نتائج البحث عن (فَاعْتُبِرُوا)

1-العربية المعاصرة (عبر)

عبَرَ يَعبُر، عُبورًا وعَبْرًا، فهو عابر، والمفعول مَعْبور.

* عبَر النَّهرَ ونَحوَه: قطعه وجازَه من جانبٍ إلى آخَر (عبَر الطَّريقَ/البحرَ- عبَر به الماءَ- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [قرآن]) (*) الزَّمان العابِر: الماضي- بضائعُ عابرة: بضائع مُعفاة من الرُّسوم في طريق نقلها من بلدٍ إلى بلد آخر- حُبٌّ عابر: غير مقيم- صاروخ عابر قارّات: صاروخ بعيد المدى، يُطلق من قارَّة إلى أخرى- عابرة المحيطات: سفينة ضخمة تُستخدم في النَّقل عبر المحيطات- عابر السَّبيل: المارُّ بالمكان دون أن يقيم فيه، المسافر خاصَّة على قدميه- عبَر الأزمة: تخطّاها وتغلَّب عليها- كلمة عابرة: قيلت في سياق لم تكن معدَّة لأن تقال فيه- وقت عابر: ماضٍ بسرعة.

عبَرَ يَعبُر، عِبارَةً وعَبْرًا، فهو عابِر، والمفعول معبور.

* عبَر الرُّؤيا أو الحُلْمَ: فسَّرَهُما وأخبر بآخر ما يئول إليه أمرهما {يَاأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [قرآن].

عبَرَ يَعبُر، عَبْرًا، فهو عابر.

* عبَرت عينُه: جرت دمعتُها، حزِن (عبَرت دموعُها حين رأت الأيتامَ المحتاجين للعون).

استعبرَ يستعبر، استعبارًا، فهو مُستَعْبِر، والمفعول مُستَعْبَر (للمتعدِّي).

* استعبر فلانٌ: حزِن، جرَتْ دمعتُه (استعبرت عينُها لفراق ابنها).

* استعبر فلانًا الرُّؤْيا: قصَّها عليه وسأله تفسيرَها.

اعتبرَ/اعتبرَ ب يعتبر، اعتبارًا، فهو معتبِر، والمفعول معتبَر.

* اعتبره القاضي مُذنِبًا: عدَّه وحسبه (اعتبره مسئولًا عن الحادِث- أنا مُعتبِرُك أخًا لي- اعتبره عالمًا/صديقًا).

* اعتبر فلانًا: اعتدَّ به واحترمه (الجميع يعتبر أعضاءَ المجمع ويقدِّرهم).

* اعتبرَ بالموت: تدبَّر، اتَّعظ به (اعتبر بما حدث لجاره- اعتبر بمن قبلك ولا تكن عبرةً لمن يأتي بعدك- {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَارِ} [قرآن]).

عبَّرَ/عبَّرَ عن يعبِّر، تعبيرًا، فهو مُعبِّر، والمفعول مُعبَّر.

* عبَّر الرُّؤيا أو الحُلْمَ: عبَرهما، فسَّرهما وأخبر بآخر مايئول إليه أمرهما.

* عبَّرَ عمَّا في نفسه: أوضح، بيَّن بالكلام أو غيره ما يدور في نفسه (لسانُه مُعبِّرٌ عن ضميره- عبَّر عن عواطفه/رفضه للموضوع- عبَّر عنه غيره: أعرب).

اعتبار [مفرد]: جمعه اعتبارات (لغير المصدر):

1 - مصدر اعتبرَ/اعتبرَ ب (*) اعتبارًا من هذا التَّاريخ: ابتداءً منه- باعتباره مديرًا: بوصفه، بحكم وظيفته- على اعتبار أنَّ: بالنَّظر إلى أنَّ- وضَعه في الاعتبار: فكَّر فيه، وضَعه في حساباته.

2 - تقديرٌ واحترامٌ وكرامة (رجلٌ له اعتباره ومكانته بين النّاس) (*) باعتباره أكبرهُم سِنًّا: بصفته أكبر سِنًّا- دون اعتبار للكفاءة: بغضِّ النَّظر عن الكفاءة- يأخذ بعين الاعتبار: يُراعي أو يقدِّر.

3 - سبب (عفا عنه لاعتبارات كثيرة- تخلَّف عن الحضور لاعتبارات شخصيَّة).

* الاعتبار:

1 - [في الفلسفة والتصوُّف] التَّأمّل والتَّدبّر والاستدلال بذلك على عِظَم القدرة وبديع الصَّنعة.

2 - النَّظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها؛ ليعرف بالنَّظر فيها شيء آخر من جنسها.

* ردُّ الاعتبار: [في القانون] إعادة التَّقدير والاحترام بعد صدور قرارٍ أو حُكْمٍ بالإدانة، أو ردُّ الكرامة وإعادة الحقوق المدنية وإلغاء العقوبة.

اعتباريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى اعتبار: فرضيّ (ما زالت النَّظرية اعتباريَّة) (*) شخصيَّة اعتباريَّة: شخصيَّة معنويّة ليس لها وجود خارجيّ محسوس، ولكنَّها موضع اعتراف القانون كالهيئات والمؤسّسات والشَّركات.

تعبير [مفرد]: جمعه تعبيرات (لغير المصدر) وتعابيرُ (لغير المصدر):

1 - مصدر عبَّرَ/عبَّرَ عن.

2 - قول، أسلوب (تعبير جميل/موفَّق- هذا الرَّجل يُحسن التَّعبيرَ عن نفسه) (*) إن جاز التَّعبير: إن صحَّ القولُ- بتعبيرٍ آخر: بكلامٍ آخر يدلُّ على المعنى نفسه- على حدّ تعبيره: وفقًا لما يقول، حسب أقواله.

* تعبير اصطلاحيّ: [في العلوم اللغوية] مجموعة من الألفاظ يختلف معناها مجتمعةً عن مجموع معانيها منفردةً (السُّوق السَّوداء: التُّجَّار المستغِلّون- لبّى نداء ربِّه: مات).

تعبيريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى تعبير.

* رمز تعبيريّ: رمز يُستخدم في الاختزال يرمز إلى عبارة.

تعبيريَّة [مفرد]:

1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى تعبير.

2 - مصدر صناعيّ من تعبير.

3 - [في الآداب] حركة أدبيَّة وفنّيّة نشأت في أوّل القرن العشرين تؤكّد على التعبير الذَّاتيّ عن خبرات الفنَّان الدَّاخليَّة.

عِبارة [مفرد]: جمعه عبارات (لغير المصدر):

1 - مصدر عبَرَ.

2 - مجموعة من الألفاظ قد تؤلِّف جزءًا من جملة أو أكثر (يُكثر من عبارات المجاملة).

3 - كلام يبيّن ما في النَّفس من معنى (كلامي هذا عبارة عن توضيح لما قلته سابقًا).

4 - [في العلوم اللغوية] جملة صغيرةٌ دالَّة على معنًى (تحدَّثَ بوجيز العبارة) (*) العبارة الاصطلاحيَّة: طريقة خاصّة في التعبير مؤدّاها تأليف كلمات في عبارة تتميَّز بها لغة دون غيرها من اللغات، كعبارة: بالرِّفاء والبنين، في العربيّة- العبارة التِّذكاريّة: عبارة محفورة على حجر أو مادة شبيهة به للتذكير بوفاة أو بتاريخ مُنْشأة- العبارة الجامعة: تركيب بلاغي تؤدِّي فيه الكلمة الواحدة أكثر من غرض في الجملة- بعبارةٍ أُخرى: بجملةٍ أخرى، بأسلوب آخر- حَسَنُ العِبارة: جميل الأسلوب، فصيح اللِّسان- عبارة عن كذا: ذو دلالةٍ على كذا- عبارة مُشَوَّشة: غير مستقيمة في التَّركيب أو المعنى- هذا عبارة عن هذا: بمعناه أو مساوٍ له في الدّلالة.

عَبَّارة [مفرد]: سفينةٌ تعبُر البَحرَ ونحوَه من شاطئٍ إلى آخر (أسرعت العَبَّارةُ بالحُجَّاج).

عَبْر [مفرد]:

1 - مصدر عبَرَ وعبَرَ وعبَرَ.

2 - خِلالَ (امتدَّ تأثيرُه عَبْر القرونِ- خاطبَه عَبْرَ الأثيرِ- مرَّ عَبْرَ الحقولِ- عَبْرَ المكان/الزمان/القارّات- انتقلت هذه العادات عَبْر الأجيال).

عِبْرانيّ [مفرد]: عِبْريّ؛ يهوديّ، من أتباع موسى عليه السَّلام (شعب عِبْرانيّ).

عِبْرانيَّة [مفرد]: جمعه عِبرانيّات (للعاقل).

* اللُّغة العِبْرانيَّة: [في العلوم اللغوية] لُغةٌ ساميَّةٌ يتكلَّمها اليهود (تتشابه اللُّغة العبرانيَّة مع اللُّغة العربيَّة في كثير من تصريفاتها).

عَبْرة [مفرد]: جمعه عَبَرات وعَبْرَات وعِبَر: دمعة قبل أن تفيض (عَبْرَةُ فرحٍ- سالت عَبْرَتُه) (*) لك ما أبكي ولا عَبْرَة لي [مثل]: أي أحزن لك ولست حزينًا من أجل نفسي، ويُضرب لمن يشتدّ اهتمامُه بالآخر ويؤثره.

عِبْرَة [مفرد]: جمعه عِبْرات وعِبَر: تَذْكِرة، عِظة يُتَّعَظ بها (جاء الحكمُ على المرتشي عبرةً لمن يعتبر- استخلص العِبَر- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} [قرآن]) (*) العِبْرة بكذا/العِبْرة في كذا: العامل الحاسم، الأمر مرتهن ب- جعله عِبْرةً لغيره: بالغ في عقابه وتأديبه- لا عِبْرَةَ به: لا اهتمام به.

عِبْريّ [مفرد]: عبرانيّ؛ يهوديّ من أتباع موسى عليه السَّلام (شعبٌ عِبْريٌّ).

عِبْريَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى عِبْريّ.

* اللُّغة العبريَّة: لُغةٌ ساميَّةٌ يتكلَّمها اليهود.

عُبور [مفرد]: مصدر عبَرَ (*) ذكرى العبور: ذكرى عبور الجيش المصريّ قناة السُّويس في السَّادس من أكتوبر سنة 1973م العاشر من رمضان سنة 1393ه.

عبير [مفرد].

* عبيرُ الأزهار: رائحة طيِّبة زكيَّة، أريج، أخلاط من الطِّيب، شذا (امتلأ المكانُ بالعبير).

مَعْبَر [مفرد]: جمعه مَعابِرُ:

1 - اسم مكان من عبَرَ1: شطّ مُهيَّأ للعبور؛ مكان العبور (أغلقت قوَّاتُ الاحتلال المَعْبَرَ الرَّئيسيّ المؤدِّي إلى المدينة).

2 - ألواح تُتَّخذ للعبور عليها من الشَّاطئ إلى السَّفينة والعكس.

3 - ما يُعْبَر به النَّهر كالسَّفينة والقنطرة.

مِعْبَر [مفرد]: جمعه مَعابِرُ: مَعْبَر؛ ما يُعبر عليه أو به من سفينة أو قنطرة.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-شمس العلوم (الاعتبار)

الكلمة: الاعتبار. الجذر: عبر. الوزن: الِافْتِعَال.

[الاعتبار]: اعتبره به: أي قاسه، يقال: اعتبرْ الصاحبَ بالصاحب؛ وفي حديث ابن سيرين: «إني أعتبر الحديث»: أي يعتبره في تأويل الرؤيا فيعبِّر عليه.

واعتبر: من العِبْرَة، قال الله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ}.

وفي الحديث: «السعيد من اعتبر بغيره، والشقي من اعتبر به الناس».

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


3-معجم متن اللغة (المقادير عند العرب)

المقادير عند العرب

لما انصرف العرب في البحث العلمي الرياضي إلى اتخاذ وحدة قياسية ثابتة للموازين والمكاييل والمقاييس، وضعوا لوحدة الثقل "الحبة" وأرادوا بها في الأصل حبة الشعير من حيث ثقلها، وبنوا عليها أوزانهم في ما فوقها، وقاموا بتجزئتها إلى ما دونها، وكان أكبر مقدار اصطلحوا عليه "الكر" ومقداره 7/ 2 33325714 حبة، وأصغر مقدار عندهم في ما دون الحبة الهباء أي 1 من 1741824 من الحبة.

ووضعوا لوحدة المقاييس "الذراع" وأصلها ذراع اليد من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى، وذلك من مستوى الخلقة، وهي الذراع الشرعية وقدروها "بأربع وعشرين" إصبعًا.

وبنوا قياس الإصبع على حبة الشعير أيضًا من حيث عرض سطحها أي أحد جنبيها، وقدروا هذا العرض بست أو سبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر بحيث يكون ظهر كل شعيرة إلى بطن الأخرى.

واختلف الذراع باختلاف الأمصار ولكن الذراع المقدرة بأربع وعشرين إصبعًا، وتسمى الشرعية، بقيت معتمدة عند الفقهاء، وهي وحدها المقدرة بـ 24 إصبعًا، لا كما قدرها كاتب مستشرق في دائرة المعارف الإسلامية لكل ذراع.

ووضعوا الوحدة المكاييل "المد" وأصله ملء الراحتين مبسوطتين طعامًا من معتدل الخلقة.

ولما تعسر الضبط في إرجاع المقادير المكيلة إليه احتاجوا إلى تقديره بالوزن المعين، صونًا عن الخبط والخلط، فاعتبروا فيه الدرهم أو المثقال الشرعيين واختلفوا في مقداره منهما، وبقي هذا الاختلاف قائمًا مع اختلاف الأقطار إلى زمن الدولة العثمانية التي جعلت الوح

وهذا الدرهم العثماني ينطبق على الدرهم البغلي الذي كان معروفًا عند العرب قبل الدولة العثمانية، وهو منسوب إلى رأس البغل، لقب أحد ملوك الروم الذين خلفهم العثمانيون في ملك القسطنطينية.

وفي أواخر أيام العثمانيين، مالت بهم الرغبة إلى استعمال الكيلو والغرام في الأوزان، وإلى المتر في المقاييس، وهو الاصطلاح الفرنسي الذي كاد يكون اصطلاحًا عامًا في هذا العصر.

وأما المتر فهو جزء من عشرة ملايين جزءٍ من ربع دائرة الأرض.

وأما الغرام فهو ثقل عشير مكعب "سنتي متر" من الماء المقطر الذي حرارته أربع درجات بميزان الحرارة المئوي "سانتيغراد".

الأوزان

وقد رأيت أن الكشف عن حقائق الأوزان العربية التي هجر استعمالها، لم يعن به أحد من الباحثين عناية صالحة، فوضعت هذه الجداول ذاكرًا فيها الأوزان والمقاييس العربية الواردة في كتب اللغة والفقه، ثم نسبتها إلى المقاييس العشرية الفرنسية.

ولكني بعد أن رأيت الاختلاف فاشيًا بين الأئمة في المقادير العربية التي قصدت إلى جهة منها، وهي ما حققه علامة القرن الحادي عشر الشيخ الإمام رضي الدين محمد بن الحسن القزويني في رسالته "ميزان المقادير في تبيان التقادير" وهي المنشورة في مجلة المقتبس الدمشقية؛ فاعتمدت عليها ثقة مني بعلم مؤلفها وجودة تحقيقه.

ولأجل معرفة النسبة بين وجوه المقاييس عند الفريقين اعتمدت على ما استقر عليه رأي الدولة العثمانية في هذه النسبة.

والدولة العثمانية هي وريثة الدول العربية، وفيها استقرت الخلافة العربية أربعمائة سنة، مالكة أزمة البلاد العربية من أقصاها إلى أقصاها.

وقد كانت الدولة تخرج بيانًا شاملًا في أكثر السنين عن الدولة ومصطلحاتها يسمونه "السالنامة".

ووقع في يدي من هذه السالنامات نشره ولاية بيروت لسنة 1901 ميلادية 1371 مالية.

ورأيت فيها نسبة الدرهم والآفة العثمانيين إلى الكيلو والغرام الفرنسيين.

وبعد ذلك أكد لي هذه النسبة أنني رأيتها بعينها مذكورة في بعض الكتب المدرسية التركية التي كانت تدرس في المدارس الرسمية؛ فكان من ذلك أن الدرهم العثماني هو "64 حبة" ويعادل ثلاثة غرامات و 2073625 جزءًا من الغرام.

والآفة، وهي أربعمائة درهم، تعادل 1282.945 غرامًا.

فتكون الحبة أو القمحة أو الشعيرة على هذا تعادل 64/ 25 0.051150 من الغرام.

وعلى هذا الأساس جريت في تدويني النسبة بين القديم والحديث من هذه المقادير، ولم أتجاوز في رقم الكسور العشرية حد المليون من أجزاء الغرام، فإذا كان هنالك كسر دون النصف عددته صفرًا وإن كان فوق النصف عددته واحدًا.

المقاييس

قلنا: إن وحدة المقاييس عند العرب هي الذراع وتنتهي في ما دون الذراع إلى شعرات البرذون.

وقلنا: إن الذراع اختلفت بعد ذلك باختلاف الأزمان والأمصار، فمنها الذراع الحديد السوداء، والذراع الهاشمية، والذراع البلدية، وهكذا ما نراه في هذه الملحقة بهذا البحث.

وفوق الذراع، القصبة، وهي ست أذرع هاشمية وثمان بالشرعية و 9/ 71 بالحديد.

وفوق القصبة الأشل، وهو حبل طوله عشر قصبات، وفوقه الميل، والأصل فيه مد البصر وقدروه بأربعة آلاف ذراع شرعية أي 96000 إصبع أو ثلاثة ألاف وخمسمائة ذراع، وهو مختار الشهيد في البيان، وقيل ثلاثة آلاف ذراع، وخير الأقوال أوسطها.

ثم فوق الميل الفرسخ، وهو ثلاثة أميال، وفوق الفرسخ البريد، وهو أربعة فراسخ أي اثنا عشر ميلًا.

ومن مقاديرهم، القدم، وهو 25 عشيرًا "سنتيمترًا".

هذا كله في المساحة الامتدادية.

وأما المساحة السطحية فلهم فيها القفيز الأرضي، وهو ثلاثمائة وستون ذراعًا هاشمية، حاصلة من ضرب الأشل في نفسه.

ومن مقاديرهم في المساحة المكعبة أي ذاتا الطول والعرق والعمق، الكر لمقدار من الماء لا يتأثر بملاقاته للنجاسة، ومقداره عند فقهاء الجعفرية ألف ومائتا رطل بالعراقي، وقد روه بالمساحة المكعبة ثلاثة أشبار في مثلها عرضًا في مثلها عمقًا؛ أو ثلاثة أشبار ونصف طول

فيكون مكعب الأول 27 شبرًا، ومكعب القول الثاني ثلاثة وأربعين شبرًا إلا ربع الشبر.

وكلا القولين تقريب من الوزن لا خلاف فيه عندهم، فها إذًا من قبيل التقريب في التحقيق، لا تحقيق قائم برأسه.

وعلى هذا فالقول الأول أرجح، إن لم يكن الأصح.

وقد قدر الإمام الشافعي الماء الذي لا يتأثر بملاقاة النجاسة قدر قلتين أي خمسمائة رطل بالبغدادي، كما شرح ملتقي الأبحر، أي 154 كيلًا و 641 غرامًا.

جداول الأوزان والمكاييل

الحبة تساوي 25 0,0501150 غ

1 - ما دون الحبة:.

الاسم: حبة = غرام..

الهباء: 1 = 0,00000003 غ *** 1741821..

الذرة: 1 = 0,0000002 غ *** 248832..

القطمير: 1 = 0,0000024 غ *** 20736..

