتالا

وككِتابٍ عِرَاكُ بنُ مالِكٍ الغفارِيُّ التابِعيُّ الجَليلُ يَرْوِي عن أَبي هُرَيرة رَضِيَ الله تعَالَى عنه، وعنه الزّهْرِيُّ، وابنه خَيْثَم بن عِرَاكٍ عِدَادُه في أَهْلِ المدينةِ مَاتَ في وِلايةِ يَزِيد بن عَبْدِ الملِكِ قالَهُ ابنُ حَبَّان. ومِعْرَكٌ ومِعْرَاكٌ كمِنْبَرٍ ومِحْرَابٍ إسْمان.

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:

عَرَكَتْهم الحربُ عَرْكًا: دَارَتْ عليهم، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والصَّاغَانيُّ وهو مجازٌ قال زُهَيْرُ:

فتَعْرُكُكُمْ عَركَ الرَّحَى بثِفَالِها *** وتَلْقَحْ كِشافًا ثم تَحْمِلْ فتُتْئِمِ

الثِّفالُ: الجلْدَةُ تُجْعَلُ حَوْل الرَّحَى تمسكُ الدَّقِيْق.

والعِرَاكُ: ككِتَابٍ ازْدِحَامُ الإِبِلِ على الماءِ، والعَرَكْرَكَةُ: النَّاقَةُ السَّمِيْنَة والجَمْع عَرَكْرَكَات؛ أَنْشَدَ أَعْرَابيُّ من عُقَيْل:

يا صاحِبَيْ رحْلِي بليلٍ قُوما *** وقَرِّبا عَرَكْرَكاتٍ كُوما

فأَمَّا ما أَنْشَدَه ابنُ الأَعْرَابيِّ لرَجُلٍ من عُكْلٍ يقُولُه للَيْلَى الأَخْيليَّةِ:

حَيَّاكة تَمْشِي بعُلْطَتينِ *** وقارِمٍ أَحْمَر ذي عَرْكَيْنِ

فإِنَّما يَعْنِي حِرَّها واسْتَعَار لها العَرْكَ، وأَصْله في البَعِير.

والعَرْكُ من النَّباتِ ما وُطِئَ وأُكِلَ قالَ رُؤْبَةُ:

وإِنْ رَعاها العَرْكَ أو تَأَنَّقا

ورَجُلٌ مَعْروك: أُلِحَّ عليه في المَسْأَلة، وهو مجازٌ.

والعَركَةُ: بالفتحِ الحربُ مُولَّدَة.

والعَرَكيّ: محرَّكَةً قَرْيةٌ بالصَّعِيد الأَعْلَى على شطِّ النَّيلِ، وقد رَأَيْتُها.

وعراك بن خالد محدِّثٌ عن عُثْمان بن عَطَاء.

وذُو مَعارِك: مَوْضعٌ، قال نَصْرُ: هو بنَجْدٍ من دِيارِ تميمٍ وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيِّ:

تُلِيحُ من جَنْدَلِ ذِي مَعَارِكِ *** إِلاحَةَ الرومِ من النَّيازِكِ

أي تُلِيح من حَجَر هذا المَوضِعِ، ويُرْوَى: من جندلَ ذِي مَعَارِك، جَعَل جنْدلَ اسمًا للبُقْعةِ فلم يَصْرفْه، وذِي مَعارِك بدلٌ منها كأَنَّ الموضِعَ يُسمَّى بجَنْدَلَ وبذِي مَعارِك.

وقيلَ: ذُو مَعارِك نهرٌ لبَنِي أُسَيْدٍ.

وسَمُّوْا مَعْرَكًا كمَقْعَدٍ ومُعَارِكًا كمُقَاتِلٍ، وقال نَصْر: معارك من أَرْضِ الجَزيرةِ قُرْبَ المَوْصلِ. وأُمُّ العريكِ قَرْيَةٌ بمِصْرَ قيلَ منها هاجَرَ أُمُّ إسْماعِيل عليه‌السلام، ويُقالُ: هي أُمُّ العَرَبِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


41-تاج العروس (تري)

[تري]: ي تَرَى يَتْرِي، كرَمَى يَرْمِي: أَهْمَلَهُ الجَوْهرِيُّ.

وقال ابنُ الأَعرابيّ: أَي تَراخَى في العَمَل فعَمِلَ شيئًا بعدَ شي‌ءٍ؛ نَقَلَه الأزْهرِيُّ خاصَّة.

وأَتْرَى: عَمِلَ أَعْمالًا مُتواتِرَةً بين كلِّ عَمَلَيْنِ فَتْرَةٌ؛ كذا في التَكْمِلَةِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

التَّرِيَّةُ، كغَنِيَّةٍ: في بَقِيَّة حيْضِ المرْأَةِ أَقَلَّ من الصُّفْرةِ والُكدْرَةِ، وأَخْفَى، تَراها المرأَةُ عنْدَ طهْرِها فتَعْلم أنَّها قد طهرَتْ من حيْضِها.

قالَ شَمِرٌ: ولا تكونُ التَّرِيَّة إلَّا بعْدَ الاغْتِسالِ، وأَمَّا ما كانَ في أَيامِ الحَيْضِ فليسَ بتَرِيَّةٍ.

وذَكَرَ ابنُ سِيدَه التَّرِيَّة في رأَى، وهو بابُها، لأنَّ التاءَ فيها زائِدَةٌ، وهي مِن الرُّؤْيَةِ وسَيَأْتي.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


42-تاج العروس (رأي)

[رأي]: ي الرُّؤيَةُ، بالضَّمِّ: إدْراكُ المَرْئي، وذلكَ أَضْرُب بحَسَبِ قُوَى النَّفْس: الأوَّل: النَّظَرُ بالعَيْنِ التي هي الحاسَّة وما يَجْرِي مجْراها، ومِن الأخيرِ قوْلُه تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}، فإنَّه ممَّا أُجْرِي مجْرَى الرُّؤْيَة بالحاسَّةِ، فإنَّ الحاسَّةَ لا تَصحُّ على اللهِ تعالى، وعلى ذلكَ قَوْله: {يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}.

والثَّاني: بالوَهْمِ والتَّخَيّل نَحْو: أَرَى أَنَّ زيْدًا مُنْطَلقٌ.

والثَّالث: بالتّفَكّر نحو: {إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ}.

والرَّابع: بالقَلْبِ؛ أَي بالعَقْل، وعلى ذلك قوْلُه تعالى: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}، وعلى ذلكَ قوْلُه: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}.

قالَ الجوهريُّ: الرُّؤيَةُ بالعَيْنِ يتعدَّى إلى مَفْعولٍ واحدٍ، وبمعْنَى العِلْم يتعدَّى إلى مَفْعولَيْن، يقالُ: رأَى زيْدًا عالِمًا.

وقالَ الرَّاغبُ: رأَى إذا عدَّي إلى مَفْعولَيْن اقْتَضَى معْنَى العِلْم، وإذا عدَّي بإلى اقْتَضَى معْنَى النَّظَرِ المُؤدَّي إلى الاعْتِبار.

وقَدْ رأَيْتُه أَراهُ رُؤيَةً، بالضَّمِّ، ورَأْيًا وراءَةً مِثَالُ رَاعَةٍ؛ وعلى هذه الثَّلاثةِ اقْتَصَرَ الجَوهريُّ.

ورَأْيَةً؛ قالَ ابنُ سِيدَه: وليسَتِ الهاءُ فيها للمرَّة الواحِدَةِ إنّما هو مَصْدَرٌ كرُؤيَةٍ إلَّا أَنْ تُريدَ المرَّةَ الواحِدَةَ فيكونُ رأَيْتُه رَأْيةً كضَرَبْتُه ضَرْبةً، وأمَّا إن لم تُرِدْ فرَأْيَة كرُؤية وليسَتِ الهاءُ للواحِدِ.

ورُؤيانًا، بالضَّمِّ، هكذا هو في النسخ.

والذي في المُحْكَم: ورَأَيْتُه رِئْيانًا: كرُؤيَةِ، هذه عن اللحْيانيّ وضَبَطَه بالكسْرةِ فانْظُرْه.

وارْتَأَيْتُه واسْتَرْأَيْتُه: كرَأَيْته أَعْنِي مِن رُؤيَةِ العَيْنِ.

وقالَ الكِسائيُّ: اجْتَمَعَتِ العَرَبُ على هَمْز ما كانَ مِن رَأَيْت واسْتَرْأَيْت وارْتَأَيْت في رُؤْيَةِ العَيْنِ، وبعضُهم يَتْرك الهَمْز وهو قلِيلٌ، والكلَامُ العالي الهَمْزُ، فإذا جئْتَ إلى الأَفْعال المُسْتَقْبَلةِ أَجْمَعَ مَنْ يَهْمُز ومَنْ لا على تَرْك الهَمْز، قالَ: وبه نَزَلَ القُرْآن نحو قَوْلِهِ تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}، {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى}؛ {إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ}؛ {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}؛ إلَّا تَيمَ الرّبابِ فإنَّهم يَهْمزُون مع حُرُوفِ المُضارعَةِ وهو الأصْل.

وحكَى ابنُ الأعرابيِّ: الحمدُ للهِ على رِيَّتكَ، كَنِيَّتِكَ؛ أَي رُؤيَتِكَ. قال ابنُ سِيدَه: وفيه صَنْعَةٌ وحَقِيقَتُها أنَّه أَرادَ رُؤيَتَك فأَبْدَلَ الهَمْزةَ واوًا إبدالًا صَحِيحًا فقالَ: رُوَيتِك، ثم أَدْغَمَ لأنَّ هذه الواوَ قد صارَتْ حرفَ علَّةٍ بما سُلِّط عليها مِن البَدَل فقالَ: رُيَّتِك ثم كَسَرَ الرَّاءَ لمجاوَرَةِ الياءِ فقال رِيَّتكَ.

والرَّآءُ، كشَدَّادٍ: الكثيرُ الرُّؤيَةِ؛ قالَ غَيْلانُ الربَعِيّ:

كأَنَّها وقد رَآها الرَّاءُ

والرُّؤيُّ، كصُلِيِّ، والرُّؤاءُ، بالضَّمِّ، والمَرْآةُ، بالفَتْحِ: المَنْظر.

ووَقَع في المُحْكَم أَوَّل الثَّلاثَة الرَّئيُ بالكَسْر مضبوطًا بخطّ يُوثَقُ به.

وفي الصِّحاحِ: المَرْآةُ على مَفْعَلة بفتْحِ العَيْن: المَنْظرُ الحَسَنُ، يقالُ: امْرآةٌ حَسَنةُ المَرْآةِ والمَرْآى كما تقولُ حَسَنَة المَنْظَرةِ والمَنْظَرِ؛ وفلانٌ حَسنٌ في مَرْآةِ العَيْن أَي في المَنْظرِ.

وفي المَثَلِ: تُخْبِرُ عن مَجْهولةٍ مَرْآتُه؛ أَي ظاهِرُه يدلُّ على باطِنِه. والرُّؤَاءُ، بالضمِّ: حُسْنُ المَنْظرِ؛ ا ه.

وقالَ ابنُ سِيدَه: أَو الأَوَّلانِ: حُسْنُ المَنْظَرِ، والثَّالِثُ مُطْلقًا حَسَنَ المَنْظرِ كانَ أَو قبيحًا.

وفي الصِّحاحِ: وقوْلُه تعالى: {هُمْ أَحْسَنُ أَثاثًا وَرِءْيًا}؛ من هَمَزَه جَعَلَه من المَنْظرِ من رَأَيْت، وهو ما رأَتْهُ العَيْن مِن حالِ حَسَنَةٍ وكُسْوَةٍ ظاهِرَةٍ؛ وأَنْشَدَ أَبو عبيدَةَ لمحمدِ بنِ نُمَيرٍ الثَّقفي:

أَشاقَتْكَ الظَّعائِنُ يومَ بانُوا *** بذي الرأي الجميلِ من الأَثاثِ

ومن لم يَهْمزْه إمَّا أنْ يكونَ على تَخْفيفِ الهَمْز أَو يكونَ مِن رَوِيَتْ أَلْوانهم وجُلُودهم رِيَّا: امْتَلأَتْ وحَسُنَتْ، ا ه.

وما له رُؤَاءٌ ولا شاهِدٌ؛ عن اللحْيانيّ لم يَزِدْ شيئًا.

والتَّرْئِيَةُ: البَهاءُ وحُسْنُ المَنْظرِ، اسمٌ لا مَصْدر؛ قالَ ابنُ مُقْبل:

أَمَّا الرُّؤَاءُ ففِينا حَدُّ تَرْئِيَةٍ *** مِثل الجِبالِ التي بالجِزْع منْ إضَمِ

واسْتَرآهُ: اسْتَدْعَى رُؤْيَتَهُ؛ كذا في المُحْكَم.

وأَرَيْتُه إيَّاهُ إراءَةً وإراءً، المَصْدرَانِ عن سِيْبَوَيْه، قالَ: الهاءُ للتَّعْويض، وتَرْكُها على أَن لا يعوَّض وَهْمٌ ممَّا يُعوِّضُونَ بَعْد الحذْفِ ولا يُعَوِّضون.

وَرَاءَيْتُهُ مُرَاءَةً ورِئَاءً، بالكسْرِ: أَرَيْتُه أَنِّي على خِلافِ ما أَنا عليه.

وفي الصِّحاح: يقالُ: رَاءَى فلانٌ الناسَ يُرائِيهم مُرَاءَاةً، ورَايَاهُم مُراياةً، على القَلْب، بمعْنَى، انتَهَى؛ ومنْه قوْلُه تعالى: {بَطَرًا وَرِئاءَ النّاسِ}؛ وقوْلُه تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ} يَعْني المُنافِقِيَّن إذا صلَّى المُؤمِنون صَلَّوا مَعَهم يرونهم أنَّهم على ما هم عليه.

وفي المِصْباح: الرّياءُ هو إظْهارُ العَمَلِ للناسِ ليَرَوه ويَظنُّوا به خَيْرًا، فالعَمَل لغيرِ اللهِ، نَعُوذُ باللهِ.

وقال الحرالي: الرّياءُ الفِعْلُ المَقْصودُ به رُؤية الخَلْق غَفْلَة عن الخالِقِ وعِمَايَة عنه؛ نَقَلَه المَناوي.

وفي الصِّحاحِ: وفلانٌ مُراءٍ وقوْمٌ مُراؤونَ، والاسمُ الرِّياءُ. يقالُ: فَعَلَ ذاكَ رياءً وسُمْعَةً.

كَرَأَّيْتُه تَرْئِيَةً؛ نَقَلَهُ الفرَّاء عن العَرَبِ، قالَ: وقَرَأ ابنُ عبَّاس: يرأون الناس.

ووَرَاءَيْتُهُ مُرَاءَاةً ورِئاءً؛ قابَلْتُه فَرَأَيْتُه؛ كذا في المُحْكَم.

والمِرْآةُ، كمِسْحاةٍ: ما تَرَاءَيْتَ فِيهِ.

وفي الصِّحاحِ: التي يَنْظُرُ فيها؛ وثلاثُ مراء والكَثيرُ مَرايا. وقالَ الرَّاغبُ: المِرْآةُ ما تَرى فيه صُوَر الأَشياءِ، وهي مِفْعَلة من رأَيْتُ نَحْوِ المِصْحَف من صحفت، وجَمْعُها مراء.

وقالَ الأزْهريُّ: جَمْعُها مَراءٍ، ومن حَوَّلَ الهَمْزةَ قالَ مَرايا.

ورَأَّيْتُه؛ أَي الرَّجُل، تَرْئِيَةً: عَرَضْتُها؛ أَي المِرْآةَ، عليه، أَو حَبَسْتُها له يَنْظُرُ فيها نَفْسَه.

وفي الصِّحاحِ: قالَ أَبو زيْدٍ: رَأَّيْتُ الرَّجُل تَرْئِيَةً إذا أَمْسَكْتَ له المِرْآةَ ليَنْظُر فيها.

وتَراءَيْتُ فيها؛ أَي المِرْآة بالمدِّ، وتَرَّأَيْتُ، بالتَّشْديدِ.

وفي الصِّحاحِ: فلانٌ يَتَرَاءَى أَي يَنْظُرُ إلى وَجْهِه في المِرْآةِ أَو في السَّيْفِ.

والرُّؤيا، بالضمِّ مَهْموزًا، وقد يُخفَّفُ، ما رَأَيْتَه في مَنامِكَ، وفيها لُغاتٌ يأْتي بيانُها في المُسْتدركاتِ.

وقالَ اللَّيْثُ: رأَيْتُ رُؤيا حَسَنةً، ولا تُجْمَع.

وقالَ الجَوهريُّ: رأَى في مَنامِه رُؤيا، على فُعْلى بِلا تَنْوِين، والجمع: رُؤًى بالتَّنْوين، كَهُدًى ورُعًى.

والرَّئِيُّ، كغَنِيِّ ويُكْسَرُ: جنّيُّ يَتَعرَّضُ للرَّجُلِ يُرِيه كهانَةً أَو طِبًّا يقالُ: مع فلانٍ رِئِيٌّ وضبطه بالكسْرِ.

وفي المُحْكَم: هو الجِنُّ يَراهُ الإِنْسانُ.

وقالَ اللحْيانيُّ: له رَئِيُّ؛ أَي جنِّيٌّ يُرَى فَيُحَبُّ ويُؤلَفُ؛ وفي حدِيثٍ: «قالَ لسَوادِ بنِ قارِبٍ أَنتَ الذي أَتاكَ رَئِيُّكَ بظُهورِ رَسُولِ اللهِ؟ قالَ: نعم».

قالَ ابنُ الأثيرِ: يقالُ للتَّابعِ مِن الجنِّ رَئِيٌّ ككَمِيِّ، وهو فَعِيلٌ أَو فَعُولٌ، سُمِّي به لأنّه يَتَراءَى لمتْبوعِه، أَو هو مِن الرَّأْي، مِن قوْلِهم: فلانٌ رَئِيُّ قوْمِهِ إذا كانَ صاحِبَ رأْيِهِم، وقد تُكْسَرُ راؤه لاتِّباعِها ما بَعْدها.

أَو المَكْسُورُ: للمَحْبُوبِ منهم، وبالفتْحِ لغيرِهِ.

والرَّئِيُّ أَيْضًا: الحيَّةُ العَظيمَةُ تَتَراءَى للإِنْسَانِ تَشْبِيهًا بالجِنِّيِّ، ومنه حدِيثُ أبي سعيدٍ الخَدْريّ: «فإذا رَئِيٌّ مثل نِحْيٍ»، يَعْني حَيَّةً عَظِيمةً كالزِّقِّ.

قالَ ابنُ الأثيرِ: سمَّاها بالرَّئِيِّ الجنِّيّ لأنَّهم يَزْعمونَ أنَّ الحيَّاتِ مِن مَسْخ الجِنِّ، ولهذا سَمّوه شَيْطانًا وجانًّا.

والرِّئِيُّ بالوَجْهَيْن: الثَّوْبُ يُنْشَرُ ليُباعَ؛ عن أبي عليِّ.

وتَرَاءَوْا: رَأَى بعضُهم بعضًا، وللاثْنَيْن تَرَاءَيا.

وقالَ الراغبُ في قوْلِه تعالى: {فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ}؛ أَي تَقارَبا وتَقابَلا بحيثُ صارَ كلُّ واحِدٍ بحيثُ يتَمَكَّن بِرُؤْيَةِ الآخِر ويتمَكَّنُ الآخَرُ من رُؤْيَتِه.

وتَراءَى النَّخْلُ: ظَهَرَتْ أَلْوانُ بُسْرِهِ؛ عن أَبي حنيفَةَ؛ وكُلُّه مِن رُؤْيَةِ العَيْن.

وتَراءَى لي وتَرَأَّى، على تَفاعَلَ وتَفَعَّل: تَصَدَّى لأَراهُ.

وفي الحدِيثِ: «لا تَرَاءَى نارُهُما»؛ كذا في النُّسخ ونَصّ الحدِيثِ: نارَاهُما؛ أَي لا يَتَجاوَرُ المُسْلِمُ والمُشْرِكُ بل يَتَباعَدُ عنه مَنْزلَةً بحيثُ لَوْ أَوْقَدَ نارًا ما رَآها.

وفي التَّهذيبِ: أَي لا يحلُّ لمُسْلِمٍ أنْ يَسْكُنَ بِلادَ المُشْرِكين فيكونُ معهم بقَدْرِ ما يَرَى كلٌّ منهما نارَ الآخَرِ؛ قالَهُ أَبو عبيدٍ.

وقالَ أَبو الهَيْثم: أَي لا يَتَّسِمُ المُسْلِم بسِمَةِ المُشْرِك ولا يَتَشَبَّه به في هَدْيه وشَكْلِه، ولا يَتَخَلَّقُ بأَخْلاقِه، من قوْلِك: ما نَارُ بَعِيرِكَ أَي ما سِمَتُه.

وفَسَّرَه ابنُ الأثيرِ بنَحْو ممَّا فَسَّره أَبو عبيدٍ، وزادَ فيه: ولكنَّه يَنْزلُ مع المُسْلمين في دارِهم وإنَّما كَرِه مُجاوَرَة المُشْرِكين لأنَّه لا عَهْدَ لهم ولا أَمانَ.

قالَ: وإسْنادُ التَّرائِي إلى النارَيْن مَجازٌ مِن قَوْلهم دارِي تَنْظُر إلى دارِ فلانٍ؛ أَي تُقابِلُها.

ويقالُ: هو منِّي مَرْأَى ومَسْمَعٌ، بالرَّفْع ويُنْصَبُ، وهو مِن الظُّروفِ المَخْصوصَةِ التي أُجْرِيَت مُجْرَى غَيْر المَخْصوصَة عنْدَ سِيْبَوَيْه، قالَ: هو مثل مَناطَ الثُّرَيَّا ودرج السُّيُول، أي هو منِّي بحيثُ أَراهُ وأَسْمَعُهُ.

وفي الصِّحاحِ: فلانٌ منِّي بمَرْأَى ومَسْمَع؛ أَي حيثُ أَراهُ وأَسْمَعُ قَوْلَه.

وهُم رِئاءُ أَلْفٍ، بالكسْرِ: أَي زهاؤهُ في رَأْي العَيْنِ؛ أَي فيمَا تَرى العَيْن.

ويقالُ: جاءَ حِينَ جَنَّ رُؤيٌ ورُؤيًا، مَضْمُومَتَيْنِ، ورَأْيَ ورَأْيًا، مَفْتُوحَتَيْنِ: أَي حِينَ اخْتَلَطَ الظَّلامُ فَلَمْ يَتَرَاءَوْا؛ كذا في المُحْكَم.

وارْتَأَيْنا في الأمْرِ وتَراءَيْنا هُ: أي: نَظَرْناهُ.

وقال الجوهريُّ: ارْتآهُ ارْتِئاءً، افْتَعَل من الرَّأْيِ والتَّدْبيرِ.

وقالَ ابنُ الأثيرِ: هو افْتَعَل مِن رُؤْيَةِ القَلْبِ أَو مِن الرَّأْيِ، ومَعْنى ارْتَأَى فَكَّرَ وتأَنَّى، ا ه.

وأَنْشَدَ الأزْهريُّ:

أَلا أَيُّها المُرْتَئِي في الأمُورِ *** سيَجْلُو العَمَى عنكَ تِبْيانها

والرَّأْيُ: الاعْتِقادُ، اسمٌ لا مَصْدَرٌ كما في المُحْكَم.

وقالَ الَّراغبُ: هو اعْتِقادُ النَّفْسِ أَحَد النَّقِيضَيْن عن غلبةِ الظنِّ، وعلى هذا قوْلُه عزّ وجلّ: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ}؛ أَي يظنُّونَهم بحَسَبِ مُقْتَضى مشاهَدَةِ العَيْنِ مَثِلَيهم.

الجمع: آراءٌ لم يكَسَّر على غَيْرِ ذلك.

وحكَى الجوهريُّ في جَمْعه: أَرآءٌ مَقْلُوبٌ.

وحكَى اللّحْيانيُّ في جَمْعه: أَرْيٌ كأَرْعٍ، ورُيٌّ بالضَّمِّ ورِيٌّ بالكسْرِ.

والذي في نَصّ المُحْكم عن اللّحْياني رُئي بالضم والكسر وصحيح عليه.

ورَئِيٌّ، كغَنِيِّ، قالَ الجوهريُّ: هو على فَعِيلٍ مثْل ضَأنٍ وضَئِينٍ.

قالَ ابنُ الأثيرِ: وقد تَكرَّر في الحديثِ: أَرَأَيْتَكَ وأَ رَأَيْتَكُما وأَ رَأَيْتَكُم، وهي كلمةٌ تَقُولُها العَرَبُ عنْدَ الاسْتِخْبارِ بمَعْنَى أَخْبِرْني وأَخْبِراني وأَخْبِروني، والتَّاءُ مَفْتُوحَةٌ أَبَداٌ، هذا نَصّ النهايةِ.

وقالَ الرَّاغبُ: يَجْرِي أَرَأَيْتَ بمجْرَى أَخْبِرْني فتَدْخُلُ عليه الكَافُ وتُتْرَكُ التاءُ على حالتِه في التَّثْنِية والجَمْع والتَّأْنِيثِ ويُسَلَّط التَّغْيير على الكافِ دُونَ التاءِ، قالَ تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}؛ {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ}؛ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ}؛ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا}؛ كلُّ ذلكَ فيه مَعْنى التَّنْبيه.

* قُلْتُ: وللفرَّاء والزجَّاج وأبي إسْحق هنا كَلامٌ فيه تَحْقيقٌ انْظُرْه في التَّهْذيبِ تَرَكْتُه لطُولِه.

