نتائج البحث عن (وَسُقُوطِهَا)
1-معارف منوعة (عثمان الأول أو عثمان بن أرطغل)
عثمان الأول أو عثمان بن أرطغل: 1258م ـ 1326 م مؤسس الدولة العثمانية أول سلاطينها ولد سنة غزو المغول لبغداد وسقوطهامعارف منوعة
2-القاموس المحيط (الجذم)
الجِذْمُ، بالكسر: الأَصْلُ، ويُفْتَحُج: أجْذامٌ وجُذومٌ، وبالتحريكِ: أرضٌ بِبلادِ فَهْمٍ. وككتِفٍ: السريعُ.
وجَذَمَهُ يَجْذِمُهُ وجَذَّمَهُ فانْجَذَمَ وتَجَذَّمَ: قَطَعَهُ.
والجِذْمَةُ، بالكسر: القِطْعَةُ من الشيءِ يُقْطَعُ طَرَفُه ويَبْقَى أصْلُه، والسَّوْطُ، وبالتحريكِ: الشَّحْمُ الأَعْلَى في النَّخْلِ، وهو أجْودُه،
ورجُلٌ مِجْذامٌ ومِجْذامةٌ: قاطِعٌ للْأُمورِ فَيْصَلٌ.
والأجْذَمُ: المَقْطوعُ اليَدِ، أو الذاهِبُ الأَنامِلِ،
جَذِمَتْ يَدُه، كفرِحَ،
وجَذَمْتُها وأجْذَمْتُها.
والجَذْمَةُ، ويُحَرَّكُ: مَوْضِعُ القَطْعِ منها، وبالضم: اسمٌ للنَقْصِ من الأَجْذَمِ.
وأجْذَمَ السَّيْرَ: أسْرَعَ فيه،
وـ الفَرَسُ: اشْتَدَّ عَدْوُهُ،
وـ عن الشيءِ: أقْلَعَ،
وـ عليه: عَزَمَ.
والجُذامُ، كغُرابٍ: عِلَّةٌ تَحْدُثُ من انْتِشارِ السَّوْداءِ في البَدَنِ كلِّه، فَيَفْسُدُ مِزاجُ الأَعْضاءِ وهَيْأتُها، ورُبَّما انتهى إلى تَأَكُّلِ الأعْضاءِ وسُقوطِها عن تَقَرُّحٍ.
جُذِم، كعُنِيَ،
فهو مَجْذومٌ ومُجَذَّمٌ وأجْذَمُ، ووَهِمَ الجوهريُّ في مَنْعِه.
وجُذامُ، كغُرابٍ: قبيلةٌ بجِبالِ حِسْمَى من مَعَدٍّ. وكسفينةٍ: قبيلةٌ من عبدِ القَيْسِ،
النِسْبَةُ: جَذَمِيٌّ، محرَّكةً، وقد تُضَمُّ جيمُه.
ورجُلٌ مِجْذامَةٌ: سريعُ القَطْعِ للمَوَدَّةِ.
وجَذِيمَةُ الأَبْرَشُ: وهو ابنُ مالِكِ بنِ فَهمٍ مَلِكُ الحِيرَةِ، وهو صاحبُ الزَّبَّاءِ.
والجُذمانُ، بالضم: الذَّكَرُ، أو أصْلُه.
والجَذْماءُ: امرأةٌ كانتْ ضَرَّةً للبَرْشاءِ،
فَرَمَتِ الجَذْماءُ البَرْشاءَ بنارٍ فأحْرَقَتْها، فَسُمِّيَتِ البَرْشاءَ،
ثم وثَبَتِ البَرْشاءُ فَقَطَعَتْ يدَها، فَسُمِّيَتِ الجَذْماءَ. والكَرَوَّسُ بنُ الأَجْذَمِ: شاعِرٌ.
والمِجذامُ: فَرَسٌ لرجلٍ من بَنيِ يَرْبوعٍ.
وشِعْبُ المُجَذَّمينَ: بمكةَ، شَرَّفَها الله تعالى.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
3-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (نجم)
(نجم) - في الحديث: "مَا طَلَع النَّجمُ وفي الأرْضِ من العَاهَةِ شىءٌ"وفي رِوَايةٍ: "إذا طلعَ النَّجْمُ ارتَفَعَت العاهَةُ عن كُلّ بِلَدٍ".
النُّجُومُ: اسْمُ جَميع الكَوَاكب، الوَاحِدُ نَجمٌ، إلّا أنَّ الثُّريّا خُصَّت، فَسُمِّيَت النَّجْم في هذا الحديث، ولم يُقَل ذلك لِغَيرهَا، وطُلُوع الثُريَّا وَقت الصُّبْح لِسِتَّةَ عَشرَ من أيَّار، وسقوطها فجر خمسَةَ عشَرَ مِن تشرِين الآخر.
قال الحَربِيُّ: وإنما أراد أرضَ الحجاز؛ لأنّ في أيَّارَ يَقَع الحَصَادُ بِها، فأَمَّا في غَيْر الحِجَازِ فَقَدْ تَقَعُ العَاهَةُ بعد طلُوع الثُّريَّا.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
4-المعجم الاشتقاقي المؤصل (سنن سنسن)
(سنن - سنسن): {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43]سِنان الرمح: حديدته، وسِنّ الإنسان والحيوان معروفة، وسِنّ المنجل: شُعْبة تَحْزيزه، وسِنّ القلم: موضع البَرى منه، وسِنّة المحراث والفأس. السِنُّ والسِنْسِنُ والسِنسنة: حرفُ فِقْرة الظَهْر بالكسر فيهن.
° المعنى المحوري
نفاذ الشيء الدقيق بامتداد لتهيئته وتسويته لذلك (1): كسِنّ الرمح تنفذ في المطعون به على امتدادها بلا انثناء قوية حادة، وكسن الحيوان (كلاهما يخرق) {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] ومنه "سنَّ السكين
ونحوها: أحدّها وصقلها " (هيأها لتنفذ) وسنّ الإبل: أحسن رِعْيتها والقيام عليها حتى كأنه صقلها " (فتنفذ أي تروج وتصلح في أغراضها من بيع أو نحر إلخ).
ومن حسّيّ التسوية على هيئة السنّ: "سننت التراب: صببته على وجه الأرض صبًّا سهلًا حتي صار كالمُسَنّاة " (المسناة: السدّ لماء النهر والسيل وهو يكون مستطيلًا بعرض النهر، وتَكَوُّنه صبًّا يجعل أعلاه مسنّمًا). و "السَنَن - كحَسَن، والمُسَنْسَن: الطريق المسلوك "وكذلك: "السُنَّة - بالضم: الطريق "وسنَّ الطريق: سَلَكه (كل منها ممتد دقيق هُيّئ بالسلوك فيه ليُنْفَذَ به إلى موضع ما).
ومن صور الامتداد: "استن دمُ الطعنة: إذا جاءت دَفْعة منه " (يمتد خارجًا من البدن مثل شُخْب اللبن) ومن ذلك: "سنّ الماءَ على وجهه: أرسله إرسالًا من غير تفريق/ صبّه متجمعًا ". (أي ممتدًّا متجمعا لا متفرقا منتشرا).
و"اسْتنّ الفرس: عدا لمرحه ونشاطه " (العدْو امتداد بحدّة).
ومن النفاذ بامتداد قولهم "الحَمْضُ (: المرعى المالح) يَسُنُّ على الخُلّة (: المرعى الحلو) أي يقوي الراعية " (فتُقْبِل على رَعْى الخُلّة وتستمر فيها).
ومن المعنوى "السُنّة: الطريق {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الإسراء: 77] فالسُنة أمر أو تَصَرُّف يُهَيَّأ أو يُقْصَد به (أو يصْلُح) للاستمرار عليه والعمل به وهذا امتداد ونفاذ.
ومن اسم العين (إصابةً): "سنَّه (رد): طَعَنه بسِنَان الرمح، وعَضّه بأسنانه ", (وإصحابًا): "أَسَنَّ: نبت سِنّه ". ومن هنا قالوا: "أَسَنَّ: كَبِر " (بالتجاوز عن القيد المفهوم من الأول أي نبت لأول مرة، أو بتقدير صفة في التفسير أي صار ذا
أسنان كبيرة. ثم اتخذوا الأسنان للاستدلال بها على العمر بنباتها وعددها وسقوطها. [ينظر: ل].
أما "السُنَّة - بالضم: الوجه "، فهو من التهيئة والتسوية مع النفاذ، فالمقصود به أصلًا هو مقدَّمُه بنتوءاته الأنف والجبهة وأعلى الخدين مع صقالته أي خلو ذلك من الشعر، قالوا "السُنَّة: ما أقبل عليك من الوجه "و "رجل مسنون الوجه: إذا كان في أنفه ووجهه طول "، و "السُنّة ": الوجه لصقالته وملاسته "كأنه قد سُنّ عنه اللحم "وتتمثل تسويته وتهيئته في كونه على شكل معين يُعرف به بين الناس ويتعامل به بينهم وهذا نفاذ. "والمسنون: المصقول المملّس كالمرمر المسنون ". وقولهم: "سَنَنْت الشيء: صوّرته، والمسنون: المصوَّر، والسُنّةُ - بالضم: الصورة، والوجه، وكذلك سَنَّ الطين: اتخذ منه فَخَّارًا "أي صوّره إناءً فخاريا فكل ذلك من التهيئة والتسوية على هيئة ذات نتوءات خاصة يتميز بها الشيء بين غيره ويُعْرَف. ومعرفة الشيء قبول له، كما حَمَل (المعروف) ضد (المنكر) معنى القبول. والمعرفة والقبول نفاذ إلى النفس. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] فُسِّر المسنون في [قر 1/ 21] بالمتغير، وبالمنتن المتغير، وفسِّر كذلك بالمَصْبُوب، وبالمُصَوّر، وبالمُنْصَبّ، وبالمُطَوَّل. وأقربهن إلى معنى التركيب هو المصوّر. وهو يكون قبل الجفاف والصلصلة. وقد يتأتى تفسيره بالمتغير (المنتن) أخذًا من الامتداد في الأصل، لأن الحمأ يُنتن إذا طال زمن بقائه في قاع البئر. وهذا مرجوح لأن العبرة في التصوير أقوى. ثم إنه لا ضرورة لأن يكون أصل الإنسان منتنًا.
وليس في القرآن من مفردات التركيب إلا (السِنّ) و (سُنَّة) وجمعها (سنن)
و (مسنون) وهن متميزات، وقد ذكرناهن.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
5-المعجم الاشتقاقي المؤصل (نفي)
(نفي): {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33]نَفِي الريح - كغَنِيّ: ما نُفِيَ من التراب من أصول الحِيطان، ونَفِيّ القِدْر: ما جَفَأَتْ به القِدْر. ونَفِيُّ المطر، ما يَنْفِيه وَيرُشه، وكذلك ما تطاير من الرِضَاء على ظَهْر المائِح (الذي في البئر يملأ الدلو ويناوله للماتح الذي في أعلاها). نَفَت الريحُ التراب: أطارته، والسحابةُ الماءَ: مَجَّتْه، والسيلُ يَنْفِي الغُثاء: يَحْمِله ويدفعه. ونَفَي الشَعَرُ وانتَفَى (قاصر): تساقط.
° المعنى المحوري
إبعاد (الدِقاق) من الحيز بدفع وقوة أو ابتعادها وسقوطها كذلك -كما تنفى الريحُ تراب الحائط، وكرشاش المطر، وعاء السيل، ومتساقط الشعر يتسيب من منبته ويبتعد. ومن ذلك: "نَفَيتُ الرجل ونَفَوْته: طردته وأبعدته عن البلد "كما في {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}.
ومن معنويه: "نفي ابنه: جَحده، وانتفى من ولده: نفاه عن أن يكون له ولدًا، ومِنْ فلان: رَغِبَ عنه أَنَفا واستنكافا ". (إبعاد وتباعد).
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
6-المعجم المفصل في النحو العربي (أل التعريف)
أل التّعريفاصطلاحا: هي أداة التّعريف التي تعتبر وسيلة من وسائل التّعيين والتي إذا دخلت على النّكرة التي تقبل التّعريف جعلتها معرفة.
وإذا كانت «أل» مستقلّة بنفسها كانت همزتها همزة قطع، فيجب إظهارها نطقا وكتابة، لأنها تكون علما على هذا اللّفظ. وهمزة العلم هي همزة قطع بشرط أن تكون جزءا ملازما له، مثل: «الرجل حاضر» علم على إنسان. واختلفت الآراء حول هذه الأداة. أهي كلها أداة للتعريف؟ أم هي اللّام وحدها؟ أم هي الهمزة وحدها؟ لكنّ الخليل وسيبويه اعتبرا أنّ «أل» كلّها أداة للتّعريف.
مذاهب النّحاة: لقد اختلف النّحاة حول «أل» التي هي أداة التّعريف ونجم عن اختلافهم ثلاثة مذاهب:
1 ـ يقول المذهب الأول إن «اللّام» وحدها هي أداة التّعريف، وإن الهمزة التي تسبق «اللّام» زائدة وأتي بها توصلا للنّطق بالسّاكن، فلماذا إذن لم تتحرّك «اللّام»؟ وما ذا تكون حركتها؟ فلو حرّكت بالكسر لوقع الالتباس بينها وبين لام الجرّ، ولو حرّكت بالفتح لوقع الالتباس بينها وبين لام الابتداء، وإذا تحرّكت بالضم لوقعت في ما لا نظير له في العربيّة. وصاحب هذا المذهب هو سيبويه وحجته في ذلك يفسرها في ثلاثة أمور:
الأول: هو ضعف الهمزة بالنّسبة للّام، وسقوطها أحيانا لفظا في سياق الكلام، والثّاني: أن أداة التّعريف المعتمدة في اللّغات العاميّة هي «اللام» فقط التي تكون على صور مختلفة وهي ساكنة ومبدوء بها في سوريا، لبنان، فلسطين، مصر، العراق، وهي متحرّكة في بلاد أخرى، والثالث: أن اللهجات البدويّة التي هي أقرب اللهجات إلى الفصحى تعتبر «اللّام» السّاكنة أداة التعريف، فينطق البدو كلمة الجبل: لجبل وكلمة الإبل: لبل؛ وكلمة، الباب: لباب، والقهوة: لقهوة....
2 ـ يقول المبرّد صاحب المذهب الثاني: إن الهمزة المفتوحة هي أداة التّعريف وحدها ثم ضمّ إليها «اللّام» كي لا يلتبس التّعريف بالاستفهام، معتمدا على أن أداة التّعريف في العبريّة، إحدى
اللّغات السّاميّة، هي «ه» القريبة من مخرج الألف، والتّبادل مألوف بين الهمزة والهاء في العبريّة والعربيّة.
3 ـ يقول أكثر المحقّقين بالمذهب الثّالث الذي يقرّرون فيه: أن الهمزة واللّام معا هما أداة التعريف ويدعمون رأيهم بثلاث حجج: الأولى، أنّ العرب لا يبدأون بالسّاكن، والثانية أن أداة التعريف عند الأنباط هي «الألف» و «اللام»، والأنباط على اتصال وثيق بالعرب يوم وضعوا منهاجهم الكتابيّ، والثّالثة، أن أداة التعريف في لغة حمير هي «الهمزة» و «الميم» أم؛ وهذا ما يعرف بالطمطمانيّة، ومما يروى عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أن رجلا جاء إليه صلّى الله عليه وسلّم يسأله: «هل من أمبرّ امصيام في امسفر؟» فأجابه الرسول بلغته: «ليس من امبرّ امصيام في امسفر» أي: ليس من البرّ الصّيام في السّفر.
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
7-معجم البلدان (بغداد)
بَغْدَادُ:أم الدنيا وسيدة البلاد، قال ابن الأنباري:
أصل بغداد للأعاجم، والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم، قال بعض الأعاجم: تفسيره بستان رجل، فباغ بستان وداد اسم رجل، وبعضهم يقول: بغ اسم للصنم، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصيّ من المشرق فأقطعه إياها، وكان الخصيّ من عباد الأصنام ببلده فقال: بغ داد أي الصنم أعطاني، وقيل: بغ هو البستان وداد أعطى، وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان فقال: بغ داد فسميت به، وقال حمزة بن الحسن: بغداد اسم فارسي معرّب عن باغ داذويه، لأن بعض رقعة مدينة المنصور كان باغا لرجل من الفرس اسمه داذويه، وبعضها أثر مدينة دارسة كان بعض ملوك الفرس اختطّها فاعتل فقالوا:
ما الذي يأمر الملك أن تسمى به هذه المدينة؟ فقال:
هلدوه وروز أي خلّوها بسلام، فحكي ذلك للمنصور فقال: سميتها مدينة السلام، وفي بغداد سبع لغات:
بغداد وبغدان، ويأبى أهل البصرة ولا يجيزون بغداذ في آخره الذال المعجمة، وقالوا: لأنه ليس في كلام العرب كلمة فيها دال بعدها ذال، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق: فقلت لأبي إسحاق إبراهيم بن السري فما تقول في قولهم خرداد؟ فقال: هو فارسي ليس من كلام العرب، قلت أنا: وهذا حجة من قال بغداد فإنه ليس من كلام العرب، وأجاز الكسائي بغداد على الأصل، وحكى أيضا مغداذ ومغداد ومغدان، وحكى الخارزنجي: بغداد بدالين مهملتين، وهي في اللغات كلها تذكّر وتؤنث، وتسمى مدينة السلام أيضا، فأما الزوراء: فمدينة المنصور خاصة، وسميت مدينة السلام لأن دجلة يقال لها وادي السلام، وقال موسى بن عبد الحميد النسائي:
كنت جالسا عند عبد العزيز بن أبي روّاد فأتاه رجل فقال له: من أين أنت؟ فقال له: من بغداد، فقال:
لا تقل بغداد فإن بغ صنم وداد أعطى، ولكن قل مدينة السلام، فإن الله هو السلام والمدن كلها له، وقيل: إن بغداد كانت قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم فيربحون الرّبح الواسع، وكان اسم ملك الصين بغ فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا:
بغ داد أي إن هذا الربح الذي ربحناه من عطية
الملك، وقيل إنما سميت مدينة السلام لأن السلام هو الله فأرادوا مدينة الله، وأما طولها فذكر بطلميوس في كتاب الملحمة المنسوب إليه أن مدينة بغداد طولها خمس وسبعون درجة وعرضها أربع وثلاثون درجة داخلة في الإقليم الرابع، وقال أبو عون وغيره: إنها في الإقليم ال
فصل
في بدء عمارة بغداد، كان أول من مصّرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ثاني الخلفاء، وانتقل إليها من الهاشمية، وهي مدينة كان قد اختطّها أخوه أبو العباس السّفّاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها سنة 145 ونزلها سنة 149، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم، فانتقل عنهم يرتاد موضعا، وقال ابن عيّاش: بعث المنصور روّادا وهو بالهاشمية يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند، فنعت له موضع قريب من
بارمّا، وذكر له غذاؤه وطيب هوائه، فخرج إليه بنفسه حتى نظر إليه وبات فيه، فرأى موضعا طيبا فقال لجماعة، منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب المرزباني وعبد الملك بن حميد الكاتب: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا: طيب موافق، فقال: صدقتم ولكن لا مرفق فيه للرعية، وقد
وعن علي بن يقطين قال: كنت في عسكر أبي جعفر المنصور حين سار إلى الصراة يلتمس موضعا لبناء مدينة، قال: فنزل الدير الذي على الصراة في العتيقة فما زال على دابته ذاهبا جائيا منفردا عن الناس يفكر، قال: وكان في الدير راهب عالم فقال لي: لم يذهب الملك ويجيء؟ قلت: إنه يريد أن يبني مدينة، قال: فما اسمه؟ قلت: عبد الله بن محمد، قال: أبو من؟ قلت: أبو جعفر، قال:
هل يلقب بشيء؟ قلت: المنصور، قال: ليس هذا الذي يبنيها، قلت: ولم؟ قال: لأنا قد وجدنا في كتاب عندنا نتوارثه قرنا عن قرن أن الذي يبني
هذا المكان رجل يقال له مقلاص، قال: فركبت من وقتي حتى دخلت على المنصور ودنوت منه، فقال لي: ما وراءك؟ قلت: خير ألقيه إلى أمير المؤمنين وأريحه من هذا العناء، فقال: قل، قلت:
أمير المؤمنين يعلم أن هؤلاء معهم علم، وقد أخبرني راهب هذا الدير بكذا وكذا، فلما ذكرت له مقلاص ضحك واستبشر ونزل عن دابته فسجد وأخذ سوطه وأقبل يذرع به، فقلت في نفسي: لحقه اللجاج، ثم دعا المهندسين من وقته وأمرهم بخط الرماد، فقلت له: أظنّك يا أمير المؤمنين أردت معاندة الراهب وتكذيبه، فقال: لا والله ولكني كنت ملقّبا بمقلاص وما ظننت أن أحدا عرف ذلك غيري، وذاك أننا كنا بناحية السراة في زمان بني أمية على الحال التي تعلم، فكنت أنا ومن كان في مقدار سنّي من عمومتي وإخوتي نتداعى ونتعاشر، فبلغت النوبة إليّ يوما من الأيام وما أملك درهما واحدا فلم أزل أفكر وأعمل الحيلة إلى أن أصبت غزلا لداية كانت لهم، فسرقته ثم وجّهت به فبيع لي واشتري لي بثمنه ما احتجت إليه، وجئت إلى الداية وقلت لها:
افعلي كذا واصنعي كذا، قالت: من أين لك ما أرى؟ قلت: اقترضت دراهم من بعض أهلي، ففعلت ما أمرتها به، فلما فرغنا من الأكل وجلسنا للحديث طلبت الداية الغزل فلم تجده فعلمت أني صاحبه، وكان في تلك الناحية لص يقال له مقلاص مشهور بالسرقة، فجاءت إلى باب البيت الذي كنا فيه فدعتني فلم أخرج إليها لعلمي أنها وقفت على ما صنعت، فلما ألحّت وأنا لا أخرج قالت: اخرج يا مقلاص، الناس يتحذّرون من مقلاصهم وأنا مقلاصي معي في البيت، فمزح معي إخوتي وعمومتي بهذا اللقب ساعة ثم لم أسمع به إلا منك الساعة فعلمت أن أمر هذه المدينة يتم على يدي لصحة ما وقفت عليه، ثم وضع أساس المدينة مدوّرا وجعل قصره في وسطها وجعل لها أربعة أبواب وأحكم سورها وفصيلها، فكان القاصد إليها من الشرق يدخل من باب خراسان والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة.
قالوا: فأنفق المنصور على عمارة بغداد ثمانية عشر ألف ألف دينار، وقال الخطيب في رواية: إنه أنفق على مدينته وجامعها وقصر الذهب فيها والأبواب والأسواق إلى أن فرغ من بنائها أربعة آلاف ألف وثمانمائة وثلاثة وثمانين ألف درهم، وذاك أن الأستاذ من الصّنّاع كان يعمل في كل يوم بقيراط إلى خمس حبّات والروزجاري بحبتين إلى ثلاث حبات، وكان الكبش بدرهم والحمل بأربعة دوانيق والتمر ستون رطلا بدرهم، قال الفضل بن دكين: كان ينادى على لحم البقر في جبانة كندة تسعون رطلا بدرهم، ولحم الغنم ستون رطلا بدرهم، والعسل عشرة أرطال بدرهم، قال: وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر ميل، وفي كل ساف من أسواف البناء مائة ألف لبنة واثنان وستون ألف لبنة من اللبن الجعفري، وعن ابن الشّروي قال: هدمنا من السور الذي يلي باب المحوّل قطعة فوجدنا فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة:
وزنها مائة وسبعة عشر رطلا، فوزناها فوجدناها كذلك.
وكان المنصور كما ذكرنا بنى مدينته مدوّرة وجعل داره وجامعها في وسطها، وبنى القبة الخضراء فوق إيوان، وكان علوّها ثمانين ذراعا، وعلى رأس القبة صنم على صورة فارس في يده رمح، وكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومدّ
الرمح نحوها علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة، فلا يطول عليه الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد هجم من تلك الناحية، قلت أنا:
هكذا ذكر الخطيب وهو من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يحكى مثل هذا عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان والتخيل أن المتقدّمين ما كانوا بني آدم، فأما الملة الإسلامية فإنها تجلّ عن مثل هذه الخرافات، فإن من المعلوم أن الحيوان الناطق مكلف الصنائع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيّا مرسلا، وأيضا لو كان كلما توجهت إلى جهة خرج منها خارجيّ لوجب أن لا يزال خارجيّ يخرج في كل وقت لأنها لا بدّ أن تتوجه إلى وجه من الوجوه، والله أعلم، قال: وسقط رأس هذه القبة سنة 329، وكان يوم مطر عظيم ورعد هائل، وكانت هذه القبة تاج البلد وعلم بغداد ومأثرة من مآثر بني العباس، وكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة، ونقل المنصور أبوابها من واسط، وهي أبواب الحجّاج، وكان الحجاج أخذها من مدينة بإزاء واسط تعرف بزندورد، يزعمون أنها من بناء سليمان بن داود، عليه السلام، وأقام على باب خراسان بابا جيء به من الشام من عمل الفراعنة وعلى باب الكوفة بابا جيء به من الكوفة من عمل خالد القسري وعمل هو بابا لباب الشام، وهو أضعفها، وكان لا يدخل أحد من عمومة المنصور ولا غيرهم من شيء من الأبواب إلّا راجلا إلا داود بن عليّ عمه، فإنه كان متفرّسا وكان يحمل في محفّة، وكذلك محمد المهدي ابنه، وكانت تكنس الرحاب في كل يوم ويحمل التراب إلى خارج، فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب، فلم يأذن له، فقال: يا أمير المؤمنين عدني بعض بغال الرّوايا التي تصل إلى الرّحاب، فقال: يا ربيع بغال الروايا تصل إلى رحابي تتخذ الساعة قنيّ بالساج من باب خراسان حتى تصل إلى قصري، ففعل ومدّ المنصور قناة من نهر دجيل الآخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الآخذ من الفرات وجرّهما إلى مدينته في عقود وثيقة، من أسفلها محكمة بالصاروج والآجر من أعلاها، فكانت كل قناة منها تدخل المدينة وتنفذ في الشوارع والدروب والأرباض، تجري صيفا وشتاء لا ينقطع ماؤها في شيء من الأوقات، ثم أقطع المنصور أصحابه القطائع فعمّروها وسميت بأسمائهم، وقد ذكرت من ذلك ما بلغني في مواضعه حسب ما قضى به ترتيب الحروف، وقد صنّف في بغداد وسعتها وعظم رفعتها وسعة بقعتها وذكر أبو بكر الخطيب في صدر كتابه من ذلك ما فيه كفاية لطالبه.