النقير: 1 = 0,0000193 غ *** 2592..

الفتيل: 1 = 0,0001160 غ *** 432..

الفلس: 1 = 0,0006960 غ *** 72..

الخردل: 1 = 0,0083525 غ.......

2 - ما فوق الحبة:

الطسوج: ,100230 غ......

القيراط العراقي: /3 3 = ,171825 غ......

قيراط الدرهم: ,200460 غ......

القيراط الملكي: ,300690 غ......

الدانق: 8 = ,040092 غ......

3 - الدرهم وما فوقه:

الدرهم الطبري: 32 = 1,603681......

الدرهم الشرعي: 48 = 2,40552......

الدرهم البغلي العثماني: 64 = 3,207362......

المثقال الشرعي: 7/ 4 68 أو 7/ 3 الدرهم الشرعي = 3,436460......

المثقال الوافي: 80 = 4,00920......

المثقال العراقي: 84 = 4,204133......

المثقال الشامي الصيرفي: 96 أو 2/ 1 1 درهم بغلي = 4,811437......

النواة: 240 أو 5 درهم شرعي = 12,027609......

الاستار: 7/ 4 308 أو 7/ 4 6 درهم شرعي = 15,464069......

الاوقية الطبية: 7/ 4 308 أو 7/ 4 6 درهم شرعي = 15,464069......

عن ابن سينا: 480 أو " " = 24,055219......

الاوقية الطبية: 7/ 2 514 أو 7/ 5 10 " = 25,773450......

4 - الرطل وما فوقه:

الرطل العراقي: 7/ 4 128 درهمًا شرعيًا: /3 6171 = ,281......

الرطل العراقي: 130 درهمًا شرعيًا: ,718......

المنا المصري: ,347......

الرومي: ,643......

الطبي: رطلان عراقيان: /6 12342 = ,563"......

الكيلجة: /6 23142 = ,805......

الأقة الاستامبولية: ,945......

الرطل الشامي: أقتان: ,890......

المكوك: /4 69428 = ,416......

القفيز: /4 555428 = ,325......

5 - الكر:

الاسم: غ = ك......

العور، وهو مكيال لأهل خوارزم: ,804......

الكر المائي: 1200 رطل عراقي: ,555......"= 1200 رطل عراقي= 340 درهمًا = ,413:

الكر المكيالي: 3840 مدًا بالاعتبار: ,680......

الكر: ستون قفيزًا: ,473......

المكاييل وتقديرها بالوزن:

6 - المد:

اعتبار: رطل = غرام:

المد 1: /1 1 = ,602= 2 = /1 1 = ,375= 3 *** ,563"*** 4 *** /1 2 *** ,883*** 5 *** والرطل يساوي 130 درهمًا *** ,615"......

7 - الصاع:

اعتبار المد: غرام = ك:

الصاع 1: ,407......

2 - ,501:

3 - ,251":

4 - ,532:

5 - ,461":

8 - القسط:

الاسم: مد = اعتبار = غ = ك......

القسط: ,203= ,750= ,127"= ,528= ,230"......

9 - الكتل يساوي 15 صاعًا:

المكتل:

10 - الوسق يساوي ستين صاعًا:

الوسق:

11 - الويبة:

الاسم: مد = غ = ك......

الويبة: والمد= رطل وثلث= = " "......

12 - الفرق:

الاسم: رطل = اعتبار الرطل درهم = غ = ك......

الفرق: /4 128 الدرهم الشرعي= " "......

13 - متفرقات من الأوزان والمكاييل:

الاردب: يساوي 96 مدًا.......

والمد يساوي 3/ 1 1 رطل والرطل 7/ 4 128 الدرهم الشرعي":

الجريب المكيالي: يساوي 4 أقفزة......

الكر المكيالي: يساوي 40 أردبًا......

جدول المساحة:

1 - المساحة الامتدادية: إصبع = متر......

الذراع الشرعية:.48......

الحديد السوداء:.54......

الهاشمية:.64"......

البلدية: وهي ذراع المساحة:.58......

البيروتية: /28 0.68"......

الدمشقية:.70......

المعمارية:.75"......

القبضة:.08......

الشبر:.24......

القصبة: وهي 8 أذرع هاشمية:.84......

الأشل: وهو عشر قصبات:.40......

الميل:

1- باعتباره 4000 ذراع شرعي:.00......

2- " 3500 " - ":.00......

3- " 3000 ": " = ,00......

الفرسخ: وهو ثلاثة أميال على الاعتبارات الثلاثة:.

البريد: وهو أربعة فراسخ على الاعتبارات الثلاثة:.

2 - المساحة المكعبة:

القفيز الأرضي: مضروب القصبة في الأشل: يساوي 1470456 مترًا......

الجريب الرضي: مربع الأسل، والأسل ستون ذراعًا هاشميًا: = 1475,56 "......

الجريب الرضي: مربع الأسل، والأسل مائة ذراعًا هاشمي.: =4096,00 ""......

العشير: عشر القفيز: =14,7456 "......

الذراع الشرعي المربع: 0,48 x 0,48: =0.2304 "......

الذراع الهامشي المربع: 0,64 x 0,64: =0.4096 "......

الذراع الرسمي العثماني المربع: = 0,5745 "......

الدونم: ألف وستمائة ذراع عثماني مربع: = 919,20 "......

جدول الموازين والنسبة بينها محولة إلى الغرامات:

قفيز: مكوك = كيلجة = منا = رطل = أوقية = سنار *** مثقال شرعي *** درهم شرعي *** دانق *** حبة *** كور غرام *** غرام *** كيل......

الكر: 7/ 5 = 2/ 7 = 2/ 7......

القفيز: 3/ 4 = 4/ 7 = 4/ 7......

المكوك: 5/ 8 = 1/ 4 = ½ = 3/ 7 = 4/ 7 = 4/ 7......

الكيلجة: 7/ 8 = 3/ 4 = ½ = 1/ 7 = 6/ 7 = 23142 6/ 7......

المنا: 1/ 7 = 6/ 7 = 6/ 7......

الرطل: 4/ 7 = 3/ 7 = 3/ 7......

الأوقية: 2/ 3 = ½ = 5/ 7 = 2/ 7 = 2/ 7......

الاستار: ½ = 3/ 7 = 4/ 7 = 4/ 7......

المثقال الشرعي: 3/ 7 = 4/ 7 = 4/ 7 = 4365......

الدرهم الشرعي:

الدانق:

الحبة:

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


4-التوقيف على مهمات التعاريف (الاعتبار)

الاعتبار: الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهدة إلى غيره، وقال أبو البقاء: هو التدبر وقياس ما غاب على ما ظهر، ويكون بمعنى الاختبار والامتحان كعبرت الدراهم أواعتبرتها. فوجدتها ألفا، وبمعنى الإيقاظ نحو {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}، وبمعنى الاعتداد بالشيء في ترتيب الحكم، نحو قول الفقهاء: الاعتبار بالعقب أي الاعتداد في التقدم به.

التوقيف على مهمات التعاريف-زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري-توفي: 1031هـ/1622م


5-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (كنا)

(كنا) - في الحديث: "للرُّؤْيَا كُنًى"

وهي جمع: كُنْيَةٍ؛ مِن قَولهم: كَنَيْتُ عن الأَمْرِ، وكَنوْتُ عنه؛ إذا وَرّيْتَ عنه بغَيرهِ. وقيل: كُنَى الرُّؤَيا: الأَمثالُ التي يَضْرِبُها مَلَكُ الرُّؤيا للرَّجُل في منامه؛ لأنَّه يَكْنِى بها عن أَعْيانِ الأُمورِ.

وقوله: "فَكَنُّوها بكُنَاهَا".

: أي مَثِّلُوا لها أَمثَالًا إذَا عَبَرتُم؛ وذلك نحو قولهم في النَّخل: إنَّها رِجالٌ ذَوُو أحْسَابٍ مِن العَربِ؛ لأنّ النَّخلَ أكثرُ ما يكون بِبِلادِهم.

وفي شَجَرِ الجَوْزِ: إنّها رجالٌ من العَجَمِ؛ لأَنّها أكثَر ما تُكون

بِبلادِهم.

- وقوله: "فاعتَبِرُوا بأسْمَائها"

: أي اجعَلوا أَسْمَاء ما يُرَى في المَنام اعْتِبارًا وقياسًا، كَأَنْ رأى رجُلًا يُسَمَّى سَالمًِا، فأَوَّلَه بالسَّلامةِ، أو فَضلًا فأوَّله إفضالًا.

- في الحديث: "رَأيتُ عِلْجًا يومَ القادِسِيّة وقد تكَنَّى وتَحَجَّى"

: أي تَستَّر، مِن كَنَى عنه؛ إذَا وَرَّى.

ويجوز أن يكون أصله تكَنَّن كتظَنَّنَ.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


6-المعجم الاشتقاقي المؤصل (عبر)

(عبر): {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]

عبرَ النهرَ والطريق (نصر وقعد): قطعه من هذا العِبْر إلى هذا العِبْر (العِبْر -بالكسر: الجانب أو الناحية). العُبْر -بالضم: السحائب التي تسير سيرًا شديدًا. (أقول كأنها مخففة من عُبُر جمعًا بضمتين). وعَبَرت عينُه واستعبرت: دَمَعت. واستعبَر: تحلَّب دمعُه. وعَبْرة الدمع: جَرْيه. العَبير: أخلاطٌ من طِيبٍ تُجْمع بالزعفران، وقيل هو الزعفران.

° المعنى المحوري

انتقال أو انتشار من حَيِّز إلى آخر (مقابله) بقوة ولطف. كالانتقال من جانب النهر أو الطَّرِيقِ إلى جانبه المقابل، وكانتقال السحائب، والدمع، كالريح الطيب. والقوة فيها هي النفاذ من جانب إلى جانب، وسرعة السحائب، والنفاذ رغم عدم المنفذ الواضح للدمع والريح الطيبة. واللطف الخفة في الانتقال فيهن. {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43].

ومن معنوى ذلك عَبَر الرؤيا: (فسرها فنقلها من عالم الرمز إلى عالم الواقع) {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وكذلك "عَبَر الكِتَاب: تدبَّره في نفسه، (استخرج واستخلص الفِكْر الذي فيه ونقله إلى قلبه). ومنه "الاعتبارُ بالأحداث والمواعظ: فِقْهُها والاستفادة بها في نظائرها {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] - والعِبْرة -بالكسر: كالموعظة مما يتعظ به الإنسان ويعمل به ويعتبر ليستدل به على غيره [ل]: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ}

[النحل: 66] ومثله سائر كلمة (عبرة) في القرآن الكريم. ومنه: "عَبَر المتاع والدراهم: نظر: كَم وزنُها وما هي " (للانتقال من حالها غير المحدَّد إلى حقيقة وزنها أو حجمها أو قيمتها استخلاصًا من حالها). ثم استُعمل التركيب في الانتقال الزمني "العَبور: الجذعة من الغنم أو أصغر " (لعبوره السنة). "المُعْبَر - كمُكرَم: التيس الذي تُرِك عليه شعره سنوات فلم يُجَزّ، وجمل مُعْبَر: كثير الوَبَر، والعُبْر من الناس -بالضم: القُلْف واحدهم عَبُور: كاد يحتلم ولم يُخْتَنْ بعد. والمُعْبَرة: العفلاء ". (كل هذا من العبور الزمني أي ترك الشيء على حاله من مرحلة زمنية إلى أخرى).

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


7-المعجم المفصل في النحو العربي (أن الشرطية)

أن الشرطيّة

اصطلاحا: أن الشرطيّة، في رأي الكوفيّين واستدلّوا على هذا المعنى بما في قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى}، من دخول «الفاء» في الجواب وفي مثل: «أما أنت منطلقا انطلقت» واعتبروا «أمّا» مركّبة من «أن» الشّرطيّة و «ما» الزّائدة والتقدير لأن كنت منطلقا... فحذفت لام التعليل، ثم حذفت «كان» وعوّض منها «ما» الزّائدة، وانفصل الضّمير المتّصل بـ «كان» بعد الحذف فصارت: «أن ما أنت» ثم قلبت «نون»، «أن»، «ميما» وأدغمت في «ما» فصارت أمّا. ومثل:

«أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا***جهارا ولم تجزع لقتل ابن خازم»

فاعتبروا «أن» شرطيّة والاسم المنصوب بعدها مفعول به لفعل محذوف يفسره الفعل الظاهر والتّقدير: أن حزّت أذنا قتيبة حزّتا.

ورفض بعضهم قول الكوفيّين وأيّده ابن هشام لأمور ثلاثة هي:

1 ـ كثر ورود «أن» مكان «إن». وأن البيت السّابق يروى «إن أذنا» و «أن أذنا» وكما قرئت الآية السّابقة «إن تضلّ» و «أن تضلّ».

2 ـ «إن» الشرطيّة يكثر مجيء «الفاء» في جوابها، وقد وردت في الآية السّابقة «الفاء» في الجواب «فتذكّر» كما وردت «الفاء» في الجواب في قول الشاعر:

«أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر***فإن قومي لم تأكلهم الضّبع»

والتّقدير: لأن كنت ذا نفر، فحذفت لام التعليل لأنها وقعت قبل «أن» وحذفت «كان» وعوض منها «ما» الزّائدة فانفصل الضّمير المتّصل ثم قلبت نون «أن» «ميما» وأدغمت في «ما».

فوجود «أن» الشرطيّة أعقبه دخول الفاء على الجواب في الشّطر الثّاني «فإن قومي...».

ولذلك حملا على «إن» الشرطيّة، اعتبرت «أن» مثلها.

3 ـ تأتي «أن» الشّرطية معطوفة على «إن» الشرطيّة، كما في قول الشاعر:

«إمّا أقمت وأمّا أنت مرتحلا***فالله يكلأ ما تأتي وما تذر»

حيث عطفت «إمّا» المركّبة من «إن» حرف الشرط مع «ما» النّافية على «أمّا» المركّبة من «أن» و «ما» النّافية. فلو كانت «أن» في «أمّا» غير شرطيّة، أي: إذا كانت مصدريّة للزم عطف المفرد على الجملة.

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


8-المعجم المفصل في النحو العربي (الملحق بجمع المذكر السالم)

الملحق بجمع المذكّر السّالم

اصطلاحا: يلحق بهذا الجمع كلّ كلمة تنتهي بواو ونون في حالة الرّفع، أو بياء ونون في حالتي النّصب والجرّ، وليست جمعا حقيقيا لأنها فقدت شرطا من شروط هذا الجمع ويلحق بجمع المذكر السّالم كلمات كثيرة أشهرها ما يلي:

1 ـ كلمات تدل على معنى الجمع ولا مفرد لها، مثل: «أولو» بضم الهمزة دون مدّها برغم وجود «الواو» وهي بمعنى أصحاب، تقول: «جاء أولو الفضل» و «رأيت أولي الفضل» و «سلّمت على أولي الفضل» ومثلها كلمة «عالم» أي: مجموع متجانس من المخلوقات كعالم الحيوان وعالم النّبات، وكلمة «عالم» تشمل المذكّر والمؤنّث والعاقل وغيره وتجمع على «عالمون» التي تدلّ على المذكّر العاقل فقط، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} «العالمين» مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم. وكقوله تعالى: {وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ} «أولو»: فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم وكقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} «أولي» منادى منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم وهو مضاف «الأبصار»: مضاف إليه.

2 ـ العقود من العدد، أي من 20 إلى تسعين وما بينهما، وهي أسماء لا واحد لها من لفظها، كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} «عشرون» اسم «يكن» مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السّالم.

3 ـ كلمات لها مفرد من لفظها ولكن لم تسلم صورة المفرد من التّغيير عند جمعها هذا الجمع من هذه الكلمات: «بنون» جمع «ابن»، «أرضون» جمع «أرض» وهي كلمة تدل على مفرد مؤنّث غير عاقل «ذوو» جمع «ذو» بمعنى صاحب، «سنون» جمع «سنة»، «عضون» جمع «عضة» بمعنى: كذب أو تفريق. «عزون» جمع «عزة» بمعنى: الفرقة من النّاس. كقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ} «البنين» اسم معطوف على «النّساء» مجرور بـ «الياء» لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم وكقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} «بنين» مفعول به منصوب بـ «الياء» لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. وكقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} «عضين»: حال منصوب بالياء لأنّه ملحق بجمع المذكّر السّالم. وكقوله تعالى: {وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ} «ذوي»: مفعول به منصوب بـ «الياء» لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف «القربى»: مضاف إليه.

4 ـ كلمات ليست وصفا ولا علما وتجمع جمع مذكّر سالما، مثل: «أهلون» جمع «أهل»، «وابلون» جمع «وابل» أي: المطر الشديد، وكقوله تعالى: {شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا} «أهلونا» معطوف على «أموالنا» مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السّالم.

5 ـ كلمات من هذا الجمع مستوفية الشروط ولكنّها أصبحت أعلاما، مثل: «حمدون»، «خلدون» «زيدون»، «عبدون»، «عليون». ولهذه الكلمات عدّة وجوه إعرابيّة منها:

أ ـ تعرب بالحروف كجمع المذكّر السّالم، كقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} «عليين» اسم مجرور بـ «في» وعلامة جره «الياء» لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. «ومثله» «عليون»: مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم.

ب ـ تعرب بالحركات الظاهرة مع التّنوين، مثل: «جاء حمدون»، «رأيت حمدونا»، «مررت بحمدون».

ج ـ إعرابها بحركات ظاهرة دون تنوين مثل: «جاء حمدون»، «رأيت حمدون»، مررت بحمدون.

6 ـ كل اسم يكون بلفظ جمع المذكّر السّالم أي «بالواو» و «النون» رفعا و «الياء» و «النون» نصبا وجرّا. سواء أكان اسم جنس مثل: «ياسمين»، و «زيتون»، أو اسم علم، مثل: «صفّين» «فلسطين» «نصيبين» تقول: «أزهر الياسمون» «قطفت الياسمين» و «شممت رائحة الياسمين» «الياسمون» فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم «الياسمين» مفعول به منصوب بـ «الياء» لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم.

«الياسمين»: مضاف إليه مجرور بـ «الياء». ومن باب التيسير تعرب هذه الكلمات بالحركات أي: إعراب الاسم المنصرف فترفع بالضمّة وتنصب بالفتحة وتجر بالكسرة.

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


9-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (وحدة الوجود-المذاهب الفلسفية والمدارس الأدبية)

وحدة الوجود

التعريف:

وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.

ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.

والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضًا، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين.

التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:

إن فكرة وحدة الوجود قديمة جدًا، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.

ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:

ابن عربي 560هـ – 638هـ:

هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتبًا لعدد من حكام الولايات.

في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهدًا سائحًا منقطعًا للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.

في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقًا إلى القاهرة والقدس واتجه جنوبًا إلى مكة حاجًا، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.

في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذًا لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير والزندقة. وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.

مذهبه في وحدة الوجود:

يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.

فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:

سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها.

ويقول مبينًا وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:

يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لما تخلق جامع

تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الضيق الواسع

ويقول أيضًا:

فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقًا بذاك الوجه فاذكروا

جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ

وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية وجبرية صارمة.

وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء وقدر ولا عن حرية أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.

وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:

ومما يؤكد على قوله بالجبر الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:

الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار

إلا الذي يعزى إلينا ففي *** ظاهره بأنه عن خيار

لو فكر الناظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطرار

وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضًا قوله بوحدة الأديان. فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.

يقول في ذلك:

لقد صار قلبي قابلًا كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن

فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.

وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.

أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:

لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلَّت

كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة

وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة

ومازالت إياها وإياي لم تزل *** ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت

فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر الصوفية بل هو في حالة الصحو فيقول:

ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت

والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.

وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله: رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.

وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله! !

أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفرًا، وهو أحذقهم في الكفر والزندقة. فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:

البحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمواج والزبد

فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد

ويقول أيضًا:

فما البحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد

ومن شعره أيضًا:

أحن إليه وهو قلبي وهل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟

ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه

فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.

وقد وجد لهذا المذهب الإلحادي صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.

جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريدًا في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقًا.

باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضًا فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.

ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:

ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.

إن قوانين الطبيعة وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.

الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعًا بغير استثناء أو شذوذ.

إن للطبيعة عالمًا واحدًا هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.

ليس هناك فرق بين العقل كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة فهما شيء واحد.

يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيرًا من أقوال أصحاب مذهب وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجودًا مباينًا لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجودًا مباينًا لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئًا، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئًا ومن كلام القرامطة والباطنية شيئًا فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).

الجذور الفكرية والعقائدية:

لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.

وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهورًا للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة سرمدية غير مخلوقة.

وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.

وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.

وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقًا على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالًا اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.

وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد..".

وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.

موقف الإسلام من المذهب:

الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئًا واحدًا، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.

ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.

يتضح مما سبق:

أن هذا المذهب الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذًا من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.

(page)

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م


10-موسوعة الفقه الكويتية (اعتبار)

اعْتِبَارٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الِاعْتِبَارُ لُغَةً بِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ كَمَا فِي قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.قَالَ الْخَلِيلُ: الْعِبْرَةُ الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى أَيِ الِاتِّعَاظُ وَالتَّذَكُّرُ.

وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ بِالشَّيْءِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ وَكَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ: هُوَ النَّظَرُ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ أَنَّهُ لِأَيِّ مَعْنًى ثَبَتَ وَإِلْحَاقُ نَظِيرِهِ بِهِ.وَهَذَا عَيْنُ الْقِيَاسِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

2- الِاعْتِبَارُ بِمَعْنَى الْقِيَاسِ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا، فَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِالِاعْتِبَارِ، وَالِاعْتِبَارُ رَدُّ الشَّيْءِ إِلَى نَظِيرِهِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، فَكَانَ مَأْمُورًا بِهِ بِهَذَا النَّصِّ، وَهُنَاكَ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى حُجِّيَّةِ الْقِيَاسِ يُرْجَعُ فِي بَيَانِهَا وَتَفْصِيلِهَا وَالِاعْتِرَاضَاتِ عَلَيْهَا إِلَى الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

3- اعْتِبَارَاتُ الشَّارِعِ فِي الْأَحْكَامِ لَهَا مَجَالَاتٌ يَذْكُرُهَا الْأُصُولِيُّونَ بِالتَّفْصِيلِ فِي: أَبْحَاثِ تَعْرِيفِ الْقِيَاسِ وَحُكْمِهِ، وَفِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ، وَفِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَفِي السَّبَبِيَّةِ فِي الْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


11-موسوعة الفقه الكويتية (تعارض 1)

تَعَارُضٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- التَّعَارُضُ فِي اللُّغَةِ: التَّقَابُلُ.أَصْلُهُ مِنَ الْعَرْضِ وَهُوَ الْمَنْعُ.يُقَالُ: لَا تَعْتَرِضْ لَهُ، أَيْ: لَا تَمْنَعْهُ بِاعْتِرَاضِكَ أَنْ يَبْلُغَ مُرَادَهُ.وَمِنْهُ: الِاعْتِرَاضَاتُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالدَّلِيلِ وَمِنْهُ: تَعَارُضُ الْبَيِّنَاتِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَعْتَرِضُ الْأُخْرَى وَتَمْنَعُ نُفُوذَهَا.وَمِنْهُ: تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَمَوْطِنُهُ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

وَالتَّعَارُضُ اصْطِلَاحًا: التَّمَانُعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مُطْلَقًا، بِحَيْثُ يَقْتَضِي أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَا يَقْتَضِي الْآخَرُ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- التَّنَاقُضُ:

2- التَّنَاقُضُ: هُوَ التَّدَافُعُ يُقَالُ: تَنَاقَضَ الْكَلَامَانِ، أَيْ: تَدَافَعَا، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقُضُ الْآخَرَ وَيَدْفَعَهُ، وَالْمُتَنَاقَضَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَلَا يَرْتَفِعَانِ.

أَمَّا الْمُتَعَارِضَانِ فَقَدْ يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهُمَا.

ب- التَّنَازُعُ:

3- التَّنَازُعُ الِاخْتِلَافُ.يُقَالُ: تَنَازَعَ الْقَوْمُ، أَيِ: اخْتَلَفُوا وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

فَالتَّنَازُعُ أَعَمُّ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الِاخْتِلَافَ فِي الرَّأْيِ وَغَيْرِهِ.

حُكْمُ التَّعَارُضِ:

4- إِذَا تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ، وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ يُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ.

وَالتَّرْجِيحُ: تَقْدِيمُ دَلِيلٍ عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ يُعَارِضُهُ، لِاقْتِرَانِ الْأَوَّلِ بِمَا يُقَوِّيهِ وَالتَّعَارُضُ وَالتَّرْجِيحُ يَرِدُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ.

فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُصُولِ فَيُنْظَرُ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَمُعْظَمُهُ فِي شَأْنِ الْبَيِّنَاتِ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ: وُجُوهُ التَّرْجِيحِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ:

5- فِي كُلِّ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْفِقْهِيَّةِ وُجُوهٌ لِلتَّرْجِيحِ.

ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ- فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ- وُجُوهًا لِتَرْجِيحِ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى إِذَا تَعَارَضَتَا وَتَسَاوَتَا فِي الْقُوَّةِ، فَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ (الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُهُ) إِنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ (أَيْ ذَكَرَ تَارِيخًا) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ وَقَّتَ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ، فَإِنْ أَرَّخَا وَاتَّحَدَ الْمُمَلَّكُ، فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا أَحَقُّ بِالْعَيْنِ لِقُوَّةِ بَيِّنَتِهِ، وَلَوِ اخْتَلَفَ الْمُمَلَّكُ اسْتَوَيَا.

وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ خَارِجَانِ كُلَّ بَيِّنَةٍ، وَتَسَاوَتَا، قُضِيَ لَهُمَا بِهَا مُنَاصَفَةً، وَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ.

وَإِنْ كَانَ النِّزَاعُ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً، فَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً سَقَطَتِ الْبَيِّنَتَانِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا.وَإِنْ كَانَتْ مَيِّتَةً وَرِثَاهَا مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ وَلَدَتْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُمَا.

وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، وَاسْتَوَيَا فِي الْحُجَّةِ وَالتَّارِيخِ، فَالْعَيْنُ بَيْنَهُمَا.فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي التَّارِيخِ فَهِيَ لِلسَّابِقِ.

وَلَا عِبْرَةَ عِنْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ وَلَا بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ- وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلَاتٌ أُخْرَى تُنْظَرُ فِي كُتُبِهِمْ.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّرْجِيحُ يَحْصُلُ بِوُجُوهٍ:

6- الْأَوَّلُ: بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَشْهُورِ.وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِهَا، وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ.وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرْجِيحِ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ زَادَتْ عَدَالَتُهُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَحْلِفُ، وَلَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ.وَرُوِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عِنْدَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ، إِلاَّ أَنْ يَكْثُرُوا كَثْرَةً يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا يُرَادُ مِنَ الِاسْتِظْهَارِ، وَالْآخَرُونَ كَثِيرُونَ جِدًّا، فَلَا تُرَاعَى الْكَثْرَةُ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِمَزِيَّةِ الْعَدَالَةِ دُونَ مَزِيَّةِ الْعَدَدِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ رَجَّحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ مَعَ قَيْدِ الْعَدَالَةِ.

7- الثَّانِي: يَكُونُ التَّرْجِيحُ أَيْضًا بِقُوَّةِ الْحُجَّةِ فَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.وَعَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ، قَالَ ذَلِكَ أَشْهَبُ.وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُقَدَّمَانِ ثُمَّ رَجَعَ لِقَوْلِ أَشْهَبَ.قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ أَعْدَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكِمَ بِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَقُدِّمَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ.وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ: لَا يُقَدَّمُ وَلَوْ كَانَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا يَرَى الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ.

8- الثَّالِثُ: اشْتِمَالُ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى زِيَادَةِ تَارِيخٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ سَبَبِ مِلْكٍ، وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْأَخْذِ بِتَارِيخِ السَّابِقِ.

وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ إِلاَّ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً.

وَقَالُوا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحَوْزِ، وَإِنْ كَانَ تَارِيخُ الْحَوْزِ مُتَقَدِّمًا، لِأَنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنَ الْحَوْزِ.وَتُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَصْحَبَةِ.وَمِثَالُهَا: أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ بَنَاهَا مُنْذُ مُدَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى الْآنَ.وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى: أَنَّ هَذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عُلِمَتْ، وَالْمُسْتَصْحَبَةُ لَمْ تُعْلَمْ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ.

وَإِذَا لَمْ يُمْكِنِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ سَقَطَتَا، وَبَقِيَ الْمُتَنَازَعُ عَلَيْهِ بِيَدِ حَائِزِهِ مَعَ يَمِينِهِ.فَإِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِمَا، فَقِيلَ: يَبْقَى بِيَدِهِ.وَقِيلَ: يُقْسَمُ بَيْنَ مُقِيمِي الْبَيِّنَتَيْنِ، لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى سُقُوطِ مِلْكِ الْحَائِزِ.وَإِقْرَارِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ لِأَحَدِهِمَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْيَدِ لِلْمُقَرِّ لَهُ.

9- وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا، وَكَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً، وَتَسَاوَتَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ.وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إِلاَّ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي.

وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً سَقَطَتِ الْبَيِّنَتَانِ، وَيُصَارُ إِلَى التَّحْلِيفِ، فَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْيَدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا.وَقِيلَ: تُسْتَعْمَلُ الْبَيِّنَتَانِ وَتُنْزَعُ الْعَيْنُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذَهَا مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، وَفِي قَوْلٍ: يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا.

وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَرْجِيحٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ.وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: قَضِيَّةُ كَلَامِ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجِيحُ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ.

وَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، بَقِيَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، كَمَا كَانَتْ عَلَى قَوْلِ السُّقُوطِ.وَقِيلَ: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ، وَلَا يَجِيءُ الْوَقْفُ، وَفِي الْقُرْعَةِ قَوْلَانِ.

وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا قَبْلَ إِزَالَةِ يَدِهِ، وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ، سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ، فَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ.وَقِيلَ: لَا، وَالْقَضَاءُ عَلَى حَالِهِ.وَلَوْ قَالَ الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْكَ.فَقَالَ: بَلْ مِلْكِي.وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا قَالَاهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِزِيَادَةِ عِلْمِ بَيِّنَتِهِ بِالِانْتِقَالِ.

وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا لَا تُرَجَّحُ، لِكَمَالِ الْحُجَّةِ فِي الطَّرَفَيْنِ، كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ.

وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ تُرَجَّحُ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ إِلَى الزَّائِدِ أَمْيَلُ.وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا رَجُلَانِ، لِلْآخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، لَا يُرَجَّحُ الرَّجُلَانِ.وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يُرَجَّحَانِ، لِزِيَادَةِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِمَا.

فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ يُرَجَّحُ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ، لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ.وَفِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ خِلَافٌ.وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَتَعَادَلَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ كَافِيَةٌ.

وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ، وَبَيِّنَةٌ لِلْآخَرِ بِمِلْكٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى الْآنَ كَسَنَتَيْنِ، وَالْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَالْأَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ.وَالرَّأْيُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الشَّهَادَةِ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ، وَقَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، وَلِصَاحِبِ بَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ- عَلَى الْقَوْلِ بِتَرْجِيحِهَا- الْأُجْرَةُ، وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ.وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُقْرَعُ، أَوْ يُوقَفُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا حَسَبَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ.

وَلَوْ أُطْلِقَتْ بَيِّنَةٌ، وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةٌ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ بِيَدِهِمَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِمَا، أَوْ لَا بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَقِيلَ- كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ- تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ الْمُؤَرِّخَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ قَبْلَ الْحَالِ، بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ.وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِالْحَقِّ، وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ بِالْإِبْرَاءِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ.هَذَا وَمَحَلُّ الِاسْتِوَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ- عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَلْيُوبِيُّ- مَا لَمْ يُوجَدْ مُرَجِّحٌ.فَإِنْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ كَكَوْنِهِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَيْرَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ، أَوْ أُسْنِدَتْ بَيِّنَتُهُ لِسَبَبٍ: كَأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ نَتَجَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ ثَمَرَ فِيهِ، أَوْ حُمِلَ فِيهِ، أَوْ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ.

10- وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا بِيَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إِذَا تَعَارَضَتَا: فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَالٍ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَأُمِرْنَا بِسَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ، أَوْ قَالَتْ: وُلِدَتْ فِي مِلْكِهِ عَلَيْهِ.وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ (أَيْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَقَالَتْ مَثَلًا: إِنَّ الدَّابَّةَ الْمُتَنَازَعَ عَلَيْهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ أَوِ اشْتَرَاهَا، أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِلاَّ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ (بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ) أَفَادَتْ بِذِكْرِ السَّبَبِ مَا لَا تُفِيدُهُ الْيَدُ.وَاسْتُدِلَّ لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ: بِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما-: أَنَّ «النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهَا لَهُ نَتْجُهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ».

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً ثَالِثَةً: أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقَدَّمُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَأَهْلِ الشَّامِ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ وَأَبِي عُبَيْدٍ.وَقَالَ: هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ.

وَأَنْكَرَ الْقَاضِي كَوْنَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ إِذَا لَمْ تُفِدْ إِلاَّ مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ جِهَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَيَمِينُهُ تُقَدَّمُ عَلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي.فَإِذَا تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ: وَجَبَ إِبْقَاءُ يَدِهِ عَلَى مَا فِيهَا، وَتَقْدِيمُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ لِيَدِهِ.

11- وَاسْتَدَلَّ لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَجَعَلَ جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي، فَلَا يَبْقَى فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.

وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجُرْحِ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ.

وَدَلِيلُ كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا: أَنَّهَا تُثْبِتُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ.وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُلُّ الْيَدُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ مُفِيدَةً؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَصَارَتِ الْبَيِّنَةُ بِمَنْزِلِ الْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ، فَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، كَمَا تٌقَدَّمُ عَلَى الْيَدِ، كَمَا أَنَّ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ لَمَّا كَانَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى شَاهِدَيِ الْأَصْلِ، لَمْ تَكُنْ لَهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَيْهِمَا.

وَإِذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَاةٌ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً.وَادَّعَى الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سِنِينَ، وَأَقَامَ لِذَلِكَ بَيِّنَةً، فَهِيَ لِلْمُدَّعِي بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَبَيِّنَةُ الدَّاخِلِ تَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ خَاصَّةً، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تَكُونَ الْيَدُ عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ، فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ أَوْلَى.فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَقَدْ تَعَارَضَ تَرْجِيحَانِ: فَقُدِّمَ التَّارِيخُ مِنْ جِهَةِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَكَوْنُ الْأُخْرَى بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.وَالثَّانِيَةُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ زِيَادَةً. تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى:

12- الْمُقَرَّرُ شَرْعًا: أَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، فَإِذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ تَامَّةٌ عَلَى فِعْلٍ كَالزِّنَى مَثَلًا، وَعَارَضَتْهَا بَيِّنَةٌ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْهَا بِعَدَمِ الْفِعْلِ قُدِّمَتْ، وَذَلِكَ اسْتِنَادًا إِلَى قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» بَلْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَادَّعَى شُبْهَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، سَقَطَ الْحَدُّ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ، قَالُوا: إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى عَاقِلًا، وَشَهِدَتِ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا: إِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ (أَيِ الِادِّعَاءِ) وَهُوَ عَاقِلٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَقْلِ.وَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْجُنُونِ، فَاعْتَبَرُوا شَهَادَةَ الْحَالِ فِي التَّرْجِيحِ.

وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: يُعْتَبَرُ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ لَا وَقْتُ الْقِيَامِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ ظَاهِرُ الْحَالِ.وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ، فَإِذَا شَهِدَتْ

إِحْدَاهُمَا: بِالْقَتْلِ أَوِ السَّرِقَةِ أَوِ الزِّنَى، وَشَهِدَتِ الْأُخْرَى: أَنَّهُ كَانَ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ أَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ زِيَادَةً، وَلَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ.قَالَ سَحْنُونٌ: إِلاَّ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ- كَالْحَجِيجِ وَنَحْوِهِمْ- أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، أَوْ صَلَّى بِهِمُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ.

تَعَارُضُ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَتَجْرِيحِهِمُ:

13- اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الشَّاهِدِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ فَاسِقٍ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهِ.وَالْعَدَالَةُ أَوِ التَّجْرِيحُ لَا يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلاَّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، فَيَثْبُتُ كُلٌّ مِنَ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ عِنْدَهُمَا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ.وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ هُمَا شَهَادَةٌ أَوْ إِخْبَارٌ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: شَهَادَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: إِخْبَارٌ، فَيَكْفِي الْوَاحِدُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، وَنِصَابُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ.

فَلَوْ عَدَّلَ الشَّاهِدَ اثْنَانِ، وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ، فَالْجَرْحُ أَوْلَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا: بِأَنَّ الْجَارِحَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى الْمُعَدِّلِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الرِّيَبِ وَالْمَحَارِمِ، وَالْجَارِحُ مُثْبِتٌ لِوُجُودِ ذَلِكَ، وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِحَ يَقُولُ: رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ كَذَا، وَالْمُعَدِّلُ مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ، وَيُمْكِنُ صِدْقُهُمَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا: بِأَنْ يَرَاهُ الْجَارِحُ يَفْعَلُ الْمَعْصِيَةَ، وَلَا يَرَاهُ الْمُعَدِّلُ، فَيَكُونُ مَجْرُوحًا.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْجَرْحِ مِنْ ذِكْرِ السَّبَبِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فِي التَّعْدِيلِ.وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمُزَكِّيَ يَقُولُ فِي الشَّاهِدِ الْمَجْرُوحِ «وَاللَّهُ أَعْلَمُ» وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ فِسْقِهِ هَتْكَ عِرْضِهِ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالسَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ.وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْقَاضِي حَالَ الشُّهُودِ، إِذْ إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ حَكَمَ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ عَدَّلَهُ شَاهِدَانِ رَجُلَانِ وَجَرَّحَهُ آخَرَانِ، فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، قِيلَ: يُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا، لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْجَرْحِ، لِأَنَّ شُهُودَ الْجَرْحِ زَادُوا عَلَى شُهُودِ التَّعْدِيلِ، إِذِ الْجَرْحُ يَبْطُنُ، فَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كُلُّ النَّاسِ، بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ.

وَلِلَّخْمِيِّ تَفْصِيلٌ، قَالَ: إِنْ كَانَ اخْتِلَافُ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي فِعْلِ شَيْءٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، كَدَعْوَى إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ: أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا، فِي وَقْتِ كَذَا، وَقَالَتِ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا.وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ قُضِيَ بِشَهَادَةِ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّهَا زَادَتْ عِلْمًا فِي الْبَاطِنِ. وَإِنْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الْمَجْلِسَيْنِ قُضِيَ بِآخِرِهِمَا تَارِيخًا، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ، أَوْ فَاسِقًا فَتَزَكَّى، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِ تَقْيِيدِ الْجَرْحِ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ، فَبَيِّنَةُ الْجَرْحِ مُقَدَّمَةٌ؛ لِأَنَّهَا زَادَتْ.

