شعار الموقع

نتائج البحث عن (لِلْعَصْرِ)

1-شمس العلوم (العَصْر)

الكلمة: العَصْر. الجذر: عصر. الوزن: فَعْل.

[العَصْر]: الدهر، قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}.

والعصران: الغداة والعشي، قال:

المطعمُ الناسَ اختلاف العصرين *** جِفانَ شيزى كجوابي الغَرْبيْن

وفي حديث النبي عليه‌السلام: «حافظ على العصرين» يعني صلاة الصبح وصلاة العصر.

سمّاهما بوقتيهما.

والعصر عند العرب: من بعد إبراد الهاجرة إلى تطفيل الشمس وبه سميت صلاة العصر.

وفي الحديث: «صلى النبي عليه‌ السلام صلاة العصر حين صار ظل كل شيءٍ مثلَه».

قال مالك والمزني: أول وقت العصر للاختيار آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله.

وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: آخر وقت الظهر أن يصير ظل كلِّ شيء مثلَه، ولا يكون ذلك وقتًا للعصر حتى يزيد الظل أقل زيادة ثم هو أول وقت العصر.

قالوا: وآخر وقت الاختيار لصلاة العصر أن يصير ظل كل شيء مثليه كما أتى في الحديث.

والعصران: الليل والنهار، قال النابغة:

لم يلبث العصران أن عصفا بهم *** ولكل بابٍ يسَّرا مفتاحا

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


2-موسوعة حضارة العالم (أفيبري)

أفيبري: أحد الأبنية الإحتفالية ويقع علي بعد 5ميل من تل سليوري بمقاطعة مارلبورو بإنجلترا. وهذا البناء الذي يرجع للعصر البرونزي يرمز لأحد المعابد المكشوفة الكبري لإي أوربا حيث به دائرة من الحجارة وتعتبر أكبر دائرة حجرية عرفت حتي الآن ويقع بداخلها قرية أفيبري. وتتكون من 100 حجر قائم. بينها أربع مداخل باتجاه الجهات الأربعة الأصلية الشرق والغرب والشمال والجنوب. وحولها خندق كبير بعرض 12,5متر وعمقه 9متر. وداخل نطاق الدائرة الكبري دائرتان أصغر من الأحجار القائمة بداخل الدائرة الشمالية في مركزها 3أحجار قائمة والدائرة الثانية بها حجر قائم واحد. وهذه الدوائر أكبر مساحة من دوائر ستونهنج (مادة). وهذا النصب التذكاري له طريق طويل بعرض 15متر. وطريقان طويلان يؤديان إليه. وقد صف علي جوانبهم حجارة قائمة بإرتفاع 1,5 –7,5متر. وهذه الحجارة القائمة مثبتة بعروق من الخشب.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


3-موسوعة حضارة العالم (نوبة)

نوبة: انظر: نبتتة نوبة: كان وادى الخوىّ، جنوب الشلال الثالث عبارة عن حوض قديم للنيل طوله حوالى 123 كيلومتر الى الشرق من مجرى النيل الحالى. همنذ الألفية الرابعة ق. م. كان حوضًا زراعيًا غنيًا ادي لظهور الجنمعات النيوليتية. أكتشف به جبانات كانت تجسيدًا على الأرض للتنظيم الاجتماعي لمجتمعاتها إبان الألفية الثالثة ق. م.: ممالك Nubia كان قدماء المصريين يطلقون علي بلاد النوبة بلاد كوش Kush التي تقع من جنوب أسوان وحتي الخرطوم حيث يعيش شعب النوبة, وحيث قامت ممالك إمتد نفوذها علي وادي النيل بمصر حتي البحر البيض المتوسط شمالا. ويرجع تاريخ النوبة للعصر الحجري في عصر ماقبل التاريخ. ففي منطقة الخرطوم وجدت آثار حجرية ترجع لجنس زنجي يختلف عن أي جنس زنجي موجود حاليا. وفي منطقة الشخيناب شمال الخرطوم وجدت آثار ترجع للعصر الحجري الحديث من بينها الفخاروالخزف. وكان النوبيون الأوائل يستأنسون الحيوانات. وفي شمال وادي حلفا بمنطقة خورموسي وجدت آثار تدل علي أن الإنسان في هذه الفترة كان يغيش علي القنص وجمع الثمار وصيد الأسماك. وكانت الصحراء هناك سافاناأصابها الجفاف في فترة لاحقة. حيث كان النوبيون يمارسون الزراعة. (انظر: نباتة. دوائر الحجر). وقد قامت حضارة منذ 10 آلاف سنة في منطقة خور بهان شرقي مدينة أسوان بمصر (الصحراء الآن)، وكان مركزها في مناطق القسطل ووادي العلاقي حيث كان الأفراد يعتمدون في حياتهم على تربية الماشية إلا أن بعض المجموعات نزحت ولأسباب غير معروفة جنوبا وتمركزت في المناطق المجاورة للشلال الثاني حيث اكتسب أفرادها بعض المهارات الزراعية البسيطة نتيجة لاستغلالهم الجروف الطينية والقنوات الموسمية الجافة المتخلفة عن الفيضان في استنبات بعض المحاصيل البسيطة، مما أسهم في استقرارهم هناك و قيام مجتمعات زراعية غنية على مستوى عال من التنظيم في منطقة القسطل. وهذا يتضح من التقاليد في المناطق الشمالية من النوبة. وكانت متبعة في دفن الموتى وثراء موجودات المدافن مما يدعو إلى الاعتقاد بوجود ممالك قوية لبس ملوكها التاج الأبيض واتخذوا صقر حورس الشهير رمزا لهم قبل زمن طويل من ملوك الفراعنة في مصر العليا لأن التاج الأبيض وشعار حورس اتخذا فيما بعد رمزا للممالك المصرية التي نشأت في مصر لاحقا، مما أدى إلى الاعتقاد بان هذا التقليد منشؤه ممالك مصر الفرعونية. ولكن في الواقع فإن وادي النيل الأعلى لم يكن قد عرف بعد الكيانات البشرية المتطورة في تلك الحقبة البعيدة من التاريخ عندما نشأت حضارة المجموعة الأولى كما يبدو من آثارها المنتشرة في المنطقة عندما إحتلت جزءا من وادي النيل امتد من جبل السلسلة (في مصر العليا) شمالا وحتى بطن الحجر عند الشلال الثاني في الجنوب. وكان قدماء المصريون يسمون النوبة آنذاك تا سيتي " أي ارض الأقواس نسبة لمهارتهم في الرماية، و كانت بينهم نزاعات حدودية انتهت باحتلال النوبة للأجزاء الجنوبية من مصر العليا لفترة من الوقت. وساعد انتقال الخبرات النوبية إلى مصر على استقرار المجتمعات البشرية في شمال الوادي وتطورها مما كان له الفضل في قيام الممالك المصرية القديمة لاحقا. و أهم ما يميز المجموعة الحضارية الأولى أنواع الفخار المميز ذو اللون الوردي والأواني المزركشة بالنقوش، وقد عثر على بعض الأنواع المشابهة لهذا الفخار في مناطق متفرقة من شمال السودان حتى أم درمان. كما تميزت هذه الحقبة بطريقتها المميزة في دفن الموتى حيث كان الميت يدفن في حفرة بيضاوية الشكل على جانبه الأيمن متخذا شكل الجنين ومتجها جهة الغرب. و مع بدايات توحيد ممالك مصر العليا في مملكة واحدة متحدة واجهت النوبة قوة لا تقهر في الشمال بدأت تهدد وجودها واستقرارها. وبازدياد نفوذ وهيبة المملكة المصرية المتحدة اتجهت أطماعها جنوبا صوب النوبة، في الوقت الذي بدأت فيه المجموعة الأولى تفقد قوتها العسكرية والاقتصادية مما جعلها عاجزة عن تأمين حدودها الشمالية التي بدأت تتقلص تدريجيا نحو الجنوب، وقد بدا علامات الضعف والتدهور واضحة في آثار هذه الفترة مما دفع بعض العلماء إلى الاعتقاد بوجود مجموعة أخري تعرف باسم " المجموعة الحضارية الثانية " تلت المجموعة الأولى وكانت أضعف منها نسبيا. وبحلول عام 2900 ق. م أصبحت النوبة السفلى بكاملها تحت السيطرة المصرية وخلت تماما من سكانها بعد تراجعهم جنوبا إلى منطقة النوبة العليا ليختلطوا بحضارة كرمةالوليدة، وظلت النوبة السفلى بعد ذلك مهجورة لعقود طويلة وانقطعت أخبارها خاصة بعد تعرض آثارها ومدافنها الملوكية للحرق والتدمير من قبل جيوش المملكة المصرية. في نفس الوقت الذي كانت تشهد فيه منطقة أخرى من النوبة ميلاد حضارة جديدة ظهرت بوادرها في منطقةمملكة كرمة3000ق. م. –2400ق. م.) (مادة). وسيطرت مصر مابين 1950ق. م وحتي 1700 ق. م. حيث كانت النوبة على امتداد تاريخها الطويل عرضة للاعتداءات المصرية على أطرافها الشمالية. وكان من أهم أسباب هذه الاعتداءات الرغبة في تامين الحدود الجنوبية و تأمين طرق التجارة التي كانت تربط مصر بإفريقيا عبر بلاد النوبة، بالإضافة إلى الأطماع المصرية في ثروات المنطقة المختلفة. لهذا تعددت المناوشات المصرية على حدود النوبة منذ عهود ما قبل الأسر في مصر، واستمرت على امتداد التاريخ النوبي، وكانت تنتهي في أحيان كثيرة باحتلال أجزاء منها, خاصة منطقة النوبة السفلى. و أول محاولة فعلية لاحتلال النوبة كانت في عهد الأسرة المصرية الثانية عشر عندما غزا المصريون النوبة حتى منطقة سمنة وبنوا فيها العديد من الحصون والقلاع لتأمين حدودهم الجنوبية. ومنذ ذلك التاريخ خضعت النوبة للنفوذ المصري لما يقرب من 250 عاما تمكنت خلالها من الاحتفاظ بخصائصها وهويتها الثقافية. وانتهت هذه السيطرة الأولي عندما تفككت المملكة المصريةالوسطى, وضعفت قوتها مما شجع مملكة كرمة على مد نفوذها شمالها وضم كل منطقة النوبة السفلى في عام 1700 ق. م. وكان عصر السيطرة المصرية الثانيةمنذ 1550 ق. م. وحتي 1100ق. م. بعد طرد الهكسوس على يد "أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر حيث تجددت الأطماع المصرية في بلاد النوبة، وتوالت المحاولات لغزو أطرافها الشمالية، إلى أن تم إخضاع النوبة بكاملها حتى الشلال الرابع في عهد " تحتمس الثالث " وظل حتي 550 م. وعرف بحضارة إكس. عندما بدأت الثقافة النوبية في التغير اثر دخول مجموعات بشرية جديدة لوادي النيل حيث دفن الملوك في مدافن ضخمة مع قرابين من الرعايا والأحصنة والحمير والجمال وغيرها من الحيوانات. وأخبارهم غامضة لا يعرف عنها إلا القليل. وقامت مملكتان في منطقة النوبة هذا العصر وهما مملكة البليمي (عند الإغريق) وهم قبائل سكنت شرق النيل وحتى البحر الأحمر وكان العرب يطلقون عليهم البدجا ومملكة النوباديين و هم القبائل المعروفة بالنوبة الآن. وقد سيطر النوباديين على معظم مصر والنوبة السفلى لدى تفكك الدولة الرومانية، لكنهم اخرجوا منها فاكتفوا بالسيطرة على النوبة السفلى جنوب أسوان. وتمتيزت البليمي بنوع من الفخار، وتوجد آثارهم الآن في منطقة كلابشة. بعد انهيار مملكة مروي عام 300 م قامت مملكة النوباديين عام 375 م قرب الحدود السودانية المصرية. استمر النوباديين في عبادة الآلهة المصرية القديمة، كما استخدموا الرموز الفرعونية في الكتابة. واتحد النوباديين مع البليمي لمقاومة الغزو المسيحي القادم من الشمال. ووجدت آثار ثراء دلت عليه موجودات معابدهم في القسطل وبلانة والمتآلفة من المجوهرات والسيوف الأفريقية والتيجان والأسلحة. وكان المعبود الأول في النوبة هو الإله ابيدماك وهو مصور في آثارهم براس أسد. وكانت الصناعة الأساسية في مروي (مادة) هي صناعة الحديد والصلب، وقد دلت الحفريات على الأفران التي كانت مستخدمة في صهر الحديد. بدأ الاحتكاك بالرومان عندما احتل قيصر مصر بعد هزيمة كليوباترا في العام 30 بعد الميلاد، عندما أرسل قائده بترونيوس لمنطقة النوبة بهدف السيطرة على مناجم الذهب في عام 24 ميلادية، إلا أن الملكة النوبية أماني ري ناس تصدت له وتمكنت من إلحاق هزائم متلاحقة بجيشة في أسوان والفنتين. ولكن تفوق الجيوش الرومانية لم يمكنها من الصمود طويلا، فانسحبت إلى الجنوب ليحتل الرومان النوبة السفلى بينما ظلت النوبة العليا تحت سيطرة مملكة مروي. كره النوبيون الرومان، ووجد تمثال لراس القيصر اوغسطس مدفونا تحت عتبة احد المعابدبعد عقد اتفاق مع الرومان في مصر أمكن للنوبة الاستمرار في مناطق أسوان، مما أدى إلى تسهيل التجارة وانتقال الثقافة والفنون النوبية لمصر. (انظر: مروي. نبتة. كرمة.) وفي النوبة تطورت عبادة الإله آمون إلي أشكال آمون التشبهية بالإنسان وبرأس الكبش فى المعابد النوبية ولاسيما فى مملكة مروى (مادة) حيث ظهر التمثيل التشبيهى الإنسانى لآمون فى الآثار الكوشيَّة حتى نهاية مملكة مروى نتيجة إقتباس هذا الشكل من التصوير الإيقونى له في طيبة بمصر ولاسيما عندما كانت كوش 0مادة) خاضعة للملكة الحديثة المصرية. وظهرت هذه الصورة البشرية للإله آمون في الأيقونات المروية المتأخرة. و تؤكد هذه الصور حرص المصريين علي أن يوجدوا بكوش فى جبل البركل (مادة) عبادة روح (كا) آمون الطيبى، وأنهم إعتبروا آمون النبتى واحدًا من الأشكال التعبدية لآمون طيبة بوصفه إله الدولة فى مصر. وعد آمون فى النوبة كاءً (روح) لآمون فى طيبة إنما تدعم الفكرة القائلة بأن عبادته كانت تواصلًا منطقيًا لعبادة آمون فى مصر. وفي النوبة ظهرت أيقونات Icons لآمون الكبشى الرأس ولاسيما فى أيقونات المعبد الرسمى مما يدل أنه أصبح إلها رسميا في عبادات النوبة. لهذا ظهرت تماثيله في شكل آمون الكبشى الرأس مع قرص الشمس والصل على الرأس فى أبى سمبل و المعابد السودانية القديمة. وكان آمون فى مصر قبل ظهور الأسرة 18 بها, مرتبطًا بالأوزة أو الحيَّة لكن ليس بالكبش أبدًا. الكشف فى مقابر كرمة عن قرابين حملان، ونعاج، وكباش متوجة بموضوعات كروية أو بريش نعام بدأت تشير الى أن تلك الحيوانات قد تكون ألهمت الشكل الكبشي الجديد لآمون. فقبل الإحتلال المصرى ظهرت عبادة محلية للكبش فى النوبة ولاسيما فى كرمة (مادة). وظهور آمون كبشى الرأس يرمز لإتحاد آله مصر آمون مع إله كوش الكبش. وهذا الغتحاد أدي الى خلق أشكال جديدة لآمون. فظهرت فى الإيقونات الرسمية والتماثيل منذ حكم الرعامسة في شكل آمون كبشى الرأس فى كل من كوش ومصر. وتطورت عبادة آمون بعد دخولها للنوبة. ففي معبد أبوسمبل يلاحظ صل ضخم امام آمون. وهذالشكل لم يلاحظ في المعابد المصرية. وأصبح الصل الضخم سمة نوبية مميزة لآمون في البيئة السودانية. و ظل آمون الكبشي معبودا محليا للنوبة, بينما ظل آمون البشري معبودا بمصر الفرعونية. وعبادة آمون فى النوبة تمَّ تطويرها عبر إستعارة العديد من الأفكار والسمات الإيقونية من الثيولوجيا المصرية؛ لكنه على كل ومع مرور الوقت تمَّ نسيان الأصل المصرى لآمون، وإختفت الكثير من أشكاله المصرية ووضع العديد من الصور الإيقونية الجديدة لآمون كوش (مادة) الكبشي فى المعابد والبيئة السودانيَّة القديمة. والتشابه القوى بين صور آمون فى مصر والنوبة كانت سببًا للتاثير المتبادل وللإحلال المتبادل القادم من الجانبين. مارس آمون الكوشى تأثيرًا على عبادة آمون فى مصر. أتاح الخلق الجديد إمكان تركيب نظامًا ميثولوجيًا جديدًا عكس نزعات تطور الدولة السودانية القديمة. ومن ثم نجد أن العبادة بالنوبة كانت مرتبطة بتطور العبادات الفرعونية بمصر. لهذا مرت بمراحل مختلفة. ففي عهد إمنوحتب الأ ول أعاد إحتلال النوبة السفلي وشيد هياكل بالقلاع المصرية للإله حورس Horus ولما توسع بعد الشلال الثاني أوجد معبودا جديدا سماه حورس سيد النوبة. وأيام حكم حتشبسوت وتحتمس الثالث وإمنحوتب الثاني أدخلت معابد جديدة بالقلاع وخارجها ومن بينها المعبد المزدوج لآمون – رع, و رع – حارختي. وتم إدماج حورس سيد النوبة مع آمون – رع. وغيرها من الآلهة الإندماجية التي صورت مراحلها علي المعابد المصورة, وفي عهد رمسيس الثاني انتشرت صور لعبادة الملك وبجواره الآلهة الثلاثة الرسمية آمون – رع, و رع-حاراختى، وبتاح-تاتجينان, مع إنتشار الأشكال المقدسة للحاكم.. ففى أواخر الأسرة 18والأسرة 19، اعتبر آمون-رع فى النوبة بجنوب الشلال الثانى معبودًا رئيسًا, حيث صورت آلهة مصر وآمون في المقدمة و يتبعه آلهة حورس فى النوبة. وتعتبر الأربع مدن الكوشية الرئيسية القديمة مدنا حضارية حيث كان يمارس بها الطقوس الدينية.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


4-موسوعة الفقه الكويتية (بلوغ 2)

بُلُوغٌ -2

مَا يَثْبُتُ بِطُرُوءِ الْبُلُوغِ مِنَ الْأَحْكَامِ:

27- مِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكَانٍ حَصْرُ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ طُرُوءِ الْبُلُوغِ، وَفِيمَا يَلِي بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ لِلْأَحْكَامِ الَّتِي تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَحْتَلِمَ الصَّبِيُّ أَوِ الصَّبِيَّةُ، أَوْ يَرَيَا أَيَّةَ عَلَامَةٍ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ:

أَوَّلًا فِي بَابِ الطَّهَارَةِ:

إِعَادَةُ التَّيَمُّمِ:

28- عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِذَا تَيَمَّمَ، وَهُوَ غَيْرُ بَالِغٍ، ثُمَّ بَلَغَ بِمَا لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ كَالسِّنِّ، لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَ التَّيَمُّمَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَانَ لِنَافِلَةٍ؛ إِذْ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ مَثَلًا فَقَدْ كَانَتْ فِي حَقِّهِ نَافِلَةً، فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ ثُمَّ بَلَغَ، لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ لِلنَّافِلَةِ يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ مِنْ أَصْلِهِ.أَمَّا التَّيَمُّمُ فَهُوَ مُبِيحٌ وَلَيْسَ رَافِعًا، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ كَذَلِكَ: أَنَّهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ.

