نتائج البحث عن (يبرر)
1-العربية المعاصرة (بر)
برَّ/برَّ ب/برَّ في بَرَرْتُ، يَبِرّ، ابْرِرْ/بِرَّ، بِرًّا وبُرورًا، فهو بارّ وبَرّ، والمفعول مَبْرور (للمتعدِّي).* بَرَّ حَجُّه: قُبِلَ.
* برَّتِ اليمينُ: صدَقت (برّت عينُه- برَّ في قوله) (*) فعل مبرور: ما لا شبهة فيه ولا كذب ولا خيانة.
* برَّ والِدَيْه: توسَّع في الإحسان إليهما ووصلَهما ورفق بهما وأحسن معاملتهما، عكس عقَّ (ابن بار: مطيع، يُحسن معاملة والديه عن حبّ- {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [قرآن]).
* برَّ اللهُ حجَّه: قَبِلَه (حج مبرور: لا يخالطه شيءٌ من المآثم- برَّ اللهُ صلاتَه).
* برّ اللهُ قَسَمَه: أجابه إلى ما أقسم عليه.
* برَّ الشَّخصُ ربَّه: توسّع في طاعته (برّ خالقَه: أطاعه- الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ [حديث] - {وَلَكِنَّ الْبَارَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [قرآن]).
* برَّ بيمينه/برَّ في يمينه: وفّى بها، صدق فيها (برَّ بوعده).
برَّ بَرِرْتُ، يَبَرّ، ابْرَرْ/بَرَّ، بِرًّا، فهو بَارّ وبَرّ.
* بَرَّ الشَّخصُ: صلَح، ضدّ فجَر.
* برَّ حَجُّه ونحوه: قُبِلَ (برَّتِ الصَّلاةُ).
* برَّتِ اليمينُ: صَدَقَت.
* برَّتِ السِّلعةُ: راجتْ.
* برَّ البيعُ: خَلا من الشّبهة والكذب والخيانة.
أبرَّ يُبرّ، أبرِرْ/أبِرَّ، إبْرارًا، فهو مُبِرّ، والمفعول مُبَرّ (للمتعدِّي).
* أبرَّ الجنودُ: نزلوا إلى البَرِّ (إمّا من البحر أو من الجوّ بالمظلات).
* أبرَّ اليمينَ: صَدَق في تنفيذها ولم يحنث (أبرَّ وعده ولم يُخْلفه: وفَّى به).
* أبرَّ اللهُ حَجَّه: برَّه، قَبِلَه.
* أبرَّ اللهُ قسمَه: برّه، أجابه إلى ما أقسم عليه (رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ) [حديث].
برَّرَ يبرِّر، تَبْريرًا، فهو مُبرِّر، والمفعول مُبرَّر.
* برَّر العملَ ونحوَه: سوَّغه؛ زكّاه وذكَر مايبيحه من الأسباب والمعاذير (برَّرت إسرائيلُ عدوانَها بدعوى الدِّفاع عن أمنها- تبرير جريمة- برَّر موقفَه- الغاية تبرِّر الوسيلة: قول يتذرَّع به بعض المخطئين لتبرير ارتكابهم الخطأ).
بارّ [مفرد]: جمعه بارّون وبَرَرة:
1 - اسم فاعل من برَّ/برَّ ب/برَّ في وبرَّ.
2 - صادق وفيّ (عرفته بارًّا في يمينه).
3 - كثير الخير والإحسان، صالح، حسن الخلق، عارِف بالجميل، رحيم بوالديه ({بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [قرآن]: والمراد هنا الملائكة).
* البارّ: اسم من أسماء الله الحُسنى، ومعناه: فاعل البرّ والإحسان إلى عباده في الدُّنيا والدِّين وإصلاح أحوالهم.
بَرّ [مفرد]: جمعه أبرار (للعاقل) وبُرور:
1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من برَّ/برَّ ب/برَّ في وبرَّ.
2 - طائع ومخلص الود، كثير الطاعة لوالديه، محسن {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [قرآن] - {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [قرآن].
3 - أرض يابسة، ما انبسط من سطح الأرض ولم يغطِّه ماء، عكس بَحْر (يَشغل البَرُّ حوالي ثُلث الكرة الأرضيّة- {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [قرآن]) (*) بَرّ الأمان: بعيد عن الخطر ومصدر التَّهديد- بَرًّا وبحرًا: عن طريق البَرِّ والبحر- جلَسَ بَرًّا: خارجًا.
* البَرُّ: اسم من أسماء الله الحُسنى، ومعناه: فاعل البرّ والإحسان، الذي يُصلح أحوال عباده، ويُحسن إليهم في دينهم ودُنياهم {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [قرآن].
بُرّ [جمع]: مفرده بُرَّة: [في النبات] حَبّ القمح، قمح صُلْب.
بِرّ [مفرد]:
1 - مصدر برَّ/برَّ ب/برَّ في وبرَّ (*) بِرُّ الوالدَيْن: إطاعتهما وإخلاص الودّ لهما- خيرُ البِرِّ عاجلُه: أفضل أعمال البرّ ما كان سريعًا.
2 - خير واتساع في الإحسان، فَضْل، صدق، طاعة، صلاح، عطاء، كلمة جامعة لكلِّ صفات الخير كالتَّقوى والطَّاعة والصِّلة والصِّدق (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ [حديث] - {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [قرآن]).
3 - ثواب الله ورحمته {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [قرآن].
بَرّانيّ [مفرد]:
1 - اسم منسوب إلى بَرّ: على غير قياس.
2 - خارجيّ ظاهر، خلاف جَوّانيّ (مَنْ أَصْلَحَ جَوَّانِيَّه أَصْلَحَ الله بَرَّانيَّه) [حديث].
برّمائِيّ [مفرد]: جمعه برّمائيات:
1 - بَرْمائيّ، قادر على العيش في الماء وعلى اليابسة، وهي كلمة مركّبة من كلمتي بَرّ وماء (*) دبَّابة برّمائيَّة: مُعَدَّة للسير في الماء واليابسة- طائرة برّمائيَّة: طائرة مُعَدَّة للإقلاع من البرّ والبحر وللهبوط في أيٍّ منهما على السَّواء.
2 - [في الحيوان] كائن حيّ يعيش طورًا من حياته في الماء متنفسًا بالخياشيم، ويقضي طورًا آخر على البرّ متنفسًا بالرئتين، مثل الضفدع.
برّمائيَّات [جمع]: مفرده بَرّمائيّ: [في الحيوان] بَرّمائيّات، حيوانات تعيش طورًا من حياتها في الماء متنفِّسة بالخياشيم، وتقضي طورًا آخر على البرّ متنفِّسة بالرئتين منها الضفادع (انظر: ب ر م ا ء - بَرْمائيّات).
بَرِّيّ [مفرد]: مؤنثه: بَرِّيَّة، والجمع المؤنث بَرِّيَّات وبَرارٍ: اسم منسوب إلى بَرّ: خلاف البحرِيّ (*) برّيّ الطِّباع: غير اجتماعي يتجنّب الناس أو يخافهم، ويبتعد عن الاختلاط بهم وعن معاشرتهم- جوّيّ برّيّ: خاصّ بالقوات الجوّيّة والبّريّة معًا.
* حيوان بَرِّيّ: [في الحيوان] حيوان يعيش في البَرّ، مُتوحِّش ليس أليفًا، كالأرنب البَرّي.
* نبات بَرّيّ: [في النبات] ما لا يُزرع عادة، عكسه نبات بُستانيّ.
* سلحفاة بَرِّيَّة: [في الحيوان] نوع من السلاحف لها أطراف خلفيّة غليظة ودرع عظميّ يغطِّي ظهرها.
بَرِّيَّة [مفرد]: جمعه بَرارٍ وبراريّ وبرّيّات:
1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى بَرّ: خلاف البحريَّة.
2 - مصدر صناعيّ من بَرّ: صحراء، بادية، مفازة، قفر (خرج إلى البرِّيَّة).
* الخطوط البَرِّيَّة: الطُّرق التي تسلكها القطاراتُ أو السَّيَّاراتُ وغيرها.
* قوَّات برِّيَّة: جيوش ميدانها البرَّ (موقعة/معركة برِّيَّة).
بُرور [مفرد]: مصدر برَّ/برَّ ب/برَّ في.
تَبْرير [مفرد]: جمعه تبريرات (لغير المصدر):
1 - مصدر برَّرَ.
2 - تفسيرُ المرء سلوكَه بأسباب معقولة أو مقبولة ولكنَّها غير صحيحة (كانت تبريراته مقْنعة).
مَبَرَّة [مفرد]: جمعه مَبَرَّات ومَبارّ:
1 - مصدر ميميّ من برَّ/برَّ ب/برَّ في وبرَّ.
2 - اسم مكان من برَّ/برَّ ب/برَّ في: مكان البرّ والأعمال الخيريَّة.
3 - مؤسسة خيريّة كالمستشفى والمَلْجَأ (تَأْوي المَبَرَّة المرضى والأيتام).
4 - عمل خيريّ (احتفى أصدقاء الفقيد بطيِّب أعماله ومَبرّاته).
مُبرِّر [مفرد]:
1 - اسم فاعل من برَّرَ.
2 - سبب أو عذر يدعو إلى التبرير، مُسوِّغ، شيء موجب للقيام بفعل أو ردّ فعل (قدَّم مُبرِّرات طَلَبه) (*) لا مُبرِّر له/بدون مُبرِّر: لا عُذْر له أو لا مُسوّغَ له.
العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م
2-معارف منوعة (العنف ضد النساء في المجتمع العربي)
العنف ضد النساء في المجتمع العربي:عنف الزوج اتجاه الزوجه موجود في كل التفاوضات وفي جميع الطبقات الاجتماعيه الأقتصاديه وعند جميع الرجال في المستويات الثقافيه المختلفه وفي جميع الأديان وفي جميع المناطق السكنيه القرى والمدن ويوجد عنف ايضا اتجاه الأولاد.
تختلف المجتمعات في فهمها لظاهرة العنف ضد النساء وفي مدى تسامحها مع الرجل العنف ضد النساء وفي مدى تسامحها مع الرجل العنيف وفي كيفية مواجهة المشكله.
في المجتمعات الغربيه الصناعيه المتطورة سن قوانين لمكافحة العنف ضد النساء في العائلة واقيمت اماكن ومراكز وخدمات لمساعدة النساء المضروبات مثل ملاجئ وربرامج لتوعية الجمهور ولكن في دول اخرى تجاهلوا المشكله واعتبروها مشكله شخصية عائليه يجب ان تبقى في اطار العائلة اما في المتطورة قامت حركات نسائيه قويه من اجل دفع مركز المرأه ومقامة العنف ضدها عملت اسرائيل مثل الدول الغربيه الصناعيه فقط سنت قوانين لحماية النساء واقيمت الملاجئ وخدمات الرفاه الأجتماعي ولكن يصعب في اسرائيل تطبيق القانون بسبب وجود جماعات عرقيه واثنيه في المجتمع الأسرائيلي كالعرب واليهود الشرقيين والاثيوبيين الذين لا يرغبون ان يتدخل احد في شؤونهم العائليه فالمرأه اليهوديه الغربيه اذا ذهبت الى الشرطه لتشكي زوجها ينظر اليها المجتمع نظرة تاييد وعطف أو اذا توجهت العربيه الى الشرطه يتعبرها المجتمع سيئه ولا تعرف كيف تافظ على عائلتها وبيتها.
مبنى رمزيات العائلة العربيه وعلاقتها مع مشكله العنف:
بالرغم من التغيرات الأقتصاديه والأجتماعيه والسياسيه التي مر به المجتمع العربي بقية العائلة والمحافظه على سلامتها ومركزها جدا وبالرغم من خروج الأفراد للعمل والأحتفالات ما زالت تؤكد العائلة العربيه على التعاون الأقتصادي بين افرادها وتعتبر هي المسؤوله عن تربية الأولاد وجتمعتهم ومنحهم الدعم والحمايه ويعتبر نجاح او فشل الفرد هو نجاح او فشل العائله كلها ويضحي كل فرد من اجل افراد العائله جميعهم وتقاس سعادة الأم العربيه بنجاح اولادها فالوالدين يهتمان بسعادة العائلة ان مشاكل المرأه في حياتها الزوجيه تنعكس على اهلها فهم يدعمونها اذا ضربت ولكن يعارضونها اذا لم تقم بواجبها اتجاه زوجها واولادها حيث عليها طاعة الزوج والرضوع له والمحافظه لعى شرف العائلة فالمرأه المضروبه تعاني بينها وبين نفسها من اجل اولادها وخوفا من الحرمان الأجتماعي والمقاطعه التي يفرضها المجتمع على المرأه وفي حالات صعبه تلجأ المرأه المضروبه الى خدمات الرفاه الأجتماعي ولكن اهلها واهل زوجها والمجتمع ايضا لا يتفهمون ذلك فيقاطعونها واحيانا يؤدي الى طلاقها. يتوقع من الرجل في المجتمعالعربي القيام بوظائف وسيليه اي انه مسؤول عن الدخل والرزق في العائله حتى لو كانت زوجته عالمه بينما الزوجه تقوم بوظائف تعبيريه اي انه زوجه وربة بي مسؤوله عن العلاقات في العائله وتماسكها والعلاقات مع والدي الزوج اخوته واخواته والأقارب.
المبنى البطريركي (الأبوي) في العائله العربيه يبرر عدم المساواه بين الرجال والنساء بالرغم من التغيير في مكانة المرأه بسبب النمطيه بين الجنسين حيث يتعلم الولد منذ صغره ان يكون مسيطرا وتتعلم البنت ان تكون وضعيفه واذا خاف الرجل على سلطته يلجأ الى استعمال العنف يستعيد رجولته وسيطرته.
الأستطلاع حول نظرة النساء العربيات في ظاهرة العنف ضد النساء:
فحث الأستطلاع الذي قام به محمد حاج يحيى نظرة النساء العربيات الى العنف ضد النساء حسب اربعة ابعاد وهي:
أ. تعريف العنف: سألت النساء العربيات سؤالا كيف تعرف العنف ضد النساء وكانت اجابات النساء العربيات حول تعريف العنف مطابقا لتعريفه في المصادر المهنيه فقد تحدثت النساء العربيات عن عنف جسدي وكلامي ونفسي وتحدث النساء العربيات عن بعص الأعمال التي يقوم بها الزوج وتعتبره عنفا مثل شتم المرأه واهانتها امام اولادها وامام الأقارب وامام اخواتها او اخوات زوجها او امه او حتى امام الغرباء كذلك سخرية الزوج من اهل زوجته واجبارها على الأعتذار لحماتها يعتبر عنفا.
ب. مدى الوعي من مشكله العنف العنف عرضت امام النساء قصص عن نساء مررن بعنف كلامي ونفسي وجسدي متوسط وصعب وطلب من النساء العربيات ان يذكرن اذا كن يعرفن هذا العنف في المجتمع العربي وظهر ان هناك نسبة كبيره من النساء العربيات تعانين من عنف كلامي ونفسي من زوجها وتعانين من عنف متوسط مثل صفع الزوج او شدها من شعرها او ملابسها ةهناك من تعانين من عنف صعب مثل ضرب الزوجه بشيء صلب مثل عصا كرسي حزام وذكرت النساء العربيات بأن العنف ضد المرأه لا يقوم به لا يقوم به الزوج فقط وأنما احيانا امه او احد اخوته او اخواته.
ج. تبرير العنف اوج شجبه طرح على النساء سؤال هل توافقين بأن الرجل يضرب زوجته؟ اجاب 32 % من النساء بالنفي وفقط 8 % وافقت على ضرب الزوج لزوجته في حالات الخيانه الزوجيه وعدم تلبية طلبات الزوج وعدم احترامه والأستهتار به واذا عرفت بشكل لا يناسب معايير المجتمع مثل اللباس ورفع الصوت في أماكن عامه.
د. مدى الوعي بالمخاطره التي تتعرض اليها المرأه تشير النتائج توازن بين التعريف العلمي وبين وعي النساء لمدى الخطوره التي تتعرض لها المرأه ضحية العنف فكلما كان العنف خطرا وصعبا قالت عنه النساء بأنه خطر على المرأه فقد اعتبرت النساء العنف الكلامي والنفسي خطرا على المرأه وكثر من ذلك العنف الجسدي المتوسط وفوق ذلك العنف الجسدي الصعب وقد اعتبرت النساء اهانة الزوجه وضربها أمام اولادها خطر جدا لأن الأولاد لا يتربون كالرجال وسوف يضربون زوجاتهم في المستقبل وينحرفون الى المخدرات.
ه. ادراك انماط المواجهه طرح على النساء سؤال مفتوح لنفرض ان ابنتك توجهت اليك وأخبرت بأن زوجها يضربها كيف سيكون رد فعلك وماذا تفرضين عليها من اجابات النساء العربيات ظهر ان الغالبية لا تؤيد السكوت والرضوخ وفضلت 92 % من النساء ان تنمو المواجهه بين الزوجين داخل العائله النواتيه وأقل من ذلك فضلن تدخل اقارب من عائلة الزوجين وأوصت 15 % من النساء التوجه الى خدمات الرفاه الأجتماعي والى الشرطه وفقط 6 % أيدن الطلاق وبعد ان استعملت كل الطرق الأخرى.
معارف منوعة
3-مرافعات قضائية (تزوير)
تزوير: تزوير -جنحة استعمال الزور -عناصرها -الركن المعنوي -الإضرار بالشاكي -العلم بعدم صحة الوثيقة المقدمة -تسبيب- القضاء بالإدانة -تبريره -بيان عناصر الجريمة" من المقرر قانونا وقضاء أنه لثبوت جريمة استعمال المزور لابد من توافر عناصر ثلاثة هي: الركن المعنوي وهو الوعي بتغيير الوقائع -الإضرار بالشاكي - العلم بعدم صحة الوثيقة المقدمة، ومن المقرر أيضا أن كل حكم أو قرار لابد أن يستند على أسباب يبرر القضاء بالإدانة ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأين يعد خرقا للقانون وانعداما للأساس القانوني.
ولما كان من الثابت -في قضية الحال -أن قضاة الاستئناف أدانوا المتهم بجنحة استعمال المزور طبقا للمادة 222 من ق ع دون أن يشيروا إلى عناصر الجريمة ودون أن يبينوا ما إذا كانت العبارات المزادة بهامش الحكم المدني تضر بحقوق الأطراف المدنية أو من شانها أن تغير مجرى الدعوى المدنية أو لها علاقة ما مع الدعوى المطروحة فإنهم بقضائهم كما فعلوا خرقوا القانون ولم يبرروا قضائهم بالإدانة بصفة سلبية
مرافعات قضائية
4-مرافعات قضائية (قائمة المحلفين)
قائمة المحلفين: قائمة المحلفين- تخلف أحد المحلفين الأصليين- إضافة محلف إضافي- دون مراعاة الترتيب التسلسلي- عدم تحرير حكم مسبب بذلك خرق القانون."متى كان مؤدى المادة 3/281 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه في حالة توفر النصاب القانوني على إثر تخلف بعض المحلفين أو شطب أسمائهم يتعين على الرئيس استكمال العدد من قائمة المحلفين الإضافيين حسب ترتيب قيد أسمائهم بالقائمة الخاصة و يحرر عن ذلك حكم مسبب، و من ثم فإن القضاء بمخالفة هذا المبدأ يعد خرقا للقانون.
و لما كان الثابت في قضية الحال أن محكمة الجنايات أضافت إلى قائمة المحلفين الأصليين اسم المحلف الإضافي رقم (4) المدرج في القائمة الخاصة و أجرت القرعة فيما يخصه بدون احترام الترتيب التسلسلي خرقت و دون إصدار حكم يبرر هذا الإجراء، تكون بقضائها هذا كما فعلت القانون.
و متى كان الأمر كذلك استوجب نقض و إبطال القرار المطعون فيه.
مرافعات قضائية
5-مرافعات قضائية (ادعاء مدني)
ادعـاء مدني: ادعـاء مدني-غرفة الاتهام - رفض التحقيق - خطأ طبي.رفض غرفة الاتهام، فتح تحقيق قضائي بخصوص وفاة شخص قصد التأكد من وجود أو انعدام الخطإ الطبي، خطأ في تقدير الوقائع يبرر نقض القرار المطعون فيـه.
مرافعات قضائية
6-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (الغرفة)
الغرفةهي على مقربة من بابكر. وكان الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عبد الرّحمن عبّاد ـ المشهور بالقديم المتوفّى سنة (687 ه) عن إحدى وسبعين سنة ـ أوّل من بنى غرفة بسفح الجبل الّذي يطلّ عليها، وحفر عندها بئرا سمّاها: غرفيّه، لا تزال تملأ منها جوابي مسجد عليّ بن عبد الله إلى الآن.
ثمّ زاد الشّيخ محمّد بن عمر بن محمّد بن عبد الرّحمن سنة (701 ه) في بناء تلك الغرفة حتّى صارت دارا، ثمّ انتقل إليها ولده الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عمر من شبام بعائلته وتلاميذه، وابتنوا بها جامعا.
وكان لآل باعبّاد منصب عظيم عليه بإشارة الفقيه المقدّم ـ على ما يروى ـ كان انبناء دولة آل كثير، حسبما فصّل ب «الأصل».
وقال الطّيّب بامخرمة: (الغرفة: قرية معروفة بأعلى حضرموت، ذات نخيل ومزارع، بها فقراء صالحون، يعرفون بآل أبي عبّاد.
ومن مشايخهم الكبار ومشاهيرهم: الشّيخ الكبير، العارف بالله: عبد الله بن محمّد بن عبد الرّحمن باعبّاد، وهو أوّل من اشتهر بالتّصوّف بحضرموت، له ذرّيّة وفقراء أخيار صالحون، دفن بشبام، وتربته من التّرب المشهورة، المقصودة بالزّيارة من الأماكن الشّاسعة، ومنصبهم من أعلى مناصب حضرموت) اه
وقوله: (إنّ الغرفة بأعلى حضرموت).. من الأوهام، وكذلك قوله: (إنّ الشّيخ عبد الله أوّل من اشتهر بالتّصوّف). وأمّا قوله: (إنّ منصبهم من أعلى مناصب حضرموت).. فنعم كما سيأتي.
ومن أكبر مناصبهم: الشّيخ محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن محمّد بن عبد الرّحمن عبّاد، الّذي يقال له: صاحب الجابية؛ لأنّه بنى جابية للواردين عليه من الحنفيّة، ولا يزال في ضيافته خمس مئة نفر غير الطّارئين. وكان حمّالا للأثقال، يتحمّل المغارم، ويدفع المظالم.
وفي مناقبه: أنّ أحد أهل اليمن ساءت حاله، ولزمه دين يقدّر بمئة دينار، وانقطعت به الحيل، وانسدّت في وجهه الأبواب، فطوى البلاد سائرا إلى الغرفة، فاستجهره ما رأى من عظيم حال الشّيخ وكثرة وفوده، فهابه ولم يقدر على مكالمته، إلى أن سنحت له الفرصة، فذكر له حاله، فأعطاه ألف دينار، ولمّا كان في أثناء الطّريق.. انتهبه اللّصوص، فعاد أدراجه إلى الغرفة حرّان آسفا، فعوّضه الشّيخ بألف آخر أعطاه به تحويلا إلى الشّحر كيلا يأخذه اللّصوص مرّة أخرى. وبالثّمرة الواحدة تعرف الشّجرة.
وكان للشّيخ عبد الله القديم ولذرّيّته من بعده تعلّق عظيم بالعلويّين، وسمعت من بعض المشايخ أنّهم أوّل من سنّ تقبيل أيدي العلويّين بحضرموت، إلّا أنّه حصل بعد ذلك ما يقتضي التّنافر، وأوّله ـ فيما أظنّ ـ ما وقع في زمان الشّيخ عمر المحضار والشّيخ عقيل باعبّاد، حتّى أصلح بينهما الفقيه محمّد بن حكم باقشير، حسبما ذكرناه ب «الأصل» عن «مفتاح السّعادة والخير في مناقب السّادة آل باقشير» لمؤلّف «القلائد».
وعن الفاضل السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن المشهور عن والده مفتي الدّيار الحضرميّة أنّه يقول: (سمعت كثيرا من مشايخي يقولون: كانت المشيخة بتريم للخطباء وآل بافضل، فلمّا سكنها العلويّون.. تنازلوا لهم عن تقبيل اليد ولبس العمامة، والنّداء بلفظ الحبيب، فمحوه عن أنفسهم وخصّصوه بالأشراف، وجعلوه علامة لهم) اه
وهو في حاجة إلى البحث والنّظر والرّجوع إلى ما يأتي في المبحث الثّالث من الحسيّسة.
وقال لي بعضهم: إنّ آل باعبّاد هم الذين حملوا النّاس على دعائهم بالحبيب، وعلى تقبيل أيديهم، لا على تقبيل أيدي العلويّين.
وآية هذا أنّهم لا يزالون على ذلك بين أتباعهم إلى اليوم، والمسألة لا تعدو دائرة الظّنّ والاحتمال، لا سيّما وأنّ الخطباء وآل بافضل لا يزالون معمّمين، وإنّما كان جلّ آل سيئون لا يلبسون العمامة، إمّا اقتصادا، أو أدبا مع الأشراف والفقراء من آل بارجاء تلاميذ آل باعبّاد، والأقرب الثّاني؛ بأمارة وجود الكثير ممّن أدركنا من آل حسّان يلبسون القلنسوة المخصوصة بالعمامة ـ وهي المسمّاة بالألفيّة ـ من دون عمامة، ومهما يكن من الأمر.. فترك العمامة من البدء أخفّ إشكالا من ترك أهل العلم لها بعد استعمالها.
وللحضارمة أوليّات من هذا القبيل؛ منها: ما أظنّني ذكرته في الجزء الأوّل من «البضائع»: (أنّ الأشعث بن قيس الكنديّ أوّل من ركب والرّجال تمشي بين يديه).
وكان السّلف إذا نظروا إلى راكب ورجل يحضر معه.. قالوا: قاتله الله من جبّار.
وكان الحبيب أحمد بن محمّد الحبشيّ ـ المتوفّى سنة (1038 ه) ـ كثيرا ما يشكو إلى شيخه الشّيخ أبي بكر بن سالم ما يلقاه من أذيّة آل باعبّاد إذا جاء يدعو إلى الله بالغرفة، فقال له: (لعلّ الله يخرج من ذرّيّتك من يتبرّكون به) فلم يظهر أثر هذا الدّعاء إلّا في سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر.
وفي آل باعبّاد كثير من العلماء، ومن أكابرهم ـ كما في «جوهر الخطيب» ـ: إمام الطّريقين ومفتي الفريقين، الشّيخ محمّد بن أبي بكر عبّاد، ترجم له الأستاذ الأبرّ في «العقد» وقال: (إنّه ولد سنة «712 ه»، وتوفّي أوّل القرن التّاسع) وقد مرّ ذكره في شبام.