تَعَارُضُ احْتِمَالِ بَقَاءِ الْإِسْلَامِ وَحُدُوثِ الرِّدَّةِ:

14- فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ.وَأَكْثَرُ الْمَذَاهِبِ تَوَسُّعًا فِيهِ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: إِذْ قَالُوا: لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلاَّ جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ، ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا، وَمَا يُشَكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا، إِذِ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَالْإِسْلَامُ يَعْلُو.وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا أَلاَّ يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مَعَ أَنَّهُ يَتَسَاهَلُ فِي إِثْبَاتِ الْإِسْلَامِ، فَيُقْضَى بِصِحَّةِ إِسْلَامِ الْمُكْرَهِ.وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ صَاحِبِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَوْلَهُ: الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ، فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ.وَفِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ، وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ، تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ، إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِإِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ، فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ.وَلَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَلِ؛ لِأَنَّ عُقُوبَةَ الْكُفْرِ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ، تَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا نِهَايَةَ فِي الْجِنَايَةِ، وَالَّذِي تَقَرَّرَ: أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ، أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ، وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً.

15- وَفُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى يَقُولُونَ أَيْضًا: إِذَا قَامَ دَلِيلٌ أَوْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي عَدَمَ الْقَتْلِ قُدِّمَتْ.قَالُوا: وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ غُرْمٍ، وَظَهَرَ عُذْرُهُ، فَفِي قَبُولِ عُذْرِهِ قَوْلَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

هَذَا، وَقَدْ أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ قَوَاعِدَ عَامَّةً فِي التَّعَارُضِ، وَهِيَ إِنْ كَانَتْ أَقْرَب إِلَى الْأُصُولِ مِنْهَا إِلَى الْفِقْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ رُتِّبَتْ عَلَيْهَا مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٌ يَسُوغُ ذِكْرُهَا هُنَا.

تَعَارُضُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ:

16- مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ يُقَدَّمُ الْحَظْرُ.

وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَوَلَّدَ الْحَيَوَانُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، حَرُمَ أَكْلُهُ، وَإِذَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَجَبَ الْجَزَاءُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ.

وَمِنْهَا: لَوْ تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمَحْظُورُ، يُقَدَّمُ الْوَاجِبُ، كَمَا إِذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ، وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ.وَكَذَلِكَ اخْتِلَاطُ الشُّهَدَاءِ بِغَيْرِهِمْ.وَإِنْ كَانَ الشَّهِيدُ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُنْوَى الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا.وَلَوْ أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْهِجْرَةُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهَا وَحْدَهَا فِي الْأَصْلِ حَرَامًا.وَيُعْذَرُ الْمُصَلِّي فِي التَّنَحْنُحِ إِذَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ.

17- وَمِنَ الْقَوَاعِدِ: مَا لَوْ تَعَارَضَ وَاجِبَانِ، قُدِّمَ آكَدُهُمَا، فَيُقَدَّمُ فَرْضُ الْعَيْنِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ.فَالطَّائِفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ لَا يَقْطَعُ الطَّوَافَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ.وَلَوِ اجْتَمَعَتْ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ، قُدِّمَتِ الْجُمُعَةُ.وَمِنْ هَذَا لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْجِهَادِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا، لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ.

18- وَلَوْ تَعَارَضَتْ فَضِيلَتَانِ، يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا، فَلَوْ تَعَارَضَ الْبُكُورُ إِلَى الْجُمُعَةِ بِلَا غُسْلٍ وَتَأْخِيرُهُ مَعَ الْغُسْلِ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّ تَحْصِيلَ الْغُسْلِ أَوْلَى لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ.وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ.

19- وَمِنْ فُرُوعِ قَاعِدَةِ تَعَارُضِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ: مَا إِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَالْآخَرُ الْإِبَاحَةَ، قُدِّمَ التَّحْرِيمُ.وَعَلَّلَهُ الْأُصُولِيُّونَ بِتَقْدِيمِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّمَ الْمُبِيحُ لَلَزِمَ تَكْرَارُ النَّسْخِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، فَلَوْ جُعِلَ الْمُبِيحُ مُتَأَخِّرًا كَانَ الْمُحَرَّمُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ يَصِيرُ مَنْسُوخًا بِالْمُبِيحِ، وَلَوْ جُعِلَ الْمُحَرَّمُ مُتَأَخِّرًا كَانَ نَاسِخًا لِلْمُبِيحِ، وَهُوَ لَمْ يَنْسَخْ شَيْئًا لِكَوْنِهِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه- لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ- أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَالتَّحْرِيمُ أَحَبُّ إِلَيْنَا.قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ التَّحْرِيمُ أَحَبَّ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ مُبَاحٍ، لَا اجْتِنَابَ مُحَرَّمٍ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ.

20- وَمِنْ أَقْسَامِ التَّعَارُضِ: أَنْ يَتَعَارَضَ أَصْلَانِ، فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِالْأَرْجَحِ مِنْهُمَا، لِاعْتِضَادِهِ بِمَا يُرَجِّحُهُ.

وَمِنْ صُوَرِهِ: مَا إِذَا جَاءَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ بِمُشْرِكٍ، فَادَّعَى الْمُشْرِكُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ أَمَّنَهُ، وَأَنْكَرَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ فِي إِنْكَارِ الْأَمَانِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَمَانِ.

وَالثَّانِيَةُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْرِكِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدِّمَاءِ الْحَظْرُ إِلاَّ بِيَقِينِ الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ هُنَا فِيهَا.وَفِيهِ رِوَايَةٌ

ثَالِثَةٌ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ مِنْهُمَا، تَرْجِيحًا لِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ بِالظَّاهِرِ الْمُوَافِقِ لَهُ.وَلَوْ تَعَارَضَ الْحِنْثُ وَالْبِرُّ فِي يَمِينٍ، قُدِّمَ الْحِنْثُ عَلَى الْبِرِّ، فَمَنْ حَلَفَ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ وُجُودِهِ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، حَتَّى يَقَعَ الْفِعْلُ فَيَبَرُّ.وَالْحِنْثُ يَدْخُلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ، وَالْبِرُّ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، فَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ رَغِيفًا لَمْ يَبَرَّ إِلاَّ بِأَكْلِ الرَّغِيفِ كُلِّهِ، وَإِنْ حَلَفَ أَلاَّ يَأْكُلَهُ حَنِثَ بِأَكْلِ بَعْضِهِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ: إِلَى أَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ يَتَعَارَضَانِ وَيَتَدَافَعَانِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ سَابِقًا، وَقَدْ وَرَدَ الْعَامُّ بَعْدَهُ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ، فَنُسِخَ الْخَاصُّ.وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ سَابِقًا وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، ثُمَّ نُسِخَ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ بَعْدَهُ.فَعُمُومُ الرَّقَبَةِ مَثَلًا يَقْتَضِي إِجْزَاءَ الْكَافِرَةِ مَهْمَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنَةِ يَقْتَضِي مَنْعَ إِجْزَاءِ الْكَافِرَةِ، فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ.وَإِذَا أَمْكَنَ النَّسْخُ وَالْبَيَانُ جَمِيعًا فَلَمْ يَتَحَكَّمْ بِحَمْلِهِ عَلَى الْبَيَانِ دُونَ النَّسْخِ؟ وَلَمْ يُقْطَعْ بِالْحُكْمِ عَلَى الْعَامِّ بِالْخَاصِّ؟ وَلَعَلَّ الْعَامَّ هُوَ الْمُتَأَخِّرُ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، وَيُنْسَخُ بِهِ الْخَاصُّ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا: تَقْدِيمُ الْخَاصِّ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُمْكِنًا، وَلَكِنَّ تَقْدِيرَ النَّسْخِ مُحْتَاجٌ إِلَى الْحُكْمِ بِدُخُولِ الْكَافِرَةِ تَحْتَ اللَّفْظِ، ثُمَّ خُرُوجُهُ عَنْهُ، فَهُوَ إِثْبَاتُ وَضْعٍ، وَرَفْعٌ بِالتَّوَهُّمِ، وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ غَالِبٌ مُعْتَادٌ، بَلْ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَالنَّسْخُ كَالنَّادِرِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَقْدِيرِهِ بِالتَّوَهُّمِ، وَيَكَادُ يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سِيَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَثِيرٌ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ إِلَى الْحُكْمِ بِالْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَمَا اشْتَغَلُوا بِطَلَبِ التَّارِيخِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ.

وَقِيلَ عَلَى الشُّذُوذِ: إِنَّهُ يُخَصَّصُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ قَتْلَ غَيْرِهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَتَنَافَيَا، وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ تَخُصُّهُ فِي مُتَعَلَّقَهِ- كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} - فَيُضْطَرُّ الْمُحْرِمُ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوِ الصَّيْدِ، فَعِنْدَ مَالِكٍ: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا- وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا- إِلاَّ أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْإِحْرَامِ، وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إِنَّمَا هِيَ فِي الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ أَمْرٌ عَامٌّ، لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ، وَالْمُنَاسِبُ إِذَا كَانَ لِأَمْرٍ عَامٍّ- وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً- لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُوصِ الْإِحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلَا تَعَلُّقٌ، وَالْمُنَافِي الْأَخَصُّ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُصَلِّي ثَوْبًا يَسْتُرُهُ إِلاَّ حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكَ النَّجِسَ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْحَرِيرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا.

وَهُنَاكَ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ أُخْرَى تَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي الْأُصُولِ وَأَبْوَابِ الْفِقْهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


12-موسوعة الفقه الكويتية (حج 1)

حَجٌّ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْحَجُّ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ، حَجَّ إِلَيْنَا فُلَانٌ: أَيْ قَدِمَ، وَحَجَّهُ يَحُجُّهُ حَجًّا: قَصَدَهُ.وَرَجُلٌ مَحْجُوجٌ، أَيْ مَقْصُودٌ.هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْحَجُّ: الْقَصْدُ لِمُعَظَّمٍ.

وَالْحِجُّ بِالْكَسْرِ: الِاسْمُ.وَالْحِجَّةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَهُوَ مِنَ الشَّوَاذِّ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ بِالْفَتْحِ.

تَعْرِيفُ الْحَجِّ اصْطِلَاحًا:

2- الْحَجُّ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ: هُوَ قَصْدُ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ (وَهُوَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ وَعَرَفَةُ) فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ (وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ) لِلْقِيَامِ بِأَعْمَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ يَأْتِي بَيَانُهَا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْعُمْرَةُ:

3- وَهِيَ قَصْدُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَمْرَةٌ).

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْحَجِّ:

4- الْحَجُّ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً، وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

أ- أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

فَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي إِثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ، حَيْثُ عَبَّرَ الْقُرْآنُ بِصِيغَةِ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} وَهِيَ صِيغَةُ إِلْزَامٍ وَإِيجَابٍ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الْفَرْضِيَّةِ، بَلْ إِنَّنَا نَجِدُ الْقُرْآنَ يُؤَكِّدُ تِلْكَ الْفَرْضِيَّةَ تَأْكِيدًا قَوِيًّا فِي قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فَإِنَّهُ جَعَلَ مُقَابِلَ الْفَرْضِ الْكُفْرَ، فَأَشْعَرَ بِهَذَا السِّيَاقِ أَنَّ تَرْكَ الْحَجِّ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَأْنُ غَيْرِ الْمُسْلِمِ.

ب- وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ».

وَقَدْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ...» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ.

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ...».

وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةً جِدًّا حَتَّى بَلَغَتْ مَبْلِغَ التَّوَاتُرِ الَّذِي يُفِيدُ الْيَقِينَ وَالْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ الْيَقِينِيَّ الْجَازِمَ بِثُبُوتِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ.

ج- وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، وَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ.

وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي:

5- اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؟.ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمَالِكٌ فِي الرَّاجِحِ عَنْهُ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، فَمَنْ تَحَقَّقَ فَرْضُ الْحَجِّ عَلَيْهِ فِي عَامٍ فَأَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا، وَإِذَا أَدَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً، وَارْتَفَعَ الْإِثْمُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي، فَلَا يَأْثَمُ الْمُسْتَطِيعُ بِتَأْخِيرِهِ.وَالتَّأْخِيرُ إِنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَوْ خَشِيَ الْعَجْزَ أَوْ خَشِيَ هَلَاكَ مَالِهِ حَرُمَ التَّأْخِيرُ، أَمَّا التَّعْجِيلُ بِالْحَجِّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَمُتْ، فَإِذَا مَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عَاصِيًا مِنْ آخِرِ سَنَوَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ.

اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى الْوُجُوبِ الْفَوْرِيِّ بِالْآتِي:

أ- الْحَدِيثُ: «مَنْ مَلَكَ زَادًا.وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا».

ب- الْمَعْقُولُ: وَذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجِبٌ، وَلَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ عَنِ السَّنَةِ الْأُولَى فَقَدْ يَمْتَدُّ بِهِ الْعُمُرُ، وَقَدْ يَمُوتُ فَيَفُوتُ الْفَرْضُ، وَتَفْوِيتُ الْفَرْضِ حَرَامٌ، فَيَجِبُ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ احْتِيَاطًا.

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ بِمَا يَلِي:

أ- أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَجِّ فِي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} مُطْلَقٌ عَنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ، فَيَصِحُّ أَدَاؤُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ، فَلَا يَثْبُتُ الْإِلْزَامُ بِالْفَوْرِ، لِأَنَّ هَذَا تَقْيِيدٌ لِلنَّصِّ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ.وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْخِلَافِ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ لِلتَّرَاخِي (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: أَمْرٌ).

ب- (أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَتَحَ مَكَّةَ عَامَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يَحُجَّ إِلاَّ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِيَّةِ لَمْ يَتَخَلَّفْ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ فَرْضٍ عَلَيْهِ).

فَضْلُ الْحَجِّ:

6- تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ الْكَثِيرَةُ عَلَى الْإِشَادَةِ بِفَضْلِ الْحَجِّ، وَعَظَمَةِ ثَوَابِهِ وَجَزِيلِ أَجْرِهِ الْعَظِيمِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».

وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ...» وَمَعْنَى يَدْنُو: يَتَجَلَّى عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ وَإِكْرَامِهِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ».

«وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إِيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ».

حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ:

7- شُرِعَتِ الْعِبَادَاتُ لِإِظْهَارِ عُبُودِيَّةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَمَدَى امْتِثَالِهِ لِأَمْرِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لَهَا فَوَائِدُ تُدْرِكُهَا الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ وَأَظْهَرُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي فَرِيضَةِ الْحَجِّ.

وَتَشْتَمِلُ هَذِهِ الْفَرِيضَةُ عَلَى حِكَمٍ جَلِيلَةٍ كَثِيرَةٍ تَمْتَدُّ فِي ثَنَايَا حَيَاةِ الْمُؤْمِنَ الرُّوحِيَّةِ، وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعِهِمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، مِنْهَا:

أ- أَنَّ فِي الْحَجِّ إِظْهَارَ التَّذَلُّلِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَاجَّ يَرْفُضُ أَسْبَابَ التَّرَفِ وَالتَّزَيُّنِ، وَيَلْبَسُ ثِيَابَ الْإِحْرَامِ مُظْهِرًا فَقْرَهُ لِرَبِّهِ، وَيَتَجَرَّدُ عَنِ الدُّنْيَا وَشَوَاغِلِهَا الَّتِي تَصْرِفُهُ عَنِ الْخُلُوصِ لِمَوْلَاهُ، فَيَتَعَرَّضُ بِذَلِكَ لِمَغْفِرَتِهِ وَرُحْمَاهُ، ثُمَّ يَقِفُ فِي عَرَفَةَ ضَارِعًا لِرَبِّهِ حَامِدًا شَاكِرًا نَعْمَاءَهُ وَفَضْلَهُ، وَمُسْتَغْفِرًا لِذُنُوبِهِ وَعَثَرَاتِهِ، وَفِي الطَّوَافِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ يَلُوذُ بِجَنَابِ رَبِّهِ وَيَلْجَأُ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَمِنْ هَوَى نَفْسِهِ، وَوِسْوَاسِ الشَّيْطَانِ.

ب- أَنَّ أَدَاءَ فَرِيضَةِ الْحَجِّ يُؤَدِّي شُكْرَ نِعْمَةِ الْمَالِ، وَسَلَامَةِ الْبَدَنِ، وَهُمَا أَعْظَمُ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا، فَفِي الْحَجِّ شُكْرُ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ، حَيْثُ يُجْهِدُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ «وَيُنْفِقُ مَالَهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ شُكْرَ النَّعْمَاءِ وَاجِبٌ تُقَرِّرُهُ بَدَاهَةُ الْعُقُولِ، وَتَفْرِضُهُ شَرِيعَةُ الدِّينِ.

ج- يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ فِي مَرْكَزِ اتِّجَاهِ أَرْوَاحِهِمْ، وَمَهْوَى أَفْئِدَتِهِمْ، فَيَتَعَرَّفُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَأْلَفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، هُنَاكَ حَيْثُ تَذُوبُ الْفَوَارِقُ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَارِقُ الْغِنَى وَالْفَقْرِ، فَوَارِقُ الْجِنْسِ وَاللَّوْنِ، فَوَارِقُ اللِّسَانِ وَاللُّغَةِ، تَتَّحِدُ كَلِمَةُ الْإِنْسَانِ فِي أَعْظَمِ مُؤْتَمَرٍ بَشَرِيٍّ اجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ أَصْحَابِهِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَعَلَى التَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ، هَدَفُهُ الْعَظِيمُ رَبْطُ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ بِأَسْبَابِ السَّمَاءِ.

شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ:

8- شُرُوطُ الْحَجِّ صِفَاتٌ يَجِبُ تَوَفُّرُهَا فِي الْإِنْسَانِ لِكَيْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِأَدَاءِ الْحَجِّ، مَفْرُوضًا عَلَيْهِ، فَمَنْ فَقَدَ أَحَدَ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَا يَكُونُ مُطَالَبًا بِهِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ خَمْسَةٌ هِيَ: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ، وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتِلَافًا».

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ:

9- أ- لَوْ حَجَّ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ، بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ.

ب- وَلَوْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ، فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا.

ج- وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُطَالَبُ بِالْحَجِّ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِ الدُّنْيَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِرَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ، هَلْ يُؤَاخَذُ بِتَرْكِهِ أَوْ لَا يُؤَاخَذُ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمُصْطَلَحِ الْأُصُولِيِّ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعَقْلُ:

10- يُشْتَرَطُ لِفَرْضِيَّةِ الْحَجِّ الْعَقْلُ، لِأَنَّ الْعَقْلَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِفُرُوضِ الدِّينِ، بَلْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ إِجْمَاعًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ، فَلَوْ حَجَّ الْمَجْنُونُ فَحَجُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِذَا شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ وَأَفَاقَ إِلَى رُشْدِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ».

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْبُلُوغُ:

11- يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ

بِمُكَلَّفٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ».

فَلَوْ حَجَّ الصَّبِيُّ صَحَّ حَجُّهُ وَكَانَ تَطَوُّعًا، فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْفَرِيضَةِ، بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ أَدَّى مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، فَلَا يَكْفِيهِ عَنِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَجَّ الصَّبِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ حَتَّى يَعْقِلَ، وَإِذَا عَقَلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَإِذَا حَجَّ الْأَعْرَابِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ، فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى».

