نتائج البحث عن (نُسُكِي)

1-المعجم المفصل في النحو العربي (حكمه)

حكمه:

1 ـ إذا أضيف الاسم إلى ياء المتكلم وجب كسر آخره لمناسبة «الياء».

2 ـ أمّا «الياء» فيجوز أن تكون ساكنة مثل: «صحبي» أو مفتوحة، مثل: «قلمي» كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} «صلاتي» اسم «إنّ» منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم منع من ظهورها اشتغال المحلّ بالحركة المناسبة لـ «الياء» وهو مضاف و «ياء» المتكلم ضمير متصل مبنيّ على السّكون في محل جرّ بالإضافة ومثلها: «نسكي»، و «مماتي». أما «محياي» فـ «الياء» فيها مبنيّة على الفتح.

3 ـ إذا أضيف الاسم المقصور إلى ياء المتكلم يجب تسكين آخره وبناء «ياء» المتكلّم على الفتح مثل قوله تعالى: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ} «محياي» اسم «إنّ» منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف و «ياء» المتكلم ضمير متصل مبنيّ على الفتح في محل جرّ بالإضافة. وكقول الشاعر:

«هواي مع الرّكب اليمانين مصعد***جنيب وجثماني بمكّة موثق»

فالاسم المقصور «هوى» بقيت ألفه قبل «ياء» المتكلّم. ويجوز في لغة «هذيل» أن تقلب ألف المقصور «ياء» ثم يدغم المثلان. كقول الشاعر:

«سبقوا هويّ وأعتقوا لهواهم ***فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع»

وكقوله تعالى: {هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها} «عصاي»: بقيت ألفه وهي واجبة التّسكين وياؤه واجبة الفتح.

4 ـ إذا كان المضاف مثنّى أو ملحقا بالمثنّى تبقى ألفه، وياؤه مبنيّة على الفتح، «تقدّم يداي المساعدة للمؤسّسات الخيريّة» «يداي»: فاعل مرفوع بالألف لأنّه مثّنى وهو مضاف وحذفت منه النّون للإضافة و «ياء» المتكلّم في محل جرّ بالإضافة، ومثل: «ثنتاي تقدّمان المساعدات للمحتاجين». ومثل: «إنّ يديّ هما اللّتان تقدّمان المساعدات للمحتاجين» «يديّ»: اسم «إنّ» منصوب بالياء لأنه مثنى وأدغمت هذه «الياء» بـ «ياء» المتكلّم بعد حذف «النون» و «ياء» المتكلم في محل جرّ بالإضافة.

5 ـ إذا كان المضاف جمع مذكر سالما تقلب «واوه» في حالة الرّفع إلى «ياء» وتدغم في ياء المتكلّم، كقول الشاعر:

«أودى بنيّ وأعقبوني حسرة***عند الرّقاد وعبرة لا تقلع»

«بنيّ» فاعل مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السّالم، وقد قلبت هذه الواو «ياء» وأدغمت في «ياء» المتكلّم بعد حذف النّون وهو مضاف و «ياء» المتكلّم في محل جرّ بالإضافة وفي حالتي النّصب والجر تدغم ياؤه بياء المتكلّم، كقوله تعالى: {وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}.

6 ـ إذا كان المضاف اسما منقوصا تدغم «ياء» المنقوص بـ «ياء» المتكلّم التي تبنى على الفتح، مثل: «يا قاضيّ اعتن براميّ». «قاضيّ» منادى منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل «ياء» المتكلم... و «ياء» المتكلم في محلّ جرّ بالإضافة. «راميّ»: اسم مجرور بالكسرة المقدرة على «ياء» المنقوص المدغمة بـ «ياء» المتكلم و «ياء» المتكلم في محلّ جرّ بالإضافة.

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


2-موسوعة الفقه الكويتية (إحرام 2)

إِحْرَامٌ -2

وَاجِبَاتُ الْإِحْرَامِ:

31- تَنْحَصِرُ وَاجِبَاتُ الْإِحْرَامِ فِي أَمْرَيْنِ أَسَاسِيَّيْنِ:

الْأَوَّلِ: كَوْنِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ.الثَّانِي: صَوْنِ الْإِحْرَامِ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

الْفَصْلُ الرَّابِعُ

مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

32- الْمِيقَاتُ: مِنَ التَّوْقِيتِ، وَهُوَ: أَنْ يُجْعَلَ لِلشَّيْءِ وَقْتٌ يَخْتَصُّ بِهِ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَكَانِ.وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَدِّ الْمُحَدِّدِ لِلشَّيْءِ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفُوا الْمَوَاقِيتَ بِأَنَّهَا: «مَوَاضِعُ وَأَزْمِنَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ».وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ لِلْإِحْرَامِ نَوْعَيْنِ مِنَ الْمِيقَاتِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ.

الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ

إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِيقَاتًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، أَوْ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ.فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَوَّلًا: الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ:

33- ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُمْ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَشَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى آخِرِهِ.وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ الْإِحْرَامِ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ بَعْضَ هَذَا الزَّمَنِ وَقْتٌ لِجَوَازِ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مِنْ شَوَّالٍ لِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَبَعْضُهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ التَّحَلُّلِ، وَهُوَ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لآِخِرِ ذِي الْحِجَّةِ.

وَعَلَى هَذَا فَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْرَامِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إِنَّمَا مُرَتَّبٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْإِحْلَالِ إِلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، كَمَا سَيَأْتِي.

وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ «قَدْ حُكِيَ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ».

وَالْأَصْلُ لِلْفَرِيقَيْنِ قوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

فَالْجُمْهُورُ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ.وَاسْتَدَلُّوا بِالْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ.كَمَا يَدُلُّ لَهُمْ أَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ تُؤَدَّى خِلَالَ تِلْكَ الْفَتْرَةِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَدَلِيلُهُمْ وَاضِحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا عَبَّرَتْ بِالْجَمْعِ «أَشْهُرٌ» وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ ذِي الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي نَهَارِ يَوْمِ النَّحْرِ هَلْ هُوَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا.فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: هُوَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: آخِرُ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ.وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ.وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ.

اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ.قَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.

قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ لَيْسَ مِنْ أَشْهُرِهِ.وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ بَعْثِ أَبِي بَكْرٍ أَبَا هُرَيْرَةَ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، فَإِنَّهُ امْتِثَالٌ لقوله تعالى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَاحْتَجُّوا بِالدَّلِيلِ الْمَعْقُولِ؛ لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ فِيهِ رُكْنُ الْحَجِّ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَفِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، مِنْهَا: رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالنَّحْرُ، وَالْحَلْقُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَالرُّجُوعُ إِلَى مِنًى.

وَمُسْتَبْعَدٌ «أَنْ يُوضَعَ لِأَدَاءِ رُكْنِ عِبَادَةٍ وَقْتٌ لَيْسَ وَقْتَهَا، وَلَا هُوَ مِنْهُ»

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِرِوَايَةِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ» أَيْ عَشْرُ لَيَالٍ.وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُهُ.رَوَاهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحَةٌ.

أَحْكَامُ الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ لِلْحَجِّ:

34- أ- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَنْعَقِدُ حَجًّا، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ.وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ هِلَالِ شَوَّالٍ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا، وَانْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ.وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ.

35- وَالْأَصْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ قوله تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَقَدْ تَنَازَعَ الْفَرِيقَانِ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا، وَأَيَّدَ كُلُّ فَرِيقٍ وُجْهَتَهُ بِدَلَائِلَ أُخْرَى.وَهُوَ خِلَافٌ وَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا.اسْتَدَلَّ الثَّلَاثَةُ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: الْحَجُّ (حَجٌّ) أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهَا أَكْمَلَ مِنَ الْإِحْرَامِ بِهِ فِيمَا عَدَاهَا، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ صَحِيحًا؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نُسُكَيِ الْقِرَانِ، فَجَازَ الْإِحْرَامُ بِهِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ كَالْعُمْرَةِ، أَوْ: أَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ، فَصَحَّ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ، كَمِيقَاتِ الْمَكَانِ.

وَوَجَّهَ الْحَنَفِيَّةُ الْمَسْأَلَةَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِأَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ، فَأَشْبَهَ الطَّهَارَةَ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ، وَثَبَتَتِ الْكَرَاهَةُ لِشَبَهِهِ بِالرُّكْنِ.وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}.

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ ظَاهِرَهُ التَّقْدِيرُ الْآخَرُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ النُّحَاةُ، وَهُوَ (وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) فَخَصَّصَهُ بِهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْلَهَا، كَمِيقَاتِ الصَّلَاةِ.وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُولِ: بِأَنَّ الْإِحْرَامَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَكَانَ مُؤَقَّتًا، كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ.

36- اتَّفَقُوا بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يُجْزِهِ، حَتَّى لَوْ صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوِ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَقَعُ عَنْ سَعْيِ الْحَجِّ إِلاَّ فِيهَا.

ثَانِيًا: الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ:

37- اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ الزَّمَانِيَّ هُوَ جَمِيعُ الْعَامِ، فَيَصِحُّ أَنْ تُفْعَلَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَيَنْعَقِدُ إِحْرَامُهَا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ لَهَا بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ.

وَكَذَلِكَ قَرَّرُوا أَنَّهَا أَفْضَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ.وَعَبَّرَ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِمْ: «تُنْدَبُ فِي رَمَضَانَ»، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً».مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

38- ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَوْقَاتٍ يُكْرَهُ فِيهَا الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ أَوْ لَا يُكْرَهُ.وَهِيَ:

أ- يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِيهَا، لَكِنْ قَالَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ: «وَهِيَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَيْسَتْ كَفَضْلِهَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهَا».

وَاسْتَدَلُّوا لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، حَتَّى يَجِبَ الدَّمُ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: حَلَّتِ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.«وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ شُغْلٍ بِأَدَاءِ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ فِيهَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَقَعُ الْخَلَلُ فِيهِ فَتُكْرَهُ».

ب- اسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ سَعَةِ الْوَقْتِ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، فَقَالُوا: الْحَاجُّ وَقْتُ إِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ وَقْتِ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْحَجِّ، وَذَلِكَ «بِالْفَرَاغِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَرَمْيِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَوْ قَدْرِ رَمْيِهِ لِمَنْ تَعَجَّلَ فَنَفَرَ فِي ثَالِثِ أَيَّامِ النَّحْرِ، فَإِنَّ هَذَا يَنْتَظِرُ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ- بَعْدَ الزَّوَالِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ- مَا يَسَعُ الرَّمْيَ حَتَّى يَبْدَأَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ لَهُ لِلْعُمْرَةِ».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ قَرَّرَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَنْعَقِدْ إِحْرَامُهُ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْفَرَاغِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَقَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ.

الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ

الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: مِيقَاتٌ مَكَانِيٌّ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَمِيقَاتٌ مَكَانِيٌّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ.

أَوَّلًا: الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ:

39- يَخْتَلِفُ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ فِي حَقِّ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ، وَهِيَ: الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: الْآفَاقِيُّ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: الْمِيقَاتِيُّ.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: الْحَرَمِيُّ.

الصِّنْفُ الرَّابِعُ: الْمَكِّيُّ، وَيَشْتَرِكُ مَعَ الْحَرَمِيِّ فِي أَكْثَرِ مِنْ وَجْهٍ، فَيَكُونَانِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً.ثُمَّ صِنْفٌ خَامِسٌ: هُوَ مَنْ تَغَيَّرَ مَكَانُهُ، مَا مِيقَاتُهُ؟.

مِيقَاتُ الْآفَاقِيِّ:

وَهُوَ مَنْ مَنْزِلُهُ خَارِجَ مِنْطَقَةِ الْمَوَاقِيتِ.

40- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَقْرِيرِ الْأَمَاكِنِ الْآتِيَةِ مَوَاقِيتَ لِأَهْلِ الْآفَاقِ الْمُقَابِلَةِ لَهَا، وَهَذِهِ الْأَمَاكِنُ هِيَ:

أ- ذُو الْحُلَيْفَةِ: مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا.وَتُسَمَّى الْآنَ «آبَارُ عَلِيٍّ» فِيمَا اشْتُهِرَ لَدَى الْعَامَّةِ.

ب- الْجُحْفَةُ: مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ، وَمَنْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا مِنْ مِصْرَ، وَالْمَغْرِبِ.وَيُحْرِمُ الْحُجَّاجُ مِنْ «رَابِغٍ»، وَتَقَعُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ، إِلَى جِهَةِ الْبَحْرِ، فَالْمُحْرِمُ مِنْ «رَابِغٍ» مُحْرِمٌ قَبْلَ الْمِيقَاتِ.وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْإِحْرَامَ مِنْهَا أَحْوَطُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِمَكَانِ الْجُحْفَةِ.

ج- قَرْنُ الْمَنَازِلِ: وَيُقَالُ لَهُ «قَرْنٌ» أَيْضًا، مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ، وَ «قَرْنٌ» جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتِ.وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إِلَى مَكَّةَ، وَتُسَمَّى الْآنَ «السَّيْلُ».

د- يَلَمْلَمُ: مِيقَاتُ بَاقِي أَهْلِ الْيَمَنِ وَتِهَامَةَ، وَالْهِنْدِ.وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، جَنُوبِ مَكَّةَ.

هـ- ذَاتُ عِرْقٍ: مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ.

أَدِلَّةُ تَحْدِيدِ مَوَاقِيتِ الْآفَاقِ:

41- وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْدِيدِهَا مَوَاقِيتَ لِلْإِحْرَامِ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ:

أ- أَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ: حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ.هُنَّ لَهُنَّ؛ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ.وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ».مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ.قَالَ عَبْدُ اللَّهِ- يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ».مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَهَذِهِ نُصُوصٌ فِي الْمَوَاقِيتِ عَدَا ذَاتِ عِرْقٍ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي دَلِيلِ تَوْقِيتِ ذَاتِ عِرْقٍ هَلْ وُقِّتَ بِالنَّصِّ أَمْ بِالِاجْتِهَادِ وَالْإِجْمَاعِ.فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ ثَبَتَ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ- رضي الله عنه- وَأَقَرَّهُ الصَّحَابَةُ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.وَصَحَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ تَوْقِيتَ ذَاتِ عِرْقٍ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْدِيدُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَحَدَّدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَوَافَقَ النَّصَّ.

ب- وَأَمَّا دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ «قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ».وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: «أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَ الْعِرَاقِيِّ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ إِحْرَامٌ مِنَ الْمِيقَاتِ».

أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوَاقِيتِ:

42- مِنْهَا:

أ- وُجُوبُ الْإِحْرَامِ مِنْهَا لِمَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ قَاصِدًا أَحَدَ النُّسُكَيْنِ، الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ، وَتَحْرِيمُ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنْهَا بِالْإِجْمَاعِ.وَالْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ، أَيِ الطَّرَفِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ أَفْضَلُ، حَتَّى لَا يَمُرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا يُسَمَّى مِيقَاتًا غَيْرَ مُحْرِمٍ.وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ آخِرِهِ أَيِ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ إِلَى مَكَّةَ جَازَ اتِّفَاقًا، لِحُصُولِ الِاسْمِ.

43- ب- مَنْ مَرَّ بِالْمَوَاقِيتِ يُرِيدُ دُخُولَ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ غَيْرِ النُّسُكِ اخْتُلِفَ فِيهِ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ الْمُعَظَّمِ الْمُحِيطِ بِهَا، وَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ مَكَّةَ أَوْ مِنْطَقَةَ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ لَا لِلنُّسُكِ جَازَ لَهُ أَلاَّ يُحْرِمَ. (انْظُرِ الْأَدِلَّةَ وَفُرُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِي مُصْطَلَحِ «حَرَمٌ»).

44- ج- الِاعْتِبَارُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ، لَا بِاسْمِ الْقَرْيَةِ وَالْبِنَاءِ.فَلَوْ خَرِبَ الْبِنَاءُ فِي الْمِيقَاتِ وَنُقِلَتْ عِمَارَتُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ قَرِيبٍ مِنْهُ وَسُمِّيَ بِاسْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَتَغَيَّرِ الْحُكْمُ، بَلِ الِاعْتِبَارُ بِمَوْضِعِ الْأَوَّلِ.

45- د- لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بِأَعْيَانِهَا، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا بِذَاتِهَا، أَوْ مِنْ حَذْوِهَا، أَيْ مُحَاذَاتِهَا وَمُقَابَلَتِهَا، وَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ فِي تَوْقِيتِ ذَاتِ عِرْقٍ، أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَخَذَ فِي تَوْقِيتِهَا بِالْمُحَاذَاةِ، وَأُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ.فَدَلَّ عَلَى اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْأَخْذِ بِقَاعِدَةِ الْمُحَاذَاةِ.

فُرُوعٌ:

تَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ:

46- مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَيْسَ فِيهِ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ، بَرًّا أَوْ بَحْرًا أَوْ جَوًّا، اجْتَهَدَ وَأَحْرَمَ إِذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ.وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِالِاحْتِيَاطِ لِئَلاَّ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَخُصُوصًا رَاكِبُ الطَّائِرَةِ.

47- إِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُحَاذَاةَ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ.اعْتِبَارًا بِمَسَافَةِ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ، فَإِنَّهُ عَلَى بُعْدِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ.وَعَلَى ذَلِكَ قَرَّرُوا أَنَّ جَدَّةَ تَدْخُلُ فِي الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى مَكَّةَ مِنْ قَرْنِ الْمَنَازِلِ.

48- وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَنْ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ، كَالشَّامِيِّ إِذَا قَدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَالْمَدَنِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا مَرَّ بِالْجُحْفَةِ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ فَمِنْ أَيِّ الْمِيقَاتَيْنِ يُحْرِمُ؟ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ الْأَبْعَدِ، كَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ، مِيقَاتُهُمُ الْجُحْفَةُ، فَإِذَا مَرُّوا بِالْمَدِينَةِ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا جَاوَزُوهُ غَيْرَ مُحْرِمِينَ حَتَّى الْجُحْفَةِ كَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا مِيقَاتُهُ نُدِبَ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِيقَاتَهُ أَمَامَهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ يَمُرُّ بِمِيقَاتَيْنِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَيُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَى الثَّانِي الْأَقْرَبِ إِلَى مَكَّةَ.وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ- فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ- بِأَنْ يَكُونَ الْمِيقَاتُ الثَّانِي مِيقَاتًا لَهُ.اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «هُنَّ لَهُنَّ؛ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ»، فَإِنَّ هَذَا بِعُمُومِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّامِيَّ مَثَلًا إِذَا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ فَهُوَ مِيقَاتُهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ.وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ.

وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِعُمُومِ التَّوْقِيتِ لِأَهْلِ الْمَنَاطِقِ الْمَذْكُورَةِ، إِلَى جَانِبِ الْعُمُومِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ.

فَأَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ بِالْعُمُومِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْعِبَارَتَيْنِ، وَجَوَّزُوا الْإِحْرَامَ مِنْ أَيِّ الْمِيقَاتَيْنِ، مَعَ كَرَاهَةِ التَّأْخِيرِ، وَيَدُلُّ لَهُمْ مَا ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنَ الْفَرْعِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَكَّةَ.وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمَدَنِيِّ.وَيَشْهَدُ لَهُمْ فِعْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ أَحْرَمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ.وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى فِعْلِ الْأَفْضَلِ.

وَيَدُلُّ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمِيقَاتِ تَعْظِيمُ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَيِّ مِيقَاتٍ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ الْمُكَرَّمُ، يَسْتَوِي الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

49- التَّقَدُّمُ بِالْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا حُدِّدَتْ لِمَنْعِ مُجَاوَزَتِهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.

لَكِنِ اخْتُلِفَ هَلِ الْأَفْضَلُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهَا، أَوِ الْإِحْرَامُ مِنْهَا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ أَفْضَلُ، إِذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مُخَالَفَةَ أَحْكَامِ الْإِحْرَامِ.اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ أَحْرَمُوا مِنَ الْمِيقَاتِ، وَلَا يَفْعَلُونَ إِلاَّ الْأَفْضَلَ.وَبِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، فَيَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْكَرَاهَةِ.وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ».وَسُئِلَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- عَنْ قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَقَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ «الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَكْثَرُ، وَالتَّعْظِيمَ أَوْفَرُ» فَيَكُونُ أَفْضَلَ.

50- مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ أَوِ الْقِرَانَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، أَثِمَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إِلَيْهِ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ.فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ سَوَاءٌ تَرَكَ الْعَوْدَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا.لَكِنْ مَنْ تَرَكَ الْعَوْدَ لِعُذْرٍ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الرُّجُوعِ.وَمِنَ الْعُذْرِ خَوْفُ فَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِضِيقِ الْوَقْتِ، أَوِ الْمَرَضِ الشَّاقِّ، أَوْ خَوْفِ فَوَاتِ الرُّفْقَةِ.وَذَلِكَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ.

مِيقَاتُ الْمِيقَاتِيِّ (الْبُسْتَانِيِّ):

51- الْمِيقَاتِيُّ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ فِي مَنَاطِقِ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ مَا يُحَاذِيهَا، أَوْ فِي مَكَانٍ دُونَهَا إِلَى الْحَرَمِ الْمُحِيطِ بِمَكَّةَ كَقَدِيدٍ، وَعُسْفَانَ، وَمَرِّ الظَّهْرَانِ.مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ مِيقَاتَ إِحْرَامِهِ الْمَكَانِيِّ لِلْحَجِّ هُوَ مَوْضِعُهُ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: «يُحْرِمُ مِنْ دَارِهِ، أَوْ مِنْ مَسْجِدِهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ ذَلِكَ».وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِيقَاتُهُ الْقَرْيَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا، إِنْ كَانَ قَرَوِيًّا، أَوِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي يَنْزِلُهَا إِنْ كَانَ بَدَوِيًّا، فَإِنْ جَاوَزَ الْقَرْيَةَ وَفَارَقَ الْعُمْرَانَ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ أَحْرَمَ كَانَ آثِمًا، وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِلْإِسَاءَةِ، فَإِنْ عَادَ إِلَيْهَا سَقَطَ الدَّمُ، عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَبَقَ، وَبَيَانُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ.وَكَذَا إِذَا جَاوَزَ الْخِيَامَ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ مُنْفَرِدًا أَحْرَمَ مِنْ مَنْزِلِهِ.وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ طَرَفِ الْقَرْيَةِ أَوِ الْمَحَلَّةِ الْأَبْعَدِ عَنْ مَكَّةَ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الطَّرَفِ الْأَقْرَبِ جَازَ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مِيقَاتَهُ مِنْطَقَةُ الْحِلِّ أَيْ جَمِيعُ الْمَسَافَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ إِلَى انْتِهَاءِ الْحِلِّ، وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، مَا لَمْ يَدْخُلْ أَرْضَ الْحَرَمِ بِلَا إِحْرَامٍ.وَإِحْرَامُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَفْضَلُ.

اسْتَدَلَّ الْجَمِيعُ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ: «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ»، فَحَمَلَهُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَنْزِلِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمَسْجِدَ وَاسِعٌ لِلْإِحْرَامِ «لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيُحْرِمُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَأْتُونَ مَسْجِدَهُمْ».

وَفَسَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِالْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ الَّتِي يَسْكُنُهَا؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ مِنْهَا.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: «إِنَّ خَارِجَ الْحَرَمِ كُلَّهُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّ الْمِيقَاتِيِّ، وَالْحَرَمُ فِي حَقِّهِ كَالْمِيقَاتِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ إِذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ إِلاَّ مُحْرِمًا».

مِيقَاتُ الْحَرَمِيِّ وَالْمَكِّيِّ:

52- أ- اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ فِي مَكَّةَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْتَوْطِنًا، أَمْ نَازِلًا، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، لِمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ: «فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ».

ب- ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِ ذَلِكَ.

فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَنْ كَانَ مَكِّيًّا، أَوْ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ، كَسُكَّانِ مِنًى، فَوَقْتُهُ الْحَرَمُ لِلْحَجِّ وَلِلْقِرَانِ.وَمِنَ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، أَوْ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكِّيِّ فَقَطْ.

وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ، فَلَوْ أَنَّهُ أَهَلَّ مِنْ خَارِجِ مِنْطَقَةِ الْحَرَمِ، لَزِمَهُ الْعَوْدُ إِلَى الْحَرَمِ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ.

وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ» وَحَدِيثُهُ: «وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ».أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ، وَعَلَّقَهُمَا الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَمَنْ أَهَلَّ بِالْقِرَانِ، فَجَعَلُوا مِيقَاتَ الْقِرَانِ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ الْآتِي تَفْصِيلُهُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَهُوَ مِنْ سُكَّانِ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْطِنًا، أَوْ آفَاقِيًّا نَازِلًا: أَمَّا الْمُسْتَوْطِنُ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ، وَإِنْ تَرَكَهَا وَأَحْرَمَ مِنَ الْحَرَمِ أَوِ الْحِلِّ فَخِلَافُ الْأَوْلَى، وَلَا إِثْمَ، فَلَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَكَّةَ.

وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ مِنَ الْوَقْتِ- وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِ «ذِي النَّفْسِ»- فَيُنْدَبُ لَهُ الْخُرُوجُ إِلَى مِيقَاتِهِ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ.وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ مِنَ الْوَقْتِ فَهُوَ كَالْمُسْتَوْطِنِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْحَرَمِيَّ (الَّذِي لَيْسَ بِمَكَّةَ) حُكْمُهُ حُكْمُ الْمِيقَاتِيِّ.

وَأَمَّا الْمَكِّيُّ: أَيِ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَكِّيٍّ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ فِي مِيقَاتِ الْحَجِّ لَهُ، مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا: الْأَصَحُّ: أَنَّ مِيقَاتَهُ نَفْسُ مَكَّةَ، لِمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ «حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ».

وَالثَّانِي: مِيقَاتُهُ كُلُّ الْحَرَمِ، لِاسْتِوَاءِ مَكَّةَ، وَمَا وَرَاءَهَا مِنَ الْحَرَمِ فِي الْحُرْمَةِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ، وَهُوَ أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ.وَجَازَ وَصَحَّ أَنْ يُحْرِمَ مَنْ بِمَكَّةَ مِنْ سَائِرِ الْحَرَمِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْعُمْرَةِ:

53- هُوَ الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْآفَاقِيِّ وَالْمِيقَاتِيِّ.وَمِيقَاتُ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ غَيْرِ أَهْلِهَا الْحِلُّ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْحَرَمِ، وَلَوْ بِخُطْوَةٍ.وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ.وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ هُمَا مُتَسَاوِيَانِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «عَائِشَةَ: قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِحْرَامِ أَنْ تَكُونَ هُنَا رِحْلَةٌ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَمَّا كَانَتْ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ كُلُّهَا فِي الْحَرَمِ، كَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ فِي الْحِلِّ.وَلَا يُعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

الْفَصْلُ الْخَامِسُ

مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ

حِكْمَةُ حَظْرِ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ حَالَ الْإِحْرَامِ:

54- مِنْ حِكَمِ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ تَذْكِيرُ الْمُحْرِمِ بِمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ مِنْ نُسُكٍ، وَتَرْبِيَةُ النُّفُوسِ عَلَى التَّقَشُّفِ.

وَقَدْ كَانَ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- الْمُغَايَرَةُ فِي حَالِ الْعَيْشِ بَيْنَ التَّقَشُّفِ وَالتَّرَفُّهِ، وَتَقْرِيرُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِذْكَاءُ مُرَاقَبَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ فِي خَصَائِصِ أُمُورِهِ الْعَادِيَةِ، وَالتَّذَلُّلُ وَالِافْتِقَارُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتِكْمَالُ جَوَانِبَ مِنْ عِبَادَةِ الْبَدَنِ.وَقَدْ وَرَدَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا».

الْمَحْظُورَاتُ مِنَ اللِّبَاسِ

55- يَخْتَلِفُ تَحْرِيمُ الْمَلْبَسِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ عَنْ تَحْرِيمِ الْمَلْبَسِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ.

أ- مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ فِي الْمَلْبَسِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ:

56- ضَابِطُ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتُرَ جِسْمَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْهُ بِشَيْءٍ مِنَ اللِّبَاسِ الْمَخِيطِ أَوِ الْمُحِيطِ، كَالثِّيَابِ الَّتِي تُنْسَجُ عَلَى هَيْئَةِ الْجِسْمِ قِطْعَةً وَاحِدَةً دُونَ خِيَاطَةٍ، إِذَا لَبِسَ ذَلِكَ الثَّوْبَ، أَوِ اسْتَعْمَلَهُ فِي اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ لَهُ.وَيَسْتُرُ جِسْمَهُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ، فَيَلْبَسُ رِدَاءً يَلُفُّهُ عَلَى نِصْفِهِ الْعُلْوِيِّ، وَإِزَارًا يَلُفُّهُ عَلَى بَاقِي جِسْمِهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.وَالدَّلِيلُ عَلَى حَظْرِ مَا ذَكَرْنَا مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلاَّ أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ.وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ» أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ زِيَادَةٌ «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

تَفْصِيلُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ:

يَشْمَلُ تَحْرِيمُ هَذِهِ الْأُصُولِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أُمُورًا كَثِيرَةً نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي: لُبْسُ الْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهِمَا:

57- أَوَّلًا: لَوْ وَضَعَ الْقَبَاءَ وَنَحْوَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ لُبْسِ أَكْمَامِهِ فَهُوَ مَحْظُورٌ كَاللُّبْسِ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لِنَهْيِهِ- عليه الصلاة والسلام- عَنْ لُبْسِهِ لِلْمُحْرِمِ.رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرَوَاهُ النِّجَادُ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِهِ كَالْقَمِيصِ.

وَفَصَّلَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَوْ أَلْقَى الْقَبَاءَ أَوِ الْعَبَاءَ وَنَحْوَهُمَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِدْخَالِ يَدَيْهِ أَوْ إِحْدَاهُمَا فِي كُمَّيْهِ وَلَمْ يَزُرَّهُ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا فِدَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فَإِنْ زَرَّهُ أَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ أَوْ إِحْدَاهُمَا فِي كُمَّيْهِ فَهُوَ مَحْظُورٌ، حُكْمُهُ حُكْمُ اللُّبْسِ فِي الْجَزَاءِ.

وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْقَبَاءَ لَا يُحِيطُ بِالْبَدَنِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ بِوَضْعِهِ عَلَى كَتِفَيْهِ، إِذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ كُمَّيْهِ، كَالْقَمِيصِ يَتَّشِحُ بِهِ.

58- ثَانِيًا: مَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ السَّرَاوِيلَ إِلَى أَنْ يَجِدَ مَا يَتَّزِرُ بِهِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَفَصَّلَ الْحَنَفِيَّةُ: فَأَجَازُوا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ إِذَا كَانَ غَيْرَ قَابِلٍ لأَنْ يُشَقَّ وَيُؤْتَزَرَ بِهِ، وَإِلاَّ يَفْتُقُ مَا حَوْلَ السَّرَاوِيلِ مَا خَلَا مَوْضِعِ التِّكَّةِ وَيَتَّزِرْ بِهِ.وَلَوْ لَبِسَهُ كَمَا هُوَ فَعَلَيْهِ دَمٌ، إِلاَّ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا غَيْرَ قَابِلٍ لِذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ: قَوْلٌ بِجَوَازِ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ إِذَا عَدِمَ الْإِزَارَ، وَيَفْتَدِي، وَقَوْلٌ: لَا يَجُوزُ وَلَوْ عَدِمَ الْإِزَارَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


3-موسوعة الفقه الكويتية (تمتع)

تَمَتُّعٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التَّمَتُّعُ فِي اللُّغَةِ: الِانْتِفَاعُ، وَالْمَتَاعُ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَمَا يُتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ الزَّادِ.

وَالْمُتْعَةُ اسْمٌ مِنَ التَّمَتُّعِ، وَمِنْهُ مُتْعَةُ الْحَجِّ وَمُتْعَةُ الطَّلَاقِ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ يُطْلَقُ التَّمَتُّعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

أَوَّلًا: بِمَعْنَى مُتْعَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَى امْرَأَةٍ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُتْعَةٌ).

وَثَانِيًا: بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَفْعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إِلْمَامًا صَحِيحًا- وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ النُّزُولُ فِي وَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ- وَيُحْرِمُ لِلْحَجِّ مِنَ الْحَرَمِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيُتَمِّمَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجَّ بَعْدَهَا فِي عَامِهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ عَامِهِ دُونَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا.

وَسُمِّيَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بَعْدَ تَمَامِ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ؛ وَلِتَرَفُّقِهِ وَتَرَفُّهِهِ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ.

هَذَا هُوَ مَعْنَى التَّمَتُّعِ الَّذِي يُقَابِلُ الْقِرَانَ وَالْإِفْرَادَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْإِفْرَادُ:

2- الْإِفْرَادُ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَيُحْرِمَ بِهِ مُنْفَرِدًا.

وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِفْرادٌ).

ب- الْقِرَانُ:

3- الْقِرَانُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَرَنَ بِمَعْنَى جَمَعَ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ عَلَى خِلَافٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِرَانٌ)

الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ:

4- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ- رضي الله عنهما- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَفْرَدَ الْحَجَّ».

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ- وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ- لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ؛ وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- حَجَّ قَارِنًا».وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»،، وَلِأَنَّ الْقَارِنَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ بِامْتِدَادِ إِحْرَامِهِمَا، وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ، فَيَكُونُ الثَّوَابُ فِي الْقِرَانِ أَتَمَّ وَأَكْمَلَ.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ- وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ- بِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إِذَا لَمْ يَسُقْ هَدْيًا، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ اخْتِيَارُ التَّمَتُّعِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةُ وَكَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ أَنْ يُحِلُّوا وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً».فَنَقْلُ النَّبِيِّ إِيَّاهُمْ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إِلَى التَّمَتُّعِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ.

أَرْكَانُ التَّمَتُّعِ:

5- التَّمَتُّعُ جَمْعٌ بَيْنَ نُسُكَيِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ بِإِحْرَامَيْنِ: إِحْرَامٍ مِنَ الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ، وَإِحْرَامٍ مِنْ مَكَّةَ لِلْحَجِّ؛ وَلِذَلِكَ فَأَرْكَانُ التَّمَتُّعِ هِيَ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِأَرْكَانِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ كَالْمُفْرِدِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ).

