نتائج البحث عن (مُحَدِّثِي)
1-العربية المعاصرة (غرب)
غرَبَ/غرَبَ عن يَغرُب، غُرُوبًا، فهو غارِب، والمفعول مغروب عنه.* غرَبتِ الشَّمسُ: اختفت في مغربها، أي في مكان غروبها (غرَب النجمُ: غاب- حظر التَّجوّل من غروب الشمس إلى طلوعها- {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [قرآن] - {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [قرآن] - {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [قرآن]) (*) غرَبت شمسُه: اندثر، تلاشى، اختفى.
* غرَب فلانٌ/غرَب الشَّيءُ: غاب واختفى، بعُد وتنحَّى (اغرُب عن وجهي: ابتعد عنِّي).
* غرَب عنه الأمرُ: فاته، لم يلاحظْه (لا يصحّ أن يَغرُب عن باله).
غرَبَ يَغرُب، غُرْبةً وغَرْبًا، فهو غرِيب.
* غرَب الشّخصُ: بَعُد عن وطنه (قضى حياته في الغُربة- الفقر في الأوطان غُربَة- الغريب مَن لم يكن له حبيب- *وكلُّ غريبٍ للغريب حبيب*).
غرُبَ/غرُبَ عن يغرُب، غَرَابةً وغُربةً، فهو غريب، والمفعول مغروب عنه.
* غرُب الشّخصُ: غرَب2؛ ابتعد عن وطنه (غرُب لحضور ندوة دوليّة).
* غرُب عن باله موعد المقابلة: فاته وغاب عنه ذلك.
غرُبَ يَغرُب، غَرَابةً، فهو غرِيب.
* غرُب الكلامُ/غرُب الأمرُ: غمَض وخفِي، بعُد عن الفَهْم (قدّم للفنّ أزياء فيها طرافة وغرابة- تكلَّم بكلام غرُب عليَّ ولم أفهمه).
* غرُب الشّيءُ: كان غيرَ مألوف ولا مأنوس (وجه غريب- مادّة غريبة).
أغربَ يُغرب، إغرابًا، فهو مُغرِب.
* أغرب الشَّخصُ:
1 - أتى أو ذهب ناحية الغرب (أغرب حيث يقع منزله).
2 - جاء بالشّيء الغريب (أغرب محدِّثي) (*) أغرب في الضَّحك: بالغ فيه وجاوز الحدّ.
استغربَ يستغرب، استغرابًا، فهو مُستغرِب، والمفعول مُستغرَب.
* استغرب تصرُّفَ صديقه: وجده أو عدَّّه غريبًا، أي غامضًا أو غير مألوف (أثار ذلك استغرابَه: سبّب له الدهشةَ، لعدم توقّعه لذلك- الزئير من الأسد لا يُستغرَب- استغرب السَّامعون كلامَه) (*) استغرب في الضَّحِك: بالغ فيه.
اغتربَ يغترب، اغترابًا، فهو مغترِب.
* اغترب الشَّخصُ:
1 - بَعُد، نزَح عن وطنه (اغترب بحثًا عن لقمة العيش- تعمل مشرفةً في بيت المغتربات).
2 - تزوَّج من غير أقاربه (من اغترب بزواجه كان أدنى إلى السَّلامة).
* اغترب داخلَ بلادِه: أحسَّ بالغُربة فيها.
تغرَّبَ يتغرَّب، تغرُّبًا، فهو مُتغرِّب.
* تغرَّب الشَّخصُ: مُطاوع غرَّبَ: اغترب، نزَح عن الوطن (تغرَّب سعيًا وراء الرِّزق- فإن تغرّبَ هذا عَزَّ مطلبُه.. وإن تغرّبَ ذاك عَزَّ كالذهبِ).
غرَّبَ يغرِّب، تغريبًا، فهو مُغرِّب، والمفعول مُغرَّب (للمتعدِّي).
* غرَّب الشّخصُ: ذهب ناحية المغرب (شرّق وغرَّب فما وجد أروع من بلده- سارت مُغرِّبةً وسِرْت مشرِّقًا.. شتّان بين مُشرِّقٍ ومُغرِّبِ) (*) شرَّق وغرَّب: سار في كلّ اتِّجاه- غرَّب فلانٌ في الأرض: أمعن فيها وسافر بعيدًا.
* غرَّب شخصًا عن بلاده: أبعده، جعله غريبًا، نحّاه، نفاه (أدّى به طلبُ الثَّأرِ إلى تغريبه عن وطنه) - غرَّب الدَّهرُ فلانًا/غرَّب الدَّهرُ عليه: تركه بعيدًا- غرَّب العادات والأخلاق: جعلها شاذَّة غريبة.
إِغْراب [مفرد]: مصدر أغربَ.
* الإِغْرَاب: [في البلاغة] الإتيان بالغريب غير المأنوس من القول.
استغراب [مفرد]:
1 - مصدر استغربَ.
2 - [في علوم الاجتماع] فقدان الاتّصال أو قيام العداء بين الأقارب أو الزُّملاء بسبب عدم الاتّفاق أو عدم الاستلطاف.
استغرابيَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى استغراب: (كانت كتابات طه حسين من طليعة الكتابات الاستغرابيّة).
* نزعة استغرابيّة: نزعة تميل لتفضيل الغرب على الشّرق (ظهرت لدى بعض الكتَّاب نزعة استغرابيّة تنظر للغرب على أنه منبع الحضارة).
اغتراب [مفرد]:
1 - مصدر اغتربَ.
2 - فَقْد الإنسان ذاته وشخصيّته ممّا قد يدفعه إلى الثورة لكي يستعيد كيانَه.
* الاغتراب الذِّهنيّ: [في علوم النفس] مرض نفسيّ يحول دون سلوك المريض سلوكًا سويًّا وكأنّه غريب عن مجتمعه، ولذا يلجأ إلى العزلة عنه.
اغترابيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى اغتراب.
* ملحق اغترابيّ: [في السياسة] أحد أفراد البعثة الدبلوماسيّة تكون مهمته القيام على شئون ومصالح المغتربين المهاجرين إلى البلد المعيّن بها.
اغترابيَّة [مفرد]:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى اغتراب: (وفود/شخصيات اغترابيّة- طالب المجتمعون بإتاحة الفرصة للخبرات الاغترابية لبلورة أفكارهم).
2 - مصدر صناعيّ من اغتراب: حالة من الإحساس بالاضطراب الذهنيّ تجعل الفرد يشعر بالغُربة عن نفسه أو مجتمعه (يعيش حالة من الاغترابيّة بين أهله).
تغريب [مفرد]:
1 - مصدر غرَّبَ.
2 - [في القانون] نفيُ الشّخصِ من البلاد من غير تحديد لمحلِّ إقامته.
تغريبيَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى تغريب: (دعوات/نزعات/اتجاهات/مخطّطات تغريبيَّة علمانيَّة).
* نزعة تغريبيّة: نزعة تميل إلى تفضيل كل ما هو غربيّ.
غارِب [مفرد]: جمعه غاربون وغواربُ (لغير العاقل):
1 - اسم فاعل من غرَبَ/غرَبَ عن.
2 - أعلى كُلِّ شيء (*) غواربُ الماء: أعالي أمواجه.
3 - كاهِل، ما بين الظهر والعنُق (تقع المسئوليّة على غاربك- بحرٌ ذو غواربُ).
4 - ما بين سنام البعير وعنقه، وهو الذي يُلقى عليه خِطام البعير إذا أُرسل ليرعى حيث يشاء (*) ألقى حبلَه على غاربه: تركه يتصرّف على هواه.
غَرائِبُ [جمع]: مفرده غريبة: عجائِبُ (غرائبُ الدَّهر كثيرة- الشرق أرض الغرائب والعجائب) (*) غرائبُ الأزياء: ما يتحدّى العادات والأذواق السائدة.
غُراب [مفرد]: جمعه أغرُب وأغرِبة وغِربان، جج غرابينُ: [في الحيوان] جنس طير من فصيلة الغرابيّات ورتبة الجواثم، له أنواع كثيرة أشهرها الغراب الأسود، له جناحان عريضان ومنقار طويل وقويّ، يتغذّى على الحشرات والديدان والجِيَف والبذور، والعرب يتشاءمون به إذا نعَق قبل الرّحيل، ويضرب به المثل في السّواد والبكور والحذر والبعد (من كان دليله الغراب كان مأواه الخراب- عيش غراب- أشأم من غراب- {فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ} [قرآن]) (*) أبطأ من غراب نوح [مثل]: يُضْرَب في التأخُّر والإهمال- أَرْض لا يطير غرابها: خصبة- أغربة العرب: سودانهم، شبِّهوا بالأغربة في لونهم، منهم في الجاهليّة عنترة- بكَّر بكور الغراب- خُبْز الغراب: فِطْر يُخرج أقراصًا كالخبز- دون هذا شيب الغراب: مستحيل الحدوث؛ لأنَّ الغراب يظل أسود- طار غرابُه: شابَ- عين الغراب: يُضرب بها المثل في الصفاء وحِدّة البصر- غراب البَيْن: مَنْ يُتَشاءم به لأنّه نذير الفرقة، مَنْ يُنذر بسوء أو بمصيبة في كلِّ مناسبة- فلان أحذر من الغراب.
* الغُرابُ من كلِّ شيء: أوّله وحدُّه (غراب السَّيف- غُراب الفأس: حدُّه).
* غُراب القَيْظ: [في الحيوان] طائر من الفصيلة الغرابيّة، متوسِّط الجثّة، من القواطع، كبير الجناحين.
* غُراب اللَّيل: [في الحيوان] واق الشّجر، من فصيلة البلشونيّات، ثوبه متباين الألوان.
* غُراب الزَّرع: [في الحيوان] طائر من فصيلة الغرابيّات يعيش أسرابًا ويألف البيوتَ الخَرِبة والمواقعَ الصَّخريّة.
غَرابة [مفرد]: مصدر غرُبَ/غرُبَ عن وغرُبَ (*) غرابة ذهن: ما يحيد عن المفهوم العام أو عمّا هو معتبر معقول- غرابة ذوق: ما يجعل الشّيء غريبًا مختلفًا عن غيره وخارجًا عن المألوف- غرابة سلوك: طريقة تصرُّف خارجة عن العادات المألوفة أو بعيدة عن الطريقة التي يتبعها عامّة الناس- في كلامه غرابة: غموض- يا للغرابة.
غَرْب [مفرد]:
1 - مصدر غرَبَ.
2 - جهة غروب الشمس، يقابله: شرق (هبَّت الرِّيحُ من الغرب).
* الغَرْب: البلدان الغربيَّة، ويُقصد بها أوربا الغربيَّة والبلدان الأميركيّة، يقابله الشَّرق (العلاقات متصلة بين الشرْق والغرب من قديم الزمان).
غَرَب [جمع]: [في النبات] جنس شجر من الفصيلة الصفصافيَّة يُزرع حول الجداول، تسوَّى من خشبه السّهام، يُسمَّى في الشام: الحور، وفي مصر: شعر البنت أو أمّ الشعور (تكثر زراعة الغَرَب حول المياه).
غُرْبة [مفرد]: مصدر غرُبَ/غرُبَ عن وغرَبَ (*) غُربة روحيَّة- فقد الأحبّة غُرْبة: من فقد أحبّتَه صار كالغريب بين الناس، وإن لم يفارق وطنَه.
غَربيّ [مفرد]: اسم منسوب إلى غَرْب: (برنامج غربيّ- رياح غربيّة- {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [قرآن]).
* الجنوب الغربيّ: الاتِّجاه الواقع بين الجنوب والغرب، أو رأس بوصلة ملاحيّة في اتِّجاه 135 درجة غربيّ الشَّمال.
غُروب [مفرد]: مصدر غرَبَ/غرَبَ عن.
غَريب [مفرد]: جمعه أَغْراب وغُرَباءُ، والمؤنث غريبة، والجمع المؤنث غريبات وغرائِبُ:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من غرُبَ/غرُبَ عن وغرَبَ وغرُبَ2: بعيد عن وطنه.
2 - غير معروف، عجيب غير مألوف (*) بينهما شبه غريب: غير معقول- رَجُل غريب الأطوار: مُتَّسِم بما هو خارج عن المفهوم العامّ، ذو طَبْع يصعُب فهمُه- هذا وجه غريب عليك: غير معروف منك- يأتيك بكلّ عجيب غريب: بكلّ مدهش لا يُصدَّق.
* حديث غريب: [في الحديث] ما تفرَّد بروايته شخص واحد.
* ورم غريب: [في الطب] ورم مُؤلَّف من مزيج من الأنسجة، ناتج من نموّ خلايا جُرثوميَّة مستقلّة.
غُريِّبة [مفرد]: كعْك مصنوع من الدَّقيق والسّكّر والكثير من الزبدة أو أي دُهون أخرى.
مَغرِب [مفرد]: جمعه مَغارِبُ:
1 - اسم مكان من غرَبَ/غرَبَ عن: مقابل مَشْرِق (نظَر إلى المغرِب- {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [قرآن] - {فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} [قرآن]) (*) بلاد المغرِب: البلاد الواقعة في شمال إفريقيا في غربيّ مصر وهي ليبيا وتونس والجزائر ومراكش- في مشارق الأرض ومغاربها: في كلّ أنحاء الأرض.
2 - زمان غروب الشَّمس (زارنا قبل المغرِب) (*) صلاة المغرِب: الصَّلاة التي تُؤدَّى وقت المغرب- لقيته مغرِب الشَّمس: وقت غروبها.
* المغرِبان: المغرِب والمشرِق (على التَّغليب).
مُغرِب [مفرد]:
1 - اسم فاعل من أغربَ.
2 - كلّ ما واراك وسترك.
* عنقاءُ مُغرِب: [في الحيوان] طائر عظيم يبعد في طيرانه، وقيل إنّه طائر وهميّ يُضرَب به المثل في طلب المُحال الذي لا يُنال.
مَغرِبيّ [مفرد]: جمعه مغارِبة:
1 - اسم منسوب إلى مَغرِب: خاصّ، متعلِّق بالمغرب (بلد مغربيّ- أكلنا موزًا مغربيًّا).
2 - أحد سُكَّان المغرب، أو من بلاد المغرب (جماعة من المغاربة- يُحسن المغاربة الترجمة عن الفرنسيّة).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الإباضية-الفرق العقائدية في الإسلام)
الإباضيةالتعريف:
الإباضية إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج وينفون عن أنفسهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلًا، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتدادًا للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن وتجويز الخروج على أئمة الجور.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
مؤسسها الأول عبد الله بن إباض من بني مرة بن عبيد بن تميم، ويرجع نسبه إلى إباض وهي قرية العارض باليمامة، وعبد الله عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبد الملك بن مروان.
·يذكر الإباضية أن أبرز شخصياتهم جابر بن زيد (22ـ93ه) الذي يعد من أوائل المشتغلين بتدوين الحديث آخذًا العلم عن عبد الله بن عباس وعائشة و أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وغيرهم من كبار الصحابة. مع أن جابرًا قد تبرأ منهم. (انظر تهذيب التهذيب 2/38).
أبو عبيدة مسلمة بن أبي كريمة: من أشهر تلاميذ جابر بن زيد، وقد أصبح مرجع الإباضية بعده مشتهرًا بلقب القفاف توفي في ولاية أبي جعفر المنصور 158هـ.
الربيع بن حبيب الفراهيدي الذي عاش في منتصف القرن الثاني للهجرة وينسبون له مسندًا خاصًا به مسند الربيع بن حبيب وهو مطبوع ومتداول.
من أئمتهم في الشمال الإفريقي أيام الدولة العباسية: الإمام الحارث بن تليد، ثم أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري، ثم أبو حاتم يعقوب بن حبيب ثم حاتم الملزوزي.
ومنهم الأئمة الذين تعاقبوا على الدولة الرستمية في تاهرت بالمغرب: عبد الرحمن، عبد الوهاب، أفلح، أبو بكر، أبو اليقظان، أبو حاتم.
من علمائهم:
سلمة بن سعد: قام بنشر مذهبهم في أفريقيا في أوائل القرن الثاني.
ـ ابن مقطير الجناوني: تلقى علومه في البصرة وعاد إلى موطنه في جبل نفوسه بليبيا ليسهم في نشر المذهب الإباضي.
ـ عبد الجبار بن قيس المرادي: كان قاضيًا أيام إمامهم الحارث بن تليد.
ـ السمح أبو طالب: من علمائهم في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، كان وزيرًا للإمام عبد الوهاب بن رستم ثم عاملًا له على جبل نفوسه ونواحيه بليبيا.
ـ أبو ذر أبان بن وسيم: من علمائهم في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة، وكان عاملًا للإمام أفلح بن عبد الوهاب على حيز طرابلس.
