نتائج البحث عن (لِلنَّهَارِ)
1-العباب الزاخر (نفس)
نفسالنَّفْسُ: الرُّوْحُ، يقال: خَرَجَتْ نَفْسُه، قال:
«نَجَا سالِمٌ والنَّفْسُ منه بِشِـدْقِـهِ *** ولم يَنْجُ إلاّ جَفْنَ سَيْفٍ ومِئْزَرا»
أي بِجِفْنِ سَيْفٍ وبِمِئْزَرِ.
والنَّفْسُ -أيضًا-: الجَسَدُ، قال أوس بن حَجَر:
«نُبِّئْتُ أنَّ بَني سُحَيْمٍ أدْخَلُوا *** أبْيَاتَهم تامُوْرَ نَفْسِ المُنْذِرِ»
والتّامُور: الدّم.
وأمّا قَوْلُهم: ثلاثَةُ أَنْفُسٍ فَيُذَكِّرُوْنَه، لأنَّهُم يُرِيْدونَ بِهِ الإنْسَانَ.
والنَّفْسُ: العَيْنُ، يقال: أصابَتُ فلان نَفْسٌ. ونَفَسْتُكَ بنَفْسٍ: أي أصَبْتُكَ بِعَيْنٍ. والنّافِس: العائنُ. وفي حديث محمّد بن سِيْرِين أنَّه قال: نُهِيَ عن الرُّقى إلاّ في ثَلاثٍ: النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنَّفْسِ. ومنه حديث ابنِ عبّاس -رضي الله عنهما-: الكِلابُ مِنَ الجِنِّ، فإذا غَشِيَتْكُم عِنْدَ طَعامشكم فألْقُوا لَهُنَّ، فإنَّ لَهُنَّ أنْفُسًا. ومنه قول النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- حِيْنَ مَسَحَ بَطْنَ رافِع -رضي الله عنه-: فألقى شَحْمَةً خَضْرَاءَ كانَ فيها أنْفُسُ سَبْعَةٍ. يَرِيْدُ عَيَوْنَهم.
وقوله تعالى: (ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهم خَيْرًا)، قال ابنُ عَرَفَة: أي بأهْلِ الإيمان وأهْلِ شَرِيْعَتِهم.
وقوله تعالى: (ما خَلْقُكُم ولا بَعْثُكُمُ إلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) أي كَخَلْقِ نَفْسٍ واحِدَة، فَتُرِكَ ذِكْرُ الخَلْقِ وأُضِيْفَ إلى النَّفْسِ، وهذا كما قالَ النابِغة الذُبْيَاني:
«وقد خِفْتُ حتى ما تَزِيْدَ مَخافَـتـي *** على وَعِلٍ في ذي المَطَارَةِ عاقِلِ»
أي على مَخَافَةِ وَعِلٍ.
والنَّفْسُ -أيضًا-: العِنْدُ، قال الله تعالى: (تَعْلَمُ ما في نَفْسي ولا أعْلَمُ ما في نَفْسِكَ) أي تَعْلَمُ ما عِندِي ولا أعْلَمُ ما عِنْدَك، وقال ابن الأنباريّ: أي تَعْلَمُ ما في نَفْسي ولا أعْلَمُ ما في غَيْبكَ، وقيل: تَعْلَمُ حَقيقَتي ولا أعْلَمُ حَقِيْقَتَك.
ونَفْسُ الشيء: عَيْنُه، يُوَكَّدُ به، يقال: رأيْتَ فلان نَفْسَه وجاءني بِنَفْسِه.
والنَّفْسُ -أيضًا-: دَبْغَةٍ مِمّا يُدْبَغُ به الأدِيْمُ من القَرَظ وغيرِه، يقال هَبْ لي نَفْسًا من دِباغٍ. قال الأصمَعيّ: بَعَثَتِ امرأةٌ مِنَ العَرَبِ بِنْتًا لها إلى جارَتِها فقالَت: تقولُ لَكِ أُمِّي: أعْطِيْني نَفْسًا أو نَفَسَيْنِ أمْعَسُ به مَنِيْئتي فإنّي أفِدَةٌ؛ أي مُسْتَعْجِلَةٌ؛ لا أتَفَرَّغُ لاتِّخاذِ الدِّباغِ من السُّرْعَةِ.
وقال ابن الأعرابيّ: النَّفْسُ: العَظَمَة. والنَّفْسُ: الكِبْرُ. والنَّفْسُ: العِزَّة. والنَّفْسُ: الهِمَّة. والنَّفْسُ: الأنَفَة.
والنّافِسُ: الخامِسُ من سِهَامِ المَيْسَر، ويقال: هو الرَّابِع.
والنَّفَسُ -بالتحريك-: واحِدُ الأنْفاسِ، وفي حديث النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسَلَّم-: أجِدُ نَفَسَ رَبِّكُم من قِبَلِ اليَمَن. هو مُسْتَعار من نَفَسِ الهَوَاءِ الذي يَرُدُّه المُتَنَفِّسُ إلى جَوْفِهِ فَيُبَرِّد مِن حَرَارَتِه ويُعَدِّلُها، أو مِن نَفَسِ الرِّيح الذي يَتَنَسَّمُه فَيَسْتَرْوِح إليه ويُنَفِّسُ عنه، أو مِن نَفَسِ الرَوْضَةِ وهو طِيْبُ رَوائحِها الذي يَتَشَمَّمْه فَيَتَفَرَّج به، لِمَا أنْعَمَ به رَبُّ العِزَّة مِنَ التَّنْفيسِ والفَرَجِ وإزالَة الكُرْبَة. ومنه قولُه -صلى الله عليه وسلّم-: لا تَسُبُّوا الرِيْحَ فإنَّها من نَفَسِ الرحمن. يُريدُ بها أنَّها تُفَرِّجُ الكُرَبَ وتَنْشُرُ الغَيْثَ وتُنْشِئُ السَّحَابَ وتُذْهِبُ الجَدْبَ. وقولُه: "من قِبَلِ اليَمَنِ" أرادَ به ما تَيَسَّرَ له من أهل المَدينَة -على ساكِنيها السّلام- من النُّصْرَة والإيْواءِ، ونَفَّسَ اللهُ الكُرَبَ عن المؤمِنينَ بأهْلِها، وهم يَمَانُوْنَ.
ويقال: أنتَ في نَفَسٍ من أمْرِكَ: أي في سَعَةٍ. واعْمَلْ وأنْتَ في نَفَسٍ من عُمُرِكَ: أي في فُسْحَةٍ قَبْلَ الهَرَمِ والمَرَضِ وَنَحوِهما. وقال الأزهَريّ: النَّفَسُ في هذَين الحَدِيْثَيْنِ: اسمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَر الحقيقيّ، من نَفَّسَ يُنَفِسُّ تَنْفِيْسًا ونَفَسًا، كما يقال: فَرَّجَ يُفَرِّجُ تَفْرِيْجًا وفَرَجًا، كأنَّه قال: أجِدُ تَنْفِيْسَ رَبِّكم من قِبَلِ اليَمَنِ، وكذلك قولُه -صلى اله عليه وسلّم-: فإنَّها من نَفَسِ الرَّحمن، أي من تَنْفِيْسِ الله بها عن المَكْرُوْبِيْنَ.
وقَوْلُه:
«عَيْنَيَّ جُوْدا عَبْرَةً أنْفاسا»
أي ساعَةً بَعْدَ ساعَةٍ.
وقال أبو زَيد: كَتَبْتُ كِتَابًا نَفَسًا: أي طَويلًا.
والنَّفَسُ -أيضًا-: الجُرْعَةُ، يقال: اكْرَعْ في الإناءِ نَفَسًا أو نَفَسَيْنِ ولا تَزِدْ عليه. والشُّرْبُ في ثَلاثَةِ أنْفاسٍ سُنَّة. ومثال نَفَسٍ وأنْفاسٍ: سَبَبٌ وأسْبابٌ، قال جَرير:
«تُعَلِّلُ وهي ساغِبَةُ بَنِيهـا *** بأنْفاسٍ مِنَ الشَّبِمِ القَرَاحِ»
ويقال: شَرَابٌ غَيرُ ذي نَفَسٍ: إذا كانَ كَرِيْهَ الطّعْمِ آجِنًا إذا ذاقَه ذائقٌ لم يَتَنَفَّسْ فيه، وإنَّما هي الشَّرْبَةُ الأولى قَدْرُ ما يُمْسِك رَمَقَه ثمَّ لا يَعُودُ له لأجُوْنَتِه، قال الراعي:
«وشَرْبَةٍ من شَرَابِ غَيرِ ذي نَفَـسٍ *** في كَوْكَبٍ من نجومِ القَيْظِ وهّاجِ»
«سَقَيْتَها صادِيًا تَهْوِي مَسـامِـعَـه *** قد ظَنَّ أنْ لَيْسَ من أصْحَابِهِ ناجِ»
ويُروى: "غَيرِ ذي قَنَعٍ" أي ذي كَثْرَةٍ؛ أي هِيَ أقَلُّ من أنْ تَشْرَبَ منها ثَمَّ تَتَنَفَّسَ.
وقال ابن الأعرابيّ: شَرَابٌ ذو نَفَسٍ: أي فيه سَعَةٌ ورِيٌّ.
وشَيْءٌ نَفِيْسٌ ومَنْفوسٌ: يُتَنَافَسُ فيه ويُرْغَبُ، قال جَرير:
«لو لم تُرِد قَتْلَنا جادَتْ بِمُطَّرَفٍ *** مِمّا يُخالِط حَبَّ القَلْبِ مَنْفُوْسِ»
المُطَّرَفُ: المُسْتَطْرَفُ.
ولفلان نَفِيْس: أي مال كثير. وما يَسُرُّني بهذا الأمْرِ نَفِيْسٌ.
وهذا أنْفَسُ مالي: أي أحَبُّه وأكْرَمُه عندي.
ونَفِسَ به -بالكسر-: أي ضَنَّ به.
ونَفِسْتُ عليه الشَّيْء نَفَاسَة: إذا لم تَرَهُ أهْلًا له.
ونَفِسْتَ عَلَيَّ بِخَيْرٍ قَليل: أي حَسَدْتَ. وقال أبو بكر -رضي الله عنه- يومَ سَقِيْفَة بَني ساعِدَة: مِنّا الأُمَراءُ ومنكم الوُزَراءُ، والأمرُ بَيْنَنا وبَيْنَكُم كَقَدِّ الأُبْلُمَةِ، فقال الحُبَابُ بن المُنْذِر -رضي الله عنه-: أمَا واللهِ لا نَنْفَسُ أنْ يكونَ لكم هذا الأمْرُ، ولكنّا نَكْرَهُ أنْ يَلِيَنا بَعْدَكم قَوْمٌ قَتَلْنا آباءهم وأبْناءهم. قال أبو النَّجْمِ:
«يَرُوْحُ في سِرْبٍ إذا راحَ انْبَهَرْ *** لم يَنْفَسِ اللهُ عَلَيْهِنَّ الصُّـوَرْ»
أي لم يَبْخَلْ عليهنَّ بتَحْسِيْنِ صُوَرِهِنَّ. يقال: نَفِسْتُ عليكَ الشَّيْء: إذا لم تَطِبْ نَفْسُكَ له به. ونَفِسْتُ به عن فلان: كقَوْلهم: بَخِلْتُ به عليك وعنه، ومنه قوله تعالى: (ومَنْ يَبْخَلْ فإنَّما يَبْخَلُ عن نَفْسِه).
ونَفُسَ الشَّيْءُ -بالضم- نَفَاسَةً: أي صارَ مَرْغُوبًا فيه.
والنِّفَاسُ: وِلادُ المَرْأةِ، قال أوْس بن حَجَرٍ:
«لنا صَرْخَةٌ ثُمَّ إسْـكـاتَةٌ *** كما طَرَّقَتْ بِنِفاسٍ بِكِرْ»
فإذا وَضَعَتْ فهي نُفَسَاءُ ونَفْسَاءُ -مثال حَسْنَاءَ- ونَفَسَاءُ -بالتحريك-. وجمع النُّفَسَاءِ: نِفَاسٌ -بالكسر-، وليس في الكلام فُعَلاَءُ يُجْمَعُ على فِعَالٍ غيرِ نُفَسَاءَ وعُشَرَاءَ، وتُجْمَعَانِ -أيضًا- نُفَسَاواتٍ وعُشَراواتٍ. وامْرَأَتانِ نُفَسَاوانِ؛ أبْدَلُوا من همزة التَّأنيثِ واوًا. وقد نَفِسَت المَرْأَةُ بالكسر-، ويقال أيضًا: نُفِسَت المرأة غُلامًا على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه-، والوَلَدُ مَنْفُوْسٌ. وفي حديث النَّبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: ما مِن نَفْسٍ مَنْفُوْسَة إلاّ وقد كُتِبَ مكانُها من الجَنَّة والنّار. وفي حديث سعيد بن المُسَيَّب: لا يَرِثُ المَنْفوسَ حتى يَسْتَهِلُ صارِخًا. ومنه قولُهم: وَرِثَ فلان هذا قَبْلَ أنْ يُنْفَسَ فلان: أي قَبْلَ أن يُوْلَدَ.
ونَفِسَت المَرْأةُ -بالكسر-: أي حاضَت، وقال أبو حاتِم: ويقال: نُفِسَت -على ما لَم يُسَمّ فاعِلُه-. ومنه حديث أُمُّ سَلَمَة -رضي الله عنها- أنَّها قالت: كُنتُ مع النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- في الفِرَاشِ، فَحِضْتُ فانْسَلَلْتُ، وأخْذْتُ ثِيابَ حِيْضَتي ثُمَّ رَجَعْتُ، فقال: أنَفِسْتٍ؟؛ أي أحِضْتِ؟. وفي حديثٍ آخَرَ: أنَّ أسْماء بِنْت عُمَيْس -رضي الله عنها -نَفِسَتْ بالشَّجَرة، فأمَرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلّم- أبا بَكْرٍ -رضي الله عنه- أنْ يَأْمُرَها بأنْ تَغْتَسِلَ وتُهِلَّ.
ونَفِيْسٌ: من الأعْلام.
وقَصْرُ نَفِيْسٍ: على مِيْلَيْنِ من المّدينَة -على ساكنيها السلام-، يُنْسَبُ إلى نَفِيْسٍ بن محمد من مَوالي الأنْصَارِ.
ولكَ في هذا الأمر نُفْسَةٌ -بالضم-: أي مُهْلَةٌ.
ونَفُوْسَةُ: جِبال بالمَغْرِب بَعْدَ إفْرِيْقِيَة.
وأنْفَسَني فلان في كذا: أي رَغَّبَني فيه. وأنْفَسَه كذا: أي أعْجَبَه بنَفْسِه ورَغَّبَه فيها. وفي حديث سعيد بن سالِم القَدّاح وذَكَرَ قِصَّة إسماعيل وما كانَ من إبراهيم -صلوات الله عليهما- في شأنِهِ حينَ تَرَكَه بِمَكَّةَ مع أُمِّه، وأنَّ جُرْهُمَ زَوَّجُوه لَمّا شَبَّ، وتَعَلّمَ العَرَبِيّة، وأنْفَسَهُم، ثمَّ إنَّ إبراهيم -صلوات الله عليه- جاءَ يُطالِع تَرْكَتَه. ومنه يقال: مالٌ مُنْفِسٌ ومُنْفَسٌ أيضًا، قال النَّمِرُ بن تَوْلَبٍ رضي الله عنه:
«لا تَجْزَعي إنْ مُنْفِسًا أهْلَكْـتَـهُ *** وإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذلكَ فاجْزَعي»
ويقال: ما يَسُرُّني بهذا الأمرِ مُنْفِسٌ: أي نَفِيْسٌ. ولفلانٍ مُنْفِس: أي مالٌ كثيرٌ.
ونَفَّسْتُ فيه تَنْفِيْسًا: أي رَفَّهْتُ، يقال: نَفَّسَ الهُ عنه كُرْبَتَه: أي فَرَّجَها، قال رؤبة:
«ذاكَ وأشْفي الكَلِبَ المَسْلُوْسا *** كَيًّا بِوَسْمِ النّارِ أو تَخْيِيْسـًا»
«بِمِخْنَقِ لا يُرْسِلُ التَّنْفِيْسـا»
وفي حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: مَنْ نَفَّسَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً من كُرَبِ الدُنْيا نَفَّسَ اللهُ عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القِيامَة.
وتَنَفَّسَ الرَّجُل. ونهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التَّنَفُّسِ في الإناء. وفي حديث آخَر إنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- كانَ يَتَنَفَّسُ في الإناءِ ثلاثًا. والحَديثانِ ثابِتان، والتَّنَفُّس له مَعْنَيَان: أحَدُهما أن يَشْرَبَ ويَتَنَفَّسَ في الإناء من غيرِ أن يُبِيْنَه عن فيه؛ وهو مَكروه؛ والتَّنَفُّس الآخَر أن يَشْرَب الماءَ وغيره مِنَ الإناء بثلاثَةِ أنْفاسٍ فَيُبِيْنَ فاهُ عن الإناءِ في كُلِّ نَفَسٍ.
وتَنَفَّسَ الصُّبْحُ: إذا تَبَلَّجَ، قال الله تعالى: (والصُّبْحِ إذا تَنَفَسَّ)، قال العجّاج يَصِفُ ثورًا:
«حتى إذا ما صُبْحُهُ تَنَفَّـسـا *** غَدا يُباري خَرَصًا واسْتَأْنَسا»
وتَنَفَّسَتِ القَوْسُ: تَصَدَّعَت.
ويقال للنَهارِ إذا زادَ: تَنَفَّسَ، وكذلك المَوجُ إذا نضخ الماءَ.
وتَنَفَّسَتْ دِجْلَةُ: إذا زادَ ماؤها.
ونافَسْتُ في شَيْءٍ: إذا رَغِبْتَ فيه على وَجْهِ المُباراةِ في الكَرَم.
وتَنَافَسوا فيه: أي رَغِبوا فيه، ومنه قوله تعالى: (وفي ذلك فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنافِسُونَ).
والتركيب يدل على خُروج النَّسِيم كيفَ كانَ من ريحٍ أو غَيْرِها، وإلَيْهِ تَرْجِعُ فُرُوعُه.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
2-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (التصريح بعد الإبهام)
التّصريح بعد الإبهام:صرّحت الخمر تصريحا انجلى زبدها فخلصت، وصرّح فلان بما في نفسه وصارح: أبداه وأظهره، والتصريح خلاف التعريض.
والتصريح بعد الإبهام هو التفسير وقد سمّاه كذلك ابن قيم الجوزية فقال: «التصريح» بعد الابهام ويسمى التفسير». والتفسير «في اللغة تفعيل من الفسر، وهو البيان والكشف، وقيل: هو مقلوب السفر، يقال: أسفر الصباح: إذا أضاء». وسمّاه بعضهم «التبيين»، وعدّه قدامة من أنواع المعاني وسمّاه «صحة التفسير» وقال: هي «أن يضع الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها في شعره الذي يصنعه فاذا ذكرها أتى بها من غير أن يخالف معنى ما أتى به منه ولا يزيد أو ينقص» كقول الفرزدق:
«لقد جئت قوما لو لجأت اليهم ***طريد دم أو حاملا ثقل مغرم »
فلما كان هذا البيت محتاجا الى التفسير قال:
«لألفيت منهم معطيا ومطاعنا***وراءك شزرا بالوشيج المقوّم »
وقال العسكري: «هو أن يورد معاني فيحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت تأتي في الشرح بتلك المعاني من غير عدول عنها أو زيادة تزاد فيها»، كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. فجعل السكون لليل وابتغاء الفضل للنهار، فهو في غاية الحسن ونهاية التمام.
وقال الباقلّاني: هو أن توضع معان تحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت أثبتت تلك المعاني من غير عدول عنها ولا زيادة ولا نقصان».
وقال ابن رشيق: «هو أن يستوفي الشاعر شرح ما ابتدأ به مجملا وقلما يجيء هذا إلا في أكثر من بيت واحد».
وقال ابن سنان: «هو أن يذكر مؤلف الكلام معنى يحتاج الى تفسيره فيأتي به على الصحة من غير زيادة ولا نقص».
وقال البغدادي: «هي أن توضع معان تحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت أتي بتلك المعاني من غير عدول عنها ولا زيادة عليها ولا نقصان منها».
وقال ابن منقذ: «إنّ التفسير هو أن تذكر جملة فلا تزيد فيها ولا تنقص منها ولا تخالف بينها».
وقال الصنعاني: «ومن أنواع الفصاحة ما يسمونه التفسير، والتفسير شرح ما يبتدىء به القائل مجملا».
وقال ابن شيث القرشي: «هو أن يكون في صدر الكلام جملة يفسرها ما بعدها». وقال ابن الاثير: «إنّ صحة الترتيب في ذلك أن يذكر في الكلام معان مختلفة فاذا أعيد اليها بالذكر لتفسر قدّم المقدّم وأخّر المؤخر وهو الأحسن».
وقال ابن الزّملكاني: «هو أن تذكر شيئا ثم تقصد تخصيصه فتعيده مع ذلك المخصص».
وقال المصري: «هو أن يأتي المتكلّم في أول الكلام، أو الشاعر في بيت من الشعر بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة فحواه دون أن يفسر أما في البيت الآخر أو في بقية البيت إن كان الكلام الذي يحتاج الى التفسير في أوله».
وقال التنوخي: «هو أن يذكر المؤلف ناظما كان أو ناثرا أشياء مرتبة ثم يفسرها، فالمحمود منه أن يكون التفسير مرتبا ترتيب المفسر، فان خالف بين التفسير والمفسر في الترتيب أخذ عليه ما لم يكن ذلك لمعنى.
ومما يخالف فيه الترتيب النظم لضرورة الوزن والقافية فيعذر فاعله، وقد يخالف الترتيب لمعنى غير النظم فتكون المخالفة أولى من الترتيب». ولا يخرج معنى التفسير عن ذلك عند الآخرين. ويلاحظ أنّ هذه التعريفات تقرّب هذا الفن من اللف والنشر وقد أشار بعضهم كالحلبي والنويري الى ذلك فقالا: «وهو قريب منه ـ أي من اللف والنشر ـ وهو أن يذكر لفظا ويتوهم أنّه يحتاج الى بيانه فيعيده مع التفسير».
والتفسير على أقسام: فمنه ما هو ضروري، ومنه ما هو غير ضروري فالضروري ما لا يتمّ الكلام إلا به، وغير الضروري ويسمى «تبرعا» وهو نوعان: نوع يتم الكلام دونه ولكن لا يكمل معناه إلا بالتفسير، ونوع يتم الكلام ويكمل تقسيمه ولكن يحتاج في معناه الى زيادة تكميل وتوكيد.
ومثال الضروري قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ}، فاستغرق بذلك أقسام أجناس كل ما دبّ ودرج مع حسن الترتيب. وهذا تفسير ضروري فانه لو اقتصر على قوله: {خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ} ولم يفسر هذا التفسير لكان الكلام غير تام، ولمّا فسره بهذه الاقسام الثلاثة كمل به المعنى ولم يبق فيه قسم رابع.