ثم قالَ ابنُ الأثيرِ: وكَذلِكَ تكرر أَلَمْ تَر إلَى كذا، أَلَمْ تَر إلَى فلانٍ، وهي كَلمةٌ تُقالُ عند التَّعَجُّبِ مِن الشَّي‌ءِ، وعنْدَ تَنْبِيه المُخاطبِ كقوْلِه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ}، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتابِ}؛ أَي أَلَمْ تَعْجَب بفِعْلِهم ولا يَنْتَه شَأْنُهُم إليك.

وقالَ الراغبُ: إذا عُدِّي رَأَيْت بإلى اقْتَضَى مَعْنى النَّظَر المُؤَدِّي للاعْتِبارِ، وقد تقدَّمَ قرِيبًا.

وحكَى اللّحْيانيُّ: هو مَرْآةٌ بكذا وأنْ يَفْعَل كذا كَمسْعاةٍ: أَي مَخْلَقَةٌ، وكذا الاثْنانِ والجَمْع والمُؤَنَّثُ. وأَنا أَرْأَى أَنْ أَفْعَل ذلكَ: أَي أَخْلَقُ وأَجْدَرُ بِه.

والرِّئَةُ، كعِدَةٍ: مَوْضِعُ النَّفَسِ والرِّيحِ من الحَيوانِ.

قالَ اللَّيْثُ: تُهْمَزُ ولا تُهْمَزُ.

وقالَ الرَّاغبُ: هو العُضْو المُنْتَشِر عن القَلْب.

وفي الصِّحاحِ: الرِّئَةُ السَّحْرُ، مَهْموزٌ، والهاءُ عِوَضٌ مِن الياءِ، الجمع: رِئاتٌ وَرِئُونَ، بكَسْرِهما على ما يَطَّرِد في هذا النَّحْو؛ قالَ الشَّاعِرُ:

فغِظْنَاهُمُ حتَّى أَتَى الغَيْظُ مِنْهُم *** قُلوبًا وأَكْبادًا لهُم ورِئِينَا

قالَ ابنُ سِيدَه: وإنَّما جازَ جَمْع هذا ونحْوه بالواوِ والنونِ لأنَّها أَسْماءٌ مَجْهودَةٌ مُنْتَقَصَة ولا يُكَسَّر هذا الضَّرْب في أَوَّلِيّته ولا في حَدِّ النِّسْبة.

ورَآهُ: أَصابَ رِئَتَه؛ نَقَلَهُ الجَوهرِيُّ وابنُ سِيدَه.

وقالَ الرَّاغبُ: ضَرَبَ رِئَتَه.

ورَأَى الرَّايَةَ: رَكَزَها في الأرْضِ؛ كأَرْآها، وهذه عن اللّحْياني، قال ابن سِيدَه: وهمزه عندي على غير قياس، وإنمَّا حكمه أرييتها ورَأَى الزَّنْدَ أَوْقَدُهُ فَرَأَى هو بنفسه أي وقد، وهذا المطاوعُ عن كُراعٍ.

ويقالُ: أَرَى اللهُ بفُلانٍ كذا وكذا: أَي أَرَى النَّاسَ به العَذابَ والهَلاكَ، ولا يقالُ ذلكَ إلَّا في الشَّرِّ؛ قالَهُ شَمِرٌ.

وقالَ الأَصْمعيُّ: يقالُ: رَأْسٌ مُرْأَى، كَمُضْنًى: طَويلُ الخَطْمِ فيه تَصْويبٌ؛ كذا في المُحْكَم وفي التَّهْذِيبِ:

كهَيْئةِ الإِبْرِيقِ وأَنْشَدا لذي الرُّمَّة:

وجَذْب البُرَى أَمْراسَ نَجْرانَ رُكِّبَتْ *** أَوَاخِيُّها بالمُرْأَياتِ الرَّواجِفِ

قال الأزْهريُّ: يَعْني أَوَاخِيَّ الأَمْراسِ، وهذا مَثَل.

وقالَ نَصِيرُ: رؤوس مُرْأَياتٌ كأَنَّها قَوارِيرُ قالَ ابنُ سِيدَه: وهذا لا أَعْرِف له فعْلًا ولا مادَّةً.

وفي التَّهذيبِ: اسْتَرْأَيْتُه في الرَّأْي: أَي اسْتَشَرْتُه؛ ورَاءَيْتُه، على فاعَلْته، وهو يُرائِيهِ؛ أَي شاوَرْتُه؛ قالَ عِمْرانُ ابنُ حطَّان:

فإن نَكُنْ نحن شاوَرْناكَ قُلْتَ لنا *** بالنُّصْحِ مِنْكَ لَنَا فِيمَا نُرائِيك

وأَرْأَى الرَّجُل إِرْآءً: صارَ ذا عقلٍ ورَأْىٍ وتَدْبيرٍ.

وقالَ الأَزْهريُّ: أَرْأَى إرْآءً تَبَيَّنَتْ آرَاؤُه، وهي الحَماقَةُ في وجْهِهِ، وهو ضِدٌّ وفيه نَظَرٌ.

وأَرْأَى نَظَرَ في المِرْآةِ.

وفي التَّهْذيبِ تَراءَى مِن المُرَاءَةِ وهي لُغَةٌ في رَأْرَأ.

قال: وأَرْأَى صارَ له رَئيٌّ مِن الجِنِّ، وهو التَّابعُ.

وأَرْأَى عَمِلَ صالحًا رئاءً وسُمْعَةً.

قالَ: وأَرْأَى: اشْتَكَى رِئَتَهُ.

وأَرْأَى: حَرَّكَ جَفْنَيْهِ، وفي التَّهْذيبِ: بعَيْنَيْه، عند النَّظَرِ تَحْرِيكًا كَثيرًا، وهو يُرْئِي بعَيْنِه، وهي لُغَةٌ في رَأْرأ.

وأَرْأَى تَبِعَ رَأْيَ بعضِ الفُقَهاءِ في الفقْهِ.

وأَرْأَى: كَثُرَتْ رُؤَاهُ زِنَة رُعاهُ، وهي أَحْلَامُه، جمعُ الرُّؤْيا.

وأَرْأَى البَعيرُ: انْتَكَبَ خَطْمُه على حَلْقِه قالَهُ النَّصْرُ، فهو مُرْأَى كمُضْنى، وهنَّ مُرْأَياتٌ، وقد تقدَّمَ شاهِدُه قريبًا.

وأَرْأَتِ الحامِلُ مِن، النَّاقَةِ والشَّاةِ، غَيْرِ الحافِرِ والسَّبُع: رُئيَ في ضَرْعِها الحَمْلُ واسْتُبِينَ؛ وكذا المَرْأَةُ وجَمِيعُ الحَوامِلِ، فهي مُرْءٍ ومُرْئِيَةٌ؛ نقلهُ ابنُ سِيدَه.

وقالَ اللّحيانيُّ: يقالُ إنَّه لخبيثٌ ولا تَرَ ما فلانٌ ولا تَرى ما فلانٌ، رفْعًا وجَزْمًا، وإذا قالوا: إنه لخبيثٌ ولَمْ تَرَ مَا فُلانٌ قالوه بالجَزْم، وفلانٌ كُلّه بالرَّفْع؛ وكذا وأ وَتَرَ ما عن ابن الأعرابيِّ؛ وكذا ولَوْ تَرَ ما ولَوْ تَرَى ما؛ كُلُّ ذلكَ بمعْنَى لا سِيَّما؛ حَكَاه كُلّه عن الكِسائي، كذا في التهْذِيبِ.

وذُو الرَّأْيِ: لَقَبُ العبَّاسِ بنِ عبْدِ المُطَّلبِ الهاشِمِيّ، رضي ‌الله‌ عنه.

وأَيْضًا لَقَبُ الحُبابِ بنِ المُنْذرِ الأنْصارِيّ لُقِّبَ به يَوْم السَّقِيفَة إذ قالَ: أنَا جُذْيلُها المُحكَّك وعُذيقُها المُرَجَّب.

وأَبو عُثْمانَ رَبيعَةُ بنُ أَبي عبْدِ الرحمنِ فروخ التَّيمِيّ مَوْلى آلِ المُنْكَدر صاحِبُ الرَّأْيِ والقائِلُ به، سَمِعَ أَنَسًا والسائِبَ بن يَزِيد، وهو شَيْخُ مالِكٍ والثَّوْرِي وشعْبَةَ، ماتَ سَنَة 136.

وهِلالُ الرَّأْي بنُ يَحْيَى بنِ مُسْلم البَصْريُّ مِن أعْيانِ الحَنَفِيَّة كَثيرُ الخَطَأ لا يُحْتج به.

وسُرَّ مَنْ رَأَى، بالضمِّ، وسَرَّ مَنْ رَأَى، وسَاءَ مَنْ رَأَى، وسَامَرَّا، عن ثَعْلَب وابنِ الأنْبارِي؛ وهي لُغاتٌ في المَدينَةِ التي بَناها المُعْتصمُ العبَّاسي، وقد ذُكِرَتْ في «س ر ر».

وأَصْحابُ الرَّأْي عنْدَ أَهْلِ الحدِيث هُم: أَصْحابُ القِياسِ لأَنَّهُمْ يقولُون برَأْيِهِم فيما لم يَجِدُوا فيه حَديثًا أَو أَثَرًا، أَو فيمَا أَشْكلَ عليهم مِن الحدِيثِ، قالَهُ ابنُ الأثير.

وأَمَّا عنْدَ غيرِهم فإنَّه يقالُ: فلانٌ من أَهْلِ الرَّأْي إذا كانَ يَرَى رَأْىَ الخوارِجِ ويقولُ بمَذْهَبِهم؛ ومنه حدِيثُ الأَزْرَق بنِ قَيْس: «وفِينا رجُلٌ له رَأْيٌ».

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: يقالُ: رَيْتَه على الحَذْفِ، أَنْشَدَ ثَعْلَب:

وَجْناء مُقَوَرَّة الأَقْرابِ يَحْسِبُها *** مَنْ لم يَكُنْ قَبْلُ رَاهَا رَأْيَةً جَمَلا

وأنا أَرَأُهُ والأَصْلُ أَرآهُ، حَذَفُوا الهَمْزةَ وأَلْقَوْا حَرَكَتَها على ما قَبْلَها.

قالَ سِيْبَوَيْه: كلُّ شي‌ءٍ كانت أَوَّلَه زائِدَةٌ سِوَى أَلِف الوَصْل مِن رَأَيْت فقد اجْتَمَعَتِ العَرَبُ على تَخْفيفِ هَمْزه لكَثْرهِ اسْتِعْمالِهم إيَّاه، جَعَلُوا الهَمْزة تُعاقِب.

قالَ: وحَكَى أَبو الخطَّاب قَدْ أَرْآهم، فجِي‌ءَ به على الأصْل قالَ:

أَحِنُّ إذا رَأَيْتُ جِبالَ نَجْدٍ *** ولا أَرْأَى إلى نَجْدٍ سَبِيلا

قالَ بعضُهم: ولا أَرَى على احْتِمالِ الزِّحافِ؛ وقالَ سُراقَةُ البارِقيّ:

أَرَى عَيْنَيَّ ما لم تَرْأَياهُ *** كِلانا عالِمٌ بالتُّرَّهاتِ

ورَواهُ الأَخْفَش: ما لم تَرَياهُ، على التَّخْفيفِ الشائِع عن العَرَب في هذا الحَرْف.

ويقولُ أَهْلُ الحجازِ في الأَمْرِ مِن رَأَى: وَذلك، وللاثْنَيْن: رَيا، وللجَمْع: رَوْا ذلكَ، ولجماعَةِ النِّسْوةِ: رَيْنَ ذا كُنَّ.

وبَنُو تمِيمٍ يَهْمزُونَ في جميعِ ذلكَ على الأصْلِ.

وتَراءَيْنا الهِلالَ: تَكَلَّفْنا النَّظَرَ هل نَراهُ أَمْ لا.

وقيلَ: تَراءَيْنا نَظَرْنا؛ وقالَ أَبو ذُؤَيْب:

أَبَى اللهُ إلَّا أن يُقِيدَكَ بَعْدَما *** تَراءَيْتُموني من قَرِيبٍ ومَوْدِقِ

وفي الحدِيثِ: لا يَتَمَرْأَى أَحَدُكم في الماء؛ أَي لا يَنْظُرُ وَجْهَه فيه، وَزْنُه يَتَمفْعَل، حَكَاه سِيْبَوَيْه. وحَكَى الفارِسيُّ عن أَبي الحَسَن: رُيَّا لُغَةٌ في الرُّؤْيا، قالَ: وهذا على الإدْغام بَعْدَ التَّخْفيفِ البَدَليُّ؛ وحَكَى أَيْضًا رِيَّا أَتْبَع الياءَ الكَسْرَ.

وقالَ الأزْهريُّ: زَعَمَ الكِسائيُّ أنَّه سَمِعَ أَعْرابيًّا يقْرَأُ إنْ كُنْتُم للرُّيَّا تَعْبُرُونَ.

ورَأَيْتُ عَنْك رُؤًى حَسَنَةً: أَي حملتها.

وقالوا: رَأْيَ عَيْني زيدٌ فَعَلَ ذاكَ، وهو مِن نادِرِ المصادِرِ عنْدَ سِيْبَوَيَه، ونَظِيرُهُ سَمْعَ أُذُنِي، ولا نَظِير لهُما في المُتَعَدِّيات.

والتَّرِيَّةُ: الشَّي‌ءُ الخفِيُّ اليَسِيرُ مِن الصُّفْرةِ والكُدْرةِ تَراها المَرْأَةُ بَعْد الاغْتِسالِ من الحيْضِ، فأَما ما كانَ في أَيَّامِ الحيْضِ فهو حَيْضٌ وليسَ بتَرِيَّة؛ ذَكَرَهُ الجوهريُّ.

وزادَ في المُحْكَم فقالَ: والتَّرْئِيَةُ والتريةُ، بالكسْرِ؛ قالَ: والفَتْح مِن التَّرِيَّة نادِرٌ، ثم قالَ: وقيلَ: التَّرِيَّةُ الخِرْقَةُ التي تَعْرِفُ بها حَيْضَتَها مِن طُهْرها، وهو مِن الرُّؤيَةِ.

ومِن المجازِ: رَأَى المَكانُ المَكانَ: إذا قابله حتى كأنَّه يَراهُ؛ قالَ ساعِدَةُ:

لمَّا رَأَى نَعْمانَ حَلَّ بكِرْفِئٍ *** عَكِرٍ كما لَبَجَ النُّزُولَ الأَرْكُبُ

وقرأ أبو عمرو: أَرْنَا مَنَاسِكَنا، وهو نادِرٌ لمَا يَلْحَقُ الفِعْلَ مِنَ الإِجْحافِ.

ودُورُ القَوْمِ مِنّا رِئاءٌ: أَي مُنْتَهَى البَصَرِ حيثُ نَراهُم.

وقوْلُهم: على وَجْهِه رَأْوَةُ الحُمْقِ إذا عَرَفْتَ الحُمْقَ فيه قبل أَنْ تَخْبُرَهُ؛ نقلَهُ الجَوْهريُّ والأزْهرِيُّ.

وإنَّ في وَجْهِه لَرُؤَاوَةً، كثُمامَةٍ: أَي نَظْرَةً ودَمامَةً؛ نقلَهُ الأزْهريُّ.

وأَرْأَتِ الشاةُ: إذا عَظُمَ ضَرْعُها، فهي مُرْءٍ؛ نقلَهُ الجَوهريُّ.

وقوْمٌ رِئاءٌ: يقابِلُ بعضُهم بعضًا.

وأَرَني الشَّي‌ءَ: عاطنِيه.

ورُؤَيَّةُ، كسُمَيَّة مَهْموزة: تَصْغِير رِئَة.

وأَيْضًا: اسمُ أَرْضٍ، ويُرْوَى بَيْت الفَرَزْدق.

هل تَعْلَمون غَدَاةَ يُطْرَدُ سَبْيُكُم *** بالسَّفْحِ بينَ رُؤَيَّةٍ وطِحَالِ؟

ورَأَيْتُه رَأْي العَيْن: أَي حيثُ يَقَعُ عليه البَصَرُ.

والرِّيَّةُ، بالكسْرِ: الرُّؤْيَة؛ أَنْشَدَ أَبو الجرَّاح:

أَحَبُّ إلى قَلْبِي من الدِّيك رُيَّةَ

أَرادَ رُؤْيَةً.

وقالَ ابنُ الأعرابيِّ: أَرَيْتُه الشَّي‌ءَ إِرايَةً.

وقد تقدَّمَ للمُصَنِّفِ أَرَيْتُه إِراءَةً وإراءً، كلاهُما عن سِيْبَوَيْه.

وباتَ يَرآها: يَظنُّ أنَّها كذا، وبه فُسِّر قَوْل الفَرَزْدق.

وتَراءَيْنا: تلاقَيْنا فرَأَيْتُه ورَآني، عن أَبي عبيدٍ.

وهو يَتَراءَى برَأْي فلانٍ: إذا كانَ يَرَى رَأْيَه ويَمِيلُ إليه ويَقْتَدِي به.

وقالَ الأصْمعيُّ: يقالُ لكلِّ ساكِنٍ لا يَتَحَرَّكُ ساجٍ وراهٍ ورَاءٍ. وأَرْأَى الرَّجُلُ: اسْوَدَّ ضَرْعُ شاتِهِ.

وقالَ أَبو زَيْدٍ: بعَيْنٍ ما أَرَيَنَّكَ أَي اعْجَلْ وكُنْ كأنِّي أَنْظُرُ إلَيْكَ، نَقَلَهُ الجوهريُّ.

وتقولُ مِن الرِّئاءِ: يَسْتَرْئي فلانٌ، كما تقولُ يَسْتَحْمِقُ ويَسْتَعْقِلُ، عن أَبي عَمْروٍ.

وتقولُ للمَرْأَةَ: أَنْتِ تَرِينَ، وللجماعَةِ أَنْتُنَّ ترين، وتقولُ: أنت تَرَيْنَنِي وإن شِئْتَ أَدْغَمْت وقُلْتَ تَرَيَنِّي بتَشْديدِ النّون.

ورَاءاهُ مُراءاةً، على فاعَلَهُ أَراهُ أنَّه كذا.

ورَأَى إذا بُني للمَفْعولِ تعدَّى إلى واحِدٍ تقولُ رُئِيَ زيْدٌ عاقلًا؛ أَي ظُنَّ.

ورَئِيُّ القْومِ، كغَنِيِّ: صاحِبُ رَأْيهم الذي يَرْجعُونَ إليه.

وسَودَةُ بنُ الحَكَم وأَبو مطيعٍ الحَكَمُ بنُ عبدِ اللهِ البَلخيُّ الرائيان مُحدِّثانِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


43-لسان العرب (طهر)

طهر: الطُّهْرُ: نَقِيضُ الحَيْض.

والطُّهْر: نَقِيضُ النَّجَاسَةِ، وَالْجَمْعُ أَطْهار.

وَقَدْ طَهَر يَطْهُر وطَهُرَ طُهْرًا وطَهارةً؛ المصدرانِ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: طَهَر وطَهُر، بِالضَّمِّ، طَهارةً فِيهِمَا، وطَهَّرْته أَنا تَطْهِيرًا وتطَهَّرْت بِالْمَاءِ، وَرَجُلٌ طاهِر وطَهِرٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: وأَنشد:

أَضَعْتُ المالَ للأَحْساب، حَتَّى ***خَرجْت مُبَرّأً طَهِر الثِّيَابِ

قَالَ ابْنُ جِنِّي: جَاءَ طاهِرٌ عَلَى طَهُر كَمَا جَاءَ شاعرٌ عَلَى شَعُر، ثُمَّ استغنَوْا بِفَاعِلٍ عَنْ فَعِيل، وَهُوَ فِي أَنفسهم وَعَلَى بَالٍ مَنْ تَصَوَّرَهُمْ، يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ تسكيرُهم شَاعِرًا عَلَى شُعَراء، لَمّا كَانَ فاعلٌ هُنَا وَاقِعًا مَوْقِعَ فَعِيل كُسِّر تكسِيرَه لِيَكُونَ ذَلِكَ أَمارةً وَدَلِيلًا عَلَى إِرادته وأَنه مُغْنٍ عَنْهُ وبَدَلٌ مِنْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ أَبو الْحَسَنِ: لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ لأَن طَهِيرًا قَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ أَبي ذُؤَيْبٍ؛ قَالَ:

فإِن بَنِي، لِحْيان إِمَّا ذَكَرْتُهُمْ، ***نَثاهُمْ، إِذا أَخْنَى اللِّئامُ، طَهِيرُ

قَالَ: كَذَا رَوَاهُ الأَصمعي بَالطَّاءِ وَيُرْوَى ظَهِيرُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وسيُذكر فِي مَوْضِعِهِ، وَجَمْعُ الطاهرِ أَطْهار وطَهَارَى؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، وثيابٌ طَهارَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كأَنهم جَمَعُوا طَهْرانَ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

ثِيابُ بَنِي عَوْفٍ طَهارَى نَقِيَّةٌ، ***وأَوْجهُهم، عِنْدَ المَشَاهِد، غُرّانُ

وَجَمْعُ الطَّهِر طهِرُونَ وَلَا يُكسّر.

والطُّهْر: نَقِيضُ الْحَيْضِ، والمرأَة طاهِرٌ مِنَ الْحَيْضِ وطاهِرةٌ مِنَ النَّجَاسَةِ وَمِنَ العُيوبِ، ورجلٌ طاهِرٌ وَرِجَالٌ طاهِرُون ونساءٌ طاهِراتٌ.

ابْنُ سِيدَهْ: طَهَرت المرأَة وطهُرت وطَهِرت اغْتَسَلَتْ مِنَ الْحَيْضِ وغيرِه، وَالْفَتْحُ أَكثر عِنْدَ ثَعْلَبٍ، واسمُ أَيام طُهْرها. وطَهُرت المرأَة، وَهِيَ طاهرٌ: انْقَطَعَ عَنْهَا الدمُ ورأَت

الطُّهْر، فإِذا اغْتَسَلَتْ قِيلَ: تَطَهَّرَت واطَّهَّرت؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.

وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}؛ وَقُرِئَ: حَتَّى يَطَّهَّرْن؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وَالْقِرَاءَةُ يطَّهَّرن لأَن مَنْ قرأَ يَطْهُرن أَراد انْقِطَاعَ الدَّمِ، فإِذا تَطَهَّرْن اغْتَسَلْنَ"، فصَيَّر مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفًا، وَالْوَجْهُ أَن تَكُونَ الْكَلِمَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُريد بهما جَمِيعًا الْغُسْلَ وَلَا يَحِلُّ المَسِيسُ إِلا بِالِاغْتِسَالِ، ويُصَدِّق ذَلِكَ قراءةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: حَتَّى يَتَطَهَّرْن "؛ وقال ابْنُ الأَعرابي: طَهَرت المرأَةُ، هُوَ الْكَلَامُ، قَالَ: وَيَجُوزُ طَهُرت، فإِذا تَطَهَّرْن اغتسلْنَ، وَقَدْ تَطَهَّرت المرأَةُ وَاطَّهَرَتْ، فإِذا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ قِيلَ: طَهُرت تَطْهُر، فَهِيَ طاهرٌ، بِلَا هَاءٍ، وَذَلِكَ إِذا طَهُرَت مِنَ المَحِيض.

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}؛ فإِن مَعْنَاهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، نَزَلَتْ فِي الأَنصار وَكَانُوا إِذا أَحْدَثوا أَتْبَعُوا الْحِجَارَةَ بِالْمَاءِ فأَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}؛ أَي أَحَلُّ لَكُمْ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ}؛ يَعْنِي مِنَ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ قَالَ أَبو إِسحق: مَعْنَاهُ أَنهنّ لَا يَحْتَجْنَ إِلى مَا يَحْتاجُ إِليه نِساءُ أَهل الدُّنْيَا بَعْدَ الأَكل وَالشُّرْبِ، وَلَا يَحِضْن وَلَا يَحْتَجْنَ إِلى مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وهُنَّ مَعَ ذَلِكَ طاهراتٌ طَهارَةَ الأَخْلاقِ والعِفَّة، فمُطَهَّرة تَجْمع الطهارةَ كُلَّهَا لأَن مُطَهَّرة أَبلغ فِي الْكَلَامِ مِنْ طَاهِرَةٍ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ}؛ قال أَبو إِسحق: مَعْنَاهُ طَهِّراهُ مِنْ تَعْلِيقِ الأَصْنام عَلَيْهِ؛ الأَزهري فِي قَوْلِهِ تعالى: {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ"، يَعْنِي مِنَ الْمَعَاصِي والأَفعال المُحَرَّمة.

وَقَوْلُهُ تعالى: {يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً}؛ مِنَ الأَدْناس وَالْبَاطِلِ.

وَاسْتَعْمَلَ اللِّحْيَانِيُّ الطُّهْرَ فِي الشَّاةِ فَقَالَ: إِن الشَّاةَ تَقْذَى عَشْرًا ثُمَّ تَطْهُر؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا طَريفٌ جِدًّا، لَا أَدْرِي عَنِ الْعَرَبِ حَكَاهُ أَمْ هُوَ أَقْدَمَ عَلَيْهِ.

وتَطَهَّرت المرأَة: اغْتَسَلَتْ.

وطَهَّره بِالْمَاءِ: غَسَلَه، واسمُ الْمَاءِ الطَّهُور.

وكلُّ مَاءٍ نَظِيفٍ: طَهُورٌ، وَمَاءٌ طَهُور أَي يُتَطَهَّرُ بِهِ، وكلُّ طَهورٍ طاهرٌ، وَلَيْسَ كلُّ طاهرٍ طَهورًا.

قَالَ الأَزهري: وَكُلُّ مَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُورًا}؛ فإِن الطَّهُورَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الطاهرُ المُطَهِّرُ، لأَنه لَا يَكُونُ طَهورًا إِلا وَهُوَ يُتَطهّر بِهِ، كالوَضُوء هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوضَّأُ بِهِ، والنَّشُوق مَا يُسْتَنْشق بِهِ، والفَطُور مَا يُفْطَر عَلَيْهِ منْ شَرَابٍ أَو طَعَامٍ.

