نتائج البحث عن (يعزون)

1-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (حصن آل فلوقة)

حصن آل فلّوقة

هو قرية واقعة في سفح الجبل المسمّى باعشميل، في جنوب تريم بإزاء الرّملة، إلى شرقيّها، فيصلح عدّها هنا في القرى الّتي بجنوب تريم، ويصلح عدّها في القرى الّتي في شرقيّها، ولكنّي آثرت الأوّل لأتمكّن من كلمات تليق بفضيلة شيخنا العلّامة أبي بكر بن شهاب بمناسبة وجوده فيها مع نشاط الخاطر؛ إذ لا يمكنني أن أبلغ فيه شيئا ممّا أريد في أخبار تريم المقصود مراجيحها بالحظّ الأوفى من قول العلّامة الجليل عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعيّ [من الطّويل]:

«مررت بوادي حضرموت مسلّما *** فألفيته بالبشر مبتسما رحبا»

«وألفيت فيه من جهابذة العلا *** أكابر لا يلفون شرقا ولا غربا»

وقد سمعت كثيرا من الشّيوخ وأهل العلم يقولون: (إنّ هذا كان جواب الشّيخ لمّا سأله أبوه عن أهل حضرموت)، وهو وهم ظاهر؛ لأنّ وفاة الشّيخ عبد الله بن أسعد كانت في سنة (768 ه‍)، ووفادة ولده إلى حضرموت إنّما كانت في سنة (794 ه‍) كما ذكره شنبل.

وسيأتي عن بامخرمة في تريم أنّ صاحب القصّة إنّما هو عليّ بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد، ولكنّ كلام شنبل أثبت؛ لأنّه أعرف بحضرموت وأخبارها.

ولد شيخنا ـ الّذي لا حاجة إلى ذكر اطّراد نسبه؛ لغناه عنه بشهرته، كما قال المتنبّي [في «العكبريّ» 1 / 176 من البسيط]:

«يا أيّها الملك الغاني بتسمية *** في الشّرق والغرب عن وصف وتلقيب »

في تلك القرية سنة (1262 ه‍)، ودرج بين أحضان العناية، وشبّ محفوفا بالرّعاية، وكان في صفاء الذّهن وحدّة الفهم آية، نعس مرّة بين أصحاب له ـ منهم السّيّد الشّهير عليّ بن محمّد الحبشيّ ـ يقرؤون في الفرائض فعاتبه أحدهم، فسرد لهم ما كانوا فيه! ثمّ صبّحهم من اليوم الثّاني بمنظومته الموسومة ب: «ذريعة النّاهض» وقد أخذ قوله في آخرها [من الرّجز]:

«وعذر من لم يبلغ العشرينا *** يقبل عند النّاس أجمعينا»

من قول صاحب «السّلّم» [في البيت 138 من الرّجز]:

«ولبني إحدى وعشرين سنه *** معذرة مقبولة مستحسنه »

وجرى الاختلاف بمحضر شيخنا المشهور فيما لو اختلف الماء وزنا ومساحة بماذا يكون الاعتبار في القلّتين؟ فنظم على البديهة سؤالا سيّره لمفتي زبيد السّيّد داود حجر فعاد الجواب على غرار ذلك النّظم مصرّحا باعتبار المساحة.

وقد ذكر شيخنا المسألة في «البغية»، ولكنّه لم يشر إلى ما كان واقعا من القصّة، وامتحنت شاعريّته في حضرة الشّريف عبد الله بمكّة المشرّفة، فخرج كما يخرج الذّهب التبر من كير الصّائغ؛ إذ أنشأ في المجلس من لسان القلم أكثر ممّا اقترحوه عليه.

وفي «ديوانه» عدّة قصائد بهيئة الأرتقيّات في مديح خديوي مصر الجليل توفيق باشا، وزعم جامعو «ديوانه» أنّه لم يقدّمها إليه، وأنا لا أصدّق ذلك؛ لخروجه عن الطّبيعة الغالبة؛ إذ قلّما ينجز الشّاعر قصيدته إلّا كانت في صدره ولولة لا تهدأ إلّا بإظهارها، فالظّاهر أنّه قدّمها ولكنّها لم تحظ بالقبول، وقد قيل لأرسطو: إنّ أهل أنطاكيّة لم يقبلوا كلامك.. قال: لا يهمّني قبولهم، وإنّما يهمّني أن يكون صوابا.

وللعلّامة ابن شهاب أسوة بسابقيه من الفحول، فقد اقشعرّ بطن مصر بأراكين القريض؛ كحبيب وأبي عبادة، ولم ينج المتنبّي إلّا بجريعة الذّقن حسبما قرّرته في «النّجم المضي».

وأخبار العلّامة ابن شهاب أكثر من أن يتّسع لها المجال، وهو الّذي مهّد له الصّواب، وأطلق الخطاب، وألين القول، وأطيل الجول.

«كأنّ كلام النّاس جمّع حوله *** فأطلق في إحسانه يتخيّر »

لقد أخذ قصب السّبق، ولم تنجب حضرموت مثله من الخلق.