فلنذكر الآن ما ورد في مدح بغداد
ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال:
أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبّرته بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها ثم قلت: وأخبرك خلّة أخرى أسرك بها يا أمير المؤمنين، قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم أنه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، قال: فتبسم وقال الحمد لله على ذلك، هذا من فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولذلك يقول عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى:
«أعاينت في طول من الأرض أو عرض، *** كبغداد من دار بها مسكن الخفض»
«صفا العيش في بغداد واخضرّ عوده، *** وعيش سواها غير خفض ولا غضّ»
«تطول بها الأعمار، إنّ غذاءها *** مريء، وبعض الأرض أمرأ من بعض»
«قضى ربّها أن لا يموت خليفة *** بها، إنه ما شاء في خلقه يقضي»
«تنام بها عين الغريب، ولا ترى *** غريبا بأرض الشام يطمع في الغمض»
«فإن جزيت بغداد منهم بقرضها، *** فما أسلفت إلّا الجميل من القرض»
«وإن رميت بالهجر منهم وبالقلى، *** فما أصبحت أهلا لهجر ولا بغض»
وكان من أعجب العجب أن المنصور مات وهو حاجّ، والمهدي ابنه خرج إلى نواحي الجبل فمات بما سبذان بموضع يقال له الرّذّ، والهادي ابنه مات بعيساباد قرية أو محلّة بالجانب الشرقي من بغداد، والرشيد مات بطوس، والأمين أخذ في شبارته وقتل بالجانب الشرقي، والمأمون مات بالبذندون من نواحي المصّيصة بالشام، والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي الخلفاء ماتوا بسامرّا، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد كما ذكرناه في التاج، وتعطّلت مدينة المنصور منهم.
وفي مدح بغداد قال بعض الفضلاء: بغداد جنة الأرض ومدينة السلام وقبة الإسلام ومجمع الرافدين وغرّة البلاد وعين العراق ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كل فنّ، وآحاد الدهر في كل نوع، وكان أبو إسحاق الزّجّاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وكان أبو الفرج الببغا يقول: هي مدينة السلام بل مدينة الإسلام، فإنّ الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عشّشتا وفرّختا وضربتا بعروقهما وبسقتا بفروعهما، وإنّ هواءها أغذى من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء، وإنّ نسيمها أرقّ من كل نسيم، وهي من الإقليم الاعتدالي بمنزلة المركز من الدائرة، ولم تزل بغداد موطن الأكاسرة في سالف الأزمان ومنزل الخلفاء في دولة الإسلام، وكان ابن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلي العلوم والآداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد، فإن فطن بخواصّها وتنبّه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدّمة فضله وعنوان عقله، ثم سأله عن الجاحظ، فإن وجد أثرا لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرّة شادخة في أهل العلم والآداب، وإن وجده ذامّا لبغداد غفلا عما يحب أن يكون موسوما به من الانتساب إلى المعارف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيء من المحاسن، ولما رجع الصاحب عن بغداد سأله ابن العميد عنها، فقال: بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد، فجعلها مثلا في الغاية في الفضل، وقال ابن زريق الكاتب الكوفي:
«سافرت أبغي لبغداد وساكنها *** مثلا، قد اخترت شيئا دونه الياس»
«هيهات بغداد، والدنيا بأجمعها *** عندي، وسكان بغداد هم الناس»
وقال آخر:
«بغداد يا دار الملوك ومجتنى *** صوف المنى، يا مستقرّ المنابر»
«ويا جنّة الدنيا ويا مجتنى الغنى، *** ومنبسط الآمال عند المتاجر»
وقال أبو يعلى محمد بن الهبّارية: سمعت الشيخ الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآباذي يقول: من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو بحسرتها، وقال عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير:
«ما مثل بغداد في الدنيا ولا الدين، *** على تقلّبها في كلّ ما حين»
«ما بين قطربّل فالكرخ نرجسة *** تندى، ومنبت خيريّ ونسرين»
«تحيا النفوس بريّاها، إذا نفحت، *** وخرّشت بين أوراق الرّياحين»
«سقيا لتلك القصور الشاهقات وما *** تخفي من البقر الإنسيّة العين»
«تستنّ دجلة فيما بينها، فترى *** دهم السّفين تعالى كالبراذين»
«مناظر ذات أبواب مفتّحة، *** أنيقة بزخاريف وتزيين»
«فيها القصور التي تهوي، بأجنحة، *** بالزائرين إلى القوم المزورين»
«من كلّ حرّاقة تعلو فقارتها، *** قصر من الساج عال ذو أساطين»
وقدم عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس إلى بغداد فرأى كثرة الناس بها فقال: ما مررت بطريق من طرق هذه المدينة إلّا ظننت أن الناس قد نودي فيهم، ووجد على بعض الأميال بطريق مكة مكتوبا:
«أيا بغداد يا أسفي عليك! *** متى يقضى الرجوع لنا إليك؟»
«قنعنا سالمين بكلّ خير، *** وينعم عيشنا في جانبيك»
ووجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا:
«فهل نحو بغداد مزار، فيلتقي *** مشوق ويحظى بالزيارة زائر»
«إلى الله أشكو، لا إلى الناس، إنه *** على كشف ما ألقى من الهمّ قادر»
وكان القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي قد نبا به المقام ببغداد فرحل إلى مصر، فخرج البغداديون يودّعونه وجعلوا يتوجعون لفراقه، فقال: والله لو وجدت عندكم في كل يوم مدّا من الباقلّى ما فارقتكم، ثم قال:
«سلام على بغداد من كلّ منزل، *** وحقّ لها منّي السلام المضاعف»
«فو الله ما فارقتها عن قلى لها، *** وإني بشطّي جانبيها لعارف»
«ولكنها ضاقت عليّ برحبها، *** ولم تكن الأرزاق فيها تساعف»
«وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه، *** وأخلاقه تنأى به وتخالف»
ولما حج الرشيد وبلغ زرود التفت إلى ناحية العراق وقال:
«أقول وقد جزنا زرود عشيّة، *** وكادت مطايانا تجوز بنا نجدا»
«على أهل بغداد السلام، فإنني *** أزيد بسيري عن ديارهم بعدا»
وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السّنّة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة، وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: أيا يونس دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: أيا يونس ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفّر بن طاهر الخازن:
«سقى الله صوب الغاديات محلّة *** ببغداد، بين الخلد والكرخ والجسر»
«هي البلدة الحسناء، خصّت لأهلها *** بأشياء لم يجمعن مذ كنّ في مصر»
«هواء رقيق في اعتدال وصحّة، *** وماء له طعم ألذّ من الخمر»
«ودجلتها شطّان قد نظما لنا *** بتاج إلى تاج، وقصر إلى قصر»
«ثراها كمسك، والمياه كفضّة، *** وحصباؤها مثل اليواقيت والدّر»
قال أبو بكر الخطيب: أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:
«دخلنا كارهين لها، فلما *** ألفناها خرجنا مكرهينا»
فقال يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:
«على بغداد معدن كلّ طيب، *** ومغنى نزهة المتنزّهينا: »
«سلام كلما جرحت بلحظ *** عيون المشتهين المشتهينا»
«دخلنا كارهين لها، فلما *** ألفناها خرجنا مكرهينا»
«وما حبّ الديار بنا، ولكن *** أمرّ العيش فرقة من هوينا»
قال محمد بن عليّ بن حبيب الماوردي: كتب إليّ أخي من البصرة وأنا ببغداد:
«طيب الهواء ببغداد يشوّقني *** قدما إليها، وإن عاقت معاذير»
«وكيف صبري عنها، بعد ما جمعت *** طيب الهواءين ممدود ومقصور؟»
وقلّد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر اليمن، فلما أراد الخروج قال:
«أيرحل آلف ويقيم إلف، *** وتحيا لوعة ويموت قصف؟»
«على بغداد دار اللهو منّي *** سلام ما سجا للعين طرف»
«وما فارقتها لقلى، ولكن *** تناولني من الحدثان صرف»
«ألا روح ألا فرج قريب، *** ألا جار من الحدثان كهف»
«لعلّ زماننا سيعود يوما، *** فيرجع آلف ويسر إلف»
فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:
«ولما تجاوزت المدائن سائرا، *** وأيقنت يا بغداد أني على بعد»
علمت بأنّ الله بالغ أمره، وأن قضاء الله ينفذ في العبد وقلت، وقلبي فيه ما فيه من جوى، ودمعي جار كالجمان على خدّي: ترى الله يا بغداد يجمع بيننا فألقى الذي خلّفت فيك على العهد؟
وقال محمد بن عليّ بن خلف النيرماني:
«فدى لك يا بغداد كل مدينة *** من الأرض، حتى خطّتي ودياريا»
«فقد طفت في شرق البلاد وغربها، *** وسيّرت خيلي بينها وركابيا»
«فلم أر فيها مثل بغداد منزلا، *** ولم أر فيها مثل دجلة واديا»
«ولا مثل أهليها أرقّ شمائلا، *** وأعذب ألفاظا، وأحلى معانيا»
«وقائلة: لو كان ودّك صادقا *** لبغداد لم ترحل، فقلت جوابيا: »
«يقيم الرجال الموسرون بأرضهم، *** وترمي النوى بالمقترين المراميا»
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
8-موسوعة الفقه الكويتية (أرحام)
أَرْحَامٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْأَرْحَامُ جَمْعُ رَحِمٍ، وَالرَّحِمُ وَالرَّحْمُ وَالرِّحْمُ بَيْتُ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَاؤُهُ، وَمِنَ الْمَجَازِ: الرَّحِمُ الْقَرَابَةُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: بَيْنَهُمَا رَحِمٌ: أَيْ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ.وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: ذَوُو الرَّحِمِ: هُمُ الْأَقَارِبُ.وَالرَّحِمُ يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ.
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ- غَيْرُ الْفَرْضِيِّينَ مِنْهُمْ- يُرَادُ بِهِمْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْأَقَارِبُ غَيْرَ أَنَّهُ فِي فُرُوعِ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ بَيْنَ الْأَرْحَامِ وَالْأَقَارِبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَمَثَلًا لَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأُمِّ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، بَيْنَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ يَدْخُلُ الْأَقَارِبُ مِنَ الْجِهَتَيْنِ.وَهُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، وَيُرَادُ بِهِمْ «مَنْ لَيْسُوا بِذَوِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ، ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا».وَالْأَرْحَامُ وَذَوُو الْأَرْحَامِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ.
2- الرَّحِمُ نَوْعَانِ:
رَحِمٌ مَحْرَمٌ، وَرَحِمُ غَيْرُ مَحْرَمٍ.
وَضَابِطُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ: كُلُّ شَخْصَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةُ لَوْ فُرِضَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَحِلَّ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاكَحَا، كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَإِنْ نَزَلُوا، وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَرْحَامِ، فَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهِمُ الْمَحْرَمِيَّةُ، كَبَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَبَنَاتِ الْعَمَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَخْوَالِ وَبَنَاتِ الْخَالَاتِ.
الصِّفَةُ (الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ):
تَتَّصِلُ بِالْأَرْحَامِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا.وَبَيَانُهَا فِيمَا يَأْتِي:
صِلَةُ الْأَرْحَامِ:
3- الصِّلَةُ هِيَ فِعْلُ مَا يُعَدُّ بِهِ الْإِنْسَانُ وَاصِلًا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ: «الصِّلَةُ إِيصَالُ نَوْعٍ مِنَ الْإِحْسَانِ».
وَصِلَةُ الرَّحِمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبَوَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}.
وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».وَفَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَاتَّفَقُوا مَعَ غَيْرِهِمْ عَلَى وُجُوبِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّ عُقُوقَهُمَا كَبِيرَةٌ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ صِلَةَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَقَارِبِ سُنَّةٌ.عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ مَعَ الْأَقَارِبِ سُنَّةٌ، وَأَنَّ قَطْعَهُ بَعْدَ حُصُولِهِ كَبِيرَةٌ.
صِلَةُ الْأَبَوَيْنِ:
4- وَصِلَةُ الْأُمِّ مُقَدَّمَةٌ عَلَى صِلَةِ الْأَبِ بِالْإِجْمَاعِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ سَأَلَهُ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟: أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ».
وَالتَّعْبِيرُ الْغَالِبُ لِلْفُقَهَاءِ عَنِ الْإِحْسَانِ لِلْأَبَوَيْنِ بِالْبِرِّ، وَفِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَقَارِبِ بِالصِّلَةِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ الْعَكْسُ فَيَقُولُونَ: صِلَةُ الْأَبَوَيْنِ، وَبِرُّ الْأَرْحَامِ، وَلَمَّا كَانَتْ أَكْثَرُ أَحْكَامِ صِلَةِ الْوَالِدَيْنِ مُعَبَّرًا عَنْهَا بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ مَوْطِنَ تَفْصِيلِهَا فِي ذَلِكَ الْمُصْطَلَحِ، مَعَ الْبَيَانِ هُنَا لِلتَّيْسِيرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ مَعَ التَّفْصِيلِ لِأَحْكَامِ بَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ
صِلَةُ الْأَقَارِبِ:
5- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ- فِي قَوْلٍ لَهُمْ- إِلَى أَنَّ الْأَخَ الْأَكْبَرَ كَالْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي حُكْمِ الصِّلَةِ، وَكَذَا الْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا، وَالْأُخْتُ الْكَبِيرَةُ، وَالْخَالَةُ كَالْأُمِّ فِي الصِّلَةِ.وَقَرِيبٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَا اخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمِّ وَالْخَالَةِ، إِذْ يَجْعَلُ الْعَمَّ بِمَثَابَةِ الْأَبِ، وَالْخَالَةَ بِمَثَابَةِ الْأُمِّ، لِمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَأَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ.
لَكِنْ كَلَامُ الزَّرْكَشِيِّ مُخَالِفٌ لِأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ اخْتَصَّا مِنَ الرِّعَايَةِ وَالِاحْتِرَامِ وَالْإِحْسَانِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ جِدًّا وَغَايَةٍ رَفِيعَةٍ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ، وَأَجَابُوا عَمَّا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ يَكْفِي التَّشَابُهُ فِي أَمْرٍ مَا كَالْحَضَانَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالَةِ وَالْأُمِّ، وَالْإِكْرَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ وَالْعَمِّ.
مَنْ تُطْلَبُ صِلَتُهُ مِنَ الْأَرْحَامِ:
6- لِلْعُلَمَاءِ فِي الرَّحِمِ الَّتِي يُطْلَبُ وَصْلُهَا رَأْيَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الصِّلَةَ خَاصَّةٌ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَغَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.قَالُوا: لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لِجَمِيعِ الْأَقَارِبِ لَوَجَبَ صِلَةُ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ضَبْطِ ذَلِكَ بِقَرَابَةٍ تَجِبُ صِلَتُهَا وَإِكْرَامُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا، وَتِلْكَ قَرَابَةُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَأُخْتِهَا، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ».
الثَّانِي: أَنَّ الصِّلَةَ تُطْلَبُ لِكُلِّ قَرِيبٍ، مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ نَصُّ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَمْ يُخَصِّصْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ.
الصِّلَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ:
7- لَا خِلَافَ فِي أَنَّ صِلَةَ الِابْنِ الْمُسْلِمِ لِأَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ مَطْلُوبَةٌ.أَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَارِبِ الْكُفَّارِ فَلَا تُطْلَبُ صِلَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.وَدَلِيلُ اسْتِثْنَاءِ الْأَبَوَيْنِ قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَكِنْ نَقَلَ السَّمَرْقَنْدِيُّ عَنْ سَحْنُونِ بْنِ مُهَمَّدَانَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي الصِّلَةِ.
دَرَجَاتُ الصِّلَةِ:
8- ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ دَرَجَاتِ الصِّلَةِ تَتَفَاوَتُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَقَارِبِ، فَهِيَ فِي الْوَالِدَيْنِ أَشَدُّ مِنَ الْمَحَارِمِ، وَفِيهِمْ أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهِمْ.وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالصِّلَةِ أَنْ تَصِلَهُمْ إِنْ وَصَلُوكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مُكَافَأَةٌ، بَلْ أَنْ تَصِلَهُمْ وَإِنْ قَطَعُوكَ.فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»
بِمَ تَحْصُلُ الصِّلَةُ؟
9- تَحْصُلُ صِلَةُ الْأَرْحَامِ بِأُمُورٍ عَدِيدَةٍ مِنْهَا:
الزِّيَارَةُ، وَالْمُعَاوَنَةُ، وَقَضَاءُ الْحَوَائِجِ، وَالسَّلَامُ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ السَّلَامِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ
كَمَا تَحْصُلُ الصِّلَةُ بِالْكِتَابَةِ إِنْ كَانَ غَائِبًا، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ، أَمَّا هُمَا فَلَا تَكْفِي الْكِتَابَةُ إِنْ طَلَبَا حُضُورَهُ.
وَكَذَلِكَ بَذْلُ الْمَالِ لِلْأَقَارِبِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ صِلَةٌ لَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ»
وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا تَحْصُلُ صِلَتُهُ بِالزِّيَارَةِ لِقَرِيبِهِ الْمُحْتَاجِ إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى بَذْلِ الْمَالِ لَهُ.وَيَدْخُلُ فِي الصِّلَةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ مِمَّا تَتَأَتَّى بِهِ الصِّلَةُ
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الصِّلَةِ:
10- فِي صِلَةِ الرَّحِمِ حِكَمٌ جَلِيلَةٌ، عَبَّرَ عَنْ أَهَمِّهَا حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْفُقَهَاءُ: رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْأَرْحَامِ.
وَمِنْهَا زِيَادَةُ الْمُرُوءَةِ، وَزِيَادَةُ الْأَجْرِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كُلَّمَا ذَكَرُوا إِحْسَانَهُ.
قَطْعُ الرَّحِمِ:
11- بَيَّنَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَا يَكُونُ بِهِ قَطْعُ الرَّحِمِ، وَوَافَقَهُ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ حَجَرٍ فِيهِ رَأْيَيْنِ:
أَحَدَهُمَا: الْإِسَاءَةُ إِلَى الْأَرْحَامِ.
الثَّانِيَ: يَتَعَدَّى إِلَى تَرْكِ الْإِحْسَانِ، فَقَطْعُ الْمُكَلَّفِ مَا أَلِفَهُ قَرِيبُهُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الصِّلَةِ وَالْإِحْسَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ رَحِمَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُهُمْ كَبِيرَةً كَمَا سَبَقَ.
وَالْأَعْذَارُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ نَوْعِ الصِّلَةِ، فَعُذْرُ تَرْكِ الزِّيَارَةِ ضَبَطَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِالْعُذْرِ الَّذِي تُتْرَكُ بِهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَتَرْكُهُ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الصِّلَةُ بِبَذْلِ الْمَالِ، فَلَمْ يَبْذُلْهُ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، أَوْ فَقْدِهِ، أَوْ قَدَّمَ غَيْرَ الْقَرِيبِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الشَّرْعِ، كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا.وَعُذْرُ الْمُرَاسَلَةِ وَالْكِتَابَةِ أَلاَّ يَجِدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي أَدَاءِ الرِّسَالَةِ.
وَمِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي زَادَهَا الْمَالِكِيَّةُ تَكَبُّرُ الْقَرِيبِ الْغَنِيِّ عَلَى قَرِيبِهِ الْفَقِيرِ، فَلَا صِلَةَ عَلَى الْفَقِيرِ حِينَئِذٍ.
حُكْمُ قَطْعِ الرَّحِمِ:
12- قَطْعُ الرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِوَصْلِهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {وَاَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
تَقْدِيمُ الْأَرْحَامِ فِيمَا يَلْزَمُ الْمَيِّتَ:
13- أَغْلَبُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَجِبُ لِلْمَيِّتِ مِنْ غُسْلٍ وَصَلَاةٍ عَلَيْهِ، وَدَفْنٍ.إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّمُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْأَقَارِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَصِيَّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَفِي الْغُسْلِ وَالدَّفْنِ، وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ الْجَنَائِزِ.
الْهِبَةُ لِلْأَرْحَامِ:
14- لَوْ وَهَبَ إِنْسَانٌ لِرَحِمِهِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، فَفِي غَيْرِ الْفُرُوعِ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِاتِّفَاقٍ، أَمَّا الْفُرُوعُ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ:
أ- مَنْعُ الرُّجُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا: «إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» وَصَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
ب- جَوَازُ الرُّجُوعِ لِلْأَبِ وَلِسَائِرِ الْأُصُولِ، إِذَا بَقِيَ الْمَوْهُوبُ فِي سُلْطَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ».
وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ، إِنْ سَوَّى بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ.
ج- جَوَازُ الرُّجُوعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَعْتَصِرُ (تَرْجِعُ) إِلاَّ مِنَ الْكَبِيرِ الْبَالِغِ، وَمِنَ الصَّغِيرِ إِنْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا، فَإِنْ تَيَتَّمَ بَعْدَ الْهِبَةِ فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلِ الْوَاهِبُ: هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ يَجْعَلُهَا صِلَةَ رَحِمٍ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ.وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ كَالْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُمِّ، لَكِنِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ.وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلَاتٌ أُخْرَى فِي أَصْلِ الْحُكْمِ وَمُسْتَثْنَيَاتِهِ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي (الْهِبَةِ).
إِرْثُ الْأَرْحَامِ:
15- الرَّحِمُ فِي الْفَرَائِضِ: هِيَ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ.وَيَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ عَاصِبٍ أَوْ صَاحِبِ فَرْضٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُونَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مَا أَخَذَ بِهِ مُتَأَخِّرُو كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ: مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ.وَهُنَاكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ يُسَمَّى أَهْلَ الرَّحِمِ، وَقَدْ هَجَرَهُ الْفُقَهَاءُ.وَكَيْفِيَّةُ تَوْرِيثِهِمْ ذُكِرَتْ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث).
الْوَصِيَّةُ لِلْأَرْحَامِ:
16- الْوَصِيَّةُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ غَيْرِ الْوَارِثِينَ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَرْحَامِهِ غَيْرِ الْوَارِثِينَ يَدْخُلُ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ إِذَا كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنَ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ شَرْعًا هُوَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ.وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ (عُرْفًا) أَنَّهُمْ أَقَارِبُ، وَلَوْ أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كَانَ عُقُوقًا.
وَيَدْخُلُ الْجَدُّ مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ غَيْرَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِدُخُولِ الْجَدِّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ.
أ- دُخُولُ أَقْرَبِ جَدٍّ يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ.
ب- دُخُولُ جَدِّ الْأَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مَا صَرَفَ إِلَيْهِ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، إِذْ قَالَا: تُصْرَفُ إِلَى أَقْصَى جَدٍّ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ.وَقَالَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي الزَّمَانِ، حِينَ لَمْ يَكُنْ فِي أَقْرِبَاءِ الْإِنْسَانِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى أَقْرَبِ أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ كَثْرَةٌ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَفِيهِمْ كَثْرَةٌ لَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهُمْ، فَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ إِلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ وَأَوْلَادِ أُمِّهِ وَجَدِّ أُمِّهِ وَجَدَّتِهِ وَجَدَّةِ أُمِّهِ.وَلَا يُصْرَفُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
ج- تَجَاوُزُ الْجَدِّ الرَّابِعِ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِلْحَنَابِلَةِ.وَأَوْلَادُ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَجْدَادِ يَدْخُلُونَ فِي الْأَرْحَامِ.
وَالْأَحْفَادُ كَالْأَجْدَادِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ- وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ دُخُولِهِمْ فِي الْأَرْحَامِ.
17- وَيَسْتَوِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَرْحَامِ- إِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ- الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مَعَ وُجُوبِ اسْتِيعَابِهِمْ بِاتِّفَاقٍ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنَ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَلَوْ عَدِمَ رَحِمَهُ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ، وَلَوْ وُجِدَ وَاحِدٌ أَخَذَ نِصْفَهَا.
وَالْغَنِيُّ كَالْفَقِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُحْتَاجٌ، أَوْ أَحْوَجُ وَجَبَ إِيثَارُهُ، أَيْ زِيَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْمُحْتَاجُ أَقْرَبَ أَمْ أَبْعَدَ.
18- وَإِذَا وُجِدَتْ قَرَابَةُ الْأُمِّ مَعَ قَرَابَةِ الْأَبِ فَالْفُقَهَاءُ فِي الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ:
الْأَوَّلُ: اسْتِوَاؤُهُمَا مَعَ قَرَابَةِ الْأَبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِوَصِيَّةِ غَيْرِ الْعَرَبِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِمْ بِالنِّسْبَةِ لِوَصِيَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَفْتَخِرُونَ بِالْأُمِّ، فَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ عَنْ Cسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: سَعْدٌ خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ».
وَاسْتِوَاءُ قَرَابَةِ الْأُمِّ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا، إِنْ كَانَ يَصِلُهُمْ فِي حَيَاتِهِ.
الثَّانِي: الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ وُجِدَتْ قَرَابَةٌ لِلْمُوصِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ غَيْرُ وَارِثَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِوَصِيَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يَفْتَخِرُونَ بِالْأُمِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ يَصِلُهُمْ فِي حَيَاتِهِ.
وَلَا يَدْخُلُ الْوَارِثُ بِالْفِعْلِ إِنْ أَوْصَى لِأَرْحَامِ نَفْسِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ يَدْخُلُ؛ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَبْطُلُ نَصِيبُهُ لِتَعَذُّرِ إِجَازَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَيُصْبِحُ الْبَاقِي لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ يَدْخُلُ وَيُعْطَى نَصِيبُهُ، فَإِنْ مَنَعَ فَلَا يَدْخُلُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَيَدْخُلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ السَّابِقِ.
الْمُحَرَّمَاتُ مِنَ الْأَرْحَامِ:
19- الْقَرَابَةُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَقَارِبُهُ إِلاَّ أَرْبَعَةً.بَنَاتَ كُلٍّ مِنْ أَعْمَامِهِ، وَأَخْوَالِهِ، وَعَمَّاتِهِ، وَخَالَاتِهِ.وَبَيَانُ الْمُحَرَّمَاتِ تَفْصِيلًا، وَأَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ يَأْتِي ذِكْرُهَا فِي (نِكَاحِ) الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّكَاحِ.
نَفَقَةُ الْأَرْحَامِ:
20- تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ لِلْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَحْفَادِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَصَرَهَا الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ بِأَبٍ حَقِيقِيٍّ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ.أَمَّا بَقِيَّةُ الْأَرْحَامِ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، فَلَا تَجِبُ لَهُمْ نَفَقَةٌ وَلَا تَلْزَمُهُمْ إِلاَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَوْجَبُوهَا لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَتَوَسَّعَ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ فَأَوْجَبُوهَا لِكُلِّ وَارِثٍ، وَفِي غَيْرِ الْوَارِثِ رِوَايَتَانِ، هَذَا إِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ فَلَا تَجِبُ لَهُ نَفَقَةٌ، وَلَا تَلْزَمُهُ إِلاَّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ وَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ.