أَمَّا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ إِلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ إِذَا تَيَمَّمَ، ثُمَّ بَلَغَ إِعَادَةُ التَّيَمُّمِ.

ثَانِيًا- فِي بَابِ الصَّلَاةِ:

29- تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ أَوِ الصَّبِيَّةِ الصَّلَاةُ الَّتِي بَلَغَ فِي وَقْتِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلاَّهَا إِجْمَاعًا، حَتَّى الْمَالِكِيَّةُ- الَّذِينَ قَالُوا: يَحْرُمُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَى الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ، أَيْ لِلْعَصْرِ فِي الْجُزْءِ الْآخِرِ مِنْ وَقْتِهَا، وَالصُّبْحُ كَذَلِكَ- قَالُوا: لَوْ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا، وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ.

30- وَلَوْ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلاَّهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ نَفْلٌ فِي حَقِّهِ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ تُجْزِئْهُ عَنِ الْوَاجِبِ، هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ بَلَغَ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مَعَ النَّاسِ.

وَكَذَا إِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ، ثُمَّ بَلَغَ وَوَجَدَ جُمُعَةً أُخْرَى، وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَعَهُمْ، وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ أَعَادَهَا ظُهْرًا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ الْأَوَّلَ- وَلَوْ جُمُعَةً- وَقَعَ نَفْلًا، فَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْفَرْضِ.

أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، فَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ الْإِعَادَةُ إِذَا بَلَغَ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ صَلَّى، قَالُوا: لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ.وَلَوْ أَنَّهُ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا، بَلْ تُسْتَحَبُّ.

31- تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الَّتِي بَلَغَ فِي وَقْتِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الَّتِي تُجْمَعُ إِلَى الْحَاضِرَةِ قَبْلَهَا، فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَامَّةِ التَّابِعِينَ، إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَجِبُ الْأُولَى إِلاَّ بِإِدْرَاكِ مَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ أَيِ الصَّلَاةَ الْأُولَى مِنْهُمَا كَامِلَةً وَرَكْعَةً وَاحِدَةً عَلَى الْأَقَلِّ مِنَ الثَّانِيَةِ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ أَدْرَكَ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ إِحْرَامٍ فَقَدْ لَزِمَتْهُ الصَّلَاتَانِ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ هُوَ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ، أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَالِ السَّفَرِ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبَ إِلَى الْعِشَاءِ، فَوَقْتُ الْعَصْرِ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ مِنْ وَجْهٍ، وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، فَكَأَنَّهُ بِإِدْرَاكِهِ وَقْتَ الثَّانِيَةِ مُدْرِكٌ لِلْأُولَى أَيْضًا.

وَخَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَرَأَوْا أَنَّهُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ الَّتِي بَلَغَ فِي وَقْتِهَا فَقَطْ.

ثَالِثًا- الصَّوْمُ:

32- إِنْ بَيَّتَ الصَّبِيُّ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ بَلَغَ أَثْنَاءَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُ صَوْمِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ- كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ- صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ الْبَالِغُ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ، ثُمَّ نَذَرَ إِتْمَامَهُ.

فَإِنْ صَامَ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلاَّ فِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

أَمَّا إِنْ بَيَّتَ الْإِفْطَارَ، ثُمَّ بَلَغَ أَثْنَاءَ النَّهَارِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي حُكْمِ الْإِمْسَاكِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، وَفِي حُكْمِ قَضَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

33- فَأَمَّا الْإِمْسَاكُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- وَهُوَ قَوْلٌ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ- إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ؛ لِإِدْرَاكِهِ وَقْتَ الْإِمْسَاكِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ الصَّوْمِ.

وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي فَرْضِ عَاشُورَاءَ- قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ بِفَرْضِ رَمَضَانَ- فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» قَالُوا: وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ- فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ- إِلَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ وَاجِبًا.وَإِنَّمَا اسْتَحَبُّوهُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ.وَلَمْ يَجِبِ الْإِمْسَاكُ فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ هُوَ الصِّغَرُ، فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ إِذَا قَدِمَ، وَالْمَرِيضَ إِذَا بَرَأَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، كَكُلِّ صَاحِبِ عُذْرٍ يُبَاحُ لِأَجْلِهِ الْفِطْرُ.

34- وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ كَذَلِكَ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ- فِي قَوْلٍ- إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ، وَفَصَّلَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، ثُمَّ بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، فَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَلَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ إِلاَّ بِصَوْمٍ كَامِلٍ.وَبَيْنَ مَنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ بَلَغَ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ مِنْهُمْ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ زَمَنٍ يَسَعُ الْكُلَّ.وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ؛ إِذْ يَجِبُ فِعْلُهَا لِمَنْ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهَا الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِأَدَائِهَا، فَوُجِدَتِ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَالسَّبَبُ فِيهِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ وَالْأَهْلِيَّةُ مُنْعَدِمَةٌ فِيهِ، وَبِهَذَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ.

هَذَا وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ كَانَ يَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا بَلَغَ أَثْنَاءَ شَهْرِ رَمَضَانَ، يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَيَّامِ الَّتِي سَبَقَتْ بُلُوغَهُ مِنَ الشَّهْرِ، إِنْ كَانَ قَدْ أَفْطَرَهَا، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

رَابِعًا: الزَّكَاةُ:

35- اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ.فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِهَا؛ لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمَالِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَلْزَمُ الشَّخْصَ الْمُكَلَّفَ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ.فَعَلَى هَذَا إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ: فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَبْدَأُ حَوْلُ زَكَاتِهِ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ، إِنْ كَانَ يَمْلِكُ نِصَابًا.أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ: فَالْحَوْلُ الَّذِي بَدَأَ قَبْلَ الْبُلُوغِ مُمْتَدٌّ بَعْدَهُ.

وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ كَذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّبِيَّ إِذَا بَلَغَ رَاشِدًا أَدَاءُ الزَّكَاةِ، لِمَا مَضَى مِنَ الْأَعْوَامِ، مُنْذُ دَخَلَ الْمَالُ فِي مِلْكِهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيُّهُ يُخْرِجُ عَنْهُ الزَّكَاةَ.

أَمَّا إِنْ بَلَغَ سَفِيهًا، فَاسْتَمَرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُؤَدِّيهَا بِنَفْسِهِ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، وَلَا يَقُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي ذَلِكَ.قَالُوا: غَيْرَ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْقَاضِي إِلَيْهِ قَدْرَ الزَّكَاةِ لِيُفَرِّقَهَا، لَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا، كَيْ لَا يَصْرِفَهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى السَّفِيهِ لِأَقَارِبِهِ مَثَلًا، فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَتَوَلَّى دَفْعَهَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا.

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَدْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَا يُفَرِّقُ السَّفِيهُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ إِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ، وَعَيَّنَ الْمَدْفُوعَ لَهُ، صَحَّ صَرْفُهُ، كَمَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ.وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيقُهُ الزَّكَاةَ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ نَائِبِهِ؛ لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْمَالِ لَوْ خَلَا بِهِ السَّفِيهُ، أَوْ دَعْوَاهُ صَرْفَهَا كَاذِبًا.وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ الْوَلِيِّ يُخْرِجُهَا أَوْ يُؤَخِّرُهَا إِلَى الرُّشْدِ.

وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ.

خَامِسًا: الْحَجُّ:

36- إِذَا حَجَّ الصَّغِيرُ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، هِيَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَا تُجْزِئُهُ الْحَجَّةُ الَّتِي حَجَّهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ.نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجَدِّدَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ عَهْدًا: أَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ، وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلْيَحُجَّ، وَأَيُّمَا غُلَامٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ، فَقَدْ قَضَى حَجَّتَهُ، وَإِنْ بَلَغَ فَلْيَحْجُجْ» وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَعَلَهَا قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ فِي وَقْتِهَا.قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ الْحَجَّ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ، لَا تَكْرَارَ فِيهِ، فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالَةِ الْكَمَالِ.

37- إِذَا بَلَغَ الْمُرَاهِقُ (أَوِ الْمُرَاهِقَةُ) وَهُوَ مُحْرِمٌ بَعْدَ أَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ، فَإِنْ كَانَ بُلُوغُهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، أَوْ قَبْلَ الْوُقُوفِ، أَوْ كَانَ بُلُوغُهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَلَكِنْ رَجَعَ فَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَتَمَّ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، فَهَلْ تُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؟

مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَا يُجَدِّدُ لِحَجَّتِهِ تِلْكَ إِحْرَامًا، لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّتُهُ، فَإِنْ عَتَقَ بِجَمْعٍ- يَعْنِي الْمُزْدَلِفَةَ- لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ غَيْرُهُ مِنَ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَتَمَّ مَنَاسِكَهُ، فَكَذَلِكَ مَنْ بَلَغَ بِعَرَفَةَ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُجَدِّدَ إِحْرَامًا بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ إِحْرَامًا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ انْعَقَدَ نَفْلًا، فَلَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا.قَالُوا: وَالْإِحْرَامُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْحَجِّ إِلاَّ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالرُّكْنِ، فَاعْتَبَرْنَا شَبَهَ الرُّكْنِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ- كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ- أَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ دَمًا، أَيْ لِأَنَّهُ كَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ.

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَصْلًا.وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَدِّدَ إِحْرَامَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ.وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى إِحْرَامِهِ Bالَّذِي احْتَلَمَ فِيهِ، وَلَا يُجْزِئْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.

38- إِذَا تَجَاوَزَ الصَّبِيُّ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، ثُمَّ بَلَغَ، فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَانٍ دُونَ الرُّجُوعِ إِلَى الْمِيقَاتِ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَكِّيِّ وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ.

وَيَرَى الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْمِيقَاتِ دَمًا؛ لِأَنَّهُ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ دُونَ إِحْرَامٍ.

سَادِسًا: خِيَارُ الْبُلُوغِ:

تَخْيِيرُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فِي الصِّغَرِ:

39- يَرَى أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الصَّغِيرَ أَوِ الصَّغِيرَةَ- وَلَوْ ثَيِّبًا- إِنْ زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، كَالْأَخِ أَوِ الْعَمِّ، مِنْ كُفْءٍ وَبِمَهْرِ الْمِثْلِ، صَحَّ النِّكَاحُ، وَلَكِنْ لَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ، إِذَا عَلِمَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ عِنْدَهُ، أَوْ عَلِمَا بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، بِأَنْ بَلَغَا وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ ثُمَّ عَلِمَا بَعْدَهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ لَا يَتِمُّ الْفَسْخُ إِلاَّ بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهِ ضَعْفًا، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْقَضَاءِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا، اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ، وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْبِكْرِ بِالسُّكُوتِ لَوْ مُخْتَارَةً عَالِمَةً بِأَصْلِ النِّكَاحِ، وَلَا يَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ مَجْلِسِ بُلُوغِهَا أَوْ عِلْمِهَا بِالنِّكَاحِ.أَيْ إِذَا بَلَغَتْ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِالنِّكَاحِ، أَوْ عَلِمَتْ بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهَا، فَلَا بُدَّ مِنَ الْفَسْخِ فِي حَالِ الْبُلُوغِ أَوِ الْعِلْمِ، فَلَوْ سَكَتَتْ- وَلَوْ قَلِيلًا- بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ قَبْلَ تَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ.وَكَذَا لَا يَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ مَجْلِسِ بُلُوغِهَا أَوْ عِلْمِهَا بِالنِّكَاحِ، بِأَنْ جَهِلَتْ بِأَنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ، أَوْ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ إِلَى آخِرِ مَجْلِسِ بُلُوغِهَا، فَلَا تُعْذَرُ بِدَعْوَى جَهْلِهَا أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إِسْلَامٍ، فَلَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنَّ خِيَارَهَا يَمْتَدُّ إِلَى أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ لَهَا خِيَارًا،

وَخِيَارُ الصَّغِيرِ إِذَا بَلَغَ وَالثَّيِّبُ- سَوَاءٌ أَكَانَتْ ثَيِّبًا فِي الْأَصْلِ، أَوْ كَانَتْ بِكْرًا، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا، ثُمَّ بَلَغَتْ- لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ بِلَا صَرِيحِ الرِّضَا، أَوْ دَلَالَةٍ عَلَى الرِّضَا، كَقُبْلَةٍ وَلَمْسٍ وَدَفْعِ مَهْرٍ، وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ الْعُمُرُ، Bفَيَبْقَى الْخِيَارُ حَتَّى يُوجَدَ الرِّضَا.

وَإِذَا زَوَّجَ الْقَاضِي صَغِيرَةً مِنْ كُفْءٍ، وَكَانَ أَبُوهَا أَوْ جَدُّهَا فَاسِقًا، فَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.

40- وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا عَقَدَ لِلصَّغِيرِ وَلِيُّهُ- أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ- عَلَى شُرُوطٍ شُرِطَتْ حِينَ الْعَقْدِ، وَكَانَتْ تَلْزَمُ إِنْ وَقَعَتْ مِنْ مُكَلَّفٍ- كَأَنِ اشْتَرَطَ لَهَا فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ إِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَهِيَ، أَوِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا طَالِقٌ- أَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرُ نَفْسَهُ بِالشُّرُوطِ وَأَجَازَهَا وَلِيُّهُ، ثُمَّ بَلَغَ وَكَرِهَ بَعْدَ بُلُوغِهِ تِلْكَ الشُّرُوطَ- وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ- عَالِمًا بِهَا، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِهَا وَثُبُوتِ النِّكَاحِ، وَبَيْنَ عَدَمِ الْتِزَامِهَا وَفَسْخِ النِّكَاحِ بِطَلَاقٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ بِإِسْقَاطِ الشُّرُوطِ.

وَالصَّغِيرَةُ فِي هَذَا حُكْمُهَا حُكْمُ الصَّغِيرِ.وَالتَّفْصِيلُ فِي بَابِ (الْوِلَايَةِ) مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَإِنْ زَوَّجَ الصَّغِيرُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلِوَلِيِّهِ فَسْخُ عَقْدِهِ بِطَلَاقٍ، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ.وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا لَمْ يُرِدِ الْوَلِيُّ نِكَاحَ الصَّبِيِّ- وَالْحَالُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي رَدِّهِ- حَتَّى كَبِرَ وَخَرَجَ مِنَ الْوِلَايَةِ جَازَ النِّكَاحُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ النَّظَرُ إِلَيْهِ فَيُمْضِيَ أَوْ يَرُدَّ، وَمُفَادُهُ أَنَّ لِلصَّغِيرِ حَقَّ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ بُلُوغِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي بَابِ (الْوِلَايَةِ).

41- وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الصَّغِيرَ إِذَا زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً مَعِيبَةً بِعَيْبٍ صَحَّ النِّكَاحُ، وَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ- إِذَا بَلَغَ- وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ.

وَالصَّغِيرُ إِنْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ، فَفِي الْأَصَحِّ أَنَّ نِكَاحَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَتَعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ، وَلَكِنْ لَهُ الْخِيَارُ.وَهُنَاكَ قَوْلٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ وِلَايَةُ مَصْلَحَةٍ، وَلَيْسَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تَزْوِيجِهِ مِمَّنْ لَا تُكَافِئُهُ.

وَإِنْ زَوَّجَ الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ؛ لِوُقُوعِ النِّكَاحِ Bعَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ صَحِيحًا عَلَى خِلَافِ الْأَظْهَرِ، وَالنَّقْصُ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ يَقْتَضِي الْخِيَارَ.وَعَلَى الْأَظْهَرِ: التَّزْوِيجُ بَاطِلٌ.

42- وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْأَبُ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ.وَفِي رِوَايَةٍ: يَصِحُّ تَزْوِيجُ غَيْرِ الْأَبِ، وَتُخَيَّرُ إِذَا بَلَغَتْ، كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.وَقِيلَ: تُخَيَّرُ إِذَا بَلَغَتْ تِسْعًا.فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَطَلَ خِيَارُهَا.وَكَذَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا إِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ أَنْ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ وَلَمْ تُخَيَّرْ.

وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرٍ تَزْوِيجُهُ بِمَعِيبَةٍ بِعَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَا لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ تَزْوِيجُهَا بِمَعِيبٍ بِعَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ فِي النِّكَاحِ؛ لِوُجُوبِ نَظَرِهِ لَهُمَا بِمَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ، وَلَا حَظَّ لَهُمَا فِي هَذَا الْعَقْدِ، فَإِنْ فَعَلَ وَلِيُّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُكَلَّفَةِ بِأَنْ زَوَّجَهُ بِمَعِيبٍ يُرَدُّ بِهِ- عَالِمًا بِالْعَيْبِ- لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ لَهُمَا عَقْدًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَعِيبٌ صَحَّ الْعَقْدُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْفَسْخُ إِذَا عَلِمَ.وَهَذَا خِلَافًا لِمَا وَرَدَ فِي الْمُنْتَهَى فِيمَا يُوهِمُ إِبَاحَةَ الْفَسْخِ، وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ قَالَ: لَا يُفْسَخُ، وَيُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ لِاخْتِيَارِهِمَا.

