نتائج البحث عن (عَصْرَنَا)
1-العربية المعاصرة (عد)
عَدَّ عَدَدْتُ، يَعُدّ، اعْدُدْ/عُدَّ، عَدًّا وتَعْدادًا، فهو عادّ، والمفعول مَعْدود.* عدَّ الأشياءَ: أحصاها وحَسَبَها (عدَّ نقودَه/تلاميذَ الفصل- {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [قرآن] - {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [قرآن]: ملائكة حساب تعدّ على النّاس أنفاسَهم وأعمارَهم- {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [قرآن]: أيّام التشريق) (*) عدَّ عليه أنفاسَه: راقبه- لا يُعَدُّ ولا يُحْصَى: كثيرٌ جدًّا- يَعُدّ الثواني: يستعجل حدوثَ أمر- يَعُدّ الحصى: حائر كئيب- يُعَدّ على الأصابع: قليل العدد، محصور.
* عدَّ فلانًا عالِمًا: اعتبره، ظنَّه وحسبه كذلك (عدَّه مذنبًا/كريمًا/غبيًّا- {وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ} [قرآن]).
أعدَّ يُعِدّ، أعْدِدْ/أعِدَّ، إعدادًا، فهو مُعِدّ، والمفعول مُعَدّ.
* أعدَّ الشَّيءَ: جهَّزه، حضَّره، هيَّأه، كوَّنه (أعدَّ الخطّةَ/مسكنَ الزَّوجيَّة/فريقَ عمل/جدولَ الأعمال/الطعامَ- {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [قرآن]) (*) أعدَّ للأمر عُدَّته: تهيَّأ له واستعدَّ.
* أعدَّه لأمرٍ ما: هيَّأه له وأحضره (أعدَّ نفسَه للمقابلة الشَّخصيَّة/للرّحيل- أعدَّ سريرًا لضيفه).
استعدَّ إلى/استعدَّ ل يستعدّ، اسْتَعْدِدْ/اسْتَعِدَّ، استعدادًا، فهو مُستعِدّ، والمفعول مُسْتَعَدّ إليه.
* استعدَّ إلى الأمر/استعدَّ للأمر: تهيَّأ له، جهَّز له ما يلزمه، تأهَّب (استعدَّ للرّحيل/للسَّفر/للامتحان- مُستعِدٌّ للمباراة- موضوع مُستَعدٌّ له جيِّدًا) (*) اسْتَعِدّ: أمرٌ عسكريّ يُفْرَض على الجنود ليقفوا بلا حركةٍ وقفةً مُعيَّنةً- حالة استعداد: تهيُّؤ وترقُّب- على أهبة الاستعداد: على تمام التَّهيُّؤ.
اعتدَّ/اعتدَّ ب يعتدّ، اعْتَدِدْ/اعْتَدَّ، اعتدادًا، فهو مُعتدّ، والمفعول مُعتدٌّ (للمتعدِّي).
* اعتدَّتِ المرأةُ:
1 - بدأت مدَّةً حدَّدها الشَّرع تقضيها بدون زواج بعد طلاقها أو وفاة زوجها.
2 - قضت عدَّتَها.
* اعتدَّه: حسبه وظنَّه (اعتدَّه غائبًا).
* اعتدَّ الشَّيءَ: أحصاه عدًّا {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [قرآن].
* اعتدَّ بالشَّيءِ: اهتمَّ به، أدخله دائرة حسبانه، اعتنى به (اعتدَّ بعمله) (*) أمرٌ لا يُعتدُّ به: لا يستحقّ الالتفات إليه أو الاهتمام به.
* اعتدَّ بنفسه:
1 - وثق منها واعتمد عليها، اعتزَّ بها، تغطرس (أفرط في الاعتداد بنفسه- شابّ مُعتدٌّ بنفسه).
2 - تغطرس.
تعدَّدَ يَتَعدَّد، تعدُّدًا، فهو مُتعدِّد.
* تعدَّدَتِ المشكلاتُ: زادت، كَثُرت، وصارت أكثر من واحدة (تعدُّدُ الألوان/الزَّوجات- جهاز متعدِّد الاستخدام- تعدَّدت وسائلُ النَّقل في عصرنا) (*) متعدِّد الأغراض: يُستفاد منه في عدّة أشياء.
* تعدَّدتِ العناصرُ: صارت ذات عددٍ (بعد أن كانت واحدًا) (تعددت الأشكال- تعدُّد الوظائف: إشغال شخص واحد لعدَّة وظائف خاصّة، وظائف لها راتب- متعدِّد المركبات/الأعراق/المقاطع/النواحي/الجوانب/الخلايا).
عدَّدَ/عدَّدَ على يعدِّد، تعديدًا، فهو مُعدِّد، والمفعول مُعدَّد.
* عدَّد نقودَه: أحصاها، وحَسَبها (عدَّد التواريخَ- {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} [قرآن]).
* عدَّد المالَ: جعله عدّة للدهر.
* عدَّدت النَّائحةُ على الميِّت: ذكرت مناقِبَه ومحاسِنَه {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ عَدَّدْنَا} [قرآن]).
إعداديّ [مفرد]: اسم منسوب إلى إعداد: تحضيريّ، تمهيديّ لشيء آخر (التَّعليم/الصَّفّ الإعداديّ- امتحان إعداديّ- شهادة إعداديَّة).
استعداد [مفرد]: جمعه استعدادات (لغير المصدر):
1 - مصدر استعدَّ إلى/استعدَّ ل (*) سياسَةُ الاستعداد العسكريّ: سياسة يكون فيها الاستعداد العسكريّ ذا أهميّة قصوى لدولة ما- على استعداد: جاهز ومنتظر.
2 - [في علوم النفس] اتِّجاه نحو سلوك خاصّ نتيجة عوامل عضويَّة أو نفسيّة أو هما معًا (أظهر استعداده للمذاكرة- لديه استعداد للتضحية).
3 - إجراء ضروريّ (تُجرى استعدادات كبيرة لعقد قمَّة عربيَّة طارئة- أدَّى الخوفُ إلى مزيد من الاستعدادات العسكريَّة- بدأت الاستعدادات لإجراء انتخابات مبكِّرة).
استعداديَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى استعداد: (قام برصد الظواهر الحالية باعتبارها متغيّرات استعداديّة لمرحلة لاحقة).
2 - مصدر صناعيّ من استعداد: قابليّة، قدرة ومهارة (هناك العديد من العوامل التي تؤثّر على استعداديّة النساء للخدمة العسكرية).
* مباراة استعداديَّة: [في الرياضة والتربية البدنية] مباراة ودِّيَّة تتمّ قبل المباراة الرئيسيّة بفترة وجيزة تهدف إلى تدريب كلا الفريقين وإكسابهم مهارات معيَّنة.
تَعْداد [مفرد]: جمعه تعدادات (لغير المصدر):
1 - مصدر عَدَّ.
2 - [في الجبر والإحصاء] إحصاء السُّكّان في فترات معيَّنة (أجرتِ الدَّولةُ التَّعْدادَ السَّنويَّ للسُّكّان).
3 - سَرْدُ الأشياء بالتَّرتيب (لابُدَّ من تَعْداد أسباب الأزمة الاقتصاديَّة).
تِعْداد [مفرد]: [في الجبر والإحصاء] تَعْداد، إحصاء السُّكّان في فترات معيَّنة (أجرتِ الدولة تِعْدادًا للسكان هذا العام).
تعدُّد [مفرد]: مصدر تعدَّدَ.
* تعدُّد الحاجات: [في الاقتصاد] مبدأ مؤدّاه أنّ المدنيَّة تؤدّي إلى تنوّع الرَّغبات وازديادها، فبمجرد إشباع حاجة تنشأ حاجة أخرى جديدة.
تَعَدُّدِيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى تعدُّد.
2 - مصدر صناعيّ من تعدُّد: (التَّعدُّديَّة الثقافيَّة- تعدُّدية الأطراف/الأحزاب).
3 - [في الفلسفة والتصوُّف] مفهوم ينادي بأن هناك عِدَّة أنواع من الواقع والحقيقة مع ضرورة قبول الأنماط الثقافيّة والجنسيَّة والعِرْقيَّة والدينيّة القائمة بين مختلف الجماعات الإنسانيّة.
4 - [في السياسة] نظام سياسيّ قائم على تعايش الجماعات المختلفة والمستقلّة في الإدارة مع تمثيلها في الحكم.
* التَّعدُّديَّة الحزبيَّة: اعتمادُ عِدَّة أحزاب سياسيَّة في دولة ما.
تعديد [مفرد]:
1 - مصدر عدَّدَ/عدَّدَ على.
2 - [في البلاغة] إتيان بأسماء أو صفات مفردة على سياق واحد مثل: الخيلُ واللَّيلُ والبيداءُ تعرفني.. والسَّيفُ والرُّمحُ والقرطاسُ والقلمُ.
عِداد [مفرد].
* في عِداد الصَّالحين: من بينهم، في جملتهم، يُعَدُّ منهم (أصبح في عِداد الموتى/المفقودين- أخي في عِداد الفائزين/النَّاجحين).
عدّ [مفرد]: مصدر عَدَّ (*) علامة عَدّ: علامة تُستخدم في تسجيل عدد مرّات فِعْل أو أشياء وغالبًا ما تكون في سلسلة- العَدُّ التَّنازليّ: العَدُّ من الرَّقم الكبير إلى الرَّقم الصَّغير، فيكون ذلك إيذانًا بِبَدْءِ التَّنفيذ- عَدًّا ونقدًا: إحصاء وحسابًا في الوقت نفسه.
عَدَد [مفرد]: جمعه أعداد:
1 - نتيجة تقدير الكميّة بالوحدة، مقدار ما يُعَدّ (عدد القوّات المسلّحة/مواليد القاهرة/السكّان- {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [قرآن]).
2 - نسخة من نشرة دوريّة تصدر بتاريخٍ معيَّن (عدد أهرام السَّبت/أخبار الجمعة/المساء/اليوم- العدد الثالث من المجلة- عدد خاصّ) (*) عدد تذكاري: نسخة من دورية تصدر في إحدى المناسبات، وتحمل طابعًا متميزًا.
3 - معدود {فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [قرآن].
4 - [في العلوم اللغوية] تعبير عن الإفراد أو التَّثنية والجمع لصيغة لغويَّة.
* العَدَدُ الأصليّ/العَدد الأوَّليّ: [في الجبر والإحصاء] العدد الذي لا يقبل القسمة إلاّ على نفسه أو على الواحد الصحيح، يدلُّ على مقدار الأشياء المعدودة: ثلاثة، خمسة.. إلخ.
* عَدَدٌ ترتيبيّ: [في الجبر والإحصاء] وصف من العدد يدل على ترتيب الأشياء مثل ثالث، رابع، خامس.. إلخ.
* عَدَدٌ زَوْجِيّ: [في الجبر والإحصاء] عدد يقبل القسمة على اثنين بدون باقٍ مثل: 2، 4، 6، 8.. إلخ.
* عَدَدٌ صَحيح: [في الجبر والإحصاء] عدد خالٍ من الكسور مثل: 1، 2، 3.. إلخ.
* عَدَدٌ فرديّ: [في الجبر والإحصاء] لا يقبل القسمة على اثنين مثل واحد، ثلاثة، خمسة،.. إلخ.
* عدد كسْرِيّ: [في الجبر والإحصاء] عدد مؤلّف من عدد صحيح وكسر عشريّ أو اعتياديّ مثل: 3.5.
* عددان متناظران أو متقابلان: [في الجبر والإحصاء] عددان لهما قيمة حسابيّة ويختلفان بالإشارة (5، -5).
* عدد كُتليّ: [في الطبيعة والفيزياء] عدد ناتج من مجموع البروتونات والنيوترونات في نواة ذرّة ما.
* العدد الذَّرِّيّ: [في الكيمياء والصيدلة] عدد البروتونات الموجودة في نواة ذرّة عنصر ما.
عدَّاد [مفرد]: جمعه عدَّادات: جهاز آليّ يُستعمل لقياس المسافات أو السُّرعة أو عدد الحركات أو الأعمال المنجَزة في وقت معيَّن، أو الكميَّات المستهلكة من الماء أو الكهرباء أو الوقود وغير ذلك (عدّادُ النور- عدَّاد الماء: آلة لقياس كمِّيّة أو معدّل تدفُّق الماء في أنبوب- عدَّاد السَّيَّارة: أداة تُركَّب في السَّيَّارات الأجرة لحساب وإظهار أجرة الرُّكوب- عدَّاد السُّرعة: - عدَّاد المسافات: أداة تشير إلى المسافة التي تقطعها المركبة- عدَّاد الخُطَى: مقياس مسافة السَّير بعدّ الخطوات).
عُدَّة [مفرد]: جمعه عُدَد:
1 - استعداد وتأهُّب (كُنْ على عُدَّة دائمًا).
2 - ما يُعَدُّ لأمرٍ ما (كان العدُوُّ أكثر منَّا عددًا وعُدَّةً- {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [قرآن]) (*) أعدَّ للأمر عُدَّته: تهيَّأ له واستعدَّ.
3 - [في العلوم العسكرية] ما يحتاج إليه المجاهدون من الزّاد والسّلاح استعدادًا للحرب.
4 - أدوات المِهَن وآلاتها (عُدَّة النَّجَّار/السَّبّاك/البنَّاء).
عِدَّة [مفرد]: جمعه عِدَد: مقدار ما يُعَدّ، إحصاء، عَدَد (عِدَّتهم عشرون- عِدّةُ أماكن/كُتب- {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عِدَّةً} [قرآن]: جماعة قلَّت أو كثُرت- {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [قرآن]) (*) عِدَّة مرَّات: مرارًا.
* عِدَّة المرأة: [في الفقه] مُدَّة حدَّدها الشَّرع تقضيها المرأةُ دون زواج بعد طلاقها أو وفاة زوجها (قضت المرأةُ عِدَّتها- {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [قرآن]).
عَديد [مفرد]: جمعه عَدائدُ وأعداد:
1 - إحصاء، عدد (ما أكثر عديدهم- عديد من الناس: جماعة- تُعيِّرنا أنَّا قليلٌ عديدُنا.. فقلتُ لها إنّ الكرامَ قليلُ) (*) أيَّام عديدة: معدودة.
2 - كثير العدد (مرَّت سنوات عديدة- كانوا عديدَ الحصى والثرى: في الكثرة- فأقسمُ لو بقيت لكنتَ فينا.. عديدًا لا يُكاثَر بالعديدِ).
مِعْداد [مفرد]: جمعه معاديدُ:
1 - اسم آلة من عَدَّ.
2 - أداة تتكوّن من إطار بداخله قضبان تتحرّك عليها كُريَّات إلى أعلى وإلى أسفل، يستخدمها الأطفال في الحساب.
مُعَدّات [جمع]: مفرده مُعَدَّة: اسم عامّ للآلات والعُدَد والتّجهيزات.
* مُعَدّات حربيّة: أسلحة وتجهيزات عسكريَّة.
* مُعَدّات زراعية: آلات تُستخدم في الحقل.
معدود [مفرد]: جمعه معدودون ومعدودات (لغير العاقل):
1 - اسم مفعول من عَدَّ.
2 - قليل العدد (قضى ساعات معدودة في المذاكرة) (*) الأيَّام المعدودات: أيّام التَّشريق وهي ثلاثة بعد يوم النَّحر.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (عصر)
عصَرَ يعصُر ويَعصِر، عَصْرًا، فهو عاصِر، والمفعول مَعْصور.* عصَر البرتقالَ ونحوَه: ضغطه واستخرج ما فيه من سائل (عصر الدُّمَّلَ: استخرج مِدَّتَه- عصَر اللَّيمونَ- {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [قرآن]).
* عصَر الثَّوبَ: استخرج ماءه بلَيِّه (عصرَ غسيلًا- لا تكن رطبًا فتُعْصَر ولا يابسًا فتكسر- {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [قرآن]: تنجون من البلاء).
اعتصرَ يعتصر، اعتصارًا، فهو مُعْتَصِر، والمفعول مُعْتَصَر.
* اعتصرَ البرتقالَ ونحوَه: عصرَه؛ ضغطه واستخرج ما فيه من سائل واتّخذَه عصيرًا يُشْرَب (اعتصر عنبًا- {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْتَصِرُونَ} [قرآن]) (*) اعتصر القلقُ قلبَه: اشتدَّ به وأحزنه وأغمَّه- اعتصره الهَمُّ: أضناه، وأنهكه.
* اعتصر الثَّوبَ: عصره؛ استخرج ماءَه بلَيّه.
انعصرَ ينعصر، انعصارًا، فهو مُنْعَصِر.
* انعصر الشَّيءُ: مُطاوع عصَرَ: عُصِرَ، ضُغِط عليه فخرج ما فيه من ماءٍ أو دُهْنٍ أو سائلٍ (انعصرتِ الفاكهةُ- انعصر العنبُ) (*) انعصر فؤادُها حُزْنًا: أي كأنّما ضغطه الحزنُ حتَّى كاد يسيل منه الدَّمُ، مبالغة في تصوير شدّة الحزن.
تعاصرَ يتعاصر، تعاصُرًا، فهو متعاصر.
* تعاصر الشَّخصان: كانا في عصر واحد (تعاصر أحمد شوقي وحافظ إبراهيم).
تعصَّرَ يتعصَّر، تعصُّرًا، فهو مُتَعَصِّر.
* تعصَّر البرتقالُ:
1 - مُطاوع عصَّرَ: ضُغِط حتَّى خرج ما فيه من سائل (تعصَّرتِ الطَّماطمُ) (*) تعصَّر قلبهُ حزنًا: انفطر.
2 - تجدَّد، ماشَى روحَ العصر (تعصَّرت المؤسساتُ الحكوميّةُ- تعصَّرت الأجهزةُ المطبعيّة).
عاصرَ يعاصر، مُعاصرةً، فهو مُعاصِر، والمفعول مُعاصَر.
* عاصَره: عاش معه في عصرٍ واحدٍ، أي في زمن واحد (عاصَرَ الخلفاءُ الرّاشدون النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم- عاصر أحداثًا جسيمة- شاعرٌ معاصرٌ: يعيش في عصرنا) (*) الإنسان المعاصر: الجنس الموجود الآن بعد الفصائل المنقرضة منه.
عصَّرَ يعصِّر، تعصيرًا، فهو معصِّر، والمفعول معصَّر.
* عصَّرَ الثَّوبَ: عصَره مرَّة بعد مرَّة.
* عصَّر المؤسَّسة: جدَّدها وحدَّثها.
إعصار [مفرد]: جمعه أعاصرُ وأعاصيرُ: [في الجغرافيا] منطقة ضغط جوّي منخفض، تتحرّك فيها الرِّياح بشدّة حلزونيًّا نحو مركزها، وتكون عكس اتّجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الشماليّ، بينما تتّفق واتِّجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي (أعاصيرُ جوّيَّةٌ- {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [قرآن]) (*) إنْ كنت ريحًا فقد لاقيتَ إعصارًا [مثل]: يُضرب للمُدِلّ بنفسه إذا صلِي بنارِ مَنْ هو أدهى منه وأشدّ- زمجرة الأعاصير: عَصْفُها.
عاصرة [مفرد]: جمعه عواصِرُ:
1 - صيغة المؤنَّث لفاعل عصَرَ.
2 - اسم آلة من عصَرَ: آلة تُضغط بها بعض الثِّمار أو بعض البذور الزّيتيّة لاستخراج عصارتها (ارتفع سعر العاصرات الكهربائيّة).
* عَضَلة عاصرة: [في التشريح] حلقة من ألياف عضليَّة تغلق مجرى أو فتحة إذا ما انقبضت.
عُصارة [مفرد]:
1 - عصير، ما يُستخرج من الشَّيء المعصور، ما سال عن العصر (عُصارةُ العنب/البرتقال) (*) عُصارةُ فكرِه: خلاصة ما عنده من أفكار- عُصارةٌ هضميَّةٌ: إفرازات تساعد على الهضم.
2 - ثُفْل، نُفاية ما يُعصَر.
3 - [في الأحياء] أملاح معدنيَّة أو عضويَّة ذائبة في الماء الموجود داخل أنسجة وخلايا النبات.
* العُصارة المعديَّة: [في الطب] سائل يفرزه جدارالمعدة يحوي خمائر وحمض الهيدروكلوريك للهضم.
* العُصارة المعويَّة: سائل حامضيّ التَّركيب، وظيفته متابعة عمل العصارة المعديّة في هضم الطّعام واستخلاص موادّه الغذائيّة.
عَصْر [مفرد]: جمعه أعصُر (لغير المصدر) وعُصُور (لغير المصدر):
1 - مصدر عصَرَ.
2 - وقت في آخر النَّهار إلى ما قبل غروب الشَّمس (وصَل عَصْر اليوم- {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [قرآن]) (*) صلاة العَصْر: الصَّلاة التي تُؤَدَّى وقت العصر.
3 - مرحلة زمنيّة تُنسب إلى ملك أو دولة، أو إلى تطورات طبيعيّة أو اجتماعيّة أو علميَّة، فيقال عصر هارون الرشيد وعصر الدولة العباسيَّة، وعصر البخار والكهرباء وعصر الذرّة والعصر الحديث (العَصْر العباسيّ/الجليدي- عَصْر الذَرّة/الفضاء- عَصْر الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم- هو سابقٌ لعَصْره- عَصْر الظَّلام: فترة قمع وجهل) (*) العَصْر الفضّيّ: فترة من التَّاريخ تتميَّز بمنجزات هامَّة ولكنَّها تُعَدّ ثانويَّة بالنِّسبة لمنجزات العَصْر الذَّهبيّ- تولّى عَصْرُك: أي رهطك وعشيرتك.
4 - [في البيئة والجيولوجيا] مدّة زمنيّة طويلة، تقدَّر بعشرات الملايين من السِّنين، تمتاز بتكوُّن خاصّ لبعض طبقات الأرض، مثل العصر الفحميّ والعصر الطباشيريّ (عصور وُسْطَى: الحقبة الواقعة بين العصور القديمة والأزمنة الحديثة في أوربا- العَصْر الحجريّ/الحديديّ) (*) روح العَصْر: ما يميِّز فترة زمنيّة ما عن غيرها من الفترات- شمس العَصْر: مثل للشيخ المُسِن الذي بلغ ساحل الحياة- عَصْر ذهبيّ: حِقْبة من الزمن تميّزت بالازدهار والمنجزات الثَّقافيّة والعمليَّة.
* العَصْر: اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 103 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها ثلاث آيات.
* عَصْر الفضاء: الفترة الممتدَّة بين 1957 وحتَّى وقتنا الحاضر، وفيها تمَّ إرسال مركبات فضائيَّة لتدور في مدار حول الأرض وأُرسلت لاكتشاف الأجسام السَّماويَّة.
عَصْرنَة [مفرد]: جعل الشَّيء عصريًّا متمشِّيًا مع روح العصر، تطوير مؤسّسة أو منظَّمة (يجب علينا عَصْرنَة أفكارنا).
عَصْريَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى عَصْر: (مفاهيم/آلات عَصْريَّة).
2 - مصدر صناعيّ من عَصْر: حداثة، ما هو سائر على نهج العصر الحديث (مفاهيم/آلات عَصْريَّة).
عَصَّارة [مفرد]: اسم آلة من عصَرَ: آلةٌ لعَصْر الفواكه أو القصب ونحوه (عصَّارة ليمون/برتقال- انتشرت عصَّارات قصب السُّكَّر الآليّة).
عصير [مفرد]: جمعه عصائر: سائلٌ سُكَّريٌّ يُستخرج من بعض الثّمار عند عَصْرها (عصير ليمون/برتقال/قصب/عنب).
مُعاصَرة [مفرد]:
1 - مصدر عاصرَ (*) المعاصرة حجاب: وجود شخصين متنافسين في عصر واحد يحجب شهادة كلٍّ منهما في الآخر.
2 - حداثة وجدة (دار العلوم تمثِّل الأصالة والمُعاصرة).
* المُعاصَرة: معايشة الحاضر بالوجدان والسُّلوك والإفادة من كلّ منجزاته العلميَّة والفكريَّة وتسخيرها لخدمة الإنسان ورقيّه.
مِعْصَر [مفرد]: جمعه مَعَاصِرُ: اسم آلة من عصَرَ: جهاز تُعصَرُ فيه البذور ونحوها لاستخراج الزَّيت ونحوه منها عن طريق الضَّغط (مِعْصَر زيتون/بذور القطن).
مُعْصِرات [جمع]: مفرده مُعْصِرة: سحائب تجود بالمطر إذ تَعْصُرها الرِّياح {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} [قرآن].
مَعْصَرة/مِعْصَرة [مفرد]: جمعه مَعَاصِرُ:
1 - مصنع لعصر البذور ونحوها لاستخراج ما بها من عصير أو زيت (مَعْصَرةُ العنب/الزيتون- مَعَاصِرُ البذور).
2 - جهاز تُعْصَر فيه البذور وغيرها لاستخراج الزَّيت.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-العربية المعاصرة (كمبيوتر)
كُمْبيُوتِر [مفرد]: كومبيوتر، جهاز يعمل إلكترونيًّا عمليّات حسابيَّة أو هندسيّة أو توثيقيَّة دقيقة وسريعة، وذلك باختزان معلومات يحفظها ويقدِّمها عند الحاجة (انظر: ح س ب - حاسوب) (أصبح تعلُّم الكمبيوتر ضرورة ملحّة في عصرنا الحديث).* كمبيوتر ناطق: [في الحاسبات والمعلومات] جهاز يختزن كلمات أو أجزاء كلمات مسجَّلة في وحدة الذاكرة، وهو مبرمج بطريقة خاصّة تمكّنه من التعرف على اللفظ الصحيح فينطق بالأجوبة الواضحة، ولا يستطيع استنباط عبارات غير مبرمجة.
* لغة الكمبيوتر: [في الحاسبات والمعلومات] لغة خاصّة تستعمل مفردات قريبة من اللغة الإنجليزيّة تختلف باختلاف نوع البرمجة، منها الفورتران، البيسك.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
4-العربية المعاصرة (كومبيوتر)
كومبيوتر [مفرد]: جمعه كومبيوترات: كمبيوتر؛ جهاز يعمل إلكترونيًّا عمليّات حسابيَّة أو هندسيّة أو توثيقيَّة دقيقة وسريعة، وذلك باختزان معلومات يحفظها ويقدِّمها عند الحاجة (انظر: ح س ب - حاسوب) (أصبح تعلُّم الكومبيوتر ضرورة مُلحّة في عصرنا الحديث).* كومبيوتر ناطق: جهاز يختزن كلمات أو أجزاء كلمات مسجَّلة في وحدة الذاكرة، وهو مبرمج بطريقة خاصة تمكّنه من التعرّف على اللفظ الصَّحيح فينطق بالأجوبة الواضحة، ولا يستطيع استنباط عبارات غير مبرمجة.
* لغة الكومبيوتر: لغة خاصة تستعمل مفردات قريبة من اللغة الإنجليزية العادية، تختلف باختلاف نوع البرمجة.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
5-العربية المعاصرة (ملح)
ملَحَ يَملَح، مَلْحًا، فهو مالِح، والمفعول مَمْلوح.* ملَح الطَّعامَ وغيرَه: جعل فيه مِلحًا بقدر مقبول وسائغ (ملح القِدْرَ- ماء مالح).
ملُحَ يَملُح، مُلُوحةً، فهو مالِح ومليح وملِح/مِلْح.
* مَلُح الماءُ: صار مِلْحًا، عكسه عَذُبَ (ماءٌ مالحٌ: لا يُستساغ شربه- شيء مالح: محتوٍ على الملح أو منتج له- {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [قرآن]).
ملُحَ يملُح، مَلاحةً، فهو مليح.
* ملُح الشّيءُ:
1 - بهُج وحَسُن منظرُه (ملُح البستانُ حيث تفتّحت فيه الأزهارُ- فتاة مليحة).
2 - ظرُف.
ملِحَ يَملَح، مَلَحًا ومُلْحَةً، فهو أَمْلحُ.
* مَلِح الكبشُ: خالط بياضَه سوادٌ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ) [حديث].
أملحَ يُملح، إملاحًا، فهو مُملِح، والمفعول مُملَح (للمتعدِّي).
* أملح الماءُ: صار مِلحًا ليس عذبًا.
* أملح الشَّخصُ: طيِّب، أتى بكلامٍ مليح (يجتمع الناسُ في السّهرة حوله لأنّه يُملحُ في حديثه).
* أملح الطعامَ وغيرَه: جعل فيه مِلحًا بقدر، أو أفسده بالمِلح.
استملحَ يستملح، استملاحًا، فهو مُستملِح، والمفعول مُستملَح.
* استملح صوتَ القارئ: عدّه أو وجده حسنًا مليحًا (استملح الحديثَ فاستزاد المتحدِّثَ منه).
* استملح الطَّعامَ: وجده مِلْحًا.
تملَّحَ يتملَّح، تملُّحًا، فهو مُتملِّح.
* تملَّح الشَّخصُ: تظرّف وتكلَّف الملاحَةَ، وهي البهجة والظَّرف (يحبُّ النَّاسُ مجلسَه حين يتملَّح).
* تملَّحتِ الأرضُ: تكوّن فيها المِلْحُ وقلَّت صلاحيّتُها للزِّراعة.
مالحَ يمالح، مُمالحةً، فهو مُمَالِح، والمفعول مُمالَح.
* مالحَ الشَّخصَ: واكله؛ أكَل معه (صالحه ومالحه- من مالَح القومَ صار منهم).
ملَّحَ يملِّح، تمليحًا، فهو مُمَلِّح، والمفعول مُمَلَّح.
* ملَّح السَّمكَ: رشَّهُ، طرح عليه المِلْحَ (شيء مملَّح: متبّل، محفوظ في الملح أو محلول ملحيّ- أسماك مملَّحة).
* ملَّح الطَّعامَ وغَيرَه: وضع فيه مِلْحًا، أكثر مِلْحَه فأفْسَده (ملَّح القِدْرَ).
أملَحُ [مفرد]: جمعه مُلْح، والمؤنث مَلْحَاء، والجمع المؤنث مَلْحاوات ومُلْح: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ملِحَ: ما لونه المُلْحة، وهي سوادٌ يُخالطه بياض (لحيتهُ ملحاءُ- كبشٌ أملحُ).
مَلاحة [مفرد]: مصدر ملُحَ.
مِلاحة [مفرد]:
1 - حرفة المَلاَّح.
2 - فنُّ السَّفر في البحر والنهر والجوّ (ملاحة نهريَّة- مدير الملاحة التجاريّة- قانون الملاحة الجويَّة- عصرُنا عصرُ الملاحة الفضائيّة) (*) صالح للملاحة: صالح للمرور فيه.
مَلْح [مفرد]:
1 - مصدر ملَحَ.
2 - [في الكيمياء والصيدلة] مِلْح؛ كلوريد الصّوديوم يستخرج من ماء البحر بعد ترقيده وتبخيره في الملاّحات ويمكن استخراجُه من طبقات الأرض المِلْحيّة (مَلْح الطعام- {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مَلْحٌ أُجَاجٌ} [قرآن]).
مَلَح [مفرد]: مصدر ملِحَ.
مَلِح [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ملُحَ.
مِلْح [مفرد]: جمعه أملاح:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ملُحَ.
2 - [في الكيمياء والصيدلة] مركّب يحصل من حلول معدن مكان الهيدروجين في أحد الحوامض (مؤنّث ويذكّر) (أملاح معدنيّة).
3 - [في الكيمياء والصيدلة] مَلْح؛ كلوريد الصُّوديوم يُستخرج من ماء البحر بعد ترقيده وتبخيره في الملاحات، ويمكن استخراجه من طبقات الأرض الملحيّة، وهو عبارة عن مادّة صلبة متبلورة بيضاء اللّون، تستخدم في تطييب الطعام وتتبيله أو كمادّة حافظة (مؤنّث وقد يذكّر) (مِلح الطّعام- {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [قرآن]) (*) سَمَك مِلْح: مليح، مقدّد- ماء مِلْح: مليح، خلاف العذب.
* ملح صَخْريّ: [في الكيمياء والصيدلة] كلوريد الصوديوم الطبيعيّ على شكل كتل أو صخور.
* الماء المِلْح: [في الكيمياء والصيدلة] ماء زادت نسبةُ الأملاح فيه على نسبتها في الماء العذب، ويقابله الماء العذب.
مُلْحَة [مفرد]: جمعه مُلُحات ومُلْحات ومُلَح:
1 - مصدر ملِحَ.
2 - نُكْتَةُ، كلمة ظريفة تُرَوِّح عن النَّفس (أكثر من المُلَح في حديثه).
مَلاّح [مفرد]:
1 - بائع الملح أو صاحبه.
2 - من يعمل في السَّفينة أو يوجّهها ويُقال له: نوتيُّ (ملاّح نشيط- ملاّحو السَّفينة) (*) ملاّحو الطّائرة: طاقمها الذين يؤمّنون قيادتها- مِنْ كثرة الملاّحين غرقت السَّفينة [مثل]: يُضرب في الحثّ على توحيد السُّلطة وعدم تشتيتها.
مَلاّحة [مفرد]:
1 - مكان تكوُّن المِلْح.
2 - موضع بيع المِلْح.
3 - آلة يُجعل فيها ملح الطَّعام، مملحة، وعاء الملح (ملاّحة من بِلُّور).
مُلوحَة [مفرد]:
1 - مصدر ملُحَ.
2 - نوع من السَّمك المملَّح المحفوظ.
3 - [في الجغرافيا] مقدار ما في الماء من الملح ويُقدَّر بالجرام في اللِّتر.
4 - [في الكيمياء والصيدلة] كميَّة الأملاح الذائبة في الماء (*) مقياس المُلوحَة: مقياس يدلّ على تركيز الملح في محلول.
مَليح [مفرد]: جمعه مِلاح ومُلَحَاءُ:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من ملُحَ وملُحَ2: (فتاةٌ مليحة- وجه مليح).
2 - مالح، عكْسُ العذب (ماءٌ مليحٌ).
3 - مُمَلّح (سمك مليح: مقدّد).
مَمْلَحَة [مفرد]: جمعه مَمْلحات ومَمَالِحُ: آلة يُجعل فيها مِلحُ الطعام، وعاء الملح (يستحسن وضع المملحة على المائدة).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
6-المعجم الوسيط (المَجَلَّة)
[المَجَلَّة]: الكتاب: و- الصَّحيفةُ تَجْمَعُ طرائف المعرفة.وتقال في عصرنا هذا لكل صحيفة عامّةٍ أَو متخصِّصة في فن من الفنون تظهر في أَوقات معينة، بخلاف الصّحف اليوميَّة.
(والجمع): مجالُّ، و مَجَلاَّتٌ.
(مما أقره مجمع اللغة العربية بالقاهرة).
المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
7-معجم متن اللغة (عناية العرب بلغتهم 2)
من أوهام الأعلامالعصمة لله
توفر الأئمة على جمع اللغة والتقاط أوابدها وشواردها من البادية الموثوق بعربيتها، وبذلوا في ذلك جهدًا جهيدًا، وتحرزوا من الكذب في النقل عن العرب، فكانت وثاقة الناقل وصدقة هما ميزان القبول في نقله.
وجعلوا ضابط الصحيح من اللغة ما تصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه، على حد الصحيح من الحديث.
وإنما شرطت الثقة والعدالة في الناقل لا في المأخوذ عنه.
ومع ذلك فإن الذين دونوا اللغة ورتبوها، وأخذوها عمن كتبها من العرب لم يكونوا في عصمة عن السهو والغلط والتحريف.
ولكنه قليل إلى جنب الكثير من إفادتهم وجهودهم.
فلم يسلم أجل الكتب وأقدمها ترتيبًا لأشهر إمام قام بين أئمة اللغة العربية، الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو كتاب "العين" من اعتراضٍ، وإن جل قدر الخليل بينهم عن الاعتراض، فنسبوه إلى الليث ابن نصر بن سيار الذي أتم كتاب "العين".
قال الجوهري: إن "المحيط" لابن عباد فيه أغلاط فاحشة، ولذا ترك الأخذ منه (تاج م ظ ع).
وإن أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس الطرابلسي اللغوي قرأ "الجمهرة" على ابن خالويه بروايته لها عن ابن دريد، وكتب عليها حواشي من استدراك ابن خالويه على مواقع منها، ونبه على أوهام وتصحيفات (المزهر: 1: 58.)
وأبو زكريا الخطيب التبريزي اللغوي يقول في صحاح الجوهري: "إنه كتاب حسن الترتيب سهل المطلب لما يراد منه، وقد أتى بأشياء حسنة وتفاسير مشكلات من اللغة، إلا أنه مع ذلك فيه تصحيف لا يشك في أنه من المصنف لا من الناسخ، لأن الكتاب مبني على الحروف؛ قال: ولا تخلو هذه الكتب الكبار من سهو يقع فيها أو غلط، وقد ورد على أبي عبيد، في الغريب المصنف، مواضع كثيرة منه.
غير أن القليل من الغلط الذي يقع في الكتب إلى جنب الكثير الذي اجتهدوا فيه، "
وأتعبوا نفوسهم في تصحيحه وتنقيحه، معفو عنه. هذا كلام الخطيب التبريزي أبي زكريا، على ما نقله المزهر (1 - 60).
وفي التاج: "وقد وقع فيه، أي الغلط والتحريف، جماعة من الأجلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث، حتى قال الإمام أحمد: ومن يعري عن الخطأ والتصحيف؟ "
قال ابن دريد: "صحف الخليل بن أحمد فقال: يوم لغاث، بالغين المعجمة وإنما هو بالمهملة، أورده ابن الجوزي.
وفي صحاح الجوهري قال الأصمعي: "كنت في مجلس شعبة فروى الحديث قال: تسمعون جرش طير الجنة، بالشين المعجمة، فقلت: جرس، فنظر إلي وقال: خذوها منه فإنه أعلم بهذا منا".
وقال الحافظ محمد ناصر الدمشقي في رسالة له: "إن ضبط القلم لا يؤمن التحريف عليه، بل يتطرق أوهام الظنانين إليه لاسيما من علمه من الصحف بالمطالعة، من غير تلقٍ من المشايخ ولا سؤلة ولا مراجعة.
ويقول الفيروز أبادي في مقدمة كتابه "المحيط": "واختصصت كتاب الجوهري- الصحاح- من بين الكتب اللغوية، مع ما في غالبها من الأوهام الواضحة والأغلاط الفاضحة، لتداوله واشتهاره واعتماد المدرسين على نقوله ونصوصه.
يقول هذا صاحب القاموس ويتبجج بفضله على الأوائل في صدر هذه المقدمة؛ ولكنه لم يسلم هو من التحريف والتصحيف في قاموسه، وإليك شاهدًا منها؛ وإذا أردت المزيد فعليك بتاج العروس تر فيه العجب العجاب: جاء في مادة "ت ر ع" من معاني الترعة، قال الشارح: "جعله – أي الوجه- من معاني الترعة وهو خطأ" أخذه من قول أبي عبيدة حين فسر الحديث وذكر تفسير راوي الحديث فقال: هو الوجه عندنا، فظن المصنف، الفيروز أبادي، أنه معنى من معاني الترعة.
وإنما يشير إلى ترجيح ما فسره الراوي فتأمل! وفي مادة "ح ر ز" المحارزة: المفاكهة التي تشبه السباب؛ يقول صاحب التاج: "قلت الصواب فيه الجيم كما تقدم وقد تصحف على المصنف هما. وقال صاحب القاموس في مادة "ج ر ز" المجارزة: مفاكهة تشبه السباب، نقله الصاغا
وفي القاموس مادة " س ع د": "وبنو ساعده قوم من الخزرج وسقيفتهم بمكة" يقول صاحب التاج هكذا في سائر المصححة والأصول المقررة، ولا شك في أنه سبق قلم، لأنه أدرى بذلك لكثرة مجاورته وتردده في الحرمين الشريفين، والصواب أنها بالمدينة كما وجد ذلك في بعض
النسخ على الصواب، وهو إصلاح من التلامذة.
وفي مادة " ج ر ر": "الجر أصل الجبل وسفحه والجمع جرار....
قال ابن دريد: "هو حيث علا من السهل على الغلظ وهو مجاز كما يقال قيل الجبل، أو تصحيف للفراء، والصواب: الجراصل كعلابط للجبل، والعجب من المصنف حيث لم يذكر الجر أصل في كتابه هذا- القاموس- بل ولا تعرض له أحد من أئمة الغريب، فإذًا لا تصحيف كما لا يخفى.
وجاء في القاموس ما نصه: "وغلط الجوهري فاحش في دراهم زائفات "ضرب جيات" فإنه قال: أي ضرب أصبهان، فجمع جيًا باعتبار أجزائها، والصواب ضربجيات أي دريات جمع ضربجي أي زائف.
وفي التاج عن ابن الأعرابي: درهم ضربجي أي زائف، ثم اعتذر الشارح بأن الأصل في ضربجي: ضرب جي، وهي المدينة القديمة.
من أغلاط الأئمة لسبق الوهم والقلم
وفي لسان العرب مادة "ح ب ك" بعد أن ذكر رواية أبي عبيد عن الأصمعي في الاحتباك أنه الاحتباء وهو غلط، وصوابه الاحتياك، بالياء، قال: "والذي سبق إلى وهمي أن أبا عبيد كتب هذا الحرف عن الأصمعي بالياء، ـ فنزل في النقط وتوهمه باء".
قال: "والعالم وإن كان غاية في الضبط والإتقان فإنه لا يكاد يخلو من خطيئة بزلة، والله أعلم."
قال صاحب اللسان: "ولقد أتصف الجوهري، رحمه الله، فيما بسطه في هذه المقابلة، فإنا نجد كثيرًا من أنفسنا ومن غيرنا أن القلم يجري فينفط ما لا يجب نفطه، ويسبق إلى ضبط ما لا يختاره كاتبه، ولكنه إذا قرأه بعد ذلك أو قرئ عليه تيقظ له وتفطن لما جرى به فاستدركه.
وفي أيضًا مادة "ح شء": وفي التهذيب: حشأت النار إذا غشيتها؛ قال الأزهري: "هو باطل وصوابه حشأت المرأة إذا غشيتها فافهمه؛ قال: "وهذا من تصحيف الوراقين.
وفي مادة " هـ ن ن" قال أبو حاتم: "حضرت الأصمعي وسأله إنسان عن قوله: "ما ببعيري هانة ولا هنانة" فقال: إنما هو "هتاتة" بتاءين؛ قال أبو حاتم: قلت إنما هو "هانة وهنانة" ويجنبه أعرابي فسأله فقال: "ما الهنانة؟ " قال: لعلك تريد الهنانة، فرجع إلى الصواب؛ قال الأزهري: "وهكذا سمعته من العرب: الهنانة، بالنون: الشحم، كل شحمةٍ هنانة؛ والهنانة: بقية المخ.
وفي مادة "ح ل ب" عند ذكر المثل: شتى تؤوب الحلبة.
قال الشيخ أبو محمد بن بري: هذا المثل ذكره الجوهري "شتى تؤوب الحلبة" وغيره ابن
القطاع فجعل بدل "شتى" ونصب تؤوب.
قال: "والمعروف هو الذي ذكره الجوهري، وكذلك أبو عبيد الأصبعي، وقال: أصله أنهم كانوا يوردون إبلهم الشريعة والحوض جميعًا، فإذا صدروا تفرقوا إلى منازلهم فحلب كل واحد منهم في أهله."
وفي مادة "خ ض م": والخضم المسن، لأنه إذا شحذ الحديد قطع؛ قال أبو وجزة:
«حرى موقعة ماج البنان بها *** على خضم لسقي الماء عجاج»
وفي الصحاح: "الخضم، في قول أبي وجزة: المسن من الإبل، قال ابن بري: "وصوابه المسن الذي يسن عليه الحديد؛ قال: وكذلك حكاه أبو عبيد، عن الأموي، وذكر البيت الذي ذكره لأبي وجزة؛ وقد أورده ابن سيده وغيره، وفسره فقال: شبهها بسهم موقع قد ماجت الأصابع في سنه على حجر خضم يأكل الحديد عجاج أي بصوته عجيج.
وأورد صاحب اللسان: "خبص خبصًا بمعنى عدا عدوًا شديدًا"؛ قال صاحب التاج: "أهله الجوهري وأورده صاحب اللسان والصاغاني، قلت: وهو تصحيف جنص جنصًا، بالجيم والنون.
وفي القاموس مادة "ص ن ق": الصنق، ككتف: المتبين الشديد الصلب كالصانق؛ قال في التاج: هكذا في سائر النسخ، وهو غلط نشأ عن تصحيف قبيح، والصواب الصنق: المتن، كالصانق كما هو نص العباب، وكأن صاحب القاموس قد تصحفت عليه كلمة المنتن بالمتين، وأعقبها من عنده بما يؤيد المتانة، وهو الشدة والصلابة، وهذا من الغرائب في الأوهام.
وفي مادة " ط وس": والطوس، بالضم: دوام الشيء؛ قال صاحب التاج: هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها دوام المثنى.
وهو غلط فلحش لا أدري كيف ارتكبه المصنف مع جلالة قدره، ولعله من تجريف النساخ.
والصواب دواء المشي، نسبه الصاغاني إلى ابن الأعرابي ومعناه دواء يمشي البطن، وهو الأذريطوس.
وفي لسان العرب مادة "خ ش ف": والمخشف النجران الذي يجري منه الباب، وليس له فعل؛ وقال صاحب التاج: والمخشف "كمقعد" اليخدان، عن الليث، قال الصاغاني: ومعناه موضع الجمد؛ قلت: واليخ بالفارسية الجمد، ودان هو موضعه وهو الصواب، وقد غلط صاحب اللسان لما رأى لفظ اليخدان في كتاب العين ولم يفهم معناه فصحفه وقال: هو النجران، وزاد عبارة: الذي يجري عليه الباب؛ ولا أخاله إلا مقلدًا للأزهري، والصواب ما ذكرناه، رضي الله عليهم أجمعين.
من طرائف الأوهام:
لهؤلاء الأئمة الأعلام طرائف أوهام، منها ما جاء في التاج مادة "س ل م": وقول
الجوهري: ويقال للجلدة التي بين العين والأنف سالم غلط؛ تبع به خاله أبا نصر الفارابي- هكذا جاءت في التاج وفي طبقات ابن الأنبا ري، وإنما الفارابي أبو إبراهيم أو أبو يعقوب، في كتاب "ديوان الأدب" كما صرح به غير واحد من الأئمة، واستشهاده ببيت عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، في ولده سالم:
«يديرونني عن سالم وأديرهم *** وجلدة بين العين والأنف سالم»
قال الجوهري: وهذا المعنى أراد عبد الله في جوابه على كتاب الحجاج أنه عندي كسالم؛ قال ابن بري: هذا وهم قبيح أي جعله سالمًا للجلدة التي بين العين والأنف، وإنما سالم بن عبد الله ابن عمر، فجعله لمحبته له بمنزلة جلدة ما بين عينه وأنفه.
قال شيخنا: والصحيح أن البيت المذكور هو لزهير، وإنما كان يتمثل به ابن عمر.
وجاء في اللسان مادة "ح وز" عن الأزهري: وحوزة المرأة: فرجها؛ وقال امرأة:
«فظلت أحشو الترب في وجهه *** عني، وأحمي حوزة الغائب»
قال محمد بن مكرم: "إن كان للأزهري دليل غير شعر المرأة في قولها: "وأحمي حوزة الغائب" على أن حوزة المرأة فرجها سمع؛ واستدلاله بهذا البيت فيه نظر لأنها لو قالت "وأحمي حوزتي للغائب" صح له الاستدلال، لكنها قالت: "وأحمي حوزة الغائب" وهذا القول منها لا يعطي حصر المعنى في أن الحوزة فرج المرأة، لأن كل عضو للإنسان قد جعله الله في حوزته، وجميع أعضاء المرأة والرجل حوزة، وفرج المرأة أيضًا في حوزتها حتى تتزوج، فيصبح في حوزة زوجها...."
ثم وما أشبه هذا بوهم الجوهري في استدلاله ببيت عبد الله بن عمر في محبته لابنه سالم، وأورد القصة ثم قال: وكذلك هذه المرأة، جعلت فرجها في حوزة زوجها فحمته له من غيره لا أن اسمه حوزة... إلخ
وقيل: إن أبا عبيد قال: صآة، في الماء الذي يكون في السلي، فرد عليه وقيل له هو: صاءة، فقيله؛ وقال: الصاءة على وزن الساعة لئلا ينساه بعد ذلك.
وقال ابن الأعرابي في النوادر: "أصنع الرجل إذا أعان أخرق" فأشتبه على ابن عباد فقال هو آخر، ثم زاد عليه من عنده: وأصنع الأخرق تعلم، وأحكم، كذا في العباب؛ وقلده الصاغاني من غير مراجعة لنص ابن الأعرابي.
قلت: ثم تبعهما صاحب القاموس؛ قال في التاج: والصواب ما ذكرناه ومثله في اللسان.
وفي التاج مادة "ظ ر ر": واختلف في البصرة في مجلس اليزيدي نديمان له نحويان في الظروري، فقال أحدهما: هو الكيس، وقال الآخر: هو الكيش؛ فكتبوا إلى أبي عمر الزاهد يسألونه عن ذلك، فقال أبو عمر: من قال إن الظروري الكيش فهو تيس، إنما هو الكيس!
من الإصرار على الغلط
ما جاء في التاج مادة "ج د ع" وأورد لبشر بن أبي حازم:
«ليبكك الشرب والمدامة *** والفتيان طرأ وطامع طمعًا.»
«وذات هدم عار نواشرها *** تصمت بالماء تولبًا جدعًا.»
وأورده اللسان لأوس بن حجر.
قال: وقد صحف بعض العلماء هذه اللفظة؛ قال الجوهري: ورواه المفضل بالذال المعجمة ورد عليه الأصمعي؛ قلت: قال الأزهري في أثناء خطبة كتابه: جمع سليمان بن علي الهاشمي بالبصرة بين المفضل الضبي والأصمعي، فأنشد المفضل "وذات هدم" وقال آخر البيت: "جذعًا" ففطن الأصمعي لخطأه، وكان أحدث سنًا منه، فقال: إنما هو "تولبًا جذعًا" وأراد تقريره على الخطأ فلم يفطن المفضل لمراده، وقال: كذلك أنشدته؛ فقال الأصمعي حينئٍذ: أخطأت إنما هو "تولبًا جدعًا" فقال له المفضل: جدعًا جذعًا! ورفع صوته ومده، فقال الأصمعي: لو نفخت في الشبور ما نفعك، تكلم كلام النمل وأصب، إنما هو جدعًا! فقال سليمان بن علي: من تختار أن أجعله بينكما؟ فاتفقا على غلام من بني أسد حافظ للشعر، فأحضر، فعرضا عليه ما اختلفا فيه، فصدق الأصمعي وصوب قوله، فقال له المفضل: وما الجدع؟ قال: السيئ الغذاء.
ومثل ذلك ما حكاه المبرد، عن أبي محمد التوزي، عن أبي عمر الشيباني، قال: كنا بالرقة فأنشد الأصمعي:
«عننا باطلًا وظلمًا كما تعنز *** عن حجرة الربيض الظباء»
فقلت له: إنما تعتر من العتيرة، والعتر الذبح، فقال الأصمعي: تعتز أي تطعن بالعنزة وهي الحربة، وجعل يصيح ويشغب، فقلت: تكلم كلام النمل وأصب، والله لو نفخت في شبور يهودي وصحت إلى التناد ما نفعك، ولا كان إلا تعتر، ولا رويته أنت بعد هذا اليوم إلا تعتر! فقال الأصمعي: والله لا رويته بعد هذا اليوم إلا تعنز! قال في اللسان: ومعنى البيت أن الرجل كان يقول في الجاهلية: إن بلغت إبلي مائة تعرت عنها عتيرة، فإذا بلغت مائة ضن بالغنم، فصاد ظبيًا فذبحه؛ يقول: فهذا الذي تسألوننا اعتراض وباطل وظلم كما يعتر الظبي عن ربيض الغنم.
وفي المزهر: قال الزبيدي: حدثني قاضي القضاة منذر بن سعيد قال: أنبت أبا جعفر النحاس فألفيته يملي في أخبار الشعراء شعر قيس بن معاذ المجنون حيث يقول:
«خليلي هل بالشام عين حزينة *** تبكي على نجد؟ لعلي أعينها»
«قد أسلمها الباكون إلا حمامة *** مطوقة باتت وبات قرينها»
فلما بلغ هذا الموضع قلت: باتا يفعلان ماذا، أعزل الله؟ فقال لي: كيف تقول أنت يا أندلسي؟ فقلت: بانت وبان قرينها.
وقال ابن جني في الخصائص، باب سقطات العلماء: حكي عن الأصمعي أنه صحف قول الحطيئة:
«وغررتني وزعمت أنك *** لابن بالصيف تامر»
فأنشده: لا تني بالضيف تأمر، أي تأمر بإنزاله وإكرامه.
ويحكي عن خلف قال: أخذت على المفضل الضبي في مجلس واحد ثلاث سقطات؛ أنشد لامرئ القيس:
«نمس بأعراف الجياد أكفنا *** إذا نحن قمنا عن سواء مصهب»
فقلت: عافاك الله! إنما هو نمش أي نمسح، ومنه المنديل الغمر مشوشًا؛ وأنشد للمخبل السعدي:
«وإذا ألم خيالها طرقت *** غيني بماء جفنها سجم»
فقلت: عافاك اله! إنما هو طرفت؛ وأنشد للأعشى:
«ساعة أكبر النهار كما شد *** محيل لبونه إعظامًا»
فقلت: عافاك الله! إنه مخبل، بالخاء المعجمة، رأى خال السحابة فأشفق منها على بهمه.
وفي المزهر عن كتاب "ليس" لابن خالويه: جمع أبا عمرو الجرمي والأصمعي مجلس فقال الجرمي: ما في الدنيا بيت للعرب إلا وأعرف قائله! فقال: ما نشك في فضلك، أيدك الله، ولكن كيف تنشد هذا البيت:
«قد كن يخبأن الوجوه تسترًا *** فالآن حين بدأن للنظار»
فقال "بدأن"؛ قال: بدين؛ قال: أخطأت إنما هو "بدون" من بدا يبدو إذا ظهر؛ فأفحمه.
وفيه: اختلف المعمري والنحويان في "الظرورى" فقال أحدهما: الكيس، وقال الآخر:
الكيش؛ فقال كل لصاحبه: صفحت! وكتب بذلك إلى أبي عمر الزاهد فقال: من قال إن الظرورى هو الكيش فهو تيس، وإنما الظرورى الكيس!
ومما لا يتسامح به ما يكون في نص الآيات كما جاء في التاج في مادة "ن ز ل": وشاهد الاستنزال قوله تعالى: {واستنزلوهم من صياصيهم.} ليس من القرآن مثل هذا، وإنما هي عبارة الأساس على سبيل المثال، ونص الآية {وانزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم}.
خطأ الأئمة
نقل في المزهر عن عبد الله بن بكر السهمي قال: دخل أبي علي عيسى، وهو أمير البصرة، فعزاه في طفل له مات؛ ودخل بعده شيب بن شبة فقال: أبشر أيها الأمير، فإن الطفل ما زال مجنظيًا على باب الجنة يقول لا أدخل حتى يدخل والدي! فقال أبي: يا أبا معمر، دع الظاء إي المعجمة، وألزم الطاء؛ فقال شيب: أتقول هذا وما بين لابنيها أفصح مني؟ فقال له أبي: وهذا أخطأت ثانية، من أين للبصرة لابة؟ (واللابة الحجارة السود، والبصرة الحجارة البيض) أورد هذه الحكاية ياقوت الحموي في معجم الأدباء، وابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين، والزجاجي في أماليه بسنده إلى عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي.
ترتيب الكتاب
وضع الكتاب باقتراح المجمع العلمي العربي بدمشق، لمكان الحاجة إليه، وقد وضعته على النسق الذي رآه المجتمع، وابتدأت في جمعه في أول سنة 1351 هـ (1930 م) وأتممته في آخر سنة 1939، ومنذ ذلك الحين لا يزال الكتاب قيد المراجعة والتنقيح على الأمهات من كتب الأئمة المتقدمين حتى سنة 1947، تاريخ اتفاقي مع المجمع المذكور على البدء بطبعه سنة 1948.
وأما المنهاج الذي نهجته في ترتيبه وتصنيفه فهو ما يلي: "
1 - حثت في مقدمته بحثًا طريفًا في نشء اللغات إجمالًا، وفي نشء اللغة العربية خاصة وتطورها، وقد طبع على حدة بكتاب خاص هو "مولد اللغة".
2 - رتبته على أصل المادة المجردة من الزيادات في الحروف، كما هو الحال في سائر معاجم اللغة العربية قديمها وحديثها.
وإذا انقاد غير اللغة العربية من اللغات مع مرتبي المعاجم على حروف الكلمة كما هي في أصلها وزائدها، فإن اللغة العربية لا تنقاد كذلك، لأنها من اللغات المتصرفة التي تدخل في صلبها الزيادات على المادة لزيادة في المعنى.
وتتغير هيئة الكلمة، بتنوع الاشتقاق وسعته وكثرته، تنوعًا يبعث الشتات في الكلمات المشتقة من أصل واحد إذا أريد ترتيبها على صورتها، ويدعو إلى تباعدها عن محالها التي تألفها بعدًا يأباه الذوق العربي.
كأكرم وكرم، فالأولى تكون حينئِذ في أول المعجم والثانية في آخره.
ومكرم تأتي في مادة أخرى؛ وكذلك التكريم، وهو مصدر كرم، يجئ في غير مادتها.
ومثل ذلك: ودع وأودع وأتدع وايتدع وتودع واستودع والدعة والميدع، بل لا تسلم من هذا التشتيت كلمة من المشتقات، وهي تكاد تكون جماع اللغة.
وكذلك يأخذ بعض الحروف أكثر الكلمات إليه كحرف الألف مثلًا فإنه يحتضن في شتى فصوله من الكلمات، عدا الكلمات المبدوءة بالألف الأصلية، كل الكلمات المزيدة ألفًا في أولها، وصليه كانت أو قطعية، كأفعل وافتعل وانفعل واستفعل وافعنلل وافعل وأفعال.
وأنني أجد"
أن إرجاع الكلمة إلى ًاولها للاطلاع على معناها في المعجم هو من فضائل اللغة العربية كما قال المستشرق لوي ماسينيون: "وقد وجدنا خصائص في اللغات ولاسيما اللغة العربية، فإن فيها فضائل خاصة بها دون سواها، منها: الأصول الثلاثية في الكلمات، أي إرجاع أي كلمة كانت إلى ثلاثة أحرف للاطلاع على معناها في المعجم، ولكن هذه الخاصة لا توجد في اللغات الآرية، فلا ترتب المعاجم فيها بمقتضى أصول الكلمات بل ترتب كل كلمة كما تلفظ.
وبعد، فإن من يريد أن يحمل اللغة العربية السامية على منهاج غيرها من اللغات الآرية، مع تباين ما بينها من الخصائص والمزايا والمقومات، هو كمن يطلب في الماء جذوة نار.
«ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار»
3 - بدأت بالترتيب على نسق: فالألف قبل الياء، والألف مع الباء قبل الألف مع التاء، وهكذا في ثالث الحروف منها.
وأول ما أذكر من المادة الفعل الثلاثي المجرد على ترتيب أبوابه الستة التي يجمعها قول بعضهم: "فتح ضم، فتح كسر، فتحتان، كسر فتح، ضم ضم، كسرتان. ثم أذكر بعد المجرد المعدي بالتضعيف من الثلاثي، كفرح من فرح؛ ثم المعدي بالهمز كأكرم، ثم افتعل، وتفعل، وهكذا وآ
ثم في الأسماء أبدأ بالثلاثي المجرد المفتوح الفاء، ثم مضمومها، ثم مكسورها، ثم المحرك، ثم صفة فاعل وفاعلة، ثم المفعول وما جرى مجراه، والفعال وما أشبهه، والفعيل وإضرابه، ثم المزيد الميم؛ ثم يتبع المادة المضاعف الرباعي، كزلزل في مادة ز ل ل، ثم أختم المادة
4 - إذا ذكرت الفعل الثلاثي ذكرت مصادره كلها لأنها ليس لها ضابط مطرد.
أما مصادر الثلاثي المزيد والرباعي مجردًا أو مزيدًا فلم أذكرها اكتفاء بعلم القارئ، لأنها مطردة إلا ما شد منها عن القاعدة، وهو نادر، فإني ذكرته إلى جانب فعله مثل: توضأ وضوءًا، وتطهر طهورًا، وصلى صلاة، وأدركه دركًا ومدركًا.
على أنني وضعت للمصادر المطردة جدولًا في هذا الكتاب، يستحضر الطالب فيه ما يغيب عن ذهنه منها.
5 - في الأكثر أذكر مع الفعل اسم الفاعل منه واسم المفعول.
أما إذا كان في ذكره مفردًا فائدة، فإني أفرده في الذكر.
6 - ذكرت النسب الشاذة عن القياس: كالجزي في النسبة إلى سجستان، والصنعاني في النسبة إلى صنعاء، والداوردي في النسبة إلى دراب جرد (بلد بفارس).
ونبهت على شذوذها، ولم أذكر النسب القياسية إلا فيما ندر.
7 - أشرت إلى الفعل المستقبل في الثلاثي المجرد بحركة عينه فوق خط أفقي، إن كان مفتوحها أو مضمومها، وتحت الخط أن كان مكسورها.
8 - ذكرت الجموع ما استطعت لأنها في الثلاثي سماعية في الأغلب، ليس لها ضابط مطرد.
9 - عند اختلاف عبارات الأئمة في تفسير الكلمة أختار فيما اتفق معناه أفضلها بحسب نظري، وأوفاها بالمراد.
وربما جاءت عبارتهم مغلقة لا يفهم كل طالب المراد منها، فأردفها بما يفسرها جمعًا بين حفظ النص وفهم الطالب.
مثال ذلك في مادة "ح ض ب" قالوا: الخصب سرعة أخذ الطرق الرهدن (الطرق: الفخ، الرهدن: العصفور).
وربما جئت بالمعنى وحده في التفسير حيث يقتضيه الاختصار؛ مثاله: قالوا: الطحنة جوبة تنجاب في الحرة، فقلت: الطحنة أرض لينة وسط الحرة.
وأما ما كان فيه اختلاف بينهم فإني أذكر الأقوال بعبارات موجزة.
10 - تجنبت ما استطعت مرد كل أقوال الأئمة في الاستدلال على ما ذهبوا إليه منهاـ، وتركت تعليلاتهم، إذ أن الطالب لا يطلب غير معنى الكلمة، وزبدة الأقوال فيها؛ وربما اقتصرت في هذه الأقوال على الأكثر استعمالًا والأشهر.
11 - أشرت إلى المجاز معتمدًا في الحكم بمجازيته على أقوال الأئمة، ولاسيما الزمخشري في الأساس، وصاحب التاج، وعلى ما جاء في تضاعيف كتب الأئمة، وصل إليه بحثي ووقع في يدي، وعلى ما كانت العلاقة فيه ظاهرة.
12 - أشرت ما استطعت إلى الأصل في معنى الكلمة معتمدًا على نصوص الأئمة في ذلك.
وأما لم يرد نص منهم في أصل معناه، وظهر لي فقد قلت فيه: والظاهر أن الأصل في المعنى كذا.
13 - كثيرًا ما كنت أعثر في تضاعيف مواد اللغة في كتب الأئمة على كلمة نادة عن مادتها، ولاحقة عرضًا بغيرها من المواد، بحيث يعسر الاهتداء إليها إذا طلبت، فأخذتها من حيث وجدتها وأبلغتها مأمنها في مادتها التي هي منها، وأشرت إلى المادة التي نقلتها ليراجعها من يريد.
14 - ذكرت ما وضعه أو صحح إطلاقه مجمعًا اللغة في عصرنا هذا (وهما مجمع اللغة العربية الملكي في مصر وهو المعروف بجمع فؤاد الأول، والمجمع العلمي العربي بدمشق) من الأسماء الجديدة للمسميات الحديثة منذ أنشئ المجمعان إلى يومنا هذا.
وأشرت إلى المجمع العلمي العربي بدمشق بـ "م د" وإلى مجمع اللغة العربية الملكي بمصر بـ "م م".
15 - رأيت أن الأوزان والمكاييل ومقادير المساحة قد اختلفت قديمًا كما تختلف حديثًا باختلاف الأزمان واختلاف الأمكنة والبلدان، وتتفاوت الاصطلاحات عليها، وكثيرًا ما يرى
الناظر في الكتب العربية اسم الطسوج والقيراط والدرهم والمثقال والإستار والكيلجة والقفيز والجريب والكر والوسق ونحو ذلك، ولا يهتدي إلى نسبتها فيما يعادلها من مقادير هذا العصر؛ فحرصت على حل المشكل بقدر ما أستطيع.
وعثرت في منشورات مجلة المقتبس الدمشقية على رسالة لنجم الأئمة الشيخ رضي الدين الإسترابادي، استخرج فيها من أقوال الأئمة اللغة وأئمة الفقه آراءهم في هذه المقادير، وبينها بالحبة والدرهم والمثقال، واعتمد على أشهر الأقوال التي اعتمدها الفقهاء في تقاديرهم الش
واستخرجت النسبة من معادلة الدرهم العثماني الذي هو الدرهم البغلي المعروف عند اللغويين بأنه 64 حبة على أنه 3 غرامات و 0.207362 من الغرام، حسب بيان دار الضرب العثمانية كما هو وارد في التقادير الرسمية، ووضعت لها جداول خاصة في كتابي هذا.
16 - رأيت كلمات طرأـ على اللغة في العصر العباسي، بعضها اندثر ولكنه لا يزال مذكورًا في مؤلفات ذلك العصر مثل الكردناج والبزماورد والدقدان والشامرك، وبعضها ما زال مستعملًا إلى اليوم.
وهذه الطارئة ليست من صلب اللغة وأكثرها دخيل، ولكنها شاعت، ولم يتحرج مؤلفو هذا العصر من إدماجها في عباراتهم، فكان من الخير أن أتعرض لها في كتابي هذا.
وقد وقع لأحد الجهابذة، وهو أبو عبد الله بن الطيب الفاسي المتوفى سنة 1170 هـ، أن أنكر على صاحب القاموس تفسيره العنة بالدقدان لأنه لم يعرف معناه فقال: ولعل المراد به الغليان.
والدقدان من الألفاظ العباسية لما ينصب عليه القدر، ويعرف اليوم في لبنان بالمنصب.
فبحثت فيما اطلعت عليه منها بقدر وسعي وأثبتها في كتابي هذا.
17 - كنت وما زلت أجد كثيرًا من العامي الذي يمكن رده إلى الفصيح، وأحس تحريف الفصيح في الكلام العامي، فتتوق نفسي إلى ولوج باب البحث فيه، فأقدمت بعد إحجام لصعوبة البحث ووعورة الطريق، وعنيت به، وفتحت الباب للمحققين بما أقدمت عليه بقدر المستطاع، وبقدر ما وصل إليه علمي وبحثي من جذبه إلى الفصيح وتطبيقه عليه.
وقد يكون المأخذ قريبًا سهلًا، وقد يكون بعيدًا يحتاج إلى شيء من التكلف، وقد تكون الكلمة دخيلة من الآرامية أو الفارسية أو غيرهما.
ومهما تيسر لي ردها إلى أصل عربي كان عندي أولى من حملها على ًال غير عربي، واعتبارها دخيلة، ما دام لي مجال لإلحاقها بالمادة العربية.
سلكت هذا الطريق وأنا أعلم أنني سلكت سبيلًا شاقة، وتوقلت عقبة صعبة لا آمن فيها العثار، ولا أبرأ من الزلل- والعصمة لله- ولكنه فتح يجب أن ينفتح ليستقر أمره وينتظم.
ولا بد لإدراك الثمرة من أن يتسع فيه المقال وتظهر آراء الرجال.
ولكنني خشيت أن يختلط الصحيح الفصيح بالعامي في متن الكتاب، فجعلت مكان العامي هامش
الكتاب، والله الموفق للصواب.
ولا حاجة لأن أقول أن أكثر ما ذكرته من العامي إنما هو من اللهجة التي أسمعها كل يوم، بل تدخل سمعي كل ساعة، وهي لهجة بلاد ساحل الشام من سفوح لبنان، وبالأخص لهجة بلدي جبل عاملة.
ولم آل جهدًا في إثبات ما سمعته من عامية غير هذه الديار.
على أنني توسعت في هذا البحث في كتاب خاص أسميته "رد العامي إلى الفصيح".
18 - حرصت أن لا تفوت كتابي هذا مادة ذكرت في لسان العرب وتاج العروس، وهما أكثر كتب الأئمة المعروفة لدينا جميعًا لمواد اللغة، فكان كتابي هذا جامعًا لكل ما يمكن أن يطلبه طال اللغة، فلا تمر به كلمة من كلماتهم إلا ويكون لها تفسير فيه؛ فإن بلغت بذلك رضا الطالب فهو غاية المرام، وإلا فاللغة بحر لا يدرك ساحله.
وقد رأيت كثيرًا من ناشئة اليوم قد أولعوا بالإعراض عن الكلمات الغريبة الوحشية التي هي غير مأنوسة في الاستعمال.
فإن كان هذا من حيث الاستعمال فصالح، وهو حق وصواب، ويحسن بنا أن نتخير لكلامنا في منظومنا ومنشورنا الألفاظ العذبة السائغة ونتجنب الحوشي والوحشي الثقيل على السمع واللسان.
وإن كان من حيث هجرها المطلق وطلاقها البائن حتى لا تذكر في معاجمنا، فذلك غير صالح لأنها من تراث اللغة القديم الذي لا يستغنى عن معرفته متأدب ينظر في كلام العرب وخطبهم وأشعارهم وأخبارهم، وهجرها هذا يقطع الصلة بينا وبين سلفنا، ذلك السلف الذي نفتخر ببيانه و
وقد تجد كلمات كانت غير مأنوسة في زمن، وأتى عليها زمن آخر تداولتها الألسن، فأنست بعد نفار، وتأهلت بعد استيحاش.
19 - رأيت منذ شرعت في كتابي هذا أن الاعتماد على كتب الأئمة السالفين، وهم الذين أوتوا خطأ وافرًا من العلم باللغة، وافنوا زهرة أيامهم في تحصيله، وبذلوا في سبيله كل جهد، وتحملوا كل عناء، حتى بلغوا من ذلك الذروة أو كادوا، وأحرزوا فيه ملكة راسخة، وتحقيقًا واسعًا، رأيت أ، الاعتماد عليهم هو الذي يجب علينا أن نهتم له، وأن نعني به كل العناية، لأن كتب المتأخرين المعاصرين غير مأمونة الخطأ.
فتجنبت بادئ بدء مراجعة كتب المتأخرين المعاصرين حتى لا تسري إلى أغلاطهم من حيث لا أشعر بها، وهذا كتاب أقرب المواد للشرتوني، وهو أكثر كتب المعاصرين رواجًا بين أيدي الكتاب والطلاب على جلالة قدره، فإني راجعت أوائله بعد إتمام مؤلفي هذا فاستخرجت له نحوًا من
ولكن ما وصل إلينا من كتب الأئمة وتداولته أيدينا على جامعيته الكبرى وتحقيقه الجم، كان عسير المأخذ لقلة ترتيبه، كلسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري الخرزجي الأفريقي، المعروف بابن منظور وبابن مكرم المتوفى سنة 711 هـ.
وهو الذي جمع فيه تهذيب الأزهري، ومحكم ابن سيده، وصحاح الجوهري، وحاشية ابن بري، وجمهرة ابن دريد، ونهاية ابن الأثير وغير ذلك، والذي قيل فيه: انه أعظم كتاب ألف في مفردات اللغة! ومثل: تاج العروس في شرح القاموس للسيد محمد بن محمد، المعروف بالمرتضى الزبيدي ا
فوضعت أمامي تاج العروس إلى جنب القاموس المحيط للشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي الشيرازي المتوفى سنة 817 هـ إلى جنب لسان العرب؛ فكنت آخذ المادة فأطالعها في القاموس مدققًا بقدر الاستطاعة في شرحها في التاج واختصرها في مسودة، ثم أعارضها بما في لسان العرب- والقاموس وشرحه التاج عيالان على لسان العرب كما لا يخفي- واحرص في الاختصار أن لا أخرج عن مرادهم ومدلول كلامهم؛ ثم انظر بعد ذلك في كتاب أساس اللغة للزمخشري، وفي مختار الصحاح للرازي، وفي المصباح المنير للفيومي؛ وبعد ذلك كله أثبت ما استخرجته في موضعه من كتابي هذا، على أنني فيما أنقله من هذه الكتب الخمسة لا أنبه إلى اسم الكتاب المنقول عنه؛ وأما ما أنقله عن غيرها فإني أنبه إليه وإلى اسم الكتاب.
وإنني أرجو أن لا يتسرع منتقد كتابي هذا بالحكم علي بالخطأ، إذا رأى ما يخالف نص بعض كتب الأئمة كالقاموس مثلًا، قبل أن يرجع إلى كتاب إمام آخر؛ فإنني وجدت اختلافًا بين هذه الكتب في ضبط الكلمة حتى بين التاج واللسان، مع أن الأول قد أخذ عن الثاني، وكثيرًا ما يكون أخذه بالحرف الواحد، فإذا رأى المخالفة لهما معًا ولم يكن مذكورًا سند القول عندي، صح له أن يسجل على الخطأ، وأما اختيار أحد القولين فليس من الخطأ في شيء.
20 - لم أذكر في معجمي اصطلاحات العلوم والفنون لأنها خارجة عن اللغة، اللهم إلا ما كان منها له أساس بالمتن.
21 - أما الحديث عن الواو والياء في المعتل الأجوف والناقص في كتابي هذا، فإنني وجدت من سنن العرب أنهم يدخلون أحد حرفي اللين على الآخر أي تدخل الواو على الياء، والياء على الواو، لأنهما من حيز واحد وهو الهواء، وهما حرف لين كما صرح به صاحب اللسان عن الأزهري في مادة "ح ي ض" وكما جاء في التاج في مادة "ط ل و" وحكاه الأحمر عن العرب من قوله: أن عندك لأشاوي، في جمع شيء، وأصلها أشايا؛ وكما جاء في الطلاوة لما يطلي به الشيء فإنها من "طليت" نص عليه صاحب التاج؛ وكما جاء في الدعاية فإنها من دعوت، وقد جاءت دعاية في
الحديث النبوي الشريف؛ وكذلك الشكاية فإنها من شكوت ولم يقولوا الشكاوة.
ووجدت أن الواو والياء بهذا الاعتبار قد أصبحا بكثرة تعاقبهما، وحلول أحدهما محل الآخر في كثرة لم تكن في حرفين من حروف الهجاء غيرهما، قد أصبحا كالحرف الواحد مثل: كينونة من الكون، ودام ديمومة من الدوام، وساد سيدودة من السيادة، وصاغ يصوغ صوغًا وصياغة وصيغوغة وهو صواغ وصياغ.
ومثل: صيم وصيام وصيامي من الصوم.
ووجدت أنهم أوجبوا اعلال الأجوف المفتوح الفاء بإبداله ألفًا لينة سواء كان واويًا أو يائيًا؛ فإذا لم يعلموا أصله حمله بعضهم على باب "نصر" وبعضهم على باب "ضرب" وبعضهم أجاز الأمرين.
وإن هذا الماضي المعتل يأتي على ضروب منها: "
1 - ما لا خلاف في أصله، كقام فيما ًاله الواو، وباع فيما ًاله الياء.
2 - ما صح عندهم مجيئه واويًا أو يائيًا بمعنى واحد، كحاز الإبل يحوزها ويحيزها حوزًا وحيزًا، بمعنى ساقها سوقًا شديدًا؛ وهذا الضرب أكثر من أن يحصى في كلامهم.
3 - ما اختلفوا في ًاله، كالأريحية، جعلها صاحب اللسان من بنات الياء، وعدها الفارسي من بنات الواو.
4 - ما استعمل في معنيين متفرعين من أصل واحد، فانفرد أحدهما بالاستعمال وجعل من بنات الياء، واستقر المعنى الآخر في بنات الواو، كالشوب بمعنى الخلط، والشيب لبياض الشعر في سواده، فقيل في الأول شاب يشوب شوبًا، وفي الثاني شاب يشيب شيبًا.
5 - ما لم يظهر لهم أصله فحملوه على أحد الوجهين أو أجازوه فيهما معًا.
وقد حاول بعضهم تخليص الواو من الياء في ترتيب المواد في معاجمهم، فلم يوفقوا كل التوفيق في ذلك.
وقد جريت في كتابي هذا على جعل ما كان من الضرب الثاني والثالث والخامس في مادة واحدة، وفصلت فصل الواو عن فصل الياء فيما كان من الضرب الرابع.
وأما الضرب الأول فهو متميز بلفظه ومعناه، وباب القول مثلًا غير باب البيع طبعًا.
ومن الله أستمد العون والتوفيق.
المصادر القياسية للأفعال المزيدة
الفعل - مصدره - مثاله.
فعل من الصحيح - تفعيلًا: التفعيل - علم تعليمًا.
فعل من المعتل اللام - تفعلة: التفعلة - سمى تسمية.
افعل من صحيح العين - إفعالًا: الإفعال - أكرم إكرامًا.
افعل من معتل العين - أفعاله - أقام إقامة.
تفعل - تفعلًا: التفعل - تعلم تعلمًا.
تفعل إذا كان معتل اللام قلبت ألفه الأخيرة ياء - تأتي تأتيًا.