الأفكار والمعتقدات:
يظهر من خلال كتبهم تعطيل الصفات الإلهية، وهم يلتقون إلى حد بعيد مع المعتزلة في تأويل الصفات، ولكنهم يدعون أنهم ينطلقون في ذلك من منطلق عقدي، حيث يذهبون إلى تأويل الصفة تأويلًا مجازيًا بما يفيد المعنى دون أن يؤدي ذلك إلى التشبيه، ولكن كلمة الحق في هذا الصدد تبقى دائمًا مع أهل السنة والجماعة المتبعين للدليل، من حيث إثبات الأسماء والصفات العليا لله تعالى كما أثبتها لنفسه، بلا تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل.
ينكرون رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة؛ رغم ثبوتها في القرآن: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).
يؤولون بعض مسائل الآخرة تأويلًا مجازيًا كالميزان والصراط.
أفعال الإنسان خلق من الله واكتساب من الإنسان، وهم بذلك يقفون موقفًا وسطًا بين القدريَّة والجبرية.
صفات الله ليست زائدة على ذات الله ولكنها هي عين ذاته.
القرآن لديهم مخلوق، وقد وافقوا الخوارج في ذلك، يقول الأشعري "والخوارج جميعًا يقولون بخلق القرآن"، مقالات الإسلاميين 1/203 طـ 2 ـ 1389هـ/1969م.
مرتكب الكبيرة ـ عندهم ـ كافر كفر نعمة أو كفر نفاق.
الناس في نظرهم ثلاثة أصناف:
ـ مؤمنون أوفياء بإيمانهم.
ـ مشركون واضحون في شركهم.
ـ قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام لكنهم لم يلتزموا به سلوكًا وعبادة، فهم ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم كذلك ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم لا يلتزمون بما يقتضيه الإيمان، فهم إذن مع المسلمين في أحكام الدنيا لإقرارهم بالتوحيد وهم مع المشركين في أحكام الآخرة لعدم وفائهم بإيمانهم ولمخالفتهم ما يستلزمه التوحيد من عمل أو ترك.
للدار وحكمها عند محدثي الإباضية صور متعددة، ولكن محدثيهم يتفقون مع القدامى في أن دار مخالفيهم من أهل الإسلام هي دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي.
يعتقدون بأن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال، وغنيمة أموالهم من السلاح والخيل وكل ما فيه من قوة الحرب حلال وما سواه حرام.
مرتكب الكبيرة كافر ولا يمكن في حال معصيته وإصراره عليها أن يدخل الجنة إذا لم يتب منها، فإن الله لا يغفر الكبائر لمرتكبيها إلا إذا تابوا منها قبل الموت.
ـ الذي يرتكب كبيرة من الكبائر يطلقون عليه لفظة (كافر) زاعمين بأن هذا كفر نعمة أو كفر نفاق لا كفر ملة، بينما يطلق عليه أهل السنة والجماعة كلمة العصيان أو الفسوق، ومن مات على ذلك ـ في نظر أهل السنة ـ فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له بكرمه وإن شاء عذبه بعدله حتى يطهر من عصيانه ثم ينتقل إلى الجنة، أما الإباضية فيقولون بأن العاصي مخلد في النار. وهي بذلك تتفق مع بقية الخوارج والمعتزلة في تخليد العصاة في جهنم.
ينكرون الشفاعة لعصاة الموحدين؛ لأن العصاة ـ عندهم ـ مخلدون في النار فلا شفاعة لهم حتى يخرجوا من النار.
ينفون شرط القرشية في الإمام إذ أن كل مسلم صالح لها، إذا ما توفرت فيه الشروط، والإمام الذي ينحرف ينبغي خلعه وتولية غيره.
يتهجم بعضهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعلى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم.
ـ الإمامة بالوصية باطلة في مذهبهم، ولا يكون اختيار الإمام إلا عن طريق البيعة، كما يجوز تعدد الأئمة في أكثر من مكان.
ـ لا يوجبون الخروج على الإمام الجائر ولا يمنعونه، وإنما يجيزونه، فإذا كانت الظروف مواتية والمضار فيه قليلة فإن هذا الجواز يميل إلى الوجوب، وإذا كانت الظروف غير مواتية والمضار المتوقعة كثيرة والنتائج غير مؤكدة فإن هذا الجواز يميل إلى المنع. ومع كل هذا فإن الخروج لا يمنع في أي حال، والشراء (أي الكتمان) مرغوب فيه على جميع الأحوال ما دام الحاكم ظالما.
- لا يجوز لديهم أن يدعو شخص لآخر بخير الجنة وما يتعلق بها إلا إذا كان مسلمًا موفيًا بدينه مستحقًا الولاية بسبب طاعته، أما الدعاء بخير الدنيا وبما يحول الإنسان من أهل الدنيا إلى أهل الآخرة فهو جائز لكل أحد من المسلمين تقاة وعصاة.
لديهم نظام اسمه (حلقة العزابة) وهي هيئة محدودة العدد تمثل خيرة أهل البلد علمًا وصلاحًا وتقوم بالإشراف الكامل على شؤون المجتمع الإباضي الدينية والتعليمية والإجتماعية والسياسية، كما تمثل مجلس الشورى في زمن الظهور الدفاع، أما في زمن الشراء والكتمان فإنها تقوم بعمل الإمام وتمثله في مهامه.
ـ لديهم منظمة اسمها (ايروان) تمثل المجلس الاستشاري المساعد للعزابة وهي القوة الثانية في البلد بعدها.
ـ يشكلون من بينهم لجانًا تقوم على جمع الزكاة وتوزيعها على الفقراء، كما تمنع منعًا باتًا طلب الزكاة أو الاستجداء وما إلى ذلك من صور انتظار العطاء.
ـ انشق عن الإباضية عدد من الفرق التي اندثرت وهي:
ـ الحفصية: أصحاب حفص بن أبي المقدام.
ـ الحارثية: أصحاب الحارث الإباضي.
ـ اليزيدية: أصحاب يزيد بن أنيسة. الذي زعم أن الله سيبعث رسولًا من العجم، وينـزل عليه كتابًا من السماء، ومن ثم ترك شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد تبرأ سائر الإباضية من أفكارهم وكفروهم لشططهم وابتعادهم عن الخط الإباضي الأصلي، الذي ما يزال إلى يومنا هذا.
الجذور الفكرية والعقائدية:
الإباضيون يعتمدون في السنة على ما يسمونه (مسند الربيع بن حبيب) - وهو مسند غير ثابت كما بين ذلك العلماء المحققون -.
ولقد تأثروا بمذهب أهل الظاهر، إذا أنهم يقفون عند بعض النصوص الدينية موقفًا حرفيًّا ويفسرونها تفسيرًا ظاهريًا.
وتأثروا كذلك بالمعتزلة في قولهم بخلق القرآن.
·يعتبر كتاب النيل وشفاء العليل ـ الذي شرحه الشيخ محمد بن يوسف إطْفَيِّش المتوفى سنة 1332ه ـ من أشهر مراجعهم. جمع فيه فقه المذهب الإباضي وعقائده.
الانتشار ومواقع النفوذ:
كانت لهم صولة وجولة في جنوبي الجزيرة العربية حتى وصلوا إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، أما في الشمال الإفريقي فقد انتشر مذهبهم بين البربر وكانت لهم دولة عرفت باسم الدولة الرستمية وعاصمتها تاهرت.
حكموا الشمال الإفريقي حكمًا متصلًا مستقلًا زهاء مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الرافضة (العبيديون).
قامت للإباضية دولة مستقلة في عُمان وتعاقب على الحكم فيها إلى العصر الحديث أئمة إباضيون.
من حواضرهم التاريخية جبل نفوسة بليبيا، إذ كان معقلًا لهم ينشرون منه المذهب الإباضي، ومنه يديرون شؤون الفرقة الإباضية.
ما يزال لهم وجود إلى وقتنا الحاضر في كل من عُمان بنسبة مرتفعة وليبيا وتونس والجزائر وفي واحات الصحراء الغربية وفي زنجبار التي ضُمت إلى تانجانيقا تحت اسم تنـزانيا.
ويتضح مما تقدم:
الإباضية إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج وينفون عنهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلًا، لكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتدادًا للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل الصفات والقول بخلق القرآن، وتجويز الخروج على أئمة الجور.
المعتزلة
التعريف:
المعتزلة فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال، واتجهت هذه الرؤية وجهتين:
ـ الوجهة الأولى: أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب:
1 ـ أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين
2 ـ أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقلة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن: "اعتزلنا واصل".
3 ـ أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته.
ـ والوجهة الثانية: أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين.
أما القاضي عبد الجبار الهمذاني ـ مؤرخ المعتزلة ـ فيزعم أن الاعتزال ليس مذهبًا جديدًا أو فرقة طارئة أو طائفة أو أمرًا مستحدثًا، وإنما هو استمرار لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وقد لحقهم هذا الاسم بسبب اعتزالهم الشر لقوله تعالى: (وأعتزلكم وما تدعون) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اعتزل الشر سقط في الخير).
والواقع أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية لما سنرى في فقرة (الجذور الفكرية والعقائدية).
قبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء، كان هناك جدل ديني فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي وهذه المقولات نوجزها مع أصحابها بما يلي:
ـ مقولة أن الإنسان حر مختار بشكل مطلق، وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه قالها: معبد الجهني، الذي خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث.. وقد قتله الحجاج عام 80هـ بعد فشل الحركة.
ـ وكذلك قالها غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك.
ـ ومقولة خلق القرآن ونفي الصفات، قالها الجهم بن صفوان، وقد قتله سلم بن أحوز في مرو عام 128هـ.
ـ وممن قال بنفي الصفات أيضًا: الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة.
ثم برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال (80هـ ـ 131هـ) الذي كان تلميذًا للحسن البصري، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين (أي ليس مؤمنًا ولا كافرًا) وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت، وقد عاش في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك، والفرقة المعتزلية التي تنسب إليه تسمى: الواصيلة.
ولاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسة الخمسة ـ التي سنذكرها لاحقًا ـ وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى.. وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه.
وفي العهد العباسي برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد وهو أحد رؤوس بدعة الاعتزال في عصره ورأس فتنة خلق القرآن، وكان قاضيًا للقضاة في عهد المعتصم.
ـ في فتنة خلق القرآن امتحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة، فسجن وعذب وضرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون وبقي في السجن لمدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق.
ـ لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ انتصر لأهل السنة وأكرم الإمام أحمد وأنهى عهد سيطرة المعتزلة على الحكم ومحاولة فرض عقائدهم بالقوة خلال أربعة عشر عامًا.
في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ في بلاد فارس ـ وكانت دولة شيعية ـ توطدت العلاقة بين الشيعة والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضيًا لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي، وهو من الروافض المعتزلة، يقول فيه الذهبي: " وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعًا " ويقول المقريزي: " إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر ". وممن برز في هذا العهد: الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي: " وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد ".
بعد ذلك كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم.
عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة وهذا ما سنبسطه عند الحديث عن فكر الاعتزال الحديث.
ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي:
ـ أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف (135 ـ226 هـ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء، طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة، فقد تأثر بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته، وقادر بقدرة وقدرته ذاته … " انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76. وتسمى طائفة الهذيلية.
ـ إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام (توفي سنة 231هـ) وكان في الأصل على دين البراهمة وقد تأثر أيضًا بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة.. وقال: بأن المتولدات من أفعال الله تعالى، وتسمى طائفته النظامية.
ـ بشر بن المعتمر (توفي سنة 226 هـ) وهو من علماء المعتزلة، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال: إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفته البشرية.
ـ معمر بن عباد السلمي (توفي سنة 220 هـ) وهو من أعظم القدرية فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله وتسمى طائفته: المعمرية.
ـ عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار (توفي سنة 226هـ) وكان يقال له: راهب المعتزلة، وقد عرف عنه التوسع في التكفير حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة، وتسمى طائفته المردارية.
ـ ثمامة بن أشرس النميري (توفي سنة 213هـ)، كان جامعًا بين قلة الدين وخلاعة النفس، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة. وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين. وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال، وتسمى طائفته الثمامية.
ـ عمرو بن بحر: أبو عثمان الجاحظ (توفي سنة 256هـ) وهو من كبار كتاب المعتزلة، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة، ونظرًا لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل، البيان والتبيين، وتسمى فرقته الجاحظية.
ـ أبو الحسين بن أبي عمر الخياط (توفي سنة 300هـ) من معتزلة بغداد و بدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم، وهو تصريح بقدم العالم، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية.
ـ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني (توفي سنة 414هـ) فهو من متأخري المعتزلة، قاضي قضاة الري وأعمالها، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية.
المبادئ والأفكار:
جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:
ـ الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه، ولذلك كان التكليف، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز. حتى عهد هشام بن عبد الملك، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك.
ـ الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا ولا كافرًا ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع عندهم من تسميته مسلمًا باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمنًا.
ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول:
1 ـ التوحيد.
2 ـ العدل.
3 ـ الوعد والوعيد.
4 ـ المنزلة بين المنزلتين.
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1 ـ التوحيد: وخلاصته برأيهم، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل (ليس كمثله شيء) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس. وهذا حق ولكنهم بنوا عليه نتائج باطلة منها: استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات، وأن الصفات ليست شيئًا غير الذات، وإلا تعدد القدماء في نظرهم، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام.
2 ـ العدل: ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد، ولا يحب الفساد، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره، وأنه ولي كل حسنة أمر بها، بريء من كل سيئة نهى عنها، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه. وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية وإرادته الشرعية.
3 ـ الوعد والوعيد: ويعني أن يجازي الله المحسن إحسانًا ويجازي المسيء سوءًا، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا أن يتوب.
4 ـ المنزلة بين المنزلتين: وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر. وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة.
5 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشرًا لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشادًا للغاوين كل بما يستطيع: فذو البيان ببيانه، والعالم بعلمه، وذو السيف بسيفه وهكذا. ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق.
ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل كليًّا في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلًا فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني: " المعارف كلها معقولة بالفعل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل، والحسن والقبيح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح ".
ـ ولاعتمادهم على العقل أيضًا أوَّلوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضى والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها.
ـ ولاعتمادهم على العقل أيضًا، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب، فقد زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا: لا تقبل شهادتهم.
ـ وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط ـ كما نوهنا ـ وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة، ورفضهم الإتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك:
كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة، وما هذه الفرق التي عددناها آنفًا إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم، فأبو الهذيل العلاف له فرقة، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة، والجبائي له فرقة، فخالفه ابنه أبو هاشم عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا.
ـ وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية، وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية عامة وبالمنطق الصوري الأوسطي خاصة.
وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم، ثم خرج من فرقتهم ورد عليهم متبعًا أسلوبهم في الجدال والحوار.. ثم جاء الإمام أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين.
ـ ومن الردود قوية الحجة، بارعة الأسلوب، رد شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عليهم في كتابه القيم: درء تعارض العقل والنقل فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها ردًّا مفحمًا.. وبين أن صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفًا لصحيح النقل.
وقد ذُكر في هذا الحديث أكثر من مرة أن المعتزلة اعتمدوا على العقل في تعاملهم مع نصوص الموحي، وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه. ولكن هذا يرده دعوة الإسلام إلى التفكر في خلق السموات والأرض والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك مما هو معروف ومشهور مما دعا العقاد إلى أن يؤلف كتابًا بعنوان: التفكر فريضة إسلامية، ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله: في أمور غيبية مما تقع خارج الحس ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عددًا من القضايا على مقدمات معينة فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها وهو أمر لا يسلّم به دائمًا حتى لو اتبعت نفس الأساليب التي استعملوها في الاستنباط والنظر العقلي: مثل نفيهم الصفات عن الله اعتمادًا على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء). وكان الصحيح أن لا تنفى عنه الصفات التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين.
وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها:
ـ أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة.
ـ أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.
ـ أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهو ما يعرف بالأمور التوقيفية".
ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يقدمه على النصوص الشرعية الصحيحة. خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور. ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من:
1 ـ الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات.
2 ـ العقل وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات.
3 ـ الوحي من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس، وما أعده الله في الدار الآخرة، وما أرسل من الرسل إلخ …
وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء.
الجذور الفكرية والعقائدية:
هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في نفي الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.
وقيل: إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية ـ وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ ـ قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات.
إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد موردًا من موارد الفكر الاعتزالي، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية.
ـ ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني.
ـ تأثر المعتزلة بفلاسفة اليونان في موضوع الذات والصفات، فمن ذلك قول أنبادقليس الفيلسوف اليوناني: "إن الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة، والقدرة والعدل والخير والحق، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء بل هي هو، وهو هذه كلها" انظر الملل والنحل ج 2/ ص58.
وكذلك قول أرسطوطاليس في بعض كتبه "إن الباري علم كله، قدره كله، حياة كله، بصر كله".
