نتائج البحث عن (وَنُتَفٌ)
1-العربية المعاصرة (نتف)
نتَفَ يَنتِف، نَتْفًا، فهو ناتف، والمفعول مَنْتوف.* نتَف الشَّعْرَ ونحوَه: نزَعه نتْشًا (نتَف لحيتَه- نتفتِ المرأةُ الرِّيشَ/الدجاجَةَ/حاجبيها).
انتتفَ ينتتف، انتِتافًا، فهو مُنتتِف، والمفعول مُنتتَف (للمتعدِّي).
* انتتف الشَّعرُ ونحوُه: مُطاوع نتَفَ: زال من منبته.
* انتتف الشَّعرَ ونحوَه: نتَفه؛ نزَعه نتْشًا (ذبح الدِّيكَ وانتتف ريشَه).
نتَّفَ ينتِّف، تنتيفًا، فهو مُنتِّف، والمفعول مُنتَّف.
* نتّف الشّعَرَ ونحوَه: نزَعه في شِدّة (نتّف ريشَ الفراخِ).
مِنتاف [مفرد]: جمعه مَناتِيفُ: اسم آلة من نتَفَ: منتاش، آلةٌ يُنزَع بها الشّعرُ، مِلْقط شعر.
نتّاف [مفرد]: صيغة مبالغة من نتَفَ.
نَتْف [مفرد]: مصدر نتَفَ.
نُتْفة [مفرد]: جمعه نُتُفات ونُتْفات ونُتَف:
1 - ما يُنْتَف بالإصبع من الرِّيش وغيره (نُتْفة نبت/شعر/ريش).
2 - شيءٌ قليل من أيّ شيء، قطعة صغيرة (نُتْفة من طعام/علم- أعطاني نُتفة من كذا).
نَتوف [مفرد]: صيغة مبالغة من نتَفَ.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-شمس العلوم (التَّفَثُ)
الكلمة: التَّفَثُ. الجذر: تفث. الوزن: فَعَل.[التَّفَثُ]، في المناسك: قصُّ الأظفار وأَخْد الشارب ونَتْف الإِبطِ وحلْق العانة ونحو ذلك، قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قرأ ابن عامر بكسر اللام في لِيَقْضُوا ولِيُوفُوا ولِيَطَّوَّفُوا ووافقه أبو عمرو في لِيَقْضُوا وأسكن الآخَرَيْن.
وكذلك عن ابن كثير ونافع ويعقوب في رواية عنهم.
والباقون بالتَسكين فيهنّ.
قال أبو عبيدة: لم يجئ في التَّفَث شعر يُحْتَجُّ به.
وفي كتاب الخليل: قال الشاعر حُجَّةً على التفث.
إِنِّي امْرُؤٌ قَدْ تَرَكْتُ وُثْنَهُمُ *** وطُفْتُ بالبَيْتِ أَبْتَغِي التَّفَثَا
وقال آخر:
مُوفُونَ أَشْعَارَهُمْ لَمْ يَقْرَبُوا تَفَثًا *** ولَمْ يَسُلُّوا لَهُمْ قَمْلًا وصِئْبانا
شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م
3-العباب الزاخر (رفغ)
رفغأبو مالك: الرَّفْغُ: الأم الوادي وشرّه ترابًا.
وجاء فلان بمال كَرَفغ التراب: أي في كثرته، قال أبو ذُؤيب الهُذلي يصف جملًا بُختيًا:
«أتى قَرْيَةً كانتْ كَثِيرًا طَعَامُهـا *** كَرَفْغِ التُّرَابِ كُلُّ شَيءٍ يَمْيُرها»
وقال الأخفش: الرَّفْغُ: الناحية. ويقال: تُراب رَفْغ وطعام رَفْغٌ وكِلْس رَفَغٌ: أي لين. وأصل الرَّفْغِ: اللين والسهولة.
وقال ابن الأعرابي: هو في رَفْغٍ من قومه وفي رَفْغٍ من القرية: أي من ناحية منهم ومنها؛ وليس في وسط القوم ووسط القرية، والجمْع: أرْفُع مثال فَلْسٍ وأفْلُسٍ-، قال رؤبة:
«لاجْتَبْتُ مَسْحُولًا جَدِيْبَ الأرْفُغِ»
أراد بالمسحول الطريق، شُبِّه بالسَّحْل وهو ثوب أبيض.
وقال أبو زيد: الرَّفْغ: الأرض السهلة، وجَمْعه: رِفاغ مثال حبْل وحبال-.
والرَّفْغُ: السعة والخِصْب، يقال: رَفُغَ عَيْشُه بالضم- رَفاغَة ورَفاغِيَةً- مثال رَفاهة وزرَفاهِيَة-: أي اتسع، فهو عيش رافِغ ورَفِيْغٌ: أي واسع طيب، وهو في رُفَغْنِيَة من العيش ورُفَهْنِيَة.
والأرْفاغُ: المغابن من الآباط وأصول الفَخِذين، الواحد رَفْغٌ ورُفْغ، قال أبو خيرة: الضم لأحل الحجاز.
وقال ابن دريد: الرَّفْغُ والرُّفْغُ أصل الفَخِذ، والجمْع: ارْفاغُ ورُفُوغ. قال: وكل موضع من الجسد يجتمع فيه الوسخ؛ فهو رُفْغ وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم-: أنه صلّى فأوهم في صلاته؛ فقيل: يا رسول الله كأنَّك أوهْمت في صلاتك؛ فقال: وكيف لا أوهم ورُفْغ أحدكم بين ظُفُره وأنْمَلِته. كأنه أراد: ووسَخ ظُفُره، فاختصر الكلام. ومما يُبين ذلك حديثه الآخر: واستبطأ الناس الوحي فقال: وكيف لا يحتبس الوحي وأنتم لا تُقَلِّمون أظفاركم ولا تُنَقَّون بَرَاجِمَكم. أراد أنكم لا تُقلِّمون أظفاركم ثم تحكُّون بها أرفاغَكُم فيعلق بها ما في الأرْفاغ.
وفي حديث "عُمر" رضي الله عنه-: إذا التقى الرُّفْغَانِ فقد وجب الغُسْل. يريد: إذا التقى ذلك من الرجل والمرأة؛ ولا يكون ذلك إلا بعد التقاء الخِتانَيْن.
وإنما أنكر في الحديث الأول طول الأظفار وترك قصَّها حتى تطول. وقال الفرّاء في قوله صلى الله عليه وسلم-: عَشر من السُّنة وذكر منها تقليم الأظفار ونَتْفَ الرُّفغين: أي نتف الإبط.
وقال النَّضر: الرُّفْغ من المَرأة: ما حول فَرْجِها، قال:
«قد زَوَّجُوْني جَيْئلًا فيها خَـدَبْ *** دَقِيْقَةَ الأرْفاغِ ضَخْماءَ الرَّكَبْ»
وقال ابن عبّاد: المَرْفُوْغَة من النساء: الصغيرة الهَنَةِ لا يصل إليها الرجل.
والرَّفْغَاء: الدقيقة الفَخِذَيْن المَعِيْقَةُ الرُّفْغَيْنِ الصغير المتاع.
والأرْقاغُ من الناس: سَفِلَتُهم.
وقال ابن دريد: الأرْفَغُ: مَوْضِع.
وقال غيره: تَرَفَّغَ الرجل المرأة: إذا قعد بين فَخِذَيْها ليَطأها.
ويقال: تَرَفَّغ فلان فوق البعير: إذا خَشي أن يرمي به خلف رجليه عند ثِيْل البعير.
والتركيب يدل على ضَعة ودناءة.
العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م
4-القاموس المحيط (مار)
مَارَ يَمُورُ مَوْرًا: تَرَدَّدَ في عَرْضٍ، وأتَى نَجْدًا،وـ الدَّمُ: جَرَى.
وأمَارَهُ: أسالَهُ.
والمَوْرُ: المَوْجُ، والاضْطرابُ، والجَرَيانُ على وَجْهِ الأرضِ، والتَّحَرُّكُ، والطريق المَوْطوءُ المُسْتَوِي، والشيءُ اللَّيِّنُ، ونَتْفُ الصُّوفِ، وساحِلٌ لِقُرى اليَمَنِ شِمالِيَّ زَبِيدَ، وبالضم: الغُبارُ المُتَرَدِّدُ، والتُّرابُ تُثيرُهُ الريحُ.
وناقَةٌ مَوَّارَةٌ: سَهْلَةُ السَّيْرِ، سَرِيعَةٌ.
وسَهْمٌ مائِرٌ: خَفيفٌ نافِذٌ داخِلٌ في الأَجْسامِ.
وامرأةٌ مارِيَّةٌ: بَيْضاءُ
بَرَّاقَةٌ.
ومُرْتُ الوَبَرَ فَانْمارَ: نَتَفْتُهُ فانْتَتَفَ.
والمُورَةُ والمُوارَةُ، بِضمهما: ما نَسَلَ من صُوف الشاةِ، حَيَّةً كانَتْ أو مَيْتَةً.
ومارَسَرْجِسَ: ع اسْمَانِ جُعِلاَ واحِدًا.
والتَّمَوُّرُ: المَجيءُ، والذَّهابُ، وأن يَذْهَبَ الشَّعَرُ يَمْنَةً ويَسْرَةً، أو أن يَسْقُطَ الوَبَرُ ونحوُهُ عن الدَّابةِ،
كالانْمِيارِ.
وامْتارَ السَّيْفَ: اسْتَلَّهُ.
ومُورانُ، بالضم: ة بنَواحي خُوزِسْتانَ، منها سليمانُ بنُ أبي أيُّوبَ المُورِيانِيُّ وزيرُ المَنْصورِ.
وخُورِيانُ مُورِيانُ: جَزيرَةٌ ببَحْرِ اليَمَنِ مِمَّا يَلِي الهِنْدَ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
5-القاموس المحيط (النسر)
النَّسْرُ: طائرٌ لأنهُ يَنْسِرُ الشيءَ، ويَقْتَنِصُهُج: أنْسُرٌ ونُسُورٌ، وصَنَمٌ كان لِذِي الكَلاعِ بأرضِ حِمْيَرَ، وكَوْكَبانِ الواقِعُ والطائرُ، ولَحْمَةٌ في باطِنِ الحافِرِ، أو ما ارْتَفَعَ في باطِنِ حافِرِ الفرسِ من أعْلاَهُ
ج: نُسُورٌ، والكَشْطُ، ونَقْضُ الجُرْحِ، ونَتْفُ الطائِر اللَّحْمَ، يَنْسِرُهُ ويَنْسُرُهُ.
والمَنْسِرُ، كمَجْلِسٍ وَمِنْبَرٍ: مِنْقارُهُ،
وـ من الخَيْلِ: ما بينَ الثلاثينَ إلى الأربَعينَ، أو من الأربَعينَ إلى الخمسينَ أو إلى الستينَ، أو من المِئَةِ إلى المِئَتَيْنِ، وقِطْعَةٌ من الجَيْش تَمُرُّ قُدَّامَ الجَيْشِ
الكثيرِ.
وتَنَسَّرَ الحَبْلُ: انْتَقَضَ،
وـ الجُرْحُ: انْتَشَرتْ مِدَّتُهُ لاِنْتِقاضِهِ،
وـ الثَّوْبُ والقِرْطاسُ: ذَهَبا شيئًا بعدَ شيءٍ،
وـ النِّعْمَةُ عنه: تَفَرَّقَتْ.
والناسُورُ: العِرْقُ الغَبِرُ الذي لا يَنْقطِعُ، عِلَّةٌ في المَأْقي، وعِلَّةٌ في حَوالِي المَقْعَدَةِ، وعِلَّةٌ في اللِّثَةِ. وككِتابٍ: ماءٌ لبني عامِرٍ له يومٌ.
ونَسْرٌ: ع بعقيقِ المدينةِ، وجَبَلانِ بِبلادِ غَنِيٍّ، وهُما النَّسْرانِ.
واسْتَنْسَرَ: صارَ كالنَّسْرِ قُوَّةً. وسُفْيانُ بنُ نَسْرٍ، وتَميمُ بنُ نَسْرٍ: صَحابِيَّانِ. ويَحْيى بنُ أبي بُكَيْرِ بن نَسْرٍ أو بِشْرٍ: قاضي كِرْمانَ، شَيْخُ مالِكٍ، أكْبَرُ من يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ.
ونَسَرَ فُلانًا: وقَعَ فيه. ونُسَيْرُ بنُ ذُعْلُوقٍ، كزُبَيْرٍ: تابِعيٌّ، ووالِدُ قَطَنٍ وعائذٍ وسَفْرٍ المُحَدِّثين، وجَدُّ عبدِ المَلِكِ بنِ مُحمدٍ المُحدِّثِ.
وقَلْعَةُ نُسَيْرِ بنِ دَيْسَمِ بنِ ثَوْرٍ: قُرْبَ نُهاوَنْدَ.
ونَاسِرُ: ة بِجُرْجانَ، منها: الحَسَنُ بنُ أحمدَ المُحدِّثُ، ومحمدُ بنُ محمدٍ الفَقيهُ الحَنَفِيُّ.
والنِّسْرينُ، بالكسر: وَرْدٌ م.
والنُّسارِيَّةُ، بالضم: العُقابُ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
6-القاموس المحيط (اللس)
اللَّسُّ: الأكلُ، واللَّحْسُ، ونَتْفُ الدابة الكَلأَ بمُقَدَّمِ فَمِها. وكغُرابٍ من البَقْلِ: ما اسْتَمْكَنَتْ منه الراعيَةُ وهو صِغارٌ.واللُّسَّانُ، كَتُبَّانٍ، أو اللُّسانُ، كغُرابٍ: عُشْبَةٌ خَشِنَةٌ كلِسانِ الثَّوْرِ، وليس به، دواءٌ من أوجاعِ ألْسِنَةِ الناسِ والإِبِلِ، وتَنْفَعُ من الخَفَقانِ، وحَرارَةِ المَعِدَةِ، والقُلاعِ، وأدْواءِ الفَمِ.
ولَسْلَسَى: ع.
ولَسيسٌ، كأَميرٍ: حِصْنٌ باليمن.
واللِّسْلاسُ واللِّسْلِسَةُ، بكسرهما: السَّنامُ المَقْطوعُ.
واللُّسُسُ، بضمتين: الحَمَّالونَ الحُذَّاقُ.
وألسَّتِ الأرضُ: ألْدَسَتْ.
والمُلَسْلَسُ: المُسَلْسَلُ،
وـ من الثيابِ: المَوْشِيُّ المُخَطَّطُ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
7-القاموس المحيط (الطرق)
الطَّرْقُ: الضَّرْبُ، أو بالمِطْرَقَةِ، بالكسر، والصَّكُّ، والماءُ الذي خَوَّضَتْهُ الإِبِلُ وبَوَّلَتْ فيه،كالمَطْروقِ، وضَرْبُ الكاهِنِ بالحَصَى، وقد اسْتَطْرَقْتُهُ أنا، ونَتْفُ الصُّوفِ أو ضَرْبُهُ بالقَضيبِ،
واسْمُه: المِطْرَقُ والمِطْرَقَةُ،
و=: الفَحْلُ الضارِبُ، سُمِّيَ بالمَصْدَرِ، والضِرابُ، والإِتْيانُ بالليلِ،
كالطُّروقِ فيهما، وكلُّ صَوْتٍ أو نَغْمَةٍ من العودِ ونحوِهِ:
طَرْقٌ على حِدَة، يقالُ: تَضْرِبُ هذه الجاريَةُ كذا طَرْقًا،
و=: ماءُ الفَحْلِ، وضَعْفُ العَقْلِ، وقد طُرِقَ، كعُنِيَ، وأن يَخْلِطَ الكاهِنُ القُطْنَ بالصوفِ إذا تَكَهَّنَ، والنَّخْلَةُ، طائِيَّةٌ، والمَرَّةُ،
كالطَّرْقَةِ.
وقد اخْتَضَبَتِ المرأةُ طَرْقًا أو طَرْقَيْنِ، وبهاءٍ، أي: مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ، وأتَيْتُه طَرْقَيْنِ وطَرْقَتَيْنِ، ويُضَمَّانِ.
وهذا طَرْقَةُ رجُلٍ، أي: صَنْعَتُه،
و=: الفَخُّ أو شِبْهُهُ، ويُكْسَرُ،
وة بأصْفَهانَ.
والطارِقُ: كوكَبُ الصُّبْحِ.
وناقَةٌ طَروقَةُ الفَحْلِ: بَلَغَتْ أن يَضْرِبَها الفَحْلُ، وكذا المرأةُ.
والمِطْرَقُ، كمِنْبَرٍ: بعيرٌ. وأبو لينَةَ بنُ مِطْرَقٍ: مُحدِّثٌ.
والطَّارِقَةُ: سَريرٌ صَغيرٌ، وعَشيرَةُ الرجُلِ.
والطَّارِقِيَّةُ: قِلادَةٌ.
ورجُلٌ مَطْروقٌ: فيه رَخاوَةٌ،
وـ من الكَلأِ: ما ضَرَبَهُ المَطَرُ بعدَ يُبْسِهِ.
ونَعْجَةٌ مَطْروقَةٌ: وُسِمَتْ على وَسَطِ أُذُنِها، وذلك: الطِراقُ، ككِتابٍ.
والطِرْقُ، بالكسرِ: الشَّحْمُ، والقوّةُ، والسِمَنُ، وبالضم: جَمْعُ طَريقٍ وطِراقٍ.
والطُّرْقَةُ، بالضم: الظُّلْمَةُ، والطَّمَعُ، والأَحْمَقُ، وحجِارَةٌ بعضُها فَوْقَ بعضٍ، والعادَةُ، والطَّريقُ، والطَّريقَةُ إلى الشيءِ، والطَّريقَةُ في الأَشْياءِ المُطارِقَةِ، ويكْسَرُ، والأُسْروعُ في القوسِ، أو الطرائِقُ التي فيها، ج: كصُرَدٍ.
والطَّرَقُ، محرَّكةً: ثِنْيُ القِرْبَةِ، وضَعْفٌ في رُكْبَتَيِ البعيرِ، أو اعْوِجاجٌ في ساقِه، طَرِقَ، كفرِحَ، فهو أطْرَقُ، وهي طَرْقاء، وأن يكونَ رِيشُ الطائِر بعضُها فَوْقَ بعضٍ، ومَناقِعُ المِياهِ، وماءٌ قُرْبَ الوَقَبَى،
وجمعُ طَرَقَةٍ: لِحبالَةِ الصائِد، وآثارُ الإِبِلِ بعضُها في إثْرِ بعضٍ.
وأطْراقُ البَطْنِ: ما رُكِّبَ بعضُه على بعضٍ،
وـ من القِرْبَةِ: أثناؤُها إذا تَثَنَّتْ. وككِتابٍ: الحديدُ الذي يُعَرَّضُ ثم يُدارُ فَيُجْعَلُ بَيْضَةً ونحوَها، وكلُّ خَصيفَةٍ يُخْصَفُ بها النَّعْلُ، ويكونُ حَذْوُها سَواءً، وكلُّ صِيغَةٍ على حَذْوٍ، وجِلْدُ النَّعْلِ، وأن يُقَوَّرَ جِلْدٌ على مِقْدارِ التُّرْسِ فَيُلْزَقَ بالتُّرس.
والطريقُ: م، ويُؤَنَّثُ، ج: أطْرُقٌ وطُرُقٌ وأطْرِقاءُ وأطْرِقَةٌ،
جج: طُرُقاتٌ، وبهاءٍ: النَّخْلَةُ الطويلةُ، ج: طريقٌ، والحالُ، وعَمودُ المِظَلَّةِ، وشَريفُ القومِ وأمْثَلُهُم، للواحدِ والجمعِ، وقد يُجْمَعُ: طَرائِقَ، وكلُّ أُحْدورَةٍ من الأرضِ، والخَطُّ في الشيءِ، ونَسيجَةٌ تُنْسَجُ من صُوفٍ أو شَعْرٍ في عَرْضِ ذِراع، على قَدْرِ البيتِ، فَتُخَيَّطُ في مُلْتَقَى الشِقاقِ، من الكِسْرِ إلى الكِسْرِ.
وثَوبٌ طَرائِقُ: خَلَقٌ. وكسِكِّينَةٍ: الرَّخاوَةُ واللِّينُ، ومنه: تحتَ طِرِّيقَتِكَ عِنْدأْوَةٌ، وذُكِرَ في: ع ن د، والسَّهْلَةُ من الأراضِي،
ومِطْراقُ الشيءِ: تِلْوُه ونَظيرُه.
والمَطارِيقُ:
القومُ المُشاةُ، والإِبِلُ يَتْبَعُ بعضُها بعضًا إذا قَرُبَتْ من الماءِ. وكسَمِعَ: شَرِبَ الماءَ الكَدِرَ.
وأمُّ طُرَّيْقٍ، كقُبَّيْطٍ: الضَّبُعُ. وكسِكِّيتٍ: الكثيرُ الإِطْراقِ، والكَرَوانُ الذَّكَرُ.
والأُطَيْرِقُ، كأُحَيْمِرٍ وزُبَيْرٍ: نَخْلَةٌ، حِجازِيَّةٌ.
وأطْرَقَ: سَكَتَ ولم يَتَكَلَّمْ، وأرْخَى عَيْنَيْهِ يَنْظُرُ إلى الأرضِ،
وـ فلانًا فَحْلَهُ: أعارَه ليَضْرِبَ في إِبِلِه،
وـ إلى اللَّهْوِ: مالَ،
وـ الليلُ عليه: رَكِبَ بعضُه بعضًا،
وـ الإِبِلُ: تَبعَ بعضُها بعضًا.
وأطْرِقا، كأَمْرِ الاثْنَينِ: د، ومنه:
عَلَى أطْرِقا بالياتِ الخيامِ.
ولا أطْرَقَ اللهُ عليه: لا صَيَّرَ اللهُ له ما يَنْكِحُهُ. وكمُحْسِنٍ: وادٍ، والرَّجُلُ الوَضيعُ، ووالِدُ النَّضْرِ الكوفِيِّ المُحدِّثِ،
والمَجانُّ المُطْرَقَةُ، كمُكْرَمَةٍ: التي يُطْرَقُ بعضُها على بعضٍ كالنَّعْلِ المُطْرَقَة: المَخْصوفَةِ، ويُروى: المُطَرَّقَةُ، كمُعَظَّمَةٍ.
وطَرَّقَت القَطاةُ خاصَّةً تَطْريقًا: حانَ خُروجُ بَيْضِها،
وـ الناقَةُ بوَلدِها، نَشِبَ ولم يَسْهُلْ خُروجُهُ، وكذلك المَرْأةُ،
وـ فلانٌ بحَقِّي: جَحَدَهُ ثُمَّ أقَرَّ به،
وـ الإِبِلَ: حَبَسَها عَنِ الكَلأَِ،
وـ لها: جَعَلَ لها طَريقًا.
واسْتَطْرَقَهُ فَحْلًا: طَلَبهُ منه ليَضْرِبَ في إبِلِهِ،
واطَّرَقَتِ الإِبِلُ، كافْتَعَلَتْ: ذَهَبَ بعضُها في إِثرِ بعضٍ،
كتَطارقَتْ، وتَفَرَّقَتْ على الطُّرُقِ، وتَرَكَتِ الجَوادَّ.
وطارَقَ بين ثَوْبَينِ: طَابَقَ،
وـ بين نَعْلَين: خَصَفَ إِحداهُما على الأُخْرَى، ونَعْلٌ مُطارَقَةٌ.
والطِّرْياقُ والطِرَّاقُ: التِّرْياقُ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
8-القاموس المحيط (المرق)
المَرْقُ: الطَّعْنُ بالعَجَلَةِ، وإِكْثارُ مَرَقَةِ القِدْرِ،كالإِمْراقِ، ونَتْفُ الصُّوفِ عن الجِلْدِ المَعْطونِ، وغِناءُ الإِماءِ والسَّفِلَةِ، والإِهابُ المُنْتِنُ، وبالضم: الذِئابُ المُمَعَّطَةُ، وبالكسر: الصوفُ المُنْتِنُ،
وبالتحريكِ: ة بالمَوْصِلِ، وآفَةٌ تُصيبُ الزَّرْعَ،
وـ من الطعامِ: م،
والمَرَقَةُ: أخَصُّ.
ومَرَقَ السهمُ من الرَّمِيَّةِ مُروقًا: خَرَجَ من الجانِبِ الآخَرِ.
والخَوارِجُ مارِقةٌ: لخُروجِهِم عن الدّينِ.
وكانتِ امرأةٌ تَغْزُو، فَحبِلَتْ، فذُكِرَ لها الغَزْوُ، فقالت: "رُوَيْدَ الغَزْوَ يَنْمَرِقُ" أي: أمْهِلِ الغَزْوَ حتى يَخْرُجَ الوَلَدُ.
ومَرِقَتِ النَّخْلَةُ، كفرِحَ: نَفَضَتْ حَمْلَها بعدَ الكَثْرَةِ،
وـ البَيْضَةُ: فَسَدَتْ فصارتْ ماءً.
والمُرَّيْقُ، كقُبَّيْطٍ: العُصْفُرُ.
والمُتَمَرَّقُ: المَصْبوغُ به أو بالزَّعْفَرانِ، وبكسر الراءِ: الذي أخَذَ في السِّمَنِ من الخَيْلِ. وكثُمامةٍ: ما انْتَتَفْتَه من الصُّوفِ، أو من الكَلأَِ القليلِ لبعيرِكَ.
وأمْرَقَ: أبْدَى عَوْرَتَهُ،
وـ الجِلْدُ: حانَ له أن يُنْتَفَ.
والامْتِراقُ: سُرْعَةُ المُروقِ.
وبئْرُ مَرْقٍ، ويُحَرَّكُ: بالمدينةِ،
والمُمَرِّقُ، كمُحَدِّثٍ: الذي يَصيرُ فَوْقَ اللَّبَنِ من الزُّبْدِ تَباريقَ كأَنها عُيونُ الجَرادِ.
والأَمْراقُ والمُروقُ: سَفا السُّنْبُلِ.
ومَرَقِيَّةُ، محرَّكةً: حِصْنٌ بالشامِ.
وأصابَهُ ذلك في مَرْقِكَ، أي: من جَرَّاكَ وفي جُرْمِكَ.
القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م
9-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (سبع)
(سبع) - قوله تبارك وتعالى: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي}يجوز أن يكون "من" للتَّبعيض؛ أي سَبْع آيات من جملة ما يُثْنَى به على الله عزَّ وجلّ من الآيات.
ويجوز أن يكون السَّبعُ هي "المَثَاني"، ويكون "من" للصِّفةِ كما قَالَ تَعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الَأوْثَانِ}، لَا أنّ بَعضَها رِجسٌ دون بَعض
ويَجوزُ على هذا أن يكون المَعنَى سَبْعًا مَثاني. وقيل: السَّبع من المثاني: هي السبع الطُّوَال مِن البقرة إَلى الأعراف ستّ، واختلفوا في السّابعة، فقيل: يونس، وقيل: الأنفال والتوبة.
- في حديث سَلَمَة بنِ جُنادةَ: "إذَا كان يوم سُبُوعِه"
هو لُغةٌ في الأُسبوع للأيام والطواف، والفصيح بالألف.
- في الحديث: "مَنْ لها يومَ السَّبْع يوم لا راعِىَ لها غَيْرى" أَمْلَى أبو عامر العَبْدرِىُّ الحافظ، عن ثابت بن بُنْدَار، وأحمدَ بن الحسين البَاقِلاَّني، قالا: أنا أبو القَاسِم عُبَيدُ الله بن عبد العزيز البَردَعِىّ، ثنا أبو الحسين محمد بن المُظَفَّر الحا
قال: يوم السَّبُع: عِيدٌ كان لهم في الجاهلية يشتغلون بعيدهم ولَهْوهم، وليس بالسَّبُع الذي يَأكُلُ الناسَ.
أملاه أبو عَامِر بضمِّ البَاءِ، وكان من العِلْم والإتقان بمكان، وبخَطِّ بعَضهِم بفَتْح البَاءِ وليس بشيء.
وفي رواية: "يوم تشغل عني"
وقال محمدُ بنُ عَمْرو بنِ عَلْقمة راوى الحديث: يَعنى يَومَ القيامة، وقيل: يوم السَّبْع - بسكون الباء -: أي يوم الفَزَع.
يقال: سبَعَ الأَسدَ: أي ذَعَرَه، قال الطِّرِمَّاح: فلماّ عَوَى لِفْتَ الشِّمال سَبَعْتُه
كما أَنّ أحيانًا لهنَّ سَبُوعُ
يَصِفُ الذِّئبَ.
- في حديث أبي المَلِيح عن أبيه - رضي الله عنه -: "نَهَى عن جُلُود السِّباعِ".
السِّباع: تَقَع على الأسد، والذِّئب، والضَّبُع وغيرها، واحدها سَبُعٌ. وكان مالك يَكرَهُ الصَّلاةَ في جلود السِّباع وإن دُبِغَت ويمنع من بيعها. ويرى الانتفاع بها، واحَتجَّ بالحديث جماعةٌ وقالوا: إنّ الدِّباغَ لا يُؤثِّر فيما لا يُؤكَل لَحمُه.
وذَهَب جماعة إلى أنّ النَّهى تناوَلَها قبل الدِّباغ، فأَمّا إذا دُبِغَت طَهُرت بدليل الأحاديث الأخرى.
وتأوَّلَه أصحابُ الشافعي انَّ الدِّباغ يُطَهِّر جلودَ السِّباع دُون شعورها، وأنَّه إنما نُهِى عنها من أجل شَعَرها، لأنّ جُلودَ النُّمورِ ونَحوها إنّما تُستَعْمل مع بقاء الشَّعَر عليها، وشَعَر المَيْتَة نَجِسٌ، فإذا دُبغ ونُتِف شَعَره فإنه طاهرٌ، وقد يكون النَّهى عنها أيضًا مِن أَجل أنّها مَراكِبُ أهل السَّرَفِ والخُيَلاء، وقد جاء النَّهى عن
ركوب جلد النَّمِر أَيْضًا.
المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م
10-المعجم الاشتقاقي المؤصل (تفث)
(تفث): {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29].رجل تَفِث - كفرح: متغيرٌ شَعِثٌ لم يَدَّهِن ولم يَسْتَحِدّ. وتَفَّثَت الدماءُ المكان - ض: لطّخته.
° المعنى المحوري
هو: انتشار الوَسَخ ونحوه - مما يفرزه الجسم أو يعلق به - عليه: كشعُّث الشعر والوسخ ونمو شعر العانة... الخ، وتلطُّخ المكان بالدم. وقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} أي ليزيلوا ذلك التفث بقص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والحلق أو التقصير والأخذ من اللحية إذهاب الشعث والدرن والوسخ مطلقًا.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
11-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قضى)
(قضى): {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47]القَضَاةُ - كفتاة [وفي ق كرُماة]: الجِلْدة الرقيقة التي تكون على وَجْه الصبي حين يولد. وكلُّ ما أُحْكِمَ عمله فَقَدْ قُضِىَ. تقول قَضَيْت هذا الثوب وهذه الدارَ إذا عَمِلْتها وأَحْكَمْتَ عَمَلها. وقَضَى الغريم دَيْنَه: أَدَّاه إليه. وضربه فَقَضَى عليه: قَتَلَه كأنه فَرَغَ منه. وسُمٌّ قاض: قَاتل. وقَضَى: مات. والانقضاء: ذَهاب الشيء وفناؤه.
° المعنى المحوري
انفصال أو فراغ من شيء بعد قطعه أو تمامه: كتلك الجلدة تيسّر خروج الصبي نقيّ الوجه، وكالفراغ من عمل الثوب والدار، وكأداء الدين والقتل، وذهابُ الشيء فراغ منه. وقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] أي ليزيلوا الثَفَث، وذلك بقصّ الأظفار وحَلْق العانة ونتف الإبط {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15]. قتله - كما قال تعالى {وَقَتَلْتَ نَفْسًا} [طه: 40].
ومن الفراغ من الشيء بإتمامه حسب المراد أداء أو تحصيلًا أو إتمامَ عمل: "قضى دينه: أدّاه إلى الغريم {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} [القصص: 29] , {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] , {إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: 68] , {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12].
ومن الإتمام استُعْملت في التعبير عن إبرام الأمر {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] , {سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35].
واستُعْمِلَت في فصل ما اختلط وتشابك من الأمور، ومن هذا "القضاء: الحكم " {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: 65]، {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [يونس: 54].
والخلاصة في الاستعمالات القرآنية لهذا التركيب أن الذي جاء فيه بمعنى حكم هو (قَضَى) أمرًا، أجلًا، ألا تعبدوا، لتفسدن، قضى عليها الموت، مما قضيت، فاقص أنت قاص، لا يقضون بشيء، وكل (يقَضْي بين، قُضِيَ بين). وسائر ما في القرآن من التركيب فهو بمعنى إتمام الأمر وإنهائه.
المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م
12-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الطاوية-الأديان الشرقية)
الطاويةالتعريف:
الطاوية إحدى أكبر الديانات الصينية القديمة التي ما تزال حية إلى اليوم إذ ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، تقوم في جوهر فكرتها على العودة إلى الحياة الطبيعية والوقوف موقفًا سلبيًا من الحضارة والمدنية. كان لها دور هام في تطوير علم الكيمياء منذ آلاف السنين وذلك من خلال مسيرتها في البحث في إكسير الحياة ومعرفة سر الخلود.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
يعتقد بأن لوتس Laotse الذي كان ميلاده عام 507 ق.م هو صاحب مذهب الطاوية التي تُرجع بعض معتقداتها إلى زمن سحيق. وقد وضع كتابه طاو – تي – تشينغ Tao – te – ching أي كتاب طريق القوة. وقد التقى به كونفوشيوس فأخذ عنه أشياء وخالفه في أشياء أخرى.
بقيت الطاوية خلال أكثر من ألفي سنة تؤثر في الفكر الصيني وفي التغيرات التاريخية الصينية.
ظهر شوانغ تسو الذي يرجع إلى القرن الرابع والثالث قبل الميلاد زاعمًا بأن لوتس كان أحد المعلمين السماويين، كما قام بشرح كتاب معلمه لوتس مضيفًا إليه شيئًا من فلسفته.
لقد نمت الطاوية المنظمة في منطقة جبال شي شوان قبل غيرها.
في عام 142م زعم شانغ طاولينغ أنه قد جاءه الوحي من الرب تعالى بأن يتحمل تبعات إصلاح الدين الطاوي، وأنه قد ارتقى وسمي المعلم السماوي. وقاد ذلك التنظيم الذي صار تبعًا لسلالته الذين عرفوا بالمعلمين السماويين.
في القرن الثاني الميلادي انتشرت الطاوية الشعبية بفضل حركة السلم الكبير Tai-ping وقد كان للمعلمين السماويين دور كبير في نشرها.
في عام 220م زالت أسرة هان مما أدى إلى انقسام الصينيين إلى ثلاثة أقسام الأمر الذي ترك أثره على الاختلافات الدينية الإقليمية فيما بينهم.
عقب سقوط أسرة هان، وفي القرنين الثالث والرابع الميلاديين ظهرت الطاوية الجديدة.
في عام 406- 477م ظهر المصلح لوهيوشنغ الذي يرجع إليه مفهوم القانون الكنسي لجميع الكتب المقدسة الطاوية.
مؤسسو أسرتي تانغ 618 – 907م ومينغ 1368 – 1644م قد استخدموا التنبؤات الطاوية والسحر لكسب التأييد الشعبي.
تدَّعي عائلة شانغ الحالية للمعلمين السماويين بأنها من سلالة شانغ طاو لينغ المعلم السماوي الأول الذي ظهر أيام أسرة هان.
الأفكار والمعتقدات:
الكتب:
- كتاب لوتس المسمى طاو – تي تشينغ لم يكن ليكتب لولا رجاء حارس الممر ين شي الذي طلب من المعلم الشيخ أن يدون أفكاره. وهذا الكتاب مجموعة قطع أدبية تحيط بطبيعة طاو كما تشمل قواعد عامة وأمثلة للحاكم الذي يمتلك زمام أمر الطاو، وهو كتاب غامض في كثير من عباراته إ
- شوانغ تسو: بحث في النظرة الطاوية الفلسفية، كما أجرى مقابلة بين السماء والبشر، وبين الطبيعة والمجتمع، طالبًا من الطاويين طرح كل الحيل المصطنعة، وفيه قصص عن بشر كاملين يستطيعون الطيران هم الخالدون الذين لا يتأثرون بالعناصر الطبيعية ولا يمسهم حر ولا قر، أص
- كتاب هوانغ – تي – ني – تشينغ وهو من القرن الثالث قبل الميلاد، فيه تجارب على بعض المعادن والنباتات والمواد الحيوانية وذلك انطلاقًا من اهتمامهم بالمحافظة على الصحة وإطالة الحياة.
- كتاب باو – بو – تسو الذي انتهوا من تأليفه عام 317م يبحث في علوم الكيمياء القديمة وفيه محاولات لتحويل المعادن إلى ذهب وإطالة الحياة بواسطة بعض الأكاسير.
- لهم أدب فلسفي وديني سري، قسم منه يعود إلى القرن الرابع والقرن الثاني قبل الميلاد ويركز على إقناع الحكام، وقسم يبدأ منذ نهاية القرن الثاني الميلادي وهو يمثل حركات دينية منظمة وينتقل من الشيخ إلى تلاميذه من أداء القسم للمحافظة على سريته.
فكرتهم عن الإله:
- الإله – لديهم – ليس بصوت، ولا صورة، أبدي لا يفنى، وجوده سابق وجود غيره وهو أصل الموجودات، وروحه تجري فيها.
- إن طاو هو المطلق الكائن، وهو مراد الكون، إنه ليس منفصلًا عن الكون بل هو داخل فيه دخولًا جوهريًّا، انبثقت عنه جميع الموجودات.
- إنهم يؤمنون بوحدة الوجود إذ أن الخالق والمخلوق شيء واحد لا تنفصل أجزاؤه وإلا لاقى الفناء.
- إن نظرتهم إلى الإله قريبة جدًّا من مذهب الحلولية الذي يذهب إلى أن الخالق حالٌّ في كل الموجودات، كما أن الخالق لا يستطيع أن يتصرف أو يعمل إلا بحلوله في الأشياء.
- يؤمنون بالقانون السماوي الأعظم الذي هو أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض.
- يرى شونغ تسي بأن الإنسان قد جاء إلى الوجود مع الكون، فهو يحب الله ولكنه يحب المصدر الذي جاء منه الله أكثر من حبه الله، فهو تصور يدل على أنهم يعتقدون بأن هناك مبدأ قبل الله – تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا-
الاحتفالات الدينية والطقوس الطاوية:
- هناك طقس شيو Chioo وهو أقدم الطقوس إذ هو تجديد لعلاقة الجماعة بالآلهة، ولا يزال هذا الطقس موجودًا في تايوان إلى اليوم.
- هناك طقوس لتنصيب الكهنة، وأخرى عند ميلاد الآلهة.
- بعض الكهنة يمارسون طقوسًا معينة في مناسبات الدفن والزواج والولادة.
- من طقوسهم معالجة المريض وذلك بإدخاله إلى غرفة هادئة يقضي فيها بعض الوقت متأملًا منشغلًا بذنوبه، كما يقوم بعضهم باستعمال الوسطاء الذين يسترخون في سبات ويزعمون أنهم يقومون بنقل آراء الآلهة أو الأموات أو الأقارب.
- حرق البخور موضوع أساسي لكل عبادة طاوية فضلًا عن استعمال الخناجر والماء المسحور والموسيقى، والأقنعة والكتب المقدسة.
أفكار طاوية أخرى:
- إنهم متصوفة، إذ إنه يجب على الطاوي أن ينظف نفسه من جميع المشاغل والشوائب ليوجد في داخله فراغًا هو في الحقيقة الامتلاء نفسه، وذلك بالوصول إلى الحقائق المجردة، ويتم ذلك عن طريق التجرد من الماديات ليصبح الإنسان روحًا خالصًا.
- أعلى مراتب التصوف هي مرحلة الوحدة التامة بين ألفرد والقانون الأعظم وذلك بحصول اندماج بين المتصوف والذات العليا لتصيرا شخصية واحدة.
- إذا ارتقى الإنسان إلى المعرفة الحقة عندها يستطيع أن يصل إلى الحالة الأثيرية حيث لا موت ولا حياة.
- أن الطاوية تتجه اتجاهًا سلبيًا – على عكس الكونفوشيوسية – ذلك لأن الفضيلة لديهم تكمن في عدم العمل والاقتصاد على التأمل داعين إلى الحياة على الجبال المقدسة وقرب الجزر النائية.
- إنهم يهاجمون الشرائع والقوانين والعلم وما إلى ذلك من مظاهر المدنية التي عملت على إفساد فطرة الإنسان الذي ولد خَيِّرًا. أن مثلهم الأعلى في ذلك هو في العودة إلى النظام الطبيعي المتميز بنقاء الفطرة وسلامتها.
- اهتم الطاويون بطول العمر، ويعتبر التقدم في السن دليلًا على القداسة حتى صار من أهداف التصوف الطاوي السعي لإطالة العمر والخلود، وقد ذهب بعضهم إلى ادعاء إمكانية إطالة العمر مئات السنين. وأفضل الخالدين – في نظرهم – هم الذين يصعدون إلى السماء في وضح النهار،
- هذا الاهتمام في البحث عن إكسير الحياة كان عاملًا مهمًّا في تقدم الطب والكيمياء على أيديهم فضلًا عن السحر والشعوذة والدجل مما أدى إلى ثراء الكهنة ثراءً فاحشًا.
- إنهم يؤكدون حرصهم على التعاليم الأخلاقية وعلى ضرورة المشاركة في الاحتفالات الجماعية الموسمية.
- ليس لديهم بعث ولا حساب، إنما يكافأ المحسن بالصحة وبطول العمر بينما يجازى المسيىء بالمرض وبالموت المبكر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
المفاهيم الطاوية ترجع إلى زمن سحيق لكنها تبلورت على يد مؤسسها لوتس.
هناك عوامل تأثر وتأثير بين الطاوية والكنفوشيوسية والبوذية بسبب توطن هذه الديانات في منطقة واحدة متجاورة، حيث يمكن ملاحظة فكرة التصوف التي يعبر عنها بأساليب مختلفة ولكن في مضمون واحد.
الطاوية أقرب إلى الكنفوشيوسية منها إلى البوذية.
أخذ الطاويون عن البوذيين بناء الأديرة وتقرير الرهبنة والعزوبية.
يذكر دوان في كتابه خرافات التوراة وما يماثلها في الديانات الأخرى (ص172)، بأن في الطاوية تثليث، فطاو هو العقل الأزلي الأول، انبثق من واحد، ومن هذا انبثق ثالث كان مصدر كل شيء.
الانتشار ومواقع النفوذ:
في عام 1958م أُعلن أن ثلاثين ألفًا من الكهنة الطاويين لا يزالون ناشطين في مختلف أنحاء الصين. ومعلوم أن الثقافة الصينية التقليدية ما تزال الطاوية حية فيها.
في عام 1949م هرب أخر المعلمين السماويين شانغ اين بو إلى تايوان، وفي عام 1960م انبعثت هذه الديانة من جديد وظهرت المعابد الطاوية الضخمة كمعبد شهنان قرب تايبيه والذي يضم تمثال لو يونغ ين الذي تقمصته روح إله الطاو كما يزعمون، وفي عام 1970 مات هذا المعلم السماوي ليخلفه ابنه شانغ يوان هسين.
توجد فئات طاوية في بعض نواحي ماليزيا وبينيانغ وسنغافورة وبانكوك.
تعتبر اليابان من أوسع البلاد علمًا بالطاوية في أيامنا الحالية.
أما تايوان فهي أهم ملجأ للطاوية في القرن العشرين بسبب الهجرة الطاوية إليها في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
ويتضح مما سبق:
أن الطاوية ديانة صينية مؤسسها الفيلسوف لوتس الذي رأى أن الخير في الزهادة والاعتزال والعفو والتسامح مع الناس وعدم مقابلة السيئة بالسيئة. ولم يثبت أنها ديانة سماوية.