ورأيت في رسالة كتبها السّيّد شيخ بن عمر في «العهدة»: (أنّ الشّيخ محمّد بن أبي بكر هذا دعا على آل باعبّاد أن لا يجعل الله منهم عالما؛ لقضيّة منكرة أوجبت ذلك جهلا، فاستجاب الله دعوته) اه
وفي «مجموع الجدّ طه بن عمر» [ص 131] عن أحمد مؤذّن ما حاصله: (كان في الغرفة قبل أن تقام فيها الجمعة مسجدان متجاوران: أحدهما: لآل باعبّاد، والثّاني: لآل باجمّال، فأراد الشّيخ الجليل باني الجامع جعلهما مسجدا واحدا، واستفتى العلماء فتوقّفوا عن الجواب، فلم يكن منه إلّا أن خلطهما بدون فتوى من أحد، وسرّ العلماء بتوقّفهم عن الجواب) اه
وفي «مواهب البرّ الرّؤوف» لابن سراج التّصريح بأنّ الّذي جعل المسجدين واحدا هو الشّيخ عقيل، وهو ابن أحمد بن عمر بن محمّد بن عمر عبّاد، وقد سبق أنّ محمّد بن عمر هذا هو الّذي زاد في سنة (701 ه) في غرفة عمّه حتّى صارت دارا.
والعمل بخلط المساجد واقع بكثرة في تريم، حتّى لقد سمعت أنّ الجامع كان سبعة مساجد، ومسجد الشّيخ عليّ كان خمسة، وهلمّ جرّا.
وقد اختلف العلماء في نظير المسألة: فأفتى أحمد بن موسى بن عجيل المتوفّى سنة (690 ه) بجواز نقض المسجد لتوسعته وإن لم يكن خرابا، ومنعه أبو الحسن الأصبحيّ اليمنيّ المتوفّى سنة (700 ه).
وقال بعض شرّاح «الوسيط»: يجوز بشرط أن تدعو الحاجة إليه ويراه الإمام أو من يقوم مقامه؛ فقد فعل بالحرمين مرارا، مع وجود المجتهدين من غير نكير.
وقال الأشخر في «فتاويه»: (قال ابن الرّفعة: كان شيخنا الشّريف العبّاسيّ يقول: بتغيير بناء الوقف في صورته عند اقتضاء المصلحة. قال: وقلت ذلك لشيخ الإسلام ابن دقيق العيد فارتضاه.
وقال السّبكيّ: الّذي أراه: الجواز بثلاثة شروط: أن يكون التّغيير يسيرا لا يزيل اسم الواقف. وأن لا يزيل شيئا من عينه، بل ينقل نقضه من جانب إلى آخر، فإذا اقتضى زوال شيء من عينه لم يجز، فتجب المحافظة على صورته من حمّام ونحوه كما تجب على المادّة وإن وقع النّسخ في بعض الصّفات. وأن تكون فيه مصلحة للوقف) اه كلام الأشخر باختصار وزيادة من «تيسير الوقوف».
وأمّا هدم المسجد الخراب وإعادته.. فجائز بلا خلاف. ولا يعدم الشّيخ توسعة لما صنع من بعض هذه النقول. والله أعلم.
وكان آل باجمّال ولاة بور، فأخذها منهم آل بانجّار، فانتقلوا إلى شبام، ثمّ انتقل بعضهم إلى باثور من أعمال الغرفة، ثمّ انتقلوا إلى الغرفة.
وكان الشّيخ إبراهيم بن محمّد باهرمز يهنّىء آل شبام بمجاورة الفقيه عبد الله بن عمر جمّال، ويهنّىء أهل الغرفة بمجاورة الفقيه عبد الله بن محمّد جمّال.
وقال الشّيخ محمّد بن سراج: (لم يخل زمن من الأزمان من عصر قديم عن كثير فيهم من العلماء إلى وقتنا هذا، وقلّما نقصوا فيما مضى عن أربعين عالما، وبقيّة عامّتهم أخيار وصلحاء) اه
ونقل عن الشّيخ صالح بن محمّد بن أحمد عبّاد أنّه قال: (يكفينا فخرا مجاورتنا للفقيه عبد الرّحمن بن سراج، وخاله عبد الرّحمن بن عبد الله جمّال).
وكانت صلاتهم في المسجد الّذي يقال له: باجريدان في الغرفة، وقد سبق في الشّحر ذكر تخرّج الشّيخ عبد الرّحمن بن سراج من مدرستها، وقبل ذلك وبعده كان أخذه عن علماء بلاده ـ وفي مقدّمتهم: أبوه ـ كثيرا أثيرا.
وقد اضطرب الكلام في نسب آل باعبّاد بما هو مفصّل ب «الأصل»، والأكثر على أنّهم من بني أميّة، ولكن نقل بعضهم ـ أعني آل باعبّاد ـ عن «تاريخ ابن حسّان»: (أنّ جدّ الشّيخ القديم، وهو الشّيخ عبد الرّحمن، خرج وثلاثة معه من الحجاز للسّياحة، فنزلوا بالهجرين على الأمير محفوظ، فأحبّه وزوّجه بنته، فأولدها محمّدا والد القديم، فلمّا شبّ ـ أعني محمّدا ـ.. جاء إلى باثور فألفى فيه باجمّال، فخطب إليه بنته. فقال له: ما نسبك؟ فقال: التّقوى. فزوّجه ابنته، فأولدها عبد الله، وعبد الرّحمن، وعمر) اه
وهو صريح في كونهم طارئين على حضرموت لا من صميمها، ولماذا يعدل الشّيخ عن ذكر نسبه وهو من أشرف الأنساب؟! وعلّ له عذرا ونحن نلوم؛ فلربّما كان المانع عن التّصريح بنسبه الخلافات المذهبيّة؛ فإنّها كثيرة إذ ذاك، وهي عرضة المواربة والتّقيّة.
أمّا بنو أميّة اليزيديّون: فقد مرّ في شبام أنّ دولتهم استمرّت بحضرموت من سنة (206 ه) إلى سنة (412 ه)، وكون هؤلاء من الحجاز يمنع كونهم منهم، ولكنّ آل باعبّاد لم يدّعوا إلى يزيد، وإنّما ادّعوا في آل عثمان، وهم موجودون إذ ذاك بالحجاز، والبحث مستوفى ب «الأصل».
وفي «ذيل رشيدة الإخوان» لعبد الله بكران: (أن آل باحلوان وآل باعبّاد في
الغرفة لهم مآثر وصدقات جارية، وأوقاف ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، قال ابن خلدون في «مقدّمة تاريخه»: بنو عامر وبنو عبّاد من موالي بني أميّة، وكان أهلهم قضاة بني أميّة) اه
ونقل بعده عن ابن خلدون: أنّ بني عبّاد أصحاب إشبيلية من لخم، من قحطان وهو مناف لكونهم موالي بني أميّة، إلّا أنّه أشار إلى أن الموالاة كانت بالحلف، وبعيد أن يرجع نسب آل باعبّاد إلى أصحاب إشبيلية؛ لما عرف ممّا سبق.
ومن المقبورين بالغرفة: الشّيخ عمر بن عيسى باركوه السّمرقنديّ، أطال سيّدي الأستاذ الأبرّ في ذكره، وأثنى عليه ثناء جمّا، وهو من تلاميذ الشّيخ أبي بكر بن سالم.
وممّن أخذ عنه: السّيّد عمر بن عبد الرّحمن العطّاس، والشّيخ أحمد بن عبد القادر باعشن، صاحب الرّباط. وغيرهما. وله ذكر كثير في «القرطاس» و «شرح العينيّة» وغيرهما.
ومن أهل الغرفة: الشّيخ الصّالح الشّهير سالم بن عبد الله باعامر، له مسجد صغير في طرفها الشّرقيّ، اتّخذه آل الفاس مخفرا بالآخرة. وله أيضا مسجد آخر في جنوب البلاد، بسفح الجبل الّذي يطلّ عليها.
ومن اللّطائف: أنّ الشّيخ عوض بامختار ـ وكان مشهورا بالولاية والصّلاح ـ ماتت له امرأة، فاشتدّ وجده عليها، وبينا هو واضع كفّ حائر على ذقن نادم ـ من فرط اللّوعة ـ على دكّة دار بالغرفة.. إذ مرّ به الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة، فقال له
يا عمر؛ (آه) طب أهل القلوب المراض؟
فأجابه الشّيخ عمر قبل أن يبلع الرّيق:
طبّه العذب لي ينزح على بير راضي وهي بئر يستقى منها بالغرفة ـ فذهب إليها فألفى امرأة تنزح منها فتزوّجها، وكان وإيّاها كما قال قيس [المجنون في «ديوانه» 166 من الطّويل]:
«محا حبّها حبّ الألى كنّ قبلها *** وحلّت محلّا لم يكن حلّ من قبل »
وبالغرفة جماعة من أعقاب السّيّد أحمد بن محمّد الحبشيّ، المتوفّى سنة (1038ه)
منهم: السّيّد زين بن علويّ بن أحمد، المتوفّى بها سنة (1100 ه).
ومنهم: الإمام الجليل، صاحب الفراسة الصّادقة والكشف الخارق، السّيّد عبد القادر بن محمّد بن حسين بن زين بن علويّ بن أحمد، المتوفّى بها سنة (1250 ه)، فلقد كان جليل الشّأن، عظيم المقدار، حتّى إنّ سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر لا يزوره إلّا بعد أن يغتسل ويتطيّب، ويبالغ في احترامه، وبما غرس الله له من المحبّة في القلوب.. أقبلت عليه النّاس، فقامت عليه بعض نفوس السّادة آل أحمد بن زين وعقروا فرسه، وأصيب عاقرها، وتكلّموا عليه بما لا يليق، كما يعرف بعض ذلك من كتاب بخطّ يده سيّره إليهم، وهو هذا:
بسم الله الرّحمن الرّحيم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ...) الآية.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) الآية.
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ...) إلخ.
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) الحمد لله حمد من ردّ أمره إليه، ولجأ في مهماته عليه، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد أفضل الخلق لديه، وعلى آله وصحبه وسائر ذويه.
من عبد خائف من مولاه، الحقير عبد القادر بن محمّد الحبشي إلى إخوانه وأصحابه في الله السّادة الأشراف آل جعفر بن أحمد بن زين الحبشي، وكذلك محب أهل البيت عبد الله بن سعيد بن سمير.. سلك الله بهم إلى الطّريق السّديدة، ودلّهم على الأفعال الحميدة وإيّانا آمين.
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، صدرت الأحرف من الغرفة والموجب ـ يا سادتي وأنت يا محب عبد الله ـ أنّ هذا أمر جرى في جنابنا وردّينا أمرنا إلى مولانا إخمادا للشرور وتقييدا للمحتري من الأشرار، ومعاملة مع عالم خفيات الأسرار، الّذي لا تضيع المعاملة لديه، والّذي كلّ شيء تحت حكمه وبين يديه، وبعد:
إنّ السادة يا محب عبد الله يتكلّمون بكلام قبيح ما يقال في البلدان، ويقولون: عاد نحن مرادنا منه الشّريعة، وكسر الشريعة وسار إلى سيئون خوف من طلّاب الشّريعة، ونحن سرنا إلى سيئون من القيل والقال على أنفسنا وقلوبنا ممّا جرى فينا من الأمور الشّنيعة، وجاؤوا لنا وسائط الله أعلم هل هم من طرف السّادة؟ أو هم حق فضول منهم؟ وقلنا نحن قد عفينا في الحقّ الّذي لنا ولا نحن طالبين حق من السّادة، وطرّبنا في السّوق أنّ كلا معذور من القبائل ووجهه أبيض من الّذي حضروا والّذي هم شالّين عنّا على أنفسهم، وفي وجيههم اعذرناهم ومرادنا السّكون لنا ودحر للسّادة حسبما حضر الولد جعفر بن هاشم، وما قد بلغكم، وبعد أن السادة بقي يصدر منهم كلام فينا ويزعمون أنّهم طالبين نحن الحقّ، وبعد جاء لنا واحد من أهل الفضل وقال: ما يمكن ما تعطي الحقّ السّادة في هذا الكلام الشّنيع، إن كان السّادة مطالبين.. نحن فيما يقولون الوعد منهم، وحيث أرادوا قريب أو بعيد وموفين لهم الحقّ في هذا الأمر وربّما وفّينا شيء من هذا الكلام ولا حد عالم به، ونحن مصرّين على فاحشة وإن لم يكن عندنا حق للسّادة ولا فينا شيء من هذا الكلام، وهذا إلّا بهتان ولغو وافتراء على الله؛ فالأمور كلّها إلى الله، (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ
أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) ولا نقول إلّا ما قاله الصّابرون:: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) و (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، ولنا أسوة بمن مضى من سادتنا العلويّين كما قال سيدنا عبد الله الحداد [في «ديوانه» 127 من الرّمل]:
«بهتونا بمقال سيّء *** كانت الأحرى به لو أبصرت »
«قد حلمنا وصفحنا عنهم *** وبذا أسلافنا قد أخبرت »
و (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)
ومن أجل الأمور الذي دخل في خواطر السادة من طرفها، يشهد الله علينا وملائكته: أنا ما طلبناها ولا دوّرنا لها غير جاءت نحن من غير طلب. انتهى الموجود من الكتاب.
وقد حذفت منه آيات وحديثا لا تكثر فيها مناسبة الموضوع، وفي الكتاب أغلاط حتى في الآيات تعرف بالفهم والذّوق، والله أعلم.
قال سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر: وكانت للحبيب عبد القادر المذكور أمور غريبة من الرّياضات والخلوات، وله أربعينيّات متعدّدة.
وربّما تخلّف عن شهود الجمعة؛ لأنّ الله كشف له عن أحوال النّاس الباطنة، فيراهم في صور معانيهم. حتّى دعا له الحبيب حسن بن صالح البحر فستر الله ذلك عنه.
ومنهم السّادة الأجلّاء: عيدروس بن عبد الرّحمن بن عيسى الحبشيّ. وولداه: العلّامة الجليل محمّد بن عيدروس، المتوفّى بها سنة (1247 ه). وأخوه العلّامة الإمام عمر بن عيدروس، المتوفّى بها سنة (1250 ه).. مناهل علوم، ومفاتح فهوم، وقرّات عيون، وآحاد هي المئون، وصفاء كأنّما أخلصته القيون:
«لهم سرّة المجد التّليد وسرّه *** ومحض المعالي فيهم والمناقب »
ومنهم مسند حضرموت بل مسند الدّنيا كلّها في عصره إذ زلّت عن مرقاته الأصول، ولم يتّفق لأحد إلى مثل علوّه الوصول: أستاذنا الأبرّ عيدروس بن عمر؛ فإنّه مجمع المفاخر، وبحر العلم الزّاخر، وزينة الزّمن الآخر:
«أزالت به الأيّام عتبي كأنّما *** بنوها لها ذنب وهذا لها عذر »
وهو الإمام بحقّه، والكمال بصدقه، وعلى الجملة: فإنّي لا أجد عبارة ترضيني في وصف ما شاهدته من محاسنه، فضلا عمّا لم أشاهده، ولم ينته إلى تصوّره إذ ذاك سنّي؛ إذ الأمر كما قال أبو الطّيّب [في «العكبريّ» 2 / 287 من الطّويل]:
«وما حارت الأفهام في عظم شأنه *** بأكثر ممّا حار في حسنه الطّرف »
جمال يحسر الأنظار، وكمال يدهش الحضّار، وجلال يملأ البصائر، ومقام يملك الضّمائر، ووقار يأخذ النّفوس، فلا يبقى لديه رئيس ولا مرؤوس.. إلّا وهم خاضعو الأذقان، ناكسو الرّؤوس.
«كأنّ شعاع عين الشّمس فيه *** ففي أبصارنا عنه انكسار »
وحديث يهزّ الشّعور، ويجلب السّرور، كأنّما هو اللّؤلؤ المنثور، وتهتزّ له الجبال الرّكينة، وكأنّما تنزل عنده السّكينة.
«أندى على الأكباد من قطر النّدى *** وألذّ في الأجفان من سنة الكرى »
وممّا أستخرج به العجب من القوم، ولا أزال ممتلئا به في نفسي إلى اليوم.. أنّني وأترابي من الصّغار ـ مع الانطباع على الحركة ـ نبقى في مجلسه الشّريف الساعات العديدة، وكأنّما على الرّؤوس الطّير.
«فبقايا وقاره عافت النّا *** س وصارت ركانة في الجبال »
وكيف لا أعجب من شمول السكون، مع أنّنا لا نعرف كلّ ما يكون، وإنّما نلتذّ بريّاه، وننعم بمحيّاه، وحيّاه الله وبيّاه، فمع قصورنا عن فهم الكثير مما يسرح فيه من المعاني الرّائقة، والعبارات الفائقة.. نحسّ كأنّما تبسط له الملائكة أجنحتها، وتلقي ـ وما تدري ـ له الأكفّ أسلحتها، لا سيّما إذا ازدحم الجمع يستجلون هلاله، ويسمعون منه كلمة الجلاله.
«فتلقي وما تدري الأكفّ سلاحها *** ويخرق من زحم على الرّجل البرد »
وقد سبق في القويرة: أنّ شيخنا العلّامة ابن شهاب يقول: (لو لا أنّي رأيت ثلاثة؛ وهم: محسن بن علويّ السّقّاف، وأحمد بن محمّد المحضار، وعيدروس بن عمر الحبشيّ.. لما صدّقت بما يروى عن الرّجال من مقامات الكمال) ولكن جاء العيان فألوى بالرّوايات، وقد قال أبو عبادة [البحتريّ في «ديوانه» 2 / 310 من البسيط]
«رأيت مجدا عيانا في بني أدد *** إذ مجد كلّ قبيل غيرهم خبر»
ولا جرم فقد كان الأستاذ نسخة السّيرة النّبويّة، لا يحيد عنها شعرة، ولا يلتفت يمنة ولا يسرة.
«فما هو إلّا نبعة من غصونه *** وطلعة نور من شريف خلاله »
ولقد زرت هودا عليه السّلام معه في سنة (1311 ه)، ورأيت النّاس حافّين به.
«كأنّهم عند استلام ركابه *** عصائب حول البيت حان قفولها »
وهو يسير بسير ضعيفهم، وكلّما مشى ميلا.. عرض العقبة على مولى له ـ يقال له: فرج ـ يسير أمام دابّته، ينبو عن جنبه الرّمح، كأنّه المهر الأرن من فرط القوّة والنّشاط، ولكن هكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وما قدر ثنائي عليه بعدما كان ثناء مشايخه عليه الباب الواسع؟! ومن قيّل بين ما يأتي آخر هذا الكتاب من احتياط سيّدنا عبد الله بن حسين بلفقيه في توثيق الرّجال.. وبين ممادحه الضّخمة للأستاذ الأبرّ في أيّام شبابه.. عرف صدق ما أقول.
وصحّ أنّ أبناء الإمام الشّهير عبد الله بن حسين بن طاهر عادوا من زيارة دوعن، ولمّا سألهم أبوهم: هل عرّجتم على الولد عيدروس بن عمر؟ قالوا: لا. قال: لا تحلّوا الرّحال حتّى ترجعوا فتزوروه؛ لأنّ الأمر كما قال ذو الرّمّة [في «ديوانه» 270 من الوافر]:
«تمام الحجّ أن تقف المطايا *** على خرقاء واضعة اللّثام »
ومع إجماع النّاس على تفضيله، وإصفاقهم بتفرّده؛ لأنّ أمره كما قال الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» 2 / 403 من الطّويل]:
«ولو لم يقرّ الحاسدون بمجده *** أقرّوا على رغم بفضل التّقدّم »
.. فإنه لم يسلم من أذى الحسّاد، بل كان له منه النّصيب الكاثر، إلّا أنّه لمّا أبرّ عليهم.. سقطت هممهم عن منافسته، وكانوا معه كما قال مروان [في «ديوانه» 74 من الطّويل]:
«فما أحجم الأعداء عنك بقيّة *** عليك ولكن ما رأوا فيك مطمعا»
ولمّا لم يجدوا وسيلة لما يشفي ضباب ضغنهم عليه.. أرضوا المعلّم عليّ بن سعيد حميد ابن عبد هود على أن يسحره ـ وكان متمكّنا في ذلك الفنّ ـ ففعل.
ولمّا عرف خبره وانكشف أمره.. جاؤوا به إلى حضرة الأستاذ، فاعترف وقال:
إنّه بإغراء من بعض العلويّين وأحد آل باجمّال، واعتزم الشّيخ صالح بن محمّد بلفاس قتله، ولكّن الأستاذ حال بينه وبين ذلك، واقتنع منه بالتّوبة.
ثمّ إنّه خان وعاود العمل برشوة كبرى من أولئك، وهرب عن حضرموت، واشتهر أمره فقتل، والأمر أجلى من ابن جلا.
وما عسى أن أقول فيمن حفّه التّوفيق.. فالمجال رحب ولكن في الكلام ضيق، وما يزال بعيني ذلك الوجه الرّضي كأنّما هو فلقة القمر المضي، لا يكسف نوره بوس، ولا يغيّره عبوس، بل كان جبل رضا لا يتحلحل ولا يتكدّر ما عليه من الوسام، وقد تعوّد أن يطرد البكاء كلّما عرض له بالابتسام، كأنما عناه تميم بن المعزّ بقوله [من الطّويل]:
«وبي كلّ ما يبكي العيون أقلّه *** وإن كنت منه دائما أتبسّم »
ولقد مات له حفيد يسمى أحمد، كأنّه زهرة شرف في روضة ترف.
«زهرة غضّة تفتّح عنها ال *** مجد في منبت أنيق الجناب »
«قصدت نحوها المنيّة حتّى *** وهبت حسن وجهها للتّراب »
تعنو له البدور، كأنّما خلق من نور، وتلوح عليه شواهد الفتوح، ويضمّ إلى الشّرف والجمال خفّة الرّوح.
«رأته في المهد عتّاب فقال لها *** ذوو الفراسة هذا صفوة الكرم »
ولا عبارة تفي وقد بذّ جماله المكتفي، ومع الكمال النّاجم.. لم يأخذ بقول كشاجم [في «ديوانه» 61 من الكامل]:
«شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ *** من شرّ أعينهم بعيب واحد»
دو كانت وفاته في جمادى الآخرة سنة (1313 ه)، فاشتدّ عليه وجده، وغلبته عينه؛ لأنّه وإن كان من سادات العارفين الّذين لا تبقى لهم مع الله إرادة.. لم ينس مقام الرّحمة، بل وفّى كلّا حقّه، كما قلت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم من مطوّلة نبويّة [في «ديوان المؤلّف» 144 ـ 145 من الكامل]:
«واذكر مصارع آله فهم الألى *** يتقدّمون إذا الفوارس أحجموا»
«فلطالما حزن النّبيّ لجعفر *** ولعمّه وهو الكميّ المسلم »
«وبكى عبيدة يوم بدر قبلهم *** عيناه تدمع والفؤاد مسلّم »
وقلت في رثائي لثمرة الفؤاد ولدي بصريّ السّابق ذكره في ذي أصبح [من الكامل]:
«هذا الكمال فلو أخلّ بمظهر *** لأتى إلى أخلاقه يتذمّم »
وقلت من أخرى:
«وما زال حرب بين صبري ورحمتي *** وإنّي لراج فيهما كامل الأجر »
«وقد أنكروا فعل الفضيل ومشيه *** لدفن ابنه في حبرة ضاحك الثّغر »
«وخير الورى في غير ما موقف ذرى *** وبلّ الثّرى دمعا يفوق على الدّرّ»
أمّا سيّدنا الأستاذ الأبرّ.. فلو رآه أكبر أديب بذلك اليوم الرّهيب.. لما خرج عن قول حبيب [في «ديوانه» 1 / 123 من الكامل]:
«ورأيت غرّته صبيحة نكبة *** جلل فقلت: أبارق أم كوكب؟!»
ومع ذلك فقد وفّى حقّ المقامين يومئذ فأذال الدّمع باديا، ثمّ لجأ إلى التّبسّم ثانيا، على حدّ قول الرّضيّ [في «ديوانه» 2 / 211 من الكامل]:
«ولربّما ابتسم الفتى وفؤاده *** شرق الجنان برنّة وعويل »
وذكر الجنان بعد الفؤاد من الحشو القبيح.
وقول الآخر [من الطّويل]:
«ضحكت وكان الصّبر منّي سجيّة *** وقد يضحك الإنسان وهو حزين »
وقال الأوّل [من الكامل]:
«ولربّما ابتسم الكريم من الأذى *** وفؤاده من حرّه يتأوّه »
ثمّ إنّ ابتسامة الأستاذ لم تكن إلّا عن برد الرّضا، ولكنّها وقعت على والدي وأمثاله من محبّيه وعارفيه أمثال الصّاعقة، فانقبض رجاهم، واطلخمّ دجاهم، وفاضت منهم العبرات وتصاعدت منهم الزّفرات، وكان له أمر غريب، ومشهد مهيب، وزاد الطّين بلّة أنّ سيّدي علويّ بن عمر شقيق الأستاذ ـ وكان جبلا من الحلم والعبادة، وركنا من أركان الشّرف والسّيادة ـ توفّي قبله في جمادى الأولى من تلك السّنة.
والشّابّ المنغّص الشّباب أحمد، قال الشّيخ عمر شيبان ـ وقد أظهر الشّماتة له بعض أهل الظاهر ـ فقال أبياتا في يوم الإثنين (29) جمادى الآخر سنة (1313 ه) [من مجزوء الخفيف]:
«نحن بالله عوذنا *** والحبيب المقرّب »
«كلّ من رام ضرّنا *** من قريب واجنبي »
«سهمنا فيه قولنا *** حسبنا الله والنّبي »
في أبيات ضعيفة التّركيب؛ لأنّ الله لم يعلّمه الشّعر لعظيم نصيبه من الوراثة النّبويّة فيما أظنّ، وقد دعا فيها على الشّامت فاستجاب الله دعاءه إن كان الّذي عرفته في لحن القول برغم تكتّم والدي ورفاقه بذلك لبعدهم عن المنافسات رضوان الله عليهم.
وقد قرأت على سيّدنا الأستاذ الأبرّ، وسمعت منه، وحضرت لديه، وتكرّرت لي الإجازة والمصافحة والتّلقيم والإلباس منه، وتلقّيت عنه المسلسلات بالفعل بعضا، والإجازة في الباقي، وأخلصني بدعائه، وشملني باعتنائه، وما ألذّ على لساني وقلمي من ثنائه، ولله درّ المتنبّي في قوله [في «العكبري» 3 / 261 من الكامل]:
«ما دار في الحنك اللّسان وقلّبت *** قلما بأحسن من نثاك أنامل »
وقد ذكرته في «الأصل» و «الدّيوان» بأكثر ممّا هنا، وكلّه قليل، لا يشتفي به الغليل؛ لأنّ محاسنه الفضاء لا يقطعه نسر، والكثير لا يشمله حصر.
«وتحيّرت فيه الصّفات لأنّها *** ألفت طرائقه عليها تبعد »
وقد انتهت مناقب السّلف الصّالح إليه، وما رأى النّاس إجماعا على فضل أحد مثل إجماعهم عليه.