وَهُنَاكَ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ لِلتَّمَتُّعِ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ كَمَا يَأْتِي: شُرُوطُ التَّمَتُّعِ:

أ- تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ:

6- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِهَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنَ الْمِيقَاتِ أَوْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِهِمَا يُصْبِحُ قَارِنًا.إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ صَحَّ تَمَتُّعُهُ.

ب- أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ:

7- يُشْتَرَطُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ تَكُونَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنِ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَلَّ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.

وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَعْطَوُا الْأَكْثَرَ حُكْمَ الْكُلِّ فَقَالُوا: لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يُعْتَبَرُ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ وَقَعَ الْإِحْرَامُ وَالْأَشْوَاطُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِعْلُ بَعْضِ رُكْنِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ شَوْطًا مِنَ السَّعْيِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ.فَمَنْ أَدَّى شَوْطًا مِنَ السَّعْيِ وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ،

وَإِنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ- فَاشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ وَأَعْمَالِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ وَقَعَتْ أَفْعَالُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْإِحْرَامِ- وَهُوَ نُسُكٌ لَا تَتِمُّ الْعُمْرَةُ إِلاَّ بِهِ- فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ طَافَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَى بِأَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ، وَاسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ فِيهَا.

ج- كَوْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ:

8- يُشْتَرَطُ فِي التَّمَتُّعِ أَنْ تُؤَدَّى الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ بَلْ حَجَّ الْعَامَ الْقَابِلَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَإِنْ بَقِيَ حَرَامًا إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ (({فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا؛ وَلِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا لَمْ يَحُجُّوا مِنْ عَامِهِمْ ذَلِكَ لَمْ يُهْدُوا.

وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

د- عَدَمُ السَّفَرِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ:

9- اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي بَيَانِ هَذَا الشَّرْطِ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ وَالْحَجُّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إِلْمَامًا صَحِيحًا فَانْقَطَعَ حُكْمُ السَّفَرِ الْأَوَّلِ.

وَلَوْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ إِتْمَامِ الطَّوَافِ ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الطَّوَافِ فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِي الثَّانِي كَانَ مُتَمَتِّعًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ عَدَمُ رُجُوعِهِ بَعْدَ عُمْرَتِهِ إِلَى بَلَدِهِ أَوْ إِلَى مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ، فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ.وَأَمَّا إِذَا رَجَعَ إِلَى أَقَلَّ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَلَدُهُ بَعِيدًا كَتُونِسَ، فَإِنَّ هَذَا إِذَا رَجَعَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ فِعْلِ عُمْرَتِهِ وَقَبْلَ حَجِّهِ وَعَادَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ.

هـ- التَّحَلُّلُ مِنَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ:

10- يُشْتَرَطُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَحِلَّ مِنَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، فَإِنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ حِلِّهِ مِنْهَا فَيَكُونُ قَارِنًا وَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، أَمَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَحِلُّ مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِلْحَجِّ كَمَا يُحْرِمُ أَهْلُ مَكَّةَ، فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنَ الْإِحْرَامَيْنِ.

و- أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:

11- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا تَمَتُّعَ لَهُمْ، إِذْ قَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.

وَلِأَنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِيقَاتُهُمْ مَكَّةُ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمُ التَّرَفُّهُ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً وَلَا كَذَلِكَ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

الْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

12- صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، (وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ) دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ أَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: هُمْ مُقِيمُو مَكَّةَ وَمُقِيمُو ذِي طُوًى.

وَالْعِبْرَةُ بِالتَّوَطُّنِ، فَلَوِ اسْتَوْطَنَ الْمَكِّيُّ الْمَدِينَةَ مَثَلًا فَهُوَ آفَاقِيٌّ، وَبِالْعَكْسِ مَكِّيٌّ.فَإِنْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا بَعِيدٌ، وَالْآخَرُ قَرِيبٌ اُعْتُبِرَ فِي كَوْنِهِ مِنَ الْحَاضِرِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَثْرَةُ إِقَامَتِهِ بِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ.فَإِنِ اسْتَوَتْ إِقَامَتُهُ بِهِمَا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاعْتُبِرَ الْأَهْلُ وَالْمَالُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَكْثَرِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ أَهْلَانِ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا، فَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْهَدْيِ وَلَوْ غَلَبَتْ إِقَامَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا.

هَذَا وَإِذَا دَخَلَ الْآفَاقِيُّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِهَا بَعْدَ تَمَتُّعِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

ز- عَدَمُ إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْحَجِّ:

13- ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ- أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ عَدَمَ إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْحَجِّ، فَإِذَا أَفْسَدَهَا لَا يُعْتَبَرُ مُتَمَتِّعًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ التَّرَفُّهُ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ نُسُكَيْهِمَا لَمْ يَسْقُطِ الدَّمُ عَنْهُمَا، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَا وَجَبَ فِي النُّسُكِ الصَّحِيحِ وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ.

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ أَنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَثْنَائِهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الْآخَرُونَ.

14- وَلَا يُعْتَبَرُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَلَوِ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ وَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عَنِ اثْنَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ، أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَخَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْأَشْهَرُ اشْتِرَاطُهُ.

هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مُعْتَبَرَةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ لَا لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ مِنَ الْمَكِّيِّ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ.وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا تُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، فَلَوْ فَاتَ شَرْطٌ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.

سَوْقُ الْهَدْيِ هَلْ يَمْنَعُ التَّحَلُّلَ؟

15- قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْمُتَمَتِّعُ إِذَا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ يَتَحَلَّلُ، سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَمْ يَسُقْ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ لِلْمُتَمَتِّعِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ- وَهُوَ أَفْضَلُ- وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ وَلَا يَتَحَلَّلُ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا يُحْرِمُ أَهْلُ مَكَّةَ.لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ مِنْهَا» وَهَذَا يَنْفِي التَّحَلُّلَ عِنْدَ سَوْقِ الْهَدْيِ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنَ الْإِحْرَامَيْنِ وَذَبَحَ دَمَ التَّمَتُّعِ.وَعَدَمُ التَّحَلُّلِ لِمَنْ يَسُوقُ الْهَدْيَ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ.لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ».

وُجُوبُ الْهَدْيِ فِي التَّمَتُّعِ:

16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْهَدْيُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَذَلِكَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}

وَالْهَدْيُ الْوَاجِبُ شَاةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ بَعِيرٌ أَوْ سُبُعُ الْبَقَرَةِ أَوِ الْبَعِيرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بَدَنَةٌ وَلَا يَصِحُّ سُبُعُ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ.

وَوَقْتُ وُجُوبِهِ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ وَقْتُ وُجُوبِهِ الْوَقْتُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ.وَوَقْتُ ذَبْحِهِ وَإِخْرَاجِهِ يَوْمُ النَّحْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ بَعْدَ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ قَبْلَ الْعَشْرِ طَافَ وَسَعَى وَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَإِنْ قَدَّمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْحَرْ إِلاَّ يَوْمَ النَّحْرِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ: (هَدْيٌ).

بَدَلُ الْهَدْيِ:

17- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بِأَنْ فَقَدَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، يَنْتَقِلُ إِلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ؛ وَذَلِكَ لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}.

وَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ فِي مَوْضِعِهِ، فَمَتَى عَدِمَهُ فِي مَوْضِعِهِ جَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إِلَى الصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْهَدْيِ فِي بَلَدِهِ.

هَذَا وَلَا يَلْزَمُ التَّتَابُعُ فِي الصِّيَامِ بَدَلَ الْهَدْيِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا.وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا السَّبْعَةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ.

وَقْتُ الصِّيَامِ وَمَكَانُهُ:

أَوَّلًا- صِيَامُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ:

18- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِصِيَامِ الثَّلَاثَةِ هُوَ أَنْ يَصُومَهَا مَا بَيْنَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَكُونُ آخِرُ أَيَّامِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِيُكْمِلَ الثَّلَاثَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلُ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إِلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ.

وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ.

وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الثَّلَاثَةِ أَوْ يَوْمٍ مِنْهَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا كَسَائِرِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ؛ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الدَّمُ فَلَمْ يَجُزْ بَدَلُهُ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا حَلَّ مِنَ الْعُمْرَةِ.وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ أَحَدُ إِحْرَامَيِ التَّمَتُّعِ فَجَازَ الصَّوْمُ بَعْدَهُ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ.وَأَمَّا قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} فَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُهُ أَوْ أَشْهُرُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ- وَهِيَ أَفْعَالٌ مَعْلُومَةٌ- لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِفِعْلٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّوْمُ.

وَأَمَّا تَقْدِيمُ الصَّوْمِ عَلَى إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ وُجُودِ السَّبَبِ.وَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ حَتَّى أَتَى يَوْمُ النَّحْرِ صَامَ أَيَّامَ مِنًى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ- وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَصُومُهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ فَيُقْضَى، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) وَمُدَّةُ إِمْكَانِ السَّيْرِ إِلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلاَّ الدَّمُ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنِ الْهَدْيِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ وَلِأَنَّ الْإِبْدَالَ ثَبَتَ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَثْبُتُ إِلاَّ بِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ، فَإِذَا فَاتَ وَقْتُهُ فَاتَ هُوَ أَيْضًا فَيَظْهَرُ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الدَّمُ عَلَى مَا كَانَ

ثَانِيًا- صِيَامُ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ:

19- يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ لِيُكْمِلَ الْعَشَرَةَ، لقوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ»

وَيَجُوزُ صِيَامُهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَجِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِذِ الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْفَرَاغُ مِنَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ، فَكَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ: لَا يَجُوزُ صِيَامُهَا إِلاَّ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ لقوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَكَّةَ إِلاَّ إِذَا أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِهَا.

ثَالِثًا- الْقُدْرَةُ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصِّيَامِ:

20- مَنْ دَخَلَ فِي الصِّيَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنَ الصَّوْمِ إِلَى الْهَدْيِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَيَجِبُ الْهَدْيُ، وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ لَا يَجِبُ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا فِي الْمَوْضُوعِ وَقَالُوا: إِنْ أَيْسَر بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَقَبْلَ إِكْمَالِ الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلْهَدْيِ، وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ إِتْمَامِ الْيَوْمِ وَقَبْلَ إِكْمَالِ الثَّالِثِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ الثَّالِثِ يَجُوزُ لَهُ التَّمَادِي عَلَى الصَّوْمِ وَالرُّجُوعُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


4-موسوعة الفقه الكويتية (عمرة 1)

عُمْرَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْعُمْرَةُ: بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمِيمِ لُغَةً: الزِّيَارَةُ، وَقَدِ اعْتَمَرَ إِذَا أَدَّى الْعُمْرَةَ، وَأَعْمَرَهُ: أَعَانَهُ عَلَى أَدَائِهَا.

وَاصْطِلَاحًا عَرَّفَهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِإِحْرَامٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْحَجُّ:

2- الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، أَوِ الْقَصْدُ إِلَى مُعَظَّمٍ

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: عَرَّفَهُ الدَّرْدِيرُ بِأَنَّهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الْحَجِّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَثِيقَةٌ، فَالْحَجُّ يَتَضَمَّنُ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِأَشْيَاءَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَبِيتِ بِمِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

3- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْوَاجِبِ.

وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ مُعْظَمُهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ فَأَجْزَأَ عَنْهُمُ.

اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى سُنِّيَّةِ الْعُمْرَةِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ»، وَبِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ- رضي الله عنه-: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ».

وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أَيِ: افْعَلُوهُمَا تَامَّيْنِ، فَيَكُونُ النَّصُّ أَمْرًا بِهِمَا فَيَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.