أمّا في الفقه.. فكثير من يفوقه من السّابقين، بل لا يصل فيه إلى درجة سادتي: علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف وعبد الرّحمن بن محمّد المشهور، وشيخان بن محمّد الحبشيّ، ومحمّد بن عثمان بن عبد الله بن يحيى من اللّاحقين.

وأمّا في التّفسير والحديث.. فلا أدري.

وأمّا في الأصلين، وعلم المعقول، وعلوم الأدب والعربيّة، وقرض الشّعر ونقده.. فهو نقطة بيكارها، وله فيها الرّتبة الّتي لا سبيل إلى إنكارها.

وقد رأينا أشعار إمام الإباضيّة، والشّيخ سالم بافضل، وابن عقبة، وعبد المعطي، وعبد الصّمد، ومطالع القطب الحدّاد الرّائعة، ومنقّحات العلّامة ابن مصطفى الشّاعرة، فضلا عمّن دونهم.. فلم نر أحدا يفري فريه، ولا يمتح بغربه، ولا يسعى بقدمه، والآثار شاهدة والمؤلّفات والأشعار ناطقة.

«مجد تلوح حجوله وفضيلة *** لك سافر والحقّ لا يتلثّم »

أما إنّ كلامه ليسوق القلوب النّافرة أحسن مساق، ويستصرف الأبصار الجامحة كما تستصرف الألحاظ العشّاق.

«ينسى لها الرّاكب العجلان حاجته *** ويصبح الحاسد الغضبان يرويها »

ولطالما وردت القصيدة بعد القصيدة من أشعاره إلى حضرة سيّدي الوالد في حفلة فلا تسل عمّا يقع من الاستحسان والثّناء من كلّ لسان، والإجماع على فضل ذلك الإنسان، غير أنّ والدي كثيرا ما يخشى عليّ الافتتان بتلك الرّوائع فيغيّر مجرى الحديث، ولكنّه لا يقدر أن ينقذ الموقف متى حضر سيّدي الوالد علويّ بن عبد الرّحمن، لأنّه من المولعين بابن شهاب وبأدبه، فلا يزال يكرّر إنشادها، ويطنب فيمن شادها، وكلّما أراد أبي أن ينقذ الموقف.. قال له: دعنا يا عبيد الله نتمتّع بهذا الكلام، لن يفوتك ما أنت فيه.

ونحن نجد من اللّذة بذلك الشّعر العذب، واللّؤلؤ الرّطب، ما يكاد ينطبق عليه قول المتنبّي [في «العكبريّ» 4 / 86 من الطّويل]:

«ألذّ من الصّهباء بالماء ذكره *** وأحسن من يسر تلقّاه معدم »

وكلّ من القوم ضارب بذقنه، أو باسط ذراعيه بالوصيد، ويزيد أهل الشّعر منهم بتمنّي أن لو كان لأحدهم بيت منها بجملة من القصيد.

وكما لقّحت البلاد بفنونه عن حيال.. فلا أكذب الله: كلّ من بعده عليه عيال، وأنا معترف بأنّ ما يوجد على شعري من مسحة الإجادة.. إنّما هو بفضله؛ لأنّني أطيل النّظر في شعره، وأتمنّى أن أصل إلى مثله.

«وكأنّنا لمّا انتحينا نهجه *** نقفو ضياء الكوكب الوقّاد »

وكان يحسد حسدا شديدا، لا من النّاحية العلميّة والأدبيّة اللّتين سقطت دونهما همم العدا ونفاسة الحسّاد؛ لأنّ الأمر من هذه النّاحية كما قال البحتريّ [في «ديوانه» 1 / 14 من الكامل]:

«فنيت أحاديث النّفوس بذكرها *** وأفاق كلّ منافس وحسود»

ولكن من قوّة نفسه ومغالاته بها، وما يصحبه من التّوفيق في الإصلاح؛ فإنّه لا يهيب بمشكل إلّا انحلّ، ولا ينبري لمعضل إلّا اضمحلّ.

«فأرى الأمور المشكلات تمزّقت *** ظلماتها عن رأيه المستوقد »

ومع تألّب الأعداء عليه من كلّ صوب.. تخلّص منهم قائبة من قوب، ووقي شرّهم وقيّا، وما زادوه إلّا رقيّا، فانطبق عليهم قول حبيب [في «ديوانه» 2 / 103 من الكامل]:

«ولقد أردتم أن تزيلوا عزّه *** فإذا (أبان) قد رسى و (يلملم) »

وهو محبوب بعد لدى فحول الرّجال وأئمة أهل الكمال، كسيّدي الجدّ، والأستاذ الأبرّ، والحبيب أحمد بن محمّد المحضار، والحبيب عليّ بن حسن الحدّاد، والحبيب عمر بن حسن الحدّاد، والحبيب محمّد بن إبراهيم، وأمثالهم. وقد قال الأوّل [من الطّويل]:

«إذا رضيت عنّي كرام عشيرتي *** فلا زال غضبانا عليّ لئامها»

وله رحلات كثيرة، أولاها سنة (1286 ه‍) إلى الحجاز، ثمّ عاد إلى تريم، وفي سنة (1288 ه‍) ركب إلى عدن واتّصل بأمراء لحج ومدحهم، وزعم بعض النّاس أنّه كان يعنيهم بقصيدته المستهلّة بقوله [في «ديوانه» (93 ـ 95) من الوافر]:

«ذهبت من الغريب بكلّ مذهب *** وملت إلى النّسيب وكان أنسب »

وأنا في شكّ من ذلك؛ لأنّ له فيهم بعدها غرر القصائد، ومنها قوله [من الطّويل]

«هو الحيّ إن بلّغته فانزل الحانا *** وحيّ الألى تلقاهم فيه سكّانا»

على أنّ للإنسان لسانا في الغضب غير لسانه في الرّضا، وقد قال الأوّل [من الطّويل]

«هجوت زهيرا ثمّ إنّي مدحته *** وما زالت الأشراف تهجى وتمدح »

ثمّ إنّ المترجم ركب من عدن إلى جاوة وأقام بها نحوا من أربع سنين، ثمّ عاد إلى الغنّاء في سنة (1292 ه‍)، وثمّ نجمت فتنة النّويدرة وكان له أفضل السّعي في إخمادها ونجح، ثمّ اشتدّ عليه الأذى فهجر حضرموت سنة (1302 ه‍)، وهي الرّحلة الّتي يقول عند رجوعه منها [من الطّويل]:

«ثلاثون عاما بالبعاد طويتها *** وكم أمل في طيّ أيّامها انطوى »

«وها عودتي لمّا أتيحت نويتها *** عسى وعسى أن ليس من بعدها نوى »

ولمّا قدم إلى تريم في سنة (1331 ه‍).. هنّأته بقصيدة نكر منها بعض أهل العلم بتريم أبياتا، فقال لي السّيّد عبد الرّحمن بن عبد الله الكاف: أتحبّ أن يبحث معك إخوانك في أبيات أنكروها من قصيدتك؟ فقلت له: نعم، بكلّ مسرّة وفرح.

فأقبل العلّامة السّيّد حسن بن علويّ بن شهاب ـ لأنّهم نصّبوه إذ ذاك للرّياسة العلميّة بتريم لينافس الوالد أبا بكر ابن شهاب في عشرين من علية طلّاب العلم، فيهم العلّامة عليّ بن زين الهادي، ولم أكره حضور أحد سواه؛ لما اشتهر به من الحدّة، فخشيت أن يخرج بنا الجدال عن اللّياقة، وما فرغنا من المناقشة.. إلّا وقد رجعوا إلى كلامي، وأوّل من انحاز إلى جانبي هو السّيّد عليّ بن زين الهادي مصداق أنّ الحدّة تعتري الأخيار.. فكان من خيار المنصفين، فهابه من رام المغالطة.

وما أنا في هذا بمجازف ولا كاذب، ولا أستشهد على طول الزّمان بميت ولا غائب؛ فقد بقي السّيّد يوسف بن عبد الله المشهور ممّن حضر ذلك البحث فليسأله من أحبّ.

وموضوع المناقشة أنّني عرّضت ـ في تلك القصيدة ـ ببعض من يعزّ عليهم ممّن غيّر منار سيرة السّلف بإعزاز الأغنياء وإذلال الفقراء والعلماء، ولمّا صدقتهم وذكرت لهم من أعمال أولئك ما يخالف هديه صلّى الله عليه وآله وسلّم.. لم يسعهم إلّا الإذعان، ووعدوا بالتّوسّط لإصلاح الأمور، وكأنّهم لم يجدوا قبولا من ذلك الجانب فانثنوا، والقصيدة بموضعها من «الدّيوان».

وأشهد لقد طلعت عليه فجأة إلى سطح قصره بعد المغرب.. فإذا به يدور على غاية من الاستغراق والحضور، ويكرّر قول أبي فراس [في «ديوانه» 45 من الطّويل]:

«فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب »

«وليت الّذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب »

فجمعت يدي منه على دين ثابت، ويقين فرعه في السّماء وأصله في التّخوم نابت.

ولطالما ترنّحت طربا لهذين البيتين، واستجهرني جمالهما، وترنّمت بهما في مناجاة الباري عزّ وجلّ، لا سيّما وقد تمثّل بهما جلّة العلماء، ومنهم سلطانهم عزّ الدّين ابن عبد السّلام، غير أنّي لمّا أنعمت النّظر، وأفقت من دهشة الإعجاب به.. ألفيته مصادما لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا تمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا الله العافية»؛ إذ لم يترك شيئا من البلاء إلّا تمنّاه.

وربّما يكون ما وقع فيه ابن عبد السّلام من السّجن والامتحان مسبّبا عن ذلك، وقد ذكرت في «العود» [2 / 259] جماعة ممّن أصيبوا بالعاهات من جهة تمنّيهم ذلك في طريق الوصال، وقد أخذ الله بصر المؤمّل ابن أميل من صباح اللّيلة الّتي قال فيها [من البسيط]:

«شفّ المؤمّل يوم الحيرة النّظر *** ليت المؤمّل لم يخلق له بصر»

وبرص المجنون لقوله [في «ديوانه» 226 من الطّويل]:

«قضاها لغيري وابتلاني بحبّها *** فهلّا بشيء غير هذا ابتلانيا»

وقال عمر بن أبي ربيعة لكثيّر: أخبرني عن قولك لنفسك ولحبيبتك [في «ديوان كثير» 47 ـ 48 من الطّويل]:

«ألا ليتنا يا عزّ من غير ريبة *** بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب »

«كلانا به عرّ فمن يرنا يقل *** على حسنها جرباء تعدي وأجرب »

«إذا ما وردنا منهلا صاح أهله *** علينا فما ننفكّ نرمى ونضرب »

«وددت وبيت الله أنّك بكرة *** هجان وأنّي مصعب ثمّ نهرب »

«نكون بعيري ذي غنى فيضيعنا *** فلا هوّ يرعانا ولا نحن نطلب »

ويلك! تمنّيت لها الزّفّ والجرب والرّمي والطّرد والمسخ! ! فأيّ مكروه لم تتمنّه لكما؟ أما والله لقد أصابها منك قول الأوّل: (مودّة الأحمق.. شرّ من معاداة العاقل).

وعاتبته عزّة على ذلك، ومعاذ الله أن يسلموا من سوء العاقبة.

وما وقع فيه أبو فراس لا ينقص ـ إن لم يزد ـ على ما تمنّاه كثيّر، وسبق في ذي أصبح أنّ جدّي المحسن كان يقول: ما نعني بالأسماع والأبصار عند ما ندعو بحفظها إلّا حسن بن صالح وأحمد بن عمر وعبد الله بن حسين، ولكنّه أضرّ بالآخرة، ومثله المترجم.. فلا بعد أن يكون من تلك البابة.

كما تبت عن الدّعاء بقول سيّدنا عمر بن الخطّاب: (بل أغناني الله عنهم)، لما قيل له: (نفعك بنوك)، وكنت أستحسنه وأدعو بمقتضاه، حتّى تفطّنت لما فيه، ورأيت أنّ أبناء ابن الخطّاب لم يكونوا هناك، وليس هو بأفضل من العبد الصّالح إذ عوقب على قوله: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) كما جاء في الحديث.

بعد هذا كلّه ذهبت النّشوة، وانجابت الغفوة، وظهر ما تحته من الهفوة.

وفي رواية عن الشّافعيّ: أنّه لا يحبّ أن يقال في التّعزية: أعظم الله أجرك؛ لما في طيّه من الاستكثار من المصائب، فسحبت عندئذ ما كان منّي من استحسان ذلك، وتبت عنه توبة صادقة أرجو الله قبولها.

وما أشدّ ما يسيء هؤلاء الشّعراء الأدب ويقلّون الحياء؛ فمثل كلام أبي فراس لا يليق بخطاب المخلوق، ومن ثمّ صرفه المفتونون بجماله إلى خطاب الخالق غفلة عمّا فيه من التّعرّض للبلاء المنهيّ عن مثله، وكمثله قول البحتريّ للفتح بن خاقان [من الطّويل]:

«ويعجبني فقري إليك ولم يكن *** ليعجبني لو لا محبّتك الفقر»

وقد صرفته إلى الباري عزّ وجلّ في قصيدة إلهيّة جرى لي فيها حديث لا أملّ به، فأرجو أن لا يلحقني بأس بعد؛ إذ لا يحسن غير المأثور، وقد فتن الرّضيّ بهذا البيت، وأغار عليه فلم يحسن الاتّباع حيث يقول [في «ديوانه» 1 / 541 من الطّويل]:

«فما كان لولاكم يمرّ لي الغنى *** ويحلو إلى قلبي الخصاصة والفقر»

ومن الغلوّ الممقوت قول ابن هانىء الأندلسّي [من البسيط]:

«أتبعته فكرتي حتّى إذا بلغت *** غاياتها بين تصويب وتصعيد»

«أبصرت موضع برهان يلوح وما *** أبصرت موضع تكييف وتحديد»

ولقد احترست حين تمثّلت في ذي أصبح ببيت من شعر المتنبّي لا يخلو عن الغلوّ، على أنّ الرّوح لا تنفد فلا ينفد وصفها.

ومن التّرّهات الممقوتة أيضا: قول أبي عبد الله الخليع، يخاطب أحمد بن طولون المتوفّى سنة (270 ه‍) [من الكامل]:

«أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر *** أنا جائع أنا راجل أنا عاري »

«هي ستّة وأنا الضّمين لنصفها *** فكن الضّمين لنصفها بعيار»

ولذا نقلهما كسابقيهما أهل الحقّ إلى خطاب الباري عزّ وجلّ، وأبدلوا قافية الثّاني ب «ياباري» فكانت أعذب وأطيب.

وكنت معجبا بمختارات حافظ، ومع ذلك.. فإنّي أفضّل عليه الأستاذ، حتّى قلت

له مرّة: ألست أشعر منه؟ قال: أينك عن قوله [في «ديوانه» 2 / 161 من البسيط]:

«إنّي أرى وفؤادي ليس يكذبني *** روحا يحفّ بها الإجلال والعظم »

«أرى جلالا أرى نورا أرى ملكا *** أرى محيّا يحيّيني ويبتسم »

«الله أكبر هذا الوجه نعرفه *** هذا فتى النّيل هذا المفرد العلم »

وقوله [في «ديوانه» 1 / 289 من البسيط]:

«كم غادة في ظلام اللّيل باكية *** على أليف لها يهوي به الطّلب »

«لو لا طلاب العلا لم يبتغوا بدلا *** من طيب ريّاك لكنّ العلا تعب »

ولهذا حديث مبسوط في «العود الهنديّ» [2 / 40].

