نتائج البحث عن (غَلَّتُهَا)

1-العربية المعاصرة (خصب)

خصَبَ يَخصِب، خِصْبًا، فهو خاصِب وخصيب.

* خصَبتِ الأرضُ: كثر فيها العشبُ والكلأُ والخيرُ (وادٍ خصيب).

خصِبَ يَخصَب، خِصْبًا، فهو خَصِب وخَصيب.

* خصِبت الأرضُ: خَصَبَتْ، كثر فيها العشبُ والكلأُ والخيرُ (كثر المطر فزاد الخِصْبُ- إقليم خَصِب/خصيب).

أخصبَ يُخصب، إخصابًا، فهو مُخصِب، والمفعول مُخصَب (للمتعدِّي).

* أخصبتِ الأرضُ: خصَبت، كثر فيها العشبُ والكلأُ والخيرُ.

* أخصب القومُ: أمْرَعَتْ أرضُهُم وكثُر طعامُهم وشرابُهم (*) أخصب جنابُه: كثُر خيرُه.

* أخصبَ اللهُ المكانَ: أغناه، أكثر فيه العشبَ والكلأَ (الثقافة تخصب العقلَ).

خصَّبَ يُخصِّب، تخصيبًا، فهو مخصِّب، والمفعول مخصَّب.

* خصَّب الأرضَ: سمَّدها، زوّدها بما يرفع معدّل إنتاجها وقدرتَها على الإنبات (اشترى سمادًا لتخصيب حقله).

إخصاب [مفرد]:

1 - مصدر أخصبَ.

2 - إضافة الموادّ المخصِّبة إلى التُّربة لتصير خِصْبة (استعان بالسِّماد البلديّ في إخصاب التُّربة).

3 - كثرة النَّسل (هناك شعوب ذات إخصاب مرتفع).

4 - [في الأحياء] اندماج الخليّة المذكّرة في الخليّة المؤنّثة، أو إلقاح البويضة الأنثويّة بالحيوان المنويّ.

* الإخصاب التَّهجينيّ: [في الأحياء] إخصاب بأكثر من مشيج من أفراد مختلفين، وأحيانًا من أنواع مختلفة، إخصاب يقوم على توحيد أمشاج أفراد من أنواع أو أجناس مختلفة.

* الإخصاب الذَّاتيّ: [في الأحياء] تلقيح مباشر لبويضات الزَّهرة بلقاح الزهرة ذاتها.

تَخْصيب [مفرد]:

1 - مصدر خصَّبَ.

2 - [في الأحياء] تكوين خليَّة مُلقَّحة عن طريق اتّحاد الحيوان المنويّ والبُويضة.

خَصْب [مفرد]: نامٍ، كثير العشب (مكان خَصْب).

خَصِب [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خصِبَ (*) عام خصِب بالأحداث: ممتلئ زاخر.

خِصْب [مفرد]:

1 - مصدر خصَبَ وخصِبَ (*) خيال خِصْب: غنيّ واسع لا حدَّ له.

2 - رَغَدُ العيش (نالت العائلة من العيش خِصْبه).

3 - [في الزراعة] قدرة التربة على مساعدة النبات في نموه وتوفير الغذاء له بالنسب والمقادير المطلوبة.

* سِنّ الخِصْب: [في الطب] المدّة ما بين البلوغ، وسنّ القعود أو اليأس.

* مادّة خِصْبَة: [في الطبيعة والفيزياء] مادّة يمكن تحويلها إلى مادّة قابلة للانشطار.

خُصُوبة [مفرد]:

1 - شدَّة الخِصْب (تتميَّز هذه الأرض بالخصوبة ووفرة الإنتاج).

2 - قدرة على الإنجاب.

خَصِيب [مفرد]: جمعه خِصَاب:

1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من خصَبَ وخصِبَ.

2 - مبدع، لا حدَّ له (خيال خصيب).

* الهلال الخصيب: [في الجغرافيا] مصطلح أُطلق على المنطقة التي تشمل سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.

مُخصِب [مفرد]:

1 - اسم فاعل من أخصبَ.

2 - ما يُضاف إلى الأرض من أسمدة ونحوها لتكسبها الخِصْب (جنَّب أرضَه المُخصِبات الكيميائيَّة).

مُخصِّب [مفرد]: جمعه مخصِّبات:

1 - اسم فاعل من خصَّبَ.

2 - [في الكيمياء والصيدلة] مادّة طبيعيّة الأصل، أو صناعيّة، تُضاف إلى التُّربة لتزيد غلَّتها بما توفِّره من عناصر كيميائيّة لازمة للنَّبات، سَماد (يفضِّل استخدام المخصِّبات الطبيعيّة).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-العربية المعاصرة (قطع)

قطَعَ/قطَعَ ب يَقطَع، قَطْعًا، فهو قاطع، والمفعول مَقْطوع وقطيع.

* قطَع الورقَ: جزَّه، فرقه، فصل بعضَه عن بعض (قطَع الثَّوبَ/اللَّحْمَ/كوبونًا/خطَّ الهاتف- لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا [حديث] - {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [قرآن]: أُعدَّت) (*) قطَع الثِّمارَ: قطفها- قطَع رأسَه: أزاله عن جسده- قطَع عضوًا: بتره.

* قطَع الصَّلاةَ: أبطلها لكلامٍ وغيره (أخرج أو أحدث ريحًا فقطَع صلاتَه).

* قطَع الطَّريقَ:

1 - أخاف المارّة فيه بالتّلصّص، سلب ونهب العابرين والمسافرين (قطَع اللُّصوصُ الطُّرقَ ليلًا- {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} [قرآن]).

2 - منع المرورَ فيه (قطَعت الشُّرطةُ الطُّرقَ الموصّلة للحادث) (*) قطَع الطَّريقَ عليه: منعه من تنفيذ ما يريد تنفيذه- قطَع رزقَه/قطَع عيشَه: منع عنه أسباب العيش، طرده من الوظيفة- قطَع عليه حبلَ تفكيره: منعه من متابعة تفكيره، حال دون تسلسل أفكاره، شوّش عليه- قطَع عليه خطّ الرَّجعة: سدّ عليه المسالك، منعه من فرصة التَّراجع- قطَع عليه كُلَّ حيلة: لم يترك له أيّ مجال للتّصرّف.

3 - اجتازه، عبره (قطَع النَّهر/الكوبري/النَّفق/البحر- {وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا} [قرآن]) (*) قطَع شوطًا كبيرًا: أنجز/أحرز تقدّمًا كبيرًا.

* قطَع رَحِمَه: هجرها، عقّها، منع كُلَّ اتّصال بها (قطَع أصدقاءَه- قطَع علاقتَه بخطيبته- {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [قرآن]) - قطَع شعرةَ معاوية: قطَع صلتَه به.

* قطَع حديثَه: سكت- بثٌّ إذاعيّ مقطوع/بثٌّ تليفزيونيّ مقطوع: انقطاع غير مقصود في البثّ يختفي الصوتُ خلاله- قطَع فلانًا بالحُجَّة: غلبه وأسكته فلم يُجِبْ- قطَع لسانَه: أسكته.

* قطَع تذكرةً: اشتراها.

* قطَع النَّخلةَ ونحوَها: اجتنى ثمرَها.

* قطَع دابرَه: أهلكه، استأصله، أفناه {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [قرآن].

* قطَع عهدًا: أبرمه، تعهّد، التزم (قطَع الوزيرُ الجديدُ الوعودَ على نفسه- {مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [قرآن]) - قطعت جهيزةُ قولَ كلِّ خطيب [مثل]: ظهر الحقُّ.

* قطَع الأملَ/قطَع الرَّجاءَ: قنَط، يئِس.

* قطَع نَفَسَه: كفّ عن التّنفّس {ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ} [قرآن].

* قطَع برأيه في الخلاف: بتّ فيه، حسَم وفصَل- قطَع في القول: جزم، أخذ فيه بثقة.

قُطِعَ ب يُقطَع، قَطْعًا، والمفعول مقطوعٌ به.

* قُطِع بفلان: انقطع رجاؤه، أو انقطع به الطريقُ، أو حيل بينه وبين ما يأمله، يئس.

أقطعَ يُقطع، إقْطاعًا، فهو مُقْطِع، والمفعول مُقْطَع (للمتعدِّي).

* أقطع الشَّخصُ: انقطَعت حُجَّته فَسَكَت.

* أقطعت السَّماءُ: انقطع مَطَرُها.

* أقطعه الرَّئيسُ الأرضَ: منحهُ إيّاها وجعل له غلّتها.

* أقطع خصمَه بالحجَّة: غَلَبهُ وأسكته.

استقطعَ يستقطع، استقطاعًا، فهو مُستقطِع، والمفعول مُستقطَع.

* استقطعه أرضًا: طلب منه أن يُقطعَها إيّاه ويملِّكها له.

* استقطع من مرتَّبه مبلغًا: حطّه منه، خصمه منه (استقطع من أمواله جزءًا للفقراء- استقطع حصَّة من الأرباح- يُسْتقطع من مرتّبات الموظّفين مبلغٌ مقابل التّأمين الصّحّيّ).

اقتطعَ يقتطع، اقْتِطاعًا، فهو مُقتطِع، والمفعول مُقتطَع.

* اقتطع من الشَّيء قطعةً: قطعها، فصَلَها مِنْه (اقتطع الحَجَر من الجبل- اقتطع فقرة من مقال- اقتطع حجرة لاستعمالها مكتبًا- اقتطع لنفسه أرضًا) (*) المُقتطَعة الإعلانيّة: صفحة مأخوذة من كتاب أو من دوريَّة.

* اقتطع منَ المال جزءًا: أنقص، خصَّ نفْسَهُ بجُزءٍ مِنْه (اقتطع من أجر العامل).

انقطعَ/انقطعَ إلى/انقطعَ عن/انقطعَ ل ينقطع، انقطاعًا، فهو مُنْقَطِع، والمفعول مُنْقطَعٌ إليه.

* انقطع الحبْلُ: مُطاوع قطَعَ/قطَعَ ب: انْفَصل بعضُه عن بعضٍ (انْقطعت العلاقاتُ/الاتصالاتُ/المباحثاتُ).

* انقطع المَطرُ: احتبس ولم ينزل (*) انْقطع النَّهْرُ: جفَّ وحُبس.

* انقطعت الرِّجْلُ: خلا الطّريق من المارّة- انقطعت رِجْلُه عن بيتنا: كفّ عن المجيء إلينا.

* انقطع التيَّارُ الكهربائيّ: توقَّف (انْقطع الكلامُ/الحرّ) - انْقطع لسانُه: ذهبت سلاطتُه أو سكت- انْقطع نَفَسُهُ: أصابه الإرهاقُ.

* انقطع إلى الدَّرس/انقطع للدَّرس: انكبّ عليه، واظب عليه، تفرّغ له (انْقطع إلى الصلاة- انْقطع لكتابة القصّة) - انْقطع إلى أستاذه: انفرد بصحبة خاصّة معه، لاَزَمَهُ.

* انقطع عن العمل: تركه وأعرض عنه (انْقطع عن الدنيا- انْقطع عن الكلام/الدِّراسة).

تقاطعَ يتقاطع، تقاطُعًا، فهو مُتقاطِع.

* تقاطع القومُ: هجر بعضُهُمْ بَعْضًا، عكسه تواصل.

* تقاطعت الطُّرُقُ: تلاقت وتشابكت (كلمات متقاطعة- في الطريق لافتة تنبّه إلى تقاطع الطُّرق).

* تقاطع الخطَّان: [في الهندسة] قطع كُلٌّ منهما الآخر.

تقطَّعَ/تقطَّعَ ب يتقطَّع، تقطُّعًا، فهو مُتقطِّع، والمفعول مُتقطَّع (للمتعدِّي).

* تقطَّع الحَبْلُ: تمزَّق، تفرّقَتْ أجزاؤُه وتباعدت (تقطَّعت أوصالُه/أواصرُ الصَّداقة- نومٌ مُتقطِّع- {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [قرآن]).

* تقطَّع أمرُهم بينهم/تقطَّعوا أمرَهم بينهم: اختلفوا، تفرّقوا فيه ({وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [قرآن]: تفرَّقوا في دينهم فرقًا وأحزابًا).

* تقطَّعت بهم الأسْبابُ: ذهبت الصِّلاتُ التي كانت تربطهُمْ {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [قرآن] (*) تقطَّعت دونه الأعناقُ: وُجِدت صعوبات في الوصول إليه، صعب المنال.

قاطعَ يقاطع، مُقاطعةً، فهو مُقاطِع، والمفعول مُقاطَع.

* قاطع صديقَه: هجَرَه، ترَك زيارَته أو مُراسلته.

* قاطع الانتخاباتِ/قاطع المحادثاتِ: امْتنع عن المشاركة فيها.

* قاطع العدُوَّ الصُّهيونيَّ: حرَّم الاتّصالَ به اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا وفق نظام جماعيّ مرسوم (قاطع بضائعَه/الاجتماعَ- سعى لتفعيل دور المقاطعة للمنتجات اليهوديّة).

* قاطعه الحديثَ: أسْكَتَهُ قبل أن يُتِمّهُ (من آداب الاستماع ألاّ تقاطع حديثَ المتحدِّث).

* قاطع الخطُّ الخطَّ: امتدّ كلّ منهما إلى أن يقطع أحدُهما الآخر.

قطَّعَ يُقطِّع، تقْطيعًا، فهو مُقطِّع، والمفعول مُقَطَّع.

* قطَّع الورقَ: بالغ في قَطْعِه (قطَّعهم اللهُ أحزابًا: فرَّقهم- قطَّع الولدُ الأزهارَ- {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [قرآن] - {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ} [قرآن] - {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ} [قرآن]: أُعِدَّت) (*) قطَّعه إرْبًا إرْبًا: قطَّعه قِطعةً قِطعة.

* قطَّع اللَّحْمَ: قسّمه إلى قطع عديدة {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا} [قرآن].

* قطَّع بيتَ الشِّعْرِ: [في العروض] حلَّلَه إلى أجزائه العروضيّة.

* قطَّع الطَّريقَ: اجتازه، عبره ({قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ} [قرآن]: قُرّبت).

إقْطاع [مفرد]:

1 - مصدر أقطعَ.

2 - [في السياسة] نظام يتحكّم فيه المالك في الأرض ومَنْ فيها من النَّاس (هو من ذوي الإقْطاع- انقضى عَهْد الإقْطاع).

3 - [في الاقتصاد] نظام يمنح فيه السادة قطائع من الأرض لنوّابهم ولأولادهم.

إقْطاعِيّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى إقْطاع: (ظهر الإقْطاعيّون على السّاحة من جديد).

2 - مالِكٌ يملك الأرضَ ومَنْ فيها من الناس (يستغلّ الإقْطاعيّون جهودَ الفلاّحين المنتجين).

* حُكْمٌ إقْطاعِيّ: حكم قائم على نظام الإقْطاع.

إقْطاعِيَّة [مفرد]:

1 - مصدر صناعيّ من إقْطاع: فرض السيطرة على أكبر قدر من الأطيان والعقارات (قضت الثورة على الإقطاعيّة).

2 - نظام الإقْطاع.

3 - قطعة أرض أخذها غاصب أو تملّكها ذو نفوذ لاستغلالها (هو من أصحاب الإقطاعيَّات).

استقطاع [مفرد]: مصدر استقطعَ.

* الاستقطاعات: خصومات من مبالغ مستحقّة (استقطاعات ضريبيّة/التأمين والمعاشات).

اقتطاع [مفرد]:

1 - مصدر اقتطعَ.

2 - [في الطب] فصْل أجزاء قد يكون اتِّصالها مُضِرًّا.

انقطاع [مفرد]: مصدر انقطعَ/انقطعَ إلى/انقطعَ عن/انقطعَ ل (*) بلا انقطاع: على الدَّوام، دائمًا.

* انقطاع بول: [في الطب] خُلُوّ المثانة من البول، مردُّه إلى توقُّف الإفراز الكُلْويّ أو إلى عائق في المسلك المُبْرِز.

* انقطاع طَمْث: [في الطب] انحباس الحَيْض، عدم سيلانه، أيًّا كان السَّبب.

تقاطُع [مفرد]: جمعه تقاطعات (لغير المصدر):

1 - مصدر تقاطعَ.

2 - مُفترق طرق.

3 - [في الهندسة] اشتراك شكلين هندسيَّيْن في نقطة أو أكثر.

تقطيع [مفرد]: جمعه تقطيعات (لغير المصدر) وتقاطيع (لغير المصدر):

1 - مصدر قطَّعَ.

2 - وجَعٌ في البَطْن، مغص في الأمعاء.

* تَقْطيع البيت الشِّعريّ: [في العروض] تسجيل حركاته وسكناته، وتكون مجموعات متماثلة منها، ثم مقابلتها بوزنها الذي يدلّ عليها.

* تقاطيع الوجه: تقاسيمه، معالمه؛ ملامحه الدالّة على الحسن مجتمعة.

قاطع [مفرد]: جمعه قاطعون وقُطَّاع وقَوَاطِعُ (لغير العاقل)، والمؤنث قاطِعة، والجمع المؤنث قاطِعات وقَوَاطِعُ:

1 - اسم فاعل من قطَعَ/قطَعَ ب (*) رأى قاطع: مؤكَّد- قاطع الطَّريق: لصٌّ يترقب المارّة في الطريق ليأخذ ما معهم بالإكراه.

2 - فاصل ما بين الأجزاء أو حاجز.

3 - آلة القطع (*) سيف قاطع: ماضٍ.

4 - مقنع مفحم (دليل قاطع- حجّة قاطعة).

5 - نافذ (كلام قاطع).

6 - حامض (لبن قاطع).

* قاطع التذاكر: موظّف مكلّف بجمع أجرة نقل في سيارة أو رسم دخول قاعة أو غيرها (قاطع تذاكر الحافلة/السينما/المتحف).

* قاطع التيّار: جهاز تُقطعُ به الكهرباءُ.

* قاطِع النَّزْف:

1 - [في الطب] وصف للمادّة التي توقف سيلان الدَّم، إمّا بتجلُّطه أو بتضييق أوعيته.

2 - [في الطب] كُلاَّب أو ماسِك يمسك وعاء دمويًّا ينزف.

قاطِعة [مفرد]: جمعه قاطِعات وقَوَاطِعُ:

1 - مؤنَّث قاطع: (حجَّة قاطِعة).

2 - [في التشريح] إحدى الأسْنان الأماميّة في كُلّ من الفكّين، وهي أربع قواطع في كلّ فكّ، ثنيتان ورباعيتان.

3 - [في الطبيعة والفيزياء] أداة أوتوماتيكيّة لقطع الدائرة عند حدٍّ معيّن من التيّار.

قِطاع [مفرد]: جمعه قطاعات:

1 - ما قُطِعَ من الشَّيء (قِطاع من نسيج- {وَفِي الأَرْضِ قِطَاعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} [قرآن]: المراد القرى) (*) قِطاع عرضيّ.

2 - مجموعة شركات لها نشاط أساسيّ مشترك (قِطاع التجارة- القِطاع الصناعيّ/الاقتصاديّ/المصرفيّ) (*) قِطاع خاصّ: أعمال وخدمات ومشاريع يقوم بها الأفراد- قِطاع عامّ: أعمال وخدمات ومشاريع خاضعة للدولة.

3 - جزء من أرض، منطقة أو إقليم (قِطاع غَزّة).

4 - [في الهندسة] مساحة هندسيّة داخلة ضمن حدود قوس دائريّ والشعاعين اللذين يحدّان طرفي القوس (قِطاع دائريّ/كرويّ/عرضيّ/مخروطيّ).

قَطّاع [مفرد]:

1 - صيغة مبالغة من قطَعَ/قطَعَ ب.

2 - مَنْ مِهْنته القَطْع (قطّاع أشجار- قطّاع حجارة البناء) (*) قطّاع الطُّرق.

3 - ما يقطع (سيفٌ قطّاع: ماضٍ).

قَطَّاعة [مفرد]: اسم آلة من قطَعَ/قطَعَ ب.

* قَطَّاعة الوَرَق:

1 - أداة لفتح الرَّسائل أو الصَّحائف.

2 - أداة تُستعمل في التَّجليد لقطع أطراف الكتب.

قَطْع [مفرد]: جمعه قُطوع (لغير المصدر):

1 - مصدر قُطِعَ ب وقطَعَ/قطَعَ ب (*) بقَطْع النَّظر عن كذا: دون اعتبار، بصرف النّظر عنه- قَطْعًا: بصورة قطعيّة جازمة، بدون ريب، ألبتة، على الإطلاق، بالمرّة.

2 - حجم، مقاس (كتاب من قَطْع صغير).

* القَطْع: [في العروض] حذف آخر الوتد المجموع الواقع في عروض البيت، وقيل ضربه، وإسكان المُتحرِّك قبله.

* هَمْزة القَطْع: [في النحو والصرف] همزة تثبت خطًّا وتُنطق في أوّل الكلام ووسطه وآخره، وهي خلاف همزة الوصل ولها مواضع، وترسم على هيئة رأس عين (ء).

قِطْع [مفرد]: جمعه أقْطاع وقُطوع:

1 - غُصن يُقطع من الشّجرة ونحوِها.

2 - جزء، طائفة من اللَّيل أو ظلمة آخره {كَأَنَّمَا تَغْشَى وُجُوهَهُمْ قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمٌ} [قرآن] - {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [قرآن].

قِطْعة [مفرد]: جمعه قِطْعات وقِطَع:

1 - جزء من الشَّيءِ (قِطْعة من الأرض- قِطْعة غِيار- {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطَعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [قرآن] - {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} [قرآن]: المراد القُرى).

2 - نصيب، حِصَّة من الشَّيءِ (قِطْعة موسيقيّة) (*) العمل بالقِطْعة: عمل يُجازَى صاحبُه على أساس القِطَع المُنْجَزَة.

3 - فقرة قصيرة عادة من مقالٍ أو كتاب.

4 - ما زاد على اثنين إلى سِتّة من أبيات الشِّعر.

* القطعة المستقيمة: [في الهندسة] جزء من خطٍّ مُعرَّف بنقطة بداية ونقطة نهاية.

قَطْعيّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى قَطْع.

2 - لا شكَّ فيه، ما هو مؤكّد بالضرورة ولا يحتاج إلى تجربة (أمرٌ قَطْعيّ- أدلَّة قَطْعيَّة تُثْبِت براءتَهُ) (*) قَطْعيًّا: بدون شكّ- ممنوع الانتظار قطعيًّا: عبارة تنبيه على خطر الانتظار في مكان ما.

قَطْعيَّة [مفرد]:

1 - مصدر صناعيّ من قَطْع.

2 - [في الفلسفة والتصوُّف] اتّجاه يذهب إلى إثبات قيمة العقل وقدرته على المعرفة وإمكان الوصول إلى اليقين، يقابل مذهب الشكّ.

قَطيع [مفرد]: جمعه أقاطيعُ وقُطْعان:

1 - صفة ثابتة للمفعول من قطَعَ/قطَعَ ب: مقطوع (غُصن قَطيع).

2 - طائفة من الغنم والنَّعم وغيرها يقودها الرَّاعي، أو تجمع في مكان واحد أو تسير معًا (ترعى قَطيعًا من الأغنام- جمع شمل القَطيع).

قَطِيعة [مفرد]: جمعه قطائعُ (لغير المصدر):

1 - مصدر قطَعَ/قطَعَ ب (*) قطيعة رحم.

2 - ما يُقطع من الشّيء (قَطِيعة اللّحم).

3 - جزء من الأرض يملّكه الحاكمُ لمن يريد من أتباعه منحةً له (أقطع السّلاطين العثمانيون أتباعَهم قطائع من الأرض).

4 - هِجْرَانٌ وصدّ (ما زالت القَطِيعة قائمة بين الدولتين- وصل الأمرُ إلى حدّ القَطِيعة).

قواطِعُ [جمع]: مفرده قاطِعة:

1 - [في الحيوان] طيور مهاجرة، تعيش في فصل من الفصول بأحد الأقاليم، وتهجره إلى آخر في الفصل الثَّاني.

2 - [في التشريح] أسنان حادّة متوسِّطة ظاهرة في الفم، وهي أربعٌ في الفكّ الأعْلى، ويقابلها مثلها في الفكّ الأسفَلِ.

مُتقاطِع [مفرد]: اسم فاعل من تقاطعَ.

* الكلمات المُتقاطِعة: لُعبة أو رياضة ذهنيّة تعتمد على جمع حروف لتكوين كلمات.

* خطَّان مُتقاطِعان: خطَّان يقطع أحدهما الآخر (شارعان مُتقاطِعان).

مُتقطِّع [مفرد]:

1 - اسم فاعل من تقطَّعَ/تقطَّعَ ب.

2 - شيء غير مستمرّ لكنّه يحدث دوريًّا أو حينًا بعد حين.

مُستقطَع [مفرد]: جمعه مستقطَعات: اسم مفعول من استقطعَ.

* الوَقْت المُستقطَع: [في الرياضة والتربية البدنية] وقت يتوقّف فيه اللّعب ولا يُحتسب ضمن الوقت المُحدَّد، وذلك للتَّشاور.

مُقاطَعة [مفرد]:

1 - مصدر قاطعَ (*) مقاطعة اقتصاديّة.

2 - قِسْم إداريّ في التقسيمات الإقليميّة يتبع منطقة أو محافظة أو دائرة (مُقاطعة غَزَّة).

3 - محافظة أو ولاية.

* المُقاطَعة: [في الاقتصاد] الامتناع عن معاملة الآخرين اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا وفق نظام جماعيّ مرسوم.

مُقَطَّعات [جمع]: مفرده مُقَطَّعة.

* المُقَطَّعات من الشِّعر:

1 - النماذج المتخيّرة منه.

2 - القطع منه وتتكوَّن القطعة من ثلاثة أبيات إلى ستَّة.

مَقْطَع [مفرد]: جمعه مَقَاطِعُ:

1 - مصدر ميميّ من قطَعَ/قطَعَ ب: قَطْع.

2 - اسم مكان من قطَعَ/قطَعَ ب: (مَقْطَع الحَجَر).

3 - جزء الشَّيء (مَقْطَع شعريّ/غنائيّ).

4 - قِطاع، قِسم (مَقْطَع جانبيّ).

5 - [في العلوم اللغوية] وحدة صوتيّة تتألَّف منها الكلمة، وهو إمّا مفتوح وإمّا مُغلق، فالمفتوح يتركَّب من حرف مُحرَّك حركة قصيرة أو طويلة، فالفعل كَتَبَ مركَّب من ثلاثة مقاطع مفتوحة، والمُغْلق يكون من حرف متحرِّك وحرف ساكن مثل: بَلْ، وقَدْ (ثنائي المَقْطَع: يتكوّن من مَقْطَعين صوتيين) (*) مَقَاطِع الحرف: مخرجه من الحلق أو اللِّسان أو الشّفتين- مَقَاطِع الكلام: مواضع الوقوف.

* المَقْطَع الشِّعريّ: [في الآداب] مجموعة من أبيات الشِّعر تتميَّز بوحدة في الوزن والقافية، ومن مجموع المقاطع تتكوّن القصيدة.

مِقْطَع [مفرد]: جمعه مَقَاطِعُ: اسم آلة من قطَعَ/قطَعَ ب: أداة حادّة من الخشب أو المعدن أو العاج يُقطع بها (مِقْطَع الورق/السّيجار- مِقْطَع محراث).

مَقطعيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى مَقْطَع.

* أشعَّة مَقطعيَّة: أداة أو وسيلة للتَّشخيص الطِّبيّ الذي يعتمد على أجهزة الكمبيوتر، أو هي جهاز أشعّة يُستخدم في تشخيص الأمراض في جميع أجزاء الجسم من الرَّأس إلى القدم.

مقطوع [مفرد]:

1 - اسم مفعول من قُطِعَ ب وقطَعَ/قطَعَ ب (*) مقطوع به: موثوق به، لا شكّ فيه- مقطوع عن: غريب، منعزل عن- مقطوع من شجَرة: لا أهل له، وحيد.

2 - غير مستمرّ، يظهر في وقت ويختفي في آخر {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [قرآن].

مَقْطوعة [مفرد]: حصّة من شيءٍ (مَقْطُوعة شِعْريّة: جزء من قصيدة من بيتين فأكثر- مَقْطُوعة موسيقيّة- مُكافأة ماليّة مَقْطُوعة).

مُنْقَطِع [مفرد]:

1 - اسم فاعل من انقطعَ/انقطعَ إلى/انقطعَ عن/انقطعَ ل.

2 - لا شبيه له، لا مثيل له (فلان مُنْقَطِع النَّظير/القرين: عديم النَّظير- فلان مُنْقَطِع العقال في الشرِّ والخبث: لا زاجر له).

3 - معزول (فلان مُنْقَطِع عن العالم).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


3-المعجم الوسيط (اسْتَغَلَّ)

[اسْتَغَلَّ] الضَّيْعَةَ: أَخَذَ غَلَّتَها.

و- فلانًا: طَلَبَ منه الغَلَّةَ.

و- فلانًا: انتفع منه بغير حقٍّ؛ لجاهه أَو نفوذه.

(وهي كلمة محدثة).

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


4-المعجم الوسيط (العُصَارَةُ)

[العُصَارَةُ]: العُصار.

و يقال: اشتفَّ فلانٌ عُصَارةَ أَرْضي: أَخَذَ غَلَّتَها.

وهو كريم العُصَارَةِ: جوادٌ كريمٌ عِنْدَ المسأَلةِ.

و- نُفايَةُ ما عُصِرَ.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


5-المعجم الوسيط (الفُرَيْعَاءُ)

[الفُرَيْعَاءُ]: الأرضُ التي لا تَفي غَلَّتُها بما أُنْفِقَ عليها.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


6-المعجم الوسيط (المُخَصِّب)

[المُخَصِّب]: مادّةٌ طبيعيّةُ الأَصل، أَو صناعيّةٌ، تضاف إِلى التُّرْبة، لتزيد غَلَّتها بما توفّرُه من عناصِرَ كيميائيةٍ لازمةٍ للنَّبات.

(مما أقره مجمع اللغة العربية بالقاهرة).

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


7-معجم متن اللغة (ضيعة عجزية)

ضيعة عجزية: لا تفي غلتها بخراجها "ل: ق ت و".

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


8-معجم متن اللغة (عصارة الأرض)

عصارة الأرض: غلتها.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


9-معجم متن اللغة (اغتلت الغنم)

اغتلت الغنم: اشتد عطشها.

و- الرجل.

اضطرمت حرارة حبه أو حزنه في قلبه.

و- الشراب: شربه، وهو مغتل أي مشتاق إليه.

و- الثوب: لبسه تحت الثياب.

و- بالغالية: تلطخ متطيبا بها.

و- الأرض: أخذ غلتها.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


10-القاموس المحيط (نشح)

نَشَحَ، كمنع،

نَشْحا ونُشوحًا: شَرِبَ دُونَ الرِّيِّ، أو حتى امْتَلأَ، ضِدٌّ،

وـ الخَيْلَ: سَقاها ما يَفْثَأُ غُلَّتَها.

والنَّشوحُ، كصَبورٍ: الماءُ القليلُ.

والنُّشُحُ، بضمَّتينِ: السُّكارى.

وسِقاءٌ نَشَّاحٌ: مُمْتَلئٌ نَضَّاحٌ.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


11-القاموس المحيط (الغل)

الغُلُّ والغُلَّةُ، بضمهما،

والغَلَلُ، محرَّكةً، وكأَميرٍ: العَطَشُ، أو شِدَّتُه، أو حَرارةُ الجَوْفِ، وقد غُلَّ، بالضم، فهو غَليلٌ ومَغْلولٌ ومُغْتَلٌّ. وبعيرٌ غالٌّ وغَلاَّنُ، وقد غَلَّ يَغَلُّ، بفتحهما، واغْتَلَّ.

والغَليلُ: الحِقْدُ،

كالغِلِّ، بالكسر، والضِّغْنُ، وقد غَلَّ صَدْرُه يَغِلُّ، والنَّوَى يُخْلَطُ بالقَتِّ للناقةِ، وحَرارةُ الحُبِّ والحُزْن.

وأغَلَّ: خانَ،

وـ إبِلَهُ: أساءَ سَقْيَها فلم تَرْوَ، وقد غَلَّتْ هي.

وـ في الجلْد: أخَذَ بعضَ اللَّحْمِ والشَّحْمِ في السَّلْخِ.

وـ فلانٌ: اغْتَلَّتْ غَنَمُه،

وـ الوادي: أنْبَتَ الغُلاَّنَ،

وـ القومُ: بَلَغَتْ غَلَّتُهم،

وـ البَصَرُ: شَدَّدَ النَّظَرَ،

وـ الضِّياعُ: أعْطَتِ الغَلَّةَ،

وـ فلانًا: نَسَبَه إلى الغُلولِ والخِيانةِ.

وغَلَّ غُلولًا: خانَ،

كأَغَلَّ، أو خاصٌّ بالفَيْءِ،

وـ في الشيءِ غَلاًّ: أُدْخِلَ،

كغَلْغَلَ، ودَخَلَ،

كانْغَلَّ وتَغَلَّلَ وتَغَلْغَلَ،

وـ الغِلالَةَ: لَبِسها، وهي بالكسر شِعارٌ تحتَ الثوبِ،

كالغُلَّةِ، بالضم،

وـ الدُّهْنَ في رأسِه: أدْخَلَهُ في أُصولِ شَعَرِه،

وـ بَصَرُه: حادَ عن الصواب،

وـ الماءُ بين الأَشْجارِ: جَرَى،

وـ المرأةَ: حَشاها،

وـ فلانًا: وضَعَ في عُنُقِه أو يده الغُلَّ وهو م، ج: أغلالٌ.

والغَلّةُ: الدَّخْلُ من كِراءِ دارٍ، وأجْرِ غُلامٍ، وفائدةِ أرضٍ.

وأغَلَّتِ الضَّيْعَةَ: أعْطَتْها.

والغَلْغَلَةُ: السُّرْعَةُ، وبِلا لامٍ: شِعابٌ تَسيلُ من جَبلِ الرَّيَّانِ.

وتَغَلْغَلَ: أسْرَعَ.

ورِسالَةٌ مُغَلْغَلَةٌ: مَحْمولَةٌ من بَلَدٍ إلى بَلَدٍ.

والغُلاَّنُ، بالضم: مَنابِتُ الطَّلْحِ، أو أوْدِيَةٌ غامِضَةٌ في الأرضِ، الواحدُ: غالٌّ،

وغليلٌ.

ونباتٌ م، الواحدُ: غالٌّ أيضًا.

وتَغَلَّلَ بالغالِيَةِ،

وتَغَلْغَلَ،

واغْتَلَّ: تَطَيَّبَ، وغَلَّلَهُ بها تَغْليلًا.

والغلائلُ: الدُّروعُ، أو مَساميرُها الجامعةُ بين رُؤوسِ الحَلَقِ، أو بطائِنُ تُلْبَسُ تَحْتَها،

الواحِدُ غَليلةٌ.

وغَلْغَلةُ: ع.

ومالَهُ أُلَّ وغُلَّ، بضمهما: دعاءٌ عليه.

واغْتَلَلْتُ الشَّرابَ: شَرِبْتُه،

وـ الثوبَ: لبِسْتُه تحتَ الثيابِ،

وـ الغَنَمُ: أخَذَته الغَلَلُ والغُلالَةُ، وهُما داءٌ للغَنَمِ.

والغِلالَةُ، ككتابَةٍ: العُظَّامةُ، والمِسْمارُ الذي يَجْمَعُ بين رأسَيِ الحَلْقةِ. وكهُدْهُدٍ: جَبَلٌ بنَواحي البَحْرَيْنِ.

وغُلائِلُ، بالضم: من بلادِ خُزاعةَ.

وأنا مُغْتَلٌّ إليه: مُشْتاقٌ.

واسْتَغَلَّ عبدَه: كلَّفَه أن

يُغِلَّ عليه.

وـ المُسْتَغِلاَّتِ: أخَذَ غَلَّتَها.

ونِعْمَ غَلولُ الشيخِ هذا، كصَبورٍ، أي: الطعامُ الذي يُدْخِلُه جَوْفَه.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


12-معجم البلدان (الأربس)

الأُرْبُسُ:

بالضم ثم السكون والباء الموحدة مضمومة وسين مهملة: مدينة وكورة بافريقية، وكورتها واسعة، واكثر غلّتها الزعفران، وبها معدن حديد، وبينها وبين القيروان ثلاثة أيام من جهة المغرب، قال أبو عبيد البكري: الأربس مدينة مسوّرة، لها ربض كبير، ويعرف ببلد العنبر، وإليها سار إبراهيم بن الأغلب، حين خرج من القيروان في سنة 196، وزحف إليها أبو عبد الله الشيعي ونازلها، وبها جمهور أجناد إفريقية، مع إبراهيم بن الأغلب، ففرّ عنها في جماعة من القوّاد والجند إلى طرابلس، ودخلها الشيعيّ عنوة، ولجأ أهلها ومن بقي فيها من فلّ الجند إلى جامعها، فركب بعض الناس بعضا، فقتلهم الشيعيّ أجمعين، حتى كانت الدماء تسيح من أبواب الجامع، كسيلان الماء بوابل الغيث، وكان في المسجد ألوف، وكان ذلك من أول العصر إلى آخر الليل، وإلى هذا الوقت، كانت ولاية بني الأغلب لأفريقية، ثم انقرضت، وينسب إليها أبو طاهر الأربسي الشاعر من أهل مصر، وهو القائل لابن فياض سليمان:

«وقانا الله شرّة لحية لي *** ست تساوي، في نفاق الشّعر، بعره»

ويعلى بن إبراهيم الأربسي شاعر مجوّد، ذكره ابن رشيق في الأنموذج، وذكر ان وفاته كانت بمصر في سنة 418، وقد أربى على الستين.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


13-معجم البلدان (أسفاقس)

أَسْفَاقُس:

بالفتح ثم السكون، والفاء، وألف، وقاف مضمومة، وسين مهملة: اسم مدينة من نواحي إفريقية، إذا خرجت من قابس تريد الغرب جئتها ومنها الى المهدية، والغالب على غلّتها الزيتون، وهي منيعة ذات سور من حجر، بينها وبين المهدية مرحلتان.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


14-معجم البلدان (بلخ)

بَلْخُ:

مدينة مشهورة بخراسان، في كتاب الملحمة المنسوب إلى بطليموس: بلخ طولها مائة وخمس عشرة درجة، وعرضها سبع وثلاثون درجة، وهي في الإقليم الخامس، طالعها إحدى وعشرون درجة من العقرب تحت ثلاث عشرة درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل عاقبتها مثلها من السرطان، وقد ذكرنا فيما أجملناه من ذكر الإقليم أنها في الرابع، وقال أبو عون:

بلخ في الإقليم الخامس، طولها ثمان وثمانون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وعرضها ثمان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة، وبلخ من أجلّ مدن خراسان وأذكرها وأكثرها خيرا وأوسعها غلّة، تحمل غلّتها إلى جميع خراسان وإلى خوارزم، وقيل:

إن أول من بناها لهراسف الملك لما خرّب صاحبه بخت نصّر بيت المقدس، وقيل: بل الإسكندر بناها، وكانت تسمى الإسكندرية قديما، بينها وبين

ترمذ اثنا عشر فرسخا، ويقال لجيحون: نهر بلخ، بينهما نحو عشرة فراسخ، فافتتحها الأحنف بن قيس من قبل عبد الله بن عامر بن كريز في أيام عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قال عبيد الله بن عبد الله الحافظ:

«أقول، وقد فارقت بغداد مكرها: *** سلام على أهل القطيعة والكرخ»

«هواي ورائي والمسير خلافه، *** فقلبي إلى كرخ ووجهي إلى بلخ»

وينسب إليها خلق كثير، منهم: محمد بن علي بن طرخان بن عبد الله بن جيّاش أبو بكر، ويقال:

أبو عبد الله البلخي ثم البيكندي، سمع بدمشق وغيرها محمد بن عبد الجليل الخشني ومحمد بن الفضل وقتيبة بن سعيد ومحمد بن سليمان لوينا وهشام بن عمّار وزياد بن أيوب والحسن بن محمد الزعفراني، روى عنه أبو علي الحسن بن نصر بن منصور الطوسي وأبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الفارسي وابنه أبو بكر عبد الله بن محمد بن علي وأبو حرب محمد بن أحمد الحافظ، وكان حافظا للحديث حسن التصنيف، رحل إلى الشام ومصر وأكثر الكتابة بالكوفة والبصرة وبغداد، وتوفي في رجب سنة 278، والحسن بن شجاع بن رجاء أبو علي البلخي الحافظ، رحل في طلب العلم إلى الشام والعراق ومصر وحدث عن أبي مسهر ويحيى بن صالح الوحاظي وأبي صالح كاتب الليث وسعيد بن أبي مريم وعبيد الله ابن موسى، روى عنه البخاري وأبو زرعة الرازي ومحمد بن زكرياء البلخي وأحمد بن علي بن مسلم الأبّار.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: يا أبت ما الحفّاظ؟ قال: يا بنيّ شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا، قلت: ومن هم يا أبت؟ قال: محمد بن إسماعيل ذاك البخاري وعبيد الله بن عبد الكريم ذاك الرازي وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي والحسن بن شجاع ذاك البلخي، فقلت: يا أبت من أحفظ هؤلاء؟ قال: أما أبو زرعة الرازي فأسردهم وأما محمد بن إسماعيل فأعرفهم وأما عبد الله بن عبد الرحمن فأتقنهم وأما الحسن ابن شجاع فأجمعهم للأبواب، وقال أبو عمرو البيكندي: حكيت هذا لمحمد بن عقيل البلخي فأطرى ذكر الحسن بن شجاع فقلت له: لم لم يشتهر كما اشتهر هؤلاء الثلاثة؟ فقال: لأنه لم يمتّع بالعمر، ومات الحسن بن شجاع للنصف من شوّال سنة 244، وهو ابن تسع وأربعين سنة.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


15-معجم البلدان (رحا البطريق)

رَحا البِطْريق:

ببغداد على الصّراة، حدث أبو زكرياء، ولا أعرفه، قال: دخلت على أبي العبّاس الفضل بن الربيع يوما فوجدت يعقوب بن المهدي عن يمينه ومنصور بن المهدي عن يساره ويعقوب بن الربيع عن يمين يعقوب بن المهدي وقاسما أخاه عن يسار منصور بن المهدي، فسلّمت فأومأ بيده إليّ بالانصراف، وكان من عادته إذا أراد أن يتغدّى معه أحد من جلسائه أو أهل بيته أمر غلاما له يكنى أبا حيلة أن يردّه إلى مجلس في داره حتى يحضر غداؤه ويدعو به، قال: فخرجت فردّني أبو حيلة فدخلت فإذا عيسى بن موسى كاتبه قاعد فجلسنا حتى حضر الغداء فأحضرني وأحضر كتّابه وكانوا أربعة: عيسى ابن موسى بن أبيروز وعبد الله بن أبي نعيم الكلبي وداود بن بسطام ومحمد بن المختار، فلمّا أكلنا جاءوا بأطباق الفاكهة فقدّموا إلينا طبقا فيه رطب فأخذ الفضل منه رطبة فناولها ليعقوب بن المهدي وقال له:

إن هذا من بستان أبي الذي وهبه له المنصور، فقال له يعقوب: رحم الله أباك فإنّي ذكرته أمس وقد اجتزت على الصراة برحا البطريق فإذا أحسن موضع فإذا الدور من تحتها والسوق من فوقها وماء غزير حادّ الجرية، فقال له: فمن البطريق الذي نسبت هذه الرحا إليه، أمن موالينا هو أم من أهل دولتنا أم من الغرب؟ فقال له الفضل: أنا أحدّثك حديثه:

لما أفضت الخلافة إلى أبيك المهدي، رضي الله عنه، قدم عليه بطريق كان قد أنفذه ملك الروم مهنّئا له فأوصلناه إليه وقرّبناه منه فقال المهدي للربيع:

قل له يتكلّم، فقال الربيع للترجمان ذلك، فقال البطريق: هو بريّ من دينه وإلّا فهو حنيف مسلم إن كان قدم لدينار أو لدرهم ولا لغرض من أغراض الدنيا ولا كان قدومه إلّا شوقا إلى وجه الخليفة، وذلك أنّا نجد في كتبنا أن الثالث من آل بيت النبي، صلّى الله عليه وسلّم، يملأها عدلا كما ملئت جورا فجئنا اشتياقا إليه، فقال الربيع للترجمان:

تقول له قد سرّني ما قلت ووقع مني بحيث أحببت

ولك الكرامة ما أقمت والحباء إذا شخصت وبلادنا هذه بلاد ريف وطيب فأقم بها ما طابت لك ثمّ بعد ذلك فالإذن إليك، وأمر الربيع بإنزاله وإكرامه، فأقام أشهرا ثمّ خرج يوما يتنزّه ببراثا وما يليها، فلمّا انصرف اجتاز إلى الصراة فلمّا نظر إلى مكان الأرحاء وقف ساعة

قد أبطأت فإن كانت لك حاجة فأعلمنا إيّاها، فقال: شيء فكّرت فيه، فانصرف، فلمّا كان العشي راح إلى الربيع وقال له: أقرضني خمسمائة ألف درهم، قال: وما تصنع بها؟ قال: أبني لأمير المؤمنين مستغلّا يؤدّي في السنة خمسمائة ألف درهم، فقال له الربيع: وحقّ الماضي، رحمه الله، وحياة الباقي، أطال الله بقاءه، لو سألتني أن أهبها لغلامك ما خرجت إلّا ومعه، ولكن هذا أمر لا بدّ من إعلام الخليفة إيّاه وقد علمت أن ذاك كذلك.

ثمّ دخل الربيع على المهدي وأعلمه فقال: ادفع إليه خمسمائة ألف وخمسمائة ألف وجميع ما يريد بغير مؤامرة، قال: فدفع ذلك الربيع إليه فبنى الأرحاء المعروفة بأرحاء البطريق، فأمر المهدي أن تدفع غلّتها إليه، وكانت تحمل إليه إلى سنة 163، فإنّه مات فأمر المهدي أن تضمّ إلى مستغلّه، وقال: كان اسم البطريق طارات بن الليث بن العيزار بن طريف بن القوق بن مروق، ومروق كان الملك في أيّام معاوية، وقال كاتب من أهل البندنيجين يذم مصر بأبيات ذكرت في مصر وبعدها:

«يا طول شوقي واتّصال صبابتي، *** ودوام لوعة زفرتي وشهيقي»

«ذكر العراق فلم تزل أجفانه *** تهمي عليه بمائها المدفوق»

«ونعيم دهر أغفلت أيّامنا *** بالكرخ في قصف وفي تفنيق»

«وبنهر عيسى أو بشاطئ دجلة *** أو بالصّراة إلى رحا البطريق»

«سقيا لتلك مغانيا ومعارفا *** عمرت بغير البخل والتضييق»

«ما كان أغناه وأبعد داره *** عن أرض مصر ونيلها الممحوق»

«لا تبعدنّ صريم عزمك بالمنى، *** ما أنت بالتقييد بالمخفوق»

«فز بالرّجوع إلى العراق وخلّها، *** يمضي فريق بعد جمع فريق»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


16-موسوعة الفقه الكويتية (إحياء الموات 1)

إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ -1

1- الْإِحْيَاءُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ حَيًّا، وَالْمَوَاتُ: الْأَرْضُ الَّتِي خَلَتْ مِنَ الْعِمَارَةِ وَالسُّكَّانِ.وَهِيَ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ.وَقِيلَ: الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ.

وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ شَارِحُ الْهِدَايَةِ: التَّسَبُّبُ لِلْحَيَاةِ النَّامِيَةِ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ كَرْبٍ (حِرَاثَةٍ) أَوْ سَقْيٍ.وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَقَبٌ لِتَعْمِيرِ دَاثِرِ الْأَرْضِ بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْصِرَافِ الْمُعَمِّرِ عَنِ انْتِفَاعِهِ بِهَا.وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ عِمَارَةُ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ.وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ عِمَارَةٌ مَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

2- مِنَ الْأَلْفَاظِ ذَاتِ الصِّلَةِ: التَّحْجِيرُ أَوِ الِاحْتِجَارُ، وَالْحَوْزُ، وَالِارْتِفَاقُ، وَالِاخْتِصَاصُ، وَالْإِقْطَاعُ، وَالْحِمَى.

أ- التَّحْجِيرُ:

3- التَّحْجِيرُ أَوِ الِاحْتِجَارُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا: مَنْعُ الْغَيْرِ مِنَ الْإِحْيَاءِ بِوَضْعِ عَلَامَةٍ، كَحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ لَا التَّمْلِيكَ.

ب- الْحَوْزُ وَالْحِيَازَةُ:

4- الْحَوْزُ وَالْحِيَازَةُ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ.وَكُلُّ مَنْ ضَمَّ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَقَدْ حَازَهُ.وَالْمُرَادُ مِنَ الْحِيَازَةِ اصْطِلَاحًا وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ الْمَحُوزِ.وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: «حِيَازَةٌ»

ج- الِارْتِفَاقُ:

5- الِارْتِفَاقُ بِالشَّيْءِ لُغَةً الِانْتِفَاعُ بِهِ.وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَا يَخْرُجُ- فِي الْجُمْلَةِ- عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، عَلَى خِلَافٍ فِيمَا يُرْتَفَقُ بِهِ.وَمَوْضِعُهُ مُصْطَلَحِ: (ارْتِفَاقٌ).

د- الِاخْتِصَاصُ:

6- الِاخْتِصَاصُ بِالشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ: كَوْنُهُ لِشَخْصٍ دُونَ غَيْرِهِ.وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ.

وَالِاخْتِصَاصُ أَحَدُ الطُّرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ.

هـ- الْإِقْطَاعُ:

7- الْإِقْطَاعُ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ: جَعْلُ الْإِمَامِ غَلَّةَ أَرْضٍ رِزْقًا لِلْجُنْدِ أَوْ غَيْرِهِمْ.وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعَ الْمَوَاتِ لِمَنْ يُحْيِيهِ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ.وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الِاخْتِصَاصِ.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْطَاعٌ).

صِفَةُ الْإِحْيَاءِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ):

8- حُكْمُهُ الْجَوَازُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ».عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ».وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْأَقْوَاتِ وَالْخِصْبِ لِلْأَحْيَاءِ.

أَثَرُ الْإِحْيَاءِ (حُكْمُهُ الْوَضْعِيُّ):

9- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُحْيِيَ يَمْلِكُ مَا أَحْيَاهُ إِذَا تَوَافَرَتِ الشُّرُوطُ، وَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، كَالْفَقِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ أَحْمَدَ الْبَلْخِيِّ، إِذْ قَالُوا: إِنَّهُ يَثْبُتُ مِلْكُ الِاسْتِغْلَالِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ، قِيَاسًا عَلَى السَّبْقِ لِلِانْتِفَاعِ بِالْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، كَالْمَجَالِسِ، وَخِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَمْلِكُ الْإِحْيَاءَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ.

أَقْسَامُ الْمَوَاتِ:

10- الْمَوَاتُ قِسْمَانِ: أَصْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُعَمَّرْ قَطُّ، وَطَارِئٌ: وَهُوَ مَا خَرِبَ بَعْدَ عِمَارَتِهِ.

الْأَرَاضِي الَّتِي كَانَتْ جَزَائِرَ وَأَنْهَارًا:

11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَنْهَارَ وَالْجَزَائِرَ وَنَحْوَهُمَا إِذَا انْحَسَرَ عَنْهَا الْمَاءُ فَصَارَتْ أَرْضًا يَابِسَةً تَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ وَقْفًا أَوْ مَسْجِدًا عَادَتْ إِلَى الْمَالِكِ أَوِ الْوَقْفِ أَوِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا، لَكِنْ قَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَالِكُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا بِالْإِحْيَاءِ جَازَ لِلْغَيْرِ إِحْيَاؤُهَا.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّهْرَ إِذَا كَانَ بَعِيدًا، بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ الْمَاءُ، تَكُونُ أَرْضُهُ مَوَاتًا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا.وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا كَانَ النَّهْرُ قَرِيبًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ اسْمٌ لِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ، وَلَا حَقًّا خَاصًّا لَهُ، لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ، فَكَانَ مَوَاتًا، بَعِيدًا عَنِ الْبَلَدِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا.وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ- رحمه الله- (- وَهُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ- لَا يَكُونُ مَوَاتًا إِذَا كَانَ قَرِيبًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنَ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ ارْتِفَاقُ أَهْلِهَا عَنْهُ، فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ.وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الِانْتِفَاعِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ إِحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَيَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْعَامِرِ.

12- وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ.وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ عَلَى طَرَفِ عُمْرَانِ الْقَرْيَةِ، فَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ، فَأَيُّ مَوْضِعٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ صَوْتُهُ يَكُونُ مِنْ فِنَاءِ الْعُمْرَانِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَعْيِ الْمَوَاشِي أَوْ غَيْرِهِ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ مِنَ الْمَوَاتِ.

وَرَأَى سَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ مِثْلَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِجَوَازِ عَوْدِ الْمِيَاهِ، لِأَنَّ الْأَنْهَارَ الَّتِي لَمْ يُنْشِئْهَا النَّاسُ لَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ، وَإِنَّمَا هِيَ طَرِيقٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَسْتَحِقُّهَا مَنْ كَانَ يَلِي النَّهْرَ مِنْ جِهَتَيْهِ.وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ أَنَّ بَاطِنَ النَّهْرِ إِذَا يَبِسَ يَكُونُ مِلْكًا لِصَاحِبَيِ الْأَرْضِ الَّتِي بِجَنْبِ النَّهْرِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُجَاوِرُ أَرْضَهُ مُنَاصَفَةً.وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إِذَا مَالَ النَّهْرُ عَنْ مَجْرَاهُ إِلَى الْأَرْضِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ.

وَيُسْتَخْلَصُ مِنْ نُصُوصِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ النَّهْرِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْأَنْهَارِ وَالْجَزَائِرِ لَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ بِرَغْمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا مِنْ قَبْلُ.وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِعْطَاؤُهُ لِأَحَدٍ.قَالُوا: «وَلَوْ رَكِبَ الْأَرْضَ مَاءٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ طِينٌ فَهِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ.فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَالِكٌ لِلْأَرْضِ وَانْحَسَرَ مَاءُ النَّهْرِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِقْطَاعُهُ- أَيْ إِعْطَاؤُهُ- لِأَحَدٍ، كَالنَّهْرِ وَحَرِيمِهِ.وَلَوْ زَرَعَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ لِصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.نَعَمْ لِلْإِمَامِ دَفْعُهُ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ.وَمِثْلُهُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ فِي الْبَحْرِ.وَيَجُوزُ زَرْعُهُ وَنَحْوُهُ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إِحْيَاءَهُ.وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَلَا الْغِرَاسُ وَلَا مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ.وَكُلُّ هَذَا إِذَا رُجِيَ عَوْدُ مَالِكِ الْأَرْضِ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهَا رَقَبَةً أَوْ مَنْفَعَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تَصَرُّفِهِ جَوْرٌ، لَكِنَّ الْمُقْطَعَ يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُدَّةَ الْإِقْطَاعِ خَاصَّةً».

13- وَفِي الْمُغْنِي: وَمَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ.قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ إِلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا، لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ.يَعْنِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ.فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلأَِ وَالْحَطَبِ فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ.وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا حِمَى فِي الْأَرَاكِ».وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ.يَعْنِي أَبَاحَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ مِنَ النَّبَاتِ.وَقَالَ: «إِذَا نَضَبَ الْفُرَاتُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ نَبَتَ عَنْ نَبَاتٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا إِنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى مِلْكِ إِنْسَانٍ ثُمَّ عَادَ فَنَضَبَ عَنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ، فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ.وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ فَعَمَرَهُ رَجُلٌ عِمَارَةً لَا تَرُدُّ الْمَاءَ، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَجِّرٌ لِمَا لَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ حَقٌّ، فَأَشْبَهَ التَّحَجُّرَ فِي الْمَوَاتِ».

إِذْنُ الْإِمَامِ فِي الْإِحْيَاءِ:

14- فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ مُخْتَلِفُونَ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ هَلْ هِيَ مُبَاحَةٌ فَيَمْلِكُ كُلُّ مَنْ يَحِقُّ لَهُ الْإِحْيَاءُ أَنْ يُحْيِيَهَا بِلَا إِذْنٍ مِنَ الْإِمَامِ، أَمْ هِيَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَحْتَاجُ إِحْيَاؤُهَا إِلَى إِذْنٍ؟

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إِذْنُ الْإِمَامِ، فَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا بِلَا إِذْنٍ مِنَ الْإِمَامِ مَلَكَهَا. وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَشْتَرِطُ إِذْنَ الْإِمَامِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْأَرْضُ الْمَوَاتُ قَرِيبَةً مِنَ الْعُمْرَانِ أَمْ بَعِيدَةً.وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ إِذْنَ الْإِمَامِ فِي الْقَرِيبِ قَوْلًا وَاحِدًا.وَلَهُمْ فِي الْبَعِيدِ طَرِيقَانِ: طَرِيقُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِلْإِذْنِ.وَالْمَفْهُومُ مِنْ نُصُوصِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ وَمَا لَا يَحْتَاجُونَهُ، فَمَا احْتَاجُوهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْإِذْنِ، وَمَا لَا فَلَا.

احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَهِيَ لَهُ»؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ عَيْنٌ مُبَاحَةٌ فَلَا يَفْتَقِرُ مِلْكُهَا إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ كَأَخْذِ الْحَشِيشِ، وَالْحَطَبِ.

وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلاَّ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ»،، وَبِأَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِي كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتْ فَيْئًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَيْءِ أَحَدٌ دُونَ رَأْيِ الْإِمَامِ، كَالْغَنَائِمِ؛ وَلِأَنَّ إِذْنَ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الْمُشَاحَّةَ.وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي حُكْمِ اسْتِئْذَانِ الْإِمَامِ فِي تَرْكِهِ مِنَ الْمُحْيِي الْمُسْلِمِ جَهْلًا.أَمَّا إِنْ تَرَكَهُ مُتَعَمِّدًا تَهَاوُنًا بِالْإِمَامِ، كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْأَرْضَ مِنْهُ زَجْرًا لَهُ.وَكُلُّ هَذَا فِي الْمُحْيِي الْمُسْلِمِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.

15- أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِحْيَاءِ الذِّمِّيِّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي الْإِحْيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِإِذْنِ الْإِمَامِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِيهِ إِلاَّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْإِذْنِ.وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ فِي إِحْيَاءِ الذِّمِّيِّ إِذْنَ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي شَرْحِ الدُّرِّ.وَمَنَعُوا الْإِحْيَاءَ لِلْمُسْتَأْمَنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.وَلَمْ يُجَوِّزِ الشَّافِعِيَّةُ إِحْيَاءَ الذِّمِّيِّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا.

مَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ:

16- أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ حَقًّا خَاصًّا لَهُ أَوْ مَا كَانَ دَاخِلَ الْبَلَدِ لَا يَكُونُ مَوَاتًا أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهُ.وَمِثْلُهُ مَا كَانَ خَارِجَ الْبَلَدِ مِنْ مَرَافِقِهَا مُحْتَطَبًا لِأَهْلِهَا أَوْ مَرْعًى لِمَوَاشِيهِمْ، حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْإِمَامُ إِقْطَاعَهَا.وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ مَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ أَوْ يَضُرُّ بِمَاءِ بِئْرٍ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِحْيَاءٌ فِي عَرَفَةَ وَلَا الْمُزْدَلِفَةِ وَلَا مِنًى، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى بِالْمُسْلِمِينَ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَاسْتِوَاءِ النَّاسِ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْمَحَالِّ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَيَنْبَغِي إِلْحَاقُ الْمُحَصَّبِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَجِيجِ الْمَبِيتُ بِهِ.وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَيْسَ الْمُحَصَّبُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ.فَمَنْ أَحْيَا شَيْئًا مِنْهُ مَلَكَهُ.

17- وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ الْمُحَجَّرَةَ لَا يَجُوزُ إِحْيَاؤُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ حَجَّرَهَا أَوْلَى بِالِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.

فَإِنْ أَهْمَلَهَا فَلِفُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ تَفْصِيلَاتٌ: فَالْحَنَفِيَّةُ وَضَعُوا مُدَّةً قُصْوَى لِلِاخْتِصَاصِ الْحَاصِلِ بِالتَّحْجِيرِ هِيَ ثَلَاثُ سَنَوَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِإِحْيَائِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ وَدَفَعَهَا إِلَى غَيْرِهِ.وَالتَّقْدِيرُ بِذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَهْمَلَ الْأَرْضَ الَّتِي حَجَّرَهَا بِأَنْ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا، مَعَ قُوَّتِهِ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ إِلَى ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، عَمَلًا بِالْأَثَرِ السَّابِقِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا التَّحَجُّرَ إِحْيَاءً إِلاَّ إِذَا جَرَى الْعُرْفُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَلِكَ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ بِلَا عَمَلٍ لَا يُفِيدُ، وَأَنَّ الْحَقَّ لِمَنْ أَحْيَا تِلْكَ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ أَقْوَى مِنَ التَّحْجِيرِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَهْمَلَ الْمُتَحَجِّرُ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ مُدَّةً غَيْرَ طَوِيلَةٍ عُرْفًا، وَجَاءَ مَنْ يُحْيِيهَا، فَإِنَّ الْحَقَّ لِلْمُتَحَجِّرِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ»- وَقَوْلُهُ: «فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» أَنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ إِذَا كَانَ فِيهَا حَقٌّ.وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ- يَعْنِي مَنْ تَحَجَّرَ أَرْضًا- فَعَطَّلَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ، فَجَاءَ قَوْمٌ فَعَمَرُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمَّرَهَا قَبْلَ ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَحْيَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ، فَكَانَ أَوْلَى، كَحَقِّ الشَّفِيعِ، يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي.فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ عَلَى الْإِهْمَالِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ بِلَا عُذْرٍ أَنْذَرَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ أَوْ شِرْعَةِ مَاءٍ أَوْ مَعْدِنٍ، لَا يَنْتَفِعُ، وَلَا يَدَعُ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ.فَإِنِ اسْتُمْهِلَ بِعُذْرٍ أَمْهَلَهُ الْإِمَامُ وَالْإِمْهَالُ لِعُذْرٍ يَكُونُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.فَإِنْ أَحْيَا غَيْرُهُ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ فَلِلْحَنَابِلَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ.وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَعْمُرْ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَعْمُرَهُ وَيَمْلِكَهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لَهُ لِيَنْقَطِعَ حَقُّهُ بِمُضِيِّهَا.

حَرِيمُ الْعَامِرِ وَالْآبَارُ وَالْأَنْهَارُ وَغَيْرُهَا:

18- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ حَرِيمِ الْمَعْمُورِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.وَكَذَلِكَ حَرِيمُ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ وَحَرِيمُ النَّهْرِ.وَالْمُرَادُ بِحَرِيمِ الْمَعْمُورِ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهُوَ مِلْكٌ لِمَالِكِ الْمَعْمُورِ، بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ إِحْيَائِهِ بِجَعْلِهِ دَارًا مَثَلًا، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْمُرُورِ فِيهِ، وَلَا الْمَنْعُ مِنْ رَعْيِ كَلأٍَ فِيهِ، وَالِاسْتِقَاءُ مِنْ مَاءٍ فِيهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.وَالدَّارُ الْمَحْفُوفَةُ بِدُورٍ لَا حَرِيمَ لَهَا.وَحَرِيمُ الْبِئْرِ مَا لَوْ حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا، أَوْ خِيفَ انْهِيَارُهَا.وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا.

19- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ حَرِيمِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ وَالنَّهْرِ وَالشَّجَرِ.

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ حَرِيمَ بِئْرِ الْعَطَنِ (وَهِيَ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا لِلْمَوَاشِي) أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا.قِيلَ: الْأَرْبَعُونَ مِنَ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةٌ.وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.وَأَمَّا حَرِيمُ الْبِئْرِ النَّاضِحِ (وَهِيَ أَنْ يَحْمِلَ الْبَعِيرُ الْمَاءَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لِسَقْيِ الزَّرْعِ) فَهُوَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَعْرِفُ إِلاَّ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا.وَبِهِ يُفْتَى.وَمَنْ أَحْيَا نَهْرًا فِي أَرْضِ مَوَاتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا، وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّ.وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ لَهُ حَرِيمًا بِالْإِجْمَاعِ.

وَذَكَرَ فِي النَّوَازِلِ: وَحَرِيمُ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نِصْفُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِمِقْدَارِ عَرْضِ النَّهْرِ.وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.وَمَنْ أَخْرَجَ قَنَاةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ اسْتَحَقَّ الْحَرِيمَ بِالْإِجْمَاعِ.وَحَرِيمُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَرِيمُ الْبِئْرِ.إِلاَّ أَنَّ الْمَشَايِخَ زَادُوا عَلَى هَذَا فَقَالُوا: الْقَنَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْزِلَةُ الْعَيْنِ الْفَوَّارَةِ، حَرِيمُهَا خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ بِالْإِجْمَاعِ.أَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَقَعُ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ فَحَرِيمُهَا مِثْلُ النَّهْرِ.وَقَالُوا: إِنَّ حَرِيمَ الشَّجَرَةِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ.

الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْبِئْرَ لَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مُقَدَّرٌ، فَقَدْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: «أَمَّا الْبِئْرُ فَلَيْسَ لَهَا حَرِيمٌ مَحْدُودٌ لِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ بِالرَّخَاوَةِ وَالصَّلَابَةِ، وَلَكِنْ حَرِيمُهَا مَا لَا ضَرَرَ مَعَهُ عَلَيْهَا.وَهُوَ مِقْدَارُ مَا لَا يَضُرُّ بِمَائِهَا، وَلَا يُضَيِّقُ مُنَاخَ إِبِلِهَا وَلَا مَرَابِضَ مَوَاشِيهَا عِنْدَ الْوُرُودِ.وَلِأَهْلِ الْبِئْرِ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ.وَقَالُوا: إِنَّ لِلنَّخْلَةِ حَرِيمًا، وَهُوَ قَدْرُ مَا يُرَى أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَتَهَا، وَيَتْرُكَ مَا أَضَرَّ بِهَا، وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ.وَقَدْ قَالُوا: مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا مِنْ نَوَاحِيهَا كُلِّهَا إِلَى عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَذَلِكَ حَسَنٌ.وَيُسْأَلُ عَنِ الْكَرَمِ أَيْضًا وَعَنْ كُلِّ شَجَرَةٍ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ شَجَرَةٍ بِقَدْرِ مَصْلَحَتِهَا».

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ حَرِيمَ الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ (هِيَ مَا كَانَتْ مَطْوِيَّةً، وَيَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْهَا): مَوْقِفُ النَّازِحِ مِنْهَا، وَالْحَوْضُ الَّذِي يَصُبُّ فِيهِ النَّازِحُ الْمَاءَ، وَمَوْضِعُ الدُّولَابِ (وَهُوَ مَا يَسْتَقِي بِهِ النَّازِحُ، وَمَا يَسْتَقِي بِهِ بِالدَّابَّةِ) وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْتَمَعُ فِيهِ لِسَقْيِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ مِنْ حَوْضٍ وَنَحْوِهِ، وَمُتَرَدَّدُ الدَّابَّةِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْرَحُ فِيهِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَوْضِ وَنَحْوِهِ، كُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَدَّدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ.

وَحَرِيمُ آبَارِ الْقَنَاةِ (وَهِيَ الْمَحْفُورَةُ مِنْ غَيْرِ طَيٍّ لِيَجْتَمِعَ الْمَاءُ فِيهَا وَيُؤْخَذُ لِنَحْوِ الْمَزَارِعِ): مَا لَوْ حَفَرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا، أَوْ خِيفَ سُقُوطُهَا.وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِحْيَاءُ حَرِيمِ الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَالْعَيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ انْفَرَدُوا بِأَنَّهُ بِحَفْرِ بِئْرٍ يَمْلِكُ حَرِيمَهَا.أَمَّا تَقْدِيرُ الْحَنَابِلَةِ لِلْحَرِيمِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي بِئْرٍ قَدِيمَةٍ فَهُوَ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَفِي غَيْرِهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ.وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَنَهْرٌ مِنْ جَانِبَيْهِ: مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِطَرْحِ كَرَايَتِهِ (أَيْ مَا يُلْقَى مِنَ النَّهْرِ طَلَبًا لِسُرْعَةِ جَرْيِهِ)، وَحَرِيمُ شَجَرَةٍ: قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا، وَحَرِيمُ أَرْضٍ تُزْرَعُ: مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِسَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبَخِهَا وَنَحْوِهِ.

إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ الْمُقَطَّعِ:

20- يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: أَقْطَعَ الْإِمَامُ الْجُنْدَ الْبَلَدَ إِقْطَاعًا أَيْ جَعَلَ لَهُمْ غَلَّتَهَا رِزْقًا وَاصْطِلَاحًا إِعْطَاءُ مَوَاتِ الْأَرْضِ لِمَنْ يُحْيِيهَا، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حَجَرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَقْطَعَهُ أَرْضًا، فَأَرْسَلَ مَعَهُ مُعَاوِيَةَ: أَنْ أَعْطِهَا إِيَّاهُ، أَوْ أَعْلِمْهَا إِيَّاهُ».وَلَا بُدَّ قَبْلَ بَيَانِ حُكْمِ هَذَا الْإِحْيَاءِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْإِقْطَاعِ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِصِيغَتِهِ إِقْطَاعَ تَمْلِيكٍ، أَوْ إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ (انْتِفَاعٌ).فَإِنْ كَانَ إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ فَالْكُلُّ مُجْمِعٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ بِذَاتِهِ تَمْلِيكًا لِلرَّقَبَةِ، إِنْ كَانَ إِقْطَاعَ تَمْلِيكٍ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِهِ إِقْدَامُ غَيْرِ الْمُقْطَعِ عَلَى إِحْيَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ بِالْإِقْطَاعِ نَفْسِهِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ إِقْطَاعَ الْمَوَاتِ مُطْلَقًا لَا يُفِيدُ تَمَلُّكًا، لَكِنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْإِقْطَاعُ مُطْلَقًا، أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى إِقْطَاعِ الْإِرْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ.

الْحِمَى:

21- الْحِمَى لُغَةً: مَا مُنِعَ النَّاسُ عَنْهُ، وَاصْطِلَاحًا: أَنْ يَمْنَعَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ فِيهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ لِذَلِكَ، لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ، وَالْخَيْلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا.

وَقَدْ كَانَ لِلرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: «لَا حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»،، لَكِنَّهُ لَمْ يَحْمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «حَمَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ».

وَأَمَّا سَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْلُ الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ، وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ، وَضَوَالُّ النَّاسِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ.وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي صَحِيحِ قَوْلَيْهِ.

وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَيْسَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَحْمِيَ، لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «لَا حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ».

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حَمَيَا وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَحْيَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ.وَإِنْ زَالَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَدَعَتْ حَاجَةٌ لِنَقْضِهِ، فَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ نَقْضِهِ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ.وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازَ نَقْضِهِ إِنْ لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى إِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ.

وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَغَيْرُهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ جَازَ، وَإِنْ أَحْيَاهُ إِنْسَانٌ مَلَكَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ، وَمِلْكُ الْأَرْضِ بِالْإِحْيَاءِ نَصٌّ، وَالنَّصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الِاجْتِهَادِ.وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ: لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ.وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، كَذَلِكَ. مَنْ يَحِقُّ لَهُ الْإِحْيَاءُ

أ- فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ:

22- وَالْمُرَادُ بِهَا كَمَا بَيَّنَ الْقَلْيُوبِيُّ: مَا بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ، كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ، أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً، كَخَيْبَرَ وَمِصْرَ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ، أَوْ صُلْحًا وَالْأَرْضُ لَنَا وَهُمْ يَدْفَعُونَ الْجِزْيَةَ.وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ أَنَّ عِمَارَتَهَا فَيْءٌ، وَمَوَاتَهَا مُتَحَجِّرٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ.وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ الْحُرَّ لَهُ الْحَقُّ فِي أَنْ يُحْيِيَ الْأَرْضَ الْمَوَاتَ الَّتِي فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ فِي حَقِّ الْإِحْيَاءِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ مُطَرِّفًا وَابْنَ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنَعَا مِنْ إِحْيَائِهِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ كُلِّهِ وَالنُّجُودِ وَالْيَمَنِ).وَقَالَ غَيْرُهُمَا: لَوْ قِيلَ إِنَّ حُكْمَ الذِّمِّيِّينَ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْعُدْ، كَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنَ الْعُمْرَانِ.وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: «أَنَّ الذِّمِّيَّ يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ» مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَشْتَرِطَانِ إِذْنَ الْإِمَامِ لِلْمُسْلِمِ.وَعَلَّلَ الشَّارِحُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبُ الْمِلْكِ، فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ كَمَا فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ.وَالِاسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ الدُّرِّ كَمَا سَبَقَ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الْإِمَامِ فِي الْإِحْيَاءِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلذِّمِّيِّ فَيُشْتَرَطُ الْإِذْنُ اتِّفَاقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ إِحْيَاءِ الذِّمِّيِّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ إِنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ، أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَمْ لَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِذِمِّيٍّ وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ، فَغَيْرُ الذِّمِّيِّ مِنَ الْكُفَّارِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، فَلَا عِبْرَةَ بِإِحْيَائِهِ، وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَيَمْلِكَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ فِيهِ كَزَرْعٍ رَدَّهُ الْمُسْلِمُ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ مُدَّةَ إِحْيَائِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ.

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُسْلِمَ، وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ يَمْلِكُ مَا أَحْيَاهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُحْيِيَ، لَكِنْ مَا يُحْيِيهِ يَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ.وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا عَنْ إِحْيَاءِ الْمَجْنُونِ.وَبَاقِي الْمَذَاهِبِ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى أَحْكَامِ إِحْيَاءِ الْمَذْكُورِينَ عِنْدَهُمْ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ يَمْلِكَانِ مَا يُحْيِيَانِهِ.

ب- فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ:

23- مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْبَاجِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَوَاتَ أَهْلِ الْحَرْبِ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُونَ بِالْإِحْيَاءِ، سَوَاءٌ أَفُتِحَتْ بِلَادُهُمْ فِيمَا بَعْدُ عَنْوَةً (وَهِيَ الَّتِي غُلِبَ عَلَيْهَا قَهْرًا) أَمْ صُلْحًا.وَقَالَ سَحْنُونٌ: مَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ مِنْ مَوَاتٍ لَمْ يُعْمَلْ فِيهَا وَلَا جَرَى فِيهَا مِلْكٌ لِأَحَدٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا.وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ وَلِلذِّمِّيِّ إِحْيَاءُ مَوَاتِ بِلَادِ الْكُفْرِ، لَكِنَّهُمْ قَيَّدُوا جَوَازَ إِحْيَاءِ الْمُسْلِمِ بِعَدَمِ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْكُفَّارُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِحْيَاءُ.

وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَحْيَا مَوَاتًا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ فَتْحِهَا عَنْوَةً تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ.وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ الْإِحْيَاءُ قَبْلَ فَتْحِهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ تَبْقَى الْأَرْضُ لَهُمْ، وَلِلْمُسْلِمِينَ الْخَرَاجُ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُحْتَمَلُ عَدَمُ إِفَادَةِ الْإِحْيَاءِ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهَا بِهَذَا الصُّلْحِ حُرِّمَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَهَا مَنْ أَحْيَاهَا؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ مُبَاحَاتِ دَارِهِمْ، فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهَا مَنْ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا.

مَا يَكُونُ بِهِ الْإِحْيَاءُ:

24- يَكَادُ يَتَّفِقُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الْإِحْيَاءُ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْإِحْيَاءَ يَكُونُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ، أَوِ الْغَرْسِ فِيهَا، أَوْ كَرْيِهَا (حَرْثِهَا)، أَوْ سَقْيِهَا.

وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ أَنْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا أَوْ يُجْرِيَ عَيْنًا أَوْ يَغْرِسَ شَجَرًا أَوْ يَبْنِيَ أَوْ يَحْرُثَ، مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ إِحْيَاءٌ.وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ.وَقَالَ عِيَاضٌ: اتُّفِقَ عَلَى أَحَدِ سَبْعَةِ أُمُورٍ: تَفْجِيرِ الْمَاءِ، وَإِخْرَاجِهِ عَنْ غَامِرِهَا بِهِ، وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْحَرْثِ، وَمِثْلُهُ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ بِالْحَفْرِ، وَقَطْعِ شَجَرِهَا، وَسَابِعُهَا كَسْرُ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَةُ حَفْرِهَا وَتَعْدِيلُ أَرْضِهَا.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَا يَكُونُ بِهِ الْإِحْيَاءُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، فَإِنْ أَرَادَ مَسْكَنًا اشْتُرِطَ لِحُصُولِهِ تَحْوِيطُ الْبُقْعَةِ بِآجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ أَوْ مَحْضِ الطِّينِ أَوْ أَلْوَاحِ الْخَشَبِ وَالْقَصَبِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَسَقْفِ بَعْضِهَا لِتَتَهَيَّأَ لِلسُّكْنَى، وَنَصْبِ بَابٍ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ فِي ذَلِكَ.وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ.وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ زَرِيبَةً لِلدَّوَابِّ فَيُشْتَرَطُ التَّحْوِيطُ، وَلَا يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ أَوْ أَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ السَّقْفُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الزَّرِيبَةِ عَدَمُهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْبَابِ كَالْخِلَافِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْكَنِ.وَالْإِحْيَاءُ فِي الْمَزْرَعَةِ يَكُونُ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهَا، لِيَنْفَصِلَ الْمُحْيَا عَنْ غَيْرِهِ.وَفِي مَعْنَى التُّرَابِ قَصَبٌ وَحَجَرٌ وَشَوْكٌ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَحْوِيطِ وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ بِطَمِّ الْمُنْخَفِضِ وَكَسْحِ الْمُسْتَعْلِي.

فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ إِلاَّ بِمَا يُسَاقُ إِلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ.وَلَا تُشْتَرَطُ الزِّرَاعَةُ بِالْفِعْلِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ، وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْإِحْيَاءِ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَصِيرُ مُحْيَاةً إِلاَّ إِذَا حَصَلَ فِيهَا عَيْنُ مَالِ الْمُحْيِي، فَكَذَا الْأَرْضُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


17-موسوعة الفقه الكويتية (أرض الحوز)

أَرْضُ الْحَوْزِ

التَّعْرِيفُ:

1- أَرْضُ الْحَوْزِ هِيَ: الْأَرْضُ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا أَرْبَابُهَا بِلَا وَارِثٍ، وَآلَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً، أَوْ صُلْحًا، وَلَمْ تُمَلَّكْ لِأَهْلِهَا، بَلْ أُبْقِيَتْ رَقَبَتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.وَلَعَلَّهَا إِنَّمَا سُمِّيَتْ أَرْضَ الْحَوْزِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ حَازَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَقْسِمْهَا.

أَمَّا مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَكُونُ عُشْرِيًّا، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ عَلَى خَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ- كَسَوَادِ الْعِرَاقِ- فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِأَهْلِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَتَصَرُّفَاتُهُمْ فِيهِ كُلُّهَا نَافِذَةٌ.وَتَفْصِيلُ هَذَا التَّقْسِيمِ فِي مُصْطَلَحِ: (أَرْض).

2- وَالنَّوْعَانِ اللَّذَانِ سَمَّاهُمَا مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ أَرْضَ الْحَوْزِ، يَرَى غَيْرُهُمْ فِيهِمَا مَا يَلِي

أ- مَا آلَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِمَّا مَاتَ عَنْهُ أَرْبَابُهُ بِلَا وَارِثٍ، فَإِنَّهُ إِلَى الْإِمَامِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّهُ آلَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ، أَوْ بِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا.

ب- وَأَمَّا أَرْضُ الْعَنْوَةِ الَّتِي أُبْقِيَتْ رَقَبَتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَذَلِكَ الَّتِي فُتِحَتْ صُلْحًا، وَلَمْ تُمَلَّكْ لِأَهْلِهَا، بَلْ أُبْقِيَتْ رَقَبَتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذِهِ- عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لَا تَكُونُ وَقْفًا إِلاَّ بِأَنْ يَقِفَهَا الْإِمَامُ لَفْظًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِذَا صَارَتْ وَقْفًا فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ بَيْعُهَا وَنَحْوُهُ كَهِبَتِهَا.

ثُمَّ هَذَا الْوَقْفُ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْوَقْفِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ شَرْعًا، عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبِي يَعْلَى، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَيْسَ هُوَ الْوَقْفُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ، بَلْ مَعْنَى وَقْفِهِ، عَدَمُ قِسْمَتِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ.وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ التَّصَرُّفِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَرَاضِي- عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ- فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَفِي بَابِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- مِشَدُّ الْمَسْكَةِ:

3- «مِشَدُّ الْمَسْكَةِ» اصْطِلَاحٌ جَرَى اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَهْدِ الْعُثْمَانِيِّ.وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِ الْحِرَاثَةِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَسْكَةِ لُغَةً وَهِيَ: مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ، فَكَأَنَّ الْمُتَسَلِّمَ لِلْأَرْضِ الْمَأْذُونَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهَا فِي الْحَرْثِ صَارَ لَهُ مَسْكَةٌ يَتَمَسَّكُ بِهَا فِي الْحَرْثِ فِيهَا.وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا مَسْكَةً، أَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ بِالْقِدَمِيَّةِ لَا تُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ أَرْضِهَا مَا دَامَ يَزْرَعُهَا، يَدْفَعُ إِلَى الْمُتَوَلِّي عَلَيْهَا مَا عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ، فَلَهُ الِاسْتِمْسَاكُ بِهَا مَا دَامَ حَيًّا.وَهِيَ حَقٌّ مُجَرَّدٌ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ الْكِرَابِ وَالْحَرْثِ.فَإِنْ كَانَ لِمَنْ بِيَدِهِ الْأَرْضُ أَعْيَانٌ، كَأَشْجَارٍ أَوْ كَبَسَ الْأَرْضَ بِتُرَابٍ سُمِّيَتْ (الْكِرْدَارَ)، وَلَمْ تُسَمَّ مِشَدَّ الْمَسْكَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْأَعْيَانُ قَدْ وَضَعَهَا فِي حَانُوتٍ وَكَانَتْ ثَابِتَةً سُمِّيَتِ (الْكَدَكَ أَوِ: الْجَدَكَ).

وَمِشَدُّ الْمَسْكَةِ يَكُونُ فِي أَرَاضِي الْوَقْفِ، أَوْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ.وَهِيَ الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةُ.

ب- أَرْضُ التَّيْمَارِ:

4- هَذَا اصْطِلَاحٌ آخَرُ جَرَى اسْتِعْمَالُهُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ.وَذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ لِمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، يُرِيدُونَ بِهِ مَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ؛ لِيَأْخُذَ هَذَا الْمُقْطَعُ حَقَّ الْأَرْضِ مِنَ الْغَلَّةِ، وَتَبْقَى بَقِيَّتُهَا لِلْعَامِلِينَ فِي الْأَرْضِ، وَتَبْقَى رَقَبَتُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ.وَيُسَمَّى الشَّخْصُ الَّذِي أُقْطِعَ الْأَرْضَ «التَّيْمَارِيُّ»

ج- إِرْصَادٌ:

5- هُوَ مَا يَجْعَلُهُ السُّلْطَانُ كَبَعْضِ الْقُرَى وَالْمَزَارِعِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، كَالْقُرَّاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَنَحْوِهِمْ، وَلَيْسَ وَقْفًا حَقِيقَةً.

لِعَدَمِ مِلْكِ السُّلْطَانِ لَهُ، بَلْ هُوَ تَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ وَيُبَدِّلَهُ.

مَشْرُوعِيَّتُهَا:

6- النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ (وَهُوَ مَا مَاتَ عَنْهُ أَرْبَابُهُ بِلَا وَارِثٍ وَآلَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ) مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي سَبَبِ أَيْلُولَتِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، أَهُوَ بِاعْتِبَارِ بَيْتِ الْمَالِ وَارِثًا أَمْ بِاعْتِبَارِهِ مَحَلًّا لِلضَّوَائِعِ؟.

أَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي (وَهُوَ مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُبْقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ بِجَوَازِهِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ، بِأَنَّ الْإِمَامَ يُخَيَّرُ فِي الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً: بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَبَيْنَ الْإِبْقَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بِحَسَبِ مَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى فَقَالَ: «فِيهِ كَلَامٌ، لِأَنَّ تَخْيِيرَ الْخَلِيفَةِ- أَيْ إِذَا لَمْ يَقْسِمِ الْأَرْضَ عَلَى الْغَانِمِينَ- فِي الْإِبْقَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ، إِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمَنِّ عَلَى الْكُفَّارِ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ، فَتَكُونُ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا..فَتَدَبَّرْ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُهِمَّاتِ».

مَا يُعْتَبَرُ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ:

7- أَرْضُ مِصْرَ وَالشَّامِ هِيَ فِي الْأَصْلِ أَرَاضٍ خَرَاجِيَّةٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْهَا حَوْزٌ إِلاَّ مَا نَشَأَ بِسَبَبِ أَيْلُولَتِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا سَبَقَ.