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْحُرِّيَّةُ:

12- الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، لِأَنَّهُ مُسْتَغْرَقٌ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ وَلَا تَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَالْعَبْدُ لَا يَتَمَلَّكُ شَيْئًا، فَلَوْ حَجَّ الْمَمْلُوكُ وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ حَجُّهُ وَكَانَ تَطَوُّعًا لَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَيَأْثَمُ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ.وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عِنْدَمَا يُعْتَقُ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الِاسْتِطَاعَةُ:

13- لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ خِصَالُ الِاسْتِطَاعَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ خَصَّ الْخِطَابَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.

وَخِصَالُ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ قِسْمَانِ: شُرُوطٌ عَامَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَشُرُوطٌ تَخُصُّ النِّسَاءَ.

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: شُرُوطٌ عَامَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ:

شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ الْعَامَّةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ:

الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ، وَصِحَّةُ الْبَدَنِ، وَأَمْنُ الطَّرِيقِ، وَإِمْكَانُ السَّيْرِ.

الْخَصْلَةُ الْأُولَى:

14- تُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ، وَالنَّفَقَةِ ذَهَابًا وَإِيَابًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَيَخْتَصُّ اشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى آلَةِ الرُّكُوبِ بِمَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ مَكَّةَ.

قَالَ فِي «الْهِدَايَةِ»: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا الرَّاحِلَةُ لِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ زَائِدَةٌ فِي الْأَدَاءِ، فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إِلَى الْجُمُعَةِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بَعِيدًا عَنْ مَكَّةَ هُوَ: مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا، أَمَّا مَا دُونَهُ فَلَا، إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ يَعْنِي مَسَافَةَ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ.وَتُقَدَّرُ بِ (81) كِيلُو مِتْرٍ تَقْرِيبًا.

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَهُوَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ، وَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ عِنْدَهُمْ.وَتُقَدَّرُ عِنْدَهُمْ بِنَحْوِ الْمَسَافَةِ السَّابِقَةِ.

15- وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْطِيَّةِ الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ، وَكَانُوا يَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ.لِذَلِكَ عَبَّرُوا بِقَوْلِهِمُ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ وَهِيَ الْجَمَلُ الْمُعَدُّ لِلرُّكُوبِ لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي زَمَانِهِمْ.وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَمْرَيْنِ:

الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: خَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ الْجُمْهُورَ فِي اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِذَا كَانَ صَحِيحَ الْبِنْيَةِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَهُوَ يَمْلِكُ الزَّادَ.

وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.

وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ «مَنْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ وَلَهُ زَادٌ فَقَدِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَيَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ».

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ فَسَّرَ السَّبِيلَ بِاسْتِطَاعَةِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، مِثْلِ حَدِيثِ أَنَسٍ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ».

فَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الِاسْتِطَاعَةَ الْمَشْرُوطَةَ «بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ جَمِيعًا» وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَشْيِ لَا تَكْفِي لِاسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ «.

الْأَمْرُ الثَّانِي: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الزَّادِ وَوَسَائِلِ الْمُوَاصَلَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ مِلْكِيَّةُ الْمُكَلَّفِ لِمَا يُحَصِّلُهَا بِهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مِلْكَ مَا يُحَصِّلُ بِهِ الزَّادَ وَوَسِيلَةَ النَّقْلِ (مَعَ مُلَاحَظَةِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الْحَجِّ، وَفِي هَذَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ، وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَاذِلُ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَسَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ الرُّكُوبَ وَالزَّادَ، أَوْ بَذَلَ لَهُ مَالًا».

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْحَجُّ بِإِبَاحَةِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ إِذَا كَانَتِ الْإِبَاحَةُ مِمَّنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَى الْمُبَاحِ لَهُ، كَالْوَالِدِ إِذَا بَذَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لِابْنِهِ.

شُرُوطُ الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ:

16- ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ شُرُوطًا فِي الزَّادِ وَآلَةِ الرُّكُوبِ الْمَطْلُوبَيْنِ لِاسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ، هِيَ تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِهَذَا الشَّرْطِ، نَذْكُرُهَا فِيمَا يَلِي:

أ- أَنَّ الزَّادَ الَّذِي يُشْتَرَطُ مِلْكُهُ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ بِنَفَقَةٍ وَسَطٍ لَا إِسْرَافَ فِيهَا وَلَا تَقْتِيرَ، فَلَوْ كَانَ يَسْتَطِيعُ زَادًا أَدْنَى مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي اعْتَادَهُ لَا يُعْتَبَرُ مُسْتَطِيعًا لِلْحَجِّ، وَيَتَضَمَّنُ اشْتِرَاطُ الزَّادِ أَيْضًا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ آلَاتٍ لِلطَّعَامِ وَالزَّادِ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ.

وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى مَكَّةَ، وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ لِذِي صَنْعَةٍ تَقُومُ بِهِ، وَلَا تُزْرِي بِمِثْلِهِ، أَمَّا الْإِيَابُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى نَفَقَتِهِ عِنْدَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ هُنَاكَ ضَاعَ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ شَكًّا، فَيُرَاعَى مَا يُبَلِّغُهُ وَيَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ لِمَكَّةَ، مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعِيشَ بِهِ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنَ الْحِرَفِ.

ب- صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الرَّاحِلَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ إِمَّا بِشِرَاءٍ أَوْ بِكِرَاءٍ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ «لَا يُعْتَبَرُ إِلاَّ مَا يُوَصِّلُهُ فَقَطْ»، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ بِمَا تَزُولُ بِهِ الْمَشَقَّةُ الْفَادِحَةُ.وَهَذَا الْمَعْنَى مَلْحُوظٌ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَيُخَفَّفُ عَنْهُ بِمَا يُزِيلُهَا. ج- إِنْ مَلَكَ الزَّادَ وَوَسِيلَةَ النَّقْلِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَمَّا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ الْأَصْلِيَّةُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَاعْتَبَرُوا مَا يُوَصِّلُهُ فَقَطْ، إِلاَّ أَنْ يَخْشَى الضَّيَاعَ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَهُمْ.

وَفِي هَذَا تَفْصِيلٌ نُوَضِّحُهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَشْمَلُهَا الْحَاجَةُ الْأَصْلِيَّةُ.

خِصَالُ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ:

17- خِصَالُ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثَلَاثٌ:

أ- نَفَقَةُ عِيَالِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ كَمَا نُوَضِّحُ فِي الْخَصْلَةِ التَّالِيَةِ)، لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ.لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ».

ب- مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ مَسْكَنٍ، وَمِمَّا لَا بُدَّ لِمِثْلِهِ كَالْخَادِمِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ وَثِيَابِهِ بِقَدْرِ الِاعْتِدَالِ الْمُنَاسِبِ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ:

يَبِيعُ فِي زَادِهِ دَارَهُ الَّتِي تُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَغَيْرَهَا مِمَّا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَثِيَابٍ وَلَوْ لِجُمُعَتِهِ إِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا، وَخَادِمَهُ، وَكُتُبَ الْعِلْمِ وَلَوْ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا.

وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَا مَالَ لَهُمْ، فَلَا يُرَاعِي مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، أَوْ يَتْرُكُ أَوْلَادَهُ وَنَحْوَهُمْ لِلصَّدَقَةِ، إِنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا فِيمَا ذُكِرَ أَوْ شَدِيدَ أَذًى.

وَهَذَا لِأَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا قَدَّمْنَا.

ج- قَضَاءُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَهُوَ آكَدُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لآِدَمِيٍّ أَوْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ كَفَّارَاتٍ وَنَحْوِهَا. فَإِذَا مَلَكَ الزَّادَ وَالْحَمُولَةَ زَائِدًا عَمَّا تَقَدَّمَ- عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ- فَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ الشَّرْطُ، وَإِلاَّ بِأَنِ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ.

18- وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فُرُوعٌ نَذْكُرُ مِنْهَا:

أ- مَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَاسِعٌ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ، بِحَيْثُ لَوْ بَاعَ الْجُزْءَ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَتِهِ مِنَ الدَّارِ الْوَاسِعَةِ لَوَفَّى ثَمَنُهُ لِلْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْجُزْءِ الْفَاضِلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

ب- كَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَسْكَنُهُ نَفِيسًا يَفُوقُ عَلَى مِثْلِهِ لَوْ أَبْدَلَ دَارًا أَدْنَى لَوَفَّى تَكَالِيفَ الْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يَجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

ج- مَنْ مَلَكَ بِضَاعَةً لِتِجَارَتِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ لِلْحَجِّ؟

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ بَقَاءُ رَأْسِ مَالٍ لِحِرْفَتِهِ زَائِدًا عَلَى نَفَقَةِ الْحَجِّ، وَرَأْسُ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ مَا يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ بِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ لَا أَكْثَرُ، لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ لِنَفَقَةِ الْحَجِّ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ لَهُ رَأْسُ مَالٍ لِتِجَارَتِهِ.وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا سَبَقَ نَقْلُ كَلَامِهِمْ.

د- إِذَا مَلَكَ نُقُودًا لِشِرَاءِ دَارٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِنْ حَصَلَتْ لَهُ النُّقُودُ وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ أَثِمَ.أَمَّا قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ فَيَشْتَرِي بِالْمَالِ مَا شَاءَ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَابِدِينَ.

هـ- مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ إِلاَّ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا، فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الْآتِي:

1- أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ اعْتِدَالِ الشَّهْوَةِ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْحَجِّ عَلَى الزَّوَاجِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِذَا مَلَكَ النَّفَقَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَمَّا إِنْ مَلَكَهَا فِي غَيْرِهَا فَلَهُ صَرْفُهَا حَيْثُ شَاءَ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَيَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَهُ صَرْفُ الْمَالِ إِلَى النِّكَاحِ وَهُوَ أَفْضَلُ.

2- أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ تَوَقَانِ نَفْسِهِ وَالْخَوْفِ مِنَ الزِّنَى، فَهَذَا يَكُونُ الزَّوَاجُ فِي حَقِّهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْحَجِّ اتِّفَاقًا.

و- قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ: تَنْبِيهٌ: لَيْسَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُحْدَثَةُ لِرَسْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ....

وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ بَعْدَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى إِثْمِ مَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ بِسَبَبِ هَذِهِ التَّقَالِيدِ الْفَاسِدَةِ.

الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ لِلِاسْتِطَاعَةِ: صِحَّةُ الْبَدَنِ:

19- إِنَّ سَلَامَةَ الْبَدَنِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْعَاهَاتِ الَّتِي تَعُوقُ عَنِ الْحَجِّ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ.

فَلَوْ وُجِدَتْ سَائِرُ شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ فِي شَخْصٍ وَهُوَ مَرِيضٌ زَمِنٌ أَوْ مُصَابٌ بِعَاهَةٍ دَائِمَةٍ، أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى آلَةِ الرُّكُوبِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ فَرِيضَةً اتِّفَاقًا.

لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ صِحَّةُ الْبَدَنِ شَرْطٌ لِأَصْلِ الْوُجُوبِ، أَوْ هِيَ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ بِالنَّفْسِ: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِحَّةَ الْبَدَنِ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ، بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِلِزُومِ الْأَدَاءِ بِالنَّفْسِ، فَمَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، بِإِرْسَالِ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ.

وَقَالَ الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إِنَّهَا شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ صِحَّةِ الْبَدَنِ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ وَلَا بِإِنَابَةِ غَيْرِهِ، وَلَا الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ عَنْهُ فِي الْمَرَضِ.

اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ: بِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهَذَا لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ.

20- وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ، نَذْكُرُ مِنْهَا:

أ- مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ بِمُسَاعَدَةِ غَيْرِهِ كَالْأَعْمَى، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ إِذَا تَيَسَّرَ لَهُ مَنْ يُعِينُهُ، تَبَرُّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ، إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أُجْرَتِهِ، إِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَا يَكْفِيهِ حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ.

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ بِمُسَاعَدَةِ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ غَيْرَهُ، لِيَحُجَّ عَنْهُ.

وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُوصِيَ بِالْحَجِّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ وَالْجُمْهُورِ.

أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْحَجَّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ وَافَقُوا الْجُمْهُورَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَكِنْ عَلَى أَسَاسِ مَذْهَبِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ السَّابِقَةِ (فِقْرَةُ 15) وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْمَشْيَ إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ.

ب- إِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ الْحَجِّ مَعَ صِحَّةِ الْبَدَنِ فَتَأَخَّرَ حَتَّى أُصِيبَ بِعَاهَةٍ تَمْنَعُهُ مِنَ الْحَجِّ وَلَا يُرْجَى زَوَالُهَا فَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ شَخْصًا يَحُجُّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.أَمَّا إِذَا أُصِيبَ بِعَاهَةٍ يُرْجَى زَوَالُهَا فَلَا تَجُوزُ الْإِنَابَةُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ عِنْدَ زَوَالِهَا عَنْهُ.

الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ: أَمْنُ الطَّرِيقِ:

21- أَمْنُ الطَّرِيقِ يَشْمَلُ الْأَمْنَ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَذَلِكَ وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ، لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ.

وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي صِحَّةِ الْبَدَنِ:

فَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةُ أَبِي شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ.لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ أَمْنِ الطَّرِيقِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ بِالنَّفْسِ لَا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِنَحْوِ أَدِلَّتِهِمْ فِي إِيجَابِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فَقَدَ شَرْطَ صِحَّةِ الْبَدَنِ.

وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ مَنْ اسْتَوْفَى شُرُوطَ الْحَجِّ عِنْدَ خَوْفِ الطَّرِيقِ فَمَاتَ قَبْلَ أَمْنِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْحَجِّ.

أَمَّا إِذَا مَاتَ بَعْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ عَنْهُ اتِّفَاقًا.

الْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ: إِمْكَانُ السَّيْرِ:

22- إِمْكَانُ السَّيْرِ أَنْ تَكْمُلَ شَرَائِطُ الْحَجِّ فِي الْمُكَلَّفِ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ لِلْحَجِّ.

وَهَذَا شَرْطٌ لِأَصْلِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَشَرْطٌ لِلْأَدَاءِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَعَبَّرَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِالْوَقْتِ.وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ شَرْطًا مُفْرَدًا مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْحَجِّ.وَفَسَّرُوا هَذَا الشَّرْطَ بِأَنَّهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ، أَوْ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَهَا، فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ إِلاَّ عَلَى الْقَادِرِ فِيهَا، أَوْ فِي وَقْتِ خُرُوجِهِمْ.وَفَسَّرَ غَيْرُهُمْ إِمْكَانَ السَّيْرِ بِوَقْتِ الْخُرُوجِ لِلْحَجِّ.

23- وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ إِمْكَانَ السَّيْرِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ بِالْآتِي:

أ- أَنَّ إِمْكَانَ السَّيْرِ مِنْ لَوَاحِقِ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ.

ب- أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ دُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ، كَدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ وَقْتِهَا، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ شَخْصٍ عِنْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَالتَّقْيِيدُ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ أُمِّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا، وَلِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يَقَعَ الْإِحْرَامُ فِيمَا قَبْلَهَا عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْأَشْهُرِ لِكَوْنِهِ رُكْنًا.

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ إِمْكَانَ السَّيْرِ شَرْطٌ لِلُزُومِ أَدَاءِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ، كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ، وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: الشُّرُوطُ الْخَاصَّةُ بِالنِّسَاءِ:

24- مَا يَخُصُّ النِّسَاءَ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ شَرْطَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا لِكَيْ يَجِبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَرْأَةِ يُضَافَانِ إِلَى خِصَالِ شَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

هَذَانِ الشَّرْطَانِ هُمَا: الزَّوْجُ أَوِ الْمَحْرَمُ، وَعَدَمُ الْعِدَّةِ.

أَوَّلًا- الزَّوْجُ أَوِ الْمَحْرَمُ الْأَمِينُ:

25- يُشْتَرَطُ أَنْ يَصْحَبَ الْمَرْأَةَ فِي سَفَرِ الْحَجِّ زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمٌ مِنْهَا، إِذَا كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَهِيَ مَسِيرَةُ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».

وَتَوَسَّعَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَسَوَّغُوا الِاسْتِبْدَالَ بِالْمَحْرَمِ:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا إِنْ وَجَدَتْ نِسْوَةً ثِقَاتٍ: اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ تَأْمَنُ مَعَهُنَّ عَلَى نَفْسِهَا كَفَى ذَلِكَ بَدَلًا عَنِ الْمَحْرَمِ أَوِ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَرْأَةِ.وَعِنْدَهُمُ «الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ، لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ تَنْقَطِعُ بِجَمَاعَتِهِنَّ.فَإِنْ وَجَدَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً ثِقَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ، لَكِنْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحُجَّ مَعَهَا حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ أَوِ النَّذْرِ، بَلْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَحْدَهَا لِأَدَاءِ الْفَرْضِ أَوِ النَّذْرِ إِذَا أَمِنَتْ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ تَوَسُّعًا فَقَالُوا: الْمَرْأَةُ إِذَا لَمْ تَجِدِ الْمَحْرَمَ أَوِ الزَّوْجَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ تُسَافِرُ لِحَجِّ الْفَرْضِ أَوِ النَّذْرِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ بِنَفْسِهَا هِيَ مَأْمُونَةً أَيْضًا.

وَالرُّفْقَةُ الْمَأْمُونَةُ جَمَاعَةٌ مَأْمُونَةٌ مِنَ النِّسَاءِ، أَوِ الرِّجَالِ الصَّالِحِينَ.قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا اشْتِرَاطُ النِّسَاءِ».

أَمَّا حَجُّ النَّفْلِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ السَّفَرُ لَهُ إِلاَّ مَعَ الزَّوْجِ أَوِ الْمَحْرَمِ فَقَطِ اتِّفَاقًا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا السَّفَرُ بِغَيْرِهِمَا، بَلْ تَأْثَمُ بِهِ.

نَوْعُ الِاشْتِرَاطِ لِلْمَحْرَمِ:

26- اخْتَلَفُوا فِي الزَّوْجِ أَوِ الْمَحْرَمِ هَلْ هُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ أَوْ شَرْطٌ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ بِالنَّفْسِ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ، وَيَحُلُّ مَحَلَّهُ عِنْدَ فَقْدِهِ الرُّفْقَةُ الْمَأْمُونَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الزَّوْجَ أَوِ الْمَحْرَمَ شَرْطٌ لِلُزُومِ الْأَدَاءِ بِالنَّفْسِ.

وَأَدِلَّةُ الْفَرِيقَيْنِ هِيَ مَا سَبَقَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ فِي صِحَّةِ الْبَدَنِ وَأَمْنِ الطَّرِيقِ (ف 19 وَ 21).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


13-موسوعة الفقه الكويتية (فساد الاعتبار)

فَسَادُ الِاعْتِبَارِ

التَّعْرِيفُ:

1- الْفَسَادُ فِي اللُّغَةِ: نَقِيضُ الصَّلَاحِ.

وَالِاعْتِبَارُ فِي اللُّغَةِ: يَكُونُ بِمَعْنَى الِاخْتِبَارِ وَالِامْتِحَانِ، مِثْلُ اعْتَبَرْتُ الدَّرَاهِمَ فَوَجَدْتُهَا أَلْفًا، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ نَحْوُ قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ بِالشَّيْءِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِمْ: وَالْعِبْرَةُ بِالْعَقِبِ؛ أَيْ وَالِاعْتِدَادُ فِي التَّقَدُّمِ بِالْعَقِبِ.

وَاصْطِلَاحًا عَرَّفَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ بِكَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ.

قَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ وَضْعُهُ وَتَرْكِيبُهُ صَحِيحًا، لِكَوْنِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

فَسَادُ الْوَضْعِ:

2- فَسَادُ الْوَضْعِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ، كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ مِنْ وَضْعٍ يَقْتَضِي ضِدَّهُ، كَالضِّيقِ مِنَ التَّوَسُّعِ، وَالتَّخْفِيفِ مِنَ التَّغْلِيظِ، وَالْإِثْبَاتِ مِنَ النَّفْيِ.وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ بِأَنَّ فَسَادَ الِاعْتِبَارِ أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ، فَكُلُّ فَاسِدِ الْوَضْعِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ وَلَا يَنْعَكِسُ.

وَجَعَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ شَيْئًا وَاحِدًا.

وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانَ: هُمَا شَيْئَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، وَقَالُوا: فَسَادُ الْوَضْعِ هُوَ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى الْعِلَّةِ ضِدُّ مَا يَقْتَضِيهِ.وَفَسَادُ الِاعْتِبَارِ هُوَ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى الْعِلَّةِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اصْطِلَاحُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَغَايُرُ فَسَادِ الْوَضْعِ وَفَسَادِ الِاعْتِبَارِ، فَالْأَوَّلُ بَيَانُ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَالثَّانِي اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ عَلَى مُنَاقَضَةِ النَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ، فَهُوَ أَعَمُّ.

وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

3- الْأَصْلُ فِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ إِذَا عُدِمَ النَّصُّ، وَقَدْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ: «الْقِيَاسُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقِيَاسُ وَالْخَبَرُ مَوْجُودٌ، كَمَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ طَهَارَةً عِنْدَ الْإِعْوَازِ مِنَ الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ طَهَارَةً إِذَا وُجِدَ الْمَاءُ».

لِذَا يَعْتَبِرُ الْأُصُولِيُّونَ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُمَا فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ.

وَفَسَادُ الِاعْتِبَارِ مِنَ الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَيَكُونُ الْقِيَاسُ فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ عِنْدَمَا يُخَالِفُ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ كَانَتْ إِحْدَى مُقَدِّمَاتِهِ كَذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ كَإِلْحَاقِ الْمُصَرَّاةِ بِغَيْرِهَا مِنَ الْعُيُوبِ فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَعَدَمِهِ، وَوُجُوبِ بَدَلِ لَبَنِهَا الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ، أَوْ كَانَ تَرْكِيبُهُ مُشْعِرًا بِنَقِيضِ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ أَنْ يُقَالَ: لَا يَصِحُّ الْقَرْضُ فِي الْحَيَوَانِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ كَالْمُخْتَلِطَاتِ- أَنْوَاعِ الْمَعَاجِينِ- فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ- رضي الله عنه- «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَسْلَفَ بَكْرًا وَرَدَّ رَبَاعِيًّا وَقَالَ: إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً».وَكَأَنْ يُقَالَ: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ زَوْجَتَهُ الْمَيِّتَةَ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَيْهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ فِي تَغْسِيلِ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ- رضي الله عنهما-

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


14-موسوعة الفقه الكويتية (قرينة)

قَرِينَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْقَرِينَةُ لُغَةً: مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَرَنَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ، أَيْ شَدَّهُ إِلَيْهِ وَوَصَلَهُ بِهِ، كَجَمْعِ الْبَعِيرَيْنِ فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ، وَكَالْقَرْنِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ كَالْجَمْعِ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ أَوِ اللُّقْمَتَيْنِ عِنْدَ الْأَكْلِ، وَتَأْتِي الْمُقَارَنَةُ بِمَعْنَى الْمُرَافَقَةِ وَالْمُصَاحَبَةِ، وَمِنْهُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجَةِ قَرِينَةٌ، وَعَلَى الزَّوْجِ قَرِينٌ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ صَرِيحًا.

مَشْرُوعِيَّةُ الْقَرِينَةِ:

2- الْقَرِينَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ لِمَا وَرَدَ فِي قوله تعالى فِي سُورَةِ يُوسُفَ {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ إِنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الدَّمَ عَلَامَةَ صِدْقِهِمْ، قَرَنَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ عَلَامَةً تُعَارِضُهَا، وَهِيَ سَلَامَةُ الْقَمِيصِ مِنَ التَّمْزِيقِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ افْتِرَاسُ الذِّئْبِ لِيُوسُفَ وَهُوَ لَابِسُ الْقَمِيصِ وَيَسْلَمُ الْقَمِيصُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ- عليه السلام- اسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِمْ بِصِحَّةِ الْقَمِيصِ، فَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِعْمَالِ الْأَمَارَاتِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْفِقْهِ.

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} عَلَى جَوَازِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعَلَامَةِ، إِذْ أَثْبَتُوا بِذَلِكَ كَذِبَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِيمَا نَسَبَتْهُ لِيُوسُفَ- عليه الصلاة والسلام-.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا»، فَجَعَلَ صُمَاتَهَا قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى الرِّضَا، وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا رَضِيَتْ، وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ.

كَمَا سَارَ عَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ فِي الْقَضَايَا الَّتِي عَرَضَتْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانُ، - رضي الله عنهم- وَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفٌ- بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ رَائِحَةُ الْخَمْرِ، أَوْ قَاءَهَا، وَذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ- رحمه الله-، وَمِنْهُ مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ- رضي الله عنه- بِرَجْمِ الْمَرْأَةِ إِذَا ظَهَرَ لَهَا حَمْلٌ وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}.

الْقَرَائِنُ الْقَاطِعَةُ وَغَيْرُ الْقَاطِعَةِ:

3- إِنَّ مِنَ الْقَرَائِنِ مَا يَقْوَى حَتَّى يُفِيدَ الْقَطْعَ، وَمِنْهَا مَا يَضْعُفُ وَيُمَثِّلُونَ لِحَالَةِ الْقَطْعِ بِمُشَاهَدَةِ شَخْصٍ خَارِجٍ مِنْ دَارٍ خَالِيَةٍ خَائِفًا مَدْهُوشًا فِي يَدِهِ سِكِّينٌ مُلَوَّثَةٌ بِالدَّمِ، فَلَمَّا وَقَعَ الدُّخُولُ لِلدَّارِ رُئِيَ فِيهَا شَخْصٌ مَذْبُوحٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَتَشَخَّطُ فِي دِمَائِهِ، فَلَا يُشْتَبَهُ هُنَا فِي كَوْنِ ذَلِكَ الشَّخْصِ هُوَ الْقَاتِلُ، لِوُجُودِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْقَاطِعَةِ.

وَأَمَّا الْقَرِينَةُ غَيْرُ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَلَكِنَّهَا ظَنِّيَّةٌ أَغْلَبِيَّةٌ، وَمِنْهَا الْقَرَائِنُ الْعُرْفِيَّةُ أَوِ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ وَقَائِعِ الدَّعْوَى وَتَصَرُّفَاتِ الْخُصُومِ، فَهِيَ دَلِيلٌ أَوَّلِيٌّ مُرَجِّحٌ لِزَعْمِ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ مَتَى اقْتَنَعَ بِهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهَا.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تَرُدُّ حَقًّا وَلَا تُكَذِّبُ دَلِيلًا وَلَا تُبْطِلُ أَمَارَةً صَحِيحَةً، هَذَا وَقَدْ دَرَجَتْ مَجَلَّةُ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَرِينَةِ الْقَاطِعَةِ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحُكْمِ فِي الْمَادَّةِ (1740) وَعَرَّفَتْهَا بِأَنَّهَا الْأَمَارَةُ الْبَالِغَةُ حَدَّ الْيَقِينِ وَذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (1741).

الْأَخْذُ بِالْقَرَائِنِ:

4- قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ- رحمه الله- فِي تَبْصِرَتِهِ نَاقِلًا عَنِ الْإِمَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْفَقِيهِ الْمَالِكِيِّ قَوْلَهُ: عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَلْحَظَ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ إِذَا تَعَارَضَتْ، فَمَا تَرَجَّحَ مِنْهَا مَضَى بِجَانِبِ التَّرْجِيحِ، وَهُوَ قُوَّةُ التُّهْمَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ بِهَا، وَقَدْ جَاءَ الْعَمَلُ بِهَا فِي مَسَائِلَ اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ، وَبَعْضُهَا قَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ خَاصَّةً.

عَلَى أَنَّ ضَبْطَ كُلِّ الصُّوَرِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيهَا الْقَرِينَةُ أَمْرٌ مُسْتَبْعَدٌ، إِذْ أَنَّ الْوَقَائِعَ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، وَالْقَضَايَا مُتَنَوِّعَةٌ، فَيَسْتَخْلِصُهَا الْقَاضِي بِفَهْمِهِ وَذَكَائِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ جَانِبًا مِنَ الصُّوَرِ لِلِاسْتِنَارَةِ بِهَا، وَلِلتَّدْلِيلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِالْقَرَائِنِ الَّتِي تَوَلَّدَتْ عَنْهَا، وَهَذَا الْبَعْضُ مِنْهَا:

الْأُولَى: أَنَّ الْفُقَهَاءَ كُلَّهُمْ يَقُولُونَ بِجَوَازِ وَطْءِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ إِذَا أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنْطِقِ النِّسَاءُ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتُهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا، اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ.

الثَّانِيَةُ: اعْتِمَادُ النَّاسِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْإِمَاءِ الْمُرْسَلَةِ مَعَهُمُ الْهَدَايَا إِلَيْهِمْ، فَيَقْبَلُونَ أَقْوَالَهُمْ، وَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْمُرْسَلَ بِهِ.

الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ إِذْنَ الصِّبْيَانِ فِي الدُّخُولِ لِلْمَنْزِلِ.

الرَّابِعَةُ: جَوَازُ أَخْذِ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْإِنْسَانِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ، وَمَا لَا يَتْبَعُهُ الْإِنْسَانُ نَفْسُهُ لِحَقَارَتِهِ، كَالتَّمْرَةِ وَالْفَلْسِ، وَكَجِوَازِ أَخْذِ مَا بَقِيَ فِي الْحَوَائِطِ مِنَ الثِّمَارِ وَالْحَبِّ بَعْدَ انْتِقَالِ أَهْلِهِ مِنْهُ وَتَخْلِيَتِهِ وَتَسْيِيبِهِ، كَجَوَازِ أَخْذِ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْحَبِّ عِنْدَ الْحَصَادِ مِمَّا لَا يَعْتَنِي صَاحِبُ الزَّرْعِ بِلَقْطِهِ، وَكَأَخَذِ مَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالْخِرَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَقَّرَاتِ.

الْخَامِسَةُ: الشُّرْبُ مِنَ الْمَصَانِعِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الطُّرُقَاتِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الشَّارِبُ إِذْنَ أَرْبَابِهَا فِي ذَلِكَ لَفْظًا، اعْتِمَادًا عَلَى دَلَالَةِ الْحَالِ.

السَّادِسَةُ: قَوْلُهُمْ فِي الرِّكَازِ: إِذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَنْزٌ، وَيَأْخُذُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الْكُفْرِ كَالصَّلِيبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ رِكَازٌ.

السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ عَلَى بَيْعِ السِّلْعَةِ قَبْضُ ثَمَنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي ذَلِكَ لَفْظًا، اعْتِمَادًا عَلَى قَرِينَةِ الْحَالِ.

الثَّامِنَةُ: الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَاعْتِبَارُهُ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ رُجُوعًا إِلَى مُجَرَّدِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ.

التَّاسِعَةُ: جَوَازُ دَفْعِ اللُّقَطَةِ لِوَاصِفِ عِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا.

الْعَاشِرَةُ: النَّظَرُ فِي أَمْرِ الْخُنْثَى، وَالِاعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى الْأَمَارَاتِ وَالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى إِحْدَى حَالَتَيْهِ الذُّكُورَةِ أَوِ الْأُنُوثَةِ.

الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ: مَعْرِفَةُ رِضَا الْبِكْرِ بِالزَّوْجِ بِصُمَاتِهَا.

الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ: إِذَا أَرْخَى السِّتْرَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَخَلَا بِهَا، قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا طَلَّقَهَا وَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا وَادَّعَتْ هِيَ الْوَطْءَ صُدِّقَتْ، وَكَانَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا.

وَمِنْ هَذَا الْعَرْضِ يَبْدُو اتِّفَاقُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ بِصِفَةٍ مُطْلَقَةٍ بِدُونِ قُيُودٍ وَلَا حُدُودٍ، وَمَصَادِرُ مَذْهَبَيْهِمْ تَشْهَدُ بِذَلِكَ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ عَمِلُوا بِالْقَرَائِنِ فِي حُدُودٍ ضَيِّقَةٍ، وَيَعْتَدُّونَ بِالْقَرِينَةِ الْحِسِّيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ، وَبِالْقَرِينَةِ الْقَاطِعَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ نُجَيْمٍ عِنْدَ إِحْصَائِهِ لِلْحُجَجِ الَّتِي يَعْتَمِدُهَا الْقَاضِي، فَقَالَ: إِنَّ الْحُجَّةَ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ إِقْرَارٌ، أَوْ نُكُولٌ عَنْ يَمِينٍ، أَوْ يَمِينٌ، أَوْ قَسَامَةٌ، أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بَعْدَ تَوَلِّيهِ، أَوْ قَرِينَةٌ قَاطِعَةٌ، وَقَالَ: وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ مِنَ الدَّعْوَى.

وَذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقَرِينَةِ إِلاَّ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا فِي الشَّرْحِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ.

وَقَدْ نَصَّ الْمُزَنِيُّ فِي كِتَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالظُّنُونِ، بَعْدَ ذِكْرِ النِّزَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَتَنَازُعِ عَطَّارٍ وَدَبَّاغٍ، وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ اسْتِعْمَالُ الظُّنُونِ لَقُضِيَ بِالْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ، وَالدِّبَاغِ لِلدَّبَّاغِ. هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْجَصَّاصُ صُوَرًا كَثِيرَةً عَمِلُوا فِي بَعْضِهَا بِالْقَرَائِنِ، كَالِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلزَّوْجَةِ، وَمَا لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلزَّوْجِ، فَحَكَمُوا بِظَاهِرِ هَيْئَةِ الْمَتَاعِ.

وَمِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ كُتُبِهِمْ أَنَّهُمْ يُعْمِلُونَ الْقَرَائِنَ- إِنِ اعْتَبَرُوهَا عَامِلَةً- فِي خُصُوصِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَا يُعْمِلُونَهَا فِي الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ، فَاعْتَبَرُوا مَثَلًا سُكُوتَ الْبِكْرِ أَوْ صَمْتَهَا قَرِينَةً عَلَى الرِّضَا، وَقَبْضَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ مَعَ سُكُوتِهِ إِذْنًا بِالْقَبْضِ، وَوَضْعَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ قَرِينَةً عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ، وَقَبُولَ التَّهْنِئَةِ فِي وِلَادَةِ الْمَوْلُودِ أَيَّامَ التَّهْنِئَةِ الْمُعْتَادَةِ قَرِينَةً عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَاعْتَبَرُوا عَلَامَةَ الْكَنْزِ، وَقَالُوا إِنْ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى الْإِسْلَامِ كَانَتْ لُقَطَةً، وَإِنْ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى الْكُفْرِ فَفِيهَا الْخُمُسُ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ الِابْنُ تَعْلِيقًا عَلَى رِسَالَةِ وَالِدِهِ الْمُسَمَّاةِ نَشْرَ الْعُرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعُرْفِ فَقَالَ: لِلْمُفْتِي الْآنَ أَنْ يُفْتِيَ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَإِنْ خَالَفَ زَمَانَ الْمُتَقَدِّمِينَ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


15-الغريبين في القرآن والحديث (عبر)

(عبر)

قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} أي استدلوا بما شاهدتم على ما غاب عنكم، والعابر: الناظر في الشيء، ومنه حديث ابن سيرين (إني أعتبر الحديث) يريد: أنه يعبر الرؤيا على الحديث وجعله له اعتبارا كما يعتبر القرآن في تأويل الرؤيا فيعبر عليه.

وقوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة} أي دليلا، وقوله تعالى: {إن كنتم للرءيا تعبرون} يقال هو عابر الرؤيا ومعنى عبرت الرؤيا وعبرتها خبرت ما يئول إليه أمرها، مأخوذ من عبر النهر وهو شطه، وهذه اللام تسمى لام التعقيب لأنها عقبت الإضافة قال ذلك أبو منصور رحمه الله، وفي حديث أم زرع: (وعبر جارتها) قال أبو بكر: فيه تأويلان أحدهما: أن ضرتها ترى من جمالها ما يعبر عن عينها أي يبكيها، والآخر أنها ترى من عفتها ما تعتبر به.

وفي الحديث: (تومة قد لطخت بعبير أو زعفران) قال الليث: العبير: نوع من الطيب، وقال: أبو عبيدة: العبير عند أهل الجاهلية: الزعفران.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


16-المصباح المنير (عبر)

عَبَرْتُ النَّهْرَ عَبْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَعُبُورًا قَطَعْتُهُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَالْمَعْبَرُ وِزَانُ جَعْفَرٍ شَطُّ نَهْرٍ هُيِّئَ لِلْعُبُورِ وَالْمِعْبَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُعْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ سَفِينَةٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ.

وَعَبَرْتُ الرُّؤْيَا عَبْرًا أَيْضًا.

وَعِبَارَةً فَسَّرْتُهَا وَبِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ وَفِي التَّنْزِيلِ {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وَعَبَرْتُ السَّبِيلَ بِمَعْنَى مَرَرْتُ فَعَابِرُ السَّبِيلِ مَارُّ الطَّرِيقِ وقَوْله تَعَالَى {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43].

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ

مَعْنَاهُ إلَّا مُسَافِرِينَ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَعُوزُهُ الْمَاءُ وَقِيلَ الْمُرَادُ إلَّا مَارِّينَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ مَرِيدِينَ لِلصَّلَاةِ.

وَعَبَرَ مَاتَ وَعَبَرْتُ الدَّرَاهِمَ وَاعْتَبَرْتُهَا بِمَعْنًى وَالِاعْتِبَارُ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاخْتِبَارِ وَالِامْتِحَانِ مِثْلُ اعْتَبَرْتُ الدَّرَاهِمَ فَوَجَدْتُهَا أَلْفًا وَيَكُونُ بِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2].

وَالْعِبْرَةُ اسْمٌ مِنْهُ قَالَ الْخَلِيلُ الْعِبْرَةِ الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى أَيْ الِاتِّعَاظُ وَالتَّذَكُّرُ وَجَمْعُ الْعِبْرَةِ عِبَرٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وَتَكُونُ الْعِبْرَةُ.

وَالِاعْتِبَارُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ بِالشَّيْءِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ نَحْوُ وَالْعِبْرَةُ بِالْعَقِبِ أَيْ وَالِاعْتِدَادُ فِي التَّقَدُّمِ بِالْعَقِبِ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِعَبْرَةِ مُسْتَعْبِرٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَبْرَةَ مُعْتَبِرٍ وَهُوَ حَسَنُ الْعِبَارَةِ أَيْ الْبَيَانِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَحَكَى فِي الْمُحْكَمِ فَتْحَهَا أَيْضًا.

وَالْعَبِيرُ مِثْلُ كَرِيمٍ أَخْلَاطٌ تُجْمَعُ مِنْ الطِّيبِ.