الجينية
التعريف:
الجينية ديانة منشقة عن الهندوسية، ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد على يدي مؤسسها مهافيرا وما تزال إلى يومنا هذا. إنها مبنية على أساس الخوف من تكرار المولد، داعية إلى التحرر من كل قيود الحياة والعيش بعيدًا عن الشعور بالقيم كالعيب والإثم والخير والشر. وهي تقوم على رياضات بدنية رهيبة وتأملات نفسية عميقة بغية إخماد شعلة الحياة في نفوس معتنقيها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
يعتقد الجينيون أن ديانتهم ساهم في تأسيسها 24 ترنكارًا أو جينًا، حيث يظهر كل منهم في نصف دورة زمنية بدأت منذ الأزل. وسوف تستمر إلى ما لا نهاية. كان أول هؤلاء هو ريشابها أو أديناثا. ويعتبر وجود هؤلاء الجينيات من قبيل الأساطير التي لم تثبت تاريخيًّا.
نيميناثا أو أريشتمانيمي: هو الجيني الثاني والعشرون ويعتبرونه ابن عم كرشنا، ووصل إلى مرحلة النيرفانا (الخلاص) في مدينة سوراسترا في ولاية كوجرات.
برشفا ابن ملك فاراناس يعتبر الجيني الثالث والعشرين، وهو أول الشخصيات التاريخية. عاش في القرن الثامن قبل الميلاد.
يعتبر مهافيرا المؤسس الحقيقي للجينية، وقد ولد عام 599 ق.م وترهبن في سن الثلاثين، وعلى يديه تبلورت معتقداته التي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا، وقد سار بدعوته بنجاح حتى بلغ الثانية والسبعين من العمر، وتوفي عام 527 ق.م.
- ينحدر مهافيرا من أسرة من طبقة الكاشتر المختصة بشؤون السياسة والحرب.
- أبوه سدهارتها أمير مدينة في ولاية بيهار، ومهاويرا هو الابن الثاني له.
- عاش حياته الأولى في كنف والديه متمتعًا بالخدم والملذات العادية، وكان شديد التقدير والاحترام لوالديه، تزوج ورزق بابنة.
- لما توفي والده، استأذن أخاه في التخلي عن ولاية العهد والتنازل عن الملك والألقاب.
- حلق رأسه ونزع حليَّه، وخلع ملابسه الفاخرة، وبدأ مرحلة الزهد والخلوة والتبتل، وكانت سنه آنذاك ثلاثين عامًا.
- صام يومين ونصف يوم، ونتف شعر جسده، وهام في البلاد عاريًا مهتمًا بالرياضات الصعبة والتأملات العميقة.
- اسمه الأصلي فردهامانا لكن أتباعه يسمونه مهافيرا ويزعمون أن هذا الاسم من اختيار الآلهة له ومعناه البطل العظيم، ويطلقون عليه كذلك جينا أي القاهرة لشهواته والمتغلب على رغباته المادية.
- يدعي أتباع هذه الطائفة بأن الجينية ترجع إلى ثلاثة وعشرين جينيًا، ومهافيرا هو الجيني الرابع والعشرون.
- تلقى مهافيارا علومه على يدي بارسواناث الذي يعتبرونه الجيني الثالث والعشرين، وقد أخذ عنه مبادىء الجينية، وخالفه بعد ذلك في بعض الأمور، وزاد على هذه الطريقة شيئًا استخلصه من تجاربه وخبرته مما جعله المؤسس الحقيقي لها.
- غرق في تأملاته ورهبانيته وعرى جسده هائمًا في البلاد لمدة ثلاثة عشر شهرًا مداومًا على مراقبة نفسه في صمت مطبق، يعيش على الصدقات التي تقدم إليه. حصل بعدها على الدرجة الرابعة مباشرة إذ كان مزودًا بثلاثة منها أصلًا كما يقولون.
- تابع بعد ذلك رحلة عدم الإحساس حتى حصل على الدرجة الخامسة وهي كما يزعمون درجة العلم المطلق ووصوله إلى مرحلة النجاة.
- بعد سنة من الصراع والتهذيب النفسي فاز بدرجة المرشد، وبدأ بذلك مرحلة الدعوة لمعتقده، فدعا أسرته ثم عشيرته، ثم أهل مدينته، ومن ثم دعا الملوك والقواد، فوافقه كثير منهم لما في دعوته من ثورة على البراهمة.
- استمر بدعوته حتى بلغ الثانية والسبعين حيث توفي سنة 527 ق.م. مخلفًا وراءه خطبًا وأتباعًا ومذهبًا.
أرياشاما: عاش في القرن الرابع بعد مهافيرا.
كونداكاوندا أكياريا: تقدره فرقة الديجامبرا وكتب بعض الكتب والشروح، عاش في القرون المسيحية الأولى.
انقسمت الجينية بعده إلى عدة أقسام وصلت إلى ثمان فرق أو أكثر، أهمها الآن:
- ديجامبرا: أي أصحاب الزيِّ السماوي العراة، وهم طبقة الخاصة الذين يميلون إلى التقشف والزهد ومعظمهم من الكهان والرهبان والمتنسكين الذين يتخذون من حياة مهاويرا قدوة لهم، وقد انقسموا مؤخرًا إلى عدد من الفرق.
- سويتامبرا: أي أصحاب الزي الأبيض، وهم طبقة العامة المعتدلون الذين يتخذون من حياة مهاويرا الأولى في رعاية والديه نبراسًا لهم حيث كان يتمتع حينها بالخدم والملذات، إذ يفعلون كل أمر فيه خير ويبتعدون عن كل أمر فيه شرّ أو إزهاق لأرواح كل ذي حياة، يلبسون الثياب
أقبل الملوك والحكام في الهند على اعتناق الجينية مما سجل انتصارًا على العصر الويدي الهندوسي الأول، ذلك أنها تدعو إلى عدم إيقاع الأذى بذي روح مطلقًا، كما توجب أن يطيع الشعب حاكمه وتقضي بذبح من يتمرد على الحاكم أو يعصي أوامره، فصار لهم نفوذ كبير في بلاط كثير من الملوك والحكام في العصور الوسطى.
- نالوا كثيرًا من الاحترام والتقدير أيام الحكم الإسلامي للهند، وقد بلغ الأمر بالإمبراطور أكبر الذي حكم الهند من 1556 – 1605م أن ارتد عن الإسلام واعتنق بعض معتقدات الجينية واحتضن معلم الجينية هيراويجيًا مطلقًا عليه لقب معلم الدنيا.
الأفكار والمعتقدات:
الكتب:
- نزل مهاويرا قبل موته في مدينة بنابوري في ولاية تَبْنا وألقى خمسًا وخمسين خطبة، وأجاب عن ستة وثلاثين سؤالًا. فهذه الخطب وتلك الأسئلة أصبحت كتابهم المقدس.
- يضاف إلى ذلك الخطب والوصايا المنسوبة للمريدين والرهبان والنسَّاك الجينيين.
- انتقل تراثهم مشافهة، وقد حاولوا تدوينه في القرن الرابع قبل الميلاد لكنهم فشلوا في جمع كلمة الناس حول ما كتبوه، فتأجلت كتابته إلى سنة 57م.
- في القرن الخامس الميلادي اجتمع كبار الجينيين في مدينة ويلابهي حيث قاموا بتدوين التراث الجيني باللغة السنسكريتية في حين أن لغته الأصلية كانت أردها مجدى.
- ويوجد الآن عدد من الكتب والشروح والأساطير الكثيرة يختلف الاعتراف بها من طائفة إلى أخرى.
الإله:
- الجينية في الأصل ثورة على البراهمة، لذا فإنهم لا يعترفون بآلهة الهندوس وبالذات الآلهة الثلاثة (برهما – فشنو – سيفا)، ومن هنا سميت حركتهم بالحركة الإلحادية.
- لاتعترف الجينية بالروح الأكبر أو بالخالق الأعظم لهذا الكون لكنها تعترف بوجود أرواح خالدة.
- كل روح من الأرواح الخالدة مستقلة عن الأخرى ويجري عليها التناسخ.
- لم يستطيعوا أن يتحرروا تحررًا كاملًا من فكرة الألوهية، فاتخذوا من مهافيرا معبودًا لهم وقرنوا به الجينيات الثلاثة والعشرين الآخرين لتكمل في أذهانهم صورة الدين وليسدوا الفراغ الذي أحدثه عدم اعترافهم بالإله الأوحد.
- خلق المسالمة والمجاملة دفعهم إلى الاعتراف بآلهة الهندوس (عدا الآلهة الثلاثة) ثم أخذوا يجلّونها، لكنهم لم يصلوا بها إلى درجة تقديس البراهمة لها، ودعوا كذلك إلى احترام براهمة الهندوس باعتبارهم طائفة لها مكانتها في الدين الهندوسي.
- لا توجد لديهم صلاة، ولا تقديم قرابين، ولا يعترفون بالطبقات، بل هم ثورة عليها، إذ ليس لديهم سوى طبقتي الخاصة والعامة. ولم يجعلوا لخاصتهم من الرهبان أية امتيازات مما جعل الرهبنة ذات مشقة وتضحية وتكليف ذاتي.
من معتقداتهم الأخرى:
الكارما:
- الكارما لديهم كائن مادي يخالط الروح ويحيط بها ولا سبيل لتحرير الروح منها إلا بشدة التقشف والحرمان من الملذات.
- يظل الإنسان يولد ويموت ما دامت الكارما متعلقة بروحه ولا تطهر نفسه حتى تتخلص من الكارما حيث تنتهي رغباته وعندها يبقى حيًّا خالدًا في نعيم النجاة. وهي مرحلة النيرفانا أو الخلاص التي قد تحصل في الدنيا بالتدريب والرياضة أو بالموت.
النجاة:
- إنها تعني الفوز بالسرور الخالد الخالي من الحزن والألم والهموم، وتعني التطهر من أدران الحيوانية المادية، إنها ترمي إلى التخلص من تكرار المولد والموت والتناسخ.
- طريق الوصول إلى النجاة يكون بالتمسك بالخير والابتعاد عن الشرور والذنوب والآثام، ولا يصل إليها الإنسان إلا بعد تجاوز عوائق ومتاعب الحياة البشرية بقتل عواطفه وشهواته.
- الشخص الناجي مكانه فوق الخلاء الكوني، إنها نجاة أبدية سرمدية.
تقديس كل ذي روح:
- يقدسون كل ما فيه روح تقديسًا عجيبًا.
- يمسك بعض الرهبان بمكنسة ينظف بها طريقه أو مجلسه خشية أن يطأ شيئًا فيه روح.
- يضع بعضهم غشاءً على وجهه يتنفس من خلاله خوفًا من استنشاق أي كائن حي من الهوام العالقة في الهواء.
- لا يعملون في الزراعة حذرًا من قتل الديدان والحشرات الصغيرة الموجودة في التربة.
- يذبحون الحيوانات، ولا يأكلون لحومها وهم نباتيون.
- لا يشتركون في معركة ولا يدخلون في قتال خوفًا من إراقة الدماء وقتل الأحياء من البشر فهم مسالمون بعيدون عن كل مظاهر العنف.
العواف:
- يجب قهر العواطف والمشاعر جميعًا، حتى لايشعر الراهب بحب أو كره، بحزن أو سرور، بحرّ أو برد، بخوف أو حياء، بخير أو شرّ، بجوع أو عطش، فيجب أن يصل إلى درجة الخمود والجمود والذهول بحيث تقتل في نفسه جميع العواطف البشرية.
- ترى أحدهم ينتف شعر جسده دون أن يشعر بأي ألم في ذلك.
العري:
- قمة قتل العواطف هي الوصول إلى مرحلة العري الذي يعتبر أبرز مظاهر الجينية حيث يمشي الشخص في الشوارع بدون كساء يستر جسده من غير شعور بالحرج أو الحياء أو الخجل. وهذا تطبقه فرقة ديجامبرا من الجينية.
- الرهبان يعيشون عراة، وذلك نابع من فكرة نسيان العار أو الحياء مما يمكنه من اجتياز الحياة إلى مرحلة النجاة والخلود.
- إذا تذكر الإنسان العاري الحياة والحسن والقبح فذلك يعني أنه مازال متعلقًا بالدنيا مما يحجبه عن الفوز والنجاة.
- الشعور بالحياء يتضمن تصور الإثم، وعدم الشعور بالحياء معناه عدم تصور الإثم. فمن أراد الحياة البريئة البعيدة عن الشعور بالآلام فما عليه إلا أن يعيش عاريًا متخذًا من السماء والهواء كساء له.
الجذور الفكرية والعقائدية:
الجينية ثورة على الهندوسية مستنكرة آلهتها وطبقاتها، لكنها لم تستطع أن تتحرر من طابعها العام ومن سماتها البارزة فاتخذت لنفسها آلهة خاصة بها.
الفكر الجيني يقوم أصلًا على أفكار هندوسية كالانطلاق، والكارما، والنجاة، والتناسخ وتكرار المولد، والدعوة إلى السلبية مع صبغ هذه المفاهيم بالصبغة الجينية وتطويرها لتلائم المعتقد الجيني.
تَدَّعي الجينية بأن فلسفتها ترجع إلى الجيني الأول الذي كان حيًّا في التاريخ البعيد، وإلى جيناتها الذين تتابعوا واحدًا إثر الآخر حتى كان الجيني الثالث والعشرون بارسواناث؛ والرابع والعشرون مهافيرا الذي استقرت على يديه معالم هذه الديانة التي تشكلت خلال مرحلة طويلة من الزمن.
كان ظهورها مواكبًا لظهور البوذية، وكلتاهما ثورتان داخل الفكر الهندوسي.
يعتقد بأن النصرانية قد أخذت عن الجينية فكرة الصيام عن كل ما فيه حياة إذ إنهم يصومون عن اللحوم وعن جميع المشتقات الحيوانية لأيام معدودة ويعيشون خلال ذلك على الأطعمة النباتية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
لم تخرج الجينية من الهند، فمعابدهم منتشرة في كلكتا ودلوارا، ولهم معابد في كهجورا وجبل آبو، وهي تعدُّ من عجائب الدنيا زينة وزخرفة، وفي القرن الثاني قبل الميلاد نحتوا كهفهم العظيم المسمى هاتي كنبا في منطقة إدريسه ولهم كهوف أخرى منتشرة في أنحاء الهند مما يدل على براعتهم في نحت التماثيل ورسوخ قدمهم في فن معمار المعابد وزخرفتها وتزيينها بالنقوش العجيبة. يبلغ تعدادهم الحالي حوالي المليون نسمة يعملون في التجارة وإقراض البنوك، فمعظمهم من الأغنياء مما ساعدهم على نشر الكتب والتأثير على الثقافة الهندية.
ويتضح مما سبق:
أن الجينية حركة عقلية متحررة مطبوعة بطابع الذهن الهندوسي العام، فمنشؤها الزهد والتقشف، وطريقتها الرياضة الشاقة، ومظهرها الرهبانية، وهم يعترفون بآلهة الهندوس، ويعيشون شبه عراة، معرضين أجسامهم لظواهر الطبيعة، وأحيانًا يلجئون إلى قطع الروابط بالحياة عن طريق الانتحار، ويعتبرونه غاية لا تتاح إلا للخاصة من الرهبان.
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
13-معجم الأفعال المتعدية بحرف (نتفت)
(نتفت) نتفة من النبات ونتفا وأعطاه نتفة من الطعام وغيره شيئا منه وأفاده نتفا من العلم ونتف في القوس نتفة نزع فيها نزعة خفيفة.معجم الأفعال المتعدية بحرف-موسى بن الحاج محمد بن الملياني الأحمدي الدراجي المسيلي الجزائري (الملقب نويوات)-صدر:1398هـ/1977م
14-موسوعة الفقه الكويتية (استحداد)
اسْتِحْدَادٌالتَّعْرِيفُ:
1- الِاسْتِحْدَادُ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَدِيدَةِ، يُقَالُ: اسْتَحَدَّ إِذَا حَلَقَ عَانَتَهُ.اسْتُعْمِلَ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ وَالتَّوْرِيَةِ.وَالتَّعْرِيفُ الِاصْطِلَاحِيُّ لَا يَفْتَرِقُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ عَرَّفَهُ الْفُقَهَاءُ بِقَوْلِهِمْ: الِاسْتِحْدَادُ حَلْقُ الْعَانَةِ، وَسُمِّيَ اسْتِحْدَادًا، لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ وَهِيَ: الْمُوسَى.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْإِحْدَادُ:
2- الْإِحْدَادُ: مَصْدَرُ أَحَدَّ.وَإِحْدَادُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا تَرْكُهَا لِلزِّينَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِحْدَادُ مُخَالِفًا لِلْإِحْدَادِ، وَلَا يَشْتَرِكُ مَعَهُ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
ب- التَّنَوُّرُ:
3- التَّنَوُّرُ هُوَ: الطِّلَاءُ بِالنُّورَةِ.يُقَالُ: تَنَوَّرَ.تَطَلَّى بِالنُّورَةِ لِيُزِيلَ الشَّعْرَ.وَالنُّورَةُ مِنَ الْحَجَرِ الَّذِي يُحْرَقُ، وَيُسَوَّى مِنَ الْكِلْسِ، وَيُزَالُ بِهِ الشَّعْرُ.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِحْدَادُ أَعَمَّ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنَ التَّنَوُّرِ، لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالْحَدِيدَةِ يَكُونُ بِغَيْرِهَا كَالنُّورَةِ وَغَيْرِهَا.
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْدَادَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى السَّوَاءِ.وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ دُونَ غَيْرِهِمْ بِالْوُجُوبِ لِلْمَرْأَةِ إِذَا طَلَبَ مِنْهَا زَوْجُهَا ذَلِكَ.
دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ:
5- يُسْتَدَلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِحْدَادِ بِالسُّنَّةِ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ قَالَ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ».وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَقَصُّ الْأَظَافِرِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ»- قَالَ زَكَرِيَّا- (الرَّاوِي): وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ.
مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الِاسْتِحْدَادُ:
6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الِاسْتِحْدَادُ عَلَى أَقْوَالٍ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السُّنَّةُ الْحَلْقُ لِلرَّجُلِ، وَالنَّتْفُ لِلْمَرْأَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْحَلْقُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَيُكْرَهُ النَّتْفُ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنَ التَّنَمُّصِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهَذَا رَأْيُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَالَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ: النَّتْفُ لِلْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ، وَالْحَلْقُ لِلْعَجُوزِ.وَنُسِبَ هَذَا الرَّأْيُ إِلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا بَأْسَ بِالْإِزَالَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ.
وَقْتُ الِاسْتِحْدَادِ:
7- يُكْرَهُ تَرْكُهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَلاَّ يُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا».
وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ، بِشَرْطِ أَلاَّ يَتَجَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَهُوَ التَّوْقِيتُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.
الِاسْتِعَانَةُ بِالْآخَرِينَ فِي الِاسْتِحْدَادِ:
8- الْأَصْلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ جَمِيعًا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَنْ يُظْهِرَ عَوْرَتَهُ لِأَجْنَبِيٍّ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ.وَيُرْجَعُ إِلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي: (اسْتِتَار، وَعَوْرَة).وَاعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ حَلْقَ الْعَانَةِ لِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْلِقَهَا بِالْحَدِيدَةِ أَوْ يُزِيلَهَا بِالنُّورَةِ ضَرُورَةً.
آدَابُ الِاسْتِحْدَادِ:
9- تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَلَى آدَابِ الِاسْتِحْدَادِ فِي ثَنَايَا الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِحْدَادِ، وَخِصَالِ الْفِطْرَةِ، وَالْعَوْرَةِ.فَقَالُوا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ مِنْ تَحْتِ السُّرَّةِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْلِقَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ الْأَيْسَرَ، كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَتِرَ، وَأَلاَّ يُلْقِيَ الشَّعْرَ فِي الْحَمَّامِ أَوِ الْمَاءِ، وَأَنْ يُوَارِيَ مَا يُزِيلُهُ مِنْ شَعْرٍ وَظُفُرٍ.
مُوَارَاةُ الشَّعْرِ الْمُزَالِ أَوْ إِتْلَافُهُ:
10- صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِاسْتِحْبَابِ مُوَارَاةِ شَعْرِ الْعَانَةِ بِدَفْنِهِ؛ لِمَا رَوَى الْخَلاَّلُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُمْلِ بِنْتِ مُشَرِّحٍ الْأَشْعَرِيَّةِ قَالَتْ: «رَأَيْتُ أَبِي يُقَلِّمُ أَظَافِرَهُ، وَيَدْفِنُهَا وَيَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَفْعَلُ ذَلِكَ» وَسُئِلَ أَحْمَدُ، يَأْخُذُ الرَّجُلَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظَافِرِهِ أَيُلْقِيهِ أَمْ يَدْفِنُهُ؟ قَالَ: يَدْفِنُهُ، قِيلَ: بَلَغَكَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْفِنُهُ.
وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِدَفْنِ الشَّعْرِ وَالْأَظَافِرِ»، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا دَفْنَهَا؛ لِكَوْنِهَا أَجْزَاءً مِنَ الْآدَمِيِّ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
15-موسوعة الفقه الكويتية (أظفار)
أَظْفَارٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْأَظْفَارُ جَمْعُ ظُفْرٍ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَظْفُرٍ، وَأَظَافِيرَ.وَالظُّفْرُ مَعْرُوفٌ، يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ.
وَقِيلَ: الظُّفْرُ لِمَا لَا يَصِيدُ، وَالْمِخْلَبُ لِمَا يَصِيدُ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَظْفَارِ
تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ:
2- تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لِلْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الِاسْتِحْدَادُ، وَالْخِتَانُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ».وَالْمُرَادُ بِالتَّقْلِيمِ إِزَالَةُ مَا زِيدَ عَلَى مَا يُلَامِسُ رَأْسَ الْإِصْبَعِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى، ثُمَّ الرِّجْلِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى.وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: رُوِيَ فِي حَدِيثِ: «مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا لَمْ يَرَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدًا».
وَفَسَّرَهُ ابْنُ بَطَّةَ، بِأَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامُ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ.
أَمَّا التَّوْقِيتُ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِطُولِهَا: فَمَتَى طَالَتْ قَلَّمَهَا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّهُ وَقَّتَ لَهُمْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ، وَأَخْذَ الشَّارِبِ، وَحَلْقَ الْعَانَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا «وَقَّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ أَلاَّ نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا».
قَالَ السَّخَاوِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ فِي كَيْفِيَّةِ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَلَا فِي تَعْيِينِ يَوْمٍ لَهُ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.
تَوْفِيرُ الْأَظْفَارِ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ:
3- يَنْبَغِي لِلْمُجَاهِدِينَ أَنْ يُوَفِّرُوا أَظْفَارَهُمْ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ سِلَاحٌ، قَالَ أَحْمَدُ: يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحِلَّ الْحَبْلَ أَوِ الشَّيْءَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَظْفَارٌ لَمْ يَسْتَطِعْ.وَقَالَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَلاَّ نُحْفِيَ الْأَظْفَارَ فِي الْجِهَادِ، فَإِنَّ الْقُوَّةَ فِي الْأَظْفَارِ».
قَصُّ الْأَظْفَارِ فِي الْحَجِّ وَمَا يَجِبُ فِيهِ:
4- مِمَّا يُنْدَبُ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، فَإِذَا دَخَلَ فِي الْإِحْرَامِ فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ قَصِّ أَظْفَارِهِ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ، لِأَنَّ قَطْعَ الْأَظْفَارِ إِزَالَةُ جُزْءٍ يُتَرَفَّهُ بِهِ، فَحَرُمَ، كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ، وَتَفْصِيلُ حُكْمِهِ إِذَا قَصَّهُ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ إِحْرَامٌ.
إِمْسَاكُ الْمُضَحِّي عَنْ قَصِّ أَظْفَارِهِ:
5- ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَ الْعَشْرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ قَصِّ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ قَصِّ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ.لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَقَاؤُهُ كَامِلَ الْأَجْزَاءِ، لِتَشْمَلَهَا الْمَغْفِرَةُ وَالْعِتْقُ مِنَ النَّارِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا طَلَبَ تَرْكِ الْأَظْفَارِ وَالشَّعْرِ فِي عَشْرٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ يَمْلِكُ الْأُضْحِيَّةَ أَمْ لَا.
دَفْنُ قُلَامَةِ الظُّفْرِ:
6- يُسْتَحَبُّ دَفْنُ الظُّفْرِ، إِكْرَامًا لِصَاحِبِهِ.وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْفِنُ الْأَظْفَارَ.
الذَّبْحُ بِالْأَظْفَارِ:
7- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ إِلَى تَحْرِيمِ الذَّبْحِ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ مُطْلَقًا، وَقَالُوا: إِنَّ الْمَذْبُوحَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا، لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَيْسَ بِذَابِحٍ.وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ، لَيْسَ الظُّفْرُ وَالسِّنُّ...».
وَوَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَحَدِ أَقْوَالٍ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ الظُّفْرُ وَالسِّنُّ قَائِمَيْنِ غَيْرَ مَنْزُوعَيْنِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنْهَرَ الدَّمَ»، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيَّةُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ، فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِلْجَلَدِ.وَلِأَنَّهَا إِذَا انْفَصَلَتْ كَانَتْ آلَةً جَارِحَةً، فَيَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ، وَهُوَ إِخْرَاجُ الدَّمِ، فَصَارَ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْقُوذَةِ.
وَفِي رَأْيٍ لِلْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَا قَائِمَيْنِ أَمْ مُنْفَصِلَيْنِ.
طِلَاءُ الْأَظْفَارِ:
8- الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَعَلَى الْجِسْمِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَإِزَالَةَ كُلِّ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى تِلْكَ الْأَعْضَاءِ، وَمِنْهَا الْأَظْفَارُ، فَإِذَا مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَيْهَا مِنْ طِلَاءٍ وَغَيْرِهِ- مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ- لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ، لِمَا رَوَى عَلِيٌّ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فُعِلَ بِهِ مِنَ النَّارِ كَذَا وَكَذَا».
وَعَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- «أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفْرٍ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ».ر: (وُضُوءٌ- غُسْلٌ)
أَثَرُ الْوَسَخِ الْمُتَجَمِّعِ تَحْتَ الْأَظْفَارِ فِي الطَّهَارَةِ:
9- إِذَا كَانَ تَحْتَ الْأَظْفَارِ وَسَخٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى مَا تَحْتَهُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غُسْلُهُ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- «وَقَدْ «عَابَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- كَوْنَهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ قُلْحًا وَرَفْعَ أَحَدِهِمْ بَيْنَ أُنْمُلِهِ وَظُفْرِهِ».
يَعْنِي أَنَّ وَسَخَ أَرْفَاغِهِمْ تَحْتَ أَظْفَارِهِمْ يَصِلُ إِلَيْهِ رَائِحَةُ نَتِنِهَا، فَعَابَ عَلَيْهِمْ نَتِنَ رِيحِهَا لَا بُطْلَانَ طَهَارَتِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مُبْطِلًا لِلطَّهَارَةِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهَمَّ فَكَانَ أَحَقَّ بِالْبَيَانِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ حَتَّى يُزِيلَ مَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ مِنْ وَسَخٍ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مِنَ الْيَدِ اسْتَتَرَ بِمَا لَيْسَ مِنْ خَلْقِهِ، وَقَدْ مَنَعَ إِيصَالَ الْمَاءِ إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَانِ إِيصَالِهِ.
الْجِنَايَةُ عَلَى الظُّفْرِ:
10- لَوْ جُنِيَ عَلَى الظُّفْرِ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ، فَقُلِعَ وَنَبَتَ غَيْرُهُ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: فِيهِ أَرْشُ الْأَلَمِ، وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ، بِقَدْرِ مَا لَحِقَهُ إِلَى أَنْ يَبْرَأَ، مِنَ النَّفَقَةِ مِنْ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الدَّوَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ رَأْيٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ.أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْبُتْ غَيْرُهُ فَفِيهِ الْأَرْشُ، وَقُدِّرَ بِخَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا جُنِيَ عَلَى الظُّفْرِ وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ عَادَ أَسْوَدَ فَفِيهِ خُمُسُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي ظُفْرٍ عَادَ قَصِيرًا أَوْ عَادَ مُتَغَيِّرًا أَوْ أَبْيَضَّ ثُمَّ أَسْوَدَّ لِعِلَّةٍ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعَمْدِ، أَمَّا فِي الْعَمْدِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ.ر: (قِصَاصٌ- أَرْشٌ).
الْجِنَايَةُ بِالظُّفْرِ:
11- لَمَّا كَانَ تَعَمُّدُ الْقَتْلِ أَمْرًا خَفِيًّا، نَظَرَ الْفُقَهَاءُ إِلَى الْآلَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْقَتْلِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ إِلاَّ إِذَا كَانَ بِسِلَاحٍ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ، مِنْ مُحَدَّدٍ مِنَ الْخَشَبِ أَوِ الْحَجَرِ الْعَظِيمِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ آلَةَ الْعَمْدِ هِيَ مَا تَقْتُلُ غَالِبًا، مِثْلُ الْحَجَرِ الْعَظِيمِ وَالْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ وَكُلُّ مَا يَقْتُلُ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي الضَّوَابِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي: (مَسَائِلِ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ) وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الظُّفْرُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا مُعَدًّا لِلْقَتْلِ وَالْجِنَايَةِ فَهُوَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا وَيَثْبُتُ بِهِ الْعَمْدُ عِنْدَهُمْ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِذَلِكَ، وَتَعَمَّدَ الضَّرْبَ بِهِ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَلَا قِصَاصَ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ فِيهِ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ.
طَهَارَةُ الظُّفْرِ وَنَجَاسَتُهُ:
12- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ ظُفْرَ الْإِنْسَانِ طَاهِرٌ، حَيًّا كَانَ الْإِنْسَانُ أَوْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الظُّفْرُ مُتَّصِلًا بِهِ، أَمْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ إِلَى نَجَاسَةِ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى نَجَاسَةِ الْكَافِرِ بِالْمَوْتِ دُونَ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا الْخِلَافُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ مَا وَافَقَ الْجُمْهُورَ.
أَمَّا الْحَيَوَانُ، فَإِنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ (الذَّاتُ)، كَالْخِنْزِيرِ، فَإِنَّ ظُفْرَهُ نَجِسٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ طَاهِرَ الْعَيْنِ، فَظُفْرُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ حَالَ حَيَاتِهِ طَاهِرٌ.فَإِنْ ذُكِّيَ فَهُوَ طَاهِرٌ أَيْضًا، أَمَّا إِذَا مَاتَ فَظُفْرُهُ نَجِسٌ كَمَيْتَتِهِ، وَكَذَا إِذَا انْفَصَلَ الظُّفْرُ حَالَ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ أَيْضًا، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتٌ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الظُّفْرَ مِنْ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ طَاهِرٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِ مَأْكُولٍ، مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تُحِلُّهُ، وَاَلَّذِي يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ إِنَّمَا هُوَ مَا حَلَّتْهُ الْحَيَاةُ دُونَ غَيْرِهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
16-موسوعة الفقه الكويتية (أقلف)
أَقْلَفُالتَّعْرِيفُ:
1- الْأَقْلَفُ: هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ، وَالْمَرْأَةُ قَلْفَاءُ، وَالْفُقَهَاءُ يَخُصُّونَ أَحْكَامَ الْأَقْلَفِ بِالرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ.
وَيُقَابِلُ الْأَقْلَفَ فِي الْمَعْنَى- الْمَخْتُونُ.
وَإِزَالَةُ الْقُلْفَةِ مِنَ الْأَقْلَفِ تُسَمَّى خِتَانًا فِي الرَّجُلِ، وَخَفْضًا فِي الْمَرْأَةِ.
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
2- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِزَالَةَ الْقُلْفَةِ مِنَ الْأَقْلَفِ مِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ، لِتَضَافُرِ الْأَحَادِيثِ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: « الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ ».كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (خِتَان).
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ فَرْضٌ.وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالشَّعْبِيِّ وَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الْأَقْلَفَ تَارِكُ فَرْضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
3- يَخْتَصُّ الْأَقْلَفُ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ:
أ- رَدُّ شَهَادَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ تَرْكُهُ الِاخْتِتَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ.وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبَيِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الِاخْتِتَانِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ فِسْقٌ، وَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ مَرْدُودَةٌ.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ شَهَادَتِهِ.
ب- جَوَازُ ذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ وَصَيْدِهِ، لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْفِسْقِ فِي الذَّبِيحَةِ وَالصَّيْدِ، وَلِذَلِكَ فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ- وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- إِلَى أَنَّ ذَبِيحَةَ الْأَقْلَفِ وَصَيْدَهُ يُؤْكَلَانِ، لِأَنَّ ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ تُؤْكَلُ فَهَذَا أَوْلَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ ذَبِيحَةَ الْأَقْلَفِ لَا تُؤْكَلُ، وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ.
ج- إِذَا كَانَ الِاخْتِتَانُ- إِزَالَةُ الْقُلْفَةِ- فَرْضًا، أَوْ سُنَّةً، فَلَوْ أَزَالَهَا إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
د- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَرَجٌ فِي غَسْلِ مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ فَلَا يُطْلَبُ تَطْهِيرُهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ تَطْهِيرُهَا مُمْكِنًا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُوجِبُونَ تَطْهِيرَ مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ فِي الْغُسْلِ وَالِاسْتِنْجَاءِ، لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِزَالَةِ، وَمَا تَحْتَهَا لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ غَسْلِهَا فِي الْغُسْلِ وَالِاسْتِنْجَاءِ، وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا يَرَوْنَ وُجُوبَ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ.
هـ- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُمْ مَنْ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ تَطْهِيرِ مَا تَحْتَ الْقُلْفَةِ، إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَغْسِلْ مَا تَحْتَهَا لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ، وَبِالتَّالِي لَا تَصِحُّ إِمَامَتُهُ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَتَصِحُّ إِمَامَتُهُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ جَوَازَ إِمَامَةِ الْأَقْلَفِ، وَلَكِنَّهُمْ يَرَوْنَ كَرَاهَةَ تَعْيِينِهِ إِمَامًا رَاتِبًا، وَمَعَ هَذَا لَوْ صَلَّى النَّاسُ خَلْفَهُ لَمْ يُعِيدُوا صَلَاتَهُمْ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
17-موسوعة الفقه الكويتية (تغسيل الميت 1)
تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ -1التَّعْرِيفُ:
1- التَّغْسِيلُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى: إِزَالَةِ الْوَسَخِ عَنِ الشَّيْءِ، بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَالْمَيِّتُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: ضِدُّ الْحَيِّ، وَأَمَّا الْحَيُّ- فَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ لَا غَيْرُ- بِمَعْنَى مَنْ سَيَمُوتُ.وَمِنْهُ قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، قَالَ تَعَالَى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} وَلَمْ يَقُلْ مَيِّتَةً.فَتَغْسِيلُ الْمَيِّتِ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَعْمِيمُ بَدَنِ الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ بِطَرِيقَةٍ مَسْنُونَةٍ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيلَ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَاجِبُ كِفَايَةٍ، بِحَيْثُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ.لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ وَعَدَّ مِنْهَا: أَنْ يُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَالْأَصْلُ فِيهِ: تَغْسِيلُ الْمَلَائِكَةِ ((لآِدَمَ- عليه السلام-.ثُمَّ قَالُوا: يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِسُنِّيَّةِ الْغُسْلِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، فَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَى تَصْحِيحِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ.
مَا يَنْبَغِي لِغَاسِلِ الْمَيِّتِ، وَمَا يُكْرَهُ لَهُ:
3- يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ ثِقَةً أَمِينًا، وَعَارِفًا بِأَحْكَامِ الْغُسْلِ.وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمُ الْمَأْمُونُونَ».
وَلَا يَجُوزُ لَهُ إِذَا رَأَى مِنَ الْمَيِّتِ شَيْئًا مِمَّا يُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِلاَّ لِمَصْلَحَةٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ- عليه الصلاة والسلام- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
وَإِنْ رَأَى حَسَنًا مِثْلَ أَمَارَاتِ الْخَيْرِ مِنْ وَضَاءَةِ الْوَجْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، اسْتُحِبَّ لَهُ إِظْهَارُهُ لِيَكْثُرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ، وَيَحْصُلَ الْحَثُّ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالتَّبْشِيرُ بِجَمِيلِ سِيرَتِهِ.
إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا، وَرَأَى الْغَاسِلُ مِنْهُ مَا يُكْرَهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِهِ، لِيَكُونَ زَجْرًا لَهُمْ عَنِ الْبِدْعَةِ.
كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ إِنْ سَهُلَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ لِقَسْوَةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهَا تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تَنْكَسِرَ أَعْضَاؤُهُ.وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً خَشِنَةً يَمْسَحُهُ بِهَا، لِئَلاَّ يَمَسَّ عَوْرَتَهُ.لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ.فَاللَّمْسُ أَوْلَى، وَيُعِدُّ لِغَسْلِ السَّبِيلَيْنِ خِرْقَةً أُخْرَى.قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَيُكْرَهُ لِلْغَاسِلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إِلاَّ لِحَاجَةٍ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَا يَنْظُرُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ.
كَمَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّكَّةِ، وَيَجْعَلَ الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، بَلْ يَقِفُ عَلَى الْأَرْضِ وَيُقَلِّبَهُ حِينَ غَسْلِهِ، كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، لَا بِالْأَذْكَارِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا لِكُلِّ عُضْوٍ ذِكْرٌ يَخُصُّهُ، فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ.
النِّيَّةُ فِي تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ:
4- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى: أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ، بَلْ شَرْطٌ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ، فَلَوْ غُسِّلَ الْمَيِّتُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَ لِطَهَارَتِهِ، لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنِ الْمُكَلَّفِينَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ إِلَى: عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى نِيَّةٍ، كَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ التَّنْظِيفُ، فَأَشْبَهَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ، فَافْتَقَرَ إِلَى النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلَمَّا تَعَذَّرَتِ النِّيَّةُ مِنَ الْمَيِّتِ اعْتُبِرَتْ فِي الْغَاسِلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِالْغُسْلِ.
تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ وَكَيْفِيَّةُ وَضْعِهِ حَالَةَ الْغُسْلِ:
5- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْغُسْلِ هُوَ التَّطْهِيرُ وَحُصُولُهُ بِالتَّجْرِيدِ أَبْلَغُ.
وَلِأَنَّهُ لَوِ اغْتَسَلَ فِي ثَوْبِهِ تَنَجَّسَ الثَّوْبُ بِمَا يَخْرُجُ، وَقَدْ لَا يَطْهُرُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ.
وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَرُّوذِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ فِي قَمِيصِهِ.وَقَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ رَقِيقٌ يَنْزِلُ الْمَاءُ فِيهِ، يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُو قِلَابَةَ إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا جَلَّلَهُ بِثَوْبٍ.وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي سُنَّةٌ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ فِي قَمِيصٍ، فَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْمَاءُ يُصَبُّ.وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ».
وَأَمَّا سَتْرُ عَوْرَتِهِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَمَأْمُورٌ بِهِ، هَذَا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ يُغَسِّلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى تُغَسِّلُ الْأُنْثَى، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ الْمَحْرَمُ يُغَسِّلُ الْأُنْثَى، وَعَكْسُهُ، فَيَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِ الْمَيِّتِ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِ عِنْدَ تَغْسِيلِهِ، فَهِيَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ هُيِّئَ لَهُ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ رَأْسِهِ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ، وَيَكُونُ الْوَضْعُ طُولًا، كَمَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِإِيمَاءٍ.
وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ اخْتَارَ الْوَضْعَ كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ.وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ.
عَدَدُ الْغَسَلَاتِ وَكَيْفِيَّتُهَا:
6- قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ الْغَاسِلُ بِتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ يُزِيلُ عَنْهُ النَّجَاسَةَ، وَيَسْتَنْجِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.وَأَمَّا إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَإِنْقَاؤُهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولَانِ بِهِ بِلَا إِجْلَاسٍ وَعَصْرٍ فِي أَوَّلِ الْغُسْلِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْدَبُ عَصْرُ الْبَطْنِ حَالَةَ الْغُسْلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَكُونُ إِجْلَاسُ الْمَيِّتِ وَعَصْرُ بَطْنِهِ فِي أَوَّلِ الْغُسْلِ.
ثُمَّ يُوَضِّئُهُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَلَا يُدْخِلُ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَا أَنْفِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَذَى أَزَالَهُ بِخِرْقَةٍ يَبُلُّهَا وَيَجْعَلُهَا عَلَى أُصْبُعِهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى يُنَظِّفَهُمَا.وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَلَا يُغْنِي ذَلِكَ عَنِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.وَيُمِيلُ رَأْسَ الْمَيِّتِ حَتَّى لَا يَبْلُغَ الْمَاءُ بَطْنَهُ.وَكَذَا لَا يُؤَخِّرُ رِجْلَيْهِ عِنْدَ التَّوْضِئَةِ.
وَبَعْدَ الْوُضُوءِ يَجْعَلُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ يُدِيرُهُ عَلَى الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ، وَذَلِكَ بَعْدَ تَثْلِيثِ غَسْلِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
وَالْوَاجِبُ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ ثَلَاثًا كُلَّ غَسْلَةٍ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَجْعَلُ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا، أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الطِّيبِ إِنْ أَمْكَنَ.
وَإِنْ رَأَى الْغَاسِلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ- لِكَوْنِهِ لَمْ يُنْقِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ- غَسَلَهُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْطَعَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ.وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعٍ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ- رضي الله عنها- «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا، وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ».
وَيَرَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ عِنْدَ الْوَبَاءِ وَمَا يَشْتَدُّ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَسْلِ الْمَوْتَى لِكَثْرَتِهِمْ، أَنْ يَجْتَزِئُوا بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ صَبًّا.
وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ- مَا عَدَا أَشْهَبَ- وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لَا يُعَادُ غُسْلُهُ، وَإِنَّمَا يُغْسَلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى مُغْتَسَلِهِ غَسَّلَهُ إِلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ فَإِلَى سَبْعٍ.وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِسْحَاقُ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ إِعَادَةُ وُضُوئِهِ.هَذَا إِذَا خَرَجَتِ النَّجَاسَةُ قَبْلَ الْإِدْرَاجِ فِي الْكَفَنِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَجَزَمُوا بِالِاكْتِفَاءِ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَقَطْ.
7- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْمَلَ الْمَيِّتُ إِلَى مَكَانٍ خَالٍ مَسْتُورٍ لَا يَدْخُلُهُ إِلاَّ الْغَاسِلُ، وَمَنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْلِ، وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْخُلَهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يُعِنْ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ الْمَيِّتُ مُظْلِمًا.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُعِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ سِتْرًا.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ النَّخَعِيُّ يُحِبُّ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ سُتْرَةٌ، وَهُوَ مَا أَوْصَى بِهِ الضَّحَّاكُ أَخَاهُ سَالِمًا، كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ، فَجَعَلْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّقْفِ سِتْرًا».
صِفَةُ مَاءِ الْغُسْلِ:
8- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ غُسْلِ الْمَيِّتِ فِي الْمَاءِ: الطَّهُورِيَّةُ كَسَائِرِ الطَّهَارَاتِ، وَالْإِبَاحَةُ كَبَاقِي الْأَغْسَالِ وَاسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ سَاخِنًا لِزِيَادَةِ الْإِنْقَاءِ، وَيُغْلَى الْمَاءُ بِالسِّدْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُخَيَّرُ الْغَاسِلُ فِي صِفَةِ الْمَاءِ إِنْ شَاءَ بَارِدًا وَإِنْ شَاءَ سَاخِنًا.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَدَمَ غَسْلِ الْمَيِّتِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، إِلاَّ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ لِوَسَخٍ أَوْ غَيْرِهِ.وَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْغَاسِلُ إِنَاءَيْنِ، وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يَتَّخِذَ ثَلَاثَةَ أَوَانٍ لِلْمَاءِ.
مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ قَبْلَ التَّغْسِيلِ وَبَعْدَهُ:
9- يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبَخُورِ عِنْدَ تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ مُسْتَحَبٌّ، لِئَلاَّ تُشَمَّ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ.وَيَزْدَادُ فِي الْبَخُورِ عِنْدَ عَصْرِ بَطْنِهِ.