وسُئِل رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، عن مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُه "؛ أَي المُطَهِّر، أَراد أَنه طَاهِرٌ يُطَهِّر.

وَقَالَ" الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كلُّ مَاءٍ خَلَقَه اللَّهُ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ أَو نَابِعًا مِنْ عَيْنٍ فِي الأَرض أَو بحْرٍ لَا صَنْعة فِيهِ لآدَميٍّ غَيْرَ الاسْتِقاء، وَلَمْ يُغَيِّر لَوْنَه شيءٌ يخالِطُه وَلَمْ يَتَغَيَّرْ طعمُه مِنْهُ، فَهُوَ طَهُور، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ مَاءِ وَرْدٍ أَو وَرَقٍ شجرٍ أَو ماءٍ يَسيل مِنْ كَرْم فإِنه، وإِن كَانَ طَاهِرًا، فَلَيْسَ بطَهُور.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ»، قَالَ ابْنُ الأَثير: الطُّهور، بِالضَّمِّ، التطهُّرُ، وَبِالْفَتْحِ: الماءُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ كالوَضُوء.

والوُضوء والسَّحُور والسُّحُور؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الطَّهور، بِالْفَتْحِ، يَقَعُ عَلَى الْمَاءِ والمَصْدر مَعًا، قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ الْحَدِيثُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا، وَالْمُرَادُ بِهِمَا التَّطَهُّرُ.

وَالْمَاءُ الطَّهُور، بِالْفَتْحِ: هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الحدَث ويُزِيل النجَسَ لأَن فَعُولًامِنْ أَبنية المُبالَغة فكأَنه تَنَاهى فِي الطَّهَارَةِ.

والماءُ الطاهر غير الطَّهُور، وهو الذي لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس كالمُسْتَعْمَل فِي الوُضوء والغُسْل.

والمِطْهَرةُ: الإِناءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ ويُتَطَهَّر بِهِ.

والمِطْهَرةُ: الإِداوةُ، عَلَى التَّشْبِيهِ بِذَلِكَ، وَالْجَمْعُ المَطَاهِرُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ الْقَطَا:

يَحْمِلْنَ قُدَّامَ الجَآجِي ***فِي أَساقٍ كالمَطاهِرْ

وكلُّ إِناء يُتَطَهَّر مِنْهُ مِثْلُ سَطْل أَو رَكْوة، فَهُوَ مِطْهَرةٌ.

الْجَوْهَرِيُّ: والمَطْهَرَةُ والمِطْهَرة الإِداوةُ، وَالْفَتْحُ أَعلى.

والمِطْهَرَةُ: الْبَيْتُ الَّذِي يُتَطَهّر فِيهِ.

والطَّهارةُ، اسمٌ يَقُومُ مَقَامَ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ: الاستنجاءُ والوُضوءُ.

والطُّهارةُ: فَضْلُ مَا تَطَهَّرت بِهِ.

والتَّطَهُّرُ: التنزُّه والكَفُّ عَنِ الإِثم وَمَا لَا يَجْمُل.

وَرَجُلٌ طاهرُ الثِّيَابِ أَي مُنَزَّه؛ وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذِكْرِ قَوْمِ لُوطٍ وقَوْلِهم فِي مُؤمِني قومِ لُوطٍ: {إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ}؛ أَي يتنزَّهُون عَنْ إِتْيان الذُّكُورِ، وَقِيلَ: يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَدْبار الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ قالهُ قَوْمُ لُوطٍ تهكُّمًا.

والتطَهُّر: التنزُّه عَمَّا لَا يَحِلُّ؛ وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرون أَي يتنزَّهُون مِنَ الأَدناسِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «السِّواكُ مَطْهرةٌ لِلْفَمِ».

وَرَجُلٌ طَهِرُ الخُلُقِ وطاهرُه، والأُنثى طَاهِرَةٌ، وإِنه لَطاهرُ الثيابِ أَي لَيْسَ بِذِي دَنَسٍ فِي الأَخْلاق.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ طَاهِرُ الثِّياب إِذا لَمْ يَكُنْ دَنِسَ الأَخْلاق؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: " ثِيابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيّةٌ وَقَوْلُهُ تعالى: {وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ}؛ مَعْنَاهُ وقَلْبَك فَطهِّر؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:

فَشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابَه، ***لَيْسَ الكَريمُ عَلَى القَنا بِمُحَرَّمِ

أَي قَلْبَه، وَقِيلَ: مَعْنَى وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، أَي نَفْسَك؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَكُنْ غادِرًا فتُدَنِّسَ ثيابَك فإِن الْغَادِرَ دَنِسُ الثِّياب.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَيُقَالُ لِلْغَادِرِ دَنِسُ الثِّيَابِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَثِيَابُكَ فقَصِّر فإِن تَقْصِيرَ الثِّيَابِ طُهْرٌ لأَن الثَّوْبَ إِذا انْجرَّ عَلَى الأَرض لَمْ يُؤْمَنْ أَن تصيبَه نجاسةٌ، وقِصَرُه يُبْعِدُه مِنَ النَّجَاسَةِ؛ والتَّوْبةُ الَّتِي تَكُونُ بإِقامة الْحَدِّ كالرَّجْمِ وَغَيْرِهِ: طَهُورٌ للمُذْنِب؛ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، يَقُولُ: عَملَك فأَصْلِح؛ " وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، يَقُولُ: لَا تَلْبَسْ ثِيابَك عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَا عَلَى فجُورٍ وكُفْرٍ "؛ وأَنشد قَوْلَ غَيْلَانَ:

إِني بِحَمْد اللَّهِ، لَا ثوبَ غادِرٍ ***لَبِستُ، وَلَا مِنْ خِزْيةٍ أَتَقَنَّع

اللَّيْثُ: والتوبةُ الَّتِي تَكُونُ بإِقامة الحُدُود نَحْوِ الرَّجْم وَغَيْرِهِ طَهُورٌ للمُذنب تُطَهِّرُه تَطْهيرًا، وَقَدْ طَهّرَه الحدُّ وَقَوْلُهُ تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}؛ يَعْنِي بِهِ الكِتَابَ لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ عَنَى بِهِ الْمَلَائِكَةَ، وكلُّه عَلَى المَثَل، وَقِيلَ: لَا يمسُّه فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلا الْمَلَائِكَةُ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}؛ أَي أَن يَهدِيَهم.

وأَما قَوْلُهُ: طَهَرَه إِذا أَبْعَدَه، فَالْهَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الْحَاءِ فِي طَحَره؛ كَمَا قَالُوا مدَهَه فِي مَعْنَى مَدَحَه.

وطهَّر فلانٌ ولَدَه إِذا أَقام سُنَّةَ خِتانه، وإِنما سَمَّاهُ الْمُسْلِمُونَ تَطْهِيرًا لأَن النَّصَارَى لَمَّا تَرَكُوا سُنَّةَ الخِتانِغَمَسُوا أَوْلادَهم فِي مَاءٍ صُبِغَ بِصُفْرةٍ يُصَفّرُ لونَ الْمَوْلُودِ وَقَالُوا: هَذِهِ طُهْرَةُ أَوْلادِنا الَّتِي أُمِرْنا بِهَا، فأَنْزل اللَّهُ تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}؛ أَي اتَّبِعُوا دِينَ اللهِ وفِطْرَتَه وأَمْرَه لَا صِبْغَةَ النَّصَارَى، فالخِتانُ هُوَ التطهِيرُ لَا مَا أَحْدَثَه النَّصَارَى مِنْ صِبْغَةِ الأَوْلادِ.

وَفِي حَدِيثِ أُم سَلَمَةَ: «إِني أُطِيلُ ذَيْلي وأَمْشِي فِي الْمَكَانِ القَذِر، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُطَهِّرُه مَا بَعْدَهُ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ خَاصٌّ فِيمَا كَانَ يَابِسًا لَا يَعْلَقُ بِالثَّوْبِ مِنْهُ شَيْءٌ، فأَما إِذا كَانَ رَطْبًا فَلَا يَطْهُر إِلا بالغَسْل؛ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ أَن يَطَأَ الأَرضَ القَذِرَة ثُمَّ يَطأَ الأَرضَ اليابسةَ النَّظِيفةَ فإِنَّ بَعْضَهَا يُطَهِّرُ بَعْضًا، فأَما النجاسةُ مِثْلُ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ تُصِيب الثَّوْبَ أَو بعضَ الْجَسَدِ، فإِن ذَلِكَ لَا يُطَهَّرُه إِلا الماءُ إِجماعًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي إِسناد هَذَا الْحَدِيثِ مَقالٌ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


44-لسان العرب (وضع)

وضع: الوَضْعُ: ضِدُّ الرَّفْعِ، وضَعَه يَضَعُه وَضْعًا ومَوْضُوعًا، وأَنشد ثَعْلَبٌ بَيْتَيْنِ فِيهِمَا: مَوْضُوعُ جُودِكَ ومَرْفوعُه، عَنَى بِالْمَوْضُوعِ مَا أَضمره وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، وَالْمَرْفُوعُ مَا أَظهره وَتَكَلَّمَ بِهِ.

والمواضِعُ: مَعْرُوفَةٌ، وَاحِدُهَا مَوْضِعٌ، وَاسْمُ الْمَكَانِ المَوْضِعُ والموضَعُ، بِالْفَتْحِ؛ الأَخير نَادِرٌ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَفْعَلٌ مِمَّا فَاؤُهُ واوٌ اسْمًا لَا مَصْدرًا إِلا هَذَا، فأَما مَوْهَبٌ ومَوْرَقٌ فَلِلْعِلْمِيَّةِ، وأَما ادْخُلُوا مَوْحَدَ مَوْحدَ فَفَتَحُوهُ إِذ كَانَ اسْمًا مَوْضُوعًا لَيْسَ بِمَصْدَرٍ وَلَا مَكَانٍ، وإِنما هُوَ مَعْدُولٌ عَنْ وَاحِدٍ كَمَا أَن عُمر مَعْدُولٌ عَنْ عَامِرٍ، هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ.

والموضَعةُ: لُغَةٌ فِي الموْضِعِ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْعَرَبِ، قَالَ: يُقَالُ ارْزُنْ فِي مَوضِعِكَ ومَوْضَعَتِكَ.

والموضِعُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ وَضَعْتُ الشَّيْءَ مِنْ يَدِي وَضْعًا وَمَوْضُوعًا، وَهُوَ مِثْلُ المَعْقُولِ، ومَوْضَعًا.

وإِنه لحَسَنُ الوِضْعةِ أَي الوَضْعِ.

والوَضْعُ أَيضًا: الموضوعُ، سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ وَلَهُ نَظائِرُ، مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مَا سيأْتي إِن شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، والجمعُ أَوضاعٌ.

والوَضِيعُ: البُسْرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ كلُّه فَهُوَ فِي جُؤَنٍ أَو جِرارٍ.

والوَضِيعُ: أَن يُوضَعَ التمرُ قَبْلَ أَن يَجِفَّ فيُوضَعَ فِي الجَرِينِ أَو فِي الجِرارِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ رَفَعَ السِّلاحَ ثُمَّ وَضَعَه فدَمُه هَدَرٌ، يَعْنِي فِي الفِتْنةِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ليسَ فِي الهَيْشاتِ قَوَدٌ، أَراد الفِتْنةَ».

وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ وضَعَه أَي ضرَبَ بِهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه وضعَه مِنْ يَدِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ شَهَرَ سيفَه ثُمَّ وضَعَه "أَي قاتَلَ بِهِ يَعْنِي فِي الفِتْنةِ.

يُقَالُ: وضَعَ الشيءَ مِنْ يَدِهِ يَضَعُه وَضْعًا إِذا أَلقاه فكأَنه أَلقاه فِي الضَّرِيبةِ؛ قَالَ سُدَيْفٌ:

فَضَعِ السَّيْفَ، وارْفَعِ السَّوْطَ حَتَّى ***لَا تَرى فوْقَ ظَهْرِها أُمَوِيّا

مَعْنَاهُ ضَعِ السيفَ فِي المَضْرُوبِ بِهِ وَارْفَعِ السوْطَ لتَضْرِب بِهِ.

وَيُقَالُ: وضَعَ يدَه فِي الطَّعَامِ إِذا أَكله.

وَقَوْلُهُ تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَعْنَاهُ أَن يَضَعْنَ المِلْحَفةَ والرِّداءَ.

والوَضِيعةُ: الحَطِيطةُ.

وَقَدِ اسْتَوْضَعَ مِنْهُ إِذا اسْتَحَطَّ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

كَانُوا كَمُشْتَرِكِينَ لَمّا بايَعُوا ***خَسِرُوا، وشَفَّ عليهِمُ واستَوْضَعُوا

ووَضعَ عَنْهُ الدَّيْنَ والدمَ وَجَمِيعَ أَنواعِ الجِنايةِ يَضَعُه وَضْعًا: أَسْقَطَه عَنْهُ.

ودَيْنٌ وضِيعٌ: مَوْضُوعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لِجَمِيلٍ:

فإِنْ غَلَبَتْكِ النَّفْسُ إِلَّا وُرُودَه، ***فَدَيْني إِذًا يَا بُثْنُ عَنْكِ وضِيعُ

وَفِي الْحَدِيثِ: «يَنْزِل عِيسَى بنُ مريمَ فيَضَعُ الجِزْيةَ» أَي يَحْمِل الناسَ عَلَى دينِ الإِسلامِ فَلَا يَبْقَى ذِمِّيٌّ تَجْري عَلَيْهِ الجِزيةُ، وَقِيلَ: أَراد أَنه لَا يَبْقَى فَقِيرٌ مُحْتاجٌ لاسْتِغْناءِ الناسِ بِكَثْرَةِ الأَمْوالِ فتُوضَعُ الجِزيةُ وَتُسْقَطُ لأَنها إِنما شُرِعَت لِتَزِيدَ فِي مَصالِحِ الْمُسْلِمِينَ وتَقْوِيةً لَهُمْ، فإِذا لَمْ يَبْقَ محتاجٌ لَمْ تُؤْخَذْ، قُلْتُ: هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فإِن الفرائِضَ لَا تُعَلَّلُ، وَيَطَّرِدُ عَلَى مَا قَالَهُ الزكاةُ أَيضًا، وَفِي هَذَا جُرْأَةٌ عَلَى وَضْعِ الفَرائِضِ والتَّعَبُّداتِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «ويَضَعُ العِلْمَ» أَي يَهْدِمُه ويُلْصِقُه بالأَرض، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: إِن كنتَ وضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَي أَسْقَطْتَها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَنْظرَ مُعْسِرًا أَو وَضَعَ لَهُ» أَي حَطَّ عَنْهُ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ شَيْئًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «وإِذا أَحدهما يَسْتَوْضِعُ الآخرَ ويَسْتَرْفِقُه» أَي يَسْتَحِطُّه مِنْ دَيْنِه.

وأَما الَّذِي فِي حَدِيثِ سَعْدٍ: «إِنْ كَانَ أَحدُنا ليَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشاةُ»، أَراد أَنَّ نَجْوَهُم كَانَ يَخْرُجُ بَعَرًا ليُبْسِه مِنْ أَكْلِهِم ورَقَ السَّمُرِ وعدمِ الغِذاء المَأْلُوفِ، وإِذا عاكَمَ الرجلُ صاحِبَه الأَعْدالَ يَقُولُ أَحدهما لصاحِبه: واضِعْ أَيْ أَمِلِ العِدْلَ عَلَى المِرْبَعةِ الَّتِي يَحْمِلَانِ العِدْلَ بِهَا، فإِذا أَمره بِالرَّفْعِ قَالَ: رابِعْ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذا اعْتَكَمُوا.

ووضَعَ الشيءَ وَضْعًا: اخْتَلَقَه.

وتَواضَعَ القومُ عَلَى الشَّيْءِ: اتَّفَقُوا عَلَيْهِ.

وأَوْضَعْتُه فِي الأَمر إِذا وافَقْتَه فِيهِ عَلَى شَيْءٍ.

والضَّعةُ والضِّعةُ: خِلاف الرِّفْعةِ فِي القَدْرِ، والأَصل وِضْعةٌ، حَذَفُوا الْفَاءَ عَلَى الْقِيَاسِ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ عِدة وزنِة، ثم إِنهم عَدَلُوا بِهَا عَنْ فِعلة فأَقروا الْحَذْفَ عَلَى حَالِهِ وإِن زَالَتِ الْكَسْرَةُ الَّتِي كَانَتْ مُوجِبَةً لَهُ، فَقَالُوا: الضَّعة فتدرَّجوا بالضِّعةِ إِلى الضَّعةِ، وَهِيَ وَضْعةٌ كجَفْنةٍ وقَصْعةٍ لَا لأَن الْفَاءَ فُتِحْتَ لأَجل الْحَرْفِ الْحَلْقِيِّ كَمَا ذَهَبَ إِليه مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ؛ وَرَجُلٌ وَضِيعٌ، وَضُعَ يَوْضُعُ وَضَاعَةً وضَعةً وضِعةً: صَارَ وَضِيعًا، فَهُوَ وَضِيعٌ، وَهُوَ ضِدُّ الشَّرِيفِ، واتَّضَعَ، ووَضَعَه ووَضَّعَه، وَقَصَرَ ابْنِ الأَعرابي الضِّعةَ، بِالْكَسْرِ، عَلَى الحسَب، والضَّعةَ، بِالْفَتْحِ، عَلَى الشجرِ والنباتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي مَكَانِهِ.

ووَضَعَ الرجلُ نفسَه يَضَعُها وَضْعًا ووُضوعًا وضَعةً وضِعةً قَبِيحَةً؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، ووَضَعَ مِنْهُ فُلَانٌ أَي حَطَّ مِنْ درَجته.

والوَضِيعُ: الدَّنِيءُ مِنَ النَّاسِ، يُقَالُ: فِي حسبَه ضَعةٌ وضِعةٌ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، حَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا الضِّعةَ كَمَا قَالُوا الرِّفْعةَ أَي حَمَلُوهُ عَلَى نَقِيضِهِ، فَكَسَرُوا أَوَّله وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي تَرْجَمَةِ ضَعَهَ قَالَ: فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الضَّعةِ؛ الضَّعةُ: الذّلُّ والهَوانُ والدَّناءةُ، قَالَ: وَالْهَاءُ فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ.

والتَّواضُعُ: التَّذَلُّلُ.

وتَواضَعَ الرجلُ: ذَلَّ.

وَيُقَالُ: دَخَلَ فُلَانٌ أَمْرًا فَوَضَعَه دُخُولُه فِيهِ فاتَّضَعَ.

وتَواضَعَتِ الأَرضُ: انْخَفَضَتْ عَمَّا يَلِيهَا، وأَراه عَلَى الْمَثَلِ.

وَيُقَالُ: إِنَّ بَلَدَكُمْ لمُتَواضِعٌ، وَقَالَ الأَصمعي: هُوَ المُتَخاشِعُ مِنْ بُعْدِه تراهُ مِنْ بَعيدٍ لاصِقًا بالأَرض.

وتَواضَعَ مَا بَيْنَنَا أَي بَعُدَ.

وَيُقَالُ: فِي فُلَانٍ تَوْضِيعٌ أَي تَخْنِيثٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَجُلًا من خُزاعةَ يُقَالُ لَهُ هِيتٌ كَانَ فِيهِ تَوْضِيعٌ أَوْ تخْنيتٌ».

وَفُلَانٌ مُوَضَّعٌ إِذا كَانَ مُخَنَّثًا.

ووُضِعَ فِي تِجارتِه ضَعةً وضِعةً ووَضِيعةً، فَهُوَ مَوْضُوعٌ فِيهَا، وأُوضِعَ ووَضِعَ وَضَعًا: غُبِنَ وخَسِرَ فِيهَا، وصِيغةُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَكثر؛ قَالَ:

فَكَانَ مَا رَبِحْت وَسْطَ العَيْثَرَهْ، ***وَفِي الزِّحامِ، أَنْ وُضِعْت عَشَرَهْ

وَيُرْوَى: وَضِعْت.

وَيُقَالُ: وُضِعْت فِي مَالِي وأُوضِعْتُ ووُكِسْتُ وأُوكِسْتُ.

وَفِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ: «الوَضِيعةُ عَلَى الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ»؛ الوَضِيعةُ: الخَسارة.

وَقَدْ وُضِعَ فِي البَيْعِ يُوضَعُ وَضِيعةً، يَعْنِي أنَّ الخَسارةَ مِنْ رأْس الْمَالِ.

قَالَ الْفَرَّاءُ.

فِي قَلْبِي مَوْضِعةٌ وموْقِعةٌ أَي مَحَبّةٌ.

والوَضْعُ: أَهْوَنُ سَيْرِ الدوابِّ والإِبل، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ سَيْرِ الإِبل دُونَ الشَّدِّ، وَقِيلَ: هُوَ فَوْقَ الخَبَب، وضَعَتْ وَضْعًا وموْضُوعًا؛ قَالَ ابنُ مُقْبِلٍ فَاسْتَعَارَهُ لِلسَّرَابِ:

وهَلْ عَلِمْت، إِذا لاذَ الظِّباء، وقَدْ ***ظَلَّ السَّرابُ عَلَى حِزَّانهِ يَضَعُ؟

قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ وَضَعَ الرجلُ إِذا عَدا يَضَعُ وَضْعًا؛ وأَنشد لِدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ فِي يَوْمِ هَوازِنَ:

يَا لَيْتَني فِيهَا جذَعْ، ***أَخُبُّ فِيهَا وأَضَعْ

أَقُودُ وَطْفاءَ الزَّمَعْ، ***كأَنها شاةٌ صَدَعْ

أَخُبُّ مِنَ الخَبَبِ.

وأَضَعُ: أَعْدُو مِنَ الوَضْعِ، وَبَعِيرٌ حَسَنُ الموضوعِ؛ قَالَ طرَفةُ:

مَرْفُوعُها زَوْلٌ، ومَوْضُوعُها ***كَمَرِّ غَيْثٍ لَجِبٍ، وَسْطَ رِيح

وأَوْضَعَها هُوَ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:

إِنَّ دُلَيْمًا قَدْ أَلاحَ مِنْ أَبي ***فَقَالَ: أَنْزِلْني، فَلَا إِيضاعَ بِي

أَي لَا أَقْدِرُ عَلَى أَن أَسير.

قَالَ الأَزهري: وضَعَتِ الناقةُ، وَهُوَ نَحْوُ الرَّقَصانِ، وأَوْضَعْتُها أَنا، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ: وَضَعَ الْبَعِيرُ إِذا عَدا، وأَوْضَعْتُه أَنَا إِذا حَمَلْتَهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: الدابّةُ تَضَعُ السَّيْرَ وَضْعًا، وَهُوَ سَيْرٌ دُونٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ}؛ وأَنشد:

بِمَاذَا تَرُدِّينَ امْرأً جاءَ، لَا يَرَى ***كَوُدِّكِ وُدًّا، قَدْ أَكَلَّ وأَوْضَعا؟

قَالَ الأَزهري: قَوْلُ اللَّيْثِ الوَضْعُ سَير دُونٌ لَيْسَ بصحيح، والوَضْعُ هُوَ العَدْوُ؛ وَاعْتَبَرَ الليثُ اللفظَ وَلَمْ يُعْرَفْ كَلَامَ الْعَرَبِ.

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}، فإِنَّ الْفَرَّاءَ قَالَ: الإِيضاعُ السَّيْرُ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَقَالَ الْعَرَبُ: تَقُولُ أَوْضَعَ الراكِبُ ووَضَعَتِ الناقةُ، وَرُبَّمَا قَالُوا لِلرَّاكِبِ وَضَعَ؛ وأَنشد: " أَلْفَيْتَني مُحْتَمَلًا بِذِي أَضَعْ وَقِيلَ: لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ "، أَي أَوْضَعُوا مَراكِبَهم خِلالَكم.

وَقَالَ الأَخفش: يُقَالُ أَوْضَعْتُ وَجِئْتُ مُوضِعًا وَلَا يوقِعُه عَلَى شَيْءٍ.

وَيُقَالُ: مَنْ أَيْنَ أَوْضَعَ وَمِنْ أَين أَوْضَحَ الراكِبُ هَذَا الْكَلَامُ الْجَيِّدُ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَوْلُهُمْ إِذا طرأَ عَلَيْهِمْ رَاكِبٌ قَالُوا من أَين أَوْضَحَ الراكِبُ فَمَعْنَاهُ مِنْ أَين أَنشأَ وَلَيْسَ مِنَ الإِيضاعِ فِي شَيْءٍ؛ قَالَ الأَزهريّ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى مَا قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ وَقَدْ سمعتُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ مِنَ الْعَرَبِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفاض مِنْ عَرفةَ وَعَلَيْهِ السكينةُ وأَوْضَعَ فِي وادِي مُحَسِّرٍ»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِيضاعُ سَيْرٌ مِثْلُ الخَبَبِ؛ وأَنشد:

إِذا أُعْطِيتُ راحِلةً ورَحْلًا، ***وَلِمَ أُوضِعْ، فقامَ عليَّ ناعِي

وضَعَ البعيرُ وأَوْضَعه راكِبُه إِذا حَملَه عَلَى سُرْعةِ السيْرِ.

قَالَ الأَزهري: الإِيضاعُ أَن يُعْدِيَ بعيرَه ويَحْمِلَه عَلَى العَدْوِ الحَثِيثِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دَفَعَ عن عَرَفَاتٍ وَهُوَ يَسِيرُ العَنَقَ فإِذا وجَدَ فَجْوةً نَصَ»، فالنصُّ التَّحْرِيكُ حَتَّى يُسْتَخْرَجَ مِنَ الدَّابَّةِ أَقْصَى سيْرِها، وَكَذَلِكَ الإِيضاعُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَمْرٌو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنك واللهِ سَقَعْتَ الحاجِب وأَوْضَعْتَ بالراكِب أَي حملْته عَلَى أَن يُوضِعَ مَرْكُوبَه.