افتعل - افتعالًا: الافتعال - اصطفى اصطفاء.
انفعل - انفعالًا: الانفعال - انفرج انفراجًا.
افعل - افعلالًا: الأفعلال - احمر احمرارًا.
افعال - فعيلالًا: الافعيلال - احمار احميرارًا.
استفعل - استفعالًا: الاستفعال - استخرج استخراجًا.
استفعل إذا كان معتل العين قلبت عينه ألفًا ولحقته تاء التأنيث استقام استقامة "واصلة استقوامًا"
افعنلل - افعنلالًا: الافعنلال - احرنج احرنجامًا.
فعلل - فعللة وفعلالًا: الفعللة والفعلال - دحرج دحرجة ودحراجًا والثاني - قياسي في المضاعف الرباعي وسماعي في غيره.
تفعلل - تفعللًا: التفعلل - تدحرج تدحرجًا.
فاعل - مفاعلة وفعالًا: المفاعلة والفعال - قاتل مقاتلة وقتالًا.
وتقل فعالًا في ما كانت فاؤه ياء - كياسرة مياسرة، ويامن ميامنة.
تفاعل - تفاعلًا: التفاعل - تظاهر تظاهرًا.
وإذا أعلت لأمه قلبت ألفه ياء نحو: - تقاضى تقاضيًا.
أفعول افعيلالًا: - الافعيلال - اعشوشب اعشيشابًا.
فوعل - فوعلة وفيعالًا: الفوعلة والفيعال - حوقل حوقلة وحيقالًا.
افعلل - افعلالًا وفعله: الافعلال والفعلة - اقشعر اقشعرارًا وقشعريرة.
معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م
8-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (حيلة باصليب)
حيلة باصليبوهم قبائل مشاجرة يحملون السّلاح، وما أدري أكان الشّيخ عليّ بن سعيد باصليب، الملقّب بالرّخيلة منهم، أم لا؟ فإنّه تديّر تريم، وللشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف أخذ عنه، ومع ذلك بقي له اتّصال أكيد بالشّيخ الإمام أبي بكر بن عيسى بايزيد، السّاكن في وادي عمد، الّذي كان موجودا بالقرن الثّامن.
وكان هو والمشايخ الأئمّة ـ: عمر بن سعيد باجابر، ومزاحم بن أحمد باجابر، وعبد الله بن طاهر الدّوعنيّ، المتوفّى بالأيسر، على مقربة من بلاد الدّوفة، كلّ هؤلاء ـ من أقران الشّيخ عبد الرّحمن السّقّاف.
وفي حيلة باصليب جماعات من السّوقة والأكرة.
ثمّ رباط باكوبل، وسكّانه من القرار المعروف شأنهم بحضرموت، وفيه جامع.
ولم أدر من هو باكوبل هذا غير أنّه جاء في الحكاية (145) من «الجوهر الشّفّاف» ذكر يحيى بن أبي كربل، وهو من خدّام الشّيخ عبد الله باعلويّ. كما جاء في الحكاية (154) منه أيضا ذكر باكنبل، وهذه الألقاب متقاربة.
ثمّ قرن باظبي. ثمّ مخية والشّرقي: لآل باتيس، نحو مئة رام، وعندهم نحل كثير جيّد العسل، وهم على اتّصال بقبيلتهم أهل السّدّة السّابق ذكرها.
ثمّ خربة باكرمان: فيها جامع، وسكّانها من يافع المتوالدين بها، وسادة من آل الكاف. منهم بها أو بعمد: الفاضل السّيّد أحمد بن عبد الله بن سالم، أثنى عليه شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» بالفقه والنّباهة والورع.
وقد زار سيّدي الوالد بمكاننا المسمّى: (حوطة علم بدر)، في يوم الإثنين (20) شعبان سنة (1308 ه)، وحصلت منه الإجازة والإلباس لوالدي ولي وللشّيخ محمّد بن شيخ الدّثنيّ، وكانت مذاكرات علميّة شهيّة في ذلك المجلس الشّريف. هكذا وجدته بخطّ الدّثنيّ المذكور.
وفي «المواهب والمنن» للسّيّد علويّ بن أحمد بن حسن الحدّاد: (أنّ السّيّد علويّ بن محمّد الكاف ساكن وادي عمد وادي قضاعة بحضرموت.. كان مع سيّدي الوالد في المركب الّذي انكسر بهم قريبا من القنفذة في سنة «1157 ه»).
وفي الخربة المذكورة جماعات من آل باكرمان، وهم مشايخ، وعندهم أوشاب من الرّعايا.
ثمّ الشّعبة، وهي بالوادي الشّرقيّ، وسكّانها آل العموديّ، مشهورون بكرم الضّيافة، وفيها خزانة كتب للشّيخ العلّامة عمر بن أحمد العموديّ، المقبور بالقنفذة، وفيها أوشاب من الرّعايا.
ثمّ الوجر، فيه نحو أربعين راميا من آل ماضي. ثمّ طمحان، فيها جامع وبيت للضّيفان، أوقافه منسوبة للحبوظيّ.
وفيها جماعة من آل ماضي، ومنها ـ حسبما يقال ـ أبو الطّمحان القينيّ، ويتأكّد بما سبق أنّ بني القين أوّل من سكن وادي عمد، من قضاعة، وقد ترجم له في «رشيدة الإخوان»، وصرّح بولادته في حضرموت بوادي قضاعة مسكن بني القين، وذكر أنّه أصاب دما في قومه فهرب إلى ديار فزارة مستجيرا بمالك بن سعد الفزاريّ.. فأجاره وأكرم مثواه إلى أن توفّي.
وقد ذكرت ما أخرجه صاحب «الأغاني» من خبره مع قيسبة بن كلثوم السّكونيّ في «الأصل».
وفيها الآن شيخ شهم من آل العموديّ، يقال له: أحمد الأشرم، تزوّج بمخلّفة السّيّد عيدروس بن حسن بن محمد بن إبراهيم بلفقيه، وقد جرت لها قصّة، حاصلها:
أنّ السّيّد عيدروس هذا كان غائبا، ففقد وانقطع خبره، ففسخت نكاحها منه؛ لتعذّر النّفقة فسخا صحيحا، أمضاه قاضيهم السّيّد العلّامة عبد الله بن محمّد المساوى، المتوفّى بشقرة، واقترنت بأحد آل عمر بن جعفر الكثيريّين بقيّة الدّولة البائدة، ولمّا بنى بها.. هجم عليهم آل شملان وانتزعوها منه عنوة بغير مبرّر شرعيّ، سوى أنّهم قالوا: إنّ كثيرا من أبنائنا غائبون ولا ينفقون على زوجاتهم، وبانفتاح هذا الباب ينجم شرّ كبير.
وأنا كثيرا ما أنعى على المتعصّبين من الفقهاء تشدّدهم في منع الفسخ؛ لأنّ الدّين يسر لا حرج فيه، ولن يشادّه أحد إلّا غلبه، وقد جاء في «الغنية» لسيّدي الإمام العارف بالله، شيخ الشّيوخ، السّيّد عبد القادر الجيلانيّ أنّ: (للمرأة الفسخ بعد مضيّ ستّة أشهر لغيبة زوجها) وهو قريب من مذهب سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
وإلى جانب طمحان: المكان المسمّى جاحز: وفيه يسكن آل عمر بن جعفر المذكورون، وآل جنيد من المشايخ آل باوزير.
ثمّ حبره: قرية صغيرة لآل ماضي، لا مسجد بها!
ثمّ بلد عمد، وفيها آل العطّاس، منهم: الإمام الكبير صالح بن عبد الله، المتوفّى بها في سنة (1279 ه)، وولداه الكريمان الصّالحان: عمر بن صالح، ومحمّد بن صالح، وابن أخيه محمّد بن أحمد بن عبد الله.
وفيها جماعة من آل الشّيخ أبي بكر بن سالم؛ منهم السّيّد العظيم الشأن صالح بن عبد الله الحامد، ومنهم الصّالح السّليم البال حسين بن محمّد المتوفّى بها سنة (1301 ه)، له أخبار عجيبة؛ منها: أنّه أعلم والي عدن في طريقه إلى الحجّ بأنّه واصل، وطلب منه أن يلاقيه.. فلاقاه إلى أثناء الطّريق على عادة الحضارمة مع المناصب، وأهدى له طرفا وكمّيّة من الرّبّيّات.
وهم من ذرّيّة السّيّد عيدروس بن سالم بن عمر بن الحامد ابن الشّيخ أبي بكر.
وممّن يسكن عمدا السّادة آل مساوى، ومنهم: السّيّد عبد الله بن محمّد السّابق ذكره، ومنهم السّيّدان عمر وأحمد ابنا هاشم المساوى، لطيفان ظريفان، راويتان لأشعار القبائل وزواملهم، توفّي أوّلهما بعمد في حدود سنة (1348 ه)، والثّاني بعده بسنة.
وعلى مقربة من عمد إلى شماله قرية يقال لها: حبب، يسكنها آل شملان، والمقدّم فيهم: عوض بن سعيد بن شملان.
وفيها لفيف من السّوقة، وبها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ.
ثمّ النّعير، فيه سادة من آل الشّيخ أبي بكر وآل العطّاس، ومشايخ يقال لهم: آل باحسين. وقبائل يقال لهم: آل لجذم، من الجعدة. وفيها جامع.
ثمّ عنق، فيها سادة من آل العطّاس، منهم الآن: السّيّد محمّد بن عبد الله الهادي، له يد في إصلاح ذات البين.
وفيها ناس من آل الشّيخ أبي بكر؛ منهم: السّيّد الصّالح محمّد بن محسن، المتوفّى بها في سنة (1302 ه)، وفيها حرّاثون، ولها ذكر في التّاريخ.
ثمّ منخوب: قرية صغيرة في فم الوادي، وهي مرعى خصيب للبهائم، وإليه كان يرسل الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بخيله للرّعي، والقرية المذكورة لآل باسبيت، ونحو ثلاثين رام من آل عامر بن عليّ الجعيديّين.
ثمّ الرّحب ـ بكسر الرّاء ـ وسكّانه من القرار، وفيه جامع، وبيت للضّيفان من أوقاف الحبوظيّ، وفيه مشايخ من آل بامسق وآل حاجب، وسوقة.
ثمّ خنفر، وفيه سادة من آل الحبشيّ؛ منهم: الإمام العظيم العلّامة عيسى بن محمّد بن أحمد الحبشيّ، المتوفّى بها في سنة (1125)، له عقب منتشر بالرّحب والرّيدة وسر وعنق والغرفة.
وفي كلام الحبيب أحمد بن عمر سميط أنّ جلوسه في وادي عمد كان بإشارة شيخه عمر بن عبد الرّحمن العطّاس.
وفي «شمس الظّهيرة»: (أنّ بخنفر جماعة من ذرّيّة الشّيخ عمر بن عليّ بن أبي بكر بن عبد الرّحمن السّقّاف).
ومن صلحاء خنفر: الشّيخ الفقيه، الأجلّ الورع، الفاضل، محمّد بن عبد الله باحارث، توفّي بها سنة (884 ه).
وذكر الطّيّب بامخرمة خنفرا باليمن من أرض أبين: (وهي قاعدتها، وبها جامع حسن البناء، جيّد العمارة. ومئذنته طويلة، وهي أعجوبة.
وكان بها فقهاء صالحون؛ منهم: الشّحبليّ.
وفيها متصوّفة يسمّون البركانيّين، يدهم للشّيخ مور بن عمر بن الزغب، وكانوا يسافرون بركب اليمن من الشّحر وأحور وأبين والجبل جميعه وتهامة جميعها، ويزورون قبر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحبة الصّوفيّ البركانيّ، ويعود بالزّائر والواقف قفولا كما يخرج عن بلده. ذكر ذلك القاضي مسعود على ما كان في زمنه، أمّا اليوم.. فإنّها خراب، استولى عليها البدو من الهياثم والعوالق وآل أيّوب وغيرهم من داعية الفساد، وانتقل البركانيّون الّذين كانوا بها إلى وادي لحج.
وفي عصرنا هذا ـ وهو سنة (928 ه) ـ تطرّق فساد البدو إلى وادي لحج، وخرب أكثرها وغالب قراها بسبب التفات الدّولة إلى جمع الحطام الفاني، وعدم اعتنائهم بمصالح المسلمين، فالله يختم بخير) اه
ومن موضع آخر منه يقول: (إنّ الهياثم هم سلاطين دثينة، والمقدّم فيهم لعهده: حيدرة بن سعود وولده محمّد، لا أسعدهم الله) اه
وأخبرني جماعة من اليافعيّين أنّ خنفر هذه كانت ملكا للسّلطان عيدروس اليافعيّ، فاستأجرتها حكومة عدن لمدّة أربع سنين، ولمّا مضت.. طلب ارتفاعهم، فطلبوا ما أنفقوا، وقدّروه بسبعين ألف ربيّة هنديّة فدفعها، ثمّ عادوا بعد سنتين محاربين، وقتل ضابط إنكليزيّ وأربعة من يافع، واستولوا على الأرض إلى اليوم.
الجدفره: فيها ناس من آل العطّاس، وثلاثة بيوت من الجعدة.
ثمّ سراواه: وفيها ناس من الجعدة يقال لهم: آل علي ـ بكسر العين ـ وكانت لهم قبولة حارّة، لا يزالون يتناشبون الشّرّ مع جيرانهم آل الجدفرة وآل هلابي، وفي أشهر لقياتهم قتل من الطّرفين أكثر من ثمانية بمكان يقال له: باوردان، من ضواحي الرّحب، فصار مضرب المثل في التّهلكة، فيقال: فلان وقع في حفرة باوردان.
ثمّ لفحون، وسكّانها آل هلابي وآل عفيف من الجعدة، وفيها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ، وفيها مصرع الحبيب عمر بن حسين بن عبد الرّحمن العطّاس.
ثمّ الرّحم، فيه آل حميد من الجعدة، تقدّر رماتهم اليوم بأربعين، فيه مسجد، وللضّيف في بيوتهم سعة.
ثمّ زاهر باقيس، وفيها جامع ومنزل للضّيفان من آثار الحبوظيّ، وفيه آل باقيس، منصبهم: الشّيخ عمر بن أحمد باقيس. وكان بناء زاهر هذه في سنة (736 ه).
ثمّ قرن ابن عدوان، فيه مشايخ من آل باوزير، منصبهم: الشّيخ عبد الله بن سعيد. وفيه جامع ومنزل للضّيفان من جملة صدقات الحبوظيّ.
وفيه آل أحمد بن عليّ من قبائل الجعدة، ويقال للجعدة: مرّة، إمّا نسبة إلى مرّة بن زيد بن مالك بن حمير ـ وهو كما سبق جدّ قضاعة ـ وإمّا إلى أحد من ذرّيّة قضاعة، يقال له: مرّة.
وقيل: إنّهم من مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عمرو بن زيد بن كهلان، ومرّة هذا أخو الأشعر وطيّء ومذحج، وهو جدّ كندة الثّالث؛ لأنّ كندة هو كندة بن عفير بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد.
وفي الجزء الأوّل من «الإكليل» للهمدانيّ [203 ـ 204]: (أنّ مرّة بن حمير بطن؛ منهم: ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّعمان، القيل بحضرموت، وهو الّذي أنجد الحارث بن معاوية بن مالك بن معاوية بن عوف بن حريم الجعفيّ ـ الملقّب بالأسعر ـ على قتله أبيه، وأعطاه فرسا من رباطه يقال له: المعلّى، وراشه بالجند والسّلاح، وله خبر طويل.
قال أبو نصر: فأولد ربيعة ذو مرحب بن معدي كرب بن النّضر حليلا وذا المسوح.
وقال غيره من علماء اليمن: أولد مرّة بن حمير عمرا وربيعة، فأولد ربيعة الأحول وذا المسوح. والكلبيّون وأهل المسجل يقولون: إنّه مسروح.
وأولد عمرو بن مرّة قبائل بحضرموت، منها دخلت في مهرة بن حيدان، ومنهم العجلان، وإليه تنسب العجلانيّة بحضرموت: ذو أصبح، وذو النّعرين) اه
وهم قبائل كثيرة؛ منهم: آل هلابي، وآل غانم، والمراضيح، وآل شملان، وآل لجذم، والرّوامضة، وآل الشّيبة، وآل عامر بن عليّ، وآل سليمان بن عليّ، وآل أحمد بن عليّ.
والصّقرة، ومساكنهم: نفحون، والسّيلة، والجدفرة، وسراواه، وحدّ عنق، والبطيخ، والنعير، وتبرعة، وعمد ونواحيها.
ومن أعمال وادي عمد: حريضة.
قال الحبيب أحمد بن حسن العطّاس في «سفينته»: (قال الطّيّب بامخرمة في كتابه «نسبة البلدان»: سمّيت حريضة باسم قبيلة من حمير، ويسكنها السّكون من كندة) اه
ولعلّ هذا النقل عن الطّيّب من غير مادة حريضة؛ أمّا فيها.. فلم يزد على قوله: (حريضة بالكسر، كضدّ الجبر، أسفل من وادي عمد، مقابلة لعندل) اه
وقوله: (بالكسر) يعني الصّقع الآتي ذكره، وفيه تسامح؛ لأنّ الأكثر عدّ حريضة في عمد لا في الكسر.
وقد فهم بعضهم من قوله: (بالكسر) أنّه يريد كسر الحاء من حريضة، وليس كذلك.
ومن كتاب باشكيل: (أنّ آل عليّ بن سالم آل حريضة من بني يزيد بن معاوية بن كندة).
وقال بعضهم: إنّ حريضة مصحّفة عن قريضة، ودلّل على ذلك بأنّها كانت مسكن اليهود قبل البعثة بأربع مئة سنة.
ومن «دشتة» وجدت بزاهر باقيس: (وحريضة كانت تسمّى قريضة، ترد إليها القوافل من صنعاء ومأرب، وكانت بها أسواق، وهي من بلاد عاد القديمة).
وفي بعض مذكّرات الحبيب أحمد بن حسن العطّاس: (أنّ حريضة كانت ذات جاهليّة صمّاء، وطاغوتيّة عمياء، وكانت لليهود قبل النّبوّة، فأسلموا بكتابه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ ارتدّوا إلى اليهوديّة، وبقوا عليها إلى زمان المهاجر أحمد بن عيسى، فأسلموا على يده وحسن إسلامهم، وإنّما بقيت لهم نزغات يحييها الجهل ويطفئها العلم). نقله العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس، والشّيخ محمّد بن أحمد بامشموس، من «مناقب الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس».
وجاء في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد: (أنّ الحبيب عمر العطّاس كان كآبائه في النّسك، فأشار عليه شيخه الحبيب حسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم أن يرحل إلى حريضة ليعلّم أهلها؛ علّهم يفيقون ممّا هم عليه من الجهل والغلظة، وقال له: لو أعلم أحدا أجفى منهم.. لبعثتك إليهم، فسار إلى هناك، وألفاهم على جاهليّة جهلاء، يبيتون مختلطين رجالا ونساء على ما يسمّونه الظّاهري، فلم يسعه إلّا أن دخل فيهم، وجعل يلقي عليهم الأراجيز في ألعابهم، ثمّ أشار عليهم بعزل النّساء عن الرّجال، وما زال يتدرّج في نصحهم وإرشادهم ـ كمؤمن آل فرعون في ترتيب دعوته لقومه ـ حتّى انكفّوا عن العادات السّيّئة، وأقبلوا على الدّين والصّلاة بفضل هذه السّياسة والرّفق) اه بمعناه
وقد تكرّر هذا في كلام الحبيب عمر بن حسن الحدّاد، ولاحظ عليه سيّدي أحمد بن حسن العطّاس: أنّ الحبيب عمر بن عبد الرّحمن لا يقول الشّعر.. فلعلّه الحبيب عليّ بن حسن؛ لأنّه الشّاعر الّذي لا يدافع، ولكنّه لا يمكن أن يكون الحبيب عليّ بن حسن؛ لأنّه لم يوجد بعد، ولئن لم يكن الحبيب عمر شاعرا.. فلعلّه كان راوية.
ولم يزل ناشرا الدّعوة إلى الله بحريضة، صابرا على المشقّات الهائلة، حتّى لقد استقلّ القطب الحدّاد شأن نفسه لمّا رأى ما كان عليه الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس من المجاهدات والكلف والمشقّات.
توفّي الحبيب عمر بن عبد الرّحمن العطّاس بحريضة، سنة (1072 ه).
قال في «شمس الظّهيرة» [249 ـ 253]: (له تسعة بنون: مشيّخ، وشيخ، وشيخ، ومحسن، وعليّ.. انقرضوا. وعبد الله، له عقب بعنق، والجدفرة، ولحروم، وجاوة، وبهان. وعبد الرّحمن، عقبه بحريضة، وجاوة، والهند، ولحروم، وسالم، عقبه بالصّيق قرب حريضة، وسدبة، وكيرعان، والجبيل، وموشح، والهند، وباكلنقان، وكاتي دار، وفلفلان. وحسين بن عمر، وله ثمانية بنون: منهم: محسن، عقبه بحريضة. ومنهم: السّيّد الفائق على أهل زمانه في العلوم، الحريص على تقييد الفوائد وسيرة السّلف، أحمد البصير بن حسن.
ومناصبها الآن ـ أي: في سنة (1307 ه) ـ حسن بن عبد الله والد أحمد المذكور، وزين بن محمّد، شريفان كريمان قائمان بعادات سلفهم. ومنهم: طالب، عقبه بحريضة، ومنهم: الإمام الخليفة أبو بكر بن عبد الله بن طالب، المتوفّى بها سنة (1281 ه) اه باختصار.
وقد أخذت أنا عن السّيّد أحمد بن حسن، وامتدحته ورثيته بقصيدتين توجدان بمحلّهما من «الدّيوان» [388 و 391].
وكثيرا ما حدّثنا الشّيخ الجليل حسن بن زين بن عوض مخدّم، عن شيخه العلّامة الجليل أبي بكر بن عبد الله بأمور عجيبة عن مشاهدة، ولكن أخبرني جماعة آخرهم الشّيخ عمر بن عوض شيبان: أنّ السّيّد عليّ بن سالم الآتي ذكره في عينات حضر مجلس سيّدي الأبرّ في السّوم ـ الواقع بين الغرفة وسيئون، أو الواقع في طريق نبيّ الله هود عليه السّلام، لا أدري أيّهما كان، والأوّل أقرب ـ فأشار إلى تفضيل الحبيب أبي بكر هذا على سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر.. فغضب سيّدي الأستاذ الأبرّ، وخرج على عادته بإظهار ذلك وقال له: إن أبيت.. باهلناك، وستعلم. فانكسر السّيّد عليّ بن سالم حينئذ وتضاءل حتّى كاد يذوب.
ولم يذكر شيخنا المشهور صاحب الجاه العظيم، والفضل الجسيم السّيّد عبد الله بن علويّ بن حسن العطّاس، مع أنّه لا يجهل قدره؛ لأنّ ظهوره إنّما كان بعد انتهاء «شمس الظّهيرة»، توفّي بحريضة في سنة (1334 ه).
ولم يذكر الصّالح المشهور السّيّد عبد الله بن محسن العطّاس، المتوفّى ببوقور من أرض جاوة في سنة (1352 ه) عن عمر نيّف على الثّمانين.
ولمّا توفّي العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس.. وقع لواؤه على حفيده حسن بن سالم بن أحمد العطّاس، وكان شهما كريما ظريفا، توفّي بالمكلّا في سنة (1360 ه)، وخلفه على المنصبة عمّه عليّ بن أحمد بن حسن العطّاس، وهو ولد نبيه، مفتوح الأبواب، موطّأ الأكناف.
ولمّا توفّي السّيّد زين بن محمّد.. خلفه على المنصبة ولده عمر بن زين؛ لأنّه لا يزال بحريضة منصبان.
ومن أعيان حريضة الآن: السّيّد أبو بكر بن عبد الله بن أحمد العطّاس، رجل شهم، يقوم بتسهيل الطّريق لكلّ من يرد جاوة من الحضارم وغيرهم، وهو كثير التّنقّلات في البلاد.
ومنهم: السّيّد محمد بن سالم بن أبي بكر. ومنهم: السّيّد محمّد الخيّل، والسّيّد سالم بن عمر. ومنهم: السّيّد عبد الرّحمن بن عبد الله بن علويّ، والسّيّد عليّ بن سالم بن أحمد، له شعر وأدب وحرص على الفوائد، وهو على قضاء حريضة الآن.
وفي غربيّ حريضة كثير من الآثار القديمة، وقد أسفر الحفر في الوقت الأخير في آثار حريضة عن بيوت مطمورة تحت الأرض، فيها معابد للقمر، لا تخلو عن آثار قيّمة، ربّما كان للحافر عنها غرض في الإخفاء.
وحول معبد إله القمر الّذي ظهر هناك كثير من المباخر، وعلى بعض الحجارة كتابات قديمة ترجع إلى أكثر من ألفي سنة، وفي بعضها ما ترجمته: (يا لبان.. يا كوكبان.. بلّغ الإله السّلام)، والجزء الأوّل من هذه الجملة مشهور بكثرة على ألسنة العامّة بحضرموت، ورجوع عهد الكتابة إلى أكثر من ألفي سنة يعرّف أنّ لمثله اتّصالا بأديان الحضارم القديمة، وكثير من آل حضرموت كانوا يعبدون الشّمس ويسمّونها (الإلاهة)، وفيها يقول الأعشى [من المتقارب]:
«فلم أذكر الرّهب حتّى انفتلت *** قبيل الإلاهة منها قريبا»
ويريد بالإلاهة: الشمس.
كان بعض القرّاء يقرأ: (لتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وإلاهتك).
وفي شمال حريضة إلى الشّرق: بئر عميقة، ينزل إليها بدرج طويلة، كلّ درجة منها في طول قامة الإنسان، مشهورة ببير غمدان، يتعالم الخلف عن السّلف بكثرة كنوزها وذهبانها، ولهم عنها أخبار كثيرة، يقصدها السّيّاح، غير أنّهم متى نصفوها.. انطفأت عليهم النّار الّتي يجرّبون بها.. فينثنون؛ لأنّ ما تنطفىء به النّار.. تفيض به الرّوح، ولكنّ بعضهم يفكّر في تغطية وجهه بغطاء سميك يمكن معه التّنفّس في أنابيب تبقى على رأسه.
وتلك البئر في قارة إلى جانب الجبل المسمّى غمدان، وهو في شرقيّها إلى جهة الشّمال، وفيه آثار حصن بالية.
ومن أعمال عمد: لحروم، وقد مرّ في جردان عن «القاموس»: (أنّ الصّدف ولد حريما ويدعى بالأحروم).. فلا شكّ أنّ هذه البلاد على اسمه.
وفيها جامع، وسكّانها من آل العطّاس، ومنهم الآن: صالح بن محمّد العطّاس، رجل شهم جزل الرّأي، كبير الهمّة، كثير الإقدام وهو الآن بجاوة. وفيها ناس من آل باعشر وغيرهم.
وبعدها: عندل، قال ابن الحائك في «صفة جزيرة العرب» [167]: (هي مدينة عظيمة للصّدف، وكان امرؤ القيس بن حجر زارهم فيها، وفيها يقول: [من الطّويل]:
«كأنّي لم ألهو بدمّون ليلة *** ولم أشهد الغارات في بطن عندل) اه»
وفيها جامع ومنزل للضّيف على صدقات الحبوظيّ. وسكّانها آل باجابر، ومنصبهم الآن: الشّيخ أحمد بن عمر باجابر.
ومن كتاب «نهاية الأنساب» بخطّ الشّيخ عليّ باصبرين، عن الشّيخ عمر العموديّ، عن الحبيب عبد الله العيدروس: (أنّ آل باجابر والشّيخ مزاحم صاحب بروم.. من ذرّيّة عقيل بن أبي طالب). ومثله منقول عن العلّامة القاضي عبد الله بن أبي بكر القدري باشعيب الأنصاريّ، وعن العلّامة عبد الرّحيم بن قاضي باكثير اللّذين تولّيا القضاء بتريم.
وقال الحبيب عليّ بن حسن العطّاس في «سفينة البضائع»: (يقال: إنّ آل إسحاق من نسل العبّاس بن عبد المطّلب، وقد أشار إليه أحد شعرائهم في شعره. وما أظنّه يصحّ، وكذلك يقال: إنّ آل باجابر من نسل عقيل بن أبي طالب، وقد سئل الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد.. فلم يوافق عليه) اه
ولكنّ السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى العيدروس نزيل مصر أكّده.
وفي النّصف الثّاني من «المواهب والمنن» للحبيب علويّ بن أحمد الحدّاد في ترجمة جدّه الحسن: أنّ الشّيخ عبد الجبّار بن مزاحم قائم بمنصب أجداده آل بلحفّار بأحور، وهو من تلاميذ الحسن ابن القطب الحدّاد، وكذلك ابنه الشّيخ محمّد بن عبد الجبّار، وأولاد عمّه الشّيخ أبي بكر.
وفيه أيضا: أنّ الشّيخ الجلاليّ الحال بلحفّار.. انتفع بالقطب العيدروس عبد الله بن أبي بكر.
ومن آل باجابر: الشّيخ الصّوفيّ أحمد بن عمر، صاحب «جوهرة عقد العروس»، وله أماديح في السّادة آل العيدروس؛ منها قوله في رثاء سيّدنا عبد القادر بن شيخ
[من المديد]:
«لم يزل منهم لنا علم *** قائم للحقّ ينتصر»
«فلئن ولّى لنا خلف *** كلّهم من بعده اشتهروا»
ومنهم: الشّيخ أحمد بن محمّد بن عبد الرّحيم باجابر، كان علّامة فقيها، وله أدب غضّ، تكرّر ذكره في «النّور السّافر»، وذكر له في (ص 396) منه أبياتا يمدح بها العلّامة ابن حجر الثّاني، وهي [من الكامل]:
«قد قيل من حجر أصمّ تفجّرت *** للخلق بالنّصّ الجلي أنهار»
«وتفجّرت يا معشر العلماء من *** حجر العلوم فبحرها زخّار»
«أكرم به قطبا محيطا بالعلا *** ورحاؤه حقّا عليه تدار»
والمعنى قويّ وإن كان اللّفظ ضعيفا متكلّفا.
ومن آل باجابر: الشّيخ المتفنّن، أحمد بن محمّد باجابر، ترجمه السّيّد باحسن في «تاريخه للشّحر»؛ لأنّه سكنها، ومن شعره لغز في عثمان رفعه للشّيخ عبد الصّمد باكثير فحلّه.
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
9-القاموس المحيط (الطرس)
الطِّرْسُ، بالكسر: الصَّحيفَةُ، أو التي مُحِيَتْ ثم كُتِبَتْج: أطْراسٌ وطُروسٌ.
وطَرَسَهُ كضَرَبَهُ: مَحاهُ.
والتَّطْريسُ: تَسْويدُ البابِ، وإعادَةُ الكِتابَةِ على المَكْتوبِ.
والتَّطَرُّسُ: أن لا تَطْعَمَ ولا تَشْرَبَ إلا طَيِّبًا،
وـ عن الشيءِ: التَّكَرُّمُ عنه،
والتَّجَنُّبُ.
والمُتَطَرِّسُ: المُتَأَنِّقُ المُخْتارُ.
وطَرَسُوسُ، كحَلَزُونٍ: د إسْلاميٌّ مُخْصِبٌ، كان للأرْمَنِ، ثم أُعيدَ للإِسْلاَمِ في عَصْرِنا.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
10-المعجم الاشتقاقي المؤصل (ضرر)
(ضرر): {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62]الضَرَّة -بالفتح: أصل الضَرْع الذي لا يخلو من اللبن أو لا يكاد يخلو منه/ الضَرْع كله ما خلا الأَطْباء، ولا يسمى بذلك إلا أن يكون فيه لبن، فإذا قَلَصَ الضَرْعُ وذهب اللبنُ قيل له خَيْف. والضَرَّتان: الألية من جانبي عظْمها وهما اللحمتان اللتان تنهدلان من جانبيها، والضريران: جانبا الوادي.
° المعنى المحوري
زَحْمٌ ودفع للمتلئ برخو (1): يلزمه التضييق أو النقص
كالضرع الممتليء، فإنه يزحم فخذي الناقة وهما يدفعانه، وكما في الألية حيث تكون تجمعا لحميًّا رخوًا متزاحما، وكضريري الوادي حيث يدفعان ماءه من الجانبين حَوْزًا له.
والرخاوة ضعف. ومنه "الضرير: المريض المهزول {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83]، والضرّاء: النقص في الأموال والأنفس، والسَنَةُ (أي الجدب والقحط)، والضَرَر: النقص يدخل في الشيء، والضِيقُ. والضاروراء: القحط والشدّة، (كل ذلك نقص وتضييق) يؤخذ منه الضُرّ ضد النفع {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف: 88] {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] (أي بالسحر) {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} [البقرة: 231] أي مضارّةَ بتطويل العِدّة وسوء العشرة وتضييق النفقة وهو أعم من هذا كله [بحر 2/ 218] ومثلها ما في [الطلاق: 6]. {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] النهي عن أن يوقِعا ضَررًا أو يوقَع عليهما ضرر [بحر 2/ 369 - 370] و "الضرائر: المحاويج، والاضطرار: الاحتياج إلى الشيء. (الشعور بنقصه عده ثم ضرورته ولزومه كما في {فَمَنِ اضْطُرَّ} كلها. ومنه دفعه إليه وإيقاعه فيه، "ضرّه إلى كذا: ألجأه. وأضره على كذا: أكرهه " {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} [البقرة: 126] {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 24]. ومن هذا المادي أيضًا "كان (سيدنا معاذ) يصلي فأضرّ به غصن فمد يده فكسره. أي دنا منه دنوًّا شديد " (زحم الحيّز الذي يتحرك فيه)، وأضَرّ الشيءُ بالطريق: دنا منه ولم يخالطه (زحمه) وأضر السبيل من الحائط: دنا " (ضيق المسافة بينهما).
ومما يعم في المادي والمعنوي "ضره: ضد نفعه/ ألحق به أذى أو مكروهًا، وكذا ضرّ به، وأضرّه، وبه، وضارّه " (سبب له نقصا أو ضيقا) {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} [يونس: 12]، {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} [الأنعام: 42] وليس في الاستعمالات القرآنية للتركيب ما يخرج عن معنى الضيق وما يلزمه {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] الزمانة [قر 5/ 341]. وهي تضييق بالنقص من إمكانات غير الزَمِن بأيٍّ من صُوَره. ثم ذكر قصة نزول الآية دون هذا الاستثناء وتساؤل ابن أم مكتوم (أعمى كان حاضًرا) عن الذي لا يستطيع الجهاد من المسلمين (أي من هم في مثل حاله)، وأن الاستثناء نزل فور تساؤله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] أورد [قر 6/ 342] قول سيدنا أبي بكر -رضي اللَّه عنه- حسب رواية أبي داود والترمذي: أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها، وإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم اللَّه بعذاب من عنده "ثم ما رواه أبو داود والترمذي أيضًا عن أبي ثعلبة الخشني أنه سأل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن هذه الآية فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهَوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شُحًّا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودُنْيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك خاصةَ نفسك، ودع عنك أمر العامة، فإن من ورائكم أياما الصبرُ فيهن مثل القبض على الجمر. للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم "وفي [قر] إضافات كثيرة أهمها أن تطبيق هذه الآية وحديث الخشني هو في ما بعد القرون الأولى بما يشمل عصرنا هذا. واللَّه المستعان.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
11-المعجم الاشتقاقي المؤصل (عمد)
(عمد): {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2]العَمُود والعِمَاد - ككتاب: الخشبة التي يَقُوم عليها البيت. عَمَدت السقف بالأساطين المنصوبة، وعمَدت الحائط: دعَمته/ أَقمتُه بعماد يعتمد عليه. وعَمُود السنان: ما توسط شَفْرتيه من عَيْره الناتئ في وَسَطه. وعمود الأُذن ما استدار فوق الشحمة؛ وهو قِوام الأُذن التي تنبت عليه، ومعظمها. وعَمُود اللسان: وَسَطُه طُولًا. وعَمِدَتْ الأرضُ (تعب): رَسَخ فيها المطر إلى الثرَى حتى إذا قَبَضْت عليه في كفك تَعَقَّد وجَعُد.
° المعنى المحوري
شديد يمتد في أثناء الشيء فينتَصِب به الشيء (أي يقوم أو يتماسك). كعمود البيت أو السقف، والحائط، وكعَمُود السنان والأذن واللسان. ونظر في رسوخ المطر إلى أنَّه يُعَقد الثرى فيتماسك أي أنَّه فيه جزء المعنى الأصلي.
ومما يصلح للحسي والمعنوي من هذا "اعْتَمد على الشيء: اتكأ عليه ".
ومن الشدة في الأثناء (بمعنى الألم والتعب الذي يسري في أثناء البدن فيوتّره ويفقده مرونة الحركة والنشاط للعمل) "عمَده المرض (ضرب): أضناه. عَمَدَه حُصْرٌ وأُسْرٌ: فَدَحَه واشتد عليه. ما يَعْمِدُك: ما يُوجِعك؟ ما عَمَدك: ما أحزنك؟ "ومنه مطاوعةً "عَمِدَ البعير (تعب): تَفَضَّخَ داخلُ سَنامه (أي عَمُود السنام الذي ينصبه) من الركوب فورِم.. وظاهره صحيح " (فهذا من الورم وألمه - إصابة العمود) و "العِمْدة -بالكسر الموضع الذي ينتفِخ منه سَنامه وغاربه. وعَمِد عليه (تعب) غَضِب "فالغضب والحزن والألم كلها مشاعر شديدة تمتد في الباطن أو النفس (1).
فمن عَمْد البيت بالأعمدة {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2 وكذا ما في لقمان: 10] جمع عَمود قال في [بحر 5/ 350] إنها اسم جمع، ثم [في 5/ 353 - 354] ما خلاصته أن التعبير يحتمل أنَّها بلا عمد، وأنها بعمد لا تُرَى. وأن العمَدَ التي لا ترى، والرفع بلا عمد يعودان إلى أنَّها ممسَكة بالقدرة الإلاهية. اهـ. وأضيف أن علماء عصرنا يقولون إن الجاذبية بين الكواكب
والنجوم بعضِها وبعض تمسك كلًّا في موقعه بالنسبة لغيره. أقول وهذا يصلح أن يكون تفسيرًا للعَمَد التي لا تُرى. وقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7] جمع عمادة أي الأبنية الرفيعة/ ذات الطول/ ذات الأبنية المرفوعة على العَمَد/ ذات القوة والشدة [قر 20/ 45] وكلٌّ صالح لغويًّا. {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 8، 9] أي مطبقة عليهم بأطباق مشدودة بأوتاد هي العَمَد الممدَّدة وفي بمعنى الباء [قر 20/ 185].
ومن الشدة الممتدة في الباطن ويُقصَد بها إقامة الشيء جاء "العَمْد: ضد الخطأ أي شَدّ القلب أو جمع العَزْم على قَصْد إقامة شيء أو إيجاده {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] صَمَّمَت وعزمت. {وَمَنْ يَقتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِدًا} [النساء: 93]. وليس في القرآن من التركيب إلَّا العَمَد والتعمد.
ومن المجاز "العَمُود والعِمَاد، والعُمْدة والعُمْدان رئيس العسكر، والعميد: السيد المعتمد عليه في الأمور ".
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
12-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قرن)
(قرن): {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13]القَرْن - بالفتح: الرَوْق للثور والكبش والظباء وغيرهن، وذؤابة المرأة وضَفيرتها، والدُفْعة من العَرَق: يقال عَصَرْنا الفرس قَرْنًا أو قرنين، وكذلك حلبناه أي عرّقناه (بجَرْى شديد كما يُفْهم). "القَرْناء من الأفاعي: لها لحمتان في رأسها "كالقرنين.
° المعنى المحوري
عِصِيٌّ عظميّة تنشأ وتمتدّ من أعلى رأس الحيّ أو مُقَدَّمه: كما في القرون العظمية. واستعماله في الذؤابة تشبيه، وكذا في العَرَق من حيث إنه نَبْع ماء من ظاهر البدن لمشقة، أو هو تعبير بالسبب، وهو شَوْط الجري المسبِّب للعرق. وهم يعدون الجَرْي بذلًا من مذخور القوة.
ومن المادي: "القَرنان: منارتان من حجارة تُبنيان على رأس البئر، وقَرْن الرأس: حَدُّها وجانبها، وقَرْن الأَكَمة والجبل: رأساهما، وقَرْن القوم: سيدهم (على المثل). والقَرْن: الأُمَّة تأتي بعد الأمة (جيل ينشأ بعد جيل كأنها دفعة من الناس خارجة أو ناشئة بعد دفعة) {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} [الأنعام: 6]، {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه: 51] وكذلك كل (قَرْن) وجمعه (قرون). ثم يطلَق القرن على زمان الجيل من الناس، وتحديده واسع يسمح بما قيل فيه من عشر سنين إلى مئة سنة. وقد وردت بهذا الأخير سُنَّة شريفة. و "قُرْنة الجَبَل والنَصْل وغيرهما - بالضم: الطرَف الشاخص من كل شيء.
ومن الازدواج الدائم لقرون ذوات القرون من الحيوانات جاء "قَرَن الشيء بالشيء وإليه (ضرب): شدَّه إليه، واقترن الشيئان وتقارنا ": {أَوْ جَاءَ مَعَهُ
الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53] أي يَحْمونه ويقيمون حجته [بحر 8/ 24]. و "قرن البعيرين (ضرب): شدهما بحبل واحد. والقرين: البعير المقرون بآخر، والمِثْلُ في السن، والمصاحبُ المقارن، والشيطان المقرونُ بالإنسان لا يفارقه " {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51] وكذا كل (قرين) والسياق يعين المقصود. و "قرّن الأسرى بالحبال - ض: شدّهم (التضعيف للتكثير) {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [إبراهيم: 49] وكذا كل (مُقَرّنين) و "القَرَن - محركة: الحبل الذي يُقْرَن به بعيران. والقِرْن - بالكسر: الكفؤ والنظير (الذي يُقْرَن بك) وأقرن له وعليه: أطاق وقوى عليه " (صار له قِرنًا) {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} وأما "أَقْرَنَ الرجلُ: غلبته ضَيْعَته فله إبل وغنم لا مُعين له عليها "فهذا من الاستحقاق كأنما استحق أو احتاج أن يكون له قرين يعينه أو كأن أمره تشعب عليه كالقُرون. أما القَرْنُوة التي شذذها ابن فارس فذكروا أن لها ثمرة كالسنبلة وهي تشبه القرن.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
13-المعجم الجغرافي للسعودية (النفود)
النّفود: ـ بضم النون والفاء بعدها واو فدال مهملة ـ تطلق هذه الكلمة على الرمال العظيمة المستطيلة، كالنفود الكبير (عالج قديما) ونفود السّرّ ونفود البتراء ونفود الملحاء غرب الوشم. كما يطلق على أجزاء من أطراف الدهناء، ولم أر لكلمة النفود في كتب اللغة التي اطلعت عليها ما يفهم منه أنها يقصد بها الرمال، اللهم إلا إذا كانت جمعا لكلمة نهد بمعنى الارتفاع، والنهداء يقصد بها الرملة المرتفعة، وهم في عصرنا يجمعون النفود على نفد ـ بكسر النون وإسكان الفاء ـ واعظم ما يطلق عليه النفود هو النفود الكبير الذي هو الجزء الشمالي الغربيّ من رمال الدهناء وكان يعرف قديما باسم رمل عالج (انظر هذا الاسم)المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م
14-المعجم الجغرافي للسعودية (الهمج)
الهمج: ـ بفتح الهاء وإسكان الميم، بعدها جيم ـ في اللغة: الماء المرّ، ويطلق الاسم على عدد من المناهل في عصرنا، لم أر لها ذكرا أما بفتح الميم فله معنى آخر.قال في «معجم البلدان»: الهمج ـ بالتحريك ـ: ماء وعيون، عليه نخل من المدينة، من جهة وادي القرى، انتهى.
وهذا في الحرة حرة خيبر، كما يفهم من كلام ياقوت المتقدم في (أخثال) وإن كان يفهم من قوله (من المدينة) قربه منها، ولكنهم كثيرا ما يعدّون منها ما يتبعها من حيث الولاية والسمهوديّ: لما ذكره حذف كلمة (من المدينة) واكتفى بقول همج ـ محركة ـ ماء عيون عليه نخل، من ناحية وادي القرى انتهى. أما الفيروزآباديّ الذي ينقل عن ياقوت فقال: همج ـ بالتحريك وهو في اللغة البعوض ويقال لأراذل الناس همج ـ: والهمج ماء وعيون عليه نخل من عمل المدينة، من ناحية وادي القرى ـ انتهى والأص ل في كل ما تقدم كلام ياقوت، وأوضح منه قول ابن سعد في «الطبقات»: الهمج ماء بين خيبر وفدك، وبين فدك والمدينة ست ليال قاله في سياق خبر سريّة على بن أبي طالب إلى بني سعد بفدك سنة ست من الهجرة حين بلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنهم يريدون أن يمدّوا يهود خيبر، فبعث إليهم عليّا في مئة رجل، فسار الليل، وكمن النهار، حتى انتهى إلى الهمج ـ وذكر ما تقدم ـ فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم فدلّهم، فأغاروا عليهم، فأخذوا خمس مئة بعير، وألفى شاة، وهربت بنو سعد بالظّعن ـ انتهى ملخصا.
وأورد الواقديّ في المغازي خبر هذه السرية، ومما جاء في سياقه ـ عن بعض رواته: ـ إنّي لبوادي الهمج إلى يديع، ما شعرت إلا ببني سعد يحملون الظّعن وهم هاربون، فلقيت رأسهم وبربن عليم فقال: سارت إلينا جموع محمد قبل أن نأخذ للحرب أهبتها وقد أخذوا رسولا لنا، بعثناه إلى خيبر، فأخبرهم خبرنا. فقلت له: إنّي أرى أمر محمد قد غلظ، وهو سائر إلى خيبر. فقال وبر: لا تخش ذلك، إنّ بها رجالا وحصونا منيعة، وماء واتنا لادنا منهم محمد أبدا وما أحراهم أن يغزوه في عقر داره. انتهى ملخصا.
فهذا نص على أن الهمج واد، وأنه بقرب يديع. وإذن فهو فى جنوب الحرة، بقرب الحويّط، ولا صلة له بوادي القرى.
وهذا الوادي لا يزال معروفا، إنه أعلى وادي الرّقم (الرقب) يفيض في موقع قرية الرقم القديمة (العميرة).
ويحسن التنبيه إلى أن صاحب «الطبقات» ذكر أنّ هذه السرية لغزو بني سعد بن بكر، وسعد بن بكر ـ عند الاطلاق ـ ينصرف إلى أظآر النبي صلىاللهعليهوسلم ـ الذين أرضعوه ـ وهؤلاء بلادهم بقرب مكة والطائف، فأية صلة لهم بفدك؟ أو بيهود خيبر. لا شك أن كلمة (بن بكر) خطأ، وأن المقصود سعد بن ريث بن غطفان، فاؤلئك هم أهل تلك البلاد، وغطفان هم حلفاء اليهود وجيرانهم في خيبر. والواقدي ـ وهو شيخ ابن سعد صاحب «الطبقات» لم يذكر في «المعازي» عند سياق القصة (بن بكر) ولكن محقق الكتاب أخطأ أيضا فذكر في الفهرس (سعد بن بكر).
المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م
15-المعجم العربي لأسماء الملابس (القبة)
القُبَّة: القُبَّة بضم القاف وتشديد الباء كانت تعني عند الأندلسيين ما تقببه المرأة على رأسها من خمارها؛ بحيث يبدو كالقبة.والقبَّة في مصر والشام في العصر المملوكى كانت من شارات الملك ومن خصائص السلاطين، فلا يحق لأحد استعمالها في المواكب غير السلطان.
وهي عبارة عن مظلة تُحمل فوق رأس السلطان لتقيه الحر والمطر، ويتخذ نسيجها من الحرير المزركش والمموه بخيوط الذهب والفضة، وهي شبيهة بما يُسمَّى في عصرنا: الشمسية غير أنها أكبر منها بنحو ثلاث مرات.
المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م
16-المعجم العربي لأسماء الملابس (الكبوت)
الكَبُّوت: بفتح الكاف وتشديد الباء عند دوزى: الكَبُّوت كلمة أسبانية تسللت إلى لهجة عرب الأندلس ولهجة المغاربة؛ وجمعت على: كبابيت وهى تعنى: معطف بلا كمين، وأصل هذه الكلمة في الأسبانية: Ca-pote.وقيل: الكبُّود محرف عن كبوت Ca-pote الفرنسية ومعناه في الفرنسية: معطف مُقلْنس، معطف عسكرى، قُبَّعة نسوية، ويرادفه من العربى البرنس، أو كل ثوب رأسه منه دُرَّاعة كان أوجبة أو ممطرًا، وقيل: الكبود، جبة لها رأس. وفى التركية: قبوط أو قابوت؛ أى كبود Capote بالفرنسية؛ وهو المعطف الشتوى الكبير، ويشبهه في عصرنا البالطو.
وقد وردت هذه اللفظة عند الجبرتى في قوله: ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة "عمامة خفيفة"، وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية. وفى المغرب العربى الآن تعنى كلمة الكبُّود اللباس المحدِّد لجسم
الإنسان، أو الثوب غير الفضفاض، وعند العامة في بلاد الشام تطلق كلمة الكبُّوت -بالتاء- على كساء من صوف يُلبس فوق سائر الثياب، وقد جُمع عندهم على: كبابيت.
المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م
17-المعجم العربي لأسماء الملابس (الملوطة)
المَلُّوطة: بفتح الميم وتشديد اللام في التاج: ومما يستدرك عليه: المَلُّوطة كسفُّودة قباء واسع الكمين، عامية، والجمع: ملاليط.والملوطة كلمة يونانية تسربت إلى العربية عن طريق اللغة القبطية، ومعناها: الثوب الواسع يلبس فوق سائر الثياب، أو ملبوس واسع الأكمام كالقباء.
وكانت الملوطة من ملابس المماليك في مصر؛ والجمع: ملاليط وملُّوطات.
ويحدثنا mayer أنه كانت العباءة العادية الخاصة بأمير عظيم في العصر المملوكى الشركسى المتأخر هي الملوطة، وهي عبارة عن رداء فوقانى له ياقة، وفى سنة 900 هـ كان يرتديها أزبك عندما كان مغضوبًا عليه، وهي غير مزررة ومعها تخفيفة صغيرة، كما كان يرتديها قانصوة الغورى حينما نودى به سلطانًا، وكذلك لبسها الأمير أزدمر الدويدار حينما ركب إلى القلعة، أما المماليك العاديون فكانوا يرتدون أثناء الاحتفالات الكوافى القندس والملاليط، وفى نهاية العصر الشركسى كان من الممكن بسهولة التعرف على جنود المماليك بواسطة الزمط الأحمر والملوطة، فقد أجبرهم السلطان سليم الأول بعد فتح مصر على عدم ارتداء الزى العثمانى، حتى لا يقدموا على ارتكاب جرائم السلب والنهب ضد الوطنيين فيُظن أنهم أتراك.
ومجمل القول إن الزى المميز لعامة الشعب كان يتكون من عمامة وملوطة، وفى مقابل التخفيفة والسلارى عند المماليك.
وفى العصر العثمانى لبس المماليك
الزمط الأحمر والملوطة كعامة الشعب.
وقد كانت الملُّوطة معروفة في العصر العباسى؛ وكانت عبارة عن رداء واسع طويل يُصنع من الحرير أو الكتان الرقيق، مثل العباءة، وغالبًا ما تكون غير مزررة، كان يلبسها الرجال والنساء على حد سواء في العصر العباسى، غير أن النساء يخترن الألوان البيضاء أو السوداء ذات البطانة.
والملوطة تُسمى في عصرنا: روب دى شمبر؛ أي الثوب الملتف.
وهذا الثوب كان شائع الاستعمال أيضًا في أسبانيا، وهو يشبه الجبة، وهو مصنوع من الحرير ومطرز بالذهب، وما برحت كلمة: مرلوطة: Marlota مستعملة في أسبانيا.
المعجم العربي لأسماء الملابس-رجب عبدالجواد إبراهيم-صدر: 1423هـ/2002م
18-المعجم المفصل في النحو العربي (العلم بالغلبة)
العلم بالغلبةاصطلاحا: هو اسم ظاهره أنه معرّف بـ «أل»، أو بالإضافة. وفي حقيقته أنه معرفة بعلميّة الغلبة، مثل: «المصحف» و «الرّسول» و «المدينة» أي: المدينة المنوّرة. والمعرفة تدلّ على التّعيين.
وتختلف المعارف في درجة التعيين والتعريف فأقواها لفظ «الله» ثم ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب، ثم العلم، ثم العلم بالغلبة، ثم ضمير الغائب، ثم اسم الإشارة، ثم المنادى، ثم الموصول، ثم المعرّف بـ «أل»، ثم المضاف إلى معرفة.
تعدده: قد يتعدّد العلم بالغلبة. أي: يشترك في تسميته عدد كثير، مثل: «ابن زيدون» ثلاثة لقّبوا بهذا الاسم: عبد الله بن أحمد بن غالب أبو بكر (الأب) ومحمد بن أحمد بن عبد الله أبو بكر الحفيد، وأحمد بن عبد الله أبو الوليد الشاعر.
واثنان مسميان بابن خلدون، الأول هو «ابن خلدون» هو عبد الرحمن محمد بن خلدون، ولد ونشأ في تونس والثاني هو «ابن هانىء» هو محمد بن هانىء أبو القاسم الأندلسي. و «النّابغة» إثنان لقّبا بهذا الاسم الأول هو النّابغة الجعدي، والثاني هو النّابغة الذّبيانيّ زياد بن معاوية..
ينتهي نسبه إلى غطفان فمضر، يكنى «بأبي أمامة» ابنته، ويلقب «بالنابغة» لبراعته في الشعر. أما النّابغة الجعدي فهو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة الجعدي أبو ليلى شاعر مفلق صحابيّ.. وسميّ النّابغة لأنه مكث ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله. وهذا الاشتراك يجعل الأعلام غامضة في دلالتها ويجعل المراد بها غير كامل فيجوز في هذه الحالة إضافتها إلى معرفة. فمن إضافة علم الشخص إلى معرفة القول: «جميل بثينة» و «قيس ليلى» و «يزيد سليم» ومثل:
«بالله يا ظبيات القاع قلن لنا***ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر»
ومن إضافة العلم بالغلبة إلى معرفة، القول: «أهلا بابن عمرنا العادل» ومثل: «مرحبا بابن عبّاسنا زعيم الشباب».
أحكامه: لأحكام العلم بالغلبة ما يفترق بها عن العلم الشخصي، منها:
1 ـ أنّ «أل» التي في العلم بالغلبة قد صارت قسما مستقلّا من «أل» الزائدة اللّازمة، أي: التي تلازم الاسم إذا دخلت عليه.
2 ـ تحذف «أل» في العلم بالغلبة وجوبا عند النداء أو الإضافة، مثل: «يا رسول الله إنّي أتبع سنّتك»، ومثل: «يا نابغة أنشدنا شيئا من شعرك».
3 ـ قد تدخل «أل» قليلا على العلم المركب تركيبا إضافيا، مثل: «يا ليت ابن العباس كان في عصرنا». فكلمة «ابن» بمفردها هي معرفة لأنها تضاف دائما إلى معرفة، ولكن العلم بالغلبة، أي: الشهرة، مجموع الكلمتين المضاف والمضاف إليه معا. فابن عباس اشتهر بهذا الاسم وهو «عبد الله بن عباس بن عبد المطلب» دون فرد آخر من أبناء العباس.
4 ـ عند إضافة العلم بالغلبة فإن إضافته لا تفارقه في النداء، مثل: «يا ابن عمر أنت تسير على خطى أبيك» و «يا ابن عباس أنت تفيد الناس في فتواك». ويجوز أن تكتب كلمة «ابن» من «ابن عمر» وابن عباس بعد «يا» بدون «الألف» فتقول: «يابن عمر ويابن عباس».
5 ـ إذا اقتضى الأمر إضافة العلم بالغلبة المركب تركيبا إضافيا فإنه يضاف مع بقائه على إضافته، مثل: يابن عمرنا أنت رائدنا في الحكمة.
فيصير المضاف إليه «عمر» في التركيب الأول «ابن عمر» هو المضاف في التركيب الثاني أي: كلمة «عمر» من «ابن عمر» مضاف و «نا» من كلمة «عمرنا» مضاف إليه؛ هذا إذا لم يوجد مانع لهذه الإضافة، كأن يكون المضاف الجديد منوّنا، مثل: «يا أمّ عمرو» أو مقرونا بـ «أل»، مثل: «يا أمّ العمر»، فإذا وجد هذا المانع وجبت إزالته قبل الإضافة، فتقول: «يا أمّ عمرنا». و «يا ابن عمرنا» «ابن»: منادى منصوب على أنه مفعول به لفعل النداء المحذوف وهو مضاف «عمر»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وهو مضاف: و «نا»: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بالإضافة.
و «ابن عمر» هو عبد الله بن عمر بن الخطّاب دون غيره من أبناء الصّحابيّ الجليل عمر بن الخطّاب، ومنه قول الشاعر:
«باعد أمّ العمرو من أسيرها***حرّاس أبواب لدى قصورها»
ومثل قول الشاعر:
«يا ليت أمّ العمرو كانت صاحبي ***مكان من أشتى على الرّكائب»
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
19-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الإباضية-الفرق العقائدية في الإسلام)
الإباضيةالتعريف:
الإباضية إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج وينفون عن أنفسهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلًا، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتدادًا للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن وتجويز الخروج على أئمة الجور.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
مؤسسها الأول عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم، ويرجع نسبه إلى إباض وهي قرية العارض باليمامة، وعبد الله عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان.
·يذكر الإباضية أن أبرز شخصياتهم جابر بن زيد (22ـ93ه) الذي يعد من أوائل المشتغلين بتدوين الحديث آخذًا العلم عن عبد الله بن عباس وعائشة و أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وغيرهم من كبار الصحابة. مع أن جابرًا قد تبرأ منهم. (انظر تهذيب التهذيب 2/38).
أبو عبيدة مسلمة بن أبي كريمة: من أشهر تلاميذ جابر بن زيد، وقد أصبح مرجع الإباضية بعده مشتهرًا بلقب القفاف توفي في ولاية أبي جعفر المنصور 158هـ.
الربيع بن حبيب الفراهيدي الذي عاش في منتصف القرن الثاني للهجرة وينسبون له مسندًا خاصًا به مسند الربيع بن حبيب وهو مطبوع ومتداول.
من أئمتهم في الشمال الإفريقي أيام الدولة العباسية: الإمام الحارث بن تليد، ثم أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، ثم أبو حاتم يعقوب بن حبيب ثم حاتم الملزوزي.
ومنهم الأئمة الذين تعاقبوا على الدولة الرستمية في تاهرت بالمغرب: عبد الرحمن، عبد الوهاب، أفلح، أبو بكر، أبو اليقظان، أبو حاتم.
من علمائهم:
سلمة بن سعد: قام بنشر مذهبهم في أفريقيا في أوائل القرن الثاني.
ـ ابن مقطير الجناوني: تلقى علومه في البصرة وعاد إلى موطنه في جبل نفوسه بليبيا ليسهم في نشر المذهب الإباضي.
ـ عبد الجبار بن قيس المرادي: كان قاضيًا أيام إمامهم الحارث بن تليد.
ـ السمح أبو طالب: من علمائهم في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، كان وزيرًا للإمام عبد الوهاب بن رستم ثم عاملًا له على جبل نفوسه ونواحيه بليبيا.
ـ أبو ذر أبان بن وسيم: من علمائهم في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة، وكان عاملًا للإمام أفلح بن عبد الوهاب على حيز طرابلس.
الأفكار والمعتقدات:
يظهر من خلال كتبهم تعطيل الصفات الإلهية، وهم يلتقون إلى حد بعيد مع المعتزلة في تأويل الصفات، ولكنهم يدعون أنهم ينطلقون في ذلك من منطلق عقدي، حيث يذهبون إلى تأويل الصفة تأويلًا مجازيًا بما يفيد المعنى دون أن يؤدي ذلك إلى التشبيه، ولكن كلمة الحق في هذا الصدد تبقى دائمًا مع أهل السنة والجماعة المتبعين للدليل، من حيث إثبات الأسماء والصفات العليا لله تعالى كما أثبتها لنفسه، بلا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل.
ينكرون رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة؛ رغم ثبوتها في القرآن: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).
يؤولون بعض مسائل الآخرة تأويلًا مجازيًا كالميزان والصراط.
أفعال الإنسان خلق من الله واكتساب من الإنسان، وهم بذلك يقفون موقفًا وسطًا بين القدريَّة والجبرية.
صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنها هي عين ذاته.
القرآن لديهم مخلوق، وقد وافقوا الخوارج في ذلك، يقول الأشعري "والخوارج جميعًا يقولون بخلق القرآن"، مقالات الإسلاميين 1/203 طـ 2 ـ 1389هـ/1969م.
مرتكب الكبيرة ـ عندهم ـ كافر كفر نعمة أو كفر نفاق.
الناس في نظرهم ثلاثة أصناف:
ـ مؤمنون أوفياء بإيمانهم.
ـ مشركون واضحون في شركهم.
ـ قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام لكنهم لم يلتزموا به سلوكًا وعبادة، فهم ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم كذلك ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم لا يلتزمون بما يقتضيه الإيمان، فهم إذن مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل أو ترك.
للدار وحكمها عند محدثي الإباضية صور متعددة، ولكن محدثيهم يتفقون مع القدامى في أن دار مخالفيهم من أهل الإسلام هي دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي.
يعتقدون بأن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والخيل وكل ما فيه من قوة الحرب حلال وما سواه حرام.
مرتكب الكبيرة كافر ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها، فإن الله لا يغفر الكبائر لمرتكبيها إلا إذا تابوا منها قبل الموت.
ـ الذي يرتكب كبيرة من الكبائر يطلقون عليه لفظة (كافر) زاعمين بأن هذا كفر نعمة أو كفر نفاق لا كفر ملة، بينما يطلق عليه أهل السنة والجماعة كلمة العصيان أو الفسوق، ومن مات على ذلك ـ في نظر أهل السنة ـ فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له بكرمه وإن شاء عذبه بعدله حتى يطهر من عصيانه ثم ينتقل إلى الجنة، أما الإباضية فيقولون بأن العاصي مخلد في النار. وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم.
ينكرون الشفاعة لعصاة الموحدين؛ لأن العصاة ـ عندهم ـ مخلدون في النار فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار.
ينفون شرط القرشية في الإمام إذ أن كل مسلم صالح لها، إذا ما توفرت فيه الشروط، والإمام الذي ينحرف ينبغي خلعه وتولية غيره.
يتهجم بعضهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعلى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
ـ الإمامة بالوصية باطلة في مذهبهم، ولا يكون اختيار الإمام إلا عن طريق البيعة، كما يجوز تعدد الأئمة في أكثر من مكان.
ـ لا يوجبون الخروج على الإمام الجائر ولا يمنعونه، وإنما يجيزونه، فإذا كانت الظروف مواتية والمضار فيه قليلة فإن هذا الجواز يميل إلى الوجوب، وإذا كانت الظروف غير مواتية والمضار المتوقعة كثيرة والنتائج غير مؤكدة فإن هذا الجواز يميل إلى المنع. ومع كل هذا فإن الخروج لا يمنع في أي حال، والشراء (أي الكتمان) مرغوب فيه على جميع الأحوال ما دام الحاكم ظالما.
- لا يجوز لديهم أن يدعو شخص لآخر بخير الجنة وما يتعلق بها إلا إذا كان مسلمًا موفيًا بدينه مستحقًا الولاية بسبب طاعته، أما الدعاء بخير الدنيا وبما يحول الإنسان من أهل الدنيا إلى أهل الآخرة فهو جائز لكل أحد من المسلمين تقاة وعصاة.
لديهم نظام اسمه (حلقة العزابة) وهي هيئة محدودة العدد تمثل خيرة أهل البلد علمًا وصلاحًا وتقوم بالإشراف الكامل على شؤون المجتمع الإباضي الدينية والتعليمية والإجتماعية والسياسية، كما تمثل مجلس الشورى في زمن الظهور الدفاع، أما في زمن الشراء والكتمان فإنها تقوم بعمل الإمام وتمثله في مهامه.
ـ لديهم منظمة اسمها (ايروان) تمثل المجلس الاستشاري المساعد للعزابة وهي القوة الثانية في البلد بعدها.
ـ يشكلون من بينهم لجانًا تقوم على جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء، كما تمنع منعًا باتًا طلب الزكاة أو الاستجداء وما إلى ذلك من صور انتظار العطاء.
ـ انشق عن الإباضية عدد من الفرق التي اندثرت وهي:
ـ الحفصية: أصحاب حفص بن أبي المقدام.
ـ الحارثية: أصحاب الحارث الإباضي.
ـ اليزيدية: أصحاب يزيد بن أنيسة. الذي زعم أن الله سيبعث رسولًا من العجم، وينـزل عليه كتابًا من السماء، ومن ثم ترك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد تبرأ سائر الإباضية من أفكارهم وكفروهم لشططهم وابتعادهم عن الخط الإباضي الأصلي، الذي ما يزال إلى يومنا هذا.
الجذور الفكرية والعقائدية:
الإباضيون يعتمدون في السنة على ما يسمونه (مسند الربيع بن حبيب) - وهو مسند غير ثابت كما بين ذلك العلماء المحققون -.
ولقد تأثروا بمذهب أهل الظاهر، إذا أنهم يقفون عند بعض النصوص الدينية موقفًا حرفيًّا ويفسرونها تفسيرًا ظاهريًا.
وتأثروا كذلك بالمعتزلة في قولهم بخلق القرآن.
·يعتبر كتاب النيل وشفاء العليل ـ الذي شرحه الشيخ محمد بن يوسف إطْفَيِّش المتوفى سنة 1332ه ـ من أشهر مراجعهم. جمع فيه فقه المذهب الإباضي وعقائده.
الانتشار ومواقع النفوذ:
كانت لهم صولة وجولة في جنوبي الجزيرة العربية حتى وصلوا إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، أما في الشمال الإفريقي فقد انتشر مذهبهم بين البربر وكانت لهم دولة عرفت باسم الدولة الرستمية وعاصمتها تاهرت.
حكموا الشمال الإفريقي حكمًا متصلًا مستقلًا زهاء مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الرافضة (العبيديون).
قامت للإباضية دولة مستقلة في عُمان وتعاقب على الحكم فيها إلى العصر الحديث أئمة إباضيون.
من حواضرهم التاريخية جبل نفوسة بليبيا، إذ كان معقلًا لهم ينشرون منه المذهب الإباضي، ومنه يديرون شؤون الفرقة الإباضية.
ما يزال لهم وجود إلى وقتنا الحاضر في كل من عُمان بنسبة مرتفعة وليبيا وتونس والجزائر وفي واحات الصحراء الغربية وفي زنجبار التي ضُمت إلى تانجانيقا تحت اسم تنـزانيا.
ويتضح مما تقدم:
الإباضية إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج وينفون عنهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلًا، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتدادًا للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن، وتجويز الخروج على أئمة الجور.
المعتزلة
التعريف:
المعتزلة فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال، واتجهت هذه الرؤية وجهتين:
ـ الوجهة الأولى: أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب:
1 ـ أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين
2 ـ أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن: "اعتزلنا واصل".
3 ـ أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته.
ـ والوجهة الثانية: أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين.
أما القاضي عبد الجبار الهمذاني ـ مؤرخ المعتزلة ـ فيزعم أن الاعتزال ليس مذهبًا جديدًا أو فرقة طارئة أو طائفة أو أمرًا مستحدثًا، وإنما هو استمرار لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وقد لحقهم هذا الاسم بسبب اعتزالهم الشر لقوله تعالى: (وأعتزلكم وما تدعون) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اعتزل الشر سقط في الخير).
والواقع أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية لما سنرى في فقرة (الجذور الفكرية والعقائدية).
قبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء، كان هناك جدل ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي وهذه المقولات نوجزها مع أصحابها بما يلي:
ـ مقولة أن الإنسان حر مختار بشكل مطلق، وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه قالها: معبد الجهني، الذي خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث.. وقد قتله الحجاج عام 80هـ بعد فشل الحركة.
ـ وكذلك قالها غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك.
ـ ومقولة خلق القرآن ونفي الصفات، قالها الجهم بن صفوان، وقد قتله سلم بن أحوز في مرو عام 128هـ.
ـ وممن قال بنفي الصفات أيضًا: الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة.
ثم برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال (80هـ ـ 131هـ) الذي كان تلميذًا للحسن البصري، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين (أي ليس مؤمنًا ولا كافرًا) وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت، وقد عاش في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، والفرقة المعتزلية التي تنسب إليه تسمى: الواصيلة.
ولاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسة الخمسة ـ التي سنذكرها لاحقًا ـ وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى.. وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه.
وفي العهد العباسي برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد وهو أحد رؤوس بدعة الاعتزال في عصره ورأس فتنة خلق القرآن، وكان قاضيًا للقضاة في عهد المعتصم.
ـ في فتنة خلق القرآن امتحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة، فسجن وعذب وضرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون وبقي في السجن لمدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق.
ـ لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ انتصر لأهل السنة وأكرم الإمام أحمد وأنهى عهد سيطرة المعتزلة على الحكم ومحاولة فرض عقائدهم بالقوة خلال أربعة عشر عامًا.
في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ في بلاد فارس ـ وكانت دولة شيعية ـ توطدت العلاقة بين الشيعة والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضيًا لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي، وهو من الروافض المعتزلة، يقول فيه الذهبي: " وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعًا " ويقول المقريزي: " إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر ". وممن برز في هذا العهد: الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي: " وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد ".
بعد ذلك كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم.
عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة وهذا ما سنبسطه عند الحديث عن فكر الاعتزال الحديث.
ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي:
ـ أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135 ـ226 هـ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، فقد تأثر بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته، وقادر بقدرة وقدرته ذاته … " انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76. وتسمى طائفة الهذيلية.
ـ إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام (توفي سنة 231هـ) وكان في الأصل على دين البراهمة وقد تأثر أيضًا بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة.. وقال: بأن المتولدات من أفعال الله تعالى، وتسمى طائفته النظامية.
ـ بشر بن المعتمر (توفي سنة 226 هـ) وهو من علماء المعتزلة، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال: إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفته البشرية.
ـ معمر بن عباد السلمي (توفي سنة 220 هـ) وهو من أعظم القدرية فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله وتسمى طائفته: المعمرية.
ـ عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (توفي سنة 226هـ) وكان يقال له: راهب المعتزلة، وقد عرف عنه التوسع في التكفير حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتسمى طائفته المردارية.
ـ ثمامة بن أشرس النميري (توفي سنة 213هـ)، كان جامعًا بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة. وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين. وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتسمى طائفته الثمامية.
ـ عمرو بن بحر: أبو عثمان الجاحظ (توفي سنة 256هـ) وهو من كبار كتاب المعتزلة، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة، ونظرًا لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل، البيان والتبيين، وتسمى فرقته الجاحظية.
ـ أبو الحسين بن أبي عمر الخياط (توفي سنة 300هـ) من معتزلة بغداد و بدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية.
ـ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (توفي سنة 414هـ) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الري وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية.
المبادئ والأفكار:
جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:
ـ الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز. حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك.
ـ الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا ولا كافرًا ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلمًا باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمنًا.
ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول:
1 ـ التوحيد.
2 ـ العدل.
3 ـ الوعد والوعيد.
4 ـ المنزلة بين المنزلتين.
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1 ـ التوحيد: وخلاصته برأيهم، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس. وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها: استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات، وأن الصفات ليست شيئًا غير الذات، وإلا تعدد القدماء في نظرهم، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام.
2 ـ العدل: ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، ولا يحب الفساد، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره، وأنه ولي كل حسنة أمر بها، بريء من كل سيئة نهى عنها، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه. وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية وإرادته الشرعية.
3 ـ الوعد والوعيد: ويعني أن يجازي الله المحسن إحسانًا ويجازي المسيء سوءًا، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا أن يتوب.
4 ـ المنزلة بين المنزلتين: وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر. وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة.
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشرًا لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشادًا للغاوين كل بما يستطيع: فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السيف بسيفه وهكذا. ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق.
ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل كليًّا في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلًا فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني: " المعارف كلها معقولة بالفعل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل، والحسن والقبيح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح ".
ـ ولاعتمادهم على العقل أيضًا أوَّلوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها.
ـ ولاعتمادهم على العقل أيضًا، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، فقد زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا: لا تقبل شهادتهم.
ـ وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط ـ كما نوهنا ـ وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك:
كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة، وما هذه الفرق التي عددناها آنفًا إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم، فأبو الهذيل العلاف له فرقة، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة، والجبائي له فرقة، فخالفه ابنه أبو هاشم عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا.
ـ وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية عامة وبالمنطق الصوري الأوسطي خاصة.
وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم، ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعًا أسلوبهم في الجدال والحوار.. ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين.
ـ ومن الردود قوية الحجة، بارعة الأسلوب، رد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عليهم في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردًّا مفحمًا.. وبين أن صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفًا لصحيح النقل.
وقد ذُكر في هذا الحديث أكثر من مرة أن المعتزلة اعتمدوا على العقل في تعاملهم مع نصوص الموحي، وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه. ولكن هذا يرده دعوة الإسلام إلى التفكر في خلق السموات والأرض والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك مما هو معروف ومشهور مما دعا العقاد إلى أن يؤلف كتابًا بعنوان: التفكر فريضة إسلامية، ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله: في أمور غيبية مما تقع خارج الحس ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عددًا من القضايا على مقدمات معينة فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها وهو أمر لا يسلّم به دائمًا حتى لو اتبعت نفس الأساليب التي استعملوها في الاستنباط والنظر العقلي: مثل نفيهم الصفات عن الله اعتمادًا على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء). وكان الصحيح أن لا تنفى عنه الصفات التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين.
وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها:
ـ أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة.
ـ أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.
ـ أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهو ما يعرف بالأمور التوقيفية".
ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة. خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور. ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من:
1 ـ الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات.
2 ـ العقل وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات.
3 ـ الوحي من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس، وما أعده الله في الدار الآخرة، وما أرسل من الرسل إلخ …
وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء.
الجذور الفكرية والعقائدية:
هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.
وقيل: إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية ـ وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ ـ قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات.
إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد موردًا من موارد الفكر الاعتزالي، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية.
ـ ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني.
ـ تأثر المعتزلة بفلاسفة اليونان في موضوع الذات والصفات، فمن ذلك قول أنبادقليس الفيلسوف اليوناني: "إن الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة، والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلها" انظر الملل والنحل ج 2/ ص58.
وكذلك قول أرسطوطاليس في بعض كتبه "إن الباري علم كله، قدره كله، حياة كله، بصر كله".
فأخذ العلاف وهو من شيوخ المعتزله هذه الأفكار وقال: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرة وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته.
ـ وأخذ النظام من ملاحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجرأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة، أي أن الجسم يمكن أن يكون في مكان (أ) ثم يصبح في مكان (ج) دون أن يمر في (ب).
وهذا من عجائبه حتى قيل: إن من عجائب الدنيا: " طفرة النظام وكسب الأشعري ".
ـ وإن أحمد بن خابط والفضل الحدثي وهما من أصحاب النظام قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النصراني مع الفكر الهندي وقالا بما يلي:
1 ـ إن المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة.
2 ـ إن المسيح تدرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسدة.
3 ـ القول بالتناسخ.
4 ـ حملا كل ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول هو أول مبتدع وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات.
يؤكد العلماء تأثير الفلسفة اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ وهو من مصنفي المعتزلة ومفكريهم فقد طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم ـ حتى إنه خلط وروج كثيرًا من مقالاتهم بعبارته البليغة.
ـ ومنهم من يرجع فكر المعتزلة إلى الجذور الفكرية والعقدية في العراق ـ حيث نشأ المعتزلة ـ الذي يسكنه عدة فرق تنتهي إلى طوائف مختلفة، فبعضهم ينتهي إلى الكلدان وبعضهم إلى الفرس وبعضهم نصارى وبعضهم يهود وبعضهم مجوس. وقد دخل هؤلاء في الإسلام وبعضهم قد فهمه على ضوء معلوماته القديمة وخلفيته الثقافية والدينية.
الفكر الاعتزالي الحديث:
يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد.. فألبسوه ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل … العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي..
ـ وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني.. فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية.. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل.. إلا من هذا القبيل.
وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر.
وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي.. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة.. مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد، والحدود، وغير ذلك.. فضلًا عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث.. إلخ.. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله.. وتحكيم العقل في هذه المواضيع. ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر.
ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة و المرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه: " أستاذ الجيل " وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي " وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا. هذا في البلاد العربية.
أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان، الذي منح لقب سير من قبل الاستعمار البريطاني. وهو يرى أن القرآن الكريم لا السنة النبوية هو أساس التشريع وأحلّ الربا البسيط في المعاملات التجارية. ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز لأنهم عانوا كثيرًا من جهاد المسلمين الهنود لهم.
ـ وجاء تلميذه سيد أمير علي الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة.