وَأَمَّا تَسْرِيحُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، فَلَا يُفْعَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ فِي الْعَانَةِ، وَرِوَايَةً عِنْدَهُمْ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا إِلاَّ فِي تَسْرِيحِ الشَّعْرِ وَاللِّحْيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِحَقِّ الزِّينَةِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الزِّينَةِ.فَلَا يُزَالُ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا إِنْ كَانَ ظُفْرُهُ مُنْكَسِرًا فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهُ يُفْعَلُ كُلُّ ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَهُمْ فِي تَقْلِيمِ الظُّفْرِ إِنْ كَانَ فَاحِشًا، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ.وَدَلِيلُ الْجَوَازِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ كَمَا تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ».وَلِأَنَّ تَرْكَ تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَحْوِهَا يُقَبِّحُ مَنْظَرَ الْمَيِّتِ، فَشُرِعَتْ إِزَالَتُهُ.
وَأَمَّا الْخِتَانُ فَلَا يُشْرَعُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ إِبَانَةُ جُزْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُحْلَقُ رَأْسُ الْمَيِّتِ.وَحَكَى أَحْمَدُ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يُخْتَنُ.
وَإِذَا فَرَغَ الْغَاسِلُ مِنْ تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ نَشَّفَهُ بِثَوْبٍ، لِئَلاَّ تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ.وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ- رضي الله عنها-: «فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْهَا فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا نَظِيفًا».وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه- فِي غُسْلِ النَّبِيِّ- عليه الصلاة والسلام- قَالَ: فَجَفَّفُوهُ بِثَوْبٍ.
الْحَالَاتُ الَّتِي يُيَمَّمُ فِيهَا الْمَيِّتُ:
10- يُيَمَّمُ الْمَيِّتُ فِي الْحَالَاتِ الْآتِيَةِ:
أ- إِذَا مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ أَجَانِبَ، وَلَمْ تُوجَدِ امْرَأَةٌ مَحْرَمَةٌ، أَوْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ، وَلَمْ يُوجَدْ مَحْرَمٌ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ- فِي الْأَصَحِّ- وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ قَوْلَهُمْ: إِذَا كَانَ بَيْنَ النِّسْوَةِ امْرَأَتُهُ غَسَّلَتْهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَكَانَتْ مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ صَغِيرَةٌ، لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَأَطَاقَتِ الْغُسْلَ، عَلَّمْنَهَا الْغُسْلَ، وَيُخَلِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى تُغَسِّلَهُ، وَتُكَفِّنَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا غَيْرُ ثَابِتٍ.
وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَتِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ أَجَانِبَ، وَكَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَأَطَاقَ الْغُسْلَ، عَلَّمُوهُ الْغُسْلَ فَيُغَسِّلُهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ، وَالْقَفَّالِ، وَرَجَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُيَمَّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، بَلْ يُغَسَّلُ وَيُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ، وَلَا يُمَسُّ.
وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ يُدْفَنُ وَلَا يُيَمَّمُ وَلَا يُغَسَّلُ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ فَفِيهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (تَيَمُّمٌ).
ب- إِذَا مَاتَ خُنْثَى مُشْكِلٌ وَهُوَ كَبِيرٌ، عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَيَأْتِي فِي ف 19
ج- إِذَا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِفَقْدِ مَاءٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَتَقَطُّعِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ، أَوْ تَسَلُّخِهِ مِنْ صَبِّهِ عَلَيْهِ
مَنْ يَجُوزُ لَهُمْ تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ:
أ- الْأَحَقُّ بِتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ:
11- الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الرِّجَالَ إِلاَّ الرِّجَالُ، وَلَا النِّسَاءَ إِلاَّ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ النَّوْعِ إِلَى النَّوْعِ نَفْسِهِ أَهْوَنُ، وَحُرْمَةُ الْمَسِّ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ، فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ.وَاخْتَلَفُوا فِي التَّرْتِيبِ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْغَاسِلِ أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَى الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْغُسْلَ فَأَهْلُ الْأَمَانَةِ وَالْوَرَعِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ تَقْدِيمَ الْحَيِّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِي غُسْلِ صَاحِبِهِ عَلَى الْعَصَبَةِ، وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ التَّنَازُعِ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَتِهِ، ثُمَّ امْرَأَةٌ مَحْرَمَةٌ كَأُمٍّ وَبِنْتٍ.وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، أَوْ كَانَ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ، يُغَسِّلُهَا أَقْرَبُ امْرَأَةٍ إِلَيْهَا فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ أَجْنَبِيَّةٌ، ثُمَّ رَجُلٌ مَحْرَمٌ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ.وَيَسْتُرُ وُجُوبًا جَمِيعَ جَسَدِهَا، وَلَا يُبَاشِرُ جَسَدَهَا إِلاَّ بِخِرْقَةٍ كَثِيفَةٍ يَلُفُّهَا عَلَى يَدِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا غَسَّلَهُ أَقَارِبُهُ.
وَهَلْ تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ، فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنَ الرِّجَالِ الْعَصَبَاتُ، ثُمَّ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّمُ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَى الْجَمِيعِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً قُدِّمَ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجُ، ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ.وَذَوُو الْمَحَارِمِ مِنَ النِّسَاءِ الْأَقَارِبِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى نِسَاءِ الْقَرَابَةِ؟ وَجْهَانِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُنَّ أَلْيَقُ.وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى مَا لَا يَنْظُرْنَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ تَجْوِيزُ الْغُسْلِ لِلرِّجَالِ الْمَحَارِمِ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ، وَلَكِنَّ عَامَّةَ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُونَ: الْمَحَارِمُ بَعْدَ النِّسَاءِ أَوْلَى.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِالتَّغْسِيلِ وَصِيُّ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ عَدْلًا، وَيَتَنَاوَلُ عُمُومُهُ مَا لَوْ وَصَّى لِامْرَأَتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ- رضي الله عنه- وَصَّى لِامْرَأَتِهِ فَغَسَّلَتْهُ.وَكَذَا لَوْ أَوْصَتْ بِأَنْ يُغَسِّلَهَا زَوْجُهَا.
وَبَعْدَ وَصِيِّهِ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ الْأَجَانِبُ، فَيُقَدَّمُ صَدِيقُ الْمَيِّتِ، وَبَعْدَ وَصِيِّهَا أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، فَبِنْتُهَا وَإِنْ نَزَلَتْ، فَبِنْتُ ابْنِهَا وَإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى.
ب- تَغْسِيلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا:
12- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ تَغْسِيلَ زَوْجِهَا، إِذَا لَمْ يَحْدُثْ قَبْلَ مَوْتِهِ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ.فَإِنْ ثَبَتَتِ الْبَيْنُونَةُ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَائِنًا، أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ، لَا تُغَسِّلُهُ؛ لِارْتِفَاعِ مِلْكِ الْبُضْعِ بِالْإِبَانَةِ.
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا- وَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ- لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ غُسْلُهُ عِنْدَهُمْ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ فِي الْحَيَاةِ.
وَكَذَا لَا تُغَسِّلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِذَا حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَا لَوِ ارْتَدَّتْ بَعْدَهُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لِزَوَالِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ قَائِمًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَارْتَفَعَ بِالرِّدَّةِ، وَالْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَةَ الْغُسْلِ لَا حَالَةَ الْمَوْتِ.وَيَرَى زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَةَ الْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لَهَا تَغْسِيلُهُ عِنْدَهُ، وَإِنْ حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ تَغْسِيلِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلاَّ نِسَاؤُهُ.
ج- تَغْسِيلُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ:
13- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ فُرْقَةٌ تُبِيحُ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا، فَحَرَّمَتِ الْفُرْقَةُ النَّظَرَ وَاللَّمْسَ كَالطَّلَاقِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ لِلزَّوْجِ غُسْلَ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ.لِأَنَّ عَلِيًّا- رضي الله عنه- غَسَّلَ فَاطِمَةَ- رضي الله عنها- وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ- عليه الصلاة والسلام- قَالَ لِعَائِشَةَ- رضي الله عنها-: مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَقُمْتُ عَلَيْكِ، فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ» إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ مَنْ يُغَسِّلُهَا، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ وَالشُّبْهَةِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: وَإِنْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فَلَا بَأْسَ.
يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ غُسْلُهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ يُغَسِّلُهَا سِوَاهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ وَالشُّبْهَةِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَطْلَقُوا الْجَوَازَ.وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا عِنْدَهُمْ.
د- تَغْسِيلُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَعَكْسُهُ:
14- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ تَغْسِيلُ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ كَرَامَةً وَتَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِأَحْمَدَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْكَافِرُ الْمَيِّتُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْمُسْلِمِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَغْسِيلُهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَمِلَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ، خَلَّى الْمُسْلِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ أَبُو طَالِبٍ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَمُّكَ الضَّالُّ قَدْ تُوُفِّيَ، فَقَالَ: اذْهَبْ وَاغْسِلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ».
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ تَغْسِيلِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ لِلْكَافِرِينَ، وَأَقَارِبُهُ الْكُفَّارُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُغَسِّلُ الْكَافِرَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْلُ زَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُغَسِّلُ الْكَافِرَ وَلَا يَتَوَلَّى دَفْنَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا مُوَالَاةَ، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الزَّوْجِيَّةُ بِالْمَوْتِ.
وَكَذَلِكَ لَا تُغَسِّلُهُ هِيَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا.لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْلِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
وَعُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لِلزَّوْجِ غُسْلَ زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، وَلَهَا غُسْلُهُ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَالْمَرْأَةُ لَا تُمْنَعُ مِنْ تَغْسِيلِ زَوْجِهَا بِشَرْطِ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَوْ كِتَابِيَّةً.وَأَمَّا عَكْسُ ذَلِكَ فَلَا يَتَأَتَّى عِنْدَهُمْ فِي الْأَصَحِّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ (ف 13).
تَغْسِيلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ:
15- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَخْرَجِ- مُقَابِلُ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ- وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَغْسِيلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ التَّغْسِيلَ عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَا يَصِحُّ تَغْسِيلُهُ لِلْمُسْلِمِ كَالْمَجْنُونِ.وَأَيْضًا فَإِنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْلِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.وَفِي الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ غَسَّلَ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يَكْفِي.
هـ- تَغْسِيلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلْأَطْفَالِ الصِّغَارِ وَعَكْسُهُ:
(1) تَغْسِيلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلْأَطْفَالِ الصِّغَارِ:
16- قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ.وَقَيَّدَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِاَلَّذِي لَا يُشْتَهَى، وَالْمَالِكِيَّةُ بِثَمَانِي سِنِينَ فَمَا دُونَهَا، وَالْحَنَابِلَةُ بِمَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ.ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ السِّنِّ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فَصَّلَهَا الْفُقَهَاءُ فِي (كِتَابِ الْجَنَائِزِ).
أَمَّا تَغْسِيلُ الرِّجَالِ لِلصَّغِيرَةِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ الصَّبِيَّةَ الَّتِي لَا تُشْتَهَى إِذَا مَاتَتْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي حَقِّهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ.
وَيَرَى جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ غُسْلُ صَبِيَّةٍ رَضِيعَةٍ وَمَا قَارَبَهَا كَزِيَادَةِ شَهْرٍ عَلَى مُدَّةِ الرَّضَاعِ، لَا بِنْتِ ثَلَاثِ سِنِينَ.وَيَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الرَّجُلُ الصَّبِيَّةَ وَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا.
وَقَالَ عِيسَى: إِذَا صَغُرَتْ جِدًّا فَلَا بَأْسَ.وَصَرَّحَ أَحْمَدُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَسِّلُ الصَّبِيَّةَ إِلاَّ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنِ ابْنِ قِلَابَةَ أَنَّهُ غَسَّلَ بِنْتًا لَهُ صَغِيرَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَسِّلُ الْجَارِيَةَ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ عَوْرَةِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ عَوْرَةَ الْجَارِيَةِ أَفْحَشُ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مُعَانَاةُ الْمَرْأَةِ لِلْغُلَامِ الصَّغِيرِ، وَمُبَاشَرَةُ عَوْرَتِهِ فِي حَالِ تَرْبِيَتِهِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ عَوْرَةَ الْجَارِيَةِ فِي الْحَيَاةِ، فَكَذَلِكَ حَالَ الْمَوْتِ.
(2) تَغْسِيلُ الصَّبِيِّ لِلْمَيِّتِ:
17- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ إِذَا كَانَ عَاقِلًا أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّهُ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ فَصَحَّ أَنْ يُطَهِّرَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ أَقْوَالِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
و- تَغْسِيلُ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ وَعَكْسُهُ، وَكَيْفِيَّةُ تَغْسِيلِ الْمُحْرِمِ:
18- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي جَوَازِ تَغْسِيلِ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَغُسْلُهُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَ غَيْرَهُ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تَغْسِيلِ الْمُحْرِمِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيُصْنَعُ بِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِالْحَلَالِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّ حُكْمَ إِحْرَامِهِ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، فَيُصْنَعُ فِي تَغْسِيلِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْرِمِ.
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ).
ز- تَغْسِيلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ:
19- إِذَا كَانَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ، يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ تَغْسِيلُهُ، كَمَا يَجُوزُ مَسُّهُ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ كَبِيرًا أَوْ مُرَاهِقًا فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً، وَلَا يُغَسِّلُهُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ، بَلْ يُيَمَّمُ.وَالْأَصْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ- إِنْ كَانَ لَهُ مَحْرَمٌ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ- غَسَّلَهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْرَمٌ جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ غُسْلُهُ صَغِيرًا.فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالْآخَرُ: أَنَّهُ يُغَسَّلُ.قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ أَمَةٌ، يُيَمَّمُ، وَزَادَ: أَنَّ الرَّجُلَ أَوْلَى بِتَيْمِيمِ خُنْثَى فِي سِنِّ التَّمْيِيزِ، وَحَرُمَ بِدُونِ حَائِلٍ عَلَى غَيْرِ مَحْرَمٍ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ وُجُودُ أَمَةٍ لَهُ- سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مَالِهِ أَمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَمْ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ- فَإِنَّهَا تُغَسِّلُهُ، وَإِلاَّ يُيَمَّمْ، وَلَا يُغَسِّلُهُ أَحَدٌ سِوَاهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ آخَرَ إِلَى أَنَّهُ يُغَسَّلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحَارِمُ.
وَفِيمَنْ يُغَسِّلُ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ، وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ، وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ، أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، أَنَّهُ يُشْتَرَى مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةٌ لِتُغَسِّلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
مَنْ يُغَسَّلُ مِنَ الْمَوْتَى وَمَنْ لَا يُغَسَّلُ:
أ- تَغْسِيلُ الشَّهِيدِ:
20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُغَسَّلُ، لِمَا رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ» وَيَرَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ تَغْسِيلَ الشَّهِيدِ.
وَإِنْ كَانَ الشَّهِيدُ جُنُبًا فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُغَسَّلُ.وَيَرَى جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْمَوْتِ، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تَطْهُرُ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ثُمَّ تَسْتَشْهِدُ فَهِيَ كَالْجُنُبِ.وَأَمَّا قَبْلَ الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ.وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْأُخْرَى لَا يَجِبُ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- مَا عَدَا أَبَا حَنِيفَةَ- إِلَى أَنَّ الشَّهِيدَ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ فِي تَغْسِيلِ مَنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ، وَالْمُرْتَثُّ (وَهُوَ مَنْ حُمِلَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ جَرِيحًا وَبِهِ رَمَقٌ)، وَمَنْ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَقَتَلَهُ، وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَمَنْ قُتِلَ ظُلْمًا، أَوْ دُونَ مَالِهِ أَوْ دُونَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالَهُمْ هَلْ يُعْتَبَرُونَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَمْ لَا؟
فَيُرْجَعُ لِلتَّفْصِيلِ إِلَى مُصْطَلَحِ (شَهِيدٌ).
ب- تَغْسِيلُ الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَصَاحِبِ الْهَدْمِ وَأَمْثَالِهِمْ:
21- لَا خِلَافَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الشَّهِيدَ بِغَيْرِ قَتْلٍ كَالْمَبْطُونِ، وَالْمَطْعُونِ، وَمِنْهُ الْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالنُّفَسَاءُ، وَنَحْوُهُمْ يُغَسَّلُونَ، وَإِنْ وَرَدَ فِيهِمْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ.
ج- تَغْسِيلُ مَنْ لَا يُدْرَى حَالُهُ:
22- لَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ أَوْ قَتِيلٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.وَكَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخِتَانِ وَالثِّيَابِ وَالْخِضَابِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ دَارِ الْحَرْبِ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُغَسَّلُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُغَسَّلُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ.
وَصَرَّحَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ وُجِدَ بِفَلَاةٍ، لَا يُدْرَى أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ؟ فَلَا يُغَسَّلُ.وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ مِنَ الْمَدَائِنِ فِي زُقَاقٍ، وَلَا يُدْرَى حَالُهُ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِنْ كَانَ مَخْتُونًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ يَخْتَتِنُونَ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمِنَ النَّصَارَى أَيْضًا مَنْ يَخْتَتِنُ.
د- تَغْسِيلُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِمْ بِالْكُفَّارِ:
23- لَوِ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يُمَيَّزُوا، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ جَمِيعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ أَمْ أَقَلَّ.أَوْ كَانُوا عَلَى السَّوَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ غُسْلَ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ، وَغُسْلَ الْكَافِرِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُؤْتَى بِالْجَائِزِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ.
هـ- تَغْسِيلُ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ:
24- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ الْبُغَاةُ إِذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ؛ إِهَانَةً لَهُمْ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِمْ عَنْ فِعْلِهِمْ.وَأَمَّا إِذَا قُتِلُوا بَعْدَ ثُبُوتِ يَدِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ.
وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (بُغَاةٌ).وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي عَدَمِ التَّغْسِيلِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
18-موسوعة الفقه الكويتية (تنور)
تَنَوُّرٌالتَّعْرِيفُ:
1- مِنْ مَعَانِي التَّنَوُّرُ لُغَةً: الطِّلَاءُ بِالنُّورَةِ
يُقَالُ: تَنَوَّرَ: تَطَلَّى بِالنُّورَةِ لِيُزِيلَ الشَّعْرَ
وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الِاسْتِحْدَادُ:
2- الِاسْتِحْدَادُ حَلْقُ الْعَانَةِ، سُمِّيَ اسْتِحْدَادًا لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ وَهِيَ الْمُوسَى، وَفِي حُكْمِ الْحَلْقِ الْقَصُّ وَالنَّتْفُ وَالنُّورَةُ.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِحْدَادُ أَعَمَّ مِنَ التَّنَوُّرِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالتَّنَوُّرِ يَكُونُ بِغَيْرِهِ مِنْ حَلْقٍ وَقَصٍّ وَنَتْفٍ.
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:
3- إزَالَةُ شَعْرِ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ الَّتِي وَرَدَ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، وَالْإِزَالَةُ تَكُونُ بِأُمُورٍ مِنْهَا: التَّنَوُّرُ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ إزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ بِالتَّنَوُّرِ، لِمَا رَوَاهُ الْخَلاَّلُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كُنْت أَطْلِي ابْنَ عُمَرَ فَإِذَا بَلَغَ عَانَتَهُ نَوَّرَهَا هُوَ بِيَدِهِ.وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَتَأَدَّى بِالْإِزَالَةِ بِكُلِّ مُزِيلٍ.
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ التَّنَوُّرِ وَالْحَلْقِ وَالنَّتْفِ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِإِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لِمُوَافَقَتِهِ خَبَرَ «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ».
قَالَ أَبُو شَامَةَ: يَقُومُ التَّنَوُّرُ مَكَانَ الْحَلْقِ وَكَذَلِكَ النَّتْفُ وَالْقَصُّ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهَا النَّتْفُ.وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
وَيَرَى جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ تَرْجِيحَ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا بَأْسَ بِالْإِزَالَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ.
أَمَّا إزَالَةُ شَعْرِ الْإِبْطَيْنِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ النَّتْفِ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ الْخَبَرَ، فَغَيْرُهُ مِنَ الْحَلْقِ وَالتَّنَوُّرِ خِلَافُ الْأَوْلَى.
وَتُنْظَرُ التَّفَاصِيلُ تَحْتَ عِنْوَانِ: (اسْتِحْدَادٌ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
19-موسوعة الفقه الكويتية (جنائز 1)
جَنَائِزُ -1التَّعْرِيف:
1- الْجَنَائِزُ جَمْعُ جَنَازَةٍ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ، وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، أَوْ بِالْكَسْرِ: السَّرِيرُ مَعَ الْمَيِّتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ وَقِيلَ: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لُغَتَانِ.
أَوَّلًا: أَحْكَامُ الْمُحْتَضَرِ:
تَعْرِيفُ الْمُحْتَضَرِ وَتَوْجِيهُهُ وَتَلْقِينُه:
2- الْمُحْتَضَرُ هُوَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَمَلَائِكَتُهُ، وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ، وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ- كَمَا أَوْرَدَهَا ابْنُ عَابِدِينَ- أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا تَنْتَصِبَانِ، وَيَعْوَجَّ أَنْفُهُ، وَيَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ، وَيَمْتَدَّ جِلْدُ خُصْيَتَيْهِ لِانْشِمَارِ الْخُصْيَتَيْنِ بِالْمَوْتِ، وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ فَلَا يُرَى فِيهَا تَعَطُّفٌ.
وَلِلْمُحْتَضَرِ أَحْكَامٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (احْتِضَارٌ).
حَالَةُ الْمَوْتِ:
مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا لَا يَنْبَغِي فِعْلُه:
مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ:
3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ شُدَّ لَحْيَاهُ، وَغُمِّضَتْ عَيْنَاهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ، وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ وَقَالَ: «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ»
وَيَتَوَلَّى أَرْفَقُ أَهْلِهِ بِهِ إِغْمَاضَهُ بِأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيَشُدُّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ يَشُدُّهَا فِي لَحْيِهِ الْأَسْفَلِ وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ.
وَيَقُولُ مُغْمِضُه: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ.اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ.وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِكَ، وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إِلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ.
وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ، وَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ إِلَى عَضُدَيْهِ، وَيَرُدُّ أَصَابِعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ يَمُدُّهَا، وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ، وَسَاقَيْهِ إِلَى فَخِذَيْهِ، ثُمَّ يَمُدُّهَا، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا اتُّفِقَ عَلَيْهِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ ثِيَابَهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَيُسَجَّى جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ «فَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ» وَيُتْرَكُ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ لَوْحٍ أَوْ سَرِيرٍ، لِئَلاَّ تُصِيبَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ فَيَتَغَيَّرَ رِيحُهُ.وَيُجْعَلُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدٌ، أَوْ طِينٌ يَابِسٌ، لِئَلاَّ يَنْتَفِخَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ.
الْإِعْلَامُ بِالْمَوْتِ:
4- يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ جِيرَانُ الْمَيِّتِ وَأَصْدِقَاؤُهُ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ، رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ النَّخَعِيِّ: لَا بَأْسَ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنْ يُؤْذَنَ صَدِيقُهُ وَأَصْحَابُهُ، إِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجْلِسِ فَيُقَالُ: أَنْعِي (فُلَانًا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ بِاخْتِصَارٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.
وَكَرِهَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ النِّدَاءَ فِي الْأَسْوَاقِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إِنْ كَانَ عَالِمًا، أَوْ زَاهِدًا، أَوْ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِهِ، فَقَدِ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّدَاءَ فِي الْأَسْوَاقِ لِجِنَازَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ عَلَى هَيْئَةِ التَّفْخِيمِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِنَحْوِ: مَاتَ الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُؤْذِنُ بِالْجِنَازَةِ فَيَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ فَيَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ دُعِيَ فَأَجَابَ، أَوْ أَمَةُ اللَّهِ دُعِيَتْ فَأَجَابَتْ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ أَقَارِبِهِ وَإِخْوَانِهِ مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ:
الْأُولَى: إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ.
وَالثَّانِيَةُ: الدَّعْوَةُ لِلْمُفَاخَرَةِ بِالْكَثْرَةِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ.
وَالثَّالِثَةُ: الْإِعْلَامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مُحَرَّمٌ.
وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ كُرِهَ صِيَاحٌ بِمَسْجِدٍ أَوْ بِبَابِهِ بِأَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَدْ مَاتَ فَاسْعَوْا إِلَى جِنَازَتِهِ مَثَلًا، إِلاَّ الْإِعْلَامَ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ أَيْ مِنْ غَيْرِ صِيَاحٍ فَلَا يُكْرَهُ.
فَالنَّعْيُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اتِّفَاقًا، وَهُوَ أَنْ يَرْكَبَ رَجُلٌ دَابَّةً يَصِيحُ فِي النَّاسِ أَنْعِي فُلَانًا، أَوْ كَمَا مَرَّ عَنِ النَّخَعِيِّ، أَوْ أَنْ يُنَادَى بِمَوْتِهِ، وَيُشَادَ بِمَفَاخِرِهِ.وَبِهِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَعْيٌ).
قَضَاءُ الدَّيْنِ:
5- يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَارَعَ إِلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ إِبْرَائِهِ مِنْهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ».
قَالَ السُّيُوطِيُّ: سَوَاءٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَمْ لَا، وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ: إِنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُخَلِّفُ وَفَاءً.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ اسْتُحِبَّ لِوَارِثِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَتَكَفَّلَ عَنْهُ، وَالْكَفَالَةُ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ قَالَ بِصِحَّتِهَا أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ عِنْدَهُ الْكَفَالَةُ بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ مُفْلِسٍ، وَإِنْ وَعَدَ أَحَدٌ بِأَدَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ صَحَّ عِنْدَهُ عِدَةً لَا كَفَالَةً.وَذَهَبَ الطَّحْطَاوِيُّ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ:
6- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تُيُقِّنَ الْمَوْتُ يُبَادَرُ إِلَى التَّجْهِيزِ وَلَا يُؤَخَّرُ» لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَهْلِهِ» وَتَشْهَدُ لَهُ أَحَادِيثُ الْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ حَمْلِ الْجِنَازَةِ.
فَإِنْ مَاتَ فَجْأَةً تُرِكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ، وَهُوَ مُفَادُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ.وَفِي الْغَايَةِ سُنَّ إِسْرَاعُ تَجْهِيزِهِ إِنْ مَاتَ غَيْرَ فَجْأَةٍ، وَيُنْتَظَرُ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً بِنَحْوِ صَعْقَةٍ، أَوْ مَنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ، حَتَّى يُعْلَمَ بِانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ إِلَخْ.
وَبِهِ يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ فَفِي مُقَدِّمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ دَفْنُ الْغَرِيقِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ غَمَرَهُ فَلَا تَتَبَيَّنَ حَيَاتُهُ.
مَا لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ:
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ:
7- تُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ حَتَّى يُغَسَّلَ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا «اقْرَءُوا سُورَةَ يس عَلَى مَوْتَاكُمْ» فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُقْرَأُ عِنْدَهُ يس إِلاَّ هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ» وَخَالَفَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمُحَقِّقِينَ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَالَ: بَلْ يُقْرَأُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ مُسَجًّى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَيِّتَ إِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا كُرِهَ.وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَيِّتُ مُسَجًّى بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا إِذَا قَرَأَ جَهْرًا.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ قَبْلَ الدَّفْنِ لِئَلاَّ تَشْغَلَهُمُ الْقِرَاءَةُ عَنْ تَعْجِيلِ تَجْهِيزِهِ، خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَبَعْضِهِمْ، وَجَوَّزَهُ الرَّمْلِيُّ بَحْثًا.أَمَّا بَعْدَ الدَّفْنِ فَيُنْدَبُ عِنْدَهُمْ.
وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى تَصْرِيحٍ لِلْحَنَابِلَةِ فِي غَيْرِ الْمُحْتَضَرِ.
النَّوْحُ وَالصِّيَاحُ عَلَى الْمَيِّتِ:
8- يُكْرَهُ النَّوْحُ، وَالصِّيَاحُ، وَشَقُّ الْجُيُوبِ، فِي مَنْزِلِ الْمَيِّتِ، وَفِي الْجَنَائِزِ، أَوْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَلَا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ بِدَمْعٍ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ.
فَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ».وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ».
وَأَمَّا الْبُكَاءُ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رُفِعَ إِلَيْهِ ابْنٌ لِابْنَتِهِ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ».
وَقَوْلُ عُمَرَ: - فِي حَقِّ نِسَاءِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ- دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
وَفِي الصَّبْرِ رَوَى الْبُخَارِيُّ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي».وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ السَّرَّاجُ: قَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّوْحِ، وَالدَّعْوَى بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، ذَكَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ.
وَالْمُرَادُ بِالْبُكَاءِ فِي حَدِيثِ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» النَّدْبُ، وَالنِّيَاحَةُ، وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ إِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ.
وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ لَا يُكْرَهُ بُكَاءٌ عَلَى مَيِّتٍ قَبْلَ مَوْتٍ وَلَا بَعْدَهُ، بَلِ اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَحَرُمَ نَدْبٌ وَهُوَ بُكَاءٌ مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ، وَنَوْحٌ وَهُوَ رَفْعُ صَوْتٍ بِذَلِكَ بِرِقَّةٍ وَشَقِّ ثَوْبٍ، وَكُرِهَ اسْتِدَامَةُ لُبْسِ مَشْقُوقٍ، وَحَرُمَ لَطْمُ خَدٍّ، وَخَمْشُهُ، وَصُرَاخٌ، وَنَتْفُ شَعْرٍ وَنَشْرُهُ وَحَلْقُهُ، وَعَدَّ فِي (الْفُصُولِ) مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِظْهَارَ الْجَزَعِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ مِنَ الظَّالِمِ، وَهُوَ عَدْلٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: (وَيُتَّجَهُ) وَمِثْلُهُ إِلْقَاءُ تُرَابٍ عَلَى الرَّأْسِ، وَدُعَاءٌ بِوَيْلٍ وَثُبُورٍ، وَيُبَاحُ يَسِيرُ نُدْبَةٍ لَمْ تَخْرُجْ مَخْرَجَ نَوْحٍ، نَحْوَ يَا أَبَتَاهُ يَا وَلَدَاهُ، فَإِنْ زَادَ يَصِيرُ نَدْبًا وَيَجِبُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ.
شَقُّ بَطْنِ الْمَيِّتَةِ لِإِخْرَاجِ الْجَنِينِ:
9- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ إِنْ مَاتَتِ امْرَأَةٌ وَالْوَلَدُ يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِهَا يُشَقُّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يَسَعُ إِلاَّ ذَلِكَ.وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ يُشَقُّ لِلْوَلَدِ إِنْ كَانَ تُرْجَى حَيَاتُهُ.فَإِنْ كَانَ لَا تُرْجَى حَيَاتُهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشَقُّ.وَعِنْدَ أَحْمَدَ حَرُمَ شَقُّ بَطْنِهَا وَأَخْرَجَ نِسَاءٌ لَا رِجَالٌ مَنْ تُرْجَى حَيَاتُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تُدْفَنْ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نِسَاءٌ لَمْ يَسْطُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ، وَيُتْرَكُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ.وَعَنْهُ يَسْطُو عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالْأَوْلَى بِذَلِكَ الْمَحَارِمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يُبْقَرُ بَطْنُ الْمَيِّتَةِ إِذَا كَانَ جَنِينُهَا يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِهَا.وَقَالَ سَحْنُونٌ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ أَنَّ الْجَنِينَ إِذَا اسْتُيْقِنَ بِحَيَاتِهِ وَكَانَ مَعْرُوفَ الْحَيَاةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْقَرَ بَطْنُهَا وَيُسْتَخْرَجَ الْوَلَدُ.
وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَا يُشَقُّ بَطْنُ الْمَرْأَةِ عَنْ جَنِينٍ وَلَوْ رُجِيَ حَيَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَكِنْ لَا تُدْفَنُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَلَوْ تَغَيَّرَتْ.وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ إِخْرَاجُهُ بِحِيلَةٍ غَيْرِ الشَّقِّ وَجَبَتْ.
غُسْلُ الْمَيِّتِ:
9 م- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَغْسِيلَ الْمَيِّتِ وَاجِبُ كِفَايَةٍ بِحَيْثُ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ فِي مُصْطَلَحِ: «تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ»
تَكْفِينُ الْمَيِّتِ:
10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَكْفِينَ الْمَيِّتِ بِمَا يَسْتُرُهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَكْفِينٌ).
حَمْلُ الْجِنَازَةِ:
حُكْمُ الْحَمْلِ وَكَيْفِيَّتُه:
11- أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْجِنَازَةِ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ حَمْلِ الْجِنَازَةِ وَعَدَدُ حَامِلِيهَا فَيُسَنُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَحْمِلَهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ، فَإِذَا حَمَلُوا الْمَيِّتَ عَلَى سَرِيرٍ أَخَذُوهُ بِقَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ وَبِهِ وَرَدَتِ السُّنَّةُ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ فَلْيَتَطَوَّعْ وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ».
12- ثُمَّ إِنَّ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ شَيْئَيْنِ: نَفْسَ السُّنَّةِ، وَكَمَالَهَا، أَمَّا نَفْسُ السُّنَّةِ فَهِيَ أَنْ تَأْخُذَ بِقَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ عَلَى طَرِيقِ التَّعَاقُبِ بِأَنْ يَحْمِلَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ.
وَأَمَّا كَمَالُ السُّنَّةِ، فَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ الْحَامِلُ بِحَمْلِ الْجِنَازَةِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ مُقَدَّمِ الْمَيِّتِ وَهُوَ يَسَارَ الْجِنَازَةِ...فَيَحْمِلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ الْأَيْمَنَ لِلْمَيِّتِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْمُقَدَّمَ الْأَيْسَرَ لِلْمَيِّتِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ الْأَيْسَرَ لِلْمَيِّتِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ.
وَيُكْرَهُ حَمْلُهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، بِأَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَحْمِلُ مُقَدَّمَهَا وَالْآخَرُ مُؤَخَّرَهَا؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الْحَامِلَيْنِ، وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ سُقُوطِ الْجِنَازَةِ.إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، مِثْلُ ضِيقِ الْمَكَانِ (أَوْ قِلَّةِ الْحَامِلِينَ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا رُوِيَ مِنَ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُجْمَعَ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ بَيْنَ التَّرْبِيعِ وَالْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَسَالِمٍ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا فَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ، وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَحْمِلَهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ، وَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَنْ يَحْمِلَهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، أَحَدُهُمْ يَكُونُ فِي مُقَدَّمِهَا، يَضَعُ الْخَشَبَتَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَالْمُعْتَرِضَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهِ، وَالْآخَرَانِ يَحْمِلَانِ مُؤَخَّرَهَا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَشَبَةً عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ حَمْلِ الْمُقَدَّمَ وَحْدَهُ أَعَانَهُ رَجُلَانِ خَارِجَ الْعَمُودَيْنِ فَيَصِيرُونَ خَمْسَةً.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُسْتَحَبُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ (عِنْدَ السَّيْرِ) عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَنْتَقِلَ إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ، ثُمَّ يَضَعَ الْقَائِمَةَ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَنْتَقِلَ إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ، وَإِنْ حَمَلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ.
وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى: كَرِهَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ التَّرْبِيعَ مَعَ زِحَامٍ، وَلَا يُكْرَهُ الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عَاتِقٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: حَمْلُ الْمَيِّتِ لَيْسَ لَهُ كَيْفِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْخَاصٍ، وَثَلَاثَةٌ، وَاثْنَانِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَدْءُ بِنَاحِيَةٍ مِنَ السَّرِيرِ (النَّعْشِ).
13- وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ أَوْ يَضَعَ عَلَى الْمَنْكِبِ (يَعْنِي بَعْدَ أَخْذِ قَائِمَةِ السَّرِيرِ بِالْيَدِ لَا ابْتِدَاءً كَمَا تُحْمَلُ الْأَثْقَالُ)، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِحُرْمَةِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ، كَحَمْلِهِ فِي قُفَّةٍ، وَغِرَارَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ كَذَلِكَ حَمْلُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهُ.وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَضَعَ نِصْفَهُ عَلَى الْمَنْكِبِ وَنِصْفَهُ عَلَى أَصْلِ الْعُنُقِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حَمْلُهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ.أَمَّا إِذَا كَانَ عُذْرٌ بِأَنْ كَانَ الْمَحَلُّ بَعِيدًا يَشُقُّ حَمْلُ الرِّجَالِ لَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَامِلُ إِلاَّ وَاحِدًا، فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ إِذَنْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا لَا يُكْرَهُ حَمْلُهَا عَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الصَّبِيَّ الرَّضِيعَ، أَوِ الْفَطِيمَ، أَوْ مَنْ جَاوَزَ ذَلِكَ قَلِيلًا، إِذَا مَاتَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَى يَدَيْهِ، وَيَتَدَاوَلَهُ النَّاسُ بِالْحَمْلِ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَاكِبٌ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَمْلُ الطِّفْلِ عَلَى الْيَدَيْنِ بَلْ يُنْدَبُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَمْلُ جِنَازَةِ الْكَبِيرِ بِأَعْمِدَةٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
وَيُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَشْيِ بِلَا خَبَبٍ وَحَدُّهُ أَنْ يُسْرَعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَيُكْرَهُ بِخَبَبٍ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» أَيْ مَا دُونَ الْخَبَبِ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، «سَأَلْنَا رَسُولَ- صلى الله عليه وسلم- اللَّهِ عَنِ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: نَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا مَا يُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الشَّدِيدُ، فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: مَالَ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فَقَالَ: مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ، وَمَنْ كَرِهَهُ أَرَادَ الْإِفْرَاطَ فِيهِ كَالرَّمَلِ.
وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ، فَلَوْ جُهِّزَ الْمَيِّتُ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ، وَلَوْ خَافُوا فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ دَفْنِهِ يُؤَخَّرُ الدَّفْنُ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا، بِالْإِسْرَاعِ بِتَجْهِيزِهِ إِلاَّ إِذَا شُكَّ فِي مَوْتِهِ، وَيُقَدَّمُ رَأْسُ الْمَيِّتِ فِي حَالِ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ)
تَشْيِيعُ الْجِنَازَةِ:
14- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَشْيِيعَ الرِّجَالِ لِلْجِنَازَةِ سُنَّةٌ؛ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» وَالْأَمْرُ هُنَا لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ لِلْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مَرْعِي الْحَنْبَلِيُّ: اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ سُنَّةٌ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنَ النَّوَافِلِ إِذَا كَانَ لِجِوَارٍ وَقَرَابَةٍ، أَوْ صَلَاحٍ مَشْهُورٍ، وَالْأَفْضَلُ لِمُشَيِّعِ الْجِنَازَةِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ عَلَى مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ لِحَدِيثِ «الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَا تُتْبَعُ لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا» إِلاَّ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا نِسَاءٌ فَالْمَشْيُ أَمَامَهَا أَحْسَنُ، وَلَكِنْ إِنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا (بِحَيْثُ يُعَدُّ مَاشِيًا وَحْدَهُ أَوْ تَقَدَّمَ الْكُلُّ، وَتَرَكُوهَا خَلْفَهُمْ لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ) أَوْ رَكِبَ أَمَامَهَا كُرِهَ، وَأَمَّا الرُّكُوبُ خَلْفَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ، وَالْمَشْيُ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ يَسَارِهَا خِلَافُ الْأَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ اتِّبَاعُهَا.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ».وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الَّذِي يَمْشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ.وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ.
15- وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُنَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْجِنَازَةِ، فَفِي الدُّرِّ يُكْرَهُ خُرُوجُهُنَّ تَحْرِيمًا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ».وَلِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا».«وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ: لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى» (الْمَقَابِرَ) وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَفَسَّرَ قَوْلَ أُمِّ عَطِيَّةَ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْهُ نَهْيَ كَرَاهِيَةِ تَنْزِيهٍ، لَا نَهْيَ عَزِيمَةٍ وَتَحْرِيمٍ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: جَازَ خُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ (كَبِيرَةُ السِّنِّ) لِجِنَازَةٍ مُطْلَقًا، وَكَذَا شَابَّةٌ لَا تُخْشَى فِتْنَتُهَا، لِجِنَازَةِ مَنْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيْهَا، كَأَبٍ، وَأُمٍّ، وَزَوْجٍ، وَابْنٍ، وَبِنْتٍ، وَأَخٍ، وَأُخْتٍ، أَمَّا مَنْ تُخْشَى فِتْنَتُهَا فَيَحْرُمُ خُرُوجُهَا مُطْلَقًا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: كُرِهَ أَنْ تَتْبَعَ الْجِنَازَةَ امْرَأَةٌ وَحَكَى الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أُمِنَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالتَّبَرُّجِ وَمَا يَنْشَأُ مِنَ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِذْنِ لَهُنَّ، ثُمَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: هَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ أَوْ صَائِحَةٌ زُجِرَتْ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْشِيَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ فَلَا يَتْرُكُهُ لِبِدْعَةٍ مِنْ غَيْرِهِ (لَكِنْ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ).
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: حَرُمَ أَنْ يَتْبَعَهَا الْمُشَيِّعُ مَعَ مُنْكَرٍ، نَحْوَ صُرَاخٍ، وَنَوْحٍ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إِزَالَتِهِ، وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ إِزَالَتُهُ.
مَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ مَعَ الْجِنَازَةِ وَمَا لَا يَنْبَغِي:
اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ بِمِبْخَرَةٍ أَوْ نَارٍ:
16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِنَازَةَ لَا تُتْبَعُ بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ (مِبْخَرَةٍ) وَلَا شَمْعٍ، وَفِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ: لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ، وَيُكْرَهُ تَجْمِيرُ الْقَبْرِ.
إِلاَّ لِحَاجَةِ ضَوْءٍ أَوْ نَحْوِهِ.لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ مَرْفُوعًا: «لَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ».
الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِ الْجِنَازَةِ:
17- يُكْرَهُ لِمُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَجْلِسَ قَبْلَ وَضْعِهَا لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ.فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَا يَقْعُدَنَّ حَتَّى تُوضَعَ» قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: إِنَّ فِي الْجُلُوسِ قَبْلَ وَضْعِهَا ازْدِرَاءً بِهَا، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَكَرَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ.ذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتِحْبَابُ الْقِيَامِ مَعَ الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ، قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، وَرَأَوُا الْجُلُوسَ أَوْلَى، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَجِبُ الْقِيَامُ.
فَإِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَجْلِسُوا مَا لَمْ يُسَوُّوا عَلَيْهِ التُّرَابَ لِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ» وَخَالَفَهُ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ أَحْفَظُ فَقَالَ: «فِي الْأَرْضِ».
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ (مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ) لَا بَأْسَ بِقِيَامِهِ عَلَى الْقَبْرِ حَتَّى تُدْفَنَ جَبْرًا وَإِكْرَامًا، وَكَانَ أَحْمَدُ إِذَا حَضَرَ جِنَازَةً وَلِيَهَا لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى تُدْفَنَ.
الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ:
18- مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدَ لَا يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ (إِذَا مَرَّتْ بِهِ) إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْهَدَهَا، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْقَوْمُ فِي الْمُصَلَّى، وَجِيءَ بِجِنَازَةٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقُومُونَ إِذَا رَأَوْهَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَنِ الْأَعْنَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تَخْلُفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ» مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَعَدَ»، قَالَ الْحَازِمِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ الْقِيَامُ لِجِنَازَةٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ مَنْسُوخٌ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: كُرِهَ قِيَامٌ لَهَا (أَيْ لِلْجِنَازَةِ) لَوْ جَاءَتْ أَوْ مَرَّتْ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَرْكُ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ»، وَالْأَخْذُ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى.
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا.وَقَالُوا: هُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَارَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقِيَامَ مُسْتَحَبٌّ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهِ لِلنَّدْبِ، وَالْقُعُودُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ فِي مِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ.قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ مُخَيَّرٌ.
الصَّمْتُ فِي اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ:
19- يَنْبَغِي لِمَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ أَنْ يُطِيلَ الصَّمْتَ، وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِمَا، لِمَا رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ ثَلَاثَةٍ: عِنْدَ الْقِتَالِ، وَعِنْدَ الْجِنَازَةِ، وَالذِّكْرِ.
وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ قِيلَ: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَقِيلَ: تَرْكُ الْأَوْلَى.فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فَفِي نَفْسِهِ، أَيْ سِرًّا بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَفِي السِّرَاجِ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ أَنْ يَكُونَ مَشْغُولًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوِ التَّفَكُّرِ فِيمَا يَلْقَاهُ الْمَيِّتُ، وَأَنَّ هَذَا عَاقِبَةُ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَلْيَحْذَرْ عَمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ، فَإِنَّ هَذَا وَقْتُ ذِكْرٍ وَمَوْعِظَةٍ، فَتَقْبُحُ فِيهِ الْغَفْلَةُ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى فَيَلْزَمِ الصَّمْتَ، وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَا بِالذِّكْرِ، وَلَا يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَالتَّمْطِيطِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ فَسُئِلَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَهُ وَلَا يَسَعُ أَحَدًا يَقْدِرُ عَلَى إِنْكَارِهِ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ وَلَا يُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَمْشِي مَعَهَا: اسْتَغْفِرُوا لَهُ يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا كَانَ هَذَا فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فَمَا ظَنُّكَ بِالْغِنَاءِ الْحَادِثِ فِي زَمَانِنَا.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ مَنْ يَتْبَعُ جِنَازَةً حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ كَانَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا، فَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَبَعْدَمَا صَلَّى لَا يَرْجِعُ إِلاَّ بِإِذْنِ أَهْلِ الْجِنَازَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَبَعْدَ الدَّفْنِ يَسَعُهُ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ.
وَبِهِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَزَادُوا أَنَّ الِانْصِرَافَ قَبْلَ الصَّلَاةِ يُكْرَهُ وَلَوْ أَذِنَ أَهْلُهَا، وَبَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ إِذَا طَوَّلُوا وَلَمْ يَأْذَنُوا.فَإِذَا وَضَعُوهَا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَضَعُوهَا عَرْضًا لِلْقِبْلَةِ، هَكَذَا تَوَارَثَهُ النَّاسُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: كُرِهَ صِيَاحٌ خَلْفَهَا بِاسْتَغْفِرُوا لَهَا وَنَحْوِهِ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا: يَكُونُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةً، وَقَالُوا: يُكْرَهُ اللَّغَطُ فِي الْجِنَازَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مَرْعِي الْحَنْبَلِيُّ: وَقَوْلُ الْقَائِلِ مَعَهَا: اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَنَحْوُهُ بِدْعَةٌ، وَحَرَّمَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَسُنَّ كَوْنُ تَابِعِهَا مُتَخَشِّعًا مُتَفَكِّرًا فِي مَآلِهِ، مُتَّعِظًا بِالْمَوْتِ وَمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْمَيِّتُ.
الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ:
20- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَقَالَ أَصْبَغُ: سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا الْجَمَاعَةُ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِمَامٍ أُعِيدَتِ الصَّلَاةُ مَا لَمْ يَفُتْ ذَلِكَ.
21- وَأَرْكَانُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: التَّكْبِيرَاتُ وَالْقِيَامُ، فَلَا تَصِحُّ مِنَ الْقَاعِدِ أَوِ الرَّاكِبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَلَوْ تَعَذَّرَ النُّزُولُ عَنِ الدَّابَّةِ لِطِينٍ وَنَحْوِهِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا رَاكِبًا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ مَرِيضًا فَأَمَّ قَاعِدًا وَالنَّاسُ قِيَامٌ أَجْزَأَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُجْزِئُ الْإِمَامَ فَقَطْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: أَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا: النِّيَّةُ: ثَانِيهَا: أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، ثَالِثُهَا: دُعَاءٌ بَيْنَهُنَّ، وَأَمَّا بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَإِنْ أَحَبَّ دَعَا وَإِنْ أَحَبَّ لَمْ يَدْعُ، رَابِعُهَا: تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ بِقَدْرِ التَّسْمِيعِ، خَامِسُهَا: قِيَامٌ لَهَا لِقَادِرٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: أَرْكَانُهَا النِّيَّةُ، وَالتَّكْبِيرَاتُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ، وَأَدْنَى الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الْقِيَامِ عَلَى الْمَذْهَبِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، فَلَوْ صَلَّوْا جُلُوسًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَوْ رُكْبَانًا أَعَادُوا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَرْكَانُهَا قِيَامٌ لِقَادِرٍ فِي فَرْضِهَا، وَتَكْبِيرَاتٌ أَرْبَعٌ، وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ، وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِمَيِّتٍ (وَيُتَّجَهُ) يَخُصُّهُ بِهِ بِنَحْوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ (فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا) وَسَلَامٌ، وَتَرْتِيبٌ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
20-موسوعة الفقه الكويتية (ختان)
خِتَانٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْخِتَانُ وَالْخِتَانَةُ لُغَةً الِاسْمُ مِنَ الْخَتْنِ، وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ مِنَ الذَّكَرِ، وَالنَّوَاةُ مِنَ الْأُنْثَى، كَمَا يُطْلَقُ الْخِتَانُ عَلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ.
يُقَالُ خَتَنَ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ يَخْتِنُهُمَا وَيَخْتُنُهُمَا خَتْنًا.
وَيُقَالُ: غُلَامٌ مَخْتُونٌ وَجَارِيَةٌ مَخْتُونَةٌ وَغُلَامٌ وَجَارِيَةٌ خَتِينٌ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْخَفْضُ وَالْإِعْذَارُ، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْخَتْنَ بِالذَّكَرِ، وَالْخَفْضَ بِالْأُنْثَى، وَالْإِعْذَارُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا.
وَالْعُذْرَةُ: الْخِتَانُ، وَهِيَ كَذَلِكَ الْجِلْدَةُ يَقْطَعُهَا الْخَاتِنُ.وَعَذَرَ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ يَعْذِرُهُمَا، عُذْرًا وَأَعْذَرَهُمَا خَتَنَهُمَا.
وَالْعَذَارُ وَالْإِعْذَارُ وَالْعَذِيرَةُ وَالْعَذِيرُ طَعَامُ الْخِتَانِ.
وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلْمُصْطَلَحِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
حُكْمُ الْخِتَانِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْخِتَانِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ:
2- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.وَهُوَ مِنَ الْفِطْرَةِ وَمِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، فَلَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ حَارَبَهُمُ الْإِمَامُ، كَمَا لَوْ تَرَكُوا الْأَذَانَ.
وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي رِوَايَةٍ يُعْتَبَرُ خِتَانُهَا مَكْرُمَةً وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِنَّ كَذَلِكَ، وَفِي ثَالِثٍ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.
وَاسْتَدَلُّوا لِلسُّنِّيَّةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- مَرْفُوعًا: « الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ » وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا « خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ».
وَقَدْ قُرِنَ الْخِتَانُ فِي الْحَدِيثِ بِقَصِّ الشَّارِبِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ قَطْعُ جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ قِيَاسًا عَلَى قَصِّ الْأَظْفَارِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي:
3- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سَحْنُونٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِلْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: « اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ » وَأُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ إِبْرَاهِيمَ- صلى الله عليه وسلم- أَمْرٌ لَنَا بِفِعْلِ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا فَكَانَتْ مِنْ شَرْعِنَا.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ: « أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ » قَالُوا: وَلِأَنَّ الْخِتَانَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمَا جَازَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَمَا جَازَ نَظَرُ الْخَاتِنِ إِلَيْهَا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ كَذَلِكَ أَنَّ الْخِتَانَ مِنْ شِعَارِ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ وَاجِبًا كَسَائِرِ شِعَارِهِمْ.
وَفِي قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: « إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ » دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْتَتِنَّ؛ وَلِأَنَّ هُنَاكَ فَضْلَةً فَوَجَبَ إِزَالَتُهَا كَالرَّجُلِ.وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ أَنَّ بَقَاءَ الْقُلْفَةِ يَحْبِسُ النَّجَاسَةَ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ فَتَجِبُ إِزَالَتُهَا.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ:
4- هَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي، وَهُوَ أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَمَكْرُمَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِنَّ.
مِقْدَارُ مَا يُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ:
5- يَكُونُ خِتَانُ الذُّكُورِ بِقَطْعِ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ، وَتُسَمَّى الْقُلْفَةَ، وَالْغُرْلَةَ، بِحَيْثُ تَنْكَشِفُ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَخْذِ أَكْثَرِهَا جَازَ.وَفِي قَوْلِ ابْنِ كَجٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يَكْفِي قَطْعُ شَيْءٍ مِنَ الْقُلْفَةِ وَإِنْ قَلَّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَطْعُ تَدْوِيرَ رَأْسِهَا.
وَيَكُونُ خِتَانُ الْأُنْثَى بِقَطْعِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنَ الْجِلْدَةِ الَّتِي كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ.وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ لَا تُقْطَعَ كُلُّهَا بَلْ جُزْءٌ مِنْهَا.
وَذَلِكَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ- رضي الله عنها- « أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ ».
وَقْتُ الْخِتَانِ:
6- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَصِيرُ فِيهِ الْخِتَانُ وَاجِبًا هُوَ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ مِنْ أَجْلِ الطَّهَارَةِ، وَهِيَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ.
وَيُسْتَحَبُّ خِتَانُهُ فِي الصِّغَرِ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ بُرْءًا فَيَنْشَأُ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَعْيِينِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ يَوْمُ السَّابِعِ وَيُحْتَسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مَعَهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ: « عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَخَتَنَهُمَا لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ » وَفِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ السَّابِعُ بَعْدَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ.وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ مَا بَيْنَ الْعَامِ السَّابِعِ إِلَى الْعَاشِرِ مِنْ عُمْرِهِ؛ لِأَنَّهَا السِّنُّ الَّتِي يُؤْمَرُ فِيهَا بِالصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ وَقْتُ الْإِثْغَارِ، إِذَا سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ، وَالْأَشْبَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِطَاقَةِ الصَّبِيِّ إِذْ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فَيُتْرَكُ تَقْدِيرُهُ إِلَى الرَّأْيِ، وَفِي قَوْلٍ: إِنَّهُ إِذَا بَلَغَ الْعَاشِرَةَ لِزِيَادَةِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَهَا.وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْخِتَانَ يَوْمَ السَّابِعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالْيَهُودِ.
خِتَانُ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَى الْخِتَانِ:
7- مَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَوْ خُتِنَ خِيفَ عَلَيْهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْتَنَ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ، بَلْ يُؤَجَّلُ حَتَّى يَصِيرَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَبُّدَ فِيمَا يُفْضِي إِلَى التَّلَفِ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يَسْقُطُ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ فَالسُّنَّةُ أَحْرَى، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ.
وَلِلْحَنَابِلَةِ تَفْصِيلٌ فِي مَذْهَبِهِمْ، مُلَخَّصُهُ أَنَّ وُجُوبَ الْخِتَانِ يَسْقُطُ عَمَّنْ خَافَ تَلَفًا، وَلَا يَحْرُمُ مَعَ خَوْفِ التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، أَمَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتْلَفُ بِهِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخِتَانُ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
مَنْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ:
8- لَا يُخْتَنُ الْمَيِّتُ الْأَقْلَفُ الَّذِي مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ.لِأَنَّ الْخِتَانَ كَانَ تَكْلِيفًا، وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْخِتَانِ التَّطْهِيرُ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ زَالَتِ الْحَاجَةُ بِمَوْتِهِ.وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَا يُقْطَعُ، كَيَدِهِ الْمُسْتَحَقَّةِ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، أَوِ الْقِصَاصِ وَهِيَ لَا تُقْطَعُ مِنَ الْمَيِّتِ، وَخَالَفَ الْخِتَانُ قَصَّ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ؛ لِأَنَّهُمَا يُزَالَانِ فِي
الْحَيَاةِ لِلزِّينَةِ، وَالْمَيِّتُ يُشَارِكُ الْحَيَّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْخِتَانُ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ، وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ.
وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يُخْتَنُ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ لِأَنَّهُ كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَهِيَ تُزَالُ مِنَ الْمَيِّتِ.وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ عِنْدَهُمْ: إِنَّهُ يُخْتَنُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْبَالِغِ دُونَ الصَّغِيرِ.
مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا بِلَا قُلْفَةٍ:
9- مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا بِلَا قُلْفَةٍ فَلَا خِتَانَ عَلَيْهِ لَا إِيجَابًا وَلَا اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ وُجِدَ مِنَ الْقُلْفَةِ شَيْءٌ يُغَطِّي الْحَشَفَةَ أَوْ بَعْضَهَا، وَجَبَ قَطْعُهُ كَمَا لَوْ خُتِنَ خِتَانًا غَيْرَ كَامِلٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ ثَانِيًا حَتَّى يُبِينَ جَمِيعَ الْقُلْفَةِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِزَالَتِهَا فِي الْخِتَانِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ تُجْرَى عَلَيْهِ الْمُوسَى، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقْطَعُ قُطِعَ.
تَضْمِينُ الْخَاتِنِ:
10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَضْمِينِ الْخَاتِنِ إِذَا مَاتَ الْمَخْتُونُ بِسَبَبِ سِرَايَةِ جُرْحِ الْخِتَانِ، أَوْ إِذَا جَاوَزَ الْقَطْعُ إِلَى الْحَشَفَةِ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ قُطِعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ.
وَحُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الطَّبِيبِ أَيْ أَنَّهُ يُضْمَنُ مَعَ التَّفْرِيطِ أَوِ التَّعَدِّي وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخِتَانِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخَاتِنَ إِذَا خَتَنَ صَبِيًّا فَقَطَعَ حَشَفَتَهُ وَمَاتَ الصَّبِيُّ، فَعَلَى عَاقِلَةِ الْخَاتِنِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِفِعْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْقُلْفَةِ، وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ وَهُوَ قَطْعُ الْحَشَفَةِ، فَيَجِبُ نِصْفُ الضَّمَانِ.أَمَّا إِذَا بَرِئَ فَيُجْعَلُ قَطْعُ الْجِلْدَةِ وَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْحَشَفَةِ كَامِلًا وَهُوَ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْحَشَفَةَ عُضْوٌ مَقْصُودٌ لَا ثَانِيَ لَهُ فِي النَّفْسِ فَيُقَدَّرُ بَدَلُهُ بِبَدَلِ النَّفْسِ كَمَا فِي قَطْعِ اللِّسَانِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْخَاتِنِ إِذَا كَانَ عَارِفًا مُتْقِنًا لِمِهْنَتِهِ وَلَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ كَالطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ فِيهِ تَغْرِيرٌ فَكَأَنَّ الْمَخْتُونَ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَا أَصَابَهُ.
فَإِنْ كَانَ الْخَاتِنُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخِتَانِ وَأَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُوقِبَ، وَفِي كَوْنِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ فِي مَالِهِ قَوْلَانِ: فَلِابْنِ الْقَاسِمِ إِنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَعَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ إِنَّهَا فِي مَالِهِ.لِأَنَّ فِعْلَهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ عَمْدًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْخَاتِنَ إِذَا تَعَدَّى بِالْجُرْحِ الْمُهْلِكِ، كَأَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ لِضَعْفٍ وَنَحْوِهِ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، فَإِنْ ظَنَّ كَوْنَهُ مُحْتَمِلًا فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْقَوَدِ لِانْتِفَاءِ التَّعَدِّي.وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْقَوَدِ الْوَالِدُ وَإِنْ عَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ، وَتَلْزَمُهُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ.فَإِنِ احْتَمَلَ الْخِتَانَ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ، أَوْ وَصِيٌّ، أَوْ قَيِّمٌ فَمَاتَ، فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ لِإِحْسَانِهِ بِالْخِتَانِ، إِذْ هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ مَا دَامَ صَغِيرًا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِتَعَدِّيهِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إِقَامَةِ الشِّعَارِ.
وَلَمْ يَرَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَوَدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ يُقِيمُ شَعِيرَةً.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْخَاتِنِ إِذَا عُرِفَ مِنْهُ حِذْقُ الصَّنْعَةِ، وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا فَلَمْ يَضْمَنْ سِرَايَتَهُ كَمَا فِي الْحُدُودِ، وَكَذَلِكَ لَا ضَمَانَ إِذَا كَانَ الْخِتَانُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، أَوْ وَلِيِّ غَيْرِهِ أَوِ الْحَاكِمِ.فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِذْقٌ فِي الصَّنْعَةِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ، فَإِنْ قُطِعَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، لِقَوْلِهِ: - صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ تَطَبَّبَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ » وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَكَانَ حَاذِقًا وَلَكِنْ جَنَتْ يَدُهُ وَلَوْ خَطَأً، مِثْلُ أَنْ جَاوَزَ قَطْعَ الْخِتَانِ فَقَطَعَ الْحَشَفَةَ أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ غَيْرَ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ بِآلَةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا، أَوْ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ الْقَطْعُ فِيهِ.وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ إِذَا قَطَعَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ.
آدَابُ الْخِتَانِ:
11- تُشْرَعُ الْوَلِيمَةُ لِلْخِتَانِ وَتُسَمَّى الْإِعْذَارُ وَالْعَذَارُ، وَالْعُذْرَةُ، وَالْعَذِيرُ.
وَالسُّنَّةُ إِظْهَارُ خِتَانِ الذَّكَرِ، وَإِخْفَاءُ خِتَانِ الْأُنْثَى.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهَا تُسْتَحَبُّ فِي الذَّكَرِ وَلَا بَأْسَ بِهَا فِي الْأُنْثَى لِلنِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَالتَّفْصِيلُ فِي (وَلِيمَةٌ، وَدَعْوَةٌ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
21-موسوعة الفقه الكويتية (ريش)
رِيشالتَّعْرِيفُ:
1- الرِّيشُ لُغَةً: كِسْوَةُ الطَّائِرِ، وَالْوَاحِدَةُ رِيشَةٌ، وَهُوَ يُقَابِلُ الشَّعْرَ فِي الْإِنْسَانِ وَنَحْوِهِ، وَالصُّوفَ لِلْغَنَمِ، وَالْوَبَرَ لِلْإِبِلِ، وَالْحَرَاشِفَ لِلزَّوَاحِفِ، وَالْقُشُورَ لِلْأَسْمَاكِ، وَالرِّيشُ أَيْضًا اللِّبَاسُ الْفَاخِرُ، وَالْأَثَاثُ، وَالْمَالُ، وَالْخِصْبُ، وَالْحَالَةُ الْجَمِيلَةُ.وَجَمْعُهُ أَرْيَاشٌ وَرِيَاشٌ.وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلْكَلِمَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ وَالصُّوفُ:
2- الشَّعْرُ: مَا يَنْبُتُ عَلَى الْجِسْمِ مِمَّا لَيْسَ بِصُوفٍ وَلَا وَبَرٍ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ.
وَالشَّعْرُ يُقَابِلُهُ الرِّيشُ فِي الطُّيُورِ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرِّيشِ:
أ- طَهَارَةُ الرِّيشِ:
3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّيشَ يُوَافِقُ الشَّعْرَ فِي أَحْكَامِهِ، وَمَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى طَهَارَةِ رِيشِ الطَّيْرِ الْمَأْكُولِ حَالَ حَيَاتِهِ إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالطَّيْرِ، أَمَّا إِذَا نُتِفَ أَوْ تَسَاقَطَ فَيَرَى الْجُمْهُورُ- أَيْضًا- طَهَارَتَهُ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ الطَّاهِرَ مِنْهُ هُوَ الزَّغَبُ، وَهُوَ مَا يُحِيطُ بِقَصَبِ الرِّيشِ، أَمَّا الْقَصَبُ فَنَجِسٌ، وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الرِّيشَ الْمُتَسَاقِطَ وَالْمَنْتُوفَ نَجِسٌ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ» وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ قوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} وَالرِّيشُ مَقِيسٌ عَلَيْهَا، وَلَوْ قُصِرَ الِانْتِفَاعُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَى الْمُذَكَّى لَضَاعَ مُعْظَمُ الشُّعُورِ وَالْأَصْوَافِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا.أَحَدُ مَوْضِعَيْنِ خُصِّصَتِ السُّنَّةُ فِيهِمَا بِالْكِتَابِ، فَإِنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ مَيْتَةٌ».خُصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا}.الْآيَةَ.
وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ- فِي الْجُمْلَةِ- طَهَارَةُ رِيشِ الطَّيْرِ الْمَأْكُولِ إِذَا مَاتَ.
وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ: قَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا يُحِلُّهُمَا، حَتَّى لَا يَتَأَلَّمَ الْحَيَوَانُ بِقَطْعِهِمَا، فَلَا يُحِلُّهُمَا الْمَوْتُ، وَهُوَ الْمُنَجِّسُ، وَكَذَلِكَ الْعَصَبُ وَالْحَافِرُ وَالْخُفُّ وَالظِّلْفُ وَالْقَرْنُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالرِّيشُ وَالسِّنُّ وَالْمِنْقَارُ وَالْمِخْلَبُ لِمَا ذَكَرْنَا، لقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} امْتَنَّ بِهَا عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمَأْخُوذِ مِنَ الْحَيِّ أَوِ الْمَيِّتِ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: - رضي الله عنها- إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَحْمُهَا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا اللَّحْمَ لَا يَحْرُمُ، فَدَخَلَتِ الْأَجْزَاءُ الْمَذْكُورَةُ، وَفِيهَا أَحَادِيثُ أُخَرُ صَرِيحَةٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِيهَا قَبْلَ الْمَوْتِ الطَّهَارَةُ فَكَذَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا.
وَقَيَّدَهَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: بِأَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنَ الدُّسُومَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِرِيشِ الْمَيْتَةِ كَمَذْهَبِهِمْ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّيشِ الْمَنْتُوفِ وَالْمُنْفَصِلِ، وَهُوَ أَنَّ الزَّغَبَ طَاهِرٌ دُونَ الْقَصَبِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِجَزِّ الزَّغَبِ وَلَوْ بَعْدَ نَتْفِ الرِّيشِ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ بَعْدَ جَزِّهِ.
وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي طَهَارَةِ رِيشِ الْمَيْتَةِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ مِنْ ذَلِكَ أُصُولَ الرِّيشِ إِذَا نُتِفَ سَوَاءٌ أَكَانَ رَطْبًا أَمْ يَابِسًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، أَشْبَهَ سَائِرَهَا؛ وَلِأَنَّ أُصُولَ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ جُزْءٌ مِنَ اللَّحْمِ، لَمْ يَسْتَكْمِلْ شَعْرًا وَلَا رِيشًا.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْحَنَابِلَةِ أَنَّ أَصْلَ الرِّيشِ إِذَا كَانَ رَطْبًا، وَنُتِفَ مِنَ الْمَيْتَةِ، فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ فِي مَحَلٍّ نَجِسٍ، وَهَلْ يَكُونُ طَاهِرًا بَعْدَ غَسْلِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ طَاهِرٌ كَرُءُوسِ الشَّعْرِ إِذَا تَنَجَّسَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ اللَّحْمِ لَمْ يَسْتَكْمِلْ شَعْرًا وَلَا رِيشًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا سَبَقَ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ- فِي الصَّحِيحِ- أَنَّ رِيشَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُتَّصِلٌ بِالْحَيَوَانِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَنَجُسَ بِالْمَوْتِ كَالْأَعْضَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وَهَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ الشَّعْرَ وَالرِّيشَ وَغَيْرَهُمَا.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الرِّيشَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، وَلَكِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «لَا بَأْسَ بِمَسْكِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَ، وَلَا بَأْسَ بِصُوفِهَا وَشَعْرِهَا وَقُرُونِهَا إِذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ».
أَمَّا الطَّيْرُ غَيْرُ الْمَأْكُولِ فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي رِيشِهِ كَمَذْهَبِهِمْ فِي رِيشِ الطَّيْرِ الْمَأْكُولِ أَنَّهُ طَاهِرٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى نَجَاسَةِ رِيشِ الطَّيْرِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ لَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَكُلُّ حَيَوَانٍ فَشَعْرُهُ- أَيْ وَرِيشُهُ- مِثْلُ بَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ، مَا كَانَ طَاهِرًا فَشَعْرُهُ وَرِيشُهُ طَاهِرٌ، وَمَا كَانَ نَجِسًا فَشَعْرُهُ- رِيشُهُ- كَذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَحَالَةِ الْمَوْتِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهَا، كَالسِّنَّوْرِ وَمَا دُونَهُ فِي الْخِلْقَةِ، فِيهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً مَعَ وُجُودِ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ لِمُعَارِضٍ، وَهُوَ الْحَاجَةُ إِلَى الْعَفْوِ عَنْهَا لِلْمَشَقَّةِ، وَقَدِ انْتَفَتِ الْحَاجَةُ، فَتَنْتَفِي الطَّهَارَةُ.
وَالثَّانِي: هِيَ طَاهِرَةٌ، وَهَذَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً فِي الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتُ لَا يَقْتَضِي تَنْجِيسَهَا، فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ.
حُكْمُ الرِّيشِ عَلَى عُضْوٍ مُبَانٍ مِنْ حَيٍّ:
4- قَالَ الْبَغَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ جَنَاحُ طَائِرٍ مَأْكُولٍ فِي حَيَاتِهِ فَمَا عَلَيْهِ مِنَ الرِّيشِ نَجِسٌ تَبَعًا لِمَيْتَتِهِ.وَانْظُرِ التَّفْصِيلَ فِي: (شَعْر)
.حُكْمُ الرِّيشِ عَلَى الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ:
5- إِذَا دُبِغَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ وَعَلَيْهِ شَعْرٌ (أَوْ رِيش) قَالَ فِي الْأُمِّ: لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَطْهِيرِهِ.وَرَوَى الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ- رِيشٌ- نَابِتٌ عَلَى جِلْدٍ طَاهِرٍ فَكَانَ كَالْجِلْدِ فِي الطَّهَارَةِ، كَشَعْرِ الْحَيَوَانِ حَالَ الْحَيَاةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ: فِي (دِبَاغ)، (شَعْر).
حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَى رِيشِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ:
6- إِنْ نَتَفَ الْمُحْرِمُ رِيشَ الصَّيْدِ أَوْ شَعْرَهُ أَوْ وَبَرَهُ فَعَادَ مَا نَتَفَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ زَالَ، أَشْبَهَ مَا لَوِ انْدَمَلَ الْجُرْحُ، فَإِنْ صَارَ الصَّيْدُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بِنَتْفِ رِيشِهِ وَنَحْوِهِ فَكَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا صَارَ بِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ- أَيْ عَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ- وَإِنْ نَتَفَهُ فَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ فَعَلَيْهِ نَقْصُهُ.وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (حَرَم)، (صَيْد).
الِاسْتِنْجَاءُ بِالرِّيشِ:
7- لَا يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالرِّيشِ إِذَا كَانَ طَاهِرًا قَالِعًا، وَلَوِ اسْتَنْجَى بِشَيْءٍ مِنْهُ وَشَكَّ هَلْ وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطُ أَوْ لَا؟ فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْإِجْزَاءُ.وَيُنْظَرُ (اسْتِنْجَاء)، (شَعْر).
السَّلَمُ فِي الرِّيشِ:
8- يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالرِّيشِ مَا لَمْ يُعَيَّنْ حَيَوَانُهَا.
انْظُرِ التَّفْصِيلَ فِي: (سَلَم)، (شَعْر)، (صُوف).
نَتْفُ الرِّيشِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ:
9- فِي فَتَاوَى الْأَنْقِرْوِيِّ (نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ): سُئِلَ عَنِ الدَّجَاجِ إِذَا أُلْقِيَ فِي الْمَاءِ حَالَ الْغَلَيَانِ لِيُنْتَفَ رِيشُهُ، قَبْلَ شَقِّ بَطْنِهِ هَلْ يَتَنَجَّسُ؟ فَأَجَابَ: يَتَنَجَّسُ، وَلَكِنْ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَطْهُرُ.وَجَاءَ فِي شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: لَيْسَ مِنَ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالنَّجَاسَةِ الدَّجَاجُ الْمَذْبُوحُ، يُوضَعُ فِي مَاءٍ حَارٍّ لِإِخْرَاجِ رِيشِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ الْمَذْبَحِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَبْخٍ حَتَّى تَدْخُلَ النَّجَاسَةُ فِي أَعْمَاقِهِ، بَلْ يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
22-موسوعة الفقه الكويتية (شارب)
شَارِبالتَّعْرِيفُ:
1- الشَّارِبُ: اسْمُ فَاعِلِ شَرِبَ، يُقَالُ: شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ شُرْبًا فَهُوَ شَارِبٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}.
وَرَجُلٌ شَارِبٌ وَشَرُوبٌ وَشَرَّابٌ وَشِرِّيبٌ: مُولَعٌ بِالشَّرَابِ، كَخِمِّيرٍ، وَالشَّرْبُ وَالشُّرُوبُ: الْقَوْمُ يَشْرَبُونَ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الشَّرَابِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الشَّرْبُ اسْمُ جَمْعٍ لِشَارِبٍ، كَرَكْبٍ وَرَجْلٍ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ، وَالشُّرُوبُ جَمْعُ شَارِبٍ، كَشَاهِدٍ وَشُهُودٍ.
وَالشَّارِبُ- أَيْضًا- اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي يَسِيلُ عَلَى الْفَمِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَلَا يَكَادُ يُثَنَّى، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَالَ الْكِلَابِيُّونَ: شَارِبَانِ، بِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ، وَالْجَمْعُ شَوَارِبُ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- اللِّحْيَةُ:
2- اللِّحْيَةُ: وَهِيَ- بِكَسْرِ اللاَّمِ وَفَتْحِهَا- الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الذَّقَنِ خَاصَّةً، وَالْجَمْعُ: لِحًى وَلُحِيٌّ مَا يَنْبُتُ مِنَ الشَّعْرِ عَلَى ظَاهِرِ اللَّحْيِ، وَهُوَ فَكُّ الْحَنَكِ الْأَسْفَلُ.
وَالشَّارِبُ وَاللِّحْيَةُ كِلَاهُمَا مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ، لَكِنِ الشَّارِبُ يَكُونُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا، وَاللِّحْيَةُ تَكُونُ عَلَى الذَّقَنِ.
ب- الْعِذَارُ:
3- الْعِذَارُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ: هُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنَيْنِ بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْعَارِضِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ لِلْأَمْرَدِ غَالِبًا.
وَالشَّارِبُ وَالْعِذَارُ كِلَاهُمَا مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ، لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ الْوَجْهِ.
ج- الْعَنْفَقَةُ:
4- الْعَنْفَقَةُ: شُعَيْرَاتٌ بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَالذَّقَنِ، وَقِيلَ: الْعَنْفَقَةُ مَا بَيْنَ الذَّقَنِ وَطَرَفِ الشَّفَةِ السُّفْلَى كَانَ عَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقِيلَ: الْعَنْفَقَةُ مَا نَبَتَ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى مِنَ الشَّعْرِ.
د- الْعُثْنُونُ:
5- الْعُثْنُونُ: اللِّحْيَةُ أَوْ مَا فَضَلَ مِنْهَا بَعْدَ الْعَارِضَيْنِ، أَوْ مَا نَبَتَ عَلَى الذَّقَنِ وَتَحْتَهُ سُفْلًا.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّارِبِ (مِنَ الشُّرْبِ):
6- يُطْلَقُ الشَّارِبُ- كَمَا سَبَقَ فِي التَّعْرِيفِ- عَلَى مَنْ شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَكِنِ الشَّارِبُ الَّذِي عُنِيَ الْفُقَهَاءُ بِالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ هُوَ شَارِبُ الْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ.
وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ إِنَّ الْخَمْرَ أُمُّ الْكَبَائِرِ كَمَا قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ- رضي الله عنهما- وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا، قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.انْظُرْ: (أَشْرِبَة، سُكْر).
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّارِبِ (الشَّعْرِ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا):
أَوَّلًا: تَطْهِيرُ الشَّارِبِ:
أ- فِي الْوُضُوءِ:
7- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الشَّارِبِ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ، وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةِ الشَّارِبِ إِذَا كَانَ خَفِيفًا بِحَيْثُ لَا يَسْتُرُ شَعْرُ الشَّارِبِ الْبَشَرَةَ؛ أَيِ الْجِلْدَ تَحْتَهُ، فَإِنْ لَمْ تُغْسَلِ الْبَشَرَةُ- أَيْ لَمْ يَصِلِ الْمَاءُ إِلَيْهَا- فَلَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ.
وَلَكِنِ الْفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إِلَى بَشَرَةِ الشَّارِبِ فِي الْوُضُوءِ إِذَا كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ بَاطِنِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَإِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ إِذَا كَانَ كَثِيفًا، لَكِنِ الشَّارِبُ إِذَا كَانَ طَوِيلًا يَسْتُرُ حُمْرَةَ الشَّفَتَيْنِ وَجَبَ تَخْلِيلُهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ظَاهِرًا وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ الشَّفَةِ أَوْ بَعْضِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ كَثِيفًا، وَتَخْلِيلُهُ مُحَقِّقٌ لِوُصُولِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِهَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلُ ظَاهِرِ الشَّعْرِ إِذَا كَانَ كَثِيفًا، وَيُكْرَهُ تَخْلِيلُ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلُ الشَّارِبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ وَإِنْ كَثُفَ الشَّعْرُ؛ لِأَنَّ كَثَافَتَهُ نَادِرَةٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ: الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ، وَبِالْبَاطِنِ: خِلَالُ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةُ الَّتِي تَحْتَهُ، وَقِيلَ: الظَّاهِرُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، وَالْبَاطِنُ مَا بَيْنَهُمَا وَأُصُولُ الشَّعْرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الشَّارِبِ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ.فَإِنْ كَانَ شَعْرُ الشَّارِبِ كَثِيفًا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ أَجْزَأَ غَسْلُ ظَاهِرِهِ، وَيُسَنُّ تَخْلِيلُ الشَّارِبِ إِذَا كَانَ كَثِيفًا وَغَسْلُ بَاطِنِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ فِي الشَّارِبِ وَجْهًا آخَرَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ بَاطِنِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ عَادَةً، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ.
ب- فِي الْغُسْلِ:
8- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْغُسْلِ تَعْمِيمُ الشَّارِبِ شَعْرًا وَبَشَرَةً بِالْمَاءِ، كَثِيفًا كَانَ الشَّارِبُ أَوْ خَفِيفًا، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ».وَلِمَا رَوَى عَلِيٌّ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ مِنَ النَّارِ كَذَا وَكَذَا» قَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه-: «فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي ثَلَاثًا» وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ.وَلِأَنَّ الْحَدَثَ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ عَمَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَوَجَبَ تَعْمِيمُهُ بِالْغُسْلِ، وَلِأَنَّ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ بَشَرَةٌ أَمْكَنَ إيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَزِمَ كَسَائِرِ بَشَرَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ شَعْرٌ نَابِتٌ فِي مَحَلِّ الْغُسْلِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ؛ وَلِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ غَسْلِ الْبَشَرَةِ غَسْلُهُ، فَوَجَبَ غَسْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إِلاَّ بِهِ.
ج- إِعَادَةُ التَّطَهُّرِ بَعْدَ حَلْقِ الشَّارِبِ:
9- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ ثُمَّ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ قَصَّهُ، لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ غَسْلِ مَحَلِّ الْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِيمَا يَشْمَلُ هَذِهِ الْحَالَةَ: وَمَتَى غَسَلَ هَذِهِ الشُّعُورَ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي طَهَارَتِهِ، قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلاَّ طَهَارَةً، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغَسْلِ انْتَقَلَ إِلَى الشَّعْرِ أَصْلًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ الْبَشَرَةَ دُونَ الشَّعْرِ لَمْ يُجْزِهِ، بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ مَسْحَهُمَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَيُجْزِئُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ دُونَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ.
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ ظُهُورَ بَشَرَةِ الْوَجْهِ بَعْدَ غَسْلِ شَعْرِهِ يُوجِبُ غَسْلَهَا قِيَاسًا عَلَى ظُهُورِ قَدَمِ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفِّ.
ثَانِيًا: الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ:
10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ- أَوْ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ- الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ».
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتَفْسِيرُ الْفِطْرَةِ بِالسُّنَّةِ هُنَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ قَصُّ الشَّوَارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ».
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ السُّنَّةِ لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا».
11- لَكِنِ الْفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا فِي ضَابِطِ الْأَخْذِ مِنَ الشَّارِبِ، هَلْ يَكُونُ بِالْقَصِّ أَمْ بِالْحَلْقِ أَمْ بِالْإِحْفَاءِ؟.
فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُسَنُّ فِي الشَّارِبِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ الْخِلَافَ فَقَالَ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ الْقَصُّ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا طَرَفَا الشَّارِبِ، وَهُمَا السَّبَالَانِ، فَقِيلَ: هُمَا مِنْهُ، وَقِيلَ: مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِمَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ.وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَوْفِيرَ الشَّارِبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْغَازِي مَنْدُوبٌ؛ لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ.
وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ قَصُّ الشَّارِبِ كُلَّ أُسْبُوعٍ، وَالْأَفْضَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ لِمَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا تُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وَهُوَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَيَكُونُ كَالْمَرْفُوعِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: قَصُّ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «قُصُّوا الشَّوَارِبَ» وَهُوَ سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ لِلْوُجُوبِ، وَالسُّنَّةُ: الْقَصُّ لَا الْإِحْفَاءُ، وَالشَّارِبُ لَا يُحْلَقُ بَلْ يُقَصُّ، قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ، وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلَ بِنَفْسِهِ.
وَفِي قَصِّ السَّبَالَتَيْنِ عِنْدَهُمْ قَوْلَانِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقُ مَا خُلِقَ لَهَا مِنْ شَارِبٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: قَصُّ الشَّارِبِ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ».وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقُصَّهُ لَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ.
وَأَمَّا حَدُّ مَا يَقُصُّهُ: فَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَلَا يَحُفُّهُ مِنْ أَصْلِهِ، قَالُوا: وَحَدِيثُ: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ...» مَحْمُولٌ عَلَى مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ، وَعَلَى الْحَفِّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الشَّعْرِ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ يَفْعَلُهُ»، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ وَيَعْفُونَ لِحَاهُمْ وَيُصَغِّرُونَهَا: أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثَّمَالِيُّ، وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ، كَانُوا يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ.
وَقَالَ الْمُحَاطِيُّ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ حَلْقُ الشَّارِبِ.
وَقَالَ الْبَاجُورِيُّ: إِحْفَاءُ الشَّارِبِ بِالْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ مَكْرُوهٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى تَظْهَرَ الشَّفَةُ، وَأَنْ يَقُصَّ مِنْهُ شَيْئًا وَيُبْقِيَ مِنْهُ شَيْئًا.
وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَالصَّيْمَرِيِّ؛ اسْتِحْبَابَ الْإِحْفَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصًّا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ عَنْهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَزَعَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَلَا بَأْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَرْكِ السَّبَالَتَيْنِ، وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، لِفِعْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه- وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَسْتُرَانِ الْفَمَ، وَلَا يَبْقَى فِيهِمَا غَمَرُ الطَّعَامِ إِذْ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا.
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَأْخِيرُ قَصِّ الشَّارِبِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالتَّأْخِيرُ إِلَى مَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ.قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَإِنْ أَخَّرُوهَا فَلَا يُؤَخِّرُونَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ، لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَهَا إِلَى الْأَرْبَعِينَ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالْأَخْذُ مِنْ هَذِهِ الشُّعُورِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ قَصُّ الشَّارِبِ- أَيْ قَصُّ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرِ عَلَى الشَّفَةِ- أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ، وَحَفُّهُ أَوْلَى نَصًّا، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إِحْفَاءُ الشَّوَارِبِ أَنْ تُبَالِغَ فِي قَصِّهَا، وَمِنَ الشَّارِبِ السَّبَالَانِ وَهُمَا طَرَفَاهُ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ».
وَقَالُوا: يُسَنُّ الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ كُلَّ جُمُعَةٍ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْخُذُ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ» فَإِنْ تَرَكَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كُرِهَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ...» إِلَخْ؛ وَعَلَّلُوا الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ كُلَّ جُمُعَةٍ بِأَنَّهُ إِذَا تُرِكَ يَصِيرُ وَحْشًا.
ثَالِثًا: الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:
12- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ تَحْسِينُ هَيْئَتِهِ بِقَصِّ الشَّارِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَنْدُوبَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- الَّذِي رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ، وَقَدْ سَبَقَ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ لَهَا عَلَى أَحْسَنِ وَصْفٍ، وَإِظْهَارًا لِفَضِيلَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ يَكُونُ قَبْلَ حُضُورِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنِ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: إِنَّ حَلْقَ الشَّعْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ لِتَنَالَهُ بَرَكَةُ الصَّلَاةِ.
رَابِعًا: إِزَالَةُ الشَّارِبِ فِي الْإِحْرَامِ:
13- مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إِزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِ الْمُحْرِمِ وَمِنْهُ الشَّارِبُ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} أَيْ: شُعُورَهَا، نَصَّ عَلَى حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَعَدَّى إِلَى شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، إِذْ حَلْقُهُ يُؤْذِنُ بِالرَّفَاهِيَةِ، وَهُوَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ، لِكَوْنِ الْمُحْرِمِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ النَّتْفُ وَالْقَلْعُ وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ مِنْ حَيْثُ إِزَالَةُ الشَّعْرِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْحَلْقِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ أَمَّا مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَيُنْظَرُ فِي (إِحْرَام) (وَحَلْق).
خَامِسًا: الْأَخْذُ مِنْ شَارِبِ الْمَيِّتِ:
14- إِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ شَارِبِهِ وَلَا مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ؛ مُرَاعَاةً لِإِحْرَامِهِ، لِأَنَّهُ يَظَلُّ عَلَيْهِ، وَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا».
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ مِنَ الْمَوْتَى فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْأَخْذِ مِنْ شَارِبِهِ: وَلِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ:
قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْصُلُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَخْذِ مِنْ شَارِبِ الْمَيِّتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمُخْتَارُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَالثَّانِي: لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَالثَّالِثُ: يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ الشَّارِبُ طَوِيلًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ مَا تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ».وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مَسْنُونٌ فِي الْحَيَاةِ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ فَشُرِعَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْغُسْلِ، وَمِمَّنِ اسْتَحَبَّهُ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.وَمِمَّنْ كَرِهَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَصَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَخْذُ مِنْ شَارِبِ الْمَيِّتِ بِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ يَكُونُ قَبْلَ الْغُسْلِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْجُمْهُورُ- يَعْنِي جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ- لِدَفْنِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مَعَ الْمَيِّتِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: مَا يُؤْخَذُ مِنْهَا يُصَرُّ فِي كَفَنِهِ، وَوَافَقَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الشَّعْرِ الْمُنَتَّفِ فِي تَسْرِيحِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُهُمْ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْحَادِي: الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ مَعَهُ إِذْ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا أُخِذَ الشَّعْرُ جُعِلَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَيِّتِ فَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهُ فِي أَكْفَانِهِ كَأَعْضَائِهِ، فَيُغَسَّلُ وَيُجْعَلُ مَعَهُ.
سَادِسًا: أَخْذُ الْمُعْتَكِفِ مِنْ شَارِبِهِ:
15- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الِاعْتِكَافِ أَخْذُ الْمُعْتَكِفِ مِنْ شَارِبِهِ إِذَا لَمْ يُلَوِّثِ الْمَسْجِدَ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ وُرُودِ تَرْكِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا الْأَمْرِ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْإِبَاحَةِ.
لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ جَمَعَ مَا يَأْخُذُهُ فِي ثَوْبِهِ وَأَلْقَاهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِحُرْمَتِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِإِبْطَالِ الِاعْتِكَافِ بِكُلِّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ مَنْ خَصَّ الْإِبْطَالَ بِالْكَبِيرَةِ.
وَقَالُوا: إِذَا احْتَاجَ الْمُعْتَكِفُ إِلَى قَصِّ شَارِبِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُدْنِيَ رَأْسَهُ لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَيُصْلِحُهُ، وَلَا يَخْرُجُ فِي ذَلِكَ إِلَى بَيْتِهِ وَلَا إِلَى دُكَّانِ الْحَجَّامِ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ صَوْنُ الْمَسَاجِدِ عَنْ كُلِّ قَذَرٍ كَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَحْوِهِ.
سَابِعًا: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بَعْدَ قَصِّ الشَّارِبِ:
16- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِمَنْ قَصَّ شَارِبَهُ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ.