فأخذ العلاف وهو من شيوخ المعتزله هذه الأفكار وقال: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرة وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته.
ـ وأخذ النظام من ملاحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجرأ، ثم بنى عليه قوله بالطفرة، أي أن الجسم يمكن أن يكون في مكان (أ) ثم يصبح في مكان (ج) دون أن يمر في (ب).
وهذا من عجائبه حتى قيل: إن من عجائب الدنيا: " طفرة النظام وكسب الأشعري ".
ـ وإن أحمد بن خابط والفضل الحدثي وهما من أصحاب النظام قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النصراني مع الفكر الهندي وقالا بما يلي:
1 ـ إن المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة.
2 ـ إن المسيح تدرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسدة.
3 ـ القول بالتناسخ.
4 ـ حملا كل ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول هو أول مبتدع وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات.
يؤكد العلماء تأثير الفلسفة اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ وهو من مصنفي المعتزلة ومفكريهم فقد طالع كثيرًا من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم ـ حتى إنه خلط وروج كثيرًا من مقالاتهم بعبارته البليغة.
ـ ومنهم من يرجع فكر المعتزلة إلى الجذور الفكرية والعقدية في العراق ـ حيث نشأ المعتزلة ـ الذي يسكنه عدة فرق تنتهي إلى طوائف مختلفة، فبعضهم ينتهي إلى الكلدان وبعضهم إلى الفرس وبعضهم نصارى وبعضهم يهود وبعضهم مجوس. وقد دخل هؤلاء في الإسلام وبعضهم قد فهمه على ضوء معلوماته القديمة وخلفيته الثقافية والدينية.
الفكر الاعتزالي الحديث:
يحاول بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن أو كاد.. فألبسوه ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل … العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي..
ـ وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني.. فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية.. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل.. إلا من هذا القبيل.
وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر.
وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي.. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة.. مثل عقوبة المرتد، وفرضية الجهاد، والحدود، وغير ذلك.. فضلًا عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث.. إلخ.. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله.. وتحكيم العقل في هذه المواضيع. ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر.
ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة و المرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه: " أستاذ الجيل " وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي " وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا. هذا في البلاد العربية.
أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان، الذي منح لقب سير من قبل الاستعمار البريطاني. وهو يرى أن القرآن الكريم لا السنة النبوية هو أساس التشريع وأحلّ الربا البسيط في المعاملات التجارية. ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز لأنهم عانوا كثيرًا من جهاد المسلمين الهنود لهم.
ـ وجاء تلميذه سيد أمير علي الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة.
ـ ومن هؤلاء أيضًا مفكرون علمانيون، لم يعرف عنهم الالتزام بالإسلام.. مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية) وهي من الفلسفة الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي.. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحييه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة (انظر كتاب تجديد الفكر العربي ص 123).
ـ ومن هؤلاء أحمد أمين صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام، فهو يتباكى على موت المعتزلة في التاريخ القديم وكأن من مصلحة الإسلام بقاؤهم، ويقول في كتابه: ضحى الإسلام: " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة " (ج3 ص207).
ـ ومن المعاصرين الأحياء الذين يسيرون في ركب الدعوة الإسلامية من ينادي بالمنهج العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة مثل الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور.. والدكتور حسن الترابي في دعوته إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول: " إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد عقلي كبير، وللعقل سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهادًا في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضًا " (انظر كتاب المعتزلة بين القديم والحديث ص 138).
ـ وهناك كتاب كثيرون معاصرون، ومفكرون إسلاميون يسيرون على المنهج نفسه ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد وتطويره، وتقييم الأحكام الشرعية، وحتى الحوادث التاريخية.. ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة ـ صاحب النصيب الأكبر في إحياء تراث المعتزلة والدفاع عنه ـ وخالد محمد خالد و محمد سليم العوا، وغيرهم. ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة وبدوافع ذاتية وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه ـ اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي بدلًا من ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من الشريعة إلا رسمها ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب إتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة.
ويتضح مما سبق:
أن حركة المعتزلة كانت نتيجة لتفاعل بعض المفكرين المسلمين في العصور الإسلامية مع الفلسفات السائدة في المجتمعات التي اتصل بها المسلمون. وكانت هذه الحركة نوع من ردة الفعل التي حاولت أن تعرض الإسلام وتصوغ مقولاته العقائدية والفكرية بنفس الأفكار والمناهج الوافدة وذلك دفاعًا ع الإسلام ضد ملاحدة تلك الحضارات بالأسلوب الذي يفهمونه. ولكن هذا التوجه قاد إلى مخالفات كثيرة وتجاوزات مرفوضة كما فعل المعتزلة في إنكار الصفات الإلهية تنزيهًا لله سبحانه عن مشابهة المخلوقين.
ومن الواضح أيضًا أن أتباع المعتزلة الجدد وقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، وذلك أن ما يعرضون الآن من اجتهادات إنما الهدف منها أن يظهر الإسلام بالمظهر المقبول عند أتباع الحضارة الغربية والدفاع عن نظامه العام قولًا بأنه إنْ لم يكن أحسن من معطيات الحضارة الغربية فهو ليس بأقل منها.
ولذا فلا بد أن يتعلم الخلف من أخطاء سلفهم ويعلموا أن عزة الإسلام وظهوره على الدين كله هي في تميز منهجه وتفرد شريعته واعتباره المرجع الذي تقاس عليه الفلسفات والحضارات في الإطار الذي يمثله الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في شمولهما وكمالهما.
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
3-معجم البلدان (بخارى)
بُخَارى:بالضم: من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلّها، يعبر إليها من آمل الشّطّ، وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك السامانية، قال بطليموس في كتاب الملحمة: طولها سبع وثمانون درجة، وعرضها إحدى وأربعون درجة، وهي في الإقليم الخامس، طالعها الأسد تحت عشر درج منه، لها قلب الأسد كامل تحت إحدى وعشرين درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت العاقبة مثلها من الميزان، ولها شركة في العيّوق ثلاث درج، ولها في الدّب الأكبر سبع درج، وقال أبو عون في زيجه: عرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي في الإقليم الرابع. وأما اشتقاقها وسبب تسميتها بهذا الاسم فإني تطلّبته فلم أظفر به، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدتها عهدي بفواكهها تحمل إلى مرو، وبينهما اثنتا عشرة مرحلة، وإلى خوارزم، وبينهما أكثر من خمسة عشر يوما، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام أو سبعة وثلاثون فرسخا، بينهما بلاد الصغد، وقال صاحب كتاب الصّور: وأما نزهة بلاد ما وراء النهر فإني لم أر ولا بلغني في الإسلام بلدا أحسن خارجا من بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلّا على خضرة متصلة خضرتها بخضرة السماء فكأنّ السماء بها مكبّة خضراء مكبوبة على بساط أخضر تلوح القصور فيما بينها كالنّواوير فيها، وأراضي ضياعهم منعوتة بالاستواء كالمرآة.
وليس بما وراء النهر وخراسان بلدة أهلها أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم من أهل بخارى ولا أكثر عددا على قدرها في المساحة، وذلك مخصوص بهذه البلدة لأن متنزهات الدنيا صغد سمرقند ونهر الأبلّة، وسنصف الصغد في موضعه إن شاء الله تعالى. قال:
فأما بخارى واسمها بومجكث، فهي مدينة على أرض مستوية وبناؤها خشب مشبّك ويحيط بهذا البناء من القصور والبساتين والمحالّ والسكك المفترشة والقرى المتصلة سور يكون اثني عشر فرسخا في مثلها يجمع هذه القصور والأبنية والقرى والقصبة، فلا ترى في خلال ذلك قفارا ولا خرابا، ومن دون هذا السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمساكن والمحالّ والبساتين التي تعدّ من القصبة، ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفا، سور آخر نحو فرسخ في مثله، ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين، ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقداره مدينة صغيرة، وفيه قلعة بها مسكن ولاة خراسان من آل سامان، ولها ربض ومسجد الجامع على باب القهندز، وليس بخراسان وما وراء النهر مدينة أشد اشتباكا من بخارى ولا أكثر أهلا على قدرها، ولهم في الربض نهر الصغد يشقّ الربض، وهو آخر نهر الصغد، فيفضي إلى طواحين وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء بحذاء بيكند إلى قرب فربر يعرف بسام خاس، ويتخلّلها أنهار أخر، وداخل هذا السور مدن وقرى كثيرة، منها الطواويس، وهي مدينة بومجكث وزندنة وغير ذلك.
أخبرنا الشريف أبو هشام عبد المطلب حدثنا الإمام
العدل أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الحكمي حدثنا أبو اليسر إملاء حدثنا أبو يعقوب يوسف بن منصور السياري الحافظ إملاء وذكر إسنادا رفعه إلى حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ستفتح مدينة بخراسان خلف نهر يقال له جيحون تسمّى ب
لوددت أن أوافق ذلك الزمان فكان أحبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الرسول أو المسجد الحرام. وكانت معاملة أهل بخارى في أيام السامانية بالدراهم ولا يتعاملون بالدنانير فيما بينهم، فكان الذهب كالسّلع والعروض، وكان لهم دراهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة، وقد ركبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها، وكانت سكتها تصاوير، وهي من ضرب الإسلام، وكانت لهم دراهم أخر تسمّى المسيّبية والمحمدية جميعها من ضرب الإسلام. ومع ما وصفنا من فضل هذه المدينة فقد ذمّها الشعراء ووصفوها بالقذارة وظهور النّجس في أزقتها لأنهم لا كنف لهم، فقال لهم أبو الطيّب طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر الطاهري:
«بخارى من خرا لا شكّ فيه، *** يعزّ بربعها الشيء النظيف»
«فإن قلت الأمير بها مقيم، *** فذا من فخر مفتخر ضعيف»
«إذا كان الأمير خرا فقل لي! *** أليس الخرء موضعه الكنيف؟»
وقال آخر:
«أقمنا في بخارى كارهينا، *** ونخرج إن خرجنا طائعينا»
«فأخرجنا إله الناس منها، *** فإن عدنا فإنا ظالمونا»
وقال محمود بن داود البخاري وقد تلوّث بالسّرجين:
«باء بخارى، فاعلمن، زائده *** والألف الوسطى بلا فائده»
«فهي خرا محض، وسكانها *** كالطير في أقفاصها راكده»
وقال أيضا:
«ما بلدة مبنية من خرا، *** وأهلها في وسطها دود»
«تلك بخارى من بخار الخرا، *** يضيع فيها النّدّ والعود»
وقال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب:
«فقحة الدّنيا بخارى، *** ولنا فيها اقتحام»
«ليتها تفسو بنا الآ *** ن، فقد طال المقام»
وأما حديث فتحها: فإنه لما مات زياد ابن أبيه، في سنة ثلاث وخمسين، في أيام معاوية فوفد عبيد الله بن زياد على معاوية، فقال له معاوية: من استخلف أخي
على عمله؟ فقال: استخلف خالد بن أسيد على الكوفة وسمرة بن جندب على البصرة، فقال له معاوية:
لو استعملك أبوك لاستعملتك، فقال له: أنشدك الله أن لا يقولها أحد بعدك، لو ولّاك أبوك أو عمّك لولّيتك، فعهد إليه وولّاه ثغر خراسان، وقيل: إن الذي ولي خراسان بعد موت زياد من ولده عبد الرحمن، قال البلاذري:
لما مات زياد استعمل معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا، وكان ملك بخارى قد أفضى يومئذ إلى امرأة يسمّونها خاتون، فأتى عبيد الله بيكند، وكانت خاتون بمدينة بخارى فأرسلت إلى التّرك تستمدّهم، فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم، وأقبل المسلمون يخرّبون ويحرقون فبعثت إليهم خاتون تطلب منهم الصلح والأمان، فصالحها على ألف ألف ودخل المدينة وفتح زامين وبيكند، وبينهما فرسخان، وزامين تنسب إلى بيكند ويقال: إنه فتح الصغانيان وعاد إلى البصرة في ألفين من سبي بخارى كلّهم جيّد الرمي بالنّشّاب ففرض لهم العطاء، ثم استعمل معاوية على خراسان سعيد بن عثمان بن عفّان سنة 55، فقطع النهر، وقيل: إنه أول من قطعه بجنده، وكان معه رفيع أبو العالية الرياحي، وهو مولّى لامرأة من بني رياح، فقال رفيع وأبو العالية رفعة وعلوّ، فلما بلغ خاتون عبوره حملت إليه الصلح، وأقبل أهل الصغد والترك وأهل كشّ ونسف إلى سعيد في مائة ألف وعشرين ألف فالتقوا ببخارى فندمت خاتون على أدائها الإتاوة ونقضت العهد، فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرّهن وأعادت الصلح، ودخل سعيد مدينة بخارى ثم غزا سمرقند كما نذكره في سمرقند. ثم لم يبلغني من خبرها شيء إلى سنة 87 في ولاية قتيبة بن مسلم خراسان، فإنه عبر النهر إلى بخارى فحاصرها فاجتمعت الصغد وفرغانة والشاش وبخارى فأحدقوا به أربعة أشهر ثم هزمهم وقتلهم قتلا ذريعا وسبى منهم خمسين ألف رأس، وفتحها فأصاب بها قدورا يصعد إليها بالسلاليم، ثم مضى منها إلى سمرقند، وهي غزوته الأولى، وصفت بخارى للمسلمين، وينسب إلى بخارى خلق كثير من أئمة المسلمين في فنون شتّى، منهم: إمام أهل الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه، وبردزبه مجوسيّ أسلم على يد يمان البخاري والي بخارى، ويمان هذا هو أبو جدّ عبد الله بن محمد المسندي الجعفي، ولذلك قيل للبخاري: الجعفي نسبة إلى ولائهم، صاحب الجامع الصحيح والتاريخ، رحل في طلب العلم إلى محدّثي الأمصار وكتب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر، ومولده سنة 194، ومات ليلة عيد الفطر سنة 256، وامتحن وتعصّب عليه حتى أخرج من بخارى إلى خرتنك فمات بها، ومنهم: أبو زكرياء عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق بن عمرو بن مزاحم بن غياث التميمي البخاري الحافظ، سمع بما وراء النهر والعراق والشام ومصر وإفريقية والأندلس، ثم سكن مصر وحدث عن عبد الغني بن سعيد الحافظ وتمام بن محمد الرازي وعمن يطول ذكرهم، وحكى عنه الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي أنه قال: لي ببخارى أربعة عشر ألف جزء أريد أن أمضي وأجيء بها، وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخطّاب: سمع أبو
زكرياء البخاري ببخارى محمد بن أحمد بن سليمان الغنجار البخاري وأبا الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي وذكر جماعة بعدّة بلاد وقال:
سمع عبد الغني بن سعيد بمصر ودخل الأندلس وبلاد المغرب وكتب بها عن شيوخها ولم يزل يكتب إلى أن مات، وكتب عمن هو دونه، وفي مشايخه كثرة، وكان من الحفاظ الأثبات، عندي عنه مشتبه النسبة لعبد الغني، وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: قال عبد الرحيم أبو زكرياء البخاري: حدث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب مشتبه النسبة قراءة عليه وأنا أسمع، قال ابن طاهر: وفي هذا نظر، فإني سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ يقول: لم يرو هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشّاب، قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي:
