نتائج البحث عن (وَالْمُسْقَطَ)

1-العباب الزاخر (سقط)

سقط

سقط الشيءُ من يدي سقوطًا ومسْقطًا -بفتحْ القاف-. وهذا الفعلُ مسقطةُ للإنسان من أعين الناس.

والمسْقُط -أيضًا-عن الأصمعّي: مَسْقط الرأسِ أي حيثُ ولطُ. وغيرهُ يكسرِ القاف.

ومسْقُطَ -أيضًا-: قريةَ على ساحلِ بحرِ فارسَ ممّا يلي برّ اليمنَ، وهو معربُ مشَكتْ.

ومسْقطَ -أيضًا-: رستاَقّ بساحلِ بحرِ الخزرِ.

ومسْقطَ الرَّمْلِ: في طرَيق البصرةَ بينهاَ وبينَ النباج.

ويقالُ: أنا في مَسْقطِ النجمْ: أي حيثُ سقطَ.

ومسْقطَ كل شيْءٍ: منقَطعه، وأنشدَ الأصمعيّ.

«ومنهلٍ من الفلا في أوْسَـطـهِ *** من ذا وها ذاك وذا في مسْقطهِ»

وقال الخليل: يقال سقطَ الولدُ من بطنِ أمه، ولا يقال: وقعَ.

وسِقط في يديهْ: أي ندَم وتحيِر، وقال الله تعالى: (ولما سُقِطَ في أيديهم)، وقرأ طاووس: (ولما سَقَطَ) بفتحْ السّين كأنه أصمرَ الندمَ، وإنما قيل: "سقطَ" على ما لم يسمّ فاعلهُ؛ كما يقال رغبَ في فلانٍ، ولا يقال سقطتُ كما لا يقال رغبتُ، إنما يقال رغبُ في ّ، ولا سقط فلانّ في يدهِ بمعنى ندمِ، وهذا نظمَ لم يسمَعْ قبل القرآن ولا عرَفته العَرب. والأصلُ فيه نزوْلُ الشيءِ من أعلى إلى أسفل ووقوعهُ على الأرضْ، ثم اتسعَ فيه فقيلَ للخطأ من الكلام: سقطَ؛ لأنهم شبهوه بما لا يحتاجُ إليه فيسْقطَ، وذكرَ اليدَ لأنّ يحدث في القلبِ وأثرهُ يظهرُ في اليدِ؛ كقوله تعالى: (فأصْبح يقلب كفيهْ على ما أنْفقَ فيها) وكقولهْ عزّ وجلّ: (ويوم يعضّ الظالم على يديه) لأن اليد هي الجارحة العظمى فربماّ يسندّ إليها ما لم تباشرْه؛ كقولهِ تعالى: (ذلك بما قدمتْ يداكَ).

والسّاقطُ والسْاقطة: اللّئيم في حسبهَ ونفسهِ، وقومّ سقطى وسُقاّط وسِقاّط كنائمٍ ونَيامٍ.

وسقطُ الرّمْلِ وسِقطهُ وسُقطهُ: منقطعهُ، قال امرؤ القيسْ:

«قفا نَبكْ من ذِكْرى حبيبٍ ومنزلِ *** بِسقطَ اللوى بين الدّخولِ فَحْوملِ»

وكذلك سقطَ الولدَ: للذّي يسْقطَ قبل تمامهِ؛ فيه ثلاثُ لغاتٍ، ومنه حديثُ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: إنّ السّقطّ ليراغمُ ربه إنْ أدْخلَ أبويهِ النّارَ فَيجرهما بسررهِ حتىّ يدخلهاّ الجنةَ، أي يغاضبهُ. وفي حديثهِ الآخر: يظلَ السّقطْ محْبنطئًا على بابِ الجنة، يروى بالهمز وترْكه. وفي حديثه الآخر: يحشر مابين السقط إلى الشيخْ الفاني مردْا جردًا مكحّلْين أوْلي أفانينَ، وهي الخصلُ من الشعرَ.

وكذلك سقطُ النّار: لما يسْقطَ منها عند القدْح، فيه ثلاثُ لغاتٍ، قال الفرّاءُ: سقطُ النّارِ يذكرّ ويؤنث، قال ذو الرّمة:

«وسقطٍ كعينِ الديكِ عاوَرْتُ صاحبي *** أباها وهيأنا لموْقـعـهـا وكـرَ»

وسقطا الظلْيم: جناحاه، قال الرّاعي:

«حتّى إذا ما أضاءَ الصبْحُ وانْكشفتَ *** عنه نعامة ذي سقطينِ معْتكـرِ»

ويروْى: منشمرِ. وقال آخر:

«عنس مذكرة كأنّ عفـاءهـا *** سقطانِ من كنفي ظليمٍ جافلِ»

وسقطاْ اللّيال: رواقاه.

وسقط السّحاب: حيثُ يرى طرفه كأنه ساقطَ على الأرضْ في ناحيةِ الأفقِ. وكذلك سقطَ الخباءِ.

والسقّط -بالتحريك-: الخطأ في الكتابةِ والحسابِ، يقال: تكلمَ بكلامٍ فما سقطَ بحرفٍ.

والسقطَ أيضًا-: رديءُ المتاعَ. والسقاط والسقطيّ: بائعه، ومنه حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنه كان يغدو فلا يمر بسقاطِ ولا صاحبِ بيعةٍ إلاّ سَلّم عليه. البيعْة من البيعِ كالرّكبةِ والجلْسةِ من "الركوبو" الجلْوس: والسقاط -أيضًا-: السيفُ الذي يسْقطَ من وراءِ الضريبة يقطعها حتى يجوز إلى الأرضْ، قال المتنخلُ الهذلي يصف سيْفًا:

«كلْونِ الملْحِ ضرْبتهُ هبـيرِ *** يبرّ العظمَ سقاط سراطي»

والسقطةُ: العثرة.

والسقطة: الثلْج والجليدُ، قال:

«ولـيلةٍ يا مـيّ ذاةِ طـــلّ *** ذاةِ سقطٍ وندىً مـخـضـلّ»

«طعمُ السرى فيها كطعمِ الخل»

والمرأةُ السقيْطة: الدنيئةُ.

وقال ابن دريدٍ: سقاطة كل شيءٍ -بالضم-: رذالتهُ.

وسقاطُ النخْلِ: ما سقطَ منه. وسقاطُ كلّ شيءٍ وسقاطتهُ: ما سقطَ منه. وقيل: السقاّط جمعُ سقاطةٍ، قال المتنخّلُ الهذليّ:

«إذا ما الحرْجفُ النكباءُ ترميْ *** بيوتَ الحيّ بالورقَ السقاطِ»

ويروْى: "السّقاطِ" بالكسرْ: جمع ساقطٍ.

ويقال: سقطّ وسقاطّ كطويْلٍ وطوالٍ.

وساقطةَ -ويقال: ساقطةَ النعل-: موْضعّ.وتقولُ العربَ: فلانّ ساقط ابنُ ماقطِ ابنِ لاقطٍ: تتسابّ بها، فالساَقطُ عبدْ الماقطِ والماقطَ عبدّ اللآقطِ واللآقطُ عبدّ معتقّ.

وعن أنس -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مرّ بتمرةٍ مسقْوطةٍ مثل قولهِ تعالى: (كان وعده مأتيًّا). أي آتيًا، وقيل: مسقوطة بمعنى النسب؛ أي ذاة سقوطٍ كجاريةٍ مغنوجةٍ أي ذاةِ غنجٍ؛ ولا يقال: غنَجْتها، ويمكن أن يكون من الإسقاط مثل أحمهّ الله فهو محمومّ.

ويقال: أسْقطت الشيْءَ من يدي، وجوز الأخفش: أسْقط في يديهْ مكان سقط في يديه. وقال أبو عمرو: لا يقال أسقطَ بالألفِ على ما لم يسْم فاعله، وأحمدُ بن يحيى مثله.

وأسقطت النّاقة وغيرها: إذا ألْقت ولدها.

وأسْقط؛ في كلامه: من السقط يقال: ما أسقط حرْفًا؛ عن يعقوب، كما يقال: ما سقط بحرفٍ، قال: وهو كما تقول: دخلتُ به وأدْخلته وخرجْتُ به وأخْرجته وعلوت به وأعليته.

وساقطه: أي أسْقطه، قال ضابيءُ بن الحارثِ البرجميّ:

«يساقطَ عنه روقةُ ضارياتـهـاِ *** سقاط حديدِ القيْنِ أخوْلَ أخْولا»

والسقاط: العثرةُ والزلة كالسقطة، قال سويدُ ابن أبى كاهلٍ اليشكريّ:

«كيف يرجون سقاطي بعدْمـا *** لاحَ في الأسِ بياضّ وصلَعْ»

والسقاط في الفرس: اسْترخاءُ العدوٍ.

وسقاط الحديث: أنْ يتحدثّ الواحدُ وينّصتَ الآخر فإذا سكت تحدث السّاكتُ، قال الفرزدق؛

«إذا هنّ ساقطنَ الحديث كأنه *** جنى النحلِ أو أبكْارُ كرمٍ»

تُقطفّ وقرأ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يُساقطْ عليكِ رطبًا جنيا" وكذلك قرأ ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، أي يساقط الله عليك، أي يسقطْ، وقرأ حفضّ: " تساقطْ" بالتاء، وقال ثعلبة بن صغير بن خزّاعي يصفُ ظليمًا:

«يبري لرائحةٍ يساقطُ ريشهـا *** مرّ النجاءِ سقاط ليْف الآبرِ»

ويسقطه: أي طلب سقطه، قال جريرّ:

«ولقد تَسقّطني الوُشاةُ فصادفوا *** حصرًا بسركِ يا أميمْ ضنيناْ»

وقال إبراهيم بن علي بن محمد بن سلمة بن عامر بن هرْمةَ:

«سَمعتْ بنا فأزالها عن حالها *** نَفثاتِ مكرِ الكاشحِ المتسقطِ»

ويروْى: "لفتاتِ".

وقال أبو المقدامِ السلَميّ: تسقطتَ الخيرَ: إذا أخذَته قليلًا شيئًا بعد شيءٍ.

والإساقط: السقوطُ، قال الله تعالى: (تُساقطَ عليك رطبًا جنيًا) وقرأ حمادّ ونصيرّْ ويعقوبُ وسهلّ: "يساقط" بالياء المنقوطةِ باثْنتين من تحْتها، وكذلك التساقطَ، وقرأ حمزةُ: (تَساقطً عليك) بفتحِ التاء وتخفيفِ السيْن.

والترْكيب يدلّ على الوقوعْ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


2-معجم البلدان (بحر الخزر)

بَحْرُ الخَزَر:

بالتحريك: وهو بحر طبرستان وجرجان وآبسكون كلها واحد، وهو بحر واسع عظيم لا اتصال له بغيره، ويسمّى أيضا: الخراسانيّ والجيليّ، وربما سماه بعضهم: الدّوّارة الخراسانية، وقال حمزة:

اسمه بالفارسية زراه أكفوده، ويسمّى أيضا:

أكفوده درياو، وسمّاه أرسطاطاليس: أرقانيا، وربما سمّاه بعضهم الخوارزمي، وليس به لأن بحيرة خوارزم غير هذا، تذكر في موضعها إن شاء الله، وعليه باب الأبواب وهو الدّربند كما وصفناه في موضعه، وعليه من جهة الشرق جبال موقان وطبرستان وجبل جرجان، ويمتدّ إلى قبالة دهستان وهناك آبسكون، ثم يدور مشرقا إلى بلاد الترك، وكذلك في جهة شماله إلى بلاد الخزر، وتصبّ إليه أنهار كثيرة عظام، منها الكرّ والرّسّ وإتل، وقال الإصطخري:

وأما بحر الخزر ففي شرقيه بعض الديلم وطبرستان وجرجان وبعض المفازة التي بين جرجان وخوارزم، وفي غربيه: اللأن من جبال القبق إلى حدود السرير وبلاد الخزر وبعض مفازة الغزية، وشماليه: مفازة الغزية، وهم صنف من الترك بناحية سياه كوه، وجنوبيه: الجيل وبعض الديلم، قال: وبحر الخزر ليس له اتصال بشيء من البحور على وجه الأرض، فلو أن رجلا طاف بهذا البحر لرجع إلى الموضع الذي ابتدأ منه، لا يمنعه مانع إلا أن يكون نهر يصبّ فيه، وهو بحر ملح لا مدّ فيه ولا جزر، وهو بحر مظلم، قعره طين بخلاف بحر القلزم وبحر فارس، فإن في بعض المواضع من بحر فارس ربما يرى قعره لصفاء ما تحته من الحجارة البيض، ولا يرتفع من هذا البحر شيء من الجواهر لا لؤلؤ ولا مرجان ولا غيرهما ولا ينتفع بشيء مما يخرج منه سوى السمك، ويركب فيه التجار من أراضي المسلمين إلى أرض الخزر وما بين أرّان والجيل وجرجان وطبرستان، وليس في هذا البحر جزيرة مسكونة فيها عمارة كما في بحر فارس والروم وغيرهما، بل فيه جزائر فيها غياض

ومياه وأشجار وليس بها أنيس، منها جزيرة سياه كوه وقد ذكرت، وبحذاء نهر الكرّ جزيرة أخرى بها غياض وأشجار ومياه يرتفع منها الفوّه ويحملون إليها في السفن دوابّ فتسرح فيها حتى تسمن، وجزيرة تعرف بجزيرة الروسية وجزائر صغار، وليس من آبسكون إلى الخزر للآخذ على يمنى يديه على شاطئ البحر قرية ولا مدينة سوى موضع من آبسكون على نحو خمسين فرسخا يسمى دهستان وبناء داخل البحر تستتر فيه المراكب في هيجان البحر، ويقصد هذا الموضع خلق كثير من النواحي فيقيمون به للصيد، وبه مياه، ولا أعلم غير ذلك، فأما عن يسار آبسكون إلى الخزر فإنه عمارة متصلة لأنك إذا أخذت من آبسكون يسارا مررت على حدود جرجان وطبرستان والديلم والجيل وموقان وشروان والمسقط وباب الأبواب ثم إلى سمندر أربعة أيام ومن سمندر إلى نهر إتل سبعة أيام مفاوز، ولهذا البحر من ناحية سياه كوه زنقة يخاف على المراكب منها إذا أخذتها الريح إليها أن تنكسر، فإذا انكسرت هناك لم يتهيأ جمع شيء منها من الأتراك لأنهم يأخذونه ويحولون بين صاحبه وبينه، ويقال: إن دوران هذا البحر ألف وخمسمائة فرسخ، وقطره مائة فرسخ، والله أعلم.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


3-معجم البلدان (مسكن)

مَسْكِنُ:

بالفتح ثم السكون، وكسر الكاف، ونون، قال أبو منصور: يقال للموضع الذي يسكنه الإنسان مسكن ومسكن، فهذا الموضع منقول من اللغة الثانية وهو شاذ في القياس لأنه من سكن يسكن فالقياس مسكن، بفتح الكاف، وإنما جاء هذا شاذّا في أحرف، منها: المسجد والمنسك والمنبت والمجزر والمطلع والمشرق والمغرب والمسقط والمفرق والمرفق لا يعرف النحويون غير هذه لأن كل ما كان على فعل يفعل أو فعل يفعل فاسم المكان منه مفعل بفتح العين قياسا مطّردا: وهو موضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند دير الجاثليق به كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير في سنة 72 فقتل مصعب وقبره هناك معروف، وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات يرثيه:

«إنّ الرّزيّة يوم مس *** كن والمصيبة والفجيعة»

«يا ابن الحواريّ الذي *** لم يعده يوم الوقيعة»

«غدرت به مضر العرا *** ق فأمكنت منه ربيعه»

«وأصبت وترك يا ربي *** ع وكنت سامعة مطيعة»

«يا لهف لو كانت لها *** بالدير يوم الدير شيعه! »

«أولم يخونوا عهده *** أهل العراق بنو اللكيعه»

«لوجدتموه حين يغ *** دو لا يعرّس بالمضيعه»

قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان وقتل معه إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي وقدّم مصعب أمامه ابنه عيسى فقتل بعد أن قال له وقد رأى الغدر من أصحابه:

يا بنيّ انج بنفسك فلعن الله أهل العراق أهل الشقاق والنفاق! فقال: لا خير في الحياة بعدك يا أباه! ثم قاتل حتى قتل، وكان مصعب قد قتل نائي بن زياد بن ظبيان أخا عبيد الله بن زياد بن ظبيان بن الجعد بن قيس ابن عمرو بن مالك بن عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة فنذر عبيد الله ليقتلنّ به مائة من قريش فقتل ثمانين ثم قتل مصعبا وجاء برأسه حتى وضعه بين يدي عبد الملك بن مروان فلما نظر إليه عبد الملك سجد فهمّ عبيد الله أن يفتك به أيضا فارتدّ عنه وقال:

«هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** فعلت وولّيت البكاء حلائله»

هكذا أكثر ما يروى، والصحيح أن عبيد الله لم يقتله وإنما وجده قد ارتثّ بكثرة الجراحات فاحتزّ رأسه، وقد قال عبيد الله:

«يرى مصعب أني تناسيت نائيا، *** وبئس، لعمر الله، ما ظنّ مصعب! »

«وو الله لا أنساه ما ذرّ شارق، *** وما لاح في داج من الليل كوكب»

«وثبت عليه ظالما فقتلته، *** فقهرك مني شرّ يوم عصبصب»

«قتلت به من حيّ فهر بن مالك *** ثمانين منهم ناشئون وأشيب»

«وكفّي لهم رهن بعشرين أو يرى *** عليّ من الإصباح نوح مسلّب»

«أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل *** ولم أر سيفي من دم يتصبّب؟»

ثم ضاقت به البصرة فهرب إلى عمان فاستجار بسليمان ابن سعيد بن الصقر بن الجلندى، فلما أخبر بفتكه خشيه وتذمّم أن يقتله علانية فبعث إليه بنصف بطيخة قد سمّها وكان يعجبه البطيخ وقال: هذا أول شيء رأيناه من البطيخ وقد أكلت نصفها وأهديت لك نصفها، فلما أكلها أحس بالموت فدخل عليه سليمان يعوده فقال له: أيها الأمير ادن مني أسرّ إليك قولا، فقال له: قل ما بدا لك فما بعمان عليك من أذن واعية، ولم يستجر أن يدنو منه فمات بها، وقال عبيد الله بن الحرّ يخاطب المختار:

«لقد زعم الكذّاب أني وصحبتي *** بمسكن قد أعيت عليّ مذاهبي»

«فكيف وتحتي أعوجيّ وصحبتي *** على كل صهميم الثميلة شارب»

«إذا ما خشينا بلدة قرّبت بنا *** طوال متون مشرفات الحواجب»

وقد ذكر الحازمي أن مسكن أيضا بدجيل الأهواز حيث كانت وقعة الحجاج بابن الأشعث، وهو غلط منه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


4-معجم القواعد العربية (أسماء الزمان والمكان)

أسماء الزّمان والمكان:

1 ـ تعريف اسمي الزّمان والمكان:

هما اسمان مصوغان لزمان وقوع الفعل أو مكانه.

2 ـ صيغهما من الثّلاثي:

هما من الثّلاثي على وزن «مفعل» إذا كان المضارع مضموم العين أو مفتوحها، أو معتلّ اللام مطلقا، نحو «مكتب» و «ملعب» و «مرمى» و «مسعى» و «مقام» من قام. وإن كان المضارع مكسور العين أو مثالا مطلقا، غير معتل اللام: فعلى وزن «مفعل» نحو «مجلس» و «مبيع» و «موعد» و «ميسر». ويستثنى من مضموم العين أحد عشر لفظا جاءت بالكسر، وهي:

«المنسك، والمطلع، والمشرق، والمغرب، والمرفق، والمفرق، والمجزر، والمنبت، والمسقط، والمسكن والمسجد». لاسمي الزمان والمكان.

3 ـ صيغهما من غير الثلاثي:

تكون صيغة اسم الزّمان والمكان من غير الثّلاثي على زنة اسم المفعول ك «مدخل» و «مخرج» و «منطلق» و «مستودع».

وبهذا يعلم أنّ صيغة الزّمان والمكان، والمصدر الميميّ واحدة في غير الثلاثي. وفي بعض أوزان الثّلاثي، والتمييز حينئذ بينها يكون بالقرائن، فإن لم تتضح فالصّيغة صالحة لكلّ منها.

4 ـ صيغتهما من الاسم الجامد:

يصاغ بكثرة من الاسم الجامد اسم مكان على وزن «مفعلة» بفتح فسكون، ففتح، للدّلالة على كثرة ذلك الشيء في ذلك المكان، ك «مأسدة» و «مسبعة» و «مقثأة» أي الموضع الذي تكثر فيه الأسود والسباع والقثّاء وهو مع كثرة وروده ليس له قياس مطّرد فلا يقال: «مضبعة» للموضع الكثير الضّباع، ولا يقال:

«مقردة» لكثرة القردة في موضع. وقد تلحق اسمي الزّمان والمكان التاء نحو: «مقبرة» و «مطبعة» و «مدرسة» وذلك أيضا سماعيّ لا قياسيّ.

معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه‍/1984م


5-موسوعة الفقه الكويتية (إسقاط 1)

إِسْقَاطٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- مِنْ مَعَانِي الْإِسْقَاطِ لُغَةً: الْإِيقَاعُ وَالْإِلْقَاءُ، يُقَالُ: سَقَطَ اسْمُهُ مِنَ الدِّيوَانِ: إِذَا وَقَعَ، وَأَسْقَطَتِ الْحَامِلُ: أَلْقَتِ الْجَنِينَ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: سَقَطَ الْفَرْضُ، أَيْ سَقَطَ طَلَبُهُ وَالْأَمْرُ بِهِ.

وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ إِزَالَةُ الْمِلْكِ، أَوِ الْحَقِّ، لَا إِلَى مَالِكٍ وَلَا إِلَى مُسْتَحِقٍّ، وَتَسْقُطُ بِذَلِكَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، لِأَنَّ السَّاقِطَ يَنْتَهِي وَيَتَلَاشَى وَلَا يَنْتَقِلُ، وَذَلِكَ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَالْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ وَبِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ: الْحَطُّ، إِذْ يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَعْنَى نَفْسِهِ.وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي إِسْقَاطِ الْحَامِلِ الْجَنِينَ.وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي (إِجْهَاضٌ).

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْإِبْرَاءُ:

2- الْإِبْرَاءُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: إِسْقَاطُ الشَّخْصِ حَقًّا لَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ أَوْ قِبَلَهُ.وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْإِبْرَاءَ مِنَ الدَّيْنِ إِسْقَاطًا مَحْضًا، أَمَّا مَنْ يَعْتَبِرُهُ تَمْلِيكًا فَيَقُولُ: هُوَ تَمْلِيكُ الْمَدِينِ مَا فِي ذِمَّتِهِ.وَتَوَسَّطَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: هُوَ تَمْلِيكٌ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، إِسْقَاطٌ فِي حَقِّ الْمَدِينِ، وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِبَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ لَا لِبَرَاءَةِ الِاسْتِيفَاءِ.

وَيُلَاحَظُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْحَقُّ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ وَلَا تُجَاهِهِ، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، فَتَرْكُهُ لَا يُعْتَبَرُ إِبْرَاءً، بَلْ هُوَ إِسْقَاطٌ.وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ.غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ يَعْتَبِرُ الْإِبْرَاءَ أَعَمَّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، إِذْ يَقُولُ: الْإِسْقَاطُ فِي الْمُعَيَّنِ، وَالْإِبْرَاءُ أَعَمُّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ.

ب- الصُّلْحُ:

3- الصُّلْحُ اسْمٌ بِمَعْنَى: الْمُصَالَحَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالسِّلْمِ.

وَشَرْعًا: عَقْدٌ يَقْتَضِي قَطْعَ النِّزَاعِ وَالْخُصُومَةِ.

وَيَجُوزُ فِي الصُّلْحِ إِسْقَاطُ بَعْضِ الْحَقِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَنْ إِقْرَارٍ أَمْ إِنْكَارٍ أَمْ سُكُوتٍ.فَإِذَا كَانَتِ الْمُصَالَحَةُ عَلَى أَخْذِ الْبَدَلِ فَالصُّلْحُ مُعَاوَضَةٌ، وَلَيْسَ إِسْقَاطًا، فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.

ج- الْمُقَاصَّةُ:

4- يُقَالُ تَقَاصَّ الْقَوْمُ: إِذَا قَاصَّ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي الْحِسَابِ، فَحَبَسَ عَنْهُ مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ.

وَالْمُقَاصَّةُ نَوْعٌ مِنَ الْإِسْقَاطِ، إِذْ هِيَ إِسْقَاطُ مَا لِلْإِنْسَانِ مِنْ دَيْنٍ عَلَى غَرِيمِهِ فِي مِثْلِ مَا عَلَيْهِ.فَهِيَ إِسْقَاطٌ بِعِوَضٍ، فِي حِينِ أَنَّ الْإِسْقَاطَ الْمُطْلَقَ يَكُونُ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْمُقَاصَّةُ أَخَصَّ مِنَ الْإِسْقَاطِ.وَلَهَا شُرُوطٌ تُنْظَرُ فِي مَوْضِعِهَا.

د- الْعَفْوُ:

5- مِنْ مَعَانِي الْعَفْوِ: الْمَحْوُ وَالْإِسْقَاطُ وَتَرْكُ الْمُطَالَبَةِ، يُقَالُ: عَفَوْت عَنْ فُلَانٍ إِذَا تَرَكْتَ مُطَالَبَتَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}.أَيِ التَّارِكِينَ مَظَالِمَهُمْ عِنْدَهُمْ لَا يُطَالِبُونَهُمْ بِهَا.فَالْعَفْوُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْكِ الْحَقِّ مُسَاوٍ لِلْإِسْقَاطِ فِي الْمَعْنَى، إِلاَّ أَنَّ الْعَفْوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ أَعَمُّ لِتَعَدُّدِ اسْتِعْمَالَاتِهِ.

هـ- التَّمْلِيكُ:

6- التَّمْلِيكُ: نَقْلُ الْمِلْكِ وَإِزَالَتُهُ إِلَى مَالِكٍ آخَرَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْقُولُ عَيْنًا كَمَا فِي الْبَيْعِ، أَمْ مَنْفَعَةً كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِعِوَضٍ كَمَا سَبَقَ، أَمْ بِدُونِهِ كَالْهِبَةِ.وَالتَّمْلِيكُ بِعُمُومِهِ يُفَارِقُ الْإِسْقَاطَ بِعُمُومِهِ، إِذْ التَّمْلِيكُ إِزَالَةٌ وَنَقْلٌ إِلَى مَالِكٍ، فِي حِينِ أَنَّ الْإِسْقَاطَ إِزَالَةٌ وَلَيْسَ نَقْلًا، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ إِلَى مَالِكٍ، لَكِنَّهُمَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُهُ تَمْلِيكًا، كَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَلِذَلِكَ يَشْتَرِطُونَ فِيهِ الْقَبُولَ.

صِفَةُ الْإِسْقَاطِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ):

7- الْإِسْقَاطُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْجُمْلَةِ، إِذْ هُوَ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، دُونَ أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ حَقًّا لِغَيْرِهِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ الْأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الْأُخْرَى.فَيَكُونُ وَاجِبًا، كَتَرْكِ وَلِيِّ الصَّغِيرِ الشُّفْعَةَ الَّتِي وَجَبَتْ لِلصَّغِيرِ، إِذَا كَانَ الْحَظُّ فِي تَرْكِهَا، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي مَالِهِ بِمَا فِيهِ حَظٌّ وَغِبْطَةٌ لَهُ.وَكَالطَّلَاقِ الَّذِي يَرَاهُ الْحَكَمَانِ إِذَا وَقَعَ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الرَّجُلِ إِذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَفِئْ إِلَيْهَا.