ثَامِنًا: الْجِنَايَةُ عَلَى الشَّارِبِ:
17- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ الشَّارِبَ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ (حُكُومَة عَدْلٍ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
23-موسوعة الفقه الكويتية (عانة)
عَانَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْعَانَةُ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ فَوْقَ الْفَرْجِ، وَتَصْغِيرُهَا عُوَيْنَةٌ وَقِيلَ: هِيَ الْمَنْبَتُ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، قَالَ الْعَدَوِيُّ وَالنَّفْرَاوِيُّ: الْعَانَةُ: هِيَ مَا فَوْقَ الْعَسِيبِ وَالْفَرْجِ وَمَا بَيْنَ الدُّبُرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ الَّذِي فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ الَّذِي حَوَالَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَانَةِ:
حَلْقُ الْعَانَةِ:
2- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَلْقَ الْعَانَةِ سُنَّةٌ، وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبَ حَلْقِ الْعَانَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ إِذَا أَمَرَهَا زَوْجُهَا بِذَلِكَ.
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ حَلْقِ الْعَانَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقِ الْإِزَالَةِ:
3- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ إِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ بِأَيِّ مُزِيلٍ مِنْ حَلْقٍ وَقَصٍّ وَنَتْفٍ وَنَوْرَةٍ لِأَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَتَأَدَّى بِالْإِزَالَةِ بِأَيِّ مُزِيلٍ كَمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِإِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ.
أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي حَقِّهَا النَّتْفُ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي قَوْلٍ إِلَى تَرْجِيحِ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي «النَّهْيِ عَنْ طُرُوقِ النِّسَاءِ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغَيَّبَةُ».
قَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا بَأْسَ بِالْإِزَالَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَفْضَلِيَّةَ الْحَلْقِ.
تَوْقِيتُ حَلْقِ الْعَانَةِ:
4- يُسْتَحَبُّ حَلْقُ الْعَانَةِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، وَجَازَ فِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشْرَ، وَكُرِهَ تَرْكُهُ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ تَحْدِيدٌ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ، وَلَا يَمْنَعُ تَفَقُّدَ ذَلِكَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ: الِاحْتِيَاجُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، وَالضَّابِطُ: الْحَاجَةُ فِي هَذَا وَفِي جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ (أَيْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ).
دَفْنُ شَعْرِ الْعَانَةِ:
5- يُسْتَحَبُّ دَفْنُ مَا أُخِذَ مِنْ شَعْرِ الْعَانَةِ وَمُوَارَاتُهُ فِي الْأَرْضِ.
قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ؟ قَالَ يَدْفِنُهُ، قُلْتُ: بَلَغَكَ فِيهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْفِنُهُ.
وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِ.الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا دَفْنَهَا لِكَوْنِهَا أَجْزَاءً مِنَ الْآدَمِيِّ.
حَلْقُ عَانَةِ الْمَيِّتِ:
6- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ الْمَيِّتِ وَهَذَا مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ أَوْرَدَ الزَّرْقَانِيُّ أَثَرًا بِلَفْظِ «يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ مَا يُصْنَعُ بِالْعَرُوسِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُحْلَقُ وَلَا يُنَوَّرُ».
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ شَعْرِ عَانَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَمْسِ عَوْرَتِهِ وَرُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نَظَرِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَلَا يُرْتَكَبُ مِنْ أَجْلِ مَنْدُوبٍ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْجَدِيدِ اسْتِحْبَابَ أَخْذِ شَعْرِ عَانَةِ الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَقُولُونَ بِكَرَاهَتِهِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: شَعْر).
النَّظَرُ إِلَى الْعَانَةِ لِلضَّرُورَةِ:
7- يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْعَانَةِ وَإِلَى الْعَوْرَةِ عَامَّةً لِحَاجَةٍ مُلْجِئَةٍ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يُبَاحُ لِلطَّبِيبِ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ بَدَنِهَا (بَدَنِ الْمَرْأَةِ) مِنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ (وَمِثْلُ ذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ) لِحَدِيثِ «عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ، فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يَنْبُتْ لَمْ يُقْتَلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يَنْبُتْ»، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تَنْبُتْ، فَجَعَلُونِي مِنَ السَّبْيِ».
وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ فَقَالَ: انْطُرُوا إِلَى مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ.
وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَأَمَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَالنَّظَرُ وَاللَّمْسُ مُبَاحَانِ لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ وَلَوْ فِي فَرْجٍ لِلْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ حَرَجًا، فَلِلرَّجُلِ مُدَاوَاةُ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي شُرُوطِ جَوَازِ مُعَالَجَةِ الطَّبِيبِ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً يُنْظَرُ: (عَوْرَة)
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ حَلْقَ الْعَانَةِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُهُ ضِمْنَ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُجِيزُ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ.
دَلَالَةُ ظُهُورِ شَعْرِ الْعَانَةِ عَلَى الْبُلُوغِ:
8- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَنَّ الْإِنْبَاتَ- وَهُوَ ظُهُورُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ لِلْعَانَةِ- عَلَامَةُ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا.
وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدِ اعْتَبَرَ الْإِنْبَاتَ أَمَارَةً عَلَى الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْلِمِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: بُلُوغ فِقْرَةُ 10).
الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَانَةِ:
9- تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي قَطْعِ عَانَةِ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ عَانَةُ الرَّجُلِ، لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا يُمْكِنُ إِهْدَارُهَا فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ حُكُومَةِ الْعَدْلِ وَكَيْفِيَّةِ تَقْدِيرِهَا يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (حُكُومَةُ عَدْلٍ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
24-موسوعة الفقه الكويتية (فطرة)
فِطْرَةالتَّعْرِيفُ:
1- الْفِطْرَةُ لُغَةً: مِنْ مَادَّةِ فَطَرَ، وَتَأْتِي بِمَعْنَى الشَّقِّ، يُقَالُ: فَطَرَهُ؛ أَيْ شَقَّهُ، وَتَفَطَّرَ الشَّيْءُ: انْشَقَّ، وَكَذَلِكَ انْفَطَرَ.
وَتَأْتِي بِمَعْنَى الْخَلْقِ، يُقَالُ: فَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ؛ أَيْ خَلَقَهُمْ وَأَنْشَأَهُمْ، وَالْفِطْرَةُ: الِابْتِدَاءُ وَالِاخْتِرَاعُ وَالْخِلْقَةُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {قُلْ أَغْيَرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: الْفِطْرَةُ الْخِلْقَةُ الَّتِي يُخْلَقُ عَلَيْهَا الْمَوْلُودُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَالْفَطُورُ- بِفَتْحِ الْفَاءِ- هُوَ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ الصَّائِمُ، وَبِضَمِّ الْفَاءِ مَصْدَرٌ، وَالْفِطْرَةُ- بِكَسْرِ الْفَاءِ- جَاءَتْ بِمَعْنَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَيْضًا، وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ: أَيْ حَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَدَخَلَ وَقْتُهُ، كَمَا يُقَالُ أَصْبَحَ وَأَمْسَى: إِذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، فَالْهَمْزَةُ لِلصَّيْرُورَةِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْجِبِلَّةُ
2- الْجِبِلَّةُ مِنْ جَبَلَ، تَقُولُ: جَبَلَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَجْبِلُهُمْ؛ أَيْ خَلَقَهُمْ، وَجَبَلَهُ عَلَى الشَّيْءِ: طَبَعَهُ عَلَيْهِ، وَجُبِلَ فُلَانٌ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، أَيْ طُبِعَ عَلَيْهِ.
وَالصِّلَةُ التَّرَادُفُ بَيْنَ الْفِطْرَةِ وَالْجِبِلَّةِ فِي بَعْضِ مَعَانِي الْفِطْرَةِ.
ب- السَّجِيَّةُ:
3- السَّجِيَّةُ الطَّبِيعَةُ وَالْخُلُقُ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّجِيَّةَ تُرَادِفُ الْفِطْرَةَ فِي بَعْضِ مَعَانِيهَا.
خِصَالُ الْفِطْرَةِ:
4- وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي بَيَانِ خِصَالِ الْفِطْرَةِ، مِنْهَا:
مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ، قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ، قَالَ زَكَرِيَّاءُ: قَالَ مُصْعَبٌ، أَحَدُ الرُّوَاةِ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ».زَادَ قُتَيْبَةُ قَالَ وَكِيعٌ: انْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ.
وَبِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ- شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي-: الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الِاخْتِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ».
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ بِهَذَا اللَّفْظِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ».
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ الْفِطْرَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَجَاءَتْ بِلَفْظِ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ»، وَبِلَفْظِ: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ»، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُرَادُ بِهِ الْحَصْرُ، وَإِنَّمَا يُشَارُ بِهِ إِلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْبَيِّنُ الْمَحْسُوسُ مِنْهَا، وَالَّذِي يُدْرِكُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِطَبْعِهِ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّ الْخِصَالَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الْعَشَرَةِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ مُعْظَمَهَا عَشْرَةٌ فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَعَضَّدَ قَوْلَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: «خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ...».
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ قَالَ: خِصَالُ الْفِطْرَةِ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ خَصْلَةً، وَقَدْ عَقَّبَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ: فَإِنْ أَرَادَ خُصُوصَ مَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثِينَ بَلْ يَزِيدُ كَثِيرًا.
فَخِصَالُ الْفِطْرَةِ إِذَنْ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: أُمَّهَاتُ الْأَخْلَاقِ، وَكُلُّ مَا هُوَ بِرٍّ كَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَأَدَاءِ حُقُوقِ الْجَارِ، وَمُعَاوَنَةِ الْمُحْتَاجِ مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا، وَإِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَالصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ وَبِالْعَهْدِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ.
أَحْكَامُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ:
أ- فِطْرَةُ الدِّينِ:
5- أَوْدَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ عِنْدَ خَلْقِهِ وَوِلَادَتِهِ فِطْرَةً سَلِيمَةً يُمْكِنُ أَنْ تُوَجِّهَهُ إِلَى طَرِيقِ الْهِدَايَةِ، وَتَصِلَ بِهِ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَشُبْهَا الشَّوَائِبُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ».
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالنَّظَرِ: الْفِطْرَةُ هِيَ الْخِلْقَةُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْمَوْلُودَ فِي الْمَعْرِفَةِ بِرَبِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى خِلْقَةٍ يَعْرِفُ بِهَا رَبَّهُ إِذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الْمَعْرِفَةِ.
وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ: يَظْهَرُ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ لِهَذَا الْوُجُودِ خَالِقًا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا.
ب- قَصُّ الشَّارِبِ:
6- لَا خِلَافَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَلِمَا رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا».
وَضَابِطُ قَصِّ الشَّارِبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَارِب ف 10- 14) ب
ج- إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ:
7- إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ مِنْ خِصَالِ الْفِطْرَةِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَفْهُومِ الْإِعْفَاءِ..وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: «لِحْيَة».
د- السِّوَاكُ:
8- السِّوَاكُ يَأْتِي بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِيَاكُ، وَبِمَعْنَى الْآلَةِ الَّتِي يُسْتَاكُ بِهَا الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْمِسْوَاكُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالسِّوَاكُ مُشْتَقٌّ مِنْ سَاكَ الشَّيْءَ: إِذَا دَلَكَهُ وَالسِّوَاكُ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.بِدَلِيلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» وَلِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام-: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ».وَفِي رِوَايَةٍ: مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: «اسْتِيَاكَ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا».
هـ- غَسْلُ الْبَرَاجِمِ:
9- الْبَرَاجِمُ هِيَ رُءُوسِ السُّلَامَيَاتِ فِي ظَهْرِ الْكَفِّ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ غَيْرُ مُخَصَّصَةٍ بِالْوُضُوءِ، وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ بِهَا إِزَالَةَ مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ فَيُزِيلُهُ بِالْمَسْحِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تَغْسِلُ الْيَدَ عَقِبَ الطَّعَامِ فَيَجْتَمِعُ فِي تِلْكَ الْغُضُوفِ وَسَخٌ، فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا.
و- نَتْفُ الْإِبِطِ:
10- نَتْفُ الْإِبِطِ مُتَّفَقٌ عَلَى سُنِّيَّتِهِ، وَالتَّوْقِيتُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، وَالسُّنَّةُ نَتْفُهُ، فَلَوْ حَلَقَهُ جَازَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: الْمُسْتَحَبُّ نَتْفُهُ وَذَلِكَ سَهْلٌ لِمَنْ تَعَوَّدَهُ، فَإِنْ حَلَقَهُ جَازَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ وَعَدَمُ اجْتِمَاعِ الْوَسَاخَةِ فِيهِ، إِذْ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: النَّتْفُ سُنَّةٌ، لِأَنَّهُ مِنَ الْفِطْرَةِ، وَيَفْحُشُ تَرْكُهُ، وَيَجُوزُ إِزَالَتُهُ بِالْحَلْقِ وَالنُّورَةِ غَيْرَ أَنَّ نَتْفَهُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَتِهِ الْخَبَرَ وَأَفْضَلِيَّةُ النَّتْفِ هِيَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا.
ز- الْخِتَانُ:
11- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْخِتَانِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ، وَأَمَّا فِي النِّسَاءِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ مَكْرُمَةٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: «خِتَان ف 2 وَمَا بَعْدَهَا»
ح- تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ:
12- تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ سُنَّةٌ إِجْمَاعًا سَوَاءٌ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَسَوَاءٌ فِيهِ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثُمَّ الرِّجْلِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى.
أَمَّا التَّوْقِيتُ فِي التَّقْلِيمِ فَالِاعْتِبَارُ بِالطُّولِ، فَمَتَى طَالَتِ الْأَظْفَارُ يَتِمُّ تَقْلِيمُهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ كَمَا هُوَ الضَّابِطُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: «أَظْفَار ف 2 وَمَا بَعْدَهَا».
ط- حَلْقُ الْعَانَةِ:
13- حَلْقُ شَعْرِ الْعَانَةِ مُتَّفَقٌ عَلَى سُنِّيَّتِهِ، وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ إِذَا أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِالْحَلْقِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ، هَذَا إِذَا لَمْ يَفْحُشْ بِحَيْثُ يُنَفِّرُ الزَّوْجَ وَيُؤَثِّرُ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الْمُخَالَطَةِ وَيُقَلِّلُ التَّوَقَانَ، أَمَّا إِذَا نَفَّرَ الزَّوْجَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَلْقُ قَطْعًا.
وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَحْلِقَ عَانَتَهُ بِنَفْسِهِ وَيَحْرُمُ إِسْنَادُ الْقِيَامِ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إِظْهَارٌ لِلْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ تَتَوَلَّى الْحَلْقَ زَوْجَتُهُ الَّتِي يُبَاحُ لَهَا النَّظَرُ إِلَى عَوْرَتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: «عَانَة ف 2 وَمَا بَعْدَهَا».
ى- الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ:
14- فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَرْبَعَةُ آرَاءٍ وَهِيَ:
أ- أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَهُوَ مَا يَرَاهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ.
ب- أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَحَمَّادٌ وَإِسْحَاقُ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَعَطَاءٍ.
ج- أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْغُسْلِ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
د- الِاسْتِنْشَاقُ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَمَّا الْمَضْمَضَةُ فَسُنَّةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَدَاوُدَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (مَضْمَضَة).
ك- الْفِطْرَةُ بِمَعْنَى زَكَاةِ الْفِطْرِ:
15- أَضَافَ الْفُقَهَاءُ إِلَى لَفْظِ الْفِطْرَةِ لَفْظَ الزَّكَاةِ الَّتِي تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا، وَقِيلَ لَهَا فِطْرَةٌ كَأَنَّهَا مِنَ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يُقَالُ لِلْمُخْرَجِ فِطْرَةٌ.
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
25-موسوعة الفقه الكويتية (لحية)
لِحْيَةالتَّعْرِيفُ:
1- اللِّحْيَةُ لُغَةً: الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ وَالذَّقْنِ، وَالْجَمْعُ اللِّحَى وَاللُّحَى.وَرَجُلٌ أَلْحَى وَلِحْيَانِيٌّ: طَوِيلُ اللِّحْيَةِ، وَاللَّحْيُ وَاحِدُ اللَّحْيَيْنِ وَهُمَا: الْعَظَمَاتُ اللَّذَانِ فِيهِمَا الْأَسْنَانُ مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، وَعَلَيْهِمَا تَنْبُتُ اللِّحْيَةُ.وَاللِّحْيَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُرَادُ بِاللِّحْيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنْ عَذَارٍ، وَعَارِضٍ، وَالذَّقْنِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْعِذَارُ
2- الْعِذَارَانِ كَمَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: جَانِبَا اللِّحْيَةِ، وَكَانَ الْفُقَهَاءُ أَكْثَرَ تَحْدِيدًا لِلْعِذَارِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ قُدَامَةَ وَالْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ الْمُحَاذِي لِصِمَاخِ الْأُذُنِ (أَيْ خَرْقَهَا) يَتَّصِلُ مِنَ الْأَعْلَى بِالصُّدْغِ، وَمِنَ الْأَسْفَلِ بِالْعَارِضِ، وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: الَّذِي تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَاتُهُمْ أَنَّهُ إِذَا جُعِلَ خَيْطٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَعْلَى الْأُذُنِ وَأَعْلَى الْجَبْهَةِ فَمَا تَحْتَ ذَلِكَ الْخَيْطِ مِنَ الْمُلَاصِقِ لِلْأُذُنِ، الْمُحَاذِي لِلْعَارِضِ هُوَ الْعِذَارُ، وَمَا فَوْقَهُ هُوَ الصُّدْغُ، وَيَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: هُوَ الْقَدْرُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ.
وَيُصَرِّحُ ابْنُ عَابِدِينَ بِأَنَّ الْعِذَارَ جُزْءٌ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا.
وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: لَا يَدْخُلُ مُنْتَهَى الْعِذَارِ (أَيْ أَعْلَاهُ الَّذِي فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ) لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ، أَشْبَهَ الصُّدْغَ، وَالصُّدْغُ مِنَ الرَّأْسِ (وَلَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ) لِحَدِيثِ الرَّبِيعِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ غَسَلَهُ مَعَ الْوَجْهِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ فَكُلُّ عِذَارٍ لِحْيَةٌ وَلَا عَكْسَ.
ب- الْعَارِضُ:
3- الْعَارِضُ فِي اللُّغَةِ: الْخَدُّ، وَعَارِضَتَا الْإِنْسَانِ: صَفْحَتَا خَدَّيْهِ.
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْعَارِضُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدِّ وَيَمْتَدُّ مِنْ أَسْفَلِ الْعِذَارِ حَتَّى يُلَاقِيَ الشَّعْرَ النَّابِتَ عَلَى الذَّقْنِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْعَارِضُ هُوَ مَا نَزَلَ عَنْ حَدِّ الْعِذَارِ، وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى اللَّحْيَيْنِ، وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَالْمُفَضَّلِ بْنِ سَلَمَةَ: مَا جَاوَزَ وَتِدَ الْأُذُنِ عَارِضٌ، فَالْعَارِضَانِ مِنَ اللِّحْيَةِ.وَقِيلَ لَهُ الْعَارِضُ- فِيمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَثِيرِ- لِأَنَّهُ يَنْبُتُ عَلَى عَرْضِ اللَّحْيِ فَوْقَ الذَّقْنِ.
ج- الذَّقْنُ:
4- الذَّقْنُ وَالذَّقْنُ: مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ مِنْ أَسْفَلِهِمَا.
د- الْعَنْفَقَةُ:
5- الْعَنْفَقَةُ:
مَا بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَالذَّقْنِ قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخِفَّةِ شَعْرِهَا، وَالْعَنْفَقُ: قِلَّةُ الشَّيْءِ وَخِفَّتُهُ.وَقِيلَ: الْعَنْفَقَةُ مَا نَبَتَ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى مِنَ الشَّعْرِ.
وَيُجَاوِزُ الْعَنْفَقَةَ يَمِينًا وَشِمَالًا الْفَنِيكَانِ، وَهُمَا: الْمَوْضِعَانِ الْخَفِيفَا الشَّعْرِ بَيْنَ الْعَنْفَقَةِ وَالْعَارِضَيْنِ وَقِيلَ: هُمَا جَانِبَا الْعَنْفَقَةِ.
هـ- السِّبَالُ:
6- السِّبَالُ لُغَةً: جَمْعُ السَّبَلَةِ، وَسَبَلَةُ الرَّجُلِ: الدَّائِرَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ شَفَتِهِ الْعُلْيَا، وَقِيلَ: السَّبَلَةُ مَا عَلَى الشَّارِبِ مِنَ الشَّعْرِ، وَقِيلَ: طَرَفُهُ، وَقِيلَ: هِيَ مُقَدَّمُ اللِّحْيَةِ، وَقِيلَ: هِيَ اللِّحْيَةُ وَعَلَى كَوْنِهِ بِمَعْنَى مَا عَلَى الشَّارِبِ مِنَ الشَّعْرِ وَرَدَ الْحَدِيثُ: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ، وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ»،، وَعَلَى كَوْنِهِ بِمَعْنَى اللِّحْيَةِ وَرَدَ قَوْلُ جَابِرٍ: «كُنَّا نُعْفِي السِّبَالَ إِلاَّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ».
أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَقَدْ جَعَلُوا السِّبَالَ مُفْرَدًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ: طَرَفُ الشَّارِبِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: السِّبَالَانِ طَرَفَا الشَّارِبِ، قَالَ: قِيلَ: وَهُمَا مِنَ الشَّارِبِ، وَقِيلَ مِنَ اللِّحْيَةِ.وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاللِّحْيَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ:
7- إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا اتِّفَاقًا، لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»،، وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- بِلَفْظِ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ»،، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- عَنْ- صلى الله عليه وسلم-: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ»،، فَعَدَّ مِنْهَا «إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ».
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ» مُخَالِفَةُ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَ لِحَاهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَحْلِقُهَا، وَقَالَ: ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنْ «أَعْفُوا» بِمَعْنَى كَثِّرُوا، أَوْ وَفِّرُوا، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَفْسِيرُ الْإِعْفَاءِ بِالتَّكْثِيرِ مِنْ إِقَامَةِ السَّبَبِ مُقَامَ الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْفَاءِ التَّرْكُ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلِّحْيَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكْثِيرَهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ.
تَكْثِيرُ اللِّحْيَةِ بِالْمُعَالَجَةِ
8- قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَهِمَ مِنَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «أَعْفُوا اللِّحَى» تَجْوِيزَ مُعَالَجَتِهَا بِمَا يُغْزِرُهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، قَالَ: وَكَأَنَّ الصَّارِفَ عَنْ ذَلِكَ قَرِينَةُ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ «وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّرْكِ.
الْأَخَذُ مِنَ اللِّحْيَةِ:
9- ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لِلْحَيَّةِ، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الْأَمْرِ بِتَوْفِيرِهَا، قَالَ: الْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا، وَأَنْ لَا يُتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا زَادَ طُولُ اللِّحْيَةِ عَنِ الْقَبْضَةِ يَجُوزُ أَخْذُ الزَّائِدِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- كَانَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ».قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَخُصُّ هَذَا بِالنُّسُكِ بَلْ كَانَ يَحْمِلُ الْأَمْرَ بِالْإِعْفَاءِ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي تَتَشَوَّهُ فِيهَا الصُّورَةُ بِإِفْرَاطِ طُولِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ أَوْ عَرْضِهِ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ أَخْذَ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ سُنَّةٌ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْقَصُّ سُنَّةٌ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَإِنْ زَادَ مِنْهَا عَنْ قَبْضَتِهِ شَيْءٌ قَطَعَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ- رحمه الله- عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ قَطْعُ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ وَمُقْتَضَاهُ كَمَا نَقَلَهُ الْحَصْكَفِيُّ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ مِنْهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَنَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ عَارِضَيْهِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنَ اللِّحْيَةِ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا تَشَوَّهَتْ بِإِفْرَاطِ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا، نَقَلَهُ الطَّبَرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَحَمَلَ عَلَيْهِ فِعْلَ ابْنَ عُمَرَ، وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَوْ تَرَكَ لِحْيَتَهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا حَتَّى أَفْحَشَ طُولُهَا أَوْ عَرْضُهَا لَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَنْ يَسْخَرُ بِهِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْأَخَذُ مِنْ طُولِ اللِّحْيَةِ وَعَرْضِهَا إِذَا عَظُمَتْ حَسَنٌ، بَلْ تُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا تُكْرَهُ فِي تَقْصِيرِهَا وَمِنَ الْحُجَّةِ لِهَذَا الْقَوْلِ مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا»،، أَمَّا الْأَخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ وَهِيَ دُونَ الْقَبْضَةِ لِغَيْرِ تَشَوُّهٍ فَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ.
حَلْقُ اللِّحْيَةِ:
10- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِلْأَمْرِ النَّبَوِيِّ بِإِعْفَائِهَا وَتَوْفِيرِهَا، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَابِدِينَ فِي الْأَخْذِ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ الْقَبْضَةِ: لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ، فَالْحَلْقُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَفِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ الْمَالِكِيِّ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حَلْقُ لِحْيَتِهِ، وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو شَامَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: قَدْ حَدَثَ قَوْمٌ يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا نُقِلَ عَنِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَهَا.
ثُمَّ قَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلَا يَحْلِقُ شَعْرَ حَلْقِهِ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَخْذُ الرَّجُلِ مَا تَحْتَ حَلْقِهِ مِنَ الشَّعْرِ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ اللِّحْيَةِ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ حَلْقَ اللِّحْيَةِ مَكْرُوهٌ.
قَصُّ السِّبَالَيْنِ
11- تَقَدَّمَ أَنَّ السِّبَالَيْنِ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِمَا هَلْ هُمَا مِنَ الشَّارِبَيْنِ أَمْ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي الْخِلَافُ فِيهِمَا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَمَّا طَرَفَا الشَّارِبِ وَهُمَا السِّبَالَانِ، فَقِيلَ: هُمَا مِنَ الشَّارِبِ وَقِيلَ: مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ قِيلَ: لَا بَأْسَ بِتَرْكِهِمَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اخْتُلِفَ فِي السِّبَالَيْنِ فَقِيلَ: هُمَا مِنَ الشَّارِبِ وَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ، وَقِيلَ: هُمَا مِنْ جُمْلَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، وَأَمَّا الْقَصُّ فَهُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ السِّبَالَيْنِ مِنَ الشَّارِبِ فَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما-: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْمَجُوسَ فَقَالَ: «إِنَّهُمْ يُوفُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ» قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَعْرِضُ سَبَلَتَهُ فَجَزَّهَا.
الْعِنَايَةُ بِاللِّحْيَةِ:
12- الْعِنَايَةُ بِاللِّحْيَةِ بِأَخْذِ مَا طَالَ مِنْهَا وَتَشَوَّهَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
وَيُسَنُّ إِكْرَامُهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ»،، قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ تَرْكُ لِحْيَتِهِ شَعِثَةً إِيهَامًا لِلزُّهْدِ.لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسْكِنُ بِهِ شَعْرَهُ».
وَيُسَنُّ تَرْجِيلُهَا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: التَّرْجِيلُ تَسْرِيحُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَدَهْنُهُ، وَهُوَ مِنَ النَّظَافَةِ وَقَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «كَانَ لَا يُفَارِقُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- سِوَاكُهُ وَمُشْطُهُ، وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ إِذَا سَرَّحَ لِحْيَتَهُ».
وَيُسَنُّ تَطْيِيبُهَا لِقَوْلِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ».
وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِغَالِيَةِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْغَالِيَةُ: طِيبٌ يَجْمَعُ طُيُوبًا. وَانْظُرْ (تَرْجِيلٌ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا، شَعْرٌ ف 16).
صَبْغُ اللِّحْيَةِ:
13- يُسَنُّ صَبْغُ اللِّحْيَةِ بِغَيْرِ السَّوَادِ إِذَا ظَهَرَ فِيهَا الشَّيْبُ، أَمَّا بِالسَّوَادِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ صَبْغُهَا بِالسَّوَادِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَحْرُمُ لِغَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (اخْتِضَابٌ ف9- 11).
أُمُورٌ تُكْرَهُ فِي اللِّحْيَةِ
14- قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ذَكَرَ النَّوَوِيُّ مِمَّا يُكْرَهُ: تَبْيِيضَ اللِّحْيَةِ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِقَصْدِ التَّعَاظُمِ عَلَى الْأَقْرَانِ، وَنَتْفُهَا إِبْقَاءً لِلْمُرُودَةِ وَكَذَا تَحْذِيفُهَا وَنَتْفُ الشَّيْبِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمَهُ لِثُبُوتِ الزَّجْرِ عَنْهُ، وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ تَصَنُّعًا وَمَخِيلَةً، وَعَقْدُهَا لِحَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: «مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ»،، قَالَ الْخَطَّابِيَّ: قِيلَ: الْمُرَادُ عَقْدُهَا فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مُعَالَجَةُ الشَّعْرِ حَتَّى يَنْعَقِدَ وَذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ التَّأْنِيثِ. غَسْلُ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ
15- تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ بَشَرَةِ الْوَجْهِ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ إِنْ كَانَ خَفِيفًا تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ مِنْ تَحْتِهِ، فَيَغْسِلُ الْبَشَرَةَ وَيَغْسِلُ اللِّحْيَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَالْمُرَادُ بِظُهُورِ الْبَشَرَةِ ظُهُورُهَا فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، وَوَجْهُ الْوُجُوبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فِي الْوُضُوءِ غَسْلَ الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ، وَالْمُوَاجَهَةُ تَحْصُلُ فِي اللِّحْيَةِ ذَاتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ بِبَشَرَةِ الْوَجْهِ وَبِالشَّعْرِ الَّذِي عَلَيْهَا.
وَهَذَا الِاتِّفَاقُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مِنَ الشَّعْرِ فِي حَيِّزِ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، دُونَ الْمُسْتَرْسِلِ مِنَ اللِّحْيَةِ تَحْتَ الذَّقْنِ طُولًا، وَدُونَ الْخَارِجِ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا، فَإِنَّ فِي هَذَا خِلَافًا يَأْتِي بَيَانُهُ.
أَمَّا اللِّحْيَةُ الْكَثِيفَةُ فَتَتَّفِقُ الْأَقْوَالُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ بَاطِنِهَا وَلَا إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ وَمَنَابِتِ الشَّعْرِ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُرَى فِي مَجْلِسِ الْمُخَاطَبَةِ، فَلَا يَكُونُ مِنَ الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِغَسْلِهِ، وَفِي نَيْلِ الْمَآرِبِ: لَوِ اجْتَزَأَ بِغَسْلِ بَاطِنِهَا عَنْ غَسْلِ ظَاهِرِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ» قَالُوا: وَالْغُرْفَةُ لَا تَكْفِي لِغَسْلِ الْوَجْهِ وَظَاهِرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ وَبَاطِنِهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَنْتَقِلُ حُكْمُ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ إِلَيْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ مَا فِي حَدِّ الْوَجْهِ مِنْهَا.
وَلَا يُسَنُّ غَسْلُ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُسْرِ، عَلَى مَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْإِنْصَافِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ غَسْلَ بَاطِنِهَا مَكْرُوهٌ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَغْسِلُ اللِّحْيَةَ الْكَثِيفَةَ فِي الْوُضُوءِ وَلَا يَغْسِلُ مَا تَحْتَهَا أَيْضًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ اسْمٌ لِلْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ، وَالشَّعْرُ لَيْسَ بِبَشَرَةٍ، وَمَا تَحْتَهُ مِنَ الْبَشَرَةِ لَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ.
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى هِيَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَمَا عَدَاهَا مَرْجُوعٌ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ ابْنَ قُدَامَةَ ضَعَّفَ رِوَايَةَ عَدَمِ الْغَسْلِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَوَّلَهَا.وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْبَشَرَةِ وَبَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ- كَغَيْرِ الْكَثِيفَةِ- فِي الْوُضُوءِ كَمَا فِي الْغَسْلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَشَرَةِ، وَتَدْخُلُ اللِّحْيَةُ تَبَعًا، وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ قَوْلًا مِثْلَ هَذَا لِلْمَالِكِيَّةِ.قَالَ: لِأَنَّ الْخِطَابَ مُتَنَاوِلٌ لَهُ بِالْأَصَالَةِ، وَلِغَيْرِهِ بِالرُّخْصَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، يَكُونُ غَسْلُ ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ- عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ- بِإِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمُرَادُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَيْهَا بِالْمَاءِ وَتَحْرِيكُهَا بِهِ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَدْفَعُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ، فَإِذَا حَرَّكَهُ حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ، قَالُوا: وَهَذَا التَّحْرِيكُ خِلَافُ التَّخْلِيلِ.50 مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ أَوْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ:
16- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي غَسْلِ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفَرْضِ مِنَ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ وَلَا تَخْلِيلُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ، لِأَنَّهُ شَعْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَحِلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ مَا نَزَلَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنِ الرَّأْسِ، لَا يَجِبُ مَسْحُهُ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ.
ثُمَّ قَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ غَسْلَ هَذَا الشَّعْرِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنَ اللِّحْيَةِ مَسْنُونٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، إِلَى وُجُوبِ غَسْلِ ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ كُلِّهَا مِمَّا هُوَ نَابِتٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ سَوَاءٌ حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ أَوْ جَاوَزَهُ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ مَا جَاوَزَ مَحَلَّ الْفَرْضِ بِالتَّبَعِ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجَهَةِ، بِخِلَافِ مَا نَزَلَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّسِ.
حَلْقُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بَعْدَ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ
إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ ظَاهِرَ لِحْيَتِهِ، أَوْ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا، ثُمَّ أَزَالَهَا بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَانْظُرْ (وُضُوءٌ).
تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ فِي الْوُضُوءِ:
17- يُسَنُّ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: «كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ»،، وَفَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ- رضي الله عنهم-، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ فَضِيلَةٌ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْأَدِلَّةُ تُرَجِّحُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ.ا هـ.
وَقَدْ وَرَدَّ التَّرْخِيصُ فِي تَرْكِ التَّخْلِيلِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَطَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّخْلِيلِ، وَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ حَكَى وُضُوءَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَحْكِ أَنَّهُ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ كَثِيفَهَا، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَخَلَّ بِهِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: التَّخْلِيلُ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ عَلَى ظَاهِرِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: تُحَرَّكُ اللِّحْيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ: التَّخْلِيلُ وَاجِبٌ، وَالتَّخْلِيلُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ يَكُونُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ نَقَلُوا عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ أَنَّ التَّخْلِيلَ يَكُونُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَوْ إِنْ شَاءَ مَعَ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَصِفَتُهُ عَلَى مَا فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ أَنْ يَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ يَضَعُهُ مِنْ تَحْتِهَا فَيُخَلِّلُهَا بِأَصَابِعِهِ مُشْتَبِكَةً، أَوْ يَضَعُهُ مِنْ جَانِبَيْهَا وَيُحَرِّكُهَا بِهِ.
غَسْلُ الْعَنْفَقَةِ فِي الْوُضُوءِ
18- يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ الْعَنْفَقَةِ وَالْبَشَرَةِ تَحْتَهَا إِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً فَالْأَكْثَرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا فَقَطْ، كَاللِّحْيَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ غَسْلُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهَا لَا تَسْتُرُ مَا تَحْتَهَا عَادَةً، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ.
غَسْلُ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ
19- يَجِبُ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ غَسْلُ الْبَشَرَةِ تَحْتَ اللِّحْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا أَوْ خَفِيفًا، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ قَالَ عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي، وَكَانَ يَجِزُّ شَعْرَهُ»، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَ».
وَالشَّعْرُ نَفْسُهُ يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى أَثْنَائِهِ حَتَّى مَا اسْتَرْسَلَ مِنْهُ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَخْلِيلُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (غَسْلٌ ف 24).
مَسْحُ اللِّحْيَةِ فِي التَّيَمُّمِ:
20- يَجِبُ فِي التَّيَمُّمِ مَسْحُ اللِّحْيَةِ مَعَ مَسْحِ الْوَجْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ، فَيَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ الشَّعْرِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّعْرُ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا، فَلَا يَجِبُ وَلَا يُنْدَبُ إِيصَالُ التُّرَابِ إِلَى الشَّعْرِ الْبَاطِنِ وَلَا إِلَى الْبَشَرَةِ لِعُسْرِهِ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اسْتِيعَابَ ظَاهِرِ شَعْرِ الْوَجْهِ، قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: حَتَّى لَوْ تَرَكَ شَعْرَةً لَمْ يَجُزْ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَيَجِبُ مَسْحُ مَا طَالَ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَلَا يُخَلِّلُهَا لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الْإِحْرَامِ:
21- لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ حَلْقُ لِحْيَتِهِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا الْأَخْذُ مِنْهَا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، إِلاَّ لِعُذْرٍ إِجْمَاعًا، وَقِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ حَلْقِ الرَّأْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}.
فَإِنْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْرَامٌ ف 71، ).وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ دَهْنُ لِحْيَتِهِ وَلَوْ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَطْيِيبُهَا.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِحْرَامٌ ف 73، 76، ).
الْأَخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنَ الْإِحْرَامِ 22- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْإِحْرَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَوْ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ قَصُّ أَظَافِرِهِ وَشَارِبِهِ وَاسْتِحْدَادُهُ بَعْدَ حَلْقِ رَأْسِهِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إِنْ أَخَذَ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
الدِّيَةُ أَوِ الْأَرْشُ فِي إِتْلَافِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ
23- تَتَّفِقُ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَزَالَ لِحْيَةَ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، بِحَلْقٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ مُعَالَجَةٍ بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِنْ عَادَ الشَّعْرُ فَنَبَتَ كَمَا كَانَ فَلَا شَيْءَ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إِلاَّ الْأَدَبُ فِي الْعَمْدِ.
أَمَّا إِنْ لَمْ يَنْبُتِ الشَّعْرُ، لِفَسَادِ مَنْبَتِهِ، كَمَا لَوْ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً حَارًّا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ:
فَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِيهَا دِيَةً كَامِلَةً إِنْ أَذْهَبَهَا كُلَّهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ خَفِيفَةً أَوْ كَثِيفَةً، قَالُوا: لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ، وَفِي نِصْفِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ.ثُمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ فِي الشَّيْنِ فَوْقَ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ أَصْلًا، قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الذَّاهِبِ مِنْهَا بِالْمِسَاحَةِ، فَيُعْطَى مِنَ الدِّيَةِ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَا شَيْءَ فِي إِذْهَابِ لِحْيَةِ كَوْسَجٍ عَلَى ذَقْنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ، قَالُوا: لِأَنَّهَا تَشِينُهُ وَلَا تَزِينُهُ.
وَلَوْ كَانَ عَلَى خَدِّهِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ، وَلَوْ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كُلُّ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْجَمَالِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَزَالَهَا وَبَقِيَ مِنْهَا مَا لَا جَمَالَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ لِإِذْهَابِهِ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كُلَّهُ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى إِيجَابِ الدِّيَةِ فِي شَعْرِ اللِّحْيَةِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ- رضي الله عنهما-: «فِي الشَّعْرِ الدِّيَةُ».
وَيُؤَجَّلُ سَنَةً لِيَتَحَقَّقَ مِنْ عَدَمِ نَبَاتِهَا، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ، وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَإِنْ نَبَتَ الشَّعْرُ أَبْيَضَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَلِكَ: لَا شَيْءَ فِيهَا، وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
فَإِنْ عَادَ الشَّعْرُ فَنَبَتَ بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَا فِيهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ بَعْضِهَا أَوْ حُكُومَةِ الْعَدْلِ رَدَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَرُجِيَ عَوْدُهُ انْتَظَرَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إِذْهَابِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ بَلْ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.
التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ:
24- لَا يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا مُحَرَّمًا فِي ذَاتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ الْحَلْقَ فِي ذَاتِهِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: لَا يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِحَلْقِهَا.
لِحْيَةُ الْمَيِّتِ:
25- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَسْرِيحُ لِحْيَةِ الْمَيِّتِ أَوْ قَصُّ شَعْرِهِ أَوْ حَلْقُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَحْرُمُ حَلْقُهُ حَالَ الْحَيَاةِ كَشَعْرِ الرَّأْسِ، فَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ حَلْقُهُ حَالَ الْحَيَاةِ- وَهُوَ شَعْرُ اللِّحْيَةِ- حَرُمَ، قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَهُوَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ لَمْ تُعْهَدْ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ تَسْرِيحُ شَعْرِهِ رَأْسًا كَانَ أَوْ لِحْيَةً لِأَنَّهُ يَقْطَعُهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ.قَالُوا.وَيَحْرُمُ حَلْقُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّ تَسْرِيحَ لِحْيَةِ الْمَيِّتِ غَيْرِ الْمُحْرِمِ حَسَنٌ لِإِزَالَةِ مَا فِي أُصُولِ الشَّعْرِ مِنَ الْوَسَخِ أَوْ بَقَايَا السِّدْرِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ، بِرِفْقٍ لِيَقِلَّ الِانْتِتَافُ.
ثُمَّ إِنْ أُزِيلَ بَعْضُ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ أَوْ تَسْرِيحٍ يُجْعَلُ الزَّائِدُ مَعَ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ.
- رحمهم الله-
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
26-موسوعة الفقه الكويتية (نتف)
نَتَفَالتَّعْرِيفُ:
1- النَّتْفُ فِي اللُّغَةِ: نَزْعُ الشَّعْرِ وَالشَّيْبِ وَالرِّيشِ، يُقَالُ: نَتَفْتُ الشَّعْرَ وَالرِّيشَ أَنْتِفُهُ نَتْفًا- وَبَابُهُ ضَرَبَ- نَزَعْتُهُ بِالْمِنْتَافِ أَوْ بِالْأَصَابِعِ، وَالنُّتَافُ وَالنُّتَافَةُ: مَا انْتَتَفَ وَسَقَطَ مِنَ الشَّيْءِ الْمَنْتُوفِ، وَنُتَافَةُ الْإِبِطِ: مَا نُتِفَ مِنْهُ، وَالْآلَةُ: مِنْتَافٌ، وَالنُّتْفَةُ: مَا تَنْزِعُهُ بِأَصَابِعِكَ مِنْ نَبْتٍ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ نُتَفٌ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْحَلْقُ:
2- مِنْ مَعَانِي الْحَلْقِ: إِزَالَةُ شَعْرِ الْإِنْسَانِ بِالْمُوسَى وَنَحْوِهِ مِنَ الْحَدِيدِ، يُقَالُ: حَلَقَ شَعْرَهُ حَلْقًا وَحِلَاقًا: أَزَالَهُ بِالْمُوسَى وَنَحْوِهِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ النَّتْفِ وَالْحَلْقِ إِزَالَةُ الشَّعْرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.
ب- الِاسْتِحْدَادُ:
3- الِاسْتِحْدَادُ: هُوَ حَلْقُ الْعَانَةِ خَاصَّةً بِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدِ وَهُوَ الْمُوسَى.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ النَّتْفِ وَالِاسْتِحْدَادِ إِزَالَةُ الشَّعْرِ فِي كُلٍّ.
ج- الْحَفُّ:
4- الْحَفُّ: هُوَ أَخْذُ شَعْرِ الْوَجْهِ، يُقَالُ: حَفَّتِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا حَفًّا: زَيَّنَتْهُ بِأَخْذِ شَعْرِهِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ النَّتْفِ وَالْحَفِّ أَنَّ فِي كِلَيْهِمَا إِزَالَةَ الشَّعْرِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّتْفِ:
يَتَعَلَّقُ بِالنَّتْفِ أَحْكَامٌ مِنْهَا: نَتْفُ شَعْرِ الْمُحْرِمِ:
5- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ إِزَالَةُ شَعْرِ الْمُحْرِمِ قَبْل التَّحَلُّلِ بِنَتْفٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ فِيهِ شَعْرُ الرَّأْسِ وَالشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ وَالْإِبِطِ وَالْعَانَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ شُعُورِ الْبَدَنِ، حَتَّى يَحْرُمَ نَتْفُ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْبَدَنِ، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَصَى وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، وَلَوْ مَشَطَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ فَأَدَّى إِلَى نَتْفِ شَيْءٍ مِنَ الشَّعْرِ، حَرُمَ وَوَجَبَتِ الْفِدْيَةُ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ فَلَا يَحْرُمُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ، وَإِنْ مَشَطَ فَانْتَتَفَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، فَإِنْ سَقَطَ شَعْرٌ فَشَكَّ هَلِ انْتَتَفَ بِالْمُشْطِ أَمْ كَانَ مُنْسَلًّا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ النَّتْفِ قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وَقِيسَ النَّتْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَعَبَّرَ النَّصُّ بِالْحَلْقِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي إِزَالَةِ الشَّعْرِ.