إِلاَّ أَنَّ الْكَمَالَ بْنَ الْهُمَامِ، يَرَى أَنَّ أَرْضَ مِصْرَ قَدْ صَارَتْ أَرْضَ حَوْزٍ.وَنَازَعَهُ ابْنُ عَابِدِينَ فِي ذَلِكَ وَإِلَيْك كَلَامُهُمَا:

8- قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: «أَرْضُ مِصْرَ فِي الْأَصْلِ خَرَاجِيَّةٌ، لَكِنِ الرَّسْمُ الْآنَ- أَيْ فِي أَيَّامِهِ، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 861 هـ- أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهَا بَدَلُ إِجَارَةٍ لَا خَرَاجٌ.قَالَ: لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ، كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ إِخْلَافِ وَرَثَةٍ، فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ» وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ.

9- وَقَدْ أَبَى ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ، وَقَالَ: «إِذَا كَانَتْ أَرْضُ مِصْرَ عَنْوِيَّةً، وَالْأَرَاضِي الْعَنْوِيَّةُ مُمَلَّكَةٌ لِأَهْلِهَا، فَمِنْ أَيْنَ يُقَالُ إِنَّهَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ أَهْلَهَا كُلَّهُمْ مَاتُوا بِلَا وَارِثٍ؟ فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَنْفِي الْمِلْكَ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا.وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ سَوَادَ الْعِرَاقِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا، يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا، وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا، فَكَذَلِكَ أَرْضُ الشَّامِ وَمِصْرَ.قَالَ: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِنَا ظَاهِرٌ.فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ أَوْقَافِهَا، وَإِبْطَالِ الْمَوَارِيثِ فِيهَا، وَتَعَدِّي الظَّلَمَةِ عَلَى أَرْبَابِ الْأَيْدِي الثَّابِتَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي الْمُدَدِ الْمُتَطَاوِلَةِ بِلَا مُعَارِضٍ وَلَا مُنَازِعٍ.وَوَضْعُ الْعُشْرِ أَوِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي مِلْكِيَّتَهَا، وَاحْتِمَالُ مَوْتِ أَهْلِهَا بِلَا وَارِثٍ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي إِبْطَالِ الْيَدِ الْمُثْبِتَةِ لِلْمِلْكِ، فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْمِلْكِيَّةِ.وَالْيَدُ أَقْوَى دَلِيلٌ عَلَيْهَا، فَلَا تَزُولُ إِلاَّ بِحُجَّةٍ ثَابِتَةٍ.وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ مَوَاتًا فَأُحْيِيَتْ فَمُلِكَتْ بِذَلِكَ، أَوِ اشْتُرِيَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ فِي الدِّيَارِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ وَنَحْوِهَا، أَنَّ مَا عُلِمَ مِنْهَا كَوْنُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ- أَيْ كَوْنُهُ أَرْضًا أَمِيرِيَّةً- وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ مِلْكٌ لِأَرْبَابِهِ.وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ خَرَاجٌ لَا أُجْرَةٌ لِأَنَّهُ خَرَاجِيٌّ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ.وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ».

وَأَمَّا أَرْضُ الْعِرَاقِ فَقَدْ مُلِكَتْ رِقَابُهَا لِأَهْلِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ، وَهِيَ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ عَلَى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ.وَأَرْضُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا عِنْدَهُمْ عُشْرِيَّةٌ، فَلَا يُعْتَبَرَانِ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ إِلاَّ لِسَبَبٍ جَدِيدٍ مِمَّا سَبَقَ.

تَصَرُّفُ الْإِمَامِ فِي أَرْضِ الْحَوْزِ

دَفْعُهَا لِلزُّرَّاعِ، مَعَ بَقَاءِ رَقَبَتِهَا:

10- يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ الْأَمِيرِيَّةَ لِلزُّرَّاعِ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ:

الْأَوَّلِ: إِقَامَتُهُمْ مَقَامَ الْمُلاَّكِ فِي الزِّرَاعَةِ، وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ.

وَالثَّانِي: إِجَارَتُهَا لِلزُّرَّاعِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ.فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجًا.ثُمَّ إِنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِمَامِ خَرَاجٌ مُوَظَّفٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ الْخَارِجِ فَهُوَ خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ.وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الزُّرَّاعِ هُوَ أُجْرَةٌ لَا غَيْرُ، لَا عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ لِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمُؤْنَتَيْنِ (الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ) فِي أَرَاضِي الْمَمْلَكَةِ وَالْحَوْزِ، كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا أُجْرَةً لَا غَيْرُ.فَإِنْ قُلْتَ: اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ لَا يَجُوزُ؛ لِكَوْنِهِ إِجَارَةً فَاسِدَةً لِلْجَهَالَةِ، فَمَا وَجْهُ الْجَوَازِ هُنَا؟ فَالْجَوَابُ مَا قُلْنَا: إِنَّهُ جُعِلَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ خَرَاجًا وَفِي حَقِّ الْأُكْرَةِ (أَيِ الزُّرَّاعِ) أُجْرَةً لِضَرُورَةِ عَدَمِ صِحَّةِ الْخَرَاجِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَوْتِ أَهْلِهَا وَصَيْرُورَتِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ».وَقَالَ: «وَيُمْكِنُ جَعْلُهَا مُزَارَعَةً لَا إِجَارَةً حَقِيقِيَّةَ».ثُمَّ قَالَ: «وَعَلَى دَفْعِهَا بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا وَلَا تُورَثُ.أَمَّا عَلَى الثَّانِي (أَيْ إِجَارَتِهَا لِلزُّرَّاعِ) فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ إِقَامَتَهُمْ مَقَامَ الْمُلاَّكِ لِلضَّرُورَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لَا تُعْرَفُ إِلاَّ فِي الْأَرَاضِيِ الْمَمْلُوكَةِ الْعُشْرِيَّةِ أَوِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَأَرَاضِيِ الْمَمْلَكَةِ وَالْحَوْزِ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ، لَا عُشْرِيَّةً وَلَا خَرَاجِيَّةً، وَلَا يُتَمَلَّكُ مِنْهَا شَيْءٌ إِلاَّ بِتَمْلِيكِ السُّلْطَانِ».

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ لَا يَلْزَمُ بِالتَّعْطِيلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَلاَّحِ لَوْ عَطَّلَهَا».

جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ أَخَذَ أَرْضَ الْحَوْزِ مُزَارَعَةً، يَطِيبُ نَصِيبُ الْأُكْرَةِ (الْمُزَارِعِينَ) مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ الْحَوْزِ كُرُومًا وَأَشْجَارًا يُعْرَفُ أَهْلُهَا، لَا يَطِيبُ لِلْأُكْرَةِ- أَيْ لِثُبُوتِ حَقِّ صَاحِبِ الشَّجَرِ- وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ يَطِيبُ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهَا حِينَئِذٍ لِلسُّلْطَانِ، كَأَرَاضِي الْمَوَاتِ.

بَيْعُ الْإِمَامِ أَرْضَ الْحَوْزِ،

وَحَقُّ مُشْتَرِيهَا فِي التَّصَرُّفِ:

11- يَجُوزُ لِلْإِمَامِ بَيْعُ أَرْضِ الْحَوْزِ.وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ.الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا.وَهُوَ قَوْلٌ لِمُتَقَدِّمِي الْحَنَفِيَّةِ.وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ عَابِدِينَ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلاَّ لِحَاجَةٍ.وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ لِمَصْلَحَةٍ، كَأَنْ رَغِبَ أَحَدٌ فِي الْعَقَارِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَرَى بَيْعَهَا إِلاَّ لِحَاجَةٍ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِشِبْهِ الْإِمَامِ بِوَلِيِّ الْيَتِيمِ، لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يُنْفِقُهُ سِوَاهُ.وَإِذَا لَمْ يُعْرَفِ الْحَالُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ، بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ أَحَدِهِمَا، فَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ.

الْوَظِيفَةُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ:

12- إِذَا بَاعَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ فَلَيْسَ عَلَى مُشْتَرِيهَا أُجْرَةٌ (أَيْ خَرَاجٌ)؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَخَذَ عِوَضَ الْعَيْنِ، وَهُوَ الثَّمَنُ؛ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَمْ يَبْقَ الْخَرَاجُ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ، فَلَا يُمْكِنُ بَعْدَهُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ لِلْإِمَامِ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا.وَلَوْ قَبِلَ بِعَوْدِ الْخَرَاجِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُنَازِعُ فِي سُقُوطِ الْخَرَاجِ، حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ سُقِيَتْ بِمَائِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَازِيَ الَّذِي اخْتَطَّ لَهُ الْإِمَامُ دَارًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا، فَإِذَا جَعَلَهَا بُسْتَانًا وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ، أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ، كَمَا يَأْتِي، مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ الْآنَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْقُرَى أَوِ الْمَزَارِعِ الْمَوْقُوفَةِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا لِلْمِيرِيِّ النِّصْفُ أَوِ الرُّبُعُ أَوِ الْعُشْرُ.

أَمَّا الْعُشْرُ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَقْلًا.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ فَرْضِيَّةَ الْعُشْرِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ، وَبِأَنَّهُ زَكَاةُ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ، وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ غَيْرِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا لَيْسَ بِعُشْرِيٍّ وَلَا خَرَاجِيٍّ، كَالْمَفَاوِزِ وَالْجِبَالِ، وَبِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً، وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ، وَبِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ شَرْطٍ فِيهِ، بَلِ الشَّرْطُ مِلْكُ الْخَارِجِ، فَيَجِبُ فِي الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةِ لِعُمُومِ قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}.وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.وَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «مَا سَقَتِ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ».وَلِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي الْخَارِجِ لَا فِي الْأَرْضِ، فَكَانَ مِلْكُ الْأَرْضِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَاةَ وُجِدَ فِيهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، وَشَرْطُهُ وَهُوَ مِلْكُ الْخَارِجِ، وَدَلِيلُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْأَرْضِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ، وَنَقْلٍ صَرِيحٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْخَرَاجِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَرْضِ سُقُوطُ الْعُشْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْخَارِجِ.

وَلِمُشْتَرِي الْأَرْضَ الْأَمِيرِيَّةَ مِنَ الْإِمَامِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِلْكُ رَقَبَةِ الْأَرْضِ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا كَسَائِرِ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا حَقِيقِيًّا بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْوَقْفِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِذَا وَقَفَهَا تُرَاعَى شُرُوطُ وَقْفِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ سُلْطَانًا أَمْ أَمِيرًا أَمْ غَيْرَهُمَا.أَيْ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَلَكَهَا قَبْلَ وَقْفِهَا.فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ شِرَاؤُهُ لَهَا وَعَدَمُهُ، ثُمَّ وَقَفَهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ.

شِرَاءُ الْإِمَامِ لِنَفْسِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ:

13- لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ عَلَيْهَا، كَقِيَامِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ.قَالُوا: وَإِذَا أَرَادَ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِبَيْعِهَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذَا أَبْعَدُ مِنَ التُّهْمَةِ.

وَقْفُ الْإِمَامِ أَرْضَ الْحَوْزِ الَّتِي بِأَيْدِي الْمُنْتَفِعِينَ:

14- إِنْ وَقَفَ بَعْضُ السَّلَاطِينِ شَيْئًا مِنَ الْقُرَى وَالْمَزَارِعِ مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ، لِمَصَالِحِ مَا بَنَوْا مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْعِمَارَاتِ وَالْمَدَارِسِ، مَعَ بَقَاءِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ بِأَيْدِي الرَّعَايَا، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَقْفًا، وَإِنِ اعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهَا وَقْفٌ، بَلْ يَكُونُ خَرَاجُهَا (أَيْ غَلَّتُهَا الْمَأْخُوذَةُ لِلدَّوْلَةِ مِنَ الْمُنْتَفِعِ بِهَا) لِلْجِهَاتِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ.

وَلَا يَلْزَمُ الْخَرَاجُ عَلَى هَذَا الْوَقْفِ.وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ السَّلَاطِينِ أَنْ يُبْطِلَهُ.وَلَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِ هَذَا الْوَقْفِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ تَسْمِيَةَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ (إِرْصَادًا)، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْأَلْفَاظِ ذَاتِ الصِّلَةِ. فَمَا وُقِفَ عَلَى أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ يَجُوزُ نَقْضُهُ.وَمَا وُقِفَ عَلَى جِهَاتٍ كَالْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَسَائِرِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ فَقَدْ مَنَعَ مَنْ يَصْرِفُهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ.

إِقْطَاعُ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ:

15- إِنْ أَقْطَعَ الْإِمَامُ أَحَدًا شَيْئًا مِنْ أَرْضِ الْحَوْزِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَوَاتًا، أَوْ تَكُونَ عَامِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَوَاتًا فَأَحْيَاهَا الْمُقْطَعُ مَلَكَهَا (بِالْإِحْيَاءِ) حَقِيقَةً، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إِخْرَاجُهَا عَنْهُ، وَيَصِحُّ لَهُ بَيْعُهَا وَوَقْفُهَا، وَتُورَثُ عَنْهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ.وَعَلَيْهِ وَظِيفَتُهَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ.

وَإِنْ كَانَتْ عَامِرَةً فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا فَقَطْ، فَلَهُ إِيجَارُهَا، كَإِيجَارِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا وَقْفُهَا وَلَا تُورَثُ عَنْهُ، وَلِلْإِمَامِ إِخْرَاجُهَا عَنْهُ مَتَى شَاءَ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ.

وَأَثْبَتُوا نَوْعًا مِنَ الْعَطَاءِ: أَنْ يُعْطِيَ السُّلْطَانُ بَعْضَ الْقُرَى وَالْمَزَارِعِ لِأَحَدٍ، مَعَ بَقَاءِ الْأَرْضِ بِأَيْدِي الرَّعَايَا يُؤَدُّونَ عَنْهَا الْأُجْرَةَ.وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِلرَّقَبَةِ بَلْ لِخَرَاجِهَا، مَعَ بَقَائِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، فَلَا تُورَثُ عَمَّنْ أُعْطِيهَا إِذَا مَاتَ، بَلْ تَصِيرُ مَحْلُولًا.أَيْ يَنْتَهِي إِرْصَادُهَا.

وَيُسَمَّى الشَّخْصُ الَّذِي يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعَطَاءِ (التَّيْمَارِيُّ) وَيُقَالُ لَهَا: (أَرْضُ التَّيْمَارِ).

وَابْنُ عَابِدِينَ لَا يَرَى فَرْقًا بَيْنَ إِقْطَاعِ الْمَوَاتِ، وَإِقْطَاعِ الْعَامِرِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إِقْطَاعِ رَقَبَتِهِ أَوْ إِقْطَاعِ مَنَافِعِهِ فَقَطْ، إِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ.

انْتِقَالُ الْحَقِّ فِي الِانْتِفَاعِ بِأَرْضِ الْحَوْزِ:

16- إِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ بِأَرْضِ الْحَوْزِ، فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ تَرِكَةً عَنْهُ، فَلَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ.وَلَا تُقْسَمُ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ، بَلْ تَنْتَقِلُ بِحَسَبِ مَا يَرَى السُّلْطَانُ.وَإِنْ عَطَّلَهَا الْمُنْتَفِعُ بِهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَرْضِ تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ، وَتُعْطَى لآِخَرَ، لِيُؤَدِّيَ أُجْرَتَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ.

أَمَّا نَقْلُ أَرْضِ الْحَوْزِ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ، فَلَا يَصِحُّ الْفَرَاغُ إِلاَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ.وَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعًا حَقِيقَةً، إِذْ تَبْقَى رَقَبَةُ الْأَرْضِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِذَا بِيعَتْ كَذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا.

نَزْعُ أَرْضِ الْحَوْزِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ:

17- لَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ نَزْعُ الْأَرْضِ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ، مَا دَامَ يُؤَدِّي بَدَلَ الْإِجَارَةِ مَا لَمْ يُعَطِّلْهَا ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ.وَلِمَنْ هِيَ بِيَدِهِ التَّمَسُّكُ بِحَقِّهِ فِيهَا، وَيُسَمَّى هَذَا الْحَقُّ (مِشَدَّ الْمَسْكَةِ)، سُمِّيَتْ مَسْكَةً لِأَنَّ صَاحِبَهَا صَارَ لَهُ حَقُّ التَّمَسُّكِ بِهَا، وَلَهُ التَّخَلِّي عَنْ حَقِّهِ فِيهَا مُقَابِلَ مَالٍ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


18-موسوعة الفقه الكويتية (إقطاع)

إِقْطَاعٌ

التَّعْرِيفُ:

1- مِنْ مَعَانِي الْإِقْطَاعِ فِي اللُّغَةِ: التَّمْلِيكُ وَالْإِرْفَاقُ، يُقَالُ اسْتَقْطَعَ الْإِمَامُ قَطِيعَةً فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهَا: أَيْ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ إِقْطَاعًا يَتَمَلَّكُهُ وَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَيَنْفَرِدُ، وَيُقَالُ: أَقْطَعَ الْإِمَامُ الْجُنْدَ الْبَلَدَ: إِذَا جَعَلَ لَهُمْ غَلَّتَهَا رِزْقًا.

وَهُوَ كَذَلِكَ شَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُقْطِعُهُ الْإِمَامُ، أَيْ يُعْطِيهِ مِنَ الْأَرَاضِي رَقَبَةً أَوْ مَنْفَعَةً لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ:

2- هُوَ كَمَا عَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: عِمَارَةُ الْأَرْضِ الْخَرِبَةِ الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ.

ب- أَعْطِيَاتُ السُّلْطَانِ:

3- الْعَطَاءُ وَالْعَطِيَّةُ: اسْمٌ لِمَا يُعْطَى، وَالْجَمْعُ عَطَايَا وَأَعْطِيَةٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَعْطِيَاتٌ.وَأَعْطِيَاتُ السُّلْطَانِ: مَا يُعْطِيهِ لِأَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ.

وَعَلَى هَذَا قَدْ يَكُونُ الْإِقْطَاعُ عَطَاءً، وَقَدْ يَنْفَصِلُ الْعَطَاءُ، فَيَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ الْمَنْقُولَةِ غَالِبًا.

ج- الْحِمَى:

4- الْمَشْرُوعُ مِنْهُ: أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ أَرْضًا مِنَ الْمَوَاتِ، يَمْنَعُ النَّاسَ رَعْيَ مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَأِ لِتَكُونَ خَاصَّةً لِبَعْضِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَمَوَاشِي الصَّدَقَةِ.

د- الْإِرْصَادُ:

5- الْإِرْصَادُ لُغَةً: الْإِعْدَادُ، وَاصْطِلَاحًا: تَخْصِيصُ الْإِمَامِ غَلَّةَ بَعْضِ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ لِبَعْضِ مَصَارِفِهِ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِرْصَاد).فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِقْطَاعِ أَنَّ الْإِرْصَادَ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْصَدِ لَهُ، بِحَيْثُ يَتَوَارَثُهُ أَوْلَادُهُ أَوْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ كَمَا شَاءُوا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6- الْإِقْطَاعُ جَائِزٌ بِشُرُوطِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ إِقْطَاعَ تَمْلِيكٍ أَمْ إِقْطَاعَ إِرْفَاقٍ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ « النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ رَكْضَ فَرَسِهِ مِنْ مَوَاتِ النَّقِيعِ »، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ.

أَنْوَاعُ الْإِقْطَاعِ:

الْإِقْطَاعُ نَوْعَانِ:

7- النَّوْعُ الْأَوَّلُ: إِقْطَاعُ الْإِرْفَاقِ (أَوِ الْإِمْتَاعِ أَوِ الِانْتِفَاعِ).

وَهُوَ: إِرْفَاقُ النَّاسِ بِمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، وَأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ، وَحَرِيمِ الْأَمْصَارِ، وَمَنَازِلِ الْمُسَافِرِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ:

8- مَا يَخْتَصُّ الْإِرْفَاقُ فِيهِ بِالصَّحَارَى وَالْفَلَوَاتِ.حَيْثُ مَنَازِلُ الْمُسَافِرِينَ وَحُلُولُ الْمِيَاهِ، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

(أَحَدُهُمَا): أَنْ يَكُونَ لِاجْتِيَازِ السَّابِلَةِ وَاسْتِرَاحَةِ الْمُسَافِرِينَ فِيهِ.وَهَذَا لَا نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ، وَاَلَّذِي يَخُصُّ السُّلْطَانَ مِنْ ذَلِكَ إِصْلَاحُ عَوْرَتِهِ وَحِفْظُ مِيَاهِهِ، وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ نُزُولِهِ، وَيَكُونُ السَّابِقُ إِلَى الْمَنْزِلِ أَحَقَّ بِحُلُولِهِ فِيهِ مِنَ الْمَسْبُوقِ حَتَّى يَرْتَحِلَ عَنْهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- « مِنَى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ ».فَإِنْ نَزَلُوهُ سَوَاءً، عُدِلَ بَيْنَهُمْ نَفْيًا لِلتَّنَازُعِ.

(وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ نُزُولُهُمْ لِلِاسْتِيطَانِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ مَنْعُهُمْ أَوْ تَرْكُهُمْ حَسَبَ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

الْقِسْمُ الثَّانِي:

9- وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالْأَمْلَاكِ.يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الِارْتِفَاقُ مُضِرًّا بِهِمْ مُنِعَ اتِّفَاقًا، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنُوا بِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ.

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِمْ فَفِي إِبَاحَةِ ارْتِفَاقِهِمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِهَا اتِّجَاهَانِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ لَهُمْ الِارْتِفَاقَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَرْبَابُهَا، لِأَنَّ الْحَرِيمَ (وَهُوَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الدُّورِ مِنْ أَمَاكِنَ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ) يُعْتَبَرُ مِرْفَقًا إِذَا وَصَلَ أَهْلُهُ إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهُ سَاوَاهُمُ النَّاسُ فِيمَا عَدَاهُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ.

الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الِارْتِفَاقُ بِحَرِيمِهِمْ إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِمْ، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَمْلَاكِهِمْ فَكَانُوا بِهِ أَحَقَّ، وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَخَصَّ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ:

10- هُوَ مَا اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ السُّلْطَانِ، وَفِي حُكْمِ نَظَرِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ مَقْصُورٌ عَلَى كَفِّهِمْ عَنِ التَّعَدِّي، وَمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِضْرَارِ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنِهِمْ عِنْدَ التَّشَاجُرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ نَظَرَهُ فِيهِ نَظَرُ مُجْتَهِدٍ فِيمَا يَرَاهُ صَالِحًا، فِي إِجْلَاسِ مَنْ يَجْلِسُ، وَمَنْعِ مَنْ يَمْنَعُهُ، وَتَقْدِيمِ مَنْ يُقَدِّمُهُ.

النَّوْعُ الثَّانِي: إِقْطَاعُ التَّمْلِيكِ:

11- هُوَ تَمْلِيكٌ مِنَ الْإِمَامِ مُجَرَّدٌ عَنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِيَّةِ بِإِحْيَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ.

أَقْسَامُهُ وَحُكْمُ تِلْكَ الْأَقْسَامِ:

12- يَنْقَسِمُ إِقْطَاعُ التَّمْلِيكِ فِي الْأَرْضِ الْمُقْطَعَةِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

مَوَاتٍ، وَعَامِرٍ، وَمَعَادِنَ.

إِقْطَاعُ الْمَوَاتِ:

إِقْطَاعُ الْمَوَاتِ ضَرْبَانِ:

13- الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مَا لَمْ يَزَلْ مَوَاتًا مِنْ قَدِيمِ الدَّهْرِ، فَلَمْ تَجْرِ فِيهِ عِمَارَةٌ وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكٌ، فَهَذَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَهُ مَنْ يُحْيِيهِ وَمَنْ يُعَمِّرُهُ، وَقَدْ « أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَكْضَ فَرَسِهِ مِنْ مَوَاتِ النَّقِيعِ، فَأَجْرَاهُ، ثُمَّ رَمَى بِسَوْطِهِ رَغْبَةً فِي الزِّيَادَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَعْطُوهُ مُنْتَهَى سَوْطِهِ ».

وَيَمْتَنِعُ بِهِ إِقْدَامُ غَيْرِ الْمُقْطَعِ عَلَى إِحْيَائِهِ، لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهُ بِالْإِقْطَاعِ نَفْسِهِ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ إِقْطَاعَ الْمَوَاتِ مُطْلَقًا لَا يُفِيدُ تَمْلِيكًا، لَكِنَّهُ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَحْيَاهُ مَلَكَهُ بِالْإِحْيَاءِ لَا بِالْإِقْطَاعِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْإِقْطَاعُ مُطْلَقًا، أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى إِقْطَاعِ الْإِرْفَاقِ، لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ.

14- الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْمَوَاتِ: مَا كَانَ عَامِرًا فَخَرِبَ، فَصَارَ مَوَاتًا عَاطِلًا، وَذَلِكَ نَوْعَانِ:

(أَحَدُهُمَا) مَا كَانَ عَادِيًّا (أَيْ قَدِيمًا، جَاهِلِيًّا) فَهُوَ كَالْمَوَاتِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عِمَارَةٌ وَيَجُوزُ إِقْطَاعُهُ.قَالَ- صلى الله عليه وسلم- « عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي »

(ثَانِيهِمَا) مَا كَانَ إِسْلَامِيًّا جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ خَرِبَ حَتَّى صَارَ مَوَاتًا عَاطِلًا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ وَلَا وَرَثَةُ مَالِكٍ.قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ مُطْلَقًا، إِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ غَيْرَ مُقْطَعَةٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُقْطَعَةً فَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَرْبَابُهُ مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ، بِشَرْطِ إِقْطَاعِ الْإِمَامِ لَهُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ.

إِقْطَاعُ الْعَامِرِ

إِقْطَاعُ الْعَامِرِ ضَرْبَانِ:

15- الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: مَا تَعَيَّنَ مَالِكُهُ فَلَا نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِي إِقْطَاعِهِ اتِّفَاقًا، إِلاَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ أَوِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ.وَهَذَا إِذَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَمْ لِذِمِّيٍّ.فَإِنْ كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا يَدٌ، فَأَرَادَ الْإِمَامُ إِقْطَاعَهَا عِنْدَ الظَّفَرِ جَازَ.وَقَدْ: « سَأَلَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُقْطِعَهُ عُيُونَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ بِالشَّامِ قَبْلَ فَتْحِهِ فَفَعَلَ ».

16- الضَّرْبُ الثَّانِي مِنَ الْعَامِرِ: مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مَالِكُوهُ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ مُسْتَحِقُّوهُ: فَمَا اصْطَفَاهُ الْإِمَامُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا دَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، أَوْ مَا مَاتَ عَنْهُ أَرْبَابُهُ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَارِثٌ بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ فَفِي إِقْطَاعِهِ رَأْيَانِ:

الْأَوَّلُ: عَدَمُ الْجَوَازِ.وَهُوَ رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُ رَقَبَتِهِ لِاصْطِفَائِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَكَانَ بِذَلِكَ مِلْكًا لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.فَجَرَى عَلَى رَقَبَتِهِ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُؤَبَّدِ.

الثَّانِي: الْجَوَازُ.وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ، لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ لَهُ غَنَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ يَقْوَى بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ، وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِاَلَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحُ لِأَمْرِهِمْ، وَالْأَرْضُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ يَصِحُّ تَمْلِيكُ رَقَبَتِهَا، كَمَا يُعْطَى الْمَالُ حَيْثُ ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ.

إِقْطَاعُ الْمَعَادِنِ

الْمَعَادِنُ هِيَ الْبِقَاعُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ جَوَاهِرَ الْأَرْضِ.وَهِيَ ضَرْبَانِ: ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ.

17- أَمَّا الظَّاهِرَةُ: فَمَا كَانَ جَوْهَرُهَا الْمُسْتَوْدَعُ فِيهَا بَارِزًا.كَمَعَادِنِ الْكُحْلِ، وَالْمِلْحِ، وَالنَّفْطِ، فَهُوَ كَالْمَاءِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، يَأْخُذُهُ مَنْ وَرَدَ إِلَيْهِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ « اسْتَقْطَعَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِلْحَ مَأْرَبٍ فَأَقْطَعَهُ، فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَرَدْتُ هَذَا الْمِلْحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ، مَنْ وَرَدَهُ أَخَذَهُ وَهُوَ مِثْلُ الْمَاءِ الْعِدِّ بِالْأَرْضِ، فَاسْتَقَالَ أَبْيَضَ قَطِيعَةَ الْمِلْحِ.فَقَالَ: قَدْ أَقَلْتُكَ عَلَى أَنْ تَجْعَلَهُ مِنِّي صَدَقَةً.فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: هُوَ مِنْكَ صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِثْلُ الْمَاءِ الْعِدِّ، مَنْ وَرَدَهُ أَخَذَهُ »

وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ أَجَازُوا إِقْطَاعَ الْإِمَامِ لِلْمَعَادِنِ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ.

18- وَأَمَّا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ: فَهِيَ مَا كَانَ جَوْهَرُهُ مُسْتَكِنًّا فِيهَا، لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِالْعَمَلِ، كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ.فَهَذِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا مَعَادِنُ بَاطِنَةٌ، سَوَاءٌ احْتَاجَ الْمَأْخُوذُ مِنْهَا إِلَى سَبْكٍ وَتَصْفِيَةٍ وَتَخْلِيصٍ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ.وَقَدْ أَجَازَ إِقْطَاعَهَا الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الرَّأْيُ الرَّاجِحُ لِلشَّافِعِيَّةِ.

التَّصَرُّفُ فِي الْأَرَاضِيِ الْأَمِيرِيَّةِ:

19- يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ الْأَمِيرِيَّةَ لِلزِّرَاعَةِ، إِمَّا بِإِقَامَتِهِمْ مَقَامَ الْمُلاَّكِ فِي الزِّرَاعَةِ وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ، أَوَإِجَارَتِهَا لِلزُّرَّاعِ بِقَدْرِ الْخَرَاجِ، وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ.

وَأَمَّا إِقْطَاعُهَا أَوْ تَمْلِيكُهَا: فَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا عَامًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ لَهُ غَنَاءٌ فِي الْإِسْلَامِ، كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ مَا يَرَاهُ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحَ، وَالْأَرْضُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ.

وَعَلَى هَذَا فَمَنْ يُلْغِي إِقْطَاعَهَا لَا يُجِيزُ تَمْلِيكَهَا، أَوْ إِرْثَهَا أَوْ إِرْثَ اخْتِصَاصِهَا، وَإِنَّمَا مَنَافِعُهَا هِيَ الَّتِي تُمْلَكُ فَقَطْ.فَلَهُ إِيجَارُهَا، وَلِلْإِمَامِ إِخْرَاجُهَا عَنْهُ مَتَى شَاءَ، غَيْرَ أَنَّهُ جَرَى الرَّسْمُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنِ ابْنٍ انْتَقَلَ الِاخْتِصَاصُ لِلِابْنِ مَجَّانًا، وَإِلاَّ فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ لَهُ أَخْذُهَا بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ.وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْأَرَاضِي الْأَمِيرِيَّةُ عَامِرَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَوَاتًا فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَتُؤْخَذُ بِالْإِقْطَاعِ كَمَا سَبَقَ، وَتُورَثُ عَنْهُ إِذَا مَاتَ، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَعَلَيْهِ وَظِيفَتُهَا مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ- (أَرْضُ الْحَوْزِ).

إِقْطَاعُ الْمَرَافِقِ:

20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ وَمَا لَا غِنَى عَنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْمِلْحِ وَالْقَارِ وَنَحْوِهَا.وَكَذَلِكَ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ طُرُقٍ وَسَيْلِ مَاءٍ وَمَطْرَحِ قُمَامَةٍ وَمَلْقَى تُرَابٍ وَآلَاتٍ، فَلَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ مَصَالِحُ الْقَرْيَةِ، كَفِنَائِهَا وَمَرْعَى مَاشِيَتِهَا وَمُحْتَطَبِهَا وَطُرُقِهَا وَمَسِيلِ مَائِهَا، لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ.

إِجَارَةُ الْإِقْطَاعَاتِ وَإِعَارَتُهَا:

21- مَا أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ لِلنَّاسِ مِلْكًا، أَوِ اشْتُرِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شِرَاءً مُسَوِّغًا، فَلَا خَفَاءَ فِي جَوَازِ إِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ، حَيْثُ صَارَ مِلْكًا لِلْأَشْخَاصِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ، وَمَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ أَرْضًا إِقْطَاعَ انْتِفَاعٍ فِي مُقَابَلَةِ خِدْمَةٍ عَامَّةٍ يُؤَدِّيهَا، وَبِعِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ: فِي مُقَابَلَةِ اسْتِعْدَادِهِ لِمَا أُعِدَّ لَهُ، فَإِنَّ لِلْمُقْطَعِ إِجَارَتَهَا وَإِعَارَتَهَا، لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكَ مَنْفَعَةٍ.

وَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ، أَوْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الْأَرْضَ الْمُقْطَعَةَ مِنْهُ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ، لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَى غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ.

اسْتِرْجَاعُ الْإِقْطَاعَاتِ:

22- إِذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ أَرْضًا مَوَاتًا، وَتَمَّ إِحْيَاؤُهَا، أَوْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِلْإِحْيَاءِ، فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ الْإِقْطَاعِ مِنْ مُقْطَعِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْإِقْطَاعُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِشِرَاءٍ مَسُوغٍ أَوْ بِمُقَابِلٍ، لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَكُونُ تَمْلِيكًا بِالْإِحْيَاءِ، وَفِي الثَّانِي يَكُونُ تَمْلِيكًا بِالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُ مِنْهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ.

تَرْكُ عِمَارَةِ الْأَرْضِ الْمُقْطَعَةِ:

23- لَا يُعَارِضُ الْمُقْطَعُ إِذَا أَهْمَلَ أَرْضَهُ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ قَبْلَ طُولِ انْدِرَاسِهَا.وَقَدَّرَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ.وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُقْطَعِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ:

إِنْ أَحْيَاهَا عَالِمًا بِالْإِقْطَاعِ كَانَتْ مِلْكًا لِلْمُقْطَعِ، وَإِنْ أَحْيَاهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِالْإِقْطَاعِ، خُيِّرَ الْمُقْطَعُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَإِعْطَاءِ الْمُحْيِي نَفَقَةَ عِمَارَتِهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهَا لِلْمُحْيِي وَالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ.وَقَالَ سَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مُحْيِيهَا وَلَوْ طَالَ انْدِرَاسُهَا، وَإِنْ أَعْمَرَهَا غَيْرُهُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْأَوَّلِ.

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَاعْتَبَرُوا الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِحْيَاءِ بَدَلًا مِنْهَا.فَإِنْ مَضَى زَمَانٌ يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَائِهَا فِيهِ قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُحْيِيَهَا فَتَقِرَّ فِي يَدِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَكَ عَنْهَا لِتَعُودَ إِلَى حَالِهَا قَبْلَ الْإِقْطَاعِ.وَقَدِ اعْتَبَرَ الْحَنَابِلَةُ الْأَعْذَارَ الْمَقْبُولَةَ مُسَوِّغًا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ بِدُونِ إِحْيَاءٍ، إِلَى أَنْ يَزُولَ الْعُذْرُ.وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- جَعَلَ أَجَلَ الْإِقْطَاعِ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ التَّأْجِيلَ لَا يَلْزَمُ، وَتَأْجِيلُ عُمَرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ.

وَقْفُ الْإِقْطَاعَاتِ:

24- إِنَّ وَقْفَ الْإِقْطَاعِ يَدُورُ صِحَّةً وَعَدَمًا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ وَعَدَمِهِ لِلْوَاقِفِ، فَمَنْ أَثْبَتَهَا لَهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ حَكَمَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْإِقْطَاعِ، وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ.عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى جِهَةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا يَقِفُهُ، إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ.

الْإِقْطَاعُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ:

25- الْأَصْلُ فِي إِقْطَاعِ التَّمْلِيكِ: أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنِ الْعِوَضِ، فَإِنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا أَوْ كُلَّ عَامٍ كَذَا- جَازَ وَعُمِلَ بِهِ، وَمَحَلُّ الْعِوَضِ الْمَأْخُوذِ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ، لِعَدَمِ مِلْكِهِ لِمَا أَقْطَعَهُ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ إِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ.وَهُنَاكَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ بِخِلَافِهِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْإِقْطَاعَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ وَصِلَةٌ وَلَيْسَ بَيْعًا، وَالْأَثْمَانُ مِنْ صِفَةِ الْبَيْعِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


19-موسوعة الفقه الكويتية (ترميم)

تَرْمِيمٌ

التَّعْرِيفُ:

1- لِلتَّرْمِيمِ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ.مِنْهَا: الْإِصْلَاحُ.يُقَالُ: رَمَّمْتُ الْحَائِطَ وَغَيْرَهُ تَرْمِيمًا: أَصْلَحْتُهُ.

وَرَمَّمْتُ الشَّيْءَ أَرُمُّهُ وَأَرِمُّهُ رَمًّا وَمَرَمَّةً: إِذَا أَصْلَحْتُهُ.

وَيُقَالُ: قَدْ رَمَّ شَأْنَهُ.وَاسْتَرَمَّ الْحَائِطَ: أَيْ حَانَ لَهُ أَنْ يُرَمَّ، وَذَلِكَ إِذَا بَعُدَ عَهْدُهُ بِالتَّطْيِينِ وَنَحْوِهِ.

وَالرَّمُّ: إِصْلَاحُ الشَّيْءِ الَّذِي فَسَدَ بَعْضُهُ مِنْ نَحْوِ حَبْلٍ يَبْلَى فَيَرُمُّهُ، أَوْ دَارٍ تُرَمُّ مَرَمَّةً.

وَلَا يَخْرُجُ فِي مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ عَنْ هَذَا.

وَالتَّرْمِيمُ قَدْ يَكُونُ بِقَصْدِ التَّقْوِيَةِ، إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ، وَقَدْ يَكُونُ بِقَصْدِ التَّحْسِينِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

أَوَّلًا: تَرْمِيمُ الْوَقْفِ:

2- إِذَا احْتَاجَتْ عَيْنُ الْوَقْفِ إِلَى تَرْمِيمٍ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِهِ مِنْ غَلَّتِهِ قَبْلَ الصَّرْفِ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ صَرْفُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا، وَلَا تَبْقَى دَائِمَةً إِلاَّ بِعِمَارَتِهِ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ يُصْرَفُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، هَذَا مَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.

وَفِي هَذَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ، ثُمَّ الْفَاضِلُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، لَزِمَ النَّاظِرَ إِمْسَاكُ قَدْرِ مَا تَحْتَاجُهُ الْعِمَارَةُ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْهُ وَقْتَ الْإِمْسَاكِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْوَقْفِ بَعْدَ التَّوْزِيعِ حَدَثٌ يَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ وَلَا يَجِدُ غَلَّةً يُرَمِّمُ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ: أَنَّهُ مَعَ السُّكُوتِ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَلَا يُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَمَعَ الِاشْتِرَاطِ تُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيُدَّخَرُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا، ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إِنَّمَا جَعَلَ الْفَاضِلَ عَنْهَا لِلْفُقَرَاءِ.

وَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ دَارًا، فَعِمَارَتُهَا عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى، أَيْ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ مَالِهِ لَا مِنَ الْغَلَّةِ، إِذْ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ.وَمُفَادُهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلسُّكْنَى غَيْرَ سَاكِنٍ فِيهَا يَلْزَمُهُ التَّعْمِيرُ مَعَ السَّاكِنِينَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِحَقِّهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْوَقْفِ، فَيُعَمِّرُ مَعَهُمْ، وَإِلاَّ تُؤَجَّرُ حِصَّتُهُ.وَلَوْ أَبَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى، أَوْ عَجَزَ لِفَقْرِهِ، آجَرَهَا الْحَاكِمُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا كَعِمَارَةِ الْوَقْفِ، ثُمَّ يَرُدُّهَا بَعْدَ التَّعْمِيرِ إِلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ.

3- فَإِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْعِمَارَةِ مِنْ مَالِهِ يُؤَجِّرُهَا الْمُتَوَلِّي وَيُعَمِّرُهَا مِنْ غَلَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ لِلْغَلَّةِ.

وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ وَامْتَنَعَ مِنْ عِمَارَتِهَا يَنْصِبُ غَيْرَهُ لِيُعَمِّرَهَا، أَوْ يُعَمِّرُهَا الْحَاكِمُ.وَلَوْ احْتَاجَ الْخَانُ الْمَوْقُوفُ إِلَى الْمَرَمَّةِ آجَرَ بَيْتًا أَوْ بَيْتَيْنِ مِنْهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ، أَوْ يُؤْذَنُ لِلنَّاسِ بِالنُّزُولِ فِيهِ سَنَةً، وَيُؤَجَّرُ سَنَةً أُخْرَى، وَيُرَمُّ مِنْ أُجْرَتِهِ.

وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ إِصْلَاحَ الْوَقْفِ مِنْ غَلَّتِهِ.فَإِنْ شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ إِصْلَاحَهُ يُلْغَى الشَّرْطُ، وَالْوَقْفُ صَحِيحٌ، وَيُصْلَحُ مِنْ غَلَّتِهِ.فَإِنْ أَصْلَحَ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِصْلَاحُ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ لَا بِقِيمَتِهِ مَنْقُوضًا.

فَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ غَلَّتِهِ بِمَنَافِعِ أَهْلِهِ، وَيَتْرُكَ إِصْلَاحَ مَا تَهَدَّمَ مِنْهُ، أَوْ يَتْرُكَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ حَيَوَانًا بَطَلَ شَرْطُهُ، وَتَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِمَرَمَّتِهِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ.

وَلَمَّا كَانَتْ رَقَبَةُ الْوَقْفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْوَاقِفِ وَالْغَلَّةُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إِذَا خَرِبَ الْوَقْفُ فَلِلْوَاقِفِ إِنْ كَانَ حَيًّا- وَلِوَارِثِهِ إِنْ مَاتَ- مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إِصْلَاحَهُ إِذَا خَرِبَ أَوِ احْتَاجَ لِلْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلِأَنَّ إِصْلَاحَ الْغَيْرِ مَظِنَّةٌ لِتَغْيِيرِ مَعَالِمِهِ، وَهَذَا إِذَا أَصْلَحَهُ الْوَاقِفُ أَوْ وَرَثَتُهُ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَهُمُ الْمَنْعُ، بَلِ الْأَوْلَى لَهُمْ تَمْكِينُ مَنْ أَرَادَ بِنَاءَهُ إِذَا خَرِبَ؛ لِأَنَّهُ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْخَيْرِ.

وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَمَّا هِيَ فَقَدِ ارْتَفَعَ مِلْكُهُ عَنْهَا قَطْعًا.

وَيَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ خَرِبَتِ الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ، وَلَمْ يُعَمِّرْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ مَالٌ كَانَتْ عِمَارَتُهُ فِي مَالِ الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أُوجِرَ وَعُمِّرَ مِنْ أُجْرَتِهِ.فَإِذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُ الْوَقْفِ وَكَانَ حَيَوَانًا كَخَيْلِ الْجِهَادِ، فَالنَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

أَمَّا عِمَارَةُ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تَجِبُ لِصِيَانَةِ رُوحِهِ.وَرَيْعُ الْأَعْيَانِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ إِذَا انْهَدَمَ وَتُوُقِّعَ عَوْدُهُ حُفِظَ لَهُ، وَإِلاَّ فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ صُرِفَ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَى الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

4- أَمَّا غَيْرُ الْمُنْهَدِمِ فَمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَصَالِحِهِ يُشْتَرَى بِهَا عَقَارٌ وَيُوقَفُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَتِهِ يَجِبُ ادِّخَارُهُ لِأَجْلِهَا، وَإِلاَّ لَمْ يَعُدْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَجْلِهَا؛ لِأَنَّهُ يُعَرَّضُ لِلضَّيَاعِ أَوْ لِظَالِمٍ يَأْخُذُ.

5- وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَرْجِعُ عِنْدَهُمْ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَقْفِ وَفِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِوَقْفِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُتْبَعَ فِيهِ شَرْطُهُ.فَإِنْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا عَمِلَ بِهِ رُجُوعًا إِلَى شَرْطِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ- وَكَانَ الْمَوْقُوفُ ذَا رُوحٍ كَالْخَيْلِ- فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي تَحْبِيسَ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلَ مَنْفَعَتِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ ضَرُورَتِهِ

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْقُوفِ غَلَّةٌ لِضَعْفٍ بِهِ وَنَحْوِهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُمْ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ إِلَى مِلْكِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ آدَمِيًّا مُعَيَّنًا، مَعَ مَنْعِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ.فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَنَحْوِهِمَا بِيعَ الْوَقْفُ، وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى تَكُونُ وَقْفًا لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ.

وَلَوِ احْتَاجَ خَانٌ مُسَبَّلٌ إِلَى مَرَمَّةٍ، أَوِ احْتَاجَتْ دَارٌ مَوْقُوفَةٌ لِسُكْنَى الْحَاجِّ أَوِ الْغُزَاةِ أَوْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَنَحْوِهِمْ إِلَى مَرَمَّةٍ، يُؤَجَّرُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَرَمَّتِهِ.

6- وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِهِمْ كَالْفُقَهَاءِ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ فِيهِ.فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي عَيْنٍ أُخْرَى تَكُونُ وَقْفًا.

وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ كَالْعَقَارِ وَنَحْوِهِ مِنْ سِلَاحٍ وَمَتَاعٍ وَكُتُبٍ، لَمْ تَجِبْ عِمَارَتُهُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.فَإِنْ شَرَطَ عِمَارَتَهُ عُمِلَ بِشَرْطِهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ الْبُدَاءَةَ بِالْعِمَارَةِ أَوْ تَأْخِيرَهَا، فَيُعْمَلُ بِمَا شُرِطَ.لَكِنْ إِنْ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْجِهَةِ عُمِلَ بِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى التَّعْطِيلِ، فَإِذَا أَدَّى إِلَيْهِ قُدِّمَتِ الْعِمَارَةُ حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ.فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْبُدَاءَةَ بِالْعِمَارَةِ أَوْ تَأْخِيرَهَا، فَتُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ، مَا لَمْ يُفْضِ ذَلِكَ إِلَى تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ، فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ.

وَيَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَبَيْعُ الْبَعْضِ مَعَ بَقَاءِ الْبَعْضِ أَوْلَى، إِنِ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْفٍ).

ثَانِيًا: التَّرْمِيمُ فِي الْإِجَارَةِ:

7- إِذَا احْتَاجَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلتَّرْمِيمِ.فَإِنَّ عِمَارَتَهَا وَإِصْلَاحَ مَا تَلِفَ مِنْهَا وَكُلُّ مَا يُخِلُّ بِالسُّكْنَى عَلَى الْمُؤَجِّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَيَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَبَى صَاحِبُهَا أَنْ يَفْعَلَ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرَهَا وَهِيَ كَذَلِكَ وَقَدْ رَآهَا لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ، وَأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى إِصْلَاحِ بِئْرِ الْمَاءِ وَالْبَالُوعَةِ وَالْمَخْرَجِ إِنْ أَبَى إِصْلَاحَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إِصْلَاحِ مِلْكِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِنْ أَبَى الْمُؤَجِّرُ.

وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إِصْلَاحُ مَا تَلِفَ مِنَ الْعَيْنِ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهِ.

وَيَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ بَادَرَ الْمُؤَجِّرُ إِلَى إِصْلَاحِ مَا تَلِفَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي، وَإِلاَّ فَلَهُ الْخِيَارُ لِتَضَرُّرِهِ بِنَقْصِ الْمَنْفَعَةِ.

وَالْحَنَابِلَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ فِي هَذَا، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُكْتَرِي النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ لِعِمَارَةِ الْمَأْجُورِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ الْإِجَارَةِ، فَلَوْ عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَوْ عَمَّرَ بِإِذْنِ الْمُؤَجِّرِ رَجَعَ عَلَيْهِ.وَإِنْ أَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، لَكِنْ لَهُ أَخْذُ أَعْيَانِ آلَاتِهِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ شَرْطَ الْمَرَمَّةِ لِلدَّارِ وَتَطْيِينَهَا إِنِ احْتَاجَتْ عَلَى الْمُكْتَرِي، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ كِرَاءٍ وَجَبَ عَلَى الْمُكْتَرِي، إِمَّا فِي مُقَابَلَةِ سُكْنَى مَضَتْ، أَوْ بِاشْتِرَاطِ تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ، أَوْ يَجْرِي الْعُرْفُ بِتَعْجِيلِهِ، لَا إِنْ لَمْ يَجِبْ فَلَا يَجُوزُ.أَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَنَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الدَّارُ مِنَ الْمَرَمَّةِ وَالتَّطْيِينِ مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي، فَلَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ.

تَرْمِيمُ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ شَرِيكَيْنِ:

8- إِذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ مَا دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا مِنْ صَاحِبَيْهَا، ثُمَّ احْتَاجَتْ إِلَى مَرَمَّةٍ، فَاسْتَأْذَنَ فِيهَا وَاحِدًا مِنْهُمَا فَحَسْبُ، فَأَذِنَ لَهُ دُونَ رُجُوعٍ إِلَى شَرِيكِهِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْمَرَمَّةِ.

فَإِنْ كَانَ لِلْآذِنِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى شَرِيكِهِ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الرُّجُوعُ عَلَى آذِنِهِ بِالنَّفَقَةِ كُلًّا، ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنَ النَّفَقَةِ.وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَإِذْنُهُ لَغْوٌ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِلاَّ الرُّجُوعُ عَلَى الْآذِنِ وَحْدَهُ بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ.

ثَالِثًا: تَرْمِيمُ الرَّهْنِ:

9- كُلُّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِبَقَاءِ الرَّهْنِ وَمَصْلَحَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَذَلِكَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ.

وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ لَهُ، فَلَوْ شُرِطَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الرَّاهِنِ لَا يَلْزَمُهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» وَاَلَّذِي يَرْكَبُ هُوَ الرَّاهِنُ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ عَلَى مِلْكِهِ، فَكَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ.

وَيَقُولُ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ مُؤْنَةَ الرَّهْنِ عَلَى رَاهِنِهِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ فَكَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.

فَإِنِ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ بَذْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَخَذَ الْحَاكِمُ مِنْ مَالِهِ وَفَعَلَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ ذَلِكَ مِنَ الرَّهْنِ بِيعَ مِنْهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ فِعْلُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ إِضَاعَةِ الْكُلِّ، فَإِنْ خِيفَ اسْتِغْرَاقُ الْبَيْعِ لِلرَّهْنِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ بِيعَ كُلُّهُ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمَا.

وَإِنْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّهْنِ بِلَا إِذْنِ الرَّاهِنِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ، فَمُتَبَرِّعٌ حُكْمًا لِتَصَدُّقِهِ بِهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِعِوَضِهِ وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ، كَالصَّدَقَةِ عَلَى مِسْكِينٍ؛ وَلِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ.وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ وَأَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ رَجَعَ وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنِ الْحَاكِمَ؛ لِاحْتِيَاجِهِ لِحِرَاسَةِ حَقِّهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي (رَهْنٍ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


20-موسوعة الفقه الكويتية (جواب)

جَوَابٌ

التَّعْرِيف:

1- الْجَوَاب: رَدِيدُ الْكَلَامِ، وَالْفِعْلُ: أَجَابَ يُجِيبُ.

وَالْإِجَابَةُ رَجْعُ الْكَلَامِ، تَقُولُ: أَجَابَهُ عَنْ سُؤَالِهِ، وَقَدْ أَجَابَهُ إِجَابَةً وَإِجَابًا وَجَوَابًا.

وَالْإِجَابَةُ وَالِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنًى، يُقَالُ: اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَالِاسْمُ الْجَوَابُ.

وَالْجَوَابُ مَا يَكُونُ رَدًّا عَلَى سُؤَالٍ، أَوْ دُعَاءٍ، أَوْ دَعْوَى، أَوْ رِسَالَةٍ، أَوِ اعْتِرَاضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَجْوِبَةٌ وَجَوَابَاتٌ.

وَجَوَابُ الْقَوْلِ قَدْ يَتَضَمَّنُ تَقْرِيرَهُ، نَحْوُ: نَعَمْ، إِذَا كَانَ جَوَابًا لِقَوْلِهِ: هَلْ كَانَ كَذَا، وَنَحْوِهِ، وَقَدْ يَتَضَمَّنُ إِبْطَالَهُ، وَلَا يُسَمَّى جَوَابًا إِلاَّ بَعْدَ طَلَبٍ.وَلَا يَخْرُجُ مَعْنَاهُ فِي الِاصْطِلَاحِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْإِقْرَار:

2- الْإِقْرَار: الِاعْتِرَافُ بِالشَّيْءِ، وَالْإِخْبَارُ بِحَقٍّ لآِخَرَ، وَإِخْبَارٌ عَمَّا سَبَقَ.فَالْإِقْرَارُ قَدْ يَكُونُ جَوَابًا إِذَا كَانَ بَعْدَ طَلَبٍ، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.

الرَّدّ:

3- الرَّدّ: صَرْفُ الشَّيْءِ وَرَجْعُهُ، يُقَالُ: رَدَّهُ عَنِ الْأَمْرِ إِذَا صَرَفَهُ عَنْهُ، وَيُقَالُ: سَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ، وَرَدَدْتُ إِلَيْهِ جَوَابَهُ، وَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةَ.فَالرَّدُّ يَكُونُ جَوَابًا إِذَا كَانَ بَعْدَ طَلَبٍ فَالرَّدُّ أَعَمُّ مِنَ الْجَوَابِ.

الْقَبُول:

4- قَبُولُ الشَّيْءِ: أَخْذُهُ، وَيُقَالُ: قَبِلْتُ الشَّيْءَ إِذَا رَضِيتَهُ، وَقَبِلْتُ الْخَبَرَ إِذَا صَدَّقْتَهُ.وَيَأْتِي الْقَبُولُ فِي الْعُقُودِ جَوَابًا عَلَى الْإِيجَابِ؛ كَقَوْلِ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ، جَوَابًا لِقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيّ:

5- يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجَوَابِ بِاخْتِلَافِ مَوْضِعِهِ.فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا عَيْنِيًّا كَجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ.أَوْ وَاجِبًا كِفَائِيًّا كَجَوَابِ السَّلَامِ عَلَى جَمَاعَةٍ.

وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا كَجَوَابِ الْمُفْتِي إِذَا أَفْتَى بِمَا لَا يَعْرِفُ.وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا كَجَوَابِ قَاضِي الْحَاجَةِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ.وَيَجُوزُ التَّوَقُّفُ عَنِ الْإِجَابَةِ إِنْ كَانَ فِي الْجَوَابِ حَرَجٌ كَفِعْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مَعَ مَنْ سَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ: أَكُلَّ عَامٍ؟.

أَنْوَاعُ الْجَوَابِ:

6- الْجَوَابُ يَكُونُ بِالْقَوْلِ كَ (نَعَمْ) أَوْ (لَا) أَوْ بِجُمْلَةٍ تُفِيدُ الْمَطْلُوبَ.وَقَدْ يَكُونُ بِالْكِتَابَةِ، وَبِالْإِشَارَةِ مِنَ الْأَخْرَسِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ مِنْ أَحْكَامٍ:

أَوَّلًا: عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ:

دَلَالَةُ الْجَوَابِ عَلَى الْعُمُومِ أَوِ الْخُصُوصِ:

7- الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ إِمَّا أَنْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ، أَوْ لَا يَسْتَقِلَّ.

فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ الِابْتِدَاءُ بِهِ كَ (نَعَمْ) فَهُوَ تَابِعٌ لِلسُّؤَالِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ وَرَدَ مُبْتَدَأً كَانَ كَلَامًا تَامًّا فَفِي إِفَادَتِهِ لِلْعُمُومِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُذْكَرُ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

ثَانِيًا: عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:

الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْجَوَابِ:

8- قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَوَابِ الْتِزَامٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ (أَيِ السُّؤَالُ) إِذَا تَعَيَّنَ أَنَّهُ الْجَوَابُ وَوَقَعَ تَصْدِيقًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ إِقْرَارًا وَاعْتِرَافًا بِمَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ (السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ) يَعْنِي أَنَّ مَا قِيلَ فِي السُّؤَالِ الْمُصَدَّقِ كَأَنَّ الْمُجِيبَ الْمُصَدِّقَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ.وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَلْفَاظَ (نَعَمْ- أَجَلْ- بَلَى..) تَتَعَيَّنُ جَوَابًا وَتَصْدِيقًا لِمَا تَضَمَّنَهُ السُّؤَالُ، وَتَكُونُ الْإِجَابَةُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِقْرَارًا وَاعْتِرَافًا بِمَا جَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مِنْ صِيَغِ الْإِقْرَارِ الصَّرِيحَةِ، وَلِأَنَّ الْجَوَابَ بِهَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْجَوَابُ غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَفِيهِ احْتِمَالَاتُ الْإِخْبَارِ أَوِ الْإِنْشَاءِ، وَيَرْجِعُ غَالِبًا إِلَى النِّيَّةِ أَوْ إِلَى الْقَرَائِنِ.وَمِنْ هُنَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِهِ جَوَابًا مُلْزِمًا بِمَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ أَوْ غَيْرَ مُلْزِمٍ.

وَمِنْ تَطْبِيقَاتِ ذَلِكَ مَا يَأْتِي:

1- فِي الْإِقْرَارِ:

9- أ- إِذَا قَالَ رَجُلٌ لآِخَرَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ مَبِيعٍ، فَقَالَ: نَعَمْ يَكُونُ الْجَوَابُ بِنَعَمْ تَصْدِيقًا لِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ، فَهُوَ إِخْبَارٌ بِجَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ نَعَمْ مِنْ صِيَغِ الْإِقْرَارِ الصَّرِيحَةِ، وَقَدْ خَرَجَتْ جَوَابًا، وَجَوَابُ الْكَلَامِ إِعَادَةٌ لَهُ لُغَةً، كَأَنَّهُ قَالَ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ مَبِيعٍ.

ب- وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عِنْدَكَ أَلْفٌ؟ فَقَالَ: بَلَى؛ لِأَنَّ بَلَى جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ بِأَدَاةِ النَّفْيِ.

ج- وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ دَابَّةٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اسْتَأْجِرْهَا مِنِّي، أَوِ ادْفَعْ إِلَيَّ غَلَّتَهَا، فَقَالَ: نَعَمْ.

وَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ مُسْتَقِلًّا، كَمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لآِخَرَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: اتَّزِنْ، أَوْ خُذْ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ إِقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ خُذِ الْجَوَابَ مِنِّي، أَوِ اتَّزِنْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِي، وَهُوَ إِقْرَارٌ عِنْدَ سُحْنُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ: هِيَ صِحَاحٌ أَوْ قَالَ: خُذْهَا، أَوِ اتَّزِنْهَا، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَكُونُ إِقْرَارًا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَذْكُورِ فِي الدَّعْوَى، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ عِنْدَهُمْ) وَالْحَنَابِلَةِ لَا يَكُونُ إِقْرَارًا؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَرْجِعُ إِلَى الْمُدَّعَى وَلَمْ يُقِرَّ بِوُجُوبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ بِأَخْذِهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْوُجُوبُ.وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِقْرَارٌ).

2- فِي الطَّلَاقِ:

10- أ- جَاءَ فِي أَشْبَاهِ ابْنِ نُجَيْمٍ: مَنْ قَالَ: امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إِنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ، فَقَالَ زَيْدٌ: نَعَمْ، كَانَ زَيْدٌ حَالِفًا بِكُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَتَضَمَّنُ إِعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ.

وَمَنْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، طَلُقَتِ امْرَأَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ نَعَمْ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ، وَالْجَوَابُ الصَّرِيحُ لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ صَرِيحٌ.

ب- وَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ مُسْتَقِلًّا كَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ انْصَرَفَ إِلَى الْإِخْبَارِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِخْبَارِ، فَالْكَلَامُ السَّابِقُ مُعَادٌ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ نَوَى الْإِخْبَارَ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا (أَيْ فِي الْمَذْهَبِ) وَإِنْ نَوَى إِنْشَاءَ الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إِخْبَارًا وَلَا إِنْشَاءً فَقَوْلَانِ فِي لُزُومِ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ.

ج- وَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ إِنْشَاءً غَيْرَ خَارِجٍ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، كَانَ الْأَوَّلُ مُعَادًا فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَنَوَى الثَّلَاثَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، أَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي، أَوِ اخْتَرْتُ نَفْسِي وَلَمْ تَذْكُرِ الثَّلَاثَ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُرْجَعُ إِلَى نِيَّتِهَا فِي بَيَانِ عَدَدِ الطَّلَقَاتِ إِذَا لَمْ تُبَيِّنِ الْعَدَدَ فِي قَوْلِهَا: طَلَّقْتُ نَفْسِي.أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَيَكُونُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ تَفْوِيضِ الثَّلَاثِ، فَيَكُونُ ثَلَاثًا.

د- وَقَدْ لَا يُعْتَبَرُ الْكَلَامُ الثَّانِي جَوَابًا وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءً.وَمِثَالُ ذَلِكَ لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ: هَذَا جَوَابٌ وَزِيَادَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثِ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ فَقَدْ أَتَى بِمَا سَأَلَتْهُ وَزِيَادَةً، فَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَقَعُ الثَّلَاثُ مَجَّانًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تَصْلُحُ جَوَابًا لِلْوَاحِدَةِ، فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا فَقَدْ عَدَلَ عَمَّا سَأَلَتْهُ، فَصَارَ مُبْتَدِئًا بِالطَّلَاقِ، فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَهَا، وَأَعَادَ ذِكْرَ الْمَالِ لَزِمَ الْمَالُ.وَكَذَا إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ فِي الْأَصَحِّ، كَذَا يَنْصَرِفُ إِلَى السُّؤَالِ.وَقِيلَ: يَقَعُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ.وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ إِلَى أَبْوَابِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (طَلَاقٌ وَإِقْرَارٌ).

الِامْتِنَاعُ عَنِ الْجَوَابِ:

11- الْجَوَابُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ بِشُرُوطِهَا عِنْدَ طَلَبِ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْهُ.

فَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ عَنِ الْجَوَابِ، فَقَالَ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، أَوْ سَكَتَ عَنِ الْجَوَابِ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ حُكِمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ عَنِ الْجَوَابِ يُعَدُّ إِقْرَارًا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحَدِ أَقْوَالِ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ وَإِلاَّ جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَحَكَمْتُ عَلَيْكَ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَابَ وَإِلاَّ جَعَلَهُ نَاكِلًا وَحَكَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَاكِلٌ عَمَّا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ فِيهِ.

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ إِنْكَارٌ، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ.

وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ الْإِثْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنِ الْجَوَابِ الْوَاجِبِ كَجَوَابِ الْمُفْتِي وَالشَّاهِدِ، فَمَنْ كَتَمَ ذَلِكَ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}.وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ انْظُرْ: (فَتْوَى، شَهَادَةٌ).

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


21-موسوعة الفقه الكويتية (ربح)

رِبْحٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الرِّبْحُ وَالرَّبَحُ وَالرَّبَاحُ لُغَةً النَّمَاءُ فِي التِّجَارَةِ، وَيُسْنَدُ الْفِعْلُ إِلَى التِّجَارَةِ مَجَازًا، فَيُقَالُ: رَبِحَتْ تِجَارَتُهُ، فَهِيَ رَابِحَةٌ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}.

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: رَبِحَ فِي تِجَارَتِهِ إِذَا أَفْضَلَ فِيهَا، وَأَرْبَحَ فِيهَا: صَادَفَ سُوقًا ذَاتَ رِبْحٍ، وَأَرْبَحْتُ الرَّجُلَ إِرْبَاحًا: أَعْطَيْتُهُ رِبْحًا.

وَبِعْتُهُ الْمَتَاعَ وَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُرَابَحَةً: إِذَا سَمَّيْتُ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنَ الثَّمَنِ رِبْحًا.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

النَّمَاءُ:

2- النَّمَاءُ الزِّيَادَةُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِمَّا نَامٍ أَوْ صَامِتٌ، فَالنَّامِي مِثْلُ النَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ، وَالصَّامِتُ كَالْحَجَرِ وَالْجَبَلِ، وَالنَّمَاءُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مَجَازٌ، وَفِي الْمَاشِيَةِ حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ بِتَوَالُدِهَا.وَالنَّمَاءُ قَدْ يَكُونُ بِطَبِيعَةِ الشَّيْءِ أَوْ بِالْعَمَلِ.فَالنَّمَاءُ أَعَمُّ مِنَ الرِّبْحِ.

الْغَلَّةُ:

3- تُطْلَقُ الْغَلَّةُ عَلَى الدَّخْلِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ رَيْعِ الْأَرْضِ أَوْ أُجْرَتِهَا، أَوْ أُجْرَةِ الدَّارِ وَاللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ» قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هُوَ كَحَدِيثِهِ- صلى الله عليه وسلم-.الْآخَرِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ».

وَاسْتِغْلَالُ الْمُسْتَغَلاَّتِ، أَخْذُ غَلَّتِهَا، وَأَغَلَّتِ الضَّيْعَةُ أَعْطَتِ الْغَلَّةَ فَهِيَ مُغِلَّةٌ: إِذَا أَتَتْ بِشَيْءٍ وَأَصْلُهَا بَاقٍ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

4- الرِّبْحُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا، أَوْ غَيْرَ مَشْرُوعٍ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ.

فَالرِّبْحُ الْمَشْرُوعُ هُوَ مَا نَتَجَ عَنْ تَصَرُّفٍ مُبَاحٍ كَالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، مِثْلِ الْبَيْعِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَغَيْرِهَا فَالرِّبْحُ النَّاتِجُ عَنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُبَاحَةِ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ مُرَاعَاةِ أَنَّ لِكُلِّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ قَوَاعِدَ وَشَرَائِطَ شَرْعِيَّةً لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (بَيْعٌ، شَرِكَةٌ، مُرَابَحَةٌ).

وَالرِّبْحُ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ: هُوَ مَا نَتَجَ عَنْ تَصَرُّفٍ مُحَرَّمٍ كَالرِّبَا وَالْقِمَارِ وَالتِّجَارَةِ بِالْمُحَرَّمَاتِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.

وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ» (ر: رِبًا، أَشْرِبَةٌ، بَيْعٌ).

وَأَمَّا الرِّبْحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، فَمِنْهُ مَا نَتَجَ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيمَا كَانَ تَحْتَ يَدِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَالْمُودَعِ، أَمْ يَدَ ضَمَانٍ كَالْغَاصِبِ وَخِلَافِهِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

فَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَا يَطِيبُ لِمَنْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوِ الْوَدِيعَةِ، هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصَرُّفُ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ.أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا الْمِلْكُ؛ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إِذَا ضُمِّنَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّصَرُّفَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ وَضَمَانِهِ، لَكِنَّهُ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، إِذِ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ، وَأَصْلُهُ «حَدِيثُ الشَّاةِ حَيْثُ أَمَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِالتَّصَدُّقِ بِلَحْمِهَا عَلَى الْأَسْرَى».

وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَظْهَرِ فَالرِّبْحُ لِمَنْ تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ لَضَمِنَهَا، وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: لَوِ اتَّجَرَ الْغَاصِبُ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ فِي ثَمَنِهِ وَرَبِحَ رَدَّ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، أَمَّا إِذَا اشْتَرَى بِعَيْنِهِ فَالْجَدِيدُ بُطْلَانُهُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَوْ مَالِكِ الْمَغْصُوبِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا غَصَبَ أَثْمَانًا فَاتَّجَرَ بِهَا أَوْ عُرُوضًا فَبَاعَهَا وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهَا فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ.وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، قَالَ الشَّرِيفُ: وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ.

وَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ الْأَثْمَانَ فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ، فَكَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَالرِّبْحُ لَهُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حَصَلَ خُسْرَانٌ فَهُوَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ.

الرِّبْحُ فِي الْمُضَارَبَةِ:

5- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَحْدِيدَ النِّسْبَةِ فِي قِسْمَةِ الرِّبْحِ مِنْ أَرْكَانِ صِحَّةِ عَقْدِ الْقِرَاضِ (الْمُضَارَبَةِ) وَيَكُونُ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنَ التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاضُلِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ، أَوْ رُبُعُهُ، أَوْ خُمُسُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، أَيْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَشْرِطَ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيِ الرِّبْحِ، أَوْ ثُلُثَهُ، أَوْ رُبُعَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ النِّسَبِ، كَثِيرَةً كَانَتْ أَوْ قَلِيلَةً، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ: خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي، أَوْ قَالَ: كُلُّهُ لَكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ رِعَايَةً لِلَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالرِّبْحِ انْتَفَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَكُونُ مُضَارَبَةً صَحِيحَةً فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي التَّرَاضِي فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا الرِّبْحَ فَكَأَنَّهُ وَهَبَ الْآخَرَ نَصِيبَهُ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي كَانَ إِبْضَاعًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَالْإِبْضَاعُ بَعْثُ الْمَالِ مَعَ مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا، وَالْبِضَاعَةُ الْمَالُ الْمَبْعُوثُ، وَمِنَ الصِّيَغِ الصَّحِيحَةِ لِلْإِبْضَاعِ قَوْلُ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ: خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاتَّجِرْ بِهِ أَوْ تَصَرَّفْ فِيهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَبْضَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ.أَمَّا إِذَا قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ، فَقَرْضٌ، وَقَدْ جَرَى مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا قَالَ: أَبْضَعْتُكَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَكَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ قِرَاضٌ فَاسِدٌ رِعَايَةً لِلْمَعْنَى.وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ إِبْضَاعٌ رِعَايَةً لِلَّفْظِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِبْضَاعٌ، مُضَارَبَةٌ، قَرْضٌ).

الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ:

6- الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوِ الشُّرَكَاءِ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ أَوْ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِيهِ مَعَ تَفَاضُلِهِمَا فِي الْمَالِ وَأَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِمَّا يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، فَجَازَ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ مَعَ وُجُودِ الْعَمَلِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنَ الْآخَرِ وَأَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، كَمَا يَشْتَرِطُ الرِّبْحَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِ الْمُضَارِبِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ فَإِنْ تَسَاوَى الْمَالَانِ فَالرِّبْحُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِالتَّسَاوِي، وَإِنْ تَفَاضَلَ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُتَفَاضِلًا، سَوَاءٌ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ ثَمَرَةُ الْمَالَيْنِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِهِمَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا مِنَ الرِّبْحِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ فِي الْمَالِ.

وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَرِكَة).

زَكَاةُ رِبْحِ التِّجَارَةِ:

7- يُضَمُّ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إِلَى الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَجْلِ حِسَابِ الزَّكَاةِ.فَلَوِ اشْتَرَى مَثَلًا عَرْضًا فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْلِ، سَوَاءٌ حَصَلَ الرِّبْحُ فِي نَفْسِ الْعَرَضِ كَسِمَنِ الْحَيَوَانِ، أَمْ بِارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ، قِيَاسًا عَلَى النِّتَاجِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى حَوْلِ كُلِّ زِيَادَةٍ مَعَ اضْطِرَابِ الْأَسْوَاقِ مِمَّا يَشُقُّ؛ وَلِأَنَّهُ نَمَاءٌ جَارٍ فِي الْحَوْلِ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ فِي الْمِلْكِ فَكَانَ مَضْمُومًا إِلَيْهِ فِي الْحَوْلِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ هُوَ خِلَافُ الْأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَضُمُّ الرِّبْحَ إِلَى الْأَصْلِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نُضُوضٌ فَإِنْ كَانَ فَلَا يَضُمُّ بَلْ يُزَكِّي الْأَصْلَ لِحَوْلِهِ وَيَسْتَأْنِفُ لِلرِّبْحِ حَوْلًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهُ يَبْنِي حَوْلَ كُلِّ مُسْتَفَادٍ عَلَى حَوْلِ جِنْسِهِ نَمَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.

وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ).

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


22-موسوعة الفقه الكويتية (زكاة 6)

زَكَاة -6

تَقْوِيمُ دَيْنِ التَّاجِرِ النَّاشِئِ عَنِ التِّجَارَةِ:

94- مَا كَانَ لِلتَّاجِرِ مِنَ الدَّيْنِ الْمَرْجُوِّ إِنْ كَانَ سِلَعًا عَيْنِيَّةً- أَيْ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ- فَإِنَّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ مُدِيرًا- لَا مُحْتَكِرًا- يُقَوِّمُهُ بِنَقْدٍ حَالٍّ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ طَعَامَ سَلَمٍ، وَلَا يَضُرُّ تَقْوِيمُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا لَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إِلَى بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَرْجُوُّ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَكَانَ مُؤَجَّلًا، فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهُ بِعَرْضٍ، ثُمَّ يُقَوِّمُ الْعَرْضَ بِنَقْدٍ حَالٍّ، فَيُزَكِّي تِلْكَ الْقِيمَةَ لِأَنَّهَا الَّتِي تُمْلَكُ لَوْ قَامَ عَلَى الْمَدِينِ غُرَمَاؤُهُ.

أَمَّا الدَّيْنُ غَيْرُ الْمَرْجُوِّ فَلَا يُقَوِّمْهُ لِيُزَكِّيَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، فَالظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ يُحْسَبُ لِلزَّكَاةِ بِكَمَالِهِ إِذَا كَانَ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ.

إِخْرَاجُ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ نَقْدًا أَوْ مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِ:

95- الْأَصْلُ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَنْ يُخْرِجَهَا نَقْدًا بِنِسْبَةِ رُبُعِ الْعُشْرِ مِنْ قِيمَتِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، لِقَوْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه- لِحَمَاسٍ: قَوِّمْهَا ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا.

فَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَجْزَأَ اتِّفَاقًا.

وَإِنْ أَخْرَجَ عُرُوضًا عَنِ الْعُرُوضِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ.

فَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ بِالْقِيمَةِ، فَكَانَتِ الزَّكَاةُ مِنَ الْقِيمَةِ، كَمَا إِنَّ الْبَقَرَ لَمَّا كَانَ نِصَابُهَا مُعْتَبَرًا بِأَعْيَانِهَا، وَجَبَتِ الزَّكَاةُ مِنْ أَعْيَانِهَا، وَكَذَا سَائِرُ الْأَمْوَالِ غَيْرِ التِّجَارَةِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيَّةِ قَدِيمٌ: يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْعَرْضِ أَوْ مِنَ الْقِيمَةِ فَيُجْزِئُ إِخْرَاجُ عَرْضٍ بِقِيمَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةِ الْعُرُوضِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَكَذَلِكَ زَكَاةُ غَيْرِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ حَتَّى النَّقْدَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ وَلَوْ كَانَتْ لِلسَّوْمِ لَا لِلتِّجَارَةِ، وَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ لِلشَّافِعِيَّةِ قَدِيمٍ: أَنَّ زَكَاةَ الْعُرُوضِ تُخْرَجُ مِنْهَا لَا مِنْ ثَمَنِهَا، فَلَوْ أُخْرِجَ مِنَ الثَّمَنِ لَمْ يُجْزِئْ.

زَكَاةُ مَالِ التِّجَارَةِ الَّذِي بِيَدِ الْمُضَارِبِ:

96- مَنْ أَعْطَى مَالَهُ مُضَارَبَةً لِإِنْسَانٍ فَرَبِحَ فَزَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ اتِّفَاقًا، أَمَّا الرِّبْحُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ عَلَى الْمُضَارِبِ زَكَاةَ حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ إِنْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَتَمَّ نَصِيبُهُ نِصَابًا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَالَ الْقِرَاضِ يُزَكِّي مِنْهُ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَحِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ كُلَّ عَامٍ، وَهَذَا إِنْ كَانَ تَاجِرًا مُدِيرًا، وَكَذَا إِنْ كَانَ مُحْتَكِرًا وَكَانَ عَامِلُ الْقِرَاضِ مُدِيرًا، وَكَانَ مَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِ رَبِّ الْمَالِ الْأَكْثَرَ، وَمَا بِيَدِ رَبِّهِ الْمُحْتَكِرِ الْأَقَلَّ.

وَأَمَّا الْعَامِلُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ إِلاَّ بَعْدَ الْمُفَاصَلَةِ فَيُزَكِّيهَا إِذَا قَبَضَهَا لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْأَظْهَرِ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ وَرِبْحَهُ كُلَّهَا عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حُسِبَتْ مِنَ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَئُونَةِ الْمَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ مِلْكُهُ، وَلَا يَمْلِكُ الْعَامِلُ شَيْئًا وَلَوْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ حَتَّى تَتِمَّ الْقِسْمَةُ.

هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةَ حِصَّتِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ زَكَاةَ الْمَالِ كُلِّهِ مَا عَدَا نَصِيبَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْعَامِلِ لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ زَكَاةُ مَالِ غَيْرِهِ.وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِنْ مَئُونَتِهِ، وَتُحْسَبُ مِنَ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ.وَأَمَّا الْعَامِلُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي نَصِيبِهِ مَا لَمْ يَقْتَسِمَا، فَإِذَا اقْتَسَمَا اسْتَأْنَفَ الْعَامِلُ حَوْلًا مِنْ حِينَئِذٍ.وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَحْتَسِبُ مِنْ حِينِ ظُهُورِ الرِّبْحِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ.

رَابِعًا: زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ:

مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ أَجْنَاسِ النَّبَاتِ:

97- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ فِي التَّمْرِ (ثَمَرِ النَّخْلِ) وَالْعِنَبِ (ثَمَرِ الْكَرْمِ) مِنَ الثِّمَارِ، وَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ مِنَ الزُّرُوعِ الزَّكَاةَ إِذَا تَمَّتْ شُرُوطُهَا.وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- مَرْفُوعًا: «الزَّكَاةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» وَفِي لَفْظٍ «الْعُشْرُ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ» وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- قَالَ: «إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ» وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ (((«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُمَا إِلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ».

98- ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَا عَدَا هَذِهِ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ:

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي كُلِّ مَا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ اسْتِنْمَاءُ الْأَرْضِ، مِنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْأَبَازِيرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ، دُونَ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ ذَلِكَ

عَادَةً كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ (أَيِ الْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ بِخِلَافِ قَصَبِ السُّكَّرِ) وَالتِّبْنِ وَشَجَرِ الْقُطْنِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَبَذْرِ الْبِطِّيخِ وَالْبُذُورِ الَّتِي لِلْأَدْوِيَةِ كَالْحُلْبَةِ وَالشُّونِيزِ، لَكِنْ لَوْ قَصَدَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا أَنْ يَشْغَلَ أَرْضَهُ بِهَا لِأَجْلِ الِاسْتِنْمَاءِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، فَالْمَدَارُ عَلَى الْقَصْدِ.

وَاحْتُجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ».فَإِنَّهُ عَامٌّ فَيُؤْخَذُ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ نَمَاءُ الْأَرْضِ وَاسْتِغْلَالُهَا فَأَشْبَهَ الْحَبَّ.

وَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إِلاَّ فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ حَوْلًا.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ، فَأَمَّا الثِّمَارُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ مِنْهَا زَكَاةٌ غَيْرُ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ، وَأَمَّا الْحُبُوبُ، فَيُؤْخَذُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأُرْزِ وَالْعَلَسِ، وَمِنَ الْقَطَانِيِّ السَّبْعَةِ الْحِمَّصِ وَالْفُولِ وَالْعَدَسِ وَاللُّوبِيَا وَالتُّرْمُسِ وَالْجُلُبَّانِ وَالْبَسِيلَةِ، وَذَوَاتِ الزُّيُوتِ الْأَرْبَعِ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَالْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْفُجْلِ.فَهِيَ كُلُّهَا عِشْرُونَ جِنْسًا، لَا يُؤْخَذُ مِنْ شَيْءٍ سِوَاهَا زَكَاةٌ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ إِلاَّ مَا كَانَ قُوتًا.

وَالْقُوتُ هُوَ مَا بِهِ يَعِيشُ الْبَدَنُ غَالِبًا دُونَ مَا يُؤْكَلُ تَنَعُّمًا أَوْ تَدَاوِيًا، فَتَجِبُ الزَّكَاةُ مِنَ الثِّمَارِ فِي الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ خَاصَّةً، وَمِنَ الْحُبُوبِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ وَالْعَدَسِ وَسَائِرِ مَا يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَالْبَاقِلَاءِ، وَلَا تَجِبُ فِي السِّمْسِمِ وَالتِّينِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهَا وَالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَالْقُرْطُمِ.

وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي كُلِّ مَا اسْتَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّونَ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَكَانَ مِمَّا يَجْمَعُ وَصْفَيْنِ: الْكَيْلُ، وَالْيُبْسُ مَعَ الْبَقَاءِ (أَيْ إِمْكَانِيَّةِ الِادِّخَارِ) وَهَذَا يَشْمَلُ أَنْوَاعًا سَبْعَةً:

الْأَوَّلُ: مَا كَانَ قُوتًا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ.

الثَّانِي: الْقُطْنِيَّاتُ كَالْفُولِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالْمَاشِّ وَاللُّوبِيَا.

الثَّالِثُ: الْأَبَازِيرُ، كَالْكُسْفَرَةِ وَالْكَمُّونِ وَالْكَرَاوْيَا.

الرَّابِعُ: الْبُذُورُ، وَبَذْرُ الْخِيَارِ، وَبَذْرُ الْبِطِّيخِ، وَبَذْرُ الْقِثَّاءِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا يُؤْكَلُ، أَوْ لَا يُؤْكَلُ كَبُذُورِ الْكَتَّانِ وَبُذُورِ الْقُطْنِ وَبُذُورِ الرَّيَاحِينِ.

الْخَامِسُ: حَبُّ الْبُقُولِ كَالرَّشَادِ وَحَبِّ الْفُجْلِ وَالْقُرْطُمِ وَالْحُلْبَةِ وَالْخَرْدَلِ.

السَّادِسُ: الثِّمَارُ الَّتِي تُجَفَّفُ، وَتُدَّخَرُ كَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ.

السَّابِعُ: مَا لَمْ يَكُنْ حَبًّا وَلَا ثَمَرًا لَكِنَّهُ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ كَسَعْتَرٍ وَسُمَّاقٍ، أَوْ وَرَقِ شَجَرٍ يُقْصَدُ كَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَالْآسِ.

قَالُوا: وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَالْخُضَارِ كُلِّهَا، وَكَثِمَارِ التُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَالتِّينِ وَالتُّوتِ وَالْمَوْزِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُرْتُقَالِ وَبَقِيَّةِ الْفَوَاكِهِ، وَلَا فِي الْجَوْزِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ، وَلَا تَجِبُ فِي الْقَصَبِ وَلَا فِي الْبُقُولِ كَالْفُجْلِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، وَلَا فِي نَحْوِ الْقُطْنِ وَالْقُنَّبِ وَالْكَتَّانِ وَالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِ جَرِيدِ النَّخْلِ وَخُوصِهِ وَلِيفِهِ.وَفِي الزَّيْتُونِ عِنْدَهُمُ اخْتِلَافٌ يَأْتِي بَيَانُهُ.

وَاحْتَجَّ الْحَنَابِلَةُ لِذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ، وَأَمَّا الِادِّخَارُ فَلِأَنَّ غَيْرَ الْمُدَّخَرِ لَا تَكْمُلُ فِيهِ النِّعْمَةُ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِهِ مَآلًا.

وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ غَيْرِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْأَرْبَعَةِ، لِأَنَّ النَّصَّ بِهَا وَرَدَ؛ وَلِأَنَّهَا غَالِبُ الْأَقْوَاتِ وَلَا يُسَاوِيهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى وَفِي كَثْرَةِ نَفْعِهَا شَيْءٌ غَيْرُهَا، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا شَيْءٌ.

وَاحْتَجَّ مَنْ عَدَا أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى انْتِفَاءِ الزَّكَاةِ فِي الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَعَلَى انْتِفَائِهَا فِي نَحْوِ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ مِنَ الثِّمَارِ بِمَا وَرَدَ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ وَكَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ عَلَى الطَّائِفِ: أَنَّ قِبَلَهُ حِيطَانًا فِيهَا مِنَ الفرسك (الْخَوْخِ) وَالرُّمَّانِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ غَلَّةِ الْكُرُومِ أَضْعَافًا فَكَتَبَ يَسْتَأْمِرُ فِي الْعُشْرِ.فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهَا عُشْرٌ، وَقَالَ: هِيَ مِنَ الْعُفَاةِ كُلِّهَا وَلَيْسَ فِيهَا عُشْرٌ.

الزَّكَاةُ فِي الزَّيْتُونِ:

99- تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الزَّيْتُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الزَّيْتُونَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ.وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ ادِّخَارُ غَلَّتِهِ فَأَشْبَهَ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الزَّيْتُونِ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ يَابِسًا، فَهُوَ كَالْخَضْرَاوَاتِ.

شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ:

100- لَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ اتِّفَاقًا، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَلِأَنَّ الْخَارِجَ نَمَاءٌ فِي ذَاتِهِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَوْرًا كَالْمَعْدِنِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ فَإِنَّمَا اشْتُرِطَ فِيهَا الْحَوْلُ لِيُمْكِنَ فِيهِ الِاسْتِثْمَارُ.

وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ مَا يَلِي:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ النِّصَابُ: وَنِصَابُهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَبِهِ قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَا يُوسَقُ، لِمَا فِي حَدِيثِ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ» وَالْوَسْقُ لُغَةً: حِمْلُ الْبَعِيرِ، وَهُوَ فِي الْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ وَنَحْوِهِمَا سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- (وَيُنْظَرُ تَحْرِيرُ مِقْدَارِ الصَّاعِ فِي مُصْطَلَحِ: مَقَادِيرُ) فَالنِّصَابُ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُشْتَرَطُ نِصَابٌ لِزَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مَا لَمْ يَكُنْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ.

النِّصَابُ فِيمَا لَا يُكَالُ:

101- ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ مَا لَا يُوسَقُ فَنِصَابُهُ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ أَدْنَى نِصَابٍ مِمَّا يُوسَقُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِلاَّ فَلَا.

وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ نِصَابَهُ خَمْسَةُ أَمْثَالِ مَا يُقَدَّرُ بِهِ، فَفِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ، وَفِي الْعَسَلِ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ، وَفِي السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ.

وَفِي النِّصَابِ مَسَائِلُ:

أ- مَا يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ:

102- تُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ، كَأَنْوَاعِ التَّمْرِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا تَمْرٌ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ شَقَّ أُخْرِجَ مِنَ الْوَسَطِ..وَيُضَمُّ الْجَيِّدُ مِنَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إِلَى الرَّدِيءِ مِنْهُ وَلَا يُكَمَّلُ جِنْسٌ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَلَا يُضَمُّ التَّمْرُ إِلَى الزَّبِيبِ وَلَا أَيٌّ مِنْهُمَا إِلَى الْحِنْطَةِ أَوِ الشَّعِيرِ.

إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ أَوْ أَنْوَاعٌ، كَالْعَلَسِ وَكَانَ قُوتُ صَنْعَاءَ الْيَمَنِ، فَقَدْ قِيلَ: هُوَ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُكَمَّلَ نِصَابًا وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحِنْطَةِ، فَيُضَمُّ إِلَيْهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَقَوْلُ مَالِكٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ، وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ أَجْنَاسٌ ثَلَاثَةٌ لَا يُضَمُّ أَحَدُهَا إِلَى الْآخَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْقَمْحَ جِنْسٌ وَأَنَّ الشَّعِيرَ وَالسُّلْتَ نَوْعَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ يُكَمَّلُ النِّصَابُ مِنْهَا جَمِيعًا.بِخِلَافِ الْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ فَهِيَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقَطَانِيُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهِيَ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ تُضَمُّ الْقَطَانِيُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

ضَمُّ غَلَّةِ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ:

103- لَا تُضَمُّ ثَمَرَةُ عَامٍ إِلَى ثَمَرَةِ عَامٍ آخَرَ وَلَا الْحَاصِلُ مِنَ الْحَبِّ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ، فَقَدْ فَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، فَأَمَّا الزَّرْعُ فَيُضَمُّ مَا زُرِعَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، كَالذُّرَةِ تُزْرَعُ فِي الرَّبِيعِ وَفِي الْخَرِيفِ، وَأَمَّا الثَّمَرُ إِذَا اخْتَلَفَ إِدْرَاكُهُ فَلَا يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوِ اخْتَلَفَ إِدْرَاكُهُ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَاخْتِلَافِ بِلَادِهِ حَرَارَةً وَبُرُودَةً، وَكَمَا لَوْ أَطْلَعَ النَّخْلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ فَلَا يُضَمُّ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: إِنْ أَطْلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جِدَادِ الْأَوَّلِ فَلَا يُضَمُّ وَإِلاَّ فَيُضَمُّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لِلضَّمِّ أَنْ يُزْرَعَ أَحَدُهَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ حَصَادِ الْآخَرِ وَهُوَ وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَبْقَى مِنْ حَبِّ الْأَوَّلِ إِلَى اسْتِحْقَاقِ حَصَادِ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يُحْصَدْ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، أَمَّا لَوْ أُكِلَ الْأَوَّلُ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الثَّانِي، فَلَا يُضَمُّ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ بَلْ إِنْ كَانَ الثَّانِي نِصَابًا زُكِّيَ، وَإِلاَّ فَلَا.وَكَذَا يُضَمُّ زَرْعٌ ثَانٍ إِلَى أَوَّلٍ، وَثَانٍ إِلَى ثَالِثٍ، إِنْ كَانَ فِيهِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَهَذَا إِنْ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاةَ الْأَوَّلَيْنِ حَتَّى يَحْصُدَ الثَّالِثَ.وَحَيْثُ ضَمَّ أَصْنَافًا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ بِحَسَبِهِ.

وَأَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ الْقَوْلَ أَنَّ زَرْعَ الْعَامِ الْوَاحِدِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ إِذَا اتَّفَقَ الْجِنْسُ، وَكَذَا ثَمَرَةُ الْعَامِ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ مِمَّا يَحْمِلُ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ كَالذُّرَةِ، أَوْ لَا.

104- وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ النِّصَابِ اتِّحَادُ الْمَالِكِ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ مُشْتَرَكًا، أَوْ مُخْتَلِطًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ مَا يَمْلِكُهُ الْمُزَكِّي مِنْهُ وَحْدَهُ نِصَابًا، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ وَالْمُخْتَلِطَ يُزَكَّى زَكَاةَ مَالٍ وَاحِدٍ فَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُهُ نِصَابًا زُكِّيَ، وَإِلاَّ فَلَا.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (خُلْطَة).

وَلَا تَرِدُ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتُ كُلُّهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ النِّصَابَ هُنَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ فِي قَلِيلِ الزُّرُوعِ وَكَثِيرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

ب- نِصَابُ مَا لَهُ قِشْرٌ، وَمَا يَنْقُصُ كَيْلُهُ بِالْيُبْسِ:

105- يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ، وَبَعْدَ الْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ مِنَ الْعِنَبِ لَا يَجِيءُ مِنْهَا بَعْدَ الْجَفَافِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ مِنَ الزَّبِيبِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَفَافَ هُوَ وَقْتُ وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ، فَاعْتُبِرَ النِّصَابُ بِحَالِ الثِّمَارِ وَقْتَ الْوُجُوبِ.

وَالْمُرَادُ بِتَصْفِيَةِ الْحَبِّ فَصْلُهُ مِنَ التِّبْنِ وَمِنَ الْقِشْرِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ.

وَهَذَا إِنْ كَانَ الْحَبُّ يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ.أَمَّا إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصْلُحُ ادِّخَارُهُ إِلاَّ فِي قِشْرِهِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ مَعَهُ كَالْعَلَسِ، وَهُوَ حَبٌّ شَبِيهٌ بِالْحِنْطَةِ، وَالْأُرْزِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ إِذْ يُخَزِّنُونَهُ بِقِشْرِهِ، فَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّ نِصَابَهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ اعْتِبَارًا لِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يُعْتَبَرُ مَا يَكُونُ صَافِيهِ نِصَابًا، وَيُؤْخَذُ الْوَاجِبُ مِنْهُ بِالْقِشْرِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: بَلْ يُحْسَبُ فِي النِّصَابِ قِشْرُ الْأُرْزِ وَالْعَلَسِ الَّذِي يُخَزَّنَانِ بِهِ كَقِشْرِ الشَّعِيرِ فَلَوْ كَانَ الْأُرْزُ مَقْشُورًا أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ فَإِنْ كَانَ بِقِشْرِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زُكِّيَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا زَكَاةَ، وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَاجِبَ مَقْشُورًا أَوْ غَيْرَ مَقْشُورٍ، وَأَمَّا الْقِشْرُ الَّذِي لَا يُخَزَّنُ الْحَبُّ بِهِ كَقِشْرِ الْفُولِ الْأَعْلَى فَيَحْتَسِبُ فِيهِ الزَّكَاةَ مُقَدَّرَ الْجَفَافِ.

وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَبِّ وَالثَّمَرِ:

106- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ مَا عَدَا ابْنَ عَرَفَةَ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا تَجِبُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ، وَطِيبِ الثَّمَرِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ، وَالْمُرَادُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ طِيبُهُ وَاسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ السَّقْيِ، وَإِنْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ لِتَمَامِ طِيبِهِ، وَطِيبُ الثَّمَرِ نَحْوُ أَنْ يُزْهِيَ الْبُسْرُ، أَوْ تَظْهَرَ الْحَلَاوَةُ فِي الْعِنَبِ.قَالُوا: لِأَنَّ الْحَبَّ بِاشْتِدَادِهِ يَكُونُ طَعَامًا حَقِيقَةً وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَقْلٌ، وَالثَّمَرَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بَلَحٌ وَحِصْرِمٌ، وَبَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ ثَمَرَةٌ كَامِلَةٌ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ الْخَرْصِ، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا انْعِقَادُ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَلَا يَكُونُ الْإِخْرَاجُ إِلاَّ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالْجَفَافِ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالْيُبْسِ وَاسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ.

وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِحَصَادِ الثَّمَرَةِ وَجَعْلِهَا فِي الْجَرِينِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَثْبُتُ الْوُجُوبُ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ، وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي الزَّرْعِ، وَيَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ بِجَعْلِ الثَّمَرَةِ أَوِ الزَّرْعِ فِي الْجَرِينِ أَوِ الْبَيْدَرِ، فَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْحُبُوبِ بِجَائِحَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عَنْهُ، أَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ فَلَوْ بِيعَ النَّخْلُ أَوِ الْأَرْضُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْوَرَثَةِ إِنْ بَقِيَ إِلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ وَبَلَغَ نَصِيبُ الْوَارِثِ نِصَابًا، وَكَذَا إِنْ أَوْصَى بِهَا وَمَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ أَكَلَ مِنَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ مَا أَكَلَ، وَلَوْ نَقَصَتْ عَنِ النِّصَابِ بِمَا أَكَلَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَاعَ أَوْ أَوْصَى بِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ.

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ حَصَلَ عَلَى نِصَابٍ مِنْ لِقَاطِ السُّنْبُلِ أَوْ أُجْرَةِ الْحَصَادِ، أَوْ مَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الْحَبِّ أَوِ الْعَفْصِ وَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ.

مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِي حَالِ اخْتِلَافِ مَالِكِ الْغَلَّةِ عَنْ مَالِكِ الْأَرْضِ:

107- إِنْ كَانَ مَالِكُ الزَّرْعِ عِنْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ هُوَ مَالِكُ الْأَرْضِ، فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ.أَمَّا إِنْ كَانَ مَالِكُ الزَّرْعِ غَيْرَ مَالِكِ الْأَرْضِ فَلِذَلِكَ صُوَرٌ:

أ- الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ:

108- أَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي أُقِرَّتْ بِأَيْدِي أَصْحَابِهَا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ وَلَنَا عَلَيْهَا الْخَرَاجُ، مَتَى أَسْلَمُوا سَقَطَ خَرَاجُهَا، وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ فِي غَلَّتِهَا الزَّكَاةُ، فَإِنِ اشْتَرَاهَا مِنَ الذِّمِّيِّ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَأَرْضُ الْعَنْوَةِ الَّتِي مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ وَحِيزَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَهَذِهِ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ اتِّفَاقًا، سَوَاءٌ بَقِيَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ عَلَى دِينِهِ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَاجٌ بِمَعْنَى الْأُجْرَةِ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يَجِبُ فِي غَلَّتِهَا إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مُسْلِمًا الزَّكَاةُ أَيْضًا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْخَرَاجَ يُؤَدَّى أَوَّلًا، ثُمَّ يُزَكَّى مَا بَقِيَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي غَلَّةِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخَرَاجَ مَئُونَةُ الْأَرْضِ، وَالْعُشْرُ فِيهِ مَعْنَى الْمَئُونَةِ، فَلَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (خَرَاج).

ب- الْأَرْضُ الْمُسْتَعَارَةُ وَالْمُسْتَأْجَرَةُ:

109- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ) إِلَى أَنَّ مَنِ اسْتَعَارَ أَرْضًا أَوِ اسْتَأْجَرَهَا فَزَرَعَهَا، فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ مِلْكُهُ، وَالْعِبْرَةُ فِي الزَّكَاةِ بِمِلْكِيَّةِ الثَّمَرَةِ لَا بِمِلْكِيَّةِ الْأَرْضِ أَوِ الشَّجَرِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْعُشْرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ الْأَرْضَ كَمَا تُسْتَنْمَى بِالزِّرَاعَةِ تُسْتَنْمَى بِالْإِجَارَةِ.

ج- الْأَرْضُ الَّتِي تُسْتَغَلُّ بِالْمُزَارَعَةِ أَوِ الْمُسَاقَاةِ:

110- ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْعُشْرَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ كُلٌّ بِحَسَبِ نَصِيبِهِ مِنَ الْغَلَّةِ إِنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ نِصَابًا، وَمَنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ فَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ أَرْضٍ غَيْرِهَا مَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ.وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَجْعَلُ الْخُلْطَةَ مُؤَثِّرَةً فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ.

أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَجْعَلُ الْخُلْطَةَ مُؤَثِّرَةً فِيهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ غَلَّةُ الْأَرْضِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ يَكُونُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عُشْرُ نَصِيبِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا عُشْرَ عَلَيْهِ، كَالذِّمِّيِّ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعُشْرُ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عِنْدَهُ فَاسِدَةٌ، فَالْخَارِجُ مِنْهَا لَهُ، تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْحَائِطِ (الْبُسْتَانِ) الْمُسَاقَى عَلَيْهِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَرَةِ إِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا، أَوْ كَانَ لِرَبِّ الْحَائِطِ مَا إِنْ ضَمَّهُ إِلَيْهَا بَلَغَتْ نِصَابًا، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تُشْتَرَطَ الزَّكَاةُ فِي حَظِّ رَبِّ الْحَائِطِ أَوِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ سَاقَاهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا فَشَأْنُ الزَّكَاةِ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ نَقْلًا عَنْ مَالِكٍ: إِنَّ الْمُسَاقَاةَ تُزَكَّى عَلَى مِلْكِ رَبِّ الْحَائِطِ فَيَجِبُ ضَمُّهَا إِلَى مَالِهِ مِنْ ثَمَرٍ غَيْرِهَا، وَيُزَكِّي جَمِيعَهَا وَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَسْقُطُ إِنْ كَانَ رَبُّ الْحَائِطِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَالْعَامِلُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ.

د- الْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ:

111- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَزَرَعَهَا إِنْ لَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ فَلَا عُشْرَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ كَانَ الْعُشْرُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ.

وَقَالَ قَاضِيخَانْ: أَرْضٌ خَرَاجُهَا وَظِيفَةٌ اغْتَصَبَهَا غَاصِبٌ فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ إِنْ لَمْ يَزْرَعْهَا الْغَاصِبُ فَلَا خَرَاجَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ زَرَعَهَا الْغَاصِبُ وَلَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ، فَالْخَرَاجُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ وَلَمْ تَنْقُصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، وَإِنْ نَقَصَتْهَا الزِّرَاعَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ قَلَّ النُّقْصَانُ أَوْ كَثُرَ، كَأَنَّهُ آجَرَهَا مِنَ الْغَاصِبِ بِضَمَانِ النُّقْصَانِ.وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْظَرُ إِلَى الْخَرَاجِ وَالنُّقْصَانِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ إِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَكْثَرَ مِنَ الْخَرَاجِ، فَمِقْدَارُ الْخَرَاجِ يُؤَدِّيهِ الْغَاصِبُ إِلَى السُّلْطَانِ وَيَدْفَعُ الْفَضْلَ إِلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْخَرَاجُ أَكْثَرَ يَدْفَعُ الْكُلَّ إِلَى السُّلْطَانِ، وَمِنْ نَصِّهِمْ هَذَا فِي الْخَرَاجِ يُفْهَمُ مُرَادُهُمْ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْعُشْرِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّخْلَ إِذَا غُصِبَتْ ثُمَّ رُدَّتْ بَعْدَ أَعْوَامٍ مَعَ ثَمَرَتِهَا، فَإِنَّهَا تُزَكَّى لِكُلِّ عَامٍ بِلَا خِلَافٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ زُكِّيَتْ أَيْ يُزَكَّى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا إِذَا رَدَّ الْغَاصِبُ جَمِيعَهَا.فَإِنْ رَدَّ بَعْضَ ثِمَارِهَا وَكَانَ حَصَلَ فِي كُلِّ سَنَةٍ نِصَابٌ وَلَمْ يَرُدَّ جَمِيعَهُ بَلْ رَدَّ مِنْهُ قَدْرَ نِصَابٍ فَأَكْثَرَ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قُسِمَ عَلَى سِنِينَ الْغَصْبِ لَمْ يَبْلُغْ كُلَّ سَنَةٍ نِصَابًا فَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ زَكَاةَ الزَّرْعِ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ إِنْ تَمَلَّكَ الزَّرْعَ قَبْلَ وَقْتِ الْحَصَادِ وَبَعْدَ اشْتِدَادِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِمِثْلِ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ، فَيَسْتَنِدُ مِلْكُهُ إِلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ.أَمَّا إِنْ حَصَدَ الْغَاصِبُ الزَّرْعَ بِأَنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ رَبُّهَا قَبْلَ حَصَادِهِ، فَزَكَاةُ الزَّرْعِ عَلَى الْغَاصِبِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ.

وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

زَكَاةُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ الْمَأْخُوذَيْنِ مِنَ الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ:

112- مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ الْمُبَاحَةِ مَا فِي جِنْسِهِ الزَّكَاةُ، وَبَلَغَ نِصَابًا.فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ.قَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَكِنْ لَوْ زَرَعَ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ ثَمَرَ الْجِبَالِ وَالْمَفَاوِزِ فِيهِ الْعُشْرُ، إِنْ حَمَاهُ الْإِمَامُ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَلَمْ يُعَالِجْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّمَاءُ، وَقَدْ حَصَلَ بِأَخْذِهِ.

خَرْصُ الثِّمَارِ إِذَا بَدَا صَلَاحُهَا:

113- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ- إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا بَدَا صَلَاحُ الثِّمَارِ أَنْ يُرْسِلَ سَاعِيًا يَخْرُصُهَا- أَيْ يُقَدِّرُ كَمْ سَيَكُونُ مِقْدَارُهَا بَعْدَ الْجَفَافِ- لِيَعْرِفَ قَدْرَ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى أَصْحَابِهَا، وَذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ، وَلِلتَّوْسِعَةِ عَلَى أَهْلِ الثِّمَارِ لِيُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا فَيَأْكُلُوا مِنْهَا رُطَبًا ثُمَّ يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ بِحِسَابِ الْخَرْصِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَلِكَ عِنْدَ جَفَافِ الثَّمَرِ.

وَلِمَعْرِفَةِ مُؤَهِّلَاتِ الْخَارِصِ، وَمَا يُرَاعِيهِ عِنْدَ الْخَرْصِ، وَمَعْرِفَةِ مَا يُخْرَصُ مِنَ الْغِلَالِ وَمَا لَا يُخْرَصُ، وَسَائِرِ أَحْكَامِ الْخَرْصِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (خَرْص).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


23-موسوعة الفقه الكويتية (زكاة 1)

زَكَاة -1

الْقِسْمُ الْخَامِسُ: مَصَارِفُ الزَّكَاةِ:

156- مَصَارِفُ الزَّكَاةِ مَحْصُورَةٌ فِي ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ.

وَالْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ قَدْ نَصَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي قوله تعالى: {إِنَّمَاالصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِوَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

وَ «إِنَّمَا» الَّتِي صُدِّرَتْ بِهَا الْآيَةُ أَدَاةُ حَصْرٍ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ لِأَحَدٍ أَوْ فِي وَجْهٍ غَيْرِ دَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ مَا وَرَدَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةً، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ».

وَمَنْ كَانَ دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الزَّكَاةِ إِلاَّ بِأَنْ تَنْطَبِقَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ مُعَيَّنَةٌ تَأْتِي بَعْدَ بَيَانِ الْأَصْنَافِ.

بَيَانُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ:

الصِّنْفَانِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ:

157- الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ هُمْ أَهْلُ الْحَاجَةِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ، وَإِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ (الْفُقَرَاءِ) وَانْفَرَدَ دَخَلَ فِيهِمُ (الْمَسَاكِينُ)، وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ، وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ، كَمَا فِي آيَةِ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، تَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنًى.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيُّهُمَا أَشَدُّ حَاجَةً، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْمِسْكِينِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَهُمْ فِي الْآيَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَهَمُّ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْلِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}.فَأَثْبَتَ لَهُمْ وَصْفَ الْمَسْكَنَةِ مَعَ كَوْنِهِمْ يَمْلِكُونَ سَفِينَةً وَيُحَصِّلُونَ نَوْلًا، وَاسْتَأْنَسُوا لِذَلِكَ أَيْضًا بِالِاشْتِقَاقِ، فَالْفَقِيرُ لُغَةً: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ مَنْ نُزِعَتْ بَعْضُ فَقَارِ صُلْبِهِ، فَانْقَطَعَ ظَهْرُهُ، وَالْمِسْكِينُ مِفْعِيلٌ مِنَ السُّكُونِ، وَمَنْ كُسِرَ صُلْبُهُ أَشَدُّ حَالًا مِنَ السَّاكِنِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ أَشَدُّ حَاجَةً مِنَ الْفَقِيرِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}.وَهُوَ الْمَطْرُوحُ عَلَى التُّرَابِ لِشِدَّةِ جُوعِهِ، وَبِأَنَّ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ قَالُوا ذَلِكَ، مِنْهُمُ الْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَبِالِاشْتِقَاقِ أَيْضًا، فَهُوَ مِنَ السُّكُونِ، كَأَنَّهُ عَجَزَ عَنِ الْحَرَكَةِ فَلَا يَبْرَحُ.

وَنَقَلَ الدُّسُوقِيُّ قَوْلًا أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَنْ لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَوْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ قُوتِ الْعَامِ.

158- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ كُلٍّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ:

فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ، كَمَنْ حَاجَتُهُ عَشَرَةٌ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا أَصْلًا، أَوْ يَقْدِرُ بِمَالِهِ وَكَسْبِهِ وَمَا يَأْتِيهِ مِنْ غَلَّةٍ وَغَيْرِهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ كِفَايَتِهِ.فَإِنْ كَانَ يَجِدُ النِّصْفَ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَجِدُ كُلَّ الْعَشَرَةِ فَمِسْكِينٌ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: الْمِسْكِينُ مَنْ لَا يَجِدُ شَيْئًا أَصْلًا فَيَحْتَاجُ لِلْمَسْأَلَةِ وَتَحِلُّ لَهُ.

وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِي الْفَقِيرِ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا مَلَكَ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ فَهُوَ غَنِيٌّ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنَ الزَّكَاةِ، فَإِنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ نِصَابًا غَيْرَ نَامٍ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا مُنِعَ، كَمَنْ عِنْدَهُ ثِيَابٌ تُسَاوِي نِصَابًا لَا يَحْتَاجُهَا، فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَةُ مَا يَمْلِكُهُ نُصُبًا فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنَهُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلزَّكَاةِ إِنْ كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَنْ عِنْدَهُ كُتُبٌ يَحْتَاجُهَا لِلتَّدْرِيسِ، أَوْ آلَاتُ حِرْفَةٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْفَقِيرُ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا لَا يَكْفِيهِ لِقُوتِ عَامِهِ.

الْغِنَى الْمَانِعُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ بِوَصْفِ الْفَقْرِ أَوِ الْمَسْكَنَةِ:

159- الْأَصْلُ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهَذَا اتِّفَاقِيٌّ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ».

وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِي الْغِنَى الْمَانِعِ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ: فَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَدَّمَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ: إِنَّ الْأَمْرَ مُعْتَبَرٌ بِالْكِفَايَةِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنَ الْأَثْمَانِ أَوْ غَيْرِهَا مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي مَنْ يُمَوِّنُهُ فَهُوَ غَنِيٌّ لَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ وَلَوْ كَانَ مَا عِنْدَهُ يَبْلُغُ نُصُبًا زَكَوِيَّةً، وَعَلَى هَذَا، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُوجَدَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلزَّكَاةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هُوَ الْغِنَى الْمُوجِبُ لِلزَّكَاةِ، فَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».

وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ أَيِّ مَالٍ زَكَوِيٍّ كَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ مَا عِنْدَهُ لَا يَكْفِيهِ لِعَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا كَامِلًا فَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ، فَيَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ الزَّكَاةُ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَيْهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: إِنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ، فَهُوَ غَنِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكَانَ لَدَيْهِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ خَاصَّةً، فَهُوَ غَنِيٌّ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ لَا تَكْفِيهِ، لِحَدِيثِ «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ.قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ».وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ.

وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:

إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ مَالًا وَلَهُ مَوْرِدُ رِزْقٍ:

160- مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ لَهُ مَالٌ لَا يَكْفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِلاَّ أَنَّ مَنْ لَزِمَتْ نَفَقَتُهُ مَلِيئًا مِنْ نَحْوِ وَالِدٍ لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ، وَكَذَا لَا تُعْطَى الزَّوْجَةُ لِاسْتِغْنَائِهَا بِإِنْفَاقِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا.وَمَنْ لَهُ مُرَتَّبٌ يَكْفِيهِ لَمْ يَجُزْ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الزَّكَاةِ.وَكَذَا مَنْ كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ تَكْفِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ فِي الْحَالِ مَالًا.

فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَأْتِيهِ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ كِفَايَتِهِ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ تَمَامَ الْكِفَايَةِ.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مَنْ لَهُ ضَيْعَةٌ تَغُلُّ بَعْضَ كِفَايَتِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا لِتَحِلَّ لَهُ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ آلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ وَكَسْبُ الْعَالِمِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ دَخْلٌ سَنَوِيٌّ أَوْ شَهْرِيٌّ أَوْ يَوْمِيٌّ مِنْ عَقَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، إِنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا زَكَوِيًّا، وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى الْوَلَدِ الَّذِي أَبُوهُ غَنِيٌّ إِنْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا فَقِيرًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، أَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ الَّذِي أَبُوهُ غَنِيٌّ فَلَا تُدْفَعُ إِلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِ أَبِيهِ أَمْ لَا.وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى رَجُلٍ فَقِيرٍ لَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ.وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ الْأَبُ فِي عِيَالِ الِابْنِ الْمُوسِرِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ.

قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْفَقِيرَةُ إِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهَا مِنَ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ زَوْجِهَا، وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً، وَاسْتِيجَابُهَا النَّفَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ.

وَمَنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا بِأَنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَيَجُوزُ لِلْمُتَبَرِّعِ بِنَفَقَتِهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنَ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ، لِدُخُولِهِ فِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ، وَعَدَمِ وُجُودِ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ يُخْرِجُهُ مِنَ الْعُمُومِ.

إِعْطَاءُ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ الْقَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ:

161- مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَادِرًا عَلَى كَسْبِ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ، أَوْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُزَكِّي إِعْطَاؤُهُ مِنْهَا، وَلَا تُجْزِئُهُ لَوْ أَعْطَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ فِي الصَّدَقَةِ: «لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ».وَفِي لَفْظٍ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ».

وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا، لِأَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ، وَهُمَا مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا، فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا، وَهُوَ فَقْدُ النِّصَابِ.وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي قِصَّةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ سَابِقًا، وَهِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْسِمُ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ يَسْأَلَانِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِيهِ وَإِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا».لِأَنَّهُ أَجَازَ إِعْطَاءَهُمَا، وَقَوْلُهُ: «لَا حَقَّ لَكُمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِي السُّؤَالِ.

وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ، إِلاَّ أَنَّ الْحَدَّ الْأَدْنَى الَّذِي يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ عِنْدَهُمْ هُوَ مِلْكُ الْكِفَايَةِ لَا مِلْكُ النِّصَابِ، كَمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ وَامْتَنَعَ عَنْهُ مَالُهُ أَوْ كَسْبُهُ:

162- مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يَكْفِيهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الزَّكَاةِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَوْ كَانَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ إِعْطَائِهِ مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى مَالِهِ أَوْ يَحِلَّ الْأَجَلُ.

وَالْقَادِرُ عَلَى الْكَسْبِ إِنْ شَغَلَهُ عَنِ الْكَسْبِ طَلَبُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ إِعْطَائِهِ مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِخِلَافِ التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ.وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي طَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ نَجِيبًا يُرْجَى نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ بِتَفَقُّهِهِ.

وَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ لَكِنَّ ذَلِكَ الْكَسْبَ لَا يَلِيقُ بِهِ، أَوْ يَلِيقُ بِهِ لَكِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَهُ مِنَ الزَّكَاةِ.

جِنْسُ الْكِفَايَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ:

163- الْكِفَايَةُ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ لِلْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَسْكَنِ وَسَائِرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ وَلِمَنْ هُوَ فِي نَفَقَتِهِ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ إِنْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ يَجُوزُ الْإِعَانَةُ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ الزَّوَاجَ.

الْقَدْرُ الَّذِي يُعْطَاهُ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ مِنَ الزَّكَاةِ:

164- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ الْمُسْتَحِقَّ لِلزَّكَاةِ بِالْفَقْرِ أَوِ الْمَسْكَنَةِ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ الْكِفَايَةَ أَوْ تَمَامَهَا لَهُ وَلِمَنْ يَعُولُهُ عَامًا كَامِلًا، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، إِنَّمَا حَدَّدُوا الْعَامَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ غَالِبًا، وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- ادَّخَرَ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ».وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يَكْفِيهِ يُسَاوِي نِصَابًا أَوْ نُصُبًا.وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ بَعْضُ الْكِفَايَةِ أُعْطِيَ تَمَامَ الْكِفَايَةِ لِعَامٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَنْصُوصٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ يُعْطَيَانِ مَا يُخْرِجُهُمَا مِنَ الْفَاقَةِ إِلَى الْغِنَى وَهُوَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ عَلَى الدَّوَامِ، لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ مَرْفُوعًا «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلاَّ لِثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ..» الْحَدِيثَ.

قَالُوا: فَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الِاحْتِرَافُ أُعْطِيَ مَا يَشْتَرِي بِهِ أَدَوَاتِ حِرْفَتِهِ قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ رِبْحِهِ مَا يَفِي بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا تَقْرِيبًا، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا أُعْطِيَ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الضِّيَاعِ يُشْتَرَى لَهُ ضَيْعَةٌ تَكْفِيهِ غَلَّتُهَا عَلَى الدَّوَامِ.قَالَ بَعْضُهُمْ: يَشْتَرِيهَا لَهُ الْإِمَامُ وَيُلْزِمُهُ بِعَدَمِ إِخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا زَكَوِيًّا كَامِلًا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ تَمَامُهَا.وَيُكْرَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ تَمَامُ الْمِائَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَالْمَدِينُ يُعْطَى لِدَيْنِهِ وَلَوْ فَوْقَ الْمِائَتَيْنِ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَارِمِينَ.

إِثْبَاتُ الْفَقْرِ:

165- إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ صَحِيحٌ قَوِيٌّ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَكْسَبًا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ إِنْ كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا» لَكِنْ مَنْ عُلِمَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَمْ يَجُزْ إِعْطَاؤُهُ مِنَ الزَّكَاةِ.

وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالًا وَطَلَبَ مِنَ الزَّكَاةِ لِأَجْلِهِمْ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِيَالِ، وَلَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَا مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْيَسَارِ لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ، لَكِنِ إِنِ ادَّعَى أَنَّ مَالَهُ تَلِفَ أَوْ فُقِدَ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ.وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ فِي عَدَدِ الْبَيِّنَةِ، فَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهُ: «أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا.ثُمَّ قَالَ: يَا قَبِيصَةُ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلاَّ لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ...وَذَكَرَ مِنْهُمْ: رَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ، لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ».

وَقِيلَ عِنْدَهُمْ: يُقْبَلُ قَوْلُ اثْنَيْنِ فَقَطْ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَالْحَدِيثُ وَارِدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، لَا فِي الْإِعْطَاءِ دُونَ مَسْأَلَةٍ.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: الْعَامِلُونَ عَلَى الزَّكَاةِ:

166- يَجُوزُ إِعْطَاءُ الْعَامِلِينَ عَلَى الزَّكَاةِ مِنْهَا.وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَامِلِ الَّذِي يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ شُرُوطٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا.

وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَأْخُذُ مِنَ الْعَامِلِينَ مِنَ الزَّكَاةِ الْفَقْرُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِعَمَلِهِ لَا لِفَقْرِهِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلاَّ لِخَمْسَةٍ..فَذَكَرَ مِنْهُمُ الْعَامِلَ عَلَيْهَا».

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَدْفَعُ إِلَى الْعَامِلِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ أَعْوَانَهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ الزَّكَاةِ الَّتِي يَجْمَعُهَا وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ أَكْثَرَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلَ إجَارَةً صَحِيحَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، إِمَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ.

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُعْطَى الْعَامِلُ مِنَ الزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ زَادَ أَجْرُهُ عَلَى الثَّمَنِ أَتَمَّ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.وَقِيلَ مِنْ بَاقِي السِّهَامِ.

وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

وَلَهُ أَنْ يَبْعَثَهُ بِغَيْرِ إجَارَةٍ ثُمَّ يُعْطِيَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ.

وَإِنْ تَوَلَّى الْإِمَامُ، أَوْ وَالِي الْإِقْلِيمِ أَوِ الْقَاضِي مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ أَوْ نَحْوِهِمْ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَقِسْمَتَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعَمَلُهُ عَامٌّ. الصِّنْفُ الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ:

167- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِنْفِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ سَهْمَهُمُ انْقَطَعَ لِعِزِّ الْإِسْلَامِ، فَلَا يُعْطَوْنَ الْآنَ، لَكِنْ إِنِ احْتِيجَ لِاسْتِئْلَافِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أُعْطُوا.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَعَلَّ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: انْقَطَعَ سَهْمُهُمْ، أَيْ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِمْ فِي الْغَالِبِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَا يُعْطُونَهُمُ الْيَوْمَ شَيْئًا، فَأَمَّا إِنِ احْتِيجَ إِلَى إِعْطَائِهِمْ جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ، فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ مَعَ الْحَاجَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى سُقُوطِ سَهْمِهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ جَاءَا يَطْلُبَانِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَرْضًا، فَكَتَبَ لَهُمَا بِذَلِكَ، فَمَرَّا عَلَى عُمَرَ، فَرَأَى الْكِتَابَ فَمَزَّقَهُ، وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُعْطِيكُمُوهُ لِيَتَأَلَّفَكُمْ، وَالْآنَ قَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ، فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِلاَّ فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفُ، فَرَجَعَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَا، مَا نَدْرِي: الْخَلِيفَةُ أَنْتَ أَمْ عُمَرُ؟ فَقَالَ: هُوَ إِنْ شَاءَ، وَوَافَقَهُ.وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ.

168- ثُمَّ اخْتَلَفُوا:

فَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ كُفَّارٌ يُعْطَوْنَ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ لِأَجْلِ أَنْ يُعِينُوا الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِ لَا تُعْطَى الزَّكَاةُ لِمَنْ أَسْلَمَ فِعْلًا.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُعْطَى مِنْ هَذَا السَّهْمِ لِكَافِرٍ أَصْلًا، لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُعْطَى لِكَافِرٍ، لِلْحَدِيثِ: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» بَلْ تُعْطَى لِمَنْ أَسْلَمَ فِعْلًا، وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى لِلشَّافِعِيَّةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ مِنَ الزَّكَاةِ لِلْمُؤَلَّفِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.

وَعِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ بِمِثْلِ هَذَا.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ ضَرْبَانِ: كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ، وَهُمْ جَمِيعًا السَّادَةُ الْمُطَاعُونَ فِي قَوْمِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَضْرُبٍ:

1- سَادَةٌ مُطَاعُونَ فِي قَوْمِهِمْ أَسْلَمُوا وَنِيَّتُهُمْ ضَعِيفَةٌ فَيُعْطَوْنَ تَثْبِيتًا لَهُمْ.

2- قَوْمٌ لَهُمْ شَرَفٌ وَرِيَاسَةٌ أَسْلَمُوا وَيُعْطَوْنَ لِتَرْغِيبِ نُظَرَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ لِيُسْلِمُوا.

3- صِنْفٌ يُرَادُ بِتَأَلُّفِهِمْ أَنْ يُجَاهِدُوا مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَيَحْمُوا مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

4- صِنْفٌ يُرَادُ بِإِعْطَائِهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ أَنْ يَجْبُوا الزَّكَاةَ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ الْكُفَّارَ فَجَعَلَهُمْ ضَرْبَيْنِ:

1- مَنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ فَيُعْطَى لِتَمِيلَ نَفْسُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.

2- مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ وَيُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ كَفُّ شَرِّهِ وَكَفُّ غَيْرِهِ مَعَهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


24-موسوعة الفقه الكويتية (الشركة 1)

الشَّرِكَةُ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الشِّرْكَةُ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، كَنِعْمَةٍ أَوْ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، كَكَلِمَةٍ- وَيَجُوزُ مَعَ الْفَتْحِ أَيْضًا إِسْكَانُ الرَّاءِ- اسْمٌ مَصْدَرُ شَرِكَ، كَعَلِمَ: يُقَالُ: شَرِكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الْبَيْعِ وَالْمِيرَاثِ يَشْرَكُهُ شِرْكًا وَشَرِكَةً، خَلَطَ نَصِيبَهُ بِنَصِيبِهِ، أَوِ اخْتَلَطَ نَصِيبَاهُمَا.فَالشَّرِكَةُ إِذَنْ: خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ وَاخْتِلَاطُهُمَا، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَتِمُّ بِسَبَبِهِ خَلْطُ الْمَالَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا- لِصِحَّةِ تَصَرُّفِ كُلِّ خَلِيطٍ فِي مَالِ صَاحِبِهِ- يُسَمَّى شَرِكَةً تَجَوُّزًا، مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ.

وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ: فَالشَّرِكَةُ قِسْمَانِ: شَرِكَةُ مِلْكٍ وَشَرِكَةُ عَقْدٍ.

أَمَّا شَرِكَةُ الْعَقْدِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي قِسْمِهَا الْخَاصِّ بِهَا:

وَأَمَّا شَرِكَةُ الْمِلْكِ فَهِيَ أَنْ يَخْتَصَّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ.

وَالَّذِي فِي حُكْمِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ هُوَ الْمُتَعَدِّدُ الْمُخْتَلِطُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ تَفْرِيقُهُ لِتَتَمَيَّزَ أَنْصِبَاؤُهُ.سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ وَغَيْرُهُمَا.فَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ، أَوِ الْأَرْضُ الْوَاحِدَةُ، مَثَلًا تَثْبُتُ فِيهَا شَرِكَةُ الْمِلْكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِذَا اشْتَرَيَاهَا أَوْ وَرِثَاهَا أَوِ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِمَا بِأَيِّ سَبَبٍ آخَرَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ.وَكَذَلِكَ الْإِرْدَبَّانِ مِنَ الْقَمْحِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنَ الْقَمْحِ وَالْآخَرُ مِنَ الشَّعِيرِ، أَوِ الْكِيسَانِ مِنَ الدَّنَانِيرِ ذَاتِ السِّكَّةِ الْوَاحِدَةِ، يُخْلَطَانِ مَعًا طَوَاعِيَةً أَوِ اضْطِرَارًا- كَإِنِ انْفَتَقَ الْكِيسَانِ الْمُتَجَاوِرَانِ.

وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وُقُوعَ شَرِكَةِ الْمِلْكِ فِي الدُّيُونِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يُمْلَكُ- وَتَمْلِيكُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، هُوَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، إِسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ.

وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يُمْلَكُ، قَالُوا: بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يَقْبِضُهُ أَحَدُ الدَّائِنِينَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الدَّائِنِينَ، حَتَّى لَيَتَعَذَّرُ التَّخَلُّصُ مِنْ هَذِهِ الشَّرِكَةِ إِلاَّ بِإِعْمَالِ الْحِيلَةِ- كَأَنْ يَهَبَ الْمَدِينُ لِقَابِضِ قَدْرِ نَصِيبِهِ مَا قَبَضَهُ، وَيُبْرِئَهُ الْقَابِضُ مِنْ حِصَّتِهِ فِي الدَّيْنِ.

أَمَّا غَيْرُ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ، فَكَحَقِّ صَاحِبَيِ الدَّارِ فِي حِفْظِ نَحْوِ الثَّوْبِ تُلْقِيهِ فِيهَا الرِّيحُ فَإِنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ مِلْكٍ، إِذْ يَمْلِكُهُ كِلَاهُمَا.

وَلَيْسَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ خِلَافًا يُذْكَرُ فِي ثُبُوتِ شَرِكَةِ الْمِلْكِ، عَلَى هَذَا النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بَعْضُهُمْ بِاسْمِهَا بَلْ يَتَعَمَّدُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنْ يَجْمَعُوهَا فِي تَعْرِيفٍ وَاحِدٍ مَعَ شَرِكَةِ الْعَقْدِ، كَمَا فَعَلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، إِذْ عَرَّفَ الشَّرِكَةَ مُطْلَقًا بِأَنَّهَا: (ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ).وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِذْ عَرَّفَهَا كَذَلِكَ بِأَنَّهَا: (تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ).

تَقْسِيمُ شَرِكَةِ الْمِلْكِ

:

أَوَّلًا: إِلَى شَرِكَةِ دَيْنٍ، وَشَرِكَةِ غَيْرِهِ.

2- أ- فَشَرِكَةُ الدَّيْنِ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُسْتَحَقًّا لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ: كَمِائَةِ دِينَارٍ فِي ذِمَّةِ تَاجِرٍ تَجْزِئَةً لِأَصْحَابِ (الشَّرِكَةِ) الَّتِي يُعَامِلُهَا.

ب- وَشَرِكَةُ غَيْرِ الدَّيْنِ: هِيَ الشَّرِكَةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْحَقِّ أَوِ الْمَنْفَعَةِ: كَمَا هُوَ الْحَالُ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّيَّارَاتِ أَوِ الْمَنْسُوجَاتِ أَوِ الْمَأْكُولَاتِ فِي الْمَتْجَرِ الْمُشْتَرَكِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ شُفْعَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَا بَاعَهُ ثَالِثُهُمَا، وَحَقِّ سُكْنَى الدَّارِ أَوْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ لِمُسْتَأْجِرِيهَا عَلَى الشُّيُوعِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي صِحَّةِ هَذَا التَّقْسِيمِ.

ثَانِيًا- إِلَى اخْتِيَارِيَّةٍ، وَاضْطِرَارِيَّةٍ (جَبْرِيَّةٍ):

3- أ- فَالِاخْتِيَارِيَّةُ: هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِإِرَادَةِ الشَّرِيكَيْنِ أَوِ الشُّرَكَاءِ: سَوَاءٌ بِوَاسِطَةِ عَقْدٍ أَمْ بِدُونِهِ، وَسَوَاءٌ وَقَعَ الْعَقْدُ مُشْتَرَكًا مُنْذُ بِدَايَتِهِ، أَمْ طَرَأَ عَلَيْهِ اشْتِرَاكُهُمَا، أَمْ طَرَأَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَالِ بَعْدَ الْعَقْدِ.

فَمِثَالُ مَا كَانَ بِوَاسِطَةِ عَقْدٍ مُشْتَرَكٍ مُنْذُ الْبَدْءِ، مَا لَوِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَابَّةً لِلْجَرِّ أَوِ الرُّكُوبِ، أَوْ بِضَاعَةً يَتَّجِرَانِ فِيهَا.وَكَالشِّرَاءِ قَبُولُ هِبَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوِ الْوَصِيَّةُ أَوِ التَّصَدُّقُ بِهِ.

وَمِثَالُ مَا كَانَ بِوَاسِطَةِ عَقْدٍ طَرَأَ اشْتِرَاكُهُ أَوِ اشْتِرَاكُهُ فِي الْمَالِ بَعْدَهُ، أَنْ يَقَعَ الشِّرَاءُ أَوْ قَبُولُ الْهِبَةِ أَوِ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُشْرِكَ مَعَهُ آخَرَ، فَيَقْبَلَ الْآخَرُ الشَّرِكَةَ- بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ.

وَمِثَالُ مَا كَانَ بِدُونِ عَقْدٍ مَا لَوْ خَلَطَ اثْنَانِ مَالَيْهِمَا، وَمَا لَوِ اصْطَادَ اثْنَانِ صَيْدًا بِشَرَكٍ نَصَبَاهُ، أَوْ أَحْيَيَا أَرْضًا مَوَاتًا.

ب- وَالِاضْطِرَارِيَّةُ، أَوِ الْجَبْرِيَّةُ: هِيَ الَّتِي تَكُونُ دُونَ إِرَادَةِ أَحَدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوِ الشُّرَكَاءِ: كَمَا لَوِ انْفَتَقَتِ الْأَكْيَاسُ، وَاخْتَلَطَ مَا فِيهَا مِمَّا يَعْسُرُ- إِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ- فَصْلُ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ لِتَتَمَيَّزَ أَنْصِبَاؤُهُ، كَبَعْضِ الْحُبُوبِ.أَمَّا إِذَا وَقَعَ الْخَلْطُ بِفِعْلِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ، دُونَ إِذْنِ بَاقِيهِمْ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْخَالِطَ يَمْلِكُ مَا خَلَطَهُ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ لِتَعَدِّيهِ، أَيْ فَلَا شَرِكَةَ.

وَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ لَا خِلَافَ فِيهِ إِلاَّ فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ: تَمَلُّكِ شَخْصٍ: مَالَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْدَادِ بِخَلْطِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ، بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، أَوْ يَشُقُّ وَيَعْسُرُ تَمْيِيزُهُمَا، فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لِلْآخَرِ بَدَلُهُ، وَقَالَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَعَهُ جَمَاهِيرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ: إِنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، بَعْدَ أَنْ قَيَّدُوهُ فِي الْأَوْجَهِ بِامْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ فِيمَا مَلَكَ بِالْخَلْطِ، حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهُ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مَلَكَهُ كَذَلِكَ، لَوْ كَانَ مَلَكَهُ بِمُعَاوَضَةٍ رِضَائِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَرْضَى صَاحِبُهُ بِذِمَّتِهِ، فَأَوْلَى إِذَا مَلَكَهُ بِدُونِ رِضَاهُ.

وَمِنْ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، مَنْ يُنْكِرُ هَذَا التَّمَلُّكَ الْقَسْرِيَّ، وَيَجْعَلُ الْمَالَ مُشْتَرَكًا: كَمَا هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ، وَأَطَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَمَاهِيرُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ.

أَحْكَامُ شَرِكَةِ الْمِلْكِ:

4- الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوِ الشُّرَكَاءِ فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ أَجْنَبِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ الْآخَرِ.لِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ لَا تَتَضَمَّنُ وَكَالَةً مَا، ثُمَّ لَا مِلْكَ لِشَرِيكٍ مَا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ آخَرَ.وَالْمُسَوِّغُ لِلتَّصَرُّفِ إِنَّمَا هُوَ الْمِلْكُ أَوِ الْوِلَايَةُ وَهَذَا مَا لَا يُمْكِنُ تَطَرُّقُ الْخِلَافِ إِلَيْهِ.

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مَا يَلِي:

5- 1- لَيْسَ لِشَرِيكِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ شَيْءٌ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ التَّعَاقُدِيَّةِ: كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ وَغَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ هَذَا.فَإِذَا تَعَدَّى فَآجَرَ، مَثَلًا، أَوْ أَعَارَ الْعَيْنَ الْمُشْتَرَكَةَ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ، فَلِشَرِيكِهِ تَضْمِينُهُ حِصَّتَهُ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.

6- 2- لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ لِشَرِيكِهِ، أَوْ يُخْرِجَهُ إِلَيْهِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى أَيِّ نَحْوٍ، وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يُوهَبُ دُونَ قِسْمَةٍ، مَا لَمْ يَكُنْ غَيْرَ قَابِلٍ لَهَا.وَسَيَأْتِي اسْتِثْنَاءُ حَالَةِ الضَّرَرِ.هَكَذَا قَرَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ.وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مَحَلُّ وِفَاقٍ- إِلاَّ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ سَائِغَةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِإِطْلَاقٍ: كَمَا قَرَّرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ لَا تَجُوزُ- بِمَعْنَى عَدَمِ إِثْبَاتِ مِلْكٍ نَاجِزٍ- فَالْهِبَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ عَلَى الْإِفْرَازِ ثُمَّ التَّسْلِيمِ.

7- 3- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ- فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرَرِ الْآتِيَةِ- بِدُونِ إِذْنٍ مِنْهُ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ حَالَةً وَاحِدَةً: هِيَ حَالَةُ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ دُونَ شُيُوعٍ- لِبَقَاءِ كُلِّ مَالٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ عَسُرَ تَمْيِيزُهُ، أَوْ تَعَذَّرَ: سَوَاءٌ كَانَ اخْتِلَاطًا عَفْوِيًّا، أَمْ نَتِيجَةَ خَلْطٍ مَقْصُودٍ مِنْ جَانِبِ الشُّرَكَاءِ.

فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ: أَيْ حَالَةِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ دُونَ شُيُوعٍ: لَا بُدَّ مِنْ إِذْنِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ لِيَصِحَّ بَيْعُهُ لِغَيْرِهِ، مَا دَامَ الْمَالُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا لَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ.

وَسِرُّ التَّفْرِقَةِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ هَذِهِ الْحَالَةِ، حَيْثُ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْبَيْعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ عَلَى إِذْنِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهَا، حَيْثُ لَا يُوجَدُ هَذَا التَّوَقُّفُ، أَنَّهُ فِي حَالَةِ شُيُوعِ الْمَالِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ- بِسَبَبِ إِرْثِهِمَا إِيَّاهُ، أَوْ وُقُوعِ شَرِكَتِهِمَا فِيهِ بِسَبَبٍ آخَرَ يَقْتَضِي هَذَا الشُّيُوعَ: كَشِرَائِهِمَا إِيَّاهُ مَعًا، أَوْ إِشْرَاكِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ فِيهِ بِحِصَّةٍ شَائِعَةٍ- يَكُونُ كُلُّ جُزْءٍ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ- مَهْمَا دَقَّ وَصَغُرَ- مُشْتَرَكًا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، وَبَيْعُ النَّصِيبِ الشَّائِعِ جَائِزٌ لِلشَّرِيكِ وَلِغَيْرِهِ، إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ وَتَسَلُّمِهِ فَإِنَّ الْإِفْرَازَ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ التَّسْلِيمِ- وَمِنْ ثَمَّ فَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ ذَاتًا كَالدَّابَّةِ، وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمُشْتَرَكَةَ كُلَّهَا، دُونَ إِذْنِ شَرِيكِهِ، كَانَ كَالْغَاصِبِ، وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، بِالنِّسْبَةِ لِحِصَّةِ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ: حَتَّى إِذَا تَلِفَتِ الْعَيْنُ كَانَ لِلَّذِي لَمْ يَبِعْ حَقُّ الرُّجُوعِ بِضَمَانِ حِصَّتِهِ عَلَى أَيِّ الشَّخْصَيْنِ شَاءَ: الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إِذَا رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي، يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ.

أَمَّا النَّصِيبُ غَيْرُ الشَّائِعِ فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ، فَبَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ- إِلاَّ أَنَّهُ الْتَبَسَ بِغَيْرِهِ أَوْ تَعَسَّرَ فَصْلُهُ.وَهَذَا الِالْتِبَاسُ أَوِ التَّعَسُّرُ لَا يَمْنَعُ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ إِلَى الشَّرِيكِ، إِذَا بَاعَهُ إِيَّاهُ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُ هَذِهِ الْقُدْرَةَ وَيُنَافِيهَا إِذَا بَاعَ النَّصِيبَ لِأَجْنَبِيٍّ عَنِ الشَّرِكَةِ، دُونَ إِذْنِ شَرِيكِهِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ أَوْ تَسَلُّمُهُ، إِلاَّ مَخْلُوطًا بِنَصِيبِ هَذَا الشَّرِيكِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِهِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: (إِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي حَيَوَانٍ مَثَلًا بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ: فَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ وَسَلَّمَ الْجَمِيعَ لِلْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ.لِأَنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمُودَعِ فِي الْأَمَانَةِ، وَهَذَا إِذَا وَضَعَ يَدَ الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ؛ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّسْلِيمِ: لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ شَرِيكُهُ حَاضِرًا، سَلِمَ الْبَيْعُ لَهُ، وَتَقَعُ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، أَوْ غَائِبًا، رَفَعَ أَمْرَهُ إِلَى الْحَاكِمِ، وَيَأْذَنُ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَوَضْعِ مَالِ الْغَائِبِ تَحْتَ يَدِهِ).

حَالَةُ الضَّرَرِ:

8- بَيْعُ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ فِي الْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ، أَوِ الثَّمَرِ أَوِ الزَّرْعِ، لَا يَجُوزُ.وَيَعْنُونَ بَيْعَ الْحِصَّةِ فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ: فَإِنَّهُ إِنْ شَرَطَ هَدْمَ الْبِنَاءِ، وَقَلْعَ الْغِرَاسِ، فَلَا يَتَأَتَّى دُونَ هَدْمِ وَقَلْعِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ- لِمَكَانِ الشُّيُوعِ- وَذَلِكَ ضَرَرٌ لَا يَجُوزُ.وَلِأَنَّ شَرْطَ بَقَائِهِمَا إِنَّمَا هُوَ شَرْطُ مَنْفَعَةٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ زَائِدَةٍ عَنْ مُقْتَضَى الْبَيْعِ، فَيَكُونُ شَرْطًا فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ، مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ أَيْضًا، لِمَكَانِ الرِّبَا، إِذْ هِيَ زِيَادَةٌ عَرِيَّةٌ عَنِ الْعِوَضِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَرِ أَوِ الزَّرْعِ: فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ قَطْعِهِ فَبِدُونِ إِذْنِ الشَّرِيكِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِصَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ؛ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ حِينَئِذٍ، إِذْ سَيُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِقَطْعِ مَا اشْتَرَاهُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلاَّ بِقَطْعِ حِصَّةِ هَذَا الشَّرِيكِ.

9- (4) ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ فِي حُضُورِ الشَّرِيكِ، لَا يَنْتَفِعُ شَرِيكُهُ الْآخَرُ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ الْإِذْنِ يَكُونُ غَصْبًا، وَيَدْخُلُ فِي الْإِذْنِ: الْإِذْنُ الْعُرْفِيُّ.

فَإِذَا رَكِبَ الشَّرِيكُ الدَّابَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا، بِدُونِ إِذْنِ شَرِيكِهِ فَتَلِفَتْ أَوْ هَزِلَتْ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا، ضَمِنَ حِصَّةَ.شَرِيكِهِ فِي حَالِ التَّلَفِ، وَضَمِنَ نَقْصَ قِيمَتِهَا فِي حَالَةِ الْهُزَالِ.

وَإِذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ، أَوْ بَنَى فِيهَا، وَشَرِيكُهُ حَاضِرٌ، دُونَ إِذْنٍ مِنْهُ، طُبِّقَتْ أَحْكَامُ الْغَصْبِ: فَتَنْقَسِمُ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ قَلْعُ مَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَضَمَانُ نَقْصِ أَرْضِهِ.إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ قَدْ أَدْرَكَ أَوْ كَادَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إِلاَّ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْأَرْضِ، دُونَ قَلْعِ الزَّرْعِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الَّذِي زَرَعَ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ نِصْفَ الْبَذْرِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ إِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ، وَإِلاَّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُصِرَّ عَلَى قَلْعِ الزَّرْعِ مَتَى كَانَتِ الْقِسْمَةُ مُمْكِنَةً.

وَهُنَا لِلشَّافِعِيَّةِ ضَابِطٌ حَسَنٌ: الشَّرِيكُ أَمِينٌ إِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلِ الْمُشْتَرَكَ، أَوِ اسْتَعْمَلَهُ مُنَاوَبَةً- لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ- وَإِلاَّ: فَإِنِ اسْتَعْمَلَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَعَارِيَّةٌ، أَوْ بِدُونِ إِذْنِهِ فَغَصْبٌ.وَمِنَ الِاسْتِعْمَالِ حَلْبُ الدَّابَّةِ اللَّبُونِ.

10- (5) فِي حَالَةِ غَيْبَةِ الشَّرِيكِ أَوْ مَوْتِهِ، يَكُونُ لِشَرِيكِهِ الْحَاضِرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْمُشْتَرَكِ انْتِفَاعًا لَا يَضُرُّ بِهِ.

11- (6) ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا احْتَاجَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ إِلَى النَّفَقَةِ- سَوَاءٌ لِلتَّعْمِيرِ، أَمْ لِغَيْرِهِ- كَبِنَاءِ مَا تَخَرَّبَ، وَإِصْلَاحِ مَا وَهَى، وَإِطْعَامِ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَكِنْ نَشِبَ النِّزَاعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: فَأَرَادَ بَعْضُهُمُ الْإِنْفَاقَ، وَأَبَى الْآخَرُونَ- فَفِي الْحُكْمِ تَفْصِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إِمَّا قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ أَوْ غَيْرُ قَابِلٍ:

أ- فَفِي الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ: كَالدَّارِ الْفَسِيحَةِ، وَالْحَوَانِيتِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِغْلَالِ وَالْحَيَوَانَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، لَا إِجْبَارَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، وَلَكِنْ يُقْسَمُ الْمَالُ لِيَقُومَ بِإِصْلَاحِ مَالِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ- اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُمْتَنِعُ، عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ، وَصِيًّا أَوْ نَاظِرَ وَقْفٍ (كَمَا فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ وَقْفَيْنِ مَثَلًا) فَإِنَّهُ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ.

ب- وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ، أُجْبِرَ الشَّرِيكُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مُفَوِّتٌ لِحَقِّ شَرِيكِهِ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ وَذَلِكَ كَمَا فِي نَفَقَةِ دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ كَرْيِ نَهْرٍ، أَوْ مَرَمَّةِ قَنَاةٍ أَوْ بِئْرٍ، أَوْ إِصْلَاحِ آلَةِ رَيٍّ، أَوْ سَفِينَةٍ، أَوْ حَائِطٍ لَا يَنْقَسِمُ لِضِيقِ عَرْصَتِهِ (مَوْضِعِ بِنَائِهِ) أَوْ لِحُمُولَةٍ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْحُمُولَةُ كُلُّهَا لِغَيْرِ طَالِبِ الْعِمَارَةِ إِلاَّ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ مَالُوا إِلَى الْقَوْلِ: بِأَنَّ الْجِدَارَ الْوَاسِعَ الْعَرْصَةِ مُلْحَقٌ هُنَا بِمَا لَا يَنْقَسِمُ؛ لِتَضَرُّرِ الشَّرِيكِ فِيهِ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي إِصْلَاحِهِ وَتَرْمِيمِهِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ مُوَافَقَةً تَكَادُ تَكُونُ تَامَّةً، وَيَزِيدُونَ أَنَّ الشَّرِيكَ إِذَا أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ كُلَّهَا لِمَنْ يَقُومُ بِالنَّفَقَةِ اللاَّزِمَةِ.وَلَمْ يَجْتَزِئُوا بِبَيْعِ مَا يَكْفِي لِسَدَادِ هَذِهِ النَّفَقَةِ، مَنْعًا لِضَرَرِ تَكْثِيرِ الشُّرَكَاءِ، وَلَا بِإِجْبَارِ الشَّرِيكِ الْقَادِرِ عَلَى النَّفَقَةِ وَحْدَهُ، دُونَ لُجُوءٍ إِلَى الْبَيْعِ (كَمَا لَمْ يَلْجَئُوا إِلَيْهِ فِي الْحِصَّةِ الَّتِي هِيَ وَقْفٌ، وَمَنَعُوهُ إِذَا كَانَ ثَمَّتَ مَا يُغْنِي عَنْهُ: مِنْ رِيعٍ لَهَا مُتَجَمِّعٍ، أَوْ أُجْرَةٍ مُتَاحَةٍ بِسَبَبِ وُجُودِ رَاغِبٍ فِي الِاسْتِئْجَارِ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ مَثَلًا) مَعَ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ عِنْدَهُمْ بِكُلٍّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ.أَمَّا حَيْثُ لَا يُوجَدُ مَا يُغْنِي فِي الْحِصَّةِ الْمَوْقُوفَةِ عَنِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ كُلُّهَا- كَغَيْرِ الْمَوْقُوفَةِ- مَنْعًا لِكَثْرَةِ الْأَيْدِي، كَمَا اسْتَدْرَكَهُ النَّفْرَاوِيُّ عَلَى بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْوَقْفَ مَانِعًا مِنَ الْبَيْعِ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرَكُ جَمِيعُهُ وَقْفًا، وَحِينَئِذٍ يَقُومُ الطَّالِبُ بِالنَّفَقَةِ اللاَّزِمَةِ، ثُمَّ يَسْتَوْفِي مَا يَخُصُّ الْحِصَّةَ الْأُخْرَى مِنْ غَلَّتِهَا.

وَمَعَ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا يَرَوْنَ إِجْبَارَ الشَّرِيكِ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْإِصْلَاحِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ نَفْعٌ مُحَقَّقٌ: وَقَدْ مَثَّلُوهُ بِإِصْلَاحِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ- حَتَّى لَقَدْ رَفَضُوا قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِالْإِجْبَارِ إِذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْعُيُونِ أَوِ الْآبَارِ زَرْعٌ، أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ.وَرَأَوْا أَنْ يَقُومَ بِالْإِصْلَاحِ الشَّرِيكُ الَّذِي يُرِيدُهُ، ثُمَّ يَحُولُ بَيْنَ الشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ وَبَيْنَ كَمِّيَّةِ الْمَاءِ الزَّائِدَةِ- الَّتِي نَتَجَتْ مِنْ عَمَلِيَّةِ الْإِصْلَاحِ إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ مِنَ النَّفَقَاتِ، وَلَوْ ظَلَّ كَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ.

نَعَمْ سِيَاقُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ هُنَا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، (لَكِنَّهُمْ نَصُّوا- فِي مَوْضِعِهِ- عَلَى مَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ): ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلْقَاضِي السُّلْطَةَ نَفْسَهَا إِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مِلْكًا خَاصًّا، وَامْتَنَعَ مَالِكُهُ عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ- غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ زَادُوا إِعْطَاءَ الْمَالِكِ خِيَارَ ذَبْحِ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ حَتَّى إِذَا رَفَضَ هَذَا وَذَاكَ أَيْضًا نَابَ عَنْهُ الْقَاضِي.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ إِلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.

أَمَّا فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ، فَلِكُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ قَوْلَانِ: قَوْلٌ بِإِجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى التَّعْمِيرِ وَالْإِنْفَاقِ مَعَ شَرِيكِهِ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَصِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ عَنِ التَّعْطِيلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ.وَقَوْلٌ بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ، أَوْ وُجْهَةُ نَظَرٍ، ثُمَّ كُلُّ مَا لَيْسَتْ لَهُ رَوْحٌ..فَلَيْسَتْ لَهُ فِي نَفْسِهِ حُرْمَةٌ يَسْتَحِقُّ الْإِنْفَاقَ مِنْ أَجْلِهَا، وَلَا فِي تَعْطِيلِهِ إِضَاعَةُ مَالٍ مُحَرَّمَةٌ شَرْعًا، إِذْ لَا يَعُدُّونَ التَّرْكَ مِنْ هَذِهِ الْإِضَاعَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ إِيجَابِيٍّ: كَأَنْ يَقْذِفَ الشَّخْصُ بِمَتَاعِهِ إِلَى الْبَحْرِ.وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّهُ أَقْوَى دَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ الْجُورِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ يَسْتَثْنِي النَّبَاتَ وَيُلْحِقُهُ بِالْحَيَوَانِ.وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، بِأَنَّ الْأَمْرَ يُوَكَّلُ إِلَى الْقَاضِي: فَإِنْ لَمْ يَرَ مِنَ الشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ إِلاَّ الْعِنَادَ أَجْبَرَهُ، وَإِلاَّ فَلَا.

رُجُوعُ الشَّرِيكِ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَنْفَقَ:

12- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَقَلَّ بِالنَّفَقَةِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيمَا يَنْقَسِمُ، دُونَ إِذْنِ شَرِيكِهِ، فَمُتَبَرِّعٌ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَنْفَقَ- لَا مِثْلًا وَلَا قِيمَةً؛ لِأَنَّ لَهُ بِالْقِسْمَةِ مَنْدُوحَةً عَنْ ذَلِكَ.إِلاَّ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ خَافَ تَلَفَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ نُقْصَانَهُ، إِذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لِنَقْلِهِ مِنْ مَكَانِهِ- كَمَا لَوْ تَعَطَّلَتِ الشَّاحِنَةُ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَكَانٍ مَخُوفٍ، كَبَادِيَةٍ مَثَلًا- فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى نَقْلِهِ، وَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى شَرِيكِهِ.

أَمَّا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ: فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي «الْأَشْبَاهِ» الْقَوْلَ بِرُجُوعِ الْمُنْفِقِ عَلَى شَرِيكِهِ، وَأَنَّهُ- إِنْ أَمْكَنَ- يُؤَجِّرُ الْعَيْنَ وَيَسْتَوْفِي مِنْ أُجْرَتِهَا مِثْلَ النَّفَقَةِ الَّتِي أَنْفَقَهَا- إِنْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْقَاضِي- أَوْ قِيمَةَ مَا أَجْرَاهُ مِنْ أَوْجُهِ الْإِصْلَاحِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ الْقَاضِي.

وَالشَّرِيكُ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ، دُونَ إِذْنِ شَرِيكِهِ وَدُونَ إِذْنٍ مِنَ الْقَاضِي، لَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَ، عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَبَرِّعٌ، حَتَّى فِي مَوْضِعِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي النَّفَقَةِ، قِيَاسًا عَلَى الَّذِي يَقْضِي دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ فِي حَالَةِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ، إِذَا أَنْفَقَ الشَّرِيكُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى شَرِيكِهِ، بِنَاءً عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُمْ فِي الَّذِي يَقْضِي دُونَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ- أَعَنَى رِوَايَةَ اسْتِحْقَاقِهِ الرُّجُوعَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ عَمَّرَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الرَّحَى الْمُشْتَرَكَةَ بِإِذْنِ شُرَكَائِهِ أَوْ مَعَ سُكُوتِهِمُ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِحِصَصِهِمْ مِمَّا أَنْفَقَهُ فِي ذِمَمِهِمْ، وَإِنْ كَانَ إِنْفَاقُهُ مَعَ إِبَائِهِمْ فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِشَيْءٍ فِي ذِمَمِهِمْ وَلَكِنْ يَسْتَوْفِي مِنَ الْغَلَّةِ ثُمَّ مَا يَفْضُلُ مِنَ الْغَلَّةِ فَهُوَ لَهُمْ جَمِيعًا.

الدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ:

13- هُوَ كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لِشَرِيكَيْنِ فَأَكْثَرَ.كَمَا لَوْ بَاعَ الشَّرِيكَانِ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ دُونَ تَحْدِيدِ ثَمَنٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَتِ الصَّفْقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلدَّيْنِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا اخْتَلَفَ السَّبَبُ، وَانْتَفَى الِاشْتِرَاكُ فِي الدَّيْنِ: وَذَلِكَ كَالدَّيْنِ الَّذِي اسْتُحِقَّ عَلَى مُشْتَرٍ وَاحِدٍ ثَمَنًا لِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَدَارٍ، أَوْ قِطْعَةِ أَرْضٍ يَمْلِكُهَا اثْنَانِ مَا دَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ بَاعَ نَصِيبَهُ بِعَقْدٍ مُسْتَقِلٍّ، وَإِنْ أَخَذَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ صَكًّا وَاحِدًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ.فَهَذَا دَيْنٌ غَيْرُ مُشْتَرَكٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ.لَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، بِرَغْمِ اتِّحَادِ الْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي وَالصَّكِّ.فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدِ الْبَائِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، إِذَا تَقَاضَى مِنَ الدَّيْنِ شَيْئًا.

وَمِنَ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا كُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ لِشَرِيكَيْنِ فَأَكْثَرَ.وَهُوَ مَا كَانَ عِوَضًا عَنْ مَالَيْنِ غَيْرِ مُشْتَرَكَيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ اسْتُحِقَّ عَنْهُمَا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ: كَدَارٍ لِهَذَا وَدَارٍ لِذَاكَ، بَاعَاهُمَا مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بِثَمَنٍ إِجْمَالِيٍّ لَهُمَا، دُونَ أَنْ يُمَيَّزَ فِيهِ ثَمَنُ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، لَا بِبَيَانِ مِقْدَارٍ- كَسِتِّمِائَةٍ لِهَذَا وَأَرْبَعُمِائَةٍ لِذَاكَ- وَلَا بِتَحْدِيدِ صِفَةٍ، كَنُقُودٍ فِضِّيَّةٍ لِهَذَا وَذَهَبِيَّةٍ لِذَاكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّمْيِيزِ يُنَافِي اتِّحَادَ الصَّفْقَةِ: بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ فِي نَصِيبِ وَاحِدٍ، وَيَرْفُضَهُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، مُعْتَذِرًا بِأَنَّ هَذَا الثَّمَنَ أَوْ ذَاكَ الْوَصْفَ لَا يُنَاسِبُهُ.وَيَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ اتِّحَادِ الصَّفْقَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّيْنُ مُشْتَرَكًا.إِلاَّ أَنَّهُ فِي حَالَةِ التَّمْيِيزِ بِبَيَانِ تَفَاضُلِ الِاسْتِحْقَاقَيْنِ، إِذَا زَالَ التَّفَاضُلُ بِاسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ عَادَ الدَّيْنُ مُشْتَرَكًا.

وَزَادَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ التَّمْيِيزُ فِي الْمِقْدَارِ أَوِ الصِّفَةِ قَائِمًا أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الْعَقْدِ.

قَبْضُ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ:

14- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا، إِذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا- وَلَوْ كَانَ الْمُؤَدِّي كَفِيلَ الْمَدِينِ، أَوْ مُحَالًا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ فَهُوَ مَقْبُوضٌ عَنِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا، وَلِلَّذِي لَمْ يَقْبِضْ- وَيُسَمُّونَهُ الشَّرِيكَ السَّاكِتَ- أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ، بِنِسْبَةِ حِصَّتِهِ فِي الدَّيْنِ، كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ لِلْقَابِضِ مَا قَبَضَ لِيَتَمَلَّكَهُ، وَيَرْجِعَ هُوَ بِحِصَّتِهِ فِيهِ عَلَى الْمَدِينِ رُجُوعًا مُقَيَّدًا بِعَدَمِ التَّوَى، حَتَّى إِذَا تَوِيَتْ عَلَى الْمَدِينِ، كَأَنْ مَاتَ مُفَلِّسًا، عَادَ بِهَا عَلَى الْقَابِضِ، إِذْ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا كَانَ يَرْجُو سَلَامَتَهُ، وَشَرْطُ السَّلَامَةِ فِي مِثْلِهِ مَفْهُومٌ عُرْفًا.

وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ مُعَاوَضَةٍ كَأَلْفٍ هِيَ ثَمَنُ دَارٍ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، أَمْ دَيْنَ إِتْلَافٍ، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْأَلْفُ قِيمَةَ زَرْعٍ لَهُمَا ضَمِنَهُ قَالِعُهُ أَوْ مُحْرِقُهُ، أَمْ غَيْرُهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ مِيرَاثًا وَرِثَاهُ عَنْ مُوَرِّثٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَدَلَ قَرْضٍ أَقْرَضَاهُ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا.

أَمَّا أَنَّ مَا يَقْبِضُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ يُعْتَبَرُ مَقْبُوضًا عَنِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، فَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا عَنْ حِصَّةِ الْقَابِضِ وَحْدَهُ، إِلاَّ إِذَا وَقَعَتْ قِسْمَةُ الدَّيْنِ بَيْنَ الدَّائِنَيْنِ، وَهَذَا لَمْ يَحْصُلْ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ، لِمَعْنَيَيْنِ:

15- أَوَّلُهُمَا: أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ.وَهَذِهِ هِيَ حَقِيقَةُ الْقِسْمَةِ، فَلَا تُتَصَوَّرُ فِي الدَّيْنِ إِذَنْ.

ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَخْلُو مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ فَرَضْنَاهُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، مَهْمَا صَغُرَ، فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ.فَلَوْ صَحَّحْنَاهَا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، لَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الشَّرِيكَيْنِ اشْتَرَى مَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهِ فِي الدَّيْنِ، بِمَا تَرَكَهُ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ هُوَ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا أَنَّ لِلشَّرِيكِ السَّاكِتِ (الَّذِي لَمْ يَقْبِضْ) أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ؛ فَلِأَنَّ دَيْنَهُ فِي ذِمَّةِ هَذَا الْمَدِينِ، وَلَيْسَتْ لِهَذَا الْمَدِينِ وِلَايَةُ دَفْعِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِهَذَا الدَّفْعِ.

إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَى الْقَابِضِ ابْتِدَاءً، كَانَ عَيْنُ حَقِّهِ فِيمَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ: فَلَيْسَ لِلْقَابِضِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ، وَيُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ- سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَمْ أَجْوَدَ أَمْ أَرْدَأَ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ الْجِنْسُ وَاحِدًا فَاخْتِلَافُ الْوَصْفِ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ لَا يُنَافِي أَنَّ الْقَبْضَ عَنِ الدَّيْنِ: وَلِذَا يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِ الْأَجْوَدِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَقْبُوضُ عِنْدَ الْقَابِضِ بِسَبَبٍ مَا كَضَيَاعٍ، أَوْ تَلَفٍ، أَوْ دَفَعَهُ لِلْغَيْرِ فِي مُعَاوَضَةٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ تَبَرُّعٍ، فَإِنَّهُ- فِي غَيْرِ حَالَةِ تَلَفِهِ بِيَدِ الْقَابِضِ دُونَ تَعَدٍّ مِنْهُ- يَكُونُ قَدْ فَوَّتَ عَلَى شَرِيكِهِ حِصَّتَهُ فِيهِ، وَمِنْ حَقِّ هَذَا الشَّرِيكِ إِذَنْ أَنْ يُضَمِّنَهُ إِيَّاهَا.وَفِي حَالَةِ عَدَمِ التَّعَدِّي لَا تَضْمِينَ، وَلَكِنْ يَكُونُ الْفَوَاتُ كُلُّهُ عَلَى الْقَابِضِ، وَنَصِيبُ الشَّرِيكِ السَّاكِتِ فِي الدَّيْنِ يَظَلُّ كَامِلًا فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ.

أَمَّا إِذَا رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَى الْقَابِضِ بَعْدَ تَوَاءِ حَقِّهِ عِنْدَ الْغَرِيمِ (الْمَدِينِ) فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا الْحَقِّ فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ، دَيْنًا كَسَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْقَطَ تَعَلُّقَ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْمَقْبُوضِ، إِذْ خَلَّى بَيْنَ الْقَابِضِ وَبَيْنَ تَمَلُّكِهِ، وَعَدَلَ إِلَى مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ.

ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ فِي الْمَقْبُوضِ مِنَ الْقَابِضِ، يَكُونُ مَا بَقِيَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ بَيْنَهُمَا- كُلٌّ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ، وَهِيَ نَفْسُ نِسْبَةِ حَقَّيْهِمَا فِي الدَّيْنِ الْأَصْلِيِّ.

هَذَا الْحُكْمُ، أَعْنِي كَوْنَ مَا يَقْبِضُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنَ الدَّيْنِ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا أَطْلَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: سَوَاءٌ أَجَّلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ فِي الدَّيْنِ أَمْ لَمْ يُؤَجِّلْ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّأْجِيلَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَغْوٌ عِنْدَهُ، إِذْ هُوَ يَتَضَمَّنُ الْقِسْمَةَ- بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَالَّ غَيْرُ الْمُؤَجَّلِ، وَصْفًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمًا؛ لِامْتِنَاعِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمُؤَجَّلِ دُونَ الْحَالِّ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ إِلَى أَنَّ التَّأْجِيلَ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ فَإِنْ أَجَّلَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ اسْتَقَلَّ الْقَابِضُ بِمَا قَبَضَ خِلَالَ الْأَجَلِ إِلَى أَنْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ.ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّأْجِيلَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا، إِذْ هُوَ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، فَيَنْفُذُ قِيَاسًا عَلَى الْإِبْرَاءِ، بَلْ لَيْسَ هُوَ إِلاَّ إِبْرَاءً مُؤَقَّتًا، فَيُعْتَبَرُ بِالْمُطْلَقِ.فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ، اعْتُبِرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْآخِرُ قَدْ قَبَضَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْئًا رَجَعَ عَلَيْهِ هَذَا بِحِصَّتِهِ فِيهِ، إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَإِلاَّ ضَمَّنَهُ إِيَّاهَا.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لِمَنْ أَخَّرَ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ الْحَالِّ أَنْ يُشَارِكَ مَنْ لَمْ يُؤَخِّرْ فِيمَا يَقْبِضُهُ مِنَ الدَّيْنِ، وَاسْتَثْنَوْا مَا إِذَا كَانَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الشَّرِيكِ، وَتَلِفَ الْمَقْبُوضُ، وَلَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ بَعْدُ.

وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ تَقْرِيرِ ابْنِ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ لِمَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ- وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ- أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ مَا يَقْبِضُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَهُ خَاصَّةً، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ بِصَرِيحِ الْعِبَارَةِ، كَمَا فَعَلَ الْقَاضِي.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


25-موسوعة الفقه الكويتية (عقار)

عَقَار

التَّعْرِيفُ:

1- الْعَقَارُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ مَا لَهُ أَصْلٌ وَقَرَارٌ ثَابِتٌ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالضِّيَاعِ وَالنَّخْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى مَتَاعِ الْبَيْتِ، يُقَالُ: مَا لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ، أَيْ نَخْلٌ، وَفِي الْبَيْتِ عَقَارٌ حَسَنٌ، أَيْ مَتَاعٌ وَأَدَاةٌ، وَالْجَمْعُ عَقَارَاتٌ، وَالْعَقَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: خِيَارُهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ الثَّابِتُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، مِثْلُ الْأَرْضِ وَالدَّارِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْمَنْقُولُ:

2- الْمَنْقُولُ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُمْكِنُ نَقْلُهُ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى آخَرَ، فَيَشْمَلُ النُّقُودَ وَالْعُرُوضَ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمَنْقُولُ هُوَ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ مَعَ بَقَاءِ هَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ الْأُولَى، أَيْ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ بِدُونِ أَنْ تَتَغَيَّرَ صُورَتُهُ، كَالْعُرُوضِ التِّجَارِيَّةِ مِنْ أَمْتِعَةٍ وَسِلَعٍ وَأَدَوَاتٍ وَكُتُبٍ وَسَيَّارَاتٍ وَثِيَابٍ وَنَحْوِهَا.

ب- الشَّجَرُ:

3- جَاءَ فِي الْقَامُوسِ: الشَّجَرُ مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ أَوْ مَا سَمَا بِنَفْسِهِ دَقَّ أَوْ جَلَّ قَاوَمَ الشِّتَاءَ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: الشَّجَرُ هُوَ مَا لَهُ سَاقٌ صُلْبٌ يَقُومُ بِهِ، كَالنَّخْلِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَهُ سَاقٌ وَلَا يُقْطَعُ أَصْلُهُ، وَعَرَّفَهُ الْأَبِيُّ فِي الْمُسَاقَاةِ بِمَا كَانَ ذَا أَصْلٍ ثَابِتٍ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَتَبْقَى أُصُولُهُ

ج- الْبِنَاءُ:

4- الْبِنَاءُ: وَضْعُ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ عَلَى صِفَةٍ يُرَادُ بِهَا الثُّبُوتُ

ثَمَرَةُ قِسْمَةِ الْمَالِ إِلَى عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ:

5- تَظْهَرُ فَائِدَةُ قِسْمَةِ الْمَالِ إِلَى عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ فِيمَا يَأْتِي: أ- الشُّفْعَةُ: فَإِنَّهَا عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لَا تَثْبُتُ إِلاَّ فِي الْعَقَارِ الْمَبِيعِ، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَلَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِذَا بِيعَ اسْتِقْلَالًا، وَتَثْبُتُ فِيهِ إِذَا بِيعَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (شُفْعَة ف 24- 25)

ب- الْوَقْفُ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ وَقْفِ الْعَقَارِ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ، فَأَجَازَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقْفَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَمْ يُجِزْهُ الْحَنَفِيَّةُ إِلاَّ تَبَعًا لِلْعَقَارِ، أَوْ كَانَ مُتَعَارَفًا وَقْفَهُ كَالْكُتُبِ وَنَحْوِهَا، أَوْ وَرَدَ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ أَثَرٌ عَنِ السَّلَفِ كَوَقْفِ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (وَقْف)

ج- بَيْعُ عَقَارِ الْقَاصِرِ:

لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ عَقَارِ الْقَاصِرِ إِلاَّ بِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ يُجِيزُ لَهُ ذَلِكَ وَبِإِذْنِ الْقَاضِي، كَإِيفَاءِ دَيْنٍ أَوْ دَفْعِ حَاجَةٍ ضَرُورِيَّةٍ، أَوْ وُجُودِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ عَيْنِ الْعَقَارِ فِيهِ حِفْظُ مَصْلَحَةِ الْقَاصِرِ أَكْثَرَ مِنْ حِفْظِ ثَمَنِهِ، وَلَكِنْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ الْمَنْقُولَ إِذَا رَأَى مَصْلَحَةً فِي بَيْعِهِ.

د- مَالُ الْمَدِينِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ:

يُبْدَأُ أَوَّلًا بِبَيْعِ الْمَنْقُولِ لِوَفَاءِ دَيْنِ الْمَدِينِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُبَاعُ الْعَقَارُ إِذَا لَمْ يَفِ ثَمَنُ الْمَنْقُولِ بِالدَّيْنِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ رِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمَدِينِ.

هـ- بَيْعُ الشَّيْءِ قَبْلَ قَبْضِهِ: يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَيْعُ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى مِنَ الْعَقَارَاتِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ تَسَلُّمِهِ مِنَ الْبَائِعِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِتَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ كَثِيرًا، بِعَكْسِ الْعَقَارِ، وَلَمْ يُجِزْ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ التَّصَرُّفَ فِي الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ

و- حُقُوقُ الْجِوَارِ وَالِارْتِفَاقِ:

تَتَعَلَّقُ هَذِهِ الْحُقُوقُ بِالْعَقَارِ دُونَ الْمَنْقُولِ.

ر: (ارْتِفَاق ف 10، جِوَار ف 3).

ز- الْغَصْبُ:

لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُ الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، إِذْ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ، وَيَرَى مُحَمَّدٌ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ إِمْكَانَ غَصْبِ الْعَقَارِ، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَيُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ اتِّفَاقًا تَحَوُّلُ الْعَقَارِ إِلَى مَنْقُولٍ وَبِالْعَكْسِ:

6- قَدْ يَتَحَوَّلُ الْعَقَارُ إِلَى مَنْقُولٍ، كَالْأَجْزَاءِ الَّتِي تَنْفَصِلُ عَنِ الْأَرْضِ أَوْ تُسْتَخْرَجُ مِنْهَا، كَالْمَعَادِنِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنَ الْمَنَاجِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنْقَاضِ الْبِنَاءِ الْمَهْدُومِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ فَصْلِهِ عَنِ الْأَرْضِ تَزُولُ عَنْهُ صِفَةُ الْعَقَارِ وَأَحْكَامُهُ، وَيُصْبِحُ فِي عِدَادِ الْمَنْقُولَاتِ وَتُطَبَّقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا.

وَقَدْ يَحْدُثُ الْعَكْسُ وَهُوَ تَحَوُّلُ الْمَنْقُولِ إِلَى عَقَارٍ، بِأَنْ صَارَ الْمَنْقُولُ تَبَعًا لِلْعَقَارِ، فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ، جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ مَا يَأْتِي: (تَوَابِعُ الْمَبِيعِ الْمُتَّصِلَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا بِدُونِ ذِكْرٍ)، مَثَلًا إِذَا بِيعَتْ دَارٌ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ الْأَقْفَالُ الْمُسَمَّرَةُ وَالدَّوَالِيبُ- أَيِ الْخِزَنُ الْمُسْتَقِرَّةُ- وَالرُّفُوفُ الْمُسَمَّرَةُ الْمُعَدَّةُ لِوَضْعِ فُرُشٍ، وَالْبُسْتَانُ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ حُدُودِ الدَّارِ، وَالطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ، أَوِ الدَّاخِلَةُ الَّتِي لَا تَنْفُذُ.وَفِي بَيْعِ الْعَرْصَةِ تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ الْمَغْرُوسَةُ عَلَى أَنْ تَسْتَقِرَّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ لَا تُفْصَلُ عَنِ الْمَبِيعِ، فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ذِكْرٍ وَلَا تَصْرِيحٍ.

