نتائج البحث عن (وَيَبْعَثُ)
1-العربية المعاصرة (ذكر)
ذكَرَ يَذكُر، ذِكْرًا وذُكْرًا وذِكْرى وتَذكارًا وتِذكارًا، فهو ذاكِر، والمفعول مَذْكور.* ذكَر الطَّالبُ القصيدةَ: حفظها في ذهنه واستحضرها (ذكَر الماضي- أذكر أنَّني كتبت إليه رسالة- ذكرناك في غيابك- {خُذُوا مَا ءَاتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ} [قرآن]) (*) حقّق تقدُّمًا يُذكر: نجح نجاحًا مَلْحوظًا- قيمته لا تُذكر: تافه القيمة، غير ذي بال.
* ذكَر حقَّه: حفظه، ولم يضيّعه (ذكر العهدَ الذي بينه وبَيْن والده).
* ذكَر الشَّيءَ: استحضره واستعاده في ذهنه بعد نسيانٍ (ذكر الأيّامَ الغابرة- {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} [قرآن]: خبرًا أو قصّة- {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [قرآن]) - إذا ذكرت الذِّئبَ فأعِدّ له العصا [مثل]: يُضرب للحثّ على الاستعداد للأمور وعدم الغفلة- اذكر الصَّديقَ وهيِّئ له وسادة [مثل]: يُضرب للرّجل الصالح يُذكر في مجلس فإذا به يحضر على غير ميعاد.
* ذكَر اللهَ:
1 - أثنى عليه، وحمده وسبّحه، ومجّده، واستحضرَه في قلبه فأطاعه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} [قرآن].
2 - دعاه {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [قرآن].
3 - صلّى {وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إلاَّ قَلِيلًا} [قرآن].
* ذكَر النِّعمةَ: شكرها {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ} [قرآن].
* ذكَر شرْطًا:
1 - أورد (ذكر ملاحظاته/واقعة- ذكرته في مَعْرِض حديثي- {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ} [قرآن]) (*) ذكرته آنفًا: أي منذ ساعة من أوّل وقت يقرب مِنّا.
2 - دوَّن (ذكر في محضر- ذكر زميلًا له في وصيَّته).
* ذكَر شخصًا: عابه (ذكر الناس: اغتابهم- ذكره بالشرِّ: ذمّه- {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ} [قرآن]: يعيبهم ويذمّهم) (*) ذكره بالخير: مدحه، أثنى عليه.
* ذكَر فلانةَ:
1 - خطبها (إِنَّ عَلِيًّا يَذْكُرُ فَاطِمَةَ [حديث] - {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [قرآن]).
2 - عرَّض بخِطبتها.
* ذكَر اسمَ الله على الذَّبيحة: نطق به {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [قرآن] (*) ذكرته بلساني وبقلبي.
* ذكَر فلانٌ الشَّيءَ لفلانٍ: أعلمه به وذكَّره إيّاه.
أذكرَ يُذْكِر، إذكارًا، فهو مُذكِر، والمفعول مُذكَر (للمتعدِّي).
* أذكرتِ الأنثى: ولدت ذكرًا (*) أذكرتِ، وأيسرتِ: من أدعية العرب للحبلى، أي ولدتِ ذكرًا، ويُسِّر عليك.
* أذكرتِ الفتاةُ: تشبَّهت في أخلاقها بالرَّجل.
* أذكره حقَّه: نبّهه، جعله يستحضره ويسترجعه في ذهنه (أذكر صديقَه أيّام الصبا- {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذْكِرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [قرآن]).
* أذكر الحقَّ عليه: أظهره وأعلنه.
ادَّكرَ يدّكِر، ادِّكارًا، فهو مُدَّكِر، والمفعول مُدَّكَر.
* ادَّكرَ الشَّخصُ الموعدَ: اذَّكره، استحضره في ذهنه واسترجعه بعد نسيان {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [قرآن]: مُستحضِر مُتدبِّر، مُتّعظ حافظ- {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [قرآن].
اذَّكَرَ يذّكِر، اذِّكارًا، فهو مُذّكِر، والمفعول مُذَّكَر.
* اذَّكرَ الشَّخصُ الموعدَ: ادّكره، استحضره في ذهنه واسترجعه بعد نسيان {وَاذَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} [قرآن] - {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا ءَايَةً فَهَلْ مِنْ مُذَّكِر} [قرآن]: مُتّعظ حافظ).
اذَّكَّرَ يذَّكَّر، فهو مُذَّكِّر، والمفعول مُذَّكَّر (للمتعدِّي).
* اذَّكّر الشَّخصُ: اتّعظ واعتبر {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [قرآن].
* اذَّكَّر الشَّيءَ: استحضره، واسترجعه في ذهنه {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا} [قرآن].
استذكرَ يستذكر، استذكارًا، فهو مُستذكِر، والمفعول مُستذكَر.
* استذكر الطَّالبُ الدَّرسَ: حفظه ودرسه (استذكر كتابًا/قصيدةً).
* استذكر الشَّيءَ: استحضره، تذكَّره، واسترجعه في ذهنه (استذكر الماضي/المحاضرات).
تذاكرَ/تذاكرَ في يتذاكر، تذاكُرًا، فهو مُتذاكِر، والمفعول مُتذاكَر.
* تذاكروا الشَّيءَ: استحضروه في أذهانهم وذكرَهُ بعضُهم لبعض (تذاكروا أحداثَ الماضي- تذاكروا أيّامَ الشباب).
* تذاكر الكتابَ: درسه للحفظ.
* تذاكروا الأمرَ/تذاكروا في الأمر: تفاوضوا فيه، وتشاوروا، وتبادلوا الرأي (تذاكر القضاةُ حيثيّات القضيّة- تذاكر التجّارُ في أمور البيع والشِّراء).
تذكَّرَ يتذكَّر، تذكُّرًا، فهو مُتذكِّر، والمفعول مُتذكَّر (للمتعدِّي).
* تذكَّرتِ المرأةُ: تشبَّهت في أخلاقها بالرَّجل.
* تذكَّر الشَّيءَ: مُطاوع ذكَّرَ1: ذكره، استحضره بعد نسيان، وفطِن له (تذكَّر حادثةً/واقِعَةً: جرت على لسانه بعد نسيان- كلَّنا ننسى أكثر ممَّا نتذكّر- {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَاب} [قرآن]: يتّعظ ويعتبر- {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [قرآن]).
ذاكرَ يُذاكر، مُذاكرةً، فهو مُذاكِر، والمفعول مُذاكَر.
* ذاكر فلانًا في أمرٍ:
1 - كالمه فيه، وخاض معه في حديثه (جرت بينهم مذاكرة قصيرة- ذاكرني والدي في موضوع الامتحان).
2 - نبَّهه {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَاكِرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [قرآن]).
* ذاكر الطَّالبُ دَرْسَه: فهمه وحفظه (ذاكَر دُروسَه/المحاضرات).
ذكَّرَ يُذكِّر، تذكيرًا وتذكِرةً، فهو مُذكِّر، والمفعول مُذكَّر.
* ذكَّر الخطيبُ النَّاسَ: وعظهم وخوّفهم {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [قرآن].
* ذكَّر فلانًا: حدَّثه عن الماضي.
* ذكَّرتُ صديقي دَينَه/ذكَّرتُ صديقي بدينه: جعلته يستحضره ويسترجعه، ويعيده إلى ذهنه، نبّهته (ذكّره وعْدَه/بوعْده- ذكّرته بتصرُّفاتِه- ذكَّرتني الطعن وكنت ناسيًا [مثل]: تنبيه الغافل الذي أنسته المفاجأة أن لديه ما يُنفِّذه- {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [قرآن]).
ذكَّرَ يُذكِّر، تذكيرًا، فهو مُذكِّر، والمفعول مُذكَّر.
* ذكَّر الفلاَّحُ النَّخلَ: نثَر مقدارًا من لقاح فحل النخل على أعذاق الأنثى ليلقحَها.
* ذكَّر الكلمةَ: [في النحو والصرف] عاملها معاملة المذكَّر، عكسه أنّث.
تَذْكار/تِذْكار [مفرد]:
1 - مصدر ذكَرَ.
2 - شيء يُحمل، أو يُكتب، أو يُحفظ للذِّكرَى (قدم له هديَّة على سبيل التِّذكار/التَّذكار- أهداه ساعة تِذكارًا/تَذكارًا لصداقتهما).
3 - استرجاع الذِّهن صورة شيء أو حدثٍ ما (على سبيل التّذكار).
تَذْكاريّ/تِذْكاريّ [مفرد]: اسم منسوب إلى تَذْكار/تِذْكار: (طابع/كتاب تذكاري- لوحة تذكاريَّة) (*) صورة تذكاريّة: صورة تُلتقط لمجموعة من الأشخاص تسجيلًا لحدث معيّن.
* نُصُب تذكاريّ: بناء يُقام لتخليد ذكرى شهداء حرب أو تخليد ذكرى تاريخيّة.
تَذْكِرة [مفرد]: جمعه تذكرات (لغير المصدر) وتذاكر (لغير المصدر):
1 - مصدر ذكَّرَ.
2 - ما تستحضر به الحاجة في الذهن، وما يدعو إلى الاسترجاع في الذِّهن.
3 - ما يدعو إلى الذِّكرى والعبرة ويبعث على الذكر {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [قرآن].
4 - بطاقة يثبت فيها أجر الركوب أو الدخول لمكان ما في (طائرة- قطار- مسرح- سينما- متحف..) (تذكرة هويّة/اشتراك/مرور/ذهاب وإياب- مراقب التذاكر- صندوق التذاكر: كشك بيع التذاكر) (*) تذكرة إثبات الشَّخصيَّة/تذكرة إثبات الهُويَّة: وثيقة رسميَّة تحمل اسم الشخص ورسمَه وسماتِه وتثبت شخصيَّته، تصدر من الحكومة، بطاقة- تذكرة انتخابيَّة: بطاقة تثبت حقّ الشّخص في الانتخاب- تذكرة طبِّيَّة: بطاقة يسجِّل فيها الطبيبُ علاجَ المريض والأدوية التي يحتاج إليها- تذكرة مرور: وثيقة تسمح بحرِّيَّة المرور والتنقُّل بدلًا عن جواز السفر.
5 - جواز سفر.
تذكُّر [مفرد]:
1 - مصدر تذكَّرَ.
2 - [في علوم النفس] استعادة الصور، والمعاني الذهنيَّة الماضية عفوًا، أو عن قصد.
تذكير [مفرد]:
1 - مصدر ذكَّرَ وذكَّرَ.
2 - وعظ {إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ} [قرآن].
3 - [في النحو والصرف] عدم إلحاق الفعل أو الاسم علامة التأنيث.
ذاكِرة [مفرد]:
1 - صيغة المؤنَّث لفاعل ذكَرَ.
2 - [في علوم النفس] قدرة النفس على الاحتفاظ بالتجارب، والمعلومات السابقة في الذِّهن واستعادتها (لديه ذاكرة حادّة- بقي في ذاكِرة الناس) (*) إن لم تخُنِّي الذَّاكرةُ: إذا لم أنسَ- خلل في الذَّاكرة/قُصور في الذَّاكرة: ضعف ونقص فيها- ذاكِرة بصريّة: قوّة عقليَّة، يحفظ بها الإنسانُ في ذهنه كلّ ما يُبصِر- ذاكِرة حافِظة: قدرة على استبقاء الأشياء في الذِّهن- مطبوعٌ في الذَّاكرة: لا يمكن نسيانُه.
* فقدان الذَّاكرة: [في علوم النفس] ضياع كلِّيّ للذَّاكرة لفترة من الزمن بسبب حوادث مُعيَّنة، فهو حالة يكون فيها المريض واعيًا ولكنَّه لا يستطيع التذكُّر.
* ذاكرة مُؤقَّتة: [في الحاسبات والمعلومات] أداة أو منطقة تُستخدم لتخزين المعلومات بشكل مؤقَّت وتسليمها بسرعة تختلف عن التي أُدخلت بها.
* ذاكرة إضافيَّة: [في الحاسبات والمعلومات] وحدة تخزين خارجيّة تُستخدم امتدادًا للذّاكرة الداخليّة لاستكمال تخزين برنامج أو بيانات لا تسعها الذاكرة الداخليّة.
* ذاكرة مستديمة: [في الحاسبات والمعلومات] وسط تخزين يمكنه الاحتفاظ بالبيانات المخزونة عليه كما هي في حالة انقطاع التيّار الكهربائيّ المغذِّي له بمعنى إمكانيَّة الحصول على البيانات المخزونة في حالة انقطاع التيّار وعودته مرَّة أخرى.
* طبع محتوى الذَّاكرة: [في الحاسبات والمعلومات] نسخة من المعلومات تحفظ في ذاكرة الحلقات الممغنطة، وعادة ما تحفظ على جهاز للحفظ الخارجيّ.
* قرص ذاكرة للقراءة فقط: [في الحاسبات والمعلومات] قرص مُدمج يعمل كأداة قراءة فقط.
ذَكَر [مفرد]: جمعه ذِكار وذِكارة وذُكْران وذُكُور وذُكُورة:
1 - جنس لا يلد، وهو جنس يمتلك قدرةَ الإخصاب، عكْسه أنثى (ولد/ضفدعٌ ذكرٌ- {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} [قرآن]).
2 - آدم عليه السّلام {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا} [قرآن].
ذَكَر [مفرد]: جمعه ذِكَرة وذُكُور ومذاكيرُ: صفة تُطلَق على كلِّ قطعة في آلة تدخل في قطعة أخرى، تسمى أنثى (ذكر أنبوب).
* الذَّكَر من الإنسان وغيره: عضو التَّناسل.
* الذَّكَر من الحديد: أجوده، وهو خلاف الأنيث.
* الذَّكَر من النُّحاس: الصّلب الذي لا يُطرق جيِّدًا.
* رجل ذكر: قويّ، شجاع، شهم، أبيّ.
ذُكْر [مفرد]: مصدر ذكَرَ.
ذِكْر [مفرد]: جمعه أذكار (لغير المصدر):
1 - مصدر ذكَرَ.
2 - صيت حسن، أو سيئ، يتركه الإنسانُ بعد موته، وقيل الصِّيت والشرف (خالِد الذِّكْر- طيِّب الذكْر: حسن السُّمعة- *فالذِكر للإنسان عمرٌ ثانٍ*- {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [قرآن]) (*) آنِف الذِّكر: معلوم سابقًا- أشاد بذِكره: رفع من قدره، أثنى عليه، عظَّمه- خصَّه بالذِّكْر: أفرده بالإشارة، ذكره بصورة خاصَّة- سابِق الذِّكر/سالف الذِّكر: معلوم سابقًا- ما زال منِّي على ذِكْر: لم أنْسَه- ممّا هو جدير بالذِّكر: ممّا يستحقّ الإشارةَ إليه.
3 - دُعاء، وتعبُّد بطريقة جماعيَّة (حلقة ذِكْر: حفل يردِّد فيه عددٌ من الأشخاص (من الدراويش عادة) لا إله إلاّ الله، وباقي أسماء الله الحسنى وأدعية وترانيم).
* الذِّكْر:
1 - القرآن الكريم، لما فيه من تذكرة النَّاس بآخرتهم ومصالح دنياهم (اقرأ ما تيسّر من آي الذِّكر الحكيم- {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [قرآن]) (*) الذِّكْر الحكيم: القرآن الكريم.
2 - كتاب من كتب الأوَّلين {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ} [قرآن].
3 - اللَّوح المحفوظ {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [قرآن].
4 - الصَّلاة والدُّعاء {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [قرآن] - {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [قرآن].
ذِكْرى [مفرد]:
1 - مصدر ذكَرَ.
2 - عِبرة وعِظة وتوبة {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [قرآن].
3 - ذِكر، صِيت حسن أو سيئ يتركه الإنسانُ بعد موته.
4 - ما ينطبع في الذاكِرة، ويبقى فيها (لطفولتنا ذكريات سعيدة- ذكرى عذبة/مؤلمة/حيَّة- ذكريات كاتب- أعاد ذكريات الماضي) (*) ذكريات الدِّراسة.
5 - تذكُّر {فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [قرآن].
6 - تسبيح وطاعة {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [قرآن].
7 - دليل وحجّة {وَمَا هِيَ إلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [قرآن].
8 - عيد سنويّ ليوم تميَّز بحدث هامّ، أو حدوث أمر معيَّن، احتفال بمرور فترة على حادث مهمّ (ذِكرى ميلاد- ذكرى انتصار السادس من أكتوبر- احتفال بذكرى المولد النبوي الشريف- ذكرى الإسراء والمعراج) (*) إحياءً لذِكْرى: أقام احتفالًا تكريمًا لشخص، أو حدث- الذِّكرى الألفيّة: الاحتفال بمرور ألف عام على بناء مسجد أو إنشاء مدينة. إلخ- الذِّكرى السَّنويّة: الاحتفال بمرور عام على زواج أو وفاة شخص. إلخ، أو ما يُذكِّر بما حدث في اليوم ذاته لسنة أو لسنوات خلت- الذِّكرى المئويّة: الاحتفال بمرور مائة عام- تخليد الذِّكرى/تمجيد الذِّكرى.
* يوم الذِّكرى: يوم يقيمه المستوطنون الصهاينة قبل يوم 5 مايو (آيار) وهو اليوم الذي يحتفلون فيه بعيد الاستقلال، ويُكرَّس هذا اليوم لذكرى الجنود الذين سقطوا في حرب 1948 أو الحروب التي تلتها.
ذَكُور [مفرد]: صيغة مبالغة من ذكَرَ: كثير الحفظ في ذهنه، قويّ الذاكرة (شابٌّ ذَكور- إذا كُنت كذوبًا فكُن ذَكُورًا).
ذُكُورة [مفرد]: مجموع الصفات الخاصّة بجنس الذكور، عكسها أنوثة (نسبة الذكورة في المواليد تتساوى في الغالب مع نسبة الأنوثة).
ذُكُوريَّة [مفرد]: مصدر صناعيّ من ذُكُورة: رجوليَّة (ذكوريَّةُ الرّأي/الجَسَد).
مُذَاكرة [مفرد]: مصدر ذاكرَ: معاودة فهم الدروس وحفظها (مذاكرة جهريَّة- حريص على المذاكرة).
مِذْكار [مفرد]: جمعه مذاكيرُ، والمذكر مِذْكار: مَن اعتادت ولادة الذُّكور، وقد يطلق كذلك على الرجل الذي يتوارد أبناؤه ذكورًا (*) أَرْضٌ مِذكارٌ: تنبت ذكور العُشب- فلاةٌ مِذكارٌ: صحراء ذات أهوال لا يسلكها إلاّ الذكور من الرِّجال.
مِذْكارة [مفرد]: مِذْكار، من اعتادت ولادة الذكور (امرأة مِذْكارة).
مُذْكِر [مفرد]: اسم فاعل من أذكرَ (*) داهية مُذْكِر: شديدة لا يُقدَر عليها- طريق مُذْكِر: مَخُوف- يَوْمٌ مُذْكِر: شديد صعب.
مُذكَّر [مفرد]:
1 - اسم مفعول من ذكَّرَ وذكَّرَ.
2 - [في النحو والصرف] اسم لا توجد فيه علامة تأنيث، وهو خلاف مؤنَّث فيكون مذكّرًا حقيقيًّا، أي له أنثى من جنسه كالرَّجل، والجمل، أو مذكَّرًا غير حقيقي كالكتاب، والباب.
* المُذكَّر من الإنسان والحيوان: من له صفات الذَّكر، عكسه مؤنَّث (امرأة مذكَّرة: متشبِّهة في أخلاقها بالرِّجال) (*) سيف مُذَكّر: ذو رونق وحسن وصفاء- طريق مذكَّر: مَخُوف- يَوْمٌ مُذكَّر: شديد صعب.
* جَمع المذكَّر السالم: [في النحو والصرف] ما دلّ على أكثر من اثنين بزيادة واو ونون أو ياء ونون على مفرده وأغنى عن المتعاطفين، فكان له مفرد من جنسه، ومفرده إمّا اسم وإمّا صفة.
* المُلحق بجمع المذكَّر: [في النحو والصرف] ما دلّ على أكثر من اثنين وعُومل معاملة جمع المذكَّر السَّالم في الرَّفع بالواو وفي النَّصب والجرّ بالياء.
مُذكِّرة [مفرد]:
1 - صيغة المؤنَّث لفاعل ذكَّرَ وذكَّرَ.
2 - دفترٌ صغيرٌ يدوَّن فيه ما يراد استرجاعه واستحضاره في الذِّهن من أمور، أو أعمال، أو مواعيد، مفكِّرة، دفتر ملاحظات (هذا مدوَّن في مذكِّرتي- سجل في مذكِّرته موعد قيام الطائرة- مذكِّرات سياسيّ: ما يرويه شخص خطِّيًّا من أحداث شهدها بنفسه أو تتعلق بسيرته، وحياته العامَة أو الخاصّة).
3 - بيان مجمل أو مفصّل تُشرح فيه بعض المسائل (مذكِّرة موجَّهة إلى رئيس الدولة- مذكِّرة بطرح الثِّقة- بعثت الحكومةُ بمذكِّرة دبلوماسيّة تفصيليّة- سُلمت مذكِّرة احتجاج إلى السفارة) (*) مذكِّرة إحضار/مذكِّرة استدعاء: ورقة دعوة وجلب إلى المحكمة- مذكِّرة اتِّهام: بيان يحمل مُسوِّغات الاتِّهام في قضيَّة من القضايا- مذكِّرة احتجاج: تقرير موجز يعترض على خطأ، أو انتهاك للقانون الدوليّ- مذكِّرة توقيف: أمرٌ يُصدره قاضي التَّحقيق يقضي بتوقيف شخص وسجنه- مذكِّرة دعوَى: مذكِّرة تتعدَّى عرض الدعوى ويُدخِل فيها أحدُ الأطراف المتنازعة طُعونًا.
4 - إشعار مكتوب صادر عن الإدارة يحمل ملاحظات على سير العمل أو التنبيه إلى تدبير جديد.
* مذكِّرة قضائيّة: [في القانون] أمر قضائيّ يُصرِّح لشرطيّ القيام بالتَفتيش أو الحيازة أو إلقاء القبض.
* المذكِّرة التَّفسيريَّة: [في القانون] بيان يُصدَّر به كلّ قانون لبيان الدَّواعي إلى سَنِّه.
* مذكِّرة شفويّة: [في القانون] إبلاغ يُقال شفهيًّا ويُدوَّن في مذكِّرة مكتوبة غير موقَّعة.
مذكُور [مفرد]:
1 - اسم مفعول من ذكَرَ: سابق الذّكر (*) المذكور أعلاه/المذكور آنفًا/المذكور سلفًا: المشار إليه سابقًا.
2 - ذو قيمة، وغالبًا ما تستعمل في أسلوب النّفي (لم يكن مذكورًا بينهم: لم يكن ذا قيمة بينهم- {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [قرآن]).
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-العربية المعاصرة (شأم)
شأَمَ/شأَمَ على يَشأَم، شَأْمًا، فهو أَشأم وشُؤم، والمفعول مَشْئوم.* شأَم قومَه/شأَم على قومه: جرَّ عليهم الشُّؤْمَ، أي النَّحْس (أشأمُ من غراب) (*) رَجُلٌ مشئوم: أينما حلّ لا يتفاءل الناسُ بقدومه.
شُئِمَ يُشأَم، شُؤمًا، والمفعول مَشْئوم.
* شُئِم الشّخصُ: أصابه الشُّؤْم، فلا يرى إلاّ سوءًا، ولا يتوقّع إلاّ مكروهًا (*) شُئِم عليهم: صار شُؤْمًا، لا يُتفاءل بوجوده.
أشأمَ يُشئِم، إشآمًا، فهو مُشئِم.
* أشأم المُسافرُ: ذهب إلى الشّام.
تشأَّمَ يتشأَّم، تشؤُّمًا، فهو مُتَشَئِّم.
* تشأَّم الرَّجلُ: تشاءم, توقّع الشرَّ ولم يتفاءلْ.
تشاءمَ/تشاءمَ ب/تشاءمَ من يتشاءم، تشاؤمًا، فهو مُتشائِم، والمفعول مُتشاءَم به.
* تشاءَم الرَّجُلُ:
1 - توقّع الشرَّ, عكسه تفاءَل (ينظر إلى المستقبل نظرة تشاؤم).
2 - انتسب إلى بلاد الشَّام أو أخذ ناحيَتها.
* تشاءم بالغراب/تشاءم من الغراب: توقع الشرّ ولم يتفاءل لرؤيته (تشاءم من انقطاع التيّار الكهربائيّ).
أشْأَم [مفرد]: جمعه أشائم: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من شأَمَ/شأَمَ على: مَنْ يجرُّ الشرَّ على غيره (*) ناحية الأشأم: ناحية الشّمال.
تشاؤُم [مفرد]:
1 - مصدر تشاءمَ/تشاءمَ ب/تشاءمَ من.
2 - حالة نفسيّة تقوم على اليأس والنّظر إلى الأمور من الوجهة السَّيِّئة، والاعتقاد أنّ كلَّ شيء يسير على غير ما يُرام، عكسه تفاؤل (*) نَزْعة تشاؤميَّة: يغلبُ عليها التشاؤم.
3 - [في الفلسفة والتصوُّف] مذهب يقول: إنّ الشرَّ في العالم أكثر من الخير، وأنّ الحياة الإنسانيّة هي سلسلة من الآلام الدائمة.
شَأْم [مفرد]: مصدر شأَمَ/شأَمَ على.
شُؤْم [مفرد]:
1 - مصدر شُئِمَ (*) شؤم الدَّار: ضيقُها وسوءُ جارها- نذير شؤم: علامةُ وقوعِ مكروه، ما ينبئ بشرّ ويبعث على الخوف.
2 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من شأَمَ/شأَمَ على: لا يُتفاءل به (يوم/رجل/امرأة/قوم شُؤم).
3 - شرّ, مكروه (لا تجلب الشّؤْم لأهلك).
شَأْمَة [مفرد]: جمعه شَأَمات وشأْمات: جهة اليسار (نظر يَمْنةً وشَأْمةً).
شُؤْمَى [مفرد]:
1 - مؤنَّث أشْأَم: (امرأة شُؤمى).
2 - يُسرى، ضدّ يُمْنى (اليد الشُؤْمى).
مَشْأمَة [مفرد]: جمعه مَشْأمات ومشائِمُ:
1 - جهة الشِّمال ({وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [قرآن]: أصحاب المشأمة هم الذين يُعطَوْن كتابهم بشمالهم، وقيل: هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار).
2 - شؤم, مكروه, عكس مَسْعدة أو مَيْمنَة (تصرُّفك ينذر بمشأمة).
مَشئوم [مفرد]: جمعه مشائيمُ:
1 - اسم مفعول من شأَمَ/شأَمَ على.
2 - ما يجلب الشّؤم (حرب مشئومة- حادث مشئوم).
* القُوَّتان المَشئومتان: الغضب والشَّرّ.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
3-العربية المعاصرة (عجز)
عجَزَ يَعجِز، عَجْزًا وعُجوزًا، فهو عَجوز.* عجَزَ الشَّيخُ: هرِم، أَسنَّ وبلغ من العُمر مداه (عَجزتِ المرأةُ- أُعْطِي معاشَ عَجْز).
عجَزَ/عجَزَ عن يَعجِز، عَجْزًا، فهو عاجِز، والمفعول معجوز عنه.
* عجَزَ الشَّخصُ: لم يكن حازمًا (عجَز مديرُ المصنع عن معاملة العُمَّال المشاغبين).
* عجَزَ عن الشَّيءِ: ضعُف ولم يقدر عليه (عجَز عن تحقيق هدفه/حمل الأثقال- اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ [حديث] - {قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} [قرآن]).
عجِزَ يعجَز، عَجَزًا وعُجْزًا، فهو أعجزُ.
* عجِزتِ المرأةُ: كبُرت عجيزتُها، أي مؤخَّرها (عجِز الرَّجلُ).
عجِزَ عن يعجَز، عَجَزًا، فهو عجِز، والمفعول معجوز عنه.
* عجِزَ عن الشَّيء: عجَز عنه، ضعُف ولم يقدر عليه (عجِز عن العمل: كبِر ولم يعد يستطيعه- {قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجِزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} [قرآن]).
أعجزَ/أعجزَ في يُعجز، إعجازًا، فهو مُعْجِز، والمفعول مُعْجَز.
* أعجزه المرضُ عن الاستمرار في عمله: أقعده، جعله غير قادرٍ على فعل شيء (أعجزه الحادثُ عن المشي- يُعجزه الغضبُ عن الكلام- {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} [قرآن]) (*) أعجزه الأمرُ: صَعُب عليه نيلُه.
* أعجز في الكلام: أدَّى معانيه بأبلغ الأساليب.
تعاجزَ عن يتعاجز، تعاجُزًا، فهو مُتعاجِز، والمفعول مُتعاجَز عنه.
* تعاجز عن القيام بعمله: أظهر العجز والضعف وعدم المقدرة.
عاجزَ يعاجز، معاجزةً، فهو مُعاجِز، والمفعول مُعاجَز.
* عاجز فلانًا: سابقه ({وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي ءَايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [قرآن]: مسابقين ظانيِّن أنَّهم يفوتوننا).
عجَّزَ يعجِّز، تعجيزًا، فهو مُعجِّز، والمفعول مُعجَّز (للمتعدِّي).
* عجَّزَ الشَّخصُ: عجَز؛ هَرِم، أسنَّ وبلغ من العُمُر مداه.
* عجَّزَ والدَه بطلباته الكثيرة: عوَّقه، ثبَّطه (ما عجّزه عن إنجاز عمله إلاَّ المرض- عجَّزته الشَّيخوخةُ).
* عجَّزه: نسبه إلى العَجْز وعدم الاقتدار (وبَّخه على كسله وعجَّزه).
إعجاز [مفرد]:
1 - مصدر أعجزَ/أعجزَ في.
2 - ارتفاع عن مدى قدرة البشر (إعجاز القرآن: عدم القدرة على محاكاته وامتناع الإتيان بمثله).
أعجزُ [مفرد]: جمعه عُجْز، والمؤنث عجزاءُ، والجمع المؤنث عجزاوات وعُجْز: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من عجِزَ.
عاجِز [مفرد]: جمعه عاجزون وعَجَز وعَجَزة وعواجِزُ، والمؤنث عاجزة، والجمع المؤنث عاجزات وعواجِزُ: اسم فاعل من عجَزَ/عجَزَ عن.
عجِز [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من عجِزَ عن.
عَجْز [مفرد]:
1 - مصدر عجَزَ وعجَزَ/عجَزَ عن.
2 - [في علوم النفس] عدم القدرة على أداء وظيفة ما، ويكون ذلك عادة من جرّاء ضرر أو ضعف يلحق البنية.
* العَجْز في ميزان المدفوعات: [في الاقتصاد] زيادة المصروفات عن الإيرادات.
* العَجْز في الميزان التِّجاريّ: [في الاقتصاد] زيادة قيمة الواردات عن قيمة الصَّادرات (*) عَجْز ماليّ: المقدار النَّاقص عن مبلغ المال المطلوب أو المتوقَّع.
عَجَز [مفرد]: مصدر عجِزَ وعجِزَ عن.
عَجُز [مفرد]: جمعه أعجاز:
1 - مؤخَّر كلّ شيء (يُذكَّر ويُؤنَّث) (عجُز المرأة/الفَرسَ/السَّفينة- {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [قرآن]: أعجاز النخل: أصولها) (*) أعجاز الأمور: أواخرها- ركِب في الطَّلب أعجازَ الإبل [مثل]: يُضرب لمن يركب الذلّ والمشقّة.
2 - [في الأحياء] مَقْعَدة، جزء خلفيّ في نهاية السِّلسلة الفقَّاريَّة (أُصيب في عَجُزه).
3 - [في العروض] شطر أخير من بيت الشِّعر (لبيت الشِّعر الموزون صدْرٌ وعَجُز).
عَجِز [مفرد]: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من عجِزَ عن.
عُجْز [مفرد]: مصدر عجِزَ.
عَجُزيَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى عَجُز.
* الفقرات العَجُزيَّة: [في التشريح] الفقرات الموجودة في الجزء الخلفيّ في نهاية السِّلسلة الفَقَاريَّة قبل العصعص، وعددها خمس فقرات.
عَجوز [مفرد]: جمعه عُجُز، والمؤنث عَجوز وعجوزة، والجمع المؤنث عجائزُ وعُجُز: صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من عجَزَ1: للمذكَّر والمؤنّث (*) رَجُلٌ عجوز: استعمال حديث بمعنى شيخ- عجوز شمطاءُ: هَرِمة جدًّا، كبيرة السِّنِّ.
عُجوز [مفرد]: مصدر عجَزَ.
عَجيزَة [مفرد]: جمعه عجيزات وعجائزُ.
* عجيز المرأة: عَجُزها، مؤخَّرها.
مُعْجِزَة [مفرد]:
1 - أمرٌ خارقٌ للعادة يُظهره اللهُ على يد نبيّ تأييدًا لنبوَّته (مُعْجِزَة موسى عليه السَّلام العصا- مُعْجِزَة محمد عليه الصَّلاة والسَّلام القرآن).
2 - أمرٌ نادر الحدوث يَعجَز الإنسانُ العاديّ عن الإتيان بمثله (اختراق الفضاء إحدى معجزات العصر).
3 - [في الفلسفة والتصوُّف] ما يخرج عن المألوف ويبعث على الإعجاب، فيقال: معجزة العلم ومعجزة الدِّين وغيرهما.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
4-العربية المعاصرة (قوي)
قوِيَ/قوِيَ ب/قوِيَ على يَقوَى، اقْوَ، قُوَّةً، فهو قَوِيّ، والمفعول مقويّ به.* قوِي الشَّخصُ: خلا من المرض، وكان ذا طاقة على العمل، ضدّ ضعف (قوِي جسْمُه/قَوِيَتْ عزيمتُه- آفة القُوَّة استضعاف الخصم- الاتّحاد يورث القوّة- {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [قرآن]).
* قوِي بمساعدة فلان: استمدّ قُوّتَه منه.
* قوِي على الأمْرِ: أطاقه، استطاع فِعله (قوِي على الاحتمال/الصُّعود إلى الجبل- يقوَى على مواصلة حياته في العمل- لا يقوى على شدٍّ ولا إرخاء).
أقوى يُقْوِي، أَقْوِ، إقواءً، فهو مُقْوٍ.
* أقوى الشَّخصُ: افتقر ({وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} [قرآن]: المحتاجين أو المسافرين الذين لا زاد معهم ولا مال لهم).
* أقوتِ الدَّارُ: خَلَت.
* أقوى الشَّاعرُ: [في العروض] خالف حركة الرَّويّ من حركة ثقيلة كالكسرة إلى حركة أُخرى تشبهها في الثقل كالضمة.
استقوى/استقوى ب يستقوي، اسْتَقْوِ، استقواءً، فهو مُسْتَقْوٍ، والمفعول مُسْتقوًى به.
* استقوى فلانٌ:
1 - صار ذا قوَّة (طاقة).
2 - رأى نفسَه قويًّا (يستقوي الإنسانُ بين الضُّعفاء).
* استقوى بمساعدة فلان: صار قويًّا بمساعدته.
تقوَّى/تقوَّى ب يتقوَّى، تَقَوَّ، تقوّيًا، فهو مُتقوٍّ، والمفعول مُتقوًّى به.
* تقوَّى الشَّخصُ/تقوَّى الشَّخْصُ بالشَّيء: تشدَّد وكان ذا قُوَّة (تقوّى بأفراد عائلته: استمدّ منهم قدرتَه وشجاعتَه- تقوّى بالتمارين).
قوَّى يقوِّي، قَوِّ، تقويةً، فهو مُقَوٍّ، والمفعول مُقَوًّى.
* قوَّاه اللهُ: أبدل ضعفَه قُوَّة (قوَّى الحائطَ بالأسمنت- قوّى الصحّةَ/الحاميةَ- تخفيض النّفقات الخاصّة بتقوية النفوذ) (*) قوّى صوتَه: رفع من نبرته، علاّه- قوَّى عضدَه: شدّ من أزره.
* قوَّى أواصرَ الصداقة بينهم: عزّزها، شدَّدها (قوّى مركزَه بالإدارة- قوَّى من الرُّوح المعنويّة للجنود- الجيش قوَّى قدراته الهجوميّة- قوَّى من عزيمته).
* قوَّى نارًا: ذكّاها، قوّى من لهيبها.
إقواء [مفرد]:
1 - مصدر أقْوَى.
2 - [في العروض] اختلاف حركة الرَّويّ من حركة ثقيلة كالكسرة إلى حركة أخرى تشبهها في الثِّقل كالضّمّة (يُعَد الإقواء من عيوب الشِّعْر العربيّ).
أقْوَى [مفرد]: اسم تفضيل من قوِيَ/قوِيَ ب/قوِيَ على: (الأقوى من يقوى على نفسه- إنّ أقوى الأشجار ترتفع من بين الصّخور).
استقواء [مفرد]: مصدر استقوى/استقوى ب.
تقاوٍ [جمع]: [في الزراعة] بذور النباتات النّاضجة الجافّة التي تُبذَر في الأرض للزِّراعة كبذور القطن والقمح والفول.
تقوية [مفرد]: مصدر قوَّى.
قُوّات [جمع]: مفرده قُوّة: [في العلوم العسكرية] وحدات الجيش (قوّات بحريّة: قوى عسكرية في الدولة، وتشمل السُّفن والغَوَّاصات والمُدَمِّرات وحاملات الطائرات وغيرها- قُوّات بَرِّيَّة: جيوش محاربة في البرّ- قوّات جويَّة: طيران حربيّ- قوّات مُسلّحة: مجموعة جيوش بلد، وتشمل فيالق البَرّ والبحْر والجوّ- قوات الاحتياط: قسم من القوات العسكريّة التي لا تكون في الخدمة الفعليّة إنمّا يمكن استدعاؤها لهذه الخدمة).
قُوّة [مفرد]: جمعه قُوًى (لغير المصدر):
1 - مصدر قوِيَ/قوِيَ ب/قوِيَ على (*) القوّة الجاذبة: هي التي تدفع الشّيء نحو المركز- القوَّة النَّابذة: التي تدفع الشّيء للابتعاد عن المركز- بالقوّة: بالعنف، قهرًا، أو بالفعل- بقوّة السِّلاح: بالقوّة، بعمل حربيّ- قوى الأمن الداخليّ: رجال الشرطة والذين هم تحت تصرُّف الحكومة لتأمين احترام القانون والمحافظة على الأمن- لا حول له ولا قوّة: ضعيف عاجز.
2 - مبعث نشاط وحركة وطاقة، إقدام وشدّة (قوَّة مركزيّة جاذبة- قوة نوويّة إستراتيجيّة- قلب ميزان القوى في المنطقة) (*) القوّة العاملة: عدد القادرين على العمل في أمّة ما أو بلد أو مؤسّسة- تكافؤ القُوّة: مقدرة عضو أو جزء على أن يحلّ محلّ آخر فيما يتّصل بأداء وظيفة ما- قُوَّة الإرادة: المثابرة على القيام بعمل ما برغم العوائق والمصاعب التي تعترض القائم بهذا العمل- قوى الشرّ والطغيان: الظلم والاستبداد، مبعث الشر والطغيان.
3 - أنصار وأعوان {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} [قرآن].
4 - سلاح {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [قرآن].
5 - [في الطبيعة والفيزياء] مؤثّر يغيّر حالة سكون الجسم، أو حالة حركته، أو يميل إلى تغييرها بسرعة منتظمة في خطّ مستقيم.
6 - قدرة فرد أو جماعة على تنفيذ رغبة أو سياسة ما، وعلى ضبط أو احتكار سلوك الآخرين، أو التأثير فيه سواء أرادوا التعاون أم رفضوه.
* القوَّة العظمى: دولة قويّة مسيطرة تمتلك من المقوِّمات كالأسلحة النوويّة ما لا تملكه بقيّة الأقطار.
* القوَّة المائيَّة: الطاقة الناتجة عن الماء الجاري أو السَّاقط والمستخدمة لإدارة الآلات، خاصَّة توليد الكهرباء.
* القوَّة المحرِّكة: مصدر من مصادر الطَّاقة المستخدمة لإنتاج الحركة.
* قُوَّة النُّقود الشِّرائيَّة: [في الاقتصاد] كميّة الخدمات أو السِّلع التي يمكن لوحدةٍ نقديَّة معيَّنة أن تشتريها.
* سياسة القوَّة: سياسة عالميّة تتبعها بعضُ الدول العظمى وذلك بالتهديد أو استعمال القوّة الاقتصاديّة أو الحربيّة لفرض نفوذها.
* ذو القوَّة: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الكامل القدرة على الشّيء، الذي لا يستولي عليه العجزُ في حال من الأحوال.
* شديد القُوَى: جبريل عليه السلام {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [قرآن].
قُوّة [مفرد]: جمعه قُوَّات:
1 - [في العلوم العسكرية] فيلق من فيالق الجيش (القوّات المسلّحة/الجوّية/البريّة- تخفيض القوّة العسكريّة العاملة- قوات الصاعقة/الأمن/حفظ السلام: جيش للتدخل السريع).
2 - مجموعة من الضُّبَّاط والجنود مجهَّزون بالعتاد والمعدَّات (داهمت قوّة من الشرطة وكر المجرمين).
قَوِيّ [مفرد]: جمعه أقْوياءُ، والمؤنث قويّة، والجمع المؤنث أقْوياءُ:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من قوِيَ/قوِيَ ب/قوِيَ على (*) قوِيّ البنية: مترابط.
2 - قادر، صاحب نفوذ وسلطان (سياسيّ قويّ على إسكات خُصُومِه- قويّ البنية/الشَّكيمة- نفس قويّة- {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [قرآن]) (*) قويّ الشكيمة: أنِف يثور على الظلم والقوَّة- قويّ الظَّهر: كثير الأنصار- قويّ العارضة: فصيح، بليغ، ذو جَلَد وصرامة.
* القويّ: اسم من أسماء الله الحُسْنَى، ومعناه: الكامل القدرة على الشَّيء الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [قرآن] - {إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [قرآن].
مُقَوٍّ [مفرد]: جمعه مقوِّيات:
1 - اسم فاعل من قوَّى.
2 - [في الطب] دواء أو علاج يجدِّد النشاطَ ويُنعش القُوى ويبْعث الحيويّة (تناول مُقوِّيات).
مُقَوًّى [مفرد]: اسم مفعول من قوَّى.
* ورق مقوًّى: ألواح الكرتون أو الورق المكوّن من طبقات متلاصقة أو كرتون تبنيّ يُستخدم في أغلفة الكتب.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
5-العربية المعاصرة (نذر)
نذَرَ يَنذُر ويَنذِر، نذْرًا ونُذورًا، فهو ناذِر، والمفعول مَنْذور.* نذَر الشّخصُ الشّيءَ: أوجبَه على نفسه، صدقة كان أو إحسانًا أو غير ذلك (نذر مالَه لله- نذر نفسَه لخدمة العلم: خصّصها وفرّغها- نذر أموالَه لخدمة الفقراء- نذر جهودَه لخدمة السَّلام- {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [قرآن]).
أنذرَ يُنذر، إنذارًا، فهو مُنذِر، والمفعول مُنذَر.
* أنذر الشَّخصَ الأمرَ/أنذر الشَّخصَ بالأمر/أنذر الشَّخصَ من الأمر: أعلمه به، وخوّفه منه قبل وقوعه، وحذّره من عواقبه (أنذره بتسليم نفسه- أنذره الخطر/شفهيًّا- {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [قرآن]) (*) قد أعذر من أنذر: أي من نبَّه على الخطأ فقد أزال عذر المخطئ.
تناذرَ يتناذر، تناذُرًا، فهو مُتناذِر.
* تناذر القومُ: أنذر بعضُهم بعضًا شرًّا (تناذروا العدوّ/الكارثةَ/الهجومَ عليهم).
إنذار [مفرد]: جمعه إنذارات (لغير المصدر):
1 - مصدر أنذرَ.
2 - إبلاغ وإعلام ولا يكون إلاّ في التَّخويف (إنذار بالمثول أمام القضاء- دقّ جرسُ الإنذار) (*) أجهزة الإنذار: أجهزة تستخدم في الحروب والكوارث- بقِيَ في حالة الإنذار: بقي متأهّبًا ومستعدًّا لكلِّ طارئ.
3 - عقوبة معنويّة تواجه مخالفات لا يكتفى فيها بلفت نظر الموظف إلى عدم العودة إلى المخالفة (وجّهت الإدارةُ إنذارًا إلى الموظّف المقصِّر).
4 - [في الحاسبات والمعلومات] تنبيه سمعيّ أو مرئيّ يحذِّر مُستخدم الحاسب الآلي أو يُعلمه بحدوث خطأ ما.
5 - [في السياسة] تحذير توجّهه دولة إلى دولة أخرى قبل إعلان الحرب (وجَّه إنذارًا نهائيًّا للمتمردين طالبًا منهم الاستسلام- إنذار نهائيّ/بالحرب).
6 - [في القانون] إخطار رسميّ يعقبه اتخاذ إجراءات قضائيّة في حالة عدم الاستجابة.
مُنذِر [مفرد]:
1 - اسم فاعل من أنذرَ.
2 - رسول، رجلٌ يعرف الأشياء فيُعْلِمُها قوْمَه {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [قرآن]: مُعْلِم ومُبلِّغ- {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [قرآن] (*) أبو مُنْذِر: كُنية الدِّيك.
نَذْر [مفرد]: جمعه نُذور (لغير المصدر):
1 - مصدر نذَرَ.
2 - ما يقدِّمه المرءُ لربِّه أو يوجبه على نفسه من صدقة أو عبادة أو نحوهما (قد تنَسى النذور المنذورة في الأزمات بعد انحسارها [مثل أجنبيّ] - {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [قرآن]) (*) أوفى نذرَه: قضى نَحْبَهُ- نذْر العفَّة: نذْر يفرض الامتناع كلِّيًّا عن الملذّات الجنسيّة- نَذْر المجازاة: أن يلتزم الشَّخصُ واجبًا إذا حدثت له نعمة.
نُذْر [مفرد]: إنذار بالتَّخويف من العذاب {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا. عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} [قرآن].
نُذور [مفرد]: مصدر نذَرَ.
نذير [مفرد]: جمعه نُذُر:
1 - إنذار (نذير الخطر/أزمة- {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [قرآن] - {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} [قرآن]) (*) نذير شؤم/نذير سوء: علامةُ وقوعِ مكروه، ما ينبئ بشرّ ويبعث على الخوف.
2 - مُنذِر ومخوِّف ومخدِّر (نذير بمصيبة- طقس نذير بعاصفة- {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا} [قرآن]) (*) نذيرٌ هاجِس: حدث يعدّ- باعتقاد باطل- دليلًا على حادث وقع بعيدًا.
3 - رسول {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [قرآن].
نذيرة [مفرد]: جمعه نذائرُ: ما يُعطيه المرءُ نَذْرًا (جعل جزءًا من ماله نذيرة لله) (*) هو نذيرة الجيش: طليعتهم الذي يُعلمهم ويُنذرهم بأمر العدُوِّ.
* نذيرة الجيش: [في العلوم العسكرية] الغرفة العسكريّة التي تقوم بمهامّ المُراقبة لتنذر الجنودَ بتحرُّكات العدوّ.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
6-المعجم الوسيط (الإحْلابةُ)
[الإحْلابةُ]: اللبَنُ يُحلبُ في المرعَى ويَبْعَثُ به الحالبُ إلى أهله.المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م
7-معجم ما استعجم (الربذة)
الرّبذة: بفتح أوّله وثانيه، وبالذال المعجمة، هى التى جعلها عمر رضى الله عنه حمى لإبل الصدقة، وكان حماه الذي أحماه بريدا فى بريد. ثم تزيّدت الولاة فى الحمى أضعافا، ثم أبيحت الأحماء فى أيّام المهدى، فلم يحمها أحد بعد ذلك.وروى الزّهرى أنّ عمر حمى السّرف والرّبذة. ذكره البخارى. ويسرة حمى الرّبذة الخبرة، وهى من الرّبذة مهبّ الشمال، وهى فى بلاد غطفان. وإن أدنى المياه من الخبرة ماء لبنى ثعلبة بن سعد. وأوّل أجبل حمى الربذة فى غربيّها رحرحان، وهو جبل كثير القنان، وقنانه سود، بينها فرج، وأسفله سهلة، تنبت الطريفة، وهى لبنى ثعلبة بن سعد، وبه كانت الحرب بين الأحوص ابن جعفر ومعه أفناء عامر، وبين بنى دارم، وفيهم يومئذ الحارث بن ظالم؛ وكان الحارث لمّا قتل خالد بن جعفر ببطن عاقل، خرج حتّى نزل بينى دارم، على معبد بن زرارة بن عدس، فالتحفوا عليه، وضمّوه، وأبوا أن يسلموه، فغزاهم الأحوص طالبا بدم أخيه، فهزم بنى دارم هناك، وأسر معبد بن زرارة؛ وفى ذلك يقول جرير:
«وليلة وادى رحرحان زففتم *** فرارا (ولم تلووا) زفيف النّعائم»
«تركتم أبا القعقاع فى القدّ موثقا *** وأىّ أخ لم تسلموا للأداهم»
وقال أيضا:
«أتنسون يومى رحرحان فقد بدا *** فوارس قيس لا بسين السّنوّرا»
«تركتم بوادى رحرحان نساءكم *** ويوم الصّفا لاقيتم الشّعب أو عرا»
وأقرب المياه من رحرحان الكديد، وفيه حفار عاديّة عذبة؛ وبه قتل ربيعة بن مكدّم، وهى لبنى ناشرة من بنى ثعلبة، ولهم هناك ماء آخر، يقال له أعوج، فيه قلب وبئر كبيرة. وبين رحرحان وبين الرّبذة بريدان. ويلى رحرحان من غربيّه جبل يقال له الجواء، وهو على طريق الرّبذة إلى المدينة، بينه وبين الرّبذة أحد وعشرون ميلا، وليس بالجواء ماء. وأقرب المياه إليه ماء للسلطان يقال له العزّافة، بأبرق العزّاف، بينه وبين الجواء ثلاثة أميال. ثم يلى الجواء أجبل يقال لها القهب، وهى بجلّد سهل حرّ، ينبت الطّريفة، وهى من خيار مواضع أحماء الرّبذة، وهى عن يسار المصعد إلى المدينة، وعن يمين المصعد من العراق إلى مكّة. وبين القهب والربذة نحو من بريد، وهى فى ناحية دار بنى ثعلبة وبنى أنمار. وأقرب المياه منها ماء يدعى الجفر:
جفر القهب. وقد ذكره وزير بن الجعد، أخو صخر بن الجعد الخضرىّ، فقال:
«نظرت غديّة والشمس طفل *** بعينى مضرحىّ يستحيل»
«إلى جفر بنعف القهب تحتى *** وقد خنس الغريّب والبتيل»
ثم الجبال التى تلى القهب عن يمين المصعد إلى مكّة: جبل أسود يدعى أسود البرم، بينه وبين الربذة عشرون ميلا، وهو فى أرض سليم. وأقرب المياه
من أسود البرم حفائر حفرها المهدىّ، على ميلين منه، تدعى ذا بقر، وقد ذكرها مؤرّج السّلمى؛ فقال:
«قدر أحلّك ذا النّخيل وقد أرى *** وأبيك مالك ذو النّخيل بدار»
«إلّا كداركم بذى بقر الحمى *** هيهات ذو بقر من الزّوّار»
ثم يلى أسود البرم جبلان، يقال لأحدهما أروم، وللآخر أرام، وهما فى قبلة الربذة، بأرض بنى سليم، والحفائر بناحيتها، قال أبو دواد الإيادىّ:
«أقفرت من سروب قومى تعار *** فأروم فشابة فالسّتار»
وأقرب المياه تدعى ذبذب، وهى داخلة فى الحمى، بينها وبين الربذة اثنا عشر ميلا. ثم يليها جبال يقال لها اليعملة، وبها مياه كثيرة، لواد يقال له وادى اليعملة، وهى فى أرض بنى سليم، وناحية أرض محارب، ومياهها مشتركة بين الحيّين. وبين الرّبذة واليعملة ثلاثة عشر ميلا، وجفر الهباءة بناحية أرض بنى سليم، فى ظهور اليعملة؛ قال عامر الخصفىّ:
«أحيا أباه هاشم بن حرمله *** بين الهباءات وبين اليعمله»
«ترى الملوك حوله مغربله *** يقتل ذا الذّنب ومن لا ذنب له»
ثم الجبال التى تلى اليعملة: هضاب حمر عن يسار المصعد، تدعى قوانى، واحدتها قانية، وهى فى أرض حرّة لبنى سليم، بينهما وبين الربذة اثنا عشر ميلا، وأقرب المياه إليها الخضرمة. ثم يلى قوانى عمود أحمر يدعى عمود المحدث، أرض محارب، للخضر منهم، وأقرب المياه منهم حفيرة بنى نصر،
موالى عبد الله بن عامر؛ وبين المحدث وبين الربذة اثنا عشر ميلا.
ثم الجبال التى تلى المحدث: عن يسار المصعد، عمود الأقعس، من أرض محارب أيضا، وبه مياه تدعى الأقعسيّة، فى أصل الأقعس، وهى لمحارب، وبين الأقعس والربذة بريدان. ثم يلى الأقعس هضب البلس، فى أرض محارب أيضا، وهو مجمع للسّعاة، بينه وبين الربذة بريدان أيضا، ثم يليه قنان سود ببلد سهل فى أرض بنى ثعلبة، تدعى الحمازة، وبها لهم جفار جاهليّة، بينها وبين الربذة ثمانية عشر ميلا. ثم يليها قنان أخر تدعى الهادنية، وهى لبنى ثعلبة، وبها ماءة لبنى ناشب، ثم تليها هضاب حمر تدعى هضب المنحر، فى أرض بنى ثعلبة أيضا، عن يسار الطريق، ببلد سهل، قال الحكم الخضرىّ:
«يا صاحبىّ ألم تشيما بارقا *** تضح الصّراد به فهضب المنحر»
« ركب النّجاد وظلّ ينهض مصعدا *** نهض المعبّد فى الدّهاس الموقر»
ثم يليه رحرحان، والخبرة بينهما.
وبالرّبذة مات أبو ذرّ وحده لمّا نفى من المدينة، ليس معه إلّا امرأته وغلام له، كما أنذره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك. وإن أبا ذرّ لمّا أبطأ عليه بعيره أخذ متاعه على ظهره، ثم سار يتّبع أثر رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشى على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذرّ؛ فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذرّ. فقال: يرحم لله أبا ذرّ: يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده.
معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م
8-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الذرائعية البرجماتية المذاهب الفلسفية والمدارس الأدبية)
الذرائعية (البرجماتية)التعريف:
الذرائعية مذهب فلسفي اجتماعي يقول بأن الحقيقة توجد في جملة التجربة الإنسانية: لا في الفكر النظري البعيد عن الواقع. وأن المعرفة آلة أو وظيفة في خدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما: هو في كونها مفيدة للناس، وأن الفكر في طبيعته غائي.
وقد أصبحت الذرائعية طابعًا مميزًا للسياسة الأمريكية وفلسفة الأعمال الأمريكية كذلك، لأنها تجعل الفائدة العملية معيارًا للتقدم بغض النظر عن المحتوى الفكري أو الأخلاقي أو العقائدي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
نشأت الذرائعية (البرجماتية) كمذهب عملي في الولايات المتحدة الأمريكية مع بداية القرن العشرين: وقد وجدت في النظام الرأسمالي الحر الذي يقوم على المنافسة الفردية، خير تربة للنمو الازدهار.
ومن أبرز رموز المذهب وأغلبهم من الأمريكيين:
تشارلس بيرس 1839 – 1914م ويعد مبتكر كلمة البرجماتية في الفلسفة المعاصرة. عمل محاضرًا في جامعة هارفارد الأمريكية، وكان متأثرًا بدارون ووصل إلى مثل آرائه.. وكان أثره عميقًا في الفلاسفة الأمريكيين الذين سنذكرهم فيما يلي:
وليم جيمس 1842 – 1910م وهو عالم نفسي وفيلسوف أمريكي من أصل سويدي بنى مذهب الذرائعية البرجماتية على أصول أفكار بيرس ويؤكد أن العمل والمنفعة هما مقياس صحة الفكرة ودليل صدقها. كان كتابه الأول: مبادئ علم النفس 1890م الذي أكسبه شهرة واسعة ثم توالت كتبه: موجز علم النفس 1892م وإرادة الاعتقاد 1897م وأنواع التجربة الدينية 1902م والبراجماتية 1907م وكون متكثر 1909م يعارض فيه وحدة الوجود. ويؤكد جيمس في كتبه الدينية أن الاعتقاد الديني صحيح لأنه ينظم حياة الناس ويبعث فيهم الطاقة.
جون ديوي 1856 – 1952م فيلسوف أمريكي، تأثر بالفلسفة الذرائعية، وكان له تأثير واسع في المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الغربية، إذ كان يعتقد أن الفلسفة مهمة إنسانية قلبًا وقالبًا وعلينا أن نحكم عليها في ضوء تأثرها الاجتماعي أو الثقافي.
كتب في فلسفة ما بعد الطبيعة (الميتافيزيقا) وفلسفة العلوم والمنطق وعلم النفس وعلم الجمال والدين.
وأهم مؤلفاته: دراسات في النظرية المنطقية 1903م، وكيف تفكر 1910 والعقل الخالق 1917م والطبيعة الإنسانية والسلوك 1922م وطلب اليقين 1929م.
شيلر 1864 – 1937م وهو فيلسوف بريطاني، كان صديقًا لوليم جيمس، وتعاطف معه في فلسفة الذرائعية: وقد آثر أن يطلق على آرائه وموقفه: المذهب الإنساني أو المذهب الإرادي.
الأفكار والمعتقدات:
من أهم أفكار ومعتقدات المذهب الذرائعي (البرجماتية) ما يلي:
إن أفكار الإنسان وآراءه ذرائع يستعين بها على حفظ بقائه أولًا ثم السير نحو السمو والكمال ثانيًا.
إذا تضاربت آراء الإنسان وأفكاره وتعارضت كان أحقها وأصدقها أنفعها وأجداها، والنفع هو الذي تنهض التجربة العملية دليلًا على فائدته.
إن العقل خُلق أداة للحياة ووسيلة لحفظها وكمالها، فليست مهمته تفسير عالم الغيب المجهول، بل يجب أن يتوجه للحياة العملية الواقعية.
الاعتقاد الديني لا يخضع للبيئات العقلية: والتناول التجريبي الوحيد له هو آثاره في حياة الإنسان والمجتمع إذ يؤدي إلى الكمال، بما فيه من تنظيم وحيوية.
النشاط الإنساني له وجهتان: فهو عقل، وهو أداة، ونموه كعقل ينتج العلم، وحين يتحقق كإرادة يتجه نحو الدين، فالصلة بين العلم والدين ترد إلى الصلة بين العقل والإرادة.
تقويم الذرائعية:
تعرضت الذرائعية لانتقادات معينة، وعرضت على أنها تبرير لأخلاقيات رجال الأعمال الأمريكيين.
أما عن فكرة الاعتقاد فمن رأي جيمس "أنها مفيدة لأنها صادقة" و"أنها صادقة لأنها مفيدة". وقد أنكر معظم الدارسين هذه المعادلة إذ أن موقف جيمس يسمح بصدق الفكرة لأنها "مفيدة ونافعة" لشخص ما، ويكذبها لعدم وجودها عند الآخرين.
وهكذا فإن جيمس طرح الحقيقة على أنها لعبة ذاتية للأفكار التي تستهوي الإنسان فائدتها: فيعتقد في صدقها.
إن الذرائعية اندثرت كحركة فكرية فردية، ولكنها كمجموعة أفكار ما زالت تعمل في الفكر البشري.. ومن أهم آثار هذه الأفكار تفسير الفكر والمعنى على أنهما من أشكال السلوك النائي عند الإنسان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن البرجماتية أو الذرائعية ثورة ضد الفكر النظري البعيد عن الواقع وعن الإنسان خاصة والذي لا يخدم الإنسان في حياته العملية. أما كلمة (برجماتية) فكانت قليلة الاستعمال في اللغة الإنكليزية ولم تكن تستعمل مطلقًا في سياق الحديث الفلسفي، حتى أدخلها الفيلسوف الأمريكي بيرس عام 1878م كقاعدة منطقية: معرفًا البرجماتية بأنها النظرية القائلة: "بأن الفكرة إنما تنحصر فيما نتصوره لها من أثر على مسلك الحياة".
وقد استعار وليم جيمس ورفاقه الذرائعيون هذا المصطلح وأعطوه معاني جديدة وفق ما أوضحناه في أفكار ومعتقدات المذهب. مؤكدين على أن كل شيء حتى الفكر، لا بد أن يفهم في ضوء الغرض الإنساني.
الانتشار ومواقع النفوذ:
تأسس المذهب في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقل إلى أوروبا وبريطانيا بشكل خاص.
يتضح مما سبق:
أن الذرائعية أو البراجماتية مذهب فلسفي نفعي يرى أن الحقيقة توجد من خلال الواقع العملي والتجربة الإنسانية، وأن صدق قضية ما يكمن في مدى كونها مفيدة للناس، كما أن أفكار الناس هي مجرد ذرائع يستعين بها الإنسان لحفظ بقائه ثم البحث عن الكمال. وعندما تتضارب الأفكار فإن أصدقها هو الأنفع والأجدى، والعقل لم يخلق لتفسير الغيب المجهول، ولذا فإن الاعتقاد الديني لا يخضع للبينات العقلية. ولما كان نشاط الإنسان يتمثل في العقل والإرادة، وكان العقل ينتج العلم، وحينما يتحقق العلم كإرادة يتجه نحو الدين، لذا فإن الصلة بين العلم والدين ترجع إلى الصلة بين العقل والإرادة. ومخاطر هذا المذهب الفلسفي على العقيدة واضحة جلية فهو مذهب يحبذ إلغاء دور العقل في الإفادة من معطيات النقل أو الوحي. وقد رأينا في واقعنا المعاصر كيف أفلست الذرائعية كما أفلست سواها من الفلسفات المادية وعجزت عن إسعاد الإنسان بعدما أدت إلى تأجيج سعار المادية، وأهدرت القيم والأخلاق السامية التي دعت إليها جميع الأديان السماوية.
مراجع للتوسع:
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، ترجمة فؤاد كامل ورفاقه – دار القلم – بيروت.
- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، د. أحمد زكي بدوي – مكتبة لبنان – بيروت –1982م.
- تاريخ الفلسفة الحديث، يوسف كرم – دار المعارف – القاهرة.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين وزكي نجيب محمود – مطبعة لجنة التأليف والنشر – القاهرة.
مراجع أجنبية:
- Philosophy of John Dewey: by P.A Schelop, Chicago 1951.
- The Will to Belive: by W. James Dever New York.
- John Dewey an Intellectual Portriat: by S. Hook Day, New York. 1939.
- History of Philosophy: by F.C. Coplestion, Burns London 1947.
- History of Modern Philosophy by H. Hoffding London 1956.
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
9-معجم البلدان (بساق)
بُساقٌ:بالضم، وآخره قاف، ويقال بصاق، بالصاد:
جبل بعرفات، وقيل واد بين المدينة والجار، وكان لأمية بن حرثان بن الأسكر ابن اسمه كلاب اكتتب نفسه في الجند الغازي مع أبي موسى الأشعري في خلافة عمر، فاشتاقه أبوه وكان قد أضرّ فأخذ بيد قائده ودخل على عمر وهو في المسجد فأنشده:
«أعاذل قد عذلت بغير قدري، *** ولا تدرين عاذل ما ألاقي»
«فإما كنت عاذلتي فردّي *** كلابا، إذ توجّه للعراق»
«فتى الفتيان في عسر ويسر، *** شديد الرّكن في يوم التلاقي»
«فلا وأبيك! ما باليت وجدي *** ولا شغفي عليك ولا اشتياقي»
«وإيقادي عليك، إذا شتونا، *** وضمّك تحت نحري واعتناقي»
«فلو فلق الفؤاد شديد وجد، *** لهمّ سواد قلبي بانفلاق»
«سأستعدي على الفاروق ربّا، *** له عمد الحجيج إلى بساق»
«وأدعو الله، محتسبا عليه، *** ببطن الأخشبين إلى دفاق»
«إن الفاروق لم يردد كلابا *** على شيخين، هامهما زواق»
فبكى عمر وكتب إلى أبي موسى الأشعري في ردّ كلاب إلى المدينة، فلما قدم دخل عليه فقال له عمر:
ما بلغ من برّك بأبيك؟ فقال: كنت أوثره وأكفيه أمره، وكنت أعتمد إذا أردت أن أحلب له لبنا إلى أغزر ناقة في إبله فأسمّنها وأريحها وأتركها حتى تستقرّ، ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحتلب له فأسقيه. فبعث عمر إلى أبيه فجاءه، فدخل عليه وهو يتهادى وقد انحنى، فقال له: كيف أنت يا أبا كلاب؟ فقال: كما ترى يا أمير المؤمنين.