«ما زال منقطع القرين وقد أرى *** من لا يزال مشاكل يلقاه »
«ليس التّفرّد بالسّيادة عندنا *** أن توجد الضّرباء والأشباه »
ثمّ إنّه لم يزل يعاني الآلام، في ثبات الأعلام، حتّى نزل به الحمام، فاستدعى أهله وأولاده، وشرب من ماء سقاهم فضله، وودّعهم وأوصاهم ودعا لهم، ثمّ أخذ الموت يلتاط به، حتّى بردت أطرافه، ونزل به قوم من آل أحمد بن زين الحبشيّ فأمر بتسخين يده كيلا ينكروا بردها، وأذن لهم وقرأ الفاتحة، ولمّا نهضوا.. عزم على الصّلاة، فأريد على التّرخّص في الطّهارة لضعفه وموت أطرافه.. فقال: كيف آخذ بالتّوسعة وهذه آخر صلاتي في الدّنيا وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «صلّ صلاة مودّع».
«فما تلكم الأخلاق إلّا مواهب *** وإلّا حظوظ في الرّجال تقسّم »
وبعد أن فرغ من صلاة العصر على أتمّ حال.. أمر بأن يوجّه إلى القبلة على شقّه الأيمن، وما كاد ينتهي من الجلالة حتّى فاضت روحه في التّاسع من رجب سنة (1314 ه)، ولم يزل حيّا بآثاره المشاهدة، ومناقبه الخالدة، ونشره الفائح، وابنه الصّالح، غزير الحلم، ومن له من المكارم أفضل سهم، والصّادق عليه قول عليّ بن الجهم [من الطّويل]:
«فما مات من كان ابنه لا ولا الّذي *** له مثل ما سدّى أبوه وما سعى »
فلقد خلفه ولده جمال الدّين محمّد على مزايا فاضلة، وأخلاق كاملة، وخيرات شاملة، ولكنّه لم يطل عمره، بل مات وشيكا في سنة (1319 ه)، واتّفق أن توارد كثير من أهل هذا البيت الطّيّب ـ نساء ورجالا ـ على حياض المنيّة، قبيل وفاة الأستاذ الأبرّ وعقيبها، فكانوا كما قيل [من الخفيف]:
«أهل بيت تتابعوا للمنايا *** ما على الموت بعدهم من عتاب »
وكما قال الرّضيّ [في «ديوانه» 1 / 182 من الكامل]:
«هتف الرّدى لجميعهم فتتابعوا *** طلق العطاس بني أب وبني أب »
والقائم في مقامه اليوم، وترتيب مجالسه ومدارسه: حفيده الفاضل المكرّم عليّ بن محمّد بن عيدروس أخو أحمد السّابق ذكره، نسأل الله أن يسلك بنا وبه الطّريق، ويلحقنا وإيّاه بأولئك الفريق، ويعمّر بنا وبه الدّيار ويحيي بنا وبه الآثار، ولله درّ أبي عبادة في قوله [في «ديوانه» 1 / 336 من الكامل]:
«لا عذر للشّجر الّذي طابت له *** أعراقه أن لا يطيب جناه »
ونسيت ـ ما أنساني إلّا الشّيطان ـ ذكر أن لا مناسبة بين كلام سيّدنا الأستاذ الأبرّ في مجالسه وبين قلمه؛ إذ كان لا يريد من قلمه إلّا تقييد الشّوارد وتحصيل الفوائد، وكذلك كان شعره ضعيفا.
أمّا مجالسه.. فقد كانت بساتين نافحة الأزهار يانعة الأثمار، كما يعرف بعض ذلك بما حصّله والدي رضوان الله عليه باستذكاره بعد وفاته من كلامه.
ومن فضلاء الغرفة: شيخنا الإمام، السّيّد: شيخان بن محمّد الحبشيّ، كان بحرا من بحور العلم، وجبلا من جبال العبادة، ونجما من نجوم الإرشاد، ورجما من رجوم الإلحاد.
«إمام رست للعلم في أرض صدره *** جبال جبال الأرض في جنبها قفّ »
أقام في طلبه زمانا بمكّة المشرّفة، وأخذ عن أراكينها، وكان سريع المطالعة، طالع تفسير «الخازن» في أربعة أيّام مطالعة بحث وتحقيق، وكتب عليه تعليقات، وله شعر يرتفع عن أشعار العلماء، منه القصيدة الطّولى الّتي استهلّها بقوله [من الرّمل]:
«لمع البرق على أطلال ميّ *** وسقى الودق هضيبات لؤيّ »
وورد مرّة إلى سيئون سؤال من آل يحيى، يتعلّق بسجود التّلاوة في الصّلاة، فكتب عليه السّيّد محمّد بن حامد بن عمر السّقّاف جوابا، صادق عليه العلّامة السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ وجماعة من طلبة العلم بسيئون، فوافق وصول العلّامة السّيّد شيخان، فعرضوه عليه، وطلبوا منه المصادقة، فأبى إلّا بعد المراجعة، فأعطوه «حاشية الإقناع» فاستند في ردّ ذلك الجواب إلى عبارة عن المدابغي، فقال له السيد محمد بن حامد: دعنا من المدابغيّ، فغضب السّيّد شيخان وقال للسّيّد محمّد: لا صواب في جوابكم إلّا البسملة وما والاها، فحالا أخذ السّيّد العلّامة عليّ بن محمّد الحبشيّ الجواب، وسحب مصادقته، وشطب اسمه.
وقد نوّهت بهذا في إحدى خطبي بالمحافل العامّة، وأشهد لتبقى أقدامه وسوقه متورّمة مدّة من شوّال؛ لكثرة قيامه برمضان؛ إذ كان يتلو ختمة باللّيل وختمة بالنّهار، كلّها من قيام.
وكان شديدا على أهل المنكرات، متجافيا عن أبناء الدّنيا منحرفا عنهم، يغلظ القول لهم، ولا يحابي ولا يداهن. وطائفة بني طويح يبغضونه، ويزعمون أن الحال خرج به عن حدّ الاعتدال، ولذا لم يجر الأمر بينه وبين العلّامة الشّهير السّيّد عليّ بن محمّد الحبشيّ على ما تقتضيه القرابة؛ إذ كانا مستويين في تعدّد النّسب، يجتمعان في الجدّ الخامس لكلّ منهما وهو السّيّد محمّد بن حسين بن أحمد الحبشيّ صاحب الحسيّسة.
وقد بدا له أن ينتقل في آخر أيّامه من الغرفة إلى سيئون، فاشترى أرضا ـ في شرقيّ حوطتنا علم بدر ـ واسعة بثمن يسير لائق بذلك الزّمان؛ لأنّها كانت غامرة، فابتنى له بها دارا واسعة على طبقة واحدة، لم يقدر على إكمالها؛ لضيق يده، وشدّة يبوسة عيشه، وصار يتردّد بينها وبين الغرفة إلى أن ألقى بها العصا وحطّ الرّحل.
وكان يتردّد على والدي كثيرا، وكان والدي يجلّه ويكرمه، ويجعله في مقام أشياخه. قرأت عليه وأخذت عنه وسمعت منه، مع أنّه لم يأخذ عنه إلّا القليل؛ كالشيخين عوض بكران الصّبّان وأخيه أحمد، والأخوين محمّد بن هادي بن حسن، وشيخ بن أحمد بن طه.
ولا يخلو الجوّ بينه وبين سيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر من تكدير نشأ عن وجود بنت الأستاذ الأبرّ في بيته عند ولده محمّد بن شيخان، فلم يحسنوا عشرتها، ولم يؤدّوا حقّها، ومع ذلك فكانت تأتيه منهم قوارص بظهر الغيب.
ويرى بعضهم أنّ ذلك هو السبب في قلّة الانتفاع به، ولا غرو؛ فقد أشار القشيريّ أنّ ما وقع للحلّاج سببه الاعتراض على المشايخ، وذكر اليافعيّ في «تاريخه» [3 / 477] أنّ ما جرى على ابن الجوزيّ سببه الكلام على الإمام الرّبّانيّ سيّدنا عبد القادر الجيلانيّ، توفّي المترجم في رجب من سنة (1313 ه) وانطبق على ذلك العام قول حافظ إبراهيم [في «ديوانه» من الطّويل]:
«فيا سنة مرّت بأعواد نعشه *** لأنت علينا أشأم السّنوات »
إذ مات بإثره جماعات من أراكين حضرموت، كان صاحبنا الشّيخ محمّد الدّثنيّ يوصلهم إلى خمسة وعشرين، كلّهم أعيان، ومع الأسف لم تكن أسماؤهم مجموعة، وإلّا.. فقد كان تقييدها من الفوائد، على أنّ كثيرا منهم يعرف ممّا في غير هذا المكان.
«لقد أولع الموت الزّؤام بجمعهم *** كأنّ الرّدى فيهم تحلّل من نذر »
«مضوا فكأنّ الحيّ فرع أراكة *** على إثرهم عري من الورق النّضر»
وصلّى عليه الأستاذ الأبرّ، وحصل ساعتئذ نزاع بين السّادة محمّد بن عبد الله الحدّاد ـ السّابق ذكره في قيدون ـ وبين رجل آخر من آل الحدّاد بالغرفة، ارتفع فيه الصّوت، حتّى أسكتهم الأستاذ الأبرّ بإشارته، وسبب ذلك اختلاف الرّجلين في المكان الّذي يصلّى فيه على الجنازة.
وبإثر انتقال الحبيب أحمد بن زين الحبشيّ من الغرفة ـ حسبما تقدّم بالحوطة ـ بقي بها ولده محمّد بن أحمد إلى أن مات، ولا يزال بها أعقابه.
وبالغرفة جماعة من ذرّيّة السّيّد عمر بن علويّ الحدّاد.
منهم: الشّيخ الرّابع من مشايخ سيّدنا الأستاذ الأبرّ، وهو: السّيّد الإمام عبد الله بن حسن بن عبد الله بن طه بن عمر المذكور، المتوفّى سنة (1285 ه).
ومنهم: الفاضل الجليل، أحد تلاميذ والدي السّيّد حسن بن أحمد الحدّاد، توفّي بالحرشيّات مرجعه من الحجّ سنة (1349 ه) ودفن بالمكلّا، وقد سار ولده المبارك أحمد الموجود الآن بالغرفة في طريقه.
ومن صلحاء الغرفة: الشّيخ عمر عبود بلخير، كان قطعة من النّور، كأنّما هو من فرط العبادة وصفاء السّريرة وصدق الفراسة، ملك من الملائكة، أخذت عنه، ولبست منه، توفّي بالغرفة في حدود سنة (1316 ه).
وكان بالغرفة كثير من آل باحفين، وآل فضل، وآل عطوفه، وآل مسلّم، ومنهم: آية الورع، ومثال النّزاهة، صاحب القصّة المذكورة ب «الأصل»، أحمد بن سالم بن عمر بن مسلّم، المتوفّى بها في سنة (1352 ه).
ومن أهل الغرفة: آل شيبان؛ منهم: الرّجل الصّالح، حليف المكارم، وحمّال المغارم، عوض بن عمر شيبان.
«لا يتبع المال أنفاسا مصعّدة *** ولا يعير العطايا زفرة النّدم »
توفّي بالغرفة سنة (1329 ه).
ومنهم: ابنه ـ الّذي حظي بخدمة سيّدنا الأستاذ الأبرّ، وكان يده ولسانه وموضع ثقته، ونجيّ روحه، وأنيسه في خلواته، وكاتبه وجامع بعض مناقبه ـ عمر بن عوض بن عمر شيبان، المتوفّى بالغرفة في سنة (1356 ه).
ومنهم: آل بلخير، أسرة الشّيخ عمر السّابق ذكره. يقال: إنهم من ذرية أبي الخير الكندي الآتي ذكره أوائل تريم.
ومن آل الغرفة: آل ابن ثعلب؛ فإنّهم لمّا تفرّقوا بعد زوال دولتهم بتريس.. توطّن بقاياهم بالغرفة.
ومن أهلها: آل بن ذياب، وآل بلجون، وآل طرموم، وآل باحارثة، وآل عمران، وآل منقوش، وآل باحلوان، وأصلهم من اليمن من بلدة يقال لها: برط من أعمال صعدة، ولكنّ جدّهم قيس بن زمليّ بن عمر عبد الله بن قاسم بن عبد الله بن فضل بن ناصر الدّين عبد الله باحلوان.. جاء هو وأولاده أحمد وبوبكر وزمليّ وعبد الله في جيش الصّفيّ أحمد بن حسن فاتح حضرموت للمتوكّل على الله إسماعيل، وبقي أميرا على الهجرين من جهة الإمام إلى أن توفّي بها سنة (1068 ه)، ثمّ انتقل أولاده السّابق ذكرهم إلى الغرفة، وانتشروا، وهاجر ناس منهم إلى جاوة، وأعقبوا هناك.
وزمليّ والد قيس هو مؤلّف كتاب «رشيدة الإخوان» الّذي نقلنا عنه في وادي عمد، وغيره.
وناصر الدّين باحلوان هو أمير زيلع، وهو صاحب الشّيخ أبي بكر العدنيّ.
أمّا حالات الغرفة السّياسيّة: فقد كان آل كثير ينتسبون للشّيخ عبد الله القديم عبّاد بالخدمة؛ لأنّ جدّهم تربّى به.
وكانوا يزورون الشّيخ محمّد بن عمر فيها، ويتردّدون عليه بها، ويتبرّكون بدعائه، كما كانوا عليه مع عمّه، حتّى لقد كاد من اعتقادهم فيه يكون هو الأمير لا على الغرفة فقط.. بل على كلّ ما تحت نفوذهم من بلاد حضرموت.
وفي الحكاية (349) من «الجوهر الشّفّاف» ما يعرف منه أنّ جاه آل باعبّاد كان أضخم من جاه العلويّين ـ وسيأتي ما يؤكّده في مدوده ـ غير أنّ السّلطان عبد الله بن عليّ بن عمر الكثيريّ المتوفّى سنة (894 ه) هو الّذي ابتدأ بإساءة الأدب على آل باعبّاد، فابتنى حصن الغرفة على القارة الّتي بها حصون آل عبود بن عمر الآن، فعظمت الرّزيّة على المشايخ بضغطه عليهم، وعزموا على التّحوّل من الغرفة.
أمّا بدر بوطويرق: فقد دلّت الأخبار على أنّ وطأته عليهم كانت أشدّ؛ إذ تدخّل في كلّ شيء من أمرهم، ونزع عنهم نظارة أوقافهم، وصار يولّي ويعزل، وبعث مرّة من الشّحر بعزل الشّيخ محمّد بن عقيل عبّاد، وإبداله بالشّيخ حسين بن عليّ عبّاد.
ولمّا ضعفت دولة آل عبد الله الكثيريّين.. استبدّ عليهم آل كثير بأمر الغرفة، وجعلوا لآل باعبّاد الاستقلال الاسميّ، وهم يفعلون ما شاؤوا بدون أن يتناهوا عن منكر يفعلونه بها قطّ؛ إذ لا وازع إلّا منصبة باعبّاد، وما سلاحها إلّا أمثال التّمائم، وقد قال أبو الطّيّب [في «العكبري» 4 / 111 من الطّويل]:
«ديار اللّواتي دارهنّ عزيزة *** بطول القنا يحفظن لا بالتّمائم »
وفي سنة (1344 ه) نشبت الحرب بين آل خالد بن عمر، الّذين يرأسهم صالح عبيد وعمر عبيد، وبين آل بابكر الّذين يرأسهم عوض بن عزّان بن عبد الله بن عوض بن ناصر بن عبدات، بالسّبب الّذي سبقت الإشارة إليه في بابكر، فلم يكن من آل بابكر إلّا أن وضعوا بعض عسكرهم بالغرفة بإشارة من عبيد صالح بن سالمين بن طالب؛ لأنّ عبد الله بن محسن بن قاسم ـ الّذي كانت عامّة كلف الحرب على كيس أبيه ـ كان يستنصحه ويأخذ بإشارته ـ وهو له غاشّ ـ فلم يسع عوض بن عزّان إلّا الموافقة، فتضرّر أهل الغرفة.
ونصحت أنا عبيد صالح بن سالمين، فوعدني أن يشير عليهم برفع عسكرهم عنها، ولم يفعل؛ لأنّه كان يبغضهم في السّرّ ـ وإن تظاهر بمساعدتهم فيما يرى النّاس ـ فلم يكن من صالح عبيد بن خالد بن عمر إلّا أن هجم على الغرفة وأخذ أكثرها عنوة، ثمّ أخذ البقيّة الباقية عن رضى من عوض بن عزّان بن عبد الله بن عوض بن ناصر، إزاء ثمان مئة ريال قبضها من آل خالد، حسبما يخبرني هو بنفسه.
ولمّا وضعت الحرب أوزارها بين آل عبدات بعضهم بعضا، ورسخت قدم صالح عبيد بالغرفة.. سيّر الكتب لقبائل آل كثير، وللسّيّد حسين بن حامد، ولدولة آل عبد الله بسيئون وتريم يخبرهم بأن لا قصد له إلّا إصلاح الغرفة وحفظها وتأمينها، ويدعو إلى المشاركة في الرّأي، فعادت أجوبتهم عليه بما يبرّر صنيعة، ثمّ جاشت جوائشهم، والّذي تولّى كبر أمرهم هو: الشّيخ سالم بن جعفر بن سالم بن مرعيّ بن طالب، والشّيخ عامر بن جعفر بلفاس، وساعدهما السّيّد حسين بن حامد، ودولة آل عبد الله، وحاصروا الغرفة وآل خالد بالحول، واحتلّوا الجبل الّذي يطلّ على الغرفة من جنوبها، وأذكوا نار الحرب، وصوّبوا المدافع، ولم يظفروا بطائل.
ثمّ تدخّلت
إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه/1956م
7-المعجم المفصل في النحو العربي (الإعراب على التوهم)
الإعراب على التّوهّماصطلاحا: العطف على التوهّم أي: وجود عامل يبرر مخالفة المعطوف على المعطوف عليه في الإتباع اللفظي، كقول الشاعر:
«لا تنه عن خلق وتأتي مثله ***عار عليك إذا فعلت عظيم»
الفعل تأتي منصوب بـ «أن» المضمرة بعد واو المعية.
ويسمّى أيضا: الإعراب على التّوهّم، الإعراب على المحلّ، العطف بالغلط.
مواضع هذا العطف:
1 ـ يقع في المجرور، مثل: «اعتنيت بأثاث الغرفة نظيفة». «نظيفة»: في الأصل نعت ل «أثاث» ولكن لم يتبع المنعوت «أثاث» إنما تبع «الغرفة» بدليل تأنيث لفظة «نظيفة» تبعا ل «غرفة».
2 ـ في المنصوب، مثل: «ما أخوك بجاهل فتتجاهله».
3 ـ في الاستثناء، معاملة الاسم المعطوف علي المستثنى «بغير» و «سوى» على توهّم أن المستثنى واقع بعد «إلّا» مثل: «ما نجح إلّا المجتهد والمثابر».
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
8-المعجم المفصل في النحو العربي (العطف على التوهم)
العطف على التّوهّمهو عطف المعطوف على المعطوف عليه، على توهّم وجود لفظ يبرّر الإتباع بين المتعاطفين على وجه إعرابيّ معيّن غير الإتباع اللفظيّ، مثل:
«لا تنه عن خلق وتأتي مثله ***عار عليك إذا فعلت عظيم»
والتقدير: لا يكون منك نهي عن أمر وتقوم أنت بمثله.
وله أسماء أخرى: الإعراب على التوهّم، الإعراب على المحلّ، العطف بالغلط.
مواقعه:
1 ـ في الجر على التوهم أي: جر الاسم المعطوف على اسم يتوهم أنه مجرور بالحرف، كقول الشاعر:
«أحقا عباد الله أن لست صاعدا***ولا هابطا إلّا عليّ رقيب»
«ولا سالك وحدي ولا في جماعة***من الناس إلا قيل أنت مريب»
حيث عطفت «سالك» على توهم الجر في خبر «ليس» صاعدا وهابطا والتقدير: لست بصاعد ولا هابط ولا سالك.
2 ـ بعد فاء السببيّة كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} ومثل: «ما أنت بمتوان فنعاقبك».
والتقدير لا يكون منك توان يترتّب عليه أن نعاقبك..
3 ـ في الاستثناء بـ «غير» على توهم أن الاسم بعدها واقع بعد إلّا، مثل: «ما نجح غير المجتهد والمكافح». على تقدير: ما نجح إلا المجتهد والمكافح.
المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م
9-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (حزب البعث العربي الاشتراكي-الأحزاب والحركات والاتجاهات المعاصرة)
حزب البعث العربي الاشتراكيالتعريف:
حزب البعث حزب قومي علماني، يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي، شعاره المعلن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) وهي رسالة الحزب، أما أهدافه فتتمثل في الوحدة والحرية والاشتراكية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
· في سنة 1932م عاد من باريس قادمًا إلى دمشق كل من ميشيل عفلق (نصراني ينتمي إلى الكنيسة الشرقية)، وصلاح البيطار (سني) وذلك بعد دراستهم العالية محملين بأفكار قومية وثقافة أجنبية.
ـ عمل كل من عفلق والبيطار في التدريس، ومن خلاله أخذا ينشران أفكارهما بين الزملاء والطلاب والشباب.
ـ أصدر التجمع الذي أنشأه عفلق والبيطار مجلة الطليعة مع الماركسيين سنة 1934م وكانوا يطلقون على أنفسهم اسم (جماعة الإحياء العربي).
ـ في نيسان 1947م تم تأسيس الحزب تحت اسم (حزب البعث العربي)، وقد كان من المؤسسين: ميشيل عفلق، صلاح البيطار، جلال السيد، زكي الأرسوزي كما قرروا إصدار مجلة باسم البعث.
ـ كان لهم بعد ذلك دور فاعل في الحكومات التي طرأت على سوريا بعد الاستقلال سنة 1946م وهذه الحكومات هي:
1 ـ حكومة شكري القوتلي: من 1946م وحتى 29/3/1949م.
2 ـ حكومة حسني الزعيم: استلم السلطة عدة شهور من سنة 1949م.
3 ـ حكومة اللواء سامي الحناوي: بدأ حكمه وانتهى في نفس عام 1949م.
4 ـ حكومة أديب الشيشكلي: استمر حكمه حتى سنة 1954م.
5 ـ حكومة شكري القوتلي: عاد إلى الحكم مرة ثانية واستمر إلى توقيع اتفاقية الوحدة مع مصر سنة 1958م.
6 ـ حكومة الوحدة برئاسة جمال عبد الناصر: 1958ـ 1961م.
7 ـ حكومة الانفصال برئاسة الدكتور ناظم القدسي: وقد دام الانفصال من 28/9/1961م وحتى 8/3/1963م. وقد قاد حركة الانفصال عبد الكريم النحلاوي.
منذ 8/3/1963م وإلى اليوم فقد وقعت سوريا تحت حكم حزب البعث، وقد مرت هذه الفترة بعدة حكومات بعثية هي:
ـ حكومة قيادة الثورة: 1963م وفيها برز صلاح البيطار كرئيس للوزراء.
ـ حكومة أمين الحافظ: من 1963م وحتى 1966م.
ـ حكومة نور الدين الأتاسي: 1966مـ 1970م حيث لعبت القيادة القطرية للحزب دورًا بارزًا في الحكم، وقد برز في هذه الفترة كل من صلاح جديد الذي عمل أمينًا عامًا للقيادة القطرية وحافظ الأسد الذي عمل وزيرًا للدفاع.
ـ حكومة حافظ الأسد: من سنة 1970م وإلى يومنا هذا.
ومن الشخصيات السورية البارزة التي ظهرت في تاريخ الحزب:
ـ سامي الجندي: تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب 1963م.
ـ حمود الشوفي: عمل سكرتيرًا عامًا للقيادة القطرية الأولى إلا أنه انشق وجماعته عن الحزب في آذار سنة 1964م، وهو الآن في العراق.
ـ منيف الرزاز: (أردني سني) عمل سكرتيرًا عامًا للقيادة القومية للحزب من نيسان 1965م إلى شباط 1966م.
ـ مصطفى طلاس: (سني): ولد سنة 1932م، درس في الكلية العسكرية بحمص، انضم إلى الحزب في سنة 1947م وعمل رئيسًا لمحكمة الأمن القومي للمنطقة الوسطى من 1963م، ورئيس أركان اللواء المدرع الخامس من 1964م ـ 1966م ورئيس الأركان للقوات المسلحة من شباط 1968م ونائب وزير الدفاع من 1968ـ 1972م وفي آذار 1973م وصار وزيرًا للدفاع.
ـ اللواء يوسف شكور: خلف مصطفى طلاس في رئاسة الأركان وهو من منطقة حمص.
ـ اللواء ناجي جميل: من دير الزور، كان قائدًا لسلاح الجو من تشرين الثاني 1970م وحتى آذار 1978م.
ـ سليم حاطوم: حاول أن يقود انقلابًا عام 1966م لكنه فشل في ذلك. وقد أعدم في عام 1967م.
ـ زكي الأرسوزي: (من لواء إسكندرون) مؤسس مع ميشيل عفلق ومنافس له.
ـ شبلي العيسمي: ولد عام 1930م، عمل وزيرًا للإصلاح الزراعي ثم وزيرًا للمعارف، ثم وزيرًا للثقافة والإرشاد القومي 1963مـ 1964م ونائبًا للأمين العام لحزب البعث 1965م.
ـ عبد الكريم الجندي: من أنصار صلاح جديد، انتهى منتحرًا عام 1969م.
ـ سليمان العيسى: (من لواء إسكندرون) منظّر ومفكّر وشاعر.
ـ أحمد الخطيب: استلم رئاسة الجمهورية من تشرين الثاني 1970م واستقال في شباط 1971م وهي الفترة الانتقالية بين حكومة نور الدين الأتاسي وحكومة حافظ الأسد، وقد كان عضو القيادة القطرية الموسعة من 1965م كما استلم رئاسة مجلس الشعب لفترة قصيرة.
ـ يوسف زعين: مولود في البوكمال 1931م طبيب، عمل وزيرًا للإصلاح الزراعي 1963ـ 1964م، وسفيرًا في بريطانيا، وفي 1965م انتخب عضوًا في القيادة القطرية، ومن شباط 1966م إلى تشرين الأول 1968م، كان رئيسًا للوزراء حتى عام 1970م.
ـ جلال السيد: عضو مؤسس في حزب البعث وهو من مدينة دير الزور وقد ترك الحزب لكنه بقي نشيطًا في السياسة السورية.
ـ عبد الحليم خدام: ولد 1932م في بانياس، خريج كلية الحقوق بدمشق تنقل في عدة وظائف حيث عمل محافظًا لمدينة حماة ومحافظًا لمدينة القنيطرة ومحافظًا لمدينة دمشق 1964م ووزيرًا للاقتصاد 1969م ووزيرًا للخارجية من 1970م وهو عضو القيادة القطرية منذ عام 1969م وقد ارتقى عام 1984م ليكون نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية.
ـ حافظ الأسد: ولد بالقرداحة من قرى اللاذقية سنة 1930، تخرج في الكلية العسكرية بحمص 1955م عمل قائدًا لقاعدة الضمير الجوية 1963م، وقائدًا لسلاح الطيران 1964م، انضم إلى المجلس الوطني لقيادة الثورة 1965م، انضم إلى صلاح جديد في انقلاب 1966م وصار وزيرًا للدفاع من 1966م إلى 1970م. ومن تشرين الثاني 1970م صار رئيسًا للجمهورية بعد قيادته الحركة التغييرية التي أوصلته إلى السلطة.