وَتَفْصِيلُ مَا ذُكِرَ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي بَابِ (النِّكَاحِ، وَالْوِلَايَةِ).

سَابِعًا- انْتِهَاءُ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ بِالْبُلُوغِ:

43- عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: تَنْتَهِي الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ بِالنِّسْبَةِ لِوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فِي الْحُرَّةِ بِالتَّكْلِيفِ (الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ) فَيَصِحُّ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا رِضَى وَلِيٍّ، وَتَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ مِنْ طَلَاقٍ وَتَوَارُثٍ وَغَيْرِهِمَا.

وَتَنْتَهِي الْحَضَانَةُ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ بِبُلُوغِهَا بِمَا تَبْلُغُ بِهِ النِّسَاءُ مِنَ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، وَيَضُمُّهَا الْأَبُ إِلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْفَسَادَ، لَوْ كَانَتْ حَدِيثَةَ السِّنِّ، وَالْأَخُ وَالْعَمُّ كَذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُمَا، فَيَنْظُرُ الْقَاضِي امْرَأَةً ثِقَةً فَتُسَلَّمُ إِلَيْهَا، وَتَنْتَهِي وِلَايَةُ الْأَبِ عَلَى الْأُنْثَى إِذَا كَانَتْ مُسِنَّةً، وَاجْتَمَعَ لَهَا رَأْيٌ، فَتَسْكُنُ حَيْثُ أَحَبَّتْ حَيْثُ لَا خَوْفَ عَلَيْهَا، وَإِنْ ثَيِّبًا لَا يَضُمُّهَا إِلاَّ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ الضَّمُّ، لَا لِغَيْرِهِمَا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ.

وَتَنْتَهِي وِلَايَةُ الْأَبِ عَلَى الْغُلَامِ إِذَا بَلَغَ وَعَقَلَ وَاسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَى Bنَفْسِهِ، بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ، فَلِلْأَبِ وِلَايَةُ ضَمِّهِ إِلَيْهِ لِدَفْعِ فِتْنَةٍ أَوْ عَارٍ، وَتَأْدِيبُهُ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْجَدُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تَنْتَهِي الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ بِبُلُوغِهِ الطَّبِيعِيِّ، وَهُوَ بُلُوغُ النِّكَاحِ، فَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ يُخْشَى عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِجَمَالِهِ مَثَلًا، أَوْ كَمَا إِذَا كَانَ يَصْطَحِبُ الْأَشْرَارَ وَتَعَوَّدَ مَعَهُمْ أَخْلَاقًا فَاسِدَةً، يَبْقَى حَتَّى تَسْتَقِيمَ أَخْلَاقُهُ.وَإِذَا بَلَغَ الذَّكَرُ رَشِيدًا ذَهَبَ حَيْثُ يَشَاءُ؛ لِانْقِطَاعِ الْحَجْرِ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِذَاتِهِ، وَإِذَا بَلَغَ الذَّكَرُ- وَلَوْ زَمِنًا أَوْ مَجْنُونًا- سَقَطَتْ عَنْهُ حَضَانَةُ الْأُمِّ عَلَى الْمَشْهُورِ.وَبِالنِّسْبَةِ لِلْأُنْثَى، فَتَسْتَمِرُّ الْحَضَانَةُ عَلَيْهَا وَالْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ، وَيَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَنْتَهِي الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرِ- ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى- بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ إِلاَّ عَلَى الطِّفْلِ أَوِ الْمَعْتُوهِ، فَأَمَّا الْبَالِغُ الرَّشِيدُ فَلَا حَضَانَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَلَهُ الِانْفِرَادُ بِنَفْسِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى لَمْ يَكُنْ لَهَا الِانْفِرَادُ، وَلِأَبِيهَا مَنْعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مَنْ يُفْسِدُهَا، وَيَلْحَقُ الْعَارُ بِهَا وَبِأَهْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ فَلِوَلِيِّهَا وَأَهْلِهَا مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ.

ثَامِنًا: الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَالِ:

44- تَنْقَضِي الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَالِ أَيْضًا بِبُلُوغِ الصَّغِيرِ عَاقِلًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَيَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ لِمَعْرِفَتِهِ إِلَى أَبْوَابِ الْحَجْرِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


5-موسوعة الفقه الكويتية (خطأ 1)

خَطَأٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْخَطَأُ لُغَةً نَقِيضُ الصَّوَابِ.

قَالَ فِي اللِّسَانِ: الْخَطَأُ وَالْخَطَاءُ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} عَدَّاهُ بِالْبَاءِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى عَثَرْتُمْ أَوْ غَلِطْتُمْ.

وَأَخْطَأَ الطَّرِيقَ عَدَلَ عَنْهُ، وَأَخْطَأَ الرَّامِي الْغَرَضَ لَمْ يُصِبْهُ.وَخَطَّأَهُ تَخْطِئَةً نَسَبَهُ إِلَى الْخَطَأِ وَقَالَ لَهُ أَخْطَأْتَ.

وَقَالَ الْأُمَوِيُّ: الْمُخْطِئُ مَنْ أَرَادَ الصَّوَابَ فَصَارَ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْخَاطِئُ مَنْ تَعَمَّدَ لِمَا لَا يَنْبَغِي.

وَالِاسْمُ الْخَطِيئَةُ عَلَى فَعِيلَةٍ، وَذَلِكَ أَنْ تُشَدَّدَ الْيَاءُ وَتُدْغَمَ فَتَقُولُ خَطِيَّةٌ وَالْجَمْعُ خَطَايَا.

وَفِي النِّهَايَةِ وَالْمِصْبَاحِ: يُقَالُ خَطِئَ.فِي دِينِهِ خَطَأً إِذَا أَثِمَ فِيهِ، وَالْخِطْءُ: الذَّنْبُ وَالْإِثْمُ.

وَأَخْطَأَ يُخْطِئُ إِذَا سَلَكَ سَبِيلَ الْخَطَأِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا.وَيُقَالُ: خَطِئَ بِمَعْنَى أَخْطَأَ أَيْضًا.وَقِيلَ: خَطِئَ إِذَا تَعَمَّدَ، وَأَخْطَأَ إِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ.

وَيُقَالُ: لِمَنْ أَرَادَ شَيْئًا فَفَعَلَ غَيْرَهُ، أَوْ فَعَلَ غَيْرَ الصَّوَابِ: أَخْطَأَ.

مَعْنَاهُ فِي الِاصْطِلَاحِ:

2- قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: هُوَ فِعْلٌ يَصْدُرُ مِنَ الْإِنْسَانِ بِلَا قَصْدٍ إِلَيْهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ أَمْرٍ مَقْصُودٍ سِوَاهُ.

وَعَرَّفَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ بِقَوْلِهِ:

هُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْجِنَايَةُ، كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي إِلَى حَلْقِ الصَّائِمِ، فَإِنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْجِنَايَةُ عَلَى الصَّوْمِ إِنَّمَا هُوَ الْحَلْقُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالْمَضْمَضَةِ بَلْ قَصَدَ بِهَا الْفَمَ، وَكَالرَّمْيِ إِلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا، فَإِنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ هُوَ الْآدَمِيُّ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالرَّمْيِ بَلْ قَصَدَ غَيْرَهُ وَهُوَ الصَّيْدُ.

الْغَلَطُ:

3- الْغَلَطُ فِي اصْطِلَاحِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَأْتِي مُسَاوِيًا لِلَفْظِ الْخَطَأِ.

فَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ تَعْرِيفُ الْغَلَطِ: بِأَنَّهُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ.

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ مَا قَالَهُ اللَّيْثُ: إِنَّهُ أَيِ الْغَلَطُ كُلُّ شَيْءٍ يَعْيَا الْإِنْسَانُ عَنْ جِهَةِ صَوَابِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ.وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْخَطَأِ بِعَيْنِهِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: فَرْقًا بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ وَهُوَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْخَطَأِ الْجَنَانُ، وَمُتَعَلِّقَ الْغَلَطِ اللِّسَانُ.وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا يَأْتِي الْغَلَطُ بِمَعْنَى الْخَطَأِ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: فِي الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ أَيِ: اللِّسَانِيِّ نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيهِ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مِنَ الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَطُ الْجِنَائِيُّ الَّذِي هُوَ الْخَطَأُ، كَحَلِفِهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ زَيْدًا، فَكَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ عَمْرٌو، وَكَحَلِفِهِ لَا أَذْكُرُ فُلَانًا فَذَكَرَهُ، لِظَنِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ الِاسْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.

وَفَرَّقَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ فَقَالَ: إِنَّ الْغَلَطَ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَوَابًا فِي نَفْسِهِ، وَالْخَطَأُ لَا يَكُونُ صَوَابًا عَلَى وَجْهٍ.

ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْغَلَطُ أَنْ يَسْهَى تَرْتِيبَ الشَّيْءِ وَأَحْكَامَهُ، وَالْخَطَأُ أَنْ يَسْهَى عَنْ فِعْلِهِ، أَوْ أَنْ يُوقِعَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ وَلَكِنْ لِغَيْرِهِ.

وَهَذَا الْبَحْثُ يَشْمَلُ مُصْطَلَحَيْ (خَطَأٌ، وَغَلَطٌ) بِاعْتِبَارِهِمَا يَرِدَانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَمَّا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِلَفْظِ الْخَطَأِ، كَمَا فِي بَيْعِ الْمُخْطِئِ وَطَلَاقِهِ.

وَالْمَالِكِيَّةُ يُعَبِّرُونَ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ بِلَفْظَةِ الْغَلَطِ، كَمَا فِي الْغَلَطِ فِي الْمَبِيعِ، وَتَأْتِي تَعْبِيرَاتُهُمْ مُخْتَلِفَةً أَحْيَانًا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ بِلَفْظَةِ الْخَطَأِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ ذَاتِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظَةِ الْغَلَطِ، كَمَا فِي الْحَجِّ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ كَمَسَائِلِ الشَّهَادَةِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- النِّسْيَانُ وَالسَّهْوُ وَالْغَفْلَةُ وَالذُّهُولُ:

4- هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ.

فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ.

وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ.

وَصَرَّحَ الْبَيْجُورِيُّ بِأَنَّ السَّهْوَ مُرَادِفٌ لِلْغَفْلَةِ، وَأَمَّا الذُّهُولُ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَهُ مُسَاوِيًا لِلْغَفْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ أَعَمَّ مِنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ أَخَصَّ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَرْجِعُ إِلَى عُيُوبٍ فِي الْإِرَادَةِ لِمَنْ فَاتَهَا الْعِلْمُ، وَمَا كَانَ مُنَافِيًا لِلْعِلْمِ كَانَ مُنَافِيًا لِلْإِرَادَةِ، وَصِلَتُهَا بِالْخَطَأِ أَنَّهَا أَسْبَابٌ تُؤَدِّي إِلَيْهِ وَالْخَطَأُ يُنْتَجُ عَنْهَا.

ب- الْإِكْرَاهُ:

5- الْإِكْرَاهُ هُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَلَا يَخْتَارُ الْمُكْرَهُ مُبَاشَرَتَهُ لَوْ خُلِّيَ وَنَفْسَهُ، وَيَنْقَسِمُ إِلَى مُلْجِئٍ وَغَيْرِ مُلْجِئٍ وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (إِكْرَاهٌ)

قَالَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ بِالْإِكْرَاهِ إِلَى حَدِّ الِاضْطِرَارِ، وَصَارَ نِسْبَةُ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنَ الْفِعْلِ إِلَيْهِ نِسْبَةُ حَرَكَةِ الْمُرْتَعِشِ إِلَيْهِ، أَنَّ تَكْلِيفَهُ بِهِ إِيجَادًا وَعَدَمًا غَيْرُ جَائِزٍ إِلاَّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدِّ الِاضْطِرَارِ فَهُوَ مُخْتَارٌ، وَتَكْلِيفُهُ جَائِزٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَأَمَّا الْمُخْطِئُ فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ إِجْمَاعًا فِيمَا هُوَ مُخْطِئٌ فِيهِ.

ج- الْهَزْلُ:

6- الْهَزْلُ ضِدُّ الْجَدِّ وَهُوَ كُلُّ كَلَامٍ لَا تَحْصِيلَ لَهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْهُزَالِ.

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْهُزَالُ وَاللَّعِبُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ.وَنَحْوُهُمَا الْمِزَاحُ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ بِأَنْ لَا يُرَادَ بِهِ شَيْءٌ أَوْ يُرَادَ بِهِ مَا لَا يَصِحُّ إِرَادَتُهُ بِهِ.

وَالْهَزْلُ كَالْخَطَأِ فِي أَنَّهُ مِنَ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ إِلاَّ أَنَّ الْمُخْطِئَ لَا قَصْدَ لَهُ فِي خُصُوصِ اللَّفْظِ وَلَا فِي حُكْمِهِ، وَالْهَازِلُ مُخْتَارٌ رَاضٍ بِخُصُوصِ اللَّفْظِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ.

د- الْجَهْلُ:

7- الْجَهْلُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَصْلًا، وَيُسَمَّى الْجَهْلَ الْبَسِيطَ، أَوْ أَدْرَكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ وَيُسَمَّى الْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ؛ لِأَنَّهُ جَهْلُ الْمُدْرِكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ، مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِهِ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ.

وَاعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ الْجَهْلَ عُذْرًا مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ، وَعَارِضًا مِنَ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ، مِثْلُهُ مِثْلُ الْخَطَأِ، وَأَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ وَيُعْتَدُّ بِهِ عُذْرًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْمَأْمُورَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ إِقَامَةُ مَصَالِحِهَا، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلاَّ بِفِعْلِهَا، وَالْمَنْهِيَّاتُ مَزْجُورٌ عَنْهَا بِسَبَبِ مَفَاسِدِهَا امْتِحَانًا لِلْمُكَلَّفِ بِالِانْكِفَافِ عَنْهَا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالتَّعَمُّدِ لِارْتِكَابِهَا، وَمَعَ الْجَهْلِ لَمْ يَقْصِدِ الْمُكَلَّفُ ارْتِكَابَ الْمَنْهِيِّ فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ فِيهِ.

وَلَا يُعْتَبَرُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ مَثَلُ الْخَطَأِ، فَيَضْمَنُ الْجَاهِلُ وَالْمُخْطِئُ مَا يُتْلِفَانِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

8- اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فِي وَصْفِ الْمُخْطِئِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ.

فَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: بَعْدَ أَنْ عَرَّفَ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ: مِنْ فُرُوعِ كَوْنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالْمُكَلَّفِينَ، أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ الْقَائِمَةِ بِالْفَاعِلِ، وَهُوَ مَا إِذَا وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ مَثَلًا، هَلْ يُوصَفُ وَطْؤُهُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَإِنِ انْتَفَى عَنْهُ الْإِثْمُ، أَوْ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْهَا؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا الثَّالِثُ، وَبِهِ أَجَابَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ فَتَاوِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالسَّاهِي وَالْمُخْطِئُ وَنَحْوُهُمَا لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ.

وَجَزَمَ فِي الْمُهَذَّبِ بِالْحُرْمَةِ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: (أَيِ الشَّافِعِيَّةِ) وَالْخِلَافُ يَجْرِي فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَفِي أَكْلِ الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ.

ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ التَّحْرِيمَ أَوِ الْإِبَاحَةَ لَمْ يُقَيِّدِ التَّعَلُّقَ بِالْمُكَلَّفِينَ بَلْ بِالْعِبَادِ، لِيَدْخُلَ فِيهِ أَيْضًا صِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ وَغَيْرُهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَوُجُوبُ الْغَرَامَةِ بِإِتْلَافِهِ، وَإِتْلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ، وَالسَّاهِي وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ.

وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ: إِنَّ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مَرْتَبَةُ الْعَفْوِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ.ثُمَّ قَالَ: وَيَظْهَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ Cمِنَ الشَّرِيعَةِ، مِنْهَا مَا يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَمِنْهَا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ، فَكُلُّ فِعْلٍ صَدَرَ عَنْ غَافِلٍ، أَوْ نَاسٍ، أَوْ مُخْطِئٍ، فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا أَفَرَضْنَا تِلْكَ الْأَفْعَالَ مَأْمُورًا بِهَا أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهَا أَمْ لَا.لِأَنَّهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهَا وَلَا مَأْمُورًا بِهَا وَلَا مُخَيَّرًا فِيهَا فَقَدْ رَجَعَتْ إِلَى قِسْمِ مَا لَا حُكْمَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ.

وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَمِنْ شَرْطِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ ذِكْرُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَذَلِكَ فِي الْمُخْطِئِ، وَالنَّاسِي، وَالْفَاعِلُ مُحَالٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ النَّائِمُ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْحَائِضُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.وَمِنْهَا الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَوَّلِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.

الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْخَطَأِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُقُوقِ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ وَالْإِجْزَاءُ وَنَحْوُهُ:

9- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ عُذْرٌ فِي إِسْقَاطِ بَعْضِ حُقُوقِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَيْسَ فِيهَا كُلِّهَا، فَاعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ عُذْرًا فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ عَنِ الْمُجْتَهِدِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: « إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ».

وَجَعَلَهُ شُبْهَةً دَارِئَةً فِي الْعُقُوبَاتِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِحَدٍّ فِيمَا لَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ.

وَكَذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِيمَا لَوْ رَمَى إِلَى إِنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ.

وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْخَطَأِ فَيَجِبُ ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ خَطَأً، كَمَا لَوْ رَمَى إِلَى شَاةٍ وَإِنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا صَيْدٌ، أَوْ أَكَلَ مَا لَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مِلْكُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ لَا جَزَاءُ فِعْلٍ فَيَعْتَمِدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ، وَكَوْنُهُ خَاطِئًا لَا يُنَافِيهَا.

قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: قَالَ الْأُصُولِيُّونَ، أَيْ فِي حَدِيثِ: « إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ »:: إِنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْخَطَأِ وَأَخَوَيْهِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ، فَالْمُرَادُ حُكْمُهَا وَهُوَ نَوْعَانِ: أُخْرَوِيٌّ Cوَهُوَ الْمَأْثَمُ، وَدُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الْفَسَادُ، وَالْحُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ فَصَارَ الْحُكْمُ بَعْدَ كَوْنِهِ مَجَازًا مُشْتَرَكًا فَلَا يَعُمُّ.أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا عُمُومَ لَهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْأُخْرَوِيُّ إِجْمَاعًا لَمْ يَثْبُتِ الْآخَرُ.