ومثال تفسير التبرع قول الشاعر:
«لئن كنت محتاجا الى الحلم إنّني ***الى الجهل في بعض الأحايين أحوج »
ثم فسرّه بقوله:
«ولي فرس بالحلم للحلم ملجم ***ولي فرس بالجهل للجهل مسرج »
ثم فسره بقوله:
«فمن رام تقويمي فإنّي مقوّم ***ومن رام تعويجي فاني معوّج »
فالثاني تفسير الأول والثالث تفسير الثاني وكلا التفسيرين من باب التبرع لأن البيت الأول تمّ به الكلام واستوفى المعنى، فهذا هو تفسير التبرع.
وليس كل كلام يفتقر الى تفسير بل ما كان منه مجملا ومبهما فيجب تفسيره وتبيانه. وأفصح ما كانت الكلمة وتفسيرها في بيت واحد كقول الشاعر:
«ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم ***شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر»
وقول الآخر:
«صالوا وجادوا وضاءوا واحتبوا فهم ***أسد ومزن وأقمار وأجبال »
وفي بيتين كقول الشاعر:
«ولمّا أبى الواشون إلا فراقنا***وما لهم عندي وعندك من ثار»
«غزوتهم من مقلتيك وأدمعي ***ومن نفسي بالسّيف والماء والنار»
وعدّ قدامة فساد التفسير من عيوب المعاني وهو ما كان على نقيض صحة التفسير، ولم يجد له مثالا إلا بيتين جاءه بهما أحد شعراء زمانه وهو يطلب أمثلة لهذا الباب وهما:
«فيا أيّها الحيران في ظلم الدّجى ***ومن خاف أن يلقاه بغي من العدى »
«تعال اليه تلق من نور وجهه ***ضياء ومن كفّيه بحرا من الندى »
قال قدامة: «ووجه العيب فيهما أنّ هذا الشاعر لما قدّم في البيت الأول الظلم وبغي العدى كان الجيد أن يفسر هذين المعنيين في البيت الثاني بما يليق بهما فأتى بازاء الاظلام بالضياء وذلك صواب، وكان الواجب أن يأتي بازاء بغي العدى بالنصرة أو العصمة أو بالوزر أو بما جانس ذلك مما يحتمي به الانسان من أعدائه فلم يأت بذلك وجعل مكانه ذكر الندى، ولو كان ذكر الفقر أو العدم لكان ما أتى به صوابا».
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
3-موسوعة الفقه الكويتية (اعتكاف 1)
اعْتِكَافٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الِاعْتِكَافُ لُغَةً: الِافْتِعَالُ، مِنْ عَكَفَ عَلَى الشَّيْءِ عُكُوفًا وَعَكْفًا.مِنْ بَابَيْ: قَعَدَ، وَضَرَبَ.إِذَا لَازَمَهُ وَوَاظَبَ عَلَيْهِ، وَعَكَفْتُ الشَّيْءَ: حَبَسْتُهُ.
وَمِنْهُ قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}.وَعَكَفْتُهُ عَنْ حَاجَتِهِ: مَنَعْتُهُ.
وَالِاعْتِكَافُ: حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ التَّصَرُّفَاتِ الْعَادِيَّةِ.
وَشَرْعًا: اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِنِيَّةٍ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْخَلْوَةُ:
2- الْخَلْوَةُ مِنْ خَلَا الْمَكَانُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ خَالٍ، وَمِنْهُ خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ إِذَا انْفَرَدَ.
وَالِاعْتِكَافُ قَدْ يَكُونُ مَعَ الْآخَرِينَ بِنَفْسِ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ، فَالْمُعْتَكِفُ قَدْ يَنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ لَا يَنْفَرِدُ.
ب- الرِّبَاطُ وَالْمُرَابَطَةُ:
3- الرِّبَاطُ هُوَ: الْحِرَاسَةُ بِمَحَلٍّ خِيفَ هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ، أَوِ الْمَقَامُ فِي الثُّغُورِ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالِاعْتِكَافُ يَكُونُ فِي الثُّغُورِ وَغَيْرِهَا، وَالرِّبَاطُ لَا يَكُونُ إِلاَّ فِي الثُّغُورِ، وَيَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ.
ج- الْجِوَارُ:
4- الْجِوَارُ هُوَ: الْمُلَاصَقَةُ فِي السُّكْنَى وَيُسَمَّى الِاعْتِكَافُ جِوَارًا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- عَنِ اعْتِكَافِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: «كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ- يَعْنِي الْأَوْسَطَ- ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ».
قَالَ مَالِكٌ الِاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ سَوَاءٌ إِلاَّ مَنْ نَذَرَ، مِثْلَ جِوَارِ مَكَّةَ، يُجَاوِرُ النَّهَارَ، وَيَنْقَلِبُ اللَّيْلَ إِلَى مَنْزِلِهِ، قَالَ: فَمَنْ جَاوَرَ مِثْلَ هَذَا الْجِوَارِ الَّذِي يَنْقَلِبُ فِيهِ اللَّيْلَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي جِوَارِهِ صِيَامٌ.
فَالْجِوَارُ عَلَى هَذَا أَعَمُّ مِنَ الِاعْتِكَافِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ مَعَ الصِّيَامِ وَبِدُونِهِ.
حِكْمَةُ الِاعْتِكَافِ:
5- الِاعْتِكَافُ فِيهِ تَسْلِيمُ الْمُعْتَكِفِ نَفْسَهُ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى طَلَبَ الزُّلْفَى، وَإِبْعَادَ النَّفْسِ مِنْ شُغْلِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ مَانِعَةٌ عَمَّا يَطْلُبُهُ الْعَبْدُ مِنَ الْقُرْبَى، وَفِيهِ اسْتِغْرَاقُ الْمُعْتَكِفِ أَوْقَاتَهُ فِي الصَّلَاةِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، لِأَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ شَرْعِيَّةِ الِاعْتِكَافِ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَاتِ، وَتَشْبِيهُ الْمُعْتَكِفِ نَفْسَهُ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، وَيُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ.
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
6- الِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ، وَلَا يَلْزَمُ إِلاَّ بِالنَّذْرِ، لَكِنِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَرْتَبَةِ هَذِهِ السُّنِّيَّةِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ.
وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ مَنْدُوبٌ مُؤَكَّدٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي رَمَضَانَ وَمَنْدُوبٌ فِي غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ آكَدُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَطَلَبًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَآكَدُهُ فِي رَمَضَانَ، وَآكَدُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ سُنَّةٌ، لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ فَرْضًا، إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ الِاعْتِكَافَ نَذْرًا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فِعْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَطَلَبًا لِثَوَابِهِ، وَاعْتِكَافُ أَزْوَاجِهِ مَعَهُ وَبَعْدَهُ.
أَمَّا أَنَّ الِاعْتِكَافَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَلْتَزِمُوا الِاعْتِكَافَ كُلُّهُمْ، وَإِنْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَأْمُرْ أَصْحَابَهُ بِالِاعْتِكَافِ إِلاَّ مَنْ أَرَادَهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ»- أَيْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ- وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا عَلَّقَهُ بِالْإِرَادَةِ.
وَيَلْزَمُ الِاعْتِكَافُ بِالنَّذْرِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ»
وَعَنْ «عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
أَقْسَامُ الِاعْتِكَافِ:
7- يَنْقَسِمُ الِاعْتِكَافُ إِلَى وَاجِبٍ، وَمَنْدُوبٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَسْنُونَ.
أ- الِاعْتِكَافُ الْمَنْدُوبُ:
وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ تَطَوُّعًا لِلَّهِ تَعَالَى.وَأَقَلُّهُ لَحْظَةٌ، أَوْ سَاعَةٌ، أَوْ يَوْمٌ، أَوْ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَسَبَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ.
وَهُوَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَيُسَنُّ أَلاَّ يَنْقُصَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
ب- الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ:
8- لَا يَجِبُ الِاعْتِكَافُ إِلاَّ بِالنَّذْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، وَبِالشُّرُوعِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمُقَابِلُ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَسَيَأْتِي فِي (ف: 13)
وَهَلْ يُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِالنَّذْرِ أَمْ يَكْفِي النِّيَّةُ فِي الْقَلْبِ؟
صَرَّحَ الْجَمِيعُ بِوُجُوبِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ، وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ الْقَلْبِ.
ج- الِاعْتِكَافُ الْمَسْنُونُ:
9- زَادَ الْحَنَفِيَّةُ قِسْمًا ثَالِثًا لِلِاعْتِكَافِ، وَهُوَ مَا أَطْلَقُوا عَلَيْهِ «سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ» أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِذَا قَامَ بِهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنِ الْبَاقِينَ، فَلَمْ يَأْثَمُوا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ عَيْنٍ لأَثِمُوا بِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إِثْمًا دُونَ إِثْمِ تَرْكِ الْوَاجِبِ.
أَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ:
10- أَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَرْبَعَةٌ: وَهِيَ الْمُعْتَكِفُ، وَالنِّيَّةُ، وَالْمُعْتَكَفُ فِيهِ، وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ رُكْنَ الِاعْتِكَافِ هُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَطْ، وَالْبَاقِي شُرُوطٌ وَأَطْرَافٌ لَا أَرْكَانٌ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ رُكْنًا آخَرَ وَهُوَ: الصَّوْمُ.
الْمُعْتَكِفُ:
11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَاشْتَرَطُوا لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ مَا يَلِي:
(1) الْإِسْلَامُ: فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنَ الْكَافِرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ.
(2) الْعَقْلُ.
(3) التَّمْيِيزُ: فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنَ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، إِذْ لَا نِيَّةَ لَهُمْ، وَالنِّيَّةُ فِي الِاعْتِكَافِ وَاجِبَةٌ.
أَمَّا الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ فَيَصِحُّ مِنْهُ الِاعْتِكَافُ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ.
(4) النَّقَاءُ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَتَانِ عَنِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ.
(5) الطَّهَارَةُ مِنَ الْجُنُبِ: فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنَ الْجُنُبِ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ.
اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ:
12- يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْمُتَزَوِّجَةِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا زَوْجُهَا، لِأَنَّهَا لَا يَنْبَغِي لَهَا الِاعْتِكَافُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ- أَيْ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ مَعَ الْإِثْمِ فِي الِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ- فَإِنْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ بِالِاعْتِكَافِ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، فَإِنْ مَنَعَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ إِذْنِهِ لَهَا لَا يَصِحُّ مَنْعُهُ.هَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ إِذْنِهِ لَهَا بِالِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ، سَوَاءٌ أَدَخَلَتْ فِي الْعِبَادَةِ أَمْ لَمْ تَدْخُلْ، إِلاَّ إِذَا كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِنَّ لِلزَّوْجِ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنَ الِاعْتِكَافِ حَتَّى وَلَوْ دَخَلَتْ فِي الْعِبَادَةِ، وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى مَا إِذَا نَذَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.
أَمَّا إِذَا أَذِنَ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ بِدُونِ نَذْرٍ، فَلَا يَقْطَعْهُ عَلَيْهَا إِنْ دَخَلَتْ فِي الِاعْتِكَافِ، فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا.
وَالِاعْتِكَافُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَجَعَلُوهُ نَظِيرَ حُضُورِهَا الْجَمَاعَاتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، لِأَنَّ التَّمَتُّعَ بِالزَّوْجَةِ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ.وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ.نَعَمْ إِنْ لَمْ تُفَوِّتِ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا مَنْفَعَةً، كَأَنْ حَضَرَتِ الْمَسْجِدَ بِإِذْنِهِ، فَنَوَتِ الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ.
وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمُ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ ذَاتِ الْهَيْئَةِ قِيَاسًا عَلَى خُرُوجِهَا لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
وَلِلزَّوْجِ إِخْرَاجُ زَوْجَتِهِ مِنَ الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ سَوَاءٌ أَكَانَ الِاعْتِكَافُ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا، وَاسْتَدَلَّ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ بِحَدِيثِ: «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إِلاَّ بِإِذْنِهِ»، وَقَالَ: وَضَرَرُ الِاعْتِكَافِ أَعْظَمُ.
وَكَذَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ إِخْرَاجُهَا مِنَ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهَا بِالِاعْتِكَافِ وَشَرَعَتْ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنًا أَمْ كَانَ مُتَتَابِعًا أَمْ لَا.أَوْ إِذَا كَانَ الْإِذْنُ أَوِ الشُّرُوعُ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ الْمُعَيَّنِ أَوْ أَذِنَ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ فَقَطْ وَكَانَ الِاعْتِكَافُ مُتَتَابِعًا، وَذَلِكَ لِإِذْنِ الزَّوْجِ بِالشُّرُوعِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ، لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إِذْنٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بِلَا عُذْرٍ.
وَالْحَنَابِلَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، إِلاَّ فِي مَسْأَلَةِ اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ، فَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ.
وَإِذَا اعْتَكَفَتِ الْمَرْأَةُ اسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تَسْتَتِرَ بِخِبَاءٍ وَنَحْوِهِ، لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي عَهْدِهِ- صلى الله عليه وسلم- وَتَجْعَلَ خِبَاءَهَا فِي مَكَانٍ لَا يُصَلِّي فِيهِ الرِّجَالُ، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التَّحَفُّظِ لَهَا.نَقَلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ قَوْلَهُ: «يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ، وَيُضْرَبُ لَهُنَّ فِيهِ بِالْخِيَمِ».
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَتِرَ الرِّجَالُ أَيْضًا، لِفِعْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- وَلِأَنَّهُ أَخْفَى لِعَمَلِهِمْ.وَنَقَلَ إِبْرَاهِيمُ: لَا.إِلاَّ لِبَرْدٍ شَدِيدٍ.
النِّيَّةُ فِي الِاعْتِكَافِ:
13- النِّيَّةُ رُكْنٌ لِلِاعْتِكَافِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَشَرْطٌ لَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ، فَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ، فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ بِدُونِ نِيَّةٍ.سَوَاءٌ أَكَانَ الِاعْتِكَافُ مَسْنُونًا أَمْ وَاجِبًا، كَمَا يَجِبُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الِاعْتِكَافِ، لِيَتَمَيَّزَ الْفَرْضُ مِنَ السُّنَّةِ.
وَإِذَا نَوَى الِاعْتِكَافَ الْمَسْنُونَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّتِهِ إِذَا رَجَعَ؟
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الظَّاهِرِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ فَقَدِ انْقَطَعَ اعْتِكَافُهُ، وَإِذَا رَجَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ نِيَّةِ اعْتِكَافٍ مَنْدُوبٍ آخَرَ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ لِلِاعْتِكَافِ الْمَنْدُوبِ، لَا مُبْطِلَ لَهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ مُقَابِلُ الظَّاهِرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ يَلْزَمُهُ إِذَا نَوَاهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا بِدُخُولِهِ مُعْتَكَفَهُ، لِأَنَّ النَّفَلَ يَلْزَمُ كَمَالُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مُعْتَكَفَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ.
فَإِذَا دَخَلَ ثُمَّ قَطَعَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنِ اشْتُرِطَ عَدَمُ الْقَضَاءِ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.
مَكَانُ الِاعْتِكَافِ:
أ- مَكَانُ الِاعْتِكَافِ لِلرَّجُلِ:
14- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ، لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وَلِلِاتِّبَاعِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَعْتَكِفْ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ يَصِحُّ فِيهِ الِاعْتِكَافُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَيَجِبُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ إِذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةً تُصَادِفُهُ فِيهَا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، لِئَلاَّ يَحْتَاجَ إِلَى الْخُرُوجِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ إِذَا اشْتُرِطَ الْخُرُوجُ لَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَسَاجِدِ الْأُخْرَى الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الِاعْتِكَافُ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلاَّ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ، فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ يُصَلَّى فِيهِ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَهُ السُّرُوجِيُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ، فَاشْتُرِطَ لِلِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا النَّفَلُ فَيَجُوزُ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ.
وَيَعْنِي الْحَنَفِيَّةُ بِمَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ مَا لَهُ إِمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ، أُدِّيَتْ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ لَا.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ تُقَامَ الْجَمَاعَةُ فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ إِقَامَتِهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَعْتَكِفُ فِيهِ، وَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالْمَعْذُورُ وَالصَّبِيُّ وَمَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ.
ب- مَكَانُ اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ:
15- اخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهَا كَالرَّجُلِ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا (أَيْ نَذَرَتْ) أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، فَقَالَ: «بِدْعَةٌ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ الْبِدَعُ.فَلَا اعْتِكَافَ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَاةُ.وَلِأَنَّ مَسْجِدَ الْبَيْتِ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، فَيَجُوزُ تَبْدِيلُهُ، وَنَوْمُ الْجُنُبِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَازَ لَفَعَلَتْهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ- (- وَلَوْ مَرَّةً تَبْيِينًا لِلْجَوَازِ.
وَفِي الْمَذْهَبِ الْقَدِيمِ لِلشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، لِأَنَّهُ مَكَانُ صَلَاتِهَا.
قَالَ النَّوَوِيُّ: قَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ هَذَا الْقَدِيمَ.وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَغَلَّطُوا مَنْ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ لِصَلَاتِهَا، فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ، وَلَوِ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ، وَالْبَيْتُ أَفْضَلُ مِنْ مَسْجِدِ حَيِّهَا، وَمَسْجِدُ الْحَيِّ أَفْضَلُ لَهَا مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ.
وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الْبَيْتِ مَكَانٌ مُتَّخَذٌ لِلصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِي بَيْتِهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا الَّذِي اعْتَكَفَتْ فِيهِ اعْتِكَافًا وَاجِبًا عَلَيْهَا.
اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ:
16- اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ رُكْنُ الِاعْتِكَافِ عِنْدَ الْجَمِيعِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ اللُّبْثِ الْمُجْزِئِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَسْنُونِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِبِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَبِهِ يُفْتَى.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: أَقَلُّهُ إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا مُطْلَقًا مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا.قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةً، وَالْمَذْهَبُ مَا تَقَدَّمَ.
وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ أَلاَّ يَنْقُصَ الِاعْتِكَافُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ يَقُولُ: أَقَلُّهُ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَقَلِّ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ.
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، سِوَى وَقْتِ خُرُوجِهِ لِمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ، مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَالْمَقْصُودُ بِلَيْلَةِ الْيَوْمِ: اللَّيْلَةُ الَّتِي قَبْلَهُ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ فَمَا فَوْقَهُ إِذَا كَانَ دُخُولُهُ فِي الِاعْتِكَافِ مَعَ الْفَجْرِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَوَّلَ الْيَوْمِ الْفَجْرُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يُقَدَّرُ اللُّبْثُ بِزَمَانٍ، بَلِ اشْتَرَطُوا فِي اللُّبْثِ أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا وَإِقَامَةً، وَلَوْ بِلَا سُكُونٍ بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهُ فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ، فَيَكْفِي التَّرَدُّدُ فِيهِ لَا الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ.
وَيُنْدَبُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اعْتَكَفَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
الصَّوْمُ فِي الِاعْتِكَافِ:
17- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ وَاجِبًا، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّهُ، إِلاَّ إِنْ نَذَرَهُ مَعَ الِاعْتِكَافِ فَيَجِبُ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ حُكْمِ الصَّوْمِ فِي الِاعْتِكَافِ غَيْرِ الْمَنْذُورِ فِيهِ الصَّوْمُ:
أ- الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ:
لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلاَّ بِصَوْمٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَمِنْ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ اعْتَمَدَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ مَحْكِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالُوا: لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلاَّ بِصَوْمٍ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَالصَّوْمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رُكْنٌ لِلِاعْتِكَافِ كَالنِّيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «لَا اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصِيَامٍ» وَبِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «اعْتَكَفَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ- رضي الله عنهم- صِيَامًا فِي رَمَضَانَ»، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ «سَأَلَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ اعْتِكَافٍ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَ» وَاَلَّذِي ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا مَعَ الِاعْتِكَافِ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَحَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْدُوبِ، كَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
ب- الْقَوْلُ الثَّانِي: أَفْضَلِيَّةُ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ.
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِبًا أَمْ مَنْدُوبًا، فَالصَّوْمُ لَيْسَ شَرْطًا لِلِاعْتِكَافِ عِنْدَهُمْ وَلَا رُكْنًا فِيهِ.
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ.إِلاَّ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مَعَ الصَّوْمِ أَفْضَلُ مِنَ الِاعْتِكَافِ بِدُونِهِ، فَلَوِ اعْتَكَفَ صَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِصِحَّةِ اعْتِكَافِهِ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَاحْتَجُّوا لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ اعْتِكَافَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَيَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ «عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
نِيَّةُ الصَّوْمِ لِلِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ:
18- اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ مَعَ الِاعْتِكَافِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَصِحُّ إِلاَّ بِصَوْمٍ وَاجِبٍ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ، فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ وَأَجْزَأَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ صَوْمِ الِاعْتِكَافِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْهُ قَضَى شَهْرًا مُتَتَابِعًا غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ.وَقَدْ فَاتَهُ، فَيَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ، فَلَمْ يَجُزْ فِي رَمَضَانَ آخَرَ، وَلَا فِي وَاجِبٍ آخَرَ، سِوَى قَضَاءِ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ خُلْفٌ عَنْهُ.
وَعَلَى هَذَا فَلَوْ صَامَ تَطَوُّعًا، ثُمَّ نَذَرَ اعْتِكَافَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ، لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الِاعْتِكَافِ لِلنَّهَارِ.
مِثَالُهُ: لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ، ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنِ اعْتَكَفَ هَذَا الْيَوْمَ، لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ تَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ، لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ بِالِاعْتِكَافِ، وَعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ بِالصَّوْمِ الْوَاجِبِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَقَلُّهُ أَكْثَرُ النَّهَارِ، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ لَزِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْهُ قَضَاهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ بِقِسْمَيْهِ الْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ يَصِحُّ بِأَيِّ صَوْمٍ كَانَ سَوَاءٌ قُيِّدَ بِزَمَنٍ كَرَمَضَانَ، أَوْ سَبَبٍ كَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ، أَوْ أُطْلِقَ كَتَطَوُّعٍ، فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ مِنْ مُفْطِرٍ، وَلَوْ لِعُذْرٍ، فَمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ.
نَذْرُ الِاعْتِكَافِ:
19- إِذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُنَجَّزًا أَمْ مُعَلَّقًا، وَيَنْقَسِمُ إِلَى مُتَتَابِعٍ وَغَيْرِ مُتَتَابِعٍ، أَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً.
أ- النَّذْرُ الْمُتَتَابِعُ:
20- وَذَلِكَ كَأَنْ يَنْذِرَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً، أَوْ شَهْرًا مُتَتَابِعًا مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَلَوْ أَفْسَدَهُ وَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ بِفَوَاتِ التَّتَابُعِ.
ب- النَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ:
21- وَهُوَ أَنْ يُنْذِرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ غَيْرِ مُتَتَابِعَةٍ، فَإِنْ نَوَى أَيَّامًا غَيْرَ مُتَتَابِعَةٍ، فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ مُتَتَابِعَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ إِيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَتَابِعًا إِذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ، كَصَوْمِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ.وَالْإِطْلَاقُ فِي الِاعْتِكَافِ كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّتَابُعِ، بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَدُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَكَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ، وَمَا كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ إِلاَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ لَيْلًا، فَكَانَ مُتَفَرِّقًا، وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الْوَصْلُ فِيهِ إِلاَّ بِالتَّنْصِيصِ.وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا نَذَرَهَا مُتَفَرِّقَةً فَتَجِبُ مُتَفَرِّقَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ عِنْدَهُمْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ التَّتَابُعُ، فَيَجُوزُ أَدَاؤُهُ مُفَرَّقًا.
وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ خِلَالَ أَيَّامِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، إِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْعَوْدِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْنَافِ نِيَّةِ الِاعْتِكَافِ، سَوَاءٌ أَخَرَجَ لِتَبَرُّزٍ أَمْ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ تَامَّةٌ، وَهُوَ يُرِيدُ اعْتِكَافًا جَدِيدًا، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
أَمَّا إِذَا نَوَى مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ، لَكِنْ إِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْنَافِ النِّيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ تَعْيِينَ مُدَّةٍ لِلِاعْتِكَافِ كَشَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ، وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ، وَلَهُمْ قَوْلَانِ فِي التَّتَابُعِ وَعَدَمِهِ.أَحَدُهُمَا كَالْحَنَفِيَّةِ، وَالثَّانِي كَالشَّافِعِيَّةِ اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ وَصَحَّحَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ.
وَنَصَّ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ.
وَالتَّتَابُعُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ أَفْضَلُ مِنَ التَّفْرِيقِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لَوْ نَذَرَ يَوْمًا لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّفْرِيقُ.
وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى مِثْلِهِ لِيَتَحَقَّقَ مُضِيُّ يَوْمٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.وَأَمَّا اللَّيْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْيَوْمِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَدْخُلُ اللَّيْلُ مَعَ الْيَوْمِ بِالنِّيَّةِ.
وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَطْلَقَ لَزِمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، تَامًّا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ نَاقِصًا وَيُجْزِئُهُ النَّاقِصُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
زَمَنُ دُخُولِ الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ:
22- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ إِذَا نَوَى يَوْمًا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا نَوَى لَيْلًا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ نَذْرُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَا صِيَامَ فِيهِ، لَكِنْ لَوْ نَذَرَ لَيْلَةَ أَيَّ لَيْلَةٍ كَانَتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَزِمَتْهُ مَعَ نَهَارِهَا، لِأَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
وَاللَّيْلُ تَابِعٌ لِلنَّهَارِ إِذَا نَذَرَ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً، كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
نَذْرُ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ:
23- سَبَقَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمُ الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ وَالْمَسْنُونُ إِلاَّ بِصَوْمٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَنْدُوبِ.أَمَّا نَذْرُ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ:
أ- اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَذَرَ صَوْمًا وَاعْتِكَافًا لَا يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
ب- اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَاهُ.
ج- وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا.
فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُمَا يَلْزَمَانِهِ.
وَفَرَّقُوا بَيْنَ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّانِيَةِ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَصِحُّ وَصْفًا لِلِاعْتِكَافِ، وَالِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ وَصْفًا لِلصَّوْمِ.
نَذْرُ الصَّلَاةِ فِي الِاعْتِكَافِ:
24- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا فَالصَّلَاةُ لَا تَلْزَمُهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَلْزَمُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ».وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَتُقَاسُ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَتْ بِالنَّذْرِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الزَّمَانِ، وَيَكْفِيهِ رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ وَأَطْلَقَ.
هَذَا وَلَمْ أَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ نَصًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
نَذْرُ الِاعْتِكَافِ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ:
25- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ- الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى- لَزِمَهُ النَّذْرُ وَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ، وَلَا يُجْزِئُهُ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَسَاجِدِ، لِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
وَأَفْضَلُهَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى.
وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِهَا مُمْتَنِعٌ لِثُبُوتِ فَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا بِالنَّصِّ، قَالَ- عليه الصلاة والسلام-: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ».
وَوَرَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ.
فَإِذَا عَيَّنَ الْأَفْضَلَ فِي نَذْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ الِاعْتِكَافُ فِيمَا دُونَهُ، لِعَدَمِ مُسَاوَاتِهِ لَهُ.
فَإِنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَا يُجْزِئُهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.
وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَا يُجْزِئُهُ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَالْعَكْسُ صَحِيحٌ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى جَازَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ عَيَّنَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ جَازَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ؟
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ يَحْتَاجُ إِلَى شَدِّ الرِّحَالِ إِلَيْهِ فَيُخَيَّرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الذَّهَابِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمُ الْإِبَاحَةَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَدِّ رَحْلٍ بَيْنَ الذَّهَابِ وَغَيْرِهِ.لَكِنْ قَالَ فِي الْوَاضِحِ: الْوَفَاءُ أَفْضَلُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
4-موسوعة الفقه الكويتية (تعجيل)
تَعْجِيلٌالتَّعْرِيفُ:
1- التَّعْجِيلُ: مَصْدَرُ عَجَّلَ.وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الِاسْتِحْثَاثُ، وَطَلَبُ الْعَجَلَةِ، وَهِيَ: السُّرْعَةُ.وَيُقَالُ: عَجَّلْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ: أَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، فَتَعَجَّلَهُ: فَأَخَذَهُ بِسُرْعَةٍ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: الْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لَهُ شَرْعًا، كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، أَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، كَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْإِسْرَاعُ:
2- الْإِسْرَاعُ: مَصْدَرُ أَسْرَعَ، وَالسُّرْعَةُ: اسْمٌ مِنْهُ، وَهِيَ نَقِي ضُ الْبُطْءِ.وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَالتَّعْجِيلِ كَمَا قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: إِنَّ السُّرْعَةَ التَّقَدُّمُ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَقَدَّمَ فِيهِ، وَهِيَ مَحْمُودَةٌ، وَنَقِيضُهَا مَذْمُومٌ، وَهُوَ: الْإِبْطَاءُ.وَالْعَجَلَةُ التَّقَدُّمُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ فِيهِ، وَهِيَ مَذْمُومَةٌ، وَنَقِيضُهَا مَحْمُودٌ، وَهُوَ: الْأَنَاةُ.فَأَمَّا قوله تعالى {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَعْنَى: أَسْرَعْتُ.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
3- التَّعْجِيلُ مَشْرُوعٌ فِي مَوَاضِعَ: كَتَعْجِيلِ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، وَقَضَاءِ الدَّيْنِ.وَغَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي مَوَاضِعَ: كَتَعْجِيلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا.
وَالْمَشْرُوعُ مِنْهُ تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا: كَتَعْجِيلِ التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ.وَتَارَةً يَكُونُ مَنْدُوبًا: كَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ.وَتَارَةً يَكُونُ مُبَاحًا: كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَاتِ، وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى: كَتَعْجِيلِ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ.
وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ: مِنْهُ مَا يَكُونُ بَاطِلًا، كَتَعْجِيلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا.
أَنْوَاعُ التَّعْجِيلِ
أَوَّلًا: التَّعْجِيلُ بِالْفِعْلِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ
أ- التَّعْجِيلُ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ:
4- تَجِبُ التَّوْبَةُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ عَلَى الْفَوْرِ عُقَيْبَ الذَّنْبِ.وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ تَعْجِيلِ التَّوْبَةِ، وَأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ.
ب- التَّعْجِيلُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ:
5- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ، لِمَا ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا عَادَ طَلْحَةُ بْنُ الْبَرَاءِ- رضي الله عنه- قَالَ: إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلاَّ قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَآذِنُونِي بِهِ، وَعَجِّلُوا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ».وَالصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِ التَّعْجِيلِ: الِاحْتِيَاطُ لِلرُّوحِ؛ لِاحْتِمَالِهِ الْإِغْمَاءَ وَنَحْوَهُ.وَفِي الْحَدِيثِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ».
وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ غَرَقًا.
ج- التَّعْجِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ:
6- يَجِبُ تَعْجِيلُ الْوَفَاءِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَادِرِ الْمَطْلُ فِيهِ.فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِنْ أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» أَيْ فَإِنْ أُحِيلَ عَلَى مُوسِرٍ فَلْيَقْبَلِ الْحَوَالَةَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ: الْمَعْنَى: أَنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ، وَأَطْلَقَ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنِ الْمَطْلِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَطْلِ هُنَا: تَأْخِيرُ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ.
د- التَّعْجِيلُ بِإِعْطَاءِ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ:
7- ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» وَالْأَمْرُ بِإِعْطَائِهِ قَبْلَ جَفَافِ عَرَقِهِ إِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ عَقِبَ فَرَاغِ الْعَمَلِ، إِذَا طَلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرَقْ، أَوْ عَرِقَ وَجَفَّ.وَذَلِكَ لِأَنَّ أَجْرَهُ عِمَالَةُ جَسَدِهِ، وَقَدْ عَجَّلَ مَنْفَعَتَهُ، فَإِذَا عَجَّلَهَا اسْتَحَقَّ التَّعْجِيلَ.وَمِنْ شَأْنِ الْبَاعَةِ: إِذَا سَلَّمُوا قَبَضُوا الثَّمَنَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ، فَهُوَ أَحَقُّ وَأَوْلَى، إِذْ كَانَ ثَمَنَ مُهْجَتِهِ، لَا ثَمَنَ سِلْعَتِهِ، فَيَحْرُمُ مَطْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ.
هـ- التَّعْجِيلُ بِتَزْوِيجِ الْبِكْرِ:
8- اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّعْجِيلَ بِإِنْكَاحِ الْبِكْرِ إِذَا بَلَغَتْ، لِحَدِيثِ: «يَا عَلِيُّ: ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرُهَا: الصَّلَاةُ إِذَا أَتَتْ، وَالْجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالْأَيِّمُ إِذَا وَجَدَتْ لَهَا كُفُؤًا» وَاسْتَثْنَوْا ذَلِكَ مِنْ ذَمِّ الْعَجَلَةِ، وَأَنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ.
و- التَّعْجِيلُ بِالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ:
9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ: عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ مِنَ السُّنَّةِ، لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ».
وَإِنَّمَا يُسَنُّ لَهُ التَّعْجِيلُ: إِذَا تَحَقَّقَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَعَدَمِ الشَّكِّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ اتِّفَاقًا، وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ.
ز- تَعْجِيلُ الْحَاجِّ بِالنَّفْرِ مِنْ مِنًى:
10- يَجُوزُ لِلْحَاجِّ التَّعَجُّلُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، لقوله تعالى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} وَلِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْمُرَ- رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ» وَشَرْطُ جَوَازِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) أَنْ يَخْرُجَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى قَبْلَ الْغُرُوبِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِمِنًى، وَرَمَى الْيَوْمَ الثَّالِثَ.وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِلنَّهَارِ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فَمَا تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ مَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ بِمِنًى، فَلَا يَنْفِرَنْ، حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي هَذَا الشَّرْطِ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَخَصُّوا شَرْطَ التَّعْجِيلِ بِالْمُتَعَجِّلِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ مِنْ مِنًى قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ، وَقَالُوا: لَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلِ الْيَوْمُ الْآخَرُ، فَجَازَ لَهُ النَّفْرُ، كَمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ هَلْ يَنْفِرُونَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ؟ فَقِيلَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ.فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: مَنْ شَاءَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَنْ يَنْفِرُوا فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ، إِلاَّ آلُ خُزَيْمَةَ، فَلَا يَنْفِرُونَ إِلاَّ فِي النَّفْرِ الْآخَرِ.وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ: لَا يُعْجِبُنِي لِمَنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ، وَقَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ أَخَفُّ، وَجَعَلَ أَحْمَدُ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ (إِلاَّ آلُ خُزَيْمَةَ) أَيْ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرَمِ، وَحَمَلَهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، مُحَافَظَةً عَلَى الْعُمُومِ.وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، فَإِنْ أَرَادَ التَّخْفِيفَ عَنْ نَفْسِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فَلَا، فَرَأَى أَنَّ التَّعْجِيلَ لِمَنْ بَعُدَ قُطْرُهُ.وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ، وَالرُّخْصَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ، سَوَاءٌ أَرَادَ الْخَارِجُ مِنْ مِنًى الْمُقَامَ بِمَكَّةَ، أَوِ الشُّخُوصَ إِلَى بَلَدِهِ.
11- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ بَيْنَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ): إِلَى أَنَّ تَأْخِيرَ النَّفْرِ إِلَى الثَّالِثِ أَفْضَلُ، لِلِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لَا تَفْضِيلَ بَيْنَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، بَلْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ.
وَنَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّعْجِيلِ لِلْإِمَامِ، لِأَجْلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ. وَأَمَّا ثَمَرَةُ التَّعْجِيلِ فَهِيَ سُقُوطُ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَمَبِيتُ لَيْلَتِهِ عَنْهُ.
ثَانِيًا: تَعْجِيلُ الْفِعْلِ قَبْلَ وُجُوبِهِ
أ- التَّعْجِيلُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ:
12- أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ: عَلَى أَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقْتًا مُحَدَّدًا، لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا عَنْهُ، لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أَيْ: مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً: وَلِحَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ الْمَشْهُورِ.
وَقَدْ رَخَّصَ الشَّارِعُ فِي تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا فِي حَالَاتٍ، مِنْهَا:
(1) جَمْعُ الْحَاجِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي عَرَفَةَ.
(2) جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ بَيْنَ الْعَصْرَيْنِ (الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ) وَالْعِشَاءَيْنِ (الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) تَقْدِيمًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
(3) جَوَازُ الْجَمْعِ لِلْمَرِيضِ، جَمْعَ تَقْدِيمٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
(4) جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ تَقْدِيمًا، لِأَجْلِ الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرْدِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ جَوَازَهُ بَيْنَ الْعَصْرَيْنِ أَيْضًا.
(5) جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، إِذَا اجْتَمَعَ الطِّينُ مَعَ الظُّلْمَةِ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَوَّزَهُ الْحَنَابِلَةُ بِمُجَرَّدِ الْوَحْلِ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ قُدَامَةَ.
(6) جَوَازُ الْجَمْعِ لِأَجْلِ الْخَوْفِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
(7) جَوَازُ الْجَمْعِ لِأَجْلِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ، عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ الْآمِدِيُّ.
ب- التَّعْجِيلُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ:
13- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ «الْعَبَّاسَ- رضي الله عنه- سَأَلَ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ»، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ جُعِلَ لَهُ أَجَلٌ لِلرِّفْقِ، فَجَازَ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ أَجَلِهِ، كَالدَّيْنِ
وَلِأَنَّهُ- كَمَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ- وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ، وَهُمَا: النِّصَابُ، وَالْحَوْلُ: فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، كَتَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْحِنْثِ.
وَمَنَعَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَالَ: لَا تُجْزِئُ قَبْلَ مَحَلِّهِ كَالصَّلَاةِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ.قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَغَيْرُهُ اسْتِحْسَانٌ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِيهَا:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ لِسِنِينَ، لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ: مِلْكُ النِّصَابِ النَّامِي.وَقَيَّدَهُ الْحَنَابِلَةُ بِحَوْلَيْنِ فَقَطْ، اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ.فَقَدْ رَوَى عَلِيٌّ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ- رضي الله عنه- صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ» لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا» وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- تَسَلَّفَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ» وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، صَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَزَوْهُ لِلنَّصِّ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ لِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ، وَذَلِكَ: لِأَنَّ زَكَاةَ غَيْرِ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهَا، وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ، كَالتَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَلَمْ يُجِيزُوا تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ لِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ قَبْلَ الْحَوْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَتُكْرَهُ عِنْدَهُمْ بِشَهْرٍ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلَاتٌ تُنْظَرُ فِي الزَّكَاةِ.
ج- تَعْجِيلُ الْكَفَّارَاتِ:
تُعَجَّلُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ:
14- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ): إِلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك، ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ الصَّوْمَ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ بِهِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ، كَالصَّلَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ؛ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَالِيَّةِ.وَالْعَجْزُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْوُجُوبِ.وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ، وَلَا جِنَايَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ.
15- ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ التَّعْجِيلِ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ: التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ أَمْ بَعْدَهُ؟.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَصَوَّبَهُ الْمِرْدَاوِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنِ الْحِنْثِ أَفْضَلُ، خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ.وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ: أَنَّ التَّكْفِيرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ، وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ، لِتَعْجِيلِ النَّفْعِ لِلْفُقَرَاءِ.
تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ:
16- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَعْجِيلِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ تَعْجِيلِهَا، لِوُجُودِ سَبَبِهَا، وَذَلِكَ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَبَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْعَوْدِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى جَوَازِ التَّعْجِيلِ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ بِهِ، وَذَلِكَ بِالْمَالِ (وَهُوَ التَّحْرِيرُ وَالْإِطْعَامُ) لَا بِالصَّوْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَوْدِ عِنْدَهُمْ: إِمْسَاكُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا مُدَّةً يُمْكِنُ لِلْمُظَاهِرِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهَا، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّلَاقِ.وَصُورَةُ التَّعْجِيلِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: أَنْ يُظَاهِرَ مِنْ مُطَلَّقَتِهِ رَجْعِيًّا، ثُمَّ يُكَفِّرَ، ثُمَّ يُرَاجِعَهَا.
وَعِنْدَهُمْ صُوَرٌ أُخْرَى.
وَالْمُرَادُ بِالْعَوْدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِرَادَةُ الْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ إِرَادَةُ الْوَطْءِ، مَعَ اسْتِدَامَةِ الْعِصْمَةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ.
تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ:
17- يَجُوزُ تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَقَبْلَ الزُّهُوقِ، وَتُجْزِئُ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ، كَتَعْجِيلِ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ تَعْجِيلَ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ، كَالصَّلَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ.
د- التَّعْجِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ:
18- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَدَاءُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ، لَكِنْ لَوْ أُدِّيَ قَبْلَهُ صَحَّ، وَسَقَطَ عَنْ ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَدِينِ، فَلَهُ إِسْقَاطُهُ، وَيُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى الْقَبُولِ.
هـ- التَّعْجِيلُ بِالْحُكْمِ قَبْلَ التَّبَيُّنِ:
19- رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ- رضي الله عنه-، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ، كَمَا يَتَبَيَّنُ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- فَقَالَ: صَدَقَ.
وَهَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَا ابْنَ عَبَّاسٍ لَا تَشْهَدْ إِلاَّ عَلَى أَمْرٍ يُضِيءُ لَكَ كَضِيَاءِ هَذَا الشَّمْسِ» وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ فَوْقَ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالشَّهَادَةُ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ بِنَفْسِهَا، حَتَّى يَنْضَمَّ إِلَيْهَا الْقَضَاءُ، فَإِذَا أُخِذَ هَذَا عَلَى الشَّاهِدِ، كَانَ عَلَى الْقَاضِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي: وَهَذَا فِي مَوْضِعِ النَّصِّ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّصِّ فَلَا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّصِّ يُقْضَى بِالِاجْتِهَادِ، وَالِاجْتِهَادُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ بِهِ الْحَقُّ، كَمَا يَتَبَيَّنُ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
5-تعريفات الجرجاني (الحقيقة العقلية)
الحقيقة العقلية: جملة أسند فيها الفعل إلى ما هو فاعل عند المتكلم، كقول المؤمن: أنبت الله البقل بخلاف: نهاره صائم، فإن الصوم ليس للنهار.التعريفات-علي بن محمد الجرجاني-توفي: 816هـ/1413م
6-تاج العروس (نفس)
[نفس]: النَّفْسُ: الرُّوحُ، وسَيَأْتِي الكلامُ عليها قَرِيبًا.وقال أَبو إِسْحَاقَ: النَّفْسُ في كلام العَرَبِ يَجْرِي على ضَرْبَيْن: أَحَدُهما قولُك: خَرَجَتْ نَفْسُه؛ أَي رُوحُه، والضَّرْبُ الثانِي: مَعْنَى النَّفْسِ فيه جُملةُ الشَيْءِ وحَقِيقتُه، كما سَيَأْتِي في كَلَامِ المصنِّف، وعلى الأَوَّلِ قالَ أَبو خِراشٍ:
نَجَا سالِمٌ والنفْسُ مِنْهُ بشِدْقِهِ *** ولم يَنْجُ إِلاَّ جَفْنَ سَيْفٍ ومِئْزَرَا
أَي بِجَفْنِ سَيْفٍ ومِئْزَرٍ، كذا في الصّحاحِ، قال الصّاغَانِيُّ: ولم أَجِدْه في شِعْرِ أَبي خِراشٍ. قلتُ: قال ابنُ بَرِّيّ: اعْتَبَرْتُه في أَشْعَارِ هُذَيْلٍ فوَجَدْتُه لحُذَيْفَةَ بنِ أَنَسٍ وليسَ لأَبِي خِراشٍ، والمَعْنَى: لم يَنْجُ سالِمٌ إِلاّ بِجَفْنِ سَيْفه ومِئْزَرِه، وانْتِصَابُ الجَفْنِ على الاسْتِثْنَاءِ المنْقَطِع؛ أَي لم يَنْجُ سالمٌ إِلاّ جَفْنَ سَيْفٍ، وجَفْنُ السَّيْفِ مُنْقَطِعٌ منه.
ومِن المجاز: النَّفْسُ: الدَّمُ، يقال: سالَتْ نَفْسُه، كم في الصّحاحِ، وفي الأَسَاس: دَفَق نَفْسَه؛ أَي دَمَه.
وفي الحَدِيثِ: ما لا نَفْسَ لَهُ وَقَع في أُصُول الصّحاحِ: ما لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ فإِنَّه لا يُنَجِّسُ المَاءَ إِذا مَاتَ فيه». قلت: وهذا الّذِي في الصّحاحِ مُخَالِفٌ لِمَا في كُتُبِ الحَدِيثِ، وفي رِوَايَةِ أُخْرَى: «مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ» ورُوِيَ [عن] النَّخَعِيّ أَنَّه قال: «كُلُّ شَيْءٍ له نَفْسٌ سائِلَةٌ فماتَ في الإِنَاءِ فإِنّه يُنَجِّسُه» وفي النِّهَايَةِ عنه: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فإِنه لا يُنَجِّسُ الماءَ إِذا سَقَطَ فيه» أَي دَمٌ سائِلٌ، ولذَا قالَ بعضُ مَن كَتَبَ على الصِّحّاحِ: هذا الحَدِيثُ لم يَثْبُتْ، قالَ ابنُ بَرِّيّ: وإِنَّمَا شاهِدُه قولُ السَّمَوْألِ:
تَسِيلُ عَلى حَدِّ الظُّبَاةِ نُفُوسُنَا *** ولَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّباةِ تَسِيلُ
قال وإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّمُ نَفْسًا، لأَنّ النَّفْسَ تَخْرُج بِخُرُوجِه.
والنَّفْسُ: الجَسَدُ، وهو مَجَازٌ، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ، يُحَرِّضُ عَمْرو بنَ هِنْدٍ عَلى بَنِي حَنِيفَة، وهم قَتَلَهُ أَبيه المُنْذِر بنِ ماءِ السماءِ، يومَ عَيْنِ أَبَاغٍ، ويزْعُم أَن عَمْروَ بن شَمِرَ الحَنَفِيّ قَتَله:
نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلُوا *** أَبْيَاتَهُمْ تامُورَ نَفْسِ المُنْذِرِ
فَلَبِئْسَ ما كَسَبَ ابنُ عَمْرٍو رَهْطَهُ *** شَمِرٌ وكان بِمَسْمَعٍ وَبِمَنْظَرِ
والتامُورُ: الدّمُ؛ أَي حَمَلُوا دَمَه إِلى أَبْيَاتِهِم.