وَيَكُونُ مَنْدُوبًا إِذَا كَانَ قُرْبَةً، كَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ، وَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ، وَالْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ.وَمِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى النَّدْبِ فِي الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ قوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}.فَنَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْعَفْوِ وَالتَّصَدُّقِ بِحَقِّ الْقِصَاصِ.وَفِي إِبْرَاءِ الْمَدِينِ قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ: نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِلَى الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ إِنْظَارِهِ.، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْمَنْدُوبَ هُنَا وَهُوَ الْإِبْرَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْإِنْظَارُ.

وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا، كَطَلَاقِ الْبِدْعَةِ، وَهُوَ طَلَاقُ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ، وَكَذَلِكَ عَفْوُ وَلِيِّ الصَّغِيرِ عَنِ الْقِصَاصِ مَجَّانًا.

وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا، كَالطَّلَاقِ بِدُونِ سَبَبٍ يَسْتَدْعِيهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ».

الْبَاعِثُ عَلَى الْإِسْقَاطِ:

8- تَصَرُّفَاتُ الْمُكَلَّفِينَ فِيمَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِيهِ لَا تَأْتِي عَفْوًا، بَلْ تَكُونُ لَهَا بَوَاعِثُ، قَدْ تَكُونُ شَرْعِيَّةً، فَيَكُونُ التَّصَرُّفُ اسْتِجَابَةً لِأَوَامِرِ الشَّرْعِ، وَقَدْ تَكُونُ لِمَصَالِحَ شَخْصِيَّةٍ.

وَالْإِسْقَاطُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَتَأَتَّى فِيهَا الْبَاعِثُ الشَّرْعِيُّ وَالشَّخْصِيُّ.

فَمِنَ الْبَوَاعِثِ الشَّرْعِيَّةِ:

الْعَمَلُ عَلَى حُرِّيَّةِ الْإِنْسَانِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ لِكُلِّ النَّاسِ، وَذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي حَثَّ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ.

وَمِنْهَا: الْإِبْقَاءُ عَلَى الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ بِإِسْقَاطِ حَقِّ الْقِصَاصِ مِمَّنْ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْحَقُّ.

وَمِنْهَا: مُعَاوَنَةُ الْمُعْسِرِينَ، وَذَلِكَ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ عَنْهُمْ إِنْ وُجِدَ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: إِرَادَةُ نَفْعِ الْجَارِ، كَمَا فِي وَضْعِ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَّسِعُ الْمَقَامُ لِذِكْرِهِ.

أَمَّا الْبَوَاعِثُ الشَّخْصِيَّةُ:

فَمِنْهَا: رَجَاءُ حُسْنِ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، مِمَّا يَدْعُو الزَّوْجَةَ إِلَى إِبْرَاءِ زَوْجِهَا مِنَ الْمَهْرِ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ إِسْقَاطِ الزَّوْجَةِ حَقَّهَا فِي الْقَسْمِ.

وَمِنْهَا: الْإِسْرَاعُ فِي الْحُصُولِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ، إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْأَجَلِ فِي أَدَاءِ الْمَالِ الْمُكَاتَبِ، عَلَيْهِ، فَعَجَّلَ أَدَاءَ النُّجُومِ (الْأَقْسَاطِ)، فَإِنَّ السَّيِّدَ يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْمَالِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، حَتَّى لَوْ أَبَى السَّيِّدُ أَخْذَ الْمَالِ جَعَلَهُ الْإِمَامُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ.

وَمِنْهَا: الِانْتِفَاعُ الْمَادِّيُّ، كَالْخُلْعِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ.

أَرْكَانُ الْإِسْقَاطِ

9- رُكْنُ الْإِسْقَاطِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الصِّيغَةُ فَقَطْ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا عِنْدَ غَيْرِهِمُ: الطَّرَفَانِ- الْمُسْقِطُ وَهُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَالْمُسْقَطُ عَنْهُ الَّذِي تَقَرَّرَ الْحَقُّ قِبَلَهُ- وَالْمَحَلُّ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ الْإِسْقَاطُ.

الصِّيغَةُ:

10- مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الصِّيغَةَ تَتَكَوَّنُ مِنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا فِي الْعَقْدِ، وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الَّتِي تُقَابَلُ بِعِوَضٍ كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ.وَفِي غَيْرِهَا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَبُولِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

الْإِيجَابُ فِي الصِّيغَةِ:

11- الْإِيجَابُ فِي الصِّيغَةِ، هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِسْقَاطِ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَى الْقَوْلِ، مِنْ إِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ سُكُوتٍ.

وَيُلَاحَظُ أَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ قَدْ مُيِّزَ بَعْضُهَا بِأَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ تُعْرَفُ بِهَا، فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنِ الرِّقِّ عِتْقٌ، وَعَنِ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ طَلَاقٌ، وَعَنِ الْقِصَاصِ عَفْوٌ، وَعَنِ الدَّيْنِ إِبْرَاءٌ.

وَلِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْإِسْقَاطَاتِ صِيَغٌ خَاصَّةٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ صَرِيحَةً، أَمْ كِنَايَةً تَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ.ر: (طَلَاق، عِتْق).

أَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنَ الْإِسْقَاطَاتِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهَا هُوَ الْإِسْقَاطُ.وَمَا بِمَعْنَاهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَلْفَاظًا مُتَعَدِّدَةً تُؤَدِّي مَعْنَى الْإِسْقَاطِ، وَذَلِكَ مِثْلُ: التَّرْكِ وَالْحَطِّ وَالْعَفْوِ وَالْوَضْعِ وَالْإِبْرَاءِ فِي بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ وَالْإِبْطَالِ وَالْإِحْلَالِ وَالْمَدَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ وَدَلَالَةِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ جَعَلُوا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَطِيَّةُ حِينَ لَا يُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَتُهَا وَهِيَ التَّمْلِيكُ، وَيَكُونُ الْمَقَامُ دَالًّا عَلَى الْإِسْقَاطِ، فَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ: مَنْ أَبْرَأَ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لِمَدِينِهِ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ، أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ لَهُ، أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ عَفَا عَنِ الدَّيْنِ، صَحَّ ذَلِكَ جَمِيعُهُ، وَكَانَ مُسْقِطًا لِلدَّيْنِ.وَإِنَّمَا صَحَّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ انْصَرَفَ إِلَى مَعْنَى الْإِبْرَاءِ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً لَمْ يَصِحَّ، لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ.

وَكَمَا يَحْصُلُ الْإِسْقَاطُ بِالْقَوْلِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْكِتَابَةِ الْمُعَنْوَنَةِ الْمَرْسُومَةِ، وَبِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ مِنْ فَاقِدِ النُّطْقِ.

كَذَلِكَ قَدْ يَحْصُلُ الْإِسْقَاطُ بِالسُّكُوتِ، كَمَا إِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِبَيْعِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ، وَسَكَتَ مَعَ إِمْكَانِ الطَّلَبِ، فَإِنَّ سُكُوتَهُ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ.

وَيَحْصُلُ الْإِسْقَاطُ أَيْضًا نَتِيجَةَ فِعْلٍ يَصْدُرُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، كَمَنْ يَشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَبِيعِ بِوَقْفٍ أَوْ بَيْعٍ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ يُعْتَبَرُ إِسْقَاطًا لِحَقِّهِ فِي الْخِيَارِ.

الْقَبُولُ:

12- الْأَصْلُ فِي الْإِسْقَاطِ أَنْ يَتِمَّ بِإِرَادَةِ الْمُسْقِطِ وَحْدَهُ، لِأَنَّ جَائِزَ التَّصَرُّفِ لَا يُمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ، مَا دَامَ لَمْ يَمَسَّ حَقَّ غَيْرِهِ.

وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْإِسْقَاطَ الْمَحْضَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَاَلَّذِي لَمْ يُقَابَلْ بِعِوَضٍ، يَتِمُّ بِصُدُورِ مَا يُحَقِّقُ مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولِ الطَّرَفِ الْآخَرِ، كَالطَّلَاقِ، فَلَا يَحْتَاجُ الطَّلَاقُ إِلَى قَبُولٍ.

13- وَيَتَّفِقُونَ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِسْقَاطَ الَّذِي يُقَابَلُ بِعِوَضٍ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى قَبُولِ الطَّرَفِ الْآخَرِ فِي الْجُمْلَةِ، كَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُعَاوَضَةً، فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى قَبُولِ دَفْعِ الْعِوَضِ مِنَ الطَّرَفِ الْآخَرِ، إِذِ الْمُعَاوَضَةُ لَا تَتِمُّ إِلاَّ بِرِضَى الطَّرَفَيْنِ.

وَقَدْ أَلْحَقَ الْحَنَفِيَّةُ بِهَذَا الْقِسْمِ الصُّلْحَ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَى الْجَانِي، لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} وَالْمُرَادُ بِهِ الصُّلْحُ.وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ يَجْرِي فِيهِ الْإِسْقَاطُ عَفْوًا، فَكَذَا تَعْوِيضًا، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إِحْسَانِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِحْيَاءِ الْقَاتِلِ، فَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي.

وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ هُوَ قَوْلٌ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ، إِذَا أَرَادَ أَخْذَ الدِّيَةِ بَدَلَ الْقِصَاصِ، فَلَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْجَانِي، لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُودَى، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ».وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

14- وَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ الْإِسْقَاطُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، كَإِبْرَاءِ الْمَدِينِ مِنَ الدَّيْنِ.وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْإِسْقَاطِ هُوَ الَّذِي اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَسَاسِ مَا فِيهِ مِنْ جَانِبَيِ الْإِسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ.

فَالْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، نَظَرُوا إِلَى جَانِبِ الْإِسْقَاطِ فِيهِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْقَبُولِ، لِأَنَّ جَائِزَ التَّصَرُّفِ لَا يُمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ أَوْ بَعْضِهِ.وَلِأَنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْقَبُولُ، كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ.بَلْ إِنَّ الْخَطِيبَ الشِّرْبِينِيَّ قَالَ: لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْإِبْرَاءُ تَمْلِيكٌ أَوْ إِسْقَاطٌ.

وَيَسْتَوِي عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ التَّعْبِيرُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِهِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ، إِلاَّ مَا فَرَّقَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْهِبَةِ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبُولِ.جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: هِبَةُ الدَّيْنِ مِنَ الْكَفِيلِ لَا تَتِمُّ بِدُونِ الْقَبُولِ، وَإِبْرَاؤُهُ يَتِمُّ بِدُونِ قَبُولٍ.

15- وَلَمَّا كَانَ الْإِبْرَاءُ مِنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، مِمَّا يُشْعِرُ بِالتَّعَارُضِ مَعَ رَأْيِهِمْ فِي عَدَمِ تَوَقُّفِ الْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ، فَقَدْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى الْقَبُولِ فِيهِمَا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ هِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ، وَلَكِنْ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فِيهِمَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ بِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ لِحَقِّ الشَّارِعِ، وَأَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِفَسْخِهِ، فَلِهَذَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِ الْآخَرِ.

وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ إِبْرَاءَ الْمَدِينِ مِنَ الدَّيْنِ يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى الْقَبُولِ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ- عَلَى رَأْيِهِمْ- نَقْلٌ لِلْمِلْكِ، فَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَدِينِ مَا فِي ذِمَّتِهِ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْهِبَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ.

وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ هِيَ تَرَفُّعُ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَمَّا قَدْ يَحْدُثُ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ مِنَّةٍ، وَمَا قَدْ يُصِيبُهُمْ مِنْ ضَرَرٍ بِذَلِكَ، لَا سِيَّمَا مِنَ السَّفَلَةِ، فَكَانَ لَهُمُ الرَّفْضُ شَرْعًا، نَفْيًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنَ الْمِنَنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.

رَدُّ الْإِسْقَاطِ:

16- لَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَاَلَّتِي لَمْ تُقَابَلْ بِعِوَضٍ، كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْقِصَاصِ لَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ، وَبِالْإِسْقَاطِ يَسْقُطُ الْمِلْكُ وَالْحَقُّ، فَيَتَلَاشَى وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الرَّدُّ، وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.وَلَا يَخْتَلِفُونَ كَذَلِكَ فِي أَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ الَّتِي تُقَابَلُ بِعِوَضٍ، كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ مَا لَمْ يَسْبِقْ قَبُولٌ أَوْ طَلَبٌ.

17- أَمَّا مَا فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَالْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ رَأْيُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، نَظَرًا لِجَانِبِ التَّمْلِيكِ فِيهِ، وَلِمَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ قَابِلِيَّتِهِ لِلرَّدِّ مِنْ ضَرَرِ الْمِنَّةِ الَّتِي يَتَرَفَّعُ عَنْهَا ذَوُو الْمُرُوءَاتِ.

18- هَذَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ الْحَنَفِيَّةِ لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَرْتَدُّ فِيهَا الْإِبْرَاءُ بِالرَّدِّ وَهِيَ:

أ- إِذَا أَبْرَأَ الْمُحَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ.

ب- إِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ فَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَقِيلَ يَرْتَدُّ.

ج- إِذَا طَلَبَ الْمَدِينُ الْإِبْرَاءَ فَأَبْرَأَهُ الدَّائِنُ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ.

د- إِذَا قَبِلَ الْمَدِينُ الْإِبْرَاءَ ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَرْتَدُّ.

وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ خُرُوجًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي سَارَ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، ذَلِكَ أَنَّ الْحَوَالَةَ وَالْكَفَالَةَ مِنَ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ.

وَأَمَّا الْقَبُولُ إِذَا تَمَّ فَلَا مَعْنَى لِلرَّدِّ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ طَلَبُ الْمَدِينِ الْبَرَاءَةَ يُعْتَبَرُ قَبُولًا.

19- وَمَعَ اتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ مِنْ حَيْثُ تَقْيِيدُ الرَّدِّ بِمَجْلِسِ الْإِبْرَاءِ وَعَدَمُ تَقْيِيدِهِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هُمَا قَوْلَانِ.وَفِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى افْتَرَقَا، ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ رَدَّ لَا يَرْتَدُّ فِي الصَّحِيحِ.

التَّعْلِيقُ وَالتَّقْيِيدُ وَالْإِضَافَةُ فِي الْإِسْقَاطَاتِ:

20- التَّعْلِيقُ هُوَ رَبْطُ وُجُودِ الشَّيْءِ بِوُجُودِ غَيْرِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَفْظُ أَدَاةِ الشَّرْطِ صَرِيحًا، كَإِنْ وَإِذَا، وَانْعِقَادُ الْحُكْمِ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُصُولِ الشَّرْطِ.

21- وَالتَّقْيِيدُ بِالشُّرُوطِ مَا جُزِمَ فِيهِ بِالْأَصْلِ، وَشُرِطَ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَفْظُ أَدَاةِ الشَّرْطِ صَرِيحًا.

22- أَمَّا الْإِضَافَةُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَمْنَعُ سَبَبِيَّةَ اللَّفْظِ لِلْحُكْمِ إِلاَّ أَنَّهَا تَجْعَلُ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ الْبَدْءُ بِهِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ يُحَدِّدُهُ الْمُتَصَرِّفُ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِسْقَاطَاتِ هُوَ:

أَوَّلًا: تَعْلِيقُ الْإِسْقَاطِ عَلَى الشَّرْطِ:

23- يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ تَعْلِيقُ الْإِسْقَاطَاتِ عَلَى الشَّرْطِ الْكَائِنِ بِالْفِعْلِ (أَيِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْإِسْقَاطِ)، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْجَزِ، كَقَوْلِ الدَّائِنِ لِغَرِيمِهِ: إِنْ كَانَ لِي عَلَيْكَ دَيْنٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُكَ، وَكَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَانَتِ السَّمَاءُ فَوْقَنَا وَالْأَرْضُ تَحْتَنَا، وَكَمَنْ قَالَ لآِخَرَ: بَاعَنِي فُلَانٌ دَارَكَ بِكَذَا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ كَذَا فَقَدْ أَجَزْتُهُ، وَإِنْ كَانَ فُلَانٌ اشْتَرَى هَذَا الشِّقْصَ بِكَذَا فَقَدْ أَسْقَطْتُ الشُّفْعَةَ.

كَذَلِكَ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ التَّعْلِيقُ عَلَى مَوْتِ الْمُسْقِطِ، وَيُعْتَبَرُ وَصِيَّةً، كَقَوْلِهِ لِمَدِينِهِ: إِذَا مِتَّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ.

وَهَذَا فِيمَا عَدَا مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى مَوْتِهِ، إِذْ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ عَدَمِ وُقُوعِهِ.

أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ فَيُمْكِنُ تَقْسِيمُ الْإِسْقَاطَاتِ بِالنِّسْبَةِ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ إِلَى الْآتِي:

24- (أ) إِسْقَاطَاتٌ مَحْضَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلَمْ تُقَابَلْ بِعِوَضٍ.وَهَذِهِ يَجُوزُ فِي الْجُمْلَةِ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَضَعُوا هُنَا ضَابِطًا فَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْإِسْقَاطَاتُ مِمَّا يُحْلَفُ بِهَا، كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ مُلَائِمًا أَمْ غَيْرَ مُلَائِمٍ.وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُحْلَفُ بِهَا، كَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ فَقَطْ، وَهُوَ مَا يُؤَكِّدُ مُوجَبَ الْعَقْدِ.وَيُعَبِّرُ الْحَنَفِيَّةُ أَحْيَانًا بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ.وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا وَاحِدٌ، فَفِي ابْنِ عَابِدِينَ: وَفِي الْبَحْرِ عَنِ الْمِعْرَاجِ: غَيْرُ الْمُلَائِمِ هُوَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلطَّالِبِ أَصْلًا، كَدُخُولِ الدَّارِ وَمَجِيءِ الْغَدِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ.وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ- بَعْدَ الْكَلَامِ عَنِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي جَوَازِ تَعْلِيقِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ- قَالَ: وَجْهُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مَحْضًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ بَيْنَ النَّاسِ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ لَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ، وَلَهُ تَعَامُلٌ، فَتَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِهِ صَحِيحٌ.

وَلَمْ يَتَعَرَّضْ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ لِهَذَا التَّقْسِيمِ، وَاَلَّذِي يَبْدُو مِمَّا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَعْلِيقُ الْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ عَلَى الشَّرْطِ مُطْلَقًا، دُونَ تَفْرِيقٍ بَيْنَ مَا يُحْلَفُ بِهِ وَمَا لَا يُحْلَفُ بِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الضَّابِطُ الَّذِي وَضَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ: مَا كَانَ تَمْلِيكًا مَحْضًا لَا مَدْخَلَ لِلتَّعْلِيقِ فِيهِ قَطْعًا كَالْبَيْعِ، وَمَا كَانَ حِلًّا مَحْضًا، يَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ قَطْعًا كَالْعِتْقِ، وَبَيْنَهُمَا مَرَاتِبُ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ كَالْفَسْخِ وَالْإِبْرَاءِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَإِنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي ذَكَرُوا أَنَّهَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ تُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى.وَقَدْ وَرَدَ الْكَثِيرُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ عُلَيْشٍ الْمَالِكِيِّ، وَمِنْهَا: إِذَا طَلَبَتِ الْحَاضِنَةُ الِانْتِقَالَ بِالْأَوْلَادِ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ، فَقَالَ الْأَبُ: إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَنَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ عَلَيْكَ، لَزِمَهَا ذَلِكَ، لِأَنَّ لِلْأَبِ مَنْعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ بِهِمْ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ، فَأَسْقَطَ حَقَّهُ بِذَلِكَ.وَإِذَا قَالَ الشَّفِيعُ: إِنِ اشْتَرَيْتَ ذَلِكَ الشِّقْصَ فَقَدْ سَلَّمْتُ لَكَ شُفْعَتِي عَلَى دِينَارٍ تُعْطِينِي إِيَّاهُ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ مِنْكَ فَلَا جُعْلَ لِي عَلَيْكَ، جَازَ ذَلِكَ.

25- (ب) إِسْقَاطَاتٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، كَالْخُلْعِ وَالْمُكَاتَبَةِ.وَمَا يَلْحَقُ بِهِمَا مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ.

فَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَكَذَا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ تَعْلِيقُهُمَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، لِأَنَّهُمَا إِسْقَاطٌ مَحْضٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ فِيهِمَا مَعْدُولٌ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ.

وَأَمَّا الْخُلْعُ فَقَدْ أَجَازَ تَعْلِيقَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ، بِاعْتِبَارِهِ طَلَاقًا، وَمَنَعَهُ الْحَنَابِلَةُ لِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ.

وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَقَدْ أَجَازَ تَعْلِيقَهَا بِالشَّرْطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَمَنَعَهَا الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، جَاءَ فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيِّ: الْمُعَاوَضَةُ غَيْرُ الْمَحْضَةِ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ الْمَالُ فِيهَا مَقْصُودًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ (أَيْ كَالْمُكَاتَبَةِ) لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، إِلاَّ فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ.

26- (ج) الْإِسْقَاطُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، كَالْإِبْرَاءِ مِنَ الدَّيْنِ.وَقَدْ أَجَازَ تَعْلِيقَهُ عَلَى الشَّرْطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ.غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوهُ بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ أَوِ الْمُتَعَارَفِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ.وَمَنَعَ تَعْلِيقَهُ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ.

وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ ثَلَاثَ صُوَرٍ يَجُوزُ فِيهَا التَّعْلِيقُ، وَهِيَ:

(1) لَوْ قَالَ: إِنْ رَدَدْتَ ضَالَّتِي فَقَدْ أَبْرَأْتُكَ عَنِ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ صَحَّ.

(2) تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ ضِمْنًا، كَمَا إِذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ، ثُمَّ كَاتَبَهُ فَوُجِدَتِ الصِّفَةُ، عَتَقَ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ الْإِبْرَاءَ مِنَ النُّجُومِ (أَيِ الْأَقْسَاطِ).

(3) الْبَرَاءَةُ الْمُعَلَّقَةُ بِمَوْتِ الْمُبَرِّئِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ.

ثَانِيًا: تَقْيِيدُ الْإِسْقَاطِ بِالشَّرْطِ:

27- يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ تَقْيِيدُ الْإِسْقَاطَاتِ بِالشُّرُوطِ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ صَحِيحًا لَزِمَ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فَاسِدًا فَلِكُلِّ مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا يُعْتَبَرُ فَاسِدًا مِنَ الشُّرُوطِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ، وَهَلْ يَبْطُلُ التَّصَرُّفُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، أَوْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ.وَنَتْرُكُ التَّفَاصِيلَ لِمَوَاضِعِهَا.

لَكِنَّ الْحُكْمَ الْغَالِبَ فِي الْإِسْقَاطَاتِ أَنَّهَا لَوْ قُيِّدَتْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، صَحَّ وَبَطَلَ الشَّرْطُ.

وَيَتَبَيَّنُ هَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الضَّوَابِطِ، وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي أَوْرَدَهَا غَيْرُهُمْ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: كُلُّ مَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ، الْفَاسِدِ.

وَقَالُوا أَيْضًا: مَا لَيْسَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ.وَذَكَرَ صَاحِبُ الدُّرِّ وَابْنُ عَابِدِينَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصِحُّ وَلَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَمِنْهَا: الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ وَالْإِيصَاءُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَلَمْ يَرْبِطُوا بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالتَّقْيِيدِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَالتَّعْلِيقَ: الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِ التَّعْلِيقِ قَبُولُ الشَّرْطِ، وَلَا مِنْ قَبُولِ الشَّرْطِ قَبُولُ التَّعْلِيقِ، وَتُطْلَبُ الْمُنَاسَبَةُ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي وَرَدَتْ عِنْدَهُمْ: لَوْ خَالَعَتْ زَوْجَهَا وَاشْتَرَطَتِ الرَّجْعَةَ، لَزِمَ الْخُلْعُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ.وَلَوْ صَالَحَ الْجَانِي وَلِيَّ الدَّمِ عَلَى شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَرْحَلَ مِنَ الْبَلَدِ، فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: الشَّرْطُ جَائِزٌ وَالصُّلْحُ لَازِمٌ، وَكَانَ سَحْنُونٌ يُعْجِبُهُ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ.

وَيَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ: الشَّرْطُ الْفَاسِدُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَحْكَامِ الصَّحِيحِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ.

وَمِمَّا قَالَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ: إِذَا قُيِّدَ الْخُلْعُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَغَا الشَّرْطُ.وَفِي الْمُغْنِي: الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لَا تُبْطِلُهُمَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ.

ثَالِثًا: إِضَافَةُ الْإِسْقَاطِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ:

28- مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَظْهَرُ أَثَرُهَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ تَمَّامِ الصِّيغَةِ، وَلَا تَقْبَلُ إِرْجَاءَ حُكْمِهَا إِلَى زَمَنٍ آخَرَ كَالزَّوَاجِ وَالْبَيْعِ.

وَمِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا تَكُونُ طَبِيعَتُهَا تَمْنَعُ ظُهُورَ أَثَرِهَا إِلاَّ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَالْوَصِيَّةِ.

وَمِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَقَعُ حُكْمُهُ مُنْجَزًا، كَالطَّلَاقِ تَنْتَهِي بِهِ الزَّوْجِيَّةُ فِي الْحَالِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا تَنْتَهِي الزَّوْجِيَّةُ إِلاَّ عِنْدَ حُصُولِهِ.

وَإِضَافَةُ الطَّلَاقِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَهُوَ مُنْجَزٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَلَوْ أَضَافَهُ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ، لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ أَشْبَهُ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ.وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ إِسْقَاطٌ يَقْبَلُ الْإِضَافَةَ.

وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْإِسْقَاطَاتِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ: الْإِبْرَاءُ مِنَ الدَّيْنِ وَإِسْقَاطُ الْقِصَاصِ.وَالْحُكْمُ الْغَالِبُ أَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ تَقْبَلُ الْإِضَافَةَ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ.هَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِكُلِّ مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ، وَيُنْظَرُ فِي مَوْضِعِهِ.

مَنْ يَمْلِكُ الْإِسْقَاطَ (الْمُسْقِطُ):

29- الْإِسْقَاطُ قَدْ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ أَسَاسًا، كَإِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَكُونُ فِي مُبَاشَرَتِهَا مَشَقَّةٌ وَحَرَجٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَكَإِسْقَاطِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهَا شُبْهَةٌ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.

وَقَدْ يَكُونُ الْإِسْقَاطُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ نَتِيجَةً لِأَمْرِ الشَّارِعِ، إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ كَالْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ مِنَ الدَّيْنِ، وَكَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ.

وَقَدْ يَكُونُ الْإِسْقَاطُ مِنَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِأَسْبَابٍ خَاصَّةٍ، كَإِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الشِّرَاءِ.عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ.

مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْقِطِ:

30- الْإِسْقَاطُ مِنَ الْعِبَادِ يُعْتَبَرُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَتَنَازَلُ فِيهَا الْإِنْسَانُ عَنْ حَقِّهِ، فَهُوَ فِي حَقِيقَتِهِ تَبَرُّعٌ.وَلَمَّا كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ قَدْ يَعُودُ عَلَى الْمُسْقِطِ بِالضَّرَرِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّتُهُ لِلتَّبَرُّعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا.فَلَا يَصِحُّ الْإِسْقَاطُ مِنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَقُولُونَ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ مِنَ الصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ عِوَضٍ لَهُ.

وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّبَرُّعَاتِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ وَأَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقِصَاصِ وَأَنْ يُخَالِعَ، لَكِنْ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ الْمَالُ، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ مِنَ الزَّوْجَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ، مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ، وَلَا عَلَى الْمَدِينِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.ر: (حَجْر، وَسَفَه، وَأَهْلِيَّة).

وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَا إِرَادَةٍ، فَلَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ الْمُكْرَهِ، إِلاَّ مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ صِحَّةِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ مِنَ الْمُكْرَهِ.وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَغَيْرِ الْمُلْجِئِ.وَيُنْظَرُ فِي (إِكْرَاهٌ).

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ، إِذَا كَانَ إِسْقَاطُهُ لِكُلِّ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ وَقْتَ الْإِسْقَاطِ فَتَصَرُّفُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ، أَوْ بِأَقَلَّ لِلْوَارِثِ، يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.ر: (وَصِيَّة).

وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا وَالتَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالدُّيُونِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِبْرَاءُ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ.وَفِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ خِلَافٌ بَيْنَ مَنْ يُجِيزُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَيْنَ مَنْ لَا يُجِيزُهُ وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَوْضِعُهُ مُصْطَلَحُ (فُضُولِيّ).

وَقَدْ يَكُونُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ بِالْوَكَالَةِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْمَأْذُونِ بِهِ لِلْوَكِيلِ.وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالْخُلْعِ، وَبِالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ، وَبِالصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَفِي إِبْرَاءٍ مِنَ الدَّيْنِ وَلَوْ لِلْوَكِيلِ، إِذَا عَيَّنَهُ الْمُوَكِّلُ وَقَالَ لَهُ: أَبْرِئْ نَفْسَكَ.وَيُرَاعَى فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَمَا أُذِنَ فِيهِ.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (وَكَالَة).

وَقَدْ يَكُونُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ بِالْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ تَصَرُّفُهُمَا عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ لِلصَّغِيرِ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ وَلَا إِسْقَاطُ الْمَهْرِ وَلَا الْعَفْوُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَلَا تَرْكُ الشُّفْعَةِ إِذَا كَانَ فِي التَّرْكِ ضَرَرٌ.وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ (ر: وِصَايَة وِلَايَة).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


6-تاج العروس (قبر)

[قبر]: القَبْرُ بالفَتْحِ: مَدْفَن الإِنْسَانِ، الجمع: قُبُورٌ.

والمَقْبرة، مُثلَّثَة الباءِ، وكمِكْنَسَة: مَوضِعُهَا؛ أَي القُبُورِ.

قال سيبَوَيْه: المَقْبُرة ليس على الفِعْلِ ولكنه اسمٌ. قال اللَّيْثُ: والمَقْبَرُ أَيضًا: مَوضع القَبْر؛ وهو المَقْبَرِي والمَقْبُرِي. وفي الصحاحِ: المَقْبَرَةُ والمَقْبُرَةُ: واحدةُ المَقَابِر، وقد جاءَ في الشَّعْر المَقْبَرُ، قال عبدُ الله بن ثَعْلَبَةَ الحَنَفِيُّ:

أَزُورُ وأَعْتَادُ الْقبُورَ ولا أَرَى *** سِوَى رَمْسِ أَعْجَازٍ عَلَيْه رُكُودُ

لكُلِّ أُناس مَقْبَرٌ بفِنَائِهِمْ *** فَهُمْ يَنْقُصُونَ والقُبُورُ تَزيدُ

قال ابنُ برّيّ: قولُ الجَوْهَرِيِّ: وقد جاءَ في الشِّعْر المَقْبَر، يقتضِي أَنّه من الشاذّ، وليس كذلك، بل هو قِيَاسٌ في اسمِ المَكَان من قَبَر يَقْبُر المَقْبَرُ، ومن خَرَج يَخْرُج المَخْرَجُ، وهو قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ لم يَشِذَّ منه غيرُ الأَلْفَاظ المَعْرُوفَة مثلُ المَبِيتِ والمَسْقِط ونحْوِهما.

والمَقْبُرِيُّون في المُحَدِّثِينَ جَمَاعَةٌ وهُمْ: سَعِيدٌ، وأَبُوه أَبُو سَعِيد، وابنُه عَبّادٌ، وآلُ بَيْتِه، وغَيْرُهم.

قَبَرَه، يَقْبُرُه، بالضّمّ، ويَقْبِرُه بالكَسْر، قَبْرًا ومَقْبَرًا، الأَخير مَصْدَرٌ مِيميٌّ: دَفَنَهُ وواراهُ في التُّرابِ.

وأَقْبَرَهُ: جَعَلَ لَهُ قَبْرًا يُوَارَى فيه ويُدْفَنُ فيه. وقِيلَ: أَقْبَرَ، إِذا أَمَرَ إِنْسانًا بحَفْرِ قَبْرٍ. قال الفَرّاءُ: وقولُه تعالى {ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أَي جَعَلَه مَقْبُورًا: مِمَّن يُقْبَر، ولم يَجْعَلْهُ مِمَّن يُلْقَى للطَّيْر والسِّبَاع، كَأَنَّ القَبْرَ مِمّا أُكْرِمَ به المُسْلِمُ. وفي الصّحاح: مِمّا أُكْرِم به بنَوُ آدَمَ، ولم يَقُلْ: فقَبرَه، لأَنَّ القَابِرَ هُو الدافِنُ بِيَدِه، والمُقْبِرُ هو الله، لأَنَّهُ صَيَّرَهُ ذا قَبْر، وليس فِعْلُه كفِعْلِ الآدَمِيّ. وأَقْبَرَ القَوْمَ: أَعْطَاهُم قَتِيلَهم ليَقْبُرُوه، قال أَبو عُبَيْدَةَ: قالت بنو تَمِيمٍ للحَجّاجِ، وكان قَتَلَ صالِحَ بنَ عبدِ الرَّحْمنِ: أَقْبِرْنا صالِحًا؛ أَي ائْذَنْ لَنَا في أَنْ نَقْبُرَه، فقالَ لهم: دُونَكُمُوهُ.

وقال ابنُ دُرَيْد القَبُورُ، كصَبُور، من الأَرْضِ: الغَامِضَةُ، والقَبُورُ من النَّخْلِ: السَّرِيعَةُ الحَمْلِ، أَو هِيَ الَّتِي يَكُون حَمْلُهَا في سَعَفِهَا، ومِثْلُهَا كَبُوسٌ. والقِبْرُ، بالكَسْر: موضعٌ مُتَأَكِّلٌ في عُودِ الطِّيب.

والقِبِرَّى، كزِمِكَّى: الأَنْفُ العَظِيمُ نَفْسُهَا أَو طَرَفُهَا؛ كما قالَه ابنُ الأَعْرَابِيّ. وقال ابنُ دَرَيْد: القِبِرَّى: العَظِيمُ الأَنْفِ. ومن المَجَازِ: جاءَ فُلانٌ رَافِعًا قِبِرّاه، ورامِعًا أَنْفَه، إِذا جاءَ مُغْضَبًا. ومثله: جاءَ نافِخًا قِبِرَّاه، ووَارِمًا خَوْرَمَتُهُ.

قال الزَّمَخْشَريّ: كَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بالقَبْرِ كما يُقَال: رُؤُوسٌ كقُبُورِ عادٍ. وقَال مِرْدَاسٌ [الدبيري].

لَقَدْ أَتانِي رَافِعًا قِبِرّاهْ *** لا يَعْرِفُ الحَقَّ ولَيْسَ يَهْواهْ

وتَقُولُ: وا كِبْرَاه، إِذا رَفَعَ قِبِرّاه.

والقِبِرّاة: رَأْسُ الكَمَرَةِ، وفي النَّوادرِ لابنِ الأَعْرَابِيّ:

رَأْسُ القَنْفَاءِ، تَصْغِيرُها قُبَيْرَةٌ، على حَذْفِ الزَّوَائدِ وكذا تَصْغِيرُ القِبِرّاة بمَعْنَى الأَنْف.

والقُبَّارُ، كرُمّان، موضع بمَكّةَ حَرَسَهَا الله تعالَى، أَنشد الأَصمعيُّ لِوَرْدٍ العَنْبَرِيّ:

فأَلْقَتِ الأَرْحُلَ في مَحَارِ *** بَيْنَ الحَجُونِ فإِلَى القُبّارِ

أَي نَزَلَت فأَقامَتْ.

والقُبّارُ: المُجْتَمِعُون، وفي بعضِ النّسخ «المُتَجَمِّعون» لجَرِّ ما فِي الشِّبَاكِ من الصَّيْدِ، عُمَانِيَّة، قال العَجّاج:

كأَنَّمَا تَجَمَّعُوا قُبّارَا

والقُبّارُ: سِرَاجُ الصَّيّادِ باللَّيْلِ.

والقُبَارُ، كهُمَامٍ: سَيْفُ شَعْبَانَ بنِ عَمْرٍو الحِمْيَريّ.

وعن أَبِي حَنِيفَة: القُبَرُ، كصُرَدٍ: عِنَبٌ أَبْيَضُ طَويِلٌ جَيِّدُ الزَّبِيبِ، عَنَاقِيدُه مُتَوَسِّطة.

والقُبر، كسُكَّر، وصُرَد: طائرٌ يُشْبِهُ الحُمَّرَة، الوَاحِدةُ بهاءٍ، ويُقَالُ فيه أَيضًا: القُنْبَرَاءُ بالضّمّ والمَدّ، الجمع: قَنَابِرُ، كالعُنْصَلاءِ والعَنَاصِلِ. قال الجوهَرِيّ: ولا تَقُلْ قُنْبُرَة، كقُنْفُذَة، أَو لُغَيَّة وقد جاءَ ذلك في الرَّجَز، أَنْشَدَه أَبو عُبَيْدَةَ:

جاءَ الشِّتاءُ واجْثَأَلَّ القُنْبُرُ *** وجَعَلتْ عَيْنُ السَّمُوم تَسْكُرُ

وقَبْرَةُ: كُورَةٌ بالأَنْدَلُسِ مُتَّصِلَةٌ بِأَجْوَازِ قُرْطُبَةَ، منها عَبْدُ الله بنُ يُونُسَ صاحِبُ بَقِيِّ بنِ مَخْلَد. وعُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُدْرِكٍ المُتَوفَّى سنة 320؛ قالَهُ الذَّهَبِيّ، وضبطه هكذا. وقد ضَبَطَه السَّمْعَانيّ بفاءٍ مكسورَة وياءٍ ساكِنَة، وتُعَقِّب؛ قاله الحافِظُ.

وخَيْفُ ذي قَبْرٍ: موضع قُرْبَ عُسْفَانَ.

وقُبْرَيَانُ بالضَّمّ: قرية بإِفْرِيقِيَة مِنْهَا سَهْلُ بنُ عبد العَزِيزِ الإِفرِيقِيّ القُبْرَيَانِيّ، رَوَى عن سَحْنُونِ بنِ سَعِيدٍ المَغْرِبيّ.

وقِبْرَيْن، بالكَسْر مُثَنًّى: عَقَبَةٌ بتِهَامَةَ.

وقولُ ابنِ عَبّاسٍ رضي ‌الله‌ عنهما في الدَّجّال: إِنَّه وُلِدَ مَقْبُورًا، قال ثعلب: مَعْنَاه أَنّ أُمَّه وَضَعَتْه في، ونَصُّ أَبي العَبّاس: «وعَلَيْه» جِلْدَة مُصْمَتَة لا شَقَّ فِيها ولا نَقْبَ، هكذا بالنُّون في الأُصُول الصّحيحَة، وفي بَعْضِهَا بالمُثَلَّثة.

فقالت قابِلَتُه: هذِه سِلْعَةٌ ليس فيها وَلَدٌ. وفي اللّسَانِ: ولَيْسَ وَلَدًا، وفي التكملة: ولَيْسَ بِوَلَدٍ. فقالت أُمُّه: بل فيها وَلَدٌ، وهو مَقْبُورٌ فِيهَا. فشَقُّوا عنه، فاسْتَهَلَّ، هكذا نقله الصاغَانِيّ وصاحب اللّسَان.

وأَبو القاسِمِ مَنْصُورٌ ـ ويقالُ: أَبو القاسِمِ بنُ مَنْصُور؛ كما في التَّبْصِير للحافِظ ـ القَبّارِيُّ، كشَدّادِيّ: زاهِدُ الإِسْكَنْدَرِيّةِ وإِمَامُها وقُدْوَتُهَا، تُوُفِّيَ سنة 662، وقد أَسَنّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


7-تاج العروس (طلع)

[طلع]: طَلَعَ الكَوْكَبُ والشَّمْسُ والقَمَرُ طُلُوعًا، ومَطْلَعًا، بفَتْحِ الّلامِ على القِيَاسِ، ومَطْلِعًا بكَسْرِهَا، وهُوَ الأَشْهَرُ، وهو أَحَدُ ما جاءَ من مَصَادِرِ فَعَلَ يَفْعُلُ على مَفْعِلٍ. وأَمّا قَوْلُه تَعالَى: {سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فإِنَّ الكِسَائِيَّ وخَلَفًا قَرَآه بكسر الّلامِ، وهي إِحْدى الرِّوايَتَيْنِ عن أَبِي عَمْرٍو. قلتُ: وهي رِوَايَةُ عُبَيْدٍ، عن أَبِي عَمْرٍو. وقال ابنُ كَثِير ونافِعٌ وابنُ عامِرٍ واليَزِيديُّ عن أَبِي عَمْرٍو، وعاصِم وحَمْزَة بفَتْحِ اللَّامِ، قال الفَرّاءُ: وهو أَقْوَى في القِيَاسِ، لأَنَّ المَطْلَع، بالفَتْحِ: الطُّلُوعُ، وبالكَسْر: المَوْضِعُ الذِي تَطْلُعُ منه، إِلّا أَنّ العَرَبَ تَقُولُ: طَلَعَت الشَّمْسُ مَطْلِعًا، فيَكْسِرُونَ وهم يُرِيدُونَ المَصْدَرَ، وكذلِكَ: المَسْجِد، والمَشْرِق، والمَغْرِب، والمَسْقِطِ، والمَرْفِقِ، والمَفْرِق، والمَجْزِرُ، والمَسْكِنُ، والمَنْسِك، والمَنْبِتُ، وقال بعضُ البَصْرِيِّينَ: مَنْ قَرَأَ «مَطْلِعَ الفَجْرِ» بكَسْرِ اللَّامِ فهو اسمٌ لِوَقْتِ الطُّلُوع، قال ذلِكَ الزَّجّاجُ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وأَحسَبَه قوْلَ سِيبَوَيه: ظهَرَ، كأَطْلَعَ.

وِهُمَا؛ أَي المَطْلَعُ والمَطْلِعُ: اسْمَانِ للْمَوْضِعِ أَيْضًا، ومنه قولُه تَعَالَى: {حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ}.

وِطَلَعَ عَلَى الأَمْرِ طُلُوعًا: عَلِمَه، كاطَّلَعَه، على افْتَعَلَه، وتَطَلَّعَه اطِّلاعًا وتَطَلُّعًا، وكذلِكَ اطَّلَع عليه، والاسْمُ الطِّلْعُ، بالكَسْرِ، وهو مَجَازٌ.

وِطَلَعَ فلانٌ عَليْنَا، كمَنَع ونَصَرَ: أَتَانَا وهَجَمَ عَليْنَا، ويُقَالُ: طَلَعْتُ في الجَبَل طُلُوعًا، إِذا أَدْبَرْتَ فيهِ حَتّى لا يَرَاكَ صَاحِبُكَ، وطَلَعْتُ عَنْ صاحِبِي طُلُوعًا، إِذا أَدبَرْتَ عنه. وطَلَعْتُ عن صَاحِبِي، إِذا أَقبَلْتَ عليهِ. قال الأَزْهَرِيُّ: هذا كلامُ العَرَبِ، وقالَ أَبُو زيْدٍ ـ فِي الأَضْدَادِ ـ: طلَعْتُ عَلَى القَوْمِ طُلُوعًا، إِذا غِبْتُ عَنْهُمْ حَتَّى لا يَرَوْكَ، وطَلَعْتُ عَليْهِم، إِذا أَقبَلْتَ عليهِم حَتَّى يَرَوْك. قال ابنُ السِّكِّيتِ: طَلَعْتُ على القوْمِ، إِذا غِبْتَ عَنْهُم، صَحِيحٌ، جُعِلَ «على» فيه بمَعْنَى «عَنْ» كَقَوْلِه تَعالى: {إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ} مَعْنَاهُ عن النّاسِ، ومِنَ النّاسِ، قالَ: وكَذلِك قالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَجْمَعُونَ.

قلتُ: ومن الاطِّلاعِ بمَعْنَى الهُجُوم قولُه تعَالَى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} أَي لوْ هَجَمْتَ عَليْهم، وأَوْفيْتَ عَليْهِم.

كاطَّلَعَ، وعنهم غاب ضِدٌّ*.

وِطَلَعَت سَنُّ الصَّبِيِّ: بَدَتْ شَبَاتُهَا، وهو مَجَازٌ، وكُلُّ بَادٍ من عُلْوٍ: طالِعٌ.

وِطَلَعَ أَرْضَهُم: بَلَغَهَا، يُقالُ: مَتَى طَلَعْت أَرْضَنَا؟ أَيْ مَتَى بَلَغْتَها، وهو مَجَازٌ، وطَلَعْتُ أَرْضِي؛ أَي بَلَغْتُهَا.

وِطَلَع النَّخْلُ يَطْلُعُ طُلُوعًا: خَرَجَ طَلْعُه، وسَيَأْتِي مَعْنَاهُ قَرِيبًا، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ كأَطْلَعَ، كأَكْرَمَ، نقَلَه الجَوْهَرِيُّ. وهو قولُ الزَّجّاجِ. وطَلَّعَ تَطْلِيعًا، نَقَله صاحبُ اللِّسَانِ.

وِطَلَعَ بِلَادَهُ: قَصَدَها، وهو مَجَازٌ، ومنه‌الحَدِيثُ: «هذا بُسْرٌ قد طَلَعَ اليَمَنَ» أَي قَصَدَهَا من نَجْدٍ.

وِطَلَعَ الجَبَلَ يَطْلَعُه طُلُوعًا: عَلاهُ ورَقِيَهُ، كطَلِعَ، بالكَسْرِ، وهو مَجَازٌ، الأَخِيرُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيتِ.

وِيُقَالُ: حَيَّا الله طَلْعَتَه؛ أَي رُؤْيَتَه وشَخْصَه وما تَطَلَّعَ منه، كما فِي اللِّسَانِ، أَو وَجْهَهُ، وهو مَجَازٌ، كما في الصّحاحِ.

وِالطّالِعُ: السَّهْمُ الّذِي يَقَعُ وَرَاءَ الهَدَفِ، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، وقال غيرُه: الَّذِي يُجَاوِزُ الهَدَفَ ويَعْلُوه، وقال القُتَيْبِيُّ: هو السَّهْمُ الساقِطُ فَوْقَ العَلامَةِ، ويُعْدَلُ بالمُقْرطِسِ، قال المرّارُ بنُ سَعِيدٍ الفَقْعَسِيُّ:

لَهَا أَسْهُمٌ لا قَاصِراتٌ عَن الحَشَا *** وِلا شَاخِصَاتٌ عن فُؤادِي طَوَالِعُ

أَخبَر أَنَّ سِهَامَها تُصِيبُ فُؤادَه، وليْسَت بالَّتِي تَقْصُرُ دُونَه، أَو تُجَاوِزُه فتُخْطِئُه. وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: رُوِيَ عن بَعْضِ المُلُوكِ ـ قال الصّاغَانِيُّ: هو كِسْرَى ـ كانَ يَسْجُدُ للطّالِعِ. قِيلَ: مَعْنَاه أَنَّه كان يَخْفِضُ رَأْسَه إِذا شَخَصَ سَهْمُه، فارْتَفَعَ عن الرَّمِيَّةِ، فكان يُطَاطِئُ رَأْسَه، ليتَقَوَّمَ السَّهْمُ، فيُصِيبَ الدَّارَةَ.

وِقال الصّاغَانِيُّ: ولو قِيلَ: الطَّالِعُ: الهلالُ، لم يَبْعُدْ عن الصَّوابِ، فقد جاءَ عن بعض الأَعْرَابِ: ما رَأَيْتُكَ منذ طالِعَيْنِ؛ أَي منذ شَهْرَيْنِ، وأَنَّ كِسْرَى كان يَتطامَنُ له إِذا طَلَعَ إِعْظامًا لله عَزّ وجَلَّ. ومن المَجَازِ: رَجُلٌ طَلّاعُ الثَّنَايَا، وطَلَّاعُ الأَنْجُدِ، كشَدَّادٍ؛ أَي مُجَرِّبٌ للأمُورِ، ورَكَابٌ لها أَي غالِبٌ يَعْلُوها، ويَقْهَرُهَا بمَعْرِفَتِه وتَجَارِبهِ وجَوْدَةِ رَأْيِه، وقِيلَ: هو الَّذِي يَؤُمُّ مَعَالِيَ الأُمورِ. والأَنْجُدُ: جَمْعُ نَجْدٍ، وهو الطَّرِيق في الجَبَلِ، وكذلِكَ الثَّنِيَّة، فمِنَ الأَوَّلِ: قولُ سُحَيْمِ بن وَثِيلٍ:

أَنا ابْنُ جَلَا وطَلّاعِ الثَّنَايَا *** مَتَى أَضَعُ العِمَامَةَ تَعْرِفُونِي

ومن الثّانِي: قولُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي شِحَاذٍ الضَّبِّيِّ ـ وقال ابنُ السِّكِّيتِ: هو لرَاشِدِ بنِ دِرْوَاسِ ـ:

وِقَدْ يَقْصُرُ القُلُّ الفَتَى دُونَ هَمَّه *** وِقَدْ كانَ، لَوْلَا القُّلُّ، طَلَّاعَ أَنْجُدِ

وِالطَّلْعُ: المِقْدَارُ، تَقُولُ: الجَيْشُ طَلْعُ أَلْفٍ؛ أَي مِقْدَارُه.

وِالطَّلْعُ من النَّخْلِ: شَيْ‌ءٌ يَخْرُجُ كأَنَّه نَعْلَان مُطْبَقَانِ، والحَمْلُ بَيْنَهُمَا مَنْضُودٌ، والطَّرَفُ مُحَدَّدٌ، أَوْ هو ما يَبْدُو من ثَمَرَتهِ في أَوَّلِ ظُهُورِهَا، وقِشْرُه يُسَمَّى الكُفُرَّى والكافُور، وما فِي داخِلِه الإِغْرِيضُ، لِبَيَاضِهِ، وقد ذُكِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا في مَوْضِعِهِ، وفيه تَطْوِيلٌ مُخِلٌّ بمُرَادِه، ولو قالَ: ومِنَ النَّخْلِ: الإِغْرِيضُ يَنْشَقُّ منه الكافُور، أَو: ومن النَّخْلِ: نَوْرُهُ ما دامَ في الكافُورِ، كانَ أَخْصَرَ.

وِالطِّلْعُ، بالكَسْرِ: الاسْمُ من الاطِّلاعِ، وقد اطَّلَعَهُ واطَّلَعَ عَليْه، إِذا عَلِمَه، وقد تَقَدَّم، قال الجَوْهَرِيُّ: ومنه اطَّلِعْ طِلْعَ العَدُوِّ أَي عِلْمَه، ومنه أَيْضًا حَدِيثُ سَيْفِ بنِ ذِي يَزَنَ قالَ لعَبْدِ المُطَّلِبِ: «أَطْلَعْتُك طِلْعَهُ» وسَيَأْتِي قَرِيبًا.

وِالطِّلْعُ: المَكَانُ المُشْرِفُ الَّذِي يُطَّلَع مِنْه، يُقَالُ: عَلَوْتُ طِلْعَ الأَكَمَةِ، إِذا عَلَوْتَ منها مَكَانًا تُشْرِفُ منه عَلَى ما حَوْلَها، قَالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.

وِقالَ: الطِّلْعُ: النّاحِيَةُ، يُقَال: كُنْ بطِلْعِ الوَادِي، ويُقَال أَيْضًا: فُلانٌ طِلْعَ الوَادِي، بغيرِ الباءِ. أُجْرِي مُجْرَى وَزْنِ الجَبَل، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، ويُفْتَحُ فِيهِمَا قالَ الجَوْهَرِيُّ: الكَسْرُ والفَتْحُ كِلاهُمَا صَوابٌ، وفي العَبَابِ: كِلاهما يُقَالُ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الطِّلْعُ كُلُّ مُطْمَئِنٍّ من الأرْضِ أَو ذاتِ رَبْوَةٍ إِذا أَطْلَعْتَه رَأَيْتَ ما فِيه، وهو مَجَازٌ.

وِقالَ أَبُو عَمْرٍو: من أَسْمَاءِ الحَيَّة: الطَّلْعُ والطِّلُّ.

وِمن المَجَازِ: أَطْلَعْتُه طِلْعَ أَمْرِي، بالكَسْر؛ أَي أَبْثَثْتُه سِرِّي، ومنه حَدِيثُ ابنِ ذِي يَزَنَ المُتَقَدِّمُ.

وِمن المَجَازِ: «لَوْ أَنَّ لِي طِلاعَ الأَرْض ذَهَبًا لافْتَدَيْتُ منهُ» قَالَهُ عُمَرُ ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ عِنْدَ مَوْتِه، طِلاعُ الشَّيْ‌ءِ، ككِتَاب: مِلْؤُه حتى يَطْلُعَ ويَسِيلَ، قالَهُ أَبو عُبَيْدٍ، وقال اللَّيْثُ: طِلاعُ الأَرْضِ: ما طَلَعَت عليه الشَّمْسُ، زادَ الرّاغِبُ: والإِنْسَانُ، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ يَصِفُ قَوْسًا:

كَتُومٌ طِلاعُ الكَفِّ لا دُونَ مِلْئِهَا *** وِلا عَجْسُهَا عن مَوْضِعِ الكَفِّ أَفْضَلَا

ج: طُلْعٌ، بالضَّمِّ، ككِتَابِ وكُتْبٍ.

وِمن المَجَازِ: نَفْسٌ طُلَعَةٌ، كهُمزَةٍ: تُكْثِر التَّطَلُّعَ إِلى الشَّيْ‌ءِ؛ أَي كَثِيرَةُ المَيْلِ إِلى هَوَاهَا، تَشْتَهِيهِ حَتَّى تُهْلِكَ صَاحِبَهَا. المُفْرَد والجَمْعُ سواءٌ، ومنه حَدِيثُ الحَسَنِ: «إِنَّ هذِه النُّفُوسَ طُلَعَةٌ، فاقْدَعُوها بالمَوَاعِظِ، وإِلّا نَزَعَتْ بِكُمْ إِلى شَرِّ غَايَة» وحَكَى المُبَرِّد أَنَّ الأَصْمَعِيَّ أَنْشَدَ في الإِفْرَادِ:

وِما تَمَنَّيْتُ مِنْ مالٍ ومِنْ عُمُرٍ *** إِلّا بما سَرَّ نَفْسَ الحَاشِدِ الطُّلَعَهْ

وِمن المَجَازِ: امْرَأَةٌ طُلَعَةٌ خُبَأَةٌ، كهُمَزَةٍ فِيهمَا؛ أَي تَطْلُعُ مَرَّةً وتَخْتَبِي‌ءُ أُخْرَى، ويقَالُ: هي الكَثِيرَةُ التَّطَلُّعِ والإِشْرَافِ، وكذلِكَ امْرَأَةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ. وفي قَوْلِ الزِّبْرِقَانِ ابنِ بَدْرٍ: إِنَّ أَبْغَضَ كَنَائِنِي إِلَيَّ الطُّلَعَةُ الخُبَأَةُ. وقد مَرَّ في حَرْفِ الهَمْزةِ.