وَأَمَّا الْحُكْمُ الدُّنْيَوِيُّ فَإِنْ وَقَعَ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يَجِبُ تَدَارُكُهُ، وَلَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ، أَوْ فِعْلٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِنْ أَوْجَبَ عُقُوبَةً كَانَ شُبْهَةً فِي إِسْقَاطِهَا، فَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا، أَوْ حَجًّا، أَوْ زَكَاةً، أَوْ كَفَّارَةً، أَوْ نَذْرًا، وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا الْوُقُوفُ بِغَيْرِ عَرَفَةَ غَلَطًا يَجِبُ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا، وَمِنْهَا مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ نَاسِيًا، أَوْ نَسِيَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، أَوْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم-: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ » أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ فِيهَا سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْخَطَأُ فِي الْعِبَادَةِ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَضَاءِ إِنْ لَمْ يُؤْمَنْ وُقُوعُ مِثْلِهِ فِي الْمَفْعُولِ ثَانِيًا، كَمَا لَوْ أَخْطَأَ الْحَجِيجُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَوَقَفُوا الْعَاشِرَ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يُؤْمَنُ فِي السِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ.أَمَّا إِذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ الْخَطَأُ عُذْرًا فِي إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ كَمَا إِذَا أَخْطَأَ الْحَجِيجُ فِي الْمَوْقِفِ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ عَرَفَةَ، فَيَلْزَمُهُمُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الْمَوْقِفِ يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ لَا يُعْتَدُّ بِحُكْمِهِ.

وَلَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوِ اجْتَهَدَ فِي أَوَانٍ، أَوْ ثِيَابٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ لَبِسَهُ كَانَ نَجِسًا لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا لَغْوٌ فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَغْوًا فِي الْآثَامِ.وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ».

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} الْمَعْنَى: اعْفُ عَنْ إِثْمِ مَا يَقَعُ مِنَّا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا.وَهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَنَّ الْإِثْمَ مَرْفُوعٌ، وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ هَلْ ذَلِكَ مَرْفُوعٌ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ يَلْزَمُ أَحْكَامُ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ اخْتُلِفَ فِيهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ، فَقِسْمٌ لَا يَسْقُطُ بِاتِّفَاقٍ كَالْغَرَامَاتِ، وَالدِّيَاتِ، وَالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ، وَقِسْمٌ يَسْقُطُ بِاتِّفَاقٍ كَالْقِصَاصِ وَالنُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَقِسْمٌ ثَالِثٌ يُخْتَلَفُ فِيهِ كَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ، أَوْ حَنِثَ سَاهِيًا، وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مِمَّا يَقَعُ خَطَأً وَنِسْيَانًا وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ.

وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ خَطَأً غَيْرُ مُؤَاخَذٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا إِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ الَّذِي قَالَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} يَقْتَضِي رَفْعَ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْمَنْسِيِّ، وَالْمُؤَاخَذَةُ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مُؤَاخَذَةٍ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَالْعِقَابُ، وَإِلَى مُؤَاخَذَةٍ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا وَهُوَ إِثْبَاتُ التَّبَعَاتِ وَالْغَرَامَاتِ.وَالظَّاهِرُ نَفْيُ حُكْمِ جَمِيعِ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ - عليه الصلاة والسلام-: « رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ ».يَقْتَضِي رَفْعَ الْخَطَأِ مُطْلَقًا وَرَفْعَ حُكْمِهِ.

10- وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ وَالدِّيَاتِ وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ حَتَّى إِنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ.لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَهُوَ الْخِطَابُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمَجَانِينِ وَالْغَافِلِينَ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: إِذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْتُ بِكَذَا، وَمِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ بِالْإِضْرَارِ، وَالْإِعْسَارُ، وَالتَّوْرِيثُ بِالْأَنْسَابِ.

وَنَقَلَ الْخَلاَّلُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ مَرْفُوعٌ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ فِي قَتْلِ Cالنَّفْسِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ، يَعْنِي مَنْ زَعَمَ ارْتِفَاعَهُمَا عَلَى الْعُمُومِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ وَالتَّكْلِيفِ.

وَقَالَ الْبَعْلِيُّ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ: شُرُوطُ التَّكْلِيفِ الْعَقْلُ وَفَهْمُ الْخِطَابِ.فَلَا تَكْلِيفَ عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا مَجْنُونٍ لَا عَقْلَ لَهُ.وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَاخْتَارَ قَوْمٌ تَكْلِيفَهُمَا.

قُلْتُ: مَنِ اخْتَارَ تَكْلِيفَهُمَا، إِنْ أَرَادَ: أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمَا مَا هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَا نِزَاعَ فِي تَرَتُّبِهِ.وَإِنْ أَرَادَ خِطَابَ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنِ اخْتُلِفَ فِي مَسَائِلَ: هَلْ هِيَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، أَمْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؟ أَوْ بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ التَّكْلِيفِ.

قَوَاعِدُ فِقْهِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخَطَأِ:

قَاعِدَةٌ: لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ.

11- هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.

وَمِنْ تَطْبِيقَاتِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ لَوْ ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ ضَاقَ فَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ الْفَائِتَةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ بَطَلَ الْفَجْرُ، فَإِذَا بَطَلَ يَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ الْفَجْرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُعِيدُ الْفَجْرَ فَقَطْ.

وَمِنْهَا مَا لَوْ ظَنَّ الْمَاءَ نَجِسًا فَتَوَضَّأَ بِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طَاهِرٌ جَازَ وُضُوءُهُ.

وَمِنْهَا مَا لَوْ ظَنَّ الْمُزَكِّي أَنَّ الْمَدْفُوعَ إِلَيْهِ غَيْرُ مَصْرِفٍ لِلزَّكَاةِ فَدَفَعَ لَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَجْزَأَهُ اتِّفَاقًا.وَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ حُضُورُ الْعَدُوِّ.

وَلَوِ اسْتَنَابَ الْمَرِيضُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ ظَانًّا أَنَّهُ لَا يَعِيشُ ثُمَّ صَحَّ مِنَ الْمَرَضِ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ.

وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَدَّاهُ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى.

وَلَوْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَبَانَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ طَلُقَتْ.

وَمِنْ تَطْبِيقَاتِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:

12- مَا لَوْ ظَنَّ الْمُكَلَّفُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ، تَضَيَّقَ عَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ ثُمَّ عَاشَ وَفَعَلَهُ فَأَدَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ فَصَلَّى، ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ.

وَمَا لَوْ ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ، فَصَلَّى، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ.

أَوْ ظَنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ بَانَ نَجَاسَتُهُ.

أَوْ ظَنَّ أَنَّ إِمَامَهُ مُسْلِمٌ، أَوْ رَجُلٌ قَارِئٌ فَبَانَ كَافِرًا، أَوِ امْرَأَةً أَوْ أُمِّيًّا.

أَوْ بَقَاءَ اللَّيْلِ، أَوْ غُرُوبَ الشَّمْسِ، فَأَكَلَ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ.

أَوْ دَفْعَ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ ظَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَبَانَ خِلَافُهُ.

أَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَبَانَ خِلَافُهُ، أَوْ بَانَ أَنَّ هُنَاكَ خَنْدَقًا.

أَوِ اسْتَنَابَ عَلَى الْحَجِّ ظَانًّا أَنَّهُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، فَبَرِئَ: لَمْ يَجُزْ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا.

ثُمَّ أَوْرَدَ السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، مِنْهَا مَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّهُ مُتَطَهِّرًا فَبَانَ حَدَثُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ.

وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْبَائِنِ ظَانًّا حَمْلَهَا فَبَانَتْ حَائِلًا: اسْتَرَدَّ.

وَشَبَّهَهُ الرَّافِعِيُّ: بِمَا إِذَا ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَدَّاهُ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ، وَمَا إِذَا أَنْفَقَ عَلَى ظَنِّ إِعْسَارِهِ، ثُمَّ بَانَ يَسَارُهُ.

13- وَقَرِيبٌ مِنَ الْقَاعِدَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَاعِدَةُ الظُّهُورِ وَالِانْكِشَافِ ذَكَرَهَا الْوَنْشَرِيسِيُّ.وَمِنْ تَطْبِيقَاتِهَا:

اسْتِرْجَاعُ النَّفَقَةِ الْمَدْفُوعَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْحَمْلِ إِذَا ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ.

وَوُجُوبُ رَدِّ قِسْمَةِ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ- بَعْدَمَا أَنْفَقَ أَوْلَادُهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ مَالِهِ.قَالَ مَالِكٌ فِيهَا بِوُجُوبِ رَدِّ النَّفَقَةِ.

14- وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَوْرَدَ ابْنُ رَجَبٍ عِدَّةَ قَوَاعِدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا:

الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالسِّتُّونَ: وَهِيَ مَنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهُ فَفِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ خِلَافٌ، وَمِنْ تَطْبِيقَاتِهَا:

مَا لَوْ بَاعَ مِلْكَ أَبِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ قَدْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَفِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَجْهَانِ وَيُقَالُ: رِوَايَتَانِ.

وَمِنْهَا الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ وَالتِّسْعُونَ:

مَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ مَالُهُ، أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَظُنُّ لِنَفْسِهِ وِلَايَةً عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ خَطَأُ ظَنِّهِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَأُ ظَنِّهِ، بِأَنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَأُ الْمُتَسَبِّبِ، أَوْ أَقَرَّ بِتَعَمُّدِهِ لِلْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْمُتَسَبِّبُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى اجْتِهَادٍ مُجَرَّدٍ، كَمَنْ دَفَعَ مَالًا تَحْتَ يَدِهِ إِلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مَالِكُهُ أَوْ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، أَوْ دَفَعَ مَالَهُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهُ Cلِحَقِّ اللَّهِ إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ مُسْتَحِقًّا ثُمَّ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ.

الْخَطَأُ فِي الْعِبَادَاتِ:

أ- الطَّهَارَةُ:

أَوَّلًا- الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ:

15- مَنِ اجْتَهَدَ فِي أَوَانٍ أَوْ ثِيَابٍ ثُمَّ بَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ لَبِسَهُ كَانَ نَجِسًا لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فَهُوَ كَالْحَاكِمِ إِذَا أَخْطَأَ النَّصَّ.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.

وَمَبْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ (لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ).

وَبَنَاهَا الْمَالِكِيَّةُ عَلَى قَاعِدَةِ.الظَّنُّ هَلْ يُنْقَضُ بِالظَّنِّ أَمْ لَا؟.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا.

وَلَا تَرِدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوَاعِدِ جُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ لِأَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ، أَوْ طَهَارَةِ الْمَاءِ النَّجِسِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَيَمُّمِهِ مَزْجُهُمَا أَوْ إِرَاقَتُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

وَبَنَوْا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ: إِذَا تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ حُجَّةً يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا، كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْإِخْبَارِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُسْتَنَدُهُ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ الْغَالِبَةَ وَالْقَرَائِنَ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى الظَّاهِرِ، وَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى الْأَصْلِ، وَتَارَةً يَخْرُجُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ.

أَمَّا فِي الثِّيَابِ إِذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ لَمْ يَجُزِ التَّحَرِّي وَصَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزَادَ صَلَاةً وَيَنْوِي بِكُلِّ صَلَاةٍ الْفَرْضَ.

ثَانِيًا- الْخَطَأُ فِي الْوُضُوءِ:

16- إِذَا غَلِطَ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ النَّوْمِ وَكَانَ حَدَثُهُ غَيْرَهُ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِذَا غَلِطَ فِي النِّيَّةِ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثُ نَوْمٍ، فَغَلِطَ وَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ بَوْلٍ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ لِتَدَاخُلِ الْأَحْدَاثِ، أَمَّا إِنْ نَوَى غَيْرَ مَا صَدَرَ مِنْهُ عَمْدًا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ لِتَلَاعُبِهِ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي مَبْحَثِ « إِذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ » أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ لَا دَخْلَ لَهُمَا فِي هَذَا الْبَحْثِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا.وَقَالُوا: إِنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَاءَ مَدْفُوعًا، أَوْ مُخْتَارًا لِقَصْدِ التَّبَرُّدِ، أَوْ لِمُجَرَّدِ إِزَالَةِ الْوَسَخِ صَحَّ وُضُوءُهُ.وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَقْصُودُ التَّحْصِيلِ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ، فَكَيْفَمَا فَعَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَصَارَ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَاقِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَلَا يَفْتَقِرُ اعْتِبَارُهَا إِلَى أَنْ تُنْوَى.

ثَالِثًا- الْخَطَأُ فِي الْغُسْلِ:

17- إِذَا نَوَى الْمُغْتَسِلُ رَفْعَ جَنَابَةِ الْجِمَاعِ وَكَانَتْ جَنَابَتُهُ مِنَ احْتِلَامٍ، وَإِذَا نَوَتِ الْمَرْأَةُ رَفْعَ الْجَنَابَةِ وَكَانَ حَدَثُهَا مِنَ الْحَيْضِ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ.

وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ، وَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَنِ الثَّوْبِ، وَالْبَدَنِ، وَالْمَكَانِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا تَسَاوَتِ الطَّهَارَتَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا وَفِيمَا تَتَنَاوَلَانِهِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ وَفِيمَا تَمْنَعَانِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ نِيَّةَ إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ تَنُوبُ عَنِ الْأُخْرَى.

وَإِذَا تَسَاوَتِ الطَّهَارَتَانِ عَنْ حَدَثٍ وَاخْتَلَفَتْ مَوَانِعُهُمَا، كَالْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ، فَإِنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَا تَمْنَعُهُ الْجَنَابَةُ، فَإِنِ اغْتَسَلَتِ الْحَائِضُ تَنْوِي الْجَنَابَةَ دُونَ الْحَيْضِ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُجْزِئُ الْحَائِضُ، وَفِي كِتَابِ الْحَاوِي لِلْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ يُجْزِئُ.

وَقَالَ الزُّرْقَانِيُّ: الْغَلَطُ فِي النِّيَّةِ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْمُتَعَمِّدِ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ.

وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: وَإِنْ نَوَتِ امْرَأَةٌ جُنُبٌ وَحَائِضٌ بِغُسْلِهَا الْحَيْضَ، وَالْجَنَابَةَ مَعًا، Cأَوْ نَوَتْ أَحَدَهُمَا نَاسِيَةً أَوْ ذَاكِرَةً لِلْآخَرِ وَلَمْ تُخْرِجْهُ حَصَلَا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ إِذَا اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فِي أَوْقَاتٍ تُوجِبُ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا وَنَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا ارْتَفَعَ هُوَ، أَيِ: الَّذِي نَوَى رَفْعَهُ، وَارْتَفَعَ سَائِرُهَا؛ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ تَتَدَاخَلُ فَإِذَا نَوَى بَعْضَهَا غَيْرَ مُقَيَّدٍ ارْتَفَعَ جَمِيعُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ يَخْرُجْ شَيْئًا مِنْهَا بِالنِّيَّةِ.

رَابِعًا: الْخَطَأُ فِي التَّيَمُّمِ:

18- مِنْ أَمْثِلَةِ الْخَطَأِ فِي التَّيَمُّمِ مَا يَأْتِي:

أ- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: النِّيَّةُ فِي التَّيَمُّمِ لَا يَجِبُ فِيهَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ، فَلَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ الْوُضُوءَ جَازَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ، فَإِذَا تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ غَيْرَهُ.وَقَالَ الْخَصَّافُ: يَجِبُ التَّمْيِيزُ لِكَوْنِهِ يَقَعُ لَهُمَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُمَيِّزُ بِالنِّيَّةِ كَالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْمَنْعَ، وَرَوَى ابْنُ مَسْلَمَةَ عَنْهُ الْجَوَازَ.قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ يَنْوِي مِنَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ، وَجَوَّزَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ نَوَى الْمُتَيَمِّمُ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَكَانَ جُنُبًا، أَوْ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَكَانَ مُحْدِثًا صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ إِذَا كَانَ غَالِطًا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا تَيَمَّمَ لَهُ كَصَلَاةٍ، وَطَوَافٍ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، أَوْ نَجَاسَةٍ عَلَى بَدَنِهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِنَّمَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ التَّعْيِينِ تَقْوِيَةً لِضَعْفِهِ، وَصِفَةُ التَّعْيِينِ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا مِنَ الْجَنَابَةِ إِنْ كَانَ جُنُبًا، أَوْ مِنَ الْحَدَثِ إِنْ كَانَ مُحْدِثًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.وَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَالنَّجَاسَةِ بِبَدَنِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ.

ب- إِنْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَأَخْطَأَ رَحْلَهُ فَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ فِي الطَّلَبِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي حِفْظِ الرَّحْلِ.

ج- إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْمَاءِ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ نَفَذَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ ثَابِتَةٌ بِعِلْمِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِظَنِّهِ، وَعَلَيْهِ التَّحَرِّي، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَلِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِهِ وَظَهَرَ خَطَأُ الظَّنِّ.

وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فَسَقَطَ الْفَرْضُ بِالتَّيَمُّمِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

ب- الصَّلَاةُ:

أَوَّلًا: الْخَطَأُ فِي النِّيَّةِ:

وَمِنْ صُوَرِهِ:

19- الصُّورَةُ الْأُولَى: الْخَطَأُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ التَّعْيِينُ لَا يَضُرُّ قَالَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ.

وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: مَا لَا يُشْتَرَطُ لَهُ التَّعَرُّضُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا إِذَا عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ لَمْ يَضُرَّ وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا عِنْدَهُمَا:

1- تَعْيِينُ مَكَانِ الصَّلَاةِ وَزَمَانِهَا وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَلَوْ عَيَّنَ عَدَدَ رَكَعَاتِ الظُّهْرِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا صَحَّ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّ وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ.وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، لَكِنْ إِنْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا لَمْ تَصِحَّ لِتَلَاعُبِهِ.

2- وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي بِهِ فَبَانَ غَيْرُهُ لَا يَضُرُّ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْأَصَحِّ تَضُرُّ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ الْأَصَحُّ: لَا تَضُرُّ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ.