فقال: هل لك من حاجة؟ قال: نعم، كنت أشتهي أن أرى كلابا فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت.
فبكى عمر وقال: ستبلغ في هذا ما تحب إن شاء الله تعالى. ثم أمر كلابا أن يحتلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه، ففعل، وناوله عمر الإناء وقال:
اشرب هذا يا أبا كلاب! فأخذه فلما أدناه من فمه قال:
والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب! فبكى عمر وقال: هذا كلاب عندك حاضر وقد جئناك به. فوثب إلى ابنه وضمه إليه وقبله، فجعل عمر والحاضرون يبكون وقالوا لكلاب: الزم أبويك، فلم يزل مقيما عندهما إلى أن مات. وهذا الخبر وإن كان لا تعلّق له بالبلدان فإني كتبته استحسانا له وتبعا لشعره.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
10-معجم البلدان (درابجرد)
دَرابْجِرْد:كورة بفارس نفيسة عمّرها دراب بن فارس، معناه دراب كرد، دراب: اسم رجل، وكرد: معناه عمل، فعرّب بنقل الكاف إلى الجيم، قال الإصطخري: ومن مدن كورة درابجرد فسا، وهي أكبر من درابجرد وأعمر غير أن الكورة منسوبة إلى دار الملك ومدينته التي ابتناها لهذه الكورة درابجرد فلذلك تنسب الكورة إليها، وبها كان المصر في القديم وكان ينزلها الملوك، قال الزجاجي: النسبة إليها على غير قياس، يقال في النسبة إلى درابجرد دراوردي، وقال أبو البهاء الإيادي إياد الأزد وكان من أصحاب المهلّب في قتال الخوارج:
«نقاتل عن قصور درابجرد، *** ونحمي للمغيرة والرّقاد»
المغيرة بن المهلّب، والرقاد بن عبيد العلي صاحب شرطة المهلب، وكان من أعيان الفرس، وهي كثيرة المعادن جليلة الخصائص طيبة الهواء قصبتها على اسمها، ومن مدنها طمستان والكردبان كرم يزد خواست إيك، ومن شيراز إلى دارابجرد قال الإصطخري:
خمسون فرسخا، وقال البشاري والإصطخري: بها قنّة الموميا وعليها باب حديد وقد وكل به رجل يحفظه، فإذا كان شهر تير ماه صعد العامل والقاضي وصاحب البريد والعدول وأحضرت المفاتيح وفتح الباب ثم يدخل رجل عريان فيجمع ما ترقّى في تلك السنة، ولا يبلغ رطلا على ما سمعته من بعض العدول، ثم يجعل في شيء ويختم عليه ويبعث مع عدّة من المشايخ إلى شيراز ثم يغسل الموضع، فكل ما يرى في أيدي الناس إنما هو معجون بذلك الماء، ولا يوجد الخالص إلا في خزائن الملك، وذكر ابن الفقيه أن هذا الكهف بأرّجان، وقد ذكرته هناك، وقال الإصطخري: وبناحية درابجرد جبال من الملح الأبيض والأسود والأخضر والأصفر والأحمر، ينحت من هذه الجبال موائد وصحون وزبادي وغير ذلك وتهدى إلى سائر البلدان، والملح الذي في سائر البلدان إنما هو باطن الأرض وماء يجمد وهذا جبل ملح ظاهر، وقد نسب إلى درابجرد هذه جماعة من العلماء.
ودرابجرد أيضا: محلة من محالّ نيسابور بالصحراء من أعلى البلد، منها علي بن الحسن بن موسى بن ميسرة النيسابوري الدرابجردي، روى عن سفيان بن عيينة، روى عنه أبو حامد الشرقي ومن ولده الحسن بن علي ابن أبي عيسى المحدث ابن المحدث ابن المحدّث.
معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م
11-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (أداة التشبيه)
أداة التّشبيه:أداة التشبيه هي اللفظة التي تدل على المماثلة والمشاركة، وقد أشار اليها القدماء وعدّوها أساسا في اظهار صور التشبيه فقال سيبويه عن «الكاف» انها «تجيء للتشبيه»، وقال المبرد مثل ذلك.
وسمّاها السكاكي «كلمة التشبيه» غير أنّ القزويني وشرّاح تلخيصه سموها «أداة التشبيه» وهو ما سار عليه المتأخرون.
وأداة التشبيه ثلاثة أنواع:
الأول ـ أسماء: ومنها: مثل، وشبه، وشبيه، ومثل.
الثاني ـ أفعال: ومنها: حسب، وظن، وخال، ويشبه، وتشابه، ويضارع.
الثالث ـ حرفان: وهما: كأنّ، والكاف.
وقد تحذف الأداة فيسمى التشبيه مؤكدا كقول المتنبي:
«بدت قمرا ومالت غصن بان ***وفاحت عنبرا ورنت غزالا»
وإذا ذكرت سمّي التشبيه مرسلا كقول المتنبي:
«كالبدر من حيث التفتّ رأيته ***يهدي الى عينيك نورا ثاقبا»
«كالشمس في كبد السماء وضوؤها***يغشى البلاد مشارقا ومغاربا”
«كالبحر يقذف للقريب جواهرا***جودا ويبعث للبعيد سحائبا»
والأول عند البلاغيين أبلغ لأنّ الأداة محذوفة.
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
12-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الإعنات)
الإعنات:العنت: دخول المشقة على الانسان ولقاء الشدة، يقال: أعنت فلان فلانا إعناتا إذا أدخل عليه عنتا أي مشقة، والإعنات: تكليف غير الطاقة.
والإعنات في البلاغة من تسمية ابن المعتز الذي قال: «ومن إعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه من ذلك ما ليس له» قول الشاعر:
«عصاني قومي والرشاد الذي به ***أمرت ومن يعص المجرّب يندم »
«فصبرا بني بكر على الموت إنّني ***أرى عارضا ينهلّ بالموت والدم »
وسماه بعضهم لزوم ما لا يلزم، والتضييق، والتشديد، والالتزام، وذكر ابن الأثير الحلبي أنّ تجاهل العارف يقال للاعنات. ولكنّ الفنّين مختلفان وقد شاع في الكتب مصطلح «لزوم ما لا يلزم» أكثر من شيوع مصطلح ابن المعتز، والاثنان واردان وصحيحان؛ لأنّ الإعنات هو إلزام الشاعر نفسه بما لا ينبغي. قال ابن الأثير: «وهو من أشق هذه الصناعة مذهبا وأبعدها مسلكا. وذلك لأنّ مؤلفه يلتزم ما لا يلزمه، فان اللازم في هذا الموضع وما جرى مجراه إنّما هو السجع الذي هو تساوي أجزاء الفواصل من الكلام المنثور في قوافيها، وهذا فيه زيادة على ذلك وهو أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفا واحدا وهو في الشعر أن تتساوى الحروف التي قبل رويّ الأبيات الشعرية».
وزاد العلوي في تعريفه فقال: «ويقال له: الاعنات، ويرد في المنظوم والمنثور من الكلام، ومعناه في لسان علماء البيان أن يلتزم الناظم قبل حرف الرويّ حرفا مخصوصا أو حركة مخصوصة من الحركات قبل حرف الروي أيضا وهكذا القول في الردف فانه يجعله على حدّ حرف متماثل وهكذا إذا ورد في النثر يكون على هذه الطريقة. فحاصل الأمر في لزوم ما لا يلزم هو أن يلتزم حرفا مخصوصا قبل حرف الروي من المنظوم أو حركة مخصوصة».
وقال الحلبي: «هو أن يعنت نفسه في التزام ردف أو دخيل أو حرف مخصوص قبل حرف الروي أو حركة مخصوصة». وذكر النويري هذا التعريف.
وقال ابن مالك: «الالتزام أن يلتزم المتكلم في السجع أو التقفية قبل حرف الروي ما لا يلزمه من مجيء حرف بعينه أو حرفين أو أكثر، ويحمد منه ما عدم الكلفة لدلالته على الاقتدار وقوة المادة».
وقريب من هذا تعريف المصري الذي قال: «هو أن يلتزم الناثر في نثره أو الشاعر في شعره قبل رويّ البيت من الشعر حرفا فصاعدا على قدر قوته وبحسب طاقته مشروطا بعدم الكلفة. وتعريف الحموي والسيوطي.
وقد ورد هذا الفن في القرآن الكريم إلّا أنه يسير، ومن ذلك قوله تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ}، وقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ}، وقوله: {وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}، وقوله: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}.
ومن الشعر قول عروة بن أذينة:
«إنّ التي زعمت فؤادك ملّها***خلقت هواك كما خلقت هوى لها»
«بيضاء باكرها النعيم فصاغها***بلباقة فأدقّها وأجلّها»
«واذا وجدت لها وساوس سلوة***شفع الضمير الى الفؤاد فسلّها»
ومن التزام حركة الفتح قبل حرف الروي قول ابن الرومي:
«لما تؤذن الدنيا به من صروفها***يكون بكاء الطفل ساعة يولد”
«وإلّا فما يبكيه منها وإنّه ***لأوسع مما كان فيه وأرغد»
«إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنّه ***بما سوف يلقى من أذاها يهدّد»
وكان هذا الفنّ في العهود الاولى يأتي سهلا منقادا في البيتين والثلاثة، وقد يأتي في العشرين كما في قصيدة كثيّر عزّة التي يقول فيها:
«خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا***قلوصيكما ثم احللا حيث حلّت »
«وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا***ولا موجعات القلب حتى تولّت »
«هنيئا مريئا غير داء مخامر***لعزة من أعراضنا ما استحلّت »
«فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ***ولا شامت إن نعل عزّة زلّت »
«وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما***تخلّيت مما بيننا وتخلّت »
«لكا لمرتجي ظلّ الغمامة كلّما***تبوأ منها للمقيل اضمحلّت »
ولكن المتأخرين أسرفوا في استعماله، ونظم ابو العلاء ديوانا سماه «اللزوميات» والتزم فيه بهذا الفن كل الالتزام. ومعظم البلاغيين لا يستسيغون الاعنات إذا جاء متكلفا، وقد قال الخفاجي: «وليس يغتفر للشاعر إذا نظم على هذا الفن لأجل ما ألزم نفسه ما لا يلزمه شيء من عيوب القوافي؛ لأنه إنما فعل ذلك طوعا واختيارا من غير إلجاء ولا إكراه. ونحن نريد الكلام الحسن على أسهل الطرق وأقرب السبل وليس بنا حاجة الى المتكلف المطرح وإن ادّعى علينا قائله أنّ مشقة نالته وتعبا مرّ به في نظمه».
وفرّق ابن الأثير بين المتكلف وغير المتكلف فقال: «أما المتكلف فهو الذي يأتي بالفكرة والروية وذلك أن ينضى الخاطر في طلبه ويبعث على تتبعه واقتصاص أثره، وغير المتكلف يأتي مستريحا من ذلك كله، وهو أن يكون الشاعر في نظم قصيدته أو الخطيب أو الكاتب في انشاء خطبته أو كتابه، فبينا هو كذلك إذ سنح له نوع من هذه الأنواع بالاتفاق لا بالسعي والطلب. ألا ترى الى قول أبي نواس في مثل هذا الموضع:
«اترك الاطلال لا تعبأ بها***إنّها من كلّ بؤس دانيه »
«وانعت الراح على تحريمها***إنّما دنياك دار فانيه »
«من عقار من رآها قال لي: ***صيدت الشمس لنا في آنيه »
وألحق بهذا الفن تصغير الكلمات الأخيرة من الشعر أو من فواصل الكلام المنثور كقول بعضهم:
«عزّ على ليلى بذي سدير***سوء مبيتي ليلة الضمير»
«مقضّبا نفسي في طمير***تنتهز الرعدة في ظهيري »
«يهفو اليّ الزور من صديري ***ظمآن في ريح وفي مطير»
«وازر قرّ ليس بالغرير***من لد ما ظهر الى سحير»
«حتى بدت لي جبهة القمير***لأربع خلون من سهير »
معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م
13-موسوعة الفقه الكويتية (أضحية 3)
أُضْحِيَّةٌ -343- وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْبَهِيمَةِ حَيَّةً لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَبْحُهَا وَلَا الْأَكْلُ مِنْهَا وَلَا إِطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا إِتْلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنْ ذَبَحَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهَا مَذْبُوحَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا حَيَّةً تَصَدَّقَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَضْلًا عَنِ التَّصَدُّقِ بِهَا.فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا بَعْدَ الذَّبْحِ شَيْئًا أَوْ أَطْعَمَ مِنْهَا غَنِيًّا أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهِ.
44- وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالتَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ شَاةٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى تَخْلِيصِهِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ.هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَلِلْإِيصَاءِ بِالتَّضْحِيَةِ صُوَرٌ نَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا، وَلِتَفْصِيلِهَا وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا (ر: وَصِيَّةٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مَنْ لَمْ يُضَحِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَتْ مَسْنُونَةً- وَهُوَ الْأَصْلُ- لَمْ يُضَحِّ، وَفَاتَتْهُ تَضْحِيَةُ هَذَا الْعَامِ، فَإِنْ ذَبَحَ وَلَوْ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لَمْ تَكُنْ ذَبِيحَتُهُ أُضْحِيَّةً، وَيُثَابُ عَلَى مَا يُعْطِي الْفُقَرَاءَ مِنْهَا ثَوَابَ الصَّدَقَةِ.وَإِنْ كَانَتْ مَنْذُورَةً لَزِمَهُ أَنْ يُضَحِّيَ قَضَاءً، وَهُوَ رَأْيٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ، فَإِذَا وَجَبَتِ الْأُضْحِيَّةُ بِإِيجَابِهِ لَهَا فَضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَإِنْ عَادَتْ إِلَيْهِ ذَبَحَهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَوْدَتُهَا فِي زَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ بَعْدَهُ.
فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ يُضَحِّ بِالشَّاةِ الْمُعَيَّنَةِ عَادَ الْحُكْمُ إِلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الْأُضْحِيَّةِ حَيَّةً سَوَاءٌ أَكَانَ الَّذِي عَيَّنَهَا مُوسِرًا أَمْ مُعْسِرًا أَوْ بِقِيمَتِهَا.وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَا تَحِلُّ لَهُ وَلَا لِأَصْلِهِ وَلَا لِفَرْعِهِ وَلَا لِغَنِيٍّ.
مَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ التَّضْحِيَةِ:
45- يُسْتَحَبُّ قَبْلَ التَّضْحِيَةِ أُمُورٌ:
(1) أَنْ يَرْبِطَ الْمُضَحِّي الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَيَّامٍ، لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْقُرْبَةِ وَإِظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ.
(2) أَنْ يُقَلِّدَهَا وَيُجَلِّلَهَا قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِهَا، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
(3) أَنْ يَسُوقَهَا إِلَى مَكَانِ الذَّبْحِ سَوْقًا جَمِيلًا لَا عَنِيفًا وَلَا يَجُرُّ بِرِجْلِهَا إِلَيْهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».
(4) وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسَنُّ لِمَنْ يُرِيدُ التَّضْحِيَةَ وَلِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ يُضَحِّي عَنْهُ أَلاَّ يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ بِحَلْقٍ أَوْ قَصٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَا شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ بِتَقْلِيمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا شَيْئًا مِنْ بَشَرَتِهِ كَسِلْعَةٍ لَا يَضُرُّهُ بَقَاؤُهَا، وَذَلِكَ مِنْ لَيْلَةِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى الْفَرَاغِ مِنْ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، لَا مَسْنُونٌ، وَحُكِيَ الْوُجُوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَرَبِيعَةَ وَإِسْحَاقَ.
وَنَقَلَ ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ.وَعَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ يَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ يَكُونُ مُحَرَّمًا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهَا- رضي الله عنها- أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ».
وَالْقَائِلُونَ بِالسُّنِّيَّةِ جَعَلُوا النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ.
وَالْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ الْفِعْلِ هُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يُقَلِّدُهُ وَيَبْعَثُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ».قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ، أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ.
وَالْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْإِمْسَاكِ عَنِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ وَنَحْوِهِمَا قِيلَ: إِنَّهَا التَّشَبُّهُ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْحِكْمَةَ أَنْ يَبْقَى مُرِيدُ التَّضْحِيَةِ كَامِلَ الْأَجْزَاءِ رَجَاءَ أَنْ يُعْتَقَ مِنَ النَّارِ بِالتَّضْحِيَةِ.
مَا يُكْرَهُ قَبْلَ التَّضْحِيَةِ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا قَبْلَ التَّضْحِيَةِ أُمُورٌ:
46- (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ): حَلْبُ الشَّاةِ الَّتِي اشْتُرِيَتْ لِلتَّضْحِيَةِ أَوْ جَزُّ صُوفُهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الَّذِي اشْتَرَاهَا مُوسِرًا أَمْ مُعْسِرًا، وَكَذَا الشَّاةُ الَّتِي تَعَيَّنَتْ بِالنَّذْرِ، كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ، أَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ أُضْحِيَّةً.
وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ إِقَامَةِ الْقُرْبَةِ فِيهَا، كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهَا إِذَا ذَبَحَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا، وَلِأَنَّ الْحَلْبَ وَالْجَزَّ يُوجِبَانِ نَقْصًا فِيهَا وَالْأُضْحِيَّةُ يَمْتَنِعُ إِدْخَالُ النَّقْصِ فِيهَا.
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الشَّاةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُوسِرُ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ، لِأَنَّ شِرَاءَهُ إِيَّاهَا لَمْ يَجْعَلْهَا وَاجِبَةً، إِذِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ لِلْقُرْبَةِ مَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا، فَقَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ غَيْرَهَا بَدَلًا مِنْهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلُبَهَا، وَلَا أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ.
وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ لَحْمُهَا إِذَا ذَبَحَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا.فَإِنْ كَانَ فِي ضَرْعِ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَبَنٌ وَهُوَ يَخَافُ عَلَيْهَا الضَّرَرَ وَالْهَلَاكَ إِنْ لَمْ يَحْلُبْهَا نَضَحَ ضَرْعَهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَتَقَلَّصَ اللَّبَنُ، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْحَلْبِ.
فَإِنْ حَلَبَهُ تَصَدَّقَ بِاللَّبَنِ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ شَاةٍ مُتَعَيِّنَةٍ لِلْقُرْبَةِ.
فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ حَتَّى تَلِفَ أَوْ شَرِبَهُ مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ.
وَمَا قِيلَ فِي اللَّبَنِ يُقَالُ فِي الصُّوفِ وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ- أَيْ تَنْزِيهًا- شُرْبُ لَبَنِ الْأُضْحِيَّةِ بِمُجَرَّدِ شِرَائِهَا أَوْ تَعْيِينِهَا مِنْ بَيْنِ بَهَائِمِهِ لِلتَّضْحِيَةِ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا جَزُّ صُوفِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ، لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصِ جَمَالِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ:
أُولَاهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَنْبُتُ مِثْلُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ قَبْلَ الذَّبْحِ.
ثَانِيَتُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَهَا بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَيَّنَهَا لِلتَّضْحِيَةِ بِهَا مِنْ بَيْنِ بَهَائِمِهِ نَاوِيًا جَزَّ صُوفِهَا، فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ جَزُّ الصُّوفِ.
وَإِذَا جَزَّهُ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كُرِهَ لَهُ بَيْعُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَا يُشْرَبُ مِنْ لَبَنِ الْأُضْحِيَّةِ إِلاَّ الْفَاضِلُ عَنْ وَلَدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ أَوْ كَانَ الْحَلْبُ يَضُرُّ بِهَا أَوْ يُنْقِصُ لَحْمَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنْ كَانَ بَقَاءُ الصُّوفِ لَا يَضُرُّ بِهَا أَوْ كَانَ أَنْفَعَ مِنَ الْجَزِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهَا أَوْ كَانَ الْجَزُّ أَنْفَعَ مِنْهُ جَازَ الْجَزُّ وَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْمَجْزُوزِ.
47- (الْأَمْرُ الثَّانِي): مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَبْلَ التَّضْحِيَةِ- بَيْعُ الشَّاةِ الْمُتَعَيِّنَةِ لِلْقُرْبَةِ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالنَّذْرِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ بَيْعُهَا، لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلْقُرْبَةِ، فَلَمْ يَحِلَّ الِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهَا كَمَا لَمْ يَحِلَّ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا وَصُوفِهَا، ثُمَّ إِنَّ الْبَيْعَ مَعَ كَرَاهَتِهِ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ بَيْعُ مَالٍ مَمْلُوكٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ.
وَبِنَاءً عَلَى نَفَاذِ بَيْعِهَا فَعَلَيْهِ مَكَانَهَا مِثْلُهَا أَوْ أَرْفَعُ مِنْهَا فَيُضَحِّي بِهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَإِنِ اشْتَرَى دُونَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَرْقِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ إِنْ كَانَ مُغَايِرًا لِلْقِيمَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَحْرُمُ بَيْعُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ وَإِبْدَالُهَا، وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ فَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهَا مَا هُوَ مِثْلُهَا أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا.
فَإِذَا اخْتَلَطَتْ مَعَ غَيْرِهَا وَاشْتَبَهَتْ وَكَانَ بَعْضُ الْمُخْتَلَطِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ كُرِهَ لَهُ تَرْكُ الْأَفْضَلِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَلَا إِبْدَالُهَا وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
وَلَكِنَّ الْمَنْصُوصَ عَنْ أَحْمَدَ- وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَدِّلَ الْأُضْحِيَّةَ الَّتِي أَوْجَبَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ.
47 م- (الْأَمْرُ الثَّالِثُ): - مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَبْلَ التَّضْحِيَةِ- بَيْعُ مَا وُلِدَ لِلشَّاةِ الْمُتَعَيِّنَةِ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالشِّرَاءِ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ بَيْعُهُ، لِأَنَّ أُمَّهُ تَعَيَّنَتْ لِلْأُضْحِيَّةِ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَكَانَ يَجِبُ الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِ حَتَّى يُذْبَحَ مَعَهَا.فَإِذَا بَاعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِثَمَنِهِ.
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا جَازَ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسْرِ إِلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَكَانَ كَجِلِّهَا وَخِطَامِهَا، فَإِنْ ذَبَحَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ، وَإِذَا ذُبِحَ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَحْرُمُ بَيْعُ وَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ، وَيُنْدَبُ ذَبْحُ وَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُعَيَّنَةً بِالنَّذْرِ أَمْ لَا إِذَا خَرَجَ قَبْلَ ذَبْحِهَا، فَإِذَا ذُبِحَ سُلِكَ بِهِ مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يُذْبَحْ جَازَ إِبْقَاؤُهُ وَصَحَّتِ التَّضْحِيَةُ بِهِ فِي عَامٍ آخَرَ.
وَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي خَرَجَ بَعْدَ الذَّبْحِ، فَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا، وَكَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ كَانَ كَجُزْءٍ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مُحَقَّقَةً وَجَبَ ذَبْحُهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا نَذَرَ شَاةً مُعَيَّنَةً أَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً، أَوْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَوَلَدَتْ الشَّاةُ الْمَذْكُورَةُ وَجَبَ ذَبْحُ وَلَدِهَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَفْرِقَتُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ أُمِّهِ، إِلاَّ إِذَا مَاتَتْ أُمُّهُ فَيَجِبُ تَفْرِقَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لَا يَجِبُ ذَبْحُهُ، وَإِذَا ذُبِحَ لَمْ يَجِبِ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَيَجُوزُ فِيهِ الْأَكْلُ وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِهْدَاءُ، وَإِذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يُغْنِ عَنْ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا عَيَّنَ أُضْحِيَّةً فَوَلَدَتْ فَوَلَدُهَا تَابِعٌ لَهَا، حُكْمُهُ حُكْمُهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلًا بِهِ حِينَ التَّعْيِينِ، أَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ، فَيَجِبُ ذَبْحُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ لأُِضَحِّيَ بِهَا، وَإِنَّهَا وَضَعَتْ هَذَا الْعِجْلَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تَحْلُبْهَا إِلاَّ فَضْلًا عَنْ تَيْسِيرِ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَاذْبَحْهَا وَوَلَدَهَا عَنْ سَبْعَةٍ.
48- (الْأَمْرُ الرَّابِعُ): - مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَبْلَ التَّضْحِيَةِ- رُكُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَاسْتِعْمَالُهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا.
فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا أَثِمَ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ نَقَّصَ قِيمَتَهَا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ النَّقْصِ.
فَإِنْ آجَرَهَا لِلرُّكُوبِ أَوِ الْحَمْلِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ النَّقْصِ فَضْلًا عَنْ تَصَدُّقِهِ بِالْكِرَاءِ.
وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي إِجَارَةِ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ ذَبْحِهَا قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) الْمَنْعُ (وَثَانِيهِمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ رُكُوبُهَا وَإِرْكَابُهَا بِلَا أُجْرَةٍ، وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا.
لَكِنْ إِنْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَهَا الْمُسْتَعِيرُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا هُوَ أَوِ الْمُسْتَعِيرُ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الذَّبْحِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُعِيرِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إِنَّمَا يَضْمَنُ إِذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ مُعِيرِهِ يَدَ أَمَانَةٍ.
49- هَذَا وَهُنَاكَ مَكْرُوهَاتٌ ذُكِرَتْ فِي غَيْرِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: مِنْهَا: مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَنَّ التَّغَالِيَ بِكَثْرَةِ ثَمَنِهَا زِيَادَةٌ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ يُكْرَهُ- أَيْ تَنْزِيهًا- لِأَنَّ شَأْنَ ذَلِكَ الْمُبَاهَاةُ.وَكَذَا زِيَادَةُ الْعَدَدِ.
فَإِنْ نَوَى بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ أَوِ الْعَدَدِ الثَّوَابَ وَكَثْرَةَ الْخَيْرِ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ يُنْدَبُ.
مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُكْرَهُ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ:
50- لَمَّا كَانَتِ التَّضْحِيَةُ نَوْعًا مِنَ التَّذْكِيَةِ، كَانَتْ مُسْتَحَبَّاتُ التَّذْكِيَةِ مِنْ ذَبْحٍ وَنَحْرٍ مُسْتَحَبَّةً فِيهَا، وَمَكْرُوهَاتُهَا مَكْرُوهَةٌ فِيهَا.وَلِتَفْصِيلِ مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُكْرَهُ فِي التَّذْكِيَةِ (ر: ذَبَائِحُ).
وَلِلتَّضْحِيَةِ مُسْتَحَبَّاتٌ وَمَكْرُوهَاتٌ خَاصَّةٌ تَكُونُ عِنْدَهَا، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الْأُضْحِيَّةِ، أَوْ إِلَى الْمُضَحِّي، أَوْ إِلَى الْوَقْتِ.وَلْنَذْكُرْ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ مَبَاحِثَ:
مَا يَرْجِعُ إِلَى الْأُضْحِيَّةِ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ عِنْدَ التَّضْحِيَةِ:
51- يُسْتَحَبُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ أَسْمَنَ وَأَعْظَمَ بَدَنًا مِنْ غَيْرِهَا، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.وَمِنْ تَعْظِيمِهَا أَنْ يَخْتَارَهَا صَاحِبُهَا عَظِيمَةَ الْبَدَنِ سَمِينَةً.
وَإِذَا اخْتَارَ التَّضْحِيَةَ بِالشِّيَاهِ، فَأَفْضَلُهَا الْكَبْشُ الْأَمْلَحُ الْأَقْرَنُ الْمَوْجُوءُ (أَيِ الْمَخْصِيُّ)، لِحَدِيثِ أَنَسٍ- رضي الله عنه-: «ضَحَّى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ»، وَلِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ»، وَالْأَقْرَنُ: الْعَظِيمُ الْقَرْنِ، وَالْأَمْلَحُ: الْأَبْيَضُ، وَالْمَوْجُوءُ: قِيلَ: هُوَ الْمَدْقُوقُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ الْخَصِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «دَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ».
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ.بَلْ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ إِنِ اسْتَوَتَا فِي الْقِيمَةِ وَمِقْدَارِ اللَّحْمِ.وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ مَا اسْتَوَيَا فِي مِقْدَارِ اللَّحْمِ وَالْقِيمَةِ فَأَطْيَبُهُمَا لَحْمًا أَفْضَلُ.وَمَا اخْتَلَفَا فِيهِمَا فَالْفَاضِلُ أَوْلَى، وَالذَّكَرُ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ إِذَا كَانَ مَوْجُوءًا فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْأُنْثَى، وَإِلاَّ فَالْأُنْثَى أَفْضَلُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقِيمَةِ وَمِقْدَارِ اللَّحْمِ.وَالْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنَ الذَّكَرِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ اللَّحْمِ وَالْقِيمَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ أَنْ تَكُونَ جَيِّدَةً، بِأَنْ تَكُونَ أَعْلَى النَّعَمِ، وَأَنْ تَكُونَ سَمِينَةً، وَيُنْدَبُ أَيْضًا تَسْمِينُهَا، لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ- رضي الله عنه-.قَالَ: كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ».
وَالذَّكَرُ أَفْضَلُ مِنَ الْأُنْثَى، وَالْأَقْرَنُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَجَمِّ، وَيُفَضَّلُ الْأَبْيَضُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفَحْلُ عَلَى الْخَصِيِّ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَصِيُّ أَسْمَنَ، وَأَفْضَلُ الْأَضَاحِيِّ ضَأْنٌ مُطْلَقًا: فَحْلُهُ، فَخَصِيُّهُ، فَأُنْثَاهُ، فَمَعْزٌ كَذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَلِيهِمَا أَهِيَ الْإِبِلُ أَمِ الْبَقَرُ.
وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، فَفِي بَعْضِهَا تَكُونُ الْإِبِلُ أَطْيَبَ لَحْمًا فَتَكُونُ أَفْضَلَ، وَفِي بَعْضِهَا يَكُونُ الْبَقَرُ أَطْيَبَ لَحْمًا فَيَكُونُ أَفْضَلَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: أَفْضَلُ الْأَضَاحِيِّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَبَدَنَةٌ فَبَقَرَةٌ، فَشَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَسُبْعُ بَدَنَةٍ، فَسُبْعُ بَقَرَةٍ، وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَعْزِ، وَالذَّكَرُ الَّذِي لَمْ يَنْزُ أَفْضَلُ مِنَ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِدْ، وَيَلِيهِمَا الذَّكَرُ الَّذِي يَنْزُو، فَالْأُنْثَى الَّتِي تَلِدُ.
وَالْبَيْضَاءُ أَفْضَلُ، فَالْعَفْرَاءُ، فَالصَّفْرَاءُ، فَالْحَمْرَاءُ، فَالْبَلْقَاءُ، وَيَلِي ذَلِكَ السَّوْدَاءُ.
وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِينُ الْأُضْحِيَّةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: أَفْضَلُ الْأَضَاحِيِّ الْبَدَنَةُ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ الشَّاةُ، ثُمَّ شِرْكٌ فِي بَدَنَةٍ، ثُمَّ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ.
52- وَيُكْرَهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ لَا يُخِلُّ بِالْإِجْزَاءِ.
مَا يُسْتَحَبُّ فِي التَّضْحِيَةِ مِنْ أُمُورٍ تَرْجِعُ إِلَى الْمُضَحِّي:
53- أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَمُبَاشَرَةُ الْقُرْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَفْوِيضِ إِنْسَانٍ آخَرَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الذَّبْحَ فَالْأَوْلَى تَوْلِيَتُهُ مُسْلِمًا يُحْسِنُهُ، وَيُسْتَحَبُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَشْهَدَ الْأُضْحِيَّةَ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِفَاطِمَةَ- رضي الله عنها-: «يَا فَاطِمَةُ قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا».
وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى هَذَا.غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: الْأَفْضَلُ لِلْأَكْثَرِ وَالْخُنْثَى وَالْأَعْمَى التَّوْكِيلُ وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الذَّبْحِ.وَلِهَذِهِ النُّقْطَةِ تَتِمَّةٌ سَتَأْتِي.
54- أَنْ يَدْعُوَ فَيَقُولَ: «اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ فَاطِمَةَ- رضي الله عنها- أَنْ تَقُولَ: «إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي...إِلَخْ.
وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «ذَبَحَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ، بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ ذَبَحَ».
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ يُكْرَهُ قَوْلُ الْمُضَحِّي عِنْدَ التَّسْمِيَةِ» اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ «، لِأَنَّهُ لَمْ يَصْحَبْهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ التَّكْبِيرُ ثَلَاثًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالدُّعَاءُ بِالْقَبُولِ، بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَإِلَيْكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِكْمَالِ التَّسْمِيَةِ بِأَنْ يُقَالَ: » الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «فَقِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ، لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا تُنَاسِبُهُ الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ وَهُوَ أَكْمَلُ، لِأَنَّ فِي الذَّبْحِ رَحْمَةً بِالْآكِلِينَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَقُولُ الْمُضَحِّي عِنْدَ الذَّبْحِ: » بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.وَالتَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَ التَّذَكُّرِ وَالْقُدْرَةِ، وَالتَّكْبِيرُ مُسْتَحَبٌّ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا ذَبَحَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ».وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «وَسَمَّى وَكَبَّرَ» وَإِنْ زَادَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي أَوْ مِنْ فُلَانٍ فَحَسَنٌ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بِكَبْشٍ لَهُ لِيَذْبَحَهُ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ».
55- أَنْ يَجْعَلَ الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَ انْتِهَائِهِ وَيَخُصُّ حَالَةَ الذَّبْحِ بِالتَّسْمِيَةِ مُجَرَّدَةً.هَكَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ.
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خَلْطُ التَّسْمِيَةِ بِكَلَامٍ آخَرَ حَالَةَ الذَّبْحِ وَلَوْ كَانَ دُعَاءً، لِأَنَّهُ يَنْبَغِي كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ تُجْعَلَ الْأَدْعِيَةُ سَابِقَةً عَلَى ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ أَوْ مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْفَرَاغِ مِنْهُ.
مَا يَرْجِعُ إِلَى وَقْتِ التَّضْحِيَةِ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ:
56- تُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّضْحِيَةِ، فَالتَّضْحِيَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِيمَا يَلِيهِ، لِأَنَّهَا مُسَارَعَةٌ إِلَى الْخَيْرِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.
وَالْمَقْصُودُ الْمُسَارَعَةُ إِلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ وَالْجَنَّةِ، وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ.
وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، غَيْرَ أَنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّ التَّضْحِيَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالتَّضْحِيَةُ مِنَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ فِي الْيَوْمَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَفْضَلُ مِنَ التَّضْحِيَةِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الِارْتِفَاعِ، وَقَدْ تَرَدَّدُوا فِي التَّضْحِيَةِ بَيْنَ زَوَالِ الْيَوْمِ الثَّانِي وَغُرُوبِهِ، وَالتَّضْحِيَةِ بَيْنَ فَجْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَزَوَالِهِ، أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ؟ وَالرَّاجِحُ: أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ، وَلَا تَضْحِيَةَ عِنْدَهُمْ فِي اللَّيْلِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ التَّضْحِيَةَ فِي اللَّيْلِ تُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَمَعْلُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَا يُجِيزُ لِأَهْلِ الْقُرَى أَنْ يُضَحُّوا إِلاَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُضَحِّي فِيهِ أَهْلُ الْمُدُنِ.
مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُكْرَهُ بَعْدَ التَّضْحِيَةِ:
أ- يُسْتَحَبُّ لِلْمُضَحِّي بَعْدَ الذَّبْحِ أُمُورٌ:
57- مِنْهَا: أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى تَسْكُنَ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الذَّبِيحَةِ فَلَا يَنْخَعُ وَلَا يَسْلُخُ قَبْلَ زَوَالِ الْحَيَاةِ عَنْ جَمِيعِ جَسَدِهَا.
58- وَمِنْهَا: أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيُطْعِمَ وَيَدَّخِرَ، لقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.
وَقَوْلُهُ {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}.
وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا ضَحَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ».
59- وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ، وَيَتَّخِذَ الثُّلُثَ ضِيَافَةً لِأَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ، وَلَهُ أَنْ يَهَبَ الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَيُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَالِ بِالثُّلُثِ».
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ جَازَ، وَلَوْ حَبَسَ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ جَازَ، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي إِرَاقَةِ الدَّمِ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الِادِّخَارِ عَنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ، لِأَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ دَفَّتْ (أَيْ نَزَلَتْ) بِالْمَدِينَةِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَتَصَدَّقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِمْ بِمَا فَضَلَ عَنْ أَضَاحِيِّهِمْ، فَنَهَى عَنِ الِادِّخَارِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
فَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْعَلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا».وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ.قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي؟ قَالَ: كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا».
وَإِطْعَامُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِهَا أَفْضَلُ مِنَ ادِّخَارِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي ذَا عِيَالٍ وَهُوَ غَيْرُ مُوَسَّعِ الْحَالِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِعِيَالِهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ حَاجَتَهُ وَحَاجَةَ عِيَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِمْ، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا».
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
60- وَهَاهُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ وَهُوَ أَنَّ أَكْلَ الْمُضَحِّي مِنَ الْأُضْحِيَّةِ وَإِطْعَامَ الْأَغْنِيَاءِ وَالِادِّخَارَ لِعِيَالِهِ تَمْتَنِعُ كُلُّهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي صُوَرٍ.
مِنْهَا: الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا.وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَنْذُورَةَ كَغَيْرِهَا فِي جَوَازِ الْأَكْلِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُمْسِكَ عَنِ التَّضْحِيَةِ بِالشَّاةِ الَّتِي عَيَّنَهَا لِلتَّضْحِيَةِ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ حَتَّى تَغْرُبَ شَمْسُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا حَيَّةً.
وَمِنْهَا: أَنْ يُضَحِّيَ عَنِ الْمَيِّتِ بِأَمْرِهِ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالْأُضْحِيَّةِ كُلِّهَا عَلَى الْمُخْتَارِ.
وَمِنْهَا: أَنْ تَلِدَ الْأُضْحِيَّةُ فَيَجِبَ ذَبْحُ الْوَلَدِ عَلَى قَوْلٍ، وَإِذَا ذُبِحَ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغِ السِّنَّ الَّتِي تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ فِيهَا، فَلَا تَكُونُ الْقُرْبَةُ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْقُرْبَةُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الْوَلَدِ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا.
وَمِنْهَا: أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الْبَدَنَةِ سَبْعَةٌ أَوْ أَقَلُّ، وَيَنْوِي بَعْضُهُمْ بِنَصِيبِهِ الْقَضَاءَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ فَاتَتْهُ مِنْ عَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ مَضَتْ، فَيَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ حِصَصِهِمْ، لِأَنَّ الَّذِي نَوَى الْقَضَاءَ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ، فَكَانَ نَصِيبُهُ تَطَوُّعًا مَحْضًا وَهُوَ لَمْ يَنْوِ التَّقَرُّبَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ، لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِنَّمَا يَقْضِي بِالتَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ، وَنَصِيبُ الْمُضَحِّي الَّذِي نَوَى الْقَضَاءَ شَائِعٌ فِي الْبَدَنَةِ كُلِّهَا، فَلَا سَبِيلَ لِلَّذِي نَوَى الْأَدَاءَ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا مِنْهَا، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ لِلْمُضَحِّي الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَكْلِ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِهْدَاءِ بِلَا حَدٍّ فِي ذَلِكَ بِثُلُثٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْذُورَةٍ وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ بَعْدَ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالنَّذْرِ أَوِ الْجُعْلِ وَالْمُعَيَّنَةِ عَنِ الْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ التَّصَدُّقُ بِهَا كُلِّهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْوَاجِبَةِ فَيَجِبُ بَعْدَ الذَّبْحِ التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ مِنْ لَحْمِهَا نِيئًا غَيْرَ قَدِيدٍ وَلَا تَافِهٍ جِدًّا.وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى فَاتَتْ ضَمِنَ لِلْفُقَرَاءِ ثَمَنَ أَقَلِّ مَا لَا يُعْتَبَرُ تَافِهًا.
فَلَا يَكْفِي التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّحْمِ أَوِ الْكَبِدِ أَوْ نَحْوِهِمَا وَلَا التَّصَدُّقُ بِمَطْبُوخٍ، وَلَا التَّصَدُّقُ بِقَدِيدٍ وَهُوَ الْمُجَفَّفُ، وَلَا التَّصَدُّقُ بِجُزْءٍ تَافِهٍ جِدًّا لَيْسَ لَهُ وَقْعٌ.
وَوُجُوبُ التَّصَدُّقِ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ وَهُوَ أَصَحُّهُمَا، وَيَكْفِي فِي التَّصَدُّقِ الْإِعْطَاءُ، وَلَا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِ، وَمَا عَدَا الْجُزْءَ الْمُتَصَدَّقَ بِهِ يَجُوزُ فِيهِ الْأَكْلُ وَالْإِهْدَاءُ لِمُسْلِمٍ وَالتَّصَدُّقُ عَلَى مُسْلِمٍ فَقِيرٍ.
وَالْأَفْضَلُ التَّصَدُّقُ بِهَا كُلِّهَا إِلاَّ لُقَمًا يَسِيرَةً يَأْكُلُهَا نَدْبًا لِلتَّبَرُّكِ، وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللُّقَمُ مِنَ الْكَبِدِ، وَيُسَنُّ إِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالتَّصَدُّقِ وَالْإِهْدَاءِ أَلاَّ يَأْكُلَ فَوْقَ الثُّلُثِ، وَأَلاَّ يَتَصَدَّقَ بِدُونِ الثُّلُثِ، وَأَنْ يُهْدِيَ الْبَاقِيَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِبَعْضِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ لَحْمٍ وَهُوَ الْأُوقِيَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى فَاتَتْ ضَمِنَ لِلْفُقَرَاءِ ثَمَنَ أُوقِيَّةٍ، وَيَجِبُ تَمْلِيكُ الْفَقِيرِ لَحْمًا نِيئًا لَا إِطْعَامُهُ.
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثًا، يُهْدِي ثُلُثًا، وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثٍ، وَلَوْ أَكَلَ، أَكْثَرَ جَازَ.
وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْأُضْحِيَّةُ الْمَسْنُونَةُ وَالْوَاجِبَةُ بِنَحْوِ النَّذْرِ، لِأَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَالْمَعْهُودُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَبْحُهَا، وَالْأَكْلُ مِنْهَا، وَالنَّذْرُ لَا يُغَيَّرُ مِنْ صِفَةِ الْمَنْذُورِ إِلاَّ الْإِيجَابُ.
ب- وَيُكْرَهُ لِلْمُضَحِّي بَعْدَ الذَّبْحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أُمُورٌ:
61- مِنْهَا: أَنْ يَنْخَعَهَا أَوْ يَسْلُخَهَا قَبْلَ زُهُوقِ رُوحِهَا، وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الذَّبَائِحِ، وَهِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
14-موسوعة الفقه الكويتية (جهاد 1)
جِهَادٌ -1التَّعْرِيف:
1- الْجِهَادُ مَصْدَرُ جَاهَدَ، وَهُوَ مِنَ الْجَهْدِ- بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا- أَيِ الطَّاقَةِ وَالْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ: الْجَهْدُ- بِفَتْحِ الْجِيمِ- هُوَ الْمَشَقَّةُ، وَبِالضَّمِّ الطَّاقَةُ.
وَالْجِهَادُ الْقِتَالُ مَعَ الْعَدُوِّ كَالْمُجَاهَدَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}.وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ».يُقَالُ: جَاهَدَ الْعَدُوُّ مُجَاهَدَةً وَجِهَادًا إِذَا قَاتَلَهُ.وَحَقِيقَةُ الْجِهَادِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ: الْمُبَالَغَةُ وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي مُدَافَعَةِ الْعَدُوِّ بِالْيَدِ أَوِ اللِّسَانِ.أَوْ مَا أَطَاقَ مِنْ شَيْءٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: مُجَاهَدَةُ الْعَدُوِّ الظَّاهِرِ، وَالشَّيْطَانِ، وَالنَّفْسِ.وَتَدْخُلُ الثَّلَاثَةُ فِي ((: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْجِهَادُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقَلْبِ كَالْعَزْمِ عَلَيْهِ، أَوْ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، أَوْ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُبْطِلِ، أَوْ بِبَيَانِ الْحَقِّ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ، أَوْ بِالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ فِيمَا فِيهِ نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِالْقِتَالِ بِنَفْسِهِ.فَيَجِبُ الْجِهَادُ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ.قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَمِنْهُ هَجْوُ الْكُفَّارِ.كَمَا كَانَ حَسَّانُ- رضي الله عنه- يَهْجُو أَعْدَاءَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.
وَالْجِهَادُ اصْطِلَاحًا: قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ بَعْدَ دَعْوَتِهِ لِلْإِسْلَامِ وَإِبَائِهِ، إِعْلَاءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- السِّيَر:
2- السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فِعْلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنَ السِّيَرِ.وَقَدْ غَلَبَتْ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ عَلَى الطَّرَائِقِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي غَزْوِ الْكُفَّارِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، كَغَلَبَةِ لَفْظِ (الْمَنَاسِكِ) عَلَى أُمُورِ الْحَجِّ.
وَقَدْ سُمِّيَتِ الْمَغَازِي سِيَرًا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ أُمُورِهَا السَّيْرُ إِلَى الْعَدُوِّ، وَالْمُرَادُ بِهَا سَيْرُ الْإِمَامِ وَمُعَامَلَاتُهُ مَعَ الْغُزَاةِ، وَالْأَنْصَارِ، وَمَنْعُ الْعُدَاةِ وَالْكُفَّارِ.
ب- الْغَزْو:
3- الْغَزْوُ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ، يُقَالُ: مَا مَغْزَاكَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ مَا مَطْلَبُكَ، وَسُمِّيَ الْغَازِي، غَازِيًا لِطَلَبِهِ الْغَزْوَ.
وَيُعْرَفُ كِتَابُ الْجِهَادِ فِي غَيْرِ كُتُبِ الْفِقْهِ بِكِتَابِ الْمَغَازِي، وَهُوَ أَيْضًا أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ مَغْزَاةٍ مَصْدَرٌ لِغَزَا، إِنْزَالًا عَلَى الْوَحْدَةِ، وَالْقِيَاسُ غَزْوٌ، وَغَزْوَةٌ لِلْوَحْدَةِ، كَضَرْبَةٍ وَضَرْبٍ، وَهُمْ قَصْدُ الْعَدُوِّ لِلْقِتَالِ، خُصَّ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ.
ج- الرِّبَاط:
4- الرِّبَاطُ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَانٍ لَيْسَ وَرَاءَهُ إِسْلَامٌ، وَيُتَوَقَّعُ هُجُومُ الْعَدُوِّ مِنْهُ لِقَصْدِ دَفْعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالرِّبَاطُ تَأَهُّبٌ لِلْجِهَادِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ- رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ».وَلِتَفْصِيلِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (رِبَاطٌ).
تَدَرُّجُ مَشْرُوعِيَّةِ الْجِهَادِ:
5- الْجِهَادُ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ، لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَلِفِعْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَمْرِهِ بِهِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ».
وَقَدْ كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ- صلى الله عليه وسلم- أَوَّلَ الْأَمْرِ هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ، وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ، وَالصَّفْحُ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وَبَدَأَ الْأَمْرَ بِالدَّعْوَةِ سِرًّا ثُمَّ جَهْرًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} وَقَالَ أَيْضًا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَقَالَ أَيْضًا: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ إِذَا ابْتَدَأَهُمُ الْكُفَّارُ بِالْقِتَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.وَذَلِكَ فِي قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}.
ثُمَّ شَرَعَ اللَّهُ الِابْتِدَاءَ بِالْقِتَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} وَقَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} وَتُسَمَّى هَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ، وَقِيلَ: هِيَ قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ».
وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ الْجِهَادُ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً عَلَى الْأَقَلِّ.وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُوَجِّهَ الْإِمَامُ كُلَّ سَنَةٍ طَائِفَةً، وَيَزُجَّ بِنَفْسِهِ مَعَهَا أَوْ يُخْرِجَ بَدَلَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ؛ لِيَدْعُوَ الْكُفَّارَ لِلْإِسْلَامِ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَاتِلَهُمْ إِذَا أَبَوْا؛ لِأَنَّ فِي تَعْطِيلِهِ أَكْثَر مِنْ سَنَةٍ مَا يُطَمِّعُ الْعَدُوَّ فِي الْمُسْلِمِينَ.فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَكْثَر مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَوَجَبَ مِنْهُ مَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى تَأْخِيرِهِ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قِلَّةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي قِتَالِهِمْ مِنَ الْعُدَّةِ، أَوِ الْمَدَدِ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهِ، أَوْ يَكُونُ الطَّرِيقُ إِلَيْهِمْ فِيهَا مَانِعٌ، أَوْ لَيْسَ هُنَا مُؤَنٌ، أَوْ لِلطَّمَعِ فِي إِسْلَامِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ، جَازَ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا الْهُدْنَةَ، وَأَخَّرَ قِتَالَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِلِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يُرْجَى مِنَ النَّفْعِ بِتَأْخِيرِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرْجَى مِنَ النَّفْعِ بِتَقْدِيمِهِ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ.
فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَدْعُو إِلَى تَأْخِيرِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلَ».
وَرُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- غَزَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، وَبَعَثَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَرِيَّةً».
فَضْلُ الْجِهَادِ:
6- فَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ، وَحَاصِلُهُ بَذْلُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَرُّبًا بِذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَلَقَدْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- جَعَلَهُ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وَأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ، وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ.قَالَ أَحْمَدُ: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ هُمُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ حَرِيمِهِمْ، فَأَيُّ عَمَلٍ أَفْضَلُ مِنْهُ؟ النَّاسُ آمِنُونَ وَهُمْ خَائِفُونَ، قَدْ بَذَلُوا مُهَجَ أَنْفُسِهِمْ.
وَالْأَحَادِيثُ مُتَظَاهِرَةٌ بِذَلِكَ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ، قَالَ: لَا أَجِدُهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟ قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ»؟.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ، بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلاَّ الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى».
وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَغَيْرُهَا تَتَضَافَرُ عَلَى بَيَانِ فَضْلِ الْجِهَادِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّ الْجِهَادَ فِي الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ فِي الْبَرِّ، «لِحَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَامَ عِنْدَهَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ».
وَلِأَنَّ الْبَحْرَ أَعْظَمُ خَطَرًا وَمَشَقَّةً، فَإِنَّهُ بَيْنَ الْعَدُوِّ، وَفِيهِ خَطَرُ الْغَرَقِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْفِرَارِ إِلاَّ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ الْقِتَالُ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفْضَلُ مِنْ قِتَالِ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينٍ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ خَلاَّدٍ مِنْ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «ابْنُكَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ».
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْجِهَادِ:
7- الْجِهَادُ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} وقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ».
وَالْمُرَادُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ فَرْضٌ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْمُضِيَّ مَعْنَاهُ النَّفَاذُ، وَالنَّفَاذُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْضِ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ النَّدْبَ وَالْإِبَاحَةَ لَا يَجِبُ فِيهِمَا الِامْتِثَالُ وَالنَّفَاذُ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَعَ الْخَوْفِ، وَنَافِلَةٌ مَعَ الْأَمْنِ.
8- ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْفَرْضِيَّةِ:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ كَسْرُ شَوْكَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِعْزَازُ الدِّينِ.وَمَعْنَى الْكِفَايَةِ فِي الْجِهَادِ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ قَوْمٌ يَكْفُونَ فِي جِهَادِهِمْ، إِمَّا أَنْ يَكُونُوا جُنْدًا لَهُمْ دَوَاوِينُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُوا أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ تَطَوُّعًا بِحَيْثُ إِذَا قَصَدَهُمُ الْعَدُوُّ حَصَلَتِ الْمَنَعَةُ بِهِمْ، وَيَكُونُ فِي الثُّغُورِ مَنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ عَنْهَا، وَيَبْعَثُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَيْشًا يُغِيرُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فِي بِلَادِهِمْ.
وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: مَا قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، كَرَدِّ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ.فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ مَنْ يَكْفِي، أَثِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلٍّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ الْجِهَادَ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنِ الْعِبَادِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَأْمَنَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَتَمَكَّنُوا مِنَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.فَإِذَا اشْتَغَلَ الْكُلُّ بِالْجِهَادِ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ.
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- تَارَةً يَخْرُجُ، وَتَارَةً يَبْعَثُ غَيْرَهُ، حَتَّى قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِمْ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْدُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرُ آثِمِينَ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ كُلًّا الْحُسْنَى، وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا، وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَ مَأْجُورٍ وَمَأْزُورٍ.
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ- رضي الله عنه- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ، وَقَالَ: لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِينَ: أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ».
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ الْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ.: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
وَقَوْلُهُ: {إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.وَقَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ».وَأَنَّ الْقَاعِدِينَ الْمَوْعُودِينَ بِالْحُسْنَى كَانُوا حُرَّاسًا، أَيْ كَانُوا مِنْ هَذَيْنِ كَذَلِكَ.
مَتَى يَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ؟
9- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَالَاتِ الْآتِيَةِ: أ- إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَتَقَابَلَ الصَّفَّانِ، حَرُمَ عَلَى مَنْ حَضَرَ الِانْصِرَافُ، وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}...إِلَى قَوْلِهِ: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ب- إِذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى قَوْمٍ بَغْتَةً، فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمُ الدَّفْعُ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا، أَوْ هَجَمَ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى دَفْعِهِ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ كَانَ بِمَكَانٍ مُقَارِبٍ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ إِنْ عَجَزَ مَنْ فَجَأَهُمُ الْعَدُوُّ عَنِ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمَحَلُّ التَّعَيُّنِ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إِنْ لَمْ يَخْشَوْا عَلَى نِسَائِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ مِنْ عَدُوٍّ بِتَشَاغُلِهِمْ بِمُعَاوَنَةِ مَنْ فَجَأَهُمُ الْعَدُوُّ، وَإِلاَّ تَرَكُوا إِعَانَتَهُمْ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنَ الْبَلْدَةِ كَأَهْلِهَا، وَمَنْ عَلَى الْمَسَافَةِ يَلْزَمُهُ الْمُوَافَقَةُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إِنْ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا، وَمَنْ يَلِيهِمْ.وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَفْجَأْهُمُ الْعَدُوُّ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُقِلُّ مِنْهُمْ وَالْمُكْثِرُ.وَمَعْنَاهُ: أَنَّ النَّفِيرَ يَعُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ حِينَ الْحَاجَةِ لِمَجِيءِ الْعَدُوِّ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّخَلُّفُ إِلاَّ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْمَكَانِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ، وَمَنْ يَمْنَعُهُ الْأَمِيرُ مِنَ الْخُرُوجِ، أَوْ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْخُرُوجِ أَوِ الْقِتَالِ.
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَقَالَ: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا}.
ج- إِذَا اسْتَنْفَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا لَزِمَهُمُ النَّفِيرُ مَعَهُ إِلاَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ قَاطِعٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}.
وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» وَذَلِكَ لِأَنَّ أَمْرَ الْجِهَادِ مَوْكُولٌ إِلَى الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ وَلَوْ لِصَبِيٍّ مُطِيقٍ لِلْقِتَالِ أَوِ امْرَأَةٍ، وَتَعْيِينُ الْإِمَامِ إِلْجَاؤُهُ إِلَيْهِ وَجَبْرُهُ عَلَيْهِ، كَمَا يَلْزَمُ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ حَالِهِ، لَا بِمَعْنَى عِقَابِهِ عَلَى تَرْكِهِ، فَلَا يُقَالُ: إِنَّ تَوَجُّهَ الْوُجُوبِ لِلصَّبِيِّ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ.
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْجِهَادِ:
10- الْقَصْدُ مِنَ الْجِهَادِ دَعْوَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، أَوِ الدُّخُولُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَدَفْعِ الْجِزْيَةِ، وَجَرَيَانُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ، وَبِذَلِكَ يَنْتَهِي تَعَرُّضُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاعْتِدَاؤُهُمْ عَلَى بِلَادِهِمْ، وَوُقُوفُهُمْ فِي طَرِيقِ نَشْرِ الدَّعْوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَيَنْقَطِعُ دَابِرُ الْفَسَادِ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَسِيرَتُهُ، وَسِيرَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَتَخْيِيرِهِمْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ مُرَتَّبَةٍ وَهِيَ: قَبُولُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، أَوِ الْبَقَاءُ عَلَى دِينِهِمْ مَعَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَعَقْدُ الذِّمَّةِ.فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، فَالْقِتَالُ.
وَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلَافٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (جِزْيَةٌ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ).
الِاسْتِئْذَانُ فِي الْجِهَادِ:
أ- إِذْنُ الْوَالِدَيْنِ:
11- لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، أَوْ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا إِنْ كَانَ الْآخَرُ كَافِرًا، إِلاَّ إِذَا تَعَيَّنَ، كَأَنْ يَنْزِلَ الْعَدُوُّ بِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ يُمْكِنُهُ إِعَانَتُهُمْ أَنْ يَقْصِدَهُمْ مُغِيثًا لَهُمْ، أَذِنَ الْأَبَوَانِ أَمْ لَمْ يَأْذَنَا، إِلاَّ أَنْ يَضِيعَا، أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ مَنْ يَضِيعُ مِنْهُمَا؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِهَادِ.وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِهَادِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيهِ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلِهَذَا قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنه-: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَغْزُوَ الرُّومَ، وَإِنَّ أَبَوَيَّ مَنَعَانِي، فَقَالَ: «أَطِعْ أَبَوَيْكَ فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرَكَ».
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ- رضي الله عنهما-، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجَاهِدَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمَا؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانُوا يُجَاهِدُونَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ كَافِرَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَأَبُوهُ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ.
وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مُتَّهَمٌ فِي الدِّينِ بِالْمَنْعِ مِنَ الْجِهَادِ لِمَظِنَّتِهِ قَصْدَ تَوْهِينِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إِذَا كَرِهَ خُرُوجَهُ مَخَافَةً وَمَشَقَّةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِكَرَاهَةِ قِتَالِ أَهْلِ دِينِهِ فَلَا يُطِيعُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ.إِذْ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا مُحْتَاجًا إِلَى خِدْمَتِهِ فُرِضَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَافِرًا، وَلَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ تَرْكُ فَرْضِ عَيْنٍ لِيُتَوَصَّلَ إِلَى فَرْضِ كِفَايَةٍ، وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجَاهِدَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَأَبَوَيْنِ فِي الْبِرِّ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ جَدُّهُ لِأَبِيهِ وَجَدَّتُهُ لأُِمِّهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ، فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِخُرُوجِهِ؛ لِقِيَامِ أَبِي الْأَبِ وَأُمِّ الْأُمِّ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَالْآخَرَانِ كَبَاقِي الْأَجَانِبِ إِلاَّ إِذَا عُدِمَ الْأَوَّلَانِ.
وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوْ أُمٌّ وَجَدَّةٌ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِئْذَانُ الْجَدِّ مَعَ الْأَبِ، وَاسْتِئْذَانُ الْجَدَّةِ مَعَ الْأُمِّ، لِأَنَّ وُجُودَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُسْقِطُ بِرَّ الْجَدَّيْنِ، وَلَا يُنْقِصُ شَفَقَتَهُمَا عَلَيْهِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ يَحْجُبَانِ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ عَنِ الْوِلَايَةِ وَالْحَضَانَةِ.
وَإِنَّمَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُ الْأَبَوَيْنِ فِي الْجِهَادِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا، وَلَكِنْ إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ فَلَا إِذْنَ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ، وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا طَاعَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي تَرْكِ الْفَرَائِضِ، وَالْجُمَعِ، وَالْحَجِّ، وَالْقِتَالِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إِذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ.
الرُّجُوعُ عَنِ الْإِذْنِ:
12- مَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَا عَنِ الْإِذْنِ، أَوْ كَانَ الْأَبَوَانِ كَافِرَيْنِ، فَأَسْلَمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ وَلَمْ يَأْذَنَا، وَعَلِمَ الْمُجَاهِدُ الْحَالَ، يَلْزَمُهُ الِانْصِرَافُ إِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِتَالِ، وَلَمْ يَحْضُرِ الْوَقْعَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ، وَالْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، أَوْ يَخَافَ انْكِسَارَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَلْزَمُهُ.فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْصِرَافُ لِلْخَوْفِ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُقِيمَ فِي قَرْيَةٍ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى يَرْجِعَ الْجَيْشُ، لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِانْصِرَافُ.
وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ: يَحْرُمُ الِانْصِرَافُ، وَتَجِبُ الْمُصَابَرَةُ؛ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ؛ وَلِانْكِسَارِ الْقُلُوبِ بِانْصِرَافِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، بَلْ يَجِبُ الِانْصِرَافُ، وَالثَّالِثُ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الِانْصِرَافِ وَالْمُصَابَرَةِ.وَإِنْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِالْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ فَرْضُ الْجِهَادِ، وَسَقَطَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ، فَقُدِّمَ عَلَى حَقِّ الْأَبَوَيْنِ.
وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَالِدَاهُ فِي الْغَزْوِ وَشَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ، فَحَضَرَ الْقِتَالَ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِتَالُ وَسَقَطَ شَرْطُهُمَا.وَبِذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا فِي تَرْكِهِ طَاعَةٌ، وَلَوْ خَرَجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا فَحَضَرَ الْقِتَالَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ.
ب- إِذْنُ الدَّائِنِ:
13- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَدِينُ لِلْجِهَادِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَدِينُ بِغَيْرِ إِذْنِ غَرِيمِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ وَهُوَ الْمُلَازَمَةُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ الدَّائِنُ، وَلَمْ يُبْرِئْهُ، فَالْمُسْتَحَبُّ الْإِقَامَةُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَدْءَ بِالْأَوْجَبِ أَوْلَى، فَإِنْ خَرَجَ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْكَفِيلِ إِذَا كَانَ بِأَمْرِ الدَّائِنِ، وَيَسْتَوِي فِي وُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ، الْكَفِيلُ بِالْمَالِ وَالْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَلَهُ الْخُرُوجُ بِلَا إِذْنٍ إِنْ عَلِمَ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ؛ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِقَامَةُ لِقَضَائِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ إِذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ بِبَيْعِ مَا عِنْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَلَا يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ خَرَجَ بِغَيْرِ إِذْنِ الدَّائِنِ، فَإِنْ حَلَّ فِي غَيْبَتِهِ، وَعِنْدَهُ مَا يُوَفِّي مِنْهُ، وَكُلُّ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَدِينُ فِي الدَّيْنِ إِذَا كَانَ حَالًّا إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا، أَيْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَفَاءٌ فِي قَوْلٍ.وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا إِذْ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْحَالِّ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَنْعُ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِالدَّيْنِ.وَالثَّالِثُ: لَهُ الْمَنْعُ إِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلدَّائِنِ أَنْ يَمْنَعَ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ قَبْلَ رُجُوعِهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا بِغَيْرِ إِذْنِ غَرِيمِهِ إِلاَّ أَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً، أَوْ يُقِيمَ بِهِ كَفِيلًا أَوْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلاَّ الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ- عليه السلام- قَالَ لِي ذَلِكَ».
وَلِأَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ وَالِدَ جَابِرٍ الصَّحَابِيِّ الْمَعْرُوفِ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَاسْتُشْهِدَ، وَقَضَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ مَعَ عِلْمِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، بَلْ مَدَحَهُ، وَقَالَ: مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ.وَقَالَ لِابْنِهِ جَابِرٍ: أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟ مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ، إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ تُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ الَّتِي تَفُوتُ بِهَا النَّفْسُ، فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا.
وَأَمَّا إِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا إِذْنَ لِغَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ، فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ.وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَظَانِّ الْقَتْلِ مِنَ الْمُبَارَزَةِ، وَالْوُقُوفِ فِي أَوَّلِ الْمُقَاتِلَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِتَفْوِيتِ الْحَقِّ، بَلْ يَقِفُ وَسَطَ الصَّفِّ أَوْ حَاشِيَتِهِ حِفْظًا لِلدَّيْنِ.