وِطُوَيْلِعٌ، كقُنَيْفِذٍ: عَلَمٌ، وهو تَصْغِير طالِعٍ.

وِطُوَيْلِعٌ: ماءٌ لبَنِي تَمِيم، بِنَاحِيَةِ الصَّمَّانِ، بالشّاجِنَة، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. قلتُ: وهو فِي وَادٍ في طرِيقِ البَصْرَةِ إِلى اليَمَامَة بينَ الدَّوِّ والصَّمِّانِ أَو: رَكِيَّةٌ عادِيَّةٌ بنَاحِيَةِ الشواجِنِ، عَذبَةُ الماءِ، قَرِيبَةُ الرِّشاءِ، قالَه الأَزْهَرِيُّ، وهمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ:

وِأَي فَتًى وَدَّعْتُ يَوْمَ طُوَيْلِعٍ *** عَشِيَّةَ سَلَّمْنَا عليهِ وسَلَّمَا

وأَنْشَدَ الصّاغَانِي لضَمْرَةَ بنِ ضَمْرَة النَّهْشَلِيّ:

فلَوْ كُنْتَ حرْبًا ما وَرَدْتُ طُوَيْلِعًا *** وِلا حَرْفَه إِلَّا خَمِيسًا عَرَمْرَمَا

وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الطَّوْلَعُ، كجَوْهَرٍ، وقال غَيْرُه: الطُلَعَاءُ، كالفُقَهَاءِ: القَيْ‌ءُ، وهو مَجَازٌ، ولو مَثَّلَ الأَخِيرَ بالغُلَواءِ كانَ أَحْسَنَ.

وِطَلِيعةُ الجَيْشِ: من يَطْلُعُ مِنَ الجَيْشِ، ويُبْعَثُ لِيَطَّلِعَ طِلْعَ العَدُوِّ، كالجَاسُوسِ، للواحِدِ والجَمِيع، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وكذلِكَ الرَّبِيئَةُ، والشيِّفَةُ، والبَغِيَّةُ بمَعْنَى الطَّلِيعَةِ، كُلُّ لَفْظَةٍ منها تَصْلُحُ للوَاحِدِ والجَمَاعَةِ ج: طلائِعُ، ومنه الحَدِيثُ: «كانَ إِذا غَزَا بَعَثَ بينَ يَدَيْهِ طَلائِعَ».

وِأَطْلَعَ إِطْلاعًا: قَاءَ، وهو مَجَازٌ.

وِأَطْلَعَ إِليْه مَعْرُوفًا: أَسْدَى مثل أَزَلَّ إِليه مَعْرُوفًا، وهو مَجَازٌ.

وِأَطْلَعَ الرَّامِي: جازَ سَهْمُه من فَوْقِ الغَرَضِ، يُقَال: رَمَى فأَطْلَعَ، وأَشْخَصَ، قالَهُ الأَسْلَمِيٌّ، وهو مَجَازٌ.

وِأَطْلَعَ فُلانًا: أَعْجَلَه، وكذلِكَ أَرْهَقَه، وأَزْلَقَه، وأَقْحَمَه، وهو مَجَازٌ.

وِأَطْلَعَهُ على سِرِّهِ: أَظْهَرَه وأَعْلَمَه، وأَبَثَّهُ له، وهو مَجَازٌ، ومنه أَطْلَعْتُكَ طِلْعَ أَمْرِي.

وِنَخْلَةٌ مُطْلِعَةٌ، كمُحْسِنَةٍ: مُشْرِفَةٌ على مَا حَوْلَها، طَالَت النَّخِيلَ وكانَتْ أَطْوَلَ من سَائرِهَا.

وِطَلَّعَ كَيْلَهُ تَطْلِيعًا مَلَأَه جِدًّا حتى تَطَلَّعَ، وهو مَجازٌ.

وِاطَّلَعَ على باطِنِه، كافْتَعَلَ: ظَهَرَ، قال السَّمِينُ ـ في قَوْلِه تَعالَى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} ـ: إِنَّه يَتَعَدَّى بنَفْسِه، ولا يَتَعَدَّى بَعلَى، كما تَوَهَّمَه بعضٌ، حَتّى يَكُونَ من الحَذْفِ والإِيصالِ، نَقَلَه شيْخُنَا، ثُمَّ قالَ: ولكن استَدَلَّ الشِّهَابُ في العِنَايَة بما للمُصَنِّفِ، فقال: لكِن في القامُوسِ «اطَّلَع عَليْه» فكأَنَّهُ يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى، والاسْتِدْلالُ بغير شَاهدٍ غيرُ مفِيدٍ. انْتَهَى.

قلتُ: الَّذِي صَرَّحَ به أَئِمَّةُ اللُّغَةِ أَنّ طَلَع عليه، واطَّلَعَ عليه، وأَطْلَع عليه بمَعْنًى وَاحِدٍ، واطَّلَعَ على بَاطِنِ أَمْرِهِ، واطَّلَعَه: ظَهَرَ له وعَلِمَه، فهو يَتَعَدَّى بنَفْسِه وبعَلَى، كما فِي اللِّسَانِ بهؤُلاءِ قُدْوَةً، لا سِيَّما الجَوْهَرِيّ إِذا قالَتْ حَذامِ، فلا عِبْرَةَ بقَوْلهِ: والاسْتِدْلالُ بهِ إِلى آخِرِهِ، وكذا كَلَامُ السَّمِينِ يُتَأَمَّلُ فيه، فإِنَّ إِنْكَارَه قُصورٌ.

وِاطَّلَعَ هذِه الأَرْضَ: بَلَغَهَا، ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}، قالَ الفَرّاءُ: أَي يَبْلُغ أَلَمُهَا الأَفْئِدَةَ، قال: والاطِّلاعُ والبلُوغُ قد يَكُونُ بمَعْنًى وَاحِدٍ، وقالَ غيْرُه: أَي تُوفِي عليها فتَحْرِقُهَا، من اطَّلَعْتُ عليه، إِذا أَشْرَفْتَ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وقولُ الفَرّاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وإِليه ذَهَبَ الزَّجّاجُ.

وِالمُطَّلَعُ للمَفْعولِ: المَأْتَى، يقَال: ما لِهذَا الأَمْرِ مُطَّلَعٌ؛ أَي وَجْهٌ، ولا مَأْتًى يُؤْتَى إِليْه. ويقَالُ: أَيْنَ مُطَّلَعُ هذا الأَمْرِ؛ أَي مَأْتَاه، وهو مَوْضِعُ الاطِّلاعِ من إِشْرَافِ إِلى انْحِدَارٍ، وهو مَجَازٌ.

وِقولُ عمَرَ رضِيَ الله تَعالَى عنه: «لو أَنَّ لي ما فِي الأَرْضِ جَمِيعًا لافْتَدَيْتُ بهِ من هَوْلِ المُطَّلَعِ» يرِيد بهِ المَوْقِفَ يومَ القِيَامَةِ، تَشبِيهٌ لما يُشْرَفُ عليهِ من أَمْرِ الآخِرَة عَقِيبَ المَوْتِ بذلِكَ، أَي: بالمُطَّلَع الَّذِي يُشْرَفُ عليه من مَوْضِعٍ عالٍ.

وقالَ الأَصْمَعِيُّ: وقد يَكُونُ المُطَّلَعُ: المَصْعَدَ من أَسْفَل إِلى المَكَانِ المُشْرِفِ، قال: وهوَ من الأَضْدادِ، وقد أَغْفَلَهُ المصَنِّفُ، ومن ذلِكَ في الحَدِيثِ: «ما نَزَلَ من القُرْآنِ آيَةٌ إِلّا لها ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، ولكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، ولكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» أَي مَصْعَدٌ يُصْعَد إِليْه، يعنِي مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِه، ومِنْه قَوْلُ جَرِيرٍ يَهْجو الأَخْطَلَ:

إِنِّي إِذا مُضَرٌ عَلَيَّ تَحَدَّبَتْ *** لَاقيْتُ مُطَّلَعَ الجِبَالِ وُعُورًا

هكَذَا أَنْشَدَه ابنُ بَرِّيّ والصّاغَانِيّ. ومن الأَوّلِ قولُ سُوَيْدِ بنِ أَبِي كاهِلٍ:

مُقْعِيًا يَرْمِي صَفَاةً لمْ تُرَمْ *** في ذُرَا أَعْيَطَ وَعْرِ المُطَّلَعْ

وقِيلَ: مَعْنَى الحَدِيث: أَنَّ لِكُلِّ حَدٍّ منْتَهَكًا يَنْتَهِكُه مُرْتكِبُه؛ أَي أَنَّ الله لم يُحَرِّم حُرْمَةً إِلّا عَلِم أَنْ سَيَطْلُعُهَا مُسْتَطْلِعٌ.

وِمن المَجَازِ: المُطَّلِعُ، بكَسْرِ الّلامِ: القَوِيُّ العَالِي القاهِر، من قَوْلِهِمْ: اطَّلَعْتُ على الثَّنِيَّةِ؛ أَي عَلَوْتُهَا، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ في «ض ل ع» ورَوَى أَبو الهيْثَمِ قَوْلَ أَبِي زُبَيْدٍ:

أَخُو المَوَاطِنِ عَيّافُ الخَنَى أُنُفٌ *** للنّائِباتِ ولَوْ أُضْلِعْنَ مُطَّلِعُ

أُضْلِعْنَ: أُثْقِلْنَ. ومُطَّلِعٌ وهو القَوِيُّ على الأَمْرِ المُحْتَمِل، أَراد مُضْطَلِعٌ فأَدْغَمَ، هكَذَا رَوَاه بخَطِّه، قالَ: ويُرْوَى: «مُضْطَلِعُ» وقال ابنُ السِّكِّيت: يقَالُ: هو مُضْطَلِعٌ بِحِمْلِه، كما تَقَدَّمَ، ويُرْوَى قَوْلُ ابنِ مُقبِلٍ:

إِنّا نَقُومُ بجُلّانَا فيَحْمِلُها *** مِنَّا طَوِيلُ نِجَادِ السَّيْفِ مُطَّلِعُ

ويُرْوَى «مُضْلَعٌ» وهما بمَعْنًى.

وِطَالَعَه طِلَاعًا، بالكَسْرِ، ومُطَالَعَةً: اطَّلَعَ عليه، وهو مَجَازٌ، يقالُ: طَالَعْتُ ضَيْعَتِي؛ أَي نَظَرْتُها، واطَّلَعْتُ عَليْهَا، وقالَ اللَّيْثُ: الطِّلَاعُ: هو الاطِّلَاعُ، وأَنْشَدَ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ:

فكانَ طِلَاعًا من خَصَاصٍ ورِقبَةٍ *** بَأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وطَرْفًا مُقَسَّما

وقال الأَزْهَرِيُّ: قَوْلُه: طِلاعًا، أَي: مُطَالَعَةً، يُقَالُ: طالَعْتُه طِلاعًا ومُطَالَعَةً، قالَ: وهو أَحْسَنُ من أَنْ تَجْعَلَه اطِّلَاعًا؛ لأَنَّهُ القِيَاسُ في العَرَبِيَّةِ.

وِطَالَعَ بالحَالِ: عَرَضَها، طِلَاعًا، ومُطَالَعَةً.

ومِن المَجَازِ: تَطَلَّع إِلى وُرُودِهِ أَو ورودِ كِتَابِهِ: اسْتَشْرَفَ له، قال مُتَمِّم بنُ نُوَيْرَةَ، رضِيَ الله عنه:

لاقَى على جَنْبِ الشَّرِيعَةِ باطيا *** صَفْوَانَ في نَامُوسِه يَتَطَلَّعُ

وِتَطَلَّعَ في مَشْيه: زافَ نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، كأَنَّهُ لُغَةٌ في تَتَلَّعَ، إِذا قَدَّمَ عُنُقَه ورَفَعَ رَأْسَه.

وِتَطَلَّعَ المِكيَالُ: امْتَلَأ، مُطَاوِعُ طَلَّعَه تَطْلِيعًا.

وِمن المَجَازِ: قَوْلُهُم: عافَى الله رَجُلًا لَمْ يَتَطَلَّع في فَمِكَ؛ أَي لم يَتَعَقَّب كَلَامَكَ، حكاه أَبو زيدٍ، ونَقَله الزمَخْشَرِيُّ والصّاغَانِيّ.

وِقال ابنُ عبّادٍ: اسْتَطْلَعَه: ذَهَبَ به، وكذا اسْتَطْلَعَ مالَه.

وِمن المَجَازِ: اسْتَطْلَع رَأْيَ فُلان، إِذا نَظَر ما عِنْدَه، وما الَّذِي يَبْرُزُ إِليْه من أَمْرِه، ولَوْ قال: وَرَأْيَه: نَظَرَ ما هُوَ، كانَ أَخْصَرَ.

وِقَوْلُه تعالَى: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ بتَشْدِيدِ الطّاءِ وفَتْحِ النُّونِ، وهي القِرَاءَةُ الجَيِّدَةُ الفَصِيحَةُ أَي هَلْ أَنْتُم تُحِبُّون أَنْ تَطَّلِعوا فتَعْلَمُوا أَيْنَ مَنْزِلَة الجَهَنَّمِيِّينَ، فاطَّلَع المُسْلِمُ، فَرَأَى قَرِينَه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ؛ أَي في وَسَطِ الجَحِيمِ وقَرَأَ جَمَاعاتٌ هم ابنُ عَبّاسٍ ـ رضي ‌الله‌ عنهما ـ وسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأَبو البَرَهْسَم، وعَمَّارٌ مولى بَنِي هاشِمٍ: «هلْ أَنْتُم مُطْلِعون ـ كمُحْسِنُونَ ـ فأُطْلِعَ بضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُون الطَّاءِ وكَسْرِ الّلامِ، وهي جائزَةٌ في العَرَبِيَّةِ على مَعْنَى: هَلْ أَنْتُم فَاعِلُونَ بِي ذلِكَ. وقرأَ أَبو عَمْرٍو وعَمّارٌ المذكور، وأَبو سِرَاجٍ، وابنُ أَبِي عَبْلَة، بكَسْرِ النُّونِ، فأُطْلِع، كما مَرّ. قلتُ: وهي روايَةُ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ عن أَبِي عَمْرٍو. قال الأَزْهَرِيُّ: وهي شَاذَّةٌ عندَ النَّحْوِيِّينَ أَجْمَعِينَ، ووَجْهُه ضَعِيفٌ، ووَجْه الكَلامِ على هذا المَعْنَى: هل أَنْتُم مُطْلِعِيَّ، وهل أَنْتم مُطْلِعوه، بلا نُونٍ، كقولِكَ: هل أَنْتُم آمِروه، وآمِرِيَّ.

وأَما قَوْلُ الشّاعِرِ:

همُ القائِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَه *** إِذا ما خَشُوا من مُحْدَثِ الأَمْرِ مُعْظَمَا

فوَجْهُ الكَلامِ: والآمِرونَ به، وهذَا من شَوَاذِّ اللُّغَاتِ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

الطالِعُ: الفَجْرُ الكاذِب، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

اطَّلَعَ عَليْه: نَظَر إِليْه حِينَ طَلَعَ، وهو مَجازٌ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ، ومنه قولُ أَبِي صَخْرٍ الهُذِليِّ:

إِذا قُلْتُ هذا حِينَ أَسْلُو يَهِيجُنِي *** نِسِيمُ الصَّبَا من حَيْثُ يُطَّلعُ الفَجْرُ

ويُقَال: آتِيكَ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْه الشَّمْسُ؛ أَي طَلَعَتْ فيه.

وفي الدُّعَاءِ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ ولا تَطْلُعُ بنَفْسِ أَحَدٍ مِنّا، عن اللِّحْيَانِيّ؛ أَي لا ماتَ وَاحِدٌ مِنّا مع طُلُوعِها. أَرادَ: ولا طَلَعَتْ، فوَضَعَ الآتِيَ مِنْهَا مَوْضِعَ الماضِي.

وِأَطْلَعَ: لُغَةٌ في طَلَعَ، قالَ رُؤْبَةُ:

كأَنَّهُ كَوْكَبُ غُيْمٍ أَطْلَعَا

وِمَطالِعُ الشَّمْسِ: مَشَارِقُهَا، ويُقَال: شَمْسُ مَطالِع، أَو مَغارِب.

وِتَطَلَّعَه: نظَر إِليْه نَظَرَ حُبٍّ أَو بُغْضٍ، وهو مَجَازٌ.

وِأَطْلَعَ الجَبَلَ، كطَلَعَهُ، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ.

وِأَطْلَعَ رَأْسَه، إِذا أَشْرَفَ على شَيْ‌ءٍ.

والاسْمُ من الاطِّلاعِ: طَلَاعٌ، كَسَحَابٍ.

وِالطُّلُوعُ: ظُهُورٌ على وَجْهِ العُلُوِّ والتَّمَلُكِ، كما في الكَشّافِ.

ويُقَالُ: أَنَا أُطَالِعُكَ بحقيقةِ الأَمْرِ؛ أَي أُطْلِعُكَ عَليْه، وهو مَجَازٌ، كما فِي الأَسَاسِ، وكذا قَوْلُهُم: طَالِعْنِي بكُتُبِكَ.

وِاطَّلَعْتُ من فَوْقِ الجَبَلِ، وأَطْلَعْتُ بمَعنًى وَاحِدٍ.

ونَفْسٌ طَلِعَةٌ، كفَرِحَة: شَهِيَّةٌ مُتَطَلِّعَةٌ، عَلَى المَثَل، وبه رُوِيَ قولُ الحَسَنِ: «إِنَّ هذِه النُّفُوسَ طَلِعَةٌ».

وِطَلَّعَهُ تَطْلِيعًا: أَخْرَجَه، عامِّيَّةٌ.

ومن أَمْثَالِ العَرَبِ: «هذِه يَمِينٌ قد طَلَعَتْ في المَخَارِمِ» وهي اليَمِين الَّتِي تَجْعَلُ لصَاحِبِهَا مَخْرَجًا، ومنه قَوْلُ جَرِيرٍ:

وِلا خَيْرَ في مَالٍ عَليْهِ أَلِيَّةٌ *** وِلا فِي يَمِينٍ غيرِ ذاتِ مَخَارِمِ

والمَخارِمُ: الطُّرُقُ في الجِبَالِ.

وِتَطَلَّعَ الرَّجُلَ: غَلبَه وأَدْرَكَه، وأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

وِأَحْفَظُ جارِي أَنْ أُخالِطَ عِرْسَه *** وِمَوْلايَ بالنَّكْراءِ لا أَتَطَلَّعُ

وقالَ ابنُ بَرِّيّ: ويُقَالُ: تَطَالَعْتُه: إِذا طَرَقْتَهُ، وأَنْشَدَ أَبُو عَلِيٍّ:

تَطالَعُنِي خَيالاتٌ لسَلْمَى *** كما يَتَطَالَعُ الدَّيْنَ الغَرِيمُ

قالَ: كذا أَنْشَدَهُ، وقالَ غَيْرُه: إِنَّمَا هو يَتَطَلَّع؛ لأَنَّ تَفَاعَلَ لا يَتَعَدَّى في الأَكْثَرِ، فعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ يَكُونُ مِثْلَ تَفاوَضْنَا الحَدِيثَ، وتَعَاطيْنَا الكَأْسَ، وتَنَاشَدْنَا الأَشْعَارَ.

قالَ: ويُقَالُ: أَطْلَعَتِ الثُّرَيَّا، بمعنَى طَلَعَتْ، قال الكُمَيْتُ:

كَأَنَّ الثُّرَيّا أَطْلَعَت في عِشَائِها *** بوَجْهِ فَتَاةِ الحَيِّ ذَاتِ المَجَاسِدِ

وِأَطْلَعَ الشَّجَرُ: أَوْرَقَ.

وِأَطْلَعَ الزَّرْعُ: ظَهَرَ، وهو مَجَازٌ. وفي التَّهْذِيبِ: طَلَعَ الزَّرْعُ طُلُوعًا، إِذا بَدَأَ يَطْلُعُ وظَهَرَ نَبَاتُه.

وقَوْسٌ طِلَاعُ الكَفِّ: يَمْلُأ عَجْسُهَا الكَفَّ، وقد تَقَدَّم شَاهِدُه.

وهذَا طِلَاعُ هذَا، ككِتَابٍ؛ أَي قَدْرُه.

والاطِّلاعُ: النَّجَاةُ، عن كُرَاع.

وِأَطْلَعَت السَّمَاءُ، بمَعْنَى أَقْلَعَتْ.

وِمَطْلَعُ الأَمْرِ، كمَقْعَدٍ: مَأْتَاهُ ووَجْهُه الّذِي يُؤْتَى إِليْه، ومَطْلَعُ الجَبَلِ: مَصْعَدُه، وأَنْشَدَ: أَبُو زَيْدٍ:

ما سُدَّ من مَطْلَعٍ ضَاقَتْ ثَنِيَّتُه *** إِلَّا وَجَدْتُ سَوَاءَ الضِّيقِ مُطَّلَعَا

وِطَالِعَةُ الإِبِلِ: أَوَّلُها.

وكذا مَطْلَعُ القَصِيدَةِ: أَوَّلُها، وهو مَجَاز.

وِتَطَلُّعُ النَّفْسِ: تَشَوُّفُهَا ومُنَازَعَتُها.

ويَقُولُون: هو طَالِعُه سَعِيدٌ: يَعْنُونَ الكَوْكَبَ.

ومَلأتُ له القَدَحَ حتَّى كادَ يَطْلَعُ من نَوَاحِيه، ومنه قَدَحٌ طِلاعٌ؛ أَي مَلآن، وهو مَجَازٌ، وعَيْنٌ طِلَاعٌ: مَلَأى من الدَّمْعِ، وهو مَجَازٌ.

وِتَطَلَّعَ الماءُ من الإِنَاءِ: تَدَفَّقَ مِنْ نَوَاحِيهِ. ويُقَالُ: هذا لَكَ مَطْلَعُ الأَكَمَةِ؛ أَي حاضِرٌ بَيِّنٌ، ومَعْنَاهُ أَنَّه قَرِيبٌ مِنْكَ فِي مِقْدَارِ مَا تَطْلُعُ له الأَكَمَةُ، ويُقَالُ: «الشَّرُّ يُلْقَى مَطَالِعَ الأَكمِ» أَي بارِزًا مَكْشُوفًا.

وِاطَّلَعَتْه عَيْنِي: اقْتَحَمَتْه وازْدَرَتْه، وكُلُّ ذلِك مَجَازٌ.

وفي المَثَلِ: «بعدَ اطِّلاعٍ إِيناسٌ» قاله قَيْسُ بنُ زُهَيْرٍ في سِبَاقِه حُذَيْفَة بنَ بَدْرٍ لما اطَّلَعَت فَرَسُه الغبْرَاءُ، فقال قيْسٌ ذلِكَ فَذَهَبَتْ مَثَلًا، والإِيناسُ: النَّظَرُ والتَّثَبُّتُ، وذلِكَ لأَنَّ الغَبْرَاءَ سَبَقَت في المَكَانِ الصُّلْبِ، فلمَّا صِرْنَ في الوَعَثِ سَبَقَ دَاحِسٌ بقُوَّتِه، فلِذَا قالَ:

رُوَيْدَ يَعْلُونَ الجَدَدْ وإِيُّاهُ عَنَى الشَمّاخُ [بقَوْلهِ]:

ليْسَ بما ليْسَ بِهِ باسٌ بَاسْ *** وِلا يَضُرُّ البَرَّ ما قالَ النّاسْ

وِإِنَّه بعدَ اطِّلاع إِيناسْ

ويُرْوَى: «قَبْلَ اطِّلاعٍ» أَي قَبْلَ أَنْ تَطَّلِعَ تُؤْنِسُ بالشَّيْ‌ءِ.

والمَلِكُ الصالِحُ طَلائِعُ بنُ رُزَّيْك، وزِيرُ مِصْر، الَّذِي وَقَفَ بِرْكَةَ الحَبَشِ عَلَى الطالِبيِّينَ، وسَيَأْتِي ذِكْرُه في «ر ز ك».

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


8-لسان العرب (سجد)

سجد: السَّاجِدُ: الْمُنْتَصِبُ فِي لُغَةِ طَيِّءٍ، قَالَ الأَزهري: وَلَا يُحْفَظُ لِغَيْرِ اللَّيْثِ.

ابْنُ سِيدَهْ: سَجَدَ يَسْجُدُ سُجُودًا وَضَعَ جَبْهَتَهُ بالأَرض، وَقَوْمٌ سُجَّدٌ وَسُجُودٌ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}؛ هَذَا سُجُودُ إِعظام لَا سُجُودُ عِبَادَةٍ لأَن بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ يَكُونُوا يَسْجُدُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنه كَانَ مِنْ سُنَّةِ التَّعْظِيمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَن يُسْجَد لِلْمُعَظَّمِ، قَالَ وَقِيلَ: خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا أَي خَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ والأَشبه بِظَاهِرِ الْكِتَابِ أَنهم سَجَدُوا لِيُوسُفَ، دَلَّ عَلَيْهِ رؤْياه الأُولى الَّتِي رَآهَا حِينَ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ؛ فَظَاهِرُ التِّلَاوَةِ أَنهم سَجَدُوا لِيُوسُفَ تَعْظِيمًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَن أَشركوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وكأَنهم لَمْ يَكُونُوا نُهُوا عَنِ السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَجُوزُ لأَحد أَن يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لأَهل الْعَرَبِيَّةِ: وَهُوَ أَن يُجْعَلَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، وَفِي قَوْلِهِ: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ، لَامَ مِنْ أَجل؛ الْمَعْنَى: وَخَرُّوا مِنْ أَجله سُجَّدًا لِلَّهِ شُكْرًا لِمَا أَنعم اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ جَمَعَ شَمْلَهُمْ وَتَابَ عَلَيْهِمْ وَغَفَرَ ذَنْبَهُمْ وأَعز جَانِبَهُمْ وَوَسَّعَ بِيُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَهَذَا كَقَوْلِكَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِعُيُونِ النَّاسِ أَي مِنْ أَجل عُيُونِهِمْ؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:

تَسْمَعُ لِلجَرْعِ، إِذا استُحِيرا، ***لِلْمَاءِ فِي أَجوافها، خَريرَا

أَراد تَسْمَعُ لِلْمَاءِ فِي أَجوافها خَرِيرَا مِنْ أَجل الْجَرْعِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}؛ قال أَبو إِسحق: السُّجُودُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ لَا عِبَادَةٌ لِآدَمَ لأَن اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، إِنما خَلَقَ مَا يَعْقِلُ لِعِبَادَتِهِ.