ـ زهير مشارقة من حلب، عين مؤخرًا نائب رئيس الجمهورية لشؤون الحزب.
لقد اندمج في سنة 1953م كل من (حزب البعث) و (الحزب العربي الاشتراكي) الذي كان يقوده أكرم الحوراني في حزب واحد أسمياه (حزب البعث العربي الاشتراكي).
أما عن الجناح العراقي من حزب البعث فقد استولى على السلطة في العراق بعد أحداث دامية سارت على النحو التالي:
استيلاء حزب البعث على ناصية الحكم في العراق:
ـ في الرابع عشر من شهر يوليو عام 1958م دخل لواء بقيادة عبد السلام عارف إلى بغداد قادمًا من الأردن واستولى على محطة الإذاعة وأعلن الثورة على النظام الملكي وقتل الملك فيصل الثاني وولي عهده عبد الإله ونوري السعيد وأعوانه وأسقط النظام الملكي وبذلك انتهى عهد الملك فيصل ودخل العراق دوامة الانقلابات العسكرية.
ـ وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر يوليو عام 1958م أي بعد عشرة أيام من نشوب الثورة وصل ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث وزعيمه إلى بغداد وحاول إقناع أركان النظام الجديد بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) ولكن الحزب الشيوعي العراقي أحبط مساعيه ونادى بعبد الكريم قاسم زعيمًا أوحد للعراق.
ـ وفي اليوم الثامن من شهر فبراير لعام سنة 1963م قام حزب البعث بانقلاب على نظام عبد الكريم قاسم وقد شهد هذا الانقلاب قتالًا شرسًا دار في شوارع بغداد، وبعد نجاح هذا الانقلاب تشكلت أول حكومة بعثية، و سرعان ما نشب خلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتطرف من حزب البعث فاغتنم عبد السلام عارف هذه الفرصة وأسقط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق في 18 نوفمبر سنة 1963م وعين عبد السلام عارف أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين المعتدلين نائبًا لرئيس الجمهورية.
ـ في شهر فبراير سنة 1964م أوصى ميشيل عفلق بتعيين صدام حسين عضوًا في القيادة القطرية لفرع حزب البعث العراقي.
ـ في شهر سبتمبر سنة 1966م قام حزب البعث العراقي بالتحالف مع ضباط غير بعثيين بانقلاب ناجح أسقط نظام عارف.
ـ وفي اليوم الثلاثين من شهر يوليو عام 1968م طرد حزب البعث كافة من تعاونوا معه في انقلابه الناجح على عبد السلام عارف وعين أحمد حسن البكر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا للجمهورية وقائدًا عامًا للجيش وأصبح صدام حسين نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسؤولًا عن الأمن الداخلي.
ـ وفي 15 أكتوبر سنة 1970م تم اغتيال الفريق حردان التكريتي في مدينة الكويت وكان من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي وعضوًا في مجلس قيادة الثورة ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع.
ـ وفي شهر نوفمبر من عام 1971م تم اغتيال السيد فؤاد الركابي وكان المنظّر الأول للحزب وأحد أبرز قادته في العراق وقد تم اغتياله داخل السجن.
ـ وفي 8 يوليو سنة 1973م جرى إعدام ناظم كزار رئيس الحكومة وجهاز الأمن الداخلي وخمسة وثلاثين شخصًا من أنصاره وذلك في أعقاب فشل الانقلاب الذي حاولوا القيام به.
ـ وفي 8 يوليو السادس من شهر مارس عام 1975م وقّعت الحكومة البعثية العراقية مع شاه إيران الاتفاقية المعروفة باتفاقية الجزائر وقد وقعها عن العراق صدام حسين وتقضي الاتفاقية المذكورة بأن يوافق العراق على المطالب الإقليمية للشاه في مقابل وقف الشاه مساندته للأكراد في ثورتهم على النظام العراقي.
ـ في شهر أكتوبر لعام 1978م طردت الحكومة البعثية الخميني من العراق وقامت في شهر فبراير عام 1979م الثورة الخمينية في إيران.
ـ وفي شهر يونيو عام 1979م أصبح صدام حسين رئيسًا للجمهورية العراقية بعد إعفاء البكر من جميع مناصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله.
ـ في يوليو سنة 1979م قام صدام حسين بحملة إعدامات واسعة طالت ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة وأكثر من خمسمائة عضو من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي.
ـ وفي اليوم الثامن من شهر أغسطس من العام نفسه أقدم صدام حسين على إعدام غانم عبد الجليل وزير التعليم ومحمد محجوب وزير التربية ومحمد عايش وزير الصناعة وصديقه الحميم عدنان الحمداني والدكتور ناصر الحاني سعيد، ثم قتل مرتضى سعيد الباقي تحت التعذيب، وقد سبق لكل من الأخيرين أن شغلا منصب وزير الخارجية، وقد بلغ عدد من أعدمهم صدام حسين خلال أقل من شهر واحد ستة وخمسين مسؤولًا حزبيًا، ولم يبق على قيد الحياة من الذين شاركوا في انقلاب عام 1968م سوى عزت إبراهيم الدوري وطه ياسين رمضان وطارق حنا عزيز.
ـ وفي اليوم التاسع من شهر إبريل عام 1980م قام صدام حسين بإعدام محمد باقر الصدر أحد أبرز علماء الشيعة وأخته زينب الصدر المعروفة باسم (بنت الهدى).
ـ وفي يوم 22 سبتمبر سنة 1980م شن صدام حسين حربه على إيران التي أسفرت عن سقوط ما يقارب نصف المليون من أزاهير شباب العراق فضلًا عن سبعمائة ألف من المعاقين والمشوهين، إضافة إلى نفقات الحرب التي تجاوزت المائتي ألف مليون من الدولارات وكذلك تجميد كل تنمية طوال مدة زمنية تجاوزت الثماني سنوات، خرج صدام بعد كل هذه التضحيات ليعلن للعالم أن حربه مع إيران كانت خطأ وأن الحق كل الحق في العودة إلى الاتفاقية المبرمة بينهما ـ اتفاقية الجزائر ـ.
ـ وفي أثناء حربه مع إيران أنزل بالمواطنين الأكراد أبشع أنواع القتل والبطش والتنكيل والإبادة باستخدام الغازات السامة والكيماوية.
ـ وفي 2 أغسطس سنة 1990م (11 محرم سنة 1411هـ) قام باجتياح دولة الكويت واستباحة أرضها وطرد شعبها، إلى أن تم تحريرها.
ـ قامت أمريكا أخيرًا بإسقاط صدام ونظامه البعثي، واحتلت العراق، ونصبت حكومة علمانية موالية لها؛ وسط مقاومة عظيمة من الشعب العراقي السني المسلم.
سلوكيات ومبادئ حزب البعث العراقي:
ـ نادى مؤسس الحزب بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد لأنه كما يقول: (إن القدر الذي حمّلنا هذه الرسالة خولنا أيضًا حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة) لفرض تعليمات الحزب ومن ثم لا يوجد أي مواطن عراقي يتمتع بأبسط قدر من الحرية الشخصية أو السياسية فكل شيء في دولة حزب البعث العراقي يخضع لرقابة بوليسية صارمة، تشكل دوائر المباحث والمخابرات والأمن قنوات الاتصالات الوحيدة بين المواطنين والنظام.
ـ تركيز سياسة الحزب على قطع كافة الروابط بين العروبة والإسلام، والمناداة بفصل الدين عن السياسة، والمساواة في نظرتها للأمور بين شريعة حمورابي وشعر الجاهلية وبين دين محمد عليه والصلاة والسلام وبين ثقافة المأمون وجعلها جميعًا تتساوى في بعث الأمة العربية وفي التعبير عن شعورها بالحياة.
ـ ادّعت سياسة الحزب أن تحقيق الاشتراكية شرط أساسي لبقاء الأمة العربية ولإمكان تقدمها، مع أن النتيجة الحتمية للسياسة الاشتراكية التي طبقت في العراق لم تجلب الرخاء للشعب ولم ترفع مستوى الفقراء ولكنها ساوت الجميع في الفقر، وبعد أن كان العراق قمة في الثراء ووفرة الموارد والثروات أصبح بطيش حزب البعث عاجزًا عن توفير القوت الأساسي لشعبه.
ـ قيامه بتجريد الدستور العراقي من كل القوانين التي تمت إلى الإسلام بصلة، وأصبحت العلمانية هي دستور العراق ومعتقدات البعث ومبادئه هي مصدر التشريع لقوانينه.
ـ ورد في التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع والمنعقد في بغداد في شهر يونيو من عام 1982م ما يلي:
(وأما الظاهرة الدينية في العصر الراهن فإنها ظاهرة سلفية ومتخلفة في النظرة والممارسة).
(ومن الأخطاء التي ارتكبت في هذا الميدان أن بعض الحزبيين صاروا يمارسون الطقوس الدينية وشيئًا فشيئًا صارت المفاهيم الدينية تغلب على المفاهيم الحزبية).
(إن النضال ضد هذه الظاهرة ـ يقصد الظاهرة الدينية ـ يجب أن يستهدفها (الحزب) حيث وجدت.. لأنها كلها تعبر عن موقف معادٍ للشعب وللحزب وللثورة وللقضية القومية).
ـ حزب البعث العربي الاشتراكي حزب قومي علماني انقلابي له طروحات فكرية متعددة يتعذر الجمع بينها أحيانًا فضلًا عن الإقناع بها، لقد كُتِبَ عنه كثيرًا وتحدث زعماؤه طويلًا، ولكن هناك بون واسع بين ممارسات وأقوال فترة ما قبل السلطة، وممارسات وأقوال فترة ما بعدها.
ـ الرابطة القومية عنده هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة وتكبح جماح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية حتى قال شاعرهم:
آمنت بالبعث ربًا لا شريك له وبالعروبة دينًا ما لــه ثان
ـ تعلن سياسة الحزب التربوية أنها ترمي إلى خلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته وخلود رسالتها أخذًا بالتفكير العلمي، طليقًا من قيود الخرافات والتقاليد والرجعية، مشبعًا بروح التفاؤل والنضال والتضامن مع مواطنيه في سبيل تحقيق الانقلاب العربي الشامل وتقدم الإنسانية، "والطريق الوحيد لتشييد حضارة العرب وبناء المجتمع العربي هو خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي يؤمن بأن الله والأديان والإقطاع ورأس المال وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ". (إبراهيم خلاص ـ فيلسوف الحزب في العراق).
من التوصيات العامة لمقررات المؤتمر القومي الرابع:
ـ تقول التوصية الرابعة: "يعتبر المؤتمر القومي الرابع الرجعية الدينية إحدى المخاطر الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية في المرحلة الحاضرة ولذلك يوصي القيادة القومية بالتركيز في النشاط الثقافي والعمل على علمانية الحزب، خاصة في الأقطار التي تشوه فيها الطائفية العمل السياسي".
ـ التوصية التاسعة تقول: "إن أفضل سبيل لتوضيح فكرتنا القومية هو شرح وإبراز مفهومها التقدمي العلماني وتجنب الأسلوب التقليدي الرومنطيقي في عرض الفكرة القومية وعلى ذلك سيكون نضالنا في هذه المرحلة مركزًا حول علمانية حركتنا ومضمونها الاشتراكي لاستقطاب قاعدة شعبية لا طائفية من كل فئات الشعب".
ـ أما عن الوحدة فهم يقولون: ليست الوحدة العربية مجرد تجميع ولصق لأجزاء الوطن العربي، بل هي التحام فصهر لهذه الأجزاء، لذا فإن الوحدة ثورة بكل أبعادها ومعانيها ومستوياتها، وهي ثورة لأنها قضاء على مصالح إقليمية عاشت وتوسعت وترسبت عبر القرون، وهي ثورة لأنها تجابه مصالح وطبقات تعارض الوحدة وتقف في وجهها (المنطلقات النظرية للمؤتمر القومي السادس).
ـ وأما الاشتراكية فهي تعني تربية المواطن تربية اشتراكية علمية تعتقه من كافة الأطر والتقاليد الاجتماعية الموروثة والمتأخرة لكي يمكن خلق إنسان عربي جديد يعقل علمي متفتح، ويتمتع بأخلاق اشتراكية جديدة ويؤمن بقيم جماعية.
ـ الرسالة الخالدة: يفسرونها بأن الأمة العربية ذات رسالة خالدة تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ ترمي إلى تجديد القيم الإنسانية وحفز التقدم البشري وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم.
هذا ويمكن ملاحظة ما يلي:
ـ إن كلمة الدين لم ترد مطلقًا في صلب الدستور السوري أو العراقي.
ـ كلمة الإيمان بالله على عموميتها لم ترد في صلب الدستور، لا في تفصيلاته ولا في عمومياته، مما يؤكد على الاتجاه العلماني لديه.
ـ في بناء الأسرة لا يشيرون إلى تحريم الزنى ولا يشيرون إلى آثاره السلبية.
ـ في السياسة الخارجية لا يشيرون إلى أية صلة مع العالم الإسلامي.
ـ لا يشيرون إلى التاريخ الإسلامي الذي أكسب الأمة العربية مكانة وقدرًا بين الشعوب.
ـ رغم مطالبة الحزب بإتاحة أكبر قدر من الحرية للمواطنين، فإن ممارساته القمعية فاقت كل تصور وانتهكت كل الحرمات ووأدت كل الحريات وألجأت الكثيرين إلى الهجرة والفرار بعقيدتهم من الظلم والاضطهاد.
ـ القوانين في البلاد التي يحكمها البعث علمانية وحانات بيع الخمور مفتوحة ليل نهار، والنظام المالي ربوي ودعاة الإسلام مضطهدون بشكل سافر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
1ـ يعتمد الحزب على الفكر القومي الذي ظهر وبرز بعد سقوط الدولة العثمانية في العالم العربي والذي نادت به أوروبا، والذي نادى به منظَّر القومية العربية في العالم العربي آنذاك ساطع الحصري.
2ـ يعتمد الحزب على الفكر العلماني إذ ينحي مسألة العقيدة الدينية جانبًا ولا يقيم لها أي وزن سواء على صعيد الفكر الحزبي أو على صعيد الانتساب إلى الحزب أو على صعيد التطبيق العملي.
3ـ يستلهم الحزب تصوراته من الفكر الاشتراكي ويترسم طريق الماركسية رغم انهيارها، والخلاف الوحيد بينهما أن اتجاهات الماركسية أممية، أما البعث فقومي، وفيما عدا ذلك فإن الأفكار الماركسية تمثل العمود الفقري في فكر الحزب ومعتقده، وهي لا تزال كذلك رغم انهيار البنيان الماركسي فيما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي.
4ـ لقد كان الحزب واجهة انضوت تحته كل الاتجاهات الطائفية (درزية ـ نصيرية ـ إسماعيلية ـ مسيحية) وأخذ هؤلاء يتحركون من خلاله بدوافع باطينة يطرحونها ويطبقونها تحت شعار الثورة والوحدة والحرية والاشتراكية والتقدمية وقد كانت الطائفة النصيرية أقدر هذا الطوائف على استغلال الحزب لتحقيق أهدافها وترسيخ وجودها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
1ـ للحزب أعضاء ينتشرون في معظم الأقطار العربية، بعضهم يعمل بشكل علني وبعضهم الآخر سري، ويتفاوت وجودهم وتأثيرهم من بلد إلى آخر على حسب طبيعة البلد ونوعية حكمه.
2 ـ يحكم حزب البعث بلدين عربيين مهمين هما سوريا والعراق، وقد عجز الحزب عن تحقيق الوحدة بين فصائله، بل إن الصراع بين شطري البعث مستمر وعلى أشده، واتهامات الخيانة بين الطرفين لا تنقضي، وإذا كان هذا هو شأن الحزب في بلدين يخضعان له فهو من باب أولى عاجز عن تحقيق وحدة الأمة العربية بكاملها.
والبعثيون يتطلعون إلى استلام السلطة في جميع أرجاء الوطن العربي باعتبار ذلك جزءً لا يتجزأ من طموحاتهم البعيدة، وقد أدت بهم هذه الرغبة العارمة إلى السقوط في حمأة الإنذار المقنع والتهديد السافر والعدوان الصريح وربما يكون حزب البعث في العراق أسوأ ما شهده التاريخ.
ويتضح مما سبق:
أن حزب البعث العربي الاشتراكي حزب قومي سلطوي يحاد الله ورسوله ويسعى إلى قلب الأوضاع في العالم العربي ويتخذ العلمانية وتحقيق الاشتراكية مطلبًا يبرر سياسته القمعية، ورسالته التي يصفها، على خلاف الحقيقة، بالتقدمية ويجعل من الوحدة العربية هدفًا ينفذه بالضم والإرغام رغم إرادة الشعوب.
والعلاقة معه يجب أن يحكمها قول الله سبحانه: (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله) الآية.
(page)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
10-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (الصهيونية-اليهودية وما تفرع عنها)
الصهيونيةالتعريف:
الصهيونية حركة سياسية عنصرية متطرفة، ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين تحكم من خلالها العالم كله. واشتقت الصهيونية من اسم (جبل صهيون) في القدس حيث ابتنى داود قصره بعد انتقاله من حبرون (الخليل) إلى بيت المقدس في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وهذا الاسم يرمز إلى مملكة داود وإعادة تشييد هيكل سليمان من جديد بحيث تكون القدس عاصمة لها.
وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والمعاصرة الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
للصهيونية العالمية جذور تاريخية فكرية وسياسية تجعل من الواجب الوقوف عند الأدوار التالية:
ـ وردت لفظة صهيون لأول مرة في العهد القديم عندما تعرض للملك داود الذي أسس مملكته 1000ـ 960 ق.م.
ـ حركة المكابيين التي أعقبت العودة من السبي البابلي 586ـ 538م قبل الميلاد، وأول أهدافها العودة إلى صهيون وبناء هيكل سليمان.
ـ حركة باركوخيا 118ـ 138م وقد أثار هذا اليهودي الحماسة في نفوس اليهود وحثهم على التجمع في فلسطين وتأسيس دولة يهودية فيها.
ـ حركة موزس الكريتي وكانت شبيهة بحركة باركوخيا.
ـ مرحلة الركود في النشاط اليهودي بسبب اضطهاد اليهود وتشتتهم. ومع ذلك فقد ظل الشعور القومي عند اليهود عنيفًا لم يضعف.
ـ حركة دافيد روبين وتلميذه سولومون مولوخ 1501ـ 1532م وقد حث اليهود على ضرورة العودة لتأسيس ملك إسرائيل في فلسطين.
ـ حركة منشه بن إسرائيل 1604ـ 1657م وهي النواة الأولى التي وجهت خطط الصهيونية وركزتها على أساس استخدام بريطانيا في تحقيق أهداف الصهيونية.
ـ حركة سبتاي زيفي 1626ـ 1676م الذي ادعى أنه مسيح اليهود المخلص فأخذ اليهود في ظله يستعدون للعودة إلى فلسطين ولكن مخلصهم مات.
ـ حركة رجال المال التي تزعمها روتشيلد وموسى مونتفيوري وكانت تهدف إلى إنشاء مستعمرات يهودية في فلسطين كخطوة لامتلاك الأرض ثم إقامة دولة اليهود.
ـ الحركة الفكرية الاستعمارية التي دعت إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين في بداية القرن التاسع عشر.
ـ الحركة الصهيونية العنيفة التي قامت إثر مذابح اليهود في روسيا سنة 1882م، وفي هذه الفترة ألف هيكلر الجرماني كتاب بعنوان إرجاع اليهود إلى فلسطين حسب أقوال الأنبياء.
ـ ظهور مصطلح الصهيونية Zionism لأول مرة على يد الكاتب الألماني ناثان برنباوم سنة 1893م.
ـ في عام 1882م ظهرت في روسيا لأول مرة حركة عرفت باسم (حب صهيون) وكان أنصارها يتجمعون في حلقات اسمها (أحباء صهيون) وقد تم الاعتراف بهذه الجماعات في عام 1890م تحت اسم " جمعية مساعدة الصناع والمزارعين اليهود في سوريا وفلسطين" وترأسها ليون بنسكر واستهدفت الجماعة تشجيع الهجرة إلى فلسطين وإحياء اللغة العبرية.
ـ الصهيونية الحديثة وهي الحركة المنسوبة إلى تيودور هرتزل الصحفي اليهودي المجري ولد في بودابست في 2/5/1860م حصل على شهادة الحقوق من جامعة فينا 1878م وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم بدءً بإقامة دولة لهم في فلسطين. وقد فاوض السلطان عبد الحميد بهذا الخصوص في محاولتين، لكنه أخفق، عند ذلك عملت اليهودية العالمية على إزاحة السلطان وإلغاء الخلافة الإسلامية.
ـ وقد أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عالمي سنة 1897م، مستغلًا محاكمة الضابط اليهودي الفرنسي دريفوس الذي اتهم بالخيانة 1894م لنقله أسرارًا عسكرية من فرنسا إلى ألمانيا، لكن ثبتت براءته فيما بعد ونجح هرتزل من تصوير المأساة اليهودية في زعمه من خلال هذه الواقعة الفردية وأصدر كتابه الشهير الدولة اليهودية الذي أكسبه أنصارًا لا بأس بعددهم مما شجعه على إقامة أول مؤتمر صهيوني في بال بسويسرا 29ـ 31/8/47 وقد علق عليه بقوله: " لو طلب إليّ تلخيص أعمال المؤتمر فإني أقول بل أنادي على مسمع من الجميع إنني قد أسست الدولة اليهودية " ونجح في تجميع يهود العالم حوله كما نجح في جمع دهاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ العالم وهي بروتوكولات حكماء صهيون المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها، ومن ذلك الوقت أحكم اليهود تنظيماتهم وأصبحوا يتحركون بدقة ودهاء وخفاء لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها واضحة للعيان في زماننا هذا.
الأفكار والمعتقدات:
تستمد الصهيونية فكرها ومعتقداتها من الكتب المقدسة التي حرفها اليهود، وقد صاغت الصهيونية فكرها في بروتوكولات حكماء صهيون.
تعتبر الصهيونية جميع يهود العالم أعضاء في جنسية واحدة هي الجنسية الإسرائيلية.
تهدف الصهيونية إلى السيطرة اليهودية على العالم كما وعدهم إلههم يهوه، وتعتبر المنطلق لذلك هو إقامة حكومتهم على أرض الميعاد التي تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات.
يعتقدون أن اليهود هم العنصر الممتاز الذي يجب أن يسود وكل الشعوب الأخرى خدم لهم.
يرون أن أقوم السبل لحكم العالم هو إقامة الحكم على أساس التخويف والعنف.
يدعون إلى تسخير الحرية السياسية من أجل السيطرة على الجماهير ويقولون: يجب أن نعرف كيف نقدم لهم الطعم الذي يوقعهم في شباكنا.
يقولون: لقد انتهى العهد الذي كانت فيه السلطة للدين، والسلطة اليوم للذهب وحده فلابد من تجميعه في قبضتنا بكل وسيلة لتسهل سيطرتنا على العالم.
يرون أن السياسة نقيض للأخلاق ولا بد فيها من المكر والرياء أما الفضائل والصدق فهي رذائل في عرف السياسة.
يقولون: لا بد من إغراق الأمميين في الرذائل بتدبيرنا عن طريق من نهيئهم لذلك من أساتذة وخدم وحاضنات ونساء الملاهي.
يقولون: يجب أن نستخدم الرشوة والخديعة والخيانة دون تردد ما دامت تحقق مآربنا.
يقولون: يجب أن نعمل على بث الفزع الذي يضمن لنا الطاعة العمياء ويكفي أن يشتهر عنا أننا أهل بأس شديد ليذوب كل تمرد وعصيان.
يقولون: تنادي بشعارات الحرية والمساواة والإخاء لينخدع بها الناس ويهتفوا وينساقوا وراء ما نريد لهم.
يقولون: لا بد من تشييد أرستقراطية تقوم على المال الذي هو في يدنا والعلم الذي اختص به علماؤنا.
يقولون: سنعمل على دفع الزعماء إلى قبضتنا وسيكون تعيينهم في أيدينا واختيارهم يكون حسب وفرة أنصبتهم من الأخلاق الدنيئة وحب الزعامة وقلة الخبرة.
يقولون: سنسيطر على الصحافة تلك القوة الفعالة التي توجه العالم نحو ما نريد.
يقولون: لا بد من توسيع الشقة بين الحكام والشعوب وبالعكس ليصبح السلطان كالأعمى الذي فقد عصاه ويلجأ إلينا لتثبيت كرسيه.
يقولون: لا بد من إشعال نار الخصومة الحاقدة بين كل القوى لتتصارع وجعل السلطة هدفًا مقدسًا تتنافس كل القوى للوصول إليه، ولابد من إشعال نار الحرب بين الدول بل داخل كل دولة عند ذلك تضمحل القوى وتسقط الحكومات وتقوم حكومتنا العالمية على أنقاضها.
يقولون: سنتقدم إلى الشعوب الفقيرة المظلومة في زي محرريها ومنقذيها من الظلم وندعوها إلى الانضمام إلى صفوف جنودنا من الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين والماسونيين وبسبب الجوع سنتحكم في الجماهير ونستخدم سواعدهم لسحق كل من يعترض سيبلنا.
يقولون: لا بد أن نفتعل الأزمات الاقتصادية لكي يخضع لنا الجميع بفضل الذهب الذي احتكرناه.
يقولون: إننا الآن بفضل وسائلنا الخفية في وضع منيع بحيث إذا هاجمتنا دولة نهضت أخرى للدفاع عنا.
يقولون: إن كلمة الحرية تدفع الجماهير إلى الصراع مع الله ومقاومة سنته فلنشغلها هي وأمثالها إلى أن تصبح السلطة في أيدينا.
يقولون: لنا قوة خفية لا يستطيع أحد تدميرها تعمل في صمت وخفاء وجبروت ويتغير أعضاؤها على الدوام وهي الكفيلة بتوجيه حكام الأمميين كما نريد.
يقولون: لا بد أن نهدم دولة الإيمان في قلوب الشعوب وننزع من عقولهم فكرة وجود الله ونحل محلها قوانين رياضية مادية لأن الشعب يحيا سعيدًا هانئًا تحت رعاية دولة الإيمان. ولكي لا ندع للناس فرصة المراجعة يجب أن نشغلهم بشتى الوسائل وبذلك لا يفطنوا لعدوهم العام في الصراع العالمي.
يقولون: لا بد أن نتبع كل الوسائل التي تتولى نقل أموال الأمميين من خزائنهم إلى صناديقنا.
يقولون: سنعمل على إنشاء مجتمعات مجردة من الإنسانية والأخلاق، متحجرة المشاعر، ناقمة أشد النقمة على الدين والسياسة، ليصبح رجاؤها الوحيد تحقيق الملاذ المادية، وحينئذ يصبحون عاجزين عن أي مقاومة فيقعون تحت أيدينا صاغرين.
يقولون: سنقبض بأيدينا على كل مقاليد القوى ونسيطر على جميع الوظائف وتكون السياسة بأيدي رعايانا وبذلك نستطيع في كل وقت بقوتنا محو كل معارضة مع أصحابها من الأمميين.