وَأَدِلَّةُ نَفَقَةِ الْأَرْحَامِ وَشُرُوطُهَا وَمِقْدَارُهَا وَسُقُوطُهَا Cوَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهَا تَأْتِي فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ).
النَّظَرُ وَاللَّمْسُ وَالْخَلْوَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَحَارِمِ:
21- الرَّحِمُ غَيْرُ الْمَحْرَمِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي النَّظَرِ وَاللَّمْسِ وَالْخَلْوَةِ (ر: أَجْنَبِيٌّ).
أَمَّا الْمَحَارِمُ مِنَ الْأَرْحَامِ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي نَظَرِ الرِّجَالِ إِلَى النِّسَاءِ- مَا لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ- ثَلَاثَةُ آرَاءٍ:
أ- جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ، عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِلْحَنَابِلَةِ فِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ.
ب- جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى الذِّرَاعَيْنِ وَالشَّعْرِ وَمَا فَوْقَ النَّحْرِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ
ج- جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالرَّأْسِ وَالسَّاقِ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَابِلَةِ وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ النَّظَرُ إِلَى السَّاقِ وَالصَّدْرِ لِلتَّوَقِّي لَا لِلتَّحْرِيمِ.
د- جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنَ الرَّجُلِ فَهُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.وَلِكُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ آخَرُ، هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا، أَنَّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ إِلاَّ مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى مَا دُونَ ذَلِكَ.
وَكُلُّ مَا حَرُمَ نَظَرُهُ حَرُمَ مَسُّهُ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ.وَتَجُوزُ الْخَلْوَةُ بِالْمَحَارِمِ بِاتِّفَاقٍ.وَتَفَاصِيلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ تَأْتِي فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
وِلَايَةُ الْأَرْحَامِ لِلنِّكَاحِ:
22- الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَرْحَامَ- غَيْرَ الْعَصَبَةِ- لَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَلُونَ عَقْدَ النِّكَاحِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ.
وَبَيَانُهُمْ وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْوِلَايَةِ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ نِكَاح (وِلَايَتُهُ).
الرَّحِمِيَّةُ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ:
23- أَحْيَانًا تَكُونُ الرَّحِمِيَّةُ سَبَبًا فِي تَشْدِيدِ الْعُقُوبَةِ، كَمَا فِي قَتْلِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَأَحْيَانًا تَكُونُ سَبَبًا فِي رَفْعِهَا، كَمَا لَوْ قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ أَوْ قَذَفَهُ، وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ اُنْظُرْ: (قِصَاص، زِنا، قَذْف، سَرِقَة).
شَهَادَةُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْقَضَاءُ لَهُمْ:
24- لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ، وَلَا فَرْعٍ لِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمِيلُ بِطَبْعِهِ لِلْآخَرِ، وَلِحَدِيثِ: «فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا».
أَمَّا بَقِيَّةُ الْأَرْحَامِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِقَبُولِ شَهَادَةِ الْأَخِ أَنْ يَكُونَ مُبْرِزًا فِي الْعَدَالَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ فِي عِيَالِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ، وَأَلاَّ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي جُرْحٍ فِيهِ قِصَاصٌ.
وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِبَاقِي أَقَارِبِهِ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: لَا يَقْضِي لِلْعَمِّ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مُبْرِزًا فِي الْعَدَالَةِ.وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ جَوَازُ الْقَضَاءِ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ.وَقِيلَ: يَجُوزُ بَيْنَ وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ.
عِتْقُ الْأَرْحَامِ
25- الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ الْوَالِدَيْنِ- وَإِنْ عَلَوْا- يُعْتَقُونَ عَلَى الْمَوْلُودِينَ بِالتَّمَلُّكِ، وَأَنَّ الْمَوْلُودِينَ- وَإِنْ نَزَلُوا- يُعْتَقُونَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْجَمِيعُ.وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ إِعْتَاقِ الْوَالِدَيْنِ بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} الْآيَةَ، وَلَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ، وَعَلَى عِتْقِ الْمَوْلُودِينَ بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} الْآيَةَ.
وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} الْآيَةَ، دَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ.
أَمَّا بَقِيَّةُ الْأَرْحَامِ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِي عِتْقِهِمْ عِنْدَ تَمَلُّكِهِمْ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ.
الْأَوَّلُ: عِتْقُ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَمَنْ مَلَكَ قَرِيبًا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ.وَصِفَةُ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا حَرُمَ نِكَاحُهُ.وَالْمَحْرَمُ بِلَا رَحِمٍ كَأَنْ يَمْلِكَ زَوْجَةَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَكَذَا الرَّحِمُ بِلَا مَحْرَمٍ، كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ.
الثَّانِي: الِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ أَحَدٌ Cمِنْ هَؤُلَاءِ بِالْمِلْكِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ.
الثَّالِثُ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
9-المغرب في ترتيب المعرب (الإعراب)
فَصْلٌ (الْإِعْرَابُ) : اخْتِلَافُ آخِرِ الْكَلِمَةِ بِاخْتِلَافِ الْعَوَامِلِ وَأَلْقَابُ حَرَكَاتِهِ: (الرَّفْعُ)، (وَالنَّصْبُ)، (وَالْجَرُّ)، وَيُسَمَّى السُّكُونُ فِيهِ (جَزْمًا) (وَالْمُعْرَبُ) مِنْ الْكَلِمَةِ شَيْئَانِ: الِاسْمُ الْمُتَمَكِّنُ، وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ (وَمَا أُعْرِبَ) مِنْ الْأَسْمَاءِ ضَرْبَانِ: (مُنْصَرِفٌ) : وَهُوَ مَا يَدْخُلُهُ الْحَرَكَاتُ، وَالتَّنْوِينُ (وَغَيْرُ مُنْصَرِفٍ) : وَهُوَ مَا يُمْنَعُ التَّنْوِينَ وَالْجَرَّ، وَكَانَ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ مَفْتُوحًا (وَأَسْبَابُ مَنْعِ الصَّرْفِ) تِسْعَةٌ: الْعَلَمِيَّةُ، التَّأْنِيثُ، وَزْنُ الْفِعْلِ، الْوَصْفُ، الْعَدْلُ، الْجَمْعُ، التَّرْكِيبُ، الْعُجْمَةُ فِي الْأَعْلَامِ خَاصَّةً، الْأَلِفُ وَالنُّونُ الْمُضَارِعَتَانِ لِأَلِفَيْ التَّأْنِيثِ مَتَى اجْتَمَعَ فِي الِاسْمِ اثْنَانِ مِنْهَا، أَوْ تَكَرَّرَ وَاحِدٌ لَمْ يَنْصَرِفْ، وَذَلِكَ فِي أَحَدَ عَشَرَ اسْمًا خَمْسَةٌ حَالَةُ التَّنْكِيرِ، وَهُوَ أَفْعَلُ صِفَةً نَحْوَ أَحْمَرَ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْفَرَ، وَمَثْنَى، وَثُلَاثُ، وَرُبَاعُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى، وَثُلَاثَ، وَرُبَاعَ} فِيهَا الْعَدْلُ، وَالْوَصْفُ، وَقِيلَ: الْعَدْلُ الْمُكَرَّرُ لِأَنَّهَا عُدِلَتْ عَنْ صِيَغِهَا، وَعَنْ التَّكْرِيرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أُولِي أَجْنِحَةٍ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَأَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَتَمَامُ التَّقْرِيرِ فِي الْمُعْرِبِ. وَفَعْلَانُ الَّذِي مُؤَنَّثُهُ فَعْلَى كَعَطْشَانَ، وَرَيَّانَ وَمَا فِيهِ أَلْفُ التَّأْنِيثِ مَقْصُورَةً كَحُبْلَى، وَبُشْرَى، وَالدَّعْوَى، وَالْفَتْوَى، وَالْفُتْيَا، أَوْ مَمْدُودَةً نَحْوُ حَمْرَاءَ، وَصَحْرَاءَ وَالْجَمْعُ الَّذِي لَيْسَ عَلَى، وَزْنِهِ وَاحِدٌ كَمَسَاجِدَ، وَمَصَابِيحَ، وَدَعَاوَى، وَفَتَاوَى، وَسَرَارِيَّ، وَعَوَارِيَّ، وَنَحْوَ: جَوَارٍ، وَمَوَاشٍ مِمَّا فِي آخِرِهِ يَاءٌ يُحْذَفُ يَاؤُهُ فِي الرَّفْعِ، وَالْجَرِّ، وَيُنَوَّنُ الِاسْمُ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ مَسَاجِدَ وَأَمَّا فِي النَّصْبِ فَلَا يُنَوَّنُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهِ (وَأَمَّا السِّتَّةُ) الَّتِي لَا تُصْرَفُ فِي الْعَلَمِيَّةِ فَهِيَ: (الْأَعْجَمِيُّ) كَإِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَمَا فِيهِ (وَزْنُ الْفِعْلِ) كَيَزِيدَ، وَأَحْمَدَ (وَالتَّأْنِيثُ) لَفْظًا كَطَلْحَةَ، وَحَمْزَةَ، أَوْ مَعْنًى كَعَادٍ. (وَالْمَعْدُولُ) كَعُمَرَ، وَزُفَرَ عَنْ عَامِرٍ، وَزَافِرٍ (وَالتَّرْكِيبُ) كَمَعْدِي كَرِبَ، وَبَعْلَبَكّ (وَالْأَلْفُ، وَالنُّونُ) كَمَرْوَانَ، وَسُفْيَانَ، وَهَذِهِ السِّتُّ إذَا نُكِّرَتْ انْصَرَفَتْ، وَفِي نَحْوِ لُوطٍ، وَهِنْدٍ، وَدَعْدَ يَجُوزُ الصَّرْفُ اسْتِحْسَانًا، وَتَرْكُهُ قِيَاسًا، وَكُلُّ مَا لَا يَنْصَرِفُ إذَا أُضِيفَ أَوْ دَخَلَهُ حَرْفُ التَّعْرِيبِ انْجَرَّ تَقُولُ: مَرَرْت بِالْأَحْمَرِ، وَالْحَمْرَاءِ، وَبِعُمَرِكُمْ، وَبِعُثْمَانِنَا.
فَصْلٌ
(وَمَا لَا يَظْهَرُ) فِيهِ الْإِعْرَابُ قُدِّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَذَلِكَ فِي نَحْوِ الْعَصَا، وَسُعْدَى مِمَّا حَرْفُ إعْرَابِهِ أَلْفٌ مَقْصُورَةٌ، وَالْقَاضِي، وَالْعَمَى فِي حَالَتَيْ الرَّفْعِ، وَالْجَرِّ.
فَصْلٌ
(وَالْإِعْرَابُ) كَمَا يَكُونُ بِالْحَرَكَاتِ فَقَدْ يَكُونُ بِالْحُرُوفِ، وَذَلِكَ فِي الْأَسْمَاءِ السِّتَّةِ مُضَافَةً، وَهِيَ أَخُوهُ، وَأَبُوهُ، وُفُوهُ، وَحَمُوهَا، وَهَنُوهُ، وَذُو مَالٍ تَقُولُ: جَاءَنِي أَبُوهُ، وَرَأَيْت أَبَاهُ، وَمَرَرْت بِأَبِيهِ وَفِي كِلَا مُضَافًا إلَى مُضْمَرَتِهِ تَقُولُ: جَاءَنِي كِلَاهُمَا، وَرَأَيْت كِلَيْهِمَا، وَمَرَرْت بِكِلَيْهِمَا وَأَمَّا إذَا أُضِيفَ إلَى مُظْهَرٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَصَا، وَالرَّحَى وَفِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ تَقُولُ: جَاءَنِي مُسْلِمَانِ، وَمُسْلِمُونَ وَرَأَيْت مُسْلِمَيْنِ، وَمُسْلِمِينَ، وَمَرَرْت بِمُسْلِمَيْنِ، وَمُسْلِمِينَ.
فَصْلٌ
(وَاعْلَمْ) أَنْ الرَّفْعَ عَلَمُ الْفَاعِلِيَّةِ، وَالنَّصْبَ عَلَمُ الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْجَرَّ عَلَمُ الْإِضَافَةِ (فَالْفَاعِلُ) : مَا أُسْنِدَ إلَيْهِ الْفِعْلُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ وَيَكُونُ مُظْهَرًا نَحْوَ نَصَرَ زَيْدٌ، (وَمُضْمَرًا) نَحْوَ نَصَرَتْ، وَزَيْدٌ نَصَرَ، (وَمِمَّا أُلْحِقَ بِهِ الْمُبْتَدَأُ، وَالْخَبَرُ)، وَهُمَا الِاسْمَانِ الْمُجَرَّدَانِ مِنْ الْعَوَامِلِ اللَّفْظِيَّةِ لِلْإِسْنَادِ، وَرَافِعُهُمَا الِابْتِدَاءُ، وَهُوَ جَعْلُ الِاسْمِ أَوَّلًا لِلثَّانِي، وَذَلِكَ الثَّانِي حَدِيثٌ عَنْهُ نَحْوَ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، وَاَللَّهُ إلَهُنَا، وَمُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا (وَالْمَفْعُولُ) : مَا أَحْدَثَهُ الْفَاعِلُ، أَوْ فَعَلَ بِهِ، أَوْ فِيهِ، أَوْ لَهُ، أَوْ مَعَهُ، كَقَوْلِك: قُمْت قِيَامًا، وَضَرَبْتُ زَيْدًا، وَخَرَجْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَصَلَّيْت أَمَامَ الْمَسْجِدِ، وَضَرَبْتُهُ تَأْدِيبًا، وَكُنْت وَزَيْدًا. وَيُسَمَّى الْمَنْصُوبُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ: (الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْجَارِّ، وَفِي الثَّانِي: (الْمَفْعُولَ بِهِ)، وَفِي الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ: (الْمَفْعُولَ بِهِ)، وَهُوَ الظَّرْفُ الزَّمَانِيُّ، وَالْمَكَانِيُّ، وَفِي الْخَامِسِ: (الْمَفْعُولَ لَهُ)، وَفِي السَّادِسِ: (الْمَفْعُولَ بِهِ) (وَالْمَفْعُولُ بِهِ) هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي (وَمِمَّا أُلْحِقَ بِهِ الْحَالُ) : وَهِيَ هَيْئَةُ بَيَانِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ (وَالتَّمْيِيزُ) : رَفْعُ الْإِبْهَامِ عَنْ الْجُمْلَةِ نَحْوَ: طَابَ زَيْدٌ نَفْسًا، وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا (وَالْإِضَافَةُ) : نِسْبَةُ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: إضَافَةُ فِعْلٍ أَوْ مَعْنَاهُ إلَى اسْمٍ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْجَرِّ نَحْوَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ، وَزَيْدٌ فِي الدَّارِ. (وَالثَّانِي) : إضَافَةُ اسْمٍ إلَى اسْمٍ، وَذَلِكَ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَتَجُرَّ الثَّانِي مِنْهُمَا بِالْأَوَّلِ، وَتُسْقِطَ التَّنْوِينَ، وَنُونَيْ التَّثْنِيَةِ، وَالْجَمْعِ مِنْ الْأَوَّلِ فَتَقُولُ: غُلَامُ زَيْدٍ، وَصَاحِبَاكَ، وَصَالِحُو قَوْمِكَ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ مُضَافًا، وَالثَّانِي مُضَافًا إلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مَجْرُورًا، (وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ) تُسَمَّى مَعْنَوِيَّةً، وَهِيَ الَّتِي بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُضَافِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَلِفُ، وَاللَّامُ فَلَا يُقَالُ الْغُلَامُ زَيْدٍ (وَأَمَّا اللَّفْظِيَّةُ) فَهِيَ إضَافَةُ الصِّفَةِ إلَى فَاعِلِهَا أَوْ مَفْعُولِهَا، (وَحُكْمُهَا) التَّخْفِيفُ لَا التَّعْرِيفُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْأَلِفِ، وَاللَّامِ نَحْوُ الْحَسَنُ الْوَجْهِ، وَالضَّارِبُ الرَّجُلِ، وَفِي التَّنْزِيلِ، {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} .
فَصْلٌ
(التَّوَابِعُ) وَهِيَ خَمْسَةٌ: (الْأَوَّلُ: التَّوْكِيدُ) نَحْوَ: جَاءَنِي زَيْدٌ زَيْدٌ، وَزَيْدٌ نَفْسُهُ، وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ، وَأَجْمَعُونَ، وَلَا يُؤَكَّدُ النَّكِرَاتُ (وَالثَّانِي: الْبَدَلُ) وَهُوَ أَرْبَعَةٌ: (بَدَلُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ) : نَحْوَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (وَبَدَلُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ) : نَحْوَ مَرَرْتُ بِالْقَوْمِ ثُلُثَيْهِمْ (وَبَدَلُ الِاشْتِمَالِ) : نَحْوَ سُلِبَ زَيْدٌ ثَوْبُهُ، وَفِي التَّنْزِيلِ {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}، (وَبَدَلُ الْغَلَطِ) نَحْوَ مَرَرْت بِرَجُلٍ حِمَارٍ، وَتُبْدَلُ النَّكِرَةُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ، وَعَلَى الْعَكْسِ، وَشَرْطُ النَّكِرَةِ الْمُبْدَلَةِ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً (وَالثَّالِثُ: عَطْفُ الْبَيَانِ) : وَهُوَ أَنْ تُتْبِعَ الْمَذْكُورَ بِأَشْهَرِ اسْمَيْهِ كَقَوْلِهِ: أَقْسَمَ بِاَللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ (وَالرَّابِعُ: الْعَطْفُ بِالْحَرْفِ) : نَحْوُ جَاءَنِي زَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَحُرُوفُهُ تُذْكَرُ فِي بَابِهَا (الْخَامِسُ: الصِّفَةُ) : وَهِيَ الِاسْمُ الدَّالُّ عَلَى بَعْضِ أَحْوَالِ الذَّاتِ، وَهِيَ تَتْبَعُ الْمَوْصُوفَ فِي إعْرَابِهِ، وَإِفْرَادِهِ، وَتَثْنِيَتِهِ، وَجَمْعِهِ، وَتَعْرِيفِهِ، وَتَنْكِيرِهِ، وَتَذْكِيرِهِ، وَتَأْنِيثِهِ إذَا كَانَتْ فِعْلًا لَهُ تَقُولُ: رَجُلٌ صَالِحٌ، وَرَجُلَانِ صَالِحَانِ، وَرِجَالٌ صَالِحُونَ، وَالرَّجُلُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالنِّسَاءُ الصَّالِحَاتُ، وَقَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ فِعْلًا لَهُ احْتِرَازٌ عَنْ، وَصْفِ الشَّيْءِ بِفِعْلِ سَبَبِهِ كَقَوْلِك رَجُلٌ حَسَنٌ وَجْهُهُ، وَكَرِيمٌ آبَاؤُهُ، وَمُؤَدَّبٌ خُدَّامُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُهُ فِي الْإِعْرَابِ، وَالتَّعْرِيفِ، وَالتَّنْكِيرِ فَحَسْبُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} .
فَصْلٌ
(وَإِعْرَابُ) الْفِعْلِ عَلَى الرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ، وَالْجَزْمِ (فَارْتِفَاعُهُ) بِالْمَعْنَى، وَهُوَ وُقُوعُهُ مَوْقِعَ الِاسْمِ نَحْوَ: زَيْدٌ يَضْرِبُ (وَانْتِصَابُهُ وَانْجِزَامُهُ) بِالْحُرُوفِ وَسَتُذْكَرُ وَأَمَّا نَحْوَ يَفْعَلَانِ، وَتَفْعَلَانِ، وَيَفْعَلُونَ، وَتَفْعَلُونَ، وَتَفْعَلِينَ فَعَلَامَةُ الرَّفْعِ فِيهِ إثْبَاتُ النُّونِ، وَسُقُوطُهَا عَلَامَةُ الْجَزْمِ، وَالنَّصْبِ (وَالْمَبْنِيُّ) : مَا لَزِمَ آخِرُهُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَهُوَ جَمِيعُ الْحُرُوفِ، وَأَكْثَرُ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الْمَاضِي، وَالْأَمْرُ الْمُخَاطَبُ، وَبَعْضُ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ كَمْ، وَمَنْ، وَكَيْفَ، وَأَيْنَ، وَمَا فِي مَعْنَى الَّذِي أَوْ تَضَمَّنَ مَعْنَاهُ (وَالْبِنَاءُ) لَازِمٌ، وَعَارِضٌ (فَاللَّازِمُ) مَا ذُكِرَ، (وَالْعَارِضُ) فِي نَحْوِ غُلَامِي، وَلَا رَجُلَ فِي الدَّارِ، وَيَا زَيْدُ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَمِنْ الْأَفْعَالِ الْمُضَارِعُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ نَحْوَ هُنَّ يَفْعَلْنَ، وَنُونُ التَّوْكِيدِ نَحْوَ هَلْ يَفْعَلَنَّ ؟.
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
10-المغرب في ترتيب المعرب (الأعداد وتأنيثها)
فَصْلٌ (الْأَعْدَادُ وَتَأْنِيثُهَا) عَلَى عَكْسِ تَأْنِيثِ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْكَلَامِ فَالتَّاءُ فِيهَا عَلَامَةُ التَّذْكِيرِ، وَسُقُوطُهَا عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ، وَذَلِكَ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ تَقُولُ: ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ}، وَثَلَاثِ لَيَالٍ، وَفِي الشِّعْرِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، وَأُصْبُعٍ، وَمَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ بَاقٍ عَلَى الْقِيَاسِ تَقُولُ: وَاحِدٌ، وَوَاحِدَةٌ، وَاثْنَانِ، وَاثْنَتَانِ، وَإِذَا جَاوَزْت الْعَشَرَةَ أَسْقَطْت التَّاءَ مِنْ الْعَشَرَةِ فِي الْمُذَكَّرِ، وَأَثْبَتَّهَا فِي الْمُؤَنَّثِ، وَكَسَرْت الشِّينَ أَوْ سَكَّنْتهَا، وَمَا ضُمَّتْ إلَى الْعَشَرَةِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لَا الْوَاحِدَةِ تَقُولُ: فِي الْمُذَكَّرِ أَحَدَ عَشَرَ، وَاثْنَا عَشَرَ، وَثَلَاثَةَ عَشْرَ إلَى تِسْعَةَ عَشْرَ، وَفِي الْمُؤَنَّثِ إحْدَى عَشْرَةَ، وَاثْنَتَا عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَمَا فِي آخِرِهِ الْوَاوُ، وَالنُّونُ مُسْتَوْفِيَةٌ الْمُذَكَّرَ، وَالْمُؤَنَّثَ نَحْوُ الْعِشْرُونَ، وَالثَّلَاثُونَ، وَالْأَرْبَعُونَ، وَكَذَا الْمِائَةُ، وَالْأَلْفُ، وَقَالُوا الْأَوَّلُ، وَالْأُولَى، وَالثَّانِي، وَالثَّانِيَةُ، وَالْعَاشِرُ، وَالْعَاشِرَةُ فَعَادُوا إلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَالْحَادِي عَشَرَ، وَالْحَادِيَةَ عَشْرَ، وَالثَّانِي عَشَرَ، وَالثَّانِيَةَ عَشَرَ، وَالتَّاسِعَ عَشْرَ، وَالتَّاسِعَةَ عَشَرَ تَبْنِي الِاسْمَيْنِ عَلَى الْفَتْحِ كَمَا فِي أَحَدَ عَشَرَ.
فَصْلٌ
(وَبِكَوْنِ الْأَعْدَادِ مُبْهَمَةً تَحْتَاجُ إلَى مُمَيِّزٍ) وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: (مَجْرُورٍ، وَمَنْصُوبٍ)
(فَالْمَجْرُورُ) عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَجْمُوعٍ، (وَمُفْرَدٍ) (فَالْمَجْمُوعُ) مُمَيِّزُ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ، وَحَقُّهُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ قِلَّةٍ نَحْوُ ثَلَاثَةِ أَفْلُسٍ، وَأَرْبَعَةِ أَغْلِمَةٍ، وَخَمْسَةِ أَثْوَابٍ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ أَيْ: إذَا لَمْ يُوجَدْ جَمْعُ قِلَّةٍ نَحْوُ ثَلَاثَةِ شُسُوعٍ، وَعَشَرَةِ رِجَالٍ وَأَمَّا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ مَعَ، وِجْدَانِ الْأَقْرَاءِ فَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا، (وَالْمُفْرَدُ) مُمَيِّزُ الْمِائَةِ، وَالْأَلْفِ، وَمَا يَتَضَاعَفُ مِنْهُمَا، (وَالْمَنْصُوبُ) مُمَيِّزُ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ، وَتِسْعِينَ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مُفْرَدًا تَقُولُ: أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَاثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، (وَإِنْ أَرَدْت) التَّعْرِيفَ قُلْت فِيمَا أُضِيفَ: ثَلَاثَةُ الْأَثْوَابِ، وَمِائَةُ الدِّينَارِ، وَأَلْفُ الدَّرَاهِمِ عَلَى تَعْرِيفِ الثَّانِي، وَفِيمَا سِوَاهُ الْأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَالْعِشْرُونَ دِينَارًا عَلَى تَعْرِيفِ الْأَوَّلِ.
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
11-معجم الرائد (جذام)
جذام: مرض يسبب تأكل أعضاء الجسم وسقوطها.الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
12-معجم الرائد (جذم)
جذم: أصابه «الجذام»، وهو مرض يسبب تأكل أعضاء الجسم وسقوطها.الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م
13-التعريفات الفقهية (الجُذام)
الجُذام: علة ردية تنتشر في البدن كله تنتهي إلى تآكُل الأعضاء وسقوطِها عن تفرُّج.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
14-تاج العروس (جذم)
[جذم]: الجِذْمُ، بالكسْرِ: الأصْلُ، مِن كلِّ شيءٍ.ويقالُ: جِذْمُ القَوْمِ: أَهْلُهم وعَشِيْرتُهم، ومنه حَدِيْث حاطِبٍ: لم يكن رجُل مِن قُرَيْش إلَّا له جِذْمٌ بمكَّةَ، وقد يُفْتَحُ الجمع: أَجْذامٌ وجُذومٌ.
والجَذَمُ، بالتَّحريكِ: أَرْضٌ ببِلادِ بنِي فَهْمٍ.
والجَذِمُ، ككَتِفٍ، السَّريعُ.
وجَذَمَهُ يَجْذِمُهُ جَذْمًا وهو جَذِيمٌ، وجَذَّمَهُ، شُدِّدَ للكَثْرةِ، فانْجَذَمَ وتَجَذَّمَ؛ أَي قَطَعَهُ فانْقَطَعَ وتَقَطَّعَ.
ومِن المجازِ: جَذَبَ فلانٌ حَبْل وِصالِهِ وجَذَمَهُ إذا قَطَعَهُ، قالَ البعيثُ:
أَلا أَصْبَحَت خَنْساءُ جاذِمَةَ الوَصْلِ
والجَذْمُ: سُرعَةُ القَطْعِ، وقالَ النابِغَةُ:
بانَتْ سُعادُ فأَمْسَى حَبْلُها انْجَذَما
أَي انْقَطَعَ، وهو مجازٌ.