وفي قول الزنجاني هذا نظر فإنه شهادة على نفي وقد وجدنا ما يبطلها، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضا أبو الحسن رشاء بن نظيف المقري، وكان من الثقات، وأبو زكرياء عبد الرحيم ثقة ما سمعنا أن أحدا تكلم فيه، وذكر أبو محمد الأكفاني أن أبا زكرياء البخاري مات بالحوراء سنة 461، وقال غيره: سئل عن مولده فقال في شهر ربيع الأول سنة 382، ومنهم: أبو علي الحسين بن عبد الله ابن سينا الحكيم البخاري المشهور أمره المقدور قدره صاحب التصانيف، تقلبت به أحوال أقدمته إلى الجبال فولي الوزارة لشمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب همذان، وجرت له أمور وتقلبت به نكبات حتى مات في يوم السبت سادس شعبان سنة 428 عن ثمان وخمسين سنة، وأما الفقيه أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن حمدون بن بخار البخاري وأبوه أبو بكر من أهل نيسابور فمنسوبان إلى جدهما، وأما أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي البخاري فإنه كان يحرق البخور في جامع المنصور احتسابا، فجعل أهل بغداد البخوريّ بخاريّا وعرف بيته في بغداد ببيت ابن البخاري، قالهما أبو سعد.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
4-معجم البلدان (الموصل)
المَوْصِلُ:بالفتح، وكسر الصاد: المدينة المشهورة العظيمة إحدى قواعد بلاد الإسلام قليلة النظير كبرا وعظما وكثرة خلق وسعة رقعة فهي محطّ رحال الركبان ومنها يقصد إلى جميع البلدان فهي باب العراق ومفتاح خراسان ومنها يقصد إلى أذربيجان، وكثيرا ما سمعت أن بلاد الدنيا العظام ثلاثة:
نيسابور لأنها باب الشرق، ودمشق لأنها باب الغرب، والموصل لأن القاصد إلى الجهتين قلّ ما لا يمر بها، قالوا: وسميت الموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل وصلت بين دجلة والفرات، وقيل لأنها وصلت بين بلد سنجار والحديثة، وقيل بل الملك الذي أحدثها كان يسمّى الموصل، وهي مدينة قديمة الأسّ على طرف دجلة ومقابلها من الجانب الشرقي نينوى، وفي وسط مدينة الموصل قبر جرجيس النبي، وقال أهل السير: إن أول من استحدث الموصل راوند بين بيوراسف الازدهاق، وقال حمزة:
كان اسم الموصل في أيام الفرس نوأردشير، بالنون أو الباء، ثم كان أول من عظّمها وألحقها بالأمصار العظام وجعل لها ديوانا برأسه ونصب عليها جسرا ونصب طرقاتها وبنى عليها سورا مروان بن محمد بن مروان ابن الحكم آخر ملوك بني أميّة المعروف بمروان الحمار والجعدي، وكان لها ولاية ورساتيق وخراج مبلغه أربعة آلاف ألف درهم والآن فقد عمرت وتضاعف خراجها وكثر دخلها، قالت القدماء: ومن أعمال الموصل الطبرهان والسنّ والحديثة والمرج وجهينة والمحلبية ونينوى وبارطلّى وباهذرا وباعذرا وحبتون وكرمليس والمعلّة ورامين
وبا جرمى ودقوقا وخانيجار. والموصلان: الجزيرة والموصل كما قيل البصرتان والمروان، قال الشاعر:
«وبصرة الأزد منّا والعراق لنا *** والموصلان، ومنّا الحلّ والحرم»
وكثيرا ما وجدت العلماء يذكرون في كتبهم أن الغريب إذا أقام في بلد الموصل سنة تبيّن في بدنه فضل قوة، وإن أقام ببغداد سنة تبيّن في عقله زيادة، وإن أقام بالأهواز سنة تبين في بدنه وعقله نقص، وإن أقام بالنّبّت سنة دام سروره واتصل فرحه، وما نعلم لذلك سببا إلا صحة هواء الموصل وعذوبة مائها ورداءة نسيم الأهواز وتكدر جوه وطيبة هواء بغداد ورقته ولطفه، فأما التّبّت فقد خفي علينا سببه، وليس للموصل عيب إلا قلة بساتينها وعدم جريان الماء في رساتيقها وشدة حرها في الصيف وعظم بردها في الشتاء، فأما أبنيتهم فهي حسنة جيدة وثيقة بهية المنظر لأنها تبنى بالنورة والرخام، ودورهم كلها آزاج وسراديب مبنية ولا يكادون يستعملون الخشب في سقوفهم البتة، وقلّ ما عدم شيء من الخيرات في بلد من البلدان إلا ووجد فيها، وسورها يشتمل على جامعين تقام فيهما الجمعة أحدهما بناه نور الدين محمود وهو في وسط السوق وهو طريق للذاهب والجائي مليح كبير، والآخر على نشز من الأرض في صقع من أصقاعها قديم وهو الذي استحدثه مروان بن محمد فيما أحسب، وقد ظلم أهل الموصل بتخصيصهم بالنسبة إلى اللواط حتى ضربوا بهم الأمثال، قال بعضهم:
«كتب العذار على صحيفة خدّه *** سطرا يلوح لناظر المتأمل»
«بالغت في استخراجه فوجدته: *** لا رأي إلا رأي أهل الموصل»
ولقد جئت البلاد ما بين جيحون والنيل فقلّ ما رأيته يخرج عن هذا المذهب فلا أدري لم خصّ به أهل الموصل، وقال السريّ بن أحمد الرفاء الشاعر الموصلي يتشوّقها:
«سقّى ربى الموصل الفيحاء من بلد *** جود من المزن يحكي جود أهليها»
«أأندب العيش فيها أم أنوح على *** أيامها أم اعزّي في لياليها؟»
«أرض يحنّ إليها من يفارقها، *** ويحمد العيش فيها من يدانيها»
قال بطليموس: مدينة الموصل طولها تسع وستون درجة، وعرضها أربع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، طالعها بيت حياتها عشرون درجة من الجدي تحت اثنتي عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، بيت عاقبتها مثلها من الميزان في الإقليم الرابع، ومن بغداد إلى الموصل أربعة وسبعون فرسخا، وأما من ينسب إلى الموصل من أهل العلم فأكثر من أن يحصوا ولكن نذكر من أعيانهم وحفّاظهم ومشهورهم ما ربما احتيج إلى كثير من الوقت عند الكشف عنهم، منهم: عبد العزيز بن حيان بن جابر بن حريث أبو القاسم الأزدي الموصلي، سمع الكثير ورحل فسمع بدمشق من هشام بن عمار ودحيم بن إبراهيم، وبحمص من محمد بن مصفّى، وبعسقلان الحسن بن أبي السري العسقلاني، وبمصر محمد بن رمح، وحدث عنهم وعن العباس بن سليم وأبان بن سفيان وإسحاق بن عبد الواحد ومحمد بن علي بن خداش وغسّان بن الربيع ومحمد بن عبد الله بن منير وأبي بكر بن أبي شيبة الكوفيين وأبي جعفر عبد الله بن محمد البقيلي وأحمد ابن عبد الملك وافد الحرّانيين، روى عنه ابناه أبو
جابر زيد وإبراهيم أبو عوانة الأسفرايينيّان، وقال أبو زكرياء يزيد بن محمد بن إياس الأزدي في كتاب طبقات محدّثي أهل الموصل: عبد العزيز بن حيان بن جابر بن حريث المعولي، ومعولة من الأزد، كان فيه فضل وصلاح، وطلب الحديث ورحل فيه وأكثر الكتابة، سمع من المواصلة والكوفيين والحرّانيين والجزريين وغيرهم وكتب بالشام وصنف حديثه وحدث الناس عنه دهرا طويلا، وتوفي سنة 261، وأبو يعلى أحمد بن علي بن المثنّى بن يحيى بن عيسى ابن هلال التميمي الموصلي الحافظ.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
5-موسوعة الفقه الكويتية (ضمان 1)
ضَمَانٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- يُطْلَقُ الضَّمَانُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعَانٍ:
أ- مِنْهَا الِالْتِزَامُ، تَقُولُ: ضَمِنْتُ الْمَالَ، إِذَا الْتَزَمْتَهُ، وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ، فَتَقُولُ: ضَمَّنْتُهُ الْمَالَ، إِذَا أَلْزَمْتَهُ إِيَّاهُ.
ب- وَمِنْهَا: الْكَفَالَةُ، تَقُولُ: ضَمَّنْتُهُ الشَّيْءَ ضَمَانًا، فَهُوَ ضَامِنٌ وَضَمِينٌ، إِذَا كَفَلَهُ.
ج- وَمِنْهَا التَّغْرِيمُ، تَقُولُ: ضَمَّنْتُهُ الشَّيْءَ تَضْمِينًا، إِذَا غَرَّمْتَهُ، فَالْتَزَمَهُ
أَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَيُطْلَقُ عَلَى الْمَعَانِي التَّالِيَةِ:
أ- يُطْلَقُ عَلَى كَفَالَةِ النَّفْسِ وَكَفَالَةِ الْمَالِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَنْوَنُوا لِلْكَفَالَةِ بِالضَّمَانِ.
ب- وَيُطْلَقُ عَلَى غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْغُصُوبِ وَالتَّعْيِيبَاتِ وَالتَّغْيِيرَاتِ الطَّارِئَةِ.
ج- كَمَا يُطْلَقُ عَلَى ضَمَانِ الْمَالِ، وَالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ وَبِغَيْرِ عَقْدٍ.
د- كَمَا يُطْلَقُ عَلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ، بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ بِحَقٍّ عَلَى الْعُمُومِ.
هـ- كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَجِبُ بِإِلْزَامِ الشَّارِعِ، بِسَبَبِ الِاعْتِدَاءَاتِ: كَالدِّيَاتِ ضَمَانًا لِلْأَنْفُسِ، وَالْأُرُوشِ ضَمَانًا لِمَا دُونَهَا، وَكَضَمَانِ قِيمَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ.
وَقَدْ وُضِعَتْ لَهُ تَعَارِيفُ شَتَّى، تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ تَتَنَاوَلُ بَعْضَهَا، مِنْهَا:
أ- أَنَّهُ (عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ، إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيمِيًّا).
ب- وَأَنَّهُ (عِبَارَةٌ عَنْ غَرَامَةِ التَّالِفِ).
ج- وَبِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْكَفَالَةِ- كَمَا يَقُولُ الْقَلْيُوبِيُّ-: إِنَّهُ الْتِزَامُ دَيْنٍ أَوْ إِحْضَارُ عَيْنٍ أَوْ بَدَنٍ.
د- وَفِي مَجَلَّةِ الْأَحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ أَنَّهُ إِعْطَاءُ مِثْلِ الشَّيْءِ إِنْ كَانَ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ.
هـ- وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: (شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ).
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الِالْتِزَامُ:
2- الِالْتِزَامُ فِي اللُّغَةِ.الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْفِقْهِيِّ: إِلْزَامُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهَا.
ب- الْعَقْدُ:
3- الْعَقْدُ: ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ، بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي الْمَجَلَّةِ ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ يَثْبُتُ أَثَرُهُ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا قُلْتَ: زَوَّجْتُ، وَقَالَ: قَبِلْتُ، وُجِدَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ، وَهُوَ النِّكَاحُ، يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ: مِلْكُ الْمُتْعَةِ.
ج- الْعُهْدَةُ:
4- الْعُهْدَةُ فِي اللُّغَةِ: وَثِيقَةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، لِأَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَيْهَا عِنْدَ الِالْتِبَاسِ.وَهِيَ كِتَابُ الشِّرَاءِ، أَوْ هِيَ الدَّرَكُ أَيْ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إِنِ اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ وُجِدَ فِيهِ عَيْبٌ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ تُطْلَقُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ: الْوَثِيقَةِ وَالدَّرَكِ.
وَعَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا: تَعَلُّقُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ بِالْبَائِعِ أَيْ كَوْنُ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ، مِمَّا يُصِيبُهُ فِي مُدَّةٍ خَاصَّةٍ.
وَالضَّمَانُ أَعَمُّ، وَالْعُهْدَةُ أَخَصُّ.
د- التَّصَرُّفُ:
5- التَّصَرُّفُ هُوَ التَّقْلِيبُ، تَقُولُ: صَرَّفْتُهُ فِي الْأَمْرِ تَصْرِيفًا فَتَصَرَّفَ، أَيْ قَلَّبْتُهُ فَتَقَلَّبَ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّهُ مَا يَصْدُرُ مِنَ الشَّخْصِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَيُرَتِّبُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ حُكْمًا، كَالْعَقْدِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْإِتْلَافِ.
(ر: تَصَرُّفٌ ف 1) وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنَ الضَّمَانِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الضَّمَانِ:
6- شُرِعَ الضَّمَانُ، حِفْظًا لِلْحُقُوقِ، وَرِعَايَةً لِلْعُهُودِ، وَجَبْرًا لِلْأَضْرَارِ، وَزَجْرًا لِلْجُنَاةِ، وَحَدًّا لِلِاعْتِدَاءِ، فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ- فِيمَا يَتَّصِلُ بِمَعْنَى الْكَفَالَةِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أَيْ كَفِيلٌ ضَامِنٌ، فَقَدْ ضَمِنَ يُوسُفُ- عليه السلام- لِمَنْ جَاءَ بِصُوَاعِ الْمَلِكِ- وَهُوَ إِنَاؤُهُ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ بِهِ- قَدْرَ مَا يَحْمِلُهُ الْبَعِيرُ مِنَ الطَّعَامِ.
ب- وَفِيمَا يَتَّصِلُ بِالْإِتْلَافَاتِ الْمَالِيَّةِ وَنَحْوِهَا، بِحَدِيثِ: أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «أَهْدَتْ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- طَعَامًا فِي قَصْعَةٍ، فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَأَلْقَتْ مَا فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: طَعَامٌ بِطَعَامٍ، وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ».
ج- وَفِيمَا يَتَّصِلُ بِضَمَانِ وَضْعِ الْيَدِ: حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ» أَيْ ضَمَانَهُ.
د- وَفِيمَا يَتَّصِلُ بِالْجِنَايَاتِ- بِوَجْهٍ عَامٍّ وَنَحْوِهَا قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}.
هـ- وَفِيمَا يَتَّصِلُ بِجِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ: حَدِيثُ «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ مَا أَصَابَتِ الْمَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ فَهُوَ عَلَى أَهْلِهَا».
وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ».
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ مَصُونَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحَظْرُ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ الْمُسْلِمِ وَلَا يَحِلُّ مَالُهُ إِلاَّ بِحَقٍّ.
مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الضَّمَانُ:
7- لَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إِلاَّ إِذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ: التَّعَدِّي، وَالضَّرَرُ، وَالْإِفْضَاءُ.
أَوَّلًا: التَّعَدِّي:
8- التَّعَدِّي فِي اللُّغَةِ، التَّجَاوُزُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ: مُجَاوَزَةُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ عَادَةً.وَضَابِطُ التَّعَدِّي هُوَ: مُخَالَفَةُ مَا حَدَّهُ الشَّرْعُ أَوِ الْعُرْفُ.
وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ (أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا، وَلَا ضَابِطَ لَهُ فِيهِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ).
وَذَلِكَ مِثْلُ: الْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْإِحْيَاءِ فِي الْمَوَاتِ، وَالِاسْتِيلَاءِ فِي الْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ التَّعَدِّي فِي الضَّمَانِ، فَإِذَا كَانَ التَّعَدِّي مُجَاوَزَةَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ، رَجَعَ فِي ضَابِطِهِ إِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِيمَا يَعُدُّونَهُ مُجَاوَزَةً وَتَعَدِّيًا، سَوَاءٌ أَكَانَ عُرْفًا عَامًّا أَمْ خَاصًّا.
وَيَشْمَلُ التَّعَدِّي: الْمُجَاوَزَةَ وَالتَّقْصِيرَ، وَالْإِهْمَالَ، وَقِلَّةَ الِاحْتِرَازِ، كَمَا يَشْتَمِلُ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ.
ثَانِيًا: الضَّرَرُ:
9- الضَّرَرُ فِي اللُّغَةِ: نَقْصٌ يَدْخُلُ عَلَى الْأَعْيَانِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: إِلْحَاقُ مَفْسَدَةٍ بِالْغَيْرِ وَهَذَا يَشْمَلُ الْإِتْلَافَ وَالْإِفْسَادَ وَغَيْرَهُمَا.
وَالضَّرَرُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ، كَرُجُوعِ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا، بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْضِ الْمُدَّعِي الْمَالَ، فَلَا يُفْسَخُ الْحُكْمُ، وَيَضْمَنَانِ مَا أَتْلَفَاهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ دَيْنًا أَمْ عَيْنًا.
وَقَدْ يَنْشَأُ الضَّرَرُ عَنِ الْفِعْلِ كَتَمْزِيقِ الثِّيَابِ، وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَحَرْقِ الْحَصَائِدِ.
وَالضَّرَرُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّرْكِ، وَمِثَالُهُ: امْرَأَةٌ تُصْرَعُ أَحْيَانًا فَتَحْتَاجُ إِلَى حِفْظِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا الزَّوْجُ حَتَّى أَلْقَتْ نَفْسَهَا فِي النَّارِ عِنْدَ الصَّرْعِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا.
وَدَابَّةٌ غُصِبَتْ فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا، فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ فِيهِ فِعْلًا.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَرَر).
ثَالِثًا: الْإِفْضَاءُ:
10- مِنْ مَعَانِي الْإِفْضَاءِ فِي اللُّغَةِ: الْوُصُولُ يُقَالُ: أَفْضَيْتُ إِلَى الشَّيْءِ: وَصَلْتُ إِلَيْهِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَيُشْتَرَطُ لِاعْتِبَارِ الْإِفْضَاءِ فِي الضَّمَانِ مَا يَلِي:
أَنْ لَا يُوجَدَ لِلضَّرَرِ أَوِ الْإِتْلَافِ سَبَبٌ آخَرُ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ مُبَاشَرَةً أَمْ تَسْبِيبًا.
وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَ السَّبَبِ وَبَيْنَ الضَّرَرِ، فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَإِلاَّ أُضِيفَ الضَّمَانُ إِلَيْهِ، لَا إِلَى السَّبَبِ، وَذَلِكَ لِمُبَاشَرَتِهِ.