3- وَإِذَا عَيَّنَ الْأَدَاءَ فَبَانَ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ أَوِ الْقَضَاءَ، فَبَانَ أَنَّهُ بَاقٍ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ يَصِحُّ قَضَاءً بِنِيَّةِ أَدَاءً وَعَكْسُهُ إِذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ الْعِلْمِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


6-موسوعة الفقه الكويتية (صلاة 1)

صَلَاةٌ-1

التَّعْرِيفُ:

1- الصَّلَاةُ أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ، لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَيِ ادْعُ لَهُمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» أَيْ لِيَدْعُ لِأَرْبَابِ الطَّعَامِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: قَالَ الْجُمْهُورُ: هِيَ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ مَعَ النِّيَّةِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: هِيَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

مَكَانَةُ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ:

2- لِلصَّلَاةِ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ.فَهِيَ آكَدُ الْفُرُوضِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَفْضَلُهَا، وَأَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ.قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» وَقَدْ نَسَبَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَارِكَهَا إِلَى الْكُفْرِ فَقَالَ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَقِيقِ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ تَرْكَهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ.فَالصَّلَاةُ عَمُودُ الدِّينِ الَّذِي لَا يَقُومُ إِلاَّ بِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَنَجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» كَمَا أَنَّهَا «آخِرُ وَصِيَّةٍ وَصَّى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أُمَّتَهُ عِنْدَ مُفَارَقَتِهِ الدُّنْيَا فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَهِيَ آخِرُ مَا يُفْقَدُ مِنَ الدِّينِ، فَإِنْ ضَاعَتْ ضَاعَ الدِّينُ كُلُّهُ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِاَلَّتِي تَلِيهَا.فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ، وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ»

كَمَا أَنَّهَا الْعِبَادَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْمُكَلَّفِ، وَتَبْقَى مُلَازِمَةً لَهُ طُولَ حَيَاتِهِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِحَالٍ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا وَالْحَثِّ عَلَى إِقَامَتِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَمُرَاعَاةِ حُدُودِهَا آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ.

فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَعَدَدُ رَكَعَاتِهَا:

3- أَصْلُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ كَانَ فِي مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ لِوُجُودِ الْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تَحُثُّ عَلَيْهَا.

وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي تَحْدِيدِ زَمَنِهِ.

4- وَقَدْ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّةُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ:

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ. {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا.وقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وَمُطْلَقُ اسْمِ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْمَعْهُودَةِ، وَهِيَ الَّتِي تُؤَدَّى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} يَجْمَعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ تُؤَدَّى فِي أَحَدِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، وَصَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُؤَدَّيَانِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، إِذِ النَّهَارُ قِسْمَانِ غَدَاةٌ وَعَشِيٌّ، وَالْغَدَاةُ اسْمٌ لِأَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَمَا بَعْدَهُ الْعَشِيُّ، فَدَخَلَ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ، لِأَنَّهُمَا يُؤَدَّيَانِ فِي زُلَفٍ مِنَ اللَّيْلِ وَهِيَ سَاعَاتُهُ.وقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قِيلَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ زَوَالُهَا وَغَسَقُ اللَّيْلِ أَوَّلُ ظُلْمَتِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَوْلُهُ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أَيْ وَأَقِمْ قُرْآنَ الْفَجْرِ وَهُوَ صَلَاةُ الْفَجْرِ.فَثَبَتَتْ فَرْضِيَّةُ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَفَرْضِيَّةُ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.

وَقِيلَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ غُرُوبُهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَفَرْضِيَّةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ:

اعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» وَقَدِ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى فَرْضِيَّةِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتَكْفِيرِ مُنْكِرِهَا حُكْمُ تَارِكِ الصَّلَاةِ:

5- لِتَارِكِ الصَّلَاةِ حَالَتَانِ: إِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا جُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهَا، أَوْ تَهَاوُنًا وَكَسَلًا لَا جُحُودًا.

فَأَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى: فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ جُحُودًا لِفَرْضِيَّتِهَا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ كُفْرًا كَجَاحِدِ كُلِّ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ جَحَدَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَهَا جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا، بَلْ يَعْرِفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا.

وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا- وَهِيَ: تَرْكُ الصَّلَاةِ تَهَاوُنًا وَكَسَلًا لَا جُحُودًا- فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا أَيْ أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فَيُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» وَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ تَكَاسُلًا عَمْدًا فَاسِقٌ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ تَكَاسُلًا يُدْعَى إِلَى فِعْلِهَا وَيُقَالُ لَهُ: إِنْ صَلَّيْتَ وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلاَّ وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُحْبَسَ ثَلَاثًا وَيُدْعَى فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلاَّ قُتِلَ حَدًّا، وَقِيلَ كُفْرًا، أَيْ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.لَكِنْ لَا يُرَقُّ وَلَا يُسْبَى لَهُ أَهْلٌ وَلَا وَلَدٌ كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ.لِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» وَرَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» وَرَوَى عُبَادَةُ مَرْفُوعًا «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْمِلَّةِ» وَكُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ.وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِفِعْلِهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَيَخْرُجُ بِتَرْكِهَا مِنْهُ كَالشَّهَادَتَيْنِ.وَقَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: «لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ»، وَكَذَا عِنْدَهُمْ لَوْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَالطَّهَارَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ فَائِتَةٍ.

كَمَا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْقَتْلِ فِي مَحَلِّهِ.

فَمَحَلُّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ بَقَاءُ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَاحِدٌ فَقَطْ.قَالَ مَالِكٌ: إِنْ قَالَ: أُصَلِّي وَلَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلصُّبْحِ، وَغُرُوبِهَا لِلْعَصْرِ، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْعِشَاءِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ مُشْتَرَكَانِ أُخِّرَ لِخَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرَيْنِ، وَلِأَرْبَعٍ فِي الْعِشَاءَيْنِ.وَهَذَا فِي الْحَضَرِ، أَمَّا فِي السَّفَرِ فَيُؤَخَّرُ لِثَلَاثٍ فِي الظُّهْرَيْنِ وَأَرْبَعٍ فِي الْعِشَاءَيْنِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقَتْلِ هُوَ إِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ- بِأَنْ يَجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا- فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا، وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إِنْ أَخَّرَهَا عَنِ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَخَّرَ وَخَرَجَ الْوَقْتُ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمُرْتَدِّ.

وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يُفَوِّتُ صَلَوَاتٍ، وَقِيلَ: يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.وَالْقَوْلَانِ فِي النَّدْبِ، وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ.

- رحمه الله-

شُرُوطُ الصَّلَاةِ:

تَقْسِيمَاتُ الشُّرُوطِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: -

6- قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ شُرُوطَ الصَّلَاةِ إِلَى: شُرُوطِ وُجُوبٍ، وَشُرُوطِ صِحَّةٍ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ قِسْمًا ثَالِثًا هُوَ: شُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ مَعًا.

شُرُوطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ:

الْإِسْلَامُ:

7- تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.وَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَاللاَّزِمُ مُنْتَفٍ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّا لَا نَأْمُرُ الْكَافِرَ بِالصَّلَاةِ فِي كُفْرِهِ وَلَا بِقَضَائِهَا إِذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ «أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ بَعْدَهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ»؛ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} قَالَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ.وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ.

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا؛ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ، لَكِنْ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فِي الْآخِرَةِ زِيَادَةً عَلَى كُفْرِهِ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ.فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: - إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ فَلَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ يَصِيرُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ زَمَنَ الرِّدَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ.

الْعَقْلُ:

8- يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمُبْتَلَى وَفِي رِوَايَةٍ: الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ».

وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَغَطَّى عَقْلُهُ أَوْ سُتِرَ بِمَرَضٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ مُبَاحٍ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوَالُ الْعَقْلِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ بِصُنْعِ الْعَبْدِ.فَإِنْ كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَأَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَتْ فَتْرَةُ الْإِغْمَاءِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْخَمْسِ، وَإِنْ زَادَتْ عَنْ ذَلِكَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلْحَرَجِ، وَلَوْ أَفَاقَ فِي زَمَنِ السَّادِسَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ إِفَاقَتُهُ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِثْلَ أَنْ يَخِفَّ عَنْهُ الْمَرَضُ عِنْدَ الصُّبْحِ مَثَلًا فَيُفِيقَ قَلِيلًا ثُمَّ يُعَاوِدَهُ فَيُغْمَى عَلَيْهِ، فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْإِفَاقَةُ، وَيَبْطُلُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حُكْمِ الْإِغْمَاءِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ لَكِنَّهُ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الْإِفَاقَةِ.

وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْعَقْلِ بِصُنْعِ الْآدَمِيِّ كَمَا لَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِبَنْجٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ دَوَاءٍ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَسْقُطُ الْقَضَاءُ بِالْبَنْجِ وَالدَّوَاءِ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ شُرْبُ الْبَنْجِ لِأَجْلِ الدَّوَاءِ، أَمَّا لَوْ شَرِبَهُ لِلسُّكْرِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً بِصُنْعِهِ كَالْخَمْرِ.وَمِثْلُ ذَلِكَ النَّوْمُ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ يَوْمًا وَلَيْلَةً غَالِبًا، فَلَا حَرَجَ فِي الْقَضَاءِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِلَى سُقُوطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ وَنَحْوِهِ، إِلاَّ إِذَا زَالَ الْعُذْرُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بَعْدَ تَقْدِيرِ تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ الْمَائِيَّةِ أَوِ التُّرَابِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ الْبَاقِي لَا يَسَعُ رَكْعَةً سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ.وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ حَرَامٍ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا، وَكَذَا النَّائِمُ وَالسَّاهِي تَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ، فَمَتَى تَنَبَّهَ السَّاهِي أَوِ اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي يَسَعُ رَكْعَةً مَعَ فِعْلِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الطُّهْرِ أَمْ لَا، بَلْ وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْجُنُونِ أَوِ الْإِغْمَاءِ أَوِ الْعَتَهِ أَوِ السُّكْرِ بِلَا تَعَدٍّ فِي الْجَمِيعِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ».

فَوَرَدَ النَّصُّ فِي الْمَجْنُونِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ، وَسَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُ ذَلِكَ أَوْ طَالَ.إِلاَّ إِذَا زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ قَدْرُ زَمَنِ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيجَابُ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّكْعَةُ وَمَا دُونَهَا، وَلَا تَلْزَمُهُ بِإِدْرَاكِ دُونَ تَكْبِيرَةٍ.وَهَذَا بِخِلَافِ السُّكْرِ أَوِ الْجُنُونِ أَوِ الْإِغْمَاءِ الْمُتَعَدَّى بِهِ إِذَا أَفَاقَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ زَمَنَ ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ.

قَالُوا: وَأَمَّا النَّاسِي لِلصَّلَاةِ أَوِ النَّائِمُ عَنْهَا وَالْجَاهِلُ لِوُجُوبِهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْأَدَاءُ؛ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ، لِحَدِيثِ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» وَيُقَاسُ عَلَى النَّاسِي وَالنَّائِمِ: الْجَاهِلُ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ.

وَقَصَرَ الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يُفِيقُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- مَرْفُوعًا: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَمِثْلُهُ الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يُفِيقُ.

وَأَمَّا مَنْ تَغَطَّى عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ مُبَاحٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الصَّوْمَ، فَكَذَا الصَّلَاةُ؛ وَلِأَنَّ عَمَّارًا- رضي الله عنه- «غُشِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: هَلْ صَلَّيْتَ؟ فَقَالُوا: مَا صَلَّيْتُ مُنْذُ ثَلَاثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ»، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْإِغْمَاءِ لَا تَطُولُ- غَالِبًا- وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ، وَكَذَا مَنْ تَغَطَّى عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ- كَمُسْكِرٍ- فَيَقْضِي؛ لِأَنَّ سُكْرَهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُ إِسْقَاطَ الْوَاجِبِ عَنْهُ.

وَكَذَا تَجِبُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ عَلَى النَّائِمِ: بِمَعْنَى يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ حَالَ نَوْمِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَالْمَجْنُونِ، وَمِثْلُهُ السَّاهِي. الْبُلُوغُ:

9- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْبُلُوغَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، فَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِلْخَبَرِ الْآتِي؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَالْحَجِّ، لَكِنْ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، وَيَضْرِبَهُ عَلَى تَرْكِهَا إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سَنَوَاتٍ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».

وَقَدْ حَمَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَحَمَلَهُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى النَّدْبِ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الضَّرْبَ يَكُونُ بِالْيَدِ لَا بِغَيْرِهَا كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ، وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ الثَّلَاثَ، «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ: إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَإِنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ فَوْقَ الثَّلَاثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ». وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُهُ بِغَيْرِ الْيَدِ، قَالَ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ: وَلَا يُحَدُّ بِعَدَدٍ كَثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الصِّبْيَانِ.

وَمَحَلُّ الضَّرْبِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ ظَنَّ إِفَادَتَهُ، قَالُوا: الضَّرْبُ يَكُونُ مُؤْلِمًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ إِنْ ظَنَّ إِفَادَتَهُ وَإِلاَّ فَلَا.

وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَمْرِ بِهَا يَكُونُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ السَّبْعِ وَالْأَمْرَ بِالضَّرْبِ يَكُونُ بَعْدَ الْعَشْرِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي أَوَّلِ الثَّامِنَةِ وَبِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَكُونُ الْأَمْرُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي السَّبْعِ وَالضَّرْبُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الْعَشْرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُضْرَبُ فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ، وَلَوْ عَقِبَ اسْتِكْمَالِ التِّسْعِ.قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْبُلُوغِ.وَأَمَّا الْأَمْرُ بِهَا فَلَا يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ السَّبْعِ.

شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ:

أ- الطَّهَارَةُ الْحَقِيقِيَّةُ:

10- وَهِيَ طَهَارَةُ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ عَنِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وَإِذَا وَجَبَ تَطْهِيرُ الثَّوْبِ فَتَطْهِيرُ الْبَدَنِ أَوْلَى، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «تَنَزَّهُوا مِنَ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» فَثَبَتَ الْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.

وَأَمَّا طَهَارَةُ مَكَانِ الصَّلَاةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فَهِيَ تَدُلُّ بِدَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى وُجُوبِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ كَمَا سَبَقَ.

وَلِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: أَنَّهُ «نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَقَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَالْحَمَّامِ وَالْمَقْبَرَةِ».إِلَخْ وَمَعْنَى النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ كَوْنُهُمَا مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ.

ب- الطَّهَارَةُ الْحُكْمِيَّةُ:

11- وَهِيَ طَهَارَةُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَنِ الْحَدَثِ، وَطَهَارَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ عَنِ الْجَنَابَةِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وَقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ» وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ» وَالْإِنْقَاءُ هُوَ التَّطْهِيرُ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْمُصْطَلَحَاتِ: (طَهَارَة، وَوُضُوء، وَغُسْل).

ج- سَتْرُ الْعَوْرَةِ:

12- لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ.

وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلاَّ بِخِمَارٍ»؛ وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ حَالَ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ التَّعْظِيمِ.

د- اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ:

13- لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا.وَكَانَ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ».

وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِقْبَال).

هـ- الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ:

14- لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ.وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الْأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ».وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْعِلْمِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ غَلَبَةُ الظَّنِّ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

تَقْسِيمُ أَقْوَالِ وَأَفْعَالِ الصَّلَاةِ:

15- قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَقْوَالَ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالَهَا إِلَى أَرْكَانٍ، وَوَاجِبَاتٍ، وَسُنَنٍ.فَالْأَرْكَانُ هِيَ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا بِلَا عُذْرٍ، وَتَرْكُهَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا.

وَالْوَاجِبَاتُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ مَا لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَتُعَادُ وُجُوبًا إِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، أَوْ سَهْوًا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ.فَتَرْكُ الْوَاجِبِ عَمْدًا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ، وَسَهْوًا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُنْ آثِمًا فَاسِقًا، وَيَسْتَحِقُّ تَارِكُ الْوَاجِبِ الْعِقَابَ بِتَرْكِهِ وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَالَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ سَهْوًا، حَيْثُ إِنَّ تَرْكَهُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ عِنْدَهُمْ، وَيُخَالِفُونَهُمْ فِي حَالَةِ التَّرْكِ عَمْدًا حَيْثُ إِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ عَمْدًا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ.

وَالسُّنَنُ، وَهِيَ الَّتِي لَا يُوجِبُ تَرْكُهَا الْبُطْلَانَ وَلَوْ عَمْدًا

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السُّنَّةُ: هِيَ الَّتِي لَا يُوجِبُ تَرْكُهَا فَسَادًا وَلَا سُجُودًا لِلسَّهْوِ، بَلْ يُوجِبُ تَرْكُهَا عَمْدًا إِسَاءَةً، وَأَمَّا إِنْ كَانَ غَيْرَ عَامِدٍ فَلَا إِسَاءَةَ أَيْضًا، وَتُنْدَبُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ.

وَالْإِسَاءَةُ هُنَا أَفْحَشُ مِنَ الْكَرَاهَةِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السُّنَّةَ اسْتِخْفَافًا فَإِنَّهُ يَكْفُرُ.وَيَأْثَمُ لَوْ تَرَكَ السُّنَّةَ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فِي الْمُصِرِّينَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ الْقِتَالُ، وَأَبُو يُوسُفَ بِالتَّأْدِيبِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُبَاحُ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ عِنْدَ تَرْكِ السُّنَّةِ سَهْوًا مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ.

وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ قِسْمًا رَابِعًا هُوَ الْآدَابُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

كَمَا قَسَّمَ الْحَنَابِلَةُ السُّنَنَ إِلَى ضَرْبَيْنِ: سُنَنِ أَقْوَالٍ، وَسُنَنِ أَفْعَالٍ وَتُسَمَّى هَيْئَاتٌ.

وَقَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَقْوَالَ وَأَفْعَالَ الصَّلَاةِ إِلَى أَرْكَانٍ وَسُنَنٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ الْفَضَائِلَ (الْمَنْدُوبَاتِ).

وَالسُّنَنُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَبْعَاضٌ: وَهِيَ السُّنَنُ الْمَجْبُورَةُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، سُمِّيَتْ أَبْعَاضًا لِتَأَكُّدِ شَأْنِهَا بِالْجَبْرِ تَشْبِيهًا بِالْبَعْضِ حَقِيقَةً.