وَالْعَنْبَرُ فُنْعَلٌ طِيبٌ مَعْرُوفٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَيُقَالُ هُوَ الْعَنْبَرُ وَهِيَ الْعَنْبَرُ وَالْعَنْبَرُ حُوتٌ عَظِيمٌ وَعَبَّرْتُ عَنْ فُلَانٍ تَكَلَّمْتُ عَنْهُ وَاللِّسَانُ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ أَيْ يُبَيِّنُ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


17-لسان العرب (عبر)

عبر: عَبَرَ الرُؤيا يَعْبُرُها عَبْرًا وعِبارةً وعبَّرها: فسَّرها وأَخبر بما يؤول إِليه أَمرُها.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ}؛ أَي إِن كُنْتُمْ تعْبُرون الرُّؤْيَا فَعَدَّاهَا بِاللَّامِ، كما قال: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ؛ أَي رَدِفَكم؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذِهِ اللَّامُ أُدْخِلت عَلَى الْمَفْعُولِ للتَّبْيين، وَالْمَعْنَى إِن كُنْتُمْ تَعْبُرون وَعَابِرِينَ، ثُمَّ بَيَّنَ بِاللَّامِ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا، قَالَ: وَتُسَمَّى هَذِهِ اللَّامُ لامَ التَّعْقِيبِ لأَنها عَقَّبَت الإِضافةَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَوصَل الْفِعْلَ بِاللَّامِ، كَمَا يُقَالُ إِن كُنْتَ لِلْمَالِ جَامِعًا.

واسْتعْبَرَه إِياها: سأَله تَعْبِيرَها.

وَالْعَابِرُ: الَّذِي يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ فيَعْبُره أَي يَعْتَبِرُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ حَتَّى يَقَعَ فهمُه عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: عبَر الرؤْيا واعتَبَر فُلَانٌ كَذَا، وَقِيلَ: أُخذ هَذَا كُلُّهُ مِنَ العِبْرِ، وَهُوَ جانبُ النَّهْرِ، وعِبْرُ الْوَادِي وعَبْرُه؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: شَاطِئُهُ وَنَاحِيَتُهُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ يَمْدَحُ النُّعْمَانَ:

وَمَا الفُراتُ إِذا جاشَت غَوارِبهُ، ***ترْمي أَواذِيُّه العِبْرَينِ بالزَّبَدِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَخَبَرُ مَا النَّافِيَةِ فِي بَيْتٍ بَعْدَهُ، وَهُوَ:

يَوْمًا، بأَطيبَ مِنْهُ سَيْبَ نافلةٍ، ***وَلَا يَحُول عطاءُ الْيَوْمِ دُون غَدِ

والسَّيْب: العطاءُ.

وَالنَّافِلَةُ: الزِّيَادَةُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتعالى: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً}.

وَقَوْلُهُ: وَلَا يَحُول عطاءُ الْيَوْمِ دون غد إِذا أَعْطى الْيَوْمَ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ أَن يُعْطِي فِي غدٍ.

وغواربُه: مَا عَلَا مِنْهُ.

والأَوَاذيُّ: الأَمواج، واحدُها آذِيٌّ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي ذَلِكَ العِبر أَي فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ.

وعَبَرْت النهرَ وَالطَّرِيقَ أَعْبُره عَبْرًا وعُبورًا إِذا قَطَعْتَهُ مِنْ هَذَا العِبْر إِلى ذَلِكَ العِبر، فَقِيلَ لِعَابِرِ الرُّؤْيَا: عَابِرٌ لأَنه يتأَمل ناحيَتي الرُّؤْيَا فَيَتَفَكَّرُ فِي أَطرافها، ويتدبَّر كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا وَيَمْضِي بِفِكْرِهِ فِيهَا مِنْ أَول مَا رأَى النَّائِمُ إِلى آخِرِ مَا رأَى.

وَرُوِيَ عَنْ أَبي رَزِين الْعَقِيلِيِّ: أَنه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الرُّؤْيا عَلَى رِجْل طَائِرٍ، فإِذا عُبِّرت وقَعَت فَلَا تَقُصَّها إِلا عَلَى وادٍّ أَو ذِي رَأْيٍ "، لأَن الوادَّ لَا يُحبّ أَن يَسْتَقْبِلَكَ فِي تَفْسِيرِهَا إِلا بِمَا تُحِبّ، وإِن لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْعِبَارَةِ لَمْ يَعْجَل لَكَ بِمَا يَغُمُّك لَا أَن تَعْبِيرَه يُزِيلُها عَمَّا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وأَما ذُو الرأْي فَمَعْنَاهُ ذُو الْعِلْمِ بِعِبَارَتِهَا، فَهُوَ يُخْبِرُك بِحَقِيقَةِ تَفْسِيرِهَا أَو بأَقْرَب مَا يَعْلَمُهُ مِنْهَا، وَلَعَلَّهُ أَن يَكُونَ فِي تَفْسِيرِهَا موعظةٌ تَرْدَعُك عَنْ قَبِيحٍ أَنت عَلَيْهِ أَو يَكُونَ فِيهَا بُشْرَى فَتَحْمَد اللَّهَ عَلَى النِّعْمَةِ فِيهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الرُّؤْيَا لأَول عَابِرٍ»؛ الْعَابِرُ: النَّاظِرُ فِي الشَّيْءِ، والمُعْتَبِرُ: الْمُسْتَدِلُّ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ.

وَفِي الحَديث: " لِلرُّؤْيَا كُنًى وأَسماءٌ فكنُّوها بكُناها واعتَبروها بأَسمائها.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ: «كَانَ يَقُولُ إِني أَعْتَبرُ الْحَدِيثَ»؛ الْمَعْنَى فِيهِ أَنه يُعَبِّر الرُّؤْيَا عَلَى الْحَدِيثِ ويَعْتَبِرُ بِهِ كَمَا يَعْتبرها بِالْقُرْآنِ فِي تأْويلها، مِثْلُ أَن يُعَبِّر الغُرابَ بِالرَّجُلِ الْفَاسِقِ، والضِّلَعَ بالمرأَة، لأَن" النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم سَمَّىَ الغُرابَ فَاسِقًا وَجَعَلَ المرأَة كالضِّلَع "، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكُنَى والأَسماء.

وَيُقَالُ: عَبَرْت الطَّيْرَ أَعْبُرها إِذا زجَرْتها.

وعَبَّر عمَّا فِي نَفْسِهِ: أَعْرَبَ وَبَيَّنَ.

وعَبّر عَنْهُ غيرُه: عيِيَ فأَعْرَب عَنْهُ، وَالِاسْمُ العِبْرةُ.

والعِبارة والعَبارة.

وعَبّر عَنْ فُلَانٍ: تكلَّم عَنْهُ؛ وَاللِّسَانُ يُعَبّر عَمَّا فِي الضَّمِيرِ.

وعَبَرَ بِفُلَانٍ الماءَ وعَبَّرَهُ بِهِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والمِعْبَرُ: مَا عُبِرَ بِهِ النَّهْرُ مِنْ فُلْكٍ أَو قَنْطَرة أَو غَيْرِهِ.

والمَعْبَرُ: الشطُّ المُهَيّأُ للعُبور.

قَالَ الأَزهري: والمِعْبَرَةُ سَفِينَةٌ يُعْبَرُ عَلَيْهَا النَّهْرُ.

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: عَبَرْت مَتاعي أَي باعَدْته.

وَالْوَادِي يَعْبرُ السيلَ عَنّا أَي يُباعِدُه.

والعُبْرِيّ مِنَ السِّدْر: مَا نَبَتَ عَلَى عِبْر النَّهْرِ وعَظُم، مَنْسُوبٌ إِليه نَادِرٌ، وَقِيلَ: هُوَ مَا لَا ساقَ لَهُ مِنْهُ، وإِنما يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا قارَب العِبْرَ.

وَقَالَ يَعْقُوبُ: العُبْرِيّ والعُمْرِيُّ مِنْهُ مَا شَرِبَ الْمَاءَ؛ وأَنشد: " لَاثَ بِهِ الأَشاءُ والعُبْرِيُ "قَالَ: وَالَّذِي لَا يَشْرَبُ يَكُونُ بَرِّيًّا وَهُوَ الضالُ.

قَالَ وَإِنْ كَانَ عِذْيًا فَهُوَ الضَّالُّ.

أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للسدْر وَمَا عظُم مِنَ الْعَوْسَجِ العُبْريّ.

والعُمْرِيُّ: القديمُ مِنَ السِّدْرِ؛ وأَنشد قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:

قَطَعْت، إِذا تَخَوَّفْتَ العَواطِي، ***ضُروبَ السدْرِ عُبْرِيًّا وَضَالَا

وَرَجُلٌ عابرُ سبيلٍ أَي مَارُّ الطَّرِيقِ.

وعَبرَ السبيلَ يَعْبُرُها عُبورًا: شَقَّها؛ وَهُمْ عابرُو سبيلٍ وعُبّارُ سَبِيلٍ، وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ}؛ فَسَّرَهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَن تَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْمَسْجِدِ وبيتُه بالبُعد فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَيَخْرُجُ مُسْرِعًا.

وَقَالَ الأَزهري: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ"، مَعْنَاهُ إِلا مُسَافِرِينَ، لأَن "الْمُسَافِرَ يُعْوِزُه الْمَاءُ، وَقِيلَ: إِلا مَارِّينَ فِي الْمَسْجِدِ غَير مُرِيدين الصَّلَاةَ.

وَعَبَرَ السَّفَر يعبُره عَبرًا: شَقّة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والشِّعْرَى العَبور، وَهُمَا شِعْريانِ: أَحدُهما الغُمَيصاء، وَهُوَ أَحدُ كوكَبَي الذِّرَاعَيْنِ، وأَما العَبور فَهِيَ مَعَ الجوْزاء تكونُ نيِّرةً، سُمّيت عَبورًا لأَنها عَبَرت المَجَرَّةَ، وَهِيَ شَامِيَّةٌ، وَتَزْعُمُ الْعَرَبُ أَن الأُخرى بَكَتْ عَلَى إِثْرِها حَتَّى غَمِصَت فسُمّيت الغُمَيْصاءَ.

وَجَمَلٌ عُبْرُ أَسفارٍ وَجِمَالٌ عُبْرُ أَسفارٍ، يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ مِثْلُ الفُلك الَّذِي لَا يَزَالُ يُسافَر عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ عِبْر أَسفار، بِالْكَسْرِ.

وَنَاقَةٌ عُبْر أَسْفارٍ وسفَرٍ وعَبْرٌ وعِبْرٌ: قويَّةٌ عَلَى السَّفَرِ تشُقُّ مَا مَرَّتْ بِهِ وتُقْطعُ الأَسفارُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الْجَرِيءُ عَلَى الأَسفَارِ الْمَاضِي فِيهَا الْقَوِيُّ عَلَيْهَا.

والعِبَارُ: الإِبل الْقَوِيَّةُ عَلَى السَّيْرِ.

والعَبَّار: الْجَمَلُ الْقَوِيُّ عَلَى السَّيْرِ.

وعَبَر الكتابَ يعبُره عَبْرًا: تدبَّره فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِقِرَاءَتِهِ.

قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ فِي الْكَلَامِ لَقَدْ أَسرعت اسْتِعبارَك لِلدَّرَاهِمِ أَي اسْتِخْرَاجَكَ إِياها.

وعَبَرَ المتاعَ وَالدَّرَاهِمَ يَعْبُرُهَا: نَظر كَمْ وزْنُها وَمَا هِيَ، وعبَّرها: وزنَها دِينَارًا دِينَارًا، وَقِيلَ عَبَّرَ الشيءَ إِذا لَمْ يُبَالِغْ فِي وَزْنِهِ أَو كَيْلِهِ، وَتَعْبِيرُ الدَّرَاهِمِ وزنُها جُمْلَةً بَعْدَ التَّفَارِيقِ.

والعِبْرة: الْعَجَبُ.

واعْتَبَر مِنْهُ: تَعَجَّبَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ}؛ أَي تَدَبَّرُوا وانظُروا فِيمَا نَزَلَ بقُرَيْظةَ وَالنَّضِيرِ، فقايِسوا فِعالَهم واتّعِظُوا بِالْعَذَابِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: «فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى؟ قَالَ: كَانَتْ عِبَرًا كلُّها»؛ العِبَرُ: جمعُ عِبْرة، وَهِيَ كالمَوْعِظة مِمَّا يَتّعِظُ بِهِ الإِنسان ويَعمَلُ بِهِ ويَعتبِر لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ.

والعِبْرة: الاعتبارُ بِمَا مَضَى، وَقِيلَ: العِبْرة الِاسْمُ مِنَ الِاعْتِبَارِ.

الْفَرَّاءُ: العَبَرُ الِاعْتِبَارُ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ يَعبَرُ الدُّنْيَا وَلَا يَعْبُرها أَي مِمَّنْ يَعْتَبِرُ بِهَا وَلَا يَمُوتُ سَرِيعًا حَتَّى يُرْضيَك بِالطَّاعَةِ.

والعَبورُ: الْجَذَعَةُ مِنَ الْغَنَمِ أَو أَصغر؛ وعيَّنَ اللِّحْيَانِيُّ ذَلِكَ الصِّغَرَ فَقَالَ: الْعَبُورُ مِنَ الْغَنَمِ فَوْقَ الفَطيم مِنْ إِنَاثِ الْغَنَمِ، وَقِيلَ: هِيَ أَيضًا الَّتِي لَمْ تَجُز عامَها، وَالْجَمْعُ عَبَائِرُ.

وَحُكِيَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: لِي نَعْجَتَانِ وَثَلَاثُ عبائرَ.

والعَبِير: أَخْلاطٌ مِنَ الطِّيبِ تُجْمَع بِالزَّعْفَرَانِ، وَقِيلَ: هُوَ الزَّعْفَرَانُ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الزَّعْفَرَانُ عِنْدَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ؛ قَالَ الأَعشى:

وتَبْرُدُ بَرْدَ رِداءِ العَروس، ***فِي الصَّيْفِ، رَقْرَقْت فِيهِ العَبيرا

وَقَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

وسِرْب تَطَلَّى بالعَبير، كأَنه ***دِماءُ ظِبَاءٍ بِالنُّحُورِ ذَبِيحُ

ابْنُ الأَعرابي: العبيرُ الزَّعْفَرَانَةُ، وَقِيلَ: العبيرُ ضرْبٌ مِنَ الطِّيبِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَتَعْجَزُ إِحْداكُنّ أَن تَتَّخِذَ تُومَتينِ ثُمَّ تَلْطَخَهما بِعَبِيرٍ أَو زَعْفَرَانٍ؟»وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَن الْعَبِيرَ غيرُ الزَّعْفَرَانِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَبيرُ نوعٌ مِنَ الطِّيبِ ذُو لَوْنٍ يُجْمع مِنْ أَخْلاطٍ.

والعَبْرة: الدَّمْعة، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَنْهَمِل الدَّمْعُ وَلَا يُسْمَعَ الْبُكَاءُ، وَقِيلَ: هِيَ الدَّمْعَةُ قَبْلَ أَن تَفيض، وَقِيلَ: هِيَ تردُّد الْبُكَاءِ فِي الصَّدْرِ، وَقِيلَ: هِيَ الْحُزْنُ بِغَيْرِ بُكَاءٍ، وَالصَّحِيحُ الأَول؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " وإِنّ شِفائي عَبْرةٌ لَوْ سَفَحْتُها "الأَصمعي: وَمِنْ أَمثالهم فِي عِنَايَةِ الرَّجُلِ بأَخيه وإِيثارِه إِياه عَلَى نَفْسِهِ قَوْلُهُمْ: لَكَ مَا أَبْكِي وَلَا عَبْرَةَ بِي؛ يُضْرَب مَثَلًا لِلرَّجُلِ يَشْتَدُّ اهْتِمَامُهُ بشأْن أَخيه، ويُرْوَى: وَلَا عَبْرَة لِي، أَي أَبكي مِنْ أَجْلِك وَلَا حُزْن لِي فِي خَاصَّةِ نَفْسِي، وَالْجَمْعُ عَبَرات وعِبَر؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ جِنِّي.

وعَبْرةُ الدمعِ: جرْيُه.

وعَبَرَتْ عينُه واسْتَعْبَرت: دمَعَتْ.

وعَبَر عَبْرًا واسْتَعْبَر: جرَتْ عَبْرتُه وَحَزِنَ.

وَحَكَى الأَزهري عَنْ أَبي زَيْدٍ: عَبِر الرجلُ يعبَرُ عَبَرًا إِذا حَزِنَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه ذكَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ثُمَّ اسْتَعْبَر فَبَكَى»؛ هُوَ استفْعل مِنَ العَبْرة، وَهِيَ تحلُّب الدَّمْعِ.

وَمِنْ دُعاء الْعَرَبِ عَلَى الإِنسان: مَا لَهُ سَهِر وعَبِر.

وامرأَة عابرٌ وعَبْرى وعَبِرةٌ: حَزِينَةٌ، والجمع عَبارى؛ قال الحرث بْنُ وعْلةَ الجَرْمي، وَيُقَالُ هُوَ لِابْنِ عَابِسٍ الْجَرْمِيِّ:

يَقُولُ لِيَ النَّهْديُّ: هَلْ أَنتَ مُرْدِفي؟ ***وَكَيْفَ ردافُ الفَرِّ؟ أُمُّك عابرُ

أَي ثَاكِلٌ

يُذَكّرُني بالرُّحْمِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ***وَقَدْ كَانَ فِي نَهْدٍ وجَرْمٍ تدارُ

أَي تُقَاطَعُ

نجوْت نَجَاءً لَمْ يَرَ الناسُ مثلَه، ***كأَني عُقابٌ عِنْدَ تَيْمَنَ كاسِرُ

والنَّهْديّ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي نَهْد يُقَالُ لَهُ سَلِيط، سأَل الحرث أَن يُرْدِفَه خَلْفه لينجُوَ بِهِ فأَبى أَن يُرْدِفَه، وأَدركت بَنُو سَعْدٍ النَّهْدِيّ فَقَتَلُوهُ.

وعينٌ عَبْرى أَي بَاكِيَةٌ.

وَرَجُلٌ عَبرانُ وعَبِرٌ: حزِينٌ.

والعُبْرُ: الثَّكْلى.

والعُبْرُ: الْبُكَاءُ بالحُزْن؛ يُقَالُ: لأُمِّه العُبْرُ والعَبَرُ.

والعَبِرُ والعَبْرانُ: الْبَاكِي.

والعُبْر والعَبَر: سُخْنةُ الْعَيْنِ مِنْ ذَلِكَ كأَنه يَبْكي لِمَا بِهِ.

والعَبَر، بِالتَّحْرِيكِ: سُخنة فِي الْعَيْنِ تُبكيها.

ورأَى فُلَانٌ عُبْرَ عَيْنِهِ فِي ذَلِكَ الأَمر وأَراه عُبْرَ عَيْنِهِ أَي مَا يُبْكِيهَا أَو يُسْخِنها.

وعَبَّر بِهِ: أَراه عُبْرَ عَيْنِهِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ومِنْ أَزْمَة حَصَّاءَ تَطْرَحُ أَهلَها ***عَلَى مَلَقِيَّات يُعَبِّرْنَ بالغُفْر

وَفِي حَدِيثِ أُمْ زَرْعٍ: «وعُبْر جارتِها»أَي أَن ضَرَّتَها تَرَى مِنْ عِفَّتِها مَا تَعْتَبِرُ بِهِ، وَقِيلَ: إِنها تَرَى مِنْ جَمالِها مَا يُعَبِّرُ عَيْنَهَا؛ أي يُبكيها.

وامرأَة مُسْتَعْبِرة ومُسْتَعْبَرَة: غَيْرُ حَظِيَّةٍ؛ قَالَ القُطامي:

لَهَا روْضة فِي الْقَلْبِ لَمْ تَرْعَ مِثْلَها ***فَرُوكٌ، وَلَا المُسْتَعْبِرات الصَّلائف

والعُبْر، بِالضَّمِّ: الْكَثِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ.

والعُبْر: جَمَاعَةُ الْقَوْمِ؛ هُذَلِيَّةٌ عَنْ كُرَاعٍ.

وَمَجْلِسٌ عِبْر وعَبْر: كَثِيرُ الأَهل.