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ: «شَرُّ الناسِ فِي الفتنةِ الراكِبُ المُوضِعُ»أَيِ المُسْرِعُ فِيهَا.

قَالَ: وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُ قَيْسٍ أَوْضَعْتُ بعِيري فَلَا يَكُونُ لَحْنًا.

وَرَوَى المنذريُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه سَمِعَهُ يَقُولُ بعد ما عُرِضَ عَلَيْهِ كلامُ الأَخفش هَذَا فَقَالَ: يُقَالُ وضَعَ البعيرُ يَضَعُ وَضْعًا إِذا عَدا وأَسرَعَ، فَهُوَ واضِعٌ، وأَوْضَعْتُه أَنا أُوضِعُه إِيضاعًا.

وَيُقَالُ: وضَعَ البعيرُ حَكَمَته إِذا طامَنَ رأْسَه وأَسرعَ، وَيُرَادُ بِحَكَمَتِه لَحْياه؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

فَهنّ سَمامٌ واضِعٌ حَكَماتِه، ***مُخَوِّنةٌ أَعْجازُه وكَراكِرُه

ووَضَعَ الشيءَ فِي المكانِ: أَثْبَتَه فِيهِ.

وَتَقُولُ فِي الحَجَرِ واللَّبِنِ إِذا بُنِيَ بِهِ: ضَعْه غيرَ هَذِهِ الوَضْعةِ والوِضْعةِ والضِّعةِ كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَالْهَاءُ فِي الضِّعةِ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ.

ووَضَّعَ الحائِطُ القُطْنَ عَلَى الثَّوْبِ وَالْبَانِي الحجرَ توْضِيعًا: نَضَّدَ بعضَه عَلَى بَعْضٍ.

والتوْضِيعُ: خِياطةُ الجُبَّةِ بَعْدَ وَضْعِ القُطن.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والأَوضع مِثْلُ الأَرْسَحِ؛ وأَنشد:

حَتَّى تَرُوحُوا ساقِطِي المَآزِرِ، ***وُضْعَ الفِقاحِ، نُشَّزَ الخَواصِرِ

والوضيعةٌ: قَوْمٌ مِنَ الْجُنْدِ يُوضَعُون فِي كُورةٍ لَا يَغْزُون مِنْهَا.

والوَضائِعُ والوَضِيعةُ: قَوْمٌ كَانَ كِسْرى يَنْقُلُهُمْ مِنْ أَرضهم فَيُسْكِنُهم أَرضًا أُخرى حَتَّى يَصِيرُوا بِهَا وَضِيعةً أَبدًا، وَهُمُ الشِّحْنُ والمَسالِحُ.

قَالَ الأَزهري: والوَضِيعةُ الوَضائِعُ الَّذِينَ وضَعَهم فَهُمْ شَبَهُ الرَّهائِنِ كَانَ يَرْتَهِنُهم وَيُنْزِلُهُمْ بَعْضَ بِلَادِهِ.

والوَضِيعةُ: حِنْطةٌ تُدَقُّ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهَا سَمْنٌ فَتُؤْكَلُ.

والوَضائعُ: مَا يأْخذه السُّلْطَانُ مِنَ الخَراج والعُشور.

والوَضائِعُ: الوَظائِفُ.

وَفِي حَدِيثِ طَهْفَةَ: «لَكُمْ يَا بَني نَهْدٍ ودائِعُ الشِّرْكِ ووضائِعُ المِلْكِ»؛ والوَضائِعُ: جَمْعُ وَضيعةٍ وَهِيَ الوَظِيفةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى المِلك، وَهِيَ مَا يَلْزَمُ الناسَ فِي أَموالهم مِنَ الصدَقةِ والزكاةِ؛ أي لَكُمُ الوظائِفُ الَّتِي تَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ لَا نَتجاوزها مَعَكُمْ وَلَا نَزِيدُ عَلَيْكُمْ فِيهَا شَيْئًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا كَانَ مُلُوكُ الْجَاهِلِيَّةِ يُوَظِّفُون عَلَى رَعِيَّتِهِمْ ويستأْثرون بِهِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا مِنَ المَغْنَمِ؛ أي لَا نأْخذ مِنْكُمْ ما كان ملوككم وضفوه عَلَيْكُمْ بَلْ هُوَ لَكُمْ.

والوَضائِعُ: كُتُبٌ يُكْتَبُ فِيهَا الحِكمةُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه نَبِيٌّ وأَن اسْمه وصورَتَه فِي الوَضائِعِ»، وَلَمْ أَسمع لِهَاتَيْنِ الأَخيرتين بِوَاحِدٍ؛ حَكَاهُمَا الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ، والوَضِيعةُ: وَاحِدَةُ الوَضائع، وَهِيَ أَثقالُ الْقَوْمِ.

يُقَالُ: أَين خَلَّفُوا وضائِعَهم؟ وَتَقُولُ: وضَعْتُ عِنْدَ فُلَانٍ وَضِيعةً، وَفِي التَّهْذِيبِ: وَضِيعًا، أَي اسْتَوْدَعْتُه ودِيعةً.

وَيُقَالُ للوَدِيعةِ وضِيعٌ.

وأَما الَّذِي فِي الْحَدِيثِ: «إِنّ الملائكةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتها لِطَالِبِ الْعِلْمِ» أَي تَفْرُشُها لِتَكُونَ تَحْتَ أَقدامه إِذا مَشَى.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن اللَّهَ واضِعٌ يَدَهُ لِمُسيء الليلِ لِيَتُوبَ بالنهارِ ولمُسِيء النَّهَارِ لِيَتُوبَ بِاللَّيْلِ»؛ أَراد بالوَضْعِ هاهنا البَسْطَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الأُخرى: " إِن اللَّهَ باسِطٌ يَدَهُ لِمُسِيءِ اللَّيْلِ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْبَسْطِ وَالْيَدِ كَوَضْعِ أَجنحة الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: أَراد بِالْوَضْعِ الإِمْهالَ وتَرْكَ المُعاجَلةِ بالعُقوبة.

يُقَالُ: [وضَعَ يَدَهُ عَنْ فُلَانٍ] إِذا كَفَّ عَنْهُ، وَتَكُونُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ أَي يَضَعُها عَنْهُ، أَو لَامُ الأَجل أَي يَكُفُّهَا لأَجله، وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ أَنه يَتَقاضَى الْمُذْنِبِينَ بِالتَّوْبَةِ ليَقْبَلَها مِنْهُمْ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه وضَعَ يدَه فِي كُشْيةِ ضَبٍّ، وَقَالَ: إِن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمه»؛ وضعُ الْيَدِ كِنَايَةٌ عَنِ الأَخذ فِي أَكله.

والمُوَضِّعُ: الَّذِي تَزِلُّ رِجْلهُ ويُفْرَشُ وظِيفُه ثُمَّ يَتْبَعُ ذَلِكَ مَا فَوْقَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَخَصَّ أَبو عُبَيْدٍ بِذَلِكَ الْفَرَسَ، وَقَالَ: هُوَ عَيْبٌ.

واتَّضَعَ بعيرَه: أَخذ برأْسه وخَفَّضَه إِذا كَانَ قَائِمًا لِيَضَعَ قَدَمَهُ عَلَى عُنُقِهِ فَيَرْكَبُهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

أَعانَكَ اللهُ فَخَفَّ أَثْقَلُهْ ***عليكَ مأْجُورًا، وأَنْتَ جَمَلُهْ،

قُمْتَ بِهِ لم يَتَّضِحْكَ أَجْلَلُهْ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:

أَصْبَحْتَ فَرْعا قِدَادَ نَابَكَ اتَّضَعَتْ ***زيْدٌ مراكِبَها فِي المَجْدِ، إِذ رَكِبوا

فَجَعَلَ اتَّضَعَ مُتَعَدِّيًا وَقَدْ يَكُونُ لَازِمًا، يُقَالُ: وضَعْتُه فاتَّضَعَ؛ وأَنشد لِلْكُمَيْتِ:

إِذا مَا اتَّضَعْنَا كارِهِينَ لبَيْعةٍ، ***أَناخُوا لأُخْرَى، والأَزِمّةُ تُجْذَبُ

ووَضَّعَتِ النَّعامةُ بَيْضَها إِذا رَثَدَتْه ووضَعَتْ بعضَه فَوْقَ بَعْضٍ، وَهُوَ بيضٌ مُوَضَّعٌ منضُودٌ.

وأَما الَّذِي فِي حديثِ فاطمةَ بِنْتِ قيسٍ: لَا يَضَع عَصاه عَنْ عاتِقِه "أَي أَنه ضَرّاب لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ كنايةٌ عَنِ كَثْرَةِ أَسْفارِه لأَنّ الْمُسَافِرَ يَحْمِلُ عَصاه فِي سفَرِه.

والوُضْعُ والتُّضْعُ عَلَى الْبَدَلِ، كِلَاهُمَا: الحَمْل عَلَى حيْضٍ، وَكَذَلِكَ التُّضُعُ، وَقِيلَ: هُوَ الحَمْلُ فِي مُقْتَبَلِ الحَيْضِ؛ قَالَ:

تقولُ، والجُرْدانُ فِيهَا مُكْتَنِعْ: ***أَمَا تَخافُ حَبَلًا عَلَى تُضُعْ؟

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الوُضْعُ الحمْل قَبْلَ الْحَيْضِ، والتُّضْعُ فِي آخِرِهِ، قَالَتْ أُم تَأبَّطَ شَرًّا: والله مَا حمَلْتُه وُضْعًا، وَلَا وَضَعْتُه يَتْنًا، وَلَا أَرْضَعْتُه غَيْلًا، وَلَا أَبَتُّه تَئِقًا، وَيُقَالُ: مَئِقًا، وَهُوَ أَجود الْكَلَامِ، فالوُضْعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، واليَتْنُ أَن تَخْرُجَ رَجُلَاهُ قَبْلَ رأْسه، والتّئِقُ الغَضْبانُ، والمَئِقُ مِنَ المأَقة فِي الْبُكَاءِ، وَزَادَ ابْنِ الأَعرابي فِي قَوْلِ أُم تأَبط شَرًّا: وَلَا سَقَيْتُه هُدَبِدًا، وَلَا أَنَمْتُه ثَئِدًا، وَلَا أَطْعَمْتُه قَبْلَ رِئةٍ كَبِدًا "؛ الهُدَبِدُ: اللَّبَنُ الثَّخِينُ المُتَكَبِّدُ، وَهُوَ يَثْقُلُ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وثَئِدًا أَي عَلَى موضِعٍ نَكِدٍ، والكَبِدُ ثَقِيلَةٌ فانْتَفَتْ مِنْ إِطْعامِها إِيَّاه كَبِدًا.

ووضَعَتِ الحامِلُ الوَلَدَ تَضَعُه وَضْعًا، بِالْفَتْحِ، وتُضْعًا، وَهِيَ واضِعٌ: ولدَتْه.

ووضَعَت وُضْعًا، بِالضَّمِّ: حَمَلَتْ فِي آخِر طُهْرِها فِي مُقْبَلِ الحَيْضةِ.

ووضَعَتِ المرأةُ خِمارَها، وَهِيَ واضِعٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ: خَلَعَتْه.

وامرأَةٌ واضِعٌ أَي لَا خِمَارَ عَلَيْهَا.

والضَّعةُ: شَجَرٌ مِنَ الحَمْضِ، هَذَا إِذا جَعَلْتَ الهاءعِوَضًا مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ أَوّله، فأَما إِن كَانَتْ مِنْ آخِرِهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الحَمْضُ يُقَالُ لَهُ الوضِيعةُ، وَالْجَمْعُ وضائِعُ، وَهَؤُلَاءِ أَصحابُ الوَضِيعةِ أَي أَصحابُ حَمْضٍ مُقِيمُونَ فِيهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ.

وناقةٌ واضِعٌ وواضِعةٌ ونُوقٌ واضِعاتٌ: تَرْعَى الحمضَ حولَ الْمَاءِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

رأَى صاحِبي فِي العادِياتِ نَجِيبةً، ***وأَمْثالَها فِي الواضِعاتِ القَوامِسِ

وَقَدْ وَضَعَتْ تَضَعُ وَضِيعةً.

ووضَعَها: أَلْزَمَها المَرْعى.

وإِبِلٌ واضِعةٌ أَي مقيمةٌ فِي الْحَمْضِ.

وَيُقَالُ: وضَعَت الإِبلُ تَضَعُ إِذا رَعَتِ الْحَمْضِ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذا رَعَتِ الإِبلُ الحَمض حَوْلَ الْمَاءِ فَلَمْ تَبْرَحْ قِيلَ وضَعَت تَضَعُ وضِيعةً، ووضَعْتُها أَنا، فَهِيَ مَوْضُوعةٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى.

ابْنُ الأَعرابي: تَقُولُ الْعَرَبُ: أَوْضِعْ بِنَا وأَمْلِكْ؛ الإِيضاعُ بالحَمْضِ والإِمْلاكُ فِي الخُلَّةِ؛ وأَنشد:

وضَعَها قَيْسٌ، وهِيْ نَزائِعُ، ***فَطَرَحَتْ أَولادها الوَضائِعُ

نَزائِعُ إِلى الخُلَّةِ.

وقومٌ ذَوُو وَضِيعةٍ: ترْعى إِبلُهم الحمضَ.

والمُواضَعةُ: مُتاركةُ الْبَيْعِ.

والمُواضَعةُ: المُناظَرة فِي الأَمر.

والمُواضَعةُ: أَن تُواضِعَ صَاحِبَكَ أَمرًا تُنَاظِرُهُ فِيهِ.

والمُواضَعةُ: المُراهَنةُ.

وَبَيْنَهُمْ وِضاعٌ أَي مُراهنةٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

ووضَعَ أَكثرَه شعَرًا: ضرَب عنُقَه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والواضِعةُ: الرَّوْضةُ.

ولِوَى الوَضِيعةِ: رَمْلةٌ معروفةٌ.

ومَوْضُوعٌ: موْضِعٌ، ودارةُ موضوعٍ هُنَالِكَ.

ورجلٌ مُوَضَّعٌ أَي مُطَرَّحٌ ليس بِمُسْتَحْكِم الخَلْقِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


45-لسان العرب (عرك)

عرك: عَرَكَ الأَدِيمَ وَغَيْرَهُ يَعْرُكه عَرْكًا: دَلَكَه دَلْكًا.

وعَرَكْتُ الْقَوْمَ فِي الْحَرْبِ عَرْكًا، وعَرَك بِجَنْبِهِ مَا كَانَ مِنْ صَاحِبِهِ يَعْرُكه: كَأَنَّهُ حَكَّهُ حَتَّى عَفَّاه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

وَفِي الأَخبار: "أَن ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ للحُطَيئة: هلَّا عَرَكْتَ بجَنْبك مَا كَانَ مِنَ الزِّبْرِقانِ؛ قَالَ:

إِذَا أَنتَ لَمْ تَعْرُكْ بجَنْبك بعضَ مَا ***يَرِيبُ مِنَ الأَدْنَى، رَمَاكَ الأَباعِدُ

وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

العَارِكِينَ مَظَالِمِي بجُنُوبِهم، ***والمُلْبِسِيَّ، فثَوْبُهم ليَ أَوْسَعُ

أَي خَيْرُهُمْ عليَّ ضافٍ.

وعَرَكه الدَّهْر: حَنَّكه.

وعَرَكَتْهم الحربُ تَعْرُكهم عَرْكًا: دَارَتْ عَلَيْهِمْ، وَكِلَاهُمَا عَلَى المَثل؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

فتعْرُكُكم عَرْكَ الرَّحَى بِثفَالِها، ***وتَلْقَحْ كِشافًا ثُمَّ تَحْمِلْ فتُتْئِمِ

الثِّفَالُ: الْجِلْدَةُ تُجْعَلُ حَوْلَ الرَّحَى تُمْسِكُ الدَّقِيقَ، والعُراكة والعُلالة والدُّلاكة: مَا حلبتَ قَبْلَ الفِيقَةِ الأُولى وَقَبْلَ أَن تَجْتَمِعَ الفِيقَةُ الثَّانِيَةُ.

والمَعْرَكة والمَعْرُكة، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا: مَوْضِعُ الْقِتَالِ الَّذِي يَعْتَرِكون فِيهِ إِذَا الْتَقَوْا، وَالْجَمْعُ مَعَارِك.

وَفِي حَدِيثِ ذَمِّ السُّوقِ: «فَإِنَّهَا مَعْركة الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: المَعْرَكة والمُعْتَرك مَوْضِعُ الْقِتَالِ؛ أي مَوْطن الشَّيْطَانِ وَمَحَلُّهُ الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ وَيُكْثِرُ مِنْهُ لِمَا يَجْرِي فِيهِ مِنَ الْحَرَامِ وَالْكَذِبِ والرِّبا والغَصْب، وَلِذَلِكَ قَالَ" وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ "، كِنَايَةً عَنْ قُوَّةِ طَمَعِهِ فِي إِغْوَائِهِمْ لأَن الرَّايَاتِ فِي الْحُرُوبِ لَا تُنْصَبُ إِلَّا مَعَ قوَّة الطَّمَعِ فِي الْغَلَبَةِ، وإلَّا فَهِيَ مَعَ الْيَأْسِ تُحَطُّ وَلَا تُرْفَعُ.

والمُعارَكة: الْقِتَالُ: والمُعْتَرك: مَوْضِعُ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ المَعْرَك.

وعارَكهُ مُعارَكة وعِراكًا: قاتَله، وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ مُعاركًا.

ومُعْتَرَكُ المَنايا: مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ.

واعْترَك الْقَوْمُ فِي المَعْرَكة وَالْخُصُومَةُ: اعْتَلَجُوا.

واعْتِراك الرِّجَالِ فِي الْحُرُوبِ: ازْدِحَامُهُمْ وعَرْك بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

واعْتَرَك القومُ: ازْدَحموا، وَقِيلَ: ازْدَحَمُوا فِي المُعْتَرَك.

والعِراكُ: ازْدِحَامُ الإِبل عَلَى الْمَاءِ.

واعْتَركت الإِبل فِي الوِرد: ازْدَحَمَتْ.

وماءٌ مَعْروكٌ أَي مُزْدَحم عَلَيْهِ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا أَرْسَلَها العِراكَ أَي أَوردها جَمِيعًا الْمَاءَ، أَدخلوا الأَلف وَاللَّامَ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ اعْتِراكًا أَي مُعْتَرِكةً؛ وأَنشد قَوْلَ لَبِيدٍ يَصِفُ الْحِمَارَ والأُتن.

فأَرْسَلَها العِراكَ، وَلَمْ يَذُدها، ***وَلَمْ يشْفِقْ عَلَى نَغَصِ الدِّخال

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَوْرَدَ إِبله العِراكَ ونُصِبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ أَي أَوردها عِراكًا، ثُمَّ أَدخل عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ كَمَا قَالُوا مَرَرْتُ بِهِمُ الجَمّاءَ الغَفِيرَ والحمدَ لِلَّهِ فِيمَنْ نَصَبَ وَلَمْ تُغَيِّرِ الأَلف وَاللَّامُ الْمَصْدَرَ عَنْ حَالِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّي: العِراك وَالْجَمَّاءَ الغَفِير مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ، وأَما الْحَمْدُ لِلَّهِ فَعَلَى الْمَصْدَرِ لَا غَيْرُ.

والعَرِكُ: الشَّدِيدُ الْعِلَاجِ وَالْبَطْشِ فِي الْحَرْبِ، وَقَدْ عَرِكَ عَرَكًا؛ قَالَ جَرِيرٌ:

قَدْ جَرَّبَتْ عَرَكي، فِي كلِّ مُعْترَكٍ، ***غُلْبُ الأُسُودِ، فَمَا بالُ الضَّغابيسِ؟

والمُعارِك: كالعَرِك.

والعَرْكُ وَالْحَازُّ وَاحِدٌ: وَهُوَ حَزّ مِرْفَق الْبَعِيرِ جَنْبَه حَتَّى يَخلُصَ إِلَى اللَّحْمِ وَيَقْطَعَ الْجِلْدَ بحَزِّ الكِرْكِرة؛ قَالَ: " لَيْسَ بِذي عَرْكٍ وَلَا ذِي ضَبِ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الْبَعِيرَ بِأَنَّهُ بَائِنُ المِرْفَق: قليلُ العَرْكِ يَهْجُرُ مِرْفَقاها وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تَصِفُ أَبَاهَا: «عُرَكَةٌ للأَذاة بجَنْبه»أَي يَحْتَمِلُهُ؛ وَمِنْهُ عَرَك البعيرُ جَنْبه بِمِرْفَقِهِ إِذَا دَلَّكَهُ فأَثر فِيهِ.

والعَرَكْرَكُ: كالعارِكِ، وَبَعِيرٌ عَرَكْرَك إِذَا كَانَ بِهِ ذَلِكَ؛ قَالَ حَلْحَلَة بنُ قَيْسِ بْنِ أَشْيَمَ وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قد" أَقعده ليُقادَ مِنْهُ، وَقَالَ لَهُ: صَبْرًا حَلْحَلُ فَقَالَ مُجِيبًا لَهُ:

أَصْبَرُ مِنْ ذِي ضاغطٍ عَرَكْرَك، ***أَلْقَى بَوانِي زَوْرهِ لِلمَبْرَكِ

والعَرَكْركُ: الجَمَلُ الْقَوِيُّ الْغَلِيظُ، يُقَالُ: بَعِيرٌ ضاغِطٌ عَرَكْرَكٌ، وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هُنَا أَيْضًا رَجَزَ حَلْحلة الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ لِلنَّاقَةِ السَّمِينَةِ عَرَكْرَكَة، وَجَمْعُهَا عَرَكْرَكات؛ أَنشد أَعرابي مِنْ بَنِي عُقَيْل:

يَا صاحِبَيْ رحْلي بليلٍ قُوما، ***وقَرِّبا عَرَكْرَكاتٍ كُوما

فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي لِرَجُلٍ مِنْ عُكْلٍ يَقُولُهُ لِلَيْلَى الأَخيلية:

حَيَّاكة تَمْشِي بعُلْطَتينِ، ***وقارِمٍ أَحْمَر ذِي عَرْكَيْنِ

فَإِنَّمَا يَعْنِي حِرَها وَاسْتَعَارَ لَهَا العَرْك، وأَصله فِي الْبَعِيرِ.

وعَرِيكَةُ الجمل والناقة: بقية سَنامها، وَقِيلَ: هُوَ السَّنَامُ كُلُّهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " خِفاف الخُطى مُطْلَنْفِئات العَرائِك "وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن الْمُشْتَرِيَ يَعْرُك ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِيَعْرِفَ سِمَنَهُ وَقُوَّتَهُ.

والعَرِيكَة: الطَّبِيعَةُ، يُقَالُ: لانَتْ عَرِيكَتُه إِذَا انْكَسَرَتْ نَخْوَتُه، وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً وأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً؛ الْعَرِيكَةُ: الطَّبِيعَةُ، يُقَالُ: فُلَانٌ لَيِّنُ العَريكة إِذَا كَانَ سَلِسًا مُطَاوِعًا منْقادًا قَلِيلَ الْخِلَافِ والنُّفُور.

وَرَجُلٌ لَيِّنُ العَرِيكة أَيْ لَيِّنُ الخُلُق سَلِسُه وَهُوَ مِنْهُ، وَشَدِيدُ الْعَرِيكَةِ إِذَا كَانَ شَدِيدَ النَّفْسِ أَبِيًّا.

والعَريكة: النَّفْس، يُقَالُ: إِنَّهُ لصَعْب العَرِيكة وَسَهْلُ العَرِيكة أَي النَّفْسِ؛ وَقَوْلُ الأَخطل:

مِنَ اللَّواتي إِذَا لانَتْ عَرِيكَتُها، ***كَانَ لَهَا بَعْدَهَا آلٌ ومَجْلُودُ

قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: عَرِيكَتُهَا قُوَّتُهَا وَشِدَّتُهَا، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ مِمَّا تَقَدَّمَ لأَنها إِذَا جَهَدَتْ وأَعْيَتْ لانَتْ عَرِيكتها وانقادَتْ.

وَرَجُلٌ مَيْمُونُ العَرِيكة والحَرِيكة والسَّلِيقَة والنَّقِيبَة والنَّقِيمَةِ والنَّخِيجَةِ والطَّبِيعَةِ والجَّبِيلَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

والعَرَكِيَّة: الْمَرْأَةُ الْفَاجِرَةُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبل يَهْجُو النَّجَاشِيَّ:

وجاءتْ بِهِ حَيَّاكَةٌ عَرَكِيَّةٌ، ***تَنَازَعَها فِي طُهْرِها رَجُلانِ

وعَرَك ظَهْرَ النَّاقَةِ وَغَيْرَهَا يَعْرُكُه عَرْكًا: أَكثر جَسَّه لِيَعْرِفَ سِمَنَهَا؛ وَنَاقَةٌ عَرُوك مِثْلُ الشَّكُوكِ: لَا يُعْرَفُ سِمَنُهَا إِلَّا بِذَلِكَ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُشَكُّ فِي سَنامها أَبه شَحْمٌ أَم لَا، وَالْجَمْعُ عُرُكٌ.

وعَرَكْتُ السَّنام إِذَا لَمَسْتَهُ تَنْظُرُ أَبه طِرْق أَم لَا.

وعَرِيكة الْبَعِيرِ: سَنامُه إِذَا عَرَكه الحِمْلُ، وَجَمْعُهَا العَرائك.