وَبِحَدِيثِ «عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ»

فَضِيلَةُ الْعُمْرَةِ:

4- وَرَدَ فِي فَضْلِ الْعُمْرَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ».وَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ»

وُجُوهُ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ:

5- تَتَأَدَّى الْعُمْرَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَهِيَ:

أ) إِفْرَادُ الْعُمْرَةِ: وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ أَيْ: يَنْوِيَهَا وَيُلَبِّيَ- دُونَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِحَجٍّ- فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ بَعْدَ الْحَجِّ، أَوْ يَأْتِيَ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهَذِهِ كُلُّهَا إِفْرَادٌ لِلْعُمْرَةِ.

ب) التَّمَتُّعُ: وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِهَا وَيَتَحَلَّلَ، ثُمَّ يَحُجَّ، فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ بِالشُّرُوطِ الْمُقَرَّرَةِ لِلتَّمَتُّعِ.

(ر: تَمَتُّع ف 7 وَحَجّ ف 37).

ج) الْقِرَانُ: وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا فِي إِحْرَامٍ وَاحِدٍ، فَيَأْتِي بِأَفْعَالِهِمَا مُجْتَمِعَيْنِ، وَتَدْخُلُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُجْزِئُهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ، وَيَظَلُّ مُحْرِمًا حَتَّى يَتَحَلَّلَ بِأَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْحَجِّ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ طَوَافٌ وَسَعْيٌ لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ طَوَافٌ وَسَعْيٌ لِحَجِّهِ، وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، بَلْ يَظَلُّ مُحْرِمًا أَيْضًا حَتَّى يَتَحَلَّلَ تَحَلُّلَ الْحَجِّ (ر: قِرَان، وَحَجّ ف 37 ب).

وَكَيْفَمَا أَدَّى الْعُمْرَةَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ تُجْزِئُ عَنْهُ، وَيَتَأَدَّى فَرْضُهَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِفَرْضِيَّتِهَا كَمَا تَتَأَدَّى سُنِّيَّتُهَا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْمُتَمَتِّعِ وَعُمْرَةُ الْقَارِنِ، وَالْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ عَنِ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي إِجْزَاءِ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ خِلَافًا، كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ.

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لَا تُجْزِئُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ الْعُمْرَةَ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَا تُجْزِئُ عَنِ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ، وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لَا تُجْزِئُ بِأَنَّ «عَائِشَةَ- رضي الله عنها- حِينَ حَاضَتْ أَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» فَلَوْ كَانَتْ عُمْرَتُهَا فِي قِرَانِهَا أَجْزَأَتْهَا لِمَا أَعْمَرَهَا بَعْدَهَا.

وَاسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ بِقَوْلِ «الصَّبِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ: إِنِّي وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَهْلَلْتُ بِهِمَا، فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِمَا يَعْتَقِدُ أَدَاءَ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَالْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَتِهِمَا، فَصَوَّبَهُ عُمَرُ، وَقَالَ: «هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ» وَبِحَدِيثِ «عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: قَالَ لَهَا لَمَّا جَمَعَتْ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنَّمَا أَعْمَرَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنَ التَّنْعِيمِ قَصْدًا لِتَطْيِيبِ قَلْبِهَا وَإِجَابَةِ مَسْأَلَتِهَا، لَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَجْزَأَتْهَا عُمْرَةُ الْقِرَانِ فَقَدْ أَجْزَأَتْهَا الْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَهُوَ أَحَدُ مَا قَصَدْنَا الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ،؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا صَحِيحَةً فَتُجْزِئُهُ كَعُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ؛ وَلِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ أَحَدُ نُسُكَيِ الْقِرَانِ فَأَجْزَأَتْ كَالْحَجِّ، وَالْحَجُّ مِنْ مَكَّةَ يُجْزِئُ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ، فَالْعُمْرَةُ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ فِي حَقِّ الْمُفْرِدِ- لِلْعُمْرَةِ- أَوْلَى

صِفَةُ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ:

6- مَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَعِدُّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مَتَى بَلَغَ الْمِيقَاتَ أَوِ اقْتَرَبَ مِنْهُ إِنْ كَانَ آفَاقِيًّا، أَوْ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ أَيْ: مِنْ حَيْثُ يَشْرَعُ فِي التَّوَجُّهِ لِلْعُمْرَةِ إِنْ كَانَ مِيقَاتِيًّا، أَيْ يَسْكُنُ أَوْ يَنْزِلُ فِي الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَا يُحَاذِيهَا، أَوْ فِي الْمِنْطَقَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَرَمِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ حَرَمِيًّا أَوْ مُقِيمًا أَوْ نَازِلًا فِي مَكَّةَ أَوْ فِي مِنْطَقَةِ الْحَرَمِ حَوْلَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ إِلَى أَقْرَبِ مَنَاطِقِ الْحِلِّ إِلَيْهِ، فَيُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ مَتَى جَاوَزَ الْحَرَمَ إِلَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ.

7- وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْإِحْرَامِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُسَنُّ لَهُ، وَهُوَ: الِاغْتِسَالُ وَالتَّنَظُّفُ وَتَطْيِيبُ الْبَدَنِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْإِحْرَامِ، وَتُجْزِئُ عَنْهُمَا صَلَاةُ الْمَكْتُوبَةِ، ثُمَّ يَنْوِي بَعْدَهُمَا الْعُمْرَةَ، بِنَحْوِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثُمَّ يُلَبِّي قَائِلًا: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» وَبِهَذَا يُصْبِحُ مُحْرِمًا أَيْ: دَاخِلًا فِي الْعُمْرَةِ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ، وَيَسْتَمِرُّ يُلَبِّي حَتَّى يَدْخُلَ مَكَّةَ وَيَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ.

8- فَإِذَا دَخَلَ الْمُعْتَمِرُ مَكَّةَ بَادَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ بِغَايَةِ الْخُشُوعِ وَالِاحْتِرَامِ، وَيَبْدَأُ بِالطَّوَافِ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ طَوَافَ رُكْنِ الْعُمْرَةِ، فَيَنْوِيهِ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَيُقَبِّلُهُ إِنْ لَمْ يَخْشَ الزِّحَامَ أَوْ إِيذَاءَ أَحَدٍ وَيُكَبِّرُ وَإِلاَّ أَشَارَ إِلَيْهِ وَكَبَّرَ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ أَوِ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ، وَكُلَّمَا مَرَّ بِالْحَجَرِ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ.

9- وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَضْطَبِعَ فِي أَشْوَاطِ طَوَافِهِ هَذَا كُلِّهَا، وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ إِبْطِهِ الْيُمْنَى، وَيَرُدَّ طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى وَيُبْقِي كَتِفَهُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً، كَمَا يُسَنُّ لِلرَّجُلِ الرَّمَلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى، وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي، وَلْيُكْثِرِ الْمُعْتَمِرُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي طَوَافِهِ كُلِّهِ.

10- ثُمَّ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَسْتَلِمَهُ وَيُقَبِّلُهُ إِنْ تَيَسَّرَ وَيُكَبِّرُ أَوْ يُشِيرُ إِلَيْهِ وَيُكَبِّرُ، وَيَذْهَبُ إِلَى الصَّفَا، وَيَقْرَأُ الْآيَةَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}.

وَيَبْدَأُ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الصَّفَا، فَيَرْقَى عَلَى الصَّفَا حَتَّى يَرَى الْكَعْبَةَ الْمُعَظَّمَةَ، فَيَقِفُ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهَا وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو ثُمَّ يَنْزِلُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَرْوَةِ وَيُسْرِعُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَرْوَةَ، فَيَقِفَ عَلَيْهَا يَذْكُرُ وَيَدْعُو بِمِثْلِ مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلَ فَيَفْعَلَ كَمَا فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ تَنْتَهِي عَلَى الْمَرْوَةِ، وَلْيُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِي سَعْيِهِ، ثُمَّ إِذَا فَرَغَ الْمُعْتَمِرُ مِنْ سَعْيِهِ حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَصَّرَهُ وَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ مِنْ إِحْرَامِهِ تَحَلُّلًا كَامِلًا، وَيَمْكُثُ بِمَكَّةَ حَلَالًا مَا بَدَا لَهُ.

11- ثُمَّ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ مِنْ مَكَّةَ- وَلَوْ كَانَ مَكِّيًّا- وُجُوبًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَسُنَّةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلاَّ إِنْ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ مَنْزِلُهُ فِي الْحَرَمِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَدَاعُ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا يَجِبُ عِنْدَهُمْ طَوَافُ الْوَدَاعِ عَلَى الْمُعْتَمِرِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ عِنْدَهُمْ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، شُرِعَ لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ:

12- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَرْكَانَ الْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ هِيَ: الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَقَالَ بِرُكْنِيَّتِهَا الشَّافِعِيَّةُ، وَزَادُوا رُكْنًا رَابِعًا هُوَ: الْحَلْقُ.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِلْعُمْرَةِ، وَرُكْنُهَا وَاحِدٌ هُوَ: الطَّوَافُ.

الرُّكْنُ الْأَوَّلُ: الْإِحْرَامُ:

13- الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ نِيَّةُ الْعُمْرَةِ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: نِيَّةُ الْعُمْرَةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوِ الْخُصُوصِيَّةِ.

وَمُرَادُهُمْ بِالذِّكْرِ: التَّلْبِيَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِالْخُصُوصِيَّةِ: مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّلْبِيَةِ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ أَوْ تَقْلِيدِ الْبُدْنِ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِحْرَامِ مُقَارَنَتُهُ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالتَّلْبِيَةُ شَرْطٌ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِدُونِ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَهُمْ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا، فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْأَصْلِ، وَالسُّنَّةُ قَرْنُهَا بِالْإِحْرَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا.

وَصِيغَةُ التَّلْبِيَةِ هِيَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.

وَاجِبَاتُ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ:

14- يَجِبُ فِي الْعُمْرَةِ الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَتَجَنُّبُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ

مِيقَاتُ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ:

الْمِيقَاتُ قِسْمَانِ: مِيقَاتٌ زَمَانِيٌّ، وَمِيقَاتٌ مَكَانِيٌّ:

الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ:

15- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ الزَّمَانِيَّ هُوَ جَمِيعُ الْعَامِ لِغَيْرِ الْمُشْتَغِلِ بِالْحَجِّ، فَيَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا الْإِنْسَانُ وَيَفْعَلَهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، لِمَا سَيَأْتِي.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- حَلَّتِ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلاَّ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ: يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ شُغْلٍ بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةُ فِيهَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَقَعُ الْخَلَلُ فِيهِ فَتُكْرَهُ.

الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ:

مِيقَاتُ الْآفَاقِيِّ:

16- وَالْآفَاقِيُّ: هُوَ مَنْ مَنْزِلُهُ خَارِجَ مِنْطَقَةِ الْمَوَاقِيتِ، وَمَوَاقِيتُ الْآفَاقِيِّ هِيَ: ذُو الْحُلَيْفَةِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ مَرَّ بِهَا، وَالْجُحْفَةُ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمَنْ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا كَأَهْلِ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ، وَيُحْرِمُونَ الْآنَ مِنْ رَابِغٍ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِقَلِيلٍ، وَقَرْنُ الْمَنَازِلِ «وَيُسَمَّى الْآنَ السَّيْلُ» لِأَهْلِ نَجْدٍ، وَيَلَمْلَمُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَتِهَامَةَ وَالْهِنْدِ، وَذَاتُ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ.

ب) الْمِيقَاتِيُّ:

17- وَالْمِيقَاتِيُّ: هُوَ مَنْ كَانَ فِي مَنَاطِقِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَا يُحَاذِيهَا أَوْ مَا دُونَهَا إِلَى مَكَّةَ.