وَقَوْمٌ عَبِير: كَثِيرٌ.

والعُبْر: السَّحَائِبُ الَّتِي تَسِيرُ سَيْرًا شَدِيدًا.

يُقَالُ: عَبَّرَ بِفُلَانٍ هَذَا الأَمرُ أَي اشْتَدَّ عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:

مَا أَنا والسَّيْرَ فِي مَتْلَفٍ، ***يُعَبِّرُ بالذَّكَر الضَّابِط

وَيُقَالُ: عَبَرَ فُلَانٌ إِذا مَاتَ، فَهُوَ عَابِرٌ، كأَنه عَبَرَ سبيلَ الْحَيَاةِ.

وعبَرَ القومُ أَي مَاتُوا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

فإِنْ نَعْبُرْ فإِنَّ لَنَا لُمَاتٍ، ***وإِنْ نَعْبُرْ فَنَحْنُ عَلَى نُذُور

يقول: إِن متنا قلنا أَقرانٌ، وإِن بَقينا فَنَحْنُ نَنْتَظِرُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كأَن لَنَا فِي إِتيانه نَذْرًا.

وَقَوْلُهُمْ: لُغَةٌ عابِرَة أَي جَائِزَةٌ.

وَجَارِيَةٌ مُعْبَرَة: لَمْ تُخْفَض.

وأَعبَر الشَّاةَ: وفَّر صُوفَهَا.

وَجَمَلٌ مُعْبَر: كَثِيرُ الوبَر كأَن وَبَرَهُ وُفِّر عَلَيْهِ وإِن لَمْ يَقُولُوا أَعْبَرْته؛ قَالَ:

أَو مُعْبَرُ الظَّهْر يُنْبى عَنْ وَلِيَّتِهِ، ***مَا حَجَّ رَبُّه فِي الدُّنْيَا وَلَا اعْتَمَرَا

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَبَرَ الكَبشَ تَرَكَ صُوفَهُ عَلَيْهِ سَنَةً.

وأَكْبُشٌ عُبرٌ إِذا تَرَكَ صُوفَهَا عَلَيْهَا، وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا الْجَمْعُ.

الْكِسَائِيُّ: أَعْبَرْت الْغَنَمَ إِذا تَرَكْتَهَا عَامًا لَا تُجزّها إِعْبارًا.

وَقَدْ أَعْبَرْت الشَّاةَ، فَهِيَ مُعْبَرَة.

والمُعْبَر: التَّيْسُ الَّذِي تُرِكَ عَلَيْهِ شَعْرُهُ سَنَوَاتٌ فَلَمْ يُجَزَّ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خازم يَصِفُ كَبْشًا:

جَزيزُ القَفا شَبْعانُ يَرْبِضُ حَجْرة، ***حديثُ الخِصَاء وارمُ العَفْل مُعْبَرُ

أَي غَيْرُ مَجْزُوزٍ.

وَسَهْمٌ مُعْبَرٌ وعَبِرٌ: مَوْفُور الرِّيشِ كالمُعْبَر مِنَ الشَّاءِ والإِبل.

ابْنُ الأَعرابي: العُبْرُ مِنَ النَّاسِ القُلْف، وَاحِدُهُمْ عَبُورٌ.

وَغُلَامٌ مُعْبَرٌ: كادَ يَحْتلم وَلَمْ يُخْتَن بَعْدُ؛ قَالَ:

فَهْوَ يُلَوِّي باللِّحاءِ الأَقْشَرِ، ***تَلْويَةَ الخاتِن زُبَّ المُعْبَرِ

وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَن، قارَب الِاحْتِلَامَ أَو لَمْ يُقارِب.

قَالَ الأَزهري: غُلَامٌ مُعْبَرٌ إِذا كادَ يحتلم ولم يُخْتَن.

وقالوا فِي الشَّتْمِ: يَا ابْنَ المُعْبَرَة أَي العَفْلاء، وأَصله مِنْ ذَلِكَ.

والعُبْرُ: العُقاب، وَقَدْ قِيلَ: إِنه العُثْرُ، بِالثَّاءِ، وَسَيُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ.

وَبَنَاتُ عِبْرٍ: الْبَاطِلُ؛ قَالَ:

إِذا مَا جِئْتَ جَاءَ بناتُ عِبْرٍ، ***وإِن ولَّيْتَ أَسْرَعْنَ الذَّهابا

وأَبو بناتِ عِبْرٍ: الكَذَّاب.

والعُبَيْراءُ، مَمْدُودٌ: نَبْتٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ حَكَاهُ مَعَ الغُبَيْراء.

والعَوْبَرُ: جِرْوُ الفَهْد؛ عَنْ كُرَاعٍ أَيضًا.

والعَبْرُ وَبَنُو عَبْرَة، كِلَاهُمَا: قَبِيلَتَانِ.

والعُبْرُ: قَبِيلَةٌ.

وعابَرُ بنُ أَرْفَخْشَذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.

والعِبْرانية: لُغَةُ الْيَهُودِ.

والعِبْري، بِالْكَسْرِ: العِبْراني، لُغَةُ الْيَهُودِ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


18-مقاييس اللغة (عبر)

(عَبَرَ) الْعَيْنُ وَالْبَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الشَّيْءِ.

يُقَالُ: عَبَرْتُ النَّهْرَ عُبُورًا.

وَعَبْرُ النَّهْرِ: شَطُّهُ.

وَيُقَالُ: نَاقَةٌ عُبْرُ أَسْفَارٍ: لَا يَزَالُ يُسَافَرُ عَلَيْهَا.

قَالَ الطِّرِمَّاحُ:

وَقَدْ تَبَطَّنْتُ بِهِلْوَاعَةٍ *** عُبْرِ أَسْفَارٍ كَتُومِ الْبُغَامْ

وَالْمَعْبَرُ: شَطُّ نَهْرٍ هُيِّئَ لِلْعُبُورِ.

وَالْمِعْبَرُ: سَفِينَةٌ يُعْبَرُ عَلَيْهَا النَّهْرُ.

وَرَجُلٌ عَابِرُ سَبِيلٍ، أَيْ مَارٌّ.

قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، وَمِنَ الْبَابِ الْعَبْرَةُ، قَالَ الْخَلِيلُ: عَبْرَةُ الدَّمْعِ: جَرْيُهُ.

قَالَ: وَالدَّمْعُ أَيْضًا نَفْسُهُ عَبْرَةٌ.

قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ إِنْ سَفَحْتُهَا *** فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

"وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ; لِأَنَّ الدَّمْعَ يَعْبُرُ، أَيْ يَنْفُذُ وَيَجْرِي."

وَالَّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

وَقَوْلُهُمْ: عَبِرَ فُلَانٌ يَعْبَرُ عَبَرًا مِنَ الْحُزْنِ، وَهُوَ عَبْرَانُ، وَالْمَرْأَةُ عَبْرَى وَعَبِرَةٌ، فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا وَثَمَّ بُكَاءٌ.

وَيُقَالُ: اسْتَعْبَرَ، إِذَا جَرَتْ عَبْرَتُهُ.

وَيُقَالُ مِنْ هَذَا: امْرَأَةٌ عَابِرٌ، أَيْ بِهَا الْعَبَرُ.

وَقَالَ:

يَقُولُ لِي الْجَرْمِيُّ هَلْ أَنْتَ مُرْدِفِي *** وَكَيْفَ رِدَافُ الْفَلِّ أُمُّكَ عَابِرُ

فَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

ثُمَّ يُقَالُ لِضَرْبٍ مِنَ السِّدْرِ عُبْرِيٌّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا نَبَتَ عَلَى شُطُوطِ الْأَنْهَارِ.

وَالشَّطُّ يُعْبَرُ وَيُعَبَرُ إِلَيْهِ.

قَالَ الْعَجَّاجُ:

لَاثٍ بِهَا الْأَشَاءُ وَالْعُبْرِيُّ.

الْأَشَاءُ: الْفَسِيلُ، الْوَاحِدَةُ أَشَاءَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَيُقَالُ إِنَّ الْعُبْرَيَّ لَا يَكُونُ إِلَّا طَوِيلًا، وَمَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ فَهُوَ الضَّالُ.

قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

قَطَعْتُ إِذَا تَجَوَّفَتِ الْعَوَاطِي *** ضَرُوبَ السِّدْرِ عُبْرِيًّا وَضَالَا

وَيُقَالُ: بَلِ الضَّالُ مَا كَانَ فِي الْبَرِّ.

وَمِنَ الْبَابِ: عَبَرَ الرُّؤْيَا يَعْبُرُهَا عَبْرًا وَعِبَارَةً، وَيُعَبِّرُهَا تَعْبِيرًا، إِذَا فَسَّرَهَا.

"وَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا عُبُورُ النَّهْرِ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ عِبْرٍ إِلَى عَبْرٍ."

كَذَلِكَ مُفَسِّرُ الرُّؤْيَا يَأْخُذُ بِهَا مِنْ وَجْهٍ إِلَى وَجْهٍ، كَأَنْ يُسْأَلَ عَنِ الْمَاءِ، فَيَقُولُ: حَيَاةٌ.

أَلَا تَرَاهُ قَدْ عَبَرَ فِي هَذَا مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ.

وَمِمَّا حُمِلَ عَلَى هَذِهِ: الْعِبَارَةُ، قَالَ الْخَلِيلُ: تَقُولُ: عَبَّرْتَ عَنْ فُلَانٍ تَعْبِيرًا، إِذَا عَيَّ بِحُجَّتِهِ فَتَكَلَّمْتَ بِهَا عَنْهُ.

"وَهَذَا قِيَاسُ مَا ذَكَرْنَاهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّفُوذِ فِي كَلَامِهِ فَنَفَذَ الْآخَرُ بِهَا عَنْهُ."

"فَأَمَّا الِاعْتِبَارُ وَالْعِبْرَةُ فَعِنْدَنَا مِقْيَسَانِ مِنْ عَبْرِيِّ النَّهْرِ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا."

عِبْرٌ مُسَاوٍ لِصَاحِبِهِ فَذَاكَ عِبْرٌ لِهَذَا، وَهَذَا عِبْرٌ لِذَاكَ.

فَإِذَا قُلْتَ اعْتَبَرْتُ الشَّيْءَ، فَكَأَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَى الشَّيْءِ فَجَعَلْتَ مَا يَعْنِيكَ عِبْرًا لِذَاكَ: فَتَسَاوَيَا عِنْدَكَ.

هَذَا عِنْدَنَا اشْتِقَاقُ الِاعْتِبَارِ.

قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، كَأَنَّهُ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَعُوقِبَ بِمَا عُوقِبَ بِهِ، فَتَجَنَّبُوا مِثْلَ صَنِيعِهِمْ لِئَلَّا يَنْزِلَ بِكُمْ مِثْلُ مَا نَزَلَ بِأُولَئِكَ.

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَوْلٌ الْخَلِيلِ: عَبَّرْتَ الدَّنَانِيرَ تَعْبِيرًا، إِذَا وَزَنْتَهَا دِينَارًا [دِينَارًا].

قَالَ: وَالْعِبْرَةُ: الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى.

وَمِمَّا شَذَّ عَنِ الْأَصْلِ: الْمُعْبَرُ مِنَ الْجِمَالِ: الْكَثِيرُ الْوَبَرِ.

وَالْمُعْبَرُ مِنَ الْغِلْمَانِ: الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ.

وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا.

وَقَالَ فِي الْمُعْبَرِ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ بِشْرُ بْنُ [أَبِي] خَازِمٍ:

وَارِمُ الْعَفْلِ مُعْبَرُ.

وَمِنْ هَذَا الشَّاذِّ: الْعَبِيرُ، قَالَ قَوْمٌ: هُوَ الزَّعْفَرَانُ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ أَخْلَاطُ طِيبٍ.

وَقَالَ الْأَعْشَى:

وَتَبْرُدُ بَرْدَ رِدَاءِ الْعَرُوسِ *** بِالصَّيْفِ رَقْرَقَتْ فِيهِ الْعَبِيرَا

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


19-تهذيب اللغة (عبر)

عبر: قال الله جلّ وعزّ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ} [يُوسُف: 43] سمعت المنذريّ يقول: سمعت أبا الهيثم يقول: العابر: الذي ينظر في الكتاب فيعبُره أي يعتبر بعضه ببعض حتى يقع فهمُه عليه.

ولذلك قيل: عَبَر الرؤيا، واعتبر فلان كذا.

وقال غيره: أُخذ هذا كله من العِبْر وهو جانب النهر.

وفلان في ذلك العِبر أي في ذلك الجانب.

وعبرت النهر والطريق عُبُورًا إذا قطعته من هذا الجانب إلى ذلك الجانب، فقيل لعابر الرؤيا: عابر لأنه يتأمَّل ناحتي الرؤيا فيتفكر في أطرافها ويتدبّر كلّ شيء منها ويَمضي بفكره فيها من أول ما رأى النائم إلى آخر ما رأى.

وقال أبو العباس أحمد بن يحيى في قول الله جلّ ذكره: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ}: دخلت اللام في قوله: {لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ}: لأنه أراد: إن كنتم للرؤيا عابرين وإن كنتم عابرين الرؤيا، وتسمَّى هذه اللام لام التعقيب لأنها عقَّبت الإضافة.

أبو عبيد عن أبي زيد: عَبَرت النهر والطريق عُبُورًا، وعَبَرت الرؤيا عَبْرًا وعِبارة.

واستعْبرتُ فلانًا رؤياي، وعَبَرت الكتاب أعبُره عَبْرا إذا تدبّرته في نفسك ولم ترفع به صوتك.

ورُوي عن أبي رَزِين العُقَيلي أنه سمع النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم يقول: «الرؤيا على رِجْل طائر، فإذا عُبِّرت وقعت، فلا تقصّها إلا على وادّ أو ذي رأي».

قال الزجاج: إنما قال: لا تقصّها إلا على وادّ أو ذي رأي لأن الوادّ لا يجب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحبّ.

وإن لم يكن عالمًا بالعبارة لم يَعْجَل لك بما يَغُمّك، لا أن تعبيره يزيلها عمَّا جعلها الله عليه.

وأما ذو الرأي فمعناه: ذو العلم بعبارتها، فهو يخبرك بحقيقة تفسيرها، أو بأقرب ما يعلمه منها.

ولعله أن يكون في تفسيرها

موعظة ترْدعك عن قبيح أنت عليه، أو يكون فيها بُشرى، فتحمد الله على النعمة فيها.

وقال الله عزوجل: {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} [الحَشر: 2] أي تدبّروا وانظروا فيما نزل بُقريظة والنَضِير، فقايسوا أفعالهم واتّعِظوا بالعذاب الذي نزل بهم.

وقال أبو زيد: يقال: عَبِر الرجلُ يَعْبر عَبَرًا إذا حزِن.

وفَلان عُبْر أسفار إذا كان قويًا على السفر.

والعُبْر أيضًا: الكثير في كل شيء.

ورأى فلان عُبْر عينه في ذلك الأمر ما يُسْخِنُ عَيْنه.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العُبْر من الناس: القُلْف، واحدهم عَبُور.

والعُبْر: السحائب التي تسير سَيْرًا شديدًا.

والعُبْر: الثَكْلى.

والعَبْر: الناقة القويَّة على السَفَر.

والعُبْر: البكاء بالحزن، يقال: لأمّه العُبْر والعَبَر.

قال: والعِبَار: الإبل القويّة على السير، يقال للناقة هي عُبْر سَفَر.

أبو عبيد عن الكسائي: أعبرت الغنم إذا تركتَها عامًا لا تجزُّها.

وغلام مُعْبَر إذا كاد أن يحتلم ولم يُخْتَن.

وناقة عِبْر أسفار: تُقطع الأسفار عليها بالكسر.

أبو عبيدة: العَبِير عند أهل الجاهلية: الزعفران.

وقال ابن الأعرابي: العَبِيرة: الزعفرانة.

وقال الليث: العَبِير: ضرب من الطيب قال: والمَعْبَر: شطّ نهر هو للعبور.

والمِعْبرة: سفينة يعبَر عليها النهر.

وعبّر فلان عن فلان تعبيرًا إذا عَيّ بحجَّته فتكلم عنه بها.

قال: وعبَّرت الدنانير تعبيرًا إذا وزنتها دينارًا دينارًا.

وأمَّا قول الله جلّ وعزّ: (وَلا جُنُبًا إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) فمعناه: إلا [النِّساء: 43] مسافرين؛ لأن المسافر قد يُعوزه الماء.

وقيل: إلا مارين في المسجد غير مريدين الصلاة.

وقال الليث: العِبْرة: الاعتبار بما مضى.

والشعرى العَبُور، وهما شعريان.

إحداهما الغُمَيضاء، وهو أحد كوكبي الذراعين.

وأمَّا العَبُور فهي مع الجوزاء تكون نيّرة.

سمّيت عُبُورًا لأنها عَبَرت المَجَرَّة وهي شأمية.

وتزعم العرب أن الأخرى بكت على أثرها حتى غمِصَت فسمّيت الغُمَيصاء.

وقال الليث: عَبْرة الدمع: جَرْيه.

قال: والدمع نفسه يقال له: عَبْرة.

ومنه قوله:

وإن شفائي عَبْرة إن سفَحتها

ورجل عَبْران وامرأة عَبْرى إذا كانا حزينين.

أبو عبيد عن الأصمعيّ: من أمثالهم في عناية الرجل بأخيه وإيثاره إيَّاه على نفسه قوله: لك ما أبكي ولا عَبْرة بي، يضرب مثَلًا للرجل يشتدّ اهتمامه بشأن أخيه.

ويقال: عبّر بفلان هذا الأمرُ إذا اشتدّ عليه.

ومنه قول الهذليّ:

ما أنا والسيرَ في مَتْلف *** يعبّر بالذكر الضابط

ويقال: عَبَر فلان إذا مات فهو عابر، كأنه عبر سبيل الحياة.

وأنشد أبو العباس:

فإن نَعْبُر فإن لنا لُماتٍ *** وإن نغبُر فنحن على نذور

سَلمة عن الفراء: العَبَر: الاعتبار.

والعرب تقول: اللهم اجعلنا ممَّن يعبَر الدنيا ولا يعبُرها أي ممّن يعتبر بها

ولا يموت سريعًا حتى يرضيك بالطاعة.

وقال الأصمعيّ: يقال في الكلام: لقد أسرعت استعبارك الدراهم أي استخراجك إيّاها.

ويقال: عَبَرت الطير أعبُرها وأعبِرها إذا زجرتها.

وقال ابن شميل: عبرت متاعي أي باعدته.

والوادي يعبر السَيْل عنا أي يباعده.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: العَبَّار: الجَمَل القويّ على السير.

والمُعْبَر: التَيس الذي تُرك عليه شعره سنواتٍ فلم يُجَزّ.

وقال بِشْر بن أبي خازم:

جَزيز القفا شبعان يربض حَجْرَةً *** حديث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَرُ

وقال اللحياني: العَبُور من الغنم: فوق العظيم من إناث الغنم.

يقال: لي نعجتان وثلاث عبائر.

وغلام مُعْبَر إذا كبر ولم يُخْتن.

وإنه لينظر إلى عَبَر عينه إذا كان ينظر إلى ما يُعْبِر عينه أي يُسْخِنها.

وقال الأصمعي: العُبْريّ من السِدْر: ما كان على شطوط الأنهار.

وقال اللحياني العُمْريّ والعُبْريّ من السِدر الذي يَشرب من المياه.

قال: والذي لا يشرب من المياه ويكون بَرّيًّا يقال له الضال.

وروى ابن هانىء عن أبي زيد: يقال للسِدْر وما عظم من العوسج: العُبْرِيّ.

وقال أبو سعيد: العُبْريّ والعُمْريّ: القديم من السِدْر.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com