والجِذْمَةُ، بالكسْرِ، القِطْعَةُ من الشَّيءِ يُقْطَعُ طَرَفُه ويَبْقَى أَصْلهُ وهو جذمةٌ، يقالُ: رأَيْت في يدِه جِذْمَةَ حَبْلٍ أَي قِطْعَة منه.
والجِذْمَةُ: السَّوْطُ، لأنَّه ينقطعُ ممَّا يُضْرَبُ به.
والجِذْمَةُ مِن السَّوْطِ: ما تَقَطَّعَ طَرَفُه الدَّقيقُ وبَقِيَ أَصْلُه، والجَمْعُ جِذَمٌ، قالَ ساعدَةُ بنُ جُؤَيَّة:
يُوشُونَهُنَّ إذا ماء آنَسوا فَزَعًا *** تحت السَّنَوَّر بالأَعْقابِ والجِذَمِ
والجَذَمَةُ، بالتَّحريكِ: الشَّحْمُ الأَعْلَى في النَّخْلِ وهو أَجْوَدُه كالجَذَبَةِ بالباءِ.
ورجُلٌ مِجْذامٌ ومِجْذامَةٌ، بكَسْرِهِما: قاطِعٌ للأُمورِ فَيْصَلٌ.
وقالَ اللّحْيانيُّ: رجُلٌ مِجْذامَةٌ للحَرْبِ والسَّير والهَوَى: أَي يَقْطَعُ هَواهُ ويَدَعُه.
وفي الصِّحاحِ: رجُلٌ مِجْذامَةٌ أَي سَريعُ القَطْعِ للمَوَدَّةِ.
وفي الأساسِ: رجُلٌ مِجْذامٌ ومِجْذامَةٌ للذي يُوَادُّ فإذا أَحَسَّ ما سَاءَهُ أَسْرَع الصَّرْمَ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي:
وإِنَّي ليَاقِي الوُدِّ مِجْذامةُ الهَوَى *** إذا الإلْف أَبْدَى صَفْحه غَيْر طَائِل
والأَجْذَمُ: المَقْطوعُ اليَدِ أَو الذَّاهِبُ الأَنامِلِ. وفي الحَدِيْث: «مَن تَعَلَّم القرآنَ ثم نَسِيه لَقِيَ اللهَ يومَ القِيامَةِ وهو أَجْذَم».
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: هو المَقْطوعُ اليَدِ.
يقالُ: جَذِمَتْ يَدُه، كفَرِحَ، جَذَمًا إذا انْقَطَعَتْ فذَهَبَتْ، وإن قَطَعْتها أَنْت قلْت: جَذَمْتُها أَنا أَجْذِمُها جَذْمًا، قالَ: وفي حَدِيْث عليٍّ: «مَن نَكَثَ بَيْعَتَه لَقِي اللهَ وهو أَجْذَم لَيْسَتْ له يَدٌ»، هذا تفْسِيرُه، وقالَ المُتَلَمِّسُ:
وهل كنتُ إِلَّا مِثْلَ قاطِعِ كَفِّه *** بِكَفِّ له أُخْرى فأَصْبَحَ أَجْذَما؟
وأَجْذَمْتُها إجْذامًا مِثْل جَذَمْتها. يقالُ: ما الذي أَجْذَمَه حتى جَذِمَ.
وقالَ القتيبيُّ: معْنَى الحَدِيْث: أَنَّ المُرادَ بالأَجْذَم الذي ذَهَبَتْ أَعْضاؤُه كُلُّها، قالَ: وليْسَتْ يَدُ الناسِي للقرآنِ أَوْلى بالجَذْمِ مِن سائِرِ أَعْضائِهِ.
قالَ الأزْهَرِيُّ: وهو قَوْلٌ قَرِيبٌ مِن الصَّوابِ.
قالَ ابنُ الأَثيرِ: وردّه ابنُ الأنْبارِي وقالَ: بل معْنَى الحَدِيث لَقِيَ اللهَ وهو أَجْذَمُ الحُجَّةِ لا لِسانَ له يتَكَلَّمُ به ولا حُجَّة له في يَدِه. وقَوْلُ عليٍّ: ليْسَتْ له يَدٌ أَي لا حُجَّة له، وقيلَ: معْناه أَي لَقِيَه وهو مُنْقَطِعُ السَّبَبِ.
وقالَ الخطابيُّ: معْنَى الحَدِيْث ما ذَهَبَ إليه ابنُ الأعْرَابيِّ وهو أنَّ مَن نَسِي القرآنَ لَقِي اللهَ تعالَى خالِيَ اليَدِ مِن الخَيْر، صِفْرَها مِن الثوابِ، فكَنَى باليَدِ عمَّا تَحْوِيه وتَشْتَمِل عليه مِن الخَيْر.
والجَذْمَةُ، بالفتحِ ويُحَرَّكُ: مَوْضِعُ القَطْعِ منها وله نَظَائِرٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُها.
والجُذْمَةُ، بالضَّمِ: اسمٌ للنَقْصِ من الأَجْذَمِ، كذا في النسخِ. وفي اللِّسانِ: مِن الأجْذامِ، هكذا قالَهُ ابنُ الأعْرَابيِّ وفسَّرَ به قَوْل لَبيدٍ:
صائب الجِذْمَةِ من غَيْر فَشَلْ
وجَعَلَه الأَصْمَعِيُّ بقيَّة السَّوْط وأَصْلَه؛ أَي فتكونُ رِوَايَته بكَسْرِ الجيمِ كما مَرَّ.
وأَجْذَمَ السَّيْرَ: أَسْرَعَ فيه.
وقالَ اللَّيْثُ: الإِجْذَامُ السُّرْعَةُ في السَّيْرِ.
وقالَ اللَّحْيانيُّ: يقالُ أَجْذَمَ الفَرَسُ، ونَحْوُه ممَّا يَعْدُو، اشْتَدَّ عَدْوُهُ.
وأَجْذَمَ البَعيرُ في سَيْرِه: أَسْرَعَ.
وأَجْذَمَ عن الشَّيءِ: أَقْلَعَ عنه، قالَ الربيعُ بنُ زِيادٍ:
وحَرَّقَ قَيْسٌ عَليَّ البِلا *** دَ حتى إذا اضْطَرَمَتْ أَجْذَما
وأَجْذَمَ عليه: عَزَمَ.
والجُذَامُ، كغُرابٍ: عِلَّةٌ تَحْدُثُ من انْتِشارِ السَّوْداءِ في البَدَنِ كُلِّه فَيَفْسُدُ مِزاجُ الأَعْضاءِ وهَيْأتُها ورُبَّما انتَهَى إلى تَقَطُّعِ، وفي نسْخةٍ: تَأْكُّلِ، الأَعْضاءِ وسُقوطِها عن تَقَرُّحِ، وإنَّما سُمِّي به لتَجَذُّمِ الأَصابعِ وتَقَطُّعِها.
جُذِمَ الرجُلُ، كعُنِيَ، فهو مَجْذومٌ ومُجَذَّمٌ، كمُعَظَّمٍ، وأَجْذَمُ: نَزَل به الجُذَامُ، الأَخيرَةُ عن كراعٍ. ووَهِمَ الجوهريُّ في مَنْعِه ونَصّه: وقد جُذِمَ الرجُلُ بضمِ الجيمِ، فهو مَجْذومٌ، ولا يقالُ أَجْذَمَ.
فقوْلُ شيْخِنا: الجوْهرِيُّ لم يَمْنَعْه إنَّما لم يَذْكره لأنَّه لم يصح عنْدَه، فلا يلزمُ مِن عَدَمِ ذِكْرِه مَنْعه على أَنَّه غيرُ فَصِيحٍ محل تأَمُّلٍ.
وجُذَامُ، كغُرابٍ. وسَقَطَ الضَّبْط مِن نسْخةِ شيْخِنا فقالَ: هو بالضمِ ولا عبْرَة بإطْلاقِه، وكأنَّه اعْتَمَد الشُّهْرة، وأَنْت خَبِيرٌ بأَنّ قوْلَه: كغُرابٍ مَوْجُودٌ في أَكْثَر النّسَخِ، قَبيلَةٌ مِن اليَمَنِ تَنْزِلُ بجِبالِ حِسْمَى وَرَاء وادِي القرَى، وهو لَقَبُ عَمْرو بنِ عَدِيِّ بنِ الحارِثِ بنِ مُرَّةَ بنِ أُدَدِ بنِ يشْجبَ بنِ عُرَيْبِ بنِ زَيْدِ بنِ كهْلان، وهو أَخُو لخمٍ وعاملَةَ وعفير، ويقالُ، اسمُ جُذَام عَوْف، وقيلَ: عامِرٌ، والأَوَّل أَصَح.
وتَزْعُم نُسَّابُ مُضَرَ أَنَّهم مِن مَعَدِّ بنِ عدْنان، قالَ الكُمَيْت يَذْكُر انْتِقالَهم إلى اليَمَنِ بنسْبَتِهم.
نَعَاءِ جُذامًا غير موتٍ ولا قَتْلِ *** ولكن فِراقًا للدَّعائمِ والأَصْلِ
وقالَ ابنُ سِيْدَه: جُذامٌ حيٌّ مِن اليَمَنِ، قيلَ: هم مِن ولدِ أَسَدَ بنِ خُزَيْمَة.
وقَوْلُ شيْخنا: مَعَدّ هذا هو أَخُو لخمٍ وَهمٌ، بل مَعَدّ هو ابنُ عدْنان، وقَوْلُ أَبي ذُؤَيْب:
كأَنَّ ثِقالَ المُزْن بين تُضارُعٍ *** وشابَةَ بَرْكٌ من جُذامَ لَبِيجُ
أَرادَ: بَرْك مِن إِبِلِ جُذامِ، وخَصَّهم لأَنَّهم أَكْثَر الناسِ إِبِلًا. وقالَ سِيْبَوَيْه: إنْ قالوا وَلَدَ جُذامٌ كذا وكذا صَرَفْته لأنَّك قَصَدْت قَصْدَ الأَبِ، قالَ: وإنْ قلْت هذه جُذامُ فهي كسَدُوسَ.
قلْتُ: وإِنَّما سُمِّي جُذامٌ جُذامًا لأنَّ أَخَاه لخمًا، وكان اسمْهُ مالِكًا، اقْتَتَل وإيَّاه فجَذَم إصْبَعَ عَمْرو فسمى جُذامًا ولخم عمرو مالكًا أَي لَطَمَه فسمى لخمًا.
ومِن بنِي جُذامٍ قَيْسُ بنُ زَيْدِ الجُذاميُّ له صحْبَةٌ، وابْنُه ناتلُ بنُ قَيْسٍ، كان سَيِّدَ جُذامٍ بالشأمِ، وهو الذي رَدَّ على روحِ بنِ زنباعِ دُخولَه في بنِي أَسَدٍ مِن مَعَدّ.
وبَنُو جَذِيمَةَ، كسَفينةٍ: قَبيلَةٌ مِن عبدِ القَيْسِ، كما في الصَّحاحِ، ومَنازِلُهم البَيْضاء بناحِيَةِ الخطِّ مِن البَحْرَيْن، وهو جَذِيمةُ بنُ عَوْفِ بنِ أَنْمارِ بنِ عَمرو بنِ وديعَةَ بنِ لكيزِ بنِ أَفْصى بنِ عبدِ القَيْسِ، النِسْبَةُ جَذَمِيُّ، محرَّكةُ، كحَنِيفَةَ وحَنَفِيّ وربيعَةَ ورَبَعِيّ، وصَوَّبَه الرَّشاطيَّ.
قالَ الجوْهَرِيُّ: وكذلِكَ إلى جَذِيمَةِ أَسَدٍ، وهذا قد أَغْفَلَه المصنِّفُ.
وقد تُضَمُّ جيمُه وهو مِن نادِرِ مَعْدول النَّسَبِ.
قالَ الجوْهَرِيُّ: قالَ سِيْبَوَيْه: وحدَّثَنِي مَن أَثِقُ به أَنَّ بعضَهم يقولُ في بنِي جَذِيمة جُذَميُّ، بضمِ الجيمِ.
قالَ أَبو زَيْدٍ: إذا قالَ سِيْبَوَيْه حدَّثَني الثِّقَةُ فإنَّما يَعْنِيني.
ورجُلٌ مِجْذامَةٌ: سَريع القَطْعِ للمَوَدَّةِ، وهو مجازٌ، وقد تقدَّمَ ما يتَعلَّقُ به آنِفًا.
وجَذِيمَةُ الأَبْرَشُ وهو ابنُ مالِكِ بنِ فَهْمِ بنِ غنمِ بنِ دُوسٍ بنِ عَدَثان بنِ عبدِ اللهِ بنِ زهران، بنِ كَعْبِ بنِ الحارِثِ بنِ كعبِ الأزْدِيّ مَلِكُ الحِيرَةِ، وهو صاحِبُ الزَّبَّاءِ المَضْروبَةُ بها الأمْثَالَ، وقد ذُكِرَتْ في الباءِ.
والجُذْمانُ، بالضَّمِ: الذَّكَرُ أَو أَصْلُه.
والجَذْماءُ: امرأَةٌ مِن بنِي شَيْبانَ كانَتْ ضَرَّةً للبَرْشاءِ، وهي امرأَةٌ أخْرَى، فَرَمَتِ الجَذْماءُ البَرْشاءَ بنارٍ فأَحْرَقَتْها فسُمِّيَتِ البَرْشاءَ، ثم وَثَبَتْ عليها البَرْشاءُ فَقَطَعَتْ يَدَها فَسُمِّيَتِ الجَذْماءَ، كذا في المُحْكَمِ.
والكَرَوَّسُ، كعَمَلَّسٍ، ابنُ الأَجْذَمِ: شاعِرٌ طائيُّ جاءَ بقَتْلِ أَهْل الحَرَّة، وهو الكَرَوَّسُ بنُ زَيْدِ بنِ الأَجْذَمِ بنِ مَعَاذ بنِ مَعْقل بنِ مالِكِ بنِ ثُمامَةَ.
والمِجْذامُ: فَرَسٌ لرجُلٍ من بَنِي يَرْبوعِ بنِ مالِكِ بنِ حَنْظَلَةَ التَّمِيميّ.
وشِعْبُ المُجَذَّمينَ، جَمْعُ مُجَذَّمٍ، كمُعَظَّمٍ، بمكَّةَ، شَرَّفَها اللهُ تعالَى.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
الجَذْمُ انْقِطاعُ المِيرَةِ.
وحَبْلٌ جِذْمٌ: أَي مَجْذومٌ مَقْطوعٌ.
والجاذِمُ: القاطِعُ.
والجَذِيمُ: المَقْطُوعُ.
ورجُلٌ جذمٌ: تَهَافَتَتْ أَطْرَافُه مِن الجُذَامِ.
وفي الحَدِيْث: «كلُّ خُطْبةٍ ليسَ فيها شهادَةٌ كاليَدِ الجَذْماء».
وجِذْمُ الأَسْنانِ: مَنابِتُها، قالَ الحَارِثُ بنُ وَعْلة:
الآن لمَّا ابيَضَّ مَسْرُبَتي *** وعَضِضْتُ منْ نابي على جِذْمِ
أَي كَبِرت حتى أَكَلْت على جِذْمِ نابي.
وفي الحَدِيْث: فعَلا جِذْمَ حائِطٍ فأَذَّنَ، أَرادَ بقيَّةَ حائِطٍ أَو قِطْعَة مِن حائِطٍ.
وانْجَذَمَ عن الرَّكْبِ: انْقَطَعَ عنهم وسَارَ.
ورجُلٌ مِجْذَامُ الرَّكْضِ في الحَرْبِ: سَريعُ الرَّكْضِ فيها.
ورجُلٌ مُجَذَّمٌ: مُجَرَّبٌ زِنَةً ومعْنًى.
والجُذامَةُ مِن الزَّرْعِ: ما بَقِي بعْدَ الحَصْدِ.
والجَذَمَةُ، محرَّكةً: بَلَحاتٌ يَخْرُجْنَ في قَمِعٍ واحِدٍ، وذَكَرَه المصنِّفُ في الذي قبْلَه.
وجُذْمانُ بالضمِ، نَخْلٌ، قالَ قيسُ بنُ الخَطِيم:
فلا تَقْرَبُوا جُذْمانَ إنَّ حَمامَهُ *** وجَنَّتَه تَأْذى بكم فَتَحَمَّلُوا
والجُذامِيُّ: تَمْرٌ أَحْمرُ اللَّوْن، ذَكَرَه المصنِّفُ في الذي قبْلَه.
ويقالُ: ما سَمِعْت له جُذْمَة، بالضمِ؛ أَي كَلِمَة.
قالَ ابنُ سِيْدَه: وليسَ بالثَّبَت.
وبَنُو جَذِيمَة: قَبائِلُ مِن العَرَبِ منهم: في عَبْس: جَذيمةُ بنُ رواحَةَ بنِ قطيعَةَ بنِ عَبْس، وفيهم أَيْضًا جذيمةُ بنُ عبيدٍ.
وفي أَسَدٍ: جَذيمةُ بنُ مالِكِ بنِ نصرِ بنِ مُعاوِيَةَ بنِ الحارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ دُودانَ بنِ أَسَدٍ، وقد أَشارَ إليه الجوْهَرِيُّ، وفيهم يقولُ النابِغَةُ:
وبنو جَذيمَةَ حيّ صِدْقٍ سادةٌ *** غَلَبُوا على خَبْتٍ إلى تِعْشَارِ
وفي النَّخع: جَذيمةُ بنُ سعدٍ منهم: الأشْترُ مالِكُ بنُ الحارِثِ بنِ عبدِ يَغوثَ بنِ جَذِيمَة. وفي طَيِّئٍ: جَذيمةُ بنُ عَمْرو بن عَمْرو بنِ ثعْلَبَةَ، وأَيْضًا جَذيمةُ بنُ ودّ بنِ هنء بنِ عتودٍ.
ونَوًى جَذُومٌ: قَطُوعٌ بين الأَحِبَّة.
ورأَيْت عنْدَه جِذْمَةً مِن الناسِ: أَي فِئَةً.
ونعْلٌ جَذْماءُ: مُنْقَطِعَةُ القِبَالِ.
وجُذْمانُ، كعُثْمانَ. مَوْضِعٌ بالمَدينَةِ كانتْ به الآطامُ، سُمِّي به لأنَّ تُبّعًا كان قَطَعَ نَخْلَه مِن أَنْصافِها لمَّا غَزا يَثْربَ.
وجذامُ بنُ الصَّدَف ويُعْرَفُ بالأجذوم بَطْنٌ مِن حَضْرَمَوت، وقد اسْتَطْرد المصنِّفُ ذِكْرَه في صَرَمَ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
15-تاج العروس (نجم)
[نجم]: النَّجْمُ: الكَوْكَبُ الطالِعُ؛ هذا هو الأَصْلُ، الجمع: أَنْجُمٌ وِأَنْجامٌ، كأَفُلُسٍ وأَفْراجٍ؛ قالَ الطرِمَّاحُ:وِتجْتَلي غُرَّةَ مَجْهولِها *** بالرَّأْيِ منها قبلَ أَنْجامِها
وِنُجومٌ، ومنه قول الشاعِرِ:
ففي السَّماءِ نُجومٌ ما لَها عَدَدٌ *** وِليسَ يُكْسَفُ إلَّا الشَّمْسُ والقَمَرُ
وِنُجُمٌ بضمَّتَيْنِ، وهو قَليلٌ، كسقفٍ وسُقُفٍ.
ومِن الشاذِّ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: وعلاماتٍ وِبالنُّجُم هُم يَهْتَدُون؛ وهي قِراءَةُ الحَسَنِ؛ قالَ الرَّاجِزُ:
إنَّ الفَقيرَ بينَنا قَاضٍ حَكَمْ *** إنْ تَرِد الماءَ إذا غابَ النُّجُمْ
وذَهَبَ ابنُ جنيِّ إلى أنَّه جمعَ فَعْلًا على فُعْل ثم ثَقَّل، وقد يَجوزُ أَنْ يكونَ حذفَ الواو تَخْفيفًا.
قالَ شيْخُنا: وضَبَطَه بعضٌ بضمِّ فسكونٍ، وجَزَمَ قومٌ بأَنَّه مَقْصورٌ مِن نجومٍ.
وِالنَّجْمُ من النَّباتِ: ما ظَهَرَ على وَجْهِ الأَرضِ وِنَجَمَ على غيرِ ساقٍ وتسطَّحَ فلم يَنْهَض، وقد خُصَّ بذلِكَ كما خُصَّ القائِمُ على الساقِ منه بالشَّجَرِ؛ وبه فُسِّر قَوْلُه تعالَى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ} ومعْنَى سُجودِهما دَوَرانُ الظلِّ معهما.
قالَ أَبو إِسْحق: وجائِزٌ أَنْ يُرادَ مِن النَّجْم هنا ما نَجَمَ مِن نُجومِ السَّماءِ.
وِقالَ أَهْلُ اللغَةِ: اسْمُ النَّجْمِ يَجْمَع الكَواكِبَ كُلَّها.
قالَ ابنُ سِيْدَه: وقد خَصَّ الثُّرَيَّا فصارَ لها عَلَمًا، وهو مِن بابِ الصَّعِق، وكَذلِكَ قالَ سِيْبَوَيْه في ترْجَمةِ هذا الباب: هذا بابٌ يكونُ فيه الشيءُ غالبًا عليه اسْمٌ، يكونُ لكلِّ مَنْ كانَ مِن أُمَّتِه أَو صِفَتِه مِن الأَسْماءِ التي تدْخلُها الألِفُ واللامُ، وتكونُ نَكِرتُه الجامِعَةَ لمَا ذَكَرتْ مِن المَعاني ثم مَثَّل بالصَّعِق وِالنَّجْمِ.
وقالَ الجَوْهرِيُّ: هو اسْمٌ لها عَلَمٌ، وإنْ أَخْرَجْتَ منه الأَلِفَ واللامَ تَنَكَّر؛ قالَ ابنُ بَرِّي: ومنه قَوْل المرَّار:
وِيومٌ مِن النَّجْمِ مُسْتَوْقِدُ *** يَسوقُ إلى الموت نُورَ الظّباء
وقالَ ابنُ يعفر:
وُلِدْتُ بحادِي النَّجْمِ يَتْلُو قَرِينَه *** وِبالقَلْبِ قَلْبِ العَقْرَبِ المُتَوَقِّدِ
وقالَ الرَّاعِي:
فباتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ في مُسْتَحِيرةٍ *** سريعٍ بأَيدي الآكِلينَ جُمُودُها
يعْنِي الثُّرَيَّا لأنَّ فيها ستَّةَ أَنْجُمٍ ظاهِرَةٍ يَتَخَلَّلُها نُجومٌ صِغارٌ خفيَّةٌ، وبه فَسَّر بعضُهم قَوْله تعالَى: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى}، قالَهُ الزَّجَّاجُ.
وفي الحَدِيْث: «إذا طلعَ النَّجْمُ ارْتَفَعَتِ العاهَةُ»؛ وفي رِوايَةٍ: «ما طلعَ النَّجْم وفي الأرضِ مِن العاهَةِ شيءٌ»؛ وفي رِوايَةٍ: «ما طلعَ النَّجْم قَط وفي الأرضِ عاهةٌ إلَّا رُفِعت»، أَرادَ بالنَّجْمِ الثُّرَيَّا وبطُلوعِها عندَ الصُّبْح، وذلِكَ في العَشْرِ الأَوْسَط مِن أَيَّارَ، وسقوطُها مع الصُّبْح في العَشْرِ الأَوْسَط مِن تِشْرِينَ الآخِرِ.
والعَرَبُ تزعمُ أنَّ بينَ طُلوعِها وغُروبِها أَمْراضًا ووَباءً وعاهاتٍ في الناسِ والإِبِلِ والثِّمارِ، ومُدَّةُ مَغِيبِها بحيثُ لا تُبْصَر باللَّيل نَيِّفٌ وخَمْسون ليلةً لأَنَّها تخفَى بقُرْبِها مِن الشمْسِ قَبْلها وبعْدَها، فإذا بعدَتْ عنها ظَهَرَتْ في الشَّرْق وقْتَ الصُّبْح.
وقالَ الحربيُّ: إنَّما أَرادَ بهذا الحَدِيْثِ أَرضَ الحِجازِ لأنَّ في أيَّارَ يقعُ الحَصادُ بها وتُدْرِك الثِّمارُ، وحينَئِذٍ تُباعُ لأَنَّها قد أُمِنَ عليها مِن العاهَةِ.
وقالَ القتيبيُّ: أَحْسَبُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَرادَ عاهةَ الثِّمارِ خاصَّةً.
وِمِن المجازِ: النَّجْمُ الوقْتُ المَضْروبُ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ لأنَّهم يَعْرفُونَ الأَوْقاتَ بطُلوعِ الشَّمْس، ثم نُقِل للوَظِيفَةِ التي تُؤَدَّى في الوقْتِ المَضْروبِ.
وقوْلُهم: نَجَّمْتُ المالَ إذا وَزَّعْتَهُ كأَنَّك فرضتَ أنْ تَدْفعَه عنْدَ طُلوعِ كلُّ نَجْمٍ، ثم أُطْلِقَ النَّجْمُ على وَقْتِه، ثم على ما يَقَعُ فيه، كما في تَفْسِيرِ الشَّهاب في أَوَّل البَقَرَةِ.
* قُلْتُ: وأَصْلُه أَنَّ العَرَبَ كانتْ تَجْعَل مَطالِعَ مَنازِلِ القَمَرِ ومَساقِطَها مَواقِيْتَ حُلُولِ دُيونِها وغيرِها فتقولُ: إذا طَلَعَ النَّجْم حَلَّ عليك مالي؛ أَي الثُّرَيَّا، وكَذلِكَ باقي المَنازِلِ، فلمَّا جاءَ الإِسْلامُ وجَعَلَ اللهُ تعالَى الأهِلَّةَ مَواقِيْتَ لمَا يَحْتاجونَ إليه مِن مَعْرفةِ أَوْقاتِ الحجِّ والصَّوْمِ ومَحلِّ الدُّيونِ، سَمَّوْها نُجومًا اعْتِبارًا بالرَّسْمِ القَديمِ الذي عَرَفُوه واحْتَذوا حَذْوَ ما أَلِفُوه.
وِالنَّجْمُ: اسْمٌ، وكذا أَبو النَّجْم، وتارَةً يضيفُونَه إلى الملَّةِ والدِّيْن.
وِمِن المجازِ: النَّجْمُ: الأَصْلُ. يقالُ: ليسَ لهذا الأَمْرِ نَجْمٌ أَي أَصْلٌ، وليسَ لهذا الحَديْثِ نَجْمٌ كَذلِكَ.
وِمِن المجازِ: النَّجْمُ؛ كُلُّ وظيفةٍ من شيءٍ؛ والجَمْعُ نُجومٌ، وهي الوَظائِفُ، نَقَلَه الأَزْهرِيُّ. وهي التي تُؤَدَّى في الوَقْت المَضْروبِ، كما تَقَدَّمَ عن الشَّهاب قَرِيبًا.