وَهَؤُلَاءِ مِيقَاتُهُمْ مِنْ حَيْثُ أَنْشَئُوا الْعُمْرَةَ وَأَحْرَمُوا بِهَا، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: مِيقَاتُهُمُ الْحِلُّ كُلُّهُ، وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: يُحْرِمُ مِنْ دَارِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ لَا غَيْرُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَالُوا: مِيقَاتُهُمُ الْقَرْيَةُ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا لَا يُجَاوِزُونَهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ.

ج) الْحَرَمِيُّ:

18- وَالْحَرَمِيُّ وَهُوَ الْمُقِيمُ بِمِنْطَقَةِ الْحَرَمِ وَالْمَكِّيُّ وَمَنْ كَانَ نَازِلًا بِمَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ، هَؤُلَاءِ مِيقَاتُهُمْ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْحِلُّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجُوا لِلْعُمْرَةِ عَنِ الْحَرَمِ إِلَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ يَتَجَاوَزُونَ بِهَا الْحَرَمَ إِلَى الْحِلِّ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَام ف 39- 52- 53).

وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْدِيدِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ».

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا انْتَهَى الْآفَاقِيُّ إِلَى الْمِيقَاتِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ أَوِ الْقِرَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ مُجَاوَزَتُهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا مِيقَاتُ الْحَرَمِيِّ وَالْمَكِّيِّ لِلْعُمْرَةِ فَقَدْ خُصَّ مِنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِمَا وَرَدَ «عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- فِي قِصَّةِ حَجِّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ»

اجْتِنَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ:

19- مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ هِيَ مَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ، مِنْهَا: أ) يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ: لُبْسُ الْمَخِيطِ وَكُلُّ مَا نُسِجَ مُحِيطًا بِالْجِسْمِ أَوْ بِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ كَالْجَوَارِبِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَضْعُ غِطَاءٍ عَلَى الرَّأْسِ وَتَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، وَلُبْسُ حِذَاءٍ يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ.

ب) يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ سَتْرُ الْوَجْهِ بِسِتْرٍ يُلَامِسُ الْبَشَرَةَ، وَلُبْسُ قُفَّازَيْنِ، وَتَلْبَسُ سِوَى ذَلِكَ لِبَاسَهَا الْعَادِيَّ.

ج) يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الطِّيبُ وَأَيْ شَيْءٍ فِيهِ طِيبٌ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ مِنَ الرَّأْسِ وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ فِي الْجِسْمِ، وَاسْتِعْمَالُ الدُّهْنِ الْمُلَيِّنِ لِلشَّعْرِ أَوِ الْجِسْمِ- وَلَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ- وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَالصَّيْدُ وَالْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ الْمُهَيِّئَةُ لَهُ، وَالرَّفَثُ «أَيْ: الْمُحَادَثَةُ بِشَأْنِهِ» وَلْيَجْتَنِبِ الْمُحْرِمُونَ الْفُسُوقَ أَيْ: مُخَالَفَةَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا الْجِدَالُ بِالْبَاطِلِ.

وَيَجِبُ فِي ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الْجَزَاءُ، وَفِي الْجِمَاعِ خَاصَّةً فَسَادُ الْعُمْرَةِ وَالْكَفَّارَةُ وَالْقَضَاءُ، عَدَا مَا حَرُمَ مِنَ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ فَفِيهَا الْإِثْمُ وَالْجَزَاءُ الْأُخْرَوِيُّ فَقَطْ.

انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِحْرَام: ف 145- 185)

مَكْرُوهَاتُ الْإِحْرَامِ:

20- يُكْرَهُ فِي إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ مَا يُكْرَهُ فِي إِحْرَامِ الْحَجِّ، مِثْلُ تَمْشِيطِ الرَّأْسِ أَوْ حَكِّهِ بِقُوَّةٍ، وَكَذَا حَكُّ الْجَسَدِ حَكًّا شَدِيدًا، وَالتَّزَيُّنُ

(ر: إِحْرَام ف 95- 98)

سُنَنُ الْإِحْرَامِ:

21- يُسَنُّ فِي الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ هِيَ:

الِاغْتِسَالُ، وَتَطْيِيبُ الْبَدَنِ لَا الثَّوْبِ، وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، يَفْعَلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ.ثُمَّ التَّلْبِيَةُ عَقِبَ النِّيَّةِ، وَالتَّلْبِيَةُ فَرْضٌ فِي الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ (ر: إِحْرَام ف 108- 116)

وَيُسَنُّ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ التَّلْبِيَةِ مُنْذُ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى بَدْءِ الطَّوَافِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُعْتَمِرُ الْآفَاقِيُّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ، لَا إِلَى رُؤْيَةِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَوْ مِنَ التَّنْعِيمِ يُلَبِّي إِلَى دُخُولِ بُيُوتِ مَكَّةَ

الرُّكْنُ الثَّانِي: الطَّوَافُ:

22- الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ، وَفَرْضُهُ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْأَرْبَعَةُ فَرْضٌ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ وَاجِبَةٌ.

وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الطَّوَافِ: سَبْقُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ سَائِرُ شُرُوطِ الطَّوَافِ الْعَامَّةِ، وَهِيَ: أَصْلُ نِيَّةِ الطَّوَافِ، وَوُقُوعُ الطَّوَافِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَأَنْ يَشْمَلَ الْحِجْرَ (أَيِ الْحَطِيمَ) وَالتَّيَامُنَ، وَالطَّهَارَةَ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَنْجَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.

وَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَجَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ شُمُولَ الطَّوَافِ لِلْحِجْرِ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَاجِبَاتٍ فِي الطَّوَافِ.

وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مُوَالَاةَ أَشْوَاطِ الطَّوَافِ، وَهِيَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ سُنَّةٌ.

وَيَجِبُ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ: الْمَشْيُ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: كِلَا هَذَيْنِ سُنَّةٌ.

وَيُسَنُّ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ: الرَّمَلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يَمْشِي فِي الْبَاقِي، وَالِاضْطِبَاعُ فِيهِ كُلِّهِ، وَهَذَانِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَهَذَا طَوَافٌ بَعْدَهُ سَعْيٌ، وَيُسَنُّ ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ قَبْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِقَلِيلٍ، وَاسْتِقْبَالُ الْحَجَرِ، وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ إِنْ تَيَسَّرَ وَإِلاَّ اسْتَقْبَلَهُ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدَيْهِ، وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالدُّعَاءُ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (طَوَاف ف 12 وَمَا بَعْدَهَا) الرُّكْنُ الثَّالِثُ: السَّعْيُ:

23- السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحْكَامُ السَّعْيِ فِي الْعُمْرَةِ هِيَ أَحْكَامُ السَّعْيِ فِي الْحَجِّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ سَبْقُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَأَنْ يَسْبِقَهُ الطَّوَافُ، وَأَنْ يَبْدَأَ السَّعْيَ بِالصَّفَا فَالْمَرْوَةِ، فَلَوْ عَكَسَ لَغَا الشَّوْطُ وَاحْتُسِبَ مِنْ عِنْدِ الصَّفَا.

وَرُكْنُ السَّعْيِ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَرْبَعَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَاقِي وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ.

وَيَجِبُ الْمَشْيُ فِي السَّعْيِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَيُسَنُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَتُسَنُّ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ، وَنِيَّةُ السَّعْيِ، وَالسَّعْيُ الشَّدِيدُ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ، كَمَا تُسَنُّ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَشْوَاطِ السَّعْيِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (سَعْي ف 5 وَمَا بَعْدَهَا). شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ:

24- شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِفَرْضِيَّتِهَا هِيَ شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا وَسُنِّيَّتِهَا.

فَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ: الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ، وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطٌ لِفَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ فَقَطْ، لَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا سُقُوطُ الْفَرْضِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِفَرْضِيَّةِ الْعُمْرَةِ أَوْ وُجُوبِهَا، فَلَوِ اعْتَمَرَ مَنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ صَحَّتْ عُمْرَتُهُ وَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ.

وَتَتَلَخَّصُ الِاسْتِطَاعَةُ فِي مِلْكِ الزَّادِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى آلَةِ الرُّكُوبِ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

وَتَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِشَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا: مُصَاحَبَةُ الزَّوْجِ أَوِ الْمَحْرَمِ، وَعَدَمُ الْعِدَّةِ.

وَيُجْزِئُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رُفْقَةُ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ عِوَضًا عَنِ الْمَحْرَمِ أَوِ الزَّوْجِ فِي سَفَرِ الْفَرْضِ.

أَمَّا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَهُمَا شَرْطَانِ لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَإِجْزَائِهَا عَنِ الْفَرْضِ، فَلَوِ اعْتَمَرَ الصَّبِيُّ أَوِ الْعَبْدُ صَحَّتْ عُمْرَتُهُمَا، وَلَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهَا عَنْهُمَا عِنْدَ الْبُلُوغِ أَوِ الْعِتْقِ.

وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ: فَهُمَا شَرْطَانِ لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَصِحَّتِهَا، فَلَا تَجِبُ الْعُمْرَةُ عَلَى كَافِرٍ، وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمَا، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ عَنِ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ وَيُؤَدِّيَ الْمَنَاسِكَ عَنْهُ، وَيُجَنِّبَهُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَهَكَذَا، لَكِنْ لَا يُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ أَوِ الطَّوَافِ، بَلْ تَسْقُطَانِ عَنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيُصَلِّيهِمَا عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ

(ر: إِحْرَام ف 135 وَحَجّ ف 104- 106)

وَاجِبَاتُ الْعُمْرَةِ:

25- يَجِبُ فِي الْعُمْرَةِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: هُوَ رُكْنٌ.

الثَّانِي: الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ: إِنَّهُ رُكْنٌ.

وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ هُوَ حَلْقُ شَعْرِ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَرُبُعُ الرَّأْسِ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَثَلَاثُ شَعَرَاتٍ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالْحَلْقُ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ فِي الْعُمْرَةِ إِلاَّ لِلْمُتَمَتِّعِ، فَالتَّقْصِيرُ لَهُ أَفْضَلُ، لِكَيْ يُبْقِيَ شَعْرًا يَأْخُذُهُ فِي الْحَجِّ.

وَالسُّنَّةُ لِلنِّسَاءِ التَّقْصِيرُ فَقَطْ، وَيُكْرَهُ الْحَلْقُ فِي حَقِّهِنَّ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ

سُنَنُ الْعُمْرَةِ:

26- يُسَنُّ فِي الْعُمْرَةِ مَا يُسَنُّ فِي الْأَفْعَالِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ: فِي الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَالْحَلْقِ

مَمْنُوعَاتُ الْعُمْرَةِ:

27- يُمْنَعُ فِي الْعُمْرَةِ مُخَالَفَةُ أَحْكَامِهَا بِحَسْبِ الْحُكْمِ الَّذِي تَقَعُ الْمُخَالَفَةُ لَهُ.

فَمُحَرَّمَاتُ الْعُمْرَةِ: هِيَ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، فَيَحْرُمُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنَ الطَّوَافِ، أَوِ السَّعْيِ أَوِ الْحَلْقِ، عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهِمَا، وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا تَرَكَهُ.

وَمَكْرُوهَاتُ الْعُمْرَةِ: تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِهَا، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ حَرَامٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِثْمُ عِنْدَ الْجَمْعِ، وَيَلْزَمُ الدَّمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَيُكْرَهُ تَرْكُ سُنَّةٍ مِنَ السُّنَنِ، وَلَا تُسَمَّى كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَلَا يَلْزَمُ جَزَاءٌ بِتَرْكِهَا.