والنَّفْسُ: العَيْنُ التي تُصِيبُ المَعِينَ، وهو مَجَازٌ. يُقَال: نَفَسْتُه بِنَفْسٍ؛ أَي أَصَبْتُه بِعَيْنٍ، وأَصابَتْ فُلانًا نَفْسٌ؛ أَي عَيْنٌ. وفي الحَدِيث، عن أَنَسٍ رَفَعَهُ: «أَنَّه نَهَى عَنِ الرُّقْيَةِ إِلاّ فِي النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنَّفْسِ» أَي العَيْنِ، والجَمْعُ: أَنْفُسٌ، ومنه الحديث: «أَنه مَسَح بَطْنَ رافِعٍ فأَلْقَى شَحْمَةً خَضْرَاءَ، فقال: إِنه كانَ فِيهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ» يريدِ عُيُونَهُمْ.
ورَجُلٌ نافِسٌ: عائِنٌ، وهو مَنْفُوسٌ: مَعْيُونُ.
والنَّفْسُ: العِنْدُ، وشَاهِدُه قولُه تعالَى، حِكَايَةً عَن عِيسَى عَليه وعلى نِبِيِّنا مُحَمَّدٍ أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ أَي تَعْلَمُ ما عِنْدِي، ولا أَعْلَمُ ما عِنْدَكَ، ولكن يَتَعَيَّن أَنْ تَكُونَ الظَّرْفِيَّةُ حِينَئِذٍ ظرفِيَّةَ مَكَانَةٍ لا مَكَانٍ، أَو حَقِيقَتِي وحَقِيقَتِكَ، قال ابنُ سِيْدَه: أَي لا أَعْلَمُ ما حَقِيقَتُكَ ولا ما عِنْدَكَ عِلْمُه، فالتَّأْوِيلُ: تَعْلَمُ ما أَعْلَمُ، ولا أَعْلَمُ ما تَعْلَمُ، والأَجْوَدُ في ذلِكَ قولُ ابنِ الأَنْبَارِيّ: إِنَّ النَّفْسَ هنا الغَيْبُ؛ أَي تَعْلَمُ غَيْبِي، لأَنَّ النَّفْسَ لمّا كانتْ غَائِبَةً أَوقِعَتْ على الغيْبِ، ويَشْهَدُ بصِحَّتِه قولُه في آخرِ الآيَة {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} كأَنَّه قال: تَعْلمُ غَيْبِي يا عَلاَّم الغُيُوبِ.
وقال أَبو إِسْحَاق: وقدْ يُطْلَقُ ويُرَادُ به جُمْلَةُ الشَّيْءِ وحَقِيقتُه، يُقال: قَتَلَ فُلانٌ نَفْسَه، وأَهْلَكَ نَفْسَه: أَي أَوْقَعَ الهَلَاكَ بذَاتِهِ كُلِّهَا وحَقِيقَتِه. قُلتُ: ومنه أَيضًا ما حكاهُ سِيبوَيْه، من قَولِهِمْ: نَزَلْتُ بِنَفْسِ الجَبَلِ، ونَفْسُ الجَبَلِ مُقَابِلِي.
والنَّفْسُ: عَيْنُ الشَّيْءِ وكُنْهُه وجَوْهَرُه، يُؤَكَّدُ به، يُقَالُ: جَاءَنِي المَلِكُ بِنَفْسِه، ورَأَيْتُ فَلانًا نَفْسَه.
وقَوْله تَعَالى: {اللهُ يَتَوَفَّى} الْأَنْفُسَ {حِينَ مَوْتِها} رُوِيَ عنِ ابنِ عَبّاسِ رضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قالَ: لكُلِّ إِنْسَانٍ نَفْسَانٍ: إِحْدَاهُمَا نَفْسُ العَقْلِ الذي يكونُ به التَّمْييزُ، والأُخْرى نَفْسُ الرُّوحِ الَّذِي به الحَيَاةُ.
وقال ابن الأَنباريّ: من اللُّغويِّينَ مَنْ سَوَّى بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وَقَالَ: هما شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِلاّ أَنْ النَفْسَ مؤنثَةٌ والرُّوحَ مُذكَّرَةٌ. وقال غيرُهُ: الرُّوحُ الَّذي به الحَيَاةُ، والنَّفْسُ: التي بها العَقْلُ، فإِذا نامَ النائمُ قَبَضَ الله نَفْسَه، ولم يَقْبِضْ رُوحَه، ولا تُقْبَضُ الرُّوحُ إِلاَّ عِنْدَ المَوْت، قال: وسُمِّيَت النَّفْسُ نَفْسًا لتَوَلُّد النَّفْس منها واتّصَاله بها، كما سَمَّوُا الرُّوحَ رُوحًا، لأَنَّ الرَّوْحَ مَوجُودٌ به.
وقالَ الزَّجَّاجُ: لكُلِّ إِنْسَانٍ: نَفْسَانِ: إِحْدَاهُمَا نَفْسُ التَّمْييز، وهي الّتِي تُفَارِقُه إِذا نامَ، فلا يَعْقِلُ بهَا، يَتَوَفَّاهَا الله تَعَالَى، والأُخْرَى: نَفْسُ الحَيَاة، وإِذَا زَالَت زالَ مَعَهَا النَّفْسُ، والنَّائمَ يَتَنَفَّسُ، قال: وهذا الفَرْقُ بينَ تَوفِّي نَفْسِ النائم في النَّوْم، وتَوَفِّي نَفْسِ الحَيِّ. قال: ونَفْسُ الحَيَاة هي الرُّوحُ وحَرَكَةُ الإِنْسَان ونُمُوُّه [يكون به].
وقال السُّهَيْلِيُّ في الرَّوْض: كَثُرت الأَقَاويلُ في النَّفْس والرُّوح، هل هُمَا وَاحدٌ؟ أَو النَّفْسُ غيرُ الرُّوح؟ وتَعَلَّقَ قومٌ بظَوَاهَر من الأَحاديثِ، تدُلُّ على أَنَّ الرُّوحَ هي النَّفْسُ، كقول بلالٍ: «أَخَذَ بِنَفْسِك» مع قولِه صلى الله عليه وسلم: «إِنّ الله قَبَضَ أَرْوَاحَنا» وقولِه تعالَى: {اللهُ يَتَوَفَّى} الْأَنْفُسَ والمَقْبُوضُ هو الرُّوحُ، ولم يُفَرِّقُوا بَيْنَ القَبْضِ والتَّوَفِّي، وأَلْفَاظُ الحَدِيثِ مُحْتَملَةُ التَّأْوِيلِ، وَمَجَازَاتُ العَرَبِ واتِّسَاعاتُها كَثِيرَةٌ، والحَقُّ أَنَّ بَيْنَهمَا فَرْقًا، ولو كانا اسْمَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كاللَّيْثِ والأَسَدِ، لَصَحَّ وُقُوعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهما مكانَ صاحِبِه، كقوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}، ولم يَقُلْ: مِن نَفْسِي. وقوله: {تَعْلَمُ ما فِي} نَفْسِي ولم يَقُلْ: ما فِي رُوحِي. ولا يَحْسُنُ هذا القَولُ أَيْضًا مِن غيرِ عِيسَى عليهالسلامُ. {وَيَقُولُونَ فِي} أَنْفُسِهِمْ ولَا يَحْسَن في الكلام: يَقُولُون في أَرْوَاحهم. وقال: (أَنْ تَقُولَ) نَفْسٌ ولم يَقل: أَنْ تَقُولَ رُوحٌ، ولا يَقُولُه أَيْضًا عَرَبِيٌّ، فَأَيْنَ الفَرْقُ إِذا كَانَ النَّفْسُ والرُّوحُ بَمَعْنًى وَاحِدٍ؟ وإِنَّمَا الفَرْقُ بَيْنَهُمَا بالاعْتبَارَات، ويَدُلُّ لذلك ما رَوَاهُ ابنُ عَبْد البَرِّ في التَّمْهيدِ، الحَدِيث: «إِنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ وجَعَلَ فِيه نَفْسًا ورُوحًا، فمن الرُّوحِ عَفَافُه وفَهْمُه وحِلْمُه وسَخَاؤُه ووَفَاؤُه، ومِن النَّفْسِ شَهْوَتُه وطَيْشُه وسَفَهُه وغَضَبُهُ» فلا يُقَالُ في النَّفْسِ هي الرُّوحُ عَلى الإِطْلاق حَتَّى يُقَيَّدَ، ولا يُقَال في الرُّوحِ هي النَّفْسُ إِلاَّ كما يُقَالُ في المَنِيِّ هو الإِنْسَانُ، أَو كما يُقَالُ للمَاءِ المُغَذِّي لِلْكَرْمَةِ هو الخَمْرُ، أَوْ الخَلُّ، على معنَى أَنه سَيْضَافُ إِليه أَوْصَافٌ يُسَمَّى بها خَلًّا أَو خَمْرًا، فَتَقَيُّدُ الأَلْفَاظِ هو مَعْنَى الكلامِ، وتَنْزِيلُ كُلِّ لَفْظٍ في مَوْضِعه هو مَعْنَى البَلاغةِ، إِلى آخِر ما ذَكرَه. وهو نَفِيسٌ جدًّا، وقد نَقَلْتُه بالاخْتصَار في هذا المَوْضع، لأَنّ التَّطْويلَ كَلَّتْ منه الهِمَمْ، لا سيَّمَا في زَماننا هذا.
والنَّفْسُ: قَدْرُ دَبْغَةٍ، وعَلَيْه اقتصر الجَوْهَرِيُّ، وزاد غَيرُه: أَو دَبْغَتَيْن. والَّدِبْغَةُ، بكسر الدال وفتحها ممَّا يُدْبَغُ به الأَديمُ من قَرَظٍ وغيره، يُقَال: هَبْ لي نَفْسًا مِن دِبَاغٍ، قال الشَّاعِرُ:
أَتَجْعَلُ النَّفْسَ الَّتِي تُدِيرُ *** فِي جِلْدِ شاةٍ ثُمَّ لا تَسِيرُ
قال الجَوْهَرِيُّ: قال الأَصْمَعِيُّ: بَعَثت امرأَةٌ مِن العربِ بِنْتًا لها إِلى جارَتِهَا، فقالت لها: تقولُ لك أُمِّي: أَعْطِينِي نَفْسًا أَو نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بِه مَنِيئَتِي فإِنِّي أَفِدَةٌ. أَي مُسْتَعْجِلَةٌ، لا أَتفرَّغُ لاتِّخاذِ الدِّباغِ مِن السُّرْعَةِ. انتَهَى. أَرَادَتْ: قَدْرَ دَبْغَة أَو دَبْغَتَيْن من القَرَظ الّذِي يُدْبَغُ به. المَنِيئَةُ: المَدْبَغَةُ، وهي الجُلُودُ الّتِي تُجْعَلُ في الدِّباغ. وقيل: النَّفْسُ مِن الدِّباغِ: مِلْءُ الكَفِّ، والجَمْعُ: أَنْفُسٌ، أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
وذِي أَنْفُسٍ شَتَّى ثَلاثٍ رَمَتْ بِهِ *** عَلَى المَاءِ إِحْدَى اليَعْمَلاتِ العَرامِسِ
يَعْنِي الوَطْبَ مِن اللبَنِ الذِي طُبِخَ بهذا القَدْرِ مِن الدِّبَاغِ.
وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: النَّفْسُ: العَظَمَةُ والكِبْرُ، والنَّفْسُ: العِزَّةُ. والنَّفْسُ: الأَنْفَسةُ. والنَّفْسُ: العَيْبُ، هكذا في النُّسخِ بالعَيْنِ المُهْمَلَة، وصَوَابُه بالغَيْنِ المُعْجَمَة، وبه فَسَّر ابْنُ الأَنْبَارِيّ قوله تعالَى {تَعْلَمُ ما فِي} نَفْسِي الآيَةَ، وسَبَقَ الكلامُ عليه. والنَّفْسُ: الإِرادَةُ. والنَّفْسُ: العُقُوبَةُ، قيل: ومنه قولُه تَعَالَى وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ أَي عُقُوبَتَه، وقال غيرُه: أَي يُحَذِّرُكُم إِيّاه.
وقد تَحَصَّل مِن كلامِ المصنِّف، رحمَه الله تعالى، خَمْسَةَ عَشَرَ مَعْنًى للنَّفْسِ، وهي: الرُّوح، والدَّمُ، والجَسَدُ، والعَيْنُ، والعِنْدُ، والحَقِيقَةُ، وعَيْنُ الشَّيْءِ، وقَدْرُ دَبْغَةٍ، والعَظَمَةُ، والعِزَّةُ، والهِمَّةُ، والأَنَفَةُ، والغَيْبُ، والإِرادَةُ، والعُقُوبَةُ. ذَكر منها الجَوْهَرِيُّ: الأَوَّلَ، والثّانِيَ، والثالثَ، والرّابعَ، والسابعَ، والثامَن، وما زدْناه على المُصَنِّف، رحِمَه الله، فسيأْتي ذِكْرُه فيما اسْتُدْرِك عليه. وجَمْعُ الكُلِّ: أَنْفُسٌ ونُفُوسٌ.
والنَّفَسٌ، بالتَّحْرِيك: وَاحِدُ الأَنْفَاسِ، وهو خُرُوجُ الرِّيحِ من الأَنْفِ والفَمِ. ويُرَادُ به السَّعَةُ، يُقَال: أَنْتَ فِي نَفَسٍ مِن أَمْرِك؛ أَي سَعَةٍ، قاله الجَوْهَرِيُّ، وهو مَجازٌ، وقال اللَّحْيَانِيُّ: إِنَّ في الماءِ نَفَسًا لِي ولَكَ؛ أَي مُتَّسَعًا وَفَضْلًا. ويُقَال: بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ نَفَسٌ؛ أَي مُتَّسَعٌ.
والنَّفَسُ أَيضًا: الفُسْحَةُ فِي الأَمْرِ، يقال: اعْمَلْ وأَنْتَ في نَفْسٍ؛ أَي فُسْحَةٍ وسَعَةٍ، قَبْلَ الهَرَمِ والأَمْرَاضِ والحَوَادِثِ والآفاتِ.
وفي الصَّحاح: النَّفسُ: الجَرْعَةُ، يُقَال: اكْرَعْ من الإِناءِ نَفَسًا أَو نَفَسَيْنِ؛ أَي جُرْعَةً أَو جُرْعَتَيْنِ ولا تَزِدْ عليه.
والجَمْع: أَنْفَاسٌ، كَسَببٍ وأَسْبَابٍ، قال جَرِيرٌ:
تُعَلِّلُ وَهْيَ ساغِبَةٌ بَنِيهَا *** بأَنْفَاسٍ مِنَ الشَّبِمِ القَرَاحِ
انتَهَى. قال مُحَمدُ بن المُكَرّم: وفي هذا القَوْل نَظَرٌ.
وذلك لأَن النَّفَسَ الوَاحدَ يَجْرَع فيه الإِنْسَان عِدَّةَ جُرَعٍ، يَزيدُ ويَنْقصُ علَى مقْدَار طُولِ نَفَسِ الشّارب وقِصَره، حتّىً إِنّا نَرَى الإِنْسَانَ يَشربُ الإِنَاءَ الكَبِيرَ في نَفَسٍ وَاحِدٍ على عِدَّةِ جُرَعٍ. ويُقَال: فُلانٌ شَرِبَ الإِنَاءَ كُلَّه عَلَى نَفَسٍ وَاحدٍ. والله تَعَالَى أَعْلَم.
وعن ابن الأَعْرَابيِّ: النَّفَسُ الرِّيّ، وسيأْتي أَيْضًا قريبًا.
والنَّفَسُ: الطَّويلِ من الكَلام، وقد تَنَفَّسَ. ومنه حديث عَمَّارٍ: «لقد أَبْلَغْتَ وأَوْجَزْتَ، فلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ»؛ أَي أَطَلْت. وأَصْله: أَنَّ المُتَكَلِّمَ إِذا تَنَفَّسَ استأْنَفَ القَوْل وسَهُلَت عليه الإِطالَة. وقال أَبُو زَيْدٍ: كَتَبْت كِتَابًا نَفَسًا؛ أَي طِويلًا.
وفي قَوْله صلى الله عليه وسلم: «ولا تَسُبُّوا الرِّيح»، والوَاو زائدة، وليست في لَفْظ الحَديث، فإِنَّهَا منْ نَفَسِ الرحْمن». وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: أَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ، وفي رِواية: «نَفَسَ الرَّحْمن» وفي أُخْرَى: «إِنّي لأَجدُ منْ قِبَل اليَمَن» قَال الأَزْهَريُّ: النَّفَسُ في هذين الحَديثَيْن: اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ المَصْدَرِ الحَقيقيِّ مِن نَفَّسَ يُنَفَّسُ تَنْفيسًا ونفَسًا؛ أَي فَرَّجَ عنه الهَمَّ تَفْريجًا، كأَنَّه قال: تَنْفيسَ رَبِّكم من قِبَل اليَمَنِ. وإِنَّ الرِّيحَ مِن تنفِيسِ الرَّحْمنِ بها عن المَكْرُوبِينَ، فالتَّفْرِيج: مَصْدَرٌ حقيقيٌّ، والفَرَجُ، اسمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ المصدرِ، والمَعْنَى: أَنَّهَا؛ أَي الرِّيحُ تُفَرِّجُ الكَرْبَ، وتُنْشِءُ السَّحابَ، وتَنْشُرُ الغَيْثَ، وتُذْهِبُ الجَدْبَ، قال القُتَيْبِيُّ: هَجَمْتُ على وَادٍ خَصِيبٍ وأَهْلُه مُصْفَرَّةٌ أَلْوَانُهُم، فسأَلْتُهُم عن ذلك، فقال شيخٌ منهم: ليسَ لنارِيحٌ. وقولُه في الحَدِيثِ: «مِن قِبَل اليَمَن» لمُرَادُ والله أَعْلَمُ: مَا تَيَسَّر له صلى الله عليه وسلم منْ أَهْل المَدينَةِ المُشَرَّفَة وهُم يَمَانُونَ يَعْني الأَنْصَارَ، وهم من الأَزْد، والأَزْدُ من اليَمَن، من النُّصْرَةِ والإِيواءِ له، والتَّأْييد له برِجَالهم وهو مُسْتَعَارٌ من نَفَس الهَوَاءِ الَّذي يُرَدِّدُه المُتَنَفِّسُ إِلى الجَوْف، فيُبَرِّدُ من حَرَارتِه ويُعَدِّلُها، أَو من نَفَسَ الرِّيح الّذي يَتَنَسَّمُه فيَسْتَرْوحُ إِليه، أَو من نَفَس الرَّوْضة، وهو طِيبُ رَوائحها فيَنْفَرجُ به عنه.
ويقال: شَرَابٌ ذُو نَفَسٍ: فيه سَعَةٌ ورِيٌّ، قالَه ابنُ الأَعْرَابيّ، وقد تقدَّم للمصنِّف ذِكْرُ مَعْنَى السَّعَةِ والرِّيِّ، فلو ذَكَرَ هذا القولَ هناك كانَ أَصابَ، ولعلَّه أَعادَه ليُطَابقَ مع الكَلام الّذي يَذْكُرُه بَعْدُ، وهو قوله: ومن المَجازِ: يقال: شَرَابٌ غَيْرُ ذِي نَفَسٍ أَي كَرِيه الطَّعْمِ آجِنٌ مُتَغَيِّرٌ، إِذا ذاقَه ذائق لم يَتَنَفَّسْ فِيه، وإِنَّمَا هي الشَّرْبَة الأولَى قَدْرَ مَا يُمْسِك رَمَقَه، ثُمَّ لا يَعُودُ له، قال الرَّاعِي ويُرْوَى لأبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيّ:
وشَرْبَة مِنْ شَرَابٍ غَيْرِ ذِي نَفَسٍ *** في كَوْكَبٍ مِن نُجُومِ القَيْظِ وهَّاج
سَقَيْتُهَا صَاديَا تَهوي مَسامِعهُ *** قَدْ ظَنَّ أَنْ لَيْسَ مِن أَصْحَابِهِ نَاجِي
أَي في وَقْتِ كَوْكَبٍ، ويُرْوَى: «في صَرَّةٍ».
والنَّافِسُ: الخَامِسُ مِن سِهَام المَيْسِرِ، قال اللحْيَانِيُّ: وفيه خَمْسَةُ فُرُوض، وله غُنْمُ خَمْسَةِ أَنْصِبَاءَ إِن فازَ، وعَلَيْه غُرْمُ خمْسَةِ أَنْصِبَاءَ إِنْ لم يَفُز، ويقَالُ: هُو الرابعُ، وهذا القَوْلُ مَذْكُورٌ في الصّحاح، والعَجَبُ من المُصَنفِ في تَرْكِه.
وشَيْءٌ نَفِيسٌ ومَنْفوسٌ ومُنْفسٌ كمُخْرجٍ، إِذا كانَ يُتَنَافَس فيه ويُرْغَبُ إِليه لِخَطَرِه، قالَ جَريرٌ:
لَوْ لَمْ تُرِدْ قَتْلَنا جادَتْ بِمُطَّرَفٍ *** مِمَّا يُخَالِطُ حَبَّ القَلْبِ مَنْفوسِ
المُطَّرَف: المُسْتَطْرَف. وقال النَّمِرُ بنُ تَوْلَبٍ، رضي الله تعالَى عنه:
لا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْتُهُ *** فإِذَا هَلَكْتُ فعِنْدَ ذلِك فاجْزَعي
وقد نَفُسَ، ككَرُمَ، نَفَاسَةً، بالفَتْحِ، ونِفَاسا، بالكَسْرِ، ونَفَسًا، بالتَّحْرِيك، ونُفُوسًا، بالضّمّ.
والنَّفِيسُ: المالُ الكَثيرُ الّذِي له قَدْرٌ وخَطَرٌ، كالمُنْفِس، قالَه اللِّحْيَانِيُّ، وفي الصّحاحِ: يُقَال: لفُلانٍ مُنْفِسٌ؛ أَي مالٌ كَثيرٌ. وفي بعض النُّسَخ: مُنْفِسٌ، بغير واو.
ونَفِسَ به، كفَرِحَ، عَن فُلانٍ: ضَنَّ عَلَيْه وبه، ومنه قَوْلَه تَعَالَى {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ} نَفْسِهِ والمَصْدَرُ: النَّفَاسَةُ والنَّفَاسِيَةُ، الأَخِيرَةُ نادرَةٌ.
ونَفِسَ عَلَيْه بِخَيْرٍ قَليلٍ: حَسَدَ، ومنه الحَديثُ: «لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فما نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ».
ونَفِسَ عَلَيْهِ الشَّيءَ نَفَاسَةً: ضَنَّ به، ولم يَرَهُ يَسْتَأْهِلُه؛ أَي أَهْلًا لَهُ، ولم تَطِبْ نَفْسُه أَنْ يَصِلَ إِليه.