وَلَقِيتُهُ عَرْكَةً أَو عَرْكَتَيْن أَي مَرَّةً أَو مَرَّتَيْنِ، لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظَرْفًا.

وَلَقِيتُهُ عَرَكاتٍ أَي مَرَّاتٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه عاوَدَه كَذَا كَذَا عَرْكَةً» أَي مَرَّةً "؛ يُقَالُ: لَقِيتُهُ عَرْكَة بَعْدَ عَرْكة أَيْ مَرَّةً بَعْدَ أُخرى.

وعَرَكه بشَرٍّ: كَرَّرَهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَرَكَه يَعْرُكه عَرْكًا إِذَا حَمَلَ الشَّرَّ عَلَيْهِ.

وعَرَك الإِبلَ فِي الحَمْضِ: خَلَّاها فِيهِ تَنَالُ مِنْهُ حَاجَتَهَا.

وعَرَكتِ الماشيةُ النَّبَاتَ: أَكلته؛ قَالَ:

وَمَا زِلْت مثلَ النَّبْتِ يُعْرَكُ مَرَّةً ***فيُعْلَى، ويُولَى مَرَّةً ويَثُوبُ

يُعْرَكُ: يؤكَلُ، ويُولَى مِنَ الوَلْيِ.

والعَرْك مِنَ النَّبَاتِ: مَا وُطِئَ وأُكل؛ قَالَ رؤُبة: " وإنْ رَعاها العَرْكَ أَو تَأنَّقا "وَأَرْضٌ مَعْروكة: عَركَتْها السائمةُ حَتَّى أَجْدَبَتْ، وَقَدْ عُرِكَتْ إِذَا جَرَدتْها الماشيةُ مِنَ المَرعى.

وَرَجُلٌ مَعْروك: أُلِحَّ عَلَيْهِ فِي المسأَلة.

والعِراك: المَحِيضُ، عَرَكَتِ المرأَة تَعْرُك عَرْكًا وعِراكًا وعُرُوكًا؛ الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهِيَ عارِكٌ، وأَعْرَكَتْ وَهِيَ مُعْرِكٌ: حَاضَتْ، وخَصَّ اللِّحْيَانِيُّ بالعَرْك الجاريةَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن بَعْضَ أَزواج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُحْرِمَة فَذَكَرَت العِراكَ قَبْلَ أَن تُفِيضَ»؛ العِراك: الحَيْضُ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «حَتَّى إِذَا كُنَّا بسَرِفَ عَرَكْتُ»أَي حِضْتُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لحُجْر بْنِ جَلِيلَةَ:

فغَرْت لَدى النُّعْمانِ، لَمَّا رأَيته، ***كَمَا فَغَرَتْ للحَيْضِ شَمْطاءُ عارِكُ

وَنِسَاءٌ عَواركُ أَي حُيَّض؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضًا:

أَفي السِّلْمِ أَعْيارًا جَفاءً وغِلْظَةً، ***وَفِي الحَرْبِ أَمْثالَ النساءِ العوارِكِ؟

وَقَالَتِ الخَنْساء:

لَا نَوْمَ أَو تَغسِلُوا عَارًا أَظَلَّكُمُ، ***غَسْلَ العوارِكِ حَيضًا بَعْدَ إِطْهارِ

والعَرْكُ: خُرْءُ السِّبَاعِ.

والعَرَكِيُّ.

صَيَّادُ السَّمَكِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ العَرَكِيّ سأَل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عَنِ الطُّهُور بِمَاءِ الْبَحْرِ»؛ العَرَكِيُّ صَيَّادُ السَّمَكِ، وَجَمْعُهُ عَرَكٌ كَعَربِيٍّ وعَرَب وَهُمُ العُروك؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ:

وَفِي غَمْرَةِ الْآلِ خِلْتُ الصُّوَى ***عُرُوكًا، عَلَى رائسٍ، يَقْسِمُونا

رَائِسٌ: جَبَلٌ فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي كِتَابِهِ إِلى قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ: " إِن عَلَيْكُمْ رُبْعَ مَا أَخرَجَتْ نَخْلُكم ورُبْع مَا صادَتْ عُرُوكُكُمْ ورُبُعَ المِغْزل "؛ قَالَ: العُرُوك جَمْعُ عَرَك، بِالتَّحْرِيكِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَصِيدُونَ السَّمَكَ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَلَّاحِينَ عَرَك لأَنهم يَصِيدُونَ السَّمَكَ، وَلَيْسَ بأَن العَرَك اسْمٌ لَهُمْ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

يُغْشي الحُداةُ بِهِمْ حُرَّ الكَثيبِ، كَمَا ***يُغْشِي السفائنَ مَوْجَ اللُّجَّةِ العَرَكُ

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَوَى أَبو عُبَيْدَةَ مَوْجَ، بِالرَّفْعِ، وَجَعَلَ العَرِكَ نَعْتًا لِلْمَوْجِ يَعْنِي الْمُتَلَاطِمَ.

والعرَك: الصَّوْتُ، وَكَذَلِكَ العَرِكُ، بِكَسْرِ الرَّاءِ.

وَرَجُلٌ عَرِكٌ أَي شَدِيدٌ صِرِّيعٌ لَا يُطاق.

وَقَوْمٌ عَرِكُونَ أَي أَشدّاءُ صُرَّاع.

ورَمْلٌ عَرِيك ومُعْرَوْرِك: مُتَدَاخِلٌ.

والعَرَكْرَكُ: الرَّكَبُ الضَّخْمُ، وَقَيَّدَهُ الأَزهري فَقَالَ: مِنْ أَرْكابِ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَصله ثَلَاثِيٌّ وَلَفْظُهُ خُمَاسِيٌّ.

والعَرَكْرَكَةُ، عَلَى وَزْنِ فعَلْعَلَة، مِنَ النِّسَاءِ: الْكَثِيرَةُ اللَّحْمِ الْقَبِيحَةُ الرَّسْحاء؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَا مِنْ هَوايَ وَلَا شِيمَتي ***عَرَكْرَكَةٌ، ذاتُ لَحْمٍ زِيَمْ

وعِرَاك ومُعارِكٌ ومِعْرَك ومِعْرَاك: أَسماء.

وَذُو مُعارِك: مَوْضِعٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

تُليحُ مِنْ جَنْدَلِ ذِي مَعارِكِ، ***إِلاحَةَ الرومِ مِنَ النَّيازِكِ

أَي تُلِيح مِنْ حَجَر هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيُرْوَى: مِنْ جندلَ ذِي مَعارك؛ جَعَلَ جَنْدَلَ اسْمًا لِلْبُقْعَةِ فَلَمْ" يَصْرِفْهُ، وَذِي مَعارِك بَدَلٌ مِنْهَا كأَنَّ الْمَوْضِعَ يُسَمَّى بجنْدَلَ وذي مَعارك.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


46-لسان العرب (تري)

تري: التَّهْذِيبُ خَاصَّةً: ابْنُ الأَعرابي تَرَى يَتْرِي إِذَا تَراخَى فِي العَمَلِ فعَمِلَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.

أَبو عُبِيدٍ: التَّرِيَّة.

فِي بَقِيَّة حيضِ المرأَة أَقلُّ مِنَ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وأَخْفَى، تَرَاهَا المرأَة عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَعْلَمُ أَنها قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا؛ قَالَ شَمِرٌ: وَلَا تَكُونُ التَّرِيَّة إِلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، فأَما مَا كَانَ فِي أَيام الْحَيْضِ فَلَيْسَ بِتَرِيَّةٍ.

وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ التَّرِيَّة فِي رأَى، وَهُوَ بَابُهَا لأَن التَّاءَ فِيهَا زَائِدَةٌ، وَهِيَ مِنَ الرُّؤْيَةِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


47-لسان العرب (رأي)

رأي: الرُّؤْيَة بالعَيْن تَتَعدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَبِمَعْنَى العِلْم تتعدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ؛ يُقَالُ: رَأَى زَيْدًا عَالِمًا ورَأَى رَأْيًا ورُؤْيَةً ورَاءَةً مِثْلُ راعَة.

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرُّؤْيَةُ النَّظَرُ بالعَيْن والقَلْب.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: عَلَى رِيَّتِكَ أَي رُؤيَتِكَ، وفيه ضَعَةٌ، وحَقيقَتُها أَنه أَراد رُؤيَتك فَأبْدَلَ الهمزةَ وَاوًا إِبْدَالًا صَحِيحًا فَقَالَ رُويَتِك، ثُمَّ أَدغَمَ لأَنَّ هَذِهِ الواوَ قَدْ صَارَتْ حرفَ علَّة لمَا سُلِّط عَلَيْهَا مِنَ البَدَل فَقَالَ رُيَّتِك، ثُمَّ كَسَرَ الراءَ لِمُجَاوِرَةِ الْيَاءِ فَقَالَ رِيَّتِكَ.

وَقَدْ رَأَيْتُه رَأْيَةً ورُؤْيَة، وَلَيْسَتِ الهاءُ فِي رَأْيَة هُنَا للمَرَّة الْوَاحِدَةِ إِنَّمَا هُوَ مصدَرٌ كَرُؤيةٍ، إلَّا أَنْ تُرِيدَ المَرَّةَ الْوَاحِدَةَ فَيَكُونَ رَأَيْته رَأْية كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُه ضربة، فأَمَّا إذ لَمْ تُردْ هَذَا فرأْية كرؤْية لَيْسَتِ الهاءُ فِيهَا للوَحْدَة.

ورَأَيْته رِئْيَانًا: كرُؤْية؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَرَيْتُهُ عَلَى الحَذْف؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وَجنْاء مُقْوَرَّة الأَقْرابِ يَحْسِبُها ***مَنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ رَاهَا رَأْيَةً جَمَلا

حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْها خَلْقُ أَرْبَعةٍ ***فِي لازِقٍ لاحِقِ الأَقْرابِ، فانْشَمَلا

خَلْقُ أَربعةٍ: يَعْنِي ضُمورَ أَخْلافها، وانْشَمَلَ: ارْتَفَعَ كانْشمرَ، يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَرَها قبلُ ظَنَّها جَمَلًا لِعظَمها حَتَّى يَدلَّ عَلَيْهَا ضُمورُ أَخْلافِها فيَعْلَم حِينَئِذٍ أَنها نَاقَةٌ لأَن الْجَمَلَ لَيْسَ لَهُ خِلْفٌ؛ وأَنشد ابْنُ جِنِّي:

حَتَّى يَقُولَ من رآهُ إذْ رَاهْ: ***يَا وَيْحَه مِنْ جَمَلٍ مَا أَشْقاهْ

أَراد كلَّ من رَآهُ إذْ رَآهُ، فسَكَّنَ الهاءَ وأَلقَى حركةَ الْهَمْزَةِ؛ وَقَوْلُهُ:

مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى، ***إِذَا مَا النِّسْعُ طَالَ عَلَى المَطِيَّهْ؟

ومَنْ رَا مثلَ مَعْدانَ بْنِ يَحْيَى، ***إِذَا هَبَّتْ شآمِيَةٌ عَرِيَّهْ؟

أَصل هَذَا: مِنْ رأَى فخفَّف الْهَمْزَةَ عَلَى حَدِّ: لَا هَناك المَرْتَعُ، فَاجْتَمَعَتْ أَلفان فَحَذَفَ إِحْدَاهُمَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَصله رأَى فأَبدل الْهَمْزَةَ يَاءً كَمَا يُقَالُ فِي سأَلْت سَيَلْت، وَفِي قرأْت قَرَيْت، وَفِي أَخْطأْت أَخْطَيْت، فَلَمَّا أُبْدِلت الْهَمْزَةُ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ يَاءً أَبدلوا الْيَاءُ أَلفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الأَلف الْمُنْقَلِبَةُ عَنِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامٌ الْفِعْلِ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ؛ قَالَ: وسأَلت أَبا عَلِيٍّ فَقُلْتُ لَهُ مَنْ قَالَ: " مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى "فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَن يَقُولَ فَعَلْتُ مِنْهُ فَقَالَ رَيَيْت وَيَجْعَلُهُ مِنْ بَابِ حَيَيْتُ وَعَيَيْتُ؟ قَالَ: لأَن الْهَمْزَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذَا أُبدلت عَنِ الْيَاءِ تُقلب، وَذَهَبَ أَبو عَلِيٍّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ أَنه أَراد رأَى فحذَفَ الهمزةَ كَمَا حَذَفَهَا مِنْ أَرَيْت وَنَحْوِهِ، وَكَيْفَ كَانَ الأَمر فَقَدْ حُذِفْتَ الْهَمْزَةُ وَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفًا، وَهَذَانِ إِعْلَالَانِ تَوَالَيَا فِي الْعَيْنِ وَاللَّامِ؛ وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: جَا يَجِي، فَهَذَا إِبْدَالُ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ يَاءٌ أَلفًا وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ تَخْفِيفًا، فأَعلّ اللَّامَ وَالْعَيْنَ جَمِيعًا.

وأَنا أَرَأُهُ والأَصلُ أَرْآهُ، حذَفوا الهمزةَ وأَلْقَوْا حَرَكَتها عَلَى مَا قبلَها.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: كلُّ شيءٍ كَانَتْ أَوَّلَه زائدةٌ سِوَى أَلف الْوَصْلِ مَنْ رأَيْت فَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى تَخْفِيفِ هَمْزِهِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ، جَعَلُوا الهمزةَ تُعاقِب، يَعْنِي أَن كُلَّ شيءٍ كَانَ أَوّلُه زَائِدَةً مِنَ الزَّوَائِدِ الأَربع نَحْوَ أَرَى ويَرَى ونرَى وتَرَى فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ بِالْهَمْزِ أَي أَنَّها لَا تَقُولُ أَرْأَى وَلَا يَرْأَى وَلَا نَرْأَى وَلَا تَرْأَى، وَذَلِكَ لأَنهم جَعَلُوا هَمْزَةَ الْمُتَكَلِّمِ فِي أَرَى تُعاقِبُ الهمزةَ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَهِيَ همزةُ أَرْأَى حَيْثُ كَانَتَا هَمْزَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الأُولى زَائِدَةً وَالثَّانِيَةُ أَصليةً، وكأَنهم إِنَّمَا فرُّوا مِنِ الْتِقَاءِ هَمْزَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَرْفٌ سَاكِنٌ، وَهِيَ الرَّاءُ، ثُمَّ أَتْبعوها سائرَ حروفِ الْمُضَارَعَةِ فَقَالُوا يَرَى ونَرَى وتَرَى كَمَا قَالُوا أَرَى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَحَكَى أَبو الْخَطَّابِ قدْ أَرْآهم، يَجيءُ بِهِ عَلَى الأَصل وَذَلِكَ قَلِيلٌ؛ قَالَ:

أَحِنُّ إِذَا رَأيْتُ جِبالَ نَجْدٍ، ***وَلَا أَرْأَى إِلَى نَجْدٍ سَبِيلا

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا أَرَى عَلَى احْتِمَالِ الزِّحافِ؛ قَالَ سُراقة الْبَارِقِيُّ:

أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرْأَياهُ، ***كِلانا عالِمٌ بالتُّرَّهاتِ

وَقَدْ رَوَاهُ الأَخفش: مَا لَمْ تَرَياهُ، عَلَى التَّخْفِيفِ الشَّائِعِ عَنِ الْعَرَبِ فِي هَذَا الْحَرْفِ.

التَّهْذِيبُ: وَتَقُولُ الرجلُ يَرَى ذاكَ، عَلَى التَّخْفِيفِ، قَالَ: وَعَامَّةُ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي يَرَى ونَرَى وتَرَى وأَرَى عَلَى التَّخْفِيفِ، قَالَ: ويعضهم يحقِّقُه فَيَقُولُ، وَهُوَ قَلِيلٌ، زيدٌ يَرْأَى رَأْيًا حَسَنًا كَقَوْلِكَ يَرْعَى رَعْيًا حَسَنًا، وأَنشد بَيْتَ سُرَاقَةَ الْبَارِقِيِّ.

وارْتَأَيْتُ واسْتَرْأَيْت: كرَأَيْت أَعني مِنْ رُؤية العَين.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى هَمْزِ مَا كَانَ مِنْ رَأَيْت واسْتَرْأَيْت وارْتَأَيْت فِي رُؤْية الْعَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ يَترُك الْهَمْزَ وَهُوَ قَلِيلٌ، قَالَ: وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَهمُوزٌ؛ وأَنشد فِيمَنْ خَفَّفَ:

صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ بِراعٍ ***رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا قَرَى فِي الحِلابِ؟

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا جَاءَ مَاضِيهِ بِلَا هَمزٍ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ أَيضًا: صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ "وَيُرْوَى: فِي الْعِلَابِ؛ وَمِثْلُهُ للأَحوص:

أَوْ عَرَّفُوا بصَنِيعٍ عندَ مَكْرُمَةٍ ***مَضَى، وَلَمْ يَثْنِه مَا رَا وَمَا سَمِعا

وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي أَرَأَيْتَ وأَ رَأَيْتَكَ أَرَيْتَ وأَ رَيْتَك، بِلَا هَمْزٍ؛ قَالَ أَبو الأَسود:

أَرَيْتَ امرَأً كُنْتُ لَمْ أَبْلُهُ ***أَتاني فَقَالَ: اتَّخِذْني خَلِيلا

فترَك الهمزةَ، وَقَالَ رَكَّاضُ بنُ أَبَّاقٍ الدُّبَيْري:

فقُولا صادِقَيْنِ لزَوْجِ حُبَّى ***جُعلْتُ لَهَا، وإنْ بَخِلَتْ، فِداءَ

أَرَيْتَكَ إنْ مَنَعْتَ كلامَ حُبَّى، ***أَتَمْنَعُني عَلَى لَيْلى البُكاءَ؟

وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ كَلَامُ حبَّى، وَالَّذِي رُوِيَ كَلَامُ لَيْلى؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:

أَرَيْتَ، إِذَا جالَتْ بكَ الخيلُ جَوْلةً، ***وأَنتَ عَلَى بِرْذَوْنَةٍ غيرُ طائِلِ

قَالَ: وأَنشد ابْنُ جِنِّي لِبَعْضِ الرُّجَّازِ:

أَرَيْتَ، إنْ جِئْتِ بِهِ أُمْلُودا ***مُرَجَّلًا ويَلْبَسُ البُرُودا،

أَقائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي هَذَا الْبَيْتِ الأَخير شُذُوذٌ، وَهُوَ لِحَاقُ نُونِ التَّأْكِيدِ لِاسْمِ الْفَاعِلِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والكلامُ الْعَالِي فِي ذَلِكَ الهمزُ، فَإِذَا جئتَ إِلَى الأَفعال الْمُسْتَقْبَلَةِ الَّتِي فِي أَوائلها الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ والأَلف اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ، الَّذِينَ يَهْمِزُونَ وَالَّذِينَ لَا يَهْمِزُونَ، عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ كَقَوْلِكَ يَرَى وتَرَى ونَرَى وأَرَى، قَالَ: وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ نَحْوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى، وإِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}؛ إِلَّا تَيمَ الرِّباب فَإِنَّهُمْ يَهْمِزُونَ مَعَ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ فَتَقُولُ هُوَ يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى وأَرْأَى، وَهُوَ الأَصل، فَإِذَا قَالُوا مَتَى نَراك قَالُوا مَتَى نَرْآكَ مِثْلَ نَرْعاك، وبعضٌ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ فَيَقُولُ مَتَى نَرَاؤكَ مِثْلَ نَراعُك؛ وأَنشد:

أَلا تِلْكَ جاراتُنا بالغَضى ***تقولُ: أَتَرْأَيْنَه لنْ يضِيفا

وأَنشد فِيمَنْ قَلَبَ:

مَاذَا نَراؤُكَ تُغْني فِي أَخي رَصَدٍ ***مِنْ أُسْدِ خَفَّانَ، جأْبِ الوَجْه ذِي لِبَدِ

وَيُقَالُ: رأَى فِي الْفِقْهِ رَأْيًا، وَقَدْ تَرَكَتِ الْعَرَبُ الْهَمْزَ فِي مُسْتَقْبَلِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَرُبَّمَا احْتَاجَتْ إِلَيْهِ فهَمَزَته؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنشد شاعِرُ تَيْمِ الرِّباب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ للأَعْلم بْنِ جَرادَة السَّعْدي:

أَلَمْ تَرْأَ مَا لاقَيْت والدَّهْرُ أَعْصُرٌ، ***وَمَنْ يَتَمَلَّ الدَّهْرَ يَرْأَ ويَسْمَعِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى ويَسْمَعُ، بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، لأَن الْقَصِيدَةَ مَرْفُوعَةٌ؛ وَبَعْدَهُ:

بأَنَّ عَزِيزًا ظَلَّ يَرْمي بِحَوْزِهِ ***إليَّ، وراءَ الحاجِزَينِ، ويُفْرِعُ

يُقَالُ: أَفْرَعَ إِذَا أَخذَ فِي بَطْنِ الْوَادِي؛ قَالَ وَشَاهِدُ تَرْكِ الْهَمْزَةِ مَا أَنشده أَبو زَيْدٍ:

لمَّا اسْتَمَرَّ بِهَا شَيْحانُ مُبْتَجِحٌ ***بالبَيْنِ عَنْك بِمَا يَرْآكَ شَنآنا

قَالَ: وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ، فَإِذَا جِئتَ إِلَى الأَمر فَإِنَّ أَهل الْحِجَازِ يَتْركون الْهَمْزَ فَيَقُولُونَ: رَ ذَلِكَ، وللإِثنين: رَيا ذَلِكَ، وَلِلْجَمَاعَةِ: رَوْا ذَلِكَ، وللمرأَة رَيْ ذَلِكَ، وللإِثنين كَالرَّجُلَيْنِ، وَلِلْجَمْعِ: رَيْنَ ذاكُنَّ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَهْمِزُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: ارْأَ ذَلِكَ وارْأَيا وَلِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ ارْأَيْنَ، قَالَ: فَإِذَا قَالُوا أَرَيْتَ فُلَانًا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِه أَرَيْتَكُم فُلَانًا أَفَرَيْتَكُم فَلَانًا فَإِنَّ أَهل الْحِجَازِ يَهْمِزُونَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِهِمُ الْهَمْزُ، فَإِذَا عَدَوْت أَهلَ الْحِجَازِ فَإِنَّ عامَّة العَرب عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ، نَحْوَ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ "أَرَيْتَكُمْ، وَبِهِ قرأَ الْكِسَائِيُّ تَرَك الْهَمْزَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: وَلَوْ تَرَ مَا أَهلُ مَكَّةَ، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: أَرادوا وَلَوْ تَرى مَا فَحَذَفُوا لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمال.

اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ إِنَّهُ لخَبِيثٌ وَلَوْ تَرَ مَا فلانٌ وَلَوْ تَرى مَا فُلَانٍ، رَفْعًا وَجَزْمًا، وَكَذَلِكَ وَلَا تَرَ مَا فلانٌ وَلَا تَرى مَا فُلانٌ فِيهِمَا جَمِيعًا وَجْهَانِ: الْجَزْمُ وَالرَّفْعُ، فَإِذَا قَالُوا إِنَّهُ لَخَبِيثٌ وَلَمْ تَرَ مَا فُلانٌ قَالُوهُ بِالْجَزْمِ، وَفُلَانٌ فِي كُلِّهِ رُفِعَ وتأْويلُها وَلَا سيَّما فلانٌ؛ حكي ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ كُلُّهُ.