أَحْكَامُ الْعَقَارِ:

لِلْعَقَارِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُخْتَلِفَةِ، أَهَمُّهَا:

الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ:

7- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ اللُّبْثَ فِيهَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَلأَنْ يَحْرُمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ عَلَى رَأْيَيْنِ:

فَقَالَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ): الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إِلَى مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهَا، كَمَا لَوْ صَلَّى وَهُوَ يَرَى غَرِيقًا يُمْكِنُهُ إِنْقَاذُهُ فَلَمْ يُنْقِذْهُ، أَوْ حَرِيقًا يَقْدِرُ عَلَى إِطْفَائِهِ فَلَمْ يُطْفِئْهُ، أَوْ مَطَلَ غَرِيمَهُ الَّذِي يُمْكِنُ إِيفَاؤُهُ وَصَلَّى، وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ مَعَ الْإِثْمِ، وَيَحْصُلُ بِهَا الثَّوَابُ، فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى فِعْلِهِ عَاصِيًا بِمُقَامِهِ، وَإِثْمُهُ لِلْمُكْثِ فِي مَكَانٍ مَغْصُوبٍ.

وَيَصِفُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ مِنَ الْجُمْهُورِ هَذِهِ الصَّلَاةَ بِأَنَّهَا فِعْلٌ لَهُ جِهَتَانِ: كَوْنُهُ صَلَاةً وَكَوْنُهُ غَصْبًا، لَكِنَّ الْجِهَتَيْنِ غَيْرُ مُتَلَازِمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنِ اجْتَمَعَتَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنَّ انْفِرَادَهُمَا مُمْكِنٌ وَمُتَصَوَّرٌ، فَالْغَصْبُ يَنْفَرِدُ عَنِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَشْغَلَ الْمَكَانَ بِأَيِّ عَمَلٍ آخَرَ، وَالصَّلَاةُ تَنْفَرِدُ عَنِ الْغَصْبِ بِأَنْ تُؤَدَّى فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَبِنَاءً عَلَيْهِ يَكُونُ اجْتِمَاعُ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ فِي هَذَا الْفِعْلِ جَائِزًا، فَهَذِهِ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاةٌ، وَحَرَامٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا غَصْبٌ شَامِلٌ لِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَا تَنَافِيَ لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ بَيْنَ مُتَعَلِّقِ الْإِيجَابِ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ وَمُتَعَلِّقِ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْغَصْبُ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ وَيُثَابُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارٍ، وَحَرَامٌ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ، وَلَوْ كَانَ جُزْءًا مُشَاعًا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَتَى بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَلَمْ تَصِحَّ كَصَلَاةِ الْحَائِضِ وَصَوْمِهَا، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْفِعْلِ وَاجْتِنَابَهُ وَالتَّأْثِيمَ بِفِعْلِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُطِيعًا بِمَا هُوَ عَاصٍ بِهِ، مُمْتَثِلًا بِمَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، مُتَقَرِّبًا بِمَا يَبْعُدُ بِهِ؟ فَإِنَّ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْعَالٌ اخْتِيَارِيَّةٌ، وَهُوَ عَاصٍ بِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَيَخْتَلِفُ الْأَمْرُ عَنْ إِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ فِي نَفْسِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا.

وَلَكِنْ يَصِحُّ لَدَى الْحَنَابِلَةِ الْوُضُوءُ وَالْأَذَانُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمُ وَالْعُقُودُ كَالْبَيْعِ وَالزَّوَاجِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْفُسُوخُ كَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ فِي مَكَانٍ مَغْصُوبٍ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.

وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ فِي بُقْعَةٍ أَبْنِيَتُهَا غَصْبٌ، وَلَوِ اسْتَنَدَ إِلَى الْأَبْنِيَةِ لِإِبَاحَةِ الْبُقْعَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أَوْ رَدِّ غَصْبٍ قَبْلَ دَفْعِهَا إِلَى صَاحِبِهَا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ مَزْرُوعَةً بِلَا ضَرَرٍ وَلَا غَصْبٍ، أَوْ صَلَّى عَلَى مُصَلاَّهُ بِلَا غَصْبٍ وَلَا ضَرَرٍ، جَازَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ صَلَّى فِي غَصْبٍ مِنْ بُقْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا كَوْنَهُ غَصْبًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَإِذَا حُبِسَ فِي مَكَانٍ غُصِبَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». وَيَرَى أُصُولِيُّو الْحَنَابِلَةِ وَالْجُبَّائِيُّ وَابْنُهُ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ الْجِهَتَيْنِ فِي هَذَا الْفِعْلِ (الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ) مُتَلَازِمَتَانِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنَ الْمُصَلِّي فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَفْعَالٌ اخْتِيَارِيَّةٌ بِهَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ فَتَكُونُ حَرَامًا، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ بِعَيْنِهَا جُزْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ الصَّلَاةِ، إِذْ هِيَ عِبَادَةٌ ذَاتُ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، وَالصَّلَاةُ الَّتِي جُزْؤُهَا حَرَامٌ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً وَلَا يَسْقُطُ بِهَا الطَّلَبُ.

8- أَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَسْخُوطِ عَلَيْهَا: (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) فَصَحِيحَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، كَأَرْضِ الْخَسْفِ، وَكُلِّ بُقْعَةٍ نَزَلَ فِيهَا عَذَابٌ، كَأَرْضِ بَابِلَ، وَأَرْضِ الْحِجْرِ وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ لَكِنْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّهَا مَسْخُوطٌ عَلَيْهَا «قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ مَرَّ بِالْحِجْرِ: لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ».

زَكَاةُ الْعَقَارِ.

9- لَا زَكَاةَ عَلَى الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ ثِيَابِ الْبَدَنِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْعَقَارِ مِنْ أَرَاضٍ وَدُورِ سُكْنَى وَحَوَانِيتَ، بَلْ وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهَا إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهَا التِّجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُهَا وَلَيْسَتْ بِنَامِيَةٍ أَصْلًا، فَلَا بُدَّ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ نَامِيًا، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ حَقِيقَةَ النَّمَاءِ، وَإِنَّمَا كَوْنُ الْمَالِ مُعَدًّا لِلِاسْتِنْمَاءِ إِمَّا خِلْقِيًّا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، أَوْ بِالْإِعْدَادِ لِلتِّجَارَةِ، أَوْ بِالسَّوْمِ أَيِ الرَّعْيِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

10- وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْمُسْتَغَلاَّتِ مِنْ عِمَارَاتٍ وَمَصَانِعَ وَمَبَانٍ وَدُورٍ وَأَرَاضٍ بِأَعْيَانِهَا وَلَا عَلَى غَلاَّتِهَا مَا لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.

لَكِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ- مِنْهُمُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ- يَرَوْنَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمُسْتَغَلِّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِأَجْلِ الِاسْتِغْلَالِ، فَيَشْمَلُ الْعَقَارَ الْمُعَدَّ لِلْكِرَاءِ وَكُلَّ سِلْعَةٍ تُؤَجَّرُ وَتُعَدُّ لِلْإِجَارَةِ، بِأَنْ يُقَوَّمَ رَأْسُ الْمَالِ فِي كُلِّ عَامٍ وَيُزَكَّى زَكَاةَ التِّجَارَةِ.

وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تُزَكَّى هَذِهِ الْمُسْتَغَلاَّتُ مِنْ غَلَّتِهَا وَإِيرَادِهَا إِذَا اسْتَفَادَهَا.

وَرَأَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَزْكِيَةَ فَوَائِدِ الْمُسْتَغَلاَّتِ عِنْدَ قَبْضِهَا.

بَيْعُ الْعَقَارِ:

11- يَجُوزُ لِلْمَالِكِ بَيْعُ عَقَارِهِ الَّذِي يَمْلِكُهُ مِلْكًا تَامًّا، كَمَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ فِي الْعَقَارِ مِنَ الشَّرِيكِ، وَمِنَ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قَبِلَتِ الْعَيْنُ الْمُشْتَرَكَةُ الْقِسْمَةَ أَمْ لَا، إِلاَّ فِي حِصَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بِسَبَبِ الْخَلْطِ فِي الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنَ الشَّرِيكِ وَلَا يَجُوزُ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ.لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ بَيْعِ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ عَدَمُ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ، فَلَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنَ الزَّرْعِ بِدُونِ الْأَرْضِ قَبْلَ أَوَانِ قَطْعِهِ، إِذْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى ضَرَرِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ بِتَعَرُّضِ زَرْعِهِ لِلْقَطْعِ فِي سَبِيلِ التَّسْلِيمِ إِلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَوَانِ قَطْعِهِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ مُشْتَرَكٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي أَرْضٍ أَوْ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ جُزْءًا شَائِعًا مِنَ الْمُشْتَرَكِ.

وَهُنَاكَ بَعْضُ الْقُيُودِ الشَّرْعِيَّةِ الْأُخْرَى عَلَى أَنْوَاعٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ بَيْعِ الْعَقَارَاتِ، مِنْهَا:

أَوَّلًا- بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْعَقَارِ:

12- بَيْعُ الْوَفَاءِ: هُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى رَدَّ الثَّمَنَ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ إِلَيْهِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ أَوْ فَسَادِهِ، وَفِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ آثَارٍ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْوَفَاءِ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا)

ثَانِيًا- بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

13- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا وَإِنْ أَذِنَ الْبَائِعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: إِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ».

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّيْخَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ- أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ- بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ اسْتِحْسَانًا اسْتِدْلَالًا بِعُمُومَاتِ حِلِّ الْبَيْعِ بِدُونِ تَخْصِيصٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضُ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا).

ثَالِثًا- بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً:

14- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قِسْمَتِهَا وَبَيْنَ إِقْرَارِ أَهْلِهَا عَلَيْهَا وَوَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمُ الْخَرَاجَ، وَإِذَا بَقِيَتْ فِي أَيْدِي أَهْلِهَا فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا.

وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ الْأَرْضَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تُقْسَمُ الْأَرْضُ الْمَفْتُوحَةُ عَنْوَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ إِلاَّ أَنْ يَطِيبُوا نَفْسًا بِتَرْكِهَا فَتُوقَفُ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ سَوَادَ الْعِرَاقِ قُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ بَذَلُوهُ لِعُمَرَ - رضي الله عنه- وَوُقِفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ خَرَاجُهُ أُجْرَةً تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ السَّوَادِ الَّذِينَ أُقِرَّتِ الْأَرْضُ فِي أَيْدِيهِمْ بَيْعُهَا أَوْ رَهْنُهَا أَوْ هِبَتُهَا لِكَوْنِهَا صَارَتْ وَقْفًا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قِسْمَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى الْغَانِمِينَ فَتُمْلَكُ بِالْقِسْمَةِ وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا وَبَيْنَ وَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا وَنَحْوُهُ، وَيَضْرِبُ الْإِمَامُ بَعْدَ وَقْفِهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ وَمُعَاهَدٍ يَكُونُ أُجْرَةً لَهَا.

بَيْعُ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ عَقَارَ الْقَاصِرِ:

15- لِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَاتٌ مُتَقَارِبَةُ الرَّأْيِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ خُلَاصَتُهَا فِيمَا يَلِي:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ: يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْعَدْلِ (مَحْمُودِ السِّيرَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ مَسْتُورِ الْحَالِ) أَنْ يَبِيعَ عَقَارَ الْقَاصِرِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَأَكْثَرَ لِتَوَافُرِ الشَّفَقَةِ الْكَامِلَةِ عِنْدَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ لِلضَّرُورَةِ كَبَيْعِهِ لِتَسْدِيدِ دَيْنٍ لَا وَفَاءَ لَهُ إِلاَّ بِهَذَا الْمَبِيعِ، وَيَنْفُذُ بَيْعُ الْوَصِيِّ بِإِجَازَةِ الْقَاضِي، وَلَهُ رَدُّهُ إِذَا كَانَ خَيْرًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِالْمَصْلَحَةِ، فَلِلْأَبِ بَيْعُ مَالِ وَلَدِهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا، وَلَا يُتَعَقَّبُ بِحَالٍ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ بَيَانُ سَبَبِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، أَمَّا الْوَصِيُّ فَلَا يَبِيعُ عَقَارَ مَحْجُورِهِ إِلاَّ لِسَبَبٍ يَقْتَضِي بَيْعَهُ- أَيْ لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ- وَبِبَيِّنَةٍ بِأَنْ يَشْهَدَ الْعُدُولُ أَنَّهُ إِنَّمَا بَاعَهُ لِكَذَا، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحَاكِمِ كَالْوَصِيِّ مَالَ الْمَحْجُورِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالنَّفَقَةِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَذَكَرُوا أَحَدَ عَشَرَ سَبَبًا لِجَوَازِ بَيْعِ عَقَارِ الْقَاصِرِ مِنْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ لِلضَّرُورَةِ، مِثْلَ الْحَاجَةِ لِلنَّفَقَةِ، أَوْ وَفَاءَ دَيْنٍ لَا قَضَاءَ لَهُ إِلاَّ مِنْ ثَمَنِهِ، وَالْخَوْفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ غَصْبًا أَوْ يَعْتَدِي عَلَى رَيْعِهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ، وَبَيْعَهُ بِزِيَادَةِ الثُّلُثِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ لِلْقَاصِرِ بِالْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا، وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِحَاجَةٍ كَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ بِأَنْ لَمْ تَفِ غَلَّةُ الْعَقَارِ بِهِمَا، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي الِاقْتِرَاضِ أَوْ خَافَ خَرَابَهُ.

وَالثَّانِي: لِمَصْلَحَةٍ ظَاهِرَةٍ، كَأَنْ يَرْغَبَ فِيهِ شَرِيكٌ أَوْ جَارٌ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِهِ، أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ، أَوْ يَكُونُ ثَقِيلَ الْخَرَاجِ، أَيِ الْمَغَارِمِ وَالضَّرَائِبِ مَعَ قِلَّةِ رَيْعِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا إِلاَّ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ (الْمَصْلَحَةِ) لَهُمَا لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

قَبْضُ الْعَقَارِ:

16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ أَوِ الْمَرْهُونِ يَكُونُ بِالتَّسْلِيمِ الْفِعْلِيِّ أَوْ بِالتَّخْلِيَةِ، أَيْ: رَفْعِ الْمَانِعِ مِنَ الْقَبْضِ أَوِ التَّمَكُّنِ مِنْ إِثْبَاتِ الْيَدِ بِارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ، فَيُخَلَّى بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعِ أَوْ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَرْهُونِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ، أَوْ مِنْ إِثْبَاتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَلِلْفُقَهَاءِ فِي مَوْضُوعِ التَّخْلِيَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَخْلِيَة ف 4، 5)

ضَمَانُ غَلَّةِ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ:

17- إِذَا رُدَّ الْمَبِيعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِسَبَبِ عَيْبٍ مِنَ الْعُيُوبِ، فَهَلْ تَكُونُ غَلَّتُهُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ إِلَى وَقْتِ الرَّدِّ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُشْتَرِي بِاعْتِبَارِهَا حَقًّا لِلْبَائِعِ، أَمْ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَضْمَنُهَا لِلْبَائِعِ؟.

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ أَوِ الْغَلَّةَ الْمُتَّصِلَةَ بِالشَّيْءِ وَقْتَ الرَّدِّ تَكُونُ لِلْبَائِعِ وَيَجِبُ رَدُّهَا، أَمَّا الْمَنَافِعُ الْمُنْفَصِلَةُ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ».أَيْ أَنَّ الْغَلَّةَ أَوِ الْمَنَافِعَ فِي مُقَابِلِ تَحَمُّلِ الْمُشْتَرِي تَبِعَةَ ضَمَانِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ إِذَا هَلَكَ عِنْدَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ الْفَرْعِيَّةَ غَيْرَ الْمُتَوَلِّدَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنَ الْمَبِيعِ كَمَنَافِعِ الشَّيْءِ وَأُجْرَةِ كِرَاءِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا، دُونَ الْأَصْلِيَّةِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ لِمَالِكِ أَصْلِهَا الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْهُ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ غَلَّةَ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ كَجُزْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ كَسُكْنَى الدَّارِ وَإِسْكَانِهَا وَرُكُوبِ السَّيَّارَةِ وَإِجَارَتِهَا وَأَلْبَانِ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ قَبْضِهِ لِلْمَبِيعِ إِلَى يَوْمِ فَسْخِ الْبَيْعِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ غَلَّتَهُ لَهُ، وَالْغُنْمُ فِي نَظِيرِ الْغُرْمِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ غَلَّةُ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِالْعَيْبِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ فِي ضَمَانِهِ وَالْغَلَّةُ فِي نَظِيرِ الضَّمَانِ.

الْغَرْسُ أَوِ الْبِنَاءُ فِي أَرْضٍ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهَا لِلْغَيْرِ.

18- إِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ مِنْ آخَرَ أَرْضًا، فَغَرَسَ أَوْ بَنَى فِيهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِغَيْرِ بَائِعِهَا، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ قَلْعَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحْقَاق ف 15).

الْغَرْسُ أَوِ الْبِنَاءُ فِي الْأَرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ:

19- لِلْفُقَهَاءِ آرَاءٌ مُتَقَارِبَةٌ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ:

فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ أَرْضًا لِلْغِرَاسِ أَوِ الْبِنَاءِ مُدَّةً مَعْلُومَةً كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ، فَإِنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ الْهَدْمَ أَوِ الْقَلْعَ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْإِجَارَةِ، أُجْبِرَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدِهِمَا.

وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْمُؤَجِّرُ الْهَدْمَ أَوِ الْقَلْعَ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ (أَوِ الْمُكْتَرِي) إِزَالَةُ الْبِنَاءِ أَوْ قَلْعُ الشَّجَرِ، وَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ دَخَلَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَهُ وَعَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا إِنْ قَلَعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمَالِكُ؛ وَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْأَرْضِ تَصَرُّفًا نَقَصَهَا، وَلَمْ يَقْتَضِهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ.

فَإِنْ أَبَى الْمُسْتَأْجِرُ الْقَلْعَ أَوِ الْإِزَالَةَ، خُيِّرَ الْمُؤَجِّرُ بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: 1- تَرْكُهُ عَلَى ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.

2- أَخْذُ الْمُؤَجِّرِ الْغِرَاسَ أَوِ الْبِنَاءَ بِالْقِيمَةِ، وَيَمْتَلِكُهُ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ عَنْهُمَا.

3- إِزَالَةُ الْمُسْتَأْجِرِ الْبِنَاءَ أَوْ قَلْعُ الْغِرَاسِ مَعَ ضَمَانِهِ أَرْشَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالْقَلْعِ مَعَ دَفْعِ الْأَرْشِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْبِنَاءُ مَسْجِدًا أَوْ مُعَدًّا لِنَفْعٍ عَامٍّ فَلَا يُهْدَمُ، وَتَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَتُهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ أَوْ إِلَى زَوَالِهِ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، إِذْ وَضْعُ هَذِهِ لِلدَّوَامِ، وَلَا يُعَادُ الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ لَوِ انْهَدَمَ إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْإِذْنِ بِزَوَالِ الْعَقْدِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ غَرَسَ غَرْسًا فِيهَا، وَلَوْ بِإِذْنِ الْمُؤَجِّرِ، كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْإِجَارَةِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا هَدْمُ الْبِنَاءِ وَقَلْعُ الْغَرْسِ، وَإِمَّا تَمَلُّكُ مَا اسْتَحْدَثَ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ إِنْ أَضَرَّ الْهَدْمُ أَوِ الْإِزَالَةُ بِالْعَقَارِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ إِبْقَاؤُهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَأْجِرِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ فَلِلْمُؤَجِّرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ الْبَانِيَ أَوِ الْغَارِسَ بِهَدْمِ بِنَائِهِ أَوْ قَلْعِ شَجَرِهِ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا، أَوْ يُرْضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُؤَجِّرَ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الْمُدَّةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لِأَجْلِ بَقَاءِ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ.

رَهْنُ الْعَقَارِ:

20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ بَيْعُهُ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ صَحَّ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الرَّهْنِ الِاسْتِيثَاقُ بِالدَّيْنِ لِيُتَوَصَّلَ إِلَى اسْتِيفَائِهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الرَّاهِنِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا.

وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ رَهْنَ الْمُشَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (رَهْن ف9)

غَصْبُ الْعَقَارِ:

21- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَحْكَامَ الْغَصْبِ تَجْرِي فِي الْعَقَارِ إِذْ يُمْكِنُ غَصْبُهُ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (غَصْب).

وَقْفُ الْعَقَارِ:

22- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْعَقَارِ مِنْ أَرْضٍ وَدُورٍ وَحَوَانِيتَ وَبَسَاتِينَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم- وَقَفُوهُ، مِثْلَ مَا فَعَلَ عُمَرُ - رضي الله عنه- فِي وَقْفِهِ أَرْضَهُ فِي خَيْبَرَ؛ وَلِأَنَّ الْعَقَارَ مُتَأَبِّدٌ يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْف).

وَالْبِنَاءُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَنْقُولٌ، وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْمَنْقُولِ عِنْدَهُمْ إِلاَّ إِذَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ، وَبِمَا أَنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا وَقْفَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ بِلَا أَرْضٍ فَيَجُوزُ الْوَقْفُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَهُ صُوَرٌ ثَلَاثٌ.

ر: مُصْطَلَحَ: (وَقْف).

تَعَلُّقُ حَقِّ الِارْتِفَاقِ بِالْعَقَارِ الْمَبِيعِ.

23- تَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الِارْتِفَاقِ بِالْعَقَارِ دُونَ الْمَنْقُولِ، فَيَكُونُ حَقُّ الِارْتِفَاقِ مُقَرَّرًا دَائِمًا عَلَى عَقَارٍ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ دُونَ حَقِّ الِارْتِفَاقِ، وَلَا يَدْخُلُ حَقُّ الِارْتِفَاقِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ إِلاَّ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ صَرَاحَةً، أَوْ بِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُ الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا أَوْ بِمَرَافِقِهَا، أَوْ كُلَّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ حَوْلَهَا، أَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَتَدْخُلُ حُقُوقُ الِارْتِفَاقِ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا، لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْجُورِ بِدُونِهَا، وَيُقَاسُ الْوَقْفُ اسْتِحْسَانًا عَلَى الْإِجَارَةِ لَا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْوَقْفِ هُوَ مُجَرَّدُ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إِلاَّ بِأَنْ يَدْخُلَ الشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ وَالطَّرِيقُ فِي وَقْفِ الْأَرْضِ دُونَ نَصٍّ عَلَيْهَا

تَعَلُّقُ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي الْعَقَارِ لَا الْمَنْقُولِ:

24- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رضي الله عنه- قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ».

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شُفْعَة ف 24)

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


26-موسوعة الفقه الكويتية (قضاء 2)

قَضَاء -2

حُكْمُ تَقْلِيدِ الْكَافِرِ:

22- الْإِسْلَامُ هُوَ أَحَدُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَشْتَرِطُهَا الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُقَلَّدُ الْقَضَاءَ، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْكَافِرِ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} سَوَاءٌ أَكَانَتْ تَوْلِيَتُهُ لِلْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ بَيْنَ أَهْلِ دِينِهِ، لَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ تَقْلِيدَهُ الْقَضَاءَ بَيْنَ أَهْلِ دِينِهِ، لِجَوَازِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ وِلَايَتُهُمْ فِي الْمَنَاكِحِ جَازَتْ فِي الْأَحْكَامِ.

وَاعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ الْجَارِي فِي تَقْلِيدِهِمْ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ: أَمَّا جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِنَصْبِ حَاكِمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إِنَّمَا هِيَ زَعَامَةٌ وَرِيَاسَةٌ، لَا تَقْلِيدُ حُكْمٍ وَقَضَاءٍ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ بِإِلْزَامِهِ بَلْ بِالْتِزَامِهِمْ وَلَا يُلْزَمُونَ بِالتَّحَاكُمِ عِنْدَهُ.

وِلَايَةُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ:

23- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الَّذِي يَمْلِكُ وِلَايَةَ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ إِلاَّ مِنْ جِهَتِهِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَلَا يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَوِّضَ إِلَى شَخْصٍ تَوْلِيَةَ الْقُضَاةِ، وَلَيْسَ لِمَنْ فَوَّضَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارُ نَفْسِهِ وَلَا وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إِذَا كَانَا صَالِحَيْنِ لِلْوِلَايَةِ لِأَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي عُمُومِ الْإِذْنِ مَعَ أَهْلِيَّتِهَا.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا مَنْ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ، أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إِلَيْهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْعَلُونَهُ وَالِيًا فَيُوَلِّي قَاضِيًا، أَوْ يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْإِمَامِ أَوِ الِاتِّصَالُ بِهِ، يَتِمُّ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْعَدَالَةِ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ كَمُلَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقَضَاءِ، وَيَكُونُ عَقْدُهُمْ نِيَابَةً عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا خَلَا الْبَلَدُ مِنْ قَاضٍ، فَقَلَّدَ أَهْلُهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَاضِيًا مِنْهُمْ كَانَ تَقْلِيدُهُمْ لَهُ بَاطِلاً إِنْ كَانَ فِي الْعَصْرِ إِمَامٌ، وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَهُمْ مُتَوَسِّطًا مَعَ التَّرَاضِي- لَا مُلْزَمًا- وَإِنْ خَلَا الْعَصْرُ مِنْ إِمَامٍ فَإِنْ كَانَ يُرْجَى أَنْ يَتَجَدَّدَ إِمَامٌ بَعْدَ زَمَانٍ قَرِيبٍ كَانَ تَقْلِيدُ الْقَاضِي بَاطِلاً، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ تَجْدِيدُ إِمَامٍ قَرِيبٍ وَأَمْكَنَهُمْ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى قَاضِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِمْ كَانَ تَقْلِيدُهُمْ لِلْقَاضِي بَاطِلاً، وَيَكُونَ تَقْلِيدُهُمْ لِلْقَاضِي جَائِزًا إِذَا اجْتَمَعَ عَلَى التَّقْلِيدِ جَمِيعُ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ مِنْهُمْ، وَأَمْكَنَهُمْ نَصْرُهُ وَتَقْوِيَةُ يَدِهِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُمُ التَّحَاكُمُ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ قَلَّدَهُ بَعْضُهُمْ نُظِرَ فِي بَاقِيهِمْ إِنْ ظَهَرَ الرِّضَا مِنْهُمْ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَصَارُوا كَالْمُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُمُ الْإِنْكَارُ بَطَلَ التَّقْلِيدُ، فَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ جَانِبَانِ فَرَضِيَ بِتَقْلِيدِهِ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ صَحَّ تَقْلِيدُهُ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ وَبَطَلَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ لِأَنَّ تَمَيُّزَ الْجَانِبَيْنِ كَتَمَيُّزِ الْبَلَدَيْنِ، فَإِذَا صَحَّتْ وِلَايَتُهُ نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ وَلَزِمَتْ طَوْعًا وَجَبْرًا لِانْعِقَادِ وِلَايَتِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا خَلَا الْبَلَدُ مِنْ قَاضٍ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلَدِ وَقَلَّدُوا قَاضِيًا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مَفْقُودًا صَحَّ وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَتَجَدَّدَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَدِمْ هَذَا الْقَاضِي النَّظَرَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِهِ، وَلَا يُنْقَضْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِهِ.

وَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ تَوْلِيَةَ قَاضٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِالنَّاسِ وَيَعْرِفُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَلاَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ سَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّاسِ، وَاسْتَرْشَدَهُمْ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ، فَإِذَا عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَلاَّهُ، وَيَكْتُبُ لَهُ عَهْدًا بِمَا وَلاَّهُ يَأْمُرُهُ فِيهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْقَضَاءِ وَمُشَاوَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَصَفُّحِ أَحْوَالِ الشُّهُودِ وَتَأَمُّلِ الشَّهَادَاتِ، وَتَعَاهُدِ الْيَتَامَى، وَحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْوُقُوفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَى مُرَاعَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي تَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ.

اشْتِرَاطُ عَدَالَةِ الْمُوَلِّي:

24- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُوَلِّي (بِكَسْرِ اللاَّمِ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى تَصِحُّ مِنْ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ فَتَصِحُّ وِلَايَتُهُ كَالْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّهَا لَوِ اعْتُبِرَتْ فِي الْمُوَلَّى أَفْضَى إِلَى تَعَذُّرِهَا بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، لَكِنْ إِذَا كَانَ الْمُوَلِّي يَمْنَعُهُ عَنِ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ فَيَحْرُمُ.

وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إِذَا وَلاَّهُ أَمِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ.

وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِذَا اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى إِقْلِيمٍ عَظِيمٍ فَوَلَّوُا الْقَضَاءَ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، فَالَّذِي يَظْهَرُ إِنْفَاذُ ذَلِكَ كُلِّهِ جَلْبًا لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَدَفْعًا لِلْمَفَاسِدِ الشَّامِلَةِ.

ب- صِفَةُ عَقْدِ الْقَضَاءِ:

25- إِذَا كَانَ الْمُوَلِّي وَالْمُوَلَّى حَاضِرَيْنِ فَالْعِبْرَةُ بِاللَّفْظِ وَفِي حَالَةِ الْغَيْبَةِ تَقُومُ الْكِتَابَةُ مَقَامَ اللَّفْظِ.

وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْوِلَايَةُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ: وَلَّيْتُكَ، وَقَلَّدْتُكَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ، وَاسْتَنَبْتُكَ، وَهَذَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، زَادَ الْحَنَابِلَةُ: رَدَدْتُ إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ وَجَعَلْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ.

وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ، وَعَوَّلْتُ عَلَيْكَ، وَرَدَدْتُ إِلَيْكَ وَجَعَلْتُ إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ وَوَكَّلْتُ إِلَيْكَ وَأَسْنَدْتُ إِلَيْكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَعَهِدْتُ إِلَيْكَ، وَتَحْتَاجُ الْكِنَايَةُ إِلَى أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَا يَنْفِي عَنْهَا الِاحْتِمَالَ مِثْلُ: احْكُمْ فِيمَا اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ فِيهِ، وَشِبْهَ ذَلِكَ.

وَتَمَامُ الْعَقْدِ مُعْتَبَرٌ بِقَبُولِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا كَانَ قَبُولُهُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا جَازَ قَبُولُهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَيَجُوزُ قَبُولُهُ بِالْقَوْلِ مَعَ التَّرَاخِي، وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْقَبُولِ بِالشُّرُوعِ فِي النَّظَرِ، فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، وَجَعَلَهُ كَالنُّطْقِ، وَلَمْ يُجِزْهُ آخَرُونَ حَتَّى يَنْطِقَ بِالْقَبُولِ، لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّظَرِ فَرْعٌ لِعَقْدِ الْوِلَايَةِ، فَلَمْ يَنْعَقِدِ الْقَبُولُ بِالشُّرُوعِ.

ج- سُلْطَةُ الْقَاضِي وَاخْتِصَاصُهُ:

26- لِلْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَاضِيَ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ بِأَنْ يُوَلِّيَهُ سَائِرَ الْأَحْكَامِ بِسَائِرِ الْبِلَادِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي خُصُوصِ الْعَمَلِ، فَيُقَلِّدَهُ النَّظَرَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيمَنْ سَكَنَهُ وَمَنْ أَتَى إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سُكَّانِهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَهُ خُصُوصَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ فَيَقُولُ مَثَلاً: جَعَلْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ خَاصَّةً فِي جَمِيعِ وِلَايَتِي، أَوْ يَجْعَلَ حُكْمَهُ فِي قَدْرٍ مِنَ الْمَالِ نَحْوِ أَنْ يَقُولَ: احْكُمْ فِي الْمِائَةِ فَمَا دُونَهَا.

وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ خُصُوصَ النَّظَرِ فِي خُصُوصِ الْعَمَلِ كَأَنْ يُوَلِّيَهُ قَضَاءَ الْأَنْكِحَةِ فِي مَدِينَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ شَطْرٍ مِنْهَا.

الْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ:

27- إِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي عَامَّةً مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ فَنَظَرُهُ يَشْتَمِلُ عَلَى عَشَرَةِ أَحْكَامٍ:

أَحَدُهَا: فَصْلُ الْمُنَازَعَاتِ، وَقَطْعُ التَّشَاجُرِ وَالْخُصُومَاتِ، إِمَّا صُلْحًا عَنْ تَرَاضٍ أَوْ إِجْبَارًا بِحُكْمٍ بَاتٍّ.

الثَّانِي: اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ مِنَ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا، وَإِيصَالُهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا بَعْدَ ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِهَا.

الثَّالِثُ: ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ عَلَى مَنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ، لِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ، وَالْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، حِفْظًا لِلْأَمْوَالِ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا.

الرَّابِعُ: النَّظَرُ فِي الْأَوْقَافِ بِحِفْظِ أُصُولِهَا، وَتَنْمِيَةِ فُرُوعِهَا، وَقَبْضِهِ غَلَّتَهَا، وَصَرْفِهَا فِي سُبُلِهَا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ رَعَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوَلاَّهُ.

الْخَامِسُ: تَنْفِيذُ الْوَصَايَا عَلَى شَرْطِ الْمُوصِي فِيمَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ، فَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنِينَ نَفَّذَهَا بِالْإِقْبَاضِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَانَ تَنْفِيذُهَا إِلَى اجْتِهَادِ النَّظَرِ.

السَّادِسُ: تَزْوِيجُ الْأَيَامَى بِالْأَكْفَاءِ إِذَا عُدِمَ الْأَوْلِيَاءُ.

السَّابِعُ: إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى تَفَرَّدَ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ غَيْرِ مُطَالِبٍ، إِذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَفَتْ عَلَى طَلَبِ مُسْتَحِقِّيهَا.

الثَّامِنُ: النَّظَرُ فِي مَصَالِحِ عَمَلِهِ، مِنَ الْكَفِّ عَنِ التَّعَدِّي فِي الطُّرُقَاتِ وَالْأَفْنِيَةِ، وَإِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ وَالْأَبْنِيَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالنَّظَرِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ خَصْمٌ.

التَّاسِعُ: تَصَفُّحُ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَاخْتِبَارُ النَّائِبِينَ عَنْهُ مِنْ خُلَفَائِهِ.

الْعَاشِرُ: التَّسْوِيَةُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، وَالشَّرِيفِ وَالْمَشْرُوفِ وَلَا يَتَّبِعُ هَوَاهُ فِي الْحُكْمِ.

الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ:

28- إِذَا كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي خَاصَّةً فَهِيَ مَقْصُورَةُ النَّظَرِ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ، كَمَنْ جُعِلَ لَهُ الْقَضَاءُ فِي بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحْكَامِ، أَوْ فِي الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ دُونَ الْبَيِّنَةِ، أَوْ فِي الدُّيُونِ دُونَ قَضَايَا النِّكَاحِ، أَوْ فِي مِقْدَارٍ مِنَ الْمَالِ، فَيَصِحُّ التَّقْلِيدُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّاهُ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، فَصَحَّتْ عُمُومًا وَخُصُوصًا كَالْوَكَالَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَالْقَضَاءُ يَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ وَيَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْخُصُومَةِ، فَلَوْ أَمَرَ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْإِنْكَارِ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ تُسْمَعْ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْقَاضِي لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَلَوْ جَعَلَ وِلَايَةَ الْقَاضِي مَقْصُورَةً عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ اسْتَمَرَّتْ وِلَايَتُهُ عَلَيْهِمَا بَاقِيَةً مَا كَانَ التَّشَاجُرُ بَيْنَهُمَا بَاقِيًا، فَإِذَا بَتَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا زَالَتْ وِلَايَتُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُحَدِّدَ عَمَلَ الْقَاضِي بِيَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْأُسْبُوعِ، كَأَنْ يُقَلَّدَ النَّظَرَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ خَاصَّةً فَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِيهِ بَيْنَ جَمِيعِ الْخُصُومِ، فَإِذَا خَرَجَ يَوْمُ السَّبْتِ لَمْ تَزُلْ وِلَايَتُهُ لِبَقَائِهَا عَلَى أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنَ النَّظَرِ فِيمَا عَدَاهُ.

د- تَقْيِيدُ الْقَاضِي بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ:

29- إِذَا قَلَّدَ الْإِمَامُ قَاضِيًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَلاَّ يَحْكُمَ إِلاَّ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ، فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي عَقْدِ التَّوْلِيَةِ، كَأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إِلاَّ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلاً، أَوْ يَكُونَ أَمْرًا كَقَوْلِهِ: احْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ نَهْيًا كَقَوْلِهِ: لَا تَحْكُمْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ لَا مَذْهَبِ غَيْرِهِ، إِذْ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمْ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِرَأْيِ الْقَاضِي- أَيْ لِمَذْهَبِهِ- مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا، فَلَوْ قَضَى بِخِلَافِهِ لَا يَنْفُذُ، لَكِنِ الْكَاسَانِيُّ قَالَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ مُجْتَهِدًا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَيُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ، لَكِنْ إِذَا قَيَّدَهُ السُّلْطَانُ بِصَحِيحِ مَذْهَبِهِ تَقَيَّدَ بِلَا خِلَافٍ، لِكَوْنِهِ مَعْزُولاً عَنْ غَيْرِ مَا قَيَّدَهُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اشْتَرَطَ الْإِمَامُ ذَلِكَ الشَّرْطَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ قَارَنَ الشَّرْطُ عَقْدَ الْوِلَايَةِ أَوْ تَقَدَّمَهُ ثُمَّ وَقَعَ الْعَقْدُ، أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّرْطُ خَاصًّا فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو الشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَلَّيْتُكَ عَلَى أَنْ تَقْتَصَّ مِنَ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْهَاهُ عَنِ الْحُكْمِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ مَثَلاً، وَلَا يَقْضِي فِيهِ بِقَوَدٍ وَلَا بِإِسْقَاطِهِ، فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ قَصَرَ وِلَايَتَهُ عَلَى مَا عَدَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ نَظَرِهِ.

الثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ عَنِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَيَنْهَاهُ عَنِ الْقَضَاءِ فِي الْقِصَاصِ، فَيَصِحَّ الْعَقْدُ، وَيَخْرُجَ الْمُسْتَثْنَى عَنْ وِلَايَتِهِ فَلَا يَحْكُمُ فِيهِ بِشَيْءٍ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ: تَثْبُتُ وِلَايَتُهُ عُمُومًا وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا نَهَاهُ عَنْهُ بِمُقْتَضَى اجْتِهَادِهِ، كُلُّ هَذَا إِذَا كَانَ شَرْطًا فِي الْوِلَايَةِ، فَأَمَّا لَوْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَقَالَ: وَلَّيْتُكَ الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ تَحْكُمَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ فَالْوِلَايَةُ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، سَوَاءٌ وَافَقَ شَرْطَهُ أَوْ خَالَفَهُ، وَأَضَافَ ابْنُ فَرْحُونَ إِنَّ ذَلِكَ هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي قُضَاةِ الزَّمَانِ السَّابِقِ، أَمْثَالِ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ، وَابْنِ رُشْدٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ، وَعِيَاضٍ، وَقَدْ عُدِمَ هَذَا النَّمَطُ فِي زَمَانِنَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَلِذَلِكَ نُقِلَ عَنْ وُلَاةِ قُرْطُبَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا وَلَّوْا رَجُلاً الْقَضَاءَ شَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا وَجَدَهُ، وَإِنَّ سَحْنُونًا كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى مَنْ يُوَلِّيهِ الْقَضَاءَ أَنْ لَا يَقْضِيَ إِلاَّ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ عَامًّا، بِأَنْ قَالَ لَهُ: لَا تَحْكُمْ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِلاَّ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلاً، كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلاً، وَهَلْ يَبْطُلُ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ؟ نُظِرَ، إِنْ كَانَ عَدَلَ عَنْ لَفْظِ الشَّرْطِ وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ: احْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ مَخْرَجَ النَّهْيِ كَقَوْلِهِ: لَا تَحْكُمْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ صَحَّ التَّقْلِيدُ، أَمَّا إِنْ كَانَ التَّقْلِيدُ خَاصًّا فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا كَقَوْلِهِ: أَقِدْ مِنَ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلاً، وَإِنْ قَرَنَهُ بِلَفْظِ الشَّرْطِ بَطَلَ التَّقْلِيدُ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا، نُظِرَ، إِنْ نَهَاهُ عَنِ الْحُكْمِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَلَا يَقْضِي فِيهِ بِوُجُوبِ قَوَدٍ وَلَا بِإِسْقَاطِهِ، فَهَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالتَّقْلِيدُ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ عَنِ الْحُكْمِ فِيهِ وَنَهَاهُ عَنِ الْقِصَاصِ فَفِيهِ وَجْهَانِ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا حَكَمَ بِمَذْهَبٍ لَا يَتَعَدَّاهُ كَانَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ، وَأَرْضَى لِلْخَصْمِ، هَذَا وَإِنْ كَانَتِ السِّيَاسَةُ تَقْتَضِيهِ فَأَحْكَامُ الشَّرْعِ لَا تُوجِبُهُ، لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِيهَا مَحْظُورٌ وَالِاجْتِهَادَ فِيهَا مُسْتَحَقٌّ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْقَضَاءُ لِوَاحِدٍ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبٍ بِعَيْنِهِ لقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} وَالْحَقُّ لَا يَتَعَيَّنُ فِي مَذْهَبٍ، وَقَدْ يَظْهَرُ الْحَقُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ.فَإِنْ قَلَّدَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّتِ الْوِلَايَةُ، وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ وَجْهًا آخَرَ فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ.

هـ- تَعَدُّدُ الْقُضَاةِ:

30- يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَيَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ، بِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدَهُمْ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ، وَالْآخَرَ الْحُكْمَ فِي الْمُدَايَنَاتِ، وَآخَرَ النَّظَرَ فِي الْعَقَارِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا وَلَّى قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَمَلاً وَاحِدًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي رَأْيٍ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقَاضِيَانِ فِي قَضِيَّةٍ، وَفِي رَأْيٍ آخَرَ قَالُوا: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فَلَا تَنْفَصِلُ الْحُكُومَةُ، وَقَدْ نَصَّتْ مَجَلَّةُ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْقَاضِيَيْنِ الْمَنْصُوبَيْنِ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى أَنْ يَسْتَمِعَ تِلْكَ الدَّعْوَى وَحْدَهُ وَيَحْكُمَ بِهَا، وَإِذَا فَعَلَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْإِمَامِ نَصْبُ قُضَاةٍ مُتَعَدِّدِينَ يَسْتَقِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَاحِيَةٍ يَحْكُمُ فِيهَا بِجَمِيعِ أَحْكَامِ الْفِقْهِ، بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ حُكْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حُكْمِ الْآخَرِ، أَوْ قُضَاةٍ مُتَعَدِّدِينَ يَسْتَقِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِبَلَدٍ أَوْ خَاصٍّ بِنَاحِيَةٍ أَوْ نَوْعٍ، فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِقْلَالِ فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، فَلَا يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ، هَذَا إِذَا كَانَ التَّشْرِيكُ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ، بَلْ وَلَوْ كَانَ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِحَيْثُ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حُكْمِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَكُونُ نِصْفَ حَاكِمٍ، وَصَرَّحَ ابْنُ فَرْحُونَ بِعَدَمِ صِحَّةِ عَقْدِ الْوِلَايَةِ لِحَاكِمَيْنِ مَعًا عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا وَيَتَّفِقَا عَلَى الْحُكْمِ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَدْ شُرِطَ فِي عَقْدِ وِلَايَتِهِمَا.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا- وَهُوَ الْأَصَحُّ- جَوَازُ وِلَايَةِ الْقَاضِيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُخَصِّصِ الْإِمَامُ كُلًّا مِنَ الْقَاضِيَيْنِ بِمَكَانٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ زَمَانٍ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إِلاَّ أَنْ يُشْتَرَطَ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْحُكْمِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنَ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، فَلَا تَنْفَصِلُ الْخُصُومَاتُ وَقَالُوا: لَوْ وَلَّى الْإِمَامُ مُقَلِّدَيْنِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ- عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَوْلِيَةِ الْمُقَلِّدِ- فَيَجُوزُ وَإِنْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَافٍ؛ لِأَنَّ إِمَامَهُمَا وَاحِدٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ لِإِمَامِهِمَا قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَيَحْكُمُ بِأَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.

وَلِلْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِيقَافِ الْحُكْمِ وَالْخُصُومَاتِ، لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الِاجْتِهَادِ، وَيَرَى أَحَدُهُمَا مَا لَا يَرَى الْآخَرُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَرَجَّحَهُ ابْنُ قُدَامَةَ جَوَازُ التَّوْلِيَةِ إِذَا كَانَ الْقَاضِيَانِ لَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ مُعَلِّلاً ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا خَلِيفَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَالْإِمَامُ أَوْلَى لأَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيَيْنِ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ أَقْوَى؛ وَلِأَنَّ كُلَّ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَا نَقْضُ حُكْمِهِ فِيمَا خَالَفَ اجْتِهَادَهُ.

وَإِذَا تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي الرَّفْعِ لِأَحَدِ الْقُضَاةِ- فِي حَالِ تَعَدُّدِهِمْ- فَهَلِ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (دَعْوَى ف 15- 16).

و- تَعْيِينُ قَاضِي الْقُضَاةِ.

31- نَشَأَتْ وَظِيفَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَيَّامَ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، إِذْ عُيِّنَ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ- صَاحِبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ- قَاضِيًا لِلْقُضَاةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ لُقِّبَ بِهَذَا اللَّقَبِ، فَكَانَ يُرَشِّحُ الْقُضَاةَ لِلتَّعْيِينِ فِي الْبِلَادِ، وَيَقُومُ بِمُرَاقَبَةِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى لَا يَتَجَاوَزُوا حُدُودَ عَمَلِهِمْ، وَلَا يُخِلُّوا بِبَعْضِهِ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ- مِنْ قَبْلُ- هُوَ الَّذِي يُرَاعِي أَعْمَالَ الْقُضَاةِ، وَيَتَتَبَّعُ أَحْكَامَهُمْ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى السَّدَادِ، مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَكَانَ هَذَا الْأَمْرُ يَشُقُّ عَلَى الْإِمَامِ، فَمِنْ ثَمَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْدُبَ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا الْعَمَلِ، لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ فِي مُرَاعَاةِ الْقُضَاةِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِقَاضِي الْقُضَاةِ أَنْ يَتَفَقَّدَ قُضَاتَهُ، وَنُوَّابَهُ، فَيَتَصَفَّحَ أَقْضِيَتَهُمْ، وَيُرَاعِيَ أُمُورَهُمْ وَسِيرَتَهُمْ فِي النَّاسِ.

ز- آدَابُ الْقَاضِي:

32- آدَابُ الْقَاضِي: الْتِزَامُهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ أَعْوَانَهُ مِنَ الْآدَابِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي تَضْبِطُ أُمُورَ الْقَضَاءِ، وَتَحْفَظُ الْقَاضِيَ عَنِ الْجَوْرِ وَالْمَيْلِ، وَتَهْدِيهِ إِلَى بَسْطِ الْعَدْلِ وَرَفْعِ الظُّلْمِ، وَتَنْأَى بِهِ عَنْ مَوَاطِنِ التُّهَمِ وَالشُّبُهَاتِ، فَيُسَنُّ كَوْنُ الْقَاضِي قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، وَيَكُونُ حَلِيمًا مُتَأَنِّيًا، ذَا فِطْنَةٍ وَتَيَقُّظٍ، لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ، وَلَا يُخْدَعُ لِغَرَّةٍ، صَحِيحَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، عَالِمًا بِلُغَاتِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، عَفِيفًا وَرِعًا نَزِهًا، بَعِيدًا عَنِ الطَّمَعِ، صَدُوقَ الْجِهَةِ، ذَا رَأْيٍ وَمَشُورَةٍ، لَا يَكُونُ جَبَّارًا وَلَا عَسُوفًا، فَيَقْطَعُ ذَا الْحُجَّةِ عَنْ حُجَّتِهِ، قَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- : لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي قَاضِيًا حَتَّى تَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: عَفِيفٌ، حَلِيمٌ، عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ، يَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ، لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ، فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ وَاحِدَةٌ كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ وَإِنْ أَخْطَأَتْهُ اثْنَتَانِ كَانَتْ فِيهِ وَصْمَتَانِ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِمَا كَانَ قَبْلَهُ مُسْتَشِيرًا لِذِي الرَّأْيِ ذَا نَزَاهَةٍ عَنِ الطَّمَعِ حَلِيمًا عَنِ الْخَصْمِ مُحْتَمِلاً لِلاَّئِمَةِ.

وَآدَابُ الْقَضَاءِ كَثِيرَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لَمَّا وَلاَّهُ الْقَضَاءَ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَنَصُّهُ: إِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إِذَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، وَآسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَقَضَائِكَ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِكَ، الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالاً، وَمَنِ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً فَاضْرِبْ لَهُ أَمَدًا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، فَإِنْ بَيَّنَهُ أَعْطَيْتَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنْ أَعْجَزَهُ ذَلِكَ، اسْتَحْلَلْتَ عَلَيْهِ الْقَضِيَّةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ أَبْلَغُ فِي الْعُذْرِ وَأَجْلَى لِلْعَمَاءِ، وَلَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَ فِيهِ الْيَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِيهِ رَأْيَكَ فَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ فِيهِ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لَا يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُودٌ فِي حَدٍّ أَوْ مُجَرَّبٌ عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينٌ فِي وَلَاءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنَ الْعِبَادِ السَّرَائِرَ، وَسَتَرَ عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ إِلاَّ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ، ثُمَّ الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا أُدْلِيَ إِلَيْكَ مِمَّا وَرَدَ عَلَيْكَ مِمَّا لَيْسَ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، ثُمَّ قَايِسِ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاعْرِفِ الْأَمْثَالَ، ثُمَّ اعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّهِ فِيمَا تَرَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ، وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ، وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ وَالتَّنَكُّرَ عِنْدَ الْخُصُومَةِ، (أَوِ الْخُصُومِ) فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ يُوجِبُ اللَّهُ بِهِ الْأَجْرَ وَيُحْسِنُ بِهِ الذِّكْرَ، فَمَنْ خَلَصَتْ نِيَّتُهُ فِي الْحَقِّ وَلَوْ كَانَ عَلَى نَفْسِهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ بِمَا لَيْسَ فِي نَفْسِهِ شَانَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعِبَادِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ غَضْبَانُ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- : «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ».

وَفِي مَعْنَى الْغَضَبِ كُلُّ مَا شَغَلَ فِكْرَهُ مِنَ الْجُوعِ الْمُفْرِطِ وَالْعَطَشِ الشَّدِيدِ وَالْوَجَعِ الْمُزْعِجِ أَوْ لِشُعُورِهِ بِشِدَّةِ النُّعَاسِ أَوِ الْحُزْنِ أَوِ السُّرُورِ، فَهَذِهِ كُلُّهَا أُمُورٌ تَمْنَعُ حُضُورَ الْقَلْبِ وَاسْتِيفَاءَ الْفِكْرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْغَالِبِ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْغَضَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَتَجْرِي مَجْرَاهُ، أَمَّا إِنِ اسْتَبَانَ لَهُ الْحَقُّ وَاتَّضَحَ الْحُكْمُ ثُمَّ عَرَضَ الْغَضَبُ لَمْ يَمْنَعْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ قَبْلَ الْغَضَبِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ الْحُرْمَةَ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَإِذَا عَرَضَتْ لِلْقَاضِي حَالَةٌ مِنْ تِلْكَ الْحَالَاتِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ جَازَ لَهُ وَقْفُ النَّظَرِ فِي الْخُصُومَاتِ وَالِانْصِرَافُ.

ح- هَيْئَتُهُ وَزِيُّهُ:

33- يَجْتَهِدُ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيلَ الْهَيْئَةِ ظَاهِرَ الْأُبَّهَةِ وَقُورَ الْمِشْيَةِ وَالْجِلْسَةِ، حَسَنَ النُّطْقِ وَالصَّمْتِ، مُحْتَرِزًا فِي كَلَامِهِ عَنِ الْفُضُولِ وَمَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ بِهِ، وَيَكُونَ ضَحِكُهُ تَبَسُّمًا، وَنَظَرُهُ فِرَاسَةً وَتَوَسُّمًا، وَإِطْرَاقُهُ تَفَهُّمًا وَيَلْبَسَ مَا يَحْسُنُ مِنَ الزِّيِّ وَيَلِيقُ بِهِ، وَيَكُونَ ذَا سَمْتٍ وَسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ تَكَبُّرٍ وَلَا إِعْجَابٍ بِنَفْسِهِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَظِيفَ الْجَسَدِ، بِأَخْذِ شَعْرِهِ، وَتَقْلِيمِ ظُفْرِهِ، وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْمَكْرُوهَةِ مِنْ بَدَنِهِ وَيَسْتَعْمِلَ مِنَ الطِّيبِ مَا يَخْفَى لَوْنُهُ، وَتَظْهَرَ رَائِحَتُهُ.

ط- مُشَارَكَتُهُ فِي الْمُنَاسَبَاتِ الْعَامَّةِ:

34- يُسَنُّ لَهُ إِجَابَةُ دَعْوَةٍ عَامَّةٍ كَوَلِيمَةِ عُرْسٍ وَخِتَانٍ؛ لِأَنَّ إِجَابَتَهَا سُنَّةٌ وَلَا تُهْمَةَ فِيهَا، وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَحْضُرُهَا إِلاَّ إِذَا شَغَلَتْهُ عَنِ الْقَضَاءِ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ.

وَلَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِأَجْلِهِ، وَالْخَاصَّةُ هِيَ الَّتِي لَا يَتَّخِذُهَا صَاحِبُهَا لَوْلَا حُضُورُ الْقَاضِي، وَقِيلَ: كُلُّ دَعْوَةٍ اتُّخِذَتْ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ فَهِيَ خَاصَّةٌ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُجِيبُ لِأَنَّ إِجَابَةَ دَعْوَةِ الْقَرِيبِ صِلَةٌ لِلرَّحِمِ، وَإِنَّمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَدِيَّةِ.

وَلِلْقَاضِي زِيَارَةُ الْأَهْلِ وَالصَّالِحِينَ وَالْإِخْوَانِ وَتَوْدِيعُ الْغَازِي وَالْحَاجِّ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ، وَقَدْ وَعَدَ الشَّرْعُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا عَظِيمًا فَيَدْخُلُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْفَصْلِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَمُبَاشَرَةِ الْحُكْمِ أَوْلَى.

ي- الْهَدِيَّةُ لِلْقَاضِي:

35- يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْخَصْمَيْنِ، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا.

أَمَّا مَنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُومَةٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ خَوَاصِّ قَرَابَتِهِ أَوْ صُحْبَتِهِ أَوْ جَرَتْ لَهُ عَادَةٌ بِمُهَادَاتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَبُولُ، وَالْأَوْلَى إِنْ قَبِلَ الْهَدِيَّةَ- مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُومَةٌ- أَنْ يُعَوِّضَ الْمُهْدِيَ عَنْهَا، وَيَحْسُنُ بِهِ سَدُّ بَابِ قَبُولِ الْهَدَايَا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تُورِثُ إِدْلَالَ الْمُهْدِي وَإِغْضَاءَ الْمُهْدَى إِلَيْهِ، إِلاَّ الْهَدِيَّةُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ- مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ خُصُومَةٌ- فَالْأَوْلَى قَبُولُهَا لِصِلَةِ الرَّحِمِ؛ وَلِأَنَّ فِي رَدِّهَا قَطِيعَةً لِلرَّحِمِ وَهِيَ حَرَامٌ.

36- وَأَمَّا الرِّشْوَةُ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» وَإِذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِرِشْوَةٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَإِنْ قَضَى بِالْحَقِّ، وَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنِ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ: فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوِ ارْتَشَى بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْقَاضِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَرَدَّ مَا قَبَضَهُ الْمُرْتَشِي.

ك- مَجْلِسُ الْقَضَاءِ:

37- يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَّخِذَ الْقَاضِي لَهُ مَجْلِسًا فَسِيحًا بَارِزًا مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ لَائِقًا بِالْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ، وَيَكُونُ مَصُونًا أَيْضًا مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِي مِنَ الرَّوَائِحِ وَالدُّخَانِ وَالْغُبَارِ، كَأَنْ يَكُونَ الْمَكَانُ دَارًا وَاسِعَةً وَسَطَ الْبَلَدِ إِنْ أَمْكَنَ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَوْسَعَ عَلَى الْخُصُومِ وَأَقْرَبَ إِلَى الْعَدْلِ.

الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ:

38- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْلِسُ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِلنَّاسِ، وَأَسْهَلُ عَلَيْهِمْ لِلدُّخُولِ عَلَيْهِ وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يُحْجَبَ عَنْهُ أَحَدٌ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ لِلْحُكْمِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لِأَنَّهُ أَشْهَرُ الْمَوَاضِعِ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَ فِي بَيْتِهِ وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ.

وَاحْتَجُّوا فِي قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْمَسْجِدِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ فِي الْمَسْجِدِ.

وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ذَاتُ طَرِيقَتَيْنِ:

الْأُولَى لِمَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ: اسْتِحْبَابُ الْجُلُوسِ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ وَكَرَاهَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِيَصِلَ إِلَيْهِ الْكَافِرُ وَالْحَائِضُ، وَالثَّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ جُلُوسِهِ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ وَهِيَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ «وَالْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الْحَقِّ وَالْأَمْرِ الْقَدِيمِ» لقوله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَاضِحَةِ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ كَرَاهِيَةَ اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ مَجْلِسًا لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَاضِي لَا يَخْلُو عَنِ اللَّغَطِ وَارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إِلَى إِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ، وَالْمَسْجِدُ يُصَانُ عَمَّا قَدْ يَفْعَلُهُ أُولَئِكَ مِنْ أُمُورٍ فِيهَا مَهَانَةٌ بِهِ، أَمَّا إِذَا صَادَفَ وَقْتُ حُضُورِ الْقَاضِي إِلَى الْمَسْجِدِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا رَفْعَ الْخُصُومَةَ إِلَيْهِ، فَلَا بَأْسَ بِفَصْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- وَعَنْ خُلَفَائِهِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ.

ل- وَقْتُ عَمَلِهِ وَوَقْتُ رَاحَتِهِ:

39- لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْقَاضِي فِي أُمُورِ دُنْيَاهُ الَّتِي تُصْلِحُهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فِي كُلِّ الْأَيَّامِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ قَضَائِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَّلِعَ إِلَى قَرَابَتِهِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَيَتَّخِذَ لِجُلُوسِهِ وَقْتًا مَعْلُومًا لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّامًا لِلْقَضَاءِ يَحْضُرُ فِيهَا النَّاسُ وَيَعْرِفُونَهُ بِهَا، فَيُقْصَدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ صَرْفُ زَمَانِهِ أَجْمَعَ إِلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ فِي الطَّرِيقِ إِلاَّ فِي أَمْرٍ اسْتُغِيثَ بِهِ فِيهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى وَيَسْجُنَ، فَأَمَّا الْحُكْمُ الْفَاصِلُ فَلَا، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ فِي الْعِيدَيْنِ وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ كَيَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأَيَّامِ الَّتِي تَكُونُ لِلنَّاسِ أَيَّامَ سُرُورٍ أَوْ حُزْنٍ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَثُرَ الْوَحْلُ وَالْمَطَرُ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يُعْرَضْ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَوَاتَ، وَمَا لَا يَسَعُهُ إِلاَّ تَعْجِيلُ النَّظَرِ فِيهِ.

وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ فِي سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يُكْثِرَ فَيُخْطِئَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ نَهَارَهُ كُلَّهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


27-موسوعة الفقه الكويتية (متولي)

مَتَوَلِّي

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُتَوَلِّي فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ تَوَلَّى الْأَمْرُ إِذَا تَقَلَّدَهُ، وَيُقَالُ: تَوَلاَّهُ: اتَّخَذَهُ وَلِيًّا، وَتَوَلَّيْتُ فُلَانًا اتَّبَعْتُهُ وَرَضِيتُ بِهِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ وَالنُّصْرَةِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ مَنْ فُوِّضَ إِلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْوَقْفِ.

وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهُ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْأَوْقَافِ وَقَامَ بِتَدْبِيرِهَا.

وَاسْتَعْمَلَ الشَّافِعِيَّةُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي بَيْعِ التَّوْلِيَةِ، فَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مُوَلٍّ، وَمَنْ قَبِلَ التَّوْلِيَةَ وَاشْتَرَى مِنْهُ مُتَوَلٍّ.

وَالْمُرَادُ بِالْبَحْثِ هُنَا الْمُتَوَلِّي بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

النَّاظِرُ:

2- النَّاظِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ النَّظَرِ وَهُوَ الْفِكْرُ وَالتَّدَبُّرُ، يُقَالُ: نَظَرَ فِي الْأَمْرِ: تَدَبَّرَ وَفَكَّرَ، وَيُسْتَعْمَلُ النَّظَرُ كَذَلِكَ بِمَعْنَى الْحِفْظِ، يُقَالُ: نَظَرَ الشَّيْءَ: حَفِظَهُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: النَّاظِرُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْوَقْفَ وَحِفْظَهُ، وَحِفْظَ رِيعِهِ، وَتَنْفِيذَ شَرْطِهِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ الْقَيِّمَ وَالْمُتَوَلِّيَ وَالنَّاظِرَ فِي كَلَامِهِمْ وَاحِدٌ ثُمَّ قَالَ: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِفْرَادِ، أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مُتَوَلِّيًا وَنَاظِرًا عَلَيْهِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فَيُرَادُ بِالنَّاظِرِ الْمُشْرِفُ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالنَّاظِرُ أَعَمُّ مِنَ الْمُتَوَلِّي.

ب- الْمُشْرِفُ:

3- الْمُشْرِفُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَشْرَفَ، يُقَالُ: أَشْرَفْتُ عَلَيْهِ: اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الْمُشْرِفِ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ حِفْظُ مَالِ الْوَقْفِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحِفْظِ مُشَارَفَتُهُ: «أَيْ مُرَاقَبَتُهُ» لِلْمُتَوَلِّي عِنْدَ التَّصَرُّفِ لِئَلاَّ يَفْعَلَ مَا يَضُرُّ.

وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمُشْرِفِ وَالْمُتَوَلِّي هِيَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ لِصَالِحِ الْوَقْفِ، الْمُتَوَلِّي بِالتَّصَرُّفِ وَالْمُعَامَلَةِ، وَالْمُشْرِفُ بِالْحِفْظِ وَالْمُرَاقَبَةِ.

مَشْرُوعِيَّةُ نَصْبِ الْمُتَوَلِّي

4- مِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا أَنَّ الْأَمْوَالَ لَا تُتْرَكُ سَائِبَةً، وَأَمْوَالُ الْوَقْفِ تَحْتَاجُ إِلَى رِعَايَةٍ وَإِدَارَةٍ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَخْصٌ يَحْفَظُهَا وَيُدِيرُ شُئُونَهَا، وَيَقُومُ بِعِمَارَتِهَا وَإِيجَارِهَا وَزَرْعِهَا وَاسْتِغْلَالِهَا وَتَحْصِيلِ رِيعِهَا، وَصَرْفِ غَلَّتِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَهُوَ الْمُتَوَلِّي.

وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُتَوَلِّي أَمِينًا قَادِرًا عَلَى إِدَارَةِ شُئُونِ الْوَقْفِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ مَقَاصِدُ الْوَقْفِ وَأَغْرَاضُ الْوَاقِفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ.

مَنْ يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْوِلَايَةِ وَنَصْبُ الْمُتَوَلِّي:

5- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ إِذَا اشْتَرَطَ الْوِلَايَةَ لِشَخْصٍ يُؤْخَذُ بِشَرْطِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ أَمْ مِنَ الْأَجَانِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْغَلَّةِ أَمْ لَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ مَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ أَهْلًا لِلتَّوَلِّي مُسْتَكْمِلًا لِشُرُوطِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْوَقْفِ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِأَحَدٍ أَوْ شَرَطَهَا فَمَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وِلَايَةُ نَصْبِ الْقَيِّمِ إِلَى الْوَاقِفِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَإِذَا مَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ قَبْلَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ فَالرَّاجِحُ أَنَّ وِلَايَةَ النَّصْبِ لِلْوَاقِفِ، وَإِذَا مَاتَ بَعْدَ وَفَاةِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يُوصِ (أَيِ الْمَشْرُوطُ لَهُ) لِأَحَدٍ فَوِلَايَةُ النَّصْبِ لِلْقَاضِي.وَمَا دَامَ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِلتَّوَلِّيَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ لَا يُجْعَلُ الْمُتَوَلِّي مِنَ الْأَجَانِبِ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ، وَمَنْ قَصْدُهُ نِسْبَةُ الْوَقْفِ إِلَيْهِ.

وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا قَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ، لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ لَهُ الْإِيصَاءُ بِالنَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْوَاقِفُ ذَلِكَ.

فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ رَشِيدًا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَالْحَاكِمُ يُوَلِّي عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ وَقَفَ وَلَمْ يَشْتَرِطِ التَّوْلِيَةَ لِأَحَدٍ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالَّذِي يَقْتَضِي كَلَامَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ الْفَتْوَى بِهِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ فَالتَّوْلِيَةُ لِلْحَاكِمِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ فَكَذَلِكَ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ يَنْتَقِلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ جَعَلْنَاهُ لِلْوَاقِفِ أَوِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: إِنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِإِنْسَانٍ فَمَاتَ الْمَشْرُوطُ لَهُ فَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ وِلَايَةُ النَّصْبِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ، وَيَكُونُ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ آدَمِيًّا مُعَيَّنًا كَزَيْدٍ، أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا، كَأَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِصَّتِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْغُزَاةِ أَوِ الْمَوْقُوفُ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ أَوْ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ.

مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي

6- يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْعَدَالَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْأَمَانَةُ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمُ الْإِسْلَامَ وَالتَّكْلِيفَ أَيْضًا، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

7- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَلِّي الْأَمَانَةُ وَالْعَدَالَةُ، فَلَا يُوَلَّى إِلاَّ أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ، وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ، لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَكَذَا تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَكَذَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ.

وَكَذَا الْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ إِذَا تَابَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.

وَقَالُوا مَنْ طَلَبَ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ لَا يُعْطَى لَهُ، وَهُوَ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا شَرَائِطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ، وَأَنَّ النَّاظِرَ إِذَا فَسَقَ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ، وَلَا يَنْعَزِلُ، كَالْقَاضِي إِذَا فَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ.

ثُمَّ قَالَ: وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ (أَيْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْوَاقِفِ) بُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ، لَا حُرِّيَّتُهُ وَإِسْلَامُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَالصَّبِيُّ لَا يَصْلُحُ نَاظِرًا.

ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمُ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ تَوْلِيَةِ الصَّبِيِّ، وَوُفِّقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِحَمْلِ عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحِفْظِ، بِأَنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ تَوْلِيَتُهُ مِنَ الْقَاضِي إِذْنًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ إِذْنَ الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ لَهُ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي النَّاظِرِ شُرُوطًا خَاصَّةً لَكِنَّهُمْ قَالُوا: يَجْعَلُهُ الْمُحْبِسُ لِمَنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَإِنْ غَفَلَ الْمُحْبِسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْقَاضِي يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَقْتَضِيهِ وَقَالَ الْحَطَّابُ: يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَرْتَضِيهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: شَرْطُ النَّاظِرِ الْعَدَالَةُ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى رُشَدَاءَ مُعَيَّنِينَ، لِأَنَّ النَّظَرَ وِلَايَةٌ، كَمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ، وَالْأَوْجَهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ.

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَذَلِكَ الْكِفَايَةُ، وَفَسَّرُوهَا بِقُوَّةِ الشَّخْصِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ نَاظِرٌ فِيهِ، فَإِنِ اخْتَلَّتْ إِحْدَاهُمَا نَزَعَ الْحَاكِمُ الْوَقْفَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ الْوَاقِفَ.

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ إِلَى التَّصَرُّفِ، وَإِنْ كَانَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ قَالَ: إِنَّ فِي ذِكْرِ الْكِفَايَةِ كِفَايَةً عَنْ هَذَا الشَّرْطِ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ فَصَّلُوا بَيْنَ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ وَبَيْنَ مَنْ يَتَوَلَّى النَّظَرَ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ فَقَالُوا: يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ: الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفِ وَالْخِبْرَةُ بِهِ وَالْقُوَّةُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّاظِرُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ.

وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الذُّكُورِيَّةُ وَلَا الْعَدَالَةُ، وَيُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ، وَإِلَى الضَّعِيفِ قَوِيٌّ أَمِينٌ.

وَظِيفَةُ الْمُتَوَلِّي

8- وَظَائِفُ الْمُتَوَلِّي غَيْرُ مَحْصُورَةٍ عِنْدَ التَّوْلِيَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً لِلْوَقْفِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ضَابِطًا فَقَالُوا: يَتَحَرَّى فِي تَصَرُّفَاتِهِ النَّظَرَ لِلْوَقْفِ وَالْغِبْطَةِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَمْثِلَةً لِهَذِهِ الْوَظَائِفِ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَظِيفَتُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ تَفْوِيضِ جَمِيعِ الْأُمُورِ: الْعِمَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَتَحْصِيلُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَحِفْظُ الْأُصُولِ وَالْغَلاَّتِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ فُوِّضَ لَهُ بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَتَعَدَّهُ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ كَالْوَكِيلِ.

وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَأَضَافُوا عَلَيْهَا وَظَائِفَ أُخْرَى، قَالَ الْحِجَّاوِيُّ: وَظِيفَةُ النَّاظِرِ حِفْظُ الْوَقْفِ وَعِمَارَتُهُ وَإِيجَارُهُ وَزَرْعُهُ وَمُخَاصَمَةٌ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ وَنَحْوِهِ، وَلَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَالتَّقْرِيرُ فِي وَظَائِفِهِ، وَنَاظِرُ الْوَقْفِ يَنْصِبُ مَنْ يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ مِنْ إِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصْبَ مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَتِهِ.

عَزْلُ الْمُتَوَلِّي

9- الْأَصْلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَكِيلٌ عَنِ الْغَيْرِ، يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِهِ لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَكُونُ هَذَا الْغَيْرُ، هَلْ هُوَ الْوَاقِفُ أَوِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ وَالْمُسْتَحِقُّونَ؟.

لِلْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ اتِّجَاهَانِ:

الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَكِيلٌ عَنِ الْوَاقِفِ حَالَ حَيَاتِهِ فَلَهُ عَزْلُهُ وَاسْتِبْدَالُهُ مُطْلَقًا، بِسَبَبٍ أَوْ دُونَ سَبَبٍ، وَهَذَا مَا يَرَاهُ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ نَقْلًا عَنِ الْقَرَافِيِّ: الْقَاضِي لَا يَعْزِلُ نَاظِرًا إِلاَّ بِجُنْحَةٍ وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ: لِلْوَاقِفِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ وَلاَّهُ، وَيَنْصِبَ غَيْرَهُ، كَمَا يَعْزِلُ الْوَكِيلَ، وَكَأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ نَائِبٌ عَنْهُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: الْمُتَوَلِّي وَكِيلُ الْوَاقِفِ، فَلَهُ عَزْلُهُ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ عَدَمَ الْعَزْلِ، وَإِذَا كَانَ النَّاظِرُ وَكِيلًا عَنِ الْوَاقِفِ فَلَهُ أَحْكَامُ الْوَكِيلِ فِي حَالَةِ وَفَاةِ مُوَكِّلِهِ أَيْضًا، فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ، كَمَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ إِذَا عَلِمَ بِهِ الْوَاقِفُ.

قَالَ فِي الْإِسْعَافِ: لَوْ جَعَلَ الْوِلَايَةَ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ بِنَاءً عَلَى الْوَكَالَةِ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ فَيَصِيرُ وَصِيًّا بَعْدَ مَوْتِهِ.

الِاتِّجَاهُ الثَّانِي هُوَ: أَنَّ النَّاظِرَ وَكِيلٌ عَنِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَرَأْيِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ لَيْسَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَعْزِلَهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ وِلَايَةَ عَزْلِ الْمُتَوَلِّي، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَائِمٌ مَقَامَ أَهْلِ الْوَقْفِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لَا يَنْعَزِلُ بِوَفَاةِ الْوَاقِفِ أَيْضًا.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ الْعَزْلِ الْعَادِيِّ الَّتِي لَمْ يَصْدُرْ مِنَ الْمُتَوَلِّي فِيهَا مَا يَسْتَوْجِبُ عَزْلَهُ.

أَمَّا إِذَا صَدَرَ مِنْهُ عَمَلٌ يَسْتَوْجِبُ عَزْلَهُ كَالْخِيَانَةِ مَثَلًا فَلِلْقَاضِي عَزْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي هُوَ الْوَاقِفُ، أَوْ شَرَطَ عَدَمَ عَزْلِ الْمُتَوَلِّي، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَالصَّلَاحِيَّةِ لِشُغْلِ التَّوْلِيَةِ فَإِذَا فُقِدَتِ انْتَزَعَ الْحَاكِمُ الْوَقْفَ مِنْهُ.

قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ: وَيَعْزِلُ الْقَاضِي الْوَاقِفَ الْمُتَوَلِّيَ عَلَى وَقْفِهِ لَوْ كَانَ خَائِنًا كَمَا يُعْزَلُ الْوَصِيُّ الْخَائِنُ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَالْيُتْمِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَنْ لَا يَعْزِلَهُ الْقَاضِي أَوِ السُّلْطَانُ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَبَطَلَ.وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ لِلْقَاضِي عَزْلَ الْمُتَوَلِّي الْخَائِنِ غَيْرِ الْوَاقِفِ بِالْأَوْلَى.

وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ عَزْلَ الْقَاضِي لِلْخَائِنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَعْزِلُ الْقَاضِي النَّاظِرَ بِمُجَرَّدِ الطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ وَلَا يُخْرِجُهُ إِلاَّ بِخِيَانَةٍ ظَاهِرَةٍ بَيِّنَةٍ، وَلَهُ إِدْخَالُ غَيْرِهِ مَعَهُ إِذَا طَعَنَ فِي أَمَانَتِهِ، وَإِذَا أَخَرَجَهُ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ أَعَادَهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


28-موسوعة الفقه الكويتية (وقف 3)

وَقْفٌ -3

30- الْقِسْمُ الثَّانِي: شُرُوطٌ بَاطِلَةٌ، إِذَا شَرَطَهَا الْوَاقِفُ صَحَّ الْوَقْفُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَالْأَمْثِلَةُ فِي هَذَا الْقِسْمِ تَخْتَلِفُ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَنَّ وَاقِفَ الْكُتُبِ لَوْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا تُعَارَ الْكُتُبُ إِلاَّ بِرَهْنٍ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

أ- لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ يَتَوَلَّى مِنْ أَوْلَادِهِ إِدَارَةَ الْوَقْفِ الْعَزْلُ وَالنَّصْبُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ وَلَا يُدَاخِلُهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَإِنْ دَاخَلُوهُمْ فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ، فَهَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَفِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَتَعْطِيلُ الْوَقْفِ فَلَا يُقْبَلُ، وَلِأَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُخَالِفَةَ لِلشَّرْعِ لَغْوٌ وَبَاطِلٌ.

ب- لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَعْزِلَ الْقَاضِي أَوِ السُّلْطَانُ الْمُتَوَلِّيَ عَلَى الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُهُ لَوْ كَانَ خَائِنًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَبَطَلَ.

ج- لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْقَاضِي أَوِ السُّلْطَانِ كَلَامٌ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَلِلْقَاضِي الْكَلَامُ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَعْلَى، وَهَذَا شَرْطٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْوَقْفِ وَلَا مَصْلَحَةَ فَلَا يُقْبَلُ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

أ- لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ إِصْلَاحَ الْوَقْفِ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ فَيُلْغَى الشَّرْطُ وَالْوَقْفُ صَحِيحٌ وَيَصْلُحُ مِنْ غَلَّتِهِ، كَأَرْضٍ مُوَظَّفَةٍ- أَيْ عَلَيْهَا مَغْرَمٌ لِحَاكِمٍ ظَالِمٍ- - وَشَرَطَ وَاقِفُهَا أَنَّ التَّوْظِيفَ مِنْ غَلَّتِهَا.

ب- لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الْبَدْءِ بِإِصْلَاحِ الْمَوْقُوفِ إِذَا كَانَ فِي حَاجَةٍ إِلَى الْإِصْلَاحِ كَالْبِنَاءِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ فَلَا يُتَّبَعُ شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الْوَقْفِ مِنْ أَصْلِهِ، بَلْ يَبْدَأُ بِمَرَمَّتِهِ لِتَبْقَى عَيْنُهُ.

ج- لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ حَيَوَانًا يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الْبَدْءِ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَيَبْطُلُ شَرْطُهُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَلَّتِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: الشُّرُوطُ إِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا إِذَا لَمْ تُفْضِ إِلَى الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ وَلَا تَجُوزُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ الشَّرْعِيِّ بِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ شَرَطَ فِي الْقُرُبَاتِ أَنْ يُقَدِّمَ فِيهَا الصِّنْفَ الْمَفْضُولَ فَقَدْ شَرَطَ خِلَافَ شَرْطِ اللَّهِ كَشَرْطِهِ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمَ غَيْرِ الْأَعْلَمِ.

وَلَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّ لِلنَّاظِرِ فِعْلَ مَا يَهْوَاهُ مُطْلَقًا أَوْ مَا يَرَاهُ مُطْلَقًا فَشَرْطٌ بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ، وَعَلَى النَّاظِرِ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ؛ أَيِ التَّثَبُّتِ وَالتَّحَرِّي، فَيَعْمَلُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ..وَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي اسْتِحْقَاقِ رَيْعِ الْوَقْفِ الْعُزُوبَةَ فَالْمُتَأَهِّلُ أَحَقُّ مِنَ الْمُتَعَزِّبِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ.

31- الْقِسْمُ الثَّالِثُ: شُرُوطٌ صَحِيحَةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلشَّرْعِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالْوَقْفِ وَلَا بِالْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَلِأَنَّ الْوَاقِفَ مَالِكٌ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَالَهُ حَيْثُ يَشَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً.

وَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْغَالِبِ هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِتَوْزِيعِ رَيْعِ الْوَقْفِ وَبَيَانِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَصِفَاتِهِمْ وَزَمَنِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِقْدَارِ مَا يُعْطَى وَهَكَذَا، وَقَدْ وَقَفَ سَيِّدُنَا عُمَرُ- رضي الله عنه- وَشَرَطَ فِي وَقْفِهِ شُرُوطًا، وَلَوْ لَمْ يَجِبِ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِهِ فَائِدَةٌ، وَقَدْ وَقَفَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ- رضي الله عنه- عَلَى وَلَدِهِ وَجَعَلَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلَا مُضَرٍّ بِهَا، فَإِذَا اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ، وَلِأَنَّ الْوَاقِفَ مُتَلَقٍّ مِنْ جِهَتِهِ فَاتَّبَعَ شَرْطَهُ، وَنَصُّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ.

وَفِيمَا يَلِي ذِكْرُ بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ:

أ- الْبَدْءُ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ تَقْدِيمُهُ أَوْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَهُ:

32- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّرْفِ مِنَ الْغَلَّةِ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ فُقَرَاءِ قَرَابَتِي فَيُعْطَى مِنَ الْغَلَّةِ مَا يُغْنِيهِ، يُعْطَى الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (وَهُوَ قَدْرُ النِّصَابِ) ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَذَلِكَ إِلَى آخِرِ الْبُطُونِ.

وَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَبَدًا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو مَا عَاشَا، وَمِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى أَنْ يُبْدَأَ بِزَيْدٍ فَيُعْطَى مِنْ غَلَّةِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَيُعْطَى عَمْرٌو قُوتَهُ لِسَنَةٍ جَازَ الْوَقْفُ، وَيُبْدَأُ بِزَيْدٍ فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ أَلْفٌ ثُمَّ يُعْطَى عَمْرٌو قُوتَهُ لِسَنَةٍ، وَمَهْمَا فَضَلَ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِجَمْعِهِ إِيَّاهُمَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ الْكُلُّ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا، فَلَمَّا فَصَلَ فِي الْبَعْضِ عُمِلَ بِهِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْغَلَّةُ بِمَا قَالَ يُقَدَّمُ زَيْدٌ، ثُمَّ إِنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ يُدْفَعُ إِلَى عَمْرٍو وَإِلاَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَبْدِئَةَ فُلَانٍ بِكَذَا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ إِعْطَاءَهُ كَذَا كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا، يُعْطَى ذَلِكَ مَبْدَأً عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْغَلَّةُ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ بِحَقِّهِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ يُكَمَّلُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْعَامِ الثَّانِي..

فَإِنْ قَالَ الْوَاقِفُ: أَعْطُوهُ كَذَا مِنْ غَلَّةِ كُلِّ عَامٍ وَجَاءَتْ سَنَةٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا شَيْءٌ فَلَا يُعْطَى مِنْ رَيْعِ الْمُسْتَقْبَلِ عَنِ الْمَاضِي إِذَا لَمْ يَفِ بِحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْغَلَّةَ إِلَى كُلِّ عَامٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ صَرَفَ غَلَّةَ السَّنَةِ الْأُولَى إِلَى قَوْمٍ، وَغَلَّةَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى آخَرِينَ وَهَكَذَا مَا بَقُوا، اتُّبِعَ شَرْطُهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَالْبُدَاءَةِ بِبَعْضِ أَهْلِ الْوَقْفِ دُونَ بَعْضٍ نَحْوَ: وَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ يُبْدَأُ بِالدَّفْعِ إِلَى زَيْدٍ، أَوْ وَقَفْتُ عَلَى طَائِفَةِ كَذَا وَيُبْدَأُ بِالْأَصْلَحِ أَوِ الْأَفْقَهِ فَيُرْجَعُ إِلَى ذَلِكَ.

ب- تَفْضِيلُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ:

33- يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي وَقْفِهِ التَّسْوِيَةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ تَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، فَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَنِي فُلَانٍ عَلَى أَنَّ لِي أَنْ أُفَضِّلَ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَانَتِ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ التَّفْضِيلِ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ قَالَ: فَضَّلْتُ فُلَانًا فَجَعَلْتُ لَهُ كُلَّ الْغَلَّةِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ وَلَيْسَ بِتَفْضِيلٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُعْطِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا ثُمَّ يَزِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَلَوْ زَادَ وَقَالَ: عَلَى بَنِي فُلَانٍ وَنَسْلِهِمْ وَفَضَّلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَوَلَدَهُ وَنَسْلَهُ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا جَازَ، وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلِنَسْلِهِ أَبَدًا وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّفْضِيلَ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْوَقْفِ بِسَبَبِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ، وَلَوْ فَضَّلَ وَاحِدًا بِنِصْفِ غَلَّةِ سَنَةٍ مَثَلًا جَازَ وَيَكُونُ أُسْوَةَ شُرَكَائِهِ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَوْ قَالَ: فَضَّلْتُ فُلَانًا عَلَى إِخْوَتِهِ بِنِصْفِ الْغَلَّةِ- وَكَانُوا ثَلَاثَةً- اسْتَحَقَّ الْمُفَضَّلُ ثُلُثَيْهَا وَأَخَوَاهُ ثُلُثَهَا؛ لِأَنَّ النِّصْفَ صَارَ لَهُ بِالتَّفْضِيلِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِتَسَاوِيهِمْ فِيهِ فَيَكُونُ لِكُلٍّ سُدُسٌ وَالنِّصْفُ مَعَ السُّدُسِ ثُلُثَانِ.

وَلَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَنِي فُلَانٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَ غَلَّتَهَا لِمَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ ثُمَّ جَعَلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ رَتَّبَهُمْ فِيهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ جَازَ، وَلَوْ جَعَلَهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدَّةً فَمَضَتْ، أَوْ مُطْلَقًا فَمَاتَ بَطَلَتْ مَشِيئَتُهُ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ.

وَكَذَا يُعْمَلُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لَوْ سَوَّى بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ كَقَوْلِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ، أَوْ فَضَّلَ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى، أَوِ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ.

أَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِلْكَبِيرِ ضِعْفَ مَا لِلصَّغِيرِ، أَوْ لِلْعَالِمِ ضِعْفَ مَا لِلْجَاهِلِ، أَوْ لِلْعَائِلِ ضِعْفَ مَا لِلْغَنِيِّ، أَوْ عَكْسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَقْفِ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ تَفْضِيلُهُ وَتَرْتِيبُهُ.