يقولون: لقد بثثنا بذور الشقاق في كل مكان بحيث لا يمكن اجتثاثه، وأوجدنا التنافر بين مصالح الأمميين المادية والقومية وأشعلنا نار النعرات الدينية والعنصرية في مجتمعاتهم ولم ننفك عن بذل جهودنا في إشعالها منذ 20 قرنًا ولذلك من المستحيل على أي حكومة أن تجد عونًا من أخرى لضربنا وأن الدول لن تقدم على إبرام أي اتفاق مهما كان ضئيلًا دون موافقتنا لأن محرك الدول في قبضتنا.
يقولون: لقد هيأنا الله لحكم العالم وزودنا بخصائص ومميزات لا توجد عند الأمميين ولو كان في صفوفهم عباقرة لاستطاعوا مقاومتنا.
يقولون: لا بد من الانتفاع بالعواطف المتأججة لخدمة أغراضنا عوض إخمادها ولا بد من الاستيلاء على أفكار الآخرين وترجمتها بما يتفق مع مصالحنا بدل قتلها.
يقولون: سنولي عناية كبرى بالرأي العام إلى أن نفقده القدرة على التفكير السليم ونشغله حتى نجعله يعتقد أن شائعاتنا حقائق ثابتة ونجعله غير قادر على التمييز بين الوعود الممكن إنجازها والوعود الكاذبة فلا بد أن نكوّن هيئات يشتغل أعضاؤها بإلقاء الخطب الرنانة التي تغدق الوعود ولا بد أن نبث في الشعوب فكرة عدم فهمهم للسياسة وخير لهم أن يدعوها لأهلها.
يقولون: سنكثر من إشاعة المتناقضات ونلهب الشهوات ونؤجج العواطف.
يقولون: سننشئ " إدارة الحكومة العليا " ذات الأيدي الكثيرة الممتدة إلى كل أقطار الأرض والتي يخضع لها كل الحكام.
يقولون: يجب أن نسيطر على الصناعة والتجارة ونعود الناس على البذخ والترف والانحلال ونعمل على رفع الأجور وتيسير القروض ومضاعفة فوائدها عند ذلك سيخر الأمميون ساجدين بين أيدينا.
يقولون: في الرسميات يجب علينا أن نتظاهر بنقيض ما نضمر فنستنكر الظلم وننادي بالحريات ونندد بالطغيان.
يقولون: إن الصحافة جميعها بأيدينا إلا صحفًا قليلة غير محتفل بها، وسنستعملها لبث الشائعات حتى تصبح حقائق وسنشغل بها الأمميين عما ينفعهم ونجعلهم يجرون وراء الشهوة والمتعة.
يقولون: الحكام أعجز من أن يعصوا أوامرنا لأنهم يدركون أن السجن أو الاختفاء من الوجود مصير المتمرد منهم فيكونوا طاعة لنا وأشد حرصًا ورعاية لمصالحنا.
يقولون: سنعمل على ألا يكشف مخططنا قبل وقته ولا نهدم قوة الأمميين قبل الأوان.
يقولون: نحن الذين وضعنا طريقة التصويت ونظام الأغلبية المطلقة ليصل إلى الحكم كل من نريد بعد أن نكون قد هيأنا الرأي العام للتصويت عليهم.
يقولون: سنفكك الأسرة وننفخ روح الذاتية في كل فرد ليتمرد ونحول دون وصول ذوي الامتياز إلى الرتب العالية.
يقولون: لا يصل إلى الحكم إلا أصحاب الصحائف السود غير المكشوفة وهؤلاء سيكونون أمناء على تنفيذ أوامرنا خشية الفضيحة والتشهير. كما نقوم بصنع الزعامات وإضفاء العظمة والبطولة عليها.
يقولون: سنستعين بالانقلابات والثورات كلما رأينا فائدة لذلك.
يقولون: لقد أنشأنا قوانا الخفية لتحقيق أهدافنا ولكن البهائم من الأمميين يجهلون أسرارها فوثقوا بها وانتسبوا إلى محافلها فسيطرنا عليهم وسخرناهم لخدمتنا.
يقولون: إن تشتيت شعب الله المختار نعمة وليست ضعفًا وهو الذي أفضى بنا إلى السيادة العالمية.
يقولون: ستكون كل دور النشر بأيدينا وستكون سجلات التعبير عن الفكر الإنساني بيد حكومتنا وكل دار تخالف فكرنا سنعمل على إغلاقها باسم القانون.
يقولون: ستكون لنا مجلات وصحف كثيرة مختلفة النزعات والمبادئ وكلها تخدم أهدافنا.
يقولون: لا بد أن نشغل غيرنا بألوان خلابة من الملاهي والألعاب والمنتديات العامة والفنون والجنس والمخدرات لنلهيهم عن مخالفتنا أو التعرض لمخططاتنا.
يقولون: سنمحو كل ما هو جماعي وسنبدأ المرحلة بتغيير الجامعات وسنعيد تأسيسها حسب خططنا الخاصة.
يقولون: سنتصرف مع كل من يقف في طريقنا بكل عنف وقسوة.
يقولون: سنكثر من المحافل الماسونية وننشرها في كل وسط لتوسيع نطاق سيطرتنا.
يقولون: عندما تصبح السلطة في أيدينا لن نسمح بوجود دين غير ديننا على الأرض.
الجذور الفكرية والعقائدية:
الصهيونية قديمة قدم التوراة نفسها وهي التي أججت الروح القومية عند اليهود منذ أيامها الأولى. وحركة هرتزل إنما هي تجديد وتنظيم للصهيونية العديمة.
تقوم الصهيونية على تعاليم التوراة المحرفة والتلمود. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن عددًا من زعماء الصهيونية هم من الملاحدة، واليهودية عندهم ليست سوى ستار لتحقيق المطامع السياسية والاقتصادية.
تعتبر أكثرية من اليهود ما يعرف بالتلمود دستورًا دينيًّا لهم وهو مؤلف من بحوث أحبار اليهود وفقهائهم وقد رسموا فيه الحدود لكل جوانب الحياة الخاصة والعامة وقد دون فيه من الأحكام والتعليمات ما يبرر وضعهم الاجتماعي والسياسي وما يغرس في نفوسهم ونفوس أجيالهم اللاحقة احتقار المجتمع البشري وحب الانتقام منه وأكل أموال الناس بالباطل والسطو على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم واستنـزاف دماء غير اليهود لاستعمالها في بعض المناسبات الدينية حيث يستعمل الدم البشري بوضع نقط منه على فطير الفصح أو غيره.
الانتشار ومواقع النفوذ:
الصهيونية هي الواجهة السياسية لليهودية العالمية وهي كما وصفها اليهود أنفسهم (مثل الإله الهندي فشنو الذي له مائة يد) فهي لها في جل الأجهزة الحكومية في العالم يد مسيطرة موجهة تعمل لمصلحتها.
هي التي تقود إسرائيل وتخطط لها.
الماسونية تتحرك بتعاليم الصهيونية وتوجيهاتها وتخضع لها زعماء العالم ومفكريه.
للصهيونية مئات الجمعيات في أوروبا وأمريكا في مختلف المجالات التي تبدو متناقضة في الظاهر لكنها كلها في الواقع تعمل لمصلحة اليهودية العالمية.
هناك من يبالغ في قوتها مبالغة كبيرة جدًا، وهناك من يهون من شأنها، والرأيان فيهما خطأ، على أن استقراء الواقع يدل على أن اليهود الآن يحيون فترة علو استثنائية.
يتضح مما سبق:
أن الصهيونية حركة سياسية عنصرية متطرفة ترمي لحكم العالم كله من خلال دولة اليهود في فلسطين، واسمها مشتق من اسم جبل صهيون في فلسطين، وقد قامت على تحريف تعاليم التوراة والتلمود التي تدعو إلى احتقار المجتمع البشري وتحض على الانتقام من غير اليهود. وقد قنن اليهود مبادئهم الهدامة فيما عرف ببروتوكولات حكماء صهيون التي تحوي بحق أخطر مقررات في تاريخ العالم.
(page)
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
11-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (التغريب-فلسفات ولدت في كنف الحضارة الغربية ومتأثرة بالنصرانية)
التغريبالتعريف:
التغريب هو تيار فكري كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية، يرمي إلى صبْغ حياة الأمم بعامة، والمسلمين بخاصة، بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المتفردة وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
بدأ المشرقيون في العالم الإسلامي مع نهاية القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر بتحديث جيوشهم وتعزيزها عن طريق إرسال بعثات إلى البلاد الأوروبية أو باستقدام الخبراء الغربيين للتدريس والتخطيط للنهضة الحديثة، وذلك لمواجهة تطلع الغربيين إلى بسط نفوذهم الاستعماري إثر بدء عهد النهضة الأوروبية.
لما قضى السلطان محمود الثاني على الإنكشارية العثمانية سنة 1826م أمر باتخاذ الزيِّ الأوروبي الذي فرضه على العسكريين والمدنيين على حد سواء.
أصدر السلطان العثماني عبد المجيد منشورًا 1255هـ/ 1839م يسمح فيه لغير المسلمين بأن يلتحقوا بالخدمة العسكرية.
استقدم السلطان سليم الثالث المهندسين من السويد وفرنسا والمجر وانجلترا وذلك لإنشاء المدارس الحربية والبحرية.
قام محمد علي والي مصر، والذي تولى سنة 1805م، ببناء جيش على النظام الأوروبي، كما عمد إلى ابتعاث خريجي الأزهر من أجل التخصص في أوروبا.
أنشأ أحمد باشا باي الأول في تونس جيشًا نظاميًا، وافتتح مدرسة للعلوم الحربية فيها ضباط وأساتذة فرنسيون وإيطاليون وإنجليز.
افتتحت أسرة القاجار التي حكمت إيران كلية للعلوم والفنون على أساس غربي سنة 1852م.
منذ عام 1860م بدأت حركة التغريب عملها في لبنان عن طريق الإرساليات، ومنها امتدت إلى مصر في ظل الخديوي إسماعيل الذي كان هدفه أن يجعل مصر قطعة من أوروبا.
التقى الخديوي إسماعيل في باريس مع السلطان العثماني عبد العزيز 1284هـ/1867م حينما لبَّيا دعوة الإمبراطور نابليون الثالث لحضور المعرض الفرنسي العام، وقد كانا يسيران في تيار الحضارة الغربية.
ابتعث كل من رفاعة الطهطاوي إلى باريس وأقام فيها خمس سنوات 1826 – 1831م وكذلك ابتعث خير الدين التونسي إليها وأقام فيها أربع سنوات 1852 – 1856م وقد عاد كل منهما محملًا بأفكار تدعو إلى تنظيم المجتمع على أساس علماني عقلاني.
منذ 1830م بدأ المبتعثون العائدون من أوروبا بترجمة كتب فولتير وروسو ومونتسكيو في محاولة منهم لنشر الفكر الأوروبي الذي ثار ضد الدين الذي ظهر في القرن الثامن عشر (على النحو الذي فصلنا، في مادة العلمانية).
أنشأ كرومر كلية فيكتوريا بالإسكندرية لتربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا أداة المستقبل في نقل ونشر الحضارة الغربية.
- قال اللورد لويد (المندوب السامي البريطاني في مصر) حينما افتتح هذه الكلية سنة 1936م: "كل هؤلاء لن يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ".
كان نصارى الشام من أول من اتصل بالبعثات التبشيرية وبالإرساليات ومن المسارعين بتلقي الثقافة الفرنسية والإنجليزية، كما كانوا يشجعون العلمانية التحررية وذلك لعدم إحساسهم بالولاء تجاه الدولة العثمانية، فبالغوا من اظهار إعجابهم بالغرب ودعوا إلى الاقتداء به وتتبع طريقه، وقد ظهر ذلك جليًا في الصحف التي أسسوها وعملوا فيها.
كان ناصيف اليازجي 1800 – 1871م وابنه إبراهيم اليازجي 1847-1906م على صلة وثيقة بالإرساليات الأمريكية الإنجيلية.
أسس بطرس البستاني 1819 – 1883م في عام 1863م مدرسة لتدريس اللغة العربية والعلوم الحديثة فكان بذلك أول نصراني يدعو إلى العروبة والوطنية إذ كان شعاره "حب الوطن من الإيمان"، كما أصدر صحيفة الجنان سنة 1870م التي استمرت ستة عشرة سنة. وقد تولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت مشاركًا في الترجمة البروتستانتية للتوراة مع الأمريكيَيْن سميث وفانديك.
أنشأ جورجي زيدان 1861 – 1914م مجلة الهلال في مصر وذلك في سنة 1892م، وقد كان على صلة بالمبعوثين الأمريكان، كما كانت له سلسلة من القصص التاريخية التي حشاها بالافتراءات على الإسلام والمسلمين.
أسس سليم تقلا صحيفة الأهرام في مصر وقد سبق له أن تلقى علومه في مدرسة عربية بلبنان والتي أنشأها المبشر الأمريكي فانديك.
أصدر سليم النقاش صحيفة المقتطف التي عاشت ثمانية أعوام في لبنان انتقلت بعدها إلى مصر في سنة 1884م.
تجوَّل جمال الدين الأفغاني 1838-1897م كثيرًا في العالم الإسلامي شرقًا وغربًا، وقد أدخل نظام الجمعيات السرية في العصر الحديث إلى مصر، كما يقال بأنه انضم إلى المحافل الماسونية، وكان على صلة بالمستر بلنت البريطاني.
كان الشيخ محمد عبده 1849-1905م من أبرز تلاميذ الأفغاني، وشريكه في إنشاء مجلة العروة الوثقى، وكانت له صداقة مع اللورد كرومر والمستر بلنت، ولقد كانت مدرسته – ومنها رشيد رضا – تدعو إلى مهاجمة التقاليد، كما ظهرت لهم فتاوى تعتمد على أقصى ما تسمح به النصوص من تأويل بغية إظهار الإسلام بمظهر المتقبل لحضارة الغرب، كما دعا الشيخ محمد عبده إلى إدخال العلوم العصرية إلى الأزهر لتطويره وتحديثه.
كان المستشرق مستر بلنت: يطوف هو وزوجته مرتديًا الزي العربي، داعيًا إلى القومية العربية وإلى إنشاء خلافة عربية بغية تحطيم الرابطة الإسلامية.
قاد قاسم أمين 1865 – 1908م وهو تلميذ محمد عبده، الدعوة إلى تحرير المرأة وتمكينها من العمل في الوظائف والأعمال العامة. وقد كتب تحرير المرأة – 1899م والمرأة الجديدة 1900م.
كان سعد زغلول: الذي صار وزيرًا للمعارف سنة 1906م شديد التأثر بآراء محمد عبده، وقد نفذ فكرة كرومر القديمة والداعية إلى إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي بقصد تطوير الفكر الإسلامي من خلال مؤسسة غير أزهرية منافسة له.
كان أحمد لطفي السيد 1872 – 1963م: من أكبر مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين الذين انشقوا عن سعد زغلول سياسيًا، وكان يدعو إلى الإقليمية الضيقة وهو صاحب العبارة المشهورة التي أطلقها عام 1907م وهي "مصر للمصريين". وقد تولى شؤون الجامعة المصرية منذ تسلمتها الحكومة المصرية عام 1916م وحتى 1941م تقريبًا.
وكان طه حسين 1889- 1973م من أبرز دعاة التغريب في العالم الإسلامي، حيث تلقى علومه على يد المستشرق دور كايم وقد نشر أخطر آرائه في كتابيه الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر.
- يقول في كتابه الشعر الجاهلي ص 26: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا أيضًا، ولكن ورود هذين الأسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي".
- ويقول بعد ذلك: "وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح". كما أنه ينفي فيه نسب النبي r إلى أشراف قريش.
- لقد بدأ طه حسين محاضرة له في اللغة والأدب بحمد الله والصلاة على نبيه ثم قال: "سيضحك مني بعض الحاضرين إذا سمعني أبدأ هذه المحاضرة بحمد الله والصلاة على نبيه لأن ذلك يخالف عادة العصر". (مجلة الهلال، عدد أكتوبر ونوفمبر 1911م).
ازدهرت حركة التغريب بعد سيطرة الاتحاديين عام 1908م على الحكم في الدولة العثمانية وسقوط السلطان عبد الحميد.
وفي سنة 1924م ألغت حكومة مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية مما مهد لانضمام تركيا إلى الركب العلماني الحديث، وفرض عليها التغريب بأقصى صورة وأعنفها.
علي عبدالرزاق: نشر سنة 1925م كتابه الإسلام وأصول الحكم الذي ترجم إلى الإنجليزية والأردية. يحاول فيه المؤلف أن يقنع القارىء بأن الإسلام دين فقط وليس دينًا ودولة. وقد ضرب سميث مثلًا به عندما أشار إلى أن التحررية العلمانية والعالمية لا تروج في العالم الإسلامي إلا إذا فسرت تفسيرًا إسلاميًا مقبولًا، وقد حوكم الكتاب والمؤلف من قبل هيئة العلماء بالأزهر في 12/8/1925م وصدرت ضده إدانة أخرجته من زمرة العلماء. وكان يشرف على مجلة الرابطة الشرقية، كما أقام حفل تكريم لأرنست رينان في الجامعة المصرية بمناسبة مرور مائة سنة على وفاة هذا المستشرق الذي لم يدخر وسعًا في مهاجمة العرب والمسلمين.
وكان محمود عزمي من أكبر دعاة الفرعونية في مصر، درس على أستاذه دور كايم الذي كان يقول له: "إذا ذكرت الاقتصاد فلا تذكر الشريعة، وإذا ذكرت الشريعة فلا تذكر الاقتصاد".
وسبق أن قدم منصور فهمي 1886-1959م: أول أطروحة للدكتوراه على أستاذه ليفي بريل مهاجمًا نظام الزواج في الإسلام التي موضوعها حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها. وفي هذه الرسالة يقول: "محمد يشرع لجميع الناس ويستثني نفسه" ويقول: "إلا أنه أعفى نفسه من المهر والشهود"، لكنه انتقد بعد ذلك حركة التغريب في سنة 1915م وجاهر بآرائه في الأخطاء التي حملها طه حسين ومدرسته.
ويعتبر إسماعيل مظهر من أئمة مدرسة التغريب لكنه لم يلبث أن تحول عنها إبان عصر النهضة الحديثة.
وكان زكي مبارك في مقدمة تلاميذ طه حسين. درس على أيدي المستشرقين، وسبق له أن قدم أطروحة للدكتوراه في الغزالي والمأمون مهاجمًا الغزالي هجومًا عنيفًا، لكنه رجع عن ذلك فيما بعد وكتب مقاله المعروف إليك أعتذر أيها الغزالي.
ويعتبر محمد حسين هيكل 1888 – 1956م رئيس تحرير جريدة السياسة في الفترة الأولى من حياته من أبرز المستغربين، وقد أنكر الإسراء بالروح والجسد معًا انطلاقًا من نظرة عقلانية حياة محمد. لكنه عدل عن ذلك وكتب معبرًا عن توجهه الجديد في مقدمة كتابه في منزل الوحي.
وكان الشيخ أمين الخولي وهو من مدرسي مادتي التفسير والبلاغة بالجامعة المصرية، يروج لأفكار طه حسين في الدعوة إلى دراسة القرآن دراسة فنية بغض النظر عن مكانته الدينية، وقد استمر في ذلك حتى كشفه الشيخ محمود شلتوت سنة 1947م.
وقاد شلبي شميل 1860 – 1917م الدعوة إلى العلمانية ومهاجمة قيم الأديان والأخلاق.
الأفكار والمعتقدات:
أفكار تغريبية:
- المستشرق الإنجليزي جب ألف كتاب إلى أين يتجه الإسلام الذي يقول فيه: "من أهم مظاهر سياسة التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة". وقد أعلن في بحثه هذا صراحة أن هدفه معرفة" إلى أي مدى وصلت حركة تغريب الشرق وما هي العوامل التي تحول
- عندما دخل اللورد اللنبي القدس عام 1918م أعلن قائلًا: "الآن انتهت الحروب الصليبية".
- يقول لورنس براون: "إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته. إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي". ولهذا فلابد من الدعوة إلى أن يطبع العالم الإسلامي بطابع الغرب الحضاري.
- تشجيع فكرة إيجاد فكر إسلامي متطور يبرر الأنماط الغربية ومحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية بغية إيجاد علائق مستقرة بين الغرب وبين العالم الإسلامي خدمة لمصالحه.
- الدعوة إلى الوطنية ودراسة التاريخ القديم والدعوة إلى الحرية باعتبارها أساس نهضة الأمة مع عرض النظم الاقتصادية الغربية عرضًا مصحوبًا بالإعجاب، وتكرار الكلام حول تعدد الزوجات في الإسلام وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين.
- نشر فكرة العالمية والإنسانية التي يزعم أصحابها بأن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه الخلافات الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم، ولتصبح الأرض وطنًا واحدًا يدين بدين واحد ويتكلم بلغة واحدة وثقافة مشتركة، بغية تذويب الفكر الإسلامي
- إن نشر الفكر القومي كان خطوة على طريق التغريب في القرن التاسع عشر وقد انتقل من أوروبا إلى العرب والإيرانيين والترك والأندونيسيين والهنود، بغية تمزيق الكتل الكبيرة إلى كيانات جزئية تقوم على رابط جغرافي يجمع أناسًا ينتمون إلى أصول عرقية مشتركة.
- تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة، يقول المستشرق جب: "وقد كان من أهم مظاهر سياسية التغريب في العالم الإسلامي تنمية الاهتمام ببعث الحضارات القديمة التي ازدهرت في البلاد المختلفة التي يشغلها المسلمون الآن… وقد تكون أهميته محصورة الآن في تقوية شعور العد
- عرض روكفلر الصهيوني المتعصب تبرعه بعشرة ملايين دولار لإنشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر وملحق به معهد لتخريج المتخصصين في هذا الفن.
- إن كلًا من الاستعمار، والاستشراق، والشيوعية، والماسونية وفروعها، والصهيونية، ودعاة التوفيق بين الأديان" وحدة الأديان"، قد تآزروا جميعًا في دعم حركة التغريب وتأييدها بهدف تطويق العالم الإسلامي وتطويعه ليكون أداة لينة بأيديهم.
- نشر المذاهب الهدامة كالفرويدية، والداروينية، والماركسية، والقول بتطور الأخلاق (ليفي بريل) وبتطور المجتمع (دور كايم) والتركيز على الفكر الوجودي والعلماني، والتحرري، والدراسات عن التصوف الإسلامي، والدعوة إلى القومية والأقليمية والوطنية، والفصل بين الدين و
- اعتبار القرآن فيضًا من العقل الباطن مع الإشادة بعبقرية النبي محمد r وألمعيته وصفاء ذهنه ووصف ذلك بالإشراق الروحي تمهيدًا لإزالة صفة النبوة عنه.
مؤتمرات تغريبية:
- عقد مؤتمر في بلتيمور عام 1942م وهو يدعو إلى دراسة وابتعاث الحركات السرية في الإسلام.
- في عام 1947م عقد في جامعة برنستون بأمريكا مؤتمر لدراسة (الشؤون الثقافية والاجتماعية في الشرق الأدنى) وقد ترجمت بحوث هذا المؤتمر إلى العربية تحت رقم 116 من مشروع الألف كتاب في مصر. شارك فيه كويلر يونغ وحبيب كوراني وعبد الحق أديوار ولويس توماس.
- عقد مؤتمر (الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة) في صيف عام 1953م في جامعة برنستون وشارك فيه كبار المفكرين من مثل ميل بروز، وهارولد سميث، وروفائيل باتاي، وهارولد ألن، وجون كرسويل، والشيخ مصطفى الزرقا، وكنت كراج، واشتياق حسين، وفضل الرحمن الهندي.
- وفي عام 1955م عقد في لاهور بالباكستان مؤتمر ثالث لكنه فشل وظهرت خطتهم بمحاولتهم إشراك باحثين من المسلمين والمستشرقين في توجيه الدراسات الإسلامية.
- انعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والمسيحية في بيروت 1953م، ثم في الاسكندرية 1954م وتتالت بعد ذلك اللقاءات والمؤتمرات في روما وغيرها من البلدان لنفس الغرض.
- في سبتمبر 1994م عقد بالقاهرة مؤتمر السكان والتنمية بهدف نشر أفكار التحلل الجنسي "الغربية" بين المسلمين – من إتاحة للاتصالات غير المشروعة بين المراهقين والإجهاض والزواج الحر والسفاح والتدريب على موانع الحمل، وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية ا
كتب تغريبية خطرة:
- الإسلام في العصر الحديث لمؤلفه ولفرد كانتول سميث مدير معهد الدراسات الإسلامية وأستاذ الدين المقارن في جامعة ماكجيل بكندا، حصل على الدكتوراه من جامعة برنستون سنة 1948م تحت إشراف المستشرق هـ. أ.ر. جب الذي تتلمذ عليه في جامعة كمبريدج وهذا الكتاب يدعو إلى ا
- نشر هـ.أ.ر. جب كتابه إلى أين يتجه الإسلام؟ Whither Islam? الذي نشر بلبنان سنة 1932م كان قد ألفه مع جماعة من المستشرقين، وهو يبحث في أسباب تعثر عملية التغريب في العالم الإسلامي ووسائل تقدمها وتطورها.
- إن بروتوكولات حكماء صهيون التي ظهرت في العالم كله عام 1902م ظلت ممنوعة من الدخول إلى الشرق الأوسط والعالم الإسلامي حتى عام 1952م تقريبًا أي إلى ما بعد قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية والإسلامية. ولا شك بأن منعها كان خدمة لحركة التغريب عمومًا.
- تصوير بعض الشخصيات الإسلامية في صور من الابتذال والعهر والمزاجية كما في كتب جورجي زيدان، وكذلك تلك الكتب التي تضيف الأساطير القديمة إلى التاريخ الإسلامي علىهامش السيرة لطه حسين والكتب التي تعتمد على المصادر غير الموثوقة مثل محمد رسول الحرية للشرقاوي وكت
الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد ارتدت الحملة الصليبية مهزومة بعد حطين، وفتح العثمانيون عاصمة الدولة البيزنطية ومقر كنيستهم عام 1453م واتخذوها عاصمة لهم وغيروا اسمها إلى اسلامبول أي دار الإسلام، كما أن جيوش العثمانيين قد وصلت أوروبا وهددت فيينا سنة 1529م وقد ظل هذا التهديد قائمًا حتى سنة 1683م. وسبق ذلك كله سقوط الأندلس وجعلها مقرًا للخلافة الأموية، كل ذلك كان مدعاة للتفكير بالتغريب، والتبشير فرع منه، ليكون السلاح الذي يحطم العالم الإسلامي من داخله.
إن التغريب هجمة نصرانية، صهيونية، استعمارية، في آن واحد، التقت على هدف مشترك بينها وهو طبع العالم الإسلامي بالطابع الغربي تمهيدًا لمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
لقد استطاعت حركة التغريب أن تتغلغل في كل بلاد العالم الإسلامي، وإلى كل البلاد المشرقية على أمل بسط بصمات الحضارة الغربية المادية الحديثة على هذه البلاد وربطها بالغرب فكرًا وسلوكًا.
لقد تفاوت تأثير حركة التغريب إذ أنه قد ظهر بوضوح في مصر، وبلاد الشام، وتركيا، وأندونيسيا والمغرب العربي، وتتدرج بعد ذلك في البلاد الإسلامية الأقل فالأقل، ولم يخل بلد إسلامي أو مشرقي من آثار وبصمات هذه الحركة.