والمسجَد والمسجِد: الَّذِي يُسْجَدُ فِيهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: وَاحِدُ الْمَسَاجِدِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَوْضِعٍ يُتَعَبَّدُ فِيهِ فَهُوَ مسجَد [مسجِد]، أَلا تَرَى أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جُعِلَتْ لِيَ الأَرض مَسْجِدًا وَطَهُورًا.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ}؛ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَنه مَنْ أَظلم مِمَّنْ خَالَفَ مِلَّةَ الإِسلام؟ قَالَ: وَقَدْ كَانَ حُكْمُهُ أَن لَا يَجِيءَ عَلَى مَفْعِل وَلَكِنَّهُ أَحد الْحُرُوفِ الَّتِي شَذَّتْ فجاءَت عَلَى مَفْعِل.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وأَما الْمَسْجِدُ فإِنهم جَعَلُوهُ اسْمًا لِلْبَيْتِ وَلَمْ يأْت عَلَى فَعَلَ يَفْعُلُ كَمَا قَالَ فِي المُدُقِّ إِنه اسْمٌ لِلْجُلْمُودِ، يَعْنِي أَنه لَيْسَ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفِعْلِ لَقِيلَ مِدَقٌّ لأَنه آلَةُ، وَالْآلَاتُ تَجِيءُ عَلَى مِفْعَلٍ كمِخْرَزٍ ومِكنَسٍ ومِكسَحٍ.

ابْنُ الأَعرابي: مسجَد، بِفَتْحِ الْجِيمِ، مِحْرَابُ الْبُيُوتِ؛ وَمُصَلَّى الْجَمَاعَاتِ مسجِد، بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَالْمَسَاجِدُ جَمْعُهَا، وَالْمَسَاجِدُ أَيضًا: الْآرَابُ الَّتِي يُسْجَدُ عَلَيْهَا وَالْآرَابُ السَّبْعَةُ مَسَاجِدُ.

وَيُقَالُ: سَجَدَ سَجْدَةً وَمَا أَحسن سِجْدَتَه أَي هَيْئَةَ سُجُودِهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الْفَرَّاءُ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُل مِثْلَ دَخَلَ يَدْخُلُ فَالْمَفْعَلُ مِنْهُ بِالْفَتْحِ، اسْمًا كَانَ أَو مَصْدَرًا، وَلَا يَقَعُ فِيهِ الْفَرْقُ مِثْلَ دَخَلَ مَدْخَلًا وَهَذَا مَدْخَلُه، إِلا أَحرفًا مِنَ الأَسماء أَلزموها كَسْرَ الْعَيْنِ، مِنْ ذَلِكَ المسجِد والمطلِع وَالْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ والمَسْقِط والمَفْرِق والمَجْزِر والمَسْكِن والمَرْفِق مِن رَفَقَ يَرْفُقُ والمَنْبِت والمَنْسِك مِنْ نَسَك ينسُك، فَجَعَلُوا الْكَسْرَ عَلَامَةَ الِاسْمِ، وَرُبَّمَا فَتَحَهُ بَعْضُ الْعَرَبِ فِي الِاسْمِ، فَقَدْ رُوِيَمسكَن ومسكِن وَسُمِعَ المسجِد والمسجَد والمطلِع والمطلَع، قَالَ: وَالْفَتْحُ فِي كُلِّهِ جَائِزٌ وإِن لَمْ نَسْمَعْهُ.

قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ بَابِ فَعَل يفعِل مِثْلُ جَلَسَ يجلِسُ فَالْمَوْضِعُ بِالْكَسْرِ وَالْمَصْدَرُ بِالْفَتْحِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، تَقُولُ: نَزَلَ منزَلًا بِفَتْحِ الزَّايِ، تُرِيدُ نَزَلَ نُزُولًا، وَهَذَا منزِله، فَتَكْسِرُ، لأَنك تَعْنِي الدَّارَ؛ قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبٌ تَفَرَّدَ بِهِ هَذَا الْبَابُ مِنْ بَيْنِ أَخواته، وَذَلِكَ أَن الْمَوَاضِعَ وَالْمَصَادِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ تُرَدُّ كُلُّهَا إِلى فَتْحِ الْعَيْنِ وَلَا يَقَعُ فِيهَا الْفَرْقُ، وَلَمْ يُكْسَرْ شَيْءٌ فِيمَا سِوَى الْمَذْكُورِ إِلا الأَحرف الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.

وَالْمَسْجِدَانِ: مَسْجِدُ مَكَّةَ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، شَرَّفَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ يَمْدَحُ بَنِي أُمية:

لَكُمْ مَسْجِدَا اللَّهِ المَزُورانِ، والحَصَى ***لَكُمْ قِبْصُه مِنْ بَيْنِ أَثرَى وأَقتَرا

القِبْصُ: الْعَدَدُ.

وَقَوْلُهُ: مِنْ بَيْنِ أَثرى وأَقترا يُرِيدُ مِنْ بَيْنِ رَجُلٍ أَثرى وَرَجُلٍ أَقتر أَي لَكُمُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، المُثْري مِنْهُمْ والمُقْتِر.

والمِسْجَدَةُ والسَّجَّادَةُ: الخُمْرَةُ الْمَسْجُودُ عَلَيْهَا.

والسَّجَّادةُ: أَثر السُّجُودِ فِي الْوَجْهِ أَيضًا.

والمَسْجَدُ، بِالْفَتْحِ: جَبْهَةُ الرَّجُلِ حَيْثُ يُصِيبُهُ نَدَبُ السُّجُودِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ}؛ قِيلَ: هِيَ مَوَاضِعُ السُّجُودِ مِنَ الإِنسان: الْجَبْهَةُ والأَنف وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالرِّجْلَانِ.

وَقَالَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ، قَالَ: السُّجُودُ مَوَاضِعُهُ مِنَ الْجَسَدِ والأَرض مَسَاجِدُ، وَاحِدُهَا مسجَد، قَالَ: والمسجِد اسْمٌ جَامِعٌ حَيْثُ سُجِدَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ لَا يَسْجُدُ بَعْدَ أَن يَكُونَ اتَّخَذَ لِذَلِكَ، فأَما الْمَسْجِدُ مِنَ الأَرض فَمَوْضِعُ السُّجُودِ نَفْسِهِ؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ، أَراد أَن السُّجُودَ لِلَّهِ، وَهُوَ جَمْعُ مَسْجِدٍ كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُ فِي الأَرض.

أَبو بَكْرٍ: سَجَدَ إِذا انْحَنَى وَتَطَامَنَ إِلى الأَرض.

وأَسجَدَ الرجلُ: طأْطأَ رأْسه وَانْحَنَى، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ؛ قَالَ الأَسدي أَنشده أَبو عبيد:

وقلنَ له أَسجِدْ لِلَيْلى فأَسجَدَا

يَعْنِي بَعِيرَهَا أَنه طأْطأَ رأْسه لِتَرْكَبَهُ؛ وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ يَصِفُ نِسَاءً:

فُضولَ أَزِمَّتِها أَسجَدَتْ ***سجودَ النَّصَارَى لأَرْبابِها

يَقُولُ: لَمَّا ارْتَحَلْنَ وَلَوَيْنَ فُضُولَ أَزمَّة جِمَالِهِنَّ عَلَى مَعَاصِمِهِنَّ أَسْجدت لَهُنَّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُ إِنشاده:

فَلَمَّا لَوَيْنَ عَلَى مِعْصَمٍ، ***وكَفٍّ خضيبٍ وأَسوارِها،

فُضولَ أَزِمَّتِها، أَسْجدت ***سجودَ النَّصَارَى لأَحْبارِها

وسجدَت وأَسجدَتْ إِذا خَفَضَتْ رأْسها لتُرْكَبَ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ كِسْرَى يُسْجِدُ لِلطَّالِعِ»أَي يَتَطَامَنُ وَيَنْحَنِي؛ والطالِعُ: هُوَ السَّهْمُ الَّذِي يُجَاوِزُ الهَدَفَ مِنْ أَعلاه، وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ كالمُقَرْطِسِ، وَالَّذِي يَقَعُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ يُقَالُ لَهُ عاصِدٌ؛ وَالْمَعْنَى: أَنه كَانَ يُسَلِّمُ لِرَامِيهِ وَيَسْتَسْلِمُ؛ وَقَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ أَنه كَانَ يَخْفِضُ رأْسه إِذا شَخَصَ سَهْمُهُ، وَارْتَفَعَ عَنِ الرَّمِيَّة ليتَقَوَّم السَّهْمُ فَيُصِيبَ الدارَةَ.

والإِسجادُ: فُتورُ الطرفِ.

وَعَيْنٌ سَاجِدَةٌ إِذا كَانَتْ فَاتِرَةً.

والإِسجادُ: إِدامة النَّظَرِ مَعَ سُكُونِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: إِدامة النَّظَرِ وإِمراضُ الأَجفان؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ دَلَّكِ، عِنْدَنَا، ***وإِسجادَ عيْنَيكِ الصَّيودَيْنِ، رابحُ

ابْنُ الأَعرابي: الإِسجاد، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، اليهودُ؛ وأَنشد الأَسود:

وافى بها كدراهم الإِسجاد

أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ اعْطُونَا الإِسجاد أَي الْجِزْيَةَ، وَرُوِيَ بَيْتُ الأَسود بِالْفَتْحِ كَدَرَاهِمِ الأَسجاد.

قَالَ ابْنُ الأَنباري: دَرَاهِمُ الأَسجاد هِيَ دَرَاهِمُ ضَرَبَهَا الأَكاسرة وَكَانَ عَلَيْهَا صُوَرٌ، وَقِيلَ: كَانَ عَلَيْهَا صُورَةُ كِسْرَى فَمَنْ أَبصرها سَجَدَ لَهَا أَي طأْطأَ رأْسه لَهَا وأَظهر الْخُضُوعَ.

قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ شِعْرِ الأَسود بْنِ يَعْفُرَ رِوَايَةَ الْمُفَضَّلِ مَرْقُومٌ فِيهِ عَلَامَةٌ أَي....

وَنَخْلَةٌ سَاجِدَةٌ إِذا أَمالها حِمْلُهَا.

وَسَجَدَتِ النَّخْلَةُ إِذا مَالَتْ.

وَنَخْلٌ سَوَاجِدُ: مَائِلَةٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد لِلَبِيدٍ:

بَيْنَ الصَّفا وخَلِيج العينِ ساكنةٌ ***غُلْبٌ سواجدُ، لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الخَصَرُ

قَالَ: وَزَعَمَ ابْنُ الأَعرابي أَن السَّوَاجِدَ هُنَا المتأَصلة الثَّابِتَةُ؛ قَالَ وأَنشد فِي وَصْفِ بَعِيرٍ سَانِيَةٍ:

لَوْلَا الزِّمامُ اقتَحَم الأَجارِدا ***بالغَرْبِ، أَوْ دَقَّ النَّعامَ السَّاجِدَا

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ لَمْ أُغير مِنْ حِكَايَتِهِ شَيْئًا.

وَسَجَدَ: خَضَعَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

تَرَى الأُكْمَ فِيهَا سُجَّدًا للحوافِرِ

وَمِنْهُ سُجُودُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الأَرض وَلَا خُضُوعَ أَعظم مِنْهُ.

وَالِاسْمُ السِّجْدَةُ، بِالْكَسْرِ، وَسُورَةُ السَّجْدَةِ، بِالْفَتْحِ.

وَكُلُّ مَنْ ذَلَّ وَخَضَعَ لِمَا أُمر بِهِ، فَقَدْ سَجَدَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ} أَي خُضَّعًا مُتَسَخِّرَةً لِمَا سُخِّرَتْ لَهُ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ}؛ مَعْنَاهُ يَسْتَقْبِلَانِ الشَّمْسَ وَيَمِيلَانِ مَعَهَا حَتَّى يَنْكَسِرَ الْفَيْءُ.

وَيَكُونُ السُّجُودُ عَلَى جِهَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّوَاضُعِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَيَكُونُ السُّجُودُ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ}؛ وأَنشد:

مَلِكٌ تَدِينُ لَهُ الملوكُ وتَسْجُدُ قَالَ وَمَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، سُجُودَ تَحِيَّةٍ لَا عِبَادَةٍ}؛ وَقَالَ الأَخفش: مَعْنَى الْخُرُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُرُورُ لَا السُّقُوطُ وَالْوُقُوعُ.

ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا}، قَالَ: بَابٌ ضَيِّقٌ، وَقَالَ: سُجَّدًا رُكَّعًا، وَسُجُودُ الْمَوَاتِ مَحْمَلُهُ فِي الْقُرْآنِ طَاعَتُهُ لِمَا سُخِّرَ لَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}، إِلى قَوْلِهِ: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ}؛ وَلَيْسَ سُجُودُ الْمَوَاتِ لِلَّهِ بأَعجب مِنْ هُبُوطِ الْحِجَارَةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ لِلَّهِ والإِيمان بِمَا أَنزل مِنْ غَيْرِ تَطَلُّبِ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ السُّجُودِ وَفِقْهِهِ، لأَن اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يُفَقِّهْنَاهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ تَسْبِيحُ الْمَوَاتِ مِنَ الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ يَلْزِمُنَا الإِيمان بِهِ وَالِاعْتِرَافُ بِقُصُورِ أَفهامنا عَنْ فَهْمِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


9-لسان العرب (قبر)

قبر: القَبْرُ: مَدْفَنُ الإِنسان، وَجَمْعُهُ قُبُور، والمَقْبَرُ الْمَصْدَرُ.

والمَقْبرَة، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا: مَوْضِعُ القُبُور.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: المَقْبُرة لَيْسَ عَلَى الْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ.

اللَّيْثُ: والمَقْبَرُ أَيضًا مَوْضِعُ الْقَبْرِ، وَهُوَ المَقْبَريّ والمَقْبُرِيّ.

الْجَوْهَرِيُّ: المَقْبَرَة والمَقْبُرة وَاحِدَةُ الْمَقَابِرِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ المَقْبَرُ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ الحَنَفيّ:

أَزُورُ وأَعْتادُ القُبورَ، وَلَا أَرَى ***سِوَى رَمْسِ أَعجازٍ عَلَيْهِ رُكُودُ

لكلِّ أُناسٍ مَقْبَرٌ بفِنائِهم، ***فهمْ يَنْقُصُونَ، والقُبُورُ تَزِيدُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ المَقْبَرُ، يَقْتَضِي أَنه مِنَ الشَّاذِّ، قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قِيَاسٌ فِي اسْمِ الْمَكَانِ مِنْ قَبَرَ يَقْبُرُ المَقْبَرُ، ومن خرج يَخْرُجُ المَخْرَج، ومن دَخَلَ يَدْخُلُ المَدْخَل، وَهُوَ قِيَاسٌ مطَّرد لَمْ يَشِذَّ مِنْهُ غيرُ الأَلفاظِ الْمَعْرُوفَةِ مِثْلَ المَبِيتِ والمَسْقِطِ والمَطْلِع والمَشْرِقِ والمَغْرِب وَنَحْوِهَا.

والفِناء: مَا حَوْلَ الدَّارِ، قَالَ: وَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ شَجَرَةٌ فَنْواء أَي وَاسِعَةُ الْفِنَاءِ لِكَثْرَةِ أَغصانها.

وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي المَقْبُرَة»؛ هِيَ مَوْضِعُ دَفْنِ الْمَوْتَى، وَتُضَمُّ بَاؤُهَا وَتُفْتَحُ، وإِنما نَهَى عَنْهَا لِاخْتِلَاطِ تُرَابِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى وَنَجَاسَاتِهِمْ، فإِن صَلَّى فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «لَا تَجْعَلُوا بيوتَكم مَقابر أَي لَا تَجْعَلُوهَا لَكُمْ كَالْقُبُورِ لَا تُصَلُّونَ فِيهَا لأَن الْعَبْدَ إِذا مَاتَ وَصَارَ فِي قَبْرِهِ لَمْ يُصَلّ، وَيَشْهَدْ لَهُ قَوْلُهُ فِيهِ: اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لا تجعلوها كالمقابر لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، قَالَ: والأَول الْوَجْهُ».

وقَبَره يَقْبِره ويَقْبُره: دَفَنَهُ.

وأَقْبره: جَعَلَ لَهُ قَبْرًا.

وأَقْبَرَ إِذا أَمر إِنسانًا بِحَفْرِ قَبْرٍ.

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: قَالَتْ بَنُو تَمِيمٍ لِلْحَجَّاجِ وَكَانَ قَتَلَ صَالِحَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَقْبِرْنا صَالِحًا أَي ائْذَنْ لَنَا فِي أَن نَقْبره، فَقَالَ لَهُمْ: دُونَكُمُوهُ.

الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ}، أَي جَعَلَهُ مَقْبُورًا مِمَّنْ يُقْبَرُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِمَّنْ يُلْقَى لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ وَلَا مِمَّنْ يُلْقَى فِي النَّوَاوِيسِ، كَانَ الْقَبْرُ مِمَّا أُكرم بِهِ الْمُسْلِمُ، وَفِي الصِّحَاحِ: مِمَّا أُكرم بِهِ بَنُو آدَمَ، وَلَمْ يَقُلْ فقَبَره لأَن الْقَابِرَ هُوَ الدَّافِنُ بِيَدِهِ، والمُقْبِرُ هُوَ اللَّهُ لأَنه صَيَّرَهُ ذَا قَبْر، وَلَيْسَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْآدَمِيِّ.

والإِقْبار: أَن يُهَيِّئَ لَهُ قَبْرًا أَو يُنْزِلَهُ مَنْزِله.

وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَن الدَّجَّالَ وُلِدَ مَقْبُورًا "، قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: مَعْنَى قَوْلِهِ وُلِدَ مَقْبُورًا أَن أُمه وَضَعَتْهُ وَعَلَيْهِ جِلْدَةٌ مُصْمَتة لَيْسَ فِيهَا شَقٌّ وَلَا نَقْبٌ، فَقَالَتْ قَابِلَتُهُ: هَذِهِ سِلْعة وَلَيْسَ وَلَدًا، فَقَالَتْ أُمه: بَلْ فِيهَا وَلَدٌ وَهُوَ مَقْبُورٌ فِيهَا، فَشَقُّوا عَنْهُ فاستهلَّ.

وأَقْبره: جَعَلَ لَهُ قَبْرًا يُوارَى فِيهِ وَيُدْفَنُ فِيهِ.

وأَقبرته: أَمرت بأَن يُقْبَر.

وأَقْبَر القومَ قتيلَهم: أَعطاهم إِياه يَقْبُرونه.

وأَرض قَبُور: غَامِضَةٌ.

وَنَخْلَةٌ قَبُور: سَرِيعَةُ الْحَمْلِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَكُونُ حَمْلُهَا فِي سَعَفها، وَمِثْلُهَا كبَوس.

والقِبْرُ: مَوْضِعٌ مُتأَكِّل فِي عُود الطِّيبِ.

والقِبِرَّى: الْعَظِيمُ الأَنف، وَقِيلَ: هُوَ الأَنف نَفْسُهُ.

يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ رامِعًا قِبِرّاه ورامِعًا أَنفه إِذا جَاءَ مُغْضَبًا، وَمِثْلُهُ: جَاءَ نَافِخًا قِبِرَّاه وَوَارِمًا خَوْرَمَتُه؛ وأَنشد:

لَمَّا أَتانا رامِعًا قِبِرَّاه، ***لَا يَعْرِفُ الحقَّ وَلَيْسَ يَهْواه

ابْنُ الأَعرابي: القُبَيْرَةُ تَصْغِيرُ القِبِرَّاة، وَهِيَ رأْس القَنْفاء.

قَالَ: والقِبِرَّاة أَيضًا طَرَفُ الأَنف، تَصْغِيرُهُ قُبَيرة.

والقُبَرُ: عِنَبٌ أَبيض فِيهِ طُولٌ وَعَنَاقِيدُهُ مُتَوَسِّطَةٌ ويُزَبَّب.

والقُبَّرُ والقُبَّرة والقُنْبَرُ والقُنْبَرة والقُنْبَراء: طَائِرٌ يُشْبِهُ الحُمَّرة.

الْجَوْهَرِيُّ: القُبَّرة وَاحِدَةُ القُبَّر، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الطَّيْرِ؛ قَالَ طَرَفَة وَكَانَ يَصْطَادُ هَذَا الطَّيْرَ فِي صِبَاهُ:

يَا لكِ مِنْ قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ، ***خَلا لكِ الجَوُّ فبيضِي واصْفِرِي،

ونَقِّرِي مَا شِئْتِ أَن تُنَقِّرِي، ***قَدْ ذهبَ الصَّيَّادُ عنكِ فابْشِرِي،

لَا بُدَّ مِنْ أَخذِكِ يَوْمًا فاصْبرِي قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَا لكِ مِنْ قُبَّرَةٍ بمعمر لكُلَيْبِ بْنِ رَبِيعَةَ التَّغْلِبِيِّ وَلَيْسَ لطَرَفَة كَمَا ذَكَرَ، وَذَلِكَ أَن كُلَيْبَ بْنَ رَبِيعَةَ خَرَجَ يَوْمًا فِي حِماه فإِذا هُوَ بقُبَّرَة عَلَى بَيْضِهَا، والأَكثر فِي الرِّوَايَةِ بحُمَّرَةٍ عَلَى بَيْضِهَا، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِليه صَرْصَرَتْ وخَفَقَتْ بِجَنَاحَيْهَا، فَقَالَ لَهَا: أَمِنَ رَوْعُك، أَنت وَبَيْضُكِ فِي ذِمَّتِي ثُمَّ دَخَلَتْ نَاقَةُ البَسُوس إِلى الحِمَى فَكَسَرَتِ الْبِيضَ فَرَمَاهَا كَلِيبٌ فِي ضَرْعها.

والبَسُوس: امرأَة، وَهِيَ خَالَةُ جَسَّاس بْنِ مُرَّة الشَّيْبَانِيِّ، فَوَثَبَ جسَّاس عَلَى كُلَيْب فَقَتَلَهُ، فَهَاجَتْ حَرْبُ بَكْرٍ وتَغْلِب ابْنَيْ وَائِلٍ بِسَبَبِهَا أَربعين سَنَةً.

والقُنْبَراءُ: لغة فيها، والجمع القَنَابر مِثْلُ العُنْصَلاءِ والعَناصل، قَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ القُنْبُرَةُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي الرجز، أَنشد أَبو عُبَيْدَةَ:

جَاءَ الشِّتاءُ واجْثأَلَّ القُنْبُرُ، ***وجَعَلَتْ عينُ الحَرَورِ تَسْكُرُ

أَي يَسْكُنُ حَرُّهَا وتخْبو.

والقُبَّارُ: قَوْمٌ يَتَجَمَّعُونَ لجَرِّ مَا فِي الشِّبَاكِ مِنَ الصَّيْدِ؛ عُمانية؛ قَالَ الْعَجَّاجُ: " كأَنَّما تَجَمَّعُوا قُبَّارَا قبتر: القُبْتُرُ والقُباتِرُ: الصَّغِيرُ القصير.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


10-لسان العرب (سقط)

سقط: السَّقْطةُ: الوَقْعةُ الشديدةُ.

سقَطَ يَسْقُطُ سُقوطًا، فَهُوَ ساقِطٌ وسَقُوطٌ: وَقَعَ، وَكَذَلِكَ الأُنثى؛ قَالَ:

مِنْ كلِّ بَلْهاء سَقُوطِ البُرْقُعِ ***بيْضاءَ، لَمْ تُحْفَظْ وَلَمْ تُضَيَّعِ

يَعْنِي أَنها لَمْ تُحْفَظْ مِنَ الرِّيبةِ وَلَمْ يُضَيِّعْها وَالِدَاهَا.

والمَسْقَطُ، بِالْفَتْحِ: السُّقوط.

وسَقط الشيءُ مِنْ يَدِي سُقوطًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَلّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَفْرَحُ بتَوْبةِ عَبْدِه مِنْ أَحدكم يَسْقُط عَلَى بَعِيره وَقَدْ أَضلَّه»؛ مَعْنَاهُ يَعثُر عَلَى مَوْضِعِهِ ويقعُ عَلَيْهِ كَمَا يقعُ الطائرُ عَلَى وَكْرِهِ.

وَفِي حديث" الحرث بْنِ حَسَّانَ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسأَله عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: عَلَى الخَبِيرِ سقَطْتَ "أَي عَلَى العارِفِ بِهِ وَقَعْتَ، وَهُوَ مَثَلٌ سائرٌ لِلْعَرَبِ.

ومَسْقِطُ الشَّيْءِ ومَسْقَطُه: مَوْضِعُ سقُوطه، الأَخيرة نَادِرَةٌ.

وَقَالُوا: الْبَصْرَةُ مَسْقَطُ رأْسي ومَسْقِطُه.

وتساقَط عَلَى الشَّيْءِ أَي أَلقى نفسَه عَلَيْهِ، وأَسقَطَه هُوَ.

وتساقَط الشيءُ: تتابع سُقوطه.

وساقَطه مُساقَطةً وسِقاطًا: أَسْقَطَه وَتَابَعَ إِسْقاطَه؛ قَالَ ضابئُ بْنُ الحَرثِ البُرْجُمِيّ يَصِفُ ثَوْرًا وَالْكِلَابَ:

يُساقِطُ عَنْهُ رَوْقُه ضارِياتِها، ***سِقاطَ حَدِيدِ القَينِ أَخْوَلَ أَخْوَلا

قَوْلُهُ: أَخْوَل أَخولا أَي متفرِّقًا يَعْنِي شرَرَ النَّارِ.

والمَسْقِطُ مِثال المَجْلِس: الْمَوْضِعُ؛ يُقَالُ: هَذَا مَسْقِط رأْسي، حَيْثُ وُلِدَ، وَهَذَا مسقِطُ السوْطِ، حَيْثُ وَقَعَ، وأَنا فِي مَسْقِط النَّجْمِ، حَيْثُ سَقَطَ، وأَتانا فِي مَسْقِط النَّجْمِ أَي حِينَ سقَط، وَفُلَانٌ يَحِنُّ إِلى مسقِطه أَي حَيْثُ وُلِدَ.

وكلُّ مَن وَقَعَ فِي مَهْواة يُقَالُ: وَقَعَ وَسَقَطَ، وَكَذَلِكَ إِذا وَقَعَ اسْمُهُ مِنَ الدِّيوان، يُقَالُ: وَقَعَ وَسَقَطَ، وَيُقَالُ: سقَط الْوَلَدُ مِنْ بَطْنِ أُمّه، وَلَا يُقَالُ وَقَعَ حِينَ تَلِدُه.

وأَسْقَطتِ المرأَةُ وَلَدَهَا إِسْقاطًا، وَهِيَ مُسْقِطٌ: أَلقَتْه لِغَيْرٍ تَمام مِنَ السُّقوطِ، وَهُوَ السِّقْطُ والسُّقْطُ والسَّقْط، الذَّكَرُ والأُنثى فِيهِ سَوَاءٌ، ثَلَاثُ لُغَاتٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لأَنْ أُقَدِّمَ سِقْطًا أَحَبُّ إِليَّ مِنْ مِائَةِ مُسْتَلئِمْ»؛ السَّقْطُ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ والكسرِ، والكسرُ أَكثر: الْوَلَدُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمه قَبْلَ تَمامِه، والمستلْئِمُ: لَابِسُ عُدَّةِ الْحَرْبِ، يَعْنِي أَن ثَوَابَ السِّقْطِ أَكثر مِنْ ثوابِ كِبار الأَولاد لأَن فِعْلَ الْكَبِيرِ يخصُّه أَجره وثوابُه وإِن شَارَكَهُ الأَب فِي بَعْضِهِ، وَثَوَابُ السِّقْطِ مُوَفَّر عَلَى الأَب.

وَفِي الْحَدِيثِ: «يُحْشَرُ مَا بَيْنَ السِّقْطِ إِلى الشَّيْخِ الْفَانِي جُرْدًا مُرْدًا».