جـ- تَخْصِيصُ الرَّيْعِ لِأَهْلِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ:

34- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ خَصَّصَ الْوَاقِفُ رَيْعَ الْوَقْفِ لِأَهْلِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ اعْتُبِرَ شَرْطُهُ وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ، وَشَرَطَ أَنَّ مَنِ انْتَقَلَ عَنْهُ خَرَجَ اعْتُبِرَ

شَرْطُهُ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنِ انْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ صَارَ خَارِجًا فَانْتَقَلَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ صَارَ خَارِجًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنِ انْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ صَارَ خَارِجًا اعْتُبِرَ شَرْطُهُ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنِ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَى غَيْرِهِ فَصَارَ خَارِجًا أَوْ رَافِضِيًّا خَرَجَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ خَصَّصَ أَهْلَ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ لِصَرْفِ غَلَّةِ وَقْفِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ بِالتَّدْرِيسِ فِي مَدْرَسَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُمْ لِغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِشَرْطِ كَوْنِهِمْ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ يُرَاعَى شَرْطُهُ.وَكَذَا لَوْ خَصَّ طَائِفَةً بِمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ اخْتُصَّ بِهِمْ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ خَصَّصَ الْوَاقِفُ الْمَدْرَسَةَ بِأَهْلِ مَذْهَبٍ كَالْحَنَابِلَةِ أَوِ الشَّافِعِيَّةِ تَخَصَّصَتْ، وَكَذَلِكَ الرِّبَاطُ وَالْخَانِقَاهْ كَالْمَقْبَرَةِ إِذَا خَصَّصَهَا بِأَهْلِ مَذْهَبٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةٍ تَخَصَّصَتْ إِعْمَالًا لِلشَّرْطِ، وَإِنْ خَصَّصَ الْإِمَامَةَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ بِمَذْهَبٍ تَخَصَّصَتْ بِهِ مَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْإِمَامَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ السُّنَّةِ أَوْ لِظَاهِرِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ.

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ خَصَّصَ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ بِمَذْهَبٍ لَمْ يُخْتَصَّ بِهِمْ؛ لِأَنَّ إِثْبَاتَ الْمَسْجِدِيَّةِ تَقْتَضِي عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ، فَاشْتِرَاطُ التَّخْصِيصِ يُنَافِيهِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ شَرَطَ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ اخْتِصَاصَهُ بِطَائِفَةٍ اخْتَصَّ بِهِمْ، قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيَصِ: اخْتُصَّ بِهِمْ عَلَى الْأَشْبَهِ، لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي أَحْكَامِ الصَّلَاةِ.

د- شَرْطُ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ:

35- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي وَقْفِهِ الْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ.

وَالْمَقْصُودُ بِالْإِدْخَالِ تَرَتُّبُ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَلَى صِفَةٍ، وَالْمَقْصُودُ بِالْإِخْرَاجِ تَرَتُّبُ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَلَى صِفَةٍ فَهُوَ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنَ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِصِفَةٍ، فَكَأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ لَهُ حَقًّا فِي الْوَقْفِ إِذَا اتَّصَفَ بِكَذَا أَعْطَاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَقًا إِذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ.وَقَيَّدَ تُرَتُّبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى الصِّفَةِ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ..

وَمَثَّلَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الشَّبَابِ أَوِ الصِّغَارِ أَوِ الْأَحْدَاثِ ثُمَّ زَالَ وَصْفُهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ قَدْ عُلِّقَ بِوَصْفٍ، فَإِذَا زَالَ الْوَصْفُ يَزُولُ الِاسْتِحْقَاقُ بِزَوَالِهِ.

وَمَثَّلَ الشَّافِعِيَّةُ لِلْإِخْرَاجِ بِصِفَةٍ كَأَنْ يَقُولُ الْوَاقِفُ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي عَلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ بَنَاتِي فَلَا حَقَّ لَهَا أَوْ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَغْنَى مِنْ أَوْلَادِي فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ..

وَأَمَّا الْإِدْخَالُ بِصِفَةٍ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ بَنَاتِي فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ، فَإِنْ طُلِّقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا عَادَ إِلَيْهَا حَقُّهَا.

وَمَثَّلَ الْحَنَابِلَةُ: بِأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلَادِهِ بِشَرْطِ كَوْنِهِمْ فُقَرَاءَ أَوْ صُلَحَاءَ، أَوْ يَقُولُ الْوَاقِفُ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي، وَمَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ أَوِ اسْتَغْنَى فَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ فَلَهُ وَمَنْ نَسِيَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةُ بِقَيْدٍ آخَرَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ وَالْإِدْخَالُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ إِنْ شَرَطَ فِيهِ إِدْخَالَ مَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ فَأَفْسَدَهُ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ يُقَيِّدُوا الْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ بِأَيِّ قَيْدٍ، جَاءَ فِي الْإِسْعَافِ: لَوِ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ فِي وَقْفِهِ أَنْ يَزِيدَ فِي وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى زِيَادَتَهُ، وَأَنْ يَنْقُصَ مِنْ وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى نُقْصَانَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَأَنْ يُدْخِلَ مَعَهُمْ مَنْ يَرَى إِدْخَالَهُ، وَأَنْ يُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى إِخْرَاجَهُ جَازَ، ثُمَّ إِذَا زَادَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ نَقَصَهُ مَرَّةً أَوْ أَدْخَلَ أَحَدًا أَوْ أَخْرَجَ أَحَدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ وَقَعَ عَلَى فِعْلٍ يَرَاهُ فَإِذَا رَآهُ وَأَمْضَاهُ فَقَدِ انْتَهَى مَا رَآهُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ دَائِمًا مَا دَامَ حَيًّا يَقُولُ عَلَى أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَنْ يَزِيدَ فِي مُرَتَّبِ مَنْ يَرَى زِيَادَتَهُ، وَأَنْ يَنْقُصَ مِنْ مُرَتَّبِ مَنْ يَرَى نُقْصَانَهُ، وَأَنْ يَنْقُصَ مَنْ زَادَهُ، وَيَزِيدَ مَنْ نَقَصَهُ مِنْهُمْ وَأَنْ يُدْخِلَ مَعَهُمْ مَنْ يَرَى إِدْخَالَهُ وَيُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى إِخْرَاجَهُ مَتَى أَرَادَ، مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى رَأْيًا بَعْدَ رَأْيٍ وَمَشِيئَةٍ بَعْدَ مَشِيئَةٍ مَا دَامَ حَيًّا ثُمَّ إِذَا أَحْدَثَ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ يَسْتَقِرُّ أَمْرُ الْوَقْفِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لَهُ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ.

وَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: عَلَى أَنَّ لِي أَنْ أَحْرِمَ وَأُخْرِجَ مَنْ شِئْتُ مِنْهُمْ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ تَكُونُ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ أَخْرَجَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ أَخْرَجَهُمْ إِلاَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّ، وَلَيْسَ لَهُ حِرْمَانُ الْجَمِيعِ قِيَاسًا، وَإِذَا مَاتَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَوْ أَخْرَجَهُمْ كُلَّهُمْ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِحْسَانِ تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرَّمَهُمْ غَلَّتَهَا أَبَدًا فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ وَانْقَطَعَتْ مَشِيئَتُهُ فِيهَا وَصَارَتْ لِلْمَسَاكِينِ.

حُكْمُ مُخَالَفَةِ الشَّرْطِ الصَّحِيحِ:

36- أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ مُخَالَفَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا:

أ- شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ، فَلِلْقَاضِي الِاسْتِبْدَالُ لِلْمَصْلَحَةِ.

ب- لَوْ شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ النَّاظِرَ فَلَهُ عَزْلُ غَيْرِ الْأَهْلِ.

ج- لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ وَقْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِ سَنَةٍ أَوْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ، فَلِلْقَاضِي الْمُخَالَفَةُ دُونَ النَّاظِرِ. د- لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِفَاضِلِ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا، فَلِلْقَيِّمِ التَّصَدُّقُ عَلَى سَائِلِ غَيْرِ هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَسْأَلُ.

هـ- لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ خُبْزًا وَلَحْمًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ فَلِلْقَيِّمِ دَفْعُ الْقِيمَةِ مِنَ النَّقْدِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِي أَخْذِ الْمُعَيَّنِ مِنَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ أَوْ أَخْذُ الْقِيمَةِ..

و- تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنَ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ الْإِمَامِ إِذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا..

ز- يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ مُخَالَفَةُ الشُّرُوطِ إِذَا كَانَ أَصْلُ الْوَقْفِ لِبَيْتِ الْمَالِ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ:

37- الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْجِهَةُ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِالْمَوْقُوفِ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِهَةُ مُعَيَّنَةً كَشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يَأْتِي:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: كَوْنُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ جِهَةَ بِرٍّ وَقُرْبَةٍ:

38- يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْجِهَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا جِهَةَ بِرٍّ وَقُرْبَةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَمْ ذمِّيًّا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مَوْضِعُ قُرْبَةٍ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ.

وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ جِهَةَ قُرْبَةٍ إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ فِي الْأَصَحِّ لَمْ يَشْتَرِطُوا ظُهُورَ الْقُرْبَةِ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْوَقْفَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ قُرْبَةٌ وَلِهَذَا جَازَ عِنْدَهُمُ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُجِيزُونَ الْوَقْفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبَةً فِي نَظَرِهِمْ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلاَّ أَنْ يُجْعَلَ الْوَقْفُ بَعْدَ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَيَجُوزُ، كَمَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْوَقْفُ عَلَى طَائِفَةِ الْأَغْنِيَاءِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ نَظَرًا إِلَى اشْتِرَاطِ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ.

وَنَظَرًا لِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ جِهَةَ قُرْبَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ جِهَةَ مَعْصِيَةٍ: كَالْوَقْفِ عَلَى الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَبُيُوتِ النَّارِ وَلَوْ مِنْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَإِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى إِظْهَارِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ تَتَحَقَّقُ بِكَوْنِهَا قُرْبَةً فِي نَظَرِ الشَّرِيعَةِ وَبِكَوْنِهَا قُرْبَةً فِي نَظَرِ الْوَاقِفِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: شَرْطُ وَقْفِ الذِّمِّيِّ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى بَيْعَةٍ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَقَطْ، أَوْ عَلَى حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا فَقَطْ، وَيُعَلِّلُ الْمَالِكِيَّةُ عَدَمَ صِحَّةِ وَقْفِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْكَنِيسَةِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ خِطَابُهُمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْكَنَائِسِ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَرَمَّتِهَا أَوْ حُصُرِهَا وَقَنَادِيلِهَا، وَهَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَقَالَ عِيَاضٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنِيسَةِ مُطْلَقًا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ سَوَاءٌ أَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ الْوَقْفِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ يَدِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا، وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ مَتَى شَاءَ، وَفَصَلَ ابْنُ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: إِنَّ وَقْفَ الْكَافِرِ عَلَى عُبَّادِ الْكَنِيسَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَأَمَّا عَلَى مَرَمَّتِهَا أَوْ عَلَى الْجَرْحَى أَوِ الْمَرْضَى الَّتِي فِيهَا فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: عِمَارَةُ كَنَائِسِ غَيْرِ الْمُتَعَبِّدِ: كَكَنَائِسِ نُزُولِ الْمَارَّةِ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمَا، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِالْكَنِيسَةِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِجَوَازِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُجْتَازِينَ وَصَلَاحِيَتِهِمْ لِلْقُرْبَةِ فَإِنْ خَصَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِوَقْفٍ عَلَى الْمَارَّةِ مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ.

وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ وَالْمُرْتَدِّينَ أَوْ سِلَاحٍ لِقِتَالٍ غَيْرِ جَائِزٍ أَوْ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى كِتَابَةِ التَّوْارَةِ وَالْإِنْجِيلِ لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مُبَدَّلَةٌ وَلِذَلِكَ «غَضِبَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْن الْخَطَّاب؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً،.....وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَخِي مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي».

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ:

39- يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ، أَيْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ حَقِيقَةً كَزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ، أَوْ حُكْمًا كَمَسْجِدٍ وَرِبَاطٍ وَسَبِيلٍ وَلِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوَهَا يُعْتَبَرُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَنَّهُ عُيِّنَ فِي نَفْعٍ خَاصٍّ لَهُمْ.

لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي التَّطْبِيقِ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الشَّرْطِ الْمَسَائِلُ الْآتِيَةُ:

أ- الْوَقْفُ عَلَى مَنْ سَيُوجَدُ:

40- أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ الْوَقْفَ عَلَى مَنْ سَيُوجَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَقْفِ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ صَحَّ الْوَقْفُ لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْمَوْقُوفُ إِلَى أَنْ يُوجَدَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ، أَوْ عَلَى مَكَانٍ هَيَّأَهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ إِلَى أَنْ يُولَدَ لِزَيْدٍ أَوْ يُبْنَىَ الْمَسْجِدُ فَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ الَّتِي تُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذَا الْوَلَدِ أَوْ إِلَى الْمَسْجِدِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْمَوْقُوفُ: أَوَّلُهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ قَالَ: الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ صَحِيحٌ إِلاَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، فَلِلْوَاقِفِ بَيْعُهُ قَبْلَ وِلَادَةِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ يَأْسٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى حَصَلَ لَهُ وَلَدٌ تَمَّ الْوَقْفُ.

وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: الْوَقْفُ لَازِمٌ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهِ وَلَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ إِلاَّ إِذَا حَصَلَ يَأْسٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيُوقَفُ أَمْرُ ذَلِكَ الْحَبْسِ لِلْإِيَاسِ فَإِذَا يَئِسَ مِنَ الْوَلَدِ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ.

وَالثَّالِثُ: لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، قَالَ: يُحْكَمُ بِحَبْسِهِ وَيُخْرَجُ إِلَى يَدِ ثِقَةٍ لِيَصِحَّ حَوْزُهُ وَتُوقَفُ ثَمَرَتُهُ فَإِنْ وُلِدَ لَهُ كَانَ الْحَبْسُ وَالْغَلَّةُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ كَانَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ لِلْوَاقِفِ..

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ وُلِدَ لَهُ سَابِقًا، أَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ وُلِدَ لَهُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ بِلَا نِزَاعٍ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزُّرْقَانِيُّ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَقْفِ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ أَوْ عَلَى فَقِيرِ أَوْلَادِهِ وَلَا فَقِيرَ فِيهِمْ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيُعْتَبَرُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ لَا يُمَلَّكُ فَلَا يُفِيدُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ الْمَوْجُودِ تَبَعًا لَا أَصَالَةً كَقَوْلِ الْوَاقِفِ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي مَا تَنَاسَلُوا.

ب- الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ:

41- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ ابْتِدَاءً، وَصَحَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ جَوَازَ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ ابْتِدَاءً وَاخْتَارَهُ الْحَارِثِيُّ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ تَبَعًا فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالُوا: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى جَنِينٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصُودًا أَمْ تَابِعًا، حَتَّى لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَلَهُ جَنِينٌ عِنْدَ الْوَقْفِ لَمْ يَدْخُلْ، نَعَمْ إِنِ انْفَصَلَ دَخَلَ مَعَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَدْ سَمَّى الْمَوْجُودِينَ أَوْ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ الْحَمْلُ الْحَادِثُ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ أَجَازُوا الْوَقْفَ عَلَى الْحَمْلِ إِذَا كَانَ تَبَعًا، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ إِذَنْ وَهُوَ لَا يُمَلَّكُ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ تَبَعًا كَقَوْلِ وَاقِفٍ: وَقَفْتُ كَذَا عَلَى أَوْلَادِي وَفِيهِمْ حَمْلٌ فَيَشْمَلُهُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ نَقْلًا عَنِ الْمُتِيطِيِّ: الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْحَمْلِ، قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ، وَالرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ.

وَالَّذِي تُفِيدُهُ عِبَارَاتُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْلِ حَيْثُ قَالُوا: إِذَا وَقَفَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَمِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَقْفًا صَحِيحًا، فَإِنَّمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَقْفِ الْوَلَدُ الْمَوْجُودُ يَوْمَ وُجُودِ الْغَلَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ الْوَقْفِ أَوْ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ هِلَالٍ- رحمه الله- (وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ بَلْخٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلَى وَلَدِي وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لِي مِنَ الْوَلَدِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْمَسَاكِينِ.وَلَوْ قَالَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَنْ يَحْدُثُ لِي مِنَ الْوَلَدِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ، فَإِذَا أُدْرِكَتِ الْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ تُصْرَفُ الْغَلَّةُ الَّتِي تُوجَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذَا الْوَلَدِ مَا يَبْقَى هَذَا الْوَلَدُ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ وَلَدٌ صُرِفَتِ الْغَلَّةُ إِلَى الْفُقَرَاءِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْفَتْحِ قَوْلَهُ: ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ مِنَ الْوَلَدِ- أَيْ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ- كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ خُرُوجَ الْغَلَّةِ عَالِقًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ حَتَّى لَوْ حَدَثَ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ بِأَقَلِّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ حَدَثَ إِلَى تَمَامِهَا فَصَاعِدًا لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْأَوَّلِ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ خُرُوجِ الْغَلَّةِ فَاسْتَحَقَّ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِوَرَثَتِهِ، وَهَذَا فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ، أَمَّا إِذَا وَلَدَتْ مُبَانَةٌ لِدُونِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْإِبَانَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ بِلَا حِلِّ وَطْئِهَا.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَعُودَ الْوَقْفُ عَلَى الْوَاقِفِ:

وَيَشْمَلُ هَذَا حَالَتَيْنِ: الْأُولَى أَنْ يَقِفَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ..

أ- أَنْ يَقِفَ عَلَى نَفْسِهِ:

42- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ- وَهُوَ الْمَذْهَبُ- وَمُحَمَّدُ بنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.

لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يُنْقَضْ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: هُوَ صِحَّةُ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ، قَالُوا: لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشَّيْءِ وَقْفًا غَيْرُ اسْتِحْقَاقِهِ مِلْكًا، وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ.

ب- أَنْ يَشْتَرِطَ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ:

43- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ أَوِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالزُّهْرِيِّ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ.قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ: مَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهُ كُلَّهَا أَوِ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ، أَوِ اسْتَثْنَى غَلَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا لِوَلَدِهِ كَذَلِكَ صَحَّ، أَوِ اسْتَثْنَى الْأَكْلَ مِنْهُ أَوِ الِانْتِفَاعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَهْلِهِ أَوِ اشْتَرَطَ أَنْ يُطْعَمَ صَدِيقُهُ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ بِمَا رُوِيَ عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ: «إِنَّ فِي صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَأْكُلَ أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ» وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوُلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- لَمَّا وَقَفَ: لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ ثُمَّ بِنْتِهِ حَفْصَةَ ثُمَّ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ كَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَكَذَا هُنَا.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّ الْوَقْفَ إِزَالَةُ الْمِلْكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَإِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ أَوِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَعَلَ مَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يَجْعَلُ مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا إَذَا بَنَى خَانًا أَوْ سَاقِيَةً أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَشَرَطَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ أَوْ يَشْرَبَ مِنْهُ أَوْ يُدْفَنَ فِيهِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْقُرْبَةُ وَفِي الصَّرْفِ إِلَى نَفْسِهِ كَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ».

لَكِنَّ الْحَنَابِلَةَ وَأَبَا يُوسُفَ قَالُوا: إِنَّ انْتِفَاعَ الْمَوْقُوفِ بِغَلَّةِ الْوَقْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالشَّرْطِ، فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنَ الْمَوْقُوفِ إِلاَّ إِذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ.

لَكِنَّ هَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَامًّا، أَمَّا إِذَا وَقَفَ شَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي جُمْلَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ مِثْلَ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ أَوْ مَقْبَرَةً فَلَهُ الدَّفْنُ فِيهَا أَوْ بِئْرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهَا أَوْ سِقَايَةً أَوْ شَيْئًا يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونَ كَأَحَدِهِمْ وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ سَبَّلَ بِئْرَ رُومَةَ وَكَانَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ غَلَّةَ الْمَوْقُوفِ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَعَدَمُ الصِّحَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إَذَا شَرَطَ الِانْتِفَاعَ بِغَلَّةِ الْوَقْفِ.قَالَ الشِّيرَازِيُّ: لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي حَبْسَ الْعَيْنِ وَتَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ، وَالْعَيْنُ مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ وَمَنْفَعَتُهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ مَعْنًى، وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فَلَا يَصِحُّ لِفَسَادِ الشَّرْطِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوِ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى الْوَقْفِ بَاعَ فَلَهُ بَيْعُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ الْحَاجَةِ وَالْحَلِفِ عَلَيْهَا، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ.

وَيَسْتَثْنِي الشَّافِعِيَّةُ مَسَائِلَ يَجُوزُ فِيهَا لِلْوَاقِفِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَوْقُوفِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ كَالْفُقَرَاءِ وَاتَّصَفَ بِصِفَتِهِمْ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ افْتَقَرَ، أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ وَقَفَ كِتَابًا لِلْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ قِدْرًا لِلطَّبْخِ فِيهِ أَوْ كِيزَانًا لِلشُّرْبِ بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


29-موسوعة الفقه الكويتية (وقف 8)

وَقْفٌ -8

د- الِاسْتِدَانَةُ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ:

89- إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ فِي حَاجَةٍ إِلَى تَعْمِيرٍ وَإِصْلَاحٍ، أَوْ كَانَ فِي حَاجَةٍ إِلَى نَفَقَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنَ الرَّيْعِ مَا يَكْفِي لِسَدِّ حَاجَةِ التَّعْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لِهَذَا السَّبَبِ وَهَلْ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى إِذْنٍ أَوْ لَا يَحْتَاجُ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَقْتَرِضَ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ كَشِرَائِهِ لِلْوَقْفِ نَسِيئَةً أَوْ بِنَقْدٍ لَمْ يُعَيِّنْهُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، لِأَنَّ النَّاظِرَ مُؤْتَمَنٌ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، فَالْإِذْنُ وَالِائْتِمَانُ ثَابِتَانِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَلَوِ الْتَزَمَ حِينَ أَخَذَ النَّظَرَ أَنْ يَصْرِفَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ مَالِهِ إِنِ احْتَاجَ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا صَرَفَهُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الِاقْتِرَاضُ دُونَ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ إِذْنِ الْإِمَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرِضَ الْإِمَامُ النَّاظِرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاقْتِرَاضِ أَوِ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ، وَلَوِ اقْتَرَضَ النَّاظِرُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْحَاكِمِ وَلَا شَرْطٍ مِنَ الْوَاقِفِ لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَرْجِعُ بِمَا صَرَفَهُ لِتَعَدِّيهِ بِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ إِلاَّ إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهَا لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَتَعْمِيرٍ وَشِرَاءِ بَذْرٍ، فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ: إِذْنُ الْقَاضِي، فَلَوْ يَبْعُدُ عَنْهُ يَسْتَدِينُ بِنَفْسِهِ.

الثَّانِي: أَلاَّ يَتَيَسَّرَ إِجَارَةُ الْعَيْنِ وَالصَّرْفُ مِنْ أُجْرَتِهَا.

وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَنَّ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ إِذَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ الْوَاقِفِ، لِأَنَّ الدِّينَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً إِلاَّ فِي الذِّمَّةِ، وَالْوَقْفُ لَا ذِمَّةَ لَهُ، وَالْفُقَرَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ ذِمَّةٌ لَكِنْ لِكَثْرَتِهِمْ لَا تُتَصَوَّرُ مُطَالَبَتُهُمْ، فَلَا يَثْبُتُ إِلاَّ عَلَى الْقَيِّمِ وَمَا وَجَبَ عَلَى الْقَيِّمِ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَهُ مِنْ غَلَّةِ الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ.لَكِنَّ تَرْكَ الْقِيَاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الِاسْتِدَانَةِ بُدٌّ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِأَمْرِ الْقَاضِي إِنْ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا عَنِ الْمُتَوَلِّي، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَعَمُّ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

أَمَّا مَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ- كَالصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ- فَلَا تَجُوزُ الِاسْتِدَانَةُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، إِلاَّ مَا يُعْطَى لِلْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَالْمُؤَذِّنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ فِيمَا يَظْهَرُ، كَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الِاسْتِدَانَةُ لِلْحُصْرِ وَالزَّيْتِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ.

وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إِذْنِ الْقَاضِي فَادَّعَى الْمُتَوَلِّي الْإِذْنَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لَمَّا أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فِي الْغَلَّةِ وَهُوَ إِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ مِنَ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُتَبَرِّعًا مَا دَامَ لَمْ يُوجَدْ إِذْنٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَإِذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ فَأَنْفَقَ الْمُتَوَلِّي مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِإِصْلَاحِ الْوَقْفِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيَّ أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ دِيَانَةً، لَكِنْ لَوِ ادَّعَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَكِنْ يَجِبُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ لِلْوَقْفِ غَلَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إِذْنِ الْقَاضِي.

ثَانِيًا: بَيْعُ الْمَوْقُوفِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ:

90- إِذَا تَعَطَّلَ الْمَوْقُوفُ وَصَارَ بِحَالَةٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي رَأْيٍ بَيْعَهُ وَجَعْلَ ثَمَنِهِ فِي مِثْلِهِ.

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ الْبَيْعَ وَالِاسْتِبْدَالَ وَلَوْ لَمْ يَتَعَطَّلِ الْمَوْقُوفُ، لَكِنْ بِشُرُوطٍ خَاصَّةٍ.

كَمَا فَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.وَلِكُلِّ مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ بَيَانُهُ كَمَا يَلِي:

الِاسْتِبْدَالُ بِالْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:

لِلِاسْتِبْدَالِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ صُوَرٌ ثَلَاثٌ:

الصُّورَةُ الْأُولَى:

91- أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ الِاسْتِبْدَالَ بِأَرْضِ الْوَقْفِ أَرْضًا أُخْرَى حِينَ الْوَقْفِ، وَلِهَذِهِ الصُّورَةِ صِيغَتَانِ:

الصِّيغَةُ الْأُولَى: أَنْ يَقُولَ: أَرْضِي هَذِهِ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَبَدًا عَلَى أَنْ أَبِيعَهَا وَأَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى، فَتَكُونُ وَقْفًا بِشَرَائِطِ الْأُولَى.

وَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ وَالْخَصَّافِ يَجُوزُ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ اسْتِحْسَانًا.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا جَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ، لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يُبْطِلُ حُكْمَ الْوَقْفِ، فَإِنَّ الْوَقْفَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أُخْرَى، وَيَكُونُ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الْأُولَى فَإِنَّ أَرْضَ الْوَقْفِ إِذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ وَأَجْرَى عَلَيْهَا الْمَاءَ حَتَّى صَارَتْ بَحْرًا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهَا أَرْضًا أُخْرَى، فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ وَقْفًا عَلَى شَرَائِطِ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ أَرْضُ الْوَقْفِ إِذَا قَلَّ نُزْلُهَا (رَيْعُهَا) لآِفَةٍ وَصَارَتْ بِحَيْثُ لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لَا تَفْضُلُ غَلَّتُهَا عَنْ مُؤَنِهَا يَكُونُ صَلَاحُ الْوَقْفِ فِي الِاسْتِبْدَالِ بِأَرْضٍ أُخْرَى فَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ وِلَايَةَ الِاسْتِبْدَالِ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةً إِلَيْهِ فِي الْحَالِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَيُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ: الْوَقْفُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ.

وَقَدْ وَجَّهَ السَّرَخْسِيُّ رَأْيَ مُحَمَّدٍ فِي كَوْنِ فَسَادِ شَرْطِ الِاسْتِبْدَالِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ فَقَالَ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ- الْوَقْفُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ زَوَالِهِ وَالْوَقْفُ يَتِمُّ بِذَلِكَ، وَلَا يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى التَّأْبِيدِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ فَيَتِمُّ الْوَقْفُ بِشُرُوطِهِ وَيَبْقَى الِاسْتِبْدَالُ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَكُونُ بَاطِلًا فِي نَفْسِهِ كَالْمَسْجِدِ إِذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ بِهِ، أَوْ شَرَطَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَاتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ صَحِيحٌ فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ: الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ فَاسِدَانِ.

وَنَقَلَ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَبِيعُهَا إِلاَّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ- إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي الْوَقْفِ- أَنْ يَأْذَنَ فِي بَيْعِهَا إِذَا رَآهُ أَنْظَرَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ.

وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا أَرْضًا أُخْرَى وَلَمْ يَزِدْ صَحَّ اسْتِحْسَانًا، وَصَارَتِ الثَّانِيَةُ وَقْفًا بِشَرَائِطِ الْأُولَى وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِيقَافِهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ تَعَيَّنَتْ لِلْوَقْفِ فَيَقُومُ ثَمَنُهَا مَقَامَهَا فِي الْحُكْمِ، وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ أَرْضٍ بِثَمَنِهَا تَصِيرُ وَقْفًا عَلَى شَرَائِطِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وَقْفٍ.

وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْوَقْفَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إِقَامَةَ أَرْضٍ أُخْرَى مَقَامَ الْأُولَى.

الصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ شَرَطَ أَنَّ لِلْقَيِّمِ الِاسْتِبْدَالَ وَلَمْ يَشْرُطْهُ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ إِفَادَتَهُ الْوِلَايَةَ لِغَيْرِهِ بِذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِهِ يَمْلِكُهَا.

وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ مَعَ نَفْسِهِ مَلَكَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ وَحْدَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ فُلَانٌ وَحْدَهُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَالِاسْتِبْدَالُ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ اتِّفَاقًا.

وَلَوْ وَقَفَ أَرْضَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَسْتَبْدِلَهَا بِأَرْضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَهَا بِدَارٍ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ دَارًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَهَا بِأَرْضٍ، وَلَوْ شَرَطَ أَرْضَ قَرْيَةٍ لَا يَسْتَبْدِلُهَا بِأَرْضِ غَيْرِهَا، لِتَفَاوُتِ أَرَاضِي الْقُرَى مُؤْنَةً وَاسْتِغْلَالًا فَيَلْزَمُ الشَّرْطُ.

وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدِ الْبَدَلَ بِأَرْضٍ وَلَا دَارٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهَا مِنْ جِنْسِ الْعَقَارَاتِ بِأَيِّ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ بَلَدٍ شَاءَ لِلْإِطْلَاقِ.

وَإِنْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الْأَرْضَ الثَّانِيَةَ بِأَرْضٍ ثَالِثَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي الْأُولَى فَقَطْ إِلاَّ أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةً تُفِيدُ ذَلِكَ.

وَالِاسْتِبْدَالُ فِي حَالَةِ اشْتِرَاطِهِ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ ذَاتَ رَيْعٍ وَنَفْعٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَلْزَمُ خُرُوجُ الْوَقْفِ عَنِ الِانْتِفَاعِ وَلَا مُبَاشَرَةُ الْقَاضِي لَهُ وَلَا عَدَمُ رَيْعٍ يُعَمَّرُ بِهِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ:

92- أَلاَّ يَشْرُطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ حِينَ الْوَقْفِ، سَوَاءٌ شَرَطَ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ أَوْ سَكَتَ لَكِنْ صَارَ الْوَقْفُ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا أَوْ لَا يَفِي بِمُؤْنَتِهِ، فَالِاسْتِبْدَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ جَائِزٌ عَلَى الْأَصَحِّ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْبَحْرِ الرَّائِقِ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ قَاضِيخَانْ، فَفِي مَوْضِعٍ جَوَّزَ لِلْقَاضِي الِاسْتِبْدَالَ بِلَا شَرْطٍ مِنَ الْوَاقِفِ حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَنَعَ مِنْهُ وَلَوْ صَارَتِ الْأَرْضُ بِحَالٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي الِاسْتِبْدَالُ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ:

أ- أَنْ يَخْرُجَ الْمَوْقُوفُ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ.

ب- أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ رَيْعٌ لِلْوَقْفِ يُعَمَّرُ بِهِ.

ج- أَلاَّ يَكُونَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ.

د- أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْدِلُ قَاضِيَ الْجَنَّةِ، الْمُفَسَّرَ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، لِئَلاَّ يَحْصُلَ التَّطَرُّقُ إِلَى إِبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَاضِي الْجَنَّةِ هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ».

هـ- أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ عَقَارًا لَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ.

و- أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ.

ز- أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَهَا بِدَارٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِبْدَالُهَا بِأَرْضٍ وَبِالْعَكْسِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الْعَلاَّمَةِ قِنَالِي زَادَةَ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْمَوْقُوفَةِ لِلِاسْتِغْلَالِ، لِأَنَّ الْمَنْظُورَ فِيهَا كَثْرَةُ الرَّيْعِ وَقِلَّةُ الْمَرَمَّةِ وَالْمُؤْنَةِ، فَلَوِ اسْتَبْدَلَ الْحَانُوتَ بِأَرْضٍ تُزْرَعُ وَيَحْصُلُ مِنْهَا غَلَّةٌ قَدَّرَ أُجْرَةَ الْحَانُوتِ كَانَ أَحْسَنَ، لِأَنَّ الْأَرْضَ أَدْوَمُ وَأَبْقَى وَأَغْنَى عَنْ كُلْفَةِ التَّرْمِيمِ وَالتَّعْمِيرِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفَةِ لِلسُّكْنَى، لِظُهُورٍ أَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّكَنِ.

ح- فِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى خَيْرًا، وَالْعَكْسُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتِ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً، لِاحْتِمَالِ خَرَابِهَا فِي أَدْوَنِ الْمَحَلَّتَيْنِ لِدَنَاءَتِهَا وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا.

وَجَاءَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ عَنْ شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ، لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ، أَوْ يَكُونُ النَّاظِرُ مَعْزُولًا قَبْلَ الِاسْتِبْدَالِ، أَوْ إِذَا هَمَّ بِالِاسْتِبْدَالِ انْعَزَلَ هَلْ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ؟ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: إِنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَبْدِلَ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الِاسْتِبْدَالِ.

وَجَاءَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ أَيْضًا: رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إِذَا ضَعُفَتِ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ عَنِ الِاسْتِغْلَالِ وَالْقَيِّمُ يَجِدُ بِثَمَنِهَا أُخْرَى هِيَ أَكْثَرُ رَيْعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ رَيْعًا، ثُمَّ قَالَ: وَمِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَهُ تَعَطَّلَ الْوَقْفُ أَوْ لَمْ يَتَعَطَّلْ، وَكَذَا لَمْ يُجَوِّزِ الِاسْتِبْدَالَ فِي الْوَقْفِ، وَقَالَ قَاضِيخَانْ: لَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُرْسَلًا أَيْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَرْطُ الِاسْتِبْدَالِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ وَلَوْ كَانَ أَرْضُ الْوَقْفِ سَبِخَةً لَا يُنْتَفَعُ بِهَا لِأَنَّ سَبِيلَ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ مُؤَبَّدًا لَا يُبَاعُ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وَلَايَةُ الِاسْتِبْدَالِ بِالشَّرْطِ وَبِدُونِ الشَّرْطِ لَا تَثْبُتُ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ:

93- أَلاَّ يَشْرُطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ وَلِلْوَقْفِ رَيْعٌ وَغَلاَّتٌ وَغَيْرُ مُعَطَّلٍ، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِبْدَالِ نَفْعٌ فِي الْجُمْلَةِ وَبَدَلُهُ خَيْرٌ مِنْهُ نَفْعًا وَرَيْعًا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ كَذَا حَرَّرَهُ الْعَلاَّمَةُ قِنَالِي زَادَةَ.

ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْعَامِرِ إِلاَّ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ وَأَجْرَى عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى صَارَ بَحْرًا فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَيَشْتَرِي الْمُتَوَلِّي بِهَا أَرْضًا بَدَلًا.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْحَدَهُ الْغَاصِبُ وَلَا بَيِّنَةَ وَأَرَادَ دَفْعَ الْقِيمَةِ فَلِلْمُتَوَلِّي أَخْذُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا بَدَلًا.

الرَّابِعَةُ: أَنْ يَرْغَبَ إِنْسَانٌ فِيهِ بِبَدَلٍ أَكْثَرَ غَلَّةً وَأَحْسَنَ صُقْعًا فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ، قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ: قَوْلُ قَارِئِ الْهِدَايَةِ: وَالْعَمَلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَعَارَضٌ بِمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: نَحْنُ لَا نُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

الِاسْتِبْدَالُ بِالْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

94- أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ آخَرُ: إِذْ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ فِي بَيْعِهِ وَاسْتِبْدَالِ غَيْرِهِ بِهِ، فَأَجَازُوا الِاسْتِبْدَالَ فِي الْمَنْقُولِ إِذَا لَمْ تُوجَدْ جِهَةٌ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ وَصَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا حُبِسَ مِنْ أَجْلِهِ.

جَاءَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَحَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ عَلَيْهِ: الْفَرَسُ الْمَوْقُوفُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَالْغَزْوِ وَالرِّبَاطِ تَكُونُ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ عُدِمَ بَيْتُ الْمَالِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُعَوَّضُ بَدَلَهُ سِلَاحٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ.وَكَذَلِكَ يُبَاعُ كُلُّ حَبْسٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ- غَيْرَ عَقَارٍ- كَفَرَسٍ يُكْلَبُ أَيْ يُصَابُ بِدَاءِ الْكَلْبِ وَأَصْبَحَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا حُبِسَ عَلَيْهِ أَوْ كَثَوْبٍ يَخْلَقُ أَوْ عَبْدٍ يَهْرَمُ أَوْ كُتُبٍ تَبْلَى، وَإِذَا بِيعَ جُعِلَ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ إِنْ أَمْكَنَ أَوْ شِقْصِهِ- أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ- إِنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ الشَّيْءِ كَامِلًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تُصُدِّقَ بِالثَّمَنِ كَمَا أَنَّ ذُكُورَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَوْقُوفَةِ لِلْغَزْوِ وَكَانَ فِيهَا مَا يَزِيدُ لِتَحَصُّلِ اللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ إِذَا كَبُرَتْ وَأَصْبَحَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنَّهَا تُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي إِنَاثٍ لِتَحْصِيلِ اللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ مِنْهَا لِيَدُومَ الْوَقْفُ.

قَالَ الدَّرْدِيرُ: يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ شَيْئًا مِنَ النَّعَامِ لِيُنْتَفَعَ بِأَلْبَانِهَا وَأَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا فَنَسْلُهَا كَأَصْلِهَا فِي التَّحْبِيسِ فَمَا فَضَلَ مِنْ ذُكُورِ نَسْلِهَا عَنِ النَّزْوِ، وَمَا كَبُرَ مِنْ إِنَاثِهَا، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُعَوَّضُ عَنْهُ إِنَاثٌ صِغَارٌ لِتَمَامِ النَّفْعِ وَتَكُونُ وَقْفًا كَأَصْلِهَا.

أَمَّا الْعَقَارُ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ خَرِبَ وَصَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ دَارًا أَوْ حَوَانِيتَ أَوْ غَيْرَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ غَيْرِ خَرِبٍ، قَالَ مَالِكٌ: لَا يُبَاعُ الْعَقَارُ الْمُحَبَّسُ وَلَوْ خَرِبَ، وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَاثِرَةً دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ، لَكِنْ رَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا رَأَى بَيْعَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ جَازَ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ.

كَمَا أَجَازَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مُعَاوَضَةَ الرَّبْعِ الْخَرِبِ، فَفِي التَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ: يُمْنَعُ بَيْعُ مَا خَرِبَ مِنْ رَبْعِ الْحَبْسِ مُطْلَقًا، قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ: إِنَّمَا لَمْ يُبَعِ الرَّبْعُ الْمُحَبَّسُ إِذَا خَرِبَ، لِأَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُصْلِحُهُ بِإِيجَارَتِهِ سِنِينَ، فَيَعُودُ كَمَا كَانَ، وَاخْتُلِفَ فِي مُعَاوَضَةِ الرَّبْعِ الْخَرِبِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُحَبَّسَةِ انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا جُمْلَةً وَعَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهَا وَكَرَائِهَا فَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاوَضَةِ فِيهَا بِمَكَانٍ يَكُونُ حَبْسًا مَكَانَهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمٍ مِنَ الْقَاضِي بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ السَّبَبِ، وَالْغِبْطَةُ فِي ذَلِكَ لِلْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَيُسَجَّلُ ذَلِكَ وَيُشْهَدُ بِهِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْعَ الْعَقَارِ لِضَرُورَةِ تَوْسِيعِ مَسْجِدٍ جَامِعٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ.وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ.وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْجَوَامِعِ إِنِ احْتِيجَ لِذَلِكَ، لَا فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ إِذْ لَيْسَتِ الضَّرُورَةُ فِيهَا كَالْجَوَامِعِ.

كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ لِتَوْسِعَةِ مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ لِمُرُورِ النَّاسِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْوَقْفِ لِذَلِكَ وَلَوْ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ أَوِ النَّاظِرِ، وَأَمَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ وُجُوبًا بِجَعْلِ ثَمَنِهِ فِي حَبْسٍ غَيْرِهِ، وَلَا يُجْبِرُهُمُ الْحَاكِمُ عَلَى الْجَعْلِ فِي حَبْسٍ غَيْرِهِ، أَيْ لَا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِهِ.

وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَا وُسِّعَ بِهِ الْمَسْجِدُ مِنَ الرِّبَاعِ فَيُدْفَعُ ثَمَنُهُ إِذَا كَانَ حَبْسًا عَلَى مُعَيَّنٍ، أَمَّا مَا كَانَ حَبْسًا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَلَا يَلْزَمُ تَعْوِيضُهُ أَيْ دَفْعُ ثَمَنٍ فِيهِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ، وَمَا يَحْصُلُ مِنَ الْأَجْرِ لِوَاقِفِهِ إِذَا دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِمَّا قَصَدَ تَحْبِيسَهُ لِأَجْلِهِ أَوَّلًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ عُمِلَ بِهِ، وَفِي النَّوَادِرِ وَالْمَتِّيطِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْوَاقِفَ إِذَا شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنَّهُ إِنْ وُجِدَ فِيهِ ثَمَّ رَغْبَةٌ- أَيْ ثَمَنًا مَرْغُوبًا فِيهِ- بِيعَ وَاشْتُرِيَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَعُمِلَ بِشَرْطِهِ.

وَفِي فَتْحٍ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ: أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى سَبِيلٍ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، شَرَطَ وَاقِفُهَا أَلاَّ تُبَاعَ وَلَا تُسْتَبْدَلَ بِغَيْرِهَا، ثُمَّ اسْتَبْدَلَ نَاظِرُ السَّبِيلِ تِلْكَ الْأَرْضَ بِأَرْضٍ أُخْرَى مِنْ أَرَاضِي الدِّيوَانِ: بِأَنْ دَفَعَ أَرْضَ الْوَقْفِ لِرَجُلٍ مِنَ الْفَلاَّحِينَ وَأَخَذَ مِنْهُ أَرْضًا مِنْ أَرَاضِي الدِّيوَانِ، وَصَارَ النَّاظِرُ يَدْفَعُ مَصَارِيفَ الْوَقْفِ وَالْفَلاَّحُ يَدْفَعُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَرَاجِ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: حَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ وَأَطْلَقَ كَانَتِ الْمُبَادَلَةُ الْحَاصِلَةُ مِنَ النَّاظِرِ بَاطِلَةً، وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ رَدُّ أَرْضِ الدِّيوَانِ لِصَاحِبِهَا وَأَخْذُ أَرْضِ الْوَقْفِ بِعَيْنِهَا، وَمَنِ امْتَنَعَ فَعَلَى الْحَاكِمِ زَجْرُهُ.

الِاسْتِبْدَالُ بِالْمَوْقُوفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:

95- أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ فِي الِاسْتِبْدَالِ تَفْصِيلٌ:

جَاءَ فِي الْمُهَذَّبِ: إِنْ وَقَفَ مَسْجِدًا فَخَرِبَ الْمَكَانُ وَانْقَطَعَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْمِلْكِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، لِأَنَّ مَا زَالَ الْمِلْكُ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعُودُ إِلَى الْمِلْكِ بِالِاخْتِلَالِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ زَمِنَ.

وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ: الْأَصَحُّ جَوَازُ بَيْعِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفَةِ إِذَا بَلِيَتْ وَجُذُوعِهِ إِذَا انْكَسَرَتْ أَوْ أَشْرَفَتْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَمْ تَصْلُحْ إِلاَّ لِلْإِحْرَاقِ لِئَلاَّ تَضِيعَ وَيَضِيقَ الْمَكَانُ بِهَا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، فَتَحْصِيلُ نَزْرٍ يَسِيرٍ مِنْ ثَمَنِهَا يَعُودُ إِلَى الْوَقْفِ أَوْلَى مِنْ ضَيَاعِهَا، وَلَا تَدْخُلُ بِذَلِكَ تَحْتَ بَيْعِ الْوَقْفِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومَةِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَى هَذَا يُصْرَفُ ثَمَنُهَا فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يُشْتَرَى بِثَمَنِ الْحَصِيرِ حَصِيرٌ لَا غَيْرُهَا.

قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إِنْ أَمْكَنَ وَإِلاَّ فَالْأَوَّلُ.وَكَالْحُصْرِ فِي ذَلِكَ نُحَاتَةُ الْخَشَبِ وَأَسْتَارُ الْكَعْبَةِ إِذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا نَفْعٌ وَلَا جَمَالٌ.وَالثَّانِي: لَا يُبَاعُ مَا ذُكِرَ إِدَامَةً لِلْوَقْفِ فِي عَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي طَبْخِ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ تَقُومُ قِطْعَةٌ مِنَ الْجُذُوعِ مَقَامَ آجُرَّةٍ وَقَدْ تَقُومُ النُّحَاتَةُ مَقَامَ التُّرَابِ وَيُخْتَلَطُ بِهِ.قَالَ الْأَذْرُعِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَقَامَ التِّبْنِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الطِّينِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا جَمْعٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.

أَمَّا الْحُصْرُ الْمَوْهُوبَةُ أَوِ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَسْجِدِ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ لِلْحَاجَةِ.

وَأَمَّا الْجُذُوعُ وَمَا شَابَهَهَا إِذَا صَلَحَ لِغَيْرِ الْإِحْرَاقِ بِأَنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا أَلْوَاحٌ وَأَبْوَابٌ فَلَا تُبَاعُ قَطْعًا.

فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَسْجِدِ- كَأَنْ كَانَ آيِلًا لِلسُّقُوطِ- نُقِضَ وَبَنَى الْحَاكِمُ بِنَقْضِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إِنْ رَأَى ذَلِكَ وَإِلاَّ حَفِظَهُ، وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى، وَلَا يَبْنِي بِهِ بِئْرًا كَمَا لَا يَبْنِي بِنَقْضِ بِئْرٍ خَرِبَتْ مَسْجِدًا بَلْ بِئْرًا أُخْرَى مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ.وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ وَانْحَرَقَ الْوَادِي وَتَعَطَّلَتِ الْقَنْطَرَةُ وَاحْتِيجَ إِلَى قَنْطَرَةٍ أُخْرَى جَازَ نَقْلُهَا إِلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَغَلَّةُ وَقْفِ الثَّغْرِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُلَاصِقُ مِنْ بِلَادِنَا بِلَادَ الْكُفَّارِ إِذَا حَصَلَ فِيهِ الْأَمْنُ يَحْفَظُهُ النَّاظِرُ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ ثَغْرًا.

وَإِنْ وَقَفَ نَخْلَةً فَجَفَّتْ أَوْ بَهِيمَةً فَزَمِنَتْ أَوْ جُذُوعًا عَلَى مَسْجِدٍ فَتَكَسَّرَتْ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى مَنْفَعَتُهُ فَكَانَ بَيْعُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يُمْكِنُ الصَّلَاةُ فِيهِ مَعَ خَرَابِهِ وَقَدْ يَعْمُرُ الْمَوْضِعُ فَيُصَلَّى فِيهِ، فَإِنْ قُلْنَا تُبَاعُ كَانَ الْحُكْمُ فِي ثَمَنِهِ حُكْمَ الْقِيمَةِ الَّتِي تُوجَدُ مِنْ مُتْلَفِ الْوَقْفِ.

فَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ- وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَظْهَرِ- كَانَ ثَمَنُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ.وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى- وَهُوَ الْأَظْهَرُ- اشْتَرَى بِهِ مِثْلَهُ لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ: يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهُ لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

الِاسْتِبْدَالُ بِالْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:

96- وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ فِي الْوَقْفِ إِذَا كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْغَرَضِ الَّذِي وُقِفَ مِنْ أَجْلِهِ وَلَمْ يَعُدْ صَالِحًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْقُوفُ مَنْقُولًا أَمْ عَقَارًا، مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ.

قَالُوا: يَحْرُمُ بَيْعُ الْوَقْفِ وَلَا يَصِحُّ وَلَا تَصِحُّ الْمُنَاقَلَةُ بِهِ أَيْ إِبْدَالُهُ وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ نَصًّا، إِلاَّ أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ بِخَرَابٍ وَلَمْ يُوجَدْ فِي رَيْعِ الْوَقْفِ مَا يُعَمَّرُ بِهِ فَيُبَاعُ، أَوْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ الْمَقْصُودَةُ بِغَيْرِ الْخَرَابِ كَخَشَبٍ تَشَعَّثَ وَخِيفَ سُقُوطُهُ نَصًّا.وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مَسْجِدًا وَتَعَطَّلَ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ لِضِيقِهِ عَلَى أَهْلِهِ نَصًّا وَتَعَذَّرَ تَوْسِعَتُهُ أَوْ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِخَرَابِ مَحَلَّتِهِ أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ قَذِرًا، قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَفِي إِبْقَائِهِ كَذَلِكَ إِضَاعَةٌ، فَوَجَبَ الْحِفْظُ بِالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ مُؤَبَّدٌ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْبِيدُهُ بِعَيْنِهِ اسْتَبْقَيْنَا الْغَرَضَ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ عَلَى الدَّوَامِ فِي عَيْنٍ أُخْرَى، وَاتِّصَالُ الْأَبْدَالِ يَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ وَالْجُمُودُ عَلَى الْعَيْنِ مَعَ تَعَطُّلِهَا تَضْيِيعٌ لِلْغَرَضِ.

وَيَصِحُّ بَيْعُ شَجَرَةٍ مَوْقُوفَةٍ يَبِسَتْ، وَبَيْعُ جِذْعٍ مَوْقُوفٍ انْكَسَرَ أَوْ بَلِيَ أَوْ خِيفَ الْكَسْرُ أَوِ الْهَدْمُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: إِذَا أَشْرَفَ جِذْعُ الْوَقْفِ عَلَى الِانْكِسَارِ أَوْ دَارُهُ عَلَى الِانْهِدَامِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ أُخِّرَ لَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ رِعَايَةً لِلْمَالِيَّةِ، وَالْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَالْخَانَاتُ الْمُسْبَلَةُ وَنَحْوُهَا جَائِزٌ بَيْعُهَا عِنْدَ خَرَابِهَا وَجْهًا وَاحِدًا.

وَالْفَرَسُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الْغَزْوِ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ لِلْغَزْوِ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ فَرَسٌ يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: الَّذِي يَعْجُفُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي تُحَبَّسُ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ يُبَاعُ ثُمَّ يُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي حَبِيسٍ، وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ الْبَدَلِ يَصِيرُ الْبَدَلُ وَقْفًا.

كَمَا قَالُوا: وَمَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وُجُوبًا وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ بَيْعِهِ فَشَرْطُهُ فَاسِدٌ، وَالَّذِي يَتَوَلَّى بَيْعَ الْمَوْقُوفِ- حَيْثُ جَازَ بَيْعُهُ- هُوَ الْحَاكِمُ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرَاتِ كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِعَقْدٍ لَازِمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا فَتُوقَفُ عَلَى الْحَاكِمِ كَالْفُسُوخِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ مَنْ يَؤُمُّ أَوْ يُؤَذِّنُ أَوْ يَقُومُ بِهَذَا الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَالَّذِي يَتَوَلَّى بَيْعَهُ نَاظِرُهُ الْخَاصُّ، وَالْأَحْوَطُ أَلاَّ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعَ عَلَى مَنْ سَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ أَشْبَهَ الْبَيْعَ عَلَى الْغَائِبِ، وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ الْبَدَلِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ يَصِيرُ وَقْفًا، وَالِاحْتِيَاطُ وَقْفُهُ بِصِيغَةٍ جَدِيدَةٍ لِئَلاَّ يَنْقُضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَا يَرَى وَقْفِيَّتَهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ.

.ثَالِثًا: رُجُوعُ الْوَقْفِ إِلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ:

97- ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاسْتُغْنِي عَنْهُ وَلَوْ مَعَ بَقَائِهِ عَامِرًا، وَكَذَا لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعْمَرُ بِهِ وَقَدِ اسْتَغْنَى النَّاسُ عَنْهُ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَعُودُ إِلَى مِلْكِ الْبَانِي إِنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَى وَرَثَتِهِ إِنْ كَانَ مَيِّتًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَاقِفَ عَيَّنَ الْوَقْفَ لِنَوْعِ قُرْبَةٍ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَيَنْقَطِعُ هُوَ أَيْضًا، وَصَارَ كَحَصِيرِ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشِهِ إِذَا اسْتُغْنِيَ عَنْهُ، وَقِنْدِيلِهِ إِذَا خَرِبَ الْمَسْجِدُ يَعُودُ إِلَى مِلْكِ مُتَّخِذِهِ، وَكَمَا لَوْ كَفَّنَ مَيِّتًا فَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ عَادَ الْكَفَنُ إِلَى مِلْكِ مَالِكِهِ، وَكَهَدْيِ الْإِحْصَارِ إِذَا زَالَ الْإِحْصَارُ فَأَدْرَكَ الْحَجَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُنْقَلُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ بِإِذْنِ الْقَاضِي، فَيُبَاعُ نَقْضُهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إِلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إِذَا انْهَدَمَ الْوَقْفُ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ مَا يُعَمَّرُ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْبَانِي أَوْ وَرَثَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مِلْكِهِ مَا خَرَجَ عَنِ الِانْتِفَاعِ الْمَقْصُودِ لِلْوَاقِفِ بِالْكُلِّيَّةِ كَحَانُوتٍ احْتَرَقَ، وَلَا يُسْتَأْجَرُ بِشَيْءٍ، وَرِبَاطٍ وَحَوْضِ مَحَلَّةٍ خَرِبَ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُعَمَّرُ بِهِ.

وَأَمَّا مَا كَانَ مُعَدًّا لِلْغَلَّةِ فَلَا يَعُودُ إِلَى الْمِلْكِ إِلاَّ أَنْقَاضُهُ وَتَبْقَى سَاحَتُهُ وَقْفًا تُؤَجَّرُ وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْفَرَسِ إِذَا جَعَلَهُ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُرْكَبَ: فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إِلَى صَاحِبِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ: إِنَّ الْمَوْقُوفَ لَوْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَأَنْ جَفَّتِ الشَّجَرَةُ أَوْ قَلَعَهَا رِيحٌ أَوْ سَيْلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ إِعَادَتُهَا إِلَى مَغْرِسِهَا قَبْلَ جَفَافِهَا فَإِنَّ الْوَقْفَ يَنْقَطِعُ وَيَنْقَلِبُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ.

أَمَّا الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ مِلْكًا بَلْ يَظَلُّ وَقْفًا، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


30-موسوعة الفقه الكويتية (وقف 9)

وَقْفٌ -9

النَّظَرُ عَلَى الْوَقْفِ:

98- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ، فَإِذَا جَعَلَ النَّظَرَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ اتُّبِعَ شَرْطُهُ، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- جَعَلَ وَقْفَهُ إِلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ تَلِيهِ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ إِلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلِأَنَّ مَصْرِفَ الْوَقْفِ يُتَبَّعُ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَكَذَلِكَ النَّاظِرُ فِيهِ.

لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحُزِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ، فَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ فَلِسَ بَطَلَ الْوَقْفُ.

أَمَّا إِذَا حَازَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ، وَشَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ، وَأُجْبِرَ الْوَاقِفُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ إِذْ لَا يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَجْعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا عَلَى الْوَقْفِ بِأَنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ.

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ فَالْحَاكِمُ يُوَلِّي عَلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي النَّظَرِ بِنَفْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ رَشِيدٍ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَنَفْعُهُ لَهُ، فَكَانَ نَظَرُهُ إِلَيْهِ كَمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَشِيدٍ فَوَلِيُّهُ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ، وَفِي احْتِمَالٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ- أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ الْحَاكِمُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى.

وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْحَنَفِيَّةِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهِلَالٍ- وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ- تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ إِنْ كَانَ وَإِلاَّ فَلِلْحَاكِمِ، لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إِنَّمَا يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ بِشَرْطِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوِلَايَةُ وَغَيْرُهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْوَقْفِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِوِلَايَتِهِ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلْوَاقِفِ مَا دَامَ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ التَّسْلِيمَ إِلَى الْقَيِّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فِيهِ.

وَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ وَلَمْ يَجْعَلْ وِلَايَتَهُ لِأَحَدٍ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا وَلَا يَجْعَلْهُ مِنَ الْأَجَانِبِ مَا دَامَ يَجِدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْوَاقِفِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، إِمَّا لِأَنَّهُ أَشْفَقُ، أَوْ لِأَنَّهُ مَنْ قَصَدَ الْوَاقِفُ نِسْبَةَ الْوَقْفِ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَمِنَ الْأَجَانِبِ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ النِّظَارَةَ لِأَحَدٍ فَالنَّظَرُ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ الْعَامَّ فَكَانَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى.

الرَّأْيُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْوَاقِفِ، لِأَنَّهُ كَانَ النَّظَرُ إِلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَشْرُطْهُ بَقِيَ عَلَى نَظَرِهِ.

وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَهُ فَكَانَ النَّظَرُ إِلَيْهِ.

مَا يُشْتَرَطُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ:

اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِصَلَاحِيَّةِ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ شُرُوطًا عِدَّةً، مِنْهَا مَا هُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَهُمْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: التَّكْلِيفُ:

99- يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الصَّبِيِّ وَلَا الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ بَعْضُ التَّفْصِيلِ:

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، فَإِنَّهُ يَلِي أَمْرَ الْوَقْفِ بِنَفْسِهِ وَيَكُونُ نَاظِرًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي النَّظَرِ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُتَّبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي تَخْصِيصِ نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلِ الْوَاقِفُ نَاظِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مُعَيَّنًا رَشِيدًا فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَشِيدٍ فَوَلِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَالْحَاكِمُ يُوَلِّي عَلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ آدَمِيًّا مُعَيَّنًا أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا كَأَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ، وَيَنْظُرُ فِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا، أَوْ يَنْظُرُ فِيهِ وَلِيُّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا.وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَنْظُرُ فِيهِ الْحَاكِمُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْإِسْعَافِ قَوْلَهُ: وَلَوْ أَوْصَى إِلَى صَبِيٍّ تَبْطُلُ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ بَاطِلَةٌ مَا دَامَ صَغِيرًا فَإِذَا كَبُرَ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ، وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فِي الْوِلَايَةِ كَحُكْمِ الصَّغِيرِ قِيَاسًا.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي فَتَاوَى الْعَلاَّمَةِ الشَّلَبِيِّ: وَأَمَّا الْإِسْنَادُ لِلصَّغِيرِ فَلَا يَصِحُّ بِحَالٍ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ لِقُصُورِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى عَلَى غَيْرِهِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: رَأَيْتُ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْإِسْتُرُوشِنِيِّ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ قَالَ: الْقَاضِي إِذَا فَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إِلَى صَبِيٍّ يَجُوزُ إِذَا كَانَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ، وَتَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ، كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ إِذْنَ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَا يَأْذَنُ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْإِسْعَافِ وَغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ لِلْحِفْظِ بِأَنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَتَكُونُ تَوْلِيَتُهُ مِنَ الْقَاضِي إِذْنًا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأَذَنَ لِلصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ.

وَكَمَا أَنَّ الْجُنُونَ يَمْنَعُ التَّوْلِيَةَ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَمْنَعُهَا بَقَاءً، فَلَوْ كَانَ نَاظِرًا ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يُعْزَلُ عَنِ النِّظَارَةِ.لَكِنْ لَوْ عَادَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ وَبَرِئَ مِنْ عِلَّتِهِ هَلْ يَعُودُ نَاظِرًا؟ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْفَتْحِ: أَنَّ النَّاظِرَ يَنْعَزِلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ سَنَةً لَا أَقَلَّ، وَلَوْ بَرِئَ عَادَ إِلَيْهِ النَّظَرُ، قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ، أَمَّا مَنْصُوبُ الْقَاضِي فَلَا.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ بِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ قَالَ الشَّبْرَامَلْسِيُّ: لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ تَعُودُ إِلَيْهِ وِلَايَةُ النِّظَارَةِ بِنَفْسِ الْإِفَاقَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ إِذَا كَانَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعَدَالَةُ:

100- يُشْتَرَطُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا.

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الشَّرْطِ تَفْصِيلٌ:

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْعَدَالَةِ شَرْطَ صِحَّةٍ أَوْ شَرْطَ أَوْلَوِيَّةٍ عَلَى رَأْيَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ.فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْإِسْعَافِ: وَلَا يُوَلَّى إِلاَّ أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ.

وَالرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ لَا شَرْطُ صِحَّةٍ، وَأَنَّ النَّاظِرَ إِذَا فُسِّقَ اسْتَحَقَّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ، كَالْقَاضِي إِذَا فُسِّقَ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ شَرْطًا إِذَا كَانَ النَّاظِرُ مَنْصُوبًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي أَوْ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ.فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَطَّابِ: النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إِلَيْهِ مُحَبِّسُهُ يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَثِقُ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ النَّظَرُ فِيهِ لِلْحَاكِمِ يُقَدِّمُ لَهُ مَنْ يَرْتَضِيهِ..وَالنَّاظِرُ عَلَى الْحَبْسِ إِذَا كَانَ سَيِّئَ النَّظَرِ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَيَرْضَى بِهِ وَيَسْتَمِرُّ، وَذَكَرَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ نَاظِرًا إِلاَّ بِجُنْحَةٍ، وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ.

وَقَالَ الْأَذْرُعِيُّ: تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ أَيْضًا، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.

وَإِذَا فُسِّقَ النَّاظِرُ انْعَزَلَ وَمَتَى انْعَزَلَ بِالْفِسْقِ فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ فُسِّقَ النَّاظِرُ ثُمَّ صَارَ عَدْلًا فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ مَشْرُوطَةً فِي أَصْلِ الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ عَادَتْ وِلَايَتُهُ وَإِلاَّ فَلَا، أَفْتَى بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ.قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَكَانَتْ تَوْلِيَةُ النَّاظِرِ مِنَ الْحَاكِمِ بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ وَلَّى الْحَاكِمُ نَاظِرًا مِنْ غَيْرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَوْ كَانَ النَّظَرُ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَوَلَّى الْحَاكِمُ مِنْهُمْ نَاظِرًا عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتِ التَّوْلِيَةُ مِنْ نَاظِرٍ أَصْلِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ فِيهِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى مَالٍ فَاشْتُرِطَ لَهَا الْعَدَالَةُ كَالْوِلَايَةِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُ وَأُزِيلَتْ يَدُهُ عَنِ الْوَقْفِ حِفْظًا لَهُ، فَإِنْ عَادَ إِلَى أَهْلِيَّتِهِ عَادَ حَقُّهُ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِينًا لَمْ تَصِحَّ وَأُزِيلَتْ يَدُهُ، وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ مَشْرُوطًا مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَيُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ عَدْلٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ وَحِفْظِ الْوَقْفِ، وَلَا تُزَالُ يَدُهُ إِلاَّ أَنْ لَا يُمْكِنَ حِفْظُهُ مِنْهُ فَتُزَالُ وِلَايَتُهُ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ أَهَمُّ مِنْ إِبْقَاءِ وِلَايَةٍ لِفَاسِقٍ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّاظِرُ أَجْنَبِيًّا أَوْ بَعْضَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ وَأَنَّهُ يَنْعَزِلُ إِذَا فُسِّقَ فِي أَثْنَاءِ وِلَايَتِهِ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ فَنَفَاهَا الْفِسْقُ، وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِمَّا بِجَعْلِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لَهُ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُهُ عَلَى زَيْدِ وَنَظَرُهُ لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ لِعَدَمِ نَاظِرٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِالنَّظَرِ، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَقْفَ فَهُوَ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ، وَقِيلَ: يُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ، حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ عَنِ الْبَيْعِ أَوِ التَّضْيِيعِ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْكِفَايَةُ:

101- الْمَقْصُودُ بِالْكِفَايَةِ قُوَّةُ الشَّخْصِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ نَاظِرٌ عَلَيْهِ.

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْكِفَايَةُ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حِفْظِ الْوَقْفِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّاظِرُ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ مُرَاعَاةُ حِفْظِ الْوَقْفِ.

فَإِنِ اخْتَلَّتِ الْكِفَايَةُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَنْزِعُ الْحَاكِمُ الْوَقْفَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ الْوَاقِفَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَوَلاَّهُ اسْتِقْلَالًا فَيُوَلِّيهِ مَنْ أَرَادَ وَأَنَّ النَّظَرَ لَا يَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ إِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ آخَرَ أَيْ إِلاَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ.فَإِنْ زَالَ الِاخْتِلَالُ عَادَ نَظَرُهُ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنِ اقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اخْتَلَّتِ الْكِفَايَةُ لَا يُعْزَلُ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: يُضَمُّ إِلَى نَاظِرٍ ضَعِيفٍ قَوِيٌّ أَمِينٌ، لِيُحَصَّلَ الْمَقْصُودُ سَوَاءٌ كَانَ نَاظِرًا بِشَرْطٍ أَوْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا: يُنْزَعُ النَّاظِرُ وُجُوبًا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ عَاجِزًا.

وَفِي الْإِسْعَافِ: لَا يُوَلَّى إِلاَّ أَمِينٌ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ تَوْلِيَةُ الْخَائِنِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ، وَكَذَا تَوْلِيَةُ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ.

لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ لَا شَرْطُ صِحَّةٍ.

وَكَلَامُ الْمَالِكِيَّةِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْكِفَايَةِ أَيْضًا، فَقَدْ قَالُوا: النَّاظِرُ عَلَى الْحَبْسِ إِنْ كَانَ سَيِّئَ النَّظَرِ غَيْرَ مَأْمُونٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَعْزِلُهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَالِكًا أَمْرَ نَفْسِهِ وَيَرْضَى بِهِ وَيَسْتَمِرُّ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ:

102- قَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ الْإِسْلَامُ إِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَانَتِ الْجِهَةُ كَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى كَافِرٍ مُعَيَّنٍ جَازَ شَرْطُ النَّظَرِ فِيهِ لِكَافِرٍ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ وَشَرَطَ النَّظَرَ لِأَحَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ.

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ النَّاظِرُ ذِمِّيًّا وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ ذِمِّيًّا وَأَخْرَجَهُ الْقَاضِي لِأَيِّ سَبَبٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ لَا تَعُودُ الْوِلَايَةُ إِلَيْهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قِيَاسُ مَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالنِّكَاحِ صِحَّةُ شَرْطِ ذِمِّيٍّ النَّظَرَ لِذِمِّيٍّ عَدْلٍ فِي دِينِهِ إِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ ذِمِّيًّا لَكِنْ يُرَدُّ بِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي بَابِ الْوَقْفِ، قَالَ الشَّبْرَامَلْسِيُّ: الْقَوْلُ بِالرَّدِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَتَزْوِيجِ الذِّمِّيِّ مُوَلِّيَتَهُ أَنَّ وَلِيَّ النِّكَاحِ فِيهِ وَازِعٌ طَبِيعِيٌّ يَحْمِلُهُ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِينِ مُوَلِّيَتِهِ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ.

وَهُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ، فَفِي الْمَوَّاقِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إِلَيْهِ مُحَبِّسُهُ، قَالَ الْمَتِّيطِيُّ: يَجْعَلُهُ لِمَنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ.

أُجْرَةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ:

الْكَلَامُ عَلَى أُجْرَةِ النَّاظِرِ يَشْمَلُ عِدَّةَ مَسَائِلَ؛ مِثْلَ أَحَقِّيَّتِهِ فِي الْأُجْرَةِ، وَفِي تَقْدِيرِهَا مِنَ الْوَاقِفِ أَوِ الْقَاضِي، وَفِي مِقْدَارِهَا، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أَجْرًا إِذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْوَاقِفُ أَوِ الْقَاضِي أَجْرًا؟ وَهَكَذَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ- أَحَقِّيَّةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ فِي الْأُجْرَةِ:

103- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاظِرَ عَلَى الْوَقْفِ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً نَظِيرَ قِيَامِهِ بِإِدَارَةِ الْوَقْفِ وَالْعِنَايَةِ بِمَصَالِحِهِ.وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- لَمَّا وَقَفَ أَرْضَهُ بِخَيْبَرَ حَيْثُ قَالَ: «لَا بَأْسَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ».

وَمَا فَعَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- حَيْثُ جَعَلَ نَفَقَةَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ وَقَفَهُمْ مَعَ صَدَقَتِهِ لِيَقُومُوا بِعِمَارَتِهَا مِنَ الْغَلَّةِ.

وَبِالْقِيَاسِ عَلَى عَامِلِ الزَّكَاةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ».

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عِنْدَ شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ دَالٌّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ أُجْرَةِ الْعَامِلِ عَلَى الْوَقْفِ، وَمُرَادُ الْعَامِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْقَيِّمُ عَلَى الْأَرْضِ.

ب- تَقْدِيرُ أُجْرَةِ النَّاظِرِ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّهُ النَّاظِرُ مِنَ الْأَجْرِ:

أُجْرَةُ النَّاظِرِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَشْرُوطَةً مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ أَوْ مُقَدَّرَةً مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي.

104- فَإِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ مَشْرُوطَةً مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ فَإِنَّ النَّاظِرَ يَأْخُذُ مَا شَرَطَهُ لَهُ الْوَاقِفُ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ أَجْرِ مِثْلِهِ.وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ بِطَلَبِهِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ أَجْرًا فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ شَرَطَ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً أَيْ عِوَضًا مَعْلُومًا فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لِقَدْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اخْتُصَّ بِهِ وَكَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهُ الْوَقْفُ مِنْ أُمَنَاءَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَكُلْفَةُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوَقْفُ مِنْ نَحْوِ أُمَنَاءَ وَعُمَّالٍ يَكُونُ عَلَى النَّاظِرِ يَصْرِفُهَا مِنَ الزِّيَادَةِ حَتَّى يَبْقَى لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ شَرَطَهُ لَهُ خَالِصًا.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يُحَدِّدُوا شَيْئًا وَتَرَكُوا ذَلِكَ لِتَقْدِيرِ الْوَاقِفِ أَوِ الْقَاضِي.

105- وَإِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ مُقَدَّرَةً مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي بِأَنْ لَمْ يَجْعَلِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَا يُقَدِّرُهُ الْقَاضِي لِلنَّاظِرِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْأَجْرَ الْمُقَدَّرَ مِنَ الْقَاضِي يَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ زَائِدًا عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يُمْنَعْ عَنْهُ الزَّائِدُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُتْرَكُ الْأَمْرُ لِاجْتِهَادِ الْقَاضِي.جَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيلِ: النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إِلَيْهِ مُحَبِّسُهُ، يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَإِنْ غَفَلَ الْمُحَبِّسُ عَنْ جَعْلِ النَّظَرِ لِمَنْ يَثِقُ بِهِ، كَانَ النَّظَرُ فِي الْحَبْسِ لِلْقَاضِي فَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ مَنْ يَرْتَضِيهِ وَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ كِرَاءِ الْوَقْفِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي سَدَادًا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ.

وَقَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ: لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ قَدَّمَهُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْبَاسِ رِزْقًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ شَهْرٍ بِاجْتِهَادِهِ فِي قَدْرٍ ذَلِكَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ، وَفَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يَبْرَأْ إِلاَّ بِإِقْبَاضِهِ لِلْحَاكِمِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَوْ رَفَعَ النَّاظِرُ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَهُوَ كَمَا إِذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ فَرَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي لِيُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً، قَالَهُ الْبَلْقِينِيُّ، قَالَ تِلْمِيذُهُ الْعِرَاقِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مَعَ الْحَاجَةِ إِمَّا قَدْرَ النَّفَقَةِ لَهُ- كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ- أَوِ الْأَقَلَّ مِنْ نَفَقَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ النَّفَقَةِ.

ج- حُكْمُ مَا إِذَا لَمْ يُعَيِّنِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أَجْرًا:

106- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعَيَّنْ لِلنَّاظِرِ أَجْرٌ.

فَقَالَ الرَّمْلِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةً مِثْلَ عَمَلِهِ فِي الْوَقْفِ، فَيَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ أُجْرَةٌ.

وَحَرَّرَ ابْنُ عَابِدِينَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْوَاقِفَ إِنْ عَيَّنَ لَهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَهُ، عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، حَيْثُ لَمْ يَشْرُطْهُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْوَاقِفُ وَعَيَّنَ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةَ مِثْلِهِ جَازَ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ يُمْنَعُ عَنْهُ الزَّائِدُ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، هَذَا إِنْ عَمِلَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَا يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً.وَبِمَثَلِهِ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.

وَإِنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ شَيْئًا يُنْظَرُ: إِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ أَنْ لَا يَعْمَلَ إِلاَّ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، لِأَنَّ الْمَعْهُودَ كَالْمَشْرُوطِ، وَإِلاَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

لَكِنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ نَقَلَ عَنِ الْقُنْيَةِ رَأْيَيْنِ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي مَنْصُوبِ الْقَاضِي إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أُجْرَةً.

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ نَصَبَ قَيِّمًا مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أَجْرًا فَسَعَى فِيهِ سَنَةً فَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَيِّمَ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ أَجْرِ سَعْيِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ لَهُ الْقَاضِي أَوْ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَجْرًا أَوْ لَا، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقِوَامَةَ ظَاهِرًا إِلاَّ بِأَجْرٍ، وَالْمَعْهُودُ كَالْمَشْرُوطِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا لَمْ يَشْرُطِ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ.

وَإِذَا رُفِعَ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُعْطَى مَعَ الْحَاجَةِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ في ف 105.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: آرَاءٌ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِالْمَعْرُوفِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْتَاجًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلْحَاقًا لَهُ بِعَامِلِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ.

الثَّانِي: أَنَّ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ كِفَايَتِهِ، قِيَاسًا عَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْأَجْرَ إِلاَّ إِذَا كَانَ فَقِيرًا كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ لِلنَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ إِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَجْرَ عَمَلِهِ الْحَقُّ فِي أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ عَمَلٍ يُؤَدِّيهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.

فَقَدْ جَاءَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ إِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَخْذِ الْجَارِي عَلَى عَمَلِهِ فَلَهُ جَارِي مِثْلِهِ، وَإِلاَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْقَاضِي يَجْعَلُ لَهُ فِي الْأَحْبَاسِ أُجْرَةً، أَوْ كَمَا يَقُولُ ابْنُ فَتُّوحٍ رِزْقًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ شَهْرٍ بِاجْتِهَادِهِ فِي قَدْرِ ذَلِكَ بِحَسَبِ عَمَلِهِ.

د- الْجِهَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّ مِنْهَا النَّاظِرُ أُجْرَتَهُ:

107- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ غَيْرَ ابْنِ عَتَّابٍ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ النَّاظِرُ مِنْ أَجْرٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَشْرُوطًا مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ أَمْ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي يَكُونُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- حَيْثُ قَالَ: لِوَالِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا.

وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ عَنِ الْمُشَاوِرِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يَكُونُ أَجْرُ النَّاظِرِ إِلاَّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ أَخَذَهَا مِنَ الْأَحْبَاسِ أُخِذَتْ مِنْهُ وَرَجَعَ بِأَجْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْهَا فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، قَالَ الْحَطَّابُ: وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلْوَصَايَا، وَبِمِثْلِ قَوْلِ الْمُشَاوِرِ أَفْتَى ابْنُ وَرْدٍ.

لَكِنَّ الدُّسُوقِيَّ ضَعَّفَ قَوْلَ ابْنِ عَتَّابٍ.

هـ- الْعَمَلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ:

108- الْعَمَلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ هُوَ حِفْظُ الْوَقْفِ وَعِمَارَتُهُ وَإِيجَارُهُ، وَتَحْصِيلُ رَيْعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ مِنْ عِمَارَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَإِعْطَاءٍ مُسْتَحَقٌّ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ.

وَلِلنَّاظِرِ الْأُجْرَةُ مِنْ وَقْتِ نَظَرِهِ فِيهِ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَتِهِ، فَلَا يُسْتَحَقُّ إِلاَّ بِقَدْرِهِ.

قَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَمَتَى فَرَّطَ النَّاظِرُ سَقَطَ مِمَّا لَهُ مِنَ الْمَعْلُومِ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَهُ عَلَى الْوَقْفِ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ، فَيُوَزَّعُ مَا قُدِّرَ لَهُ عَلَى مَا عَمِلَ وَعَلَى مَا لَمْ يَعْمَلْهُ، وَيَسْقُطُ قِسْطُ مَا لَمْ يَعْمَلْهُ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ نَازَعَ أَهْلُ الْوَقْفِ الْقَيِّمَ، وَقَالُوا لِلْحَاكِمِ: إِنَّ الْوَاقِفَ إِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْأَجْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا، لَا يُكَلِّفُهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْوُلَاةُ، وَلَوْ حَلَّتْ بِهِ آفَةٌ يُمْكِنُهُ مَعَهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلاَّ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ جَعَلَ الْوَاقِفُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ يَجُوزُ، فَهَذَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ.

وَلَوْ وَقَفَ أَرْضَهُ عَلَى مَوَالِيهِ ثُمَّ مَاتَ، فَجَعَلَ الْقَاضِي لِلْوَقْفِ قَيِّمًا وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ الْغَلَّةِ، وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْقَيِّمِ، وَأَصْحَابُ الْوَقْفِ يَقْبِضُونَ غَلَّتَهَا مِنْهُ، لَا يَسْتَحِقُّ الْقَيِّمُ عُشْرَ غَلَّتِهَا، لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ إِنَّمَا هُوَ بِطْرِيقِ الْأُجْرَةِ وَلَا أُجْرَةَ بِدُونِ عَمَلٍ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


31-المعجم الغني (إقْطَاعٌ)

إقْطَاعٌ- [قطع]، (مصدر: أقْطَعَ):

1- " إقْطَاعُ الأرْضِ": جَعْلُ غَلَّتِها رِزْقًا.

2- "نِظَامُ الإقْطَاعِ": نِظامٌ سِياسِيٌّ وَاجْتِماعِيٌّ قائِمٌ على تَحَكُّمِ أَصْحابِ الإِقْطاعاتِ عَلَى الأرَاضِي وَاسْتِغِلَالِ الأفْرَادِ الَّذِينَ يَشْتَغِلونَ فِيهَا.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


32-المعجم الغني (إقْطَاعَةٌ)

إقْطَاعَةٌ- الجمع: إقْطَاعَاتٌ. [قطع]: قِطْعَةٌ مِنَ الأرْضِ فِي مِلْكِ الإقْطَاعِيِّ يَتَحَكَّمُ فِيهَا، أَوْ ما كانَ يُقْطَعُ للْجُنْدِ مِنَ الأَراضِي فَتُجْعَلُ لَهُمْ غَلَّتُهَا رِزْقًا.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


33-المعجم الغني (عُصَارَةٌ)

عُصَارَةٌ- الجمع: (عُصَارَاتٌ ). [عصر]:

1- "إِنَّهَا عُصَارَةُ فِكْرِهِ": خُلَاصَتُهُ، زُبْدَتُهُ.

2- "أَخَذَ عُصَارَةَ الأَرْضِ": غَلَّتَهَا.

3- "هُوَ كَرِيمُ العُصَارَةِ": جَوَادٌ كَرِيمٌ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ.

4-: نُفَايَةُ مَا عُصِرَ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


34-المعجم الغني (وَثَّقَ)

وَثَّقَ- [وثق]، (فعل: رباعي. متعدٍّ)، وَثَّقْتُ، أُوَثِّقُ، وَثِّقْ، المصدر: تَوْثِيقٌ.

1- "وَثَّقَ جَارَهُ": أَكَّدَ أَنَّهُ ثِقَةٌ.

2- "وَثَّقَ أَمْرَهُ": أَحْكَمَهُ، دَعَّمَهُ، أَثْبَتَهُ. "وَثَّقَ رُوحَ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُمْ" "تُوَثِّقُ الأَوَاصِرَ وَتُطْفِئَ غُلَّتَهَا فِي التَّوَاصُلِ وَالتَّوَادُدِ". (محمد برادة):

3- "وَثَّقَ العُقُودَ": سَجَّلَهَا حَسَبَ الْمَرَاسِيمِ الإِدَارِيَّةِ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


35-معجم الرائد (اسْتَغَلَّ)

اسْتَغَلَّ اسْتِغْلَالًا:

1- اسْتَغَلَّ الأرض: أخذ غلتها.

2- اسْتَغَلَّهُ: طلب منه الغلة.

3- اسْتَغَلَّ العبد: كلفه أن يعمل ويأتيه بأجره.

4- اسْتَغَلَّهُ: أفاد منه وانتفع بغير حق أو قانون «استغل المستبدون الشعب، استغل البائع الشاري».

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


36-معجم الرائد (اغْتَلَّ)

اغْتَلَّ اغْتِلَالًا:

1- اغْتَلَّ بالطيب: تطيب به.

2- اغْتَلَّ الضيعة: أخذ «غلتها»، أي دخلها وفائدتها.

3- اغْتَلَّ الثوب: لبسه تحت الثياب.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


37-معجم الرائد (إقطاعة)

إقطاعة: قطعة من أرض يقطعها الجند أو غيرهم فتجعل لهم غلتها رزقا.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


38-معجم الرائد (أَقْطَعَ)

أَقْطَعَ إِقْطَاعًا:

1- أَقْطَعَهُ الأرض أو نحوها: جعل له غلتها رزقا.

2- أَقْطَعَهُ نهرا: جاوز به نهرا، جعله يقطعه.

3- أَقْطَعَهُ الأشجار: أذن له في قطعها.

4- أَقْطَعَ عن أهله: انقطع عنهم.

5- أَقْطَعَ ماء البئر: ذهب، جف.

6- أَقْطَعَتِ السماء بالمكان: إنقطع المطر فيه.

7- أَقْطَعَ: إنقطع عنه المطر.

8- أَقْطَعَتِ الدجاجة: انقطع بيضها.

9- أَقْطَعَ: إنقطعت حجته وعنف فلم يجب.

10- أَقْطَعَهُ بالحجة: غلبه بها، أقنعه.

11- أَقْطَعَهُ الشيء: انقطع عنه.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


39-معجم الرائد (سَاقَى)

سَاقَى مُسَاقَاةً:

1- سَاقَاهُ شيئا.

سقاه إياه.

2- سَاقَاهُ: سقى كل منهما الآخر.

3- سَاقَاهُ مزروعاته أو فيها: استعمله فيها ليسقيها ويقوم بإصلاحها على أن يكون له نصيب معلوم من غلتها.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


40-الأفعال المتداولة (سَاقَى مُسَاقَاةً [إيّاه أو فيه])

سَاقَاهُ مُسَاقَاةً [إيّاه أو فيه]: سَاقَى زيدٌ سعدًا أرضَهُ أو في أرضه. (استعمله فيها ليقوم بزراعتها على أن يكون له نصيب من غلّتها)

الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م


41-الأفعال المتداولة (اسْتَغَلَّ)

اسْتَغَلَّهُ: اسْتَغَلَ الفلّاحُ مَزْرَعَتَهُ. (أخذ غَلَّتَهَا)

الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م


42-تاج العروس (نشح)

[نشح]: نَشَحَ الشّاربُ، كمنَعَ، يَنشَح نَشْحًا، بفتح وسكون، ونُشْوحًا، بالضّمّ وانتَشَحَ، إِذا شَرِبَ شُرْبًا قليلًا دُونَ الرِّيِّ، قال ذو الرُّمّة:

فانْصاعتِ الحُقْبُ لم يُقْصَعْ ضَرائرُها *** وقد نَشَحْنَ فلا رِيُّ ولا هِيمُ

أَو نَشَح، إِذا شَربَ حَتَّى امْتَلأَ، فهو ضدُّ. ونَشَحَ بَعِيرَه: سقاه ماءً قليلًا، ونشَحَ الخَيْلَ: سقاها ما يِفْثَأُ؛ أَي يكسر غُلَّتَها، قال الأَزهريّ: وسمعْتُ أَعرابِيًّا يقول لأَصحابه: أَلَا وانْشَحُوا خَيلَكم نَشْحًا؛ أَي اسقُوهَا سَقْيًا يَفْثَأُ غُلَّتَها وإِنْ لم يُرْوِهَا. قال الرّاعِي يذكر ماءً ورَدَه:

نَشَحْتُ بها عَنْسًا تَجَافَى أَظَلُّهَا *** عن الأُكْمِ إِلَّا ما وَقَتْهَا السَّرَائحُ

والنَّشُوحُ كَصَبور: الماءُ القليلُ وأَنشد الجوهريُّ:

حتّى إِذا ما غَيَّبَتْ نَشُوحَا

وهو قولُ أَبي النَّجْم يَصف الحَمُر، ومعناه: أَي أَدْخَلَت أَجْوَافَهَا شرَابًا غيّبَتْه فيه.