تَعَدُّدُ مُحْدِثِي الضَّرَرِ:
إِذَا اعْتَدَى جَمْعٌ مِنَ الْأَشْخَاصِ، وَأَحْدَثُوا ضَرَرًا: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِدَاؤُهُمْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ يَكُونُوا جَمِيعًا مُتَسَبِّبِينَ أَوْ مُبَاشِرِينَ، وَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مُبَاشِرًا، وَالْآخَرُ مُتَسَبِّبًا، فَهَاتَانِ حَالَانِ:
الْحَالُ الْأُولَى:
11- أَنْ يَكُونُوا جَمِيعًا مُبَاشِرِينَ أَوْ مُتَسَبِّبِينَ: فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ عَمَلُهُمْ فِي النَّوْعِ، أَوْ يَخْتَلِفَ.
أ- فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى، أَيْ إِذَا كَانُوا جَمِيعًا مُبَاشِرِينَ أَوْ مُتَسَبِّبِينَ وَاتَّحَدَ عَمَلُهُمْ نَوْعًا، كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ جَمَاعَةٌ إِطْلَاقَ النَّارِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ تُعْلَمْ إِصَابَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، يُقْتَصُّ مِنْهُمْ جَمِيعًا، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ- رضي الله عنه- لَوِ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ، لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا.
ب- وَإِذَا كَانُوا جَمِيعًا مُبَاشِرِينَ أَوْ مُتَسَبِّبِينَ، وَاتَّحَدَ عَمَلُهُمْ نَوْعًا، لَكِنِ اخْتَلَفَ عَمَلُهُمْ قُوَّةً وَضَعْفًا، كَمَا لَوْ حَفَرَ شَخْصٌ حُفْرَةً فِي الطَّرِيقِ، وَجَاءَ آخَرُ فَوَسَّعَ رَأْسَهَا، أَوْ حَفَرَ الْأَوَّلُ حُفْرَةً وَعَمَّقَ الْآخَرُ أَسْفَلَهَا، فَتَرَدَّى فِي الْحُفْرَةِ حَيَوَانٌ أَوْ إِنْسَانٌ، فَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الِاعْتِدَادُ بِالسَّبَبِ الْقَوِيِّ، لِأَنَّهُ كَالْعِلَّةِ، عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا مَعَ السَّبَبِ، وَهَذَا رَأْيُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْهُمْ.
وَالِاسْتِحْسَانُ عِنْدَهُمْ، هُوَ الِاعْتِدَادُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى الضَّرَرِ جَمِيعًا، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَتَوْزِيعُ الضَّمَانِ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَيَجِبُ الضَّمَانُ أَثْلَاثًا، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَآخَرِينَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَاعْتَبَرُوا الِاشْتِرَاكَ وَرُبَّمَا رَجَّحَ بَعْضُهُمُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ.كَحَافِرِ الْحُفْرَةِ وَنَاصِبِ السِّكِّينِ فِيهَا.
الْحَالُ الثَّانِيَةُ:
12- أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَدُونَ مُخْتَلِفِينَ، بَعْضُهُمْ مُبَاشِرٌ، وَبَعْضُهُمْ مُتَسَبِّبٌ:
وَالْأَصْلُ- عِنْدَئِذٍ- تَقْدِيمُ الْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ فِي التَّضْمِينِ وَذَلِكَ لِلْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ: (إِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ، يُضَافُ الْحُكْمُ إِلَى الْمُبَاشِرِ).
وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا يَلِي:
أ- لَوْ حَفَرَ شَخْصٌ حُفْرَةً فِي الطَّرِيقِ، فَأَلْقَى آخَرُ نَفْسَهُ، أَوْ أَلْقَى غَيْرَهُ فِيهَا عَمْدًا، لَا يَضْمَنُ الْحَافِرُ، بَلِ الْمُلْقِي وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ.
ب- لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَالِ إِنْسَانٍ، فَسَرَقَهُ، لَا ضَمَانَ عَلَى الدَّالِّ.
13- وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيمِ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسْبِيبِ صُوَرٌ، يُقَدَّمُ فِيهَا السَّبَبُ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُبَاشِرَةِ، وَذَلِكَ إِذَا تَعَذَّرَتْ إِضَافَةُ الْحُكْمِ إِلَى الْمُبَاشِرِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ- وَهُوَ الضَّمَانُ هُنَا- إِلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ، كَمَا إِذَا دَفَعَ رَجُلٌ إِلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا لِيُمْسِكَهُ لَهُ، فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ، فَجَرَحَهُ، ضَمِنَ الدَّافِعُ، لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ.
تَتَابُعُ الْأَضْرَارِ:
14- إِذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى السَّبَبِ الْوَاحِدِ أَضْرَارٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَالْحُكْمُ أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ الْمُتَسَبِّبَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْأَضْرَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تَسَبُّبِهِ، مَا دَامَ أَثَرُ تَسَبُّبِهِ بَاقِيًا لَمْ يَنْقَطِعْ، فَإِنِ انْقَطَعَ بِتَسَبُّبٍ آخَرَ لَمْ يَضْمَنْ.
فَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
أ- سَقَطَ حَائِطُ إِنْسَانٍ عَلَى حَائِطِ إِنْسَانٍ آخَرَ، وَسَقَطَ الْحَائِطُ الثَّانِي عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ: كَانَ ضَمَانُ الْحَائِطِ الثَّانِيَ وَالْقَتِيلِ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ تَسَبُّبَ حَائِطِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ.
فَإِنْ عَثَرَ إِنْسَانٌ بِأَنْقَاضِ الْحَائِطِ الثَّانِي، فَانْكَسَرَ، لَمْ يَضْمَنِ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ التَّفْرِيغَ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ الثَّانِي إِلاَّ إِذَا عَلِمَ بِسُقُوطِ حَائِطِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْ تُرَابَهُ فِي مُدَّةٍ تَسَعُ النَّقْلَ.
ب- لَوْ أُشْهِدَ عَلَى حَائِطِهِ بِالْمَيْلِ، فَلَمْ يَنْقُضْهُ صَاحِبُهُ حَتَّى سَقَطَ، فَقَتَلَ إِنْسَانًا، وَعَثَرَ بِالْأَنْقَاضِ شَخْصٌ فَعَطِبَ، وَعَطِبَ آخَرُ بِالْقَتِيلِ، كَانَ ضَمَانُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ وَعَطَبُ الثَّانِي عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْحَائِطَ وَأَنْقَاضَهُ مَطْلُوبَانِ مِنْهُ، أَمَّا التَّلَفُ الْحَاصِلُ بِالْقَتِيلِ الْأَوَّلِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ نَقْلَهُ لَيْسَ مَطْلُوبًا مِنْهُ، بَلْ هُوَ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ.
إِثْبَاتُ السَّبَبِيَّةِ:
15- الْأَصْلُ فِي الشَّرِيعَةِ، هُوَ أَنَّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ، أَوْ وَلِيُّهُ إِنْ قُتِلَ، هُوَ الْمُكَلَّفُ بِإِثْبَاتِ الضَّرَرِ، وَإِثْبَاتِ تَعَدِّي مَنْ أُلْحَقَ بِهِ الضَّرَرُ، وَأَنَّ تَعَدِّيَهُ كَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي الضَّرَرِ.
وَذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
وَتَثْبُتُ السَّبَبِيَّةُ بِإِقْرَارِ الْمُعْتَدِي، كَمَا تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ إِذَا أَنْكَرَ وَتَثْبُتُ بِالْقَرَائِنِ، وَبِيَمِينِ الْمُدَّعِي وَشَاهِدٍ- عَلَى الْجُمْلَةِ- وَنَحْوِهَا مِنْ طُرُقِ الْإِثْبَاتِ.
(ر: إِثْبَات).
شُرُوطُ الضَّمَانِ:
16- يُمْكِنُ تَقْسِيمُ شُرُوطِ الضَّمَانِ إِلَى قِسْمَيْنِ: شُرُوطِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ، وَشُرُوطِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ.
أَوَّلًا: شُرُوطُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ:
الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ إِنْ كَانَتْ عَمْدًا وَكَانَ الْجَانِي مُكَلَّفًا يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي غَيْرَ مُكَلَّفٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً وَجَبَتْ فِيهَا الدِّيَةُ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (دِيَات).
ثَانِيًا: شُرُوطُ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ:
تَتَلَخَّصُ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي أَنْ يَكُونَ الِاعْتِدَاءُ، وَاقِعًا عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ، مَمْلُوكٍ، مُحْتَرَمٍ، كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الضَّرَرُ الْحَادِثُ دَائِمًا (فَلَوْ نَبَتَتْ سِنُّ الْحَيَوَانِ لَمْ تُضْمَنِ الْمَكْسُورَةُ)، وَأَنْ يَكُونَ الْمُعْتَدِي مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، فَلَا تَضْمَنُ الْبَهِيمَةُ، وَلَا مَالِكُهَا إِذَا أَتْلَفَتْ مَالَ إِنْسَانٍ وَهِيَ مُسَيَّبَةٌ، لِأَنَّهُ جُبَارٌ.
وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجَانِي عَلَى الْمَالِ مُكَلَّفًا، فَيَضْمَنُ الصَّبِيُّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالٍ عَلَى الْآخَرِينَ، وَلَا عَدَمُ اضْطِرَارِهِ، وَالْمُضْطَرُّ فِي الْمَخْمَصَةِ ضَامِنٌ، لِأَنَّ الِاضْطِرَارَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ.
أَسْبَابُ الضَّمَانِ:
17- مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا يَلِي:
1- الْعَقْدُ، كَالْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالسَّلَمِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ.
2- الْيَدُ، مُؤْتَمَنَةٌ كَانَتْ كَالْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ إِذَا حَصَلَ التَّعَدِّي، أَوْ غَيْرَ مُؤْتَمَنَةٍ كَالْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ فَاسِدًا.
ج- الْإِتْلَافُ، نَفْسًا أَوْ مَالًا.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: الْحَيْلُولَةَ، كَمَا لَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ وَأَبْعَدَهُ، فَلِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، لِلْحَيْلُولَةِ قَطْعًا، فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا.
وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ أَسْبَابَ الضَّمَانِ ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: الْإِتْلَافُ مُبَاشَرَةً، كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ.
وَثَانِيَهَا: التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ، كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ مِمَّا شَأْنُهُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُفْضِيَ غَالِبًا لِلْإِتْلَافِ.
وَثَالِثُهَا: وَضْعُ الْيَدِ غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ، فَيَنْدَرِجُ فِيهَا يَدُ الْغَاصِبِ، وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ.
الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ الْعَقْدِ وَضَمَانِ الْإِتْلَافِ:
18- ضَمَانُ الْعَقْدِ: هُوَ تَعْوِيضُ مَفْسَدَةٍ مَالِيَّةٍ مُقْتَرِنَةٍ بِعَقْدٍ.
وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ: هُوَ تَعْوِيضُ مَفْسَدَةٍ مَالِيَّةٍ لَمْ تَقْتَرِنْ بِعَقْدٍ.
وَبَيْنَهُمَا فُرُوقٌ تَبْدُو فِيمَا يَلِي:
أ- مِنْ حَيْثُ الْأَهْلِيَّةُ، فَفِي الْعُقُودِ: الْأَهْلِيَّةُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ (وَالْأَهْلِيَّةُ- هُنَا- هِيَ: أَهْلِيَّةُ أَدَاءً، وَهِيَ: صَلَاحِيَةُ الشَّخْصِ لِمُمَارَسَةِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ اعْتِبَارُهَا عَلَى الْعَقْلِ) لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالْإِدْرَاكِ وَالْعَقْلِ، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا.
أَمَّا الْإِتْلَافَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالْغَرَامَاتُ وَالْمُؤَنُ وَالصِّلَاتُ الَّتِي تُشْبِهُ الْمُؤَنَ، فَالْأَهْلِيَّةُ الْمُجْتَزَأُ بِهَا هِيَ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَهِيَ صَلَاحِيَتُهُ لِثُبُوتِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ، فَحُكْمُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فِيهَا كَحُكْمِ الْكَبِيرِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْوُجُوبِ- وَهُوَ الضَّمَانُ وَنَحْوُهُ- لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حَيٌّ عَنْ آخَرَ، وَأَدَاءُ الصَّغِيرِ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ.
ب- مِنْ حَيْثُ التَّعْوِيضُ، فَفِي ضَمَانِ الْعَقْدِ، لَا يَقُومُ التَّعْوِيضُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ وَيَكُونُ التَّعْوِيضُ بِنَاءً عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ.
أَمَّا الْإِتْلَافَاتُ الْمَالِيَّةُ فَإِنَّ التَّعْوِيضَ فِيهَا يَقُومُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، إِذِ الْمَقْصُودُ فِيهَا دَفْعُ الضَّرَرِ، وَإِزَالَةُ الْمَفْسَدَةِ، وَالضَّرَرُ مَحْظُورٌ، فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَذَلِكَ بِعُمُومِ النَّصِّ الْكَرِيمِ، وَهُوَ قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}.
ج- مِنْ حَيْثُ الْأَوْصَافُ وَالْعَوَارِضُ الذَّاتِيَّةُ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِهَا فِي الْعُقُودِ وَفِي الْإِتْلَافَاتِ، وَقَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ، وَتُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَصْبَ قَبْضٌ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الْقَبْضُ، أَمَّا الْعَقْدُ فَيَرِدُ عَلَى الْأَعْيَانِ، لَا عَلَى الْأَوْصَافِ، وَالْغَصْبِ (وَكَذَا الْإِتْلَافُ) فِعْلٌ يَحُلُّ بِالذَّاتِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، فَكَانَتْ مَضْمُونَةً.
مَحَلُّ الضَّمَانِ:
19- مَحَلُّ الضَّمَانِ هُوَ: مَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ سَوَاءٌ أَكَانَ الضَّمَانُ نَاشِئًا عَنْ عَقْدٍ، أَمْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ إِتْلَافٍ وَيَدٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَهُوَ كُلُّ مَالٍ أُتْلِفَتْ عَيْنُهُ، أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ عَيْنُهُ، بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ سُلِّطَتِ الْيَدُ عَلَيْهِ وَتُمَلِّكَ.وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: مَحَلُّ الضَّمَانِ هُوَ مَا كَانَ يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ.
وَيُمْكِنُ التَّوَسُّعُ فِي مَحَلِّ الضَّمَانِ، بِحَيْثُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَضْمُونَاتِ، بِأَنْ يُقَسَّمَ الْفِعْلُ الضَّارُّ، بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهِ، إِلَى قِسْمَيْنِ: فِعْلٍ ضَارٍّ وَاقِعٍ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَفِعْلٍ ضَارٍّ وَاقِعٍ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، كَالْحَيَوَانِ وَالْأَشْيَاءِ.
وَقَدِ اعْتَبَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْمَالِ وَالْحَيَوَانِ ضَرْبًا مِنَ الْجِنَايَاتِ، فَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: الْجِنَايَةُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: جِنَايَةٌ عَلَى الْبَهَائِمِ وَالْجَمَادَاتِ وَجِنَايَةٌ عَلَى الْآدَمِيِّ فَهَذِهِ مَحَالُّ الضَّمَانِ، فَالْآدَمِيُّ مَضْمُونٌ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فِي النَّفْسِ، أَوِ الْأَطْرَافِ.
وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَتُقْسَمُ إِلَى: أَعْيَانٍ، وَمَنَافِعَ، وَزَوَائِدَ، وَنَوَاقِصَ، وَأَوْصَافٍ.وَنَبْحَثُهَا فِيمَا يَلِي:
أَوَّلًا: الْأَعْيَانُ:
20- وَهِيَ نَوْعَانِ: أَمَانَاتٌ، وَمَضْمُونَاتٌ.
فَالْأَمَانَاتُ: يَجِبُ تَسْلِيمُهَا بِذَاتِهَا، وَأَدَاؤُهَا فَوْرَ طَلَبِهَا، بِالنَّصِّ، وَهُوَ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وَتُضْمَنُ حَالَ التَّعَدِّي، وَإِلاَّ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا، وَمِنَ التَّعَدِّي الْمَوْتُ عَنْ تَجْهِيلٍ لَهَا، إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ.
وَالْمَضْمُونَاتُ، تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَبِالتَّلَفِ وَلَوْ كَانَ سَمَاوِيًّا.
وَالْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ نَوْعَانِ:
الْأَوَّلُ: الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا، وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ بِهَلَاكِهَا ضَمَانُ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ، كَالْمَغْصُوبِ، وَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، وَالْمَهْرِ فِي يَدِ الزَّوْجِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ- إِذَا كَانَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً- وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، إِذَا كَانَ عَيْنًا.