أمّا شوقي: فلم أقرأ شعره إلّا بعد ذلك، فلم يكن عندي شيئا في جانب جيّد حافظ، وما أرى إغراق بعضهم فيه وتأميره وتفضيله إلّا من جنس تفضيل جرير على الفرزدق، بدون حقّ، حسبما فصّلته بدلائله في «العود الهنديّ».

وبقي عليّ أن أشير إلى ما اجتمع للأستاذ من الشّدّة واللّين، والشّمم والإباء، ودماثة الأخلاق، وطوع الجانب، وحلاوة الغريزة.

«قسا فالأسد تهرب من قواه *** ورقّ فنحن نخشى أن يذوبا »

وما أظنّ العلّامة ابن شهاب إلّا على رأيي فيه، وإلّا.. لذكره لي وأثنى عليه، ولا أنكر أنّ له محاسن، لكنّهم رفعوه عن مستواها إلى مالا يستحقّ، وكان ابن شهاب يتشيّع، لكن بدون غلوّ، بل لقد اعتدل اعتدالا حسنا جميلا بعقب زيارته لحضرموت واطّلاعه على «الرّوض الباسم»، ورسائل الإمام يحيى بن حمزة، وكان قلمه أقوى من لسانه، أمّا لسانه مع فرط تواضعه ولطف ديدنه.. فإنّك لا تكاد تعرف أنّه هو الّذي ملأ سمع الأرض وبصرها إلّا إذا سئل فتفتّح عن ثبج بحر جيّاش الغوارب.

«إذا قال.. لم يترك مقالا لقائل *** بمبتدعات لا ترى بينها فصلا »

«كفى وشفى ما في النّفوس فلم يدع *** لذي إربة في القول جدّا ولا هزلا»

والأدلّة حاضرة، وما بين العينين لا يوصف، ولهو الأحقّ من القزّاز القيروانيّ بقول يعلى بن إبراهيم فيه [من الكامل]:

«أبدا على طرف اللّسان جوابه *** فكأنّما هو دفعة من صيّب »

وقد عرفت من قوله في حافظ.. أنّه من سادات المنصفين، ولي معه من ذلك ما يؤكّده، وقد ذكرت بعضه في خطبة الجزء الثّاني من «الديوان».

وفي سنة (1334 ه‍) توجّه من حضرموت إلى الهند ليقطع علائقه منها ويبيع دارا له بها، وبينا هو يجمع متاعه للسّفر النّهائيّ إلى مسقط رأسه، ومربع أناسه الّذي لا يزال يحنّ إليه بما يذيب الجماد، ويفتّت الأكباد؛ كقوله [في «ديوانه» 187 من البسيط]:

«بالهند ناء أخي وجد يحنّ إلى *** أوطانه وسهام البين ترشقه »

«إلى العرانين من أقرانه وإلى *** حديثهم عبرات الشّوق تخنقه »

.. إذ وافانا نعيه في جمادى الآخرة من سنة (1341 ه‍).

«فضاقت بنا الأرض الفضاء كأنّما *** تصعّدنا أركانها وتجول »

فاشتدّ الأسى، ولم تنفع عسى، وكادت الأرض تميد، لموت ذلك العميد، وطفق النّاس زمانا.

«يعزّون عن ثاو تعزّى به العلا *** ويبكي عليه الجود والعلم والشّعر »

إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه‍/1956م


2-تاج العروس (نصل)

[نصل]: النّصْلُ والنَّصْلانُ، هكذا هو برفعِ النونِ والصَّوابُ بكسْرِها، ففي المُحْكَمِ: النَّصلانِ: النَّصْلُ والزُّجُّ؛ قالَ أَعْشَى باهِلَة:

عِشْنا بذلك دَهْرًا: ثم فارَقَنا *** كذلك الرُّمْحُ ذُو النَّصْلَيْن ينكَسِر

قالَ: وقد سُمِّي الزُّجُّ وحدَه نَصْلًا. قالَ: والنَّصْلُ حَديدَةُ السَّهْمِ والرّمْحِ.

وفي التَّهْذِيبِ: النَّصْلُ: نَصْلُ السَّهْمِ، ونَصْلُ السَّيْفِ والسِّكِّين. ومِثْلُه في الصِّحاحِ.

وفي المُحْكَمِ: وهو حَديدَةُ السَّيْفِ ما لم يكنْ له مَقْبِضٌ، ونَصُّ المُحْكَمِ: لها. قالَ: حَكَاها ابنُ جنِّي قالَ: فإذا كانَ لها مَقْبِض فهو سَيْفٌ، ولذلِكَ أَضافَ الشاعِرُ النَّصْلَ إلى السَّيْفِ فقالَ:

قد عَلِمَتْ جارية عُطْبول *** أَنِّي بنَصْل السيفِ خَنْشَلِيل

وقالَ أَبو حَنيفَةَ: قالَ أَبو زِيادٍ النصْلُ كلُّ حَديدَةٍ مِن حَدائِد السِّهامِ الجمع: أَنْصُلٌ، كأَفْلُسٍ، ونِصالٌ، بالكسْرِ، ونُصولٌ، بالضمِ.