والنُّشُحُ، بضمّتَيْن: السُّكَارَى، قال شيخُنَا يُنظرُ ما مُفْرَدُه، أَو لا مُفرَدَ له.

قلت: الذي يظهر أَنّ مفرَدَه نَشُوحٌ، لما عُرِف مما تقدّم من معنى قولِ أَبِي النَّجم.

وسِقَاءٌ نَشَّاحٌ، ككَتَّانٍ؛ أَي رَشَّاحٌ مُمْتلي‌ءٌ نَضَّاحٌ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

النَّشْحُ العَرَق، عن كُراع.

ونَشَحْتُ المالَ جُهْدِي: أَقْلَلْتُ الأَخذَ منه، وقد وَرد ذلك في حديث أَبي بكْرٍ رضي ‌الله‌ عنه.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


43-تاج العروس (سبل)

[سبل]: السَّبيلُ والسَّبيلَةُ، وهذه عن ابنِ عَبَّادٍ، الطَّريقُ وما وَضَحَ منه، زَادَ الرَّاغِبُ: الذي فيه سُهولَةٌ، يذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، والتَّأْنِيثُ أَكْثَرُ، قالَهُ ابنُ الأَثيرِ، شاهِدُ التَّذْكِيرِ قَوْلُه تعالَى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}، وشاهِدُ التَّأْنِيثِ: {قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ}، عَبَّرَ به عن المحجَّةِ الجمع: سُبُل ككُتُبٍ؛ قالَ الله تعالَى: {وَأَنْهارًا وَسُبُلًا}.

وقَوْلُه تعالَى: {وَ} عَلَى اللهِ قَصْدُ {السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ} فَسَرَّه ثَعْلَب فقالَ: على الله أَنْ يَقْصِدَ السَّبيلَ للمُسْلِمِين، {وَمِنْها جائِرٌ} أي ومن الطُّرُق جائرٌ على غَيْرِ السَّبيلِ فيَنْبَغِي أَنْ يكونَ السَّبيلَ هنا اسمُ جِنْسٍ لا سَبيلًا واحِدًا بعَيْنِه لقولِهِ وَمِنْها جائِرٌ أي ومنها سَبيلٌ جائِرٌ.

وقَوْلُه تعالَى: {وَ} أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ {اللهِ}؛ أَي في الجِهادِ وكلِّ ما أَمرَ الله به من الخَيْرِ فهو من سَبيلِ الله، واسْتِعْمالُهُ في الجِهادِ أَكْثَرُ لأَنَّه السَّبيلُ الذي يُقاتَلُ فيه على عَقْدِ الدِّين، وقَوْلُه {فِي سَبِيلِ اللهِ} أُرِيدَ به الذي يُريدُ الغَزْوَ ولا يجدُ ما يُبَلِّغُه مَغْزاه، فيُعْطى من سَهْمه، وكُلُّ سَبيلٍ أُرِيدَ به الله، عَزَّ وجَلَّ، وهو بِرٌّ دَاخلٌ في سَبيلِ الله، وإذا حَبَّس الرَّجلُ عُقْدةً له وسَبَّل ثَمَرَها أَو غَلَّتها فإنَّه يُسْلَك بما سَبَّل سَبيلُ الخَيْرِ يُعْطى منه ابنُ السَّبيلِ والفقيرُ والمجاهِدُ وغيرُهم.

وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: وسَبيلُ الله عامٌّ يقَعُ على كلِّ عملٍ خالصٍ سُلِكَ به طَرِيقُ التقرُّبِ إلى الله، عزّ وجلّ، بأَداءِ الفَرَائِضِ والنَّوافِلِ وأَنْواعِ التَّطَوُّعات، وإذا أُطْلِق فهو في الغالِبِ واقِعٌ على الجِهادِ حتى صَارَ لكَثْرَةِ الاسْتِعْمالِ كأَنَّه مَقْصورٌ عليه.

وأَمَّا ابنُ السَّبيلِ: فهو ابنُ الطَّريقِ أي المسافِرُ الكَثِيرُ السَّفَرِ، سُمِّي ابْنًا لها لمُلازَمَته إيّاها، قالَهُ ابنُ الأَثِيرِ.

وقالَ الرَّاغِبُ: هو المسافِرُ البَعيدُ عن مَنْزِلِهِ نُسِبَ إلى السَّبيلِ لمُمَارَسَتِه إيّاه.

وقالَ ابنُ سِيْدَه: تَأْوِيلُه الذي قُطِعَ عليه الطَّريقُ. زَادَ غيرُه: وهو يُريدُ الرُّجوعَ إلى بلدِهِ ولا يجدُ ما يَتَبَلَّغ به؛ وقيلَ: هو الذي يُريدُ البَلدَ غَيْر بلدِهِ لأَمْرٍ يلْزَمُه.

وقالَ ابنُ عَرَفة: هو الضَّيفُ المُنْقَطِعُ به يُعْطَى قَدْرَ ما يُتَبَلَّغُ به إلى وَطَنِه.

وقالَ ابنُ بَرِّي: هو الذي أَتَى به الطَّريقُ، قالَ الرَّاعِي:

على أَكْوارِهِنَّ بَنُو سَبِيلٍ *** قَلِيلٌ نَوْمُهُم إلَّا غِرَارا

وقالَ آخَر:

ومَنْسوب إِلى مَنْ لم يَلِدْه *** كَذَاك الله نَزَّل في الكِتابِ

والسَّابِلَةُ من الطُّرُقِ، قالَ بعضُهم: ولو قالَ من السُّبُلِ لوافَقَ اللَّفْظ والاشْتِقَاق، المَسْلوكَةُ، يقالُ: سَبِيلٌ سابِلَةٌ أي مَسْبولَةٌ.

والسَّابِلَةُ أَيْضًا: القومُ المُخْتَلِفَةُ عليها في حوائِجِهم جَمْعُ سَابِل وهو السَّالِكُ على السَّبيلِ ويُجْمَعُ أَيْضًا على السَّوابِلِ.

وأَسْبَلَتِ الطَّريقُ: كَثُرَتْ سابِلَتُها أَي أَبْناؤُها المُخْتَلِفُون إليها.

وأَسْبَلَ الإِزَارُ: أَرْخَاه، ومنه الحدِيثُ: «نَهَى عن إِسْبالِ الإِزَارِ، وقالَ: إنَّ الله لا يَنْظُر إلى مسْبِلٍ إزَارَه».

وفي حدِيثٍ آخَرَ: «ثلاثَةٌ {لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ} و {لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} و {لا يُزَكِّيهِمْ}، فذَكَرَ: المُسْبِلُ والمَنَّان والمُنْفِق سِلْعَته بالحَلِفِ الكاذِب»؛ قالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ وغَيْرِه: المُسْبِلُ الذي يُطَوِّلُ ثَوْبَه ويُرْسِلُه إلى الأَرْضِ إذا مَشَى وإنَّما يَفْعلُ ذلِكَ كِبْرًا واخْتيالًا.

ومِنَ المجازِ: وقَفَ على الدَّارِ فأْسْبَلَ دَمْعَه أَي أَرْسَلَه ويُسْتَعْملُ أَيْضًا لازِمًا، يقالُ: أَسْبَلَ دَمْعُهُ أَي هَطَلَ.

وأَسْبَلَتِ السَّماءُ: أَمْطَرَتْ وأَرْخَتْ عثانِيْنَها إلى الأَرْضِ.

وفي الأَسَاسِ: أَسْبَلَ المَطَرُ: أَرْسَلَ دَفْعَه وتَكَاثَفَ كأَنَّما أَسبلَ سِتْرًا وهو مجازٌ.

والسَّبولَةُ، بالفتحِ، ويُضَمُّ والسَّبَلَةُ، محرَّكةً، والسُّنْبُلَةُ، بالضمِّ، كقُنْفُذَةٍ، الزَّرْعَةُ المائِلَةُ، الأُوْلَى لُغَةُ بنِي هميان، نَقَلَه السهيليُّ في الرَّوْضِ، والأَخِيرَةُ لُغَةُ بنِي تَمِيْمٍ.

وقالَ اللَّيْثُ: السَّبولَةُ هي سُنْبُلَةُ الذُّرَةِ والأَرُزِّ ونَحْوِه إذا مالَتْ.

ومِنَ المجازِ: السَّبَلُ: محرَّكةً، المَطَرُ المُسْبِلُ، يقالُ: وَقَعَ السَّبَلُ، قالَ لَبِيدٌ رَضِيَ الله تعالى عنه:

راسِخُ الدِّمْنِ على أَعْضَادِهِ *** ثَلَمتْهُ كلُّ رِيحٍ وسَبَلْ

وقالَ أَبُو زَيْدٍ: أَسْبَلتِ السَّماءُ إسْبِالًا، والاسمُ السَّبَلُ، وهو المَطَرُ بَيْن السَّحابِ والأَرْضِ حِيْن يَخْرُجُ من السَّحابِ ولم يَصِلْ إلى الأَرْضِ.

والسَّبَلُ: الأَنْفُ، يقالُ: أَرْغَمَ الله سَبَلَه والجَمْعُ سِبالٌ كما في المُحِيطِ.

والسَّبَلُ: السَّبُّ والشَّتْمُ، يقالُ: بَيْنِي وبَيْنه سُبَلٌ كما في المُحِيطِ. ولا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَه: والشَّتْمُ زِيادَةٌ لأَنَّ المَعْنَى قد تَمَّ عنْدَ قَوْلِه: السَّبّ.

والسَّبَلُ: السُّنْبُلُ لُغَةُ الحجازِ ومِصْرَ قاطِبَةً، وقيلَ: هو ما انْبَسَطَ من شُعَاعِ السُّنْبلِ، وقيلَ: أَطْرافُه.

والسَّبَلُ: دَاءٌ يُصِيبُ في العَيْنِ؛ قيلَ: هو غِشاوَةُ العَيْنِ أَو شِبْه غِشَاوَةٍ كأَنَّها نَسْجُ العَنْكبوتِ كما في العُبَابِ؛ زَادَ الجَوْهَرِيُّ: بعُرُوقٍ حُمْرٍ.

وقالَ الرّئيسُ: من انْتِفاخِ عُرُوقِها الظَّاهِرَةِ في سَطْحِ المُلْتَحِمَةِ إحْدَى طَبَقاتِ العَيْنِ.

وقيلَ: هو ظُهورُ إِنْتِسَاجِ شي‌ءٍ فيما بَيْنهما كالدُّخانِ وتَفْضيله في التَّذْكِرَةِ.

والسَّبَلَةُ: محرَّكةً، الدَّائِرَةُ في وَسَطِ الشَّفَةِ العُلْيا، أَو ما على الشارِبِ من الشَّعَرِ، ومنه قَوْلُهم: طالَتْ سَبَلَتُك فقصَّها، وهو مجازٌ؛ أَو طَرَفَةُ أَو مُجْتَمَعُ الشَّارِبَيْنِ أَو ما على الذَّقَنِ إِلى طَرَفِ اللِّحْيَةِ كُلِّها أَو مُقَدَّمُها خاصَّةً، هكذا في سائِرِ النسخِ، وفي العبَارَةِ سَقْطٌ؛ فإِنَّ نَصَّ المُحْكَمِ: إِلى طَرَفِ اللحْيَةِ خاصَّةً؛ وقيلَ: هي اللحْيَةُ كُلُّها بأَسْرِها، عن ثَعْلَب. وأَمَّا قَوْلُه: أَو مُقَدَّمُها فإِنَّه من نَصِّ الأَزْهَرِيِّ، قالَ: والسَّبَلَةُ عنْدَ العَرَبِ مُقَدَّم اللحْيَةِ وما أَسْبَل منها على الصَّدْرِ فتأَمَّلْ ذلِكَ. وعلى هذا تكونُ الأَقْوالُ سَبْعَة.

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: من العَرَبِ من يَجْعَلُ السَّبَلَة طَرَف اللحْيَةِ، ومنهم من يَجْعَلُها ما أَسْبَل من شَعَرِ الشارِبِ في اللحْيَةِ. وفي الحدِيثِ: «إِنَّه كانَ وافِرَ السَّبَلةِ».

قال الأَزْهَرِيُّ: يَعْنِي الشَّعَرات التي تحتَ اللَّحْي الأَسْفلِ.

وقَالَ أَبُو زَيْدٍ: السَّبَلَةُ ما ظَهَرَ من مُقَدَّمِ اللحْيَةِ بعد العارِضَيْن، والعُثْنُون ما بَطَن. وقالَ الجَوْهَرِيُّ: السَّبَلَةُ: الشَّارِبُ، الجمع: سِبَالٌ، قالَ الشمَّاخُ:

وجاءَتْ سُلَيْمٌ قَضُّها بقَضِيضِها *** تُنَشِّرُ حَوْلِي بالبَقِيعِ سِبَالَها

وسَبَلَةُ البَعيرِ: نَحْرُه، أَو ما سَالَ من وبَرِ البَعِيرِ في مَنْحَرِهِ.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ: السَّبَلَةُ: المَنْحَرُ من البَعيرِ وهي التَّريْبَةُ وفيه ثُغْرة النَّحْر. يقالُ: وَجَأَ بشَفْرَته في سَبَلتِها أَي في مَنْحَرِها.

وجَرَّ سَبَلَتَه أَي ثيابَهُ جَمْعُه سَبَلٌ وهي الثِّيابُ المُسْبَلَةُ كالرَّسَلِ والنَّشَر في المُرْسَلةِ والمَنْشُورَةِ.

وذو السَّبَلَةِ: خالدُ بنُ عَوْفِ بنِ نَضْلَةَ بنِ مُعَاويَة بنِ الحَارِثِ بنِ رَافعِ بنِ عَبْدِ عَوْفِ بنِ عتبَةَ بنِ الحارِثِ بنِ رعلِ بنِ عامِرِ بنِ حَرْبِ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ سليمِ بنِ فَهْمِ بنِ غنْمِ بنِ دَوْسٍ الدّوسِيُّ من رُؤَسائِهم.

ويُقالُ: بَعيرٌ حَسَنُ السَّبَلَةِ أَي رِقَّةِ جِلْدِهِ، هكذا نَصُّ العُبَابِ.

وفي التَّهْذِيبِ: يقالُ إِنَّ بَعيرَك لحَسَن السَّبَلَةِ، يُريدُون رِقَّةَ خَدّهِ.

قلْتُ: ولعلَّ هذا هو الصَّوابُ.

ويقالُ: كتَبَ في سَبَلَةِ النَّاقَةِ إِذا طَعَنَ في ثُغْرَةِ نَحْرِها ليَنْحَرَها، كما في العُبَابِ.

ونَصّ الأَزْهَرِيِّ: سَمِعْتُ أَعْرابيًّا يقولُ: لَتَمَ، بالتاءِ، في سَبَلَة بَعيرِه إِذا نَحَرَهُ فطَعَنَ في نَحْرِه كأَنَّها شَعَراتٌ تكونُ في المَنْحَرِ.

ومن المجازِ: جَاءَ فلانٌ وقد نَشَرَ سَبَلَتَه أَي جَاءَ مُتَوَعِّدًا، وشاهِدُه قَوْل الشَّمَّاخِ المُتقدِّمِ قَريبًا.

ومن المَجَازِ: يقالُ: رجُلٌ سَبَلانِيٌّ، محرَّكَةً ومُسْبِلٌ، كمُحْسِنٍ ومُكْرَمٍ ومُحَدِّثٍ ومُعَظَّمٍ وأَحمدَ؛ الأُوْلَى والثانِيَة والأَخِيرَةُ عن ابنِ دُرَيْدٍ، والرابِعَةُ والخامِسَةُ عن ابنِ عَبَّادٍ، طَويلُ السَّبَلَةِ أَي اللّحْيَةِ.

وقد سُبِّل تَسْبيلًا كأَنَّه أُعْطِيَ سَبَلَة طَوِيلَة.

وعَيْنٌ سَبْلاءُ: طَوِيلَةُ الهُدْبِ، وأَمَّا قَوْلُهم: عَيْنٌ مُسْبَلَة لُغَةٌ عامِيَّةٌ.

ومن المَجَازِ: مَلَأَهَا أَي الكَأْس، وإِنَّما أَعَادَ الضَّمير إِليها مَعَ أَنَّه لم يكنْ سَبَقَ ذِكْرها على حَدِّ قَوْلِه تعالَى: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} إِلى أَسْبَالِها أي حُروفِها، كقولِكَ إِلى أَصْبارِها، واحِدُها سَبَلَة محرَّكةً، يقالُ: مَلَأَ الإِنَاءَ إِلى سَبَلَتِه أَي إِلى رَأْسِه.

وأَسْبالُ الدِّلاءِ: شِفاهُها، قالَ باعثُ بنُ صُرَيْم اليَشْكُرِي:

إِذا أَرْسَلُوني مائحًا بدِلائِهِم *** فَمَلأتُها عَلَقًا إِلى أَسْبالِها

يقولُ: بعَثُوني طالبًا لتِراتِهم فأَكْثَرْت من القَتْلِ، والعَلَقُ: الدَّمُّ.

ومن المجازِ: المُسْبِلُ: كمُحْسِنٍ، الذَّكَرُ لارْتِخَائِه.

والمُسْبِل أَيْضًا: الضَّبُّ.

وأَيْضًا: السَّادِسُ أَو الخامِسُ من قِداحِ المَيْسِرِ الأَوَّلُ قَوْل اللَّحْيَاني وهو المُصْفَح أَيْضًا، وفيه سِتَّة فُرُوض، وله غُنْم سِتَّة أَنْصِباء إِنْ فَازَ، وعليه غُرْم سِتَّة أَنْصِباء إِن لم يَفُزْ، والجَمْعُ المَسَابِلُ.

ومُسْبِلٌ: اسمٌ من أَسْمَاءِ ذي الحِجَّةِ عادِيَّة.

والمُسَبَّلُ: كمُعَظَّمٍ، الشَّيخُ السَّمِجُ كأَنَّه لطولِ لَحْيَتِه.

وخُصْيَةٌ سَبِلَةٌ: كفَرِحَةٍ، طويلَةٌ مُسْترخيةٌ.

وبَنُو سَبالَةَ: قبيلةٌ، ظاهِرُ إِطلاقِهِ يَقْتَضي أَنَّه الفتحِ؛ وابنُ دُرَيْدٍ ضَبَطَه بالضمِ كما في العُبَابِ؛ وقالَ الحافِظُ في التَّبْصيرِ: وفي الأَزْدِ سِبَالَة ككِتَابَةٍ منهم عَبْدُ الجبَّارِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمن وَالي خَرَاسَان للمَنْصورِ، وحُمْران السِّبَاليُّ الذي يقولُ فيه الشاعِرُ:

متى كان حمرانُ السّباليّ راعيًا *** وقد رَاعَهُ بالدوّ أَسود سالحِ

فتأَمَّلْ ذَلِكَ.

والسُّبْلَةُ: بالضمِ، المَطَرَةُ الواسِعَةُ، عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ.

وإِسْبِيلٌ: كإِزْمِيلٍ د، وقيلَ: اسمُ أَرْضٍ، قالَ النَّمِرُ بنُ تَوْلبٍ، رَضِيَ الله تعالَى عنه:

بإِسْبِيلَ أَلْقَتْ به أُمُّه *** على رأْسِ ذي حُبُكٍ أَيْهَما

وقالَ خَلَفُ الأَحْمر:

لا أَرْضَ إِلَّا إِسْبِيل *** وكلُّ أَرْضٍ تَضْلِيل

وقالَ ياقُوتُ: إِسْبِيلُ حصْنٌ بأَقْصَى اليَمَنِ، وقيلَ: حصْنٌ وَرَاء البَحْرِ، قالَ الشاعِرُ يَصِفُ حِمَارًا وَحْشِيًا:

باسبيل كان بها بُرْهَةً *** من الدهر لا نبحته الكلابُ

وهذا صِفَةُ جَبَلٍ لا حصْنٍ.

وقالَ ابنُ الدمينة: إِسْبِيل جَبَلٌ في مِخْلاف ذِمَار، وهو مُنْقَسِم بنِصْفَيْن نِصْفُه إِلى مِخْلاف رَدَاع، ونِصْفه إِلى بلدِ عَنْس، وبَيْن إِسْبِيل وذِمَار أَكَمَةٌ سَوْدَاء بها حمَّة تُسَمَّى حمَّام سُلَيْمن، والناسُ يَسْتَشْفُون به من الأَوْصَابِ والجَرَبِ وغيرِ ذلِكَ، قالَ محمدُ بنُ عبدِ الله النميريُّ ثم الثَّقَفِيُّ:

إِلى أن بدا لي حصن اسبيل طالعا *** واسبيل حصن لم تنله الأصابع

وبمَا قُلْنا ظَهَرَ قصُورُ المصنِّفِ في سِيَاقِه.

والسَّبَالُ: ككِتابٍ موضع بَيْن البَصْرَةِ والمدينةِ على سَاكِنِها أَفْضَلُ الصَّلاة والسَّلامِ، يقالُ له سِبَالُ أُثَالٍ قالَهُ نَصْر.

وسَبَلٌ: كَجَبَلٍ، موضع قُرْبَ اليَمامِةِ ببِلادِ الرَّبَاب، قالَهُ نَصْر.

وسَبَلُ: اسمُ فَرَسٍ قَدِيمة من خَيْلِ العَرَبِ، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ وأَنْشَدَ:

هو الجَوَادُ بنُ الجَوَاد بنُ سَبَل *** إِن دَيَّمُوا جادَ وإِنْ جادُوا وَبَل

وقالَ الجَوْهَرِيُّ: اسمُ فَرَسٍ نَجِيبٍ في العَرَبِ؛ قالَ الأَصْمَعِيُّ: هي أُمُّ أَعْوَج كانَتْ لِغَنِيٍّ، وأَعْوَجُ لبَنِي آكِلِ المُرَارِ، ثم صارَ لبَنِي هِلالٍ، وأَنْشَدَ هو الجَوَاد، الخ.

وقالَ غيرُه: هي أُمُّ أَعْوَج الأَكْبَر لبَنِي جعدَةَ، قالَ النابِغَةُ الجعْدِيُّ، رَضِيَ الله تعالَى عنه:

وعناجيج جيادٍ نُجُبٍ *** نَجُل فيّاضٍ ومن آلِ سَبَلْ

قلْتُ: وقَرَأْت في أَنْسابِ الخَيْلِ لابنِ الكَلْبي أَنَّ أَعْوَجَ أَوَّل من نتجه بَنُو هِلالٍ وأُمُّه سَبَل بِنْتُ فياضٍ، كانَتْ لبَنِي جعْدَةَ وأُمُّ سَبَل القاميةِ، انْتَهَى.

وأَغْرَبَ ابنُ بَرِّي حيْثُ قالَ: الشِّعْرُ لجَهْم بنِ سَبَل يعْنِي قَوْلَه: هو الجَوَادُ بنُ الجَواد، الخ.

قالَ أَبُو زِيَادٍ الكِلَابيّ: وهو من بَنِي كَعْبِ بنِ بَكْرٍ وكانَ شاعرًا لم يُسْمَعْ في الجاهِلِيّةِ والإسْلامِ من بَنِي بَكْرٍ أَشْعَر منه، قالَ: وقد أَدْركْته يُرْعَد رَأْسَه وهو يقولُ:

أَنا الجَوَادُ بنُ الجَوَاد بنُ سَبَل *** إن ديَّمُوا جادَ وإنْ جادُوا وَبَلْ

قالَ ابنُ بَرِّي: فثَبَتَ بهذا أَنَّ سَبَلَ اسمُ رجُلٍ وليسَ باسمِ فَرَسٍ كما ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ، فتأمَّل ذلِكَ.

وسَبَلُ بنُ العَجْلانِ صحابيٌّ طائِفِيُّ، ووالدُ هُبَيْرَةَ المُحَدِّثِ، هكذا في سائِرِ النسخِ وهو خَطَأٌ فاحِشٌ، فإنَّ الصَّحابيَّ إِنَّما هو هُبَيْرَةَ بنُ سَبَلٍ الذي جَعَلَه مُحَدِّثًا؛ ففي التَّبْصِيرِ: سَبَل بنُ العَجْلانِ الطائِفِيّ. لابْنه هُبَيْرَةَ صُحْبَةَ. وقَالَ ابنُ فَهْدٍ في مُعْجمهِ: هُبيْرَةُ بنُ سَبَلِ بنِ العَجْلانِ الثَّقفِيُّ وَلِي مَكَّة قُبَيْل عَتَاب بنِ أَسِيدٍ أَيامًا، ولم يَذْكُر أَحَدٌ سَبَلًا والِدَه في الصَّحابَةِ، فتَنَبَّه لذلِكَ.

أَو هو بالشِّينِ المعْجَمَةِ، وهو قَوْلُ الدَّارقطْنِيّ قالَه الحافِظُ.

وذو السَّبَلِ بنُ حَدَقَةَ بنِ بَطَّةَ؛ هكذا في النسخِ، والصَّوابُ: مظة بنُ سلْهَم بنِ الحَكَمِ بنِ سَعْدِ العَشِيْرَةِ.

ويقالُ: سَبَلٌ من رِماحٍ أي طائفةٌ منها قليلةٌ أو كثيرةٌ، قالَ مَجْمَعُ بنُ هلالِ البَكْريُّ:

وخَيْل كأسْرابِ القَطَا قد وَزّعْتُها *** لها سَبَلٌ فيه المنِيَّةُ تَلْمَعُ

يعْنِي به الرُّمْح.

وسَبْلَلٌ: كجَعْفَرٍ ع. وقالَ السُّكَّرِيُّ. بلَدٌ، قالَ صَخْر الغَيِّ يَرْثي ابْنَه تلِيدًا.

وما إنْ صَوْتُ نائحةٍ بلَيْلٍ *** بسَبْلَلَ لا تَنامُ مع الهُجُودِ

جَعَلَه اسمًا للقبيلة وتَرَكَ صَرْفَه.

وسَبَّلَهُ تَسْبيلًا: أَبَاحَهُ وجَعَلَه في سَبيلِ الله تعالَى، كأَنَّه جَعَلَ إليه طَرِيقًا مَطْروقَةً، ومنه حدِيثُ وَقْف عُمَرَ، رَضِيَ الله تعالَى عنه: «احْبِسْ أَصْلها وسَبِّل ثَمَرَتَها»؛ أَي اجْعَلْها وَقْفًا وأَبِحْ ثَمَرَتَها لمن وقَفْتها عليه.

وذو السِّبالِ: ككِتابٍ، سعدُ بنُ صُفَيْحِ بنِ الحَارِثِ بنِ سابى بنِ أَبي صعبِ بنِ هنيَّةَ بنِ سَعْدِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ سُلَيْمِ بنِ فهْم بنِ غنْمِ بنِ دَوْسٍ خالُ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه، وهو الذي كانَ آلَ أَنْ لا يَأْخذَ أَحَدًا من قُرَيْش إلَّا قَتَلَه بأَبي الأُزَيْهرِ الدُّوْسِيّ ذَكَرَه ابنُ الكَلْبِي.

والسَّبَّالُ بنُ طَيْشَةَ: كشَدَّادٍ، جَدُّ والِدِ ازْداد بنِ جَميلِ بنِ موسى المُحَدِّثِ، رَوَى عن إِسْرائيل بنُ يُونسَ ومالِكٍ، وطالَ عمَرُه فلَقِيَهُ ابنُ ناجِيَةَ، قالَ الحافِظُ: وضَبَطَه ابنُ السمْعَانيِّ بياءٍ تَحْتيةٍ وتَبِعَهُ ابنُ الأَثيرِ، وتَعَقَّبَه الرضيّ الشاطِبيّ فأَصَابَ.

قلْتُ: وممَّنْ رَوَى عن أَزْدادٍ هذا أَيْضًا عُمَرُ بنُ أَيُّوب السقْطيُّ وابنُ ناجِيَةَ الذي ذَكَرَه هو عبْدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ ناجِيَةَ.

وسَلْسَبِيلُ: عَيْنٌ في الجنةِ، قالَ الله تعالَى: {عَيْنًا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلًا} قالَ الأَخْفَشُ: مَعْرَفَةٌ ولكنْ لمّا كانَتْ رَأْسَ آيةٍ وكانَ مَفْتوحًا زِيْدَتِ الألِفُ في الآيَةِ للإزْدِواجِ، كقَوْلِه تعالَى: {كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا} وسَيَأتي قَرِيبًا.

وبنُو سُبَيْلَةَ بن الهونِ كجُهَيْنَةَ قَبيلةٌ من العَرَبِ، عن ابنِ دُرَيْدٍ، قالَ الحافِظُ: في قضَاعَة، ومنهم وعلة بن عبدِ الله بنِ الحَارِثِ بنِ بلغِ بنِ هُبَيْرَةَ بنِ سُبَيْلَةَ فارس.

وسَبَلانُ: محرَّكةً، جَبَلٌ، بأَذْرْبِيْجان مُشْرِفٌ على أَرْدَبِيل وهو من مَعَالم الصالحين والأَماكِنِ التي تُزَارُ ويُتَبَرَّكُ بها.

وسَبَلانُ: لَقَبُ المُحَدِّثِينَ منهم: سالِمُ أَبُو عبدِ الله مولى مالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحدثان النضْرِيّ يَرْوِي عن أَبي هُرَيْرَةَ وعائِشَةَ، وعنه سَعِيدُ المقْبَريّ ونعيمُ المجمر وبُكَيْرُ بنُ الأَشَجِّ؛ وأَيْضًا لَقَبُ إبْراهيمَ بنِ زِيادٍ عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ تكلم فيه؛ وأَيْضًا لَقَبُ خالِدِ بنِ عبدِ الله بنِ الفَرَجِ.

وقَوْلُه: وأَبي عبدِ الله شَيْخِ خالِدِ بنِ دِهْقَانَ، هكذا في سائِرِ النسخِ، والصَّوابُ: سُقُوطُ الواوِ، وأَبُو عبدِ الله كنْيَة خالِدٍ وهو بعَيْنِه شَيْخ خالِدِ بنِ دِهْقانَ كما حقَّقَهُ الحافِظُ وغيرُهُ فتنبَّهْ لذلِكَ.

ومن المجازِ: يقالُ: أَسْبَلَ عليه إذا أَكْثَرَ كَلامَهُ عليه كما يُسْبِلُ المَطَرُ، كما في الأَسَاسِ.

وأَسْبَلَ الدَّمْعُ والمَطَرُ أَي هَطَلَا، وتقدَّمَ أَسْبَلَ الدَّمْعَ صَبَّه متعدِّيًا، ووُجِدَ في النسخِ بعْدَ هذا ما نَصّه: والسَّماءُ أَمْطَرتْ؛ وإِزارَهُ أَرْخاهُ وفيه تِكْرارٌ يُتَنَبَّهُ لذلِكَ.

وأَسْبَلَ الزَّرْعُ: خَرَجَتْ سُبولَتُه، هذا على قِياسِ لُغَةِ بَنِي هميان؛ فانَّهُم يُسَمّون السّنْبل سُبُولًا، وكذا على لُغَةِ الحجازِ فإنَّهم يقُولُون أَيْضًا: أَسْبَلَ الزَّرْع من السُّنْبُلِ، كما يقُولُون أَحْظَلَ المَكَانُ من الحَنْظَلِ، وأَمَّا على قياسِ لُغَةِ بَنِي تميم فيقالُ: سَنْبَل الزَّرْعُ، نَبَّه على ذلِكَ السهيليُّ في الرَّوْضِ وسَيَأْتي للمصنِّفِ شي‌ءٌ من ذلِكَ في «س ن ب ل».

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

يُجْمَعُ السَّبِيلُ على أَسْبُلٍ: وهو جَمْعُ قلَّةٍ للسَّبِيلِ إذا أُنِّثَتْ، ومنه حدِيثُ سَمُرة: «فإذا الأَرْضُ عنْدَ أَسْبُله» أَي طُرُقه، وإذا ذُكِّرَتْ فجَمْعُها أَسْبِلَة.

وامْرَأَةٌ مسْبِلٌ: أَسْبَلَتْ ذَيْلَها.

وأَسْبَلَ الفَرَسُ ذَنَبَه: أَرْسَلَه.

والسَّبَلُ: محرَّكةً، ثيابٌ تُتَّخَذُ من مُشاقَّةِ الكَتَّان أَغْلَظُ ما تكونُ؛ ومنه حدِيثُ الحَسَنِ: «دَخَلْت على الحجَّاجِ وعليه ثِيابٌ سَبَلَةٌ».

والسَّبِيلُ: الوُصْلَةُ والسَّبَبُ، وبه فسِّرَ قَوْلُه تعالَى: {يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}؛ أَي سَبَبًا ووُصْلة؛ وأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لجرِيرٍ:

أَفبَعْدَ مَقْتَلِكُم خَلِيلَ مُحَمَّدٍ *** تَرْجُو القُيونُ مع الرَّسُولُ سَبِيلا؟

أَي سَببًا ووُصْلَةً.

وغَيْثٌ سابِلٌ: هاطِلٌ غَزِيرٌ.

وحَكَى اللّحْيانيُّ: أَنَّه لَذُو سَبَلاتٍ، وهو من الواحِدِ الذي فُرِّقَ فَجُعِلَ كلُّ جزءٍ منه سَبَلَة، ثم جُمِعَ على هذا كما قالوا للبَعيرِ: ذُو عثَانِين كأَنَّهم جَعَلوا كلَّ جزءٍ منه عُثْنُونًا.

ويقالُ للأَعْداءِ: هم صُهْبُ السِّبال قالَ:

فظِلالُ السيوف شَيَّبْنَ رأْسِي *** واعْتِناقي في القَوْمِ صُهْبَ السَّبال

وفي حدِيثِ ذِي الثُّدَيَّة: «عليه شُعَيْراتٌ مِثْل سَبَالة السِّنَّوْر».

وامْرَأَةٌ سَبْلاءُ على شارِبَيْها شَعَرٌ.

والسُّبَيْلَةُ: كجُهَيْنَةَ، مَوْضِعٌ من أَرْضِ بَنِي نُمَيْرٍ لبَنِي حمان بنِ عبْدِ كَعْبِ بنِ سَعْدٍ، قالَهُ نَصْر، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابيِّ:

قَبَحَ الإِلهُ، ولا أُقَبِّح مُسْلِمًا *** أَهْلَ السُّبَيْلة من بَنِي حِمَّان

وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: تُسَمَّى الشاةُ: سَبَلًا وتُدْعَى للحَلْبِ، فيقالُ: سَبَلْ سَبَلْ.

وسَبَّلَ ثَوْبَه تَسْبيلًا، مِثْل أَسْبَلَ، وقَوْلُه تعالَى: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} أَي سَبِيل الولد، وقيلَ: تَعْتَرِضُون للناسِ في الطُّرُقِ للفَاحِشَة.

وسُبُلَّاتٌ: بضمِ السِّين والباءِ وتَشْديد اللامِ، مَوْضِعٌ في جَبَلِ أَجَأَ، عن نَصْرٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


44-تاج العروس (غل غلل غلغل)

[غلل]: الغُلُّ والغُلَّةُ، بضمِّهما، والغَلَلُ، محرَّكةً، والغَلِيلُ كأَميرٍ: كُلُّه العَطَشُ أَو شِدَّتُه وحَرَارَتُه قَلَّ أَو كَثُرَ، أَو حَرارةُ الجَوْفِ لَوْحًا وامْتِعاضًا، وقد غُلَّ، بالضَّمِ، فهو غَليلٌ ومَغْلولٌ ومُغْتَلٌّ بَيِّن الغُلَّة.

وبعيرٌ غالٌّ وغَلَّانٌ: شَديدُ العَطَشِ، وقد غَلَّ البَعيرُ يَغَلُّ بفتحِهما غُلَّةً واغْتَلَّ لم يَقْضِ رِيَّه.

قالَ شَيْخُنا: قَوْلُه بفتْحِهما، هذا في الظاهِرِ، وأَمَّا في الأَصْل فالمَاضِي مكْسورٌ كمَلَّ يَمِلُّ كما هو السّماعُ، والقِياسُ لأَنَّ عَيْنَه ولامَه ليسَا أَو أَحدَهما حرفُ حلقٍ، انتَهَى.

والغَليلُ: الحِقْدُ والحَسَدُ كالغِلِّ، بالكَسر، وأَيْضًا الضِّغْنُ والغِشُّ والعَدَاوةُ، قالَ اللهُ تعالَى: {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ} {غِلٍّ}.

قالَ الزَّجَّاجُ أَي لا يَحْسُدُ بعضُ أَهْلِ الجنَّةِ بعضًا في عُلُوِّ المَرْتبةِ، لأنَّ الحَسَدَ غِلٌّ، وهو أَيْضًا كَدَرٌ، والجنَّةُ مبرَّأَةٌ من ذلِكَ وقد غَلَّ صَدْرُه يَغِلُّ، من حَدِّ ضَرَبَ، غِلًّا إذا كانَ ذا غِشٍّ أَو ضَغْن وحقْدٍ. والغَلِيلُ: النَّوَى يُخْلَطُ بالقَتِّ، وكذلِكَ بالعَجِيْن للنَّاقةِ، وفي الصِّحاحِ: تُعلفُه النَّاقةُ، تقولُ: غَلَلْت للنَّاقةِ، وأَنْشَدَ لعلقمة.

سُلَّاءَة كعَصى النَّهْدِيِّ غُلّ لها *** ذو فَيْئة من نَوى قُرَّانَ مَعْجُوم

قَوْلُه: ذو فَيْئة أَي ذو رَجْعَة، يُريدُ أَنَّ النَّوَى عُلِفته الإِبِلُ ثم بَعَرته فَهو أَصْلَب، شبّه به نُسورَها وامّلا سهابا بالنَّوَى الذي بَعَرتْه الإِبِلُ، والنَّهْديُّ الشيخُ المُسِنّ فعَصَاه مَلْساء، ومَعْجُوم: مَعْضُوض أَي عضَّته الناقةُ فرَمَتْه لصَلابَتِه، ورُبمَّا سُمِّيَت حَرارَةُ الحُبِّ والحُزْنِ غَلِيلًا.

وأَغَلّ إغْلالًا: خانَ، قالَ النَّمِرُ بنُ تَوْلَبْ:

جَزَى اللهُ عنَّا حَمْزة ابْنه نَوْفَلٍ *** جزاءَ مُغِلٍّ بالأَمانَةِ كاذبُ

وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي:

حَدَّثْتَ نفسَكَ بالوَفاءِ ولم تكن *** للغَدْر خائِنة مُغِلّ الإصْبَعُ

ومنه الحدِيثُ: «لا إغْلالَ ولا إِسْلال» أَي لا خِيانَة ولا سَرِقَة، ويقالُ: لا رشْوة، كما في الصِّحاحِ، وقد ذُكِرَ في سَلَّ.

وقالَ نَصِيرُ الرَّازيّ: أَغَلَّ إبِلَهُ إِغْلالًا: أَساءَ سَقْيَها فلم تَرْوَ، وصَدَرَت غَوالَّ، الواحِدَةُ غالَّة.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ: أَغْلَلْت الإِبِلَ إذا أَصْدَرْتها ولم تَرْوها، بالغَيْن، وهي حَرارَةُ العَطَشِ، وقد رَوَاه أَبو عُبَيْدٍ عن أَبي زَيْدٍ بالعَيْن المُهْمَلةِ وهو تَصحيفٌ وقد تقدَّمَ، وقد غَلَّتْ هي وهي غالَّةٌ مِن إِبِلٍ غَوالّ.

وأَغَلَّ الجازِرُ في الجلْدِ إذا أَخَذَ بعضَ اللّحْمِ والشَّحْمِ في السَّلْخِ وتَرَكَ بعضه مُلْتزِقًا بالجلْدِ.

وأَغَلَّ فلانٌ: اغْتَلَّتْ غَنَمُه أَي عَطَشتْ.

وأَغَلَّ الوادِي: أَنْبَتَ الغُلَّانَ، بالضمِ جَمْع غالّ لنَبْتٍ يَأْتي ذِكْرُه.

وأَغَلَّ القومُ: بَلَغَتْ غَلَّتُهم، ويَأْتي معْنَى الغَلَّة قَرِيبًا.

وأَغَلَّ الرجُلُ البَصَرَ إذا شَدَّدَ النَظَرَ وأَغَلَّتِ الضِّياعُ أَعْطَتِ الغَلَّةَ فهي مُغِلَّة إذا أَتَتْ بشي‌ءٍ وأَصْلُها باقٍ، قالَ زُهَيْرٌ:

فَتُغْلِلْ لكم ما لا تُغِلّ لأَهْلِها *** قُرىً بالعِراقِ من قَفِيزٍ ودِرْهَمِ

وقالَ الرَّاجزُ:

أَقْبَل سَيْلٌ جاء مِن عِند اللهْ *** يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ

وأَغَلَّ فلانًا: نَسَبَه إلى الغُلُولِ والخِيانةِ، ومنه قِراءَةُ مَن قَرَأَ: وما كان لنبيِّ أَنْ يُغَلَّ. أَي يُخَوَّن أَي يُنْسَبُ إلى الغُلولِ، وهي قراءةُ أَصْحابِ عبدِ اللهِ، يُرِيدُون يسرَّقُ، قالَهُ ابنُ السِّكِّيت، ونَقَلَه الفرَّاءُ أَيْضًا. وقيلَ: معْناه على هذه لا يُخَوّنه أَصْحابُه، أَو لا يُخَان؛ أَي لا يُؤْخَذُ من غَنِيمَتِهِ، وكانَ أَبو عَمْرٍو بنُ العَلاءِ ويونُس يَخْتاران: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}.

وقالَ ابنُ بَرِّي: قلَّ أَن تَجِدَ في كَلامِ العَرَبِ: ما كان لفلانٍ أَن يُضْرَبَ على أَنْ يكونَ الفِعْل مَبْنيًّا للمَفْعولِ، وإِنَّما تَجِده مَبْنيًّا للفاعلَ، كقَولِكَ ما كان لمُؤْمِن أَنْ يَكْذِبَ، وما كان لنبيٍّ أَن يَخُون، وما كان لمُحْرِم أَن يَلْبَس، قالَ: وبهذا يعْلم صحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، على إسْناد الفِعْل للفاعِلِ دُوْن المَفْعولِ.

وغَلَّ غُلولًا: خانَ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، وهي قِرَاءَةُ ابن كَثِير وأَبي عَمْرٍو وعاصِمٌ وروحٍ وزَيْدٍ كأَغَلَّ، أَو خاصٌّ بالفَيْ‌ءِ والمَغْنَمِ.

قالَ ابنُ السِّكِّيت: لم نَسْمَعْ في المَغْنَمِ إِلَّا غَلَّ غُلُولًا. وقالَ أَبو عُبَيْد: الغُلولُ مِن المَغْنَم خاصَّة ولا نَرَاه مِن الخيانَةِ ولا مِن الحِقْد، وممَّا يُبَيِّن ذلِكَ أَنَّه يقالُ مِن الخِيانَةِ أَغَلَّ يُغِلُّ، ومِن الحِقْد غَلَّ يَغِلُّ، بالكسرِ، ومِن الغُلولِ غَلَّ يَغُلّ بالضمِ.

وقالَ ابنُ الأَثير: الغُلولُ الخِيانَةُ في المَغْنَم والسَّرقة، وكلُّ مَنْ خَانَ في شي‌ءٍ خُفْية فقد غَلَّ، وسُمِّيت غُلولًا لأَنَّ الأَيْدِي فيها تُغَلُّ أَي يُجْعَلُ فيها الغُلّ.

وغَلَّ في الشَّي‌ءِ غَلًّا أُدْخِلَ وقالَ بعضُ العَرَبِ: ومنها ما يُغِلّ يعْنِي مِن الكِباش ما يُدْخِل قَضِيبَه من غيرِ أَن يَرْفَع الأَلْية كغَلْغَلَ، يقالُ: غَلَّه وغَلْغَلَه إذا أَدْخَلَه.

وغَلَّ أَيْضًا: دَخَلَ يَتعدَّى ولا يَتَعدَّى، ويقالُ: غَلَّ فلانٌ المَفاوزَ أَي دَخَلَها وتَوسَّطَها، كانْغَلَّ، وهو مُطاوِعُ غَلَّه غلًّا.

وتَغَلَّلَ في الشي‌ءِ وتَغَلْغَلَ: دَخَلَ فيه، يكونُ ذلِكَ في الجَواهِرِ والأَعْراضِ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الثَّورَ والكِناسَ:

يُحَفِّرُه عن كلِّ ساقٍ دَقِيقةٍ *** وعن كلِّ عِرْقٍ في الثَّرَى مُتَغَلْغِل

وأَنْشَدَ ثَعْلَب لعُبَيْدَ اللهِ بنِ عتبَة بنِ مَسْعود في العَرَض:

تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمةَ في فُؤَادِي *** فَبادِيه مع الخافي يَسِيرُ

وفي حدِيثِ المُخنَّث هِيتِ وَصَفَ المرْأَة، قالَ له: قد تَغَلْغَلْت يا عدوَّ اللهِ. الغَلْغَلَة: إدْخالُ الشَّي‌ءِ في الشي‌ءِ حتى يلتبِس به ويَصِير مِن جُمْلتِه؛ أَي بَلَغْت بنَظَرك مِن محاسِنِ هذه المرْأَة حيثُ لا يبْلَغ ناظِر ولا يَصِل واصِل ولا يَصِف وَاصِف.

وغَلَّ الغِلالَةَ: لَبِسَها تحْتَ الثِّيابِ، وهي؛ أَي الغِلالَة، بالكسرِ شِعارٌ يُلْبَسُ تحتَ الثَّوبِ لأَنَّه يُتَغَلَّل فيها أَي يُدْخَل كالغُلَّةِ بالضَّمِ، تُغَلُّ تحتَ الدِّرْعِ أَي تُدْخَل، وجَمْعُهما الغَلائِلُ والغُلَلُ.

وغَلَّ الدُّهْنَ في رأْسِه: أَدْخَلَهُ في أُصُولِ شَعَرهِ. وغَلَّ شَعَرَه بالطِّيب: أَدْخَلَه فيه.

وغَلَّ بَصَره: حَادَ عن الصَّوابِ، عن ابنِ الأَعْرابيِّ.

وغَلَّ الماءُ بين الأَشْجارِ إذا جَرَى فيها يَغُلُّ، بالضمِ.

وغَلَّ المرأَةَ: حَشَاها، ولا يكونُ إلَّا من ضخمٍ، حَكَاه ابنُ الأَعْرابي.

وغَلَّ فلانًا يَغُلُّه غَلٍّا: وضَعَ في عُنُقِه أَو يدِه الغُلَّ، بالضمِ، وهو الجامِعَةُ من حَديدٍ معروف مَعْروف، وقد غُلَّ فهو مَغْلُولٌ، ويقالُ: جَعَلَ الله في كبِدِه غُلَّةً وفي صدْرِه غِلًّا، وفي مالِه غُلولًا، وفي عُنُقِه غُلًّا، الجمع: أَغْلالٌ، وقد تَكَرَّرَ ذِكْرُه في القُرْآنِ والسُّنَّةِ ويُرادُ بها التَّكالِيف الشَّاقَّة والأَعْمال المُتْعِبَة.

والغَلَّةُ: الدَّخْلُ من كِراءِ دارٍ وأَجرِ غُلامٍ وفائدةِ أَرْضٍ من رَبَعِها أَو كرائِها، والجَمْعُ الغَلَّات. وفي الحدِيثِ: «الغَلَّةُ بالضَّمانِ». قالَ ابنُ الأَثيرِ: هو كحدِيثِه الآخَر: «الخَراجُ بالضَّمانِ». والغَلَّةُ: الدَّخْلُ الذي يَحْصَل مِن الزَّرْعِ والثَّمر واللَّبَن والإِجارَةِ والنِّتاجِ ونَحْو ذلِكَ.

وأَغَلَّت الضَّيْعَةَ: أَعْطَتْها أَي الغَلَّة، وهذا قد تقدَّم بعَيْنِه فهو تكْرارٌ.

والغَلْغَلَةُ: السُّرْعَةُ في السّيْرِ.

وغَلْغَلَةٌ، بِلا لامٍ: شِعابٌ تَسيلُ من جَبلِ الرَّيَّانِ، وهو جَبَلٌ أَسْود طَويلٌ بأَجَأَ، قالَهُ نَصْر.

وتَغَلْغَلَ: أَسْرَعَ في السَّيْرِ. يقالُ تَغَلْغَلُوا فَمَضُوا.

ورِسالَةٌ مُغَلْغَلَةٌ: مَحْمولَةٌ من بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، قالَ عصامُ بنُ عبيد الزمَانيّ:

أَبْلِغْ أَبا مالك عنِّي مُغَلْغَلَةً *** وفي العِتاب حَياةٌ بين أَقْوام

وفي حدِيثِ ابنِ ذي يَزَن:

مُغَلْغَلة مَغالِقُها تُغَالي *** إلى صَنْعاء من فَجٍّ عَمِيق

والغُلَّانُ، بالضمِ: مَنابِتُ الطَّلْحِ أَوْدِيَةٌ غامِضَةٌ في الأَرْضِ ذات شَجَر، قالَ مضرِّسُ الأسَدِيّ:

تَعَرُّضَ حَوْراء المَدَافِع تَرْتَعِي *** تِلاعًا وغُلَّانًا سَوائِل من رَمَمْ

الواحِدُ: غالٌّ وغليلٌ.

وقالَ أَبو حَنِيفَة: الغَالُّ أَرضٌ مُطْمئنَّة ذات شَجَر. ومَنابَتُ السَّلَم والطَّلْح يقالُ لها غالٌّ من سَلَم، كما يقالُ عِيصٌ مِن سِدْر وقَصِيمة من غَضىً.

والغُلَّانُ: نَباتٌ معروف مَعْروفٌ الواحِدُ غالٌّ أَيْضًا، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لذي الرُّمَّةِ:

وأَظْهَرَ في غُلَّان رَقْدٍ وسَيْلُهُ *** عَلاجيِمُ لا ضُحْلٌ ولا مُتَضَحْضِحُ

وتَغَلَّلَ بالغالِيَةِ شُدِّدَ للكَثْرةِ، وتَغَلْغَلَ واغْتَلّ: تَغَلَّفَ أَي تَطَيَّبَ بها، قالَ أَبو صَخْرٍ:

سِراج الدُّجَى تَغْتَلّ بالمِسْك طِفْلَة *** فلا هي مِتْفال ولا هي أَكْهَب

وغَلَّلَهُ بها تَغْليلًا: طَيَّبَه. وفي حدِيثِ عائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنها: «كنْتُ أُغَلِّل لحيةَ رَسُول اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، بالغالِيةِ»؛ أَي أُلَطّخها أَو أُلْبِسها بها، وقالَ سُويدُ اليَشْكريّ:

وقُرُونًا سابغًا أَطرافُها *** غَلَّلَتْها ريحَ مسكٍ ذي فَنَعْ

وحَكى اللّيْحانيُّ: تَغَلَّى بالغَالِبَة، فإمَّا أَنْ يكونَ من لفظِ الغالِيَةِ، وإما أَنْ يكونَ أَرَادَ تَغَلَّل فأَبْدَلَ مِن اللام الأَخيرَة ياءً، كما قالُوا: تظنَّيْت في تَظَنَّنْت، والأَوَّل أَقْيَسُ.

وقالَ الفرَّاءُ: يقالُ: تَغَلَّلْت بالغالِيَةِ، ولا يقالُ تَغَلَّيْت.

وفي الصِّحاح: قالَ أَبو نَصْر: سَأَلْت الأصْمَعِيّ هل يجوزُ تَغَلَّلْت من الغالِيَةِ؟ فقالَ: إن أَرَدْت أَنَّك أَدْخَلْتها في لحْيَتِك أَو شَارِبِك فجائِزٌ.

وقالَ اللّيْثُ: يقالُ من الغالِيَةِ غَلَّلْت غَلَّفْت وغَلَّيْت، وسَيَأَتي في المُعْتل إن شاءَ اللهُ تعالَى.

والغلائِلُ: الدُّروعُ، أَو مساميرُها الجامِعَةُ بين رُؤوسِ الحَلَقِ لأَنَّها تُغَلُّ أَي تُدْخَل، أَو بطائِنُ تُلْبَسُ تَحْتَها أَي تحتَ الدُّروعِ الواحِدُ غَليلةٌ، قالَ النابِغَةُ:

عُلِينَ بِكِدْيَوْنٍ وأُبْطِنّ كُرَّةً *** فهنَّ وِضاءٌ صافياتُ الغَلائِل

خَصَّ الغَلائِل بالصَّفاء لأنَّها آخِر ما يَصْدَأُ مِن الدُّروعِ، ومَن جَعَلَها البطائِنَ جَعَلَ الدُّروعَ نقيَّة لم يُصْدِئْن الغَلائِل، وقالَ لَبِيدٌ في المَساميرِ:

وأَحْكَم أَضْغان القَتِير الغَلائِل

وغَلْغَلَةُ: موضع، قالَ:

هنالِك لا أَخْشَى تنالُ مَقادَتي *** إذا حَلَّ بيتي بين شُوطٍ وغَلْغَله

وما لَهُ أُلَّ وغُلَّ بِضمِّهما، وهو دُعاءٌ عليه، فأُلّ: دُفِع في قَضَاء، وغُلّ: جُنَّ فوضعَ في عُنُقِه الغُلّ.

واغْتَلَلْتُ الشَّرابَ: شَرِبْتُه واغْتَلَلْتُ الثَّوبَ: لبِسْتُه تحتَ الثِّيابِ واغْتَلَّت الغَنَمُ: أَخَذَته الغَلَلُ، بالتحريكِ، والغُلالَةُ، بالضمِ، وهُما داءٌ للغَنَمِ في الإِحْلِيلِ، وذلِكَ أَنْ لا يَنْفُض الحالِب الضَّرْع فيَتْرك فيه شَيئًا من اللَّبَن فيَعُود دَمًا أَو خَرَطًا.

والغِلالَةُ، ككِتابَةٍ: العُظَّامَةُ، وهو الثَّوبُ الذي تشدُّه المرأَةْ على عَجِيزتِها تحتَ إِزارِها تَضخّمُ بها عَجِيزتُها، قالَهُ ابنُ الأَعْرَابيِّ، وأَنْشَدَ:

تَغْتال عَرْض النُّقْبة المُذَاله *** ولم تَنَطَّقْها على غِلالَه

إلَّا لحسْن الخَلْق والنَّبالَه

وأَيْضًا: المِسْمارُ الذي يَجْمَعُ بين رأَسَيِ الحَلْقةِ، والجَمْعُ الغَلائِلُ وقد تقدَّمَ شاهِدُه قَريبًا.

وغُلْغُلٌ، كهُدْهُدٍ: جَبَلٌ بنَواحِي البَحْرَيْنِ.

وغُلائِلُ، بالضَّمِ: مِن بِلادِ خُزَاعَه، كمَا في العُبَابِ.

وأَنا مُغْتَلٌّ إِليه أَي مُشْتاقٌ، وهو مجاز.

واسْتَغَلَّ عبدَه أَي كَلَّفَه أَنْ يُغَلَّ عليه، كما في الصَّحاحِ.

واسْتَغَلَّ المُسْتَغِلَّاتِ: أَخَذَ غَلَّتَها، كما في الصِّحاحِ أَيْضًا.

ويقالُ: نِعْمَ غَلُولُ الشَّيخِ هذا، كصَبُورٍ؛ أَي الطَّعامُ الذي يُدْخِلُه جَوْفَه، كما في الصِّحاحِ. زَادَ غيرُه: يعْنِي التَّغْذِية التي تَغَذَّاها، ويقالُ أَيْضًا في شَرَابٍ شَرِبَه.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

رجُلٌ مُغِلٌّ: أَي مُضِبٌّ على حِقْدٍ وغَلٍّ.

وأَغَلّ الرجُلُ: صارَ صاحِبَ خِيانَةٍ، ومنه حدِيثُ شُرَيْح: «ليسَ على المُسْتعيرِ غَيْر المُغِل، ولا على المُسْتودَع غَيْر المُغِلِّ ضَمَان، إذا لم يَخُن في العارِيَّةِ والوَدِيعة فلا ضَمَان عليه»، وقيلَ: المُغِلُّ هنا المُسْتَغِلُّ، وأَرادَ به القابِضَ لأنَّه بالقَبْض يكونُ مُسْتَغِلٍّا.

قالَ ابنُ الأثيرِ: والأَوَّلُ الوَجْه.

والإِغْلالُ: الغارَةُ الظاهِرَةُ أَيْضًا: إعانَةُ الغَيْر على الخِيانَةِ. وأَيْضًا لُبْس الدُّروعِ، وبكلِّ ذلِكَ فسِّرَ الحدِيثُ: لا إغْلالَ ولا إسْلالَ، وقد ذُكِرَ في س ل ل أَيْضًا.

وأَغَلَّ الخَطِيبُ: لم يصبْ في كَلامِه، قالَ أَبو وجَزةَ:

خُطباء لاخُرْق ولا غُلل إذا *** خُطباء غيرهمُ أَغَلَّ شِرارُها

والغُلَّةِ بالضمِ: ما تَوارَيْت فيه، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.

والغَلْغَلَةُ، كالغَرْغَرةِ في معْنَى الكَسْر.

والغَلَلُ. محرَّكةً: الماءُ الذي يَتَغَلَّل بَيْن الشَّجَرِ، والجَمْعُ الأَغْلال، قالَ دُكَيْن:

يُنْجِيه مِنْ مِثْل حَمام الأَغْلال *** وَقْعُ يَدٍ عَجْلى ورِجْلٍ شِمْلال

ظَمْأَ النَّسا من تَحت رَيَّا مِن عال

وقيلَ: الغَلَلُ الماءُ الظاهِرُ الجاري على وَجْهِ الأَرْضِ ظُهورًا قَلِيلًا وليسَ له جِرْيَة فيَخْفى مَرَّة ويظَهَر مَرَّة، قالَ الحُوَيْدِرة:

لَعِب السُّيُول به فأَصْبح ماؤُه *** غَلَلًا يُقَطِّع في أُصُول الخِرْوَع

وقالَ أَبو حَنِيفَة: الغَلَلُ السَّيْل الضَّعِيفُ يَسِيلُ مِن بَطْنِ الوادِي أَو التِّلَع في الشجرِ.

وتَغَلْغَلَ الماءُ في الشجرِ: تَخَلَّلها.

وقالَ أَبو سَعِيدٍ: لا يَذْهب كَلامُنا غَلَلًا أَي لا يَنْبِغي أَن يَنْطوي عن الناسِ بل يجبُ أَنْ يَظْهر.

ويقالُ لعِرْق الشَّجَرِ إذا أَمْعَن في الأَرْضِ غَلْغَلٌ، والجَمْعُ غَلاغِلُ، قالَ كَعْبُ:

وتَفْتَرّ عن غُرِّ الثَّنايا كأَنَّها *** أَقاحِيّ تُرْوى عن عُرُوقِ غُلاغِلِ

والغُلَّةُ، بالضمِ: هي الغطامَةُ، والجَمْعُ الغُلَلُ، قالَهُ ابنُ بَرِّي، وأَنْشَدَ:

كَفَاها الشَّبابُ وتَقْوِيمُه *** وحُسْن الرُّواءِ ولُبْسُ الغُلَلْ

وقالَ السّلميُّ: غَشَّ له الخَنْجَر والسِّنانَ وغَلَّه له أَي دَسَّه له وهو لا يشعرُ به. والغالَّةُ: ما يَنْقطعُ مِن ساحِلِ البَحْرِ فيَجْتَمِعُ في موضِعٍ.

وغُلَّتْ يدُه إلى عُنُقِه أَي أَمْسِكَت عن الإِنْفاقِ.

والعَرَبُ تكنِّي عن المرأَةِ بالغُلِّ وفي الحدِيثِ: «إنَّ مِن النِّساءِ غُلًّا قَمِلًا يقذِفُه اللهُ في عُنُقِ مَن يَشاءُ»، والأَصْل في ذلِكَ أَنَّ العَرَبَ كانوا إذا أَسَروا أَسِيرًا غَلُّوه بغُلٍّ من قِدٍّ وعليه شَعَر، فرُبَّما قَمِلَ في عُنُقِه إذا قَبَّ ويَبِسَ فيَجْتَمع عليه مَحْنَتان القَمْل والغُلّ.

وفلانٌ يُغِلُّ على عِيالِه أَي يَأْتيهم بالغَلَّةِ.

وغَلَّ على الشي‌ءِ غَلًّا وأَغَلَّ سَكَتَ، وأَيْضًا أَقامَ وغَلّ الإِهَابَ أَبْقى فيه عنْدَ السَّلْخ، لُغَةٌ في أَغَلَّ.

وأَغَلَّ القومُ: صارُوا في وَقْت الغَلَّة.

وأَغَلَّ الرجُلُ: وَجَدَه غالًّا وله أَريضة يَغْتَلّها مِثْل يَسْتَغِلُّها، وجَمْعُ الغلة غِلالٌ بالكسرِ.

والغُلَّة، بالضمِ: خِرقَةٌ تشدُّ على رأْسِ الإِبْرِيقِ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، والجَمْعُ غُلَلٌ.

والغَلَلُ، محرَّكةً: المصْفَاةُ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للبيدٍ:

لها غَلَلٌ من رازِقيٍّ وكُرْسُفٍ *** بأَيْمانِ عُجْمٍ يَنْصُفون المَقاوِلا

يعْنِي الفِدَام على رأْسِ الإبْريقِ، وبعضُهم يرْوِيه غُلَل، بالضمِ جَمْعِ غُلَّة.

والمُغَلْغِلة، بكسرِ الغَيْن الثانِيَة: المُسْرِعة.

والغَلَلُ، محرَّكةً: اللَّحْمُ الذي تُرِكَ على الإِهابِ حينَ سُلِخَ والغُلْغلةُ، بالضمِ: لغطُ الأَصْواتِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


45-تاج العروس (غم غمم غمغم)

[غمم]: الغَمُّ: الكَرْبُ يَحْصلُ للقَلْبِ بسَبَبِ مَا حَصَلَ.

والهَمُّ: هو الكَرْبُ يَحْصلُ بسَبَبِ ما يُتَوقَّعُ حُصُولُه مِن أَذًى؛ وقِيلَ: هُما واحِدٌ.

وقالَ بالفرْقِ عِياضٌ وغيرُهُ؛ كالغَمَّاءِ وِالغُمَّةِ، بالضمِّ، الأخيرَةُ عن اللّحْيانيِّ؛ قالَ العجَّاجُ:

بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاس إذ تُكُمُّوا *** بغُمَّةٍ لَوْ لمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا

الجمع: غُمُومٌ.

وقد غَمَّهُ يَغُمُّه غَمًّا فاغْتَمَّ وِانْغَمَّ، حَكَاهُما سِيْبَوَيْه: أَحْزَنَهُ.

وِيقالُ: ما أَغَمَّكَ لي، وِما أَغَمَّكَ إِلَيَّ، وِما أَغَمَّكَ عَلَيَّ، مِن الغَمِّ للحُزْنِ، وِغَمَّ الحِمارَ وغيرَهُ يَغُمُّه غَمًّا: أَلْقَمَ فَمَهُ ومِنْخِرَيْهِ الغِمامَةَ، بالكسْرِ، وهي كالفِدامِ أَو كالكِعامِ؛ قالَهُ اللَّيْثُ.

وقالَ غيرُهُ: أَلْقَمَ فاهُ مِخْلاةً أَو ما أَشْبَهها تَمْنَعُه مِنَ الاعْتِلافِ. واسْمُ مَا يُغَمُّ بهِ غِمامَةٌ.

وِغَمَّ الشَّي‌ءَ غَمَّا: غَطَّاهُ وسَتَرَهُ، وهذا أَصْلُ المعْنَى، فانْغَمَّ، مُطاوعٌ له.

وِغَمَّ يَوْمُنا غَمًّا وِغُمومًا: اشْتَدَّ حَرُّهُ حتى كادَ يَأْخُذُ بالنَّفَسِ، كأَغَمَّ، فهو يَوْمٌ غَمٌّ، وُصِفَ بالمصْدَرِ، كما تقولُ: ماءٌ غَوْرٌ.

وِيَوْمٌ غَامٌّ وِمِغَمٌّ بكسْرِ المِيمِ: ذو حَرِّ شَديدٍ، أَو ذو غَمِّ؛ قالَ:

في أُخْرَياتِ العيش المِغَمِّ

وِلَيْلَةٌ غَمٌّ، وَصفَ بالمصْدَرِ، وِغَمَّى، كحَتَّى، حَكَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ عن أَبي زَيْدٍ، وِغَمَّةٌ؛ أَي غامَّةٌ.

وفي الصِّحاح: إذا كانَ على السَّماءِ غَمْيٌ مِثالُ رَمْيٍ.

وِأَمْرٌ غُمَّةٌ، بالضَّمِّ؛ أَي مُبْهَمٌ ملبسٌ؛ قالَ طَرْفَةُ:

لَعَمْرِي وما أَمْرِي عليَّ بغُمَّةٍ *** نَهارِي وما لَيْلي عليَّ بسَرْمَدِ

ويقالُ: إنَّه لَفِي غُمَّةٍ أَي لَبْسٍ ولم يَهْتَدِ له؛ ومنه قَوْله تعالَى: {ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً}.

وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: مجازُها ظُلْمَةٌ وضِيقٌ وهَمٌّ.

وقيلَ: أَي مُغَطًى مَسْتورًا.

وِغُمَّ الهِلالُ على النَّاسِ، بالضَّمِّ، غَمَّا، فهو مَغْمومٌ، إذا حالَ دونَهُ غَيْمٌ رَقيقٌ أَو غيرُهُ فلم يُرَ؛ ومنه الحَدِيْثُ: «فإنْ غُمَّ علَيكُم فأَكْمِلُوا العدَّةَ».

وِيقالُ: صُمْنا لِلغَمَّى، كحَتَّى، وتُمَدُّ أَي مع الفتْحِ يقالُ: صُمْنا للغَمَّاءِ، وتُضَمُّ الأُوْلَى؛ أَي مع القصْرِ؛ يقالُ: صُمْنا للغُمَّى، حَكَاه ابنُ السِّكِّيت عن الفرَّا؛ وِصُمْنا للغُمْيَّةِ، بالضمِّ وتَشْديدِ المِيمِ المَكْسورَةِ وياء مُشَدَّدَة مَفْتوحَة؛ كلُّ ذلِكَ إذا صَامُوا على غيرِ رُؤْيَةٍ.

ويقالُ: لَيْلَةُ غُمَّى: آخِرُ لَيْلَةٍ مِن الشَّهْر، سُمِّيَت بذلِكَ لأنَّه غُمَّ علَيهم أَمْرُها؛ أَي سُتِرَ فلم يُدْرَ أَمِنَ القابِلِ أَمْ مِنَ الماضِي؟ قالَ:

ليلةُ غُمَّى طامِسٌ هِلالُها *** أَوْ غَلتُها ومُكْرَةٌ إِيغالُها

وهي لَيْلَةُ الغُمَّى إذا غُمَّ عليهم الهِلالُ في اللّيْلةِ التي يَرُون أَنَّ فيها اسْتِهلالَه.

وقالَ الأزْهرِيُّ: غُمَّ وأُغْمِيَ وغُمِّيَ بمعْنًى واحِدٍ.

وِغُمَّ عليه الخَبَرُ، بالضَّمِّ، غَمًّا، اسْتَعْجَمَ، مِثْلُ أُغْمِيَ، كما في الصِّحاحِ.

وِالغَمامَةُ: السَّحابَةُ عامَّةً، أَو البَيْضاءُ منها سُمِّيَت لأنَّها تَغُمُّ السَّماءَ؛ أَي تَسْترُها؛ وقيلَ: لأَنَّها تَسترُ ضَوْءَ الشمْسِ.

وِقد أَغَمَّتِ السَّماءُ؛ أَي تَغَيَّرَتْ، كذا وُجِدَ بخطِّ الجوْهرِيُّ.

وقالَ بعضُهم: صَوابُه: تَغَيَّمت.

الجمع: غَمامٌ وِغَمائِمُ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للحُطَيْئَةِ يمدَحُ سَعِيد ابن العاصِ:

إذا غِبْتَ عَنَّا غابَ عَنَّا رَبيعُنا *** وِنُسْقى الغَمامَ الغُرَّ حِينَ تَؤُوبُ

وِالغَمامَةُ: فَرَسٌ لأبي دُوادٍ الإيادِيِّ، أَو لبَعْضِ مُلوكِ آلِ المُنْذِرِ على التَّشْبيهِ بالسَّحابَةِ في سَيْرِها.

وِالغَمامُ: سَيْفُ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ، رضي اللهُ تعالى عنه. وغَيْمٌ مُغَمِّمٌ، وِ، كذا بَحْرٌ مُغَمِّمٌ، كمُحَدِّثِ: أَي كثيرُ الماءِ؛ وكَذلِكَ الرّكِيَّةُ.

وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: رَكِيَّةٌ مُغَمِّمٌ: تَمْلأُ كلَّ شي‌ءٍ وتُغَرِّقُه؛ وأَنْشَدَ لأَوْسٍ يَرْثي ابْنَه شُرَيْحًا:

على حِينَ أَنْ جَدَّ الذَّكَاءُ وأَدْرَكَتْ *** قَرِيحةُ حِسيٍ من شُرَيْحٍ مُغَمِّم

أَي الغَامِر المُغَطِي.

وِكُراعُ الغَمِيمِ، كأَمِيرٍ: وادٍ بَيْنَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن على مَرْحَلَتَيْنِ من مَكَّةَ.

وقالَ نَصْر: بَيْنَ رابغَ والجُحْفَة. وضَمُّ غَيْنه قالَ شيْخُنَا: وقد حَكَاه ابنُ قرقول في مطالِعِهِ ولم يُتابِعُوه.

وِإنَّما الغُمَيْمُ، كزُبَيْرٍ: وادٍ بدِيارِ حَنْظَلَةَ بنِ تَمِيمٍ.

ويُعْرَفُ الأَوَّلُ أَيْضًا ببُرَقِ الغَمِيمِ؛ قالَ:

حَوَّزَها مِن بُرَقِ الغَمِيمِ *** أَهْدَأُ يَمْشِي مِشْيَةَ الظَّلِيمِ

وقد ذُكِرَ في القافِ.

وِالغُمَيِّمُ، بالياءِ المُشَدَّدَةِ: ماءٌ لبَنِي سَعْدٍ.

وِالغُمامُ، بالضَّمِّ: الزُّكامُ؛ وِمنه المَغْمومُ المَزْكومُ.

وِالغَمَّاءُ، مَمْدودًا، وِالغُمَّى، كرُبَّى: الشَّديدَةُ مِن شَدائِدِ الدَّهْرِ، ويُكنى بها عن الدَّاهِيَةِ.

قالَ عليُّ بنُ حمزَةَ: إذا قَصَرْتَ الغُمَّى ضَمَمْتَ أَوَّلَها، وإذا فتحْتَ أَوَّلَها مَدَدْتَ، قالَ: والأَكْثَر على أَنَّه يجوزُ القصرُ والمدُّ في الأوَّلِ؟ قالَ مُغَلُسُ:

وِأَضْرِب في الغُمَّى إذا كَثُرَ الوَغَى *** وِأَهْضِمُ إنْ أَضْحَى المَراضِيعُ جُوَّعا

وقالَ ابنُ مُقْبل:

خَروج مِنَ الغُمَّى إذا صُكَّ صَكَّةً *** بَدا والعُيُونُ المُسْتَكِفَّةُ تَلْمَحُ

وأَنْشَدَنا شيْخُنا أَبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ محمدٍ الأَنْدَلُسِيُّ:

وِما يَكْشفُ الغَمَّاء إلَّا ابن حُرَّةٍ *** يَرَى غَمَرات المَوْت ثم يَزُورُها

وِفي النوادِرِ: اغْتَمَّ النَّبْتُ واعْتَمَّ طَالَ والْتَفَّ وكَثُرَ.

وِأَرْضٌ مُغِمَّةٌ، بضمِ الميم وكسْرِها، ومُعِمَّةٌ ومُغْلَوْلِية ومُعْلَوْلِية وعَمْياءُ وكَمْهاءُ: كُلٍّ ذلِكَ كَثِيرَةُ النَّباتِ مُلْتَفَّتُهُ.

وِالغَمَمُ، محرَّكةً: سَيَلانُ الشَّعَرِ حتى تَضِيقَ الجَبْهَة، كما في الصِّحاح؛ وفي المُحْكَم: الوَجْه، والقَفَا، وفي الصِّحاحِ: أَو القَفَا.

يُقالُ: هو أَغَمُّ الوَجْهِ والقَفَا؛ وجَبْهَةٌ غَمَّاءُ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ لهدبَةَ بنِ الخَشْرَمِ:

فلا تَنْكحِي إنْ فَرَّقَ الدَّهرُ بَيْننا *** أَغَمَّ القَفا والوَجْهِ ليس بأَنْزَعا

قالَ الزَّمَخْشرِيُّ: وهم يحبُّونَ النَّزَعَ ويَكْرهُونَ الغَمَمَ.

وتقولُ المرْأَةُ: إذا كانَ الفَقْر والنَّزَع قَلَّ الجَزَع، وإذا اجْتَمَعَ الفَقْرُ وِالغَمَمُ تضاعَفَتِ الغُمَم.

وِمِن المجازِ: سَحابٌ أَغَمُّ: لا فُرْجَة فيه.

وِالغَمْغَمَةُ: أَصْواتُ الثِّوَرَةِ؛ وفي الصِّحاحِ: الثِّيرانِ، عندَ الذُّعْرِ، وِأَصْواتُ الأَبْطالِ في الوَغَى عندَ القِتالِ؛ قالَ الشَّاعِرُ:

يَفْلِقْن كلَّ ساعِدٍ وجُمْجُمه *** ضَرْبًا فلا تَسْمع إلَّا غَمْغَمَه

والجَمْعُ الغَماغِمُ؛ قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:

وِظَلَّ لثِيرانِ الصَّمِيمِ غَماغِمٌ *** يُداعِسُها بالسَّمْهَريِّ المُغَلَّب

وأَوْرَدَ الأَزْهرِيُّ هنا بَيْتًا نَسَبَه لعَلْقَمَةَ، وهو:

وِظَلَّ لثِيرانِ الصَّمِيمِ غَماغِمٌ *** إذا دَعَسُوها بالنَّصِيِّ المُغَلِّب

وِأَيْضًا: الكَلامُ الذي لا يُبَيَّنُ، ومنه صفَةُ قُرَيْش: فيهم غَمْغَمَةٌ؛ كالتَّغَمْغُمِ فيهما؛ وقالَ عَنْتَرَةُ:

في حَوْمَةِ المَوْتِ التي لا يَشْتَكِي *** غَمَراتِها الأَبْطالُ غيرَ تَغَمْغُمِ

وِالغَمِيمُ، كأَميرٍ: لَبَنٌ يُسَخَّنُ حتى يَغْلُظَ؛ نَقَلَه الجَوْهرِيُّ؛ لأنَّه غُمَّ أي غُطِّي.

وِالغَمِيمُ: الغَمِيسُ، وهو الكَلأُ تحتَ اليَبِيسِ، كما في الصِّحاحِ.

وقالَ غيرُهُ: هو النَّباتُ الأَخْضَرُ تحتَ اليابِسِ.

وِغُمَّى، كرُبَّى: قرية في سَوادِ العِرَاق بينَ بَغْدادَ وبَرَدان، قالَهُ نَصْر.

وِالغُمَّى: الأَمْرُ الشَّديدُ لا يُتَّجَهُ له؛ قالَ مُغَلَّسُ:

حُبسْتُ بغَمّى غَمْرَةٍ فَتَرَكْتُها *** وِقد أَتْرُكَ الغَمَّى إذا ضاقَ بابُها

وِيُفْتَحُ مع المَدِّ والقَصْرِ وقد تَقَدَّمَ.

وِالغَمَّى، بالفَتْحِ: الغَبَرَةُ والظُّلْمَةُ.

وِأَيْضًا: الشِّدَّةُ تَغُمُّ القَوْمَ في الحَرْبِ.

وِالغُمومُ من النُّجومِ، بالضمِّ: صِغارُها الخَفِيَّةُ؛ قالَ جَريرٌ:

إذا نَجْمٌ تَعَقَّبَ لاحَ نَجْمٌ *** وِلَيْسَتْ بالمُحاقِ ولا الغُمومِ

وِالغُمَّةُ، بالضَّمِّ: قَعْرُ النِّحْيِ وغيرِهِ، قالَ:

لا تَحْسَبَنْ أَن يَدِي في غُمّه *** في قَعْرِ نِحْيِ أَسْتَثِيرُ عَمَّه

وِغَامَمْتُهُ: أَي غَمَمْتُهُ وِغَمَّنِي، مُفاعَلَةٌ مِن الغَمِّ.

وِالغِمامَةُ، بالكسْرِ: خَريطَةٌ لفَمِ البَعِيرِ ونَحْوِهِ، يُجْعَلُ فيها فَمَهُ يُمْنَعُ بها الطَّعامَ؛ وقد غَمَّهُ بها يَغُمُّه غَمًّا، والجَمْعُ الغَمائِمُ.

وِالغِمامَةُ: ما يُشَدُّ به عَيْنا النَّاقَةِ أَو خَطْمُها.

وقالَ أَبو عبيدٍ: ثَوْبٌ يُشَدُّ به أَنْفُ النَّاقَةِ إذا ظُئِرَتْ على حُوارِ غيرِها، وجَمْعُها غَمائِمُ؛ قالَ القطاميُّ:

إذا رَأْسٌ رَأَيْتُ به طِماحًا *** شَدَدْتُ له الغَمائِمَ والصِّقاعا

وِالغِمامَةُ: قُلْفَةُ الصَّبِيِّ، على التَّشْبِيهِ، ويُضَمُّ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

يقالُ: إنَّهم لَفِي غَمّاء مِنَ الأَمْرِ إذا كانوا في أَمْرٍ ملتبسٍ.

وصُمْنا للغُمَّةِ، بالضمِّ؛ أَي على غيرِ رُؤْيَة.

وِاغْتَمَّ الرَّجُلُ: احْتَبَسَ نَفَسهُ عن الخُروجِ.

وِغَمَّ القَمَرُ النُّجومَ: بَهَرَها وكادَ يَسْتُرُ ضَوْءَها.

ورجُلٌ مَغْمومٌ: مُغْتَمٌّ. وقالَ شَمِرٌ: الغِمَّةُ، بالكسْرِ: اللِّبْسَةُ.

ورُطَبٌ مَغْمومٌ: جُعِلَ في الجَرَّةِ وسُتِرَ ثم غُطِّيَ حتى أَرْطَب.

وِغَمَّ الشي‌ءَ يَغُمُّه: عَلاهُ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ؛ وأَنْشَدَ للنَّمرِ بنِ تَوْلَب:

أُنُفٌ يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحارِها

وتفترُّ عن مِثْلِ حَبِّ الغَمامِ: هو البَرَدُ.

ويقالُ: أَحْمَى فُلانٌ غَمامَةَ وادِي كذا، إذا جَعَلَها حمىّ لا يُقْرَب: يُرِيدُونَ ما يُنْبِته مِنَ العُشْبِ، وهو مجازٌ، ومنه حدِيْثُ عائِشَةَ: «عَتَبُوا على عُثْمان، رضِيَ اللهُ تعالىَ عنه، مَوْضِع الغَمامَةِ المُحْمَاة»؛ أَي العُشْب والكَلأُ الذي حَماه، سَمّته بالغَمامَةِ كما يُسمَّى بالسَّماءِ، أَرادَتْ أَنَّه حَمى الكَلأَ وهو حقُّ جَمِيع النَّاسِ.

وأَرْضٌ غُمَّةٌ: أَي ضَيِّقَة.

وِالغَمَّاءُ مِنَ النَّواصِي كالفَاشِغَة، وتكْرَه الغَمَّاء مِن نَواصِي الخَيْلِ، وهي المُفْرِطَةُ في كَثْرةِ الشَّعَرِ؛ نَقَلَه الجوْهرِيُّ.

وِالغَمْغَمَةُ: صَوْتُ القِسِيِّ؛ قالَ عبدُ مَناف بنُ ربع:

وِللقِسِيِّ أَزَامِيلٌ وغَمْغَمَةٌ *** حِسَّ الجَنُوبِ تَسوقُ الماءَ والبَرَدا

وِغَمْغَمَ الصَّبِيُّ غَمْغَمَةً: إذا بَكَى على الثَّدْيِ طَلَبًا للَّبنِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرابِيِّ:

إذا المُرْضِعاتُ بعد أَوَّل هَجْعَةٍ *** سَمِعْتَ على ثُدِيِّهنَّ غَماغِما

قالَ: أَي أَلْبَانهنَّ قَلِيلَة فالرَّضِيعُ يُغَمْغِمُ ويَبْكِي على الثَّدْيِ إذا رَضِعه.

وِتَغَمْغَمَ الغَريقُ تحتَ الماءِ: إذا صوَّتَ.

وفي التهْذِيبِ؛ إذا تَداكَأَت فَوْقه الأَمْواجُ؛ وأَنْشَدَ:

كما هَوَى فِرعونُ إذْ تَغَمْغَما *** تحتَ ظِلالِ المَوْجِ إذ تَدَأَّما

أَي صارَ في دَأْماءِ البَحْرِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


46-تاج العروس (قتو)

[قتو]: والقَتْوُ، بالفَتْح، والقَتَا، كقَفًا، مُثَلَّثَةً: حُسْنُ خِدْمةِ المُلُوكِ. تقولُ: هو يَقْتُو المُلُوكَ؛ أَي يَخْدُمُهم.

وقيلَ لرَجُلٍ: ما صَنْعَتُك؟ قالَ: إذا صِفْتُ نَصفْتُ، وإذا شتَوْتُ قَتَوْتُ، فأَنا ناصِفٌ قاتِي في جميعِ أَوْقاتِي، من نَصَفَ ينصُفُ إذا خَدَمَ، كذا في الأساسِ، وأَنْشَدَ الجَوْهرِي:

إنِّي امْرؤٌ من بَني فَزارَةَ لا *** أُحْسِنُ قَتْوَ المُلُوكِ والخَبَبَا

وفي التَّهذيبِ:

إنِّي امْرؤٌ مِن بَنِي خُزَيمَةَ..

كالمَقْتَى يقالُ: قَتَوْتُ أَقْتُو قَتْوًا ومَقْتًى، كغَزَوْتُ أَغْزُو غَزْوًا ومَغْزًى، كما في الصِّحاحِ والتَّهذيبِ.

والقَتْوَةُ، بهاءٍ: النَّمِيمةُ، نقلَهُ الأزْهرِي عن ابنِ الأعْرابي.

والمَقْتَوُونَ، بفَتْح الميمِ، والمَقاتِوَةُ، بالواوِ، والمَقاتِيَةُ، بالياءِ: الخُدَّامُ، وقيلَ: الذينَ يَعْمَلُونَ للناسِ بطَعامِ بُطُونِهم، نقلَهُ ابنُ سِيدَه والجَوْهرِي وابنُ السيِّد في أَبياتِ كِتابِ المَعانِي. الواحِدُ مَقْتَوِيٌّ، بفَتْح الميمِ وتَشْديدِ الياءِ، كأَنَّه مَنْسوبٌ إلى المَقْتَى، وهو مَصْدَرٌ كما قالوا: ضَيْعةٌ عَجْزِيَّةٌ للتي لا تَفِي غَلَّتها بخَراجِها.

قالَ الجَوْهرِي: ويجوزُ تخفيف ياءِ النِّسْبَة، كما قالَ عَمْرُو بنُ كُلْثوم:

تُهَدِّدُنا وتُوعِدُنا رُوَيْدًا *** مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا؟

وقيلَ: الواحِدُ مَقْتَى أَو مَقْتَوِينُ، بفَتْحِ مِيمِهِما وكَسْر الواوِ، الأخيرُ نقلَهُ ابنُ سِيدَه، وتُفْتَحُ الواوُ أَي مِن مَقْتَوَيْن، غَيْرُ مَصْرُوفَيْنِ أَي مَمْنُوعَيْن من الصَّرْف، وهي للواحِدِ والاثْنَيْن والجَمْعِ والمُؤَنَّثِ والمُذكَّرِ سَواءٌ.

قالَ الجَوْهرِي: قالَ أبو عُبيدَةَ: قالَ رجُلٌ من بَني الحرمازِ: هذا رجُلٌ مَقْتَوِينٌ وهذان رجُلانِ مَقْتوِينٌ ورجالٌ مَقْتوِينٌ، كُلُّهُ سَواءٌ، وكَذلكَ المُؤَنَّث.

* قُلْت: رَواهُ المُفضَّل وأَبو زَيْدٍ عن ابنِ عَوْن الحِرْمازِي.

قالَ ابنُ جنِّي: ليسَتِ الواوُ في هؤلاء مَقْتَوُون ورأَيْت مَقْتَوِين ومَرَرْت بمَقْتَوِين إعْرابًا أَو دَلِيلَ إعْرابٍ إذ لو كانتْ لوَجَبَ أَن يقالَ: هؤلاء مَقْتَوْنَ ورأَيْتَ مَقْتَيْنَ، ولجَرَى مُصْطَفَيْن.