الثَّانِي: الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا، وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ بِهَلَاكِهَا الثَّمَنُ أَوِ الدَّيْنُ، كَالْمَبِيعِ إِذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، سَقَطَ الثَّمَنُ، وَالرَّهْنِ إِذَا هَلَكَ سَقَطَ الدَّيْنُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِسَبَبِ الْعُدْوَانِ، كَالْمَغْصُوبَاتِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِسَبَبِ قَبْضٍ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ، بَلْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ عَلَى وَجْهِ انْتِقَالِ تَمَلُّكِهِ إِلَيْهِ، بِشِرَاءٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ قَرْضٍ، فَهُوَ ضَامِنٌ- أَيْضًا- سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا، أَمْ كَانَ فَاسِدًا.
وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ عَرَّفُوا الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ، بِأَنَّهَا الَّتِي يَجِبُ ضَمَانُهَا بِالتَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ، سَوَاءٌ أَكَانَ حُصُولُهَا بِيَدِ الضَّامِنِ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ، كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ مَحْظُورٍ كَالْمَغْصُوبِ، وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَنَحْوِهِمَا.
وَعَدَّ السُّيُوطِيُّ الْمَضْمُونَاتِ، وَأَوْصَلَهَا إِلَى سِتَّةَ عَشَرَ، وَبَيَّنَ حُكْمَ كُلٍّ، وَمِنْهَا: الْغَصْبُ، وَالْإِتْلَافُ، وَاللُّقَطَةُ، وَالْقَرْضُ، وَالْعَارِيَّةُ، وَالْمَقْبُوضُ بِسَوْمٍ....
21- وَهَلْ تَشْمَلُ الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ الْعَقَارَاتِ؟
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي، وَذَلِكَ بِغَصْبِهِ، وَغَصْبُهُ مُتَصَوَّرٌ، لِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ: إِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، أَوْ هُوَ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، أَوْ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ- كَمَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ- وَالْفِعْلُ فِي الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِيمَنِ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الْأَرْضِ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ».
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ الْغَصْبَ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ، وَلِهَذَا عَرَّفَهُ فِي الْكَنْزِ بِأَنَّهُ إِزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ، بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْعَقَارِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ وَالتَّحْوِيلَ، فَلَمْ يُوجَدِ الْإِتْلَافُ حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا.
فَلَوْ غَصَبَ دَارًا فَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ، أَوْ جَاءَ سَيْلٌ فَذَهَبَ بِالْبِنَاءِ وَالْأَشْجَارِ، أَوْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ فَبَقِيَتْ تَحْتَ الْمَاءِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ غَصَبَ عَقَارًا، فَجَاءَ آخَرُ فَأَتْلَفَهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ أَوِ الْمُتْلِفِ.
وَقَالُوا: لَوْ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِسُكْنَاهُ، يَضْمَنُهُ، لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ، وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِهِ، كَمَا إِذَا نَقَلَ تُرَابَهُ.
ثَانِيًا: الْمَنَافِعُ:
22- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوَّمَةٌ فِي ذَاتِهَا فَتُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، كَمَا تُضْمَنُ الْأَعْيَانُ، وَذَلِكَ: أ- لِأَنَّهَا الْغَرَضُ الْأَظْهَرُ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ.
ب- وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ، فِي قِصَّةِ مُوسَى وَشُعَيْبٍ- عليهما السلام- مَعَ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَهْرِ فِيهِ مَالًا بِالنَّصِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}.
ج- وَلِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِنَا بِهِ، أَوْ هُوَ- كَمَا يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ- مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْمِلْكُ، وَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَالِكُ، وَالْمَنَافِعُ مِنَّا أَوْ مِنْ غَيْرِنَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ مَالِيَّةُ الشَّيْءِ بِالتَّمَوُّلِ وَالنَّاسُ يَعْتَادُونَ تَمَوُّلَ الْمَنَافِعِ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، فَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ تِجَارَةً الْبَاعَةُ، وَرَأْسُ مَالِهِمُ الْمَنْفَعَةُ.
د- وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ- كَمَا قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ- مُبَاحَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ، فَتُجْبَرُ فِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالصَّحِيحَةِ، وَبِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْأَيْدِي الْمُبْطِلَةِ، وَالتَّفْوِيتِ بِالِانْتِفَاعِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَوَّمَهَا، وَنَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْأَمْوَالِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَبْرِهَا بِالْعُقُودِ وَبَيْنَ جَبْرِهَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْإِتْلَافِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهَا أَمْ عَطَّلَهَا أَمِ اسْتَغَلَّهَا، وَلَا تُضْمَنُ إِلاَّ بِالْعَقْدِ، وَذَلِكَ:
أ- لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوَّمٍ، وَلَا يُمْكِنُ ادِّخَارُهَا لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ، وَلَكِنَّهَا أَعْرَاضٌ كُلَّمَا تَخْرُجُ مِنْ حَيِّزِ الْعَدَمِ إِلَى حَيِّزِ الْوُجُودِ تَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا التَّمَوُّلُ.وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ السَّرَخْسِيُّ: الْمَنَافِعُ لَا تُضْمَنُ بِإِتْلَافٍ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةٍ.
ب- وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إِنَّمَا وَرَدَ تَقْوِيمُهَا فِي الشَّرْعِ- مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ذَاتَ قِيمَةٍ فِي نَفْسِهَا- بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، اسْتِثْنَاءً عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، لِلْحَاجَةِ لِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ.
وَالْمَالِكِيَّةُ يُضَمِّنُونَ الْغَاصِبَ إِذَا غَصَبَ لِغَرَضِ الْمَنْفَعَةِ بِالتَّعَدِّي، كَمَا لَوْ غَصَبَ دَابَّةً أَوْ دَارًا لِلرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى فَقَطْ، فَيَضْمَنُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ يَسِيرًا.
وَلَا يَضْمَنُ الذَّاتَ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَوْ تَلِفَتْ بِسَمَاوِيٍّ.
ثَالِثًا: الزَّوَائِدُ:
23- وَتَتَمَثَّلُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ وَنَمَائِهِ.
أ- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ ضَمَانَ الْغَصْبِ، لِأَنَّهَا مَالُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَقَدْ حَصَلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِالْغَصْبِ، فَيَضْمَنُهَا بِالتَّلَفِ كَالْأَصْلِ الَّذِي تَوَلَّدَتْ مِنْهُ.
ب- وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ- سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسَّمْنِ، أَمْ مُنْفَصِلَةً كَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ، وَثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ، وَصُوفِ الْغَنَمِ- أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، لَا تُضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا، بِالْأَكْلِ أَوِ الْإِتْلَافِ، أَوْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَصْبَ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ، بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الزَّوَائِدِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ الْمَالِكِ.
ج- وَلِلْمَالِكِيَّةِ هَذَا التَّفْصِيلُ:
أَوَّلًا:
مَا كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنَ الْأَصْلِ وَعَلَى خِلْقَتِهِ، كَالْوَلَدِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ مَعَ الْأَصْلِ.
ثَانِيًا:
وَمَا كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنَ الْأَصْلِ، عَلَى غَيْرِ خِلْقَتِهِ مِثْلَ الثَّمَرِ وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ قَائِمًا، وَقِيمَتُهُ تَالِفًا.
ثَالِثًا
وَمَا كَانَ غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ، فَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
1- قِيلَ: يَرُدُّ الزَّوَائِدَ مُطْلَقًا، لِتَعَدِّيهِ، مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
2- وَقِيلَ: لَا يَرُدُّهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ الَّذِي عَلَيْهِ.
3- وَقِيلَ: يَرُدُّ قِيمَةَ مَنَافِعِ الْأُصُولِ وَالْعَقَارِ، لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ فِيهِ، وَلَا يَرُدُّ قِيمَةَ مَنَافِعِ الْحَيَوَانِ وَشَبَهُهُ مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الضَّمَانُ.
4- وَقِيلَ: يَرُدُّهَا إِنِ انْتَفَعَ بِهَا، وَلَا يَرُدُّهَا إِنْ عَطَّلَهَا.
5- وَقِيلَ: يَرُدُّهَا إِنْ غَصَبَ الْمَنَافِعَ خَاصَّةً، وَلَا يَرُدُّهَا إِنْ غَصَبَ الْمَنَافِعَ وَالرِّقَابَ.
رَابِعًا: النَّوَاقِصُ:
24- لَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِ نَقْصِ الْأَمْوَالِ بِسَبَبِ الْغَصْبِ، أَوِ الْفِعْلِ الضَّارِّ، أَوِ الْإِتْلَافِ أَوْ نَحْوِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ النَّقْصُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً أَمْ تَقْصِيرًا، لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ- كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ- ضَمَانُ جَبْرِ الْفَائِتِ، فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْفَوَاتِ.
فَمَنْ نَقَصَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي الْمَذَاهِبِ الْفِقْهِيَّةِ:
أ- مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّقْصَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ- كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْيَسِيرَ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَنْفَعَةِ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ، كَالْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ.
وَالْفَاحِشُ: مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ.
وَقِيلَ الْيَسِيرُ: مَا لَمْ يَبْلُغْ رُبُعَ الْقِيمَةِ، وَالْفَاحِشُ مَا يُسَاوِي رُبُعَ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا، وَبِهَذَا أَخَذَتْ الْمَجَلَّةُ فِي الْمَادَّةِ (900).
فَفِي النُّقْصَانِ الْيَسِيرِ لَيْسَ لِلْمَالِكِ إِلاَّ أَخْذُ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ، لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ.
وَفِي النَّقْصِ الْفَاحِشِ، يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ، وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ النُّقْصَانَ، وَبَيْنَ تَرْكِ الْعَيْنِ لِلْغَاصِبِ وَتَضْمِينِهِ قِيمَةَ الْعَيْنِ.
فَلَوْ ذَبَحَ حَيَوَانًا لِغَيْرِهِ مَأْكُولَ اللَّحْمِ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ، كَانَ ذَلِكَ إِتْلَافًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَنَقْصًا فَاحِشًا، فَيُخَيَّرُ فِيهِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ، ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْجَمِيعَ، لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مُطْلَقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِتْلَافٌ لِجَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ.
وَلَوْ غَصَبَ الْعَقَارَ، فَانْهَدَمَ أَوْ نَقَصَ بِسُكْنَاهُ، ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ بِفِعْلِهِ، وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْإِتْلَافِ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْعَقَارُ، بَعْدَ أَنْ غَصَبَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِلْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَتْ مَالًا، وَلِأَنَّهُ مَنَعَ الْمَالِكَ عَنِ الِانْتِفَاعِ وَلَا يَضْمَنُ عَيْنَهُ.
ب- وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي النَّقْصِ، أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْخَالِقِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْخَالِقِ، فَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا- كَمَا يَقُولُ ابْنُ جِنِّيٍّ- أَوْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ الْغَصْبِ.
وَقِيلَ: إِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَضْمَنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْعَيْبِ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِ وَبِجِنَايَتِهِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ مُخَيَّرٌ:
1- بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَيَتْرُكَهُ لِلْغَاصِبِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَةَ النَّقْصِ، يَوْمَ الْجِنَايَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ يَوْمَ الْغَصْبِ، عِنْدَ سَحْنُونٍ.
2- وَعِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَوَّازِ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ، كَالَّذِي يُصَابُ بِأَمْرٍ مِنَ السَّمَاءِ.
وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي ضَمَانِ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرْسِ فِي الْعَقَارِ، نَذْكُرُهُ فِي أَحْكَامِ الضَّمَانِ الْخَاصَّةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ج- وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مَغْصُوبَةٍ، عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نَقْصِهَا، إِذَا كَانَ نَقْصًا مُسْتَقِرًّا تَنْقُصُ بِهِ الْقِيمَةُ، سَوَاءٌ كَانَ بِاسْتِعْمَالِهِ، أَمْ كَانَ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالِهِ، كَمَرَضِ الْحَيَوَانِ، وَكَثَوْبٍ تَخَرَّقَ، وَإِنَاءٍ تَكَسَّرَ، وَطَعَامٍ سَوَّسَ، وَبِنَاءٍ تَخَرَّبَ، وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا، وَلِلْمَالِكِ عَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُ النَّقْصِ- مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَمَا قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ- لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
6-المغرب في ترتيب المعرب (بيرحى)
(بَيْرَحَى) فَيْعَلَى مِنْهُ وَهِيَ بُسْتَانٌ لِأَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ بِالْمَدِينَةِ مُسْتَقْبِلَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْخُلُهُ وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ طَيِّبٍ وَحِينَ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرَحَى وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [بَخٍ بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ] أَيْ ذُو رِبْحٍ وَرُوِيَ رَائِحٌ أَيْ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ يَرُوحُ خَيْرُهُ وَلَا يَعْزُبُ وَعَنْ شَيْخِنَا- رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ مُحَدِّثِي مَكَّةَ يَرْوُونَهَا بَيْرُحَاءَ وَحَاءٌ اسْمُ رَجُلٍ أُضِيفَ الْبِئْرُ إلَيْهِ قَالَ وَالصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى (وَالتَّبْرِيحُ) الْإِيذَاءُ يُقَالُ (ضَرْبٌ مُبَرِّحٌ) وَالْمُرَادُ بِالتَّبْرِيحِ فِي الْحَدِيثِ قَتْلُ السُّوءِ كَإِلْقَاءِ السَّمَكِ حَيًّا فِي النَّارِ وَإِلْقَاءِ الْقَمْلِ فِيهَا.المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
7-تاج العروس (عمد)
[عمد]: العَمُودُ، كصَبُورٍ، معروف وهو الخَشَبَةُ القائِمَةُ في وَسط الخِبَاءِ ج: أَعْمِدَةٌ، في القِلَّةِ، وعَمَدٌ، محرّكَةً، وعُمُدٌ، بضمَّتين، وبضمّ فسكون، تخفيفًا، الثلاثةُ في القِلَّة.وفي اللسان: العَمَدُ: اسمٌ للجَمْع، ويقال: كلُّ خِبَاءٍ مُعَمَّدٌ. وقيل: كلُّ خِبَاءٍ كان طويلًا في الأَرضِ، يُضْرَب على أَعْمِدةٍ كثيرةٍ، فيقال لأَهْله: عليكُم بأَهْل ذلك العَمُودِ، ولا يقال: أَهْل العَمَدِ، وأَنشد:
وما أَهْلُ العَمُودِ لنا بأَهْلٍ *** ولا النَّعَمُ المُسَامُ لنا بمالِ
وقال في قول النابغة:
يَبْنُون تَدْمُرَ بالصُّفَّاحِ والعَمَدِ
قال: العَمَد: أَساطِينُ الرُّخامِ.
وأَما قوله تعالى: {إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}. قُرِئَتْ «في عُمُدٍ»، وهو جمْع عِمادٍ، وعَمَدٌ وعُمُدٌ كما قالوا: إِهابٌ وأَهَبٌ وأُهُبٌ. ومعناه: أَنَّهَا في عُمُدٍ من النّارِ، نَسب الأَزهَريُّ هذا القَولَ إِلى الزَّجَّاجِ. وقال الفرَّاءُ: العَمَدُ والعُمُد جميعًا: جَمْعَانِ للعَمُودِ، مثل أَدِيمٍ وأَدَمٍ وأَدُمٍ، وقَضِيمٍ وقَضَمٍ وقُضُمٍ.
وفي المصباح العَمُود معروفٌ، والجمع: أَعْمِدَةٌ، وعُمُدٌ، بضمّتين، وبفتحتين، والعِمَادُ ما يُسْنَد بِه، والجَمْع عَمَدٌ، بفتحتين. قال شيخُنَا: فالعَمَد، محرّكَةً، يكون جمْعًا لِعَمُودٍ، ولِعِمَادٍ. وهذا لم يُنَبِّهُوا عليه.
وقولُه تعالى: {خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} قال الفَرّاءُ: فيه قولان: أَحدُهما أَنَّه خَلَقَها مَرفُوعةً بلا عَمَدٍ، ولا تَحْتَاجُون مع الرؤْية إِلى خَبَرٍ. والقولُ الثاني أَنه خَلَقَها بِعَمَدٍ لا تَرَوْنَ تِلك العَمَدَ، وقيل: العَمَدُ التي لا تُرَى [له]: قُدْرَتُه. واحتَجَّ اللَّيْثُ بأَنَّ عَمَدَهَا جَبَلُ قاف المحيطُ بالدُّنْيا، والسَّماءُ مثْلُ القُبَّةِ أَطرَافُها على قافٍ [وهو] مِن زبَرْجَدةٍ خَضراءَ، ويقال: إِنَّ خُضْرةَ السّمَاءِ من ذلك الجَبَلِ.