ويتضح مما سبق:
أن التغريب تيار مشبوه يهدف إلى نقض عرى الإسلام والتحلل من التزاماته وقيمه واستقلاليته، والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته. ومن واجب قادة الفكر الإسلامي كشف مخططاته والوقوف بصلابة أمام سمومه ومفترياته، التي تبثها الآن، شخصيات مسلمة، وصحافة ذات باع طويل في محاولات التغريب، وأجهزة وثيقة الصلة بالصهيونية العالمية والماسونية الدولية. وقد استطاع هذا التيار استقطاب كثير من المفكرين العرب، فمسخوا هويتهم، وحاولوا قطع صلتهم بدينهم، والذهاب بولائهم وانتمائهم لأمتهم الإسلامية، من خلال موالاة الغرب والزهو بكل ما هو غربي، وهي أمور ذات خطر عظيم على الشباب المسلم.
مراجع للتوسع:
- حصوننا مهددة من داخلها، د. محمد محمد حسين – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط 7 – 1402هـ/ 1982م.
- العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري، فتحي يكن- مؤسسة الرسالة – بيروت – ط2- 1403هـ/1983م.
- الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، د. محمد محمد حسين – دار الإرشاد – بيروت – طبعة عام 1389هـ/1970م.
- الإسلام والحضارة الغربية، د. محمد محمد حسين – مؤسسة الرسالة – بيروت 54 – 1402هـ/ 1982م.
- شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، أنور الجندي- المكتب الإسلامي – بيروت – طبعة عام 1398هـ/ 1978م.
- يقظة الفكر العربي، أنور الجندي – مطبعة زهران – القاهرة – 1972م.
- تحرير المرأة، قاسم أمين – ط2 – مطبعة روز اليوسف – 1941م.
- زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين – ط1 – نشر مكتبة النهضة المصرية – 1948م.
- تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر، الدكتورة نفوسة زكريا – دار الثقافة بالإسكندرية – 1393هـ/ 1964م.
- حاضر العالم الإسلامي، لوثروب ستودارد – ترجمة عجاج نويهض وتعليق شكيب أرسلان – مصر 1343هـ/ 1925م.
- الغارة على العالم الإسلامي، أ.ل. شاتليه – ترجمة مساعد اليافي ومحب الدين الخطيب – مصر 1350هـ.
- مستقبل الثقافة في مصر، طه حسين – مصر – 1944م.
- اليوم والغد، سلامة موسى – مصر – 1927م.
- إلى أين يتجه الإسلام، هـ.أ.ر. جب – ط لبنان – 1932م.
المراجع الأجنبية:
- Islam in Modern History W.C.Smith, Princeton University Press New Jersy 1957.
- Whither Islam?: H.A.r. Gibb. London 1932.
- Arabic Thought in the Liberal Age: A. Hourani, Oxford 1962.
- Egypt Since Cromer: Lord Loyd, London 1933.
- Modern Egypt The Earl of Cromer: London 1911.
- Great Britain Egypt (F.W. Polson Newmen 1928).
- reports by His Majesty’s Agent and Consul General on the Finances.
- Administration and Condition of Egypt and The Sudan.
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي-صدرت: 1418هـ/1997م
12-موسوعة الفقه الكويتية (بغاة 1)
بُغَاةٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: بَغَى عَلَى النَّاسِ بَغْيًا: أَيْ ظَلَمَ وَاعْتَدَى، فَهُوَ بَاغٍ وَالْجَمْعُ بُغَاةٌ، وَبَغَى: سَعَى بِالْفَسَادِ، وَمِنْهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.
وَالْفُقَهَاءُ لَا يَخْرُجُونَ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى إِلاَّ بِوَضْعِ بَعْضِ قُيُودٍ فِي التَّعْرِيفِ فَقَدْ عَرَّفُوا الْبُغَاةَ بِأَنَّهُمُ: الْخَارِجُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِتَأْوِيلٍ، وَلَهُمْ شَوْكَةٌ.
وَيُعْتَبَرُ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ: الِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْإِمَامُ، كَالزَّكَاةِ.
وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ سِوَى الْبُغَاةِ اسْمُ (أَهْلِ الْعَدْلِ) وَهُمُ الثَّابِتُونَ عَلَى مُوَالَاةِ الْإِمَامِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْخَوَارِجُ:
2- يَقُولُ الْجُرْجَانِيُّ: هُمُ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ.وَهُمْ فِي الْأَصْلِ كَانُوا فِي صَفِّ الْإِمَامِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- فِي الْقِتَالِ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِ لَمَّا قَبِلَ التَّحْكِيمَ.قَالُوا: لِمَ تُحَكِّمْ وَأَنْتَ عَلَى حَقٍّ.
وَيَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- عَلَى بَاطِلٍ بِقَبُولِهِ التَّحْكِيمَ، وَيُوجِبُونَ قِتَالَهُ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَيَسْبُونَ نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي نَظَرِهِمْ كُفَّارٌ.
وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ بُغَاةٌ، وَلَا يَرَوْنَ تَكْفِيرَهُمْ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُمْ كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ.وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ أَنَّ الْإِمَامَ عَلِيًّا- رضي الله عنه- سُئِلَ عَنْهُمْ: أَكُفَّارٌ هُمْ؟ قَالَ: مِنَ الْكُفْرِ فَرُّوا.قِيلَ: فَمُنَافِقُونَ؟ قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلًا.قِيلَ فَمَا هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ، فَعَمُوا وَصَمُّوا، وَبَغَوْا عَلَيْنَا، وَقَاتَلُوا فَقَاتَلْنَاهُمْ.وَقَالَ لَهُمْ: لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا.
وَيَقُولُ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ تَظَاهَرَ الْخَوَارِجُ بِاعْتِقَادِهِمْ، وَهُمْ عَلَى اخْتِلَاطٍ بِأَهْلِ الْعَدْلِ، جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَهُمْ.
وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي مُصْطَلَحِ (فِرَق).
ب- الْمُحَارِبُونَ:
3- الْمُحَارِبُونَ: لَفْظٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحِرَابَةِ مَصْدَرُ حَرَبَ، وَحَرَبَهُ يَحْرُبُهُ: إِذَا أَخَذَ مَالَهُ، وَالْحَارِبُ: الْغَاصِبُ النَّاهِبُ.
وَعَبَّرَ عَنْهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ الْخُرُوجُ عَلَى الْمَارَّةِ لِأَخْذِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ، عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ الْمَارَّةَ مِنَ الْمُرُورِ، فَيَنْقَطِعُ الطَّرِيقُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَطْعُ مِنْ جَمَاعَةٍ أَمْ وَاحِدٍ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةُ الْقَطْعِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْقَطْعُ بِسِلَاحٍ أَمْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعَصَا وَالْحَجَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.وَتُسَمَّى الْحِرَابَةُ بِالسَّرِقَةِ الْكُبْرَى.
أَمَّا كَوْنُهَا سَرِقَةً؛ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً عَنْ عَيْنِ الْإِمَامِ الَّذِي عَلَيْهِ حِفْظُ الْأَمْنِ.وَأَمَّا كَوْنُهَا كُبْرَى؛ فَلِأَنَّ ضَرَرَهُ يَعُمُّ، حَيْثُ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِزَوَالِ الْأَمْنِ.
فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحِرَابَةِ وَالْبَغْيِ هُوَ أَنَّ الْبَغْيَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ تَأْوِيلٍ، أَمَّا الْحِرَابَةُ فَالْغَرَضُ مِنْهَا الْإِفْسَادُ فِي الْأَرْضِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْبَغْيِ:
4- الْبَغْيُ حَرَامٌ، وَالْبُغَاةُ آثِمُونَ، وَلَكِنْ لَيْسَ الْبَغْيُ خُرُوجًا عَنِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى الْبُغَاةَ مُؤْمِنِينَ فِي قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} إِلَى أَنْ قَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}، وَيَحِلُّ قِتَالُهُمْ، وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ مَعُونَةُ الْإِمَامِ فِي قِتَالِهِمْ.وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَثْنَاءَ قِتَالِهِمْ فَهُوَ شَهِيدٌ.وَيَسْقُطُ قِتَالُهُمْ إِذَا فَاءُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَيَقُولُ الصَّنْعَانِيُّ: إِذَا فَارَقَ أَحَدٌ الْجَمَاعَةَ وَلَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهِمْ وَلَا قَاتَلَهُمْ يُخَلَّى وَشَأْنَهُ؛ إِذْ مُجَرَّدُ الْخِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُوجِبُ قِتَالَ الْمُخَالِفِ.
وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ قَالَ النَّبِيُّ- عليه الصلاة والسلام- لِابْنِ مَسْعُودٍ: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ: أَتَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ: حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ أَلاَّ يُتْبَعَ مُدْبِرُهُمْ، وَلَا يُقْتَلَ أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ».
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْبَغْيَ لَيْسَ اسْمَ ذَمٍّ؛ لِأَنَّ الْبُغَاةَ خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ فِي اعْتِقَادِهِمْ، لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ، فَلَهُمْ نَوْعُ عُذْرٍ؛ لِمَا فِيهِمْ مِنْ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ.
وَقَالُوا: إِنَّ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّهِمْ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ وَصْفِهِمْ بِالْعِصْيَانِ أَوِ الْفِسْقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ، أَوْ لَا تَأْوِيلَ لَهُ.وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ قَطْعِيَّ الْبُطْلَانِ.
5- وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ أَنْوَاعَ الْبُغَاةِ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ فِعْلِهِمْ، أَوْ كَوْنُهُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً كَمَا يَلِي:
أ- الْبُغَاةُ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لَيْسُوا بِفَاسِقِينَ، وَإِنَّمَا هُمْ مُخْطِئُونَ فِي تَأْوِيلِهِمْ، كَالْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ، يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ.وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.وَكَذَا إِنْ تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ، فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ.وَمِثَالُ ذَلِكَ: مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، مِمَّنْ عَصَى الْإِمَامَ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ، مِنْ أَنَّهُ مَكَثَ أَشْهُرًا لَمْ يُبَايِعِ الْخَلِيفَةَ ثُمَّ بَايَعَهُ.يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَعْنَ الْبُغَاةِ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَتَفْسِيقَهُمْ.
ب- إِنْ خَالَطَ الْبُغَاةَ أَهْلُ الْعَدْلِ، وَتَظَاهَرُوا بِاعْتِقَادِهِمْ، دُونَ مُقَاتَلَتِهِمْ جَازَ لِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُمْ؛ إِذِ التَّظَاهُرُ بِاعْتِقَادِهِمْ، وَنَشْرُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدْلِ دُونَ قِتَالٍ يُعْتَبَرُ مِنَ الصَّغَائِرِ.
ج- إِذَا اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِمَامٍ، وَصَارُوا آمَنِينَ بِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ إِيَّاهُ، وَلَكِنْ لِدَعْوَى الْحَقِّ وَالْوِلَايَةِ.فَقَالُوا: الْحَقُّ مَعَنَا، وَيَدَّعُونَ الْوِلَايَةَ، وَلَهُمْ تَأْوِيلٌ وَمَنَعَةٌ، فَهُمْ أَهْلُ بَغْيٍ، فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ مُنَاصَرَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ.قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمِنَ الْبُغَاةِ الْخَوَارِجُ.
وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ فَهُمْ فُسَّاقٌ.
شُرُوطُ تَحَقُّقِ الْبَغْيِ:
6- يَتَحَقَّقُ الْبَغْيُ بِمَا يَلِي:
أ- أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ جَمَاعَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ شَوْكَةٌ، وَخَرَجُوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِإِرَادَةِ خَلْعِهِ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ.فَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَكَانُوا حَرْبِيِّينَ لَا بُغَاةً.وَلَوْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا طَلَبِ إِمْرَةٍ لَكَانُوا قُطَّاعَ طَرِيقٍ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ، وَلَا يُخْشَى قِتَالُهُمْ، وَلَوْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ.وَلَوْ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ بِحَقٍّ- كَدَفْعِ ظُلْمٍ- فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ مَعُونَةُ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ، وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ الْخَارِجَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِعَانَةً عَلَى خُرُوجِهِمْ، وَاتِّسَاعِ الْفِتْنَةِ، وَقَدْ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَ الْفِتْنَةَ.
وَأَمَّا مَنْ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ بِمَنَعَةٍ، بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ، مُسْتَحِلِّينَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، مِمَّا كَانَ قَطْعِيَّ التَّحْرِيمِ، كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ، فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ؛ لِأَنَّ الْبَاغِيَ تَأْوِيلُهُ مُحْتَمِلٌ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، وَلَكِنَّ فَسَادَهُ هُوَ الْأَظْهَرُ، وَهُوَ مُتَّبِعٌ لِلشَّرْعِ فِي زَعْمِهِ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ، إِذَا ضُمَّتْ إِلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ.
ب- أَنْ يَكُونَ النَّاسُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى إِمَامٍ وَصَارُوا بِهِ آمَنِينَ، وَالطُّرُقَاتُ بِهِ آمِنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَكُونُ عَاجِزًا، أَوْ جَائِرًا ظَالِمًا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَعَزْلُهُ، إِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ فِتْنَةٌ، وَإِلاَّ فَالصَّبْرُ أَوْلَى مِنَ التَّعَرُّضِ لِإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ.
ج- أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ، أَيْ بِإِظْهَارِ الْقَهْرِ.وَقِيلَ: بِالْمُقَاتَلَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يَعْصِي الْإِمَامَ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُغَالَبَةِ لَا يَكُونُ مِنَ الْبُغَاةِ، فَمَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ الْقَهْرِ لَا يَكُونُ بَاغِيًا.
د- وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ لِلْخَارِجِينَ مُطَاعٌ فِيهِمْ، يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِمَامًا مَنْصُوبًا؛ إِذْ لَا شَوْكَةَ لِمَنْ لَا مُطَاعَ لَهُمْ.
وَقِيلَ: بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِمَامٌ مَنْصُوبٌ مِنْهُمْ،
هَذَا وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الْبَغْيِ انْفِرَادُهُمْ بِنَحْوِ بَلَدٍ وَلَكِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِمُقَاتَلَتِهِمْ.
الْإِمَامُ الَّذِي يُعْتَبَرُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ بَغْيًا:
7- مَنِ اتَّفَقَ، الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِمَامَتِهِ وَبَيْعَتِهِ، وَثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ، وَجَبَتْ طَاعَتُهُ وَمَعُونَتُهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَثْبُتُ إِمَامَتُهُ بِعَهْدِ إِمَامٍ قَبْلَهُ إِلَيْهِ؛ إِذِ الْإِمَامُ يَصِيرُ إِمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ أَوْ بِالِاسْتِخْلَافِ مِمَّنْ قَبْلَهُ.وَلَوْ خَرَجَ رَجُلٌ عَلَى الْإِمَامِ فَقَهَرَهُ، وَغَلَبَ النَّاسَ بِسَيْفِهِ، حَتَّى أَذْعَنُوا لَهُ وَتَابَعُوهُ، صَارَ إِمَامًا يَحْرُمُ قِتَالُهُ وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ.وَيُنْظَرُ لِلتَّفْصِيلِ بَحْثُ (الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى).
أَمَارَاتُ الْبَغْيِ:
8- إِذَا تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَمُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ، وَأَظْهَرُوا الِامْتِنَاعَ، وَكَانُوا مُتَحَيِّزِينَ مُتَهَيِّئِينَ لِقَصْدِ الْقِتَالِ، لِخَلْعِ الْإِمَامِ وَطَلَبِ الْإِمْرَةِ لَهُمْ، وَكَانَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ يُبَرِّرُ فِي نَظَرِهِمْ مَسْلَكَهُمْ دُونَ الْمُقَاتَلَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَمَارَةَ بَغْيِهِمْ.
وَيَنْبَغِي إِذَا مَا بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْرُهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ، أَنْ يَأْخُذَهُمْ وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ، وَيُحْدِثُوا تَوْبَةً؛ دَفْعًا لِلشَّرِّ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ انْتَظَرَ أَنْ يَبْدَءُوهُ بِالْقِتَالِ، فَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ، لِتَقَوِّي شَوْكَتِهِمْ وَتَكَثُّرِ جَمْعِهِمْ، خُصُوصًا وَالْفِتْنَةُ يُسْرِعُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْفَسَادِ.وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي بَدْئِهِمْ بِالْقِتَالِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ مُخَالَفَتَهُمْ لِلْإِمَامِ لِمَنْعِ حَقِّ اللَّهِ، أَوْ لآِدَمِيٍّ كَزَكَاةٍ، وَكَأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمْ مِمَّا جَبَوْهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَخَرَاجِ الْأَرْضِ، مَعَ التَّحَيُّزِ وَالتَّهَيُّؤِ لِلْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ عَلَى وَجْهِ الْمُغَالَبَةِ، وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَمَارَةَ بَغْيِهِمْ.
أَمَّا لَوْ أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ، كَتَكْفِيرِ فَاعِلِ الْكَبِيرَةِ وَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَاسْتِبَاحَةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَرْتَكِبُوا ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْصِدُوا الْقِتَالَ، وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ أَمَارَةَ الْبَغْيِ، حَتَّى لَوِ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ يَتَجَمَّعُونَ فِيهِ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ ضَرَرٌ تَعَرَّضْنَا لَهُمْ إِلَى زَوَالِ الضَّرَرِ.
بَيْعُ السِّلَاحِ لِأَهْلِ الْفِتْنَةِ
9- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ السِّلَاحِ لِلْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْفِتْنَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَدٌّ لِذَرِيعَةِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ إِجَارَةٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ».
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ بَيْعِ السِّلَاحِ لَهُمْ كَرَاهَةً تَحْرِيمِيَّةً؛ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ أَخْذُ سِلَاحِهِمْ بِمَا أَمْكَنَ، حَتَّى لَا يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْفِتْنَةِ، فَمَنْعُ بَيْعِهِ لَهُمْ أَوْلَى.
وَالَّذِي يُكْرَهُ هُوَ بَيْعُ السِّلَاحِ نَفْسِهِ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِعْمَالِ.وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّ طَالِبَ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، وَالْأَحْكَامُ تُبْنَى عَلَى الْغَالِبِ.
وَأَمَّا مَا لَا يُقَاتَلُ بِهِ إِلاَّ بِصَنْعَةٍ كَالْحَدِيدِ، فَلَا يُكْرَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقَعُ بِعَيْنِ السِّلَاحِ، بِخِلَافِ الْحَدِيدِ، وَقَاسُوهُ عَلَى الْخَشَبِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَعَازِفُ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ مُنْكَرًا، وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ فِي اسْتِعْمَالِهِ الْمَحْظُورِ.
وَالْحَدِيدُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا بَيْعُهُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَهْلِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَفَرَّغُونَ لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدِ سِلَاحًا؛ لِأَنَّ فَسَادَهُمْ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالتَّوْبَةِ، أَوْ بِتَفْرِيقِ جَمْعِهِمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَقَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا.
وَاجِبُ الْإِمَامِ نَحْوَ الْبُغَاةِ:
أ- قَبْلَ الْقِتَالِ:
10- يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ الْبُغَاةِ الْخَارِجِينَ عَلَيْهِ إِلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الْجَمَاعَةِ، وَالدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ، وَقَبُولِ الدَّعْوَةِ، لَعَلَّ الشَّرَّ يَنْدَفِعُ بِالتَّذْكِرَةِ؛ لِأَنَّهُ تُرْجَى تَوْبَتُهُمْ، وَيَسْأَلُهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِظُلْمٍ مِنْهُ أَزَالَهُ، وَإِنْ ذَكَرُوا عِلَّةً يُمْكِنُ إِزَالَتُهَا أَزَالَهَا، وَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً كَشَفَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَدَأَ الْأَمْرَ بِالْإِصْلَاحِ قَبْلَ الْقِتَالِ فَقَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}.وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَفُّهُمْ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ، لَا قَتْلُهُمْ.فَإِذَا أَمْكَنَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الْقِتَالِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْفَرِيقَيْنِ.وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يُخَافَ شَرُّهُمْ.وَإِنْ طَلَبُوا الْإِنْظَارَ- وَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ قَصْدِهِمُ الرُّجُوعَ إِلَى الطَّاعَةِ- أَمْهَلَهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: يُنْظِرُهُمْ إِلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ.
وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى بَغْيِهِمْ، بَعْدَ أَنْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ أَمِينًا نَاصِحًا لِدَعْوَتِهِمْ، نَصَحَهُمْ نَدْبًا بِوَعْظٍ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا، وَحَسَّنَ لَهُمُ اتِّحَادَ كَلِمَةِ الدِّينِ وَعَدَمَ شَمَاتَةِ الْكَافِرِينَ، فَإِنْ أَصَرُّوا آذَنَهُمْ بِالْقِتَالِ.
وَإِنْ قَاتَلَهُمْ بِلَا دَعْوَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجِبُ إِنْذَارُهُمْ وَدَعْوَتُهُمْ مَا لَمْ يُعَاجِلُوهُ.
وَكَوْنُ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ عَارِفًا فَطِنًا وَاجِبٌ، إِنْ بُعِثَ لِلْمُنَاظَرَةِ وَكَشْفِ الشُّبْهَةِ، وَإِلاَّ فَمُسْتَحَبٌّ.
وَفَصَّلَ الْكَاسَانِيُّ فَقَالَ: إِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُمْ يُجَهِّزُونَ السِّلَاحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَالِ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ، وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى تَعَسْكَرُوا وَتَأَهَّبُوا لِلْقِتَالِ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى رَأْيِ الْجَمَاعَةِ أَوَّلًا، فَإِنَّ الْإِمَامَ عَلِيًّا- رضي الله عنه- لَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِ أَهْلُ حَرُورَاءَ، نَدَبَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى الْعَدْلِ، فَإِنْ أَجَابُوا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ...وَإِنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ، فَهُمْ مُسْلِمُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ، وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافٍ، فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ.قَالَ إِنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ.قُلْتُ: كَلاَّ.فَلَبِسْتُ ثِيَابِي، وَمَضَيْتُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ.
وَقُلْتُ: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ وَصِهْرِهِ وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ.وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.وَقُلْتُ: هَاتُوا مَا نَقَمْتُمْ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَخَتَنِهِ.قَالُوا: ثَلَاثٌ.أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} وَأَنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَقَدْ حَلَّتْ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ.وَأَنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمِيرَ الْكَافِرِينَ.قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ- صلى الله عليه وسلم- مَا يَرُدُّ قَوْلَكُمْ هَذَا، تَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ، فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ أَنْ قَدْ صَيَّرَ اللَّهُ حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إِلَى قَوْلِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أَحَقُّ، أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِرْهَمٍ؟.وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ، أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ، فَتَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا، وَهِيَ أُمُّكُمْ؟ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ.فَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ أُمَّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}.وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.فَإِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا، فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: اكْتُبْ: هَذَا مَا قَضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي.يَا عَلِيُّ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ»، فَرَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَحَا نَفْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُ ذَلِكَ مَحْوًا مِنَ النُّبُوَّةِ.فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ وَبَقِيَ سَائِرُهُمْ، فَقُوتِلُوا.
وَيُصَرِّحُ الْأَلُوسِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ قَبْلَ الْقِتَالِ إِزَالَةُ الشُّبْهَةِ بِالْحُجَجِ النَّيِّرَةِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ، وَدَعْوَةِ الْبُغَاةِ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالدُّخُولِ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ.
ب- قِتَالُ الْبُغَاةِ:
11- إِذَا مَا دَعَا الْإِمَامُ الْبُغَاةَ إِلَى الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ، وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا وَتَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ، وَكَانُوا مُتَهَيِّئِينَ لِلْقِتَالِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قِتَالُهُمْ.وَلَكِنْ هَلْ نَبْدَؤُهُمْ بِالْقِتَالِ، أَمْ لَا نُقَاتِلُهُمْ إِلاَّ إِذَا أَظْهَرُوا الْمُغَالَبَةَ؟ هُنَاكَ اتِّجَاهَانِ:
الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ: جَوَازُ الْبَدْءِ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوِ انْتَظَرْنَا قِتَالَهُمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ الدَّفْعُ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْبُدَاءَةِ مِنْهُمْ فِي قوله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} وَقَوْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، حِدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى عَلَامَتِهِ، وَهِيَ هُنَا التَّحَيُّزُ وَالتَّهَيُّؤُ، فَلَوِ انْتَظَرْنَا حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ لَصَارَ ذَرِيعَةً لِتَقْوِيَتِهِمْ.فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى الْإِمَارَةِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَارُوا عُصَاةً فَجَازَ قِتَالُهُمْ، إِلَى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ ذَلِكَ.وَمَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- مِنْ قَوْلِهِ فِي الْخَوَارِجِ لَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا مَعْنَاهُ: حَتَّى تَعْزِمُوا عَلَى قِتَالِنَا.وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَمَا تَأَهَّبُوا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَا نُقَاتِلُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ.
وَإِلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ بَدْئِهِمْ بِالْقِتَالِ اتَّجَهَ فُقَهَاءُ الْحَنَابِلَةِ، جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: إِنْ أَبَوُا الرُّجُوعَ وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ بِالْقِتَالِ، فَإِنْ رَجَعُوا إِلَى الطَّاعَةِ تَرَكَهُمْ، وَإِلاَّ لَزِمَهُ قِتَالُهُمْ إِنْ كَانَ قَادِرًا؛ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ.
الِاتِّجَاهُ الثَّانِي: نَقَلَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ بِالْقِتَالِ حَتَّى يَبْدَءُوهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْكَاسَانِيُّ وَالْكَمَالُ.قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ، لَا لِشَرِّ شِرْكِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، فَمَا لَمْ يَتَوَجَّهِ الشَّرُّ مِنْهُمْ لَا يُقَاتِلُهُمُ الْإِمَامُ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ قِتَالُ الْمُسْلِمِ إِلاَّ دَفْعًا، بِخِلَافِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْكُفْرِ قَبِيحٌ.وَهُوَ مَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَلاَّ يَبْدَءُوا مَنْ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِالْقِتَالِ، وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ دُونَ الْقَتْلِ لَمْ يَجُزِ الْقَتْلُ.وَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يُخَافَ شَرُّهُمْ كَالصَّائِلِ.وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: «الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ حَتَّى يَبْدَءُوهُ» أَيِ الْقِتَالَ.