ج- إِذْنُ الْإِمَامِ:
14- صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْغَزْوُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ أَوِ الْأَمِيرِ الْمُوَلَّى مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْحَاجَةِ، وَالْإِمَامُ أَوِ الْأَمِيرُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ، وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ التَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ يَجُوزُ فِي الْجِهَادِ.
وَلِأَنَّ أَمْرَ الْحَرْبِ مَوْكُولٌ إِلَى الْأَمِيرِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ، وَمَكَامِنِ الْعَدُوِّ وَكَيْدِهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ إِلَى رَأْيِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَجُزِ الْمُبَارَزَةُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَالْغَزْوُ أَوْلَى، إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ تَمَكُّنَهُ، فَلَا يُمْكِنُهُمُ الِاسْتِئْذَانُ، فَيَسْقُطُ الْإِذْنُ بِاقْتِضَاءِ قِتَالِهِمْ، وَالْخُرُوجُ إِلَيْهِمْ لِحُصُولِ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِمُ انْتِظَارًا لِلْإِذْنِ.
وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ «لَمَّا أَغَارَ الْكُفَّارُ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- صَادَفَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ فَتَبِعَهُمْ وَقَاتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، فَمَدَحَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: خَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَأَعْطَاهُ سَهْمَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ».
الْجِهَادُ مَعَ الْأَئِمَّةِ:
15- صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يُغْزَى مَعَ أَمِيرِ جَيْشٍ وَلَوْ كَانَ جَائِرًا ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَ الْجِهَادِ مَعَهُ سَوْفَ يُفْضِي إِلَى قَطْعِ الْجِهَادِ، وَظُهُورِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِئْصَالِهِمْ وَظُهُورِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَنُصْرَةُ الدِّينِ وَاجِبَةٌ.وَكَذَا مَعَ ظَالِمٍ فِي أَحْكَامِهِ، أَوْ فَاسِقٍ بِجَارِحَةٍ، لَا مَعَ غَادِرٍ يَنْقُضُ الْعَهْدَ شُرُوطُ وُجُوبِ الْجِهَادِ:
أ- الْإِسْلَام:
16- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْجِهَادِ: الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ سَائِرِ الْفُرُوعِ؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مَأْمُونٍ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَأْذَنُ لَهُ الْإِمَامُ بِالْخُرُوجِ مَعَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ».
وَلِأَنَّ مَا يُخَافُ مِنَ الضَّرَرِ بِحُضُورِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرْجَى مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ لَا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَغَائِلَتُهُ؛ لِخُبْثِ طَوِيَّتِهِ، وَالْحَرْبُ تَقْتَضِي الْمُنَاصَحَةَ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
ب- الْعَقْلَ:
17- الْمَجْنُونُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ.
ج- الْبُلُوغ:
18- لَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى الصَّبِيِّ غَيْرِ الْبَالِغِ ضَعِيفِ الْبِنْيَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْنِي فِي الْمُقَاتِلَةِ».
وَقَدْ «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ بَدْرٍ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَعَرَّابَةَ بْنَ أَوْسٍ، فَجَعَلَهُمْ حَرَسًا لِلذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ» وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
15-موسوعة الفقه الكويتية (سياسة)
سِيَاسَةالتَّعْرِيفُ:
1- لِلسِّيَاسَةِ فِي اللُّغَةِ مَعْنَيَانِ:
الْأَوَّلُ: فِعْلُ السَّائِسِ، وَهُوَ مَنْ يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَيُرَوِّضُهَا.
يُقَالُ: سَاسَ الدَّابَّةَ يَسُوسُهَا سِيَاسَةً.
الثَّانِي: الْقِيَامُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا يُصْلِحُهُ.يُقَالُ: سَاسَ الْأَمْرَ سِيَاسَةً: إِذَا دَبَّرَهُ.
وَسَاسَ الْوَالِي الرَّعِيَّةَ: أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ وَتَوَلَّى قِيَادَتَهُمْ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ السِّيَاسَةَ فِي اللُّغَةِ تَدُلُّ عَلَى التَّدْبِيرِ وَالْإِصْلَاحِ وَالتَّرْبِيَةِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ تَأْتِي لَمَعَانٍ، 2- مِنْهَا: الْأَوَّلُ: مَعْنًى عَامٌّ يَتَّصِلُ بِالدَّوْلَةِ وَالسُّلْطَةِ.فَيُقَالُ: هِيَ اسْتِصْلَاحُ الْخَلْقِ بِإِرْشَادِهِمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُنَجِّي فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَتَدْبِيرُ أُمُورِهِمْ.
وَقَالَ الْبُجَيْرِمِيُّ: «السِّيَاسَةُ: إِصْلَاحُ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ، وَتَدْبِيرُ أُمُورِهِمْ» وَقَدْ أَطْلَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى السِّيَاسَةِ اسْمَ: «الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ» أَوِ «السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ» أَوِ «السِّيَاسَةُ الْمَدَنِيَّةُ».
وَلَمَّا كَانَتِ السِّيَاسَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَسَاسَ الْحُكْمِ، لِذَلِكَ سُمِّيَتْ أَفْعَالُ رُؤَسَاءِ الدُّوَلِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِالسُّلْطَةِ «سِيَاسَةٌ» وَقِيلَ بِأَنَّ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى- رِئَاسَةَ الدَّوْلَةِ- «مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا» وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ عِلْمَ السِّيَاسَةِ: هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يُعْرَفُ مِنْهُ أَنْوَاعُ الرِّيَاسَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ، وَأَحْوَالُهَا: مِنْ أَحْوَالِ السَّلَاطِينِ وَالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَأَهْلِ الِاحْتِسَابِ وَالْقَضَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَزُعَمَاءِ الْأَمْوَالِ وَوُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ.
وَمَوْضُوعُهُ الْمَرَاتِبُ الْمَدَنِيَّةُ وَأَحْكَامُهَا، وَالسِّيَاسَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى فَرْعٌ مِنَ الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ.
وَلَعَلَّ أَقْدَمَ نَصٍّ وَرَدَتْ فِيهِ كَلِمَةُ «السِّيَاسَةِ» بِالْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ بِالْحُكْمِ هُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي وَصْفِ مُعَاوِيَةَ- رضي الله عنهم-: إِنِّي وَجَدْتُهُ وَلِيَّ الْخَلِيفَةِ الْمَظْلُومِ، وَالطَّالِبَ بِدَمِهِ، الْحَسَنَ السِّيَاسَةِ، الْحَسَنَ التَّدْبِيرِ.
3- الْمَعْنَى الثَّانِي: يَتَّصِلُ بِالْعُقُوبَةِ، وَهُوَ أَنَّ السِّيَاسَةَ: «فِعْلُ شَيْءٍ مِنَ الْحَاكِمِ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ دَلِيلٌ جُزْئِيٌّ».
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّعْزِيرُ:
هُوَ تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ غَالِبًا، سَوَاءٌ أَكَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لآِدَمِيٍّ.وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْعُقُوبَةِ قَالَ: هُوَ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ.
أَوْ قَالَ: عُقُوبَةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: التَّعْزِيرُ لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ.بَلْ هُوَ بِحَسَبِ الْجَرِيمَةِ فِي جِنْسِهَا وَصِفَتِهَا وَكِبَرِهَا وَصِغَرِهَا.وَعِنْدَهُ أَنَّ التَّعْزِيرَ يُمْكِنُ أَنْ يَزِيدَ عَنِ الْحَدِّ.
وَحُجَّتُهُ أَنَّ الْحَدَّ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ أَعَمُّ مِنْهُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ.
فَالتَّعْزِيرُ أَخَصُّ مِنَ السِّيَاسَةِ.
الْمَصْلَحَةُ:
4- الْمَصْلَحَةُ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ.وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنَ الْخَلْقِ خَمْسَةٌ:
وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، وَنَفْسَهُمْ، وَعَقْلَهُمْ، وَنَسْلَهُمْ، وَمَالَهُمْ.فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ.وَكُلُّ مَا يُفَوِّتُ هَذِهِ الْأُصُولَ فَهُوَ مَفْسَدَةٌ، وَدَفْعُهَا مَصْلَحَةٌ.
أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى: هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنِ الْخَلْقِ فَالْمَصْلَحَةُ هِيَ الْغَرَضُ مِنَ السِّيَاسَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ سُلُوكَ السِّيَاسَةِ فِي تَدْبِيرِ أُمُورِ النَّاسِ وَتَقْوِيمِ الْعِوَجِ، وَفْقَ مَعَايِيرَ وَضَوَابِطَ يَأْتِي بَيَانُهَا، وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: السِّيَاسَةُ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا، فَإِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ- بَعْدَ قَوَاعِدِ الْإِيمَانِ- عَلَى حَسْمِ مَوَادِّ الْفَسَادِ لِبَقَاءِ الْعَالَمِ.وَقَالَ الْقَرَافِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْحُكَّامِ فِي الْأَحْكَامِ السِّيَاسِيَّةِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، بَلْ تَشْهَدُ لَهُ الْأَدِلَّةُ، وَتَشْهَدُ لَهُ الْقَوَاعِدُ، وَمِنْ أَهَمِّهَا كَثْرَةُ الْفَسَادِ وَانْتِشَارُهُ، وَالْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ الَّتِي قَالَ بِهَا مَالِكٌ وَجَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ، وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا، وَلَا يَخْلُو مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ إِمَامٌ.وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ؛ إِذِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ- رضي الله عنهم- قَدْ قَتَلُوا وَمَثَّلُوا وَحَرَقُوا الْمَصَاحِفَ.وَنَفَى عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ خَوْفَ فِتْنَةِ النِّسَاءِ.وَاعْتَبَرُوا ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَقَدْ حَذَّرَ ابْنُ الْقَيِّمِ مِنْ إِفْرَاطِ مَنْ مَنَعَ الْأَخْذَ بِالسِّيَاسَةِ، مُكْتَفِيًا بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَتَفْرِيطِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْأَخْذَ بِهَا يُبِيحُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ فَرْضَ مَا يَرَاهُ مِنْ عُقُوبَةٍ عَلَى هَوَاهُ..ثُمَّ قَالَ: وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ أُتِيَتْ مِنْ تَقْصِيرِهَا فِي مَعْرِفَةِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ.فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْعَدْلِ وَأَسْفَرَ وَجْهُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، فَثَمَّ شَرْعُ اللَّهِ وَدِينُهُ، فَأَيُّ طَرِيقٍ اسْتُخْرِجَ بِهَا الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ، فَهِيَ مِنَ الدِّينِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ السِّيَاسَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فِي حُدُودِ الشَّرِيعَةِ لَا تَتَعَدَّاهَا.حَتَّى قَالُوا: لَا سِيَاسَةَ إِلاَّ مَا وَافَقَ الشَّرْعَ.وَبِذَلِكَ كَانُوا أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ الْأَخْذِ بِالسِّيَاسَةِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصٌ بِخُصُوصِهِ.
أَقْسَامُ السِّيَاسَةِ:
6- تُقْسَمُ السِّيَاسَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ: سِيَاسَةٍ ظَالِمَةٍ تُحَرِّمُهَا الشَّرِيعَةُ.وَسِيَاسَةٍ عَادِلَةٍ تُظْهِرُ الْحَقَّ وَتَدْفَعُ الْمَظَالِمَ وَتَرْدَعُ أَهْلَ الْفَسَادِ، وَتُوَصِّلُ إِلَى الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الشَّرِيعَةُ اعْتِمَادَهَا وَالسَّيْرَ عَلَيْهَا وَالسِّيَاسَةُ الْعَادِلَةُ مِنَ الشَّرِيعَةِ، عَلِمَهَا مَنْ عَلِمَهَا، وَجَهِلَهَا مَنْ جَهِلَهَا، وَمَا يُسَمِّيهِ أَكْثَرُ السَّلَاطِينِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِأَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ- لَا بِالْعِلْمِ- سِيَاسَةً، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يَسُوسُونَ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَكَانَ الْحُكْمُ وَالسِّيَاسَةُ شَيْئًا وَاحِدًا».ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَتِ الدَّوْلَةُ ظَهَرَ الْفَصْلُ بَيْنَ الشَّرْعِ وَالسِّيَاسَةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّلْطَةِ صَارُوا يَحْكُمُونَ بِالْأَهْوَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: تَقْسِيمُ بَعْضِهِمْ طُرُقَ الْحُكْمِ إِلَى شَرِيعَةٍ وَسِيَاسَةٍ، كَتَقْسِيمِ غَيْرِهِمُ الدِّينَ إِلَى شَرِيعَةٍ وَحَقِيقَةٍ، وَكَتَقْسِيمِ آخَرِينَ الدِّينَ إِلَى عَقْلٍ وَنَقْلٍ..وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ؛ بَلِ السِّيَاسَةُ، وَالْحَقِيقَةُ، وَالطَّرِيقَةُ، وَالْعَقْلُ، كُلُّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ.فَالصَّحِيحُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّرِيعَةِ لَا قَسِيمٌ لَهَا، وَالْبَاطِلُ ضِدُّهَا وَمُنَافِيهَا، وَهَذَا الْأَصْلُ مِنْ أَهَمِّ الْأُصُولِ وَأَنْفَعِهَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ عُمُومُ رِسَالَتِهِ- صلى الله عليه وسلم- بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ فِي مَعَارِفِهِمْ وَعُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحْوِجْ أُمَّتَهُ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا حَاجَتُهُمْ إِلَى مَنْ يُبَلِّغُهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ بِهِ.
حُسْنُ سِيَاسَةِ الْإِمَامِ لِلرَّعِيَّةِ:
7- إِنَّ لِلسِّيَاسَةِ أَثَرًا كَبِيرًا فِي الْأُمَّةِ، فَحُسْنُ السِّيَاسَةِ يَنْشُرُ الْأَمْنَ، وَالْأَمَانَ فِي أَنْحَاءِ الْبِلَادِ.وَعِنْدَئِذٍ يَنْطَلِقُ النَّاسُ فِي مَصَالِحِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مُطْمَئِنِّينَ، فَتَنْمُو الثَّرْوَةُ، وَيَعُمُّ الرَّخَاءُ، وَيَقْوَى أَمْرُ الدِّينِ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إِلاَّ إِذَا كَانَتْ لِلْإِمَامِ سِيَاسَةٌ حَازِمَةٌ، تَهْتَمُّ بِكُلِّ أُمُورِ الْأُمَّةِ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَتُرَغِّبُ النَّاسَ بِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَتُثِيبُ عَلَى الْفِعْلِ الْجَمِيلِ، كَمَا تُحَذِّرُ مِنَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَتُعَاقِبُ عَلَيْهِ وَتَقْطَعُ دَابِرَ دُعَاتِهِ وَمُقْتَرِفِيهِ، وَبِغَيْرِ هَذِهِ السِّيَاسَةِ تَضْعُفُ الدَّوْلَةُ وَتَنْهَارُ وَتَخْرَبُ الْبِلَادُ.
وَالسِّيَاسَةُ الْحَازِمَةُ الْمُحَقِّقَةُ لِخَيْرِ الْأُمَّةِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْإِمَامُ بَيْنَ اللِّينِ وَالْعُنْفِ، وَيُقَدِّمُ اللِّينَ عَلَى الشِّدَّةِ، وَالدَّعْوَةَ الْحَسَنَةَ عَلَى الْعُقُوبَةِ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَهْتَمَّ بِإِصْلَاحِ دِينِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ صَلَاحَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَأَعْظَمُ عَوْنٍ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ بِالنَّفْعِ وَالْمَالِ.
وَالثَّالِثُ: الصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ وَعِنْدَ الشَّدَائِدِ.
قَوَاعِدُ السِّيَاسَةِ:
أُسُسُ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ: هِيَ تِلْكَ الْقَوَاعِدُ الْأَسَاسِيَّةُ الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا دَوْلَةُ الْإِسْلَامِ، وَيُسْتَلْهَمُ مِنْهَا النَّهْجُ السِّيَاسِيُّ لِلْحُكْمِ.
الْأَسَاسُ الْأَوَّلُ: سِيَادَةُ الشَّرِيعَةِ:
8- يُؤَكِّدُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ هَذِهِ السِّيَادَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْيَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} وقوله تعالى: {ثُمَّرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ دُونَ سِوَاهُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ وَذَلِكَ حَقٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحِسَابِ فِي الْآخِرَةِ إِنَّمَا يَقُومُ عَلَى عَمَلِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُحَاسَبُ النَّاسُ عَلَى مَا اجْتَرَحُوا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ عَلَى أَسَاسِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي جَاءَتْ أَحْكَامُهَا مُنَظِّمَةً لِلْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِيَّةِ وَأُمُورِ الْمُعَامَلَاتِ الْأُخْرَى.
9- وَمَا دَامَتِ الْحَاكِمِيَّةُ فِي هَذَا الْعَالَمِ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شُؤُونِ الْحَيَاةِ وَإِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنَ الْآيَاتِ جَاءَتْ آمِرَةً بِتَطْبِيقِ أَحْكَامِهَا وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَتْ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَتْ عَنْهُ.مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْأَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَاتَّبِعْ تِلْكَ الشَّرِيعَةَ الَّتِي جَعَلْنَاهَا لَكَ، وَلَا تَتَّبِعْ مَا دَعَاكَ إِلَيْهِ الْجَاهِلُونَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، فَتَعْمَلُ بِهِ فَتَهْلِكُ إِنْ عَمِلْتَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَاتَّبِعْ شَرِيعَتَكَ الثَّابِتَةَ بِالدَّلَائِلِ وَالْحُجَجِ، وَلَا تَتَّبِعْ مَا لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْوَاءِ الْجُهَّالِ وَدِينِهِمُ الْمَبْنِيِّ عَلَى هَوًى وَبِدْعَةٍ.وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} يَعْنِي الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ.قَالَ تَعَالَى: {وَمَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هَذَا أَمْرٌ يَعُمُّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَأُمَّتَهُ.وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ دُونَهُ؛ أَيِ اتَّبِعُوا مِلَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ، وَأَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ.وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى تَرْكِ اتِّبَاعِ الْآرَاءِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ.
10- وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَخُصُّ الْقُرْآنَ فَحَسْبُ، بَلْ يَعُمُّ السُّنَّةَ أَيْضًا، مَا جَاءَ فِي عَدَدٍ مِنَ الْآيَاتِ مِنَ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهَا وَتَطْبِيقِهَا.مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.
حَقُّ الْإِمَامِ فِي وَضْعِ الْأَنْظِمَةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ الشَّرِيعَةِ:
11- تَقْرِيرُ مَبْدَأِ سِيَادَةِ الشَّرِيعَةِ لَا يَعْنِي حِرْمَانَ الْإِمَامِ وَمِنْ دُونِهِ أَهْلُ الْحُكْمِ وَالسُّلْطَةِ مِنْ حَقِّ اتِّخَاذِ الْقَرَارَاتِ وَالْأَنْظِمَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لِسَيْرِ أُمُورِ الدَّوْلَةِ.
ذَلِكَ لِأَنَّ نُصُوصَ الشَّرِيعَةِ مَحْدُودَةٌ وَمُتَنَاهِيَةٌ، وَأَمَّا الْحَوَادِثُ وَتَطَوُّرُ الْحَيَاةِ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تُوَاجِهُ الْأُمَّةَ وَالدَّوْلَةَ مَعًا، فَغَيْرُ مَحْدُودَةٍ وَلَا مُتَنَاهِيَةٌ.وَلَا بُدَّ لِلْإِمَامِ وَأَهْلِ الْحُكْمِ مِنْ مُوَاجِهَةِ كُلِّ ذَلِكَ بِمَا يَرَوْنَهُ مِنْ أَنْظِمَةٍ، وَلَكِنْ هَذَا الْحَقُّ لَيْسَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ الشَّرْعِيَّةَ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى مَبَادِئِ الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدِهِ الْعَامَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ الْوَاجِبَةِ الرِّعَايَةِ، وَاَلَّتِي لِأَجْلِهَا قَامَتِ الدَّوْلَةُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالِاخْتِصَاصِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
الْأَسَاسُ الثَّانِي: الشُّورَى:
12- الْحُكْمُ أَمَانَةٌ، وَالْإِمَامُ وَمَنْ يَتَوَلَّى السُّلْطَةَ مَسْئُولُونَ عَنْ تِلْكَ الْأَمَانَةِ.لِذَلِكَ كَانَ مِنْ صِفَاتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَبِدُّونَ بِرَأْيٍ وَلَا يَغْفُلُونَ عَنِ الِاسْتِفَادَةِ مِنْ عُقُولِ الرِّجَالِ لقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.
وَعَلَيْهِ، فَإِنَّ مِنَ الْمُقَرَّرِ فِقْهًا أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ مُشَاوَرَةَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ النَّاصِحِينَ لِلدَّوْلَةِ وَلِلْأُمَّةِ، وَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِمْ فِي أَحْكَامِهِ كَيْ يَدُومَ حُكْمُهُ وَيَقُومَ عَلَى أَسَاسٍ صَحِيحٍ.
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (شُورَى).
الْأَسَاسُ الثَّالِثُ: الْعَدْلُ:
13- الْعَدْلُ هُوَ الصِّفَةُ الْجَامِعَةُ لِلرِّسَالَةِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي جَاءَ الرُّسُلُ ( (لِتَحْقِيقِهَا، وَإِرْشَادِ النَّاسِ إِلَيْهَا وَحَمْلِهِمْ عَلَيْهَا.فَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
{لَقَدْأَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الْآيَةَ.
فَالْعَدْلُ أَمْرٌ فَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ السَّعْيَ لِإِقَامَتِهِ فِي الْأَرْضِ، وَلِيَكُونَ مِنْ أَبْرَزِ خَصَائِصِهِمْ بَيْنَ الْأُمَمِ؛ لِأَنَّ دِينَهُمْ دِينُ الْعَدْلِ.حَتَّى قَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه- بِأَنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِيهِ فِي قَرِيبٍ وَلَا بَعِيدٍ وَلَا فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِوُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَدْل).
مَصْدَرُ السُّلُطَاتِ:
14- نَصْبُ الْإِمَامِ وَاجِبٌ شَرْعًا وَيَتَعَيَّنُ الْإِمَامُ بِالْبَيْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَالْإِمَامُ مُكَلَّفٌ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَمُلْزَمٌ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَسْئُولٌ عَنْ ذَلِكَ كَأَيِّ مُسْلِمٍ فِي الْأُمَّةِ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ مَسْئُولٌ عَنْ تَطْبِيقِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُئُونِ الدَّوْلَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْصِبِهِ أَقْوَى رَجُلٍ فِي الْأُمَّةِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (طَاعَة، الْإِمَامَة الْكُبْرَى، بَيْعَة).
أَنْوَاعُ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ:
أَوَّلًا: السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْحُكْمِ:
الْإِمَامَةُ:
15- مِنَ الثَّابِتِ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ وَدَوْلَةٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ هُوَ كِتَابُ عَقِيدَةٍ كَمَا هُوَ كِتَابُ أَحْكَامٍ وَقَوَاعِدُ تُنَظِّمُ صِلَةَ الْإِنْسَانِ بِالْإِنْسَانِ وَالْإِنْسَانِ بِالْمُجْتَمَعِ، وَالْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِ فِي حَالَةِ السِّلْمِ وَالْحَرْبِ.
وَهُوَ إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ يَحْوِي كُلَّ أَنْوَاعِ الْحُقُوقِ وَفُرُوعِهَا.فَالْحُقُوقُ الْمَدَنِيَّةُ إِلَى جَانِبِ الْحُقُوقِ الْجَزَائِيَّةِ، وَالِاقْتِصَادِيَّة، وَالْمَالِيَّةِ، وَالتِّجَارِيَّةِ، وَالدُّوَلِيَّةِ بِفَرْعَيْهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ.
وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحُقُوقُ مَوَاعِظَ مَتْرُوكَةً لِرَغْبَةِ الْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَحْكَامٌ آمِرَةٌ وَاجِبَةُ التَّنْفِيذِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلاَّ بِقِيَامِ الدَّوْلَةِ.
وَهَذِهِ الدَّوْلَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ إِمَامٍ (رَئِيسٍ) يَتَوَلَّى أُمُورَهَا، كَمَا يَسْهَرُ عَلَى مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ أَرْشَدَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ إِلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْمَجِيدَةِ: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة...ً}.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي نَصْبِ إِمَامٍ وَخَلِيفَةٍ يُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ؛ لِتَجْتَمِعَ بِهِ الْكَلِمَةُ، وَتُنَفَّذَ بِهِ أَحْكَامُ الْخَلِيقَةِ.
وَفِي السُّنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- عليه الصلاة والسلام- قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلاَّ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ».
وَقَالَ: «إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ».
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَإِذَا شُرِعَ هَذَا لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ يُسَافِرُونَ، فَشَرْعِيَّتُهُ لِعَدَدٍ أَكْثَرَ يَسْكُنُونَ الْقُرَى وَالْأَمْصَارَ وَيَحْتَاجُونَ لِدَفْعِ التَّظَالُمِ وَفَصْلِ التَّخَاصُمِ، أَوْلَى وَأَحْرَى.وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْبُ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ.وَلَمَّا كَانَ صَلَاحُ الْبِلَادِ وَأَمْنُ الْعِبَادِ وَقَطْعُ مَوَادِّ الْفَسَادِ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ لَا يَتِمُّ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ قَاهِرٍ قَادِرٍ لِذَلِكَ وَجَبَ نَصْبُ إِمَامٍ يَقُومُ بِحِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ أُمُورِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا صِفَاتُ هَذَا الْإِمَامِ وَشُرُوطُهُ وَمَا تَنْعَقِدُ بِهِ إِمَامَتُهُ فَتُنْظَرُ فِي (الْإِمَامَة الْكُبْرَى) (وَبَيْعَة).
حُقُوقُ الْإِمَامِ:
16- ذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى إِلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ حَقَّيْنِ: الطَّاعَةَ وَالنُّصْرَةَ.
وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: إِنَّهَا عَشَرَةُ حُقُوقٍ: الطَّاعَةُ، وَالنَّصِيحَةُ، وَالتَّعْظِيمُ، وَالِاحْتِرَامُ، وَالْإِيقَاظُ عِنْدَ الْغَفْلَةِ، وَالْإِرْشَادُ عِنْدَ الْخَطَأِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ، وَإِعْلَامُهُ بِسِيرَةِ عُمَّالِهِ، وَإِعَانَتُهُ، وَجَمْعُ الْقُلُوبِ عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَالنُّصْرَةُ.
وَهَذِهِ الْحُقُوقُ لَا تَكُونُ لِلْإِمَامِ إِلاَّ إِذَا أَطَاعَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَلَزِمَ فَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ، وَأَدَّى لِلْأُمَّةِ حُقُوقَهَا الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ.وَبِرِعَايَةِ الْأُمَّةِ هَذِهِ الْحُقُوقَ تَصْفُو الْقُلُوبُ وَتَجْتَمِعُ الْكَلِمَةُ وَيَتَحَقَّقُ النَّصْرُ.
وَأَمَّا فِيمَا سِوَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَوِي مَعَهُمْ جَمِيعًا فِي الْحُقُوقِ وَالْأَحْكَامِ.بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ النَّاسِ خَشْيَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحْسَنَهُمْ قِيَامًا بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ؛ لِأَنَّهُ رَأْسُ الدَّوْلَةِ.
وَاجِبَاتُ الْإِمَامِ:
17- حُقُوقُ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَاتُ الْإِمَامِ يُمْكِنُ أَنْ تُجْمَعَ فِي عَشَرَةٍ:
(1) حِفْظُ الدِّينِ وَالْحَثُّ عَلَى تَطْبِيقِهِ، وَنَشْرُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَتَعْظِيمُ أَهْلِهِ وَمُخَالَطَتُهُمْ وَمُشَاوَرَتُهُمْ.
(2) حِرَاسَةُ الْبِلَادِ وَالدِّفَاعُ عَنْهَا، وَحِفْظُ الْأَمْنِ الدَّاخِلِيِّ.
(3) النَّظَرُ فِي الْخُصُومَاتِ، وَتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ.
(4) إقَامَةُ الْعَدْلِ فِي جَمِيعِ شُئُونِ الدَّوْلَةِ.
(5) تَطْبِيقُ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ.
(6) إقَامَةُ فَرْضِ الْجِهَادِ.
(7) عِمَارَةُ الْبِلَادِ، وَتَسْهِيلُ سُبُلِ الْعَيْشِ، وَنَشْرُ الرَّخَاءِ.
(8) جِبَايَةُ الْأَمْوَالِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، وَصَرْفُهَا فِي الْوُجُوهِ الْمَشْرُوعَةِ وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، مِنْ غَيْرِ سَرِفٍ وَلَا تَقْتِيرٍ.
(9) أَنْ يُوَلِّيَ أَعْمَالَ الدَّوْلَةِ الْأُمَنَاءَ النُّصَحَاءَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ.
(10) أَنْ يَهْتَمَّ بِنَفْسِهِ بِسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَمَصَالِحِهَا، وَأَنْ يُرَاقِبَ أُمُورَ الدَّوْلَةِ وَيَتَصَفَّحَ أَحْوَالَ الْقَائِمِينَ عَلَيْهَا.
تَعْيِينُ الْعُمَّالِ وَفَصْلُهُمْ:
أ- تَعْيِينُ الْعُمَّالِ:
18- لَا يَسْتَطِيعُ الْإِمَامُ أَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَ الْحُكْمِ كُلَّهَا بِنَفْسِهِ دُونَ أَنْ يُعَاوِنَهُ فِي ذَلِكَ عُمَّالٌ يُعَيِّنُهُمْ، وَكُلَّمَا اتَّسَعَتْ أُمُورُ الْحُكْمِ وَتَشَعَّبَتْ زَادَتِ الْحَاجَةُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْعُمَّالِ.«وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ بَيِّنَةٌ فِي ضَرُورَاتِ الْعُقُولِ لَا يَسْتَرِيبُ اللَّبِيبُ بِهَا».
وَهَذَا «مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ- عليه الصلاة والسلام- حِينَ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ.فَقَدْ وَلَّى عَلَى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ- رضي الله عنه- وَعَلَى الطَّائِفِ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ- رضي الله عنه-.وَبَعَثَ عَلِيًّا وَمُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى- رضي الله عنهم- إِلَى الْيَمَنِ.وَكَانَ يُؤَمِّرُ عَلَى السَّرَايَا، وَيَبْعَثُ جُبَاةَ الزَّكَاةِ وَيُرْسِلُ السُّفَرَاءَ إِلَى الْمُلُوكِ وَالْقَبَائِلِ».وَعَلَى هَذَا النَّهْجِ سَارَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَقَدْ أَقَرَّ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ تَعْيِينَ الْعُمَّالِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِمَامِ.
ب- صِفَاتُ الْعُمَّالِ:
19- يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ أَهْلَ الدِّيَانَةِ وَالْعِفَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْأَصَالَةِ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْحَزْمِ وَالْكِفَايَةِ، وَتَكُونُ الْكِفَايَةُ بِحَسَبِ طَبِيعَةِ الْعَمَلِ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ وَلَّى رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَهُوَ يَجِدُ فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ».وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ التَّعْيِينَ وَفْقَ هَوَاهُ.
وَلَا يَكُونُ اخْتِيَارُهُمْ إِلاَّ بَعْدَ امْتِحَانٍ وَتَجْرِبَةٍ.
ج- مَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نَحْوَ عُمَّالِهِ:
20- يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ عُمَّالِهِ بِعَدَمِ الظُّلْمِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَأَنْ يُعَرِّفَهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ الظَّالِمَ أَعْدَى عَدُوٍّ لِلدَّوْلَةِ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أُمُورِ عُمَّالِهِ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ التَّرْقِيَةَ رَقَّاهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ التَّرْقِيَةَ قَفْزًا دُونَ سَبَبٍ.
وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مُسِيئًا حَاسَبَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مَا أَتَاهُ يُوجِبُ حَدًّا، أَوْ تَعَدَّى عَلَى حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الرَّعِيَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِقَابِ.
وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ كُلَّ مَنْ يُخِلُّ بِوَاجِبِ الْعَمَلِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَقْوِيمُهُ.
وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِدَوَامِ مُرَاقَبَةِ الْعَامِلِينَ فِي الدَّوْلَةِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى أُمُورِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ، وَعَلَاقَتِهِمْ مَعَ النَّاسِ، وَالْتِزَامِهِمْ بِتَنْفِيذِ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنَ السِّيَاسَةِ..وَيُعِينُهُ عَلَى هَذِهِ الْمُهِمَّةِ جِهَازٌ دَقِيقٌ يُطْلِعُهُ عَلَى جَمِيعِ شُئُونِ الدَّوْلَةِ وَالْأُمَّةِ
د- دِيوَانُ الْمُوَظَّفِينَ:
21- يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّوْلَةِ دِيوَانٌ يَخُصُّ الْعَامِلِينَ فِي أَجْهِزَتِهَا الْمُخْتَلِفَةِ.
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (دِيوَان).
ثَانِيًا: السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْمَالِ:
22- يُقْصَدُ بِالْأَمْوَالِ فِي هَذَا الْمَجَالِ: أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ إِلَى خَزِينَةِ الدَّوْلَةِ.
وَهِيَ تَتَأَلَّفُ مِنْ أَنْوَاعٍ يُنْظَرُ بَيَانُهَا وَكَيْفِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا فِي مُصْطَلَحِ (بَيْت الْمَالِ).
ثَالِثًا: السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْوِلَايَاتِ:
وِلَايَةُ الْجَيْشِ:
23- لَمَّا كَانَ الْجَيْشُ لِلْجِهَادِ وَالدِّفَاعِ عَنِ الْبِلَادِ، لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْعِنَايَةُ بِتَرْتِيبِهِ وَإِعْدَادِهِ، وَتَنْظِيمِ قِيَادَتِهِ، وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِ، وَتَعَرُّفِ أَحْوَالِ الْعَدُوِّ، وَإِنَّ تَحْقِيقَ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلاَّ بِتَأْمِينِ الْأَمْوَالِ اللاَّزِمَةِ لِتَسْلِيحِهِ وَإِدَارَتِهِ وَدَفْعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَفْرَادُهُ بِشَكْلٍ مُنَظَّمٍ وَمُلَائِمٍ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (جِهَاد).
النَّظَرُ فِي أُمُورِ الْقُضَاةِ:
24- إِنَّ الْقَضَاءَ مَنْصِبٌ جَلِيلٌ وَخَطِيرٌ؛ لِأَنَّهُ يُحَقِّقُ الْعَدْلَ فِي الْأُمَّةِ، وَعَلَى الْعَدْلِ تَقُومُ الدَّوْلَةُ الصَّالِحَةُ، وَقَدْ أَحَاطَتِ الشَّرِيعَةُ هَذَا الْمَنْصِبَ بِاحْتِرَامٍ شَدِيدٍ وَنَظَّمَتْ أَحْكَامَهُ وَقَوَاعِدَهُ وَصِفَاتِ مَنْ يَتَوَلاَّهُ وَأُصُولَ التَّقَاضِي.
وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْقُضَاةِ وَيَتَحَرَّى عَنْ أَخْبَارِهِمْ وَعَنْ سِيرَتِهِمْ فِي النَّاسِ، وَعَنْ أَحْكَامِهِمْ، وَيَسْأَلَ الثِّقَاتِ الصَّالِحِينَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ.
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (قَضَاء).
النَّظَرُ فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَاتِ:
25- الزَّكَاةُ هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ تَكَفَّلَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ بِبَيَانِ مَحِلِّهَا وَنِصَابِهَا وَجِبَايَتِهَا وَأُصُولِ صَرْفِهَا وَمُسْتَحَقِّيهَا.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ عَلَى رَئِيسِ الدَّوْلَةِ أَنْ يُوَلِّيَ أُمُورَ الزَّكَاةِ الْمُسْلِمَ الْعَدْلَ الْعَالِمَ بِأَحْكَامِهَا لِيَكُونَ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي تَطْبِيقِهَا.وَقَدْ تَكُونُ وِلَايَتُهُ شَامِلَةً جِبَايَةَ الزَّكَاةِ وَقِسْمَتَهَا، وَقَدْ تَكُونُ لِلْجِبَايَةِ دُونَ الْقِسْمَةِ، وَقَدْ تَكُونُ مُطْلَقَةً، فَلَهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْسِمَهَا، وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْقِسْمَةَ.أَمَّا إِنْ كَانَ مُكَلَّفًا بِأَخْذِ مَالٍ مُحَدَّدٍ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِهَا، لِأَنَّهُ عِنْدَئِذٍ يَكُونُ كَالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ.
وَانْظُرِ التَّفْصِيلَ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاة).
السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي شَأْنِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ بُغَاةٍ وَغَيْرِهِمْ:
26- قَدْ تَخْرُجُ فِئَةٌ مُسَلَّحَةٌ مُنَظَّمَةٌ.فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهَا عَلَى الدِّينِ كَانَتْ مُرْتَدَّةً.
وَإِنْ كَانَ خُرُوجُهَا عَلَى الْإِمَامِ كَانَتْ فِئَةً بَاغِيَةً.
وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْفِقْهِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ (انْظُرْ: رِدَّة.بُغَاة.حِرَابَة).
رَابِعًا: السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْعُقُوبَةِ:
أ- الْعُقُوبَةُ سِيَاسَةً:
27- تَنْقَسِمُ الْعُقُوبَةُ إِلَى: عُقُوبَاتٍ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا، وَهِيَ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ.
وَعُقُوبَاتٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ، وَهِيَ التَّعْزِيرُ.
أَمَّا الْعُقُوبَةُ سِيَاسَةً: فَتَكُونُ عِنْدَ اقْتِرَافِ جَرِيمَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، وَبِهَذَا تُرَادِفُ التَّعْزِيرَ:
فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ النَّبَّاشَ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ، فَإِنِ اعْتَادَ النَّبْشَ أَمْكَنَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ عَلَى سَبِيلِ السِّيَاسَةِ.ر: مُصْطَلَحَ (سَرِقَة).
كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ قَدْ تُزَادُ الْعُقُوبَةُ سِيَاسَةً.فَإِذَا أُقِيمَ حَدُّ السَّرِقَةِ- مَثَلًا- فَقُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ جَازَ حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ.
كَمَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ حَبْسَ مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِارْتِكَابِ جَرَائِمَ ضِدَّ الْأَشْخَاصِ، أَوِ الْأَمْوَالِ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِفْ جَرِيمَةً جَدِيدَةً، وَيَسْتَمِرُّ حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَجَنَ ضَابِئَ بْنَ الْحَارِثِ وَكَانَ مِنْ لُصُوصِ بَنِي تَمِيمٍ وَفُتَّاكِهِمْ، حَتَّى مَاتَ فِي السِّجْنِ.
وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ مَعَ مَنْ عُرِفَ بِالشَّرِّ وَالْأَذَى وَخِيفَ أَذَاهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ. (ر: عُقُوبَة- تَعْزِير).
التَّغْرِيبُ سِيَاسَةً:
28- ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَزَّرَ الْمُخَنَّثِينَ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَنَفْيِهِمْ».
وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْفِي شَارِبَ الْخَمْرِ إِلَى خَيْبَرَ زِيَادَةً فِي عُقُوبَتِهِ.
وَنَفَى نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لَمَّا خَافَ فِتْنَةَ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ بِجَمَالِهِ، بَعْدَ أَنْ قَصَّ شَعْرَهُ فَرَآهُ زَادَ جَمَالًا.
وَلِذَلِكَ جَازَ نَفْيُ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ إِلَى بَلَدٍ يُؤْمَنُ فَسَادُ أَهْلِهِ.فَإِنْ خَافَ بِهِ عَلَيْهِمْ حُبِسَ.وَبِهَذَا أَخَذَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُعَاقَبَةِ، وَإِنَّمَا مِنْ قَبِيلِ الْخَوْفِ مِنَ الْفَاحِشَةِ قَبْلَ وُقُوعِهَا. (ر: تَغْرِيب).
وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ تَغْرِيبُ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ بَعْدَ جَلْدِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ.
وَهَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ جُزْءٌ مِنَ الْحَدِّ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ لَا يُغَرَّبُ حَدًّا، وَأَجَازُوا تَغْرِيبَهُ سِيَاسَةً، دُونَ تَحْدِيدِهِ بِسَنَةٍ، بَلْ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ تُوجِبُ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى تَحْرِيمِ حَبْسِهِ بَعْدَ الْحَدِّ.فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ جَازَ لِلْإِمَامِ حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ.وَقِيلَ: حَتَّى يَمُوتَ.
الْقَتْلُ سِيَاسَةً:
29- يُجِيزُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْقَتْلَ عَلَى سَبِيلِ السِّيَاسَةِ فِي جَرَائِمَ مُعَيَّنَةٍ.وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِير).
مَنْ لَهُ حَقُّ الْعُقُوبَةِ سِيَاسَةً:
30- لِلْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي تَحْدِيدِ مَنْ لَهُ حَقُّ فَرْضِ الْعُقُوبَةِ سِيَاسَةً..هَلْ هُوَ الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ، أَمْ هُوَ الْقَاضِي؟.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عُقُوبَة، تَعْزِير).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
16-موسوعة الفقه الكويتية (شارب)
شَارِبالتَّعْرِيفُ:
1- الشَّارِبُ: اسْمُ فَاعِلِ شَرِبَ، يُقَالُ: شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ شُرْبًا فَهُوَ شَارِبٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}.
وَرَجُلٌ شَارِبٌ وَشَرُوبٌ وَشَرَّابٌ وَشِرِّيبٌ: مُولَعٌ بِالشَّرَابِ، كَخِمِّيرٍ، وَالشَّرْبُ وَالشُّرُوبُ: الْقَوْمُ يَشْرَبُونَ وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الشَّرَابِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الشَّرْبُ اسْمُ جَمْعٍ لِشَارِبٍ، كَرَكْبٍ وَرَجْلٍ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ، وَالشُّرُوبُ جَمْعُ شَارِبٍ، كَشَاهِدٍ وَشُهُودٍ.
وَالشَّارِبُ- أَيْضًا- اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي يَسِيلُ عَلَى الْفَمِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَلَا يَكَادُ يُثَنَّى، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَالَ الْكِلَابِيُّونَ: شَارِبَانِ، بِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ، وَالْجَمْعُ شَوَارِبُ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- اللِّحْيَةُ:
2- اللِّحْيَةُ: وَهِيَ- بِكَسْرِ اللاَّمِ وَفَتْحِهَا- الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الذَّقَنِ خَاصَّةً، وَالْجَمْعُ: لِحًى وَلُحِيٌّ مَا يَنْبُتُ مِنَ الشَّعْرِ عَلَى ظَاهِرِ اللَّحْيِ، وَهُوَ فَكُّ الْحَنَكِ الْأَسْفَلُ.
وَالشَّارِبُ وَاللِّحْيَةُ كِلَاهُمَا مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ، لَكِنِ الشَّارِبُ يَكُونُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا، وَاللِّحْيَةُ تَكُونُ عَلَى الذَّقَنِ.
ب- الْعِذَارُ:
3- الْعِذَارُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ: هُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنَيْنِ بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْعَارِضِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ لِلْأَمْرَدِ غَالِبًا.
وَالشَّارِبُ وَالْعِذَارُ كِلَاهُمَا مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ، لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ الْوَجْهِ.
ج- الْعَنْفَقَةُ:
4- الْعَنْفَقَةُ: شُعَيْرَاتٌ بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَالذَّقَنِ، وَقِيلَ: الْعَنْفَقَةُ مَا بَيْنَ الذَّقَنِ وَطَرَفِ الشَّفَةِ السُّفْلَى كَانَ عَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقِيلَ: الْعَنْفَقَةُ مَا نَبَتَ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى مِنَ الشَّعْرِ.
د- الْعُثْنُونُ:
5- الْعُثْنُونُ: اللِّحْيَةُ أَوْ مَا فَضَلَ مِنْهَا بَعْدَ الْعَارِضَيْنِ، أَوْ مَا نَبَتَ عَلَى الذَّقَنِ وَتَحْتَهُ سُفْلًا.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّارِبِ (مِنَ الشُّرْبِ):
6- يُطْلَقُ الشَّارِبُ- كَمَا سَبَقَ فِي التَّعْرِيفِ- عَلَى مَنْ شَرِبَ الْمَاءَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَكِنِ الشَّارِبُ الَّذِي عُنِيَ الْفُقَهَاءُ بِالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ هُوَ شَارِبُ الْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ.
وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ إِنَّ الْخَمْرَ أُمُّ الْكَبَائِرِ كَمَا قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ- رضي الله عنهما- وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا، قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.انْظُرْ: (أَشْرِبَة، سُكْر).
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّارِبِ (الشَّعْرِ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا):
أَوَّلًا: تَطْهِيرُ الشَّارِبِ:
أ- فِي الْوُضُوءِ:
7- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الشَّارِبِ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ، وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةِ الشَّارِبِ إِذَا كَانَ خَفِيفًا بِحَيْثُ لَا يَسْتُرُ شَعْرُ الشَّارِبِ الْبَشَرَةَ؛ أَيِ الْجِلْدَ تَحْتَهُ، فَإِنْ لَمْ تُغْسَلِ الْبَشَرَةُ- أَيْ لَمْ يَصِلِ الْمَاءُ إِلَيْهَا- فَلَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ.
وَلَكِنِ الْفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إِلَى بَشَرَةِ الشَّارِبِ فِي الْوُضُوءِ إِذَا كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ بَاطِنِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَإِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ إِذَا كَانَ كَثِيفًا، لَكِنِ الشَّارِبُ إِذَا كَانَ طَوِيلًا يَسْتُرُ حُمْرَةَ الشَّفَتَيْنِ وَجَبَ تَخْلِيلُهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ظَاهِرًا وُصُولَ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ الشَّفَةِ أَوْ بَعْضِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ كَثِيفًا، وَتَخْلِيلُهُ مُحَقِّقٌ لِوُصُولِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِهَا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلُ ظَاهِرِ الشَّعْرِ إِذَا كَانَ كَثِيفًا، وَيُكْرَهُ تَخْلِيلُ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلُ الشَّارِبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ وَإِنْ كَثُفَ الشَّعْرُ؛ لِأَنَّ كَثَافَتَهُ نَادِرَةٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ: الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ، وَبِالْبَاطِنِ: خِلَالُ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةُ الَّتِي تَحْتَهُ، وَقِيلَ: الظَّاهِرُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، وَالْبَاطِنُ مَا بَيْنَهُمَا وَأُصُولُ الشَّعْرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الشَّارِبِ مَعَ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ.فَإِنْ كَانَ شَعْرُ الشَّارِبِ كَثِيفًا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ أَجْزَأَ غَسْلُ ظَاهِرِهِ، وَيُسَنُّ تَخْلِيلُ الشَّارِبِ إِذَا كَانَ كَثِيفًا وَغَسْلُ بَاطِنِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ فِي الشَّارِبِ وَجْهًا آخَرَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ بَاطِنِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيفًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ عَادَةً، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ كَانَ نَادِرًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ.
ب- فِي الْغُسْلِ:
8- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْغُسْلِ تَعْمِيمُ الشَّارِبِ شَعْرًا وَبَشَرَةً بِالْمَاءِ، كَثِيفًا كَانَ الشَّارِبُ أَوْ خَفِيفًا، لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ».وَلِمَا رَوَى عَلِيٌّ- رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ مِنَ النَّارِ كَذَا وَكَذَا» قَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه-: «فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي ثَلَاثًا» وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ.وَلِأَنَّ الْحَدَثَ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ عَمَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَوَجَبَ تَعْمِيمُهُ بِالْغُسْلِ، وَلِأَنَّ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ بَشَرَةٌ أَمْكَنَ إيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَزِمَ كَسَائِرِ بَشَرَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ شَعْرٌ نَابِتٌ فِي مَحَلِّ الْغُسْلِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ؛ وَلِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ غَسْلِ الْبَشَرَةِ غَسْلُهُ، فَوَجَبَ غَسْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إِلاَّ بِهِ.
ج- إِعَادَةُ التَّطَهُّرِ بَعْدَ حَلْقِ الشَّارِبِ:
9- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ ثُمَّ حَلَقَ شَارِبَهُ أَوْ قَصَّهُ، لَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ غَسْلِ مَحَلِّ الْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِيمَا يَشْمَلُ هَذِهِ الْحَالَةَ: وَمَتَى غَسَلَ هَذِهِ الشُّعُورَ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي طَهَارَتِهِ، قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلاَّ طَهَارَةً، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْغَسْلِ انْتَقَلَ إِلَى الشَّعْرِ أَصْلًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ الْبَشَرَةَ دُونَ الشَّعْرِ لَمْ يُجْزِهِ، بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ مَسْحَهُمَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَيُجْزِئُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ دُونَ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ.
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ ظُهُورَ بَشَرَةِ الْوَجْهِ بَعْدَ غَسْلِ شَعْرِهِ يُوجِبُ غَسْلَهَا قِيَاسًا عَلَى ظُهُورِ قَدَمِ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفِّ.
ثَانِيًا: الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ:
10- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ- أَوْ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ- الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ».
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتَفْسِيرُ الْفِطْرَةِ بِالسُّنَّةِ هُنَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ قَصُّ الشَّوَارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ».
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ السُّنَّةِ لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا».
11- لَكِنِ الْفُقَهَاءُ اخْتَلَفُوا فِي ضَابِطِ الْأَخْذِ مِنَ الشَّارِبِ، هَلْ يَكُونُ بِالْقَصِّ أَمْ بِالْحَلْقِ أَمْ بِالْإِحْفَاءِ؟.
فَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُسَنُّ فِي الشَّارِبِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ الْخِلَافَ فَقَالَ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ الْقَصُّ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا طَرَفَا الشَّارِبِ، وَهُمَا السَّبَالَانِ، فَقِيلَ: هُمَا مِنْهُ، وَقِيلَ: مِنَ اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهِمَا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ.وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَوْفِيرَ الشَّارِبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْغَازِي مَنْدُوبٌ؛ لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ.
وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ قَصُّ الشَّارِبِ كُلَّ أُسْبُوعٍ، وَالْأَفْضَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ لِمَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا تُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وَهُوَ مِنَ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَيَكُونُ كَالْمَرْفُوعِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: قَصُّ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «قُصُّوا الشَّوَارِبَ» وَهُوَ سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ لِلْوُجُوبِ، وَالسُّنَّةُ: الْقَصُّ لَا الْإِحْفَاءُ، وَالشَّارِبُ لَا يُحْلَقُ بَلْ يُقَصُّ، قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ، وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلَ بِنَفْسِهِ.
وَفِي قَصِّ السَّبَالَتَيْنِ عِنْدَهُمْ قَوْلَانِ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَلْقُ مَا خُلِقَ لَهَا مِنْ شَارِبٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: قَصُّ الشَّارِبِ سُنَّةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ».وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقُصَّهُ لَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ.
وَأَمَّا حَدُّ مَا يَقُصُّهُ: فَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَلَا يَحُفُّهُ مِنْ أَصْلِهِ، قَالُوا: وَحَدِيثُ: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ...» مَحْمُولٌ عَلَى مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ، وَعَلَى الْحَفِّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الشَّعْرِ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ يَفْعَلُهُ»، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ وَيَعْفُونَ لِحَاهُمْ وَيُصَغِّرُونَهَا: أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثَّمَالِيُّ، وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ، كَانُوا يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ.
وَقَالَ الْمُحَاطِيُّ وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ حَلْقُ الشَّارِبِ.
وَقَالَ الْبَاجُورِيُّ: إِحْفَاءُ الشَّارِبِ بِالْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ مَكْرُوهٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى تَظْهَرَ الشَّفَةُ، وَأَنْ يَقُصَّ مِنْهُ شَيْئًا وَيُبْقِيَ مِنْهُ شَيْئًا.
وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَالصَّيْمَرِيِّ؛ اسْتِحْبَابَ الْإِحْفَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصًّا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ عَنْهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَزَعَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَلَا بَأْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِتَرْكِ السَّبَالَتَيْنِ، وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، لِفِعْلِ عُمَرَ- رضي الله عنه- وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَسْتُرَانِ الْفَمَ، وَلَا يَبْقَى فِيهِمَا غَمَرُ الطَّعَامِ إِذْ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا.
وَيُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَأْخِيرُ قَصِّ الشَّارِبِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَالتَّأْخِيرُ إِلَى مَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ كَرَاهَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ.قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَإِنْ أَخَّرُوهَا فَلَا يُؤَخِّرُونَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ، لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَهَا إِلَى الْأَرْبَعِينَ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالْأَخْذُ مِنْ هَذِهِ الشُّعُورِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ قَصُّ الشَّارِبِ- أَيْ قَصُّ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرِ عَلَى الشَّفَةِ- أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ، وَحَفُّهُ أَوْلَى نَصًّا، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إِحْفَاءُ الشَّوَارِبِ أَنْ تُبَالِغَ فِي قَصِّهَا، وَمِنَ الشَّارِبِ السَّبَالَانِ وَهُمَا طَرَفَاهُ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ».
وَقَالُوا: يُسَنُّ الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ كُلَّ جُمُعَةٍ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْخُذُ أَظْفَارَهُ وَشَارِبَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ» فَإِنْ تَرَكَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كُرِهَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ...» إِلَخْ؛ وَعَلَّلُوا الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ كُلَّ جُمُعَةٍ بِأَنَّهُ إِذَا تُرِكَ يَصِيرُ وَحْشًا.
ثَالِثًا: الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:
12- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ تَحْسِينُ هَيْئَتِهِ بِقَصِّ الشَّارِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَنْدُوبَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- الَّذِي رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ، وَقَدْ سَبَقَ؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ لَهَا عَلَى أَحْسَنِ وَصْفٍ، وَإِظْهَارًا لِفَضِيلَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ يَكُونُ قَبْلَ حُضُورِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنِ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا: إِنَّ حَلْقَ الشَّعْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ لِتَنَالَهُ بَرَكَةُ الصَّلَاةِ.
رَابِعًا: إِزَالَةُ الشَّارِبِ فِي الْإِحْرَامِ:
13- مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إِزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ جَمِيعِ بَدَنِ الْمُحْرِمِ وَمِنْهُ الشَّارِبُ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} أَيْ: شُعُورَهَا، نَصَّ عَلَى حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَعَدَّى إِلَى شَعْرِ سَائِرِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، إِذْ حَلْقُهُ يُؤْذِنُ بِالرَّفَاهِيَةِ، وَهُوَ يُنَافِي الْإِحْرَامَ، لِكَوْنِ الْمُحْرِمِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ النَّتْفُ وَالْقَلْعُ وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ مِنْ حَيْثُ إِزَالَةُ الشَّعْرِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْحَلْقِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ أَمَّا مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ فَيُنْظَرُ فِي (إِحْرَام) (وَحَلْق).
خَامِسًا: الْأَخْذُ مِنْ شَارِبِ الْمَيِّتِ:
14- إِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ شَارِبِهِ وَلَا مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ؛ مُرَاعَاةً لِإِحْرَامِهِ، لِأَنَّهُ يَظَلُّ عَلَيْهِ، وَيُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا».
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ مِنَ الْمَوْتَى فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْأَخْذِ مِنْ شَارِبِهِ: وَلِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ:
قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْصُلُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَخْذِ مِنْ شَارِبِ الْمَيِّتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمُخْتَارُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَالثَّانِي: لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَالثَّالِثُ: يُسْتَحَبُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ الشَّارِبُ طَوِيلًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «اصْنَعُوا بِمَوْتَاكُمْ مَا تَصْنَعُونَ بِعَرَائِسِكُمْ».وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ، وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ مَسْنُونٌ فِي الْحَيَاةِ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ فَشُرِعَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْغُسْلِ، وَمِمَّنِ اسْتَحَبَّهُ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.وَمِمَّنْ كَرِهَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْمُزَنِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَصَرَّحَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْأَخْذُ مِنْ شَارِبِ الْمَيِّتِ بِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ يَكُونُ قَبْلَ الْغُسْلِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْجُمْهُورُ- يَعْنِي جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ- لِدَفْنِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مَعَ الْمَيِّتِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: مَا يُؤْخَذُ مِنْهَا يُصَرُّ فِي كَفَنِهِ، وَوَافَقَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الشَّعْرِ الْمُنَتَّفِ فِي تَسْرِيحِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُهُمْ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْحَادِي: الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ مَعَهُ إِذْ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا أُخِذَ الشَّعْرُ جُعِلَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَيِّتِ فَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهُ فِي أَكْفَانِهِ كَأَعْضَائِهِ، فَيُغَسَّلُ وَيُجْعَلُ مَعَهُ.
سَادِسًا: أَخْذُ الْمُعْتَكِفِ مِنْ شَارِبِهِ:
15- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الِاعْتِكَافِ أَخْذُ الْمُعْتَكِفِ مِنْ شَارِبِهِ إِذَا لَمْ يُلَوِّثِ الْمَسْجِدَ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ وُرُودِ تَرْكِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَا الْأَمْرِ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْإِبَاحَةِ.
لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ جَمَعَ مَا يَأْخُذُهُ فِي ثَوْبِهِ وَأَلْقَاهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِحُرْمَتِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِإِبْطَالِ الِاعْتِكَافِ بِكُلِّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ عِنْدَ مَنْ خَصَّ الْإِبْطَالَ بِالْكَبِيرَةِ.
وَقَالُوا: إِذَا احْتَاجَ الْمُعْتَكِفُ إِلَى قَصِّ شَارِبِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُدْنِيَ رَأْسَهُ لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَيُصْلِحُهُ، وَلَا يَخْرُجُ فِي ذَلِكَ إِلَى بَيْتِهِ وَلَا إِلَى دُكَّانِ الْحَجَّامِ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ صَوْنُ الْمَسَاجِدِ عَنْ كُلِّ قَذَرٍ كَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَحْوِهِ.
سَابِعًا: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بَعْدَ قَصِّ الشَّارِبِ:
16- نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِمَنْ قَصَّ شَارِبَهُ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ.
ثَامِنًا: الْجِنَايَةُ عَلَى الشَّارِبِ:
17- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ، لِأَنَّ الشَّارِبَ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ فَصَارَ كَبَعْضِ أَطْرَافِهَا.وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ (حُكُومَة عَدْلٍ).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
17-موسوعة الفقه الكويتية (هدنة 2)
هُدْنَة -2أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ عَلَى عَقْدِ الْهُدْنَةِ:
13- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَسَادِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِشَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ شَرْطٌ فَاسِدٌ بَطَلَ الشَّرْطُ وَلَا يَجِبِ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا تَبْطُلُ الْهُدْنَةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبُيُوعِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي تَبْطُلُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ؛ لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ جَهَالَةِ الثَّمَنِ؛ وَلَيْسَتْ بِأَوْكَدَ مِنْ عُقُودِ الْمُنَاكَحَاتِ الَّتِي لَا تَبْطُلُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ إِلَى فَسَادِ الشَّرْطِ وَالْعَقْدِ مَعًا، أَمَّا فَسَادُ الشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا؛ وَأَمَّا فَسَادُ الْعَقْدِ فَلِاقْتِرَانِهِ بِشَرْطٍ مُفْسِدٍ.
صِفَةُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ:
14- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِفَةِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ أَهُوَ لَازِمٌ أَمْ جَائِزٌ؟ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ- الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَإِنْ وَقَعَ صَحِيحًا فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْعَاقِدِ وَلَا لِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ نَقَضُهُ، وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ، أَوْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا يَقْتَضِي الِانْتِقَاضَ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} فَإِذَا مَاتَ الْإِمَامُ الَّذِي عَقَدَ الْعَهْدَ أَوْ عُزِلَ فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُ نَقْضُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ عَقَدَهَا بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْعَقْدُ فَاسِدًا بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ الْجَدِيدِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي نَقْضُ أَحْكَامِ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ قَبْلَهُ بِاجْتِهَادِهِ.
وَلِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفِ بِالْعُهُودِ لَمْ يَسْكُنْ إِلَى عُقُودِهِ وَقَدْ نَحْتَاجُ إِلَيْهَا؛ أَمَّا إِنْ بَانَ فَسَادُ عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ فَيُلْغَى، وَيُعْلَنُ إِلَيْهِمْ بِفَسَادِ الْهُدْنَةِ وَيُبْلَغُونَ مَأْمَنَهُمْ، فَإِنْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ بِهَذَا الصُّلْحِ كَانَ آمِنًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ مُعْتَقِدًا بِالْأَمَانِ وَيُرَدُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا يُقَرُّ بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَمْ تَصِحَّ.
15- وَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ مَا يَنْفِي لُزُومَهُ فَقَدْ أَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَمَنَعَهُ الْحَنَابِلَةُ.
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ تَعْلِيقُ اسْتِدَامَةِ الْهُدْنَةِ عَلَى مَشِيئَةِ الْإِمَامِ يَنْقُضُهَا مَتَى شَاءَ، فَإِنْ عُلِّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُقَدَّرَةِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- حِينَ وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ قَالَ: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» وَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا فِيهَا إِذَا أَرَادَ نَقْضَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ الَّتِي تُمْنَعُ الْجَهَالَةُ فِيهَا؛ وَإِذَا جَازَ إِطْلَاقُهَا بِغَيْرِ مُدَّةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، وَإِنْ قَالَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- لِأَهْلِ خَيْبَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوحِي إِلَى رَسُولِهِ مُرَادَهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أُقِرُّكُمْ مَا شِئْتُ أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَتِهِ فِيمَا يَرَاهُ صَلَاحًا مِنِ اسْتِدَامَةِ الْهُدْنَةِ أَوْ نَقْضِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَهَا عَلَى مَشِيئَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُتَحَكِّمِينَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم-: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى».
وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْقِدَهَا عَلَى مَشِيئَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ فِي تَدْبِيرِ الدُّنْيَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَوِي الْأَمَانَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنْ تَكَامَلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ مِنْهُ صَحَّ وُقُوفُ الْهُدْنَةِ عَلَى مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ الْهُدْنَةُ.وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ الْهُدْنَةَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ صِفَةٍ، بَلْ قَالَ: هَادَنْتُكُمْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ إِطْلَاقَهَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ: إِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ نَقْضَ الْعَهْدِ لِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ.وَكَذَا إِنْ شَرَطَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى ضِدِّ الْمَقْصُودِ فَلَمْ يَصِحَّ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ عَقْدَ الْهُدْنَةِ غَيْرُ لَازِمٍ مُحْتَمِلٍ لِلنَّقْضِ، فَلِلْإِمَامِ نَبْذُهُ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّ فِي الْمُوَادَعَةِ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَوَادَعَهُمْ، ثُمَّ نَظَرَ فَوَجَدَ أَنَّهَا شَرٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِي الِانْتِهَاءِ مَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الِابْتِدَاءِ لَمَنَعَ عَقْدَهَا وَاسْتِدَامَتَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لَمَّا تَبَدَّلَتْ كَانَ النَّبْذُ جِهَادًا، وَإِبْقَاءُ الْعَهْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَهُوَ أَمْرٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ.
فَإِنْ رَأَى نَقْضَهَا فَلَا بُدَّ مِنَ النَّبْذِ تَحَرُّزًا مِنَ الْغَدْرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْعُمُومَاتِ: نَحْوَ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَرْبَعُ خِلَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» وَقَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: «كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ- رضي الله عنه- وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ.فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ- رضي الله عنه- فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ».
وَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ مُدَّةِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إِلَى جَمِيعِهِمْ، وَيَكْتَفِي مِنْ ذَلِكَ مُدَّةً يَتَمَكَّنُ رَئِيسُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إِنْفَاذِ الْخَبَرِ إِلَى مَمْلَكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ.فَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ أَوْ تَفَرَّقُوا، أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمُ اتِّكَالًا عَلَى الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إِلَى مَأْمَنِهِمْ وَيُعَمِّرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا مِنَ الْغَدْرِ.