والعَمُود: السَّيِّدُ المُعْتَمَد عليه في الأُمورِ، أَو المَعْمُودُ إِليه، كالعَمِيدِ، ومنه قول الأعشى:
حتَّى يَصِيرَ عَمِيدُ القوم مُتَّكِئًا *** بالرَّاحِ يَدفَعُ عنه نِسْوَةٌ عُجُلُ
والجمْعُ عُمَدَاءُ. وكذلك العُمْدَةُ، الواحد والاثنانِ، والجمْعُ، والمذكَّر والمؤنث فيه سواءٌ، ويقال للقَوم: أَنتُم عُمْدَتُنا الّذِين يُعْتَمَدُ عليهِم، وهو عَمِيدُ قَومِه، وعَمُودُ حَيِّه.
وقال النَّضر: العَمود من السَّيْفِ: شَطِيبَتُهُ الّتي في مَتْنِهِ إِلى أَسْفَلِه، وربَّمَا كان للسّيفِ ثلاثةُ أَعمدةٍ في ظَهْرِه، وهي الشُّطَبُ، والشَّطَائِبُ.
وعن ابن الأَعرابيِّ: العَمُودُ: رئِيسُ، كذا في النسخ. وفي التكملة: رَسِيلُ العَسْكَرِ، كالعِمَادِ، بالكسر، والعُمْدَةِ والعُمْدانِ، بضمِّهما وهو الزُّوَيْرُ.
وفي حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رضي الله عنه: «أَيُّمَا جالبٍ جَلَبَ على عَمُودِ بَطْنِه فإِنه يَبِيع كيف شاءَ ومَتَى شاءَ». قال اللّيث: العَمُود من البَطْنِ: شِبْه عِرْق يَمْتَدُّ من لَدُنِ الرُّهابَةِ بالضمِّ، إِلى دُوَيْنِ السُّرَةِ في وَسَطِه، يُشَقُّ مِن بَطْن الشَّاة.
أَو عَمُودُ البَطْن: الظَّهْرُ، لأَنه يُمْسِكُ البَطْنَ ويُقَوِّيه، فصارَ كالعَمُود له. وبه فَسَرَّ أَبو عمرٍو الحَديثَ المتقدِّم.
وقال أَبو عُبَيْد: [والذي] عندي أَنَّه كَنَى بعَمُود بَطْنه عن المَشَقّة والتَّعَبِ؛ أَي أَنَّه يأْتي به على تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ وإِن لم يكنْ [ذلك] على ظَهْره، إِنَّمَا هو مَثَلٌ. والجالب: الّذي يَجْلِبُ المَتَاعَ إِلى البلاد، يقول: يُتْرَك وبيعَه لا يُتَعَرَّضُ له، حَتَّى يَبيعَ سلْعَته كما شَاءَ، فإِنَّه قد احْتَمَل المَشَقَّةَ والتَّعَبَ في اجْتلابه، وقاسَى السَّفَرَ والنَّصَبَ.
قال اللَّيْث: والعَمُود من الكَبد: عِرْقٌ يُسْقِيها، وقيل: عَمُودُ الكَبد: عِرْقانِ ضَخْمان جَنَابَتَيِ السُّرَّةِ، يَمينًا وشِمَالًا، ويقال: إِنَّ فُلانًا لَخارجٌ عَمُودُه من كَبدِه من الجُوع: عن ابن شُمَيْلٍ. والعَمُود، منَ السِّنان: ما تَوَسَّطَ شَفْرتَيْه من عَيْره الناتيء في وسَطه.
والعَمُود، من الأُذُن: مُعْظَمُها وقِوَامُهَا التي ثَبَتَت عليه، وقيل عَمُودُ الأُذُن: ما استدارَ فوقَ الشَّحْمة.
والعَمُود: الحَزينُ الشَّديدُ الحُزْنِ، يقال: ما عَمَدَك؛ أَي ما أَحْزَنك.
والعَمودُ، من الظَّليم: رِجْلَاهُ وهما عَمُوداه.
والعَمُودُ من البئْرِ: قائمَتاهُ تكون عليهما المَحَالةُ.
وعَمُودُ السَّحْرِ: الوَتِينُ، وبه فُسِّر قولُهُم: إِن فُلَانًا لَخارجٌ عَمُودُه من كَبده من الجُوع.
والعِمَادُ، بالكسر: الأَبنيَةُ الرَّفيعَةُ، جَمْعُ عِمَادَةٍ، يذكّر ويُؤَنَّثُ، قال الشاعر:
ونَحْنُ إِذا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّتْ *** علَى الأَحفاض نَمْنَعُ مَن يَلينا
وقوله تعالى: {إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ} قيل: معناه ذات الطُّول، وقيل ذاتُ البِناءِ الرَّفيع المُعْمَد. وجمعه: عُمُدٌ.
وقال الفرّاءُ: ذاتُ العمَاد: أَنهم كانوا أَهْلَ عَمَدٍ يَنْتَقلُون إِلى الكَلَإِ، حيثُ كان، ثم يَرْجِعُون إِلى مَنازلهم.
وقال اللَّيْثُ: يقال لأَصحاب الأَخْبِيَة الّذين لا يَنْزِلُون غيرَهَا: هُم أَهلُ عَمْودٍ، وأَهلُ عِمَادٍ.
وعن المبرِّد: هو طَوِيلُ العِمَاد، إِذا كان مُعْمَدًا؛ أَي طَويلًا، وفُلان طَويلُ العِمَادِ: مَنْزِلُهُ مُعْلَمٌ لزائِرِيه وفي حديث أُمِّ زَرْع. «زَوْجِي رَفِيعُ العِمَاد»، أَرادتْ عِمَادَ بَيْتِ شَرَفِهِ. والعَرب تَضَعُ البَيْتَ مَوضِعَ الشَّرَفِ في النَّسَبِ والحَسَبِ.
وعَمَده يَعْمِدُه عَمْدًا: دَعَمَه وأَقامَه بِعِمادٍ، والعِمَادُ ما أُقِيم به، كأَعْمَدَهُ فانْعَمَدَ، ذَكَرَه يَعْقُوبُ في البَدَلِ، وهو مُطَاوِعُ الثُّلاثيِّ، كانْكَسر وانْجَبر، لا الرُّباعيِّ، على ما عُرِف من اصطلاحه، قاله شيخُنا.
والعَمُود الّذي تَحامَلَ الثِّقْلُ عليه من فَوقِ كالسَّقْفِ يُعْمَد بالأَساطين المَنصوبة.
وعَمَدَ لِلشَّيْءِ وعَمَد إِليه، وعَمَدَه يَعْمِدُه، من حدِّ ضَرَب ـ كما صرَّحَ به أَربابُ الأَفعال. ولا عِبرةَ بإِطلاقِ المصنِّف على ما اصْطَلحه، وبه جَزَم عِيَاضٌ في «المشارق» والفيُّوميُّ في «المصباح» عَمْدًا، بالفتح، وعَمَدًا، محرّكةً، وعِمادًا، بالكسر، وعُمْدَةً، بالضّمِّ، كُلُّها في «شرح الفصيح» للمطرِّز. وزادُوا: عُمُودًا، بالضّمّ، على القياس، ومَعْمَدًا، مصدر ميميّ، الأَوّل من نوادر ابن الأَعرابيِّ، والثاني من شَرْح ابنِ عَرفة لشِعْر ديوانِ سُحَيم، كذا في شرْح اللِّبليّ على «الفصيح» ـ: قَصَدَهُ، وَزْنًا ومعنًى وتَصريفًا، في كونه يَتعدَّى بنفْسِه، وباللام، وبإِلى. كتَعَمَّدَهُ وتَعَمَّد له، واعْتَمَده.
قال الأَزهَرِيُّ: العَمْدُ ضِدُّ الخَطَإِ في القَتْلِ وسائرِ الجِنَايَاتِ.
والقَتْلُ على ثلاثةِ أَوْجةٍ: قَتْلُ الخَطإِ المَحْضِ، والعَمْدِ المَحْضِ، وشِبْهِ العَمْد.
وعَمَدَ المَرَضُ فُلانًا: أَضْنَاهُ وأَوجَعَهُ، قال الشاعر:
أَلا مَنْ لِهَمٍّ آخِرَ اللَّيْلِ عامِدِ
معناه: مُوجِع.
روى ثعلبٌ أَنَّ ابنَ الأَعرابيِّ أَنشدُه لسِمَاكٍ العامِليِّ:
أَلَا مَنْ شَجَتْ لَيْلَةٌ عامِدَهْ *** كَما أَبدًا لَيْلَةٌ واحدَهْ
قال الأَزهريُّ: أَي مُمِضَّة مُوجعة. وعَمَدَه المَرضُ يَعْمِده: فَدَحَهُ، عن ابن الأَعرابيِّ، ومنه اشتُقَّ القَلْبُ العَمِيدُ.
وعَمَدَهُ يَعْمِده: أَسْقَطَهُ، قال: ودَخَلَ أَعرابيٌّ على بَعْضِ العَرَبِ، وهو مريض، فقال له: كيفَ تَجِدُك؟ فقال: أَمَّا الّذِي يَعْمِدُني فَحُصْرٌ وأُسْرٌ. ويقال للمريضِ: مَعْمُودٌ.
وعَمَدَه ضَرَبَهُ بالعَمُود. وعَمَدَه يَعْمده: ضَرَبَ عَمُودَ بَطْنِهِ. وعَمَده: أَحْزَنَهُ، وهذا، والذي قبلَه من حَدِّ نَصَر.
وعَمِدَ عليه، كفَرِحَ: غَضِبَ كعَبِدَ، حكاه يعقُوبُ في المُبْدلِ.
وقال الأَزهَرِيُّ: هو العَمَدُ والأَمَدُ.
وقال الغَنَوِيُّ: العَمَدُ والضَّمَدُ: الغَضَبُ.
وعن ابن بُزُرْج: يقال: حَلِسَ به، وعَرِسَ به، وعَمِدَ بِهِ، ولَزِبَ به، إِذا لَزِمَهُ.
وعَمِدَ البَعِيرُ: انفَضَخَ داخِلُ سَنَامِهِ من الرُّكُوبِ، وظاهِرُهُ صَحِيحٌ فهو بَعِيرٌ عَمِدٌ، وهي بهاءٍ. وقيل عَمِدَ البَعِيرُ، إِذا وَرِمَ سَنَامُه مِن عَضِّ القَتَبِ والحِلْسِ وانْشَدَخَ، ومنه قيل: رَجُلٌ عَمِيدٌ ومَعْمُودٌ.
وعَمِدَ الثَّرَى يَعْمَدُ عَمَدًا: بَلَّلَهُ المَطَرُ، فهو عَمِدٌ: تَقَبَّضَ، وتَجَعَّدَ، ونَدِيَ، وتَرَاكبَ بعضُه على بعْضٍ، فإِذا قَبَضْتَ منه على شيْءٍ تَعقَّدَ واجْتَمَعَ من نُدُوَّتِه، قال الراعِي يَصف بقرةً وَحشيّةً:
حتَّى غَدَتْ في بَيَاضِ الصُّبْحِ طَيِّبَةً *** رِيحَ المَباءَةِ تَخْدِي والثَّرَى عَمِدُ
أَراد: طَيّبَةَ رِيحِ المَبَاءَةِ، وقال أَبو زيد: عَمِدَت الأَرضُ عَمَدًا، إِذا رَسَخَ فيها المَطَرُ إِلى الثَّرَى حَتَّى إِذا قَبَضْتَ عليه في كَفِّكَ تَعَقَّدَ وجَعُد لِنُدُوَّتِهِ.
وقال النَّضْر: عَمِدَت أَلْيَتاهُ من الرُّكُوبِ: وَرِمَتَا واخْتَلَجَتا، وفي بعض الأُمهات: خلجَتا ويقال: هُو عَمِدُ الثَّرَى، ككَتِفٍ؛ أَي كَثِيرُ المَعْرُوفِ، عن أَبي زيدٍ وشَمِرٍ.
وأَنا أَعْمَدُ منه؛ أَي أَتَعَجَّبُ، وقيل: أَعْمَدُ بمعنَى أَغْضَبُ، من قولهم عَمِدَ عليه، إِذا غَضِبَ. وقيل: معناه أَتَوَجَّعُ وأَشْتَكِي، من قولهم: عَمَدَني الأَمْرُ فَعَمِدْتُ: أَوْجَعَنِي فَوَجِعْتُ.
ورجلٌ مَعْمُودٌ وعَمِيدٌ، ومُعَمَّدٌ كمُعَظَّمٍ: المَشْغوفُ الّذِي هَدَّهُ العِشْقُ وكَسَرَه، وقيل: الّذِي بَلَغ بِه الحُبُّ مَبْلَغًا، شُبِّهَ بالسَّنامِ الذي انْشَدَخَ انْشداخًا.
ويقال للمريض: مَعْمُودٌ، ويقال له: ما يَعْمِدُك؟ أَي ما يُوجِعُك؟.
والعُمْدَةُ، بالضّمِّ: ما يُعْتَمَدُ عليه أَي يُتَّكَأُ ويُتَّكَلُ، واعتَمدْتُ على الشيْءِ: اتَّكأْتُ عليه، واعْتَمدْتُ عليه في كذا؛ أَي اتَّكَلْت عليه.
والعُمُدُّ، كعُتُلٍّ، والعُمُدَّانُ، والعُمُدَّانِيُّ، والمُعْمَدُ، كمُكْرَمٍ: الشَّابُّ الممتلِيءُ شَبَابًا، وقيل: هو الضَّخْمُ الطَّوِيلُ. وهي أَي الأُنثَى من كلِّ واحدٍ منها بهاءٍ.
والمَعْمُودِيَّة، هكذا في سائر النُّسخ، بتشديد الياءِ التّحْتيّة، ومثله في التكملة. والصواب تخفيفُها، كما في «العنايَة».
وقال الصُّوليُّ في «شرح ديوان أَبي نُوَاس»: إِن لفظَ مَعْمُودية مُعَرّب: مَعْمُوذيت، بالذال المعجمة، ومعناهَا: الطَّهَارَة وهو: ماءٌ أَصفرُ للنَّصارَى يُقَدَّس بما يُتْلَى عليه من الإِنْجِيل يَغْمِسُونَ فيه وَلَدَهُمْ مُعْتَقدينَ أَنه تَطهيرٌ لَهُ، كالخِتَان لغَيْرهمْ.
وفي «العناية» في أَثناء البقرةِ: وإِن {صِبْغَةَ اللهِ} هناك في مقابلة ما كانت النَّصَارَى تَفعَلُه في أَولادِهَا، على أَحدِ الوجوه. أَشار له شيخُنا.
ويقال استقامُوا على عَمُودِ رَأْيِهِمْ أَي عَلَى وَجْهٍ يَعتَمِدُون عليه. وهو مَجاز.
وفَعَلْتُهُ عَمْدًا على عَيْنٍ، وعَمْدَ عَيْنٍ؛ أَي بِجِدٍّ وَيَقينٍ، قال خُفَاف بن نَدْبة:
وإِنْ تَكُ خَيْلِي قَد أُصِيبَ صَمِيمُهَا *** فَعَمْدًا على عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مالِكَا
قَال الصاغَانيُّ: وهَذَا فيه احتِراز مِمَّن يَرى شَبَحًا، فيَظُنُّه صَيْدًا فَيَرْمِيه، فإِنَّه لا يُسَمَّى عَمْدَ عَيْنٍ، لأَنَّه تَعَمَّدَ صَيْدًا على ظَنِّه. قال شيخُنا: وهذه دقيقةٌ.
ووادِي عَمْدٍ، بفتح فسكون بِحَضْرَمَوْت اليَمَنِ.
وعَمَّدْتُ السَّيْلَ تَعْمِيدًا: سَدَدْتُ وَجْهَ جِرْيَته بِتُرابٍ ونحوْهِ كالحِجَارةِ حَتَّى يَجتمِعَ في مَوْضعٍ. نقله الصاغانيُّ.
ويقال اعتَمَدَ فلانٌ لَيْلَتَهُ، إِذا رَكِبَ يَسْرِي فيها، نقله الصاغانيُّ.
والمُعْمَدُ، كمُكْرَمٍ: الطَّويلُ، عن المبرِّد، كالعُمُدَّانِ، كَجُلُبَّانٍ، والجَمْع: عُمُدَّانِيُّونَ. وامرأَةٌ عُمُدَّانِيَّةٌ: ذَاتُ جِسْمٍ وعَبَالَةٍ.
ويقال كلُّ خِبَاء مُعَمَّد، وهو كمُعَظَّمٍ، بمعنَى مَنْصُوب بالعِمَادِ. ويقال: وَشْيٌ مُعَمَّدٌ، وهو ضَرْبٌ منه على هَيْئَة العُمْدَانِ.
وأَهلُ العِمَادِ: أَهلُ الأَخْبِيَةِ وهم الذين لا يَنْزِلُون غيرَهَا.
ويقال لهم: أَهْل العَمُودِ أَيضًا. قاله اللَّيْثُ. أَو أَهلُ العِمَاد: أَهلُ الأَبْنِيَةِ العالِيَةِ الرَّفِيعَةِ، وقد تقدَّم.
وغَوْرُ العِمَادِ: موضع لِبَنِي سُلَيْمٍ في ديارِهِم.