ومِنْ المَجَازِ: النِّفَاسُ، بالكَسْر: وِلَادَةُ المَرْأَةِ وفي الصّحاحِ وِلَادُ المَرْأَةِ، مَأْخُوذٌ مِن النَّفْسِ، بِمَعْنَى الدَّمِ، فإِذا وَضَعَتْ فَهي نُفَسَاءُ، كالثُّؤَبَاءِ، ونَفْسَاءُ، بالفَتْح، مِثَالُ حَسْنَاءَ، ويُحَرَّكُ، وقَال ثَعْلَبٌ: النُّفَساءُ: الوَالِدَةُ والحَامِلُ والحَائِضُ، والجمع: نِفَاسٌ ونُفُسٌ*، كجِيَادٍ ورُخَالٍ نَادِرًا؛ أَي بالضّمّ، ومِثْل كُتُبٍ، بضَمَّتَيْنِ، ومِثْل كُتْبٍ، بضمٍّ فسُكُون. ويُجْمَعُ أَيْضًا على نُفَسَاءَ ونُفَسَاوَاتٍ، وامْرَأَتَانِ نُفَسَاوَانِ، أَبْدَلُوا من هَمْزَة التّأْنِيثِ وَاوًا، قال الجَوْهريُّ: ولَيْسَ في الكَلامِ فُعَلاءُ يُجْمَع على فِعَالٍ، بالكَسْرِ، غَيْرَ نُفَسَاءَ وعُشَرَاءَ. انتهى. وليس لهم فُعَلاءُ يُجْمَع عَلى فُعَالٍ؛ أَي بالضَّمّ غَيْرَهَا؛ أَي غيرَ النُّفَسَاءِ، ولذا حُكِمَ عليه بالنَّدْرَة.
وقد نُفِسَتِ المَرْأَهُ كسَمِعَ وعُنِيَ نَفَسًا ونَفَاسَةً ونِفَاسًا؛ أَي وَلَدَتْ، وقال أَبو حَاتِمٍ: ويُقَال: نُفِسَتْ، على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه. وحَكَى ثَعْلَبٌ: نُفِسَتْ وَلَدًا، على فِعْل المَفْعُول، والوَلَدُ مَنْفُوسٌ، ومنه الحَدِيث: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ» أَي مَوْلُودةٍ، وفي حَدِيث ابنِ المُسَيِّبِ: «لا يَرثُ المَنْفُوسُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صارِخًا» أَي حَتّى يُسْمَعَ له صَوْتٌ، ومنه قَوْلُهم: وَرِثَ فُلانٌ هذا قبل أَن يُنْفَسَ فُلانٌ؛ أَي قبلَ أَن يُولَدَ.
ونُفِسَتِ المَرْأَةَ، إِذا حَاضَتْ، رُوِيَ بالوَجْهَيْنِ، ولكِن الكَسْرِ فيه أَكْثَرُ، وأَمّا قولُ الأَزْهَرِيّ: فأَمّا الحَيْضُ فلا يُقَال فيه إِلاّ نَفِسَتْ، بالفَتْح: فالمُرَاد به فَتْحُ النُّونِ لا فَتْحُ العَيْنِ في الماضِي.
ونَفِيسُ بنُ مُحَمَّدِ، مِنْ مَوَالِي الأَنْصَارِ، وقَصْرُه علَى مِيلَيْنِ مِن المَدِينَةِ المُشَرَّفَةِ، على ساكِنها أَفْضَلُ الصّلاةِ والسلامِ، وقد قدَّمْنا ذِكْرَه في القُصُور.
ويقال: لَكَ في هذا الأَمْرِ نُفْسَةٌ، بالضّمّ؛ أَي مُهْلَةٌ ومُتَّسَعٌ.
ونَفُوسَةُ، بالفَتْح: جِبَالٌ بالمَغْرِبٍ بَعْدَ إِفريقِيَّةَ، عاليةٌ نَحْوَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ في أَقلَّ من ذلِك، أَهْلُهَا إِباضِيَّةٌ، وطُولُ هذا الجَبَلِ مَسِيرةُ سِتَّةِ أَيامٍ من الشَّرْقِ إِلى الغَرْبِ، وبينَه وبينَ طَرَابُلُسَ ثلاثَةُ أَيّامٍ، وإِلى القَيْروَانِ سِتَّةُ أَيّامٍ، وفي هذا الجبلِ نَخْلٌ وزَيْتُونٌ وفَواكِهُ، وافْتَتَح عَمْرُو بن العاصِ، رضي الله تعالى عنه، نَفُوسَةَ، وكانُوا نَصَارَى.
نَقَلَه ياقُوت.
وأَنْفَسَهُ الشَّيْءُ: أَعْجَبَهُ بنَفْسِه، ورَغَّبَه فيها، وقال ابنُ القَطّاعِ: صار نَفِيسًا عِنْدَه، ومنه حَدِيثُ إِسماعِيلَ عليهالسلامُ: «أَنَّهُ تَعَلَّم العَرَبِيَّةَ وأَنْفُسَهُم». وأَنْفَسَه في الأَمْرِ: رَغَّبَهُ فيه ويُقَالُ منه: مالٌ مُنْفِسٌ ومُنْفَسٌ، كمُحْسِنٍ ومُكْرَمٍ، الأَخِيرُ عن الفَرّاءِ: أَي نَفِيسٌ، وقيلَ: كَثِيرٌ، وقيل: خَطيرٌ، وعَمَّه اللَّحْيَانِيُّ، فقال: كُلُّ شيْءٍ له خَطَرٌ فهو نَفِيسٌ ومُنْفِسٌ.
ومِن المَجَازِ: تَنَفَّسَ الصُّبْحُ أَي تَبَلَّجَ وامتدَّ حتى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا، وقال الفَرّاءُ في قولِه تعالَى {وَالصُّبْحِ إِذا} تَنَفَّسَ قال: إِذا ارْتَفَع النَّهَارُ حتَّى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا.
وقال مُجَاهِدٌ: {إِذا} تَنَفَّسَ، إِذا طَلَع، وقال الأَخْفَشُ: إِذا أَضاءَ، وقال غيرُه: إِذا انْشَقَّ الفَجْرُ وَانْفَلَق حتَّى يَتَبَيَّنَ منه.
ومِن المَجَاز: تَنَفَّسَتِ القَوْسُ: تَصَدَّعَتْ، ونَفَّسَها هُو: صَدَّعَها، عن كُرَاع، وإِنَّمَا يَتَنَفَّسُ مِنْهَا العِيدَانُ الّتِي لم تُغْلَقْ، وهو خَيْرُ القِسِيِّ، وأَمّا الفِلْقَةُ فلا تَنَفَّسُ. يُقَالُ للنَّهَارِ إِذا زاد: تَنَفَّسَ وكذلك المَوْجُ إِذا نَضَحَ الماءَ وهو مَجَازٌ.
وتَنَفَّس في الإِناءِ: شَرِب مِن غيرِ أَنْ يُبِينَه عن فِيهِ، وهو مَكرُوهٌ.
وتَنَفَّسَ أَيْضًا: شَرِبَ من الإِنَاءِ بثَلاثَةِ أَنْفَاس، فأَبَانَهُ عن فِيهِ في كُلِّ نَفَسٍ، فهو، ضِدٌّ، وفي الحَدِيث «أَنَّه صلى الله عليه وسلم كان يَتَنَفَّسُ في الإِناءِ ثَلاثًا» وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنه نَهَى عَنِ التَّنَفُّسِ في الإِناءِ، قالَ الأَزْهَرِيّ: قال بعضُهُم: الحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، والتَّنفُّسُ له مَعْنَيَانِ، فَذَكَرهما مِثْلَ ما ذَكَرَ المصنِّفُ. ونَافَسَ فيه مُنَافَسَةٌ ونِفَاسًا، إِذا رَغِبَ فيه على وَجْهِ المُباراةِ في الكَرَم، كَتَتَنافَسَ، والمُنَافَسَةُ والتَّنَافُسُ: الرَّغْبَة فِي الشَّيْءِ والانْفرَادُ به، وهو منَ الشَّيْءِ النَّفِيس الجَيِّدِ في نَوعه، وقولُه عَزّ وجلّ: {وَفِي ذلِكَ} فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ أَي فلْيَتَراغَب المُتَرَاغبُونَ.
* وممَّا يُسْتَدْرَك عليه:
قال ابنُ خالَوَيْه: النَّفْسُ: الأَخُ، قال ابنُ بَرّيّ: وشاهدُه قولُه تَعَالَى: {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى} أَنْفُسِكُمْ قلتُ: ويَقْرُبُ من ذلكَ ما فَسَّر به ابنُ عَرَفَةَ قولَه تعالَى: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ} بِأَنْفُسِهِمْ {خَيْرًا} أَي بأَهْل الإِيمان وأَهْل شَرِيعَتهم.
والنَّفْسُ: الإِنْسَانُ جَميعُه، رُوحُه وجَسَدُه، كقولهم: عنْدي ثَلَاثَةُ أَنْفُس، وكقوله تَعَالَى: {أَنْ تَقُولَ} نَفْسٌ {يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} قَالَ السُّهَيْليُّ في الرَّوْض: وإِنَّمَا اتُّسِعَ في النَّفْسِ وعُبِّرَ بهَا عن الجُمْلَة، لغَلَبَةِ أَوْصافِ الجَسَد على الرُّوح حَتَّى صارَ يُسَمَّى نَفْسًا، وطَرَأَ عليه هذا الاسْمُ بسَبَبِ الجَسَد، كما يَطْرَأُ على المَاءِ في الشَّجَر أَسْمَاءٌ على حَسَب اخْتِلافِ أَنواع الشَّجَر، من حُلْوٍ وحامضٍ ومُرٍّ وحِرِّيفٍ، وغير ذلك. انتهى.
وقال اللِّحْيَانِيُّ: الغَرَبُ تقولُ: رَأَيْتُ نَفْسًا وَاحِدَةً، فَتُؤنَّثُ، وكذلك رأَيتُ نَفْسَيْن، فإِذا قالوا: رأَيْتُ ثَلاثَةَ أَنْفُسٍ وأَربَعَةَ أَنْفُسٍ، ذَكَّرُوا، وكذلك جميعُ العَدَد، قال: وقد يكونُ التَّذْكِيرُ في الواحِدِ والاثْنَيْنِ، والتَّأْنِيثُ في الجَمْعِ، قال: وحُكِيَ جميعُ ذلِك عن الكِسَائِيّ. وقال سِيبَوَيْه: وقالُوا ثَلاثَةُ أَنْفُسٍ، يُذكِّرُونَه، لأَنّ النَّفْسَ عِنْدَهُمْ يُرِيدُون به الإِنْسَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُم يَقُولُونَ: نَفْسٌ وَاحِدٌ، فلا يُدخِلون الهاءَ، قالَ: وزَعَم يُونُسُ عن رُؤْيَةَ أَنَّه قال: ثَلاثُ أَنْفُسٍ، على تَأْنِيثِ النَّفْسِ، كما تَقُول: ثلاثُ أَعْيُنٍ، للعَيْنِ مِن النّاسِ، وكما قالُوا: ثَلاثُ أَشْخُصٍ في النِّساءِ، وقال الحُطَيْئَةُ:
ثَلَاثَةُ أَنْفُسِ وثَلَاثُ ذَوْدٍ *** لَقَدْ جارَ الزَّمَانُ علَى عِيَالِي
وقَولُه تعالَى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ} نَفْسٍ {واحِدَةٍ} يَعْنِي آدَم، و [ {زَوْجَها} يعني] حَوَّاءَ، عليهِمَا السلام ويقال: ما رأَيْتُ ثُمَّ نَفْسًا؛ أَي أَحَدًا.
ونَفَسُ السَّاعَةِ، بالتَّحْرِيك، آخِرُ الزَّمَانِ، عن كُراع.
والمُتَنَفِّسُ: ذو النَّفَسُ، ورَجُلٌ ذو نَفس؛ أَي خُلُقٍ.
وثَوْبٌ ذو نَفسٍ؛ أَي جَلَدٍ وقُوَّةٍ.
والنَّفُوسُ، كصَبُورٍ، والنَّفْسَانِيُّ: العَيُونُ الحَسُودُ المُتَعَيِّنُ لأَموالِ النَّاسِ ليُصِيبَها، وهو مَجَازٌ، وما أَنْفَسَهُ؛ أَي ما أَشَدَّ عَيْنَه، هذِه عن اللِّحْيَانِيّ، وما هذا النَّفْسُ؟ أَي الحَسَدُ، وهو مَجَازٌ.
والنَّفْسُ: الفَرَجُ مِن الكَرْبِ، ونَفَّسَ عنه: فَرَّج عنه، ووَسَّع عليه، ورَفَّه له، وكُلُّ تَرَوُّحٍ بَيْنَ شَرْبَتَيْن: نَفَسٌ.
والتَّنَفُّسُ: استِمْدادُ النَّفْسِ، وقد تَنَفَّسَ الرجُلُ، وتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ. وكُلُّ ذِي رِئَةٍ مُتَنَفِّسٌ ودَوَابُّ الماءِ لا رِئَاتِ لَهَا.
ودَارُكَ أَنْفَسُ مِنْ دَارِي أَي أَوْسَعُ، وهذا الثَّوبُ أَنْفَسُ مِن هذا؛ أَي أَعْرَضُ وأَطْوَلُ وأَمْثَلُ. وهذا المكانُ أَنْفَسُ مِن هذا؛ أَي أَبْعَدُ وأَوسَعُ.
وتَنَفَّس في الكلامِ: أَطالَ. وتَنَفَّسَتْ دِجْلَةُ: زادَ ماؤُها.
وزِدْنِي نَفَسًا في أَجَلِي أَي طَوَّلِ الأَجَلَ. عن اللِّحْيَانِيّ، وعنه أَيضًا: تَنَفَّسَ النَّهَارُ: انتصَفَ، وتَنَفَّس أَيضًا: بَعُدَ.
وتَنَفَّسَ العُمْرُ، مِنْه، إِمّا تَرَاخَى وتَبَاعَدَ، وإِمّا اتَّسَع.
وجَادَتْ عينُه عَبْرَةً أَنْفَاسًا؛ أَي ساعةً بَعْدَ ساعةٍ.
وشيءٌ نافِسٌ: رَفُعَ وصارَ مَرْغُوبًا فيه وكذلِكَ رجُلٌ نافِسٌ ونَفِيس، والجَمْع: نِفَاس.
وأَنْفَسَ الشَّيْءُ: صار نَفِيسًا. وهذا أَنْفَسُ مالِي؛ أَي أَحَبُّه وأَكْرَمُه عِنْدِي، وقد أَنْفَسَ المالُ أَنْفَاسًا. ونَفَّسَنِي فيه: رَغَّبَنِي، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ وأَنْشَدَ:
بأَحْسَنَ مِنْه يَوْمَ أَصْبَحَ غادِيًا *** وَنَفَّسَنِي فِيه الحِمَامُ المُعَجَّلُ
قلت: هو لأُحَيْحَةَ بنِ الجَلاحِ، يَرْثِي ابْنَا له، أَو أَخًا له، وقد مَرَّ ذَكْرُه في «هبرز».
ومالٌ نَفِيسٌ: مَضْنُونٌ بهِ.
وَبَلَّغَكَ الله أَنْفَسَ الأَعْمَارِ. وفي عُمُرِه تَنَفُّسٌ ومُتَنَفَّسٌ.
وغائِطٌ مُتَنَفَّسٌ: بَعِيدٌ، وهو مَجَازٌ.
ويُجْمَعُ النُّفَسَاءُ أَيْضًا علَى نُفَّاسٍ ونُفَّسٍ، كرُمّانٍ وسُكَّرٍ، الأَخِيرَةُ عنِ اللِّحْيَانِيّ.
وتَنَفَّسَ الرجُلُ: خَرَجَ مِن تَحْتِه رِيحٌ، وهو على الكِنَايَةِ.
وقال ابنُ شُمَيْلٍ: نَفَّسَ قَوْسَه، إِذا حَطَّ وَتَرَهَا، وتَنَفَّسَ القِدْحُ، كالقَوْسِ، وهو مَجازٌ.
وأَنْفٌ مُتَنَفِّسٌ: أَفْطَسُ، وهو مَجازٌ.
وفُلانٌ يُؤامِرُ نَفْسَيْهِ: إِذا اتَّجَه له رَأْيَانِ، وهو مَجازٌ، قالَه الزَّمَخْشَرِيُّ. قلتُ: وبَيَانُه أَنَّ العَرَبَ قد تَجعَلُ النَّفْسَ الّتِي يكونُ بها التَّمْيِيزُ نَفْسَيْن، وذلِكَ أَنَّ النَّفْسَ قد تَأْمُره بالشَّيْءِ أَو تَنْهَاه عنه، وذلِكَ عندَ الإِقْدامِ على أَمْرٍ مَكْرُوه، فجَعَلُوا الّتي تَأْمُره نَفْسًا، وجَعَلُوا الّتي تَنْهَاه كأَنَّهَا نَفْسٌ أُخْرَى، وعلى ذلك قولُ الشاعِرِ:
يُؤامِرُ نَفْسَيْه وفِي العَيْشِ فُسْحَةٌ *** أَيَسْتَرْجِعُ الذُّؤْبانَ أَمْ لَا يَطُورُها
وأَبُو زُرْعَةَ محمّدُ بنُ نُفَيْسٍ المَصِيصِيُّ، كزُبَيْرٍ، كتَبَ عنه أَبو بَكْرٍ الأَبْهَرِيُّ بحَلَبَ.
وأُمّ القاسِمِ نَفِيسَةُ الحَسَنِيَّةُ، صاحِبهُ المَشْهَدِ بِمِصْرَ، معروفةٌ، وإِليها نُسِبَت الخِطَّةُ.
وبَنُو النَّفِيسِ، كأَمِيرٍ: بَطْنٌ من العَلَويِّينَ بالمَشْهَدِ.
ومُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرّزَّاقِ بنِ نَفيسٍ الدِّمَشْقِىُّ، سَمِع علَى الزَّيْنِ العِراقيّ.
* ومِمّا يُسْتَدْرَك عليه:
نُفْيَاسُ، بالضّمّ: قَرْيَةٌ بشَرْقِيَّةَ مِصْرَ.
ونُفْيُوسُ: أُخْرَى مِن السَّمَنُّودِيَّةِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
7-لسان العرب (نهر)
نهر: النَّهْرُ والنَّهَرُ: وَاحِدُ الأَنْهارِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: النَّهْرُ والنَّهَر مِنْ مَجَارِي الْمِيَاهِ، وَالْجَمْعُ أَنْهارٌ ونُهُرٌ ونُهُورٌ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:سُقِيتُنَّ، مَا زالَتْ بكِرْمانَ نَخْلَةٌ، ***عَوامِرَ تَجْري بينَكُنَّ نُهُورُ
هَكَذَا أَنشده مَا زَالَتْ، قَالَ: وأُراهُ مَا دَامَتْ، وَقَدْ يَتَوَجَّهُ مَا زَالَتْ عَلَى مَعْنَى مَا ظَهَرَتْ وَارْتَفَعَتْ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
كأَنَّ رَحْلي، وَقَدْ زالَ النَّهارُ بِنَا ***يَوْمَ الجَلِيلِ، عَلَى مُسْتأْنِسٍ وَحِدِ
وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهْرانِ مُؤْمِنَانِ ونَهْرانِ كَافِرَانِ، فَالْمُؤْمِنَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَالْكَافِرَانِ دِجْلَةُ وَنَهْرُ بَلْخٍ».
ونَهَرَ الماءُ إِذا جرى فِي الأَرض وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نَهَرًا.
ونَهَرْتُ النَّهْرَ: حَفَرْتُه.
ونَهَرَ النَّهْرَ يَنْهَرُهُ نَهْرًا: أَجراه.
واسْتَنْهَرَ النَّهْرَ إِذا أَخذ لِمَجْراهُ مَوْضِعًا مَكِينًا.
والمَنْهَرُ: مَوْضِعٌ فِي النَّهْرِ يَحْتَفِرُه الماءُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: مَوْضِعُ النَّهْرِ.
والمَنْهَرُ: خَرْق فِي الحِصْنِ نافذٌ يَجْرِي مِنْهُ الْمَاءُ، وَهُوَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنس: «فأَتَوْا مَنْهَرًا فاختَبَؤوا».
وَحَفَرَ الْبِئْرَ حَتَّى نَهِرَ يَنْهَرُ أَي بَلَغَ الْمَاءَ، مُشْتَقٌّ مِنَ النَّهْرِ.
التَّهْذِيبُ: حَفَرْتُ الْبِئْرَ حَتَّى نَهِرْتُ فأَنا أَنْهَرُ أَي بلغتُ الْمَاءَ.
ونَهَر الماءُ إِذا جَرى فِي الأَرض وَجَعَلَ لِنَفْسِهِ نَهْرًا.
وَكُلُّ كَثِيرٍ جَرَى، فَقَدْ نَهَرَ واسْتَنْهَر.
الأَزهري: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي العَوَّاءَ والسِّماكَ أَنْهَرَيْنِ لِكَثْرَةِ مَائِهِمَا.
والنَّاهُور: السَّحَابُ؛ وأَنشد: " أَو شُقَّة خَرَجَتْ مِنْ جَوْفِ ناهُورِ "ونَهْرٌ وَاسِعٌ: نَهِرٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَقامت بِهِ، فابْتَنَتْ خَيْمَةً ***عَلَى قَصَبٍ وفُراتٍ نَهِرْ
وَالْقَصَبُ: مَجَارِي الْمَاءِ مِنَ الْعُيُونِ، وَرَوَاهُ الأَصمعي: وفُراتٍ نَهَرْ، عَلَى الْبَدَلِ، ومَثَّلَه لأَصحابه فَقَالَ: هُوَ كَقَوْلِكَ مَرَرْتُ بظَرِيفٍ رجلٍ، وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي مِنْ أَن سايَةَ وادٍ عظِيمٌ فِيهِ أَكثر مِنْ سَبْعِينَ عَيْنًا نَهْرًا تَجْرِي، إِنما النَّهْرُ بَدَلٌ مِنَ الْعَيْنِ.
وأَنْهَرَ الطَّعْنَةَ: وسَّعها؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ يَصِفُ طَعْنَةً:
مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَها، ***يَرى قائمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وراءَها
مَلَكْتُ أَي شَدَدْتُ وَقَوَّيْتُ.
وَيُقَالُ: طَعَنَهُ طَعْنَةً أَنْهَرَ فَتْقَها أَي وسَّعه؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ قَوْلَ أَبي ذُؤَيْبٍ.
وأَنْهَرْتُ الدمَ أَي أَسلته.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنْهِرُوا الدمَ بِمَا شِئْتُمْ إِلا الظُّفُرَ والسِّنَّ».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَا أَنْهَرَ الدمَ فَكُلْ "؛ الإِنهار الإِسالة وَالصَّبُّ بِكَثْرَةٍ، شَبَّهَ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعِ الذَّبْحِ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ، وإِنما نَهَى عَنِ السِّنِّ وَالظُّفْرِ لأَن مَنْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ بِهِمَا خَنَقَ المذبوحَ وَلَمْ يَقْطَعْ حَلْقَه.
والمَنْهَرُ: خَرْقٌ فِي الحِصْنِ نافذٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءِ، وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنَ النَّهر، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ: «أَنه قُتِلَ وَطُرِحَ فِي مَنْهَرٍ مِنْ مَنَاهِيرِ خَيْبَرَ».
وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}، فَقَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بِهِ السَّعَةَ والضِّياءَ وأَن يَعْنِيَ بِهِ النَّهْرَ الَّذِي هُوَ مَجْرَى الْمَاءِ عَلَى وَضْعِ الْوَاحِدِ مَوْضِعَ الْجَمِيعِ؛ قَالَ:
لَا تُنْكِرُوا القَتْلَ، وَقَدْ سُبِينا، ***فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وَقَدْ شُجِينا
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ "؛ أَي فِي ضِيَاءٍ وَسَعَةٍ لأَن الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهَا لَيْلٌ إِنما هُوَ نُورٌ يتلألأُ، وَقِيلَ: نَهَرٌ أَي أَنهار.
وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: نَهَرٌ جَمْعُ نُهُرٍ، وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ للنَّهار.
وَيُقَالُ: هُوَ وَاحِدُ نَهْرٍ كَمَايُقَالُ شَعَرٌ وشَعْرٌ، وَنَصْبُ الْهَاءِ أَفصح.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: فِي جَنَّاتٍ ونَهَرٍ، مَعْنَاهُ أَنهار.
كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، أَي الأَدْبارَ، وَقَالَ أَبو إِسحاق نَحْوَهُ وَقَالَ: الِاسْمُ الْوَاحِدُ يَدُلُّ عَلَى الْجَمِيعِ فيجتزأُ بِهِ عَنِ الْجَمِيعِ وَيُعَبَّرُ بِالْوَاحِدِ عَنِ الْجَمْعِ، كَمَا قَالَ تعالى: {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ.
وَمَاءٌ نَهِرٌ: كَثِيرٌ.
وَنَاقَةٌ نَهِرَة: كَثِيرَةُ النَّهر؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
حَنْدَلِسٌ غَلْباءُ مِصْباح البُكَرْ، ***نَهِيرَةُ الأَخْلافِ فِي غيرِ فَخَرْ
حَنْدَلِسٌ: ضَخْمَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَالْفَخْرُ: أَن يَعْظُمَ الضَّرْعُ فَيَقِلُّ اللَّبَنُ.
وأَنْهَرَ العِرْقُ: لَمْ يَرْقَأْ دَمُه.
وأَنْهَرَ الدمَ: أَظهره وأَساله.
وأَنْهَرَ دَمَه أَي أَسال دَمَهُ.
وَيُقَالُ: أَنْهَرَ بطنُه إِذا جَاءَ بطنُه مثلَ مَجِيءِ النَّهَرِ.
وَقَالَ أَبو الجَرَّاحِ: أَنْهَرَ بطنُه واسْتَطْلَقَتْ عُقَدُه.
وَيُقَالُ: أَنْهَرْتُ دَمَه وأَمَرْتُ دَمَه وهَرَقْتُ دَمَه.
والمَنْهَرَةُ: فَضَاءٌ يَكُونُ بَيْنَ بُيُوتِ الْقَوْمِ وأَفْنيتهم يَطْرَحُونَ فِيهِ كُناساتِهم.
وحَفَرُوا بِئْرًا فأَنْهَرُوا: لَمْ يُصِيبُوا خَيْرًا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
والنَّهار: ضِياءُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلى غُرُوبِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّهَارُ انْتِشَارُ ضَوْءِ الْبَصَرِ وَاجْتِمَاعِهِ، وَالْجَمْعُ أَنْهُرٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، ونُهُرٌ عَنْ غَيْرِهِ.
الْجَوْهَرِيُّ: النَّهَارُ ضِدَّ اللَّيْلِ، وَلَا يُجْمَعُ كَمَا لَا يُجْمَعُ الْعَذَابُ والسَّرابُ، فإِن جَمَعْتَ قُلْتَ فِي قَلِيلِهِ: أَنْهُر، وَفِي الْكَثِيرِ: نُهُرٌ، مِثْلُ سَحَابٍ وسُحُب.
وأَنْهَرْنا: مِنَ النَّهَارِ؛ وأَنشد ابْنُ سِيدَهْ:
لَوْلَا الثَّرِيدَانِ لَمُتْنا بالضُّمُرْ: ***ثَرِيدُ لَيْلٍ وثَرِيدٌ بالنُّهُرْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَا يُجْمَعُ، وَقَالَ فِي أَثناء التَّرْجَمَةِ: النُّهُر جَمْعُ نَهار هَاهُنَا.
وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ قَالَ: النَّهَارُ اسْمٌ وَهُوَ ضِدُّ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارُ اسْمٌ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَاللَّيْلُ اسْمٌ لِكُلِّ لَيْلَةٍ، لَا يُقَالُ نَهَارٌ وَنَهَارَانِ وَلَا لَيْلٌ وَلَيْلَانِ، إِنما وَاحِدُ النَّهَارِ يَوْمٌ، وَتَثْنِيَتُهُ يَوْمَانِ، وَضِدُّ الْيَوْمِ لَيْلَةٌ، ثُمَّ جَمَعُوهُ نُهُرًا؛ وأَنشد: " ثَرِيدُ لَيْلٍ وَثَرِيدٌ بالنُّهُر "وَرَجُلٌ نَهِرٌ: صَاحِبُ نَهَارٍ عَلَى النَّسَبِ، كَمَا قَالُوا عَمِلٌ وطَعِمٌ وسَتِهٌ؛ قَالَ: " لَسْتُ بلَيْلِيٍّ وَلَكِنِّي نَهِرْ "قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَوْلُهُ بليليٍّ يَدُلُّ أَن نَهِرًا عَلَى النَّسَبِ حَتَّى كأَنه قَالَ نَهاريٌّ.
وَرَجُلٌ نَهِرٌ أَي صاحب نَهارٍ يُغِيرُ فِيهِ؛ قَالَ الأَزهري وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنْشِدُ:
إِن تَكُ لَيْلِيًّا فإِني نَهِرُ، ***مَتَى أَتى الصُّبْحُ فَلَا أَنْتَظِرُ
قَالَ: وَمَعْنَى نَهِر أَي صَاحِبُ نَهَارٍ لَسْتُ بِصَاحِبِ لَيْلٍ؛ وَهَذَا الرَّجَزُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ: " إِن كنتَ لَيْلِيًّا فإِني نَهِرُ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ مُغَيَّرٌ، قَالَ: وَصَوَابُهُ عَلَى مَا أَنشده سِيبَوَيْهِ:
لستُ بلَيْلِيٍّ وَلَكِنِّي نَهِرْ، ***لَا أُدْلِجُ الليلَ، وَلَكِنْ أَبْتَكِرْ
وَجَعَلَ نَهِر فِي مُقَابَلَةِ لَيْلِيٍّ كأَنه قَالَ: لَسْتُ بِلَيْلِيٍّ وَلَكِنِّي نَهَارِيٌّ.
وَقَالُوا: نهارٌ أَنْهَرُ كَلَيْلٍ أَلْيَل ونَهارٌ نَهِرٌ كَذَلِكَ؛ كِلَاهُمَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ.
واسْتَنْهَرَ الشيءُ أَي اتَّسَعَ.
والنَّهار: فَرْخُ القَطا والغَطاط، وَالْجَمْعُ أَنْهِرَةٌ، وَقِيلَ: النَّهار ذكرالبُوم، وَقِيلَ: هُوَ وَلَدُ الكَرَوانِ، وَقِيلَ: هُوَ ذَكَرُ الحُبَارَى، والأُنثى لَيْلٌ.
الْجَوْهَرِيُّ: وَالنَّهَارُ فَرْخُ الْحُبَارَى؛ ذَكَرَهُ الأَصمعي فِي كِتَابِ الْفَرْقِ.
وَاللَّيْلُ: فَرْخُ الْكَرَوَانِ؛ حَكَاهُ ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ؛ قَالَ: وَحَكَى التَّوْزِيُّ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ أَن جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَدِمَ مِنْ عِنْدِ الْمَهْدِيِّ فَبَعَثَ إِلى يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ فَقَالَ إِني وأَمير المؤْمنين اخْتَلَفْنَا فِي بَيْتِ الْفَرَزْدَقِ وَهُوَ:
والشَّيْبُ يَنْهَضُ فِي السَّوادِ كأَنه ***ليلٌ، يَصِيح بجانِبيهِ نَهارُ
مَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ؟ فَقَالَ لَهُ: اللَّيْلُ هُوَ اللَّيْلُ الْمَعْرُوفُ، وَكَذَلِكَ النَّهَارُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: زَعَمَ الْمَهْدِيُّ أَنَّ اللَّيْلَ فَرْخُ الكَرَوان وَالنَّهَارُ فرخُ الحُبارَى، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الْقَوْلُ عِنْدِي مَا قَالَ يُونُسُ، وأَما الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَهْدِيُّ فَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْغَرِيبِ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعِهِ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَدْ ذَكَرَ أَهل الْمَعَانِي أَن الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَهُ يُونُسُ، وإِن كَانَ لَمْ يُفَسِّرْهُ تَفْسِيرًا شَافِيًا، وإِنه لَمَّا قَالَ: لَيْلٌ يَصِيحُ بِجَانِبَيْهِ نَهَارُ، فَاسْتَعَارَ لِلنَّهَارِ الصِّيَاحَ لأَن النَّهَارَ لَمَّا كَانَ آخِذًا فِي الإِقبال والإِقدام وَاللَّيْلَ آخَذُ فِي الإِدبار، صَارَ النَّهَارُ كأَنه هَازِمٌ، وَاللَّيْلُ مَهْزُومٌ، وَمِنْ عَادَةِ الْهَازِمِ أَنه يَصِيحُ عَلَى الْمَهْزُومِ؛ أَلا تَرَى إِلى قَوْلِ الشَّمَّاخ:
ولاقَتْ بأَرْجاءِ البَسِيطَةِ سَاطِعًا ***مِنَ الصُّبح، لمَّا صَاحَ بِاللَّيْلِ نَفَّرَا
فَقَالَ: صَاحَ بِاللَّيْلِ حَتَّى نَفَر وَانْهَزَمَ؛ قَالَ: وَقَدِ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِ:
خَلِيلَيَّ، هُبَّا فانْصُراها عَلَى الدُّجَى ***كتائبَ، حَتَّى يَهْزِمَ الليلَ هازِمُ
وَحَتَّى تَرَى الجَوْزاءَ تَنثُر عِقْدَها، ***وتَسْقُطَ مِنْ كَفِّ الثُّريَّا الخَواتمُ
والنَّهْر: مِنَ الِانْتِهَارِ.
ونَهَرَ الرجلَ يَنْهَرُه نَهْرًا وانْتَهَرَه: زَجَرَه.
وَفِي التَّهْذِيبِ: نَهَرْتَه وانْتَهرْتُه إِذا اسْتَقْبَلْتَهُ بِكَلَامٍ تَزْجُرُهُ عَنْ خَبَرٍ.
قَالَ: والنَّهْرُ الدَّغْر وَهِيَ الخُلْسَةُ.
ونَهار: اسْمُ رَجُلٍ.
وَنَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ: اسْمُ شَاعِرٍ مِنْ تَمِيمٍ.
والنَّهْرَوانُ: مَوْضِعٌ، وَفِي الصِّحَاحِ: نَهْرَوانُ، بِفَتْحِ النُّونِ وَالرَّاءِ، بَلْدَةٌ، والله أَعلم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
8-لسان العرب (نفس)
نفس: النَّفْس: الرُّوحُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لَيْسَ مِنْ غَرَضِ هَذَا الكتاب، قال أَبو إِسحق: النَّفْس فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَجْرِي عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحدهما قَوْلُكَ خَرَجَتْ نَفْس فُلَانٍ أَي رُوحُه، وَفِي نَفْس فُلَانٍ أَن يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا أَي فِي رُوعِه، والضَّرْب الْآخَرُ مَعْنى النَّفْس فِيهِ مَعْنى جُمْلَةِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، تَقُولُ: قتَل فلانٌ نَفْسَه وأَهلك نَفْسَه أَي أَوْقَعَ الإِهْلاك بِذَاتِهِ كلِّها وحقيقتِه، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ "أَنْفُس ونُفُوس؛ قَالَ أَبو خِرَاشٍ فِي مَعْنَى النَّفْس الرُّوحِ:نَجَا سالِمٌ والنَّفْس مِنْه بِشِدقِهِ، ***وَلَمْ يَنْجُ إِلا جَفْنَ سَيفٍ ومِئْزَرَا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ لِحُذَيْفَةَ بْنِ أَنس الْهُذَلِيِّ وَلَيْسَ لأَبي خِرَاشٍ كَمَا زَعَمَ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَوْلُهُ نَجَا سَالِمٌ وَلَمْ يَنْجُ كَقَوْلِهِمْ أَفْلَتَ فلانٌ وَلَمْ يُفْلِتْ إِذا لَمْ تُعَدَّ سلامتُه سَلَامَةً، وَالْمَعْنَى فِيهِ لَمْ يَنْجُ سالِمٌ إِلا بِجَفْنِ سيفِه ومئزرِه وَانْتِصَابُ الْجَفْنِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ أَي لَمْ يَنْجُ سَالِمٌ إِلا جَفْنَ سَيْفٍ، وَجَفْنُ السَّيْفِ مُنْقَطِعٌ مِنْهُ، وَالنَّفْسُ هَاهُنَا الرُّوحُ كَمَا ذُكِرَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فَاظَتْ نَفْسُه؛ وَقَالَ الشَّاعِرِ:
كادَت النَّفْس أَنْ تَفِيظَ عَلَيْهِ، ***إِذْ ثَوَى حَشْوَ رَيْطَةٍ وبُرُودِ
قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: النَّفْس الرُّوحُ، والنَّفْس مَا يَكُونُ بِهِ التَّمْيِيزُ، والنَّفْس الدَّمُ، والنَّفْس الأَخ، والنَّفْس بِمَعْنَى عِنْد، والنَّفْس قَدْرُ دَبْغة.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَما النَّفْس الرُّوحُ والنَّفْسُ مَا يَكُونُ بِهِ التَّمْيِيزُ فَشاهِدُهُما قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها "، فالنَّفْس الأُولى هِيَ الَّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ، والنَّفْس الثَّانِيَةُ الَّتِي تَزُولُ بِزَوَالِ الْعَقْلِ؛ وأَما النَّفْس الدَّمُ فَشَاهِدُهُ قَوْلُ السموأَل:
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا، ***ولَيْسَتْ عَلى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
وإِنما سُمِّيَ الدَّمُ نَفْسًا لأَن النَّفْس تَخْرُجُ بِخُرُوجِهِ، وأَما النَّفْس بِمَعْنَى الأَخ فَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ، وأَما الَّتِي بِمَعْنَى عِنْد فَشَاهِدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ "؛ أَي تَعْلَمُ مَا عِنْدِي وَلَا أَعلم مَا عِنْدَكَ، والأَجود فِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الأَنباري: إِن النَّفْس هُنَا الغَيْبُ، أَي تَعْلَمُ غَيْبِي لأَن النَّفْس لَمَّا كَانَتْ غَائِبَةً أُوقِعَتْ عَلَى الغَيْبِ، وَيَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، كأَنه قَالَ: تَعْلَمُ غَيْبي يَا عَلَّام الغُيُوبِ.
وَالْعَرَبُ قَدْ تَجْعَلُ النَّفْس الَّتِي يَكُونُ بِهَا التَّمْيِيزُ نَفْسَيْن، وَذَلِكَ أَن النَّفْس قَدْ تأْمره بِالشَّيْءِ وَتَنْهَى عَنْهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ الإِقدام عَلَى أَمر مَكْرُوهٍ، فَجَعَلُوا الَّتِي تأْمره نَفْسًا وَجَعَلُوا الَّتِي تَنْهَاهُ كأَنها نَفْسٌ أُخرى؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يؤَامِرُ نَفْسَيْهِ، وَفِي العَيْشِ فُسْحَةٌ، ***أَيَسْتَرْجِعُ الذُّؤْبَانَ أَمْ لَا يَطُورُها؟
وأَنشد الطَّوْسِيُّ:
لمْ تَدْرِ مَا لَا؛ ولَسْتَ قائِلَها، ***عُمْرَك مَا عِشْتَ آخِرَ الأَبَدِ
وَلمْ تُؤَامِرْ نَفْسَيْكَ مُمْتَريًا ***فِيهَا وَفِي أُخْتِها، وَلَمْ تَكَدِ
وَقَالَ آخَرُ:
فَنَفْسَايَ نَفسٌ قَالَتِ: ائْتِ ابنَ بَحْدَلٍ، ***تَجِدْ فَرَجًا مِنْ كلِّ غُمَّى تَهابُها
ونَفْسٌ تَقُولُ: اجْهَدْ نَجَاءَكَ، لا تَكُنْ ***كَخَاضِبَةٍ لَمْ يُغْنِ عَنْها خِضَابُهَا
والنَّفْسُ يعبَّر بِهَا عَنِ الإِنسان جَمِيعِهِ كَقَوْلِهِمْ: عِنْدِي ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ.
وَكَقَوْلِهِ تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}؛ أَي تَعْلَمُ مَا أُضْمِرُ وَلَا أَعلم مَا فِي نَفْسِكَ أَي لَا أَعلم مَا حقِيقَتُك وَلَا مَا عِنْدَكَ عِلمُه، فالتأَويل تعلَمُ مَا أَعلَمُ وَلَا أَعلَمُ مَا تعلَمُ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}؛ أَي يُحَذِّرُكُمْ إِياه، وَقَوْلُهُ تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها}؛ رُوِيَ عَنِ" ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: لِكُلِّ إِنْسَانٍ نَفْسان: إِحداهما نَفْس العَقْل الَّذِي يَكُونُ بِهِ التَّمْيِيزُ، والأُخرى نَفْس الرُّوح الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ.
وَقَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري: مِنَ اللُّغَوِيِّينَ مَنْ سَوَّى النَّفْس والرُّوح وَقَالَ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ إِلا أَن النَّفْس مُؤَنَّثَةٌ والرُّوح مُذَكَّرٌ، قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ الرُّوحُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْحَيَاةُ، والنَّفْس هِيَ الَّتِي بِهَا الْعَقْلُ، فإِذا نَامَ النَّائِمُ قَبَضَ اللَّه نَفْسه وَلَمْ يَقْبِضْ رُوحه، وَلَا يَقْبِضُ الرُّوحَ إِلا عِنْدَ الْمَوْتِ، قَالَ: وَسُمِّيَتِ النَّفْسُ نَفْسًا لِتَوَلُّدِ النَّفَسِ مِنْهَا وَاتِّصَالِهِ بِهَا، كَمَا سَّموا الرُّوح رُوحًا لأَن الرَّوْحَ مَوْجُودٌ بِهِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِكُلِّ إِنسان نَفْسان: إِحداهما نَفْس التَّمْيِيزِ وَهِيَ الَّتِي تُفَارِقُهُ إِذا نَامَ فَلَا يَعْقِلُ بِهَا يَتَوَفَّاهَا اللَّه كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى، والأُخرى نَفْسُ الْحَيَاةِ وإِذا زَالَتْ زَالَ مَعَهَا النَّفَسُ، وَالنَّائِمُ يَتَنَفَّسُ، قَالَ: وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَوَفِّي نَفْس النَّائِمِ فِي النَّوْمِ وتَوفِّي نَفْس الْحَيِّ؛ قَالَ: وَنَفْسُ الْحَيَاةِ هِيَ الرُّوح وَحَرَكَةُ الإِنسان ونُمُوُّه يَكُونُ بِهِ، والنَّفْس الدمُ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا لَيْسَ لَهُ نَفْس سَائِلَةٌ فإِنه لَا يُنَجِّس الْمَاءَ إِذا مَاتَ فِيهِ، وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنه قَالَ: كلُّ شَيْءٍ لَهُ نَفْس سَائِلَةٌ فَمَاتَ فِي الإِناء فإِنه يُنَجِّسه، أَراد كُلَّ شَيْءٍ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْهُ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَتْ لَهُ نَفْس سَائِلَةٌ فإِنه لَا يُنَجِّس الْمَاءَ إِذا سَقَطَ فِيهِ»أَي دَمٍ سَائِلٍ.
والنَّفْس: الجَسَد؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ يُحَرِّض عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ وَهُمْ قتَلَة أَبيه الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ يَوْمَ عَيْنِ أَباغٍ وَيَزْعُمُ أَن عَمْرو بْنَ شِمْرٍ الْحَنَفِيَّ قَتَلَهُ:
نُبِّئْتُ أَن بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلوا ***أَبْياتَهُمْ تامُورَ نَفْس المُنْذِر
فَلَبئسَ مَا كَسَبَ ابنُ عَمرو رَهطَهُ ***شمرٌ وَكَانَ بِمَسْمَعٍ وبِمَنْظَرِ
والتامُورُ: الدَّمُ، أَي حَمَلُوا دَمَهُ إِلى أَبياتهم وَيُرْوَى بَدَلَ رَهْطِهِ قَوْمَهُ وَنَفْسَهُ.
اللِّحْيَانِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ رأَيت نَفْسًا وَاحِدَةً فَتُؤَنِّثُ وَكَذَلِكَ رأَيت نَفْسَين فإِذا قَالُوا رأَيت ثَلَاثَةَ أَنفُس وأَربعة أَنْفُس ذَكَّرُوا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْعَدَدِ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ التذكير في الواحد وَالِاثْنَيْنِ والتأْنيث فِي الْجَمْعِ، قَالَ: حُكِيَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا ثَلَاثَةُ أَنْفُس يُذكِّرونه لأَن النَّفْس عِنْدَهُمْ إِنْسَانٌ فَهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ الإِنسان، أَلا تَرَى أَنهم يَقُولُونَ نَفْس وَاحِدٌ فَلَا يُدْخِلُونَ الْهَاءَ؟ قَالَ: وَزَعَمَ يُونُسُ عَنْ رُؤْبَةَ أَنه قَالَ ثَلَاثُ أَنْفُس عَلَى تأْنيث النَّفْس كَمَا تَقُولُ ثَلَاثُ أَعْيُنٍ لِلْعَيْنِ مِنَ النَّاسِ، وَكَمَا قَالُوا ثَلَاثُ أَشْخُصٍ فِي النِّسَاءِ؛ وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
ثلاثَةُ أَنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ، ***لَقَدْ جَارَ الزَّمانُ عَلَى عِيالي
وَقَوْلُهُ تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ}؛ يعي آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وزوجَها يَعْنِي حَوَّاءَ.
وَيُقَالُ: مَا رأَيت ثمَّ نَفْسًا أَي مَا رأَيت أَحدًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «بُعِثْتُ فِي نَفَس السَّاعَةِ»أَي بُعِثْتُ وَقَدْ حَانَ قيامُها وقَرُبَ إِلا أَن اللَّه أَخرها قَلِيلًا فَبَعَثَنِي فِي ذَلِكَ النَّفَس، وأَطلق النَّفَس عَلَى الْقُرْبِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه جَعَلَ لِلسَّاعَةِ نَفَسًا كَنَفَس الإِنسان، أَراد: إِني بُعِثْتُ فِي وَقْتٍ قَرِيبٍ مِنْهَا، أَحُس فِيهِ بنَفَسِها كَمَا يَحُس بنَفَس الإِنسان إِذا قَرُبَ مِنْهُ، يَعْنِي بُعِثْتُ فِي وقتٍ بانَتْ أَشراطُها فِيهِ وَظَهَرَتْ عَلَامَاتُهَا؛ وَيُرْوَى: فِي نَسَمِ السَّاعَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ والمُتَنَفِّس: ذُو النَّفَس.
ونَفْس الشَّيْءِ: ذَاتُهُ؛ وَمِنْهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ نَزَلْتُ بنَفْس الْجَبَلِ، ونَفْسُ الْجَبَلِ مُقابِلي، ونَفْس الشَّيْءِ عَيْنه يُؤَكَّدُ بِهِ.