الْمُبَاحُ فِي الْعُمْرَةِ:

28- يُبَاحُ فِي الْعُمْرَةِ كُلُّ مَا لَا يُخِلُّ بِأَحْكَامِهَا، وَخُصُوصًا أَحْكَامُ الْإِحْرَامِ الَّتِي سَبَقَتِ.

الْعُمْرَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ:

29- تُنْدَبُ الْعُمْرَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلاَّ نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ: «تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي»

الْمَكَانُ الْأَفْضَلُ لِإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ:

30- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ الْحِلِّ أَفْضَلُ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ.

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ» فَهُوَ أَفْضَلُ تَقْدِيمًا لِدَلَالَةِ الْقَوْلِ عَلَى دَلَالَةِ الْفِعْلِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ يَلِي الْإِحْرَامَ مِنَ التَّنْعِيمِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ الْإِحْرَامُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ: الْإِحْرَامُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ، ثُمَّ مِنَ التَّنْعِيمِ ثُمَّ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَحْرَمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَأَمَرَ عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنَ التَّنْعِيمِ وَبَعْدَ إِحْرَامِهِ بِهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ هَمَّ بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْهَا»، فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا فَعَلَهُ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ مَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ مَا هَمَّ بِهِ.

وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ: التَّنْعِيمُ وَالْجِعْرَانَةُ مُتَسَاوِيَانِ، لَا أَفْضَلِيَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَتَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ وُرُودُ الْأَثَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. الْإِكْثَارُ مِنَ الْعُمْرَةِ:

31- يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَلَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ- رضي الله عنهما- وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ- رحمهم الله-، وَتَدُلُّ لَهُمُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الْعُمْرَةِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا مُطْلَقَةٌ تَتَنَاوَلُ تَكْرَارَ الْعُمْرَةِ تَحُثُّ عَلَيْهِ.

وَفَصَّلَ ابْنُ قُدَامَةَ مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْإِكْثَارُ فَقَالَ: قَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إِذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا اعْتَمَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ قَدَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَحْبَبْتُ لَهُ ذَلِكَ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَتُنْدَبُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ لَكِنْ فِي عَامٍ آخَرَ.

وَالْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ فِي الْعَامِ السَّنَةُ الْهِجْرِيَّةُ، فَلَوِ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ فِي الْمُحَرَّمِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ.

وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ التَّكْرَارِ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعٍ عَلَيْهِ فِيهِ إِحْرَامٌ، كَمَا لَوْ خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ- عليه الصلاة والسلام- لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ.

وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ جَوَازِ التَّكْرَارِ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً.

وَعَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ لَوْ أَحْرَمَ بِثَانِيَةٍ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ إِجْمَاعًا، قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ.

وَيَشْمَلُ اسْتِحْبَابُ الْعُمْرَةِ وَاسْتِحْبَابُ تَكْرَارِهَا أَشْهُرَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اعْتَمَرَ فِيهَا»، وَفِي ذَلِكَ إِبْطَالٌ لِزَعْمِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، بَلْ إِنَّ عُمُرَاتِهِ- صلى الله عليه وسلم- هِيَ أَرْبَعٌ- كَانَتْ كُلُّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنْ جِعْرَانَةَ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ».

وَدَرْءًا لِمَا قَدْ يُفْهَمُ مِنْ تَعَارُضٍ بَيْنَ هَذَا وَمَا سَبَقَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: إِنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ بِتَنْصِيصِهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ لِذَلِكَ لِاقْتِرَانِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهُ كَاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَاتٍ أُخْرَى فِي رَمَضَانَ تَبَتُّلًا، وَأَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، فَإِنَّهُ لَوِ اعْتَمَرَ فِيهِ لَخَرَجُوا مَعَهُ، وَلَقَدْ كَانَ بِهِمْ رَحِيمًا، وَقَدْ أَخْبَرَ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ أَنَّ تَرْكَهُ لَهَا؛ لِئَلاَّ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهَا كَالْقِيَامِ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، وَمَحَبَّتِهِ لأَنْ يَسْقِيَ بِنَفْسِهِ مَعَ سُقَاةِ زَمْزَمَ ثُمَّ تَرَكَهُ كَيْ لَا يَغْلِبَهُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِهِمْ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ- عليه الصلاة والسلام- فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً.

وَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ يَتَّفِقُ وَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْقَوْلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَلَالَةِ الْفِعْلِ.

لَكِنِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ، وَالْمُقِيمِ بِهَا، وَلِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ، فَيُكْرَهُ لِهَؤُلَاءِ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَحُجُّونَ، فَيُصْبِحُونَ مُتَمَتِّعِينَ، وَيَلْزَمُهُمْ دَمُ جَزَاءٍ إِنْ فَعَلُوهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

أَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ لَهُمُ التَّمَتُّعَ، وَيُسْقِطُونَ عَنْهُمْ دَمَ التَّمَتُّعِ أَيْضًا.

(ر: تَمَتُّع ف 11 12).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


5-موسوعة الفقه الكويتية (قران)

قِرَان

التَّعْرِيفُ:

1- الْقِرَانُ لُغَةً: جَمْعُ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ يُقَالُ قَرَنَ الشَّخْصُ لِلسَّائِلِ: إِذَا جَمَعَ لَهُ بَعِيرَيْنِ فِي قِرَانٍ وَاحِدٍ، وَالْقِرَانُ: الْحَبْلُ يُقْرَنُ بِهِ، قَالَ الثَّعَالِبِيُّ: «لَا يُقَالُ لِلْحَبْلِ قِرَانٌ حَتَّى يُقْرَنَ فِيهِ بَعِيرَانِ»، وَالْقَرَنُ: الْحَبْلُ أَيْضًا.وَاصْطِلَاحًا: هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ جَمِيعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يُدْخِلُ الْحَجَّ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْإِفْرَادُ:

2- الْإِفْرَادُ: هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، أَيْ أَنْ يَنْوِيَهُ مُنْفَرِدًا.

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَجِّ، غَيْرَ أَنَّ الْقِرَانَ يَتَضَمَّنُ نُسُكَيْنِ، وَالْإِفْرَادُ نُسُكًا وَاحِدًا.

ب- التَّمَتُّعُ:

3- التَّمَتُّعُ: هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنَ الْمِيقَاتِ، ثُمَّ يَفْرُغَ مِنْهَا وَيَتَحَلَّلَ، ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا فِي عَامِهِ مِنْ مَكَّةَ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي الْقِرَانِ إِتْمَامَ نُسُكَيْنِ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ دُونَ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِهِمَا مَعًا، أَمَّا فِي التَّمَتُّعِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعُمْرَةَ، ثُمَّ يَتَحَلَّلُ مِنْهَا، وَيُنْشِئُ حَجًّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ.

مَشْرُوعِيَّةُ الْقِرَانِ:

4- ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الْقِرَانِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ:

أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.

قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-، قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ».

فَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الصَّحَابَةَ عَلَى الْقِرَانِ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَقَدْ تَوَاتَرَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَوْجُهِ الْحَجِّ الَّتِي عَرَفْنَاهَا، دُونَ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.

قَالَ النَّوَوِيُّ: «وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ».

الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ:

5- بَعْدَ أَنِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي أَدَاءِ الْحَجِّ دُونَ كَرَاهَةٍ، اخْتَلَفُوا فِي أَيُّهَا الْأَفْضَلُ، وَقَدْ قِيلَ بِأَفْضَلِيَّةِ كُلٍّ مِنْهَا، وَسَبَقَ بَيَانُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا. (ر: إِفْرَاد ف 7- 8 وَتَمَتُّع ف 4- 5).

أَرْكَانُ الْقِرَانِ:

6- الْقِرَانُ جَمْعٌ بَيْنَ نُسُكَيِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي عَمَلٍ وَاحِدٍ، فَأَرْكَانُهُ هِيَ أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.انْظُرِ التَّفْصِيلَ فِي مُصْطَلَحِ (حَجّ ف 46 وَمَا بَعْدَهَا) وَمُصْطَلَحِ (عُمْرَة ف 12- 24).

لَكِنْ هَلْ يَلْزَمُ أَدَاءُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِكُلٍّ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ يَتَدَاخَلَانِ فَلَا يَجِبُ تَكْرَارُهُمَا؟

ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّدَاخُلِ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ عَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَجِبُ تَكْرَارُهُمَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالنَّقْلِ وَالْقِيَاسِ:

أَمَّا النَّقْلُ: فَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي قَالَتْ فِيهِ: «.وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» وَحَدِيثُهَا أَيْضًا لَمَّا جَمَعَتْ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ».

وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا».

وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَلِأَنَّهُ نَاسِكٌ يَكْفِيهِ حَلْقٌ وَاحِدٌ وَرَمْيٌ وَاحِدٌ، فَكَفَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، كَالْمُفْرِدِ؛ وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَتَا دَخَلَتْ أَفْعَالُ الصُّغْرَى فِي الْكُبْرَى، كَالطَّهَارَتَيْنِ: الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ- وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ- وَيُرْوَى عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، قَالُوا: الْقَارِنُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ: طَوَافٌ وَسَعْيٌ لِعُمْرَتِهِ، وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ لِحَجَّتِهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَتَمَامُهُمَا أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِمَا عَلَى الْكَمَالِ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْقَارِنِ وَغَيْرِهِ «.

وَبِمَا وَرَدَ عَنْ صُبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ فِي قِصَّةِ حَجِّهِ قَارِنًا، قَالَ: » قَالَ- يَعْنِي عُمَرَ لَهُ-: فَصَنَعْتَ مَاذَا؟ قَالَ: «مَضَيْتُ فَطُفْتُ طَوَافًا لِعُمْرَتِي، وَسَعَيْتُ سَعْيًا لِعُمْرَتِي، ثُمَّ عُدْتُ فَفَعَلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ لِحَجِّي، ثُمَّ بَقِيتُ حَرَامًا مَا أَقَمْنَا، أَصْنَعُ كَمَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ، حَتَّى قَضَيْتُ آخِرَ نُسُكِي قَالَ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ».

وَعَنِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- قَالَ لِمَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: تُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ تَطُوفُ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَتَسْعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ.

وَبِأَنَّ الْقِرَانَ ضَمُّ عِبَادَةٍ إِلَى عِبَادَةٍ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِأَدِلَّةِ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْكَمَالِ.

شُرُوطُ الْقِرَانِ:

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ:

7- وَذَلِكَ فِيمَا إِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَأَدْخَلَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَإِنَّ إِحْرَامَهُ هَذَا صَحِيحٌ، وَيُصْبِحُ قَارِنًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ.

أَمَّا إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِصِحَّةِ هَذَا الْإِحْرَامِ وَيَصِيرُ قَارِنًا- مَعَ كَوْنِهِ مَكْرُوهًا- وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 22- 28).

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ فَسَادِ الْعُمْرَةِ:

8- إِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا وَمُحْرِمٌ بِهِ فَوْقَهَا، فَقَدِ اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِصِحَّةِ الْإِرْدَافِ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ إِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: عَدَمُ فَسَادِ الْعُمْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقِرَانِ وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 24).

الشَّرْطُ الثَّالِثُ:

9- أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ الطَّوَافَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فَاشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ إِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 25- 27)

الشَّرْطُ الرَّابِعُ:

10- أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّ الْأَشْوَاطِ أَوْ أَكْثَرَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ:

11- أَنْ يَصُونَهُمَا عَنِ الْفَسَادِ: فَلَوْ أَفْسَدَهُمَا بِأَنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ أَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ بَطَلَ قِرَانُهُ، وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَيَلْزَمُهُ مُوجِبُ الْفَسَادِ.