وَالْمُرَادُ بِالنَّبْذِ إِعْلَانُهُمْ نَقْضَ الْعَهْدِ.وَيَكُونُ النَّبْذُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ الْأَمَانُ، فَإِنْ كَانَ مُنْتَشِرًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّبْذُ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ بِأَنْ أَمَّنَهُمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ سِرًّا يُكْتَفَى بِنَبْذِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ.
آثَارُ الْهُدْنَةِ:
16- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ إِذَا تَمَّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ أَمِنَ الْمُوَادِعُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَوَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ- إِذَا مَاتَ أَوْ عُزِلَ- حِمَايَتُهُمْ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَذَى أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُقِيمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَمَّنَهُمْ مِمَّا هُوَ تَحْتَ حُكْمِهِ وَفِي قَبْضَتِهِ وَفَاءً بِالْعَهْدِ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} فَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
أَمَّا حِمَايَتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَذَا حِمَايَةُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا تَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ الْتِزَامُ الْكَفِّ عَنْهُمْ فَقَطْ لَا حِفْظُهُمْ، بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ حَيْثُ نَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا نَدْفَعُ عَنْ أَنْفُسِنَا.
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُوَادِعِينَ إِلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُوَادَعَةٌ، فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْبَلْدَةَ، فَهَؤُلَاءِ آمِنُونَ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَادَعَةِ أَفَادَ الْأَمَانَ لَهُمْ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالْخُرُوجِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا فِي الْأَمَانِ الْمُؤَبَّدِ- وَهُوَ عَقْدُ الذِّمَّةِ- أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِدُخُولِ الذِّمِّيِّ دَارَ الْحَرْبِ كَذَا هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ فِي دَارِ الْمُوَادَعَةِ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ دَارِهِمْ بِأَمَانٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَهُوَ آمِنٌ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دَارَ الْمُوَادِعِينَ بِأَمَانِهِمْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَوْ عَادَ إِلَى دَارِهِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ كَانَ فَيْئًا لَنَا أَنْ نَقْتُلَهُ وَنَأْسِرَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى دَارِهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْمُوَادَعَةِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْمُوَادَعَةِ فِي حَقِّهِ.
فَإِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَهَذَا حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ أَمَانٍ.
وَلَوْ أَسَرَ أَهْلُ دَارٍ أُخْرَى وَاحِدًا مِنَ الْمُوَادِعِينَ فَغَزَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ كَانَ الْمَأْسُورُ فَيْئًا، وَلَوْ دَخَلَ إِلَيْهِمْ تَاجِرٌ فَهُوَ آمِنٌ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَمَّا أُسِرَ فَقَدِ انْقَطَعَ حُكْمُ دَارِ الْمُوَادَعَةِ فِي حَقِّهِ وَإِذَا دَخَلَ تَاجِرًا لَمْ يَنْقَطِعْ.
مَنْ تُعْقَدُ لَهُ الْهُدْنَةُ:
أ- أَهْلُ الْحَرْبِ:
17- يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ مِنْ نَصَارَى وَيَهُودٍ أَمْ غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ.وَالْأَصْلُ فِي هَذَا عُمُومُ قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَفَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَوَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍإِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} وقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- هَادَنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَهَادَنَ قُرَيْشًا وَقَبَائِلَ عَرَبِيَّةً أُخْرَى وَكَانَ عَامَّتُهُمْ وَثَنِيِّينَ.
ب- الْمُرْتَدُّونَ:
18- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى جَوَازِ مُوَادَعَةِ الْمُرْتَدِّينَ إِذَا غَلَبُوا عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ حَرْبٍ، وَخِيفَ مِنْهُمْ وَلَمْ تُؤْمَنْ غَائِلَتُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ دَفْعِ الشَّرِّ لِلْحَالِ، وَرَجَاءَ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَوْبَتِهِمْ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَالٌ، لِأَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ، وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ إِلاَّ مِنْ كَافِرٍ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِيَانٌ فَلَا يُعْقَدُ لَهُمْ هُدْنَةٌ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى الرِّدَّةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: وَإِنِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ تَقَرُّرِ إِسْلَامِهِمْ وَحَارَبُوا بَعْدَ ارْتِدَادِهِمُ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ فَكَالْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْأَصْلِيِّينَ؛ فَيُحْكَمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا بِحُكْمِ الْكُفَّارِ النَّاقِضِينَ لِلْعَهْدِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُرْتَدِّينَ إِذَا انْحَازُوا إِلَى دَارٍ يَنْفَرِدُونَ بِهَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَصِيرُوا فِيهَا مُمْتَنِعِينَ يَجِبُ قِتَالُهُمْ عَلَى الرِّدَّةِ بَعْدَ مُنَاظَرَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَإِيضَاحِ دَلَائِلِهِ، وَيَجْرِي عَلَى قِتَالِهِمْ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالْإِعْذَارِ حُكْمُ قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
ج- الْبُغَاةُ:
19- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُوَادَعَةُ الْبُغَاةِ بِمَالٍ.فَإِنْ وَادَعَهُمُ الْإِمَامُ بِمَالٍ بَطَلَتِ الْمُوَادَعَةُ، وَإِنْ طَلَبُوهَا أُجِيبُوا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ مَالٍ وَكَانَ فِي عَقْدِهَا مَصْلَحَةٌ لِأَهْلِ الْجَمَاعَةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُغَاة ف 22).
نَقْضُ الْهُدْنَةِ:
20- عَقْدُ الْهُدْنَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنِ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ مُؤَقَّتًا بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ يُنْهِي الْعَهْدَ بِانْتِهَاءِ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إِلَى النَّبْذِ، حَتَّى كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْزُوَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُؤَقَّتَ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي بِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إِلَى النَّاقِضِ.وَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِالْهُدْنَةِ الْمُؤَقَّتَةِ فَمَضَى الْوَقْتُ وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَأْمَنِهِ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لَهُ يُوهِمُ الْغَدْرَ وَالتَّغْرِيرَ، فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مَا أَمْكَنَ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَقْدُ الْهُدْنَةِ مُطْلَقًا عَنِ الْوَقْتِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ إِطْلَاقَهُ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ عِنْدَ مَنْ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، فَالَّذِي يَنْتَقِضُ بِهِ نَوْعَانِ: تَصْرِيحٌ وَدَلَالَةٌ.
فَالتَّصْرِيحُ هُوَ النَّبْذُ صَرِيحًا.
وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَهِيَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّبْذِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ النَّقْضِ دَلَالَةً:
أ) خُرُوجُ قَوْمٍ مِنْ دَارِ الْمُوَادَعَةِ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ وَقَطْعُهُمُ الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ إِذْنَ مَلِكِهِمْ بِذَلِكَ دَلَالَةُ النَّبْذِ.
ب) قِتَالُهُمُ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ كَأَنْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ مُكْرَهِينَ فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ.
ج) مُكَاتَبَتُهُمْ أَهْلَ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ.
د) قَتْلُهُمْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا بِدَارِ الْإِسْلَامِ عَمْدًا إِنْ لَمْ يُنْكِرْ غَيْرُ الْقَاتِلِ عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ.
ه) إِيوَاؤُهُمْ عَيْنًا لِلْكُفَّارِ.
و) أَخْذُهُمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ.
ز) سَبُّهُمُ اللَّهَ أَوِ الْقُرْآنَ أَوْ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.
ح) فِعْلُ شَيْءٍ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي نَقْضِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِهِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ نَاقِضٌ لِلْهُدْنَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ الْهُدْنَةِ أَنَّهُ نَاقِضٌ.
وَبِالنَّظَرِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ نَوَاقِضِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ يُمْكِنُنَا إِرْجَاعُهَا إِلَى الْأَسْبَابِ التَّالِيَةِ:
أ- الْعُدُولُ عَنِ الْمُوَادَعَةِ فِي الظَّاهِرِ.
ب- الْخِيَانَةُ فِي الْبَاطِنِ.
ج- الْعُدُولُ عَنِ الْمُجَامَلَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
د- النَّبْذُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ إِذَا رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحَ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ.
أَوَّلًا: الْعُدُولُ عَنِ الْمُوَادَعَةِ فِي الظَّاهِرِ:
21- مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ الْمُوَادَعَةُ فِي الظَّاهِرِ، وَهِيَ الْكَفُّ عَنِ الْقِتَالِ وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْهُدْنَةِ مِثْلُ مَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ عَدَلَ أَهْلُ الْهُدْنَةِ عَنِ الْمُوَادَعَةِ إِلَى ضِدِّهَا فَقَاتَلُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَتَلُوا قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَخَذُوا مَالَ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَتْ هُدْنَتُهُمْ بِفِعْلِهِمْ وَلَمْ يُفْتَقَرْ إِلَى حُكْمِ الْإِمَامِ لِنَقْضِهَا، وَجَازَ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ وَيَشُنَّ عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ وَيَهْجُمَ عَلَيْهِمْ غِرَّةً وَبَيَاتًا، وَجَرَى ذَلِكَ فِي نَقْضِ الْهُدْنَةِ مَجْرَى تَصْرِيحِهِمْ بِالْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْهُدْنَةَ.
وَقَدْ غَزَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَهْلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْهُدْنَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا نَقَضُوا الْعَهْدَ بِمُعَاوَنَتِهِمْ بَنِي كِنَانَةَ عَلَى قِتَالِ خُزَاعَةِ، وَكَانَتْ حُلَفَاءَ لِلنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، وَلِذَلِكَ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْأَلُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- تَجْدِيدَ الْعَهْدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى ذَلِكَ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى النَّبْذِ إِلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ بِنَصْبِ الْحَرْبِ لِحُلَفَاءِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.
ثَانِيًا: الْخِيَانَةُ فِي الْبَاطِنِ:
22- مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ تَرْكُ الْخِيَانَةِ بِأَنْ لَا يَسْتَسِرَّ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِفِعْلٍ مَا يَنْقُضُ الْهُدْنَةَ لَوْ أَظْهَرُوهُ، مِثْلَ أَنْ يُمَايِلُوا فِي السِّرِّ عَدُوًّا أَوْ يَقْتُلُوا فِي السِّرِّ مُسْلِمًا، أَوْ يَأْخُذُوا لَهُ مَالًا، أَوْ يَزْنُوا بِمُسْلِمَةٍ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمُهَادِنَ لَوْ تَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْمُسْلِمِينَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ كَرْهًا أَوْ سَرَقَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ.
وَإِذَا اسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ مِمَّنْ هَادَنَهُ وَظَهَرَتْ أَمَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِيَانَتِهِمْ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ إِلَى أَنَّهُ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا عَهْدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} يَعْنِي إِذَا خِفْتَ غَدْرَهُمْ وَخُدْعَتَهُمْ وَإِيقَاعَهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ خَفْيًا وَلَمْ يُظْهِرُوا نَقْضَ الْعَهْدِ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ أَيْ أَلْقِ إِلَيْهِمْ فَسْخَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْعَهْدِ وَالْهُدْنَةِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الْجَمِيعُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قوله تعالى: {عَلَى سَوَاءٍ} لِئَلاَّ يَتَوَهَّمُوا أَنَّكَ نَقَضْتَ الْعَهْدَ بِنَصْبِ الْحَرْبِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نَبْذُ عَهْدِهِمْ وَإِنْذَارُهُمْ، فَإِنْ تَحَقَّقَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَهُ بِلَا إِنْذَارٍ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا ظَهَرَتْ آثَارُ الْخِيَانَةِ وَثَبَتَتْ دَلَائِلُهَا وَجَبَ نَبْذُ الْعَهْدِ لِئَلاَّ يُوقِعَ التَّمَادِي عَلَيْهِ فِي الْهَلَكَةِ، وَجَازَ إِسْقَاطُ الْيَقِينِ هَهُنَا بِالظَّنِّ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا كَانَ الْعَهْدُ قَدْ وَقَعَ فَهَذَا الشَّرْطُ عَادَةٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لَفْظًا، إِذْ لَا يُمْكِنُ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَنْتَقِضُ عَهْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِمُجَرَّدِ خِيَانَتِهِمْ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ الْإِمَامِ لِنَقْضِهَا.
وَحُكِيَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْبِذُ عَقْدَ الْهُدْنَةِ كَمَا لَا يَنْبِذُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالتُّهْمَةِ.
ثَالِثًا: الْعُدُولُ عَنِ الْمُجَامَلَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ:
23- مِنْ مُوجِبَاتِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ الْمُجَامَلَةُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَهِيَ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَغْلَظُ مِنْهَا فِي حُقُوقِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ، فَيَلْزَمُهُمْ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَيَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيلَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ الْقَبِيحِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْذُلُوا لَهُمُ الْجَمِيلَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} فَإِنْ عَدَلَ الْكُفَّارُ الْمُهَادِنُونَ عَنِ الْجَمِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَكَانُوا يُكْرِمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا يَسْتَهِينُونَ بِهِمْ، وَكَانُوا يُضَيِّفُونَ الرُّسُلَ وَيَصِلُونَهُمْ فَصَارُوا يَقْطَعُونَهُمْ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ كِتَابَ الْإِمَامِ فَصَارُوا يَطْرَحُونَهُ، وَكَانُوا يَزِيدُونَهُ فِي الْخِطَابِ فَصَارُوا يَنْقُصُونَهُ، فَهَذِهِ رِيبَةٌ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ شَكَّيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَ الْهُدْنَةِ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُرِيدُوا بِهَا نَقْضَهَا، فَيَسْأَلُهُمُ الْإِمَامُ عَنْهَا وَعَنِ السَّبَبِ فِيهَا، فَإِنْ ذَكَرُوا عُذْرًا يَجُوزُ مِثْلُهُ قَبِلَهُ مِنْهُمْ وَكَانُوا عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا عُذْرًا أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى عَادَتِهِمْ مِنَ الْمُجَامَلَةِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَإِنْ عَادُوا أَقَامَ عَلَى هُدْنَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعُودُوا نَقَضَهَا بَعْدَ إِعْلَامِهِمْ بِنَقْضِهَا.
ذِكْرُهُمُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بِسُوءٍ:
24- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ هَذَا السَّبِّ عَلَى عَقْدِ الْهُدْنَةِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ مِمَّا يَنْتَقِضُ بِهِ الْعَهْدُ هُوَ سَبُّهُمُ اللَّهَ تَعَالَى أَوِ الْقُرْآنَ أَوِ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- أَوْ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ- عليهم السلام- مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ انْتِقَاضِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ بِسَبِّ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-، لِأَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كُفْرٌ مِنَ الْكَافِرِ الْمُهَادِنِ؛ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لِعَقْدِ الْهُدْنَةِ لَا يَمْنَعُ عَقْدَ الْهُدْنَةِ فِي الِابْتِدَاءِ فَالْكُفْرُ الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ فِي حَالِ الْبَقَاءِ رَوَى عُرْوَةُ «عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: فَقَدْ قُلْتُ: عَلَيْكَ».
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا سَبٌّ مِنْهُمْ لَهُ- صلى الله عليه وسلم-، وَلَوْ كَانَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَقَتَلَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِمْ حَرْبِيِّينَ.
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْلِنِ الْمُهَادِنُ السَّبَّ، أَمَّا إِذَا أَعْلَنَ بِالسَّبِّ أَوِ اعْتَادَهُ وَكَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ قُتِلَ وَلَوِ امْرَأَةً، وَبِهِ يُفْتَى.
رَابِعًا: نَبْذُ الْهُدْنَةِ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ أَصْلَحَ:
25- صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْمُوَادَعَةَ خَيْرًا فَوَادَعَ أَهْلَ الْحَرْبِ ثُمَّ نَظَرَ فَوَجَدَ مُوَادَعَتَهُمْ شَرًّا لِلْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَى مَلِكِهِمُ الْمُوَادَعَةَ وَقَاتَلَهُمْ.
بُلُوغُ الْمُهَادِنِ مَأْمَنَهُ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ:
26- وَعِنْدَ نَبْذِ الْعَهْدِ يَجِبُ إِبْلَاغُ مَنْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ إِلَى مَأْمَنِهِ، لَكِنْ مَنْ عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوَّلًا.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي إِبْلَاغِ الْكَافِرِ الْمَأْمَنَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ عَهِدِهِمْ ويُلْحِقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَاكْتَفَى ابْنُ كَجٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِإِلْحَاقِهِ بِأَوَّلِ بِلَادِ الْكُفْرِ وَقَالَ: لَا يَلْزَمُ إِلْحَاقُهُ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَوْقَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ بِلَادِ الْكُفْرِ وَبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ بَلَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُرُورِ عَلَيْهِ.
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْبَحْرِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَأْمَنَانِ لَزِمَ الْإِمَامَ إِلْحَاقُهُ بِسَكَنِهِ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ يَسْكُنُ بَلَدَيْنِ فَالِاخْتِيَارُ لِلْإِمَامِ.
أَحْوَالُ نَقْضِ الْهُدْنَةِ مِنْ قِبَلِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ:
27- نَقْضُ الْهُدْنَةِ مِنْ قِبَلِ الْكُفَّارِ الْمُهَادِنِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِهِمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ جَمِيعِهِمُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ جَمِيعًا وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَمَانٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ.
وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ بَعْضِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُظْهِرَ الْبَعْضُ الْآخَرُ الرِّضَا بِهَذَا النَّقْضِ أَوْ يَسْكُتُوا عَنْهُ أَوْ يُظْهِرُوا الْكَرَاهَةَ لَهُ.
فَإِنْ أَظْهَرَ الْبَعْضُ الْآخَرُ الرِّضَا فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَيَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ جَمِيعًا، النَّاقِضُونَ وَالرَّاضُونَ بِهِ، وَيَصِيرُونَ جَمِيعُهُمْ حَرْبًا.
وَكَذَا إِنْ سَكَتَ الْبَعْضُ الْآخَرُ فَلَمْ يُظْهِرُوا رِضًا بِالنَّقْضِ وَلَا كَرَاهَةً لَهُ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْتَقَضَ عَهْدُ الْجَمِيعِ، وَيَكُونُ سُكُوتُهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وَكَذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَاقِرِ نَاقَةِ صَالِحٍ، بَاشَرَ عَقْرَهَا أُحَيْمِرُ وَهُوَ الْقَدَّادُ بْنُ سَالِفٍ، وَأَمْسَكَ قَوْمُهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ بِذَنْبِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
وَقَدْ وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ، وَهَمَّ بَعْضُهُمْ بِقَتْلِهِ، فَجَعَلَهُ نَقْضًا مِنْهُمْ لِعَهْدِهِ فَغَزَاهُمْ وَأَجْلَاهُمْ.
وَوَادَعَ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَعَانَ بَعْضُهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْخَنْدَقِ، وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي أَعَانَهُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطُبَ وَأَخُوهُ وَآخَرُ، فَنَقَضَ بِهِ عَهْدَهُمْ وَغَزَاهُمْ حَتَّى قَتَلَ رُمَاتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَهُمْ.
وَهَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ بَنُو بَكْرٍ فِي حِلْفِ قُرَيْشٍ، وَخُزَاعَةُ فِي حِلْفِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-، فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَقْضًا لِعَهْدِ جَمِيعِهِمْ فَسَارَ إِلَيْهِمْ مُحَارِبًا، وَأَخْفَى عَنْهُمْ أَثَرَهُ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ وَفَتَحَ مَكَّةَ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُمْسِكَ يَجْرِي عَلَيْهِ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ بَعْضِهِمْ لِلْهُدْنَةِ مُوجِبًا لِأَمَانِ جَمِيعِهِمْ وَإِنْ أَمْسَكُوا، كَانَ نَقْضُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا لِحَرْبِ جَمِيعِهِمْ إِذَا أَمْسَكُوا.
وَإِنْ كَانَ النَّقْضُ مِنْ بَعْضِهِمْ وَأَظْهَرَ الْبَعْضُ الْآخَرُ الْكَرَاهَةَ لِلنَّقْضِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْتَقَضَ الْعَهْدُ فِي حَقِّ النَّاقِضِينَ فَقَطْ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَقَضَ السُّوقَةُ الْعَهْدَ وَلَمْ يَعْلَمِ الرَّئِيسُ وَالْأَشْرَافُ بِذَلِكَ، فَفِي انْتِقَاضِ الْعَهْدِ فِي حَقِّ السُّوقَةِ وَجْهَانِ: وَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِعَقْدِهِمْ فَكَذَا بِنَقْضِهِمْ.
وَلَوْ نَقَضَ الرَّئِيسُ وَامْتَنَعَ الْأَتْبَاعُ وَأَنْكَرُوا، فَفِي الِانْتِقَاضِ فِي حَقِّهِمْ قَوْلَانِ.وَجْهُ النَّقْضِ: أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْمَتْبُوعِ فَكَذَا التَّابِعُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إِنْ أَنْكَرُوا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِأَنِ اعْتَزَلُوهُ أَوْ بَعَثُوا إِلَى الْإِمَامِ بِأَنَّا مُقِيمُونَ عَلَى الْعَهْدِ لَمْ يَنْتَقِضْ.
وَإِذَا انْتَقَضَ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ تَمَيَّزُوا فَذَاكَ، وَإِلاَّ فَلَا يُبَيِّتُهُمُ الْإِمَامُ وَلَا يُغَارُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَيَبْعَثُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا لِيَتَمَيَّزُوا أَوْ يُسَلِّمُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا مَعَ الْقُدْرَةِ صَارُوا نَاقِضِينَ أَيْضًا.
وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُمْ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ مِنَ النَّاقِضِينَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ، وَإِلاَّ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُضْ.
هُدْهُدٌ
انْظُرْ: أَطْعِمَة.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
18-موسوعة الفقه الكويتية (وضيمة)
وَضِيمَةٌالتَّعْرِيفُ:
1- الْوَضِيمَةُ لُغَةً: طَعَامُ الْمَأْتَمِ، وَالطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالْكَلأُ الْمُجْتَمِعُ، وَالْقَوْمُ يَنْزِلُونَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ قَلِيلٌ فَيُحْسِنُونَ إِلَيْهِمْ وَيُكْرِمُونَهُمْ.وَالْوَضِيمَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ: الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْخُرْسُ:
2- الْخُرْسُ- بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ- وَالْخِرَاسُ- بِكَسْرِ الْخَاءِ- فِي اللُّغَةِ: طَعَامُ الْوِلَادَةِ، أَوْ طَعَامُ الْوِلَادَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ، أَوْ طَعَامٌ يُصْنَعُ لِلْوِلَادَةِ.
وَالْخُرْسَةُ وَكَذَا الْخُرْصَةُ- بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فِيهِمَا، ثُمَّ سِينٌ فِي الْأُولَى وَصَادٌ فِي الثَّانِيَةِ- طَعَامُ النُّفَسَاءِ، أَوْ مَا يُصْنَعُ لَهَا مِنْ طَعَامٍ وَحِسَاءٍ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَضِيمَةِ وَالْخُرْسِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنَ الْوَلَائِمِ- عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ- غَيْرَ أَنَّ الْوَضِيمَةَ تَكُونُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ وَالْمَوْتِ، وَالْخُرْسُ تَكُونُ فِي السُّرُورِ وَالْوِلَادَةِ لِسَلَامَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الطَّلْقِ.
ب- الْحَذَاقُ:
3- الْحَذَاقُ وَالْحَذَاقَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّعَلُّمُ وَالْمَهَارَةُ، يُقَالُ: حَذَقَ الصَّبِيُّ الْقُرْآنَ حَذْقًا وَحَذَاقًا وَحَذَاقَةً، وَيُكْسَرُ الْكُلُّ: تَعَلَّمَهُ كُلَّهُ وَمَهَرَ فِيهِ، وَيَوْمُ حَذَاقِهِ: يَوْمُ خَتْمِهِ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ حِفْظِ الْقُرْآنِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَضِيمَةِ وَالْحَذَاقِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَلِيمَةٌ وَطَعَامُ ضِيَافَةٍ، غَيْرَ أَنَّ طَعَامَ الْحَذَاقِ يَكُونُ عِنْدَ مُنَاسَبَةٍ سَارَّةٍ، وَهِيَ حِفْظُ الصَّبِيِّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ وَخَتْمُهُ لَهُ، أَمَّا طَعَامُ الْوَضِيمَةِ فَيَكُونُ ضِيَافَةً عِنْدَ مُصِيبَةِ الْمَوْتِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَضِيمَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْوَضِيمَةِ أَحْكَامٌ، مِنْهَا:
حُكْمُ اتِّخَاذِ الْوَضِيمَةِ:
4- الْوَضِيمَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ.
فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُصِيبَتِهِمْ، وَشُغُلًا لَهُمْ إِلَى شُغُلِهِمْ، وَتَشَبُّهًا بِصُنْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِأَنَّ اتِّخَاذَ الطَّعَامِ فِي السُّرُورِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ، وَهُوَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَمْ يُنْقَلْ فِيهَا شَيْءٌ وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَرَى الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ مِنَ النِّيَاحَةِ.
وَفِي رَأْيٍ آخَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ يُبَاحُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ، فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا، فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يُشْتَرَى لِي شَاةٌ فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بِهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى».
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ صُنْعِ أَهْلِ الْمَيِّتِ الطَّعَامَ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ مَا يَصْنَعُهُ أَقَارِبُ الْمَيِّتِ مِنَ الطَّعَامِ وَجَمْعِ النَّاسِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُرْجَى خَيْرُهُ لِلْمَيِّتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِفِعْلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي ثُلُثِهِ وَيَجِبُ تَنْفِيذُهُ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَصُنِعَ ذَلِكَ مِنَ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ.
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ ضُيُوفًا فَلَا يُكْرَهُ صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِمْ طَعَامًا لَهُمْ، قَالُوا: إِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ جَازَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنَ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ إِلاَّ أَنْ يُطْعِمُوهُ.
وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ: يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقَارِبِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ، يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اصْنَعُوا لِأَهْلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ، وَفِيهِ إِظْهَارُ الْمَحَبَّةِ وَالِاعْتِنَاءِ.
وَقَالُوا: يُلِحُّ- مُقَدِّمُ الطَّعَامِ- عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِأَنَّ الْحُزْنَ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْعُفُونَ.
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا بَأْسَ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِمْ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُمْ يَبَرُّونَ بِقَسَمِهِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ: إِنِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ عَلَى مُحَرَّمٍ مِنْ نَدْبٍ وَلَطْمٍ وَنِيَاحَةٍ فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْنَعَ لَهُمْ طَعَامٌ وَيُبْعَثَ بِهِ إِلَيْهِمْ، بَلْ يَحْرُمُ إِرْسَالُ الطَّعَامِ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ عُصَاةٌ.
إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَضِيمَةِ:
5- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْوَضِيمَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ إِجَابَتَهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا مُبَاحَةٌ.
الْأَكْلُ مِنْ طَعَامِ الْوَضِيمَةِ:
6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْأَكْلِ مِنْ طَعَامِ الْوَضِيمَةِ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مِنْهُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ مِنَ الطَّعَامِ وَيَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ الْأَكْلُ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الَّذِي صَنَعَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ بَالِغًا رَشِيدًا فَلَا حَرَجَ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: كُرِهَ لِلنَّاسِ غَيْرَ الْضُّيُوفِ الْأَكْلُ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ لِلضُّيُوفِ، وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنَ التَّرِكَةِ وَفِي مُسْتَحِقِّيهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ لَمْ يَأْذَنْ- حَرُمَ فِعْلُ الطَّعَامِ، وَحَرُمَ الْأَكْلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَالٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَوْ مَالُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَنَقْلُ الطَّعَامِ إِلَيْهِ:
7- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِيمَا اسْتَظْهَرَهُ الْهَيْتَمِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ وَنَقْلَ الطَّعَامِ إِلَيْهِ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْعَقْرُ: الذَّبْحُ عَلَى الْقَبْرِ.وَلِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي أَفْعَالِ الْقُرَبِ الْإِسْرَارُ بِهَا دُونَ الْجَهْرِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَحْرُمُ الذَّبْحُ وَالتَّضْحِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَلَوْ نَذَرَهُ نَاذِرٌ لَمْ يَفِ بِهِ، وَلَوْ شَرَطَهُ وَاقِفٌ فَشَرْطُهُ فَاسِدٌ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَمِنَ الْمُنْكَرِ وَضْعُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ عَلَى الْقَبْرِ لِيَأَخُذَهُ النَّاسُ، وَإِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا السَّلَفُ، هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَإِلاَّ فَحَرَامٌ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ التَّرِكَةِ.
وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَإِنَّهَا مُحْدَثَةٌ، الْأَوْلَى تَرْكُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشُوبُهَا رِيَاءٌ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِيهَا، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الصَّدَقَةِ لِلْمَيِّتِ.
I
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
19-الغريبين في القرآن والحديث (عقب)
(عقب)قوله تعالى: {لا معقب لحكمه} أي لا يحكم بعد حكمه حاكم، والمعقب الذي يكر على الشيء، وقوله تعالى: {له معقبات} أي للإنسان ملائكة يعقب بعضهم بعضا، ويعتقب بعضهم بعضا وهي جمع معقبة، ثم معقبات جمع الجمع.
قال الفراء: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار، وقوله تعالى: {ولى مدبرا ولم يعقب} أي لم يرجع، وقال شمر: كل راجع معقب وروي عن سفيان: لم يمكث، وفي حديث عمر- رضي الله عنه-: (أنه كان يعقب الجيوش في كل عام) أي يرد قوما ويبعث آخرين، يعاقبونهم يقال: عقب الغزاة وأعقبوا إذا وجه غيرهم مكانهم وردوا، وفي الحديث: (من عقب في صلاة فهو في صلاة) أي أقام بعدما يفرغ من الصلاة في مجلسه، يقال: صلى القوم وعقب فلان أي أقام بعد ما ذهبوا، وفي حديث أنس: (أنه سئل عن التعقيب) قال شمر: قال ابن راهويه: إذا صلى الإمام بالناس في شهر رمضان ترويحة أو ترويحتين ثم قام في آخر الليل واجتمع القوم فصلى بهم بعد ما ناموا باقي الترويحات جاز وإن صلى بهم جماعة غير الترويحات فذلك مكروه، قال: والتعقيب أن يعمل عملا ثم يعود فيه فإذا غزا الإنسان ثم ثنى من سنته، فقد عقب، ويقال: تعقيبة خير من غزاة، وفي الحديث: (معقبات لا يخيب قائلهن) وهو أن يسبح في إثر كل صلاة كذا وكذا مرة، قال أبو
الهيثم: سميت معقبات؛ لأنها عادت مرة بعد مرة وكل من عمل عملا ثم عاد إليه فقد عقب، وقال شمر: أراد تسبيحات تخلف بأعقاب الناس، قال: والمعقب من كل شيء ما خلف بعقب ما قبله، وقوله تعالى: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم} وقرئ (فعقبتم) مخفف ومشدد،
كان قبله في الخير، وقال أبو عبيد: يقال عقب يعقب عقوبا إذا جاء شيء بعد شيء ولهذا قيل لولد الرجل من بعده عقبه، وفي حديث عمر رضي الله عنه: (أنه سافر في عقب رمضان) قال أبو زيد: يقال: جاء في عقب رمضان وعلى عقبه إذا جاء وقد بقيت منه بقية إذا جاء وقد ذهب الشه
قال ابن المظفر العقاب العلم الضخم وأنشد:
«فراس لا يكون له كفاء *** إذا جال اللفيف عن العقاب»
وفي الحديث: (نهى) عن عقب الشيطان في الصلاة) قال أبو عبيد: هو أن يضع إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء، وفي الحديث: (ويل للعقب من النار) أي ويل لصاحب العقب المقصر في غسلها، كما قال: {واسأل القرية} أي أهل القرية، وقل: أراد أن العقب يخص بالمؤلم من العذاب إذا قصر في غسلها، وقال الأصمعي: العقب ما أصاب الأرض من مؤخر الرجل إلى موضع الشراك يقال: عقب
وعقب، وفي الحديث: (أن نعله كانت معقبة مخصرة) المعقبة التي لها عقب، وفي الحديث: (أن كل غازية غزت يعقب بعضها) أي يكون ذلك نوبا بينهم إذا خرجت غازية ثم صدرت لم تكلف أن تعود ثانية حتى يعقبها أخرى: وفي حديث شريح: (أنه أبطل النفخ إلا أن تضرب فتعاقب).
أي أبطل نفخ الدابة برجلها إلا أن تتبع ذلك رمحا: عاقبت كذا بكذا أي أتبعته إياه، وفي حديث إبراهيم: (المعتقب ضامن لما اعتقب) يقال اعتقبت الشيء إذا حبسته عندك ومعناه: البائع إذا باع شيئا ثم منعه المشترى حتى تلف عنده ضمن، وقال الحارث بن بدر: (كنت مرة نشبة فأنا اليوم عقبة) يقول: كنت إذا نشبت بإنسان وعلقت به لقي مني شرا فقد أعقبت اليوم منه ويقول الرجل لزميله: أعقب أي: انزل حتى أرى عقبتي، ومنه قول سديف: (أعقبي آل هاشم يا أميا) يقول: انزلي عن الخلافة حتى يليها بنو هاشم.
الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م
20-المغرب في ترتيب المعرب (عتب-قوله لو وقف على عتبة الباب)
(عتب) (قَوْلُهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ) يَعْنِي الْأُسْكُفَّةَ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ الْكَعْبَةِ لَفَعَلْتُ كَذَا وَأَلْصَقْتُ الْعَتَبَةَ عَلَى الْأَرْضِ (وَالْعَتْبُ) الْمَوْجِدَةُ وَالْغَضَبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ (وَمِنْهُ) حَدِيثُ جَمِيلَةَ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ (وَعُتْبَةُ) فُعْلَةٌ مِنْهُ وَبِهَا سُمِّيَ أَخُو ابْنِ مَسْعُودٍ (وَمِنْهُ) حَدِيثُهُ أَنَّهُ بَعَثَ بِهَدْيٍ مَعَ عَلْقَمَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَأْكُلَ الثُّلُثَ وَيَبْعَثَ بِالثُّلُثِ إلَى آلِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ (وَأَمَّا) بِئْرُ آلِ عُتْبَةَ فَقَدْ رُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي هَكَذَا وَفِي الْأَحْكَامِ وَالسُّنَنِ بِئْرُ أَبِي عِنَبَةَ بِلَفْظِ الْحَبَّةِ مِنْ الْعِنَبِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحُ وَهِيَ بِئْرٌ تَقْرُبُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا لِلصَّغِيرِ.
المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م
21-المعجم الغني (بَعَثَ)
بَعَثَ- [بعث]، (فعل: ثلاثي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، بَعَثْتُ، أَبْعَثُ، اِبْعَثْ، المصدر: بَعْثٌ.1- "بَعَثَهُ في مُهِمَّةٍ": أَرْسَلَهُ وَحْدَهُ.
2- "بَعَثَ إِلَيْهِ رِسالَةً": أَرْسَلَها مَعَ غَيْرِهِ.
3- "بَعَثَ بِالكُتُبِ": أَرْسَلَهَا مَعَ الرَّسُولِ.
4- "بَعَثَتِ ابْنَها مِنْ نَوْمِهِ": أَيْقَظَتْهُ.
5- "يَبْعَثُ اللَّهُ الخَلْقَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ": يُحْيِيهِمْ، يَنْشُرُهُمْ. "بَعَثَ رُوحَ الحَياةِ فيهِ": أَحْياهُ.
6- "بَعَثَ السُّرُورَ": أَشَاعَهُ. "يُهَدِّئ الأعْصابَ وَيَبْعَثُ الطُّمَأْنِينَةَ". (أحمد أَمين):
7- "بَعَثَهُ على الأمْرِ": حَمَلَهُ على فِعْلِهِ.
8- "بَعَثَ عَلَيْهِ المُصيبَةَ": أَنْزَلَها بِهِ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
22-المعجم الغني (هَنِيءٌ)
هَنِيءٌ- [هنأ]:1- "طَعَامٌ هَنِيءٌ": سَائِغٌ.
2- "كُلْهُ هَنِيئًا مَرِيئًا": أَيْ مُسْتَسَاغًا بِلَا مَشَقَّةٍ، وَهُوَ دُعَاءٌ لِلأَكْلِ.
3- "هَنِيئًا لَكَ بِالنَّجَاحِ": لِيَكُنْ نَجَاحُكَ نَجَاحًا يُفْرِحُكَ وَيَبْعَثُ السُّرُورَ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
23-التعريفات الفقهية (المَصْلَحة)
المَصْلَحة: ما يرتَّب على الفعل ويبعث على الصلاح ومنه سمِّي ما يتعاطاه الإنسانُ من الأعمال الباعث على نفعه مصلحة.التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م
24-طِلبة الطلبة (يسر)
(يسر):{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أَيْ تَيَسَّرَ كَمَا يُقَالُ: تَيَقَّنَ وَاسْتَيْقَنَ، وَتَعَجَّلَ وَاسْتَعْجَلَ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ: هُوَ الشَّاةُ لِأَنَّ الْهَدْيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى أَيْ يُنْقَلُ وَيُبْعَثُ، يُقَالُ: هَدَيْتُ الْعَرُوسَ إلَى بَعْلِهَا هِدَاءً، وَأَهْدَيْتُ هَدِيَّةً إلَى فُلَانٍ إهْدَاءً، وَمَعْنَى النَّقْلِ وَالْبَعْثِ يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْهَدْيُ مِنْهَا، وَالْهَدْيُ وَالْهَدِيُّ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ لُغَتَانِ.
طلبة الطلبة-أبوحفص النسفي-توفي: 537هـ/1142م
25-تاج العروس (عقب)
[عقب]: العَقْبُ بفَتْح فَسُكُون: الجَرْيُ يجيءُ بَعْدَ الجَرْيِ الأَوّل.وفي الأَسَاسِ: ويُقَال للفَرَس الجَوَاد هو ذُو عَفْوٍ وعَقْبٍ، فعَفْوُه: أَوَّل عَدْوِه، وعَقْبُه: أَن يُعْقِب مُحْضِرًا أَشَدَّ من الأَوَّل، ومنه قولهم لمِقْطَاع الكَلَام: لو كان له عَقْبٌ لتَكَلَّم؛ أَي جَوَابٌ، ومثله في لِسَان العَرَب.
والعَقْب: الوَلَدُ. وولَدُ الوَلَد من الرَّجُلِ: البَاقُون بعدَه، كالعَقِبِ ككَتِفٍ، في المَعْنَيَيْنِ. تقول: لِهذَا الفَرَسِ عَقْبٌ حَسَنٌ، وفَرَسٌ ذو عَقْب أَي لَهُ جَرْيٌ بعد جَرْيٍ. قال امرؤ القَيْسِ:
على العَقْبِ جَيَّاش كَأَنَّ اهتِزَامَهُ *** إِذا جَاشَ فيه حَمْيُه غَلْيُ مِرْجَلِ
قال ابن منْظُور: وقالوا: عِقَابًا؛ أَي جَرْيًا بَعْدَ جَرْيٍ.
وأَنْشَد ابنُ الأَعْرَابِيّ:
يَمْلأُ عَيْنَيْكَ بالفِنَاءِ ويُرْ *** ضِيكَ عِقَابًا إِنْ شِئتَ أَو نَزَقَا
وقول العرَب: لا عَقِبَ له؛ أَي لم يَبْق له وَلَد ذَكَر، والجَمْع أَعْقَابٌ.
والعُقْبُ بالضَّمِّ والعُقُب بضمَّتَيْنِ مثل عُسْر وعُسُر: العَاقِبَةُ. ومنه قَوْلُه تَعَالى: {هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}.
أَي عَاقِبَة.
والعَقْب بالتَّسْكِين وكَكتِفٍ: مُؤَخَّرُ القَدَمِ، مُؤَنَّثَة، منه، كالعَقِيبِ كأَمِير. ونَقَل شيخُنَا في هَذَا أَنه لُغَيَّة رَدِيئة، والمَشْهُورُ فيه الأَوّلُ.
وفي المصباح: أَنّ عَقِيبًا بالياءِ صِفَة وأَن استعمالَ الفُقَهَاءِ والأُصُولِيِّين لَا يَتِمّ إِلا بِحذْفِ مُضَاف، وسَيَأْتِي. وفي الحديث «أَنه بَعَثَ أُمَّ سُلَيم لتَنْظُر لَهُ امرأَةً فقال: انْظُرِي إِلَى عَقِبَيْهَا أَو عُرْقُوبَيْهَا» قيل لأَنَّه إِذا اسوَدَّ عَقِباهَا اسوَدَّ سَائِر جَسَدِها. وفي الحَدِيثِ «نَهَى عن عَقِب الشَّيْطان فِي الصَّلَاة» وهو أَن يَضَع أَلْيَتَيْه على عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَين.
وفي حَدِيث عَلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهُ صَلِّى الله تَعَالَى عَلَيْه وسَلّم: «يَا عَلِيُّ إِنّي أُحِبّ لَكَ ما أُحِبّ لنَفْسِي، وأَكْرَه لَكَ ما أَكْرهُ لنَفْسِي، لا تَقْرَأْ وأَنْتَ رَاكِعٌ، ولا تُصَلِّ عَاقِصًا شَعْرَك، ولا تُقْعِ على عَقِبَيْك في الصَّلاة فإِنها عَقِب الشَّيْطَانِ، ولا تَعْبَث بالحَصى وأَنتَ في الصّلاة، ولا تَفْتَح على الإمام». وفي الحديث: «ويلٌ للعَقِبِ من النَّار، وَوَيْلٌ للأَعْقَابِ من النَّارِ».
قال ابن الأَثِيرِ: وإِنْمَا خَصَّ العَقِبَ بالعَذَابِ؛ لأَنَّه العُضْوُ الذي لم يُغْسَل. وقيل: أَرادَ صَاحِب العَقِب، فحذَفَ المُضَاف؛ [وإِنما قال ذلك لأَنهم كانوا لا يستقْصُونَ غَسْلَ أَرجُلِهم في الوضوءِ] وَجَمْعُها أَعْقَابٌ أعْقُبٌ. أَنْشَد ابْنُ الأَعْرَابيِّ:
فُرُقَ المَقَادِيم قِصَارَ الأَعْقُبِ
والعَقَب: بالتَّحْرِيك: العَصَبُ الَّذِي تُعْمَلُ منه الأَوْتَارُ الواحِدَة عَقَبَة. وفي الحَدِيثِ «أَنّه مَضَغَ عَقَبًا وهو صَائِم».
قال ابنُ الأَثِيرِ: هو بفَتْح القَافِ: العَصَبُ. والعَقَبُ من كُلِّ شيءٍ: عَصَبُ المَتْنَيْن والسَّاقَيْن الوَظِيفَيْن يَخْتَلِط باللَّحْم يُمْشَق منه مَشْقًا ويُهذَّبُ ويُنَفَّى من اللَّحْم ويُسَوَّى منه الوَتَر.
وقد يكون في جَنْبَيِ البَعِير. والعَصَبُ: العِلْبَاءُ الغَلِيظ ولا خَيْرَ فِيهِ. وأَما العَقْب مُؤَخَّر القدم فَهُو مِنَ العَصَب لا مِنَ العَقَب. وفرق ما بَين العَصَب والعَقَب أَن العَصَب يَضْربُ إِلى الصُّفْرَة، والعَقَب يَضْرِب إِلى البَيَاضِ وهو أَصلَبُهما وأَمْتَنُهُمَا، وقال أَبو حنيفة: قال أَبو زياد: العَقَبُ: عَقَبُ المَتْنَيْن من الشَّاهة والبَعِيرِ والنَّاقَةِ والبَقَرةِ.
وعَقَبَ الشيءَ يَعْقِبُه ويَعْقُبُه عَقْبًا، وعَقَّبَه: شَدَّه بعَقَبٍ.
وعَقَب الخَوْقَ وهو حَلْقَةُ القُرْطِ يَعْقُبه عَقْبًا: خَاف أَن يَزِيغَ فشَدَّه بِعَقَب وعَقَب السهمَ والقِدْحَ والقَوْسَ عَقْبًا إِذا لَوَى شَيْئًا مِنْهَا عَلَيْهَا، قال دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّة:
وأَسمَرَ مِنْ قِدَاحِ النَّبُعِ فَرْعٍ *** به عَلَمَانِ من عَقَبٍ وضَرْسِ
في لِسَانِ العَرَب قال ابنُ بَرِّيّ: صوابُ هَذَا البَيْت: وأَصْفَرَ من قِدَاحِ النَّبْع، لأَنَّ سهامَ المَيْسِر تُوصَفُ بالصُّفرة، كقَوْل طَرَفَةَ:
وأَصفرَ مَضْبُوح نظرتُ حُوَارَه *** على النارِ واستَوْدَعْتُه كَفَّ مُجْمِدِ
ثم قال: وعَقَبَ قِدْحَه يَعْقُبه عَقْبًا: انْكَسَرَ فشَدَّه بعَقَبٍ.
والعَاقِبَةُ: مصدر عَقَب مكانَ أَبيه يَعْقُب، والوَلَدُ. يقال: ليست لفلان عاقبَةٌ؛ أَي ليسَ له وَلَدٌ، فهو كالعَقْب والعَقِب الماضي ذِكرُهما، والجَمْع أَعْقَاب. وكُلُّ من خَلَفَ بَعدَ شيْء فهو عاقِبَةٌ وعَاقِب له، وهو اسم جاءَ بَمَعْنَى المَصْدِ كقوله تعالى {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} والعَقْبُ والعَاقِب والعَاقِبَة والعُقْبَة بالضم والعُقْبَى والعَقِب كَكَتِف والعُقْبَان بالضم: آخر كُلِّ شَيْءٍ. قال خالدُ بنُ زُهَيرْ:
فإِن كُنْتَ تَشْكُو من خَلِيلٍ مَخَافَةً *** فتِلْكَ الجَوَازِي عَقْبُها ونُصُورُهَا
يقول: حَدِّثْنَا بما فعلْتَ بِابْن عُوَيْمِر، والجمع العَوَاقِب والعُقُب والعُقْبَان والعُقْبَى بضَمِّهما كالعَاقبَة. وقالوا: العُقْبَى لَكَ في الخَيْر؛ أَي العَاقبَة. وفي التَّنْزِيل {وَلا يَخافُ عُقْباها} قال ثَعْلَب: معناه لا يَخَافُ اللهُ عَزّ وَجَلَّ عاقِبَةَ ما فَعل أَي أَن يُرْجع عليه في العَاقِبَة كما نَخَافُ نَحْنُ.
وفي لسان العرب: جِئتُك في عَقِب الشَّهْرِ؛ أَي كَكَتِف، وعَقْبِه بِفَتْح فَسُكُون وعلى عَقِبه؛ أَي لأَيَّامٍ بَقِيَت منه عشَرَةٍ أَو أَقَلَّ. وجِئتُ في عُقْبِ الشَّهْر وعلى عُقْبِه، بالضم والتَّسْكِين فِيهِما، وعُقُبه، بضَمَّتَيْن، وعُقْبَانِه بالضم؛ أَي بعد مُضِيِّه كُلِّه. وحَكَى اللِّحْيَانيّ: جِئتُك عُقُب رَمَضَان بالضَّمّ أَي آخِرَه، وجِئتُ فلانا على عُقْبِ مَمَرّه، بالضَّمِّ، وعُقُبِه، بضَمَّتَيْنِ، وعَقِبِه كَكَتِف، وعُقْبَانِه، بالضَّمِّ؛ أَي بَعْدَ مُرُورِه. وفي حدِيث عُمَرَ: «أَنَّه سافَر في عَقْب رَمَضَان» بالتّسْكين أَي في آخِره وقد بَقِيَتْ منه بَقِيَّةٌ. وقال اللِّحْيَانِيّ.
أَتيتُك على عُقُب ذَاكَ، بضَمَّتَيْن، وعُقْب ذَاكَ، بضَّمٍّ فَسُكُون، وعَقِبِ ذَاكَ، كَكتِفٍ، وعَقْبِ ذَاكَ، بالتَّسْكِين، وعُقْبَانِ ذَاكَ، بالضَّمِّ، وجئتُه عُقْبَ قُدُومِه، بالضَّمِّ؛ أَي بَعْدَه. قلت: وفي الفَصِيح نَحْوٌ مِمَّا ذُكِرَ.
وفي المُزْهِرِ: في عقِب ذِي الحِجَّة، يقال بالفَتْح والكَسْر لِمَا قَرُب من التَّكْمِلَة، وبِضَمٍّ فسُكُونٍ لِمَا بَعْدَهَا. ونقل شيخُنا، جِئتُك على عُقْبِه وعُقْبَانِه؛ أَي بالضَّم وعَاقِبِه وعَقِبِه. قال أَبو جعْفَر: قال ابنُ عُدَيْس: وزاد أَبُو مِسْحَل: وعِقْبَانِه؛ أَي بالكَسْرِ.
وفي لسان العرب: ويقال: فلان عُقْبَةُ بَنِي فُلَانٍ؛ أَي آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُم. وحكى اللِّحْيَانِيّ: صَلَّينَا عُقُبَ الظُّهْر، وصلَّيْنَا أَعْقَاب الفَرِيضَة تَطَوُّعا؛ أَي بَعْدَها.
والعَاقِبُ من كل شيء: آخِرُه.
والعَاقِبُ: السَّيِّد. وقيل: الذَّي دُونَ السَّيّد، وقيل: الَّذِي يَخْلُف السَّيِّدَ بعدَه. وفي الحديث «قَدِم على النبيّ صلى الله عليه وسلم نَصَارى نَجْرَان، السَّيِّدُ والعَاقِب، والعاقِبُ: الَّذِي يَخْلُف مَنْ كَانَ قَبْلَه فيّ الخَيْر كالعَقُوب، كصَبُور، وقيل: السَّيِّدُ والعاقِب هُمَا من رُؤَسَائِهِم وأَصْحَاب مَرَاتِبِهِم. وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم «لي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: مُحَمَّد. وأَحْمَدُ، والمَاحِي يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ، والحَاشِرُ أَحشُر الناسَ على قَدَمِي، والعَاقِبُ».
قال أَبو عُبَيْد: العَاقب: آخرُ الأَنْبِيَاء. وفي المُحْكَم: آخِرُ الرُّسُل.
وعَقَبَهُ يَعْقُبُه: ضَرَبَ عَقِبَه أَي مُؤَخَّرَ القَدَم. ويقال: عَقَبَه يعقُبه عقْبًا وعُقُوبًا إِذا خَلَفَه. وكُلُّ ما خَلَف شَيْئًا فقد عَقَبَه وعَقَّبه كأَعْقَبه. وأَعْقَبَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وتَرَكَ عَقِبًا أَي وَلَدًا. يقال: كان لَهُ ثَلَاثَةٌ من الأَوْلادِ فأَعْقَب مِنْهُم رَجُلَان أَي تَرَكَا عَقِبًا ودَرَجَ وَاحِدٌ. وقول طُفَيْل الغَنَوِيّ:
كريمَةُ حُرِّ الوَجْهِ لم تَدْعُ هَالِكًا *** من القَوْمِ هُلْكًا في غَدٍ غَيْرَ مُعْقِب
يعني أَنَّه إِذا هَلَك مِن قَوْمِهَا سَيِّدٌ جاءَ سَيِّدٌ، فهي لم تَنْدُب سَيِّدًا وَاحَدًا لا نظيرَ لَهُ؛ أَي أَنّ له نُظَراءَ من قَوْمه.
وذَهَبَ فلانٌ فأَعْقَبَه ابنُه إِذَا خَلَفه، وهو مثل عَقَبه. وعَقَب مكانَ أَبِيهِ يَعقُب عَقْبًا وعاقِبةً. وعَقَّبَ إِذا خَلَف. وَعَقَبُوا من خَلْفِنا وعَقَّبُونَا: أَتَوْا. وَعَقَبْونَا مِنْ خَلْفنا وَعَقَّبُونَا أَي نَزَلُوا بَعْدَ مَا ارتَحَلْنَا. وأَعْقَبَ هذَا هَذَا، إِذَا ذَهَب الأَوَّلُ فلم يَبْقَ منه شَيْءٌ وصارَ الآخَرُ مَكَانَه. وعَقَبَ الرَّجُلَ في أَهْلِه: بَغَاهُ بِشَرٍّ وَخَلَفَه. وعَقَب في أَثَرِ الرَّجُل بما يَكْرَه يَعْقُب عَقْبًا: تناوَلَه بما يَكْره وَوَقَع فيه.
والعُقْبَةُ، بالضَّمِّ: قدرُ فَرْسخَيْنِ، والعُقْبَة أَيضًا: قَدْرُ ما تَسِيرُه، والجَمْع عُقَبٌ: قال:
خَوْدًا ضِنَاكًا لا تَسِيرُ العُقَبَا
أَي أَنها لا تَسِيرُ مَع الرِّجَال؛ لأَنَّهَا لا تَحْتَمِل ذَلِكَ لِنَعْمَتِهَا وتَرَفِهَا. والعُقْبَةُ: النَّوْبَةُ. تقول: تَمّت عُقْبَتُك.
والعُقْبَةُ: البَدَلُ والدُّولَة. والعُقْبَةُ أَيضًا: الإِبلُ يَرْعَاهَا الرَّجُل ويَسْقِيها عُقْبَتَه أَي دُولَته، كأَنّ الإِبلَ سُمِّيَت باسم الدُّولَة، أَنْشد ابنُ الأَعْرَابِيّ:
إِنَّ عَلَيَّ عُقْبَةً أَقْضِيها *** لَستُ بِنَاسِيها ولا مُنْسِيها
أَي أَنَا أَسُوقُ عُقْبَتِي وأُحْسِنُ رَعْيَها. وقولُه: لستُ بِنَاسِيها ولا مُنْسِيها، يقول: لستُ بتَاركها عَجْزًا ولا بمُؤَخِّرها، فَعَلَى هَذَا إِنَّما أَرادَ ولا مُنْسِئِها، فأَبدَل الهمزَةَ يَاءً لإِقَامَةِ الرِّدْف.
والعُقْبَة: الموضِع الذي يُرْكَب فيه. وتَعاقَب المُسَافرانِ على الدَّابَّة: ركِب كُلُّ واحِدٍ منهُما عُقبَةً. وفي الحَديث: «فكان الناضِحُ يعتَقِبُه منا الخَمْسَةُ». أَي يَتَعاقَبُونَه في الرُّكُوب وَاحِدًا بعد وَاحِدٍ. يقال: دارت عُقْبَةُ فلانٍ أَي جاءَت نَوْبَتُه ووقتُ رُكُوبِه. وفي الحدِيثِ: «مَنْ مَشَى عَنْ دَابَّتِه عُقْبَةً فَلَهُ كَذَا» أَي شَوْطًا. ويقال: عاقبتُ الرجلَ، من العُقْبَة، إِذا رَاوَحْتَه في عَمَلٍ، فكانَت لَه عُقْبَةٌ ولك عُقْبَةٌ، وكذلك أَعْقَبْتُه. ويَقُولُ الرجلُ لزَمِيلِهِ: أَعقِب أَي انْزِل حَتَّى أَركبَ عُقْبَتِي، وكذَلك كُلّ عَمَل، ولمّا تَحَوَّلَتِ الخِلَافَةُ إِلَى الهَاشِمِيّين عن بَنِي أُمَيَّة، قال سُدَيْفٌ شاعِرُ بَنِي العَبَّاسِ لِبَنِي هَاشِم:
أَعْقِبي آلَ هَاشِم يامَيَّا
يقول: انْزِلي عَنِ الخِلَافَة حتى يَرْكَبَهَا بَنُو هَاشِمٍ فتَكُونَ لهم العُقْبَةُ [عليكم].
واعتَقَبتُ فلانًا من الرُّكُوب أَي أَنزَلْتُه فركِبْتُ وأَعقبتُ الرجلَ وعاقَبتُه في الراحِلَة إِذا ركِبَ عُقْبَةً وَرَكِبْتَ عُقْبَةً، مثل المُعَاقَبَةِ. ونَقَل شيخُنا عن الجَوْهَرِيّ تقول: أَخذتُ من أَسِيرِي عُقْبَةً؛ أَي بَدَلًا.
وفي لِسَانِ العَرَبِ: وفي الحَدِيثِ: «سأُعْطِيك منها عُقْبى» أَي بَدَلًا عن الإِبقاءِ والإِطْلاقِ.
وفي النَّهَايَةِ: وفي حَدِيث الضِّيَافَةِ: «فإِنْ لَمْ يَقْروه فلَه أَن يُعْقِبَهم بمثل قِرَاه» أَي يَأْخذ مِنْهُم عِوَضًا عَمَّا حَرَمُوه من القِرَى: يُقالُ: عَقَبَهم، مُخَفَّفًا ومُشَدَّدًا، وأَعْقَبَهُم، إِذا أَخذَ منهم عُقْبَى وعُقْبَةً، وهو أَن يأْخُذَ منهم بَدَلًا عَمًّا فَاتَه.
وقال في مَحَلٍّ آخَرَ: العُقْبَى: شِبْهُ العِوَض، واسْتَعْقَبَ منه خَيْرًا أَو شَرًّا: اعْتَاضَه، فأَعْقَبَه خَيْرا؛ أَي عَوَّضَه وأَبدَلَه، وهو بمَعْنى قَوْلِهِ:
ومَنْ أَطاعَ فأَعْقِبْه بطَاعَتِه *** كما أَطاعَكَ وادْلُلْه عَلَى الرَّشَدِ
وسَيَأْتِي.
والعُقْبَةُ: اللّيْلُ والنَّهَارُ لأَنَّهُمَا يَتَعَاقَبَان. والعَقِيبُ كأَمِير: كُلُّ شَيْءٍ أَعقَبَ شَيْئًا، وهما يَتَعَاقَبان ويَعْتَقِبَان إِذَا جاءَ هَذَا وذَهَب هَذَا، كاللَّيْل والنَّهَار، وهما عَقِيبَان، كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا عَقِيبُ صاحِبِه. وعَقِيبُك: الّذي يُعَاقِبُك في العَمَل، يعمَلُ مرة وتَعمَلُ أَنتَ مَرَّة. وعَقَب الليلُ النهارَ: جَاءَ بعدَه، وعاقَبَه: جاءَ بِعَقِبه، فهو مُعَاقِبٌ وعَقِيبٌ أَيْضًا.
والعُقْبَةُ من الطّائر: مسافَةُ ما بَيْنَ ارْتِفَاعِهِ وانْحِطَاطِه.
ويقال: رأَيت عاقِبَةً من طَيْر إِذَا رأَيتَ طيرًا يعقُب بَعْضُهَا بَعْضًا، تقَع هذِه فتطِيرُ، ثم تَقَع هَذه مَوقِعَ الأُولى.
وعُقْبَةُ القِدْرِ: قَرَارَتُه، وهو ما الْتَزَق بأَسْفَلِهَا من تَابَلٍ وغَيْرِه. والعُقْبَةُ أَيضًا: شَيْءٌ من المَرَقِ يَرُدُّهُ مُسْتَعِيرُ القِدْرِ إِذا رَدَّهَا أَي القِدْرَ. وأَحسن من هذا قَولُ ابنِ مَنْظور: مَرَقَةً تُرَدُّ في القِدْر المُسْتَعَارة، ثم قَالَ: وأَعْقَبَ الرجُلُ: رَدَّ إِليْه ذلكَ. قال الكُمَيت:
وَحَارَدَتِ النُّكْدُ الجِلَادُ ولم يَكُن *** لعُقْبةِ قدْرِ المُسْتَعِيرِين مُعْقِبُ
وكان الفَرَّاء يُجِيزُهَا بالكَسْر بمَعْنَى البَقِيّة.
والعُقْبَةُ والعُقْبُ من الجَمَال والسَّرْوِ والكَرَم أَثَرُه. قال اللِّحْيَانِيّ؛ أَي سِيمَاه وعَلَامَتُه وهَيْئَتُه ويُكْسَر قال اللّحْيَانيّ: وهُو أَجْوَدُ.
وفي لسان العرب: وعُقْبَةُ الماشيةِ في المَرْعَى: أَن تَرْعَى الخُلَّة عُقْبَةً ثم تُحَوَّل إِلى الحَمْض، فالحَمْضُ عُقبَتُها وكَذَلِكَ إِذا تَحَوَّلَت من الحَمْض إِلى الخُلّة فالخُلَّة عُقْبَتُها، وهذا المَعْنَى أَرادَهُ ذُو الرُّمَّة بقَوْلِه يَصِفُ الظَّلِيم:
أَلهَاهُ آءٌ وتَنُّومٌ وعُقْبَتُه *** مِن لائِحِ المَرْوِ والمَرْعَى له عُقَبُ
وقال أَبو عَمْرٍو: النَّعَامَةُ تَعقُب في مَرْعًى بَعْدَ مَرْعًى، فمَرَّة تَأْكُلُ الآءَ وَمَرَّة التَّنُّومَ وتَعْقُب بعد ذلك في حِجَارَة المَرْوِ وهي عُقْبَتُه ولا يَغِثُّ عليها شَيْءٌ من المَرْتَع. وفيه أَيضًا عِقْبَة القَمَرِ: عودَتُه، بالكَسْر. ويقال عَقْبَة بالفَتْح وذلك إِذَا غَابَ ثُم طَلَع. وقال ابن الأَعْرَابِيّ: عُقْبَةُ القَمَر، بالضَّمِ: نجمٌ. يُقَارِنُ القمرَ في السَّنَةِ مَرَّةً. قال:
لا تَطْعَمُ المِسْكَ والكَافُورَ لِمَّتُه *** ولا الذَّرِيرَةَ إِلَّا عُقْبَةَ القَمَرِ
هو لبَعْضِ بَنِي عَامر. يقول: يَفْعَلُ ذلِكَ في الحَوْلِ مَرَّةً، ورواية اللِّحْيَانِيّ عِقْبَة، بالكَسْر، وهذا مَوْضِع نَظَرٍ؛ لأَنَّ القَمَر يَقْطَع الفَلَك في كُلِّ شَهْر مَرَّة، وما أَعْلَم ما مَعْنَى قَوْله: يُقَارن القَمرَ في كُلِّ سنَةٍ مَرَّةً. وفي الصِّحَاح يقال: ما يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا عُقْبَةَ القَمَرِ، إِذَا كان يَفْعَلُه في كُلِّ شهرٍ مَرّة، انتهى.
قال شيخُنا: قلتُ: لَعَلَّ مَعْنَاه أَنَّه وإِن كان في كُلِّ شَهْر يَقْطَعُ الفَلَك مَرَّة إِلا أَنّه يَمُرُّ بَعِيدًا عن ذلك النَّجْم إِلّا في يوم مِن الحَوْل فيُجامِعُه، وهذا ليس بَعِيدًا لِجَوَازِ اختلافِ مَمَرِّه في كُلِّ شهر لِمَمَرِّه في الشَّهْر الآخَرِ، كَمَا أَوْمَأَ إِليه المَقْدِسيُّ وَغَيْرُه، انتهى.
والعَقَبَة بالتَّحْرِيك: مرقًى صَعْبٌ من الجبَالِ، أَو الجَبَلُ الطَّوِيلُ يعرِضُ للطَّرِيقِ فيأْخُذُ فِيهِ وهو طَوِيل صَعْبٌ شَدِيدٌ وإِن كَانَت خُرِمَت بَعْدَ أَن تَسْنَد وتَطُولَ في السّماءِ في صُعُود وهُبُوط [أَطولُ من النَّقْبِ و] أَصْعَبُ مُرتَقًى، وقد يكون طُولُهما واحِدًا. سَنَدُ النَّقْبِ فيه شيءٌ من اسلِنْقاءٍ، وسَنَدُ العَقَبة [مُسْتَوٍ] كهَيْئة الجِدَارِ.
قال الأَزْهَرِيُّ: الجمع: العَقَبَة عِقَابٌ وَعَقَبَاتٌ. قلت: وما أَلْطَفَ قَوْلَ الحافِظِ بْنِ حَجَرٍ حِينَ زَار بَيْتَ المَقْدِسِ:
قَطَعْنَا في مَحَبَّتِه عِقَابًا *** وما بَعْدَ العِقَابِ سِوَى النَّعِيم
ويَعْقُوب اسْمُه إِسْرَائِيل أَبو يُوسُفَ الصِّدِّيقِ عَلَيْهِمَا السَّلَام، لا يَنْصَرِف في المَعْرِفة للعُجْمَة والتَّعْرِيفِ؛ لأَنَّه غُيِّر عن جِهَتِه فوَقَع في كَلامِ العَرَب غيرَ مَعْرُوفِ المَذْهَب، كذا قالَه الجَوْهَرِيّ، وسُمِّي يَعْقُوبُ بهذا الاسم لأَنه وُلِدَ مع عِيصُو في بَطْنٍ وَاحِد، وُلِدَ عِيصُو قَبْلَه وَكَانَ يعقوبُ مُتَعَلِّقًا بعَقِبِهِ خَرجَا معًا، فعِيصو أَبُو الرُّوم.