وَهَيْئَاتٌ: وَهِيَ السُّنَنُ الَّتِي لَا تُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


7-موسوعة الفقه الكويتية (الصلوات الخمس المفروضة)

الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ الْمَفْرُوضَةُ

التَّعْرِيفُ:

1- الصَّلَوَاتُ مُفْرَدُهَا صَلَاةٌ، وَلِتَعْرِيفِهَا: يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (صَلَاةٌ).

وَالْمُرَادُ بِالْمَفْرُوضَةِ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ الَّتِي تُؤَدَّى كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهِيَ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَهِيَ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، يَكْفُرُ جَاحِدُهَا.

وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ: هِيَ آكَدُ الْفُرُوضِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ. (ر: صَلَاةٌ).

وَقَدْ ثَبَتَ عَدَدُ رَكَعَاتِ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَوْلًا وَفِعْلًا وَبِالْإِجْمَاعِ.قَالَ الْكَاسَانِيُّ: عَرَفْنَا ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَوْلُهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»،، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَدَدُ رَكَعَاتِ الصَّلَوَاتِ فَكَانَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مُجْمَلَةً فِي الْمِقْدَارِ، ثُمَّ زَالَ الْإِجْمَالُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَوْلًا وَفِعْلًا.

وَأَدَاؤُهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِهَا. (ر: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ).

وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ حَسْب التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ- خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، حَيْثُ بَدَءُوا بِصَلَاةِ الصُّبْحِ.

أَوَّلًا- صَلَاةُ الظُّهْرِ:

2- الظُّهْرُ: سَاعَةُ الزَّوَالِ وَوَقْتُهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ، فَيُقَالُ: حَانَ الظُّهْرُ أَيْ وَقْتُ الزَّوَالِ، وَحَانَتِ الظُّهْرُ أَيْ سَاعَتُهُ.

وَالْمُرَادُ بِالزَّوَالِ: مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ إِلَى الْمَغْرِبِ

فَصَلَاةُ الظُّهْرِ هِيَ الَّتِي تَجِبُ بِدُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَتُفْعَلُ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ.وَتُسَمَّى صَلَاةُ الظُّهْرِ- أَيْضًا- بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلاَّهَا جِبْرِيلُ- عليه السلام- بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ- عليه السلام- عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الْأَرْضُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ».

وَهِيَ أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ فِي الْإِسْلَامِ.

كَمَا تُسَمَّى بِالْهَجِيرَةِ قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي الْهَجِيرَةَ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، أَوْ تَزُولُ».

أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَآخِرُهُ:

3- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ هُوَ زَوَالُ الشَّمْسِ، أَيْ مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ آخِرَهُ هُوَ بُلُوغُ الظِّلِّ مِثْلَهُ غَيْرَ فَيْءِ الزَّوَالِ.

وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ.وَلِمَعْرِفَةِ الزَّوَالِ وَتَفْصِيلِ الْخِلَافِ فِي آخِرِ الظُّهْرِ، وَأَدِلَّةِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ ف 8).

الْإِبْرَادُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ:

4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَرُّ شَدِيدًا يُسَنُّ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى الْإِبْرَادِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: حَقِيقَةُ الْإِبْرَادِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يُؤَخَّرُ عَنْ نِصْفِ الْقَامَةِ.

وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ مُطْلَقًا أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَحَرَارَةِ الْبَلَدِ.

وَلِتَفْصِيلِ الْمَوْضُوعِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ ف 16).

قَصْرُ الظُّهْرِ وَجَمْعُهَا مَعَ الْعَصْرِ:

5- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَصْرِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي السَّفَرِ (ر: صَلَاةُ الْمُسَافِرِ).

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي عَرَفَةَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، بِأَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ.وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ:

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِعُذْرِ السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، بِأَنْ تُصَلَّى الْعَصْرُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ بِالْعَكْسِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.

وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (جَمْعُ الصَّلَوَاتِ).

مَا يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهُ فِي الظُّهْرِ:

6- يُسْتَحَبُّ فِي الظُّهْرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ أَوِ الْمُنْفَرِدُ إِذَا كَانَ مُقِيمًا طِوَالَ الْمُفَصَّلِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الظُّهْرَ كَالْعَصْرِ، فَيُسَنُّ فِيهِ أَوْسَاطُ الْمُفَصَّلِ.وَوَرَدَ فِي عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الظُّهْرَ كَالصُّبْحِ فِي الْقِرَاءَةِ مِنَ الطِّوَالِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ قَلِيلًا.

وَاتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الظُّهْرِ، سَوَاءٌ أَصَلاَّهَا جَمَاعَةً أَمِ انْفِرَادًا، وَتَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِسْرَار، صَلَاة، قِرَاءَة).

ثَانِيًا- صَلَاةُ الْعَصْرِ:

7- الْعَصْرُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا: الْعَشِيُّ إِلَى احْمِرَارِ الشَّمْسِ، وَهُوَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي تُؤَدَّى فِي آخِرِ النَّهَارِ، قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الْعَصْرُ اسْمُ الصَّلَاةِ «مُؤَنَّثَةٌ» مَعَ الصَّلَاةِ، وَبِدُونِهَا تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ.

وَيُقَالُ: أُذِّنَ لِلْعَصْرِ.أَيْ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ.وَتُسَمَّى صَلَاةُ الْعَصْرِ بِ (الْعَشِيِّ) لِأَنَّهَا تُصَلَّى عَشِيَّةً.

أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَآخِرُهُ:

8- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) إِلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ غَيْرَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا.وَيَسْتَدِلُّونَ «بِحَدِيثِ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ- عليه الصلاة والسلام- وَفِيهِ: ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ».

وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ غَيْرَ فَيْءِ الزَّوَالِ (ر: أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

9- وَهَلْ يُوجَدُ وَقْتٌ مُهْمَلٌ بَيْنَ آخِرِ الظُّهْرِ وَأَوَّلِ الْعَصْرِ؟ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الْفُقَهَاءِ:

فَيَشْتَرِطُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِدُخُولِ أَوَّلِ الْعَصْرِ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَزَادَ أَدْنَى زِيَادَةً.قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِذَا زَادَ شَيْئًا وَجَبَتِ الْعَصْرُ وَمِثْلُهُ مَا نَقَلَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَجُمْلَتُهُ: أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ مِنْ حِينِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِثْلِ أَدْنَى زِيَادَةً مُتَّصِلٌ بِوَقْتِ الظُّهْرِ لَا نُصَلِّي بَيْنَهُمَا.كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- أَيْضًا- قَوْلُهُ: إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ طُولَهُ سِوَى فَيْءِ الزَّوَالِ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إِلَى الطُّولَيْنِ.

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ، كَمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ،

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُدُوثُ زِيَادَةٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ، كَمَا قَالَ الشِّرْبِينِيُّ وَمِثْلُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الْحَنَابِلَةِ عَدَا الْخِرَقِيَّ.قَالَ الْبُهُوتِيُّ: مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا اشْتِرَاكٍ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ أَوَّلَ الْعَصْرِ وَآخِرَ الظُّهْرِ يَشْتَرِكَانِ بِقَدْرِ إِحْدَاهُمَا، أَيْ: بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ، وَرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، فَآخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ: أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ طَرْحِ ظِلِّ الزَّوَالِ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَكُونُ وَقْتًا لَهُمَا مُمْتَزِجًا بَيْنَهُمَا.

وَيُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ «حَدِيثِ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ حَيْثُ جَاءَ فِيهِ: صَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ».

10- أَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَهُوَ مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ.أَيْ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

(ر: أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

مَا يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهُ فِي الْعَصْرِ:

11- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَقْرَأُ فِيهَا بِالْقِصَارِ مِنَ السُّوَرِ مِثْلَ: {وَالضُّحَى} وَ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}، وَنَحْوِهِمَا.وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الظُّهْرِ.

وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَارَ فِي الْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ فِي الْعَصْرِ وَالظُّهْرِ، بَيْنَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: بِأَنَّهُ وَاجِبٌ.وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِسْرَار، وَقِرَاءَة).

التَّنَفُّلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ:

12- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ».

وَتَشْمَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ صُلِّيَتِ الْعَصْرُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ كَذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ لِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (صَلَاةُ التَّطَوُّعِ).

ثَالِثًا- صَلَاةُ الْمَغْرِبِ:

13- الْمَغْرِبُ فِي الْأَصْلِ: مِنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا غَابَتْ وَتَوَارَتْ.وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ وَمَكَانِهِ، وَعَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي تُؤَدَّى فِي هَذَا الْوَقْتِ.

أَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَآخِرُهُ:

14- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ يَدْخُلُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ وَتَكَامَلَ غُرُوبُهَا.وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الصَّحَارِي.وَيُعْرَفُ فِي الْعُمْرَانِ بِزَوَالِ الشُّعَاعِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَإِقْبَالُ الظَّلَامِ مِنَ الْمَشْرِقِ وَآخِرُ وَقْتِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- وَهُوَ الْجَدِيدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتًا وَاحِدًا وَهُوَ بِقَدْرِ مَا يَتَطَهَّرُ الْمُصَلِّي وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ.لِلتَّفْصِيلِ (ر: أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ:

15- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ تَسْمِيَةِ الْمَغْرِبِ عِشَاءً لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمُ الْمَغْرِبِ.قَالَ: وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعِشَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَلَكِنْ تَسْمِيَتُهَا بِالْمَغْرِبِ أَوْلَى.

رَابِعًا- صَلَاةُ الْعِشَاءِ:

16- الْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ: اسْمٌ لِأَوَّلِ الظَّلَامِ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعَتَمَةِ، وَسُمِّيَتِ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ.

وَالْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: طَعَامُ هَذَا الْوَقْتِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهَا: الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَالْعِشَاءُ- فَقَطْ- مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ بِالْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ}.وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ».

تَسْمِيَةُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ:

17- أَجَازَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ تَسْمِيَةَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ لِوُرُودِهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» وَمِنْهَا قَوْلُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «كَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ» وَالْعَتَمَةُ هِيَ شِدَّةُ الظُّلْمَةِ كَمَا يَقُولُ الْبُهُوتِيُّ.

18- وَكَرِهَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ تَسْمِيَتَهَا بِالْعَتَمَةِ لِمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، أَلَا إِنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يُعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إِلَى شِدَّةِ الظَّلاَّمِ وَصَرَّحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ وَرَدَ فِي نَادِرِ الْأَحْوَالِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، أَوْ أَنَّهُ خُوطِبَ بِهِ مَنْ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ بِالْمَغْرِبِ، فَلَوْ قِيلَ: الْعِشَاءُ لَتَوَهَّمَ إِرَادَةَ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ بِالْعِشَاءِ، وَأَمَّا الْعَتَمَةُ فَصَرِيحَةٌ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي تَسْمِيَتِهَا قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَثَانِيهِمَا: الْحُرْمَةُ

أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَآخِرُهُ:

19- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ يَدْخُلُ مِنْ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ.فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ: الْحُمْرَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ يَقُولَانِ: هُوَ الْبَيَاضُ بَعْدَ الْحُمْرَةِ.

وَآخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ الصَّادِقِ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «آخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ مَا لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ».

هَذَا، وَقَدْ قَسَّمَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْوَقْتَ إِلَى اخْتِيَارِيٍّ، وَضَرُورِيٍّ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

صَلَاةُ فَاقِدِ الْعِشَاءِ:

20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ هُوَ الْوَقْتُ، وَذَكَرُوا حُكْمَ مَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيْهِمُ الْعِشَاءُ فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ أَوْ كُلِّهَا، هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا وَجَبَتْ فَكَيْفَ يُؤَدُّونَهَا؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَيُقَدِّرُونَ وَقْتَهَا قَدْرَ مَا يَغِيبُ الشَّفَقُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِمْ.وَفِي رَأْيٍ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ مَنْ لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْعِشَاءُ لَا يُكَلَّفُ بِصَلَاتِهَا لِعَدَمِ سَبَبِ وُجُوبِهَا.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحَ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ:

21- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- إِلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ مُسْتَحَبٌّ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَدْ وَرَدَ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ صِحَاحٌ.وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ».

وَقَيَّدَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ بِالشِّتَاءِ، أَمَّا الصَّيْفُ فَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهَا عِنْدَهُمْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تُنْتَظَرُ غَيْرُهَا تَقْدِيمُ الصَّلَوَاتِ، وَلَوْ عِشَاءً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِهِ وَلَا يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ إِلاَّ لِمَنْ يُرِيدُ تَأْخِيرَهَا لِشُغْلٍ مُهِمٍّ، كَعَمَلِهِ فِي حِرْفَتِهِ، أَوْ لِأَجْلِ عُذْرٍ، كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ.لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهَا أَهْلُ الْمَسَاجِدِ قَلِيلًا لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَأَفْضَلِيَّةُ تَقْدِيمِ الصَّلَوَاتِ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَوْ عِشَاءً هُوَ- أَيْضًا- قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَصَحُّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَقْدِيمَهَا أَفْضَلُ، ثُمَّ قَالَ: وَتَفْضِيلُ التَّأْخِيرِ أَقْوَى دَلِيلًا.

كَرَاهَةُ النَّوْمِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثِ بَعْدَهَا:

22- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِمَا رَوَاهُ أَبُو بَرْزَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا» قَالَ النَّفْرَاوِيُّ: الْحَدِيثُ بَعْدَهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنَ النَّوْمِ قَبْلَهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا: هُوَ خَشْيَةُ فَوْتِ وَقْتِهَا، أَوْ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا.

لَكِنِ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: إِذَا وَكَّلَ لِنَفْسِهِ مَنْ يُوقِظُهُ فِي وَقْتِهَا فَمُبَاحٌ لَهُ النَّوْمُ، كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنِ الطَّحَاوِيِّ.

وَكَرِهَ الْمَالِكِيَّةُ النَّوْمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ؛ لِاحْتِمَالِ نَوْمِ الْوَكِيلِ أَوْ نِسْيَانِهِ فَيَفُوتُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ.أَمَّا كَرَاهَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ:

فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إِلَى سَهَرٍ يَفُوتُ بِهِ الصُّبْحُ، أَوْ لِئَلاَّ يَقَعَ فِي كَلَامِهِ لَغْوٌ، فَلَا يَنْبَغِي خَتْمُ الْيَقَظَةِ بِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَادَةٌ؛ وَلِتَقَعَ الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ خَاتِمَةُ عَمَلِهِ وَالنَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَرُبَّمَا مَاتَ فِي نَوْمِهِ.

وَهَذَا إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَلَا بَأْسَ.وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَحَدِيثِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَمُذَاكَرَةُ الْفِقْهِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ، وَالْحَدِيثُ مَعَ الضَّيْفِ، أَوِ الْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ وَنَحْوِهَا فَلَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ، كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَعَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَسْمُرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا».

خَامِسًا- صَلَاةُ الْفَجْرِ:

23- الْفَجْرُ فِي الْأَصْلِ هُوَ الشَّفَقُ، وَالْمُرَادُ بِهِ ضَوْءُ الصَّبَاحِ، سُمِّيَ بِهِ لِانْفِجَارِ الظُّلْمَةِ بِهِ بِسَبَبِ حُمْرَةِ الشَّمْسِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ.وَالْفَجْرُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ كَالشَّفَقِ فِي أَوَّلِهِ.

وَالْفَجْرُ اثْنَانِ:

1- الْفَجْرُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَطِيلُ يَبْدُو فِي نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ (الذِّئْبِ)، ثُمَّ يَنْكَتِمُ.وَلِهَذَا يُسَمَّى فَجْرًا كَاذِبًا، لِأَنَّهُ يَبْدُو نُورُهُ، ثُمَّ يَعْقُبُهُ الظَّلَامُ 2- الْفَجْرُ الثَّانِي أَوِ الْفَجْرُ الصَّادِقُ: وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَطِيرُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ، لَا يَزَالُ يَزْدَادُ نُورُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيُسَمَّى هَذَا فَجْرًا صَادِقًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا بَدَا نُورُهُ يَنْتَشِرُ فِي الْأُفُقِ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفَجْرِ الثَّانِي، فَبِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، وَيُحَرَّمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، وَبِهِ يَنْقَضِي اللَّيْلُ وَيَدْخُلُ النَّهَارُ.

وَيُطْلَقُ الْفَجْرُ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} كَمَا وَرَدَتْ تَسْمِيَتُهَا بِالصُّبْحِ وَالْفَجْرِ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، كَقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ».

تَسْمِيَةُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْغَدَاةِ:

24- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ تَسْمِيَةُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْغَدَاةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَقِّقُو الشَّافِعِيَّةِ.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَهُ فِي الْأُمِّ: أُحِبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى إِلاَّ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ (أَيِ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ)، وَلَا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى الْغَدَاةَ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ غَيْرُ جَازِمٍ، وَلَمْ يَرِدْ بَلِ اشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْغَدَاةِ فِيهَا فِي الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- لَكِنِ الْأَفْضَلُ الْفَجْرُ وَالصُّبْحُ.

وَذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ كَرَاهَةُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ.

تَسْمِيَتُهَا بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى:

25- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى فِي قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} صَلَاةُ الْعَصْرِ كَمَا وَرَدَتْ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ- أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْفَجْرُ، حَتَّى إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُسَمُّونَهَا الْوُسْطَى، قَالَ النَّفْرَاوِيُّ: لَهَا أَرْبَعَةُ أَسْمَاءٍ: الصُّبْحُ، وَالْفَجْرُ، وَالْوُسْطَى، وَالْغَدَاةُ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (الصَّلَاةُ الْوُسْطَى).

أَوَّلُ وَقْتِ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ:

26- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ هُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ الثَّانِي أَيِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ، وَآخِرُ وَقْتِهَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ: «إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ».

وَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَقْتَ الْفَجْرِ إِلَى: وَقْتِ اخْتِيَارٍ، وَضَرُورَةٍ، وَغَيْرِهِمَا يُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

الْقِرَاءَةُ فِي الْفَجْرِ:

27- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ تَطْوِيلُ قِرَاءَتِهَا، بِأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا طِوَالَ الْمُفَصَّلِ قَالَ أَبُو بَرْزَةَ- رضي الله عنه-: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ آيَةً» قَالَ الشِّرْبِينِيُّ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ طَوِيلٌ وَالصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ فَحَسُنَ تَطْوِيلُهُمَا.

وَهَذَا فِي الْحَضَرِ.أَمَّا فِي السَّفَرِ فَيَقْرَأُ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ، وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَرَأَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ».

وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (قِرَاءَة).