نَتْفُ رِيشِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ:
6- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ نَتَفَ رِيشَ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ حَتَّى عَجَزَ عَنِ الِامْتِنَاعِ عَمَّنْ يُرِيدُ أَخْذَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ نَتْفُ كُلِّ الرِّيشِ، بَلْ يُشْتَرَطُ نَتْفُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ نَتَفَ الْمُحْرِمُ رِيشَ الصَّيْدِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ وَلَمْ تُعْلَمْ سَلَامَتُهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الطَّيَرَانِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَتَفَ رِيشَهُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الطَّيَرَانِ إِلاَّ بِهِ وَأَمْسَكَهُ عِنْدَهُ حَتَّى نَبَتَ بَدَلُهُ وَأَطْلَقَهُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ مِنَ الصَّيْدِ الْمَضْمُونِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى امْتِنَاعِهِ بَعْدَ النَّتْفِ أَوْ يَصِيرَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بَعْدَ النَّتْفِ، فَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ النَّتْفِ، فَالْكَلَامُ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِفَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: ضَمَانُ نَقْصِهِ بِالنَّتْفِ.
وَالثَّانِي: ضَمَانُ نَقْصِهِ بِالتَّلَفِ.
فَأَمَّا ضَمَانُ نَقْصِهِ بِالنَّتْفِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَسْتَخْلِفَ مَا نَتَفَ مِنْ رِيشِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْهُ، وَهُوَ: أَنْ يُقَوَّمَ قَبْلَ نَتْفِ رِيشِهِ، فَإِذَا قِيلَ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَوَّمَهُ بَعْدَ نَتْفِ رِيشِهِ فَإِذَا قِيلَ: تِسْعَةٌ، عُلِمَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عُشْرُ الْقِيمَةِ، وَيُنْظَرُ فِي الطَّائِرِ الْمَنْتُوفِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ شَاةٌ فَعَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَنِ شَاةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعُشْرُ شَاةٍ عِنْدَ الْمُزَنِيِّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ قِيمَتُهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ.
وَإِنِ اسْتُخْلِفَ مَا نُتِفَ مِنْ رِيشِهِ وَعَادَ كَمَا كَانَ قَبْلَ نَتْفِ رِيشِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَوْدِهِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِالنَّتْفِ قَبْلَ حُدُوثِ مَا اسْتُخْلِفَ، لِأَنَّ الرِّيشَ الْمَضْمُونَ بِالنَّتْفِ غَيْرُ الَّذِي اسْتُخْلِفَ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ مُخْرَجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ جَنَى عَلَى سِنٍّ فَانْقَلَعَتْ فَأَخَذَ دِيَتَهَا، ثُمَّ نَبَتَتْ مِنْ جَدِيدٍ، هَلْ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ مَا أَخَذَ مِنَ الدِّيَةِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا امْتَنَعَ الطَّائِرُ فَلَمْ يُعْلَمْ هَلِ اسْتُخْلِفَ رِيشُهُ أَمْ لَمْ يُسْتَخْلَفْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ.
7- أَمَّا ضَمَانُ نَفْسِهِ إِنْ تَلِفَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَتْلَفَ مِنْ ذَلِكَ النَّتْفِ، وَهُوَ أَنْ يَمْتَنِعَ بَعْدَ النَّتْفِ فَيَطِيرَ مُتَحَامِلًا لِنَفْسِهِ وَيَسْقُطَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ فَيَمُوتَ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَفْسِهِ، وَيَسْقُطُ ضَمَانُ نَقْصِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ شَاةٌ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ قَبْلَ النَّتْفِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَمُوتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّتْفِ: إِمَّا حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ حَادِثٍ غَيْرِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَفْسِهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يُعْلَمَ هَلْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ النَّتْفِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ كُلَّهُ وَيَضْمَنَ نَفْسَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ مِنْ نَتْفِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضْمَنَ إِلاَّ قَدْرَ نَقْصِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ مَوْتِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ أَنَّهُ فِي حَادِثٍ غَيْرِهِ.
وَإِنْ صَارَ الطَّائِرُ بِالنَّتْفِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ لِيَنْظُرَ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ حَالُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَاشَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَصَارَ مَطْرُوحًا كَالْكَسِيرِ الزَّمِنِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَفْسِهِ وَفِدَاءُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّ الصَّيْدَ بِامْتِنَاعِهِ، فَإِذَا صَارَ بِجِنَايَتِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَقَدْ أَتْلَفَهُ.
وَإِنْ عَاشَ مُمْتَنِعًا وَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّتْفِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ نَقْصِهِ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ عَافِيًا (أَيْ طَوِيلَ الرِّيشِ) مُمْتَنِعًا وَمَنْتُوفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَإِنْ غَابَ الصَّيْدُ بَعْدَ النَّتْفِ فَلَا يُعْلَمُ هَلِ امْتَنَعَ أَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلاَّ أَنَّ جِنَايَتَهُ مَعْلُومَةٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ حَتَّى يُعْلَمَ امْتِنَاعُهُ، وَفِي غَيْرِ الْمُمْتَنِعِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الصَّيْدُ فَإِنْ مَاتَ بِالنَّتْفِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ أَوْ فِدَاءُ مِثْلِهِ، لِأَنَّ مَوْتَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ غَيْرِ النَّتْفِ، فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ الْحَادِثُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ الصَّيْدِ لَوِ انْفَرَدَ: كَأَنْ يَفْتَرِسَهُ سَبُعٌ أَوْ يَقْتُلَهُ مُحِلٌّ فَيَكُونُ عَلَى الْجَانِي الْأَوَّلِ أَنْ يَفْدِيَهُ كَامِلًا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ ضَامِنًا.
وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ الْحَادِثُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُ الصَّيْدِ لَوِ انْفَرَدَ مِثْلُ أَنْ يَقْتُلَهُ مُحْرِمٌ أَوْ يَقْتُلَهُ مُحِلٌّ، وَالصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ: فَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْأَوَّلِ بِالنَّتْفِ قَدِ اسْتَقَرَّتْ فِيهِ وَبَرَأَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَفْدِيَهُ كَامِلًا، لِأَنَّهُ قَدْ كَفَّهُ عَنِ الِامْتِنَاعِ، وَوَجَبَ عَلَى الثَّانِي أَنْ يَفْدِيَهُ كَامِلًا، لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُضْمَنُ بِشَاةٍ كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ شَاةٌ كَامِلَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي شَاةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ وَهُوَ صَيْدٌ مُمْتَنِعٌ، وَعَلَى الثَّانِي قِيمَتُهُ وَهُوَ صَيْدٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ جِنَايَةُ الْأَوَّلِ بِالنَّتْفِ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ وَلَا بَرَأَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَاتِلًا لِلصَّيْدِ بِالتَّوْجِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَهُ أَوْ يَشُقَّ بَطْنَهُ وَيُخْرِجَ حَشْوَتَهُ وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ عَافِيًا وَمَنْتُوفًا، لِأَنَّهُ بِالنَّتْفِ جَارِحٌ، وَعَلَى الثَّانِي أَنْ يَفْدِيَهُ كَامِلًا، لِأَنَّهُ بِالتَّوْجِيهِ قَاتِلٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جَارِحًا مِنْ غَيْرِ تَوْجِيهٍ فَقَدِ اسْتَوَيَا فَيَكُونَانِ قَاتِلَيْنِ وَتَكُونُ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ.
وَإِنْ مَاتَ الصَّيْدُ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ عَنِ الْعَيْنِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَلَا يُعْلَمُ هَلْ مَاتَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْجِنَايَةِ أَوْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ غَيْرِ الْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ كَامِلًا، لِأَنَّ حُدُوثَ سَبَبِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ مَظْنُونٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ حُكْمُ الْيَقِينِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ مِمَّا ضَمِنَهُ شَيْءٌ بِالشَّكِّ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه-: وَمَنْ رَمَى طَيْرًا فَجَرَحَهُ جُرْحًا لَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي نَتْفِ الرِّيشِ.
8- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ نَتَفَ الْمُحْرِمُ رِيشَ الصَّيْدِ أَوْ شَعْرَهُ أَوْ وَبَرَهُ فَعَادَ مَا نَتَفَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّقْصَ زَالَ، أَشْبَهَ مَا لَوِ انْدَمَلَ الْجُرْحُ، فَإِنْ صَارَ الصَّيْدُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بِنَتْفِ رِيشِهِ وَنَحْوِهِ فَكَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا صَارَ بِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ فَصَارَ كَالتَّالِفِ، وَإِنْ نَتَفَهُ فَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ.
نَتْفُ شَعْرِ الْوَجْهِ:
9- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَتْفِ شَعْرِ وَجْهِ الْمَرْأَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي النَّمْصِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ «بِلَعْنِهِ - صلى الله عليه وسلم- الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى».
وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَنَمُّص ف 4 وَمَا بَعْدَهَا).
نَتْفُ شَعْرِ الْإِبِطِ:
10- إِنَّ نَتْفَ شَعْرِ الْإِبِطِ مِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم-: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ- أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ -: الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ» وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ نَتْفَ الْإِبِطِ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِإِزَالَتِهِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ مِنْ حَلْقٍ أَوْ نُورَةٍ، إِلاَّ أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلَ إِزَالَتُهُ بِالنَّتْفِ الَّذِي وَرَدَ فِي النَّصِّ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (فِطْرَة ف 10).
نَتْفُ الشَّيْبِ:
11- لَا بَأْسَ بِنَتْفِ الشَّيْبِ إِلاَّ إِذَا قُصِدَ لِلتَّزَيُّنِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (لِحْيَة ف 14).
(
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
27-موسوعة الفقه الكويتية (يد 1)
يَـدٌ -1التَّعْرِيفُ:
1 ـ الْيَدُ فِي اللُّغَةِ مُؤَنَّثَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْمَنْكِبِ إِلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَلَامُهَا مَحْذُوفَةٌ وَهِيَ يَاءٌ، وَالْأَصْلُ: يَدْيٌ، قِيلَ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَقِيلَ بِسُكُونِهَا، وَجَمْعُ الْقِلَّةِ أَيْدٍ، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ: الْأَيَادِي وَيُدِيٌّ مِثَالُ فُعُولٌ.
وَالْيَدُ: النِّعْمَةُ وَالْإِحْسَانُ، وَتُطْلَقُ الْيَدُ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهِ: أَيْ سُلْطَانَهُ، وَالْأَمْرُ بِيَدِ فُلَانٍ: أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} أَيْ عَنْ قُدْرَةٍ عَلَيْهِمْ وَغَلَبٍ.وَأَعْطَى بِيَدِهِ: إِذَا انْقَادَ وَاسْتَسْلَمَ، وَالدَّارُ فِي يَدٍ فُلَانٍ: أَيْ فِي مِلْكِهِ، وَأَوْلَيْتُهُ يَدًا: أَيْ نِعْمَةً، وَالْقَوْمُ يَدٌ عَلَى غَيْرِهِمْ: أَيْ مُجْتَمِعُونَ مُتَّفِقُونَ، وَبِعْتُهُ يَدًا بِيَدٍ: أَيْ حَاضِرًا بِحَاضِرٍ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْيَدِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْيَدِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا مَا يَلِي:
أَوَّلًا: الْيَدُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ وَالْجَارِحَةُ:
الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَدِ:
2- يَسُنُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى بِالْحَجَرِ أَوْ بِالْمَاءِ، وَيُكْرَهُ بِيَمِينِهِ بِلَا عُذْرٍ لِقَوْلِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ».
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِنْجَاء ف 30).
إِدْخَالُ الْيَدَيْنِ فِي مَاءِ الطَّهَارَةِ:
3- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي مَاءِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مُرِيدُ الطِّهَارَةِ وَغَيْرِهِ، كَمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْتَيْقِظُ مِنَ النَّوْمِ وَغَيْرِهِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (كَف ف 3، نَوْم ف 10، وُضُوء ف 90).
غَسْلُ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ:
4- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَسُنُّ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الرُّسْغَيْنِ ثَلَاثًا قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَضَوْء، وَمُصْطَلَحِ غَسْل فِقْرَة 30).
السُّنَّةُ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ:
5- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ هِيَ الْبِدَايَةُ بِالْيَمِينِ وَمِثْلَهُ فِي الرَّجُلَيْنِ فَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ التَّيَامُنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ».
(ر: تُيَامُن ف 2 وَمَا بَعْدَهَا).
رَفْعُ الْجَنَابَةِ عَنِ الْيَدِ:
6- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ إِدْخَالَ الْجُنُبِ يَدَهُ فِي الْمَاءِ إِذَا لَمْ يَنْوِ بِغَمْسِ يَدِهِ فِي الْمَاءِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَثَرِ إِدْخَالِ الْجُنُبِ يَدَهُ إِذَا نَوَى بِالْغَمْسِ رَفْعَ الْحَدَثِ مِنَ الْجَنَابَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا.
وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ الْمِهْرَاسَ.كَانَ يُوضَعُ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَفِيهَا مَاءٌ فَكَانَ أَصْحَابُ الصِّفَةِ ((يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ لِلْوُضُوءِ بِأَيْدِيهِمْ» وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوًى وَضَرُورَةً فَقَدْ لَا يَجِدُ شَيْئًا يَغْتَرِفُ بِهِ مِنَ الْإِنَاءِ الْعَظِيمِ فَيَجْعَلُ يَدَهُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ كَالْمِغْرَفَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْمُحْدِثِ فَكَذَلِكَ فِي الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي، دَعْ لِي».
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي قَالَ: إِذَا أَدْخَلَ الْجُنُبُ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَإِنْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ أَفْسَدَهُ وَهَذَا لِمَعْنَى الْحَاجَةِ، فَفِي الْبِئْرِ الْحَاجَةُ إِلَى إِدْخَالِ الرِّجْلِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَجُعِلَ عَفْوًا، وَفِي الْإِنَاءِ الْحَاجَةُ إِلَى إِدْخَالِ الْيَدِ فَلَا تُجْعَلُ الرِّجْلُ عَفْوًا فِيهِ، وَإِنْ أَدْخَلَ فِي الْبِئْرِ بَعْضَ جَسَدِهِ سِوَى الْيَدِ وَالرَّجُلِ أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا.
وَقِيلَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ عَنِ الْعُضْوِ لَوْ غُسِلَ ذَلِكَ الْعُضْوُ بِمَائِعٍ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ أَثَّرَ: أَثَّرَ هُنَا.
مَسْحُ الْيَدِ بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ:
7- صِفَةُ التَّيَمُّمِ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ فَيَنْفُضُهُمَا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ يَضْرِبُهُمَا كَذَلِكَ وَيَمْسَحُ بِكُلِّ كَفٍّ ظَهْرَ ذِرَاعِ الْأُخْرَى وَبَاطِنَهَا مَعَ الْمِرْفَقِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بِدَلِيلِ آيَةِ التَّيَمُّمِ.
وَلِمَعْرِفَةِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ (ر: تَيَمُّم ف 11).
الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِالْيَدِ:
8- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ بِأَصَابِعِ الْيَدِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مَسْحٌ عَلَى الْخُفَّيْنِ ف 10).
هَيْئَةُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ:
9- اتُّفِقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَوْ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ».
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ رَفْعِهِمَا، كَمَا ذَكَرُوا أَحْكَامَ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى أَثْنَاءَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ، وَكَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ أَثْنَاءَ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ، وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (صَلَاة ف 57 وَمَا بَعْدَهَا).
عَدُّ الْمُصَلِّي الْآيَ بِأَصَابِعِ الْيَدِ:
10- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عَدِّ الْمُصَلِّي الْآيِ بِأَصَابِعِ الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَدِّ الْمُصَلِّي الْآيِ بِأَصَابِعِ الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا كَانَتِ الصَّلَاةُ أَوْ تَطَوُّعًا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَعُدَّ الْآيَ فِي الصَّلَاةِ».وَلِأَنَّ الْعَدَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِمُرَاعَاةِ السُّنَنِ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي قَصَدَ بِعَدِّ الْآيِ إِصْلَاحَ صَلَاتِهِ، أَمَّا لَوْ فَعَلَهُ سَاهِيًا مِثْلُ مِنْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ تَخَرَّجَ إِيجَابُ السُّجُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ فِي الصَّلَاةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَرَخَّصَ فِي التَّطَوُّعِ.
وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ كَرَاهَةِ عَدِّ الْآيِ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْعَدَّ بِالْيَدِ تَرْكٌ لِسُنَّةِ الْيَدِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، فَالْقَلِيلُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُفْسِدِ الصَّلَاةَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُوجِبَ الْكَرَاهَةَ، وَلَاحَاجَةَ إِلَى الْعَدِّ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ وَيُعَيِّنَ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ الْمُعَيَّنَ، أَوْ يَعُدَّ بِقَلْبِهِ.
عَدُّ التَّسْبِيحِ بِأَصَابِعِ الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ:
11- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَانِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي عَدُّ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لِمُرَاعَاةِ السُّنَّةِ فِي عَدَدِ التَّسْبِيحِ خُصُوصًا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الَّتِي تَوَارَثَتْهَا الْأُمَّةُ.
فَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ لِلْمُصَلِّي عَدُّ التَّسْبِيحِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. وَنَصَّ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَدِّ التَّسْبِيحِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةَ بِالْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ فِي سُبَحَةٍ بِلَا حَرَكَةِ كَفِّهِ، قَالَ الشِّرْوَانِيُّ: لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ عَدُّ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتُدِلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْعَدَّ بِالْيَدِ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، فَالْقَلِيلُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُفْسِدِ الصَّلَاةَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُوجِبَ الْكَرَاهَةَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَوَقُّفَ فِي عَدِّ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ، يَتَوَالَى لِقِصَرِهِ فَيَتَوَالَى حِسَابُهُ فَيَكْثُرُ الْعَمَلُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تُبْطَلُ بِعَدِّ التَّسْبِيحِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَوَالِيَةٌ فَأَشْبَهَتِ الْخُطُوَاتِ.
وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ فِي الصَّلَاةِ:
12- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ فِي الصَّلَاةِ إِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ كَالتَّثَاؤُبِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ كَظْمَهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ وَضْعُ يَدِهِ لِدَفْعِ التَّثَاؤُبِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، مِنْهَا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- «إِذَا َثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ».
وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ» وَمِنْهَا قَوْلُهُ: «فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ».
13- أَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ تَفْصِيلٌ:
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِظَهْرِ الْيُسْرَى، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ أَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى لَوْ كَانَ قَائِمًا، وَإِلاَّ فَبِيَدِهِ الْيُسْرَى، لأَنَّ التَّغْطِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِالْيُسْرَى كَالِامْتِخَاطِ فَإِنْ كَانَ قَاعِدًا يَسْهُلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ حَرَكَةُ الْيَدَيْنِ، بِخِلَافِ إِذَا كَانَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّغْطِيَةُ بِالْيُسْرَى حَرَكَةَ الْيَمِينِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَحْتَهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَضَعُ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَمِهِ لِأَنَّهَا لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِظَهْرِهَا لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الدَّفْعِ عَادَةً، إِلاَّ أَنَّ أِصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِبَاطِنِ الْيُسْرَى أَوْ بِوَضْعِ الْيُمْنَى.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَغْطِيَةَ الْفَمِ تَكُونُ إِمَّا بِيُمْنَى مُطْلَقًا أَوْ بِظَاهِرِ الْيُسْرَى لَا بِبَاطِنِهَا لِمُلَاقَاةِ الْأَنْجَاسِ.
رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلدُّعَاءِ:
أ- رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ:
14- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ لِلِاسْتِسْقَاءِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنِ أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْكُرَاعُ هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِيَنَا، فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا، قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ َالسَّمَاءَ كَمِثْلِ الزُّجَاجَةِ فَهَاجِتْ رِيحٌ أَنَشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى».
كَمَا وَرَدَ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَكَذَا السُّنَّةُ؛ مَنْ دَعَا لِرَفْعِ الْبَلَاءِ جَعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا جَعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ.
(ر: اسْتِسْقَاء ف 19).
ب ـ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوَتِ:
15- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي َمُقَابِلَ الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي صَلَاةٍ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ قِيَاسًا عَلَى دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّشَهُّدِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ مُسْتَحَبٌّ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ عَدَدًا، مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الْقُنُوتِ فَعَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَرَ- رضي الله عنه- فَقَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَهَرَ بِالدُّعَاءِ.
وَكَيْفِيَّةُ رَفْعِهِمَا: أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى صَدْرِهِ حَالَ قُنُوتِهِ وَيَبْسُطُهَا وَبُطُونِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَلاَّبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ.
ج- مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ دُعَاءِ الْقُنُوتِ:
16- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دُعَاءِ الْقُنُوتِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خَبَرٌ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يُسْتَحَبْ مَسْحُ وَجْهِهِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلَ الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْمَسْحُ لِمَا وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفْعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ» وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهِ فَاسْتُحِبَّ مَسْحُ وَجْهِهِ بِهِمَا.
(ر: قُنُوت ف 4).
د- رَفَعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ:
17- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ بِحِذَاءِ صَدْرِهِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ فِي هَيْئَةِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ يَبْسُطَ كَفَّيْهِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ.وَقَالُوا: لَا يَضَعُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ عُذْرٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ فَأَشَارَ بِالْمِسْبَحَةِ قَامَ مَقَامَ بَسْطِ كَفَّيْهِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لِلِاتِّبَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ إِنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ، وَعَكْسَهُ إِنْ دَعَا لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ.
وَنَصَّ اَلْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ آدَابِ اَلدُّعَاءِ بَسْطَ يَدَيْهِ وَرَفْعَهُمَا إِلَى صَدْرِهِ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ يَسارٍ عَنِ اَلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا سَأَلْتُمُ اَللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا» وَتَكُونُ يَدَاهُ مَضْمُومَتَيْنِ.
وَيَرَى اَلْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ اَلدَّاعِيَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ اَلدُّعَاءِ خَارِجَ اَلصَّلَاةِ.
هـ ـ مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ:
18- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنَ الدُّعَاءِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ مَنْ يَدْعُو خَارِجَ الصَّلَاةِ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ بِلَفْظِ «قِيلَ»: إِنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
مَسُّ الْغَاسِلِ عَوْرَةَ الْمَيِّتِ بِيَدِهِ:
19- يَرَى الْفُقَهَاءُ حُرْمَةَ مَسِّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ الْغَاسِلَ إِذَا أَرَادَ تَغْسِيلَ الْمَيِّتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَلُفَّ عَلَى يَدَيْهِ خِرْقَةً، وَأَنْ يَضَعَ عَلَى عَوْرَةِ الْمَيِّتِ خِرْقَةً حَتَّى لَا يُفْضِيَ بِيَدِهِ إِلَى الْعَوْرَةِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْعَوْرَةِ حَرَامٌ فَاللَّمْسُ أَوْلَى.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إِذَا اضْطُرَّ الْغَاسِلُ إِلَى الْإِفْضَاءِ، فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ مَسُّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ بِيَدِهِ مُبَاشَرَةً مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ.
وَأَمَّا تَغْسِيلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلْأَطْفَالِ الصِّغَارِ وَمَسُّ عَوْرَتِهِمْ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلَافٌ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (تَغْسِيلُ الْمَيِّتِ ف 16 ـ 17).
رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ:
20- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ- وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ- إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.
وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا مَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ- وَهِيَ الرَّاجِحَةُ عِنْدَهُمْ- رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ.
رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ:
21- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيثِ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلاَّ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيَنْظُرُ إِلَى الْبَيْتِ، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الصَّفَا، وَحِينَ يَقُومَ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَبِجَمْعٍ، وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ».
وَبِأَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَقَدْ أُمِرَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، قَالَ الْقَارِّيُّ فِي شَرْحِهِ: لَا يَرْفَعُ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا، قَالَ السُّرُوجِيُّ: الْمَذْهَبُ تَرْكُهُ، وَصَرَّحَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ.
اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِالْيَدَيْنِ أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ:
22- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الطَّائِفَ بِالْبَيْتِ يَسْتَقْبِلُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَسْتَلِمُهُ بِأَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ، لَكِنْ إِذَا وَجَدَ الطَّائِفُ زِحَامًا فَيَتَجَنَّبُ الْإِيذَاءَ وَيَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْحَجَرِ بِيَدَيْهِ؛ لِأَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ سُنَّةٌ وَإِيذَاءَ النَّاسِ حَرَامٌ يَجِبُ تَرْكُهُ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ ف 2، رُكْنٌ ف 17، 18، طَوَافٌ ف 53). رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ:
23- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِارْتِقَاءِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ يَسْعَى أَنْ يَصْعَدَ عَلَى الصَّفَا، وَيَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ، وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ، وَيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا، فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ».
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ رَفْعِ الْأَيْدِي عِنْدَ الصَّفَا أَحَبُّ إِلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: تَرْكُ رَفْعِ الْأَيْدِي أَحَبُّ إِلَى مَالِكٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ.
تَقْلِيمُ أَظْفَارِ الْيَدِ:
24- تَقْلِيمُ أَظْفَارِ الْيَدِ سُنَّةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ- أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ-: الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ».
(ر: أَظْفَارٌ ف 2 ـ 3).
خِضَابُ الْيَدَيْنِ بِالْحِنَّاءِ:
25- يُسْتَحَبُّ خِضَابُ الْيَدَيْنِ بِالْحِنَّاءِ لِلْمُتَزَوِّجَةِ مِنَ النِّسَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ لِحَاجَةِ التَّدَاوِي وَنَحْوِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيثِ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ إِلَى كَرَاهَةِ اخْتِضَابِ الْيَدَيْنِ لِلرَّجُلِ. وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (اخْتِضَابٌ ف 12، تَشَبُّهٌ ف 17).
غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْأَكْلِ وَبَعْدَهُ:
26 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدَيْنِ بَعْدَ الْأَكْلِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكْثِرَ اللَّهُ خَيْرَ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إِذَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَإِذَا رُفِعَ» وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ».
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ نَدْبَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ أَكْلِ مَا لَهُ دَسَمٌ، وَمَا لَا دَسَمَ لَهُ فَلَا يُنْدَبُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ أَكْلِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْأَكْلِ، كَمَا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالنَّفْرَاوِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ؛ لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكْثِرَ اللَّهُ خَيْرَ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إِذَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَإِذَا رُفِعَ».
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِهَا أَذًى، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ الْأَذَى نَجِسًا يَجِبُ الْغَسْلُ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا يُنْدَبُ الْغَسْلُ.
27- أَمَّا غَسْلُ الْجُنُبِ يَدَيْهِ قَبْلَ الْأَكْلِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ الْوُضُوءُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ».
28- ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْوُضُوءِ:
فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ وُضُوءُ الصَّلَاةِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ أَيْ غَسْلُ الْيَدَيْنِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ يَدَيْهِ». قَالَ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
ثُمَّ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ- رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً- أَنْ يَأْكُلَ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْفَمِ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ بِلَا وُضُوءٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْجُنُبِ وُضُوءٌ عِنْدَ إِرَادَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ يَدَيْهِ مِنَ الْأَذَى إِذَا أَرَادَ الْأَكْلَ.
(ر: وُضُوءٌ ف 22).
غَسْلُ الْيَدِ بِالنُّخَالَةِ أَوِ الدَّقِيقِ:
29- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ بِالنُّخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُوتًا.
أَمَّا غَسْلُ الْيَدَيْنِ بِالدَّقِيقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلٍ لِتَوَارُثِ النَّاسِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ بِالطَّعَامِ ـ وَهُوَ الْقُوتُ ـ وَلَوْ بِدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَاءَ، وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إِهَانَةِ الطَّعَامِ.
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ بِالطَّعَامِ النُّخَالَةَ الْمُسْتَخْرَجَةَ مِنَ الْقَمْحِ، بِخِلَافِ نُخَالَةِ الشَّعِيرِ حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ كَرَاهَةِ الْغَسْلِ بِهَا.
وَلِلْحَنَابِلَةِ قَوْلٌ آخَرُ جَاءَ فِي الْآدَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ تَحْرِيمُ الْغَسْلِ بِمَطْعُومٍ.
مَسْحُ الْأَيْدِي بِالْوَرَقِ:
30- يُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اسْتِعْمَالُ الْكَاغَدِ (الْوَرَقِ) غَيْرِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ فِي مَسْحِ الْيَدَيْنِ فِي وَلِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، إِذَا كَانَ هَذَا الْوَرَقُ يَصْلُحُ لِلْكِتَابَةِ لِكَوْنِهِ لِلْكِتَابَةِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ لِلْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ.
الْأَكْلُ بِأَصَابِعِ الْيَدِ:
31- يُسَنُّ الْأَكْلُ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ، هَذَا إِنْ أَكَلَ بِيَدِهِ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْمِلْعَقَةِ وَنَحْوِهَا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (أَكْلٌ ف 17).
لَعْقُ الْأَصَابِعِ بَعْدَ الْأَكْلِ:
32- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لَعْقَ الْأَصَابِعِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَقَبْلَ الْمَسْحِ بِالْمَنْدِيلِ سُنَّةٌ؛ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَةُ».
وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامَهُ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا».
وَلِمَعْرِفَةِ حُكْمِ الْأَكْلِ بِالْأَصَابِعِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (أَكْلٌ ف 17).
الِاتِّكَاءُ بِالْيَدِ أَثْنَاءَ الْأَكْلِ:
33- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مُتَّكِئًا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّكَبُّرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: هُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيِّةِ: يُكْرَهُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مُتَّكِئًا أَوْ وَاضِعًا شِمَالَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُسْتَنِدًا.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا، وَفَسَّرُوا الِاتِّكَاءَ بِأَنْ يَأْكُلَ مَائِلًا عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْسَرِ، وَقِيلَ: مُتَرَبِّعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ الْجَالِسُ مُعْتَمِدًا عَلَى وِطَاءٍ تَحْتَهُ، كَقُعُودِ مَنْ يُرِيدُ الْإِكْثَارَ مِنَ الطَّعَامِ، وَأَشَارَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ الْمَائِلُ إِلَى جَنْبِهِ، وَمِثْلُهُ الْمُضْطَجِعُ بِالْأَوْلَى.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ على أَنَّهُ يُكْرَهُ الْأَكْلُ مُضْطَجِعًا.
الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ:
لِاسْتِمْنَاءِ الرَّجُلِ بِيَدِهِ حَالَاتٌ:
الْحَالَةُ الْأُولَى: الِاسْتِمْنَاءُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ:
34- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ اسْتِمْنَاءِ الرَّجُلِ بِيَدِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ مُحَرَّمٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعَطَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ الْكَرَاهَةَ بِالتَّحْرِيمِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا يُعْجِبُنِي بِلَا ضَرُورَةٍ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: الِاسْتِمْنَاءُ لِخَوْفِ الزِّنَا:
35- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الِاسْتِمْنَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ مَنِ اسْتَمْنَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَبَّرَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الْمَطْلَبِ بِقَوْلِهِمُ: الرَّجَاءُ أَلاَّ يُعَاقَبَ.
قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكَانَ وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَعَنْ أَحْمَدَ: يُكْرَهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَأْمُرُونَ فِتْيَانَهُمْ أَنْ يَسْتَغْنُوا بِالِاسْتِمْنَاءِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ خَافَ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ مَعَ إِبَاحَتِهِ بِالْعَقْدِ لَمْ يُبَحْ بِالضَّرُورَةِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّوْمَ بَدَلًا مِنَ النِّكَاحِ، وَالِاحْتِلَامُ مُزِيلٌ لِشِدَّةِ الشَّبَقِ، مُفَتِّرٌ لِلشَّهْوَةِ.
وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ يُحَرِّمُونَ الِاسْتِمْنَاءَ إِلاَّ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الزِّنَا.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: الِاسْتِمْنَاءُ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الزِّنَا:
36- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الِاسْتِمْنَاءِ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْخَلَاصِ بِهِ مِنَ الزِّنَا.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ اسْتِمْنَاءَ الشَّخْصِ بِيَدِهِ حَرَامٌ، خَشِيَ الزِّنَا أَمْ لَا، لَكِنْ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ الزِّنَا إِلاَّ بِالِاسْتِمْنَاءِ قَدَّمَهُ عَلَى الزِّنَا ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ.
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: الِاسْتِمْنَاءُ عَنْ طَرِيقِ يَدِ الزَّوْجَةِ:
37- يَرَى الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي رَأْيٍ وَالشَّافِعِيَّةُ- عَدَا الْقَاضِي حُسَيْنٍ- جَوَازَ الِاسْتِمْنَاءِ بِيَدِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ اسْتِمْتَاعِهِ كَمَا لَوْ أَنْزَلَ بِتَفْخِيذٍ أَوْ تَبْطِينٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّأْيِ الْآخَرِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ الزَّوْجَةِ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنْزَلَ بِتَفْخِيذٍ أَوْ تَبْطِينٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَوْ غَمَزَتِ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ زَوْجِهَا بِيَدِهَا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ إِذَا أَمْنَى؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَزْلَ وَالْعَزْلُ مَكْرُوهٌ.
وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ بِيَدِ الزَّوْجَةِ لَا يَجُوزُ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَثَرِ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ عَلَى الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُنْظَرُ (اسْتِمْنَاءٌ ف 8 ـ 13).
نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى يَدِ الْمَرْأَةِ:
38- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى كَفَّيِ الْمَرْأَةِ إِنْ لَمْ يَخَفِ الشَّهْوَةَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (نَظَرٌ ف 3 ـ 7).
الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ:
39- مُصَافَحَةُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ مُسْتَحَبَّةٌ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى الْمُصَافَحَةِ، مِنْهَا قَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا».
أَمَّا مُصَافَحَةُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا، وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (مُصَافَحَةٌ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا).
تَقْبِيلُ الْيَدِ:
40- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْبِيلِ الْيَدِ عَلَى أَقْوَالٍ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (تَقْبِيلٌ ف 7، 8، 11).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
28-الأضداد لابن الأنباري (قد جمرت المرأة)
279 - وقال قُطْرب: من الأضداد قولهم: قد جَمَّرْتُ المرأَةَ، إِذا جعلتَ لها كالنَّزَعَتَيْن من حَلْق ونَتْف، والنَّزَعة: ما ينحسر من شَعَرِ جانِبَي الرأْس الَّذي يَعْضُد، نابت في الجبين، قال: ويقال للذؤابة جِمَار، ويُقال: للمرأَةِ جِمَاران، أَي ذؤابتان ضُفِرَتا مُقْبِلَتَيْن على وجْهها.ويُقال: قد جَمَّرْتُ الجُنْدَ. وفي الحديث: ولا تُجمِّروا جُنُودَكُمْ، أَي لا تقطعوا نَسْلَهُم.
وقال غير قُطْرب: الجِمَار: الحجارة الصِّغار؛ ومن ذلك رميُ الجِمَار، ومنه قولهم: قد اسْتَجْمَرَ الرَّجُل، إِذا استنجى بالأَحجارِ الصِّغار، قال المؤمّل:
«رَمَتْ بالحَصَى يَوْمَ الجِمَارِ فَلَيْتَهُ *** بعَيْنِي وأَنَّ الله حَوَّلَهُ جَمْرَا»
فقول قُطْرب: جَمَّرت المرأَة، ولها جِماران، من الأضداد ليس بصحيح؛ لأَنَّ جَمَّرت لا يكون بمعنى وفَّرت الشعر؛ ولا يقال: جمار لما يضادّ الذؤابة، فلا وجهَ لإِدخاله في حروف الأضداد.
الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م
29-الغريبين في القرآن والحديث (تفث)
(تفث)قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} قال ابن عرفة: ليزيلوا أدرانهم.
وقال أعرابي لآخر: ما أتفثك وأدرنك.
وقال الأزهري: التفث: الأخذ من الشارب، وقص الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، وهذا عند الخروج من الإحرام.
وقال النضر بن شميل: التفث في كلام العرب: إذهاب الشعث.
وسمعت الأزهري يقول: لا يعرف التفث في كلام العرب إلا من قول ابن عباس، وأهل التفسير.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
30-الغريبين في القرآن والحديث (رفغ)
(رفغ)في الحديث: (عشر من السنة- كذا وكذا- ونتف الرفغين) يعني: الإبطين- ها هنا- وقال أبو زيد: الرفع: أصل الفخذ وقال غيره: الأرفاع: هي أصول المغابن.
وفي حديث آخر: (ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته) قال الليث: الرفغ: وسخ الظفر، كأنه أراد: وسخ رفغ أحدكم، فاختصر الكلام، وأراد - صلى الله عليه وسلم -: لا تقلمون أظفاركم، ثم تحكون بها أفارغكم، فيعلق بها ما في الأرفاغ.
وفي حديث عمر رضي الله عنه: (إذا التقى الرفغان فقد وجب الغسل) يريد: إذا التقى ذلك من الرجل بالمرأة ولا يكون ذلك إلا بعد التقاء الختانين، وإنما أنكر في الحديث طول الأظفار وترك قصها حتى تطول، والرفغ والرفغ لغتان.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
31-المغرب في ترتيب المعرب (تفث-التفث)
(تفث) (التَّفَثُ) الْوَسَخُ وَالشَّعَثُ (وَمِنْهُ) رَجُلٌ تَفِثٌ أَيْ مُغْبَرٌّ شَعِثٌ لَمْ يَدَّهِنْ وَلَمْ يَسْتَحِدَّ عَنْ ابْنِ شُمَيْلٍ وَقَضَاءُ التَّفَثِ إزَالَتُهُ بِقَصِّ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَالِاسْتِحْدَادِ وَقَوْلُهُمْ (التَّفَثُ) نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ تَدْرِيسٌ وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرْت وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَزْهَرِيِّ.
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
32-المغرب في ترتيب المعرب (رفغ-عشر)
(رفغ) (عَشْرٌ) مِنْ السُّنَّةِ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وَنَتْفُ (الرُّفْغَيْنِ) قَالُوا يَعْنِي الْإِبِطَيْنِ (وَرَفْغُ) أَحَدِكُمْ فِي (و هـ) .
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
33-المعجم الغني (أَزْمَعَ)
أَزْمَعَ- [زمع]، (فعل: رباعي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، أَزْمَعَ، يُزْمِعُ، المصدر: إِزْمَاعٌ.1- "أَزْمَعَ عَلَى رُكُوبِ البَحْرِ": قَرَّرَ، أَظْهَرَ عَزْمًا وَثَبَاتًا عَلَى ذَلِكَ.
2- "أَزْمَعَ أَمْرَهُ عَلَى الرَّحِيلِ": وَطَّدَ العَزْمَ، صَمَّمَ. "أَزْمَعَ أَنْ يَرْكَبَ رَأْسَهُ". (م. ل. المنفلوطي):
3- "أَزْمَعَتِ الأرْنَبُ": عَدَتْ وَخَفَّتْ.
4- "أَزْمَعَ الكَرْمُ": خَرَجَ زَمَعَهُ، أي لُمَعٌ وَنُتَفٌ مِن النَّبَاتِ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
34-التعريفات الفقهية (النَّفَث)
النَّفَث: الوَسَخ والشَّعثُ ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] أي ليزينوا وسخهم بقصِّ الشارب والأظفار ونتفِ الإبط.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
35-التعريفات الفقهية (نَتْف الشَّعْر)
نَتْف الشَّعْر: هو نزعُه كذا نتفُ الريش ونتف الشيب.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
36-لغة الفقهاء (التفث)
التفث: من تفث، الوسخ والشعث... Dirt[*] التفث في المناسك: قص الشارب والاظفار ونتف الابط وحلق شعر العأنة ونحو ذلك {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}... Rite of completion (Trim nails, hair, beard) , etc
معجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
37-لغة الفقهاء (النتف)
النتف: بفتح فسكون مصدر: نتف، نزع الأشياء الدقيقة اللينة المغروسة بجذبها بخفة وشدة، ومنه نتف الريش، ونتف الأبط: نزع شعره... Pull outمعجم لغة الفقهاء-محمد رواس قلعه جي/حامد صادق قنيبي-صدر: 1405هـ/1985م
38-تاج العروس (رفث)
[رفث]: الرَّفَثُ ـ مُحَرَّكةً ـ: الجمَاعُ وغيرُه، مما يَكُونُ بين الرَّجُلِ وامْرَأَتِه، من التَّقْبِيلِ والمُغَازَلَةِ ونحوِهِما، مما يكونُ في حَالَةِ الجِمَاع.وهو أَيضًا الفُحْشُ من القَوْلِ كَالرُّفُوثِ بالضَّمِّ.
وكَلامُ النِّسَاءِ ـ كذا في سائر النّسخ التي بأَيدِينا، ومثله في الصّحاح ووُجِدَ في نُسْخَةِ شيْخِنا: «وكلامُ النّاسِ» وهو خَطَأٌ، ولو أَبْدَى له تَوْجِيهًا ـ في الجِماعِ، كذا قَيَّدَه غيرُ واحِدٍ من الأَئِمّة.
أَو مَا وُوجِهْنَ بهِ من الفُحْشِ، ورُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ «أَنّه كان مُحْرِمًا، فأَخَذَ بِذَنَبِ نَاقَةٍ من الرِّكَاب وهو يقول:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا *** إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِك لَمِيسَا
فقيل له يا أَبا العَبّاس: أَتَرْفُثُ وأَنْتَ مُحْرِم؟ فقال: إِنّمَا الرَّفَثُ ما رُوجعَ بهِ النِّسَاءُ» فرأَى ابنُ عبّاسٍ الرَّفَثَ الذي نَهَى الله عَنْهُ: ما خُوطِبَت به المَرْأَةُ، فأَمّا أَن يَرْفُثَ في كلامِه، ولا تَسْمَعَ امرأَةٌ رَفَثَه فغَيْرُ داخِلٍ في قولهِ [تعالى]: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ} كذا في اللسان.
وقيل: الرَّفَثُ: هو التَّصْرِيحُ بما يُكْنَى عنه من ذِكْرِ النِّكَاحِ، ويقال: الرَّفَثُ يكونُ في الفَرْجِ بالجِمَاع، وفي العينِ بالغَمْزِ للجِمَاع، وفي اللسان للمُوَاعَدَةُ به، كما يُفْهَم من عبارة المِصْباح.
وقال الأَزهريّ: الرَّفثُ: كلِمةٌ جامِعَةٌ لكلّ ما يُرِيدُه الرجُل مِن المرأَة، نقَلَه شيخُنَا في شرح كِفَايَةِ المُتَحَفّظ.
وقال الزّجّاج: «لا رَفَثَ» أَي لا جِمَاعَ ولا كلمَةَ من أَسبابِ الجِمَاع وأَنشد:
ورُبَّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ *** عن اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ
وقال ثَعْلَب: هو أَنْ لا يَأْخُذَ ما عَلَيْهِ من القَشَفِ، مثل تَقْلِيم الأَظْفَارِ، ونَتْفِ الإِبْط، وحَلْقِ العَانَةِ، وما أَشْبَهَهُ، فإِن أَخَذَ ذلك كُلَّه فليسَ هُنَالك رَفَثٌ.