وفي لسان العرب: قال اللهُ تَعَالَى في قِصَّة إِبراهِيمِ عَلَيْهِ السَّلَام: {وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} زعم أَبو زَيْد والأَخْفَشُ أَنه منصوبٌ وهو في مَوْضِع الخَفْضِ، عَطْفًا على قوله {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ، وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ}. قال الأَزْهَرِيُّ: وهذا غيرُ جَائِز عند حُذَّاقِ النَحْوِيِّين من البَصْرِيّين والكُوفِيِّين. وأَما أَبو العَبَّاس أَحمد بْنُ يَحْيَى فإِنّه قال: نُصِب يَعْقُوبَ بإِضمَار فِعْل آخَرَ كأَنه قال: فبَشَّرنَاها بإِسحاقَ وَوَهَبْنا لها من وَرَاءِ إِسْحَاق يَعْقُوبَ، ويعقوبُ عنده في مَوْضِع النَّصب لا في مَوْضِع الخَفْض، بالفعل المُضْمَر، ومثله قَوْلُ الزَّجَّاج، وابْنُ الأَنْبارِيّ قال: وقَولُ الأَخفش وأَبِي زيْد عِنْدَهم خَطَأٌ.
واليَعْقُوبُ باللام، قال شيخُنَا: هو مَصْروفٌ، لأَنّه عَرَبِيٌّ لم يُغَيَّر وإِن كان مَزِيدًا في أَوَّلِه فلَيْس على وَزْنِ الفعْل وهو الذَّكَر من الحَجَل والقَطا، قال الشاعر:
عَال يُقَصِّرُ دُونَه اليَعْقُوبُ
والجَمْعُ اليَعاقِيبُ. قال ابن بَرِّيّ: هذا البيتُ ذكرَه الجَوْهَرِيّ على أَنَّه شَاهِدٌ على اليعْقُوب لذَكَرِ الحَجَل، والظاهِرُ في اليَعْقُوب هَذَا أَنَّه ذَكرُ العُقَابِ، مثل اليَرْخُوم ذَكَر الرَّخَم، واليَحْبُور ذَكَر الحُبَارَى؛ لأَن الحَجَل لا يُعرَفُ لها مثْلُ هَذَا العُلُوِّ في الطّيَرَانِ، ويَشْهَدُ بِصِحة هذَا القَوْلِ قولُ الفَرَزْدَق:
يومًا تَركْن لإِبْرَاهِيم عافِيَةً *** من النُّسُور عَلَيْه واليَعَاقِيبِ
فذَكَر اجتماعَ الطَّيْر على هَذَا القَتيل من النُّسُور واليَعَاقِيب، ومَعْلُومٌ أَن الحَجَل لا يَأْكُلُ القَتْلَى.
وقال اللِّحْيَانِيُّ: اليَعْقُوبُ: ذَكَر القَبْجِ، قَالَ ابنُ سِيدَه: فلا أَدْرِي ما عَنَى بالقَبْجِ، أَلْحَجَلَ أَم القَطَا أَم الكِرْوَانَ.
والأَعرفُ أَنَّ القَبْجَ الحَجَلُ، وقيلَ اليَعَاقِيبُ [من] الخَيْل سُمِّيت بذَلِكَ تَشْبِيهًا بيعَاقِيبِ الحَجَل لسُرْعَتِهَا. وقولُ سَلامةَ بْنِ جَنْدَلٍ:
وَلَّى حَثِيثًا وهَذَا الشَّيْبُ يَتْبَعَهُ *** لو كَانَ يُدرِكُه ركْضُ اليَعَاقِيبِ
قيل: يَعْنِي اليَعَاقِيبَ من الخَيْل، وقيل: ذُكُور الحَجَل، وقد تعرَّضَ له ابنُ هشام في شَرْح الكَعبيَّة، واسْتَغْرَبَ أَن يَكُونَ بمَعْنَى العُقَاب.
وفي لسان العرب: ويقال: فَرسٌ يَعْقُوبٌ: ذو عَقْب، وقد عَقَب يَعْقِبُ عَقْبًا. وزَعَم الدَّمِيرِيُّ أَنَّ المُرَاد باليَعَاقِيب الحَجَل، لقَوْلِ الرَّافِعِيّ: يجبُ الجزاءُ بقَتْل المُتَوَلِّد بين اليَعْقُوبِ والدَّجَاج، قال: وهذا يَردّ قولَ من قال: إِنَّ المُرادَ في البَيْتَيْن الأَوّلَيْن هو العُقَابُ، فإِنَّ التَّنَاسُلَ لا يقع بين الدّجَاج والعُقَابِ، وإِنَّما يقعُ بَيْنَ حَيَوَانَيْنِ بَيْنَهُمَا تَشَاكُلٌ وتَقَارُبٌ في الخَلْق، كالحِمَار الوَحْشِيّ والأَهْلِيّ. قال شيخُنَا: ولا ينهض له ما ادَّعَى إِلَّا إِذَا قيلَ إِنَّ اليَعْقُوبَ إِنما يُطْلَق على العُقَاب، وأَمَّا مع الإِطْلَاق والاشْتِرَاك فلا، كما لا يخفى على المُتَأَمِّل.
ويَعْقُوبُ أَربعة من الصَّحَابَة انظر في الإِصابة.
ويَعْقُوبُ، وفي نسخة يحيى بْنُ سَعِيد، وعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيٍّ. ومحمدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ مُحَمَّد بْن يَعْقُوب. وأَبو مَنْصُور مُحمَّدُ بنُ إِسْمَاعيلَ بْنِ سَعِيد بن عليّ البُوشَنْجَيّ الواعِظ، حَدَّثَ عن أَبي مَنْصُور البُوشَنْجِيّ وغيرِه، وعَنْه ابْن عساكر في شاومانه إِحْدَى قُرَى هَرَاة، وقع لنا حَدِيثُه عالِيًا في مُعْجَمه. وأَبو نَصْر أَسعدُ بْنُ المُوَفَّق ابْنِ أَحمَد القاينيّ الحنَفِيّ من شُيُوخِ ابْنِ عَسَاكر، حَدِيثُه في المُعْجَم، وذَكَر ابنُ الأَثِيرِ أَبا مَنْصُور مُحَمَّد بنَ إِسماعِيل بْنِ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاق بْنِ إِبْرَاهِيم النَّسَفِيّ، رَوى عن جَدِّه وعن أَبِي عُثْمَان سَعِيدِ بْنِ إِبرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِل وأَبي يَعْلَى عَبْدِ المُؤْمِن بْن خَلَف. وسَمِعَ منه أَهلُ بُخَارَى جامِعَ التِّرْمِذِيّ ستّ مَرَّات، وعنه أَبو العَبَّاس المُسْتَغْفِريّ، ومات سنة 389 في شَهْرِ رَمَضَان، كذَا في أَنْسَابِ البُلْبَيسيّ، اليَعْقُوبِيُّون: مُحَدِّثُونَ نسبة كلهم إِلى جَدِّهم الأَعْلَى. وأَما أَبُو العَبَّاس أَحمدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَر بْنِ وَاهبِ بن وَاضِحٍ اليَعْقُوبِيّ الكَاتب المِصْرِيّ مَوْلَى أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُور صَاحِبُ التاريخ فنِسْبَتُه إِلَى وَالِدِه، ذَكرَه الرُّشَاطِي. وأَبو يَعْقُوب يُوسُف بن مَعْرُوف الدستيخنيّ وأَبو يَعْقُوب الأَذْرُعِيّ، وأَبو يَعْقُوب إِسْرَائِيلُ بن عَبْدِ المُقْتَدر بْنِ أَحْمَدَ الحَمِيدِيّ الإِربَلِيّ السّائِح. وأَبُو الصَّبْرِ يَعْقُوبُ بنُ أَحْمَد بْنِ عَلِيٍّ الحُمَيدِيّ الإِرْبَلِي، وأَبُو الفَضْل صَالحُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ حَمْدُون التَّمِيمِيّ. وأَبو الرَّجَاء يَعْقُوبُ بنُ أَيُّوب بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيّ الفارقيّ، حَدَّث عن أَبِي عَلِيٍّ الخَبَّاز وغَيْرِه. وأَبو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوب بْنِ إِسْحَاقَ شيخُ ابْن شَاهِين، وقد تَقَدَّم في «خ ض ب» ويعقوبُ بنُ يُوسف بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيّ النَّخْذِيّ، تَفَقَّه ببُخَارَى، وروى عن أَبِي حَفْص عُمَرَ بْنِ مَنْصُور بن جَنْبٍ البَزَّاز مات ببلده أَندَخود بين بَلْخ ومَرْو. محدثون.
وإِبِلٌ مُعَاقِبَةٌ: تَرْعَى مَرَّةً مِن، وفي نُسْخَة في حَمْضٍ بالفَتْح فالسّكُون ومَرَّة في وفي نسخة «ومن» خُلَّةٍ بالضَّم وهما نَبْتَان، وأَمَّا الَّتي تَشْرَبُ الماءَ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى المَعْطِن ثُمّ تَعُودُ إِلَى المَاءِ، فَهِي العَوَاقبُ. وعن ابن الأَعْرَابِيّ: وعَقَبَت الإِبِلُ من مَكَانٍ إِلى مَكَان تَعْقُب عَقْبًا وأَعْقَبَت، كِلَاهُمَا تحَوَّلَت مِنْه إِلَيْهِ تَرْعَى. وقال أَيضا: إِبل عَاقِبَةٌ: تَعْقُب في مَرْتَعٍ بَعْد الحَمْض ولا تكونُ عَاقِبَةً إِلا في سَنَة شَدِيدَة تَأْكُلُ الشَّجَرَ ثمّ الحَمْضَ قال: ولا تكون عَاقِبَةً في العُشْب. وقال غيرُه: ويقال: نَخْلَةٌ مُعَاقِبَة: تَحمل عامًا وتُخْلِفُ آخَر.
وأَعْقَبَ زَيْدٌ عَمْرًا في الرَّاحِلَة وعَاقَبَه إِذا رَكِبَا بالنَّوبَةِ، هذا عُقْبَة، وهذا عُقْبَة، وقد تَقَدَّم أَيضًا.
وعَقَبَ الليلُ النهارَ: جَاءَ بَعْدَه، وعَاقَبَه، وعَقَّبَه تَعْقيبًا: جَاءَ بعَقِبِه فهو مُعَاقِب وعَقيبٌ أَيضًا. والتَّعْقيبُ مِثْلُه، وذَهَبَ فلانٌ وعَقَبَه فُلَانٌ بَعْدُ، واعْتَقَبَه أَي خَلَفَه، وهما يُعَقِّبَانه ويَعْتَقِبانِ عَلَيْه ويَتَعَاقَبَان: يَتَعَاوَنَان.
والمُعَقِّبَاتُ: الحَفَظَة في قوله عزّ وجلّ: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} والمُعَقِّباتُ: مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لأَنَّهم يَتَعاقَبُونَ، وإِنَّمَا أَنَّثَ لكَثْرة ذلِكَ مِنْهُم، نحو نَسّابَة وعَلَّامة وقَرَأَ بَعْضُ الأَعْرَاب: «لَهُ مَعَاقيبُ». وقال الفَرّاء: المُعَقِّبَاتُ: المَلَائِكَة، ملائِكَة اللَّيْلِ تَعقُب ملَائِكَةَ النَّهَارِ.
قال الأَزْهَرِيُّ: جَعَلَ الفَرَّاءُ عَقَّب بمعْنى عَاقَب، كما يُقَالُ: عَاقَدَ وعَقَّدَ، وضَاعَفَ وضَعَّفَ، فكأَنَّ ملائكَةُ النهارِ تحفَظُ العِبَادَ، فإِذَا جَاءَ الليلُ جَاءَ معه مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، وصَعِدَ ملائِكَةُ النَّهارِ، فإِذا أَقبَلَ النّهارُ عاد من صَعِد وصَعِد ملائِكَةُ اللَّيْل، كأَنَّهم جَعَلُوا حِفْظَهم عُقَبًا أَي نُوَبًا، وكُلُّ من عَمِل عَمَلًا ثم عادَ إِليه فقد عقَّب. وملائكةٌ مُعَقِّبَة، ومُعَقِّباتٌ جَمْعُ الجَمْع. وقولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مُعْقِّباتٌ لا يَخِيبُ قَائِلُهُنّ» وهو أَن يُسَبِّح في دُبُرِ صَلاته ثلاثًا وَثَلَاثِين تَسْبِيحَةً، ويَحْمَده ثَلَاثًا وثَلَاثِين تَحْمِيدَةً، ويكَبِّره أَربعًا وثَلاثين تَكْبِيرَةً. وهي التَّسْبِيحَاتُ. سُمِّيت [مُعقِّبات] لأَنَّهَا يَخْلُف بَعْضُهَا بَعْضًا أَو لأَنَّها عادَتْ مَرَّة بعد مَرَّة، أَو لأَنها تُقَالُ عَقِيبَ الصَّلاةِ. وقال شَمِر: أَراد بقَوْله مُعَقِّبَاتٌ تَسْبِيحَات تَخْلُف بأَعْقَابِ النَّاس. قال: والمُعَقِّب من كُلِّ شَيء مَا خَلَف بِعَقَبِ ما قَبْلَه. وأَنشدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ للنَّمِر بْنِ تَوْلَبٍ:
ولستُ بشَيْخٍ قد تَوَجَّهَ دَالِفٍ *** ولكنْ فَتًى من صالِح الناسِ عَقَّبَا
يَقُولُ: عُمِّر بَعْدَهم وَبقِيَ.
والمُعَقِّبَاتُ: اللَّوَاتِي يَقُمْنَ عِنْدَ أَعْجَازِ الإِبِلِ المُعْتَرِكَاتِ على الحَوْضِ، فإِذَا انْصَرَفَت ناقَةٌ دَخَلَتْ مَكَانَها أُخْرَى وهي النّاظرَات العُقَبِ. والعُقَبُ: نُوَبُ الوَارِدَة، تَرِد قِطْعَةٌ فتَشْرَبُ، فإِذا وردت قِطْعَةٌ بعدها فشَرِبَت فذلك عُقْبَتُهَا، وقد تَقَدَّم الإِشَارَةُ إِليه.
والتَّعْقِيبُ: اصْفِرَارُ ثَمَرَةِ العَرْفَج وحَيْنُونَةُ يُبْسِهِ مِن: عَقَبَ النبتُ يعقبُ عَقْبًا إِذا دَقَّ عُودُه واصْفَرَّ وَرَقُه، عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ.
والتَّعْقِيبُ: أَن تَغْزُوَ ثم تُثَنِّيَ أَي تَرْجع ثانِيًا مِنْ سَنَتِك.
والمُعَقِّب: الذي يَغْزُو غَزْوَةً بَعْدَ غَزْوَةٍ ويَسير سَيْرًا بَعْد سَيْر، ولا يُقِيم في أَهْلِه بعد القُفُول. وعَقَّب بِصَلاةٍ بَعْد صلاة وغَزَاة بعد غزاة: وَالَى. وفي الحَدِيث: «وإِنَّ كُلَّ غَازِيَةٍ غَزَتْ يَعقُب بعضُهَا بَعْضًا» أَي يكون الغزوُ بينَهُم نُوَبًا، فإِذَا خرجَت طَائِفَةٌ ثم عادَت لم تُكَلَّفْ أَن تَعُودَ ثانِيَةً حتى تَعْقُبَهَا أُخْرَى غيرها. ومنهحَدِيثُ عمرَ «أَنَّه كَانَ كُلَّ عام يُعَقِّبُ الجيوشَ» قال شَمِر: ومعنَاه أَنه يَرُدُّ قومًا ويَبْعَث آخَرين يُعَاقِبونَهُم. يقال: عَقَّب الغَازِيةَ بأَمْثالِهِم وأَعْقَبُوا إِذَا وَجَّه مَكانَهم غَيْرَهُم. والتَّعْقِيبُ: التَّرَدُّدُ في طَلَب المَجْدِ، هكذا في نُسْخَتِنَا وهو غَلط، وصوابُه التَّردُّدُ في طَلَب مُجِدًّا كما في لِسَانِ العَرَب والصّحَاح وغَيْرِهَما. ويدل لذلك قولُه أَيضًا: والمُعَقِّب: المُتَّبع حَقّا له ليَسْتَرِدَّه. وقال غيرُه: الَّذِي يَتْبَع عَقِب الإنْسَانِ في حَقٍّ. قال لَبِيدٌ يَصِف حِمَارًا وأَتانَه:
حتى تَهَجَّرَ في الرَّواحِ وهَاجَه *** طَلَبُ المُعَقِّبِ حَقَّه المَظْلومُ
قال ابن مَنْظُور: واسْتَشْهَد به الجَوْهَرِيُّ على قولِه: وعقَّب في الأَمْرِ إِذَا تَرَدَّد في طَلَبِه مُجِدًّا، وأَنْشَدَه: وقال: رفع المظلوم وهو نَعْتٌ للمُعَقِّب على المَعْنَى، والمُعَقِّب خَفْض في اللَّفْظِ ومعنَاه أَنَّه فَاعِل. ويُقَالُ أَيضًا: المُعَقِّب: الغَرِيمُ المُمَاطِلُ. عَقَّبَنِي حَقّي أَي مَطَلَني فَيَكُون المَظْلُوم فَاعِلًا والمُعَقِّب مَفْعُولًا.
وقال غيرُه: المُعَقِّب: الَّذِي يَتَقَاضَى الدَّيْنَ فيعود إِلى غَرِيمه في تَقاضِيهِ.
والتَّعْقِيبُ: الجُلُوسُ بَعْدَ أَن يَقْضِيَ الصَّلَاة لدُعَاء أَو مَسْأَلة. وفي الحَدِيثِ: «مَنْ عَقَّب في صَلَاةٍ فهو في الصَّلاة».
وفي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِك «أَنَّه سُئل عن التَّعْقيب في رَمَضَانَ فأَمرَهُم أَن يُصلُّوا في البُيُوت».
قال ابنُ الأَثِيرِ: التَّعْقِيبُ: هو أَن تَعْمَل عَمَلًا ثم تَعُودَ فيه. وأَراد به هَاهُنَا الصَّلَاة النَّافِلَة بَعْدَ التَّرَاوِيحِ فكَرِه أَن يُصَلُّوا في المَسْجِد وأَحَبَّ أَن يكونَ ذلك في البُيوتِ. قلتُ: وهو رَأْي إِسْحَاقَ بْن رَهَوَيه وسَعِيد بْنِ جُبَيْر. وقال شَمِر: التعقِيبُ: أَن يَعْمل عَمَلًا من صَلَاةٍ أَو غيرِهَا ثم يعود فيه من يَوْمِهِ.
يقال: عقّب بصلاةٍ بعد صلاةٍ، وغزوةٍ بعد غزوةٍ قال: وسمِعتُ ابنَ الأَعْرَابيّ يقول: هو الّذِي يَفْعَلُ الشيءَ ثم يعودُ ثانِيَةً، يقال: صَلَّى من اللّيلِ ثم عَقَّبَ؛ أَي عَادَ في تِلْك الصَّلاة.
والتَّعْقِيبُ: المُكْثُ والانْتِظَار، يقال: عَقَّب فُلانٌ في الصّلاةِ تَعْقيبًا إِذا صلَّى فأَقَامَ في مَوْضِعه يَنْتَظِر صلاةً أُخْرَى. وفي الحَديث: «مَنْ عَقَّب في صَلَاة فَهُو في صَلَاة» أَي أَقَامَ في مُصَلَّاهُ بعدما يَفْرُغُ من الصَّلاةِ.
ويقال: صَلَّى القومُ وعَقَّب فلانٌ. [وفي الحديث]: والتَّعقِيبُ في المَسَاجِد: انتظارُ الصَّلَوَاتِ بَعْد الصَّلَوَات.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
26-تاج العروس (كرد)
[كرد]: الكَرْدُ: العُنُقُ، لُغَة في القَرْدِ، فارِسِيّ مُعَرَّب، قال الشاعر:فَطَارَ بِمَشْحُوذِ الحَدِيدَةِ صَارِمٍ *** فَطَبَّقَ مَا بَيْنَ الذُّؤَابَةِ والكَرْدِ
وقال آخر:
وكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه *** ضَرَبْنَاهُ دُون الأُنْثَيَيْنِ عَلَى الكَرْدِ
أَوْ أَصْلُها، وهو مَجْثَمُ الرّأْسِ على العُنق، وتأْنيثُ الضَّمير على لُغةِ بعضِ أَهلِ الحِجاز، فإِنهم يُؤنِّثون العُنُقَ، وهي مَرجُوحةٌ، قاله شيخُنَا. وفي اللسان: والحَقيقة في الكَرْد أَنه أَصْلُ العُنُقِ.
والكَرْدُ: السَّوْقُ وطَرْدُ العَدُوِّ كَرَدَهم يَكْرُدُهم كَرْدًا: ساقَهم وطَرَدَهم ودَفَعَهم، وخَصَّ بعضُهم بالكَرْدِ سَوْقَ العَدُوِّ في الحَمْلَةِ. وفي حديثِ عُثْمَانَ رَضي اللهُ عنه لمَّا أَرادوا الدُّخول عليه لقتله: «جَعَلَ المُغِيرَةُ بنُ الأَخْنَسِ يَحْمِل عَلَيْهِم وَيَكْرُدُهم بِسَيْفِه» أَي يَكُفُّهم ويَطْرُدُهم.
والكَرْدُ: القَطْعُ، ومنه: شَارِبٌ مَكْرُودٌ؛ أَي مقطوع.
والكَرْدُ: بالضمِّ: جِيلٌ معروف معروف وقبائلُ شَتَّى، الجمع: أَكْرَادٌ كقُفل وأَقْفَالٍ، واختُلِف في نَسبهم، فقيل: جَدُّهم كُرْدُ بن عَمْرٍ ومُزَيْقَاءَ وهو لَقَبٌ لِعَمْرٍ و، لأنه كان كلَّ يوم يَلْبَس حُلَّةً، فإِذا كان آخر النهار مَزَّقها لئلا تُلْبَس بعدَه، ابنِ عامِرِ بنِ ماءِ السَّماءِ، هكذا في سائر النُّسخ والصواب أَنّ ماءَ السماءِ لَقَبٌ لعامر، ويَدُلُّ له قولُ الشاعِرِ:
أَنَا ابنُ مُزَيْقِيَا عَمْرٍو وجَدِّي *** أَبوه عامِرٌ ماءُ السَّماءِ
هكذا رواه أَهلُ الأَنْسَاب، كابن حَزْمٍ وابن رَشِيق والسُّهَيليّ، ويرويه النحويّون أَبُوه مُنْذِرٌ، بدل «عامر» وهو غَلَطٌ، قاله شيخُنا، وإِنما لُقِّب به لأَنه كان إِذا أَجْدَب القَوْمُ وحَلَّ بهم المَحْلُ مَانَهم وقامَ بِطَعَامِهِم وشرابهِم حتى يَأْتِيَهم المَطَرُ، فقالوا له: ماءُ السماءِ. قلت: وعامرٌ ماءُ السماءِ أَعْقَب عِمْرَانَ بن عامِر وعَمْروًا مُزَيْقِياءَ، فهما ابنا عامرٍ ماءِ السماءِ بن حارِثةَ الغِطْرِيفِ بنِ امرِئ القيس الغِطريفِ بن ثَعْلَبة البُهْلول بن مازن السِّراج بن الأَزد، والعَقِب من عمرٍ ومُزيقياءَ في سِتِّ أَبْطُنٍ: ثَعْلَبَة العَنْقَاء، وحارِثَة، وجَفْنَة، وعِمْرَان، ومُحَرِّق، وكَعْب. أَولاد عَمْرو، ومن ثَعلبةَ العنقاءِ: الأَوْسُ والخَزْرَجُ، كما حَقّقناه في مُؤلّفاتنا في هذا الفن، وهذا الذي ذهب إِليه المُصنّف هو الذي جَزم به ابنُ خِلِّكان في وَفَيات الأَعيان، في ترجمة المُهلَّب بن أَبي صُفْرة. قال: إِن الأَكْرَاد من نَسْل عَمْرٍو مُزيقياءَ، وَقَعوا إِلى أَرْض العَجَم فتَنَاسَلُوا بها وكَثُر وَلَدُهم، فَسُمُّوا الأَكرادَ، قال بعضُ الشعراءِ:
لَعَمْرُكَ مَا الأَكْرَادُ أَبْنَاءُ فَارِسٍ *** ولكِنَّهُ كُرْدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَامِرِ
هكذا زَعَمَ النسّابون. وقال ابنُ قُتَيبة في كتابِ المَعَارِف: تَذْكُر العَجَمُ أَنَّ الأَكْرَادَ فَضْلُ طعام بِيورَاسفَ.
وذلك أَنه كان يَأْمُر أَن يُذْبَح له كُلَّ يوم إِنسانانِ ويتّخذ طعامَه من لُحومِهما، وكان له وزيرٌ يقال له أَرياييل، فكان يذبَح واحدًا ويُبْقِي واحدًا يَسْتَحْيِيه ويَبعثُ بهِ إِلى جبَلِ فَارِس، فتوالَدوا في الجِبال وكَثُروا. قال شيخنا: وقد ضَعَّفَ هذا القولَ كثيرٌ من أَهلِ الأَنسابِ. قلت: وبيوراسف هذا هو الضَحَّاك المارِي، مَلَكَ العَجَمَ بعدَ جم بن سُلَيْمان أَلفَ سَنَةٍ، وفي مفاتيحِ العُلومِ هو مُعَرَّب دَهْ آك؛ أَي ذو عَشْرِ آفاتٍ، وقيل معرَّب أَزدها؛ أَي التّنِّينُ، للسَّلَعَتَيْنِ اللَّتينِ كانَتَا له، وقال أَبو اليقظان: هو كُرْدُ بن عمرِو بن عامِرِ بن رَبِيعَةَ [بن عامر] بن صَعْصَعَةَ، وقد أَلَّفَ في نَسَب الأَكْرَادِ فاضلُ عصرِه العلَّامَةُ محمّد أَفندي الكُرْدِيّ، وذكر فيه أَقولًا مختلِفَةً بعضُها مُصادِمٌ للبَعْضِ، وخَبَطَ فيه خَبْطَ عَشْوَاءَ، ورَجَّح فيه أَنه كُرْد بن كَنْعَانَ بن كوش بن حام بن نوح، وهم قبائلُ كثيرةٌ، ولكنهم يَرجِعُون إِلى أَربعةِ قبائلَ، السوران والكوران والكلهر واللرّ. ثم أَنّهم يتشَعَّبون إِلى شُعوبٍ وبُطونٍ وقَبَائلَ كثيرةٍ لا تُحْصَى، مُتغايِرَةٌ أَلسِنتهم وأَحوالُهم.
ثم نَقَلَ عن مناهج الفكر ومباهج العبر للكُتْبِيّ ما نَصُّه: أَمَّا الأَكرادُ فقال ابنُ دُرَيدٍ في الجمهرة: الكُرْدُ أَبو هذا الجِيلِ الذين يُسمَّوْنَ بِالأَكراد، فزعمَ أَبو اليَقظانِ أَنَّه كُرْدُ بن عمرِو بن عامر [بن: ربيعةَ بنِ عامر] بن صَعْصَعَةَ. وقال [ابن] الكلبِيِّ: هو كُرْد بن عمرو مزيقياءَ. وقعوا في نَاحِيَةِ الشَّمَال لَمَّا كان سَيْلُ العَرِم، وتَفَرَّقَ أَهلُ اليَمن أَيْدِي سَبَا.
وقال المسعوديُّ: ومن الناس مَن يَزعم أَن الأَكراد من ولَد رَبيعةَ بنِ نِزارٍ، ومنهم مَن يزعم أَنهم من وَلَدِ مُضَرَ بن نِزارٍ، ومنهم من زعم أَنهم من ولد كُرْدِ بن كَنْعَانَ بن كُوش بن حام. والظاهر أَن يكونوا من نَسْلِ سامٍ، كالفُرْسِ، لما مَرَّ من الأَصْل، وهم طوائف شَتَّى، والمعروف منهم السورانية والكورانية والعمادية والحكارية والمحمودية والبختية والبشوية والجوبية والزرزائية والمهرانية والجاوانية والرضائية والسروجية والهارونية واللرية، إِلى غير ذلك من القبائل التي لا تُحْصَى كَثْرَةً، وبلادهم أَرضُ الفارِس وعراقُ العَجَم والأَذربيجان والإِربل والمَوْصِل، انتهى كلامُ المسعوديّ ونقله هكذا العلامة محمد أَفندي الكُرديّ في كتابه. قلت: والذي نقل البُلبيسيّ عن المسعوديّ نصّ عبارته: هكذا تنازعَ الناس في بدءِ الأَكراد، فمنهم من رأَى أَنهم من ربيعة بن نزار بن بكر بن وائل، انفردوا في الجبال قديمًا لحالٍ دعتهم إِلى ذلك، فجاوروا الفُرس فحالت لغتهم إِلى العُجمة، وولدَ كلّ نوع منهم لغة لهم كُردية، ومنهم من رأَى أَنهم من ولد مضر بن نزار، وأَنهم من ولد كُرد بن مرد بن صعصعة [بن هوازن] انفردوا قديمًا لدماءٍ كانت بينهم وبين غسّانَ، ومنهم من رأَى أَنهم من ولد ربيعة بن مضر اعتصموا بالجبال طلبًا للمياه والمرعى، فحالوا عن العربية لمن جاورهم من الأُمم، وهم عند الفُرس من ولد كرد بن إِسفنديار بن منوجهر، ومنهم من أَلحقهم بإِماءِ سليمان عليهالسلام حين وقع الشيطانُ المعروف بالجَسد على المنافقات فعلِقن منه وعُصِمَ منهن المؤمنات، فلما وضعْن قال: اكردوهن إِلى الجبال. منهم ميمون بن جابان أَبو بصير الكردي قاله الرشاطي عن أَبيه، انتهى ثم قال محمد أَفندي المذكور: وقيل أَصل الكرد من الجنّ، وكل كرديّ على وجه الأَرض يكون رُبعه جِنيًّا، وذلك لأَنهم من نسل بِلْقيس، وبلقيس بالاتفاق أُمها جِنيّة، وقيل: عصى قوم من العرب سليمانَ عليهالسلام وهربوا إِلى العجم، فوقعوا في جَوَارٍ كان اشتراها رجل لسليمان عليهالسلام، فتناسلت منها الأَكراد، وقال أَبو المعين النسفيّ في بحر الكلام: ما قيل إِن الجنّيّ وصل إِلى حرم سليمان عليهالسلام وتصرف فيها وحصل منها الأَكراد باطلٌ لا أَصل له، انتهى. قلت: وذكر ابن الجواني النسّابة في آخر المقدمة الفاضليّة عند ذِكر ولد شالخ بن أَرفخشذ ما نصُّه: والعقب من فارسان بن أَهلو بن أَرم بن أَرفخشذ أَكراد بن فارسان جد القبيلة المعروفة بالأَكراد، هذا على أَحد الأَقوال، وأَكثر من يَنسبهم إِلى قيس، فيقول كُرد بن مرد بن عمرو بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هَوَازن بن منصور بن عِكرمة بن خَصَفة بن قيس عَيلان بن مُضر بن نِزار بن معدّ بن عدنان، ويُجرِي عَمْرًا مُجرَى باسل بن ضبّة جدّ الدَّيلم في خروجه إِلى بلاد العجم مغاضِبًا لأَهله، فأَوْلد فيها ما أَوْلد. قال: وعليه اعتمد الأَرقطيَّ النسابة في شجرته. ومن أَراد الزيادة على ذلك فعليه بكتاب الجوهر المكنون في القبائل والبطون لابن الجواني المذكور، وفيما ذكرنا كفاية، والله أَعلم.
والكُرْدُ: الدَّبْرَةُ مِن المَزَارعِ معرب، وهي المَشَارات؛ أَي سَواقيها، الواحدةُ بهاءٍ والجمع كُرُودٌ، قال الصاغانيّ: وهو مما وافق كلامَ العرب من كلام العجم، كالدَّشْتِ والسَّخْت.
والكُرْدُ: قرية بالبيضاءِ بفارسَ، منها أَبو الحسن عليّ بن الحسن بن عبد الله الكُرْدِيّ.
وكُرْدُ بنُ القاسِم، وأَظُّن هذا تصحيفًا من كُرْدِين بن القاسم مُحَدِّثٌ، وكذا محمّد بن كُرْدِ الإِسْفَرَايِنِيُّ.
ومُحَمد بن عَقيل المعروف بابن الكُرَيْدِيِّ بالتّصغير.
وكُرْدِينُ لقب واسمه عبدُ الله بنُ القاسِمِ مُحَدّث، هكذا ساق هذه الأَسماءَ الصاغانيُّ في تَكملته، وقلَّده المصنف، والذي في التبصير للحافظ أَن المُسَمَّى بعبد الله بن القاسم يعرف بكُورِين، ويكنى أَبا عبيدة، وأَما ابن كُرْدِين فاسمه مِسْمع، فتنبَّهْ لذلك.
والكِرْدِيدَةُ، بالكسر: القطْعَةُ العَظِيمةُ من التَّمْرِ، وهي أَيضًا جُلَّتُه؛ أَي التَّمرِ، عن السيرافيّ، قال الشاعر:
أَفْلَحَ مَنْ كانَتْ له كِرْدِيدَهْ *** يأْكُلُ مِنْهَا وهْوَ ثَانٍ جِيدَهْ
أَنشد أَبو الهيثم:
قَدْ أَصْلَحَتْ قِدْرًا لَهَا بِأُطْرَهْ *** وأَبْلَغَتْ كِرْدِيدَةً وفِدْرَهْ
أَو الكِرْدِيدَةُ: ما يَبْقَى في أَسْفَلِها أَي الجُلَّةِ مِنْ جَانِبَيْهَا مِن التَّمْرِ، كذا في الصحاح، الجمع: كَرَادِيدُ وكِرَادٌ، الأَخير بالكسر، قال الشاعر:
للقاعِدَات فلا يَنْفَعْنَ ضَيْفَكُمُ *** والآكِلَات بَقِيَّاتِ الكَرَادِيدِ
كالكِرْدِيَةِ، بالكسر، عن الصاغانيّ. وعبدُ الحَمِيدِ بنُ كَرْدِيدٍ مُحَدِّثٌ ثِقَةٌ، وهو صاحب الزِّيَادِيّ.
وكارَدَهُ: طَارَدَهُ ودَافَعَه، قيل: ومنه اشتقاق الكُرْدِ الطائِفَةِ المشهورة.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
يقال: خُذْ بِقَرْدَنِه وكَرْدَنِه؛ أَي بقَفَاه، أَورده الأَزهري في رباعيّ التهذيب.
وأَبو عليّ أحمد بن محمد الكَرْدِيّ، بفتح الكاف، هكذا ضبطه حمزة بن يوسف السهميّ، مُحدّث، روَى عن أَبي بكر الإِسماعيليّ.
وجابر بن كُرْدِيّ الواسِطيّ، بالضّم، ثِقَةٌ، عن يَزيدَ بن هارونَ.
والكَرْد، بالفتح: ماءٌ لبني كِلاب في وَضحِ حَمِى ضَرِيَّة.
ومحمّد بن أَحمد بن كردان، محدِّث.
وعُمر بن الخليل أَبو كِرْدِينِ، بالكسر، وَليَ قضاءَ أَصبهانَ، وحدّث عن حمّاد بن مَسْعَدة، ذكره أَبو نُعيم في تاريخه.
وأَبو الفضل أَحمد بن عبد المنعم بن الكِرْدِيديّ، وأَبو بكر أَحمد بن بدران الكِرْدِيدِيّ، وعُمر بن عبد الله بن إِسحاق الكِرْدِيديّ، مُحَدّثون.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
27-تاج العروس (طلع)
[طلع]: طَلَعَ الكَوْكَبُ والشَّمْسُ والقَمَرُ طُلُوعًا، ومَطْلَعًا، بفَتْحِ الّلامِ على القِيَاسِ، ومَطْلِعًا بكَسْرِهَا، وهُوَ الأَشْهَرُ، وهو أَحَدُ ما جاءَ من مَصَادِرِ فَعَلَ يَفْعُلُ على مَفْعِلٍ. وأَمّا قَوْلُه تَعالَى: {سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فإِنَّ الكِسَائِيَّ وخَلَفًا قَرَآه بكسر الّلامِ، وهي إِحْدى الرِّوايَتَيْنِ عن أَبِي عَمْرٍو. قلتُ: وهي رِوَايَةُ عُبَيْدٍ، عن أَبِي عَمْرٍو. وقال ابنُ كَثِير ونافِعٌ وابنُ عامِرٍ واليَزِيديُّ عن أَبِي عَمْرٍو، وعاصِم وحَمْزَة بفَتْحِ اللَّامِ، قال الفَرّاءُ: وهو أَقْوَى في القِيَاسِ، لأَنَّ المَطْلَع، بالفَتْحِ: الطُّلُوعُ، وبالكَسْر: المَوْضِعُ الذِي تَطْلُعُ منه، إِلّا أَنّ العَرَبَ تَقُولُ: طَلَعَت الشَّمْسُ مَطْلِعًا، فيَكْسِرُونَ وهم يُرِيدُونَ المَصْدَرَ، وكذلِكَ: المَسْجِد، والمَشْرِق، والمَغْرِب، والمَسْقِطِ، والمَرْفِقِ، والمَفْرِق، والمَجْزِرُ، والمَسْكِنُ، والمَنْسِك، والمَنْبِتُ، وقال بعضُ البَصْرِيِّينَ: مَنْ قَرَأَ «مَطْلِعَ الفَجْرِ» بكَسْرِ اللَّامِ فهو اسمٌ لِوَقْتِ الطُّلُوع، قال ذلِكَ الزَّجّاجُ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وأَحسَبَه قوْلَ سِيبَوَيه: ظهَرَ، كأَطْلَعَ.وِهُمَا؛ أَي المَطْلَعُ والمَطْلِعُ: اسْمَانِ للْمَوْضِعِ أَيْضًا، ومنه قولُه تَعَالَى: {حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ}.
وِطَلَعَ عَلَى الأَمْرِ طُلُوعًا: عَلِمَه، كاطَّلَعَه، على افْتَعَلَه، وتَطَلَّعَه اطِّلاعًا وتَطَلُّعًا، وكذلِكَ اطَّلَع عليه، والاسْمُ الطِّلْعُ، بالكَسْرِ، وهو مَجَازٌ.
وِطَلَعَ فلانٌ عَليْنَا، كمَنَع ونَصَرَ: أَتَانَا وهَجَمَ عَليْنَا، ويُقَالُ: طَلَعْتُ في الجَبَل طُلُوعًا، إِذا أَدْبَرْتَ فيهِ حَتّى لا يَرَاكَ صَاحِبُكَ، وطَلَعْتُ عَنْ صاحِبِي طُلُوعًا، إِذا أَدبَرْتَ عنه. وطَلَعْتُ عن صَاحِبِي، إِذا أَقبَلْتَ عليهِ. قال الأَزْهَرِيُّ: هذا كلامُ العَرَبِ، وقالَ أَبُو زيْدٍ ـ فِي الأَضْدَادِ ـ: طلَعْتُ عَلَى القَوْمِ طُلُوعًا، إِذا غِبْتُ عَنْهُمْ حَتَّى لا يَرَوْكَ، وطَلَعْتُ عَليْهِم، إِذا أَقبَلْتَ عليهِم حَتَّى يَرَوْك. قال ابنُ السِّكِّيتِ: طَلَعْتُ على القوْمِ، إِذا غِبْتَ عَنْهُم، صَحِيحٌ، جُعِلَ «على» فيه بمَعْنَى «عَنْ» كَقَوْلِه تَعالى: {إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ} مَعْنَاهُ عن النّاسِ، ومِنَ النّاسِ، قالَ: وكَذلِك قالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَجْمَعُونَ.
قلتُ: ومن الاطِّلاعِ بمَعْنَى الهُجُوم قولُه تعَالَى: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ} أَي لوْ هَجَمْتَ عَليْهم، وأَوْفيْتَ عَليْهِم.
كاطَّلَعَ، وعنهم غاب ضِدٌّ*.
وِطَلَعَت سَنُّ الصَّبِيِّ: بَدَتْ شَبَاتُهَا، وهو مَجَازٌ، وكُلُّ بَادٍ من عُلْوٍ: طالِعٌ.
وِطَلَعَ أَرْضَهُم: بَلَغَهَا، يُقالُ: مَتَى طَلَعْت أَرْضَنَا؟ أَيْ مَتَى بَلَغْتَها، وهو مَجَازٌ، وطَلَعْتُ أَرْضِي؛ أَي بَلَغْتُهَا.
وِطَلَع النَّخْلُ يَطْلُعُ طُلُوعًا: خَرَجَ طَلْعُه، وسَيَأْتِي مَعْنَاهُ قَرِيبًا، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ كأَطْلَعَ، كأَكْرَمَ، نقَلَه الجَوْهَرِيُّ. وهو قولُ الزَّجّاجِ. وطَلَّعَ تَطْلِيعًا، نَقَله صاحبُ اللِّسَانِ.
وِطَلَعَ بِلَادَهُ: قَصَدَها، وهو مَجَازٌ، ومنهالحَدِيثُ: «هذا بُسْرٌ قد طَلَعَ اليَمَنَ» أَي قَصَدَهَا من نَجْدٍ.
وِطَلَعَ الجَبَلَ يَطْلَعُه طُلُوعًا: عَلاهُ ورَقِيَهُ، كطَلِعَ، بالكَسْرِ، وهو مَجَازٌ، الأَخِيرُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيتِ.
وِيُقَالُ: حَيَّا الله طَلْعَتَه؛ أَي رُؤْيَتَه وشَخْصَه وما تَطَلَّعَ منه، كما فِي اللِّسَانِ، أَو وَجْهَهُ، وهو مَجَازٌ، كما في الصّحاحِ.
وِالطّالِعُ: السَّهْمُ الّذِي يَقَعُ وَرَاءَ الهَدَفِ، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، وقال غيرُه: الَّذِي يُجَاوِزُ الهَدَفَ ويَعْلُوه، وقال القُتَيْبِيُّ: هو السَّهْمُ الساقِطُ فَوْقَ العَلامَةِ، ويُعْدَلُ بالمُقْرطِسِ، قال المرّارُ بنُ سَعِيدٍ الفَقْعَسِيُّ:
لَهَا أَسْهُمٌ لا قَاصِراتٌ عَن الحَشَا *** وِلا شَاخِصَاتٌ عن فُؤادِي طَوَالِعُ
أَخبَر أَنَّ سِهَامَها تُصِيبُ فُؤادَه، وليْسَت بالَّتِي تَقْصُرُ دُونَه، أَو تُجَاوِزُه فتُخْطِئُه. وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: رُوِيَ عن بَعْضِ المُلُوكِ ـ قال الصّاغَانِيُّ: هو كِسْرَى ـ كانَ يَسْجُدُ للطّالِعِ. قِيلَ: مَعْنَاه أَنَّه كان يَخْفِضُ رَأْسَه إِذا شَخَصَ سَهْمُه، فارْتَفَعَ عن الرَّمِيَّةِ، فكان يُطَاطِئُ رَأْسَه، ليتَقَوَّمَ السَّهْمُ، فيُصِيبَ الدَّارَةَ.
وِقال الصّاغَانِيُّ: ولو قِيلَ: الطَّالِعُ: الهلالُ، لم يَبْعُدْ عن الصَّوابِ، فقد جاءَ عن بعض الأَعْرَابِ: ما رَأَيْتُكَ منذ طالِعَيْنِ؛ أَي منذ شَهْرَيْنِ، وأَنَّ كِسْرَى كان يَتطامَنُ له إِذا طَلَعَ إِعْظامًا لله عَزّ وجَلَّ. ومن المَجَازِ: رَجُلٌ طَلّاعُ الثَّنَايَا، وطَلَّاعُ الأَنْجُدِ، كشَدَّادٍ؛ أَي مُجَرِّبٌ للأمُورِ، ورَكَابٌ لها أَي غالِبٌ يَعْلُوها، ويَقْهَرُهَا بمَعْرِفَتِه وتَجَارِبهِ وجَوْدَةِ رَأْيِه، وقِيلَ: هو الَّذِي يَؤُمُّ مَعَالِيَ الأُمورِ. والأَنْجُدُ: جَمْعُ نَجْدٍ، وهو الطَّرِيق في الجَبَلِ، وكذلِكَ الثَّنِيَّة، فمِنَ الأَوَّلِ: قولُ سُحَيْمِ بن وَثِيلٍ:
أَنا ابْنُ جَلَا وطَلّاعِ الثَّنَايَا *** مَتَى أَضَعُ العِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
ومن الثّانِي: قولُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي شِحَاذٍ الضَّبِّيِّ ـ وقال ابنُ السِّكِّيتِ: هو لرَاشِدِ بنِ دِرْوَاسِ ـ:
وِقَدْ يَقْصُرُ القُلُّ الفَتَى دُونَ هَمَّه *** وِقَدْ كانَ، لَوْلَا القُّلُّ، طَلَّاعَ أَنْجُدِ
وِالطَّلْعُ: المِقْدَارُ، تَقُولُ: الجَيْشُ طَلْعُ أَلْفٍ؛ أَي مِقْدَارُه.
وِالطَّلْعُ من النَّخْلِ: شَيْءٌ يَخْرُجُ كأَنَّه نَعْلَان مُطْبَقَانِ، والحَمْلُ بَيْنَهُمَا مَنْضُودٌ، والطَّرَفُ مُحَدَّدٌ، أَوْ هو ما يَبْدُو من ثَمَرَتهِ في أَوَّلِ ظُهُورِهَا، وقِشْرُه يُسَمَّى الكُفُرَّى والكافُور، وما فِي داخِلِه الإِغْرِيضُ، لِبَيَاضِهِ، وقد ذُكِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا في مَوْضِعِهِ، وفيه تَطْوِيلٌ مُخِلٌّ بمُرَادِه، ولو قالَ: ومِنَ النَّخْلِ: الإِغْرِيضُ يَنْشَقُّ منه الكافُور، أَو: ومن النَّخْلِ: نَوْرُهُ ما دامَ في الكافُورِ، كانَ أَخْصَرَ.
وِالطِّلْعُ، بالكَسْرِ: الاسْمُ من الاطِّلاعِ، وقد اطَّلَعَهُ واطَّلَعَ عَليْه، إِذا عَلِمَه، وقد تَقَدَّم، قال الجَوْهَرِيُّ: ومنه اطَّلِعْ طِلْعَ العَدُوِّ أَي عِلْمَه، ومنه أَيْضًا حَدِيثُ سَيْفِ بنِ ذِي يَزَنَ قالَ لعَبْدِ المُطَّلِبِ: «أَطْلَعْتُك طِلْعَهُ» وسَيَأْتِي قَرِيبًا.
وِالطِّلْعُ: المَكَانُ المُشْرِفُ الَّذِي يُطَّلَع مِنْه، يُقَالُ: عَلَوْتُ طِلْعَ الأَكَمَةِ، إِذا عَلَوْتَ منها مَكَانًا تُشْرِفُ منه عَلَى ما حَوْلَها، قَالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.
وِقالَ: الطِّلْعُ: النّاحِيَةُ، يُقَال: كُنْ بطِلْعِ الوَادِي، ويُقَال أَيْضًا: فُلانٌ طِلْعَ الوَادِي، بغيرِ الباءِ. أُجْرِي مُجْرَى وَزْنِ الجَبَل، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، ويُفْتَحُ فِيهِمَا قالَ الجَوْهَرِيُّ: الكَسْرُ والفَتْحُ كِلاهُمَا صَوابٌ، وفي العَبَابِ: كِلاهما يُقَالُ. وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الطِّلْعُ كُلُّ مُطْمَئِنٍّ من الأرْضِ أَو ذاتِ رَبْوَةٍ إِذا أَطْلَعْتَه رَأَيْتَ ما فِيه، وهو مَجَازٌ.
وِقالَ أَبُو عَمْرٍو: من أَسْمَاءِ الحَيَّة: الطَّلْعُ والطِّلُّ.
وِمن المَجَازِ: أَطْلَعْتُه طِلْعَ أَمْرِي، بالكَسْر؛ أَي أَبْثَثْتُه سِرِّي، ومنه حَدِيثُ ابنِ ذِي يَزَنَ المُتَقَدِّمُ.
وِمن المَجَازِ: «لَوْ أَنَّ لِي طِلاعَ الأَرْض ذَهَبًا لافْتَدَيْتُ منهُ» قَالَهُ عُمَرُ ـ رضي الله عنه ـ عِنْدَ مَوْتِه، طِلاعُ الشَّيْءِ، ككِتَاب: مِلْؤُه حتى يَطْلُعَ ويَسِيلَ، قالَهُ أَبو عُبَيْدٍ، وقال اللَّيْثُ: طِلاعُ الأَرْضِ: ما طَلَعَت عليه الشَّمْسُ، زادَ الرّاغِبُ: والإِنْسَانُ، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ يَصِفُ قَوْسًا:
كَتُومٌ طِلاعُ الكَفِّ لا دُونَ مِلْئِهَا *** وِلا عَجْسُهَا عن مَوْضِعِ الكَفِّ أَفْضَلَا
ج: طُلْعٌ، بالضَّمِّ، ككِتَابِ وكُتْبٍ.
وِمن المَجَازِ: نَفْسٌ طُلَعَةٌ، كهُمزَةٍ: تُكْثِر التَّطَلُّعَ إِلى الشَّيْءِ؛ أَي كَثِيرَةُ المَيْلِ إِلى هَوَاهَا، تَشْتَهِيهِ حَتَّى تُهْلِكَ صَاحِبَهَا. المُفْرَد والجَمْعُ سواءٌ، ومنه حَدِيثُ الحَسَنِ: «إِنَّ هذِه النُّفُوسَ طُلَعَةٌ، فاقْدَعُوها بالمَوَاعِظِ، وإِلّا نَزَعَتْ بِكُمْ إِلى شَرِّ غَايَة» وحَكَى المُبَرِّد أَنَّ الأَصْمَعِيَّ أَنْشَدَ في الإِفْرَادِ:
وِما تَمَنَّيْتُ مِنْ مالٍ ومِنْ عُمُرٍ *** إِلّا بما سَرَّ نَفْسَ الحَاشِدِ الطُّلَعَهْ
وِمن المَجَازِ: امْرَأَةٌ طُلَعَةٌ خُبَأَةٌ، كهُمَزَةٍ فِيهمَا؛ أَي تَطْلُعُ مَرَّةً وتَخْتَبِيءُ أُخْرَى، ويقَالُ: هي الكَثِيرَةُ التَّطَلُّعِ والإِشْرَافِ، وكذلِكَ امْرَأَةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ. وفي قَوْلِ الزِّبْرِقَانِ ابنِ بَدْرٍ: إِنَّ أَبْغَضَ كَنَائِنِي إِلَيَّ الطُّلَعَةُ الخُبَأَةُ. وقد مَرَّ في حَرْفِ الهَمْزةِ.
وِطُوَيْلِعٌ، كقُنَيْفِذٍ: عَلَمٌ، وهو تَصْغِير طالِعٍ.
وِطُوَيْلِعٌ: ماءٌ لبَنِي تَمِيم، بِنَاحِيَةِ الصَّمَّانِ، بالشّاجِنَة، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. قلتُ: وهو فِي وَادٍ في طرِيقِ البَصْرَةِ إِلى اليَمَامَة بينَ الدَّوِّ والصَّمِّانِ أَو: رَكِيَّةٌ عادِيَّةٌ بنَاحِيَةِ الشواجِنِ، عَذبَةُ الماءِ، قَرِيبَةُ الرِّشاءِ، قالَه الأَزْهَرِيُّ، وهمَا قَوْلٌ وَاحِدٌ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ:
وِأَي فَتًى وَدَّعْتُ يَوْمَ طُوَيْلِعٍ *** عَشِيَّةَ سَلَّمْنَا عليهِ وسَلَّمَا
وأَنْشَدَ الصّاغَانِي لضَمْرَةَ بنِ ضَمْرَة النَّهْشَلِيّ:
فلَوْ كُنْتَ حرْبًا ما وَرَدْتُ طُوَيْلِعًا *** وِلا حَرْفَه إِلَّا خَمِيسًا عَرَمْرَمَا
وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الطَّوْلَعُ، كجَوْهَرٍ، وقال غَيْرُه: الطُلَعَاءُ، كالفُقَهَاءِ: القَيْءُ، وهو مَجَازٌ، ولو مَثَّلَ الأَخِيرَ بالغُلَواءِ كانَ أَحْسَنَ.
وِطَلِيعةُ الجَيْشِ: من يَطْلُعُ مِنَ الجَيْشِ، ويُبْعَثُ لِيَطَّلِعَ طِلْعَ العَدُوِّ، كالجَاسُوسِ، للواحِدِ والجَمِيع، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وكذلِكَ الرَّبِيئَةُ، والشيِّفَةُ، والبَغِيَّةُ بمَعْنَى الطَّلِيعَةِ، كُلُّ لَفْظَةٍ منها تَصْلُحُ للوَاحِدِ والجَمَاعَةِ ج: طلائِعُ، ومنه الحَدِيثُ: «كانَ إِذا غَزَا بَعَثَ بينَ يَدَيْهِ طَلائِعَ».
وِأَطْلَعَ إِطْلاعًا: قَاءَ، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ إِليْه مَعْرُوفًا: أَسْدَى مثل أَزَلَّ إِليه مَعْرُوفًا، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ الرَّامِي: جازَ سَهْمُه من فَوْقِ الغَرَضِ، يُقَال: رَمَى فأَطْلَعَ، وأَشْخَصَ، قالَهُ الأَسْلَمِيٌّ، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ فُلانًا: أَعْجَلَه، وكذلِكَ أَرْهَقَه، وأَزْلَقَه، وأَقْحَمَه، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَهُ على سِرِّهِ: أَظْهَرَه وأَعْلَمَه، وأَبَثَّهُ له، وهو مَجَازٌ، ومنه أَطْلَعْتُكَ طِلْعَ أَمْرِي.
وِنَخْلَةٌ مُطْلِعَةٌ، كمُحْسِنَةٍ: مُشْرِفَةٌ على مَا حَوْلَها، طَالَت النَّخِيلَ وكانَتْ أَطْوَلَ من سَائرِهَا.
وِطَلَّعَ كَيْلَهُ تَطْلِيعًا مَلَأَه جِدًّا حتى تَطَلَّعَ، وهو مَجازٌ.
وِاطَّلَعَ على باطِنِه، كافْتَعَلَ: ظَهَرَ، قال السَّمِينُ ـ في قَوْلِه تَعالَى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} ـ: إِنَّه يَتَعَدَّى بنَفْسِه، ولا يَتَعَدَّى بَعلَى، كما تَوَهَّمَه بعضٌ، حَتّى يَكُونَ من الحَذْفِ والإِيصالِ، نَقَلَه شيْخُنَا، ثُمَّ قالَ: ولكن استَدَلَّ الشِّهَابُ في العِنَايَة بما للمُصَنِّفِ، فقال: لكِن في القامُوسِ «اطَّلَع عَليْه» فكأَنَّهُ يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى، والاسْتِدْلالُ بغير شَاهدٍ غيرُ مفِيدٍ. انْتَهَى.
قلتُ: الَّذِي صَرَّحَ به أَئِمَّةُ اللُّغَةِ أَنّ طَلَع عليه، واطَّلَعَ عليه، وأَطْلَع عليه بمَعْنًى وَاحِدٍ، واطَّلَعَ على بَاطِنِ أَمْرِهِ، واطَّلَعَه: ظَهَرَ له وعَلِمَه، فهو يَتَعَدَّى بنَفْسِه وبعَلَى، كما فِي اللِّسَانِ بهؤُلاءِ قُدْوَةً، لا سِيَّما الجَوْهَرِيّ إِذا قالَتْ حَذامِ، فلا عِبْرَةَ بقَوْلهِ: والاسْتِدْلالُ بهِ إِلى آخِرِهِ، وكذا كَلَامُ السَّمِينِ يُتَأَمَّلُ فيه، فإِنَّ إِنْكَارَه قُصورٌ.
وِاطَّلَعَ هذِه الأَرْضَ: بَلَغَهَا، ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}، قالَ الفَرّاءُ: أَي يَبْلُغ أَلَمُهَا الأَفْئِدَةَ، قال: والاطِّلاعُ والبلُوغُ قد يَكُونُ بمَعْنًى وَاحِدٍ، وقالَ غيْرُه: أَي تُوفِي عليها فتَحْرِقُهَا، من اطَّلَعْتُ عليه، إِذا أَشْرَفْتَ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وقولُ الفَرّاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وإِليه ذَهَبَ الزَّجّاجُ.
وِالمُطَّلَعُ للمَفْعولِ: المَأْتَى، يقَال: ما لِهذَا الأَمْرِ مُطَّلَعٌ؛ أَي وَجْهٌ، ولا مَأْتًى يُؤْتَى إِليْه. ويقَالُ: أَيْنَ مُطَّلَعُ هذا الأَمْرِ؛ أَي مَأْتَاه، وهو مَوْضِعُ الاطِّلاعِ من إِشْرَافِ إِلى انْحِدَارٍ، وهو مَجَازٌ.
وِقولُ عمَرَ رضِيَ الله تَعالَى عنه: «لو أَنَّ لي ما فِي الأَرْضِ جَمِيعًا لافْتَدَيْتُ بهِ من هَوْلِ المُطَّلَعِ» يرِيد بهِ المَوْقِفَ يومَ القِيَامَةِ، تَشبِيهٌ لما يُشْرَفُ عليهِ من أَمْرِ الآخِرَة عَقِيبَ المَوْتِ بذلِكَ، أَي: بالمُطَّلَع الَّذِي يُشْرَفُ عليه من مَوْضِعٍ عالٍ.
وقالَ الأَصْمَعِيُّ: وقد يَكُونُ المُطَّلَعُ: المَصْعَدَ من أَسْفَل إِلى المَكَانِ المُشْرِفِ، قال: وهوَ من الأَضْدادِ، وقد أَغْفَلَهُ المصَنِّفُ، ومن ذلِكَ في الحَدِيثِ: «ما نَزَلَ من القُرْآنِ آيَةٌ إِلّا لها ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، ولكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، ولكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» أَي مَصْعَدٌ يُصْعَد إِليْه، يعنِي مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِه، ومِنْه قَوْلُ جَرِيرٍ يَهْجو الأَخْطَلَ:
إِنِّي إِذا مُضَرٌ عَلَيَّ تَحَدَّبَتْ *** لَاقيْتُ مُطَّلَعَ الجِبَالِ وُعُورًا
هكَذَا أَنْشَدَه ابنُ بَرِّيّ والصّاغَانِيّ. ومن الأَوّلِ قولُ سُوَيْدِ بنِ أَبِي كاهِلٍ:
مُقْعِيًا يَرْمِي صَفَاةً لمْ تُرَمْ *** في ذُرَا أَعْيَطَ وَعْرِ المُطَّلَعْ
وقِيلَ: مَعْنَى الحَدِيث: أَنَّ لِكُلِّ حَدٍّ منْتَهَكًا يَنْتَهِكُه مُرْتكِبُه؛ أَي أَنَّ الله لم يُحَرِّم حُرْمَةً إِلّا عَلِم أَنْ سَيَطْلُعُهَا مُسْتَطْلِعٌ.
وِمن المَجَازِ: المُطَّلِعُ، بكَسْرِ الّلامِ: القَوِيُّ العَالِي القاهِر، من قَوْلِهِمْ: اطَّلَعْتُ على الثَّنِيَّةِ؛ أَي عَلَوْتُهَا، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ في «ض ل ع» ورَوَى أَبو الهيْثَمِ قَوْلَ أَبِي زُبَيْدٍ:
أَخُو المَوَاطِنِ عَيّافُ الخَنَى أُنُفٌ *** للنّائِباتِ ولَوْ أُضْلِعْنَ مُطَّلِعُ
أُضْلِعْنَ: أُثْقِلْنَ. ومُطَّلِعٌ وهو القَوِيُّ على الأَمْرِ المُحْتَمِل، أَراد مُضْطَلِعٌ فأَدْغَمَ، هكَذَا رَوَاه بخَطِّه، قالَ: ويُرْوَى: «مُضْطَلِعُ» وقال ابنُ السِّكِّيت: يقَالُ: هو مُضْطَلِعٌ بِحِمْلِه، كما تَقَدَّمَ، ويُرْوَى قَوْلُ ابنِ مُقبِلٍ:
إِنّا نَقُومُ بجُلّانَا فيَحْمِلُها *** مِنَّا طَوِيلُ نِجَادِ السَّيْفِ مُطَّلِعُ
ويُرْوَى «مُضْلَعٌ» وهما بمَعْنًى.
وِطَالَعَه طِلَاعًا، بالكَسْرِ، ومُطَالَعَةً: اطَّلَعَ عليه، وهو مَجَازٌ، يقالُ: طَالَعْتُ ضَيْعَتِي؛ أَي نَظَرْتُها، واطَّلَعْتُ عَليْهَا، وقالَ اللَّيْثُ: الطِّلَاعُ: هو الاطِّلَاعُ، وأَنْشَدَ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ:
فكانَ طِلَاعًا من خَصَاصٍ ورِقبَةٍ *** بَأَعْيُنِ أَعْدَاءٍ وطَرْفًا مُقَسَّما
وقال الأَزْهَرِيُّ: قَوْلُه: طِلاعًا، أَي: مُطَالَعَةً، يُقَالُ: طالَعْتُه طِلاعًا ومُطَالَعَةً، قالَ: وهو أَحْسَنُ من أَنْ تَجْعَلَه اطِّلَاعًا؛ لأَنَّهُ القِيَاسُ في العَرَبِيَّةِ.
وِطَالَعَ بالحَالِ: عَرَضَها، طِلَاعًا، ومُطَالَعَةً.
ومِن المَجَازِ: تَطَلَّع إِلى وُرُودِهِ أَو ورودِ كِتَابِهِ: اسْتَشْرَفَ له، قال مُتَمِّم بنُ نُوَيْرَةَ، رضِيَ الله عنه:
لاقَى على جَنْبِ الشَّرِيعَةِ باطيا *** صَفْوَانَ في نَامُوسِه يَتَطَلَّعُ
وِتَطَلَّعَ في مَشْيه: زافَ نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، كأَنَّهُ لُغَةٌ في تَتَلَّعَ، إِذا قَدَّمَ عُنُقَه ورَفَعَ رَأْسَه.
وِتَطَلَّعَ المِكيَالُ: امْتَلَأ، مُطَاوِعُ طَلَّعَه تَطْلِيعًا.
وِمن المَجَازِ: قَوْلُهُم: عافَى الله رَجُلًا لَمْ يَتَطَلَّع في فَمِكَ؛ أَي لم يَتَعَقَّب كَلَامَكَ، حكاه أَبو زيدٍ، ونَقَله الزمَخْشَرِيُّ والصّاغَانِيّ.
وِقال ابنُ عبّادٍ: اسْتَطْلَعَه: ذَهَبَ به، وكذا اسْتَطْلَعَ مالَه.
وِمن المَجَازِ: اسْتَطْلَع رَأْيَ فُلان، إِذا نَظَر ما عِنْدَه، وما الَّذِي يَبْرُزُ إِليْه من أَمْرِه، ولَوْ قال: وَرَأْيَه: نَظَرَ ما هُوَ، كانَ أَخْصَرَ.