مَنْعُ النَّافِلَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَبْلَهَا:

28- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ جَوَازِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، كَمَا أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَا يُجِيزُونَ التَّنَفُّلَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ- أَيْضًا- إِلاَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا صَلَاةَ إِلاَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ».

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَطَوُّع، وَأَوْقَاتُ الصَّلَاةِ).

التَّغْلِيسُ أَوِ الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ:

29- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّغْلِيسَ: أَيْ أَدَاءُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ أَفْضَلُ مِنَ الْإِسْفَارِ بِهَا؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا».

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: نُدِبَ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ إِلَى الْإِسْفَارِ لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يُؤَخِّرُهَا بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ، بَلْ يُسْفِرُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ صَلَاتِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ.وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْإِسْفَارِ صَلَاةُ الْفَجْرِ بِمُزْدَلِفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، حَيْثُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّغْلِيسُ عِنْدَ الْجَمِيعِ.

وَتَفْصِيلُ الْمَوْضُوعِ فِي مُصْطَلَحِ: (أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ ف 15).

الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ:

30- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ.قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَنُدِبَ قُنُوتٌ سِرًّا بِصُبْحٍ فَقَطْ دُونَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، عَقِبَ الْقِرَاءَةِ بِلَا تَكْبِيرٍ قَبْلَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، يَعْنِي بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِالنَّازِلَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: لَا قُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلاَّ فِي النَّوَازِلِ وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ»،، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلاَّ أَنْ يَدْعُو لِقَوْمٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ» وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ مَنْسُوخَةٌ فِي غَيْرِ النَّازِلَةِ.هَذَا وَفِي أَلْفَاظِ الْقُنُوتِ وَكَيْفِيَّتِهِ خِلَافٌ

وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قُنُوت).

- رحمه الله-

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


8-موسوعة الفقه الكويتية (مسجد 2)

مَسْجِدٌ -2

تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ

17- قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: هَؤُلَاءِ الْمُكَتِّبُونَ الَّذِينَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمُ الصِّبْيَانُ فِي الْمَسَاجِدِ لِلتَّعْلِيمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ، إِذْ هُمْ لَا يَقْصِدُونَ الْعِبَادَةَ بَلِ الِارْتِزَاقُ، وَمُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ كَالْكَاتِبِ إِنْ كَانَ بِالْأَجْرِ لَا يَجُوزُ وَحِسْبَةً لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ هَذَا، إنْ كَانَ لِضَرُورَةِ الْحَرِّ وَغَيْرِهِ لَا يُكْرَهُ وَإِلاَّ فَيُكْرَهُ، وَسَكَتَ عَنْ كَوْنِهِ بِأَجْرِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ حِسْبَةً، فَأَمَّا إنْ كَانَ بِأَجْرِ فَلَا شَكَّ فِي الْكَرَاهَةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ حِسْبَةً وَلَا ضَرُورَةَ يُكْرَهُ، لِأَنَّ نَفْسَ التَّعْلِيمِ وَمُرَاجَعَةُ الْأَطْفَالِ لَا تَخْلُو عَمَّا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي الْخُلَاصَةِ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَكَرِهَ الْمَالِكِيَّةُ تَعْلِيمَ الصَّبِيِّ فِي الْمَسْجِدِ إِلاَّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى إِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَبْلَغَ الْأَدَبِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ الْمَسْجِدَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَقِرُّ فِيهِ وَيَعْبَثُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ مَنْعُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَظِنَّةً لِلْعَبَثِ وَالتَّقْدِيرِ أَمْ لَا، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَحَفُّظِهِمْ مِنَ النَّجَاسَةِ.

وَأَمَّا إِحْضَارُ الصَّبِيِّ الْمَسْجِدَ فَأَجَازُوهُ حَيْثُ لَا يَعْبَثُ بِهِ وَيَكُفُّ عَنِ الْعَبَثِ إِذَا نُهِيَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْعَبَثُ أَوْ عَدَمُ الْكَفِّ فَلَا يَجُوزُ إِحْضَارُهُ فِيهِ لِحَدِيثِ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ مَجَانِينَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ».

وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ: الْأَغْلَبُ مِنَ الصِّبْيَانِ الضَّرَرُ بِالْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ مَنْعُهُمْ.

وَقَالَ الْجِرَاعِيُّ الْحَنْبَلِيُّ: يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ عَنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ، وَنُقِلَ عَنِ السَّامِرِيِّ قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي الْمَسْجِدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: مَا يُعْجِبُنِي مِثْلُ الْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَسَهَّلَ فِي الْكِتَابَةِ فِيهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ: خَصَّ الْكِتَابَةَ لِأَنَّهَا نَوْعُ تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدِّرَاسَةِ، وَهَذَا يُوجِبُ التَّقَيُّدَ مِمَّا لَا يَكُونُ تَكَسُّبًا.

وَنَقَلَ الْجِرَاعِيُّ عَنِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: لَا يَجُوزُ التَّعْلِيمُ فِي الْمَسَاجِدِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: لَا يَجُوزُ- وَقَدْ سُئِلَ عَنْهَا- يُصَانُ الْمَسْجِدُ مِمَّا يُؤْذِيهِ وَيُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى رَفْعِ الصِّبْيَانِ أَصْوَاتَهُمْ فِيهِ، كَذَلِكَ تَوْسِيخُهُمْ لِحُصْرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَقْتَ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا: وَأَمَّا تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ يُؤْذُونَ الْمَسْجِدَ فَيَكُونُونَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَشْغَلُونَ الْمُصَلِّيَ فِيهِ فَهَذَا مِمَّا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ وَالْمَنْعُ مِنْهُ.

وَأَضَافَ الْجِرَاعِيُّ: وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ- ابْنُ مُفْلِحٍ- عَقِيبَ كَلَامِ الْقَاضِي سَعْدِ الدِّينِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى هَذَا تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ لِلْكِتَابَةِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْأُجْرَةِ، وَتَعْلِيمُهُمْ تَبَرُّعًا جَائِزٌ كَتَلْقِينِ الْقُرْآنِ، وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ ضَرَرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْجَهْرُ فِيهِ

18- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِذِكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ إِلاَّ لِلْمُتَفَقِّهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنِ الشَّعْرَانِيِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى اسْتِحْبَابِ ذِكْرِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يُشَوِّشَ جَهْرُهُمْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ قَارِئٍ.

وَصَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنْ يُجْلَسَ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ لِأُمُورِ الدُّنْيَا.

وَفِي صَلَاةِ الْجَلاَّبِيِّ- كَمَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ عَابِدِينَ- الْكَلَامُ الْمُبَاحُ مِنْ حَدِيثِ الدُّنْيَا يَجُوزُ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى قَوْلِ الْجَلاَّبِيِّ: فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْمَنْعَ خَاصٌّ بِالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ أَمَّا الْمُبَاحُ فَلَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِذِكْرٍ وَقُرْآنٍ وَعِلْمٍ فَوْقَ إِسْمَاعِ الْمُخَاطَبِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ، وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يُخَلِّطْ عَلَى مُصَلٍّ وَإِلاَّ حَرُمَ، بِخِلَافِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمِنَى فَيَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُكْرَهُ اللَّغَطُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ لَغَطٍ وَكَثْرَةِ حَدِيثٍ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِمَكْرُوهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مُسْتَحَبًّا.

وَنُقِلَ عَنِ الْغُنْيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِلاَّ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسَاجِدِ إِذَا كَانَ الْقَصْدُ طَلَبَ الْحَقِّ، فَإِنْ كَانَ مُغَالَبَةً وَمُنَافَرَةً دَخَلَ فِي حَيِّزِ الْمُلَاحَاةِ وَالْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الْمُلَاحَاةُ فِي غَيْرِ الْعُلُومِ فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ.

وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ كَثْرَةُ الْحَدِيثِ وَاللَّغَطُ فِي الْمَسَاجِدِ.

التَّقَاضِي فِي الْمَسْجِدِ

19- أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ التَّقَاضِيَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلِلْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ لِلْفَصْلِ فِي الْخُصُومَاتِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِئَلاَّ يَشْتَبِهَ عَلَى الْغُرَبَاءِ مَكَانُهُ فَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ خَرَجَ الْقَاضِي إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَظَرَ فِي خُصُومَتِهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي دَابَّةٍ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى وَالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا فِي الشَّهَادَةِ.

وَلِلْمَالِكِيَّةِ طَرِيقَتَانِ: الْأُولَى اسْتِحْبَابُ الْجُلُوسِ فِي الرِّحَابِ وَكَرَاهَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالثَّانِيَةُ اسْتِحْبَابُ جُلُوسِهِ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ.

وَكَرِهَ الشَّافِعِيَّةُ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مُعَاذًا- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَحُدُودَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ».

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قَضَاءٌ ف 38).

إِقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ فِيهِ:

20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ لِقَوْلِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَجَمِّرُوهَا فِي جُمَعِكُمْ وَضَعُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ».

وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنَ الْمَحْدُودِ فَيَجِبُ نَفْيُهُ عَنِ الْمَسْجِدِ إِذْ بِالضَّرْبِ قَدْ يَنْشَقُّ الْجِلْدُ فَيَسِيلُ مِنْهُ الدَّمُ فَيَتَنَجَّسُ الْمَسْجِدُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حُدُودٌ ف 44).

الْأَكْلُ وَالنَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ

21- كَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ الْأَكْلَ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّوْمَ فِيهِ وَقِيلَ: لَا بَأْسَ لِلْغَرِيبِ أَنْ يَنَامَ فِيهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَكِفِ فَلَهُ أَنْ يَشْرَبَ وَيَأْكُلَ وَيَنَامَ فِي مُعْتَكَفِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنْ يَأْوِي فِي اعْتِكَافِهِ إِلاَّ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ قَضَاءُ هَذِهِ الْحَاجَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا ضَرُورَةَ إِلَى الْخُرُوجِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ إِنْزَالَ الضَّيْفِ بِمَسْجِدِ بَادِيَةٍ وَإِطْعَامَهُ فِيهِ الطَّعَامَ النَّاشِفَ كَالتَّمْرِ لَا إِنْ كَانَ مُقَذِّرًا كَبِطِّيخِ أَوْ طَبِيخٍ فَيَحْرُمُ إِلاَّ بِنَحْوِ سُفْرَةٍ تُجْعَلُ تَحْتَ الْإِنَاءِ فَيُكْرَهُ، وَمِثْلُ مَسْجِدِ الْبَادِيَةِ مَسْجِدُ الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَأَمَّا التَّصْنِيفُ فِي مَسْجِدِ الْحَاضِرَةِ فَيُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ نَاشِفًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.

كَمَا أَجَازُوا النَّوْمَ فِيهِ بِقَائِلَةٍ أَيْ نَهَارًا وَكَذَا بِلَيْلٍ لَمِنْ لَا مَنْزِلَ لَهُ أَوْ عَسُرَ الْوُصُولُ إِلَيْهِ.

أَمَّا الْمُعْتَكِفُ: فَاسْتَحَبُّوا لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي صَحْنِهِ أَوْ فِي مَنَارَتِهِ وَكَرِهُوا أَكْلَهُ خَارِجَهُ، وَأَمَّا النَّوْمُ فِيهِ مُدَّةَ الِاعْتِكَافِ فَمِنْ لَوَازِمِهِ، إِذْ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِعَدَمِ النَّوْمِ فِيهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ أَكْلُ الْخُبْزِ وَالْفَاكِهَةِ وَالْبِطِّيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ: «كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ».

قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْسُطَ شَيْئًا خَوْفًا مِنَ التَّلَوُّثِ وَلِئَلاَّ يَتَنَاثَرَ شَيْءٌ مِنَ الطَّعَامِ فَتَجْتَمِعَ عَلَيْهِ الْهَوَامُّ، هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ فِيهِ وَيُمْنَعُ آكِلُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ، فَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أُخْرِجَ مِنْهُ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ».

وَقَالُوا أَيْضًا بِجِوَازِ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، فَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ قَالَ: كُنَّا نَبِيتُ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَعَطَاءً وَالشَّافِعِيَّ رَخَّصُوا فِيهِ.

أَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَأَكْلُهُ وَمَبِيتُهُ فِي مَسْجِدِ اعْتِكَافِهِ، وَأُجِيزَ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى الْبَيْتِ لِيَأْكُلَ فِيهِ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْقُصُ مِنَ الْمُرُوءَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ لِلْمُعْتَكِفِ الْأَكْلَ فِي الْمَسْجِدِ وَغَسْلَ يَدِهِ فِي طَسْتٍ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ الْأَذَانِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَكْلِ فِيهِ وَالِاسْتِلْقَاءِ فِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَضَعَ سُفْرَةً يَسْقُطُ عَلَيْهَا مَا يَقَعُ مِنْهُ كَيْلَا يُلَوِّثَ الْمَسْجِدَ.

الْغِنَاءُ وَالتَّصْفِيقُ وَالرَّقْصُ فِي الْمَسْجِدِ

22- قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ الْمَسْجِدُ عَنِ الْغِنَاءِ فِيهِ وَالتَّصْفِيقِ.

وَأَمَّا لَعِبُ الْحَبَشَةِ بِدَرَقِهِمْ وَحِرَابِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ عِيدٍ وَجَعْلُ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- يَسْتُرُ عَائِشَةَ وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ لَهُمْ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفَدَةَ» (بَنُو أَرْفَدَةَ: جِنْسٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يَرْقُصُونَ)، فَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْجِهَادِ، وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْه- صلى الله عليه وسلم- مِنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ.

وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: «جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ (أَيْ يَرْقُصُونَ) فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ»، وَنَقَلَ ابْنُ مُفْلِحٍ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ: حَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى التَّوَثُّبِ بِسِلَاحِهِمْ وَلَعِبِهِمْ بِحِرَابِهِمْ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ هَيْئَةِ الرَّاقِصِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا فِيهَا لَعِبُهُمْ بِحِرَابِهِمْ فَتَتَأَوَّلُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- بِحِرَابِهِمْ إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ.

قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ: الْمَسْجِدُ مَوْضُوعٌ لِأَمْرِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَجْمَعُ مَنْفَعَةَ الدِّينِ وَأَهْلِهِ، وَاللَّعِبُ بِالْحِرَابِ مِنْ تَدْرِيبِ الْجَوَارِحِ عَلَى مَعَانِي الْحُرُوبِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ.

الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ

23- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِّنَ فِيهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ إِلاَّ لِعُذْرِ كَانْتِقَاضِ طَهَارَةٍ أَوْ خَوْفِ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إِلاَّ مُنَافِقٌ، إِلاَّ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَتِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إِلَى الصَّلَاةِ» وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ.

وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتِ الظُّهْرُ أَوِ الْعِشَاءُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ لِأَنَّهُ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً، إِلاَّ إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا، وَإِنْ كَانَتِ الْعَصْرَ أَوِ الْمَغْرِبَ أَوِ الْفَجْرَ خَرَجَ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فِيهَا لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا.

وَقَالُوا: إِنَّ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِّنَ فِيهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ مَسْجِدَ حَيِّهِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَاهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدَ حَيِّهِ فَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَارَ بِالدُّخُولِ فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ وَهُوَ يَخْرُجُ لِأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ.

وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتِ الظُّهْرَ أَوِ الْعِشَاءَ فَلَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ مُنَافِقٌ» وَقَالَ صَالِحٌ: لَا يَخْرُجُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ، وَكَرِهَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَأَبُو الْمَعَالِي وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ، قَالَ الشَّيْخُ: إِنْ كَانَ التَّأْذِينُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ.

صَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي الْمَسْجِدِ

24- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ فِي الْبَيْتِ أَفَضْلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ» وَقَالَ: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» وَقَالَ: «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ».

وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا شُرِعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ كَالتَّرَاوِيحِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ الرَّوَاتِبَ أَيْضًا.

الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ

25- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَكَرِهَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ بِجِوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَيَّدَ الْحُكْمَ بِأَمْنِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، وَإِلاَّ كُرِهَ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (جَنَائِزٌ ف 38).

السَّكَنُ وَالْبِنَاءُ فِي الْمَسْجِدِ

26- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِقَيِّمِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْعَلَهُ سَكَنًا لِأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ.

وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ حَوَانِيتَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي فِنَائِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، لِأَنَّ الْفِنَاءَ تَبَعٌ لِلْمَسْجِدِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةِ لِرَجُلٍ تَجَرَّدَ لِلْعِبَادَةِ السُّكْنَى بِالْمَسْجِدِ وَذَلِكَ مَا لَمْ يَحْجُرْ فِيهِ وَيُضَيِّقْ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَإِلاَّ مُنِعَ، لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّجَرُّدِ لِلْعِبَادَةِ مُمْتَنِعَةٌ، لِأَنَّهَا تَغْيِيرٌ لَهُ عَمَّا حُبِّسَ لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَوْ يُكْرَهُ وَلَوْ تَجَرَّدَتْ لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَحِيضُ وَقَدْ يَلْتَذُّ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَتَنْقَلِبُ الْعِبَادَةُ مَعْصِيَةً حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا إِرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ.

الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ

27- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْتَكِفَ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَعْتَكِفْ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ».

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا كَالرَّجُلِ لَا يَصِحُّ أَنْ تَعْتَكِفَ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ، مَا عَدَا الْحَنَفِيَّةَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا لِأَنَّهُ هُوَ مَوْضِعُ صَلَاتِهَا، وَلَوِ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (اعْتِكَافٌ ف 14 وَمَا بَعْدَهَا).

عَقْدُ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ

28- اسْتَحَبَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَقْدَ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْبَرَكَةِ، وَلِأَجْلِ شُهْرَتِهِ فَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ».

وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ فِي إِجَازَتِهِمْ لِعَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شُرُوطٍ وَلَا رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ تَكْثِيرِ كَلَامٍ وَإِلاَّ كُرِهَ فِيهِ.

وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الزِّفَافَ بِهِ لَا يُكْرَهُ إِذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ فَإِنِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كُرِهَ فِيهِ.

الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ

29- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي اسْتِحْبَابِ صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنِ الْبَصْقَةِ فِيهِ إِذْ هِيَ فِيهِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا لِمَا فِيهَا مِنْ تَقَزُّزِ النَّاسِ مِنْهَا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُصَاقٌ ف 4).

الْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ

30- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لِقَوْلِه- صلى الله عليه وسلم-: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ».