أَمَّا إِذَا جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَقَطْ فَسَدَ حَجُّهُ دُونَ عُمْرَتِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَلَزِمَهُ مُوجِبُ فَسَادِ الْحَجِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، تَبَعًا لِمَذْهَبِهِمْ فِي أَرْكَانِ الْقِرَانِ، انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَمَتُّع ف 13).

الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:

12- ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى صِحَّةِ الْقِرَانِ مِنَ الْمَكِّيِّ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ حَاضِرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ، فَجَعَلُوا هَذَا شَرْطًا لِلُزُومِ دَمِ الْقِرَانِ، لَا لِلْمَشْرُوعِيَّةِ.

وَقَالُوا: إِنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}، وَالْمَعْنَى: ذَلِكَ الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ- وَهُوَ يَشْمَلُ الْقِرَانَ- إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَقِرَانُهُ وَتَمَتُّعُهُ صَحِيحَانِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْقِرَانِ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَارِنُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الرَّاجِحِ.

وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِ (ذَلِكَ) الْوَارِدَةِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ: التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا قِرَانَ وَلَا تَمَتُّعَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْهَدْيَ لَقَالَ: ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وَيَدُلُّ لِلْحَنَفِيَّةِ مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ..إِلَى أَنْ قَالَ: «فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.

الشَّرْطُ السَّابِعُ:

13- عَدَمُ فَوَاتِ الْحَجِّ: فَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا، وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ.

كَيْفِيَّةُ الْقِرَانِ:

14- هِيَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنَ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ، لَا بَعْدَهُ.

وَمِيقَاتُ إِحْرَامِ الْقَارِنِ هُوَ مِيقَاتُ إِحْرَامِ الْمُفْرِدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مِيقَاتُ الْقَارِنِ هُوَ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ كَانَ آفَاقِيًّا فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنَ الْمِيقَاتِ الْخَاصِّ بِهِ، وَمَنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا قِرَانَ لَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقِرَانُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، فَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلاَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِالْقِرَانِ.

(ر: إِحْرَام ف 40 وَ 52).

15- وَكَيْفِيَّةُ إِحْرَامِ الْقَارِنِ، أَنَّهُ بَعْدَمَا يَسْتَعِدُّ لِلْإِحْرَامِ يَقُولُ نَاوِيًا بِقَلْبِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي، أَوْ نَوَيْتُ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ وَأَحْرَمْتُ بِهِمَا لِلَّهِ تَعَالَى، لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ.إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، ثُمَّ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُتَعَاقِبًا، بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِضَافَةً إِلَى الْعُمْرَةِ (ر: إِحْرَام ف 117).

فَإِذَا انْعَقَدَ الْإِحْرَامُ قَارِنًا، فَإِنَّهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ، وَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ إِنْ أَرَادَ تَقْدِيمَ السَّعْيِ، ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَيَذْبَحُ هَدْيًا يَوْمَ النَّحْرِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (هَدْي).

وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَإِنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ: طَوَافٌ وَسَعْيٌ لِعُمْرَتِهِ، وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ لِحَجَّتِهِ، وَكَيْفِيَّةُ أَدَائِهِ لِلْقِرَانِ: إِذَا انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ قَارِنًا دَخَلَ مَكَّةَ، وَابْتَدَأَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُولَى مِنْهَا، وَيَضْطَبِعُ فِيهَا كُلِّهَا، ثُمَّ يَسْعَى بَعْدَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ، فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ سَعْيَ الْحَجِّ إِنْ أَرَادَ تَقْدِيمَ سَعْيِ الْحَجِّ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ (ر: سَعْي) وَعِنْدَئِذٍ يَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ الثَّانِي وَيَضْطَبِعُ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ وَالِاضْطِبَاعَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ ثُمَّ يُتَابِعُ أَعْمَالَ الْحَجِّ كَمَا فِي الْإِفْرَادِ، وَيَذْبَحُ هَدْيًا إِلَى آخِرِهِ..لَكِنْ لَا يَتَحَلَّلُ بِمَا أَدَّاهُ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَا يَحْلِقُ، لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ وَوَقْتُ تَحَلُّلِهِ يَوْمُ النَّحْرِ.

تَحَلُّلُ الْقَارِنِ:

16- لِلْقَارِنِ تَحَلُّلَانِ:

التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ: وَيُسَمَّى أَيْضًا الْأَصْغَرَ.

وَيَحْصُلُ بِالْحَلْقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَحْدَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَبِفِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ الرَّمْيُ، وَالْحَلْقُ، وَالطَّوَافُ، أَيْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ الْمَسْبُوقُ بِالسَّعْيِ، وَإِلاَّ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ.

وَالْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، حَتَّى الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّحَلُّلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَيَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ جَمِيعُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلاَّ الْجِمَاعَ.

وَأَمَّا التَّحَلُّلُ الثَّانِي: وَيُسَمَّى التَّحَلُّلَ الْأَكْبَرَ: فَتَحِلُّ بِهِ جَمِيعُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ حَتَّى النِّسَاءَ إِجْمَاعًا.

وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَكْبَرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِشَرْطِ الْحَلْقِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ مَسْبُوقًا بِالسَّعْيِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا مَدْخَلَ لِلسَّعْيِ فِي التَّحَلُّلِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَحْصُلُ بِاسْتِكْمَالِ أَفْعَالِ التَّحَلُّلِ الثِّقَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

هَدْيُ الْقِرَانِ:

17- يَجِبُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى الْقَارِنِ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ أَيَّامَ النَّحْرِ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.

لِأَنَّ الْقَارِنَ فِي حُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: «وَإِنَّمَا جُعِلَ الْقِرَانُ مِنْ بَابِ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَمَتَّعُ بِتَرْكِ النَّصَبِ فِي السَّفَرِ إِلَى الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَإِلَى الْحَجِّ أُخْرَى، وَيَتَمَتَّعُ بِجَمْعِهِمَا وَلَمْ يُحْرِمْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ مِيقَاتِهِ، وَضَمَّ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهم-؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ نُسُكَيْنِ فِي وَقْتِ أَحَدِهِمَا فَلأَنْ يَجِبَ عَلَى الْقَارِنِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِحْرَامِ أَوْلَى.

وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ فِيهِ شَاةٌ، وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ، وَالْبَدَنَةُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا.

وَاخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ هَذَا الْهَدْيِ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: هُوَ دَمُ شُكْرٍ، وَجَبَ شُكْرًا لِلَّهِ لِمَا وَفَّقَهُ إِلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ وَلَوْ غَنِيًّا، وَيَتَصَدَّقُ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، بَلْ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (هَدْي).

وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْهَدْيِ فَعَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَمَتُّع ف 17- 20) (وَهَدْي).

صَيْرُورَةُ التَّمَتُّعِ قِرَانًا:

18- إِذَا سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ.

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا يَحِلُّ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَحْلِقُ، وَلَوْ حَلَقَ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ، وَيَكُونُ حَلْقُهُ جِنَايَةً عَلَى إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِجِنَايَتِهِ هَذِهِ، بَلْ يَظَلُّ حَرَامًا، ثُمَّ يُهِلُّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِالْحَجِّ، وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ- لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ- حَتَّى يَحِلَّ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْهُمَا.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ يَصِيرُ قَارِنًا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ كَالَّذِي لَمْ يَسُقْهُ، يَتَحَلَّلُ بِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ، وَيَمْكُثُ بِمَكَّةَ حَلَالًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَمَتُّع ف 15).

جِنَايَاتُ الْقَارِنِ عَلَى إِحْرَامِهِ:

19- بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَارِنِ، هَلْ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ.كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ لَهُمَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، اخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَاتِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِلْقَارِنِ.

فَالْجُمْهُورُ سَوَّوْا بَيْنَ الْقَارِنِ وَغَيْرِهِ فِي كَفَّارَاتِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: «كُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ الْقَارِنُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ- مِمَّا ذَكَرْنَا- أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ عَلَى الْمُفْرِدِ بِجِنَايَتِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ فِيهِ دَمَانِ، لِجِنَايَتِهِ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي (إِحْرَام ف 147- 169).

وَهَذَا إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَأَشْبَاهِهَا يَلْزَمُ الْقَارِنَ فِيهَا جَزَاءَانِ. أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَلَا يَجِبُ إِلاَّ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، كَتَرْكِ الرَّمْيِ، وَتَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ.

وَمِثْلُ الْقَارِنِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ، أَوِ الَّذِي لَمْ يَسُقْهُ لَكِنْ لَمْ يَحِلَّ مِنَ الْعُمْرَةِ حَتَّى أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ أَوِ الْعُمْرَتَيْنِ كَمَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ أَحَدِهِمَا وَلَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِهِمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (ر: إِحْرَام ف 22- 29).

أَمَّا جِمَاعُ الْقَارِنِ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَام ف 178).

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


6-موسوعة الفقه الكويتية (ملتزم)

مُلْتَزَمٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُلْتَزَمُ بِفَتْحِ الزَّايِ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ فِعْلِ الْتَزَمَ، يُقَالُ: الْتَزَمْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: اعْتَنَقْتُهُ فَهُوَ مُلْتَزَمٌ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِمَا بَيْنَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: الْمُلْتَزَمُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَنِقُونَهُ، أَيْ: يَضُمُّونَهُ إِلَى صُدُورِهِمْ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي بِهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ إِلَى بَابِ الْكَعْبَةِ مِنْ حَائِطِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَعَرْضُهُ عُلُوُّ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَقَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: مِسَاحَتُهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ.

وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- الْتَزَمَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ هُنَاكَ مَلَكًا يُؤَمِّنُ عَلَى الدُّعَاءِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

2- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْتَزِمَ الطَّائِفُ الْمُلْتَزَمَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ اقْتِدَاءً بِالرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ: فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَأَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَفْعَلُهُ».

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَيْضًا.

وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ اسْتِحْبَابَ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الطَّوَافِ مُطْلَقًا.

كَيْفِيَّةُ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ وَالدُّعَاءِ فِيهِ

3- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ أَنْ يُلْصِقَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِجِدَارِ الْبَيْتِ، وَيَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ، وَيَبْسُطَ ذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ، بِحَيْثُ تَكُونُ يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى الْبَابِ وَالْيُسْرَى إِلَى الرُّكْنِ، وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ كَمَا يَتَعَلَّقُ عَبْدٌ ذَلِيلٌ بِطَرْفِ ثَوْبٍ لِمَوْلَى جَلِيلٍ كَالْمُتَشَفِّعِ بِهَا، وَدَعَا حَالَ تَثَبُّتِهِ وَتَعَلُّقِهِ بِالْأَسْتَارِ مُجْتَهِدًا مُتَضَرِّعًا، مُتَخَشِّعًا، مُكَبِّرًا، مُهَلِّلًا، مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَيَبْكِي أَوْ يَتَبَاكَى، وَلَوْ لَمْ يَنَلِ الْأَسْتَارَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ قَائِمَتَيْنِ، وَالْتَصَقَ بِالْجِدَارِ، وَدَعَا بِمَا شَاءَ وَبِمَا أَحَبَّ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ وَأَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغَتْنِي بِنِعْمَتِكَ إِلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلاَّ فَمِنَ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، فَهَذَا أَوَانُ الْفِرَاقِ إِنْ أَذِنْتَ لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلَا بِبَيْتِكَ، وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.وَإِنْ أَحَبَّ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.

وَقْتُ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ

4- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْمَشْهُورِ مِنَ الرِّوَايَاتِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّفَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُنْدَبُ أَنْ يَلْتَزِمَ قَبْلَ الصَّلَاةِ.وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com