قالَ سِيْبَوَيْه: سأَلْت الخليلَ عن مَقْتَوٍ ومَقْتَوِين فقالَ: هذا بمنْزِلَةِ الأشْعرِيِّ والأَشْعَرِين، وكان القِياسُ إذ حَذَفْت ياءَ النَّسَبِ منه أَنْ يقالَ: مَقْتَوْن كما قالوا في الأعْلى الأَعْلَوْن إلَّا أنَّ اللامَ صحَّت في مَقْتَوِين، لتكونَ صحَّتها دَلالَةً على إرادَةِ النَّسَبِ، ليعلمَ أنَّ هذا الجَمْعَ المَحْذُوفَ منه النَّسَب بمنْزِلَةِ المُثْبتِ فيه. قالَ سِيْبَوَيْه: وإنْ شِئْت قُلْت جاؤُوا به على الأصْلِ كما قالوا: مَقاتِوَةٌ، وليسَ كلّ العَرَبِ يَعْرف هذه الكَلِمَة. قالَ: وإن شِئْتَ قُلْت بمنْزِلَةِ مِذْرَوَيْنِ حيث لم يَكُنْ له واحِدٌ يُفْردُ.

وقالَ أَبو عُثْمان: لم أَسْمَع مِثْلَ مَقاتِوَة إلَّا سَواسِوَةٌ في سَواسِيَةٍ ومَعْناه سَواء.

أَو الميمُ فيه أَصْلِيَّةٌ فيكونُ من مَقَتَ إذا خَدَمَ، فعلى هذا بابُه مقت، ولم يَذْكرْه المصنِّفُ هناك ونبَّهنا عليه.

واقْتَواهُ: اسْتَخْدَمَهُ، جاءَ ذلكَ في حديثِ عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عتبَة: سُئِلَ عن امْرأَةٍ كانَ زَوْجُها مَمْلوكًا فاشْتَرَتْه فقال: «إن اقْتَوَتْه فُرِّق بَيْنهما، وإن أَعْتَقَتْه فهُما على النِّكاح»؛ أَي اسْتَخْدَمَتْه، هكذا فسَّرَه ابنُ الأثيرِ وغيرُهُ.

قالَ ابنُ سِيدَه: وهذا شاذٌّ جدًّا لأنَّ بناءَ افْتَعَلَ لازِمٌ البَتَّةَ.

قالَ شيْخُنا: هذا كَلامُ الزَّمْخَشري فإنَّه قالَ: هو افْتَعَلَ مِن القَتْوِ للخِدْمَةِ كارْعَوَى مِن الرّعْوِ، قالَ: إلَّا أَنَّ فيه نَظَرًا لأنَّ افْتَعَلَ لم يَجِئْ متعدِّيًا، قالَ: والذي سَمِعْته اقْتَوَى إذا صارَ خادِمًا.

قالَ شيْخُنا: هو مُوافِقٌ لكَلامِ الجماهيرِ إلَّا أنَّ في كَلامِهم نظرًا مِن وَجْهَيْن: الأوّل: ادّعاؤُهم في اقْتَوَى أنّه افْتَعَلَ، وإن جَزَمَ به جَميعُ مَنْ رأَيْناه مِن أَئِمَّة اللّغَةِ فإنَّه غيرُ ظاهِرٍ، فإنَّ افْتَعَلَ التاءُ فيه زائِدَةٌ اتِّفاقًا، والتاءُ في اقْتَوَى أَصْلِيّة لأنَّه مِنَ القَتْوِ، فالتاءُ هي عَيْنه فوَزْنه في الظاهِرِ افْعَلَل كارْعَوَى من الرّعْوِ كما مَثَّلَ به الزَّمْخَشري، والعَجَبُ كيفَ نَظرَه به وذلك، افْعَلَل اتِّفاقًا، وجَعَلَ اقْتَوَى افْتَعَلَ مع أنَّه مُصَرّحٌ بأنَّه مِن القَتْوِ وهو الخِدْمَةُ، فهل هو إلَّا تَناقضٌ؟ لا يَتوَهَّمُ مُتوهِّمٌ أَنَّه افْتَعَلَ بوَجْهِ من الوُجُوهِ فتأَمَّله. فإِنِّي لم أَقِفْ لَهُم فيه على كَلامٍ محررٍ والصَّوابُ ما ذَكَرْته.

الثَّاني: بناؤُهم عليه أَنَّه افْتَعَلَ، وأنَّ افْتَعَلَ لا يكونُ إلَّا لازِمًا البَتَّة، فإنَّ دَعْوَاهُم لُزومُه البَتَّة فيه نَظَرٌ. بل هو أغْلَبيّ فيه. قالَ الشيخُ أبو حيَّان في الارْتشافِ: أَكْثَر بِناءِ افْتَعَلَ مِن اللّازِمِ فدلَّ قوْلُه أَكْثَر على أَنَّه غالبٌ فيه أَكْثري لا أنَّه لازِمٌ له، وصَرَّح بذلكَ غيرُهُ من أئمَّةِ الصَّرْف وقالوا: ابْتَنَى الشي‌ءَ بَناهُ، واقْتَفَى أَثَرًا تَبِعَه، واقْتَحاهُ: أَخَذَه، واقْتَضاهُ: طَلَبَه، كما مَرَّ، ويأْتِي له وهو كثيرٌ في نَفْسِه كما في شُرُوحِ التَّسْهيل وغيرها اه.

* قُلْت: وقد صَرَّحَ ابنُ جنِّي بأَنَّ مَقْتَوٍ وَزْنُه مَفْعَلِلٍ ونَظْرَه بمرْعَوٍ، ومن الصّحِيحِ المُدْغَم مُحْمَرٍّ ومُخْضَرٍّ وأَصْله مُقْتَوٌّ ومِثْلُه رجُلٌ مُغْزَوٍ ومُغْزَاوٍ، وأَصْلُهما مَغْزَوٌّ ومُغْزاوٌّ، والفِعْل اغْزَوَّ بَغزاوُّ كاحْمرَّ واحْمَارَّ.

والكُوفيونَ يُصَححونَ ويدْغِمُون ولا يُعِلّونَ، والدليل على فساد مذهبِهم قول العرب: ارْعَوَى ولم يقولوا ارْعَوَّ هذا كلام ابن جني نقله ابن سيده، فحيث ثبت هذا فالأَولى أن يقال، لأنَّ هذا البناءَ لازِمٌ البَتَّة؛ أَي بِناء افْعَلل لا افْتَعَل، وكَوْن بِناءُ افْعَلل لازِمًا البَتَّة لا شَكّ فيه باتِّفاقِ أَئِمَّةِ الصَّرْف، وبه يَرْتَفِعُ الإشْكالُ عن عِبارَةِ المصنَّفِ.

وأَمَّا إذا كانَ اقْتَوَى افْتَعَل فهو من بِناءِ قوي لا قتو، فتأَمَّل ذلك ترشد، و {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ}.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

يقالُ: اقْتَوَيْت من فُلانٍ الغَلامَ الذي بَيْنَنا: أَي اشْتَرَيْت حصَّتَه، نقلَهُ الزَّمْخَشري.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


47-المصباح المنير (قطع)

قَطَعْتُهُ أَقْطَعُهُ قَطْعًا فَانْقَطَعَ انْقِطَاعًا وَانْقَطَعَ الْغَيْثُ احْتَبَسَ وَانْقَطَعَ النَّهْرُ جَفَّ أَوْ حُبِسَ وَالْقِطْعَةُ الطَّائِفَةُ مِنْ الشَّيْءِ وَالْجَمْعُ قِطَعٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وَقَطَعْتُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ الْمَالِ فَرَزْتُهَا وَاقْتَطَعْتُ مِنْ مَالِهِ قِطْعَةً أَخَذْتُهَا وَقَطَعَ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ قَطِيعَةً وَهِيَ الْوَظِيفَةُ وَالضَّرِيبَةُ وَقَطَعْتُ الثَّمَرَةَ جَدَدْتُهَا وَهَذَا زَمَانُ الْقِطَاعِ بِالْكَسْرِ

وَقَطَعْتُ الصَّدِيقَ قَطِيعَةً هَجَرْتُهُ وَقَطَعْتُهُ عَنْ حَقِّهِ مَنَعْتُهُ وَمِنْهُ قَطَعَ الرَّجُلُ الطَّرِيقَ إذَا أَخَافَهُ لِأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْجَمْعُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَهُمْ اللُّصُوصُ الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى قُوَّتِهِمْ وَقَطَعْتُ الْوَادِيَ جُزْتُهُ وَقَطَعَ الْحَدَثُ الصَّلَاةَ أَبْطَلَهَا وَقَطَعَتْ الْيَدُ تَقْطَعُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا بَانَتْ بِقَطْعٍ أَوْ عِلَّةٍ فَالرَّجُلُ أَقْطَعُ وَالْيَدُ وَالْمَرْأَةُ قَطْعَاءُ مِثْلُ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ وَجَمْعُ الْأَقْطَعِ قُطْعَانٌ مِثْلُ أَسْوَدَ وَسُودَانٍ وَيَتَعَدَّى بِالْحَرَكَةِ فَيُقَالُ قَطَعْتُهَا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَالْقَطَعَةُ بِفَتْحَتَيْنِ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ الْأَقْطَعِ.

وَالْمِقْطَعُ بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةُ الْقَطْعِ وَالْمَقْطَعُ بِفَتْحِهَا مَوْضِعُ قَطْعِ الشَّيْءِ وَمُنْقَطَعُ الشَّيْءِ بِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَيْثُ يَنْتَهِي إلَيْهِ طَرَفُهُ نَحْوُ مُنْقَطَعِ الْوَادِي وَالرَّمْلِ وَالطَّرِيقِ وَالْمُنْقَطِعُ بِالْكَسْرِ الشَّيْءُ نَفْسُهُ فَهُوَ اسْمُ عَيْنٍ وَالْمَفْتُوحُ اسْمُ مَعْنًى.

وَالْقَطِيعُ مِنْ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا الْفِرْقَةُ وَالْجَمْعُ قُطْعَانٌ.

وَأَقْطَعَ الْإِمَامُ الْجُنْدَ الْبَلَدَ إقْطَاعًا جَعَلَ لَهُمْ غَلَّتَهَا رِزْقًا وَاسْتَقْطَعْتُهُ سَأَلْتُهُ الْإِقْطَاعَ وَاسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي يُقْطَعُ قَطِيعَةٌ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


48-لسان العرب (حسب)

حسب: فِي أَسماءِ اللَّهِ تَعَالَى الحَسِيبُ: هُوَ الْكَافِي، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِل، مِن أَحْسَبَنِي الشيءُ إِذَا كَفاني.

والحَسَبُ: الكَرَمُ.

والحَسَبُ: الشَّرَفُ الثابِتُ فِي الآباءِ، وَقِيلَ: هُوَ الشَّرَفُ فِي الفِعْل، عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

والحَسَبُ: مَا يَعُدُّه الإِنسانُ مِن مَفاخِرِ آبائهِ.

والحَسَبُ: الفَعالُ الصَّالِحُ، حَكَاهُ ثَعْلَبٌ.

وَمَا لَه حَسَبٌ وَلَا نَسَبٌ، الحَسَبُ: الفَعالُ الصَّالِحُ، والنَّسَبُ: الأَصْلُ؛ والفِعْلُ مِنْ كلِّ ذَلِكَ: حَسُبَ، بِالضَّمِّ، حَسَبًا وحَسابةً، مِثْلُ خَطُبَ خَطابةً، فَهُوَ حَسِيبٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

ورُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيبِ

أَي لَه آباءٌ يَفْعَلُونَ الخَيْرَ وَلَا يَفْعَلُه هُوَ؛ وَالْجَمْعُ حُسَباءُ.

وَرَجُلٌ كَرِيم الحَسَبِ، وَقَوْمٌ حُسَباءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الحَسَبُ: المالُ، والكَرَمُ: التَّقْوَى».

يَقُولُ: الَّذِي يَقُوم مَقام الشَّرَفِ والسَّراوةِ، إِنَّمَا هُوَ المالُ.

والحَسَبُ: الدِّينُ.

والحَسَبُ: البالُ، عَنْ كُرَاعٍ، وَلَا فِعْلَ لَهُمَا.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: والحَسَبُ والكَرمُ يَكُونَانِ فِي الرجلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آباءٌ لَهُمْ شَرَفٌ.

قَالَ: والشَّرَفُ والمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلا بالآباءِ فَجَعَل المالَ بِمَنْزِلَةِ شَرَفِ النَّفْسِ أَو الآباءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الفَقِير ذَا الحَسَبِ لَا يُوَقَّر، وَلَا يُحْتَفَلُ بِهِ، والغنِيُّ الَّذِي لَا حَسَبَ لَهُ، يُوقَّر ويُجَلُّ فِي العُيون.

وَفِي الْحَدِيثِ: «حَسَبُ الرَّجل خُلُقُه، وكَرَمُهُ دِينُه».

وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: حَسَبُ الرَّجل نَقاءُ ثَوْبَيْهِ أَي إِنَّهُ يُوَقَّرُ لِذَلِكَ، حيثُ هُوَ دَليل الثَّرْوة والجِدةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «تُنْكَحُ المَرأَة لمالِها وحَسَبِها ومِيسَمِها ودِينِها، فعَليكَ بذاتِ الدِّين، تَرِبَتْ يَداكَ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ الحَسَبُ هَاهُنَا: الفَعَالُ الحَسَنُ.

قَالَ الأَزهري: والفُقَهاءِ يَحْتاجُون إِلَى مَعْرِفة الحَسَبِ، لأَنه مِمَّا يُعْتَبر بِهِ مَهْرُ مِثْلِ المرأَة، إِذَا عُقِدَ النِّكاحُ عَلَى مَهْرٍ فاسِدٍ، قَالَ: وَقَالَ شَمِرٌ فِي كِتَابِهِ المُؤَلَّف فِي غَريب الْحَدِيثِ: «الحَسَبُ الفَعالُ الحَسنُ لَهُ وَلِآبَائِهِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الحِسابِ إِذَا حَسَبُوا مَناقِبَهم»؛ وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ:

ومَن كَانَ ذَا نَسْبٍ كَرِيمٍ، وَلَمْ يَكُنْ ***لَه حَسَبٌ، كَانَ اللَّئِيمَ المُذمَّما

ففَرقَ بَين الحَسَبِ والنَّسَبِ، فَجَعَلَ النَّسَبَ عدَد الآباءِ والأُمهاتِ، إِلَى حَيْثُ انْتَهى.

والحَسَبُ: الفَعالُ، مِثْلُ الشَّجاعةِ والجُود، وحُسْنِ الخُلُقِ والوَفاءِ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَمِرٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا سُميت مَساعِي الرجُل ومآثِرُ آبَائِهِ حَسَبًا، لأَنهم كَانُوا إِذَا تَفاخَرُوا عَدَّ المُفاخِرُ مِنْهُمْ مَناقِبَه ومَآثِرَ آبَائِهِ وحَسَبها؛ فالحَسْبُ: العَدُّ والإِحْصاءُ؛ والحَسَبُ مَا عُدَّ؛ وَكَذَلِكَ العَدُّ، مَصْدَرُ عَدَّ يَعُدُّ، والمَعْدُودُ عَدَدٌ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: «حَسَبُ المَرْءِ دِينُه»، ومُرُوءَتُه خُلُقه، وأَصلُه عَقْلُه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَرَمُ المَرْءِ دِينُه، ومُرُوءَتُه عَقْلُه، وحَسَبُه خُلُقُه»؛ ورَجُل شَريفٌ ورجُلٌ ماجِدٌ: لَهُ آباءٌ مُتَقَدِّمون فِي الشَّرَفِ؛ ورَجُلٌ حَسِيبٌ، ورَجُلٌ كرِيمٌ بنفْسِه.

قَالَ الأَزهري: أَراد أَن الحَسَبَ يَحْصُلُ للرَّجل بكَرم أَخْلاقِه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ، وَإِذَا كَانَ حَسِيبَ الآباءِ، فَهُوَ أَكرَمُ لَهُ.

وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ هَوازِنَ: «قَالَ لَهُمْ: اخْتاروا إحْدَى الطائِفَتَيْنِ: إِما المالَ»، وإِما السَّبْيَ.

فَقَالُوا: أَمَّا إذْ خَيَّرْتَنا بَيْنَ المالِ والحَسَبِ، فإِنَّا نَخْتارُ الحَسَبَ، فاخْتاروا أَبْناءَهم ونِساءَهم؛ أَرادوا أَنَّ فِكاكَ الأَسْرَى وإيثارَه عَلَى اسْتِرْجاعِ المالِ حَسَبٌ وفَعالٌ حَسَنٌ، فَهُوَ بالاختِيار أَجْدَرُ؛ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالحَسَب هَاهُنَا عَدَد ذَوي القَراباتِ، مأْخوذ مِنَ الحِساب، وَذَلِكَ أَنهم إِذَا تَفاخَرُوا عَدُّوا مَناقِبَهم ومآثِرَهم، فالحَسَب العَدُّ والمَعْدُود، والحَسَبُ والحَسْبُ قَدْرُ الشيءِ، كَقَوْلِكَ: الأَجْرُ بحَسَبِ مَا عَمِلْتَ وحَسْبِه أَي قَدْره؛ وَكَقَوْلِكَ: عَلَى حَسَبِ مَا أَسْدَيْتَ إِلَيَّ شُكْري لَكَ، تَقُولُ أَشْكُرُكَ عَلَى حَسَبِ بَلَائِكَ عِنْدي أَي عَلَى قَدْر ذَلِكَ.

وحَسْبُ، مَجْزُومٌ: بِمَعْنَى كَفَى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وأَمَّا حَسْبُ، فَمَعْنَاهَا الاكْتِفاءُ.

وحَسْبُكَ دِرْهم أَي كَفاكَ، وَهُوَ اسْمٌ، وَتَقُولُ: حَسْبُكَ ذَلِكَ أَي كفاكَ ذَلِكَ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

ولمْ يَكُنْ مَلَكٌ للقَوم يُنْزِلُهم، ***إلَّا صَلاصِلُ لَا تُلْوَى عَلَى حَسَبِ

وَقَوْلُهُ: لَا تُلْوَى عَلَى حَسَبٍ، أَي يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بالسَّوِيَّة، لَا يُؤْثَر بِهِ أَحد؛ وَقِيلَ: لَا تُلْوَىعَلَى حَسَب أَي لَا تُلْوَى عَلَى الكِفايةِ، لعَوَزِ الماءِ وقِلَّتِه.

وَيُقَالُ: أَحْسَبَني مَا أَعْطاني أَي كَفَانِي.

وَمَرَرْتُ برجلٍ حَسْبِكَ مِنْ رَجلٍ أَي كافِيكَ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمع لأَنه مَوْضُوعٌ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ؛ وَقَالُوا: هَذَا عَرَبِيٌّ حِسْبةً، انْتَصَبَ لأَنه حَالٌ وَقَعَ فِيهِ الأَمر، كَمَا انْتَصَبَ دِنْيًا، فِي قَوْلِكَ: هُوَ ابْنُ عَمِّي دِنْيًا، كأَنك قُلْتَ: هَذَا عرَبي اكْتِفاءً، وَإِنْ لَمْ يُتكلم بِذَلِكَ؛ وَتَقُولُ: هَذَا رَجُل حَسْبُكَ مِنْ رَجُل، وَهُوَ مَدْحٌ لِلنَّكِرَةِ، لأَن فِيهِ تأْويل فِعْل، كأَنه قَالَ: مُحْسِبٌ لَكَ أَي كافٍ لَكَ مِنْ غَيْرِهِ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالتَّثْنِيَةُ، لأَنه مَصْدَرٌ؛ وَتَقُولُ فِي الْمَعْرِفَةِ: هَذَا عبدُ اللَّهِ حَسْبَك مِنْ رَجُلٍ، فَتَنْصِبُ حَسْبَك عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ أَردت الْفِعْلَ فِي حَسْبك، قُلْتَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَحْسَبَكَ مِنْ رَجُلٍ، وَبِرَجُلَيْنِ أَحْسَباك، وبرِجال أَحْسَبُوكَ، وَلَكَ أَن تَتَكَلَّمَ بحَسْبُ مُفردةً، تَقُولُ: رأَيت زَيْدًا حَسْبُ يَا فتَى، كأَنك قُلْتَ: حَسْبِي أَو حَسْبُكَ، فأَضمرت هَذَا فَلِذَلِكَ لَمْ تنوِّن، لأَنك أَردت الإِضافة، كَمَا تَقُولُ: جاءَني زَيْدٌ لَيْسَ غَيْرُ، تُرِيدُ لَيْسَ غَيْرُهُ عِنْدِي.

وأَحْسَبَني الشيءُ: كَفَانِي؛ قَالَتِ امرأَة مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ:

ونُقْفِي وَليدَ الحَيِّ، إِنْ كَانَ جَائِعًا، ***ونُحْسِبُه، إنْ كانَ لَيْسَ بِجائعِ

أَي نُعْطِيه حَتَّى يَقُولَ حَسْبي.

وَقَوْلُهَا: نُقْفِيه أَي نُؤْثِرُه بالقَفِيَّة، وَيُقَالُ لَهَا القَفاوةُ أَيضًا، وَهِيَ مَا يُؤْثَر بِهِ الضَّيفُ والصَّبِيُّ.

وَتَقُولُ: أَعْطَى فأَحْسَبَ أَي أَكثَر حَتَّى قَالَ حَسْبِي.

أَبو زَيْدٍ: أَحْسَبْتُ الرَّجلَ: أَعْطَيْتُه مَا يَرْضَى؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: حَتَّى قَالَ حَسْبي؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَحْسَبَه مِنْ كلِّ شيءٍ: أَعْطاه حَسْبَه، وَمَا كَفَاهُ.

وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ جاءَ التَّفْسِيرُ يَكْفِيكَ اللهُ، ويَكْفِي مَن اتَّبَعَكَ؛ قَالَ: وموضِعُ الْكَافِ فِي حَسْبُكَ وَمَوْضِعُ مَنِ نَصْب عَلَى التَّفْسِيرِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا كانَتِ الهَيْجاءُ، وانْشَقَّتِ العَصا، ***فَحَسْبُكَ والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّد

قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: مَعْنَى الْآيَةِ يَكْفيكَ اللهُ ويَكْفِي مَنِ اتَّبَعَكَ؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَوْلَانِ: أَحدهما حَسْبُكَ اللهُ ومَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المؤْمنين كفايةٌ إِذَا نَصَرَهم اللَّهُ، وَالثَّانِي حَسبُكَ اللهُ وحَسْبُ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المؤْمنين، أَي يَكفِيكُم اللهُ جَميعًا.

وَقَالَ أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا}: يَكُونُ بِمَعْنَى مُحاسِبًا، وَيَكُونُ بِمَعْنَى كافِيًا؛ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}؛ أَي يُعْطِي كلَّ شيءٍ مِنَ العِلم والحِفْظ والجَزاءِ مِقْدارَ مَا يُحْسِبُه أَي يَكْفِيهِ.

تَقُولُ: حَسْبُكَ هَذَا أَي اكْتَفِ بِهَذَا.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «يُحْسِبُك أَن تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيام»أَي يَكْفِيكَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَوْ رُوِيَ بحَسْبِكَ أَن تَصُومَ؛ أي كِفايَتُك أَو كافِيكَ، كَقَوْلِهِمْ بِحَسْبِكَ قولُ السُّوءِ، والباءُ زَائِدَةٌ، لكانَ وَجْهًا.

والإِحْسابُ: الإِكْفاءُ.

قَالَ الرَّاعي:

خَراخِرُ، تُحْسِبُ الصَّقَعِيَّ، حَتَّى ***يَظَلُّ يَقُرُّه الرَّاعِي سِجالا

وَإِبِلٌ مُحْسبةٌ: لهَا لَحْم وشَحْم كَثِيرٌ؛ وأَنشد:

ومُحْسِبةٍ قَدْ أَخْطَأَ الحَقُّ غيرَها، ***تَنَفَّسَ عَنْهَا حَيْنُها، فَهِيَ كالشَّوِي

يَقُولُ: حَسْبُها مِنْ هَذَا.

وَقَوْلُهُ: قَدْ أَخطأَ الحَقُّ غَيْرَها، يَقُولُ: قَدْ أَخْطَأَ الحَقُّ غَيْرَهَا مِنْ نُظَرائها، وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يُوجِبُ للضُّيُوفِ، وَلَا يَقُوم بحُقُوقِهم إِلَّا نَحْنُ.

وَقَوْلُهُ: تَنَفَّسَ عَنْهَا حَيْنُها فَهِيَ كالشَّوِي، كأَنه نَقْضٌ للأَوَّلِ، وَلَيْسَ بِنَقْضٍ، إِنَّمَا يُرِيدُ: تَنَفَّس عَنْهَا حَيْنُها قبلَ الضَّيْفِ، ثُمَّ نَحَرْناها بعدُ للضَّيْفِ، والشَّوِيُّ هُنا: المَشْوِيُّ.

قَالَ: وَعِنْدِي أَن الْكَافَ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا أَراد فَهِيَ شَوِيٌّ، أَي فَريقٌ مَشْويٌّ أَو مُنْشَوٍ، وأَراد: وطَبيخٌ، فاجْتَزَأَ بالشَّوِيّ مِنَ الطَّبِيخِ.

قَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: سأَلت ابْنَ الأَعرابي عَنْ قَوْلِ عُروةَ بْنِ الوَرْد: ومحسبةٍ مَا أَخطأَ الحقُّ غيرَها الْبَيْتَ، فَقَالَ: المُحْسِبةُ بِمَعْنَيَيْنِ: مِنَ الحَسَب وَهُوَ الشَّرَفُ، وَمِنَ الإِحْسابِ وَهُوَ الكِفايةُ، أَي إِنَّهَا تُحْسِبُ بلَبَنِها أَهْلَها والضيفَ، وما صِلَةٌ، الْمَعْنَى: أَنها نُحِرتْ هِيَ وسَلِمَ غَيْرُها.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لأُحْسِبَنَّكُم مِن الأَسْوَدَيْن: يَعْنِي التَّمْر والماءَ أَي لأُوسِعَنَّ عَلَيْكُمْ.

وأَحْسَب الرجلَ وحَسَّبَه: أَطْعَمَه وَسَقَاهُ حَتَّى يَشْبَعَ ويَرْوَى مِنْ هَذَا، وَقِيلَ: أَعطاه مَا يُرْضِيه.

والحِسابُ: الْكَثِيرُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {عَطاءً حِسابًا}؛ أَي كَثِيرًا كافِيًا؛ وكلُّ مَنْ أُرْضِيَ فَقَدْ أُحْسِبَ.

وشيءٌ حِسابٌ أَي كافٍ.

وَيُقَالُ: أَتاني حِسابٌ مِنَ النَّاسِ أَي جَماعةٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ.

وَقَالَ ساعدةُ بْنُ جُؤَيَّةَ الهُذلي:

فَلمْ يَنْتَبِهْ، حَتَّى أَحاطَ بِظَهْرِه ***حِسابٌ وسِرْبٌ، كالجَرادِ، يَسُومُ

والحِسابُ والحِسابةُ: عَدُّك الشيءَ.

وحَسَبَ الشيءَ يَحْسُبُه، بِالضَّمِّ، حَسْبًا وحِسابًا وحِسابةً: عَدَّه.

أَنشد ابْنُ الأَعرابي لمَنْظور بْنِ مَرْثَدٍ الأَسدي:

يَا جُمْلُ أُسْقِيتِ بِلا حِسابَهْ، ***سُقْيَا مَلِيكٍ حَسَنِ الرِّبابَهْ،

قَتَلْتني بالدَّلِّ والخِلابَهْ

أَي أُسْقِيتِ بِلَا حِسابٍ وَلَا هِنْدازٍ، وَيَجُوزُ فِي حَسَنِ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالْجَرُّ، وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الرَّجَزَ: يَا جُمل أَسقاكِ، وَصَوَابُ إنشادِه: يَا جُمْلُ أُسْقِيتِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي رَجَزِهِ.

والرِّبابةُ، بِالْكَسْرِ: القِيامُ عَلَى الشيءِ بإِصْلاحِه وتَربِيَتِه؛ وَمِنْهُ مَا يُقَالُ: رَبَّ فُلَانٌ النِّعْمةَ يَرُبُّها رَبًّا ورِبابةً.

وحَسَبَه أَيضًا حِسْبةً: مِثْلُ القِعْدةِ والرِّكْبةِ.

قَالَ النَّابِغَةُ:

فَكَمَّلَتْ مِائةً فِيها حَمامَتُها، ***وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذَلِكَ العَدَدِ

وحُسْبانًا: عَدَّه.

وحُسْبانُكَ عَلَى اللَّهِ أَي حِسابُكَ.

قَالَ:

عَلَى اللَّهِ حُسْباني، إِذَا النَّفْسُ أَشْرَفَتْ ***عَلَى طَمَعٍ، أَو خافَ شَيْئًا ضَمِيرُها

وَفِي التَّهْذِيبِ: حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبُه حِسابًا، وحَسَبْتُ الشيءَ أَحْسُبُه حِسْبانًا وحُسْبانًا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ}؛ أَي حِسابُه واقِعٌ لَا مَحالَة، وكلُّ واقِعٍ فَهُوَ سَرِيعٌ، وسُرْعةُ حِسابِ اللَّهِ، أَنه لَا يَشْغَلُه حِسابُ وَاحِدٌ عَن مُحاسَبةٍ الآخَر، لأَنه سُبْحَانَهُ لَا يَشْغَلُه سَمْع عَنْ سَمْعٍ، وَلَا شَأْنٌ عَنْ شأْنٍ.

وَقَوْلُهُ، جَلَّ وَعَزَّ: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا؛ أَي كفَى بِك لنَفْسِكَ مُحاسبًا.

والحُسْبانُ: الحِسابُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ العَمَلِ مَنْحُ الرِّغابِ، لَا يَعْلَمُ حُسْبانَ أَجْرِهِ إِلَّا اللهُ».

الحُسْبانُ، بِالضَّمِّ: الحِسابُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ}، مَعْنَاهُ بِحِسابٍ ومَنازِلَ لَا يَعْدُوانِها.

وَقَالَ الزَجاج: بحُسْبانٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَد الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ وَجَمِيعِ الأَوقات.

وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبانًا}: مَعْنَاهُ بِحِسابٍ، فحذَف الباءَ.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: حُسْبانًا مَصْدَرٌ، كَمَا تَقُولُ: حَسَبْتُه أَحْسُبُه حُسْبانًا وحِسْبانًا؛ وجعله الأَحفش جَمْعَ حِسابٍ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الحُسْبانُ جَمْعُ حِسابٍ وَكَذَلِكَ أَحْسِبةٌ، مِثل شِهابٍ وأَشْهِبةٍ وشُهْبانٍ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}؛ أَي بِغَيْرِ تَقْتِير وتَضْيِيقٍ، كَقَوْلِكَ: فُلَانٌ يُنْفِقُ بِغَيْرِ حِساب أَي يُوَسِّعُ النَّفَقة، وَلَا يَحْسُبُها؛ وَقَدِ اختُلف فِي تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ عَلَى أَحد بالنُّقصان؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِغَيْرِ مُحاسَبةٍ أَي لَا يخافُ أَن يُحاسِبه أَحد عَلَيْهِ؛ وَقِيلَ: بِغَيْرِ أَنْ حَسِبَ المُعْطَى أَنه يُعْطِيه، أَعطاهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبْ.

قَالَ الأَزهري: وأَما قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}؛ فَجَائِزٌ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ لَا يُقَدِّره وَلَا يَظُنُّه كَائِنًا، مِن حَسِبْتُ أَحْسِبُ، أَي ظَنَنْتُ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ مأْخوذًا مِن حَسَبْتُ أَحْسُبُ، أَراد مِن حَيْثُ لَمْ يَحْسُبْه لنفْسِه رِزقًا، وَلَا عَدَّه فِي حِسابه.

قَالَ الأَزهري: وَإِنَّمَا سُمِّي الحِسابُ فِي المُعامَلاتِ حِسابًا، لأَنهُ يُعلم بِهِ مَا فِيهِ كِفايةٌ لَيْسَ فِيهِ زيادةٌ عَلَى المِقْدار وَلَا نُقْصان.

وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

إِذَا نَدِيَتْ أَقْرابُهُ لَا يُحاسِبُ

يَقول: لَا يُقَتِّر عَلَيْكَ الجَرْيَ، وَلَكِنَّهُ يأْتي بِجَرْيٍ كَثِيرٍ.

والمَعْدُود مَحْسُوبٌ وحَسَبٌ أَيضًا، وَهُوَ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعولٍ، مِثْلُ نَفَضٍ بِمَعْنَى مَنْفُوضٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِيَكُنْ عَمَلُكَ بحَسَبِ ذَلِكَ، أَي عَلَى قَدْرِه وعَدَدِه.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مَا أَدري مَا حَسَبُ حَدِيثك أَي مَا قَدْرُه وَرُبَّمَا سُكِّنَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ.

وحاسَبَه: مِنَ المُحاسَبةِ.

وَرَجُلٌ حاسِبٌ مِنْ قَوْمٍ حُسَّبٍ وحُسَّابٍ.

والحِسْبةُ: مَصْدَرُ احْتِسابِكَ الأَجر عَلَى اللَّهِ، تَقُولُ: فَعَلْته حِسْبةً، واحْتَسَبَ فِيهِ احْتِسابًا؛ والاحْتِسابُ: طَلَبُ الأَجْر، وَالِاسْمُ: الحِسْبةُ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الأَجْرُ.

واحْتَسَبَ فُلَانٌ ابْنًا لَهُ أَو ابْنةً لَهُ إِذَا ماتَ وَهُوَ كَبِيرٌ، وافْتَرَطَ فَرَطًا إِذَا مَاتَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، لَمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فاحْتَسَبَه، » أَي احْتسب الأَجرَ بِصَبْرِهِ عَلَى مُصيبتِه بِهِ، مَعْنَاهُ: اعْتَدَّ مُصِيبَتَه بِهِ فِي جُملةِ بَلايا اللَّهِ، الَّتِي يُثابُ عَلَى الصَّبْر عَلَيْهَا، واحْتَسَبَ بِكَذَا أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْجَمْعُ الحِسَبُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَن صامَ رمضانَ إِيمَانًا واحْتِسابًا» أَي طلَبًا لوجهِ اللهِ تَعَالَى وثَوابِه.

والاحتِسابُ مِنَ الحَسْبِ: كالاعْتدادِ مِنَ العَدِّ؛ وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ يَنْوِي بعَمَلِه وجْهَ اللهِ: احْتَسَبَه، لأَن لَهُ حِينَئِذٍ أَن يَعْتدَّ عَمَله، فجُعِل فِي حَالِ مُباشرة الْفِعْلِ، كأَنه مُعْتَدٌّ بِهِ.

والحِسْبةُ: اسْمٌ مِنَ الاحْتِسابِ كالعِدّةِ مِنَ الاعْتِداد.

والاحتِسابُ فِي الأَعمال الصالحاتِ وَعِنْدَ المكْرُوهاتِ: هُوَ البِدارُ إِلَى طَلَبِ الأَجْرِ وتَحْصِيله بِالتَّسْلِيمِ وَالصَّبْرِ، أَو بِاسْتِعْمَالِ أَنواعِ البِرِّ والقِيامِ بِهَا عَلَى الوَجْهِ المَرْسُوم فِيهَا، طلَبًا لِلثَّوَابِ المَرْجُوِّ مِنْهَا.

وَفِي حَدِيثِ عُمَر: «أَيُّها الناسُ»، احْتَسِبُوا أَعْمالَكم، فإنَّ مَن احْتَسَبَ عَمَلَه، كُتِبَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِه وأَجْرُ حِسْبَتِه.

وحَسِبَ الشيءَ كائِنًا يَحْسِبُه ويَحْسَبُه، والكَسر أَجْودُ اللغتَين، حِسْبانًا ومَحْسَبَةً ومَحْسِبةً: ظَنَّه؛ ومَحْسِبة: مَصْدَرٌ نَادِرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ نَادِرٌ عِنْدِي عَلَى مَنْ قَالَ يَحْسَبُ فَفَتَحَ، وأَما على من قال يَحْسِبُ فكَسَر فَلَيْسَ بِنَادِرٍ.

وَفِي الصِّحَاحِ: وَيُقَالُ: أَحْسِبه بِالْكَسْرِ، وَهُوَ شَاذٌّ لأَنّ كُلَّ فِعْلٍ كَانَ ماضِيه مَكْسُورًا، فَإِنَّ مُسْتَقْبَلَهُ يأْتي مَفْتُوحَ الْعَيْنِ، نَحْوُ عَلِمَ يْعلَم، إِلَّا أَربعةَ أَحرف جاءَت نَوَادِرَ: حَسِبَ يَحْسِبُ، ويَبِسَ يَيْبِسُ، ويَئِسَ يَيْئِسُ، ونَعِمَ يَنْعِم، فَإِنَّهَا جاءَت مِنَ السَّالِمِ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ.

وَمِنَ الْمُعْتَلِّ مَا جاءَ مَاضِيهِ ومُسْتَقْبَلُه جَمِيعًا بِالْكَسْرِ: وَمِقَ يَمِقُ، ووَفِقَ يَفِقُ، ووَثِقَ يَثِقُ، ووَرِعَ يَرِعُ، ووَرِمَ يَرِمُ، ووَرِثَ يَرِثُ، ووَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي، وَوِليَ يَلي.

وقُرِئَ قَوْلُهُ تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ} {وَلَا تحْسِبَنَّ}؛ وَقَوْلُهُ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ}؛ الخطابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ الأُمة.

وَرَوَى"""" الأَزهريُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأَ: يَحْسِبُ أَنَّ مالَه أَخْلَدَه.

مَعْنَى أَخْلَدَه أَي يُخْلِدُه، وَمِثْلُهُ: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ؛ أَي يُنادِي؛ وَقَالَ الحُطَيْئَةُ:

شَهِدَ الحُطَيْئةُ، حِينَ يَلْقَى، رَبَّه ***أَنَّ الوَلِيدَ أَحَقُّ بالعُذْرِ

يُرِيدُ: يَشْهَدُ حِينَ يَلْقَى رَبَّه.

وَقَوْلُهُمْ: حَسِيبُكَ اللَّهُ أَي انْتَقَمَ اللهُ مِنْكَ.

والحُسْبانُ، بِالضَّمِّ: العَذاب والبَلاءُ.

وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: «كَانَ»، إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ، يَقُولُ: لَا تَجْعَلْها حُسْبانًا أَي عَذابًا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ}؛ يَعْنِي نَارًا.

والحُسْبانُ أَيضًا: الجرادُ والعَجاجُ.

قَالَ أَبو زِيَادٍ: الحُسْبانُ شَرٌّ وبَلاءٌ، والحُسبانُ: سِهامٌ صِغارٌ يُرْمَى بِهَا عَنِ القِسِيِّ الفارِسِيَّةِ، وَاحِدَتُهَا حُسْبانةٌ.

قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ مولَّد.

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الحُسْبانُ سِهامٌ يَرْمِي بِهَا الرَّجُلُ فِي جوفِ قَصَبةٍ، يَنْزِعُ فِي القَوْسِ ثُمَّ يَرْمِي بِعِشْرِينَ مِنْهَا فَلَا تَمُرُّ بشيءٍ إِلَّا عَقَرَتْه، مِنْ صاحِب سِلاحٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا نَزع فِي القَصَبةِ خَرَجَتِ الحُسْبانُ، كأَنها غَبْيةُ مَطَرٍ، فَتَفَرَّقَتْ فِي النَّاسِ؛ وَاحِدَتُهَا حُسْبانةٌ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الحُسْبانُ: المَرامي، وَاحِدَتُهَا حُسْبانةٌ، والمرامِي: مِثْلُ المَسالِّ دَقيقةٌ، فِيهَا شيءٌ مِنْ طُول لَا حُروف لَهَا.

قَالَ: والقِدْحُ بالحَدِيدة"""" مِرْماةٌ، وبالمَرامِي فُسِّرَ قَوْلُهُ تعالى: {وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ}.

والحُسْبانةُ: الصّاعِقةُ.

والحُسْبانةُ: السَّحابةُ.

وقال الزجاج: يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانًا، قَالَ: الحُسْبانُ فِي اللُّغَةِ الحِسابُ.

قَالَ تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ}؛ أَي بِحِسابٍ.

قَالَ: فَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْهَا عَذابَ حُسْبانٍ، وَذَلِكَ الحُسْبانُ حِسابُ مَا كَسَبَتْ يَداك.

قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي قَالَهُ الزجاجُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بَعِيدٌ، والقولُ مَا تَقَدَّمَ؛ وَالْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعلم: أَنَّ اللهَ يُرْسِلُ، عَلَى جَنَّةِ الْكَافِرِ، مَرامِيَ مِنْ عَذابِ النارِ، إِما بَرَدًا وَإِمَّا حِجارةً، أَو غَيْرَهُمَا مِمَّا شاءَ، فيُهْلِكُها ويُبْطِلُ غَلَّتها وأَصْلَها.

والحُسْبانة: الوِسادةُ الصَّغيرة، تَقُولُ مِنْهُ: حَسَّبْتُه إِذَا وَسَّدْتَه.

قَالَ نَهِيك الفَزارِيُّ، يُخَاطِبُ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ:

لتَقَيتَ، بالوَجْعاءِ، طَعْنةَ مُرْهَفٍ ***مُرَّانَ، أَو لَثَويْتَ غَيْرَ مُحَسَّبِ

الوَجْعاءُ: الاسْتُ.

يَقُولُ: لَوْ طَعَنْتُكَ لوَلَّيْتني دُبُرَكَ، واتَّقَيْتَ طَعْنَتِي بوَجعائِكَ، ولثَوَيْتَ هالِكًا، غَيْرَ مُكَرَّمٍ لَا مُوَسَّدٍ وَلَا مُكَفَّنٍ؛ أَو مَعْنَاهُ: أَنه لَمْ يَرْفَعْكَ حَسَبُكَ فيُنْجِيَكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَمْ يُعَظَّم حَسَبُكَ.

والمِحْسَبة: الوِسادةُ مِنَ الأَدَمِ.

وحَسَّبَه: أَجْلسه عَلَى الحُسْبانةِ أَو المِحْسَبة.

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لبِساطِ البَيْتِ: الحِلْسُ، ولِمَخادِّه: المَنابِذُ، ولمَساوِرِه: الحُسْباناتُ، ولحُصْرِه: الفُحولُ.

وَفِي حَدِيثِ طَلْحةَ: «هَذَا مَا اشْتَرَى طلحةُ مِن فُلانٍ فَتاه بخَمْسِمائةِ دِرْهم بالحسَبِ والطِّيبِ»أَي بالكَرامةِ مِنَ المُشْتَرِي وَالْبَائِعِ، والرَّغْبةِ وطِيبِ النفْسِ مِنْهُمَا، وَهُوَ مِنْ حَسَّبْتُه إِذَا أَكْرَمْتَه؛ وَقِيلَ: مِنَ الحُسبانةِ، وَهِيَ الوِسادة الصغيرةُ، وَفِي حَدِيثِ سِماكٍ، قَالَ شُعْبةُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا حَسَّبُوا ضَيْفَهم شَيْئًا

أَي مَا أَكْرَمُوه.

والأَحْسَبُ: الَّذِي ابْيَضَّتْ جِلْدَته مِن داءٍ، فَفَسَدَتْ شَعَرَته، فَصَارَ أَحمرَ وأَبيضَ؛ يَكُونُ ذَلِكَ فِي النَّاسِ والإِبل.

قَالَ الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: وَهُوَ الأَبْرَصُ.

وَفِي الصِّحَاحِ: الأَحْسَبُ مِنَ النَّاسِ: الَّذِي فِي شَعَرِ رأْسه شُقْرةٌ.

قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:

أَيا هِندُ لَا تنْكِحي بُوهةً، ***عَلَيْه عَقِيقَتُه، أَحْسَبا

يَصِفُه باللُّؤْم والشُّحِّ.

يَقُولُ: كأَنه لَمْ تُحْلَقْ عَقِيقَتُه فِي صِغَره حَتَّى شاخَ.

والبُوهةُ: البُومة العَظِيمة، تُضْرب مَثَلًا لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا خيرَ فِيهِ.

وعَقِيقَتُه: شَعَرُهُ الَّذِي يُولد بِهِ.

يَقُولُ: لَا تَتَزَوَّجي مَن هَذِهِ صِفَتُه؛ وَقِيلَ هُوَ مِنَ الإِبل الَّذِي فِيهِ سَوادٌ وحُمْرة أَو بَياض، وَالِاسْمُ الحُسْبةُ، تَقُولُ مِنْهُ: أَحْسَبَ البَعِيرُ إحْسابًا.

والأَحْسَبُ: الأَبرص.

ابْنُ الأَعرابي: الحُسْبَةُ سَوادٌ يَضْرِبُ إِلَى الحُمْرةِ؛ والكُهْبةُ: صُفرة تَضرِبُ إِلَى حُمْرَةٍ؛ والقُهْبةُ: سَواد يَضْرِبُ إِلَى الخُضْرة؛ والشهْبةُ: سَوَادٌ وَبَيَاضٌ؛ والحُلْبةُ: سَوَادٌ صِرْف؛ والشُّرْبةُ: بَياضٌ مُشْرَبٌ بحُمْرةٍ؛ واللُّهْبة: بَيَاضٌ ناصعٌ نَقِيٌّ؛ والنُّوبة: لَونُ الخِلاسِيِّ، وَهُوَ الَّذِي أَخَذ مِنْ سَواد شَيْئًا، وَمِنْ بَيَاضٍ شَيْئًا كأَنه وُلِدَمِنْ عَرَبيّ وحَبَشِيَّة.

وَقَالَ أَبو زِيَادٍ الكلابيُّ: الأَحْسَبُ مِنَ الإِبل: الَّذِي فِيهِ سَواد وحُمرة وبَياضٌ، والأَكْلَفُ نَحْوُهُ.

وَقَالَ شَمِرٌ: هُوَ الَّذِي لَا لَونَ لَهُ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ أَحْسَبُ كَذَا، وأَحْسَبُ كَذَا.

والحَسْبُ والتَّحْسِيبُ: دَفْنُ المَيِّتِ؛ وَقِيلَ: تَكْفِينُه؛ وَقِيلَ: هُوَ دَفْنُ الميِّتِ فِي الْحِجَارَةِ؛ وأَنشد:

غَداةَ ثَوَى فِي الرَّمْلِ، غيرَ مُحَسَّبِ أَي غَيْرَ مَدْفُون، وَقِيلَ: غَيْرَ مُكَفَّن، وَلَا مُكَرَّم، وَقِيلَ: غَيْرُ مُوَسَّدٍ، والأَول أَحسن.

قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف التَّحْسِيبَ بِمَعْنَى الدَّفْن فِي الْحِجَارَةِ، وَلَا بِمَعْنَى التَّكْفِين، وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ غيرَ مُحَسَّب أَي غَيْرَ مُوَسَّد.

وَإِنَّهُ لَحَسنُ الحِسْبةِ فِي الأَمْر أَي حَسَنُ التدبير النَّظَرِ فِيهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنِ احْتِسابِ الأَجْر.

وَفُلَانٌ مُحْتَسِبُ البَلَدِ، وَلَا تَقُلْ مُحْسِبُه.

وتَحَسَّب الخبَرَ: اسْتَخْبَر عَنْهُ، حجازِيَّةٌ.

قَالَ أَبو سِدْرَةَ الأَسدي، وَيُقَالُ: إِنَّهُ هُجَيمِيٌّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي الهُجَيْمِ:

تَحَسَّب هَوَّاسٌ، وأَيْقَنَ أَنَّني ***بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ واحدٍ لَا أُغامِرُهْ

فقلتُ لَهُ: فَاهَا لِفِيكَ، فإنَّها ***قَلُوصُ امْرِئٍ، قاريكَ مَا أَنتَ حاذِرُه

يَقُولُ: تَشَمَّمَ هَوّاسٌ، وَهُوَ الأَسَدُ، نَاقَتِي، وظَنَّ أَني أَتركُها لَهُ، وَلَا أُقاتِله.

وَمَعْنَى لَا أُغامِرُه أَي لَا أُخالِطُه بِالسَّيْفِ، وَمَعْنَى مِنْ وَاحِدٍ أَي مِنْ حَذَر واحدٍ، والهاءُ فِي فَاهَا تَعُودُ عَلَى الداهِية أَي أَلزَم اللهُ فَاهَا لِفيكَ، وَقَوْلُهُ: قاريكَ مَا أَنتَ حاذِرُه، أَي لَا قِرى لَكَ عِنْدِي إِلَّا السَّيفُ.

واحْتَسَبْتُ فُلَانًا: اختبرْتُ مَا عِنْدَهُ، والنِّساءُ يَحْتَسِبْنَ مَا عِندَ الرِّجال لَهُنَّ أَي يَخْتَبِرْنَ.

أَبو عُبَيْدٍ: ذَهَبَ فُلَانٌ يَتَحَسَّبُ الأَخْبارَ أَي يَتَجَسَّسُها، بِالْجِيمِ، ويَتَحَسَّسُها، ويَطْلُبها تَحَسُّبًا.

وَفِي حَدِيثِ الأَذان: «أَنهم كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فيَتَحَسَّبُون الصَلاةَ فَيَجِيئُون بِلَا داعٍ»أَي يَتَعَرَّفُون ويَتَطَلَّبُون وَقْتَها ويَتَوَقَّعُونه فيَأْتُون المَسْجد قَبْلَ أَن يَسْمَعُوا الأَذان؛ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ: يَتَحَيَّنُون مِنَ الحِينِ الوَقْتِ؛ أي يَطْلُبون حِينَها.

وَفِي حَدِيثِ بعْضِ الغَزَواتِ: «أَنهم كَانُوا يَتَحَسَّبُونَ الأَخْبار»أَي يَتَطلَّبُونها.

واحْتَسَبَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ: أَنكر عَلَيْهِ قَبِيحَ عَمَلِهِ؛ وَقَدْ سَمَّتْ (أَي العربُ) حَسِيبًا وحُسَيْبًا.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


49-لسان العرب (نشح)

نشح: نَشَحَ الشاربُ يَنْشَحُ نَشْحًا ونُشُوحًا وانْتَشَح إِذا شُرِبَ حَتَّى امتلأَ؛ وَقِيلَ: نَشَحَ شَرب شُرْبًا قَلِيلًا دُونَ الرَّيِّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

فانْصاعتِ الحُقْبُ لَمْ تَقْصَعْ صَرائِرَها، ***وَقَدْ نَشَحْنَ، فَلَا رِيٌّ وَلَا هِيمُ

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ قَالَ لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «انْظُري مَا زَادَ مِنْ مَالِي فَرُدِّيه إِلى الْخَلِيفَةِ بِعْدِي، فإِني كُنْتُ نَشَحْتُها جُهْدي»أَي أَقللت مِنَ الأَخذ مِنْهَا.

والنَّشْحُ: الشُّرْبُ الْقَلِيلُ.

ونَشَحَ بعيرَه: سَقَاهُ مَاءً قَلِيلًا، وَالِاسْمُ النَّشُوحُ مِنْ قَوْلِكَ نَشَحَ إِذا شَرِبَ شُرْبًا دُونَ الرِّيِّ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ يَصِفُ الْحَمِيرَ:

حَتَّى إِذا مَا غَيَّبتْ نَشُوحا

وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ عَلَى النَّشُوح الْمَاءُ الْقَلِيلُ.

وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَي أَدخلت أَجوافها شَرَابًا غَيَّبَتْه فِيهِ؛ وَقِيلَ: النَّشُوح، بِالْفَتْحِ، الماءُ الْقَلِيلُ.

قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ أَعرابيًّا يَقُولُ لأَصحابه: أَلا وانْشَحُوا خيلَكم نَشْحًا أَي اسْقُوهَا سَقْيًا يَفْثَأُ غُلَّتَها وإِن لَمْ يُرْوِها؛ قَالَ الرَّاعِي يَذْكُرُ مَاءً وَرَدَه:

نَشَحْتُ بِهَا عَنْسًا تَجافى أَظَلُّها ***عَنِ الأُكْمِ، إِلا مَا وَقَتْها السَّرائِحُ

والنَّشْحُ: الْعَرَقُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.

وسِقاءٌ نَشَّاحٌ: رَشَّاح نَضَّاح.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


50-لسان العرب (سبل)

سبل: السَّبِيلُ: الطريقُ وَمَا وَضَحَ مِنْهُ، يُذَكَّر وَيُؤَنَّثُ.

وسَبِيلُ اللَّهِ: طَرِيقُ الهُدى الَّذِي دَعَا إِليه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}، فذُكِّر؛ وَفِيهِ: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ"، فأُنِّث.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: عَلَى اللَّهِ أَن يَقْصِدَ السَّبِيلَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهَا جَائِرٌ أَي وَمِنَ الطُّرُق جائرٌ عَلَى غَيْرِ السَّبيل، فَيَنْبَغِي أَن يَكُونَ السَّبيل هُنَا اسْمَ الْجِنْسِ لَا سَبيلًا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ، لأَنه قَدْ قَالَ وَمِنْهَا جائرٌ أَي وَمِنْهَا سَبيلٌ جَائِرٌ.

وَفِي حَدِيثِ سَمُرة: «فإِذا الأَرضُ عِنْدَ أَسْبُله» أَي طُرُقه، وَهُوَ جَمْعُ قِلَّة للسَّبِيلِ إِذا أُنِّثَتْ، وإِذا ذُكِّرَت فَجَمْعُهَا أَسْبِلة.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، أَي فِي الْجِهَادِ؛ وكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ فَهُوَ مِنْ سَبِيل اللَّهِ أَي مِنَ الطُّرُق إِلى اللَّهِ، وَاسْتَعْمَلَ السَّبِيل فِي الْجِهَادِ أَكثر لأَنه السَّبيل الَّذِي يقاتَل فِيهِ عَلَى عَقْد الدِّينِ، وَقَوْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" أُريد بِهِ الَّذِي يُرِيدُ الغَزْو وَلَا يَجِدُ مَا يُبَلِّغُه مَغْزاه، فيُعْطى مِنْ سَهْمه، وكُلُّ سَبِيل أُريد بِهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ بِرٌّ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي سَبيل اللَّهِ، وإِذا حَبَّس الرَّجلُ عُقْدةً لَهُ وسَبَّل ثَمَرَها أَو غَلَّتها فإِنه يُسلَك بِمَا سَبَّل سَبيلُ الخَيْر يُعْطى مِنْهُ ابْنُ السَّبيل والفقيرُ والمجاهدُ وَغَيْرُهُمْ.

وسَبَّل ضَيْعته: جَعَلها فِي سَبيل اللَّهِ.

وَفِي حَدِيثِ وَقْف عُمَر: «احْبِسْ أَصلها وسَبِّلْ ثَمَرَتَها»؛ أي اجْعَلْهَا وَقَفًا وأَبِحْ ثَمَرَتَهَا لِمَنْ وقَفْتها عَلَيْهِ.

وسَبَّلْت الشيءَ إِذا أَبَحْته كأَنك جَعَلْتَ إِليه طَرِيقًا مَطْروقة.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ سَبيل اللَّهِ وَابْنِ السَّبيل، والسَّبِيل فِي الأَصل الطَّرِيقُ، والتأْنيث فِيهَا أَغلب.

قَالَ: وسَبِيل اللَّهِ عامٌّ يَقَعُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ خَالِصٍ سُلك بِهِ طَرِيقُ التقرُّب إِلى اللَّهِ تَعَالَى بأَداء الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وأَنواع التطوُّعات، وإِذا أُطلق فَهُوَ فِي الْغَالِبِ وَاقِعٌ عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى صَارَ لكثْرة الِاسْتِعْمَالِ كأَنه مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، وأَما ابْنُ السَّبيل فَهُوَ الْمُسَافِرُ الْكَثِيرُ السَّفَرِ، سُمِّي ابْنًا لَهَا لمُلازَمته إِياها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «حَريمُ الْبِئْرِ أَربعون ذِرَاعًا مِنْ حَوالَيْها لأَعْطان الإِبل وَالْغَنَمِ، وَابْنُ السَّبِيل أَوْلى شَارِبٍ مِنْهَا» أَي عابِرُ السَّبيل المجتازُ بِالْبِئْرِ أَو الْمَاءِ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْمُقِيمِ عَلَيْهِ، يُمَكَّن مِنَ الوِرْد وَالشُّرْبِ ثُمَّ يَدَعه لِلْمُقِيمِ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ}؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ابنُ السَّبِيل ابنُ الطَّرِيقِ، وتأْويله الَّذِي قُطِع عَلَيْهِ الطريقُ، وَالْجَمْعُ سُبُلٌ.

وسَبِيلٌ سَابِلَةٌ: مَسْلوكة.

والسَّابِلَة: أَبناء السَّبيل الْمُخْتَلِفُونَ عَلَى الطُّرُقات فِي حَوَائِجِهِمْ، وَالْجَمْعُ السَّوَابِل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ابْنُ السَّبِيل الْغَرِيبُ الَّذِي أَتى بِهِ الطريقُ؛ قَالَ الرَّاعِي:

عَلَى أَكْوارِهِنَّ بَنُو سَبِيلٍ، ***قَلِيلٌ نَوْمُهُم إِلّا غِرَارا

وَقَالَ آخَرُ:

ومَنْسوب إِلى مَنْ لَمْ يَلِدْه، ***كَذَاكَ اللهُ نَزَّل فِي الْكِتَابِ

وأَسْبَلَتِ الطريقُ: كَثُرت سابِلَتُها.

وَابْنُ السَّبِيل: المسافرُ الَّذِي انْقُطِع بِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلى بَلَدِهِ وَلَا يَجِد مَا يَتَبَلَّغ بِهِ فَلَه فِي الصَّدَقات نَصِيبٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَهْمُ سَبيل اللَّهِ فِي آيةِ الصَّدَقَاتِ يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَراد الغَزْو مِنْ أَهل الصَّدَقَةِ، فَقِيرًا كَانَ أَو غَنِيًّا؛ قَالَ: وَابْنُ السَّبِيل عِنْدِي ابْنُ السَّبيل مِنْ أَهل الصَّدَقَةِ الَّذِي يُرِيدُ الْبَلَدَ غَيْرَ بَلَدِهِ لأَمر يَلْزَمُهُ، قَالَ: ويُعْطَى الْغَازِي الحَمُولة والسِّلاح والنَّفقة والكِسْوة، ويُعْطَى ابنُ السَّبِيل قدرَ مَا يُبَلِّغه البلدَ الَّذِي يُرِيدُهُ فِي نَفَقته وحَمُولته.

وأَسْبَلَ إِزاره.

أَرخاه.

وامرأَة مُسْبِلٌ: أَسْبَلَتْ ذَيْلَهَا.

وأَسْبَلَ الفرسُ ذَنَبَه: أَرسله.

التَّهْذِيبِ: وَالْفَرَسُ يُسْبِلُ ذَنَبه والمرأَة تُسْبِلُ ذَيْلَهَا.

يُقَالُ: أَسْبَلَ فُلَانٌ ثِيَابَهُ إِذا طَوَّلَهَا وأَرسلها إِلى الأَرض.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمهم اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُر إِليهم ولا يُزَكِّيهم، قَالَ: قُلْتُ ومَنْ هُمْ خابُوا وخَسِرُوا؟ فأَعادها رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: المُسْبِلُ والمَنّانُ والمُنَفِّقُ سِلْعته بالحَلِف الْكَاذِبِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَغَيْرُهُ: المُسْبِل الَّذِي يُطَوِّل ثَوْبَهُ ويُرْسِله إِلى الأَرض إِذا مَشَى وإِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ كِبْرًا واخْتِيالًا.

وَفِي حَدِيثِ المرأَة والمَزَادَتَينِ: «سَابِلَةٌ رِجْلَيْها بَيْنَ مَزَادَتَينِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالصَّوَابُ فِي اللُّغَةِ مُسْبِلَة؛ أي مُدَلِّيَة رِجْلَيْهَا، وَالرِّوَايَةُ سادِلَةٌ؛ أي مُرْسِلة.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «مَنْ جَرَّ سَبَلَه مِنَ الخُيَلاء لَمْ يَنْظُر اللَّهُ إِليه يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ السَّبَل، بِالتَّحْرِيكِ: الثِّيَابُ المُسْبَلة كالرَّسَل والنَّشَر فِي المُرْسَلة والمَنْشورة.

وَقِيلَ: إِنها أَغلظ مَا يَكُونُ مِنَ الثِّيَابِ تُتَّخَذ مِنْ مُشاقة الكَتَّان؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" الْحَسَنِ: دَخَلْتُ عَلَى الحَجّاج وَعَلَيْهِ ثِيابٌ سَبَلَةٌ "؛ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا}؛ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ فِي أَمرك حِيلة.

وَقَوْلُهُ تعالى: {لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}؛ كَانَ أَهل الْكِتَابِ إِذا بَايَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَيْسَ للأُمِّيِّين يَعْنِي الْعَرَبَ حُرْمَة أَهل دِينِنَا وأَموالُهم تَحِلُّ لنا.

وقوله تعالي: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا؛ أَي سَبَبًا ووُصْلة؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِجَرِيرٍ:

أَفَبَعْدَ مَقْتَلِكُم خَلِيلَ مُحَمَّدٍ، ***تَرْجُو القُيونُ مَعَ الرَّسُول سَبِيلا؟

أَي سَبَبًا ووُصْلَةً.

والسَّبَلُ، بِالتَّحْرِيكِ: المَطَر، وَقِيلَ: المَطَرُ المُسْبِلُ.

وَقَدْ أَسْبَلَت السماءُ، وأَسْبَلَ دَمْعَه، وأَسْبَلَ المطرُ والدمعُ إِذا هَطَلا، وَالِاسْمُ السَّبَل، بِالتَّحْرِيكِ.

وَفِي حَدِيثِ رُقَيْقَةَ: «فَجادَ بِالْمَاءِ جَوْنيٌّ لَهُ سَبَل»؛ أي مطَرٌ جَوْدٌ هاطِلٌ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَسْبَلَتِ السماءُ إِسْبَالًا، وَالِاسْمُ السَّبَلُ، وَهُوَ الْمَطَرُ بَيْنَ السَّحَابِ والأَرض حِينَ يَخْرج مِنَ السَّحَابِ وَلَمْ يَصِلْ إِلى الأَرض.

وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ: «اسْقِنا غَيْثًا سابِلًا»؛ أي هاطِلًا غَزِيرًا.

وأَسْبَلَت السحابةُ إِذا أَرْخَتْ عثانِينَها إِلى الأَرض.

ابْنُ الأَعرابي: السُّبْلَة المَطْرَة الْوَاسِعَةُ، وَمِثْلُ السَّبَل العَثانِينُ، وَاحِدُهَا عُثْنُون.

والسَّبُولةُ والسُّبُولَةُ والسُّنْبُلَة: الزَّرْعة الْمَائِلَةُ.

والسَّبَلُ: كالسُّنْبُل، وَقِيلَ: السَّبَل مَا انْبَسَطَ مِنْ شَعاع السُّنْبُل، وَالْجَمْعُ سُبُول، وَقَدْ سَنْبَلَتْ وأَسْبَلَتْ.

اللَّيْثُ: السَّبولة هِيَ سُنْبُلة الذُّرَة والأَرُزِّ وَنَحْوِهِ إِذا مَالَتْ.

وَقَدْ أَسْبَلَ الزَّرْعُ إِذا سَنْبَل.

والسَّبَل: أَطراف السُّنْبُل، وقيل السَّبَل السُّنْبُل، وَقَدْ سَنْبَل الزَّرْعُ أَي خَرَجَ سُنْبُله.

وَفِي حَدِيثِ مَسْرُوقٍ: «لَا تُسْلِمْ فِي قَراحٍ حَتَّى يُسْبِل»أَي حَتَّى يُسَنْبِل.

والسَّبَل: السُّنْبُل، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ؛ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ الْبَكْرِيِّ:

وخَيْلٍ كأَسْراب القَطَا قَدْ وزَعْتُها، ***لَهَا سَبَلٌ فِيهِ المَنِيَّةُ تَلْمَعُ

يَعْنِي بِهِ الرُّمْح.

وسَبَلَةُ الرَّجُل: الدائرةُ الَّتِي فِي وسَط الشَّفَةِ العُلْيا، وَقِيلَ: السَّبَلة مَا عَلَى الشَّارِبِ مِنَ الشَّعَرِ، وَقِيلَ طَرَفه، وَقِيلَ هِيَ مُجْتَمَع الشاربَين، وَقِيلَ هُوَ مَا عَلَى الذَّقَن إِلى طَرَف اللِّحْيَةِ، وَقِيلَ هُوَ "مُقَدَّم اللِّحية خَاصَّةً، وَقِيلَ: هِيَ اللِّحْيَةُ كُلُّهَا بأَسْرها؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنه لَذُو سَبَلاتٍ، وَهُوَ مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي فُرِّق فجُعل كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ سَبَلة، ثُمَّ جُمِع عَلَى هَذَا كَمَا قَالُوا لِلْبَعِيرِ ذُو عَثَانِين كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ عُثْنُونًا، وَالْجَمْعُ سِبَال.

التَّهْذِيبِ: والسَّبَلَة مَا عَلَى الشَّفَة العُلْيا مِنَ الشَّعْرِ يَجْمَعُ الشاربَين وَمَا بَيْنَهُمَا، والمرأَة إِذا كَانَ لَهَا هُنَاكَ شَعْرٌ قِيلَ امرأَة سَبْلاءُ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ سَبَلٌ سَابِلٌ كَمَا يُقَالُ شِعْرٌ شاعِرٌ، اشْتَقُّوا لَهُ اسْمًا فَاعِلًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ وافِرَ السَّبَلة»؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يَعْنِي الشَّعَرَاتِ الَّتِي تَحْتَ اللَّحْي الأَسفل، والسَّبَلة عِنْدَ الْعَرَبِ مُقَدَّم اللِّحْيَةِ وَمَا أَسْبَلَ مِنْهَا عَلَى الصَّدْرِ؛ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ كَذَلِكَ: رَجُلٌ أَسْبَلُ ومُسَبَّل إِذا كَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، وَقَدْ سُبِّلَ تَسْبِيلًا كأَنه أُعْطِيَ سَبَلَة طَوِيلَةً.

وَيُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ وَقَدْ نَشَر سَبَلَته إِذا جاءَ يَتَوَعَّد؛ قَالَ الشَّمَّاخ:

وَجَاءَتْ سُلَيْمٌ قَضُّها بقَضِيضِها، ***تُنَشِّرُ حَوْلي بالبَقِيع سَبَالَها

وَيُقَالُ للأَعداء: هُمْ صُهْبُ السِّبَال؛ وَقَالَ:

فظِلالُ السُّيُوفِ شَيَّبْنَ رأْسي، ***واعْتِناقي فِي الْقَوْمِ صُهْبَ السِّبال

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: السَّبَلة مَا ظَهَرَ مِنْ مُقَدَّم اللِّحْيَةِ بَعْدَ العارضَيْن، والعُثْنُون مَا بَطَن.

الْجَوْهَرِيُّ: السَّبَلة الشَّارِبُ، وَالْجَمْعُ السِّبال؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " وتَأْبَى السِّبالُ الصُّهْبُ والآنُفُ الحُمْرُ وَفِي حَدِيثِ ذِي الثُّدَيَّة: «عَلَيْهِ شُعَيْراتٌ مِثْلُ سَبَالة السِّنَّوْر».

وسَبَلَةُ الْبَعِيرِ: نَحْرُه.

وَقِيلَ: السَّبَلَة مَا سَالَ مِنْ وَبَره فِي مَنْحره.

التَّهْذِيبِ: والسَّبَلَة المَنْحَرُ مِنَ الْبَعِيرِ وَهِيَ التَّريبة وَفِيهِ ثُغْرة النَّحْر.

يُقَالُ: وَجَأَ بشَفْرَته فِي سَبَلَتِها أَي فِي مَنْحَرها.

وإِنَّ بَعِيرَك لَحَسنُ السَّبَلَة؛ يُرِيدُونَ رِقَّة جِلْده.

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ سَمِعْتُ أَعرابيًّا يَقُولُ لَتَمَ، بِالتَّاءِ، فِي سَبَلَة بَعِيرِهِ إِذا نَحَرَه فَطَعَن فِي نَحْرِهِ كأَنها شَعَراتٌ تَكُونُ فِي المَنْحَر.

وَرَجُلٌ سَبَلانيٌّ ومُسْبِلٌ ومُسْبَلٌ ومُسَبِّلٌ وأَسْبَلُ: طَوِيلُ السَّبَلة.

وعَيْن سَبْلاء: طَوِيلَةُ الهُدْب.

ورِيحُ السَّبَل: داءٌ يُصِيب فِي الْعَيْنِ.

الْجَوْهَرِيُّ: السَّبَل داءٌ فِي الْعَيْنِ شِبْه غِشاوة كأَنها نَسْج الْعَنْكَبُوتِ بِعُرُوقٍ حُمْر.

ومَلأَ الكأْس إِلى أَسْبَالِها أَي حُرُوفِهَا كَقَوْلِكَ إِلى أَصْبارِها.

ومَلأَ الإِناءَ إِلى سَبَلَته أَي إِلى رأْسه.

وأَسْبَالُ الدَّلْوِ: شِفاهُها؛ قَالَ بَاعِثُ بْنُ صُرَيم اليَشْكُري:

إِذ أَرْسَلُوني مائحًا بدِلائِهِمْ، ***فَمَلأْتُها عَلَقًا إِلى أَسْبَالِها

يَقُولُ: بَعَثُوني طَالِبًا لتِراتِهم فأَكْثَرْت مِنَ القَتْل، والعَلَقُ الدَّمُ.

والمُسْبِل: الذَّكَرُ.

وخُصْية سَبِلةٌ: طَوِيلَةٌ.

والمُسْبِل: الْخَامِسُ مِنْ قِداح المَيْسِر؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ السَّادِسُ وَهُوَ المُصْفَح أَيضًا، وَفِيهِ سِتَّةُ فُرُوضٍ، وَلَهُ غُنْم سِتَّةِ أَنْصِباء إِن فَازَ، وَعَلَيْهِ غُرْم سِتَّةِ أَنْصباء إِن لَمْ يَفُزْ، وَجَمْعُهُ المَسَابِل.

وَبَنُو سَبَالَة: قَبِيلَةٌ.

وإِسْبِيلٌ: مَوْضِعٌ، قِيلَ هُوَ اسْمُ بَلَدٍ؛ قال خَلَف الأَحمر:

لَا أَرضَ إِلَّا إِسْبِيل، ***وكلُّ أَرْضٍ تَضْلِيل

وَقَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:

بإِسْبِيلَ أَلْقَتْ بِهِ أُمُّه ***عَلَى رأْس ذِي حُبُكٍ أَيْهَما

والسُّبَيْلَة: مَوْضِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

قَبَحَ الإِلهُ، وَلَا أُقَبِّح مُسْلِمًا، ***أَهْلَ السُّبَيْلَة مِنْ بَني حِمَّانا

وسَبْلَلٌ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ صَخْر الغَيِّ:

وَمَا إنْ صَوْتُ نائحةٍ بلَيْلٍ ***بسَبْلَل لَا تَنامُ مَعَ الهُجود

جَعَله اسْمًا للبُقْعة فَتَرك صَرْفه.

ومُسْبِلٌ: مِنْ أَسماء ذِي الحِجَّة عاديَّة.

وسَبَل: اسْمُ فُرْسٍ قَدِيمَةٍ.

الْجَوْهَرِيُّ: سَبَل اسْمُ فُرْسٍ نَجِيبٍ فِي الْعَرَبِ؛ قَالَ الأَصمعي: هِيَ أُمُّ أَعْوَج وَكَانَتْ لِغَنيٍّ، وأَعْوَجُ لِبَنِي آكِلِ المُرَار، ثُمَّ صَارَ لِبَنِي هِلال بْنِ عَامِرٍ؛ وَقَالَ: " هُوَ الجَوَادُ ابْنُ الجَوَادِ ابنِ سَبَل "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ لجَهْم بن شِبْل؛ قَالَ أَبو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ: وَهُوَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ بَكْرٍ وَكَانَ شَاعِرًا لَمْ يُسْمَع فِي الْجَاهِلِيَّةِ والإِسلام مِنْ بَنِي بَكْرٍ أَشعرُ مِنْهُ؛ قَالَ: وَقَدْ أَدركته يُرْعَد رأْسُه وَهُوَ يَقُولُ:

أَنا الجَوَادُ ابنُ الجَوَاد ابنِ سَبَل، ***إِن دَيَّمُوا جادَ، وإِنْ جادُوا وَبَل

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَثَبَتَ بِهَذَا أَن سَبَل اسْمُ رَجُلٍ وَلَيْسَ بِاسْمِ فَرَسٍ كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


51-لسان العرب (غلل)

غلل: الغُلُّ والغُلّة والغَلَلُ والغَلِيلُ، كُلُّهُ: شِدَّةُ الْعَطَشِ وَحَرَارَتُهُ، قلَّ أَو كَثُرَ؛ رَجُلٌ مَغْلول وغَلِيل ومُغْتَلّ بَيِّنُ الغُلّة.

وَبَعِيرٌ غالٌّ وغَلَّانُ، بِالْفَتْحِ: عَطْشَانُ شَدِيدُ الْعَطَشِ.

غُلَّ يُغَلٌّ غَلَلًا، فَهُوَ مَغْلول، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ ابْنُ سِيدَهْ: غَلَّ يَغَلّ غُلّة واغْتَلّ، وَرُبَّمَا سُمِّيَتْ حَرَارَةُ الْحُزْنِ وَالْحُبِّ غَلِيلًا.

وأَغَلّ إِبلَه: أَساءَ سَقْيَها فصدَرَت وَلَمْ تَرْوَ.

وغَلَّ البعيرُ أَيضًا يَغَلُّ غُلّة إِذا لَمْ يَقْضِ رِيَّه.

أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ: أَعْلَلْتُ الإِبلَ إِذا أَصْدَرْتها وَلَمْ تُرْوِهَا فَهِيَ عالَّة، بِالْعَيْنِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ أَغْلَلْت الإِبل إِذا أَصدرتها وَلَمْ تُرْوِهَا، بِالْغَيْنِ، مِنَ الغُلَّة وَهِيَ حَرَارَةُ الْعَطَشِ، وَهِيَ إِبل غالَّة؛ وَقَالَ نَصْرٌ الرَّازِيُّ: إِذا صدَرَت الإِبلُ عِطاشًا قُلْتَ صَدَرَتْ غالَّة وغَوالَّ، وَقَدْ أَغْلَلْتَها أَنت إِغْلالًا إِذا أَسَأْتَ سَقْيَها فأَصدرتها وَلَمْ تَرْوِهَا وَصَدَرَتْ غَوالَّ، الْوَاحِدَةُ غالَّة؛ وكأَن الرَّاوِيَ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ غَلِطَ فِي رِوَايَتِهِ.

والغَلِيلُ: حَرُّ الْجَوْفِ لَوْحًا وامْتِعاضًا.

والغِلُّ، بِالْكَسْرِ، والغَلِيلُ: الغِشُّ والعَداوة والضِّغْنُ والحقْد وَالْحَسَدُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: حَقِيقَتُهُ، وَاللَّهُ أَعلم، أَنه لَا يَحْسُدُ بَعْضُ أَهل الْجَنَّةِ بَعْضًا فِي عُلُوِّ الْمَرْتَبَةِ لأَن الْحَسَدَ غِلٌّ وَهُوَ أَيضًا كَدر، وَالْجَنَّةُ مبرّأَة مِنْ ذَلِكَ، غَلَّ صدرُه يَغِلُّ، بِالْكَسْرِ، غِلًّا إِذا كَانَ ذَا غِشٍّ أَو ضِغْن وَحِقْدٍ.

وَرَجُلٌ مُغِلٌّ: مُضِبٌّ عَلَى حِقْدٍ وغِلٍّ.

وغَلَّ يَغُلُّ غُلولًا وأَغَلَّ: خانَ؛ قَالَ النَّمِرُ:

جزَى اللهُ عنَّا حَمْزة ابْنَةَ نَوْفَلٍ ***جزاءَ مُغِلٍّ بالأَمانةِ كاذبِ

وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْخَوْنَ فِي الفَيء والمَغْنم.

وأَغَلَّه: خَوّنه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ}؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَمْ نَسْمَعْ فِي المَغْنم إِلا غَلَّ غُلُولًا، وَقُرِئَ: " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يُغَلَ "، فَمَنْ قرأَ يَغُلّ فَمَعْنَاهُ يَخُون، وَمَنْ قرأَ يُغَلّ فَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحدهما يُخان يَعْنِي أَن يُؤْخَذَ مِنْ غَنِيمَتِهِ، وَالْآخَرُ يخوَّن أَي يُنْسَبُ إِلى الغُلول، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَصحاب عَبْدِ اللَّهِ، يُرِيدُونَ يسرَّق؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: جُعِلَ يُغَلُّ بِمَعْنَى يُغَلَّل، قَالَ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فِي فَعَّلْت وأَفْعَلْت، وأَفْعَلْت أَدخلت ذَلِكَ فِيهِ، وفَعَّلْت كثَّرت ذَلِكَ فِيهِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: جَائِزٌ أَن يَكُونَ يُغَلّ مِنْ أَغْلَلْت بِمَعْنَى يُغَلَّلُ أَي يُخوَّن كقوله فإِنهم لَا يكذِّبونك، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرِئا جَمِيعًا أَن يَغُلَّ وأَن يُغَلَّ، فَمَنْ قَالَ أَن يَغُلَّ فَالْمَعْنَى مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَخُون أُمّته، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَن الغَنائم جَمَعَهَا سَيِّدُنَا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي غَزَاة فَجَاءَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: لَا تُقَسِّمْ غَنَائِمَنَا، " فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: لَوْ أَفاء اللَّهُ عَلَيَّ مِثْلَ أُحُد ذَهَبًا مَا مَنَعْتُكُمْ دِرْهَمًا، أَترَوْنني أَغُلُّكم مَغْنَمكم؟ قَالَ: وَمَنْ قرأَ أَن يُغَلَّ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى ضرْبين: أَحدهما مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُله أَصحابه أَي يُخَوِّنُوهُ، وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: لأَعْرِفَنّ أَحدكم يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ شَاةٌ قَدْ غَلَّها، لَهَا ثُغاءٌ، ثُمَّ قَالَ أَدّوا الخِياطَ والمِخْيَط، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَن يَكُونَ يُغَلّ يخوَّن، وَكَانَ أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاء وَيُونُسُ يَخْتَارَانِ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ "، قَالَ يُونُسُ: كَيْفَ لَا يُغَلّ؟ بَلَى وَيُقْتَلُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الغُلُول مِنَ المَغْنَم خَاصَّةً وَلَا نَرَاهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَلَا مِنَ الحِقْد، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنه يُقَالُ مِنَ الْخِيَانَةِ أَغَلَّ يُغِلُّ، وَمِنَ الحِقْد غَلَّ يَغِلُّ، بِالْكَسْرِ، وَمِنَ الغُلول غَلَّ يَغُلُّ، بِالضَّمِّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَلَّ أَن نَجِدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا كَانَ لِفُلَانٍ أَن يُضْرَب عَلَى أَن يَكُونَ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وإِنما نَجِدُهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، كَقَوْلِكَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَكْذِب، وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَخُون، وَمَا كَانَ لمُحرِم أَن يلبَس، قَالَ: وَبِهَذَا تَعْلَمُ صِحَّةَ قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ، عَلَى إِسناد الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ دُونَ الْمَفْعُولِ؛ قَالَ: وَالشَّاهِدُ عَلَى قَوْلِهِ يُقال مِنَ الْخِيَانَةِ أَغَلَّ يُغِلُّ قَوْلُ الشَّاعِرُ:

حَدَّثْتَ نَفسَكَ بالوَفاء، وَلَمْ تَكُنْ ***للغَدْر خَائِنَةً مُغِلّ الإِصبع

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلى فِي صُلْح الحُدَيْبية: أَن لَا إِغْلال وَلَا إِسْلال»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِغْلال الخِيانة والإِسْلال السَّرِقة، وَقِيلَ: الإِغلال السَّرِقَةُ، أَي لَا خِيَانَةَ وَلَا سَرِقَةَ، وَيُقَالُ: لَا رِشْوة.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الغُلول فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْخِيَانَةُ فِي المَغْنم وَالسَّرِقَةِ مِنَ الغَنيمة؛ وكلُّ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ خُفْية فَقَدْ غَلَّ، وَسُمِّيَتْ غُلُولًا لأَن الأَيدي فِيهَا مَغْلُولة أَي مَمْنُوعَةٌ مَجْعُولٌ فِيهَا غُلّ، وَهُوَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ يَدَ الأَسير إِلى عُنقه، وَيُقَالُ لَهَا جامِعَة أَيضًا، وأَحاديث الغُلول فِي الْغَنِيمَةِ كَثِيرَةٌ.

أَبو عُبَيْدَةَ: رَجُلٌ مُغِلّ مُسِلّ أَي صَاحِبُ خِيَانَةٍ وسَلَّةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ شُرَيْحٍ: لَيْسَ عَلَى المُستعير غَيْرُ المُغِلّ وَلَا عَلَى المُستودَع غَيْرُ المُغِلّ ضَمان، إِذا لَمْ يَخُن فِي العارِيَّة والوَدِيعة فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، مِنَ الإِغْلال الخِيانةِ، يَعْنِي الْخَائِنَ، وَقِيلَ: المُغِلُّ هَاهُنَا المُسْتَغِلُّ وأَراد بِهِ الْقَابِضَ لأَنه بالقَبْض يَكُونُ مُسْتَغِلًّا، قَالَ ابْنُ الأَثير: والأَوَّل الوَجْه؛ وَقِيلَ: الإِغْلال الْخِيَانَةُ وَالسَّرِقَةُ الْخَفِيَّةُ، والإِسْلال مِنْ سَلّ البعيرَ وغيرَه فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِذا انْتَزَعَهُ مِنْ الإِبل وَهِيَ السَّلَّة، وَقِيلَ: هُوَ الغارةالظاهرة، يقال: غَلَّ يَغُلُّ وسَلّ يَسُلّ، فأَما أَغَلَّ وأَسَلَّ فَمَعْنَاهُ صَارَ ذَا غُلول وسَلَّة، وَيَكُونُ أَيضًا أَن يُعِينَ غَيْرَهُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: الإِغْلال لُبْس الدُّروع، والإِسْلال سَلّ السُّيُوفِ؛ " وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثٌ لا يُغِلُّ عليهن قلبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، ومُناصَحة ذَوِي الأَمْر، وَلُزُومُ جماعة المسلمين فإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحيط مِنْ وَرَائِهِمْ "؛ قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ أَي لَا يَكُونُ مَعَهَا فِي قَلْبِهِ غِشّ ودَغَل ونِفاق، وَلَكِنْ يَكُونُ مَعَهَا الإِخلاص فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُوِيَ: لَا يَغِلُّ وَلَا يُغِلُّ، فَمَنْ قَالَ يَغِلُّ، بِالْفَتْحِ لِلْيَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ، فإِنه يَجْعَلُ ذَلِكَ مِنَ الضِّغْن والغِلّ وَهُوَ الضِّغْن والشَّحْناء، أَي لَا يَدْخُلُهُ حِقْد يُزيله عَنِ الْحَقِّ، وَمَنْ قَالَ يُغِلُّ، بِضَمِّ الْيَاءِ، جَعَلَهُ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ وأَما غَلَّ يَغُلُّ غُلُولًا فإِنه الْخِيَانَةُ فِي المَغْنَم خَاصَّةً، والإِغْلال: الْخِيَانَةُ فِي المَغانم وَغَيْرِهَا.

وَيُقَالُ مِنَ الغِلّ: غَلَّ يَغِلُّ، وَمِنَ الغُلول: غَلَّ يَغُلُّ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: غَلَّ الرجلُ يَغُلُّ إِذا خَانَ لأَنه أَخْذ شَيْءٍ فِي خَفاء، وَكُلُّ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ فِي خَفَاءٍ فَقَدْ غَلَّ يَغُلُّ غُلولًا، وَكُلُّ مَا كَانَ فِي هَذَا الْبَابِ رَاجِعٌ إِلى هَذَا، مِنْ ذَلِكَ الْغَالُّ، وَهُوَ الْوَادِي الْمُطَمْئِنُ الْكَثِيرُ الشَّجَرِ، وَجَمْعُهُ غُلَّان، وَمِنْ ذَلِكَ الغِلّ وَهُوَ الحِقْد الكامِن؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ لَا يُغِلّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ، قَالَ: وَيُرْوَى يَغِلُ، بِالتَّخْفِيفِ، مِنَ الوُغول الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ، قَالَ: وَالْمَعْنَى أَن هَذِهِ الخِلال الثَّلَاثَ تُستصلَح بِهَا الْقُلُوبُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا طهُر قَلْبُهُ مِنَ الدَّغَل وَالْخِيَانَةِ وَالشَّرِّ، قَالَ: وَعَلَيْهِنَّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ تَقْدِيرُهُ لَا يَغِلُ كَائِنًا عَلَيْهِنَّ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: «غَلَلْتم وَاللَّهِ»؛ أي خُنْتم فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَلَمْ تَصْدُقوه.