وقالَ ابنُ شُمَيْل: النَّصْلُ السَّهْمُ العَريضُ الطويلُ يكونُ قَريبًا مِن فِتْر والمِشْقَصُ على النصفِ مِن النَّصْلِ، فلو الْتقطْتَ نَصْلًا لقلْتُ: ما هذا السَّهْم معك؟ ولو التقطْتَ قِدْحًا لم أَقُل ما هذا السَّهْم معك.

وقالَ: ابنُ الأعْرَابيِّ: النَّصْلُ القَهَوْبات بِلا زِجاجٍ، والقَهَوْباتُ السِّهامُ الصِّغارُ.

النَّصْلُ: ما أَبْرَزَتِ البُهْمَى وبَدَرَتْ به، هكذا في النسخِ، وفي بعضِ الأُصولِ: نَدَرَتْ به، بالنُّون؛ من أَكِمَّتِها، والجَمْعُ أَنْصُلٌ ونِصالٌ.

والنَّصْلُ: الرَّأْسُ بجميعِ ما فيه، كما في المُحْكَمِ.

والنَّصْلُ: القَمَحْدُوَةُ، كما في العُبَابِ.

وقيلَ: نَصْلُ الرأْسِ أَعْلاهُ.

والنَّصْلُ: طولُ الرَّأْسِ في الإِبِلِ والخَيْلِ ولا يكونُ ذلِكَ للإنْسانِ.

والنَّصْلُ: الغَزْلُ وقد خَرَجَ من المِغْزَلِ، كما في العُبَابِ.

وأَنْصَلَ السَّهْمَ ونَصَّلَهُ تَنْصِيلًا: جَعَلَ فيه نَصْلًا وقيلَ: أَنْصَله أَزالَهُ عنه، ونَصَّلَه: رَكَّبَ فيه النَّصْلَ، كِلاهُما أَي أَنْصَلَه ونَصَّلَه ضِدٌّ.

وفي الصِّحاحِ: نَصَّلْت السهمَ تَنْصيلًا: نَزَعْت نَصْلَه، وهو كقَوْلِهم: قَرَّدْت البعيرَ وقَذَّيْت العينَ إذا نَزَعْت منهما القُرادَ والقَذَى، وكَذلِكَ إذا ركَّبْت عليه النَّصْل، وهو مِن الأَضْدادِ، انتَهَى.

فالمُرادُ بقَوْلِه: كِلاهُما؛ أَي كلٌّ مِن أَنْصَلَ ونَصَّل.

ونَصَلَ السَّهْمُ فيه إذا ثَبَتَ ولم يخْرُجُ. ونَصَلْتُهُ أَنا نَصْلًا ونَصَلَ خَرَجَ فهو ضِدٌّ وأَنْصَلْتُه: أَخْرَجْتُه وكلُّ ما أَخْرَجْتُه فقد أَنْصَلْتُه.

وقولُ شيْخِنا لا معْنَى فيه للضّدِّيَّة وإنَّما هو ممَّا اسْتُعْمِل لازِمًا ومتعدِّيًا ولا يكونُ مِن الأَضْدادِ إلَّا إذا قيلَ: نَصَلَ دَخَلَ، ونَصَلَ خَرَجَ، وكأَنَّه أُلْحِق ثبت بدَخَلَ، انتَهَى، محل نَظَر.

ففي الصِّحاحِ: يقالُ: نَصَلَ السهمُ إذا خَرَجَ منه النَّصْل، ومنه قوْلُهم: رَماهُ بأَفْوَقَ ناصِلٍ؛ ويقالُ أَيْضًا: نَصَلَ السهمُ إذا ثَبَتَ نَصْلُه في الشي‌ءِ فلم يخْرُجْ، وهو مِن الأضْدادِ، انتَهَى.

وقالَ ابنُ الأعْرَابيِّ: أَنْصَلْت الرمحَ ونَصَلْتَه جَعَلْت له نَصْلًا، وأَنْصَلْته نَزَعْت نَصْلَه.

وقالَ الكِسائيُّ: أَنْصَلْت السهمَ، بالأَلفِ، جَعَلْت فيه نَصْلًا، ولم يَذْكر الوَجْه الآخَر أَنَّ الإنْصالَ بمعْنَى النَّزْع والإخْرَاج، وهو صَحيحٌ.

وقالَ شَمِرٌ: لا أَعْرف نَصَل بمعْنَى ثَبَتَ، قالَ: ونَصَلَ عنْدِي خَرَجَ.

ونَصَلَتِ اللِّحْيَةُ، كنَصَرَ ومَنَعَ، نُصولًا فهي ناصِلٌ: خَرَجَتْ مِن الخِضابِ.

وفي الصِّحاحِ: نَصَلَ الشَّعَرُ يَنْصُل نُصولًا: زَالَ عنه الخِضابُ. يقالُ لحيَةٌ ناصِلٌ كتَنَصَّلَتْ. ونَصَلَتِ اللَّسْعةُ والحُمَّةُ إذا خَرَجَ سَمُّهُما وزَالَ أَثَرُهُما.