وِتَنَجَّمَ: رَعَى النُّجومَ مِن سَهَرٍ أَو عِشْقٍ.
وِالمُنَجِّمُ، كمُحدِّثٍ، وِالمُتَنَجِّمُ وِالنَّجَّامُ؛ كشَدَّادٍ.
قالَ ابنُ سِيْدَه: الأخيرَةُ مُولَّدة.
وقالَ ابنُ بَرِّي: وابنُ خَالَوَيْه يقولُ في كثيرٍ مِن كَلامِه وقالَ النجَّامُون ولا يقولُ المُنَجِّمون، قالَ: وهذا يدلُّ على أنَّ فِعْلَه ثلاثيٌّ.
مَنْ يَنْظُرُ فيها؛ أَي في النُّجومِ بحَسَب مَواقيتِها وسَيْرِها في طُلوعِها وغُروبِها.
وِنَجَمَ الشيءُ يَنْجُم نُجومًا: ظَهَرَ وطَلَعَ؛ ومنه نُجومُ النَّباتِ والقَرْنِ والكَوْكَبِ والنابِ.
وفي الحَدِيْثِ: «هذا إِبَّانُ نُجومِه»؛ أَي ظُهُورِه، يعْنِي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كأَنْجَمَ.
وِنَجَمَ المالَ: إذا أَدَّاهُ نُجومًا، أي يُؤَدِّيه عندَ انْقِضاءِ كلّ شَهْرٍ منها نَجْمًا، كنَجَّمَ تَنْجيمًا؛ قالَ زُهَيْر في دياتٍ جُعِلَت نُجومًا على العاقلةِ:
يُنَجِّمُها قومٌ لقَوْمٍ غَرامةً *** وِلم يُهَرِيقوا بينَهم مِلءَ مِحْجَمِ
وفي حَدِيْثِ سَعْد: «واللهِ لا أَزيدُك على أَرْبَعَة آلافٍ مُنَجَّمةٍ».
تَنْجِيمُ الدَّينِ: هو أَنْ يُقَدَّرَ عَطاؤُه في أَوْقاتٍ مَعْلومةٍ مُتَتابعةٍ مُشاهرةً أَو مُساناةً، ومنه تَنْجِيمُ المُكاتَبِ.
وِالنَّجْمَةُ، بالفتْحِ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ، ويُحَرَّكُ عن شَمِرٍ: نَبْتٌ معروف مَعْروفٌ في البادِيَةِ.
قالَ أَبو عُبَيْدٍ: السَّرادِيحُ أماكِنُ ليِّنةٌ تُنْبت النَّجَمة والنَّصِيَّ، قالَ: وِالنَّجَمةُ شَجَرَةٌ تنبتُ مُمْتَدَّة على وَجْهِ الأَرْضِ.
أَو المُحَرَّكةُ غيرُ السَّاكنَةِ، وإنَّما هُما نَبْتانِ؛ فالنَّجْمةُ: شُجَيْرَةٌ خَضْراء كأَنَّها أَوَّلُ بَذْر الحبِّ حينَ يَخْرجُ صِغارًا وبالتَّحْريكِ: شيءٌ ينبتُ في أُصُولِ النَّخْلةِ، وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ للحَارِثِ بنِ ظالمٍ:
أَخُصْيَيْ حِمار ظَلَّ يَكْدِمُ نَجْمةً *** أَتُؤْكَلُ جارَاتي وجارُك سالمُ؟
وقالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ: الثَّيِّل يقالُ له النَّجْم، الواحِدَةُ نَجْمَةٌ.
وقالَ أَبو حَنيفَةَ: الثَّيِّلُ وِالنَّجْمة والعكْرِشُ كُلُّه شيءٌ واحِدٌ، وإنَّما قالَ الشاعِرُ ذلِكَ لأنَّ الحِمارَ إذا أَرادَ أَنْ يَقْلَع النَّجْمة مِن الأَرضِ وكَدَمَها ارْتَدَّتْ خُصْيتاه إلى مؤخَّرِه.
وقالَ الأزْهرِيُّ: النَّجْمةُ لها قضْبة تَفْتَرِشُ الأَرضَ افْتِراشًا؛ وشاهِدُ النَّجْم قَوْل زُهَيْر:
مُكَلَّلٌ بأُصولِ النَّجْمِ تَنْسِجُه *** ريحٌ خَرِيقٌ لِضاحِي مائِه حُبُكُ
وِمِن المجازِ: ذو النَّجْمَة لَقَبُ الحِمارِ لأنَّه يحبُّها، كما في الأَساسِ.
وِالمَنْجَمُ، كمَقْعَدٍ: المَعْدِنُ. يقالُ: فلانٌ مَنْجَمُ الباطِلِ والضَّلالةِ؛ أَي مَعْدنُه، كما في الصِّحاحِ.
وِالمَنْجَمُ: الطَّريقُ الواضِحُ؛ قالَ البَعِيث:
لها في أَقاصِي الأَرضِ شأْوٌ ومَنْجَم
وقَوْل ابن لَجَأٍ:
فصَبَّحَتْ والشمسُ لمَّا تُنْعِمِ *** أن تَبْلغَ الجُدَّةَ فوقَ المَنْجَمِ
أَي لم تُرِدْ أَن تَبْلغَ جُدَّة الصُّبْح طَريقتُه الحَمْراء.
وِالمِنْجَمُ، كمِنْبَرٍ: حديدةٌ مُعْتَرضَةٌ في الميزانِ فيها لِسانُه، كما في الصِّحاحِ.
وبه سَمَّى الحافِظُ السيوطيّ كتابَه المُتَضَمِّنَ لأسْماءِ شيوخِه بالمِنْجَم.
وِمِن المجازِ: أَنْجَمَ المَطَرُ وغيرُه كالبَرْدِ والحُمَّى: أَقْلَعَ*، قالَ:
أَنْجَمَتْ قُرَّةُ السَّماء وكانَتْ *** قد أَقامَتْ بكُلْبة وقِطارِ
وِأَنْجَمَتِ السَّماءُ: أَقْشَعتْ. يقالُ: أَثْجَمَت أَيامًا ثم أَنْجَمَت.
وِالمَنْجِمانِ، كمَجْلِسٍ ومِنْبَرٍ: عَظْمانِ ناتِئانِ في بَواطِنِ الكَعْبَيْن مِن ناحِيَتَيِ القَدَمِ يُقْبِل أَحَدُهما على الآخرِ إذا صُفَّتِ القَدَمان.
وِالنّجَامُ، ككِتابٍ: وادٍ أَو موضع، قالَ معقلُ بنُ خَوَيْلدٍ الهُذَليُّ:
نَزِيعًا مُحْلِبًا من أَهْلِ لِفْتٍ *** لِحَيٍّ بين أَثْلةَ والنِّجامِ
هكذا فَسَّرُوه؛ ويُحْتَمل أَنْ يكونَ النِّجامُ هنا جَمْع نَجْمةٍ للنَّبْتِ الذي ذُكِرَ؛ ويَشْهَدُ له حَدِيْثُ جَريرٍ بينَ نَخْلَةٍ وضالةٍ وِنَجْمةٍ وأَثْلةٍ، فتأَمَّلْ ذلك.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
النَّجِيمُ، كأَمِيرٍ: الطَّرِيُّ من النَّباتِ حينَ نَجَمَ فنَبَتَ، قالَ ذو الرَّمَّةِ:
يُصَعِّدْنَ رُقْشًا بينَ عُوجٍ كأَنَّها *** زِجاجُ القَنا منها نَجِيمٌ وعارِدُ
وِالنُّجومُ: ما نَجَمَ مِن العُروقِ أَمامَ الرَّبيعِ تُرى رُؤُوسُها أَمْثالَ المَسالِّ تَشُقُّ الأَرضَ شقًّا.
وِالنَّجْمةُ: الكَلِمَةُ، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ.
وِنَجْمةُ الصُّبْح: فَرَسٌ نَجِيبٌ.
وِالنَّجَمَةُ، محرَّكةً: بُطَيْنٌ مِن العَرَبِ يَنْزلونَ بالجيْزَةِ مِن ريفِ مِصْر.
وِالنَّجْمُ: نُزولُ القُرْآن نَجْمًا نَجْمًا، وبه فَسَّر بعضٌ قَوْله تعالَى: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى}؛ وكذا قَوْله تعالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ}، وكان بينَ أَوّل ما نَزلَ منه وآخِره عِشْرونَ سَنَة.
ونَظَرَ في النُّجومِ: فكَّرَ في أَمْرٍ يَنْظُر كيفَ يُدَبِّره، وهو مجازٌ، وبه فُسِّر قَوْلُه تعالَى حِكَايَةً عن سَيِّدنا إبْراهيم، عليهالسلام: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ}.
وقالَ الحَسَنُ: أَي تفكَّرَ ما الذي يَصْرِفُهم عنه إذا كلَّفوه الخُروجَ مَعَهم إلى عيدِهم.
وِالمِنْجَمُ، كمِنْبَرٍ: الكَعْبُ وكلُّ ما نَتَأَ؛ وأَيْضًا: الذي يُدَقُّ به الوتدُ.
ويقالُ: ما نَجَمَ لهم مَنْجَمٌ ممَّا يَطْلبُون، كمَقْعَدٍ؛ أَي مَخْرج.
وِالمَنْجَمُ: مَنْجَمُ النَّهار حينَ يَنْجُمُ.
وِنَجَمَ الخارِجِيُّ: طَلَعَ.
وِنجمَتْ ناجِمَةٌ بموْضِعِ كذا: أَي نَبَعَتْ.
وضَرَبَه فما أَنْجَمَ عنه حتى قَتَلَه: أَي ما أَقْلَعَ.
وِنَجَّمَ نوءَ الأَسَدِ والسِّمَاكِ تَنْجيمًا: انْتَظَرَ طُلوعَ نَجْمِه.
وِتَنَجَّمَ: تَتَبَّعَ النجْمَةَ للنَّبْت واحْتَفَر عنها.
وِنجمَ السَّهْم والرُّمْح إذا نَفَذَ النَّصلُ والسِّنانُ مِن المَرْميِّ والمَطْعون.
وِأَنْجَمَتِ الحَرْب: أَقْلَعَتْ.
وديرُ نُجَيْمٍ: قَرْيةٌ بالأشمونين.
وِنجومٌ: قَرْيةٌ بالشَّرْقيةِ.
وِالنجومين: بالبهنساوية.
وِالنجيمية: مِن قُرى عشر باليمنِ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
16-تاج العروس (أله)
[أله]: أَلَهَ إلاهَةً، بالكسْرِ، وأُلُوهَةً وأُلُوهِيَّةً، بضمِّهِما: عَبَدَ عِبادَةً؛ ومنه قَرَأَ ابنُ عبَّاسٍ: ويَذَرَكَ وإلاهَتَك، بكسْرِ الهَمْزةِ، قالَ: أَي عِبَادَتَك؛ وكانَ يقولُ: إنَّ فِرْعَونَ يُعْبَدُ ولا يَعْبُدُ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ وهو قَوْلُ ثَعْلَب، فهو على هذا ذُو إلاهَةٍ لا ذُو آلِهَةٍ؛ والفرَّاءُ على القِراءَةِ المَشْهورَةِ.قالَ ابنُ بَرِّي: ويُقَوِّي ما ذَهَبَ إليه ابنُ عبَّاسٍ قَوْل فِرْعَوْن: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى}، وقَوْلُه: {ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي}.
ومنه لَفْظُ الجلالةِ.
وقالَ اللّيْثُ: بَلَغَنَا أَنَّ اسمَ اللهِ الأَكْبَر هو اللهُ لا إله إِلَّا هو وَحْده.
* قُلْتُ: وهو قَوْلُ كَثِيرٍ مِن العارِفِيْن.
واخْتُلِفَ فيه على عِشْرِينَ قَوْلًا ذَكَرْتُها في المَباسِيطِ.
قالَ شيْخُنا: بل على أكْثَر مِن ثلاثِينَ قَوْلًا، ذَكَرَها المُتَكلِّمونَ على البَسْملةِ.
وأَصَحُّها أَنَّه عَلَمٌ للذَّاتِ الوَاجِبِ الوُجُودِ المُسْتَجْمِع لجميعِ صِفَاتِ الكَمالِ غَيْرُ مُشْتَقِّ.
وقالَ ابنُ العَرَبي: عَلَمٌ دالٌّ على الإِلَهِ الحقِّ دَلالَة جامِعَةً لجمِيعِ الأَسْماءِ الحُسْنَى الإِلَهيَّة الأَحَدِيَّة جمعَ جَمِيعِ الحَقائِقِ الوُجُودِيَّة.
وأَصْلُه إِلاهٌ كفِعالٍ بمعْنَى مَأْلُوهِ، لأَنَّه مَأْلُوهٌ أَي مَعْبودٌ، كقَوْلِنا: إِمامٌ فِعَالٌ بمعْنَى مَفْعولٍ لأَنَّه مُؤتَمٌّ به، فلمَّا أُدْخِلَت عليه الأَلِفُ واللامُ حُذِفَتِ الهَمْزَةُ تَخْفِيفًا لكَثْرتِه في الكَلامِ، ولو كانَتَا عِوَضًا منها لمَا اجْتَمَعَتا مع المعوَّضِ منه في قَوْلِهم الإِلاهُ، وقُطِعَتِ الهَمْزَةُ في النِّداءِ للزُومِها تَفْخِيمًا لهذا الاسمِ؛ هذا نَصُّ الجوْهرِيِّ.
قالَ ابنُ بَرِّي: قَوْلُ الجوْهرِيّ: ولو كانَتا عوضًا الخ، هذا رَدٌّ على أَبي عليِّ الفارِسِيّ لأَنَّه كانَ يَجْعَل الأَلِفَ واللامَ في اسمِ البَارِي سبحانه عِوَضًا مِنَ الهَمْزَةِ، ولا يلزمُه ما ذَكَرَه الجوْهرِيُّ مِن قَوْلِهم الإِلاهُ، لأَنَّ اسمَ اللهِ لا يَجوزُ فيه الإِلاهُ، ولا يكونُ إِلَّا مَحْذوفَ الهَمْزةِ، تَفَرَّدَ سبحانه بهذا الاسمِ لا يشرِكُه فيه غَيْرُه، فإِذا قيلَ الإلاهُ انْطَلَقَ على اللهِ سبحانه وعلى ما يُعْبَدُ مِن الأَصْنامِ، وإِذا قُلْتَ الله لم يَنْطَلِق إِلَّا عليه سبحانه وتعالى، ولهذا جازَ أَن يُنادَى اسم الله، وفيه لامُ التَّعْريفِ وتُقْطَعُ هَمْزَتُه، فيُقالُ يا أللهُ، ولا يَجوزُ يا الإلاهُ على وَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ مَقْطوعَة هَمْزَتُه ولا مَوْصُولَةٍ، انتَهَى.
وقالَ الليْثُ: اللهُ ليسَ مِنَ الأَسْماءِ التي يَجوزُ فيها اشْتِقاقٌ كما يَجوزُ في الرحمنِ والرحيمِ.
ورَوَى المُنْذرِي عن أَبي الهَيْثَم أنَّه سأَلَه عن اشْتِقاقِ اسمِ اللهِ في اللّغَةِ فقالَ: كان حَقّه إِلَهٌ، أُدْخِلَتِ الأَلِفُ واللَامُ تَعْريفًا، فقيلَ الإلاهُ، ثم حَذَفَتِ العَرَبُ الهَمْزَةَ اسْتِثْقالًا لها، فلمَّا تَركُوا الهَمْزَةَ حَوَّلُوا كَسْرتَها في اللامِ التي هي لامُ التّعْريفِ، وذَهَبَتِ الهَمْزةُ أَصْلًا فقالوا أَلِلاهُ، فحرَّكُوا لامَ التَّعْريفِ التي لا تكونُ إلَّا ساكِنَةً، ثم الْتَقَى لامانِ مُتحرِّكتانِ، وأَدْغَمُوا الأُولى في الثانِيَةِ، فقالوا الله، كما قالَ اللهُ، عزّ وجلّ: {لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي}، معْناهُ لكنْ أَنا.
وكُلُّ ما اتُّخِذَ مِن دُونه مَعْبُودًا إلهٌ عند مُتَّخِذِه بَيِّنُ الإِلَاهَةِ، بالكسْرِ، والأُلْهانِيَّةِ، بالضَّمِّ. وفي حدِيثِ وهب بنِ الوَرْدِ: «إذا وَقَعَ العَبْدُ في أُلْهانِيَّةِ الرَّبِّ، ومُهَيْمِنِيَّة الصِّدِّيقِين ورَهْبَانِيَّةِ الأَبْرارِ لم يَجِدْ أَحَدًا يَأْخُذ بقَلْبِه»؛ أَي لم يَجِدْ أَحَدًا يَعجبُه ولم يُحِبَّ إلَّا اللهَ سبحانه.
قالَ ابنُ الأثيرِ: هو فُعْلانِيَّة مِن ألِهَ يَأْلَهُ إِذا تَحَيَّرَ، يُريدُ إِذا وَقَعَ العَبْدُ في عَظَمَةِ اللهِ وجَلالِهِ وغير ذلِكَ مِن صفَاتِ الرُّبُوبيَّةِ وصَرَفَ توهّمُه إليها، أَبْغَضَ الناسَ حتى ما يميلَ قلْبُه إلى أَحَدٍ.
والإِلَاهَةُ: موضع بالجَزِيرَةِ؛ كما في الصِّحاحِ.
وقالَ ياقوتُ: وهي قارة بالسَّماوَةِ؛ وأَنْشَدَ لأُفْنُون التَّغْلَبيّ، واسْمُه صُرَيْمُ بنُ مَعْشَرٍ:
كفى حَزَنًا أَن يَرْحَلَ الركبُ غُدْوَةً *** وأُصْبِحَ في عُلْيا أَلاهَةَ ثاوِيا
قالَ ابنُ بَرِّي: ويُرْوى: وأُتْرَكَ في عُلْيَا أُلاهَةَ، بضمِّ الهَمْزَةِ، قالَ: وهو الصَّحِيحُ لأنَّه بها دُفِنَ قائِلُ هذا البَيْت.
* قُلْتُ: وله قصَّة وأَبْيَاتٌ ذَكَرَها ياقوتُ في مُعْجمه.
والإلاهَةُ: الحَيَّةُ العَظِيمَةُ؛ عن ثَعْلَب.
والإِلاهَةُ: الأَصْنامُ، هكذا هو في سائِرِ النُّسخِ، والصَّحيحُ بهذا المعْنَى الآلِهَةُ بصيغَةِ الجَمْع، وبه قُرِئَ قَوْلُه تعالَى: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}، وهي القِراءَةُ المَشْهورَةُ.
قالَ الجوْهرِيُّ: وإِنَّما سُمِّيَت الآلِهَةُ الأَصْنَام لأَنَّهم اعْتَقَدُوا أَنَّ العِبادَةَ تحقُّ لها، وأَسْماؤُهم تَتْبَعُ اعْتِقادَاتِهم لا ما عليه الشَّيء في نَفْسِه؛ فتأَمَّلْ ذلِكَ.
والإِلاهَةُ: الهِلالُ؛ عن ثَعْلَب.
والإِلاهَةُ: الشَّمْسُ، غَيْر مَصْرُوف بِلا أَلِفٍ ولامٍ، ورُبَّما صَرَفُوا وأَدْخَلوا فيه الأَلِفَ واللامَ وقالوا الإلاهَةُ.
قالَ الجوْهرِيُّ: وأَنْشَدَ أَبو عليِّ:
فأَعْجَلْنا الإلاهَةَ أَن تَؤُوبا
قُلْتُ: وحُكِي عن ثَعْلَب أَنَّها الشَّمْسُ الحارَّةُ.
قالَ الجَوْهرِيُّ: وقد جاءَ على هذا غَيْرُ شيءٍ من دُخولِ لامِ المَعْرفةِ الاسمَ مَرَّة وسُقُوطِها أُخْرى، قالوا: لَقِيته النَّدَرَى وفي نَدَرَى، وفَيْنَةً والفَيْنَةَ بعْدَ الفَيْنَة، فكأَنَّهم سَمَّوْها إلَاهة لتَعْظِيمِم لها وعِبادَتِهم إيَّاها.
والمِصْراعُ المَذْكُور مِن أَبْياتٍ لمَيَّة بِنْت أُمِّ عُتْبَة بنِ الحارِثِ، وقيلَ: لبنْتِ عبْدِ الحارِثِ اليَرْبُوعيِّ، ويقالُ لنائِحَة عُتَيْبة بنِ الحارِثِ.
وقالَ أَبو عُبيدَةَ: لأمِّ البَنِين بنْت عُتَيْبة تَرْثِيه وأَوّلها:
تروَّحْنا من اللّعْباءِ قَسْرًا *** فأَعْجَلْنا الإلاهَةَ أَن تَؤُوبا
على مثْل ابنِ مَيَّة فانْعِياه *** تَشُقُّ نَواعِمُ البَشَرِ الجُيُوبا
ويُرْوَى: فأَعْجَلْنا ألاهَةَ.
ووَقَعَ في نسخِ الحَماسَةِ هذا البَيْت لميَّة بنْت عُتَيْبة تَرْثي أَخَاها.
ويُثَلَّثُ، الضَّمُّ عن ابنِ الأعْرابيِّ رَوَاها: أُلاهَةَ، قالَ: ويُرْوى: الأَلاهَةَ يُصْرَفُ ولا يُصْرَفُ؛ كالأَلِيهةِ، كسَفِينَةِ.
والتَّأَلُّه: التَّنَسُّكُ والتَّعَبُّدُ؛ قالَ رُؤْبَة:
للهِ دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ *** سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ من تأَلُّهِي
والتَّأْلِيه: التَّعْبِيدُ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
وتقولُ: أَلِهَ، كفَرِحَ، يَأْلَهُ أَلْهًا: تَحَيَّرَ، وأَصْلُه وَلِهَ يَوْلَهُ وَلْهًا، ومنه اشْتُقَّ اسمُ الجَلالَةِ لأَنَّ العُقُولَ تَألَهُ في عَظَمَتِه؛ أَي تَتَحَيَّرُ، وهو أَحَدُ الوُجُوه التي أَشارَ لها المصنِّفُ أَوَّلًا.
وأَلِهَ على فلانٍ: اشْتَدَّ جَزَعَه عليه، مِثْلُ وَلِهَ؛ نَقَلَهُ الجوْهرِيُّ.
وقِيلَ: هو مأْخُوذٌ مِن أَلِهَ إليه إِذا فَزِعَ ولاذَ، لأنَّه سبحانه المَفْزَعُ الذي يُلْجأُ إليه في كلِّ أَمْرٍ؛ قالَ الشاعِرُ:
أَلِهْتَ إلينَا والحَوادِثُ جَمَّةٌ
وقالَ آخَرُ:
أَلِهْتُ إليها والرَّكائِبُ وُقَّف
وقيلَ: هو مِن أَلَهَهُ، كمَنَعَهُ، إذا أَجارَه وآمَنَه.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
أَصْلُ إِلَهٍ وِلاهٌ، كإِشاحٍ وِشاحٍ، ومعْنَى وِلاهٍ أَنَّ الخَلْقَ يَوْلَهُون إليه في حَوائِجِهم، ويَضْرَعُون إِليه فيمَا يَنُوبُهم، كما يَوْلَهُ كلُّ طِفْلٍ إِلى أُمِّه.
وحَكَى أَبو زيْدٍ: الحمدُ لاهِ رَبِّ العَالَمِيْن.
قالَ الأَزْهرِيُّ: وهذا لا يَجوزُ في القُرْآن إِنَّما هو حِكايَةٌ عن الأعْرابِ، ومَنْ لا يَعْرفُ سُنَّةَ القُرْآن.
وقالَ ابنُ سِيدَه: وقالوا يا أَلله فقَطَعُوا، حَكَاهُ سِيْبَوَيْه، وهو نادِرٌ.
وحَكَى ثَعْلَب أَنَّهم يَقولُونَ: يا الله، فيَصِلُون وهُما لُغَتانِ يعْنِي القَطْع والوَصْل.
وحَكَى الكِسائي عن العَرَبِ: يله اغْفِرْ لي بمعْنَى يا ألله، وهو مُسْتَكْره، وقد يُقْصَر ضَرُورَة كقَوْلِ الشاعِرِ:
أَلا لا بارَكَ اللهُ في سُهَيْلٍ *** إذا ما اللهُ بارَكَ في الرِّجالِ
ونَقَلَ شيْخُنا: أَلِهَ بالمَكانِ، كفَرِحَ، إذا أَقامَ؛ وأَنْشَدَ:
أَلِهْنا بدارٍ ما تَبِينُ رُسُومُها *** كأَنَّ بَقايَاها وشومٌ على اليَدِ
وقالَ ابنُ حبيبٍ في الأزْد: الاهُ بنُ عَمْرو بنِ كَعْبِ بنِ الغطْرِيفِ؛ وفي عكِّ: الاهُ بنُ ساعِدَةَ؛ وفي تمِيمٍ: أليهة وهو القليبُ بنُ عَمْرِو بنِ تَمِيمٍ؛ وفي طيِّئٍ: بنُو إلَهٍ مثْلُ عِلَهٍ، ابن عَمْرِو بنِ ثمامَةَ؛ وفيها أَيْضًا عبْدُ الإِلَهِ مثْلُ عُلَةٍ، ابنُ حارِثَةَ بنِ عيرنَةَ بنِ صهْبانَ بنِ عميمى بنِ عَمْرِو بنِ سنبسٍ؛ وفي النَّخْعِ: بنُو أليهة بن عَوْفٍ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
17-لسان العرب (نجم)
نجم: نَجَمَ الشيءُ يَنْجُمُ، بِالضَّمِّ، نُجومًا: طَلَعَ وَظَهَرَ.ونَجَمَ النباتُ والنابُ والقَرْنُ والكوكبُ وغيرُ ذَلِكَ: طلَعَ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ}.
وَفِي الْحَدِيثِ: « هَذَا إِبَّانُ نُجومِه» أَي وقتُ ظهورِه، يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يُقَالُ: نَجَمَ النبتُ يَنْجُمُ إِذا طَلَعَ.
وكلُّ مَا طَلَعَ وَظَهَرَ فَقَدْ نَجَمَ.
وَقَدْ خُصَّ بالنَّجْم مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ عَلَى ساقٍ، كَمَا خُصَّ القائمُ عَلَى السَّاقِ مِنْهُ بِالشَّجَرِ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة: « سِراجٌ مِنَ النارِ يَظْهَرُ فِي أَكتافِهم حَتَّى يَنْجُم فِي صُدورِهم».
والنَّجْمُ مِنَ النباتِ: كلُّ مَا نبتَ عَلَى وَجْهِ الأَرض ونَجَمَ عَلَى غيرِ ساقٍ وتسطَّح فَلَمْ يَنْهَض، والشجرُ كلُّ مَا لَهُ ساقٌ: وَمَعْنَى سُجودِهما دَوَرانُ الظلِّ مَعَهُمَا.