ـ ومن هؤلاء أيضًا مفكرون علمانيون، لم يعرف عنهم الالتزام بالإسلام.. مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية) وهي من الفلسفة الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي.. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحييه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة (انظر كتاب تجديد الفكر العربي ص 123).
ـ ومن هؤلاء أحمد أمين صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام، فهو يتباكى على موت المعتزلة في التاريخ القديم وكأن من مصلحة الإسلام بقاؤهم، ويقول في كتابه: ضحى الإسلام: " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة " (ج3 ص207).
ـ ومن المعاصرين الأحياء الذين يسيرون في ركب الدعوة الإسلامية من ينادي بالمنهج العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة مثل الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور.. والدكتور حسن الترابي في دعوته إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول: " إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد عقلي كبير، وللعقل سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهادًا في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضًا " (انظر كتاب المعتزلة بين القديم والحديث ص 138).
ـ وهناك كتاب كثيرون معاصرون، ومفكرون إسلاميون يسيرون على المنهج نفسه ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد وتطويره، وتقييم الأحكام الشرعية، وحتى الحوادث التاريخية.. ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة ـ صاحب النصيب الأكبر في إحياء تراث المعتزلة والدفاع عنه ـ وخالد محمد خالد و محمد سليم العوا، وغيرهم. ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة وبدوافع ذاتية وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه ـ اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي بدلًا من ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من الشريعة إلا رسمها ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب إتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة.
ويتضح مما سبق:
أن حركة المعتزلة كانت نتيجة لتفاعل بعض المفكرين المسلمين في العصور الإسلامية مع الفلسفات السائدة في المجتمعات التي اتصل بها المسلمون. وكانت هذه الحركة نوع من ردة الفعل التي حاولت أن تعرض الإسلام وتصوغ مقولاته العقائدية والفكرية بنفس الأفكار والمناهج الوافدة وذلك دفاعًا ع الإسلام ضد ملاحدة تلك الحضارات بالأسلوب الذي يفهمونه. ولكن هذا التوجه قاد إلى مخالفات كثيرة وتجاوزات مرفوضة كما فعل المعتزلة في إنكار الصفات الإلهية تنزيهًا لله سبحانه عن مشابهة المخلوقين.
ومن الواضح أيضًا أن أتباع المعتزلة الجدد وقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، وذلك أن ما يعرضون الآن من اجتهادات إنما الهدف منها أن يظهر الإسلام بالمظهر المقبول عند أتباع الحضارة الغربية والدفاع عن نظامه العام قولًا بأنه إنْ لم يكن أحسن من معطيات الحضارة الغربية فهو ليس بأقل منها.
ولذا فلا بد أن يتعلم الخلف من أخطاء سلفهم ويعلموا أن عزة الإسلام وظهوره على الدين كله هي في تميز منهجه وتفرد شريعته واعتباره المرجع الذي تقاس عليه الفلسفات والحضارات في الإطار الذي يمثله الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في شمولهما وكمالهما.
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
20-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (النورسية-جماعات متأثرة بالصوفية)
النورسيةالتعريف:
النورسية: جماعة دينية إسلامية هي أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة، ركز مؤسسها على الدعوة إلى حقائق الإيمان والعمل على تهذيب النفوس مُحْدِثًا تيارًا إسلاميًا في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني الماسوني الكمالي الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية واستيلاء كمال أتاتورك على دفة الحكم فيها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
المؤسس هو الشيخ سعيد النورسي 1873ـ 1960م ولد من أبوين كرديين في قرية نورس القريبة من بحيرة وان في مقاطعة هزان بإقليم بتلس شرقي الأناضول، تلقى تعليمه الأولي في بلدته، ولما شبّ ظهرت عليه علامات الذكاء والنجابة حتى لقب بـ (بديع الزمان) و (سعيدي مشهور).
ـ في الثامنة عشر من عمره ألَمَّ بالعلوم الدينية وبجانب كبير من العلوم العقلية، وعرف الرماية والمصارعة وركوب الخيل، فضلًا عن حفظه القرآن الكريم، آخذًا نفسه بالزهد والتقشف.
ـ عمل مدرسًا لمدة خمسة عشر عامًا في مدينة وان وهناك بدأ دعوته الإرشادية التربوية.
ـ انتقل إلى استانبول لتأسيس الجامعة الزهراء لتكون على شاكلة الجامع الأزهر بمصر، وصادف أن كان هناك الشيخ بخيت شيخ الجامع الأزهر الذي أبدى إعجابه الشديد ببديع الزمان.
ـ عين عضوًا في أعلى مجلس علمي في الدولة العثمانية وهو دار الحكمة الإسلامية.
ـ عندما دخل الحلفاء استانبول محتلين كان في مقدمة المجاهدين ضدهم.
ـ في عام 1908 م بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد بتآمر من جمعية الاتحاد والترقي التي رفعت شعار (الوحدة ـ الحرية ـ الإصلاحية) لتخفي وراءه دسائسها ومؤامراتها على الإسلام والمسلمين، ألّف بديع الزمان جمعية (الاتحاد المحمدي) واستخدموا نفس شعارات الاتحاديين ولكن بالمفهوم الإسلامي كشفًا لخدعهم التي يتسترون خلفها وتجلية لحقيقتهم الماسونية.
ـ أرسل الماسونيون (قرّه صو) اليهودي لمقابلته، لكنه ما لبث أن خرج من عنده وهو يقول: "لقد كاد هذا الرجل العجيب أن يزجني في الإسلام بحديثه".
ـ في الحرب العالمية الأولى التحق بالجيش التركي ضابطًا فيه، وفي الأمسيات كان يلقي على تلاميذه وعساكره علومًا في القرآن.
ـ قبض عليه الروس ونفوه إلى سيبيريا، لكنه استطاع أن يهرب ويعود إلى استانبول عن طريق ألمانيا فبلغاريا فتركيا.
ـ حينما أعلن مصطفى كمال أتاتورك (1880ـ1938م) العصيان بالأناضول حاول استدراج بديع الزمان إلى جانبه إذ عرض عليه قصرًا فخمًا ومناصب عليا، لكنه رفض كل ذلك منصرفًا عن السياسة كليًّا جاعلًا شعاره "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة" عاكفًا على العبادة والتربية وصقل النفوس.
ـ لقد كان العلمانيون الذين حكموا تركيا بعد زوال الخلافة يخشون من دعوته ويعارضونها أشد المعارضة فما كان منهم إلا أن استغرقوا حياته بالسجن والتعذيب والانتقال من سجن إلى منفى، ومن منفى إلى محاكمة.
ـ أصدرت المحاكم ضده أحكامًا بالإعدام عدة مرات لكنهم كانوا يعدلون عن تنفيذ هذا الحكم خوفًا من ثورة أتباعه وأنصاره.
ـ في عام 1327هـ انتقل إلى سوريا وأقام في دمشق وألقى في المسجد الأموي خطبته التي عرفت بالخطبة الشامية وضح فيها أسباب تقدم أوروبا وتخلف المسلمين بما يلي:
1 ـ اليأس الذي بلغ بالمسلمين مبلغه.
2 ـ فساد الأخلاق وفقدان الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية.
3 ـ انتشار العداوة والبغضاء بين صفوف المسلمين.
4 ـ فقدان روابط الحبة والتعاون والتكافل بين المسلمين.
5 ـ الاستبداد المنتشر انتشار الأمراض السارية.
6 ـ تقديم المصالح الشخصية على المصالح العامة.
ـ عاش آخر عمره في إسبارطة منعزلًا عن الناس، وقبل ثلاثة أيام من وفاته اتجه إلى أورفه دون إذن رسمي حيث عاش يومين فقط فكانت وفاته في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1379هـ.
الأفكار والمعتقدات:
فكر هذه الجماعة هو ما كتبه المؤسس ذاته حتى إنك لا تكاد تجد ذِكرًا لآخرين تركوا إضافات مهمة على أفكارها.
قامت هذه الدعوة لإيقاظ العقيدة الإسلامية في نفوس أتباعها فكان عليها أن تواجه الظروف القاسية بتكتيك يناسب هذه الظروف التي كان مجرد الانتماء إلى الإسلام فيها يعد جريمة يعاقب عليها القانون.
كان بديع الزمان متواضعًا زاهدًا يتحرز عن مواطن الشبهة، وكان شعاره الدائم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
التخلي عن السياسة واعتبرها من وساوس الشيطان وذلك إثر عدة مواجهات ومصادمات بين بديع الزمان ومصطفى كمال الذي كان يحاول استدراج الشيخ إلى صفه حيث غادر سعيد النورسي أنقره عام 1921م إلى (وان) تاركًا السياسة خلف ظهره ووُصِفَ هذا التاريخ بأنه فاصل بين مرحلتين: سعيد القديم وسعيد الجديد.
قال بديع الزمان للمحكمة عندما كان مسجونًا في سجن اسكشير: (لقد تساءلتم هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية وإنني أقول لكم: إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة، وإن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة ولكن أحدًا لا يدخل الجنة بغير إيمان).
وقال: "أقسم بالله أنني سأكرس نفسي للقرآن باذلًا حياتي مهما كانت مكائد الوزير البريطاني القذرة". ويقصد به وزير المستعمرات البريطاني غلادستون الذي قال آنذاك: "طالما أن القرآن مع المسلمين فسيبقون في طريقنا ولذلك يجب علينا أن نبعده عن حياتهم".
من أقواله: "لو أن لي ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام.. إنني لا أعترف إلا على ملة الإسلام.. إنني أقول لكم وأنا أقف أمام البرزخ الذي تسمونه السجن إنني في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة...".
ـ وله كذلك: "كما أنه لا يناسب الشيخ الوقور أن يلبس لباس الراقصين فكذلك لا يناسب استانبول أن تلبس أخلاق أوروبا".
إن التهم الرئيسية التي كانت توجه إلى بديع الزمان في المحاكمات يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ العمل على هدم الدولة العلمانية والثورة الكمالية.
ـ إثارة روح التدين في تركيا.
ـ تأليف جمعية سرية.
ـ التهجم على مصطفى كمال أتاتورك.
لكنه كان يتصدى لهذه التهم بمنطق بليغ من الحجة والبرهان حتى أصبحت هذه المحاكمات مجال دعاية له تزيد في عدد أتباعه.
لقد كرس المؤسس نشاطه ودعوته على مقاومة المد العلماني الذي تمثل في:
ـ إلغاء الخلافة العثمانية.
ـ استبدال القوانين الوضعية ـ والقانون السويسري المدني تحديدًا ـ بالشريعة الإسلامية.
ـ إلغاء التعليم الديني.
ـ منع الكتابة بالحروف العربية وفرضها بالحروف اللاتينية.
ـ تغيير الأذان من الكلمات العربية إلى الكلمات التركية.
ـ فرض النظرية الطورانية "وأن الترك أصل الحضارات".
ـ إلزام الناس بوضع القبعة غطاء للرأس.
ـ جعل يوم الأحد يوم العطلة الرسمية بدلًا من يوم الجمعة.
ـ ارتداء الجبة السوداء والعمامة البيضاء مقصور على رجال الدين.
ـ ترجمة القرآن إلى اللغة التركية وذلك عام 1350هـ/1931م وتوزيعه في المساجد.
ـ تحريم الاحتفال بعيدي الأضحى والفطر وإلغاء التقويم الهجري وإحداث تغييرات في نظام المواريث.
ـ الاتجاه نحو الغرب ومحاكاته في عاداته وتقاليده واهتماماته.
ـ طمس العقيدة الإسلامية في نفوس الناس بعامة والناشئة بخاصة.
يمتاز شباب هذه الجماعة بالعفة والنظافة، شباب قابض على دينه في عصر شاعت فيه الفتن والإغراءات والانحلال.
هذا وثمة بعض المآخذ على هذه الجماعة:
ـ أن هذه الجماعة لم تُعن بنشر عقيدة السلف والتوحيد الخالص بين أتباعها وبين عوام المسلمين ممن يحتاجون إلى تصحيح عقائدهم قبل شغلهم بأمور أخرى.
بل تبنت عقيدة الماتريدية التي كانت تُدعم من قبل الدولة العثمانية؛ فلم تحاول التخلص من هذه العقيدة البدعية.
ـ أنهم لم يستطيعوا تأسيس عمل إسلامي منظم يستطيع التصدي للمكر اليهودي الذي كان متغلغلًا في معظم نواحي الحياة السياسية المعادية للإسلام والمسلمين إذ ذاك. لكن الإنصاف يقتضينا أن نقر بأن الظروف المحيطة بنشأة هذه الجماعة لم تكن لتسمح لها بالظهور في غير الشكل الذي ظهرت فيه.
ـ أن اشتراك بديع الزمان مع آخرين في تأليف جمعية الاتحاد المحمدي ليس أكثر من رد فعل سرعان ما انفرطت فضلًا عن استعداء الاتحاديين عليه وتركيزهم الكيد والتآمر للقضاء عليه وعلى دعوته.
ـ إن تخلي هذه الجماعة عن السياسة واتخاذ سعيد النورسي شعار أعوذ بالله من الشيطان والسياسة وذلك منذ عام 1921م قد ترك أثرًا سلبيًا على أتباعها إذ وقع بعضهم فريسة لأحزاب علمانية.
ـ يؤخذ على الشيخ تخليه عن مساندة الشيخ سعيد الكردي الذي قام بثورة ضد مصطفى كمال أتاتورك سنة1925م واقفًا إلى جانب الخلافة، وقد حدثت معارك رهيبة بينه وبين الكماليين في منطقة ديار بكر سقط فيها آلاف من المسلمين.
ـ ويأتي هذا الموقف انطلاقًا من فكره في وجوب جهاد النفس أولًا ثم الدعوة إلى تنوير الأفكار، وقد نادت الجماعة بإصلاح القلوب وعدم الدخول في معارك داخلية مع المخالفين المسلمين سواء كانوا حكامًا أو محكومين والتزام طريق الدعوة السلمية، والتطور التدريجي، ولا يلجأ إلى الجهاد المسلح إلا ضد العدو الخارجي من الكفار والزنادقة.
ـ لدى بعض أفراد جماعة النور ـ مؤخرًا ـ شعور بالانعزالية والاستعلاء وهذا أفقدهم القدرة على التغلغل بين طبقات الشعب المسلم لدعوته وتوعيته.
تفرقت هذه الجماعة بعد موت المؤسس وانقسمت إلى ثلاثة أقسام رئيسية متنافرة:
قسم التحق بحزب السلامة.
قسم التزم الحياد.
وقسم ثالث عادى حزب السلامة (حزب الرفاه) متحالفًا مع حزب العدالة الذي يرأسه (ديميريل) ويملك هذا القسم كل وسائل الدعم والتأييد. وهناك محاولة واسعة لتخريب أفكار شبابه. ومن ذلك مجموعة يني آسيا جي لر مصدرو صحيفة يني آسيا التي اشتركت مع صحيفة أخرى اسمها يني نسل في التشهير بحزب السلامة (حزب الرفاه) وبزعيمه نجم الدين أربكان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
ـ ليست جماعة النور إلا واحدة من الجماعات الإسلامية؛ لكنها على العقيدة الماتريدية عقيدة تركيا والخلافة العثمانية.
ـ سلكت الجماعة طريق التربية وعملت على حفظ الإيمان في النفوس وعليه فإنها تُشَبه بالطرق الصوفية من بعض الوجوه.
ـ يطلق بعضهم على هذه الجماعة اسم المدرسة اليوسفية أي التي يتحمل أصحابها في سبيل عقيدتهم السجن والتعذيب دون أن يتصدوا للطغيان إلا بالحجة والمنطق والصبر والمصابرة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ـ بدأت جماعة النور في المنطقة الكردية شرقي الأناضول وامتدت إلى أرض روم واسبارطة وما حولها ثم انتقلت إلى استانبول.
ـ وصلت هذه الدعوة إلى كل الأراضي التركية واكتسحت كل التنظيمات القائمة على أرضها آنذاك.
ـ بلغ عدد أعضائها أكثر من مليون شخص، يقضي أحدهم عمره في استنساخ رسائل النور وتوزيعها، وكانت الفتيات نشيطات في ذلك كثيرًا.
ـ لهذه الجماعة أتباع وأنصار في كل من الباكستان والهند. وكذلك لها نشاط في أمريكا يتمثل في الطلاب الأتراك من أتباع هذه المدرسة.
(page)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
21-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الأحباش-الحركات الباطنية)
الأحباشالتعريف:
طائفة ضالة تنسب إلى عبد الله الحبشي، ظهرت حديثًا في لبنان مستغلة ما خلّفته الحروب الأهلية اللبنانية من الجهل والفقر والدعوة إلى إحياء مناهج أهل الكلام والصوفية والباطنية بهدف إفساد العقيدة وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
عبد الله الهرري الحبشي: هو عبد الله بن محمد الشيبي العبدري نسبًا الهرري موطنًا نسبة إلى مدينة هرر بالحبشة، فيها ولد لقبيلة تدعى الشيباني نسبة إلى بني شيبة من القبائل العربية. ودرس في باديتها اللغة العربية والفقه الشافعي على الشيخ سعيد بن عبد الرحمن النوري والشيخ محمد يونس جامع الفنون ثم ارتحل إلى منطقة جُمة وبها درس على الشيخ الشريف وفيها نشأ شذوذه وانحرافه حيث بايع على الطريقة التيجانية. ثم ارتحل إلى منطقة داويء من مناطق أرمو ودرس صحيح البخاري وعلوم القرآن الكريم على الحاج أحمد الكبير. ثم ارتحل إلى قرية قريبة من داويء فالتقى بالشيخ مفتي السراج ـ تلميذ الشيخ يوسف النبهاني صاحب كتاب شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق ودرس على يديه الحديث. ومن هنا توغل في الصوفية وبايع على الطريقة الرفاعية. ثم أتى إلى سوريا ثم إلى لبنان من بلاد الحبشة في أفريقيا عام 1969م. وذكر أتباعه أنه قدم عام 1950م بعد أن أثار الفتن ضد المسلمين، حيث تعاون مع حاكم إندراجي صهر هيلاسيلاسي ضد الجمعيات الإسلامية لتحفيظ القرآن بمدينة هرر سنة 1367ه الموافق 1940م فيما عرف بفتنة بلاد كُلُب فصدر الحكم على مدير المدرسة إبراهيم حسن بالسجن ثلاثًا وعشرين سنة مع النفي حيث قضى نحبه في مقاطعة جوري بعد نفيه إليها. وبسبب تعاون عبد الله الهرري مع هيلاسيلاسي تم تسليم الدعاة والمشايخ إليه وإذلالهم حتى فر الكثيرون إلى مصر والسعودية، ولذلك أطلق عليه الناس هناك صفة (الفتّان) أو (شيخ الفتنة).
ـ منذ أن أتى لبنان وهو يعمل على بث الأحقاد والضغائن ونشر الفتن كما فعل في بلاده من قبل من نشره لعقيدته الفاسدة من شرك وترويج لمذاهب: الجهمية في تأويل صفات الله، والإرجاء والجبر والتصوف والباطنية والرفض، وسب للصحابة، واتهام لأم المؤمنين عائشة بعصيان أمر الله، بالإضافة إلى فتاوى شاذة.
ـ نجح الحبشي مؤخرًا في تخريج مجموعات كبيرة من المتبجحين والمتعصبين الذين لا يرون مسلمًا إلا من أعلن الإذعان والخضوع لعقيدة شيخهم مع ما تتضمنه من إرجاء في الإيمان وجبر في أفعال الله وجهمية واعتزال في صفات الله. فهم يطرقون بيوت الناس ويلحون عليهم بتعلم العقيدة الحبشية ويوزعون عليهم كتب شيخهم بالمجان.
نزار الحلبي: خليفة الحبشي ورئيس جمعية المشاريع الإسلامية ويطلقون عليه لقب (سماحة الشيخ) حيث يعدونه لمنصب دار الفتوى إذ كانوا يكتبون على جدران الطرق (لا للمفتي حسن خالد الكافر، نعم للمفتي نزار الحلبي) وقد قتل مؤخرًا.
لديهم العديد من الشخصيات العامة مثل النائب البرلماني عدنان الطرابلسي ومرشحهم الآخر طه ناجي الذي حصل على 1700 صوتًا معظمهم من النصارى حيث وعدهم بالقضاء على الأصولية الإسلامية، لكن لم يكتب له النجاح، وحسام قرقيرا نائب رئيس جمعية المشاريع الإسلامية، وكمال الحوت وعماد الدين حيدر وعبد الله البارودي وهؤلاء الذين يشرفون على أكبر أجهزة الأبحاث والمخطوطات مثل المؤسسة الثقافية للخدمات ويحيلون إلى اسم غريب لا يعرفه حتى طلبة العلم فمثلًا يقولون: (قال الحافظ العبدري في دليله) فيدلسون على الناس فيظنون أن الحافظ من مشاهير علماء المسلمين مثل الحافظ ابن حجر أو النووي وإنما هو في الحقيقة شيخهم ينقلون من كتابه الدليل القويم مثلًا.
الأفكار والمعتقدات:
يزعم الأحباش أنهم على مذهب الإمام الشافعي في الفقه والاعتقاد ولكنهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. فهم يُؤولون صفات الله تعالى بلا ضابط شرعي فـيؤولون الاستواء بالاستيلاء كالمعتزلة والجهمية.
يزعم الحبشي أن جبريل هو الذي أنشأ ألفاظ القرآن الكريم وليس الله تعالى، فالقرآن عنده ليس بكلام الله تعالى، وإنما هو عبارة عن كلام جبريل، كما في كتابه إظهار العقيدة السنية ص591.
الأحباش في مسألة الإيمان من المرجئة الجهمية الذين يؤخرون العمل عن الإيمان ويبقى الرجل عندهم مؤمنًا وإن ترك الصلاة وسائر الأركان، (انظر الدليل القويم ص7، بغية الطالب ص51).
ـ تبعًا لذلك يقللون من شأن التحاكم للقوانين الوضعية المناقضة لحكم الله تعالى فيقول الحبشي: (ومن لم يحكّم شرع الله في نفسه فلا يؤدي شيئًا من فرائض الله ولا يجتنب من المحرمات، ولكنه قال ولو مرة في العمر: لا إله إلا الله، فهذا مسلم مؤمن. ويقال له أيضًا مؤمن مذنب) الدليل القويم 9ـ 10 بغية الطالب 51.
الأحباش في القدر جبرية منحرفة يزعمون أن الله هو الذي أعان الكافر على كفره وأنه لولا الله ما استطاع الكافر أن يكفر. (النهج السليم 71).
يحث الأحباش الناس على التوجه إلى قبور الأموات والاستغاثة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم، لأنهم في زعمهم يخرجون من قبورهم لقضاء حوائج المستغيثين بهم ثم يعودون إليها، كما يجيزون الاستعاذة بغير الله ويدعون للتبرك بالأحجار. (الدليل القويم 173، بغية الطالب 8، صريح البيان 57، 62). (شريط خالد كنعان /ب / 70) ولو قال قائل أعوذ برسول الله من النار لكان هذا مشروعًا عندهم.
يرجح الأحباش الأحاديث الضعيفة والموضوعة بما يؤيد مذهبهم بينما يحكمون بضعف الكثير من الأحاديث الصحيحة التي لا تؤيد مذهبهم ويتجلى ذلك في كتاب المولد النبوي.
يكثر الحبشي من سب الصحاب وخاصة معاوية بن أبي سفيان وأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنهم. ويطعن في خالد بن الوليد وغيره، ويقول إن الذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه ماتوا ميتة جاهلية. ويكثر من التحذير من تكفير سابِّ الصحابة، لاسيما الشيخين إرضاءً للروافض. إظهار العقيدة السنية 182.
يعتقد الحبشي أن الله تعالى خلق الكون لا لحكمة وأرسل الرسل لا لحكمة وأن من ربط فعلًا من أفعال الله بالحكمة فهو مشرك.
كفّر الحبشي العديد من العلماء فحكم على شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه كافر وجعل من أول الواجبات على المكلف أن يعتقد كفره ولذلك يحذر أشد التحذير من كتبه، وكذا الإمام الذهبي فهو عنده خبيث، كما يزعم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجرم قاتل كافر ويرى أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني كافر، وكذلك الشيخ سيد سابق فيزعم أنه مجوسي كافر أما الأستاذ سيد قطب فمن كبار الخوارج الكفرة في ظنه. انظر مجلة منار الهدى الحبشية عدد (3ص234) النهج السوي في الرد على سيد قطب وتابعه فيصل مولوي) أما ابن عربي صاحب مذهب وحدة الوجود ونظرية الحلول والاتحاد والذي شهد العلماء بكفره فيعتبره الحبشي شيخ الإسلام. كما يدعو الحبشي إلى الطريقة النقشبندية والرفاعية والصوفية.
وللحبشي العديد من الفتاوى الشاذة القائلة بجواز التحايل في الدين وأن النظر والاختلاط والمصافحة للمرأة الأجنبية حلال لاشيء فيه بل للمرأة أن تخرج متعطرة متبرجة ولو بغير رضا زوجها.
يبيح بيع الصبي الحر وشراءه كما يجيز للناس ترك زكاة العملة الورقية بدعوى أنها لا علاقة لها بالزكاة إذ هي واجبة في الذهب والفضة كما يجيز أكل الربا ويجيز الصلاة متلبسًا بالنجاسة. (بغية الطالب 99).
أثار الأحباش في أمريكا وكندا فتنة تغيير القبلة حتى صارت لهم مساجد خاصة حيث حرفوا القبلة 90 درجة وصاروا يتوجهون إلى عكس قبلة المسلمين حيث يعتقدون أن الأرض نصف كروية على شكل نصف البرتقالة، وفي لبنان يصلون في جماعات خاصة بهم بعد انتهاء جماعة المسجد، كما اشتهر عنهم ضرب أئمة المساجد والتطاول عليهم وإلقاء الدروس في مساجدهم لنشر أفكارهم رغمًا عنهم. ويعملون على إثارة الشغب في المساجد، كل هذا بمدٍ وعونٍ من أعداء المسلمين بما يقدمون لهم من دعم ومؤازرة.
الجذور الفكرية والعقائدية:
مما سبق يتبين أن الجذور الفكرية والعقائدية للأحباش تتلخص في الآتي:
ـ المذهب الأشعري المتأخر في قضايا الصفات الذي يقترب من منهج الجهمية .
ـ المرجئة والجهمية في قضايا الإيمان.
ـ الطرق الصوفية المنحرفة مثل الرفاعية والنقشبندية.
ـ عقيدة الجفر الباطنية.
ـ مجموعة من الأفكار والمناهج المنحرفة التي تجتمع على هدف الكيد للإسلام وتمزيق المسلمين. ولا يستبعد أن يكون الحبشي وأتباعه مدسوسين من قبل بعض القوى الخارجية لإحداث البلبلة والفرقة بين المسلمين كما فعل عبد القادر الصوفي ثم المرابطي في أسبانيا وبريطانيا وغيرها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ينتشر الأحباش في لبنان بصورة تثير الريبة، حيث انتشرت مدارسهم الضخمة وصارت حافلاتهم تملأ المدن وأبنية مدارسهم تفوق سعة المدارس الحكومية، علاوة على الرواتب المغرية لمن ينضم إليهم ويعمل معهم وأصبح لهم إذاعة في لبنان تبث أفكارهم وتدعو إلى مذهبهم، كما ينتشر أتباع الحبشي في أوروبا وأمريكا وقد أثاروا القلاقل في كندا واستراليا والسويد والدانمارك. كما أثاروا الفتن في لبنان بسبب فتوى شيخهم بتحويل اتجاه القبلة إلى جهة الشمال.
وقد بدأ انتشار أتباع هذا المذهب الضال في مناطق عدة من العالم حيثما وجد لبنانيون في البداية، ثم بعض المضللين ممن يعجب بدعوة الحبشي.
يتضح مما سبق:
أن الأحباش طائفة ضالة، تنتمي إلى الإسلام ظاهرًا وتهدم عراه باطنًا، وقد استغلت سوء الأوضاع الاقتصادية وما خلفته الحروب الأهلية اللبنانية من فقر وجهل في الدعوة إلى مبادئها الهدامة وإحياء الكثير من الأفكار والمعتقدات الباطلة التي عفى عليها الدهر مثل خلق القرآن والخلاف المعروف في قضايا الصفات الذي تصدَّى لها علماء أهل السنة والجماعة في الماضي والحاضر. وقد تصدَّى لهم عدد من علماء أهل السنة والجماعة في عصرنا مثل المحدث الشيخ الألباني وغيره. وأفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتوى رقم 2392/1 بتاريخ 30/10/1406ه التي جاء فيها: (إن طائفة الأحباش طائفة ضالة، ورئيسهم عبد الله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم أو قبول ما يقولون).
(page)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
22-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الكاثوليك-النصرانية وما تفرع عنها من مذاهب)
الكاثوليكالتعريف:
أكبر الكنائس النصرانية في العالم، وتدعي أنها أم الكنائس ومعلمتهن، يزعم أن مؤسسها بطرس الرسول، وتتمثل في عدة كنائس تتبع كنيسة روما وتعترف بسيادة بابا روما عليها، وسميت بالكنيسة الغربية أو اللاتينية لامتداد نفوذها إلى الغرب اللاتيني خاصة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
* يدعي أصحابها بأن القديس بطرس ت62م هو المؤسس الأول لكنيستها على حسب ما أشار إليه القديس سيبريان 248 – 258م مع أن مصادر التاريخ الكنسي تشير إلى أن لكل من بولس وبطرس دوره في وجودها.
* أول من استعمل لفظ كاثوليك للدعوة لتأييد الكنيسة مقابل حركات الخروج على مفاهيمها وعقائدها – الهرطقة – أسقُف أنطاكية القديس أغناطيوس الأنطاكي في القرن الثاني الميلادي.
* منذ أن أسس قسطنطين مدينة القسطنطينية روما الجديدة وبنى فيها كنيستها أجاصوفيا وجعلها تلي كنيسة روما في المكانة، قام التنافس بين الكنيستين في السيطرة على العالم المسيحي، الذي استمر إلى أن تم الانفصال الإداري بينهما عام 869م بعد مجمع القسطنطينية. وفي خلال تلك الفترة وما يليها وقعت أحداث جسام، وبرز باباوات وقديسون، كان لهم أكبر الأثر في تطور الكنيسة. وفيما يلي أهم تلك الأحداث وأبرز هذه الشخصيات:
* تأكيد سيطرة الكنيسة الغربية:
- اعترف مجمع سرديكا عام 343 أو 344م بحق استئناف قرارات المجامع الإقليمية إلى أسقف روما، مما زاد من دعاوى روما بأنها الحكم الأعلى للنصرانية.
- يرجع الفضل إلى البابا داماسوس الأول 366 – 384م في ترجمة الإنجيل إلى اللاتينية، كما رأس مجمع روما عام 382م للرد على قرارات مجمع القسطنطينية لعام 381م لتأكيد صدارة روما التي تستمد مكانتها من وعد المسيح لبطرس الرسول بقوله: "وأنا أقول لك أنت الصخرة، وعلى هذ
- البابا ليو الأول 440 – 461م والملقب بليو العظيم حيث كان له دور بارز في حماية روما والحفاظ عليها بعد سقوطها عام 410م في يد الآريوسيين – أتباع آريوس- ويرجع إليه الفضل في تمييز الكنيسة الغربية بعقيدتها في المسيح من حيث أن له طبيعتين – المذهب الملكاني – بعد
- أصدر الإمبراطور فالنتيان سنة 455م مرسومًا يقضي بخضوع كل أساقفة وموظفي الإمبراطورية للبابا، مما زاد في نفوذ وثروات الكنيسة، وأقبل الناس على الدخول في الكنيسة بأعداد كبيرة تطلعًا للمكانة والكسب المادي.
* كان لاعتناق الإمبراطور كلوفس النصرانية، وتعميده على العقيدة الكاثوليكية عام 496م أكبر الأثر في اعتناق الفرنجة السالين – أحد الطوائف الجرمانية – للمذهب الكاثوليكي.
* في 6 أغسطس سنة 525م قرر الإمبراطور ثيودريك تسليم جميع الكنائس الكاثوليكية للآريوسيين، ردًّا على حملة الإمبراطور جستنيان في الدولة البيزنطية ضد الأريوسين. فأنزل الاضطهاد والتعذيب على الكاثوليك، وسجن في هذه الفتنة البابا يوحنا الأول عام 525م.
العصور المظلمة:
ويطلقها مؤرخو النصرانية على الفترة من تولِّي البابا جرجوري الأول عام 590م حتى تولي شارلمان الإمبراطورية 800 – 840م حيث شهدت العديد من الصراعات والانشقاقات التي أدت إلى الانهيار السياسي والانحطاط العلمي والثقافي للنصرانية. وإن تميزت بقوة التبشير النصراني، بالإضافة إلى شروق شمس الإسلام من جبال فاران (بمكة المكرمة) عام 610م حتى عمت أشعتها نصف العالم، وأخضعت العديد من الممالك النصرانية في مصر وأفريقيا والأندلس وصقلية ودول الشام وإيران، ومن أبرز شخصيات هذا العصر:
- البابا جرجوري الأول 590 – 604م: الذي يلقب بجريجوري العظيم، لاهتمامه البالغ بتطوير الكنيسة وإصلاحها، متأثرًا بمبادئ وأصول الأديرة البندكتية التي نشأ فيها. بالإضافة إلى اهتمامه بالنواحي السياسية والإدارية، والدعوة للنصرانية حتى امتد نفوذ الكنيسة في عهده إ
القرون الوسطى:
وتطلق على الفترة مابين 800 – 1521م التي اتسمت بكثرة الحروب الأهلية، والتي دامت طويلًا بين البابوية والإمبراطورية، واتسمت بظهور حركات الخروج على مبادئ الكنيسة فيما وسَمَتها الكنيسة بالهرطقة، ولذلك توسعت في استخدام محاكم التفتيش ضد هذه الحركات، وضد الأصوات المنادية بالإصلاح الكنسي. وفي تلك الفترة أيضًا كانت بداية الحروب الصليبية، بالإضافة إلى فتح المسلمين للقسطنطينية عام 1453م ويمكن تقسيم أهم أحداث الكنيسة الكاثوليكية خلالها إلى:
- العهد فيما بين شارلمان وجريجوري السابع 800 – 1073م: وفيه ازدهرت البابوية، حيث اعتبر شارلمان المتوَّج من البابا ليو الثالث 800م نفسه حاميًا للبابوية، وأنه رأس الكنيسة والدولة معًا، فأصبح يعين الأساقفة ويتولى رئاسة المجامع الرئيسية التي يدعو إليها، بالإضا
- الشقاق العظيم: والمراد به الاختلاف الكبير الذي أدى إلى الانفصال النهائي للكنيسة الشرقية والأرثوذكسية عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية، بعد محاولة البابا ليو التاسع 1054م فرض عقائد وأفكار الكنيسة الغربية على الشرق، التي رفضها بطريرك القسطنطينية ميخائيل كير
- العهد فيما بين البابا جريجوري السابع والبابا بويفيس 1073- 1294م: كان للبابوية في هذه الفترة دورها الكبير في تقرير تاريخ أوروبا كما كان لها في السابق، وذلك بعد سلسلة من الصراعات بين البابوية والإمبراطورية التي عقد من أجلها اللاتران الأول عام 1112م والثان
- العهد بين البابا بونيفيس الثامن إلى عهد الإصلاح 1294 – 1517م: وهذه الحقبة التاريخية تمثل أخر فترات القرون الوسطى في أوروبا، وفيها اشتد الصراع بين البابوية والإمبراطورية التي عملت على تفتيت قوة ونفوذ البابوية إلى أن تم إضعافها تحت ضربات حركات الإصلاح الم
* مجمع ترنت 1542 – 1563م: الذي عقد على أثر ثورات الإصلاح التي علا صوتها بعد إعدام حناهس التي من أبرزها ثورة مارتن لوثر التي ساندتها الحكومة والشعب الألماني. وفي الوقت نفسه كان في سويسرا ثورة أخرى بقيادة الرخ زونجلي، ليعارض الكنيسة ويؤيد دعوة لوثر، فعُقِد مجمع ترنت ليقرر عدم قبول آراء الثائرين، ويقضي بمحاكمة لوثر أمام محكمة التفتيش، ثم ليصدر البابا ليو العاشر قرارًا بحرمانه من الحقوق المدنية والرئيسية والقانونية، ليظهر بعد ذلك معارض ثالث في فرنسا: جون كلفن 1509-1564م الذي هرب إلى سويسرا لينشر مبادئ مارتن لوثر ويجمع حولها الأنصار، وتؤيده في ذلك بعض الدول؛ ليتقلص نفوذ الكنيسة الغربية – الكاثوليكية- وتنفصل عنها كنيسة جديدة – البروتستانتية – لتزيد من الفرقة والشقاق في العالم النصراني، ولتشتعل الحروب الطاحنة بين الكنيستين لعدة سنوات التي ذهب ضحيتها خلق كثير، حتى أمكن التوصل إلى صلح – صلح أوجزبرج – سنة 1555م على أساس إقرار مبدأ إسيبير الأول سنة 1526م القائل: بأن لكل أمير الحق في اختيار المذهب الذي يريد سريانه في إمارته. وهكذا غربت شمس الكنيسة الكاثوليكية، وتقلَّص سلطانها؛ إذ أصبح بمقدور كل دولة الخروج على سلطة البابا.
* مجمع روما 1769م: في هذا الجو العاصف بالحركات الثائرة على الكنيسة عُقد هذا المجمع ليحدث مزيدًا من الانشقاق داخل الكنيسة بسبب تقريره عصمة البابا، لتظهر جماع من المخالفين للقرار، سموا أنفسهم بالكاثوليك القدماء.
* موقف الكنيسة من العلم والعلماء: ما إن ظهرت في أوروبا بوادر النهضة العلمية المتأثرة بحضارة المسلمين في الأندلس بعد ترجمة العلوم الإسلامية واليونانية إلى اللاتينية، وبرز عدد من العلماء الذين بينوا بطلان آراء الكنيسة العلمية وبخاصة في الجغرافيا والفلك، حتى تصدت لهم الكنيسة استنادًا على ما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: "إن كان أحد لا يثبت في يطرح خارجًا كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق". ولذلك استخدمت ضدهم الرقابة على الكتب والمطبوعات لئلا يذيعوا آراءً مخالفةً للعقيدة الكاثوليكية، وتوسعوا في تشكيل محاكم التفتيش ضدهم، وقد حكمت تلك المحاكم في الفترة من 1481-1499م على تسعين ألفًا وثلاثة وعشرين شخصًا بأحكام مختلفة، كما أصدرت قرارات تحرِّم قراءة كتب جاليليو وجيوردا نويرنو، وكوبرنيكوس، ونيوتن لقوله بقانون الجاذبية الأرضية، وتأمر بحرق كتبهم. وقد أحرق بالفعل الكاردينال إكيمنيس في غرناطة ثمانية آلاف كتاب مخطوط لمخالفتها آراء الكنيسة.
الكنيسة في عصر النهضة:
- في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ازداد غضب الناس والعلماء والفلاسفة من سوء سلوك رجال الكنيسة، ومن الرقابة التي فرضوها على المطبوعات، وتوسُّعهم في استخدام محاكم التفتيش، ومبالغتهم في القسوة والتعذيب ضد المخالفين والعلماء، مما أثار الفلاسفة من أمثال د
- في عام 1790م أصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية قرارات قاصمة لظهر الكنيسة حيث ألغت العشور الكنسية، وصادرت أموالها، وأجبرت رجال الكنيسة على الخضوع للدستور المدني، وأخذت تعين رجال الكنيسة بدلًا من البابا، بالإضافة إلى إغلاق المدارس التابعة للكنيسة، وتسريح الر
- في سبيل حفاظ البابا جريجوري السادس عشر على مكانته بعد هذه القرارات أصدر البابا عدة منشورات يدين فيها حركة الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، على أنها تحمل مضامين تخالف الدين المسيحي.
- جاء القانون الذي أقرَّته الحكومة الفرنسية 1905م بفصل الدين عن الدولة على أساس التفريق بينهما وإعلان حياد الدولة تجاه الدين، كقاصمة أخرى شجعت المعارضين للكنيسة على نقد نصوص الكتاب المقدس والكنيسة بحرية، كما أجبر هذا القانون رجال الكنيسة على أن يقسموا يمي
الكنيسة والماسونية:
- تنبه رجال الكنيسة إلى شرور الحركات السرية بعد أن رأوا أن معظم رجال تلك الحركات أعضاء في الجمعيات والأندية الماسونية، ويعتبر البابا تليمنوس الثاني عشر أول من تصدى لهم وكشف زيفهم في مؤتمر 28/4/1738م ثم تبعه البابا بندكتوس الرابع عشر، والبابا بيوس السابع،
- كان موقف البابا بيوس العاشر من أقوى تلك المواقف في التصدي للماسونية في العصر الحاضر وذلك بعد رفضه محاولة مؤسس الصهيونية تيودر هرتزل عام 1903م في كسب موافقة الفاتيكان للاستيطان في فلسطين، كما رفض مبدأ قيام دولة لليهود في فلسطين، والاستيلاء على القدس، إلا
الكنيسة في خدمة الاستعمار الغربي:
- مع إقرار الكنيسة بفصل الدين عن السياسة داخل أوروبا، فإن مجلس الكنائس العالمي يقرر في مؤتمر سالونيك باليونان عام 1956م: "أن السياسة هي المجال الذي يتحتم على الكنيسة في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن تعمل فيه، وأن على الكنائس أن تراقب خطط التنمية
بعث الأمة الكاثوليكية:
البابا الحالي للفاتيكان يوحنا بولس الثاني (1978-…) الكاردينال كارول البولندي الأصل الذي يتميز عن غيره بأنه رجل تنظيم وسياسة. ولذا فإنه يتبنى فكرة بعث الأمة الكاثوليكية من خلال إيجاد حكومة عالمية أو إمبراطورية مقدسة، التي لا تكون إلا من خلال تحقيق وحدة القارة المسيحية الأوروبية وبناء أوروبا جديدة على القواعد النصرانية، مما لابد فيه من حدوث صراع سياسي ومالي وربما عسكري، وأن مهمة الفاتيكان فيه هو تهيئة الأجواء لكسب هذا الصراع الحتمي مع التجمعات الأيدلوجية الأخرى. والبابا متأثر في ذلك بأفكار حركة المنشأة الإلهية (Opos Dei) والقاضية بأنه بالحكم والمال وحدهما تتحقق الآمال، ويحدث التغيير. كما يراهن البابا يوحنا بولس الثاني على أن قارة أفريقيا ستصبح قارة نصرانية عام 2000م وفي سبيل ذلك فإنه يقوم بما يزيد على أربع رحلات سنويًّا، ويحاول التقارب وإيجاد أرضية عمل مشترك مع الطوائف النصرانية الأخرى رغم ما بينهم من خلافات جذرية.
- أعلنت لجنة الفاتيكان للعلاقات مع اليهود براءة جديدة لليهود من دم المسيح في 24 يونيو 1985م ونشرتها مجلة أوبسير فاتوري رومانو لسان حال الفاتيكان في عددها الصادر بتاريخ 25 يونيو 1985م، وذلك بناءً على توجيهات البابا يوحنا بولس الثاني. كما دعت تلك الوثيقة إل
الأفكار والمعتقدات:
* الألوهية: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية مثل باقي الكنائس الأخرى بإله واحد مثلث الأقانيم: الأب، الابن، الروح القدس، على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي لعام 325م كما تؤمن بأن للمسيح طبيعتين بعد الاتحاد: إحداهما لاهوتية، والأخرى ناسوتية.
* يؤمن الكاثوليك بما أقر في مجمع القسطنطينية الرابع عام 869م من أن الروح القدس منبثق من الأب والابن معًا.
* الأقانيم: يعتقد الكاثوليك أن أقنوم الابن أقل من أقنوم الأب في الدرجة، وأن الأقانيم ما هي إلا مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان، ولذا فهي ذوات متميزة يساوي فيها المسيح الأب حسب لاهوته وهو دونه حسب ناسوته، كما ينص على ذلك قانون الإيمان الأثناسيوسي.
* التجسد والفداء: الإيمان بتجسُّد الله- تعالى عن قولهم – في السيد المسيح من أجل خلاص البشرية من إثم خطيئة آدم وذريته من بعده، فيعتقدون أنه وُلد من مريم وصلب ومات فداءً لخطاياهم، ثم قام بعد ثلاثة أيام ليجلس على يمين الرب ليحاسب الخلائق يوم الحشر.
* السيدة مريم والأيقونات: يقدسون السيدة مريم والقديسين والقديسات، والأيقونات المجسمة والمصورة مع الإشادة بالمعجزات.
* الإلهام: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بالإلهام كأحد مصادر المعرفة والوحي المستمرة.
* الصليب: يقدسون الصليب ويتخذونه شعارًا.
* الكتاب المقدس: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بنصوص الكتاب المقدس وبما يتضمنه من التوراة وأسفار الأنبياء وبالعهد الجديد ورسائل الرسل على ما أقر في مجمع نيقية الأول.
* أسرار الكنيسة: يؤمن الكاثوليك بممارسة سر الاعتراف مرة واحدة في السنة، وكذلك سر التناول في عيد الفصح، كما يستعملون الفطير في العشاء الرباني بدلًا من الخبز المختمر، والمعمودية لا تتم إلا بالرش لا بالتغطيس ثلاثًا وتكون من الكاهن أو بالصبغة بدم الشهيد في سبيل الإيمان فقط، والمسح بالميرون المقدس يجوز تأخيره عن التعميد للقاصر حتى يبلغ سن الرشد، ولا يمسح بالزيت المقدس إلا لمن شارف على الموت، ويحرم الطلاق في جميع الأحوال حتى في حالات الزنا، وقد انفردت الكنيسة الكاثوليكية بسر ثامن عن الكنائس الأخرى ألا وهو عصمة البابا عن ارتكاب المعاصي والآثام.
* الحياة الأخرى: يعتقد الكاثوليك أنه يوجد بعد الموت مكان ثالث يسمى المطهر تُعتقل فيه النفوس التي لم تصل إلى درجة النقاوة الكاملة، وتظل تُعذَّب حتى تطهر بما بقي عليها من الدين للعدل الإلهي، وعندئذ يسمح لها بدخول الملكوت.
* خلق أفعال العباد: وأن كل ما خلقه الله تعالى حسن وإنما الشر من خلق العباد.
* تبيح أكل الدم والمنخنقة على خلاف قرارات مجمع الرسل الأول في أورشليم 51-55م ويجوز للرهبان أكل دهن الخنزير، ولبس الأساقفة الخواتم في أصابعهم، كما يجوز للكهنة حلق لحاهم على عكس الأرثوذكس.
* القداس: القداس محور العبادة والحياة الروحية على أنه يقام يوميًا.
* الصلاة والصيام: الصلاة الفردية أساسية في الدين على أن للصلاة طرقًا عديدة، وينبغي أن تقترن بشيء من التقشُّف، والصيام المفروض هو الصوم الكبير السابق لعيد الفصح، وجعل صوم الجمعة والسبت فقط عبارة عن الانقطاع عن أكل اللحوم. كما فرض أيضًا صوم الأزمنة الأربعة فيما يعرف بصوم البارامون (أي الاستعداد للاحتفالات) وهي السابقة لأعياد الميلاد، والعنصرة وانتقال العذراء وجميع القديسين. ويوجد خلاف بين الكنيسة اللاتينية وطوائف الكنيسة الكاثوليكية الشرقية في قواعد الصوم.
* الطقوس: تتميز باستعمال اللغة اللاتينية، والبخور، والصور، والتقويم الخاص بها.
- للكنيسة الكاثوليكية عدة طقوس إلى جانب الطقوس الرومانية، هناك من يستعمل الطقوس الشرقية مثل الروم الكاثوليك، جنوب إيطاليا، والموارنة والسريان الذين يتبعون الطقس الأنطاكي، وهناك كاثوليك أقباط وأحباش يستمسكون بالطقس القبطي.
* التنظيم الكهنوتي "الإكليروس": يدير البابا الكنيسة بواسطة كرادلة في روما ومطارنة في جميع أنحاء العالم. تنقسم الكنيسة عند الكاثوليك إلى أبروشيات على رأس كل أبروشية مطران يعينه البابا، وفي كل أبروشية عدة كنائس يديرها كهنة رعاة لخدمة أبناء الكنيسة.
- البابا: كما تعتقد أن السيد المسيح أقام بطرس نائبًا على الأرض ورئيسًا على الرسل ورأسًا للكنيسة، وعلى ذلك فالبابا في روما هو خليفة بطرس ورأس الكنيسة من بعده، ومرشدها الأعلى لجميع الكاثوليك في العالم.
ونظرًا لاعتقادهم بعصمة البابا فإن المغفرة حق من حقوق الكنيسة تعطيها لمن تشاء.
- الجماعات الدينية المكونة من الرهبان والراهبات تخضع لبابا روما عن طريق رؤسائها الموجودين في روما.
- يدرس الكهنة قبل اضطلاعهم بمهمتهم العلوم الدينية خمس أو ست سنوات ويدربون في معاهد دينية خاصة، ولا يتزوج رجال الدين إلا القليل منهم.
الجذور الفكرية والعقدية:
* نصوص الكتاب المقدس، بالإضافة إلى المجامع المسكونية والإقليمية أو المحلية التي أيدت عقيدة الكنيسة.
* الديانات الوثنية: المجوسية، البوذية، الرومانية، المصرية القديمة.
* الفلسفةالأفلاطونية الحديثة، الفلسفة الغنوصية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
* تنتشر في أوروبا: إيطاليا، فرنسا، لتوانيا، بولندا، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، بلجيكا، أسبانيا، البرتغال، أيرلندا، كندا الفرنسية، أمريكا اللاتينية، الفلبين، وجنوب شرق آسيا. وهناك أقليات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وألمانيا، وبعض دول أفريقيا.
يتضح مما سبق:
* أن المتأمل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية لَيجِد أنه كان لها دور كبير في أحداث تاريخ أوروبا بمختلف مراحله.
* كان للصراع مع الحكام والملوك أثره في ظهور عقائد جديدة في الكنيسة لم تكن من قبل مثل: سمو مكانة البابوية والكنيسة الغربية، وعصمة البابا عن ارتكاب الآثام والمعاصي بزعم أن روح القدس ينطق من فِيِه – على ما أقر في مجمع روما عام 1769م السر الثامن (1).
ونظرًا لإتباع الهوى وترك التشريع للرجال والمجامع ظهر التضارب في آراء الكنيسة والانقسام في صفوفها، فما يُقر في مجمع يُنقض في آخر، وفي كلتا الحالتين يأخذ صفة الحكم الإلهي، ففي فترات سيطرة رجال الكنيسة على مقاليد الحكم تستند إلى أقوال القديس أغسطس القاضية بأن تخضع سلطة الدولة لسلطة الكنيسة التي تمثل مدينة الله. وفي فترات الاضطهاد تظهر دعاوى فصل الدين عن الدولة مثلما جاء في رسالة هوزيوس أسقف قرطبة للإمبراطور قسطنطيوس عام 355م: "أما من جهتك فينبغي ألا تجر على نفسك جريمة ارتكاب ذنب خطير، بأن تسعى لأن تتولى حكومة الكنيسة، فلتُعطِ ما لقيصر لقيصر، ولتجعل لله ما لله، فلا يجوز لنا أن نباشر سلطة دنيوية وليس لك أيها الإمبراطور الحق في أن تحرق البخور". وهذا ما اعتقدته حركة الإصلاح الكلوانية أنه سبيل لإصلاح الكنيسة.
انتشرت داخل الكنيسة كافة مظاهر الانحراف والفساد مثل السيمونية، ومخالفة القانون الكنسي، رغم دعاوى الرهبنة والعزوبة وحياة الزهد والتقشف التي فرضها القانون الكنسي، ولم تستثن أحدًا بدءً من البابا حتى أصغر كاهن وراهب. تقول القديسة كاترين السينائية في القرن الرابع عشر الميلادي: "إنك أينما وليت وجهك سواء نحو القساوسة أو الأساقفة أو… لم تر إلا شرًّا ورذيلة، تزكم أنفك رائحة الخطايا الآدمية البشعة، اتخذوا بطونهم إلهًا لهم، يأكلون ويشربون في الولائم الصاخبة، حيث يتمرغون في الأقذار، ويقضون حياتهم في الفسق والفجور".
- كان للرهبانية أثرها البالغ على الأخلاق الأوربية، فانعدمت أخلاق الفتوة والمروءة التي أصبحت من المعايب والرذائل، كما هجر الناس البشاشة والسماحة والشجاعة. ومن أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم حياة الأسرة، فكثيرًا ما أصبحت الأمهات ثكلى، والأزواج أيامى، والأولاد
* رغم الجوانب والآثار السلبية للحروب الصليبية وما تميزت به من قسوة ضد المخالفين سواء كانوا من نصارى أو مسلمين، إلا أنها كانت سببًا في انتقال المعارف الإسلامية إلى أوروبا. تقول الكاتبة الألمانية هونكة في شمس العرب تسطع على الغرب: "وكان للحروب الصليبية دور هام في تطور نظام الحصون وطرق الدفاع، أي في أوروبا"، وتقول: "اختلط ملوك أوروبا وأمراؤها بملوك الشرق وأمراء المسلمين في أثناء الحرب الصليبية، ورأوا بأعينهم أدباء العرب وشعراءهم ومؤرخيهم، لاسيما من كان منهم بمعية صلاح الدين الأيوبي". وتقول: "وفي مراكز العلم الأوروبية لم يكن هناك عالم واحد من بين العلماء إلا ومد يديه إلى الكنوز العربية".
ومع ذلك لا تزال الصليبية على عهدها الأول يمنعها عن قبول الحق حواجز التقليد للآباء والأجداد والعقائد المتوارثة حتى لو شهدت الأدلة الساطعة على بطلانها. وقد نص القرآن الكريم على أمثالهم بقوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون}.
* لم تقتصر محاكم التفتيش على المخالفين للكنيسة من النصارى فقط ولكنها طالت المسلمين أيضًا، ففي القرن الخامس عشر والسادس عشر بعد سقوط الأندلس ذبحوا وأحرقوا ما يزيد على 31 ألفًا من المسلمين ولم يتركوا مسلمًا على قيد الحياة أو غير منفي. وبعد استقلال اليونان عن الدولة العثمانية أباد النصارى شعب موريا المسلم عن أخره، بل ودمروا المساجد، وما فعله الأسقف مكاريوس بمسلمي قبرص، والمتعصب جوليوس نيريري بمسلمي زنجبار منا ببعيد.
* تنتقد دائرة المعارف البريطانية دعوى الإلهام التي ما زالت تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية على أنها أحد مصادر المعرفة والوحي بقولها في المجلد الحادي عشر: "إن كل قول متدرج في الكتب المقدسة ليس إلهاميًّا" وهو ما أيده جيروم وكرتيس وبمركوبيس وغيرهم من علماء النصرانية في القرن الثاني الميلادي حيث قالوا: "إن الذين يقولون إن كل مندرج في الأناجيل إلهامي لا يقدرون على إثبات صحة دعواهم". وهو ما أكدته دائرة المعارف الفرنسية في المجلد السابع من أن: "هؤلاء الحواريين أصحاب المسيح ما كان يرى بعضهم بعضًا صاحب وحي كما يظهر في مباحثاتهم في محفل أورشليم".
* وكما جنت الكنيسة على الديانة النصرانية بإدخال العقائد الوثنية، علاوة على التبديل والتحريف الذي لحق بالنصرانية وكتابها، جنت أيضًا عليها وعلى الإنسانية بمحاربتها للعلم والعلماء باسم الدين. وظهور الفساد داخل الكنيسة، مما دفع الأفكار الإلحادية المناوئة للدين إلى الظهور تحت ستار المناداة بحرية الفكر، وحرية اختيار المذاهب الاعتقادية ولو كانت إلحادية، وبالتالي ظهرت الدعوات إلى الإلحاد والعلمانية بمذاهبها المختلفة. يقول فولتير في كتابه مقبرة التعصب: "ينبغي أن يخضع القسس للحكومة لأنهم أفراد من الرعية التابعة للدولة". ونتيجة لحرية الفكر والقضاء على رقابة الكنيسة تم بعث التراث الفلسفي اليوناني، سواء المترجم بالعربية أو اليونانية، وظهرت المذاهب المادية الإلحادية والفلاسفة الماديين أمثال برتراندراسل، هيجل، وأنجلز، وكثرت مؤلفاتهم التي تدعو إلى القضاء على الدين. يقول ديدرو هلباخ، ورينال في الأنكلوبيديا: "إن الشرائع والأديان هي العوائق التي تحول دون حصول الإنسان على السعادة، فيجب عليه محوها ليرجع إلى الطبيعة" (تاريخ التمدن الحديث، شارل أسنيوبوس، ص47).
* إن النصرانية التي يتبناها الفاتيكان اليوم هي النصرانية السياسية التي تريد ربط دول آسيا وأفريقيا بعجلة الغرب عن طريق نشر النصرانية بينهم، وخلق جملة من الأفكار النصرانية التي تقف أمام الإسلام والمسلمين في جميع الميادين. وفي سبيل ذلك تقاربت طوائف النصرانية واليهودية للحد من مارد الإسلام الذي بدأ يصحو من جديد.
- يقول رازينجر منظر السياسة في الفاتيكان: "من يبحث عن حل خارج الكنيسة في عصرنا الحدث ليس إلا واحد من اثنين:
- العودة إلى عصر ما قبل المسيح – أرسطو وأمثاله.
- التعلق بثقافة غير أوروبية من جهة وبالإسلام من جهة أخرى.
- وبما أن الاحتمال الأول ليس له إمكانية الحياة، فيبقى الاحتمال الثاني – الإسلام – فعلينا أن نحذر الإسلام أكثر بكثير مما مضى، فهو اليوم يعود من أعماق التاريخ ليقدم بديلًا عن نظامنا المشبع بالنصرانية".
ويقول في أهمية وجود أندية لملء الفراغ الأيدلوجي لسقوط الشيوعية: "إن حدوث الفراغ الأيدلوجي في الثقافة العالمية بما يعني الانفتاح على الثقافات الأخرى بما فيها من مثل وقيم ومبادئ، وإن البقاء على التقليدية الكنسية السابقة، وما لقيصر لقيصر، ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، سيترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها لدخول الإسلام". ولذلك عملت الكنيسة على تجنيد السياسة والإعلام الأوروبي، وتوجيه عموم الشعب، نحو خصم جديد – الإسلام – ويتضح ذلك من ردود فعل رجال السياسة الأوروبيين وتصريحاتهم حول رواية سلمان رشدي وغيره، ومن الحملات الإعلامية حول الأصولية والإرهاب.
مراجع للتوسع
- دائرة المعارف البريطانية.
- دائرة المعارف، قاموس عام لكل فن ومطلب، المعلم بطرس البستاني، دار المعرفة، بيروت.
- الموسوعة العربية الميسرة، بإشراف محمد شفيق غربال، الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.
- الموسوعة الثقافية، مديرة التحرير/ فايزة حكيم رزق الله – دار الشعب – مصر.
- تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية.
- تاريخ أوروبا في العصور الوسطى- الحضارة والنظم، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية.
- تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، السيد الباز، مكتبة الأنجلو المصرية.
- تاريخ أوروبا الحديث من عصر النهضة إلى مؤتمر فينا، د. عبد الحميد البطريق.
- تاريخ أوروبا في العصر الحديث، هـ.أ.ل. فيشر. ترجمة أحمد نجيب هاشم، دار المعارف مصر، د. عبد العزيز سليمان نوار، دار النهضة العربية، د. عبد المجيد نعنعي، مكتبة الأنجلو المصرية.
- التاريخ المعاصر-أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، الحركة الصليبية، د. سعيد عبد الفتاح عاشور.
- الثورة الفرنسية، د. حسن جلال، لجنة التأليف والنشر.
- العلمانية، د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، دار طيبة.
- سقوط العلمانية، أنور الجندي، دار الكتاب اللبناني.
- تهافُت العلمانية، د. عماد الدين خليل، دار الرسالة.
- قصة الاضطهاد الديني في المسيحية والإسلام، توفيق الطويل، دار الفكر، القاهرة.
- قصة النزاع بين الدين والفلسفة، توفيق الطويل، مكتبة مصر، القاهرة.
- لوثر والإصلاح الديني، م. هـ مواري، ترجمة مرقص فهمي فرح (المجلد السادس – تاريخ العالم) مكتبة النهضة.
- قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، مصر.
- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون، د. كمال دسوقي.
- موقف الإسلام والكنيسة من العلم، عبد الله سليمان المشوخي، رسالة ماجستير، مخطوط المكتبة التجاري للطباعة والتوزيع.
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن علي الحسني الندوي، مطبعة التقدم.
- ما هي النصرانية، محمد تقي الدين العثماني، رابطة العالم الإسلامي.
- يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، دار الاعتصام.
- المسيحية، أحمد شلبي، مكتبة النهضة العربية.
- تطور المسيحية، شارل جنيبيير، ترجمة د. عبد الحليم محمود، دار المعارف، مصر.
- الميزان في مقارنة الأديان – حقائق ووثائق، مستشار محمد عزت طنطاوي، دار العلم، دمشق.
- الكتاب المقدس يتكلم، عبد الرحمن دمشقية، مخطوط.
- مجلة الأمة القطرية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ذو الحجة 1405هـ – يونيو 1985م.
(page)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
23-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الإسلامية في الأدب-من المدارس الأدبية)
الإسلامية في الأدبالتعريف:
الإسلامية (في الأدب) هي انطلاق الأديب في العملية الإبداعية من رؤية أخلاقية تبرز مصداقيته في الالتزام بتوظيف الأدب لخدمة العقيدة والشريعة والقيم وتعاليم الإسلام ومقاصده، وتبين إيجابيته عند معالجة قضايا العصر والحياة، التي ينفعل بها الأديب انفعالًا مستمرًا، فلا يصدر عنه إلا نتاج أدبي متفق مع أخلاق الإسلام وتصوراته ونظرته الشاملة للكون والحياة والإنسان، في إطار من الوضوح الذي يبلور حقيقة علاقة الإنسان بالأديان، وعلاقته بسائر المخلوقات فرادى وجماعات، وبشكل لا يتصادم مع حقائق الإسلام، ولا يخالفها في أي جزئية من جزئياتها ودقائقها.
معيار الإسلامية:
- ينطوي التعريف المتقدم، على مجموعة معايير متكاملة، يؤدي توافرها إلى صيرورة العمل الأدبي متسمًا بالإسلامية، وبعض هذه المعايير موضوعي يتعلق بجوهر العمل وبعضها عضوي أو شكلي يتعلق بإطار التعبير عن العمل، بحيث يتفاعل كل منهما مع الغاية من العمل الأدبي الممثل
1- الالتزام:
ويعني وجوب تقيد الأديب بإشاعة الرؤية العقدية في تيار العمل الأدبي المتدفق خدمة للعقيدة والشريعة والقيم الإسلامية والأخلاق وكليات الإسلام ومقاصده، وأهدافه العامة وبشرط ألا يخالف الإحساس الفطري بحقائق الإسلام.
2- المصداقية:
وتعني قدرة الأديب على إعطاء المتلقي إحساسًا صادقًا في كافة أعماله الأدبية بأنها قد صدرت عن تصور إسلامي، ودعوة إلى مكارم الأخلاق، وإشاعة الخير والمعروف، ونأي عن كل ما هو منكر وغير مألوف في الوجدان الإسلامي، فإذا كانت بعض أعمال الأديب فقط هي التي تتسم بالمصداقية الإسلامية، فإن ذلك لا يكفي لرفعه إلى مصاف أنصار الإسلامية.
3- الوضوح:
الإسلامية جوهر ومظهر، أو مضمون وشكل، لذا يجب أن يكون مضمون العمل وشكله معًا من الوضوح، في الدلالة على الإسلامية، بحيث يتسنى لأي متلقٍ، أن يصنف الأديب، بسهولة، ضمن أنصار الإسلامية، بمجرد إطلاعه على مجمل أعماله.
4- الإيجابية:
وتعني أنه لا يكفي في الأديب المنتمي إلى الإسلامية، أن يلتزم بالتصور العقدي الإسلامي، ولا يخالفه، بل يجب عليه فضلًا عن ذلك، أن يكون إيجابيًا في توجهه، فيقف مع الإسلام، ويدافع عنه، ويتصدى لمناهضيه، فكرًا وقولًا وعملًا وسلوكًا، فالإسلامية تستلزم اتخاذ الأديب موقفًا لا تدع ظروف الحال شكًا في دلالته على دفاع صاحبه عن عقيدته في كل الظروف والأحوال.
5- القدرة:
وتعني قدرة الأديب على إفراغ العمل الأدبي في الإطار الشكلي الذي يخدم الموضوع، ويناسب المضمون، ويشد القارىء ويقنع المتلقي بوجه عام.
6- الاستمرارية:
وتعني وجوب قيام الأديب المنتمي للإسلامية بتعميق انتمائه باستمرار، فإن أصبح غير قادر على العطاء الإسلامي، فيجب ألا يصدر عنه ما يعارض صراحة أو ضمنًا أعماله السابقة التي تتسم بالإسلامية، وقد يكون للاستمرارية معنى أخص، بالنسبة لمن كانوا غير ملتزمين من قبل ثم انتموا للإسلامية، إذ تعني الاستمرارية عدم عودتهم إلى مثل ما كانوا عليه قبل التزامهم، وقد نلمح هذا عند كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من الشعراء المخضرمين.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
كعب بن زهير رضي الله عنه:
من الممكن توسيع دائرة الإسلامية في الأدب لتبدأ بكعب بن زهير، ذلك أن الإسلامية إطار عام، لا يمكن نسبته إلى شخص بعينه أو زمن بعينه في العالم الإسلامي، وعندما جاهد بعض علماء الإسلام في سبيل تكوين مدرسة للأدب الإسلامي فإنهم في الحقيقة، كانوا يريدون التعبير عن مضمون أعمق من مجرد الإطار الشخصي هو النزعة الإسلامية في الأدب أو في كلمة واحدة "الإسلامية Islamism" وهي نزعة يمكن أن نلمحها من لحظة إلقاء رسول الله r بردته على كعب بن زهير عندما أنشده قصيدته اللامية في مدحه r، فسر بالتزامه ومصداقيته، وصحح له الشطرة التي تقول: "مهند من سيوف الهند مسلول" إلى "مهند من سيوف الله مسلول" فهذا شعر ذو هدف نبيل وغاية شريفة في مجال الدعوة بلا غلوٍ ولا تجاوز، وهي نزعة حبذها الزمخشري في الكشاف بعبارات جلية.
حسان بن ثابت رضي الله عنه:
حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من الشعراء المخضرمين الذين حضروا الجاهلية والإسلام، وقد أسلم مع السابقين من الخزرجيين، ومنذ شرح الله صدره للإسلام وهو شاعر العقيدة الذي يسجل أحداث المسلمين، ويمجد غزوات الرسول، ويرد على شعراء المشركين بجزالة، قال النثر والنظر في بيان عظمة الإسلام والدعوة إلى التأدب بآدابه والعمل بأحكامه، وقد سفه قريشًا في أشعاره، ونوّه بالقرآن الكريم كمصدر أول للتشريع الإسلامي وأساسًا لشريعة الحق ونبي الهدى، وبين بجلاء دور الأدب في بيان حقائق الإسلام، وقال أفضل أشعاره يوم قريظة وفي غزوة الأحزاب وفي رثائه لنبينا محمد r بين أن قيمة الإسلام تكمن في التوحيد.
عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
كان أحد شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين نافحوا عن الرسالة، ورغم أنه استشهد في السنة الثامنة من الهجرة، وأن ما وصل إلينا من شعره كان قليلًا، إلا أن ما كتبه كان يجسد أهم قيم الإسلام كالشجاعة النابعة من أعماقه، والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والحرص على التمسك بالدين والدفاع عنه، وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولذا فقد كان عبد الله بن رواحة - بحق – رائد شعر الجهاد الإسلامي، تشهد على ذلك أشعاره. يقول الدكتور محمد بن سعد الشويعر: "من اللفتات النبوية الكريمة استمد عبد الله بن رواحة التوجه إلى الطريق الأمثل، الذي يجب أن يسلكه الشعر الإسلامي، والإطار الذي يحسن أن يبرز فيه: صدق في التعبير، وسلامة في المقصد، وعدم الفحش في ذكر المثالب، أو النيل من الأعراض، واعتدال في القول".
عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
ربما كان العقاد من أكثر الكتاب التزامًا بالإسلامية في الأدب، في مواجهة تيار التغريب الذي قاده طه حسين، ولذا فإن كلام العقاد له وزنه في هذا الصدد ومما قاله في عبقرية عمر:
كان عمر بن الخطاب أديبًا مؤرخًا فقيهًا (ص 344) عظيم الشغف بالشعر والأمثال والطرف الأدبية، وكان يروي الشعر ويتمثل به، ولم يزل عمر الخليفة هو عمر الأديب طوال حياته، لم ينكر من الشعر إلا ما ينكره المسؤول عن دين، أو القاضي المتحرز الأمين، ولذا فقد نهى عن التشبيب بالمحصنات، ونهى عن الهجاء، وأعجبته الأشعار التي تنطوي على معان سامية، دعى إليها الإسلام، وكان يرى أن للشعر غاية تعليمية تربوية فقد كتب إلى أبي موسى الأشعري قائلًا: مر من قبلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب.. وقال لابنه يا بني.. احفظ محاسن الشعر يحسن أدبك.. فإن من لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤد حقًا ولم يقترف أدبًا.
وفي معايير الإسلامية قال: "ارووا من الشعر أعفه ومن الحديث أحسنه.. فمحاسن الشعر تدل على مكارم الأخلاق وتنهي عن مساويها".
ومما يؤكد تصور الإسلامية في الأدب عنده رضي الله عنه، أنه عزل النعمان بن عدي عندما تجاوز في شعره غايات الإسلام ومقاصده، بالرغم من أنه كان أحد ولاته، ولم يقبل اعتذاره وتعلله بأنه مجرد شاعر ولم يصنع شيئًا مما رواه في إحدى قصائده المبنية على الغزل الفاحش، كما سجن الحطيئة عندما هجا الزبرقان بن بدر، فلم يكن لمثل عمر أن يفعل غير ذلك فالإسلامية التزام إجباري إن صح التعبير، وإذا كانت الإسلامية التزام فإنها تستلزم المسؤولية.
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
يعتبر عمر بن عبد العزيز من أبرز مؤسسي الإسلامية على الإطلاق لأنه لم يكتف بالحديث عن وجوب الالتزام والتقيد التام بالإسلام عند مباشرة المعالجة الأدبية، بل قدم أسلوبًا عمليًّا لذلك، في موقف كان يمكن أن يتقبل فيه الناتج الأدبي المنطوي على مدحه ولكنه قدم درسًا تطبيقيًا في الحيلولة دون تخطي الأدب غاية الإسلامية فقد منع الشعراء أن يمدحوه، فلما ألح عليه كثير بن عبد الرحمن في إنشاده، وضع معيار الحقيقة كأساس لقبول سماع الإبداع الشعري، فقد قال لكثير: نعم. ولا تقل إلا حقًا.
ومما يؤكد عدم تساهل عمر بن عبد العزيز في التزام الأدب بالأخلاق والأهداف السامية قصته المشهورة مع الشعراء عندما تولى الخلافة وقيل له إنهم بالباب يريدون المثول بين يديه. وعندما توسط أحد جلسائه للشعراء وأخبره أن الرسول r، قد سمع الشعر وأجاز الشعراء سأل من بالباب من الشعراء، وعندما أخبر بأسمائهم رفضهم واحدًا تلو الآخر مع تبيان أسباب الرفض باستشهاد من أشعارهم ولم يدخل إلا جريرًا حيث وجده أقل المجموعة فحشًا.
ابن قتيبة وآخرون:
فضل ابن قتيبة الشعر الذي ينطوي على فائدة في المعنى، سواء تعلق هذا المعنى بالقيم الدينية أو الخلقية أو الحكم. ومثله كذلك مهلهل بن يموت بن المزرع وابن وكيع التنيئسي والثعالبي وعمرو بن عبيد، ومسكوية وابن شرف القيرواني وابن حزم الذي نهى عن الغزل وغالى في وضع القيود على الأدب لتحقيق الإسلامية حسبما تصورها، رغم أنه خرج على ذلك أحيانًا كثيرة في طوق الحمامة. ولا شك أن الشعر مجرد فن من فنون الأدب ولكن ضوابطه الإسلامية ومعاييرها بشأنه تصلح لكل فروع الأدب.
علي أحمد باكثير:
يوصف بأنه من طلائع الإسلامية في الأدب في مجال الشعر والقصة والمسرحية، وكان لنشأته وبنائه الفكري واتساع أفقه وتنوع مصادره الثقافية أكبر الأثر في تكوين شخصيته وقلمه، ولذا كتب المسرحية الحديثة عن فهم ووعي وعن دراسة وتعمق في معرفة أصول الصنعة المسرحية.
ولقد كان الموجه الرئيسي لباكثير في فنه الأدبي هو عقيدته الإسلامية وقيمها وتصوراتها الصائبة للحياة. يقول د. نجيب الكيلاني عن مسرحيته حبل الغسيل إنها كانت صرخة شجاعة أدانت فساد المنهج وعفن الإدارة وانحراف المؤسسات الشعبية حينما استبد الشيوعيون بمقاليد الأمور في مصر في النصف الأول من عقد الستينات، حيث صنعوا من الشعارات واجهة للبلاد بينما هم يستغلونه وينفذون مخططًا موحى به إليهم من سادتهم خارج البلاد وفي ذلك إدانة للفكر الماركسي وتجربته المشينة بمصر.
مصطفى صادق الرافعي:
كانت الإسلامية في أدبه تيارًا متدفقًا، فقرظ محمود سامي البارودي شعره الملتزم، وأثنى عليه مصطفى لطفي المنفلوطي، وحيَّاه الشيخ محمد عبده قائلًا: "أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفًا يمحق الباطل" وقد كان. ففي كافة مؤلفاته وأشعاره ودراساته ونثره، جعل الإسلام غايته وخدمة عقيدة التوحيد مقصده وبغيته. وقد وقف أمام مؤامرات الإنجليز ضد الإسلام ومؤامرات الصهيونية في فلسطين ومؤامرات الذين أرادوا إحياء العامية والقضاء على اللغة العربية، وأبرز قضايا الإسلامية عند الرافعي هي قضية إعجاز القرآن الكريم، وقضية البلاغة النبوية وقضية المقالات الإسلامية.
أحمد شوقي:
كانت الإسلامية واضحة في بعض أشعار أحمد شوقي، ولم يكن يلتزم في هذه الأشعار بالمقاصد الإسلامية فقط، بل إنه خاض بعض معارك الدفاع عن المبادىء الإسلامية وقضاياه، فقد بيَّن أن الحرب في الإسلام لم تكن حرب عدوان وإنما كانت حرب جهاد ودفاع، وبيَّن أن الإسراء كان بالروح والجسد معًا، وربط بين المفاهيم الدينية وبين قضايا النضال واليقظة والتحرر ودافع عن الفضائل الإسلامية والحرية والنظام والشورى، ويمكن القول كذلك أن حافظ إبراهيم رغم ثقافته الأزهرية المتواضعة وأحمد محرم شاعر العروبة والإسلام كانا يستظلان كذلك بظل الإسلامية في أدائهما الملتزم.
محمد إقبال:
وفكرة الإسلامية عند الشاعر محمد إقبال 1873م تستلزم توافر ثلاث مراحل: الأولى: الوقوف على المقاصد الشرعية التي بيَّنها الدين الإسلامي فهي حقائق أبدية لا تتغير، والثانية الجهاد الديني في سبيل تحقيقها كل في مجاله، وعلى الأديب أن يعتصم في سبيل ذلك بالصبر وهذا يستلزم الانقياد التام لأمر الله تعالى عن عقيدة ثابتة وإيمان راسخ، ومحاربة نوازع النفس. وثالثها: انطلاق الذوات الإسلامية كلها لتحقيق أهداف الأمة الإسلامية.
الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي:
في 2 ربيع الأول 1405هـ (24/11/1984م) أعلن الشيخ الأديب والمفكر الداعية أبو الحسن علي الحسني الندوي في لقاء ضم الكثير من مفكري وأدباء العالم الإسلامي عن ولادة رابطة الأدب الإسلامي، التي أعطت الأدب الإسلامي كيانًا متميزًا عن بقية المذاهب الأدبية الأخرى، على أنه يجب ملاحظة أن مفهوم الإسلامية سبق الإعلان عن الرابطة بسنين طويلة، فإنا نجد الدعوة للأدب الإسلامي في كتابات الداعية والأديب سيد قطب حينما كان يشرف على باب الأدب في الجريدة التي كان يرأس تحريرها في مصر عام 1952م. ونجدها أيضًا في كتابات أخيه محمد قطب عام 1961م وخاصة في كتابه منهج الفن الإسلامي، ونجدها أيضًا عند الدكتور نجيب الكيلاني سنة 1963م في كتابه: الإسلامية والمذاهب الأدبية، ونجدها أيضًا عند الدكتور عماد الدين خليل عام 1392هـ (1972م) في كتابه: النقد الإسلامي المعاصر وكتابه: محاولات جديدة في النقد الإسلامي الذي أصدره عام 1401هـ (1982م) وفي كتابه: فن الأدب الإسلامي المعاصر دراسة وتطبيق وفي كتاباته الأدبية التي سبقت نشر هذا الكتاب ومنذ عام 1961م في مجلة: حاضرة الإسلام الدمشقية.