وَإِذَا أَمَرْتَ مِنْهُ عَلَى الأَصل قُلْتَ: ارْءَ، وَعَلَى الْحَذْفِ: رَا.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ عَلَى الْحَذْفِ رَهْ، لأَن الأَمر مِنْهُ رَ زَيْدًا، وَالْهَمْزَةُ سَاقِطَةٌ مِنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ}، قَالَ: الْعَرَبُ لَهَا فِي أَرأَيْتَ لُغَتَانِ وَمَعْنَيَانِ: أَحدهما أَنْ يسأَلَ الرجلُ الرجلَ: أَرأَيتَ زَيْدًا بعَيْنِك؟ فَهَذِهِ مَهْمُوزَةٌ، فَإِذَا أَوْقَعْتَها عَلَى الرجلِ مِنْهُ قُلْتَ أَرَأَيْتَكَ عَلَى غيرِ هَذِهِ الْحَالِ، يُرِيدُ هَلْ رأَيتَ نَفْسَك عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ تُثَنِّي وتَجْمع فتقولُ لِلرَّجُلَيْنِ أَرَأَيْتُماكُما، وَلِلْقَوْمِ أَرَأَيْتُمُوكُمْ، وللنسوة أَرأَيْتُنَّكُنَّ، وللمرأَة أَرأَيْتِكِ، بِخَفْضِ التاءِ لَا يَجُوزُ إِلَّا ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ أَنْ تَقُولَ أَرأَيْتَكَ وأَنت تَقُولُ أَخْبِرْني، فتَهْمِزُها وتنصِب التاءَ مِنْهَا وتَتركُ الهمزَ إِنْ شِئْتَ، وَهُوَ أَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ، وتَتْرُكُ التاءَ مُوحَّدةً مَفْتُوحَةً لِلْوَاحِدِ وَالْوَاحِدَةِ وَالْجَمْعِ فِي مؤَنثه ومذكره، فنقول للمرأَة: أَرَأَيْتَكِ زَيْدًا هَلْ خَرج، وَلِلنِّسْوَةِ: أَرَأَيْتَكُنَّ زَيْدًا مَا فَعَل، وَإِنَّمَا تَرَكَتِ الْعَرَبُ التاءَ وَاحِدَةً لأَنهم لَمْ يُرِيدُوا أَن يَكُونَ الْفِعْلُ مِنْهَا وَاقِعًا عَلَى نَفْسِهَا فَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهَا فِي الْكَافِ وَوَجَّهُوا التَّاءَ إِلَى الْمُذَكَّرِ وَالتَّوْحِيدِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ وَاقِعًا، قَالَ: وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ فِي جَمِيعِ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي هَذِهِ الْكَافِ الَّتِي فِي أَرأَيتَكُمْ فَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ: لَفْظُهَا لفظُ نصبٍ وتأْويلُها تأْويلُ رَفْعٍ، قَالَ: وَمِثْلُهَا الْكَافُ الَّتِي فِي دُونَكَ زَيْدًا لأَنَّ الْمَعْنَى خُذْ زَيْدًا قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: وَهَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْه النَّحْوِيُّونَ القُدَماء، وَهُوَ خطَأٌ لأَن قَوْلَكَ أَرأَيْتَكَ زَيْدًا مَا شأْنُه يُصَيِّرُ أَرَأَيْتَ قَدْ تَعَدَّتْ إِلَى الْكَافِ وَإِلَى زيدٍ، فتصيرُ أَرأَيْتَ اسْمَيْن فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَرأَيْتَ نفْسَكَ زَيْدًا مَا حالُه، قَالَ: وَهَذَا مُحَالٌ وَالَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ الْمَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمْ أَن الْكَافَ لَا مَوْضِعَ لَهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَرأَيْتَ زَيْدًا مَا حالُه، وَإِنَّمَا الْكَافُ زِيَادَةٌ فِي بَيَانِ الْخِطَابِ، وَهِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الْخِطَابِ فَتَقُولُ لِلْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ: أَرَأَيْتَكَ زَيْدًا مَا حَالُهُ، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْكَافِ، وَتَقُولُ فِي الْمُؤَنَّثِ: أَرَأَيْتَكِ زَيْدًا مَا حالُه يَا مَرْأَةُ؛ فَتُفْتَحُ التَّاءُ عَلَى أَصل خِطَابِ الْمُذَكَّرِ وَتُكْسَرُ الْكَافُ لأَنها قَدْ صَارَتْ آخرَ مَا فِي الْكَلِمَةِ والمُنْبِئَةَ عَنِ الْخِطَابِ، فَإِنَّ عدَّيْتَ الْفَاعِلَ إِلَى الْمَفْعُولِ فِي هَذَا الْبَابِ صَارَتِ الكافُ مَفْعُولَةً، تَقُولُ: رأَيْتُني عَالِمًا بِفُلَانٍ، فَإِذَا سَأَلَتْ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ قلتَ لِلرَّجُلِ: أَرَأَيْتَكَ عَالِمًا بِفُلَانٍ، وللإِثنين أَرأَيتُماكما عالمَينِ بِفُلَانٍ، وَلِلْجَمْعِ أَرَأَيْتُمُوكُمْ، لأَن هَذَا فِي تأْويل أَرأَيتُم أَنْفُسَكم، وَتَقُولُ للمرأَة: أَرأَيتِكِ عالمَة بفُلانٍ، بِكَسْرِ التاء، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ.

وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ قَالَ: أَرأَيْتَكَ زَيْدًا قَائِمًا، إِذَا اسْتَخْبَر عَنْ زَيْدٍ تَرَكَ الْهَمْزَ وَيَجُوزُ الْهَمْزُ، وَإِذَا اسْتَخْبَرَ عَنْ حَالِ الْمُخَاطَبِ كَانَ الْهَمْزُ الِاخْتِيَارَ وَجَازَ تَرْكُه كَقَوْلِكَ: أَرَأَيْتَكَ نَفْسَك أَي مَا حالُك مَا أَمْرُك، وَيَجُوزُ أَرَيْتَكَ نَفْسَك.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَإِذَا جَاءَتْ أَرأَيْتَكُما وأَ رأَيْتَكُمْ بِمَعْنَى أَخْبِرْني كَانَتِ التَّاءُ موَحَّدة، فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى العِلْم ثَنَّيْت وجَمَعْت، قُلْتَ: أَرأَيْتُماكُما خارِجَيْنِ وأَ رأَيْتُمُوكُمْ خارِجِينَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ أَرأَيْتَكَ وأَ رأيْتَكُمْ وأَ رأَيْتَكما، وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ الِاسْتِخْبَارِ بِمَعْنَى أَخبِرْني وأَخْبِراني وأَخْبِرُوني، وتاؤُها مَفْتُوحَةٌ أَبدًا.

وَرَجُلٌ رَءَّاءٌ: كَثيِرُ الرُّؤيَةِ؛ قَالَ غِيلَانُ الرَّبَعي: " كأَنَّها وقَدْ رَآها الرَّءَّاءُ "وَيُقَالُ: رأَيْتُه بعَيْني رُؤيَةً ورأَيْتُه رَأْيَ العينِ أَي حَيْثُ يَقَعُ الْبَصَرُ عَلَيْهِ.

وَيُقَالُ: مِنْ رأْيِ القَلْبِ ارْتَأَيْتُ؛ وأَنشد:

أَلَا أَيُّها المُرْتَئِي فِي الأُمُور، ***سيَجْلُو العَمَى عنكَ تِبْيانُها

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذَا أَمرْتَ مَنْ رأَيْتَ قُلْتَ ارْأَ زَيْدًا كأنَّكَ قُلْتَ ارْعَ زَيْدًا، فَإِذَا أَردت التَّخْفِيفَ قُلْتَ رَ زَيْدًا، فَتُسْقِطُ أَلف الْوَصْلِ لِتَحْرِيكِ مَا بَعْدَهَا، قَالَ: وَمِنْ تَحْقِيقِ الْهَمْزِ قَوْلُكَ رأَيْت الرَّجُلَ، فَإِذَا أَردت التَّخْفِيفَ قُلْتَ رأَيت الرَّجُلَ، فحرَّكتَ الأَلف بِغَيْرِ إِشْبَاعِ الْهَمْزِ وَلَمْ تُسْقِطِ الْهَمْزَةَ لأَن مَا قَبْلَهَا مُتَحَرِّكٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن أَبا البَخْترِي قَالَ ترَاءَيْنا الهِلالَ بذاتِ عِرْق، فسأَلنا ابنَ عباسٍ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدَّهُ إِلَى رُؤْيَتِه فإنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فأَكْمِلوا العِدَّة، قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ تَراءَيْنا الهلالَ» أَي تَكَلَّفْنا النَّظَر إِلَيْهِ هل نَراهُ أَم لَا، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ انْطَلِقْ بِنَا حَتَّى نُهِلَّ الهلالَ أَي نَنْظُر أَي نراهُ.

وَقَدْ تَراءَيْنا الهِلالَ أَي نظرْناه.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ راءَيْتُ ورأَيْتُ، وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرَاوُون النَّاسَ.

وَقَدْ رأَّيْتُ تَرْئِيَةً: مِثْلَ رَعَّيْت تَرْعِيَةً.

وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَرَيْتُه الشيءَ إِرَاءَةً وإرايَةً وإرءَاءَةً.

الْجَوْهَرِيُّ: أَرَيْتُه الشيءَ فرآهُ وأَصله أَرْأَيْتُه.

والرِّئْيُ والرُّواءُ والمَرْآةُ: المَنْظَر، وَقِيلَ: الرِّئْيُ والرُّواءُ، بِالضَّمِّ، حُسْنُ المَنْظر فِي البَهاء والجَمال.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: « حَتَّى يتَبيَّنَ لَهُ رِئْيُهما »، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ، أَي مَنْظَرُهُما وَمَا يُرَى مِنْهُمَا.

وَفُلَانٌ مِنِّي بمَرْأىً ومَسْمَعٍ أَي بِحَيْثُ أَراهُ وأَسْمَعُ قولَه.

والمَرْآةُ عامَّةً: المَنْظَرُ، حَسَنًا كَانَ أَو قَبِيحًا.

وَمَا لهُ رُواءٌ وَلَا شاهِدٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا.

وَيُقَالُ: امرأَةٌ لَهَا رُواءٌ إِذَا كَانَتْ حَسَنةَ المَرْآةِ والمَرْأَى كَقَوْلِكَ المَنْظَرَة والمَنْظر.

الْجَوْهَرِيُّ: المَرْآةُ، بِالْفَتْحِ عَلَى مَفْعَلةٍ، المَنْظر الحَسن.

يُقَالُ: امرأَةٌ حَسَنةُ المَرْآةِ والمَرْأَى، وَفُلَانٌ حسنٌ فِي مَرْآةِ العَين أَي فِي النَّظَرِ.

وَفِي المَثل: تُخْبِرُ عَنْ مَجْهولِه مَرْآتُه أَي ظاهرُه يدلُّ عَلَى باطِنِه.

وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيا: « فَإِذَا رجلٌ كَرِيهُ المَرْآةِ »أَي قَبِيحُ المَنْظرِ.

يُقَالُ: رَجُلٌ حَسَنُ المَرْأَى والمَرْآةِ حَسُنَ فِي مَرْآةِ الْعَيْنِ، وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ الرُّؤْيَةِ.

والتَّرْئِيَةُ: حُسْنُ البَهاء وحُسْنُ المنظرِ، اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

أَمَّا الرُّواءُ ففِينا حَدُّ تَرْئِيَةٍ، ***مِثل الجِبالِ الَّتِي بالجِزْعِ منْ إضَمِ

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُمْ أَحْسَنُ أَثاثًا وَرِءْيًا}؛ قُرِئَتْ رِئْيًا؛ بِوَزْنِ رِعْيًا، وَقُرِئَتْ رِيًّا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الرِّئْيُ المَنْظَر، وَقَالَ الأَخفش: الرِّيُّ مَا ظَهَر عَلَيْهِ مِمَّا رأَيْت، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ المدينة يَقْرؤُونها رِيًّا، بِغَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ مِنْ رأَيْت لأَنَّه مع آياتٍ لَسْنَ مهموزاتِ الأَواخِر.

وَذَكَرَ بعضهم: أَنَّه ذهب بالرِّيِّ إلى رَوِيت إذا لم يُهْمَزْ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ رِيًّا، بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَلَهُ تَفْسِيرَانِ أَحدهما أَن مَنْظَرهُم مُرْتَوٍ مِنَ النَّعْمة كأَن النَّعِيم بَيِّنٌ فِيهِمْ وَيَكُونُ عَلَى ترك الهمز من رأَيت، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ مِنَ الْمَنْظَرِ مِنْ رأَيت، وَهُوَ مَا رأَتْهُ الْعَيْنُ مِنْ حالٍ حسَنة وَكُسْوَةٍ ظَاهِرَةٍ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِمُحَمَّدِ بْنِ نُمَير الثَّقَفِيِّ:

أَشاقَتْكَ الظَّعائِنُ يومَ بانُوا ***بِذِي الرِّئْيِ الجمِيلِ منَ الأَثاثِ؟

وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ إِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزِ أَو يَكُونَ مِنْ رَوِيَتْ أَلْوانهم وَجُلُودُهُمْ رِيًّا أَي امْتَلأَتْ وحَسُنَتْ.

وَتَقُولُ للمرأَة: أَنتِ تَرَيْنَ، وَلِلْجَمَاعَةِ: أَنْتُنَّ تَرَيْنَ، لأَن الْفِعْلَ لِلْوَاحِدَةِ وَالْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ فِي الْمُوَاجَهَةِ فِي خَبَرِ المرأَةِ مِنْ بنَاتِ الْيَاءِ، إِلَّا أَن النُّونَ الَّتِي فِي الْوَاحِدَةِ عَلَامَةُ الرَّفْعِ وَالَّتِي فِي الْجَمْعِ إِنَّمَا هِيَ نُونُ الْجَمَاعَةِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفَرْقٌ ثَانٍ أَن الياءَ فِي تَرَيْن لِلْجَمَاعَةِ حَرْفٌ، وَهِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ، وَالْيَاءُ فِي فِعْلِ الْوَاحِدَةِ اسْمٌ، وَهِيَ ضَمِيرُ الْفَاعِلَةِ الْمُؤَنَّثَةِ.

وَتَقُولُ: أَنْتِ تَرَيْنَني، وَإِنْ شِئْتَ أَدغمت وَقُلْتَ تَرَيِنِّي، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، كَمَا تَقُولُ تَضْرِبِنِّي.

واسْتَرْأَى الشيءَ: اسْتَدْعَى رُؤيَتَه.

وأَرَيْتُه إِيَّاهُ إراءَةً وَإِرَاءً؛ الْمَصْدَرُ عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: الْهَاءُ لِلتَّعْوِيضِ، وَتَرَكَهَا عَلَى أَن لَا تعوَّض وَهْمٌ مِمَّا يُعَوِّضُونَ بَعْدَ الْحَذْفِ وَلَا يُعَوِّضون.

ورَاءَيْت الرجلَ مُراآةً ورِياءً: أَرَيْته أَنِّي عَلَى خِلَافِ مَا أَنا عَلَيْهِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {بَطَرًا وَرِئاءَ النَّاسِ}، وَفِيهِ: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ "؛ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ أَي إِذَا صَلَّى الْمُؤْمِنُونَ صَلَّوا معَهم يُراؤُونهُم أَنَّهم عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ.

وَفُلَانٌ مُراءٍ وقومٌ مُراؤُونَ، والإِسم الرِّياءُ.

يُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ رِياءً وسُمْعَةً.

وَتَقُولُ مِنَ الرِّياء يُسْتَرْأَى فلانٌ، كَمَا تَقُولُ يُسْتَحْمَقُ ويُسْتَعْقَلُ؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو.

وَيُقَالُ: رَاءَى فُلَانٌ الناسَ يُرائِيهِمْ مُراآةً، ورَايَاهم مُرَايَاةً، عَلَى القَلْب، بِمَعْنًى، ورَاءَيْته مُراآةً ورِيَاءً قابَلْته فرَأَيْته، وَكَذَلِكَ تَرَاءَيْته؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

أَبَى اللهُ إِلَّا أَن يُقِيدَكَ، بَعْدَ ما ***تَراءَيْتُموني مِنْ قَرِيبٍ ومَوْدِقِ

يَقُولُ: أَقاد اللَّهُ مِنْكَ عَلانيَةً وَلَمْ يُقِدْ غِيلَة.

وَتَقُولُ: فُلَانٌ يَتَرَاءَى أَي يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي المِرْآةِ أَو فِي السَّيْفِ.

والمِرْآة: مَا تَراءَيْتَ فِيهِ، وَقَدْ أَرَيْته إِيَّاهَا.

ورَأَّيْتُه تَرْئِيَةً: عَرَضْتُها عَلَيْهِ أَو حَبَسْتُهَا لَهُ يَنْظُرُ نفسَه وتَرَاءَيْتُ فِيهَا وتَرَأَّيْتُ.

وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: « لَا يتَمَرْأَى أَحدُكم فِي الْمَاءِ» أَي لَا يَنْظُر وَجْهَه فِيهِ، وَزْنُه يتَمَفْعَل مِنَ الرُّؤْية كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: تَمَسْكَنَ مِنَ المَسْكَنة، وتَمدْرَع مِنَ المَدْرَعة، وَكَمَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَمَنْدَلْت بالمِندِيل.

وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا يتَمَرْأَى أَحدُكُم فِي الدُّنْيَا» أَي لَا يَنْظُر فيها، وقال: وَفِي رِوَايَةٍ لَا يتَمَرْأَى أَحدُكم بالدُّنيا مِنَ الشَّيْءِ المَرْئِيِّ.

والمِرآةُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا، وَجَمْعُهَا المَرَائِي وَالْكَثِيرُ المَرَايَا، وَقِيلَ: مَنْ حوَّل الْهَمْزَةَ قَالَ المَرَايَا.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: تَراءَيْتُ فِي المِرآةِ تَرَائِيًا ورَأَّيْتُ الرجلَ تَرْئِيَةً إِذَا أَمْسَكْتَ لَهُ "المِرآةَ لِيَنْظُر فِيهَا.

وأَرْأَى الرجلُ إِذا تراءَى فِي المِرآة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

إِذا الفَتى لَمْ يَرْكَبِ الأَهْوالا، ***فأَعْطِه المِرْآة والمِكْحالا،

واسْعَ لَهُ وعُدَّهُ عِيالا "والرُّؤْيا: مَا رأَيْته فِي منامِك، وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ رُيَّا، قَالَ: وَهَذَا عَلَى الإِدغام بَعْدَ التَّخْفِيفِ الْبَدَلِيِّ، شَبَّهُوا وَاوَ رُويا الَّتِي هِيَ فِي الأَصل هَمْزَةٌ مُخَفَّفَةٌ بِالْوَاوِ الأَصلية غَيْرِ المقدَّر فِيهَا الْهَمْزُ، نَحْوُ لوَيْتُ لَيًّا وشَوَيْتُ شَيًّا، وَكَذَلِكَ حَكَى أَيضًا رِيَّا، أَتبع الْيَاءَ الْكَسْرَةَ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْيَاءِ الْوَضْعِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَخْفِيفِ رُؤْيا رِيَّا، بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَذَلِكَ أَنه لَمَّا كَانَ التَّخْفِيفُ يصيِّرها إِلى رُويَا ثُمَّ شُبِّهَتِ الْهَمْزَةُ الْمُخَفَّفَةُ بِالْوَاوِ الْمُخَلَّصَةِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَرْنٌ أَلْوى وقُرُونٌ لُيٌّ وأَصلها لُويٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ إِلى الْيَاءِ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ أَقيسُ الْقَوْلَيْنِ قَلْبَها، كَذَلِكَ أَيضًا كُسِرَتِ الرَّاءُ فَقِيلَ رِيَّا كَمَا قِيلَ قُرون لِيٌّ، فَنَظِيرُ قَلْبِ وَاوِ رُؤْيَا إِلحاقُ التَّنْوِينِ مَا فِيهِ اللامُ، وَنَظِيرُ كَسْرِ الراءِ إِبدالُ الأَلف فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُنَوَّنِ الْمَنْصُوبِ مِمَّا فِيهِ اللَّامُ نَحْوُ العِتابا، وَهِيَ الرُّؤَى.

ورأَيتُ عَنْكَ رُؤىً حَسَنَةً: حَلَمتها.

وأَرْأَى الرجلُ إِذا كَثُرَتْ رُؤَاهُ، بِوَزْنِ رُعاهُ، وَهِيَ أَحْلامه، جمعُ الرُّؤْيا.

ورَأَى فِي مَنَامِهِ رُؤْيا، عَلَى فُعْلى بِلَا تَنْوِينٍ، وجمعُ الرُّؤْيا رُؤىً، بِالتَّنْوِينِ، مِثْلُ رُعىً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ الرُّؤْيا فِي اليَقَظَة؛ قَالَ الرَّاعِي:

فكَبَّر للرُّؤْيا وهَشَّ فُؤادُه، ***وبَشَّرَ نَفْسًا كَانَ قَبْلُ يَلُومُها

وَعَلَيْهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تعالى: {وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}؛ قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي الطَّيِّبِ: " ورُؤْياكَ أَحْلى، فِي العُيون، مِنَ الغَمْضِ التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ}؛ إِذا تَرَكَتِ العربُ الْهَمْزَ مِنَ الرُّؤْيا قَالُوا الرُّويا طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، فإِذا كَانَ مِنْ شأْنهم تحويلُ الْوَاوِ إِلى الْيَاءِ قَالُوا: لَا تَقْصُصْ رُيَّاك، فِي الْكَلَامِ، وأَما فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ؛ وأَنشد أَبو الْجَرَّاحِ:

لَعِرْضٌ مِنَ الأَعْراض يُمْسِي حَمامُه، ***ويُضْحي عَلَى أَفنانهِ الغِينِ يَهْتِفُ

أَحَبُّ إِلى قَلْبي مِنَ الدِّيكِ رُيَّةً ***.

وبابٍ، إِذا مَا مالَ للغَلْقِ يَصْرِفُ

أَراد رُؤْيةً، فَلَمَّا تَرَكَ الْهَمْزَ وَجَاءَتْ وَاوٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحَوَّلَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا يُقَالُ لَوَيْتُه لَيًّا وكَوَيْتُه كَيًّا، والأَصل لَوْيًا وكَوْيًا؛ قَالَ: وإِن أَشرتَ فِيهَا إِلى الضَّمَّةِ فَقُلْتَ رُيَّا فَرَفَعْتَ الرَّاءَ فَجَائِزٌ، وَتَكُونُ هَذِهِ الضَّمَّةُ مِثْلَ قوله وحُيلَ [حِيلَ] وسُيق [سِيق] بالإِشارة.

وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنه سَمِعَ أَعرابيًّا يَقْرَأُ: " إِن كُنْتُمْ للرُّيَّا تَعْبُرون.

وَقَالَ اللَّيْثُ: رأَيتُ رُيَّا حَسَنة، قَالَ: وَلَا تُجْمَعُ الرُّؤْيا، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُجْمَعُ الرُّؤْيا رُؤىً كَمَا يُقَالُ عُلْيًا وعُلىً.

والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الجِنِّيُّ يَرَاهُ الإِنسانُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لَهُ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ ورِئِيٌّ إِذا كَانَ يُحِبه ويُؤَالِفُه، وَتَمِيمٌ تَقُولُ رِئِيٌّ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ، مِثْلُ سِعيد وبِعِير.

اللَّيْثُ: الرَّئِيُّ جنِّيّ يَتَعَرَّضُ لِلرَّجُلِ يُريه كَهَانَةً وطِبًّا، يُقَالُ: مَعَ فُلَانٍ رَئِيٌّ.

قَالَ ابْنُ الأَنباري: بِهِ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ بِوَزْنِ رَعِيّ، وَهُوَ الَّذِي يَعْتَادُ الإِنسان مِنَ الجنّ.

ابن الأَعرابي: أَرْأَى الرجلُ إِذا صَارَ لَهُ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « قَالَ لِسَوادِ بنِ قارِبٍ أَنتَ الَّذِي أَتاكَ رَئِيُّكَ بِظُهور رسولِ اللَّهِ»، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

يُقَالُ لِلتَّابِعِ مِنَ الْجِنِّ: رَئِيٌّ بِوَزْنِ كَمِيٍّ، وَهُوَ فَعِيلٌ أَو فَعُولٌ، سُمِّي بِهِ لأَنه يَتَراءى لمَتْبوعه أَو هُوَ مِنَ الرَّأْيِ، مِنْ قَوْلِهِمْ فلانٌ رَئِيُّ قومِهِ إِذا كَانَ صَاحِبَ رأْيِهِم، قَالَ: وَقَدْ تُكْسَرُ رَاؤُهُ لِاتِّبَاعِهَا مَا بَعْدَهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" الخُدْري: فإِذا رَئِيٌّ مِثْلُ نِحْيٍ "، يَعْنِي حَيَّةً عظِيمَةً كالزِّقِّ، سَمَّاهَا بالرَّئِيِّ الجِنِّ لأَنهم يَزْعُمُونَ أَن الحيَّاتِ مِنْ مَسْخِ الجِنِّ، وَلِهَذَا سَمَّوْهُ شَيْطَانًا وحُبابًا وَجَانًّا.

وَيُقَالُ: بِهِ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ أَي مَسٌّ.

وتَرَاءَى لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْجِنِّ، وَلِلِاثْنَيْنِ تَرَاءَيَا، وَلِلْجَمْعِ تَراءَوْا.

وأَرْأَى الرجلُ إِذا تَبَّيَنت الرَّأْوَة فِي وجْهِه، وَهِيَ الحَماقة.

اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ عَلَى وَجْهِهِ رَأْوَةُ الحُمْقِ إِذا عَرَفْت الحُمْق فِيهِ قَبْلَ أَن تَخْبُرَهُ.

وَيُقَالُ: إِن فِي وَجْهِهِ لرَأْوَةً أَي نَظْرَة ودَمامَةً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ رَأْوَةَ الحُمْقِ.

قَالَ أَبو عَلِيٍّ: حَكَى يَعْقُوبُ عَلَى وَجْهِهِ رَأْوَةٌ، قَالَ: وَلَا أَعرف مثلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي تَصْرِيفِ رَأَى.

ورَأْوَةُ الشَّيْءِ: دلالَتُه.

وَعَلَى فُلان رَأْوَةُ الحُمْقِ أَي دَلالَته.

والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الثَّوْبُ يُنْشَر للبَيْع؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ.

التَّهْذِيبُ: الرِّئْيُ بِوَزْنِ الرِّعْيِ، بِهَمْزَةٍ مسَكَّنَةٍ، الثوبُ الْفَاخِرُ الَّذِي يُنشَر ليُرى حُسْنُه؛ وأَنشد: " بِذِي الرِّئْيِ الجَميلِ مِنَ الأَثاثِ وَقَالُوا: رَأْيَ عَيْني زيدٌ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ نادِرِ المصادِرِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَنَظِيرُهُ سَمْعَ أُذُنِي، وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا فِي المُتَعَدِّيات.

الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ بعينٍ مَا أَرَيَنَّكَ أَي اعْجَلْ وكُنْ كأَنِّي أَنْظُر إِلَيْكَ.

وَفِي حَدِيثِ حنَظلة: « تُذَكِّرُنا بالجَنَّةِ والنَّارِ كأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ».

تَقُولُ: جعلتُ الشَّيْءَ رَأْيَ عَيْنِك وبمَرْأًى مِنْكَ أَي حِذاءَكَ ومُقابِلَك بِحَيْثُ تَرَاهُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَي كأَنَّا نراهُما رَأْيَ العَيْنِ.

والتَّرْئِيَةُ، بِوَزْنِ التَّرْعِيةِ: الرجلُ المُخْتال، وَكَذَلِكَ التَّرَائِيَة بوزْنِ التَّراعِيَة.