الْمُعَاوَنَةُ فِي مُقَاتَلَةِ الْبُغَاةِ:
12- مَنْ دَعَاهُ الْإِمَامُ إِلَى مُقَاتَلَةِ الْبُغَاةِ افْتُرِضَ عَلَيْهِ إِجَابَتُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ، إِلاَّ إِنْ كَانَ سَبَبُ الْخُرُوجِ ظُلْمَ الْإِمَامِ بِمَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ؛ إِذْ يَجِبُ مَعُونَتُهُمْ لِإِنْصَافِهِمْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا.وَمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا لَزِمَ بَيْتَهُ.وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَعَدُوا فِي الْفِتْنَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ فِي تَرَدُّدٍ مِنْ حِلِّ الْقِتَالِ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ قَوْلِهِ: «إِذَا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ، وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ.أَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اقْتِتَالِهِمَا حَمِيَّةً وَعَصَبِيَّةً، أَوْ لِأَجْلِ الدُّنْيَا وَالْمُلْكِ.وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ ظَالِمًا، وَبَغَتْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ لِرَفْعِ الظُّلْمِ، وَطُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَجِبْ، فَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ مُعَاوَنَةُ السُّلْطَانِ وَلَا مُعَاوَنَةُ الْبُغَاةِ؛ إِذْ غَيْرُ الْعَدْلِ لَا تَجِبُ مُعَاوَنَتُهُ.قَالَ مَالِكٌ: دَعْهُ وَمَا يُرَادُ مِنْهُ، يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنَ الظَّالِمِ بِظَالِمٍ، ثُمَّ يَنْتَقِمُ مِنْ كِلَيْهِمَا.وَيَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَنْ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ- وَلَوْ جَائِرًا- يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتُهُ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْهُمْ، حَتَّى تَبْطُلَ شَوْكَتُهُمْ.
وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ مَعُونَةِ الْإِمَامِ لِدَفْعِ الْبُغَاةِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو- رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ أَعْطَى إِمَامًا صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ» وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ «يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ...».
شُرُوطُ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ:
13- إِذَا لَمْ يُجْدِ مَعَ الْبُغَاةِ النُّصْحُ، وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لِلرُّجُوعِ إِلَى طَاعَةِ الْإِمَامِ وَالدُّخُولِ فِي الْجَمَاعَةِ، أَوْ لَمْ يَقْبَلُوا الِاسْتِتَابَةَ- إِنْ كَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ- وَرَأَوْا مُقَاتَلَتَنَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ.بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحُرُمَاتِ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ يَتَعَطَّلَ جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ، أَوْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ، أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ.عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: الْأَوْجَهُ وُجُوبُ قِتَالِهِمْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ بِبَقَائِهِمْ- وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ- تَتَوَلَّدُ مَفَاسِدُ، قَدْ لَا تُتَدَارَكُ مَا دَامُوا قَدْ خَرَجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ.
وَلَوِ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ بِمَا هُوَ أَهْوَنُ وَجَبَ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ؛ إِذْ يُشْتَرَطُ لِمُقَاتَلَتِهِمْ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْقِتَالُ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ، وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ كَانَ أَوْلَى مِنَ الْقِتَالِ.
كَيْفِيَّةُ قِتَالِ الْبُغَاةِ:
14- الْأَصْلُ أَنَّ قِتَالَهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ، مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ، وَلِذَا فَإِنَّ قِتَالَهُمْ يَفْتَرِقُ عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: أَنْ يَقْصِدَ بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ، وَأَنْ يَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ، وَلَا يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَا تُقْتَلُ أَسْرَاهُمْ، وَلَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِمُشْرِكٍ، وَلَا يُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ، وَلَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمُ الْعَرَّادَاتُ (الْمَجَانِيقُ وَنَحْوُهَا)، وَلَا تُحَرَّقُ مَسَاكِنُهُمْ، وَلَا يُقْطَعُ شَجَرُهُمْ.
وَإِذَا تَحَيَّزَ الْبُغَاةُ إِلَى جِهَةٍ مُجْتَمَعِينَ، أَوْ إِلَى جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ شَرِّهِمْ إِلاَّ بِالْقِتَالِ، حَلَّ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ، وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَمَا تَأَهَّبُوا فَعَلَ ذَلِكَ؛ إِذِ الْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ.وَقَدْ قَاتَلَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- أَهْلَ حَرُورَاءَ بِالنَّهْرَوَانِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ- عليه الصلاة والسلام- لَهُ «أَنَا أُقَاتِلُ عَلَى تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ، وَعَلِيٌّ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ» وَالْقِتَالُ مَعَ التَّأْوِيلِ هُوَ الْقِتَالُ مَعَ الْبُغَاةِ، وَذَلِكَ كَقِتَالِ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه- مَانِعِي الزَّكَاةِ.
وَإِذَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ فَهَزَمَهُمْ، وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَأُمِنَ جَانِبُهُمْ، أَوْ تَرَكُوا الْقِتَالَ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ أَوْ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ بِالْعَجْزِ، لِجِرَاحٍ أَوْ أَسِيرٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ، وَلَا يُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يَقْتُلُوا أَسِيرَهُمْ؛ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ شَرِّهِمْ، وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَلَا يُقْسَمُ لَهُ مَالٌ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- لَا يُقْتَلُ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ مُقْبِلٌ وَلَا مُدْبِرٌ، وَلَا يُفْتَحُ بَابٌ، وَلَا يُسْتَحَلُّ فَرْجٌ وَلَا مَالٌ بَلْ قَالَ لَهُمْ: مَنِ اعْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ، أَيْ مَنْ عَرَفَ مِنَ الْبُغَاةِ مَتَاعَهُ اسْتَرَدَّهُ، وَقَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا، وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا تَقْتُلُوا أَسِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَالنِّسَاءَ؛ وَلِأَنَّ قِتَالَهُمْ لِلدَّفْعِ وَالرَّدِّ إِلَى الطَّاعَةِ دُونَ الْقَتْلِ.وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: أَمَّا غَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيُ ذُرِّيَّتِهِمْ فَلَا نَعْلَمُ فِي تَحْرِيمِهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مَا حَصَلَ مِنْ ضَرُورَةِ دَفْعِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَعِيدَةٌ يَنْحَازُونَ إِلَيْهَا، وَلَا يُتَوَقَّعُ فِي الْعَادَةِ مَجِيئُهَا إِلَيْهِمْ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِهَا لَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يُقَاتَلُ مُدْبِرُهُمْ، وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ لِأَمْنِ غَائِلَتِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ قَرِيبَةٌ تُسْعِفُهُمْ عَادَةً، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّبَاعُهُمْ وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ.أَوْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَعِيدَةٌ يُتَوَقَّعُ فِي الْعَادَةِ مَجِيئُهَا إِلَيْهِمْ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُقَاتَلَ.
وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا أُمِنَ جَانِبُهُمْ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِمْ، لَمْ يُتْبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ، وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحِهِمْ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ إِذَا تَرَكُوا الْقِتَالَ، بِالرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ، أَوْ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ، أَوْ بِالْهَزِيمَةِ إِلَى فِئَةٍ، أَوْ إِلَى غَيْرِ فِئَةٍ، أَوْ بِالْعَجْزِ لِجِرَاحٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ أَسْرٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ.وَسَاقَ ابْنُ قُدَامَةَ الْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمُدْبِرِ وَالْإِجْهَازِ عَلَى الْجَرِيحِ وَقَتْلِ الْأَسِيرِ، وَهِيَ عَامَّةٌ.ثُمَّ قَالَ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَفُّهُمْ وَقَدْ حَصَلَ، فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ كَالصَّائِلِ، وَلَا يُقْتَلُونَ لِمَا يُخَافُ فِي التَّالِي- إِنْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ- كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَنْحَازُونَ إِلَيْهَا- مُطْلَقًا- فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَقْتُلُوا مُدْبِرَهُمْ، وَيُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ لِئَلاَّ يَنْحَازُوا إِلَى الْفِئَةِ، فَيَمْتَنِعُوا بِهَا، فَيَكُرُّوا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ.وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ الْقَتْلِ أَمَارَةُ قِتَالِهِمْ لَا حَقِيقَتُهُ؛ وَلِأَنَّ قَتْلَهُمْ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ، لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَفْعًا؛ لِأَنَّهُ يَتَحَيَّزُ إِلَى الْفِئَةِ وَيَعُودُ شَرُّهُ كَمَا كَانَ.وَقَالُوا: إِنَّ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- عَلَى تَأْوِيلِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
13-موسوعة الفقه الكويتية (طلاق 1)
طَلَاقٌ -1التَّعْرِيفُ:
1- الطَّلَاقُ فِي اللُّغَةِ: الْحَلُّ وَرَفْعُ الْقَيْدِ، وَهُوَ اسْمٌ مَصْدَرُهُ التَّطْلِيقُ، وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ: طَلُقَتِ الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ فَهِيَ طَالِقٌ بِدُونِ هَاءٍ، وَرُوِيَ بِالْهَاءِ (طَالِقَةٌ) إِذَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، وَيُرَادِفُهُ الْإِطْلَاقُ، يُقَالُ: طَلَّقْتُ وَأَطْلَقْتُ بِمَعْنَى سَرَّحْتُ، وَقِيلَ: الطَّلَاقُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا طَلُقَتْ، وَالْإِطْلَاقُ لِغَيْرِهَا إِذَا سُرِّحَ، فَيُقَالُ: طَلَّقْتُ الْمَرْأَةَ، وَأَطْلَقْتُ الْأَسِيرَ، وَقَدِ اعْتَمَدَ الْفُقَهَاءُ هَذَا الْفَرْقَ، فَقَالُوا: بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَكُونُ صَرِيحًا، وَبِلَفْظِ الْإِطْلَاقِ يَكُونُ كِنَايَةً.
وَجَمْعُ طَالِقٍ طُلَّقٌ، وَطَالِقَةٌ تُجْمَعُ عَلَى طَوَالِقَ، وَإِذَا أَكْثَرَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ كَانَ مِطْلَاقًا وَمِطْلِيقًا، وَطَلِقَةً.وَالطَّلَاقُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ هُنَا: النِّكَاحُ الصَّحِيحُ خَاصَّةً، فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ الطَّلَاقُ، وَلَكِنْ يَكُونُ مُتَارَكَةً أَوْ فَسْخًا.
وَالْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ مِلْكُ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَقَدْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ بِإِنَابَتِهِ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ، أَوْ بِدُونِ إِنَابَةٍ، كَالْقَاضِي فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، قَالَ الشِّرْبِينِيُّ فِي تَعْرِيفِ الطَّلَاقِ نَقْلًا عَنِ التَّهْذِيبِ: تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ، فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْفَسْخُ:
2- الْفَسْخُ فِي اللُّغَةِ: النَّقْضُ وَالْإِزَالَةُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: حَلُّ رَابِطَةِ الْعَقْدِ وَبِهِ تَنْهَدِمُ آثَارُ الْعَقْدِ وَأَحْكَامُهُ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْهُ.
وَبِهَذَا يُقَارِبُ الطَّلَاقَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ الْفَسْخَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ الْمُنْشِئِ لِهَذِهِ الْآثَارِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يَنْقُضُ الْعَقْدَ، وَلَكِنْ يُنْهِي آثَارَهُ فَقَطْ.
الْمُتَارَكَةُ:
3- الْمُتَارَكَةُ فِي اللُّغَةِ: الرَّحِيلُ وَالْمُفَارَقَةُ مُطْلَقًا، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ لِلْإِسْقَاطِ فِي الْمَعَانِي، يُقَالُ: تَرَكَ حَقَّهُ إِذَا أَسْقَطَهُ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَرْكُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالتَّرْكُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَكُونُ إِلاَّ بِالْقَوْلِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، كَقَوْلِهِ لَهَا: خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوْ تَرَكْتُكِ، وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْأَصَحِّ.
وَالْمُتَارَكَةُ تُوَافِقُ الطَّلَاقَ مِنْ وَجْهٍ وَتُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ، تُوَافِقُهُ فِي حَقِّ إِنْهَاءِ آثَارِ النِّكَاحِ، وَفِي أَنَّهَا حَقُّ الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَتُخَالِفُهُ فِي أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ وَاحِدَةً، وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَمَخْصُوصٌ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ.
الْخُلْعُ:
4- الْخُلْعُ فِي اللُّغَةِ: النَّزْعُ، وَخَالَعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُخَالَعَةً وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ إِذَا افْتَدَتْ مِنْهُ وَطَلَّقَهَا عَلَى الْفِدْيَةِ، وَالْمَصْدَرُ الْخَلْعُ، وَالْخُلْعُ اسْمٌ.وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ: إِزَالَة
ُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مُقَابِلَ عِوَضٍ تَلْتَزِمُ بِهِ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا لِلزَّوْجِ.وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ: إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ مَا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ.
التَّفْرِيقُ:
5- التَّفْرِيقُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ فَرَّقَ، وَفِعْلُهُ الثُّلَاثِيُّ فَرَقَ، يُقَالُ: فَرَقْتُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، أَيْ فَصَلْتُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ فِي الْمَعَانِي بِالتَّخْفِيفِ، يُقَالُ: فَرَقْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَبِالتَّشْدِيدِ فِي الْأَعْيَانِ، يُقَالُ: فَرَّقْتُ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْخَطَّابِيُّ.وَقَالَ غَيْرُهُمَا: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالتَّشْدِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ.وَالتَّفْرِيقُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: إِنْهَاءُ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى طَلَبِ أَحَدِهِمَا لِسَبَبٍ، كَالشِّقَاقِ وَالضَّرَرِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ..أَوْ بِدُونِ طَلَبٍ مِنْ أَحَدٍ حِفْظًا لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَمَا إِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ.
وَمَا يَقَعُ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي: طَلَاقٌ بَائِنٌ فِي أَحْوَالٍ، وَفَسْخٌ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى، وَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
الْإِيلَاءُ:
6- الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ الْحَلِفُ، مِنْ آلَى يُؤْلِي إِيلَاءً، يُجْمَعُ عَلَى أَلَايَا.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى تَرْكِ قُرْبِ زَوْجَتِهِ مُدَّةً مَخْصُوصَةً.وَقَدْ حَدَّدَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فَإِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ بِغَيْرِ قُرْبٍ مِنْهُ لَهَا طَلُقَتْ مِنْهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاسْتَحَقَّتِ الطَّلَاقَ مِنْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، حَيْثُ تَرْفَعُهُ الزَّوْجَةُ لِلْقَاضِي لِيُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْفِرَاقِ، فَإِنْ قَرِبَهَا انْحَلَّ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ رَفَضَ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ.
اللِّعَانُ:
7- اللَّعْنُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ مِنَ الْخَيْرِ، وَالْمِسَبَّةُ، يُقَالُ: لَعَنَهُ لَعْنًا، وَلَاعَنَهُ مُلَاعَنَةً، وَلِعَانًا، وَتَلَاعَنُوا، إِذَا لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: عَرَّفَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: بِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْرُوفَةِ.وَقَدْ سُمِّيَ بِاللِّعَانِ لِمَا فِي قَوْلِ الزَّوْجِ فِي الْأَيْمَانِ: إِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَذَلِكَ وَفْقًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.وَالتَّحْرِيمُ بَعْدَ اللِّعَانِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يَكُونُ عَلَى التَّأْبِيدِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ كَذَلِكَ.
الظِّهَارُ:
8- الظِّهَارُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: «أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي»، وَكَانَ عِنْدَ الْعَرَبِ ضَرْبًا مِنَ الطَّلَاقِ.وَفِي الِاصْطِلَاحِ: تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ زَوْجَتَهُ أَوْ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ، بِخِلَافِ زَوْجَةِ الْغَيْرِ، فَإِنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَيُسَمَّى الظِّهَارُ بِذَلِكَ لِمَا غَلَبَ عَلَى الْمُظَاهِرَيْنِ مِنَ التَّشْبِيهِ بِظَهْرِ الْمُحَرَّمِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: «أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي» وَإِنْ كَانَ الظِّهَارُ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالتَّشْبِيهِ بِالظَّهْرِ.
وَلَا تَفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الظِّهَارِ، وَلَكِنْ يَحْرُمُ بِهِ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يُكَفِّرَ الْمُظَاهِرُ، فَإِنْ كَفَّرَ حَلَّتْ لَهُ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلطَّلَاقِ:
9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَصْلِ مَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا:
1- قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
2- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.
3- قَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ شَيْئًا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ».
4- حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا».
5- حَدِيثُ «ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي حَيْضِهَا، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِارْتِجَاعِهَا ثُمَّ طَلَاقِهَا بَعْدَ طُهْرِهَا، إِنْ شَاءَ».
6- إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ- لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ لِلطَّلَاقِ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْهَا فِي أَحْوَالٍ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ، وَيَخْرُجُ عَنِ الْحَظْرِ فِي أَحْوَالٍ.وَعَلَى كُلٍّ فَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ؛ فَيَكُونُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا، كَمَا يَكُون مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا وَذَلِكَ بِحَسَبِ الظُّرُوفِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي تُرَافِقُهُ، بِحَسَبِ مَا يَلِي: -
1- فَيَكُونُ وَاجِبًا كَالْمُولِي إِذَا أَبَى الْفَيْئَةَ إِلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ، عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَإِنَّهُمْ يُوقِعُونَ الْفُرْقَةَ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ حُكْمًا، وَكَطَلَاقِ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَرَأَيَا الطَّلَاقَ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالتَّفْرِيقِ لِذَلِكَ.
2- وَيَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ إِذَا فَرَّطَتِ الزَّوْجَةُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهَا- مِثْلِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا- وَكَذَلِكَ يُنْدَبُ الطَّلَاقُ لِلزَّوْجِ إِذَا طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ لِلشِّقَاقِ.
3- وَيَكُونُ مُبَاحًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِدَفْعِ سُوءِ خُلُقِ الْمَرْأَةِ وَسُوءِ عِشْرَتِهَا، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُحِبُّهَا.
4- وَيَكُونُ مَكْرُوهًا إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مِنْ دَاعٍ إِلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: هُوَ حَرَامٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالزَّوْجَةِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ إِلَيْهِ.
5- وَيَكُونُ حَرَامًا وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الْبِدْعِيُّ، وَسَوْفَ يَأْتِي بَيَانُهُ.قَالَ الدَّرْدِيرُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَائِزٌ، وَقَدْ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْأَرْبَعَةُ: مِنْ حُرْمَةٍ وَكَرَاهَةٍ، وَوُجُوبٍ وَنَدْبٍ.
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الطَّلَاقِ:
10- لَقَدْ نَبَّهَ الْإِسْلَامُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ إِلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ الشَّرِيكِ وَالشَّرِيكَةِ فِي الزَّوَاجِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ».وَقَالَ: «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَلَعَلَّ أَمْوَالَهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ، أَفْضَلُ» وَقَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» «وَقَالَ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عِنْدَمَا خَطَبَ امْرَأَةً: انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا».وَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»، وَقَالَ لِأَوْلِيَاءِ النِّسَاءِ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ».
إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ- عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ- قَدْ لَا يَضْمَنُ اسْتِمْرَارَ السَّعَادَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَرُبَّمَا قَصَّرَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْأَخْذِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُبَّمَا أَخَذَا بِهِ، وَلَكِنْ جَدَّ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ الْهَانِئَيْنِ مَا يُثِيرُ بَيْنَهُمَا الْقَلَاقِلَ وَالشِّقَاقَ، كَمَرَضِ أَحَدِهِمَا أَوْ عَجْزِهِ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ عَنَاصِرَ خَارِجَةٍ عَنِ الزَّوْجَيْنِ أَصْلًا، كَالْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ انْصِرَافَ الْقَلْبِ وَتَغَيُّرَهُ، فَيُبْدَأُ بِنُصْحِ الزَّوْجَيْنِ وَإِرْشَادِهِمَا إِلَى الصَّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَ التَّقْصِيرُ مِنَ الزَّوْجَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
إِلاَّ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الصَّبْرِ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ لِلزَّوْجَيْنِ أَوْ لَا يَسْتَطِيعَانِهِ، فَرُبَّمَا كَانَتْ أَسْبَابُ الشِّقَاقِ فَوْقَ الِاحْتِمَالِ، أَوْ كَانَا فِي حَالَةٍ نَفْسِيَّةٍ لَا تُسَاعِدُهُمَا عَلَى الصَّبْرِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالِ: إِمَّا أَنْ يَأْمُرَ الشَّرْعُ بِالْإِبْقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مَعَ اسْتِمْرَارِ الشِّقَاقِ الَّذِي قَدْ يَتَضَاعَفُ وَيُنْتَجُ عَنْهُ فِتْنَةٌ، أَوْ جَرِيمَةٌ، أَوْ تَقْصِيرٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ تَفْوِيتُ الْحِكْمَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا شُرِعَ النِّكَاحُ، وَهِيَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ وَالنَّسْلُ الصَّالِحُ، وَإِمَّا أَنْ يَأْذَنَ بِالطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ، وَهُوَ مَا اتَّجَهَ إِلَيْهِ التَّشْرِيعُ الْإِسْلَامِيُّ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَتَمَحَّضُ طَرِيقًا لِإِنْهَاءِ الشِّقَاقِ وَالْخِلَافِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِيَسْتَأْنِفَ الزَّوْجَانِ بَعْدَهُ حَيَاتَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُرْتَبِطَيْنِ بِرَوَابِطَ زَوْجِيَّةٍ أُخْرَى، حَيْثُ يَجِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْ يَأْلَفُهُ وَيَحْتَمِلُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: بِوُجُوبِ الطَّلَاقِ فِي أَحْوَالٍ، وَبِنَدْبِهِ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى- كَمَا تَقَدَّمَ- عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَذَلِكَ تَقْدِيمًا لِلضَّرَرِ الْأَخَفِّ عَلَى الضَّرَرِ الْأَشَدِّ، وَفْقًا لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ «يُخْتَارُ أَهْوَنُ الشَّرَّيْنِ».وَالْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْقَائِلَةُ: «الضَّرَرُ الْأَشَدُّ يُزَالُ بِالضَّرَرِ الْأَخَفِّ» وَيُسْتَأْنَسُ فِي ذَلِكَ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ زَوْجَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنَّنِي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».
مَنْ لَهُ حَقُّ الطَّلَاقِ:
11- الطَّلَاقُ: نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَرْقِ وَهُوَ مِلْكٌ لِلزَّوْجِ وَحْدَهُ، ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَمْلِكُ مُفَارَقَةَ زَوْجَتِهِ إِذَا وَجَدَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى ذَلِكَ بِعِبَارَتِهِ وَإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، كَمَا تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ طَلَبَ إِنْهَاءِ عَلَاقَتِهَا الزَّوْجِيَّةِ إِذَا وُجِدَ مَا يُبَرِّرُ ذَلِكَ، كَإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ، وَغَيْبَةِ الزَّوْجِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابٍ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا تَوْسِعَةً وَتَضْيِيقًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِعِبَارَتِهَا، وَإِنَّمَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، إِلاَّ أَنْ يُفَوِّضَهَا الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ، فَإِنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ تَمْلِكُهُ بِقَوْلِهَا أَيْضًا.
فَإِذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى الْفِرَاقِ، جَازَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى قَضَاءٍ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي، فَإِنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا يَدْعُوهُ لِذَلِكَ، حِمَايَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا فِي رِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ- وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى- أَوْ إِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ وَامْتِنَاعِ الْآخَرِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ..إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُسَمَّى طَلَاقًا سِوَى الْأَوَّلِ الَّذِي يَكُونُ بِإِرَادَةِ الزَّوْجِ الْخَاصَّةِ وَعِبَارَتِهِ.وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ هَذَا حَقُّ الزَّوْجِ خَاصَّةً قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ».ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الْمُطَلِّقَ لَا يُسْأَلُ عَنْ سَبَبِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إِقْدَامِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا:
1- حِفْظُ أَسْرَارِ الْأُسْرَةِ.
2- حِفْظُ كَرَامَةِ الزَّوْجَةِ وَسُمْعَتِهَا.
3- الْعَجْزُ عَنْ إِثْبَاتِ الْكَثِيرِ مِنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَسْبَابِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَكُونُ خَفِيَّةً يَصْعُبُ إِثْبَاتُهَا، فَإِذَا كَلَّفْنَاهُ بِذَلِكَ نَكُونُ قَدْ كَلَّفْنَاهُ بِمَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَوْ يُحْرِجُهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
4- ثُمَّ إِنَّ فِي إِقْدَامِ الزَّوْجِ عَلَى الطَّلَاقِ وَتَحَمُّلِهِ الْأَعْبَاءَ الْمَالِيَّةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ، مِنْ مَهْرٍ مُؤَجَّلٍ، وَنَفَقَةٍ وَمُتْعَةٍ- عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا- وَأُجْرَةِ حَضَانَةٍ لِلْأَوْلَادِ..لَقَرِينَةٌ كَافِيَةٌ عَلَى قِيَامِ أَسْبَابٍ مَشْرُوعَةٍ تَدْعُوهُ لِلطَّلَاقِ.
5- وَلِكَوْنِ الطَّلَاقِ مُبَاحًا أَصْلًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ، إِبَاحَةً مُطْلَقَةً عَنْ أَيِّ شَرْطٍ أَوْ قَيْدٍ.
مَحَلُّ الطَّلَاقِ:
12- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ الزَّوْجَةُ فِي زَوْجِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، حَصَلَ فِيهَا دُخُولٌ أَمْ لَا، فَلَوْ كَانَ الزَّوَاجُ بَاطِلًا أَوْ فَاسِدًا، فَطَلَّقَهَا، لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ خَاصَّةً.وَهَلْ يُعَدُّ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مُتَارَكَةً؟ وَالْجَوَابُ: نَعَمْ، لَكِنْ لَا يَنْقُصُ بِهِ الْعَدَدُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ فَاسِدًا ثَلَاثًا، لَهُ تَزَوُّجُهَا بِلَا مُحَلِّلٍ..لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاسِدِ، وَلِذَا كَانَ غَيْرَ مُنْقِصٍ لِلْعَدَدِ، بَلْ مُتَارَكَةً.وَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ، لِانْعِدَامِ الزَّوْجِيَّةِ أَصْلًا.وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ- إِلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، ثَانِيَةً، كَانَتَا طَلْقَتَيْنِ، مَا لَمْ يُرِدْ تَأْكِيدَ الْأُولَى، فَإِنْ أَرَادَ تَأْكِيدَ الْأُولَى لَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ، مَا لَمْ تَكُنْ قَرَائِنُ الْحَالِ تَمْنَعُ صِحَّةَ إِرَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُنْهِي الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، بِدَلَالَةِ جَوَازِ رُجُوعِهِ إِلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ دُونَ عَقْدٍ جَدِيدٍ.أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ بَائِنًا وَالْمَفْسُوخُ زَوَاجُهَا إِذَا طَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْبَيْنُونَةُ صُغْرَى أَمْ كُبْرَى، وَكَذَلِكَ الْمَفْسُوخُ زَوَاجُهَا، وَذَلِكَ لِانْقِضَاءِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ وَالْفَسْخِ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُبَانَةَ بَيْنُونَةً صُغْرَى فِي عِدَّتِهَا زَوْجَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِدَلَالَةِ جَوَازِ عَوْدِهَا إِلَى زَوْجِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ، وَلَا يَجُوزُ زَوَاجُهَا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهَا مَحَلٌّ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا بَائِنًا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا أُخْرَى فِي عِدَّتِهَا كَانَتَا اثْنَتَيْنِ، هَذَا مَا لَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدَ الْأُولَى، فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدَ الْأُولَى لَمْ تَقَعِ الثَّانِيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ.