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ، وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ» وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَكِفِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ وَيَبْتَاعَ فِي الْمَسْجِدِ مَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْضِرَ السِّلْعَةَ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَاجَتِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُكْرَهُ إِحْضَارُ السِّلْعَةِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَرَّرٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِيهِ شُغْلُهُ بِهَا.

وَكَذَلِكَ الْحَالُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كَرَاهَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ سَمْسَرَةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ».فَإِنْ كَانَ بِسَمْسَرَةٍ أَيْ بِمُنَادَاةٍ عَلَى السِّلْعَةٍ بِأَنْ جَلَسَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَتَاهُ الْمُشْتَرِي يُقَلِّبُهَا وَيَنْظُرُ فِيهَا وَيُعْطِي فِيهَا مَا يُرِيدُ مِنْ ثَمَنٍ حَرُمَ لِجَعْلِ الْمَسْجِدِ سُوقًا، ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إِذَا جَعَلَ الْمَسْجِدَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ أَظْهَرَ السِّلْعَةَ فِيهِ مُعْرِضًا لَهَا لِلْبَيْعِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ عَقْدِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ.

وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيهِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ».

نِشْدَانُ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ

31- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ إِلَى كَرَاهَةِ نِشْدَانِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ أَوْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ».

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا».

صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ

32- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْمُصَلَّى- وَالْمُرَادُ الْفَضَاءُ وَالصَّحْرَاءُ- وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ- رضي الله عنه-: «كَانَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَكَرِهُوا صَلَاتَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إِلَى الصَّلَاةِ فِيهِ، وَذَلِكَ كَقِيَامِ عُذْرٍ يَمْنَعُ الْخُرُوجَ إِلَى الْمُصَلَّى مِنْ مَطَرٍ أَوْ وَحْلٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ وَمَثِيلَاتِهَا فَإِنَّهَا تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِلَا كَرَاهَةٍ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ لِذَلِكَ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «أَصَابَنَا مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ» وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ- رضي الله عنهما- صَلَّيَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الْمَطَرِ، وَأَمَّا بِمَكَّةَ فَتُنْدَبُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِمُشَاهَدَةِ الْكَعْبَةِ وَهِيَ عِبَادَةٌ لِخَبَرِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّلُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ، يَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ».

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْمَسْجِدَ إِنْ كَانَ وَاسِعًا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُصَلَّى لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَزَالُوا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ أَشْرَفُ وَأَنْظَفُ، وَإِنْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ ضَرَرٌ، وَقِيلَ: فِعْلُهَا فِي الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالرَّاكِبِ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ لِعُذْرٍ كَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَالْمَسْجِدُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ ضَيِّقًا فَصَلَّى فِيهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْمُصَلَّى كُرِهَ ذَلِكَ لِتَأَذِّي النَّاسِ بِالزِّحَامِ، وَرُبَّمَا فَاتَ بَعْضَهُمُ الصَّلَاةُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَالْحِكْمَةُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فِي الْمُصَلَّى هِيَ مِنْ أَجْلِ الْمُبَاعَدَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ وَإِنْ كَبُرَتْ يَقَعُ الِازْدِحَامُ فِيهَا وَفِي أَبْوَابِهَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ دُخُولًا وَخُرُوجًا، فَتُتَوَقَّعُ الْفِتْنَةُ فِي مَحَلِّ الْعِبَادَةِ.

33- وَهَلْ لِلْمُصَلَّى حُكْمُ الْمَسْجِدِ: سُئِلَ الْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي فَتَاوِيهِ عَنِ الْمُصَلَّى الَّذِي بُنِيَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ خَارِجَ الْبَلَدِ فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الِاعْتِكَافِ وَمُكْثِ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ هُوَ الَّذِي أُعِدَّ لِرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ وَعُيِّنَ لَهَا، حَتَّى لَا يُنْتَفَعَ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَمَوْضِعُ صَلَاةِ الْعِيدِ مُعَدٌّ لِلِاجْتِمَاعَاتِ وَلِنُزُولِ الْقَوَافِلِ وَلِرُكُوبِ الدَّوَابِّ وَلَعِبِ الصِّبْيَانِ وَلَمْ تَجْرِ عَادَةُ السَّلَفِ بِمَنْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِيهِ، وَلَوِ اعْتَقَدُوهُ مَسْجِدًا لَصَانُوهُ عَنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَلَقُصِدَ لِإِقَامَةِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَصَلَاةُ الْعِيدِ تَطَوُّعٌ وَهُوَ لَا يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ، بَلْ يُبْنَى لِقَصْدِ الِاجْتِمَاعِ وَالصَّلَاةُ تَقَعُ فِيهِ بِالتَّبَعِ.

صَلَاةُ النِّسَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ

34- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ، فَذَلِكَ لَهُنَّ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِنَّ فِي الْمَسْجِدِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»،، فَإِنْ أَرَادَتِ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ: فَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ كَبِيرَةً يُشْتَهَى مِثْلُهَا كُرِهَ لَهَا الْحُضُورُ وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى لَمْ يُكْرَهْ لَهَا، لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ صَلَاةً قَطُّ خَيْرٌ لَهَا مِنْ صَلَاةٍ تُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ عَجُوزًا فِي مَنْقَلِهَا وَذَلِكَ حَيْثُ تَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهَا، وَلِذَا يَجُوزُ لَهَا حُضُورُ الْمَسَاجِدِ كَمَا فِي الْعِيدِ.

وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً غَيْرَ فَارِهَةٍ فِي الْجَمَالِ وَالشَّبَابِ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ لِتُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، بِشَرْطِ عَدَمِ الطِّيبِ، وَأَنْ لَا يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ، وَأَنْ تَخْرُجَ فِي رَدِيءِ ثِيَابِهَا، وَأَنْ لَا تُزَاحِمَ الرِّجَالَ، وَأَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ مَأْمُونَةً مِنْ تَوَقُّعِ الْمَفْسَدَةِ، فَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهَا تِلْكَ الشُّرُوطُ كُرِهَ لَهَا الصَّلَاةُ فِيهِ، فَقَدْ كَانَتِ النِّسَاءُ يُبَاحُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إِلَى الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ لَمَّا صَارَ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ مُنِعْنَ عَنْ ذَلِكَ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ النِّسْوَةِ حَيْثُ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَأَخَّرُونَ لِلِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَاتِهِنَّ، وَقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي الصَّحِيحِ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- تَرْفَعُهُ «أَيُّهَا النَّاسُ انْهُوا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسَاجِدِ، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمُ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرُوا فِي الْمَسَاجِدِ»،، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها-: «خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ».

دُخُولُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَعُبُورُهُمْ لَهُ

35- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يَصْنَعِ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضِ وَلَا جُنُبٍ».

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْعُبُورُ فِيهِ إِنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُخَفِ التَّلْوِيثُ جَازَ الْعُبُورُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَيْضٌ ف 41، وَجَنَابَةٌ ف 18، وَدُخُولٌ ف 6).

حَيْضُ الْمَرْأَةِ وَجَنَابَةُ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ

36- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ إِذَا حَاضَتْ، وَالرَّجُلِ إِذَا أَجْنَبَ، وَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَبْقَيَا فِيهِ وَهُمَا عَلَى مَا هُمَا عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِمَا أَنْ يَخْرُجَا مِنْهُ حَتَّى يَطْهُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا، فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- قَوْلَ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضِ وَلَا جُنُبٍ».

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَفْسُدُ بِالِاحْتِلَامِ، ثُمَّ إِنْ أَمْكَنَهُ الِاغْتِسَالُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَوَّثَ الْمَسْجِدُ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِلاَّ فَيَخْرُجُ وَيَغْتَسِلُ وَيَعُودُ إِلَى الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ فِي مَسْجِدِ اعْتِكَافِهَا- قَبْلَ إِتْمَامِ مَا نَوَتْهُ أَوْ نَذَرَتْهُ- خَرَجَتْ وُجُوبًا مِنْهُ وَعَلَيْهَا حُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ، فَلَا تَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا رَجَعَتْ فَوْرًا لِمُعْتَكَفِهَا لِلْبِنَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ: الْإِتْيَانُ بِبَدَلِ مَا حَصَلَ فِيهِ الْمَانِعُ وَتَكْمِيلُ مَا نَذَرَتْهُ وَلَوْ أَخَّرَتْ رُجُوعَهَا إِلَيْهِ وَلَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً بَطَلَ اعْتِكَافُهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَهُ.

وَإِذَا أَجْنَبَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مُعْتَكِفًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَابْتَدَأَهُ بَعْدَ أَنْ يَغْتَسِلَ، إِذْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ مِنْ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ بِالنَّهَارِ، وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.

وَيَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا طَرَأَ الْحَيْضُ وَجَبَ الْخُرُوجُ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ إِنْ تَعَذَّرَ الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، فَلَوْ أَمْكَنَ الْغُسْلُ فِيهِ جَازَ الْخُرُوجُ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ، بَلْ يَجُوزُ الْغُسْلُ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَادِرَ بِهِ كَيْلَا يَبْطُلَ تَتَابُعُ اعْتِكَافِهِ، وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْحَيْضِ وَلَا الْجَنَابَةِ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الِاعْتِكَافِ لِمُنَافَاتِهِمَا لَهُ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إِذَا أَجْنَبَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُرَاعِيَ أَقْرَبَ الطُّرُقِ إِلَى الْخُرُوجِ.

وَيَقُولُ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ عَلَى الْحَائِضِ الْمُعْتَكِفَةِ أَنْ تَتَحَيَّضَ فِي خِبَاءٍ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ إِنْ كَانَ لَهُ رَحْبَةٌ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلاَّ فَفِي بَيْتِهَا، فَإِنْ طَهُرَتْ وَكَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا رَجَعَتْ فَأَتَمَّتِ اعْتِكَافَهَا وَقَضَتْ مَا فَاتَهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَفِي جَوَازِ مَبِيتِ الْجُنُبِ فِيهِ مُطْلَقًا بِلَا ضَرُورَةٍ رِوَايَتَانِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُجْتَازًا، وَإِلاَّ فَلَا.

وَإِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْمَسْجِدِ، أَوْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا غَيْرَهُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِذَا تَوَضَّأَ الْجُنُبُ فَلَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

تَخَطِّي الرِّقَابِ فِي الْمَسْجِدِ

37- لِتَخَطِّي الرِّقَابِ فِي الْمَسْجِدِ أَحْكَامٌ تَخْتَلِفُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمُتَخَطِّي إِنْ كَانَ إِمَامًا أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ كَانَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِهَا، وَمَعَ وُجُودِ فُرْجَةٍ أَوْ عَدَمِ وُجُودِهَا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَخَطِّي الرِّقَابِ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


9-التعريفات الفقهية (الدَّهْر)

الدَّهْر: الزمان الطويلُ ودهر الإنسان الزمن الذي يعيش فيه ويستعمل مرادفًا للعصر قال السيد: "هو الآن الدائم الذي هو امتداد الحضرة الإلهية وهو باطنُ الزمان وبه يتحد الأزل والأبد".

التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م


10-الحضارة (أرجر)

أرجر: argar.

(حضارة).

مستعمرة ترجع للعصر النحاسي.

وقد قامت فوق تل قرب مدينة المرية بأسبانبا حيث قامت حضارة جنوبي شرق أسبانبا بإقلين الأندلس حاليا.

وكانت البيوت مستطيلة.

وعثر بالموقع علب مقابر بها فخار غير مزخرف.

وكان بين أرجر والشرق صلات تجارية ولاسيما مع اليونان بين سنتي 1800 ق.

م.

– 1000ق.م.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


11-الحضارة (أبنتين)

أبنتين: apentine.

حضارة ترجع للعصر البرونزي.

قامت عام 1600 ق.

م.

في شبه الجزيرة الايطالية.

وكانت قد تأثرت بثقافة البلقان.

واعتمدت علي الرعي فوق جبال أبنتين حيث وجدت مقابر بشرية هناك.

عثر فيها علي مصنوعات برونزية وفخار ملون ومزين.

وكانت الأوعية لها مقبضا واحدا.

وقد ظلت هذه الحضارة قائمة حتي عام 1000 ق.

م.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


12-الحضارة (بالميانج)

بالميانج: palembang.

موقع أثري جنوب سومطرة بإندونسيا يرجع لمملكة (ستيفجايا) التجارية في جنوب شرق آسيا.

ويرجع تاريخه للعصر الميجاليثي (مادة) و حتي القرن الأول الميلادي.

وهو عبارة عن مقابر ضخمة ونصب تذكارية واحواض حجرية.

والمقابر مدرجة.

وجد بها توابيت بها أشكال برونزية وخرز من الذهب والزجاج.

وعليها نقوش ملونة لرجال فوق الثيران ونقوش بارزة لأشخاص يحملون الطبول.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


13-الحضارة (أولورجيسالي)

أولورجيسالي: olorgessaille.

موقع أثري يرجع للعصر الباليوثي (مادة) جنوب غربي نيروبي بأفريقيا.

عثر به علي آلاف الأدوات من القطع الحجرية ترجع للحضارة الأشولينية (مادة).

كما عثر علي شظايا واطير وفؤوس وكرات يدوية (قذائف كانت تقذف بالحبل كالمنجانيق) كلها من الحجر.

وهذه الكرات وجد مثيلها بجنوب أمريكا الجنوبية حيث كان يطلق عليها بولاس.

وكانت تستخدم لصيد الجيوانات.

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


14-الحضارة (يونتيس)

يونتيس: unetice.

حضارة ترجع للعصر البرونزي المبكر في بوهيميا ومورافيا, وتتميز بتصنيع المعادن كالنحاس والبرونز.

وامتدت للمجر وشمال ألمانيا من شمال النمسا.

وكانت المشغولات المعدنية الدبابيس والحلقان المدورة التي كانت تصب في قوالب.

وصنعت البلط التي لها شفة والمعاذق التي يرجع تاريخها لسنة 1800ق.

م وحتي سنة 1600 ق.

م.

وكان لشعب اليونتيس علاقات تجارية مع بريطانيا وجنوب شرق لأوربا ولاسيما مع المسينيين (مادة).

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


15-الحضارة (فن تجريدي)

فن تجريدي: abstract art: في كهف بجنوب أفريقيا يرجع تاريخها إلي 70ألف سنة.

وهذا يدل علي أن الأفكار الحديثة نبعت منذ القدم.

وكانت قطعتان من الفن التجريدي قد تم العثور عليهما بالكهف جنوبي شاطيء (كاب تاون) المطل علي المحيط الهندي.

وهما عبارة عن قطعتين من حجارة المغرة (مغرة (إكسيد الحديد).

وقد سبق وأن وفد الفن التجريدي لفرنسا من أوروآسيا بالعصر الحجري منذ 35000 سنة.

ويرجح هذا بأنهما قد صنعا كرمزمعقد لايمكن تفسير مغزاه الغير معروف لنا.

لأن النقش في حد ذاته عبارة عن نموذج هندسي معقد.

لكن قد يكون معبرا عما كان يفهمه البشر وقتها.

وكانت أحجار المغرة المنقوشة قد جلبت من الطبقة الوسطي للعصر الحجري من منطقة كهف (بلومبوس) علي بعد 290 كم شرقي (كاب تاون).

وتم العثور علي 8000قطعة فنية من أحجار المغرة.

وأكثرها قد تم صقله لأخذ مسحوق إكسيد الحديد الذي يستخدم كصبغة ملونة..

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


16-الحضارة (جنوب أفريقيا)

جنوب أفريقيا: south Africa.

حاليا دولة جنوب أفريقيا يحدها بالشمال ناميبيا Namibia وبوستوانا Botswana وزيمبابوي وموزنبيق Mozambique وسوازيلاند Swaziland.

وبالشرق والجنوب يوجد المحيط الهندي وبالغرب يوجد المحيط الأطلنطي.

وأهم انهارها أورانج Orange وفال Vaal وليمبوبو Limpopo.

وأطولها نهر اورانج طوله 2100 كم ويصب بالأطلنطي.

وكانت جنوب أفريقيا قد إستوطنهالصيادون وجامعو الثمار.

وأخذت قبائل الخوخو Khoikhoi منذ 2000سنة في تربية المواشي التي حصلوا عليها من قبيلة البنتو.

وبدأ الرجل الأبيض من الهولانديين المزارعين عام 1652 م.

في إستيطان المنطقة داخل مستوطنات معزولة وانتشروا بها وكانت لهم لغتهم الخاصة التي كان يطلق عليها لغة أفريكانز Afrikaans, وانفصلوا عن البانتو الذين عاشوا بالداخل.

ووفد المستوطمزم الفرنسيون والألمان وعاشوا وسط هذه المجتمعات فيما بعد وعرفوا بالأفريكانرز Afrikaners.

ومنذ مطلع سنة 1800 م وصل المستوطنون البريطانيون وجاء الهنود كعمال في زراعة قصب السكر في اواخر القرن 19وأوائل القرن العشرين.

وفي أثناء هذا القرن جاءت أقلية برتغالية.

وكان البيض قداحضروا معهم لجنوب أفريقيا ثقافاتهم ولغاتهم من أوربا ولاسيما البريطانيين.

وجاء الآسيويون ولاسيما الهنود بثقافاتهمم.

وفي جنوب أفريقيا 3000 موقع أثري لفن الصخور (انظر: فن أفريقيا) ترجع للعصر الحجري حيث رسمت الحيوانات وأشياء أخري.

ويرجع تاريخ جنوب افريقيا قديما إلي إنسان أوستالو بيثكس أفريكانس Australopithicus africanus وهو نوع من أسلاف البشر.

والشواهد الأثرية تدل علي ان شعبي بوش Bush (سان San) وخوخو قد عاشا في جنوب أفريقيا منذ آلاف السنين.

وكان شعب بوش كان يعيش علي الصيد وجمع الثمار بينما كان شعب خوخو رعوي يرعي قطعان الماشية منذ عدة قرون قبل مجيء الرجل الأبيض.

وكانت جماعات من قبائل البانتو قد هاجرت من وسط أفريقيا واستقرت في المنطقة الخصبة بين جبال دراكنزبرج Drakensberg والمحيط الهندي.

وهؤلاء هم أجداد قبائل الزولو Zulu واكسهوزا Xhosa وسوازي Swazi, وغيرها من المجموعات.

(انظر: فن أفريقي.

أفريقيا).

موسوعة حضارة العالم-أحمد محمد عوف-صدرت: 1421هـ/2000م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م