يُقَالُ: رأَيت فُلَانًا نَفْسه، وجائني بَنَفْسِه، وَرَجُلٌ ذُو نَفس أَي خُلُق وجَلَدٍ، وَثَوْبٌ ذُو نَفس أَي أَكْلٍ وقوَّة.
والنَّفْس: العَيْن.
والنَّافِس: الْعَائِنُ.
والمَنْفوس: المَعْيون.
والنَّفُوس: العَيُون الحَسُود الْمُتَعَيِّنُ لأَموال النَّاسِ ليُصيبَها، وَمَا أَنْفَسه أَي مَا أَشدَّ عَيْنَهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
وَيُقَالُ: أَصابت فُلَانًا نَفْس، ونَفَسْتُك بنَفْس إِذا أَصَبْتَه بِعَيْنٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ الرُّقْيَة إِلا فِي النَّمْلة والحُمَة والنَّفْس»؛ النَّفْس: الْعَيْنُ، هُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، عَنْ أَنس.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَنه مَسَحَ بطنَ رَافِعٍ فأَلقى شَحْمَةً خَضْراء فَقَالَ: إِنه كَانَ فِيهَا أَنْفُس سَبْعَة»، يُرِيدُ عُيُونَهُمْ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" ابْنِ عَبَّاسٍ: الكِلابُ مِنَ الجِنِّ فإِن غَشِيَتْكُم عِنْدَ طَعَامِكُمْ فأَلقوا لَهُنَّ فإِن لَهُنَّ أَنْفُسًا أَي أَعْينًا.
ويقالُ: نَفِس عَلَيْكَ فلانٌ يَنْفَسُ نَفَسًا ونَفاسَةً أَي حَسَدك.
ابْنُ الأَعرابي: النَّفْس العَظَمَةُ والكِبر والنَّفْس العِزَّة والنَّفْس الهِمَّة والنَّفْس عَيْنُ الشَّيْءِ وكُنْهُه وجَوْهَره، والنَّفْس الأَنَفَة والنَّفْس الْعَيْنُ الَّتِي تُصِيبُ المَعِين.
والنَّفَس: الفَرَج مِنَ الْكَرْبِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تسبُّوا الرِّيحَ فإِنها مِنْ نَفَس الرَّحْمَنِ»، يُرِيدُ أَنه بِهَا يُفرِّج الكربَ ويُنشِئ السحابَ ويَنشر الْغَيْثَ ويُذْهب الجدبَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي مِمَّا يُوَسِّعُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَجد نَفَس رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَجد نَفَس الرَّحْمَنِ»؛ يُقَالُ إِنه عَنَى بِذَلِكَ الأَنصار لأَن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَفَّس الكربَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ، وَهُمْ يَمانُونَ لأَنهم مِنَ الأَزد، ونَصَرهم بِهِمْ وأَيدهم بِرِجَالِهِمْ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ نَفَس الْهَوَاءِ الَّذِي يَرُده التَّنَفُّس إِلى الْجَوْفِ فَيُبَرِّدُ مِنْ حَرَارَتِهِ ويُعَدِّلُها، أَو مِنْ نَفَس الرِّيحِ الَّذِي يَتَنَسَّمُه فيَسْتَرْوِح إِليه، أَو مِنْ نَفَس الرَّوْضَةِ وَهُوَ طِيب رَوَائِحِهَا فَيَنْفَرِجُ بِهِ عَنْهُ، وَقِيلَ: النَّفَس فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرَ الْحَقِيقِيِّ مِنَ نَفّسَ يُنَفِّسُ تَنْفِيسًا ونَفَسًا، كَمَا يُقَالُ فَرَّجَ يُفَرِّجُ تَفْريجًا وفَرَجًا، كأَنه قَالَ: أَجِدُ تَنْفِيسَ ربِّكم مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، وإِن الرِّيحَ مِنْ تَنْفيس الرَّحْمَنِ بِهَا عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، والتَّفْريج مَصْدَرٌ حَقِيقِيٌّ، والفَرَج اسْمٌ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: الرِّيحُ مِنْ نَفَس الرَّحْمَنِ أَي مِنْ تَنْفِيسِ اللَّه بِهَا عَنِ الْمَكْرُوبِينَ وَتَفْرِيجِهِ عَنِ الْمَلْهُوفِينَ.
قَالَ الْعُتْبِيُّ: هَجَمْتُ عَلَى وَادٍ خَصِيبٍ وأَهله مُصْفرَّة أَلوانهم فسأَلتهم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُمْ: لَيْسَ لَنَا رِيحٌ.
والنَّفَس: خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ الأَنف وَالْفَمِ، وَالْجَمْعُ أَنْفاس.
وَكُلُّ تَرَوُّح بَيْنَ شَرْبَتَيْنِ نَفَس.
والتَنَفُّس: اسْتِمْدَادُ النَفَس، وَقَدْ تَنَفَّس الرجلُ وتَنَفَّس الصُّعَداء، وَكُلُّ ذِي رِئَةٍ مُتَنَفِّسٌ، وَدَوَابُّ الْمَاءِ لَا رِئاتَ لَهَا.
والنَّفَس أَيضًا: الجُرْعَة؛ يُقَالُ: اكْرَع فِي الإِناء نَفَسًا أَو نَفَسَين أَي جُرْعة أَو جُرْعَتين وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ، وَالْجَمْعُ أَنْفاس مِثْلُ سَبَبٍ وأَسباب؛ قال جرجر:
تُعَلِّلُ، وَهْيَ ساغِبَةٌ، بَنِيها ***بأَنْفاسٍ من الشَّدِمِ القَراحِ
وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الإِناء».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنه كَانَ يَتَنفّسُ فِي الإِناء ثَلَاثًا يَعْنِي فِي "الشُّرْبِ؛ قَالَ الأَزهري: قَالَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ.
والتَنَفُّس لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما أَن يَشْرَبَ وَهُوَ يَتَنَفَّسُ فِي الإِناء مِنْ غَيْرِ أَن يُبِينَه عَنْ فِيهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، والنَّفَس الْآخَرُ أَن يَشْرَبَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنَ الإِناء بِثَلَاثَةِ أَنْفاسٍ يُبينُ فَاهُ عَنِ الإِناء فِي كُلِّ نَفَسٍ.
وَيُقَالُ: شَرَابٌ غَيْرُ ذِي نَفَسٍ إِذا كَانَ كَرِيه الطَّعْمِ آجِنًا إِذا ذَاقَهُ ذَائِقٌ لَمْ يَتَنَفَّس فِيهِ، وإِنما هِيَ الشَّرْبَةُ الأُولى قَدْرِ مَا يُمْسِكُ رَمَقَه ثُمَّ لَا يَعُودُ لَهُ؛ وَقَالَ أَبو وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ:
وشَرْبَة مِنْ شَرابٍ غَيْرِ ذي نَفَسٍ، ***فِي صَرَّةٍ مِنْ نُجُوم القَيْظِ وهَّاجِ
ابْنُ الأَعرابي: شَرَابٌ ذُو نَفَسٍ أَي فِيهِ سَعَةٌ وريٌّ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: قَوْلُهُ النَّفَس الجُرْعة، واكْرَعْ فِي الإِناء نَفَسًا أَو نَفَسين أَي جُرْعة أَو جُرْعتين وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ، فِيهِ نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَن النّفَس الْوَاحِدَ يَجْرع الإِنسانُ فِيهِ عِدَّة جُرَع، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ عَلَى مِقْدَارِ طُولِ نَفَس الشَّارِبِ وَقِصَرِهِ حَتَّى إِنا نَرَى الإِنسان يَشْرَبُ الإِناء الْكَبِيرَ فِي نَفَس وَاحِدٍ عَلَى عِدَّةِ جُرَع.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ شَرِبَ الإِناء كُلَّهُ عَلَى نَفَس وَاحِدٍ، واللَّه أَعلم.
وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ نَفِّس عَنِّي أَي فَرِّج عَنِّي ووسِّع عليَّ، ونَفَّسْتُ عَنْهُ تَنْفِيسًا أَي رَفَّهْتُ.
يُقَالُ: نَفَّس اللَّه عَنْهُ كُرْبته أَي فرَّجها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبة نَفَّسَ اللَّه عَنْهُ كرْبة مِنْ كُرَب الْآخِرَةِ، مَعْنَاهُ مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُربة فِي الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّه عَنْهُ كُرْبة مِنْ كُرَب يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَيُقَالُ: أَنت فِي نَفَس مِنْ أَمرك أَي سَعَة، وَاعْمَلْ وأَنت فِي نَفَس مِنْ أَمرك أَي فُسحة وسَعة قَبْلَ الهَرَم والأَمراض وَالْحَوَادِثِ وَالْآفَاتِ.
والنَّفَس: مِثْلُ النَّسيم، وَالْجَمْعُ أَنْفاس.
ودارُك أَنْفَسُ مِنْ دَارِي أَي أَوسع.
وَهَذَا الثَّوْبُ أَنْفَسُ مِنْ هَذَا أَي أَعرض وأَطول وأَمثل.
وَهَذَا الْمَكَانُ أَنْفَسُ مِنْ هَذَا أَي أَبعد وأَوسع.
وَفِي الْحَدِيثِ: «ثُمَّ يَمْشِي أَنْفَسَ مِنْهُ» أَي أَفسح وأَبعد قَلِيلًا.
وَيُقَالُ: هَذَا الْمَنْزِلُ أَنْفَس الْمَنْزِلَيْنِ أَي أَبعدهما، وَهَذَا الثَّوْبُ أَنْفَس الثَّوْبَيْنِ أَي أَطولهما أَو أَعرضهما أَو أَمثلهما.
ونَفَّس اللَّه عنك أَي فرَّج وَوَسَّعَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ نَفَّس عَنْ غَرِيمِهِ» أَي أَخَّر مُطَالَبَتَهُ.
وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ: «لَقَدْ أَبْلَغْتَ وأَوجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ»أَي أَطلتَ؛ وأَصله أَن الْمُتَكَلِّمَ إِذا تَنَفَّسَ استأْنف الْقَوْلَ وَسَهُلَتْ عَلَيْهِ الإِطالة.
وتَنَفَّسَتْ دَجْلَةُ [دِجْلَةُ] إِذا زَادَ مَاؤُهَا.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِن فِي الْمَاءِ نَفَسًا لِي وَلَكَ أَي مُتَّسَعًا وَفَضْلًا، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَي رِيًّا؛ وأَنشد:
وشَربة مِنْ شَرابٍ غيرِ ذِي نَفَسٍ، ***فِي كَوْكَبٍ مِنْ نُجُومِ القَيْظِ وضَّاحِ
أَي فِي وَقْتِ كَوْكَبٍ.
وَزِدْنِي نَفَسًا فِي أَجلي أَي طولَ الأَجل؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
وَيُقَالُ: بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نَفَس أَي مُتَّسع.
وَيُقَالُ: لَكَ فِي هَذَا الأَمر نُفْسَةٌ أَي مُهْلَةٌ.
وتَنَفَّسَ الصبحُ أَي تَبَلَّج وامتدَّ حَتَّى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا.
وتَنَفَّس النَّهَارُ وَغَيْرُهُ: امتدَّ وَطَالَ.
وَيُقَالُ لِلنَّهَارِ إِذا زَادَ: تَنَفَّسَ، وَكَذَلِكَ الْمَوْجُ إِذا نَضحَ الماءَ.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَنَفَّس النَّهَارُ انْتَصَفَ، وتنَفَّس أَيضًا بَعُدَ، وتنَفَّس العُمْرُ مِنْهُ إِما تَرَاخَى وَتَبَاعَدَ وإِما اتَّسَعَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
ومُحْسِبة قَدْ أَخْطأَ الحَقُّ غيرَها، ***تَنَفَّسَ عَنْهَا جَنْبُها فَهِيَ كالشِّوا
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ}، قَالَ: إِذا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى يَصِيرَ نَهَارًا بَيِّنًا فَهُوَ تَنَفُّسُ الصُّبْحِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذا تَنَفَّسَ إِذا طَلَعَ، وَقَالَ الأَخفش: إِذا أَضاء، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذا تَنَفَّسَ "إِذا انْشَقَّ الْفَجْرُ وانْفَلق حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ.
وَيُقَالُ: كَتَبْتُ كِتَابًا نَفَسًا أَي طَوِيلًا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: " عَيْنَيَّ جُودا عَبْرَةً أَنْفاسا "أَي سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ.
ونَفَسُ السَّاعَةِ: آخِرُ الزَّمَانِ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
وَشَيْءٌ نَفِيسٌ أَي يُتَنافَس فِيهِ ويُرْغب.
ونَفُسَ الشَّيْءُ، بِالضَّمِّ، نَفاسَةً، فَهُوَ نَفِيسٌ ونافِسٌ: رَفُعَ وَصَارَ مَرْغُوبًا فِيهِ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ نافِسٌ ونَفِيسٌ، وَالْجَمْعُ نِفاسٌ.
وأَنْفَسَ الشيءُ: صَارَ نَفيسًا.
وَهَذَا أَنْفَسُ مَالِي أَي أَحَبُّه وأَكرمه عِنْدِي.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: النَّفِيسُ والمُنْفِسُ الْمَالُ الَّذِي لَهُ قَدْرٌ وخَطَر، ثُمَّ عَمَّ فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ خَطَرٌ وَقَدْرٌ فَهُوَ نَفِيسٌ ومُنْفِس؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
لَا تَجْزَعي إِنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْتُه، ***فإِذا هَلَكْتُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فاجْزَعي
وَقَدْ أَنْفَسَ المالُ إِنْفاسًا ونَفُس نُفُوسًا ونَفاسَةً.
وَيُقَالُ: إِن الَّذِي ذكَرْتَ لمَنْفُوس فِيهِ أَي مَرْغُوبٌ فِيهِ.
وأَنْفَسَني فِيهِ ونَفَّسَني: رغَّبني فِيهِ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
بأَحْسَنَ مِنْهُ يومَ أَصْبَحَ غادِيًا، ***ونَفَّسَني فِيهِ الحِمامُ المُعَجَّلُ
أَي رغَّبني فِيهِ.
وأَمر مَنْفُوس فِيهِ: مَرْغُوبٌ.
ونَفِسْتُ عَلَيْهِ الشيءَ أَنْفَسُه نَفاسَةً إِذا ضَنِنْتَ بِهِ وَلَمْ تُحِبَّ أَن يَصِلَ إِليه.
ونَفِسَ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ نَفَسًا، بِتَحْرِيكِ الْفَاءِ، ونَفاسَةً ونَفاسِيَةً، الأَخيرة نَادِرَةٌ: ضَنَّ.
وَمَالٌ نَفِيس: مَضْنون بِهِ.
ونَفِسَ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ: ضَنَّ بِهِ وَلَمْ يَرَهُ يَسْتأْهله؛ وَكَذَلِكَ نَفِسَه عَلَيْهِ ونافَسَه فِيهِ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وإِنَّ قُرَيْشًا مُهْلكٌ مَنْ أَطاعَها، ***تُنافِسُ دُنْيا قَدْ أَحَمَّ انْصِرامُها
فإِما أَن يَكُونَ أَراد تُنافِسُ فِي دُنْيا، وإِما أَن يُرِيدَ تُنافِسُ أَهلَ دُنْيا.
ونَفِسْتَ عليَّ بخيرٍ قَلِيلٍ أَي حَسَدْتَ.
وتَنافَسْنا ذَلِكَ الأَمر وتَنافَسْنا فِيهِ: تَحَاسَدْنَا وَتَسَابَقْنَا.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} أَي وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَراغَب المتَراغبون.
وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: «سَقِيم النِّفاسِ»؛ أي أَسْقَمَتْه المُنافَسة وَالْمُغَالَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ.
وَفِي حَدِيثِ إِسمعيل، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنه تَعَلَّم العربيةَ وأَنْفَسَهُمْ»؛ أي أَعجبهم وَصَارَ عِنْدَهُمْ نَفِيسًا.
ونافَسْتُ فِي الشَّيْءِ مُنافَسَة ونِفاسًا إِذا رَغِبْتَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَارَاةِ فِي الْكَرَمِ.
وتَنافَسُوا فِيهِ أَي رَغِبُوا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَخشى أَن تُبْسط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فتَنافَسوها كَمَا تَنافَسُوها»؛ هُوَ مِنَ المُنافَسَة الرَّغْبَةِ في الشيء والانفرادية، وَهُوَ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ الْجَيِّدِ فِي نَوْعِهِ.
ونَفِسْتُ بِالشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ، أَي بَخِلْتُ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّه وَجْهَهُ: «لَقَدْ نِلْتَ صِهْرَ رَسُولِ اللَّه» صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفِسْناه عَلَيْكَ.
وَحَدِيثِ السَّقِيفَةِ: لَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ أَي لَمْ نَبْخَلْ.
والنِّفاسُ: وِلَادَةُ المرأَة إِذا وضَعَتْ، فَهِيَ نُفَساءُ.
والنَّفْسُ: الدَّمُ.
ونُفِسَت المرأَة ونَفِسَتْ، بِالْكَسْرِ، نَفَسًا ونَفاسَةً ونِفاسًا وَهِيَ نُفَساءُ "ونَفْساءُ ونَفَساءُ: وَلَدَتْ.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: النُّفَساءُ الْوَالِدَةُ وَالْحَامِلُ وَالْحَائِضُ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ نُفَساوات ونِفاس ونُفاس ونُفَّس؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، ونُفُس ونُفَّاس؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعَلاءُ يُجْمَعُ عَلَى فعالٍ غَيْرُ نُفَسَاء وعُشَراءَ، وَيُجْمَعُ أَيضًا عَلَى نُفَساوات وعُشَراوات؛ وامرأَتان نُفساوان، أَبدلوا مِنْ هَمْزَةِ التأْنيث وَاوًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن أَسماء بِنْتَ عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ»أَي وضَعَت؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفاسها»أَي خَرَجَتْ مِنْ أَيام وِلَادَتِهَا.
وَحَكَى ثَعْلَبٌ: نُفِسَتْ وَلَدًا عَلَى فِعْلِ الْمَفْعُولِ.
وورِثَ فُلَانٌ هَذَا المالَ فِي بَطْنِ أُمه قَبْلَ أَن يُنْفَس أَي يُولَدَ.
الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ وَرِثَ فُلَانٌ هَذَا الْمَالَ قَبْلَ أَن يُنْفَسَ فُلَانٌ أَي قَبْلَ أَن يُولَدَ؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ يَصِفُ مُحَارَبَةَ قَوْمِهِ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ:
وإِنَّا وإِخْواننا عامِرًا ***عَلَى مِثلِ مَا بَيْنَنا نَأْتَمِرْ
لَنا صَرْخَةٌ ثُمَّ إِسْكاتَةٌ، ***كَمَا طَرَّقَتْ بِنِفاسٍ بِكِرْ
أَي بِوَلَدٍ.
وَقَوْلُهُ لَنَا صَرْخَةٌ أَي اهْتِيَاجَةٌ يَتْبَعُهَا سُكُونٌ كَمَا يَكُونُ للنُّفَساء إِذا طَرَّقَتْ بِوَلَدِهَا، والتَطْريقُ أَن يَعْسُرَ خُرُوجُ الْوَلَدِ فَتَصْرُخ لِذَلِكَ، ثُمَّ تَسْكُنَ حَرَكَةُ الْمَوْلُودِ فَتَسْكُنَ هِيَ أَيضًا، وَخَصَّ تَطْرِيقَ البِكر لأَن وِلَادَةَ الْبِكْرِ أَشد مِنْ وِلَادَةِ الثَّيِّبِ.
وَقَوْلُهُ عَلَى مِثْلِ مَا بَيْنَنَا نأْتمر أَي نَمْتَثِلُ مَا تأْمرنا بِهِ أَنْفسنا مِنَ الإِيقاع بِهِمْ وَالْفَتْكِ فِيهِمْ عَلَى مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنْ قَرَابَةٍ؛ وقولُ امْرِئِ الْقَيْسِ: " ويَعْدُو عَلَى المَرْء مَا يَأْتَمِرْ أَي قَدْ يَعْدُو عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ مَا أَمرته بِهِ نَفْسُهُ وَرُبَّمَا كَانَ داعيَه لِلْهَلَاكِ.
والمَنْفُوس: الْمَوْلُودُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِلا: كُتِبَ رزقُها وأَجلها»؛ مَنْفُوسَةٍ أَي مَوْلُودَةٍ.
قَالَ: يُقَالُ نَفِسَتْ ونُفِسَتْ، فأَما الْحَيْضُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إِلا نَفِسَتْ، بِالْفَتْحِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «أَنه أَجْبَرَ بَنِي عَمٍّ عَلَى مَنْفُوسٍ»؛ أي أَلزمهم إِرضاعَه وتربيتَه.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «أَنه صَلَّى عَلَى مَنْفُوسٍ» أَي طِفْلٍ حِينَ وُلِدَ، وَالْمُرَادُ أَنه صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَعمل ذَنْبًا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: «لَا يرثُ المَنْفُوس حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا»؛ أي حَتَّى يسمَع لَهُ صَوْتٌ.
وَقَالَتْ أُم سَلَمَةَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِرَاشِ فَحِضْتُ فخَرَجْتُ وَشَدَدْتُ عليَّ ثِيَابِي ثُمَّ رَجَعْتُ، فَقَالَ: أَنَفِسْتِ؟ أَراد: أَحضتِ؟ يُقَالُ: نَفِسَت المرأَة تَنْفَسُ، بِالْفَتْحِ، إِذا حَاضَتْ.
وَيُقَالُ: لِفُلَانٍ مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ أَي مَالٌ كَثِيرٌ.
يُقَالُ: مَا سرَّني بِهَذَا الأَمر مُنْفِسٌ ونَفِيسٌ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عنه: «كُنَّا عِنْدَهُ فَتَنَفَّسَ رجلٌ»أَي خَرَجَ مِنْ تَحْتِهِ رِيحٌ؛ شَبَّهَ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنَ الدُّبُرِ بِخُرُوجِ النَّفَسِ مِنَ الْفَمِ.
وتَنَفَّسَت الْقَوْسُ: تصدَّعت، ونَفَّسَها هُوَ: صدَّعها؛ عَنِ كُرَاعٍ، وإِنما يَتَنَفَّس مِنْهَا العِيدانُ الَّتِي لَمْ تُفْلَقْ وَهُوَ خَيْرُ القِسِيِّ، وأَما الفِلْقَة فَلَا تَنَفَّسُ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ نَفَّسَ فُلَانٌ قَوْسَهُ إِذا حَطَّ وَتَرَهَا، وتَنَفَّس القِدْح وَالْقَوْسُ كَذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى اللِّحْيَانِيَّ قَالَ: إِن النَّفْس الشِّقُّ فِي الْقَوْسِ والقِدح وما أَشْبهها، قَالَ: وَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ.
والنَّفْسُ مِنَ الدِّبَاغِ: قدرُ دَبْغَةٍ أَو دَبْغتين مِمَّا يُدْبَغُ بِهِ الأَديممِنَ الْقَرَظِ وَغَيْرِهِ.