قَالَ أَبو إِسحاق: قَدْ قِيلَ إِن النَّجْمَ يُراد بِهِ النجومُ، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ النَّجْمُ هَاهُنَا مَا نَبَتَ عَلَى وَجْهِ الأَرض وَمَا طَلَعَ مِنْ نُجومِ السَّمَاءِ.
وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا طَلَعَ: قَدْ نَجَمَ، والنَّجِيمُ مِنْهُ الطَّرِيُّ حِينَ نَجَمَ فنبَت؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يُصَعِّدْنَ رُقْشًا بَيْنَ عُوجٍ كأَنها ***زِجاجُ القَنا، مِنْهَا نَجِيمٌ وعارِدُ
والنُّجُومُ: مَا نَجَمَ مِنَ الْعُرُوقِ أَيامَ الربيع، ترى رؤوسها أَمثالَ المَسالِّ تَشُقُّ الأَرضَ شَقًّا.
ابْنُ الأَعرابي: النَّجْمَةُ شجرةٌ، والنَّجْمَةُ الكَلِمةُ، والنَّجْمَةُ نَبْتةٌ صَغِيرَةٌ، وَجَمْعُهَا نَجْمٌ، فَمَا كَانَ لَهُ ساقٌ فَهُوَ شَجَرٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ساقٌ فَهُوَ نَجْمٌ.
أَبو عُبَيْدٍ: السَّرادِيحُ أَماكنُ ليِّنةٌ تُنْبت النَّجَمةَ والنَّصِيَّ، قَالَ: والنَّجَمَة شَجَرَةٌ تَنْبُتُ مُمْتَدَّةٌ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَقَالَ شَمِرٌ: النَّجَمَة هَاهُنَا، بِالْفَتْحِ، قَالَ: وَقَدْ رأَيتها فِي الْبَادِيَةِ وَفَسَّرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهِيَ الثَّيِّلَةُ، وَهِيَ شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ كأَنها أَوَّلُ بَذْر الْحَبِّ حِينَ يَخْرُجُ صِغارًا، قَالَ: وأَما النَّجْمَةُ فَهُوَ شيءٌ يَنْبُتُ فِي أُصول النَّخْلَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ: ضرْبٌ مِنَ النبت؛ وأَنشد للحرث بْنِ ظَالِمٍ المُرّيّ يَهْجُو النُّعْمَانَ:
أَخُصْيَيْ حِمارٍ ظَلَّ يَكْدِمُ نَجْمَةً، ***أَتُؤْكَلُ جَارَاتِي وجارُك سالمُ؟
والنَّجْمُ هُنَا: نَبْتٌ بِعَيْنِهِ، واحدُه نَجْمَةٌ وهو "الثَّيِّلُ.
قَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: الثَّيِّل يُقَالُ لَهُ النَّجْم، الْوَاحِدَةُ نَجْمَة.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الثَّيِّلُ والنَّجْمَة والعكْرِشُ كُلُّهُ شيءٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: وإِنما قَالَ ذَلِكَ لأَن الحمارَ إِذا أَراد أَن يَقْلَع النَّجْمةَ مِنَ الأَرض وكَدَمَها ارْتَدَّتْ خُصْيتاه إِلى مؤخَّرِه.
قَالَ الأَزهري: النَّجْمَةُ لَهَا قضْبة تَفْتَرِشُ الأَرضَ افْتِراشًا.
وَقَالَ أَبو نَصْرٍ: الثَّيِّلُ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى شُطُوطِ الأَنهارِ وَجَمْعُهُ نَجْمٌ؛ ومثلُ الْبَيْتِ فِي كَوْنِ النَّجْم فِيهِ هُوَ الثَّيِّل قولُ زُهَيْرٍ:
مُكَلَّلٌ بأُصولِ النَّجْمِ تَنسجُه ***ريحُ خَرِيقٌ، لِضاحي مَائِهِ حُبُكُ
وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: « بينَ نَخْلةٍ وضالةٍ ونَجْمَةٍ وأَثْلةٍ »؛ النَّجْمَةُ: أَخصُّ مِنَ النَّجْمِ وكأَنها واحدتُه كنَبْتَةٍ ونَبْت.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى}؛ قَالَ أَبو إِسحاق: أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّجْمِ، وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنه الثُّرَيّا، وَكَذَلِكَ سَمَّتْهَا الْعَرَبُ.
وَمِنْهُ قَوْلُ سَاجِعِهِمْ: طَلَع النَّجْم غُدَيَّهْ، وابْتَغَى الرَّاعِي شُكَيَّهْ؛ وَقَالَ:
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْم فِي مُسْتَحِيرة، ***سريعٍ بأَيدي الآكِلينَ جُمودُها
أَراد الثُّرَيا.
قَالَ: وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَيضًا أَن النَّجْم نُزول الْقُرْآنِ نَجْمًا بَعْدَ نَجْمٍ، وَكَانَ تَنزل مِنْهُ الآيةُ وَالْآيَتَانِ، وَقَالَ أَهل اللُّغَةِ: النَّجْمُ بِمَعْنَى النُّجوم، والنُّجُوم تَجمع الْكَوَاكِبَ كُلَّهَا.
ابْنِ سِيدَهْ: والنَّجْمُ الْكَوْكَبُ، وَقَدْ خَصَّ الثرَيا فَصَارَ لَهَا عَلَمًا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الصَّعِق، وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْبَابِ: هَذَا بَابٌ يَكُونُ فِيهِ الشيءُ غَالِبًا عَلَيْهِ اسمٌ، يَكُونُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِه أَو كَانَ فِي صِفتِه مِنَ الأَسماء الَّتِي تَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ، وَتَكُونُ نَكِرتُه الجامعةَ لِمَا ذكرتْ مِنَ الْمَعَانِي ثُمَّ مثَّل بالصَّعِق والنَّجمِ، وَالْجَمْعُ أَنْجُمٌ وأَنْجَامٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وتجْتَلي غُرَّة مَجْهولِها ***بالرَّأْيِ مِنْهُ، قبلَ أَنْجَامِها
ونُجُومٌ ونُجُمٌ، وَمِنَ الشَّاذِّ قراءَةُ مَنْ قرأَ: وعلاماتٍ وبالنُّجُم "؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
إِن الفَقيرَ بينَنا قاضٍ حَكَمْ، ***أَنْ تَرِد الماءَ إِذا غابَ النُّجُمْ
وَقَالَ الأَخطل:
كلَمْعِ أَيْدي مَثاكِيلٍ مُسَلِّبةٍ، ***يَنْدُبْنَ ضَرْس بَناتِ الدَّهرِ والخُطُبِ
وَذَهَبَ ابْنُ جِنِّي إِلى أَنه جَمَعَ فَعْلًا عَلَى فُعْل ثُمَّ ثَقَّل، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ حَذْفُ الْوَاوِ تَخْفِيفًا، فَقَدْ قرئَ: وبالنُّجُم هُمْ يَهْتَدون "، قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَهِيَ تَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَيْنِ.
والنَّجْمُ: الثُّرَيَّا، وَهُوَ اسْمٌ لَهَا عَلَمٌ مِثْلَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، فإِذا قَالُوا طَلَعَ النَّجْمُ يُرِيدُونَ الثرَيا، وإِن أَخرجت مِنْهُ الأَلف وَاللَّامَ تنَكَّرَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَرَّارِ:
ويومٌ، مِن النَّجْم، مُسْتَوْقِد ***يَسوقُ إِلى الْمَوْتِ نُورَ الظُّبا
أَراد بالنَّجْم الثرَيا؛ وَقَالَ ابْنُ يَعْفَرَ:
وُلِدْتُ بِحادِي النَّجْمِ يَتْلُو قَرِينَه، ***وبالقَلْبِ قَلْبِ العَقْرَبِ المُتَوَقِّدِ
وَقَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابئِ الضُّرَباءِ، ***خَلْفَ النَّجْمِ، لَا يَتَتلَّع
وَقَالَ الأَخطل:
فهلَّا زَجَرْتِ الطيرَ لَيْلةَ جِئتِه ***بضِيقةَ، بَيْنَ النَّجْمِ والدَّبَرانِ
وَقَالَ الرَّاعِي:
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحيرةٍ، ***سَريعٍ بأَيدي الآكِلينَ جُمودُها
قَوْلُهُ: تَعُدُّ النَّجْم، يُرِيدُ الثريَّا لأَن فِيهَا سِتَّةَ أَنجم ظَاهِرَةٍ يَتَخَلَّلُهَا نُجُومٌ صِغَارٌ خَفِيَّةٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « إِذا طَلَعَ النَّجْمُ ارْتَفَعَتِ العاهةُ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَا طلعَ النَّجْمُ وَفِي الأَرض مِنَ الْعَاهَةِ شيءٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَا طلعَ النَّجْمُ قَط وَفِي الأَرض عاهةٌ إِلا رُفِعت »؛ النَّجْمُ فِي الأَصل: اسمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ، وَهُوَ بالثريَّا أَخصُّ، فإِذا أُطلق فإِنما يُرَادُ بِهِ هِيَ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وأَراد بِطُلُوعِهَا طُلوعَها عِنْدَ الصُّبْحِ، وَذَلِكَ فِي العَشْرِ الأَوْسَط مِنْ أَيَّارَ، وسقوطُها مَعَ الصُّبْحِ فِي العَشْر الأَوسط مِنْ تِشْرِينَ الآخِرِ، وَالْعَرَبُ تَزْعُمُ أَن بَيْنَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا أَمْراضًا ووَباءً وعاهاتٍ فِي النَّاسِ والإِبلِ والثِّمارِ، ومُدَّةُ مغيبِها بِحَيْثُ لَا تُبْصَر فِي اللَّيْلِ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً لأَنها تَخْفَى بِقُرْبِهَا مِنَ الشَّمْسِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، فإِذا بَعُدَتْ عَنْهَا ظَهَرَتْ فِي الشَّرْق وَقْتَ الصُّبْحِ؛ قَالَ الْحَرْبِيُّ: إِنما أَراد بِهَذَا الْحَدِيثِ أَرضَ الْحِجَازِ لأَن فِي أَيَّارَ يَقَعُ الحَصادُ بِهَا وتُدْرِك الثمارُ، وَحِينَئِذٍ تُباعُ لأَنها قَدْ أُمِنَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَاهَةِ؛ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَحْسَبُ أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرادَ عاهةَ الثِّمارِ خَاصَّةً.
والمُنَجِّمُ والمُتَنَجِّمُ: الَّذِي يَنْظُرُ فِي النُّجوم يَحْسُب مَواقِيتَها وسيرَها.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ بَعْضِ أَهل اللُّغَةِ: يَقُولُهُ النَّجَّامون، فأُراه مُولَّدًا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وابنُ خَالَوَيْهِ يَقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِ وَقَالَ النَّجَّامُونَ وَلَا يَقُولُ المُنَجِّمون، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن فِعْلَهُ ثُلَاثِيٌّ.
وتَنَجَّمَ: رَعَى النُّجومَ مِنْ سَهَرٍ.
ونُجُومُ الأَشياء: وظائفُها.
التَّهْذِيبُ: والنُّجُومُ وظائفُ الأَشياء، وكلُّ وظيفةٍ نَجْمٌ.
والنَّجْمُ: الوقتُ الْمَضْرُوبُ، وَبِهِ سُمِّيَ المُنَجِّم.
ونَجَّمْتُ المالَ إِذا أَدَّيته نُجومًا؛ قَالَ زُهَيْرٌ فِي دياتٍ جُعِلت نُجومًا عَلَى الْعَاقِلَةِ:
يُنَجِّمُها قومٌ لقَوْمٍ غَرامةً، ***وَلَمْ يُهَرِيقُوا بينَهم مِلءَ مِحْجَمِ
وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ: « واللهِ لَا أَزيدُك عَلَى أَربعة آلافٍ مُنَجَّمةٍ »؛ تَنْجِيمُ الدَّينِ: هُوَ أَن يُقَدَّرَ عَطَاؤُهُ فِي أَوقات مَعْلُومَةٍ متتابعةٍ مُشاهرةً أَو مُساناةً، وَمِنْهُ تَنْجِيمُ المُكاتَب ونُجُومُ الكتابةِ، وأَصله أَن الْعَرَبَ كَانَتْ تَجْعَلُ مطالعَ منازِل الْقَمَرِ ومساقِطَها مَواقيتَ حُلولِ دُيونِها وَغَيْرِهَا، فَتَقُولُ إِذا طَلَعَ النَّجْمُ: حلَّ عليك ما لي؛ أي الثُّرَيَّا، وَكَذَلِكَ بَاقِي الْمَنَازِلِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الأَهِلّةَ مَواقيتَ لِمَا يَحْتَاجُونَ إِليه مِنْ مَعْرِفَةِ أَوقات الْحَجِّ وَالصَّوْمِ ومَحِلِّ الدُّيون، وسَمَّوْها نُجومًا اعْتِبَارًا بالرَّسْمِ الْقَدِيمِ الَّذِي عَرَّفُوهُ واحْتِذاءً حَذْوَ مَا أَلفُوه وَكَتَبُوا فِي ذُكورِ حقوقِهم عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلة.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ}؛ عنَى نُجومَ الْقُرْآنِ لأَن الْقُرْآنَ أُنْزِل إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أُنزل عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً آيَةً، وَكَانَ بَيْنَ أَول مَا نَزَلَ مِنْهُ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً.
ونَجَّمَ عَلَيْهِ الدّيةَ: قطَّعها عَلَيْهِ نَجْمًا نَجْمًا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد: " وَلَا حَمالاتِ امْرِئٍ مُنَجِّم ويقال: جعلت ما لي عَلَى فُلَانٍ نُجومًا مُنَجَّمةً يُؤَدِّي كلَّ نَجْمٍ فِي شَهْرِ كَذَا، وَقَدْ جَعَلَ فلانٌ ما لَه عَلَى فُلَانٍ نُجومًا مَعْدُودَةً يؤدِّي عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ شَهْرٍ مِنْهَا نَجْمًا، وَقَدْ نَجَّمَها عليه تَنْجِيمًا.
نظر فِي النُّجوم: فَكَّر فِي أَمر يَنْظُرُ كَيْفَ يُدَبِّره.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا عَنْ إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ "؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ فِيمَا نَجَمَ لَهُ مِنَ الرأْي.
وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: النُّجُومُ جَمْعُ نَجْم وَهُوَ مَا نَجَمَ مِنَ كَلَامِهِمْ لَمَّا سأَلوه أَن يَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلى عِيدِهم، ونَظَرَ هَاهُنَا: تَفكّر ليُدَبِّرَ حُجَّة فَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ، أَي منْ كُفْرِكم.
وَقَالَ أَبو إِسحاق: إِنه قَالَ لِقَوْمِهِ وَقَدْ رأَى نَجْمًا إِني سَقِيمٌ، أَوْهَمَهم أَن بِهِ طَاعُونًا فتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرين فِرارًا مِنْ عَدْوَى الطَّاعُونِ.
قَالَ اللَّيْثُ: يقال للإِنسان إِذا تَفَكَّرَ فِي أَمر لِيَنْظُرَ كَيْفَ يُدبِّره: نَظَرَ فِي النُّجوم، قَالَ: وَهَكَذَا جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَي تَفَكَّرَ مَا الَّذِي يَصْرِفُهم عَنْهُ إِذا كلَّفوه الْخُرُوجَ مَعَهُمْ.
والمِنْجَم: الْكَعْبُ والعرقوبُ وَكُلُّ مَا نَتأَ.
والمِنْجَم أَيضًا: الَّذِي يُدَقّ بِهِ الْوَتَدُ.
وَيُقَالُ: مَا نَجَمَ لَهُمْ مَنْجَمٌ مِمَّا يَطْلُبُونَ أَي مَخْرج.
وَلَيْسَ لِهَذَا الأَمر نَجْمٌ أَي أَصلٌ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَجْم أَي لَيْسَ لَهُ أَصلٌ.
والمَنْجَمُ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ؛ قَالَ الْبَعِيثُ: " لَهَا فِي أَقاصِي الأَرضِ شأْوٌ ومَنْجَمُ وَقَوْلُ ابْنِ لَجَإٍ:
فصَبَّحَتْ، والشمسُ لَمَّا تُنْعِمِ ***أَن تَبْلغَ الجُدَّةَ فوقَ المَنْجَمِ
قَالَ: مَعْنَاهُ لَمْ تُرِدْ أَنْ تَبْلُغَ الجُدّة، وَهِيَ جُدّة الصُّبْحِ طريقتُه الْحَمْرَاءُ.
والمَنْجَمُ: مَنْجَمُ النَّهَارِ حِينَ يَنْجُمُ.
ونَجَمَ الْخَارِجِيُّ، ونَجَمَتْ ناجمةٌ بِمَوْضِعِ كَذَا أَي نَبَعت.
وفلانٌ مَنْجَمُ الْبَاطِلِ وَالضَّلَالَةِ أَي معدنُه.
والمَنْجِمان والمِنْجَمانِ: عَظْمَانِ شاخِصان فِي بَوَاطِنِ الْكَعْبَيْنِ يُقْبِل أَحدُهما عَلَى الْآخَرِ إِذا صُفَّت الْقَدَمَانِ.
ومِنْجَما الرجْل: كَعْباها.
والمِنْجَم، بِكَسْرِ الْمِيمِ، مِنَ الْمِيزَانِ: الْحَدِيدَةُ الْمُعْتَرِضَةُ الَّتِي فِيهَا اللِّسَانُ.
وأَنْجَمَ المطرُ: أَقْلَع، وأَنْجَمَت عَنْهُ الحُمّى كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَفْصَمَ وأَفْصَى.
وأَنْجَمَتِ السماءُ: أَقْشَعَتْ، وأَنْجَمَ البَرْد؛ وَقَالَ:
أَنْجَمَتْ قُرَّةُ السَّمَاءِ، وَكَانَتْ ***قَدْ أَقامَتْ بكُلْبة وقِطارِ
وضرَبه فَمَا أَنْجَمَ عَنْهُ حَتَّى قَتَلَهُ أَي مَا أَقْلَع، وَقِيلَ: كلُّ مَا أَقْلَع فَقَدْ أَنْجَمَ.
والنِّجامُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُويلِد:
نَزِيعًا مُحْلِبًا مِنْ أَهلِ لِفْتٍ ***لِحَيٍّ بَيْنَ أَثْلةَ والنِّجامِ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
18-لسان العرب (أله)
أله: الإِلَهُ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ مَا اتُّخِذَ مِنْ دُونِهِ مَعْبُودًا إلَهٌ عِنْدَ مُتَّخِذِهِ، وَالْجَمْعُ آلِهَةٌ.والآلِهَةُ: الأَصنام، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَن الْعِبَادَةَ تَحُقُّ لَهَا، وأَسماؤُهم تَتْبَعُ اعْتِقَادَاتِهِمْ لَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ بَيِّنُ الإِلَهةِ والأُلْهانيَّةِ: وَفِي حَدِيثِ وُهَيْب بْنِ الوَرْد: « إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي أُلْهانيَّة الرَّبِّ، ومُهَيْمِنِيَّة الصِّدِّيقين، ورَهْبانِيَّةِ الأَبْرار لَمْ يَجِدْ أَحدًا يأْخذ بِقَلْبِهِ »أَي لَمْ يَجِدْ أَحدًا يُعْجِبُهُ وَلَمْ يُحِبَّ إلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مأْخوذ مِنْ إلَهٍ، وَتَقْدِيرُهَا فُعْلانِيَّة، بِالضَّمِّ، تَقُولُ إلَهٌ بَيِّنُ الإِلَهيَّة والأُلْهانِيَّة، وأَصله من أَلِهَ يَأْلَهُ إذا تَحَيَّر، يُرِيدُ إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وصَرَفَ وَهْمَه إِلَيْهَا، أَبْغَضَ النَّاسَ حَتَّى لَا يَمِيلُ قَلْبُهُ إِلَى أَحد.
الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ بَلَغَنَا أَن اسْمَ اللَّهِ الأَكبر هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ وَحْدَهُ: قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ للهِ مَا فَعَلْتُ ذَاكَ، يُرِيدُونَ والله ما فعلت.
وقال الْخَلِيلُ: اللَّهُ لَا تُطْرَحُ الأَلف مِنْ الِاسْمِ إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى التَّمَامِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الأَسماء الَّتِي يَجُوزُ مِنْهَا اشْتقاق فِعْلٍ كَمَا يَجُوزُ فِي الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ.
وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه سأَله عَنِ اشْتِقَاقِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللُّغَةِ فَقَالَ: كَانَ حَقُّهُ إلاهٌ، أُدخلت الأَلف وَاللَّامُ تَعْرِيفًا، فَقِيلَ أَلإِلاهُ، ثُمَّ حَذَفَتِ الْعَرَبُ الْهَمْزَةَ اسْتِثْقَالًا لَهَا، فَلَمَّا تَرَكُوا الْهَمْزَةَ حَوَّلوا كَسْرَتَهَا فِي اللَّامِ الَّتِي هِيَ لَامُ التَّعْرِيفِ، وَذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ أَصلًا فَقَالُوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لَامَ التَّعْرِيفِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا سَاكِنَةً، ثُمَّ الْتَقَى لَامَانِ مُتَحَرِّكَتَانِ فأَدغموا الأُولى فِي الثَّانِيَةِ، فَقَالُوا اللَّهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}؛ مَعْنَاهُ لكنْ أَنا، ثُمَّ إِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا سَمِعُوا اللَّهُمَّ جَرَتْ فِي كَلَامِ الْخَلْقِ تَوَهَّمُوا أَنه إِذَا أُلقيت الأَلف وَاللَّامُ مِنَ اللَّهِ كَانَ الْبَاقِي لَاهُ، فَقَالُوا لاهُمَّ؛ وأَنشد:
لاهُمَّ أَنتَ تَجْبُرُ الكَسِيرَا، ***أَنت وَهَبْتَ جِلَّةً جُرْجُورا
وَيَقُولُونَ: لاهِ أَبوك، يُرِيدُونَ اللَّهِ أَبوك، وَهِيَ لَامُ التَّعَجُّبِ؛ وأَنشد لِذِي الإِصبع:
لاهِ ابنُ عَمِّي ما يَخافُ ***الحادثاتِ مِنَ العواقِبْ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ بِسْمِ اللَّهِ، بِغَيْرِ مَدَّة اللَّامِ وَحَذْفِ مَدَّة لاهِ؛ وأَنشد:
أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ مِنْ أَمر اللهْ، ***يَحْرِدْ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّه
وأَنشد:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لَوسِيمةٌ، ***عَلَى هَنَواتٍ كاذبٍ مَنْ يَقُولُها
إِنَّمَا هُوَ للهِ إنَّكِ، فَحَذَفَ الأَلف وَاللَّامَ فَقَالَ لاهِ: إِنَّكِ، ثُمَّ تَرَكَ هَمْزَةَ إِنَّكِ فَقَالَ لَهِنَّك؛ وَقَالَ الْآخَرُ:
أَبائِنةٌ سُعْدَى، نَعَمْ وتُماضِرُ، ***لَهِنَّا لمَقْضِيٌّ عَلَيْنَا التَّهاجُرُ
يَقُولُ: لاهِ إنَّا، فَحَذَفَ مَدَّةِ لاهِ وَتَرَكَ هَمْزَةَ إِنَّا كَقَوْلِهِ: لاهِ ابنُ عَمِّكَ والنَّوَى يَعْدُو وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ لَهِنَّك: أَرادَ لإِنَّك، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ هَاءً مِثْلَ هَراقَ الماءَ وأَراق، وأَدخل اللَّامَ فِي إِنَّ لِلْيَمِينِ، وَلِذَلِكَ أَجابها بِاللَّامِ فِي لَوَسِيمَةٌ.
قَالَ أَبو زَيْدٍ: قَالَ لِيَ الْكِسَائِيُّ أَلَّفت كِتَابًا فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ فَقُلْتُ لَهُ: أَسمعتَ الحمدُ لاهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: اسمَعْها.
قَالَ الأَزهري: وَلَا يَجُوزُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا الحمدُ للهِ بمدَّةِ اللَّامِ، وإِنما يقرأُ مَا حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ الأَعرابُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ سُنَّةَ الْقُرْآنِ.
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: فَاللَّهُ أَصله إلاهٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ}.
قَالَ: وَلَا يَكُونُ إلَهًا حَتَّى يَكُونَ مَعْبُودًا، وَحَتَّى يكونَ لِعَابِدِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا ومُدبِّرًا، وَعَلَيْهِ مُقْتَدِرًا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِإِلَهٍ، وإِن عُبِدَ ظُلْمًا، بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ ومُتَعَبَّد.
قَالَ: وأَصل إلَهٍ وِلاهٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً كَمَا قَالُوا للوِشاح إشاحٌ وللوِجاحِ وَهُوَ السِّتْر إِجاحٌ، وَمَعْنَى ولاهٍ أَن الخَلْقَ يَوْلَهُون إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ، ويَضْرَعُون إِلَيْهِ فِيمَا يُصِيبُهُمْ، ويَفْزَعون إِلَيْهِ فِي كُلِّ مَا يَنُوبُهُمْ، كَمَا يَوْلَهُ كُلُّ طِفْل إِلَى أُمه.
وَقَدْ سَمَّتِ الْعَرَبُ الشَّمْسَ لَمَّا عَبَدُوهَا إلاهَةً.
والأُلَهةُ: الشمسُ الحارَّةُ؛ حكي عَنْ ثَعْلَبٍ، والأَلِيهَةُ والأَلاهَةُ والإِلاهَةُ وأُلاهَةُ، كلُّه: الشمسُ اسْمٌ لَهَا؛ الضَّمُّ فِي أَوَّلها عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَتْ مَيَّةُ بِنْتُ أُمّ عُتْبَة بن الحرث كَمَا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
تروَّحْنا مِنَ اللَّعْباءِ عَصْرًا، ***فأَعْجَلْنا الإِلَهةَ أَن تَؤُوبا
عَلَى مثْل ابْنِ مَيَّة، فانْعَياه، ***تَشُقُّ نَواعِمُ البَشَر الجُيُوبا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ هُوَ لِبِنْتِ عَبْدِ الحرث اليَرْبوعي، وَيُقَالُ لِنَائِحَةِ عُتَيْبة بن الحرث؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ هُوَ لأُمِّ الْبَنِينَ بِنْتِ عُتيبة بن الحرث تَرْثِيهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي أُلاهَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فأَعجلنا الأَلاهَةَ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ.
غَيْرُهُ: وَتَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ وَلَا تَدْخُلُهَا، وَقَدْ جَاءَ عَلَى هَذَا غَيْرُ شَيْءٍ مِنْ دُخُولِ لَامِ الْمَعْرِفَةِ الاسمَ مَرَّة وسُقوطها أُخرى.