ولذا فإن الشيخ أبا الحسن علي الحسني الندوي رئيس جامعة ندوة العلماء في الهند ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية يعتبر أحدث دعاة الإسلامية والمؤسسين لها، وإنه وإن كانت الرابطة لم تتشح باسم الإسلامية متخذة اسم الأدب الإسلامي، إلا أن الأمر مجرد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاحات.
الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا:
- رحمه الله – نائب رئيس الرابطة للبلاد العربية، وكان أستاذًا للأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويعتبر من أوائل من نظر للإسلامية ودافع عن الأدب الإسلامي.
الدكتور عبد القدوس أبو صالح:
أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ونائب رئيس الرابطة ورئيس مكتب البلاد العربية.
الشيخ محمد الرابع الندوي:
نائب رئيس الرابطة ورئيس مكتب الهند.
الأستاذ محمد حسن بريغش:
أمين سر الرابطة للبلاد العربية وعضو مجلس الإفتاء في الرابطة.
الدكتور عدنان رضا النحوي:
الشاعر والأديب السعودي وعضو مجلس أمناء رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
الأستاذ محمد قطب:
المفكر والداعية المعروف، والأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز وعضو الشرف في الرابطة، فقد تابع جهود شقيقه سيد قطب – رحمه الله – في الإسلامية في الأدب.
الدكتور عبد الباسط بدر:
الأستاذ في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأمين سر مجلس أمناء الرابطة.
الدكتور حسن الأمراني:
(مغربي): عضو رابطة الأدب الإسلامي ورئيس تحرير مجلة المشكاة التي تعني بالأدب الإسلامي.
الدكتور محمد مصطفى هدارة:
(مصري) عضو الرابطة والأستاذ في جامعة الإسكندرية.. وهو أول من أظهر حقيقة مذهب الحداثة الفكري والأدبي وأهدافه الهدامة.
الدكتور عبد الرحمن العشماوي:
وهو يعتبر أبرز الأصوات الشابة الملتزمة بالإسلام والمدافعة عن القضايا الإسلامية والتصور الإيماني.
الأفكار والمعتقدات:
جعل التصور الإسلامي الصحيح للإنسان والكون والحياة، أهم أركان العمل الأدبي أيًّا كان نوعه.
الالتزام بالتصور الإسلامي، لا يعني التوجيه القسري على غرار ما يفرضه أصحاب التفسير المادي للتاريخ وإنما هو أخذ النفس البشرية بالتصور الإسلامي للحياة في سائر فنون الأدب، وبذا تتميز الإسلامية عن فكرة الالتزام عند كل من الواقعية والاشتراكية والوجودية، فالالتزام عند الأولى هو الالتزام بقضايا الجماهير حسب المفهوم الماركسي المنهار، والالتزام عند الثانية – في النثر فقط دون الشعر – بقضايا الحرية حسب المفهوم الوجودي فحسب.
التعبير المؤثر، له أهمية في مجال الأدب ولا يستغني عنه بحجة سلامة المضمون، وبذلك يتميز الأدب عن الكلام العادي، فذلك مما يحقق غاية الإسلامية.
وغاية الإسلامية هي وجود أدب هادف، فالأديب المسلم لا يجعل الأدب غاية لذاته كما يدعو أصحاب مذهب: (الفن للفن) وإنما يجعله وسيلة إلى غاية، وهذه الغاية تتمثل في ترسيخ الإيمان بالله عز وجل، وتأصيل القيم الفاضلة في النفوس.
حرية التفكير والتعبير من متطلبات الإبداع والصدق الأدبي وهي وسيلة لإثراء الأدب كمًا وكيفًا.
وقد وضع الإسلام حدودًا للحرية في كل مجالاتها، ومنها مجال الأدب إذ إنه لا يعترف بحرية القول التي منحت للأدباء وغيرهم إذ رأى فيها خطرًا يهدد سلامة المجتمع وأمنه العقدي أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
الأدب طريق مهم من طرق بناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح وأداة من أدوات الدعوة إلى الله والدفاع عن الشخصية الإسلامية.
الإسلامية حقيقة قائمة قديمًا وحديثًا وهي تبدأ من القرآن الكريم والحديث النبوي، ومعركة شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش، وتمتد إلى عصرنا الحاضر لتسهم في الدعوة إلى الله ومحاربة أعداء الإسلام والمنحرفين عنه.
الإسلامية هي أدب الشعوب الإسلامية على اختلاف أجناسها ولغاتها، وخصائصها هي الخصائص الفنية المشتركة بين آداب الشعوب الإسلامية كلها.
ترفض الإسلامية أي محاولة لقطع الصلة بين الأدب القديم والأدب الحديث بدعوى التطور أو الحداثة أو المعاصرة وترى أن الأدب الحديث مرتبط بجذوره القديمة.
ترفض الإسلامية المذاهب الأدبية التي تخالف التصور الإسلامي والأدب العربي المزور، والنقد الأدبي المبني على المجاملة المشبوهة أو الحقد الشخصي، كما ترفض اللغة التي يشوبها الغموض وتكثر فيها المصطلحات الدخيلة والرموز المشبوهة وتدعو إلى نقد واضح بناء.
تستفيد الإسلامية من الأجناس الأدبية جميعها شعرًا ونثرًا ولا ترفض أي شكل من أشكال التعبير، وتعني بالمضمون الذي يحدد طبيعة الشكل الملائم للأداء.
والإسلامية في الأدب تأبى الانحراف عن القيود الواردة في تعريف الإسلامية، فهي كما يقول أحد الباحثين تأبى مثلًا "تأليه الإنسان (كلاسيكيًا)، وإغراقه الذاتي الأناني (رومنسيًا)، وتمجيد لحظات الضعف البشري (واقعيًّا، وتصوير الانحراف الفكري أو النفسي أو الأخلاقي (وجوديًّا) " فليس ثمة عبث وليس ثمة حرية أخلاقية مطلقة من كل قيد كما يرى (سارتر) وليس ثمة تناقضات نفسية لا نهاية لها تنتهي دائمًا بالضياع كما يرى (ديستوفيسكي).
والإسلامية إطار واقعي للعمل الأدبي، فهي ليست مجالًا لتحقيق الخيال الجامح أو التعبير عن شطحات منبتة الصلة بالواقع، وواقع الإسلامية أنها فكرة غائية عقدية، وغايتها ليست تحقيق مصلحة ذاتية أو شخصية كإطار للبراجماتية وإنما تحقيق مصلحة العقيدة وكل من يتمسك بهذه العقيدة، فالإسلامية إطار للحقيقة لا الزيف والاستقامة لا الانحراف، ذلك أنها تدور مع وجود المسلم، وللوجود الإنساني غاية إسلامية كبرى هي الكدح والعمل والعبادة {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] وهذه الواقعية توجد في القرآن الكريم ذاته، فأحد معجزاته أنه قدم أمثلة عليا للأداء الفني المتجانس في القصة وغيرها وما قصة يوسف عليه السلام عنا ببعيد.
والإسلامية ليست قيدًا على الإبداع وإنما هي إطار موضوعي وشكلي لتحصين العمل الأدبي من الإسفاف الذي قد يقضي على الأديب، أما التحرر المطلق من كل القيم الذي ينهي وجود الأديب، أو الخروج عن منطق الأدب ذاته، فهذا أمر يفرغ العمل الأدبي من مضمونه، فمنطق الإسلامية، ينبثق من حضارة إسلامية، تتيح للأديب فرصة التعبير عن كل ما يجول بخاطره، فيطرح المضمون الذي يريد في الشكل الذي يريد طالما كان في إطار التصور الإسلامي.
وترتيبًا على ما تقدم فإن الإسلامية تختلف عن سائر المضمونات الدينية البعيدة عن العقيدة الإسلامية سواء كانت دينية سماوية أو دينية وضعية، ولذا فإن الانفتاح على الأعمال الأدبية يجب أن يتم من خلال وجدان إسلامي راق وحسّ إنساني مرهف، للتخفيف من هموم الإنسان ومعاناته لا دفعه في أتون الصراع اللانهائي بين العبث واللامعقول، والعدمية والوجودية، وغيرها من المذاهب التي لا تروي الظمأ الديني لدى المتلقي ولا تسمو بأحاسيسه ومشاعره، بل تلغي له الزمن في العمل الأدبي، وتفكك له الأحداث، وتلغي له الشخصيات، وتمس جوهر العمل، فمسخ العمل أو تشويهه ليس من طبيعة الإسلامية.
بل إن هذا العمل لا يمكن أن يرتطم بطبائع الأمور ولا النظرة الإسلامية للكون والحياة والوجود، ومن أجل هذا فإنه وإن كان لا يجوز دمج الإسلامية في غيرها من المذاهب إلا أن الإسلامية لا تأبى التعايش مع أي نتاج أدبي عالمي، طالما لم تهدم الحواجز بين الأمرين، فخصوصية الإسلامية أنها وليدة الزمن والمكان، وأنها نسيج لقاء العقيدة بالإنسان، ولذا فإنها عالمية الأثر، كونية الرؤية، شمولية النزعة، توفق بين المنظور الواقعي والغيب اللامرئي، وتوائم بين المادي والروحي، وتجانس بين الثابت والمتغير، ولا يوجد فيها أي تنافٍ لوجود المحدود مع المطلق، ومعالجة الجزئي مع الكلي، طالما أن الهدف الأساسي للإسلامية هو صنع عالم سعيد لبني البشر، يعينهم على تجاوز متاعبهم، ويزيل المتاريس التي تقف أمام انطلاق عقيدتهم. ومن أمثلة هذه المتاريس النتاج الأدبي المتأثر بالنصرانية والذي نجده عند لويس شيخو، وسلامة موسى، وغالي شكري، ولويس عوض، وإيليا حاوي، وخليل حاوي، وسعيد عقل، وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم، وقد تأثر بهم بدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور وغيرهم.
- والإسلامية كبنيان أدبي عقدي، تجد في الإسلام مجالًا رحبًا، يقدم الأدباء من خلاله فكرهم البناء، وسلوكهم الهادف، وتصورهم الصائب، وقضايا الإنسان التي تحتاج إلى معالجة. والإسلامية تجعل كل هذه الأمور ذات بنيان متجانس السمات، غير متنافر الأهداف والغايات، ولا ح
أماكن الانتشار:
أصبح للإسلامية أنصار في جميع أنحاء العالم.. ولها مكتبات في الهند وفي البلاد العربية وعقدت رابطة الأدب الإسلامية العالمية عدة مؤتمرات في الهند وتركيا ومصر، واشترك فيها عدد كبير من أدباء العالم الإسلامي.
ويتضح مما سبق:
أن الإسلامية ذات مدلول شامل في الزمان والمكان، فهي قديمة قدم الدعوة الإسلامية، وممتدة مع الإسلام عبر الأزمان. وهي لا تختص باللسان العربي المسلم دون سواه، بل تتعلق بكل مسلم أيًا كان مكان ولادته أو نشأته. والإسلامية ليست حبيسة صفحات الكتاب المتفرغين للأدب والمعنيين به، وإنما توجد في ثنايا كتابة تعرض لأي مسألة، حتى وإن كانت من مسائل العلم في شتى فروعه. ومن هذا المنطلق فإن المدرسة الأدبية الإسلامية الهندية أو الباكستانية أو الأندونيسية أو التشادية أو السنغالية أو غيرها تعتبر تجسيدًا للإسلامية في الأدب، كما تعتبر الكتابات العلمية ذات الأسس الجمالية والبنيانات الفنية من هذا القبيل أيضًا، فآداب الشعوب الإسلامية غير العربية هي رافد من روافد الإسلامية مادام أنها في إطار التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة ولا تعرض ما يرفض الإسلام أو يتعارض مع منهجه الفكري.
(page)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
24-معجم البلدان (أردمشت)
أَرْدُمُشْت:بضم الدال المهملة والميم، وسكون الشين المعجمة، وتاء فوقها نقطتان: اسم قلعة حصينة قرب جزيرة ابن عمر، في شرقي دجلة الموصل، على جبل الجوديّ. وهو الآن لصاحب الموصل، وتحتها دير الزعفران، وهي قلعة أيضا، وكان أهل أردمشت قد عصوا على المعتضد بالله وتحصنوا بها، حتى قصدها بنفسه ونزل عليها، فسلمها أهلها إليه فخرّبها، وعاد راجعا. وهي التي تعرف الآن بكواشي، وليس لها كبير رستاق، إنما لها ثلاث ضياع، فيقال: إن المعتضد لما افتتحها بعد أن أعيت أصحابه، وشاهد قلة دخلها، أمر بخرابها، وأنشد فيها:
«إنّ أبا الوبر لصعب المقتنص *** وهو إذا حصّل ريح في قفص»
ثم أعاد بناءها بعد أن خربها المعتضد ناصر الدولة أبو تغلب أحمد بن حمدان، وهي في عصرنا عامرة في مملكة صاحب الموصل، وهو بدر الدين لولو، مملوك نور الدين (أرسلان شاه) بن مسعود عز الدين بن قطب الدين بن زنكي.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
25-معجم البلدان (أرفاد)
أَرْفَادُ:بالفتح ثم السكون، وفاء، وألف، ودال مهملة، كأنه جمع رفد: قرية كبيرة من نواحي حلب ثم من نواحي عزاز، ينسب إليها قوم، منهم في عصرنا أبو الحسن عليّ بن الحسن الأرفادي أحد فقهاء الشيعة، في زعمه، مقيم بمصر.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
26-معجم البلدان (براثا)
بَرَاثا:بالثاء المثلثة، والقصر: محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكان لها جامع مفرد تصلي فيه الشيعة وقد خرب عن آخره، وكذلك المحلّة لم يبق لها أثر، فأما الجامع فأدركت أنا بقايا من حيطانه وقد خربت في عصرنا واستعملت في الأبنية، وفي سنة 329 فرغ من جامع براثا وأقيمت فيه الخطبة، وكان قبل مسجدا يجتمع فيه قوم من الشيعة يسبون الصحابة فكبسه الراضي
بالله وأخذ من وجده فيه وحبسهم وهدمه حتى سوّى به الأرض، وأنهى الشيعة خبره إلى بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد فأمر بإعادة بنائه وتوسيعه وإحكامه، وكتب في صدره اسم الراضي، ولم تزل الصلاة تقام فيه إلى بعد الخمسين وأربعمائة ثم تعطلت إلى الآن.
وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية يزعمون أن عليّا مرّ بها لما خرج لقتال الحرورية بالنهروان وصلى في موضع من الجامع المذكور، وذكر أنه دخل حماما كان في هذه القرية، وقيل: بل الحمام التي دخلها كانت بالعتيقة محلة ببغداد خربت أيضا، وينسب إلى براثا هذه أبو شعيب البراثي العابد، كان أول من سكن براثا في كوخ يتعبد فيه، فمرت بكوخه جارية من أبناء الكتّاب الكبار وأبناء الدنيا كانت ربّيت في القصور فنظرت إلى أبي شعيب فاستحسنت حاله وما كان عليه فصارت كالأسير له، فجاءت إلى أبي شعيب وقالت: أريد أن أكون لك خادمة، فقال لها: إن أردت ذلك فتعرّي من هيئتك وتجرّدي عما أنت فيه حتى تصلحي لما أردت، فتجردت عن كل ما تملكه ولبست لبسة النّسّاك وحضرته فتزوجها، فلما دخلت الكوخ رأت قطعة خصاف كانت في مجلس أبي شعيب تقيه من النّدى، فقالت: ما أنا بمقيمة عندك حتى تخرج ما تحتك، لأني سمعتك تقول: إن الأرض تقول يا ابن آدم تجعل بيني وبينك حجابا وأنت غدا في بطني، فرماها أبو شعيب، ومكثت عنده سنين يتعبدان أحسن عبادة، وتوفيا على ذلك، وأبو عبد الله بن أبي جعفر البراثي الزاهد أستاذ أبي جعفر الكريني الصوفي، وله خبر مع زوجته يشبه الذي قبله، وهو ما قال حليم بن جعفر:
كنا نأتي أبا عبد الله بن أبي جعفر الزاهد، وكان يسكن براثا، وكان له امرأة متعبدة يقال لها جوهرة، وكان أبو عبد الله يجلس على جلّة خوص بحرانية وجوهرة جالسة حذاءه على جلة أخرى مستقبلي القبلة في بيت واحد، قال: فأتيناه يوما وهو جالس على الأرض وليست الجلة تحته، فقلنا: يا أبا عبد الله ما فعلت الجلّة التي كنت تجلس عليها؟ فقال: إن جوهرة أيقظتني البارحة فقالت: أليس يقال في الحديث إن الأرض تقول يا ابن آدم تجعل بيني وبينك سترا وأنت غدا في بطني؟ قال قلت: نعم، قالت: فأخرج هذه الجلال لا حاجة لنا فيها، فقمت والله وأخرجتها.
قلت: وقد ذكر الرجلين والقصتين الحافظ أبو بكر في تاريخه، ومحمد بن خالد بن يزيد بن غزوان أبو عبد الله البراثي والد أبي العباس، كان من أهل الدين والفضل والجلالة والنبل ذا حال من الدنيا حسنة معروفا بالبر واصطناع الخير، وكان صديقا لبشر ابن الحارث الحافي يأنس إليه في أموره ويقبل صلته، قال أبو محمد الزهري: سمعت إبراهيم الحربي يقول: والك يقع على أحد شيء من السماء، ولكن كان لبشر صديق أشار إلى أنه كان يقبل منه الصّلة ونحوها، روى الحديث عن هاشم بن بشير، روى عنه ابنه أبو العباس، وابنه أحمد بن محمد بن خالد أبو العباس البراثي، سمع عليّ بن الجعد وعبد الله بن عون الخرّاز وكامل بن طلحة ويحيى الحمّاني وأحمد بن إبراهيم الموصلي وشريح بن يونس والحسن بن حماد سجّادة وأبا محمد بن خالد وإسمعيل بن عليّ الخطبي ومحمد بن عمر الجعابي وأحمد بن جعفر بن مسلم، وهو ثقة مأمون، قاله الدارقطني، وقال ابن قانع:
مات في سنة 300 وقيل سنة 302، وجعفر بن محمد ابن عبد بقية أبو عبد الله المعروف بالبراثي، مروزي الأصل، حدث عن أبي عمر حفص الرّبالي ومحمد ابن الوليد البسري وإسمعيل بن أبي الحارث وزيد
ابن إسمعيل الصائغ وإبراهيم بن صالح الأدمي وإبراهيم ابن هانئ النيسابوري، روى عنه أبو حفص بن شاهين والمعافى بن زكرياء الجريري وأحمد بن منصور النّوشري وعبد الله بن عثمان الصّفّار، وكان ثقة، مات في سلخ جمادى الآخرة سنة 325، قاله ابن قانع. وبراثا أيضا قال أبو بكر الحافظ: قرية من سواد نهر الملك، منها أحمد بن المبارك بن أحمد أبو بكر البراثي، براثا نهر الملك يعرف بأبي الرّجال، سمع بالبصرة من عليّ بن محمد بن موسى التمّار البصري، سمع منه أبو بكر الخطيب وقال: كتبت عنه في قريته وكان صالحا من أهل القرآن كثير التعبّد، ومات سنة 430.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
27-معجم البلدان (في ذم بغداد)
في ذمّ بغدادقد ذكره جماعة من أهل الورع والصلاح والزهّاد والعبّاد، ووردت فيها أحاديث خبيثة، وعلّتهم في الكراهية ما عاينوه بها من الفجور والظلم والعسف، وكان الناس وقت كراهيتهم للمقام ببغداد غير ناس زماننا، فأما أهل عصرنا فأجلس خيارهم في الحشّ وأعطهم فلسا فما يبالون بعد تحصيل الحطام أين كان المقام، وقد ذكر الحافظ أبو بكر أحمد بن عليّ من ذلك قدرا كافيا، وكان بعض الصالحين إذا ذكرت عنده بغداد يتمثل:
«قل لمن أظهر التنسّك في النا *** س وأمسى يعدّ في الزّهّاد: »
«الزم الثغر والتواضع فيه، *** ليس بغداد منزل العبّاد»
«إن بغداد للملوك محلّ، *** ومناخ للقارئ الصياد»
ومن شائع الشعر في ذلك:
«بغداد أرض لأهل المال طيّبة، *** وللمفاليس دار الضّنك والضيق»
«أصبحت فيها مضاعا بين أظهرهم، *** كأنني مصحف في بيت زنديق»
ويروى للطاهر بن الحسين قال:
«زعم الناس أن ليلك يا بغ *** داد ليل يطيب فيه النسيم»
«ولعمري ما ذاك إلّا لأن خا *** لفها، بالنهار، منك السّموم»
«وقليل الرّخاء يتّبع الش *** دة، عند الأنام، خطب عظيم»
وكتب عبد الله بن المعتز إلى صديق له يمدح سرّ من رأى ويصف خرابها ويذم بغداد: كتبت من بلدة قد أنهض الله سكانها وأقعد حيطانها، فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر، فكأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر، وقد تمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حقّ جوار، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا، على أنها وإن جفيت معشوقة السّكنى، وحبيبة المثوى،
كوكبها يقظان، وجوّها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمها معطّر، وترابها أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنيء، وشرابها مريء، لا كبلدتكم الوسخة السماء، الومدة الماء والهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز
«كيف نومي وقد حللت ببغ *** داد، مقيما في أرضها، لا أريم»
«ببلاد فيها الركايا، علي *** هن أكاليل من بعوض تحوم»
«جوها في الشتاء والصيف دخّا *** ن كثيف، وماؤها محموم»
«ويح دار الملك التي تنفح المس *** ك، إذا ما جرى عليه النسيم»
«كيف قد أقفرت وحاربها الدّه *** ر، وعين الحياة فيها البوم»
«نحن كنا سكانها، فانقضى ذا *** لك عنا، وأي شيء يدوم»
وقال أيضا:
«أطال الهمّ في بغداد ليلي، *** وقد يشقى المسافر أو يفوز»
«ظللت بها، على رغمي، مقيما *** كعنّين تعانقه عجوز»
وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:
«ودّ أهل الزوراء زور، فلا *** تغترر بالوداد من ساكنيها»
«هي دار السلام حسب، فلا يط *** مع منها، إلّا بما قيل فيها»
وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سيّء الرأي فيها، فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عمارة بن عقيل:
«ما أنت يا بغداد إلّا سلح، *** إذا اعتراك مطر أو نفح، »
وإن جففت فتراب برح
وكما قال آخر:
«هل الله من بغداد، يا صاح، مخرجي، *** فأصبح لا تبدو لعيني قصورها»
«وميدانها المذري علينا ترابها *** إذا شحجت أبغالها وحميرها»
وقال آخر:
«أذمّ بغداد والمقام بها، *** من بعد ما خبرة وتجريب»
«ما عند سكّانها لمختبط *** خير، ولا فرجة لمكروب»
«يحتاج باغي المقام بينهم *** إلى ثلاث من بعد تثريب: »
«كنوز قارون أن تكون له، *** وعمر نوح وصبر أيوب»
«قوم مواعيدهم مزخرفة *** بزخرف القول والأكاذيب»
«خلّوا سبيل العلى لغيرهم، *** ونافسوا في الفسوق والحوب»
وقال بعض الأعراب:
«لقد طال في بغداد ليلي، ومن يبت *** ببغداد يصبح ليله غير راقد»
«بلاد، إذا ولّى النهار، تنافرت *** براغيثها من بين مثنى وواحد»
«ديازجة شهب البطون، كأنها *** بغال بريد أرسلت في مذاود»
وقرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن جخجخ قال أبو العالية:
«ترحّل فما بغداد دار إقامة، *** ولا عند من يرجى ببغداد طائل»
«محلّ ملوك سمتهم في أديمهم، *** فكلهم من حلية المجد عاطل»
«سوى معشر جلّوا، وجلّ قليلهم *** يضاف إلى بذل النّدى، وهو باخل»
«ولا غروان شلّت يد الجود والندى *** وقلّ سماح من رجال ونائل»
«إذا غطمط البحر الغطامط ماؤه *** فليس عجيبا أن تفيض الجداول»
وقال آخر:
«كفى حزنا، والحمد لله أنّني *** ببغداد قد أعيت عليّ مذاهبي»
«أصاحب قوما لا ألذّ صحابهم، *** وآلف قوما لست فيهم براغب»
«ولم أثو في بغداد حبّا لأهلها، *** ولا أنّ فيها مستفادا لطالب»
«سأرحل عنها قاليا لسراتها، *** وأتركها ترك الملول المجانب»
«فإن ألجأتني الحادثات إليهم *** فأير حمار في حرامّ النوائب»
وقال بعضهم يمدح بغداد ويذمّ أهلها:
«سقيا لبغداد ورعيا لها، *** ولا سقى صوب الحيا أهلها»
«يا عجبا من سفل مثلهم، *** كيف أبيحوا جنّة مثلها»
وقال آخر:
«اخلع ببغداد العذارا، *** ودع التنسّك والوقارا»
«فلقد بليت بعصبة *** ما إن يرون العار عارا»
«لا مسلمين ولا يهو *** د ولا مجوس ولا نصارى»
وقدم بعض الهجريّين بغداد فاستوبأها وقال:
«أرى الريف يدنو كل يوم وليلة، *** وأزداد من نجد وساكنه بعدا»
«ألا إن بغدادا بلاد بغيضة *** إليّ، وإن أمست معيشتها رغدا»
«بلاد ترى الأرواح فيها مريضة، *** وتزداد نتنا حين تمطر أو تندى»
وقال أعرابيّ مثل ذلك:
«ألا يا غراب البين ما لك ثاويا *** ببغداد لا تمضي، وأنت صحيح؟»
«ألا إنما بغداد دار بليّة، *** هل الله من سجن البلاد مريح؟»
وقال أبو يعلى بن الهبّارية أنشدني جدّي أبو الفضل محمد بن محمد لنفسه:
«إذا سقى الله أرضا صوب غادية، *** فلا سقى الله غيثا أرض بغداد»
«أرض بها الحرّ معدوم، كأنّ لها *** قد قيل في مثل: لا حرّ بالوادي»
«بل كلّ ما شئت من علق وزانية *** ومستحدّ وصفعان وقوّاد»
وقال أيضا أبو يعلى بن الهبارية: أنشدني معدان التغلبي لنفسه:
«بغداد دار، طيبها آخذ *** نسيمه مني بأنفاسي»
«تصلح للموسر لا لامرئ *** يبيت في فقر وإفلاس»
«لو حلّها قارون ربّ الغنى، *** أصبح ذا همّ ووسواس»
«هي التي توعد، لكنها *** عاجلة للطاعم الكاسي»
«حور وولدان ومن كلّ ما *** تطلبه فيها، سوى الناس»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
28-معجم البلدان (جبة)
جُبّةُ:بالضم ثم التشديد، بلفظ الجبّة التي تلبس، والجبّة في اللغة ما دخل فيه الريح من السنان والجبّة أيضا في شعر كثيّر:
«بأجمل منها، وإن أدبرت *** فأرخ بجبّة يقرو حميلا»
الأرخ: الثنيّ من البقر، وفي شعر آخر لكثيّر يدل على أنه بالشام قال:
«وإنك، عمري، هل ترى ضوء بارق *** عريض السّنا ذي هيدب متزحزح»
«قعدت له ذات العشاء أشيمه *** بمرّ، وأصحابي بجبّة أذرح»
وأذرح بالشام كما ذكرناه في موضعه. وجبّة أيضا، وتعرف بجبة عسيل: ناحية بين دمشق وبعلبك تشتمل على عدّة قرى. وجبّة: من قرى النهروان من أعمال بغداد، وقال الحازمي: موضع بالعراق منها أبو الحسين أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل الجبّي المقري، روى حروف القراءات عن محمد بن أحمد بن رجاء عن أحمد بن زيد الحلواني عن عيسى ابن قالون وعن الخضر بن هيثم بن جابر المقري الطوسي عن محمد بن يحيى القطعي عن زيد بن عبد الواحد عن إسماعيل بن جعفر عن نافع وغيرهما، حدث عنه أبو عليّ الحسن بن علي بن إبراهيم بن بندار المقري الأهوازي نزيل دمشق. وجبّة أيضا: قرية من نواحي طريق خراسان منها أبو السعادات محمد بن المبارك بن محمد بن الحسين السّلمي الجبّي، دخل بغداد وأقام بها وطلب العلم وسمع الكثير من الشيوخ مثل أبي الفتح عبيد الله بن شابيل أبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزّاز، ولازم أبا بكر الحازمي، وقرأ وكتب مصنّفاته ولازمه حتى مات، وكان حسن الطريقة، ومات سنة 585 بجبّة، ودفن بها ولم يبلغ أوان الرواية والجبّة في قول الشاعر:
«والله لو طفّلت، يا ابن استها، *** تسعين عاما لم تكن من أسد»
«فارحل إلى الجبّة عن عصرنا، *** واطلب أبا في غير هذا البلد»
قال الجهشياري: يعني بالجبّة الجبّة والبداة طسّوجين من سواد الكوفة. والجبّة أيضا، أو الجبّ:
موضع بمصر ينسب إليه أبو بكر محمد بن موسى
ابن عبد العزيز الكندي الصّيرفي يعرف بابن الجبّي ويلقّب سيبويه، وكان فصيحا، قال الأمير أبو نصر:
ويكنى أبا عمران، وولد سنة 284، ومات في صفر سنة 358، سمع أبا يعقوب إسحاق المنجنيقي وأبا عبد الرحمن النّسوي وأبا جعفر الطحاوي وتفقّه للشافعي وجالس أبا هاشم المقدسي وأبا بكر محمد بن أحمد بن الحدّاد وتلمذ له، وكان يظهر الاعتزال ويتكلم على ألفاظ الصالحين، وله شعر، ويظهر الوسوسة. والجبّة أيضا، قال أبو بكر بن نفطة:
قال لي محمد بن عبد الواحد المقدسي إنها قرية من أعمال طرابلس الشام منها أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن ابن أبي الفرج الجبائي الشامي، قلت: كذا كان ينسب نفسه وهو خطأ والصواب الجبّي، سمع ببغداد من أبي الفضل محمد بن ناصر ومحمد بن عمر الأرموي وغيرهما، وبأصبهان من أبي الخير محمد بن أحمد الباغباني ومسعود الثقفي وآخرين، وأقام بها وحدث، وكان ثقة صالحا، وكانت وفاته بأصبهان في ثالث جمادى الآخرة سنة 605.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
29-معجم البلدان (سنجار)
سِنْجَارُ:بكسر أوّله، وسكون ثانيه ثمّ جيم، وآخره راء: مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة، بينها وبين الموصل ثلاثة أيّام، وهي في لحف جبل عال، ويقولون: إن سفينة نوح، عليه السلام، لما مرّت به نطحته فقال نوح: هذا سنّ جبل جار علينا، فسميت سنجار، ولست أحقّق هذا، والله أعلم به، إلّا أن أهل هذه المدينة يعرفون هذا صغيرهم وكبيرهم ويتداولونه، وقال ابن الكلبي: إنّما سميت سنجار وآمد وهيت باسم بانيها، وهم بنو البلندى ابن مالك بن دعر بن بويب بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم، عليه السلام، ويقال: سنجار بن دعر نزلها، قالوا: ودعر هو الذي استخرج يوسف من الجبّ وهو أخو آمد الذي بنى آمد وأخو هيت الذي بنى هيت، وذكر أحمد بن محمد الهمذاني قال: ويقال إن سفينة نوح نطحت في جبل سنجار بعد ستة أشهر وثمانية أيّام من ركوبه إيّاها فطابت نفسه وعلم أن الماء قد أخذ ينضب فسأل عن الجبل فأخبر به، فقال: ليكن هذا الجبل مباركا كثير الشجر والماء! ثمّ وقفت السفينة على جبل الجودي بعد مائة واثنين وتسعين يوما فبنى هناك قرية سماها قرية الثمانين لأنّهم كانوا ثمانين نفسا، وقال حمزة الأصبهاني: سنجار تعريب سنكار، ولم يفسره، وهي مدينة طيبة في وسطها نهر جار، وهي عامرة جدّا، وقدّامها واد فيه بساتين ذات أشجار ونخل وترنج ونارنج، وبينها وبين نصيبين ثلاثة أيام أيضا، وقيل: إن السلطان سنجر بن ملك شاه بن ألب أرسلان بن سلجوق ولد بها فسمّي باسمها، عن الزمخشري، قال في الزيج: طول سنجار ثلاثون درجة، وعرضها خمس وثلاثون درجة ونصف وثلث، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب والشعر، قال أبو عبيدة: قدم خالد الزبيدي في ناس معه من زبيد إلى سنجار ومعه ابنا عمّ له يقال لأحدهما صابي وللآخر عويد، فشربوا يوما من شراب سنجار فحنّوا إلى بلادهم فقال خالد:
«أيا جبلي سنجار ما كنتما لنا *** مقيظا ولا مشتى ولا متربّعا»
«ويا جبلي سنجار هلّا بكيتما *** لداعي الهوى منّا شنينين أدمعا»
«فلو جبلا عوج شكونا إليهما *** جرت عبرات منهما أو تصدّعا»
«بكى يوم تلّ المحلبيّة صابئ، *** وألهى عويدا بثّه فتقنّعا»
فانبرى له رجل من النمر بن قاسط يقال له دثار أحد بني حييّ فقال:
«أيا جبلي سنجار هلّا دققتما *** بركنيكما أنف الزّبيديّ أجمعا»
«لعمرك ما جاءت زبيد لهجرة، *** ولكنّها كانت أرامل جوّعا»
«تبكّي على أرض الحجاز وقد رأت *** جرائب خمسا في جدال فأربعا»
جرائب: جمع جريب، وجدال: قرية قرب سنجار، كأنّه يتعجب من ذلك ويقول كيف تحنّ إلى أرض الحجاز وقد شبعت بهذه الديار؟ فأجابه خالد يقول:
«وسنجار تبكي سوقها كلّما رأت *** بها نمريّا ذا كساوين أيفعا»
«إذا نمريّ طالب الوتر غرّه *** من الوتر أن يلقى طعاما فيشبعا»
«إذا نمريّ ضاف بيتك فاقره *** مع الكلب زاد الكلب وازجرهما معا»
«أمن أجل مدّ من شعير قريته *** بكيت وناحت أمّك الحول أجمعا؟»
«بكى نمريّ أرغم الله أنفه *** بسنجار حتى تنفد العين أدمعا»
وقال المؤيد بن زيد التكريتي يخاطب الحسين بن عليّ السنجاري المعروف بابن دبّابة ويلقّب بأمين الدين:
«زاد أمين الدّين في وصفه *** سنجار حتى جئن سنجارا»
«فعاينت عيناي إذ جئتها *** مصيدة قد ملئت فارا»
وقد نسب إلى سنجار جماعة وافرة من أهل العلم، منهم من أهل عصرنا: أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور الشاعر يعرف بالبهاء السنجاري أحد المجيدين المشهورين، وكان أوّلا فقيها شافعيّا ثمّ غلب عليه قول الشعر فاشتهر به وقدّم عند الملوك وناهز التسعين وكان جريّا ثقة كيّسا لطيفا فيه مزاح وخفة روح، وله أشعار جيدة، منها في غلام اسمه عليّ وقد سئل القول فيه فقال في قطعة وكان مرّ به ومعه سيف:
«بي حامل الصارم الهنديّ منتصرا، *** ضع السّلاح قد استغنيت بالكحل»
«ما يفعل الظّبي بالسّيف الصّقيل وما *** ضرب الصّوارم بالضّروب بالمقل»
«قد كنت في الحبّ سنّيّا فما برحت *** بي شيعة الحبّ حتى صرت عبد علي»
وخرج من الموصل في سنة تسع عشرة وستمائة.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
30-معجم البلدان (الشاذياخ)
الشّاذِياخُ:بعد الذال المكسورة ياء مثناة من تحت، وآخره خاء معجمة: قرية من قرى بلخ يقال لها الشاذياخ. وشاذياخ أيضا: مدينة نيسابور أمّ بلاد خراسان في عصرنا، وكانت قديما بستانا لعبد الله بن طاهر بن الحسين ملاصق مدينة نيسابور، فذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيّع في آخر كتابه في تاريخ نيسابور:
أن عبد الله بن طاهر لما قدم نيسابور واليا على خراسان ونزل بها ضاقت مساكنها من جنده فنزلوا على الناس في دورهم غصبا فلقي الناس منهم شدة فاتفق أن بعض أجناده نزل في دار رجل ولصاحب الدار زوجة حسنة وكان غيورا فلزم البيت لا يفارقه غيرة على زوجته، فقال له الجندي يوما: اذهب واسق فرسي ماء، فلم يجسر على خلافه ولا استطاع مفارقة أهله فقال لزوجته: اذهبي أنت واسقي فرسه لأحفظ أنا أمتعتنا في المنزل، فمضت المرأة وكانت وضيئة حسنة، واتفق ركوب عبد الله بن طاهر فرأى المرأة فاستحسنها وعجب من تبذلها فاستدعى بها وقال لها: صورتك وهيئتك لا يليق بهما أن تقودي فرسا وتسقيه فما خبرك؟ فقالت: هذا فعل عبد الله بن طاهر بنا قاتله الله! ثمّ أخبرته الخبر، فغضب وحوقل وقال: لقد لقي منك يا عبد الله أهل نيسابور شرّا، ثمّ أمر العرفاء أن ينادوا في عسكره من بات بنيسابور حلّ ماله ودمه، وسار إلى الشاذياخ وبنى فيه دارا له وأمر الجند ببناء الدور حوله، فعمّرت وصارت محلّة كبيرة واتصلت بالمدينة فصارت من جملة محالّها ثمّ بنى أهلها بها دورا وقصورا، هذا معنى قول الحاكم، فإنّني كتبت من حفظي إذ لم يحضرني أصله، ولذلك قال الشاعر يخاطب عبد الله بن طاهر:
«فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا *** بالشاذياخ ودع غمدان لليمن»
«فأنت أولى بتاج الملك تلبسه *** من ابن هوذة يوما وابن ذي يزن»
ثمّ انقضت دولة آل طاهر وخربت تلك القصور فمرّ بها بعض الشعراء فقال:
«وكان الشاذياخ مناخ ملك، *** فزال الملك عن ذاك المناخ»
«وكانت دورهم للهو وقفا، *** فصارت للنّوائح والصّراخ»
«فعين الشّرق باكية عليهم، *** وعين الغرب تسعد بانتضاخ»
وقال آخر:
«فتلك قصور الشاذياخ بلاقع، *** خراب يباب والميان مزارع»
«وأضحت خلاء شاذمهر وأصبحت *** معطّلة في الأرض تلك المصانع»
«وغنّى مغنّي الدّهر في آل طاهر *** بما هو رأي العين في الناس شائع»
«عفا الملك من أولاد طاهر بعد ما *** عفا جشم من أهله والفوارع»
وقال عوف بن محلّم في قطعة طويلة أذكرها بتمامها في الميان، إن شاء الله:
«سقى قصور الشّاذياخ الحيا *** من بعد عهدي وقصور الميان»
«فكم وكم من دعوة لي بها *** ما إن تخطّاها صروف الزّمان»
وكنت قدمت نيسابور في سنة 613، وهي الشاذياخ، فاستطبتها وصادفت بها من الدّهر غفلة خرج بها عن عادته واشتريت بها جارية تركية لا أرى أن الله تعالى خلق أحسن منها خلقا وخلقا وصادفت من نفسي محلّا كريما، ثمّ أبطرتني النعمة فاحتججت بضيق اليد فبعتها فامتنع عليّ القرار وجانبت المأكول والمشروب حتى أشرفت على البوار، فأشار عليّ بعض النصحاء باسترجاعها، فعمدت لذلك واجتهدت بكلّ ما أمكن فلم يكن إلى ذلك سبيل لأن الذي اشتراها كان متموّلا وصادفت من قلبه أضعاف ما صادفت مني، وكان لها إليّ ميل يضاعف ميلي إليها، فخاطبت مولاها في ردّها عليّ بما أوجبت به على نفسها عقوبة، فقلت في ذلك:
«ألا هل ليالي الشاذياخ تؤوب؟ *** فإنّي إليها، ما حييت، طروب»
«بلاد بها تصبي الصّبا ويشوقنا ال *** شمال ويقتاد القلوب جنوب»
«لذاك فؤادي لا يزال مروّعا، *** ودمعي لفقدان الحبيب سكوب»
«ويوم فراق لم يرده ملالة *** محبّ ولم يجمع عليه حبيب»
«ولم يحد حاد بالرّحيل، ولم يزع *** عن الإلف حزن أو يحول كثيب»
«أئنّ ومن أهواه يسمع أنّتي، *** ويدعو غرامي وجده فيجيب»
«وأبكي فيبكي مسعدا لي فيلتقي *** شهيق وأنفاس له ونحيب»
«على أن دهري لم يزل مذ عرفته *** يشتّت خلّان الصّفا ويريب»
«ألا يا حبيبا حال دون بهائه *** على القرب باب محكم ورقيب»
«فمن يصح من داء الخمار فليس من *** خمار خمار للمحبّ طبيب»
«بنفسي أفدي من أحبّ وصاله، *** ويهوى وصالي ميله ويثيب»
«ونبذل جهدينا لشمل يضمّنا، *** ويأبى زماني، إنّ ذا لعجيب! »
«وقد زعموا أن كل من جدّ واجد، *** وما كلّ أقوال الرجال تصيب»
ثمّ لما ورد الغزّ إلى خراسان وفعلوا بها الأفاعيل في سنة 548 قدموا نيسابور فخرّبوها وأحرقوها فتركوها تلالا فانتقل من بقي منهم إلى الشاذياخ فعمّروها، فهي المدينة المعروفة بنيسابور في عصرنا هذا، ثمّ خرّبها التتر، لعنهم الله، في سنة 617 فلم يتركوا بها جدارا قائما، فهي الآن فيما بلغني تلول تبكي العيون الجامدة وتذكي في القلوب النيران الخامدة.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
31-معجم البلدان (طليطلة)
طُلَيْطُلَةُ:هكذا ضبطه الحميدي بضم الطاءين وفتح اللامين، وأكثر ما سمعناه من المغاربة بضم الأولى وفتح الثانية: مدينة كبيرة ذات خصائص محمودة بالأندلس يتّصل عملها بعمل وادي الحجارة من أعمال الأندلس وهي غربي ثغر الروم وبين الجوف والشرق
من قرطبة وكانت قاعدة ملوك القرطبيين وموضع قرارهم، وهي على شاطئ نهر تاجه وعليه القنطرة التي يعجز الواصف عن وصفها، وقد ذكر قوم أنها مدينة دقيانوس صاحب أهل الكهف، قالوا:
وبقرب منها موضع يقال له جنان الورد فيه أجساد أصحاب الكهف لا تبلى إلى الآن، والله أعلم، وقد قيل فيهم غير ذلك كما ذكر في الرقيم، وهي من أجلّ المدن قدرا وأعظمها خطرا، ومن خاصيتها أن الغلال تبقى في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير، وزعفرانها هو الغاية في الجودة، وبينها وبين قرطبة سبعة أيام للفارس، وما زالت في أيدي المسلمين منذ أيام الفتوح إلى أن ملكها الأفرنج في سنة 477، وكان الذي سلّمها إليهم يحيى بن يحيى بن ذي النون الملقب بالقادر بالله، وهي الآن في أيديهم، وكانت طليطلة تسمى مدينة الأملاك، ملكها اثنان وسبعون لسانا فيما قيل ودخلها سليمان بن داود وعيسى بن مريم وذو القرنين والخضر، عليهم السلام، فيما زعم أهلها، والله أعلم، قال ابن دريد: طليطلاء مدينة وما أظنها إلا هذه، ينسب إليها جماعة من العلماء، منهم:
أبو عبد الله الطليطلي، روى كتاب مسلم بن الحجاج، توفي يوم الأربعاء الثاني عشر من صفر سنة 458، وعيسى بن دينار بن واقد الغافقي الطليطلي، سكن قرطبة ورحل وسمع من أبي القاسم وصحبه وعوّل عليه وانصرف إلى الأندلس فكانت الفيتا تدور عليه لا يتقدمه في وقته أحد، قال ابن الفرضي قال يحيى ابن مالك بن عائذ: سمعت محمد بن عبد الملك بن أيمن يقول: كان عيسى بن دينار عالما متفننا وهو الذي علّم المسائل أهل عصرنا، وكان أفقه من يحيى ابن يحيى على جلالة قدر يحيى، وكان محمد بن عمر ابن لبابة يقول: فقيه الأندلس عيسى بن دينار وعالمها عبد الملك بن حبيب وغالقها يحيى بن يحيى، وتوفي سنة 212 بطليطلة وقبره بها معروف، ومحمد بن عبد الله بن عيشون الطليطلي أبو عبد الله، كان فقيها وله مختصر في الفقه وكتاب في توجيه حديث الموطّإ، وسمع كثيرا من الحديث ورواه، وله إلى المشرق رحلة سمع فيها من جماعة، وتوفي بطليطلة لتسع ليال خلون من صفر سنة 341.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
32-معجم البلدان (مجدل)
مِجْدَلٌ:بكسر الميم، وسكون الجيم، وفتح الدال، واللام، وهو القصر المشرف، وجمعه مجادل: اسم بلد طيّب بالخابور إلى جانبه تلّ عليه قصر وفيه
أسواق كثيرة وبازار قائم، ينسب إليه مسعود بن أبي بكر بن ملكدار المجدلي شاعر حيّ في عصرنا مدح الملك الأشرف بن العادل فأكثر، وقال في خيّاط من أبيات:
«وسرت عنه وأشواقي تجاذبني *** إليه، وافرقي من عظم فرقته! »
«لو كنت من عظم سقمي والنحول به *** خيطا لما ضاق عني خرم إبرته»
«إن حال في الحبّ عما كنت أعهده *** وغيّرته الليالي عن مودّته»
«فربّما خيّطت أيام ألفته *** ما قصّ من وصلنا مقراض جفوته»
وقيل مجدل، بفتح الميم، اسم موضع في بلاد العرب، قالت سودة بنت عمير بن هذيل:
«نغاور في أهل الأراك، وتارة *** نغاور أصرما بأكناف مجدل»
كذا ضبطه الحازمي، وقال البراء بن قيس في زوجته حذفة بنت الحمام بن أوس الحميري وهو محبوس عند كسرى أنوشروان:
«يا دار حذفة باللّوى فالمجدل *** فجنوب أسنمة فقفّ العنصل»
«بل لا يغرّك من حليل صالح *** إن لم يلاقك بعد عام الأوّل»
«كانت إذا غضبت علي تظلّمت، *** وإذا كرهت كلامها لم تشقل»
«وإذا رأت لي جنّة علمت لها، *** ومتى تعنّ بعلم شيء تسأل»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
33-معجم البلدان (مرعش)
مَرْعَشُ:بالفتح ثم السكون، والعين مهملة مفتوحة، وشين معجمة: مدينة في الثغور بين الشام وبلاد الروم لها سوران وخندق وفي وسطها حصن عليه سور يعرف بالمرواني بناه مروان بن محمد الشهير بمروان الحمار ثم أحدث الرشيد بعده سائر المدينة، وبها ربض يعرف بالهارونية وهو مما يلي باب الحدث، وقد ذكرها شاعر الحماسة فقال:
«فلو شهدت أمّ القديد طعاننا *** بمرعش خيل الأرمنيّ أرنّت»
«عشيّة أرمي جمعهم بلبانه *** ونفسي وقد وطّنتها فاطمأنت»
«ولاحقة الآطال أسندت صفّها *** إلى صف أخرى من عدى فاقشعرّت»
وبلغني عنها في عصرنا هذا شيء استحسنته فأثبتّه، وذلك أن السلطان قلج أرسلان بن سلجوق الرومي كان له طبّاخ اسمه إبراهيم وكان قد خدمه منذ صباه سنين كثيرة وكان حركا وله منزلة عنده فرآه يوما واقفا بين يديه يرتب السماط وعليه لبسة حسنة ووسطه مشدود، فقال له: يا ابراهيم أنت طباخ حتى تصل إلى القبر! فقال له: هذا بيدك أيها السلطان، فالتفت إلى وزيره وقال له: وقّع له بمرعش وأحضر القاضي والشهود لأشهدهم على نفسي بأني قد ملّكته إياها ولعقبه بعده، ففعل ذلك وذهب فتسلّمها وأقام بها مدة ثم مرض مرضا صعبا فرحل إلى حلب ليتداوى بها فمات بها فصارت إلى ولده من بعده فهي في يدهم إلى يومنا هذا.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
34-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (المغصن)
المغصّن:غصّن العنقود وأغصن: كبر حبّه شيئا، والغصن: ما تشعّب عن ساق الشجرة دقاقها وغلاظها، والغصنة: الشعبة الصغيرة منه.
المغصّن نوع من السجع، قال الكلاعي: «وسمّينا هذا النّوع المغصّن لأنّه ذو فروع وأغصان. وقلما يستعلمه إلّا المحدّثون من أهل عصرنا، وهو نحو قولي: «وقد يكون من النعم والإحسان وما يصدر من الفم واللسان ومن النعماء والمعروف ما يسر بالأسماء والحروف». فقابلت سجعتين بسجعتين كل سجعة موافقة لصاحبتها». وقد يقابل في هذا الفصل ثلاث بثلاث وأربع بأربع وخمس بخمس وست بست وسبع بسبع.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
35-موسوعة الفقه الكويتية (الفقه الإسلامي 3)
الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ-3بَقَاءُ الْمَذَاهِبِ وَانْتِشَارُهَا:
35- مِمَّا تَقَدَّمَ عَلِمْنَا أَنَّ هُنَاكَ مَذَاهِبَ انْدَثَرَتْ، وَأُخْرَى بَقِيَتْ وَنَمَتْ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَالنُّفُوذِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى إِطْلَاقِهِ- مَرْدُودٌ- فَقَدْ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ وَالنُّفُوذِ بَعْضُ الْأَثَرِ فِي بَقَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَذَاهِبِ وَانْتِشَارِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْأَثَرَ ضَئِيلٌ، إِذْ إِنَّ الدَّوْلَةَ الْعَبَّاسِيَّةَ- وَكَانَ نُفُوذُهَا مُمْتَدًّا عَلَى جَمِيعِ الْأَقْطَارِ الْإِسْلَامِيَّةِ- كَانَ الْقَضَاءُ بِيَدِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيِّينَ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَتْبَاعًا فِي الشَّمَالِ الْإِفْرِيقِيِّ أَوْ فِي مِصْرَ إِلاَّ قِلَّةً قَلِيلَةً، بَلْ إِنَّ الْكَثْرَةَ الْكَثِيرَةَ مِنْ بِلَادِ فَارِسَ كَانَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِهَا يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ إِبَّانَ هَذِهِ الدَّوْلَةِ قَاصِرًا عَلَى الْعِرَاقِ وَبِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَبَعْضِ بِلَادِ فَارِسَ. كَمَا أَنَّ الدَّوْلَةَ الْعُثْمَانِيَّةَ وَكَانَ سُلْطَانُهَا يَمْتَدُّ عَلَى أَكْثَرِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَانَ مَذْهَبُهَا الرَّسْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبَ الْحَنَفِيَّ، وَكَانَ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ السَّلْطَنَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ فِي عُلَمَاءِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَمَعَ هَذَا نَجِدُ أَنَّ الشَّمَالَ الْإِفْرِيقِيَّ كُلَّهُ لَا يَنْتَشِرُ فِيهِ إِلاَّ مَذْهَبُ مَالِكٍ، اللَّهُمَّ إِلاَّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ فِي عَاصِمَةِ تُونُسَ فِي بَعْضِ الْأُسَرِ الْمُنْحَدِرَةِ مِنْ أَصْلٍ تُرْكِيٍّ. وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي مِصْرَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ وَمِنْهُمْ الْمَالِكِيُّونَ فِي صَعِيدِ مِصْرَ أَوْ فِي مُحَافَظَةِ الْبُحَيْرَةِ، وَلَا نَجِدُ الْحَنَفِيِّينَ إِلاَّ قِلَّةً قَلِيلَةً مُنْحَدِرَةً مِنْ أَصْلٍ تُرْكِيٍّ أَوْ شَرْكَسِيٍّ أَوْ تَمَذْهَبَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ طَمَعًا فِي تَوَلِّي الْقَضَاءِ... وَإِنْ كَانَتْ حَلَقَاتُ الدِّرَاسَةِ فِي الْأَزْهَرِ عَامِرَةً بِطُلاَّبِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَلَكِنَّ الْعَامَّةَ إِمَّا شَافِعِيُّونَ أَوْ مَالِكِيُّونَ، فَأَيْنَ تَأْثِيرُ السُّلْطَانِ فِي فَرْضِ مَذْهَبٍ خَاصٍّ؟.
وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَنَاطِقِ الْخَلِيجِ، فَقَدْ كَانَتْ كُلُّهَا تَابِعَةً لِلدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ نَرَى أَنَّ الْمَذَاهِبَ الْمُنْتَشِرَةَ فِي هَذِهِ الْمَنَاطِقِ هِيَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَرُبَّمَا الشَّافِعِيَّةِ، وَلَا وُجُودَ لِمُعْتَنِقِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ شِرْذِمَةً قَلِيلَةً.
وَالْحَقُّ أَنَّ بَقَاءَ مَذْهَبٍ مَا أَوِ انْتِشَارَهُ يَعْتَمِدُ- أَوَّلًا وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ- عَلَى ثِقَةِ النَّاسِ بِصَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَاطْمِئْنَانِهِمْ إِلَيْهِ، وَعَلَى قُوَّةِ أَصْحَابِهِ وَدَأْبِهِمْ عَلَى نَشْرِهِ وَتَحْقِيقِ مَسَائِلِهِ وَتَيْسِيرِ فَهْمِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِحُسْنِ عَرْضِهَا.
التَّقْلِيدُ:
36- يُبَالِغُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الطَّعْنِ عَلَى مَنْ قَلَّدَ عَالِمًا فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ، وَرُبَّمَا شَبَّهَ بَعْضُهُمْ الْمُقَلِّدِينَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمْ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}
وَالْحَقُّ أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي الْعَقَائِدِ وَالْمَسَائِلِ الْأَسَاسِيَّةِ فِي الدِّينِ، وَهِيَ الْمَعْلُومَةُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا تَقْلِيدَ فِيهَا لِعَالِمٍ، مَهْمَا كَانَتْ مَكَانَتُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنِ اقْتِنَاعٍ تَامٍّ بِثُبُوتِهَا عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَوْ بِصِفَةٍ إِجْمَالِيَّةٍ. أَمَّا الْمَسَائِلُ الْفَرْعِيَّةُ الَّتِي تَتَطَلَّبُ النَّظَرَ فِي الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ فَإِنَّ تَكْلِيفَ الْعَامَّةِ بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ تَكْلِيفٌ شَاقٌّ لَا تَسْتَقِيمُ مَعَهُ الْحَيَاةُ، إِذْ لَوْ كَلَّفْنَا كُلَّ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ نَظْرَةَ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّ الصِّنَاعَاتِ سَتَتَعَطَّلُ، وَمَصَالِحَ النَّاسِ سَتُهْمَلُ. وَمَا لَنَا نُطِيلُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَسَلَفُ الْأُمَّةِ- وَهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ كَمَا شَهِدَ لَهُمْ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُجْتَهِدِينَ، بَلْ كَانَ الْمُجْتَهِدُونَ قِلَّةً قَلِيلَةً، وَكَانَ الْمُكْثِرُونَ مِنْهُمْ لَا يَتَجَاوَزُونَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ شَخْصًا.
عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَجْتَهِدَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ مَتَى تَوَفَّرَتْ لَهُ أَسْبَابُهُ وَتَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ الَّتِي سَنُبَيِّنُهَا بِالتَّفْصِيلِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ لِهَذِهِ الْمَوْسُوعَةِ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْمُغَالِينَ يَقُولُ: إِنَّهُ يَكْفِي الشَّخْصَ لِيَكُونَ مُجْتَهِدًا أَنْ يَكُونَ لَدَيْهِ مُصْحَفٌ وَسُنَنُ أَبِي دَاوُدَ وَقَامُوسٌ لُغَوِيٌّ، فَيُصْبِحُ بِذَلِكَ مُجْتَهِدًا لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى تَقْلِيدِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْمُصْحَفِ وَبِسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْقَامُوسِ لَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كُلُّهُمْ مُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إِمَّا عَرَبٌ خُلَّصٌ، أَوْ نَشَأُوا فِي بِيئَةٍ عَرَبِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وَشَاهَدُوا أَحْدَاثَ التَّنْزِيلِ، وَقَرِيبُو عَهْدٍ بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَذَلِكَ الِادِّعَاءُ يُكَذِّبُهُ الْوَاقِعُ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ تَقْلِيدَ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ شِرْكٌ وَتَأْلِيهٌ لَهُمْ، قَوْلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، فَلَيْسَ هُنَاكَ أُمِّيٌّ- فَضْلًا عَنْ مُتَعَلِّمٍ- يَرَى أَنَّ لِلْأَئِمَّةِ حَقَّ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ حَقٌّ خَالِصٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بَلْ كُلُّ مَا يُعْتَقَدُ فِيهُمْ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ أَوْ ذَاكَ مَوْثُوقٌ بِعِلْمِهِ مَوْثُوقٌ بِدِينِهِ أَمِينٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الِاجْتِهَادَ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا يُحْسِنُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً صَحِيحَةً مِنْ الْمُصْحَفِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْهَا حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَأَقَلُّ مَا يَجِبُ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الْمُجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّقًا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، عَالِمًا بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَطَلَّبُ إِعْدَادًا خَاصًّا لَا يَتَوَفَّرُ إِلاَّ لِلْقِلَّةِ الْقَلِيلَةِ الْمُتَفَرِّغَةِ.
37- وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَلْتَزِمَ الشَّخْصُ مَذْهَبًا خَاصًّا فِي عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ، بَلْ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ مُشْكِلَةٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَلْتَمِسَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ مِنْ شَخْصٍ مَوْثُوقٍ بِعِلْمِهِ مَوْثُوقٍ بِدِينِهِ، يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قَلْبُهُ. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلٌ لِقَائِلٍ غَيْرَ مَا عُرِفَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ. فَمَهْمَا أَفْتَى بَعْضُ النَّاسِ بِحِلِّ الرِّبَا أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِعَاضَةِ عَنْهَا بِالصَّدَقَةِ مَثَلًا، فَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ، وَلَا تَكُونُ فَتْوَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ عُذْرًا يُعْتَذَرُ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
إِقْفَالُ بَابِ الِاجْتِهَادِ:
38- مَا إِنْ أَهَلَّ الْقَرْنُ السَّادِسِ الْهِجْرِيِّ حَتَّى نَادَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِإِقْفَالِ بَابِ الِاجْتِهَادِ، وَقَالُوا: لَمْ يَتْرُكْ الْأَوَائِلُ لِلْأَوَاخِرِ شَيْئًا. وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ قُصُورَ الْهِمَمِ وَخَرَابَ الذِّمَمِ، وَتَسَلُّطَ الْحُكَّامِ الْمُسْتَبِدِّينَ، وَخَشْيَةَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلِاجْتِهَادِ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، إِمَّا رَهْبَةً أَوْ رَغْبَةً، فَسَدًّا لِلذَّرَائِعِ أَفْتَوْا بِإِقْفَالِ بَابِ الِاجْتِهَادِ.
وَتَعَرَّضَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَ الْأَوَائِلَ فِي آرَائِهِمْ لِسَخَطِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا فَقَدْ كَانَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْفَيْنَةِ مَنْ ادَّعَى الِاجْتِهَادَ أَوِ ادُّعِيَ لَهُ، وَكَانَتْ لَهُمْ اجْتِهَادَاتٌ لَا بَأْسَ بِهَا كَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ الْقَيِّمِ، وَالْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ الْحَنَفِيِّ الْمَذْهَبِ. فَقَدْ كَانَتْ لَهُ اجْتِهَادَاتٌ خَرَجَ فِيهَا عَلَى الْمَذْهَبِ... وَمِنْ هَؤُلَاءِ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَأَبُوهُ مِنْ قَبْلِهِ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ كَانَ اجْتِهَادُ هَؤُلَاءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ تَرْجِيحِ رَأْيٍ عَلَى رَأْيٍ، أَوْ حَلٍّ لِمُشْكِلَةٍ عَارِضَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ.
وَالَّذِي نَدِينُ اللَّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ عُلَمَاءُ مُتَخَصِّصُونَ، عَلَى عِلْمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَمَوَاطِنِ الْإِجْمَاعِ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا عَلَى خِبْرَةٍ تَامَّةٍ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَدُوِّنَتْ بِهَا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، وَأَنْ يَكُونُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، لَا يَخْشَوْنَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، لِتَرْجِعَ إِلَيْهِمْ الْأُمَّةُ فِيمَا نَزَلَ بِهَا مِنْ أَحْدَاثٍ، وَمَا يَجِدُّ مِنْ نَوَازِلَ، وَأَلاَّ يُفْتَحَ بَابُ الِاجْتِهَادِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، فَيَلِجَ فِيهِ مَنْ لَا يُحْسِنُ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْمُصْحَفِ، كَمَا لَا يُحْسِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَشْتَاتِ الْمَوْضُوعِ، وَيُرَجِّحَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَالَّذِينَ أَفْتَوْا بِإِقْفَالِ بَابِ الِاجْتِهَادِ إِنَّمَا نَزَعُوا عَنْ خَوْفٍ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ الِاجْتِهَادَ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ، وَأَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، فَيَقُولُونَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إِرْضَاءً لِلْحُكَّامِ. وَلَقَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ مَنْ يَدَّعِي الِاجْتِهَادَ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْقَوْلَ بِكَذَا وَكَذَا فِيهِ تَرْضِيَةٌ لِهَؤُلَاءِ السَّادَةِ، فَيَسْبِقُونَهُمْBبِالْقَوْلِ. وَيَعْتَمِدُ هَؤُلَاءِ الْحُكَّامُ عَلَى آرَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ. فَقَدْ رَأَيْنَا فِي عَصْرِنَا هَذَا مَنْ أَفْتَى بِحِلِّ الرِّبَا الِاسْتِغْلَالِيِّ دُونَ الِاسْتِهْلَاكِيِّ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِحِلِّهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ- فِي زَعْمِهِ- تُوجِبُ الْأَخْذَ بِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِجَوَازِ الْإِجْهَاضِ ابْتِغَاءَ تَحْدِيدِ النَّسْلِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْحُكَّامِ يَرَى هَذَا الرَّأْيَ، وَيُسَمِّيهِ تَنْظِيمَ الْأُسْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ لَا تَثْبُتُ إِلاَّ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الْجَرِيمَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْحَدِّ، وَمِنْهُمْ... وَمِنْهُمْ... فَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ حَمَلُوا أَهْلَ الْوَرَعِ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِقْفَالِ بَابِ الِاجْتِهَادِ.
وَلَكِنَّا نَقُولُ: إِنَّ الْقَوْلَ بِحُرْمَةِ الِاجْتِهَادِ وَإِقْفَالِ بَابِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا لَا يَتَّفِقُ مَعَ الشَّرِيعَةِ نَصًّا وَرُوحًا، وَإِنَّمَا الْقَوْلَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ إِبَاحَتُهُ، بَلْ وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ. لِأَنَّ الْأُمَّةَ فِي حَاجَةٍ، إِلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا جَدَّ مِنْ أَحْدَاثٍ لَمْ تَقَعْ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ.
مَصَادِرُ الِاجْتِهَادِ:
39- بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ جَمِيعًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ مَصْدَرَ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا مِنْهُ تَعَالَى بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ.
وَالْوَحْيُ إِمَّا مَتْلُوٌّ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، أَوْ غَيْرُ مَتْلُوٍّ وَهُوَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الْمُطَهَّرَةُ، فَإِنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- بِصِفَتِهِ رَسُولًا، لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى.
وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَصَادِرَ الْأَحْكَامِ كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِصِفَةٍ مُبَاشِرَةٍ.
أَمَّا الْإِجْمَاعُ- إِذَا تَحَقَّقَ- فَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ- عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ- فَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ، وَهَذَا الظَّنُّ كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ مَتَى تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَعَدَّدُ أَمْ قُلْنَا بِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَسَيَتَبَيَّنُ لَنَا مِنْ الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ تَوْضِيحُ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ، إِلاَّ أَنَّنَا سَنَتَنَاوَلُ مَسْأَلَتَيْنِ عَاجِلَتَيْنِ كَثُرَ الْحَدِيثُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ.
أ- الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: حَوْلَ السُّنَّةِ
40- أَثَارَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَتْ مَصْدَرًا لِلتَّشْرِيعِ، وَسَمُّوا أَنْفُسَهُمْ بِالْقُرْآنِيِّينَ، وَقَالُوا: إِنَّ أَمَامَنَا الْقُرْآنَ، نُحِلُّ حَلَالَهُ وَنُحَرِّمُ حَرَامَهُ، وَالسُّنَّةُ كَمَا يَزْعُمُونَ قَدْ دُسَّ فِيهَا أَحَادِيثُ مَكْذُوبَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-. وَهَؤُلَاءِ امْتِدَادٌ لِقَوْمٍ آخَرِينَ نَبَّأَنَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-. فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْمِقْدَامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِقُرْآنِيِّينَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ أَوْجَبَ طَاعَةَ الرَّسُولِ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ مِائَةِ آيَةٍ، وَاعْتَبَرَ طَاعَةَ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} بَلْ إِنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ الَّذِي يَدَّعُونَ التَّمَسُّكَ بِهِ نَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ رَفَضَ طَاعَةَ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقْبَلْ حُكْمَهُ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ السُّنَّةَ قَدْ دُسَّتْ فِيهَا أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ عُلَمَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عُنُوا أَشَدَّ الْعِنَايَةِ بِتَنْقِيَةِ السُّنَّةِ مِنْ كُلِّ دَخِيلٍ، وَاعْتَبَرُوا الشَّكَّ فِي صِدْقِ رَاوٍ مِنْ الرُّوَاةِ أَوِ احْتِمَالَ سَهْوِهِ رَادًّا لِلْحَدِيثِ.
وَقَدْ شَهِدَ أَعْدَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَتْ هُنَاكَ أُمَّةٌ عُنِيَتْ بِالسَّنَدِ وَبِتَنْقِيحِ الْأَخْبَارِ وَلَا سِيَّمَا الْمَرْوِيَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَهَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَيَكْفِي لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ كَانَ- صلى الله عليه وسلم- يَكْتَفِي بِإِبْلَاغِ دَعْوَتِهِ بِإِرْسَالِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ.
ثُمَّ نَسْأَلُ هَؤُلَاءِ: أَيْنَ هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَعَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ خَمْسٌ، وَعَلَى أَنْصِبَةِ الزَّكَاةِ، وَعَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إِلاَّ مِنْ السُّنَّةِ.
وَهُنَاكَ فِرْقَةٌ أُخْرَى لَا تَقِلُّ خَطَرًا عَنْ هَذِهِ الْفِرْقَةِ تَقُولُ: إِنَّنَا نَقْبَلُ السُّنَّةَ كَمَصْدَرٍ تَشْرِيعِيٍّ فِيمَا يَتَّصِلُ بِالْعِبَادَاتِ، أَمَّا مَا يَتَّصِلُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا مِنْ تَشْرِيعَاتٍ أَوْ سُلُوكٍ فَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَيْنَا، وَيَتَعَلَّقُونَ بِشُبْهَةٍ وَاهِيَةٍ، وَهِيَ حَادِثَةُ تَأْبِيرِ النَّخْلِ، وَحَاصِلُهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حِينَمَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَأَى أَهْلَهَا يُؤَبِّرُونَ النَّخْلَ أَيْ يُلَقِّحُونَ إِنَاثَ النَّخْلِ بِطَلْعِ ذُكُورِهَا، فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلَحَ، فَتَرَكُوهُ فَشَاصَ؛ أَيْ فَسَدَ وَصَارَ حَمْلُهُ شِيصًا وَهُوَ رَدِيءُ التَّمْرِ فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».
هَذَا الْخَبَرُ إِنْ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ الدُّنْيَوِيَّةَ الَّتِي لَا صِلَةَ لَهَا بِالتَّشْرِيعِ تَحْلِيلًا أَوْ تَحْرِيمًا أَوْ صِحَّةً أَوْ فَسَادًا، بَلْ هِيَ مِنْ الْأُمُورِ التَّجْرِيبِيَّةِ، لَا تَدْخُلُ تَحْتَ مُهِمَّةِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- كَمُبَلِّغٍ عَنْ رَبِّهِ، بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ خَاضِعَةٌ لِلتَّجْرِبَةِ، وَالرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- بِهَذَا كَانَ قُدْوَةً عَمَلِيَّةً لِحَثِّنَا عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ الدُّنْيَوِيَّةَ الْبَحْتَةَ الَّتِي لَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالتَّشْرِيعِ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَبْذُلَ الْجَهْدَ فِي مَعْرِفَةِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ مِنْ غَيْرِهِ، وَشَتَّانَ بَيْنَ هَذِهِBالْحَادِثَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَرِدَ عَنْ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّ هَذَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، أَوْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مُوجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ أَوْ غَيْرُ مُوجِبٍ، أَوْ أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ صَحِيحٌ أَوْ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ مِنْ صُلْبِ وَظِيفَةِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا طَاعَتَهُ فِي كُلِّ مَا يُبَلِّغُ عَنْ رَبِّهِ.
ب- الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
41- تُثَارُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْفَيْنَةِ دَعْوَى الِاعْتِمَادِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي تَشْرِيعَاتِنَا بِحُجَّةِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ إِنَّمَا جَاءَتْ لِخَيْرِ الْبَشَرِيَّةِ، فَمَا كَانَ خَيْرًا أَخَذْنَا بِهِ، وَمَا كَانَ شَرًّا أَعْرَضْنَا عَنْهُ. وَهَذِهِ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ التَّشْرِيعَ الْإِسْلَامِيَّ- جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، عِبَادَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ- إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ مَصْلَحَةُ الْبَشَرِ. وَلَكِنْ مَا هِيَ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ؟ أَهِيَ مُسَايَرَةُ الْأَهْوَاءِ وَتَرْضِيَةُ النُّفُوسِ الْجَامِحَةِ؟ أَمْ هِيَ الْمَصْلَحَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي يَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا أَمْرُ النَّاسِ؟ ثُمَّ مَا السَّبِيلُ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَصْلَحَةِ الْمَوْهُومَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؟
وَطَبَائِعُ النَّاسِ كَمَا نَعْلَمُ وَنُشَاهِدُ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا يُحِبُّهُ هَذَا يَكْرَهُهُ ذَاكَ، وَمَا يَكْرَهُهُ ذَاكَ يُحِبُّهُ هَذَا، وَالْمُحِبُّ لَا يَرَى فِيمَا أَحَبَّ إِلاَّ جَانِبَ الْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَالْكَارِهُ لَا يَرَى فِيمَا يَكْرَهُ إِلاَّ جَانِبَ الشَّرِّ وَالضُّرِّ.
وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ، كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا، وَقَدْ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَخْتَلِطَ الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَتَرْجِيحُ مَصْلَحَةٍ عَلَى مَصْلَحَةٍ، أَوْ مَفْسَدَةٍ عَلَى مَفْسَدَةٍ، أَوْ مُقَارَنَةُ الْمَفَاسِدِ بِالْمَصَالِحِ وَتَرْجِيحُ إِحْدَاهَا عَلَى الْأُخْرَى، كُلُّ ذَلِكَ يَتَطَلَّبُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يَتَنَزَّهُ عَنْ الْأَهْوَاءِ وَالْأَغْرَاضِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لِأَنَّهُ الْغَنِيُّ عَنْ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ لِعِبَادِهِ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِهِمُ الْعُسْرَ.
وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ الْمَصَالِحَ ثَلَاثٌ: مَصْلَحَةٌ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ بِرَغْمِ مَا قَدْ يَخْتَلِطُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْأَضْرَارِ الْبَسِيطَةِ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ فِيهَا أَرْجَحُ، كَالْمَصْلَحَةِ فِي الصَّوْمِBمَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَعْضِ الْمَشَاقِّ، وَالْمَصْلَحَةِ فِي الْجِهَادِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَالْأَرْوَاحِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ.
وَهُنَاكَ مَصَالِحُ أَلْغَاهَا الشَّارِعُ إِلْغَاءً تَامًّا؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا، كَالْمَصْلَحَةِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} وَكَالْمَصْلَحَةِ فِي الرِّبَا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَرَّمَهُ بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ أَوْ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِهِ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وَكَذَلِكَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}.
وَهُنَاكَ مَصَالِحُ سَكَتَ عَنْهَا الشَّارِعُ فَلَمْ يَعْتَبِرْهَا وَلَمْ يُلْغِهَا بِخُصُوصِهَا، فَهَذِهِ الْمَصَالِحُ إِنَّمَا يُقَدِّرُهَا الْمُخْتَصُّونَ دُونَ غَيْرِهِمْ، مَعَ وُجُوبِ مُرَاعَاةِ حِمَايَتِهِمْ- قَدْرَ الْإِمْكَانِ- مِنْ ذَهَبِ الْمُعِزِّ وَسَيْفِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَتُّ فِي هَذَا الْأَمْرِ مِنْ شَأْنِ الْجَمَاعَةِ لَا الْأَفْرَادِ، كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِثْلُ هَذِهِ الْمَصَالِحِ تَحْتَ التَّجْرِبَةِ، فَإِنَّ أَمْثَالَهَا تَخْتَلِفُ مِنْ عَصْرٍ إِلَى عَصْرٍ وَمِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ.
تَقْسِيمَاتُ الْفِقْهِ:
لِلْفِقْهِ تَقْسِيمَاتٌ شَتَّى لِاعْتِبَارَاتٍ شَتَّى، نَكْتَفِي مِنْهَا بِذِكْرِ التَّقْسِيمَاتِ الْآتِيَةِ:
أ- تَقْسِيمُ مَسَائِلِهِ بِاعْتِبَارِ أَدِلَّتِهِ:
42- وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: فِقْهٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى أَدِلَّةٍ قَطْعِيَّةٍ فِي ثُبُوتِهَا وَدَلَالَتِهَا، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، وَكَحُرْمَةِ الزِّنَى وَالرِّبَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِبَاحَةِBالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ.
وَثَانِيهِمَا: فِقْهٌ يَعْتَمِدُ عَلَى أَدِلَّةٍ ظَنِّيَّةٍ كَتَحْدِيدِ الْقَدْرِ الْمَمْسُوحِ مِنْ الرَّأْسِ، وَالْقِرَاءَةِ الْمُتَعَيَّنَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَعْيِينِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ ذَاتِ الْحَيْضِ أَبِالطُّهْرِ أَمْ بِالْحَيْضِ؟ وَهَلْ الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ مُوجِبَةٌ لِتَمَامِ الْمَهْرِ وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ؟.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَكَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِأَدِلَّةٍ قَطْعِيَّةٍ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا تُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الْأُصُولِيِّينَ فِقْهًا، وَإِنْ اعْتُبِرَتْ فِي نَظَرِ الْفُقَهَاءِ.
ب- تَقْسِيمُ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ مَوْضُوعَاتِهِ:
43- لَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفِقْهِ هُوَ الْعِلْمَ الَّذِي تُعْرَفُ مِنْهُ أَحْكَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ، اقْتِضَاءً أَوْ تَخْيِيرًا أَوْ وَضْعًا، فَإِنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يَصْدُرُ عَنْ الْعِبَادِ. وَبِهَذَا تَعَدَّدَتْ مَوْضُوعَاتُهُ، فَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ عَلَاقَةَ الْعَبْدِ بِاللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَتْ بِالْعِبَادَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ بَدَنِيَّةً مَحْضَةً وَهِيَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ، أَوْ مَالِيَّةً مَحْضَةً وَهِيَ الزَّكَاةُ، أَوْ مِنْهُمَا وَهِيَ فَرِيضَةُ الْحَجِّ. وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ الْأُسْرَةَ مِنْ زَوَاجٍ وَطَلَاقٍ وَنَفَقَةٍ وَحَضَانَةٍ وَوِلَايَةٍ وَنَسَبٍ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلَيْهَا الْآنَ فِقْهُ الْأَحْوَالِ الشَّخْصِيَّةِ، وَأَلْحَقُوا بِهَا الْوَصَايَا وَالْإِرْثَ لِاتِّصَالِهِمَا الْوَثِيقِ بِأَحْكَامِ الْأُسْرَةِ.
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَشَرِكَةٍ- بِكُلِّ صُوَرِهَا- وَرَهْنٍ وَكَفَالَةٍ وَوَكَالَةٍ وَهِبَةٍ وَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ، قَدْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا الْآنَ اسْمَ الْقَانُونِ الْمَدَنِيِّ أَوِ التِّجَارِيِّ.
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ الْقَضَاءَ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ طُرُقِ الْإِثْبَاتِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَ قَانُونِ الْمُرَافَعَاتِ.
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تُنَظِّمُ عَلَاقَةَ الْحَاكِمِ بِالْمَحْكُومِينَ، وَالْمَحْكُومِينَ بِالْحَاكِمِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا الْآنَ اسْمَ الْقَانُونِ الدُّسْتُورِيِّ.