والتَّرِيَّة والتَّرِّيَّة والتَّرْيَة، الأَخيرة نَادِرَةٌ: مَا تَرَاهُ المرأَة مِنْ صُفْرةٍ أَو بَياضٍ أَو دمٍ قليلٍ عِنْدَ الْحَيْضِ، وَقَدْ رَأَتْ، وَقِيلَ: التَّرِيَّة الخِرْقَة الَّتِي تَعْرِفُ بِهَا المرأَةُ حَيْضَها مِنْ طُهْرِهَا، وَهُوَ مِنَ الرُّؤْيَةِ.

وَيُقَالُ للمَرْأَةِ: ذاتُ التَّرِيَّةِ، وَهِيَ الدَّمُ الْقَلِيلُ، وَقَدْ رَأَتْ تَرِيَّةً أَي دَمًا قَلِيلًا.

اللَّيْثُ: التَّرِّيَّة مشدَّدة الرَّاءِ، والتَّرِيَّة خَفِيفَةُ الرَّاءِ، والتَّرْية بجَزْمِ الرَّاءِ، كُلُّها لُغَاتٌ وَهُوَ مَا تَرَاهُ المرأَةُ مِنْ بَقِيَّة مَحِيضِها مِنْ صُفْرة أَو بَيَاضٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنّ الأَصل فِيهِ تَرْئِيَةٌ، وَهِيَ تَفْعِلَةٌ مِنْ رأَيت، ثُمَّ خُفِّفَت الهَمْزة فَقِيلَ تَرْيِيَةٌ، ثُمَّ أُدْغِمَت الياءُ فِي الْيَاءِ فَقِيلَ تَرِيَّة.

أَبو عُبِيدٍ: التَّرِيَّةُ فِي بَقِيَّةِ حَيْضِ المرأَة أَقَلُّ مِنَ الصُّفْرَةِ والكُدْرَة وأَخْفَى، تَراها المرأَةُ عِنْدَ طُهْرِها لِتَعْلم أَنَّها قَدْ طَهُرَت مِنْ حَيْضِها، قَالَ شَمِرٌ: وَلَا تَكُونُ التَّرِيَّة إِلا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، فأَما مَا كَانَ فِي أَيام الْحَيْضِ فَلَيْسَ بتَرِيَّة وَهُوَ حَيْضٌ، وَذَكَرَ الأَزهري هَذَا فِي تَرْجَمَةِ التَّاءِ وَالرَّاءِ مِنَ الْمُعْتَلِّ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّرِيَّة الشيءُ الخَفِيُّ اليَسيِرُ مِنَ الصُّفْرة والكْدْرة تَراها المرأَةُ بَعْدَ الاغْتِسال مِنَ الحَيْضِ.

وَقَدْ رَأَتِ المرأَة تَرِيئَةً إِذا رَأَت الدَّمَ القليلَ عِنْدَ الْحَيْضِ، وَقِيلَ: التَّرِيَّة الماءُ الأَصْفَر الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَصل فِي تَرِيَّة تَرْئِيَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الرَّاءِ فَبَقِيَ تَرِئْيَة، ثُمَّ قُلِبَتِ الْهَمْزَةِ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا كَمَا فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي المَراة والكَماة، والأَصل المَرْأَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلى الرَّاءِ ثُمَّ أُبدلت الْهَمْزَةُ أَلفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا.

وَفِي حَدِيثِ أُمّ عَطِيَّةَ: « كُنَّا لَا نَعُدُّ الكُدْرة والصُّفْرة والتَّرِيَّة شَيْئًا »، وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ الأَثير تَفْسِيرَهُ فَقَالَ: التَّرِيَّة، بِالتَّشْدِيدِ، مَا تَرَاهُ المرأَة بَعْدَ الْحَيْضِ وَالِاغْتِسَالِ مِنْهُ مِنْ كُدْرة أَو صُفْرة، وَقِيلَ: هِيَ الْبَيَاضُ الَّذِي تَرَاهُ عِنْدَ الطُّهْر، وَقِيلَ: هِيَ الخِرْقة الَّتِي تَعْرِف بِهَا المرأَة حيضَها مِنْ طُهْرِها، والتاءُ فِيهَا زَائِدَةٌ لأَنه مِنَ الرُّؤْية، والأَصل فِيهَا الْهَمْزُ، وَلَكِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وشدَّدوا الياءَ فَصَارَتِ اللَّفْظَةُ كأَنها فَعِيلَةٌ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يُشَدِّدُ الراءَ وَالْيَاءَ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن الْحَائِضَ إِذا طَهُرت واغْتَسَلت ثُمَّ عَادَتْ رَأَتْ صُفْرة أَو كُدْرة لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَلَمْ يُؤَثِّر فِي طُهْرها.

وتَراءَى القومُ: رَأَى بعضُهُم بَعْضًا.

وتَراءَى لِي وتَرَأَّى؛ عَنْ ثَعْلَبٍ: تَصَدَّى لأَرَاهُ.

ورَأَى المكانُ المكانَ: قابَلَه حَتَّى كَأَنَّه يَراهُ؛ قَالَ سَاعِدَةُ:

لَمَّا رَأَى نَعْمانَ حَلَّ بِكِرْفِئٍ ***عَكِرٍ، كَمَا لَبَجَ النُّزُولَ الأَرْكُبُ

وقرأَ أَبو عَمْرٍو: وأَرْنا مَنَاسِكَنا "، وَهُوَ نادِرٌ لِمَا يَلْحَقُ الفعلَ مِنَ الإِجْحاف.

وأَرْأَتِ الناقَةُ والشاةُ مِنَ المَعَز والضَّأْنِ، بتَقْدِير أَرْعَتْ، وَهِيَ مُرْءٍ ومُرْئِيَةٌ: رؤِيَ فِي ضَرْعها الحَمْلُ واسْتُبينَ وعَظُمَ ضَرْعُها، وَكَذَلِكَ المَرْأَة وجميعُ الحَوامِل إِلا فِي الحَافِر والسَّبُع.

وأَرْأَت العَنْزُ: وَرِمَ حَياؤُها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيهَا.

التَّهْذِيبُ: أَرْأَت العَنْزُ خاصَّة، وَلَا يُقَالُ لِلنَّعْجة أَرْأَتْ، وَلَكِنْ يُقَالُ أَثْقَلَت لأَن حَياءَها لَا يَظْهَر.

وأَرْأَى الرجلُ إِذا اسْوَدَّ ضَرْعُ شاتِهِ.

وتَرَاءَى النَّخْلُ: ظَهَرَت أَلوانُ بُسْرِهِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وكلُّه مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ.

ودُورُ الْقَوْمِ مِنَّا رِئَاءٌ أَي مُنْتَهَى البَصَر حيثُ نَرَاهُم.

وهُمْ مِنِّي مَرْأىً ومَسْمَعٌ، وإِن شئتَ نَصَبْتَ، وَهُوَ مِنَ الظُّرُوفِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي أُجْرِيَتْ مُجْرَى غَيْرِ الْمَخْصُوصَةِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ مَناطَ الثُّرَيَّا ومَدْرَجَ السُّيُول، وَمَعْنَاهُ هُوَ مِنِّي بحيثُ أَرَاهُ وأَسْمَعُه.

وهُمْ رِئَاءُ أَلْفٍ أَي زُهَاءُ أَلْفٍ فِيمَا تَرَى العَيْنُ.

ورأَيت زَيْدًا حَلِيمًا: عَلِمْتُه، وَهُوَ عَلَى المَثَل برُؤْيَةِ العَيْن.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتابِ}؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَم أَي أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلى هَؤُلاء، ومَعْناه اعْرِفْهُم يَعْنِي عُلَمَاءَ أَهل الْكِتَابِ، أَعطاهم اللَّهُ عِلْم نُبُوّةِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بأَنه مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإِنجيل يَأْمرُهم بالمَعْروف ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكر، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {أَلَمْ تَرَ} " أَلَمْ تُخْبِرْ، وتأْويلُهُ سُؤالٌ فِيهِ إِعْلامٌ، وتَأْوِيلُه أَعْلِنْ قِصَّتَهُم، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ: « أَلَمْ تَرَ إِلى فلان، وأَلَمْ تَرَ إِلى كَذَا»، وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا العربُ عِنْدَ التَّعَجُّب مِنَ الشَّيْءِ وَعِنْدَ تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ}، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتابِ}؛ أَي أَلَمْ تَعْجَبْ لِفِعْلِهِم، وأَلَمْ يَنْتَه شأْنُهُم إِليك.

وأَتاهُم حِينَ جَنَّ رُؤْيٌ رُؤْيًا ورَأْيٌ رَأْيًا أَي حينَ اختَلَطَ الظَّلام فلَمْ يَتَراءَوْا.

وارْتَأَيْنا فِي الأَمْرِ وتَراءَيْنا: نَظَرْناه.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه، وذَكَر المُتْعَة: « ارْتَأَى امْرُؤٌ بعدَ ذَلِكَ مَا شاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ» أَي فكَّر وتَأَنَّى، قَالَ: وَهُوَ افْتَعَل مِنْ رُؤْيَة القَلْب أَو مِنَ الرَّأْيِ.

ورُوِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: أَنا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، قِيلَ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا تَراءَى نَارَاهُما "؛ قَالَ ابنُ الأَثِير: أَي يَلْزَمُ المُسْلِمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَن يُباعِدَ مَنْزِلَه عَنْ مَنْزِل المُشْرِك وَلَا يَنْزِل بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِذا أُوقِدَتْ فِيهِ نارُه تَلُوح وتَظْهَرُ لِنَارِ المُشْرِكِ إِذا أَوْقَدَها فِي مَنْزِله، وَلَكِنَّهُ يَنْزِل معَ المُسْلِمِين فِي دَارِهِم، وإِنما كَرِهَ مُجاوَرَة الْمُشْرِكِينَ لأَنهم لَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا أَمانَ، وحَثَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الهِجْرة؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَن يَسْكُنَ بلادَ المُشْرِكين فيكونَ مَعَهم بقَدْر مَا يَرَى كلُّ واحدٍ مِنْهُمْ نارَ صاحِبه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


48-مجمل اللغة (وضع)

وضع: وضعت الشيء وضعًا.

وحكى الفراء: وضعت الشيء موضعًا.

وضعت المرأة ولدها وضعًا.

فأما الوضع، فإن تحمل المرأة في آخر طهرها في مقبل الحيضة، وهو التضعُ.

ووضع الرجل في تجارتيه يوضع، إذا خسر.

والوضائع: قوم ينقلون من بلد إلى بلد ليسكنوه.

والوضيع: الرجل الدنىء في حسبه، ضَعةَ وضِعة.

والدابة تضع في سيرها وضعًا، وهو سير سهل سريع.

يقال: إنها لحسنة الموضوع، وأوضعها راكبها.

وواضعت الرجل في الأمر: ناطرته فيه.

والضعة: شجرة.

والواضعات: الإبل تأكل الحمض.

وهؤلاء أصحاب الزضيعة، أي: أصحاب حمض مقيمين فيه.

قال:

رأى صاحبي في الواضعات نجيبةً

وأمثالها في العادياتِ القوامسِ

ورجل موضع، أي: ليس بمستحكم الخلق.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


49-مقاييس اللغة (قري)

(قَرِيَ) الْقَافُ وَالرَّاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جُمَعٍ وَاجْتِمَاعٍ.

مِنْ ذَلِكَ الْقَرْيَةُ، سُمِّيَتْ قَرْيَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا.

وَيَقُولُونَ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْمِقْرَاةِ: جَمَعْتُهُ، وَذَلِكَ الْمَاءُ الْمَجْمُوعُ قَرِيٌّ.

وَجَمْعُ الْقَرْيَةِ قُرًى، جَاءَتْ عَلَى كُسْوَةٍ وَكُسًى.

وَالْمِقْرَاةُ: الْجَفْنَةُ، سُمِّيَتْ لِاجْتِمَاعِ الضَّيْفِ عَلَيْهَا، أَوْ لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ طَعَامٍ.

وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْوُ، وَهُوَ كَالْمِعْصَرَةِ.

قَالَ:

أَرْمِي بِهَا الْبَيْدَاءَ إِذْ أَعْرَضَتْ *** وَأَنْتَ بَيْنُ الْقَرْوِ وَالْعَاصِرِ

وَالْقَرْوُ: حَوْضٌ مَعْرُوفٌ مَمْدُودٌ عِنْدَ الْحَوْضِ الْعَظِيمِ، تَرِدُهُ الْإِبِلُ.

وَمِنَ الْبَابِ الْقَرْوُ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ.

تَقُولُ: رَأَيْتُ الْقَوْمَ عَلَى قَرْوٍ وَاحِدٍ.

"وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْقَرْوَ: الْقَصْدُ; تَقُولُ: قَرَوْتُ وَقَرَيْتُ، إِذَا سَلَكْتَ."

وَقَالَ النَّابِغَةُ:

يَقْرُوا الدَّكَادِكَ مِنْ ذَنَبَانِ وَالْأَكَمَا.

وَهَذَا عِنْدَنَا مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ يَتْبَعُهَا قَرْيَةً قَرْيَةً.

وَمِنَ الْبَابِ الْقَرَى: الظَّهْرُ، وَسُمِّيَ قَرًى لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الْعِظَامِ.

وَنَاقَةٌ قَرْوَاءُ: شَدِيدَةُ الظَّهْرِ.

قَالَ:

مَضْبُورَةٍ قَرْوَاءَ هِرْجَابٍ فُنُقْ.

وَلَا يُقَالُ لِلْبَعِيرِ أَقْرَى.

وَإِذَا هُمِزَ هَذَا الْبَابُ كَانَ هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءً.

يَقُولُونَ: مَا قَرَأَتْ هَذِهِ النَّاقَةُ سَلًى، كَأَنَّهُ يُرَادُ أَنَّهَا مَا حَمَلَتْ قَطُّ.

قَالَ:

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ *** هَجَّانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا

قَالُوا: وَمِنْهُ الْقُرْآنُ، كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَمْعِهِ مَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْقِصَصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

فَأَمَّا أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ فَيُقَالُ إِنَّهَا مِنْ هَذَا أَيْضًا.

وَذَكَرُوا أَنَّهَا تَكُونُ كَذَا فِي حَالِ طُهْرِهَا، كَأَنَّهَا قَدْ جَمَعَتْ دَمَهَا فِي جَوْفِهَا فَلَمْ تُرْخِهِ.

وَنَاسٌ يَقُولُونَ: إِنَّمَا إِقْرَاؤُهَا: خُرُوجُهَا مِنْ طُهْرٍ إِلَى حَيْضٍ، أَوْ حَيْضٍ إِلَى طُهْرٍ.

قَالُوا: وَالْقُرْءُ: وَقْتٌ، يَكُونُ لِلطُّهْرِ مَرَّةً وَلِلْحَيْضِ مَرَّةً.

وَيَقُولُونَ: هَبَّتِ الرِّيَاحُ لِقَارِئِهَا: لِوَقْتِهَا.

وَيُنْشِدُونَ:

شَنِئَتِ الْعَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ *** إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ

وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّهَا مُشْكِلَةٌ.

وَزَعَمَ نَاسٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الطُّهْرِ فَقَالُوا:

وَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ: الْقَارِئَةُ، وَهُوَ الشَّاهِدُ.

وَيَقُولُونَ: النَّاسُ قَوَارِي اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ، هُمُ الشُّهُودُ.

وَمُمْكِنٌ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ الْقِيَاسِ، أَيْ إِنَّهُمْ يَقْرُونَ الْأَشْيَاءَ حَتَّى يَجْمَعُوهَا عِلْمًا ثُمَّ يَشْهَدُونَ بِهَا.

وَمِنَ الْبَابِ الْقِرَةُ: الْمَالُ، مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ.

وَالْقِرَةُ: الْعِيَالُ.

وَأَنْشَدَ فِي الْقُرَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَالُ:

مَا إِنْ رَأَيْنَا مَلِكًا أَغَارَا *** أَكْثَرَ مِنْهُ قِرَةً وَقَارَا

وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا الْبَابِ الْقَارِّيَّةُ، طَرَفُ السِّنَانِ.

وَحَدُّ كُلِّ شَيْءٍ: قَارِيَتُهُ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


50-صحاح العربية (وضع)

[وضع] المَوْضِعُ: المكان.

والمَوْضِعُ أيضًا: مصدر قولك وضعت الشئ من يدي وَضْعًا، ومَوْضوعًا وهو مثل المعقول، ومَوْضِعًا.

والموْضَعُ بفتح الضاد: لغة في الموضع، سمعها الفراء.

ويقال في الحَجَر وفي اللبِن إذا بُنِي به: ضَعْهُ على غير هذه الوضعة والوضعة والضعة،

كله بمعنى.

والهاء في الضِعَةِ عوض من الواو.

والوَضيعَةُ: واحدة الوضائِعِ، وهي أثقال القوم.

ويقال: أين خَلَّفوا وضائِعَهم.

والوَضيعَةُ أيضًا: نحو وَضائِعِ كِسرى، كان ينقلُ قومًا من أرض فيسكنهم أرضا أخرى، وهم الشِحَنُ والمَسالِحُ.

والوَضيعُ: أن يؤخذ التمر قبل أن يلبس فيوضع في الجِرار.

وتقول: وَضَعْتُ عند فلان وَضيعًا، أي استودعته وديعةً.

والوضيع أيضا: الدنئ من الناس.

ويقال: في حسبه ضَعَةٌ وضِعَةٌ، والهاء عوض من الواو.

المواضعة: المراهنة.

والمواضعة: متاركة البيع.

وواضَعْتُهُ في الأمر، إذا وافقته فيه على شئ.

والضعة: شجر من الحمض.

هذا إذا جعلت الهاء عوضا من الواو الذاهبة من أوله، فأما إن كانت من آخره فهو من باب المعتل.

يقال: ناقة واضعة، للتي ترعاها، ونوقٌ واضِعاتٌ.

قال أبو زيد: إن رَعَتِ الحَمْضَ حول الماء ولم تبرح قيل: وضعت تضع وضيعة،

فهى واضعة، قال: وكذلك وَضَعْتها أنا، وهي مَوْضوعةٌ، يتعدَّى ولا يتعدَّى.

وهؤلاء أصحاب الوَضيعَةِ، أي أصحاب حَمْضٍ مقيمون فيه.

ووَضَعَتِ المرأة خِمارها وامرأةٌ واضِعٌ، أي لا خِمار عليها.

ووَضَعَتِ المرأة وَضْعًا بالفتح، أي وَلَدت.

ووَضَعَتْ وُضْعًا بالضم، أي حملتْ في آخر طهرها من مُقْبَلِ الحَيضةِ، فهي واضِعٌ، عن ابن السكيت، يقال: ما حملته أمه وضعا وتضعا أيضا وتضعا.

قال الراجز: تقول والجردان فيها مكتنع *** أما تخاف حبلا على تضع *** ووضعَ البعير وغيره، أي أسرع في سيره.

وقال دريد

يا ليتنى فيها جذع *** أخب فيها وأضع *** وبعير حسن الموضوع، قال طرفة: مَوْضوعُها زَوْلٌ ومَرْفوعُها *** كَمَرِّ صَوْبٍ لَجِبٍ وَسْطَ ريحْ *** وأوضعه راكبه.

وأنشد أبو عمرو: إن دليما قد ألاح من أبى *** وقال أنزلنى فلا إيضاعَ بي *** أي لا أقدر على أن أسير.

قال اليزيدى: يقال: وُضِعَ الرجل في تِجارته وأُوضِعَ، على ما لم يسمَّ فاعلُه، وَضْعًا فيهما، أي خَسِرَ.

يقال: وُضِعْتَ في تجارتك فأنت مَوْضوعٌ فيها.

ووُضِعَ الرجل بالضم يوضَعُ ضَعَةً وضِعَةً، أي صار وضيعًا.

ووَضَعَ منه فلانٌ، أي حطَّ من درجته.

والتَواضُعُ: التذلُّلُ.

والاتِّضاعُ: أن تخفض رأسَ البعير لتضع قدمَك على عنقه فتركب.

قال الكميت

إذا اتضعونا كارهين لبيعة *** أناخوا لأخرى والأَزِمَّةُ تُجْذَبُ *** والتَوضيعُ: خياطة الجُبَّةِ بعد وضع القطن.

ورجلٌ مُوَضَّعٌ، أي مُطَرَّحٌ ليس بمستحكم الخلق.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


51-منتخب الصحاح (وضع)

المَوْضِعُ: المكان.

والمَوْضِعُ أيضًا: مصدر قولك وَضَعْتُ الشيء من يدي وَضْعًا، ومَوْضوعًا وهو مثل المعقول، ومَوْضِعًا.

والموْضَعُ بفتح الضاد، لغة في الموْضِعِ.

ويقال في الحَجَر وفي اللبِن إذا بُنِي به: ضَعْهُ على غير هذه الوَضْعَةِ والوِضْعَةِ والضِعَةِ، كله بمعنًى.

والهاء في الضِعَةِ عوض من الواو.

والوَضيعَةُ: واحدة الوضائِعِ، وهي أثقال القوم.

ويقال: أين خَلَّفوا وضائِعَهم.

والوَضيعَةُ أيضًا: نحو وَضائِعِ كِسرى، كان ينقلُ قومًا من أرض فيُسمنهم أرضًا أخرى، وهم الشِحَنُ والمَسالِحُ.

والوَضيعُ: أن يؤخذ التمر قبل أن ييبس فيوضع في الجِرار.

وتقول: وَضَعْتُ عند فلان وَضيعًا، أي استودعته وديعةً.

والوَضيعُ أيضًا: الدنيء من الناس.

ويقال: في حسبه ضَعَةٌ وضِعَةٌ.

والمُواضَعَةُ: المراهنةُ.

والمُواضَعَةُ: متاركة البيع.

وواضَعْتُهُ في الأمر، إذا وافقته فيه على شيء.

والضَعَةُ: شجرٌ من الحَمْض.

يقال: ناقةٌ واضِعَةٌ، للتي ترعاها، ونوقٌ واضِعاتٌ.

قال أبو زيد: إن رَعَتِ الحَمْضَ حول الماء ولم تبرح قيل: وَضَعَتْ تَضَعُ وَضيعةً.

فهي واضعة، قال: وكذلك وَضَعْتها أنا، وهي مَوْضوعةٌ، يتعدَّى ولا يتعدَّى.

وهؤلاء أصحاب الوَضيعَةِ، أي أصحاب حَمْضٍ مقيمون فيه.

ووَضَعَتِ المرأة خِمارها.

وامرأةٌ واضِعٌ، أي لا خِمار عليها.

ووَضَعَتِ المرأة وَضْعًا بالفتح، أي وَلَدت.

ووَضَعَتْ وُضْعًا بالضم، أي حملتْ في آخر طهرها من مُقْبَلِ الحَيضةِ، فهي واضِعٌ.

ووضعَ البعير وغيره، أي أسرع في سيره.

وبعيرٌ حسن المَوْضوعِ، قال طرفة:

مَوْضوعُها زَوْلٌ ومَرْفوعُها *** كَمَرِّ صَوْبٍ لَجِبٍ وَسْطَ ريحْ

وأَوْضَعَهُ راكبه.

قال اليزيديّ: يقال: وُضِعَ الرجل في تِجارته وأُوضِعَ، على ما لم يسمَّ فاعله وَضْعًا فيهما، أي خَسِرَ.

يقال: وُضِعْتَ في تجارتك فأنت مَوْضوعٌ فيها.

ووُضِعَ الرجل بالضم يوضَعُ ضَعَةً وضِعَةً، أي صار وضيعًا.

ووَضَعَ منه فلانٌ، أي حطَّ من درجته.

والتَواضُعُ: التذلُّلُ.

والاتِّضاعُ: أن تخفض رأسَ البعير لتضع قدمَك على عنقه فتركب.

قال الكميت:

إذا اتَّضَعونا كارِهينَ لبَيْعَةٍ *** أناخوا لأخرى والأَزِمَّةُ تُجْذَبُ

والتَوضيعُ: خياطة الجُبَّةِ بعد وضع القطن.

ورجلٌ مُوَضَّعٌ، أي مُطَرَّحٌ ليس بمستحكمِ الخَلْقِ.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


52-المحيط في اللغة (وضع)

الوُضْعُ والتُّضْعُ: أنْ تَحْمِلَ المرأةُ في آخِرِ طُهْرِها وعِنْدَ مُقْبلِ الخَيْضَةِ، وقد وَضَعَتْ، وهي واضِعٌ.

وقيل: هو أن تُجَامَعَ قَبْل تَمام الرَّضَاع.

وكُلُّ مَنْ خَلَعَ ثِيابَها فقد وَضِعَها.

وامْرأةٌ واضِعٌ: لا خِمَارَ عليها.

وهي واضِعَةٌ: أي فاجِرَةٌ.

وإِبِلٌ واضِعَةٌ: تَرْعى ما حَوْلَ الماءِ لا تَبْرَحُ، وقد وَضَعَتْ وَضِيْعَةً، وأوْضَعَتْ، ووَضَعْتُها أنا أيضًا.

وهم أصْحَابُ وَضِيْعَةٍ ووَضِيْعٍ: أي أصْحابُ حَمْضٍ.

وإبِلٌ واضِعَةٌ: أي مُقِيْمَةٌ في الحَمْضِ.

والوَضِيْعُ: ضَرْبٌ من التَّمْرِ.

وقيل: هو أنْ يَيْبَسَ قليلًا فَيُوْضَع في الأوْعِيَةِ.

والوَضِيْعَةُ: قَوْمٌ من الجُنْد تُجْعَل أسماؤهم في كُوْرَةٍ ولا يَغْزُوْنَ منها.

والتَّوْضِيْعُ: التَّأَنُّثُ.

والاسْتْرخاءُ، يُقال: في كَلامِه تَوْضِيْعٌ.

واخْتِلافُ خَلْقِ البَعِير، ويُقال: بَعِيرٌ مُوَضَّعُ العِظَام.