قَالُوا: لَقِيتُهُ النَّدَرَى وَفِي نَدَرَى، وفَيْنَةً والفَيْنَةَ بَعْدَ الفَيْنة، ونَسْرٌ والنَّسْرُ اسمُ صَنَمٍ، فكأَنهم سَمَّوْها الإِلَهة لِتَعْظِيمِهِمْ لَهَا وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونها ويَعْبُدُونها، وَقَدْ أَوْجَدَنا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ حِينَ قَالَ: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.
ابْنُ سِيدَهْ: والإِلاهَةُ والأُلُوهة والأُلُوهِيَّةُ الْعِبَادَةُ.
وَقَدْ قُرِئَ: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ"، وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ويَذَرَك وإِلاهَتَك "، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَي وَعِبَادَتَكَ؛ وَهَذِهِ الأَخيرة عِنْدَ ثَعْلَبٍ كأَنها هِيَ الْمُخْتَارَةُ، قَالَ: لأَن فِرْعَوْنَ كَانَ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا ذُو إلاهَةٍ لَا ذُو آلِهة، وَالْقِرَاءَةُ الأُولى أَكثر والقُرّاء عَلَيْهَا.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَوِّي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ" ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قِرَاءَتِهِ: وَيَذَرَكَ وإِلاهَتَك "، قولُ فِرْعَوْنَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، وَقَوْلُهُ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي؛ ولهذا قَالَ سُبْحَانَهُ: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى؛ وَهُوَ الَّذِي أَشار إِليه الْجَوْهَرِيُّ بِقَوْلِهِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يُعْبَدُ.
وَيُقَالُ: إلَه بَيِّنُ الإِلَهةِ والأُلْهانِيَّة.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَدْعُونَ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنَ الأَوثان والأَصنام آلِهَةً، وَهِيَ "جَمْعُ إِلَاهَةٍ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}، وَهِيَ أَصنام عَبَدَها قَوْمُ فِرْعَوْنَ مَعَهُ.
وَاللَّهُ: أَصله إلاهٌ، عَلَى فِعالٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لأَنه مأَلُوه أَي مَعْبُودٌ، كَقَوْلِنَا إمامٌ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعول لأَنه مُؤْتَمّ بِهِ، فَلَمَّا أُدخلت عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامُ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَتَا عِوَضًا مِنْهَا لَمَا اجْتَمَعَتَا مَعَ المعوَّض مِنْهُ فِي قَوْلِهِمُ الإِلاهُ، وَقُطِعَتِ الْهَمْزَةُ فِي النِّدَاءِ لِلُزُومِهَا تَفْخِيمًا لِهَذَا الِاسْمِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَسَمِعْتُ أَبا عَلِيٍّ النَّحْوِيَّ يَقُولُ إِن الأَلف وَاللَّامَ عِوَضٌ مِنْهَا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اسْتِجَازَتُهُمْ لِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَوْصُولَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ فِي الْقَسَمِ وَالنِّدَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَفأَللهِ لَتفْعَلَنّ وَيَا أَللَّهُ اغْفِرْ لِي، أَلا تَرَى أَنها لَوْ كَانَتْ غَيْرَ عِوَضٍ لَمْ تُثْبَتْ كَمَا لَمْ تُثْبَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الِاسْمِ؟ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَيضًا أَن يَكُونَ لِلُزُومِ الْحَرْفِ لأَن ذَلِكَ يُوجِبُ أَن تُقْطَعَ هَمْزَةُ الَّذِي وَالَّتِي، وَلَا يَجُوزُ أَيضًا أَن يكون لأَنها هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً كَمَا لَمْ يَجُزْ فِي ايْمُ اللَّهِ وايْمُن اللَّهِ الَّتِي هِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ، فَإِنَّهَا مَفْتُوحَةٌ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَيضًا أَن يَكُونَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، لأَن ذَلِكَ يُوجِبُ أَن تُقْطَعَ الْهَمْزَةُ أَيضًا فِي غَيْرِ هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ، فَعَلِمْنَا أَن ذَلِكَ لِمَعْنًى اخْتُصَّتْ بِهِ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، وَلَا شَيْءَ أَولى بِذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ أَن يَكُونَ المُعَوَّضَ مِنَ الْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ الْفَاءُ، وَجَوَّزَ سِيبَوَيْهِ أَن يَكُونَ أَصله لَاهَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: وَلَوْ كَانَتَا عِوَضًا مِنْهَا لَمَا اجْتَمَعَتَا مَعَ المعوَّض عَنْهُ فِي قَوْلِهِمِ الإِلَهُ، قَالَ: هَذَا رَدٌّ عَلَى أَبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ لأَنه كَانَ يَجْعَلُ الأَلف وَاللَّامَ فِي اسْمِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ عِوَضًا مِنَ الْهَمْزَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ قَوْلِهِمِ الإِلَهُ، لأَن اسْمَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الإِلَهُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَحْذُوفَ الْهَمْزَةِ، تَفَرَّد سُبْحَانَهُ بِهَذَا الِاسْمِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَإِذَا قِيلَ الإِلاه انْطَلَقَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعَلَى مَا يُعْبَدُ مِنَ الأَصنام، وَإِذَا قُلْتَ اللَّهُ لَمْ يَنْطَلِقْ إِلَّا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلِهَذَا جَازَ أَن يُنَادَى اسْمُ اللَّهِ، وَفِيهِ لَامُ التَّعْرِيفِ وَتُقْطَعُ هَمْزَتُهُ، فَيُقَالُ يَا أَللَّهُ، ولا يجوز يا لإِلهُ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مَقْطُوعَةً هَمْزَتُهُ وَلَا مَوْصُولَةً، قَالَ: وَقِيلَ فِي اسْمِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ إِنَّهُ مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَه إذا تَحَيَّرَ، لأَن الْعُقُولَ تَأْلَهُ فِي عَظَمَتِهِ.
وأَلِهَ يَأْلَه أَلَهًا أَي تَحَيَّرَ، وأَصله وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهًا.
وَقَدْ أَلِهْتُ عَلَى فُلَانٍ أَي اشْتَدَّ جَزَعِي عَلَيْهِ، مِثْلُ وَلِهْتُ، وَقِيلَ: هُوَ مأْخوذ مَنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِلَى كَذَا أَي لجأَ إِلَيْهِ لأَنه سُبْحَانَهُ المَفْزَعُ الَّذِي يُلْجأُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَمر؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " أَلِهْتَ إلينا والحَوادِثُ جَمَّةٌ وقال آخَرُ: أَلِهْتُ إِلَيْهَا والرَّكائِبُ وُقَّف "والتَّأَلُّهُ: التَّنَسُّك والتَّعَبُّد.
والتأْليهُ: التَّعْبيد؛ قَالَ:
لِلَّهِ دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ ***سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تأَلُّهِي
ابْنُ سيدة: وقالوا يَا أَلله فقَطَعُوا، قَالَ: حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَهَذَا نَادِرٌ.
وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَنهم يَقُولُونَ: يَا اللَّهُ، فَيَصِلُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ يَعْنِي الْقَطْعَ وَالْوَصْلَ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
إنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا ***دَعَوْت: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا
فَإِنَّ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ بَدَلٌ مِنْ يَا، فَجَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ؛ وَقَدْ خففها الأَعشى فقال:
كحَلْفَةٍ مِنْ أَبي رَباحٍ ***يَسْمَعُها لاهُمَ الكُبارُ
وَإِنْشَادُ الْعَامَّةِ: يَسْمَعُها لاهُهُ الكُبارُ قَالَ: وأَنشده الْكِسَائِيُّ: يَسْمَعُها اللَّهُ وَاللَّهُ كُبَارُ.
الأَزهري: أَما إِعْرَابُ اللَّهُمَّ فَضَمُّ الْهَاءِ وَفَتْحُ الْمِيمِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ فِي اللَّفْظِ، فأَما الْعِلَّةُ وَالتَّفْسِيرُ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ، فَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى اللَّهُمَّ يَا أَللهُ أُمَّ بِخَيْرٍ، وقال الزَّجَّاجُ: هَذَا إِقْدَامٌ عَظِيمٌ لأَن كُلَّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْهَمْزِ الَّذِي طُرِحَ فأَكثر الْكَلَامِ الإِتيان بِهِ.
يُقَالُ: وَيْلُ أُمِّه ووَيْلُ امِّهِ، والأَكثر إِثْبَاتُ الْهَمْزَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَجَازَ اللَّهُ أُومُمْ واللهُ أُمَّ، وَكَانَ يَجِبُ أَن يُلْزِمَهُ يَا لأَن الْعَرَبَ تَقُولُ يَا أَللَّهُ اغْفِرْ لَنَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحد مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا اللَّهُمَّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحد يَا اللَّهُمَّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}؛ فَهَذَا الْقَوْلُ يَبْطُلُ مِنْ جِهَاتٍ: إِحْدَاهَا أَن يَا لَيْسَتْ فِي الْكَلَامِ، والأُخرى أَن هَذَا الْمَحْذُوفَ لَمْ يُتَكَلَّمْ بِهِ عَلَى أَصله كَمَا تُكُلِّمَ بِمِثْلِهِ، وأَنه لَا يُقَدَّمُ أَمامَ الدُّعاء هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَن الضَّمَّةَ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ ضَمَّةُ الْهَمْزَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي أُمَّ وَهَذَا مُحَالٌ أَن يُتْرَكَ الضمُّ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى نِدَاءِ الْمُفْرَدِ، وأَن يُجْعَلَ فِي اسْمِ اللَّهِ ضمةُ أُمَّ، هَذَا إِلْحَادٌ فِي اسْمِ اللَّهِ؛ قَالَ: وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَن قَوْلَنَا هَلُمَّ مِثْلُ ذَلِكَ أَن أَصلها هَلْ أُمَّ، وَإِنَّمَا هِيَ لُمَّ وَهَا التَّنْبِيهُ، قال: وقال الْفَرَّاءُ إِنَّ يَا قَدْ يُقَالُ مَعَ اللَّهُمَّ فَيُقَالُ يَا أَللهم؛ وَاسْتَشْهَدَ بِشِعْرٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ حُجَّةً:
وَمَا عليكِ أَن تَقُولِي كُلَّما ***صَلَّيْتِ أَو سَبَّحْت: يَا أَللَّهُمَا،
ارْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّما "قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: وَقَالَ الخليل وسيبويه وَجَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ الْمَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمُ اللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا أَلله، وَإِنَّ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ عِوَضٌ مِنْ يَا، لأَنهم لَمْ يَجِدُوا يَا مَعَ هَذِهِ الْمِيمِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَجَدُوا اسْمَ اللَّهِ مُسْتَعْمَلًا بِيَا إِذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ، فَعَلِمُوا أَن الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ بِمَنْزِلَةِ يَا فِي أَولها، وَالضَّمَّةُ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ، وَالْمِيمُ مَفْتُوحَةٌ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ قَبْلَهَا؛ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ إِذَا طَرَحَ الْمِيمَ يَا أَللَّهُ اغْفِرْ لِي، بِهَمْزَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا اللَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَمَنْ حَذَفَ الْهَمْزَةَ فَهُوَ عَلَى السَّبِيلِ، لأَنها أَلف وَلَامٌ مِثْلُ لام الحرث مِنَ الأَسماء وأَشباهه، وَمَنْ هَمَزَهَا تَوَهَّمَ الْهَمْزَةَ مِنَ الْحَرْفِ إِذْ كَانَتْ لَا تَسْقُطُ مِنْهُ الْهَمْزَةُ؛ وأَنشد:
مُبارَكٌ هُوَّ وَمَنْ سَمَّاهُ، ***عَلَى اسْمكَ، اللَّهُمَّ يَا أَللهُ
قَالَ: وَكَثُرَتِ اللَّهُمَّ فِي الْكَلَامِ حَتَّى خُفِّفَتْ مِيمُهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ يَا أَلله اغْفِرْ لِي، ويَلّله اغْفِرْ لِي، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْخَلِيلَ يَقُولُ يَكْرَهُونَ أَن يَنْقُصُوا مِنْ هَذَا الِاسْمِ شَيْئًا يَا أَلله أَي لَا يَقُولُونَ يَلَهُ.
الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا}؛ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ أَن اللَّهُمَّ كَالصَّوْتِ وأَنه لَا يُوصَفُ، وأَن رَبَّنَا مَنْصُوبٌ عَلَى نِدَاءٍ آخَرَ؛ الأَزهري: " وأَنشد قُطْرُب:
إِني إِذا مَا مُعْظَمٌ أَلَمّا ***أَقولُ: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمّا
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْفَرَّاءِ وأَبي الْعَبَّاسِ فِي اللَّهُمَّ إِنه بِمَعْنَى يَا أَلله أُمَّ إِدخالُ الْعَرَبِ يَا عَلَى اللَّهُمَّ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلا لَا بارَكَ اللهُ فِي سُهَيْلٍ، ***إِذا مَا اللهُ بَارَكَ فِي الرجالِ
إِنما أَراد اللَّهُ فقَصَر ضَرُورَةً.
والإِلاهَةُ: الْحَيَّةُ الْعَظِيمَةُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وهي الهِلالُ.
وإِلاهَةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْجَزِيرَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَفَى حَزَنًا أَن يَرْحَلَ الركبُ غُدْوةً، ***وأُصْبِحَ فِي عُلْيا إِلاهَةَ ثاوِيا
وَكَانَ قَدْ نَهَسته حَيَّةٌ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ الرِّوَايَةُ: وأُتْرَكَ فِي عُلْيَا أُلاهَةَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، قَالَ: وَهِيَ مَغارَةُ سَمَاوَة كَلْب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لأَن بِهَا دُفِنَ قَائِلُ هَذَا الْبَيْتِ، وَهُوَ أُفْنُونٌ التَّغْلَبيّ، وَاسْمُهُ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ؛ وَقَبْلَهُ:
لَعَمْرُكَ، مَا يَدْري الفَتى كَيْفَ يَتَّقي، ***إِذا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهُ واقِيَا
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
19-لسان العرب (عوي)
عوي: العَوِيُّ: الذِّئْبُ.عَوَى الكَلْبُ والذئبُ يَعْوِي عَيًّا وعُواءً وعَوَّةً وعَوْيَةً، كِلَاهُمَا نادرٌ: لَوَى خَطْمَه ثُمَّ صوَّت، وَقِيلَ: مَدَّ صَوْته وَلَمْ يُفْصِحْ.
واعْتَوَى: كَعَوى؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أَلا إِنما العُكْلِيُّ كلْبٌ، فقُل لهُ، ***إِذا مَا اعْتَوَى: إِخْسَأْ وأَلْقِ لَهُ عَرْقَا
وَكَذَلِكَ الأَسَد.
الأَزهري: عَوَت الكِلابُ والسِّباعُ تَعْوِي عُواءً، وَهُوَ صَوْتٌ تَمُدُّه وَلَيْسَ بِنَبْحٍ، وَقَالَ أَبو الجَرَّاح: الذِّئْبُ يَعْوِي؛ " وأَنشدني أَعرابي:
هَذا أَحَقُّ مَنْزِلٍ بالتَّرْكِ، ***الذِّئبُ يَعْوِي والغُرابُ يَبْكي
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَوَى الكلْبُ والذِّئبُ وابنُ آوَى يَعْوِي عُواءً صاحَ.
وَهُوَ يُعَاوِي الكلابَ أَي يُصايِحُها.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَعلم العِواء فِي الْكِلَابِ لَا يَكُونُ إِلَّا عِندَ السِّفادِ.
يُقَالُ: عاوَتِ الكِلاب إِذا اسْتَحْرَمَتْ، فإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسِّفَادِ فَهُوَ النُّباحُ لَا غَيْر؛ قَالَ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ:
جَزَى رَبُّه عَنِّي عَدِيَّ بْنَ حاتِمٍ ***جَزاءَ الكِلابِ العَاوِيَاتِ، وقَدْ فَعَلْ
وَفِي حَدِيثِ حَارِثَةَ: « كأَني أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهل النَّارِ »أَي صِياحَهُمْ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: العُوَاءُ صَوْتُ السِّباع، وكأَنَّه بالذئْبِ والكَلْبِ أَخَصُّ.
والعَوَّةُ: الصَّوْتُ، نادِر.
والعَوَّاءُ، ممدُود: الكَلْب يَعْوِي كَثيرًا.
وكَلْبٌ عَوّاءٌ: كَثِيرُ العُواء.
وَفِي الدُّعاء عَلَيْهِ: عَلَيْهِ العَفاءُ والكَلْبُ العَوَّاءُ.
والمُعَاوِيَة: الكَلْبَة المُسْتَحْرِمَةُ تَعْوي إِلى الْكِلَابِ إِذا صَرَفَتْ ويَعْوينَ، وَقَدْ تَعاوَتِ الكِلابُ.
وعاوَت الكِلابُ الكَلْبَة: نابَحَتْها.
ومُعاوِيَةُ: اسْمٌ، وَهُوَ مِنْهُ، وَتَصْغِيرُ مُعَاوِيَة مُعَيَّة؛ هَذَا قَوْلُ أَهل الْبَصْرَةِ، لأَن كلَّ اسْمٍ اجْتمَع فِيهِ ثَلَاثُ ياءاتٍ أُولاهُنَّ ياءُ التصغير خُذِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، فإِن لَمْ تَكُنْ أُولاهن يَاءُ التَّصْغِير لَمْ يُحْذَف مِنْهُ شيءٌ، تَقُولُ فِي تَصْغِيرِ مَيَّة مُيَيَّة، وأَما أَهلُ الْكُوفَةِ فَلَا يَحْذِفُونَ مِنْهُ شَيْئًا يَقُولُونَ فِي تَصْغِيرِ مُعَاوِيَة مُعَيِّيَة، عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ أُسَيِّد، ومُعَيْوَة، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أُسَيْوِد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَصْغِيرُ مُعَاوِيَة، عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، مُعَيْوِيَة عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فِي أَسْودَ أُسَيْوِد، ومُعَيَّة عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أُسَيِّدٌ، ومُعَيِّيَة عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فِي أَحْوَى أُحَيِّيٌ، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبي عَمْرِو بْنِ العَلاء، قَالَ: وقولُ الجَوْهري ومُعَيْوة عَلَى قَوْلِ مَنْ يقولُ أُسَيْوِد غَلَطٌ، وَصَوَابُهُ كَمَا قُلنا، وَلَا يَجُوزُ مُعَيْوة كَمَا لَا يَجُوزُ جُرَيْوة فِي تَصْغِيرِ جِرْوة، وإِنما يَجُوزُ جُرَيَّة.
وَفِي المَثَل: لَوْ لَك أَعْوِي مَا عَوَيْتُ؛ وأَصله أَنَّ الرجلَ كَانَ إِذا أَمْسى بالقَفْرِ عَوَى ليُسمِعَ الكِلابَ، فَإِنْ كَانَ قُرْبَه أَنِيسٌ أَجابَتْه الكلابُ فاستَدَلَّ بعُوائها، فعَوَى هَذَا الرجلُ فجاءَهُ الذِّئْب فَقَالَ: لَو لَك أَعْوِي مَا عَوَيْتُ، وَحَكَاهُ الأَزهري.
وَمِنْ أَمثالهم فِي المُستَغِيث بمَنْ لَا يُغِيثُه قولُهم: لَوْ لَكَ عَوَيْتُ لَمْ أَعْوِهْ؛ قَالَ: وأَصله الرجلُ يَبِيتُ بالبَلَدِ القَفْرِ فيَستَنْبِحُ الكِلابَ بعُوائِه ليَسْتَدِلَّ بنُباحِها عَلَى الحَيِّ، وَذَلِكَ أَنّ رَجُلًا باتَ بالقَفْرِ فاستَنْبَح فأَتاه ذِئْبٌ فَقَالَ: لَوْ لَكَ عَوَيْتُ لَمْ أَعْوِهْ، قَالَ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا دَعا قَوْمًا إِلى الفِتنة، عَوَى قَوْمًا فاستُعْوُوا، وَرَوَى الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ: هُوَ يَستَعْوي القَوْمَ ويَسْتَغْويهم أَي يَستَغِيثُ بهمْ.
وَيُقَالُ: تَعَاوَى بنُو فلانٍ عَلَى فلانٍ وتَغاوَوْا عَلَيْهِ إِذا تَجَمَّعُوا عَلَيْهِ، بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ.
وَيُقَالُ: استَعْوَى فُلَانٌ جَماعَةً إِذا نَعَقَ بِهِمْ إِلى الفِتنَة.
وَيُقَالُ للرجُل الحازمِ الجَلْدِ: مَا يُنْهى وَلَا يُعْوَى.
وَمَا لَهُ عاوٍ وَلَا نابحٌ أَي مَا لَهُ غَنَم يَعْوي فِيهَا الذئبُ ويَنْبَح دُونَهَا الكَلب، ورُبَّما سُمِّي رُغاءُ الفصِيلِ عُواءً إِذا ضَعُف؛ قَالَ:
بِهَا الذِّئْبُ مَحزُونًا كأَنَّ عُواءَهُ ***عُواءُ فَصِيلٍ، آخِرَ الليْلِ، مُحْثَلِ
وعَوَى الشيءَ عَيًّا واعْتَواهُ: عَطَفَه؛ قَالَ:
فلَمَّا جَرَى أَدْرَكنَه فاعْتَوَيْنَه ***عَنِ الغايَة الكُرْمى، وهُنَّ قُعودُ
وعَوَى القَوْسَ: عَطَفَها.
وعَوَى رأْسَ النَّاقَةِ فانْعَوَى: عاجَه.
وعَوَتِ الناقَةُ البُرَةَ عَيًّا إِذا لَوَتْها بخَطْمِها؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
إِذا مَطَوْنا نِقْضَةً أَو نِقضا، ***تَعْوِي البُرَى مُسْتَوْفِضاتٍ وَفْضا
وعَوى القَومُ صُدُورَ رِكابهمْ وعَوَّوْها إِذا عَطَفُوها.
وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنَّ أُنَيْفًا سأَله عَنْ نَحرِ الإِبلِ فأَمَرَه أَن يَعْوِيَ رُؤوسَها »أَي يَعْطِفَها إِلى أَحَد شِقَّيها لتَبرُز اللَّبةُ، وَهِيَ المَنحَرُ.
والعَيُّ: اللَّيُّ والعَطْفُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وعَوَيْتُ الشَّعْر والحَبل عَيًّا وعَوَّيْته تَعْوِيَةً لَوَيته؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وكأَنَّها، لَمَّا عَوَيْت قُرُونَها، ***أَدْماءُ ساوَقَها أَغَرُّ نَجِيبُ
واستَعْوَيته أَنا إِذا طَلَبتَ مِنْهُ ذَلِكَ.
وكلُّ مَا عَطَفَ مِنْ حَبْلٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ عَواهُ عَيًّا، وَقِيلَ: العَيُّ أَشَدُّ مِنَ اللَّيِّ.
الأَزهري: عَوَيْتُ الحبلَ إِذا لَوَيتَه، والمصدَر العَيُّ.
والعَيُّ فِي كلِّ شيءٍ: اللَّيُّ.
وعَفَتَ يَدَهُ وعَواها إِذا لَواها.
وَقَالَ أَبو العَمَيثَلِ: عَوَيْت الشيءَ عَيًّا إِذا أَمَلْته.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: عَوَيْت العِمامَة عَيَّةً ولَوَيتُها لَيَّةً.
وعَوَى الرجلُ: بَلَغَ الثَّلَاثِينَ فقَويَتْ يَدهُ فعَوَى يَدَ غَيْرِهِ أَي لَواها لَيًّا شَدِيدًا.
وَفِي حَدِيثِ الْمُسْلِمِ قاتِلِ المشرِكِ الَّذِي سَبَّ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فتَعَاوَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ »أَي تعاوَنوا وتَساعَدوا، وَيُرْوَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
الأَزهري: العَوّا اسمُ نَجمٍ، مقصورٌ، يكتَب بالأَلف، قَالَ: وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ مِنْ أَنْواءِ البَرْدِ؛ قَالَ سَاجِعُ الْعَرَبِ: إِذا طَلَعَتِ العَوَّاءُ وجَثَم الشِّتاءُ طَابَ الصِّلاءُ؛ وَقَالَ ابْنُ كُناسة: هِيَ أَربعة كواكبَ ثلاثةٌ مُثَفَّاةٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَالرَّابِعُ قريبٌ مِنْهَا كأَنه مِنَ النَّاحِيَةِ الشاميَّة، وَبِهِ سُمِّيَتِ العَوَّاءُ كأَنه يَعْوِي إِليها مِنْ عُواءِ الذئْب، قَالَ: وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ عَوَيْتُ الثوبَ إِذا لَوَيتَه كأَنه يعْوي لَمَّا انْفَرَدَ.
قَالَ: والعَوَّاءُ فِي الْحِسَابِ يَمانيَةٌ، وَجَاءَتْ مُؤَنَّثَة عَنِ الْعَرَبِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَوَّل اليَمانية السِّماكُ الرامِحُ، وَلَا يُجْعَلُ العَوَّاء يَمَانِيَةً لِلْكَوْكَبِ الفَردِ الَّذِي فِي النَّاحِيَةِ الشاميَّة.
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: العَوَّاءُ ممدودةٌ، وَالْجَوْزَاءُ مَمْدُودَةٌ، والشِّعْرى مَقْصُورٌ.
وَقَالَ شِمْرٌ: العَوَّاءُ خَمْسَةُ كواكِبَ كأَنها كِتابة أَلِفٍ أَعْلاها أَخفاها، وَيُقَالُ: كأَنها نُونٌ، وتُدْعى ورِكي الأَسَد وعُرْقوبَ الأَسَد، وَالْعَرَبُ لَا تُكْثِرُ ذِكْرَ نَوْئِها لأَن السِّماكَ قَدِ استَغْرَقَها، وَهُوَ أَشهر مِنْهَا، وطُلوعها لاثنَتين وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ أَيلولٍ، وسقُوطُها لِاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً تَخْلُو مِنْ أَذار؛ وَقَالَ الحُصَيْني فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا الْمَنَازِلَ:
وانْتَثَرَت عَوَّاؤه ***تَناثُرَ العِقْد انْقَطعْ
وَمِنْ سَجْعِهِمْ فِيهَا: إِذا طَلَعت العَوَّاءُ ضُرِبَ الخِباءُ وطابَ الهواءُ وكُرِه العَراءُ وشَثُنَ السِّقاءُ.