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي نَظَّمَتْ عَلَاقَةَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِهِمْ سِلْمًا وَحَرْبًا قَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ الْقُدَامَى اسْمَ السِّيَرِ، وَسَمَّاهَا الْمُحْدَثُونَ بِاسْمِ الْقَانُونِ الدُّوَلِيِّ.
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَنَاوَلُ تَصَرُّفَاتِ الْعِبَادِ فِي مَأْكَلِهِمْ وَمَلْبَسِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ مَسَائِلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ.
وَالْأَحْكَامُ الَّتِي حَدَّدَتِ الْجَرَائِمَ وَالْعُقُوبَاتِ قَدْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا فُقَهَاؤُنَا اسْمَ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ وَالتَّعْزِيرَاتِ، وَسَمَّاهَا الْمُحْدَثُونَ بِاسْمِ الْقَانُونِ الْجَزَائِيِّ أَوِ الْجِنَائِيِّ.
وَمِنْ هَذَا الْبَيَانِ الْمُخْتَصَرِ يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ الْفِقْهَ تَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْإِنْسَانِ، فَلَيْسَ قَاصِرًا- كَمَا يَزْعُمُ الْبَعْضُ- عَلَى تَنْظِيمِ عَلَاقَةِ الْإِنْسَانِ بِرَبِّهِ، فَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ إِمَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ بِالْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ وَمَوْضُوعَاتِهِ.
ج- تَقْسِيمُ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ حِكْمَتِهِ:
44- تَنْقَسِمُ مَسَائِلُ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِدْرَاكُ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ فِيهِ أَوْ عَدَمُ إِدْرَاكِهَا إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَحْكَامٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَقَدْ تُسَمَّى أَحْكَامًا مُعَلَّلَةً، وَهِيَ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي تُدْرَكُ حِكْمَةُ تَشْرِيعِهَا، إِمَّا لِلتَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْحِكْمَةِ، أَوْ يُسْرِ اسْتِنْبَاطِهَا. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ هِيَ الْأَكْثَرُ فِيمَا شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حَيْثُ: لَمْ يَمْتَحِنَّا بِمَا تَعْيَا الْعُقُولُ بِهِ حِرْصًا عَلَيْنَا فَلَمْ نَرْتَبْ وَلَمْ نَهِمْ وَذَلِكَ كَتَشْرِيعِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَتَشْرِيعِ إِيجَابِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ، وَالْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ، وَكَتَشْرِيعِ الطَّلَاقِ عِنْدَمَا تَتَعَقَّدُ الْحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ... إِلَى آلَافِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ.
وَثَانِيهِمَا: أَحْكَامٌ تَعَبُّدِيَّةٌ، وَهِيَ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي لَا تُدْرَكُ فِيهَا الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كَعَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَكَأَكْثَرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ. وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَعْقُولَةِ الْمَعْنَى.
وَتَشْرِيعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ اخْتِبَارُ الْعَبْدِ هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ حَقًّا؟.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ فِي أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا لَمْ تَأْتِ بِمَا تَرْفُضُهُ الْعُقُولُ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَأْتِي بِمَا لَا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ، وَشَتَّانَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا اقْتَنَعَ- عَقْلِيًّا- بِأَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ وَأَنَّهُ حَكِيمٌ وَأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ لِلرُّبُوبِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَاقْتَنَعَ- عَقْلِيًّا- بِمَا شَاهَدَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَالْأَدِلَّةِ، بِصِدْقِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- الْمُبَلِّغِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ بِذَلِكَ قَدْ أَقَرَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْحَاكِمِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَإِذَا مَا أُمِرَ بِأَمْرٍ، أَوْ نُهِيَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: لَا أَمْتَثِلُ حَتَّى أَعْرِفَ الْحِكْمَةَ فِيمَا أُمِرْتُ بِهِ أَوْ نُهِيتُ عَنْهُ، يَكُونُ قَدْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فِي دَعْوَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ لِلْعُقُولِ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ إِدْرَاكُهَا، كَمَا أَنَّ لِلْحَوَاسِّ حَدًّا تَقِفُ عِنْدَهُ لَا تَتَجَاوَزُهُ.
وَمَا مَثَلُ الْمُتَمَرِّدِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى التَّعَبُّدِيَّةِ إِلاَّ كَمَثَلِ مَرِيضٍ ذَهَبَ إِلَى طَبِيبٍ مَوْثُوقٍ بِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَوَصَفَ لَهُ أَنْوَاعًا مِنْ الْأَدْوِيَةِ، بَعْضَهَا قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْضَهَا أَثْنَاءَهُ وَبَعْضَهَا بَعْدَهُ، مُخْتَلِفَةَ الْمَقَادِيرِ، فَقَالَ لِلطَّبِيبِ: لَا أَتَعَاطَى دَوَاءَكَ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِ هَذَا قَبْلَ الطَّعَامِ وَهَذَا بَعْدَهُ، وَهَذَا أَثْنَاءَهُ، وَلِمَاذَا تَفَاوَتَتِ الْجَرْعَاتُ قِلَّةً وَكَثْرَةً؟
فَهَلْ هَذَا الْمَرِيضُ وَاثِقٌ حَقًّا بِطَبِيبِهِ؟ فَكَذَلِكَ مَنْ يَدَّعِي الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يَتَمَرَّدُ عَلَى الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُدْرِكُ حِكْمَتَهَا، إِذْ الْمُؤْمِنُ الْحَقُّ إِذَا أُمِرَ بِأَمْرٍ أَوْ نُهِيَ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ وَأَطَعْتُ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَحْكَامٌ تَرْفُضُهَا الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ، فَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِهِ، فَكَمْ مِنْ أَحْكَامٍ خَفِيَتْ عَلَيْنَا حِكْمَتُهَا فِيمَا مَضَى ثُمَّ انْكَشَفَ لَنَا مَا فِيهَا مِنْ حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، فَقَدْ كَانَ خَافِيًا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ حِكْمَةُ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا مَا يَحْمِلُهُ هَذَا الْحَيَوَانُ الْخَبِيثُ مِنْ أَمْرَاضٍ وَصِفَاتٍ خَبِيثَةٍ، أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَحْمِيَ مِنْهَا الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ. وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ.. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَكْشِفُ الْأَيَّامُ عَنْ سِرِّ تَشْرِيعِهَا وَإِنْ كَانَتْ خَافِيَةً عَلَيْنَا الْآنَ.
التَّعْرِيفُ بِالْمَوْسُوعَةِ الْفِقْهِيَّةِ
تَطْوِيرُ عَرْضِ الْفِقْهِ وَ (التَّدْوِينُ الْجَمَاعِيُّ):
45- لَقَدْ مَرَّ الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ فِي رِحْلَةِ تَدْوِينِهِ بِأَطْوَارٍ مُخْتَلِفَةٍ تُشْبِهُ أَطْوَارَ تَكْوِينِهِ، وَلَا يَتَّسِعُ الْمَجَالُ لِأَكْثَرَ مِنْ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ بَدَأَ مُمْتَزِجًا بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ، ثُمَّ ظَهَرَ فِي صُورَةِ الْأَمَالِي وَالْمَسَائِلِ وَالْجَوَامِعِ الْمُهْتَمَّةِ بِالصُّوَرِ وَالْفُرُوعِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَبَادِئِ، ثُمَّ تَلَا ذَلِكَ تَأْلِيفُ الْمُدَوَّنَاتِ وَأُمَّهَاتِ الْكُتُبِ الْمَبْسُوطَةِ الَّتِي حُفِظَتْ بِهَا الْمَذَاهِبُ مِنْ الِانْدِثَارِ، وَقَدْ آلَ التَّصْنِيفُ فِي الْفِقْهِ بَعْدَئِذٍ إِلَى عَرْضِهِ بِأُسْلُوبٍ عِلْمِيٍّ شَدِيدِ التَّرْكِيزِ، مُتَفَاوِتِ التَّرْتِيبِ، مُسْتَغْلِقِ الْعِبَارَةِ لِغَيْرِ الْمُتَمَرِّسِ، وَظَهَرَتْ (الْمُتُونُ) الَّتِي اسْتَلْزَمَ إِيضَاحُهَا وَضْعَ (الشُّرُوحِ) وَتَعْلِيقَ (الْحَوَاشِي) عَلَى نَمَطٍ صَعْبٍ لَا تَكْمُلُ الْفَائِدَةُ مِنْهُ إِلاَّ لِلْمُتَخَصِّصِ، بَلْ رُبَّمَا تَنْحَصِرُ خِبْرَةُ الْفَرْدِ بِمَذْهَبٍ دُونَ آخَرَ لِمَا تَعَارَفَ عَلَيْهِ أَهْلُ كُلِّ مَذْهَبٍ فِي دِرَاسَتِهِ وَالْإِفْتَاءِ بِهِ وَالتَّأْلِيفِ فِيهِ، مِنْ أُصُولٍ وَرُمُوزٍ وَاصْطِلَاحَاتٍ، بَعْضُهَا مُدَوَّنٌ فِي مَوَاطِنَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَبَعْضُهَا لَا يُدْرَكُ إِلاَّ بِالتَّلْقِينِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَيْهِ.
وَالْغَرَضُ هُنَا الْإِشَارَةُ إِلَى ظُهُورِ بَعْضِ الْمُؤَلَّفَاتِ الْمُطَوَّرَةِ فِي عَرْضِ الْفِقْهِ تُشْبِهُ الْمَوْسُوعَةَ- إِذَا غُضَّ النَّظَرُ عَنْ قَضِيَّةِ التَّرْتِيبِ، عَلَى أَهَمِّيَّتِهَا- لِاشْتِمَالِهَا عَلَى بَعْضِ خَصَائِصِ الْكِتَابَةِ الْمَوْسُوعِيَّةِ كَالشُّمُولِ وَإِطْلَاقِ الْبَحْثِ عَنْ التَّقَيُّدِ بِإِيضَاحِ كِتَابٍ، أَوْ مَنْهَجِ تَدْرِيسٍ، أَوْ طَاقَةِ الْفَرْدِ الْعَادِيِّ... وَالْأَمْثِلَةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْكُتُبِ الَّتِي تَجْمَعُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمُؤَلَّفَاتِ، وَتُعْنَى بِمَا كَانَ يُسَمَّى: عِلْمَ الْخِلَافِ (مُقَارَنَةُ الْمَذَاهِبِ) وَتُجْرَى عَلَى أُسْلُوبِ الْبَسْطِ وَالِاسْتِيفَاءِ لِكُلِّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بِحَسَبِ تَقْدِيرِ الْمُؤَلِّفِ.. لَكِنَّ تِلْكَ الْأَشْبَاهَ الْمَوْسُوعِيَّةَ كَانَتْ جُهُودًا فَرْدِيَّةً (أَوْ شِبْهَ فَرْدِيَّةٍ حِينَ تَخْتَرِمُ الْمَنِيَّةُ الْمُؤَلِّفَ فَيَأْتِيَ مَنْBيَضَعُ تَكْمِلَةً لِكِتَابِهِ) وَالنَّزْرُ الْيَسِيرُ مِنْهَا كَانَ جَهْدًا جَمَاعِيًّا وَغَالِبُهُ ثَمَرَةُ اهْتِمَامِ أُولِي الْأَمْرِ، اقْتِرَاحًا أَوْ تَشْجِيعًا أَوْ تَبَنِّيًا وَاحْتِضَانًا.
46- وَمِنْ الْأَمْثِلَةِ لِلْجَهْدِ الْجَمَاعِيِّ فِي الْمُؤَلَّفَاتِ الْفِقْهِيَّةِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْمَوْسُوعَاتِ: الْكِتَابُ الْمَعْرُوفُ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ بِالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ، وَالَّذِي اشْتَرَكَ فِي إِنْجَازِهِ (23) فَقِيهًا مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الْهِنْدِ بِطَلَبِ وَتَمْوِيلِ مَلِكِهَا (مُحَمَّدٍ أورنكزيب) الْمُلَقَّبِ: «عَالَم كير» أَيْ فَاتِحِ الْعَالَمِ، وَلِذَا سُمِّيَتْ «الْفَتَاوَى الْعَالَمْكِيرِيَّةِ».
وَيَجْرِي عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ بَعْضِ أَهْدَافِ الْمَوْسُوعَةِ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا فِيهَا: الْمُخْتَارَاتُ التَّشْرِيعِيَّةُ الْفِقْهِيَّةُ الَّتِي كَانَتْ مَثَابَةً لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ بِالِالْتِزَامِ فَضْلًا عَنْ الْإِلْزَامِ، كَمَجَلَّةِ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ وَالَّتِي وَضَعَتْهَا لَجْنَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِتَكْلِيفٍ مِنْ الْخِلَافَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَكَانَ بَيْنَ أَعْضَائِهَا الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ عَابِدِينَ (نَجْلُ صَاحِبِ الْحَاشِيَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ). وَيُقَارِبُهَا فِي الذُّيُوعِ ثَلَاثَةُ كُتُبٍ لِلْعَلاَّمَةِ مُحَمَّد قَدْرِي بَاشَا مَصُوغَةً كَقَوَانِينَ مُقْتَرَحَةً (وَهِيَ مُرْشِدُ الْحَيْرَانِ فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْأَحْوَالِ الشَّخْصِيَّةِ، وَالْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ فِي أَحْكَامِ الْأَوْقَافِ) تِلْكَ الْكُتُبُ الَّتِي يُورِدُ بَعْضُ الْكُتَّابِ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ مُؤَلِّفُهَا قَدْ أَعَانَهُ عَلَيْهَا قَوْمٌ آخَرُونَ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَهْلِيَّتِهِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي لَا يُسْتَغْرَبُ مَعَهَا نُهُوضُهُ بِهَذَا الْعَمَلِ وَحْدَهُ، وَهُوَ مِمَّا يَنُوءُ بِهِ الْأَفْرَادُ.
وَلَا يَتَّسِعُ الْمَقَامُ لِلْإِفَاضَةِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ وَضَرْبِ الْأَمْثِلَةِ الْكَثِيرَةِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِمَّا يُعْنَى بِهِ عِلْمُ وَصْفِ الْكُتُبِ (الببليوغرافيا) وَمَا كُتِبَ فِي تَارِيخِ الْفِقْهِ وَالتَّشْرِيعِ، وَالْمَدَاخِلِ إِلَى الْفِقْهِ وَمَذَاهِبِهِ وَسِيَرِ الْأَئِمَّةِ وَطَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
36-موسوعة الفقه الكويتية (اقتصار)
اقْتِصَارٌالتَّعْرِيفُ:
1- الِاقْتِصَارُ عَلَى الشَّيْءِ لُغَةً: الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَعَدَمُ مُجَاوَزَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَ اسْتِعْمَالُ الِاقْتِصَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي بَعْضِ فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ، كَقَوْلِهِمْ فِي كِفَايَةِ الرَّقِيقِ: وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: بِبِلَادِنَا احْتِرَازًا عَنْ بِلَادِ السُّودَانِ.وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الْمَحَلِّيُّ: وَجَمْعُهُمَا (الْمَاءِ وَالْحَجَرِ) بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ أَفْضَلُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ، لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ بِخِلَافِ الْحَجَرِ.
وَقَدْ جَاءَ اسْتِعْمَالُ « الِاقْتِصَارِ » فِي الْمِثَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ « الِاكْتِفَاءِ ».
وَلِتَمَامِ الْفَائِدَةِ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ: (اسْتِنَاد).
وَالِاقْتِصَارُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ عِنْدَ حُدُوثِ الْعِلَّةِ لَا قَبْلَ الْحُدُوثِ وَلَا بَعْدَهُ، كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ، وَعَرَّفَهُ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ: ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ، وَمَثَّلَ لَهُ ابْنُ عَابِدِينَ: بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَغَيْرِهَا، وَالتَّعْرِيفَانِ مُتَقَارِبَانِ.
وَيَتَّضِحُ أَنَّ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِلِاقْتِصَارِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ يَعْنِي الِاكْتِفَاءَ بِالْحَالِ وَعَدَمَ مُجَاوَزَتِهِ، لَا إِلَى الْمَاضِي وَلَا إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ.
2- وَيُلَاحَظُ فِي تَعْرِيفِ « الِاقْتِصَارِ » الْأُمُورُ التَّالِيَةُ:
أ- أَنَّهُ أَحَدُ الطُّرُقِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ.
ب- ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَنْ طَرِيقِ الِاقْتِصَارِ يَكُونُ فِي الْحَالِ، أَيْ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
ج- أَنَّهُ إِنْشَاءٌ وَلَيْسَ بِخَبَرٍ.
د- أَنَّهُ إِنْشَاءٌ مُنَجَّزٌ لَا مُعَلَّقٌ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
3- يَتَّضِحُ مَعْنَى الِاقْتِصَارِ مِنْ ذِكْرِ بَقِيَّةِ الطُّرُقِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ وَتَعْرِيفُهَا، وَهِيَ أَلْفَاظٌ ذَاتُ صِلَةٍ بِالِاقْتِصَارِ.
قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ طُرُقَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ أَرْبَعَةٌ: الِانْقِلَابُ، وَالِاقْتِصَارُ، وَالِاسْتِنَادُ، وَالتَّبْيِينُ.
الِانْقِلَابُ:
4- الِانْقِلَابُ: صَيْرُورَةُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً، كَمَا إِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ، كَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَإِنَّ « أَنْتِ طَالِقٌ » عِلَّةٌ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ، لَكِنَّهُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الدُّخُولِ لَمْ يَنْعَقِدْ عِلَّةً إِلاَّ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الدُّخُولُ، فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً.وَيَتَبَيَّنُ مِنْ تَعْرِيفِ الِانْقِلَابِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ مَعَ الِاقْتِصَارِ فِي أَنَّهُمَا إِنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ، إِلاَّ أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ الِاقْتِصَارَ مُنَجَّزٌ، وَالِانْقِلَابَ مُعَلَّقٌ.
الِاسْتِنَادُ:
5- الِاسْتِنَادُ: ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ، ثُمَّ يَسْتَنِدُ إِلَى مَا قَبْلَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمَحَلِّ كُلَّ الْمُدَّةِ، كَلُزُومِ الزَّكَاةِ حِينَ الْحَوْلِ مُسْتَنِدًا لِوُجُودِ النِّصَابِ، وَكَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ.
فَالْأَثَرُ الرَّجْعِيُّ هُنَا وَاضِحٌ، بِخِلَافِ الِاقْتِصَارِ فَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.
الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِنَادِ وَالِاقْتِصَارِ:
6- الِاسْتِنَادُ أَحَدُ الطُّرُقِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ خِلَالِ تَعْرِيفِهِ أَنَّ الِاسْتِنَادَ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ بِخِلَافِ الِاقْتِصَارِ.
جَاءَ فِي الْمَدْخَلِ الْفِقْهِيِّ الْعَامِّ:
فِي الِاصْطِلَاحِ الْقَانُونِيِّ الشَّائِعِ الْيَوْمَ فِي عَصْرِنَا يُسَمَّى انْسِحَابُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمَاضِي أَثَرًا رَجْعِيًّا، وَيُسْتَعْمَلُ هَذَا التَّعْبِيرُ فِي رَجْعِيَّةِ أَحْكَامِ الْقَوَانِينِ نَفْسِهَا كَمَا فِي آثَارِ الْعُقُودِ عَلَى السَّوَاءِ.فَيُقَالُ: هَذَا الْقَانُونُ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَذَاكَ لَيْسَ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّ بَيْعَ مِلْكِ الْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ إِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ يَكُونُ لِإِجَازَتِهِ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، فَيُعْتَبَرُ حُكْمُ الْعَقْدِ سَارِيًا مُنْذُ انْعِقَادِهِ لَا مُنْذُ إِجَازَتِهِ، وَلَيْسَ فِي لُغَةِ الْقَانُونِ اسْمٌ لِعَدَمِ الْأَثَرِ الرَّجْعِيِّ.
أَمَّا الْفِقْهُ الْإِسْلَامِيُّ فَيُسَمِّي عَدَمَ رَجْعِيَّةِ الْآثَارِ اقْتِصَارًا، بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ لَا مُنْسَحِبًا عَلَى الْمَاضِي.
وَيُسَمِّي رَجْعِيَّةَ الْآثَارِ اسْتِنَادًا، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، وَيُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ « انْعِطَافًا ».ثُمَّ أَضَافَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ:
وَتَارَةً يَكُونُ الِانْحِلَالُ مُقْتَصَرًا لَيْسَ لَهُ انْعِطَافٌ وَأَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَإِنَّمَا يَسْرِي حُكْمُهُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ مِنْ تَارِيخِ وُقُوعِهِ، وَذَلِكَ فِي الْعُقُودِ الِاسْتِمْرَارِيَّةِ كَالشَّرِكَةِ وَكَالْإِجَارَةِ.
فَالْفَسْخُ أَوِ الِانْفِسَاخُ يَقْطَعَانِ تَأْثِيرَ هَذِهِ الْعُقُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا مَا مَضَى فَيَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا انْحِلَالُ الْوَكَالَةِ بِالْعَزْلِ لَا يَنْقُضُ تَصَرُّفَاتِ الْوَكِيلِ السَّابِقَةَ.
ثُمَّ يُسْتَحْسَنُ التَّمْيِيزُ فِي تَسْمِيَةِ انْحِلَالِ الْعَقْدِ بَيْنَ حَالَتَيِ الِاسْتِنَادِ وَالِاقْتِصَارِ، فَيُقْتَرَحُ تَسْمِيَةُ الْحِلِّ وَالِانْحِلَالِ فِي حَالَةِ الِاسْتِنَادِ: فَسْخًا وَانْفِسَاخًا، وَفِي حَالَةِ الِاقْتِصَارِ: إِنْهَاءً وَانْتِهَاءً.
7- هَذَا، وَلَمْ نَرَ التَّصْرِيحَ بِهَذَيْنِ الْمُصْطَلَحَيْنِ فِي مَذْهَبِ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ فَرَّقُوا بَيْنَ حَالَتَيْنِ فِي الْفَسْخِ.
قَالَ الْإِمَامُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْفَسْخُ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ يُمْكِنُ أَنْ نَفْهَمَ مِنْ قَوْلِ السُّيُوطِيِّ هَذَا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ وَبَيْنَ مَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَى الْأَوَّلِ الِاسْتِنَادُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي الِاقْتِصَارُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا.
فَقَدْ فَرَّقَ السُّيُوطِيُّ هُنَا بَيْنَ مَا لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.
8- وَقَدْ مَثَّلُوا لِمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ بِمَا يَلِي:
أ- الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالتَّصْرِيَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.
ب- فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ حِينِهِ.
ج- الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.
هـ- الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.
- و- فَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ
ز- فَسْخُ الْحَوَالَةِ: انْقِطَاعٌ مِنْ حِينِهِ.
9- وَمَثَّلَ لِمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ: إِذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ فِي الذِّمَّةِ، وَعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ انْفَسَخَ السَّلَمُ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ، فَهَلْ يَرْجِعُ إِلَى عَيْنِهِ أَوْ بَدَلِهِ؟ وَجْهَانِ: الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ.قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالْخِلَافُ يَلْتَفِتُ إِلَى أَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ إِذَا رُدَّ بِالْعَيْبِ هَلْ يَكُونُ نَقْضًا لِلْمِلْكِ فِي الْحَالِ، أَوْ هُوَ مُبَيِّنٌ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمِلْكِ؟.
وَمُقْتَضَى هَذَا التَّفْرِيعِ: أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا، أَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ (أَقْسَاطِهَا)، وَبَدَلِ الْخُلْعِ إِذَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ.
لَكِنْ فِي الْكِتَابَةِ يَرْتَدُّ الْعِتْقُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
وَفِي الْخُلْعِ: لَا يَرْتَدُّ الطَّلَاقُ بَلْ يَرْجِعُ إِلَى بَدَلِ الْبُضْعِ.
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ السُّيُوطِيُّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، فِي أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ حِينًا وَمِنْ حِينِهِ حِينًا آخَرَ.
إِلاَّ أَنَّنَا حِينَمَا نَرْجِعُ إِلَى الرَّوْضَةِ نَجِدُ الْإِمَامَ النَّوَوِيَّ يُرَجِّحُ أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، وَأَنَّ الرَّفْعَ مِنَ الْأَصْلِ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الْقَلْيُوبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمَحَلِّيِّ فَيَقُولُ: إِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَيَقُولُ الْمَحَلِّيُّ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ: إِنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ.
التَّبْيِينُ:
10- التَّبْيِينُ: أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ فِي الْيَوْمِ: إِنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا، يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْهُ.
وَيُخَالِفُ التَّبْيِينُ الِاقْتِصَارَ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّبْيِينِ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ، فِي حِينِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الِاقْتِصَارِ يَثْبُتُ فِي الْحَالِ فَقَطْ.
هَذَا، وَلَمَّا كَانَ الِاقْتِصَارُ إِنْشَاءً لِلْعُقُودِ، أَوِ الْفُسُوخِ الْمُنَجَّزَةِ، شَمَلَهَا جَمِيعًا، لِأَنَّ التَّنْجِيزَ هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا.
مِثَالُ الْعُقُودِ: الْبَيْعُ وَالسَّلَمُ وَالْإِجَارَةُ وَالْقِرَاضُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَمِثَالُ الْفُسُوخِ: الطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْفُسُوخُ غَيْرَ مُنَجَّزَةٍ، بِأَنْ كَانَ لَهَا أَثَرٌ رَجْعِيٌّ، وَانْسَحَبَ حُكْمُهَا عَلَى الْمَاضِي، فَتَدْخُلُ حِينَئِذٍ فِي بَابِ الِاسْتِنَادِ.وَمِثَالُهُ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ، لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى يَمُوتَ فُلَانٌ بَعْدَ الْيَمِينِ بِشَهْرٍ، فَإِنْ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ طُلِّقَتْ مُسْتَنِدًا إِلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ أَوَّلَهُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
37-موسوعة الفقه الكويتية (دين 3)
دَيْنٌ -359- (وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الدُّيُونِ) مَا لَا يَكُونُ الْمِلْكُ عَلَيْهِ مُسْتَقِرًّا: كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُضِيِّ زَمَانِهَا، وَالْمَهْرُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُضِيِّ زَمَانِهَا وَالْمَهْرُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الدُّيُونِ يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا لِلدَّيْنِ عَنِ الْمَدِينِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى مَنْعِهِ.
أَمَّا تَمْلِيكُهُ بِعِوَضٍ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ دَيْنِ السَّلَمِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ غَيْرِ الْمُسْتَقِرَّةِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ- دَيْنُ السَّلَمِ
60- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمُسْلِمِ الدَّيْنَ الْمُسْلَمَ فِيهِ لِلْمَدِينِ، أَوِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ، فَكَانَ كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِهِ».قَالُوا: وَهَذَا يَقْتَضِي أَلاَّ يَبِيعَ الْمُسْلِمُ دَيْنَ السَّلَمِ لَا مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَصَحَّحَهُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمُ، وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِ الْعَرَضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ دُونِهِ، لَا أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ مِنَ الْمَدِينِ وَالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ إِذَا كَانَ بِسِعْرِ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ بِعَدَمِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ، إِذِ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَانِعُونَ «مَنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» ضَعِيفٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَحَتَّى لَوْ صَحَّ، فَإِنَّ مَعْنَى «فَلَا يَصْرِفْهُ إِلَى غَيْرِهِ» أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إِلَى سَلَمٍ آخَرَ، أَوْ لَا يَبِيعَهُ بِمُعَيَّنٍ مُؤَجَّلٍ، وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ.قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: «فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِي التَّحْرِيمِ وَلَا إِجْمَاعَ وَلَا قِيَاسَ، وَأَنَّ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ يَقْتَضِيَانِ الْإِبَاحَةَ».
أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلِأَنَّ دَيْنَ السَّلَمِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ بِزِيَادَةٍ، فَقَدْ رَبِحَ رَبُّ السَّلَمِ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ «نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ».
61- (ب) الدُّيُونُ الَّتِي لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُ الدَّائِنِ عَلَيْهَا لِعَدَمِ قَبْضِ الْمَدِينِ الشَّيْءَ الْمُقَابِلَ لَهَا، كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُضِيِّ زَمَانِهَا، وَكَالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ الدُّيُونُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَمْلِيكِهَا مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهَا غَيْرُ تَامٍّ.
وَالثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِهَا مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ، كَالدُّيُونِ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُ الدَّائِنِ عَلَيْهَا، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: (تَمْلِيكُ الدُّيُونِ لِغَيْرِ الْمَدِينِ):
62- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَالثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَظْهَرِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِعِوَضٍ أَمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لآِخَرَ: وَهَبْتُكَ مَا لِي مِنْ دَيْنٍ عَلَى فُلَانٍ فَيَقْبَلُ.أَوْ يَقُولَ لَهُ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ
كَذَا بِمَا لِيَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى فُلَانٍ، فَيَقْبَلُ أَوْ يَقُولَ لَهُ: اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ كَذَا بِالدَّيْنِ الثَّابِتِ لِي فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ، فَيَقْبَلُ.فَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ أَوِ الْمُشْتَرِيَ أَوِ الْمُسْتَأْجِرَ يَهَبُ أَوْ يَبِيعُ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ، وَلَا لَهُ مِنَ السُّلْطَةِ شَرْعًا مَا يُمَكِّنُهُ مِنْ قَبْضِهِ مِنْهُ، فَكَانَ بَيْعًا لِشَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إِذْ رُبَّمَا مَنَعَهُ الْمَدِينُ أَوْ جَحَدَهُ، وَذَلِكَ غَرَرٌ فَلَا يَجُوزُ.
وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ قَاعِدَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ
الْأُولَى: إِذَا وَكَّلَ الدَّائِنُ الشَّخْصَ الَّذِي مَلَّكَهُ الدَّائِنُ فِي قَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْ مَدِينِهِ، فَيَصِحُّ ذَلِكَ، وَيَقْبِضُ الدَّيْنَ مِنَ الْمَدِينِ بِاعْتِبَارِهِ وَكِيلًا عَنِ الدَّائِنِ، وَبِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، وَتَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ الدَّيْنِ إِلَيْهِ.
وَالثَّانِيَةُ: إِذَا أَحَالَ الدَّائِنُ الشَّخْصَ الَّذِي مَلَّكَهُ الدَّيْنَ عَلَى مَدِينِهِ، فَيَصِحُّ ذَلِكَ، وَيَقْبِضُ الدَّيْنَ مِنَ الْمَدِينِ بِاعْتِبَارِهِ مُحَالًا مِنَ الدَّائِنِ عَلَيْهِ، وَبِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ تَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ الدَّيْنِ إِلَيْهِ.
وَالثَّالِثَةُ: الْوَصِيَّةُ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهِ كَمَا يَنْتَقِلُ بِالْإِرْثِ.
وَالثَّالِثُ: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ- صَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ كَالشِّيرَازِيِّ فِي الْمُهَذَّبِ وَالنَّوَوِيِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَأَفْتَى بِهِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُ- وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ سَائِرِ الدُّيُونِ- عَدَا دَيْنِ السَّلَمِ- لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلْمَدِينِ وَلَا فَرْقَ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَالْمَدِينُ مُقِرًّا مَلِيئًا أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَا كُلْفَةَ فِي إِقَامَتِهَا.وَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ النَّاشِئِ عَنْ عَدَمِ قُدْرَةِ الدَّائِنِ عَلَى تَسْلِيمِ الدَّيْنِ إِلَيْهِ.
وَكَمَا اشْتُرِطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إِذَا كَانَ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً- كَالرِّبَوِيَّاتِ بِبَعْضِهَا- فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ كَذَلِكَ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ.
وَالرَّابِعُ لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدِينِ بِشُرُوطٍ تُبَاعِدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَرِ، وَتَنْفِي عَنْهُ سَائِرَ الْمَحْظُورَاتِ الْأُخْرَى، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ ثَمَانِيَةٌ
1- أَنْ يُعَجِّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعَجِّلْ فِي الْحِينِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.
2- أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ؛ لِيَعْلَمَ مِنْ فَقْرٍ أَوْ غِنًى؛ لِأَنَّ عِوَضَ الدَّيْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَدِينِ، وَالْمَبِيعُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا.
3- أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لَهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ حَسْمًا لِلْمُنَازَعَاتِ.
4- أَنْ يُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ بِجِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ.
5- أَلاَّ يَكُونَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ وَلَا عَكْسَهُ، لِاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا.
6- أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَدِينِ عَدَاوَةٌ.
7- أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ طَعَامًا، إِذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
8- أَلاَّ يَقْصِدَ الْمُشْتَرِي إِعْنَاتَ الْمَدِينِ وَالْإِضْرَارَ بِهِ.
تَصَرُّفُ الْمَدِينِ:
63- يَنْحَصِرُ تَصَرُّفُ الْمَدِينِ فِي الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّتِهِ فِي أَمْرَيْنِ: الْحَوَالَةِ، وَالسَّفْتَجَةِ.
الْحَالَةُ الْأُولَى: الْحَوَالَةُ. (ر: حَوَالَة).
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: السَّفْتَجَةُ. (ر: سَفْتَجَة).
الدَّيْنُ فِي ظِلِّ تَغَيُّرَاتِ النُّقُودِ:
64- يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ فِي أَحْكَامِ الدَّيْنِ مِنَ النُّقُودِ عِنْدَ طُرُوءِ التَّغَيُّرَاتِ عَلَى النَّقْدِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ نَقْدًا بِالْخِلْقَةِ (أَيْ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ) وَمَا إِذَا كَانَ ثَابِتًا بِالِاصْطِلَاحِ (بِأَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَجَرَى الِاصْطِلَاحُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ اسْتِعْمَالَ النَّقْدَيْنِ) كَالْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُمُلَاتِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
تَغَيُّرُ النُّقُودِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ نَقْدًا بِالْخِلْقَةِ:
65- إِنَّ الدَّيْنَ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ إِذَا كَانَ عُمْلَةً ذَهَبِيَّةً أَوْ فِضِّيَّةً مُحَدَّدَةً مُسَمَّاةً فَغَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْأَدَاءِ، فَلَا يَلْزَمُ الْمَدِينَ أَنْ Bيُؤَدِّيَ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهَا نَقْدٌ بِالْخِلْقَةِ، وَهَذَا التَّغَيُّرُ فِي قِيمَتِهَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى الدَّيْنِ أَلْبَتَّةَ.وَقَدْ جَاءَ فِي (م 805) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ.«وَإِنِ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنَ الْمَكِيلَاتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ أَوِ الْمَسْكُوكَاتِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَرَخُصَتْ أَسْعَارُهَا أَوْ غَلَتْ، فَعَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِرُخْصِهَا وَغُلُوِّهَا».
وَحَتَّى لَوْ زَادَتِ الْجِهَةُ الْمُصْدِرَةُ لِهَذِهِ الْعُمْلَةِ سِعْرَهَا أَوْ نَقَصَتْهُ، فَلَا يَلْزَمُ الْمَدِينَ إِلاَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَقْدُ.
يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: «ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَدَّدَ فِي زَمَانِنَا وُرُودُ الْأَمْرِ السُّلْطَانِيِّ بِتَغْيِيرِ سِعْرِ بَعْضٍ مِنَ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ بِالنَّقْصِ، وَاخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فِيهِ.وَالَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ الْآنَ دَفْعُ النَّوْعِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا، كَمَا إِذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةِ رِيَالٍ إِفْرِنْجِيٍّ أَوْ مِائَةِ ذَهَبٍ عَتِيقٍ».
وَلَوْ أَبْطَلَتِ السُّلْطَةُ الْمُصْدِرَةُ لِهَذِهِ الْعُمْلَةِ التَّعَامُلَ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَدِينَ سِوَاهَا وَفَاءً بِالْعَقْدِ، إِذْ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَهِيَ الثَّابِتَةُ فِي الذِّمَّةِ دُونَ غَيْرِهَا.وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي «الْأُمِّ» وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ.قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَمَنْ سَلَّفَ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بَاعَ بِهَا، ثُمَّ أَبْطَلَهَا السُّلْطَانُ، فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مِثْلُ فُلُوسِهِ أَوْ دَرَاهِمِهِ الَّتِي سَلَّفَ أَوْ بَاعَ بِهَا».وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا أُبْطِلَتْ هَذِهِ الْعُمْلَةُ وَاسْتُبْدِلَ بِهَا غَيْرُهَا، فَيُرْجَعُ إِلَى قِيمَةِ الْعُمْلَةِ الْمُلْغَاةِ مِنَ الذَّهَبِ، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْقِيمَةَ ذَهَبًا.
أَمَّا إِذَا عُدِمَتْ تِلْكَ الْعُمْلَةُ أَوِ انْقَطَعَتْ أَوْ فُقِدَتْ فِي بَلَدِ الْمُتَدَايِنَيْنِ، فَتَجِبُ عِنْدَئِذٍ قِيمَتُهَا مِمَّا تَجَدَّدَ وَتَوَفَّرَ التَّعَامُلُ بِهِ مِنَ الْعُمُلَاتِ.
وَلَوْ قَلَّتْ أَوْ عَزَّ وُجُودُهَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُهَا لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهَا مَعَ الْعِزَّةِ، بِخِلَافِ انْقِطَاعِهَا وَانْعِدَامِهَا وَفَقْدِهَا.قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: «وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَعَيَّنَ شَيْئًا مَوْجُودًا، اتُّبِعَ وَإِنْ عَزَّ».
وَتَجْدُرُ الْإِشَارَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَى أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَيَّدُوا الْقَوْلَ بِإِلْزَامِ الدَّائِنِ بِقَبُولِ مِثْلِ النَّقْدِ الَّذِي ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَإِلْزَامِ الْمَدِينِ بِأَدَائِهِ إِذَا كَانَ Bمُتَوَفِّرًا- فِي حَالَتَيِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ- بِأَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ بِهَذَا النَّقْدِ مَسْمُوحًا بِهِ مِنْ قِبَلِ الدَّوْلَةِ.
أَمَّا إِذَا مَنَعَتِ الدَّوْلَةُ النَّاسَ مِنَ التَّعَامُلِ بِهِ، فَلَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِهِ، وَيَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ وَقْتَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنَ النُّقُودِ إِنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِهِ رِبَا الْفَضْلِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ التَّعَامُلِ بِهَذَا النَّقْدِ أَمْ لَمْ يَتَّفِقُوا، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِهِ رِبَا الْفَضْلِ، فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْوَفَاءُ بِقِيمَتِهِ مِنْ جِنْسِهِ.
تَغَيُّرُ النُّقُودِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ نَقْدًا بِالِاصْطِلَاحِ:
إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ نَقْدًا بِالِاصْطِلَاحِ لَا بِالْخِلْقَةِ كَسَائِرِ الْعُمُلَاتِ الْأُخْرَى غَيْرِ الذَّهَبِيَّةِ وَالْفِضِّيَّةِ، فَطَرَأَ عَلَيْهِ تَغَيُّرٌ عِنْدَ حُلُولِهِ، فَعِنْدَئِذٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ خَمْسِ حَالَاتٍ:
الْحَالَةُ الْأُولَى: (الْكَسَادُ الْعَامُّ لِلنَّقْدِ):
66- وَذَلِكَ بِأَنْ تُوقِفَ الْجِهَةُ الْمُصْدِرَةُ لِلنَّقْدِ التَّعَامُلَ بِهِ، فَتُتْرَكُ الْمُعَامَلَةُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَهُوَ مَا يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ بِـ «كَسَادِ النَّقْدِ».
فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ: لَوِ اشْتَرَى شَخْصٌ سِلْعَةً بِنَقْدٍ مُحَدَّدٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ كَسَدَ ذَلِكَ النَّقْدُ قَبْلَ الْوَفَاءِ، أَوِ اسْتَدَانَ نَقْدًا مَعْلُومًا ثُمَّ كَسَدَ قَبْلَ الْأَدَاءِ، أَوْ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ الْمَهْرُ الْمُؤَجَّلُ نَقْدًا مُحَدَّدًا، ثُمَّ كَسَدَ قَبْلَ حُلُولِهِ.فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّ النَّقْدَ الَّذِي كَسَدَ إِذَا كَانَ ثَمَنًا فِي بَيْعٍ، فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَيَجِبُ الْفَسْخُ مَا دَامَ مُمْكِنًا؛ لِأَنَّهُ بِالْكَسَادِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ ثَمَنًا، حَيْثُ إِنَّ ثَمَنِيَّتَهُ ثَبَتَتْ بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِذَا تَرَكَ النَّاسُ التَّعَامُلَ بِهِ، فَإِنَّهَا تَزُولُ عَنْهُ صِفَةُ الثَّمَنِيَّةِ، فَيَبْقَى الْمَبِيعُ بِلَا ثَمَنٍ، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ.أَمَّا إِذَا كَانَ دَيْنًا فِي قَرْضٍ أَوْ مَهْرًا مُؤَجَّلًا، فَيَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ كَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ لَا غَيْرُهُ.حَيْثُ «إِنَّ الْقَرْضَ إِعَارَةٌ، وَمُوجِبُهَا رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِرَدِّ مِثْلِهِ Bوَلَوْ كَانَ كَاسِدًا- لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ زِيَادَةٌ فِيهِ، حَيْثُ إِنَّ صِحَّةَ الْقَرْضِ لَا تَعْتَمِدُ الثَّمَنِيَّةَ، بَلْ تَعْتَمِدُ الْمِثْلِيَّةَ، وَبِالْكَسَادِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا، وَلِهَذَا صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ بَعْدَ الْكَسَادِ، وَصَحَّ اسْتِقْرَاضُ مَا لَيْسَ بِثَمَنٍ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا، وَلَوْلَا أَنَّهُ إِعَارَةٌ فِي الْمَعْنَى لَمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُبَادَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ نَسِيئَةً وَأَنَّهُ حَرَامٌ، فَصَارَ الْمَرْدُودُ عَيْنَ الْمَقْبُوضِ حُكْمًا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرَّوَاجُ كَرَدِّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالْقَرْضُ كَالْغَصْبِ إِذْ هُوَ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ».
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لِأَبِي يُوسُفَ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ رَدُّ الْمِثْلِ بَعْدَمَا كَسَدَ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ رَدُّ قِيمَةِ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ- يَوْمَ التَّعَامُلِ- مِنْ نَقْدٍ آخَرَ.وَبِهَذَا أَخَذَتِ الْمَادَّةُ: «805» مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا: «إِذَا اسْتَقْرَضَ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنَ الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَالنُّقُودِ غَالِبَةِ الْغِشِّ فَكَسَدَتْ وَبَطَلَ التَّعَامُلُ بِهَا فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا لَا يَوْمَ رَدِّهَا».
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ:
أَوَّلًا: بِأَنَّ إِيقَافَ التَّعَامُلِ بِهَا مِنْ قِبَلِ الْجِهَةِ الْمُصْدِرَةِ لَهَا مَنْعٌ لِنَفَاقِهَا وَإِبْطَالٌ لِمَالِيَّتِهَا، إِذْ هِيَ أَثْمَانٌ بِالِاصْطِلَاحِ لَا بِالْخِلْقَةِ، فَصَارَ ذَلِكَ إِتْلَافًا لَهَا، فَيَجِبُ بَدَلُهَا وَهُوَ الْقِيمَةُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ.ثَانِيًا: وَلِأَنَّ الدَّائِنَ قَدْ دَفَعَ شَيْئًا مُنْتَفَعًا بِهِ لِأَخْذِ عِوَضٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ، فَلَا يُظْلَمُ بِإِعْطَائِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّعَامُلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ رَدُّ قِيمَةِ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّعَامُلُ مِنَ النَّقْدِ الْآخَرِ وَقْتَ الْكَسَادِ، أَيْ فِي آخِرِ نَفَاقِهَا، وَهُوَ آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِقَالِ إِلَى الْقِيمَةِ، إِذْ كَانَ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهَا مَا دَامَتْ نَافِقَةً، فَإِذَا كَسَدَتِ انْتَقَلَ إِلَى قِيمَتِهَا حِينَئِذٍ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ النَّقْدَ إِذَا كَسَدَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَقَبْلَ أَدَائِهِ، فَلَيْسَ لِلدَّائِنِ سِوَاهُ.وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْكَسَادُ كَجَائِحَةٍ نَزَلَتْ بِالدَّائِنِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ قَرْضًا أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: (الْكَسَادُ الْمَحَلِّيُّ لِلنَّقْدِ):
67- وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْطُلَ التَّعَامُلُ بِالنَّقْدِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا فِي جَمِيعِهَا.وَمِثْلُهُ فِي عَصْرِنَا الْحَاضِرِ الْعُمُلَاتُ الَّتِي تُصْدِرُهَا بَعْضُ الدُّوَلِ وَتَمْنَعُ تَدَاوُلَهَا فِي خَارِجِ أَرَاضِيهَا.فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ: إِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ بِنَقْدٍ نَافِقٍ ثُمَّ كَسَدَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ، وَيَكُونُ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالنَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَةِ ذَلِكَ النَّقْدِ مِنْ عُمْلَةٍ رَائِجَةٍ.وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إِذَا كَسَدَ النَّقْدُ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ، فَيَجْرِي عَلَيْهِ فِيهَا حُكْمُ الْكَسَادِ الْعَامِّ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: (انْقِطَاعُ النَّقْدِ):
68- وَذَلِكَ بِأَنْ يُفْقَدَ النَّقْدُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَلَا يَتَوَفَّرَ فِي الْأَسْوَاقِ لِمَنْ يُرِيدُهُ.
فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ: لَوِ اشْتَرَى شَخْصٌ سِلْعَةً Bبِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ انْقَطَعَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لِلْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي أَدَاءَ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْقِيمَةِ فِي آخِرِ يَوْمٍ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ مِثْلِ النَّقْدِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، فَيُصَارُ إِلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الْقِيمَةُ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ وَغَيْرِهِ.وَإِنَّمَا اعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ قُبَيْلَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَنْتَقِلُ الْوُجُوبُ فِيهِ مِنَ الْمِثْلِ إِلَى الْقِيمَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لِأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ أَدَاءُ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَامُلِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّ الِانْقِطَاعَ كَالْكَسَادِ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْحُصُولُ عَلَى ذَلِكَ النَّقْدِ مَعَ فَقْدِهِ وَانْقِطَاعِهِ، فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِلاَّ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ دَيْنَ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.لَكِنْ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عِنْدَمَا يُصَارُ إِلَيْهَا: فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَجِبُ فِي وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ تَجِبُ فِي أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ- وَهُوَ حُلُولُ الْأَجَلِ- وَالْعَدَمِ الَّذِي هُوَ الِانْقِطَاعُ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْقِيمَةَ إِنَّمَا تُقَدَّرُ وَقْتَ الْحُكْمِ.
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: (غَلَاءُ النَّقْدِ وَرُخْصُهُ).
69- وَذَلِكَ بِأَنْ تَزِيدَ قِيمَةُ النَّقْدِ أَوْ تَنْقُصَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، اللَّذَيْنِ يُعْتَبَرَانِ Bالْمِقْيَاسَ الَّذِي تُقَدَّرُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ وَقِيَمُهَا، وَيُعَدَّانِ ثَمَنًا.وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِـ «الْغَلَاءِ» «وَالرُّخْصِ» فِي هَذَا الْمَقَامِ.
فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ: إِذَا تَغَيَّرَتْ قِيمَةُ النَّقْدِ غَلَاءً أَوْ رُخْصًا بَعْدَمَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ بَدَلًا فِي قَرْضٍ أَوْ دَيْنِ مَهْرٍ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَا يَلْزَمُ الْمَدِينَ أَدَاؤُهُ.عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَدِينِ أَدَاؤُهُ هُوَ نَفْسُ النَّقْدِ الْمُحَدَّدِ فِي الْعَقْدِ وَالثَّابِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، دُونَ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَلَيْسَ لِلدَّائِنِ سِوَاهُ.وَقَدْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الرَّأْيِ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لِأَبِي يُوسُفَ- وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ أَنْ يُؤَدِّيَ قِيمَةَ النَّقْدِ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ الْغَلَاءُ أَوِ الرُّخْصُ يَوْمَ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ نَقْدٍ رَائِجٍ.فَفِي الْبَيْعِ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَفِي الْقَرْضِ يَوْمَ الْقَبْضِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَجْهٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ التَّغَيُّرَ إِذَا كَانَ فَاحِشًا، فَيَجِبُ أَدَاءُ قِيمَةِ النَّقْدِ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ الْغَلَاءُ أَوِ الرُّخْصُ.أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا فَالْمِثْلُ.قَالَ الرَّهُونِيُّ- مُعَلِّقًا عَلَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ الْمَشْهُورِ بِلُزُومِ الْمِثْلِ وَلَوْ تَغَيَّرَ النَّقْدُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ-: قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ جِدًّا، حَتَّى يَصِيرَ الْقَابِضُ لَهَا كَالْقَابِضِ لِمَا لَا كَبِيرَ مَنْفَعَةٍ فِيهِ؛ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا الْمُخَالِفُ فِي الْكَسَادِ.
انْقِضَاءُ الدَّيْنِ:
إِذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فَإِنَّهَا تَبْقَى مَشْغُولَةً بِالدَّيْنِ، وَلَا تَبْرَأُ إِلاَّ بِحُصُولِ أَحَدِ أَسْبَابِ انْقِضَاءِ الدَّيْنِ التَّالِيَةِ:
أَوَّلًا: الْأَدَاءُ:
70- إِذَا أَدَّى الْمَدِينُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ كَفِيلُهُ أَوْ غَيْرُهُمُ Bالدَّيْنَ إِلَى الدَّائِنِ أَوْ نَائِبِهِ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ دُيُونِهِ، فَإِنَّ ذِمَّةَ الْمَدِينِ تَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ.أَمَّا إِذَا دَفَعَ الدَّيْنَ إِلَى مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى قَبْضِ دُيُونِ الدَّائِنِ، فَلَا يَنْقَضِي الدَّيْنُ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَدِينِ. (ر: أَدَاء).
وَوِلَايَةُ قَبْضِ الدُّيُونِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ تَثْبُتُ بِأَمْرَيْنِ: إِمَّا بِتَوْلِيَةِ الدَّائِنِ، وَإِمَّا بِتَوْلِيَةِ الشَّارِعِ: - أَمَّا الَّتِي تَثْبُتُ بِتَوْلِيَةِ الدَّائِنِ: فَهِيَ وِلَايَةُ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ أَصَالَةً مَلَكَ التَّوْكِيلَ فِيهِ، وَنَفْسُ الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، فَكَانَ قَبْضُ الْوَكِيلِ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَلَا فَرْقَ.وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ أَهْلًا لِلْقَبْضِ.
(ر: قَبْض).- وَأَمَّا الَّتِي تَثْبُتُ بِتَوْلِيَةِ الشَّارِعِ: فَهِيَ وِلَايَةُ مَنْ يَلِي مَالَ الْمَحْجُورِ وَيَتَوَلَّى قَبْضَ حُقُوقِهِ.وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ لَيْسَتْ بِتَوْلِيَةِ الدَّائِنِ؛ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِتَوْلِيَةِ الشَّارِعِ. (ر: وِلَايَة).
وَيُشْتَرَطُ لِنَفَاذِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ مَالِكًا لِمَا دَفَعَهُ، فَإِنِ اسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ وَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ فَلِلدَّائِنِ الرُّجُوعُ بِدَيْنِهِ عَلَى غَرِيمِهِ.
ثَانِيًا: الْإِبْرَاءُ:
71- وَذَلِكَ كَمَا إِذَا كَانَ لِزَيْدٍ فِي ذِمَّةِ بَكْرٍ مِائَةُ دِينَارٍ ثَمَنُ مَبِيعٍ أَوْ بَدَلُ قَرْضٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَأَبْرَأَهُ مِنَ الدَّيْنِ كُلِّهِ، فَيَنْتَهِي بِذَلِكَ الْتِزَامُ الْمَدِينِ لِفَرَاغِ ذِمَّتِهِ بِالْإِبْرَاءِ، وَيَنْقَضِي الدَّيْنُ.كَمَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْكَفِيلِ بِالدَّيْنِ تَبَعًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مَضْمُونًا.وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ بَعْضِ الدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلاَّ مُطَالَبَتُهُ بِالْبَاقِي.وَالْإِبْرَاءُ يَتِمُّ بِإِيجَابٍ مِنَ الدَّائِنِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى قَبُولٍ مِنَ الْمَدِينِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنِ الدَّيْنِ إِسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.فَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ إِسْقَاطًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَبِاعْتِبَارِهِ تَمْلِيكًا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِدْخَالِ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.إِلاَّ فِي الْإِرْثِ. (ر: إِبْرَاء).
ثَالِثًا: الْمُقَاصَّةُ:
72- وَهِيَ إِسْقَاطُ دَيْنٍ مَطْلُوبٍ لِشَخْصٍ مِنْ غَرِيمِهِ فِي مُقَابَلَةِ دَيْنٍ مَطْلُوبٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ لِغَرِيمِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُشْغَلَ ذِمَّةُ الدَّائِنِ بِمِثْلِ مَا لَهُ عَلَى الْمَدِينِ فِي الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَوَقْتِ الْأَدَاءِ، فَعِنْدَئِذٍ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنَانِ إِذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ، فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْقَدْرِ سَقَطَ مِنَ الْأَكْثَرِ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ وَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ، فَتَكُونُ Bالْمُقَاصَّةُ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَيَبْقَى أَحَدُهُمَا مَدِينًا لِلْآخَرِ بِمَا زَادَ. (ر: مُقَاصَّة).
رَابِعًا: اتِّحَادُ الذِّمَّةِ:
73- وَذَلِكَ كَمَا إِذَا كَانَ زَيْدٌ مَدِينًا لِأَخِيهِ الشَّقِيقِ بَكْرٍ بِمَبْلَغِ أَلْفِ دِينَارٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ بَكْرٌ الدَّائِنُ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إِلاَّ أَخُوهُ زَيْدٌ، فَيَرِثُ زَيْدٌ مِنْ ضِمْنِ مَا يَرِثُهُ عَنْ بَكْرٍ هَذَا الدَّيْنَ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ زَيْدٌ مَدِينًا وَدَائِنًا لِحُلُولِهِ مَحَلَّ الدَّائِنِ الْمُورَثِ، فَإِذَا طَالَبَ بِالدَّيْنِ، فَهُوَ إِنَّمَا يُطَالِبُ نَفْسَهُ لِيَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ لِاتِّحَادِ الذِّمَّةِ، فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ وَيَنْقَضِي لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ. (ر: إِرْث).
خَامِسًا: التَّقَادُمُ:
74- لَا يُعْتَبَرُ التَّقَادُمُ مِنْ أَسْبَابِ انْقِضَاءِ الدَّيْنِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَاصِقٌ بِذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِمَنْ هُوَ لَهُ، لَا يُسْقِطُهُ تَقَادُمُ الزَّمَنِ مَهْمَا طَالَ.وَلَكِنْ تَقَادُمُ الزَّمَنِ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ سَمَاعِ الدَّعْوَى إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا، وَالْمُدَّعِي لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ، عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ بَيَانًا مُفَصَّلًا. (ر: تَقَادُم).
سَادِسًا: انْفِسَاخُ سَبَبِ الْوُجُوبِ:
75- وَذَلِكَ كَمَا إِذَا فُسِخَ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ الْوَارِدِ عَلَى الْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ بِخِيَارٍ مِنَ الْخِيَارَاتِ، أَوْ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِفَسْخِهِ، فَإِنَّهُ يَنْقَضِي الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ، وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَدِينِ مِنَ الْبَدَلِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ.وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ هَلَاكُ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، وَفَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا فِي إِجَارَةِ الْأَعْيَانِ، حَيْثُ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ عَنِ الْمُدَّةِ الْمُتَبَقِّيَةِ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَجَّلَ شَيْئًا مِنْهَا، فَلَهُ اسْتِرْدَادُ مَا عَجَّلَهُ زَائِدًا عَلَى أُجْرَةِ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى هَلَاكِ الْعَيْنِ. (ر: فَسْخ، إِجَارَة، بَيْع، خِيَار).
سَابِعًا: تَجْدِيدُ الدَّيْنِ:
76- وَذَلِكَ بِاسْتِبْدَالِ دَيْنٍ جَدِيدٍ بِالدَّيْنِ الْأَصْلِيِّ، حَيْثُ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ فَسْخِ عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ الْأُولَى وَتَجْدِيدِهَا فِي عَقْدٍ آخَرَ بِتَرَاضِي الْمُتَدَايِنَيْنِ، كَمَا إِذَا كَانَ زَيْدٌ مَدِينًا لِبَكْرٍ بِمَبْلَغِ عِشْرِينَ دِينَارًا أُجْرَةِ مَنْزِلٍ مَمْلُوكٍ لِبَكْرٍ اسْتَأْجَرَهُ زَيْدٌ مِنْهُ، فَيَتَّفِقُ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الدَّيْنُ بِذِمَّتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إِذَا فُسِخَ عَقْدُ الْمُدَايَنَةِ الْأُولَى وَصَارَ تَجْدِيدُهُ بِعَقْدٍ آخَرَ، سَقَطَ الدَّيْنُ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَتَرَتَّبَ عَلَى الْمَدِينِ دَيْنٌ جَدِيدٌ Bبِالْعَقْدِ الثَّانِي.وَمِنْ آثَارِ انْقِضَاءِ الدَّيْنِ وَسُقُوطِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ مَكْفُولًا، وَفُسِخَ عَقْدُهُ، وَصَارَ تَجْدِيدُهُ بِعَقْدٍ آخَرَ، بَطَلَتِ الْكَفَالَةُ وَبَرِئَ الْكَفِيلُ، فَلَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ الْحَاصِلِ بِالْعَقْدِ الْجَدِيدِ إِلاَّ إِذَا جُدِّدَتِ الْكَفَالَةُ.
ثَامِنًا: الْحَوَالَةُ:
77- وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحَالَ إِذَا قَبِلَ الْحَوَالَةَ وَرَضِيَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِهَا بَرِئَ الْمُحِيلُ وَكَفِيلُهُ- إِنْ كَانَ لَهُ كَفِيلٌ- مِنَ الدَّيْنِ وَمِنَ الْمُطَالَبَةِ مَعًا؛ لِانْقِضَاءِ الدَّيْنِ بِالْحَوَالَةِ، وَيَثْبُتُ لِلْمُحَالِ حَقُّ مُطَالَبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ وَكَفِيلِهِ الْمُشَارَ إِلَيْهَا مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّ الْمُحَالِ لَدَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (ر: حَوَالَة).
تَاسِعًا: مَوْتُ الْمَدِينِ مُفْلِسًا:
78- وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الذَّاهِبِينَ إِلَى سُقُوطِ الدَّيْنِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَنِ الْمَدِينِ إِذَا مَاتَ مُفْلِسًا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ كَفِيلٌ بِالدَّيْنِ، أَوْ رَهْنٌ قَبْلَ الْمَوْتِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «إِنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ رَهْنٌ».وَمِنْ هُنَا لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُمْ كَفَالَةُ دَيْنِ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ.وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. (ر: إِفْلَاس، كَفَالَة، تَرِكَة).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
38-موسوعة الفقه الكويتية (ذبائح 3)
ذَبَائِحُ -3آدَابُ الذَّبْحِ:
42- يُسْتَحَبُّ فِي الذَّبْحِ أُمُورٌ.مِنْهَا:
أ- أَنْ يَكُونَ بِآلَةِ حَدِيدٍ حَادَّةٍ كَالسِّكِّينِ وَالسَّيْفِ الْحَادَّيْنِ لَا بِغَيْرِ الْحَدِيدِ وَلَا بِالْكَلِيلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْإِرَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».
ب- التَّذْفِيفُ فِي الْقَطْعِ- وَهُوَ الْإِسْرَاعُ- لِأَنَّ فِيهِ إِرَاحَةً لِلذَّبِيحَةِ.
ج- أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالذَّبِيحَةُ مُوَجَّهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ بِمَذْبَحِهَا لَا بِوَجْهِهَا إِذْ هِيَ جِهَةُ الرَّغْبَةِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ شَأْنُهُ؛ وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ ذَبِيحَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ.وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ د- إِحْدَادُ الشَّفْرَةِ قَبْلَ إِضْجَاعِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ يَحُدَّ الذَّابِحُ الشَّفْرَةَ بَيْنَ يَدَيِ الذَّبِيحَةِ، وَهِيَ مُهَيَّأَةٌ لِلذَّبْحِ لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟ هَلاَّ حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».
وَلَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الذَّبْحِ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَكْرُوهَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْحَدِيثِ لَيْسَ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ مَا يَلْحَقُ الْحَيَوَانَ مِنْ زِيَادَةِ أَلَمٍ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا، فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ.
هـ- أَنْ تُضْجَعَ الذَّبِيحَةُ عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ بِرِفْقٍ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ كَيْفِيَّةَ الْإِضْجَاعِ وَمَا يُسَنُّ مَعَهُ فَقَالُوا: السُّنَّةُ أَنْ تَأْخُذَ الشَّاةَ بِرِفْقٍ وَتُضْجِعَهَا عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ وَرَأْسُهَا مُشْرِفٌ، وَتَأْخُذُ بِيَدِكَ الْيُسْرَى جَلْدَةَ حَلْقِهَا مِنَ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ بِالصُّوفِ أَوْ غَيْرِهِ فَتَمُدَّهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الْبَشَرَةُ، وَتَضَعَ السِّكِّينَ فِي الْمَذْبَحِ حَتَّى تَكُونَ الْجَوْزَةُ فِي الرَّأْسِ، ثُمَّ تُسَمِّيَ اللَّهَ وَتُمِرَّ السِّكِّينَ مَرًّا مُجْهِزًا مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدٍ، ثُمَّ تَرْفَعُ وَلَا تَنْخَعُ وَلَا تَضْرِبُ بِهَا الْأَرْضَ وَلَا تَجْعَلُ رِجْلَكَ عَلَى عُنُقِهَا.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِ شَدِّ قَوَائِمِهَا وَتَرْكِ رِجْلِهَا الْيُمْنَى لِتَسْتَرِيحَ بِتَحْرِيكِهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِضْجَاعِ فِي جَمِيعِ الْمَذْبُوحَاتِ حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ».
قَالَ النَّوَوِيُّ: جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْإِضْجَاعِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ إِضْجَاعَ الذَّبِيحَةِ يَكُونُ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ.
وَقَاسَ الْجُمْهُورُ عَلَى الْكَبْشِ جَمِيعَ الْمَذْبُوحَاتِ الَّتِي تَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْإِضْجَاعِ.
و- سَوْقُ الذَّبِيحَةِ إِلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ.
ز- عَرْضُ الْمَاءِ عَلَى الذَّبِيحَةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا.
ح- وَإِذَا كَانَتِ الذَّبِيحَةُ قُرْبَةً مِنَ الْقُرُبَاتِ كَالْأُضْحِيَّةِ يُكَبِّرُ الذَّابِحُ ثَلَاثًا قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَثَلَاثًا بَعْدَهَا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَإِلَيْكَ فَتَقَبَّلْهُ مِنِّي، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ. (ر: أُضْحِيَّة).
ط- كَوْنُ الذَّبْحِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
ي- عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَطْعِ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّابِحُ النُّخَاعَ أَوْ يُبِينَ رَأْسُ الذَّبِيحَةِ حَالَ ذَبْحِهَا وَكَذَا بَعْدَ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ وَكَذَا سَلْخُهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ لِمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ إِيلَامٍ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا.
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ الذَّبِيحَةِ أَنْ تُفَرَّسَ».قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي «غَرِيبِ الْحَدِيثِ»: الْفَرْسُ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ فَتُنْخَعَ، وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي «النِّهَايَةِ»: هُوَ «كَسْرُ رَقَبَةِ الذَّبِيحَةِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ» فَإِنْ نَخَعَ أَوْ سَلَخَ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ لَمْ تَحْرُمِ الذَّبِيحَةُ لِوُجُودِ التَّذْكِيَةِ بِشَرَائِطِهَا.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ قَطْعِ عُضْوٍ مِنْهَا أَوْ إِلْقَائِهَا فِي النَّارِ بَعْدَ تَمَامِ ذَبْحِهَا وَقَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهَا.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا بِكَرَاهَةِ تَحْرِيكِهَا وَنَقْلِهَا قَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَحْرُمُ كَسْرُ عُنُقِهَا حَتَّى تَبْرُدَ، وَقَطْعُ عُضْوٍ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ.
ثَانِيًا: النَّحْرُ:
حَقِيقَةُ النَّحْرِ:
43- حَقِيقَتُهُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ فِي اللَّبَّةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ، وَهَذَا رَأْيُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ حَقِيقَتَهُ الطَّعْنُ فِي اللَّبَّةِ طَعْنًا يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ تُقْطَعِ الْأَوْدَاجُ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ أَيْضًا.وَاللَّبَّةُ هِيَ الثُّغْرَةُ بَيْنَ التَّرْقُوَتَيْنِ أَسْفَلَ الْعُنُقِ كَمَا سَبَقَ فِي (ف 1).
وَسَبَقَ فِي حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ (ف 11) أَنَّ الْمُخْتَصَّ بِالنَّحْرِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ هُوَ الْإِبِلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ كُلَّ مَا طَالَ عُنُقُهُ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّرَافِ وَالْفِيلَةِ، وَجَوَّزُوا الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ- مَعَ أَفْضَلِيَّةِ الذَّبْحِ- فِي الْبَقَرِ وَمَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِهِ وَخَيْلِهِ وَبِغَالِهِ.
ثُمَّ إِنَّ خِلَافَ الْأَئِمَّةِ فِيمَا يَكْفِي مِنْ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ فِي النَّحْرِ هُوَ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي «حَقِيقَةِ الذَّبْحِ» (ف 14).
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ فَرَّقُوا بَيْنَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فَقَالُوا: إِنَّ الذَّبْحَ يَكُونُ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، وَالنَّحْرُ يَكُونُ بِالطَّعْنِ فِي اللَّبَّةِ طَعْنًا مُفْضِيًا إِلَى الْمَوْتِ، دُونَ اشْتِرَاطِ قَطْعِ شَيْءٍ مِنَ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ؛ لِأَنَّ وَرَاءَ اللَّبَّةِ عِرْقًا مُتَّصِلًا بِالْقَلْبِ يُفْضِي طَعْنُهُ إِلَى سُرْعَةِ خُرُوجِ الرُّوحِ.
شَرَائِطُ النَّحْرِ:
44- يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ النَّحْرِ الشَّرَائِطُ السَّابِقُ ذِكْرُهَا فِي الذَّبْحِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْحَيَوَانُ الْمَنْحُورُ مُخْتَصًّا بِالذَّبْحِ وَهُوَ مَا عَدَا الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ.فَلَوْ نَحَرَ مَا يَخْتَصُّ بِالذَّبْحِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرُمَ النَّحْرُ وَالْحَيَوَانُ الْمَنْحُورُ خِلَافًا لِسَائِرِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي تُجِيزُ نَحْرَ مَا يُذْبَحُ.
آدَابُ النَّحْرِ:
45- يُسْتَحَبُّ فِي النَّحْرِ كُلُّ مَا يُسْتَحَبُّ فِي الذَّبْحِ، وَاخْتِلَافُ الْمَذَاهِبِ هُنَاكَ هُوَ نَفْسُ اخْتِلَافِهَا هُنَا.إِلاَّ أَنَّ الْإِبِلَ تُنْحَرُ قَائِمَةً عَلَى ثَلَاثٍ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ لِلنَّحْرِ كَيْفِيَّةً وَهِيَ أَنْ يُوَجِّهَ النَّاحِرُ مَا يُرِيدُ نَحْرَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَقِفَ بِجَانِبِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى غَيْرِ الْمَعْقُولَةِ مُمْسِكًا مِشْفَرَهُ الْأَعْلَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَيَطْعَنُهُ فِي لَبَّتِهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى مُسَمِّيًا.
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ خَشِيَ عَلَيْهَا أَنَاخَهَا.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِقَامَةِ الْإِبِلِ عَلَى ثَلَاثٍ عِنْدَ النَّحْرِ قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (مَعْقُولَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ).
وَأَحَادِيثُ مِنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا».
وَمِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ- صلى الله عليه وسلم-.
مَكْرُوهَاتُ النَّحْرِ:
46- يُكْرَهُ فِي النَّحْرِ جَمِيعُ الْمَكْرُوهَاتِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي الذَّبْحِ.
الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيَّةُ:
47- الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيَّةُ هِيَ الْجَرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنَ الْبَدَنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْحَيَوَانِ، أَيْ كَأَنَّهَا صَيْدٌ فَتُسْتَعْمَلُ لِلضَّرُورَةِ فِي الْمَعْجُوزِ عَنْهُ مِنَ الصَّيْدِ وَالْأَنْعَامِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْحَالَةُ: الْعَقْرَ.
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى حِلِّ لَحْمِ الْحَيَوَانِ بِذَكَاةِ الضَّرُورَةِ لِأَنَّ الذَّبْحَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا، وَلَا بُدَّ مِنْ إِخْرَاجِ الدَّمِ لِإِزَالَةِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَتَطْيِيبِ اللَّحْمِ، فَيُقَامُ سَبَبُ الذَّبْحِ مَقَامَهُ وَهُوَ الْجَرْحُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ. فَلَوْ تَوَحَّشَ حَيَوَانٌ أَهْلِيٌّ بَعْدَ أَنْ كَانَ إِنْسِيًّا أَوْ مُسْتَأْنَسًا، أَوْ نَدَّ بَعِيرٌ (شَرَدَ) أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ تُمْكِنِ الذَّكَاةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ، أَيْ عَجَزَ عَنْ ذَبْحِهِ فِي الْحَلْقِ فَذَكَاتُهُ حَيْثُ يُصَابُ بِأَيِّ جَرْحٍ مِنْ بَدَنِهِ، وَيَحِلُّ حِينَئِذٍ أَكْلُهُ كَصَيْدِ الطَّائِرِ أَوِ الْحَيَوَانِ الْمُتَوَحِّشِ، لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ، فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا».
وَسَوَاءٌ نَدَّ الْبَعِيرُ أَوِ الْبَقَرَةُ أَوِ الشَّاةُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمِصْرِ، فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ- رضي الله عنهم-.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: فَإِنْ نَدَّتْ الشَّاةُ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا، إِذْ هِيَ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَكَانَ الذَّبْحُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْرُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْرَ خَلَفٌ مِنَ الذَّبْحِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إِلَى الْخَلَفِ.
ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي التَّذْكِيَةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ بِالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ وَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُجْرَحْ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الصَّيْدِ بِالْمِعْرَاضِ، فَقَالَ- عليه السلام-: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ».
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُسْتَأْنَسَةِ إِذَا شَرَدَتْ وَتَوَحَّشَتْ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلْ بِالْعَقْرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ تَوَحَّشَ غَيْرُ الْبَقَرِ لَمْ يُؤْكَلْ بِالْعَقْرِ، وَإِنْ تَوَحَّشَ الْبَقَرُ جَازَ أَكْلُهُ بِالْعَقْرِ، لِأَنَّ الْبَقَرَ لَهَا أَصْلٌ فِي التَّوَحُّشِ تَرْجِعُ إِلَيْهِ، أَيْ شَبَّهَهَا بِبَقَرِ الْوَحْشِ.
وَإِنْ وَقَعَ فِي حُفْرَةٍ عُجِزَ عَنْ إِخْرَاجِهِ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤْكَلُ الْحَيَوَانُ الْمُتَرَدِّي الْمَعْجُوزُ عَنْ ذَكَاتِهِ بَقَرًا أَوْ غَيْرَهُ بِالْعَقْرِ صِيَانَةً لِلْأَمْوَالِ.وَلِلتَّفْصِيلِ:
(ر: صِيَال وَصَيْد).
ذَكَاةُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ:
48- سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالْجَرَادِ لَا حَاجَةَ فِي حِلِّ أَكْلِهِ إِلَى الذَّكَاةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ».
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى إِزْهَاقِ رُوحِهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ يَمُوتُ بِفِعْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ مِمَّا يُعَجِّلُ الْمَوْتَ مِنْ قَطْعِ رَأْسٍ أَوْ إِلْقَاءٍ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ حَارٍّ، أَوَمِمَّا لَا يُعَجِّلُ كَقَطْعِ جَنَاحٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ إِلْقَاءٍ فِي مَاءٍ بَارِدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي هَذِهِ التَّذْكِيَةِ مِنَ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ وَسَائِرِ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّذْكِيَةِ. (ر: أَطْعِمَة)
ذَكَاةُ الْجَنِينِ تَبَعًا لأُِمِّهِ:
49- إِذَا ذُكِّيَتْ أُنْثَى مِنَ الْحَيَوَانِ فَمَاتَ بِتَذْكِيَتِهَا جَنِينُهَا فَفِي حِلِّ هَذَا الْجَنِينِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.فَمَنْ قَالَ بِحِلِّهِ قَالَ إِنَّ ذَكَاتَهُ هِيَ مَوْتُهُ بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَهَذَا الْمَوْتُ ذَكَاةٌ تَبَعِيَّةٌ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ حِلِّهِ قَالَ إِنَّهُ مَيْتَةٌ لِأَنَّ الذَّكَاةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ اسْتِقْلَالِيَّةً.
وَتَفْصِيلُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ جَنِينَ الْمُذَكَّاةِ الَّذِي خَرَجَ بَعْدَ تَذْكِيَتِهَا لَهُ حَالَتَانِ.
(الْحَالَةُ الْأُولَى): أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً أَوْ جَنِينًا غَيْرَ كَامِلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يَحِلُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ، إِذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَوْتِ تَقَدُّمُ الْحَيَاةِ.قَالَ تَعَالَى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} فَمَعْنَى قَوْلِهِ {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} كُنْتُمْ مَخْلُوقِينَ بِلَا حَيَاةٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْفُخَ فِيهِمُ الرُّوحُ.
(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ): أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ جَنِينًا كَامِلَ الْخِلْقَةِ- أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ- وَلِهَذِهِ الْحَالَةِ صُوَرٌ:
الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَتَجِبُ تَذْكِيَتُهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ، فَهُوَ مَيْتَةٌ اتِّفَاقًا.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا كَحَيَاةِ مَذْبُوحٍ فَإِنْ أَدْرَكْنَا ذَكَاتَهُ وَذَكَّيْنَاهُ حَلَّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ نُدْرِكْ حَلَّ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْمَذْبُوحِ كَلَا حَيَاةٍ فَكَأَنَّهُ مَاتَ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ، وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
وَبِهَذَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا، لَكِنَّهُمُ اشْتَرَطُوا فِي حِلِّهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَنْبُتَ شَعْرُ جَسَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَامَلْ وَلَا يَكْفِي شَعْرُ رَأْسِهِ أَوْ عَيْنِهِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَخْرُجَ مَيِّتًا وَيُعْلَمَ أَنْ مَوْتَهُ كَانَ قَبْلَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ فَلَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا، وَيُعْرَفُ مَوْتُهُ قَبْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ بِأُمُورٍ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا فِي بَطْنِهَا فَتُضْرَبُ فَتَسْكُنُ حَرَكَتُهُ ثُمَّ تُذَكَّى، فَيَخْرُجُ مَيِّتًا، وَمِنْهَا: أَنْ يَخْرُجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا ثُمَّ تُذَكَّى.
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَخْرُجَ مَيِّتًا بَعْدَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ بِمُدَّةٍ لِتَوَانِي الْمُذَكِّي فِي إِخْرَاجِهِ، فَلَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا لِلشَّكِّ فِي أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ أَوْ بِالِانْخِنَاقِ لِلتَّوَانِي فِي إِخْرَاجِهِ.
الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَخْرُجَ مَيِّتًا عَقِبَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ مَوْتُهُ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ فَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ التَّذْكِيَةِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ.وَهَذِهِ الصُّورَةُ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ.
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا الْإِشْعَارَ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ تَبَعٌ لأُِمِّهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ يُبَاعُ بِبَيْعِ الْأُمِّ؛ وَلِأَنَّ جَنِينَ الْأَمَةِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا، وَالْحُكْمُ فِي التَّبَعِ يَثْبُتُ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ لِئَلاَّ يَنْقَلِبَ التَّبَعُ أَصْلًا.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وَالْجَنِينُ الَّذِي لَمْ يُدْرَكْ حَيًّا بَعْدَ تَذْكِيَةِ أُمِّهِ مَيْتَةٌ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ حَيَاةَ الْجَنِينِ مُسْتَقِلَّةٌ إِذْ يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ فَتَكُونُ تَذْكِيَتُهُ مُسْتَقِلَّةً.
هَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الذَّابِحِ أَهْلًا لِلتَّذْكِيَةِ:
50- قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يُدْرَى أَرْسَلَهُ إِنْسَانٌ أَوْ لَا، لَا يُؤْكَلُ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ، وَلَا إِبَاحَةَ بِدُونِهِ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الزَّيْلَعِيِّ صَاحِبِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَعَ فِي عَصْرِنَا حَادِثَةُ الْفَتْوَى وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ شَاتَهُ مَذْبُوحَةً بِبُسْتَانِهِ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُهَا أَوْ لَا؟ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي أَنَّ الذَّابِحَ مِمَّنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ أَوْ لَا، وَهَلْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا أَوْ لَا؟ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ فِي «اللُّقَطَةِ»: إِنْ أَصَابَ قَوْمٌ بَعِيرًا مَذْبُوحًا فِي طَرِيقِ الْبَادِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنَ الْمَاءِ وَوَقَعَ فِي الْقَلْبِ أَنَّ صَاحِبَهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِبَاحَةً لِلنَّاسِ فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَالْأَكْلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالصَّرِيحِ وَهَذَا مِنْ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْأَكْلِ بِالشَّرِيطَةِ الْمَذْكُورَةِ.فَعُلِمَ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الذَّابِحِ أَهْلًا لِلذَّكَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ حَادِثَةِ الْفَتْوَى وَاللُّقَطَةِ بِأَنَّ الذَّابِحَ فِي الْأُولَى غَيْرُ الْمَالِكِ قَطْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ يُحْتَمَلُ.
وَأَفَادَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْبَازِي وَمَسْأَلَةِ الْمَذْبُوحِ فِي الْبُسْتَانِ فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْبَازِيَ الَّذِي طَبْعُهُ الِاصْطِيَادُ ظَاهِرُ حَالِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُرْسَلٍ وَغَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ بِخِلَافِ الذَّابِحِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَأَنَّهُ سَمَّى، وَاحْتِمَالُ عَدَمِ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي اللَّحْمِ الَّذِي يُبَاعُ فِي السُّوقِ وَهُوَ احْتِمَالٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي التَّحْرِيمِ قَطْعًا.
وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَعِيرِ الَّذِي وُجِدَ مَذْبُوحًا قُيِّدَتْ بِقَيْدَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ احْتَمَلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ فَأَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ فَذَبَحَهُ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ دَمٌ فَتَرَكَهُ لِعِلْمِهِ بِمَوْتِهِ بِالْمَاءِ، فَلَا يَتَأَتَّى احْتِمَالُ أَنَّهُ تَرَكَهُ إِبَاحَةً لِلنَّاسِ.
وَالْقَيْدُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ أَنَّ صَاحِبَهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِبَاحَةً لِلنَّاسِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْوُقُوعِ فِي الْقَلْبِ الظَّنُّ الْغَالِبُ لَا مُجَرَّدُ الْخُطُورِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ.
وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا لَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْمَذْبُوحُ يَسْكُنُهُ أَوْ يَسْلُكُ فِيهِ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَالْمَجُوسِيِّ أَوْ لَا، فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى لَا يُؤْكَلُ بِخِلَافِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ.
وَيُنَاسِبُ هَذَا مَا فِي كِتَابِ «الْإِقْنَاعِ» فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ مَثَلًا حَلَّ أَكْلُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَمُسْلِمُونَ وَجُهِلَ ذَابِحُ الْحَيَوَانِ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِلشَّكِّ فِي الذَّبْحِ الْمُبِيحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ كَمَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ، وَفِي مَعْنَى الْمَجُوسِيِّ كُلُّ مَنْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ.
وَفِي كِتَابِ «الْمُقْنِعِ» فِي الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَسَمَّى الذَّابِحُ أَمْ لَا، أَوْ ذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ أَمْ لَا، فَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا كُلَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّنَا لَا نَقِفُ عَلَى كُلِّ ذَابِحٍ.وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهُمْ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا هُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ يَأْتُونَنَا بِلَحْمٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ أَمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ قَالَ: سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ».
مَخْنُوقَةُ الْكِتَابِيِّ:
51- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَخْنُوقَةَ الْكِتَابِيِّ وَمَا ذُبِحَ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تُؤْكَلْ مِنَ الْمُسْلِمِ فَمِنَ الْكِتَابِيِّ أَوْلَى، وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ جَوَازِ أَكْلِ مَخْنُوقَةِ الْكِتَابِيِّ فَقَدْ رَدُّوهُ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: إِذَا غَابَ الْكِتَابِيُّ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يُذَكُّونَ أَكَلْنَا، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الْمَيْتَةَ كَنَصَارَى الْأَنْدَلُسِ، أَوْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ لَمْ نَأْكُلْ مَا غَابُوا عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْصِدَ الشِّرَاءَ مِنْ ذَبَائِحِ الْيَهُودِ وَيُنْهَى الْمُسْلِمُونَ عَنْ شِرَاءِ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَيُنْهَى الْيَهُودُ عَنِ الْبَيْعِ مِنْهُمْ، وَمَنِ اشْتَرَى مِنْهُمْ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ وَلَا يُفْسَخُ شِرَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: أَكْرَهُ قَدِيدَ الرُّومِ وَجُبْنَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ إِنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ.قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَكَرَاهِيَتُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ لِثُبُوتِ أَكْلِهِمُ الْمَيْتَةَ، وَأَنَّهُمْ يَخْنُقُونَ الْبَهَائِمَ وَيَضْرِبُونَهَا حَتَّى تَمُوتَ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
39-موسوعة الفقه الكويتية (عرفات)
عَرَفَاتالتَّعْرِيفُ:
1- عَرَفَاتُ وَعَرَفَةُ: الْمَكَانُ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ الْحُجَّاجُ رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِهَا.
حُدُودُ عَرَفَةَ:
2- قَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ مَا جَاوَزَ وَادِي عُرَنَةَ- بِعَيْنٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ إِلَى الْجِبَالِ الْقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ، وَقَدْ وُضِعَتِ الْآنَ عَلَامَاتٌ حَوْلَ أَرْضِ عَرَفَةَ تُبَيِّنُ حُدُودَهَا وَيَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهَا؛ لِئَلاَّ يَقَعَ وُقُوفُهُ خَارِجَ عَرَفَةَ، فَيَفُوتُهُ الْحَجُّ، أَمَّا جَبَلُ الرَّحْمَةِ فَفِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ، وَلَيْسَ نِهَايَةَ عَرَفَاتٍ، وَيَجِبُ التَّنَبُّهُ إِلَى مَوَاضِعَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَاتٍ يَقَعُ فِيهَا الِالْتِبَاسُ لِلْحُجَّاجِ وَهِيَ:
أ- وَادِي عُرَنَةَ.
ب- وَادِي نَمِرَةَ.
ج- الْمَسْجِدُ الَّذِي سَمَّاهُ الْأَقْدَمُونَ مَسْجِدَ إِبْرَاهِيمَ، وَيُسَمَّى مَسْجِدَ نَمِرَةَ وَمَسْجِدَ عَرَفَةَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَإِنَّ مَنْ وَقَفَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُهُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ تَوْسِيعُ الْمَسْجِدِ كَثِيرًا فِي عَصْرِنَا، وَفِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ عَلَامَاتٌ تُبَيِّنُ لِلْحُجَّاجِ مَا هُوَ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَمَا لَيْسَ مِنْهَا يَنْبَغِي النَّظَرُ إِلَيْهَا.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3- الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، بَلْ هُوَ الرُّكْنُ الَّذِي إِذَا فَاتَ فَاتَ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ: (حَجٌّ ف 107 وَمَا بَعْدَهَا، وَيَوْمُ عَرَفَةَ.)
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
40-موسوعة الفقه الكويتية (عزلة)
عُزْلَةالتَّعْرِيفُ:
1- الْعُزْلَةُ- بِالضَّمِّ- فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مِنَ الِاعْتِزَالِ وَهُوَ تَجَنُّبُ الشَّيْءِ بِالْبَدَنِ كَانَ ذَلِكَ أَوْ بِالْقَلْبِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْخُرُوجُ عَنْ مُخَالَطَةِ الْخَلْقِ بِالِانْزِوَاءِ وَالِانْقِطَاعِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْخَلْوَةُ:
2- الْخَلْوَةُ: انْفِرَادُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ.
قَالَ السُّهْرَوَرْدِيُّ: الْخَلْوَةُ غَيْرُ الْعُزْلَةِ، فَالْخَلْوَةُ مِنَ الْأَغْيَارِ، وَالْعُزْلَةُ مِنَ النَّفْسِ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَمَا يَشْغَلُ عَنِ اللَّهِ، فَالْخَلْوَةُ كَثِيرَةُ الْوُجُودِ، وَالْعُزْلَةُ قَلِيلَةُ الْوُجُودِ.
حُكْمُ الْعُزْلَةِ:
3- ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْعُزْلَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَفَسَادِ النَّاسِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِزَالَةِ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي إِزَالَتِهَا بِحَسَبِ الْحَالِ وَالْإِمْكَانِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْفِتْنَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْعُزْلَةِ وَالِاخْتِلَاطِ: قَالَ النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ بِالنَّاسِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ- أَيْ مِنْ شُهُودِ خَيْرِهِمْ دُونَ شَرِّهِمْ، وَسَلَامَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ- هُوَ الْمُخْتَارُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْيَارِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ (((.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ الْمُخَالَطَةِ: بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالِاجْتِمَاعِ، وَحَضَّ عَلَيْهِ، وَنَهَى عَنِ الِافْتِرَاقِ وَحَذَّرَ مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} وَأَعْظَمُ الْمِنَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ مِنْهُمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}
وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ مِنْهَا: قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ».
وَقَالُوا: إِنَّ الْمُخَالَطَةَ فِيهَا اكْتِسَابُ الْفَوَائِدِ، وَشُهُودُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَتَكْثِيرُ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِيصَالُ الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ وَلَوْ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَإِعَانَةُ الْمُحْتَاجِ، وَحُضُورُ جَمَاعَاتِهِمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ.
وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ وَالْعَيْنِيُّ عَنْ قَوْمٍ: تَفْضِيلَ الْعُزْلَةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ السَّلَامَةِ الْمُحَقَّقَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِوَظَائِفِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ وَمَا يُكَلَّفُ بِهِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الْمُخْتَارُ فِي عَصْرِنَا تَفْضِيلُ الِانْعِزَالِ لِنُدْرَةِ خُلُوِّ الْمَحَافِلِ عَنِ الْمَعَاصِي.
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ- عليه الصلاة والسلام-: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} وَبِحَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ- رضي الله عنه- لَمَّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ».
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْعُزْلَةِ وَالْمُخَالَطَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَجَّحُ فِي حَقِّهِ أَحَدُهُمَا
وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْخَطَّابِيِّ: أَنَّ الْعُزْلَةَ وَالِاخْتِلَاطَ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلِّقَاتِهِمَا، فَتُحْمَلُ الْأَدِلَّةُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَضِّ عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ وَأُمُورِ الدِّينِ، وَعَكْسُهَا فِي عَكْسِهِ، وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ، فَمَنْ عَرَفَ الِاكْتِفَاءَ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ مَعَاشِهِ وَمُحَافَظَةِ دِينِهِ، فَالْأَوْلَى لَهُ الِانْكِفَافُ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ بِشَرْطِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالسَّلَامِ وَالرَّدِّ وَحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعِيَادَةِ وَشُهُودِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَطْلُوبُ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ فُضُولِ الصُّحْبَةِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شُغْلِ الْبَالِ وَتَضْيِيعِ الْوَقْتِ عَنِ الْمُهِمَّاتِ وَيُجْعَلُ الِاجْتِمَاعُ بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، فَيَقْتَصِرُ مِنْهُ عَلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَهُوَ رُوحُ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: إِنْ وَجَدْتَ جَلِيسًا يُذَكِّرُكَ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَسِيرَتُهُ فَالْزَمْهُ وَلَا تُفَارِقْهُ، وَاغْتَنِمْهُ وَلَا تَسْتَحْقِرْهُ، فَإِنَّهَا غَنِيمَةُ الْمُؤْمِنِ وَضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ، وَأَنَّ الْوَحْدَةَ خَيْرٌ مِنَ الْجَلِيسِ السُّوءِ.
آدَابُ الْعُزْلَةِ:
4- يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ- إِذَا آثَرَ الْعُزْلَةَ- أَنْ يَعْتَقِدَ بِاعْتِزَالِهِ عَنِ الْخَلْقِ سَلَامَةَ النَّاسِ مِنْ شَرِّهِ، وَلَا يَقْصِدَ سَلَامَتَهُ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ نَتِيجَةُ اسْتِصْغَارِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِيَ شُهُودُ مَزِيَّتِهِ عَلَى الْخَلْقِ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ نَفْسَهُ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ وَمَنْ رَأَى لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنْ جَمِيعِ الْأَذْكَارِ إِلاَّ ذِكْرَ رَبِّهِ، خَالِيًا مِنْ جَمِيعِ الْإِرَادَاتِ إِلاَّ رِضَا رَبِّهِ، وَخَالِيًا مِنْ مُطَالَبَةِ النَّفْسِ مِنْ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ خَلْوَتَهُ تُوقِعُهُ فِي فِتْنَةٍ أَوْ بَلِيَّةٍ.وَأَنْ يَتْرُكَ الْخِصَالَ الْمَذْمُومَةَ؛ لِأَنَّ الْعُزْلَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ اعْتِزَالُ الْخِصَالِ الْمَذْمُومَةِ، فَالتَّأْثِيرُ لِتَبْدِيلِ الصِّفَاتِ لَا لِلتَّنَائِي عَنِ الْأَوْطَانِ وَأَنْ يَأْكُلَ الْحَلَالَ وَيَقْنَعَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْمَعِيشَةِ، وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَلْقَاهُ مِنْ أَذَى الْجِيرَانِ، وَيَسُدَّ سَمْعَهُ عَنِ الْإِصْغَاءِ إِلَى مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهِ بِالْعُزْلَةِ.
وَلْيَكُنْ لَهُ أَهْلٌ صَالِحَةٌ، أَوْ جَلِيسٌ صَالِحٌ لِتَسْتَرِيحَ نَفْسُهُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَاعَةً مِنْ كَدِّ الْمُوَاظَبَةِ، فَفِيهِ عَوْنٌ عَلَى بَقِيَّةِ السَّاعَاتِ.
وَلْيَكُنْ كَثِيرَ الذِّكْرِ لِلْمَوْتِ وَوَحْدَةِ الْقَبْرِ.
وَلْيَلْزَمِ الْقَصْدَ فِي حَالَتَيِ الْعُزْلَةِ وَالْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّ الْإِغْرَاقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَذْمُومٌ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى فِي هَذَا الْبَابِ أَلاَّ تَمْتَنِعَ مِنْ حَقٍّ يَلْزَمُكَ لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبُوكَ بِهِ، وَأَلاَّ تَنْهَمِكَ لَهُمْ فِي بَاطِلٍ لَا يَجِبُ عَلَيْكَ وَإِنْ دَعَوْكَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِمَا لَا يَعْنِيهِ فَاتَهُ مَا يَعْنِيهِ، وَمَنِ انْحَلَّ فِي الْبَاطِلِ جَمَدَ عَنِ الْحَقِّ، فَكُنْ مَعَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ، وَكُنْ بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ فِي الشَّرِّ، وَتَوَخَّ أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ شَاهِدًا كَغَائِبٍ وَعَالِمًا كَجَاهِلٍ.
كَيْفِيَّةُ الِاعْتِزَالِ:
5- الِاعْتِزَالُ عَنِ النَّاسِ يَكُونُ مَرَّةً فِي الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ، وَمَرَّةً فِي السَّوَاحِلِ وَالرِّبَاطِ، وَمَرَّةً فِي الْبُيُوتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ: «إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ فَأَخْفِ مَكَانَكَ، وَكُفَّ لِسَانَكَ» وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ.
وَقَدْ جَعَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعُزْلَةَ، اعْتِزَالَ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ إِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي تَفْسِيرِ الْعُزْلَةِ: أَنْ تَكُونَ مَعَ الْقَوْمِ، فَإِذَا خَاضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَخُضْ مَعَهُمْ، وَإِنْ خَاضُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَاسْكُتْ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَحْوَالُ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ تَخْتَلِفُ فَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى سُكْنَى الْكُهُوفِ وَالْغِيرَانِ فِي الْجِبَالِ، وَهِيَ أَرْفَعُ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي بِدَايَةِ أَمْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ مُخْبِرًا عَنِ الْفِتْيَةِ فَقَالَ: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} وَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ الْعُزْلَةُ لَهُ فِي بَيْتِهِ أَخَفَّ عَلَيْهِ وَأَسْهَلَ، وَقَدِ اعْتَزَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلاَّ إِلَى قُبُورِهِمْ، وَرُبَّ رَجُلٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَصْبِرُ بِهَا عَلَى مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ، فَهُوَ مَعَهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَمُخَالِفٌ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ.
فَوَائِدُ الْعُزْلَةِ:
6- قَدْ يَكُونُ لِلْعُزْلَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا:
أ- التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ وَالْفِكْرِ، وَالِاسْتِئْنَاسِ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى.
ب- التَّخَلُّصُ بِالْعُزْلَةِ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي يَتَعَرَّضُ الْإِنْسَانُ لَهَا غَالِبًا بِالْمُخَالَطَةِ، وَيَسْلَمُ مِنْهَا فِي الْخَلْوَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ، وَالرِّيَاءُ، وَالسُّكُوتُ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمُسَارَقَةِ الطَّبْعِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ، وَالْأَعْمَالِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي يُوجِبُهَا الْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا.
ج- الْخَلَاصُ مِنَ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ، وَصِيَانَةُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا وَالتَّعَرُّضِ لِأَخْطَارِهَا.
د- الْخَلَاصُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ.
هـ- السَّلَامَةُ مِنْ آفَاتِ النَّظَرِ إِلَى زِينَةِ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا وَالِاسْتِحْسَانُ لِمَا ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ زُخْرُفِهَا وَعَابَهُ مِنْ زَبْرَجِ غُرُورِهَا.
و- السَّلَامَةُ مِنَ التَّبَذُّلِ لِعَوَامِّ النَّاسِ وَحَوَاشِيهِمْ وَالتَّصَوُّنُ عَنْ ذِلَّةِ الِامْتِهَانِ مِنْهُمْ
آفَاتُ الْعُزْلَةِ:
7- قَالَ الْغَزَالِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْمَقَاصِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مَا يُسْتَفَادُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْمُخَالَطَةِ، فَكُلُّ مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْمُخَالَطَةِ يَفُوتُ بِالْعُزْلَةِ وَفَوَاتُهُ مِنْ آفَاتِ الْعُزْلَةِ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
41-المعجم الغني (اِخْتَمَرَ)
اِخْتَمَرَ- [خمر]، (فعل: خماسي. لازم)، اِخْتَمَرَتْ، تَخْتَمِرُ، اِخْتَمِرِي، المصدر: اِخْتِمَارٌ.1- "اِخْتَمَرَ العَجِينُ وَحَانَ مَوْعِدُ وَضْعِه فِي الفُرْنِ": صَارَ خَمِيرًا بَعْدَمَا حَصَلَ تَحَوُّلٌ كِيمَاوِيٌّ لِمَوَادِّهِ العُضْوِيَّةِ.
2- "اِخْتَمَرَتْ أَفْكَارُهُ": نَضِجَتْ. "اِخْتَمَرَتْ فِي هَذَا القَرْنِ جُمْلَةُ خَمَائِرَ". (سلامة موسى):
3- " أَغْلَبُ النِّسَاءِ يَخْتَمِرْنَ فِي عَصْرِنَا": أَيْ يَلْبَسْنَ الخِمَارَ، الحِجَابَ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
42-المعجم الغني (اِزْدَهَرَ)
اِزْدَهَرَ- [زهر]، (فعل: خماسي. لازم، مزيد بحرف)، اِزْدَهَرَ، يَزْدَهِرُ، المصدر: اِزْدِهَارٌ.1- "اِزْدَهَرَ المِصْبَاحُ": أَضاءَ، تَلألأ. "يَزْدَهِرُ القَمَرُ عِنْدَمَا يَبْلُغُ تَمَامَهُ".
2- "اِزْدَهَرَتْ أَشْجَارُ الحُقُولِ": نَمَتْ وَتَرَعْرَعَتْ.
3- "اِزْدَهَرَتْ أَسْوَاقُ التِّجَارَةِ": نَمَتْ وَزَادَتْ أَرْبَاحُهَا وَمَوَارِدُهَا.
4- "اِزْدَهَرَ العِلْمُ في عَصْرِنَا": تَقَدَّمَ وَاتَّسَعَتْ حُقُولُهُ وَمَيَادِينُهُ.
5- "اِزْدَهَرَ بِمَالِهِ": اِحْتَفَظَ بِهِ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
43-المعجم الغني (بِيئَةٌ)
بِيئَةٌ-:1- هِيَ مَجْمُوعُ العَنَاصِرِ الطَّبِيعِيَّةِ والاصْطِنَاعِيَّةِ التِي تُحِيطُ بالإنْسَانِ وَالحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ، وتُشَكِّلُ مُحِيطَهُ الطَّبِيعيِّ. "مِنْ أوْجَبِ الواجِبَاتِ فِي عَصْرِنَا ضَرُورَةُ المُحافَظَةِ عَلَى البِيئَةِ" "عَاشَ فِي بِيئَةٍ صَحْرَاوِيَّةٍ".
2- "عَوَامِلُ البِيئَةِ": أي العَوَامِلُ الَّتِي تُسَيْطِرُ عَلَى أحْوَالِ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ وَتَوْزِيعِهَا فِي مُحِيطَاتِ الطَّبِيعَةِ المُخْتَلِفَةِ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
44-المعجم الغني (طَرِيقَةٌ)
طَرِيقَةٌ- الجمع: طَرَائِقُ، طُرُقٌ. [طرق]:1- "لَهُ طَرِيقَةٌ خَاصَّةٌ فِي مُعَالَجَةِ الأُمُورِ": لَهُ أُسْلُوبٌ خَاصٌّ، مَسْلَكٌ، نَهْجٌ. "عَلَى الطَّرِيقَةِ العَرَبِيَّةِ" "بِطَرِيقَةٍ أَوْ أُخْرَى" "لِكُلِّ وَاحِدٍ طَرِيقَتُهُ الْخَاصَّةُ بِهِ فِي التَّدْرِيسِ".
2- "طَرِيقَةُ الاسْتِعْمَالِ": الكَيْفِيَّةُ.
3- "حَاوَلَ إِخْفَاءَ أَهْدَافِهِ بِطُرُقٍ مُلْتَوِيَةٍ": بِوَسَائِلَ مُلْتَوِيَةٍ. "أَجَابَ بِطَرِيقَةٍ مُبَاشِرَةٍ".
4- "الطَّرِيقَةُ الصُّوفِيَّةُ": الْمَذْهَبُ الصُّوفِيُّ.
5- "كَثُرَتِ الطَّرَائِقُ فِي عَصْرِنَا": فِرَقٌ مُخْتَلِفَةُ الأَهْوَاءِ.
6- "الطَّرَائِقُ": الطَّبَقَاتُ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
7- " ثَوْبٌ طَرَائِقُ": خَلَقٌ أَوْ قِطَعٌ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
45-تاج العروس (طرس)
[طرس]: الطِّرْسُ، بالكَسْرِ: الصَّحِيفَةُ إِذا كُتِبَتْ، كالطِّلْسِ، قاله شَمِرٌ. أَو هِيَ الَّتِي مُحِيَتْ ثمّ كُتِبَتْ، وقال اللَّيْثُ: الطِّرْسُ: الكِتَابُ المَمْحُوُّ الذي يُسْتَطَاع أَنْ يُعادَ عَلَبْه الكِتَابَةُ، الجمع: أَطْرَاسٌ وطُرُوسٌ، والصَاد لغةٌ. وطَرَسَهُ، كضَرَبه: مَحَاهُ وأَفْسَدَه. وضبَطه الأُمَوِيُّ بالتّشْدِيد.والتَّطْريسُ: تَسْويدُ البابِ نقله ابنُ عَبّادٍ.
والتَّطْرِيسُ: إِعَادَةُ الكِتَابَةِ على المَكْتُوبِ المَمْحُوِّ، قالَهُ اللَّيْثُ. والتَّطَرُّسُ: أَلاّ تَطْعَمَ ولا تَشْرَبَ إِلا طَيِّبًا؛ وهو التَّنَطُّسُ، قالَهُ ابنُ فارِسٍ. قال المَرَّارُ الفَقْعَسِيُّ يَصِفُ جارَيَةً.
بَيْضَاءُ مُطْعَمَةُ المَلاحَةِ مِثْلُهَا *** لَهْوُ الجَلِيسِ ونِيقَةُ المُتَطَرِّسِ
والتَّطَرُّسُ عن الشَّيْءِ: التَّكرُّمُ عنه، عن ابنِ عبّادٍ، والتَّجنُّبُ، يقال: تَطرَّسَ عن كذا، إِذا تَكرَّم عنه ورَفَعَ نفْسَه عن الإِلْمَامِ به، نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ.
وعن ابنِ الأَعْرَابِيِّ: المُتَطَرِّسُ والمُتَنَطِّسُ: المُتَأَنِّقُ المُخْتَارُ، وفي نُسْخَةِ التَّهْذِيبِ: المُتَنَوِّقُ المُخْتَار، وهذا بعَيْنه مَعْنَى التَّطَرُّس الَّذِي سَبَقَ ذِكرُه، فاعإِدَتُه تَكرارٌ لا يَخْفَى.
وقال ابنُ فارِس: الطّاءُ والرّاءُ والسِّينُ فيه كلامٌ لعلَهُ يكونُ صَحِيحًا وذَكَرَ الطِّرْسَ والتَّطَرُّسَ.
وطَرَسُوسُ كحَلَزُونِ، قالَ شيخُنَا: واخْتَار الأَصْمَعِيُّ فيه الضَّمّ، كعُصْفُورٍ، وقالَ الجَوْهَرِيُّ: ولا يُخَفَّف إِلاَّ في الشِّعْرِ؛ لأَنّ فَعْلُولًا ليسَ من أَبْنيَتِهم: د، إِسلاميٌّ بساحِلِ بحرِ الشّامِ مُخْصبٌ، كانَ للأَرْمَنِ ثم أُعِيدَ للإِسْلامِ في عَصْرِنَا، ولم يَزَلْ إِلى الآنَ كذلك. ومنه محمَّد بن الحُسيْنِ الخَوّاصُ المِصْرِيّ الطَّرَسُوسِيُّ، روى عن يُونُسَ بنِ عبْدِ الأَعْلَى.
* ومِمّا يُسْتَدْركُ عليه:
طَرِسَ الرَّجُلُ، كفَرِح؛ إِذا خَلَقَ جِسْمُه وادْرَهَمّ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.
وطَرَس الكِتَاب طَرْسًا: كتَبَه، كسَطَرَهُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
46-تاج العروس (جكم)
وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:[جكم]: جَكَمٌ، محرَّكةً: أَحَدُ أَكابِرِ الأُمراءِ في عَصْرنا، قالَهُ الحافِظُ.
قلْتُ: وعُرِفَ به الوَزيرُ جَمالُ الدِّيْن يوسفُ بنُ عبدِ الكَرِيمِ المِصْريُّ المَعْروفُ بناظِرِ الخَواصِّ الشَّريفَة، يقالُ له ابنُ كاتِبِ جَكَم، لأَنَّ جَدَّه سعْدَ الدِّين بركة كان كاتِبًا عنْدَه، وقد تَرجَمه السَّخاوي في الضَّوْءِ، وعبدُ الباسِطِ بنُ خَلِيلٍ في المُعْجمِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
47-المصباح المنير (جفف)
جَفَّ الثَّوْبُ يَجِفُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَفِي لُغَةٍ لِبَنِي أَسَدٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ جَفَافًا وَجُفُوفًا يَبِسَ وَجَفَّفْتُهُ تَجْفِيفًا وَجَفَّ الرَّجُلُ جُفُوفًا سَكَتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَقَوْلُهُمْ جَفَّ النَّهْرُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ جَفَّ مَاءُ النَّهْرِ وَالتِّجْفَافُ تِفْعَالُ بِالْكَسْرِ شَيْءٌ تُلْبَسُهُ الْفَرَسُ عِنْدَ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ دِرْعٌ وَالْجَمْعُ تَجَافِيفُ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّلَابَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَقَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيُّ التِّجْفَافُ مُعَرَّبٌ وَمَعْنَاهُ ثَوْبُ الْبَدَنِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فِي عَصْرِنَا بركصطوان.المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م
48-لسان العرب (ألقاب الحروف)
بَاب ألقاب الْحُرُوف وطبائعها وخواصها قَالَ عبد الله مُحَمَّد بن المكرم: هَذَا الْبَاب أَيْضا لَيْسَ من شرطنا لكني اخْتَرْت ذكر الْيَسِير مِنْهُ، وَإِنِّي لَا أضْرب صفحا عَنهُ ليظفر طَالبه مِنْهُ بِمَا يُرِيد وينال الافادة مِنْهُ من يَسْتَفِيد، وليعلم كل طَالب أَن وَرَاء مطلبه أخر، وَأَن لله تَعَالَى فِي كل شئ سرا لَهُ فعل واثر.وَلم أوسع القَوْل فِيهِ خوفًا من انتقاد من لَا يدريه.
ذكر ابْن كيسَان فِي ألقاب الْحُرُوف: أَن مِنْهَا المجهور والمهموس، وَمعنى المجهور مِنْهَا أَنه لزم مَوْضِعه إِلَى انْقِضَاء حُرُوفه، وَحبس النَّفس أَن يجْرِي مَعَه، فَصَارَ مجهورا لانه لم يخالطه شئ يُغَيِّرهُ، وَهُوَ تِسْعَة عشر حرفا: الالف وَالْعين والغين وَالْقَاف وَالْجِيم وَالْبَاء وَالضَّاد وَاللَّام وَالنُّون وَالرَّاء والطاء وَالدَّال وَالزَّاي والظاء والذال وَالْمِيم وَالْوَاو والهمزة وَالْيَاء، وَمعنى المهموس مِنْهَا أَنه حرف لَان مخرجه دون المجهور، وَجرى مَعَه النَّفس، وَكَانَ دون المجهور فِي رفع الصَّوْت، وَهُوَ عشرَة أحرف: الْهَاء والحاء وَالْخَاء وَالْكَاف والشين وَالسِّين وَالتَّاء وَالصَّاد والثاء وَالْفَاء، وَقد يكون المجهور شَدِيدا، وَيكون رخوا، والمهموس كَذَلِك.
وَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: حُرُوف الْعَرَبيَّة تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا مِنْهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ حرفا صِحَاح، لَهَا أحياز ومدارج، واربعة أحرف جَوف: الْوَاو وَالْيَاء والالف اللينة والهمزة، وَسميت جوفا لانها تخرج من الْجوف، فَلَا تخرج فِي مدرجة من مدارج الْحلق، وَلَا مدارج اللهاة، وَلَا مدارج اللِّسَان، وَهِي فِي الْهَوَاء، فَلَيْسَ لَهَا حيّز تنْسب إِلَيْهِ إِلَّا الْجوف.
وَكَانَ يَقُول: الالف اللينة وَالْوَاو وَالْيَاء هوائية أَي أَنَّهَا فِي الْهَوَاء.
واقصى الْحُرُوف كلهَا الْعين، وارفع مِنْهَا الْحَاء، وَلَوْلَا بحة فِي الْحَاء لاشبهت الْعين لقرب مخرجها مِنْهَا، ثمَّ الْهَاء، وَلَوْلَا هتة فِي الْهَاء، وَقَالَ مرّة أُخْرَى ههة فِي الْهَاء، لاشبهت الْحَاء لقرب مخرجها مِنْهَا، فَهَذِهِ الثَّلَاثَة فِي حيّز وَاحِد، ولهذه الْحُرُوف ألقاب أخر، الحلقية: الْعين وَالْهَاء والحاء وَالْخَاء والغين، اللهوية: الْقَاف وَالْكَاف، الشجرية: الْجِيم والشين وَالضَّاد، وَالشَّجر مفرج الْفَم، الاسلية: الصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي، لَان مبداها من أسلة اللِّسَان وَهِي مستدق طرفه، النطعية: الطَّاء والذال وَالتَّاء، لَان مبداها من نطع الْغَار الاعلى، اللثوية: الظَّاء وَالدَّال والثاء، لَان مبداها من اللثة، الذلقية: الرَّاء وَاللَّام وَالنُّون، الشفوية: الْفَاء وَالْبَاء وَالْمِيم، وَقَالَ مرّة شفهية، الهوائية: الْوَاو والالف وَالْيَاء.
وَسَنذكر فِي صدر كل حرف أَيْضا شَيْئا مِمَّا يَخُصُّهُ.
واما تَرْتِيب كتاب الْعين وَغَيره، فقد قَالَ اللَّيْث بن المظفر: لما أَرَادَ الْخَلِيل بن أَحْمد الِابْتِدَاء فِي كتاب الْعين أعمل فكره فِيهِ، فَلم يُمكنهُ أَن يَبْتَدِئ فِي أول حُرُوف المعجم، لَان الالف حرف معتل، فَلَمَّا فَاتَهُ أول الْحُرُوف كره أَن يَجْعَل الثَّانِي أَولا، وَهُوَ الْبَاء، إِلَّا بِحجَّة وَبعد استقصاء، فدبر وَنظر إِلَى الْحُرُوف كلهَا وذاقها، فَوجدَ مخرج الْكَلَام كُله من الْحق، فصير أولاها، فِي الِابْتِدَاء، أدخلها فِي الْحلق.
وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَذُوق الْحَرْف فتح فَاه بالف ثمَّ أظهر الْحَرْف ثمَّ يَقُول: اب ات اث اج اع، فَوجدَ الْعين أقصاها فِي الْحلق، وادخلها، فَجعل أول الْكتاب الْعين، ثمَّ مَا قرب مخرجه مِنْهَا بعد الْعين الا رفع فالارفع، حَتَّى أَتَى على آخر الْحُرُوف، فَقلب الْحُرُوف عَن موَاضعهَا، ووضعها على قدر مخرجها من الْحلق.
وَهَذَا تأليفه وترتيبه: الْعين والحاء وَالْهَاء وَالْخَاء والغين وَالْقَاف وَالْكَاف وَالْجِيم والشين وَالضَّاد وَالصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي والطاء وَالدَّال وَالتَّاء والظاء والذال والثاء وَالرَّاء وَاللَّام وَالنُّون وَالْفَاء وَالْبَاء وَالْمِيم وَالْيَاء وَالْوَاو والالف.
وَهَذَا هُوَ تَرْتِيب الْمُحكم لِابْنِ سَيّده، إِلَّا انه خَالفه فِي الاخير، فرتب بعد الْمِيم الالف وَالْيَاء وَالْوَاو.
وَلَقَد انشدني شخص بِدِمَشْق المحروسة أبياتا، فِي تَرْتِيب الْمُحكم، هِيَ أَجود مَا قيل فِيهَا: عَلَيْك حروفا هن خير غوامض*** قيود كتاب، جلّ، شانا، ضوابطه صِرَاط سوي، زل طَالب دحضه، *** تزيد ظهورا ذَا ثبات روابطه لذلكم نلتذ فوزا بمحكم، *** مُصَنفه، أَيْضا، يفوز وضابطه وَقد انتقد هَذَا التَّرْتِيب على من رتبه.
وترتيب سِيبَوَيْهٍ على هَذِه الصُّورَة: الْهمزَة وَالْهَاء وَالْعين والحاء وَالْخَاء والغين وَالْقَاف وَالْكَاف وَالضَّاد وَالْجِيم والشين وَاللَّام وَالرَّاء وَالنُّون والطاء وَالدَّال وَالتَّاء وَالصَّاد وَالزَّاي وَالسِّين والظاء والذال والثاء وَالْفَاء وَالْبَاء وَالْمِيم وَالْيَاء والالف وَالْوَاو.
واما تقَارب بَعْضهَا من بعض وتباعدها، فان لَهَا سرا، فِي النُّطْق، يكشفه من تعناه، كَمَا انْكَشَفَ لنا سره فِي حل المترجمات، لشدَّة احتياجنا إِلَى معرفَة مَا يتقارب بعضه من بعض، ويتباعد بعضه من بعض، ويتركب بعضه مَعَ بعض، وَلَا يتركب بعضه مَعَ بعض، فان من الْحُرُوف مَا يتَكَرَّر وَيكثر فِي الْكَلَام اسْتِعْمَاله، وَهُوَ: ال م هـ وي ن، وَمِنْهَا مَا يكون تكراره دون ذَلِك، وَهُوَ: ر ع ف ت ب ك د س ق ح ج، وَمِنْهَا مَا يكون تكراره أقل من ذَلِك، وَهُوَ: ظ غ ط ز ث خَ ض ش ص ذ.
وَمن الْحُرُوف مَا لَا يَخْلُو مِنْهُ أَكثر الْكَلِمَات، حَتَّى قَالُوا: ان كل كلمة ثلاثية فَصَاعِدا لَا يكون فِيهَا حرف أَو حرفان مِنْهَا، فَلَيْسَتْ بعربية، وَهِي سِتَّة أحرف: د ب م ن ل ف، وَمِنْهَا مَا لَا يتركب بعضه مَعَ بعض، إِذا اجْتمع فِي كلمة، إِلَّا ان يقدم، وَلَا يجْتَمع، إِذا تَأَخّر، وَهُوَ: ع هـ، فان الْعين إِذا تقدّمت تركبت، وَإِذا تَأَخَّرت لَا تتركب، وَمِنْهَا مَا لَا يتركب، إِذا تقدم، ويتركب، إِذا تَأَخّر، وَهُوَ: ض ج، فان الضَّاد إِذا تقدّمت تركبت، وَإِذا تَأَخَّرت لَا تتركب فِي أصل الْعَرَبيَّة، وَمِنْهَا مَالا يتركب بعضه مَعَ بعض لَا إِن تقدم وَلَا إِن تَأَخّر، وَهُوَ: س ث ض ز ظ ص، فَاعْلَم ذَلِك.
وَأما خواصها: فان لَهَا أعمالا عَظِيمَة تتَعَلَّق بابواب جليلة من أَنْوَاع المعالجات، وأوضاع الطلسمات، وَلها نفع شرِيف بطبائعها، وَلها خُصُوصِيَّة بالافلاك المقدسة وملائمة لَهَا، وَمَنَافع لَا يحصيها من يصفها، لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكرهَا، لَكنا لَا بُد ان نلوح بشي من ذَلِك، ننبه على مِقْدَار نعم الله تَعَالَى على من كشف لَهُ سرها، وَعلمه علمهَا، وأباح لَهُ التَّصَرُّف بهَا.
وَهُوَ أَن مِنْهَا مَا هُوَ حَار يَابِس طبع النَّار، وَهُوَ: الالف وَالْهَاء والطاء وَالْمِيم وَالْفَاء والشين والذال، وَله خُصُوصِيَّة بِالْمُثَلثَةِ النارية، وَمِنْهَا مَا هُوَ بَارِد يَابِس طبع التُّرَاب، وَهُوَ: الْبَاء وَالْوَاو وَالْيَاء وَالنُّون وَالصَّاد وَالتَّاء وَالضَّاد، وَله خُصُوصِيَّة بِالْمُثَلثَةِ الترابية، وَمِنْهَا مَا هُوَ حَار رطب طبع الْهَوَاء، وَهُوَ: الْجِيم وَالزَّاي وَالْكَاف وَالسِّين وَالْقَاف والثاء والظاء، وَله خُصُوصِيَّة بِالْمُثَلثَةِ الهوائيه، وَمِنْهَا مَا هُوَ بَارِد رطب طبع المَاء، وَهُوَ: الدَّال والحاء وَاللَّام وَالْعين وَالرَّاء وَالْخَاء والغين، وَله خُصُوصِيَّة بِالْمُثَلثَةِ المائية.
ولهذه الْحُرُوف فِي طبائعها مَرَاتِب ودرجات ودقائق وثوان وثوالث وروابع وخوامس يُوزن بهَا الْكَلَام، وَيعرف الْعَمَل بِهِ علماؤه، وَلَوْلَا خوف الاطالة، وانتقاد ذَوي الْجَهَالَة، وَبعد اكثر النَّاس عَن تَأمل دقائق صنع الله وحكمته، لذكرت هُنَا اسرارا من افعال الْكَوَاكِب المقدسة، إِذا مازجتها الْحُرُوف تخرق عقول من لَا اهْتَدَى إِلَيْهَا، وَلَا هجم بِهِ تنقيبه وبحثه عَلَيْهَا.
وَلَا انتقاد عَليّ فِي قَول ذَوي الْجَهَالَة، فان الزَّمَخْشَرِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله عزوجل: وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفا مَحْفُوظًا، وهم عَن آياتها معرضون، قَالَ: عَن آياتها اي عَمَّا وضع الله فِيهَا من الادلة والعبر، كَالشَّمْسِ وَالْقَمَر، وَسَائِر النيرات، ومسايرها وطلوعها وغروبها على الْحساب القويم، وَالتَّرْتِيب العجيب، الدَّال على الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالْقُدْرَة الباهرة.
قَالَ وَأي جهل أعظم من جهل من أعرض عَنْهَا، وَلم يذهب بِهِ وهمه الى تدبرها وَالِاعْتِبَار بهَا، وَالِاسْتِدْلَال على عَظمَة شان من اوجدها عَن عدم، ودبرها ونصبها هَذِه النصبة، واودعها مَا اودعها مِمَّا لَا يعرف كنهه الا هُوَ جلت قدرته، ولطف علمه.
هَذَا نَص كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ رَحمَه الله.
وَذكر الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس احْمَد الْبونِي رَحمَه الله قَالَ: منَازِل الْقَمَر ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مِنْهَا اربعة عشر فَوق الارض، وَمِنْهَا اربعة عشر تَحت الارض.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحُرُوف: مِنْهَا اربعة عشر مُهْملَة بِغَيْر نقط، واربعة عشر مُعْجمَة بنقط، فَمَا هُوَ مِنْهَا غير منقوط، فَهُوَ اشبه بمنازل السُّعُود، وَمَا هُوَ مِنْهَا منقوط، فَهُوَ منَازِل النحوس والممتزجات، وَمَا كَانَ مِنْهَا لَهُ نقطة وَاحِدَة، فَهُوَ اقْربْ الى السُّعُود، وَمَا هُوَ بنقطتين، فَهُوَ متوسط فِي النحوس، فَهُوَ الممتزج، وَمَا هُوَ بِثَلَاث نقط، فَهُوَ عَام النحوس.
هَكَذَا وجدته.
وَالَّذِي نرَاهُ فِي الْحُرُوف انها ثَلَاثَة عشر مُهْملَة وَخَمْسَة عشر مُعْجمَة، إِلَّا أَن يكون كَانَ لَهُم اصْطِلَاح فِي النقط تغير فِي وقتنا هَذَا.
واما الْمعَانِي المنتفع بهَا من قواها وطبائعها فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ الْحَرَّانِي وَالشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس احْمَد الْبونِي والبعلبكي وَغَيرهم، رَحِمهم الله، من ذَلِك مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ كتبهمْ من قواها وتاثيراتها، وَمِمَّا قيل فِيهَا أَن تتَّخذ الْحُرُوف الْيَابِسَة وَتجمع متواليا، فَتكون متقوية لما يُرَاد فِيهِ تَقْوِيَة الْحَيَاة الَّتِي تسميها الاطباء الغريزية، أَو لما يُرَاد دَفعه من آثَار الامراض الْبَارِدَة الرّطبَة، فيكتبها، أَو يرقي بهَا، أَو يسقيها لصَاحب الحمي البلغمية والمفلوج والملووق.
وَكَذَلِكَ الْحُرُوف الْبَارِدَة الرّطبَة، إِذا اسْتعْملت بعد تتبعها، وعولج بهَا، رقية أَو كِتَابَة أَو سقيا، من بِهِ حمى محرقة، أَو كتبت على ورم حَار، وخصوصا حرف الْحَاء لانها، فِي عالمها، عَالم صُورَة.
وَإِذا اقْتصر على حرف مِنْهَا كتب بعدده، فَيكْتب الْحَاء مثلا ثَمَانِي مَرَّات، وَكَذَلِكَ مَا تكتبه من الْمُفْردَات تكتبه بعدده.
وَقد شاهدنا نَحن ذَلِك فِي عصرنا، وراينا، من معلمي الْكِتَابَة وَغَيرهم، من يكْتب على خدود الصّبيان، إِذا تورمت، حُرُوف أبجد بكمالها، ويعتقد أَنَّهَا مفيدة، وَرُبمَا افادت، وَلَيْسَ الامر كَمَا اعْتقد، وَإِنَّمَا لما جهل اكثر النَّاس طبائع الْحُرُوف، وراوا مَا يكْتب مِنْهَا، ظنُّوا الْجَمِيع أَنه مُفِيد فكتبوها كلهَا.
وشاهدنا أَيْضا من يقلقه الصداع الشَّديد ويمنعه الْقُرْآن، فَيكْتب لَهُ صُورَة لوح، وعَلى جوانبه تاءات ارْبَعْ، فَيبرأ بذلك من الصداع.
وَكَذَلِكَ الْحُرُوف الرّطبَة إِذا اسْتعْملت رقى، أَو كِتَابَة، أَو سقيا، قوت الْمِنَّة وادامت الصِّحَّة وقوت على الباه، وَإِذا كتبت للصَّغِير حسن نَبَاته، وَهِي اوتار الْحُرُوف كلهَا، وَكَذَلِكَ الْحُرُوف الْبَارِدَة الْيَابِسَة، إِذا عولج بهَا من نزف دم بسقي، أَو كِتَابَة، أَو بخور، وَنَحْو ذَلِك من الامراض.
وَقد ذكر الشَّيْخ محيي الدّين بن الْعَرَبِيّ، فِي كتبه، من ذَلِك، جملا كَثِيرَة.
وَقَالَ الشَّيْخ عَليّ الحرالي رَحمَه الله: إِن الْحُرُوف الْمنزلَة اوائل السُّور وعدتها، بعد اسقاط مكررها، اربعة عشر حرفا، وَهِي: الالف وَالْهَاء والحاء والطاء وَالْيَاء وَالْكَاف وَاللَّام وَالْمِيم وَالرَّاء وَالسِّين وَالْعين وَالصَّاد وَالْقَاف وَالنُّون، قَالَ: إِنَّهَا يقْتَصر بهَا على مداواة السمُوم، وتقاوم السمُوم باضدادها، فيسقى للدغ الْعَقْرَب حارها، وَمن نهشة الْحَيَّة باردها الرطب، أَو تكْتب لَهُ، وتجري المحاولة، فِي الامور، على نَحْو من الطبيعة فتسقى الْحُرُوف الحارة الرّطبَة للتفريح وإذهاب الْغم، وَكَذَلِكَ الحارة الْيَابِسَة لتقوية الْفِكر وَالْحِفْظ، والباردة الْيَابِسَة الثَّبَات وَالصَّبْر، والباردة الرّطبَة لتيسير الامور وتسهيل الْحَاجَات وَطلب الصفح وَالْعَفو.
وَقد صنف البعلبكي فِي خَواص الْحُرُوف كتابا مُفردا، وَوصف لكل حرف خاصية يَفْعَلهَا بِنَفسِهِ، وخا صية بمشاركة غَيره من الْحُرُوف على اوضاع مُعينَة فِي كِتَابه، وَجعل لَهَا نفعا بمفردها على الصُّورَة الْعَرَبيَّة، ونفعا بمفردها، إِذا كتبت على الصُّورَة الْهِنْدِيَّة، ونفعا بمشاركتهما فِي الْكِتَابَة، وَقد اشْتَمَل من الْعَجَائِب على مَا لَا يعلم مِقْدَاره الا من علم مَعْنَاهُ.
وَأما اعمالها فِي الطلسمات فان لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهَا سرا عجيبا، وصنعا جميلا، شاهدنا صِحَة اخبارها، وَجَمِيل آثارها.
وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع الاطالة بِذكر مَا جربناه مِنْهَا ورأيناه من التَّأْثِير عَنْهَا، فسبحان مسدي النِّعْمَة، ومؤتى الْحِكْمَة، الْعَالم بِمن خلق، وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير.
نذْكر، فِي هَذَا الْحَرْف، الْهمزَة الاصلية، الَّتِي هِيَ لَام الْفِعْل، فاما المبدلة من الْوَاو نَحْو العزاء، الذى اصله عز أَو، لانه من عزوت، أَو المبدلة من الْيَاء نَحْو الاباء، الذى اصله اباي، لانه من ابيت، فنذكره فِي بَاب الْوَاو وَالْيَاء، ونقدم هُنَا الحَدِيث فِي الْهمزَة.
قَالَ الازهري: إعلم أَن الْهمزَة لَا هجاء لَهَا، انما تكْتب مرّة ألفا وَمرَّة يَاء وَمرَّة واوا، والالف اللينة لَا حرف لَهَا، انما هِيَ جُزْء من مُدَّة بعد فَتْحة.
والحروف ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا مَعَ الْوَاو والالف وَالْيَاء، وتتم بِالْهَمْزَةِ تِسْعَة وَعشْرين حرفا.
والهمزة كالحرف الصَّحِيح، غير أَن لَهَا حالات من التليين والحذف والابدال وَالتَّحْقِيق تعتل، فالحقت بالاحرف المعتلة الْجوف، وَلَيْسَت من الْجوف، انما هِيَ حلقية فِي أقْصَى الْفَم، وَلها ألقاب كالقاب الْحُرُوف الْجوف، فَمِنْهَا همزَة التَّأْنِيث، كهمزة الْحَمْرَاء وَالنُّفَسَاء والعشراء والخشاء، وكل مِنْهَا مَذْكُور فِي مَوْضِعه، وَمِنْهَا الْهمزَة الاصلية فِي آخر الْكَلِمَة مثل: الْجفَاء والبواء والرطاء والطواء، وَمِنْهَا الوحاء وَالْبَاء والداء والايطاء فِي الشّعْر.
هَذِه كلهَا همزها أُصَلِّي، وَمِنْهَا همزَة الْمدَّة المبدلة من الْيَاء وَالْوَاو: كهمزة السَّمَاء والبكاء والكساء وَالدُّعَاء وَالْجَزَاء وَمَا اشبهها، وَمِنْهَا الْهمزَة المجتلبة بعد الالف الساكنة نَحْو: همزَة وَائِل وطائف، وَفِي الْجمع نَحْو كتائب وسرائر، وَمِنْهَا الْهمزَة الزَّائِدَة نَحْو: همزَة الشمأل والشامل والغرقئ، وَمِنْهَا الْهمزَة الَّتِي تزاد لِئَلَّا يجْتَمع ساكنان نَحْو: اطْمَأَن واشمأز وازبأر وَمَا شاكلها، وَمِنْهَا همزَة الوقفة فِي آخر الْفِعْل لُغَة لبَعض دون بعض نَحْو قَوْلهم للْمَرْأَة: قولئ، وللرجلين قولا، وللجميع قولؤ، وَإِذا وصلوا الْكَلَام لم يهمزوا، ويهمزون لَا إِذا وقفُوا عَلَيْهَا، وَمِنْهَا همزَة التَّوَهُّم، كَمَا روى الْفراء عَن بعض الْعَرَب أَنهم يهمزون مَا لَا همز فِيهِ إِذا ضارع المهموز.
قَالَ: وَسمعت امراة من غَنِي تَقول: رثات زَوجي بابيات، كَأَنَّهَا لما سَمِعت رثات اللَّبن ذهبت الى أَن مرثية الْمَيِّت مِنْهَا.
قَالَ: وَيَقُولُونَ لبات بِالْحَجِّ وحلات السويق، فيغلطون لَان حلات يُقَال فِي دفع العطشان عَن المَاء، ولبات يذهب بهَا اللبا.
وَقَالُوا: استنشأت الرّيح وَالصَّوَاب استنشيت، ذَهَبُوا بِهِ الى قَوْلهم نشا السَّحَاب، وَمِنْهَا الْهمزَة الاصلية الظَّاهِرَة نَحْو همز الخبء والدفء والكفء والعبء وَمَا اشبهها، وَمِنْهَا اجْتِمَاع همزتين فِي كلمة وَاحِدَة نَحْو همزتي الرئاء والحاوئاء، واما الضياء فَلَا يجوز همز يائه، والمدة الاخيرة فِيهِ همزَة اصلية من ضاء يضوء ضوءا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن يحيى فِيمَن همز مَا لَيْسَ بمهموز: وَكنت أرجي بِئْر نعْمَان، حائرا، فلوأ بالعينين والانف حائر اراد لوى، فهمز، كَمَا قَالَ: كمشترئ بِالْحَمْد مَا لَا يضيره قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هَذِه لُغَة من يهمز مَا لَيْسَ بمهموز.
قَالَ: وَالنَّاس كلهم يَقُولُونَ، إِذا كَانَت الْهمزَة طرفا، وَقبلهَا سَاكن، حذفوها فِي الْخَفْض وَالرَّفْع، واثبتوها فِي النصب، الا الْكسَائي وَحده، فانه يثبتها كلهَا.
قَالَ وَإِذا كَانَت الْهمزَة وسطى اجْمَعُوا كلهم على ان لَا تسْقط.
قَالَ وَاخْتلف الْعلمَاء باى صُورَة تكون الْهمزَة، فَقَالَت طَائِفَة: نكتبها بحركة مَا قبلهَا وهم الْجَمَاعَة، وَقَالَ اصحاب الْقيَاس: نكتبها بحركة نَفسهَا، واحتجت الْجَمَاعَة بَان الْخط يَنُوب عَن اللِّسَان.
قَالَ وانما يلْزمنَا ان نترجم بالخط مَا نطق بِهِ اللِّسَان.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَهَذَا هُوَ الْكَلَام.
قَالَ: وَمِنْهَا اجْتِمَاع الهمزتين بمعنيين وَاخْتِلَاف النَّحْوِيين فيهمَا.
قَالَ الله عزوجل: أأنذرتهم ام لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ.
من الْقُرَّاء من يُحَقّق الهمزتين فيقرا أأنذرتهم، قرا بِهِ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ، وقرا أَبُو عَمْرو آأنذرتهم مُطَوَّلَة، وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا اشبهه نَحْو قَوْله تعالى: {آانت قلت للنَّاس}، آألد وانا عَجُوز، آاله مَعَ الله، وَكَذَلِكَ قرا ابْن كثير وَنَافِع وَيَعْقُوب بِهَمْزَة مُطَوَّلَة، وقرا عبد الله بن ابي اسحق آأنذرتهم بالف بَين الهمزتين، وَهِي لُغَة سائرة بَين الْعَرَب.
قَالَ ذُو الرمة: تطاللت، فاستشرفته، فعرفته، فَقلت لَهُ: آأنت زيد الارانب؟ وَأنْشد احْمَد بن يحيى: خرق إِذا مَا الْقَوْم أجروا فكاهة *** تذكر آإياه يعنون أم قردا؟ وَقَالَ الزّجاج: زعم سِيبَوَيْهٍ أَن من الْعَرَب من يُحَقّق الْهمزَة وَلَا يجمع بَين الهمزتين، وَإِن كَانَتَا من كَلِمَتَيْنِ.
قَالَ: وَأهل الْحجاز لَا يحققون وَاحِدَة مِنْهُمَا.
وَكَانَ الْخَلِيل يري تَخْفيف الثَّانِيَة، فَيجْعَل الثَّانِيَة بَين الْهمزَة والالف وَلَا يَجْعَلهَا ألفا خَالِصَة.
قَالَ: وَمن جعلهَا ألفا خَالِصَة، فقد اخطا من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا أَنه جمع بَين ساكنين، والاخرى أَنه أبدل من همزَة متحركة، قبلهَا حَرَكَة، ألفا، وَالْحَرَكَة الْفَتْح.
قَالَ: وانما حق الْهمزَة، إِذا تحركت وَانْفَتح مَا قبلهَا، ان تجْعَل بَين بَين، أَعنِي بَين الْهمزَة وَبَين الْحَرْف الَّذِي مِنْهُ حركتها، فَتَقول فِي سَالَ سَالَ، وَفِي رؤف رؤف، وَفِي بئس بئس، وَهَذَا فِي الْخط وَاحِد، وانما تحكمه بالمشافهة.
قَالَ: وَكَانَ غير الْخَلِيل يَقُول فِي مثل قَوْله {فقد جَاءَ اشراطها} أَن تخفف الاولى.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: جمَاعَة من الْعَرَب يقرأون: فقد جَاءَ اشراطها، يحققون الثَّانِيَة ويخففون الاولى.
قَالَ والى هَذَا ذهب أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء.
قَالَ: وَأما الْخَلِيل، فانه يقْرَأ بتحقيق الاولى وَتَخْفِيف الثَّانِيَة.
قَالَ: وانما اخْتَرْت تَخْفيف الثَّانِيَة لِاجْتِمَاع النَّاس على بدل الثَّانِيَة فِي قَوْلهم: آدم وَآخر، لَان الاصل فِي آدم أأدم، وَفِي آخر أأخر.
قَالَ الزّجاج: وَقَول الْخَلِيل أَقيس، وَقَول أبي عَمْرو جيد أَيْضا.
وَأما الهمزتان، إِذا كَانَتَا مكسورتين، نَحْو قَوْله: على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا، وَإِذا كَانَتَا مضمومتين نَحْو قَوْله: أَوْلِيَاء أُولَئِكَ، فان أَبَا عَمْرو يُخَفف الْهمزَة الاولى مِنْهُمَا، فَيَقُول: على الْبغاء ان، وأولياء أُولَئِكَ، فَيجْعَل الْهمزَة الاولى فِي الْبغاء بَين الْهمزَة وَالْيَاء ويكسرها، وَيجْعَل الْهمزَة فِي قَوْله: أَوْلِيَاء أُولَئِكَ، الاولى بَين الْوَاو والهمزة ويضمها.
قَالَ: وَجُمْلَة ماقاله فِي مثل هَذِه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا، وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل، أَن يَجْعَل مَكَان الْهمزَة الثَّانِيَة همزَة بَين بَين، فَإِذا كَانَ مضموما جعل الْهمزَة بَين الْوَاو والهمزة.
قَالَ: أَوْلِيَاء أُولَئِكَ، على الْبغاء ان، وَأما أَبُو عَمْرو فيقرا على مَا ذكرنَا، وَأما ابْن أبي اسحق وَجَمَاعَة من الْقُرَّاء، فانهم يجمعُونَ بَين الهمزتين، وَأما اخْتِلَاف الهمزتين نَحْو قَوْله تعالى: {كَمَا آمن السُّفَهَاء أَلا}، فاكثر الْقُرَّاء على تَحْقِيق الهمزتين، وَأما أَبُو عَمْرو، فانه يُحَقّق الْهمزَة الثَّانِيَة فِي رِوَايَة سِيبَوَيْهٍ، ويخفف الاولى، فيجعلها بَين الْوَاو والهمزة، فَيَقُول: السُّفَهَاء أَلا، ويقرا من فِي السَّمَاء أَن، فيحقق الثَّانِيَة، واما سِيبَوَيْهٍ والخليل فَيَقُولَانِ: السُّفَهَاء وَلَا، يجعلان الْهمزَة الثَّانِيَة واوا خَالِصَة.
وَفِي قَوْله تعالى: (أأمنة من فِي السماءين)، يَاء خَالِصَة، وَالله اعْلَم.
قَالَ وَمِمَّا جَاءَ عَن الْعَرَب فِي تَحْقِيق الْهَمْز وتليينه وتحويله وحذفه، وَقَالَ أَبُو زيد الانصاري: الْهَمْز على ثَلَاثَة اوجه: التَّحْقِيق وَالتَّخْفِيف والتحويل.
فالتحقيق مِنْهُ أَن تُعْطى الْهمزَة حَقّهَا من الاشباع، فَإِذا اردت أَن تعرف إشباع الْهمزَة، فَاجْعَلْ الْعين فِي موضعهَا، كَقَوْلِك من الخبء: قد خبات لَك بِوَزْن خبعت لَك، وقرات بِوَزْن قرعت، فانا أخبع وأقرع، وانا خابع وخابئ وقارئ نَحْو قارع، بعد تَحْقِيق الْهمزَة بِالْعينِ، كَمَا وصفت لَك، قَالَ: وَالتَّخْفِيف من الْهَمْز انما سموهُ تَخْفِيفًا لانه لم يُعْط حَقه من الاعراب والاشباع، وَهُوَ مشرب همزا، تصرف فِي وُجُوه الْعَرَبيَّة بِمَنْزِلَة سَائِر الْحُرُوف الَّتِي تحرّك، كَقَوْلِك: خبات وقرات، فَجعل الْهمزَة ألفا سَاكِنة على سكونها فِي التَّحْقِيق، إِذا كَانَ مَا قبلهَا مَفْتُوحًا، وَهِي كَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي يدخلهَا التحريك، كَقَوْلِك: لم يخبا الرجل، وَلم يقرا الْقرَان، فَكسر الالف من يخبا ويقرا لسكون مَا بعْدهَا، فكانك قلت لم يخبير جلّ وَلم يقر يلقران، وَهُوَ يخبو ويقرو، فيجعلها واوا مَضْمُومَة فِي الادراج، فان وقفتها جَعلتهَا ألفا غير أَنَّك تهيئها للضمة من غير أَن تظهر ضمتها فَتَقول: مَا أخباه وَأَقَرَّاهُ، فَتحَرك الالف بِفَتْح لبَقيَّة مَا فِيهَا من الْهمزَة كَمَا وصفت لَك، وَأما التَّحْوِيل من الْهَمْز، فان تحول الْهَمْز الى الْيَاء وَالْوَاو، كَقَوْلِك: قد خبيت الْمَتَاع فَهُوَ مخبي، فَهُوَ يخباه، فَاعْلَم، فَيجْعَل الْيَاء الْفَا حَيْثُ كَانَ قبلهَا فَتْحة نَحْو الف يسْعَى ويخشى لَان مَا قبلهَا مَفْتُوح.
قَالَ: وَتقول رفوت الثَّوْب رفوا، فحولت الْهمزَة واوا كَمَا ترى، وَتقول لم يخب عني شَيْئا فَتسقط مَوضِع اللَّام من تظيرها من الْفِعْل للاعراب، وَتَدَع مَا بَقِي على حَاله متحركا، وَتقول مَا أخباه، فتسكن الالف المحولة كَمَا أسكنت الالف من قَوْلك مَا أخشاه وأسعاه.
قَالَ: وَمن مُحَقّق الْهَمْز قَوْلك للرجل: يلؤم، كانك قلت يلعم، إِذا كَانَ بَخِيلًا، وَأسد يزئر كَقَوْلِك يزعر، فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت للرجل: يلم، وللاسد يزر على إِن القيت الْهمزَة من قَوْلك يلؤم ويزئر، وحركت مَا قبلهَا بحركتها على الضَّم وَالْكَسْر، إِذا كَانَ مَا قبلهَا سَاكِنا، فَإِذا اردت تَحْويل الْهمزَة مِنْهَا قلت للرجل يلوم فجعلتها واوا سَاكِنة لانها تبِعت ضمة، والاسد يزير فجعلتها يَاء للكسرة قبلهَا نَحْو يَبِيع ويخيط، وَكَذَلِكَ كل همزَة تبِعت حرفا سَاكِنا عدلتها إِلَى التَّخْفِيف، فانك تلقيها وتحرك بحركتها الْحَرْف السَّاكِن قبلهَا، كَقَوْلِك للرجل: سل، فتحذف الْهمزَة تحرّك مَوضِع الْفَاء من نظيرها من الْفِعْل بحركتها، واسقطت الف الْوَصْل، إِذْ تحرّك مَا بعْدهَا، وانما يجتلبونها للاسكان، فَإِذا تحرّك مَا بعْدهَا لم يحتاجوا إِلَيْهَا.
وَقَالَ رؤبة: وانت يَا بامسلم وفيتا ترك الْهمزَة، وَكَانَ وَجه الْكَلَام: يَا أَبَا مُسلم، فَحذف الْهمزَة، وَهِي أَصْلِيَّة، كَمَا قَالُوا لَا أَب لَك، وَلَا ابا لَك، وَلَا با لَك، ولاب لغيرك، وَلَا با لشانئك.
وَمِنْهَا نوع آخر من الْمُحَقق، وَهُوَ قَوْلك من رايت، وانت تامر: إرا، كَقَوْلِك إرع زيدا، فَإِذا اردت التَّخْفِيف قلت: رزيدا فَتسقط الف الْوَصْل لتحرك مَا بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَسمعت من الْعَرَب من يَقُول: يَا فلَان نويك على التَّخْفِيف، وتحقيقه نؤيك، كَقَوْلِك إبغ بغيك، إِذا امْرَهْ ان يَجْعَل نَحْو خبائه نؤيا كالطوق يصرف عَنهُ مَاء الْمَطَر.
قَالَ: وَمن هَذَا النَّوْع رايت الرجل، فَإِذا اردت التَّخْفِيف قلت: رايت، فحركت الالف بِغَيْر اشباع همز، وَلم تسْقط الْهمزَة لَان مَا قبلهَا متحرك، وَتقول للرجل تراى ذَلِك على التَّحْقِيق.
وَعَامة كَلَام الْعَرَب فِي يري وتري وارى ونرى، على التَّخْفِيف، لم تزد على ان القت الْهمزَة من الْكَلِمَة، وَجعلت حركتها بِالضَّمِّ على الْحَرْف السَّاكِن قبلهَا.
قَالَ أَبُو زيد: وَاعْلَم ان وَاو فعول ومفعول وياء فعيل وياء التصغير لَا يعتقين الْهَمْز فِي شئ من الْكَلَام، لَان الاسماء طولت بهَا، كَقَوْلِك فِي التَّحْقِيق: هَذِه خَطِيئَة، كَقَوْلِك خطيعة، فَإِذا ابدلتها إِلَى التَّخْفِيف قلت: هَذِه خطية، جعلت حركتها يَاء للكسرة، وَتقول: هَذَا رجل خبوء، كَقَوْلِك خبوع، فَإِذا خففت قلت: رجل خبو، فتجعل الْهمزَة واواللضمة الَّتِي قبلهَا، وجعلتها حرفا ثقيلا فِي وزن حرفين مَعَ الْوَاو الَّتِي قبلهَا، وَتقول: هَذَا مَتَاع مخبوء بِوَزْن مخبوع، فَإِذا خففت قلت: مَتَاع مخبو، فحولت الْهمزَة واوا للضمة قبلهَا.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: وَمن الْعَرَب من يدغم الْوَاو فِي الْوَاو ويشددها، فَيَقُول: مخبو.
قَالَ أَبُو زيد: تَقول رجل برَاء من الشّرك، كَقَوْلِك براع، فَإِذا عدلتها الى التَّخْفِيف قلت: براو، فَتَصِير الْهمزَة واوا لانها مَضْمُومَة، وَتقول: مَرَرْت بِرَجُل براي فَتَصِير يَاء على الكسرة ورايت رجلا برايا، فَتَصِير ألفا لانها مَفْتُوحَة.
وَمن تَحْقِيق الْهمزَة قَوْلهم: هَذَا غطاء وَكسَاء وخباء، فتهمز مَوضِع اللَّام من نظيرها من الْفِعْل لانها غَايَة، وَقبلهَا ألف سَاكِنة، كَقَوْلِهِم: هَذَا غطاع وكساع وخباع، فالعين وخباع، فالعين مَوضِع الْهمزَة، فَإِذا جمعت الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد فِي التَّحْقِيق، قلت: هَذَانِ غطاآن وكساآن وخباآن، كَقَوْلِك غطاعان وكساعان وخباعان، فتهمز الِاثْنَيْنِ على سنة الْوَاحِد، وَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: هَذَا غطاو وكساو وخباو، فتجعل الْهمزَة واوا لانها مَضْمُومَة، وان جمعت الِاثْنَيْنِ بِالتَّخْفِيفِ على سنة الْوَاحِد قلت: هَذَانِ عطاأن وكساأن وخباأن، فَتحَرك الالف، الَّتِي فِي مَوضِع اللَّام من نظيرها من الْفِعْل، بِغَيْر إشباع، لَان فِيهَا بَقِيَّة من الْهمزَة، وَقبلهَا ألف سَاكِنة، فَإِذا أردْت تَحْويل الْهمزَة قلت: هَذَا غطاو وكساو لَان قبلهَا حرفا سَاكِنا، وَهِي مَضْمُومَة، وَكَذَلِكَ الفضاء: هَذَا فضاو، على التَّحْوِيل، لَان ظُهُور الْوَاو هَهُنَا أخف من ظُهُور الْيَاء، وَتقول فِي الِاثْنَيْنِ، إِذا جمعتهما على سنة تَحْويل الْوَاو: هما غطاوان وكساوان وخباوان وفضاوان.
قَالَ أَبُو زيد وَسمعت بعض بني فَزَارَة يَقُول: هما كسايان وخبايان وفضايان، فيحول الْوَاو الى الْيَاء.
قَالَ: وَالْوَاو فِي هَذِه الْحُرُوف أَكثر فِي الْكَلَام.
قَالَ: وَمن تَحْقِيق الْهمزَة قَوْلك: يَا زيد من أَنْت، كَقَوْلِك من عنت، فَإِذا عدلت الْهمزَة إِلَى التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نت، كانك قلت مننت، لانك أسقطت الْهمزَة من أَنْت وحركت مَا قبلهَا بحركتها، وَلم يدْخلهُ إدغام، لَان النُّون الاخيرة سَاكِنة والاولى متحركة، وَتقول من أَنا، كَقَوْلِك من عَنَّا على التَّحْقِيق، فَإِذا أردْت التَّخْفِيف قلت: يَا زيد من نَا، كانك قلت: يَا زيد منا، ادخلت النُّون الاولى فِي الاخرة، وجعلتهما حرفا وَاحِدًا ثقيلا فِي وزن حرفين، لانهما متحركان فِي حَال التَّخْفِيف، وَمثله قَوْله تعالى: {لَكنا هُوَ الله رَبِّي}، خففوا الْهمزَة من لَكِن أَنا، فَصَارَت لَكِن نَا، كَقَوْلِك لكننا، ثمَّ أسكنوا بعد التَّخْفِيف، فَقَالُوا لَكنا.
قَالَ: وَسمعت اعرابيا من قيس يَقُول: يَا أَب أقبل وياب أقبل يَا أَبَة أقبل ويابة أقبل، فالقي الْهمزَة من....
وَمن تَحْقِيق الْهمزَة قَوْلك إفعو علت من وايت: إيا وايت، كَقَوْلِك إفعو عيت، فَإِذا عدلته الى التَّخْفِيف قلت: ايويت وَحدهَا، وويت، والاولى مِنْهُمَا فِي مَوضِع الْفَاء من الْفِعْل، وَهِي سَاكِنة، وَالثَّانيَِة هِيَ الزَّائِدَة، فحركتها بحركة الهمزتين قبلهَا.
وَثقل ظُهُور الواوين مفتوحتين، فهمزوا الاولى مِنْهُمَا، وَلَو كَانَت الْوَاو الاولى وَاو عطف لم يثقل ظهورهما فِي الْكَلَام، كَقَوْلِك: ذهب زيد ووافد، وَقدم عَمْرو وواهب.
قَالَ: وَإِذا أردْت تَحْقِيق مفعوعل من وأيت قلت: موأوئي، كَقَوْلِك موعوعي، فَإِذا عدلت الى التَّخْفِيف قلت: مواوي، فتفتح الْوَاو الَّتِي فِي مَوضِع الْفَاء بفتحة الْهمزَة الَّتِي فِي مَوضِع الْعين من الْفِعْل، وتكسر الْوَاو الثَّانِيَة، وَهِي الثَّابِتَة، بِكَسْر الْهمزَة الَّتِي بعْدهَا.
قَالَ أَبُو زيد وَسمعت بعض بني عجلَان من قيس يَقُول: رَأَيْت غلاميبيك، ورايت غلاميسد، تحول الْهمزَة الَّتِي فِي أَسد وَفِي أَبِيك على الْيَاء، ويدخلونها فِي الْيَاء الَّتِي فِي الغلامين، الَّتِي هِيَ نفس الاعراب، فَيظْهر يَاء ثَقيلَة فِي وزن حرفين، كانك قلت رايت غلاميبيك ورايت غلاميسد.
قَالَ وَسمعت رجلا من بني كلب يَقُول: هَذِه دَابَّة، وَهَذِه امراة شَابة، فهمز الالف فيهمَا وَذَلِكَ أَنه ثقل عَلَيْهِ إسكان الحرفين مَعًا، وَإِن كَانَ الْحَرْف الاخر مِنْهُمَا متحركا.
وَأنْشد الْفراء: يَا عجبا! لقد رايت عجبا *** حمَار قبان يَسُوق ارنبا وَأمّهَا خاطمها أَن تذهبا قَالَ أَبُو زيد: أهل الْحجاز وهذيل وَأهل مَكَّة وَالْمَدينَة لَا ينبرون.
وقف عَلَيْهَا عِيسَى بن عمر فَقَالَ: مَا آخذ من قَول تَمِيم الا بالنبر وهم أَصْحَاب النبر، وَأهل الْحجاز إِذا اضطروا نبروا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عمر الهذلى قد توضيت فَلم يهمز وحولها يَاء، وَكَذَلِكَ مَا أشبه هَذَا من بَاب الْهَمْز.
وَالله تَعَالَى أعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
49-لسان العرب (حمل)
حمل: حَمَلَ الشيءَ يَحْمِلُهُ حَمْلًا وحُمْلانًا فَهُوَ مَحْمول وحَمِيل، واحْتَمَلَه؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ: " فَحَمَلْتُ بَرَّة واحْتَمَلْتَ فَجَارِ "عَبَّر عَنِ البَرَّة بالحَمْل، وَعَنِ الفَجْرة بالاحْتِمَال، لأَن حَمْل البَرَّة بالإِضافة إِلى احْتِمَالِ الفَجْرَة أَمر يَسِيرٌ ومُسْتَصْغَر؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ اسْمُهُ: لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:مَا حُمِّلَ البُخْتِيُّ عَامَ غِيَاره، ***عَلَيْهِ الوسوقُ: بُرُّها وشَعِيرُها
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنما حُمِّل فِي مَعْنَى ثُقِّل، وَلِذَلِكَ عَدَّاه بِالْبَاءِ؛ أَلا تَرَاهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا: " بأَثْقَل مِمَّا كُنْت حَمَّلت خَالِدَا وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاح فَلَيْسَ مِنَّا» أَي مِنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِكَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ، فإِن لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِمْ لإِجل كَوْنِهِمْ مُسْلِمِينَ فَقَدِ اخْتُلِف فِيهِ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنَّا أَي لَيْسَ مِثْلَنَا، وَقِيلَ: لَيْسَ مُتَخَلِّقًا بأَخلاقنا وَلَا عَامِلًا بِسُنَّتِنا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}؛ قَالَ: مَعْنَاهُ وَكَمْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَدَّخِر رِزْقَهَا إِنما تُصْبح فَيَرْزُقُهَا اللَّهُ.
والحِمْل: مَا حُمِل، وَالْجَمْعُ أَحْمَال، وحَمَلَه عَلَى الدَّابَّةِ يَحْمِلُه حَمْلًا.
والحُمْلان: مَا يُحْمَل عَلَيْهِ مِنَ الدَّواب فِي الهِبَة خَاصَّةً.
الأَزهري: وَيَكُونُ الحُمْلان أَجْرًا لِمَا يُحْمَل.
وحَمَلْت الشيءَ عَلَى ظَهْرِي أَحْمِلُه حَمْلًا.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْرًا خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا}؛ أَي وِزْرًا.
وحَمَلَه عَلَى الأَمر يَحْمِلُه حَمْلًا فانْحَمَلَ: أَغْراه بِهِ؛ وحَمَّلَه عَلَى الأَمر تَحْمِيلًا وحِمَّالًا فَتَحَمَّلَه تَحَمُّلًا وتِحِمَّالًا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَرادوا فِي الفِعَّال أَن يَجِيئُوا بِهِ عَلَى الإِفْعال فَكَسَرُوا أَوله وأَلحقوا الأَلف قَبْلَ آخِرِ حَرْفٍ فِيهِ، وَلَمْ يُرِيدُوا أَن يُبْدِلوا حَرْفًا مَكَانَ حَرْفٍ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَفْعَل واسْتَفْعَل.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي هَدْم الْكَعْبَةِ وَمَا بَنَى ابنُ الزُّبَيْر مِنْهَا: «وَدِدت أَني تَرَكْتُه وَمَا تَحَمَّل مِنَ الإِثم فِي هَدْم الْكَعْبَةِ وَبِنَائِهَا».
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ}، قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى يَحْمِلْنها يَخُنَّها، والأَمانة هُنَا: الْفَرَائِضُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى آدَمَ وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ، وَكَذَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ والإِنسان هُنَا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، وَقَالَ أَبو إِسحاق فِي الْآيَةِ: إِن حَقِيقَتَهَا، وَاللَّهُ أَعلم، أَن اللَّهَ تَعَالَى ائْتَمَن بَنِي آدَمَ عَلَى مَا افْتَرَضَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَتِهِ وأْتَمَنَ السَّمَاوَاتِ والأَرض وَالْجِبَالَ بِقَوْلِهِ: ائْتِيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ}؛ فَعَرَّفنا اللَّهُ تَعَالَى أَن السَّمَاوَاتِ والأَرض لَمْ تَحْمِل الأَمانة أَي أَدَّتْها؛ وَكُلُّ مَنْ خَانَ الأَمانة فَقَدْ حَمَلَها، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَثم فَقَدْ حَمَلَ الإِثْم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ، الْآيَةَ، فأَعْلم اللهُ تَعَالَى أَن مَنْ بَاءَ بالإِثْم يُسَمَّى حَامِلًا للإِثم والسماواتُ والأَرض أَبَيْن أَن يَحْمِلْنها، يَعْنِي الأَمانة.