ونَصَلَ الحافِرُ نُصولًا: خَرَجَ من مَوْضِعِه فسَقَطَ كما يَنْصُلُ الخِضابُ.

والأُنْصُولَةُ، بالضَّمِ: نَوْرُ نَصْلِ البُهْمَى، أَو هو ما يُوبِسُه الحَرُّ من البُهْمَى فيشْتَدُّ على الأكَلَةِ، والجَمْعُ الأَناصِيلُ، قالَ الشاعِرُ:

كأَنَّه واضِحُ الأَقْراب في لُقُحٍ *** أَسْمَى بهنَّ وعَزَّتْه الأَناصِيلُ

أَي عزَّتْ عليه.

واسْتَنْصَلَ الحَرُّ السِّقاءَ، كذا في النسخِ، والصَّوابُ السَّفَا، بالفاءِ مَقْصورًا: جَعَلَه أَناصِيلَ، أَنْشَدَ ابنُ الأعْرَابيِّ:

إذا اسْتَنْصَلَ الهَيْفُ السَّفَا بَرَّحَتْ به *** عِراقيَّةُ الأَقْياظِ نَجْدُ المَراتِع

وفي الأساسِ: اسْتَنْصَلَتِ الريحُ السَّفَا اسْتَأْصَلَتْه؛ ومنه نَصَلَ السيفُ والرِمحُ والمُغْزلِ؛ وفي العُبَابِ: إذا أَسْقَطَتْه؛ وقالَ غيرُه: اقْتَلَعَتْه مِن أَصْلِه.

وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: النَّصِيلُ، كأَميرٍ: حَجَرٌ طَويلٌ رَقيقٌ كهَيْئةِ الصَّفِيحَةِ المحدَّدَةِ؛ وقيلَ: هو حَجَرٌ ناتئٌ قَدْرُ ذِراعٍ ونَحْوِها يَنْصُلُ مِن الحِجارَةِ يُدَقُّ به؛ وفي الفرقِ لابنِ السِّيدِ: تُدَقُ به الحجارَةُ.

وقالَ ابنُ الأثيرِ: هو حَجَرٌ طويلٌ مُدَمْلَك قَدْر شِبْرٍ وذِراعٍ، وجَمْعُه النُّصُلُ.

وقالَ غيرُه: هو البِرْطِيلُ ويشبَّهُ به رأْسُ البَعيرِ وخُرْطومُه إذا رَجَفَ في سَيْرِه، وقالَ أَبو خرَاشٍ في النَّصِيل فجَعَلَه الحَجَر يَصِفُ صَقْرًا:

ولا أَمْغَرُ السَّاقَيْن بات كأَنَّه *** على مُحْزَئِلَّات الإِكامِ نَصِيلُ

كالمِنْصيلِ كمِنْديلٍ ومِنْهالٍ.

والنَّصِيلُ: الحُنَكُ على التَّشبيهِ بذلِكَ.

والنَّصِيلُ من البُرِّ: النَّقِيُّ مِن الغَلَث.

والنَّصِيلُ: مَفْصِلُ ما بينَ العُنُقِ والرَّأْسِ تحتَ اللّحْيَيْنِ؛ وفي العَيْن: مِن باطِن مِن تحت اللّحْيَيْن.

والنَّصِيلُ: الخَطْمُ؛ وقيلَ: ما تحتَ العَيْن إلى الخَطْمِ.

وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: النُّصِيلُ البَظْرُ.

قالَ: وأَيْضًا الفأْسُ.

وقالَ غيرُه: النَّصِيلُ من الرَّأْسِ أَعْلاهُ كنَصْلِهِ.

والنَّصِيلُ: موضع؛ قالَ الأَفْوهُ الأوْديُّ:

تُبَكِّيها الأَرامِلُ بالمآلي *** بِداراتِ الصَّفائِح والنَّصِيلِ

والمُنْصُلُ، بضمَّتَيْن وكمُكْرَمٍ: السَّيفُ، اسمٌ له؛ قالَ عَنْترةُ:

إنِّي امْرؤٌ ومِن خيرِ عَبْسٍ مَنْصِبًا *** شَطْرِي وأَحْمي سائِرِي بالمُنْصُلِ

قالَ ابنُ سِيْدَه: لا نَعْرف في الكَلامِ اسْمًا على مُفْعُل ومُفْعَل إلَّا هذا، وقوْلُهم: مُنْخُل ومُنْخَل.

ومِعْوَلٌ نَصْلٌ: نَصَلَ؛ أَي خَرَجَ عنه نِصابُه، وهو ممَّا وُصِف بالمَصْدَرِ كزيد عَدْلٌ، قالَ ذُو الرُّمَّةِ:

شَرِيح كحُمَّاض الثَّماني عَلَتْ به *** على راجِفِ اللَّحْيَين كالمِعْوَل النَّصْل

ومِن المجازِ: تَنَصَّلَ إليه من الجِنَايَةِ والذنْبِ: خَرَجَ وتَبَرَّأَ؛ ومنه الحَدِيْث: «مَن لم يَقْبَل العُذْرَ ممَّنْ تَنَصَّل إليه صادِقًا أَو كاذِبًا لم يَرِدْ عليَّ الحَوْض إلَّا مُتَضَيّحًا» أَي انْتَفَى مِن ذنْبِه واعْتَذَرَ إليه.