وسَقْطُ الزَّند: مَا وَقَعَ مِنَ النَّارِ حِينَ يُقْدَحُ، بِاللُّغَاتِ الثَّلَاثِ أَيضًا.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: سَقْطُ النَّارِ وسِقْطُها وسُقْطُها مَا سقَط بَيْنَ الزنْدين قَبْلَ اسْتحكامِ الوَرْي، وَهُوَ مَثَلٌ بِذَلِكَ، يُذَكَّرُ ويؤَنث.

وأَسقَطَتِ الناقةُ وَغَيْرَهَا إِذا أَلقت وَلَدَهَا.

وسِقْطُ الرَّمْلِ وسُقْطُه وسَقْطُه ومَسْقِطُه بِمَعْنَى مُنقَطَعِه حَيْثُ انْقَطَعَ مُعْظَمُه ورَقَّ لأَنه كُلُّهُ مِنَ السُّقوط، الأَخيرة إِحدى تِلْكَ الشَّوَاذِّ، وَالْفَتْحُ فِيهَا عَلَى الْقِيَاسِ لُغَةٌ.

ومَسْقِطُ الرَّمْلِ: حَيْثُ يَنْتَهِي إِليه طرَفُه.

وسِقاطُ النَّخْلِ: مَا سقَط مِنْ بُسْرِه.

وسَقِيطُ السَّحابِ: البَرَدُ.

والسَّقِيطُ: الثلْجُ.

يُقَالُ: أَصبَحتِ الأَرض مُبْيَضَّة مِنَ السَّقِيطِ.

والسَّقِيطُ: الجَلِيدُ، طائيةٌ، وَكِلَاهُمَا مِنَ السُّقوط.

وسَقِيطُ النَّدَى: مَا سقَط مِنْهُ عَلَى الأَرض؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " وليْلةٍ، يَا مَيَّ، ذاتِ طَلِّ،

ذاتِ سَقِيطٍ ونَدىً مُخْضَلِّ، ***طَعْمُ السُّرَى فِيهَا كطَعْمِ الخَلِ

وَمِثْلُهُ قَوْلُ هُدْبة بْنِ خَشْرَمٍ:

وَوادٍ كجَوْفِ العَيْرِ قَفْرٍ قطَعْتُه، ***تَرى السَّقْطَ فِي أَعْلامِه كالكَراسِفِ

والسَّقَطُ مِنَ الأَشياء: مَا تُسْقِطهُ فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ مِنَ الجُنْد وَالْقَوْمِ وَنَحْوِهِ.

والسُّقاطاتُ مِنَ الأَشياء: مَا يُتَهاون بِهِ مِنْ رُذالةِ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا.

والسَّقَطُ: رَدِيءُ المَتاعِ.

والسَّقَطُ: مَا أُسْقِط مِنَ الشَّيْءِ.

وَمِنْ أَمْثالِهم: سَقَطَ العَشاء بِهِ عَلَى سِرْحانٍ، يُضرب مَثَلًا لِلرَّجُلِ يَبْغي البُغْيةَ فيقَعُ فِي أَمر يُهْلِكُه.

وَيُقَالُ لخُرْثِيِّ المَتاعِ: سَقَطٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وسقَطُ الْبَيْتِ خُرْثِيُّه لأَنه ساقِطٌ عَنْ رَفِيعِ الْمَتَاعِ، وَالْجَمْعُ أَسْقاط.

قَالَ اللَّيْثُ: جَمْعُ سَقَطِ البيتِ أَسْقاطٌ نَحْوَ الإِبرة والفأْس والقِدْر وَنَحْوِهَا.

وأَسْقاطُ النَّاسِ: أَوْباشُهم؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، على المثل بذلك.

وسَقَطُ الطَّعامِ: مَا لَا خَيْرَ فِيهِ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يَسْقُط مِنْهُ.

والسَّقَطُ: مَا تُنُوول بَيْعُهُ مِنْ تابِلٍ وَنَحْوِهِ لأَن ذَلِكَ ساقِطُ القِيمة، وَبَائِعُهُ سَقَّاط.

والسَّقَّاطُ: الَّذِي يَبِيعُ السَّقَطَ مِنَ المَتاعِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «كَانَ لَا يَمُرُّ بسَقَّاطٍ وَلَا صاحِبِ بِيعةٍ إِلا سَلَّم عَلَيْهِ»؛ هُوَ الَّذِي يَبيعُ سَقَطَ المتاعِ وَهُوَ رَدِيئُه وحَقِيره.

والبِيعةُ مِنَ البَيْعِ كالرِّكْبةِ والجِلْسَةِ مِنَ الرُّكُوبِ والجُلوس، والسَّقَطُ مِنَ الْبَيْعِ نَحْوَ السُّكَّر والتَّوابِل ونحوها، وأَنكر بَعْضُهُمْ تَسْمِيَتَهُ سَقَّاطًا، وَقَالَ: لَا يُقَالُ سَقَّاط، وَلَكِنْ يُقَالُ صَاحِبُ سَقَطٍ.

والسُّقاطةُ: مَا سَقَط مِنَ الشَّيْءِ.

وساقَطه الحديثَ سِقاطًا: سَقَط مِنْكَ إِليه وَمِنْهُ إِليك.

وسِقاطُ الحديثِ: أَن يتحدَّثَ الواحدُ ويُنْصِتَ لَهُ الآخَرُ، فإِذا سَكَتَ تحدَّثَ الساكِتُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقِ:

إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَديثَ، كأَنَّه ***جَنى النَّحْلِ أَو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّف

وسَقَطَ إِليَّ قَوْمٌ: نَزَلُوا عليَّ.

وَفِي حَدِيثِ النجاشِيّ وأَبي سَمّالٍ: «فأَما أَبو سَمَّالٍ فسَقَطَ إِلى جيرانٍ لَهُ»أَي أَتاهم فأَعاذُوه وسَترُوه.

وسَقَطَ الحَرّ يَسْقُطُ سُقُوطًا: يُكَنَّى بِهِ عَنِ النُّزُولِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

إِذا الوَحْشُ ضَمَّ الوَحْش فِي ظُلُلاتِها ***سَواقِطُ مِنْ حَرٍّ، وَقَدْ كَانَ أَظْهَرا

وسَقَطَ عَنْكَ الحَرُّ: أَقْلَعَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، كأَنه ضِدُّ.

والسَّقَطُ والسِّقاطُ: الخَطَأُ فِي الْقَوْلِ والحِساب والكِتاب.

وأَسْقَطَ وسَقَطَ فِي كَلَامِهِ وَبِكَلَامِهِ سُقوطًا: أَخْطأَ.

وتكلَّم فَمَا أَسْقَطَ كَلِمَةً، وَمَا أَسْقَط حَرْفًا وَمَا أَسْقَط فِي كَلِمَةٍ وَمَا سَقَط بِهَا أَي مَا أَخْطأَ فِيهَا.

ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ تَكلَّم بِكَلَامٍ فَمَا سَقَطَ بِحَرْفٍ وَمَا أَسْقَطَ حَرْفًا، قَالَ: وَهُوَ كَمَا تَقُولُ دَخَلْتُ بِهِ وأَدْخَلْتُه وخرَجْتُ بِهِ وأَخْرَجْتُه وعَلوْت بِهِ وأَعْلَيْتُه وسُؤتُ بِهِ ظَنًّا وأَسأْتُ بِهِ الظنَّ، يُثْبتون الأَلف إِذا جَاءَ بالأَلف وَاللَّامِ.

وَفِي حَدِيثِ الإِفك: «فأَسْقَطُوا لَهَا بِهِ»يَعْنِي الجارِيةَ؛ أي سَبُّوها وَقَالُوا لَهَا مِنْ سَقَط الكلامِ، وَهُوَ رَدِيئُهُ، بِسَبَبِ حَدِيثِ الإِفْك.

وتَسَقَّطَه واستَسْقَطَه: طلَب سَقَطَه وعالَجه عَلَى أَن يَسْقُطَ فيُخْطِئ أَو يَكْذِبَ أَو يَبُوحَ بِمَا عِنْدَهُ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

وَلَقَدْ تسَقَّطَني الوُشاةُ فصادَفُوا ***حَجِئًا بِسِرِّكِ، يَا أُمَيْمَ، ضَنِينا

والسَّقْطةُ: العَثْرةُ والزَّلَّةُ، وَكَذَلِكَ السِّقاطُ؛ قَالَ سُوِيدُ بْنُ أَبي كَاهِلٍ:

كيفَ يَرْجُون سِقاطِي، بَعْدَ ما ***جَلَّلَ الرأْسَ مَشِيبٌ وصَلَعْ؟

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لِيَزِيدَ بْنِ الجَهْم الهِلالي:

رجَوْتِ سِقاطِي واعْتِلالي ونَبْوَتي، ***وراءَكِ عَنِّي طالِقًا، وارْحَلي غَدا

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كُتب إِليه أَبيات فِي صَحِيفَةٍ مِنْهَا:

يُعَقِّلُهُنَّ جَعْدةُ مِنْ سُلَيْمٍ ***مُعِيدًا، يَبْتَغي سَقَطَ العَذارى»

أَي عثَراتِها وزَلَّاتِها.

والعَذارى: جُمْعُ عَذْراء.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ قَلِيلُ العِثار، وَمِثْلُهُ قَلِيلُ السِّقاطِ، وإِذا لَمْ يَلْحق الإِنسانُ مَلْحَقَ الكِرام يُقَالُ: ساقِطٌ، وأَنشد بَيْتَ سُوِيدُ بْنُ أَبي كَاهِلٍ.

وأَسقط فُلَانٌ مِنَ الْحِسَابِ إِذا أَلقى.

وَقَدْ سقَط مِنْ يَدِي وسُقِطَ فِي يَدِ الرَّجُلِ: زَلَّ وأَخْطأَ، وَقِيلَ: نَدِمَ.

قَالَ الزجّاجُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ النَّادِمِ عَلَى مَا فَعَلَ الحَسِر عَلَى مَا فرَطَ مِنْهُ: قَدْ سُقِط في يده وأُسْقِط.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: لَا يُقَالُ أُسقط، بالأَلف، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: ضرَبوا بأَكُفِّهم عَلَى أَكفهم مِنَ النَّدَم، فإِن صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ إِذًا مِنَ السُّقُوطِ، وَقَدْ قُرِئَ: " سقَط فِي أَيديهم، كأَنه أَضمر النَّدَمَ أَي سقَط الندمُ فِي أَيديهم كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يَحْصُلُ عَلَى شَيْءٍ وإِن كَانَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي الْيَدِ: قَدْ حَصل فِي يَدِهِ مِنْ هَذَا مكروهٌ، فَشَبَّهَ مَا يحصُل فِي الْقَلْبِ وَفِي النفْس بِمَا يَحْصُلُ فِي الْيَدِ ويُرى بِالْعَيْنِ.

الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ: يُقَالُ سُقط فِي يَدِهِ وأُسقط مِنَ النَّدَامَةِ، وسُقط أَكثر وأَجود.

وخُبِّر فُلَانٌ خَبرًا فسُقط فِي يَدِهِ وأُسقط.

قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ النَّادِمِ عَلَى مَا فَعَلَ الحسِرِ عَلَى مَا فرَط مِنْهُ: قَدْ سُقط فِي يَدِهِ وأُسقط.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وإِنما حَسَّنَ قَوْلَهُمْ سُقط فِي يَدِهِ، بِضَمِّ السِّينِ، غَيْرُ مُسَمًّى فَاعِلُهُ الصفةُ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فدَعْ عنكَ نَهْبًا صيحَ فِي حَجَراتِه، ***ولكنْ حَدِيثًا، مَا حَدِيثُ الرَّواحِلِ؟

أَي صَاحَ المُنْتَهِبُ فِي حَجَراتِه، وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ سقَط الندمُ فِي يَدِهِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

ويوْمٍ تَساقَطُ لَذَّاتُه، ***كنَجْم الثُّرَيّا وأَمْطارِها

أَي تأْتي لَذَّاتُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَراد أَنه كَثِيرُ اللَّذَّاتِ:

وخَرْقٍ تحَدَّث غِيطانُه، ***حَديثَ العَذارَى بأَسْرارِها

أَرادَ أَن بِهَا أَصوات الْجِنِّ.

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {وهُزِّي إِليكِ بجِذْعِ النخلةِ يَسّاقَطْ}، وَقُرِئَ: تُساقِطْ وتَسّاقَطْ "، فَمَنْ قرأَه بِالْيَاءِ فَهُوَ الجِذْعُ، وَمَنْ قرأَه بِالتَّاءِ فهي النخلةُ، وانتصابُ قَوْلِهِ رُطَبًا جَنِيًّا عَلَى التَّمْيِيزِ المحوَّل، أَرادَ يَسّاقطْ رُطَبُ الجِذْع، فَلَمَّا حُوِّلَ الْفِعْلُ إِلى الْجِذْعِ خَرَجَ الرطبُ مفسِّرًا؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ، قَالَ: وَلَوْ قرأَ قَارِئٌ تُسْقِطْ عَلَيْكِ رُطبًا يَذْهَبُ إِلى النَّخْلَةِ، أَو قرأَ يُسْقِطْ عَلَيْكِ يَذْهَبُ إِلى الْجِذْعِ، كَانَ صَوَابًا.

والسَّقَطُ: الفَضيحةُ.

والساقِطةُ والسَّقِيطُ: الناقِصُ العقلِ؛ الأَخيرة عَنِ الزَّجَّاجِيِّ، والأُنثى سَقِيطةٌ.

والسَّاقِطُ والساقِطةُ: اللَّئيمُ فِي حسَبِه ونفْسِه، وَقَوْمٌ سَقْطَى وسُقّاطٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: وَجَمْعُهُ السَّواقِطُ؛ وأَنشد: " نحنُ الصَّمِيمُ وهُمُ السَّواقِطُ وَيُقَالُ للمرأَة الدنيئةِ الحَمْقَى: سَقِيطةٌ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الدَّنِيء: ساقِطٌ ماقِطٌ لاقِطٌ.

والسَّقِيطُ: الرَّجُلُ الأَحمق.

وَفِي حَدِيثِ أَهل النَّارِ: «مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعفاء الناسِ وسَقَطُهم»أَي أَراذِلُهم وأَدْوانُهُم.

والساقِط: المتأَخِّرُ عَنِ الرِّجَالِ.

وَهَذَا الْفِعْلُ مَسْقَطةٌ للإِنسان مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ: وَهُوَ أَن يأْتي بِمَا لَا يَنْبَغِي.

والسِّقاطُ فِي الفَرسِ: اسْتِرْخاء العَدْوِ.

والسِّقاطُ فِي الْفَرَسِ: أَن لَا يَزالَ مَنْكُوبًا، وَكَذَلِكَ إِذا جَاءَ مُسْتَرْخِيَ المَشْي والعَدْوِ.

وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ: إِنه ليساقِط الشَّيْءَ أَي يَجِيءُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ؛ وأَنشد قَوْلَهُ:

بِذي مَيْعة، كأَنَّ أَدْنَى سِقاطِه ***وتَقْرِيبِه الأَعْلَى ذَآلِيلُ

ثَعْلَبِ وساقَطَ الفرسُ العَدْوَ سِقاطًا إِذا جَاءَ مُسْتَرْخِيًا.

وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ إِذا سَبَقَ الْخَيْلَ: قَدْ ساقَطَها؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

ساقَطَها بنَفَسٍ مُرِيحِ، ***عَطْفَ المُعَلَّى صُكَّ بالمَنِيحِ،

وهَذَّ تَقْرِيبًا مَعَ التَّجْلِيحِ "المَنِيحُ: الَّذِي لَا نَصِيبَ لَهُ.

وَيُقَالُ: جَلَّحَ إِذا انكشَف لَهُ الشأْنُ وغَلب؛ وَقَالَ يَصِفُ الثَّوْرَ:

كأَنَّه سِبْطٌ مِنَ الأَسْباطِ، ***بَيْنَ حَوامِي هَيْدَبٍ سُقَّاطِ

السِّبْطُ: الفِرْقةُ مِنَ الأَسْباط.

بَيْنَ حوامِي هَيْدَبٍ وهَدَبٍ أَيضًا أَي نَواحِي شَجَرٍ مُلْتَفِّ الهَدَب.

وسُقّاطٌ: جَمْعُ الساقِط، وَهُوَ المُتَدَلِّي.

والسَّواقِطُ: الَّذِينَ يَرِدُون اليمَامةَ لامْتِيارِ التَّمْرِ، والسِّقاطُ: مَا يَحْمِلُونَهُ مِنَ التَّمْرِ.

وَسَيْفٌ سَقّاطٌ وَراء الضَّريبةِ، وَذَلِكَ إِذا قَطَعَها ثُمَّ وصَل إِلى مَا بَعْدَهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ الَّذِي يَقُدُّ حَتَّى يَصِل إِلى الأَرض بَعْدَ أَن يَقْطَعَ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الهذلي:

كلَوْنِ المِلْحِ ضَرْبَتُه هَبِيرٌ، ***يُتِرُّ العَظْمَ سَقّاطٌ سُراطِي

وَقَدْ تقدَّم فِي سَرَطَ، وصوابهُ يُتِرُّ العظمَ.

والسُّراطِيُّ: القاطعُ.

والسَّقّاطُ: السيفُ يسقُط مَنْ وَرَاءَ الضَّرِيبة يَقْطَعُهَا حَتَّى يَجُوزَ إِلى الأَرض.

وسِقْطُ السَّحابِ: حَيْثُ يُرى طرَفُه كأَنه ساقِطٌ عَلَى الأَرض فِي نَاحِيَةِ الأُفُق.

وسِقْطا الخِباء: ناحِيَتاه.

وسِقْطا الطائرِ وسِقاطاه ومَسْقَطاه: جَناحاه، وَقِيلَ: سِقْطا جَناحَيْه مَا يَجُرُّ مِنْهُمَا عَلَى الأَرض.

يُقَالُ: رَفَع الطائرُ سِقْطَيْه يعني جناحيه.

والسِّقْطانِ مِنَ الظَّلِيمِ: جَناحاه؛ وأَما قَوْلُ الرَّاعي:

حَتَّى إِذا مَا أَضاء الصُّبْحُ، وانْبَعَثَتْ ***عَنْهُ نَعامةُ ذِي سِقْطَيْن مُعْتَكِر

فإِنه عَنَى بِالنَّعَامَةِ سَواد اللَّيْلِ، وسِقْطاه: أَوّلُه وآخِرُه، وَهُوَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ؛ يَقُولُ: إِنَّ الليلَ ذَا السِّقْطين مضَى وصدَق الصُّبْح؛ وَقَالَ الأَزهري: أَراد نَعامةَ ليْلٍ ذِي سِقطين، وسِقاطا اللَّيْلِ: ناحِيتا ظَلامِه؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ فَرَسًا:

جافِي الأَيادِيمِ بِلَا اخْتِلاطِ، ***وبالدِّهاسِ رَيِّث السِّقاطِ

قَوْلُهُ: رَيِّثُ السِّقَاطِ أَي بَطِيءٌ أَي يَعْدو فِي الدِّهاسِ عَدْوًا شَدِيدًا لَا فُتورَ فِيهِ.

وَيُقَالُ: الرَّجُلُ فِيهِ سِقاطٌ إِذا فَتَر فِي أَمره ووَنَى.

قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ أَبا المِقْدامِ السُّلَمِيّ يَقُولُ: تسَقَّطْتُ الخَبَر وتَبقَّطْتُه إِذا أَخذته قَلِيلًا قَلِيلًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «بِهَذِهِ الأَظْرُبِ السَّواقِطِ»؛ أي صِغار الجبالِ المُنْخفضةِ اللَّاطئةِ بالأَرض.

وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ يُساقِطُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ»، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي يَرْوِيهِ عَنْهُ فِي خِلالِ كلامِه كأَنه يَمْزُجُ حَدِيثَه بِالْحَدِيثِ عَنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ أَسْقَطَ الشيءَ إِذا أَلْقاه ورَمَى بِهِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «أَنه شَرِبَ مِنَ السَّقِيطِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ المتأَخرين فِي حَرْفِ السِّينِ، وَفَسَّرَهُ بالفَخّارِ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ لُغةً وَرِوَايَةً الشينُ الْمُعْجَمَةُ، وَسَيَجِيءُ، فأَمّا السَّقِيطُ، بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، فَهُوَ الثَّلْجُ والجَلِيدُ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


11-لسان العرب (طلع)

طلع: طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْفَجْرُ وَالنُّجُومُ تَطْلُعُ طُلُوعًا ومَطْلَعًا ومَطْلِعًا، فَهِيَ طالِعةٌ، وَهُوَ أَحَد مَا جَاءَ مِنْ مَصادرِ فَعَلَ يَفْعُلُ عَلَى مَفْعِلٍ، ومَطْلَعًا، بِالْفَتْحِ، لُغَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْكَسْرُ الأَشهر.

والمَطْلِعُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَهُوَ قوله: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هِيَ حَتَّى مَطْلِعِ الْفَجْرِ}، فإِن الْكِسَائِيَّ قرأَها بِكَسْرِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عُبَيْدٍ عَنْ أَبي عَمْرٍو بِكَسْرِ اللَّامِ، وَعُبَيْدٌ أَحد الرُّوَاةِ عَنْ أَبي عَمْرٍو، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْيَزِيدِيُّ عَنْ أَبي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ: هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ، بِفَتْحِ اللَّامِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وأَكثر الْقُرَّاءِ عَلَى مطلَع، قَالَ: وَهُوَ أَقوى فِي قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ لأَن المطلَع، بِالْفَتْحِ، هُوَ الطُّلُوعُ والمطلِع، بِالْكَسْرِ، هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْلُعُ مِنْهُ، إِلا أَن الْعَرَبَ تَقُولُ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مطلِعًا، فَيَكْسِرُونَ وَهُمْ يُرِيدُونَ الْمَصْدَرَ، وَقَالَ: إِذا كَانَ الْحَرْفُ مِنْ بَابِ فعَل يفعُل مِثْلَ دَخَلَ يَدْخُلُ وَخَرَجَ يَخْرُجُ وَمَا أَشبهها آثَرَتِ الْعَرَبُ فِي الِاسْمِ مِنْهُ وَالْمَصْدَرُ فَتْحُ الْعَيْنِ، إِلا أَحرفًا مِنَ الأَسماء أَلزموها كَسْرَ الْعَيْنِ فِي مَفْعِلٍ، مِنْ ذَلِكَ: المسجِدُ والمَطْلِعُ والمَغْرِبُ والمَشْرِقُ والمَسْقِطُ والمَرْفِقُ والمَفْرِقُ والمَجْزِرُ والمسْكِنُ والمَنْسِكُ والمَنْبِتُ، فَجَعَلُوا الْكَسْرَ عَلَامَةً لِلِاسْمِ وَالْفَتْحَ عَلَامَةً لِلْمَصْدَرِ، قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تَضَعُ الأَسماء مَوَاضِعَ الْمَصَادِرِ، وَلِذَلِكَ قرأَ مَنْ قرأَ: هِيَ حَتَّى مطلِع الْفَجْرِ "، لأَنه ذَهَب بالمطلِع، وإِن كَانَ اسْمًا، إِلى الطُّلُوعِ مِثْلِ المَطْلَعِ، وَهَذَا قَوْلُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ، وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَنْ قرأَ مطلِع الْفَجْرِ، بِكَسْرِ اللَّامِ، فَهُوَ اسْمٌ لِوَقْتِ الطُّلُوعِ، قَالَ ذَلِكَ الزَّجَّاجُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَحسبه قَوْلَ سِيبَوَيْهِ.

والمَطْلِعُ والمَطْلَعُ أَيضًا: مَوْضِعُ طُلُوعِهَا.

وَيُقَالُ: اطَّلَعْتُ الْفَجْرَ اطِّلاعًا أَي نَظَرْتُ إِليه حِينَ طلَع؛ وَقَالَ: " نَسِيمُ الصَّبا مِنْ حيثُ يُطَّلَعُ الفَجْرُ وآتِيكَ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْه الشمسُ أَي طلَعت فِيهِ.

وَفِي الدُّعَاءِ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا تَطْلُع بِنَفْسِ أَحد مِنَّا "؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي لَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنَّا مَعَ طُلُوعها، أَراد: وَلَا طَلَعَتْ فَوَضَعَ الْآتِي مِنْهَا مَوْضِعَ الْمَاضِي، وأَطْلَعَ لُغَةٌ فِي ذَلِكَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " كأَنه كَوْكَبُ غَيْمٍ أَطْلَعا "وطِلاعُ الأَرضِ: مَا طَلعت عَلَيْهِ الشمسُ.

وطِلاعُ الشَّيْءِ: مِلْؤُه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنه قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَوْ أَنَّ لِي طِلاعَ الأَرضِ ذَهَبًا "؛ قِيلَ: طِلاعُ الأَرض مِلْؤُها حَتَّى يُطالِعَ أَعلاه أَعْلاها فَيُساوِيَه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «جَاءَهُ رَجُلٌ بِهِ بَذاذةٌ تعلو عَنْهُ الْعَيْنُ، فَقَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ طِلاعِ الأَرض ذَهَبًا»أَي مَا يَمْلَؤُها حَتَّى يَطْلُع عَنْهَا وَيَسِيلَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ يَصِفُ قَوْسًا وغَلَظَ مَعْجِسها وأَنه يملأُ الْكَفَّ:

كَتُومٌ طِلاعُ الكَفِّ لَا دُونَ مِلْئِها، ***وَلَا عَجْسُها عَنْ مَوْضِعِ الكَفِّ أَفْضَلا

الكَتُوم: القَوْسُ الَّتِي لَا صَدْعَ فِيهَا وَلَا عَيْبَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: طِلاعُ الأَرضِ فِي قَوْلِ عُمَرَ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشمسُ مِنَ الأَرض، وَالْقَوْلُ الأَوَّل، وَهُوَ قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ: وطَلَعَ فُلَانٌ عَلَيْنَا مِنْ بَعِيدٍ، وطَلْعَتُه: رُؤْيَتُه.

يُقَالُ: حَيَّا اللَّهُ طَلْعتك.

وطلَع الرجلُ عَلَى الْقَوْمِ يَطْلُع وتَطَلَّع طُلُوعًا وأَطْلَع: هَجَمَ؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ.

وطلَع عَلَيْهِمْ: أَتاهم.

وطلَع عَلَيْهِمْ: غَابَ، وَهُوَ مِنَ الأَضْداد.

وطَلعَ عَنْهُمْ: غَابَ أَيضًا عَنْهُمْ.

وطَلْعةُ الرجلِ: شخْصُه وَمَا طلَع مِنْهُ.

وتَطَلَّعه: نَظَرَ إِلى طَلْعَتِه نَظَرَ حُبٍّ أَو بِغْضةٍ أَو غَيْرِهِمَا.

وَفِي الْخَبَرِ عَنْ بَعْضِهِمْ: " أَنه كَانَتْ تَطَلَّعُه الْعَيْنُ صُورَةً.

وطَلِعَ الجبلَ، بِالْكَسْرِ، وطلَعَه يَطْلَعُه طُلُوعًا: رَقِيَه وعَلاه.

وَفِي حَدِيثِ السُّحور: «لَا يَهِيدَنَّكُمُ الطالِعُ»، يَعْنِي الْفَجْرَ الكاذِب.

وطَلَعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ: بَدَتْ شَباتُها.

وكلُّ بادٍ مِنْ عُلْوٍ طالِعٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «هَذَا بُسْرٌ قَدْ طَلَعَ اليَمَن» أَي قَصَدَها مِنْ نجْد.

وأطْلَعَ رأْسه إِذا أَشرَف عَلَى شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ اطَّلَعَ وأَطْلَعَ غيرَه واطَّلَعَه، وَالِاسْمُ الطَّلاعُ.