وأَدَّيْنَها، وأَداؤها طاعةُ اللَّهِ فِيمَا أَمرها بِهِ والعملُ بِهِ وتركُ الْمَعْصِيَةِ، وحَمَلها الإِنسان، قَالَ الْحَسَنُ: أَراد الْكَافِرَ وَالْمُنَافِقَ حَمَلا الأَمانة أَي خَانَا وَلَمْ يُطِيعا، قَالَ: فَهَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعلم، صَحِيحٌ وَمَنْ أَطاع اللَّهَ مِنَ الأَنبياء والصِّدِّيقين وَالْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُقَالُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، قَالَ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ مَا يَتْلُو هَذَا مِنْ قَوْلُهُ: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ، إِلى آخِرِهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمَا عَلِمْتُ أَحدًا شَرَح مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا شَرَحَهُ أَبو إِسحاق؛ قَالَ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ فِي حَمْل الأَمانة إِنه خِيَانَتُها وَتَرْكُ أَدائها قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا أَنت لَمْ تَبْرَح تُؤَدِّي أَمانة، ***وتَحْمِل أُخْرَى، أَفْرَحَتْك الودائعُ
أَراد بِقَوْلِهِ وتَحْمِل أُخرى أَي تَخُونها وَلَا تؤَدِّيها، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ أَفْرَحَتْك الْوَدَائِعُ أَي أَثْقَلَتْك الأَمانات الَّتِي تَخُونُهَا وَلَا تُؤَدِّيها.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُوحيَ إِليه وكُلِّف أَن يُنَبِّه عَلَيْهِ، وَعَلَيْكُمْ أَنتم الاتِّباع.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «لَا تُنَاظِروهم بِالْقُرْآنِ فإِن الْقُرْآنَ حَمَّال ذُو وُجُوه» أَي يُحْمَل عَلَيْهِ كُلُّ تأْويل فيحْتَمِله، وَذُو وُجُوهٍ أَي ذُو مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ.
الأَزهري: وَسَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الإِثْم حِمْلًا فَقَالَ: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى "؛ يَقُولُ: وإِن تَدْعُ نَفْسٌ مُثْقَلة بأَوزارها ذَا قَرابة لَهَا إِلى أَن يَحْمِل مِنْ أَوزارها شَيْئًا لَمْ يَحْمِل مِنْ أَوزارها شَيْئًا.
وَفِي حَدِيثِ الطِّهَارَةِ: «إِذا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْن لَمْ يَحْمِل الخَبَث»أَي لَمْ يُظْهِرْهُ وَلَمْ يَغْلب الخَبَثُ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَحْمِل غَضَبه؛ أي لَا يُظْهِره؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالْمَعْنَى أَن الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ الْخَبَثِ فِيهِ إِذا كَانَ قُلَّتَين، وَقِيلَ: مَعْنَى لَمْ يَحْمل خَبَثًا أَنه يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ لَا يَحْمِل الضَّيْم إِذا كَانَ يأْباه وَيَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه إِذا كَانَ قُلَّتَين لَمْ يَحْتَمِل أَن يَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ لأَنه يَنْجُسُ بِوُقُوعِ الْخَبَثِ فِيهِ، فَيَكُونُ عَلَى الأَول قَدْ قَصَدَ أَوَّل مَقَادِيرِ الْمِيَاهِ الَّتِي لَا تَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهَا، وَهُوَ مَا بَلَغَ القُلَّتين فَصَاعِدًا، وَعَلَى الثَّانِي قَصْدُ آخِرِ الْمِيَاهِ الَّتِي تَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهَا، وَهُوَ مَا انْتَهَى فِي القلَّة إِلى القُلَّتَين، قَالَ: والأَول هُوَ الْقَوْلُ، وَبِهِ قَالَ مَنْ ذَهَبَ إِلى تَحْدِيدِ الْمَاءِ بالقُلَّتَيْن، فأَما الثَّانِي فَلَا.
واحْتَمَلَ الصَّنِيعَةَ: تَقَلَّدها وَشَكَرها، وكُلُّه مِنَ الحَمْل.
وحَمَلَ فُلَانًا وتَحَمَّلَ بِهِ وَعَلَيْهِ فِي الشَّفَاعَةِ وَالْحَاجَةِ: اعْتَمد.
والمَحْمِل، بِفَتْحِ الْمِيمِ: المُعْتَمَد، يُقَالُ: مَا عَلَيْهِ مَحْمِل، مِثْلَ مَجْلِس، أَي مُعْتَمَد.
وَفِي حَدِيثِ قَيْسٍ: «تَحَمَّلْت بعَليّ عَلَى عُثْمان فِي أَمر»أَي اسْتَشْفَعْتُ بِهِ إِليه.
وتَحامل فِي الأَمر وَبِهِ: تَكَلَّفه عَلَى مَشَقَّةٍ وإِعْياءٍ.
وتَحَامَلَ عَلَيْهِ: كَلَّفَه مَا لَا يُطِيق.
واسْتَحْمَلَه نَفْسَه: حَمَّله حَوَائِجَهُ وأُموره؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
وَمَنْ لَا يَزَلْ يَسْتَحْمِلُ الناسَ نَفْسَه، ***وَلَا يُغْنِها يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، يُسْأَم
وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ إِذا أَمَرَنا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنا إِلى السُّوقِ فَتَحَامَلَ» أَي تَكَلَّف الحَمْل بالأُجْرة ليَكْسِب مَا يتصدَّق بِهِ.
وتَحَامَلْت الشيءَ: تَكَلَّفته عَلَى مَشَقَّة.
وتَحامَلْت عَلَى نَفْسِي إِذا تَكَلَّفت الشيءَ عَلَى مَشَقَّةٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا أَي نَحْمِل لِمَنْ يَحْمِل لَنَا، مِنَ المُفاعَلَة، أَو هُوَ مِنَ التَّحامُل.
وَفِي حَدِيثِ الفَرَع والعَتِيرة: «إِذا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْته فَتَصَدَّقت بِهِ»أَي قَوِيَ عَلَى الحَمْل وأَطاقه، وَهُوَ اسْتَفْعل مِنَ الحَمْل؛ وَقَوْلُ يَزِيدُ بْنُ الأَعور الشَّنِّي: " مُسْتَحْمِلًا أَعْرَفَ قَدْ تَبَنَّى "يُرِيدُ مُسْتَحْمِلًا سَنامًا أَعْرَف عَظِيمًا.
وَشَهْرٌ مُسْتَحْمِل: يَحْمِل أَهْلَه فِي مَشَقَّةٍ لَا يَكُونُ كَمَا يَنْبَغِي أَن يَكُونَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذا نَحَر هِلال شَمالًا كَانَ شَهْرًا مُسْتَحْمِلًا.
وَمَا عَلَيْهِ مَحْمِل أَي مَوْضِعٌ لِتَحْمِيلِ الْحَوَائِجِ.
وَمَا عَلَى الْبَعِيرِ مَحْمِل مِنْ ثِقَل الحِمْل.
وحَمَلَ عَنْهُ: حَلُم.
ورَجُل حَمُول: صاحِب حِلْم.
والحَمْل، بِالْفَتْحِ: مَا يُحْمَل فِي الْبَطْنِ مِنَ الأَولاد فِي جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، وَالْجَمْعُ حِمَال وأَحْمَال.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ}.
وحَمَلْت المرْأَةُ والشجرةُ تَحْمِلُ حَمْلًا: عَلِقَت.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا}؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: حَمَلَتْه وَلَا يُقَالُ حَمَلَتْ بِهِ إِلَّا أَنه كَثُرَ حَمَلَتِ المرأَة بِوَلَدِهَا؛ وأَنشد لأَبي كَبِيرٍ الهذلي:
حَمَلَتْ بِهِ، فِي لَيْلَةٍ، مَزْؤُودةً ***كَرْهًا، وعَقْدُ نِطاقِها لَمْ يُحْلَل
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {حَمَلَتْهُ أُمُّه كَرْهًا}، وكأَنه "إِنما جَازَ حَمَلَتْ بِهِ لَمَا كَانَ فِي مَعْنَى عَلِقَت بِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، لَمَا كَانَ فِي مَعْنَى الإِفضاء عُدِّي بإِلى.
وامرأَة حَامِل وحَامِلَة، عَلَى النَّسَبِ وَعَلَى الْفِعْلِ.
الأَزهري: امرأَة حَامِل وحَامِلَة إِذا كَانَتْ حُبْلى.
وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ؛ وأَنشد لِعَمْرِو بْنِ حَسَّانَ وَيُرْوَى لِخَالِدِ بْنِ حَقٍّ:
تَمَخَّضَتِ المَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ ***أَنى، ولِكُلِّ حَامِلَة تَمام
فَمَنْ قَالَ حَامِل، بِغَيْرِ هَاءٍ، قَالَ هَذَا نَعْتٌ لَا يَكُونُ إِلا لِلْمُؤَنَّثِ، وَمَنْ قَالَ حَامِلَة بَنَاهُ عَلَى حَمَلَتْ فَهِيَ حَامِلَة، فإِذا حَمَلَتْ المرأَةُ شَيْئًا عَلَى ظَهْرِهَا أَو عَلَى رأْسها فَهِيَ حَامِلَة لَا غَيْرَ، لأَن الْهَاءَ إِنما تَلْحَقُ لِلْفَرْقِ فأَما مَا لَا يَكُونُ لِلْمُذَكَّرِ فَقَدِ اسْتُغني فِيهِ عَنْ عَلَامَةِ التأْنيث، فإِن أُتي بِهَا فإِنما هُوَ عَلَى الأَصل، قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَهل الْكُوفَةِ، وأَما أَهل الْبَصْرَةِ فإِنهم يَقُولُونَ هَذَا غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ لأَن الْعَرَبَ قَالَتْ رَجُل أَيِّمٌ وامرأَة أَيّم، وَرَجُلٌ عَانِسٌ وامرأَة عَانِسٌ، عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَقَالُوا امرأَة مُصْبِيَة وكَلْبة مُجْرِية، مَعَ غَيْرِ الِاشْتِرَاكِ، قَالُوا: وَالصَّوَابُ أَن يُقَالَ قَوْلُهُمْ حَامِل وَطَالِقٌ وَحَائِضٌ وأَشباه ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا عَلَامَةَ فِيهَا للتأْنيث، فإِنما هِيَ أَوْصاف مُذَكَّرة وُصِفَ بِهَا الإِناث، كَمَا أَن الرَّبْعَة والرَّاوِية والخُجَأَة أَوصاف مُؤَنَّثَةٌ وُصِفَ بِهَا الذُّكْران؛ وَقَالُوا: حَمَلَتِ الشاةُ والسَّبُعة وَذَلِكَ فِي أَول حَمْلِها، عَنِ ابْنِ الأَعرابي وَحْدَهُ.
والحَمْل: ثَمَرُ الشَّجَرَةِ، وَالْكَسْرُ فِيهِ لُغَةٌ، وشَجَر حَامِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ظَهر مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرَةِ فَهُوَ حِمْل، وَمَا بَطَن فَهُوَ حَمْل، وَفِي التَّهْذِيبِ: مَا ظَهَرَ، وَلَمْ يُقَيِّده بِقَوْلِهِ مِنْ حَمْل الشَّجَرَةِ وَلَا غَيْرِهِ.
ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ الحَمْل مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَو عَلَى رأْس شَجَرَةٍ، وَجَمْعُهُ أَحْمَال.
والحِمْل بِالْكَسْرِ: مَا حُمِل عَلَى ظَهْرٍ أَو رأْس، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ مَا كَانَ لَازِمًا لِلشَّيْءِ فَهُوَ حَمْل، وَمَا كَانَ بَائِنًا فَهُوَ حِمْل؛ قَالَ: وَجَمْعُ الحِمْل أَحْمَال وحُمُول؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، وَجَمْعُ الحَمْلِ حِمَال.
وَفِي حَدِيثِ بِنَاءِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ: «هَذَا الحِمَال لَا حِمَال خَيْبَر»، يَعْنِي ثَمَرَ الْجَنَّةِ أَنه لَا يَنْفَد.
ابْنُ الأَثير: الحِمَال، بِالْكَسْرِ، مِنَ الحَمْل، وَالَّذِي يُحْمَل مِنْ خَيْبَرَ هُوَ التَّمْرُ أَي أَن هَذَا فِي الْآخِرَةِ أَفضل مِنْ ذَاكَ وأَحمد عَاقِبَةً كأَنه جَمْعُ حِمْل أَو حَمْل، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَصْدَرَ حَمَلَ أَو حَامَلَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ: فأَيْنَ الحِمَال؟ "يُرِيدُ مَنْفَعَةَ الحَمْل وكِفايته، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بالحَمْل الَّذِي هُوَ الضَّمَانُ.
وَشَجَرَةٌ حَامِلَة: ذَاتُ حَمْل.
التَّهْذِيبُ: حَمْل الشَّجَرِ وحِمْله.
وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَن حَمْل الشَّجَرِ فِيهِ لُغَتَانِ: الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَما حَمْل البَطْن فَلَا خِلَافَ فِيهِ أَنه بِفَتْحِ الْحَاءِ، وأَما حَمْل الشَّجَرِ فَفِيهِ خِلَافٌ، مِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهُ تَشْبِيهًا بحَمْل الْبَطْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُهُ يُشْبِهُهُ بِمَا يُحْمل عَلَى الرأْس، فكلُّ مُتَّصِلٍ حَمْل وكلُّ مُنْفَصِلٍ حِمْل، فحَمْل الشَّجَرَةِ مُشَبَّه بحَمْل المرأَة لِاتِّصَالِهِ، فَلِهَذَا فُتِح، وَهُوَ يُشْبه حَمْل الشَّيْءِ عَلَى الرأْس لبُروزه وَلَيْسَ مستبِطنًا كَحَمْل المرأَة، قال: وجمع الحَمْل أَحْمَال؛ وَذَكَرَ ابْنُ الأَعرابي أَنه يُجْمَعُ أَيضًا عَلَى حِمَال مِثْلَ كَلْبٍ وَكِلَابٍ.
والحَمَّال: حامِل الأَحْمال، وحِرْفته الحِمَالَة.
وأَحْمَلْتُهُ أَي أَعَنْته عَلَى الحَمل، والحَمَلَة جَمْعُ الحَامِل، يُقَالُ: هُمْ حَمَلَة الْعَرْشِ وحَمَلَة الْقُرْآنِ.
وحَمِيل السَّيْل: مَا يَحْمِل مِنَ الغُثاء وَالطِّينِ.
وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ فِي وَصْفِ قَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ: «فَيُلْقَون فِي نَهَرٍ فِي الْجَنَّةِ فَيَنْبُتُون كَمَا تَنْبُت الحِبَّة فِي حَمِيل السَّيْل»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مَا يَجِيءُ بِهِ السَّيْلُ، فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فإِذا اتَّفَقَتْ فِيهِ حِبَّة واستقرَّت عَلَى شَطِّ مجرَى السَّيْلِ فإِنها تَنْبُتُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فشُبِّه بِهَا سُرْعَةُ عَوْد أَبدانهم وأَجسامهم إِليهم بَعْدَ إِحراق النَّارِ لَهَا؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّة فِي حَمَائِل السَّيْلِ "، وَهُوَ جَمْعُ حَمِيل.
والحَوْمل: السَّيْل الصَّافِي؛ عَنِ الهَجَري؛ وأَنشد:
مُسَلْسَلة المَتْنَيْن لَيْسَتْ بَشَيْنَة، ***كأَنَّ حَباب الحَوْمَل الجَوْن ريقُها
وحَميلُ الضَّعَة والثُّمام والوَشِيج والطَّريفة والسَّبَط: الدَّوِيل الأَسود مِنْهُ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَمِيل بَطْن السَّيْلِ وَهُوَ لَا يُنْبِت، وَكُلُّ مَحْمول فَهُوَ حَمِيل.
والحَمِيل: الَّذِي يُحْمَل مِنْ بَلَدِهِ صَغِيرًا وَلَمْ يُولَد فِي الإِسلام؛ وَمِنْهُ قَوْلُ" عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي كِتَابِهِ إِلى شُرَيْح: الحَمِيل لَا يُوَرَّث إِلا بِبَيِّنة "؛ سُمِّي حَميلًا لأَنه يُحْمَل صَغِيرًا مِنْ بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَمْ يُولَدْ فِي الإِسلام، وَيُقَالُ: بَلْ سُمِّي حَمِيلًا لأَنه مَحْمُولُ النَّسَبِ، وَذَلِكَ أَن يَقُولَ الرَّجُلُ لإِنسان: هَذَا أَخي أَو ابْنِي، لِيَزْوِي ميراثَه عَنْ مَوالِيه فَلَا يُصَدَّق إِلَّا ببيِّنة.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والحَمِيل الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمه إِذا أُخِذَت مِنْ أَرض الشِّرْكِ إِلى بِلَادِ الإِسلام فَلَا يُوَرَّث إِلا بِبيِّنة.
والحَمِيل: الْمَنْبُوذُ يحْمِله قَوْمٌ فيُرَبُّونه.
والحَمِيل: الدَّعِيُّ؛ قَالَ الكُميت يُعَاتِبُ قُضاعة فِي تَحوُّلهم إِلى الْيَمَنِ بِنَسَبِهِمْ:
عَلامَ نَزَلْتُمُ مِنْ غَيْرِ فَقْر، ***وَلَا ضَرَّاءَ، مَنْزِلَة الحَمِيل؟
والحَمِيل: الغَريب.
والحِمَالَة، بِكَسْرِ الْحَاءِ، والحَمِيلَة: عِلاقة السَّيف وَهُوَ المِحْمَل مِثْلَ المِرْجَل، قَالَ: عَلَى النَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِيَ مِحْمَلي "وَهُوَ السَّيْر الَّذِي يُقَلَّده المُتَقَلِّد؛ وَقَدْ سَمَّاهُ ذُو الرُّمَّةِ عِرْق الشَّجَر فَقَالَ:
تَوَخَّاه بالأَظلاف، حَتَّى كأَنَّما ***يُثِرْنَ الكُبَاب الجَعْدَ عَنْ مَتْنِ مِحْمَل
وَالْجَمْعُ الحَمَائِل.
وَقَالَ الأَصمعي: حَمَائِل السَّيْفِ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وإِنما وَاحِدُهَا مِحْمَل؛ التَّهْذِيبُ: جَمْعُ الحِمَالَة حَمَائِل، وَجَمْعُ المِحْمَل مَحَامِل؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " دَرَّتْ دُموعُك فَوْقَ ظَهْرِ المِحْمَل وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحِمَالَة لِلْقَوْسِ بِمَنْزِلَتِهَا لِلسَّيْفِ يُلْقيها المُتَنَكِّب فِي مَنْكِبه الأَيمن وَيُخْرِجُ يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْهَا فَيَكُونُ الْقَوْسُ فِي ظَهْرِهِ.
والمَحْمِل: وَاحِدُ مَحَامِل الحَجَّاج.
قَالَ الرَّاجِزُ: أَوَّل عَبْد عَمِل المَحَامِلا والمِحْمَل: الَّذِي يُرْكَبُ عَلَيْهِ، بِكَسْرِ الْمِيمِ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: المِحْمَل شِقَّانِ عَلَى الْبَعِيرِ يُحْمَل فِيهِمَا العَدِيلانِ.
والمِحْمَل والحَامِلَة: الزَّبِيل الَّذِي يُحْمَل فِيهِ العِنَب إِلى الجَرين.
واحْتَمَلَ القومُ وتَحَمَّلُوا: ذَهَبُوا وارتحلوا.
والحَمُولَة، بِالْفَتْحِ: الإِبل الَّتِي تَحْمِل.
ابْنُ سِيدَهْ: الحَمُولَة كُلُّ مَا احْتَمَل عَلَيْهِ الحَيُّ مِنْ بَعِيرٍ أَو حِمَارٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَيْهَا أَثقال أَو لَمْ تَكُنْ، وفَعُول تَدْخُلُهُ الْهَاءُ إِذا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ الْحُمُرِ الأَهلية، قِيلَ: «لأَنها حَمُولَة النَّاسِ»؛ الحَمُولَة، بِالْفَتْحِ، مَا يَحْتَمِل عَلَيْهِ الناسُ مِنَ الدَّوَابِّ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَيْهَا الأَحمال أَو لَمْ تَكُنْ كالرَّكُوبة.
وَفِي حَدِيثِ قَطَن: «والحَمُولَة الْمَائِرَةُ لَهُمْ لاغِية»؛ أي الإِبل الَّتِي تَحْمِل المِيرَة.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا}؛ يَكُونُ ذَلِكَ لِلْوَاحِدِ فَمَا فَوْقَهُ.
والحُمُول والحُمُولَة، بِالضَّمِّ: الأَجمال الَّتِي عَلَيْهَا الأَثقال خَاصَّةً.
والحُمُولة: الأَحمال بأَعيانها.
الأَزهري: الحُمُولَة الأَثقال.
والحَمُولة: مَا أَطاق العَمل والحَمْل.
والفَرْشُ: الصِّغار.
أَبو الْهَيْثَمِ: الحَمُولة مِنَ الإِبل الَّتِي تَحْمِل الأَحمال عَلَى ظُهُورِهَا، بِفَتْحِ الْحَاءِ، والحُمُولة، بِضَمِّ الْحَاءِ: الأَحمال الَّتِي تُحْمَل عَلَيْهَا، وَاحِدُهَا حِمْل وأَحْمَال وحُمُول وحُمُولَة، قَالَ: فأَما الحُمُر والبِغال فَلَا تَدْخُلُ فِي الحَمُولة.
والحُمُول: الإِبل وَمَا عَلَيْهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ حُمُولَة يأْوي إِلى شِبَع فليَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدركه»؛ الحُمُولة، بِالضَّمِّ: الأَحمال، يَعْنِي أَنه يَكُونُ صَاحِبَ أَحمال يُسَافِرُ بِهَا.
والحُمُول، بِالضَّمِّ بِلَا هَاءٍ: الهَوادِج كَانَ فِيهَا النِّسَاءُ أَو لَمْ يَكُنْ، وَاحِدُهَا حِمْل، وَلَا يُقَالُ حُمُول مِنَ الإِبل إِلّا لِمَا عَلَيْهِ الهَوادِج، والحُمُولَة والحُمُول وَاحِدٌ؛ وأَنشد: " أَحَرْقاءُ للبَيْنِ اسْتَقَلَّت حُمُولُها "والحُمُول أَيضًا: مَا يَكُونُ عَلَى الْبَعِيرِ.
اللَّيْثُ: الحَمُولة الإِبل الَّتِي تُحْمَل عَلَيْهَا الأَثقال.
والحُمُول: الإِبل بأَثقالها؛ وأَنشد لِلنَّابِغَةِ:
أَصاح تَرَى، وأَنتَ إِذًا بَصِيرٌ، ***حُمُولَ الحَيِّ يَرْفَعُها الوَجِينُ
وَقَالَ أَيضًا: تَخالُ بِهِ رَاعِيَ الحَمُولَة طَائِرًا "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي الحُمُول الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوَادِجُ كَانَ فِيهَا نِسَاءٌ أَو لَمْ يَكُنِ: الأَصل فِيهَا الأَحْمَال ثُمَّ يُتَّسَع فِيهَا فتُوقَع عَلَى الإِبل الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوَادِجُ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
يَا هَلْ أُرِيكَ حُمُول الحَيِّ غادِيَةً، ***كالنَّخْل زَيَّنَها يَنْعٌ وإِفْضاخُ
شَبَّه الإِبل بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْهَوَادِجِ بِالنَّخْلِ الَّذِي أَزهى؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ فِي الأَحْمَال وَجَعَلَهَا كالحُمُول:
مَا اهْتَجْتُ حَتَّى زُلْنَ بالأَحْمَال، ***مِثْلَ صَوادِي النَّخْل والسَّيَال
وَقَالَ الْمُتَنَخِّلُ:
ذَلِكَ مَا دِينُك إِذ جُنِّبَتْ ***أَحْمَالُها، كالبُكُر المُبْتِل
عِيرٌ عَلَيْهِنَّ كِنانِيَّةٌ، ***جارِية كالرَّشَإِ الأَكْحَل
فأَبدل عِيرًا مِنْ أَحمالها؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الحُمُول أَيضًا:
وحَدِّثْ بأَن زَالَتْ بَلَيْلٍ حُمُولُهم، ***كنَخْل مِنَ الأَعْراض غَيْرِ مُنَبَّق
قَالَ: وَتَنْطَلِقُ الحُمُول أَيضًا عَلَى النِّسَاءِ المُتَحَمِّلات كَقَوْلِ مُعَقِّر:
أَمِنْ آلِ شَعْثاءَ الحُمُولُ البواكِرُ، ***مَعَ الصُّبْحِ، قَدْ زَالَتْ بِهِنَّ الأَباعِرُ؟
وَقَالَ آخَرُ:
أَنَّى تُرَدُّ ليَ الحُمُول أَراهُم، ***مَا أَقْرَبَ المَلْسُوع مِنْهُ الدَّاءُ
وَقَوْلُ أَوس: وَكَانَ لَهُ العَيْنُ المُتاحُ حُمُولَة "فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: كأَنَّ إِبله مُوقَرَةٌ مِنْ ذَلِكَ.
وأَحْمَلَه الحِمْل: أَعانه عَلَيْهِ، وحَمَّلَه: فَعَل ذَلِكَ بِهِ.
وَيَجِيءُ الرجلُ إِلى الرَّجُلِ إِذا انْقُطِع بِهِ فِي سَفَرٍ فَيَقُولُ لَهُ: احْمِلْني فَقَدْ أُبْدِع بِي أَي أَعْطِني ظَهْرًا أَركبه، وإِذا قَالَ الرَّجُلُ أَحْمِلْني، بِقَطْعِ الأَلف، فَمَعْنَاهُ أَعنِّي عَلَى حَمْل مَا أَحْمِله.
وَنَاقَةٌ مُحَمَّلَة: مُثْقَلة.
والحَمَالة، بِالْفَتْحِ: الدِّيَة والغَرامة الَّتِي يَحْمِلها قَوْمٌ عَنْ قَوْمٍ، وَقَدْ تُطْرَحُ مِنْهَا الْهَاءُ.
وتَحَمَّلَ الحَمَالَة أَي حَمَلَها.
الأَصمعي: الحَمَالة الغُرْم تَحْمِله عَنِ الْقَوْمِ ونَحْو ذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ، وَيُقَالُ أَيضًا حَمَال؛ قَالَ الأَعشَى:
فَرْع نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ المَجْدِ، ***عَظِيمُ النَّدَى، كَثِير الحَمَال
وَرَجُلٌ حَمَّال: يَحْمِل الكَلَّ عَنِ النَّاسِ.
الأَزهري: الحَمِيل الكَفِيل.
وَفِي الْحَدِيثِ: «الحَمِيل غارِمٌ»؛ هُوَ الْكَفِيلُ أَي الكَفِيل ضَامِنٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانَ لَا يَرى بأْسًا فِي السَّلَم بالحَمِيل»؛ أي الْكَفِيلِ.
الْكِسَائِيُّ: حَمَلْت بِهِ حَمَالة كَفَلْت بِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَحِلُّ المسأَلة إِلا لِثَلَاثَةٍ، ذَكَرَ مِنْهُمْ رَجُلٌ تَحَمَّل حَمالة عَنْ قَوْمٍ»؛ هِيَ بِالْفَتْحِ مَا يَتَحَمَّله الإِنسان عَنْ غَيْرِهِ مِنْ دِيَة أَو غَرامة مِثْلَ أَن تَقَعَ حَرْب بَيْنَ فَرِيقين تُسْفَك فِيهَا الدِّمَاءُ، فَيَدْخُلُ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ يَتَحَمَّل دِياتِ القَتْلى ليُصْلِح ذاتَ البَيْن، والتَّحَمُّل: أَن يَحْمِلها عَنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ ويسأَل النَّاسَ فِيهَا.
وقَتَادَةُ صاحبُ الحَمَالَة؛ سُمِّي بِذَلِكَ لأَنه تَحَمَّل بحَمالات كَثِيرَةٍ فسأَل فِيهَا وأَدَّاها.
والحَوامِل: الأَرجُل.
وحَوامِل القَدَم وَالذِّرَاعِ: عَصَبُها، وَاحِدَتُهَا حَامِلَة.
ومَحامِل الذَّكَرِ وحَمَائِلُه: العروقُ الَّتِي فِي أَصله وجِلْدُه؛ وَبِهِ فسَّر الهَرَوي قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عَذَابِ الْقَبْرِ: «يُضْغَط الْمُؤْمِنُ فِي هَذَا، يُرِيدُ الْقَبْرَ، ضَغْطَة تَزُول مِنْهَا حَمَائِلُه»؛ وَقِيلَ: هِيَ عُرُوقٌ أُنْثَييه، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَن يُرَادَ مَوْضِعُ حَمَائِل السَّيْفِ؛ أي عَوَاتِقُهُ وأَضلاعه وَصَدْرُهُ.
وحَمَلَ بِهِ حَمَالَة: كَفَل.
يُقَالُ: حَمَلَ فُلَانٌ الحِقْدَ عَلَى نَفْسِهِ إِذا أَكنه فِي نَفْسِهِ واضْطَغَنَه.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا اسْتَخَفَّه الغضبُ: قَدِ احتُمِلَ وأُقِلَّ؛ قَالَ الأَصمَعي فِي الْغَضَبِ: غَضِب فُلَانٌ حَتَّى احتُمِلَ.
وَيُقَالُ لِلَّذِي يَحْلُم عَمَّنْ يَسُبُّه: قَدِ احْتُمِلَ، فَهُوَ مُحْتَمَل؛ وَقَالَ الأَزهري فِي قول الجَعْدي:
كلبابى حس ما مَسَّهُ، ***وأَفانِين فُؤَادٍ مُحْتَمَل»
أَي مُسْتَخَفٍّ مِنَ النَّشَاطِ، وَقِيلَ غَضْبَانُ، وأَفانِين فُؤَادٍ: ضُروبُ نَشَاطِهِ.
واحْتُمِل الرَّجُلُ: غَضِب.
الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ: احْتُمِل إِذا غَضِبَ، وَيَكُونُ "بِمَعْنَى حَلُم.
وحَمَلْت بِهِ حَمَالة أَي كَفَلْت، وحَمَلْت إِدْلاله واحْتَمَلْت بِمَعْنًى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَدَلَّتْ فَلَمْ أَحْمِل، وَقَالَتْ فَلَمْ أُجِبْ، ***لَعَمْرُ أَبيها إِنَّني لَظَلُوم
والمُحَامِل: الَّذِي يَقْدِر عَلَى جَوَابِكَ فَيَدَعُه إِبقاء عَلَى مَوَدَّتِك، والمُجامِل: الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى جَوَابِكَ فَيَتْرُكُهُ ويَحْقِد عَلَيْكَ إِلى وَقْتٍ مَا.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَحْمِل أَي يَظْهَرُ غَضَبُهُ.
والمُحْمِل مِنَ النِّسَاءِ والإِبل: الَّتِي يَنْزِل لبنُها مِنْ غَيْرِ حَبَل، وَقَدْ أَحْمَلَت.
والحَمَل: الخَرُوف، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ وَلَدِ الضأْن الجَذَع فَمَا دُونَهُ، وَالْجَمْعُ حُمْلان وأَحْمَال، وَبِهِ سُمِّيت الأَحْمَال، وَهِيَ بُطُونٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.
والحَمَل: السَّحَابُ الْكَثِيرُ الْمَاءِ.
والحَمَل: بُرْج مِنْ بُروج السَّمَاءِ، هُوَ أَوَّل الْبُرُوجِ أَوَّلُه الشَّرَطانِ وَهُمَا قَرْنا الحَمَل، ثُمَّ البُطَين ثَلَاثَةُ كَوَاكِبَ، ثُمَّ الثُّرَيَّا وَهِيَ أَلْيَة الحَمَل، هَذِهِ النُّجُومُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ تُسَمَّى حَمَلًا؛ قُلْتُ: وَهَذِهِ الْمَنَازِلُ وَالْبُرُوجُ قَدِ انْتَقَلَتْ، والحَمَل فِي عَصْرِنَا هَذَا أَوَّله مِنْ أَثناء الفَرْغ المُؤَخَّر، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَحْرِيرِ دَرَجه وَدَقَائِقِهِ.
الْمُحْكَمُ: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ قَالَ ابْنُ الأَعرابي يُقَالُ هَذَا حَمَلُ طَالِعًا، تَحْذِف مِنْهُ الأَلف وَاللَّامَ وأَنت تُرِيدُهَا، وتُبْقِي الِاسْمَ عَلَى تَعْرِيفِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَسماء الْبُرُوجِ لَكَ أَن تُثْبِت فِيهَا الأَلف وَاللَّامَ وَلَكَ أَن تَحْذِفَهَا وأَنت تَنْويها، فتُبْقِي الأَسماء عَلَى تَعْرِيفِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ.
والحَمَل: النَّوْءُ، قَالَ: وَهُوَ الطَّلِيُّ.
يُقَالُ: مُطِرْنا بنَوْء الحَمَل وبِنَوْء الطَّلِيِّ؛ وَقَوْلُ المتنخِّل الْهُذَلِيُّ:
كالسُّحُل البِيضِ، جَلا لَوْنَها ***سَحُّ نِجاءِ الحَمَل الأَسْوَل
فُسِّر بِالسَّحَابِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ، وفُسِّر بِالْبُرُوجِ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ النِّجاء: السَّحَابُ الَّذِي نَشَأَ فِي نَوْءِ الحَمَل، قَالَ: وَقِيلَ فِي الحَمَل إِنه الْمَطَرُ الَّذِي يَكُونُ بنَوْءِ الحَمَل، وَقِيلَ: النِّجاء السَّحَابُ الَّذِي هَرَاق مَاءَهُ، وَاحِدُهُ نَجْوٌ، شَبَّه الْبَقَرَ فِي بَيَاضِهَا بالسُّحُل، وَهِيَ الثِّيَابُ الْبِيضُ، وَاحِدُهَا سَحْل؛ والأَسْوَل: المُسْتَرْخِي أَسفل الْبَطْنِ، شَبَّه السَّحَابَ الْمُسْتَرْخِيَ بِهِ؛ وَقَالَ الأَصمعي: الحَمَل هَاهُنَا السَّحَابُ الأَسود وَيُقَوِّي قَوْلَهُ كَوْنُهُ وَصَفَهُ بالأَسْوَل وَهُوَ الْمُسْتَرْخِي، وَلَا يُوصَفُ النَّجْو بِذَلِكَ، وإِنما أَضاف النِّجَاء إِلى الحَمَل، والنِّجاءُ: السحابُ لأَنه نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا تَقُولُ حَشَف التَّمْرُ لأَن الحَشَف نَوْعٌ مِنْهُ.
وحَمَلَ عَلَيْهِ فِي الحَرْب حَمْلة، وحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْلة مُنْكَرة، وشَدَّ شَدَّة مُنكَرة، وحَمَلْت عَلَى بَنِي فُلَانٍ إِذا أَرَّشْتَ بَيْنَهُمْ.
وحَمَلَ عَلَى نَفْسِهِ فِي السَّيْر أَي جَهَدَها فِيهِ.
وحَمَّلْتُه الرِّسَالَةَ أَي كلَّفته حَمْلَها.
واسْتَحْمَلته: سأَلته أَن يَحْمِلني.
وَفِي حَدِيثِ تَبُوكَ: «قَالَ أَبو مُوسَى أَرسلني أَصحابي إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَله الحُمْلان»؛ هُوَ مَصْدَرُ حَمَلَ يَحْمِلُ حُمْلانًا، وَذَلِكَ أَنهم أَنفذوه يَطْلُبُونَ شَيْئًا يَرْكَبُونَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ تَمَامُ الْحَدِيثِ: قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنا حَمَلْتُكم وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلكم، أَراد إِفْرادَ اللَّهِ بالمَنِّ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: أَراد لَمَّا سَاقَ اللَّهُ إِليه هَذِهِ الإِبل وَقْتَ حَاجَتِهِمْ كَانَ هُوَ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: كَانَ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَنه لَا يَحْمِلهم فَلَمَّا أَمَر لَهُمْ بالإِبل قَالَ: مَا أَنا حَمَلْتكم وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكم، كَمَا قَالَ لِلصَّائِمِ الَّذِي أَفطر نَاسِيًا: اللَّهُ أَطْعَمَك وسَقاك.
وتَحَامَلَ عَلَيْهِ أَي مَالَ، والمُتَحَامَلُ قَدْ يَكُونُ مَوْضِعًا وَمَصْدَرًا، تَقُولُ فِي الْمَكَانِ هَذَا مُتَحَامَلُنا، وَتَقُولُ فِي الْمَصْدَرِ مَا فِي فُلَانٍ مُتَحَامَل أَي تَحامُل؛ والأَحْمَالُ فِي قَوْلِ جَرِيرٍ:
أَبَنِي قُفَيْرَةَ، مَنْ يُوَرِّعُ وِرْدَنا، ***أَم مَنْ يَقوم لشَدَّة الأَحْمال؟
قومٌ مِنْ بَنِي يَرْبُوع هُمْ ثَعْلَبَةُ وَعَمْرٌو والحرث.
يُقَالُ: وَرَّعْت الإِبلَ عَنِ الْمَاءِ رَدَدْتها، وقُفَيْرة: جَدَّة الفَرَزْدَق أُمّ صَعْصَعة بْنِ ناجِية بْنِ عِقَال.
وحَمَلٌ: مَوْضِعٌ بالشأْم.
الأَزهري: حَمَل اسْمُ جَبَل بِعَيْنِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: " أَشْبِه أَبا أُمِّك أَو أَشْبِه حَمَل "قَالَ: حَمل اسْمُ جَبَلٍ فِيهِ جَبَلان يُقَالُ لَهُمَا طِمِرَّان؛ وَقَالَ:
كأَنَّها، وقَدْ تَدَلَّى النَّسْرَان، ***ضَمَّهُمَا مِنْ حَمَلٍ طِمِرَّان،
صَعْبان عَنْ شَمائلٍ وأَيمان "قَالَ الأَزهري: ورأَيت بِالْبَادِيَةِ حَمَلًا ذَلُولًا اسْمُهُ حَمال.
وحَوْمَل: مَوْضِعٌ؛ قَالَ أُمَيَّة بْنُ أَبي عَائِذٍ الْهُذَلِيُّ:
مِنَ الطَّاويات، خِلال الغَضَا، ***بأَجْماد حَوْمَلَ أَو بالمَطَالي
وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْمَلِ "إِنما صَرَفه ضَرُورَةً.
وحَوْمَل: اسْمُ امرأَة يُضْرب بكَلْبتها المَثَل، يُقَالُ: أَجْوَع مِنْ كَلْبة حَوْمَل.
والمَحْمُولة: حِنْطة غَبْراء كأَنها حَبُّ القُطْن لَيْسَ فِي الحِنْطة أَكبر مِنْهَا حَبًّا وَلَا أَضخم سُنْبُلًا، وَهِيَ كَثِيرَةُ الرَّيْع غَيْرَ أَنها لَا تُحْمَد فِي اللَّوْنِ وَلَا فِي الطَّعْم؛ هَذِهِ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
وَقَدْ سَمَّتْ حَمَلًا وحُمَيلًا.
وَبَنُو حُمَيْل: بَطْن؛ وَقَوْلُهُمْ: " ضَحِّ قَلِيلًا يُدْرِكِ الهَيْجَا حَمَل "إِنما يَعْنِي بِهِ حَمَل بْنَ بَدْر.
والحِمَالة: فَرَس طُلَيْحَة بْنِ خُوَيلِد الأَسدي؛ وَقَالَ يَذْكُرُهَا:
عَوَيْتُ لَهُمْ صَدْرَ الحِمَالة، إِنَّها ***مُعاوِدَةٌ قِيلَ الكُمَاةِ نَزَالِ
فَيوْمًا تَراها فِي الجِلال مَصُونَةً، ***ويَوْمًا تَرَاهَا غيرَ ذاتِ جِلال
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ لَهَا الحِمَالَة الصُّغْرَى، وأَما الحِمَالة الْكُبْرَى فَهِيَ لِبَنِي سُلَيْم؛ وَفِيهَا يَقُولُ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاس:
أَما الحِمَالَة والقُرَيْظُ، فَقَدْ ***أَنْجَبْنَ مِنْ أُمٍّ ومن فَحْل
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
50-لسان العرب (قرن)
قرن: القَرْنُ للثَّوْر وَغَيْرِهِ: الرَّوْقُ، وَالْجَمْعُ قُرون، لَا يكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَوْضِعُهُ مِنْ رأْس الإِنسان قَرْنٌ أَيضًا، وَجَمْعُهُ قُرون.وكَبْشٌ أَقْرَنُ: كَبِيرُ القَرْنَين، وَكَذَلِكَ التَّيْسُ، والأُنثى قَرْناء؛ والقَرَنُ مَصْدَرُ.
كَبْشٌ أَقْرَنُ بَيِّنُ القَرَن.
ورُمْح مَقْرُون: سِنانُه مِنْ قَرْن؛ وَذَلِكَ أَنهم رُبَّمَا جَعَلُوا أَسِنَّةَ رِمَاحِهِمْ مِنْ قُرُون الظِّبَاءِ وَالْبَقْرِ الْوَحْشِيِّ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وكنَّا إِذَا جَبَّارُ قومٍ أَرادنا ***بكَيْدٍ، حَمَلْناه عَلَى قَرْنِ أَعْفَرا
وَقَوْلُهُ:
ورامِحٍ قَدْ رَفَعْتُ هادِيَهُ ***مِنْ فوقِ رُمْحٍ، فظَلَّ مَقْرُونا
فَسَّرَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ.
والقَرْنُ: الذُّؤابة، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ ذُؤابة المرأَة وَضَفِيرَتَهَا، وَالْجَمْعُ قُرون.
وقَرْنا الجَرادةِ: شَعرتانِ فِي رأْسها.
وقَرْنُ الرجلِ: حَدُّ رأْسه وجانِبُه.
وقَرْنُ الأَكمة: رأْسها.
وقَرْنُ الْجَبَلِ: أَعلاه، وجمعها قِرانٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
ومِعْزًى هَدِيًا تَعْلُو ***قِرانَ الأَرضِ سُودانا
وَفِي حَدِيثِ قَيْلة: « فأَصابتْ ظُبَتُه طَائِفَةً مِنْ قُرونِ رأْسِيَهْ »أَي بعضَ نَوَاحِي رأْسي.
وحَيَّةٌ قَرْناءُ: لَهَا لَحْمَتَانِ فِي رأْسها كأَنهما قَرْنانِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الأَفاعي.
الأَصمعي: القَرْناء الْحَيَّةُ لأَن لَهَا قَرْنًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الصَّائِدَ وقُتْرتَه:
يُبايِتُه فِيهَا أَحَمُّ، كأَنه ***إباضُ قَلُوصٍ أَسْلَمَتْها حِبالُها
وقَرْناءُ يَدْعُو باسْمِها، وَهُوَ مُظْلِمٌ، ***لَهُ صَوْتُها: إرْنانُها وزَمالُها
يَقُولُ: يُبيِّنُ لِهَذَا الصَّائِدِ صَوْتُها أَنها أَفْعَى، ويُبَيِّنُ لَهُ مَشْيُها وَهُوَ زَمَالها أَنها أَفعى، وَهُوَ مُظْلِمٌ يَعْنِي الصَّائِدَ أَنه فِي ظُلْمَةِ القُتْرَة؛ وَذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عرزل للأَعشى:
تَحْكِي لَهُ القَرْناءُ، فِي عِرْزَالِها، ***أُمَّ الرَّحَى تَجْرِي على ثِفالِها
قَالَ: أَراد بالقَرْناء الْحَيَّةَ.
والقَرْنانِ: مَنارَتانِ تُبْنَيَانِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ تُوضَعُ عَلَيْهِمَا الْخَشَبَةُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا المِحْوَرُ، وتُعَلَّق مِنْهَا البَكَرةُ، وَقِيلَ: هُمَا مِيلانِ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ تُعَلَّقُ بِهِمَا الْبَكَرَةُ، وَإِنَّمَا يُسَمَّيَانِ بِذَلِكَ إِذَا كَانَا مِنْ حِجَارَةٍ، فَإِذَا كَانَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا دِعامتانِ.
وقَرْنا البئرِ: هُمَا مَا بُنِيَ فعُرِّض فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ الخَشَبُ تُعَلَّقُ الْبَكَرَةُ مِنْهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
تَبَيَّنِ القَرْنَيْنِ، فانْظُرْ مَا هُمَا، ***أَمَدَرًا أَم حَجَرًا تَراهُما؟
وَفِي حَدِيثِ أَبي أَيوب: « فَوَجَدَهُ الرسولُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ »؛ هُمَا قَرْنا الْبِئْرِ الْمَبْنِيَّانِ عَلَى جَانِبَيْهَا، فإن كَانَتَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا زُرْنُوقان.
والقَرْنُ أَيضًا: البَكَرَةُ، وَالْجَمْعُ أَقْرُنٌ وقُرُونٌ.
وقَرْنُ الْفَلَاةِ: أَوّلها.
وقَرْنُ الشَّمْسِ: أَوّلها عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وأَعلاها، وَقِيلَ: أَوَّلُ شُعَاعِهَا، وَقِيلَ: ناحيتها.
وفي الحديث حَدِيثِ الشَّمْسَ: تَطْلُع بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطانٍ، فَإِذَا طَلَعَتْ قارَنَها، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا؛ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَقِيلَ: قَرْنا الشَّيْطَانِ نَاحِيَتَا رأْسه، وَقِيلَ: قَرْناه جَمْعاهُ اللَّذَانِ يُغْريهما بِإِضْلَالِ الْبَشَرِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ الأَشِعَّةَ.
الَّتِي تَتَقَضَّبُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ويُتَراءَى للعيون أَنها تُشْرِف عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فَصَبَّحَتْ، والشمسُ لَمْ تُقَضِّبِ، ***عَيْنًا بغَضْيانَ ثَجُوجِ العُنْبُب
قِيلَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ وقَرْنَيْه يُدْحَرُونَ عَنْ مَقامهم مُرَاعِين طلوعَ الشَّمْسِ لَيْلَةَ القَدر، فَلِذَلِكَ تَطْلُع الشمسُ لَا شُعاعَ لَهَا، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ وَذِكْرِهِ آيةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقِيلَ: « القَرْنُ القُوَّة أَيْ حِينَ تَطْلُع يَتَحَرَّكُ الشَّيْطَانُ وَيَتَسَلَّطُ فَيَكُونُ كالمُعِينِ لَهَا»، وَقِيلَ: بَيْنَ قَرْنَيْه أَيْ أُمَّتَيْه الأَوّلين وَالْآخِرَيْنِ، وَكُلُّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِمَنْ يَسْجُدُ لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا، فكأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّل لَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا سَجَدَ لَهَا كَانَ كأَن الشَّيْطَانَ مُقْتَرِنٌ بِهَا.
وَذُو القَرْنَيْنِ الموصوفُ فِي التَّنْزِيلِ: {لَقَبٌ لإِسْكَنْدَرَ الرُّوميّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه قَبَضَ عَلَى قُرون الشَّمْسِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لأَنه دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْعِبَادَةِ فَقَرَنُوه أَي ضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيْ رأْسه، وَقِيلَ: لأَنه كَانَتْ لَهُ ضَفيرتان، وَقِيلَ: لأَنه بَلَغَ قُطْرَي الأَرض مَشْرِقَهَا وَمَغْرِبَهَا، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها}؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: ذُو قَرْنَي الْجَنَّةِ أَي طَرَفَيْهَا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحسبه أَراد هَذَا، وَلَكِنَّهُ أَراد بِقَوْلِهِ ذُو قَرْنَيْهَا أَي ذُو قَرْنَيِ الأُمة، فأَضمر الأُمة وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا، كَمَا قَالَ تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ}؛ أَراد الشَّمْسَ وَلَا ذِكْرَ لَهَا.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}؛ وَكَقَوْلِ حَاتِمٍ:
أَماوِيَّ، مَا يُغْني الثَّراءُ عَنِ الفَتَى، ***إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا، وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
يَعْنِي النفْسَ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَنا أَختار هَذَا التَّفْسِيرَ الأَخير عَلَى الأَول لِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنه ذَكَرَ ذَا القَرْنَيْنِ فَقَالَ: دَعَا قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيه ضَرْبَتَيْنِ وَفِيكُمْ مِثْلُه "؛ فنُرَى أَنه أَراد نَفْسه، يَعْنِي أَدعو إِلَى الْحَقِّ حَتَّى يُضرب رأْسي ضَرْبَتَيْنِ يكون" فِيهِمَا قَتْلِي، لأَنه ضُرِبَ عَلَى رأْسه ضَرْبَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا يَوْمَ الخَنْدَقِ، والأُخرى ضَرْبَةُ ابن مُلْجَمٍ.
وذو الْقَرْنَيْنِ: هُوَ الإِسكندرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه مَلَكَ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ، وَقِيلَ: لأَنه كَانَ فِي رأْسه شِبْهُ قَرْنَين، وَقِيلَ: رأَى فِي النَّوْمِ أَنه أَخَذَ بقَرْنَيِ الشمسِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها "؛ يَعْنِي جَبَليها، وهما الحسن والحسين؛ وأَنشد:
أَثوْرَ مَا أَصِيدُكم أَم ثورَيْنْ، ***أَم هَذِهِ الجَمّاءَ ذاتَ القَرْنَيْنْ
قال: قَرْناها هاهنا قَرْناها، وكانا قَدْ شَدَنا، فَإِذَا آذَاهَا شَيْءٌ دَفَعا عَنْهَا.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِهِ الْجَمَّاءُ ذَاتُ الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: كَانَ قَرْنَاهَا صَغِيرَيْنِ فَشَبَّهَهَا بالجَمّاءِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْها؛ أَيْ إِنَّكَ ذُو قَرنَيْ أُمَّتي كَمَا أَن ذَا الْقَرْنَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَانَ ذَا قَرْنيْ أُمَّته الَّتِي كَانَ فِيهِمْ.
وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَدري ذُو الْقَرْنَيْنِ أَنبيًّا كَانَ أَم لَا.
وذو القَرْنينِ: المُنْذِرُ الأَكبرُ بنُ ماءِ السَّمَاءِ جَدُّ النُّعمان بْنِ الْمُنْذِرِ، قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لأَنه كَانَتْ لَهُ ذُؤَابَتَانِ يَضْفِرُهما فِي قَرْنيْ رأْسه فيُرْسِلُهما، وَلَيْسَ هُوَ الْمَوْصُوفُ فِي التَّنْزِيلِ، وَبِهِ فَسَرَّ ابْنُ دُرَيْدٍ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَشَذَّ نَشاصَ ذِي القَرْنينِ، حَتَّى ***توَلَّى عارِضُ المَلِكِ الهُمامِ
وقَرْنُ الْقَوْمِ: سيدُهم.
وَيُقَالُ: لِلرَّجُلِ قَرْنانِ أَي ضَفِيرَتَانِ؛ وَقَالَ الأَسَدِيُّ:
كَذَبْتُم، وبيتِ اللهِ، لَا تَنْكِحونها ***بَنِي شابَ قَرْناها تُصَرُّ وتُحْلَبُ
أَراد يَا بَنِي الَّتِي شابَ قَرْناها، فأَضمره.
وقَرْنُ الكلإِ: أَنفه الَّذِي لَمْ يوطأْ، وَقِيلَ: خَيْرُهُ، وَقِيلَ: آخِرُهُ.
وأَصاب قَرْنَ الكلإِ إِذَا أَصاب مَالًا وَافِرًا.
والقَرْنُ: حَلْبَة مِنْ عَرَق.
يُقَالُ: حَلَبنا الفرسَ قَرْنًا أَو قَرْنينِ أَيْ عَرَّقناه.
والقَرْنُ: الدُّفعة مِنَ العَرَق.
يُقَالُ: عَصَرْنا الفرسَ قَرْنًا أَوْ قَرْنين، وَالْجَمْعُ قُرون؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
تُضَمَّرُ بالأَصائِل كلَّ يوْمٍ، ***تُسَنُّ عَلَى سَنابِكِها القُرُونُ
وَكَذَلِكَ عَدَا الفرسُ قَرْنًا أَو قَرْنَيْنِ.
أَبو عَمْرٍو: القُرونُ العَرَقُ.
قَالَ الأَزهري: كأَنه جَمْعُ قَرْن.
والقَرُونُ: الَّذِي يَعْرَقُ سَرِيعًا، وَقِيلَ: الَّذِي يَعْرَق سَرِيعًا إِذَا جَرَى، وَقِيلَ: الْفَرَسُ الَّذِي يَعْرَقُ سَرِيعًا، فَخُصَّ.
والقَرْنُ: الطَّلَقُ مِنَ الجَرْي.
وقُروُنُ الْمَطَرِ: دُفَعُه المُتَفرِّقة.
والقَرْنُ: الأُمَّةُ تأْتي بَعْدَ الأُمَّة، قِيلَ: مُدَّتُه عَشْرُ سِنِينَ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ: سِتُّونَ، وَقِيلَ: سَبْعُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ وَهُوَ مِقْدَارُ التَّوَسُّطِ فِي أَعمار أَهْلِ الزَّمَانِ، وَفِي النِّهَايَةِ: أَهل كلِّ زَمَانٍ، مأْخوذ مِنَ الاقْتِران، فكأَنه الْمِقْدَارُ الَّذِي يَقْترِنُ فِيهِ أهلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي أَعمارهم وأَحوالهم.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَن رَجُلًا أَتاه فَقَالَ عَلِّمْني دُعاءً، ثُمَّ أَتاه عِنْدَ قَرْنِ الحَوْلِ »أَي عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ الأَول وأَول الثَّانِي.
والقَرْنُ فِي قَوْمِ نُوحٍ: عَلَى مِقْدَارِ أَعمارهم؛ وَقِيلَ: القَرْنُ أَربعون سَنَةً بِدَلِيلِ قَوْلِ الجَعْدِي:
ثَلاثةَ أَهْلِينَ أَفْنَيْتُهُم، ***وكانَ الإِلَهُ هُوَ المُسْتَآسا
وَقَالَ هَذَا وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: القَرْن مِائَةُ سَنَةٍ، وَجَمْعُهُ قُرُون.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه مَسَحَ رأْس غُلَامٍ وَقَالَ عِشْ قَرْنًا، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ».
والقَرْنُ مِنَ النَّاسِ: أَهلُ زَمَانٍ وَاحِدٌ؛ وَقَالَ:
إِذَا ذَهَبَ القَرْنُ الَّذِي أَنتَ فيهمُ، ***وخُلِّفْتَ فِي قَرْنٍ، فأَنتَ غَرِيبُ
ابْنُ الأَعرابي: القَرْنُ الْوَقْتُ مِنَ الزَّمَانِ يُقَالُ هُوَ أَربعون سَنَةً، وَقَالُوا: هُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقَالُوا: مِائَةُ سَنَةٍ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِمَا تقدَّم مِنَ الْحَدِيثِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ}؛ قَالَ أَبو إِسْحَقَ: القَرْنُ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: سَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: هُوَ مُطْلَقٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَنَ يَقْرُنُ؛ قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي يَقَعُ عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعلم، أَنَّ القَرْنَ أَهل كُلِّ مُدَّةٍ كَانَ فِيهَا نَبِيٌّ أَو كَانَ فِيهَا طَبَقَةٌ مِنْ أَهل الْعِلْمِ، قَلَّتْ السِّنُون أَو كَثُرَتْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكم قَرْنِي، يَعْنِي أَصحابي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم، يَعْنِي التابعين، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم، يَعْنِي الَّذِينَ أَخذوا عَنِ التَّابِعِينَ، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ القَرْنُ لِجُمْلَةِ الأُمة وَهَؤُلَاءِ قُرُون فِيهَا، وَإِنَّمَا اشْتِقَاقُ القَرْن مِنَ الاقْتِران، فتأَويله أَن القَرْنَ الَّذِينَ كَانُوا مُقْتَرِنين فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالَّذِينَ يأْتون مِنْ بَعْدِهِمْ ذَوُو اقْتِرانٍ آخَرَ.
وَفِي حَدِيثِ خَبّابٍ: « هَذَا قَرْنٌ قَدْ طَلَعَ »؛ أَراد قَوْمًا أَحداثًا نَبَغُوا بَعْدَ أَن لَمْ يَكُونُوا، يَعْنِي القُصّاص، وَقِيلَ: أَراد بِدْعَةً حَدثت لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ أَبو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ حِينَ رأَى الْمُسْلِمِينَ وَطَاعَتَهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباعَهم إِيَّاهُ حِينَ صلَّى بِهِمْ: مَا رأَيت كَالْيَوْمِ طاعةَ قومٍ، وَلَا فارِسَ الأَكارِمَ، وَلَا الرومَ ذاتَ القُرُون؛ قِيلَ لَهُمْ ذاتُ القُرُون لِتَوَارُثِهِمُ الْمُلْكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لقُرُونِ شُعُورهم وَتَوْفِيرِهِمْ إِيَّاهَا وأَنهم لَا يَجُزُّونها.
وَكُلُّ ضَفِيرَةٍ مِنْ ضَفَائِرِ الشَّعْرِ قَرْنٌ؛ قَالَ المُرَقِّشُ:
لاتَ هَنَّا، وليْتَني طَرَفَ الزُّجِّ، ***وأَهلي بالشأْم ذاتُ القُرونِ
أَراد الرُّومَ، وَكَانُوا يَنْزِلُونَ الشَّامَ.
والقَرْنُ: الجُبَيْلُ الْمُنْفَرِدُ، وَقِيلَ: هُوَ قِطْعَةٌ تَنْفَرِدُ مِنَ الجَبَل، وَقِيلَ: هُوَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ: الْجُبَيْلُ الصَّغِيرُ الْمُنْفَرِدُ، وَالْجَمْعُ قُرُونٌ وقِرانٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
تَوَقَّى بأَطْرافِ القِرانِ، وطَرْفُها ***كطَرْفِ الحُبَارَى أَخطأَتْها الأَجادِلُ
والقَرْنُ: شَيْءٌ مِنْ لِحَاء شَجر يُفْتَلُ مِنْهُ حَبْل.
والقَرْن: الحَبْل مِنَ اللِّحاءِ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.
والقَرْنُ أَيضًا: الخُصْلة الْمَفْتُولَةُ مِنَ العِهْن.
والقَرْنُ: الخُصْلة مِنَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ، جمعُ كُلِّ ذَلِكَ قُروُنٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي سُفْيَانَ فِي الرُّومِ: ذاتِ القُرُون؛ قَالَ الأَصمعي: أَراد قُرون شعُورهم، وَكَانُوا يُطوِّلون ذَلِكَ يُعْرَفُون بِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ غُسْلِ الْمَيِّتِ: " ومَشَطناها ثلاثَ قُرون.
وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ: « قَالَ لأَسماءَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبعَثنَّ إليكِ مَنْ يسَحبُك بقرونكِ».
وَفِي الْحَدِيثِ: « فارِسُ نَطْحةً أَو نَطْحتَين».
ثُمَّ لَا فَارِسَ بَعْدَهَا أَبدًا.
والرُّوم ذاتُ القُرون كُلَّمَا هلَك قَرْنٌ خَلَفه قَرْنٌ، فالقُرون جَمْعُ قَرْنٍ؛ وَقَوْلُ الأَخطل يَصِفُ النِّسَاءَ:
وَإِذَا نَصَبْنَ قُرونَهنَّ لغَدْرةٍ، ***فكأَنما حَلَّت لهنَّ نُذُورُ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: القُرون هَاهُنَا حبائلُ الصَّيّاد يُجْعَل فيها "قُرونٌ يَصْطَادُ بِهَا، وَهِيَ هَذِهِ الفُخوخ الَّتِي يُصْطَادُ بِهَا الصِّعاءُ والحمامُ، يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ النِّسَاءُ إِذا صِرْنا فِي قُرونهنَّ فاصْطَدْننا فكأَنهن كَانَتْ عَلَيْهِنَّ نُذُور أَن يَقْتُلننا فحَلَّتْ؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ فِي لُغْزِيَّتِهِ:
وشِعْبٍ أَبى أَن يَسْلُكَ الغُفْرُ بَيْنَهُ، ***سَلَكْتُ قُرانى مِنْ قَياسِرةٍ سُمْرا
قِيلَ: أَراد بالشِّعْب شِعْب الْجَبَلِ، وَقِيلَ: أَراد بِالشِّعْبِ فُوقَ السَّهْمِ، وبالقُرانى وَترًا فُتِل مِنْ جِلْدِ إِبل قَياسرةٍ.
وإِبلٌ قُرانى أَي ذَاتُ قَرَائِنَ؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ يَذْكُرُ شَعرَه حِينَ صَلِعَ:
أَفناه قولُ اللهِ للشمسِ: اطلُعِي ***قَرْنًا أَشِيبِيه، وقَرْنًا فانزِعي
أَي أَفنى شَعْرِي غروبُ الشَّمْسِ وَطُلُوعُهَا، وَهُوَ مَرُّ الدَّهْرِ.
والقَرينُ: الْعَيْنُ الكَحِيل.
والقَرْنُ: شبيةٌ بالعَفَلة، وَقِيلَ: هُوَ كالنُّتوء فِي الرَّحِمِ، يَكُونُ فِي النَّاسِ وَالشَّاءِ وَالْبَقَرِ.
والقَرْناء: العَفْلاء.
وقُرْنةُ الرَّحِم: مَا نتأَ مِنْهُ، وَقِيلَ: القُرْنتان رأْس الرَّحِمِ، وَقِيلَ: زَاوِيَتَاهُ، وَقِيلَ: شُعْبَتاه، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُرْنةٌ، وَكَذَلِكَ هُمَا مِنْ رَحِم الضَّبَّة.
والقَرْنُ: العَفَلة الصَّغِيرَةُ؛ عَنِ الأَصمعي.
واخْتُصِم إِلى شُرَيْح فِي جَارِيَةٍ بِهَا قَرَنٌ فَقَالَ: أَقعِدوها، فإِن أَصابَ الأَرض فَهُوَ عَيبٌ، وإِن لَمْ يُصِبِ الأَرض فَلَيْسَ بِعَيْبٍ.
الأَصمعي: القَرَنُ فِي المرأَة كالأُدْرة فِي الرَّجُلِ.
التَّهْذِيبُ: القَرْناءُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي فِي فَرْجِهَا مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ سُلوك الذَّكَرِ فِيهِ، إِما غُدَّة غَلِيظَةٌ أَو لَحْمَةٌ مُرْتَتِقة أَو عَظْمٌ، يُقَالُ لِذَلِكَ كُلِّهِ القَرَنُ؛ وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لِلرَّجُلِ إِذا وَجَدَ امرأَته قَرْناءَ الخيارَ فِي مُفَارَقَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَن يُوجِبَ عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ القَزّاز قَالَ: واختُصِم إِلى شُريح فِي قَرَن، فَجَعَلَ القَرَن هُوَ الْعَيْبُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ امرأَة قَرْناءُ بَيِّنة القَرَن، فأَما القَرْنُ، بِالسُّكُونِ، فَاسْمُ العَفَلة، والقَرَنُ، بِالْفَتْحِ، فَاسْمُ الْعَيْبِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهه: « إِذا تَزَوَّجَ المرأَة وَبِهَا قَرْنٌ، فإِن شاءَ أَمسك، وإِن شاءَ طَلَّقَ »؛ القَرْنُ، بِسُكُونِ الرَّاءِ: شَيْءٌ يَكُونُ فِي فَرْجِ المرأَة كالسنِّ يَمْنَعُ مِنَ الوطءِ، وَيُقَالُ لَهُ العَفَلةُ.
وقُرْنةُ السَّيْفِ والسِّنان وقَرْنهما: حدُّهما.
وقُرْنةُ النَّصْلِ: طرَفه، وَقِيلَ: قُرْنتاه نَاحِيَتَاهُ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.
والقُرْنة، بِالضَّمِّ: الطرَف الشَّاخِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ يُقَالُ: قُرْنة الجبَل وقُرْنة النَّصْلِ وقُرْنة الرَّحِمِ لإِحدى شُعْبتَيه.
التَّهْذِيبُ: والقُرْنة حَدُّ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ، وَجَمْعُ القُرْنة قُرَنٌ.
اللَّيْثُ: القَرْنُ حَدُّ رَابِيَةٍ مُشْرِفة عَلَى وَهْدَةٍ صَغِيرَةٍ، والمُقَرَّنة الْجِبَالُ الصِّغَارُ يَدْنُو بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لتَقارُبها؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
دَلَجِي، إِذا مَا الليلُ جَنَّ، ***عَلَى المُقَرَّنةِ الحَباحِبْ
أَراد بالمُقَرَّنة إِكامًا صِغَارًا مُقْترِنة.
وأَقرَنَ الرُّمحَ إِليه: رَفَعَهُ.
الأَصمعي: الإِقْرانُ رَفْعُ الرَّجُلِ رأْس رُمحِه لئلَّا يُصِيبَ مَنْ قُدّامه.
يُقَالُ: أَقرِنْ رُمْحَكَ.
وأَقرَن الرجلُ إِذا رَفَعَ رأْسَ رمحِهِ لِئَلَّا يُصِيبَ مَنْ قدَّامه.
وقَرَن الشيءَ بالشيءِ وقَرَنَه إِليه يَقْرِنه قَرْنًا: شَدَّه إِليه.
وقُرِّنتِ الأُسارَى بِالْحِبَالِ، شُدِّد لِلْكَثْرَةِ.
والقَرينُ: الأَسير.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَرَّ برَجلين مُقترنين فَقَالَ: مَا بالُ القِران؟ قَالَا: نذَرْنا، » أَي مَشْدُودَيْنِ أَحدهما إِلى الْآخَرِ بِحَبْلٍ.
والقَرَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْحَبْلُ الَّذِي يُشدّان بِهِ، وَالْجَمْعُ نَفْسُهُ قَرَنٌ أَيضًا.
والقِرانُ: الْمَصْدَرُ وَالْحَبْلُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الحياءُ والإِيمانُ فِي قَرَنٍ أَي مَجْمُوعَانِ فِي حَبْلٍ أَو قِرانٍ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ}، إِما أَن يَكُونَ أَراد بِهِ مَا أَراد بِقَوْلِهِ مَقرُونين، وإِما أَن يَكُونَ شُدِّد لِلتَّكْثِيرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ السَّابِقُ إِلينا مِنْ أَول وَهْلة.
والقِرانُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وقَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ والعمْرة قِرانًا، بِالْكَسْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه قَرَن بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» أَي جَمَعَ بَيْنَهُمَا بنيَّة وَاحِدَةٍ وَتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ وإِحرام وَاحِدٍ وَطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَهُوَ عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ أَفضل مِنَ الإِفراد وَالتَّمَتُّعِ.
وقَرَنَ الحجَّ بِالْعُمْرَةِ قِرانًا: وَصَلها.
وَجَاءَ فُلَانٌ قارِنًا، وَهُوَ القِرانُ.
والقَرْنُ: مِثْلُكَ فِي السنِّ، تَقُولُ: هُوَ عَلَى قَرْني أَي عَلَى سِنِّي.
الأَصمعي: هُوَ قَرْنُه فِي السِّنِّ، بِالْفَتْحِ، وَهُوَ قِرْنه، بِالْكَسْرِ، إِذا كَانَ مِثْلَهُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالشِّدَّةِ.
وَفِي حَدِيثِ كَرْدَم: « وبِقَرْنِ أَيِّ النِّسَاءِ هِيَ»؛ أي بسنِّ أَيهنَّ.
وَفِي حَدِيثِ الضَّالَّةِ: « إِذا كتَمها آخِذُها فَفِيهَا قَرينتها مِثْلَهَا »أَي إِذا وَجَدَ الرجلُ ضَالَّةً مِنَ الْحَيَوَانِ وَكَتَمَهَا وَلَمْ يُنْشِدْها ثُمَّ تُوجَدُ عِنْدَهُ فإِن صَاحِبَهَا يأْخذها وَمِثْلَهَا مَعَهَا مِنْ كَاتِمِهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَعَلَّ هَذَا فِي صَدْرِ الإِسلام ثُمَّ نُسِخَ، أَو هُوَ عَلَى جِهَةِ التأَديب حَيْثُ لَمْ يُعَرِّفها، وَقِيلَ: هُوَ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً كَالْعُقُوبَةِ لَهُ، وَهُوَ كَحَدِيثِ مانع الزكاة: " إِنا آخدُوها وشطرَ مَالِهِ.
والقَرينةُ: فَعِيلة بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنَ الاقتِران، وَقَدِ اقْتَرَنَ الشَّيْئَانِ وتَقارَنا.
وجاؤُوا قُرانى أَي مُقْتَرِنِين.
التَّهْذِيبُ: والقُرانى تَثْنِيَةُ فُرادى، يُقَالُ: جاؤُوا قُرانى وجاؤوا فُرادى.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي أَكل التَّمْرِ: لَا قِران وَلَا تَفْتِيشَ أَي لَا تَقْرُنْ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ تأْكلهما مَعًا.
وقارَنَ الشيءُ الشيءَ مُقارَنة وقِرانًا: اقْتَرَن بِهِ وصاحَبَه.
واقْتَرَن الشيءُ بِغَيْرِهِ وقارَنْتُه قِرانًا: صاحَبْته، وَمِنْهُ قِرانُ الْكَوْكَبِ.
وقَرَنْتُ الشيءَ بالشيءِ: وَصَلْتُهُ.
والقَرِينُ: المُصاحِبُ.
والقَرينانِ: أَبو بكر وطلحة، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لأَن عُثْمَانَ بْنَ عَبَيْد اللَّهِ، أَخا طَلْحَةَ، أَخذهما فَقَرَنَهما بِحَبْلٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَا القَرِينَينِ.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: « إِنَّ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ يقال لهما القَرينانِ».
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَا مِنْ أَحدٍ إِلا وكِّلَ بِهِ قَرِينُه» أَي مُصَاحِبُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ والشَّياطين وكُلِّ إِنسان، فإِن مَعَهُ قَرِينًا مِنْهُمَا، فَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يأْمره بِالْخَيْرِ ويَحُثه عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: فقاتِلْه فإِنَّ مَعَهُ القَرِينَ، والقَرِينُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
وفي الحديث: « أَنه قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِسرافيلُ ثلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ »، أَي كَانَ يأْتيه بِالْوَحْيِ وَغَيْرِهِ.
والقَرَنُ: الْحَبْلُ يُقْرَنُ بِهِ البعيرانِ، وَالْجَمْعُ أَقْرانٌ، وَهُوَ القِرَانُ وَجَمْعُهُ قُرُنٌ؛ وَقَالَ:
أَبْلِغْ أَبا مُسْمِعٍ، إِنْ كنْتَ لاقِيَهُ، ***إِنِّي، لَدَى البابِ، كالمَشْدُودِ فِي قَرَنِ
وأَورد الْجَوْهَرِيُّ عَجُزَهُ.
وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده أَنِّي، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.
وقَرَنْتُ الْبَعِيرَيْنِ أَقْرُنُهما قَرْنًا: جَمَعَتْهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ.
والأَقْرانُ: الحِبَالُ.
الأَصمعي: القَرْنُ جَمْعُكَ بَيْنَ دَابَّتَيْنِ فِي حَبْل، وَالْحَبْلُ الَّذِي يُلَزَّان بِهِ يُدْعَى قَرَنًا.
ابْنُ شُمَيْل: قَرَنْتُ بَيْنَ الْبَعِيرَيْنِ وقَرَنْتهما إِذا جَمَعْتُ بَيْنَهُمَا فِي حَبْلٍ قَرْنًا.
قَالَ الأَزهري: الْحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ بَعِيرَانِ يُقَالُ لَهُ القَرَن، وأَما القِرانُ فَهُوَ حَبْلٌ يُقَلَّدُ الْبَعِيرُ ويُقادُ بِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ قَتَادة صَاحِبَ الحَمَالَةِ تَحَمَّل بحَمَالة، فَطَافَ فِي الْعَرَبِ يسأَلُ فِيهَا، فَانْتَهَى إِلى أَعرابي قَدْ أَوْرَدَ إِبلَه فسأَله فَقَالَ: أَمعك قُرُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْني قِرَانًا، فَقَرَنَ لَهُ بَعِيرًا، ثُمَّ قَالَ: نَاوِلْنِي قِرانًا، فَقَرَنَ لَهُ بَعِيرًا آخَرَ حَتَّى قَرَنَ لَهُ سَبْعِينَ بَعِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هاتِ قِرانًا، فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي، فَقَالَ: أَوْلى لَكَ لَوْ كَانَتْ مَعَكَ قُرُنٌ لقَرَنْتُ لَكَ مِنْهَا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا بَعِيرٌ، وَهُوَ إِياس بْنُ قَتَادَةَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: « فَلَمَّا أَتيت رَسُولَ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ أَي الْجَمَلَيْنِ الْمَشْدُودَيْنِ أَحدهما إِلى الْآخَرِ.
والقَرَنُ والقَرِينُ: الْبَعِيرُ المَقْرُون بِآخَرَ.
والقَرينة: النَّاقَةُ تُشَدُّ إِلى أُخْرى، وَقَالَ الأَعور النَّبْهَانِيُّ يَهْجُو جَرِيرًا وَيَمْدَحُ غَسَّانَ السَّلِيطِي:
أَقُولُ لَهَا أُمِّي سَليطًا بأَرْضِها، ***فَبِئْسَ مُناخُ النَّازِلِينَ جَريرُ
وَلَوْ عِنْدَ غسَّان السَّليطيِّ عَرَّسَتْ، ***رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقيرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ الأَعور النَّبْهانِي فَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: اسْمُهُ سُحْمَةُ بْنُ نُعَيم بْنِ الأَخْنس بْنِ هَوْذَة، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي النَّقَائِضِ: يُقَالُ لَهُ العَنَّاب، وَاسْمُهُ سُحَيْم بْنُ شَريك؛ قَالَ: وَيُقَوِّي قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ فِي العَنَّاب قَوْلُ جَرِيرٍ فِي هِجَائِهِ:
مَا أَنتَ، يَا عَنَّابُ، مِنْ رَهْطِ حاتِمٍ، ***وَلَا مِنْ رَوابي عُرْوَةَ بْنِ شَبيبِ
رأَينا قُرُومًا مِنْ جَدِيلةَ أَنْجَبُوا، ***وفحلُ بنِي نَبْهان غيرُ نَجيبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنكر عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ أَن يَكُونَ القَرَنُ البعيرَ المَقْرونَ بِآخَرَ، وَقَالَ: إِنما القَرَنُ الْحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ الْبَعِيرَانِ؛ وأَما قَوْلُ الأَعْور: " رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقِيرُ "فإِنه عَلَى حذف مضاف، مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.
والقَرِينُ: صاحبُك الَّذِي يُقارِنُك، وقَرِينُك: الَّذِي يُقارنُك، وَالْجَمْعُ قُرَناءُ، وقُرانى الشَّيْءِ: كقَرِينه؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " يَمْطُو قُراناهُ بهادٍ مَرَّاد وقِرْنُك: المُقاوِمُ لَكَ فِي أَي شَيْءٍ كَانَ، وَقِيلَ: هُوَ المُقاوم لَكَ فِي شِدَّةِ البأْس فَقَطْ.
والقِرْنُ، بِالْكَسْرِ: كُفْؤك فِي الشَّجَاعَةِ.
وَفِي حديث عُمَر والأَسْقُفّ قَالَ: أَجِدُكَ قَرْنًا، قَالَ: قَرْنَ مَهْ؟ قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ "؛ القَرْنُ، بِفَتْحِ القافِ: الحِصْنُ، وَجَمْعُهُ قُرُون، وَكَذَلِكَ قِيلَ لَهَا الصَّياصِي؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
إِذا يُساوِرُ قِرْنًا، لَا يَحِلُّ لَهُ ***أَن يَتْرُك القِرن إِلا وَهْوَ مَجْدول
القِرْنُ، بِالْكَسْرِ: الكُفْء وَالنَّظِيرُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْحَرْبِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقران.
وَفِي حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ قَيس: « بِئْسَمَا عَوَّدْتم أَقْرانَكم» أَي نُظَراءَكم وأَكْفاءَكم فِي الْقِتَالِ، وَالْجَمْعُ أَقران، وامرأَة قِرنٌ وقَرْنٌ كَذَلِكَ.
أَبو سَعِيدٍ: اسْتَقْرَنَ فلانٌ لِفُلَانٍ إِذا عازَّهُ وَصَارَ عِنْدَ نَفْسِهِ مِنْ أَقرانه.
والقَرَنُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ رَجُلٌ أَقْرَنُ بَيِّنُ القَرَنِ، وَهُوَ المَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ.
والقَرَنُ: الْتِقَاءُ طَرَفَيِ الْحَاجِبَيْنِ وَقَدْ قَرِنَ وَهُوَ أَقْرَنُ، ومَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ، وَحَاجِبٌ مَقْرُون: كأَنه قُرِن بِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقَالُ أَقْرَنُ وَلَا قَرْناء حَتَّى يُضَافَ إِلى الْحَاجِبَيْنِ.