وقَد رَفَثَ الرَّجُلُ بها، ومَعَهَا كَنَصَرَ وضَرَبَ، يَرْفُثُ ويَرْفِثُ رَفْثًا، والأَخِير صَرَّح به عِياضٌ في المَشَارِق، وفَرِحَ، رَفَثًا، مُحَرّكة، وقيل: هو اسمٌ، وكَرُمَ، وهذا عن اللِّحْيَانيّ وأَرْفَثَ كُلُّه: أَفْحَشَ في شأْنِ النِّساءِ، كذا في اللّسَان، والله تعالى أَعلم.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
39-تاج العروس (رفغ)
[رفغ]: الرَّفْغ: أَلْأَمُ مَوْضِعٍ في الوادِي، وشَرُّهُ تُرابًا، قَالَهُ أَبُو مالِكٍ، وهُوَ مَجَازٌ.ومِنَ المَجَازِ أَيْضًا: الرَّفْغ: النّاحِيَةُ عَن الأَخْفَشِ، وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: هُوَ في رَفْغٍ مِنْ قَوْمِه، وفي رَفْغٍ مِنَ القَرْيَةِ، أيَ في ناحِيَةٍ مِنْهُم ومِنْهَا، ولَيْسَ في وَسَطِ القَرْيَةِ.
ج: أَرْفُغ كأَفْلُسٍ، قال رُؤْبَةُ:
لا جْتَبْتَ مَسْحُولًا جَدِيبَ الأَرْفُغِ
أَرادَ بالمَسْحُولِ: الطَّرِيقَ.
وقال أَبُو زَيْدٍ: الرَّفْغُ: الأَرْضُ السَّهْلَةُ وج: رِفَاغٌ كجِبَال.
والرَّفْغُ: السِّقَاءُ الرَّقِيقُ المُقَارِبُ.
وفي اللِّسَانِ: الرَّفْغُ: الأَرْضُ الكَثِيرَةُ التُّرَابِ يُقَالُ: جاءَ فُلانٌ بمَالٍ كرَفْغِ التُّرَابِ، أي: في كَثْرَتِهِ، قال أَبُو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ جَمَلًا بُخْتِيًّا:
أَتَى قَرْيَةً كانَتْ كَثِيرًا طَعَامُهَا *** كرَفْغِ التُّرَابِ كُلُّ شَيءٍ يَمِيرُها
والرَّفْغُ: المَكَانُ الجَدْبُ الرَّقِيقُ المُقَارِبُ، كَما في اللِّسانِ.
والرَّفْغُ: وَسَخُ الظُّفْرِ، ويُضَمُّ وقِيلَ: هُوَ الوَسَخُ الَّذِي بَيْنَ الأَنْمُلَةِ والظُّفْرِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «وكَيْفَ لا أُوِهِمُ ورُفْغُ أَحَدِكُمْ بَينَ ظُفُرِهِ وأُنْمُلَتِهِ»، وقالَ الصّاغانِيُّ: وكأَنَّهُ أَرادَ وَسَخَ ظُفُرِهِ، فاخْتَصَرَ الكَلامَ، ومِمّا يُبَيِّنُ ذلِكَ حَدِيثُه الآخَر: «واسْتَبْطأَ النّاسُ الوَحْيَ، فقَالَ: وكَيْفَ لا يَحْتَبِسُ الوَحْيُ وأَنْتُمْ لا تُقَلِّمُونَ أَظْفَارَكُمْ، ولا تُنَقُّون بَراجِمَكُمْ» أَرادَ أَنَّكُمْ لا تُقَلِّمُونَ أَظْفَارَكُمْ، ثُمّ تَحُكُّونَ بِهَا أَرْفَاغَكُم، فيَعْلَقُ بِهَا ما في الأَرْفَاغ.
أَو الرَّفْغُ: وَسَخٌ وعَرَقٌ يَجْتَمِعُ في المَغَابِنِ مِنَ الآباطِ وَأُصُولِ الفَخِذَيْنِ والحَوَالِبِ، وغَيْرِهَا مِن مَطَاوِي الأَعْضَاءِ.
والرَّفْغُ: السَّعَةُ مِنَ العَيْشِ والخِصْب، وَقد رَفُغَ عَيْشُهُ، ككَرُمَ.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ: الرَّفْغُ: أَصْلُ الفَخِذِ، ويُضَمُّ، قال غَيْرُه: الرَّفْغُ والرُّفغُ: أُصُولُ الفَخِذَيْنِ مِنْ باطِنٍ، وهُمَا: ما اكْتَنَفَا أَعالِي جانِبَي العانَةِ عِنْدَ مُلْتَقَى أَعالِي بَوَاطِنِ الفَخِذَيْنِ وَأَعْلَى البَطْنِ، وقِيلَ: الرُّفْغُ: مِنْ باطِنِ الفَخِذِ عِنْدَ الأُرْبِيَّةِ.
قال ابنُ دُرَيْدٍ وقِيلَ: كُلُّ مُجْتَمَعِ وَسَخٍ مِنَ الجَسَدِ: رَفْغٌ، ونَصُّ الجَمْهَرَةِ: كُلُّ مَوْضِعٍ مِنَ الجَسَدِ يَجْتَمِعُ فيهِ الوَسَخُ فهُوَ رَفْغٌ، زادَ في اللِّسَانِ: كالإبْطِ والعُكْنَةِ، وَنَحْوِهِما، وقولُه: ويُضَمُّ، هذا راجِعٌ لقَوْلِهِ أَصْلُ الفَخِذِ، فإِنَّه الَّذِي ذُكِرَ فيهِ الوَجْهَانِ، وكَلامُ المُصَنِّفِ لا يَخْلُو عَنْ نَظَر، قال ابنُ دُرَيْدٍ: ج: أَرْفاغٌ، ورُفُوغٌ زادَ غَيْرُه: وأَرْفُغٌ، كَأَفْلُسٍ.
وَفي المِصْبَاحِ: الرُّفْغُ بالضَّمِّ: لُغَةُ أَهْلِ العالِيَةِ وَالحِجَازِ، والفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ. قُلْتُ: وهُوَ قَوْلُ أَبِي خَيْرَةَ.
وتُرَابٌ رَفْغٌ، وطَعَامٌ رَفْغٌ، وكِلْسٌ رَفْغٌ، أي: لَيِّنٌ، وَأَصْلُ الرَّفْغِ: اللِّينُ والسُّهُولَةُ، كما في اللِّسَانِ والعُبَابِ، وَقَالَ شَيْخُنا: أَصْلُ الرَّفْغِ: اللِّينُ والقَذَرُ، كَمَا قالَهُ الرّاغِبُ وَغَيْرُه.
قلتُ: القَذَرُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ مَعَانِي الرَّفْغِ، وما نَسَبَهُ إلى الرّاغِبِ فَغَيْرُ وَجِيهٍ، فإِنَّهُ لا يَذْكُرُ في كِتَابِهِ إلّا لُغَاتِ القُرْآنِ، ولَيْسَ الرَّفْغُ فيهِ، وشَيْخُنَا ـ رَحِمَهُ الله تَعالَى ـ أَحْيَانًا يَنْسبُ إِلَيْهِ ـ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الاشْتِقَاقِ ـ بَعْضَ التَّحْقِيقَاِ مِن بابِ الحَدْسِ والتَّخْمِينِ، فَتَأَمَّلْ.
والرُّفْغُ بالضَّمِّ: الإِبْطُ عَن الفَرّاءِ، ورَوَى الحَدِيثَ: «عَشْرٌ مِنَ السَّنَةِ» فذَكَرَهُنَّ، وقالَ: «نَتْفُ الرُّفْغَيْنِ» هكَذَا رَواهُ، وفَسَّرَهُ بالإِبْطَيْنِ، والمرْوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ، وفِيهِ: «ونَتْفُ الإِبْطِ، وتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ» وقِيلَ: الرُّفْغُ: أَصْلُ الإِبْطِ.
وقال ابنُ شُمَيْلٍ: الرُّفْغُ: ما حَوْلَ فَرْجِ المَرْأَةِ وفي المِصْبَاحِ: ويُطْلَقُ عَلَى الفَرْجِ أَيْضًا، وفي حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه: إذَا الْتَقَى الرُّفْغَانِ فقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ» يُرِيدُ: إِذَا الْتَقَى ذلِكَ مِن الرَّجُلِ والمَرْأَةِ، ولا يَكُونُ ذلِكَ إِلّا بالْتِقَاءِ الخِتانَيْنِ، قالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، واعْتَرَضَ صاحِبُ اللِّسَانِ، فقَالَ: وهذا فِيهِ نَظَرٌ؛ لأنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ الْتِقَاءُ الرُّفْغَيْنِ ولا يَلْتَقِي الخِتَانانِ، ولكِنَّه أَرادَ الغَالِبَ مِنْ هذِه الحالَةِ، والله أَعْلَمُ.
وجَمْعُ الرُّفْغ: أَرْفَاغٌ، قال الشّاعِرُ:
قَدْ زَوَّجُونِي جَيْئَلًا فِيها حَدَبْ *** دَقِيقَةَ الأَرْفاغِ ضَخْماءَ الرَّكَبْ
وقال ابنُ عَبّادٍ: المَرْفُوغَةُ: المَرْأَةُ الصَّغِيرَةُ الهَنَة لا يَصِلُ إِلَيْهَا الرَّجُلُ وفي اللسَانِ: هِيَ الَّتِي الْتَزَقَ خِتَانُهَا صَغِيرَةً، فلا يَصِلُ إِلَيْهَا الرَّجُلُ.
قال ابنُ عَبّادٍ: والرَّفْغَاءُ: الدَّقِيقَةُ الفَخِذَيْنِ، الصَّغِيرَةُ الهَنَةِ، المَعِيقَةُ الرُّفْغَيْنِ، وفي اللّسان: الصَّغَيرَةُ المَتَاعِ.
ومِن المَجَازِ: الأَرْفاغُ: السَّفِلَةُ مِنَ النّاسِ وأَرَاذِلُهُم تَشْبِيهًا بأَرْفاغ الوَادي، الوَاحِدُ رَفْغٌ، بالفَتْح، أَوْ بالضَّمِّ، كَقُفْلٍ وأَقْفَالٍ.
والأَرْفَغُ: موضع عن ابْنِ دُرَيْدٍ، نَقَلَهُ يَاقُوت والصّاغَانِيُّ.
وفي نَوَادِرِ الأَعْرَابِ: تَرَفَّغَها: إذا قَعَدَ بَيْنَ فَخِذَيْهَا لِيَطَأَهَا.
ويُقَالُ: تَرَفَّغَ فُلانٌ فَوْقَ البَعِيرِ: إذا خَشِيَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ خَلْفَ رِجْلَيْهِ هكَذَا في سَائِرِ النُّسَخِ، ووَقَعَ هكَذَا في نُسَخِ العُبَابِ والتَّكْمِلَةِ، وهو غَلَطٌ وتَصْحِيفٌ، وصَوَابُه: «فَلَفَّ رِجْلَيْهِ» عِنْدَ ثَيلِه، وَقَدْ أَوْرَدَهُ صاحِبُ اللِّسَانِ عَلَى الصَّوابِ.
والرُّفَغْنِيَةُ، كبُلَهْنِيَةٍ: سَعَةُ العَيْشِ وكَذلِكَ الرُّفَهْنِيَةُ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَليهِ:
ناقَةٌ رَفْغَاءُ: واسِعَةُ الرُّفْغِ، كما في اللِّسَانِ، وفي الأَسَاسِ: امْرَأَةٌ رَفْغَاءُ: واسِعَةُ الرُّفْغِ.
وَناقَةٌ رَفِغَةٌ، كفَرِحَة: فَرِجَةُ الرُّفْغَيْنِ.
قال ابن الأَعْرَابِيِّ: المَرَافِغُ: أُصُولُ اليَدَيْنِ والفَخِذَيْنِ، لا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِها.
وَالأَرْفاغُ ـ واحِدُهَا الرُّفْغُ والرَّفْغُ ـ: المَغَابِنُ والمَحَالِبُ مِنَ الجَسَدِ، قال الأَصْمَعِيُّ: يَكُونُ في الإِبِلِ والنّاسِ. وَرَفَغَ المَرْأَةَ، كتَرَفَّغَ.
وَالرَّفْغُ، بالفَتْحِ: تِبْنُ الذُّرَةِ، هُنَا ذَكَرَهُ صاحِبُ اللِّسَانِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشّاعِرِ:
دُونَكَ بَوْغاءَ تُرَابِ الرَّفْغِ
وَقَدْ ذَكَرَهُ الصّاغَانِيُّ وغَيْرُه في «دَفغ» بالدّالِ، وإِن لَم يَكُنْ تَصْحِيفًا فإِنَّ التَّرْكِيبَ لا يَدْفَعُه إِذَا تَؤُمِّلَ فِيهِ.
وَالرَّفْغُ: أَسْفَلُ الفَلاةِ وأَسْفَلُ الوَادِي، وقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرْفَاغُ الوادِي: جوانِبُه.
وَالرَّفْغُ، والرَّفَاغَةُ، والرَّفاغِيَةُ، بالفَتْحِ في الكُلِّ: سَعَةُ العَيْشِ والخِصْبِ، وعَيْشٌ أَرْفَغُ، ورافِغٌ، ورَفِيغٌ: خَصِيبٌ واسِعٌ طَيِّبٌ، وقَدْ رَفُغَ، ككَرُمَ: اتَّسَعَ.
وَتَرَفَّغَ الرَّجُلُ: تَوَسَّعَ، وقالَ الشَّاعِرُ:
تَحْتَ دُجُنّاتِ النَّعِيمِ الأَرْفَغِ
وَالرَّافِغَةُ: النِّعْمَةُ، والجَمْعُ: الرَّوافِغُ.
وَأَرْفَغَ لَكُمُ المَعَاشَ: أي أَوْسَعَهُ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
40-لسان العرب (بينيث)
بينيث: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ، ابْنُ الأَعرابي: البَيْنِيثُ ضَرْبٌ مِنْ سَمَكِ الْبَحْرِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: البَيْنيثُ بِوَزْنِ فَيْعيل غَيْرُ اليَنْبِيث، قَالَ: وَلَا أَدري أَعربيٌّ هُوَ أَم دَخِيل؟فصل التاء المثناة فوقها تفث: التَّفَثُ: نَتْفُ الشَّعَر، وقَصُّ الأَظْفار، وتَنَكُّبُ كُلِّ مَا يَحْرُم عَلَى المُحْرم، وكأَنه الخُروجُ مِنَ الإِحرام إِلى الإِحْلال.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يَعْرِفُ أَهلُ اللُّغَةِ التَّفَثَ إِلَّا مِنَ التَّفْسِيرِ.
ورُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: التَّفَثُ الحَلْق والتَّقْصير، والأَخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ والإِبط، والذبحُ والرَّمْيُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: التَّفَثُ نَحْرُ البُدْنِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبَقْرِ وَالْغَنَمِ، وحَلْقُ الرأْس، وَتَقْلِيمُ الأَظفار وأَشباهه.
الْجَوْهَرِيُّ: التَّفَثُ فِي الْمَنَاسِكِ مَا كَانَ مِن نَحْوِ قَصِّ الأَظْفار وَالشَّارِبِ، وحَلْقِ الرأْسِ وَالْعَانَةِ، وَرَمْيِ الجِمار، ونَحْرِ البُدْن، وأَشباه ذَلِكَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَلَمْ يجئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ: «ذِكْرُ التَّفَثِ»، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ، إِذا حَلَّ كقَصِّ الشَّارِبِ والأَظفار، ونَتْف الإِبط، وحَلْق الْعَانَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ إِذْهابُ الشَّعَث والدَّرَن، والوَسَخ مُطْلَقًا؛ والرجلُ تَفِثٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فتَفَّثَت الدماءُ مَكَانَهُ»أَي لَطَّخَتْه، وَهُوَ مأْخوذ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: التَّفَثُ النُّسُك، مِن مَنَاسِكِ الْحَجِّ.
وَرَجُلٌ تَفِثٌ أَي مُتَغَيِّرٌ شَعِثٌ، لَمْ يَدَّهِنْ، وَلَمْ يَسْتَحِد.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ يُفَسِّرْ أَحدٌ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ التَّفَث، كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ شُمَيْلٍ؛ جَعَلَ التَّفَثَ التَّشَعُّثَ، وجعلَ إِذْهابَ الشَّعَثِ بالحَلْق قَضاءً، وَمَا أَشْبهه.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهم؛ قَالَ: قَضاءُ حَوائجهم مِن الحَلْق والتَّنْظِيفِ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
41-لسان العرب (رفث)
رفث: الرَّفَثُ: الجماعُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وامرأَته، يَعْنِي التَّقْبِيلَ والمُغازلة وَنَحْوَهُمَا، مِمَّا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ، وأَصله قَوْلُ الفُحْش.والرَّفَثُ أَيضًا: الفُحْشُ مِنَ الْقَوْلِ، وَكَلَامُ النساءِ فِي الْجِمَاعِ؛ تَقُولُ مِنْهُ: رَفَثَ الرَّجُلُ وأَرْفَثَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
ورُبَّ أَسرابِ حَجيجٍ كُظَّمِ ***عَنِ اللَّغَا، ورَفَثِ التَكَلُّم
وَقَدْ رَفَثَ بِهَا ومَعها.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُحِلَّ لَكُمْ}، لَيْلَةَ الصِّيامِ، الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ؛ فإِنه عدَّاه بإِلى، لأَنه فِي مَعْنَى الإِفْضاءِ، فَلَمَّا كُنْتَ تُعَدِّي أَفْضَيْتُ بإِلى كَقَوْلِكَ: أَفْضَيتُ إِلى المرأَة، جئتَ بإِلى مَعَ الرَّفَثِ، إِيذانًا وإِشعارًا أَنه بِمَعْنَاهُ.
ورَفَثَ فِي كَلَامِهِ يَرْفُثُ رَفْثًا، ورَفِثَ رَفَثًا، ورَفُثَ، بِالضَّمِّ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وأَرْفَثَ، كلُّه: أَفْحَشَ؛ وَقِيلَ: أَفْحَشَ فِي شأْنِ النساءِ.
وقولُه تعالى: {فَلا رَفَثَ، وَلا فُسُوقَ، وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ}؛ يَجُوزُ أَن يكونَ الإِفْحاشَ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَي لَا جِماعَ، وَلَا كَلِمة مِنْ أَسباب الْجِمَاعِ، وأَنشد:
عَنِ اللَّغا، ورَفَثِ التكلُّمِ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَن لَا يأْخُذَ مَا عَلَيْهِ مِنَ القَشَفِ، مِثْلَ تَقْلِيمِ الأَظفار، ونَتْفِ الإِبطِ، وحَلْق الْعَانَةِ، وَمَا أَشبهه، فإِن أَخذ ذَلِكَ كله فليس هنالك رَفَثٌ.
والرَّفَثُ: التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرجلُ مِنَ المرأَة؛ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه كَانَ مُحْرِمًا، فأَخَذَ بذَنَبِ نَاقَةٍ مِنَ الرِّكابِ، وَهُوَ يَقُولُ:
وهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَميسا، ***إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسا
فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبا الْعَبَّاسِ، أَتقول الرَّفَثَ وأَنت مُحْرِمٌ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: أَتَرْفُثُ وأَنتَ مُحْرم؟ فَقَالَ: إِنما الرَّفَثُ مَا رُوجِعَ بِهِ النساءُ
.
فرأَى ابنُ عَبَّاسٍ الرَّفَثَ الَّذِي نَهى اللهُ عَنْهُ مَا خُوطِبَتْ بِهِ المرأَة؛ فأَما أَنْ يَرْفُثَ فِي كَلَامِهِ، وَلَا تَسْمَع امرأَةٌ رَفَثَه، فَغَيْرُ داخلٍ فِي قَوْلِهِ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
42-لسان العرب (رفغ)
رفغ: الرَّفْغُ والرُّفْغُ: أُصُولُ الفَخِذيْنِ مِنْ بَاطِنٍ وَهُمَا مَا اكْتَنَفَا أَعالي جانِبَي العانةِ عِنْدَ مُلْتَقَى أَعالي بَواطِنِ الْفَخِذَيْنِ وأَعلى الْبَطْنِ، وَهُمَا أَيْضًا أُصول الإِبْطَيْنِ، وَقِيلَ: الرُّفْغ مِنْ بَاطِنِ الفَخذِ عِنْدَ الأُرْبِيَّةِ، وَالْجَمْعُ أَرْفُغٌ وأَرْفاغٌ ورِفاغٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:قَدْ زَوَّجُوني جَيْأَلًا، فِيهَا حَدَبْ، ***دَقِيقةَ الأَرْفاغِ ضَخْماءَ الرُّكَبْ
وناقةٌ رَفْغاءُ: واسِعةُ الرُّفْغِ.
وَنَاقَةٌ رفِغةٌ: قَرِحةُ الرفْغَيْنِ.
والرَّفْغاءُ مِنَ النِّسَاءِ: الدَّقِيقةُ الفَخِذيْن المُعِيقةُ.
الرّفْغَيْنِ الصَّغِيرَةُ المَتاعِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المَرافِغُ أُصول الْيَدَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا.
والأَرْفاغُ: المَغابنُ مِنَ الْآبَاطِ وأُصولِ الْفَخِذَيْنِ والحوالِبِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَطاوِي الأَعْضاء وَمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الوَسَخُ والعَرَقُ.
والمَرْفُوغةُ: الَّتِي التَزَقَ خِتانُها صَغِيرَةً فَلَا يَصِلُ إِليها الرِّجال.
والرُّفْغُ: وسَخُ الظفُر، وَقِيلَ: الْوَسَخُ الَّذِي بَيْنَ الأُنْملة والظُّفُرِ، وَقِيلَ: الرُّفْغ كُلُّ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ كالإِبْط والعُكْنةِ وَنَحْوِهِمَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى فأَوْهَم فِي صلاتِه فَقِيلَ لَهُ: يَا رسولَ اللَّهِ كأَنك قَدْ أَوْهَمْتَ، قَالَ: وَكَيْفَ لَا أُوهِمُ ورُفْغُ أَحدِكم بَيْنَ ظُفُرِه وأُنْمُلَتِه»؟ قَالَ الأَصمعي: جمْع الرُّفْغ أَرْفاغٌ وَهِيَ الآباطُ والمَغابِنُ مِنَ الْجَسَدِ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الإِبلِ والناسِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمَعْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ الأُنثيين وأُصول الْفَخِذَيْنِ وَهِيَ المَغابِنُ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ" عُمَرَ: إِذا الْتَقَى الرُّفْغانِ فَقَدْ وجَبَ الغُسْلُ "، يُرِيدُ إِذَا الْتَقَى ذَلِكَ مِنَ الرجلِ والمرأَةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا بَعْدَ الْتِقَاءِ الخِتانَيْنِ، قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الأَوَّل أَنَّ أَحدهم يَحُكُّ ذَلِكَ المَوْضِعَ مِنْ جَسَدِهِ فيَعْلَقُ دَرَنه ووسَخُه بأَصابعه فَيَبْقَى بَيْنَ الظُّفْرِ والأُنملة، وإِنما أَنْكَرَ مِنْ هَذَا طُولَ الأَظفار وتركَ قَصِّها حَتَّى تطولَ، وأَراد بالرُّفْغ هَاهُنَا وسَخَ الظُّفُرِ كأَنه قَالَ ووسَخُ رُفْغ أَحدِكم، وَالْمَعْنَى أَنكم لَا تُقَلِّمُونَ أَظْفاركم ثُمَّ تَحُكُّونَ أَرْفاغَكم فيَعْلَقُ بِهَا مَا فِيهَا مِنَ الوَسخ، وَاللَّهُ أَعلم؛ قُلْتُ: وَقَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ لَا يَكُونُ الْتِقَاءُ الرُّفْغَيْنِ مِنَ الرَّجُلِ والمرأَة إلَّا بَعْدَ الْتِقَاءِ الخِتانَيْن فِيهِ نَظَرٌ لأَنه قَدْ يُمْكِنُ أَن يَلْتَقِيَ الرُّفْغَانِ وَلَا يَلْتَقِيَ الخِتانان، وَلَكِنَّهُ أَراد الْغَالِبَ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاللَّهُ أَعلم.
والرُّفْغان: " أَصْلا الْفَخِذَيْنِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «عَشْرٌ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا وَكَذَا ونَتْفُ الرُّفْغَيْن»»؛ أي الإِبْطين، وَجَعَلَ الْفَرَّاءُ الرُّفْغَيْنِ الإِبطين فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «عَشْرٌ مِنَ السُّنَّةِ مِنْهَا تَقْلِيمُ الأَظْفار ونَتْفُ الرُّفْغَيْنِ»؛ وَهُوَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «ونَتْفُ الإِبْطِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَمْسٌ مِنَ الفِطْرةِ: الاسْتِحْدادُ والخِتانُ وقَصُّ الشارِب ونتفُ الإِبْطِ وتَقْلِيمُ الأَظفارِ.
ابْنُ شُمَيْلٍ: والرُّفْغُ مِنَ المرأَة مَا حولَ فرجها.
وقال أَعرابي: تَرَفَّغَ الرجلُ المرأَةَ إِذَا قَعَدَ بَيْنَ فَخِذَيْهَا لِيَطأَها، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: رَفَغَ الرجلُ المرأَةَ إِذا قَعَدَ بَيْنَ فَخِذَيْهَا.
وَيُقَالُ: تَرَفَّغَ فُلَانٌ فَوْقَ الْبَعِيرِ إِذا خَشِيَ أَن يَرْمِيَ بِهِ فلَفَّ رجْلَيه عِنْدَ ثِيلِ الْبَعِيرِ.
والرَّفْغُ: تِبْنُ الذُّرةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ: " دُونكِ بوغاءَ تُرابَ الرَّفْغِ "والرَّفْغُ: أَسفلُ الفلاةِ وأَسفلُ الوادِي.
والرَّفْغُ أَيضًا: الْمَكَانُ الجَدْبُ الرَّقِيقُ المُقارِبُ.
والرَّفْغُ: الأَرضُ الكثيرةُ التُّراب.
وجاءَ فُلَانٌ بِمَالٍ كرَفْغِ التُّرَابِ فِي كَثْرَتِهِ.
وَتُرَابٌ رَفْغٌ وطعامٌ رَفْغٌ: لَيِّن.
قَالَ بَعْضُهُمْ: أَصل الرَّفْغِ اللِّينُ والسُّهولةُ.
والرَّفْغُ: الناحيةُ؛ عَنِ الأَخفش؛ وَقَوْلُ أَبي ذؤَيب:
أَتى قَرْيةً كانَتْ كَثِيرًا طَعامُها، ***كرَفْغِ التُّرابِ، كلُّ شيءٍ يَميرُها
يُفَسَّر بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَو بعامَّتِه.
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ هُوَ فِي رَفْغٍ مِنْ قَوْمِهِ وَفِي رَفْغٍ مِنَ القريةِ إِذَا كَانَ فِي ناحيةٍ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي وسَط قَوْمِهِ.
والرَّفْغُ: السِّقاءُ الرَّقِيقُ المُقارِبُ.
والرَّفْغُ أَلأَمُ موْضِعٍ فِي الوادِي وشَرُّه تُرابًا.
وأَرْفاغُ الناسِ: أَلائمهُم وسُفَّالُهم، الواحد رَفْغٌ.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرْفاغ الوادِي جَوانِبُه.
والرَّفْغ: الأَرضُ السَّهْلة، وَجَمْعُهَا رِفاغٌ.
والرَّفْغُ والرَّفاغةُ والرَّفاغِيةُ: سَعةُ العَيْشِ والخِصْبُ والسَّعةُ.
وعيشٌ أَرْفَغ ورافِغٌ ورفِيغٌ: خصيبٌ واسِعٌ طيِّب.
ورَفُغَ عيشُه، بِالضَّمِّ، رَفاغةً: اتَّسَعَ.
وتَرَفَّغَ الرجلُ: تَوَسَّعَ.
وَإِنَّهُ لَفِي رَفاغةٍ ورَفاغِيةٍ مِنَ الْعَيْشِ مِثْلُ ثَمَانِيَةٍ؛ وأَنشد: " تحتَ دُجُنَّاتِ النَّعِيمِ الأَرْفَغِ والرُّفَغْنِيةُ والرُّفَهْنِيةُ: سَعَةُ الْعَيْشِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَرْفَغَ لَكُمُ المَعاشَ» أَي أَوْسَعَ، وَفِي حَدِيثِهِ: النَّعَم الرَّوافِغُ، جَمْعُ رافِغةٍ.
والأَرْفَغُ: موضِعٌ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
43-لسان العرب (تمم)
تمم: تَمَّ الشَّيْءُ يَتِمُّ تَمًّا وتُمًّا وتَمامةً وتَمامًا وتِمامةً وتُمامًا وتِمامًا وتُمَّة وأَتَمَّه غَيْرُهُ وتَمَّمَه واسْتَتَمَّه بِمَعَنًى، وتَمَّمَه اللَّهُ تَتْميمًا وتَتِمَّةً، وتَمامُ الشَّيْءِ وتِمامَتُه وتَتِمَّتُه: مَا تَمَّ بِهِ.قَالَ الْفَارِسِيُّ: تَمامُ الشَّيْءِ مَا تمَّ بِهِ، بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ؛ يَحْكِيهِ عَنْ أَبي زَيْدٍ.
وأَتمَّ الشيءَ وتَمَّ بِهِ يَتِمُّ: جَعَلَهُ تَامًّا؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِنْ قلتَ يَوْمًا نَعَمْ بَدْأً، فَتِمَّ بِهَا، ***فإِنَّ إمْضاءَها صِنْف مِنَ الكَرَم
وَفِي الْحَدِيثِ أَعوذ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التامَّاتِ "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنما وَصَفَ كَلَامَهُ بِالتَّمَامِ لأَنه لَا يَجُوزُ أَن يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ نَقْص أَو عَيْبٌ كَمَا يَكُونُ فِي كَلَامِ النَّاسِ، وَقِيلَ: مَعْنَى التَّمام هاهنا أَنها تنفَع المُتَعَوِّذ بِهَا وتَحْفَظه مِنَ الْآفَاتِ وتَكْفيه.
وَفِي حَدِيثِ دُعاء الأَذان: «اللهمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوة التامَّة»؛ وصَفَها بالتَّمام لأَنها ذِكْر اللَّهِ ويُدْعَى بِهَا إِلى عِبادته، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يستحِق صِفَة الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ.
وتَتِمَّة كُلِّ شَيْءٍ: مَا يَكُونُ تَمام غَايَتِهِ كَقَوْلِكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ تَمَامُ هَذِهِ الْمِائَةِ وتَتِمَّة هَذِهِ الْمِائَةِ.
والتِّمُّ: الشَّيْءُ التامُّ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ فَعمِل بِهِنَّ، وَالْكَلِمَاتُ عَشْر مِنَ السُّنَّة: خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ، وخَمْسٌ فِي الجَسد، فَالَّتِي فِي الرَّأْسِ: الفَرْق وقَصُّ الشَّارِبِ والمَضْمَضةُ والاسْتِنْشاقُ والسِّواكُ، وَأَمَّا الَّتِي فِي الجسَد فالخِتانةُ وحَلْقُ العانةِ وتَقْليمُ الأَظفار ونتفُ الرُّفْغَيْن والاستِنْجاءُ بِالْمَاءِ.
وَيُقَالُ: تَمَّ إِلى كَذَا وَكَذَا أَي بَلغه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
لَمَّا دَعَوْا يالَ تَمِيمٍ تَمُّوا ***إِلى المَعالي، وبهنَّ سُمُّوا
وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «إِن تَمَمْتَ عَلَى مَا تُرِيدُ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رُوِيَ مُخَفَّفًا وَهِيَ بِمَعْنَى الْمُشَدَّدِ.
يُقَالُ: تَمَّ عَلَى الأَمر وتَمَمَ عَلَيْهِ، بإِظهار الإِدغام، أَي استمرَّ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «تَتامَّتْ إِليه قُرَيش» أَي أَجابته وجاءَتْه مُتوافِرة مُتَابعة.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}؛ قِيلَ: إتْمامهما تَأدِيةُ كلِّ مَا فِيهِمَا مِنَ الْوُقُوفِ والطَّواف وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ووُلِدَ فُلَانٌ لِتَمامٍ ولِتِمام، بِالْكَسْرِ.
وليلُ التِّمامِ، بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ، أَطول مَا يَكُونُ مِنَ ليَالي الشِّتاء؛ وَيُقَالُ: هِيَ ثَلَاثُ لَيَالٍ لَا يُسْتَبان زيادتُها مِنْ نُقْصانها، وَقِيلَ: هِيَ إِذا بَلَغَت اثنَتَيْ عَشْرة سَاعَةً فَمَا زَادَ؛ قَالَ امْرُؤُ القَيس:
فَبِتُّ أُكابِدُ لَيْلَ التِّمامِ، ***والقَلْبُ مِنْ خَشْيَةٍ مُقْشَعِر
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عنها، أَنها قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ الليلةَ التِّمام فيقرأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلَ عِمْرَانَ وَسُورَةَ النساء ولا يَمرُّ بِآيَةٍ إِلّا دَعَا اللَّهَ فِيهَا»؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: لَيْلُ التِّمام أَطول مَا يَكُونُ مِنَ اللَّيْلِ، وَيَكُونُ لِكُلِّ نجْم هَوِيّ مِنَ اللَّيْلِ يَطْلُع فِيهِ حَتَّى تَطْلُع كُلُّهَا فِيهِ، فَهَذَا لَيْلُ التِّمام.
وَيُقَالُ: سَافَرْنَا شَهْرَنَا لَيْلَ التِّمام لَا نُعَرِّسُه، وَهَذِهِ لَيَالِي التِّمام، أَي شَهْرًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.
الأَصمعي: لَيْلُ التِّمام فِي الشِّتَاءِ أَطول مَا يَكُونُ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: ويَطُول لَيْلُ التِّمام حَتَّى تَطْلُع فِيهِ النُّجوم كُلُّهَا، وَهِيَ لَيْلَةُ مِيلَادِ عِيسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالنَّصَارَى تعظِّمُها وَتَقُومُ فِيهَا.
حُكِيَ عَنْ أَبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ أَنه قَالَ: لَيْلٌ تِمام إِذا كَانَ اللَّيْلُ ثلاثَ عَشْرَةَ سَاعَةً إِلى خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةٍ.
وَيُقَالُ لِلَّيْلَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَتِمُّ فِيهَا الْقَمَرُ لَيْلَةُ التَّمام، بِفَتْحِ التَّاءِ.
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: ليلُ التِّمام سِتَّةُ أَشهر: ثَلَاثَةُ أَشهر حِينَ يَزِيدُ عَلَى ثنتَيْ عشْرة سَاعَةٍ، وَثَلَاثَةِ أَشهر حِينَ يَرْجِع، قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ: كُلُّ لَيْلَةٍ طَالَتْ عَلَيْكَ فَلَمْ تَنَمْ فِيهَا فَهِيَ لَيْلَةُ التِّمام أَو هِيَ كَلَيْلَةِ التِّمام.
وَيُقَالُ: ليلٌ تِمامٌ وليلُ تِمام، عَلَى الإِضافة، وليلُ التِّمام وليلٌ تِمامِيٌّ أَيضًا؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
تِمامِيًّا، كأَنَّ شَآمِياتٍ ***رَجَحْنَ بِجانِبَيْه من الغُؤُور
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: لَيْلَةُ السَّواء لَيْلَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفِيهَا يَسْتوي الْقَمَرُ، وَهِيَ لَيْلَةُ التَّمام.
وَلَيْلَةُ تَمامِ الْقَمَرِ، هَذَا بِفَتْحِ التَّاءِ، والأَول بِالْكَسْرِ.
وَيُقَالُ: رُئِيَ الْهِلَالُ لتِمِّ الشَّهْرِ، وَوَلَدَتِ الْمَرْأَةُ لِتِمّ وتِمام وتَمامٍ إِذا أَلْقَتْه وَقَدْ تَمَّ خَلْفه.
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ الأَصمعي: ولدَتْه للتَّمام، بالأَلف وَاللَّامِ، قَالَ: وَلَا يَجيء نكِرةً إِلّا فِي الشِّعْرِ.
وأَتَمَّت الْمَرْأَةُ، وَهِيَ مُتِمٌّ: دَنَا وِلادُها.
وأَتَمَّت الحُبْلى، فَهِيَ مُتِمٌّ إِذا تَمَّت أَيامُ حَمْلِها.
وَفِي حَدِيثِ أَسماء: «خرجْت وأَنا مُتِمٌ»؛ يُقَالُ: امرأَة مُتِمٌّ لِلْحَامِلِ إِذا شارَفَتِ الوَضْع، ووُلِد المَوْلود لِتَمامِ وتِمامٍ.
وأَتَمَّت النَّاقَةُ، وَهِيَ مُتِمٌّ: دَنَا نِتَاجُهَا.
وأَتَمَّ النَّبْتُ: اكْتَهل.
وأَتَمَّ القمرُ: امْتلأَ فبَهَر، وَهُوَ بدْرُ تَمامٍ وتِمامٍ وبدرٌ تَمامٌ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وُلِد الْغُلَامُ لِتِمٍّ وتِمامٍ وبدرُ تِمامٍ وَكُلُّ شَيْءٍ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ تَمامٌ، بِالْفَتْحِ.
غَيْرُهُ: وقمرُ تَمامٍ وتِمامٍ إِذا تَمَّ لَيْلَةَ البَدْر.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَمامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَماما عَلَى المُحْسِن، أَراد تَمامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى المُحْسِنين، وَيَجُوزُ تَمامًا عَلَى الَّذِي أَحسنه مُوسَى مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ واتِّباع أَمره، وَيَجُوزُ تَمامًا عَلَى الَّذِي هُوَ أَحسن الأَشياء، وتَمامًا مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ؛ الْمَعْنَى: آتَيْنَاهُ لِهَذِهِ العِلَّة أَي للتَّمام والتَّفصيل؛ قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ عَلَى الْذِي أَحسَنَ، بِفَتْحِ النُّونِ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَحسنُ عَلَى إِضْمَارِ الَّذِي هُوَ أَحسنُ، وأَجاز القُراءُ أَن يَكُونَ أَحسَن فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، وأَن يَكُونَ مِنْ صِفَةِ الَّذِي، وَهُوَ خطأٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لأَنهم لَا يُعَرِّفُونَ الَّذِي إِلَّا مَوْصُولَةً وَلَا تُوصَف إِلا بَعْدَ تَمَامِ صِلَتها.
والمُسْتَتِمُّ فِي شِعر أَبي دُواد: هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ الصُّوفَ والوَبَرَ لِيُتِمَّ بِهِ نَسْجَ كِسائه، والمَوْهوب تُمَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ عَنْ أَبي زَيْدٍ، وَالْجَمْعُ تِمَمٌ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الجِزَّة مِنَ الصُّوف أَو الشعَر أَو الوَبَر؛ وَبَيْتُ أَبي دُوَادَ هُوَ قَوْلُهُ:
فَهْيَ كالبَيْضِ، فِي الأَداحِيّ، لَا يُوهَبُ ***مِنْهَا لِمُسْتَتِمٍّ عِصامُ
أَي هَذِهِ الإِبل كالبَيْض فِي الصِّيانة، وَقِيلَ فِي المَلاسة لَا يُوهب مِنْهَا لمُسْتَتِمّ أَي لَا يُوجد فِيهَا مَا يُوهَب لأَنها قَدْ سَمِنت وأَلْقَت أَوْبارَها؛ قَالَ: والمُسْتَتِمُّ الَّذِي يطلُب التُّمَّةَ، والعِصامُ: خَيْطُ القِرْبة.
والمُتَتَمِّمُ: المتكسِّر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذا مَا رَآهَا رُؤيةً هِيضَ قَلْبه ***بِهَا، كانْهِياضِ المُتْعَب المُتَتَمِّمِ
وتَمَّمَ عَلَى الجَريح: أَجْهَزَ.
وتَمَّ عَلَى الشَّيْءِ: أَكمله؛ قَالَ الأَعشى:
فتَمَّ عَلَى مَعْشوقَةٍ لَا يَزيدُها ***إِليه، بَلاءُ السُّوءِ، إِلَّا تَحبُّبا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فَباتَ بجَمْعٍ ثُمَّ ثابَ إِلى مِنىً، ***فأَصْبَحَ رَأْدًا يَبْتَغِي المَزْجَ بالسَّحْل
قَالَ: أَراه يَعْنِي.
بتَمَّ أَكْمَل حَجَّه.
واسْتَتَمَّ النِّعْمة: سأَل إِتْمامها.
وَجَعَلَهُ تِمًّا أَي تَمامًا.
وجعلْته لَكَ تِمًّا أَي بِتَمامه.
وتَمَّمَ الكَسْر فَتَمَّمَ وتَتَمَّم: انصَدَعَ وَلَمْ يَبِنْ، وَقِيلَ: إِذا انصَدَعَ ثُمَّ بانَ.
وَقَالُوا: أَبى قائلُها إِلَّا تَمًّا وتُمًّا وتِمًّا، ثَلَاثُ لُغَاتٍ، أَي تَمامًا، وَمَضَى عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَالْكَسْرُ أَفصح؛ قَالَ الرَّاعِي:
حَتَّى وَرَدْنَ لِتِمِّ خِمْسٍ بائصٍ ***جُدًّا، تَعاوَرَه الرياحُ وَبيلًا
بائصٍ: بعيدٍ شاقٍّ، ووَبِيلًا: وَخِيمًا.
والتَّمِيمُ: الطويلُ؛ وأَنشد بَيْتَ الْعَجَّاجِ: " لَمَّا دَعَوْا يَالَ تَمِيمٍ تَمُّوا "والتَّمِيمُ: التامُّ الخلْق.
والتَّمِيمُ: الشادُّ الشديدُ.
والتَّميمُ: الصُّلْب؛ قَالَ:
وصُلْب تَمِيم يَبْهَرُ اللِّبْدَ جَوْزُه، ***إِذا مَا تَمَطَّى فِي الحِزام تَبَطَّرا
أَي يَضيق عَنْهُ اللِّبْد لتَمامه، وَقِيلَ: التَّمِيمُ التامُّ الخلْقِ الشَّدِيدُهُ مِنَ النَّاسِ والخَيْل.
وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسار: «الجَذَعُ التامُّ التِّمُّ يُجْزئ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ تِمٌّ وتَمٌّ بِمَعْنَى التامِّ، وَيُرْوَى الجَذَع التامُّ التَّمَمُ، فالتامُّ الَّذِي اسْتَوْفَى الْوَقْتَ الَّذِي يسمَّى فِيهِ جَذَعًا وبَلغ أَن يسمَّى ثَنِيًّا، والتَّمَمُ التامُّ الخلْق، وَمِثْلُهُ خلْق عَمَمٌ.
والتَّمِيمُ: العُوَذ، وَاحِدُتُهَا تَمِيمةٌ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد الخَرز الَّذِي يُتَّخَذ عُوَذًا.
والتَّمِيمةُ: خَرزة رَقْطاء تُنْظَم فِي السَّير ثُمَّ يُعقد فِي العُنق، وَهِيَ التَّمائم والتَّمِيمُ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَقِيلَ: هِيَ قِلادة يُجْعَلُ فِيهَا سُيُورٌ وعُوَذ؛ وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: تَمَّمْت المَوْلود علَّقْت عَلَيْهِ التَّمائم.
والتَّمِيمةُ: عُوذةٌ تُعَلَّقُ عَلَى الإِنسان؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ سلَمة بْنِ الخُرْشُب:
تُعَوَّذُ بالرُّقى مِنْ غَيْرِ خَبْلٍ، ***وتُعْقَد فِي قَلائدها التَّمِيمُ
قَالَ: والتَّمِيمُ جَمْعُ تمِيمةٍ؛ وَقَالَ رِفَاعُ بْنُ قيس" الأَسدي:
بِلادٌ بِهَا نِيطَتْ عليَّ تَمائِمي ***وأَوَّل أَرضٍ مَسَّ جِلدي تُرابُها
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمرو: «مَا أُبالي ما أَتيت إِن تَعَلَّقَتْ تَمِيمةً».
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَن عَلَّق تَمِيمةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ»؛ وَيُقَالُ: هِيَ خَرزة كَانُوا يَعْتَقِدون أَنها تَمامُ الدَّواء والشِّفاء، قَالَ: وأَمّا المَعاذاتُ إِذا كُتِب فِيهَا الْقُرْآنُ وأَسماءُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بأْسَ بِهَا.
والتَّمِيمةُ: قِلادةٌ مِنْ سُيورٍ، وَرُبَّمَا جُعِلَتِ العُوذةَ الَّتِي تعلَّق فِي أَعناق الصِّبْيَانِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «التَّمائمُ والرُّقى والتِّوَلةُ مِنَ الشِّرْك».