واطَّلَعْتُ عَلَى باطِنِ أَمره، وَهُوَ افْتَعَلْتُ، وأَطْلَعَه عَلَى الأَمر: أَعْلَمَه بِهِ، وَالِاسْمُ الطِّلْعُ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يزَن: «قَالَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَطْلَعْتُك طِلْعَه»أَي أَعْلَمْتُكَه؛ الطِّلع، بِالْكَسْرِ: اسْمٌ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى الشَّيْءِ إِذا عَلِمَه.

وطَلعَ عَلَى الأَمر يَطْلُع طُلُوعًا واطَّلَعَ عَلَيْهِمُ اطِّلاعًا واطَّلَعَه وتَطَلَّعَه: عَلِمَه، وطالَعَه إِياه فَنَظَرَ مَا عِنْدَهُ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ ذُرَيْحٍ:

كأَنَّكَ بِدْعٌ لمْ تَرَ الناسَ قَبْلَهُمْ، ***ولَمْ يَطَّلِعْكَ الدَّهْرُ فِيمَنْ يُطالِعُ

وَقَوْلُهُ تعالى: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ}؛ القرَّاء كُلُّهُمْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِلا مَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ الجُعْفِيّ عَنْ أَبي عَمْرٍو أَنه قرأَ: " هَلْ أَنتم مُطْلِعونِ "، سَاكِنَةَ الطَّاءِ مَكْسُورَةَ النُّونِ، فأُطْلِعَ، بِضَمِّ الأَلف وَكَسْرِ اللَّامِ، عَلَى فأُفْعِلَ؛ قَالَ الأَزهري: وَكَسْرُ النُّونِ فِي مُطْلِعونِ "شَاذٌّ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَجمعين وَوَجْهُهُ ضَعِيفٌ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى هَلْ أَنتم مُطْلِعِيّ وَهَلْ أَنتم مُطْلِعوه، بِلَا نُونٍ، كَقَوْلِكَ هَلْ أَنتم آمِرُوهُ وآمِرِيَّ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

هُمُ القائِلونَ الخَيْرَ والآمِرُونَه، ***إِذا مَا خَشُوا مِنْ مُحْدَثِ الأَمْرِ مُعْظَما

فَوَجْهُ الْكَلَامِ وَالْآمِرُونَ بِهِ، وَهَذَا مِنْ شَوَاذِّ اللُّغَاتِ، وَالْقِرَاءَةُ الْجَيِّدَةُ الْفَصِيحَةُ: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ، وَمَعْنَاهَا هَلْ تُحِبُّونَ أَن تَطَّلِعُوا فَتَعْلَمُوا أَين مَنْزِلَتُكُمْ مِنْ مَنْزِلَةِ أَهل النَّارِ، فاطَّلَعَ المُسْلِمُ فرأَى قَرِينَه فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ أَي فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ، وقرأَ قَارِئٌ: هَلْ أَنتم مُطْلِعُونَ "، بِفَتْحِ النُّونِ، فأُطْلِعَ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ بِمَعْنَى هَلْ أَنتم طالِعُونَ ومُطْلِعُونَ؛ يُقَالُ: طَلَعْتُ عَلَيْهِمْ واطَّلَعْتُ وأَطْلَعْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

واسْتَطْلَعَ رأْيَه: نَظَرَ مَا هُوَ.

وطالَعْتُ الشَّيْءَ أَياطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، وطالَعه بِكُتُبه، وتَطَلَّعْتُ إِلى وُرُودِ كتابِكَ.

والطَّلْعةُ: الرؤيةُ.

وأَطْلَعْتُك عَلَى سِرِّي، وَقَدْ أَطْلَعْتُ مِنْ فَوْقِ الْجَبَلِ واطَّلَعْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وطَلَعْتُ فِي الْجَبَلِ أَطْلُعُ طُلُوعًا إِذا أَدْبَرْتَ فِيهِ حَتَّى لَا يَرَاكَ صاحبُكَ.

وطَلَعْتُ عَنْ صَاحِبِي طُلُوعًا إِذا أَدْبَرْتَ عَنْهُ.

وطَلَعْتُ عَنْ صَاحِبِي إِذا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ فِي بَابِ الأَضداد: طَلَعْتُ عَلَى الْقَوْمِ أَطلُع طُلُوعًا إِذا غِبْتَ عَنْهُمْ حَتَّى لَا يَرَوْكَ، وطلَعت عَلَيْهِمْ إِذا أَقبلت عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرَوْكَ.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: طَلَعْتُ عَلَى الْقَوْمِ إِذا غِبْتَ عَنْهُمْ صَحِيحٌ، جَعَلَ عَلَى فِيهِ بِمَعْنَى عَنْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ}؛ مَعْنَاهُ عَنِ النَّاسِ وَمِنَ النَّاسِ، قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهل اللُّغَةِ أَجمعون.

وأَطْلَعَ الرَّامِي أَيْ جازَ سَهْمُه مِنْ فَوْقِ الغَرَض.

وَفِي حَدِيثِ كِسْرَى: «أَنه كان يسجُد للطالِعِ»؛ هُوَ مِنَ السِّهام الَّذِي يُجاوِزُ الهَدَفَ ويَعْلُوه؛ قَالَ الأَزهري: الطالِع مِنَ السِّهَامِ الَّذِي يقَعُ وراءَ الهَدَفِ ويُعْدَلُ بالمُقَرْطِسِ؛ قَالَ المَرَّارُ:

لَها أَسْهُمٌ لَا قاصِراتٌ عَنِ الحَشَى، ***وَلَا شاخِصاتٌ، عَنْ فُؤادي، طَوالِعُ

أَخبر أَنَّ سِهامَها تُصِيبُ فُؤادَه وَلَيْسَتْ بِالَّتِي تقصُر دُونَهُ أَو تُجَاوِزُهُ فتُخْطِئُه، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنه كَانَ يَسْجُدُ لِلطَّالِعِ أَي أَنه كَانَ يَخْفِضُ رأْسه إِذا شخَص سهمُه فَارْتَفَعَ عَنِ الرَّمِيّةِ وَكَانَ يطأْطئ رأْسه لِيَقُومَ السَّهْمُ فَيُصِيبُ الْهَدَفَ.

والطَّلِيعةُ: الْقَوْمُ يُبعثون لمُطالَعةِ خَبَرِ الْعَدُوِّ، وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِيهِ سَوَاءٌ.

وطَلِيعةُ الْجَيْشِ: الَّذِي يَطْلُع مِنَ الْجَيْشِ يُبعث لِيَطَّلِعَ طِلْعَ الْعَدُوِّ، فَهُوَ الطِّلْعُ، بِالْكَسْرِ، الِاسْمُ مِنْ الاطّلاعِ.

تَقُولُ مِنْهُ: اطَّلِعْ طِلْعَ الْعَدُوِّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ إِذا غَزا بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلائِعَ»؛ هم الْقَوْمُ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ ليَطَّلِعُوا طِلْع الْعَدُوِّ كالجَواسِيسِ، وَاحِدُهُمْ طَلِيعةٌ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، والطلائِعُ: الْجَمَاعَاتُ؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ الرَّبِيئةُ والشَّيِّفةُ والبَغِيَّةُ بِمَعْنَى الطَّلِيعةِ، كُلُّ لَفْظَةٍ مِنْهَا تَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ.

وامرأَة طُلَعةٌ: تُكْثِرُ التَّطَلُّعَ.

ويقال: امرأَة طُلَعةٌ قُبَعةٌ، تَطْلُع تَنْظُرُ سَاعَةً ثُمَّ تَخْتَبئُ.

وَقَوْلُ الزِّبْرِقانِ بْنِ بَدْرٍ: إِن أَبْغَضَ كنائِني إِليَّ الطُّلَعةُ الخُبَأَةُ أَي الَّتِي تَطْلُعُ كَثِيرًا ثُمَّ تَخْتَبِئُ.

وَنَفْسٌ طُلَعةٌ: شَهِيّةٌ مُتَطَلِّعةٌ، عَلَى الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ؛ وَحَكَى الْمُبَرِّدُ أَن الأَصمعي أَنشد فِي الإِفراد:

وَمَا تَمَنَّيْتُ مِنْ مالٍ وَلَا عُمُرٍ ***إِلَّا بِمَا سَرَّ نَفْسَ الحاسِدِ الطُّلَعَهْ

وَفِي كَلَامِ الْحَسَنِ: إِنَّ هَذِهِ النفوسَ طُلَعةٌ فاقْدَعوها بالمواعِظِ وإِلا نَزَعَتْ بكم إِلى شَرِّ غايةٍ "؛ الطُّلَعةُ، بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ: الكثيرة التطلّع إِلى الشيء أَي أَنها كَثِيرَةُ الميْل إِلى هَوَاهَا تَشْتَهِيهِ حَتَّى تُهْلِكَ صَاحِبَهَا، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَالْمَعْرُوفُ الأَوَّل.

وَرَجُلٌ طَلَّاعُ أَنْجُدٍ: غالِبٌ للأُمور؛ قَالَ:

وَقَدْ يَقْصُرُ القُلُّ الفَتَى دونَ هَمِّه، ***وَقَدْ كانَ، لَوْلَا القُلُّ، طَلَّاعَ أَنْجُدِ

وَفُلَانٌ طَلَّاعُ الثَّنايا وطَلَّاعُ أَنْجُدٍ إِذا كَانَ يَعْلُو الأُمور فيَقْهَرُها بِمَعْرِفَتِهِ وتَجارِبِه وجَوْدةِ رأْيِه، والأَنْجُد: جَمْعُ النَّجْدِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، "وَكَذَلِكَ الثَّنِيَّةُ.

وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: هَذِهِ يَمِينٌ قَدْ طَلَعَتْ فِي المَخارِمِ، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي تَجْعل لِصَاحِبِهَا مَخْرَجًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:

وَلَا خَيْرَ فِي مالٍ عَلَيْهِ أَلِيّةٌ، ***وَلَا فِي يَمِينٍ غَيْرِ ذاتِ مَخارِمِ

والمَخارِمُ: الطُّرُقُ فِي الْجِبَالِ، وَاحِدُهَا مَخْرِمٌ.

وتَطَلَّعَ الرجلَ: غَلَبَه وأَدْرَكَه؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وأَحْفَظُ جارِي أَنْ أُخالِطَ عِرسَه، ***ومَوْلايَ بالنَّكْراءِ لَا أَتَطَلَّعُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ تَطالَعْتَه إِذا طَرَقْتَه ووافَيْتَه؛ وَقَالَ:

تَطالَعُني خَيالاتٌ لِسَلْمَى، ***كَمَا يَتَطالَعُ الدَّيْنَ الغَرِيمُ

وَقَالَ: كَذَا أَنْشَدَهُ أَبو عَلِيٍّ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هُوَ يَتَطَلَّعُ لأَن تَفاعَلَ لَا يَتَعَدَّى فِي الأَكثر، فَعَلَى قَوْلِ أَبي عَلِيٍّ يَكُونُ مِثْلَ تَخاطأَتِ النَّبْلُ أَحشاءَه، ومِثْلَ تَفاوَضْنا الْحَدِيثَ وتَعاطَيْنا الكأْسَ وتَباثَثْنا الأَسْرارَ وتَناسَيْنا الأَمر وتَناشَدْنا الأَشْعار، قَالَ: وَيُقَالُ أَطْلَعَتِ الثُّرَيَّا بِمَعْنَى طَلَعَتْ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

كأَنَّ الثُّرَيَّا أَطْلَعَتْ، فِي عِشائِها، ***بوَجْهِ فَتاةِ الحَيِّ ذاتِ المَجاسِدِ

والطِّلْعُ مِنَ الأَرَضِينَ: كلُّ مطمئِنٍّ فِي كلِّ رَبْوٍ إِذا طَلَعْتَ رأَيتَ مَا فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ: أَطْلِعْني طِلْعَ أَمْرِكَ.

وطِلْعُ الأَكَمَةِ: مَا إِذا عَلَوْتَه مِنْهَا رأَيت مَا حَوْلَهَا.

وَنَخْلَةٌ مُطْلِعةٌ: مُشْرِفةٌ عَلَى مَا حَوْلَهَا طالتِ النخيلَ وَكَانَتْ أَطول مِنْ سَائِرِهَا.

والطَّلْعُ: نَوْرُ النَّخْلَةِ مَا دامَ فِي الكافُور، الْوَاحِدَةُ طَلْعةٌ.

وطَلَعَ النخلُ طُلوعًا وأَطْلَعَ وطَلَّعَ: أَخرَج طَلْعَه.

وأَطْلَعَ النخلُ الطَّلْعَ إِطْلاعًا وطَلَعَ الطَّلْعُ يَطْلُعُ طُلُوعًا، وطَلْعُه: كُفُرّاه قَبْلَ أَن يَنْشَقَّ عَنِ الغَرِيضِ، والغَرِيضُ يُسَمَّى طَلْعًا أَيضًا.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي عَنِ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ أَنه قَالَ: ثَلَاثَةٌ تُؤْكَلُ فَلَا تُسْمِنُ: وَذَلِكَ الجُمَّارُ والطَّلْعُ والكَمْأَةُ؛ أَراد بالطَّلْع الغَرِيض الَّذِي يَنْشَقُّ عَنْهُ الْكَافُورُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُرَى مِنْ عِذْقِ النَّخْلَةِ.

وأَطْلَعَ الشجرُ: أَوْرَقَ.

وأَطْلَعَ الزرعُ: بَدَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: طَلَعَ الزرعُ إِذا بدأَ يَطْلُع وظهَر نباتُه.

والطُّلَعاءُ مِثالُ الغُلَواء: القَيْءُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الطَّوْلَعُ الطُّلَعاءُ وَهُوَ القيْءُ.

وأَطْلَعَ الرجلُ إِطْلاعًا: قاءَ.

وقَوْسٌ طِلاعُ الكَفِّ: يملأُ عَجْسُها الْكَفَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيْتُ أَوس بْنِ حَجَرٍ: كَتُومٌ طِلاعُ الكفِّ ***وَهَذَا طِلاعُ هَذَا أَي قَدْرُه.

وَمَا يَسُرُّني بِهِ طِلاعُ الأَرض ذَهَبًا، وَمِنْهُ قَوْلُ

الْحَسَنِ: لأَنْ أَعْلم أَنِّي بَرِيءٌ مِنَ النِّفاقِ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ طِلاعِ الأَرض ذَهَبًا.

وَهُوَ بِطَلْعِ الوادِي وطِلْعِ الْوَادِي، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، أَي نَاحِيَتِهِ، أُجري مَجْرَى وزْنِ الْجَبَلِ.

قَالَ الأَزهري: نَظَرْتُ طَلْعَ الْوَادِي وطِلْعَ الْوَادِي، بِغَيْرِ الْبَاءِ، وَكَذَا الاطِّلاعُ النَّجاةُ، عَنْ كُرَاعٍ.

وأَطْلَعَتِ السماءُ بِمَعْنَى أَقْلَعَتْ.

والمُطَّلَعُ: المَأْتى.

وَيُقَالُ: مَا لِهَذَا الأَمر مُطَّلَعٌ وَلَا مُطْلَعٌ أَي مَا لَهُ وَجْهٌ وَلَا مَأْتًى يُؤْتى إِليه.

وَيُقَالُ: أَين مُطَّلَعُ هَذَا الأَمر أَي مَأْتاه، وَهُوَ مَوْضِعُ الاطِّلاعِ مِنْ إِشْرافٍ إِلى انْحِدارٍ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنه قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: «لَوْ أَنَّ لِي مَا فِي الأَرض جَمِيعًا لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ المُطَّلَعِ»؛ يُرِيدُ بِهِ الْمَوْقِفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَو مَا يُشْرِفُ عَلَيْهِ مِنْ أَمر الْآخِرَةِ عَقِيبَ الْمَوْتِ، فشبه بالمُطَّلَعِ الَّذِي يُشْرَفُ عَلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ عالٍ.

قَالَ الأَصمعي: وَقَدْ يَكُونُ المُطَّلَعُ المَصْعَدَ مِنْ أَسفل إِلى الْمَكَانِ الْمُشْرِفِ، قَالَ: وَهُوَ مِنَ الأَضداد.

وَفِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ: " لِكُلِّ حرْف حَدٌّ وَلِكُلِّ حدٍّ مُطَّلَعٌ "أَي لِكُلِّ حدٍّ مَصْعَدٌ يَصْعَدُ إِليه مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ.

والمُطَّلَعُ: مَكَانُ الاطِّلاعِ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ.

يُقَالُ: مُطَّلَعُ هَذَا الْجَبَلِ مِنْ مَكَانِ كَذَا أَي مأْتاه ومَصْعَدُه؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:

مَا سُدَّ مِنْ مَطْلَعٍ ضاقَت ثَنِيَّتُه، ***إِلَّا وَجَدْت سَواءَ الضِّيقِ مُطَّلَعا

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ حدٍّ مُنْتَهكًا يَنْتَهِكُه مُرْتَكِبُه أَي أَنَّ اللَّهَ لَمْ يحرِّم حُرْمةً إِلَّا عَلِمَ أَنْ سَيَطْلُعُها مُسْتَطْلِعٌ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ لِكُلِّ حدٍّ مَطْلَعٌ بِوَزْنِ مَصْعَدٍ وَمَعْنَاهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِجَرِيرٍ:

إِنِّي، إِذا مُضَرٌ عليَّ تحَدَّبَتْ، ***لاقَيْتُ مُطَّلَعَ الجبالِ وُعُورا

قَالَ اللَّيْثُ: والطِّلاعُ هُوَ الاطِّلاعُ نفسُه فِي قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ:

فكانَ طِلاعًا مِنْ خَصاصٍ ورُقْبةً، ***بأَعْيُنِ أَعْداءٍ، وطَرْفًا مُقَسَّما

قَالَ الأَزهري: وَكَانَ طِلاعًا أَي مُطالَعةً.

يُقَالُ: طالَعْتُه طِلاعًا ومُطالَعةً، قَالَ: وَهُوَ أَحسن مِنْ أَن تَجْعَلَهُ اطِّلاعًا لأَنه الْقِيَاسُ فِي الْعَرَبِيَّةِ.

وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}؛ قَالَ الفراءُ: يَبْلُغُ أَلَمُها الأَفئدة، قَالَ: والاطِّلاعُ والبُلوغُ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَتَى طَلَعْتَ أَرْضنا أَي مَتَى بَلَغْت أَرضنا، وَقَوْلُهُ تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ، تُوفي عَلَيْهَا فَتُحْرِقُها مِنِ اطَّلعت إِذا أَشرفت؛ قَالَ الأَزهري: وَقَوْلُ الْفَرَّاءِ أَحب إِليَّ، قَالَ: وإِليه ذَهَبَ الزَّجَّاجُ.

وَيُقَالُ: عَافَى اللَّهُ رَجُلًا لَمْ يَتَطَلَّعْ فِي فِيكَ أَي لَمْ يتعقَّب كَلَامَكَ.

أَبو عَمْرٍو: مِنْ أَسماء الْحَيَّةِ الطِّلْعُ والطِّلُّ.

وأَطْلَعْتُ إِليه مَعْروفًا: مِثْلُ أَزْلَلْتُ.

وَيُقَالُ: أَطْلَعَني فُلان وأَرْهَقَني وأَذْلَقَني وأَقْحَمَني أَي أَعْجَلَني.

وطُوَيْلِعٌ: مَاءٌ لَبَنِي تَمِيمٍ بالشَّاجِنةِ ناحِيةَ الصَّمَّانِ؛ قَالَ الأَزهري: طُوَيْلِعٌ رَكِيَّةٌ عادِيَّةٌ بِنَاحِيَةِ الشَّواجِنِ عَذْبةُ الماءِ قَرِيبَةُ الرِّشاءِ؛ قَالَ ضَمْرَةُ ابن ضَمْرَةَ:

وأَيَّ فَتًى وَدَّعْتُ يومَ طُوَيْلِعٍ، ***عَشِيَّةَ سَلَّمْنا عَلَيْهِ وسَلَّما

فَيا جازيَ الفِتْيانِ بالنِّعَمِ اجْزِه ***بِنُعْماه نُعْمَى، واعْفُ إِنْ كَانَ مُجْرِما

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


12-مختار الصحاح (سجد)

(سَجَدَ) خَضَعَ وَمِنْهُ (سُجُودُ) الصَّلَاةِ وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَبَابُهُ دَخَلَ وَالِاسْمُ (السِّجْدَةُ) بِكَسْرِ السِّينِ.

وَسُورَةُ (السَّجْدَةِ) بِفَتْحِ السِّينِ.

وَ (السَّجَّادَةُ) الْخُمْرَةُ.

قُلْتُ: الْخُمْرَةُ سَجَّادَةٌ صَغِيرَةٌ تُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَتُرَمَّلُ بِالْخُيُوطِ.

وَ (الْمَسْجِدُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا مَعْرُوفٌ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا كَانَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُلُ كَدَخَلَ يَدْخُلُ فَالْمَفْعَلُ مِنْهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ اسْمًا كَانَ أَوْ مَصْدَرًا تَقُولُ: دَخَلَ مَدْخَلًا وَهَذَا مَدْخَلُهُ إِلَّا أَحْرُفًا مِنَ الْأَسْمَاءِ أَلْزَمُوهَا كَسْرَ الْعَيْنِ مِنْهَا: الْمَسْجِدُ وَالْمَطْلِعُ وَالْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ وَالْمَسْقِطُ وَالْمَفْرِقُ وَالْمَجْزِرُ وَالْمَسْكِنُ وَالْمَرْفِقُ مِنْ رَفَقَ يَرْفُقُ وَالْمَنْبِتُ مِنْ نَبَتَ يَنْبُتُ وَالْمَنْسِكُ مِنْ نَسَكَ يَنْسُكُ فَجَعَلُوا الْكَسْرَ عَلَامَةً لِلِاسْمِ وَرُبَّمَا فَتَحَهُ بَعْضُ الْعَرَبِ فِي الِاسْمِ.

وَقَدْ رُوِيَ مَسْكَنٌ وَمَسْكِنٌ وَسَمِعْنَا الْمَسْجَدَ وَالْمَسْجِدَ وَالْمَطْلَعَ وَالْمَطْلِعَ وَالْفَتْحُ فِي كُلِّهِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ نَسْمَعْهُ.

وَمَا كَانَ مِنْ بَابِ فَعَلَ يَفْعِلُ كَجَلَسَ يَجْلِسُ، فَالْمَكَانُ بِالْكَسْرِ وَالْمَصْدَرُ بِالْفَتْحِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا تَقُولُ: نَزَلَ مَنْزَلًا بِفَتْحِ الزَّايِ يَعْنِي نُزُولًا وَهَذَا مَنْزِلُهُ بِالْكَسْرِ أَيْ دَارُهُ.

وَهَذَا الْبَابُ مَخْصُوصٌ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَبْوَابِ يَكُونُ الْمَكَانُ وَالْمَصْدَرُ مِنْهُ كِلَاهُمَا مَفْتُوحَ الْعَيْنِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ.

وَ (الْمَسْجَدُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ جَبْهَةُ الرَّجُلِ حِينَ يُصِيبُهُ أَثَرُ السُّجُودِ.

وَالْآرَابُ السَّبْعَةُ (مَسَاجِدُ).

مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م


13-مختار الصحاح (سقط)

(سَقَطَ) الشَّيْءُ مِنْ يَدِهِ مِنْ بَابِ دَخَلَ وَ (أَسْقَطَهُ) هُوَ.

وَالْمَسْقَطُ بِوَزْنِ الْمَقْعَدِ السُّقُوطُ.

وَهَذَا الْفِعْلُ (مَسْقَطَةٌ) لِلْإِنْسَانِ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ بِوَزْنِ الْمَتْرَبَةِ.

وَ (الْمَسْقِطُ) بِوَزْنِ الْمَجْلِسِ الْمَوْضِعُ يُقَالُ:

هَذَا مَسْقِطُ رَأْسِهِ أَيْ حَيْثُ وُلِدَ.

وَ (سَاقَطَهُ) أَيْ أَسْقَطَهُ قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ: (سَقَطَ) الْوَلَدُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَلَا يُقَالُ: وَقَعَ.

وَ (سُقِطَ) فِي يَدِهِ أَيْ نَدِمَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: 149].

قَالَ الْأَخْفَشُ: وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ سَقَطَ بِفَتْحَتَيْنِ كَأَنَّهُ أَضْمَرَ النَّدَمَ.

وَجَوَّزَ (أُسْقِطَ) فِي يَدَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَا يُقَالُ أُسْقِطَ بِالْأَلِفِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.

وَ (السَّاقِطُ) وَ (السَّاقِطَةُ) اللَّئِيمُ فِي حَسَبِهِ وَنَفْسِهِ وَقَوْمٌ (سَقْطَى) بِوَزْنِ مَرْضَى وَ (سُقَّاطٌ) مَضْمُومًا مُشَدَّدًا.

وَ (تَسَاقَطَ) عَلَى الشَّيْءِ أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَيْهِ.

وَ (السَّقْطَةُ) بِالْفَتْحِ الْعَثْرَةُ وَالزَّلَّةُ وَكَذَا (السِّقَاطُ) بِالْكَسْرِ.

وَ (سَقْطُ) الرَّمْلِ مُنْقَطِعُهُ.

وَسَقْطُ الْوَلَدِ مَا يَسْقُطُ قَبْلَ تَمَامِهِ.

وَسَقْطُ النَّارِ مَا يَسَقُطُ مِنْهَا عِنْدَ الْقَدْحِ.

وَفِي الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: كَسْرُ السِّينِ وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا.

قَالَ الْفَرَّاءُ: سَقْطُ النَّارِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.

وَ (أَسْقَطَتِ) النَّاقَةُ وَغَيْرُهَا أَيْ أَلْقَتْ وَلَدَهَا.

وَ (السَّقَطُ) بِفَتْحَتَيْنِ رَدِيءُ الْمَتَاعِ.

وَالسَّقْطُ أَيْضًا الْخَطَأُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْحِسَابِ.

يُقَالُ: (أَسْقَطَ) فِي كَلَامِهِ وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فَمَا (سَقَطَ) بِحَرْفٍ وَمَا (أَسْقَطَ) حَرْفًا عَنْ يَعْقُوبَ قَالَ: وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: دَخَلَ بِهِ وَأَدْخَلَهُ وَخَرَجَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ وَعَلَا بِهِ وَأَعْلَاهُ.

وَ (السَّقِيطُ) الثَّلْجُ وَالْجَلِيدُ.

وَ (تَسَقَّطَهُ) أَيْ طَلَبَ سَقَطَهُ.

وَ (السَّقَّاطُ) مَفْتُوحًا مُشَدَّدًا الَّذِي يَبِيعُ السَّقَطَ مِنَ الْمَتَاعِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كَانَ لَا يَمُرُّ بِسَقَّاطٍ وَلَا صَاحِبِ بِيعَةٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ» وَالْبِيعَةُ مِنَ الْبَيْعِ كَالرِّكْبَةِ وَالْجِلْسَةِ مِنَ الرُّكُوبِ وَالْجُلُوسِ.

مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م


14-صحاح العربية (سجد)

[سجد] سَجَدَ: خضع.

وقال: بِجَمْعٍ تَضِلُّ البُلْقُ في حَجَراتِهِ.

*** تَرى الاكم فيها سجد للحوافر - ومنه سُجودُ الصلاة، وهو وضع الجَبْهة على الأَرْضِ.

والاسْمُ السِجْدَةُ بالكسر.

وسورة السجدة.

أبو عمرو: أسجد الرجل: طأطأ رأسه وانحنى.