ابْنُ الأَعرابي فِي النَّوَادِرِ: غُلَّ بصرُ فُلَانٍ حَادَ عَنِ الصَّوَابِ مِنْ غَلَّ يَغِلُّ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ثلاث لا يَغِلُّ عليهن قلبُ امرئ "أَي لَا يَحِيدُ عَنِ الصَّوَابِ غَاشًّا.

وأَغَلَّ الخطيبُ إِذا لَمْ يُصِبْ فِي كَلَامِهِ؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:

خُطباء لَا خُرْق وَلَا غُلل، إِذا ***خُطَبَاءُ غيرهمُ أَغَلَّ شِرارُها

وأَغَلَّ فِي الجِلْد: أَخذ بَعْضَ اللَّحْمِ والإِهابَ.

يُقَالُ: أَغْلَلْت الْجِلْدَ إِذا سَلَخْتَهُ وأَبقيت فِيهِ شَيْئًا مِنَ الشَّحم، وأَغْلَلْت فِي الإِهاب سَلَخْتَهُ فَتَرَكْتَ عَلَى الْجِلْدِ اللَّحْمَ.

والغَلَل: اللَّحْمُ الَّذِي تُرِكَ عَلَى الإِهاب حِينَ سُلِخَ.

وأَغَلَّ الْجَازِرُ فِي الإِهاب إِذا سلَخ فَتَرَكَ مِنَ اللَّحْمِ ملتزِقًا بالإِهاب.

والغَلَل: دَاءٌ فِي الإِحليل مِثْلُ الرَّفَقِ، وَذَلِكَ أَن لَا يَنْفُض الْحَالِبُ الضَّرْع فَيَتْرُكَ فِيهِ شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ فَيَعُودُ دَمًا أَو خَرَطًا.

وغَلَّ فِي الشَّيْءِ يَغُلُّ غُلولًا وانْغَلَّ وتَغَلَّلَ وتَغَلْغَلَ: دَخَلَ فِيهِ، يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ والأَعراض؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الثَّوْرَ والكِناس:

يُحَفِّرُه عَنْ كلِّ ساقٍ دَقِيقةٍ، ***وَعَنْ كُلِّ عِرْقٍ فِي الثَّرى مُتَغَلْغِل

وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فِي العَرَض رَوَاهُ ثَعْلَبٌ عَنْ شُيُوخِهِ:

تَغَلْغَلَ حُبُّ عَثْمةَ فِي فُؤادي، ***فَبادِيه مَعَ الْخَافِي يَسِيرُ

وغَلَّه يَغُلّه غَلًّا: أَدخله؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

غَلَلْت المَهَارى بَيْنَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، ***وَبَيْنَ الدُّجَى حَتَّى أَراها تمزَّق

وغَلَّه فانغَلَّ أَي أَدخله فَدَخَلَ؛ قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: وَمِنْهَا مَا يُغِلّ يَعْنِي مِنَ الكِباش أَي يُدْخِل قَضِيبَهُ مِنْ غَيْرِ أَن يَرْفَعَ الأَلْية.

وغَلَّ أَيضًا: دَخَلَ، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى.

وَيُقَالُ: غَلّ فُلَانٌ المَفاوِز أَي دَخَلَهَا وَتَوَسَّطَهَا.

وغَلْغَلَه: كغَلَّه.

والغُلَّة: مَا تَوَارَيْتَ فِيهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

والغَلْغَلة: كالغَرْغَرة فِي مَعْنَى الْكَسْرِ.

والغَلَلُ: الْمَاءُ الَّذِي يَتَغَلَّل بَيْنَ الشَّجَرِ، وَالْجَمْعُ الأَغْلال؛ قَالَ دُكين:

يُنْجِيه مِنْ مِثْل حَمام الأَغْلال ***وَقْعُ يَدٍ عَجْلى، ورِجْلٍ شِمْلال

ظَمْأَى النَّسا مِنْ تَحت رَيَّا مِن عَالِ "يَقُولُ: يُنْجي هَذَا الفرسَ مِنْ سِراع فِي الْغَارَةِ كالحَمام الْوَارِدَةِ؛ وَفِي التَّهْذِيبَ قَالَ: أَراد يُنْجي هَذَا الفرسَ مِنْ خَيْلٍ مِثْلِ حَمَامٍ يَرِدُ غَلَلًا مِنَ الْمَاءِ وَهُوَ مَا يَجْرِي فِي أُصول الشَّجَرِ، وَقِيلَ: الغَلَل الْمَاءُ الظَّاهِرُ الْجَارِي، وَقِيلَ: هُوَ الظَّاهِرُ عَلَى وَجْهِ الأَرض ظُهورًا قَلِيلًا وَلَيْسَ لَهُ جِرْية فَيَخْفَى مَرَّةً وَيَظْهَرُ مَرَّةً، وَقِيلَ: الغَلَل الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ الشَّجَرِ؛ قَالَ الحُوَيْدِرة:

لَعِب السُّيُول بِهِ، فأَصبح مَاؤُهُ ***غَلَلًا يُقَطِّع فِي أُصول الخِرْوَع

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الغَلَل السَّيْلُ الضَّعِيفُ يَسِيل مِنْ بَطْنِ الْوَادِي أَو التِّلَع فِي الشَّجَرِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَقِيلَ: أَن يأْتي الشجرَ غَلَلٌ مِنْ قَبْل ضعفِه واتّباعِه كلَّ مَا تَواطأَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَلَا يَكَادُ يَرَى وَلَا يَتْبَعَ إِلَّا الوَطاء.

وغَلَّ الماءُ بَيْنَ الأَشجار إِذا جَرَى فِيهَا يَغُلُّ، بِالضَّمِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.

وتَغَلْغَلَ الْمَاءُ فِي الشَّجَرِ: تخلَّلها.

وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: لَا يَذْهَبُ كلامُنا غَلَلًا أَي لَا يَنْبَغِي أَن يَنْطوي عَنِ النَّاسِ بَلْ يَجِبُ أَن يَظْهَرَ.

وَيُقَالُ لِعِرْقِ الشَّجَرِ إِذا أَمعن فِي الأَرض غَلْغَلٌ، وَجَمْعُهُ غَلاغِلُ؛ قَالَ كَعْبٌ:

وتَفْتَرّ عَنْ غُرِّ الثَّنايا، كأَنها ***أَقاحيّ تُرْوى عَنْ عُرُوق غُلاغِل

والغِلالة: شِعار يلبَس تَحْتَ الثَّوْبِ لأَنه يُتَغَلَّلُ فِيهَا أَي يُدْخَل.

وَفِي التَّهْذِيبِ: الغِلالة الثَّوْبُ الَّذِي يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيَابِ أَو تَحْتَ دِرْع الْحَدِيدِ.

واغْتَلَلْت الثوبَ: لَبِسته تَحْتَ الثِّيَابِ، وَمِنْهُ الغَلَل الْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِي أُصول الشَّجَرِ.

وغَلَّلَ الغِلالة: لَبِسَهَا تَحْتَ ثِيَابِهِ؛ هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

والغُلَّة: الغِلالة، وَقِيلَ هِيَ كالغِلالة تُغَلّ تَحْتَ الدِّرْع أَي تدخَل.

والغَلائل: الدرُوع، وَقِيلَ: بَطائن تلبَس تَحْتَ الدُّروع، وَقِيلَ: هِيَ مَسامير الدُّروع التي تَجمع بين رؤوس الحَلَق لأَنها تُغَلُّ فِيهَا أَي تُدخَل، وَاحِدَتُهَا غَلِيلَة؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:

عُلِينَ بِكِدْيَوْنٍ وأُبْطِنّ كُرَّةً، ***فَهُنَّ وِضاءٌ صافياتُ الغَلائِل

خَصّ الغَلائل بالصَّفاء لأَنها آخِرُ مَا يَصْدَأُ مِنَ الدُّروع، وَمَنْ جَعَلَهَا البَطائن جَعَلَ الدُّروع نَقِيَّةً لَمْ يُصْدِئن الغَلائل.

وغَلائل الدُّروع: مَسَامِيرُهَا المُدخَلة فِيهَا، الْوَاحِدُ غَلِيل؛ قَالَ لَبِيدٌ: " وأَحْكَم أَضْغان القَتِير الغَلائِل وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ فَهُنَّ وِضاء صَافِيَاتُ الغَلائل، قَالَ: الغِلالة المِسمار الَّذِي يَجمع بَيْنَ رأْسَي الحَلَقَة، وإِنما وَصف الغَلائل بالصَّفاء لأَنها أَسرع شيء صَدأً من "الدُّروع.

ابْنُ الأَعرابي: العُظْمَة والغِلالة والرُّفاعة والأُضْخُومَة والحَشِيّة الثَّوْبُ الَّذِي تَشُدُّهُ المرأَة عَلَى عَجيزتها تَحْتَ إِزارها تُضَخِّمُ بِهِ عَجِيزَتَهَا؛ وأَنشد:

تَغْتال عَرْض النُّقْبة المُذالة، ***وَلَمْ تَنَطّقْها عَلَى غِلاله،

إِلَّا لحسْن الخَلْق والنَّباله "قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَكَذَلِكَ الغُلَّة، وَجَمْعُهَا غُلَل؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

كَفاها الشَّبابُ وتَقْوِيمُه، ***وحُسْن الرُّواءِ ولُبْسُ الغُلَلْ

وغَلَّ الدهنَ فِي رأْسه: أَدخله فِي أُصول الشَّعْرِ.

وغَلَّ شعرَه بِالطِّيبِ: أَدخَله فِيهِ.

وتَغَلَّل بالغالِية، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ، واغْتَلَّ وتَغَلْغَل: تَغَلَّف؛ أَبو صَخْرٍ:

سِراج الدُّجى تَغْتَلُّ بالمِسْك طِفْلَة، ***فَلَا هِيَ مِتْفال، وَلَا اللَّوْن أَكْهَب

وغَلَّلَه بِهَا.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: تَغَلَّى بالغالِية، فإِما أَن يَكُونَ مِنْ لَفْظِ الغالِية، وإِما أَن يَكُونَ أَراد تَغَلَّل فأَبدل مِنَ اللَّامِ الأَخيرة يَاءً، كَمَا قَالُوا تظنَّيْت في تَظَنَّنْت، قَالَ: والأَول أَقيس.

غَيْرُهُ: وَيُقَالُ تَغَلَّيْت مِنَ الْغَالِيَةِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ تَغَلَّلْت بِالْغَالِيَةِ، قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ أَلْصقته بجِلدك وأُصول شَعْرِكَ فَقَدَ تَغَلَّلْته، قَالَ: وتَغَلَّيْت مُوَلَّدَةٌ.

وَقَالَ أَبو نَصْرٍ: سأَلت الأَصمعي هَلْ يَجُوزُ تَغَلَّلْت مِنَ الغالِية؟ فَقَالَ: إِن أَردت أَنك أَدخلته فِي لِحْيَتِكَ أَو شارِبك فَجَائِزٌ.

اللَّيْثُ: وَيُقَالُ مِنَ الغالِية غَلَّلْت وغَلَّفْت وغَلَّيْت.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كُنْتُ أُغَلِّل لحيةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغالِية»أَي أُلطّخها وأُلبِسها بِهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْفَرَّاءُ يُقَالُ تَغَلَّلْت بالغالِية وَلَا يُقَالُ تَغَلَّيْت، قَالَ: وأَجازه الْجَوْهَرِيُّ.

وَفِي حَدِيثِ المخنَّث هِيتِ قَالَ: «إِذا قَامَتْ تَثَنَّتْ وإِذا تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ تَغَلْغَلْت يَا عَدُوَّ اللَّهِ»الغَلْغَلَة: إِدخال الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ حَتَّى يلتبِس بِهِ وَيَصِيرَ مِنْ جُمْلَتِهِ؛ أي بلغْت بِنَظَرِكَ مِنْ مَحَاسِنِ هَذِهِ المرأَة حَيْثُ لَا يَبْلُغُ نَاظِرٌ وَلَا يَصِل واصِل وَلَا يَصِف واصِف.

وغَلَّ المرأَةَ: حَشاها، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ ضَخْمٍ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي.

السُّلَمِيُّ: غَشَّ لَهُ الخَنْجَر والسِّنَانَ وغَلَّه لَهُ أَي دَسَّه لَهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ.

والغُلَّان، بِالضَّمِّ: مَنابت الطَّلْح، وَهِيَ أَودية غَامِضَةٌ فِي الأَرض ذَاتُ شَجَرٍ، وَاحِدُهَا غَالّ وغلِيلٌ.

وأَغَلَّ الْوَادِي إِذا أَنبت الغُلّان؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ بَطْنٌ غَامِضٌ فِي الأَرض، وَقَدِ انْغَلَّ.

والغالُّ: أَرض مُطَمْئِنَةٌ ذَاتُ شَجَرٍ.

وَمَنَابِتُ السَّلَم والطَّلْح يُقَالُ لَهَا غَالٌّ مِنْ سَلَم، كَمَا يُقَالُ عِيصٌ مِنْ سِدْر وقَصِيمة مِنْ غَضًا.

وَالْغَالُّ: نَبْتٌ، وَالْجَمْعُ غُلَّان، بِالضَّمِّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِذِي الرُّمَّةِ:

وأَظْهَرَ فِي غُلَّان رَقْدٍ وسَيْلُهُ ***عَلاجِيمُ، لَا ضُحْلٌ وَلَا مُتَضَحْضِحُ

أَظْهَرَ صَارَ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ، وَقِيلَ: إِنه بِمَعْنَى ظَهَرَ مِثْلُ تَبِع وأَتْبَع؛ وَقَالَ مضرِّس الأَسدي:

تَعَرُّضَ حَوْراء المَدافِع، تَرْتَعي ***تِلاعًا وغُلَّانًا سَوائل من رَمَمْ

الغُلَّان: بُطُونُ الأَودية، ورَمَم: مَوْضِعٌ.

والغالَّة: مَا يَنْقَطِعُ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ فَيَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ.

والغُلّ: جامِعة تُوضَعُ فِي العُنق أَو الْيَدِ، وَالْجَمْعُ أَغْلال لَا يكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ وَيُقَالُ: فِي رَقَبَتِهِ غُلّ مِنْ حَدِيدٍ، وَقَدْ غُلَّ بالغُلّ الجامِعة يُغَلُّ بِهَا، فَهُوَ مَغْلُول.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: كَانَ عَلَيْهِمْ أَنه مَنْ قَتَل قُتِل لَا يقبَل فِي ذَلِكَ دِيَة، وَكَانَ عَلَيْهِمْ إِذا أَصاب جُلودهم شَيْءٌ مِنَ الْبَوْلِ أَن يقرِضوه، وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَن لَا يَعملوا فِي السَّبْت؛ هَذِهِ الأَغلال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا عَلَى المَثل كَمَا تَقُولُ جَعَلْتُ هَذَا طَوْقًا فِي عُنقك وَلَيْسَ هُنَاكَ طَوْقٌ، وتأْويله ولَّيْتُك هَذَا وأَلزمتك الْقِيَامَ بِهِ فَجَعَلْتُ لُزُومَهُ لَكَ كالطَّوْق فِي عنُقك.

وَقَوْلُهُ تعالى: {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ}؛ أَراد بالأَغْلال الأَعمال الَّتِي هِيَ كالأَغْلال، وَهِيَ أَيضًا مؤدِّية إِلى كَوْنِ الأَغْلال فِي أَعناقهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لأَن قَوْلَكَ لِلرَّجُلِ هَذَا غُلٌّ فِي عُنقك لِلشَّيْءِ يَعْمَلُهُ إِنما مَعْنَاهُ أَنه لَازِمٌ لَكَ وأَنك مُجَازًى عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ، وَقَدْ غَلَّه يَغُلُّه.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى وتقدَّس: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا؛ هِيَ الجَوامِع تجمَع أَيديهم إِلى أَعناقهم.

وغُلَّتْ يدُه إِلى عنُقه، وَقَدْ غُلّ، فَهُوَ مَغْلول.

وَفِي حَدِيثِ الإِمارة: «فكَّه عَدْله وغَلَّه جَوْره»؛ أي جَعَلَ فِي يَدِهِ وَعُنُقِهِ الغُلّ وَهُوَ الْقَيْدُ الْمُخْتَصُّ بِهِمَا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ "؛ قِيلَ: مَمْنُوعَةٌ عَنِ الإِنفاق، وَقِيلَ: أَرادوا نعمتُه مَقْبُوضَةٌ عنَّا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَدُه مَقْبُوضَةٌ عَنْ عَذَابِنَا، وَقِيلَ: يدُ اللَّهِ مُمْسِكَةٌ عَنِ الِاتِّسَاعِ عَلَيْنَا.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ}؛ تأْويله لَا تُمْسِكها عَنِ الإِنفاق، وَقَدْ غَلَّه يَغُلُّه.

وَقَوْلُهُمْ فِي المرأَة السَّيِّئة الخُلُق: غُلٌّ قَمِلٌ: أَصله أَن الْعَرَبَ كَانُوا إِذا أَسَروا أَسيرًا غَلُّوه بغُلّ مِنْ قِدّ وَعَلَيْهِ شَعْرٌ، فَرُبَّمَا قَمِلَ فِي عُنقه إِذا قَبّ وَيَبِسَ فَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مِحْنَتان الغُلّ والقَمْل، ضَرْبَهُ مَثَلًا للمرأَة السَّيِّئَةِ الخُلق الْكَثِيرَةِ المَهْر لَا يَجِدُ بَعْلها مِنْهَا مَخْلَصًا، وَالْعَرَبُ تَكْنِي عَنِ المرأَة بالغُلّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: وإِن مِنَ النِّسَاءِ غُلًّا قَمِلًا يقذِفه اللَّهُ فِي عُنق مَنْ يَشَاءُ ثُمَّ لَا يُخْرِجُهُ إِلا هُوَ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: بِهِ غُلٌّ مِنَ الْعَطَشِ وَفِي رَقَبَتِهِ غُلٌّ مِنْ حَدِيدٍ وَفِي صَدْرِهِ غِلٌّ.

وَقَوْلُهَا: مَا لَهُ أُلَّ وغُلَّ؛ أُلَّ دُفِع فِي قَضَاءٍ، وغُلّ: جُنّ فَوُضِعَ فِي عُنقه الغُلّ.

والغَلَّة: الدَّخْل مِنْ كِراءِ دَارٍ وأَجْر غُلَامٍ وَفَائِدَةِ أَرض.

والغَلَّة: وَاحِدَةُ الغَلَّات.

واستَغَلّ عبدَه أَي كلَّفه أَن يُغِلّ عَلَيْهِ.

واسْتِغْلال المُسْتَغَلَّات: أَخْذُ غَلّتها.

وأَغَلَّت الضَّيْعة: أَعطت الغَلَّة، فَهِيَ مُغِلَّة إِذا أَتت بِشَيْءٍ وأَصلها باقٍ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

فتُغْلِلْ لَكُمْ مَا لَا تُغِلّ لأَهْلِها ***قُرًى بِالْعِرَاقِ، مِنْ قَفِيزٍ ودِرْهَم

وأَغَلَّت الضِّياع أَيضًا: مِنَ الغَلَّة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

أَقْبَل سَيْلٌ، جَاءَ مِنْ عِند اللَّهْ ***يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ

وأَغَلَّ القومُ إِذا بَلَغَتْ غَلّتهم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الغَلَّة بالضَّمان»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ كَحَدِيثِهِ الْآخَرِ: " الخَراجُ بالضَّمان.

والغَلَّة: الدَّخْل الَّذِي يُحَصَّلُ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ والإِجارة والنِّتاج وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَفُلَانٌ يُغِلُّ عَلَى عِياله أَي يأْتيهم بالغَلَّة.

وَيُقَالُ: نِعْم الغَلول شَراب شَرِبْتُه أَو طَعَامٌ إِذا وَافَقَنِي.

وَيُقَالُ: اغْتَلَلْت الشرابَ شربتُه، وأَنا مُغْتَلّ إِليه أَي مُشْتَاقٌ إِليه.

ونِعْم غَلول الشَّيْخِ هَذَا الطَّعَامَ يَعْنِي التَّغْذِية الَّتِي تَغَذَّاها أَو الطَّعَامَ الَّذِي يُدخله جَوْفَهُ، عَلَى فَعُول، بِفَتْحِ الْفَاءِ.

وغَلّ بصَرُه: حَادَ عَنِ الصَّوَابِ.

وأَغَلَّ بصرَه إِذا شدَّد نَظَرَهُ.

والغُلَّة: خِرْقة تَشُدُّ عَلَى رأْس الإِبريق؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَالْجَمْعُ غُلَل.

والغَلَلُ: المِصْفاة؛ وَقَوْلُ لَبِيدٌ:

لَهَا غَلَلٌ مِنْ رازِقيٍّ وكُرْسُفٍ، ***بأَيْمانِ عُجْمٍ يَنْصُفونَ المَقاوِلا

يَعْنِي الفِدام الَّذِي عَلَى رأْس الأَباريق، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ غُلَل بِالضَّمِّ، جَمْعُ غُلَّة.

والغَلِيل: القَتّ وَالنَّوَى وَالْعَجِينُ تَعْلِفُهُ الدَّوَابَّ.

والغَلِيل: النَّوَى يخلَط بالقَتِّ تَعْلِفُهُ النَّاقَةَ؛ قَالَ عَلْقَمَةُ:

سُلَّاءَة، كعَصا النَّهْدِيِّ، غُلّ لَهَا ***ذُو فَيْئة مِنْ نَوى قُرّانَ مَعْجُوم

وَيُرْوَى:

سُلَّاءة، كَعَصَا النهديِّ، غُلَّ لَهَا ***مُنَظَّم مِنْ نَوَى قُرَّانَ مَعْجُومُ

قَوْلُهُ: ذُو فَيئة أَي ذُو رَجعة، يُرِيدُ أَن النَّوَى عُلِفته الإِبل ثُمَّ بَعَرته فَهُوَ أَصلب، شَبَّهَ نسورَها وَامِّلَاسَهَا بالنوَى الَّذِي بَعَرته الإِبل، والنَّهْدِيّ: الشَّيْخُ المُسِنّ فَعَصَاهُ مَلْسَاءُ، ومَعْجُوم: مَعْضُوض أَي عضَّته النَّاقَةُ فَرَمَتْهُ لِصَلَابَتِهِ.

والغَلْغَلة: سُرْعَةُ السَّيْرِ، وَقَدْ تَغَلْغَلَ.

وَيُقَالُ: تَغَلْغَلوا فَمَضَوْا.

والمُغَلْغَلَة: الرِّسالة.

ورِسالة مُغَلْغَلة: مَحْمُولَةٌ مِنْ بلدٍ إِلى بَلَدٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

أَبْلِغْ أَبا مالكٍ عنِّي مُغَلْغَلةً، ***وَفِي العِتاب حَياةٌ بَيْنَ أَقوام

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَن:

«مُغَلْغَلة مَغالِقُها، تُغَالي ***إِلى صَنْعاء مِنْ فَجٍّ عَمِيق»

المُغَلْغَلة، بِفَتْحِ الْغَيْنَيْنِ: الرِّسالة الْمَحْمُولَةُ مِنْ بلدٍ إِلى بَلَدٍ، وَبِكَسْرِ الْغَيْنِ الثَّانِيَةِ: المسرِعة، مِنَ الغَلْغَلةِ سُرْعَةُ السَّيْرِ.

وغَلْغَلَة: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:

هنالِك لَا أَخْشى تنالُ مَقادَتي، ***إِذا حَلَّ بَيْتِي بين شُوطٍ وغَلْغَله

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


52-لسان العرب (قتا)

قتا: القَتْوُ: الخِدْمة.

وَقَدْ قَتَوْتُ أَقْتُو قَتْوًا ومَقْتًى أَي خَدَمْت مِثْلُ غَزَوْت أَغْزُو غَزْوًا ومَغْزًى، وَقِيلَ: القَتْو حُسْنُ خِدمة الْمُلُوكِ، وَقَدْ قَتاهم.

اللَّيْثُ: تَقُولُ هُوَ يَقْتُو الْمُلُوكَ أَي يَخْدُمُهم؛ وأَنشد:

إِني امْرُؤٌ مِنْ بَنِي خُزَيمَةَ، لَا ***أُحْسِنُ قَتْوَ المُلوكِ والخَبَبَا

قَالَ اللَّيْثُ فِي هَذَا الْبَابِ: والمَقاتِيةُ هُمُ الخُدَّام، وَالْوَاحِدُ مَقْتَوِيٌّ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ كأَنه مَنْسُوبٌ إِلى المَقْتَى، وَهُوَ مَصْدَرٌ، كَمَا قَالُوا ضَيْعةٌ عَجْزِيَّةٌ لِلَّتِي لَا تَفي غَلَّتها بخَراجها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ قَوْلُ الْجُعْفِيِّ:

بَلِّغْ بَنِي عُصَمٍ بأَني، ***عَنْ فُتاحَتِكُمْ، غَنيُ

لَا أُسْرَتي قَلَّتْ، وَلَا ***حَالِي لحالِكَ مَقْتَوِيُ

قَالَ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ يَاءِ النِّسْبَةِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

تُهَدِّدُنا وتُوعِدُنا، رُوَيْدًا ***مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مَقْتَوِينا؟

وإِذا جُمِعَتْ بِالنُّونِ خُفِّفَتِ الْيَاءُ مَقْتَوُون، وَفِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ مَقْتَوِين كَمَا قَالُوا أَشْعَرِينَ، وأَنشد بَيْتَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ.

وَقَالَ شَمِرٌ: المَقْتَوُون الخُدَّام، وَاحِدُهُمْ مَقْتَوِيّ؛ وأَنشد:

أَرَى عَمْرَو بْنَ ضَمْرَةَ مَقْتَوِيًّا، ***لَهُ فِي كلِّ عامٍ بَكْرتانِ»

وَيُرْوَى عَنِ الْمُفَضَّلِ وأَبي زَيْدٍ أَن أَبا عَوْنٍ الحِرْمازي قَالَ: رَجُلٌ مَقْتَوِينٌ ورجلانِ مَقْتَوِينٌ وَرِجَالٌ مَقْتَوِينٌ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ المرأَة وَالنِّسَاءُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ النَّاسَ بِطَعَامِ بُطُونِهِمْ.

الْمُحْكَمِ: والمَقْتَوُون والمَقَاتِوَةُ والمَقَاتِيَةُ الْخُدَّامُ، وَاحِدُهُمْ مَقْتَوِيٌّ.

وَيُقَالُ: مَقْتَوِينٌ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّثُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَيْسَتِ الْوَاوُ فِي هَؤُلَاءِ مَقْتَوُون ورأَيت مَقْتَوِين وَمَرَرْتُ بمَقْتَوِين إِعرابًا أَو دَلِيلَ إِعراب، إِذ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَن يُقَالَ هؤُلاء مَقْتَوْنَ ورأَيت مَقْتَينَ وَمَرَرْتُ بمَقْتَيْن، وَيَجْرِي مَجرى مُصْطَفَيْن.

قَالَ أَبو عَلِيٍّ: جَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الأَشْعَرِيّ والأَشْعَرِين، قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ فِي هَذَا، إِذ حُذِفَتْ يَاءُ النَّسَبِ مِنْهُ، أَن يُقَالَ مَقْتَوْن كَمَا يُقَالُ فِي الأَعْلى الأَعْلَوْن إِلا أَن اللَّامَ صَحَّتْ فِي مَقْتَوِين، لِتَكُونَ صِحَّتُهَا دَلَالَةً عَلَى إِرَادَةِ النَّسَبِ، لِيُعْلَمَ أَن هَذَا الْجَمْعَ الْمَحْذُوفَ مِنْهُ النَّسَبُ بِمَنْزِلَةِ الْمُثْبَتِ فِيهِ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وإِن شِئْتَ قُلْتَ جاؤوا بِهِ عَلَى الأَصل كَمَا قَالُوا مَقَاتِوَةٌ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبو الْخَطَّابِ عَنِ الْعَرَبِ، قال: وليس الْعَرَبِ يَعْرِفُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ.

قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مِذْرَوَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ يُفْرَدُ.

قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَخبرني أَبو بَكْرٍ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ عَنْ أَبي عُثْمَانَ قَالَ لَمْ أَسمع مِثْلَ مَقاتِوَة إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا، أَخبرني أَبو عُبَيْدَةَ أَنه سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ سَواسِوةٌ فِي سَواسِيةٍ وَمَعْنَاهُ سَوَاءٌ؛ قَالَ: فأَما مَا أَنشده أَبو الْحَسَنِ عَنِ الأَحول عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ:

تَبَدَّلْ خَلِيلًا بِي كَشَكْلِك شَكْلُه، ***فإِنِّي خَلِيلًا صالِحًا بِكَ مُقْتَوِي

فإِن مُقْتَوٍ مُفْعَلِلٌ،، وَنَظِيرُهُ مُرْعَوٍ، وَنَظِيرُهُ مِنَ الصَّحِيحِ الْمُدْغَمِ مُحْمَرّ ومُخْضَرٌّ، وأَصله مُقْتَوٌّ، وَمِثْلُهُ رَجُلٌ مُغْزَوٍ ومُغْزاوٍ، وأَصلهما مُغْزَوٌّ ومُغْزاوٌّ، وَالْفِعْلُ اغْزَوَّ يَغزاوّ كَاحْمَرَّ وَاحْمَارَّ وَالْكُوفِيُّونَ يُصَحِّحُونَ وَيُدْغِمُونَ وَلَا يُعِلّون، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ قَوْلُ الْعَرَبِ ارْعَوَى وَلَمْ يَقُولُوا ارْعَوَّ، فإِن قُلْتَ: بِمَ انْتَصَبَ خَلِيلًا ومُقْتَوٍ غَيْرُ مُتَعَدٍّ؟ فَالْقَوْلُ فِيهِ أَنه انْتَصَبَ بِمُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُظْهَرُ كأَنه قَالَ أَنا مُتَّخِذٌ ومُستعدّ، أَلا تَرَى أَن مَنْ اتَّخَذَ خَلِيلًا فَقَدِ اتَّخَذَهُ وَاسْتَعَدَّهُ؟ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: « اقْتَوَى »مُتَعَدِّيًا وَلَا نَظِيرَ لَهُ، قَالَ: وَسُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ امرأَة كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا فَاشْتَرَتْهُ فَقَالَ: إِن اقْتَوتْه فُرِّقَ بِينَهُمَا، وإِن أَعتقته فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ؛ اقْتَوَتْه أَي استخدَمَتْه.

والقَتْوُ: الخِدْمة؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَي اسْتَخْدَمَتْهُ، وَهَذَا شَاذٌّ جدًّا لأَن هذا البناء غَيْرُ مُتَعَدٍّ أَلْبَتَّةَ، مِنَ الْغَرِيبَيْنِ.

قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ قَتَوْتُ الرَّجُلَ قَتْوًا ومَقْتًى أَي خَدَمْتُهُ، ثُمَّ نَسَبُوا إِلى المَقْتَى فَقَالُوا رَجُلٌ مَقْتَوِيٌّ، ثُمَّ خَففوا يَاءَ النِّسْبَةِ فَقَالُوا رَجُلٌ مَقْتَوٍ وَرِجَالٌ مَقْتَوُون، والأَصل مَقْتَوِيُون.

ابْنُ الأَعرابي: القَتْوَةُ النَّمِيمَة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


53-مختار الصحاح (غلل)

(الْغَلَّةُ) وَاحِدَةُ (الْغَلَّاتِ).

وَ (الْغِلَالَةُ) شِعَارُ يُلْبَسُ تَحْتَ الثَّوْبِ وَتَحْتَ الدِّرْعِ أَيْضًا.

وَ (الْغِلُّ) بِالْكَسْرِ الْغِشُّ وَالْحِقْدُ أَيْضًا.

وَقَدْ (غَلَّ) صَدْرُهُ يَغِلُّ بِالْكَسْرِ (غِلًّا) إِذَا كَانَ ذَا غِشٍّ أَوْ ضِغْنٍ أَوْ حِقْدٍ.

وَ (الْغُلُّ) بِالضَّمِّ وَاحِدُ (الْأَغْلَالِ) يُقَالُ: فِي رَقَبَتِهِ (غُلٌّ) مِنْ حَدِيدٍ.

وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ السَّيِّئَةِ الْخُلُقِ: غُلٌّ قَمِلٌ.

وَأَصْلُهُ أَنَّ الْغُلَّ كَانَ يَكُونُ مِنْ قِدٍّ وَعَلَيْهِ شَعْرٌ فَيَقْمَلُ.

وَ (غَلَّ) يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ مِنْ بَابِ رَدَّ.

وَقَدْ (غُلَّ) فَهُوَ (مَغْلُولٌ).

وَ (الْغُلُّ) أَيْضًا وَ (الْغُلَّةُ) وَ (الْغَلِيلُ) حَرَارَةُ الْعَطَشِ.

وَ (غَلَّ) مِنَ الْمَغْنَمِ يَغُلُّ بِالضَّمِّ (غُلُولًا) خَانَ وَ (أَغَلَّ) مِثْلُهُ.

وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَمْ نَسْمَعْ فِي الْمَغْنَمِ إِلَّا (غَلَّ).

وَقُرِئَ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: 161]، وَ«يُغَلَّ».

قَالَ: فَمَعْنَى يَغُلُّ يَخُونُ.

وَ«يُغَلُّ» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُخَانُ يَعْنِي يُؤْخَذُ مِنْ غَنِيمَتِهِ.

وَالْآخَرُ يُخَوَّنُ أَيْ يُنْسَبُ إِلَى الْغُلُولِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: (الْغُلُولُ) مِنَ الْمَغْنَمِ خَاصَّةً لَا مِنَ الْخِيَانَةِ وَلَا مِنَ الْحِقْدِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ مِنَ الْخِيَانَةِ: (أَغَلَّ) يُغِلُّ، وَمِنِ الْحِقْدِ: (غَلَّ) يَغِلُّ بِالْكَسْرِ، وَمِنَ الْغُلُولِ غَلَّ يَغُلُّ بِالضَّمِّ.

وَ (أَغَلَّ) الرَّجُلُ خَانَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا (إِغْلَالَ) وَلَا إِسْلَالَ» أَيْ لَا خِيَانَةَ وَلَا سَرِقَةَ.

وَقِيلَ: لَا رِشْوَةَ.

وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ (الْمُغِلِّ) ضَمَانٌ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ» وَمَنْ رَوَاهُ يَغِلُّ فَهُوَ مِنَ الضِّغْنِ.

وَ (أَغَلَّتِ) الضِّيَاعُ مِنَ (الْغَلَّةِ).

وَ (أَغَلَّ) الْقَوْمُ بَلَغَتْ غَلَّتُهُمْ.

وَفُلَانٌ (يُغِلُّ) عَلَى عَيَّالِهِ بِالضَّمِّ أَيْ يَأْتِيهِمْ بِالْغَلَّةِ.

وَ (اسْتَغَلَّ) عَبْدَهُ كَلَّفَهُ أَنْ يُغِلَّ عَلَيْهِ.

وَ (اسْتِغْلَالُ الْمُسْتَغَلَّاتُ) أَخْذُ غَلَّتِهَا.

قُلْتُ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: (تَغَلْغَلَ) فِي الشَّيْءِ دَخَلَ فِيهِ.

مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م


54-أساس البلاغة (عصر)

عصر

كل نفس طريدة عصريها. قال المتلمس:

ولن يلبث العصران يوم وليلة *** إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما

وما فعلت ذلك عصرًا ولعصرٍ أي في وقته. ونام فلان ولم ينم عصرًا ولعصرٍ أي في وقت نوم. وتقول: منبّه بن سعد بن قيس عيلان عصّره قوله:

أعمير إن أباك غيّر رأسه *** مرّ الليالي واختلاف الأعصر

فكان يلقب بأعصر بن سعد لهذا البيت.

وهذا أمر قد تعصرت الشبيبة به وبلغت الأشد عليه. وشرب عصارة العنب وعصاره. قال الأخطل:

حتى إذا ما أنضجته شمسه *** وأنى فليس عصاره كعصاري

ومن المجاز: أنا معصور اللسان أي يابسه عطشًا. وولد فلان عصارة كرمٍ ومن عصارات الكرم. وفلان قد اشتفّ عصارة أرضي أي أخذ غلتها. وأعطاه شيأً ثم اعتصره أي ارتجعه. وفي الحديث «لابأس أن يعتصر الواهب ممن وهب» ويقال للمستغزر: المعتصر. وفلان منيع المعتصر كريم المعتصر أي منيع الملجأ كريم عند المسألة. ويقال: فلان عصرتي وعصري ومعتصري. واعتصرت به وعاصرته: لذت به واستغثت. واعتصر الغصان بالماء. قال عدي:

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري

وتقول: وعده إعصار، ليس بعده إعصار؛ من أعصرت السحابة «وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجًا». وقال الشماخ:

إذا اجتهد الترويح مدّا عجاجةً *** أعاصير مما تستثير خطاهما

أراد الرواح إلى بيضهما يعني الظليم والنعامة. وجارية معصر من جوار عاصير. وتعصّر الرجل: بكى. قال جرير:

إذا ذكرت ليلى جبيرًا تعصرت *** وليس بشافٍ داءها أن تعصّرا

وعصر الرّكض الفرس: عرّقه. قال أبو النجم:

يعصرها الركض بطشٍّ يهطله

وعصر البارح العيدان: أيبسها. قال الأخطل:

شرقن إذ عصر العيدان بارحها *** وأيبست غير مجرى السنة الخضر

ومرّت ولذيلها عصرة أي غبرة من كثرة الطّيب.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


55-صحاح العربية (غل)

[غلل] الغلة: واحدة الغلات.

والغلل الماء بين الأشجار والجمع الأغلالُ.

قال الراجز دكين: ينجيه من مثل حمام الاغلال.

وقع يد عجلى ورجل شملال يقول: ينجى هذا الفرس من خيل سراع في الغارة كالحمام الواردة.

وقال أبو عمرو: الغلل: الماء الذى ليس له

جرية، وإنما يظهر على وجه الأرض ظهورًا قليلًا، فيخفى مرّةً ويظهر مرّةً.

والغلل: المصفاة.

قال لبيد: لها غلل من رازقي وكرسف بأيمان عجم ينصفون المقاولا يعنى الفدام الذى على رأس الاباريق.

وبعضهم يرويه: " غلل " جمع غلة.

والغلغلة: سرعة السير.

والمغلغلة: الرسالةُ المحمولة من بلدٍ إلى بلد.

والغال: أرض مطمئنة ذات شجر، ومنابتُ السَلَمِ والطَلْحِ.

يقال: غال من سلم، كما يقال عيص من سدر، وقصيمة من غضى.

والغالُّ أيضًا: نبتٌ، والجمع غُلاَّنٌ بالضم.

وبعيرٌ غَلاَّنُ بالفتح: شديد العطش، وكذلك المُغْتَلُّ.

ويقال: نِعْمَ غَلولُ الشيخ هذا، أي الطعام الذي يدخِلُه جوفَه، على فَعولٍ بفتح الفاء.

والغِلالَةُ: شِعارٌ يلبس تحت الثوب وتحت الدِرع أيضًا.

والغِلُّ بالكسر: الغشُّ والحِقدُ أيضًا.

وقد غلّ صدره يَغِلُّ بالكسر غِلاًّ، إذا كان ذا غش أو ضِغْنٍ وحقدٍ.

والغُلُّ بالضم: واحد الأغْلال.

يقال في رقبته غُلٌّ من حديد.

ومنه قيل للمرأة السيئة

الخلق: غل قمل.

وأصله أن الغُلَّ كان يكون من قِدٍّ، وعليه شعرٌ، فَيَقْمَلُ.

وغَلَلْتُ يده إلى عنقه، وقد غُلَّ فهو مَغْلولٌ.

يقال: ما له أُلَّ وغُلَّ.

والغُلُّ أيضًا والغُلَّةُ: حرارة العطش، وكذلك الغَليلُ.

تقول منه: غُلَّ الرجلُ يُغَلُّ غَلَلًا، فهو مَغْلولٌ، على ما لم يسمّ فاعله.

والغَليلُ: الضِغْنُ والحقدُ، مثل الغُلِّ.

والغَليلُ: النوى يخلط بالقت، تعلفه الناقة.

قال علقمة:

....... غل لها ذو فيئة من نوى قران معجوم

وغله فانْغَلَّ، أي أدخله فدخل.

قال بعض العرب: " ومنها ما يُغَلُّ " يعني من الكباش، أي يدخل قضيبه من غير أن يرفع الألْيَةَ.

وغَلَّ أيضًا: دخل، يتعدَّى ولا يتعدَّى.

يقال: غَلَّ فلانٌ المفاوزَ، أي دخلها وتوسّطها.

وغلَّ من المَغْنَمِ غُلولًا، أي خان.

وأغل مثله.

وغل الماء بين الأشجار، إذا جرى فيها، يَغُلُّ بالضم في جميع ذلك.

وتغلغل الماء في الشجر، إذا تخلَّلها.

قال ابن السكيت: لم نسمع في المَغْنَمِ إلا غلَّ غُلولًا، وقرئ: (ما كان لِنَبِيٍّ أن يَغُلَّ) و " يُغَلَّ " قال: فمعنى يَغُلُّ يخون.

ومعنى يُغَلُّ يحتمل معنيين: أحدهما يُخانُ، يعني أن يؤخذ من غنيمته والآخر يُخَوَّنُ، أي يُنسب إلى الغلول.

قال أبو عبيد: الغُلولُ في المغنمِ خاصَّةً، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد.

وممَّا يبيِّن ذلك أنَّه يقال من الخيانة أغَلَّ يُغِلُّ، ومن الحقد غَلَّ يَغِلُّ بالكسر، ومن الغُلولِ غَلَّ يَغُلُّ بالضم.

وغَلَّ البعير أيضًا، إذا لم يقض رِيَّه.

وأغَلَّ الرجلُ: خان.

قال النمر: جزى الله عنا حمزَةَ ابنةَ نوفلٍ جزاَء مُغِلٍّ بالأمانة كاذبِ وفي الحديث: " لا إغْلالَ ولا إسْلالَ "، أي لا خيانة ولا سرقة، ويقال لا رشوة.

وقال شريح: " ليس على المستعير غير المغل ضمان ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن " ومن رواه " يغل " فهو من الضغن.

وأغلت الضياع، من الغلة.

قال الراجز:

أقبل سيل جاء من عند الله يحرد حرد الجنة المغله وأغل القوم، إذا بلغتْ غَلَّتُهُمْ.

وفلان يُغِلُّ على عياله، أي يأتيهم بالغَلَّةِ.

وأغَلَّ الجازرُ في الإهاب، إذا سلخ فترك من اللحم ملتزِقًا بالإهاب.

وأغَلَّ الوادي، إذا أنبت الغُلاَّنَ.

وأغَلَّ الرجل بصره، إذا شدَّد النظر.

واسْتَغَلَّ عبدَه، أي كلَّفه أن يُغِلَّ عليه.

واسْتِغلالُ المُسْتَغَلاَّتِ: أخذ غلتها.

أبو نصر قال: سألت الاصمعي: هل يجوز تغللت من الغالية؟ فقال: إن أردت أنك أدخلته في لحيتك وشاربك فجائز.

وكذلك غللت بها لحيتى، شدد للكثرة.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


56-صحاح العربية (غم)

[غمم] الغَمُّ: واحد الغُموم.

تقول منه غَمَّهُ فاغْتمَّ.

وغَمَمْتُ الحمار وغيره، إذا ألقمت فمه ومنخريه الغمامة بالكسر، وهي كالكعام، والجمع الغمائم.

وغممته، إذا غطيته فانعم.

قال أوس يرثى ابنه شريحا: على حين أن جد الذكاء وأدركت قريحة حسى من شريح مغمم والغمة: الكربة.

قال العجاج: بل لو شَهِدْتَ الناس إذ تُكُمُّوا بغُمَّةٍ لو لم تفرج غموا يقال: أمرٌ غمَّة، أي مبهمٌ ملتبسٌ.

قال تعالى: (ثمَّ لا يَكُنْ أمرُكم عليكم غُمَّةً) قال أبو عبيد: مجازها ظلمةٌ وضيق وهمٌّ.

والغُمَّةُ أيضًا: قعر النِحْي وغيره.

وغَمَّ يومنا بالفتح فهو يومٌ غَمٌّ، إذا كان يأخذ بالنفس من شدَّة الحر.

وأغَمَّ يومنا مثله.

وليلةٌ غَمٌّ، أي غامَّةٌ، وصِفَ بالمصدر، كما تقول: ماءٌ غَوْرٌ.

وحكى أبو عبيد عن أبي زيد: ليلةٌ غَمَّى بالفتح أيضا، مثل كسلى.

وليلةٌ غَمَّةٌ، إذا كان على السماء غمى مثال رمى.

ويوم غم.

وغم عليه الخبر، على ما لم يسمّ فاعله، أي استعجمَ، مثل أغمى.

ويقال أيضا: غُمَّ الهلال على الناس، إذا ستره عنهم غيمٌ أو غيره فلم يُرَ.

ويقال: صُمْنا للغُمَّى.

وحكى ابن السكيت عن الفراء: صُمْنا للغَمَّى وللغُمَّى، بالفتح والضم جميعًا.

قال الراجز: ليلةُ غُمَّى طامس هلالها أو غلتها ومكره إيغالها وصُمنا للغَمَّاءِ، على فَعْلاءِ بالفتح والمدّ.

والغَمام: السحاب، الواحدة غَمامَةٌ.

وقد أغَمَّتِ السماء، أي تَغَيَّمَتْ.

والغَمَمُ: أن يسيل الشَعَرُ حتَّى تضيق الجبهةُ أو القفا.

ورجلٌ أغم وجبهة غماء.

قال هدبة بن الخشرم: فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا وتكره الغماء من نواصي الخيل، وهي المُفرِطة في كثرة الشعر.

والغَميمُ: الغَميسُ، وهو الكلأ تحت اليبيس.

والغَميمُ: لبين يسخن حتى يغلظ.

وكراع الغميم: موضع بالحجاز.

والغمغمة: أصوات الثيران عند الذعر، وأصوات الأبطال في القتال.

والتغمغم: الكلام لا يبين.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


57-صحاح العربية (غمى)

[غمى] تركت فلانًا غَمًى مثل قفًا مقصورٌ، أي مغشيًّا عليه.

وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث.

وإن شئت قلت: هما غَمَيانِ وهم أغْماءٌ.

وقد أُغمِيَ عليه فهو مُغْمًى عليه، وغَمِيَ عليه فهو مَغْمِيٌّ عليه على مفعولٍ.

وأُغمِيَ عليه الخبر، أي استعجم، مثل غُمَّ.

وغَمى البيتِ: ما فوقَ السقف من القصب والتراب ونحوه، فإن كسرت العين مددت.

وقد غميت البيت.

الفراء: يقال صمنا للغمى وللغمى، إذا غم عليهم الهلال.

وهى ليلة الغمى.

قال الراجز: ليلة غمى طامس هلالها *** أو غلتها ومكره إيغالها

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


58-صحاح العربية (قتا)

[قتا] القَتْوُ: الخِدمةُ.

وقد قَتَوْتُ أقْتو قَتْوًا ومَقْتًى، أي خدَمت، مثال غزوت أغزو غزوا ومغزى.

وقال: إنى امرؤ من بنى فزازة لا *** أحسن قتو الملوك والخببا ويقال للخادم مقتوى، بفتح الميم وتشديد الياء، كأنه منسوب إلى المقتى، وهو مصدر، كما قالوا: ضيعة عجزية للتى لا تفى غلتها بخراجها.

ويجوز تخفيف ياء النسبة، قال عمرو بن كلثوم:

متى كنا لامك مقتوينا *** قال أبو عبيدة: قال رجل من بنى الحرماز: هذا رجل مقتوين، ورجلان مقتوين، ورجال مقتوين، كله سواء.

وكذلك المؤنث، وهم الذين يعملون للناس بطعام بطونهم.

قال سيبويه: سألوا الخليل عن مقتوى ومقتوين فقال: هو بمنزلة الاشعري والاشعرين.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


59-منتخب الصحاح (غلل)

الغَلَّةُ: واحد الغَلاَّت.

والغَلَلُ: الماء بين الأشجار والجمع الأغلالُ.

وقال أبو عمرو: الغلل الماء الذي ليس له جِريَةٌ، وإنَّما يظهر على وجه الأرض ظهورًا قليلًا، فيخفى مرّةً ويظهر مرّةً.

والغَلَلُ: المِصفاةُ.

والغالُّ: أرضٌ مطمئنّة ذات شجر، ومنابتُ السَلَمِ والطَلْحِ.

والغالُّ أيضًا: نبتٌ، والجمع غُلاَّنٌ بالضم.

وبعيرٌ غَلاَّنُ بالفتح: شديد العطش، وكذلك المُغْتَلُّ.

ويقال: نِعْمَ غَلولُ الشيخ هذا، أي الطعام الذي يدخِلُه جوفَه، على فَعولٍ بفتح الفاء.

والغِلالَةُ: شِعارٌ يلبس تحت الثوب وتحت الدِرع أيضًا.

والغِلُّ بالكسر: الغشُّ والحِقدُ أيضًا.

وقد غلّ صدره يَغِلُّ بالكسر غِلاًّ، إذا كان ذا غش أو ضِغْنٍ وحقدٍ.

والغُلُّ بالضم: واحد الأغْلال.

يقال: في رقبته غُلٌّ من حديد.

ومنه قيل للمرأة السيِّئة الخلق: غُلٌّ قَمِلٌ.

وأصله أن الغُلَّ كان يكون من قِدٍّ، وعليه شعرٌ، فَيَقْمَلُ.

وغَلَلْتُ يده إلى عنقه، وقد غُلَّ فهو مَغْلولٌ.

يقال: ما له أُلَّ وغُلَّ.

والغُلُّ أيضًا والغُلَّةُ: حرارة العطش، وكذلك الغَليلُ.

تقول منه: غُلَّ الرجلُ يُغَلُّ غَلَلًا، فهو مَغْلولٌ، على ما لم يسمّ فاعله.

والغَليلُ: الضِغْنُ والحقدُ، مثل الغُلِّ.

والغَليلُ: النوى يخلط بالقَتِّ، تعلُفه الناقة.

وغَلَّهُ فانْغَلَّ، أي أدخله فدخل.

قال بعض العرب: ومنها ما يُغَلُّ، يعني من الكباش، أي يدخل قضيبه من غير أن يرفع الألْيَةَ.

وغَلَّ أيضًا: دخل، يتعدَّى ولا يتعدَّى.

يقال: غَلَّ فلانٌ المفاوزَ، أي دخلها وتوسّطها.

وغلَّ من المَغْنَمِ غُلولًا، أي خان.

وأغَلَّ مثله.

وغَلَّ الماء بين الأشجار، إذا جرى فيها، يَغُلُّ بالضم في جميع ذلك.

قال أبو عبيد: الغُلولُ في المغنمِ خاصَّةً، ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد، وممَّا يبيِّن ذلك أنَّه يقال من الخيانة أغَلَّ يُغِلُّ، ومن الحقد غَلَّ يَغِلُّ بالكسر، ومن الغُلولِ غَلَّ يَغُلُّ بالضم.

وغَلَّ البعير أيضًا: إذا لم يقض رِيَّه.

وأغَلَّ الرجلُ: خان.

قال النمر:

جزى الله عنا حمزَةَ ابنةَ نوفلٍ *** جزاَء مُغِلٍّ بالأمانة كاذبِ

وفي الحديث: لا إغْلالَ ولا إسْلالَ، أي لا خيانة ولا سرقة، ويقال: ولا رشوة.

وأغَلَّتِ الضياع: من الغلةِ.

وأغَلَّ القومُ: إذا بلغتْ غَلَّتُهُمْ.

وفلان يُغِلُّ على عياله، أي يأتيهم بالغَلَّةِ.

وأغَلَّ الجازرُ في الإهاب، إذا سلخ فترك من اللحم ملتزِقًا بالإهاب.

وأغَلَّ الوادي، إذا أنبت الغُلاَّنَ.

وأغَلَّ الرجل بصره، إذا شدَّد النظر.

واسْتَغَلَّ عبدَه، أي كلَّفه أن يُغِلَّ عليه.

واسْتِغلالُ المُسْتَغَلاَّتِ: أخْذُ غَلَّتِها.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


60-تهذيب اللغة (نشح)

نشح: قال الليث: نَشَحَ الشارِبُ إذا شَرِب حتى امتلأ.

وسِقاء نَشَّاح: نَضَّاح.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: النُّشُح السُّكَارَى.

الحرّاني عن ابن السكيت: النَّشوح من قولك: نَشَحَ إذا شَرِب شُرْبًا دون الرِّيِّ.

وقال أبو النّجْم:

* حتَّى إذا ما غَيَّبَتْ نَشُوحا*

وسمعتُ أعرابيًّا يقول لأصحابه: ألا وانْشَحُوا خيلَكم نَشْحًا أي اسقوها سَقْيًا يَفْثأ غُلَّتَها وإن لم يُرْوِها، وقال الرَّاعي يذكر ماء ورده:

نَشحْتُ بها عَنْسًا تَجافَى أظَلُّها *** عن الأُكْم إلا ما وَقَتْها السَّرائح

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


61-تهذيب اللغة (حسب)

حسب: قال الليث: الحَسَبُ: الشَّرَفُ الثابت في الآباء، رجل كريم الحَسَب، وقوم حُسَبَاء، قال: وفي الحديث: «الحَسَبُ المَالُ، والكرَمُ التقوى»وروي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «تُنْكَحُ المرأةُ لِمَالِها وحَسَبِها ومِيسَمِها ودينها فعليك بِذَاتِ الدِّين، تَرِبَت يداك».

قلت: والفقهاء يحتاجون إلى معرفة الحسب، لأنه مما يُعْتَبَرُ به مَهْرُ مثل المرأة إذا عُقِد النكاح على مهر فاسد، فقال شَمِر

في كتابه «المُؤَلَّف في غريب الحديث» الحَسَبُ: الفَعَال الحَسَنُ له ولآبائه مأخوذ من الحِسَاب إذا حَسَبُوا مناقبهم، وقال المُتَلمِّس:

ومَنْ كان ذَا أَصْلٍ كريم ولم يكن *** له حَسَبٌ كان اللئيمَ المُذَمَّما

ففرّق بين الحسَب والنَّسَب، فجعل النسب عدد الآباء والأمهات إلى حيث انتهى، والحَسَبُ: الفَعَالُ مثل الشجاعة والجود وحُسْنِ الخُلُق والوفاء.

قلت: وهذا الذي قاله شَمِر صحيح، وإنَّما سُمِّيت مَسَاعِي الرجل ومآثِرُ آبَائِه حَسَبًا: لأنهم كانوا إذا تفاخَرُوا عَدَّ المُفَاخِرُ منهم مناقِبَه ومآثِرَ آبائِه وحَسَبَها، فالحَسْبُ: العَدُّ والإحصاء، والحَسَبُ: ما عُدَّ، وكذلك العَدُّ مصدر عَدَّ يعُدُّ، والمعدود عددٌ.

وحدّثني محمد بن إسحاق عن علي بن خَشْرَم عن مُجَالد عن عمرو عن مسروق عن عُمَر أنّه قال: «حَسَبُ المرء دينُه، ومروءتُه خُلُقه، وأصله عَقْلُه»، قال: وحَدَّثنا الحُسَيْنُ بن الفَرج عن إبراهيم بن شمَّاسٍ عن مُسْلِم بن خَالِد، عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قال:

«كَرَمُ المرء دِينُه، ومُرُوءَتُه عَقْلُه، وحَسَبُهُ خُلُقُهُ».

الحَرّاني عن ابن السكيت قال: الشرفُ والمجد لا يكونان إلا بالآباء.

يقال: رجل شريف، ورَجُلٌ ماجِد: له آباء متقدمون في الشرف.

قال: والحَسَبُ والكرم يكونان في الرَّجُل وإن لم يكن له آباء لهم شرَفٌ.

ويقال: رجل حَسِيب.

ورجل كَرِيمٌ بنفسه.

قلت: أراد أن الحَسَب يحصل للرجل بكرم أخلاقِه وإن لم يكن له نسب، وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له.

ابن بزُرْج قال: الحَسِيبُ عندنا من الرجال: السخِيُّ الجَوادُ فذلك الحسيبُ، ولا يقال لذي الأصْلِ والصَّليبة البخيل حسيب.

قلت: يقال للسَّخِيِّ الجَوادِ حَسِيب.

وللذي يَكْثُر أهل بيته من البنين والأهل حسيب وإنما سُمّي حَسيبًا لكثرة عدده.

وسُمِّي الجواد حسيبًا لعدد مآثره ومنابته وكريم أخلاقه، وبكل ذلك نطقت السُّنَن وجاءت الأخبار، ويبين ذلك ما حدّثنا السعدي عن الجرجاني عن عبد الرزاق عن مَعْمر عن الزهري عن عروة أَنَّ هَوَازِنَ أتوا النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فقالوا: أنت أبرُّ الناس وأوصلُهم وقد سُبِيَ أبناؤُنا ونِساؤُنا وأُخِذَتْ أَمْوَالُنا، فقال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «اختاروا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إما المالَ، وإما البَنِينَ»، فقالوا: أما إذ خيَّرتنا بين المال وبين الحسَب فإنا نَخْتَارُ الحسَب، فاختاروا أبناءَهم ونساءَهم، فقال النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «إنا خَيَّرنَاهُم بين المالِ والأحْساب فلم يَعْدِلوا بالأَحْساب شيئًا»، فأطلق لهم السَّبيَ.

قلت: وبيّن هذا الحديث أن عدد أهل البيت يُسَمَّى حَسَبًا.

وقال الليث: الحَسَبُ: قدرُ الشيءِ كقولك: على حسَبِ ما أسْدَيْت إليَ

شكْرِي لك تقول: أشكرك على حَسَب بَلَائِك عندي أي على قدر ذلك.

قال: وأَمّا حَسْب مَجْزُومٌ فمعناه كَفَى، تقول: حَسْبك ذَاكَ أي كَفَاكَ ذَاكَ، وأنشد ابن السكيت:

ولم يكن مَلَكٌ للقوم يُنْزِلُهم *** إلا صَلَاصِلُ لا تُلْوَى على حَسَبِ

قال: قوله: لا تُلْوَى على حَسَب أي يُقْسَم بينهم بالسَّوِيَّة لا يُؤْثَرُ به أَحَدٌ، وقيل: لا تُلْوَى على حَسَب أي لا تُلْوَى على الكِفَاية لِعَوَزِ الماء وقِلَّتِه.

ويقال أَحْسَبَني ما أَعْطاني أي كفَاني.

وقال الفرّاء في قول الله عزوجل: {يا أَيُّهَا النَّبِيُ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفَال: 64] جاء في التفسير: يكفيك الله ويَكْفِي مَنِ اتَّبَعَك، قال: وموضع الكاف في حَسْبُكَ وموضع {مَنِ}: نَصْب على التفسير كما قال الشاعر:

إذا كانت الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا *** فَحَسْبُك والضَّحّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّد

وقال أبو العَبّاس: معنى الآية: يكفيك الله ويكفي مَنِ اتَّبَعك.

وقال أبو إسحاق النحوي في قول الله جلّ وعزّ: {وَكَفى بِاللهِ حَسِيبًا} [النِّساء: 6] يكون بمعنى مُحَاسِبًا، ويكون بمعنى كافيًا أي يعطي كل شيء من العِلْم والحِفظِ والجزاءِ مقدارَ ما يُحْسِبه أي يَكْفِيه تقول: حَسْبُك هذا أي اكتفِ بِهَذَا.

قال: وقوله تعالى: {عَطاءً حِسابًا} [النّبَإِ: 36] أي كافيًا، وإنما سُمِّي الحِساب في المعاملات حِسَابا: لأنه يُعْلَم به ما فيه كِفايةٌ ليس فيه زِيادَةٌ على المقدار ولا نُقْصانٌ.

أبو عُبَيد عن أبي زيد.

حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبَه حِسابًا، وحَسَبْتُ الشيء أحْسَبُه حَسابًا وحُسْبَانًا، وأنشد:

على الله حُسْبَانِي إذا النَّفسُ أَشْرَفتْ *** على طَمَعٍ أو خافَ شيئًا ضميرُها

وقال الفراء: حَسِبْتُ الشيءَ: ظَنَنْتُه أَحْسِبُه وأَحْسَبهُ، والكَسْرُ أَجْوَدُ اللُّغَتَيْن.

وقُرِىء قولُ الله تعالى: (ولا تحسبن)، وليسَ في باب السالم حَرْفٌ على فَعِل يَفْعِل بكسر العين في الماضي والغابر غيرُ حَسِب يَحْسِب، ونَعِمَ يَنْعِم.

وأَمَّا قول الله جلّ وعزّ: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) فمعناه بحساب.

وأخبرني المنذِريُّ عن ثعلب أنه قال: قال الأخفش في قوله جلّ وعزّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبانًا} [الأنعَام: 96] فمعناه بحساب، فحذف الباء.

وقال أبو العبَّاس: حُسْبَانًا: مصدر، كما تقول: حَسَبْتُه أَحْسبُهُ حُسْبانًا وحِسَابًا، وجعله الأخفش جَمْعَ حِسابٍ.

وقال أبو الهَيْثَم: الحُسْبان جمع حِساب وكذلك أَحْسِبَةٌ مثلُ شِهَاب وأَشْهِبَة وشُهْبَان.

وأما قوله عزَّ ذِكْرُه: {وَيُرْسِلَ {عَلَيْها} حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] فإن الأخفش قال: الحُسْبَانُ: المَرَامي، واحدتها حُسْبَانة.

وقال ابن الأعرابي أيضًا: أراد بالحُسْبَان المَرَامِي، قال: والحُسْبَانَةُ: الصاعِقَةُ، والحُسْبَانَةُ: السَّحابَة، والحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ.

وقال ابن شُمَيل: الحُسْبَان: سِهَامٌ يَرْمي بها الرَّجلُ في جوف قَصَبَةٍ ينْزِع في القَوْسِ ثم يَرْمِي بِعِشْرين منها، فلا تَمرُّ بشيء إلا عَقَرَتْه من صاحِب سِلَاحٍ وغيره، فإذا نَزَعَ في القَصَبة خَرَجَت الحُسْبَانُ كأنها غَيْبَةُ مَطَر فتَفَرَّقَتْ في النّاسواحدها حُسْبَانَةٌ، والمَرَامِي مِثْلُ المَسَالِّ رَقيقَةٌ فيها شيءٌ من طول لا حروف لها.

قال: والقِدْحُ بالحَدِيدَة: مِرْمَاةٌ.

وقال الزَّجَّاجُ في قوله عزوجل: {وَيُرْسِلَ {عَلَيْها} حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ} [الكهف: 40].

قال: الحُسْبَانُ في اللُّغة: الحِساب.

قال الله عزوجل: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} [الرَّحمن: 5] أي بحساب، قال: فالمعنى في هذه الآية أي يُرْسِل عليها عذاب حُسْبَان، وذلك الحُسْبَان حِسَابُ ما كَسَبَتْ يداك.

قلت: والذي قاله الزجاج في تفسير هذه الآية بعيد، والقول ما قاله الأخْفَشُ وابن الأعرابي وابن شُمَيْل والمعنى والله أَعْلَم أن الله يُرْسِل على جَنَّة الكافر مَرَامِيَ من عذاب، إما بَرَدٌ وإما حِجارة أو غيرهُما مِما شاء فَيُهْلكها ويُبْطِل غَلَّتَها وأَصْلَها.

وقال الليث: الحِسابُ والحِسابةُ: عَدُّك الشيءَ، تقول: حَسَبْتُ الشيء أَحْسُبُه حِسَابا وحِسابَةً وحِسْبَةً.

وقال النابِغَةُ:

* وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً في ذلك العَددِ*

وقول الله عزوجل: {يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ} [البَقَرَة: 212].

قال بعضهم: بغير تَقْدِيرٍ على آخر بالنقصان، وقيل: بغير محاسبة ما يخاف أحدًا أن يُحاسِبَه عليه، وقيل: بغَيْر أن حَسِبَ المُعْطَى أَنّه يُعْطِيه أعطاه من حَيْث لم يَحْتسِب.

قال: والحِسْبَةُ: مصدر احْتِسابك الأجر على الله عزوجل، تقول: فعلتُه حِسْبَةً، واحْتَسَب فيه احْتِسابًا.

أبو عُبَيد عن الأصمعي: إنه لَحَسَنُ الحِسْبَة في الأمر إذا كان حَسَنَ التدبير في الأمر والنظر فيه وليس هو من احْتِسابِ الأجْرِ.

وقال ابن السِّكِّيت: احْتَسَبْتُ فلانًا: اخْتَبَرْتُ ما عِنْدَه، والنساءُ يَحْتسِبن ما عِنْد الرِّجَالِ لهن أي يَختَبِرْن.

قال: ويقال: احْتَسَبَ فلانٌ ابْنًا له وبنْتًا له إذا ماتَا وهما كبيران، وافْتَرَط فَرَطًا إذا مات له وَلَدٌ صغير لم يبلغ الْحُلُم.

قلت: وأما قول الله جَلَّ وَعَزَّ: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطّلَاق: 3] فجائز أن يكون معناه من حيث لا يُقَدِّرُهُ ولا يظنه كائنًا، من حَسِبْتُ أَحْسِب أي ظَنَنْتُ، وجائز أن يكون مأخوذًا من حَسبْتُ أَحْسُبُ، أراد من حيث لم يَحْسُبْه لنفسه رزقا ولا عَدَّه في حِسابه.

وقال الليث: الحَسْبُ والتَّحْسِيبُ: دَفْنُ المَيِّتِ، وأَنْشَد:

* غَدَاةَ ثَوَى في الرَّمْلِ غَيْرَ مُحَسَّبِ *

أي: غَيْرَ مدفون، ويقال: غيرَ مُكَفَّن.

قلتُ: لا أعرف التَّحْسِيب بمعنى الدَّفْن في الحجارة ولا بمعنى التكفين، والمعنى في قوله: غير مُحَسَّب أي غير مُوَسَّد.

قال أبو عُبَيْدة وغيره: الحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ الصغيرة، وقَدْ حَسَّبْتُ الرجل إذا أَجْلَستَه عليها.

وروى أبو العَبَّاس عن ابن الأعرابي أنه قال: يقال لِبِسَاط البَيْتِ: والحِلْسُ، لِمخَادِّه المَنَابذُ ولِمساوِرِه الحُسْبَانات، ولحُصْرِه الفُحولُ.

وقال الليث: الأحْسَبُ: الذي ابْيَضَّت جِلْدَتُه من دَاءٍ ففسدت شَعَرَته، فصار أَحْمَرَ وأبْيَض، وكذلك من الإبل والنَّاس، وهو الأبْرَصُ، وأَنْشَدَ قولَ امْرِىء القَيْس:

أَيَا هِنْدُ لا تَنْكِحِي بُوهَةً *** عليه عَقِيقَتُه أَحْسَبَا

وقال أبو عُبَيْد: الأحْسَبُ: الذي في شعره حُمْرَةٌ وبَيَاض.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحُسْبَةُ: سواد يضرب إلى الحُمْرَةِ، والكُهْبَةُ: صُفْرَةٌ تَضرِبُ إلى الحُمْرَةِ، والقُهْبَةُ: سواد يضرب إلى الخُضْرَة، والشُّهْبَةُ: سوادٌ وبيَاضٌ، والْحُلْبَةُ: سوادٌ صِرْفٌ، والشُّرْبَةُ: بيَاضٌ مُشْرَبٌ بحمرة، واللُّهْبَةُ: بيَاضٌ ناصعٌ نَقِيّ، والنُّوبَةُ: لَوْنُ الخِلاسِيِّ والخِلاسِيُّ: الذي أَخَذ من سوادٍ شيئًا ومن بياض شَيئًا، كأنه وُلِد من عَرَبِيٍّ وحَبَشِيَّة.

أبو عُبَيد عن أبي زيد: أَحْسَبْتُ الرجلَ أي أعطيته ما يَرْضَى، وقال غيره معناه: أَعْطَيْتُه حتى قال: حَسْبِي.

والحِسَابُ: الكثير من قول الله عَزَّ وجَلَّ: {عَطاءً حِسابًا} [النّبَإِ: 36] أي كثيرًا.

ويقال: أَتَاني حِسابٌ من النَّاس أي جماعةٌ كثيرة، وهي لغة هُذَيْل.

وقال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيّ:

فلم يَنْتَبِه حتى أحاط بِظَهْرِه *** حِسَابٌ وسِرْبٌ كالجرادِ يَسُوم

وأمَّا قَوْل الشَّاعِر:

باشَرْتَ بالوَجْعَاءِ طَعْنَة ثَائرٍ *** بِمُثَقِّفٍ وثَوَيْتَ غيْرَ مُحَسَّب

فإنه يُفَسّر على وجهين، قيل: غير مُوسَّد، وقيل: غير مكرّم، ومعناه أنه لم يرفَعْك حَسَبُك فَيُنْجِيَكَ من الموت ولم يُعَظَّمْ حَسَبُك.

وقال الفَرّاء في قوله جَلّ وعَزّ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} [الرَّحمن: 5] قال: بِحسَاب ومنازل لا يَعْدُوانها.

وقال الزَّجَّاج: بحُسْبَان يدل على عدد الشهور والسنين وجميع الأوقات.

أبو عُبَيد: ذَهَبَ فلان يَتَحَسَّبُ الأخبارَ أي يَتَحَسّسها ويطلبها تَحَسُّبًا.

وقال أحمد بن يحيى: سألتُ ابنَ الأعرابي عن قول عُرْوَةَ بنِ الوَرْد:

ومُحْسِبَةٍ ما أَخْطَأَ الحقُّ غيرها *** تَنَفَّسَ عنها حَيْنُها فَهْي كالشَّوِي

قال: المُحْسِبَةُ بمعنيين من الحَسَب وهو الشَّرَف، ومن الإحساب وهي الكِفَاية أي

أنها تُحْسِبُ بلبنها أهلَها والضَّيْفَ، وما صلة، المعنى أنها نُحِرَت هِيَ وسَلِمَ غيرها.

أبو عُبَيد عن أبي زياد الكلابي: الأحْسَبُ من الإبل: الذي فيه سَواد وحُمْرَة وبيَاض، والأَكْلَفُ نحوه.

وقال شمر: هو الذي لا لون له الذي يقال: أَحْسِبُ كذا وأَحْسِبُ كذا.

وقوله تعالى: {وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ} [البَقَرَة: 202] أي حِسَابُه واقع لا محالة، وكلُّ واقع فهو سَرِيعٌ، وسُرْعَةُ حِساب الله أنه لا يَشْغَلُه حِسَابُ واحد عن مُحاسَبَة الآخر، لأنه لا يشغله سَمْعٌ عن سَمْع، ولا شأْنٌ عن شأْن.

وقوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفَال: 64].

أي كافيك الله.

أَحْسَبَني الشيءُ أي كَفَاني، وأعْطَيْتُه فأحسَبْتُه أي أعطيتُه الكِفَايَة حتى قال حَسْبي، وفي قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفَال: 64] كِفَايَةٌ إذا نصرهم الله، والثاني حَسْبك من اتَّبَعَك من المؤمنين أي يَكْفِيكُم الله جميعًا.

وقوله: {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسرَاء: 14] أي كفى بك لنفسك مُحَاسِبًا.

وقوله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} [البَقَرَة: 212] أي بِغَيرِ تَقْتِيرٍ وتضييق، كقولك: فلان ينفق بغير حساب أي يُوَسِّع النّفَقَةَ ولا يَحْسُبُها.

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ} [الكهف: 9] الخِطَابُ للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، والمرادُ الأُمَّةُ.

أخبرني المُنْذِرِيّ عن أبي بكر الخطَّابي عن نوح بن حبيب عن عبد الملك بن هشام الذماري قال أخبرنا سُفْيان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قَرَأَ: {يَحْسِب أن ماله أخلده} [الهُمَزة: 3] معنى أَخْلَدَه يُخْلِدُه، ومثله: {وَنادى أَصْحابُ النَّارِ} [الأعرَاف: 50] أي ينادي، وقال الحُطَيْئَة:

شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ حِين يَلْقَى رَبَّه *** أَنَّ الوليدَ أَحَقُّ بالعُذْرِ

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


62-تهذيب اللغة (سبل)

سبل: قال ابن السِّكّيت وغيرُه: السَّبيل الطّريق يؤنَّثان ويذكَّران، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف: 46]، وقال: {قُلْ هذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108]، وجمعُ السَّبيل سُبُل.

وابنُ السبيل: المسافرُ الَّذي انقُطِع به وهو يريد الرجوع إلى بلدِه ولا يَجد ما يَتبلّغُ به، فلَهُ في الصَّدَقات نصيب.

وقولُ الله: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 60]، أريدَ به الّذي يريد الغَزْوَ ولا يَجِد ما يُبلِّغه مَغْزاه فيُعطَى مِن سَهْمه.

وكلُ سَبِيل أُريدَ به الله جلَّ وعزّ وفيه بِرٌّ فهو داخلٌ في سبيل الله.

وإذا حَبَس الرجلُ عُقْدةً له وسَبّل ثمَرَها أو غَلتَها فإنّه يُسلَك بما سَبَّل سُبُل الخير، يُعْطَى منه ابنُ السّبيل والفقيرُ والمجاهدُ وغيرُهم.

وقال الشافعيّ: سَهْمُ سبيلِ الله في آيَة الصَّدَقات يُعطَى منه من أراد الغَزْوَ مِن أهل الصَّدقة فقيرًا كان أو غنيًّا.

قال: وابنُ السَّبيل عندي: ابنُ السَّبيل من أهل الصَّدَقة الّذي يُريد بلدًا غير بلدِه لأمر يلزمه.

قال: ويُعطى الغازي الحَمولة والسّلاح والنفقةَ والكسوة.

ويُعطى ابنُ السبيل قدر ما يبلّغه البلد الذي يريده في نفَقَته وحَمُولتَه.

وقال اللّحياني: المُسْبِل من قِداح المَيْسر: السادسُ وفيه ستّة فُروض، وله غُنْم ستّة أَنصِباء إن فاز، وعليه غُرْم ستّة أنصباء إن لم يَفُزْ، وجمعُه المسَابِل.

وحدثنا السعدي قال: حدثنا إبراهيم بن هانىء، قال: حدثنا عفان قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني علي بن مدرك قال: سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير يحدّث عن خرشة قال: قال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم وآله: «ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ

يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِمْ»، قال: قلت: ومن هم خابوا وخسِروا؟ فأعادها رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم ثلاث مرات: المُسبل والمَنَّان والمُنفِّق سلعته بالحلف الكاذب.

قال ابن الأعرابي: المسبلُ: الذي يطوّل ثوبه ويرسله إلى الأرض ونحو ذلك.

قال النضر رواية أبي دواد.

قال الفراء في قوله: {فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء: 48]، قال: لا يستطيعون في أمرك حيلة.

وقوله عزوجل: {لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75]، كان أهل الكتاب إذا بايعهم المسلمون قال بعضهم لبعض: ليس للأميين ـ يعني للعرب ـ حُرمة أهل ديننا، وأموالهم حِلٌّ لنا.

وقال الليث: السَّبُولة: هي سُنْبُلة الذُّرَة والأَرُزّ ونحوه: إذا مالت.

ويقال: قد أَسْبَلَ الذرعُ إذا سَنْبَل.

والفرسُ يُسْبِل ذَنَبه، والمرأةُ تُسْبِل ذَيْلَها.

قال: والسَّبَلَةُ: ما على الشَّفَة العُلْيا من الشَّعر بجمع الشارِبَين وما بينهما.

والمرأةُ إذا كان لها هُناك شعر قيل: امرأةٌ سَبْلاء، والسَّبَلُ: المطرُ المُسبِل.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: السَّبَلُ: أطرافُ السُّنْبُل.

ويقال: أَسبَلَ فلانٌ ثيابَه: إذا طوَّلها وأرسلَها إلى الأرض.

وأَسبَلَت السحابة: إذا أَرْخَتْ عَثانينَها إلى الأرض.

قال اللّيث: يقال: سَبَلٌ سابِلٌ، كقولك: شِعْر شاعر؛ اشتَقّوا له اسمًا فاعلًا.

وفي الحديث: «إنه وافر السَّبَلة».

قال أبو منصور: يعني الشعرات التي تحت اللَّحْي الأسفل.

والسَّبلةُ عند العرب: مقدَّم اللحية، وما أسبل منها على الصدر.

يقال للرجل إذا كان كذلك: رجل أسْبَلُ ومسَبَّل.

والسابلةُ: المختلفةُ في الطُّرُقات في حوائِجهم والجميع السَّوابل.

وقال غيرُه: السَّبلةُ: مقدَّم اللِّحْية، ورجُلٌ مُسَبَّلٌ: إذا كان طويلَ اللِّحية، وقد سُبِّل تَسْبيلًا كأنه أُعْطِيَ سَبَلةً طويلة.

ويقال: جاء فلانٌ وقد نشرَ سَبَلَته: إذا جاء يتوعَّد، وقال الشَّمّاخ:

وجاءَتْ سُلَيْمٌ قَضَّها بقَضيضها *** تُنَشِّرُ حَوْلِي بالبقيعِ سِبَالَها

ويقال للأعداء: هم صُهْبُ السِّبال، ومنه قولُه:

فظِلالُ السُّيوفِ شَيَّبْنَ رأْسي *** واعتناقِي في القوْمِ صُهْبَ السِّبالِ

وقال أبو زيد: السَّبلة: ما ظَهَر من مقدَّم اللِّحية بعد العارِضين.

والعُثْنُون: ما بَطَن.

قال: والسَّبلَة: المَنحر من البعير، وهو التَّريبة، وفيه ثُغْرة النَّحْر.

يقال: وجَأَ بشَفْرَته في سَبَلَتِها، أي: مَنْحَرِها.

وإن بَعيرَك لحسَن السَّبلة: يريد رِقَّة خده.

قلتُ: وقد سمعتُ أعرابيًا يقول: لَتَمَ بالتاء فلان في سَبلةِ بعيره: إذا نَحَره فطَعَن في نحرِه؛ وكأنّها شَعَرات تكون في المَنْحر.

وأسْبِيل: اسمُ بلد.

قال خَلَف الأَحمر:

لا أَرضَ إلّا اسْبِيلْ *** وكلُّ أرضٍ تَضْليلْ

وقال النَّمِر بنُ تَوْلَب:

بإسْبِيلَ ألقَتْ به أُمُّهُ *** على رأسِ ذِي حُبُكٍ أَيْهمَا

ثعلب عن ابن الأعرابي: السُّبْلةُ: المَطْرَةُ الواسعة.

وقال أبو زيد: السَّبل: المَطر بين السحاب والأَرض حين يَخْرُج من السحاب ولم يَصل إلى الأَرض.

وقد أسبَلَتِ السماءُ إسْبالًا، ومِثْل السَّبل العثانين، واحدُها عُثْنون.

ومَلأَ الإناءَ إلى سَبَلتِه، أي: إلى رَأْسِه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


63-معجم العين (عصر)

عصر: العَصْرُ: الدّهر، فإذا احتاجوا إلى تثقيله قالوا: عُصُر، وإذا سكنوا الصاد لم يقولوا

إلاّ بالفتح، كما قال

*************** وهل يَنْعَمَنْ من كان في العُصُرِ الخالي

والعصران: الليل والنهار.

قال حميد بن ثور:

ولا يَلْبِثُ العَصْرَانِ يومًا وليلةً *** إذا اختلفا أن يدركا ما تيمّما

والعَصر: العشيّ.

قال:

يروحُ بنا عمْروٌ وقد عَصَرَ العَصْرُ *** وفي الرَّوْحَةِ الأولَى الغنيمةُ والأجرُ

به سمّيت صلاة العصر، لأنّها تعصر.

والعصران: الغداة والعشيّ.

قال:

المطعم الناس اختلاف العَصْرَيْنِ *** جفان شيزى كجوابي الغربين

يعني للحدس التي يصيب فيها الغربان.

والعصارة ما تحلب من شيء تعصره.

قال العجاج:

عصارة الجزء الذي تحلبا

يعني بقية الرَّطْب في أجواف حمر الوحش التي تجزّأ بها عن الماء.

وهو العصير أيضًا.

قال:

وصار باقي الجزء من عصيره *** إلى سَرار الأرض أو قعوره

يعني العصير ما بقي من الرَّطب في بطون الأرض، ويبس ما سواه.

وكلّ شيء عُصِر ماؤه فهو عصير، بمنزلة عصير العنب حين يُعصر قبل أن يختمر.

والاعتصار أن تخرج من إنسان مالًا بغرم أو بوجه من الوجوه.

قال:

فمن واستبقى ولم يعتصر *** من فرعه مالًا ولا المكسر

مَكسِره لشيء أصله، يقول: منّ على أسيره فلم يأخذ منه مالًا من فرعه، أي: من حيث تفرّع في قومه، ولا من مكسره، أي: أصله، ألا ترى أنّك تقول للعود إذا كسَرته: إنّه لحسن المكسر فاحتاج إلى ذلك في الشّعر فوصف به أصله وفرعه.

والاعتصار أن يغصَّ الإنسان بطعام فيعتصر بالماء، وهو شربه إياه قليلًا قليلًا، قال الشاعر

لو بغير الماءِ حَلْقي شرِق *** كنتُ كالغَصَّانِ بالماء اعتصاري

أي: لو شرقت بغير الماء، فإذا شرقت بالماء فبماذا أعتصر؟ والجارية إذا حرُمت عليها الصلاة، ورأت في نفسها زيادة الشباب فقد أَعْصَرَتْ فهي مُعْصِر، بلغت عصر شبابها.

واختلفوا فقالوا: بلغت عَصْرَها وعُصُرَها وعصورَها.

قال

*************** وفنّقها المراضعُ والعصورُ

ويجمع معاصير.

قال أبو ليلى: إذا بلغت قرب حيضها، وأنشد:

جاريةٌ بِسَفَوان دارهَا *** تمشي الهُوَيْنا مائلًا خمارُها

يَنْحَلُّ من غُلْمَتِها إزارُها *** قد اعْصَرَتْ، أو قد دنا إعصارها

والمُعْصِرات: سحابات تُمْطِر.

قال الله عزّ وجلَ: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجًا.

وأعصر القوم: أُمْطِرُوا.

قال الله عزّ وجلّ: وَفِيهِ يَعْصِرُونَ.

ويقرأ يَعْصِرون، من عصير العنب.

قال أبو سعيد: يَعْصِرون: يستغلّون أَرَضِيهم، لأن الله يُغنيهم فتجيء عصارة أَرَضيهم، أي: غلّتها، لأنك إذا زرعتَ اعتصرتَ من زرعك ما رزقك الله.

والإعصار: الريح التي تثير السَّحاب.

أعصرتِ الرياح فهي مُعْصِرات، أي: مثيرات للسحاب.

والإعصار: الغبار الذي يستدير ويسطع.

وغبار العجاجة إعصار أيضا.

قال الله عز وجلّ: فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ

يعني العجاجة.

والعَصَرُ: الملجأ، والعُصْرةُ أيضًا، والمُتَعَصَّرُ والمعْتَصَرُ، وهذا خلاف ما زعم في

تفسير هذا البيت، في قوله:

وعصْفَ جارٍ هدَّ جارُ المعتَصَرْ

قالوا: أراد به كريم البلل والنَّدَى، وهو كناية عن الفعل، أي: عمل جارٍ وهدَّ جار المعتصر فهذا معني كَرُمَ، أي: أَكْرِمْ به من مُعْتَصَر، أي: أنك تعصر خيره تنظر ما عنده، كما يُعْصَر الشراب.

وقال عبد الله: هذا البيت عندي:

وعصَّ جارٍ هدَّ جارًا فاعتصر

أي: لجأ.

وقال أبو دُواد في وصف الفرس:

مِسَحٌّ لا يواري العير *** منه عَصَرُ اللِّهْبِ

قال أبو ليلى: اللِّهْب: الجبل، والعَصَرُ: الملجأ، يقول: هذا العَيْرُ إن اعتصر بالجبل لم ينج من هذا الفرس.

وقال بعضهم: يعني بالعَصَر جمع الإعصار، أي: الغبار: والعُصْرَةُ: الدِّنْيَةُ في قولك: هؤلاءِ موالينا عُصْرَةً، أي: دِنْيَةَ، دون مَنْ سواهم.

والمَعْصِرَةُ: موضع يُعْصَرُ فيه العنب.

والمِعْصار: الذي يُجْعَلُ فيه شيء يُعْصَر حتى يُتَحلَّب ماؤه.

وعَصَرْتُ الكرمَ، وعصرت العنب إذا وليته بنفسك، واعتصرت إذا عُصِرَ لك خاصة.

والعَصْرُ العطية، عَصَرَهُ عَصْرًا.

قال طرفة:

لو كان في إملاكنا واحدٌ *** يَعْصِرُنا مثل الذي تَعْصِرُ

والعرب تقول: إنّه لكريم العُصارة.

وكريم المعتَصَر، أي: كريم عند المسألة.

وكلّ شيء منعته فقد اعتصرته.

ومنه الحديث: يعتصر الوالد على ولده في ماله أي: يحبسه عنه، ويمنعه إياه.

وعَصرت الشيء حتى تحَلَّب.

قال مرار بن منقد:

وهي لو تعصر من أردانها *** عبقَ المسكِ لكادت تَنعَصِر

وبعير معصور قد عصره السّفر عصرًا.

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


64-القانون (مزراعة)

مزراعة: استئثار الأرض بحصة معلومة من غلتها.

المعجم القانوني (الفاروقي)


65-القانون (مزارعة)

مزارعة: استئجار الأرض نظير جزء من غلتها يدفع بدل الأجرة النقدية.

المعجم القانوني (الفاروقي)


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com