وَأَمَّا الْمَفْسُوخُ زَوَاجُهَا فَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي عِدَّتِهَا إِذَا كَانَ سَبَبُ الْفَسْخِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، كَتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْحُرْمَةُ غَيْرَ مُؤَبَّدَةٍ كَانَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فِي أَحْوَالٍ، وَغَيْرَ مَحَلٍّ لَهُ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَابِدِينَ فَقَالَ: وَمَحَلُّهُ الْمَنْكُوحَةُ، أَيْ وَلَوْ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ غَيْرِ ثَلَاثٍ فِي حُرَّةٍ وَثِنْتَيْنِ فِي أَمَةٍ، أَوْ عَنْ فَسْخٍ بِتَفْرِيقٍ لِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا..بِخِلَافِ عِدَّةِ الْفَسْخِ بِحُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ كَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، أَوْ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ، كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ عِتْقٍ، وَبُلُوغٍ، وَعَدَمِ كَفَاءَةٍ، وَنُقْصَانِ مَهْرٍ، وَسَبْيِ أَحَدِهِمَا، وَمُهَاجَرَتِهِ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهَا كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْفَتْحِ.
رُكْنُ الطَّلَاقِ:
13- رُكْنُ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الصِّيغَةُ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهُ.أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: فَإِنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ فِي مَعْنَى الرُّكْنِ، وَيُدْخِلُونَ فِيهِ مَا يُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ أَطْرَافَ التَّصَرُّفِ.وَالطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ، فَرُكْنُ الطَّلَاقِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: الصِّيغَةُ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لِلطَّلَاقِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ، هِيَ: أَهْلٌ، وَقَصْدٌ، وَمَحَلٌّ، وَلَفْظٌ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَرْكَانٌ خَمْسَةٌ: مُطَلِّقٌ، وَصِيغَةٌ، وَمَحَلٌّ، وَوِلَايَةٌ، وَقَصْدٌ.وَالْأَصْلُ فِي الصِّيغَةِ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الطَّلَاقِ الْكَلَامُ، وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ الْكِتَابَةُ أَوِ الْإِشَارَةُ، وَلَا يَنْعَقِدُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ دُونَ لَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ لَمْ يَكُنْ مُطَلِّقًا، وَكَذَلِكَ إِذَا أَمَرَ زَوْجَتَهُ بِحَلْقِ شَعْرِهَا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ، لَا يَكُونُ مُطَلِّقًا أَيْضًا.
شُرُوطُ الطَّلَاقِ:
14- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّلَاقِ لَدَى الْفُقَهَاءِ شُرُوطٌ مُوَزَّعَةٌ عَلَى أَطْرَافِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَةِ، فَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُطَلِّقِ، وَبَعْضُهَا بِالْمُطَلَّقَةِ، وَبَعْضُهَا بِالصِّيغَةِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:
الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُطَلِّقِ:
يُشْتَرَطُ فِي الْمُطَلِّقِ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ صَحِيحًا شُرُوطٌ، هِيَ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ- أَنْ يَكُونَ زَوْجًا:
15- وَالزَّوْجُ: هُوَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُطَلَّقَةِ عَقْدُ زَوَاجٍ صَحِيحٍ.
الشَّرْطُ الثَّانِي- الْبُلُوغُ:
16- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الصَّغِيرِ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، مُرَاهِقًا أَوْ غَيْرَ مُرَاهِقٍ، أُذِنَ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، أُجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْوَلِيِّ أَمْ لَا، عَلَى سَوَاءٍ، ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ وَلَا يَمْلِكُهُ وَلِيُّهُ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ».وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الطَّلَاقَ، فَقَالُوا: إِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ عَلَى أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ.أَمَّا مَنْ لَا يَعْقِلُ فَوَافَقُوا الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ.قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا طَلَاقَ لَهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَعْقِلُ الطَّلَاقَ، وَيَعْلَمُ أَنَّ زَوْجَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ بِهِ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ: فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْخِرَقِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ..وَرَوَى أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ..وَرَوَى أَبُو الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ: إِذَا عَقَلَ الطَّلَاقَ جَازَ طَلَاقُهُ مَا بَيْنَ عَشْرٍ إِلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِدُونِ الْعَشْرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّ الْعَشْرَ حَدُّ الضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إِذَا أَحْصَى الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ جَازَ طَلَاقُهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَلَغَ أَنْ يُصِيبَ النِّسَاءَ وَعَنِ الْحَسَنِ: إِذَا عَقَلَ وَحَفِظَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ وَقَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا جَاوَزَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ- الْعَقْلُ:
17- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ طَلَاقِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ لِفِقْدَانِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فِي الْأَوَّلِ، وَنُقْصَانِهَا فِي الثَّانِي، فَأَلْحَقُوهُمَا بِالصَّغِيرِ غَيْرِ الْبَالِغِ، فَلَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ.
وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الدَّائِمِ الْمُطْبِقِ، أَمَّا الْجُنُونُ الْمُتَقَطِّعُ فَإِنَّ حُكْمَ طَلَاقِ الْمُبْتَلَى بِهِ مَنُوطٌ بِحَالِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ طَلَّقَ فِي إِفَاقَتِهِ وَقَعَ لِكَمَالِ أَهْلِيَّتِهِ.وَقَدْ أَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمَ وَالْمَدْهُوشَ، وَذَلِكَ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ لَدَيْهِمْ وَلِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ...» وَحَدِيثِ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ».
18- وَأَمَّا السَّكْرَانُ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ، كَمَا إِذَا سَكِرَ مُضْطَرًّا، أَوْ مُكْرَهًا أَوْ بِقَصْدِ الْعِلَاجِ الضَّرُورِيِّ إِذَا تَعَيَّنَ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْكِرٌ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ بِالِاتِّفَاقِ، لِفِقْدَانِ الْعَقْلِ لَدَيْهِ كَالْمَجْنُونِ دُونَ تَعَدٍّ، هَذَا إِذَا غَابَ عَقْلُهُ أَوِ اخْتَلَّتْ تَصَرُّفَاتُهُ، وَإِلاَّ وَقَعَ طَلَاقُهُ.
وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ، كَأَنْ شَرِبَ الْخَمْرَةَ طَائِعًا بِدُونِ حَاجَةٍ، وَقَعَ طَلَاقُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ رَغْمَ غِيَابِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ، وَذَلِكَ عِقَابًا لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ: الْأُولَى: بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ كَالْجُمْهُورِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ وَالْقَاضِي.وَالثَّانِيَةُ: بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ- رضي الله عنه- وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمِ، وَطَاوُسٍ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمْ.
وَقَدِ اسْتُدِلَّ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوا السَّكْرَانَ كَالصَّاحِي فِي الْحَدِّ بِالْقَذْفِ.
كَمَا اسْتُدِلَّ لِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ بِأَنَّهُ فَاقِدُ الْعَقْلِ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، وَبِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوَالِ الْعَقْلِ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ كُسِرَ سَاقَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَأَنَّ امْرَأَةً لَوْ ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا فَنَفِسَتْ، سَقَطَتْ عَنْهَا الصَّلَاةُ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ- الْقَصْدُ وَالِاخْتِيَارُ:
19- الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: قَصْدُ اللَّفْظِ الْمُوجِبِ لِلطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إِجْبَارٍ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِ الْهَازِلِ، وَهُوَ: مَنْ قَصَدَ اللَّفْظَ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ ذُو خَطَرٍ كَبِيرٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَحَلَّهُ الْمَرْأَةُ، وَهِيَ إِنْسَانٌ، وَالْإِنْسَانُ أَكْرَمُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي أَمْرِهِ الْهَزْلُ، وَلِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلَّفْظِ الَّذِي رَبَطَ الشَّارِعُ بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِهِ مُطْلَقًا.
أَمَّا الْمُخْطِئُ، وَالْمُكْرَهُ، وَالْغَضْبَانُ، وَالسَّفِيهُ، وَالْمَرِيضُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ طَلَاقِهِمْ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي.
أ- الْمُخْطِئُ:
20- الْمُخْطِئُ هُنَا: مَنْ لَمْ يَقْصِدِ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ لَفْظًا آخَرَ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، كَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: يَا جَمِيلَةُ، فَإِذَا بِهِ يَقُولُ لَهَا خَطَأً: يَا طَالِقُ وَهُوَ غَيْرُ الْهَازِلِ، لِأَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلَفْظِ الطَّلَاقِ، إِلاَّ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْفُرْقَةِ بِهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْمُخْطِئِ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً، هَذَا إِذَا ثَبَتَ خَطَؤُهُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ خَطَؤُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَضَاءً، وَلَمْ يَقَعْ دِيَانَةً، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلَا يُقَاسُ حَالُهُ عَلَى الْهَازِلِ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ ثَبَتَ وُقُوعُ طَلَاقِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ قَضَاءً، ثَبَتَ خَطَؤُهُ أَمْ لَا، وَلَا يَقَعُ دِيَانَةً، وَذَلِكَ لِخُطُورَةِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْمَرْأَةُ، وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ إِيقَاعِ طَلَاقِهِ فَتْحَ بَابِ الِادِّعَاءِ بِذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهُوَ خَطِيرٌ، وَذَرِيعَةٌ يَجِبُ سَدُّهَا.
ب- الْمُكْرَهُ:
21- الْإِكْرَاهُ هُنَا مَعْنَاهُ: حَمْلُ الزَّوْجِ عَلَى الطَّلَاقِ بِأَدَاةٍ مُرْهِبَةٍ.
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ شَدِيدًا، كَالْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ، وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» وَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ مُنْعَدِمُ الْإِرَادَةِ وَالْقَصْدِ، فَكَانَ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، فَإِذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ ضَعِيفًا، أَوْ ثَبَتَ عَدَمُ تَأَثُّرِ الْمُكْرَهِ بِهِ، وَقَعَ طَلَاقُهُ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ.وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لَهُ بِدَفْعِ غَيْرِهِ عَنْهُ بِهِ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ.وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِحَقٍّ، كَالْمُولِي إِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بِدُونِ فَيْءٍ فَأَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ، فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْإِجْمَاعِ.
ج- الْغَضْبَانُ:
22- الْغَضَبُ: حَالَةٌ مِنْ الِاضْطِرَابِ الْعَصَبِيِّ، وَعَدَمِ التَّوَازُنِ الْفِكْرِيِّ، تَحِلُّ بِالْإِنْسَانِ إِذَا عَدَا عَلَيْهِ أَحَدٌ بِالْكَلَامِ أَوْ غَيْرِهِ.وَالْغَضَبُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ الْقَوْلِيَّةِ، وَمِنْهَا الطَّلَاقُ، إِلاَّ أَنْ يَصِلَ الْغَضَبُ إِلَى دَرَجَةِ الدَّهَشِ، فَإِنْ وَصَلَ إِلَيْهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، لِأَنَّهُ يُصْبِحُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.وَالْمَدْهُوشُ هُوَ: مَنْ غَلَبَ الْخَلَلُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَتِهِ بِسَبَبِ غَضَبٍ اعْتَرَاهُ.
وَقَسَّمَ ابْنُ الْقَيِّمِ الْغَضَبَ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً نَقَلَهَا عَنْهُ ابْنُ عَابِدِينَ وَعَلَّقَ عَلَيْهَا فَقَالَ: طَلَاقُ الْغَضْبَانِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَبَادِئُ الْغَضَبِ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَقْلُهُ، وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَيَقْصِدُهُ، وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَبْلُغَ النِّهَايَةَ، فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ.
الثَّالِثُ: مَنْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِرْ كَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَالْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ أَقْوَالِهِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَدْهُوشِ وَالْغَضْبَانِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الْهَذَيَانِ وَاخْتِلَاطِ الْجِدِّ بِالْهَزْلِ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي السَّكْرَانِ..ثُمَّ قَالَ: فَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْمَدْهُوشِ وَنَحْوِهِ: إِنَاطَةُ الْحُكْمِ بِغَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَتِهِ، فَمَا دَامَ فِي حَالِ غَلَبَةِ الْخَلَلِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُهَا وَيُرِيدُهَا، لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ وَالْإِرَادَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِعَدَمِ حُصُولِهَا عَنْ إِدْرَاكٍ صَحِيحٍ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ مِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ.
د- السَّفِيهُ:
23- السَّفَهُ: خِفَّةٌ فِي الْعَقْلِ تَدْعُو إِلَى التَّصَرُّفِ بِالْمَالِ عَلَى غَيْرِ وَفْقِ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ.وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُقُوعِ طَلَاقِ السَّفِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مَالِكٌ لِمَحَلِّ الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ السَّفَهَ مُوجِبٌ لِلْحَجْرِ فِي الْمَالِ خَاصَّةً، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ نَشَأَ عَنْ طَلَاقِ السَّفِيهِ آثَارٌ مَالِيَّةٌ كَالْمَهْرِ فَهِيَ تَبَعٌ لَا أَصْلٌ.
وَخَالَفَ عَطَاءٌ، وَقَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّفِيهِ.
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
14-موسوعة الفقه الكويتية (مني)
مَنِيٌّالتَّعْرِيفُ:
1- الْمَنِيُّ فِي اللُّغَةِ- مُشَدَّدَةَ الْيَاءِ وَالتَّخْفِيفُ لُغَةٌ- مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَجَمْعُهُ مُنْيٌ وَمِنْهُ قوله تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى}.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ الْمَاءُ الْغَلِيظُ الدَّافِقُ الَّذِي يَخْرُجُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الشَّهْوَةِ.
الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ- الْمَذْيُ:
2- الْمَذْيُ فِي اللُّغَةِ: مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوِ التَّذَكُّرِ وَيَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ، وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْأُولَى: سُكُونُ الذَّالِ، وَالثَّانِيَةُ: كَسْرُهَا مَعَ تَثْقِيلِ الْيَاءِ، وَالثَّالِثَةُ: الْكَسْرُ مَعَ التَّخْفِيفِ.
وَالْمَذَّاءُ فَعَّالٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَثْرَةِ الْمَذْيِ مِنْ مَذَى يَمْذِي.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ: أَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ بِشَهْوَةٍ، وَأَمَّا الْمَذْيُ فَيَخْرُجُ لَا عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ.
ب- الْوَدْيُ:
3- الْوَدْيُ فِي اللُّغَةِ بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا: الْمَاءُ الثَّخِينُ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي إِثْرِ الْبَوْلِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ بِشَهْوَةٍ، وَأَنَّ الْوَدْيَ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ عَقِبَ الْبَوْلِ.
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنِيِّ:
حُكْمُ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ بِالْيَدِ
4- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ بِالْيَدِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ بِالْيَدِ حَرَامٌ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُكْرَهُ تَحْرِيمًا الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ وَنَحْوِهِ بِدُونِ عُذْرٍ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} فَلَمْ يُبِحِ الِاسْتِمْتَاعَ إِلاَّ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ فِيهِ سَلْخَ الْمَاءِ وَتَهْيِيجَ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ.
أَمَّا إِذَا وُجِدَ عُذْرٌ كَمَا إِذَا تَعَيَّنَ الْخَلَاصُ مِنَ الزِّنَا بِالِاسْتِمْنَاءِ وَكَانَ عَزْبًا لَا زَوْجَةَ لَهُ وَلَا أَمَةَ أَوْ كَانَ إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ فَتْحِ الْقَدِيرِ: فَإِنْ غَلَبَتْهُ الشَّهْوَةُ فَفَعَلَ إِرَادَةَ تَسْكِينِهَا بِهِ فَالرَّجَاءُ أَلاَّ يُعَاقَبَ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ بِالْيَدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُكْرَهُ.
وَإِنْ كَانَ الِاسْتِمْنَاءُ خَوْفًا مِنَ الزِّنَى جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ صَاحِبُ الْإِنْصَافِ: لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَالْمُضْطَرِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ خَافَ الزِّنَى.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْنَاءُ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الرَّجُلِ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ الِاسْتِمْنَاءُ بِيَدِ الزَّوْجَةِ
طَهَارَةُ الْمَنِيِّ وَنَجَاسَتُهُ
5- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ.
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ سَوَاءٌ مِنَ الْإِنْسَانِ أَوْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا دُونَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمَنِيُّ نَجِسٌ إِذَا كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، أَمَّا مَنِيُّ مُبَاحِ الْأَكْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ.
فَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ وَقِيلَ بِنَجَاسَتِهِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَالِاسْتِحَالَةِ إِلَى فَسَادٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ بَقَّعَ الْمَاءُ فِي ثَوْبِهِ».
وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَدْ غَسَلَتِ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْغُسْلُ شَأْنُ النَّجَاسَاتِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ عَلِمَ بِهَذَا فَأَقَرَّهُ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَكَانَ نَجِسًا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِآثَارٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم- مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ: إِنْ رَأَيْتَهُ فَاغْسِلْهُ وَإِلاَّ فَاغْسِلِ الثَّوْبَ كُلَّهُ وَمِنِ التَّابِعِينَ مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ الْمَنِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ أَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ إِلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ فَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ مَنَاطَ التَّنْجِيسِ كَوْنُهُ دَمًا مُسْتَحِيلًا إِلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا كَمَا قَالَ الدَّرْدِيرُ.
وَبِأَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مُوجِبًا لِتَنْجِيسِهِ فَأُلْحِقَ الْمَنِيُّ بِالْبَوْلِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: إِنَّ مَنِيَّ الْإِنْسَانِ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الذَّكَرِ أَمِ الْأُنْثَى.
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- «أَنَّهَا كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» فَدَلَّ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَنِيُّ عَلَى ثَوْبِهِ وَهَذَا شَأْنُ الطَّاهِرَاتِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ أَوِ الْمُخَاطِ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ إِذْخِرٍ».
فَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ شَبَّهَ الْمَنِيَّ بِالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَأَمَرَ بِإِمَاطَتِهِ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ- وَلَوْ بِإِذْخِرٍ- لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ طَبْعًا وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ الْمَنِيُّ إِنْ كَانَ رَطْبًا مَسَحَهُ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا حَتَّهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ وَلِأَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَكَانَ طَاهِرًا كَالطِّينِ وَكَذَلِكَ مَنِيُّ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ حَالَ حَيَاتِهَا فَإِنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِهَا وَيُخْلَقُ مِنْهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ.
وَفِي مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ مِنَ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ إِلَى أَنَّ مَنِيَّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَنَحْوِ الْكَلْبِ نَجِسٌ كَسَائِرِ الْمُسْتَحِيلَاتِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الْأَصَحَّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الْآدَمِيِّ.
وَفِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ مِنَ الْمَأْكُولِ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِهِ كَلَبَنِهِ.
الْوُضُوءُ مِنَ الْمَنِيِّ
6- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (حَدَثٌ ف 6 وَمَا بَعْدَهَا).
الْغُسْلُ مِنَ الْمَنِيِّ
7- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ.
لِمَا وَرَدَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ- رضي الله عنها- حَدَّثَتْ: «أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ- وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ- قَالَتْ: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: نَعَمْ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: «هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذْ هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ».
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا وَكَانَ مِمَّا لَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ لِأَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ- رضي الله عنهما- اغْتَسَلَا حِينَ رَأَيَاهُ فِي ثَوْبَيْهِمَا وَلِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِلاَّ مِنْهُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ أَحْدَثِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَرَى إِمَارَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَهَا فَيُعِيدُ مِنْ أَدْنَى نَوْمَةٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّائِي لَهُ غُلَامًا يُمْكِنُ وُجُودُ الْمَنِيِّ مِنْهُ كَابْنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ كَالرِّجَالِ لِأَنَّهُ وَجَدَ دَلِيلَهُ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُودِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إِنْ وَجَدَ الرَّجُلُ مَنِيًّا فِي ثَوْبٍ يَنَامُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْتَلِمُ فَلَا غُسْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ مُفْرَدًا يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْهُ فَوُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْتَمَّ بِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا جُنُبٌ يَقِينًا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا كَمَا لَوْ سَمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْتَ رِيحٍ يَظُنُّ أَنَّهَا مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (غُسْلٌ ف 5).
الْمَنِيُّ وَأَثَرُهُ فِي الصَّوْمِ
8- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا قَبَّلَ وَلَمْ يُمْنِ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» وَوَرَدَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: فَمَهْ».
شَبَّهَ الْقُبْلَةَ بِالْمَضْمَضَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الشَّهْوَةِ وَأَنَّ الْمَضْمَضَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نُزُولُ الْمَاءِ لَمْ يُفْطِرْ.
وَإِنْ قَبَّلَ الصَّائِمُ فَأَمْنَى فَسَدَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ بِالْمُبَاشَرَةِ فَأَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْجِمَاعِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنَ الصَّائِمِ يَقَظَةً بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ فَسَدَ الصَّوْمُ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَأَمَّا إِنْ خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ خَرَجَ بِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ فَلَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا يَرَى أَصْحَابُنَا الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ أَمْنَى مِنْ لَمْسٍ وَقُبْلَةٍ اسْتِحْبَابًا وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْقُبْلَةُ حَرَّكَتِ الْمَنِيَّ عَنْ مَوْضِعِهِ، فَأَمَّا إِنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَلَوِ اسْتَمْنَى الصَّائِمُ بِيَدِهِ فَأَنْزَلَ فَسَدَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقُبْلَةِ فِي إِثَارَةِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ نَزَلَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَالَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ أَوِ الْمَذْيُ لِمَرَضٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَشْبَهَ الْبَوْلَ وَلِأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَلَا تَسَبُّبٍ إِلَيْهِ فَأَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ، وَلَوِ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ إِلَى وَجْهِهَا أَوْ فَرْجِهَا فَأَمْنَى- كَرَّرَ النَّظَرَ أَوْ لَا- لَا يُفْطِرُ فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ فِي امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ إِذَا أَمْنَى.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَمْنَى بِتَعَمُّدِ إِدَامَةِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بِمُجَرَّدِ فِكْرٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ لَمْ يُفْطِرْ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَلَهُ حَالَتَانِ:
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ إِنْزَالٌ فَلَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ فَيَفْسُدَ الصَّوْمُ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لِأَنَّهُ إِنْزَالٌ بِفِعْلٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ كَالْإِنْزَالِ بِاللَّمْسِ وَالْفِكْرِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ بِخِلَافِ تَكْرَارِ النَّظَرِ.
تَطْهِيرُ الثَّوْبِ مِنَ الْمَنِيِّ
9- نَظَرًا لِأَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ وَطَهَارَتِهِ فَقَدْ بَيَّنَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ نَجِسٌ وَسِيلَةَ تَطْهِيرِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَإِنْ كَانَ رَطْبًا يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِنْ جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ مَحَلِّ الْمَنِيِّ يَكُونُ بِغَسْلِهِ.لِمَا وَرَدَ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ: أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- إِلَى الْجُرُفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلاَّ احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا.
أَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَقَدْ بَيَّنُوا كَيْفِيَّةَ تَنْظِيفِهِ.
فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَنِيِّ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ.
أَثَرُ انْقِطَاعِ الْمَنِيِّ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلزَّوْجَةِ
10- يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْخِصَاءَ لَا يَكُونُ عَيْبًا فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجَةِ طَالَمَا يَسْتَطِيعُ الْخَصِيُّ الْوِقَاعَ لِأَثَرِ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: يُرَدُّ النِّكَاحُ لِأَرْبَعٍ: مِنَ الْجُذَامِ وَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَالْقَرَنِ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَدَّ لِلْخِصَاءِ ذُكِرَ بِخُصُوصِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُمُومِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْخِصَاءِ فِي الرِّجَالِ وَإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ أَوْ مَعْرِفَتِهِ فِيهِمْ وَأَنَّ الزَّوَاجَ انْعَقَدَ بِيَقِينٍ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلاَّ بِدَلِيلٍ مُتَيَقَّنٍ وَلَمَّا كَانَ الِاتِّصَالُ مِنَ الْخَصِيِّ مَوْجُودًا كَانَ الضَّرَرُ فِي مُعَاشَرَتِهِ مُنْتَفِيًا فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الْعُنَّةِ لِلضَّرَرِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْخِصَاءَ عَيْبٌ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ وَيُبَرِّرُ طَلَبَ التَّفْرِيقِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِعَدَمِ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ فَإِنْ أَنْزَلَ مَنِيًّا فَلَا يُعْتَبَرُ خِصَاءً يُبَرِّرُ التَّفْرِيقَ.
وَلِلتَّفْصِيلِ ر: مُصْطَلَحَ (خِصَاءٌ ف 7).
أَثَرُ انْقِطَاعِ الْمَنِيِّ بِالْجِنَايَةِ
11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَنَى شَخْصٌ جِنَايَةً عَلَى رَجُلٍ فَكَسَرَ صُلْبَهُ فَأَبْطَلَ قُوَّةَ إِمْنَائِهِ وَجَبَتِ الدِّيَةُ كَامِلَةً.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (دِيَاتٌ ف 62).
موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م
15-المعجم الغني (بَرَّرَ)
بَرَّرَ- [برر]، (فعل: رباعي. متعدٍّ)، بَرَّرْتُ، أُبَرِّرُ، بَرِّرْ، المصدر: تَبْريرٌ.1- "بَرَّرَ أَعْمالَهُ": زَكَّاها.
2- "كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَرِّرَ فِعْلَهُ هَذا": أَنْ يَشْرَحَ وَيُعَلِّلَ الأسْبابَ الَّتِي دَفَعَتْهُ إلى فِعْلِ ما فَعَلَهُ.
3- "الغايَةُ تُبَرِّرُ الوَسيلَةَ": تُسَوِّغُ.
الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م
16-الإحصاء (الموقوفون)
الموقوفون: هم الأشخاص الذين تقيد حريتهم بإحالتهم إلى معتقل أو سجن، ويؤخذ بهذا الإجراء أحيانا ضد بعض الأشخاص على سبيل الوقاية والتحفظ، إذا توافر من الأسباب ما يبرر الاعتقاد بأن بقاءهم أحرار قد يهدد سلامة البلاد والأفراد.الجـهـاز الـمـركـزي لـلإحـصـاء الـفلسطيني
17-القانون (اعتداء بنية القتل القصد)
اعتداء بنية القتل القصد: اعتداء غير مشروع يرتكب على شكل يبرر اتهام الجاني بجريمة القتل القصد manslaughter لو مات المجني عليه نتيجة الاعتداء.المعجم القانوني (الفاروقي)
18-القانون (قياس أو تشابه)
قياس أو تشابه: وحدة العناصر أو المقومات أو الأركان أو اتحاد المواضيع في ذلك.التحقق من الأشياء بالقياس، إذا كان بينها أساس معقول.
المقارنة القائمة على تشابه الأشياء (من حيث خضوعها لذات المبادئ العامة أو الظروف) تشابهًا يبرر الحكم على إحداها بما حكم به على الآخر.
المعجم القانوني (الفاروقي)