وِقَوْلُه تعالَى: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ بتَشْدِيدِ الطّاءِ وفَتْحِ النُّونِ، وهي القِرَاءَةُ الجَيِّدَةُ الفَصِيحَةُ أَي هَلْ أَنْتُم تُحِبُّون أَنْ تَطَّلِعوا فتَعْلَمُوا أَيْنَ مَنْزِلَة الجَهَنَّمِيِّينَ، فاطَّلَع المُسْلِمُ، فَرَأَى قَرِينَه فِي سَواءِ الْجَحِيمِ؛ أَي في وَسَطِ الجَحِيمِ وقَرَأَ جَمَاعاتٌ هم ابنُ عَبّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ وسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأَبو البَرَهْسَم، وعَمَّارٌ مولى بَنِي هاشِمٍ: «هلْ أَنْتُم مُطْلِعون ـ كمُحْسِنُونَ ـ فأُطْلِعَ بضَمِّ الهَمْزَةِ وسُكُون الطَّاءِ وكَسْرِ الّلامِ، وهي جائزَةٌ في العَرَبِيَّةِ على مَعْنَى: هَلْ أَنْتُم فَاعِلُونَ بِي ذلِكَ. وقرأَ أَبو عَمْرٍو وعَمّارٌ المذكور، وأَبو سِرَاجٍ، وابنُ أَبِي عَبْلَة، بكَسْرِ النُّونِ، فأُطْلِع، كما مَرّ. قلتُ: وهي روايَةُ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ عن أَبِي عَمْرٍو. قال الأَزْهَرِيُّ: وهي شَاذَّةٌ عندَ النَّحْوِيِّينَ أَجْمَعِينَ، ووَجْهُه ضَعِيفٌ، ووَجْه الكَلامِ على هذا المَعْنَى: هل أَنْتُم مُطْلِعِيَّ، وهل أَنْتم مُطْلِعوه، بلا نُونٍ، كقولِكَ: هل أَنْتُم آمِروه، وآمِرِيَّ.
وأَما قَوْلُ الشّاعِرِ:
همُ القائِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَه *** إِذا ما خَشُوا من مُحْدَثِ الأَمْرِ مُعْظَمَا
فوَجْهُ الكَلامِ: والآمِرونَ به، وهذَا من شَوَاذِّ اللُّغَاتِ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:
الطالِعُ: الفَجْرُ الكاذِب، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.
اطَّلَعَ عَليْه: نَظَر إِليْه حِينَ طَلَعَ، وهو مَجازٌ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ، ومنه قولُ أَبِي صَخْرٍ الهُذِليِّ:
إِذا قُلْتُ هذا حِينَ أَسْلُو يَهِيجُنِي *** نِسِيمُ الصَّبَا من حَيْثُ يُطَّلعُ الفَجْرُ
ويُقَال: آتِيكَ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْه الشَّمْسُ؛ أَي طَلَعَتْ فيه.
وفي الدُّعَاءِ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ ولا تَطْلُعُ بنَفْسِ أَحَدٍ مِنّا، عن اللِّحْيَانِيّ؛ أَي لا ماتَ وَاحِدٌ مِنّا مع طُلُوعِها. أَرادَ: ولا طَلَعَتْ، فوَضَعَ الآتِيَ مِنْهَا مَوْضِعَ الماضِي.
وِأَطْلَعَ: لُغَةٌ في طَلَعَ، قالَ رُؤْبَةُ:
كأَنَّهُ كَوْكَبُ غُيْمٍ أَطْلَعَا
وِمَطالِعُ الشَّمْسِ: مَشَارِقُهَا، ويُقَال: شَمْسُ مَطالِع، أَو مَغارِب.
وِتَطَلَّعَه: نظَر إِليْه نَظَرَ حُبٍّ أَو بُغْضٍ، وهو مَجَازٌ.
وِأَطْلَعَ الجَبَلَ، كطَلَعَهُ، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيُّ.
وِأَطْلَعَ رَأْسَه، إِذا أَشْرَفَ على شَيْءٍ.
والاسْمُ من الاطِّلاعِ: طَلَاعٌ، كَسَحَابٍ.
وِالطُّلُوعُ: ظُهُورٌ على وَجْهِ العُلُوِّ والتَّمَلُكِ، كما في الكَشّافِ.
ويُقَالُ: أَنَا أُطَالِعُكَ بحقيقةِ الأَمْرِ؛ أَي أُطْلِعُكَ عَليْه، وهو مَجَازٌ، كما فِي الأَسَاسِ، وكذا قَوْلُهُم: طَالِعْنِي بكُتُبِكَ.
وِاطَّلَعْتُ من فَوْقِ الجَبَلِ، وأَطْلَعْتُ بمَعنًى وَاحِدٍ.
ونَفْسٌ طَلِعَةٌ، كفَرِحَة: شَهِيَّةٌ مُتَطَلِّعَةٌ، عَلَى المَثَل، وبه رُوِيَ قولُ الحَسَنِ: «إِنَّ هذِه النُّفُوسَ طَلِعَةٌ».
وِطَلَّعَهُ تَطْلِيعًا: أَخْرَجَه، عامِّيَّةٌ.
ومن أَمْثَالِ العَرَبِ: «هذِه يَمِينٌ قد طَلَعَتْ في المَخَارِمِ» وهي اليَمِين الَّتِي تَجْعَلُ لصَاحِبِهَا مَخْرَجًا، ومنه قَوْلُ جَرِيرٍ:
وِلا خَيْرَ في مَالٍ عَليْهِ أَلِيَّةٌ *** وِلا فِي يَمِينٍ غيرِ ذاتِ مَخَارِمِ
والمَخارِمُ: الطُّرُقُ في الجِبَالِ.
وِتَطَلَّعَ الرَّجُلَ: غَلبَه وأَدْرَكَه، وأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
وِأَحْفَظُ جارِي أَنْ أُخالِطَ عِرْسَه *** وِمَوْلايَ بالنَّكْراءِ لا أَتَطَلَّعُ
وقالَ ابنُ بَرِّيّ: ويُقَالُ: تَطَالَعْتُه: إِذا طَرَقْتَهُ، وأَنْشَدَ أَبُو عَلِيٍّ:
تَطالَعُنِي خَيالاتٌ لسَلْمَى *** كما يَتَطَالَعُ الدَّيْنَ الغَرِيمُ
قالَ: كذا أَنْشَدَهُ، وقالَ غَيْرُه: إِنَّمَا هو يَتَطَلَّع؛ لأَنَّ تَفَاعَلَ لا يَتَعَدَّى في الأَكْثَرِ، فعَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ يَكُونُ مِثْلَ تَفاوَضْنَا الحَدِيثَ، وتَعَاطيْنَا الكَأْسَ، وتَنَاشَدْنَا الأَشْعَارَ.
قالَ: ويُقَالُ: أَطْلَعَتِ الثُّرَيَّا، بمعنَى طَلَعَتْ، قال الكُمَيْتُ:
كَأَنَّ الثُّرَيّا أَطْلَعَت في عِشَائِها *** بوَجْهِ فَتَاةِ الحَيِّ ذَاتِ المَجَاسِدِ
وِأَطْلَعَ الشَّجَرُ: أَوْرَقَ.
وِأَطْلَعَ الزَّرْعُ: ظَهَرَ، وهو مَجَازٌ. وفي التَّهْذِيبِ: طَلَعَ الزَّرْعُ طُلُوعًا، إِذا بَدَأَ يَطْلُعُ وظَهَرَ نَبَاتُه.
وقَوْسٌ طِلَاعُ الكَفِّ: يَمْلُأ عَجْسُهَا الكَفَّ، وقد تَقَدَّم شَاهِدُه.
وهذَا طِلَاعُ هذَا، ككِتَابٍ؛ أَي قَدْرُه.
والاطِّلاعُ: النَّجَاةُ، عن كُرَاع.
وِأَطْلَعَت السَّمَاءُ، بمَعْنَى أَقْلَعَتْ.
وِمَطْلَعُ الأَمْرِ، كمَقْعَدٍ: مَأْتَاهُ ووَجْهُه الّذِي يُؤْتَى إِليْه، ومَطْلَعُ الجَبَلِ: مَصْعَدُه، وأَنْشَدَ: أَبُو زَيْدٍ:
ما سُدَّ من مَطْلَعٍ ضَاقَتْ ثَنِيَّتُه *** إِلَّا وَجَدْتُ سَوَاءَ الضِّيقِ مُطَّلَعَا
وِطَالِعَةُ الإِبِلِ: أَوَّلُها.
وكذا مَطْلَعُ القَصِيدَةِ: أَوَّلُها، وهو مَجَاز.
وِتَطَلُّعُ النَّفْسِ: تَشَوُّفُهَا ومُنَازَعَتُها.
ويَقُولُون: هو طَالِعُه سَعِيدٌ: يَعْنُونَ الكَوْكَبَ.
ومَلأتُ له القَدَحَ حتَّى كادَ يَطْلَعُ من نَوَاحِيه، ومنه قَدَحٌ طِلاعٌ؛ أَي مَلآن، وهو مَجَازٌ، وعَيْنٌ طِلَاعٌ: مَلَأى من الدَّمْعِ، وهو مَجَازٌ.
وِتَطَلَّعَ الماءُ من الإِنَاءِ: تَدَفَّقَ مِنْ نَوَاحِيهِ. ويُقَالُ: هذا لَكَ مَطْلَعُ الأَكَمَةِ؛ أَي حاضِرٌ بَيِّنٌ، ومَعْنَاهُ أَنَّه قَرِيبٌ مِنْكَ فِي مِقْدَارِ مَا تَطْلُعُ له الأَكَمَةُ، ويُقَالُ: «الشَّرُّ يُلْقَى مَطَالِعَ الأَكمِ» أَي بارِزًا مَكْشُوفًا.
وِاطَّلَعَتْه عَيْنِي: اقْتَحَمَتْه وازْدَرَتْه، وكُلُّ ذلِك مَجَازٌ.
وفي المَثَلِ: «بعدَ اطِّلاعٍ إِيناسٌ» قاله قَيْسُ بنُ زُهَيْرٍ في سِبَاقِه حُذَيْفَة بنَ بَدْرٍ لما اطَّلَعَت فَرَسُه الغبْرَاءُ، فقال قيْسٌ ذلِكَ فَذَهَبَتْ مَثَلًا، والإِيناسُ: النَّظَرُ والتَّثَبُّتُ، وذلِكَ لأَنَّ الغَبْرَاءَ سَبَقَت في المَكَانِ الصُّلْبِ، فلمَّا صِرْنَ في الوَعَثِ سَبَقَ دَاحِسٌ بقُوَّتِه، فلِذَا قالَ:
رُوَيْدَ يَعْلُونَ الجَدَدْ وإِيُّاهُ عَنَى الشَمّاخُ [بقَوْلهِ]:
ليْسَ بما ليْسَ بِهِ باسٌ بَاسْ *** وِلا يَضُرُّ البَرَّ ما قالَ النّاسْ
وِإِنَّه بعدَ اطِّلاع إِيناسْ
ويُرْوَى: «قَبْلَ اطِّلاعٍ» أَي قَبْلَ أَنْ تَطَّلِعَ تُؤْنِسُ بالشَّيْءِ.
والمَلِكُ الصالِحُ طَلائِعُ بنُ رُزَّيْك، وزِيرُ مِصْر، الَّذِي وَقَفَ بِرْكَةَ الحَبَشِ عَلَى الطالِبيِّينَ، وسَيَأْتِي ذِكْرُه في «ر ز ك».
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
28-تاج العروس (عدو)
[عدو]: وعَدا يَعْدُو؛ ذِكْرُ المُضارعِ مُسْتدركٌ كما مَرَّ الإيماءُ إليه مِرارًا، عَدْوًا، بالفَتْح، وعَدُوَّا، كعُلُوِّ؛ وعَدَوانًا، محرَّكةً، وتَعْداءً بالفتحِ وعَدًا، مَقْصورٌ: أَحْضَرَ، يكونُ مِنَّا ومِن الخَيْلِ.وحُكِي: أَتاهُ عَدْوًا، وهو مُقارِبُ الهَرْولَةِ ودُونَ الجَرْي.
وأَعْداهُ غَيْرُهُ. يقالُ: أَعْدَيْتُ الفَرَسَ: أَي حَمَلْته على الحُضْر.
والعَدَوانُ، محرَّكةً، والعَدَّاءُ، كشَدَّادٍ: كِلاهُما الشَّديدَةُ، هكذا في النُّسخِ والصَّوابُ الشَّد يدُهُ بهاءِ الضَّمِير؛ أَي الشَّديدُ العَدْوِ.
في الصِّحاح، يقالُ: إنَّه لعَدَوانٌ؛ أَي شَديدُ العَدْوِ.
وتَعادَوْا: تَبارَوْا فيه؛ أَي في العَدْوِ.
وقالَ الراغبُ: أَصْلُ العَدْوِ التَّجاوُزُ ومُنافاةُ الالْتِئَامِ، فتارَةً يُعْتَبر بالمَشْيِ فيُقالُ له العَدْوُ، وتارَةً بالقَلْبِ فيُقالُ له العَدَاوَةُ إلى آخِر ما قال.
والعِداءُ، ككِساءٍ ويُفْتَحُ: الطَّلَقُ الواحِدُ للفَرَسِ؛ فمَنْ فَتَحَ قالَ جاوَزَ هذا إلى ذاكَ، ومَنْ كَسَر فمِنْ عَادَى الصَّيْدَ مِنَ العَدْوِ وهو الحُضْر حتى يَلْحَقَه.
والعَدِيُّ، كَغَنِيِّ جماعَةُ القوْمِ، بلُغَةِ هُذَيْل، يَعْدُونَ لقِتالٍ ونحْوِه؛ أو الذين يَعْدُونَ على أَقْدامِهم؛ كما في الصِّحاح، قالَ: وهو جَمْعُ عادٍ كغَازٍ وغَزِيِّ.
أَو أَوَّلُ من يَحْمِلُ من الرَّجَّالةِ لأنَّهم يُسْرِعُونَ العَدْوَ؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ لمالِكِ بنِ خالِدٍ الخُنَاعِيّ:
لمَّا رأَيْتُ عَدِيَّ القوْمِ يَسْلُبُهم *** طَلْحُ الشَّواجِنِ والطَّرْفاءُ والسَّلَمُ
كالعادِيَةِ فيهِما، والجمْعُ العَوادِي.
أَو هي للفُرْسانِ؛ أَي لأوَّل مَنْ يَحْمِلُ منهم في الغارَةِ خاصَّةً.
وعَدا عليه عَدْوًا وعُدُوًّا، كفَلْسٍ وفُلُوسٍ، وبهما قُرئ قوْلُه تعالى: {فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}؛ وعُدُوّ، كعُلُوِّ، قراءَةُ الحَسَنِ؛ وقُرِئ: عَدُوًّا، يَعْنِي بجماعَةٍ، وقيلَ: هو واحِدٌ في مَعْنى جماعةٍ؛ وعَداءً، كسَحابٍ، وعُدْوانًا، بالضَّمِّ والكَسْرِ، عن ابنِ سِيدَه، وعُدْوَى، بالضمِّ فَقَط: ظَلَمَهُ ظُلْمًا جاوَزَ فيه القدرَ، وهذا تَجاوُزٌ في الإخْلالِ بالعَدَالةِ فهو عادٍ؛ ومنه قوْلُهم: لا أَشْمَتَ اللهُ بكَ عادِيَكَ أَي الظالِمُ لكَ؛ وقوْلُه تعالى: ولا {عُدْوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمِينَ}؛ أَي لا سَبِيلَ.
وقِيلَ: العُدْوانُ أَسْوأُ الاعْتِداءِ فِي قوَّةٍ أَو فِعْلٍ أَو حالٍ؛ ومنه قولُه تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْوانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا}، وقولُه تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ}؛ أَي مُعْتَدُونَ.
كتَعَدَّى واعْتَدَى وأَعْدَى، ومِن الأخيرِ: أَعْدَيْت في مَنْطِقِكَ؛ أَي جرْتَ؛ كما في الصِّحاح.
قالَ الراغبُ: الاعْتِداءُ مجاوَزَةُ الحَقِّ قد يكونُ على سَبِيلِ الابْتِداءِ، وهو المُنْهَى عنه؛ ومنه قولُه تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. وقد يكونُ على سَبيلِ المُجازَاةِ ويصحّ أن يُتَعاطَى مَعَ مَنِ ابْتَدَأَ كقَوْلِه تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}؛ أَي قابِلُوه بحقِّ اعْتِدائِه سُمِّي بمثْلِ اسْمِه لأنَّ صورَةَ الفِعْلَيْن واحِدٌ، وإنْ كانَ أَحدُهما طاعَةً والآخَرُ مَعْصِيَةً.
وهو مَعْدُوٌّ عليه، ومَعْدِيُّ عليه على قَلْبِ الواوِ ياءً للخفَّةِ؛ وأَنْشَدَ الجوهرِيُّ:
وقد عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أَنَّنِي *** أَنا الليثُ مَعْدِيًّا عليه وعادِيا
والعَدْوَى: الفَسادُ، والفِعْلُ كالفِعْل.
وعَدا اللِّصُّ على القُماشِ عَداءَ، كسَحابٍ، وعُدْوانًا، بالضَّمِّ والتَّحْريكِ؛ وفي المُحْكم بالضَّمِّ والفَتْح معًا وهكذا ضَبَطَه؛ أَي سَرَقَهُ؛ وهذا أَيْضًا تَجاوُزٌ فيما يخلُّ بالعَدَالةِ.
وذِئْبٌ عَدَوانٌ، محرَّكةً: أَي عادٍ.
وفي الصِّحاح: يَعْدُو على الناسِ.
ومِن سَجَعاتِ الأساسِ: وما هو إلَّا ذِئْبٌ عَدَوانٌ دِينُه الظُّلم والعُدْوانُ.
وعَداهُ عن الأَمْرِ عَدْوًا، بالفَتْحِ، وعُدْوانًا، بالضَّمِّ: صَرَفَهُ وشَغَلَهُ؛ كعَدَّاهُ، بالتَّشديدِ. يقالُ: عَدّ عن كذا؛ أَي اصْرِفْ بَصَرَك عنه.
وعَدَا عليه عَدْوًا: وَثَبَ.
وعَدَا الأَمْرَ، وعَدا عنه: جاوَزَهُ وتَرَكَهُ.
وعَداهُ الأَمْرَ كتَعدَّاهُ: تَجاوَزَهُ.
وعَدَّاهُ تَعْدِيَةً: أَجازَهُ وأَنْفَذَه فتَعَدَّى.
والتَّعَدِّي: مُجاوَزَةُ الشَّيءِ إلى غيرِهِ، ومنه تَعْدِيةُ الفِعْلِ عنْدَ النُّحَّاةِ، وهو جَعْلُ الفِعْل لفاعِلٍ يَصِيرُ مَنْ كانَ فاعِلًا له قَبْل التَّعْديَةِ مَنْسوبًا إلى الفِعْل نَحْو خَرَجَ زيْدٌ فأَخْرَجْتَه.
والعَداءُ، كسَماءٍ وغُلَواءٍ: البُعْدُ.
وفي الصِّحاحِ: بُعْد الَّدارِ.
* قُلْت: ومنه قوْلُ الَّراجزِ:
منه على عُدَواءِ الدَّار تَسْقِيمُ
وأَيْضًا: الشَّغْلُ يَصْرِفُكَ عنِ الشَّيءِ، قال زهيرٌ:
وعادَكَ أَن تُلاقيها العَدَاء
وقيلَ: العُدَواءُ: عادَةُ الشُّغْل.
وقيلَ: عُدَواءُ الشُّغْلِ مَوانِعُه؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ للعجَّاج:
وإنْ أَصابَ عُدَوَاءَ احْرَوْرَفا *** عَنْها وولَّاها ظُلُوفًا ظُلَّفا
والتَّعادِي: الأمْكِنَةُ الغَيْرُ المُتَساوِيَةِ؛ وقد تَعادَى المَكانُ: إذا تَفاوَتَ ولم يَسْتَوِ؛ ومنه الحديثُ: «وفي المَسْجِدِ جَراثِيمُ وتَعادٍ؛ أَي أَمْكنَةٌ مُخْتَلِفَة غَيْر مُسْتَوِيةٍ.
وفي الصِّحاح: قالَ الأصْمعيّ: نِمْتُ على مَكانٍ مُتَعادٍ، إذا كانَ مُتَفاوِتًا ليسَ بمُسْتَوٍ.
وهذه أَرْضٌ مُتعادِيَةٌ: ذاتُ حِجَرَةٍ ولَخاقِيق.
وفي الأساسِ: وبعُنُقِي وَجَعٌ مِن تَعادِي الوِسادِ: مِن المَكانِ المُتَعادِي غَيْر المُسْتَوِي.
والعِدَى*، كإلَى: المُتَباعِدُونَ؛ عن ابنِ سِيدَه.
وأَيْضًا: الغُرباءُ والأَجانِبُ؛ ومنه حديثُ حبيب بنِ مُسْلِمَةَ لمَّا عَزَلَه عُمَرُ عن حِمْصَ قالَ: «رَحِمَ اللهُ عُمَرَ يَنْزعُ قَوْمه ويَبْعثُ القَوْمَ العِدَى».
وقوْلُه: كالأعْداءِ: يَقْتَضِي أنْ يكونَ كالعدى في مَعانِيه وليسَ كَذلكَ.
والذي في المُحْكم بَعْد قَوْله: وقيلَ الغُرْباء، وهُم الأعْدَاءُ أَيْضًا لأنَّ الغَرِيبَ بَعِيدٌ؛ فالصَّوابُ أنْ يقولَ: والأعْداء.
ويدلُّ لَه أَيْضًا ما في الصِّحاح، قالَ ابنُ السِّكِّيتِ: ولم يأْتِ فِعْلٌ في النّعوتِ إلَّا حَرْف واحِدٌ، يقالُ: هؤلاء قَوْمٌ عِدًى؛ أَي غُرباءُ؛ وقَوْمٌ عِدًى: أَي أَعْداءُ، وأَنْشَدَ:
إذا كنتَ في قوْمٍ عِدًى لسْتَ منهمُ *** فكُلُ ما عُلِفْتَ من خَبِيثٍ وطَيِّب
والعُدْوَةُ، بالضَّمِّ: المَكانُ المُتباعِدُ؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
والعُدَواءُ، كالغُلَواءِ: الأَرضُ اليابِسَةُ الصُّلْبَةُ، ورُبَّما جاءَتْ في البِئْرِ إذا حُفِرَتْ، ورُبّما كانتْ حَجَرًا فيحيدُ عنها الحافِرُ.
ويقالُ: أَرْضٌ ذاتُ عُدَواءَ إذا لم تكُنْ مُسْتَقِيمةً وَطِيئةً وكانت مُتَعادِيَةً.
وقيلَ: هو المَكانُ الخَشِنُ الغَلِيظُ.
وقيلَ: هو المَكانُ المُشْرِفُ يَبْرُكُ عليه البَعيرُ فيَضْطجِعُ عليه، وإلى جَنْبِه مَكانٌ مُطْمَئِنٌّ فيميلُ فيه فيَتَوَهَّنُ، وتوَهُّنُه مَدُّ جِسْمِه إلى المَكانِ الوَطِيءِ فتَبْقى قَوائِمُه على العُدَواءِ، وهو المُشْرِفُ، فلا يَسْتَطِيعُ القِيامَ حتى يموتَ، فتَوَهُّنه اضْطِجاعُه.
قال الراغبُ: وهذا مِن التَّجاوُزِ في أَجْزاءِ المقرِّ.
وأَيْضًا: المَرْكَبُ الغَيْرُ المُطْمَئِنِّ.
وفي الصِّحاح: قالَ الأصْمعيّ: العُدَواءُ المَكانُ الذي لا يَطْمَئِنُّ مَنْ قَعَدَ عليه.
يقالُ: جِئْتُ على مَرْكبٍ ذي عُدَواء أَي ليسَ بمُطْمَئِنِّ؛ وأَبو زيْدٍ مِثْله.
وفي المُحْكم: جَلَسَ على عُدَواء أَي على غَيْرِ اسْتِقامَةٍ.
قالَ ابنُ سِيدَه: وفي نسخةِ المصنَّفِ لأبي عُبيدٍ: ذي عُدَواء مَصْرُوفٌ وهو خَطَأ منه إن كانَ قائِلَه لأنَّ فُعَلاء بِناءٌ لا يَنْصرِفُ مَعْرِفَةً ولا نَكِرَةً.
وأَعْدَى الأَمْرَ: جاوَزَ غَيْرَه إليه.
وفي المُحْكم: أَعْداهُ الدَّاءُ جاوَزَ غَيْرَه إليه؛ وأَعْداهُ مِن عِلَّتِه وخُلُقِه وأَعْداهُ به: جَوَّزَه إليه؛ والاسْمُ مِن كلِّه العَدْوى.
وأَعْدى زيْدًا عليه: إذا نَصَرَهُ وأَعانَهُ، والاسْمُ العَدْوى، وهي النُّصْرةُ والمَعُونَةُ.
وأَعْدَاهُ: قَوَّاهُ؛ ومنه قولُ الشَّاعِرِ:
ولقد أَضاءَ لكَ الطَّريقُ وأَنْهَجَت *** سُبُلُ المكارِمِ والهُدَى بُعْدي
أَي: إبْصارُكَ الطَّريقَ يقوِّيكَ على الطَّريقِ.
واسْتَعداهُ: اسْتَعانَهُ واسْتَنْصَرَهُ. يقالُ: اسْتَعْدَيْتُ على فلانٍ الأَميرَ فأعْداني: أَي اسْتَعَنْتُ به عليه فأَعانَنِي عليه؛ والاسْمُ منه العَدْوَى وهي المَعُونَةُ؛ كما في الصِّحاحِ؛ فيكونُ الاسْتِعْداءُ طَلَب العَدْوَى وهي المَعُونَةُ.
وعادَى بينَ الصَّيْدَيْنِ مُعادَاةً وعِداءً: وَالَى وتابَعَ بأَنْ صَرَعَ أَحَدَهما على إثْرِ الآخَرِ في طَلَقٍ واحِدٍ؛ وكَذلكَ المُعادَاةُ بينَ رَجُلَيْن إذا طَعَنَهما طَعْنَتَيْن مُتَوالِيَتَيْن؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ لامْرئِ القَيْس:
فعَادَى عِداءً بين ثوْرٍ ونعْجَةٍ *** دِرَاكًا ولم يُنْضَحْ بماءٍ فيُغْسَلِ
وعَداءُ كُلِّ شيءٍ، كسَماءٍ، وعليه اقْتَصَرَ الجوهريُّ وعِداهُ وعِدْوُهُ وعِدْوَتُهُ، بكسْرِهنَّ وتُضَمُّ الأَخيرَةُ، إذا فَتَحْته مَدَدْته وإذا كَسَرْته قَصَرْته؛ طَوارُهُ وهو ما انْقادَ معه مِن عَرْضِه وطُولِه. يقالُ: لَزِمْتُ عَداءَ الطَّريقِ أَو النَّهْرِ أَو الجَبَلِ أَي طَوَاره.
والعِدَى*، كإلَى: النَّاحِيَةُ؛ ويُفْتَحُ؛ كما في المُحْكم، الجمع: أَعْداءٌ.
وقيلَ: أَعْداءُ الوادِي: جَوانِبُه.
وأَيْضًا: شَاطِئُ الوادِي وشَفِيرُه وجانِبُه.
كالعُدْوَةِ مُثَلَّثَةَ، التَّثْلِيثُ عن ابنِ سِيدَه، جَمْعُه عِدًى، بالكسْرِ والفَتْح.
وفي الصِّحاح: العِدْوَةُ والعُدْوَةُ: جانِبُ الوادِي وحافَتُه؛ قالَ اللهُ تعالى: {وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى}.
وفي المِصْباح: ضمُّ العَيْن لُغَةُ قَرَيشْ، والكسْرُ لُغَةُ قَيْسٍ، وقُرِئ بهما في السَّبْعةِ.
وقال الراغبُ: العُدْوَة القُصْوى الجانِبُ المُتجاوِز للقُرْب.
والعِدَا: كُلُّ خَشَبَةٍ تُجْعَلُ بينَ خَشَبَتَيْنِ.
وأَيْضًا: حَجَرٌ رَقيقٌ يُسْتَرُ به الشَّيءُ، كالعِداءِ، ككِتابٍ، واحِدَتُه عِدْوٌ، كجِرْوٍ، وهو حينَئذٍ جَمْعٌ.
والذي في نسخ المُحْكم: العِدَى والعَداءُ كإلَى وسَحابٍ، هكذا ضَبَطَه بالقَلَمِ. والعُدْوَةُ، بالكسْر والضَّمِّ: المَكانُ المُرْتَفِعُ؛ نقلَهُ الجوهريُّ عن أَبي عَمْرٍو، ج. عِداءٌ، كبُرْمَةٍ وبِرامٍ ورِهْمَةٍ ورِهامٍ، وعَدَياتٌ، بالتَّحْريكِ، كما في النسخِ، وفي الصِّحاح: بكسْرِ العَيْنِ وفَتْح الدالِ.
والعَدُوُّ: ضِدُّ الصَّدِيقِ.
وفي الصِّحاح: ضِدُّ الوَلِيِّ يكونُ للواحِدِ والجَمْعِ والذَّكَرِ والأُنْثَى بلَفْظِ واحدٍ، وقد يُثَنَّى ويُجْمَعُ ويُؤَنَّثُ.
في الصِّحاح: قالَ ابنُ السِّكِّيت: فَعُولٌ إذا كانَ في تأْوِيلِ فاعِلٍ كان مُؤَنَّثُه بغَيْرِ هاءٍ نَحْو رجلٌ صَبُور وامْرأَةٌ صَبُور، إلَّا حَرْفًا واحدًا جاءَ نادِرًا؛ قالوا: هذه عَدُوَّة الله.
قالَ الفرَّاءُ: إنَّما أَدْخَلوا فيها الهاءَ تَشْبيهًا بصَديقةٍ لأنَّ الشيءَ قد يُبْنى على ضِدِّهِ. الجمع: أَعْداءٌ، الجمع: جَمْعُ الجَمْعِ أَعادٍ.
والعُدِا، بالضَّمِّ والكَسْر: اسْمٌ الجَمْعِ، هكذا هو في النسخ بالألِفِ، والصَّوابُ أنَّه يُكْتَبُ بالياءِ وإن كانَ واوِيًّا لكَسْرةِ أَوَّلِه.
وفي الصِّحاحِ: العِدَى، بالكَسْرِ: الأعْدَاءُ، وهو جَمْعٌ لا نَظِيرَ له.
وقالَ ابنُ السِّكِّيت: ولم يأْتِ فِعَلٌ في النُّعوت إلَّا حَرْف واحِدٌ يقالُ: هؤلاء قَوْمٌ عِدًى؛ أَي أَعْداءٌ؛ ويقالُ: قَوْمٌ عُدًى مِثْل سِوًى وسُوًى؛ قالَ الأخْطَل:
أَلا يا اسْلَمِي يا هِنْدُ هِنْدَ بني بَدْرِ *** وإنْ كانَ حَيَّانا عِدًى آخِرَ الدهْرِ
يُرْوَى بالضَّمِّ وبالكَسْر.
وقالَ ثَعْلبٌ: قَوْمٌ أَعْداءٌ وعِدًى، بكسْرِ العَيْن، فإنْ أُدْخِلَتِ الهاءُ قُلْت عُداةٌ بضمِّ العَيْن.
والعادِي: العَدُوُّ قالتِ امْرأَةٌ مِن العَرَبِ أَشْمَتَ رَبُّ العالَمِين عادِيَكَ؛ أَي عَدُوَّكَ، الجمع: عُداةٌ، كقَاضٍ وقُضاةٍ.
وقد عَادَاهُ مُعادَاةً، والاسْمُ العَداوَةُ يقالُ: عَدُوٌّ بَيِّنُ المُعَادَاةِ والعَداوَةِ، فالعَداوَةُ: اسْمٌ عامٌّ مِن العَدُوِّ، ومنه قوْلُهُ تعالى: {وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ}.
وتَعادَى: تَباعَدَ، والاسْمُ العَداءُ، كسَحابٍ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِي للأَعْشَى يَصِفُ ظَبْيَةً وطلاها:
وتَعَادى عنه النهار فما تَعْ *** جُوه إلَّا عُفافةٌ أَو فُواقُ
يقولُ: تباعَدُ عن ولَدِها في المَرْعى لئَلَّا يَسْتَدِلَّ الذِّئْبُ بها عليه.
وتَعادَى ما بَيْنهم: اخْتلَف.
وفي الصِّحاح: فَسَدَ.
وتَعادَى القومُ: عادَى بعضُهم بعضًا، مِن العَداوَةِ.
وعَدِيتُ له، كرَضِيتُ: أَبْغَضْتُه؛ نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
وعادَى شَعَرَهُ: أَخَذَ منه أَو رَفَعَه عنْدَ الغَسْل أَو جفاهُ ولم يَدْهِنْه، أَو عاوَدَهُ بالوضُوءِ والغُسْلِ.
وإِبلٌ عادِيَةٌ وعَوادٍ: تَرْعَى الحَمْضَ؛ كما في المُحْكم، وهو ما فيه مُلُوحَةٌ.
وفي الصِّحاح: العادِيَةُ من الإِبِلِ المُقِيمةُ في العِضاهِ لا تُفارِقُها وليسَتْ تَرْعَى الحَمْضَ؛ قالَ كثيِّرٌ:
وإنَّ الذي يَبْغي منَ المالِ أهْلُها *** أَوارِكُ لمَّا تَأتَلِفْ وعَوادِي
يقولُ: أَهْلُ هذه المَرْأَة يَطْلُبونَ من مَهْرِها ما لا يكونُ ولا يُمْكِن كما لا تَأْتَلِفُ الأَوَارِكُ والعَوادِي؛ وكذلكَ العَادِيات؛ قالَ النُّعْمانُ بنُ الأعْرج:
رأَى صاحِبي في العادِياتِ نَجِيبةً *** وأَمْثالها في الواضِعاتِ القَوامِسِ
وتَعَدَّوُا: وَجَدُوا لَبَنًا يَشْربُونه فأَغْناهُمْ عن الخَمْرِ، كذا في النسخ والصَّوابُ: عن اللَّحْمِ أَي عن اشْتِرائِه، كما هو نَصُّ المُحْكم.
وأَيْضًا: وَجَدُوا مَرْعَى لمَواشِيهم فأَغْناهُمْ عن شِراءِ العَلَفِ.
وعَدِيٌّ، كغَنِيٍّ: قَبيلَةٌ، بل قَبائِل أَشْهَرهنَّ التي في قُرَيْش رَهْط عُمَر بنِ الخطَّاب، رضي الله عنه، وهو عَدِيٌّ ابنُ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غالِبِ بنِ فهرِ بنِ مالِكِ بنِ النَّضْر.
وفي الرِّباب: عَدِيٌّ بنُ عبْدِ مَناةَ بنِ أُدِّ بنِ طَلْحَةَ رَهْطُ ذي الرُّمَّة.
وفي حَنيفَةَ: عَدِيُّ بنُ حنيفَةَ؛ وعَدِيٌّ في فزارَة؛ هؤلاء ذَكَرَهُم الجَوْهريُّ.
وفي مرَّةَ بنِ أُدَد: عَدِيُّ بنُ الحارثِ بنِ مرَّة.
وفي السّكُون: عَدِيُّ بنُ أَشْرَس بنِ شبيبِ بنِ السّكُونِ.
وفي خزاعَةَ: عَدِيُّ بنُ سلولِ بنِ كعْبٍ.
وفي ربيعَةَ الفرس: عَدِيُّ بنُ عُمَيْرَةَ بنِ أَسَدٍ.
وفي كَلْبٍ: عَدِيُّ بنُ جنابِ بنِ هُبَل. وهو إلى كلٍّ من هذه القَبائِلِ: عَدَوِيٌّ، وعليه اقْتَصَرَ الجوهرِيُّ، وعَدَيِيُّ، كحَنَفِيِّ، هكذا في النُّسخِ.
والصَّوابُ كحَنِيفيِّ كما هو نصُّ المُحْكَم.
وبَنُو عِدَى*، كإلَى: حَيٌّ من مُزَيْنَة، وهو عِدَاوِيٌّ، نادِرٌ هكذا في المُحْكم؛ وهو عَدِيُّ بنُ عُثْمان بنِ عَمْرِو ابنِ أُدِّ بنِ طابِخَةٍ وأُمُّ عَمْرٍو وتُسَمَّى مُزَيْنَة وبها عُرِفُوا، وضَبَطَه الشَّريفُ النسَّابَةُ عَدَّاء كشَدَّاد.
وعَدْوانُ، بالتَّسْكِين: قَبيلَةٌ من قَيْسِ، واسْمه الحارِثُ ابنُ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ، وإنَّما قيلَ له ذلكَ لأنَّه عَدا على أَخِيهِ فهَمَّ بقَتْلِه.
وفي غَطَفان: عَدْوانُ بنُ سَهْمِ بنِ مرَّة، ومنهم ذُو الإصْبَع العَدْوانِيُّ حكِيمُ العَرَبِ.
وبَنُو عَدَّاءٍ، كشَدَّادٍ: قَبيلَةٌ؛ قيلَ: هُم الذين تقدَّمَ ذِكْرُهم مِن مُزَيْنَة، وهكذا ضَبَطَه الشَّريفُ النسَّابَةُ في المقدَّمةِ الفاضِلِيَّةِ.
ومَعْدِيكَرِبَ، وتُفْتَحُ دالُهُ: اسْمٌ؛ في المُحْكَم: من جَعَلَه مَفْعِلًا كانَ له مَخْرَج مِن الياءِ والواوِ.
قالَ شيْخُنا: وفَتْح دالِهِ غَريبٌ ولا يُعْرَفُ فيمَا رُكِّبَ ترْكِيب مَزْجٍ مُعْتَل وآخِرُ الجُزْءِ الأَوَّل مَفْتُوح، وفَتْحِ الدَّالِ مع حَذْفِ الياءِ وعَدَم إبْدالِها ألِفًا مع دَعْوَى أصالَةِ الميمِ أَشَدُّ غَرابةً.
* قُلْت: وهذا الذي اسْتَغْرَبَه شيْخُنا فقد ذَكَرَه الصَّاغاني في التكمِلَةِ عن ابنِ الكَلْبي وقالَ: هو بلُغةِ اليَمَنِ.
وعَدا: فِعْلٌ يُسْتَثْنَى به مَعَ ما وبدُونِهِ، تقول: جاءَني القَوْمُ ما عَدا زَيْدًا، وجاؤُوني عَدا زَيْدًا، تنصبُ ما بَعْدَها بها والفَاعِل مُضْمَر فيها، كذا في الصِّحاح.
قالَ شيْخُنا: وإنَّما يكونُ فِعْلًا إذا كانَ ما بَعْده مَنْصوبًا، فإن كانَ ما بَعْدَه مَجْرورًا فهو حَرْفٌ باتِّفاقٍ، انتَهَى.
وفي المُحْكم: رأَيْتهم عَدا أَخَاكَ وما عَداهُ؛ أَي ما خَلا، وقد يُخْفَضُ بها دُونَ ما.
وقال الأزْهري: إذا حَذَفْتَ نَصَبْت بمعْنَى إلَّا، وخَفَضْت بمعْنَى سِوَى.
والعَدْوَى: ما يُعْدِي من جَرَبٍ أَو غيرِه، وهو مُجاوزَتُه مِن صاحِبِه إلى غيرِه. يقالُ: أَعْدَى فلانٌ فلانًا مِن خُلُقِه أَو مِن عِلَّةٍ به، أَو جَرَبٍ.
وفي الحديثِ: «لا عَدْوَى ولا طِيرَة»؛ أَي لا يُعْدِي شيءٌ شيئًا؛ كذا في الصِّحاحِ.
وفي النهايَةِ: وقد أَبْطَلَه الإِسْلامُ لأَنَّهم كانوا يظُنُّونَ أَنَّ المَرَضَ بنَفْسِه يتَعَدَّى، فأَعْلَمَهم النبيُّ صَلَى الله عليه وسلّم، أَنَّه ليسَ الأمر كَذلكَ، وإنَّما اللهُ هو الّذي يُمْرِضُ ويُنْزلُ الدَّاءَ، ولهذا قال في بعضِ الأحاديثِ: فمَنْ أَعْدَى الأَوَّل؛ أَي من أَيْنَ صارَ فيه الجَرَب؟.
والعَدَوِيَّةُ، محرَّكةً: من نَباتِ الصَّيْفِ بعدَ ذَهابِ الرَّبيعِ يَخْضَرُّ صِغارُ الشَّجَرِ فتَرْعاهُ الإِبِلُ يقالُ: أَصابَتِ الإِبِلُ عَدَوِيَّةٌ، كذا في الصِّحاح.
وقيلَ: العَدَوِيَّةُ الرَّبْل.
والعَدَوِيَّةُ أَيْضًا: صِغارُ الغَنَمِ؛ وقيلَ: هي بَناتُ أَرْبَعينَ يَوْمًا، فإِذَا جُزَّتْ عنها عَقِيقتُها ذَهَبَ عنها هذا الاسْمُ؛ قالَهُ اللَّيْثُ، وقد غَلَّطَه الأَزْهري.
أَو هي بالغَيْنِ والذَّالِ المعْجَمَتَيْن، أَو بإِعْجامِ الأَوَّلِ فَقَط، واحِدُها غَذِيٌّ؛ كذا في المُحْكم.
وسَيَأْتِي للمصنِّفِ في غَدَى وفي غَذَى.
وقدْ نَبَّه الأزْهري على تَغْليطِ اللّيْث وتَصْويب القَوْل الأَخيرِ.
والعَدَوِيَّةُ: قرية قُرْبَ مِصْرَ، وهي تُعْرَفُ الآنَ بدَيْر العَدَوِيَّةِ. والعَدَوِيَّةُ: قَرْيةٌ أُخْرى بالغَرْبيةِ قُرْب أبيار.
والعادِي: الأَسَدُ لظُلْمِه وافْتِراسِه الناسَ؛ وقد جاءَ في الحديثِ ذكْرُ السَّبع العادِي.
وعُدَيَّةُ، كسُمَيَّةَ: امْرأَةٌ مِن العَرَبِ، وهي أُمُّ قَيْسٍ وعَوْفٍ ومُسَاورٍ وسيَّارٍ ومَنْجوفٍ.
وبَنُو عُدَيَّة: قَبيلَةٌ وهُم بَنُو هؤلاءِ، نُسِبُوا إلى أُمِّهم المَذْكورَةِ، وهم مِن أَفْخاذِ صَعْصَعَة بنِ مُعاوِيَةَ بنِ بكْرِ بنِ وائلٍ.
وعُدَيَّةُ: هَضْبَةٌ؛ نَقَلَهُ الصَّاغاني هكذا.
وتَعَدَّى مَهْرَ فلانَةَ: أَخَذَه.
وعَدْوَةُ: موضع.
وعَادِيا اللَّوْح: طَرَفاهُ، كلٌّ منهما عادِي، كالعدى.
والعَوادِي من الكَرْمِ: ما يُغْرَسُ في أُصُولِ الشَّجَرِ العِظامِ، الواحِدَةُ عادِيَةٌ.
وعادِيَةُ: أُمُّ أَهْبانَ بنِ أَوْسٍ الأَسْلَمي ابن عقبَةَ مُكَلِّمِ الذِّئْبِ، رضِيَ الله تعالى عنه، ويُعْرَفُ بابنِ عادِيَة.
والعَدَّاءُ بنُ خالِدِ بن هوذَةَ مِن بكْرِ بنِ هوازن، صَحابِيُّ له وِفادَةٌ بَعْدَ حُنَيْن، وروايَةٌ، رضِيَ الله تعالى عنه.
* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:
العادِيَةُ: الخَيْلُ المُغِيرَةُ؛ ومنه قولُه تعالى: {وَالْعادِياتِ ضَبْحًا}.
وهو منِّي عَدْوَة القَوْسِ.
والعَادِي: المُعْتَدِي والمُعَادِي والمُتَجاوِزُ الطّورِ.
وعَدَا طَوْرَه: جاوَزَهُ، وقولُه تعالى: {غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ}، أَي: غَيْر مُتجاوِزٍ سَدّ الجُوعَة، أَو غَيْر عادٍ في المَعْصِيةِ طَرِيق المُحْسِنِين.
وقالَ الحَسَنُ: أَي ولا عَائِد فقُلِبَ.
وعُدِي عليه، كعُنِيَ: سُرِقَ مالُه وظُلِم.
والاعْتِداءُ في الدُّعاءِ: الخُرُوجُ عنِ السُّنَّةِ المَأْثُورَةِ.
والعادِي المُخْتَلِسُ.
والعادِيَةُ: الشُّغْلُ يَعْدُوكَ عن الشيءِ؛ والجَمْعُ العَوادِي، وهي الصَّوارِفُ.
يقالُ: عَدَتْ عَوادٍ عن كذا: أَي صَرَفَتْ صَوارِفُ؛ وقولُ الشاعِرِ:
عَداكَ عن رَيَّا وأُمِّ وَهْبٍ *** عادِي العَوادِي واخْتِلافُ الشَّعْبِ
فسَّرَ ابنُ الأَعْرابي: عَادِي العَوادِي بأَشَدّها أَي أَشَدّ الأَشْغَالِ، وهو كزَيْد رجُلُ الرِّجالِ أَي أَشَدُّ الرِّجالِ.
وعَدْواءُ الدَّهْر: صَرْفُه واخْتِلافُه.
والتَّعدِّي في القافِيَةِ: حَرَكةُ الهاءِ التي للمُضْمَرِ المُذَكَّر السَّاكِنَة في الوَقْف؛ والمُتَعَدِّي الواوُ التي تَلْحقُه من بَعْدِها كقَوْله:
تَنْفُشُ منه الخَيل ما يَغْزِلُهُو
فحركَةُ الهاءِ هي التَّعَدِّي، والواوُ بَعْدها هي المُتَعَدِّي، سُمِّيَت بذلك لأَنَّه تَجاوزٌ للحَدِّ وخُروجٌ عن الواجِبِ، ولا يُعْتَدُّ به في الوَزْنِ، لأنَّ الوَزْنَ قد تَناهَى قَبْله جَعَلُوه آخِرَ البَيْت بمنْزِلَةِ الخَرْمِ أَوَّله.
وقالَ ابنُ فارِسَ: العَدْوَى طَلَبُكَ إلى والٍ ليُعْدِيَكَ على مَنْ ظَلَمَكَ؛ أَي يَنْتَقِم منه باعْتِدائِه عليك.
والفقهاءُ يقولونَ: مَسافَة العَدْوَى وكأَنَّهم اسْتَعَارُوها من هذه العَدْوَى لأنَّ صاحِبَها يَصِلُ فيها الذَّهابَ والعَوْدَ بعَدْوٍ واحِدٍ لمَا فيه من القوَّةِ والجلادَةِ؛ كما في المِصْباح.
وقوْلُهم: أَعْدَى من الذِّئْبِ، من العَدْوِ والعَداوَةِ، والأوَّلَ أَكْثَر.
والمُعَادَاةُ: المُوالاةُ والمُتابَعَةُ.
وقالوا في جَمْعِ عَدْوَةٍ عَدايا في الشِّعْر.
وتَعادَى القوْمُ: ماتَ بعضُهم إثْرَ بعضٍ في شَهْرٍ واحِدٍ وفي عامٍ واحِدٍ، أَو إذا أَصابَ هذا دَاء هذا؛ وأَنْشَدَ الجوهريُّ:
فما لَكِ مِنْ أَرْوَى تَعادَيْت بالعَمى *** ولاقَيْتِ كَلَّابًا مُطِلَّا ورَامِيا
والعُدْوَةُ، بالضمِّ: الخلَّةُ من النَّباتِ، وهي ما فيه حَلاوَةٌ؛ والنَّسَبُ إليها عُدوية على القِياسِ، وعَدَوِيَّةٌ على غيرِهِ، وعَوادٍ على النَّسَبِ بغيرِ ياءِ النَّسَبِ.
وإِبِلٌ عُدْويَّةٌ، بالضمِّ، وعُدَوِيَّةٌ، بضمِّ ففَتْح: تَرْعَى الحَمْضَ.
وتَعَدَّى الحقَّ واعْتَداهُ: جاوَزَهُ، وكذا عن الحقِّ، وفَوْقَ الحقِّ، والعِدَى: كإلَى: ما يُطْبَقُ على اللَّحْدِ من الصَّفائِحِ؛ عن أَبي عَمْرٍو، وبِه فسّر قَوْل كثيِّرٍ:
وحالَ السَّفا بَيْني وبَيْنَكَ والعِدَى *** ورهْنُ السَّفَا غَمْرُ النَّقِيبة ماجِدُ
والسَّفا: تُرابُ القَبْر.
وطالَتْ عُدَوَاؤُهم أَي تَباعُدُهم وتَفَرُّقهم.
والعُدَواءُ: إناخَةٌ قَلِيلَةٌ.
وجِئْتُكَ على فَرَسٍ ذي عُدَواءَ: غَيْر مُجْرًى إذا لم يكُنْ ذا طُمَأْنِينَة وسُهُولَة.
وعُدَوَاءُ الشَّوْق: ما بَرَّحَ بصاحِبِه.
وعَدَّيْت عَنِّي الهَمَّ: نَحَّيْتَه.
وتقولُ لمَنْ قَصَدَك: عَدْ عَنِّي إلى غَيْري؛ أَي اصْرِفْ مَرْكبَك إلى غَيْرِي.
والعادِيَةُ: الحدَّةُ والغَضَبُ.
وأَيْضًا: الظُّلْمُ والشرُّ، وهو مَصْدرٌ كالعاقِبَةِ.
وعادِيَةُ الرَّجُلِ: عَدْوُه عليك بالمَكْرُوه.
وعَدَا الماءُ يَعْدُو: إذا جَرَى.
وتَعَادَى القوْمُ عليَّ بنَصْرِهم: أَي تَوالَوْا وتَتابَعُوا.
وعَدْوَةُ الأَمَدِ: مَدُّ البَصَرِ.
ويقالُ: عادِ رِجْلَكَ عن الأرْضِ: أَي جافِها.
وعَادَى الوِسادَةَ: ثَناها؛ والشيءَ: باعَدَهُ.
وتعَادَى عنه: تَجافَى.
وفلانٌ لا يُعَادِينِي ولا يُوادِينِي: أَي لا يُجافِينِي ولا يُواتِينِي.
وتَعادَتِ الإِبِلُ جَمْعًا: مَوَّتَتْ؛ وقَد تَعَادَتْ بالقَرْحة.
وعَادَى القِدْرَ: إذا طامَنَ إحْدَى الأَثافِي لتَمِيلَ على النارِ.
وعَدَاني منه شَرٌّ: أَي بَلَغنِي.
وفلانٌ قد أَعْدَى الناسَ بشَرِّ: أَي أَلْزَقَ بهم شَرًّا وفَعَلَ كذا عَدْوًا بَدْوًا: أَي ظاهِرًا جِهارًا.
وقولُ العامَّةِ: ما عَدَا مَنْ بَدَا، خَطَأ، والصَّواب: أَمَا ما عَدَا بألفِ الاسْتِفْهامِ: أَي أَلَمْ يَتَعَدَّ الحَقَّ مَنْ بَدَأَ بالظُّلْم.
وما لي عنه مَعْدًى: أَي لا تجاوُزَ إلى غيرِهِ ولا قُصُورَ دُونَه.
ويقالُ: السُّلطانُ ذُو عَدَوانٍ وذُو بَدرانٍ.
وبَنُو العَدَوِيَّةَ: قوْمٌ مِن حَنْظَلَة وتمِيمٍ نُسِبُوا إلى أُمِّهم، واسْمُها الحزامُ بنْتُ خزيمَةَ بنِ تمِيمِ بنِ الدول، ويقالُ فيهم: بلعَدَوِيَّة أَيْضًا: وعادِياءُ، والِدُ السَّمَوْأَل، مَمْدودٌ، قالَ النَّمِرُ بنُ تَوْلبٍ:
هلَّا سأَلْت بعادِياءَ وبَيْتِه *** والخَلِّ والخَمْرِ التي لم تُمْنَعِ
وجاءَ مَقْصورًا في قوْلِ السَّمَوْأَل:
بَنَي لي عادِيًا حِصْنًا حَصِينًا *** إذا ما سامَنِي ضَيْمٌ أَبَيْتُ
وعادِيَةُ بنُ صَعْصَعَة مِن هُذَيْلٍ.
وفي هوازن: بَنُو عادِيَة.
وفي بَجِيلَةَ: بَنُو عادِيَةَ بن عامِرٍ.
وفي أَفْخاذِ صَعْصَعة: بَنُو عادِيَةَ، وهم: بَنُو عبدِ اللهِ والحارِثِ نُسِبُوا إلى أُمِّهم.
وأَبو السّيَّارِ عادي بن سَنْد كَتَبَ عنه السَّلَفِي.
وبرّ العُدْوَةِ، بالضمِّ: بالأنْدَلُسِ، وإليه نُسِبَ شهابُ بنُ إدْرِيس العُدْوِيُّ عن قاسِمِ بنِ أَصْبَغ، قيَّدَه الرَّشاطِي.
وزِيادُ بنُ عُدَيِّ، كسُمَيِّ عن ابنِ مَسْعودٍ، قالَ الحافِظُ: وحَكَى فيه البُخاري عُتَي بالتاءِ الفَوْقِيّة.
وقالَ ابنُ حَبيبٍ: كلُّ شيءٍ في العَرَبِ عَدِي بفَتْح العَيْن إلَّا الذي في طيِّيءٍ وهو عُدَيُّ بنُ ثَعْلَبَة بنِ حَيَّان بنِ جرمٍ.
وعِدْي، بكسْرٍ فسكونٍ، هو ابنُ الحارِثِ بنِ عَوْفٍ النَّخَعِيُّ جَدُّ زُرَارَةَ بنِ قَيْسِ بنِ الحارِثِ بنِ عدي، وجَدُّ عَزِيزِ بنِ معاوَيَةَ بنِ سِنانِ بنِ عدي، ومثْلُه عِدْيُ بنُ رَبيعَةَ ابن عجلٍ.
وكسُمَيَّة: عُدَيَّةُ بنُ أُسامةَ في آل عجلٍ، هكذا ضَبَطَه الدَّارْقطْني.
وبَنُو عَدِيٍّ، كغَنِيٍّ: بليدَةٌ في الأَشْمونين سُمِّيَت باسْمِ النازِلِينَ بها، وهُم عَدِيُّ قُرَيْشٍ فيمَا زَعَمُوا، وقد خَرَجَ منها في الزَّمَن القَرِيب أَهْل العِلْمِ والصَّلاحِ.
وأَعْدَى الشَّيءُ الشَّيءَ والصَّاحِبُ الصَّاحِبَ: أَكْسَبَه مثْلَ ما به.
وفي المَثَلِ: قَرِينُ الشَّيء يعدي قَرِينَه.
وبَنُو عاداة: قَبِيلةٌ.
وأُمُورٌ عِدْوَة، بالكَسْر: أَي بعِيدَةٌ.
تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م
29-لسان العرب (عقب)
عقب: عَقِبُ كُلِّ شيءٍ، وعَقْبُه، وعاقِبتُه، وعاقِبُه، وعُقْبَتُه، وعُقْباه، وعُقْبانُه: آخِرُه؛ قَالَ خالدُ ابن زُهَيْر الهُذلي:فإِنْ كنتَ تَشْكُو مِنْ خَليلٍ مَخافةً، ***فتِلْكَ الجوازِي عُقْبُها ونُصُورُها
يَقُولُ: جَزَيْتُكَ بِمَا فَعَلْتَ بِابْنِ عُوَيْمر.
والجمعُ: العَواقِبُ والعُقُبُ.
والعُقْبانُ، والعُقْبَى: كالعاقبةِ، والعُقْبِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلا يَخافُ عُقْباها}؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ لَا يَخافُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عاقِبةَ مَا عَمِلَ أَن يَرجعَ عَلَيْهِ فِي العاقبةِ، كَمَا نَخافُ نحنُ.
والعُقْبُ والعُقُبُ: العاقبةُ، مِثْلُ عُسْرٍ وعُسُرٍ.
ومِنْه قَوْلُهُ تعالى: {هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا}، وَخَيْرٌ عُقْبًاأَي عاقِبةً.
وأَعْقَبه بِطَاعَتِهِ أَي جَازَاهُ.
والعُقْبَى جَزاءُ الأَمْر.
وَقَالُوا: العُقبى لَكَ فِي الخَيْر أَي العاقبةُ.
وَجَمْعُ العَقِبِ والعَقْبِ: أَعقابٌ، لَا يُكَسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
الأَزهري: وعَقِبُ القَدَم وعَقْبُها: مؤَخَّرُها، مُؤَنَّثَةٌ، مِنْه؛ وثلاثُ أَعْقُبٍ، وَتُجْمَعُ عَلَى أَعْقاب.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه بَعَثَ أُمَّ سُلَيْم لتَنْظُرَ لَهُ امرأَةً، فَقَالَ: انْظُري إِلى عَقِبَيْها، أَو عُرْقُوبَيها»؛ قِيلَ: لأَنه إِذا اسْوَدَّ عَقِباها، اسودَّ سائرُ جَسَدها.
وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ عَقِبِ الشيطانِ، وَفِي رِوَايَةٍ: عُقْبةِ الشيطانِ فِي الصَّلَاةِ»؛ وَهُوَ أَن يَضَعَ أَلْيَتَيْه عَلَى عَقِبَيْه، بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ الإِقْعاءَ.
وَقِيلَ: أَن يَترُكَ عَقِبَيْه غيرَ مَغْسُولَين فِي الوُضوءِ، وجمعُها أَعْقابٌ، وأَعْقُبٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فُرْقَ المَقاديمِ قِصارَ الأَعْقُبِ وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ»، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَلِيُّ إِني أُحِبُّ لكَ مَا أُحِبُّ لنَفْسي، وأَكْرَه لَكَ مَا أَكره لِنَفْسِي؛ لَا تَقْرَأْ وأَنت راكعٌ، وَلَا تُصَلِّ عاقِصًا شَعْرَك، وَلَا تُقْعِ عَلَى عَقِبَيْك فِي الصَّلَاةِ، فإِنها عَقِبُ الشَّيْطَانِ، وَلَا تَعْبَثْ بالحَصَى وأَنت فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَفْتَحْ عَلَى الإِمام.
وعَقَبَه يَعْقُبُه عَقْبًا: ضَرَب عَقِبَه.
وعُقِبَ عَقْبًا: شَكا عَقِبَه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «وَيْلٌ للعَقِبِ مِنَ النَّارِ، ووَيْلٌ للأَعْقابِ مِنَ النَّارِ»؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن المَسْحَ عَلَى القَدَمَيْن غيرُ جَائِزٍ، وأَنه لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْن إِلى الكَعْبين، لأَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُوعِدُ بِالنَّارِ، إِلا فِي تَرْكِ العَبْد مَا فُرِضَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكثرِ أَهلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وإِنما خَصَّ العَقِبَ بِالْعَذَابِ، لأَنه العُضْوُ الَّذِي لَمْ يُغْسَلْ، وَقِيلَ: أَراد صاحبَ العَقِب، فَحَذَفَ الْمُضَافَ؛ وإِنما قَالَ ذَلِكَ لأَنهم كَانُوا لَا يَسْتَقْصُون غَسْلَ أَرجلهم فِي الوضوءِ.
وعَقِبُ النَّعْلِ: مُؤَخَّرُها، أُنْثى.
ووَطِئُوا عَقِبَ فلانٍ: مَشَوْا فِي أَثَرِه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن نَعْلَه كانتْ مُعَقَّبةً، مُخَصَّرةً، مُلَسَّنةً».
المُعَقَّبةُ: الَّتِي لَهَا عَقِبٌ.
ووَلَّى عَلَى عَقِبِه، وعَقِبَيْه إِذا أَخَذَ فِي وجْهٍ ثُمَّ انثَنَى.
والتَّعْقِيبُ: أَن يَنْصَرِفَ مِنْ أَمْرٍ أَراده.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَرُدَّهم عَلَى أَعْقابِهِم» أَي إِلى حَالَتِهِمُ الأُولى مِنْ تَرْكِ الهِجْرَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا زالُوا مُرْتَدِّين عَلَى أَعقابهم» أَي رَاجِعِينَ إِلى الْكُفْرِ، كأَنهم رَجَعُوا إِلى وَرَائِهِمْ.
وجاءَ مُعَقِّبًا أَي فِي آخرِ النهارِ.
وجِئْتُكَ فِي عَقِبِ الشَّهْرِ، وعَقْبِه، وَعَلَى عَقِبِه أَي لأَيامٍ بَقِيَتْ مِنْهُ عشرةٍ أَو أَقَلَّ.
وجِئتُ فِي عُقْبِ الشهرِ، وَعَلَى عُقْبِه، وعُقُبِه، وعُقْبانِه أَي بَعْدَ مُضِيِّه كلِّه.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: جِئتُك عُقُبَ رمضانَ أَي آخِرَه.
وجِئتُ فُلَانًا عَلَى عَقْبِ مَمَرِّه، وعُقُبه، وعَقِبِه، وعَقْبِه، وعُقْبانِه أَي بَعْدَ مُرورِه.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «أَنه سَافَرَ فِي عَقِب رمضانَ»أَي فِي آخِرِهِ، وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَتَيْتُك عَلَى عُقُبِ ذاك، وعُقْبِ ذاك، وعَقِبِ ذاكَ، وعَقْبِ ذاكَ، وعُقْبانِ ذَاكَ، وجِئتُكَ عُقْبَ قُدُومِه؛ أي بَعْدَهُ.
وعَقَبَ فلانٌ عَلَى فُلَانَةٍ إِذا تزوَجها بَعْدَ زَوْجِهَا الأَوَّل، فَهُوَ عاقِبٌ لَهَا أَي آخِرُ أَزواجها.
والمُعَقِّبُ: الَّذِي أُغِيرَ عَلَيْهِ فَحُرِب، فأَغارَ عَلَى الَّذِي كَانَ أَغارَ عَلَيْهِ، فاسْتَرَدَّ مالَه؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي صِفَةِ فَرَسٍ:
يَمْلأُ عَيْنَيْكَ بالفِناءِ، ويُرْضِيكَ ***عِقابًا إِنْ شِيتَ أَو نَزَقا
قَالَ: عِقَابًا يُعَقِّبُ عَلَيْهِ صاحبُه أَي يَغْزُو مَرَّةً بَعْدَ أُخرى؛ قَالَ: وَقَالُوا عِقابًا أَي جَرْيًا بَعْدَ جَرْيٍ؛ وَقَالَ الأَزهري: هُوَ جَمْعُ عَقِبٍ.
وعَقَّبَ فلانٌ فِي الصَّلَاةِ تَعْقيبًا إِذا صَلَّى، فأَقامَ فِي مَوْضِعِهِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخرى.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ عَقَّبَ فِي صلاةٍ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ»أَي أَقام فِي مُصَلَّاه، بعد ما يَفرُغُ مِنَ الصَّلَاةِ؛ وَيُقَالُ: صلَّى القَوْمُ وعَقَّبَ فُلَانٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «التَّعْقيبُ فِي الْمَسَاجِدِ انتظارُ الصلواتِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ».
وَحَكَى اللِّحيانيُّ: صَلَّيْنَا عُقُبَ الظُّهْر، وَصَلَّيْنَا أَعقابَ الفريضةِ تَطَوُّعًا أَي بَعْدَهَا.
وعَقَبَ هَذَا هَذَا إِذا جاءَ بَعْدَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الأَوَّل شيءٌ؛ وَقِيلَ: عَقَبَه إِذا جاءَ بَعْدَهُ.
وعَقَبَهَذَا هَذَا إِذا ذَهَبَ الأَوَّلُ كلُّه، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ.
وكلُّ شيءٍ جاءَ بَعْدَ شَيْءٍ، وخَلَفه، فَهُوَ عَقْبُه، كماءِ الرَّكِيَّةِ، وهُبوبِ الرِّيحِ، وطَيرانِ القَطا، وعَدْوِ الفَرس.
والعَقْبُ، بِالتَّسْكِينِ: الجَرْيُ يَجِيءُ بعدَ الجَري الأَوَّل؛ تَقُولُ: لِهَذَا الْفَرَسِ عَقْبٌ حَسَن؛ وفَرَسٌ ذُو عَقِب وعَقْبٍ أَي لَهُ جَرْيٌ بَعْدَ جَرْيٍ؛ قَالَ إمْرُؤُ القَيْس:
عَلَى العَقْبِ جَيَّاشٌ كأَنَّ اهتِزامَهُ، ***إِذا جاشَ فِيهِ حَمْيُهُ، غَلْيُ مِرْجَل
وفرسٌ يَعْقوبٌ: ذُو عَقْبٍ، وَقَدْ عَقَبَ يَعْقِبُ عَقْبًا.
وَفَرَسٌ مُعَقِّبٌ فِي عَدْوِه: يَزْدادُ جَودةً.
وعَقَبَ الشَّيْبُ يَعْقِبُ ويَعْقُبُ عُقُوبًا، وعَقَّبَ: جاءَ بَعْدَ السَّوادِ؛ ويُقال: عَقَّبَ فِي الشَّيْبِ بأَخْلاقٍ حَسَنةٍ.
والعَقِبُ، والعَقْبُ، والعاقِبةُ: ولَدُ الرجلِ، ووَلَدُ ولَدِه الباقونَ بَعْدَهُ.
وذَهَبَ الأَخْفَشُ إِلى أَنها مؤنَّثة.