والمُوَضِّعُ من الخيْل: الذي تَذِلُّ رِجْلُه ويَفْرُشُ أوْظِفَتَه ثمَّ يَتَّبِعُ ذلك ما فَوْقَه من خَلْقِه.

وبَعيرٌ عارِفُ المُوَضَّعِ: أيْ ذَلُوْلٌ عند الرُّكُوْب.

وأتَّضَعْتُه: رَكِبْتَه واتَّضَعْتُ رَقَبَتَه: وطِئْتها.

والمُوَضَّعُ: المُكَسَّرُ المُقَطَّعُ.

وواضِعْ يا فلان: أي مُدَّ الحَبْلَ إلى أسْفَلَ في الأحْمَال، وواضَعْتُ العِدْلَ: هَبَّطْتَه.

والوِضَاعُ: المُخَاطَرَةُ.

والمُتَارَكَةُ، جَميعًا.

وهو وَضِيْعَةٌ: أي دَعِيٌّ، وقد وَضُعَ.

ووَضَعْتُ الشَّيْءَ وِضْعَةً، ووَضْعًا.

وأُوْضِعْتُ في التّجَارَة: بمعْنى وُضِعْتُ.

وهو وَضِيْعٌ، بَيِّنُ الضَعَةِ والضِّعَة.

ولي عِنْدَه وَضِيْعَةٌ ووَضِيْعٌ: أي وَدِيْعَةٌ.

وهَلُمَّ أُوَاضِعْكَ الرَّأْيَ: أي تُطلِعني على رأيك وأُطْلِعكَ على رأيي.

وأوْضَعْتُ النّاقَةَ فَوَضَعَتْ وأوْضَعَتْ - جَميعًا -: أي خَبَّتْ، وأنَّها لحَسَنَةُ المَوْضُوْعِ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


53-المحيط في اللغة (قرء)

قَرَأْتُ القُرْآنَ قِراءَةً، فأنا قارِىءٌ، والقُرْآنُ مَقْرُوْءٌ.

ورَجُلٌ قارِئٌ: أي عابِدٌ ناسِكٌ.

وسُمَّيَ القُرآنُ قُرْآنًا لأنَّ القارِىءَ يُظْهِرُه ويُبَيِّنُه ويَلْفِظُه من فيه.

وقَرَأَتِ المَرْأةُ قَرْءًا: إذا رَأَتْ دَمًا، وأقْرَأَتْ: حاضَتْ فهي مُقْرِئٌ وقَعَدَتِ المَرْأةُ أيّامَ إقْرَائها.

وتَقَرَّأَ فلانَةَ الدَّمُ: إذا حَرُمَتْ عليها الصَّلاةُ.

وأمّا الناقَةُ إذا حَمَلَتْ فإنَه يُقال: قَرأتْ قِرْوَةً.

والقارِئ: الحامِلُ.

والقُرُوْءُ: الحِيَضُ الثَّلاثُ التي تَعْتَدُّ بها.

والقَرْءُ: يُجْعَل مَرةً طُهْرًا ومَرَّةً حَيْضًا، وهو مَأخُوذٌ من القارِىء والقَرْءِ: للوَقْتِ.

وأقْرَأَتِ المرأةُ: جاءَ وَقْتُ طُهْرِها وحَيْضِها.

والمُقَرَّأَةُ من النَسَاء: التي يُنْتَظَرُ بها أيّامُ أقْرائها.

ويُقال: هَبَّتِ الرِّيْحُ لِقَرْئها ولقارئها: أي لوَقْتِها.

وأقْرَأَتِ الريْحُ: جاءتْ لوَقتها ودَخَلَتْ في هُبُوبها.

والقارِئُ: السُّكّانُ والشُّهّاد.

وأقْرَأَتِ النُّجُومُ: غابَتْ.

وما قَرَأَتِ الناقَة سَلىً قَط: أي ما غَيَّبَتْ في بَطْنِها وَلَدًا ولا ضَمَّتْه، وقيل: تَحْمِل وَلَدًا فَتَرْمِيه عِنْدَ الوِلادَة.

وأقْرَأتْ حاجَتي: دَنَتْ.

وأقْراتُ من أهْلي: دَنَوْتُ، ومن سَفَري: انصرَفْتُ.

والقِرْأةُ - مَهْمُوزَةٌ -: وَقْتُ المَرَض، وقد تُلَيَّنُ.

ويقولون: أقْرئْ فلانًا السَّلامَ واقْرَأ عليه السَّلامَ.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


54-تهذيب اللغة (عرك)

عرك: في الحديث أن العَرَكيَ سأل النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم عن الطُّهور بماء البحر.

قال أبو عبيد عن أبي عمرو: والعَرَكيُ: صيّاد السمَك، وجمعه عَرَك.

قال: ومنه قيل للملّاحين عَرَك لأنّهم يَصيدون السمكَ.

وقال زُهير:

يَغْشَى الحداةُ بهم حُرَّ الكثيب كما *** يُغْشِي السَّفائنَ موجَ اللُّجّة العَرَكُ

أبو عبيد عن الأصمعي: العَرَك والعَرِك: الصوت.

وقال غيره: العَروك: ناقة فيها بقيَّة من سَمِنها وسَنامها، لا يُعلَم ذلك حتَّى يُعرَك سَنامُها باليد.

وقال غيره: العَركيّة المرأة الفاجرة.

وقال ابن مقْبل يهجو النجاشيّ:

وجاءت به حيّاكة عَرَكيّةٌ *** تنازعَها في طُهرها رجُلانِ

والعِراك: ازدحام الإبل على الماء، وقد اعتركت اعتراكًا.

واعتراك الرِّجال في الحرب: ازدحامُهم، وعَرْكُ بعضِهم بعضًا.

والمعركة: الموضع الذي يعتركون فيه إذا التقَوا؛ والجمع المعارك.

ويقال عاركتُه عراكًا ومعاركة، وبه سمِّي الرجلُ مُعارِكًا.

ويقال عركتُ الأديم عَرْكًا، إذا دلكتَه دَلْكًا.

وعركت القومَ في الحرب عَركًا.

وعريكة البعير: سَنامه إذا عرَكه الحِمْل، وجمعه العَرِيكُ.

ويقال: إنّ فلانًا لليِّنُ العريكة، إذا كان سَلِسَ الأخلاق سهلَها.

وفلان شديد العريكة، إذا كان شديد النَّفس أبيًّا.

وأرضٌ معروكة، وقد عَرِكت، إذا جرَدتها الماشيةُ من الرَّعي.

وناقةٌ عَرُوك، إذا لم يُعلَم سِمنُها من هُزالها إلّا بالجسّ.

ويقال لقيتُه عَرْكةً أو عَرْكتين، أي مرةً أو مرَّتين.

ولقيتُه عَرَكات.

وفي الحديث: أن بعض أزواج النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم كانت مُحرِمةً فذكرت العِراك قبل أن تُفِيض.

والعِراك: المَحيض.

وامرأة عارك، أي حائض.

وقد عَرَكت تَعْركُ عِراكًا.

ونساءٌ عواركُ، أي حُيَّض.

ورجلٌ عَرِكٌ، إذا كان شديدًا صِرِّيعًا لا يُطاق.

وقوم عركون.

أبو عبيد عن العَدَبَّس الكناني قال: العَرْك والحازّ واحد، وهو أن يَحُزَّ المِرفَق في الذِّراع حتّى يخلُص إلى اللحم ويقطع الجلدَ بحدِّ الكِرْكِرة.

وقال الشاعر يصف بعيرًا بائن المِرفَق، فقال:

قليل العرك يَهجر مِرفقاها

أبو عبيد عن أبي زيد قال: العركركة من النساء: الكثيرة اللَّحم الرَّسحاء القبيحة.

وسمعتُ غير واحدٍ من العرب يقول: ناقةٌ عَركركةٌ وجمعها عَرَكْركات، إذا كانت ضخمةً سمينة.

وأنشدني أعرابي:

يا صاحبَيْ رحلي بلَيلٍ قوما *** وقرِّبا عَركركاتٍ كُوما

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: بعيرٌ به ضاغطٌ عركرك.

وأنشد:

أصبر من ذي ضاغطٍ عَرَكْركِ *** ألقَى بَوَانِي زَوْره للمبرَكِ

وقال الليث: ركَبٌ عركرك، وهو الضَّخم من أركاب النساء.

قال: وأصله ثلاثي، ولفظه خماسيّ.

وقال شجاعٌ السُّلمي: اعترك القوم واعتوَكوا، إذا ازدحموا.

عمرو عن أبيه: فلانٌ ميمون العريكة، والحريكة، والسَّليقة، والنقيمة، والنقيبة، والنخيجة، والجَبِيلة، والطبيعة، بمعنًى واحد.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


55-تهذيب اللغة (وضع)

وضع: شمر عن أبي زيد: وضعت الناقة وهو نحو الرقَصَان.

أوضعتها أنا.

قال: وقال ابن شميل: وضع البعير إذا عدا، وأوضعته أنا إذا حملتَه عليه.

وقال الليث الدابة تضع السير وَضْعًا، وهو سير دون.

يقال: إنها لحسنة الموضوع.

وأنشد:

بماذا تردّين امرأ جاء لا يرى *** كودّك ودًّا قد أكلّ وأوضعا

قال: يريد أوضعها راكبها، وهو ذلك السير الدون.

ومنه: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} [التّوبَة: 47].

قلت: قول الليث: الوضع: سير دونٌ ليس بصحيح، الوضع هو العَدْو.

واعتبر الليث اللفظ، ولم يعرف كلام العرب فيه.

فأمّا قول الله تعالى: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التّوبَة: 47] فإن الفراء قال: العرب تقول أوضع الراكب ووضعت الناقة، وربما قالوا للراكب وَضَع وأنشد:

* ألفيتني مُحْتَمِلًا بَزِّي أضع *

وقال الأخفش: يقال أوضعتُ، وجئت موضِعًا.

ولا توقعه على شيء.

ويقال من أين أوضع الراكبُ ومن أين أوضح الراكب.

هذا الكلام الجيّد.

قال: وقد يقول بعض قيس: أوضعت بعيري فلا يكون لحنًا.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه سمعه يقول بعد ما عُرض عليه كلام الأخفش هذا.

وقال يقال: وضعُ البعيرُ يضع وَضْعًا إذا عدا فهو واضع، أوضعته أنا أُوضعه إيضاعًا قال ويقال: وضع الرجل إذا عدا يضع وَضْعًا.

وأنشد:

يا ليتني فيها جذع *** أَخُبَّ فيها وأضع

أخُبّ من الخبب، وأضع أي أَعْدو من الوضع.

قال وقول الله: (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) أي أوضعوا مراكبهم خلالكم لهم قال: وأمَّا قوائم: إذا طرأ عليهم الراكب: من أين أوضح الراكبُ فمعناه من أين أنشأ، وليس من الإيضاع في شيء.

قلت: وكلام العرب على ما قال أبو الهيثم.

وقد سمعتُ نحوًا مما قال من بعض العرب.

ورُوي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه أفاض من عرفة وعليه السَكِينة، وأوضع في وادي مُحَسِّر.

وقال أبو عبيد: الإيضاع: سير مثل الخَبَب، وأنشد:

إذا أُعطيتُ راحلة ورَحْلا *** ولم أُوضِع فقام عليَّ ناعِي

قلت الإيضاع: أن يُعْدِي بعيره ويحملَه على العَدْو الحثيث.

وفي الحديث عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه دفع من عرفات وهو يسير العَنَق، فإذا وجد فَجْوة نصّ.

فالنصّ التحريك حتى يستخرج من الدابة أقصى سيرها، وكذل الإيضاع.

وقال الليث: يقال: وضعت الشيء أضعه وضعًا، وهو ضدّ رفعته.

ورجل وضيع، وقد وضُع يَوْضُع وَضَاعة وضَعَةً.

وهو ضدّ الشريف.

ووُضِع فلان في تجارته فهو موضوع فيها إذا خسِر فيها.

قال: والوضائع: قوم كان كسرى ينقلهم من بلادهم، ويُسكنهم أرضًا أخرى حتى يصيروا بها وَضِيعةً أبدًا.

قال والوضيعة: قوم من الجند يجعل أسماؤهم في كُورة لا يَغْزُون منها.

قلت: أمّا الوضائع الذين وصفهم فهم شبه الرهائن، كان كسرى يرتهنهم ويُنزلهم بعض بلاده.

وقال الليث: والخيَّاط يُوضِّع القطن توضيعًا على الثوب.

والمواضع معروفة واحدها موضع.

والمواضعة: أن تواضع صاحبك أمرًا تناظره فيه ويقال: دخل فلان أمرًا فوضعه دخوله فيه فاتّضع.

قال: والتواضع التذلّل.

فهذا جميع ما ذكره الليث في باب وضع.

الحراني عن ابن السكيت: يقال هؤلاء أصحاب وَضِيعة أي أصحاب حَمْض مقيمون لا يخرجون منه، وهي إبل واضعة أي مقيمة في الحَمْض.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحَمْضُ يقال له الوَضِيعة.

والجمع وَضَائع.

وقد وَضَعت الإبل تضع إذا رعت الحمض.

وقال أبو زيد إذا رعت الإبلُ الحَمْض حول الماء فلم تبرح قيل: وضعت تضع وَضِيعة، ووضعتها أنا فهي موضوعة.

ابن الأعرابي: تقول العرب: أُوْضِعْ بنا وأَخْلِلْ، والإيضاع في الحَمْضِ والإخلال في الخُلَّة وأنشد:

وضعها قيس وهي نزائع *** فطرحت أولادها الوضائع

وقال أبو سعيد الوَضِيعة: الحَطِيطة.

وقد استوضع منه إذا استحطّ.

وقال جرير:

كانوا كمشتركين لمّا بايعوا *** خسِروا وشَفَّ عليهم فاستَوْضعوا

قال: والوضائع: ما يأخذه السلطان من الخراج والعُشُور.

والوضيع: أن يوضع التمر قبل أن يجفّ، فيوضع في الجَرِين وفي الحديث «من رفع السلاح ثم وضعه

فدمه هَدَر»، وقال بعضهم في قوله: «ثم وضعه» أي ضرب به.

وليس معناه أنه وضعه من يده، وقال سُدَيف:

فضع السوط وارفع السيف حتّى *** لا ترى فوق ظهرها أمويّا

إن معناه: ضع السوط على بدن من تبسطه عليه وارفع السيف لقتلهم.

ويقال: وضع يده في الطعام إذا أكله.

وإذا عاكم.

وأذا عاكم الرجل صاحبَه الأعدالَ يقول أحدهما لصاحبه: واضِع أي أمِل العِدْل على المِرْبعة التي يحملان العدل بها فإذا أمره بالرفع قال رابع.

قلت: وهذا من كلام العرب إذا اعتكموا أبو عبيد عن اليزيدي: ما حملته أمّه وُضعًا أي ما حملته على حَيْض.

قال: وقال أبو عمرو: وضعت المرأة فهي تضع وُضعًا وتُضْعًا فهي واضع.

وقال ابن السكيت: وضع البعير في سيره يضع وضعًا إذا أسرع.

والوُضع: أن تحمل المرأة في آخر طهرها في مُقْبَل الحيض.

وهو التُّضْع أيضًا.

وأنشد:

تقول والْجُرْدان فيها مكتنِع *** أما تخاف حَبَلًا على تُضُع

أبو عبيد عن الأصمعي: امرأة واضع بغير هاء إذا وضعت خمارها.

ويقال: إن بلدكم لمتواضع عنَا كقولك: متراخٍ ومتباعد.

وقال ذو الرمَّة:

* دواء لغَوْل النازح المتواضع *

وقال الأصمعي: هو المتخاشع من بُعده تراه من بعيد لاصقًا بالأرض.

وتواضع ما بيننا أي بعد.

ويقال: وضع البعير حَكَمته إذا طامن رأسه وأسرع.

ويراد بحَكَمته لَحْياه.

وقال ابن مقبل.

فهَنَّ سَمَام واضع حكماته *** مخوّية أعجازه وكراكره

ولِوى الوضيعة: رملة معروفة.

وقال أبو عبيدة: فرس موضِّع إذا كان يفترش وظيفه، ثم يُتبع ذلك ما فوقه من خلفه، وهو عيب.

ووضّعت النعامةُ بيضها إذا رَثَدته، وهو بَيْض موضّع: منضود.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: يقال في فلان توضيع أي تخنيث.

وفلان موضَّع إذا كان مخنَّثا.

ويقال للوديعة: وضيع.

وقد وضَعْت عند فلان وضِيعًا إذا استودعته وديعة.

ويقال: اتّضع فلان بعيره إذا كان قائمًا فطامن من عنقه ليركبه، وقال الكميت:

أصبحتَ فَرْعًا فُدَاديًا بك اتّضعت *** زيد مراكبها في المجد إذا ركبوا

فجعل اتّضع متعدّيًا.

وقد يكون لازمًا يقال: وضعته فاتّضع.

عمرو عن أبيه قال: الواضعة: الروضة.

أبو عبيد عن اليزيدي: وُضِعت في مالي وأُوضعت ووُكست وأُوكِست.

الفراء له في قلبي مَوْضِعة وموقِعة أي محبّة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


56-تهذيب اللغة (ترى)

ترى: أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: تَرَى يَتْرِي إذا تَراخَى في العمل فَعمِل شيئا بعد شيء.

أبو عبيدة: التَّرِيّةُ في بَقِيَّةِ حَيْضِ المرأة أَقَلُّ من الصُّفْرة والكُدْرَةِ وأَخْفَى، تراها المرأة عند طُهْرِها فَتَعْلَمُ أنها قد طَهُرَتْ مِن حَيْضها.

قال شمر: ولا تكون التَّرِيَّةُ إلّا بعد الاغتسال، فأمّا ما كان في أَيّام الحيض فليس بِتَرِيَّةٍ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


57-تهذيب اللغة (نبذ)

نبذ: قال الليث: النَّبْذُ: طرحُك الشيءَ من يدك أمامك أو خلفك، قال: والمُنابذة انتباذ الفريقين للحق، يقول: نابذناهم الحرب ونَبذْنا إليهم الحرب على سواء.

قال الأزهري: المُنَابَذَة أن تكون بين فئتين، عهدٌ وهدنةٌ بعد القتال، ثم أرادا نقض ذلك العهد فينبذ كلُّ فريق منهما إلى صاحبه العهدَ الّذي توادَعا عليه، ومنه قول الله عزوجل: {وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ} [الأنفال: 58] المعنى: إذا كان بينك وبين قوم هُدْنَةٌ فخِفتَ منهم نَقْضا للعهد، فلا تُبَادِرْ إلى النقْض والقتل، حتى تُلقِيَ إليهم أنك قد نقَضْتَ ما بَيْنَك وبينهم فيكونوا معك في عِلْم النقْض والعَوْد إلى الحرب مُستَوِين، ويقال: جلس فلان نَبْذَة ونُبذَة أي ناحية، وانتبذ فلان ناحيةً: إذا انْتحى ناحيةً، وقال الله عزوجل في قصة مريم: {انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكانًا شَرْقِيًّا} [مريم: 16].

وفي الحديث أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم نَهَى عن المُنابذة والمُلامسة.

قال أبو عبيدة: المُنَابَذَةُ: أن يقول الرجل لصاحبه: انْبِذْهُ إليَّ الثوبَ أو غيره من المتاع، أَو أَنْبذُه إليكَ، وقد وَجَبَ البيعُ بكذا وكذا، قال ويقال: إنما

هي أن تقول: إذا نَبذتُ الحصاة إليك فقد وَجَبَ البيعُ، ومما يحقّقه الحديث الآخر أنه نَهى عن بيع الحصاة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: المِنْبَذة الوِسادة، المنْبوذون هم أولاد الزِّنى الذين يُطرحون.

قال الأزهري: المنْبوذ الولد الذي تَنْبِذُه والدتُه حِين تلده فَيلْتَقِطُه الرجل، أو جماعة من المسلمين ويقومون بأمره ومؤونته ورَضاعه، وسواء حملته أمه من نِكاح أو سِفاح، ولا يجوز أن يقال له: وَلَدُ زِنى لما أمْكن في نَسَبه من الثبات، والنَّبيذ معروف؛ وإنما سُمِّي نبيذا لأن الّذي يَتخذه يأخذ تمرا أو زبيبا فيَنبذه، أي يُلْقيه في وِعاء أو سِقاءٍ، ويَصُبُّ عليه الماء ويتركه حتى يفورَ ويَهْدِر فيصير مُسكرا، والنَّبْذُ الطرحُ، وما لم يَصِرْ مُسْكرا حلال فإذا أسكر فهو حرام.

وفي الحديث أنه صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قال: «لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤْمن بالله واليوم الآخر أن تَحُدَّ على مَيِّت فوق ثلاث إلا على زوجٍ فإنها تَحُدُّ عليه أربعة أشهر وعَشْرا، ولا تكْتَحِل ولا تَلْبَس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عَصْب ولا تَمَسُّ طيبا إلا عند أَدنَى طهرها، إذا اغتسلت من مَحيضها».

نُبْذَة قُسْطٍ وأظْفارٍ، يَعْني قِطعةً منه.

ويقال للشاةِ المهزولة التي يُهملها أهلها: نَبِيذةٌ؛ ويقال: لما يُنْبَثُ من تُراب الحفْرة: نبيثَةٌ، ونبيذَة، وجمعها النَّبَائِث والنبائذُ؛ ويقال: في هذا العِذْق نَبْذٌ قليلٌ من الرُّطَب، ووَخْزٌ قليل، وهو أن يُرْطب منه الخَطِيئة بعد الخَطِيئة.

وفي حديث عديّ بن حاتم أنه لما أتَى النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أمر له بِمِنْبَذَةٍ، وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، والمنْبَذَة: الوسادة سميت مِنْبَذَةً لأنها تُنْبَذُ بالأرض أي تطرح للجلوس عليها.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


58-الحضارة (إسلام)

إسلام: Islam.

أحد ثلاث ديانات عالمية مع اليهودية والمسيحية التي تعترف بواجدانية الله وأن الله واحد.

ومعني كلمة إسلام هو التسليم والخضوع لمشيئته سبحانه خالق الكون والحياة وهو القادرعلي كل شيء وليس كمثله شيء.

ولد نبي الإسلام عام 570م في مكة المكرمة.

وكانت اهم مدينة في شبه الجزيرة العربية.

وفي سن الأربعين نزلت عليه الرسالة بها ليكون آخر الأنبياءعندما نزل عليه الوحي والقرآن المنزل من عند الله.

لقي الرسول وصحبه الإضطهاد من سادة قريش بعدها هاجروصحابنه من مكة ليثرب عام 622م., ليكون في مدينته الجديدة الأمة الإسلامية وجعل من يثرب موئلا لدعوته بين القبائل العربية وحتي وفاته عام 632م.

وعند وصوله ليثرب تحول إسمها للمدينة المنورة حيث تكونت دولة الإسلام وفرضت اركان الإسلام الخمسة The five pillars.

وهي الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والصلاة والصوم والزكاة والحج.

وقد ورد ذكرها بالقرآن مع فرضية الجهاد.

وفي المدينة تحولت قبلة المسلمين بالصلاة من بيت المقدس لتكون شطر البيت الحرام بمكة.

والحج لمكة المكرمة شرعه القرآن لمن إستطاع سبيلا من المال والسفر والصحة.

وله مناسكه المقررة في أيام معدودات ليكون في الشهر الهجري ذي الحجة.

وأصبح موعد الهجرة بداية للتقويم الإسلامي حسب القمر والأهلة.

دخل الإسلام شرقا وغربا وجنوبا وشمالا عن طريق التجار والقوفل التجارية العربية عبر آسيا الوسطي وشمال وشرق ووسط وجنوب وغرب أفريقيا.

وعن طريق الطرق الصوفية في أواسط آسيا وجنوب الصين وإندونيسيا وأفريقيا.

وعن طريق الرحلات البحرية التجارية للصين وسيلان وبروناي وجزر الفلبين وإندونيسيا وماليزيا ومدغشقر وزنجبار.

وبيٌن الإسلام أن الناس أحرار و سواسية أمام الله.

والمسلمون أمة واحدة دون تمييز بين جنس أو لون.

وخلال قرن من ظهوره بالقرن السابع إنتشر في شبه الجزيرة العربية والشام ومصؤ وشما أفريقيا وأسانيا وفارس والهند.

وفي القرن العاشر كان قد إنتشر الإسلام بالأناضول والبلقان وامتد بالصحراءالأفريقية بالمغرب.

مما جعله حاليا منتشرا في القارات الخمس ليمثل حاليا المسلمون مس سكان الأرض ويعتبر اكثر الديانات إنتشارا فوقها.

وأكثر البلدان الإسلامية كثافة عدديةبالمسلمي إندونيسيا وباكستان وبنجالاديش ويعيش ملايين المسلمين بالهند حاليا ودول آسيا الوسطي ونيجيريا.

فمسيرة الإسلام خالدة حيث ينطلق الآذان ولا ينقطع لحظة.

وتقام الصلوات الخمس في آن واحد فوق الأرض ولا تنقطع.

ليتجه المسلمون فيها لبيت الله الحرام بمكة المكرمة شرقا وغربا.

فأينما كانوا فوق القارات الخمس.

يولون وجوههم شطر البيت الحرام.

ولاينقطع برهة الطواف بالكعبة أوالسعي بين الصفا والمروة.

وتموج الحمائم فوق البيت المعمور لتطوف أسرابه حوله مع الطائفين ولاتحط فوق أستارالكعبة منذ أن طهرها الرسول من الأوثان لتصبح مكة حرما آمنا.

(انظر: إسلام حضارةإس.

مسجد.

فنون إسلامية.

كعبة.

مكة).

(انظر: إسلام حضارة.

فنون إسلامية.

مسجد.

كعبة).

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com