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّمائمُ واحدتُها تَمِيمةٌ، وَهِيَ خَرزات كَانَ الأَعرابُ يعلِّقونها عَلَى أَولادِهم يَنْفون بِهَا النفْس والعَين بزَعْمهم، فأَبطله الإِسلامُ؛ وإِيّاها أَراد الهُذَلي بِقَوْلِهِ:
وإِذا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفارَها، ***أَلْفَيْتَ كلَّ تَمِيمة لَا تَنْفَعُ
وَقَالَ آخَرُ:
إِذا مَاتَ لَمْ تُفْلِحْ مُزَيْنةُ بعدَه، ***فنُوطِي عَلَيْهِ، يَا مُزَيْنُ، التَّمائما
وَجَعَلَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ مِنَ الشِّرْك لأَنهم جَعلوها واقِيةً مِنَ المَقادِير والموْتِ وأَرادُوا دَفْعَ ذَلِكَ بِهَا، وَطَلَبُوا دَفْعَ الأَذى مِنْ غَيْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دافِعُه، فكأَنهم جَعَلُوا لَهُ شَرِيكًا فِيمَا قَدّر وكَتَب مِنْ آجَالِ العِبادِ والأَعْراضِ الَّتِي تُصيبهم، وَلَا دَافِعَ لِمَا قَضى وَلَا شَرِيكَ لَهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ فِيمَا قَدّر.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمَنْ جَعل التَّمائم سُيورًا فغيرُ مُصِيبٍ؛ وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
وَكَيْفَ يَضِلُّ العَنْبَرِيُّ ببلْدةٍ، ***بِهَا قُطِعَتْ عَنْهُ سُيور التَّمائِم؟
فإِنه أَضاف السُّيورَ إِلى التَّمائم لأَن التَّمَائِمَ خَرز تُثْقَب وَيُجْعَلُ فِيهَا سُيورٌ وخُيوط تُعلَّق بِهَا.
قَالَ: وَلَمْ أَرَ بَيْنَ الأَعراب خِلَافًا أَنّ التَّميمةَ هِيَ الْخَرَزَةُ نفسُها، وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ قَوْلِ الأَئمة؛ وَقَوْلُ طُفَيل:
فإِلَّا أَمُتْ أَجْعَلْ لِنَفْرٍ قِلادَةٌ، ***يُتِمُّ بِهَا نَفْرٌ قَلائدَه قَبْلُ
قَالَ: أَي عَاذَهُ.
الَّذِي كَانَ تقلَّده قَبْلُ؛ قَالَ: يُتِمُّ يَحُطُّهَا تَمِيمةَ خَرزِ قَلَائِدِهِ إِلى الْوَاسِطَةِ، وإِنما أَراد أُقَلِّده الهِجاء.
ابْنُ الأَعرابي: تُمَّ إِذا كُسِر وتَمَّ إِذا بلَّغ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ: " فِي بَطْنه غاشيةٌ تُتَمِّمُهْ "قَالَ شَمِرٌ: الْغَاشِيَةُ وَرَم يَكُونُ فِي البطْن، وَقَالَ: تُتَمِّمُهُ أَي تُهْلِكه وتبلِّغه أَجَلَه؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " كانْهِياض المُعْنَتِ المُتَتَمِّمِ يُقَالُ: ظَلَع فُلَانٌ ثُمَّ تَتَمَّم تَتَمُّمًا أَي تَمَّ عَرَجُه كَسْرًا، مِنْ قَوْلِكَ تُمَّ إِذا كُسِرَ.
والمُتَمُّ: منقَطَع عِرْق السُّرَّة.
والتُّمَمُ والتِّمَمُ مِنَ الشعَر والوَبر والصُّوف: كالجِزَزِ، الْوَاحِدَةُ تُمَّة.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَمَّا التَّمُّ فأَراه اسْمًا لِلْجَمْعِ.
واسْتَتَمَّه: "طَلَبَ مِنْهُ التِّمَمَ، وأَتَمَّه: أَعطاه إِياها.
ابْنُ الأَعرابي: التِّمُّ الفأْس، وَجَمْعُهُ تِمَمةٌ.
والتَّامُّ مِنَ الشِّعْر: مَا يُمْكِنُ أَن يَدْخُله الزِّحافُ فيَسلَمُ مِنْهُ، وَقَدْ تَمَّ الجُزء تَمامًا، وَقِيلَ: المُتَمَّمُ كلُّ مَا زِدْتَ عَلَيْهِ بَعْدَ اعتدالِ الْبَيْتِ، وَكَانَا مِنَ الجُزْء الَّذِي زِدْتَه عَلَيْهِ نَحْوُ فاعِلاتُنْ فِي ضَرْبِ الرَّمْلِ، سُمِّيَ مُتَمَّمًا لأَنك تَمَّمْتَ أَصل الجُزْء.
وَرَجُلٌ مُتَمِّم إِذا فازَ قِدْحُه مرَّة بَعْدَ مرَّة فأَطعَم لَحْمَه الْمَسَاكِينَ.
وتَمَّمَهم: أَطعمهم نَصِيبَ قِدْحه؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد قَوْلَ النَّابِغَةِ:
إِني أُتَمِّمُ أَيْساري وأَمْنَحُهُمْ ***مَثْنى الأَيادي، وأَكْسُو الجَفْنَة الأُدُما
أَي أُطْعِمهم ذَلِكَ اللَّحْم.
ومُتَمِّمُ بْنُ نُويْرة: مِنْ شُعرائهم شاعرُ بَنِي يَرْبوع؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: سُمِّيَ بالمُتَمِّم الَّذِي يُطْعِم اللَّحْم الْمَسَاكِينَ والأَيْسار؛ وَقِيلَ: التَّتْمِيمُ فِي الأَيسار أَن ينقُص الأَيْسار فِي الجَزُور فيأْخذ رجُل مَا بَقِي حَتَّى يُتَمِّم الأَنْصِباء.
وتَمِيمٌ: قَبيلةٌ، وَهُوَ تَمِيمُ بنُ مُرِّ بنِ أُدِّ بنِ طابِخَة بنِ إِلْياسَ بْنِ مُضَرَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ تَميمٌ يَجْعَلُهُ اسْمًا للأَب ويصرِف، وَمِنْهُمْ مَن يَجْعَلُهُ اسْمًا لِلْقَبِيلَةِ فَلَا يَصْرِف، وَقَالَ: قَالُوا تَميم بنتُ مُرٍّ فأَنَّثوا وَلَمْ يَقُولُوا ابْنُ.
وتَمَّمَ الرجلُ: صَارَ هَواه تَمِيمِيًّا.
وتَمَّم: انتَسب إِلى تَمِيمٍ؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ: " إِذا دَعَوْا يالَ تَمِيمٍ تَمُّوا قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراه مِنْ هَذَا أَي أَسرعوا إِلى الدَّعْوَةِ.
اللَّيْثُ: تَمَّم الرجلُ إِذا صَارَ تَميميَّ الرأْي وَالْهَوَى والمَحَلَّة.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وقياسُ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ تَتَمَّم، بِتَاءَيْنِ، كَمَا يُقَالُ تَمَضَّر وتَنَزَّر، وكأَنهم حَذَفُوا إِحدى التَّاءَيْنِ اسْتِثْقَالًا لِلْجَمْعِ.
وتتامُّوا أَي جاؤوا كُلُّهُمْ وتَمُّوا.
والتَّمْتَمةُ: ردُّ الْكَلَامِ إِلى التَّاءِ وَالْمِيمِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَعْجَل بِكَلَامِهِ فَلَا يَكَادُ يُفْهِمك، وَقِيلَ: هُوَ أَن تسبِق كلمتُه إِلى حَنَكِه الأَعْلى، والفأْفاء: الَّذِي يعسُر عَلَيْهِ خُرُوجُ الْكَلَامِ، وَرَجُلٌ تَمْتام، والأُنْثى تَمْتامةٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: التَّمْتَمةُ فِي الْكَلَامِ أَن لَا يُبَيِّنَ اللِّسَانُ يُخْطئ مَوْضِعَ الْحَرْفِ فيرجِع إِلى لَفْظٍ كأَنه التَّاءُ وَالْمِيمُ، وإِن لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا.
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: التَّمْتَمَة التَّرْدِيدُ فِي التَّاءِ، والفأْفأَة الترديد في الفاء.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
44-لسان العرب (بطن)
بطن: البَطْنُ مِنَ الإِنسان وسائِر الْحَيَوَانِ: معروفٌ خِلَافَ الظَّهْر، مذكَّر، وَحَكَى أَبو عُبَيْدَةَ أَن تأْنيثه لغةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ التَّذْكِيرِ فِيهِ قولُ ميّةَ بنتِ ضِرار:يَطْوي، إذا مَا الشُّحُّ أَبْهَمَ قُفْلَه، ***بَطْنًا، مِنَ الزادِ الخبيثِ، خَميصا
وَقَدْ ذَكرْنا فِي تَرْجَمَةٍ ظَهَرَ فِي حَرْفِ الرَّاءِ وجهَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قولِ الْعَرَبِ: ضُرِبَ عبدُ اللَّهُ بَطْنُه وظهرُه، وضُرِبَ زيدٌ البطنُ والظهرُ.
وجمعُ البَطْنِ أَبطُنٌ وبُطُونٌ وبُطْنانٌ؛ التَّهْذِيبُ: وَهِيَ ثلاثةُ أَبْطُنٍ إِلَى العَشْرِ، وبُطونٌ كَثِيرَةٌ لِما فوْقَ العَشْرِ، وتصغيرُ البَطْنِ بُطَيْنٌ.
والبِطْنةُ: امتلاءُ البَطْنِ مِنَ الطَّعَامِ، وَهِيَ الأَشَرُ مِنْ كَثْرةِ الْمَالِ أَيضًا.
بَطِنَ يَبْطَنُ بَطَنًا وبِطْنةً وبَطُنَ وَهُوَ بَطينٌ، وَذَلِكَ إِذَا عَظُمَ بطْنُه.
وَيُقَالُ: ثَقُلَتْ عَلَيْهِ البِطْنةُ، وهيالكِظَّة، وَهِيَ أَن يَمْتلِئَ مِنَ الطَّعَامِ امْتِلَاءً شَدِيدًا.
وَيُقَالُ: لَيْسَ للبِطْنةِ خيرٌ مِنْ خَمْصةٍ تَتْبَعُها؛ أَراد بالخَمْصَة الجوعَ.
وَمِنْ أَمثالهم: البِطْنة تُذْهِبُ الفِطْنةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَا بَني المُنْذرِ بن عَبْدانَ، والبِطنةُ ***مِمَّا تُسَفِّهُ الأَحْلاما
وَيُقَالُ: مَاتَ فلانٌ بالبَطَنِ.
الْجَوْهَرِيُّ: وبُطِنَ الرجلُ، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلَهُ، اشْتَكَى بَطْنَه.
وبَطِن، بِالْكَسْرِ، يَبْطَن بَطَنًا: عَظُم بَطْنُه مِنَ الشِّبَعِ؛ قَالَ القُلاخ:
وَلَمْ تَضَعْ أَولادَها مِنَ البَطَنْ، ***وَلَمْ تُصِبْه نَعْسَةٌ عَلَى غَدَنْ
والغَدَنُ: الإِسْتِرخاءُ والفَتْرة.
وَفِي الْحَدِيثِ: « المَبْطونُ شهيدٌ »أَي الَّذِي يموتُ بمَرَض بَطْنه كالاسْتِسْقاء وَنَحْوِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: « أَنَّ امرأَةً مَاتَتْ فِي بَطَن، وَقِيلَ: أَراد بِهِ هَاهُنَا النِّفاسَ، قَالَ: وَهُوَ أَظهر لأَن الْبُخَارِيَّ ترْجَم عَلَيْهِ بَابَ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَساء».
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: « تَغْدُو خِماصًا وتَرُوحُ بِطانًا» أَي ممتَلِئةَ البُطونِ.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى وشعيبٍ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وعَوْد غَنَمِه: « حُفَّلًا بِطانًا »؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَبِيتُ مِبْطانًا وحَوْلي بُطونٌ غَرْثى "؛ المِبْطان: الكثيرُ الأَكل والعظيمُ البطنِ.
وَفِي صِفَةِ" عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: البَطِينُ الأَنْزَعُ "أَي العظيمُ البطْنِ.
ورجلٌ بَطِنٌ: لَا هَمَّ لَهُ إلَّا بَطْنُه، وَقِيلَ: هُوَ الرَّغيب الَّذِي لَا تَنْتَهِي نفسُه مِنَ الأَكل، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ عظيمَ البَطْنِ مِنْ كثرةِ الأَكل، وَقَالُوا: كِيسٌ بَطينٌ أَي مَلآنُ، عَلَى المَثَل؛ أَنشد ثعلبٌ لِبَعْضِ اللُّصوص:
فأَصْدَرْتُ مِنْهَا عَيْبةً ذاتَ حُلَّةٍ، ***وكِيسُ أَبي الجارُودِ غَيْرُ بَطينِ
وَرَجُلٌ مِبْطانٌ: كثيرُ الأَكل لَا يَهُمُّه إِلَّا بَطْنُه، وبَطينٌ: عظيمُ البَطْنِ، ومُبَطَّنٌ: ضامِر البَطْنِ خَميصُه، قَالَ: وَهَذَا عَلَى السَّلْب كأَنه سُلِبَ بَطْنَه فأُعْدِمَه، والأُنثى مُبَطَّنةٌ، ومَبْطونٌ: يَشْتَكي بَطْنَه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
رَخِيمات الكلامِ مُبَطَّنات، ***جَواعِل فِي البُرَى قَصَبًا خِدالا
وَمِنْ أَمثالهم: الذِّئْبُ يُغْبَط بِذي بَطْنه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَذَلِكَ أَنه لَا يُظَنُّ بِهِ أَبدًا الْجُوعُ إِنَّمَا يُظَنّ بِهِ البِطْنةُ لِعَدْوِه عَلَى النَّاسِ والماشِيَةِ، ولعلَّه يكونُ مَجْهودًا مِنَ الْجُوعِ؛ وأَنشد:
ومَنْ يَسْكُنِ البَحْرَيْنِ يَعْظُمْ طِحالُه، ***ويُغْبَطُ مَا فِي بَطْنه وهْو جائعُ
وَفِي صِفَةِ عِيسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: فَإِذَا رجُل مُبَطَّنٌ مثلُ السَّيف "؛ المُبَطَّنُ: الضامِرُ البَطْن، وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يَزالُ ضَخْمَ البطنِ مِنْ كَثْرَةِ الأَكل مِبْطانٌ، فَإِذَا قَالُوا رَجُلٌ مُبَطَّنٌ فَمَعْنَاهُ أَنه خَميص البَطْن؛ قَالَ مُتمّم بْنُ نُوَيرة: " فَتًى غَيْرَ مِبْطانِ العَشِيَّةِ أَرْوعا وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ الَّتِي تُضْرَب للأَمر إِذَا اشْتَدَّ: التَقَتْ حَلْقَتا البِطانِ، وأَما قَوْلُ الرَّاعِي يَصِفُ إِبَلًا وَحَالِبَهَا:
إِذَا سُرِّحَتْ مِنْ مَبْرَكٍ نامَ خلفَها، ***بمَيْثاءَ، مِبْطان الضُّحى غَيْرَ أَرْوعا
مِبْطانُ الضُّحى: يَعْنِي رَاعِيًا يُبادِر الصَّبوح فيشرَبُ حَتَّى يَميلَ مِنَ اللَّبَن.
والبَطينُ: الَّذِي لَا يَهُمُّه إِلَّا بَطْنُه.
والمَبْطُونُ: العَليل البَطْنِ.
والمِبْطانُ: الَّذِي لَا يزالُ ضخْمَ البطنِ.
والبَطَنُ: داءُ البَطْن.
وَيُقَالُ: بَطَنَه الداءُ وَهُوَ يَبْطُنُه، إِذَا دَخَله، بُطونًا.
وَرَجُلٌ مَبْطونٌ: يَشْتَكي بَطْنَه.
وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ: « بَطَنتْ بِكَ الحُمَّى»؛ أي أَثَّرَت فِي بَاطِنِكَ.
يُقَالُ: بَطَنَه الداءُ يبطُنه.
وَفِي الْحَدِيثِ: « رَجُلٌ ارْتَبَطَ فرَسًا لِيَسْتبْطِنَها »أَي يَطْلُبَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ النِّتاج.
وبَطَنَه يبْطُنُه بَطْنًا وبَطَنَ لَهُ، كِلاهما: ضرَب بَطْنَه.
وضرَب فلانٌ البعيرَ فبَطَنَ لَهُ إِذَا ضرَب لَهُ تَحْتَ البَطْن؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا ضرَبْتَ مُوقَرًا فابْطُنْ لهْ، ***تحتَ قُصَيْراهُ ودُون الجُلَّهْ،
فإنَّ أَنْ تَبْطُنَهُ خَيرٌ لَهْ "أَراد فابطُنْه فَزَادَ لَامًا، وَقِيلَ: بَطَنَه وبَطَن لَهُ مِثْلَ شَكَره وشَكَرَ لَهُ ونصَحَه ونصحَ لَهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَإِنَّمَا أَسكن النُّونَ للإِدغام فِي اللَّامِ؛ يَقُولُ: إِذَا ضَرَبْتَ بَعِيرًا مُوقَرًا بحِمْله فاضْرِبْه فِي مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِهِ الضربُ، فَإِنَّ ضرْبَه فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ بطْنه خَيْرٌ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ.
وأَلقَى الرجلُ ذَا بَطْنه: كِنَايَةٌ عَنِ الرَّجيع.
وأَلْقَت الدَّجاجةُ ذَا بَطْنِها: يَعْنِي مَزْقَها إِذَا بَاضَتْ.
ونثرَت المرأَةُ بَطْنَها وَلَدًا: كَثُر ولدُها.
وأَلقت المرأَةُ ذَا بطنِها أَي وَلَدَت.
وَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبي بَرَّةَ: « أَمَرَ بعشَرَةٍ مِنَ الطَّهارة: الخِتانِ والاستِحدادِ وغَسْلِ البَطِنةِ ونَتْفِ الإِبْطِ وَتَقْلِيمِ الأَظفار وقصِّ الشَّارِبِ والاستِنْثار »؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: البَطِنة هِيَ الدبُر، هَكَذَا رَوَاهَا بَطِنة، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ؛ قَالَ شَمِرٌ: والانتِضاحُ.
الاسْتِنجاءُ بِالْمَاءِ.
والبَطْنُ: دُونَ الْقَبِيلَةِ، وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الفَخِذِ وَفَوْقَ العِمارة، مُذَكَّر، وَالْجَمْعُ أَبْطُنٌ وبُطُونٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: « كَتَب عَلَى كلِّ بطْنٍ عُقولَه »؛ قَالَ: البَطْنُ مَا دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الفخِذ؛ أي كَتَب عَلَيْهِمْ مَا تَغْرَمُه الْعَاقِلَةُ مِنَ الدِّيات فبَيَّن مَا عَلَى كل قَوْمٍ مِنْهَا؛ فأَما قَوْلُهُ:
وإنَّ كِلابًا هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ، ***وأَنتَ بريءٌ مِنْ قبَائِلِها العَشْر
فَإِنَّهُ أَنّث عَلَى مَعْنَى الْقَبِيلَةِ وأَبانَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ.
وفرسٌ مُبَطَّنٌ: أَبيضُ البَطْنِ وَالظَّهْرِ كَالثَّوْبِ المُبطَّن ولَوْنُ سائرِه مَا كَانَ.
والبَطْنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: جَوْفُه، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ.
وَفِي صِفَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ: لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وبطْن "؛ أَراد بالظَّهْرِ مَا ظَهَرَ بيانُه، وبالبَطْن مَا احْتِيجَ إِلَى تَفْسِيرِهِ كالباطِن خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَالْجَمْعُ بَواطِنُ؛ وَقَوْلُهُ:
وسُفْعًا ضِياهُنَّ الوَقودُ فأَصْبَحَت ***ظواهِرُها سُودًا، وباطِنُها حُمْرا
أَراد: وبواطِنُها حُمْرًا فوَضع الواحدَ موضعَ الْجَمْعِ، ولذلك استَجاز أَن يَقُولَ حُمْرًا، وَقَدْ بَطُنَ يَبْطُنُ.
والباطِنُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ}؛ وتأْويلُه مَا رُوِيَ" عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمْجيد الرَّبِّ: اللَّهُمَّ أَنتَ الظاهِر فَلَيْسَ فوقَك شيءٌ، وأَنت الباطِنُ فَلَيْسَ دونَك شَيْءٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه علِمَ السرائرَ والخفيَّاتِ كَمَا عَلِمَ كلَّ مَا هُوَ ظاهرُ الخَلْقِ، وَقِيلَ: الباطِن هُوَ المُحْتَجِب عَنْ أَبصار الخلائِق وأَوْهامِهم فَلَا يُدرِكُه بَصَر وَلَا يُحيطُ بِهِ وَهْم، وَقِيلَ: هُوَ العالمُ بكلِّ مَا بَطَن.
يُقَالُ: بَطَنْتُ الأَمرَ إِذَا عَرَفتَ باطنَه.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: ظاهرُه المُخالَّة وباطنُه الزِّنا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
والباطِنةُ: خلافُ الظَّاهِرَةِ.
والبِطانةُ: خلافُ الظِّهارة.
وبِطانةُ الرَّجُلِ: خاصَّتُه، وَفِي الصِّحَاحِ: بِطانةُ الرَّجُلِ وَليجتُه.
وأَبْطَنَه: اتَّخَذَه بِطانةً.
وأَبْطَنْتُ الرجلَ إِذَا جَعَلْتَه مِنْ خَواصِّك.
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا استَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطانتانِ »؛ بِطانةُ الرَّجُلِ: صاحبُ سِرِّه وداخِلةُ أَمره الَّذِي يُشاوِرُه فِي أَحواله.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ: « وَجَاءَ أَهلُ البِطانةِ يَضِجُّون »؛ البِطانةُ: الخارجُ مِنَ الْمَدِينَةِ.
والنِّعْمة الباطنةُ: الخاصَّةُ، والظاهرةُ: العامَّةُ.
وَيُقَالُ: بَطْنُ الراحةِ وظَهْرُ الكَفّ.
وَيُقَالُ: باطنُ الإِبْط، وَلَا يُقَالُ بطْن الإِبْط.
وباطِنُ الخُفّ: الَّذِي تَليه الرجْلُ.
وَفِي حَدِيثِ النَّخَعي: « أَنه كَانَ يُبَطِّنُ لِحْيتَه ويأْخُذُ مِنْ جَوانِبها »؛ قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَى يُبَطِّن لحيتَه؛ أي يأْخذ الشَّعَر مِنْ تَحْتِ الحَنَك والذَّقَنِ، وَاللَّهُ أَعلم.
وأَفْرَشَني ظَهْر أَمرِه وبَطْنَه أَي سِرَّه وعلانِيَتَه، وبَطَنَ خبرَه يَبْطُنُه، وأَفرَشَني بَطْنَ أَمره وظَهْرَه، ووَقَف عَلَى دَخْلَته.
وبَطَن فلانٌ بِفُلَانٍ يَبْطُنُ بِهِ بُطونًا وَبِطَانَةً إِذَا كان خاصًّا به داخلًافي أَمره، وَقِيلَ: بَطَنَ بِهِ دَخَلَ فِي أَمره.
وبَطَنتُ بِفُلَانٍ: صِرْتُ مِنْ خواصِّه.
وإنَّ فُلَانًا لَذُو بِطانة بِفُلَانٍ أَي ذُو علمٍ بداخلةِ أَمره.
وَيُقَالُ: أَنتَ أَبْطنْتَ فُلَانًا دُونِي أَي جَعلْتَه أَخَصَّ بِكَ مِنِّي، وَهُوَ مُبَطَّنٌ إِذَا أَدخَله فِي أَمره وخُصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَصَارَ مِنْ أَهل دَخْلَتِه.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: البِطانة الدُّخَلاء الَّذِينَ يُنْبَسط إِلَيْهِمْ ويُسْتَبْطَنونَ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ بِطانةٌ لِفُلَانٍ أَي مُداخِلٌ لَهُ مُؤانِس، وَالْمَعْنَى أَن الْمُؤْمِنِينَ نُهوا أَن يَتَّخِذوا الْمُنَافِقِينَ خاصَّتَهم وأَن يُفْضُوا إِلَيْهِمْ أَسرارَهم.
وَيُقَالُ: أَنت أَبْطَنُ بِهَذَا الأَمر أَي أَخبَرُ بباطِنِه.
وتبَطَّنْت الأَمرَ: عَلِمت باطنَه.
وبَطَنْت الْوَادِي: دَخَلْته.
وبَطَنْت هَذَا الأَمرَ: عَرَفْت باطنَه، وَمِنْهُ الباطِن فِي صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
والبطانةُ: السريرةُ.
وباطِنةُ الكُورة: وَسَطُها، وظاهرتُها: مَا تنَحَّى مِنْهَا.
والباطنةُ مِنَ البَصْرةِ وَالْكُوفَةِ: مُجْتَمَعُ الدُّور والأَسواقِ فِي قَصَبتها، والضاحيةُ: مَا تنَحَّى عَنِ الْمَسَاكِنِ وَكَانَ بَارِزًا.
وبَطْنُ الأَرض وباطنُها: مَا غَمَض مِنْهَا واطمأَنّ.
والبَطْنُ مِنَ الأَرض: الغامضُ الداخلُ، والجمعُ الْقَلِيلُ أَبْطِنةٌ، نادرٌ، وَالْكَثِيرُ بُطْنان؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البُطْنانُ مِنَ الأَرض واحدٌ كالبَطْن.
وأَتى فلانٌ الْوَادِيَ فتَبَطَّنه أَي دَخَلَ بطنَه.
ابْنُ شُمَيْلٍ: بُطْنانُ الأَرض مَا تَوَطَّأَ فِي بُطُونِ الأَرض سَهْلِها وحَزْنها وَرِيَاضِهَا، وَهِيَ قَرار الْمَاءِ ومستَنْقَعُه، وَهِيَ البواطنُ والبُطون.
وَيُقَالُ: أَخذ فلانٌ بَاطِنًا مِنَ الأَرض وَهِيَ أَبطأُ جُفُوفًا مِنْ غَيْرِهَا.
وتبطَّنْتُ الْوَادِي: دخلْت بطْنه وجَوَّلْت فِيهِ.
وبُطْنانُ الْجَنَّةِ: وسَطُها.
وَفِي الْحَدِيثِ: « يُنَادِي مُنادٍ مِنْ بُطْنانُ الْعَرْشِ »أَي مِنْ وسَطه، وَقِيلَ: مِنْ أَصله، وَقِيلَ: البُطْنان جَمْعُ بَطْنٍ، وَهُوَ الْغَامِضُ مِنَ الأَرض، يُرِيدُ من دواخل العرش؛ ومنه كَلَامِ" عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الِاسْتِسْقَاءِ: تَرْوَى بِهِ القِيعانُ وَتَسِيلُ بِهِ البُطْنان.
والبُطْنُ: مسايلُ الْمَاءِ فِي الغَلْظ، وَاحِدُهَا باطنٌ؛ وَقَوْلُ مُلَيْح:
مُنِيرٌ تَجُوزُ العِيسُ مِنْ بَطِناتِه نَوًى، ***مِثْلَ أَنْواءِ الرَّضيخِ المُفَلَّق
قَالَ: بَطِناتُه مَحاجُّه.
والبَطْنُ: الْجَانِبُ الطويلُ مِنَ الرِّيشِ، وَالْجَمْعُ بُطْنانٌ مِثْلَ ظَهْرٍ وظُهْرانٍ وعَبْدٍ وعُبْدانٍ.
والبَطْنُ: الشِّقُّ الأَطولُ مِنَ الرِّيشَةِ، وَجَمْعُهَا بُطْنان.
والبُطْنانُ أَيضًا مِنَ الرِّيشِ: مَا كَانَ بطنُ القُذَّة مِنْهُ يَلي بطنَ الأُخرى، وَقِيلَ: البُطْنانُ مَا كَانَ مِنْ تَحْتِ العَسيب، وظُهْرانُه مَا كَانَ فَوْقَ الْعَسِيبِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البُطْنانُ مِنَ الرِّيشِ الَّذِي يَلي الأَرضَ إِذَا وقَع الطائرُ أَو سَفَعَ شَيْئًا أَو جَثَمَ عَلَى بَيْضه أَو فِراخه، والظُّهارُ والظُّهْرانُ مَا جُعِلَ مِنْ ظَهر عَسيب الرِّيشَةِ.
وَيُقَالُ: راشَ سهمَه بظُهْرانٍ وَلَمْ يَرِشْه ببُطْنانٍ، لأَنَّ ظُهْرانَ الرِّيشِ أَوفَى وأَتَمُّ، وبُطْنانُ الرِّيشِ قِصار، وواحدُ البُطْنانِ بَطْنٌ، وواحدُ الظُّهْرانِ ظَهْرٌ، والعَسِيبُ قَضيبُ الرِّيشِ فِي وسَطِه.
وأَبْطَن الرَّجُلُ كَشْحَه سَيفَه وَلِسَيْفِهِ: جَعَلَهُ بطانتَه.
وأَبطنَ السيفَ كشْحَه إِذَا جَعَلَهُ تَحْتَ خَصْره.
وبطَّنَ ثوبَه بثوبٍ آخَرَ: جَعَلَهُ تَحْتَهُ.
وبِطانةُ الثَّوْبِ: خلافُ ظِهارته.
وبطَّنَ فُلَانٌ ثَوْبَهُ تَبْطِينًا: جَعَلَ لَهُ بِطَانَةً، ولِحافٌ مَبْطُونٌ ومُبَطَّن، وَهِيَ البِطانة والظِّهارة.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}؛ قَالَ: قَدْ تكونُ البِطانةُ ظِهارةً والظهارةُ بِطَانَةً، وَذَلِكَ أَن كلَّ واحدٍ مِنْهَا قَدْ يكونُ وَجْهًا، قَالَ: وَقَدْ تَقُولُ العربُ هَذَا ظهرُ السَّمَاءِ وَهَذَا بطنُ السَّمَاءِ لِظَاهِرِهَا الَّذِي تَرَاهُ.
وَقَالَ غَيْرُ الْفَرَّاءِ: البِطانةُ مَا بطَنَ مِنَ الثَّوْبِ وَكَانَ مِنْ شأْن النَّاسِ إخْفاؤه، وَالظِّهَارَةُ مَا ظَهَرَ وَكَانَ مِنْ شأْن النَّاسِ إِبْدَاؤُهُ.
قَالَ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ إِذَا وَلِيَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قوْمًا، كحائطٍ يَلِي أَحد صَفْحَيْه قَوْمًا، والصَّفْحُ الآخرُ قَوْمًا آخَرِينَ، فكلُّ وجهٍ مِنَ الْحَائِطِ ظَهْرٌ لِمَنْ يَلِيهِ، وكلُّ واحدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ظَهْر وبَطْن، وَكَذَلِكَ وجْها الْجَبَلِ وَمَا شاكلَه، فأَما الثوبُ فَلَا يَجُوزُ أَن تكونَ بطانتُه ظِهَارَةً وَلَا ظِهارتُه بِطانةً، وَيَجُوزُ أَن يُجْعَل مَا يَلينا مِنْ وَجْهِ السَّمَاءِ والكواكِب ظهْرًا وبطْنًا، وَكَذَلِكَ مَا يَلينا مِنْ سُقوف الْبَيْتِ.
أَبو عُبَيْدَةَ: فِي باطِن وظِيفَيِ الْفَرَسِ أَبْطَنانِ، وَهُمَا عِرْقان اسْتَبْطَنا الذِّراعَ حَتَّى انغَمَسا فِي عَصَب الوَظيف.
الْجَوْهَرِيُّ: الأَبْطَنُ فِي ذِراع الفرسِ عِرْق فِي بَاطِنِهَا، وَهُمَا أَبْطَنانِ.
والأَبْطَنانِ: عِرْقان مُسْتَبْطِنا بَواطِن وظِيفَي الذراعَينِ حَتَّى يَنْغَمِسا فِي الكَفَّين.
والبِطانُ: الحزامُ الَّذِي يَلي البَطْنَ.
والبِطانُ: حِزامُ الرَّحْل والقَتَب، وَقِيلَ: هُوَ لِلْبَعِيرِ كالحِزام لِلدَّابَّةِ، وَالْجَمْعُ أَبطِنةٌ وبُطُن.
وبَطَنَه يَبْطُنُه وأَبْطَنَه: شَدَّ بِطانه.
قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَحْدَهُ: أَبْطَنْتُ الْبَعِيرَ وَلَا يُقَالُ بَطَنْتُه، بِغَيْرِ أَلف؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الظَّلِيمَ:
أَو مُقْحَم أَضْعَفَ الإِبْطانَ حادجُه، ***بالأَمسِ، فاستَأْخَرَ العِدْلانِ والقَتَبُ
شَبَّه الظَّليمَ بجَمَل أَضْعَفَ حادِجُهُ شَدَّ بِطانِه فاسترْخَى؛ فشبَّه استِرْخاء.
عِكْمَيْه بِاسْتِرْخَاءِ جَناحَيِ الظَّليم، وَقَدْ أَنكر أَبو الْهَيْثَمِ بَطَنْت، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَبْطَنت، واحتجَّ بِبَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ.
قَالَ الأَزهري: وبَطَنْتُ لغةٌ أَيضًا.
والبِطانُ للقَتَب خَاصَّةً، وَجَمْعُهُ أَبْطِنة، والحزامُ للسَّرْج.
ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ أَبْطَنَ حِمْلَ البعيرِ وواضَعَه حَتَّى يتَّضِع أَي حَتَّى يَسْترْخي عَلَى بَطْنه وَيَتَمَكَّنَ الحِمْل مِنْهُ.
الْجَوْهَرِيُّ: البِطانُ للقَتَب الحزامُ الَّذِي يَجْعَلُ تَحْتَ بَطْنِ الْبَعِيرِ.
يُقَالُ: التَقَتْ حَلْقَتا الْبَطَّانِ للأَمر إِذَا اشتدَّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّصدير للرحْل، يُقَالُ مِنْهُ: أَبْطَنْتُ البعيرَ إِبْطانًا إِذَا شَدَدْتَ بِطانَه.
وَإِنَّهُ لعريضُ البِطانِ أَي رَخِيُّ البالِ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الْبَخِيلِ، يموتُ ومالُه وافِرٌ لَمْ يُنْفق مِنْهُ شَيْئًا: مَاتَ فلانٌ بِبِطْنَتِه لَمْ يتَغَضْغَضْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَمِثْلُهُ: مَاتَ فلانٌ وَهُوَ عريضُ البِطانِ أَي مالُه جَمٌّ لَمْ يَذهَبْ مِنْهُ شيءٌ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: ويُضْرَب هَذَا المثلُ فِي أَمر الدِّين أَي خرَجَ مِنَ الدُّنْيَا سَلِيمًا لَمْ يَثْلِمْ دينَه شيءٌ، قَالَ ذَلِكَ عَمْرُو ابنُ الْعَاصِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوف لَمَّا مَاتَ: هَنِيئًا لَكَ خرَجْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِبِطْنَتِكَ لَمْ يتَغَضْغَضْ مِنْهَا شَيْءٌ؛ ضرَبَ البطْنةَ مَثَلًا فِي أَمر الدِّينِ، وتغضْغَضَ الماءُ: نَقَصَ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ ذمًَّا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ هُنَا إلْا المَدْحَ.
وَرَجُلٌ بَطِنٌ: كثيرُ الْمَالِ.
والبَطِنُ: الأَشِرُ.
والبِطْنةُ: الأَشَرُ.
وَفِي المَثَل: البِطْنةُ تُذْهِبُ الفِطْنةَ، وَقَدْ بَطِنَ.
وشأْوٌ بَطِينٌ: واسعٌ.
والبَطين: الْبَعِيدُ، يُقَالُ: شأْوٌ بَطِينٌ أَي بَعِيدٌ؛ وأَنشد:
وبَصْبَصْنَ، بَيْنَ أَداني الغَضَا ***وَبَيْنَ عُنَيْزةَ، شأْوًا بَطِينًا
قَالَ: وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَد: « الشَّوْطُ بَطِينٌ »أَي بَعِيدٌ.
وتبطَّن الرجلُ جاريتَه إِذَا باشَرها ولمَسَها، وَقِيلَ: تبطَّنها إِذَا أَوْلَج ذكرَه فِيهَا؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
كأَنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَوادًا لِلَذَّةٍ، ***وَلَمْ أَتَبطَّنْ كاعِبًا ذاتَ خَلْخالِ
وَقَالَ شَمِرٌ: تبطَّنها إِذَا باشَرَ بطنُه بطنَها فِي قَوْلِهِ: إِذَا أَخُو لذَّةِ الدُّنْيَا تبطَّنها "وَيُقَالُ: اسْتَبْطَن الفحلُ الشَّوْلَ إِذَا ضربَها فلُقحَت كلُّها كأَنه أَوْدع نطفتَه بُطُونَهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
فَلَمَّا رأَى الجَوْزاءَ أَولُ صابِحٍ، ***وصَرَّتَها فِي الْفَجْرِ كالكاعِب الفُضُلْ،
وخَبَّ السَّفا، واسْتبطن الفحلُ، والتقتْ ***بأَمْعَزِها بُقْعُ الجَنادِبِ تَرْتَكِلْ
صرَّتُها: جماعة كَوَاكِبَهَا، والجَنادِب ترتَكِل مِنْ شِدَّةِ الرَّمْضاء.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْر: لَيْسَ مِنْ حَيَوانٍ يتبطَّنُ طَروقتَه غيرُ الإِنسان وَالتِّمْسَاحِ، قَالَ: وَالْبَهَائِمُ تأْتي إِنَاثُهَا مِنْ وَرَائِهَا، والطيرُ تُلْزِق الدُّبُرَ بِالدُّبُرِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ تبطَّنَها أَي عَلَا بطْنَها ليُجامِعَها.
واسْتبطنْتُ الشيءَ وتبَطَّنْتُ الكلأَ: جَوَّلتُ فِيهِ.
وابْتَطنْتُ الناقةَ عشرةَ أَبطن أَي نَتجْتُها عشرَ مَرَّاتٍ.
وَرَجُلٌ بَطِين الكُرْز إِذَا كَانَ يَخبَأُ زادَه فِي السَّفَرِ ويأْكل زادَ صَاحِبِهِ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ يَذُمُّ رَجُلًا: " أَو كُرَّزٌ يَمْشِي بَطينَ الكُرْزِ والبُطَيْن: نَجْمٌ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ بَيْنَ الشرَطَيْن والثُّرَيَّا، جَاءَ مصغَّرًا عَنِ الْعَرَبِ، وَهُوَ ثلاثةُ كواكبَ صِغَارٍ مُسْتَوِيَةِ التَّثْلِيثِ كأَنها أَثافي، وَهُوَ بَطْنُ الحمَل، وصُغِّر لأَن الحمَل نجومٌ كَثِيرَةٌ عَلَى صُورَةِ الحَمَل، والشرَطان قَرْناه، والبُطَيْن بَطنُه، وَالثُّرَيَّا أَليتُه، وَالْعَرَبُ تزعُم أَن البُطَين لَا نَوْء لَهُ إِلَّا الريحُ.
والبَطينُ: فَرَسٌ مَعْرُوفٌ مِنْ خَيْلِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ البِطان، وَهُوَ ابْنُ البَطين.
والبَطين: رَجُلٌ مِنَ الخَوارج.
والبُطَين الحِمْضيّ: من شُعَرائهم.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
45-أساس البلاغة (زمك)
زمكأفلت المكاء، ونتف الزمكاء؛ وهو أصل الذنب ممدود ومقصور.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
46-أساس البلاغة (نتف)
نتفانتتف شعره وريشه، ونتفته أنا، وأخذت نتافته، ونتفت نتفةً من النبات ونتفًا. وفلان منتوف: مولع بنتف لحيته.
ومن المجاز: أعطاه نتفةً من الطعام وغيره: شيئًا منه. وأفاده نُتَفًا من العلم. وكان أبو عُبيدة يقول في الأصمعيّ: ذاك رجل نُتَفة. ونَتَف في القوس نتفة: نزع فيها نزعةً خفيفة. وانزع نزعة بين النتفة والنّترة. وما كانت بينهم نتفةٌ ولا قرصة أي شيء صغير ولا كبير.
أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م
47-مقاييس اللغة (نتف)
(نَتَفَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَرْطِ شَيْءٍ.وَنَتَفَ الشَّعَْرَ وَغَيْرَهُ يَنْتِفُهُ.
وَالْمِنْتَافُ: الْمِنْقَاشُ.
وَالنُّتَافَةُ: مَا سَقَطَ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا نُتِفَ.
وَالنُّتْفَةُ: مَا نَتَفْتَهُ بِأَصَابِعِكَ مِنْ نَبْتٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَرَجُلٌ نُتَفَةٌ: يَنْتِفُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَقْصِيهِ.
مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م
48-المحيط في اللغة (نسر)
النَسْرُ: طائرٌ، وجَمْعُه نِسَارٌ، ومَثَلٌ: (إن البُغَاثَ بأرْضِنا يَسْتَنْسِرُ) أي يَصِيْرُ نَسْرًا.وكَوَاكِبُ يُقال لها: نَسْرُ الطائر والواقِع.
ونَتْفُ اللَّحْمِ بالمِنْسَرِ وهو المِنْقَارُ.
والمِنْسَرُ: خَيْل ما بَيْنَ المائة إلى المائتَيْنِ، ويُقال: مَنْسِرٌ.
ونَسْرُ الحافِرِ: لَحْمَةٌ يابِسَة.
ونَسَرْتُ الرجُلَ: وَقَعْت فيه.
والناسُوْرُ - بالعَرَبيةِ -: الغَبَرُ.
ونسْرِين - تَرْجَمَةٌ بالفارِسِيَّة -: من الريَاحِين.
وتَنَسرَ القِرْطاس والثَّوْبُ: إذا ذَهَبَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
وتَنَسرَتْ عنه النَعْمَةُ: تَفَرقَتْ.
والنُسَارِيةُ: من أسْمَاءِ العُقَابِ التي تُشْبِهُ النَّسْرَ.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
49-المحيط في اللغة (نتف)
النَّتْفُ: نَزْعُ الشعرِ والريْشِ.والنُّتَافُ: ما انْتَتَفَ من ذلك.
وفلانٌ نُتَفَةٌ، وقد نَتَفَ من كُلِّ شَيْءٍ طَرَفًا، وقَوْمٌ نُتَفُوْنَ.
ونَتَفَ في القَوْسِ: نَزَعَ فيها خَفِيْفًا، وهونَتِيْفٌ.
وكانَ بَيْنَهُم نَتْفَةٌ: أي شَيْءٌ هَيِّنٌ.
وغُرَابٌ نَتِفُ الجَنَاحِ: مُنْتَتِفُه.
المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م
50-تهذيب اللغة (تفث)
تفث: قال الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29].وحدَّثنا محمد بن إسحاق السِّنْدي قال: حدثنا عَلِي بن خَشْرَم عن عيسى عن عبد الملك عن عَطاءِ عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29].
قال: التَّفَثُ الحَلْق والتّقصير والأخذُ من اللّحية والشّارب والإبط، والذّبْح والرمي.
وقال الفراء: التّفَثُ نَحْرُ البُدْنِ وغيرها من البقر والغنم وحَلْق الرأس، وتَقْليم الأظْفار وأشباهه.
وقال الزجاج: التفَث أهل اللغة لا يعرفونه إلا من التفسير.
قال: التّفَثُ الأخْذُ من الشّارِب وتَقليمُ الأظفار، ونَتْفُ الإبط وحَلْقُ العَانَة والأخذُ من الشعر كأنه الخُروجُ من الإِحرام إلى الإِحلال، وقال أعرابيّ لآخر: ما أَتْفَثَكَ وأدْرَنكَ.
وقال ابن شميل: التّفَثُ النُّسُكُ مِن مناسك الحج، رجل تَفِثٌ أي مُغْبَرٌ شَعِثٌ لم يَدَّهِنْ وَلم يستحدّ.
قلت: لم يفسر أحد من اللغويين التَّفَثَ كما فَسَّره ابن شميل: جعل التفَثَ التّشَعُّثَ، وجعل قَضَاءَه إذْهَابَ الشّعَثِ بالحَلْقِ والتَّقْليم وما أشبهه.
وقال ابن الأعرابيّ في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ).
قال: قضاء حوائجهم من الحَلْق والتّنْظِيف وما أشبهه، وقال ابن الأعرابيّ.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م