وَقَوْلُهُمْ: ليستْ لفلانٍ عاقبةٌ أَي لَيْسَ لَهُ ولَد؛ وقولُ العَرَبِ: لَا عَقِبَ لَهُ أَي لَمْ يَبْقَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَر؛ وَقَوْلُهُ تعالى: {وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ}، أَرادَ عَقِبَ إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَعْنِي: لَا يَزَالُ مِنْ وَلَدِهِ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ.
وَالْجَمْعُ: أَعقاب.
وأَعْقَبَ الرجلُ إِذا ماتَ وتَرك عَقِبًا أَي وَلَدًا؛ يُقَالُ: كَانَ لَهُ ثلاثةُ أَولادٍ، فأَعْقَبَ مِنْهُمْ رَجُلانِ أَي تَرَكا عَقِبًا، ودَرَجَ واحدٌ؛ وَقَوْلُ طُفَيْل الغَنَوِيِّ:
كَريمةُ حُرِّ الوَجْهِ، لَمْ تَدْعُ هالِكًا ***مِنَ القَومِ هُلْكًا، فِي غَدٍ، غيرَ مُعْقِبِ
يَعْنِي: أَنه إِذا هَلَكَ مِنْ قَوْمِها سَيِّدٌ، جاءَ سَيِّدٌ، فَهِيَ لَمْ تَنْدُبْ سَيِّدًا وَاحِدًا لَا نَظِيرَ لَهُ أَي إِنّ لَهُ نُظَراء مِنْ قومِه.
وَذَهَبَ فلانٌ فأَعْقَبه ابنُه إِذا خَلَفه، وَهُوَ مثْلُ عَقَبه.
وعَقَبَ مكانَ أَبيه يَعْقُب عَقْبًا وعاقِبة، وعَقَّبَ إِذا خَلَف؛ وَكَذَلِكَ عَقَبَه يَعْقُبُه عَقْبًا، الأَوّل لَازِمٌ، وَالثَّانِي مُتَعَدّ، وكلُّ مَنْ خَلَف بَعْدَ شَيْءٍ فَهُوَ عاقبةٌ، وعاقِبٌ لَهُ؛ قَالَ: وَهُوَ اسْمٌ جاءَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ}؛ وذَهَبَ فلانٌ فأَعْقَبَه ابنُه إِذا خَلَفه، وَهُوَ مثلُ عَقَبه؛ وَيُقَالُ لِوَلَدِ الرَّجُلِ: عَقِبُه وعَقْبُه، وَكَذَلِكَ آخرُ كلِّ شَيْءٍ عَقْبُه، وَكُلُّ مَا خَلَف شَيْئًا، فَقَدْ عَقَبَه، وعَقَّبه.
وعَقَبُوا مِنْ خَلْفِنا، وعَقَّبُونا: أَتَوا.
وعَقَبُونا مِنْ خَلْفِنا، وعَقَّبُونا أَي نَزَلُوا بعد ما ارتَحَلْنا.
وأَعْقَبَ هَذَا هَذَا إِذا ذَهَبَ الأَولُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شيءٌ، وصارَ الآخَرُ مكانَه.
والمُعْقِبُ: نَجْمٌ يَعْقُب نَجْمًا أَي يَطْلُع بَعْدَهُ.
وأَعْقَبَه نَدَمًا وغَمًّا: أَوْرَثَه إِياه؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْب:
أَودَى بَنِيَّ وأَعْقَبُوني حَسْرَةً، ***بعدَ الرُّقادِ، وعَبْرَةً مَا تُقْلِعُ
وَيُقَالُ: فَعَلْتُ كَذَا فاعْتَقَبْتُ مِنْهُ نَدامةً أَي وجَدْتُ في عاقِبَتِه نَدَامَةً.
وَيُقَالُ: أَكَلَ أُكْلَةً فأَعْقَبَتْه سُقمًا أَي أَورَثَتْه.
وَيُقَالُ: لَقِيتُ مِنْهُ عُقْبةَ الضَّبُع، كَمَا يُقَالُ: لَقيتُ مِنْهُ اسْتَ الكَلْب أَي لقِيتُ مِنْهُ الشِّدَّة.
وعاقَبَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِذا جاءَ بأَحَدهما مَرَّةً، وبالآخَر أُخْرَى.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ عُقْبَةُ بَنِي فلانٍ أَي آخِرُ مَنْ بَقيَ مِنْهُمْ.
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ مُنْقَطِعَ الْكَلَامِ: لو كان له
عَقْبٌ لَتَكلم أَي لَوْ كَانَ لَهُ جوابٌ.
والعاقِبُ: الَّذِي دُون السَّيِّدِ؛ وَقِيلَ: الَّذِي يَخْلُفُه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصارى نَجْرَانَ: السَّيِّدُ والعاقِبُ»؛ فالعاقِبُ: مَن يَخْلُفُ السَّيِّدَ بَعْدَهُ.
والعاقِبُ والعَقُوبُ: الَّذِي يَخْلُف مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي الخَيْرِ.
والعاقِبُ: الْآخَرُ.
وَقِيلَ: السَّيِّدُ والعاقبُ هُمَا مِنْ رُؤَسائِهم، وأَصحاب مَرَاتِبِهِمْ، والعاقبُ يَتْلُو السَّيِّدَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنا العاقِبُ»أَي آخِرُ الرُّسُلِ؛ وَقَالَ"""" النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِي خمسةُ أَسماء: أَنا مُحَمَّدٌ، وأَنا أَحمدُ، والمَاحِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الكُفْرَ، والحاشِرُ أَحْشُر الناسَ عَلَى قَدَمِي، والعاقِبُ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: العاقِبُ آخِرُ الأَنبياء؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: آخرُ الرُّسُل.
وفلانٌ يَسْتَقي عَلَى عَقِبِ آلِ فُلان أَي فِي إِثْرهم؛ وَقِيلَ: عَلَى عُقْبتهم أَي بَعْدَهم.
والعَاقِبُ والعَقُوب: الَّذِي يَخْلُف مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي الخَيْر.
والمُعَقِّبُ: المُتَّبِعُ حَقًّا لَهُ يَسْتَرِدُّه.
وَذَهَبَ فلانٌ وعَقَّبَ فلانٌ بعْدُ، وأَعْقَب.
والمُعَقِّبُ: الَّذِي يَتْبَعُ عَقِبَ الإِنسانِ فِي حَقٍّ؛ قَالَ لبيدٌ يصفُ حِمَارًا وأَتانَهُ:
حتَّى تَهَجَّرَ فِي الرَّواحِ، وهاجَهُ ***طَلَبُ المُعَقِّبِ حَقَّه المَظْلومُ
وَهَذَا البيتُ اسْتُشْهِدَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى قَوْلِهِ: عَقَّبَ فِي الأَمْر إِذا تَرَدَّد فِي طَلَبِهِ مُجِدًّا، وأَنشده؛ وَقَالَ: رَفْعُ الْمَظْلُومِ، وَهُوَ نعتٌ للمُعَقِّبِ، عَلَى الْمَعْنَى، والمُعَقِّبُ خَفْضٌ فِي اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ أَنه فَاعِلٌ.
وَيُقَالُ أَيضًا: المُعَقِّبُ الغَريمُ المُماطل.
عَقَّبَني حَقِّي أَي مَطَلَني، فَيَكُونُ المظلومُ فَاعِلًا، والمُعَقِّبُ مَفْعُولًا.
وعَقَّبَ عَلَيْهِ: كَرَّ ورَجَع.
وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ}.
وأَعْقَبَ عَنِ الشيءِ: رَجَعَ.
وأَعْقَبَ الرجلُ: رَجَعَ إِلى خَيْر.
وقولُ الحرث بْنِ بَدْر: كنتُ مَرَّةً نُشْبه وأَنا الْيَوْمَ عُقْبه؛ فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: مَعْنَاهُ كنتُ مَرَّةً إِذا نَشِبْتُ أَو عَلِقْتُ بإِنسان لَقِيَ مِنِّي شَرًّا، فَقَدْ أَعْقَبْتُ اليومَ ورَجَعْتُ أَي أَعْقَبْتُ مِنْهُ ضَعْفًا.
وَقَالُوا: العُقْبَى إِلى اللَّهِ أَي المَرْجِعُ.
والعَقْبُ: الرُّجُوع؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كأَنَّ صِياحَ الكُدْرِ، يَنْظُرْنَ عَقْبَنا، ***تَراطُنَ أَنْباطٍ عَلَيْهِ طَغَامُ
مَعْنَاهُ: يَنْتَظِرْنَ صَدَرَنا ليَرِدْنَ بَعْدَنا.
والمُعَقِّبُ: المُنْتَظِرُ.
والمُعَقِّبُ: الَّذِي يغْزُو غَزوةً بَعْدَ غَزْوةٍ، ويَسير سَيْرًا بعدَ سيرٍ، وَلَا يُقِيمُ فِي أَهله بَعْدَ القُفُولِ.
وعَقَّبَ بصلاةٍ بعدَ صلاةٍ، وغَزاةٍ بَعْدَ غزاةٍ: وَالى.
وَفِي الْحَدِيثِ: «وإِنَّ كلَّ غازيةٍ غَزَتْ يَعْقُبُ بعضُها بَعْضًا» أَي يكونُ الغَزوُ بَيْنَهُمْ نُوَبًا، فإِذا خَرَجَتْ طائفةٌ ثُمَّ عَادَتْ، لَمْ تُكَلَّفْ أَن تَعودَ ثَانِيَةً، حَتَّى تَعْقُبَها أُخْرى غيرُها.
وَمِنْهُ حَدِيثِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يُعَقِّبُ الجيوشَ فِي كُلِّ عَامٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا كانتْ صلاةُ الخَوْفِ إِلا سَجْدَتَيْن»؛ إِلا أَنها كَانَتْ عُقَبًاأَي تُصَلي طائفةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ، فَهُمْ يَتَعاقبُونَها تَعاقُبَ الغُزاةِ.
وَيُقَالُ لِلَّذِي يغْزو غَزْوًا بَعْدَ غَزْوٍ، وَلِلَّذِي يتقاضَى الدَّيْنَ، فيعودُ إِلى غَرِيمِهِ فِي تَقَاضِيهِ.
مُعَقِّبٌ؛ وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ:
طَلَبُ المُعَقِّبِ حَقَّه المَظْلومُ والمُعَقِّبُ: الَّذِي يَكُرُّ عَلَى الشيءِ، وَلَا يَكُرُّ أَحدٌ عَلَى مَا أَحكمَه اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدل: إِذا لَمْ يُصِبْ فِي أَوَّلِ الغَزْوِ عَقَّبا أَي غَزا غَزوةً أُخْرى.
وعَقَّبَ فِي النافِلَةِ بعدَ الفَريضَةِ كَذَلِكَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: «كَانَ هُوَ وامرأَته وخادِمُه يَعْتَقِبونَ اللَّيْلَ أَثلاثًا»؛ أي يَتَناوَبُونه فِي الْقِيَامِ إِلى الصَّلَاةِ.
وَفِي حَدِيثِ أَنس بْنِ مَالِكٍ: «أَنه سُئِلَ عَنِ التَّعْقِيبِ فِي رَمَضانَ»، فأَمَرَهم أَن يُصَلُّوا فِي البُيوت.
وَفِي التَّهْذِيبِ: فَقَالَ إِنهم لَا يَرْجِعُون إِلا لِخَيْرٍ يَرْجُونَه، أَو شَرٍّ يَخافُونَه.
قَالَ ابْنُ الأَثير: التَّعْقِيبُ هُوَ أَن تَعْمَلَ عَمَلًا، ثُمَّ تَعُودَ فِيهِ؛ وأَراد بِهِ هَاهُنَا صلاةَ النَّافِلَةِ، بَعْدَ التَّرَاوِيحِ، فكَرِهَ أَن يُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ، وأَحَبَّ أَن يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ.
وَحَكَى الأَزهري عَنْ إِسحاق بْنِ رَاهُويَهْ: إِذا صَلَّى الإِمامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِالنَّاسِ تَرْويحةً، أَو تَرويحتين، ثُمَّ قَامَ الإِمام مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فأَرسل إِلى قَوْمٍ فاجْتمعوا فصَلى بهم بعد ما نَامُوا، فإِن ذَلِكَ جَائِزٌ إِذا أَراد بِهِ قيامَ مَا أُمِرَ أَن يُصَلى مِنَ التَّرويح، وأَقلُّ ذَلِكَ خَمْسُ تَرويحات، وأَهلُ الْعِرَاقِ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَإِمَّا أَن يَكُونَ إِمام صَلَّى بِهِمْ أَوَّلَ اللَّيْلِ التَّرْوِيحَاتِ، ثمَّ رَجَعَ آخِرَ اللَّيْلِ ليُصليَ بِهِمْ جَمَاعَةً، فإِن ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنس وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ كَرَاهِيَتِهِمَا التَّعْقِيبَ؛ وَكَانَ أَنس يأْمُرُهم أَن يُصَلُّوا فِي بُيوتهم.
وَقَالَ شَمِرٌ: التَّعْقِيبُ أَن يَعْمَلَ عَمَلًا مِنْ صَلَاةٍ أَو غَيْرِهَا، ثُمَّ يَعُودُ فِيهِ مِنْ يَوْمِهِ؛ يُقَالُ: عَقَّبَ بِصَلَاةٍ بَعْدَ صَلَاةٍ، وَغَزْوَةٍ بَعْدَ غَزْوَةٍ؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ: هُوَ الَّذِي يفعلُ الشيءَ ثُمَّ يَعُود إِليه ثَانِيَةً.
يُقَالُ: صَلى مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ عَقَّبَ، أَي عَادَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «أَنه كَانَ يُعَقِّبُ الجُيوشَ فِي كُلِّ عَامٍ»؛ قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ أَنه يَرُدُّ قَوْمًا ويَبْعَثُ آخَرِينَ يُعاقِبُونَهم.
يُقَالُ: عُقِّبَ الغازيةُ بأَمثالهم، وأُعْقِبُوا إِذا وُجِّه مكانَهم غيرُهم.
والتَّعْقِيبُ: أَن يَغْزُوَ الرجلُ، ثُمَّ يُثَنِّي مِنْ سَنَته؛ قَالَ طُفَيْلٌ يَصِفُ الْخَيْلَ:
طِوالُ الهَوادي، والمُتُونُ صَلِيبةٌ، ***مَغاويرُ فِيهَا للأَميرِ مُعَقَّبُ
والمُعَقَّبُ: الرجلُ يُخْرَجُ مِنْ حانةِ الخَمَّار إِذا دَخَلَها مَن هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ قَدْرًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وإِنْ تَبْغِني فِي حَلْقةِ القَوْمِ تَلْقَني، ***وإِنْ تَلْتَمِسْني فِي الحَوانيتِ تَصْطَدِ
أَي لَا أَكونُ مُعَقَّبًا.
وعَقَّبَ وأَعْقَبَ إِذا فَعَلَ هَذَا مرَّةً، وَهَذَا مَرَّةً.
والتَّعْقِيبُ فِي الصَّلاةِ: الجلوسُ بَعْدَ أَن يَقْضِيَها لدُعاءٍ أَو مَسْأَلة.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ عَقَّبَ فِي صَلَاةٍ، فَهُوَ فِي الصلاةِ».
وتَصَدَّقَ فلانٌ بصَدقةٍ لَيْسَ فِيهَا تَعْقِيبٌ أَي اسْتِثْنَاءٌ.
وأَعْقَبَه الطائفُ إِذا كَانَ الجُنُون يُعاوِدُه فِي أَوْقاتٍ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ فَرَسًا:
ويَخْضِدُ فِي الْآرِيِّ، حَتى كأَنَّه ***بِهِ عُرَّةٌ، أَو طائفٌ غيرُ مُعْقِبِ
وإِبلٌ مُعاقِبةٌ: تَرْعَى مَرَّةً فِي حَمْضٍ، وَمَرَّةً فِي خُلَّةٍ.
وأَما الَّتِي تَشْرَبُ الماءَ، ثُمَّ تَعُودُ إِلى المَعْطَنِ، ثُمَّ تَعُودُ إِلى الماءِ، فَهِيَ العواقِبُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
وعَقَبَتِ الإِبلُ مِنْ مكانٍ إِلى مكانٍ تَعْقُبُ عَقْبًا، وأَعْقَبَتْ: كلاهما تحوّلَتْمِنْهُ إِليه تَرْعَى.
ابْنُ الأَعرابي: إِبلٌ عاقِبةٌ تَعْقُب فِي مَرْتَعٍ بَعْدَ الحَمْضِ، وَلَا تَكُونُ عَاقِبَةً إِلا فِي سنةٍ جَدْبة، تأْكل الشَّجَر ثُمَّ الحَمْضَ.
قَالَ: وَلَا تَكُونُ عاقِبةً فِي العُشْبِ.
والتَّعاقُبُ: الوِرْدُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
والمُعَقِّباتُ: اللَّواتي يَقُمْنَ عِنْدَ أَعْجازِ الإِبل المُعْتَرِكاتِ عَلَى الحَوْض، فإِذا انْصَرَفَتْ ناقةٌ دَخَلَتْ مكانَها أُخرى، وَهِيَ الناظراتُ العُقَبِ.
والعُقَبُ: نُوَبُ الوارِدَة تَرِدُ قِطْعةٌ فتَشْرَبُ، فإِذا وَرَدَتْ قِطْعةٌ بَعْدَهَا فَشَرِبَتْ، فَذَلِكَ عُقْبَتُها.
وعُقْبةُ الْمَاشِيَةِ فِي المَرْعَى: أَن تَرْعَى الخُلَّةَ عُقْبةً، ثُمَّ تُحَوَّل إِلى الحَمْضِ، فالحَمْضُ عُقْبَتُها؛ وَكَذَلِكَ إِذا حُوِّلَتْ مِنَ الحَمْض إِلى الخُلَّة، فالخُلَّة عُقْبَتُها؛ وَهَذَا الْمَعْنَى أَراد ذُو الرُّمَّةِ بِقَوْلِهِ يَصِفُ الظَّلِيمَ:
أَلْهاهُ آءٌ وتَنُّومٌ وعُقْبَتُه ***من لائحِ المَرْوِ، والمَرعى لَهُ عُقَبُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
والمِعْقَابُ: المرأَة الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا أَن تَلِدَ ذَكَرًا ثُمَّ أُنْثَى.
ونخلٌ مُعاقِبةٌ: تَحْمِلُ عَامًا وتُخْلِفُ آخَرَ.
وعِقْبةُ القَمَرِ: عَوْدَتُه، بِالْكَسْرِ.
وَيُقَالُ: عَقْبةُ، بِالْفَتْحِ، وَذَلِكَ إِذا غَابَ ثُمَّ طَلَع.
ابْنُ الأَعرابي: عُقْبَةُ الْقَمَرِ، بِالضَّمِّ، نَجْمٌ يُقارِنُ القَمَرَ فِي السَّنةِ مَرَّةً؛ قَالَ:
لَا تَطْعَمُ المِسْكَ والكافورَ، لِمَّتُه، ***وَلَا الذَّريرَةَ، إِلا عُقْبةَ القَمَرِ
هُوَ لِبَعْضِ بَنِي عَامِرٍ، يَقُولُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الحَوْلِ مَرَّةً؛ وَرِوَايَةُ اللِّحْيَانِيِّ عِقْبَةَ، بِالْكَسْرِ، وَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ، لأَن القمر يَقْطَعُ الفَلَك في كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً.
وَمَا أَعْلَمُ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: يُقارن الْقَمَرَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً.
وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ: مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلا عُقْبةَ القَمر إِذا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً.
والتَّعاقُبُ والاعْتِقابُ: التَّداوُل.
والعَقِيبُ: كلُّ شيءٍ أَعْقَبَ شَيْئًا.
وَهُمَا يَتَعاقَبانِ ويَعْتَقِبانِ أَي إِذا جاءَ هَذَا، ذَهَب هَذَا، وَهُمَا يَتَعاقَبانِ كلَّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، والليلُ والنهارُ يَتَعاقَبانِ، وَهُمَا عَقيبان، كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا عَقِيبُ صَاحِبِهِ.
وعَقِيبُك: الَّذِي يُعاقِبُك فِي العَمَل، يَعْمَلُ مرَّةً وتَعْمَلُ أَنت مَرَّةً.
وَفِي حَدِيثِ شُرَيْح: «أَنه أَبْطَلَ النَّفْحَ إِلا أَن تَضْرِبَ فتُعاقِبَ»أَي أَبْطَلَ نَفْحَ الدَّابَّةِ بِرِجْلِهَا، وَهُوَ رَفْسُها، كانَ لَا يُلْزِمُ صاحِبَها شَيْئًا إِلا أَن تُتْبِعَ ذَلِكَ رَمْحًا.
وعَقَبَ الليلُ النهارَ: جاءَ بعدَه.
وعاقَبه أَي جاءَ بعَقِبه، فَهُوَ مُعاقِبٌ وعَقِيبٌ أَيضًا؛ والتَّعْقِيبُ مِثْلُهُ.
وذَهَبَ فلانٌ وعَقَبَهُ فلانٌ بعدُ، واعْتَقَبَه أَي خَلَفَه.
وَهُمَا يُعَقِّبانِه ويَعْتَقِبانِ عَلَيْهِ ويَتَعاقَبانِ: يَتَعاونانِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: النَّعامَةُ تَعْقُبُ فِي مَرْعًى بَعْدَ مَرْعًى، فمرَّةً تأْكل الآءَ، ومَرة التَّنُّوم، وتَعْقُبُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِجَارَةِ المَرْوِ، وَهِيَ عُقْبَته، وَلَا يَغِثُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ المَرْتَع، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
********* وعُقْبَتُه ***مِنْ لائِحِ المَرْوِ، والمَرْعَى له عُقَبُ
وَقَدْ ذُكِرَ فِي صَدْرِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ.
واعْتَقَبَ بِخَيْرٍ، وتَعَقَّبَ: أَتى بِهِ مرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
وأَعْقَبه اللهُ بإِحسانه خَيْرًا؛ وَالِاسْمُ مِنْهُ العُقْبَى،
وَهُوَ شِبْهُ العِوَضِ، واسْتَعْقَبَ مِنْهُ خَيْرًا أَو شَرًّا: اعْتاضَه، فأَعْقَبَه خَيْرًا أَي عَوَّضَهُ وأَبدله.
وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ:
ومَنْ أَطاعَ فأَعْقِبْه بطاعَتِه، ***كَمَا أَطاعَكَ، وادْلُلْهُ عَلَى الرَّشَدِ
وأَعْقَبَ الرجلُ إِعْقابًا إِذا رَجَع مِنْ شَرٍّ إِلى خَيْرٍ.
واسْتَعْقَبْتُ الرجلَ، وتَعَقَّبْتُه إِذا طَلَبْتَ عَوْرَتَهُ وعَثْرَته.
وَتَقُولُ: أَخَذْتُ مِنْ أَسِيري عُقْبةً إِذا أَخَذْتَ مِنْهُ بَدَلًا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «سَأُعْطيكَ مِنْهَا عُقْبَى» أَي بَدَلًا عَنِ الإِبقاءِ والإِطلاق.
وَفِي حَدِيثِ الضِّيَافَةِ: «فإِن لَمْ يَقْرُوه، فَلَهُ أَن يُعْقِبَهُم بمثْل قِراهُ»أَي يأْخذ مِنْهُمْ عِوَضًا عَمَّا حَرَمُوه مِنَ القِرَى.
وَهَذَا فِي المُضْطَرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ طَعَامًا، وَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ.
يُقَالُ: عَقَبَهم وعَقَّبهم، مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا، وأَعْقَبَهم إِذا أَخذ مِنْهُمْ عُقْبَى وعُقْبةً، وَهُوَ أَن يأْخذ مِنْهُمْ بَدَلًا عَمَّا فَاتَهُ.
وتَعَقَّبَ مِنْ أَمره: نَدِمَ؛ وَتَقُولُ: فعلتُ كَذَا فاعْتَقَبْتُ مِنْهُ نَدَامَةً أَي وجدْتُ في عاقبته ندامة.
وأَعْقَبَ الرجلَ: كَانَ عَقِيبَه؛ وأَعْقَبَ الأَمْرَ إِعْقابًا وعُقْبانًا وعُقْبَى حسَنةً أَو سَيِّئَةً.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ جَرْعةٍ أَحْمَدَ عُقْبَى مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ مَكْظُومَةٍ»؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
أَحمد عُقْبانًا أَي عَاقِبَةً.
وأُعْقِبَ عِزُّه ذُلًّا: أُبْدِلَ؛ قَالَ:
كَمْ مِنْ عزيزٍ أُعْقِبَ الذُّلَّ عِزُّه، ***فأَصْبَحَ مَرْحُومًا، وَقَدْ كَانَ يُحْسَدُ
وَيُقَالُ: تَعَقَّبْتُ الخَبَرَ إِذا سأَلتَ غيرَ مَنْ كنتَ سأَلته أَوَّل مَرَّةٍ.
وَيُقَالُ: أَتَى فلانٌ إِليَّ خَيْرًا فعَقَبَ بِخَيْرٍ مِنْهُ؛ وأَنشد:
فَعَقَبْتُم بذُنُوبٍ غيرَ مَرّ
وَيُقَالُ: رأَيتُ عَاقِبَةً مِنْ طَيْر إِذا رأَيتَ طَيْرًا يَعْقُبُ بعضُها بَعْضًا، تَقَعُ هَذِهِ فَتَطِيرُ، ثُمَّ تَقَعُ هَذِهِ مَوْقِعَ الأُولى.
وأَعْقَبَ طَيَّ الْبِئْرِ بِحِجَارَةٍ مِنْ وَرَائِهَا: نَضَدَها.
وكلُّ طَرِيقٍ بعضُه خَلْفَ بعضٍ: أَعْقابٌ، كأَنها مَنْضُودة عَقْبًا عَلَى عَقْبٍ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ فِي وَصْفِ طرائقِ الشَّحْمِ عَلَى ظَهْرِ النَّاقَةِ:
إِذا دَعَتْ غَوْثَها ضَرَّاتُها فَزِعَتْ ***أَعقابُ نَيٍّ، عَلَى الأَثْباجِ، مَنْضُودِ
والأَعْقابُ: الخَزَفُ الَّذِي يُدْخَلُ بَيْنَ الآجُرِّ فِي طَيِّ الْبِئْرِ، لِكَيْ يَشْتَدَّ؛ قَالَ كُراع: لَا وَاحِدَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: العُقابُ الخَزَفُ بَيْنَ السَّافَاتِ؛ وأَنشد فِي وَصْفِ بِئْرٍ:
ذاتَ عُقابٍ هَرِشٍ وذاتَ جَمّ ويُروى: وذاتَ حَمّ، أَراد وذاتَ حَمْءٍ، ثُمَّ اعْتَقَدَ إِلْقاءَ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا، فَقَالَ: وذاتَ حَمّ.
وأَعقابُ الطَّيِّ: دوائرُه إِلى مؤَخَّره.
وَقَدْ عَقَّبْنا الرَّكِيَّةَ أَي طوَيْناها بحَجَر مِنْ وراءِ حَجَرٍ.
والعُقابُ: حَجَرٌ يَسْتَنْثِلُ عَلَى الطَّيِّ فِي الْبِئْرِ أَي يَفْضُل.
وعَقَبْتُ الرجلَ: أَخذتُ مِنْ مَالِهِ مثلَ مَا أَخَذَ
مِنِّي، وأَنا أَعْقُب، بِضَمِّ الْقَافِ، وَيُقَالُ: أَعْقَبَ عَلَيْهِ يَضْرِبُه.
وعَقَبَ الرَّجُلَ فِي أَهله: بَغَاهُ بشَرٍّ وخَلَفَه.
وعَقَبَ فِي أَثر الرَّجُلِ بِمَا يَكْرَهُ يَعْقُبُ عَقْبًا: تَنَاوَلَهُ بِمَا يَكْرَهُ وَوَقَعَ فِيهِ.
والعُقْبةُ: قدرُ فَرسخين؛ والعُقْبَة أَيضًا: قَدْرُ مَا تَسِيرُه، والجمعُ عُقَبٌ؛ قَالَ:
خَوْدًا ضِناكًا لَا تَسِير العُقَبا
أَي إِنها لَا تَسير مَعَ الرِّجَالِ، لأَنها لَا تَحْتَملُ ذَلِكَ لنَعْمتها وتَرَفِها؛ كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
فَلَمْ تَسْتَطِعْ مَيٌّ مُهاواتَنا السُّرَى، ***وَلَا لَيْلَ عِيسٍ فِي البُرِينَ خَواضِعُ
والعُقْبةُ: الدُّولةُ؛ والعُقْبةُ: النَّوْبةُ؛ تَقُولُ: تَمَّتْ عُقْبَتُكَ؛ والعُقبة أَيضًا: الإِبل يَرْعاها الرجلُ، ويَسْقيها عُقْبَتَه أَي دُولَتَه، كأَنَّ الإِبلَ سُمِّيَتْ بِاسْمِ الدُّولَة؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِنَّ عليَّ عُقْبَةً أَقْضِيها، ***لَسْتُ بناسِيها وَلَا مُنْسِيها
أَي أَنا أَسُوقُ عُقْبَتِي، وأُحْسِنُ رَعْيَها.
وَقَوْلُهُ: لستُ بناسِيها وَلَا مُنْسِيها.
يَقُولُ: لستُ بتاركِها عَجْزًا وَلَا بِمُؤَخِّرِها؛ فَعَلَى هَذَا إِنما أَراد: وَلَا مُنْسِئِها، فأَبدل الهمزةَ يَاءً، لإِقامة الرِّدْفِ.
والعُقْبةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُرْكَبُ فِيهِ.
وتَعاقَبَ المُسافرانِ عَلَى الدَّابَّةِ: رَكِبَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُقْبةً.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَكَانَ الناضِحُ يَعْتَقِبُه مِنَّا الخَمْسةُ» أَي يَتَعاقَبُونه فِي الرُّكوبِ وَاحِدًا بعدَ واحدٍ.
يُقال: جاءَتْ عُقْبةُ فلانٍ أَي جاءَتْ نَوْبَتُه ووقتُ رُكوبه.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ مَشى عَنْ دَابَّتِهِ عُقْبةً، فَلَهُ كَذَا» أَي شَوْطًا.
ويُقال: عاقَبْتُ الرجلَ، مِن العُقْبة، إِذا راوَحْتَه فِي عَمل، فَكَانَتْ لَكَ عُقْبةٌ وَلَهُ عُقْبةٌ؛ وَكَذَلِكَ أَعْقَبْتُه.
وَيَقُولُ الرَّجُلُ لزَمِيله: أَعْقِبْ وعاقِبْ أَي انْزِلْ حَتَّى أَرْكَبَ عُقْبتِي؛ وَكَذَلِكَ كلُّ عَمل.
وَلَمَّا تَحَوَّلَتِ الخِلافةُ إِلى الْهَاشِمِيِّينَ عَنْ بَنِي أُمَيَّة، قَالَ سُدَيْفٌ شاعرُ بَنِي العباسِ:
أَعْقِبِي آلَ هاشِمٍ، يا مَيَّا
يَقُولُ: انْزِلي عَنِ الخِلافةِ حَتَّى يَرْكَبَها بَنُو هَاشِمٍ، فَتَكُونَ لَهُمُ العُقْبةُ عَلَيْكُمْ.
واعْتَقَبْتُ فُلَانًا مِنَ الرُّكُوبِ أَي نَزَلْتُ فرَكِبَ.
وأَعْقَبْتُ الرجلَ وعاقَبْتُه فِي الرَّاحِلَةِ إِذا رَكِبَ عُقْبةً، ورَكِبْتَ عُقْبةً، مثلُ المُعاقَبةِ.
والمُعاقَبةُ فِي الزِّحافِ: أَن تَحْذِفَ حَرْفًا لثَباتِ حَرْفٍ، كأَنْ تَحْذِفَ الْيَاءَ مِنْ مَفَاعِيلُنْ وتُبْقي النونَ، أَو تَحْذِفَ النُّونَ وتُبْقي الْيَاءَ، وَهُوَ يَقَعُ فِي جُمْلَةِ شُطُورٍ مِنْ شُطُورِ العَروض.
وَالْعَرَبُ تُعْقِبُ بَيْنَ الْفَاءِ وَالثَّاءِ، وتُعاقِبُ، مِثْلُ جَدَثٍ وجَدَفٍ.
وعاقَبَ: رَاوَحَ بَيْنَ رِجْليْه.
وعُقْبةُ الطَّائِرِ: مَسَافَةُ مَا بَيْنَ ارْتِفَاعِهِ وانْحطاطِه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وعَرُوبٍ غَيْر فاحشةٍ، ***قَدْ مَلَكْتُ وُدَّها حِقَبا
ثُمَّ آلتْ لَا تُكَلِّمُنا، ***كلُّ حَيٍّ مُعْقَبٌ عُقَبا
مَعْنَى قَوْلِهِ: مُعْقَبٌ أَي يَصِيرُ إِلى غَيْرِ حَالَتِهِ الَّتِي كانَ عَلَيْهَا.
وقِدْحٌ مُعَقَّبٌ: وَهُوَ المُعادُ فِي الرِّبابة مَرَّةً بَعْدَ مَرَّة، تَيمُّنًا بفَوْزِه؛ وأَنشد:
بمَثْنى الأَيادِي والمَنيحِ المُعَقَّبِ
وجَزُورٌ سَحُوفُ المُعَقَّب إِذا كَانَ سَمِينًا؛ وأَنشد:
بجَلْمَة عَلْيانٍ سَحُوفِ المُعَقَّبِ
وتَعَقَّبَ الخَبَر: تَتَبَّعَه.
وَيُقَالُ: تَعَقَّبْتُ الأَمْرَ إِذا تَدَبَّرْته.
والتَّعَقُّبُ: التَّدَبُّرُ، والنظرُ ثَانِيَةً؛ قَالَ طُفَيْل الغَنَوِيّ:
فلَنْ يَجدَ الأَقْوامُ فِينَا مَسَبَّةً، ***إِذا اسْتَدْبَرَتْ أَيامُنا بالتَّعَقُّب
يَقُولُ: إِذا تَعَقَّبوا أَيامَنا، لَمْ يَجِدُوا فِينَا مَسَبَّة.
وَيُقَالُ: لَمْ أَجد عَنْ قَوْلِكَ مُتَعَقَّبًا أَي رُجوعًا أَنظر فِيهِ أَي لَمْ أُرَخِّصْ لِنَفْسِيَ التَّعَقُّبَ فِيهِ، لأَنْظُرَ آتِيه أَم أَدَعُه.
وَفِي الأَمر مُعَقَّبٌ أَي تَعَقُّبٌ؛ قَالَ طُفَيْل:
مَغَاويرُ، مِنْ آلِ الوَجِيهِ ولاحقٍ، ***عَناجيجُ فِيهَا للأَريبِ مُعَقَّبُ
وَقَوْلُهُ: لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه أَي لَا رادَّ لقضائِه.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ}؛ أَي لَمْ يَعْطِفْ، وَلَمْ يَنْتَظِرْ.
وَقِيلَ: لَمْ يمكُثْ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَقَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يَلْتَفِتْ؛ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَرْجِعْ.
قَالَ شَمِرٌ: وكُلُّ رَاجِعٍ مُعَقِّبٌ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وإِنْ تَوَنَّى التَّالِياتُ عَقَّبا
أَي رَجَعَ.
واعْتَقَبَ الرجلَ خَيْرًا أَو شَرًّا بِمَا صَنَع: كافأَه بِهِ.
والعِقابُ والمُعاقَبة أَن تَجْزي الرجلَ بِمَا فَعل سُوءًا؛ والاسمُ العُقُوبة.
وعاقَبه بِذَنْبِهِ معاقَبة وعِقابًا: أَخَذَه بِهِ.
وتَعَقَّبْتُ الرجلَ إِذا أَخَذْتَه بذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ.
وتَعَقَّبْتُ عَنِ الْخَبَرِ إِذا شَكَكْتَ فِيهِ، وعُدْتَ للسُّؤَال عَنْهُ؛ قَالَ طُفَيل:
تَأَوَّبَنِي، هَمٌّ مَعَ الليلِ مُنْصِبُ، ***وجاءَ مِنَ الأَخْبارِ مَا لَا أُكَذِّبُ
تَتابَعْنَ حَتَّى لَمْ تَكُنْ لِيَ ريبةٌ، ***وَلَمْ يَكُ عمَّا خَبَّرُوا مُتَعَقَّبُ
وتَعَقَّبَ فلانٌ رَأْيَه إِذا وَجَد عَاقِبَتَه إِلى خَيْر.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ}؛ هَكَذَا قرأَها مَسْرُوقُ بنُ الأَجْدَع، وفَسَّرَها: فَغَنِمْتم.
وقرأَها"""" حُمَيْد: فعَقَّبْتُم
، بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ بِمَعْنَى عَاقَبْتُم، قَالَ: وَهِيَ كَقَوْلِكَ: تَصَعَّرَ وتَصَاعَرَ، وتَضَعَّفَ وتَضَاعَفَ، فِي مَاضِي فَعَلْتُ وفاعَلْتُ؛ وقُرِئَ"""" فعَقَبْتُم، خَفِيفَةً.
وَقَالَ أَبو إِسحاق النَّحْوِيُّ: مَنْ قرأَ فَعاقَبْتُمْ
، فَمَعْنَاهُ أَصَبْتُموهم فِي الْقِتَالِ بالعُقُوبة حَتَّى غَنِمْتم؛ وَمَنْ قرأَ"""" فَعَقَبْتم
، فَمَعْنَاهُ فَغَنمتم؛ وعَقَّبْتُم أَجودُها فِي اللُّغَةِ؛ وعَقَبْتُم جَيِّدٌ أَيضًا أَي صارَتْ لَكُمْ عُقْبَى، إِلا أَن التَّشْدِيدَ أَبلغ؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
فَعَقَبْتُمْ بِذُنُوبٍ غَيْرَ مَرّ قَالَ: وَالْمَعْنَى أَن مَنْ مَضَت امرأَتُه مِنْكُمْ إِلى مَنْ لَا عَهْدَ بَيْنِكُمْ وَبَيْنَهُ، أَو إِلى مَنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عهدٌ، فنَكَثَ فِي إِعْطاءِ المَهْرِ، فغَلَبْتُمْ عَلَيْهِ، فَالَّذِي ذَهَبَتِ امرأَتُه يُعْطَى مِنَ الْغَنِيمَةِ المَهْرَ مِن غَيْرِ أَن يُنْقَصَ مِنْ حَقِّه فِي الْغَنَائِمِ شيءٌ، يُعْطَى حَقَّه كَمَلًا، بَعْدَ إِخْراج مُهورِ النِّسَاءِ.
والعَقْبُ والمُعاقِبُ: المُدْرِكُ بالثَّأْر.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
ونَحْنُ قَتَلْنا بالمَخارِقِ فَارِسًا، ***جَزاءَ العُطاسِ، لَا يَمُوتُ المُعاقِبُ
أَي لَا يَمُوتُ ذِكْرُ ذَلِكَ المُعاقِبِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَوْلُهُ: جَزَاءَ العُطاسِ أَي عَجَّلْنا إِدْراكَ الثَّأْرِ، قَدْرَ مَا بَيْنَ التَّشْمِيتِ والعُطاسِ.
وَعَنِ الأَصمعي: العَقْبُ: العِقَابُ؛ وأَنشد:
لَيْنٌ لأَهْلِ الحَقِّ ذُو عَقْبٍ ذَكَرْ
ويُقال: إِنه لَعَالِم بعُقْمَى الكلام، وعُقْبَى الكلام، وهو غامضُ الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ، وَهُوَ مِثْلُ النَّوَادِرِ.
وأَعْقَبه عَلَى مَا صَنَع: جَازَاهُ.
وأَعْقَبه بِطَاعَتِهِ أَي جَازَاهُ، والعُقْبَى جَزاءُ الأَمر.
وعُقْبُ كُلِّ شَيْءٍ، وعُقْباه، وعُقْبانُه، وعاقِبَتُه: خاتِمتُه.
والعُقْبى: المَرْجِعُ.
وعَقَبَ الرجلُ يَعْقُبُ عَقْبًا: طَلب مَالًا أَو غَيْرِهِ.
ابْنُ الأَعرابي: المِعْقَبُ الخِمار؛ وأَنشد:
كمِعْقَبِ الرَّيْط إِذْ نَشَّرْتَ هُدَّابَهْ
قَالَ: وسُمِّيَ الخِمار مِعْقَبًا، لأَنه يَعْقُبُ المُلاءَة، يَكُونُ خَلَفًا مِنْها.
والمِعْقَبُ: القُرْطُ.
والمِعْقَبُ: السائِقُ الحاذِقُ بالسَّوْق.
والمِعْقَب: بَعِيرُ العُقَبِ.
والمِعْقَبُ: الَّذِي يُرَشَّحُ للخِلافة بَعْدَ الإِمام.
والمُعْقِبُ: النَّجْمُ الَّذِي يَطْلعُ، فيَرْكَبُ بطُلُوعه الزَّميلُ المُعاقِبُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
كأَنها بَيْنَ السُّجُوفِ مِعْقَبُ، ***أَو شادِنٌ ذُو بَهْجَةٍ مُرَبِّبُ
أَبو عُبَيْدَةَ: المِعْقَبُ نجْمٌ يَتَعاقَبُ بِهِ الزَّميلانِ فِي السَّفَرِ، إِذا غابَ نجمٌ وطَلَعَ آخَر، رَكِبَ الَّذِي كَانَ يَمْشِي.
وعُقْبَةُ القِدْرِ: مَا الْتَزَقَ بأَسْفَلِها مِنْ تابلٍ وَغَيْرِهِ.
والعُقْبة: مَرقَة تُرَدُّ فِي القِدْرِ الْمُسْتَعَارَةِ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، وأَعْقَبَ الرجُلَ: رَدَّ إِليه ذَلِكَ؛ قَالَ الكُمَيْت:
وحارَدَتِ النُّكْدُ الجِلادُ، وَلَمْ يكنْ، ***لعُقْبةِ قِدْرِ المُستَعِيرين، مُعْقِبُ
وَكَانَ الْفَرَّاءُ يُجيزها بِالْكَسْرِ، بِمَعْنَى البَقِيَّة.
وَمَنْ قَالَ عُقْبة، بِالضَّمِّ، جَعَلَهُ مِنِ الاعْتِقاب.
وَقَدْ جَعَلَهَا الأَصمعي وَالْبَصْرِيُّونَ، بِضَمِّ الْعَيْنِ.
وقَرارَةُ القِدْرِ: عُقْبَتُها.
والمُعَقِّباتُ: الحَفَظةُ، مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ}.
والمُعَقِّبات: ملائكةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لأَنهم يَتَعاقبون، وإِنما أُنِّثَتْ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهَا، نَحْوُ نَسّابة وعَلَّامةٍ وَهُوَ ذَكَرٌ.
وَقَرَأَ بَعْضُ الأَعراب: لَهُ مَعاقِيبُ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: المُعَقِّباتُ الملائكةُ، ملائكةُ الليلِ تُعَقِّبُ ملائكةَ النَّهَارِ، وملائكةُ النَّهَارِ تُعَقِّبُ ملائكةَ اللَّيْلِ.
قَالَ الأَزهري: جَعَلَ الفراءُ عَقَّبَ بِمَعْنَى عاقَبَ، كَمَا يُقَالُ: عاقَدَ وعَقَّدَ، وضاعَفَ وضَعَّفَ، فكأَنَّ مَلَائِكَةَ النهارِ تَحْفَظُ الْعِبَادَ، فإِذا جاءَ اللَّيْلُ جاءَ مَعَهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ، وصَعِدَ ملائكةُ النَّهَارِ، فإِذا أَقبل النَّهَارُ عَادَ مَنْ صَعِدَ؛ وصَعِدَ ملائكةُ اللَّيْلِ، كأَنهم جَعَلُوا حِفْظَهم عُقَبًا أَي نُوَبًا.
وكلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا ثُمَّ عَادَ إِليه فَقَدْ عَقَّبَ.
وملائكةٌ مُعَقِّبَةٌ، ومُعَقِّباتٌ جمعُ الْجَمْعِ؛ وَقَوْلُ"""" النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُعَقِّباتٌ لَا يَخِيبُ قائلُهُنَّ، وَهُوَ أَن يُسَبِّحَ فِي دُبر صَلَاتِهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً، ويَحْمَده ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً، وَيُكَبِّرُهُ أَربعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً
؛ سُمِّيَتْ مُعَقِّباتٍ، لأَنهاعادَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَو لأَنها تُقال عَقِيبَ الصَّلَاةِ.
وَقَالَ شَمِرٌ: أَراد بِقَوْلِهِ مُعَقِّباتٌ تَسْبِيحات تَخْلُفُ بأَعْقابِ الناسِ؛ قَالَ: والمُعَقِّبُ مِنْ كُلِّ شيءٍ: مَا خَلَفَ بِعَقِبِ مَا قَبْلَهُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِلنَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
ولَسْتُ بشَيْخٍ، قَدْ تَوَجَّهَ، دالفٍ، ***ولكنْ فَتًى مِنْ صالحِ الْقَوْمِ عَقَّبا
يَقُولُ: عُمِّرَ بعدَهم وبَقي.
والعَقَبة: وَاحِدَةُ عَقَباتِ الْجِبَالِ.
والعَقَبةُ: طريقٌ، فِي الجَبَلِ، وَعْرٌ، وَالْجَمْعُ عَقَبٌ وعِقابٌ.
والعَقَبَة: الجبَل الطويلُ، يَعْرِضُ لِلطَّرِيقِ فيأْخُذُ فِيهِ، وَهُوَ طَويلٌ صَعْبٌ شديدٌ، وإِن كَانَتْ خُرِمَتْ بَعْدَ أَن تَسْنَدَ وتَطُولَ فِي السماءِ، فِي صُعود وهُبوط، أَطْوَلُ مِنَ النَّقْبِ، وأَصْعَبُ مُرْتَقًى، وَقَدْ يكونُ طُولُهما وَاحِدًا.
سَنَدُ النَّقْبِ فِيهِ شيءٌ مِنِ اسْلِنْقاء، وسَنَدُ العَقَبة مُسْتَوٍ كَهَيْئَةِ الجِدار.
قَالَ الأَزهري: وَجَمْعُ العَقَبةِ عِقابٌ وعَقَباتٌ.
وَيُقَالُ: مِنْ أَين كانتْ عَقِبُكَ أَي مَنْ أَين أَقْبَلْتَ؟ والعُقابُ: طَائِرٌ مِنَ العِتاقِ مؤنثةٌ؛ وَقِيلَ: العُقابُ يَقَع عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى، إِلا أَن يَقُولُوا هَذَا عُقابٌ ذكَر؛ وَالْجَمْعُ: أَعْقُبٌ وأَعْقِبةٌ؛ عَنْ كُراع؛ وعِقْبانٌ وعَقابينُ: جمعُ الْجَمْعِ؛ قَالَ:
عَقابينُ يومَ الدَّجْنِ تَعْلُو وتَسْفُلُ
وَقِيلَ: جَمْعُ العُقاب أَعْقُبٌ؛ لأَنها مُؤَنَّثَةٌ.
وأَفْعُلٌ بِنَاءٌ يَخْتَصُّ بِهِ جمعُ الإِناث، مِثْلُ عَناقٍ وأَعْنُقٍ، وَذِرَاعٍ وأَذْرُعٍ.
وعُقابٌ عَقَنْباةٌ؛ ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي الرُّبَاعِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: عِتاقُ الطَّيْرِ العِقْبانُ، وسِباعُ الطَّيْرِ الَّتِي تَصِيدُ، وَالَّذِي لَمْ يَصِدْ الخَشاشُ.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: مِنْ العِقبان عِقبانٌ تُسَمَّى عِقبانَ الجِرْذانِ، لَيْسَتْ بسُودٍ، وَلَكِنَّهَا كُهْبٌ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا، إِلَّا أَن يَرْتاشَ بِهِ الصبيانُ الجمامِيحَ.
والعُقابُ: الرَّايَةُ.
والعُقابُ: الحَرْبُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
والعُقابُ: عَلَم ضَخْمٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ اسْمُ رَايَتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، العُقابَ»، وَهِيَ العَلَمُ الضَّخْمُ.
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الناقةَ السوداءَ عُقابًا، عَلَى التَّشْبِيهِ.
والعُقابُ الَّذِي يُعْقَدُ للوُلاة شُبِّهَ بالعُقابِ الطَّائِرِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ أَيضًا؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وَلَا الراحُ راحُ الشامِ جاءَتْ سَبِيئَةً، ***لَهَا غايةٌ تَهْدِي، الكرامَ، عُقابُها
عُقابُها: غايَتُها، وحَسُنَ تكرارُه لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، وجَمْعُها عِقْبانٌ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
30-لسان العرب (عدا)
عدا: العَدْو: الحُضْر.عَدَا الرَّجُلُ والفرسُ وَغَيْرُهُ يَعْدُو عَدْوًا وعُدُوًّا وعَدَوانًا وتَعْداءً وعَدَّى: أَحْضَر؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " مِنْ طُولِ تَعْداءِ الرَّبيعِ فِي الأَنَقْ "وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَتيْته عَدْوًا، وُضع فِيهِ المصدرُ عَلَى غَيْر الفِعْل، وَلَيْسَ فِي كلِّ شيءٍ قِيلَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُحكى مِنْهُ مَا سُمع.
وَقَالُوا: هُوَ مِنِّي عَدْوةُ الفَرَس، رفعٌ، تُرِيدُ أَن تَجْعَلَ ذَلِكَ مسافَة مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَقَدْ أَعْدَاه إِذَا حَمَله عَلَى الحُضْر.
وأَعْدَيْتُ فَرَسِي: اسْتَحضَرته.
وأَعْدَيْتَ فِي مَنْطِقِكَ أَي جُرت.
وَيُقَالُ للخَيْل المُغِيرة: عادِيَة؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَالْعادِياتِ ضَبْحًا}؛ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الخَيْل "؛ " وَقَالَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الإِبل هَاهُنَا.
والعَدَوانُ والعَدَّاء، كِلَاهُمَا: الشَّديدُ العَدْوِ؛ قَالَ:
وَلَوْ أَنَّ حَيًّا فائتُ المَوتِ فاتَه ***أَخُو الحَرْبِ فَوقَ القارِحِ العَدَوانِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدًا عَلَيْهِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وصَخْر بْنُ عَمْرِو بنِ الشَّرِيد، فإِنَّه ***أَخُو الحَرْبِ فَوقَ السَّابحِ العَدَوانِ
وَقَالَ الأَعشى:
والقارِحَ العَدَّا، وَكُلَّ طِمِرَّةٍ ***لَا تَسْتَطِيعُ يَدُ الطَّويلِ قَذالَها
أَراد العَدَّاءِ، فقَصَر لِلضَّرُورَةِ، وأَراد نيلَ قَذالها "فحَذَف لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَرسٌ عَدَوانٌ إِذَا كَانَ كَثِيرَ العَدْو، وذئْبٌ عَدَوانٌ إِذَا كَانَ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ والشَّاءِ؛ وأَنشد:
تَذْكُرُ، إذْ أَنْتَ شَديدُ القَفْزِ، ***نَهْدُ القُصَيْرى عَدَوانُ الجَمْزِ،
وأَنْتَ تَعْدُو بِخَرُوف مُبْزِي "والعِداء والعَداءَ: الطَّلَق الْوَاحِدُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الطَّلَق الْوَاحِدُ لِلْفَرَسِ؛ وأَنشد: " يَصرَعُ الخَمْسَ عَداءً فِي طَلَقْ "وَقَالَ: فَمَنْ فَتَحَ العينَ قَالَ جازَ هَذَا إِلَى ذَاكَ، وَمَنْ كَسَر العِدَاء فَمَعْنَاهُ أَنه يُعادِي الصيدَ، مِنَ العَدْو وَهُوَ الحُضْر، حَتَّى يَلْحقَه.
وتَعَادَى القومُ: تَبارَوْا فِي العَدْو.
والعَدِيُّ: جماعةُ القومِ يَعْدون لِقِتال وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: العَدِيّ أَول مَنْ يَحْمل مِنَ الرَّجَّالة، وَذَلِكَ لأَنهم يُسْرِعُونَ العَدْوَ، والعَدِيُّ أَولُ مَا يَدْفَع مِنَ الغارةِ وَهُوَ مِنْهُ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الخُناعِي الهُذلي:
لمَّا رأَيتُ عَدِيَّ القَوْمِ يَسْلُبُهم ***طَلْحُ الشَّواجِنِ والطَّرْفاءُ والسَّلَمُ
يَسْلُبهم: يَعْنِي يَتَعَلَّقُ بِثِيَابِهِمْ فيُزِيلُها عَنْهُمْ، وَهَذَا الْبَيْتُ اسْتُشْهِدَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى العَدِيِّ الَّذِينَ يَعْدون عَلَى أَقْدامِهم، قَالَ: وَهُوَ جَمْعُ عادٍ مِثْلُ غازٍ وغَزِيٍّ؛ وَبَعْدُهُ:
كَفَتُّ ثَوْبيَ لَا أُلْوي إِلَى أَحدٍ، ***إِني شَنِئتُ الفَتَى كالبَكْر يُخْتَطَم
والشَّواجِنُ: أَوْدية كثيرةُ الشَّجَر الْوَاحِدَةُ شاجِنة، يَقُولُ: لمَّا هَرَبوا تَعَلَّقت ثيابُهم بالشَّجَر فَتَرَكُوها.
وَفِي حَدِيثِ لُقْمان: « أَنا لُقْمانُ بنُ عادٍ لِعاديَةٍ لِعادٍ »؛ العاديَة: الخَيْل تَعْدو، وَالْعَادِي الواحدُ؛ أي أَنا لِلْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ، وَقَدْ تَكُونُ العاديةُ الرِّجَالَ يَعْدونَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ خَيْبَرَ: " فَخَرَجَتْ عادِيَتُهم "أَي الَّذِينَ يَعْدُون عَلَى أَرجُلِهِم.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَادِيَةُ كالعَدِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الخَيْلِ خاصَّة، وَقِيلَ: العَادِيَةُ أَوَّلُ مَا يحمِل مِنَ الرجَّالةِ دُونَ الفُرْسان؛ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
وعَادِيَة تُلْقِي الثِّيابَ كأَنما ***تُزَعْزِعُها، تحتَ السَّمامةِ، رِيحُ
وَيُقَالُ: رأَيْتُ عَدِيَّ الْقَوْمِ مُقْبِلًا أَي مَن حَمَل مِنَ الرَّجَّالة دُونَ الفُرْسان.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: العَدِيُّ جَمَاعَةُ القَوْم، بلُغةِ هُذَيل.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وَقُرِئَ: عُدُوًّا "مِثْلُ جُلُوس؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نُهُوا قَبْلَ أَن أَذِن لَهُمْ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ أَن يَلْعَنُوا الأَصْنامَ الَّتِي عَبَدوها، وَقَوْلُهُ: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ أَي فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدْوَانًا وظُلْمًا، وعَدْوًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَلَى إِرَادَةِ اللَّامِ، لأَن الْمَعْنَى فيَعْدُون عَدْوًا أَي يظْلِمون ظُلْمًا، وَيَكُونُ مَفْعولًا لَهُ أَي فيسُبُّوا اللَّهَ لِلظُّلْمِ، وَمَنْ قرأَ فيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا فَهُوَ بِمَعْنَى عَدْوًا أَيضًا.
يُقَالُ فِي الظُّلْم: قَدْ عَدَا فُلَانٌ عَدْوًا وعُدُوًّا وعُدْوَانًا وعَدَاءً أَي ظَلَمَ ظُلْمًا جَاوَزَ فِيهِ القَدْر، وَقُرِئَ: " فيَسُبُّوا اللَّهَ عَدُوًّا "، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ هَاهُنَا فِي مَعْنَى جَمَاعَةٍ، كأَنه قَالَ فيسُبُّوا اللَّهَ أَعداء، وعَدُوًّا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ فِي هَذَا الْقَوْلِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ}؛ عَدُوًّا فِي مَعْنَى أَعداءً، الْمَعْنَى كَمَا جَعَلْنَا لَكَ ولأُمتك شياطينَ الإِنس وَالْجِنِّ أَعداء، كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِمَنْ تَقَدَّمك مِنَ الأَنبياء وأُممهم، وعَدُوًّا هَاهُنَا مَنْصُوبٌ لأَنه مَفْعُولٌ بِهِ، وشياطينَالإِنس مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ عَدُوًّا مَنْصُوبًا عَلَى أَنه مَفْعُولٌ ثَانٍ وَشَيَاطِينَ الإِنس الْمَفْعُولُ الأَول.
والعَادِي: الظَّالِمُ، يُقَالُ: لَا أَشْمَتَ اللهُ بِكَ عادِيَكَ أَي عَدُوَّك الظَّالِمَ لَكَ.
قَالَ أَبو بَكْرٍ: قولُ العَرَب فلانٌ عَدُوُّ فلانٍ مَعْنَاهُ فُلَانٌ يَعْدُو عَلَى فُلَانٍ بالمَكْروه ويَظْلِمُه.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَدُوُّك وَهُمْ عَدُوُّك وَهُمَا عَدُوُّك وفلانةُ عَدُوَّةُ فُلَانٍ وعَدُوُّ فُلَانٍ، فَمَنْ قَالَ فُلَانَةُ عدُوَّة فلانٍ قَالَ: هُوَ خبَر المُؤَنَّث، فعلامةُ التأْنيثِ لازمةٌ لَهُ، وَمَنْ قَالَ فُلَانَةُ عدوُّ فُلَانٍ قَالَ ذكَّرت عَدُوًّا لأَنه بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمُ امرأَةٌ ظَلُومٌ وغَضوبٌ وصَبور؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا إِذا جَعَلْت ذَلِكَ كُلَّه فِي مذهبِ الِاسْمِ والمَصْدرِ، فإِذا جَعَلْتَه نَعْتًا مَحْضًا قُلْتَ هُوَ عَدُوُّكَ وَهِيَ عدُوَّتُك وَهُمْ أَعداؤك وهُنَّ عَدُوَّاتُك.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}؛ أَي فَلَا سَبيل، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلا عُدْوانَ عَلَيَ؛ أَي فَلَا سَبِيلَ عليَّ.
وَقَوْلُهُمْ: عَدَا عَلَيْهِ فَضَربه بِسَيْفِهِ، لَا يُرادُ بِهِ عَدْوٌ عَلَى الرِّجْلين وَلَكِنْ مِنَ الظُّلْم.
وعَدَا عَدْوًا: ظَلَمَ وَجَارَ.
وَفِي حَدِيثِ قتادَةَ بنِ النُّعْمان: « أَنه عُدِيَ عَلَيْهِ»؛ أي سُرِقَ مالُه وظُلِمَ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَا ذِئبْان عَادِيانِ أَصابا فَرِيقَةَ غَنَمٍ »؛ العَادِي: الظَّالِمُ، وأَصله مِنْ تجاوُزِ الحَدِّ فِي الشَّيْءِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « مَا يَقْتُلُه المُحْرِمُ كَذَا وَكَذَا والسَّبُعُ العادِي» أَي الظَّالِمُ الَّذِي يَفْتَرِسُ الناسَ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « لَا قَطْعَ عَلَى عادِي ظَهْرٍ».
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: « أُتيَ برَجُل قَدِ اخْتَلَس طَوْقًا فَلَمْ يَرَ قَطْعَه وَقَالَ: تِلك عادِيَةُ الظَّهْرِ »؛ العَادِية: مِنْ عَدَا يَعْدُو عَلَى الشَّيْءِ إِذا اخْتَلَسه، والظَّهْرُ: مَا ظَهَرَ مِنَ الأَشْياء، وَلَمْ يرَ فِي الطَّوْق قَطعًا لأَنه ظاهِرٌ عَلَى المَرْأَة والصَّبيّ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ}؛ قَالَ يَعْقُوبُ: هُوَ فاعِلٌ مِنْ عَدَا يَعْدُو إِذَا ظَلَم وجارَ.
قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ أَي غيرَ باغٍ وَلَا عائِدٍ فَقَلَبَ، والاعْتداءُ والتَّعَدِّي والعُدْوان: الظُّلْم.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}؛ يَقُولُ: لَا تَعاوَنوا عَلَى المَعْصية والظُّلْم.
وعَدَا عَلَيْهِ عَدْوًا وعَدَاءً وعُدُوًّا وعُدْوانًا وعِدْوانًا وعُدْوَى وتَعَدَّى واعْتَدَى، كُلُّه: ظَلَمه.
وعَدَا بنُو فُلَانٍ عَلَى بَنِي فُلَانٍ أَي ظَلَمُوهم.
وَفِي الْحَدِيثِ: « كَتَبَ ليَهُود تَيْماءَ أَن لَهُم الذمَّةَ وَعَلَيْهِمِ الجِزْيَةَ بِلَا عَداء »؛ العَداءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الظُّلْم وتَجاوُز الْحَدِّ.
وَقَوْلُهُ تعالى: {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا}؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تقاتِلُوا غَيْرَ مَن أُمِرْتُم بقِتالِه وَلَا تَقتلوا غَيْرَهُمْ، وَقِيلَ: وَلَا تَعْتَدوا أَي لَا تُجاوزوا إِلى قَتْل النِّساءِ والأَطفال.
وعَدَا الأَمرَ يَعْدُوه وتَعَدَّاه، كِلَاهُمَا: تَجاوَزَة.
وعَدَا طَوْرَه وقَدْرَهُ: جاوَزَهُ عَلَى المَثَل.
وَيُقَالُ: مَا يَعْدُو فلانٌ أَمْرَك أَي مَا يُجاوِزه.
والتَّعَدِّي: مُجاوَزَةُ الشَّيْءِ إِلى غَيْرِه، يُقَالُ: عَدَّيْتُه فتَعَدَّى أَي تَجاوزَ.
وقوله: فَلا تَعْتَدُوها" أَي لَا تَجاوَزُوها إِلى غَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ قوله: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ "؛ أَي يُجاوِزْها.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ}؛ أَي المُجاوِزُون مَا حُدَّ لَهُمْ وأُمِرُوا بِهِ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ}؛ أَي غَيْرَ مُجاوِزٍ لِمَا يُبَلِّغه ويُغْنِيه مِنَ الضَّرُورَةِ، وأَصل هَذَا كُلِّهِ مُجاوَزة الْحَدِّ والقَدْر والحَقّ.
يُقَالُ: تَعَدَّيْت الحَقَّ واعْتَدَيْته وعَدَوْته أَي جاوَزْته.
وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ: اعْتَدَى فلانٌ عَنِ الْحَقِّ واعْتَدَى فوقَ الحقِّ، كأَن مَعْنَاهُ" جَازَ عَنِ الْحَقِّ إِلى الظُّلْمِ.
وعَدَّى عَنِ الأَمر: جَازَهُ إِلى غَيْرِه وتَرَكه.
وَفِي الْحَدِيثِ: « المُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كمانِعِها، وَفِي رِوَايَةٍ: فِي الزَّكاة »؛ هُو أَن يُعْطِيَها غَيْرَ مُسْتَحِقِّها، وَقِيلَ: أَرادَ أَنَّ الساعِيَ إِذا أَخذَ خِيارَ الْمَالِ رُبَّما منعَه فِي السَّنة الأُخرى فَيَكُونُ السَّاعِي سبَبَ ذَلِكَ فَهُمَا فِي الإِثم سَوَاءٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: « سَيكُون قومٌ يَعْتَدُون فِي الدُّعاءِ »؛ هُوَ الخُروج فِيهِ عنِ الوَضْعِ الشَّرْعِيِّ والسُّنَّة المأْثورة.
وَقَوْلُهُ تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}؛ سَمَّاه اعْتِداء لأَنه مُجازاةُ اعْتِداءٍ فسُمِّي بمثْل اسْمِهِ، لأَن صُورَةَ الفِعْلين واحدةٌ، وإِن كَانَ أَحدُهما طَاعَةً وَالْآخَرُ مَعْصِيَةً؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ظَلَمني فُلَانٌ فظلَمته أَي جازَيْتُه بظُلْمِه لَا وَجْه للظُّلْمِ أَكثرُ مِنْ هَذَا، والأَوَّلُ ظُلْم وَالثَّانِي جزاءٌ لَيْسَ بِظُلْمٍ، وَإِنْ وَافَقَ اللفظُ اللفظَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها؛ السَّيِّئَةُ الأُولى سَيِّئَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مُجازاة وَإِنْ سُمِّيَتْ سَيِّئَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ.