وتنصَّلَ الشَّي‌ءَ: أُخْرَجَهُ.

وتَنَصَّلَهُ: تَخَيَّرَهُ.

وتنصَّلَ فلانًا: أَخَذَ كلَّ شي‌ءٍ معه كلُّ ذلِكَ في المُحْكَمِ.

أَو مُنْصِلُ الأسِنَّةِ ومُنْصِلُ الْأَلّ والْأَلَّةِ والألالِ: اسمُ رَجَبَ في الجاهِلِيَّةِ؛ أَي مُخْرِجُ الأسِنَّةِ مِن أَماكِنِها، كانَوا إذا دَخَلَ رَجَبٌ نَزَعُوا أَسِنَّةَ الرِّماحِ ونِصالَ السِّهامِ إِبْطالًا للقِتالِ فيه وقَطْعًا لأسْبابِ الفِتَنِ بحُرْمتِه، فلمَّا كان سَبَبًا لذلِكَ سُمِّي به. وفي المُحْكَمِ: إعْظامًا له ولا يَعْزُون ولا يُغِيرُ بعضُهم على بعضٍ، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ للأعْشَى:

تَدارَكَه في مُنْصِل الأَلِّ بعدما *** مَضَى غير دَأْدَاءٍ وقد كادَ يَذْهَبُ

أَي تَدَارَكَه في آخرِ ساعَةٍ مِن سَاعَاتِه.

واسْتَنْصَلَهُ: اسْتَخْرَجَهُ كتَنَصَّلَهُ.

واسْتَنْصَلَ الهَيْف السَّفَا: أَسْقَطَهُ وهذا بعَيْنه الذي مَرَّ ذِكْرُه ونَبَّهْنا عليه، ومَرَّ أَيْضًا شاهِدُه مِن قَوْلِ الشاعِرِ.

وانْتَصَلَ السَّهمُ: خَرَجَ، وفي العُبَابِ سَقَطَ، نَصْلُه وهو مُطاوِعُ أَنْصَلْته، ومنه حَدِيْث أَبي سُفْيان في غزوَةِ السَّويقِ: «فامَّرَطَ قُذَذُ السَّهمِ وانْتَصَلَ فعَرَفْت أَنَّ القومَ ليْسَتْ فيهم الحِيْلَة».

والمُنْصُلِيَّةُ، بالضَّمِ؛ أَي بضمِ الميمِ والصَّادِ: موضع فيه ملحٌ كثيرٌ.

والمِنْصالُ في الجَيْشِ، كمِحْرابٍ: أَقَلَّ من المِقْنَبِ، كما في العُبَابِ.

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

سهمٌ ناصِلٌ: ذُو نَصْلٍ.

وسهمٌ ناصِلٌ: خَرَجَ منه نَصْلُه، ضِدٌّ؛ ومنه قوْلُهم: ما بَلِلْتُ منه بأَفْوَقَ ناصِلٍ أَي ما ظفِرْت منه بسهمٍ انْكَسَرَ فُوقُه، قالَ رَزِينُ بنُ لُعْط:

أَلاهل أَتَى قُصْوَى الأَحابيشِ أَنَّنا *** رَدَدْنا بني كَعْب بأَفْوَقَ ناصِلِ؟

والجَمْعُ النَّواصِلُ؛ قالَ أَبو ذَؤَيْب:

فَحُطَّ عليها والضُّلوعُ كأَنَّها *** من الخَوْفِ أَمثالُ السِّهام النَّواصِلِ

ونَصَلَ من بين الجِبالِ نُصولًا: ظَهَرَ.

ونَصَلَ الطريقُ مِن موْضِعِ كذا: خَرَجَ.

وتَنَصَّلَتِ السَّحابَةُ: خَرَجَتْ مِن طريقٍ أَو ظَهَرَتْ مِن حجابٍ، وقوْلُه:

ضَوْرِيةٌ أُوْلِعْتُ باشْتِهارِها *** ناصِلة الحِقْوَيْنِ مِن إِزارِها

إِنَّما عَنَى أَنَّ حِقْوَيْها يَنْصُلان مِن إِزارِها لتسلُّطِها وتَبَرُّجِها وقِلَّة تَثقُّفِها في مَلابِسِها لأَشَرِها وشَرَهِها.

ونَصِيلُ الحَجَرِ: وَجْهُه.

والنَّصِيلُ: شعبةٌ مِن شِعبِ الوَادِي.

ونَصَلَ بحقِّي صاغِرًا: أَخْرَجَه، وهو مجازٌ.

وأَنْصَلَت البُهْمَى: أَخْرَجَتْ نِصالَها.

ونَصَلَتِ الناقَةُ ونَضَتْ: تقدَّمَتِ الإِبِلَ، وهو مجازٌ.

وأَحْمدُ بنُ زيْدِ بنِ محمدِ بنِ الحُسَيْن الانصاليُّ أَحدُ الفُقهاءِ باليمنِ، ذَكَرَه الخَزْرجِيُّ.

وعليُّ بنُ عبدِ اللهِ بنِ سُلَيْمان النُصَيْلانيُّ، بالضمِ، كان على رأْسِ الستمائة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com