وَفِي صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَوابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ "؛ القَرَن، بِالتَّحْرِيكِ: الْتِقَاءُ الْحَاجِبَيْنِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَتْهُ" أُم معبد فإِنها قَالَتْ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَزَجُّ أَقْرَنُ أَي مَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ، قَالَ: والأَول الصَّحِيحُ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَابِغَ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ، وَهُوَ الْحَوَاجِبُ، أَي أَنها دَقَّتْ فِي حَالِ سُبُوغِهَا، وَوَضَعَ الْحَوَاجِبَ موضع الحاجبين لأَن الثنية جَمْعٌ.
والقَرَنُ: اقْتِرانُ الرُّكْبَتَيْنِ، وَرَجُلٌ أَقْرَنُ.
والقَرَنُ: تَباعُدُ مَا بَيْنَ رأْسَي الثَّنِيَّتَيْن وإِن تَدَانَتْ أُصولهما.
والقِران: أَن يَقْرُن بينَ تَمْرَتَيْنِ يأْكلهما.
والقَرُون: الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ فِي الأَكل، يُقَالُ: أَبَرَمًا قَرُونًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنه نَهَى عن القِران إِلا أَن يستأْذن أَحدُكم صاحبَه، ويُرْوى الإِقْران، والأَول أَصح، وَهُوَ أَن يَقْرِن بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ فِي الأَكل، وإِنما نَهَى عَنْهُ لأَن فِيهِ شَرَهًا، وَذَلِكَ يُزْري بِفَاعِلِهِ، أَو لأَن فِيهِ غَبْنًا بِرَفِيقِهِ، وَقِيلَ: إِنما نَهَى عَنْهُ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ، وَكَانُوا مَعَ هَذَا يُواسُونَ مِنَ الْقَلِيلِ، فإِذا اجْتَمَعُوا عَلَى الأَكل آثَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ مِنْ قَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ، فَرُبَّمَا قَرَنَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ أَو عظَّم اللُّقْمة فأَرشدهم إِلى الإِذن فِيهِ لِتَطِيبَ بِهِ أَنْفُسُ الْبَاقِينَ».
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَبَلَة قَالَ: كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ فِي بَعْثِ الْعِرَاقِ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنا التَّمْرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ فَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا إِلا أَن يستأْذن الرجلُ أَخاه "، هَذَا لأَجل مَا فِيهِ مِنَ الغَبْنِ ولأَن مِلْكَهم فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَرُوِيَ نَحْوُهُعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ فِي أَصحاب الصُّفَّةِ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: « قارِنُوا بَيْنَ أَبنائكم» أَي سَوُّوا بَيْنَهُمْ وَلَا تُفَضلوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْمُقَارَبَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ.
والقَرُونُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يأْكل لُقْمَتَيْنِ لُقْمَتَيْنِ أَو تَمْرَتَيْنِ تَمْرَتَيْنِ، وَهُوَ القِرانُ.
وَقَالَتِ امرأَة لِبَعْلِهَا ورأَته يأْكل كَذَلِكَ: أَبَرَمًا قَرُونًا؟ والقَرُون مِنَ الإِبل: الَّتِي تَجْمَع بَيْنَ مِحلَبَيْنِ فِي حَلْبَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ المُقْتَرِنَة القادِمَيْن والآخِرَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي إِذا بَعَرَتْ قَارَنَتْ بَيْنَ بَعَرِها، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَضَعُ خُفَّ رِجْلِهَا مَوْضِعَ خُفِّ يَدِهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الْخَيْلِ.
وقَرَنَ الفرسُ يَقْرُنُ، بِالضَّمِّ، إِذا وَقَعَتْ حَوَافِرُ رِجْلَيْهِ مواقعَ حَوَافِرِ يَدَيْهِ.
والقَرُون: النَّاقَةُ الَّتِي تَقْرُنُ رُكْبَتَيْهَا إِذا بَرَكَتْ؛ عَنِ الأَصمعي.
والقَرُون: الَّتِي يَجْتَمِعُ خِلْفاها القادِمان والآخِرانِ فيَتَدانَيانِ.
والقَرون: الَّذِي يَضَعُ حَوافرَ رِجْلَيْهِ مَواقعَ حَوافر يَدَيْهِ.
والمَقْرُونُ مِنْ أَسباب الشِّعْر: مَا اقْتَرنت فِيهِ ثلاثُ حَرَكَاتٍ بَعْدَهَا سَاكِنٌ كمُتَفا مِنْ مُتَفَاعِلُنْ وَعَلَتُنْ مِنْ مُفَاعَلَتُنْ، فَمُتَفَا قَدْ قَرَنَتِ السَّبَبَيْنِ بِالْحَرَكَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ إِسقاطها فِي الشِّعْرِ حَتَّى يَصِيرَ السَّبَبَانِ مَفْرُوقَيْنِ نَحْوَ عِيلُنْ مِنْ مَفَاعِيلُنْ، وَقَدْ ذُكِرَ الْمَفْرُوقَانِ فِي مَوْضِعِهِ.
والمِقْرَنُ: الْخَشَبَةُ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى رأْسَي الثَّوْرَيْنِ.
والقِران والقَرَنُ: خَيْطٌ مِنْ سَلَب، وَهُوَ قِشْرٌ يُفتل يُوثَقُ عَلَى عُنُق كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّوْرَيْنِ، ثُمَّ يُوُثَقُ فِي وَسَطِهِمَا اللُّوَمَةُ.
والقَرْنانُ: الَّذِي يُشارك فِي امرأَته كأَنه يَقْرُن بِهِ غيرَه، عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ حَكَاهُ كُرَاعٌ.
التَّهْذِيبُ: القَرْنانُ نَعْتُ سَوْءٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا غَيْرَة لَهُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ أَرَ البَوادِيَ لَفَظُوا بِهِ وَلَا عَرَفُوهُ.
والقَرُون والقَرُونة والقَرينة والقَرينُ: النَّفْسُ.
وَيُقَالُ: أَسْمَحَتْ قَرُونُه وقَرِينُه وقَرُونَتُه وقَرِينَتُه أَي ذَلَّتْ نَفْسُهُ وتابَعَتْه عَلَى الأَمر؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَر:
فَلاقى امْرَأً مِنْ مَيْدَعانَ، وأَسْمَحَتْ ***قَرُونَتُه باليَأْسِ مِنْهَا فعجَّلا
أَي طَابَتْ نَفْسُه بِتَرْكِهَا، وَقِيلَ: سامَحَتْ؛ قَرُونُه وقَرُونَتُه وقَرينَتُه كُلُّه واحدٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَرُونه قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فإِنِّي مِثْلُ مَا بِكَ كَانَ مَا بِي، ***ولكنْ أَسْمَحَتْ عَنْهُمْ قَرُونِي
وَقَوْلُ ابْنِ كُلْثوم:
مَتى نَعْقِدْ قَرِينَتَنا بِحَبْلٍ، ***نَجُذُّ الحبلَ أَو نَقِصُ القَرينا
قَرِينته: نَفْسُه هَاهُنَا.
يَقُولُ: إِذا أَقْرَنَّا لِقرْنٍ غَلَبْنَاهُ.
وقَرِينة الرَّجُلِ: امرأَته لمُقارنته إِياها.
وَرَوَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا أَتى يومُ الْجُمُعَةَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ اليَوْمُ يَوْمُ تَبَعُّلٍ وقِرانٍ "؛ قِيلَ: عَنى بالمُقارنة التَّزْوِيجَ.
وَفُلَانٌ إِذا جاذَبَتْه قَرِينَتُه وقَرِينُه قَهَرَهَا أَي إِذا قُرِنَتْ بِهِ الشَّدِيدَةُ أَطاقها وَغَلَبَهَا، وَفِي الْمُحْكَمِ: إِذا ضُمَّ إِليه أَمر أَطاقه.
وأَخَذْتُ قَرُونِي مِنَ الأَمر أَي حَاجَتِي.
والقَرَنُ: السَّيف والنَّبْلُ، وَجَمْعُهُ قِرانٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " عَلَيْهِ وُرْقانُ القِرانِ النُّصَّلِ "والقَرَن، بِالتَّحْرِيكِ: الجَعْبة مِنْ جُلود تَكُونُ مَشْقُوقَةً ثُمَّ تُخْرَزُ، وإِنما تُشَقُّ لِتَصِلَ الرِّيحُ إِلى الرِّيشِ فَلَا يَفْسُد؛ وَقَالَ:
يَا ابنَ هِشامٍ، أَهْلَكَ الناسَ اللَّبَنْ، ***فكُلُّهم يَغْدُو بقَوْسٍ وقَرَنْ
وَقِيلَ: هِيَ الجَعْبَةُ مَا كَانَتْ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الأَكْوَعِ: « سأَلت رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلَاةِ فِي القَوْسِ والقَرَن، فَقَالَ: صَلِّ فِي الْقَوْسِ واطْرَحِ القَرَنَ »؛ القَرَنُ: الجَعْبَةُ، وإِنما أَمره بِنَزْعِهِ لأَنه قَدْ كَانَ مِنْ جِلْدٍ غَيْرِ ذَكِيّ وَلَا مَدْبُوغٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كالنَّبْلِ فِي القَرَنِ» أَي مُجْتَمِعُونَ مِثْلَهَا.
وَفِي حَدِيثِ عُميَر بْنِ الحُمام: « فأَخرج تَمْرًا مِنْ قَرَنِهِ» أَي جَعْبَتِه، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرُن وأَقْرانٍ كجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وأَجْبالٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « تَعَاهَدُوا أَقْرانَكم »أَي انْظُرُوا هَلْ هِيَ مِنْ ذَكِيَّة أَو مَيْتَةٍ لأَجل حَمْلِهَا فِي الصَّلَاةِ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: القَرَنُ مِنْ خَشَبٍ وَعَلَيْهِ أَديم قَدْ غُرِّي بِهِ، وَفِي أَعلاه وعَرْضِ مُقدَّمِه فَرْجٌ فِيهِ وَشْجٌ قَدْ وُشِجَ بَيْنَهُ قِلاتٌ، وَهِيَ خَشَبات مَعْروضات عَلَى فَمِ الجَفير جُعِلْنَ قِوامًا لَهُ أَن يَرْتَطِمَ يُشْرَج ويُفْتَح.
وَرَجُلٌ قَارِنٌ: ذُو سَيْفٍ ونَبْل أَو ذُو سَيْفٍ وَرُمْحٍ وجَعْبَة قَدْ قَرَنها.
والقِران: النَّبْلُ الْمُسْتَوِيَةُ مِنْ عَمَلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذا تَنَاضلوا اذْكُروا القِرانَ أَي والُوا بَيْنَ سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ.
وبُسْرٌ قارِنٌ: قَرَنَ الإِبْسارَ بالإِرْطاب، أَزدية.
والقَرائن: جِبَالٌ مَعْرُوفَةٌ مُقْتَرِنَةٌ؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
وحَثْحَثْتُ مَشْعوفَ النَّجاءِ، وراعَني ***أُناسٌ بفَيْفانٍ، فَمِزْتُ القَرائِنَا
ودُورٌ قَرائنُ إِذا كَانَتْ يَسْتَقْبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
أَبو زَيْدٍ: أَقْرَنَتِ السَّمَاءُ أَيامًا تُمْطِرُ وَلَا تُقْلِع، وأَغْضَنَتْ وأَغْيَنَتْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ "بَجَّدَتْ ورَثَّمَتْ.
وقَرَنَتِ السماءُ وأَقْرَنَتْ: دَامَ مَطَرُهَا؛ والقُرْآنُ مَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ جَعَلَهُ مِنْ هَذَا لاقترانِ آيِهِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزِ.
وأَقْرَنَ لَهُ وَعَلَيْهِ: أَطاق وقوِيَ عَلَيْهِ واعْتَلى.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}؛ أَي مُطِيقينَ؛ قَالَ: وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ قَوْلِكَ أَنا لِفُلَانٍ مُقْرِن؛ أَي مُطيق.
وأَقْرَنْتُ فُلَانًا أَي قَدْ صِرْت لَهُ قِرْنًا.
وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسار: « أَما أَنا فإِني لِهَذِهِ مُقْرِن »أَي مُطِيق قَادِرٌ عَلَيْهَا، يَعْنِي نَاقَتَهُ.
يُقَالُ: أَقْرَنْتُ لِلشَّيْءِ فأَنا مُقْرِن إِذا أَطاقه وَقَوِيَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ هَانِئٍ: المُقْرِن المُطِيقُ والمُقْرِنُ الضَّعِيفُ؛ وأَنشد:
وداهِيَةٍ داهَى بِهَا القومَ مُفْلِقٌ ***بَصِيرٌ بعَوْراتِ الخُصومِ لَزُومُها
أَصَخْتُ لَهَا، حَتَّى إِذا ما وَعَيْتُها، ***رُمِيتُ بأُخرى يَستَدِيمُ خَصيمُها
تَرَى القومَ مِنْهَا مُقْرِنينَ، كأَنما ***تَساقَوْا عُقَارًا لَا يَبِلُّ سَليمُها
فَلَمْ تُلْفِني فَهًّا، وَلَمْ تُلْفِ حُجَّتي ***مُلَجْلَجَةً أَبْغي لَهَا مَنْ يُقيمُها
قَالَ: وَقَالَ أَبو الأَحْوَصِ الرِّياحي:
وَلَوْ أَدْرَكَتْه الخيلُ، والخيلُ تُدَّعَى، ***بذِي نَجَبٍ، مَا أَقْرَنَتْ وأَجَلَّت
أَي مَا ضَعُفتْ.
والإِقْرانُ: قُوَّة الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ.
يُقَالُ: أَقْرَنَ لَهُ إِذا قَوِيَ عَلَيْهِ.
وأَقْرَنَ عَنِ الشَّيْءِ: ضَعُفَ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ؛ وأَنشد:
تَرَى الْقَوْمَ مِنْهَا مُقْرِنِينَ، كأَنما ***تَسَاقَوْا عُقارًا لَا يَبِلُّ سَلِيمُهَا
وأَقْرَنَ عَنِ الطَّرِيقِ: عَدَلَ عَنْهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه لِضَعْفِهِ عَنْ سُلُوكِهَا.
وأَقْرَنَ الرجلُ: غَلَبَتْهُ ضَيْعتُه، وَهُوَ مُقْرِنٌ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ إِبل وَغَنَمٌ وَلَا مُعِينَ لَهُ عَلَيْهَا، أَو يَكُونُ يَسْقي إِبلَه وَلَا ذَائِدَ لَهُ يَذُودُها يَوْمَ وُرُودِهَا.
وأَقْرَنَ الرَّجُلُ إِذا أَطاق أَمرَ ضَيْعته، مِنَ الأَضداد.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: « قِيلَ لِرَجُلٍ مَا مالُك؟ قَالَ: أَقْرُنٌ لِي وآدِمةٌ فِي المَنِيئة»، فَقَالَ: قَوِّمْها وزَكِّها.
وأَقْرَنَ إِذا ضَيَّقَ عَلَى غَرِيمِهِ.
وأَقْرَنَ الدُّمَّلُ: حَانَ أَن يتفَقَّأَ.
وأَقْرَنَ الدمُ فِي العِرْق واستقْرَنَ: كَثُرَ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
51-المحيط في اللغة (قرن)
القَرْنُ: قَرْنُ الثَّوْرِ.والمِثْلُ في السِّنِّ.
واللِّدَةُ؛ وكَسْرُ القافِ بمعناه.
وأمَّةٌ من الناس؛ قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ، والجميع القُرُوْنُ.
وعَفَلَةُ الشاةِ والبَقَرَةِ وهو ما يَخْرُجُ من ثَفْرِها.
وجَبَلٌ صَغِيرٌ مُنْفَرِدٌ.
وطَلَقٌ من جَرْي الخَيْل.
ومَصْدَرُ قَوْلكَ: قَرَنْتُ الشَّيْءَ أقْرُنُه قَرْنًا: إذا شدَدْتَه إلى شَيْءٍ وقَرَنْتَه إليه.
وحَرْفُ رابِيَةٍ مُشْرِفَةٍ على وَهْدَةٍ صَغِيرةٍ.
وحَدُّ ظُبَةِ السَّيْفِ والسِّنَانِ ونحوِه.
ودُفْعَةٌ من العَرَق، عَصَرْنا الفَرَسَ قَرْنًا أو قَرْنَيْنِ، وجَمْعُه قُرُوْنٌ.
والقَرُوْنُ من الخَيْل: الذي يَعْرَقُ سَرِيعًا إذا جَرى.
وقُرُوْنٌ من مَطَرٍ وعُشْبٍ: أي مُتَفَرِّقَةٌ.
وقُرُوْنُ السنْبُل: شَيْءٌ في سُنْبُل العِطْرِ وهو سَمُّ ساعَةٍ.
وقَرْنُ الفَلاةِ: رَأسُها.
وفي المَثَل: (أصابَ قَرْنَ الكَلإِ) أي أنْفَه، يُضْرَبُ لِمَنْ يُصيبُ مالًا وافِرًا.
وبَلَغَ به العِلْمُ قَرْنَ الكَلإِ: أي أقْصى غايَتِه.
ونازَعَه فَتَرَكَه قَرْنًا لا يَتَكلَّمُ.
والقَرْنُ: القائمُ.
وقَرْن العُرْفُطِ: سِنْفُه.
والقَرْنُ في الرَّأس: مِثْلُ الرَّمّاعَةِ.
وهو لِحَاءُ الشَّجَرِ يفْتَلُ منه حَبْلٌ، وهو القُروْنُ أيضًا.
وكَوْكَبَانِ هُما حِيَالَ الجَدْي ورَأس الثَّوْرِ فيه القَرْنُ.
والقَرْنَانِ: ما يُبْنى على رَأس البِئرِ من طِينٍ أو حِجَارَةٍ تُوضَع عليهما النعَامَةُ.
وفي الحديث: انَ النَبيَ - صلّى اللَّهُ عليه وآلِه وسَلَّم - قال لِعَلِي - رَضي اللهُ عنه -: (إنَّ لك بَيْتًا في الجَنًة وإنكَ لَذو قَرْنَيْها) أي أنتَ في هذه الأمَّةِ شَبِيْه بذي القَرْنَيْن في أمَتِه، وقيل: إنَّكَ ذو قَرْنَي الجَنَةِ: أي ذو طَرَفَيْها.
والقِرْنُ: الذي يُقاوِمُكَ في بَطْشٍ أو قِتَالٍ.
والقَرَنُ: جُعْبَةٌ صَغِيرة تُضَمُّ إلى الجُعْبَةِ الكَبِيرةِ.
وهو أيضًا: السيْفُ.
والنَّبْلُ.
والحَبْل الذي يُقْرَنُ به البَعِيرُ.
والبَعِيرُ المَقْرُونُ بالآخَرِ.
ومَصْدَرُ الأقْرَنِ وهو المَقْرُوْنُ الحاجِبَيْنِ.
وقَرَنٌ: حَيٌّ من اليَمَن، ومنهم أويسٌ القَرَنيُ.
والقِرَآنُ: الحَبْل الذي يُقْرَنُ به، وجَمْعُه قُرُنٌ، والقُرَانى: تَثْنِيَةُ فُرَادى.
ونَبْلٌ مُسْتَوِيَةٌ من صَنْعَةِ رَجُلٍ واحِدٍ.
وأنْ تُقَارِنَ بين شَيْئيْنِ تأكلُهُما مَعًا، وفي الحَدِيثِ: (لا قِرَانَ ولا تَفْتِيْشَ) أي في أكْل التَمْرِ.
وأنْ تَقْرُنَ بَيْنَ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ.
والقِرَانُ في قَوْلَ ابنِ هَرِمَةَ: فَنَفَيْتَ عنه الوَحْشَ بَعْدَ قِرَانِهِ
هو مُقَارَنَةُ الجوْع بَيْنَ يَوْم ولَيْلَةٍ.
وأقْرَنَ فلانٌ لفلانٍ: إذا جَعًلَ له بَعِيرَيْنِ بَعِيْرَيْنِ في حَبْلٍ.
والمُقْرنُ: الذي غَلَبَتْه ضَيْعَتُه فلا مُعِيْنَ له.
والقَرُوْنُ من النُوقِ: المُقْتَرِنَةُ القادِمَيْنِ والآخِرَيْنِ من أطْبائها.
والتي تَجْمَعُ بَيْنَ مِحْلَبَيْنِ.
وهي - أيضًا -: التي إذا بَعَرَتْ قارَنَتْ بَعْرَها.
والتي إذا جَرَت وضعَتْ يَدَيْها ورِجْلَيْها مَعًا.
والقارِنُ: الذي مَعَه النَّبْلُ والسَّيْفُ.
والقرنُ: المُقْتَرِنُ، حِلَّتُهم قَرِنَةٌ: أي مُتَقَارِنَةٌ.
والقَرِيْنُ: صاحِبُكَ الذي يُقارِنُكَ.
وامْرَأةُ الرجُلَ: قَرِيْنَتُه.
وفَلانٌ إذا جاذَبَتْه قَرِيْنَتُه بَهَرَها: أي إذا ضُمَّ إليه أمْرٌ أطاقَه.
وأقْرَنْتُ لهذا البِرْذَوْنِ: أي أطَقْته، ومنه قولُه عَزَّ وجَلَّ ذِكْرُه: (وما كُنا له مُقْرِنِيْنَ) واسْتَقْرَنْتُ لفُلانٍ: بمعناه.
وأقْرَانُ الظُّهُورِ: الذين يَجِيئُونَ من وَرَاءِ الرَّجُل وهو يُقاتِلُ قُدْمًا فَيَضْرِبُوْنَه.
ويَقُولونَ: أخَذْتُ قَرُوْني من هذا الأمْرِ: إذا رَفَضَه وتَرَكَه.
والقَرُوْنُ والقَرُوْنَةُ: النَّفْسُ، يُقال: أسْمَحَتْ قَرُوْنَتُه وكذلك قَرِيْنَتُه وقَرِيْنُه.
والأقْرَنُ والقَرْناءُ من الشّاء: ذَوَاتُ القُرُوْنِ.
وذُو القَرْنَيْنِ: مَعْروفٌ.
والقَرْنَان: الرَّجُلُ الذي لا غَيْرَةَ له.
وقارُوْنُ: ابنُ عَمِّ مُوسى.
والقَيْرَوَانُ - معَرَّبَةٌ -: للقافِلَة.
واسْمُ مَدِيْنَة إفْرِيْقيَة.
والقَرْنُوَةُ: شَجَرَةٌ يُدْبَغُ بوَرَقِها الأدَمُ.
وسِقَاءٌ قَرْنَوِي: مَدْبُوغٌ به.
وجِلْدٌ مُقَرْنى.
والقَرّانُ: من أوْعِيَةِ الزُّجاج، وقيل: الكبيرةُ من القَوارِير، وهو من قولهم: أقْرَنَ دمُه إقْرانًا: كَثُرَ.
واسْتَقْرَنَ الدُّمَّلُ وأقْرَنَ: حانَ أنْ يَتَفَقَأ.
ويقال ذلك للرَّجُل عِنْدَ الغَضَب.
واسْتَقْرَنَ لفلانٍ دَمُه.
وأقْرَنَتْ أفاطِيْرُ وَجْهِ الغُلام: إذا بَثَرَتْ مَخَارِجُ لِحْيَتِه.
وأقْرَنَت الثرَيّا: ارْتَفَعَتْ.
والإِقْرَانُ: رَفْعُ الرجُل رَأْسَ رُمْحِه لئلا يُصِيْبَ مَنْ قُدّامَه.
وأقْرَنَتِ السَّماءُ: دامَت فلم تُقْلِعْ، وقَرَنَتْ: مِثْلُه.
والمُقْرِنُ: الضَعِيفُ.
والقَويُ، جَميعًا.
والقُرْنَةُ: إحدى شُعْبَتَي الرَّحِم، وامْرَأةٌ قَرْناءُ.
وجانِبا السَّلا: كذلك.
وفي الفَخِذِ ذاتُ القريْنَتَيْنِ: وهي عَصَبَةُ باطِنِ الفَخِذِ، والجميع ذَواتُ القَرائنِ.
واسْتَقْرَنَ لفُلانٍ دَمُه: إذا تَبَيَّغَ به وكادَ يَقْتُلُه.
واسْتَقْرَنَ فلانٌ لفلانٍ: أي عازَّه وصارَ عند نَفْسِه من أقرانِه.
وأقْرَنَتِ الجارِيَةُ وقَرَنَتْ: رَفَعَتْ رِجْلَيْها.
وللضِّبِّ قُرْنَتَانِ: أي رَحِمَانِ.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
52-تهذيب اللغة (قرن)
قرن: أبو داود عن ابن شُميل قال: أهل الحجاز يسمُّون القارورة القَرَّان، الراء شديدة.وأهل اليمامة يسمُّونها الحُنْجورة.
الحَرّاني عن ابن السكّيت، قال: القَرْن: الجُبيلِ الصغير.
والقَرْن: قَرْن الشاة والبقر وغيرهما.
والقَرْن من الناس.
قال الله جلّ وعزَّ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} [الأنعام: 6].
قال أبو إسحاق: قيل: القَرْن ثمانون سنة، وقيل: سبعون.
قال: والذي يقع عندي والله أعلم أنَ القَرْن أهلُ كلِّ مدّة كان فيها نَبِيٌّ أو كان فيها طبقةٌ مِن أهل العِلم قَلَّت السِّنُونَ أو كثرت.
والدليل على هذا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم قَرْني ـ بمعنى أصحابي ـ ثم الذين يلونهم ـ يعني التابعين ـ ثم الذين يَلُونَهم» يعني الذين أخذوا عن التابعين.
قال: وجائز أن يكون القَرْن لجملة الأمة، وهؤلاء قُرونٌ فيها.
وإنما اشتقاق القَرْن مِن الاقتران، فتأويله أنَ القَرْن: الذين كانوا مقتَرِنين في ذلك الوقت، والذين يأتون مِن بَعدهم ذَوُو اقترانٍ آخر.
وقال ابن السكّيت: يقال هو على قَرْنه، أي: على سِنِّه.
وقال الأصمعيّ: هو قَرْنُه في السِّنّ بالفتح، وهو قِرْنه بكسرٍ، إذا كان مثله في الشدّة والشجاعة.
وقال ابن السكيت: القَرْن كالعَفَلة.
وقال الأصمعي: هي في المرأة كالأدْرَة في الرجل.
وقال: هي العَفَلة الصغيرة.
وقال ابن السكيت: القَرْنُ: الدُّفْعة مِن العَرَق، يقال: عَصرْنا الفَرَسَ قَرْنًا أو قرنين.
أبو عبيد عن ابن عمرٍو، قال: القُرون: العَرَق.
قلتُ: كأنه جمعُ قَرْن.
قال: والقَرُون: الفَرس الذي يَعرَق سريعًا: إذا جَرَى.
وقال ابن السكيت: القَرْن: الخُصلة من الشعر، وجمعه قُرون.
قال الأخطل يصف النساء:
وإِذا نصَبنَ قُرونهنَ لغَدرةٍ *** فكأنما حلّتْ لهن نُذورُ
وقال أبو الهيثم: القرون هاهنا: حبائل الصَّياد يجعل فيها قُرون يَصطاد بها، وهي هذه الفخوخ التي يصطاد بها الصِّعاءُ والحمام.
يقول: فهؤلاء النساء إذا صرنا في قرونهنَ فاصطدنَا فكأَنهنّ كانت عليهنّ نذور أن يقتلننا فحلّت.
وقال الأصمعيّ: القَرْن: جَمْعُك بين دابَّتين في حَبْل.
والحَبْل الذي يُلَزّان به يُدعَى قَرَنًا.
قال: وقَرْنا البئر، هما ما بُنِي فعُرِّض، فيُجعَل عليه خَشبٌ تُعَلَّق البكرة منه.
وقال الراجز:
تَبَيَّن القَرْنين فانظر ما هما *** أمَدَرًا أم حَجَرًا تراهما
وقال أبو سفيان بن حرب للعباس بن عبد المطلب حين رأَى المسلمين وطاعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واتِّباعَهم إيّاه حينَ صلَّى بهم: «ما رأيتُ كاليوم طاعةَ قَوْم، ولا فارسَ الأكارِم، ولا الرُّوم ذاتَ القُرون».
قيل في تفسيره: إنَّهم قيل لهم ذات القرون لتَوارثهم المُلْكَ قَرْنًا بعد قَرْن؛ وقيل: سُمُّوا بذلك لقُرون شعورهم وتوفيرِهم إيَّاها، وأنَّهم لا يَجُزّونها.
وقال المرقَش:
لاتَ هَنَّا وليتَني طَرَفَ الزُّ *** جِّ وأهلِي بالشامِ ذاتِ القُرون
أراد الرومَ، وكانوا ينزلون الشام.
ومن أمثال العَرَب: «تَرَحك فلانٌ فلانًا على مثْل مَقَصِ قَرْن»، و «مَقَطّ قَرْن».
قال الأصمعيّ: القَرْن: جبلٌ مُطِلّ على عَرفات.
وأنشد:
وأصبَحَ عَهدُه كَمَقصِ قَرْنٍ *** فلا عَيْنٌ تُحَسّ ولا أثَارُ
ويقال: القَرْن هاهنا الحَجَر الأملس النقيُّ الذي لا أثَرَ فيه.
يُضرب هذا المَثل لمن يستأصل ويُصْطَلَم.
والقَرْن: إذا قُصَّ أو قُطُّ بَقيَ ذلك الموضعُ أَملَسَ.
وفي الحديث: «الشمس تَطلُع بين قَرنَيْ شيطان، فإذا طلَعَتْ قارنَها، فإذا ارتفعَتْ فارقَها».
ونَهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذا الوقت.
وقيل: قَرْنا الشيطان: ناحيتا رأسه، وقيل: قَرْناه: جَمعاه اللذان يُغْريهما بالبَشَر ويفرِّقهما فيهم مُضِلِّين.
ويقال: إن الأشعّة التي تتقَضَّب عند طُلوع الشمس وتتراءى لمن استَقبَلها أنَّها تُشرق عليهما، ومنه قوله:
فصبّحتْ والشمسُ لم تَقَضَّبِ *** عَيْنًا بَغَضْيانَ ثجوجِ العُنْبُبِ
ويقال: إنّ الشيطانَ وقرنيه مَدْحُورون ليلةَ القَدْر عن مَراتبهم، مُزالون عَنْ مَقاماتهم،
مُراعِين طُلوعَ الشمس، ولذلك تَطلعُ الشمسُ لا شُعاع لها مِن غَدِ تلك الليلة، وهذا بيِّنٌ في حديث أُبيّ بن كعب وذكرِه الآية ليلة القدر.
وفي حديث آخر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لعليّ: «إنَّ لك بيتًا في الجنة، وإنَّك لذو قَرنَيها».
قال أبو عبيد: كان بعض أهل العِلم يتأوَّل هذا الحديث أنَّه ذو قَرْنَي الجنَّة، أي: ذو طَرَفَيها.
قال أبو عبيد: ولا أحسِبه أراد هذا، ولكنه أراد بقوله: ذو قَرنَيْها، أي: ذو قَرْنَيْ هذه الأمّة، فأَضمَرَ الأمّة، وكنَى عن غيرِ مذكورٍ، كما قال الله جلَّ وعزَّ: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} [ص: 32] أراد الشمسَ ولا ذِكر لها.
وقال حاتم:
أماويَّ ما يُغْنِي الثَّراء عن الفتى *** إذا حشرَجَتْ يومًا وضاقَ بها الصَّدْرُ
يعني: النفس، ولم يذكرها.
قال: ومما يحقّق ما قلنا أنَّه عَنى الأُمّةَ حديثٌ
يُرْوَى عن علي رضياللهعنه، أنَّه ذَكَر ذا القَرْنين، فقال: «دعا قومَه إلى عبادة الله فضَرَبوه على قَرْنَيه ضربتين، وفيكم مِثلُه» فنُرَى أنه إنَّما عَنى نفسه، يعني أدعو إلى الحقِّ حتَّى أُضْرَب على رأسي ضربتين يكون فيهما قَتْلي.
وروَى أبو عُمَر عن أحمد بن يحيى أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ: «وإنَّك لَذو قَرْنَيْها»: يعني جَبَلَيها وهما الْحَسن والحسَين.
وأنشد:
أثَوْرَ ما أَصِيدُكم أم ثوررَيْن *** أم هذه الجَمّاءَ ذاتَ القرنينْ
قال: قَرناها هاهنا فزّاها، وكانا قد شَدَنا فإِذا آذاها شيءٌ دَفَعا عنها.
قال: وقال المبرّد في قوله الجمّاء: ذات القرنين؛ قال: كان قرناها صغيرين فشبَّهها بالجُمِّ.
ومعنى قوله: «إنك لذو قرنيها»، أي: إنك ذو قرنَيْ أمّتي كما أنَّ ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في القرآن كانَ ذا قرنَيْ أمَّته التي كان فيهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أدري ذو القرنين كان نبيًّا أم لا؟».
وأمَّا القَرَن فإِنّ الحرانيّ رَوَى عن ابن السكيت أنه قال: القَرَن: السّيف والنَبْل؛ يقال: رجل قارِنٌ: إذا كان معه سيف ونَبْل.
أبو عبيد عن الأصمعي قال: القَرَن: جعْبة من جلود تكون مشقوقةً ثم تُخرَزُ، وإنما تُشَقّ كي تَصِل الرِيحُ إلى الريش فلا يَفْسُد.
وقال ابن شُميل: القَرَن من خَشَب وعليه أديمٌ قد غُرِّيَ به، وفي أعلاه وعُرْض مقدَّمه فَرْجٌ فيه وشجٌ قد وُشِجَ بينه قِلاتٌ،
وهي خَشَبات معروضات على فَم الْجَفير جُعِلن قِوامًا له أن يَرْتَطِم، يُشرَج ويُفتَح.
وقال ابن السكيت: القَرَن: الجَعْبة، وأنشد:
يا بنَ هِشامِ أهلَكَ الناسَ اللبَن *** فكلّهم يَسعَى بقَوْسٍ وقَرَنْ
قال: والقَرَن: الحبْل يُقرَن فيه البعيران؛ والأقران: الحبال.
قال: والقَرَن أيضًا: الجَمَل المَقْرون بآخر.
وقال جريرُ بنُ الخَطَفَى:
ولو عندَ غَسّانَ السَّليطيّ عَرّسَتْ *** رَغا قَرَنٌ منها وكاسَ عقيرُ
وقال أبو نصر: القَرْن: حَبْل يُفتل من لحاء الشَّجَر.
وقال ابن السكيت: القَرَن: مصدر كبشٍ أقرَن بيِّن القرَن.
والقرَن: أن يلتقي طرفُ الحاجبين، يقال: رجلٌ أقرنُ ومقرون الحاجبين.
الأصمعي: القَرون: الناقة التي تجمع بين مِحلبين.
والقَرون: الناقة التي تُدانِي بين رُكْبتيها إذا بَرَكتْ.
والقَرون: التي تضع خُفَّ رِجليها على خُفّ يَدِها.
أبو عبيد عن الأصمعي يقال: سامحَتْ قَرُونُه، وهي النَّفس.
وقال غيره: سامحت قَرونُه وقَرونته وقَرينته، كلُّه واحد، وذلك إذا ذَلَّت نفسُه وتابَعْته؛ وقال أوْس:
فلافَى امرأً مِنْ مَيْدعانَ وأسمحَتْ *** قَرونَته باليأس منها فَعجَّلا
أي: طابت نفسُه بتركها.
ودُورٌ قَرائن: إذا كانت يَسْتقبِل بعضُها بعضًا.
والقَرون: الفَرَس الذي يَعْرق سريعًا.
أبو يزيد: أقرنَت السماءُ أيامًا تُمطِر ولا تُقْلع، وأغضَنَتْ وأَغينَتْ بمعنى واحد، وكذلك بَجَّدَتْ ورَيَّمَتْ.
ثعلب عن ابن الأعرابي: أقرَنَ الرجل: إذا أطاقَ أمر ضَيْعَته، وأقْرَن: إذا لم يُطِقْ أمرَ ضَيْعيه من الأضداد.
قال: وأَقْرَنَ: إذا ضَيَّقَ على غريمه.
وقال الله تعالى: {وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13]، أي: ما كنا له مُطيقين، واشتقاقه من قولك: أنا لفلانٍ مُقْرِن، أي: مُطيق، أي: قد صِرْت له قِرْنًا.
وقال ابن هانئ: المُقرِن: المطيق، والمقرن: الضعيف، وأنشد:
وداهيةٍ دَاهَى بها القومَ مَفْلِقُ *** بصيرٌ بعَوْرات الْخُصُوم لَزومُها
أَصَخْتُ لها حتّى إذا ما وَعيتُها *** رُميتُ بأخرى يَستديمُ خَصِيمُها
تَرَى القَوم منها مُقرِنين كأنما *** تَساقَوا عُقارًا لا يُبِلّ نَديمُها
فلم تلْغِني فَهًّا ولم تُلفِ حجتي *** ملجلَجةً أَبغِي لها مَنْ يُقيمها
وقال أبو الأحوص الرياحيّ:
ولو أدركته الخيلُ تدَّعى *** بذي نَجَبٍ ما أقرنت وأجلّتِ
أي: ما ضَعفَتْ.
وقال الأصمعي: الإقران: رَفْع الرجُل رأس رُمْحِه يصيب مَن قُدَّامه، يقال: أقرِن رُمْحَك.
والإقران: قوة الرجل على الرجل، يقال: أَقرَنَ له: إذا قَوِي عليه.
وقال غيره: المُقرِن: الذي قد غَلبتْه ضَيعتُه، يكون له إبلٌ أو غَنَم ولا مُعينَ له عليها ولا مُذِيد لها يذودُها يومَ ورْدِها، فهو رجل مُقْرِن.
الأصمعي: القران: النبل المستوية مِن عملِ رجلٍ واحد.
ويقال للقوم: إذا تَناضَلُوا: اذكروا القِران، أي: وَالُوا بِسَهْمين سهمين.
وقال ابن المظفّر: القِران: الحبْل الذي يُقرَن به البعيران، وهو القَرَن أيضًا.
قلت: الحبل الذي يُقرَن به بعيران يقال له القَرَن، وأما القِرن، وأما القِران فهو حَبلٌ يُقلَّده البعيرُ ويقادُ به.
ورُوِي أن ابن قتادة صاحب الحمالة تحمّل بحمالة، فطافَ في العرب يَسأل فيها، فانتهى إلى أعرابي قد أورَدَ إبِله، فسأله فيها، فقال له: أمعَك قُرُنٌ.
قال: نعم، قال: ناولني قِرانًا، فقَرَن له بعيرًا، ثم قال له: ناولني قِرانًا؛ فقَرَن له بعيرًا آخر، حتّى قَرَن له سبعين بعيرًا.
ثم قال: هات قِرانًا؛ قال: ليس معي؛ قال: أولى لو كانت معك قُرُنٌ لقَرَنْتُ لك منها حتى لا يَبقَى منها بعير.
وهو إياس بن قتادة.
والقِران: أن يَجمَع الرجل بين الحجّ والعُمْرة.
وجاء فلان قارِنًا.
والقَرْناء من النساء: التي في فَرْجها مانع يمنع مِن سُلوك الذَكَر فيه، إمّا غُدَّة غليظة، أو لحمةٌ مُرْتَتِقة، أو عَظْم، يقال لذلك كله القرَن.
وكان عمرُ يجعل للرجل إذا وجد امرأته قرناء؛ الخيار في مفارقتها من غير أن يوجب عليه مهْرًا.
وقال الأصمعي: القرنتان: شُعبتا الرَحِم كلُّ واحدة منها قَرْنة.
والقرنة: حد السكين والرمح والسَّهم؛ وجمعُ القرنة قُرَن.
وقال الليث: القَرْن: حدُّ رابيةٍ مشرفة على وهدة صغيرة.
والقُرانى: تثنية فُرادى، يقال: جاءوا قرانى وجاءوا فرادى.
وفي الحديث في أكل التمر: «لا قِرَانَ ولا تفتيش»، أي: لا يقرن بين تمرتين بأكلهما معًا.
والقرون: الناقة التي إذا بَعَرتْ قارنَتْ بعرها.
والقرين: صاحبك الذي يُقارنُك، وقال ابن كلثوم:
مَتى نعقِد قَرينتنا بحبلٍ *** نجذُّ الحبل أو نَقِصُ القرينا
قرنيته: نفسه هاهنا.
يقول: إذا أقرَنَّا القِرن غلبناه.
وقال أبو عبيد وغيره: قرينة الرجل: امرأته.
وقال الليث: القرنانُ: نعتُ سَوءٍ في الرجل الذي لا غيرة له.
قلت: هذا من كلام حاضرة أهل العراق ولَم أَر البوادِيَ لفَظُوا به ولا عرفوه.
وقارون: كان رجلًا من قوم موسى فبغَى على قومه، فخسف الله (بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ).
والقَيُّرَوان معرب، وهو بالفارسية كاروان وقد تكلمت به العرب قديمًا، قال امرؤ القيس:
وغارةٍ ذاتِ قَيْرَوانٍ *** كأنّ أسرابها الرعالُ
أبو عبيد عن الأصمعي: القَرنُوَة: نبت.
قلت: ورأيتُ العرب يدبغون بورقه الأُهُبَ، يقال: إهابٌ مُقرنى بغير همز وقد هَمَزَه ابنُ الأعرابي.
وقال ابن السكيت: سقاء قرنَوِي: دبغ بالقَرْنُوَة.
ويقال: ما جعلتُ في عيني قَرْنًا من كُحْل، أي: ميلًا واحدًا، من قولهم: أتيتُه قَرنًا أو قَرنين، أي: مرةً أو مرّتين.
والمقَرَّنة: الجبال الصغار يَدْنو بعضُها من بعض، سُمِّيَتْ بذلك لتَقارُنِها.
قال الهُذَلِيّ:
وَلَجِيءٍ إذا ما الليلُ جَنّ *** على المقرَّنة الحَباحِبْ
وقال أبو سعيد: استَقرَن فلانٌ لفلانٍ: إذا عازَّه وصار عند نفسِه من أقرانه.
وقال أبو عبيد: أقرَنَ الدُّمَّل: إذا حانَ أن يتَفَقَّأ.
وأَقرَنَ الدَّمُ واستقرَن، أي: كثر.
وإِبلٌ قُرانَى، أي: قَرائن.
وقال ذو الرمة:
وشِعْبٍ أبَى أن يَسلُكَ الغُفْرَ بينَه *** سَلَكْتُ قَرانَى من قيَاسِرَةٍ سُمْرَا
قيل: أراد بالشِّعب شِعَب الجبَل.
وقيل: أراد بالشِّعب فُوقَ السَّهْم.
وبالقُرانَى وَتَرًا فَتِل مِن جِلْد إبلٍ قَياسرة.
والقَرينة: اسم روضة بالصَّمّان.
ومنه قول الشاعر:
جَرَى الرِّمْثُ في ماءِ القَرينة والسّدْرُ
وقال أبو النجم يَذكر شَعْرَه حين صَلِع:
أفناه قولُ الله للشمسِ اطلُعي *** قرْنًا أَشِيبيهِ وقرْنًا فانزِعي
أي: أفنَى شَعرِي غروبُ الشمس وطلوعُها وهو مَرُّ الدهر.
قال: والقَرَن: تَباعُد ما بين رأسَيِ الثَّنِيَّتَيْنِ وإن تدانت أصولهما.
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: القَرْن: الوقت من الزمان، فقال قومٌ: هو أربعون سنة، وقالوا: ثمانون سنة، وقالوا: مائة سنة.
قال أبو العباس: وهو الاختيار، لأنَّه جاء
في الخبر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مَسَح رأْسَ غلام.
وقال: «عِشْ قَرْنًا» فعاش مائة سنة.
عمرو عن أبيه: القَرين: الأسير.
والقَرين: العَيْن الكَحِيلُ.
شمر عن الأصمعي: القَرناء: الحيَّة، لأنَّ لها قَرْنًا.
وقال ذو الرمّة يصف الصائد وقُتْرَتَه:
يُبايتُه فيها أحَمُّ كأنه *** إباضُ قَلوصٍ أسلمتْها حِبالُها
وقرْناءُ يدعو باسمها وهو مُظْلمٌ *** له صوتُها إرْنانُها وزَمالُها
يقول: يُبيِّن لهذا الصائد صوتُها أنَّها أفْعَى، ويُبيّن لها مَشْيُها ـ وهو زَمالُها ـ أنها أفْعَى، وهو مُظلم، يعني الصائد أنّه في ظُلمة القُتْرَة.
ابن شميل: قرَنْتُ بين البعيرين وقَرَنتهما: إذا جمعتَ بينهما في حَبْل قَرْنًا.
والحَبْل الذي يُقْرَن به بينهما قَرَن.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
53-الحضارة (حضارة إسلامية)
حضارة إسلامية: Islamic civilisation انظر: إسلام إعتمدت الحضارة الإسلامية علي شعوب البلاد المفتوحة.وكانت هذه الشعوب عريقة في حضاراتها.
كالساسانية بالعراق وفارس, و الحضارة البيزنطية ذات الأصول الإغريقية الشعوب المطلة على حوض البحر المتوسط.
وكانت أهم مراكز الثقافة الإغريقية الرومانية الإسكندرية وحران والرها ونصيبين وإنطاكيا.
وكان العرب تراثهم العريق القديم في حضارات معين وسبأ وحمير في بلاد اليمن.
لكنهم وجدوا في البلاد التي فتحوها حضارات متطورة كالإدارات الحكومية ونظم اقتصادية في الزراعة وأعمال الري والصناعة، وكانوا علي بينة بالعلوم العقلية والتجريبية كالرياضيات والفلك والفيزياء.
معظم العلوم السابقة وخاصة علوم الإغريق كانت قد اندثرت وضاعت معالمها فكانت بعض كتب العلم الإغريقية مدفونة مع العلماء في مقابرهم.
وذلك لأن الدولة الرومانية لم يكن لديها اهتمام بالعلم.
ومن هنا كان فضل المسلمين في إحياء تلك العلوم الميتة.
وكان الخلفاء والقواد بلادلون أسري الروم بالكتب الإغريقية أو رفع الجزية عنهم في مقابل الكتب.
وكان الروم فرحين بهذه الصفقات التي لن تكلفهم ولاسيما وأن هذه الكتب لم تكن ذات قيمة في نظرهم.
فكانوا يحرقونها علانية بحجة أنها تدعو للهرطقة والكفر.
وكان الخلفاء من شدة ولعهم بالعلم ولاسيما المأمون العباسي, كانوا عند عقد العهود والمواثيق وشروط الصلح أن يسمح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية أو كتاب معين ورد ذكره في مخطوط.
فكانوا يبحثون عنها في مقابر مؤلفيها.
وكان المأمون من خلال حركة الترجمة الموسعة يجزل العطاء للمترجمين في دار الترجمة ببيت الحكمة ببغداد.
وكان المخطوط المترجم للعربية يأخذ مترجمه مثقاله ذهبا.
وانكب المسلمون على تلك المخطوطات ليدرسوها ويغربلوها من الشوائب والخرافات والعقائد الخرافية والسحر والشطط والكفر.
فأثبت هلماء المسلمين ما هوالخطأ والباطل قيها من خلال العلم التجريبي ومفهوم التجربة للبرهان والمشاهدة التي هي سيد الأدلة.
ففي الخلافة العباسية ظهرت أجيال من شوامخ العلماء ز وقد قاموا بالإختراعات والإستكشافات والتطوير والتوليف.
كما وضعوا الموسوعات.
وكان الحكام المسلمون المساتيرون يفرغون العلماء والباحثين وينفقون عليهم الرواتب.
و الدولة العباسية باعتمادها على هذه الشعوب، عملت إحياء النهضة العلميةوتبنيها وتذكر مراجع التاريخ الأجنبية بكثير من الدهشة شغف قادة الفتوح الإسلامية بالكتب.
الى حد مبادلة أسرى الرومان بالكتب الإغريقية.
أو رفع الجزية مقابل هدية من الكتب.
وكان الرومان سعداء بهذه المبادلات ويعتبرون أنفسهم الرابحين لأن تلك الكتب لم تكن في نظرهم ذات قيمة وكثيرًا ما كانوا يحرقونها علنًا بحجة أنها تدعو الى الهرطقة والكفر.
وكثيرًا ما كان الخليفة يضع بين بنود الصلح مع إمبراطور الرومان شرطًا بالسماح للمسلمين بالتنقيب عن الكتب الإغريقية.
وكانوا يطلبون من البيزنطيين البحث عن كتاب معين جاء ذكره في المخطوطات ويسألونهم البحث عنه في مقبرة صاحبه.
ومع هذا الفيض من الكتب أنشأ المأمون دارًا خاصة بالترجمة.
وكان المترجمون يؤجرون بسخاء.
وقد يعطى المترجم مثقال وزن الكتاب المترجم ذهبًا.
ومن هنا كان الرومان يطلقون على المسلمين "المتوحشون العلماء" وذلك لأن شغفهم بالعلم لم يكن أقل شدة من بأسهم في القتال.
فقام علماء المسلمين بنقل هذه العلوم والتراث القديم وترجموه.
فلما استوعبوه ما أخذوا ينتجون ويبدعون ويضيفون، حتى قدموا للعالم ما عرف بالحضارة العربية الإسلاميةالتي أخذت تحتل مكانتها بين الحضارات الكبرى التي ظهرت في تاريخ البشرية.
فكانت أطول الحضارات العالمية عمرًا، وأعظمها أثرًا في الحضارة العالمية.
فعربت ألفاظا يونانية وفارسية وهندية كثيرة.
وترجمت عن اليونانية "حكم سقراط وأفلاطون وأرسطو، وظهرت كتب الأدب.
وفي خلافة أبي جعفر المنصورترجمت بعض أعمال العالم السكندري القديم بطليموس القلوذي CLAUDIUS PTOLOMY (ت.17 م)، ومن أهمها كتابه المعروف، باسم "المجسطي ".
واسم هذا الكتاب في اليونانية " (EMEGAL MATHEMATIKE، " أي الكتاب الأعظم في الحساب.
والكتاب دائرة معارف في علم الفلك والرياضيات.
وقد أفاد منه علماء المسلمين وصححوا بعض معلوماته وأضافوا إليه.
وعن الهندية، ترجمت أعمال كثيرة مثل الكتاب الهندي المشهور في علم الفلك والرياضيات، سد هانتاSiddhanta أي " المعرفة والعلم والمذهـب ".
وقد ظهرت الترجمة العربية في عهد أبي جعفر المنصور بعنوان "السند هند.
ومع كتاب "السند هند" دخل علم الحساب الهندي بأرقامه المعروفة في العربية بالأرقام الهندية فقد تطور على أثرها علم العدد عند العرب، وأضاف المسلمون نظام الصفرمما جعل الرياضيين العرب يحلون الكثير من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات، فقد سهل استعماله لجميع أعمال الحساب، وخلص نظام الترقيم من التعقيد، ولقد أدى استعمال الصفر في العمليات الحسابية إلى اكتشاف الكسر العشري الذي ورد في كتاب مفتاح الحساب للعالم الرياضى جمشيد بن محمود غياث الدين الكاشي (ت 840 هـ1436 م)، وكان هذا الكشف المقدمة الحقيقية للدراسات والعمليات الحسابية المتناهية في الصغر.
و استخرج إبراهيم الفزاري جدولًا حسابيًا فلكيًا يبين مواقع النجوم وحساب حركاتها وهو ما عرف بالزيج.
ويعتبر إبراهيم الفزاري أول من صنع الاصطرلاب من المسلمين.
وعن الفارسية، ترجم عبد الله بن المقفع كتاب كليلة ودمنة الذي كان هنديًا في.
هذا إلى جانب ترجمته لعدة كتب أخرى في تاريخ وأدب الفرس ونظمهم وتقاليدهم.
وكان الخليفة العباسي المأمون قد أوكل إلى سهل بن هارون، ترجمة الكتب الفارسية.
فترجم كتاب (هزار افسانه) (أفسانه: خرافة بالفارسية) أي (ألف خرافة.
وأطلق علي الكتاب الكتاب ألف ليلة وليلة وهو خبر الملك والوزير وابنته وجاريتيها وهما شيرازاد ودينازاد،.
وفي هذه القصص الخرافية ظهرت في بعضها أفكار الهنود حول الأرواح وتناسخها، وقد وضعت هذه القصص في قالب عربي إسلامي في العصر العباسي الأول ثم زيد فيها في العصر الفاطمي بحيث لم يتبق من التأثير الفارسي سوى بعض الأسماء الفارسية.
والشاهنامة للفردوس التي ترجمها نثرا الفتح بن علي البنداري سنة 697 هـ / 1297 م، وظهرت لعبة الشطرنج الهندية الأصل والتي انتقلت عن طريق الفرس إلى المسلمين، وألفت فيها كتب بالعربية وصار لها انتشار كبير في عالم الإسلام.
وفي خلافة المهدي بن المنصور (158- 169 هـ) برز عالم الكيمياء جابر بن حيان الأزدي " الذي نسبت إليه كتابات كثيرة في الكيمياء سواء في المركبات الكيميائية التي لم تكن معروفة من قبل مثل نترات الفضة المتبلورة وحامض الأزوتيك (النتريك) وحامض الكبريتيك (زيت الزاج) ولاحظ ترسيب أملاح كلوروز الفضة عند إضافة ملح الطعام.
ووصف العمليات الكيميائية كالتقطير والتبخير والترشيح والتبلور والتذويب والتصعيد والتكليس.
وفي خلافة هارون الرشيد (170 هـ / 786، ـ 193هـ / 808 م) تأسس في بغداد بيت الحكمة للنقل (النسخ) والترجمة، وازدهر في عهد إبنه عبد الله المأمون (198 هـ / 813 م- 218 هـ / 833 م)، حيث ترجمت أمهات الكتب اليونانية القديمة، وأقيمت فيه المراصد، ورسمت فيه الرسوم (الخرائط) الجغرافية وأعمال المساحة.
وكان من غلماء بيت الحكمة محمد بن موسى الخوارزمي (ت 232 هـ846 م) " الذي عهد إليه المأمون بوضع كتاب في علم الجبر، فوضع كتابه " المختصر في حساب الجبر والمقابلة (انظر: رياضيات) "، وهذا الكتاب هو الذي أدى إلى وضع لفظ الجبر وإعطائه مدلوله الحالي.
قال ابن خلدون: "علم الجبر والمقابلة (أي المعادلة) من فروع علوم العدد، وهو صناعة يستخرج بها العدد المجهول من العدد المعلوم إذا كان بينهما صلة تقتضي ذلك فيقابل بعضها بعضًا، ويجبر ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحًا".
فالجبر علم عربي سماه العرب بلفظ من لغتهم، والخوارزمي هو الذي خلع عليه هذا الاسم الذي انتقل إلى اللغات الأوروبية بلفظه العربي ALGEBRA.
و ترجم هذا الكتاب للاتينية في سنة 1135 م.
وظل يدرس في جامعات أوربا حتى القرن 16 م.
كما انتقلت الأرقام العربية إلى أوربا عن طريق ترجمات كتب الخوارزمي الذي أطلق عليه في اللاتينية "الجور تمي "ALGORISMO ثم عدل للجورزمو ALGORISMO للدلالة على نظام الأعداد وعلم الحساب والجبر وطريقة حل المسائل الحسابية وظهرت عبقرية "الخوارزمي " في " الزيج " أو الجدول الفلكي الذي صنعه وأطلق عليه اسم "السند هند الصغير،، وقد جامع فيه بين مذهب الهند، ومذهب الفرس، ومذهب بطليموس (مصر)، فاستحسنه أهل زمانه ذلك وانتفعوا به مدة طويلة فذاعت شهرته وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب.
و رسم للمأمون خريطة كبيرة للعالم المعمور في عصرهز وفي الجغرافيا وضع كتابًا ً بعنوان "صورة الأرض " اعتمد فيه على كتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات.
وقد نشر هذا الكتاب وترجم إلى الألمانية سنة 1926 م.
وفي مجال الطب والعناية بالمرضى أنشأ العباسيون عددًا كبيرًا من البيمارستانات (المستشفيات)، ومخازن الأدوية ببغداد كالبيمارستان الذي أنشأه الرشيد في الجانب الغربي من بغداد على يد الطبيب "جبرائيل بن بختيشوع "، والبيمارستان الصاعدي أيام المعتضد في الجانب، الشرقي من بغداد، والبيمارستان المقتدري الذي بناه المقتدر سنة 306 هـ 918م، وبيمارستان السيدة الذي أنشأته أمه في الأعظمية، وبيمارستان ابن الفرات الذي أنشأه وزيره أبو الحسن علي بن الفرات، والبيمارستان العضدي.
وفيها كان يعالج المرضى ويخضعون للملاحظة والتسجيل.
وكان الأطباء يستخدمون في مستشفياتهم الكاويات في الجراحة، و صب الماء البارد لمنع النزف أو معالجة الحميات، وعالجوا الأورام الأنفية وكانوا يخيطون الجروح، ويستأصلون اللوزتين ويمارسون جراحة الفتق وجراحة العيون، وشق أوراق الحلق، وقطع الأثداء السرطانية، وإخراج الحصاة من المثانة،، وإخراج الجنين بالآلة، وإخراج العظام المكسورة وجبرها، واستخدام المرقد (البنج) (خليط من الأفيون والحشيش وست الحسن) كما فرقوا بين الحصبة والجدري.
وكانت الدولة تراقب الممارسات الطبية والأطباء، فكانوا يمتحنون الأطباء والصيادلة أيان المأمون والمعتصم، وأمر الخليفة المقتدر الطبيب الكبير سنان بن ثابت بن قرة سنة 316 هـ بمنع سائر المتطببين من التصرف وممارسة مهنتهم إلا بعد إجراء امتحان لهم، فامتحن يومئذ أكثر من ثمانمائة طبيب.
وكان كل من يقوم بممارسة مهنة الطب، يؤخذ عليه قسم الطبيب المسلم والذي كان يعتمد على المحافظة على سر المريض وعلاجه دون تمييز وأن يحفظ كرامة المهنة وأسرارها.
وكان المحتسب هو الذي يأخذ عليه هذا القسم، لأن من عمله مراقبة هذه المهنة ونصه " برئت من قابض أنفس الحكماء، ورافع أوج السماء، فاطر الحركات العلوية، إن خبأت نصحا وبدأت ضرا، أو قدمت ما يقل عمله.
إذا ما عرفت ما يعظم نفعه، وعليك بحسن الخلق بحيث تسمع الناس واستفرغ لمن ألقى، إليك زمامه ما في وسعك فإن ضيعته، فأنت الضائع والله الشاهد على وعليك والسامع لما تقول، فمن نكث عهده فقد استهدف لقضائه، إلا أن يخرج من أرضه وسمائه ".
ومن مشاهير الأطباء الذين برزوا في العصر العباسي الأول نذكر الطبيب "جورجيوس (جرجس) ابن بختيشوع " الذي استدعاه الخليفة المنصور من "جنديسابور" (شرقي البصرة) لعلاج معدته التي كان يشكو منها.
وبعد معالجة قصيرة شفي على يديه، فجعله طبيبه.
وفي أيام المعتصم وولديه الواثق والمتوكل، برز الطبيب "يحيى بن ماسويه (ت 243 هـ) " الذي تنسب إليه مؤلفات طبية عديدة من أهمها (كتاب دغل العين) أي ما يضر العين ويؤذيها، وهو أول كتاب عربي في علم الرمد.
ويؤثر عن هذا الطبيب أنه كان يدرس التشريح عن طريق تقطيع أجسام القردة، وكان الخليفة المعتصم يعتمد على مشورته، ولهذا كان يحتفظ ببنية قوية.
ويعرف " ابن ماسويه " في الغرب باسم "ماسو الكبير" MESUE MAIOR.
كذلك نذكر الطبيب اللامع "حنين بن إسحاق (ت 260 هـ) الذي عرف عند علماء الغرب باسم يوهانيتس YOHANTUS.
درس الطب على أستاذه "يحيى بن ماسويه" ثم واصل دراسته في بلاد الروم والإسكندرية وفارس، والف كتبًا كثيرة أهمها كتاب في الرمد باسم "العشر مقالات في الـعين "، وكتاب " السموم والترياق "، وكتاب في أوجاع المعدة، وكتاب في الحميات، وكتاب في الفم والأسنان.
وهذا الكتاب الأخير أعجب به الخليفة الواثق لأنه يصف الفم والأسنان وصفًا دقيقًا.
وقد نقل المسعودى في كتابه "مروج الذهب (ج 4 ص 80- 81) " قسمًا منه، ذكر فيه أن عدد الأسنان في الفم اثنتان وثلاثون سنًا، منها في اللحى (الفك) الأعلى " ستة عشر سنًا، وفي اللحى الأسفل كذلك.
.
ففي الطب اخترع المسلمون التخدير لأول مرة وسموه (المرقد) واكتشفوا الدورة الدموية واخترعوا خيوط الجراحة من أمعاء الحيوانات.
واكتشفوا الكثير من الأمراض كمرض الحساسية ومرض الحصبة والأمراض النفسية والعصبية.
وفي علم طب الأعشاب اكتشفوا ألوف النباتات التي لم تكن معروفة وبينوا فوائدها وقد قفز المسلمون بالجراحة قفزة هائلة ونقلوها من مرحلة (نزع السهام) عند الإغريق إلي مرحة الجراحة الدقيقة والجراحة التجميلية.
وفي علم الفلك كانوا سباقين إلي إثبات كروية الأرض واكتشاف دورانها واكتشاف الكثير من الحقائق حول طبيعة الشمس والقمر مما ساعد في هبوط الإنسان على سطح القمر.
واكتشفوا الكثير من النجوم والمجرات السماوية وسموها بأسمائها العربية التي مازالت تسمي بها.
وقد ابتكر المسلمون علومًا جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية مثل علم (الكيمياء) وعلم الجبر وعلم المثلثات Al-chemy and Al- gebra.
وفي ظلال هذه الحضارة الإسلامية أصبحت اللغة العربية اللغة العلمية الأولي في العالم وكان علماء الإسلام يجمعون بين العلوم الفقهية والعلوم الطبيعية، فالكندي (ت 260 هـ / 873 م) كان يجمع بين الفلسفة والمنطق والحساب والفلك والهندسة والسياسة والطب والفقه وأصول العقيدة، وابن سينا (ت 428 هـ 1036 م) كان يجمع بين الطب والفلسفة والرياضيات والعلوم الطبيعية والموسيقى والفلك والحدود والشعر واثبات التنبؤات والقدر، ومثلهما الفارابي والرازي وعمر الخيام وابن النفيس وعبد اللطيف البغدادي وابن رشد وابن الطفيل والسمعاني.
لقد عرض هؤلاء العلماء لكبريات المشكلات المنطقية فعالجوها بأصالة المنهج في الملاحظة والتشخيص والكشف عن الأسباب والعلامات، فإن الشيء لا يعلم العلم اليقين إلا من جهة أسباب، ولذلك كان علم الأسباب واجبًا حتي لا يقع العلماء المسلمون فريسة التفريق بين الإلهام الإلهي والنظر الاستنباطي، فجعلوهما يلتقيان على نحو من التكامل، فغاية العلوم الفقهية، تعليم الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورسم نهج الحياة، وغرض العلوم الطبيعية، الوقوف على الحقيقة والتوجه إلى الخير والتحويل عن الشر، فالدرس والتفحص مقرون بالقياس واستخراج الحكمة هي السبل الصحيحة للوصول إلى الحقيقة العلمية.
وهذا ما جعلهم يربطون بين ما تلقوه من تعاليم القرآن وتصوراتهم وآرائهم الفلسفية والعلمية بتوازن تام ونسق منهجي.
وأعظم نشاط فكري قام به العلماء المسلمون كان في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم.
واشتهرت بغداد ً بالعلوم النقلية (الشرعية) التي تتصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية مثل التفسير والقراءات والحديث والفقه واللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا.
وقد حرص خلفاء بني العباس علي الاهتمام بهذه العلوم الإسلامية وتشجيع العلماء فيها ولا سيما علماء أهل الحجاز الذين كانوا على دراية واختصاص بعلوم القرآن والحديث والسنة.
أما دراسات العلوم اللغوية والنحوية، فقد شهدت العراق فيها ثورة واسعة ضخمة على أيدي علماء البصرة والكوفة الذين حققوا إنجازات وابتكارات علمية في هذا المجال للحفاظ على كلام العرب وتقويم اللسان العربي، بعد أن فشا اللحن في كلام المسلمين، نتيجة لاختلاطهم بالأعاجم في البلاد المفتوحة.
لهذا قام هؤلاء العلماء بجمع وتدوين ألفاظ اللغة العربية وأشعارها من منابعها الصافية في نجد بقلب الجزيرة العربية.
كذلك وضعوا قواعد نحوية للغة العربية، وابتكروا النقط والشكل على الحروف لمعرفة نطق الكلمات نطقًا سليمًا، ولا سيما القرآن الكريم، حتى لا يتعرض للتحريف.
هذا إلى جانب تصنيف المعاجم اللغوية، ووضع علم العروض لمعرفة أوزان الشعر وأحكامه وبحوره.
ومن أشهر الرواد الذين حققوا هذه الابتكارات العلمية مع بداية العصر العباسي العالم البصري العربي، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ / ا 79 م) "، وتلميذه وشيخ البصريين بعده العالم الفارسي "أبو بشر عمرو بن عثمان الملقب بسييويه (ت 177 هـ / 793 م).
أما الأدب، فقد تطور في العصر العباسي تطورًا كبيرًا، ونهج الشعراء فيـه مناهج جديدة في المعاني والموضوعات والأساليب والأخيلة، وغير ها من فنون الشعر المختلفة التي تناسب ما انتشر في العصر العباسي من حضارة وترف ولا سيما في رصافة بغداد أو بغداد الشرقية.
ومن أشهر هؤلاء الشعراء،، أبو نواس " الذي ذاعت قصائده في الخمر والغزل والصيد.
و أبو تمام الطائي " المشهور بنزعته العقلية والفلسفية في الشعر، وتلميذه "أبو عبادة البحتري " صاحب المدائح الخالدة، و "ابن الرومي " المعروف بطول نفسه وغزارة شعره، و" أبو العتاهية" الذي اشتهر بالحكمة والغزل الرقيق، والمتنبي، الذي اشتهر بالفخر، وأبو العلاء المعري، شاعر الحكمة.
وفي عالم الفنون والعمـارة، نجد أن، العباسيين لم يكونوا أقل اهتماما من الأمويين في مجال التشييد والتعمير، ففي العمارة بنى (أبو جعفر المنصور" على نهر دجلة عاصمته" بغداد (145- 149 هـ) على شكل دائري، وهو اتجاه جديد في بناء المدن الإسلامية، لأن مـعظم المدن الإسلامية، كانت إما مستطيلة كالفسطاط، أو مربعة كالقاهرة، أو بيضاوية كصنعاء.
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن هذه المدن نشأت بجوار مرتفعات حالت دون استدارتها.
ويعتبر تخطيط المدينة المدورة (بغداد)، ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلاميد ولاسيما في المدن الأخرى التي شيدها العباسيون مثل مدينة سامراء وما حوته من مساجد وقصور خلافية فخمة.
وإلى جانب العمارة وجدت الزخرفة التي وصفت بأنهما لغة الفن الإسلامي، وتقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح.
وسمي هذا الفن الزخرفي الإسلامي في أوروبا باسم أرابسك بالفرنسية " ARABESQUEوبالأسبانية (ATAURIQUE) أي التوريق (مادة).
وقد إشتهر الفنان المسلم بالفن التجريدي SURREALISM ABSTRACT) حيث الوحدة الزخرفية النباتية كالورقة أو الزهرة، وكان يجردها من شكلها الطبيعي حتى لا تعطى إحساسا بالذبول والفناء، ويحورها في أشكال هندسية حتى تعطي الشعور بالدوام والبقاء والخلود.
و وجد الفنانون المسلمون فى الحروف العربية أساسا لزخارف جميلة.
فصار الخط العربي فنًا رائعًا، على يد خطاطين مشهورين.
فظهر الخط الكوفي الذي يستعمل في الشئون الهامة مثل كتابة المصاحف والنقش على العملة، وعلى المساجد، وشواهد القبور.
ومن أبرز من اشتهر بكتابة الـخط الكوفي، مبارك المكي " في القرن الثالث الهجري, و خط النسخ الذي استخدم في الرسائل والتدوين و نسخ الكتب، لهذا سمي بخط النسخ.
وقد نبغ في كتابته عدد من الخطاطين أمثال "ابن مقلة (ت 328 هـ) " ولابن البواب (ت 13 4 هـ) " وياقوت المستعصمي في القرن السابع الهجري.
وفن التصوير، أي رسم الإنسان والحيوان، فبالرغم من أن بعض علماء المسلمين الأولين، اعتبروه مكروهًا، إلا أنهم لم يفتوا بتحريمه.
والظاهر أن خلفاء بني أمية وبني العباس قد ترخصوا في ذلك إذ توجد صور آدمية متقنة على جدران قصورهم التي اكتشفت آثارها منذ عهد قريب في شرق الأردن وسامراء، كذلك ورد في كلام المؤرخين أن الخليفة "الأمين " كان لديه قوارب لنزهته في دجلة على هيئة الأسد والنسر والدلفين، وأن قصر " (المقتدر بالله " اشتمل على تماثيل متحركة لفرسان بخيلها تتقدم وتتأخر كما في الحرب.
هذا إلى جانب قبة القصر الخلافي في بغداد التي أقيم في أعلاها على عهد "المنصور" تمثال لفارس بيده رمح يتحرك في اتجاه الريح.
كذلك وصلت إلينا كتب عربية موضحة بالصور الجميلة التي رسمها المصورون المسلمون مثل " الو اسطي " وغيره في مقامات "الحريري " وكتاب "كليلة ودمنة".
كذلك ازدهرت الموسيقى وتطورت آلاتها ولا سيما في مدينة.
ومن أشهر المغنين والمغنيات في العصر العباسي الأول: قمر البغدادية" و" إبراهيم الموصلي "، وابنه "إسحاق " وتلميذه "أبو الحسن علي بن نافع " الملقب "بزرياب " الذي هاجر إلى المغرب والأندلس وحمل معه إلى هناك الموسيقى الشرقية التي ما زال تأثيرها باقيا في الموسيقى التي تعرف إلى اليوم في المغرب والجزائر وتونس باسم "الموسيقى الأندلسية".
كذلك برع في دراسة الموسيقى من الناحيتين النظرية والعملية عدد من كبار العلماء وعلية القوم أمثال "الكندي " و! الفارابي " والخليفة "الواثق العباسي ولقد واكب هذه النهضة العلمية نشاط صناعة الورق، ونسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها.
فلقد ابتدع المسلمون المنهج العلمي في البحث والكتابة الذي يعتمد علي التجربة والمشاهدة فالاستنتاج.
وهم أول من أدخل الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية وأول من رسم الآلات الجراحية والعملية وأول من رسم الخرائط الجغرافية والفلكية التفصيلية لم يكن للعرب قبل الإسلام حضارة أو علوم تطبيقية.
وبعد الفتوحات لمصر والشام وفارس بدأ عصر الترجمة من كل اللغات وخاصة الفارسية والإغريقية والهندية.
فقاموا بترجمة علوم الطب والصيدلة و الفلك و الميكانيكا (علم الحيل النافعة) والعمارة والملاحة والموسيقى والبصريات والصناعات اليدوية للعربية.
وكانت مهظم العلوم ولاسيما علوم الإغريق فد ‘ندثرت وبعضها كان مدفونا مع العلماء في مقابرهم واتبع المسلمون المنهج العلمي في البحث والكتابة معتمدين علي التجربة والمشاهدة والاستنتاج.
وهم أول من أدخل الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية وأول من رسم الآلات الجراحية والعمليات الجراحية وأول من رسم الخرائط الجغرافية والفلكيةالتفصيلية.
وبحكم تعاليم الدين الإسلامي فقد ابتعد علماء المسلمين عن الخرافات في بحثهم فلا تجد كلامًا عن الكهانة والسحر والجن والشعوذة والتمائم وغير ذلك مما تذخر به كتب الإغريق والهندوس والبيزنطيين.
وكان الخطاطون والنساخ يهتمون بمظهر الكتاب، ويزينونه بالزخارف الإسلامية.
كما تزين المصاحف تمامًا.
وتحلى المخطوطات بالآيات القرآنية والأحاديث المناسبة ويكتب بماء الذهب.
و ابتدعوا الموسوعات العلمية و ألفوا القواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية كموسوعة علم النبات لابن البيطار.
يصدرون كتابًا سنويًا يسمى (المناخ) وهو موسوعة تبين أحوال الجو في العام القادم ومواسم الطقس والمطر من التوقعات الفلكية مما يساعد الزراع والمسافرين.
وقد نقلت أوربا هذه الفكرة وتصدر اليوم موسوعة سنوية تسمى Al- Manac (المناخ بجميع اللغارت الأوروبية تقوم على نفس الفكرة العربية وتحنل نفس الإسم العربي.
والمسلمون أول من أنشأ الجامعات العلمية وكانت أول جامعة هي (بيت الحكمة) التي أنشئت في بغداد سنة 830 م قبل أوربا بقرنين كاملين و جامعة القرويين سنة 859 م في فاس وجامعة الأزهر سنة 970 م في القاهرة جامعة (دار الحكمة) التي أنشأها الحاكم بأمر الله في القاهرة سنة395 هـ ثم انتشرت الجامعات في كل مكانبالعالم الإسلامي.
وكان للجامعات الإسلامية تقاليدوتنظيم دقيق سبقت به أحدث الجامعات العصرية.
فكان للطلاب زي موحد خاص بهم وللأساتذة زي خاص وربما اختلف الزي من بلد إلي بلد ومن عصر إلي عصر ولكنه كان في الأزهر عمامة وجبة وطيلسان وقد أخذ الأوربيون عن المسلمين الروب الجامعي المعمول به الآن في جامعاتهم.
وكان الخلفاء والوزراء إذا أرادوا زيارة الجامعة يخلعون زي الإمارة والوزراة ويلبسون زي الجامعة قبل دخولها.
وكانت اعتمادات الجامعات من ايرادات الأوقاف فكان يصرف للمستجد زي جديد وجراية لطعامه.
وأغلبهم يتلقى معونة مالية بشكل راتب دائم إذا أثبت احتياجه.
وهو ما يسمى في عصرنا " scholar ship فكان التعليم للجميع بالمجان يستوي فيه العربي والأعجمي والأبيض والأسود.
وبالجامعات مساكن للطلبة ويسمون (بالمجاورين) لسكنهم بجوارها.
وكان بالجامعة الواحدة أجناس عديدة من الأمم والشعوب الإسلامية يعيشون في اخاء ومساواة تحت مظلة الإسلام والعلم.
فهناك المغاربة والشوام والأكراد والأتراك وأهل الصين وبخارى وسمرقند وحتى من مجاهل افريقيا وآسيا وأوروبا.
وكان لكل جنس من هذه الأجناس العديدة والشعوب المختلفة رواق خاحص بهم لتسهيل أمورهم وقضاء حاجاتهم وطعامهم.
وكان نظام التدريس في حلقات بعضها يعقد داخل الفصول وأكثرها في الخلاء في الساحة أو بجوار النافورة.
ولكل حلقة أستاذها يسجل الطلاب والحضور كان الحكام المسلمون يتبارون في استجلاب العلماء المشهو رين من أنحاء العالم الإسلامي ويغرونهم بالرواتب والمناصب ويقدمون لهم أقصى التسهيلات لأبحاثهم.
وكان هذا يساعد على سرعة انتشار العلم وانتقال الحضارة الإسلامية من وطن إلي وطن في ديار الإسلام كان لاكتشاف صناعة الورق وانتشار حرفة (الوراقة) في العالم الإسلامي فضل في انتشار تأليف المخطوطات.
وقد تنوعت المخطوطات العربية بين مترجم ومؤلف.
أما المترجم فكان منها الهندي والفارسي والإغريقي والمصري (من مكتبات الاسكندرية).
ولم تكن المكتبات الإسلامية كما هي في عصرنا مجرد أماكن لحفظ الكتب بل كان في المكتبة الرئيسية جهاز خاص بالترجمة وآخر خاص بالنسخ والنقل وجهاز بالحفظ والتوزيع.
كان المترجمون من جميع الأجناس الذين يعرفون العربية مع لغة بلادهم.
ثم يراجع عليهم علماء العرب لإصلاح الأخطاء اللغوية.
أما النقلة والنساخون فكانت مهمتهم إصدار نسخ جديدة من كل كتاب علمي عربي حديث أو قديم.
وكانت أضخم المكتبات هي الملحقة بالجامعات ففي بيت الحكمة في بغداد وفي دار الحكمة في القاهرة وفي جامعة القيروان وقرطبة كانت المخطوطات في كل منها بالألوف في كل علم وفرع من فروع العلم.
ويذكر المقريزي أن مكتبة القاهرة في عهد الخليفة العزيز بالله المتوفي في سنة 996 م قد أصدرت فهرسًا بأسماء الكتب التي تحويها فبلغ الفهرس وحده أربعة وأربعين كتابًا.
وكانت كلها.
ميسرة للاطلاع أو الاستعارة بدون رهن فكان يحق للقارىء أن يستعير كتبًا تبلغ قيمتها في حدود المائتي دينار بدون رهن، ففي ذلك الوقت كانت نسبة الأمية بين فتيان المسلمين تكاد تكون معدومة وكان تعلم القرآن كتابة وقراءة إلزاميًا.
(انظر: طب عربي.
إسلام) حضارة السلال: انظر: أناسازي.
موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م