يُقَالُ: أَثِمَ الرجلُ يَأْثَمُ إِثْمًا وأَثَمه اللهُ عَلَى إِثمه أَي جَازَاهُ عَلَيْهِ يَأْثِمُه أَثامًا.
قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثامًا}؛ أَي جَزَاءً لإِثْمِه.
وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ؛ المُعْتَدون: المُجاوِزون مَا أُمرُوا بِهِ.
والعَدْوَى: الْفَسَادُ، والفعلُ كَالْفِعْلِ.
وعَدا عَلَيْهِ اللِّصُّ عَداءً وعُدْوَانًا وعَدَوانًا: سَرَقَه؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ.
وذئبٌ عَدَوانٌ: عادٍ.
وذِئْبٌ عَدَوانٌ: يَعْدُو عَلَى الناسِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ: « السلطانُ ذُو عَدَوانٍ وَذُو بَدَوانٍ »؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي سريعُ الانصِرافِ والمَلالِ، مِنْ قَوْلِكَ: مَا عَداك أَي مَا صَرَفَك.
ورجلٌ مَعْدُوٌّ عَلَيْهِ ومَعْدِيٌّ عَلَيْهِ، عَلَى قَلْب الواوِ يَاءً طَلَب الخِّفَّةِ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ؛ وأَنشد لِعَبْدِ يَغُوث بْنِ وَقَّاص الحارثِي:
وَقَدْ عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَة أَنَّني ***أَنا اللَّيْثُ، مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وعادِيا
أُبْدِلَت الياءُ مِنَ الْوَاوِ اسْتِثْقالًا.
وَعَدَا عَلَيْهِ: وَثَب؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لأَبي عارِمٍ الْكِلَابِيِّ:
لَقَدْ عَلمَ الذئْب الَّذِي كَانَ عادِيًا، ***عَلَى النَّاسِ، أَني مائِرُ السِّهم نازِعُ
وَقَدْ يَكُونُ العَادِي هُنَا مِنَ الْفَسَادِ والظُّلم.
وعَدَاهُ عَنِ الأَمْرِ عَدْوًا وعُدْوانًا وعَدّاه، كِلَاهُمَا: صَرَفَه وشَغَله.
والعَدَاءُ والعُدَواءُ والعَادِيَة، كلُّه: الشُّغْلُ يَعْدُوك عَنِ الشَّيْءِ.
قَالَ مُحارب: العُدَواءُ عادةُ الشُّغْل، وعُدَوَاءُ الشُّغْلِ موانِعُه.
وَيُقَالُ: جِئْتَني وأَنا فِي عُدَوَاءَ عنكَ أَي فِي شُغْلٍ؛ قَالَ اللَّيْثُ: العَادِيَةُ شُغْلٌ مِنْ أَشْغال الدَّهْرِ يَعْدُوك عَنْ أُمورك أَي يَشْغَلُك، وَجَمْعُهَا عَوَادٍ، وَقَدْ عَدَانِي عَنْكَ أَمرٌ فَهُوَ يَعْدُوني أَي صَرَفَني؛ وَقَوْلُ زُهَيْرٍ: " وعَادَكَ أَن تُلاقِيها العَدَاء "قَالُوا: مَعْنَى عادَكَ عَداكَ فقَلبَه، وَيُقَالُ: مَعْنَى قَوْلِهِ عادَكَ عادَ لَكَ وعاوَدَك؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابِي:
عَدَاكَ عَنْ رَيَّا وأُمِّ وهْبِ، ***عَادِي العَوَادِي واختلافُ الشَّعْبِ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: عَادِي العَوَادِي أَشدُّها أَي أَشدُّ الأَشغالِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ زيدٌ رجُلُ الرجالِ أَي أَشدُّ الرجالِ.
والعُدَوَاءُ: إِناخةٌ قَلِيلَةٌ.
وتَعَادَى المكانُ: تَفاوَتَ وَلَمْ يَسْتوِ.
وجَلَس عَلَى عُدَوَاءَ أَي عَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ.
ومَرْكَبٌ ذُو عُدَوَاءَ أَي لَيْسَ بمُطْمَئِنٍّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُصَنَّفِ جئتُ عَلَى مركبٍ ذِي عُدَواءٍ مَصْرُوفٌ، وَهُوَ خطأٌ مِنْ أَبي عُبَيد إِن كَانَ قَائِلَهُ، لأَنَّ فُعَلاء بناءٌ لَا يَنْصَرِفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ.
والتَّعَادِي: أَمكنةٌ غَيْرُ مستويةٍ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبِنَاءِ الْكَعْبَةِ: « وَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَراثِيمُ وتَعَادٍ »أَي أَمكنة مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُستوية؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ: " مِنْهَا عَلَى عُدَواء الدَّارِ تَسقِيمُ "قَالَ الأَصمعي: عُدَواؤه صَرْفُه وَاخْتِلَافُهُ، وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: عُدَوَاء عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ، وَإِذَا نَامَ الإِنسانُ عَلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ مُسْتو فيهِ ارْتفاعٌ وانْخفاضٌ قَالَ: نِمْتُ عَلَى عُدَواءَ.
وَقَالَ النَّضْرُ: العُدَوَاءُ مِنَ الأَرض الْمَكَانُ المُشْرِف يَبْرُكُ عَلَيْهِ البعيرُ فيَضْطَجعُ عَلَيْهِ، وَإِلَى جَنْبِهِ مكانٌ مطمئنٌ فَيَمِيلُ فِيهِ الْبَعِيرُ فيتَوهَّنُ، فالمُشْرِف العُدَواءُ، وتَوَهُّنه أَن يَمُدَّ جسمَه إِلَى الْمَكَانِ الوَطِيء فَتَبْقَى قَوَائِمُهُ عَلَى المُشْرِف وَلَا يَسْتَطيع أَن يقومَ حَتَّى يَمُوتَ، فتَوَهُّنه اضطجاعُه.
أَبو عَمْرٍو: العُدَوَاءُ الْمَكَانُ الَّذِي بَعْضُهُ مُرْتَفِعٌ وَبَعْضُهُ مُتطأْطِئٌ، وَهُوَ المُتَعَادِي.
ومكانٌ مُتَعَادٍ: بعضُه مُرْتَفِعٌ وبعضُه مُتطامِن لَيْسَ بمُسْتوٍ.
وأَرضٌ مُتَعَادِيَةٌ: ذاتُ جِحَرة ولَخاقِيق.
والعُدَوَاءُ، عَلَى وَزْن الغُلَواءِ: الْمَكَانُ الَّذِي لَا يَطْمَئِنُّ مَن قَعَد عَلَيْهِ.
وَقَدْ عادَيْتُ القِدْر: وَذَلِكَ إِذَا طامَنْتَ إِحْدَى الأَثافيِّ ورَفَعْت الأُخْرَيَيْن لِتَمِيلَ القِدْر عَلَى النَّارِ.
وتَعَادَى مَا بَيْنَهُمْ: تَباعَدَ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ ظَبْيَة وغَزالها:
وتَعَادَى عَنْهُ النهارَ، فمَا تَعْجُوه ***إِلَّا عُفافةٌ أَو فُواقُ
يَقُولُ: تباعَدُ عَنْ وَلَدها فِي المَرعى لِئَلَّا يَسْتَدِلَّ الذِّئبُ بِهَا عَلَى ولدِها.
والعُدَوَاءُ: بُعْدُ الدَّارِ.
والعَدَاءُ: البُعْد، وَكَذَلِكَ العُدَواءُ.
وقومٌ عِدًى: متَباعدون، وَقِيلَ: غُرباءُ، مقصورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، والمَعْنيان مُتقارِبانِ، وهُم الأَعْدَاءُ أَيضا لأَن الغَريبَ بَعِيدٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا كنتَ فِي قَوْمٍ عِدًى لستَ مِنْهُمُ، ***فكُلْ مَا عُلِفْتَ مِنْ خَبِيثٍ وطَيِّب
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا البيتُ يُروى لِزُرارة بنِ سُبَيعٍ الأَسَدي، وَقِيلَ: هُوَ لنَضْلة بنِ خالدٍ الأَسَدِي، وَقَالَ ابْنُ السِّيرَافِيِّ: هُوَ لدُودانَ بنِ سَعْدٍ الأَسَدِي، قَالَ: وَلَمْ يأَتِ فِعَلٌ صفَةً إِلَّا قَوْمٌ عِدًى، ومكانٌ سِوًى، وماءٌ رِوًى، وماءٌ صِرًى، ومَلامةٌ ثِنًى، ووادٍ طِوًى، وَقَدْ جَاءَ الضمُّ فِي سُوًى وثُنًى وطُوًى، قَالَ: وَجَاءَ عَلَى فِعَل مِنْ غَيْرِ المعتلِّ لحمٌ زِيَمٌ وسَبْيٌ طِيَبَة؛ قَالَ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ: قومٌ عِدًى أَي غُربَاءُ، بِالْكَسْرِ، لَا غيرُ، فَأَمَّا فِي الأَعداءِ فَيُقَالُ عِدًى وعُدًى وعُداةٌ.
وَفِي حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ مسلَمة لَمَّا عَزَله عُمر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ حِمْصَ قَالَ: « رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ يَنزِعُ قَوْمَه ويَبْعثُ القَوْمَ العِدَى »؛ العِدَى، بِالْكَسْرِ: الغُرَباءَ، أَرَادَ أَنَّهُ يَعْزِلُ قَوْمه مِنَ الْوِلَايَاتِ ويوَلّي الغُربَاء والأَجانِبَ؛ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ العِدَى بِمَعْنَى الأَعْداءِ؛ قَالَ بِشْرُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ" مَالِكٍ الأَنصاري:
فأَمَتْنا العُدَاةَ مِنْ كلِّ حَيٍّ ***فاسْتَوَى الرَّكْضُ حِينَ ماتَ العِدَاءُ
قَالَ: وَهَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَى أَنه جَمْعُ عادٍ، أَو يَكُونُ مَدَّ عِدًى ضَرُورَةً؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الأَخطل:
أَلا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني بَدْرِ، ***وإنْ كَانَ حَيَّانا عِدًى آخِرَ الدهْرِ
قَالَ: العِدَى التَّباعُد.
وقَوْمٌ عِدًى إِذَا كَانُوا مُتَباعِدِين لَا أَرحامَ بَيْنَهُمْ وَلَا حِلْفَ.
وقومٌ عِدًى إِذَا كَانُوا حَرْبًا، وَقَدْ رُوِي هَذَا البيتُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، مِثْلُ سِوًى وسُوًى.
الأَصمعي: يُقَالُ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ عِدًى، مَقْصُورٌ، يَكُونُ للأَعداء وللغُرَباء، وَلَا يُقَالُ قَوْمٌ عُدًى إِلَّا أَن تُدْخِلَ الْهَاءَ فَتَقُولَ عُداة فِي وَزْنِ قُضَاةٍ، قَالَ أَبو زَيْدٍ: طالتْ عُدَواؤهُمْ أَي تباعُدُهم وتَفَرُّقُهم.
والعَدُوُّ: ضِدُّ الصَّدِيق، يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ والأُنثى والذكَر بلفظٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَدُوُّ ضِدُّ الوَلِيِّ، وَهُوَ وصْفٌ ولكِنَّه ضَارَعَ الِاسْمَ.
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فَعُولٌ إِذَا كَانَ فِي تأْويل فاعلٍ كَانَ مُؤَنَّثُه بِغَيْرِ هَاءٍ نَحْوُ رجلٌ صَبُور وامرأَة صَبور، إِلَّا حَرْفًا وَاحِدًا جاءَ نَادِرًا قَالُوا: هَذِهِ عَدُوَّة لِلَّهِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَإِنَّمَا أَدخلوا فِيهَا الْهَاءَ تَشْبِيهًا بصَديقةٍ لأَن الشيءَ قَدْ يُبْنى عَلَى ضِدِّهِ، وَمِمَّا وضَع بِهِ ابْنُ سِيدَهْ مِنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَعرابي مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي خُطْبة كِتَابِهِ الْمُحْكَمِ فَقَالَ: وَهَلْ أَدَلُّ عَلَى قِلَّةِ التَّفْصِيلِ وَالْبُعْدِ عَنِ التَّحْصِيلِ مِنْ قولِ أَبي عبدِ اللَّهِ بنِ الأَعرابي فِي كِتَابِهِ النَّوَادِرِ: العَدوّ يَكُونُ لِلذَّكَرِ والأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ أَعداءٌ وأَعادٍ وعُداةٌ وعِدًى وعُدًى، فأَوْهم أَن هَذَا كلَّه لشيءٍ وَاحِدٍ؟ وَإِنَّمَا أَعْدَاءٌ جَمْعُ عَدُوٍّ أَجروه مُجْرى فَعِيل صِفَةً كشَرِيفٍ وأَشْرافٍ ونصِيرٍ وأَنصارٍ، لأَن فَعُولًا وفَعِيلًا متساويانِ فِي العِدَّةِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَكَوْنِ حَرْفِ اللِّينِ ثَالِثًا فِيهِمَا إِلَّا بِحَسْبِ اخْتِلَافِ حَرفَيِ اللِّين، وَذَلِكَ لَا يوجبُ اخْتِلَافًا فِي الْحُكْمِ فِي هَذَا، أَلا تَراهم سَوَّوْا بَيْنَ نَوارٍ وصَبورٍ فِي الْجَمْعِ فَقَالُوا نُوُرٌ وصُبُرٌ، وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَن يكسَّر عَدُوٌّ عَلَى مَا كُسّرَ عَلَيْهِ صَبُورٌ؟ لَكِنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لأَجْحفوا، إِذْ لَوْ كَسَّروه عَلَى فُعُلٍ لَلَزِمَ عُدُوٌ، ثُمَّ لَزِمَ إِسْكَانُ الْوَاوِ كَرَاهِيَةَ الْحَرَكَةِ عَلَيْهَا، فَإِذَا سَكَنَت وَبَعْدَهَا التنوين التقَى ساكنًا فَحُذِفَتِ الْوَاوُ فَقِيلَ عُدٌ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ آخِرُهُ واوٌ قبلَها ضمَّة، فَإِنْ أَدَّى إِلَى ذَلِكَ قِيَاسٌ رُفِضَ، فَقُلِبَتِ الضَّمَّةُ كَسْرَةً وَلَزِمَ لِذَلِكَ انْقِلَابُ الْوَاوِ يَاءً فَقِيلَ عُدٍ، فتَنَكَّبت الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي كُلِّ معتلِّ اللَّامِ عَلَى فَعَوْلٍ أَو فَعِيل أَو فَعال أَو فِعالٍ أَو فُعالٍ عَلَى مَا قَدْ أَحكمته صِنَاعَةُ الإِعرابِ، وأَما أَعادٍ فجمعُ الْجَمْعِ، كَسَّروا عَدُوًّا عَلَى أَعْداءٍ ثُمَّ كَسَّروا أَعْدَاءً عَلَى أَعَادٍ وأَصلُه أَعَادِيّ كأَنْعامٍ وأَناعيم لأَن حرفَ اللِّينِ إِذَا ثبَت رَابِعًا فِي الواحدِ ثبتَ فِي الْجَمْعِ، وَكَانَ يَاءً، إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ شَاعِرٌ كَقَوْلِهِ أَنشده سِيبَوَيْهِ: " والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسَا "وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا أَعادٍ كَرَاهَةَ الياءَين مَعَ الْكَسْرَةِ كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِ مِعْطاءٍ مَعاطٍ، قَالَ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَن يَجِيءَ عَلَى الأَصل مَعاطِيّ كأَثافيّ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ أَن يُقَالَ أَعَادِيّ، وأَما عُداةٌ فَجَمْعُ عادٍ؛ حَكَى أَبو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ: أَشْمَتَ اللهُ عادِيَكَ أَي عَدُوّكَ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي بَابِ فاعلٍ مِمَّا لامُهُ حرفُ علَّةٍ، يَعْنِي أَن يُكَسَّر عَلَى فُعلَةٍ كقاضٍوقُضاةٍ ورامٍ ورُماةٍ، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ تَكْسِيرِ مَا كَانَ مِنَ الصِّفَةِ عِدَّتُه أَربعةُ أَحرف، وَهَذَا شَبِيهٌ بلفظِ أَكثرِ النَّاسِ فِي توهُّمِهم أَن كُماةً جمعُ كَمِيٍّ، وفعيلٌ لَيْسَ مِمَّا يكسَّر عَلَى فُعَلةٍ، وَإِنَّمَا جمعُ كَمِيٍّ أَكماءٌ؛ حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ، فأَما كُماةٌ فَجَمْعُ كامٍ مِنْ قَوْلِهِمْ كَمَى شجاعتَه وشهادَتَه كتَمها، وأَما عِدًى وعُدًى فَاسْمَانِ لِلْجَمْعِ، لأَن فِعَلًا وفُعَلًا لَيْسَا بِصِيغَتَيْ جَمْعٍ إِلَّا لِفعْلَةٍ أَوْ فُعْلة وَرُبَّمَا كَانَتْ لفَعْلة، وَذَلِكَ قَلِيلٌ كهَضْبة وهِضَب وبَدْرة وبِدر، والله أَعلم.
والعَدَاوَة: اسمٌ عامٌّ مِنَ العَدُوِّ، يُقَالُ: عَدُوٌّ بَيِّنُ العَدَاوَة، وفلانٌ يُعَادِي بَنِي فُلَانٍ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً}؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: عَدُوٌّ وصْفٌ وَلَكِنَّهُ ضارَع الِاسْمَ، وَقَدْ يُثنَّى ويُجمع ويُؤَنَّث، وَالْجَمْعُ أَعْدَاءٌ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يكسَّر عَلَى فُعُلٍ، وَإِنْ كَانَ كصَبُورٍ، كَرَاهِيَةَ الإِخْلالِ والاعْتلال، وَلَمْ يكسَّر عَلَى فِعْلانٍ كَرَاهِيَةَ الْكَسْرَةِ قَبْلَ الْوَاوِ لأَنَّ السَّاكِنَ لَيْسَ بِحَاجِزٍ حصِين، والأَعَادِي جَمْعُ الْجَمْعِ.
والعِدَى والعُدَى: اسْمَانِ لِلْجَمْعِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العِدَى، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، الأَعْدَاءُ، وَهُوَ جمعٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَقَالُوا فِي جَمْعِ عَدُوَّة عَدَايَا لَمْ يُسْمَعْ إِلَّا فِي الشِّعْرِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ هُمُ العَدُوُّ الأَدْنَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ هُمُ العَدُوُّ الأَشدّ لأَنهم كانوا أَعْداء النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ويُظهرون أَنهم مَعَهُ.
والعَادِي: العَدُوُّ، وجَمْعُه عُداةٌ؛ قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ: " أَشْمَتَ ربُّ العالَمين عادِيَكْ "وَقَالَ الْخَلِيلُ فِي جَمَاعَةِ العَدُوِّ عُدًى وعِدًى، قَالَ: وَكَانَ حَدُّ الْوَاحِدِ عَدُو، بِسُكُونِ الْوَاوِ، فَفَخَّمُوا آخِرَهُ بِوَاوٍ وَقَالُوا عَدُوٌّ، لأَنهم لَمْ يَجِدُوا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمًا فِي آخِرِهِ وَاوٌ سَاكِنَةٌ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ قومٌ عِدًى، وَحَكَى أَبو الْعَبَّاسِ: قومٌ عُدًى، بِضَمِّ الْعَيْنِ، إِلَّا أَنه قَالَ: الاخْتِيار إِذَا كَسَرْتَ الْعَيْنَ أَنْ لَا تأْتيَ بِالْهَاءِ، والاختيارُ إِذَا ضَمَمْتَ العينَ أَن تأْتيَ بِالْهَاءِ؛ وأَنشد:
مَعاذةَ وجْه اللهِ أَن أُشْمِتَ العِدَى ***بلَيلى، وَإِنْ لَمْ تَجْزني مَا أَدِينُها
وَقَدْ عَادَاه مُعَادَاةً وعِداءً، والاسمُ العَدَاوَة، وَهُوَ الأَشدُّ عَادِيًا.
قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: العُدَى جَمْعُ عَدُوّ، والرُّؤَى جَمْعُ رؤيَةٍ، والذُّرَى جَمْعُ ذِرْوَة؛ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنَّمَا هُوَ مِثْلُ قُضاة وغُزاة ودُعاة فَحَذَفُوا الْهَاءَ فَصَارَتْ عُدًى، وَهُوَ جَمْعُ عادٍ.
وتَعَادَى القومُ: عَادَى بعضُهم بَعْضًا.
وقومٌ عِدًى: يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصله الواوَ لِمَكَانِ الْكَسْرَةِ الَّتِي فِي أَوَّله، وعُدًى مِثْلُهُ، وَقِيلَ: العُدَى الأَعْداءُ، والعِدَى الأَعْداءُ الَّذِينَ لَا قَرابة بَيْنَكَ وبينَهُم، قَالَ: وَالْقَوْلُ هُوَ الأَوّل.
وقولُهم: أَعْدَى مِنَ الذئبِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: يَكُونُ مِنَ العَدْوِ وَيَكُونُ مِنَ العَداوَة، وكونُه مِنَ العَدْوِ أَكثر، وأُراه إِنَّمَا ذَهَبَ إِلَى أَنه لَا يُقَالُ أَفْعَل مِنْ فاعَلْت، فَلِذَلِكَ جَازَ أَن يَكُونَ مِنْ العَدْوِ لَا مِنَ العَداوَة.
وتَعَادَى مَا بينَهم: اخْتَلف.
وعَدِيتُ لَهُ: أَبْغَضْتُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
ابْنُ شُمَيْلٍ: رَدَدْت عَنِّي عادِيَةَ فُلَانٍ أَي حِدَّته وغَضبه.
وَيُقَالُ: كُفَّ عَنَّا عادِيَتَك أَي ظُلْمك وَشَرَّكَ، وَهَذَا مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ كالراغِية وَالثَّاغِيَةِ.
يُقَالُ: سَمِعْتُ راغِيَةَ الْبَعِيرِ وَثَاغِيَةَ الشَّاةِ أَي رُغاء الْبَعِيرِ وثُغاء الشَّاةِ، وَكَذَلِكَ عَادِيَةُ الرَّجُلِ عَدْوُه عَلَيْكَ بِالْمَكْرُوهِ.
والعُدَوَاء: أَرض يَابِسَةٌ صُلْبة ورُبَّما جَاءَتْ فِي الْبِئْرِ إِذَا حُفِرَتْ، قَالَ: وَقَدْ تَكُون حَجَرًا يُحادُ عَنْهُ فِي الحَفْرِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ ثَوْرًا يَحْفِرُ كِنَاسًا:
وإنْ أَصابَ عُدَوَاءَ احْرَوْرَفا ***عَنْها، وَوَلّاها الظُّلُوفَ الظُّلَّفا
أَكَّد بالظُّلَّفِ كَمَا يُقَالُ نِعافٌ نُعَّف وبِطاحٌ بُطَّحٌ وكأَنه جَمَعَ ظِلْفًا ظَالِفًا، وَهَذَا الرَّجَزُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ شَاهِدًا عَلَى عُدَوَاءِ الشُّغْلِ موانِعِه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لِلْعَجَّاجِ وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَى العُدَوَاء الأَرضِ ذَاتِ الْحِجَارَةِ لَا عَلَى العُدَواء الشُّغْلِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضًا قَالَ: ظُلَّف جَمْعُ ظالِف أَي ظُلُوفُهُ تَمْنَعُ الأَذى عَنْهُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَرض ذاتُ عُدَوَاءَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِيمَةً وَطِيئةً وَكَانَتْ مُتَعادِيةً.
ابْنُ الأَعرابي: العُدَوَاءُ الْمَكَانُ الغَلِيظ الخَشِن.
وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: زَعَمَ أَبو عَمْرٍو أَن العِدَى الْحِجَارَةُ والصُّخور؛ وأَنشد قَوْلَ كُثَيِّر:
وحالَ السَّفَى بَيني وبَينَك والعِدَى، ***ورهْنُ السَّفَى غَمْرُ النَّقيبة ماجِدُ
أَراد بالسَّفَى ترابَ الْقَبْرِ، وبالعِدَى مَا يُطْبَق عَلَى اللَّحد مِنَ الصَّفائح.
وأَعْدَاءُ الْوَادِي وأَعْناؤه: جَوَانِبُهُ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ بَدْرٍ الهُذَلي فمدَّ العِدَى، وَهِيَ الْحِجَارَةُ وَالصُّخُورُ:
أَو اسْتَمَرّ لمَسْكَنٍ، أَثْوَى بِهِ ***بِقَرارِ ملْحَدةِ العِدَاءِ شَطُونِ
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: العِدَاءُ، ممدودٌ، مَا عادَيْت عَلَى المَيّت حينَ تَدْفِنُه مِنْ لَبِنٍ أَو حِجَارَةٍ أَوْ خَشَبٍ أَو مَا أَشبَهه، الْوَاحِدَةُ عِداءة.
وَيُقَالُ أَيضًا: العِدَى والعِداءُ حَجَرٌ رَقِيقٌ يُسْتَرُ بِهِ الشَّيْءُ، وَيُقَالُ لكلِّ حَجَرٍ يُوضَعُ عَلَى شَيْءٍ يَسْتُره فَهُوَ عِدَاءٌ؛ قَالَ أُسامة الْهُذَلِيِّ:
تَاللَّهِ مَا حُبِّي عَلِيًّا بشَوى ***قَدْ ظَعَنَ الحَيُّ وأَمْسى قدْ ثَوى،
مُغادَرًا تحتَ العِدَاء والثَّرَى "مَعْنَاهُ: مَا حُبِّي عَلِيًّا بخَطَإٍ.
ابْنُ الأَعرابي: الأَعْدَاء حِجارَة المَقابر، قَالَ: والأَدْعاء آلَامُ النَّارِ وَيُقَالُ: جئْتُك عَلَى فَرَسٍ ذِي عُدَوَاء، غَيْرِ مُجْرًى إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَا طُمَأْنينة وسُهولة.
وعُدَوَاءُ الشَّوْق: مَا بَرَّح بِصَاحِبِهِ.
والمُتَعَدِّي مِنَ الأَفعال: مَا يُجاوزُ صاحبَه إِلَى غَيْرِهِ.
والتَّعَدِّي فِي القافِية: حَرَكة الْهَاءِ الَّتِي لِلْمُضْمَرِ الْمُذَكَّرِ السَّاكِنَةُ فِي الْوَقْفِ؛ والمُتَعَدِّي الواوُ الَّتِي تلحقُه مِنْ بَعْدِهَا كَقَوْلِهِ: " تَنْفُشُ مِنْهُ الخَيْل ما لا يَغْزِلُهُو "فحَركة الْهَاءِ هِيَ التَّعَدِّي وَالْوَاوُ بَعْدَهَا هِيَ المُتَعَدِّي؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " وامْتَدَّ عُرْشا عُنْقِهِ للمُقْتَهِي حَرَكَةُ الْهَاءِ هِيَ التَّعَدِّي وَالْيَاءُ بَعْدَهَا هِيَ المُتَعَدِّي، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَاتَانِ الْحَرَكَتَانِ تَعَدِّيًا، وَالْيَاءُ والواوُ بَعْدَهُمَا مُتَعَدِّيًا لأَنه تَجاوزٌ للحَدّ وخروجٌ عَنِ الواجبِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْوَزْنِ لأَنّ الوزنَ قَدْ تَناهى قبلَه، جَعَلُوا ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الخَزْمِ فِي أَوَّله.
وعَدَّاه إِلَيْهِ: أَجازَه وأَنْفَذَه.
وَرَأَيْتُهُمْ عَدَا أَخاك وَمَا عَدَا أَخاكَ أَي مَا خَلا، وَقَدْ يُخْفَض بِهَا دُونَ مَا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وعَدَا فِعْلٌ يُسْتَثْنى بِهِ مَعَ مَا وَبِغَيْرِ مَا، تقولُ جاءَني القومُ مَا عَدَا زيدًا، وجاؤوني عَدَا زَيْدًا، تنصبُ مَا بَعْدَهَا بِهَا والفاعلُ مُضْمَر فِيهَا.
قَالَ الأَزهري: مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُمْ مَا رأَيت أَحدًا مَا عَدَا زيدًا كقولك مَا خَلَا زَيْدًا، وتَنْصب زَيْدًا فِي هذَيْن، فَإِذَا أَخرجتَ مَا خَفَضتَ ونَصَبت فقلتَ مَا رأيتُ أَحدًا عدَا زَيْدًا وعَدَا زيدٍ وَخَلَا زَيْدًا وخَلا زيدٍ، النَّصْبُ بِمَعْنَى إلَّا والخفضُ بِمَعْنَى سِوى.
وعَدِّ عَنَّا حاجَتَك أَي اطْلُبْها عندَ غيرِنا فإِنَّا لَا نَقْدِرُ لَكَ عَلَيْهَا، هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
وَيُقَالُ: تَعَدَّ مَا أَنت فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ أَي تجاوَزْه.
وعَدِّ عَمَّا أَنت فِيهِ أَي اصْرِفْ هَمَّك وقولَك إِلَى غَيْرِهِ.
وعَدَّيْتُ عَنِّي الهمَّ أَي نحَّيته.
وَتَقُولُ لِمَنْ قَصَدَك: عدِّ عنِّي إِلَى غَيْرِي: وَيُقَالُ: عادِ رِجْلَك عَنِ الأَرض أَي جافِها، وَمَا عَدَا فلانٌ أَن صَنعَ كَذَا، وَمَا لِي عَنْ فلانٍ مَعْدىً أَي لَا تَجاوُزَ لِي إِلَى غَيْرِهِ وَلَا قُصُور دُونَهُ.
وعَدَوْته عَنِ الأَمر: صرَفْته عَنْهُ.
وعدِّ عَمَّا تَرَى أَي اصْرِفْ بصَرَك عَنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: « أَنه أُتيَ بسَطِيحَتَيْنِ فِيهِمَا نبيذٌ فشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا وعَدَّى عَنِ الأُخرى »أَي تَرَكها لِمَا رَابَهُ مِنْهَا.
يُقَالُ: عدِّ عَنْ هَذَا الأَمرِ أَي تجاوَزْه إِلَى غَيْرِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الآخرُ: أَنه أُهْدِيَ لَهُ لَبَنٌ بِمَكَّةَ فعدَّاه أَي صَرَفَهُ عَنْهُ.
والإِعْدَاءُ: إعْداءُ الحرب.
وأَعْدَاه الداءُ يُعْدِيه إعْدَاءً: جاوزَ غَيْرَهُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يصيبَه مثلُ مَا بصاحبِ الداءِ.
وأَعْدَاهُ مِنْ علَّته وخُلُقِه وأَعْدَاهُ بِهِ: جَوَّزَهُ إِلَيْهِ، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ العَدْوَى.
وَفِي الْحَدِيثِ: « لَا عَدْوَى وَلَا هامَة وَلَا صَفَر وَلَا طيرَةَ وَلَا غُولَ» أَي لَا يُعْدي شَيْءٌ شَيْئًا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ العَدْوَى فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ اسمٌ مِنَ الإِعْدَاء كالرَّعْوى والبَقْوَى مِنَ الإِرْعاءِ والإِبْقاءِ.
والعَدْوَى: أَنْ يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَب مَثَلًا فتُتَّقى مُخالَطَتُه بِإِبِلٍ أُخرى حِذار أَن يَتعَدَّى مَا بِهِ مِنَ الجَرَب إِلَيْهَا فيصيبَها مَا أَصابَه، فَقَدْ أَبطَله الإِسلامُ لأَنهم كَانُوا يظُنُّون أَن الْمَرَضَ بِنَفْسِهِ يتَعَدَّى، فأَعْلَمَهم النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَن الأَمر لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُمرض ويُنْزلُ الداءَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي بَعْضِ الأَحاديث وَقَدْ قِيلَ لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن النُّقْبة تَبْدُو وبمشْفر الْبَعِيرِ فتُعْدِي الإِبل كُلَّهَا، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي خَاطَبَهُ: فمَن الَّذِي أَعدَى البعيرَ الأَول "أَي مِنْ أَين صَارَ فِيهِ الجَرَب؟ قَالَ الأَزهري: العَدْوَى أَن يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَبٌ أَو بِإِنْسَانٍ جُذام أَو بَرَصٌ فتَتَّقيَ مخالطتَه أَو مُؤَاكَلَتَهُ حِذار أَن يَعْدُوَه مَا بِهِ إِليك أَي يُجاوِزه فيُصيبك مثلُ مَا أَصابه.
وَيُقَالُ: إِنَّ الجَرَب ليُعْدِي أَي يُجَاوِزُ ذَا الجَرَب إِلَى مَنْ قَارَبَهُ حَتَّى يَجْرَبَ، وَقَدْ نَهى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِنْكَارِهِ العَدْوَى، أَن يُورِدَ مُصِحٌّ عَلَى مُجْرِب لِئَلَّا يُصِيبَ الصِّحاحَ الجَرَبُ فَيُحَقِّقَ صاحبُها العَدْوَى.
والعَدْوَى: اسمٌ مِنْ أَعْدَى يُعْدِي، فَهُوَ مُعْدٍ، وَمَعْنَى أَعْدَى أَي أَجاز الجَرَبَ الَّذِي بِهِ إِلى غَيْرِهِ، أَو أَجاز جَرَبًا بِغَيْرِهِ إِليه، وأَصله مِنْ عَدَا يَعْدُو إِذا جَاوَزَ الحدَّ.
وتَعَادَى القومُ أَي أَصاب هَذَا مثلُ دَاءِ هَذَا.
والعَدْوَى: طَلَبُك إِلى والٍ ليُعْدِيَكَ عَلَى منْ ظَلَمك أَي يَنْتَقِم مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَدْوَى النُّصْرَة والمَعُونَة.
وأَعْدَاهُ عَلَيْهِ: نَصَره وأَعانه.
واسْتَعْدَاهُ: اسْتَنْصَره وَاسْتَعَانَهُ.
واسْتَعْدَى عَلَيْهِ السلطانَ أَي اسْتَعانَ بِهِ فأَنْصَفه مِنْهُ.
وأَعْدَاهُ عَلَيْهِ: قَوَّاه وأَعانه عَلَيْهِ؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ حذاق:
وَلَقَدْ أَضاءَ لَكَ الطَّريقُ، وأَنْهَجَتْ ***سُبُلُ المكارِمِ، والهُدَى يُعْدِي
أَي إِبْصارُكَ الطَّريقَ يقوِّيك عَلَى الطَّريقِ ويُعينُك؛ " وَقَالَ آخَرُ:
وأَنتَ امرؤٌ لَا الجُودُ منكَ سَجيَّةٌ ***فتُعْطِي، وَقَدْ يُعْدِي عَلَى النَّائِلِ الوُجْدُ
وَيُقَالُ: اسْتَأْداه، بالهمزة، فَآدَاهُ أَي أَعانَه وقَوَّاه، وبعضُ أَهل اللُّغَةِ يَجْعَلُ الْهَمْزَةَ فِي هَذَا أَصلًا وَيَجْعَلُ الْعَيْنَ بَدَلًا مِنْهَا.
وَيُقَالُ: آدَيْتُك وأَعْدَيْتُك مِنَ العَدْوَى، وَهِيَ المَعونة.
وعَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فصاعِدًا مُعَادَاةً وعِدَاءً: وَالَى؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ، ***وَبَيْنَ شَبُوبٍ كالقَضِيمَةِ قَرْهَبِ
وَيُقَالُ: عَادَى الفارِسُ بَيْنَ صَيْدَيْن وَبَيْنَ رَجُلَين إِذا طَعَنهما طَعْنَتَيْنِ مُتَوالِيَتَيْن.
والعِدَاء، بِالْكَسْرِ، والمُعَادَاة: المُوالاة والمتابَعة بَيْنَ الِاثْنَيْنِ يُصرَعُ أَحدهما عَلَى إِثر الْآخَرِ فِي طَلَقٍ وَاحِدٌ؛ وأَنشد لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
فعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ ونَعْجةٍ ***دِراكًا، وَلَمْ يُنْضَحْ بماءٍ فيُغْسَلِ
يُقَالُ: عَادَى بَيْنَ عَشَرة مِنَ الصَّيْد أَي وَالَى بَيْنَهَا قَتْلًا ورَمْيًا.
وتَعَادَى القومُ عَلَى نَصْرِهِمْ أَي تَوالَوْا وتَتابَعوا.
وعِداءُ كلِّ شيءٍ وعَدَاؤُه وعِدْوَتُه وعُدْوَتُه وعِدْوُه: طَوَارُه، وَهُوَ مَا انْقادَ مَعَهُ مِن عَرْضِه وطُولِه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ مَا أَنشده أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:
بَكَتْ عَيْني، وحَقَّ لَهَا البُكاءُ، ***وأَحْرَقَها المَحابِشُ والعَدَاء
وَقَالَ ابْنُ أَحمر يُخَاطِبُ نَاقَتَهُ:
خُبِّي، فَلَيْس إِلى عثمانَ مُرْتَجَعٌ ***إِلّا العَدَاءُ، وإِلا مَكْنَعٌ ضَرَرُ
وَيُقَالُ: لَزِمْت عَدَاءَ النَّهْرِ وعَدَاءَ الطَّرِيقِ والجبلِ أَي طَوَاره.
ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ الْزَمْ عَدَاء الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَن تأْخذَه لَا تَظْلِمه.
وَيُقَالُ: خُذْ عَداءَ الْجَبَلِ أَي خُذْ فِي سَنَدِه تَدورُ فِيهِ حَتَّى تعلُوَه، وإِن اسْتَقام فِيهِ أَيضًا فَقَدْ أَخَذَ عَدَاءَه.
وَقَالَ ابْنُ بُزْرُجٍ: يُقَالُ الْزَمِ عِدْوَ أَعْدَاءِ الطريقِ والْزَمْ أَعْدَاء الطَّرِيقِ أَي وَضَحَه.
وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ لِآخَرَ: أَلَبنًا نَسْقِيكَ أَم مَاءً؟ فأَجاب: أَيَّهُما كَانَ وَلَا عَدَاءَ؛ مَعْنَاهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحدهما وَلَا يَكُونَنَّ ثَالِثٌ.
وَيُقَالُ: الأَكْحَل عِرْقٌ عَداءَ الساعِدِ.
قَالَ الأَزهري: والتَّعْدَاءُ التَّفْعال مِنْ كُلِّ مَا مَرَّ جَائِزٌ.
والعِدَى والعَدَا: النَّاحِيَةُ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ، وَالْجَمْعُ أَعْدَاءٌ.
لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م
31-تهذيب اللغة (عقب)
عقب: قال أبو العباس: قال ابن الأعرابيّ: العاقب والعَقُوب: الذي يَخْلُف من كان قبلَه في الخير.وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، والماحي يمحو الله بيَ الكفر، والحاشر أحشُر الناس على قدميَّ، والعاقب».
قال أبو عبيد: العاقب: آخر الأنبياء.
قال: وكل شيء خَلفَ بعد شيء فهو عاقب له، وقد عَقَب يَعقِب عَقْبًا وعُقوبًا.
ولهذا قيل لولد الرجل عَقِبه وعَقْبه، وكذلك آخر كل شيءٍ عَقِبه.
وفي حديث عمر أنه سافر عَقِبَ رمضان، أي في آخره.
قال: وقال أبو زيد: جاء فلانٌ على عُقْب رمضان وفي عُقْبه بالضم والتخفيف، إذا جاء وقد ذهب الشهر كلُّه.
وجاء فلانٌ على عَقِب رمضانَ وفي عَقِبه، إذا جاءَ وقد بقيتْ في آخره أيام.
قال: وقال الأصمعي: فرسٌ ذو عَقْبٍ، أي جري بعد جري.
ومن العرب من يقول ذو عَقِبٍ فيه.
الحراني عن ابن السكيت قال: إبلٌ مُعاقِبَةٌ: ترعى مرّةً في حَمضٍ ومرّةً في خُلَّة.
ويقال عاقبتُ الرّجل من العُقْبة، إلى راوحتَه فكانت لك عُقْبةٌ وله عُقْبة.
وكذلك
أعقبته.
ويقول الرجلُ لزميله: أعقِبْ وعاقِبْ، أي انزِلْ حتّى أركبَ عُقبتي.
وكذلك كلُّ عمل.
وقال الله جلّ وعزّ: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} [الرّعد: 11] قال الفراء: المعقِّبات: الملائكةُ ملائكةُ الليل تعقِّب ملائكة النهار.
قلت: جعل الفراءُ عقَّبَ بمعنى عاقب، كما يقال ضاعَفَ وضعَّف وعاقد وعَقَّد بمعنى واحد، فكأنَّ ملائكة النهار تحفظ العبادَ فإذا جاء الليلُ جاء معه ملائكةُ الليل وصَعِد ملائكةُ النهار، فإذا أقبلَ النهار عادَ من صعِد وصعِد ملائكةُ الليل، كأنَّما جَعَلوا حفظهُ عُقَبًا أي نُوَبًا.
وقال أبو الهيثم: كلُّ مَن عمِل عملًا ثم عاد إليه فقد عقَّب؛ ومنه قيل للذي يَغْزُو غزْوًا بعد غَزْوٍ، وللذي يتقاضى الدَّينَ فيعود إلى غريمه في تقاضيه: مُعَقِّب.
وقال لبيد:
حتَّى تهجَّرَ في الرَّواحِ وهاجَه *** طلبَ المعقِّب حقَّه المظلومُ
وقال سلامة بن جندل:
إذا لم يُصِبْ في أوّل الغَزْو عَقَّبا
أي: غزا غزوةً أخرى.
قال: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «معَقِّباتٌ لا يَخِيب قائلُهنّ، وهو أن يسبّح في دُبر صلاته ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، ويكبّر أربعًا وثلاثين تكبيرة، ويحمِّد الله ثلاثًا وثلاثين تحميدة».
فسمِّين معقِّباتٍ لأنّها عادت مرّةً بعد مرّة.
وقال شمر: أراد بقوله: معقِّبات لا يخيب قائلهن: تسبيحات تَخْلُف بأعقاب الناس.
قال: والمُعقِّب من كل شيء: ما خَلَفَ يُعقِّب ما قبله.
وأنشد: ولكنْ فتًى من صالح القوم عقّبا يقول: عُمِّر بعدهم وبقيَ.
ويقال عقَّب في الشَّيب بأخلاق حسنة.
وأخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى قال: قال الأخفش في قوله: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} [الرّعد: 11]: إنَّما أنثت لكثرة ذلك منها نحو نسّابة وعلّامة؛ وهو ذكَر.
وقال أبو العباس: قال الفراء: ملائكة مُعَقِّبةٌ، ومعقِّبات جمع الجمع.
وقال أبو سعيد في قول لبيد:
طلب المعقِّب حقَّه المظلومُ
قال: المعقِّب: الغريم الماطل في قول لبيد.
قال: والمعقِّب: الذي أُغِير عليه فحُرِبَ فأغار على الذي كان أغارَ عليه فاسترجعَ مالَه.
وأما قوله عزوجل: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرّعد: 41] فإنَّ الفراء قال: معناه لا رادَّ لحكمه.
قال: والمعقِّب: الذي يكُرُّ على الشيء؛ ولا يكرُّ أحدٌ على ما أحكمه الله.
وروى شمر عن عبد الصمد عن سفيان أنه قال في قول الله: {وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النَّمل: 10]: لم يلتفت.
وقال مجاهد: لم يرجع.
قال شمر: وكلُّ راجعٍ معَقِّبٌ.
وقال الطرمّاح:
وإن تونَّى التّالياتُ عقَّبا
أي: رجَع.
وأخبرني المنذرِيّ عن ثعلب عن ابن
الأعرابيّ أنه أنشده في صفة الفرس:
يملأ عينَيك بالفِناءِ ويُرْ *** ضيك عِقابًا إن شئتَ أو نَزَقا
قال: عِقابًا: يعقِّب عليه صاحبُه، أي يغزو عليه مرّة بعد أخرى.
قال: وقالوا عِقابًا أي جريًا بعد جَري.
قلت: هو جميع عَقِب.
قال: وقال الحارث بن بدر: «كنت مرّةً نُشْبةً وأنا اليوم عُقْبة».
قال: معناه كنتُ إذا نَشِبتُ بإنسانٍ وعَلِقتُ به لقي منّى شّرًا، فقد أعقبتُ اليوم ورجعتُ.
قلت: ولما حوّل الله الخلافةَ من بني أمية إلى بني هاشم قال سُدَيف، شاعر ولد العبّاس، لبني أمية في قصيدة له:
أعقبى آل هاشمٍ يا أمَيَّا
يقول: انزلي عن الخلافة حتّى يعلوَها بنو هاشم فإنّ العُقبة لهم اليوم عليكم.
أبو عبيد: قال الأصمعي: عَقَّبتُ الخَوْقَ، وهو حَلْقة القُرط، وهو أن يُشَدَّ بعَقبٍ إذا خَشُوا أن يَزِيغ.
وأنشدنا:
كأنَّ خَوقَ قُرطها المعقوبِ *** على دَباةٍ أو على يعسُوبِ
وعقَبت القِدح بالعَقَب مثلُه.
وعقَبَ فلانٌ مكان أبيه عَقبًا.
وعقَبتُ الرجل في أهله، إذا بغيتَه بشرٍّ وخلفتَه.
وعَقبت الرجل: ضربت عقبه وعقبت الرجُل: إذا ركِبتَ عُقبة وركِب عُقبة.
ويقال أكلَ فلانٌ أكلةً أعقبتْه سَقَمًا.
وعقِب القدم: مؤخّرها، ويقال عَقْبٌ، وجمعه أعقاب.
ومنه قوله: «ويلٌ للأعقاب من النار».
وقال الله جلّ وعزّ: {وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ} [المُمتَحنَة: 11] هكذا قرأها مسروق وفسَّرها: فغنِمتُم، وقرأها حُميدٌ: {فعقَّبتم} قال الفراء: وهو بمعنى عاقبتم.
قال: وهي كقوله: {ولا تصاعر} {وَلا تُصَعِّرْ} [لقمَان: 18].
وقرىء {فَعَقَبْتُم} خفيفة.
وقال أبو إسحاق: من قرأ فَعاقَبْتُمْ [المُمتَحنَة: 11] فمعناه أصبتموهم في القتال بالعقوبة حتى غنمتم قال: ومن قرأ {فعقبتم} فمعناه: فغنمتم.
قال: وأجودها في اللغة فعقَّبتم وعَقَبتم جيّد أيضًا، أي صارت لكم عُقْبى.
إلّا أنَّ التشديد أبلغ.
وقال طرفة:
فعقَبتُم بذَنُوبٍ غَيْرَ مَرّ
قال: والمعنى أنّ من مضت امرأته منكم إلى مَنْ لا عهد بينكم وبينه، أو إلى مَن بينكم وبينَه عهدٌ فنكثَ في إعطاء المهر فغَلبتم عليهم فالذي ذهبت امرأته يُعطَى من الغنيمة المهرَ من غير أن يُنقَص من حقِّه في الغنائم شيء، يُعطَى حقَّه كَمَلًا بعد إخراج مهور النساء.
أبو عبيد عن أبي زيد: تعقّبت الرجلَ، إذا أخذتَه بذنبٍ كان منه.
وفي حديث: «المُعْتَقِبُ ضامنٌ لما اعتَقَب».
وهذا يُروى عن إبراهيم النَّخعيّ.
يقال اعتقبت الشيء، إذا حبستَه عندك.
ومعناه أنّ البائعَ إذا باع الشيءَ ثم منعه المشتريَ حتَّى تَلِف عند البائع هلك من ماله، وضمانُه منه.
شمر عن أبي عمرو الشيباني: المِعقب: الخِمار.
وأنشد:
كمِعقَب الرَّيْط إذْ نَشَّرتَ هُدَّابَه
قال: وسمِّي الخِمار مِعقبًا لأنّه يعقُب المُلاءةَ يكون خلفًا منها.
وقال أبو العباس: قال ابنُ الأعرابي: المِعقَب: القُرط.
والمِعقَب: السائق الحاذق بالسَّوق.
والمِعقب: بَعير العُقَب.
والمِعقَب: الذي يرشَّح للخلافة بعد الإمام.
والمِعْقَب: النجم الذي يطلُع فيركب بطلوعه الزميلُ المعاقب.
ومنه قول الراجز:
كأنَّها بين السُّجوف مِعقَبُ
وقال شمر: العُقبة: الشيء من المرق يردُّه مستعير القدر إذا ردَّها.
وقال الكميت:
وحاردتِ النُّكْدُ الجلادُ ولم يكن *** لعُقبةِ قِدر المستعيرينَ مُعْقِبُ
وقال الأخفش في قول الله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف: 44] أي عاقبة.
وقال أبو سعيد: يقال رأيت عاقبةً من طير، إذا رأيتَ طيرًا يعقُب بعضُها بعضًا، تقع هذه فتطير ثم تقع هذه موقعَ الأولى.
وقال الفراء: يقال عاقبَه عاقبةً بمعنى العقاب والمعاقبة، جعله مصدرًا على فاعلة كالعافية وما أشبهها.
وقال الليث: عاقبة كل شيءٍ: آخره؛ وَكذلك عاقِبُه، والجميع العواقب والعُقُب.
قال: والعُقبانُ والعُقْبى كالعاقبة والعُقُب.
قال: ويقال أتَى فلانٌ إليَّ خيرًا فعَقَبَ بخير منه.
وأنشد:
فعقَبتم بذَنوب غير مَرّ
قال: والفرق بين العَقَب والعَصَب أنَّ العصَب يضرب إلى الصُّفرة والعَقَب يضرب إلى البياض، وهو أصلبُها وأمتنُها.
وأمّا العَقِب مؤخّر القدم فهو من العَصَب لا من العَقَب.
قال: والعَقِب مؤنّثة، وثلاث أعقب، وتجمع على الأعقاب.
وفي الحديث: «ويلٌ للأعقاب من النار» وهذا يدلُّ على أن المسحَ على القدمين غير جائز، وأنه لا بدّ من غَسل الرجلين إلى الكعبين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُوعِد بالنارِ إلّا في ترك العَبد ما فُرض عليه.
وهو قول أكثر أهل العلم.
والليلُ والنهار يتعاقبان، وهما عَقيبانِ كلُّ واحدٍ منهما عَقِيبُ صاحبه.
ويقال تعقّبت الخبرَ، إذا سألتَ غير من كنتَ سألتَه أوّلَ مرة.
ويقال أُعقِبَ عِزُّ فلانٍ ذُلًّا، أي أُبدِل.
أبو عبيدٍ عن الأحمر قال: الأعقاب هي الخَزَف التي تُجعَل بين الآجر في الطيّ لكي يشتدَّ.
وقال شمر: أعقاب الطيّ: دوائره إلى مؤخره.
وقد عقَّبنا الركيّة، أي طويناها بحجَرٍ من وراء حجر.
قال: والعُقاب: حجرٌ يستَنْتِل على الطيّ في البئر، أي يَفْضُل.
وقال الليث: العُقاب: صخرة ناتئة ناشزة في البئر في جُولها، وربَّما كانت من قِبَل الطيّ، وذلك أن تزول الصَّخرةُ عن موضعها.
قال: والرجل الذي ينزل في البئر فيرفعها يقال له المعقِّب.
ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: القبيلة:
صخرة على رأس البئر، والعقابانِ من جنبتيها يَعْضدانها.
وقال الليث: العُقاب هذا الطائر يؤنّث، والجميع العِقْبان وثلاث أعقب، إلّا أن يقولوا: هذا عُقابٌ ذكَر.
قال: والعُقاب: العَلَم الضَّخم.
والعُقاب: اللِّواء الذي يُعقَد للوُلاة، شُبِّه بالعقاب الطائر.
قال: والعُقاب: الصَّخرة العظيمة في عُرض الجَبَل.
والعِقاب والمعاقبة: أن تجزي الرجلَ بما فعل سُوءًا، والاسم العُقوبة.
ويقال أعقبته بمعنى عاقبته.
ويقال استعقبَ فلانٌ من فعله ندمًا.
ويقال أعقبَه الله خيرًا بإحسانه، بمعنى عوَّضَه وأبدله، وهو معنى قوله:
ومن أطاع فأعقِبْه بطاعته *** كما أطاعك وادلُلْه على الرَّشَدِ
واليعقوب: ذكر الحجَل، وجمعه يعاقيب.
وقال الليث: يعقوب بن إسحاق اسمُه إسرائيل، سمِّي بهذا الاسم لأنه وُلد مع عِيصُو في بطن واحد، وُلِد عيصو قبله ويعقوبُ متعلِّق بعَقِبه، خرجا معًا، فعِيصو أبو الرُّوم.
وتسمَّى الخيل يعاقيبَ تشبيهًا بيعاقيب الحجَل، ومنه قول سلامة بن جندل:
ولَّى حثيثًا وهذا الشيبُ يطلبُه *** لو كان يُدركُه ركضُ اليعاقيبِ
وقال الله جلّ وعزّ في قصّة إبراهيم وامرأته: {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} [هُود: 71] قرىء {يعقوبُ} بالرفع وقرىء يَعْقُوبَ بفتح الباء.
فمن رفَعَ فالمعنى ومن وراء إسحاق يعقوبُ مبشَّر به.
ومن فتح يَعْقُوبَ فإن أبا زيد والأخفش زعما أنه منصوب وهو موضع الخفض، عطفًا على قوله {بِإِسْحاقَ}.
المعنى فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق بِيعقوبَ.
قلت: وهذا غير جائز عند حذاق النحويين من البَصريين والكوفيين.
فأما أبو العباس أحمد بن يحيى فإنه قال: نصب يَعْقُوبَ بإضمار فعل آخر، قال: كأنه قال فبشرناها بإسحاق ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوبَ.
ويعقوب عنده في موضع النصب لا في موضع الخفض بالفِعلِ المضمَر.
وقال أبو إسحاق الزجاج: عطف {يَعْقُوبَ} على المعنى الذي في قوله: {فَبَشَّرْناها} [هُود: 71] كأنه قال: وهبنا لها إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، أي وهبناهُ لها أيضًا.
وهكذا قال ابن الأنباري.
وقول الفراء قريبٌ منه.
وقول الأخفش وأبي زيد عندهم، خطأ.
وقال الليث: المِعقاب من النساء: التي تلد ذكرًا بعد أنثى.
قال: والعُقَب: نُوَب الواردة تَرِدُ قطعةٌ فتشرب، فإذا وردت قطعةٌ بعدها فشربت فذاك عُقبتها.
وعُقبة الماشية في المرعى: أن ترعى الخُلّةَ عُقبةً ثم تُحوَّل إلى الحمض، فالحَمضُ عُقبتُها.
وكذلك إذا حوِّلت من الحمض إلى الخُلّة فالخُلّة عُقبتها.
وهذا المعنى أراد ذو الرمة:
من لائح المَرْو والمرعَى له عُقَب
وأوله:
ألهاه آءٌ وتَنُّومٌ وعُقْبتُه *** من لائح المَرْو.
.
.
ويقال فلانٌ عُقبةٌ من بني فلان، أي آخر مَن بقيَ منهم.
أبو عبيد: يقال على فلانٍ عِقْبة السَّرْو والجمال، إذا كان عليه أثَر ذلك.
وقال الفراء في الجَمَال: عِقبةٌ، بكسر العين أيضًا، أي بقيّة.
وأما عُقبة القِدر فإنّ الأصمعيَّ والبصريِّين جعلوها بضم العين، وكان الفراء يجيزها بالكسر أيضًا بمعنى البقية.
ومن قال عُقبة القدر جعلها من الاعتقاب.
وقال اللِّحيانيُّ: العِقبة والعِقمة: ضربٌ من ثياب الهَودج مَوْشِيّ، ومنهم من يقول عَقْمة وعَقْبة بالفتح.
وقال: عُقبة القمر: عودته، ويقال عَقْبة بالفتح، وذلك إذا غابَ ثم طلع.
ونخل مُعاقِبة: تحمل عامًا وتُخلِف آخَر وقال ابن السكيت: إبلٌ مُعاقِبة: ترعَى مرَّةً في حَمض ومرة في خُلَّة.
وجاء فلانٌ مُعْقِبًا، إذا جاء في آخر النهار.
وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال: عَقَب فلانٌ على فلانة، إذا تزوّجها بعد زَوْجِها الأوّل، فهو عاقبٌ لها، أي آخر أزواجها.
وعقّب فلان في الصلاة تعقيبًا، إذا صلَّى فأقام في موضعه ينتظر صلاةً أخرى.
وفي الحديث: «مَن عَقَّب في صلاةٍ فهو في الصلاة».
وقُرارة القِدْر: عُقبته.
وعَقيبك: الذي يعاقبك في العمل، يعمل مرّة وتعمل أنت مرّة.
وقال أبو سعيد: قِدحٌ معقَّبٌ، وهو المعاد في الرِّبابة مرّةً بعد مرةٍ تيمُّنًا بفوزه.
وأنشد:
بمثنَى الأيادي والمَنيح المعَقَّبِ
وقال أبو زيد: جَزورٌ سَحُوف المعقَّب، إذا كان سمينًا.
وأنشد:
بجلمةِ عِليانٍ سَحوفِ المعقَّبِ
أبو عبيدة: المِعْقَب: نجم يتعاقب به الزميلان في السَّفَر، إذا غاب نجم وطلعَ نجمٌ آخر ركب الذي كان يمشي.
وأنشد:
كأنّها بينَ السُّحوفِ مِعقَبُ
وقال اللحياني: عقَبتُ في إثر الرجُل أعقُبُ عَقْبًا، إذا تناولته بما يكره ووقعتَ فيه.
وأعقب الرجلُ إعقابًا، إذا رجعَ من شرٍّ إلى خير.
ويقال: لم أجد عن قولك متعقَّبًا، أي رجوعًا أنظر فيه، أي لم أرخِّص لنفسي التعقُّبَ فيه لأنظرَ آتِيهِ أم أدعُه.
وقال أبو عمرو: العرب تسمِّي الناقة السوداء عُقابًا، على التشبيه.
وقال اللِّحيانيّ: عَقَبونا مِن خَلفنا وعقَّبونا، أي نزلوا بعد ما ارتحلنا.
ويقال عقَبت الإبل تَعقُبُ عَقْبًا، إذا تحوّلت من مكان إلى مكانٍ ترعى فيه.
وعقَب فلان يعقُب عَقْبًا، إذا طلب مالًا أو شيئًا.
وقال الأصمعي: العَقْب: العِقاب.
وأنشد:
لَيْنٌ لأهل الحق ذو عَقْبٍ ذكَرْ
والعَقْب: الرجوع.
وأنشد لذي الرمّة:
كأنّ صياحَ الكُدرِ ينظرنَ عَقْبنا *** تراطُنُ أنباطٍ عليهِ طَغامِ
معناه ينتظر صَدَرنا ليرِدْنَ بعدنا.
وقال ابن الأعرابي: إبلٌ عاقبة: تَعقُب في مرتعٍ بعد الحَمْض؛ ولا تكون عاقبة إلّا في سنةٍ شديدة، تأكل الشجر ثم الحمض.
قال: ولا تكون عاقبة في العُشْب.
والمعقّب: الرجل يخرج من حانة الخمّار إذا دخَلها من هو أعظمُ قدرًا منه.
ومنه قوله:
وإن تلتمِسني في الحوانيت تصطدِ
أي: أكون معقِّبًا.
وفي حديث أنس بن مالك أنه سئل عن التعقيب في رمضان فقال: «إنهم لا يرجعون إلّا لخير يرجونه أو شرٍّ يخافونه».
قال شمر: قال إسحاق بن راهويه: إذا صلى الإمام في شهر رمضان بالناس ترويحةً أو ترويحتين ثم قام الإمام من آخر الليل فأرسل إلى قوم فاجتمعوا فصلَّى بهم بعد ما ناموا فإن ذلك جائز إذا أراد به قيامَ ما أُمر أن يصلَّى من الترويح.
وأقلُّ ذلك خمسُ ترويحات، وأهل العراق عليه.
قال: فأمّا أن يكون إمامٌ صلّى بهم أوّلَ الليل الترويحات ثم رجع آخر اليل ليصلّي بهم جماعةً فإن ذلك مكروه؛ لما روي عن أنس وسعيد بن جُبير في كراهيتهما التعقيب.
وكان أنس يأمرهم أن يصلُّوا في بيوتهم.
وقال شمر: والتعقيب: أن يعمل عملًا من صلاةٍ أو غيرها ثم يعود فيه من يومه.
يقال: عقَّبَ بصلاةٍ بعد صلاةٍ، وغزوة بعد غزوة.
قال: وسمعتُ ابن الأعرابي يقول: هو الذي يفعل الشيء ثم يعود ثانية.
يقال صلّى من الليل ثم عقَّب، أي عادَ في تلك الصلاة.
وفي حديث عمر أنه «كان يعقِّب الجيوشَ في كل عام»، قال شمر: معناه أنّه يردُّ قومًا ويبعث آخرين يعاقبونهم.
يقال قد عُقِّبَ الغازيةُ بأمثالهم وأُعقِبوا، إذا وُجِّه مكانَهم غيرُهم.
قال: ويقال عقَّبت الأمر، إذا تدبَّرتَه.
قال: والتعقُّب: التدبُّر والنظر ثانيةً.
قال طفيلٌ الغنوي:
فلن يجد الأقوامُ فينا مَسَبَّةً *** إذا استُدبرتْ أيَّامنا بالتعقُّبِ
يقول: إذا تعقَّبوا أيامنا لم يجدوا مَسَبَّةً.
واستعقبتُ الرجلَ وتعقّبتُه، إذا طلبتَ عورَتَهُ وعثرته.
ويقال استعقبَ فلانٌ من كذا وكذا خيرًا وشرًا.
ويقال هما يعتقبان ويتعقّبان: إذا ذهبَ أحدهما جاء الآخر مكانَه.
ابن شميل: يقال باعني فلان سِلعةً وعليه تعقِبَةٌ إن كانت فيها، وقد أدركتني في تلك السلعة تعقِبة.
ويقال: ما عَقَب فيها فعليك في مالك، أي ما أدركني فيها من دَرَكٍ فعليكَ ضمانُه.
وقال شمر: العَقَبة: الجبل الطويل يَعرِض للطَّريق فيأخُذُ فيه، وهو طويلٌ صعبٌ شديد وإن كانت خُرمت بعد أن تشتدَّ، وتطول في
السماء في صعود وهبوط، أطْوَلُ من النَّقْب وأصعب مرتقًى، وقد يكون طولهما واحدًا.
سَنَد النَّقْب فيه شيء من اسلِنْقاء، وسَنَد العَقبة مستوٍ كهيئة الجدار.
قلت: وتجمع العقبة عِقابًا وعَقَبات.
وقال أبو زيد: يقال من أين كان عَقِبُك أي من أين أقبلت؟ ويقال لقي فلانٌ من فلانٍ عُقْبةَ الضَّبُع، أي شِدَّة.
وهو كقولك: لقي منه استَ الكلبة.
قال: والعِقاب: الخيط الذي يشدُّ به طرفا حَلقة القُرْط.
ثعلب عن ابن الأعرابي: عَقِب النبتُ يَعقَب عَقَبًا أشدَّ العَقَب، إذا دَقّ عودُه واصفرَّ ورقُه.
وكلُّ شيء كانَ بعد شيءٍ فقد عَقَبه.
وقال جرير
عقَبَ الرّذاذُ خِلافَهم فكأنّما *** بسَطَ الشواطبُ بينهنَّ حصيرا
وقال ابن السكيت: فلانٌ يَسقِي على عَقِب آل فلانٍ، أي بعدهم.
وذهب فلانٌ وعَقَبَه فلانٌ: يتلو عَقِبه.
تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م
32-معجم العين (ربث)
ربث: الرَّبثُ: حَبسُكَ إِنسانًا عن أمرٍ، يقال: رَبَثْتُه عن حاجته رَبْثًا، والاسْمُ: الرَّبيثَةُ.ويَبعَثُ إِبليسُ يومَ الجُمُعة شياطينه إلى الناس فيأخُذُونَ عليهم بالرَّبائِثِ، أي يُذَكِّرونهم بالحَوائجِ ليَرْبُثُوهم بها عن الجُمُعة، قال:
جَرْيَ كَريثٍ أمرُها رَبيثُ
وكَريثٌ أي مَكروثٌ، ورَبيثٌ أي مَرْبوثٌ.
والرِّبِّيثَي: اسمٌ مُشتَقٌ من هذا.
العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م
33-القانون (مقاتلة؛ مشاجرة)
مقاتلة؛ مشاجرة: اشتباك مفاجئ بين شخصين أو أكثر في محل عام من شأنه أن يعكر السكينة ويبعث على شيوع الرعب بين الحاضرين.يختلف هذا الاصطلاح عن riot في أنه لا ينطوي على التصميم.
المعجم القانوني (الفاروقي)