قال حميد بن ثور يصف نساء: فضول أزمتها أسجدت *** سجود النصارى لاربابها - يقول: لما ارتحلن ولوين فضول أزمة أجمالهن على معاصمهن أسجدت لهن.

وأنشد أعرابِيٌّ من بني أسد:

وَقُلْنَ له أسجد لليلى فأسجدا *** يعنى البعير، أي طأطأ لها لتركبه.

والسجادة: الخُمْرَةُ، وأَثَر السجود أيضًا في الجبهة.

والإسجادُ: إدامة النَظَر وإمراضُ الأجفانِ.

قال كثيِّر: أَغَرَّكِ مِنَّا أَنَّ ذلك عِنْدَنا *** وإِسْجادَ عَيْنَيْكِ الصيودين رابح - وأما قول الشاعر:

*** وافى بها كدراهم الاسجاد *** فهى دراهم كانت عليها صور يسجدون لها.

والمسجد والمسجد: واحد المساجد.

قال الفراء: كل ما كان على فعل يفعل مثل دخل يدخل فالمفعل منه بالفتح، اسما كان أو مصدرا، ولا يقع فيه الفرق، مثل دخل مدخلا، وهذا مدخله، إلا أحرفا من الاسماء ألزموها كسر العين.

من ذلك: المسجد، والمطلع، والمغرب، والمشرق، والمسقط، والمفرق، والمجزر، والمسكن، والمرفق من رفق يرفق، والمنبت والمنسك من نسك ينسك.

فجعلوا الكسر علامة للاسم.

وربما فتحه بعض العرب في الاسم، قد روى مسكن ومسكن، وسمعنا المسجد والمسجد، والمطلع والمطلع.

قال: والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه.

وما كان من باب فعل يفعل مثل جلس يجلس فالموضع بالكسر والمصدر بالفتح، للفرق بينهما، تقول: نزل منزلا بفتح الزاى، تريد نزل نزولا، وهذا منزله فتكسر، لانك تعنى الدار، وهو مذهب تفرد به هذا الباب من بين أخواته.

وذلك أن المواضع والمصادر في غير هذا الباب ترد كلها إلى فتح العين، ولا يقع فيها

الفروق، ولم يكسر شئ فيما سوى المذكور إلا الاحرف التى ذكرناها.

والمسجدان: مسجد مكة ومسجد المدينة.

وقال الشاعر: لكم مسجد اللهِ المَزُورانِ والحَصى *** لكم قِبْصُهُ من بين أَثْرى وأَقْتَرا - والمَسْجَدُ بالفتح: جبهةُ الرجل حيثُ يصيبه نَدَبُ السجودِ.

والآرابُ السبعةُ مساجدُ.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


15-صحاح العربية (سقط)

[سقط] سقط الشئ من يدى سُقوطًا، وأَسْقَطْتُهُ أنا.

والمَسْقَطُ، بالفتح: السُقوطُ.

وهذا الفعلُ مَسْقَطَةٌ للإنسان من أعين الناس.

والمسقط، مثال المجلس: الموضع.

يقال: هذا مَسْقِطُ رأسي، أي حيث ولدت.

وأتانا في مسقط النجمِ: حيثُ سَقَطَ.

وساقَطَهُ، أي أسقطه، وقال يصف الثور والكلاب: يساقط عنه روقه ضارياتها *** سِقاطَ حديدِ القَيْنِ أَخْوَلَ أَخْوَلا *** قال الخليل: يقال سقط الولد من بطن أمه، ولا يقال وقع.

وسُقِطَ في يده، أي ندِمَ.

ومنه قوله تعالى: {ولَمَّا سُقِطَ في أيديهم} قال الأخفش: وقرأ بعضهم: " سَقَطَ " كأنّه أضمر الندم.

وجوَّز أُسْقِطَ في يده.

وقال أبو عمرو: ولا يقال أسقط في يده بالالف على ما لم يسمَّ فاعلُه.

وأحمد بن يحيى مثله.

والساقط والساقطة: اللئيم في حسبه ونفسه.

وقوم سقطى وسقاط.

وتساقط على الشئ، أي ألقى بنفْسه عليه.

والسَقْطَةُ: العَثَرَةُ والزَلَّةُ.

وكذلك السِقاطُ.

قال سويد بن أبي كاهل: كيف يَرْجونَ سِقاطي بَعْدَ ما *** جَلَّلَ الرأسَ مشيبٌ وصَلَعْ *** والسِقاطُ في الفرس: استرخاء العَدْوِ.

وسِقاطُ الحديث: أن يتحدَّث الواحدُ وينصتَ له الآخر، فإذا سكت تحدَّث الساكتُ.

قال الفرزدق: إذا هُنَّ ساقَطْنَ الحديثَ كأنّه *** جَنى النَحْلِ أو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّفُ *** وسَقْطُ الرملِ: مُنْقَطَعُهُ.

وفيه ثلاث لغاتٍ: سِقْطٌ وسُقْطٌ وسَقْطٌ.

وكذلك سَقْطُ الولد، لما يَسْقُطُ قبل تمامه.

وسَقْطُ النارِ: ما يَسْقُطُ منها عند القدح في اللغات الثلاث.

قال الفراء: سقْطُ النار يذكر ويؤنث.

وأسقطت الناقة وغيرها، إذا ألقت ولدَها.

والسِقْطانِ من الظليم: جناحاه.

وسِقْطُ السحابِ: حيث يُرى طرفُه كأنه ساقِطٌ على الأرض في ناحيةِ الأفق، وكذلك سِقْطُ الخِباءِ.

وسِقْطا جناحِ الطائر: ما يُجَرُّ منهما على الارض.

وأما قول الشاعر: حَتى إذا ما أضاء الصبح وانبعثت *** عنه نَعامَةُ ذي سِقْطَيْنِ مُعتكِرُ *** فإنّه عنَى بالنعامة سوادَ الليل.

وسِقْطاهُ: أوّله وآخره، وهو على الاستعارة.

يقول: إنَّ الليل ذا السِقْطَيْنِ مضى وصَدَقَ الصبحُ.

والسَقَطُ: ردئ الطعام.

والسقط: الخطأ في الكتابة والحساب.

يقال: أَسْقَطَ في كلامه.

وتكلَّم بكلام فما سَقَطَ بحرف وما أسقط حرفا، عن يعقوب.

قال: وهو كما تقول: دخلت به وأدخلته، وخرجت به وأخرجته، وعلوت به وأعليته.

والسقيط: الثلج.

قال الراجز: وليلة يامى ذات طل *** ذات سقيط وندى مخضل *** طعم السرى فيها كطعم الخل *** والمرأة السَقيطَةُ: الدَنِيَّةُ.

وتَسَقَّطَهُ، أي طلب سَقَطَهُ.

قال الشاعر: ولقد تسقَطني الوشاةُ فصادفُوا *** حَصِرًا بِسِرِّكِ يا أميم ضنينا

والسقاط: السيف يسقط من وراء الضريبة يقطعها حتى يجوزَ إلى الأرض.

قال الشاعر:

يُتِرُّ العَظْمَ سَقَّاطٌ سُراطي *** والسَقَّاطُ أيضًا: الذي يبيع السَقَطَ من المتاع.

وفى الحديث: " كان لا يمر بسقاط ولا صاحب بيعة إلا سلم عليه ".

والبيعة من البيع، كالركبة والجلسة من الركوب والجلوس.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


16-منتخب الصحاح (سقط)

سَقَطَ الشيءُ من يدي سُقوطًا، وأَسْقَطْتُهُ أنا.

والمَسْقَطُ، بالفتح: السُقوطُ.

وهذا الفعلُ مَسْقَطَةٌ للإنسان من أعين الناس.

والمَسْقِطُ: الموضعُ.

يقال: هذا مَسْقِطُ رأسي، أي حيُ وُلِدْتُ.

وأتانا في مَسْقِطِ النجمِ: حيثُ سَقَطَ.

وساقَطَهُ، أي أَسْقَطَهُ.

قال الخليل: يقال سَقَطَ الولد من بطن أمه.

ولا يقال وقع.

وسُقِطَ في يده، أي ندِمَ.

ومنه قوله تعالى: ولَمَّا سُقِطَ في أيديهم قال الأخفش: وقرأ بعضهم: سَقَطَ كأنّه أضمر الندم.

وجوَّز أُسْقِطَ في يده.

والساقِطُ والساقِطَةُ: اللئيمُ في حسبه ونفسه.

وقومٌ سَقْطى وسُقَّاطٌ.

وتَساقَطَ على الشيء، أي ألقَى بنفْسه عليه.

والسَقْطَةُ: العَثَرَةُ والزَلَّةُ.

وكذلك السِقاطُ.

قال سويد بن أبي كاهل:

كيف يَرْجونَ سِقاطي بَعْدَ ما *** جَلَّلَ الرأسَ مشيبٌ وصَلَعْ

والسِقاطُ في الفرس: استرخاء العَدْوِ.

وسِقاطُ الحديث: أن يتحدَّث الواحدُ وينصتَ له الآخر، فإذا سكت تحدَّث الساكتُ.

قال الفرزدق:

إذا هُنَّ ساقَطْنَ الحديثَ كأنّه *** جَنى النَحْلِ أو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّفُ

وسَقْطُ الرملِ: مُنْقَطَعُهُ.

وفيه ثلاث لغاتٍ: سِقْطٌ وسُقْطٌ وسَقْطٌ.

وكذلك سَقْطُ الولد، لما يَسْقُطُ قبل تمامه.

وسَقْطُ النارِ: ما يَسْقُطُ منها عند القدح في اللغات الثلاث.

قال الفراء: سقْطُ النارِ يذكَّر ويؤنث.

أَسْقَطَتِ الناقةُ وغيرها، إذا ألقت ولدَها.

والسِقْطانِ من الظليم: جناحاه.

وسِقْطُ السحابِ: حيث يُرى طرفُه كأنه ساقِطٌ على الأرض في ناحيةِ الأفق، وكذلك سِقْطُ الخِباءِ.

وسِقْطا جناحِ الطائر: ما يُجَرُّ منهما على الأرض.

وأمَّا قول الشاعر:

حتَّى إذا ما أضاء الصبحُ وانبعثتْ *** عنه نَعامَةُ ذي سِقْطَيْنِ مُعتكِرُ

فإنّه عنَى بالنعامة سوادَ الليل.

وسِقْطاهُ: أوّله وآخره، وهو على الاستعارة.

يقول: إنَّ الليل ذا السِقْطَيْنِ مضى وصَدَقَ الصبحُ.

والسَقَطُ: رديءُ الطعام.

والسَقَطُ: الخطأُ في الكتابة والحساب.

يقال: أَسْقَطَ في كلامه.

وتكلَّم بكلام فما سَقَطَ بحرفٍ وما أَسْقَطَ حرفًا.

والمرأةُ السَقيطَةُ: الدَنِيَّةُ.

وتَسَقَّطَهُ، أي طلب سَقَطَهُ.

قال الشاعر:

ولقد تسقَطني الوشاةُ فصادفُوا *** حَصِرًا بِسِرِّكِ يا أُمَيْمَ ضنِينا

والسَقَّاطُ: السيفُ يسقط من وراء الضَريبة يقطعُها حتّضى يجوزَ إلى الأرض.

قال الشاعر:

يُتِرُّ العَظْمَ سَقَّاطٌ سُراطي

والسَقَّاطُ أيضًا: الذي يبيع السَقَطَ من المتاع.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


17-تهذيب اللغة (طلع)

طلع: يقال: طلعَت الشمسُ تطلُع طُلُوعًا ومَطْلعًا فهي طالِعَة.

وكذلك طلع الفجر والنجم والقمر.

والمطلِع: الموضع الذي تطلع عليه الشمس وهو قوله تعالى: {حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ} [الكهف: 90].

وأمَّا قول الله جلّ وعزّ: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] فإن الكسائي قرأها {هي حتى مَطْلِعِ الفجر}

بكسر اللام.

وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو بكسر اللام.

وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر واليزيديّ عن أبي عمرو وعاصم وحمزة {هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} بفتح اللام.

وقال الفرّاء: أكثر القرّاء على {مَطْلَعِ}.

قال: وهو أقوى في قياس العربية؛ لأن المطلَع بالفتح هو الطلوع، والمطلِع بالكسر هو الموضع الذي يُطْلَع منه، إلا أن العرب تقول: طلعت الشمس مطلِعًا فيكسرون وهم يريدون المصدر.

وقال: إذا كان الحرف من باب فَعَلَ يَفْعُل ـ مثل دَخَلَ يدخُل وخَرَجَ وما أشبههما ـ آثرت العرب في الاسم منه والمصدر فتح العين إلا أحرفًا من الأسماء ألزموها كسر العين في مفعِل.

من ذلك المسجِد والمطلِع والمغرِب والمشرِق والمَسْقِط والمفرِق والمَجْزِرُ والمسكِنُ والمرفِقُ والمنسِك والمنبِتُ فجعلوا الكسر علامة للاسم، والفتح علامة للمصدر.

قلت أنا: والعرب تضع الأسماء مواضع المصادر، ولذلك قرأ من قرأ {هي حتى مَطْلِعِ الفجر} لأنه ذهب بالمطلِع ـ وإن كان اسمًا ـ إلى الطلوع مثل المطلَع.

وهذا قول الكسائي والفرّاء.

وقال بعض البصريين: من قرأ {مَطْلِعِ الفجر} بكسر اللام فهو اسم لوقت الطلوع.

قال ذلك الزجّاج.

وأحسبه قول الخليل أو قول سيبويه.

وقال الليث: يقال طلع فلان علينا من بعيد.

قال: وطَلْعته: رؤيته.

يقال حيّا الله طَلْعَتَك.

قال: واطَّلَعَ فلان إذا أشرف على شيء، وأطلع غيره.

وقول الله جلّ وعزّ: {قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ} [الصافات: 54، 55] القرّاء كلهم على هذه القراءة، إلا ما رواه حسين الجُعْفِيّ عن أبي عمرو أنه قرأ {هل أنتم مُطْلِعونِ} ساكنة الطاء مكسورة النون ـ فأُطلِعَ بضم الألف وكسر اللام على فأُفْعِلْ قلت: وكسر النون في {مُطْلِعُونِ} شاذ عند النحويّين أجمعين، ووجهه ضعيف.

ووجه الكلام على هذا المعنى: هل أنتم مُطْلِعيَ وهل أنتم مُطْلِعُوه بلا نون؛ كقولك: هل أنتم آمِروه وآمِريّ.

وأما قول الشاعر:

هم القائلون الخير والآمِرُونَهُ *** إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعظَمَا

فوجه الكلام: والآمرون به.

وهذا من شواذّ اللغات.

والقراءة الجيّدة الفصيحة {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ} [الصافات: 54، 55].

ومعناها: هل تحبون أن تتطلَّعوا فتَعْلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار فاطَّلع المسلم فرأى قَرِينَه {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} أي في وسط الجحيم.

وإن قرأ قارىء: {هل أنتم مُطْلِعونَ} بفتح النون فأطْلَع فهي جائزة في العربيّة، وهي بمعنى هل أنتم طَالِعُون ومطّلعُون.

يقال: طَلَعْتُ عليهم واطّلعت عليهم بمعنًى واحدٍ.

وقال ابن السكيت: يقال: نخلة مُطْلِعَة إذا طالت النخلةَ التي بحذائها فكانت أطول منها.

وقد أطْلَعْتُ من فوق الجبل واطّلَعْتُ بمعنًى واحد.

وقال أبو زيد: يقال أطْلَعَ النخلُ الطَّلْع إطْلَاعًا، وطَلَعَ الطَّلْع يَطْلُع طلوعًا، وطَلَعْتُ على أمرهم أطلُع طُلُوعًا، واطّلعتُ عليهم اطّلاعًا وطَلَعْتُ في الجبل أطلُعُ طلوعًا إذا أدبرت فيه حتى لا يراك

صاحبك وطلَعتُ على صاحبي طلوعًا إذا أقبلت عليه.

أبو عبيد في باب الحروف التي فيها اختلاف اللغات والمعاني: طلِعْت الجبل أطلَعُه، وطَلَعت على القوم أطْلُع.

قال: وقال أبو عبيدة فيهما جميعًا: طَلَعت أطْلُع وأقرأني الإيَاديّ عن شمر لأبي عبيد عن أبي زيد في باب الأضداد: طَلَعت على القوم أطْلُع طُلُوعًا إذا غِبت عنهم حتى لا يَرَوك، وطَلَعت عليهم إذا أقبلت إليهم حتى يروك.

قلت: وهكذا رَوَى الحرّاني عن ابن السكيت: طَلَعت عليهم إذا غِبْت عنهم، وهو صحيح جُعِل عَلَى فيه بمعنى عن كما قال الله جلَّ وعزّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: 1، 2] معناه إذا اكتالوا عن الناس ومن الناس، كذلك قال أهل اللغة أجمعون.

وأخبرني المنذري عن أبي الحسن الصَيْدَاوِيّ عن الرياشيّ عن الأصمعي قال: الطِّلْعُ: كل مطمئن من الأرض ذاتِ الربْوة إذا أطْلَعْتَه رأيت ما فيه.

ومن ثمّ يقال أطْلِعْنِي طِلْعَ أمرك.

ويقال: أطلَع الرجل إطلاعًا إذا قاء.

وقال الليث: طليعة القوم: الذين يبعثون ليطّلعوا طِلْع العدوّ.

ويسمّى الرجل الواحد طليعة والجميع طليعة والطلائع الجماعات.

قلت: وكذلك الرَبِيئة والشِّيفة والبَغِيَّة بمعنى الطليعة، كل لفظة منها تصلح للواحد والجماعة.

ورُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال عند موته: لو أنَّ لي ما في الأرض جميعًا لافتديت به من هَوْل المُطّلَع.

قال أبو عبيد قال الأصمعي: المُطَّلَع هو موضع الاطّلاع من إشرافٍ إلى الانحدار، فشبّه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك.

قال: وقد يكون المُطَّلَع المَصْعَد من أسفل إلى المكان المُشْرِف.

قال: وهذا من الأضداد.

ومنه حديث عبد الله بن مسعود في ذكر القرآن: «لكل حرف حَدّ ولكل حَدّ مُطَّلَع» معناه: لكل حَد مَصْعَدٌ يُصْعد إليه، يعني: من معرفة علمه.

ومنه قول جرير:

إني إذا مُضَرٌ عَلَي تحدَّبتْ *** لاقيتُ مُطَّلَعَ الجبال وُعُورا

ويقال: مُطَّلَعُ هذا الجبل من كذا وكذا أي مَصْعَده ومأتاه.

وقد رُوي في حديث عمر هذا أنه قال: لو أن لي طِلَاعَ الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المُطَّلَع.

قال أبوعبيد: وطِلَاع الأرض: مِلْؤها حتى يطالع أعلى الأرض فيساويه، ومنه قول أوس بن حَجَر يصف قوسًا وأن مَعْجِسها يملأ الكفّ فقال:

كَتُومٌ طِلَاع الكفّ لا دون مِلئها *** ولا عَجْسُهَا عن موضع الكفّ أفْضَلَا

وقال الليث: طِلَاع الأرض في قول عمر: ما طلعَتْ عليه الشمس من الأرض.

والقول ما قاله أبو عبيد.

وقال الليث: والطلاع هو الاطّلاع نفسه في قول حُمَيد بن ثور:

وكان طِلَاعًا من خَصاصٍ ورِقْبَةً *** بأعين أعداء وطَرْفًا مُقَسَّمَا

قلت: قوله: وكان طِلَاعًا أي مُطالعة يقال طالعته مطالعة وطِلَاعًا.

وهو أحسن من أن تجعله اطِّلَاعًا؛ لأنه القياس في العربية.

وقال الليث: يقال: إن نفسك لطُلَعَةٌ إلى هذا الأمر، وإنها لَتَطَّلِعُ إليه أي لِتُنَازِع إليه.

وامرأة طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ: تنظر ساعة ثم تختبىء ساعة.

وقول الله جلّ وعزّ: {نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 6، 7] قال الفرّاء: يقول يبلغ ألَمُها الأفئدة.

قال والاطِّلَاع والبلوغ قد يكونان بمعنًى واحد.

والعرب تقول متى طَلَعْتَ أرضنا أي متى بلغْتَ أرضنا.

وقال غيره: {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} توفِي عليها فتحرقها، من اطّلعت إذا أشرفت.

قلت: وقول الفرّاء أحَبّ إليّ وإليه ذهب الزجّاج.

ويقال: طَلَعْتُ الجبل إذا عَلَوته أطْلُعُهُ طُلُوعًا وفلان طَلَّاع الثَنَايا وطَلَّاع أنْجُد إذا كان يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه وجَوْدة رأيه والأنجد جمع النَجْد وهو الطريق في الجبل، وكذلك الثَنِيَّة.

ومن أمثال العرب: هذه يمين قد طَلَعَتْ في المخارم وهي اليمين التي تجعل لصاحبها مَخْرَجًا.

ومن هذا قول جرير:

ولا خير في مال عليه ألِيَّة *** ولا في يمين غيرِ ذات مخارِمِ

والمخارِم: الطرق في الجبال أيضًا، واحدها مَخْرِمٌ.

والطالِعُ من السهام: الذي يقع وراء الهَدَف، ويُعْدَلُ بالمُقَرْطِس.

وقال المرّار:

لها أسهمٌ لا قاصراتٌ عن الحَشَى

ولا شاخصاتٌ عن فؤادي طوالِعُ

أخبَر أن سهامها تصيب فؤاده وليست بالتي تَقْصُر دونه أو تجاوزه فتخطئه.

وقال ابن الأعرابي: رُوي عن بعض الملوك أنه كان يسجد للطالع معناه: أنه كان يخفض رأسه إذا شخص سَهْمُه فارتفع عن الرَمِيَّة، فكان يطأطىء رأسه ليتقوّم السهمُ فيصيب الدارة.

ويقال اطَّلَعْتُ الفجرَ اطّلاعًا أي نظرت إليه حين طلع.

وقال:

نسيمُ الصَبَا من حيث يُطّلَعُ الفجرُ

وحكى أبو زيد: عافى الله رَجُلًا لم يتطّلع في فيك، أي لم يتعقب كلامك.

ويقال: فلان بِطِلْعِ الوادي، وفلان طِلْعَ الوادي، بغير الباء.

قال: واستطلَعْتُ رأي فلان إذا نظرت ما رأيه.

وطَلَعَ الزرع إذا بدا يَطلع إذا ظهر نباته.

وأطْلَعَتِ النخلةُ إذا أخرجت طَلْعَهَا.

وطَلْعُهَا: كُفُرَّاها قبل أن تنشقّ عن الغَرِيض.

والغَريض يسمّى طَلْعًا أيضًا.

وحكى ابن الأعرابي عن المفضّل الضّبيّ أنه قال: ثلاثة تؤكل ولا تُسَمِّن، فذكر الجُمَّار والطَّلْع والكَمْأة، أراد بالطَّلْع: الغَرِيض الذي ينشَقّ عنه كافوره، وهو أول ما يُرَى من عِذْق النخلة.

الواحدة: طَلْعَة.

وقال ابن الأعرابي: الطَّوْلَعُ الطُّلَعَاء وهو القيء.

عمرو عن أبيه: من أسماء الحيّة الطِّلْع والطِلّ.

وأخبرني بعض مشايخ أهل الأدب عن بعضهم أنه قال: يقال أطْلَعْت إليه معروفًا مثل أزْلَلْتُ.

وقال شمر: يقال ما لهذا الأمر مُطَّلَعٌ ولا

مَطْلَع أي ما له وجه ولا مَأْتًى يُؤْتَى منه.

ويقال مَطْلَع هذا الجبل من مكان كذا أي مَصْعَدة ومأتاه.

وأنشد أبو زيد:

ما سُدَّ من مَطْلَع ضاقت ثنِيّته *** إلّا وَجَدتُ سواء الضِّيق مُطَّلَعا

ويقال أطلعَني فلان وأرهقني وأذْلقني وأقحمني أي أعجلني.

وطُوَيْلع: رَكِيّة عادِيّة بناحية الشواجن عَذْبة الماء قريبة الرِشاء وطَلَّعْتُ كيله أي ملأته جِدًّا حتى تَطَلَّع أي فاض قال:

كنت أراها وهي توقى محلبًا *** حتى إذا ما كيلها تَطَلَّعَا

وقَدَح طِلاع: ممتلىء.

وعين طِلَاعة: ممتلئة.

قال:

أمَرُّوا أمرهم لِنَوًى شَطُونٍ *** فنفسي من ورائهم شَعَاعُ

وعيني يوم بانوا واستمرُّوا *** لنِيَّتهم وما رَبَعُوا طِلَاعُ

وطَلَعْتُ الجَبَل: علوته.

وأطْلَعْتُ منه: انحدرت نحو فَرَعتُ الجبل عَلوته وأفرعتُ انحدرتُ ومَرَّ مُطَّلِعًا لذلك الأمر أي غالبًا له ومالكًا.

وهو على مَطْلع الأكمة أي ظاهر بَيِّنٌ.

وهذا مَثَل يضرب للشيء في التقريب.

يقال: الشرّ يُلقَى مَطَالِع الأكم، أي ظاهر بارز.

قال ابن هَرْمة:

صادتك يوم المَلَا من مَصْغَرٍ عَرَضًا *** وقد تُلَاقِي المنايا مَطلِعَ الأكمِ

وطَلْعُ الشمس: طُلُوعُهَا.

قال:

باكر عَوفًا قبل طَلْعِ الشمس

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


18-معجم العين (سقط)

سقط: السَّقط والسِّقط، لغتان: الولد المُسقَطٌ، الذكر والأنثى فيه سواء.

والسِّقطٌ: ما سَقطَ من النار، قال:

وسقط كعين الديك عاورت صحبتي *** أباها وهيأنا لموقعها وكرا

وسَقطُ البيت نحو الإبرة والفأس والقدر، ويجمع على أسقاطِ.

والسَِّقَطُ من البيع نحو السكر والتوابل، وبياعه سَقّاطٌ.

وقال بعضهم: بل يقال: صاحب سَقَطٍ.

والسًّقَطُ: الخطأ في الكتابة والحسابة.

والسقط من الأشياء: ما تسقطه فلا تعتد به.

والسَّقَطُ من الجند والقوم ونحوهم.

والسّاقِطةُ: اللئيم في حسبه ونفسه، وهو السّاقِطُ أيضًا، قال:

نحن الصميم وهم السًّواقِطُ

ويقال للمرأة الدنيئة الحمقاء: سَقيطةُ.

والسُّقاطاتُ: ما لا يعتد به تهاونًا من رذالة الثياب والطعام ونحوه.

ويقال: سَقَطَ الولد من بطن أمه، ولا يقال: وقع، هذا حين يولد.

وهو يحن إلى مَسْقطِهِ أي إلى حيث ولد.

والمَسقِطُ مَسقِطُ الرمل، وهو حيث ينتهي إليه طرفه، وسَقْطُه أيضًا.

وسِقْطُ السحاب: طرف منه كأنه ساقِطٌ في الأرض من ناحية الأفق، وكذلك سِقْطُ الخباء، وسِقْط جناحي الظليم ونحوه إذا رأيتهما ينحوان على الأرض، قال:

عنس مذكرة كأن عفاءها *** سِقْطانِ من كفي ظليمٍ جافل

والسِّقاطُ في الفرس: ألا يزال منكوبًا، وكذلك إذا جاء مسترخي المشي، والعدو، ويقال: يُساقِط العدو سِقاطًا.

وإذا لم يلحق الإنسان ملحق الكرام يقال: قد تَساقط، قال سويد بن أبي كاهل:

كيف يرجونَ سقاطي بعد ما *** لفع الرأس مشيب وصلع

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com