قَالَ الأَزهري: مَن قَصَرَ العَوَّا شَبَّهَها باسْتِ الكلبِ، ومَن مَدَّها جَعَلها تَعْوِي كَمَا يَعْوِي الكلبُ، "والقَصْرُ فِيهَا أَكثرُ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَوَّاءُ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ يُمَدُّ ويُقصَر، والأَلف فِي آخِرِهِ للتأْنيث بِمَنْزِلَةِ أَلِفِ بُشْرَى وحُبْلى، وعينُها ولامُها وَاوَانِ فِي اللَّفْظِ كَمَا تَرَى، أَلَا تَرَى أَن الواوَ الْآخِرَةَ الَّتِي هِيَ لامٌ بَدَلٌ مِنْ ياءٍ، وأَصلها عَوْيَا وَهِيَ فَعْلَى مِنْ عَوَيْت؟ قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ لِي أَبو عَلِيٍّ إِنَّمَا قيلَ العَوَّا لأَنها كواكبُ مُلْتَويةٌ، قَالَ: وَهِيَ مِنْ عَوَيْتُ يدَه أَي لَوَيتها، فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ أَصلها عَوْيا وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَبَقَتِ الأُولى بِالسُّكُونِ، وَهَذِهِ حالٌ تُوجِبُ قَلْب الْوَاوِ يَاءً وليستْ تَقْتَضِي قلبَ الْيَاءِ وَاوًا، أَلا تَرَاهُمْ قَالُوا طَوَيْت طَيًّا وشوَيْت شَيًّا، وأَصلُهما طَوْيًا وشَوْيًا، فقلت الواوَ يَاءً، فهلَّا إِذْ كَانَ أَصل العَوَّا عَوْيَا قَالُوا عَيًّا فقلَبوا الْوَاوَ يَاءً كَمَا قَلَبُوهَا فِي طَوَيت طَيًّا وشَوَيت شَيًّا؟ فَالْجَوَابُ أَن فَعْلَى إِذَا كَانَتِ اسْمًا لَا وَصْفًا، وَكَانَتْ لامُها يَاءً، قُلِبَتْ يَاؤُهَا وَاوًا، وَذَلِكَ نَحْوَ التَّقْوَى أَصلُها وَقْيَا، لأَنها فَعْلَى مِنْ وَقَيْت، والثَّنْوَى وَهِيَ فَعْلَى مِنْ ثَنَيْتُ، والبَقْوَى وَهِيَ فَعْلى مِنْ بَقِيت، والرَّعْوَى وَهِيَ فَعْلَى من رَعَيْت، فَكَذَلِكَ العَوَّى فَعْلى مِنْ عَوَيْت، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ اسمٌ لَا صِفَةٌ بِمَنْزِلَةِ البَقْوَى والتَّقْوَى والفَتْوَى، فَقُلِبَتِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لامٌ وَاوًا، وَقَبْلَهَا الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ وَاوٌ، فَالْتَقَتْ وَاوَانِ الأُولى سَاكِنَةٌ فأُدغمت فِي الآخِرة فَصَارَتْ عَوًّا كَمَا تَرَى، وَلَوْ كَانَتْ فَعْلَى صِفَةً لَمَا قُلِبَت يَاؤُهَا وَاوًا، ولَبَقِيَت بِحَالِهَا نَحْوَ الخَزْيَا والصَّدْيا، وَلَوْ كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْيَاءِ واوٌ لَقُلِبَت الواوُ يَاءً كَمَا يَجِبُ فِي الواوِ وَالْيَاءِ إِذَا التَقَتا وسَكَن الأَوَّل مِنْهُمَا، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِمُ امرأَة طَيَّا ورَيَّا، وأَصلُهما طوْيَا ورَوْيَا، لأَنهما مِنْ طَوَيْت ورَوِيت، فَقُلِبَتِ الواوُ مِنْهُمَا يَاءً وأُدغِمَت فِي الْيَاءِ بَعْدَها فَصَارَتْ طَيَّا وريَّا، وَلَوْ كَانَتْ رَيَّا اسْمًا لوَجَب أَن يُقال رَوَّى وحالُها كحالِ العَوَّا، قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمُ العَوَّاءُ، بالمدِّ، فِي هَذَا المنزِلِ مِنْ منازِل القَمر؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والقولُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنه زَادَ لِلْمَدِّ الْفَاصِلِ أَلفَ التأْنيثِ الَّتِي فِي العَوَّاء، فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ مثالُ العَوَّا أَلفين، كَمَا تَرَى، سَاكِنَيْنِ، فَقُلِبَتِ الْآخِرَةُ الَّتِي هِيَ عَلَمُ التأْنيث هَمْزَةً لمَّا تَحَرَّكَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، والقولُ فِيهَا القولُ فِي حَمْرَاءَ وصَحْراءَ وصَلْفاءَ وخَبْراءَ، فَإِنْ قِيلَ: فلَمَّا نُقِلَت مِنْ فَعْلى إِلَى فَعْلاء فَزَالَ القَصْرُ عَنْهَا هَلَّا رُدَّت إِلَى الْقِيَاسِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِزَوَالِ وَزْنِ فَعْلى الْمَقْصُورَةِ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ أَلْوى وامرأَة لَيَّاءُ، فهلَّا قَالُوا عَلَى هَذَا العَيَّاء؟ فَالْجَوَابُ أَنهم لَمْ يَبْنوا الكَلِمةِ عَلَى أَنها مَمْدُودَةٌ البَتَّة، وَلَوْ أَرادوا ذَلِكَ لَقَالُوا العَيَّاء فَمَدُّوا، وأَصله العَوْياء، كَمَا قَالُوا امرأَة لَيَّاء وأَصلها لَوْياء، وَلَكِنَّهُمْ إِنَّمَا أَرادوا القَصْر الَّذِي فِي العَوّا، ثُمَّ إِنَّهُمُ اضْطُرُّوا إِلَى الْمَدِّ فِي بَعْضِ المواضِع ضَرُورَةً، فبَقّوا الْكَلِمَةَ بحالِها الأُولى مِنْ قَلْبِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لامٌ وَاوًا، وَكَانَ تَرْكُهُم القلبَ بحالِه أَدلَّ شيءٍ عَلَى أَنهم لَمْ يَعتَزِموا الْمَدَّ البتَّة، وأَنهم إِنَّمَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ فَرَكبوه، وَهُمْ حِينَئِذٍ لِلْقَصْرِ ناوُون وَبِهِ مَعْنيُّون؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
فلَو بَلَغَتْ عَوّا السِّماكِ قَبيلةٌ، ***لزادَت علَيها نَهْشَلٌ وتَعَلَّت
وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ إِلَى الْحُطَيْئَةِ.
الأَزهري: والعَوَّاء النابُ مِنَ الإِبلِ، ممدودةٌ، وَقِيلَ: هِيَ فِي لُغة هُذيل النابُ الكَبيرة الَّتِي لَا سَنامَ لَهَا؛ وَأَنْشَدَ:
وَكَانُوا السَّنامَ اجْتُثَّ أَمْسِ، فقَوْمُهُم ***كَعَوَّاءَ بَعْدَ النِّيِّ غابَ رَبِيعُها
وعَوَاهُ عَنِ الشَّيْءِ عَيًّا: صَرفه.
وعَوَّى عَنِ الرجُل: كَذَّب عَنْهُ وردَّ عَلَى مُغْتابه.
وأَعْوَاءٌ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ عبدُ منافِ بنُ رِبْع الهُذلي:
أَلا رُبَّ داعٍ لَا يُجابُ، ومُدَّعٍ ***بساحةِ أَعْوَاءٍ وناجٍ مُوائِلِ
الْجَوْهَرِيُّ: العَوَّاءُ سافِلَة الإِنسانِ، وَقَدْ تُقْصر.
ابْنُ سِيدَهْ: العَوَّا والعُوَّى والعَوَّاء والعُوَّة كلُّه الدُّبُر.
والعَوَّةُ: عَلَم مِنْ حِجارة يُنْصَب عَلَى غَلْظِ الأَرض.
والعَوَّةُ.
الضَّوَّة وعَوْعَى عَوْعاةً: زجَرَ الضأْنَ.
اللَّيْثُ: العَوَّا والعَوّة لُغَتَانِ وَهِيَ الدُّبُر؛ وأَنشد:
قِيامًا يُوارُون عَوَّاتِهمْ ***بِشَتْمِي، وعَوَّاتُهُم أَظْهَر
وَقَالَ الْآخَرُ فِي العَوَّا بِمَعْنَى العَوَّة:
فَهَلَّا شَدَدْتَ العَقْدَ أَو بِتَّ طاوِيًا، ***ولم يفرح العَوَّا كما يفرح القتْبُ
والعَوّةُ والضَّوَّةُ: الصَّوْتُ والجلَبَة.
يُقَالُ: سمِعت عَوَّةَ القومِ وضَوَّتَهُم أَي أَصْواتَهُم وجَلَبَتَهُم، والعَوُّ جَمْعُ عَوَّةٍ، وَهِيَ أُمُّ سُوَيْد.
وَقَالَ اللَّيْثُ: عَا، مَقْصورٌ، زجْرٌ للضِّئِينَ، ورُبَّما قَالُوا عَوْ وَعَاءٍ وعايْ، كُلُّ ذَلِكَ يُقال، وَالْفِعْلُ مِنْهُ عاعَى يُعاعِي مُعَاعَاةً وَعَاعَاةً.
وَيُقَالُ أَيضًا: عَوْعَى يُعَوْعِي عَوْعاةً وعَيْعَى يُعَيْعِي عَيْعَاة وعِيعَاءً؛ وأَنشد:
وَإِنَّ ثِيابي مِنْ ثِيابِ مُحَرِّقٍ، ***ولمْ أَسْتَعِرْها مِنْ مُعَاعٍ وناعِقِ
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
20-مختار الصحاح (أله)
(أَلَهَ) يَأْلَهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا (إِلَاهَةً) أَيْ عَبَدَ.وَمِنْهُ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «وَيَذَرَكَ وَ (إِلَاهَتَكَ) » بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ وَعِبَادَتَكَ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يُعْبَدُ.
وَمِنْهُ قَوْلُنَا اللَّهُ وَأَصْلُهُ (إِلَاهٌ) عَلَى
فِعَالٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّهُ مَأْلُوهٌ أَيْ مَعْبُودٌ كَقَوْلِنَا إِمَامٌ بِمَعْنَى مُؤْتَمٍّ بِهِ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ وَلَوْ كَانَتَا عِوَضًا مِنْهُمَا لَمَا اجْتَمَعَتَا مَعَ الْمُعَوَّضِ فِي قَوْلِهِمُ (الْإِلَهُ) وَقُطِعَتِ الْهَمْزَةُ فِي النِّدَاءِ لِلُزُومِهَا تَفْخِيمًا لِهَذَا الِاسْمِ.
وَسَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ النَّحْوِيَّ يَقُولُ: إِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عِوَضٌ.
قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اسْتِجَازَتُهُمْ لِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَوْصُولَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ فِي الْقَسَمِ وَالنِّدَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَفَأَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ، وَيَا أَللَّهُ اغْفِرْ لِي.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ عِوَضٍ لَمْ تَثْبُتْ كَمَا لَمْ تَثْبُتْ فِي غَيْرِ هَذَا الِاسْمِ.
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلُزُومِ الْحَرْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ تُقْطَعَ هَمْزَةُ الَّذِي وَالَّتِي وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً كَمَا لَمْ يَجُزْ فِي: ايْمُ اللَّهِ وَايْمُنُ اللَّهِ، الَّتِي هِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ.
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ تُقْطَعَ الْهَمْزَةُ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى اخْتُصَّتْ بِهِ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا وَلَا شَيْءَ أَوْلَى بِذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُعَوَّضَ مِنَ الْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ الْفَاءُ.
وَجَوَّزَ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ لَاهًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَ (إِلَاهَةُ) اسْمٌ لِلشَّمْسِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ، وَرُبَّمَا صَرَفُوهُ وَأَدْخَلُوا فِيهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فَقَالُوا: الْإِلَاهَةُ وَأَنْشَدَنِي أَبُو عَلِيٍّ:
وَأَعْجَلْنَا الْإِلَاهَةَ أَنْ تَئُوبَا
وَلَهُ نَظَائِرُ فِي دُخُولِ لَامِ التَّعْرِيفِ وَسُقُوطِهَا.
مِنْ ذَلِكَ نَسْرٌ وَالنَّسْرُ اسْمُ صَنَمٍ، وَكَأَنَّهُمْ سَمَّوْهَا إِلَاهَةَ لِتَعْظِيمِهِمْ لَهَا وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا وَ (الْآلِهَةُ) الْأَصْنَامُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ تَحِقُّ لَهَا وَأَسْمَاؤُهُمْ تَتْبَعُ اعْتِقَادَاتِهِمْ لَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ.
وَ (التَّأْلِيهُ) التَّعْبِيدُ وَ (التَّأَلُّهُ) التَّنَسُّكُ وَالتَّعَبُّدُ وَتَقُولُ: (أَلِهَ) أَيْ تَحَيَّرَ وَبَابُهُ طَرِبَ وَأَصْلُهُ وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهًا.
مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م
21-صحاح العربية (أله)
[أله] أَلهَ بالفتح إِلاهَةً، أي عبد عبادة.ومنه قرأ ابن عباس رضي الله عنهما: (ويذرك وإلاهتك) بكسر الهمزة.
قال.
وعبادتك.
وكان يقول: إن فرعون كان يعبد [في الارض].
ومنه قولنا " الله " وأصله إلاه على فعال، بمعنى مفعول، لانه مألوه أي معبود، كقولنا: إمام فعال بمعنى مفعول، لانه مؤتم به، فلما أدخلت عليه الالف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام.
ولو كانتا عوضا منها لما اجتمعتا مع المعوض منه في قولهم: الاله.
وقطعت الهمزة في النداء للزومها تفخيما لهذا الاسم.
وسمعت أبا على النحوي يقول: إن الالف واللام عوض منها.
قال: ويدل على ذلك استجازتهم لقطع الهمزة الموصولة الداخلة على لام التعريف في القسم والنداء، وذلك قولهم: أفألله ليفعلن، ويا ألله اغفر لى.
ألا ترى أنها لو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت في غير هذا الاسم.
قال: ولا يجوز أيضا أن يكون للزوم الحرف، لان ذلك يوجب أن تقطع همزة الذى والتى.
ولا يجوز أيضا أن يكون لانها همزة مفتوحة وإن كانت موصولة، كما لم يجز في ايم الله وايمن الله التى هي همزة وصل فإنها مفتوحة.
قال: ولا يجوز أيضا أن يكون ذلك لكثرة الاستعمال، لان ذلك يوجب أن تقطع الهمزة أيضا في غير هذا مما يكثر استعمالهم له.
فعلمنا أن
ذلك لمعنى اختصت به ليس في غيرها، ولا شئ أولى بذلك لمعنى من أن يكون المعوض من الحرف المحذوف الذى هو الفاء.
وجوز سيبويه أن يكون أصله لاها على ما نذكره من بعد.
وإلاهة: اسم موضع بالجزيرة.
وقال: كفى حزنا أن يرحل الركب غدوة *** وأصبح في عليا إلاهة ثاويا وكان قد نهشته حية.
وإلاهة أيضا: اسم للشمس غير مصروف بلا ألف ولام، وربما صرفوه وأدخلوا فيه الالف واللام فقالوا الالاهة.
وأنشدني أبو علي: تروحنا من اللعباء قصرا *** وأعجلنا الالاهة أن تؤوبا
وقد جاء على هذا غير شئ من دخول لام المعرفة مرة وسقوطها أخرى، قالوا: لقيته الندرى وفى ندرى، وفينة والفينة بعد الفينة، ونسر والنسر: اسم صنم، فكأنهم سموها إلاهة لتعظيمهم لها وعبادتهم إياها.
والآلهة: الاصنام، سموها بذلك لاعتقادهم أنَّ العبادة تَحُقُّ لها، وأسماؤهم تَتْبَعُ اعتقاداتِهم لا ما عليه الشئ في نفسه.
والتأليه: التعبيد.
والتَأَلُّهُ: التَّنَسُّكُ والتَعَبُّدُ.
قال رؤبة:
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ من تأَلُّهي *** وتقول: أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهًا، أي تحير ; وأصله وله يوله ولها.
وقد ألِهْتُ على فلانٍ، أي اشتدَّ جزعي عليه، مثل ولِهْتُ.
صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م
22-تهذيب اللغة (عوى)
عوى: قال الليث: عوت الكلابُ والسباع تَعْوي عُوَاء وهو صوت تمدّه وليس بنبح.أبو عبيد عن أبي الجراح قال: الذئب يَعْوِي.
وأنشدني أعرابيّ:
هذا أحقّ منزل بالترك *** الذئب يَعْوِي والغراب يبكي
ومن أمثالهم في المستغيث بمن لا يغيثه قولهم: لو لك عَوَيت لم أَعْوِهْ.
وأصله الرجل يبيت بالبلد القفر فيستنبح الكلاب بعُوائه ليندلّ بنُباحها على الحيّ.
وذلك أن رجلًا بات بالقَفْر فاستنبح، فأتاه ذئب، فقال: لو لك عَوَيت لم أَعْوِهْ.
وقال الليث: يقال عَوَيت الحبلَ إذا لويته.
والمصدر العَيّ.
والعَيُ في كل شيء: الليّ.
قال: وعَوَيت رأس الناقة إذا عُجْتها، فانعوى.
والناقة تَعْوِي بُرَتها في سيرها إذا لوتها بخَطْمها.
وقال رؤبة:
* تعوي البُرَى مستوفضات وفضا*
قال: ويقال للرجل إذا دعا قومًا إلى الفتنة: عَوَى قومًا فاستُعْوُوا.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن سلمة عن الفراء أنه قال: هو يستعوي القومَ، ويستغويهم أي يستغيث بهم.
وقال الليث: المُعَاوية: الكلبة المستحرمة تَعْوِي إلى الكلاب إذا صَرَفت ويَعْوِين.
وقد تعاوت الكلاب.
ويقال تعاوى بنو فلان على فلان وتغاوَوْا عليه إذا تجمّعوا عليه، بالعين والغين.
قال: والعَوَّى مقصور: نجم من منازل القمر، وهو من أنواء البرد.
وقال ساجع العرب: إذا طلعت العَوَّاء، وجَثَمَ الشتاء، طاب الصِّلاء.
وقال ابن كُناسة: هي أربعة كواكب: ثلاث مثفَّاة متفرقة، والرابع قريب منها كأنه من الناحية الشأميّة، وبه سُمِّيت العَوَّاء، كأنه يَعْوِي إليها من عُوَاء الذئب.
قال: وهو من قولك: عويت الثوب إذا لويته، كأنه يَعْوِي لمَّا انفرد.
قال: والعوّاء في الحساب يمانية.
وجاءت مؤنثة عن العرب.
قال: ومنهم من يقول: أول اليمانية السِّماك الرامح، ولا يجعل العَوّاء يمانية؛ للكوكب الفرد الذي في الناحية الشأمية.
وقال ابن هانىء: قال أبو زيد: العَوَّاء ممدود؛ والجوزاء ممدود، والشِّعْرى مقصور.
وقال الليث: العَوَى والعَوَّة لغتان، وهي الدُبُر.
وأنشد:
قيامًا يوارون عَوَّاتهم *** بشتمي وعَوَّاتهم أظهرُ
وقال الآخر في العَوَّى بمعنى العَوَّة:
فهلا شددت العقْد أو بتّ طاويا *** ولم تَفْرُج العوَّى كما يُفرج القَتَبْ
وقال شمر: العَوَّاء خمسة كواكب كأنها كتابةُ ألِف، أعلاها أخفاها.
ويقال: كأنها نون.
وتدعى وَرِكي الأسد، وعرقوب الأسد.
والعرب لا تكثر ذكر نوئها، لأن السماك قد استغرقها وهو أشهر منها وطلوعها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من أيلول، وسقوطها لاثنتين وعشرين ليلة تخلو من آذار.
وقال الْحُصَينيّ في قصيدته التي يذكر فيها المنازل:
وانتثرت عَوّاؤه *** تناثُر العِقْد انقطع
ومن سجعهم فيها: إذا طلعت العَوَّاء ضرب الخِبَاء، وطاب الهواء، وكُرِه العراء، وشَنَّن السقاءُ.
قلت أنا: من قصر العَوَّى شبَّهها باست الكلب، ومن مدّها جعلها تعوِي من يعوِي الكلب، والمد فيها أكثر.
ويقال عَفَت يده وعواها إذا لواها.
وقال أبو مالك: عوت الناقة البُرَة إذا لوتها عَيًّا.
وعَوَى القوم صدور ركابهم وعَوَّوها إذا عطفوها.
أبو عبيد عن الكسائي: عَوَّيت عن الرجل إذا كذَّبت عنه وردَدْت.
أبو عبيد عن أبي زيد: العَوَّة والضَوَّةُ: الصوت.
ثعلب عن ابن الأعرابي: قال العَوِيّ: الذئب: وقال الأصمعي: يقال للرجل الحازم الجلد: ما يُنْهَى ولا يُعْوَى.
وقال أبو العميثل: عَوْيت الشيء عَيًّا إذا أملته.
وقال الفراء: عَوَيت العمامة عَيّة، ولويتها لَيَّة، وعَوَى القوس: عطفها.
وقال ابن الأعرابي: العَوُّ جمعُ عَوَّة، وهي أم سُوَيد.
وقال الليث «عا» مقصور زجر الضَئِين.
وربما قالوا: عَوْ، وعايْ: وعاءِ، كلّ ذلك يقال.
والفعل منه: عَاعَى يُعاعي معاعاة وعاعاة.
ويقال: أيضًا عَوْعى يُعوعِي عوعَاة، وعَيْعَى يعيعى عيعاة وعِيْعَاءَ وأنشد:
وإن ثيابي من ثياب مُحَرِّق *** ولم أستعرها من مُعَاعٍ وناعق
عَيِيَ: أبو حاتم عن الأصمعي: عَيي فلان ـ بياءين ـ بالأمر إذا عجز عنه.
ولا يقال: أعيا به ومن العرب من يقول عَيَ به فيدغم.
ويقال في المشي: أعييت إعياء.
قال: وتكلَّمت حتى عَيِيت عِيًّا.
وإذا
أرادوا علاج شيء فعجزوا يقال: عيِيت وأنا عَيِيّ، وقال النابغة:
* عَيّت جوابًا وما بالربع من أحد*
قال: ولا ينشد: أعيت جوابًا.
وأنشد لشاعر آخر في لغة من يقول عَييَ:
وحَتَّى حَسِبناهم فوارس كَهَمْسٍ *** حَيُوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
ويقال: أعيا عليَّ هذا الأمر، وأعياني، ويقال: أعياني عَيَاؤه.
قال المَرَّار:
* وأعْيَت أن تجيب رُقى لراقي*
ويقال: أعيا به بعيره وأذَمّ، سواء.
وقال الليث: العِيّ تأسيس أصلِه من عين وياءين وهو مصدر العَيِ قال: وفيه لغتان رجل عَييّ بوزن فعيل، وقال العجاج:
* لا طائش قاقٌ ولا عَييّ *
ورجل عَيُ بوزن فَعْل، وهو أكثر من عَيّ، قال: ويقال: عَيِيَ يَعْيَا عن حُجّته عيًّا وعَيَ يعيا كلُّ يقال؛ مثل حَيي يحيا وحَيّ.
قال الله جلّ وعزّ: {وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] والرجل يتكلّف عملًا فيَعْيا به، وعنه، إذا لم يهتدِ لوجه عمله.
سلمة عن الفراء: يقال في فعل الجميع من عَيّ: عَيُّوا.
قال وأنشدني بعضهم:
يَحِدْن بنا عن كل حَيّ كأننا *** أخاريس عَيُّوا بالسلام وبالنَسَبْ
وقال آخر:
من الذين إذا قلنا حديثهمُ *** عَيُّوا وإن نحن حدَّثناهم شَغِبوا
قال: وإذا سكن ما قبل الياء الأولى لم تدغم كقولك: هو يُعْي ويُحيى.
قال: ومن العرب من أَدْغَم في مثل هذا قال: وأنشدني بعضهم:
فكأنها بين النساء سبيكة *** تمشي بسدّة بيتها فتُعِيُ
وقال أبو إسحاق: هذا غير جائز عِند حُذّاق النحويين.
وذكر أن البيت الذي استشهد به الفراء ليس بمعروف.
قلت: والقياس ما قال أبو إسحاق، وكلام العرب عليه.
وأجمع القُرَّاء على الإظهار في قوله: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الأعراف: 158].
وقال الليث: الإعياء: الكلال.
تقول: مشيت فأعييت، وأنا مُعْي.
قال: والمعاياة: أن تداخل كلامًا لا يَهتدي له صاحبُك، قال: والفحل العَيَاياء: الذي لا يَهتدِي لضراب طَرُوقته.
قال: وكذلك هو في الرجال.
قلت: وفي حديث أمّ زرع: أن المرأة السادسة قالت: زوجي عياياء، طباقاء، كلّ داء له داء.
قال أبو عبيد: العيَاياء من الإبل: الذي لا يَضْرب ولا يُلْقح، وكذلك هو من الرجال.
وقال الليث: الداء العَياء: الذي لا دواء له قال ويقال: أيضًا الداء العَيَاء: الْحُمْق.
وقال أبو زيد: جمل عَياء وجِمَال أَعْياء.
وهو الذي لا يُحسن أن يضرب.
وقالوا: حياء الناقة وجمعه أحياء.
وقال شمر: عَيِيت بالأمر وعيِيته، وأعيا عليَّ ذلك وأعياني.
وقال الليث: أعياني هذا الأمر أن أَضبِطه، وعَيِيت عنه.
وقال غيره: عيِيت فلانًا أعْياه أي جهلته.
وفلان لا يَعْياه أحد أي لا يجهله أحد، والأصل في ذلك أن تعيا عن الإخبار عنه إذا سئلت، جهلًا به.
وقال الراعي:
* يَسْأَلْن عنك ولا يعياك مسؤول*
أي: لا يجهلك.
وبنو أَعْيا: حَيّ من العرب والنسبة إليه أعْيَوِيّ.
وداء عَيِيّ مثل عياء.
ويقال: عاعى بالغنم وحاحى عِيعاءً وحِيحَاءً؛ وهو زجرها.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
23-معجم العين (ذر)
ذر: الذَّرُّ: صِغارُ النَّمل.والذَّرُّ مصدر ذَرَرْت وهو أَخْذُكَ الشيءَ بأطراف أصابِعكَ تَذُرُّه ذَرَّ المِلْحِ على الخُبْز، وتَذُرُّ الدَّواءَ في العين، والذَّرُورُ اسمُ الدّواء اليابس للعَيْن.
والذَّريرةُ: فُتاتُ قَصَبٍ من الطِّيبِ يُجاء به من الهند، كأنَّه قَصَبُ النُّشاب.
والذُّرارةُ: ما تناثر من الشيء الذي تَذُرُّه.
والذُّرِّيَّةُ فُعْلِيّة من ذّررت لأنّ اللَّهَ ذَرَّهم في الأرض فنَثَرَهُم فيها، كما أنَّ السُرِّية من تَسَرَّرْتُ، والجميع الذَّراريُّ، وإنْ خُفِّفَ جازَ.
وذُرُورُ الشمس: طُلوعُها وسُقوطُها على الأرض، وذَرَّ قَرْن الشمس، أي طَلَعَ، قال:
صُورةُ الشمسِ على صُورتِها *** كُلَّما تَغُرُبَ شمسٌ أو تذر
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م