يُقَالُ: هَبْ لِي نَفْسًا مِنْ دِبَاغٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَتَجْعَلُ النَّفْسَ الَّتِي تُدِيرُ ***فِي جِلْدِ شاةٍ ثُمَّ لَا تَسِيرُ؟
قَالَ الأَصمعي: بَعَثَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ بُنَيَّةً لَهَا إِلى جَارَتِهَا فَقَالَتْ: تَقُولُ لكِ أُمي أَعطيني نَفْسًا أَو نَفْسَيْنِ أَمْعَسُ بِهَا مَنِيئَتي فإِني أَفِدَةٌ أَي مُسْتَعْجِلَةٌ لَا أَتفرغ لِاتِّخَاذِ الدِّبَاغِ مِنَ السُّرْعَةِ، أَرادت قَدْرَ دَبْغَةٍ أَو دَبْغَتَيْنِ مِنَ القَرَظ الَّذِي يُدْبَغُ بِهِ.
المَنِيئَةُ: المَدْبَغة وَهِيَ الْجُلُودُ الَّتِي تُجْعَلُ فِي الدِّباغ، وَقِيلَ: النَّفْس مِنَ الدِّبَاغِ مِلءُ الكفِّ، وَالْجَمْعُ أَنْفُسٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وذِي أَنْفُسٍ شَتَّى ثَلاثٍ رَمَتْ بِهِ، ***عَلَى الْمَاءِ، إِحْدَى اليَعْمُلاتِ العَرَامِس
يَعْنِي الوَطْبَ مِنَ اللَّبَنِ الَّذِي دُبِغَ بِهَذَا القَدْر مِنَ الدِّبَاغِ.
والنَّافِسُ: الْخَامِسُ مِنْ قِداح المَيْسِر؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَفِيهِ خَمْسَةُ فُرُوضٍ وَلَهُ غُنْمُ خَمْسَةِ أَنْصباءَ إِن فَازَ، وَعَلَيْهِ غُرْمُ خَمْسَةِ أَنْصِباءَ إِن لَمْ يَفُزْ، ويقال هو الرابع.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
9-لسان العرب (سجا)
سجا: قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى}؛ مَعْنَاهُ سَكَن وَدَامَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا أَظلم ورَكَد فِي طُوله كَمَا يُقَالُ بحرٌ ساجٍ وَلَيْلٌ ساجٍ إِذَا رَكَدَ وأَظلم، وَمَعْنَى رَكَدَ سَكَنَ.ابْنُ الأَعرابي: سَجا امْتَدَّ بظلامِهِ، وَمِنْهُ الْبَحْرُ السَّاجِي؛ قَالَ الأَعشى:
فَمَا ذَنْبُنا أَن جاشَ بحرُ ابْنُ عَمِّكُمْ، ***وبحرُك ساجٍ لَا يُوَارِي الدَّعامِصا؟
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: « وَلَا لَيْلٍ داجٍ وَلَا بحْر سَاجٍ »أَي سَاكِنٍ.
الزَّجَّاجُ: سَجا سَكَنَ؛ وأَنشد لِلْحَارِثِيِّ:
يَا حبَّذا القمراءُ والليلُ السَّاجْ، ***وطُرُقٌ مثلُ مُلاء النَّسَّاجْ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِآخَرَ:
أَلا اسْلَمي اليومَ، ذاتَ الطَّوْقِ والعاجِ، ***والجِيدِ والنَّظَرِ المُسْتأْنِسِ السَّاجي
مَعْمَرٌ: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى "إِذَا سَكن بالناسِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا لَبِسَ الناسَ إِذَا جاءَ.
الأَصمعي: سُجُوّ اللَّيْلِ تَغْطِيَتُهُ لِلنَّهَارِ مِثْلَ مَا يُسَجَّى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ.
وسَجا البحرُ وأَسْجَى إِذَا سكَنَ.
وسَجا الليلُ وغيرُه يَسْجُو سُجُوًّا وسَجْوًا: سكَن وَدَامَ.
وليلةٌ ساجِيَةٌ إِذَا كَانَتْ ساكِنَة البرْدِ والرِّيحِ والسَّحاب غَيْرُ مُظْلِمَة.
وسَجا البحرُ سَجْوًا: سكَن تموُّجُه.
وامرأَةٌ سَاجِيَةٌ: فاتِرَة الطَّرْفِ.
اللَّيْثُ: عينٌ سَاجِيَةٌ: فاتِرَةُ النَّظَرِ، يَعْتَري الحُسْنَ فِي النِّسَاءِ.
وامرأَةٌ سَجْوَاءُ الطّرْفِ وساجِيَةُ الطَّرْفِ: فاتِرة الطّرفِ ساكِنَته.
وطرْفٌ ساجٍ أَي ساكِنٌ.
وَنَاقَةٌ سَجْوَاءُ: ساكنِةٌ عِنْدَ الحَلْبِ؛ قَالَ:
فَمَا بَرِحَتْ سَجْوَاءَ حَتَّى كأَنما ***تُغادِرُ، بالزِّيزاءِ، بُرْسًا مُقَطَّعا
شَبَّهَ مَا تساقطَ مِنَ اللَّبَنِ عَنِ الإِناء بِهِ، وَقِيلَ ناقةٌ سَجْوَاءُ مطمئنَّة الوبَر.
وَنَاقَةٌ سَجْوَاءُ إِذَا حُلِبَت سَكَنَت، وَكَذَلِكَ السَّجْواءُ فِي النَّظَرِ والطرْفِ.
وشاةٌ سَجْوَاءُ: مُطَمْئِنَةُ الصُّوفِ.
وسَجَّى الميتَ: غَطّاه.
وسَجَّيْت الْمَيِّتَ تَسْجِيَةً إِذَا مدَدْت عَلَيْهِ ثَوْبًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَمَّا مَاتَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سُجِّيَ ببُرْدِ حِبَرَةٍ» أَي غُطِّيَ.
والمتَسَجِّي: المتغطِّي مِنَ اللَّيْلِ السَّاجِي لأَنه يغطِّي بِظَلَامِهِ وَسُكُونِهِ.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى وَالْخَضِرِ، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: « فرأَى رَجُلًا مُسَجّىً بِثَوْبٍ».
ابْنُ الأَعرابي: سَجا يَسْجُو سَجْوًا وسَجَّى يُسَجِّي وأَسْجَى يُسْجِي كُلُّهُ: غطَّى شَيْئًا مَا.
والتَّسْجِيَةُ: أَن يُسَجَّى الميتُ بِثَوْبٍ أَيْ يُغَطَّى بِهِ؛ وَأَنْشَدَ فِي صِفَةِ الرِّيحِ: " وَإِنْ سَجَت أَعْقَبَها صَباها أَي سَكَنَتْ.
أَبو زَيْدٍ: أَتانا بِطَعَامٍ فَمَا سَاجَيْناه أَي مَا مَسِسْناه.
وَيُقَالُ: هَلْ تُسَاجِي ضَيْعةً؟ أَي هَلْ تُعالِجُها؟ والسَّجِيَّة: الطَّبِيعَةُ والخُلقُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « كانَ خُلُقُه سَجِيَّةً» أَي طَبِيعَةً مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ.
ابْنُ بُزُرج: مَا كَانَتْ البِئرُ سَجْوَاء وَلَقَدْ أَسْجَتْ، وَكَذَلِكَ الناقةُ أَسْجَتْ فِي الغَزارة فِي اللَّبنِ، وَمَا كَانَتِ البئرُ عَضُوضًا وَلَقَدْ أَعَضَّتْ.
وسَجَا: مَوْضِعٌ: أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
قَدْ لَحِقَتْ أُمُّ جَميلٍ بسَجَا، ***خَوْدٌ تُرَوِّي بالخَلوقِ الدُّمْلُجا
وَقِيلَ: سَجَا، بِالسِّينِ وَالْجِيمِ، اسْمُ بئرٍ ذَكَرَهَا الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ شَحَا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وسَجَا اسْمُ ماءَةٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
سَاقِي سَجا يَمِيدُ مَيْدَ المَخْمُورْ، ***ليسَ عَلَيْهَا عاجزٌ بمَعْذُورْ،
ولا أَخو جَلادَةٍ بمَذْكُورْ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
10-صحاح العربية (نفس)
[نفس] النَفْسُ: الروحُ.يقال: خرجت نَفْسُهُ.
قال أبو خراش: نجا سالِمٌ والنَفْسُ منه بِشِدْقِهِ *** ولم يَنْجُ إلا جَفْنَ سيفٍ ومِئزرا *** أي بجفن سيف ومئزر.
والنَفْسُ: الدمُ.
يقال: سالت نَفْسُهُ.
وفي الحديث: " ما ليس له نَفْسٌ سائِلَةٌ فإنَّه لا يُنَجِّسُ الماءَ إذا مات فيه ".
والنَفْسُ أيضًا: الجسدُ.
قال الشاعر: نُبِّئْتُ أنَّ بني سُحَيْمٍ أَدخلوا *** أبياتَهُمْ تامورَ نَفْسِ المُنْذِرِ *** والتامورُ: الدمُ.
وأمَّا قولهم: ثلاثة أنْفُسٍ، فيذكِّرونه لأنَّهم يريدون به الإنسان.
والنَفْسُ: العينُ.
يقال: أصابت فلانًا نَفْسٌ.
ونَفَسْتُهُ بنَفْسٍ، إذا أصبته بعينٍ.
والنافِسُ: العائِنُ.
والنافِسُ: الخامسُ من سهام الميسر، ويقال هو الرابع.
ونفس الشئ: عينه يؤكد به.
يقال: رأيت فلانًا نَفْسَهُ، وجاءني بنَفْسِهِ.
والنَفْسُ: أيضًا قَدْرُ دَبْغَةٍ مما يُدْبَغُ به الأديمُ من القَرَظِ وغيره.
يقال: هَبْ لي نفسا من دباغ.
قال الاصمعي.
بعثت امرأة من العرب بنتا لها إلى جارتها فقالت لها: تقول لك أمي: أعطيني نفسا أو نفسين أمعس به منيئتى فإنى أفدة.
أي مستعجلة لا أتفرغ لاتخاذ الدباغ، من السرعة.
والنفس بالتحريك: واحد الأَنْفاسِ.
وقد تَنَفَّسَ الرجل، وتَنَفَّسَ الصُعَداء.
وكلُّ ذي رئةٍ مُتَنَفِّسٌ.
ودوابُّ الماء لا رِئاتَ لها.
وتَنَفَّسَ الصبح، أي تَبَلَّج.
وتَنَفَّسَتِ القوسُ، أي تصدَّعتْ.
ويقال للنهار إذا زاد: تَنَفَّسَ، وكذلك الموجُ إذا نضحَ الماء.
وقول الشاعر:
عَيْنَيَّ جودا عَبْرَةً أَنْفاسا *** أي ساعة بعد ساعة.
والنَفْسُ أيضًا: الجُرعة.
يقال اكْرَعْ في الإناء نَفسًا أو نَفَسَيْنِ، أي جرعة أو جرعتين،
ولا تزد عليه.
والجمع أنفاس، مثل سبب وأسباب.
قال جرير: تعَللُ وهيَ ساغِبَة بنيها *** بأَنْفاسٍ من الشَبِمِ القَراحِ *** ويقال أيضًا: أنت في نَفَسٍ من أمرك، أي في سعة.
وشئ نفيس، أي يُتَنافَسُ فيه ويُرْغَبُ.
وهذا أَنْفَسُ مالي، أي أحبُّهُ وأكرمُهُ عندي.
وأنْفَسَني فلانٌ في كذا، أي رغَّبني فيه.
ولفلان مُنْفِسٌ ونَفيسٌ، أي مالٌ كثيرٌ.
يقال: ما يسرُّني بهذا الأمر مُنْفِسٌ ونَفيسٌ.
ونَفِسَ به بالكسر، أي ضنَّ به.
يقال: نَفِسْتُ عليه الشئ نفاسة إذا لم تره يستأهله.
ونَفِسْتَ عليَّ بخير قليل، أي حسدت.
ونفس الشئ بالضم نَفاسَةً، أي صار نفيسًا مرغوبًا فيه.
ونافست في الشئ منافسة ونِفاسًا، إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم وتنافسوا فيه، أي رغِبوا.
وقولهم: لك في هذا الأمر نُفْسَةٌ، أي مُهْلَةٌ.
ونَفَّسْتُ عنه تَنْفيسًا، أي رفَّهت.
يقال: نَفَّسَ الله عنه كربته، أي فرَّجها.
والنِفاسُ: وِلادُ المرأة إذا وضَعَتْ، فهي نُفَساءٌ ونسوة نقاس.
وليس في الكلام فعلاء
يجمع على فعال غير نفساء وعشراء.
ويجمع أيضا على نفساوات وعشراوات، وامرأتان نفساوان وعشراوان، أبدلوا من همزة التأنيث واوا.
وقد نَفِسَتِ المرأةُ بالكسر نِفاسًا ونَفاسَةً.
ويقال أيضًا: نُفِسَتِ المرأةُ غلامًا، على ما لم يسمَّ فاعلُه، والولد منْفوسٌ.
وفي الحديث: " ما من نَفْسٍ مَنْفوسَةٍ إلا وقد كُتِبَ مكانُها من الجنَّة والنار ".
وقولهم: وَرِثَ فلانٌ قبل أن يُنْفَسَ فلانٌ، أي قبل أن يولد.
قال الشاعر: لنا صرخةٌ ثم إسْكاتَةٌ *** كما طرقت بنفاس بكر *** أي بولد ***.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
11-منتخب الصحاح (نفس)
النَفْسُ: الروحُ.يقال: خرجت نَفْسُهُ.
قال أبو خراش:
نجا سالِمٌ والنَفْسُ منه بِشِدْقِهِ *** ولم يَنْجُ إلا جَفْنَ سيفٍ ومِئزرا
والنَفْسُ: الدمُ.
يقال: سالت نَفْسُهُ.
وفي الحديث: ما ليس له نَفْسٌ سائِلَةٌ فإنَّه لا يُنَجِّسُ الماءَ إذا مات فيه.
والنَفْسُ أيضًا: الجسدُ.
قال الشاعر:
نُبِّئْتُ أنَّ بني سُحَيْمٍ أَدخلوا *** أبياتَهُمْ تامورَ نَفْسِ المُنْذِرِ
والتامورُ: الدمُ.
وأمَّا قولهم: ثلاثة أنْفُسٍ، فيذكِّرونه لأنَّهم يريدون به الإنسان.
والنَفْسُ: العينُ.
يقال: أصابت فلانًا نَفْسٌ.
ونَفَسْتُهُ بنَفْسٍ، إذا أصبته بعينٍ.
والنافِسُ: العائِنُ.
والنافِسُ: الخامسُ من سهام الميسر، ويقال هو الرابع.
ونَفْسُ الشيء: عينه يؤكَّد به.
يقال: رأيت فلانًا نَفْسَهُ، وجاءني بنَفْسِهِ.
والنَفْسُ أيضًا: قَدْرُ دَبْغَةٍ مما يُدْبَغُ به الأديمُ من القَرَظِ وغيره.
يقال: هَبْ لي نَفْسًا من دِباغٍ.
والنَفَسُ بالتحريك: واحد الأَنْفاسِ.
وقد تَنَفَّسَ الرجل، وتَنَفَّسَ الصُعَداء.
وكلُّ ذي رئةٍ مُتَنَفِّسٌ.
ودوابُّ الماء لا رِئاتَ لها.
وتَنَفَّسَ الصبح، أي تَبَلَّج.
وتَنَفَّسَتِ القوسُ، أي تصدَّعتْ.
ويقال للنهار إذا زاد: تَنَفَّسَ، وكذلك الموجُ إذا نضحَ الماء.
وقول الشاعر:
عَيْنَيَّ جودا عَبْرَةً أَنْفاسا
أي ساعة بعد ساعة.
والنَفْسُ أيضًا: الجُرعة.
يقال: اكْرَعْ في الإناء نَفسًا أو نَفَسَيْنِ، أي جُرعةٌ أو جرعتين، ولا تزد عليه.
والجمع أَنْفاسٌ.
قال جرير:
تعَللُ وهيَ ساغِبَة بنيها *** بأَنْفاسٍ من الشَبِمِ القَراحِ
ويقال أيضًا: أنت في نَفَسٍ من أمرك، أي في سعةٍ.
وشيءٌ نَفيسٌ، أي يُتَنافَسُ فيه ويُرْغَبُ.
وهذا أَنْفَسُ مالي، أي أحبُّهُ وأكرمُهُ عندي.
وأنْفَسَني فلانٌ في كذا، أي رغَّبني فيه.
ولفلان مُنْفِسٌ ونَفيسٌ، أي مالٌ كثيرٌ.
يقال: ما يسرُّني بهذا الأمر مُنْفِسٌ ونَفيسٌ.
ونَفِسَ به بالكسر، أي ضنَّ به.
يقال: نَفِسْتُ عليه الشيءَ نَفاسَةً إذا لم تَره يستأهله.
ونَفِسْتَ عليَّ بخير قليل، أي حسدتْ.
ونَفُسَ الشيء بالضم نَفاسَةً، أي صار نفيسًا مرغوبًا فيه.
ونافَسْتُ في الشيء مُنافسةً ونِفاسًا، إذا رغبت فيه على وجه المباراة في الكرم.
وتنافسوا فيه، أي رغِبوا.
وقولهم: لك في هذا الأمر نُفْسَةٌ، أي مُهْلَةٌ.
ونَفَّسْتُ عنه تَنْفيسًا، أي رفَّهت.
يقال: نَفَّسَ الله عنه كربته، أي فرَّجها.
والنِفاسُ: وِلادُ المرأة إذا وضَعَتْ، فهي نُفَساءٌ ونسوةٌ نِفاسٌ.
ويجمع
على نُفَساواتٍ، وامرأتان نُفَساوانِ.
وقد نَفِسَتِ المرأةُ بالكسر نِفاسًا ونَفاسَةً.
ويقال أيضًا: نُفِسَتِ المرأةُ غلامًا، على ما لم يسمّ فاعله، والولد منْفوسٌ.
وفي الحديث: ما من نَفْسٍ مَنْفوسَةٍ إلا وقد كُتِبَ مكانُها من الجنَّة والنار.
وقولهم: وَرِثَ فلانٌ قبل أن يُنْفَسَ فلانٌ، أي قبل أن يولد.
منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
12-تهذيب اللغة (صوم)
صوم: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الله عزوجل: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصَّوْمَ فإنه لي» قال أبو عبيد: إنما خَصَّ تبارَكَ وتعالى الصَّوْمَ بأنَّهُ له، وهو يَجْزِي به وإن كانت أعمالُ البِرِّ كلُّها له وهو يَجْزِي بها؛ لأن الصَّوْمَ ليس يَظهَر من ابنِ آدمَ بلسانٍ ولا فِعْل فتكتبه الحَفَظَة؛ إنما هو نيَّةٌ في القلب، وإمساكٌ عن حركة المَطْعَم والمَشرَب، يقول الله: فأنا أتولَّى جزاءَه على ما أحِبُّ من التَّضْعِيف، وليس على كتابٍ كُتِبَ له، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ في الصَّوْم رِياءٌ».قال: وقال سُفْيَانُ بنُ عُيينَةَ: الصومُ هو الصَّبْر، يَصْبِرُ الإنسانُ عن الطَّعام والشَّرابِ والنّكاح، ثم قرأ: {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} [الزمر: 10].
قال أبو عُبَيد: والصائم من الخيل: القائم الساكت الّذي لا يَطْعَم شيئًا، ومنه قولُ النابغة:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ *** تَحْتَ العَجَاجِ وأخرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا
وقد صام يصوم.
وقال الله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْمًا} [مريم: 26]، أي:
صَمْتًا.
ويقال للنهار إذا اعتدل وقام قائم الظَّهيرة: قد صامَ النهارُ.
وقال امرُؤُ القيس:
فَدَعْهَا وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْكَ بِجَسرَةٍ *** ذَمُولٍ إذا صامَ النَّهَارُ وهَجَّرَا
وقال غيرُه: الصَّوْمُ في اللُّغَة: الإمساكُ عن الشيءِ والتَّرْكُ له.
وقيل للصائمِ صائم: لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح.
وقيل للصامت: صائم، لإمساكه عن الكلام.
وقيل للفرسِ: صائم، لإمساكه عن العَلَف مع قيامه.
ويقال: صامَ النَّعامُ: إذا رَمَى بِذَرَقِه، وهو صومُه.
وصامَ الرجلُ: إذا تَظَلَّلَ بالصَّوْم، وهو شجر؛ قالهُ ابن الأعرابي.
وقال الليث: الصَّوْمُ: تَرْكُ الأكل وترْكُ الكلام.
وصام الفَرَس على آرِيِّه: إذا لم يَعْتَلِف.
والصومُ: قِيَامٌ بلا عَمل.
وصامَتِ الرِّيحُ: إذا رَكَدَتْ، وصامت الشَّمسُ عند انتصاف النهار: إذا قامت ولم تَبرَح مكانها.
وبَكْرَةٌ صائمةٌ: إذا قامت فلم تَدُر، وقال الراجز:
شَرُّ الدِلاء الْوَلْغَةُ المُلَازِمَة *** والبَكَراتُ شَرُّهُنَ الصائمهْ
ويقال: رجلٌ صَوْمٌ، ورجلان صوم، وقوم صوم، وامرأةٌ صَوْم، لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع لأنه نُعِت بالمصْدَر، وتلخيصُه: رجُلٌ ذو صَوْم، وَقَوْمٌ ذُو صَوْم، وامْرَأَةٌ ذاتُ صَوْم.
ورَجُلٌ صَوَّام قَوّام: إذا كان يَصومُ النَّهارَ ويقومُ الليلَ.
ورِجَالٌ ونِسَاءٌ صُوَّمٌ وصُيَّمٌ، وصُوَّامٌ وصُيَّام، كل ذلك يقال: ومَصَامُ الفرس: مَقامُه.
وقال أبو زيد: يقالُ: أقمتُ بالبصرةِ صَوْمَيْنِ، أي: رَمَضَانَيْن.
ابن بُزْرُج: لا صَمياء ولا عمياء له من ذلك متروكتان: إذا انكب على الأمر فلم يقلع عنه.
قال أبو إسحاق الزجاج: أصل الصَّميان في اللغة السرعة.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
13-الحضارة (إيديوجرام)
إيديوجرام: Ideogram.الكتابة الرمزية أو التصويرية.
وقد بدأت بطريقة البكتوجرام.
أي تصوير الأشياء.
فكانت الشمس ترسم كشمس.
ثم تطور الرسم للتعبير عن الأفكار.
فرسمت الشمس كدائرة ترمز للنهار أو الحرارة أو الضوء.
ومازالت الكتابة الصينية إيديوجرامية حتي الآن.
ثم ظهرت الفينوجرامية (مادة) بعد الإيديوجرامية.
وهي الكتابة بالحروف التي تنطق.
لهذا يطلق عليها الكتابة النطقبة أو اللفظبة.
موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م
14-الحضارة (كنابة إيديوجرام)
كنابة إيديوجرام: Ideogram كتابة الرمزية أو التصويرية.وقد بدأت بطريقة البكتوجرام.
أي تصوير الأشياء.
فكانت الشمس ترسم كشمس.
ثم تطور الرسم للتعبير عن الأفكار.
فرسمت الشمس كدائرة ترمز للنهار أو الحرارة أو الضوء.
ومازالت الكتابة الصينية إيديوجرامية حتي الآن.
ثم ظهرت الفينوجرامية (مادة) بعد الإيديوجرامية.
وهي الكتابة بالحروف التي تنطق.
لهذا يطلق عليها الكتابة النطقبة أو اللفظبة بمصر الوسطي.
موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م