وعِمَادُ الشَّبَى، بكسر العين، وفتح الشين المعجمة، والموحّدة وأَلف مقصورة: موضع بمِصْرَ، هكذا نقله الصاغانيُّ.
والعِمَادِيَّةُ، بالكسر: قَلْعَةٌ شَمالِيَّ المَوْصِلِ حَصِينة، يسكُنُها الأَكرادُ.
وعَمُودُ غَرْيَفَةَ، بكسر الغين وفتحها وسكون الرّاءِ وفتْح التّحْتِيّة والفاءِ: جَبَلٌ في أَرْضِ غَنِيّ بن يَعْصُر.
وعَمُودُ المُحَدَّثِ على صيغَة اسم مفعُول: ماءٌ لمُحَارِب بن خَصَفة.
وعَمُودُ سَوَادِمَةَ أَطْوَلُ جَبَلٍ بالمَغْرِبِ، هكذا في النسخ. وفي التكملة: ببلادِ العَرَب.
وعَمُودُ الحَفِيرَةِ: موضع آخر.
وعَمُودُ الْبَانِ، وعَمُودُ السَّفْحِ: جَبَلانِ طَوِيلانِ، لا يَرْقَاهُمَا إِلَّا طائِرٌ لِعُلُوِّهما. ومن ذلك قولهم: «العُقَابُ يَبِيضُ في رأْسِ عَمُودٍ» والمُرادُ به الحَبَلُ المُسْتَدِقُّ المُصْعِدُ في السّماءِ.
وعَمُودُ الكَوْدِ: ماءٌ لِبَنِي جَعْفَرٍ، وهو جَرُورٌ أَنكَدُ.
* وممَّا يستدرك عليه:
أَعْمَدَ الشيْءَ: جَعَلَ تحتَه عَمَدًا.
والعَمِيدُ: المَرِيضُ لا يَسْتَطِيعُ الجُلُوسَ، مِن مَرَضِهِ، حتّى يُعْمَدَ من جَوَانِبِهِ بالوَسَائِدِ؛ أَي يُقَام.
وفي حديث الحَسَن، وذَكَرَ طالِبَ العِلْم: «وأَعْمَدَتَاهُ رِجْلَاهُ؛ أَي صَيَّرتاه عَمِيدًا. وهو على لُغَةِ من قال أَكَلُوني البراغيثُ. وهي لغةُ طَيِّيءٍ.
والعَمُود: العَصا، قال أَبو كَبِيرٍ الهُذَليّ:
يَهْدِي العَمُودُ له الطَّرِيقَ إِذا هُمُ *** ظَعَنُوا ويَعْمِدُ للطَّرِيقِ الأَسْهَلِ
واعتَمد عليه في الأَمر: تَوَرَّكَ، على المَثَل. والاعْتِمَاد: اسمٌ لكلّ سَببٍ زاحَفْته.
والعَمَد، محرّكَةً: أَساطِينُ الرّخامِ.
وعَمُودُ اللَّسانِ: وَسَطُه طُولًا. وعَمُودُ القَلْبِ كذلك ومن ذلك قولُهم: اجعَلْ عَمُودَ قَلْبِكَ. وهو مذكورٌ في عَمُودِ الكتاب: في فَصِّه ودائرةُ العَمُودِ في الفرسِ: الّتي في مواضِع القِلادة، والعربُ تَسْتَحِبُّها. وعَمُودُ الأَمْرِ: قِوَامُه الّذي لا يَسْتَقِيمُ إِلّا به. وعَمُودُ الصُّبْحِ: ما تَبَلَّجَ من ضَوْئِهِ، وهو المُسْتَظْهِرُ مِنْه، وسَطَعَ عَمُودُ الصُّبْحِ، على التَّشْبيه بذلك. وعَمُودُ النَّوَى: ما استقامَت عليه السَّيَّارةُ من نِيَّتِها، على المَثَل. وعَمُود الإِعصارِ: ما يَسْطَع منه في السماءِ، أَو يَسْتَطِيل على وجْهِ الأَرض.
وعَمِيدُ الأَمرِ: قِوَامَه.
والْزَمْ عُمْدَتَك: قَصْدَك.
وفلانٌ مَعْمُودٌ مَصْمُودٌ؛ أَي مقصودٌ بالحَوائِجِ. وعَمِيدُ الوَجَعِ: مكانُه.
والعَمَدُ، محركةً: وَرَمٌ ودَبَرٌ، يكون في الظَّهْرِ. وفي حديث عُمَر: «أَنَّ نادِبَتَه قالت: وا عُمَراه: أَقام الأَوَد، وشَفَى العَمَد». أَرادَتْ به أَنه أَحْسَنَ السِّيَاسَةَ.
وناقَةٌ عَمِدَةٌ. كسَرَهَا ثِقَلُ حِمْلِها.
والعِمْدَةُ، بالكسر: الموضعُ الذي يَنْتَفِخُ من سنَامِ البَعير وغارِبِه.
وعَمِدَ الخُرَّاجُ، كفَرِحَ، عَمَدًا، إِذا عُصِرَ قَبْلَ أَن يَنْضَجَ فَوَرِمَ ولم تَخرْج بَيضَته. وهو الجُرْح العَمِد.
والعَمُود: قَضِيبُ الحَدِيد.
وفي كلامهم: أَعْمَدُ مِن كَيْلٍ مُحِقَ، ورُوِيَ عن أَبي عُبيد: مُحِّقَ، بالتشديد. معناه هل أَزِيدُ على أَن مُحِقَ كَيْلِي.
وقول أَبي جَهْلٍ في بَدْرٍ: «أَعْمَدُ مِن سَيِّدٍ قَتَلَه قَومُه»؛ أَي هل زاد على هذا؟ أَي هل كان إِلّا هذا؛ أَي أَنَّ هذا ليس بعارٍ، ومُراده بذلك أَن يُهَوِّن على نَفْسِه ما حَلَّ به من الهَلَاكِ، قال ابنُ ميَّادةَ، ونسبه الأَزهريُّ لابن مُقْبِل:
تُقَدَّمُ قَيْسٌ كُلَّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ *** ويُثْنَى عليها في الرَّخَاءِ ذُنُوبُها
وأَعْمَدُ من قومٍ كَفَاهُمْ أَخُوهُمُ *** صِدَام الأَعَادِي حَيْثُ فُلَّتْ نُيوبُها
يقول: زِدْنَا على أَن كَفَيْنَا إِخْوَتَنَا وعَمُودانُ: اسم مَوضِع، قال حاتِم الطائِيُّ:
بَكَيْتَ وما يُبْكِيكَ مِن دِمْنَةٍ قَفْرِ *** بِسُقْفٍ إِلى وادِي عَمُودَانَ فالغَمْرِ
وعن اللَّيْث؛ عُمْدَانُ: اسمُ جَبَل أَو موضعٍ قال الأَزهريُّ: أُراه أَراد: غُمْدَانَ، بالغين فصَحَّفه كتَصْحِيفِه يوم بُعاث.
وعِمْدَانُ، بالكسر: موضِعٌ، ذَكره ابنُ دُرَيْد. وذو يَعْمِدَ كيَضْرِب قَرْيَةٌ باليَمَنِ. هكذا ضَبَطَهَا التقيُّ الفاسِيّ، قال: كان بها بطَّال بنُ أَحمَدَ الركبيّ أَحدُ محدِّثِي اليَمَن، وشارِحُ البُخَاريَّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
8-تاج العروس (جوك)
وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:[جوك]: جَاكةُ ناحِيَةٌ مِنْ بنات آذر مِنْ أَعْمَالِ الْأَهْوازِ نَقَلَه نَصْر في كتابِه.
قُلْتُ: ومنها الإِمَامُ الوَاعِظُ المعتَقدِ بَدْرُ الدِّيْن حُسَيْن بن إِبْرَاهيم بنِ حُسَيْن الجَاكِيُّ الكِرْدِيُّ نَزِيْلُ القَاهِرَة توفيَ بها سَنَةَ سَبْعُمَائة وتِسْع وثَلَاثِين، وزَاويته بالحُسَيْنِية مَشْهُورَة، أَخَذَ عَنْ شَيْخِه نَجْمِ الدِّيْن أَيُّوب بن موسَى بن أَيُّوب الكِرْدِيّ عَنِ البرهان إبْرَاهيم الجعبريّ.
والجُوكِيّة: طائِفَةٌ مِنَ البراهِمَةِ يقُولُون بتَنَاسُخِ الأَرْوَاحِ، [جنك]: جَنْكُ أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ أَيْضًا، وهو بالفتح اسمُ رجُلٍ وذِكْر الفتحِ مُسْتَدْرَكٌ. وهذا الرَّجُلُ هو جَدُّ الخَلِيْل بن أَحْمَدَ بن محمَّد بن الخَلِيْل بن مُوسَى بن عَبْدِ اللهِ بنِ عاصِمِ بن جَنْك، وهو مِنْ محدِّثي سِجِسْتَان قالَهُ الصَّاغَانيُّ.
قُلْتُ: وكُنْيَتُه أبو سَعِيْد. وجَنْك أَيْضًا لَقَبُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ التكْرِيتِيّ كتَبَ عَنْه الدمْيَاطِيُّ في مُعْجَمِه، قالَهُ الحافِظُ. وقالَ شَيْخُنَا عِنْدَ قَوْلِه جَنْك اسمُ رَجُلٍ. قُلْتُ: أشهر منه وأدْوَرُ عَلَى الأَلْسِنَة الجَنْكُ الذي هو آلة يُضرب بها كالعُودِ مُعْرَبٌ أَوْرَدَه الخَفَاجيُّ في شِفَاءِ الغَلِيْلِ وهو مَشْهُورٌ عَلَى الأَلْسِنَةِ، وأَعْرَف مِنْ اسمِ الرَّجُلِ الذي أَوْرَدَه فكانَ الأَوْلَى والْأَصْوَبَ التَّعَرضُ له ولو ترك الرجل لأنَّ تَعْرِيفَه عَلَى هذا الوضْعِ لا يُمَيِّزه ولا يُخْرِجُه عَنِ الجَهَالَةِ بِخِلَافِ الآلةِ فلا مَعْنَى لتَرْكِه إلَّا القصور كما هو ظاهِرٌ واللهُ أَعْلَم.
قُلْتُ: أمَّا جَنْكُ الذي ذَكَرَه المُصَنِّفُ فإِنَّه بالكافِ العُجْمِيَّة، وأمَّا جيمه فعَرَبِيّة ومَعْنَاه الحَرْب سُمِّي به الرَّجلُ كما سُمِّي حربًا ثم عُرِّبَ بالكافِ العَرَبِيَّةِ؛ وأمَّا الذي هو بمَعْنَى الآلةِ فجيْمُه وكافُه عجْمِيَّتان، ويُطْلَقُ على الدَّفِّ الذي يضرب به ثم عُرِّبَ بالجيمِ والكافِ العَرَبيَّتَيْنِ، ويُقالُ للَّذي يَضْرِبُه جَنْكِي، وهذا يَنْبَغِي الوقوفَ عَلَيه ليَحْصَلَ التَّمْيز بَيْنَ الحَرْفَيْن فتأَمَّلْ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
9-تاج العروس (حمك)
[حمك]: الحَمَكُ مُحَرَّكَةً والواحدَةُ بهاءٍ الصِّغَارُ من كُلِّ شيءٍ قال أبو زيد وقد غَلَبَ على القَمْلُ ما كانَ والحَمَكُ رُذالُ الناسِ.قالَ ابنُ سِيْدَه: وأَرَاه على التَّشْبيهِ بالْحَمَكِ من القَمْلِ والذَّرُّ.
وقالَ أبُو زَيْدٍ: وِقَدْ يُقَاسُ ذلك للذَّرَّةِ قالَ رُؤْبَةُ:
لا تَعْدلِيني بالرُّذَّالاتِ الحَمَكْ
وقالَ الأَصْمَعِيُّ: إنه لمن حَمَكِهم أي من أَنْذالِهم وضُعفَائِهم.
والحَمَكُ: الخَرُوفُ والمَعْرُوفُ فيه الحَمَلُ باللام.
والحَمَكُ: صغارُ القَطا والنَّعامِ قالَ الرَّاعي يصفُ فِرَاخَ القَطَا:
صَيْفِيَّةٌ حَمَكٌ حُمْرٌ حَواصِلُها *** فَما تَكادُ إلى النَّقْناقِ تَرْتَفِعُ
أي لا تَرْتفِعُ إلى أُمهاتِها إذا نَقْنَقَتْ، ويُجْمَعُ ذلِكَ كُلّه أَنَّ الحَمَكَ الصِّغَار من كلِّ شيءٍ. والحَمَكُ أَصْلُ الشيءِ وطَبْعُه يقالُ: هذا من حَمَكِ هذا، وهُمْ من حَمَكٍ واحِدٍ وقَدْ سَكّنَه الطرمَّاحُ لضَرُورَةٍ فقال:
وابن سَبِيلٍ قَرَّبْتُه أُصُلًا *** من فوزِ حَمْكٍ منسوبة تُلُدُهْ
أَرَادَ من فوزِ قداحٍ حَمَكٍ فخفَّفَه، والرِّوايةُ المَعْرُوفَةُ من فوزِ بُجٍّ: وقالَ اللَيْثُ: الحَمَكُ من نعتِ الأَدِلَّاءُ والذينَ يَتَعَسَّفُونَ الفَلَاةَ نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ والصَّاغَانيُّ.
والحَمَكَةُ بهاءٍ القَصيرَةُ الدَّمِيمَةُ من النِّساءِ شُبِّهَتْ بالقَمْلَةِ؛ وفي المُحْكَمِ: هي الصَّبيةُ الصَّغِيرَةُ، وهي أَصْلٌ في القَمْلَةِ والذَّرَّةِ.
وحَمَك جَدُّ ابراهيمَ بنِ عليِّ بنِ حَمَكٍ الحَمَكِيُّ المعينيُّ المُحَدِّثُ يَرْوِي عن زَاهرِ الشحَامِيِّ وفاتَهُ ذِكْرُ أَخِيهِ إِسْمعِيل يَرْوِي عن وَجِيه بنِ طاهِرٍ الشحَامِيِّ سَمِعَ منه ابنُ نقْطَةَ نَقَلَه الحافِظُ.
وفي التَّهْذِيبِ: حَمِكَ في الدِّلالَةِ كسَمِعَ حَمْكًا محرَّكةً إذا مَضَى فيها وحَمَاكٌ كسَحابٍ حِصْنٌ باليَمَنِ لبَنِي زُبَيْدٍ نَقَلَه الصَّاغَانيُّ.
* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:
يقالُ: إنَّه لحَمِكٌ ككَتِفٍ أي ماضٍ في الدَّلالةِ وحامك أَيْضًا. وقَدْ حَمَكَ يَحْمِكُ حَمكًا من حَدِّ ضَرَب.
وأَبُو إسْحق إسْمعيلُ بنُ محمَّدٍ الحَمَكِيُّ الاسْتِرابَاذِيّ عن عَقِيلِ بنِ إسْحق وعنه ابنُ عديِّ مَاتَ سَنَةَ 327، ومَسْعُودُ بنُ سَهْل بنِ حَمَكٍ الحَمَكِيّ سَكَنَ مرو، وكانَ رئيسًا رَوَى عن أَبي عَبْدِ الله بن فنجويه الدَّيْنُورِيّ ومَاتَ سَنَة 473، ومحمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنَ صَالحِ الحَمَكِيُّ رَوَى عن إسْمعيلِ بنِ سَعِيْد الكُشانيِّ نَقَلَه الحافِظُ، وزَادَ الصَّاغَانيُّ في العُبَابِ: أَبُو عَمْرٍو حَمَكُ بنُ عصَام بن سُهَيْل محدِّثٌ.
قُلْتُ: هو لَقَبٌ له واسْمُه محمَّد رَوَى عن عليِّ بنِ حجر وأَقْرَانهِ قالَهُ الحافِظُ؛ وحمك أَبُو أَحْمد الفَرَّاءِ النيْسَابُورِيُّ محدِّثٌ ثِقَةٌ.
قُلْتُ: هو محمَّدُ بنِ عَبْدِ الوَهَابِ بنِ حَبِيب وحَمَكٌ لَقَبُه حافِظٌ مَشْهُورٌ؛ وأَبُو يَعْقوب يوسُفُ بنُ موسَى بنِ عَبُدِ اللهِ بن خالِدٍ بنِ حَمُّوكٍ مِثَالُ سَفُودٍ المرو الروذيّ من أعيانِ محدِّثي خَرَاسَان.
قُلْتُ: وهو حافِظٌ جَلِيلٌ حَدَّثَ عن إسْحق بن رَاهَوَيْه وطَبَقَتِه قالَهُ الحافِظُ. وأَبُو عليِّ الحَسَنِ بنِ الحُسَيْن بنِ حَمَكَان الْأَصَبَهَانيُّ صَنَّفَ في مناقِبِ الشَّافِعِيّ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م